اللوامع االإلهيّة كتال دينيّ علميّ كلامي من تراثنا الخالد النفيس ، فيه الردّ على المذاهب الباطلة وإثبات العقائد الحقه على ضوء العلم التحقيق.

قال صاحب روضات الجنات :

كتابه اللوامع من احسن ما كتب في فنّ الكلام على اجمال الوضع واسدّ النظام ، وهو في نحو من اربعة آلاف بیت لیس فیه موضع لیته کان کذا ولیت.

ج ٧ ص ١٧٢ ، طبعة قم

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وآله الهداة المعصومين.

يعتبر علم الكلام من أجلّ العلوم قدرا وأشرفها منزلة ، وفيه بيان التوحيد والتجريد وإثبات التنزيه ونفي التشبيه والتجسيم ، كما يتوقّف على هذا العلم الشريف إثبات النبوّة العامّة والخاصة وإثبات الإمامة.

وقد ورد في الأخبار الشريفة المروية عن أهل البيت عليهم‌السلام مدح العلماء والمتكلمين الذين يذبّون عن حمى الدين ويدفعون انتحال المبطلين ويدحضون شبهات أعداء الدين.

وبين يديك ـ عزيز القارئ ـ كتاب كلامي يعدّ واحدا من أهمّ الكتب التي حواها تراثنا الإسلامي الكبير ، وهو «اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة».

والكتاب هو من أحد مصنّفات الفقيه الأصولي المتكلّم الشيخ جمال الدين أبي عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الحلّي الأسدي ، المعروف ب «الفاضل المقداد» المتوفّى سنة ٨٢٦ ، من تلامذة الشهيد الأوّل مكّي بن محمد بن حامد العاملي الجزيني المستشهد سنة ٧٨٦.

وقد قام فقيد الإسلام سيّدنا الوالد المجاهد العلّامة الفقيه آية الله الشهيد السيّد ميرزا محمد علي القاضي الطباطبائي بشرح ما غمض وتفصيل ما أجمله مؤلّفه ، مع إضافة تعليقات وتحقيقات علميّة مهمة ، دفعا لكثير من الشبهات وحفظا لصورة الإسلام الناصعة ، وكلّ ذلك كان قد أتمّه الشهيد الطباطبائي في سنة ١٣٩٦ في مدينة تبريز إحدى أكبر مدن إيران.

ولنتكلّم بإيجاز عن ترجمة الشهيد القاضي الطباطبائي ، على أمل أن تتهيّأ لنا الفرصة المواتية للكتابة عن حياته بشكل مفصّل.

نسب الشهيد ومولده

تعرّض الشهيد الطباطبائي لذكر نسبه في آخر تعليقات هذا الكتاب (١) ، وهو ينتهي إلى أسرة آل طباطبا.

أمّا مولده رحمه‌الله فكان يوم الأحد السادس من شهر جمادى الأولى في سنة ١٣٣١ في مدينة تبريز ، ونشأ في بيت كريم من بيوتات العلم والفقاهة منذ زمن سلالة آق قويونلو في آذربايجان.

مشايخه وأساتذته في الدراسة

تتلمذ السيّد الشهيد (ره) في مدينة تبريز على يد والده العالم العارف آية الله العلامة الفقيه السيّد ميرزا محمد باقر القاضي الطباطبائي قدس‌سره ، وعمّه المكرّم العالم الفاضل الماهر العارف السيّد ميرزا أسد الله القاضي الطباطبائي (ره) ، وما إن أتمّ السيّد الشهيد دروسه في آداب اللغة العربية وعلومها والسطوح ، حتّى انتقل إلى مدينة قم عشّ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ليتلقى دروس المراحل العليا على يد كبار الأساتذة ومشاهيرهم في قم ، فحضر دروس الفقه والأصول والدراية والرجال لدى الفقيه الأكبر المرجع الدينى السيّد محمّد الحجّة الكوه كمري (ره) لمدة عشر سنوات.

وحضر دروس الحكمة والفلسفة والأخلاق لدى أستاذه الأكبر والمرجع الأعلى ، قائد الثورة الإسلامية الإمام الراحل السيّد روح الله الموسوي الخميني قدس‌سره ، لمدة إحدى عشرة سنة.

وحضر السيّد الشهيد (ره) أيضا في الفقه والأصول لدى كبار الفقهاء والمراجع الموجودين في مدينة قم المقدّسة.

ونظرا لما كان يعيشه من طموح كبير لتحصيل المراتب العالية يمّم وجهه صوب مدينة جدّه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، النجف الاشرف ، ليكمل دراساته العليا في جامعة النجف ، وليحضر دروس

__________________

(١) انظر ص ٦١٠ ـ ٦١٢.

أكابر فقهاء العصر ، كالمرجع الأكبر فقيه العصر المجاهد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، والمرجع الأعلى الفقيه السيّد محسن الطباطبائي الحكيم ، والفقيه الكبير السيّد حسن البجنوردي قدّس الله أرواحهم.

تأليفاته وإجازاته :

أما مؤلّفاته المطبوعة والمخطوطة فإلى القارئ الكريم فهرسها فيما يلي :

١) فصل الخطاب في تحقيق أهل الكتاب وفيه الفوائد الكثيرة العلمية ـ ع ـ (خ).

٢) كتاب السعادة في الاهتمام على الزيارة ـ ع ـ (خ).

٣) علم الإمام عليه‌السلام طبع كالمقدمة على ترجمة علم الإمام عليه‌السلام للمظفر (ره) ـ ف ـ (ط).

٤) تعليقات على الفردوس الأعلى للشيخ كاشف الغطاء (ره) ـ الطبعة الثانية تبريز ـ ع ـ (ط).

٥) تعليقات على «الجنة المأوى» للشيخ كاشف الغطاء (ره) وجمعها وترتيبها مع إضافات هامة وفيها ترجمة الشيخ (ره) على نحو مبسوط. ـ ع ـ (ط). وسيطبع ثانيا ان شاء الله تعالى.

٦) تحقيق درباره روز أربعين سيد الشهداء عليه‌السلام ـ ف ـ (ط).

٧) إرث الزوجة (تحقيق در إرث زن از دارائى شوهر) تنظيم من بياناته وتحقيقاته دام ظلّه ـ ف ـ (ط).

٨) تعليقات على كتاب «أنيس الموحدين» للنراقى (ره) مع إضافات مهمة ـ ف ـ (ط).

٩) تعليقات على كتاب «الأنوار النعمانية» للجزائري (ره) المطبوع بتبريز في أربع مجلدات ـ ع ـ (ط).

١٠) ترجمة المسائل القندهارية من الفارسية إلى العربية للشيخ كاشف الغطاء (ره) وقد أمر قدس‌سره بدرجها في الفردوس الأعلى ـ ع ـ (ط).

١١) خاندان عبد الوهاب ـ تاريخ رجال السادات العبد الوهابية وأنسابهم ـ ف ـ (خ).

١٢) أجوبة الشبهات الواهية ـ ف ـ (خ).

١٣) رسالة في إثبات وجود الإمام عليه‌السلام في كل زمان ـ ع ـ (خ).

١٤) أجوبة بعض الاعتراضات الواردة من خراسان ـ ف ـ (خ).

١٥) كتاب الفوائد ـ المشتمل على الفوائد العلمية والفقهية والتاريخية ـ ع ف ـ (خ).

١٦) سفرنامه (بافت) ـ ف ـ (خ).

١٧) كتاب في علم الكلام مبسوطا ـ لم يتم ـ ع ـ (خ).

١٨) الاجتهاد والتقليد ـ ع ـ (خ).

١٩) المباحث الأصولية ـ تقريرات جمع من الأساتذة ـ ع ـ (خ).

٢٠) مقدمة مفصلة على تفسير جوامع الجامع ومؤخرة له مع تعليقات يسيرة عليه ـ ع ـ (ط).

٢١) تعليقات مختصرة على فصلين من كتاب «اسلام صراط مستقيم» لموركان ـ ف ـ (ط).

٢٢) آثار تاريخى آية الله طباطبائي حكيم قدس‌سره ـ ف ـ (ط).

٢٣) مقالات كثيرة في موضوعات متنوعة منتشرة في المجلات العربية كمجلة «العرفان» المنتشرة في ـ صيدا ـ لبنان ـ لو جمعت لصارت مجلدا كبيرا أو مجلدات ـ والله الموفق ـ ع ـ (ط).

٢٤) له دام ظله تصدير كثير على عدة من الكتب مثل آداب النفس ، وإفاضة القدير ، وتقريرات المحقق النائيني (ره) للشيخ محمد علي الخراساني (ره) طبع (قم) وصحائف الأبرار وتاريخ الأئمة عليه‌السلام ـ وتنقيح الأصول ط النجف ومقدمة على «بحثى كوتاه درباره علم امام عليه‌السلام» ـ ف ـ ط تبريز ـ ع (ط) وغيرها من الكتب.

٢٥) تعليقات نفيسة على كنز العرفان ـ ع ـ (خ).

٢٦) حواش على الرسائل والمكاسب للشيخ الأنصاري (ره) والكفاية للخراساني (ره) أكثرها من تقريرات الأساتذة الأعلام في النجف الأشرف وقم ـ ع ـ (خ).

٢٧) رسالة في مسألة الترتب ـ ع ـ (خ).

٢٨) تعليقات على كتاب اللوامع الالهية ـ ع ـ (ط) وهو هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ العزيز.

وغيرها من الكتب والرسائل والتعليقات التي لا يحضرنا الآن أساميها.

وأما إجازاته من أساتذته الأعلام قدّس الله أسرارهم فقد أشار السيّد المترجم له لذلك في مقدّمة هذا السفر الجليل. (١)

__________________

(١) انظر ص ٦٢ ـ ٧٠.

جهاده وشهادته :

كان السيّد الطباطبائي (ره) واحدا من أهمّ العناصر التي ساهمت في تحريك عجلة الثورة الإسلامية في إيران ، فقد بدأ نشاطه وجهاده منذ سنة ١٣٤٢ ه‍. ش ، حيث تحدّى الحكم الشاهنشاهي المتسلّط على رقاب المسلمين في إيران ، وحبس مرّات عديدة في سجن «قزل قلعة» وغيره.

وقد أبعد عن وطنه إلى العراق سنة واحدة وفي بافت كرمان وزنجان سنة كذلك.

وقد استمرّ (ره) على اتّصاله وارتباطه بالإمام الراحل الخميني الكبير إلى أن وطئت رجل الإمام أرض إيران وتكلّلت الثورة الإسلامية بالنجاح ، وأقيمت الجمهورية الإسلامية ، حيث عيّنه الإمام الخميني وكيلا خاصا له في آذربايجان ، كما كان إمام الجمعة في مدينة تبريز.

وقد استشهد السيّد المترجم له بأيدي الظالمين المارقين يوم الخميس الموافق ليوم الأضحى من ذي الحجة الحرام ١٣٩٩ المطابق لسنة ١٣٥٨ ه‍. ش بعد إقامته صلاة المغرب والعشاء في مسجد الشعبان حيث كان يهمّ بالرجوع إلى بيته الشريف.

حشره الله تعالى مع أجداده الطاهرين المعصومين ، ونفع المسلمين بآثاره وعلومه ، إنّه نعم المولى ونعم النصير.

شكر وثناء :

وفي الختام أقدّم شكري وثنائي إلى العالم المحقّق الشيخ رضا المختاري دامت بركاته ومركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي لقيامه بطبع هذا السفر الشريف طبعة ثانية بهذه الصورة الأنيقة.

والحمد لله أوّلا وآخرا وصلّى الله على خاتم المرسلين وآله الطيبين الطاهرين عليهم‌السلام

قم المشرفة شوال المكرم ١٤٢٠

محمد تقي القاضي الطباطبائي

مقدمة التحقيق

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وله الحمد والمجد وصلّى الله على رسوله وخاتم أنبيائه وآله الطاهرين المعصومين واللعن على أعدائهم أجمعين.

قال الله تعالى في كتابه الكريم : (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) (١) وقد خاطب الله تعالى نبيّه العظيم ونهاه أن لا يطيع الكافرين فيما يقولون ويدعونه إليه من المداهنة والإجابة إلى ما يريدون ، لأنّ إطاعتهم تبطل الدين وتمحق الشرع وتنسف الناموس المضروب بالإسلام للهداية العامّة للبشر.

(وَجاهِدْهُمْ) في الله ، والمجاهدة : بذل الجهد والطاقة في مدافعة العدو الغاشم وضمير (بِهِ) يرجع للقرآن الكريم ، أي جاهد الكفار بالقرآن بتلاوة آياته عليهم وبيان حقائقه لهم وإتمام حججه عليهم ، ببيان الدلائل العقلية والبراهين الساطعة وبقطع أعذارهم الواهية.

(جِهاداً كَبِيراً) أي تامّا شديدا ، فإنّ الجهاد ببيان الأدلّة والبراهين القطعية والحجج المنطقية فيه من المشقّات الكادحة التي لا يستهان بها ، وكفاح كبير في سبيل بثّ الدعوة الحقّة وتبليغ الرسالة الإلهية التي هي من وظيفة الأنبياء ثمّ الأئمّة والأوصياء وبعدهم من وظائف

__________________

(١) الفرقان ٢٥ : ٥٢.

العلماء رضوان الله عليهم.

والخطاب في الآية الشريفة وإن كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو دأب القرآن الكريم في أكثر آياته الكريمة تشريفا واجلالا لمقام النبي العظيم ، ولكنّ الحكم المستفاد من الآية في عدم الإطاعة للكفّار والجهاد عليهم عامّ لجميع المسلمين.

وفي الآية من الدلالة على أنّ الجهاد في سبيل الدين بالأدلّة والبراهين والكفاح مع أعداء الدين يعدّ جهادا كبيرا وكفاحا عظيما عند الله تعالى ، وقد وصفه الله تعالى بالجهاد الأكبر.

قال الشيخ الطبرسي (ره) في مجمع البيان عند قوله تعالى : (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ ...) : «وفي هذا دلالة على أنّ من أجلّ الجهاد وأعظمه منزلة عند الله سبحانه جهاد المتكلّمين في حلّ شبه المبطلين وأعداء الدين. ويمكن أن يتأوّل عليه قوله : «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر». (١)

فقيام المتكلّمين والمتوغّلين في علم الكلام لأجل الجهاد في سبيل الإسلام والكفاح في بثّ العقائد الحقّة وإثبات المعارف الدينية وإبطال الشبهات الباطلة والتحمّل للشدائد في طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودحض شبهات المبطلين ، ولا سيما في زماننا ، في ردّ أباطيل المستعمرين وكشف زلّات المستشرقين وجناياتهم وحيلهم في نقل التواريخ الإسلامية (٢) بإقامة البراهين عليهم يعدّ جهادا كبيرا وكفاحا تامّا شديدا ، فلهم منزلة عظيمة عند الله سبحانه ولهم أجرهم عند ربّهم ، ويتوكّلون على الله سبحانه في أمرهم ، وكفى بربّهم وكيلا.

فعلم الكلام من أجلّ العلوم قدرا وأشرفها منزلة ، وفيه بيان التوحيد والتجريد وإثبات التنزيه ونفي التشبيه والتجسيم ، الذي يقول به رئيس الوهابيين ابن عبد الوهاب وأتباعه (٣).

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ١٧٥ ، طبعة صيدا.

(٢) وقد نهض بعض الأفاضل الأعلام من الحجج المعاصرين ، وهو العلّامة السديد الشيخ السعيد الطهراني دام بقاؤه في مكتبة چهل ستون بمسجد الجامع في طهران لكتابة سيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودحض شبهات المستشرقين وهم أذناب المستعمرين وكشف أباطيلهم وأضاليلهم وحيلهم بالدسّ والاختلاق في تاريخ أحوال النبي العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله مع التحقيق العميق في السيرة على ضوء العلم والتتبع. نسأل الله تعالى التوفيق له في إتمامه وأن يقيض الله تعالى همّة أهل الخير والصلاح لطبعها ليعمّ نفعها العالم الإسلامي إن شاء الله تعالى.

(٣) إنّه يعتقد أنّ الله تعالى جالس على العرش حقيقة ، فإنّ له يدا ورجلا وساقا وجنبا ، وعينا ووجها ولسانا ونفسا ، وأنّه ـ

وفي هذا العلم الشريف بيان إثبات النبوّة العامّة والخاصّة وتثبيت الإمامة ، وتعيين أوصاف الوصاية بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتوضيح الولاية التكوينية والتشريعية ، فهو الاساس لسائر العلوم الاسلامية من العقلية والشرعية.

قال المحقّق الطوسي قدس‌سره في أوّل كتابه نقد المحصّل (١) «فإنّ أساس العلوم الدينية علم أصول الدين الذي يحوم سائله حول اليقين ، ولا يتمّ بدونه الخوض في سائرها كأصول الفقه وفروعه ، فإنّ الشروع في جميعها يحتاج إلى تقديم شروعه ، حتّى لا يكون الخائض فيها وإن كان مقلّدا لأصولها كبان على غير أساس ، وإذا سئل عمّا هو عليه لم يقدر على إيراد حجّة أو قياس» (٢).

وقد ورد في الآثار الشريفة المروية عن العترة الطاهرة عليهم‌السلام مدح العلماء والمتكلّمين الذين يذبّون عن الدين انتحال المبطلين ومكايد أعداء الدين ويدحضون شبهات الشياطين ، فإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوهم ويوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.

وقد روى الشيخ الطبرسي (ره) في كتاب الاحتجاج بسنده عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته ، يمنعونهم عن الخروج على

__________________

ـ يتكلم بحرف وصوت. وخلاصة القول : أنّه يعتقد التجسّم الذي أطبق المسلمون على كفره ـ انظر مقدمة البراهين الجلية في رفع تشكيكات الوهابية ، ص ٥ الطبعة ٣ بيروت سنة ١٣٩٤.

(١) في النسخة المطبوعة بمصر سنة ١٣٢٣ ذكروه بعنوان تلخيص المحصّل وكذا ذكر المحقّق الطوسي (ره) نفسه في متن كتابه على ما في النسخة المحرّفة المطبوعة في السنة المذكورة ، ولكن في اكثر تعبيرات العلماء إلّا شر ذمة من علماء العامّة نقد المحصل وهو الألصق والأليق بكتاب المحقّق الطوسي (ره) فإنّه أكثر من الانتقاد والردّ عليه ، وصار في نقده ـ على ضوء العلم والدقّة والتحقيق العميق ـ مراعيا في انتقاده العدل والإنصاف ومجانبا عن الاعتساف وساعيا في قبول الحقّ وغير خارج عن الصواب ، كما هو دأب ذلك الحكيم المتكلّم الأكبر قدّس الله روحه في كتبه ومصنّفاته ، ولم يكن نظره إلى تلخيصه بل إلى تهذيبه وتنقيحه ، ولكن الأسف ـ لو كان يجدي الأسف ـ أنّ الكتاب طبع محرّفا في ذيل «المحصّل» في المطبعة الحسينية بمصر في السنة التي أو عزنا إليها.

وتحريف الكتب بأيدي أثيمة من الخونة بمصر ، ولا تزال تلعب في تحريف الكتب من تراثنا الخالد من كتب الشيعة والسنة ، يسلب الاطمئنان على مطبوعاتهم. ولا سيما كتب الأحاديث والتواريخ وكتب الكلام وغيرها. اللهم إلّا بعد الفحص والتحقيق ـ انظر إلى ما كتبه شيخنا في الذريعة ج ٤ ، ص ٤٢٦ طبعة طهران.

(٢) تلخيص المحصّل ، ص ٣ ، طبعة سنة ١٣٢٣ ـ مصر.

ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلّط عليهم إبليس وشيعته والنواصب ، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممّن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة ، لأنّه يدفع عن أديان محبّينا وذلك يدفع عن أبدانهم» (١).

وروي عن الإمام الهادي عليه‌السلام أنّه قال : «لو لا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه‌السلام من العلماء الداعين إليه والدالّين عليه والذابّين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب ، لما بقي أحد إلّا ارتدّ عن دين الله ، ولكنّهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها ، أولئك هم الأفضلون عند الله عزوجل» (٢).

وقال الفاضل المقداد (ره) مصنّف الكتاب في أول كتابه الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية كما في النسخة المخطوطة الموجودة الآن عندي وتاريخ كتابتها ١٦ صفر سنة ٨٥١ ، أي بعد ٢٥ سنة تقريبا من وفاة الفاضل المصنّف قدس‌سره. ما هذا لفظه الشريف :

«فلمّا كان علم الكلام من بين هذه العلوم أوثق برهانا وأظهر بيانا وأشرف موضوعا وأكمل أصولا وفروعا ، ولذلك استحقّ التقدّم على سائر العلوم ، وتنزل منها منزلة الشمس من النجوم ، وصار للعلوم الشرعية أساسا ولكلّ واحد منها تاجا ورأسا ، وهو أن كان بعيد الأغوار كثير الأسرار إلّا أنّ نقاوته التي يعول في التحصيل عليها وعقيلته التي ينتفع بها وتدعو الضرورة إليها ، يجب على كلّ مكلّف استظهارها وفي كلّ آونة تكرارها وتذكارها ، لتقرب إليه من السعادة جنّتها وتبعد عنه من الشقاوة نارها ، وقد ضمّنها الإمام الأعظم أفضل المحقّقين خواجه نصير الملّة والحقّ والدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي قدس الله نفسه وطهر رمسه في وريقات وإن كانت قليلة فهي في الفوائد جليلة ، وألفاظ وإن كانت يسيرة فهي في العوائد كثيرة وسمّاها بالفصول في الأصول ، ولكونها باللغة الفارسية (٣) ألف بدرها الأفول ،

__________________

(١) الاحتجاج ، ج ١ ، ص ٨ ، طبعة النجف.

(٢) الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٢٦٠.

(٣) وقد طبع الفصول الفارسي في ٣٨ صفحة بطهران سنة ١٣١٣ ه‍. ش وطبع ثانيا في جامعة طهران في نشرية عدد (٢٩٨).

فلم يبزغ في أكثر الآفاق ، ولتراكم سحائب عجميتها لم تطلع شمسها بالعراق ، ولمّا عرج إلى ساحة الغفران وانتقل إلى مقيل الرضوان ، فمرّت على ذلك برهة من الزمان إلى أن اتّفق للمولى المعظم العلامة السعيد «الجد الحميد» ركن الملّة والدين محمد بن علي الجرجاني محتدا والأسترآبادي منشأ ومولدا قدس الله روحه ونوّر ضريحه بالاستضاءة بأشعّة أنوارها والعثور على فوائدها وأسرارها ، فكساها من رياش لباس العربية ما صارت به شمسها في رائعة النهار» إلى آخر ما ذكره من أمثال هذه العبارات والكلمات الشريفة ، وإنّما نقلناها بطولها لما في طيّ كلماته من الإشارة إلى أهمية علم الكلام من بين العلوم الدينية وأنّه الأساس للعلوم الشرعية الإسلامية.

ولكن من المؤسف أنّه صار في عصرنا التعيس من العلوم المهجورة حتّى في الجامعات العلمية ، مع أنّه كان لعلم الكلام في أوائل هذه القرن الذي نحن نعيش فيه ، في الجامعة الكبرى للشيعة «النجف الاشرف» حلقات دروس عالية ومحاضرات كبيرة تسمّى في عرف العلماء دروسا خارجية ، وكان يرأسها ويتصدّى لها جمع من جهابذة العلماء والمتكلّمين يطول الكلام بالإشارة إلى أساميهم الشريفة في هذه المقدّمة ، وقد أشرنا إلى بعضها في تعاليقنا على كتاب الفردوس الأعلى (١) لشيخنا الأستاذ الإمام كاشف الغطاء قدس الله روحه.

ولكن قريبا من عصرنا لم يبق من تلك الحلقات أثر أصلا ، وصارت متروكة أبدا ، وانحصرت الدروس إلى محاضرات في الفقه وأصوله.

وقد أشرنا في تعاليقنا على الفردوس الأعلى قبل عدّة سنين ، وصدعنا قبل عدة أعوام: أنّ من نيّات أعداء الدين وخصماء المذهب من الأمم الأجنبية ومن مكائدهم الممقوتة هدم أساس جامعة «النجف الأشرف» وقلع أساسها ومحوها وإبادة مجدها وعظمتها وحطّها عن مقامها الشامخ ، الذي حاصل لها في العالم الاسلامي منذ أزيد من ألف عام. ومن نيّاتهم نسف حضارة الحوزة العلمية في النجف الأشرف ومحو نزعاتها الدينية ، ولهم السعي البليغ في تهيئة أسباب ضعفها وسقوطها وإرجاع الناس إلى غيرها وترغيبهم إلى سواها في أمر التقليد والفتوى.

__________________

(١) انظر الفردوس الأعلى ، من صفحة ز إلى ص يح ، الطبعة الثانية سنة ١٣٧٢ ـ تبريز.

وقد وصلوا في نيّاتهم الممقوتة إلى حدّ غير بعيد بعد رحلة سيّدنا وأستاذنا الإمام المرجع الأعلى للشيعة الإمامية في الأقطار الإسلامية المجتهد الأكبر السيّد الطباطبائي الحكيم قدّس الله روحه ، وقد رحل إلى جوار رحمة ربّه في ٢٧ ربيع الأول سنة ١٣٩٠ وسنة ١٣٤٩ ه‍ ش.

وبعد وفاته قدس‌سره تفرّق غالب أفراد جامعة النجف الأشرف «جامعة أمير المؤمنينعليه‌السلام وباب مدينة علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله» كالكواكب المنتشرة في أرجاء الغبراء وتفرقوا في البلدان ولا سيما في إيران.

وقد شاهدنا في هذه السنين الأخيرة بأعيننا ما كنّا فهمناه قبل عدّة سنين كما ذكرنا ذلك في تعاليقنا التي أشرنا إليها ، فراجع.

نسأل الله تعالى أن يحفظ جامعة النجف وحوزتها العلميّة تحت زعامة سيدنا وأستاذنا المرجع الأعلى للشيعة اليوم المجتهد الأكبر السيّد الخوئي أدام الله تعالى ظلّه الوارف.

وزعامة أستاذنا المرجع الأكبر والمجتهد الفقيه الحكيم المجاهد الأشهر سيدنا الموسوي الخميني دام ظلّه الوارف.

وزعامة سيّدي الأخ الأعظم الأمجد المفكّر الإسلامي الكبير المجتهد المرجع الشهير نابغة العالم الإسلامي السيّد محمد باقر الصدر الموسوي دام ظلّه الوارف.

نسأل الله تعالى العناية الخاصة لجامعة النجف الأشرف بحقّ حجّته في أرضه بقية الله في العالمين أرواحنا فداه ، وأن يشيدها ويجمع شملها وأن يبيد ويضمحلّ من يسعى في حطّ مجدها وعظمتها وفي قلع أساسها ، حتّى يكون للطلّاب المجتمعين في تلك الجامعة تحت قيادة كبراء المراجع وزعامتهم إقبالا تامّا ورغبة ملحّة إلى دراسة علم الكلام والبحث حوله بالنحو الأتمّ الأكمل متنا وخارجا ، فإنّ في نبذ الطلّاب علم الكلام إلى ورائهم ظهريا مع عدم لفت الأنظار منهم إلى البحوث التي تتجدّد وتجدّدت في العصور الّتي نعيش فيها واكتفائهم ببعض العلوم التي لا تكفي في قلع أساس الأباطيل والأضاليل وقمع جرثومة الزندقة والإلحاد ، تساهلا بينا مع ما نشاهد بالعيان من شيوع الجهل والفساد وبثّ خصماء الإسلام العقائد الباطلة بين الناشئة بإيعاز من المستعمرين وأذنابهم الخونة.

وتوقّف طلّاب العلوم الدينية ولا سيما في الجامعات العلمية عن الانهماك في العلوم

الكلامية يعدّ بحقّ من المسامحات البينة التي لا يسدها شيء إلّا التيقّظ وسدّ هذه الثلمة العظيمة بالحرية التامّة في تحصيل العلوم بشتّى أنواعها والاطّلاع عليها بجميع أقسامها. والله من وراء القصد وهو المستعان.

(اسم المؤلّف ونسبه)

أبو عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الأسدي الحلّي الغروي النجفي المشهور ب «الفاضل المقداد» و «الفاضل السيوري» في كتب الكلام والفقه.

وقد سرد نسبه في بعض كتب التراجم والرجال والفهارس كما سردنا ، وهو أسدي من جهة القبيلة وعربي صميم من حيث النسب ، ولذا ذكره الأستاذ الدجيلي في كتابه أعلام العرب في العلوم والفنون من الفقهاء والمتكلّمين الذين يمتّون إلى الأصل العربي.

ويظهر من كلمات الشيخ الفاضل المترجم له : أنّ العلّامة ركن الدين محمد بن علي الأسترآبادي الجرجاني مترجم الفصول النصيرية من الفارسية إلى العربية الشريفة كان جدّه ، وقد صرّح به الفاضل المصنّف (ره) نفسه في كتابه إرشاد الطالبين في شرح نهج المسترشدين حيث قال :

«وأورد جدّي ركن الدين الجرجاني قدّس الله نفسه عن المعتزلة في هذا البحث» (١). إلى آخره. وصرّح به أيضا في خطبة كتابه الأنوار الجلالية كما نقلناه بقوله : «الجدّ الحميد» وعلى احتمال أنّه إن يطرأ في قراءة هذه العبارة من كتاب الأنوار الجلالية احتمال آخر ، ولا شك أنّ في عبارة إرشاد الطالبين لا يأتي هذا الاحتمال ، وأنّها صريحة في كون ركن الدين الجرجاني رحمه‌الله جدّه والظاهر أنّه من طرف الأمّ.

ولم أر أنّ المترجمين له على ما وقفنا عليه (٢) مع وجود الكتابين : الأنوار والإرشاد

__________________

(١) إرشاد الطالبين ، ص ٢٩ ط بمبئي.

(٢) كرياض العلماء ، «مخطوط» وروضات الجنات ، والكنى والالقاب للقمي (ره) ، والفوائد الرضوية ، وريحانة الأدب ، ومقدّمة كنز العرفان ، وتنقيح المقال ، وأمل الآمل ، وأعيان الشيعة ، وأعلام العرب في العلوم والفنون ، والذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ولؤلؤة البحرين ، والروضة البهية ، ومصفى المقال ، ولغت نامه ، ومقدّمة ـ

عند أكثرهم أن يلفتوا أنظارهم إلى ذلك ، فإنّهم لم يشيروا إليه فيما أعلم.

وأمّا ما نقله في أعيان الشيعة ـ ج ٤٦ ص ٢٩ ، ط بيروت ـ من نسخة شرح الفصول ، أعني الأنوار الجلالية ولم يعرف مؤلّفها لذهاب أولها عبارة الشرح بقوله : «العلّامة المعظّم السعيد ذي الجدّ الحميد ركن الملة» ... إلى آخرها من زيادة لفظ «ذي» قبل «الجد» فنا شيء من سقامة النسخة أو من عدم لفت النظر إلى معنى «الجدّ الحميد» وأنّ ركن الدين هو جدّ الشارح وهو الفاضل المقداد (ره) فزادوا لفظ «ذي» ليستقيم المعنى.

ولكن لفظ «ذي» ليس في النسخة الموجودة عندي من الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية وتاريخ كتابة النسخة سنة ٨٥١.

وأيضا ليس لفظ «ذي» في نسخة أخرى من الشرح المذكور الساقط آخرها ، وليست هذه النسخة في القدم كالأولى ، فبقرينة هذين النسختين يعلم أنّ لفظ «ذي» من زيادات الناسخين في النسخة التي نقل سيد الأعيان عنها ، والسبب في ذلك ما ذكرناه ، والله العالم.

فالشيخ الفاضل المصنّف (ره) عربي صميم من جانب الأب وأسدي النسب وعجمي إيراني من طرف الأمّ.

وجدّه ركن الدين الجرجاني قدس‌سره كان قاطنا في العراق ومتوطّنا في النجف الأشرف والحلّة ، وكان من تلامذة آية الله على الإطلاق «العلّامة» قدس الله روحه.

وقد صرح سيد الأعيان في أعيان الشيعة بتوطّن ركن الدين رحمه‌الله في أرض الغري ، وقال : «ركن الدين محمد بن علي الجرجاني محتدا الأسترآبادي منشأ مولدا الحلّي الغروي مسكنا» (١).

كما أنّ السيّد المحقّق صاحب روضات الجنات صرّح بكونه جرجاني المحتد والأسترآبادي

__________________

ـ شيخنا الطهراني على الصراط المستقيم للبياضي في المجلد الثاني ، ومعجم المؤلفين ، والأعلام للزركلي ، ومقدّمة مقابس الأنوار للتستري (ره) ، ولباب الألقاب ، والإسناد المصفّى. نعم ذكر بعض من صنف رسالة في تقليد الميت أنّ ركن الدين الجرجاني هو جدّ الشيخ المقداد (ره) لأمّه ووجدت ذلك فيها حين طبع هذه التعليقة ، ثمّ وجدت في كشف الحجب تصريحه بكون ركن الدين الجرجاني (ره) جدّ الفاضل (ره) ، انظر ص ٤٧١ ، طبعة الهند.

(١) أعيان الشيعة ، ج ٤٦ ، ص ٢٩ ، وج ٤٨ ، ص ٩٤ ، طبعة بيروت.

المنشأ والمولد ، ولكن لم يصرّح بكونه غروي المسكن ، وقد ذكر كتاب الفصول للمحقّق الطوسي (ره) وقال : «إنّما نقله إلى العربية قريبا من عصر المصنّف ـ يعني المحقق الطوسي (ره) ـ شيخنا المحقّق المتقن المنصف ركن الملّة والدين محمد بن علي الفارسي الجرجاني الأصل والمحتد والأسترآبادي المنشأ والمولد».

ثمّ ذكر أنّه استفاد ذلك من شرح الفاضل المقداد (ره) على الفصول ، أعني الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية (١).

ووصفه ب «الفارسي» ولعلّ نظره إلى أنّه «عجمي» وإلّا لم يصفه بذلك غيره فيما أعلم ، وهو ليس من أهل فارس جنوب إيران.

ولا شكّ أنّ ما ذكره سيد الأعيان أنّ ركن الدين المحقّق الجرجاني (ره) كان ساكنا في الغري هو الحقّ والصواب بلا ارتياب ، وقد فرغ من غالب تصانيفه في الأرض المقدّسة «النجف الأشرف» وقد فرغ ركن الدين من شرح مبادي الوصول للعلّامة (ره) سنة ٦٩٧ وعرّب عدّة من تصانيف المحقّق الطوسي قدس‌سره كأساس الاقتباس وأوصاف الأشراف.

ومن مؤلّفات ركن الدين الجرجاني رحمه‌الله : الأبحاث في تقويم الأحداث في الرد على الزيدية واثبات إمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام.

قال شيخنا في الذريعة : «الأبحاث في تقويم الأحداث» في ردّ الزيدية واثبات إمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام وإثبات الغيبة وردّ شبهاتها ، للمولى ركن الدين محمد بن علي الجرجاني الغروي المعرّب للفصول النصيرية ، أوله : الحمد لله مستحقّ الحمد والحمد من آلائه ، ومستوجب الشكر والشكر موجب لمزيد نعمائه إلى آخره. مرتّب على مقدّمة وعشرة فصول وخاتمة ، ألّفه بالغري ، وفرغ منه بالحضرة العلوية في يوم الجمعة الثالث من جمادى الثانية سنة ٧٢٨ رأيته عند الحاج الشيخ محمد سلطان المتكلّمين (٢) بطهران ، وذكر فيه أنّه كتب أوّلا الكتاب الموسوم بالدعامة في إثبات الإمامة (٣).

__________________

(١) روضات الجنات ، ص ٦٠٩ ، الطبعة الأولى.

(٢) المراد من المتكلمين في وصفه هو «الواعظين» المتكلّمين على المنابر.

(٣) الذريعة ، ج ١ ، ص ٦٣ ، طبعة النجف.

قلت : وقد وفّق الله تعالى السيّد الأمين العاملي قدس‌سره الوقوف على فهرس تصانيف العلّامة ركن الدين الجرجاني رحمه‌الله تعالى في مجموعة من خطّه في مكتبة الشيخ الحجّة الكبير الشهيد الشيخ فضل الله النوري قدس‌سره (١) بطهران.

فإليك أيّها القارئ الكريم ما ذكره في أعيان الشيعة فيما يلي بعين ألفاظه رحمه‌الله تعالى : «ووجدنا في مجموعة من خطّه في مكتبة الشيخ فضل الله النوري في طهران كان يملكها السيّد كاظم العاملي سنة ١٢٩٤ فهرست تصانيفه كما يلي :

فهرست تصانيف الفقير إلى الله تعالى محمد بن علي الجرجاني غفر الله ذنوبه وستر عيوبه بمحمّد وآله :

١ : روضة المحقّقين في تفسير الكتاب المبين خمسة مجلّدات.

٢ : الإشارات في علم البلاغة والمعاني والبيان والبديع.

٣ : المباحث العربية في شرح الكافية الحاجبية.

٤ : سرائر العربية في شرح الوافية الحاجبيّة.

٥ : غاية البادئ في شرح المبادي في أصول الفقه.

٦ : الدرة البهية في شرح الرسالة الشمسية في الميزان.

٧ : التجويد في شرح التجريد في علم الميزان.

٨ : وسيلة النفس إلى حظيرة القدس في حقيقة الإنسان.

__________________

(١) شهيد الانقلاب الدستوري بطهران في ١٣ رجب سنة ١٣٢٧. وقد كان هذا المجتهد المفكّر الكبير من المصوبين للمشروطية في إيران ، ثمّ عرف بعلمه المتدفّق وفكره الصائب نتائجها السيئة بعدم العمل بها حقيقة وظهرت تلك النتائج بمرور السنين على نقيض من قوانين الإسلام المقدّسة ، وتحققت صحّة ما فهمه هذا الرجل العظيم وقد جابه في عصره الإلحاد والمنكر زمنا طويلا فمضى شهيدا ـ بيد الظلم والعدوان وبتصويب جمع من الخونة قتله ـ في سبيل الدعوة إلى الله تعالى والحماية عن الإسلام ، وقضية صلبه من الجنايات التي ضبطها التاريخ في ألواحه الخالدة ، ولا تنسى على مرّ القرون والأعوام ، ولا بدّ للباحث عن الحقائق من الرجوع إلى صفحات جريدة «الاطلاعات» المنتشرة في سنة ١٣٥٥ وما نقله فيها من رسائل هذا الشيخ الشهيد ومكاتيبه التي كتبها في المواضيع المختلفة وما ذكره فيها من الحقائق الراهنة. وهو مدفون بقم في مقبرة خاصة به في الصحن الأتابكي. قدس الله روحه ونوّر ضريحه.

٩ : إشراق اللاهوت في شرح الياقوت في علم الكلام.

١٠ : الدعامة في الإمامة.

١١ : الشافية عن أمراض القلوب القاسية.

١٢ : تحفة الأشراف في درر الأصداف في العلوم الثلاثة.

١٣ : البديع في النحو وشرحه المسمّى بالرفيع.

١٤ : الرافع في شرح النافع في الفقه.

١٥ : گلستان عربي بالفارسية في التهجد.

١٦ : غنية الطالب في شرح المطالب في العلوم الثلاثة.

١٧ : رسالة الرحمة في اختلاف الأمّة.

١٨ : الدرّ الثمين في السرّ الدفين في اختلاف الأمّة (١).

١٩ : رسالة الأبحاث في تقويم الأحداث.

٢٠ : الرسالة الشمسية في الأركان الصيدية.

٢١ : التبر المسبوك في أوصاف الملوك.

٢٢ : عمدة الأملاك في هيئة الأفلاك.

٢٣ : معيار الفضل في مباحث العقل.

٢٤ : الإشراق في علم الأخلاق من الحكمة العملية.

٢٥ : تعريب أساس الاقتباس في الميزان.

٢٦ : الأخلاق النصيرية في تعريب الأخلاق الناصرية.

٢٧ : تعريب أوصاف الأشراف.

٢٨ : تعريب الفصول في الأصول لخواجه نصير الدين.

٢٩ : تعريب رسالة القضاء والقدر للمذكور.

٣٠ : الشافي في الفقه.

__________________

(١) كذا في أعيان الشيعة.

ثمّ قال السيّد الأمين العاملي (ره) : «ووجدنا بعض هذه المؤلّفات قد ذهب أوّله وقال في آخره : فرغ مصنّفها الملتجئ إلى الحرم الغروي صلوات الله على مشرّفه محمد بن علي الجرجاني عن مغادرة فكره فيها بعد وضعها وزيادتها ونقصها وترتيبها وتهذيبها سلخ محرم سنة ٧٢٠ من الهجرة حامدا ومصلّيا ومستغفرا (اه) وفي آخرها أيضا : وفرغ كاتبها من كتابته يوم الأحد ثالث ذي القعدة سنة ٧٦٢ وهو العبد الفقير الحقير المحتاج إلى رحمة ربّه القدير ، الغريق في بحور الآثام المتمسّك بولاية آبائه أهل اليمين عليهم‌السلام أضعف عباد الله حرما وأقواهم جرما حيدر بن علي بن حيدر العلوي الحسيني الآملي غفر الله ذنوبه بالمشهد المذكور ، أعني الغروي سلام الله على مشرّفه في المدرسة المرتضوية رضوان الله عليه وعلى جميع المؤمنين والمؤمنات (١) ، انتهى.

والقارئ العزيز بعد ما نقلناه من فهرس تصانيف هذا الحبر الجليل والمتكلّم العلّامة ، خبير جدّا بأنّ جمعا كثيرا من علمائنا الإمامية ، مع كون أكثرهم صاحب التصانيف الكثيرة ، قد بقيت تراجمهم وتواريخ حالاتهم في زوايا الإهمال والنسيان ، لعدم اهتمام السلف على ضبط تراجمهم في الكتب والمسفورات ، ولذلك نسجت على حالاتهم عناكب النسيان ، وقد قيّض الله تعالى في عصرنا أمثال سيد الأعيان في كتابه الكبير أعيان الشيعة وشيخنا البحّاث الأكبر الطهراني (ره) في طبقات أعلام الشيعة لتحمّل أعباء هذه المهمّة وضبط تراجم كثير من علمائنا رضوان الله عليهم في كتابيهما ، ومع ذلك فقد بقي جمع كثير منهم لم يعلم حالاتهم وتراجمهم وتواريخ وفياتهم كما لم نقف إلى اليوم على تاريخ وفاة الشيخ ركن الدين الجرجاني (ره) بعد فضل التتبّع والتحقيق.

وإنّي أتعجب من بعض سلفنا الصالح حيث صرف همّه على ضبط تراجم علماء المخالفين وأهمل تواريخ علمائنا الماضين ، مع أنّ للعامّة في الاهتمام بهذا الأمر وضبط تواريخ علمائهم

__________________

(١) أعيان الشيعة ، ج ٤٦ ، ص ٣٠ ، طبعة بيروت.

في كتب التراجم تقدّما باهرا علينا ، ومع ذلك اهتمّ البعض على نقل تواريخ علماء العامّة وضبط حالاتهم ، وقد كنت ذكرت ذلك إلى شيخنا العلّامة المدرّس التبريزي رحمه‌الله تعالى حين كان مشغولا بتأليف ريحانة الأدب فصدق قدس‌سره قولي وصوّب ، والله الهادي وهو الموفّق.

وقال سيد الأعيان : «الشيخ ركن الدين محمد بن علي بن محمد الجرجاني محتدا الأسترآبادي منشأ ومولدا ، الحلّي الغروي مسكنا كان عالما فاضلا متكلّما جليلا من تلاميذ العلّامة الحلّي. عن صاحب رياض العلماء أنّه قال : رأيت مجموعة من مؤلّفات المذكور الفاضل المشهور الذي كان من تلاميذ العلّامة الحلّي ، وشرح مبادي الأصول لأستاذه في حياة أستاذه العلّامة ، وفرغ من الشرح سنة ٦٩٧ وتلك المجموعة كلّها كانت بخطّ المؤلّف الجرجاني المذكور وفيها قصيدة للحسن بن راشد ، انتهى.

وقد جعل الشرح باسم السيّد أبي طالب عبد المطّلب بن علي بن المختار العلوي الحسيني ابن أخت العلّامة ، وتوجد نسخة الأصل في إيران وعندنا منه نسخة ، قال في خطبته : كما أنّ من حقّ الشيوخ إيصال المعاني المحقّقة بالدلائل المقرّرة الموشّحة بالألفاظ المحبرة إلى تلاميذهم بأدنى العبارة والكناية المحرّرة ، كذلك من حقّ التلاميذ أن يقرّروا ما استخرج شيوخهم من اللآلئ في بحار الليالي من أصداف أذهانهم ويوضّحوا ما أخرجوه من الجواهر عن معادن عقولهم وألحانهم.

ورأيت شيخنا المعظم وإمامنا الأعظم ... إلى أن قال بعد وصفه بجليل الصفات : «أبا منصور حسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي أدام الله ظلّه على كافّة المسلمين لإفادة الوافدين عليه والقاطنين لديه بمحمّد وآله أجمعين قد وضع مقدّمته في أصول الفقه محكما أصولها مقلّا فضولها ، قد اجتنت معانيها الأبكار في أخباء ألفاظها ، وتسترّت عن كثير من خاطبيها وطلّابها ، عزمت على أن أشرحها شرحا كافلا بإبراز محاسنها من مكانها وإظهار دررها وجواهرها من أصدافها ومغابنها ...» (١)

__________________

(١) أعيان الشيعة ، ج ٤٦ ، ص ٢٩ ـ ٣٠ ، طبعة بيروت.

مولده ومحتده

الظاهر أنّ مولده في العراق بالحلّة أرض «بابل» بلد العلم والأدب أو بالسيور ، ولكن ليس في كلمات المترجمين له تاريخ ولادته. وأصله من «سيور» قرية من قرى الحلّة ، وصرّح أستاذنا العلّامة المدرس التبريزى (ره) في ريحانة الأدب أنّه سيوري الأصل ، وسيور على وزن نزول ، قرية من قرى الحلّة (١). والأستاذ لم يعبأ في نسبة «السيوري» إلى ما قيل : لعلّه نسبة إلى السيور جمع سير : ما يقدّ من الجلد أو غير ذلك. فإنّه لم يشر إلى ذلك أصلا ، فإنّه مجرّد احتمال لا يعبأ به ، فيظهر منه أنّه تحقق عنده أنّ الصحيح في نسبة «السيوري» كما يعبّر عنه كثيرا في الكتب الفقهية «بالفاضل السيوري» أنّها نسبة إلى السيور قرية من قرى الحلّة.

ولقد أجاد الشيخ العلّامة المامقاني قدس‌سره في تنقيح المقال حيث استبعد احتمال كون نسبته إلى السيور التي هي جمع السير على ما قيل ، وقال : «إنّه بعيد فيه وإن صحّ في غيره» (٢).

قلت : مجرد الاستبعاد لا يكون دليلا ، ولكنّ سببه هو القرائن الدالّة على أنّ الصحيح في نسبته هو النسبة إلى القرية المذكورة فتكون دليلا على الاستبعاد.

وكان موطنه «النجف الأشرف» فمن وصفه «بالنجفي» كالأستاذ الدجيلي في أعلام العرب في العلوم والفنون وصاحب رياض العلماء فهو في محلّه ، ولا شكّ في صحّته.

نقل صاحب روضات الجنات عن رياض العلماء أنّه قال : «للمقداد ولد يسمّى بعبد الله بن الشيخ شرف الدين : أبي عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمّد السيوري الحلّي الأسدي المشهدي النجفي ، قال : وهو الذي ألّف له المقداد كتاب الأربعين حديثا ...» (٣)

قلت : صرّح في ماضي النجف أنّ ولده الشيخ عبد الله (ره) يروي عن والده الفاضل

__________________

(١) ريحانة الأدب ، ج ٤ ، ص ٢٨٣ ، الطبعة الثانية ـ تبريز.

(٢) تنقيح المقال ، ج ٣ ، ص ٢٤٥ ، طبعة النجف.

(٣) روضات الجنّات ، ج ٧ ، ص ١٧١ ، طبعة قم.

المقداد (ره) كما يأتي نقل ذلك.

والمراد من المشهد الذي نسبه إليه هو النجف الأشرف «مشهد أمير المؤمنين عليه‌السلام» والتعبير عن النجف بالمشهد مشهور في العراق بين الناس ومتداول في ألسنتهم حتّى اليوم ، وأرباب السيارات ينادون في كربلاء المقدّسة المسافرين إلى النجف : «مشهد مشهد مشهد» ....

قال شيخنا البحّاثة الطهراني (ره) في تعليقه على المقدّمة التي جاد بها يراعه في أوّل المجلّد الثاني من الصراط المستقيم للعلّامة البياضي (ره) ما هذا لفظه الشريف في النسبة إلى «السيوري» : «ولعلّه نسبة إلى «سيور» قرية من لواحق الحلّة لم تذكر في معجم البلدان ، وأورده الشيخ يوسف كركوش في كتابه تاريخ الحلة الطبعة الثانية. هذا وقد ذكره البهبهاني في تعليقاته على الرجال الكبير طبعة ١٣٠٦ ، ص ٢٣٨ بعنوان المقداد بن عبد الله السوراوي ، وسورا مذكور في المعجم فراجع الصراط المستقيم ، ج ٢ ، ص ١٣ طبعة طهران.

أقول : الظاهر أنّ السورا بالقصر بعينها هي السيور ، ولذلك ذكره الوحيد البهبهاني قدس‌سره بعنوان «السوراوي» كما يظهر ممّا ذكره ياقوت في معجم البلدان : أنّ السورا موضع من أرض بابل وقريبة من الحلّة المزيدية ، ولا بأس بنقل ما ذكره ياقوت لمزيد الفائدة.

قال ياقوت : السوراء : بضمّ أوّله وسكون ثانيه ثمّ راء وألف ممدودة : موضع يقال : هو إلى جنب بغداد ، وقيل : هو بغداد نفسها ، ويروى بالقصر ، قيل : سمّيت بسوراء بنت أردوان بن باطي الذي قتله كسرى أردشير ، وهي بنتها ، وقال الأديبي : سوراء موضع بالجزيرة ، وذكر ابن الجواليقي أنّه ممّا تلحن العامّة بالفتح فقالت : سوراء.

سورا : مثل الذي قبله إلّا أنّ ألفه مقصورة على وزن بشرى : موضع بالعراق من أرض بابل ، وهي مدينة السريانيين ، وقد نسبوا إليها الخمر ، وهي قريبة من الوقف والحلّة المزيدية ، وقال أبو جفنة القرشي : ثمّ نقل أشعارا وقال : «وينسب إلى سورا هذه ابراهيم بن نصر السوراني من أهل سورا» (١).

__________________

(١) معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٢٧٨ ، طبعة بيروت.

وقال في مراصد الاطّلاع بعد نقل خلاصة ما ذكره ياقوت في المعجم : «قلت : هي مدينة تحت الحلّة ، لها نهر ينسب إليها ، وكورة قريبة من الفرات» (١).

وقريب ممّا ذكره ياقوت في المعجم ، ذكر السامي في قاموس الأعلام باللغة التركية وقال : «سوراARUS عراقده حله قربنده أرض بابلدن معدود بر قصبه أولوب سريانيلرك مركزى بولنديغى ... جغرافيون عرب آثارنده مسطوردر. سوراني لقبيله مشهور بعض علماء اسلامك دخى مسقط رأسى بولنمشدر» (٢) ... إلى آخره.

وليعلم أنّه يظهر من ياقوت في المعجم ومن السامي في القاموس كما نقلنا عباراتهما أنّ النسبة إلى سورا : «السوراني» وفي كلام الوحيد البهبهاني (ره) «السوراوي» فلا تغفل. والظاهر أنّ الأوّل على خلاف القياس.

لقبه

نصّ جمع من أرباب كتب التراجم والرجال أنّ لقب شيخنا الفاضل المقداد رحمه‌الله تعالى «شرف الدين» كما نصّ على ذلك صاحب رياض العلماء ، وهو صريح شيخنا الأستاذ (ره) في الريحانة والأستاذ الدجيلي في أعلام العرب ، ونقلنا كلام صاحب الرياض ، بل هو المشهور في أكثر الكتب.

ويقال : إنّ لقبه «جمال الدين» كما نقله صاحب الروضات عن بعض الإجازات ونصّ عليه الفقيه البحراني (ره) في لؤلؤة البحرين والفقيه المحقق التستري (ره) في المقابس ، ونقل عن بعض نسخ أمل الآمل وجزم به بعض المعاصرين في مقدّمة كنز العرفان وكتبه في ظهر ذلك الكتاب في الطبع ، ونحن أيضا اقتفينا أثره في ظهر هذا الكتاب اللوامع ولكن الأرجح في نظري أنّ لقبه «شرف الدين» كما أنّ هذا هو المصرّح به من كاتب نسخة «آ» من كتابنا هذا اللوامع الإلهية وتاريخ كتابة النسخة سنة ٨٥٢ أي بعد وفاة الفاضل المصنّف (ره) ب ٢٦ سنة ، وسيأتي نقل عباراته.

__________________

(١) المراصد ، ج ٢ ، ص ٧٥٤ طبعة مصر.

(٢) قاموس الأعلام ، المجلد ٤ ، ص ٢٦٧٧.

أساتذته ومشايخه

هو من أكابر تلامذة الفقيه المتضلّع الأفقه الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمّد بن الشيخ جمال الدين مكّي بن الشيخ شمس الدين محمد بن حامد بن أحمد النبطي العاملي الجزيني المشهور ب «الشهيد الأول» النائل لدرجة الشهادة والفائز بالسعادة في التاسع عشر من شهر جمادى الأولى سنة ٧٨٦ قدس الله روحه قتل بالسيف ثمّ صلب ثمّ رجم ثمّ أحرق ببلدة دمشق بعد أن حبس سنة كاملة بفتوى بعض علماء العامة.

وقد كتب الفاضل المصنّف قدس‌سره تاريخ شهادته وكيفيتها وفتوى علماء المخالفين لهذه الجناية التاريخية والفاجعة الكبيرة بخطّه الشريف ، ونقله عن خطّه جمع من علمائنا رضوان الله عليهم في كتبهم كما نقله المعاصر في مقدمة كنز العرفان (١).

والفاضل المصنف (ره) يروي عن أستاذه الشهيد قدس‌سره ، وحضر عنده رحمه‌الله واستفاد منه حتى صار من أرشد تلاميذه في الأرض المقدّسة النجف الأشرف ، ولم أقف على من ذكر أنّ الفاضل المصنّف (ره) سافر إلى الشام وحضر عند أستاذه الشهيد (ره) في بلدة دمشق أو غيرها ، بل صرّح بعضهم أنّه حضر عنده للارتشاف من نمير علمه المتدفّق عند باب مدينة علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيظهر من ذلك أنّ الشيخ الشهيد قدس‌سره أقام مدّة غير قصيرة في النجف وازدلفت طلاب العلوم نحوه وعكفوا عليه واستفادوا منه.

وله الرواية عن أستاذه كما صرّح به في إجازاته لتلامذته.

قال الفاضل المعاصر رحمه‌الله تعالى في مقدّمة كنز العرفان : كان مؤلّفنا ـ أعلى الله مقامه ـ من مشاهير تلامذته ـ يعني الشهيد ره ـ والراوين عنه ، له اختصاص وحظوة عند الأستاذ ، وولع بالبحث والتنقيب عنده ، ومن ذلك عمد إلى كتاب شيخه القواعد الفقهية فنضده ورتّبه على أحسن ترتيب وسمّاه نضد القواعد كما سيجيء ، كما أنّه سأله أو كاتبه في مسائل عديدة خلافية فأجاب عنها فسمّيت تلك المسائل مع أجوبتها بكتاب المسائل المقدادية.

__________________

(١) انظر مقدمة كنز العرفان ، ص ٦ ـ ٧ ، طبعة طهران.

قال صاحب الروضات : «وهو الذي ينقل عنه في كتبنا الاستدلالية الفتاوى والخلافيات وكان نسبة تلك المسائل إلى تلميذه الشيخ المقداد السيوري قدس‌سره النوري» (١) انتهى.

والجدير بالذكر : أنّ الفاضل المصنّف (ره) أدرك الشيخ فخر المحقّقين ابن آية الله العلّامة على الإطلاق قدّس الله روحه ، وهو أستاذ شيخه الشهيد (ره) ويبعد أن لا يستفيد منه ، اللهمّ إلّا أن لا يكون في زمن فخر المحقّقين قدس‌سره قابلا للاستفادة منه والارتشاف من نمير علمه وحكمته ، فإنّ فخر المحقّقين (ره) توفّي سنة ٧٧١ وبين وفاته ووفاة الفاضل المصنّف (ره) خمسة وخمسون سنة ، ولكن الفاضل المصنّف (ره) شرح رسالة واجب الاعتقاد في أيام حياة فخر المحقّقين (ره) كما صرّح به في شرحه لها وسيجيء نقل عين كلماته عند التكلّم حول تأليفاته ، فمن كان في الاستعداد والقابلية بدرجة يشرح الرسالة المذكورة في أيام حياة فخر المحقّقين (ره) يكون له الاستعداد في الحضور عنده والاستفادة من محاضراته العلمية ، ولذلك ذكر الأستاذ الدجيلي في كتابه أعلام العرب أنّ فخر المحقّقين (ره) استاذ الفاضل المقداد (ره) فراجع (٢) وصرح في ماضي النجف أنّ من أساتذته فخر المحقّقين والسيّد ضياء الدين عبد الله الأعرجي (٣).

تلامذته والراوون عنه

كان الفاضل المصنّف (ره) متوطّنا في الجامعة العلمية «النجف الأشرف» وكان وجها من وجوه أصحابنا الإمامية وفقيها شهيرا من فقهائنا الاثنى عشرية ، وكان طلاب العلوم يزدلفون حوله ويستفيدون من علمه وفقهه ومن نظرياته وتحقيقاته ، كما هو شأن كلّ أستاذ متبحّر مرجع في الفقه والاجتهاد وحائز لمرتبة الاستدلال والاستنباط في تلك الجامعة ، وهذه هى السيرة المستمرّ فيها منذ القرون والسنين إلى اليوم.

وقد تخرّج عليه جمع من الفقهاء ، وروى عنه كثير من الكبراء ، وسمع منه جمع غفير من

__________________

(١) روضات الجنّات ، ص ٥٩٣.

(٢) أعلام العرب ، ج ٣ ، ص ٦٢.

(٣) ماضي النجف ، ج ١ ، ص ٨٥ ، طبعة صيدا.

شيوخ الاجازة ومشايخ الرواية. فإليك سرد أسماء جمع منهم فيما يلي :

الأول : قال الفاضل المعاصر (ره) في مقدّمة كنز العرفان عند عدّه لتلامذة الفاضل المصنّف (ره) والراوين عنه ـ ما هذا لفظه ـ :

منهم : شيخ مشايخ الإمامية في عصره أبو الحسن علي بن هلال الجزائري مولدا العراقي أصلا ومحتدا ، ففي إجازة المحقّق الكركي للقاضي صفي الدين عيسى ، قال بعد ما أثنى على شيخه أبي الحسن علي بن هلال الجزائري ثناء بليغا : وهذا الشيخ الجليل يروي عن جماعة من الأساطين من أجلّاء تلامذة الشهيد الأوّل وفخر المحقّقين منهم الشيخ مقداد بن عبد الله السيوري عن الشهيد (١) ، انتهى.

قلت : هذا ذهول عجيب وغفلة من المعاصر رحمه‌الله تعالى ، فإنّ الشيخ الأجلّ علي بن هلال الجزائري (ره) الذي كتب الإجازة للمحقّق الثاني الشيخ علي الكركي قدس‌سره سنة ٩٠٩ لم يرو بلا واسطة عن الفاضل المقداد السيوري المتوفّى سنة ٨٢٦ ، بل الجزائري يروي عن الفاضل السيوري المصنّف رحمه‌الله بواسطة الشيخ العلّامة صاحب المقامات العالية في العلم والعمل وصاحب الدرجات السامية والخصال النفسانية ـ التي لا توجد إلّا في الأقلّ ـ الفقيه جمال الدين أبي العباس أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الأسدي الحلّي المتولّد في سنة ٧٥٧ والمتوفّى سنة ٨٤١ المدفون في البستان المتّصل بالمكان المعروف «بخيمگاه» في كربلاء المقدسة ، المتبرّك بمزاره صاحب التصانيف الرائقة كالمهذّب البارع في الفقه وعدّة الداعي والتحصين وغيرها.

وقد أمر سيدنا وأستاذنا الأعظم فقيه العصر إمام الطائفة والمرجع الأعلى للشيعة السيّد الطباطبائي الحكيم قدّس الله روحه في أيام حياته ومرجعيته العامة ببناء مدرسة في صحن مزاره لطلاب العلوم الدينية كما أشرنا إلى ذلك في الرسالة التي كتبناها في تاريخ آثار سيدنا المعظّم الأستاذ قدس‌سره بالفارسية ، ووسمناها آثار تاريخى آية الله حكيم وهي مطبوعة منتشرة ، فراجع.

__________________

(١) مقدّمة كنز العرفان ، ج ١ ، ص ٨ ، طبعة طهران.

فعليّ بن هلال الجزائري يروي عن الفاضل المقداد السيوري بواسطة الشيخ ابن فهد الحلّي وليس له الرواية عنه بلا واسطة كما تخيّله المعاصر (ره).

ففي تحقيق ما ادعيناه نقول :

قال في المستدرك : «ويروي ـ يعني المحقّق الكركي ـ أيضا عن الطود الأعظم ... علي بن هلال الجزائري شيخ مشايخ الإمامية في عصره. قال تلميذه المحقّق الكركي في إجازته للقاضي صفي الدين ... ثمّ نقل ثناء المحقّق في حقّه ، وما ذكره الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي في أوّل غوالي اللآلي ... وما ذكره المحدّث الجزائري في المقامات ـ إلى أن قال : ـ عن صاحب المقامات العالية ... جمال الدين أبي العباس أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الأسدي الحلّي ...

ثمّ أشار إلى ما ذكره في ترجمة السيّد علي خان الحويزاوي ذكر رسالة له فيها كرامة باهرة له ... ثمّ نقل ما ذكره النقّاد الخبير الشيخ عبد النبي الكاظمي (ره) في ترجمته في تكملة الرجال ـ إلى أن قال : قال المحقق الكركي في الإجازة السابقة بعد ذكر شيخه علي بن هلال : وأجلّ أشياخه الذين قرأ عليهم وأخذ عنهم وأفقههم وأزهدهم وأعبدهم وأتقاهم ، الشيخ الأجلّ الزاهد العابد الورع العلّامة الأوحد جمال الدين أبو العباس ...» (١).

وهذا الشيخ الجليل يروي عن جماعة من الأساطين من أجلّاء تلامذة الشهيد الأوّل وفخر المحقّقين.

الاول : الشيخ مقداد السيوري ، وقد مر ذكره (٢).

الثاني : الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن ... الخازن الحائري ، ثمّ ذكر المحدّث النوري قدس‌سره أسماء مشايخه الأخرى ، فلاحظ.

__________________

(١) انظر المستدرك ، ج ٣ ، ص ٤٣٤ ـ ٤٣٥ وينبغي الرجوع إلى «المشيخة» أو الإسناد المصفّى إلى آل المصطفى لشيخنا الأستاذ الطهراني (ره) صاحب الذريعة ص ٥٦ ـ ٥٧ طبعة النجف سنة ١٣٥٦.

(٢) الظاهر أنّه يشير إلى ما ذكره في المستدرك ، ج ٣ ، ص ٤٣١ بقوله : «الشيخ الفاضل الفقيه المتكلم المحقق الوجيه جمال الدين أبي عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الاسدي الحلي الغروي صاحب التنقيح وكنز العرفان وغيرهما.

فظهر أنّ المعاصر رحمه‌الله زعم أنّ ما ذكره المحقّق الكركي في الإجازة التي كتبها للقاضي صفي الدين في حقّ الشيخ ابن فهد الحلّي (ره) إنّما هو في حقّ الشيخ علي بن هلال الجزائري (ره) وهو خطأ واضح وقع فيه من عدم التعمّق في عبارة المستدرك.

قوله : «وهذا الشيخ الجليل يروي» ... إلى آخره ، يعني ابن فهد الحلّي (ره) فالأول من العلماء والأكابر الذين أخذوا عن الفاضل المصنّف (ره) ورووا عنه ، هو الشيخ العلّامة صاحب المقامات العالية الفقيه الورع ابن فهد الحلّي المشهور الذي أو عزنا إلى تاريخ ولادته ووفاته ، صاحب المهذّب البارع ، وفي مكتبتنا نسخة مخطوطة منه.

الثاني : الشيخ شمس الدين محمد بن الشجاع القطّان الأنصاري الحلّي العالم الكامل صاحب كتاب معالم الدين في فقه آل ياسين المعروف بابن القطّان. ذكره سيّدنا العلّامة الطباطبائي بحر العلوم قدس‌سره في فوائده الرجالية ، وذكر روايته عن الفاضل المقداد المصنف (ره) عن الشهيد (ره) وذكر كتابه وقال : «ويظهر من تتبّع الكتاب فضيلة المصنّف رحمه‌الله ، وهو على طريقة الفاضلين في أصول المسائل ، لكنه قد يغرب في التفاريع والذي أرى صحّة النقل عنه (١)».

الثالث : رضي الدين عبد الملك بن شمس الدين اسحاق بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن فتحان الحافظ (٢) القمي محتدا القاساني مولدا (٣).

الرابع : الشيخ العالم الفاضل زين الدين علي بن الحسن بن علالة ، وكان من تلامذته أيضا ، أجازه في ثاني جمادى الآخرة سنة ٨٢٢.

قال صاحب الرياض : «رأيت كتاب الأربعين حديثا للمقداد رحمه‌الله في أردبيل في مجموعة بخطّ تلميذ المصنّف ، وعليه اجازته له ، صورتها :

«أنهى قراءة هذه الأحاديث الشيخ الصالح العالم الفاضل زين الدين علي بن حسن بن

__________________

(١) الفوائد الرجالية ، ج ٣ ، ص ٢٨٠ ط النجف سنة ١٣٨٦ بتحقيق السيدين العلمين : سيدنا العلّامة الأكبر السيد محمد صادق الطباطبائي بحر العلوم وسيدنا العلّامة السيد حسين الطباطبائي بحر العلوم دام بقاؤهما.

(٢) كذا في مقدمة كنز العرفان ، ص ٩ «الواعظ» ، روضات الجنات ، ج ٧ ، ص ١٧٤ طبعة قم.

(٣) مقدمة كنز العرفان ، ص ٩ ، روضات الجنات ، ج ٧ ، ص ١٧٤.

علالة ، وأجزت له روايتها عنّي عن مشايخي قدّس الله أسرارهم ، وكتب المقداد بن عبد الله السيوري في الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة ٨٢٢ (١).

الخامس : الفاضل الفقيه والشاعر الأديب الشيخ حسن بن راشد الحلّي وكان من تلامذته أيضا. له أرجوزة في تاريخ الملوك والخلفاء ، وأرجوزة في تاريخ القاهرة ، وأرجوزة نظم فيها ألفية الشهيد قدس‌سره المسمّاة بالجمانة البهية في شرح الألفية ، فرغ من نظمها سنة ٨٢٥ وعدد الأبيات ٦٥٣ وقد قرظ منظومته الجمانة هذه شيخه المقداد تقريظا لطيفا ، وهو الذي أرّخ (٢) وفاة شيخه المقداد لسنة ٨٢٦. له أيضا قصائد تعرف بالحليّات وغير ذلك (٣).

قلت : ولنا طرق عديدة وأسانيد كثيرة في الرواية عن الفاضل المصنّف العلّامة قدّس الله روحه ، عن أساتيذنا ومشايخنا الأكابر المتّصلة طرقهم وأسانيدهم إلى هؤلاء العلماء الأفاضل من تلامذة الفاضل المقداد رحمه‌الله ، ومنهم إليه ، وسوف نشير إلى تلك الطرق الشريفة إن شاء الله تعالى.

وللفاضل المصنّف (ره) معاصر من العلماء الأعاظم ، وهو العلّامة الجليل الشيخ فخر الدين أحمد بن عبد الله بن سعيد بن المتوّج البحراني ، الشهير بابن المتوّج صاحب المؤلفات الكثيرة ، وهو الذي يعبر الفاضل المقداد (ره) عنه في كتابه كنز العرفان بالمعاصر انظر إلى ما كتبه الفاضل المعاصر (ره) في مقدمة كنز العرفان في هذا الباب لا يهمنا هنا نقله.

جمل الثناء وحلل الإطراء عليه

إنّ المترجمين للفاضل المصنّف (ره) وإن لم يفصّلوا في شرح حاله وترجمة أحواله على نحو يليق بمقامه ، كما هو دأب أكثر القدماء والسالفين في أغلب تراجم رجال العلم وأصحاب الفضيلة من الاقتصار على اسم المترجم وبعض ألقابه ، ولكنهم لم يقصروا من الإطراء عليه والتصريح بجميل فضله وعلمه المتدفّق وسطوع فضله الغزير وكونه من العلماء المحقّقين.

__________________

(١) الذريعة ، ج ١ ، ص ٤٢٩ طبعة النجف.

(٢) يأتي نقل ما وجد بخطّه في حقّ شيخه المقداد (ره) في تعليق سيدنا الطباطبائي آل بحر العلوم دام ظلّه على الروضات.

(٣) الأعلام للزركلي ، ج ٢ ، ص ٢٠٤ ، الذريعة ، ج ١ ، ص ٤٢٩ ـ ٤٦٥.

وحفظا لحقّ المترجمين له نذكر من كلماتهم ومن جميل وصفهم وثنائهم على الشيخ المصنّف (ره) على ما وصل إلينا من كلماتهم وما نالته يدي من مقالاتهم الشريفة. فنقول : قال الشيخ الحرّ (ره) في أمل الآمل : الشيخ جمال الدين المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الحلّي الأسدي كان عالما فاضلا متكلّما محقّقا مدقّقا له كتب ... يروي عن الشهيد محمد بن مكّي العاملي ، وكان فراغه من شرح نهج المسترشدين سنة ٧٩٢» (١).

وقال السيّد المحقق صاحب روضات الجنات ـ بعد نقل ما سمعت عن أمل الآمل ـ : أقول : هو الذي يعبر عنه في فقهيات متأخري أصحابنا ب «الفاضل السيوري» وينقل عن كتابه في آيات الاحكام كثيرا ، وكنيته أبو عبد الله ، وفي بعض المواضع صفته أيضا بالغروي نزلا وكأنّه كان من جملة متوطّني ذلك المشهد المقدّس حيّا وميّتا ...» إلى آخره.

قلت : توطّنه في أرض الغري مما لا شكّ فيه.

ثمّ نقل عن صاحب الرياض : أنّ للمقداد (ره) ولد يسمّى بعبد الله بن الشيخ شرف الدين أبي عبد الله المقداد ... إلى آخره.

ثمّ قال : «وذكر أيضا في ذيل ترجمة علي بن هلال الجزائري أنّه يروي بالسند العالي عن الشيخ مقداد السيوري عن الشهيد» (٢).

مراده من رواية علي بن هلال الجزائري شيخ الشيعة في زمانه بالسند العالي ، هو الشيخ العلّامة ابن فهد الحلّي قدس‌سره صاحب المهذّب البارع الذي مرّ تحقيقه.

قال المحقّق التستري (ره) في أوّل كتابه المقابس : «ومنها : السيوري لتلميذه ـ يعني الشهيد ـ الشيخ الفاضل الفقيه المتكلّم الوجيه المحقّق المدقّق النبيه جمال الدين وشرف المعتمدين أبي عبد الله المقداد ... الغروي ، أفاض الله على تربته سجال لطفه الروي ، وله كتب منها التنقيح وكنز العرفان ونضد القواعد الشهيدية وغيرها».

ذكره المحدّث القمي (ره) في الكنى والألقاب ، ولم يزد في وصفه على ما ذكره في أمل الآمل شيئا ، ثمّ ذكر بعض تأليفاته وروايته عن الشهيد (ره) ورواية محمد بن شجاع القطّان

__________________

(١) أمل الآمل ، ج ٢ ، ص ٣٢٥ طبعة النجف سنة ١٣٨٥.

(٢) روضات الجنّات ، ج ٧ ، ص ١٧١ طبعة قم.

وغيره من تلاميذه عنه (١). ونظيره فعله في كتابه الفوائد الرضوية (٢).

ونقل فيه ما ذكره صاحب الروضات من احتمال كون مدفنه في البقعة الواقعة في برية بغداد ، ولكن الاحتمال المذكور ممّا لا وجه له.

قال العلامة المامقاني قدس‌سره في تنقيح المقال : «كان عالما جليلا وفاضلا نبيلا محقّقا مدقّقا متكلّما وفقيها يروي عن الشهيد (ره) ويروي عنه محمد بن شجاع القطّان وله مصنّفات جيّدة ... وقد بسط الكلام في ترجمته في روضات الجنّات من شاء فليراجعه» (٣).

قلت : صاحب الروضات وإن بسط الكلام ـ بعد نقل ما ذكره في أمل الآمل في حقّه ـ ولكن لا في ترجمة أحواله ، بل بسط الكلام في نقل بعض الفوائد من تأليفاته ، فراجع.

قال السيّد الأجلّ الجابلقي قدس‌سره في الروضة البهية في الطرق الشفيعية : «الشيخ العالم مقداد ... كان عالما فاضلا متكلّما محقّقا من الفقهاء الذين يعتمد على فتاويهم ، وله كتب منها ... والرجل من أعيان العلماء نقي الكلام حسن البيان كما يظهر بالتأمل في كلماته ، وهو يروي عن الشيخ الشهيد رضوان الله عليهم جميعا (٤)» انتهى.

قال عمر رضا كحالة في كتابه معجم المؤلفين (٥) :

المقداد السيوري (... ـ ٨٢٦ ه‍) (... ـ ١٤٢٣ م)

المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الحلّي الأسدي فقيه أصولي متكلّم مفسّر أخذ عن الشهيد الأول محمّد بن مكّي ، وتوفّي بالنجف في ٢٦ جمادى الآخرة من آثاره ... ـ وعد عدة من تأليفاته التي يأتي ذكرها عند بيان تصانيفه ثم ذكر مصادر الترجمة وقال ـ :

__________________

(١) الكنى والألقاب ، ج ٣ ، ص ٧ طبعة صيدا.

(٢) الفوائد الرضوية ، ج ٢ ، ص ٦٦٧ ، طبعة طهران.

(٣) تنقيح المقال ، ج ٣ ، ص ٢٤٥ طبعة النجف.

(٤) العالم العامل الجليل الفقيه الحاج سيد شفيع الجابلقي المتوفى ١٢٨٠ من تلامذة النراقي صاحب المستند والسيد المجاهد الطباطبائي والسيد حجّة الاسلام وشريف العلماء المازندراني قدس الله أسرارهم ، وكتابه الروضة البهية يشبه اللؤلؤة للبحراني (ره) مطبوع على الحجر قديما ، وفي مكتبتنا نسخة منه.

(٥) معجم المؤلفين ، ج ١٢ ، ص ٣١٨ طبعة دمشق.

(خ) البحراني : الثبت ٤٧ / ٢ ، ٤٨ / ١ ، فهرس مخطوطات الظاهرية ، آغا بزرك : أعلام الشيعة عن حسين علي محفوظ.

(ط) الخوانساري : روضات الجنات ٤ : ١٢٧ ـ ١٢٩ ، البغدادي : إيضاح المكنون ١ : ٢٢٩ ، ٣٣١ ، ٢ : ٣٨٦ ، ٤١٣ ، ٦٥٥ ، ٦٩٤ ، الزركلي : الأعلام ٨ : ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، آغا بزرك : مصفّى المقال ٤٦٢ ، تذكرة المتبحّرين ٨ ، المامقاني : تنقيح المقال ٣ : ٢٤٥ ، البغدادي : هدية العارفين ٢ : ٤٧٠.

. ٩٠٢ : II, S : dnamlekcorB

قال الأستاذ الدجيلي في كتابه أعلام العرب : الفاضل السيوري ... ٨٢٦ ـ شرف الدين أبو عبد الله المقداد ... الحلّي الأسدي النجفي العالم المتكلّم المعروف بالفاضل السيوري ، من تلامذة الشهيد الأوّل ومن أساتذة الشيخ حسن بن راشد الحلّي صاحب المؤلفات المعروف ، والشيخ زين الدين علي بن الحسن بن علالة الذي أجازه السيوري في الثاني من جمادى الآخرة سنة ٨٢٢.

كان الفاضل السيوري من أعلام المتكلّمين والمحقّقين ، وله مشاركة قوية في جملة من علوم : التفسير والكلام والفقه والحديث وغيرها ، وتوفّي في ٢٦ جمادى الآخرة سنة ٨٢٦ ه‍ ، ومن مؤلفاته : ...» (١).

قال أستاذنا العلّامة المدرّس التبريزي (ره) في كتابه ريحانة الأدب ما هذا لفظه بالفارسية : «فاضل مقداد ـ مقداد بن عبد الله ـ يا عبيد الله ـ بن محمد بن حسين بن محمد حلّي ـ سيوريّ الأصل ، أسدي القبيلة ، أبو عبد الله الكنية ، شرف الدين اللقب ، غروي الموطن والمدفن ، عالمى است فقيه متكلّم محقّق مدقّق معقولى منقولى از أكابر علماى اماميه ، كه در كتب فقهيّه أواخر متأخرين محض بجهت انتساب او به قريه سيور ـ بر وزن نزول ـ نامى از قراء حله به فاضل سيورى شهرت داشته واز اجلّاى تلامذه شهيد اوّل ومجازين وى بوده ومحمد بن شجاع قطّان حلّى نيز از وى روايت مى كند تأليفات منيفه دارد : ...» (٢) ثمّ

__________________

(١) أعلام العرب في العلوم والفنون ، ج ٣ ، ص ٦٣ طبعة النجف.

(٢) ريحانة الأدب ، ج ٤ ، ص ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، الطبعة الثانية ـ تبريز.

شرع لتعداد تصانيفه المنيفة.

وأما قوله في ذكر اسم أبيه بالترديد : (يا عبيد الله) فممّا لا وجه له ولم أدر من أين أخذه وذكره بالترديد ، فإنّه ليس له مصدر وثيق يعتمد عليه ، فكان على الأستاذ رحمه‌الله تعالى أن لا يذكره.

فما يوجد في بعض الرسائل المطبوعة بطهران على الحروف «عبيد الله» فهو من أغلاط النسخة أو المطبعة ، فإنّ الرسالة المذكورة مشحونة بالأغلاط المطبعية بحيث لا يمكن الركون والاعتماد عليها ، والله العاصم.

قال خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام :

«المقداد الحلّي (.. ـ ٨٢٦ ه‍) (.. ـ ١٤٢٣ م)

مقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الحلّي الأسدي : فقيه إماميّ. من تلاميذ الشهيد الأول محمد بن مكّي. وفاته بالنجف. له كتب منها : ...»(١).

واعلم أيّها القارئ الكريم أنّ من فضل الله تعالى علينا ومن توفيقاته الشاملة إلينا أن وقفنا في هامش كتاب روضات الجنّات للمحقّق العلامة الخونساري الأصفهاني قدس‌سره من طبعته الجديدة على الحروف في المجلد السابع طبعة قم سنة ١٣٩٢ على تعليقة لسيدنا العلّامة المحقّق الكبير السيّد محمد صادق الطباطبائي بحر العلوم النجفي أدام الله ظلاله ، كتبها عند ترجمة الفاضل المقداد قدس‌سره حقيق نقلها هنا برمّتها ، فإنّ فيها بعض النكات والأوصاف في حقّ الفاضل المصنّف رحمه‌الله ـ نقلا عن خطّ تلميذه وأقرب الناس إليه ـ ما لم يوجد في غيرها ، ومنّا جزيل الشكر لناقل تلك التعليقة في هذا المحلّ من الروضات ، وجزاه الله خير الجزاء.

قال دام ظلّه العالي ما هذا لفظه الشريف (٢) : «وجدت في خزانة كتب آية الله المجاهد شيخنا الشيخ محمد الجواد البلاغي النجفي المتوفّى سنة ١٣٥٢ نسخة من قواعد الشهيد الأوّل من موقوفات الشيخ محمد علي البلاغي رحمه‌الله ـ كما كتب عليها بخطّ الشيخ إبراهيم بن

__________________

(١) الأعلام ، ج ٨ ، ص ٢٠٦ ، الطبعة الثالثة.

(٢) الروضات ، ج ٧ ، ص ١٧٤ ـ ١٧٥.

حسين بن عباس بن حسن بن عباس بن محمد علي البلاغي ـ وهي منقولة عن نسخة كانت منقولة عن خطّ ولد المصنّف الشيخ ضياء الدّين علي بن محمد بن مكّي الشهيد الأول ، والكاتب هو الشيخ محمد علي بن سلوة النجفي ، في النجف الأشرف يوم السبت السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة ٩٨٦ نقلها عن نسخة كتابتها في الثامن عشر من المحرّم سنة ٨٣٨ وكتب على الهامش أنّها قوبلت مع كتاب شيخنا الشيخ زين الدين بن إدريس فروخ بحسب الجهد والطاقة.

وأيضا كتب على الهامش ما نصّه : «وفاة العالم العامل الشيخ يحيى بن قاسم الكاظمي يوم الجمعة ٢٦ المحرّم سنة ١١٣٧ ه‍ ـ.

وفي آخرها بخطّ غير كاتب النسخة لكنّه عتيق ـ نقلا عن خطّ الشيخ حسن بن راشد الحلّي ـ ما لفظه : (توفّي شيخنا الإمام العلّامة الأعظم أبو عبد الله المقداد بن عبد الله (١) السيوري نضّر الله وجهه بالمشهد المقدّس الغروي على مشرّفه أفضل الصلوات وأكمل التحيات ، ضاحي نهار الأحد السادس والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة : ٨٢٦ ودفن بمقابر المشهد المذكور وكان بيّض الله غرسه رجلا جميلا من الرجال ، جهوري الصوت ذرب اللسان ، مفوّها في المقال ، متفنّنا في علوم كثيرة ، فقيها متكلّما أصوليا نحويا منطقيا ، صنّف وأجاد ، صنّف في الفقه كنز العرفان في فقه القرآن ، كتاب قصره على الآيات المتضمّنة للأحكام الشرعية فأحسن تصنيفه ، وكتاب اللوامع الإلهية في علم الكلام ، وشرح مختصر شيخنا نجم الدين أبي القاسم ابن سعيد المسمّى بالنافع شرحا أكثر فيه الإفادة ، وأظهر الإحكام والإجادة ، وبلغ الحسنى وزيادة ، ولا يشبه بغيره من الشروح البتة ، يعرف ذلك من وقف عليها وعليه ، وشرح الفصول النصيرية في الكلام ، وشرح تجريد البلاغة للشيخ ميثم البحراني بسؤال العبد الكاتب ـ يعني نفسه ـ وقابلت معه بعضه.

ورتّب قواعد الشهيد شمس الدين محمد بن مكي ترتيبا اختاره ، وبحثت معه شيئا منها

__________________

(١) يرى القارئ العزيز أنّ المنقول عن خطّ تلميذ الفاضل المصنّف (ره) ، وهو الشيخ حسن بن راشد الحلّي (ره) في اسم والد الفاضل هو «عبد الله» لا «عبيد الله» كما ذكره شيخنا الأستاذ (ره) في الريحانة بالترديد في ذكره ، فما نقل عن خطّ تلميذه أعدل شاهد على أنّ «عبيد الله» من غلط النسخة كما ذكرناه فيما مرّ.

فقطع المباحثة لأمر لم يطلعني عليه ، ومنع من إتمام كتابتها ، وقال : إنّي ما كتبتها إلّا لنفسي، وإنّي لا أكتبها أحدا ، وكان كما قال ـ رحمه‌الله ـ فإنّه لم يكتب بعد تلك المباحثة ... وله شرح نهج المسترشدين في علم الكلام شرحا حسنا ، وله غيره «وهنا كلمة مطموسة لم تقرأ» ولعلّها ذكر بقية مؤلفات المقداد ، كتبه الفقير إلى «وهنا أيضا كتابة مطموسة لم نهتد إلى قراءتها» والظاهر أنّها ذكر اسم الكاتب الشيخ حسن بن راشد الحلّي والله اعلم. انتهى ما وجدناه في خزانة المرحوم شيخنا البلاغي قدّس الله سرّه ، والحمد لله رب العالمين.

محمد صادق بحر العلوم

انتهى ما في هامش روضات الجنات عند ترجمة الفاضل المقداد (ره) من التعليقة التي كتبها سيدنا العلّامة الطباطبائي بحر العلوم ، نسأل الله تعالى العافية له عن الأسقام والآلام ، فإنّه من مفاخرنا آل طباطبا ومن ذخائرنا العلمية في جامعة النجف الأشرف حفظها الله تعالى عن شرّ الأشرار من أعداء الاسلام بحقّ النبي وآله صلوات الله عليهم أجمعين.

ثقافته العالية

غير خفيّ على من له إلمام بالفقه وأصوله والكلام وفروعه أنّ الفاضل المصنّف الحبر العلّامة في الدرجة الأولى والقمّة العليا من الثقافات الإسلامية والمعارف الدينية المنتشرة في زمانه ، وفي الطليعة من علمائنا وفقهائنا الذين حازوا المراتب العالية في العلم والفضل في أصول الدين وفروعه.

تشهد بما ادّعيناه تصانيفه الرائقة وتأليفاته الممتعة التي حازت موقعا مقبولا في أذهان العلماء ، حتّى عكف طلاب العلوم الدينية والمدرّسون على أصغر كتاب له في الظاهر وأكبر في المعنى ، وهو النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر بالبحث والتدريس منذ عصر الفاضل المصنف (ره) إلى عصرنا هذا ، ولذلك له طبعات كثيرة على مرّ السنين يعسر حصرها وعدّها ، ومن أحسن طبعاته الحجرية طبعة سنة ١٢٩٢ بتبريز بخطّ الشيخ العالم الشيخ عبد الرحيم التبريزي الخطّاط المشهور رحمه‌الله ، والعلماء أقبلوا على هذا الكتاب الشريف والشرح المنيف إقبالا عظيما قلّما يتّفق مثله في حقّ كتاب آخر ، ولسيدي الوالد الماجد المعظم

قدّس الله روحه حواش كثيرة عليه كلّها بخطّه قدس‌سره ، كتبها حين تدريسه الكلام خارجا على طلاب مجلسه الشريف ، وكان عنوان الدرس كتاب النافع يوم الحشر ، ونسأل الله تعالى أن يوفّقنا لجمعها وتدوينها في مجلّد واحد ليعمّ نفعها.

وهذا كتابه كنز العرفان في فقه القرآن رزق من الشهرة والرغبة بين الشيعة والسنة بالبحث والتطلع عليه ما لم يرزق غيره من الكتب المؤلّفة في آيات الأحكام.

قال سيدنا الأستاذ العلّامة المرجع الشهير السيّد شهاب الدين النجفي المرعشي أدام الله تعالى ظلّه في مقدّمة مسالك الأفهام : «للفاضل الجواد الكاظمي قدس‌سره عند كلامه عن المصنّفين في آيات الأحكام من علمائنا الإمامية رضوان الله عليهم ومنهم : العلّامة الشيخ أبو عبد الله المقداد ... له كنز العرفان ... وعندي أنّه مع وجازته من أحسن ما دوّن بين كتب الفريقين في هذا الشأن ، وقد طبع مرارا ، ورأيت ترجمته بالفارسية والاردوئية» (١) انتهى.

وليس هذا الاعتناء من العلماء على هذا الكتاب إلّا لفضل مصنّفه الباهر وعلمه المتدفّق وبيانه القاهر وقلمه السيّال وتحقيقاته الفائقة وتدقيقاته العميقة وكثرة فوائده العامّة وعوائده الكاملة.

فطلّاب العلم وروّاد الفضل اغترفوا في بحر فضله العميق ، واعترفوا بتقدّمه في العلوم واستفادوا من تصانيفه الممتعة منذ عصره إلى اليوم طيلة هذه القرون ، فهو في غنى عن إطراء الواصفين وثناء المادحين. كيف وقد عرفت أنّ في تصانيفه من الدلالة على غزارة علمه وجلالة قدره ونبالة أصله وسطوع فضله في مقام الفقاهة والاجتهاد والاستنباط ما لا يمكن إنكارها.

وقد وصفه كلّ من تعرّض لترجمته أو اكتفى بذكر اسمه الشريف ـ كما مرّت عباراتهم ـ بأوصاف التحقيق والتدقيق وصرّحوا بكونه من العلماء المحقّقين ومن المتكلّمين المدقّقين. وفي تعبيراتهم عنه في كتبهم ب «الفاضل المقداد» وفي الكتب الفقهية غالبا ب «الفاضل السيوري» وفي اعتنائهم بآرائه ونظرياته في المسائل الفقهية والمباحث العلمية الكلامية دلالة واضحة على

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ١ ، ص ٩.

إذعانهم بمقامه العلمي الشامخ ، وقد نقلنا تصريح بعضهم بكونه من الفقهاء الذين يعتمد على فتاويهم وأقوالهم.

هذا المحقّق الكبير الفقيه المتضلّع المدقّق الشيخ أسد الله التستري قدس‌سره أذعن بكون الفاضل المصنّف (ره) من العلماء المحقّقين والفقهاء المدقّقين كما مرّ تصريحه بذلك ، واعتنائه في كتابه المقابس بآرائه.

وليس ذلك كلّه إلّا من شدّة اهتمام الأكابر وأهل التحقيق بمصنّفات الشيخ الفاضل المصنف (ره) ، فإنّها مشحونة بالتحقيقات العلمية والفوائد الكثيرة ، ومؤلّفة على ضوء التحقيق والتحبير والتهذيب والتنقيح وتحرير المطالب وتجريدها عن الحشو والزوائد ، كما يشهد بما ادّعيناه كتابنا هذا اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية من نفائس مصنّفات هذا العلّامة المحقّق قدس‌سره الشريف ، وحشره الله مع العترة الطاهرة عليهم‌السلام ولا سيما مع من هو راقد في جوار مرقده المقدّس وتربته الزاكية ، صلوات الله وسلامه عليهم ما اختلف الملوان وتعاقب الجديدان.

تأليفاته الممتعة

فإليك أيّها القارئ فهرس تصانيف الفاضل المصنّف (ره) ، وهي من تراثنا القيّم ومن نتائج الجهود الجبّارة والمشقّات الكادحة التي بذلها في هذا السبيل. ولو لا تلك المثابرة وذلك الجهد المتواصل لما وصلت إلينا هذه الثروات العلمية ، ولم نتمكّن من هذه الأثمار اليانعة ومن هذه الكنوز والذخائر القيمة ، فإليك فهرسها فيما يلي :

١) آداب الحج : قال في رياض العلماء : رأيته في أردبيل بخطّ تلميذ المصنّف (ره) الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن علالا (غلالة خ ل) وعلى ظهره إجازة المصنّف (ره) لتلميذه الكاتب المذكور ، وتاريخ الإجازة ثاني جمادى الثانية سنة ٨٢٢ ه‍ ـ ق» (١).

٢) الأدعية الثلاثون : من أدعية النبي والأئمّة عليهم‌السلام ، قال شيخنا في الذريعة : «قال فيه :

__________________

(١) الذريعة ، ج ١ ، ص ١٧. وما نقله المعاصر في مقدّمة كنز العرفان عن الرياض بواسطة الذريعة لا توافق مع ما في الذريعة من كلّ الجهات ، فلاحظ ، نعم توافق في الجملة مع ما يأتي في الذريعة ، ج ١ ، ص ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ، فراجع.

«وقبل الشروع في الغرض المعهود نذكر مقدّمات نافعة في المقصود» ثمّ بعد ذكره للمقدّمات ذكر الأدعية ، وهي ثلاثون دعاء عن النبي والأئمة عليهم‌السلام مرتّبا إلى آخرهم ، رأيت نسخة منه بخطّ جعفر بن محمد بن بكة الحسيني سنة ٩٤٠ في كتب السيّد محمد علي السبزواري بالكاظمية (١)».

٣) الأربعون حديثا : ألّفه لولده الشيخ عبد الله (ره) كما صرّح به في الرياض.

قال شيخنا في الذريعة : قال صاحب الرياض : رأيته في أردبيل في مجموعة بخطّ تلميذ المصنّف (ره) ، وعليه إجازته له ، صورتها : «أنهى قراءة هذه الأحاديث الشيخ الصالح العالم الفاضل زين الدين علي بن حسن بن علالة ، وأجزت له روايتها عنّي ، عن مشايخي قدّس أرواحهم ، وكتب المقداد بن عبد الله (٢) السيوري في الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة ٨٢٢» (٣).

٤) إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين. هو شرح لنهج المسترشدين في أصول الدين تأليف العلّامة الحلّي قدس‌سره ، شرحه الفاضل المصنّف (ره) بعنوان «قال : أقول» فرغ منه آخر نهار الخميس الحادي والعشرين من شعبان سنة ٧٩٢ ، وطبع ببمبئي سنة ١٣٠٣ ، ولكن في هذه الطبعة أغلاط كثيرة ، وتوجد نسخة بخطّ السيّد المحدّث الجزائري تاريخ كتابتها سنة ١٠٦٨. عند بعض أحفاده ، راجع الذريعة ، ج ١ ، ص ٥١٥ طبعة النجف.

٥) شرح ألفية الشهيد قدس‌سره. قال البحراني (ره) في اللؤلؤة : نسبه إليه بعض مشايخنا المعاصرين نوّر الله مراقدهم. وكذا نسبه إليه السيّد الجابلقي (ره) في الروضة البهية ، فراجع.

__________________

(١) الذريعة ، ج ١ ، ص ٣٩٦ طبعة النجف.

(٢) القارئ العزيز جدّ خيبر أنّ المنقول من خطّ تلميذ الفاضل المقداد (ره) أو من خطّ نفسه في اسم والده هو «عبد الله» لا «عبيد الله» كما قد توهّم من غلط النسخة ، ويظهر من شيخنا في الذريعة ، ج ١٨ ، ص ١٥٩ ـ أنّ لقب والده «جلال الدين».

(٣) الذريعة ، ج ١ ، ص ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ولا يخفى أنّ ما ذكره شيخنا هنا لا يتّفق مع ما ذكره في ج ١ ، ص ١٧ بالنسبة إلى تاريخ الشهر ، فلاحظ ، فلا بد من وقوع اشتباه في البين.

٦) الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية (١) للمحقق الطوسي (ره) ، وكتاب الفصول أصله فارسي طبع بإيران وعرّبه جدّ الفاضل المصنف (ره) ركن الدين محمّد بن علي الجرجاني رحمه‌الله تلميذ آية الله العلّامة (ره) ، والمصنّف (ره) شرح النسخة المعرّبة بعنوان : «قال : أقول» وصدّره اسم الملك جلال الدين علي بن شرف الدين المرتضى العلوي الحسيني الآوي ، وسمّاه باسمه ، ونسخه كثيرة ذكرها شيخنا في الذريعة (٢) وقال : رأيت منه نسخا نسخة منها بخطّ عليّ بن هلال ، والظاهر أنّه الكركي المجاز من المحقّق الكركي ، تاريخ كتابتها سنة ٩٨٠ في مكتبة الشيخ ميرزا محمد الطهراني العسكري ....

قال المعاصر (ره) في مقدمة كنز العرفان في ذيل صفحة ١١ بعد نقل ما ذكره شيخنا في الذريعة في المتن ما هذا نصّه : بل هو عليّ بن هلال الجزائري المجاز من المحقق الكركي كما مرّ في تلامذته ، وكأنّه من سهو الكاتب أو الطابع. راجع الذريعة ، ج ٢ ، ص ٤٢٣.

قلت : رجعنا إلى الذريعة وتأمّلنا كلام شيخنا فيها ، وغير بعيد أن يكون عليّ بن هلال كاتب النسخة هو الجزائري (ره) شيخ الإمامية في زمانه كما ذكره ، ولكنه ليس بمجاز عن المحقّق الكركي (ره) بل الأمر بالعكس ، فإنّ المحقّق الكركي (ره) هو المجاز عن عليّ بن هلال الجزائري (ره) الذي كتب الإجازة للمحقّق سنة ٩٠٩ (٣) كما ذكرناه فيما مرّ ، صفحة ٣١ ـ ٣٢ ، فعليّ بن هلال (ره) هو المجيز للمحقّق (ره) ، والظاهر من تعبير شيخنا أنّه مجاز عنه ، ووصفه بالكركي ولعلّه عليّ بن هلال العاملي الكركي المتوفّى بأصبهان سنة ٩٨٤ ، ويساعد عليه تاريخ كتابة النسخة ٩٨٠ ه‍ كما ذكره شيخنا قدس‌سره ، فلا بدّ من التحقيق ، وبعيد أن يذهل شيخنا عن ذلك ، وما المعصوم إلّا من عصمه الله تعالى.

وأمّا ما ذكره المعاصر (ره) أنّه هو عليّ بن هلال الجزائري المجاز من المحقّق الكركي ، فهو

__________________

(١) من شروح كتاب الفصول الذي عرّبه ركن الدين الجرجاني ، هو شرح المولى عليّ بن يوسف بن عبد الجليل (ره) ، شرحه بعنوان «قال : أقول» واسمه منتهى السئول في شرح الفصول وأوله : الحمد لله مبدع نظام الأصول ومخترع ترتيب الفصول بحكمة تبهر العقول ساطع الانوار الباهرة وخالق النفوس الطاهرة ... إلى آخره ، في مكتبتنا نسخة منه ، تاريخ كتابتها سنة ١٢٦٠ في كربلاء المقدسة.

(٢) الذريعة ، ج ٢ ، ص ٤٢٣.

(٣) الإسناد المصفّى ، ص ٥٦ ، روضات الجنات ، ص ٤٠١ ، الطبعة الأولى.

ذهول وغفلة منه كذهوله الذي ذكرناه وأوضحناه سابقا صفحة ٣٢ ـ ٣٢ ، فإنّ الجزائري (ره) هو مجيز للمحقّق الكركي (ره) كما عرفت لا أنّه مجاز منه ، ويروي المحقّق الكركي (ره) عن الجزائري (ره) عن ابن فهد الحلّي (ره) عن الفاضل المصنّف قدّس الله أسرارهم.

ونسخة من الأنوار الجلالية موجودة عندي تاريخ كتابتها سنة ٨٥١ والنسخة عارية عن بعض الأصدقاء الأفاضل دام بقاؤه واستنسخ كاتب منها نسخة لمكتبتنا وقابلناها معها ، وفي آخر النسخة : «وافق الفراغ من نسخة نهار الأربعاء يوم السادس عشر من شهر صفر سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بقلم العبد الفقير إلى الله الغني الراجي عفو ربّه وغفرانه محمد بن محمد بن حسين بن موسى البعلبكي لقبا الكركي منشأ غفر الله له ولوالديه ولمن نظر في هذا الكتاب أو قرأ ودعا لهم بالرحمة والغفران ولجميع المؤمنين والمؤمنات آمين ربّ العالمين».

٧) تجويد البراعة في شرح تجريد البلاغة. في علمي : المعاني والبيان. والتجريد ، من تصانيف العالم الرباني كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني (ره) المتوفّى ٦٧٩ ، ويقال له : أصول البلاغة ، وبلحاظ الجناس سمّى الفاضل المقداد شرحه له بتجويد البراعة في شرح تجريد البلاغة (١).

٨) التنقيح الرائع في شرح مختصر الشرائع ، هو أمتن كتاب في الفقه الاستدلالي ، وأرزن خطاب ينتفع به الداني والعالي. قال شيخنا في الذريعة : «التنقيح الرائع من المختصر النافع الذي هو اختصار الشرائع ، والتنقيح شرح وبيان لوجه تردّداته في المختصر الذي هو كأصله للمحقّق الحلّي المتوفّى ٦٧٦ والشرح للفاضل المقداد ، وهو شرح تام من الطهارة إلى الديات في مجلّدين بعنوان «قوله : قوله» فرغ منه في تاسع ربيع الأول سنة ٨١٨ ونسخة عصر المؤلّف توجد في الخزانة الرضوية كما في فهرسها كتبت في ٨٢١» (٢).

٩) جامع الفوائد في تلخيص القواعد كما نسب إليه قدس‌سره. قال المعاصر في مقدّمة كنز العرفان : «وكأنّه بعد ما نضد كتاب شيخه الشهيد القواعد الفقهية ، وسمّاه نضد القواعد

__________________

(١) مقدمة كنز العرفان ، ص ١٢ ، الذريعة ، ج ٣ ، ص ٣٥٢.

(٢) الذريعة ، ج ٤ ، ص ٤٦٣.

ـ على ما يأتي ـ لخّصه ثانيا وسمّاه جامع الفوائد في تلخيص القواعد» (١).

١٠) شرح سى فصل للمحقّق الطوسي قدس‌سره في النجوم والتقويم الرقمي (٢).

١١) كنز العرفان في فقه القرآن ، كتاب قيّم في شرح آيات الأحكام ، وهذا الكتاب في الشهرة بين المسلمين قديما وحديثا وكونه مطرحا لأنظار العلماء ومصدرا لبحوثهم حول آيات الأحكام لا يحتاج إلى البيان ، فما من مكتبة خاصّة أو عامّة إلّا وتوجد فيها نسخة أو نسخ منه وفي مكتبتنا نسخة تاريخ كتابتها سنة ١٠٥١ بخطّ محمد باقر بن محمد أمين الحسيني الطالقاني. والنسخة موروثة لنا عن الآباء والأجداد من قبل زمن الجدّ الأعلى العالم الربّاني الحاج ميرزا مهدي القاضي الطباطبائي قدس‌سره المتوفّى سنة ١٢٤١. وعلى أوائلها تعليقات بخطّ سيدي الوالد الماجد قدس‌سره كتبها بخطّه الجيّد ، وعلى ظهرها أيضا خطّه ونقش خاتمه الشريف وتصريحه بأنّ النسخة موروثة وعليها تصحيحات بخطّه أيضا.

وطبع هذا الكتاب باهتمام الشيخ المؤيّد الحاج شيخ عبد الكريم التبريزي صاحب المكتبة المرتضوية بطهران سنة ١٣٨٥ ، مع التصحيح بالنسخ الصحيحة المخطوطة جزاه الله تعالى خيرا.

وباحثنا آيات الاحكام وكان مصدر البحث هو هذا الكتاب النفيس ، وكتبنا عليه تعاليق نفيسة من أوّله إلى آخره ، قال شيخنا في الذريعة : «كنز العرفان في فقه القرآن تفسير لآيات الأحكام للشيخ الإمام شرف الملّة والحقّ والدين أبي عبد الله مقداد بن جلال الدين عبد الله السيوري الحلّي تلميذ الشهيد الأوّل ، وشارح الباب الحادي عشر المتوفّى ٢٦ جمادى الثانية سنة ٨٢٦ رتّبه على مقدّمة وكتب بترتيب كتب الفقه وخاتمة. أوّله : «الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب لكلّ شيء تبيانا وجعله لتصديق نبوته وتأييد رسالته حججا وبرهانا ...» (٣).

ثمّ ذكر أنّه طبع بإيران سنة ١٣١٥ وسنة ١٣١٣ وكلام شيخنا رحمه‌الله صريح بأنّ لقب والده هو «جلال الدين».

__________________

(١) ريحانة الأدب ، ج ٤ ، ص ٢٨٣ ، طبعة تبريز. الأعلام للزركلي ، ج ٨ ، ص ٢٠٨.

(٢) ريحانة الأدب ، ج ٤ ، ص ٢٨٣ ، طبعة تبريز. الأعلام للزركلي ، ج ٨ ، ص ٢٠٨.

(٣) الذريعة ، ج ١٨ ، ص ١٥٩ ، طبعة طهران.

١٢) اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية ، هو هذا الكتاب النفيس الذي بين يدي القارئ الكريم ، وسيأتي البحث حول هذا الكتاب الشريف عند الكلام على النسختين المخطوطتين منه الموجودتين عندنا.

١٣) النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر ، للعلّامة قدّس الله روحه. هو الكتاب الصغير الحجم الكثير المعنى ، المشهور المتداول عند الطلاب بالبحث والتدريس منذ تأليفه إلى اليوم ، في مدّة أكثر من خمسمائة عام (١) وقد شرحه الفاضل المصنّف (ره) في غاية الجودة والمتانة وسلاسة العبارة والإيجاز والاختصار ، ولذلك صار مطرحا لأنظار العلماء والطلّاب من بين الشروح الكثيرة التي كتبها العلماء للباب الحادي عشر قديما وحديثا ، ومنها : شرح العلّامة المتكلّم الكبير ابن أبي جمهور الأحسائي قدس‌سره ، وسمّاه معين الفكر ثم شرح هذا الشرح مبسوطا بعنوان «الأصل : ـ الشرح :» وسمّاه معين المعين في أصول أصول الدين وفي مكتبتنا نسخة منه فرغ من كتابتها محمّد صالح بن الشيخ محمد علي الجوازري في يوم الجمعة ١١ شهر جمادى الأولى سنة ١٠٩٢. في بلدة «حويزة». وعلى ظهر النسخة خطوط جمع من العلماء مثل الشيخ محمد علي بن شيخ حسين الحسيني الكربلائي في سنة ١١٣٥ وابنه الشيخ عبد الله الحسيني الكربلائي في سنة ١١٦٧ والسيّد صالح بن سيد مهدي بن سيد رضي القزويني الحسيني سنة ١٢٤٣

١٤) نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية. قال في الروضات : «وهو كتاب بديع رتّب فيه قواعد شيخه الشهيد (ره) على ترتيب أبواب الفقه والأصول من غير زيادة شيء على أصل ذلك غير ما رسمه في مسألة القسمة منه». ثمّ نقل بعض خصوصيات الكتاب كما نقله المعاصر (ره) في مقدّمة كنز العرفان ، فراجع.

١٥) نهج السداد في شرح واجب الاعتقاد ، بل الصحيح الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد ، للعلّامة قدس‌سره يشتمل واجب الاعتقاد على أصول الدين وفروعه وشرحه الفاضل المصنّف (ره) أصولا وفروعا في أيام حياة أستاذه فخر المحقّقين (ره) قال قدس‌سره عند

__________________

(١) إن لاحظنا التاريخ من زمان وفاة الفاضل المصنّف رحمه‌الله تكون المدّة إحدى وسبعين وخمسمائة سنة ، فإن فرضنا تأليف شرح الباب الحادي عشر قبل وفاته بثلاثين سنة تقريبا فتكون مدّة تداول الشرح المذكور بين العلماء ستّمائة سنة.

الكلام على الصلاة ما هذا نصه : «الثامن التسليم ، فقيل : إنّه واجب ، وهو قول السيّد المرتضى (ره) وجماعة من الأصحاب. وقيل : إنّه مندوب ، وهو قول الشيخ أبي جعفر الطوسي (ره). واختاره المصنّف (ره) في أكثر كتبه ، ثمّ رجع عن القول بالندب وأفتى بالوجوب على ما نقله عن شيخه العلّامة ولده مولانا فخر الدين محمد أدام الله أيامه. وللتسليم عبارتان : الأولى : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، والثانية : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، والواجب أحدهما من غير تغيير ...».

وفخر المحقّقين (ره) توفّي سنة ٧٧٠ وهذا الشرح طبع ضمن مجلّد مشتمل على عشرين رسالة من تأليفات جمع من الأكابر في سنة ١٣١٥ بطهران ، وسمّي المجلّد بكلمات المحقّقين.

وأيضا طبع ضمن مجلّد سمّي بكلمات المحقّقين مشتمل على ثلاثين رسالة كما ذكرها شيخنا في الذريعة (١).

ومن العجب أنّ المعاصر في مقدّمة كنز العرفان قال تبعا للروضات : «ومنها نهج السداد في شرح واجب الاعتقاد للعلّامة» (٢). وقال شيخنا الأستاذ في الريحانة : «مهج السداد في شرح واجب الاعتقاد» (٣). وهو أيضا تبع لصاحب الروضات حيث ذكر في متن الكتاب هذا الشرح بعنوان : «مهج السداد» (٤) وقال : «وكتاب نهج السداد في شرح واجب الاعتقاد للعلامة ره» (٥).

وكلا الاسمين ممّا لا وجه له. وأجاد الأستاذ الدجيلي في أعلام العرب وقال : «الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد للعلّامة الحلّي» (٦).

قال شيخنا المحقّق الطهراني (ره) في الذريعة : «الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد في الأصول والفروع من تصانيف العلّامة الحلّي كما يأتي ، والشارح هو الشيخ ـ الشهير

__________________

(١) الذريعة ، ج ١٨ ، ص ١١٨.

(٢) روضات الجنّات ، ص ١٤.

(٣) ريحانة الأدب ، ج ٤ ، ص ٢٨٣ ، الطبعة الثانية تبريز.

(٤) روضات الجنات ، ص ٦٦٧ ، الطبعة الأولى.

(٥) روضات الجنات ، هامش ص ٦٦٦.

(٦) أعلام العرب ، ج ٣ ، ص ٦٢ ، طبعة النجف.

بالفاضل ـ جمال الدين أبو عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الحلّي الأسدي المتوفّى ضاحي نهار الأحد السادس والعشرين من جمادى الآخرة سنة ٨٢٦ كما أرّخه تلميذه الشيخ حسن بن راشد فيما رأيته بخطّه ، وهو من تلاميذ الشهيد وفخر المحقّقين ، ويظهر من بحث التسليم من هذا الشرح أنّه ألّفه في حياة أستاذه فخر المحقّقين الذي توفي سنة ٧٧١ أوله «الحمد لله الذي فضّلنا بدين الإسلام» طبع ضمن مجموعة كلمات المحقّقين سنة ١٣١٥ وتسميته بمهج السداد كما عن بعض من سهو القلم»(١).

والسيّدين الجليلين العلمين دام بقاؤهما ذكرا في تعاليقهما على الفوائد الرجالية للعلّامة الإمام السيّد بحر العلوم الطباطبائي مفخرة آل طباطبا قدّس الله روحه ، عند ترجمة العلّامةقدس‌سره وذكر تصانيفه ما نصّهما : واجب الاعتقاد هو في الأصول والفروع ذكره في الخلاصة وله شرح للمقداد السيوري ، وله شرح أيضا لعبد الواحد بن الصفي النعماني اسمه : نهج السداد إلى شرح واجب الاعتقاد. (٢)

أقول : شرح النعماني نهج السداد موجود في مكتبة سيدنا الأستاذ المرجع الأكبر السيّد النجفي المرعشي أدام الله ظله بقم ولعل من قال : إنّ اسم شرح الفاضل المقداد (ره) هو نهج السداد اشتبه عليه الأمر بشرح النعماني الموسوم ب نهج السداد ، وذلك غير بعيد ، لعدم ذكر الشارح اسم نفسه في أول الكتاب.

وقد استدعينا من سماحة سيّدي وأستاذي العلّامة المرجع الأكبر أدام الله ظلّه العالي أن يتحفنا بصورة مصوّرة من نهج السداد للنعماني وأن يتفضّل علينا بإرسالها إلينا حين قمنا مع صديقي الفاضل الشيخ الآصفي بتصحيح كتاب اللوامع الالهية للفاضل السيوري (ره) فتفضّل سماحة سيدي الإمام الأستاذ دام ظلّه وأمر بإرسال نسخة مصوّرة من الشرح المذكور نهج السداد وظهر علينا من بركاته أنّ نهج السداد الموجود في مكتبته العامرة بالنفائس إنّما هو للنعماني لا للفاضل السيوري (ره) ثمّ عرفنا أنّ اسم شرح الفاضل هو الاعتماد كما عرفت مشروحا. نسأل الله تعالى أن يديم ظلّ سيدنا المرجع الأكبر على رءوس الأنام ، فإنّ كلّ هذه

__________________

(١) الذريعة ، ج ٢ ، ص ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، طبعة النجف.

(٢) الفوائد ، ج ٢ ، ص ٢٧٣ ، طبعة النجف.

الفوائد من بركات وجوده المقدّس ، وبركات وجوده في العالم الإسلامي والمجتمع المذهبي ممّا لا يحصى.

والجدير بالذكر : أنّ في ظهر نسخة نهج السداد مكتوب بقلم كاتب النسخة ما هذا نصه : «كتاب فيه شرح واجب الاعتقاد تصنيف الإمام العلم العامل الفاضل الكامل قدوة العارفين عبد الواحد بن الصفي النعماني قدّس الله روحه الزكية وحشره مع العترة النبوية بمحمد وآله الطيبين الطاهرين». والنسخة مكتوبة في نهار السبت أوّل شهر جمادى الآخرة سنة ٩٠٢.

وهذا الكتاب شرح على الأصول من رسالة واجب الاعتقاد فقط وذكر الشارح اسم الكتاب في مقدّمته ، وقال : «وقد سمّيته بنهج السداد إلى شرح واجب الاعتقاد». وفي سائر خصوصيات النسخة وفي فتوغرافية آخر صفحتها لا بدّ من الرجوع إلى فهرس مخطوطات المكتبة ـ انظر إلى المجلد الثالث ص ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ـ و (ش ١١٢٦).

١٦) شرح مبادي الأصول للعلّامة قدس‌سره. وقد طبع مبادي الوصول إلى علم الأصول في النجف الأشرف سنة ١٣٩٠ ـ الطبعة المحقّقة الأولى. بإخراج وتعليق وتحقيق الأستاذ عبد الحسين محمد علي البقّال ، بتصدير الشيخ الحجّة الشيخ مرتضى آل ياسين دام بقاؤه ، وقد أخرج الكتاب إخراجا أنيقا إلى الوجود بحلّة قشيبة وتصدير يشتمل على التحقيق الرشيق وتعاليق على الكتاب اعتمد فيها على كتاب غاية البادئ في شرح المبادي للعلّامة ركن الدين الجرجاني (ره) تلميذ العلّامة قدس‌سره وجدّ الفاضل المقداد المصنّف رحمه‌الله تعالى كما مرّ تحقيق ذلك.

قال شيخنا البحاثة في الذريعة : «مبادي الوصول إلى علم الأصول. ويقال له : مبادي الأصول هو متن مختصر في أصول الفقه ، تصنيف آية الله العلّامة جمال الدين الحسن بن يوسف الحلّي المتوفّى ٧٢٦ وقد شرحه وعلّق عليه الأصحاب من لدن حياته حتّى اليوم ، وسنذكر بعض ما اطّلعنا عليه» (١).

ثم ذكر رحمه‌الله تعالى عدة من الشروح وقال : شرح مبادي الوصول الموسوم

__________________

(١) الذريعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢ ـ ٥٤ ، طبعة النجف.

ب نهاية المأمول يأتي أنّه للشيخ الجليل الفاضل أبي عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الحلّي الأسدي أوله : «الحمد لله ذي العزّة ...» رأيته في خزانة كتب سيّدنا الحسن صدر الدين الكاظمي.

وقال قدس‌سره قبل ذلك : شرح مبادي الوصول للسيد الأجلّ المرتضى عميد الدين عبد المطلب بن السيّد مجد الدين أبي الفوارس محمد بن علي بن الأعرج الحسيني شارح تهذيب الأصول وهو ابن أخت العلّامة الحلّي وأخو السيّد ضياء الدين ، وسمّى شرحه ب غاية البادئ في شرح المبادي أو نهاية البادئ توفّي يوم الاثنين عاشر شعبان سنة ٧٥٤ انتهى.

قال الكاتب الألمعي الأستاذ البقّال في مقدّمة «مبادي الوصول» ص ٣٦ : «إنّ هذا الكتاب المسمّى ب «غاية البادئ في شرح المبادي» من أهمّ الشروح المعروفة لمبادئ العلّامة ، والذي ألّفه تلميذه ركن الدين الجرجاني ، خدمة لمعاصره الجليل السيّد عميد الدين ابن أخت العلّامة.

وهو الشرح الذي اعتمد عليه ورجع إليه في المهمّ من بحوثه الشيخ الأنصاري في رسائله.

توجد له نسخ خطّية متعدّدة ، منها : تلك التي اعتمدنا عليها ، والتي هي موجودة فعلا في مكتبة السيّد الحكيم العامة. وهي منسوخة بقلم زين العابدين القشقائي ، عام ٨٣٤ في ١٧٩ ورقة حسب ترقيم المكتبة لها ، بقياس ١٠ سم* ١٧ سم تقريبا ، ومعدّل ١٧ سطرا للصفحة الواحدة ، والمسجّلة لديها برقم ١٠٩٤.

على أنّ هذا المصنّف كثيرا ما اشتبه بمصنّف آخر أطلق عليه «نهاية البادئ في شرح المبادي» وعرف بأنّه من مصنّفات السيّد عميد الدين ابن أخت العلّامة.

أمّا الاشتباه في بدايته ، فقد وقع فيما يبدو للحجّة الراحل المغفور له الشيخ «آقا بزرك الطهراني» في ذريعته (١).

__________________

(١) انظر الذريعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢.

ثمّ استمر بعد ذلك لمن نقل عنه كما في سجلّي ـ قبل التصحيح ـ مكتبة الحكيم العامة ومكتبة الحسينية الشوشترية.

ولكن لدى التحقيق ، بمقابلة ما يسمّى بنهاية البادئ ، الموصوفة «بقال دام ظلّه وأقول» لما يسمّى بغاية البادئ خاصة تلك المحفوظة في مكتبة السيّد الحكيم ومكتبة الحسينية الشوشترية ، ثبت أنّ مدونات التسميتين كلمات متّفقة واحدة.

كما وأنّ مراجعة المصادر التي ترجمت للسيد عميد الدين ، لم نجد فيها أيّ ذكر لمثل هذا المصنّف ـ سواء في اسمه الصحيح أو المشتبه به ـ يحمل مثل هذا الاسم من بين مصنّفاته.

كذلك!! فإنّ مراجعة أمّهات الفهارس للكتب الخطيّة والمطبوعة تؤكّد عدم وجود مثل هذا الكتاب بمثل هذا الاسم كشرح للمبادىء سواء للجرجاني أو عميد الدين ، عدا ما ذكر في الذريعة وما نقل عنه.

وأخيرا!! فالذي يبدو أنّ الشرح واحد ، وأنّ التعدّد في عنوانه اشتباه ، وأنّ منشأه خلط في القراءة ، بفعل عدم وضوح الخط أولا فعدم التثبّت منه ثانيا ، ذلك لأنّ النسخة الموجودة في مكتبة الحسينية الشوشترية ـ المكتبة التي اطّلع عليها الحجة الطهراني في حياته ونقل عنها كثيرا ـ نسخة سقيمة الخطّ ، الأمر الذي جعله ـ والجواد يكبو ـ يشتبه في قراءة الجملة «وسمّيته بغاية البادئ» الواردة في مقدّمة الكتاب فيقرأها «وسمّيته بنهاية البادي» (١) حيث إنّ الغين حسب ما رأيته توحي بقراءته هاء وسطية ـ انتهى.

١٧) تفسير مغمضات القرآن ، ذكره المعاصر في مقدّمة كنز العرفان نقلا عن شيخنا الأستاذ في الريحانة (٢).

وفاته ومدفنه

ظهر ممّا ذكرنا ونقلنا إلى هنا من كلمات الأعلام أنّ الفاضل المصنّف (ره) توفّي بالمشهد المقدّس الغروي «النجف الأشرف» على مشرّفه أفضل الصلوات وأكمل التحيات ضاحي نهار

__________________

(١) الذريعة ، ج ١٤ ، ص ٣٨.

(٢) ريحانة الأدب ، ج ٤ ، ص ٢٨٢ ، طبعة تبريز.

الأحد السادس والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة ٨٢٦ ودفن بمقابر المشهد المذكور ، كما صرّح بتاريخ وفاته ودفنه في النجف تلميذه الفاضل الشيخ حسن بن راشد الحلّي (ره) كما كتبه بخطّه ، وقد نقلنا عين عباراته فيما تقدّم. ويبعد بعد دفنه في النجف نقله إلى محلّ آخر.

فما ذكره واحتمله قويّا في روضات الجنات بالنسبة إلى مدفنه فهو من الاحتمالات التي لا ينبغي الاعتماد عليها والركون إليها.

قال في الروضات : «ومن جملة ما يحتمل عندي قويّا هو أن يكون البقعة الواقعة في برية شهروان بغداد ، والمعروفة عند أهل تلك الناحية بمقبرة مقداد مدفن هذا الرجل الجليل الشأن ، بناء على وقوع وفاته رحمه‌الله تعالى في ذلك المكان أو إيصائه بأن يدفن هناك ، لكونه على طريق القافلة الراحلة إلى العتبات العاليات وإلّا فالمقداد بن الأسود الكندي الذي هو من كبار أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مرقده المنيف في أرض بقيع الغرقد الشريف ، لما ذكر المؤرّخون المعتبرون من أنّه رضي الله عنه توفّي في أرضه بالخوف ، وهو على ثلاثة أميال من المدينة فحمل على الرقاب حتّى دفن بالبقيع» (١) انتهى.

ونقل هذا الاحتمال المحدث القمّي (ره) عن الروضات في كتابه الكنى والألقاب (٢). وفي الفوائد الرضوية (٣) ، وكذا شيخنا الأستاذ (ره) في الريحانة (٤).

وقال الفاضل المعاصر رحمه‌الله تعالى ـ وأجاد فيما قال ـ في مقدّمة كنز العرفان بعد نقل هذا الاحتمال ما هذا لفظه : «لكنّه من عجيب الاحتمال حيث إنّ المسمّين بالمقداد كثيرون ، وليس لنا أن نقول بأنّ المقبرة المشهورة عندهم لما لم تكن للمقداد بن أسود الكندي فليكن للمقداد بن عبد الله السيوري ، بل الشيخ المترجم له قد توفّي بالمشهد الغروي على ساكنه آلاف التحية والثناء ضحى نهار الأحد السادس والعشرين من جمادى الآخرة سنة ٨٢٦ الهجرية ، ودفن بمقابر المشهد المذكور على ما صرّح به تلميذه الشيخ حسن بن راشد الحلّي».

__________________

(١) الروضات ، ج ٧ ، ص ١٧٥ ـ ١٧٦ ، طبعة قم.

(٢) الكنى والألقاب ، ج ٣ ، ص ٧ ، طبعة صيدا.

(٣) الفوائد الرضويّة ، ج ٢ ، ص ٦٦٧ ، طبعة طهران.

(٤) ريحانة الأدب ، ج ٤ ، ص ٢٨٣ ، طبعة تبريز.

ثمّ قال المعاصر رحمه‌الله تعالى : «بل هو نفسه ينقل عن بعض الأصحاب التصريح بذلك حيث يقول فيه : وهو الذي يعبّر عنه في فقهيات متأخّري أصحابنا بالفاضل السيوري ، وينقل عن كتابه في آيات الاحكام كثيرا ، وكنيته أبو عبد الله ، وفي بعض المواضع صفته أيضا بالغروي «نزلا» وكأنّه كان من جملة متوطّني ذلك المشهد المقدّس حيّا وميتا (١)».

قلت : لا شكّ أنّ الفاضل المقداد (ره) كان من متوطّني النجف الأشرف وساكنا في أرض الغري المقدّسة ، ومن فقهائنا الذين سكنوا فيها طيلة حياتهم الشريفة ، وكان بلد «الحلّة» يومئذ يعدّ مركزا للعلم والأدب ، لقرب توطّن أبطال الفقه أمثال المحقّق صاحب الشرائع وابن أخته آية الله العلّامة وقبلهما سيّد الأمة رضي الملّة والدين السيّد ابن طاوس (ره) وأمثالهم من الأكابر في تلك البلدة الشريفة مركز الشيعة ومحطّ رحالهم.

وكانت الحلّة مسقط رأس الفاضل المصنّف (ره) ، ولذلك كان يرحل إليها أيضا ، ولكن عمدة توطّنه كان في النجف الأشرف بلد العلم والأدب ومركز دائرة الفقاهة والاجتهاد والمرجعية العامة للشيعة الإمامية في العالم الإسلامي. والعلماء لم يتركوا التوطّن فيها طيلة القرون والأدوار السالفة حتّى أنّ السيّد ابن طاوس وتلميذه العلّامة قدس‌سرهما كانا في الأغلب من الملتجئين لأعتاب باب مدينة علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفخر المحقّقين قدس‌سره كان متوطّنا فيها وتتلمذ الفاضل المصنّف (ره) عنده في تلك الأرض المقدّسة.

وقد ذكرنا فيما سبق أنّه حضر عند الشيخ الشهيد الأول قدس‌سره في أرض الغري ، ويظهر من ذلك أنّ الشهيد (ره) سكن فيها واستفادت الطلّاب من نمير علمه المتدفّق وفقهه الفيّاض في تلك الجامعة العلمية.

وكان وفاة الفاضل المصنّف (ره) في ذلك المشهد المقدّس ، وصرّح تلميذه الفاضل الحسن بن راشد الحلّي (ره) أنّه دفن في مقابر المشهد المذكور كما عرفت تعبيره بما عبّرنا به فيما سبق ، ولا يبعد أن يكون مراده من «مقابر المشهد المذكور» هو المقبرة الكبرى «وادي السلام» وبعد الدفن فيها أو في غيرها من مقاربي الحرم العلوي والمشهد المرتضوي بعيد في الغاية أن

__________________

(١) الروضات ، ج ٧ ، ص ١٧١ ، طبعة قم.

ينقل جثمانه إلى محلّ آخر في العراق بقرب «بغداد» ، فما احتمله السيّد المحقّق الخوانساري (ره) في الروضات مجرّد احتمال لا دليل يدل عليه.

«مدرسة السيوري»

يظهر من بعض القرائن والأمارات أنّ الفاضل المقداد (ره) أسّس في النجف الأشرف مدرسة دينية للطلّاب ، وكانت في سنة ٨٣٢ عامرة ، ولكن لم يبق منها اليوم عين ولا أثر ، ولم ندر لم أبادها الدهر؟ أو غيّر اسمها في أثر التغييرات الطارئة عليها حتّى صار اسمها الأصلي نسيا منسيا بمرور السنين؟ كما يتّفق ذلك في حقّ بعض الأماكن من المدارس والمساجد وغيرها.

قال الشيخ المؤرّخ المتتبّع الفاضل الجليل الشيخ جعفر بن الشيخ باقر آل محبوبة النجفي (١) رحمه‌الله تعالى ما هذا لفظه الشريف :

«مدرسة المقداد السيوري»

هي إحدى مدارس النجف الضائعة ، ومن حسن الصدف أنّي وقفت على كتاب مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي (ره) مخطوط عند الشيخ الإمام العلّامة الميرزا محمد حسين النائيني دام علاه ، وفي آخره ما نصه :

«كان الفراغ من نسخه يوم السبت ثاني عشر من جمادى الأولى سنة ٨٣٢ على يد الفقير إلى رحمة ربّه وشفاعته عبد الوهاب بن محمد بن جعفر بن محمد بن عليّ بن السيوري الأسدي عفي عنه بالمشهد الشريف الغروي على ساكنه السلام ، وذلك في مدرسة المقداد السيوري. انتهى ولم نقف لها اليوم على عين ولا أثر».

وقال رحمه‌الله تعالى في ذيل الصفحة في ترجمة الفاضل المقداد (ره) : «هو الشيخ جمال الدين أبو عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمّد السيوري الأسدي

__________________

(١) رأيته في النجف الأشرف ، وكان من أخيار العلماء ، وقد خدم النجف بتأليف كتابه : ماضي النجف وحاضرها في عدّة مجلّدات جزاه الله خير الجزاء وحشره مع النبي وآله الطاهرين عليهم‌السلام ورأيته رضوان الله عليه في أواخر سني عمره الشريف خارجا من باب الصحن العلوي ، وبيده عصا بسبب وجع في رجليه وقد أظهر المحبة لي من باب الحبّ في الله وحيّاني وأكرمني لقدومي وتشرّفي للنجف الأشرف رحمة الله تعالى عليه رحمة واسعة.

الحلّي النجفي صاحب كتاب كنز العرفان في فقه القرآن مطبوع. كان من أفاضل العلماء وأكابر الفضلاء ، وهو أجلّ تلامذة الشهيد الأول محمّد بن مكّي (ره) وفخر المحقّقين ابن العلّامة (ره) والسيّد ضياء الدين عبد الله الأعرجي ، ألّف في أكثر الفنون وخاصة الفقه وعلم الكلام ، وهو يروي بالإجازة عمّن ذكرناه ، ويروي عنه ابنه الشيخ عبد الله والشيخ زين الدين علي بن الحسن ابن العلاء والشيخ محمد بن شجاع القطّان والسيّد رضي الدين بن عبد الملك الواعظ القمي» (١).

حول كتابنا اللوامع الالهية

كنت رأيت في سالف الزمان تعريف السيّد العلّامة المحقّق صاحب روضات الجنات (ره) هذا الكتاب بقوله : «وكتابه اللوامع من أحسن ما كتب في فنّ الكلام على أجمل الوضع وأسدّ النظام ، وهو في نحو من أربعة آلاف بيت ليس فيه موضع ليته كان كذا وليت. والعجب أنّ المترجمين لأحوال الرجل وأرقامه لم يذكروه ولا نضده القواعد في جملة مطرزات أقلامه» (٢).

وكنت في صدد الوقوف على هذا الكتاب الممتع النفيس ، ولكن لم نعثر عليه ولم أقف على نسخته حتّى وفّق الله تعالى الشيخ الصديق العلّامة الحاج ميرزا عباسقلي الواعظ «الچرندابى» قدس‌سره بأن أوصى : أنّ عدّة من كتب مكتبته العامرة بالنفائس مهداة بعد وفاته إلى المكتبة الرضوية في المشهد المقدّس الرضوي عليه‌السلام. بخراسان إيران بعد أن كان أولا أوصى بإهدائها إلى مكتبة الجوادين عليهما‌السلام في الكاظمية ـ بغداد ـ العراق ، ولكن رجع عن هذا القصد من زمن بعيد قبل وفاته وأوصى بالإهداء إلى المكتبة الرضوية.

فكتبنا إلى المسئولين من أولياء الأمور في «الآستانة» بخبر وصيته وإهدائه عدّة من الكتب

__________________

(١) ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ٨٥ ، طبعة صيدا ، سنة ١٣٥٣.

(٢) الروضات ، ج ٧ ، ص ١٧٢ ، طبعة قم. قوله : «والعجب أنّ المترجمين» الخ موضع عجب ، فإنّك عرفت ممّا تقدّم من نقل أقوال المترجمين لأحواله أنّ جمعا منهم ذكروه من رشحات أقلامه وذكره تلميذه الفاضل الفقيه الحسن بن راشد الحلّي رحمه‌الله تعالى من جملة مؤلّفاته ، فراجع ص ٣٩ ـ ٤٠.

إليها ، فصدر الأمر منهم إلى المتصدّي لأمور بعض الموقوفات المتعلقة ب «الآستانة» في آذربيجان «تبريز» بمراجعتنا في حقّ تلك الكتب المهداة إلى المكتبة الرضوية ، فانعقدت جلسة رسمية وحضر جمع من الفضلاء فيها وأهديت الكتب إلى المكتبة الرضوية في أواخر سنة ١٣٤٦ ه‍ ش ، وأغلبها كانت مخطوطات وعندي فهرسها ، وكان منها نسخة مخطوطة من هذا الكتاب اللوامع الالهيّة تاريخ كتابتها سنة ٨٥٢ أي بعد وفاة الفاضل المصنّف (ره) ٢٦ سنة. عدد اوراقها : ١٢٧ صفحة بالخطّ النسخي ، مختلفة السطور ، طول الورق : ٥ / ١٨ ، وعرضه : ١٤.

والنسخة موجودة الآن في المكتبة الرضوية ، ومكتوب في ظهر النسخة بخطّ كاتبها أحمد بن حسين بن جمال المغيراني ما هذا لفظه : «بسم الله الرحمن الرحيم كتاب اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة تصنيف المولى الأعظم والعلّامة المعظّم العالم الفاضل الكامل الزاهد المحقق المدقّق ، جامع مكارم الأخلاق ومحاسن السلم والأعراق ، المتحلّي بالكمالات النفسانية شرف الدين أبي عبد الله المقداد ابن المرحوم عبد الله قدس الله نفسه بمحمّد وآله الطاهرين وسلّم تسليما».

وكان يختلج في خلدي طبع هذا الكتاب ونشره ، ليعمّ نفعه ، فإنّه من تراثنا الخالد بثّا للعلم وحبا لنشر المعارف الدينية ، فكتبت إلى السيّد الجليل والعالم النبيل السيّد فخر الدين الموسوي الأردبيلي دام بقاؤه صاحب كتاب تاريخ أردبيل ودانشمندان المطبوع ، القاطن اليوم في المشهد المقدّس الرضوي بأخذ نسخة مصوّرة من النسخة الموجودة في المكتبة الرضوية المهداة إليها بوصية من الشيخ الواعظ الجرندابي رحمه‌الله تعالى ، ولم يكن في المكتبة الرضوية نسخة من هذا الكتاب غير هذه النسخة المهداة فأخذها دامت تأييداته وأرسلها إلينا ، ونشكر للسيد الجليل هذا المجهود والعمل الصادق ، ونسأل الله تعالى له خير الجزاء.

ثمّ وقفنا أنّ نسخة من الكتاب موجودة في مكتبة «دانشگاه» بطهران فأرسلنا بعض الأصدقاء إلى طهران لأخذ نسخة مصوّرة منها فوعدوا بإرسالها ووفوا بما وعدوا وأرسلوا نسخة مصورة ، ونقدم الشكر والتقدير لهذا العمل الجليل والوفاء بالوعد.

وهذه النسخة بالخط الفارسي «نستعليق» طول الورق : ٢١ ، وعرضه : ١٣. عدد

أوراقها : ١٦٢ ، وأغلب سطور الصفحات : ١٧ سطرا.

ولم يعلم كاتب النسخة ومحلّ استنساخها وتاريخ الكتابة.

وقرأنا في الذريعة : أنّ نسخة من الكتاب موجودة في مكتبة السيّد الإمام العلّامة السيّد حسن صدر الدين العاملي الكاظمي قدس‌سره في الكاظمية ، فكتبنا إلى سماحة الأخ الإمام العلّامة السيّد محمد باقر الصدر دام ظلّه في النجف الأشرف بإصدار الأمر إلى بعض السادة الكرام بأخذ نسخة مصورة منها وإرسالها إلينا لتكون من مصادرنا في التصحيح والمقابلة ، فإنّا استكتبنا نسخة للتصحيح والتعليق والمقابلة مع النسختين ، ورمزنا لنسخة المكتبة الرضوية (آ) إشارة إلى «الآستانة» ورمزنا لنسخة «دانشگاه» طهران (د) إشارة إليها.

فجاء الجواب عن سيدنا الصدر دام ظلّه بعدم وجدان نسخة من الكتاب في مكتبة سيدنا الحسن صدر الدين قدس‌سره ، وقال دام ظلّه في مكتوبه إلينا ، وهو بخطّه الشريف : «وبعد فقد تسلّمت بكلّ اعتزاز وتقدير رسالتكم الشريفة ونفحاتكم العلوية وعواطفكم القدسية ، ووجدتكم في هذه الرسالة الكريمة ـ كما هي حالتكم دائما ـ ذلك العالم الواعي الرشيد الذي يحمل هموم أمّته ، ويشعر بعمق مسئوليته ، ويفيض عليها من روحه الكبيرة علما وحكمة وتدبيرا ، وكنت قد بلغني اهتمامكم الجليل بمواساة المنكوبين وإعانة المشرّدين ، وما وافق ذلك من اهتماماتكم الأخوية الدينية بإبراز النجف والتنويه عنها ، فأسأل المولى سبحانه وتعالى أن يتقبّل منكم ذلك بأفضل ما يتقبّل من العلماء الصالحين وأوليائه المرضيين ويحفظكم للأمة منارا وللنجف سندا ويعزّ بكم الدين وينفع بوجودكم الشريف عموم المؤمنين.

وامّا كتاب اللوامع فقد كتبت فور تسلّمي لرسالتكم الكريمة رسالة إلى جناب السيّد حسين الصدر وكلّفته بالاهتمام بهذا الموضوع ، وإبلاغ السيّد عمّه اهتمامي البالغ بذلك ، مع علمي بأنّ مكتبة المرحوم الإمام السيّد حسن الصدر قدّس الله سرّه الشريف موضوعة على شكل ركام ومبعثرة في صناديق منذ عشرات السنين ، ولم تر طيلة هذه المدة نور الشمس ولا وجه مطالع ، ومكتبة من هذا القبيل ، من الصعب التفتيش فيها عن كتاب ، ولكنّي مع هذا أكّدت عليهم الموضوع ، وتسلّمت بالأمس رسالة من السيّد حسين تجدونها في جوف هذا المكتوب يبدو منها أنّه هو وعمّه وابن عمّه جميعا قد بذلوا جهودا شديدة في الحصول على

الكتاب المذكور ولم يجدوه ، ومع هذا فقد وعدني السيّد حسين بمواصلة البحث وتكرار التفتيش ، والله الموفق. ـ ٢٧ من ذي القعدة ١٣٩٦ ـ محمد باقر الصدر».

وبعد تسلّمي لهذا المكتوب الشريف كتبت إلى سماحة سيدنا الإمام الصدر دام ظلّه : بأنّ شيخنا البحّاثة المحقّق الطهراني قدس‌سره قد شاهد نسخة مكتبة الإمام السيّد حسن الصدر قدّس الله سرّه الشريف ونقل خصوصياتها في أثره الخالد الذريعة. وقال قدس‌سره : اللوامع الإلهيّة في المسائل الكلامية للشيخ المتكلّم الفقيه أبي عبد الله مقداد بن عبد الله بن محمد السيوري الحلّي ، تلميذ الشيخ الشهيد في ٧٨٦ وهو من أحسن ما كتب في الكلام نظير تجريد المحقّق الطوسي في أربعة آلاف بيت ، لكنه زاد في مباحثه. أوله : تسبيحات أو السبحات لجلال مبدع نطق بآيات وجوب وجوده هويات الاشياء .... ذكره كشف الحجب ويظهر من «الروضات» وجوده عنده ووصفه بما مرّ. ويوجد نسخة منه عند السيّد هبة الدين الشهرستاني ، وفي خزانة سيّدنا الحسن صدر الدين نسخة جليلة مذهّبة حسن الخطّ ...»(١).

ثمّ ذكر رحمه‌الله تعالى أنّ منه نسخة في مكتبة راجه فيض آبادي ومدرسة الفاضلية ، فرغ منها في الأربعاء ١٩ / ج ١ / ٨٠٤. ونسخة السيّد محمد المشكاة قريبة لعصر التأليف.

قلت : وذكر الأستاذ الدجيلي في أعلام العرب : «أنّ منه نسخة بخطّ الشيخ محمد السماوي سنة ١٣٣٤ وتوجد في خزانة كتبه» (٢).

وأمّا نسخة الشيخ السماوي (ره) فلم ندر أنّها هل انتقلت إلى المكتبة العامة لسيّدنا الأستاذ المرجع الأعلى السيّد الطباطبائي الحكيم قدس‌سره في النجف الأشرف أو لا؟ فإنّ مكتبة الشيخ السماوي (ره) فيها النفائس والذخائر ، وقد كنت شاهدتها في أيّام حياته رحمه‌الله تعالى ، قد تفرّقت بعد وفاته وذهبت بها أيدي سبأ ، ولكنّ سيّدنا الإمام الحكيم قدس‌سره أمر بشراء أكثر المخطوطات الموجودة في مكتبة الشيخ السماوي وجمعها وحفظها في المكتبة العامة التي أسّسها في الجامع الهندي ، ولم يساعدنا التوفيق لسؤال ذلك من أمين المكتبة كتبا بواسطة البريد ، والله الموفق.

__________________

(١) الذريعة ، ج ١٨ ، ص ٣٦١ ، طبعة طهران.

(٢) أعلام العرب ، ج ٣ ، ص ٦٢ ، طبعة النجف الأشرف.

وأمّا النسخة الموجودة عند السيّد المحقّق صاحب الروضات قدس‌سره ، فلم يصل إلينا منها خبر وقد كتبت إلى سيدنا الأخ الأمجد العلّامة السيّد أحمد الروضاتي أدام الله بقاءه وسألته عن وجود نسخة من الكتاب عنده أو عند سائر بني أعمامه وأقاربه من أفراد الأسرة الجليلة ، فجاء الجواب بعدم وجدان نسخة عندهم.

وأما نسخة السيّد المشكاة وهو اليوم مقيم في «لندن» فقد أهداها إلى مكتبة «دانشگاه» بطهران ، والنسخة المصورة التي أتحفتنا بها «دانشگاه» هي من نسخة السيّد المشكاة. وما قاله شيخنا في الذريعة : إنّ نسخته قريبة لعصر التأليف ، وهي مكتوبة بالخط الفارسي «نستعليق» فشيخنا هو أعرف بما جاد به يراعه من هذا الادّعاء ، والنسخة ليس فيها تاريخ الكتابة حتّى يعلم مدى قرب النسخة من عصر التأليف.

وأمّا نسخة المكتبة الرضوية التي أهداها إليها صديقنا الواعظ الجرندابي (ره) فتاريخ كتابتها سنة ٨٥٢ أي بعد وفاة الفاضل المصنّف (ره) ب ـ ٢٦ سنة كما ذكرنا فيما تقدّم.

ويشهد بقدم النسخة خطّها ، فإنّه من خطوط المائة التاسعة أو الثامنة للهجرة ، انظر إلى المصوّرة من الصفحة الأولى والأخيرة من تلك النسخة في آخر هذه المقدّمة ، كما تشاهد الصفحة الأولى المصوّرة والأخيرة من نسخة «دانشگاه».

وبعد ما كتبت إلى سماحة سيّدنا المجتهد الصدر دام ظلّه : أنّ شيخنا صاحب الذريعة شاهد نسخة مكتبة الإمام السيّد حسن الصدر قدس‌سره ـ كما ذكرناه ونقلنا كلماته الثمينة ـ جاء الجواب بخطّه الشريف كما يلي :

«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد فقد تسلّمت رسالتكم الكريمة بيد الزائر المؤمن الكريم حفظه الله تعالى ، وسرّني تجديد العهد بتلك الأنفاس العلوية والنفحات الهاشمية ، كما سرّني وصول الكتب إليكم من الفتاوى والمنهاج بقدر ما تأسّفت بعدم وجدان ذوي مكتبة المرحوم السيّد الخال قدس‌سره الشريف للكتاب المطلوب لسماحتكم ، وأنّ هذه المكتبة الثمينة نتيجة إهمال عاشته حوالي عشرين سنة قد تعرّضت لألوان من التلف ، ولعلّ الكتاب المذكور كان من جملة ما تلف قبل أن يتدارك أمرها في هذه المدة الأخيرة. إن سألتم عن أحوال هذا الجانب فصحّتي بخير وإنّي

أذكركم وأدعو لكم ...».

محمد باقر الصدر

لم يحصل لنا من كتابنا اللوامع إلّا نسختان : نسخة المكتبة الرضوية فرمزنا لها في تصحيح الكتاب كما قلناه بعنوان (خ : (آ) ونسخة «دانشگاه» فرمزنا لها (خ : (د)) وأشرنا إلى اختلاف النسختين ولو بكلمة واحدة في ذيل الصفحات مع الإشارة إلى النسخة بالرمز الذي اخترناه لها وراجعنا مصادر كثيرة من كتب الشيعة والسنة وذكرنا اسم المصدر في ذيل الصفحات ، ولذا لا نرى لذكر فهرس للمراجع والمصادر كثير فائدة.

وشرحنا في تعاليقنا بعض الموضوعات التي ذكرها الفاضل المصنّف (ره) بالإيجاز والاختصار ، وآثرنا على نفسنا عدم شرح وتوضيح الملل والفرق التي أشار إليها الفاضل المصنّف (ره) ، فإنّ ذلك يزيد في ضخامة الكتاب مع أنّ كتب الملل والنحل موجودة في متناول الأيدي وسهلة التناول لكلّ أحد ، ولا يليق بهوامش الكتب العلمية أن تكون مشحونة بالمطالب التاريخية إلّا ما هو لازم ضروري الذكر.

وأضف إلى ذلك : أنّ كتب الملل والنحل ، وما احتوت عليه من الآراء ونقل الاهواء والعقائد من غير ذكر المصادر ، أكثرها من الأباطيل والمختلفات والمفتعلات التي لا يمكن الركون والاعتماد عليها كما ذكرنا ذلك في عدّة مواضع من كتيباتنا المتواضعة وتعاليقنا على الكتب قديما وحديثا ، ولذا لا يليق الإكثار من نقل محتوياتها في الهوامش وفي التعاليق المضافة إلى آخر الكتاب.

سندنا في رواية الكتاب عن الفاضل المقداد (قدس‌سره)

لنا في رواية هذا الكتاب اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلامية عن مصنّفه البارع ومرّ صفه الفاضل طرق كثيرة تتصل بها أسانيدنا إليه ، فإنّ السيرة المستمرة بين علماء الإسلام جارية برواية الآثار والأحاديث وكتب الأخبار والروايات وكذا مؤلّفات العلماء الأعلام وتصانيفهم ، بالطرق المتصلة إلى صاحب الرسالة المقدّسة وعترته الطاهرة وإلى العلماء وعظماء الأمة في نقل تصانيفهم الشريفة وروايتها عنهم.

وجرت هذه السيرة بينهم إلى اليوم ، فإنّ العلماء يروون الأخبار والأحاديث والكتب والتصانيف قراءة أو سماعا أو إجازة خاصّة وعامّة ، عن مشايخهم وأساتيذهم بطرقهم المتّصلة إلى أرباب الكتب والمصنّفات. وهذا ديدنهم وسيرتهم في رواية جميع العلوم ولا سيما في رواية الكتب الأربعة والكتب المتأخّرة : الوافي والوسائل والبحار ، وسائر كتب الحديث والفقه والتفسير والكلام وبقية العلوم الإسلامية مطلقا ، فإن وجد كتاب لم يكن لنا طريق إلى روايته عن مؤلّفه كرجال الضعفاء المنسوب لابن الغضائري (١) (ره) ، وكتاب فقه الرضاعليه‌السلام المنسوب إلى الإمام عليه‌السلام يعدّ ضعيفا والنقل عنه وجادة لا رواية مسندة كما هو مشروح في كتب دراية الحديث ، ولذلك ـ واقتداء بالسلف الصالح واقتفاء بآثارهم ـ نذكر الطرق إلى رواية هذا الكتاب عن مؤلّفه العلّامة المفضال الفاضل المقداد قدّس الله روحه.

ومشايخي قراءة وسماعا وإجازة كثيرون ، ولكنّي أكتفي هنا بذكر عدّة من شيوخ إجازتي من الأساتذة الأعلام وكبراء الدين وعظماء الملة قدّس الله أسرار الماضين منهم وأدام الله ظلال الباقين.

ونذكر أسماءهم الشريفة على حسب تاريخ صدور الإجازات منهم في حقّي ، وليس في التقديم بالذكر والتأخير فيه إشارة إلى شيء من المراتب والمقامات العلمية في حقّهم أصلا.

والله على ما أقول وكيل ، وهو حسبي ونعم المولى ونعم النصير.

فأقول : إنّي أروي هذا الكتاب عن مؤلّفه الفاضل المقداد السيوري قدس‌سره بحقّ إجازتي عن جمع من مشايخي العظام وروايتي عن أساتيذي الكرام :

١) منهم : شيخنا البحّاث الأكبر الشيخ «آقا بزرك» الطهراني صاحب الذريعة وطبقات أعلام الشيعة وغيرهما من المؤلّفات النفيسة عن مشايخه الأعلام ، بطرقهم المذكورة في المشيخة الإسناد المصفّى المطبوعة سنة ١٣٥٦ في النجف ، وشيخنا هذا هو أول من أجازني في الرواية عنه ، وذلك في سنة ١٣٥٧ قبل مهاجرتي لتحصيل العلوم الدينية إلى قم والنجف الأشرف.

__________________

(١) بل هو موضوع مختلق لا اعتبار له أصلا ، انظر إلى ما حقّقه شيخنا في الذريعة ، ج ٤ ، ص ٢٨٨ وج ١٠ ، ص ٨٨.

٢) منهم : الشيخ العالم الكامل الفاضل الفقيه الورع الشيخ مرتضى التبريزي الشهير ب «الچهره قاني» المتولّد سنة ١٢٩٣ والمتوفّى ١٢ رجب ١٣٨١.

عن مشايخه العظام : كالسيّد الفقيه الطباطبائي اليزدي والمحقّق الخراساني صاحب الكفاية وشيخ الشريعة الشيرازي الشهير بالأصفهاني ، والشيخ الشهيد الشيخ محمد باقر الاصطهباناتي وغيرهم رضوان الله عليهم.

٣) منهم : سيدي وأستاذي الأعظم ووالدي الأجلّ الأكرم الفقيه الأكبر سيد الفقهاء والمجتهدين الحاج السيّد ميرزا محمد باقر القاضي الطباطبائي قدّس الله روحه ، عن مشايخه العظام وأساتيذه الكرام ، منهم السيّد الفقيه الأعظم السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي وشيخ الشريعة الأصفهاني والفاضل الشربياني وصاحب الكرامات الباهرة المولى إسماعيل القره باغي وغيرهم من الأعلام ، وله اجازة كبيرة عن السيّد اليزدي قدس‌سره ، ويروى أيضا عن معاصره المرجع الأعلى السيّد أبي الحسن الأصفهاني رحمه‌الله تعالى.

٤) منهم : السيّدة الجليلة الفاضلة الفقيهة العلوية الهاشمية صاحبة كتاب الأربعين الهاشمية دامت بركاتها عن مشايخها العظام ، منهم الشيخ العلّامة الشيخ محمد رضا الأصفهاني (ره) صاحب كتاب نقد فلسفة داروين وغيره من المؤلّفات.

٥) منهم : السيّد الإمام المجتهد المرجع الأعلى الجامع بين التتبّع والتحقيق في العلوم الإسلامية السيّد محمد الحجّة الحسيني التبريزي الكوهكمري قدّس الله روحه ، عن مشايخه العظام وأساتيذه الكرام بطرقهم العديدة ، أشير إلى طريقين منها (١) :

الأول : وهو أعلاها وأغلاها ، عن السيّد السند السيّد أبي تراب الخونساري طاب ثراه ووالده المعظّم السيّد الفقيه السيّد علي الحجّة التبريزي الكوه كمري قدّس الله روحه ، وجمع آخر بالواسطة أو بدونها عن سيد المتبحّرين وإمام المحقّقين عمّه المرجع الأعلى السيّد حسين الكوه كمري عن شريف العلماء المازندراني ، عن السيّد الأجلّ الطباطبائي صاحب الرياض

__________________

(١) ذكرت ذلك كما ذكره قدس‌سره في الإجازة التي تفضّل بها في حقي ، وهي بخطّ السيد الجليل الفقيه الحاج السيد أحمد الزنجاني نزيل قم رحمه‌الله تعالى حيث أمر له بكتابة تقريره ثم أمضاها وزينها بخاتمه المبارك ، وذلك في سنة ١٣٦٩.

عن الوحيد البهبهاني قدس‌سره إلى آخر سلسلته المعروفة.

الثاني : عن السيّد الجليل المعظم السيّد حسن الصدر العاملي بطرقه المشتركة مع العلّامة النوري (ره) وكذا عن المولى الفريد الميرزا محمد الطهراني ، وجمع آخر عن المحدث النوري طاب ثراه بالطرق المبسوطة المذكورة في المستدرك.

٦) منهم : أستاذنا السيّد السند الإمام الفقيه الجليل المرجع الكبير السيّد صدر الدين الصدر الموسوي نزيل قم قدس الله روحه صاحب كتاب المهدي وتلخيص الفصول وغيرهما من المؤلّفات الممتعة.

عن مشايخه العظام منهم السيّد الأجل خاله الأعظم أبو محمد السيّد حسن الصدر ، عن السيّد الأعظم الحاج ميرزا محمد هاشم الخونساري الأصفهاني الچهارسوقي ، عن السيّد العلّامة المتبحر الجدّ للأستاذ السيّد صدر الدين محمد العاملي النجفي الأصفهاني رحمه‌الله تعالى بطرقه المذكورة في خاتمة المستدرك.

ومنهم شيخ الفقهاء الميرزا محمد الطهراني العسكري نزيل دار الغيبة ، عن السيّد المجدد المرجع الأعلى السيّد ميرزا محمد حسن الشيرازي ، عن شيخه الأعظم الأنصاري ، بطرقه المذكورة في خاتمة المستدرك.

ومنهم المحدّث الشيخ عباس القمّي عن إمام المحدّثين الحاج ميرزا حسين النوري بطرقه المذكورة في خاتمة كتابه المستدرك.

٧) منهم : شيخ الفقهاء والمجتهدين شيخنا الشيخ ميرزا محمّد الطهراني العسكري نزيل دار الغيبة ، عن مشايخه العظام أساطين الإسلام كما تأتي أساميهم الشريفة.

وقد تشرّفت لحضور هذا الشيخ الكبير في سامراء في أواخر سني عمره الشريف وحياته الغالية في هذه الدنيا الفانية ، ورأيته رجلا جليلا عظيما فقيها متتبعا كبيرا محبّا للعلم والعلماء ، ومكرما لأهل التتبّع والاطّلاع ، وكارها لأهل الخمود والجمود ، فلمّا عرفني أكرمني غاية الإكرام ، حبّا للذرية الطيبة وإكراما لخلف العترة الطاهرة ، وبما أنّه كان شيخ الإجازة لأكثر الأساتذة فاستجزته في الرواية عنه بلا واسطة أيضا ، اغتناما لهذه الفرصة القيمة وشكرا لهذه النعمة العظيمة ـ أعني دركي لحضور هذا الشيخ الكبير ـ وهو من بقايا العلماء

السالفين والفقهاء الماضين قدّس الله أرواحهم ، ولما اظهرت له ما نويته فرحّب بي وأقبل إليّ بكلّ طلاقة لسان وانبساط وجه ، وكتب بخطّه الشريف إجازة مفصّلة كما يلي :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد ، فإنّ العالم العلّامة الحبر المتبحّر الفهّامة افتخار العلماء العاملين وعماد الفقهاء الراشدين ، ميرزا محمد علي القاضي نجل المرحوم المبرور حجة الاسلام والمسلمين الحاج الأمير محمد باقر التبريزي الطباطبائي أيّده الله تعالى ، أحبّ أن ينسلك في سلسلة الرواة عن الأئمّة الهداة : رواة أخبار السماوات ، ولحسن ظنّه بهذا العبد استجازني رواية ما ساغت لي روايته وجازت لي إجازته ، ولما رأيته أهلا لذلك وفوق ما هنالك استخرت الله تعالى وأجزته أن يروي عنّي ، عن مشايخي العظام أساطين الاسلام :

منهم : وهو أفضلهم وأعلمهم وأتقاهم وأزهدهم علّامة البشر ومروّج المذهب والملّة والدين على رأس المائة الرابعة عشرة أستاذنا الأعظم الحاج الآميرزا محمد حسن الحسيني الغروي العسكري الشيرازي.

وشيخنا الأعظم وأستاذنا الأفخم مجلسي عصره وفريد دهره العلّامة شيخ المحدّثين في عصره الحاج الآميرزا حسين الطبرسي النوري.

وشيخنا خاتمة المحقّقين الآميرزا محمد تقي الحائري العسكري الشيرازي قدّس الله تعالى أرواحهم. وهؤلاء وغيرهم من العلماء الأعلام أروي عنهم من طرق الرواية الثمانية قراءة وسماعا واستماعا.

وأما الذين أروي منهم بالإجازة التامّة العامّة جميع المصنّفات في جميع العلوم من الخاصة والعامة جمع أكتفي بذكر طريق واحد منهم ، وهو العلّامة الأوحد الحاج الآميرزا حسين بن العبد الصالح الحاج الآميرزا خليل الطهراني رحمه‌الله تعالى ، فإنّه أجازني في النجف الأشرف في الحرم المطهّر ، أخذ بيدي وخطب خطبة وأجازني وكتبها لي ، وهذه صورتها : ... الخ.

ثمّ نقل قدس‌سره الإجازة التي كتبها الشيخ الفقيه الحاج ميرزا حسين الآميرزا خليل الطهراني (ره) في حقّه ، وأدرجها بتمامها في هذه الإجازة التي كتبها في حقّي ، وتأريخ إجازة الفقيه الحاج ميرزا حسين الطهراني قدس‌سره يوم الجمعة ١٤ صفر سنة ١٣٢٠. وتأريخ الإجازة التي كتبها وتفضّل بها عليّ شيخنا الكبير الطهراني قدس‌سره : ليلة الخميس الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة ١٣٧٠ والحمد لله تعالى.

فمن نعم الله تعالى عليّ أنّي أروي عن هذا الشيخ الجليل بواسطة جمع من الأساتذة ، كما عرفت مما سبق ، وبلا واسطة أيضا كما اتّفق ذلك في حقّ سيدنا الإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي قدس‌سره ـ نزيل صور ـ لبنان أيضا ، فإنّي أروي عنه بواسطة بعض الأساتذة الأعاظم كالسيّد الإمام المحقّق سيدنا الميلاني قدس‌سره كما يأتي نقل ذلك ، وأروي بلا واسطة أيضا كما ستعرف ذلك عن قريب.

٨) منهم : شيخنا وأستاذنا الإمام أشهر مشاهير مجتهدي الشيعة ، وهو من عظماء العالم ، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدّس الله روحه صاحب التصانيف الثمينة والخدمات الجليلة في الدين والدنيا ، وقد طبعنا إجازته في حقّي في ملحقات «جنة المأوى» انظر ص ٣٢٠ ـ ٣٢٢ ـ طبعة تبريز.

وكتبنا ترجمته وتاريخ حياته إجمالا في مقدّمة جنة المأوى ، وسيطبع ذلك الكتاب مع تهذيب وتصحيح وإضافات عن قريب إن شاء الله تعالى.

وشيخنا الأستاذ الأكبر يروي عن مشايخه الأعلام وأساتيذه العظام كأكابر العلماء من أعمامه وأسرته كعمّيه العبّاسيّين ، عن المرجع الأعلى في عصره الشيخ مهدي حفيد الشيخ كاشف الغطاء صاحب المدرستين الشهيرتين في النجف وكربلاء ، عن عمّه الشيخ حسن صاحب أنوار الفقاهة ، عن أخيه جدّ شيخنا الأستاذ موسى بن جعفر صاحب كشف الغطاء.

(ح) وعن أستاذه المحدّث النوري صاحب المستدرك (ح) وعن الفقيه الحاج ميرزا حسين الميرزا خليل (ح) وعن الشيخ علي الخاقاني ، عن الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري ، عن الفاضل النراقي ، عن السيّد الأعلى السيّد مهدي بحر العلوم ، عن الوحيد البهبهاني ، عن أبيه محمد أكمل ، عن جمال الدين الخونساري ، عن المجلسي صاحب البحار ، عن أبيه

الملّا محمد تقي ، عن الشيخ البهائي ، عن أبيه حسين عبد الصمد ، عن الشهيد الثاني ، عن الميسي ، عن محمد بن داود ، عن ضياء الدين علي ، عن أبيه الشهيد الأول ، عن فخر المحقّقين ، عن أبيه العلّامة ، عن المحقّق ، عن نجيب الدين بن نما ، عن محمد بن إدريس ، عن الشيخ عربي بن مسافر ، عن الشيخ إلياس بن هشام الحائري ، عن الشيخ أبي علي ، عن أبيه الشيخ الطوسي ، عن المفيد ، عن الصدوق ، عن ثقة الإسلام الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لمّا خلق الله العقل قال له: أقبل فأقبل ثمّ قال له : أدبر فأدبر. ثمّ قال : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقا أحبّ إليّ منك ولا أكملتك إلّا فيمن أحبّ ، أما إنّي إياك آمر وإياك أنهى وإياك أعاقب وإيّاك أثيب» إلى آخر ما رواه في الكافي من الأحاديث الشريفة.

٩) منهم : الإمام سيد مشايخنا العظام المجتهد المتكلّم الأكبر السيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي ، نزيل صور ـ لبنان قدّس الله روحه ، بطرقه الكثيرة المذكورة في رسالة ثبت الاثبات كما كتب بخطّه الشريف إجازة في حقّي في آخرها ، مضافا إلى ما كتبه في ورقة على حدة أيضا بخطّه الشريف رضوان الله تعالى عليه. وإنّي أروي عن هذا السيّد الإمام رئيس المتكلّمين بلا واسطة وبوساطة جمع من الأساتذة أيضا.

١٠) منهم : سيدنا الإمام المرجع الأعلى فقيه العصر المجتهد الأشهر أستاذنا السيّد محسن الطباطبائي الحكيم قدس الله روحه صاحب مستمسك العروة الوثقى ، ومرجع الشيعة في الأقطار الاسلامية ، وصاحب الخدمات الجليلة في العالم الاسلامي ، فإنّي أروي عن هذا السيّد الأعظم ، عن مشايخه وأساتيذه بطرقهم المعلومة المذكورة في خاتمة المستدرك وغيرها ، وقد صدرت عن سيدنا الأعظم قدّس الله سرّه إجازتان في حقّي ، وذلك من لطف ربّي.

١١) منهم : السيّد العلامة الفقيه المجتهد الحجّة الكبير السيّد محمد الجواد الطباطبائي التبريزي قدس‌سره من أعاظم أسرتنا «السادات العبد الوهابية» وأكابرها صاحب كتاب بغية الهداة في شرح وسيلة النجاة المطبوع ، يروي سيّدنا هذا عن مشايخه العظام ، وذكر في الإجازة التي تفضّل بكتابتها في حقّي بخطّه الجيد النفيس واحدا منهم تيمّنا بذكره ، وهو

العلّامة الكبير السيّد حسن الصدر ، عن شيخه الأجلّ المولى الحاج ملّا علي ابن المرحوم الميرزا خليل الرازي ، عن شيخه الشيخ عبد العلي الرشتي ، عن السيّد مهدي بحر العلوم والشيخ جعفر الكبير والسيّد علي الطباطبائي صاحب الرياض جميعا ، عن الآغا باقر البهبهاني ، عن والده المولى محمد اكمل ، عن العلّامة المجلسي ، عن مشايخه المذكورين في أول كتابه الأربعين وآخر بحاره ...».

كان هذا السيّد المجتهد الأعظم والفقيه الأكبر جامعا للمعقول والمنقول ، وقاطنا في النجف الأشرف خمسين سنة منذ هاجر من تبريز إليها ، وفي أواخر أيّام حياته انحرف مزاجه الشريف ولا سيما بعد العملية الجراحية التي احتاج إليها في بغداد ، فسافر في أيام الصيف إلى إيران وطهران ، ثمّ إلى مسقط رأسه ومركز أسرته «تبريز» فوردها محفوفا بغاية الاحترام والتجليل كما هو الأليق بمقامه الديني الشامخ ، فنزل في دارنا فرحّبنا بنزوله ، وتوقّف سبعة عشر يوما في «تبريز» وقد تولّى إقامة صلاة الجماعة ظهرا وليلا في المسجدين اللذين كنت أقيم فيهما الجماعة مسجد «شعبان» ومسجد مقبرة جدّنا العالم الربّاني القاضي الكبير الطباطبائي قدس‌سره في حشد عظيم من الناس ، ولكن من المؤسّف إنّه اشتدّ مرضه ولم تنفع المعالجات من الدكاترة ، وانتقل إلى جوار رحمة ربّه في «بيمارستان نيكوكارى» تبريز ، ولحق روحه المقدس بالرفيق الأعلى في اليوم الثامن عشر من جمادى الأولى سنة ١٣٨٧.

ونقل جثمانه إلى النجف الأشرف سريعا من غير تأخير ، وشيّعه كافة أهل النجف ، ودفن في الأرض المقدّسة في الصحن العلوي في الحجرة التي دفن فيها المرحوم الشيخ هادي الطهراني ، مقابل الميزاب الذهبي قدّس الله روحه ، ونوّر ضريحه.

١٢) منهم : سيدنا الإمام المجتهد المحقّق المدقّق المرجع الأكبر سيد الفقهاء والمجتهدين السيّد محمد هادي الحسيني الميلاني قدّس الله روحه بطرقه الكثيرة ، ومن جملتها ما يرويه بواسطة العلّامتين النحريرين : السيّد حسن الصدر والسيّد عبد الحسين شرف الدينقدس‌سرهما ، عن العلّامة المحدث النوري قدس‌سره بجميع طرقه الخمسة التي سطّرها مفصّلا في خاتمة كتابه المستدرك ، وشجّرها في مواقع النجوم ، ويروي سيدنا قدس‌سره صحاح العامّة ومسانيدهم وكتب حديثهم بواسطة ثاني العلّامتين المتقدّم اسمهما الشريف ، أعني

السيّد شرف الدين بجميع طرقه التي أثبتها في ثبته (١). كما ذكر ذلك كلّه في الإجازة التي كتبها في حقّي سنة ١٣٨٤.

١٣) منهم : سيدنا وأستاذنا الإمام المجاهد الأكبر في سبيل الله تعالى ، المرجع الأشهر في العالم الإسلامي سيّدنا الموسوي الخميني نزيل النجف الأشرف أدام الله ظلاله على مفارق الأنام ، بطرقه الكثيرة ، عن أساتيذه كبراء الدين والملة كما أشار إليها في الإجازة التي كتبها لي بخطّه الشريف دام ظلّه الوارف.

١٤) منهم : أستاذنا السيّد المجتهد الجامع للمعقول والمنقول السيّد ميرزا حسن البجنوردي قدّس الله روحه صاحب كتاب القواعد الفقهية من أنفس ما ألّف في هذا الموضوع ، بطرقه الكثيرة عن مشايخه وأساتيذه العظام قدّس الله أسرارهم كما كتبه بخطّه الشريف.

١٥) منهم : سيدنا الإمام المرجع الأعلى اليوم للشيعة في الأقطار الاسلامية السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي أدام الله ظلّه الوارف على رءوس المسلمين ، عن مشايخه العظام أساطين الإسلام بطرقهم الكثيرة المنتهية إلى أهل بيت العصمة والطهارة عليهم‌السلام.

وإنّي أروي عن سيدنا المرجع الأعلى بأسانيده الوفيرة جميع الكتب الأربعة وكتب الحديث للمحمدين الثلاثة المتأخّرة وجميع مصنّفات علمائنا الإمامية رضوان الله تعالى عليهم.

١٦) منهم : سيدنا وأستاذنا الأعظم الفقيه والمرجع الأشهر في العالم الإسلامي السيّد محمد رضا الكلبايكاني أدام الله ظلّه الوارف على رءوس المسلمين عن مشايخه الأجلّاء رؤساء الدين والملّة قدّس الله أرواحهم.

١٧) منهم : أستاذنا الأعظم المرجع الأشهر الفقيه مفخرة الذرية الطاهرة السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي أدام الله تعالى ظلّه الوارف ومتّع الله المسلمين بوجوده المقدس ، هو منبع الآثار العلمية والخدمات الدينية بنشر المصنّفات الثمينة والكتب القيّمة ، وله مراحم مشكورة عليّ في أيام المحنة لا تنسى ، وكتبت تفصيلها في محلّه.

__________________

(١) يعني رسالة ثبت الاثبات في سلسلة الرواة ، المطبوعة في مطبعة العرفان ، صيدا ـ سنة ١٣٦٨.

وإنّى أروي عن هذا السيّد الأستاذ العلّامة الأكبر بطرقه الكثيرة المذكورة في محلها ، منها الطرق التي ذكرها دام ظلّه في مقدّمة مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام للفاضل الجواد الكاظمي قدس‌سره. انظر ، ج ١ ، ص ١٨ ، طبعة طهران.

ومن رام الوقوف على طرقه وأسانيده الكثيرة فعليه مراجعة كتابه الخالد المسلسلات في الأسانيد والإجازات ، فإنّ فيه شفاء العليل ودواء الغليل.

١٨) منهم : السيّد المرجع الأكبر الفقيه الأعظم السيّد محمود الشاهرودي قدّس الله روحه من أشهر مراجع الشيعة في عصره ، عن مشايخه الأجلّاء كالمحقّق النائيني قدس‌سره وغيره بطرقهم الكثيرة المنتهية إلى أرباب العصمة عليهم‌السلام.

وأروي عنه بأسانيده مصنّفات أصحابنا الإمامية على ما ذكره قدس‌سره في إجازته الشريفة.

١٩) منهم : الشيخ الجليل الفاضل الفقيه الشيخ عبد النبي العراقي صاحب المؤلفات ، منها كتاب إعلام العامّة في الحجّ مع العامّة ، مطبوع ، كان قاطنا في النجف الأشرف ثمّ رحل إلى قم ، وحضرت عنده مدّة وأجازني في الرواية عنه كما كتبه بخطّه الشريف قدس الله روحه.

٢٠) منهم : سيدنا وأستاذنا العلّامة الأكبر الحكيم الفقيه الأعظم السيّد محمّد حسين الطباطبائي التبريزي أدام الله تعالى ظلّه الوارف صاحب تفسير الميزان وغيره من المصنّفات الممتعة والمؤلّفات النافعة ، وهو اليوم يعد من رجال العلم وأبطاله ، ومن مفاخر العالم الإسلامي ، وذكرت ترجمته وشرح حاله في كتابنا خاندان عبد الوهاب بالفارسية ، عن مشايخه الأعاظم كالمحقّق النائيني والزاهد العابد الورع الشيخ علي القمي النجفي ، والمحدّث الحاج شيخ عباس القمّي ، وغيرهم قدّس الله أرواحهم. وهو آخر من أجازني في الرواية عنه أطال الله تعالى بقاءه.

هذه عشرون طريقا من طرق روايتي لنقل الأحاديث المودعة في الجوامع الحديثية من كتب الشيعة والسنة وسائر الكتب المصنّفة في أنواع العلوم.

وقد تفضّل هؤلاء الأكابر عليّ بكتاباتهم وإجازاتهم في الرواية عنهم قدّس الله

أسرار الماضين منهم وأدام الله ظلال الباقين.

فأنت أيّها القارئ الكريم بعد المعرفة بطرقي إلى رواية الكتاب عن الأساتذة العظام ، أذكر لك طريقا معنعنا إلى الفاضل المقداد قدس‌سره برواية كتابه اللوامع وسائر تأليفاته فنقول : إنّي أروي هذا الكتاب عن مشايخي العظام الذين ذكرت أسماءهم الشريفة بطرقهم الكثيرة التي ذكرناها المنتهية إلى العلّامة الأكبر والمجدّد الأعظم رئيس الشيعة ومحيي الشريعة المولى الوحيد البهبهاني ، عن أبيه العالم العلّامة محمد أكمل ، عن جمال الملّة والدين جمال الدين الخونساري ، عن العلّامة شيخ الإسلام والمسلمين المجلسي صاحب البحار ، عن أبيه العلّامة الورع المولى محمد تقي المجلسي الأول ، عن الشيخ أعجوبة الدهر الشيخ البهائي ، عن أبيه شيخ الإسلام والمسلمين الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي ، عن الشيخ الأجلّ الشهيد الثاني ، عن الشيخ الفقيه الشيخ علي بن عبد العالي الميسي العاملي ، عن شيخ الإسلام والمسلمين المحقّق الثاني الشيخ علي الكركي ، عن شيخ الشيعة في عصره الشيخ علي بن هلال الجزائري ، عن العلّامة الفقيه صاحب المقامات العالية جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الأسدي الحلّي ، عن المتكلم الكبير والفاضل الفقيه الشهير الشيخ مقداد الأسدي الحلّي مصنّف كتاب اللوامع الإلهيّة وسائر تصانيفه الشريفة قدّس الله روحه ونوّر ضريحه.

والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على نبيه خاتم النبيين وأوصيائه المعصومين واللعن على أعدائهم أجمعين. شهر رجب سنة ١٣٩٧. سنة ١٣٥٦ ه‍ ش.

محمّد علي القاضي الطباطبائي

[مقدّمة المؤلف]

بسم الله الرّحمن الرّحيم

التسبيحات لجلال مبدع أنطق بآيات وجوب وجوده هويات الأشياء ، وأغرق في تيار بحار ألوهيته عقول العقلاء ، وأحرق (١) في أنوار جمال كبريائه أجنحة أفكار العلماء ، فتحيّرت في بيداء نعوت جلاله أنظار الفضلاء ، وخرست في التعبير عن وصف كمال ذاته وصفاته ألسنة البلغاء. والصلاة على سيدنا نبي الرحمة وكاشف الغماء المخاطب بلولاك لما خلقت الأفلاك (٢) وآدم بين الطين والماء محمد أشرف الكائنات في الأرض وفي السماء وعلى آله المنتجبين (٣) للخلافة في مقام الاصطفاء صلاة جليلة لا توصف بالعدّ والإحصاء ولا تنعت بالانقضاء.

وبعد فلمّا تطابق العقل والنقل وتوافق (٤) الفرع والأصل على عظم العلم وجلالته قدرا وارتفاع أهله في الملإ الأعلى شرفا وذكرا كان بالاعتناء والتحصيل أحقّ وأحرى ، وكلّ ما كان موضوعه أعلى وأنفس كان بالاقتناء أولى وأقيس.

__________________

(١) أخرق ـ خ (آ)

(٢) هذا الحديث مشهور في كتب الشيعة والسنة ومتداول على الألسنة ، ولكن مرفوعا لا مسندا ولم نجد له سندا إلى الآن والله الموفّق.

(٣) المنتخبين ـ خ : (د).

(٤) تواتر ـ خ : (د).

وعلم الكلام من بين هذه العلوم كاشف عن أستار الجبروت ومطّلع على مشاهدات الملك ومغيّبات الملكوت ، وفارق بين أهل الهداية والضلالة ومطّلع على صفات المختارين للرسالة والإمامة ومبيّن أحوال السعداء والأشقياء يوم القيامة.

وقد صنّف العلماء في ذلك الجمّ الغفير وبالغوا في تنقيح مسائله بالتقرير والتحرير ، فأحببت مزاحمتهم في التقرّب إلى ربّ الأرباب والفوز بوافر الأجر وجزيل الثواب ، بتحرير كتاب جامع لغرر فرائد العلم المشار إليه وتقرير نكت فوائد المعوّل فيه عليه ، وأرهف عزمي على ذلك التماس من عرفت الذكاء والتحصيل من شأنه ، واستنبت السعادة على صفحات وجهه وفلتات لسانه ، وتنزّل منّي منزلة ولدته الأرواح لا ولدته الأشباح مبالغا في الوقوف على أسرار هذا العلم الأسنى والتشوّق إلى الاطّلاع على دقائقه الحسنى ، فأجبت ملتمسه وصنّفت هذا الكتاب الموسوم باللوامع الإلهيّة في المباحث الكلامية معتمدا على الحقّ في سلوك طريق الصدق ، ورتّبته على لوامع.

اللامع الأوّل

في مباحث النظر

وفيه أبحاث :

الأوّل [في تعريف النظر] : النظر (١) في التحقيق يشتمل على حركة من المطالب إلى

__________________

(١) اختلف الناس في أول الواجبات على المكلّف ، قيل : إنّه الشكّ ، لأنّ النظر يجب أن يكون مسبوقا بالشكّ لتوقّف النظر عليه.

وفيه : أنّ الشك غير مقدور ولا مطلوب للعقلاء.

وقيل : إنّه النظر. وقيل : إنّه المعرفة بالله تعالى. وقيل : إنّه القصد إلى النظر.

والحقّ أنّ أول الواجبات هو المعرفة بالله تعالى كما سيصرّح به المصنّف (ره) وما عداها مقدّمة لها ، وسائر الأقوال مردودة بالأدلة المذكورة في مظانّها من كتب الكلام.

ويجب العلم واليقين بأصول الدين الخمسة ولا يجوز التقليد فيها ، لأنّ الإنسان إذا رأى الناس مختلفين في الاعتقادات فإمّا أن يأخذ بالجميع فيلزم جمع المتنافيات ، وهو غير ممكن. وإمّا أن يأخذ بالبعض بلا مرجّح فترجيح بلا مرجّح ، وهو محال ، وإمّا أن يأخذ بالبعض مع المرجّح وليس هو إلّا العلم ، أمّا الظنّ فحاله حال الشكّ هنا ، وإمّا أن لا يعتقد شيئا فهو غير جائز ، لوجوب المعرفة فقد بطل التقليد في الاعتقادات.

فالتقليد في أصول الدين كالشكّ ، والشاكّ في أصول الدين كافر ، بل الظن في أصول الدين كذلك ، فإنّ الظن لا يغني من الحقّ شيئا بل العلم الحاصل عن تقليد أيضا كذلك كما هو المعروف ، بل المشهور عند الامامية والمدّعى عليه الإجماع من الأكابر كالعلامة والشهيد (ره).

مبادئها ثمّ الرجوع منها إليها ، فتعريف بعضهم له بأنّه ترتيب أمور معلومة لتؤدّي إلى مجهولة مختصّ بالانتقال الثاني وقلّما يتفق مثله ابتداء ، والذي يتفق مثله ابتداء يكون حدسا ، لأنّ الحدس لا يشترط فيه الانتقال من المطالب بل هو انتقال من المبادي إلى المطالب ابتداء.

وتحقيق ما ذكرناه أنّه إذا كان لنا مطلوب كحدوث العالم مثلا ، فإنّا نستحضره ثمّ نرجع إلى خزانة خيالنا فتحصل منها مقدّمات صالحة للاستدلال على المطلوب ، نرتبها ترتيبا مؤدّيا إلى اطّلاع عليه ، فذلك هو النظر (١) وإفادته العلم صحيحة ضرورية فطرية ، فإنّ من علم الملازمة بين أمرين ثمّ علم وجود الملزوم فإنّه يحصل له العلم باللازم حصولا بيّنا.

ودفعه مكابرة فخلاف السمنيّة في ذلك مطلقا والمهندسين في الإلهيات باطل ،

__________________

ولعلّ الوجه فيه أنّ العلم الحاصل من التقليد هو العلم العادي كما هو الغالب في التقاليد ، وهو الظن الاطمئناني ، وهو يحتمل الخلاف ، والذي يحتمل الخلاف واضح البطلان في أصول الدين ، والمطلوب فيها هو العلم القطعي الذي لا يحتمل الخلاف ، وإلّا فالعقل لا يفرق بين أسباب العلم القطعي سواء كان عن تقليد أو نظر ، نعم إن حصل العلم القطعي من التقليد فيكفي في المطلوب كما حقّقه الشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره ، ولكن الشأن في حصول العلم القطعي من التقليد كما عرفت وجهه.

فالحقّ ما ذهب إليه المشهور من عدم كفاية التقليد في أصول الدين ، نعم لو قلنا بالعجز عن اليقين وإن أحاله بعض فلا مناص لهذا الظانّ عن التديّن بظنّه الحاصل له عن تقليده بعد إعادة النظر ، فيكون كالعلم في حقّه إذا كان عن قصور لا تقصير بحكم العقل.

وهنا إشكال بالنسبة إلى حال المكلّفين في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في اعتقاداتهم بأصول الدين ، وقد ذكره المحقق الدواني (ره) في شرح العقائد العضدية وأجاب عنه بجواب كاف شاف ، فراجع والله الموفق.

(١) وقد حثّ الدين الإسلامي المقدّس على النظر في أصول الدين وتحصيل العلم واليقين فيها ، وورد عن الأئمة المعصومين عليهم‌السلام في الحثّ على النظر والتحريض على المعرفة كلمات جامعة.

قال الشيخ الأعظم المفيد قدس‌سره في الإرشاد : إنّ ممّا حفظ عن الإمام الصادق عليه‌السلام في وجوب المعرفة بالله تعالى وبدينه قوله : «وجدت علم الناس كلّهم في أربع : أولهما : أن تعرف ربّك ، والثاني : أن تعرف ما صنع بك ، والثالث : أن تعرف ما أراد منك ، والرابع : أن تعرف ما يخرجك عن دينك».

ثم قال الشيخ المفيد (ره) : وهذه أقسام تحيط بالمفروض من المعارف ، لأنّه أول ما يجب على العبد معرفة ربّه جلّ جلاله ، فإذا علم أنّ له إلها وجب أن يعرف صنعه إليه ، فإذا عرف صنعه إليه عرف به نعمته ، فإذا عرف نعمته وجب عليه شكره ، فإذا أراد تأدية شكره وجب عليه معرفة مراده ليطيعه بفعله ، وإذا وجبت عليه طاعته وجبت عليه معرفة ما يخرجه عن دينه ليجتنبه فيخلص به طاعة ربّه وشكر إنعامه.

وحصول العلم عقبه تولّد عند المعتزلي كسائر المتولّدات عن أسبابها ، ومخلوق عند الأشعري بمجرى العادة بناء على قاعدته الفاسدة من استناد سائر الممكنات (١) إليه تعالى ، وعند الحكيم حصول المقدّمتين معدّ لإفاضة العلم على الذهن من المبادي العالية.

ثمّ بسائطه إمّا تصورات فيفيد تصوّرا ، وهو حصول صورة من الشيء عند العقل عاريا عن الحكم أو تصديقات فتفيد تصديقا ، وهو الحكم على الأول بنفي أو إثبات ، ويسمّى كاسب الأول قولا شارحا ، وكاسب الثاني حجّة ، وتفاصيلهما في المنطق.

ويشترط في الإفادة مطابقة المقدمات لما في نفس الأمر ، وأن يكون الترتيب على هيئة منتجة وأن لا يكون المطلوب معلوما من كلّ وجه والّا لزم تحصيل الحاصل ، ولا مجهولا كذلك وإلّا لم يعلم حصوله عند حصوله ، ولا جهلا مركبا ، لأنّه حينئذ يكون مانعا من النظر فيه وهل يفيد فاسده الجهل؟ قيل : نعم مطلقا ، وقيل : إن فسد مادّة أفاد الجهل ، وصورة لا يفيد شيئا.

وينتقض بقولنا : كلّ إنسان حجر ، وكلّ حجر حيوان ، فإنّه فاسد مادّة مع إفادته علما. والحقّ أنّ إفادته الجهل ليس كليا.

الثاني : في وجوبه خلافا للحشويّة.

لنا أنّ المعرفة واجبة (٢) مطلقا ، ولا يتمّ إلّا بالنظر (٣) فيكون واجبا. أمّا الأولى

__________________

(١) إلى الله تعالى ـ نسخة : (آ).

(٢) والحقّ أنّ أول الواجبات المعرفة كما ذكره المصنّف (ره) ، فإنّها أول الدين كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أول الدين معرفته» وما عداها مقدّمة لها ووجوب المعرفة مطلق ، وهي واجبة على كلّ مكلّف ، فيجب المعرفة بالصانع تعالى وصفاته وهي الثبوتيّة والسلبيّة المسمّاة بالكماليّة والجلاليّة ، ويجب المعرفة بالنبوّة وبإمامة الأئمة الاثني عشر المعصومين عليهم‌السلام وبالعدل والمعاد ، كل ذلك بدليل عقلي لا بالتقليد ، فالوجوب لغة هو الثبوت واللزوم ، يقال : هذا واجب ، أي ثابت لازم.

(٣) وللنظر مقدّمات لا يتمّ إلّا بها ، وهي كثيرة ، وضابطها كلّ أمر يتوقّف عليه حصول الدليل القطعي في أصول الدين ، وبيان تفاصيلها لا يسعها المقام ولكن معظمها يتلخّص في ستّة أمور ، ومن لم يكن واجدا لواحد منها لا يتمّ له النظر ولا يصل إلى الحقّ ، وإليك بيانها إجمالا فيما يلي :

الأول : ترك التعصّب ، فإنّ التعصّب للقلب كالصمم للأذن ، فكما أنّ الصمم مانع عن تأثير أعصاب ـ

__________________

ـ الأذن باهتزازات الصوت والانتفاع بها وإن كانت موجودة بأجلى مظاهرها ، فكذلك التعصّب مانع عن تأثّر القلب بالحقّ وانتفاعه به.

الثاني : الشجاعة الأدبية ، وضابطها أن يقول الإنسان الحقّ ولو على نفسه ، فيجزم به متى قام الدليل القطعي عليه ، ولا يتردّد فيه ولا يتبع طريقة الآباء إن كانت على خلافه ولا يبالي في إظهار الحقّ من سطوة أيّ صاحب سلطة وبطش صاحب صولة ويعتقد الحقّ ويصدع به رغم كل مشقّة وعقبة وصعوبة ، فإنّ حبّ الحقّ بنفسه وانتظار الفوز العظيم الأبدي والنجاة من الخلود في شديد العذاب يهون في سبيلها كلّ صعب وتعب ومستصعب.

الثالث : مجانبة الهوى ، وضابطه توطين النفس على قبول ما قام الدليل القطعي على حقيقته سواء كان موافقا لميل نفسه أو مخالفا لها فإنّ مجانبة الهوى هي الموصلة إلى سبيل النجاة واتّباعه هو المردي والموقع في الهلكات.

الرابع : ترك الملاذّ والشهوات ، فإنّ الانهماك فيها يصدّ عن الوصول إلى الحقّ ولا سيما ما يضيع الأوقات منها كالملاهي من الغناء والقمار والشطرنج وما شاكلها ، وما يخرج الإنسان عن فطرته التي فطر عليها ويذهب بأشرف ما لديه من النعم ، وهو العقل الذي فضّل به على مشاركاته في الحياة من العجماوات كإدمان المسكرات وما يحرّك بالإنسان القوّة الغضبية والشهوية فيجعله شرّ دوابّ الأرض المؤذية منهمكا بالظلم والعدوان محبّا للاستيلاء والاستئثار بالسطوة والسلطان مولعا بغصب الأملاك وتضييع الحقوق وإزهاق النفوس وترويع النساء والشيوخ والأطفال ، إلى غير ذلك من المنكرات التي تطرد الإنسان عن واضح الحقّ وسنن الهداية ويرتكبها فراعنة الزمان وأبالسة الدوران.

الخامس : الصبر والثبات في مقام النظر والتتبع ، ويفتقر ذلك إلى توظيف وقت خاصّ للنظر في الأدلة ، وأن لا يجزع إذا لم يتّضح له الحقّ بسرعة ، فليس من العقل أن يصرف الإنسان حياته فيما استيقن إقلاعه عنه وزواله وسرعة مفارقته من عرض الدنيا الفانية ولا يوظّف شطرا من حياته للنظر في أمر يحتمل أنّه ملاقيه ويخلد فيه ولا ينفكّ عنه فإمّا عذاب أبدي وإمّا نعيم سرمدي.

السادس : أن يجرّد نفسه حين التتبع والنظر في الأدلّة عن كلّ غرض وشبهة ، ويفرغ باله عن كل ما كان يسمعه من آبائه وأهل نحلته بلا بيّنة ولا برهان حتى يكون كأنّه في أول يوم مجيئه إلى الدنيا ، لم ينتسب بعد إلى طريقة ولم ينتحل نحلة ولم ينتم إلى أهل ملّة لا يهمه إلّا معرفة الحقّ ليتبعه.

هذا ما ذكره بعض مما يهمّ ذكره من بعض المقدمات لإكمال النظر الذي يؤمن معه من الضرر ، فإذا لم يكن الإنسان على عدّة منها صار بينه وبين الحقّ حاجب كثيف وعلى بصره غشاوة لا يدرك الحقّ من ورائها وإن كان الانسان على غاية من الكمالات الظاهرية في جميع الفنون والعلوم والصنائع.

وهذا هو السرّ في أنّك ترى كثيرا ممّن توصل بمداركه وتجاربه إلى غرائب الفنون وأتى بعجائب المخترعات وتوصّل إلى استخدام البخار والحديد والنار وتسخير الماء والفضاء والهواء ، ثمّ زاغ عن الحقّ ومرق عن سبيل النجاة ، لتعصب صدّه أو هوى أراده أو ملاذّ وشهوات أهلكته أو شبه لم يجرّد نفسه منها فأوقعته فى ـ

فلدفعها الخوف الحاصل من الاختلاف ودفع الخوف واجب ، لأنّه ألم نفساني يستحقّ الذمّ بترك دفعه ، ولوجوب شكر المنعم المتوقّف على المعرفة (١) وإلّا لم يكن شكرا.

وأمّا الثانية فظاهرة ، إذ وجود الاختلاف وعدم المحسوسية هاهنا ينفي ضروريتها ، وقول الباطني (٢) باستفادتها من المعصوم باطل وإلّا دار ، وأمّا الكبرى المضمرة ، فلأنّ ما لا يتمّ الواجب المطلق إلّا به فهو واجب ، وإلّا خرج عن كونه واجبا مطلقا أو لزم تكليف المحال ، ووجوبه عقلي وإلّا لزم إفحام الأنبياء عند طلب اتّباعهم المتوقّف على ثبوت صدقهم المتوقّف على ثبوت المرسل المتوقّف على قولهم لو كان سمعيّا ، وإفحامهم باطل. ونفيا لتعذيب قبل البعثة لا يستلزم دفع (٣) الوجوب قبلها ، إذ لازم الوجوب استحقاق التعذيب وذلك ليس بمنفي ، وأول الواجبات بالذات هو المعرفة والنظر بالقصد الثاني.

الثالث [في تعريف الدليل] : الدليل ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر (٤) والملزوم

__________________

ـ الضلالة أو بخل بوقته أن يصرف منه شيئا للنظر والتتبع في هذا الأمر العظيم فصار نصيبه الخسران والشقاء ، إلى غير ذلك من الأمور المردية التي يحكم العقل بوجوب اجتنابها دفعا للضرر الذي يحتمل الوقوع فيه ممّن يرتكبها.

وليعلم القارئ العزيز : أنّ الحثّ والترغيب على النظر في الدين وتحصيل العلم واليقين في أصول العقائد وعدم الاكتفاء بالظن والتقليد فيها هو طريق القرآن والإسلام ، خلافا لسائر الأديان ، فإنّ أساسها على التقليد والمنع عن النظر والتنقيب كدين كليسا المسيحي اليوم ، فإنّ بناءه على التقليد للآباء وأساسه يناقض العقل والبرهان كما هو واضح بالعيان ، ويأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

(١) المراد بالمعرفة العلم الخاص ، وهو الاعتقاد الجازم المطابق الثابت. وفرّق بعضهم بين المعرفة والعلم فسمّوا العلم بالتصوّرات معرفة وبالتصديقات علما ، ولكن تحصل المرادفة بالعلم بالدليل ، وهو ترتيب مقدمات يقينية لإنتاج أمر يقيني أو هو ما يلزم من العلم به العلم بأمر آخر أو ما يمكن التوصّل به بصحيح النظر إلى المطلوب الخبري ، وسيجيء اختيار المصنّف (ره) التعريف الثاني وإشكالنا عليه.

(٢) يعنى الباطنية من الفرقة الإسماعيلية.

(٣) نفى ـ خ : (آ).

(٤) يؤخذ عليه بأنّ قوله : بشيء آخر يختصّ بالموجود مع أنّ الدليل يعمّ الموجود والمعدوم فلا يكون جامعا ، فلذلك يقال : إنّ الأولى أن يقال بأمر آخر ، لعمومه.

إمّا وجود أو عدم ، وكذا اللازم فأقسامه أربعة.

ثمّ بسائطه إمّا علمية فتفيد علما أو ظنّية فتفيد ظنّا بصورة الدليل ، وقيل : لا تفيد شيئا. والمركّبة من العلم والظنّ قد تفيد علما كما في المحكمات وظنّا مع قيام احتمال الاشتراك والمجاز والإضمار والتخصيص والنسخ وعدم الوثوق بنقل الإعراب والتصريف واللغة ومع قيام المعارض العقلي ، إذ مع وجوده يجب تأويل غيره وإلّا لزم المحال أو ترجيح الفرع على أصله فيطرحان ، فكلّ ما يتوقّف عليه صحّة النقل كالقدرة والعلم لا يستدلّ عليه به وإلّا دار وما ليس كذلك يجوز كالتوحيد وسلب الرؤية.

ثمّ الاستدلال إمّا بالكلّي على الكلّي ويسمّى قياسا ، أو بالجزئي ويسمّى تمثيلا ، أو بالجزئي على الكلّي ويسمّى استقراء ، والأوّل إمّا أن تكون مقدّماته يقينية فتفيد يقينا ويسمّى برهانا (١) أو ظنية فتفيد استدراجا ويسمّى خطابة ، أو مشهورة ومسلّمة فيفيد إلزاما ويسمّى جدلا ، أو تخييلية فتفيد قبضا (٢) أو بسطا ويسمّى شعرا ، أو يكون شبيهة بالصادقة (٣) يفيد مناقصة وتبكيتا (٤) فإن استعملها المبرهن فمغالطة وإن استعملها المجادل فمشاغبة.

__________________

(١) مثال البرهان كقولك : السقف جزء من البيت ، وكلّ جزء أصغر من الكل ، فيكون السقف أصغر من البيت. ومثال الخطابة كقولك : فلان يطوف بالليل ، وكل من يطوف بالليل فهو سارق فيكون فلان سارقا. وللجدل مثالان : أحدهما ما يكون تركيب قياسه من المسلّمات عند الباحثين كقولك : أكل الميتة عند الاضطرار ارتكاب أمر ضروري ، وارتكاب الأمر الضروري مباح ، فيكون أكل الميتة مباحا. والثاني ما يكون قياسه مركبا من المسلّمات عند الخصم كقولك للمعتزلي : المختار في أفعاله خالق الأفعال ، وكلّ خالق الافعال شريك الباري في أفعاله ، فيكون المختار في أفعاله شريك الباري ـ م ك ر م ـ كذا في هامش نسخة : (د).

(٢) مثاله كقولك : هذا عسل ، وكلّ عسل مرّة مقيئة فيكون هذا مرّة مقيئة ، ومثال القياس الشعري المفيد بسطا كقولك : هذا خمر ، وكلّ ياقوتة سيّالة ، فيكون هذا ياقوتة سيّالا ، مثال المغالطة كقولك : الإنسان وحده كاتب ، وكلّ كاتب حيوان ، فيكون الإنسان وحده حيوانا ـ م ك ر م عفى عنه ـ عن هامش نسخة : (د).

(٣) بالمطابقة ـ خ : (آ).

(٤) تنكيبا ـ خ : (آ).

اللامع الثاني

في تقسيم المعلوم

وفيه مقدّمة وأبحاث.

أمّا المقدمة فنقول : كلّ ما نعبر عنه إمّا أن يفرض له تحقّق أو لا ، والأوّل موجود وثابت ، والثاني معدوم ومنفيّ ، والموجود إمّا أن يفرض له تحقّق خارجا أو لا ، والثاني الذهني كجبل من ياقوت وبحر من زئبق ، والأوّل إمّا أن يكون وجوده من ذاته وهو الواجب أو من غيره وهو الممكن ، والمعدوم إمّا أن يمكن وجوده أو لا والثاني هو المستحيل والممتنع ، فقد ظهر أنّه لا واسطة بين الموجود والمعدوم وأنّ الوجود الذهني متحقّق وأنّه لا شيئية للمعدوم خارجا وإن نازع قوم في الثلاثة ، وسيأتي الكلام معهم (١) بعد الفراغ من مباحث الوجود.

البحث الأوّل [في بداهة تصوّر الوجود] : الوجود بديهي التصوّر ، فإنّه لا شيء أظهر عند العاقل من كونه موجودا وأنّه ليس بمعدوم ، وبداهة المقيد تستلزم بداهة

__________________

(١) فيهم ـ خ : (آ).

المطلق لمسبوقية المقيد بالمطلق ، لأنّه جزؤه وما يقال في تعريفه يشتمل (١) إمّا على دور ظاهر(٢) كمن قال : إنّه المنقسم إلى الفاعل والمنفعل (٣) أو إلى القديم والحادث (٤) ، أو على أخذ أحد المتساويين في تعريف الآخر كمن عرفه بأنّه ما يصحّ أن يعلم ويخبر عنه ، وكلاهما أغلوطة (٥).

[البحث] الثاني [أنه مشترك معنوى] : أنّه مشترك بالاشتراك المعنوي تشكيكا أمّا الأوّل فلوجوه :

أوّلا : أنّا نجزم بوجود شيء حقيقة ونتردّد بين كونه واجبا أو ممكنا وجوهرا أو عرضا ، والمجزوم به غير المشكوك فيه.

ثانيا : أنّ العدم أمر واحد ، إذ لا تمايز في الأعدام فيكون نقيضه وهو الوجود واحدا وإلّا لم يتحقّق الحصر في قولنا : هذا الشيء إمّا أن يكون موجودا أو معدوما ، وهو باطل ضرورة وإذا كان واحدا كان مشتركا.

ثالثا : أنّا نقسّمه إلى الواجب والممكن والجوهر والعرض فلو لا اشتراكه لما حسن منّا ذلك كما لا نقسّم الحيوان إلى الإنسان والحجر.

وأمّا الثاني (٦) فلانّه لولاه لكان مقولا بالتواطؤ على ما تحته ، وهو باطل وإلّا لزم من

__________________

(١) مشتمل ـ خ : (آ).

(٢) ظاهر ـ خ : (آ).

(٣) إذ الفاعل هو المفيد الموجود والمنفعل هو المستفيد الموجود فقد توقّف معرفتهما على معرفة الوجود.

(٤) وهم عرّفوا الوجود مما يتوقّف معرفته على معرفة الوجود ، فإنّ القديم هو ما لم يسبق وجوده العدم ، فالوجود جزء مفهوم تعريفهما فيكون متقدّما عليهما ، فلو أخذ في تعريفه لزم تقديمهما عليه.

(٥) كتعريفه بالثابت العين ، أو بالذي يمكن أن يخبر عنه ويعلم ، واشتماله على دور ظاهر ، فإنّه إن قصد كونه تعريفا رسميا فلزوم الدور ظاهر ، إذ لا يعقل معنى الذي ثبت والّذي أمكن ونحو ذلك إلّا بعد تعقّل معنى الحصول في الأعيان أو الأذهان ، ولو سلّم فلا خفاء في أنّ معنى الوجود أوضح عند العقل من معاني هذه العبارات ، وإن قصد كونه تعريفا اسميا فلا خفاء في أنّه ليس أوضح دلالة على المقصود من لفظ الوجود بل أخفى ، فلا يصلح تعريفا اسميا كما لا يصلح رسميا فاتّضح قول المصنّف قدس‌سره ، وكلاهما أغلوطة.

(٦) أي كونه تشكيكا.

وجوب بعض أفراده وجوب الكلّ أو (١) من إمكان البعض إمكان الكل ، لأنّ الوجود المطلق إن اقتضى الوجوب لزم الأمر الأول ، وإن اقتضى الإمكان لزم الأمر الثاني ، وإن لم يقتض شيئا منهما كان وجوب الواجب لأمر منفصل عن الوجود (٢) فلا يكون واجبا ، وهذا خلف ، ولأنّه في الواقع كذلك لتفاوت مقوليته على الوجودات (٣) فإنّه في حقّ الواجب أقوى منه في الممكن وفي العلّة أقدم منه في المعلول وفي الجواهر (٤) أشدّ منه في العرض.

[البحث] الثالث (٥) الحقّ أنّه زائد على ماهية الممكن. أمّا أوّلا فلما ثبت من اشتراكه ، فلو لم يكن زائدا لزم اتّحاد الماهيات لو كان نفسها وعدم تناهي أجزائها لو كان جزء منها ، إذ لا بدّ حينئذ من فصول تشارك (٦) الماهية في الوجود ، ويتسلسل.

وأمّا ثانيا : فإنّا نعقل الماهية ونعقل كونها موجودة.

وأمّا ثالثا : فلأنّا نحتاج إلى الاستدلال على وجود الماهية حال تعلّقها فلا يكون نفسها ثمّ هذه الزيادة في التصوّر لا في الخارج ، وهو قائم بالماهية من حيث هي هي لا باعتبار الوجود ولا العدم ، فلا يلزم اشتراط الشيء بنفسه ، أو التسلسل لو قام بها وهي موجودة ، ولا اجتماع الوجود والعدم لو قام بها وهي معدومة. وأمّا في الواجب فهو نفسه ، لما يأتي في خواصّه.

البحث الرابع : في الوجود الذهني ، والحقّ وجوده (٧) فإنّا نحكم على موضوعات

__________________

(١) و ـ خ : (آ).

(٢) كان وجوب الواجب لأمر غير الوجود ـ خ : (آ).

(٣) الموجودات ـ خ : (آ).

(٤) الجوهر ـ خ : (آ).

(٥) البحث الثالث ـ خ : (آ).

(٦) مشاركة ـ خ : (آ).

(٧) ثبوته ـ خ : (آ).

معدومة في الخارج بل ممتنعة بأحكام إيجابية ، فلا بدّ من وجود المثبت له ضرورة وليس خارجا فيكون ذهنا ، وذلك هو المطلوب.

واستدلال المانعين له بلزوم كون الذهن حارّا أو باردا أو اجتماع الحرارة والبرودة لو تصوّرا فيجتمع الضدّان ، باطل ، فإنّ الثابت في الذهن ليس عين الحرارة والبرودة بل مثالهما وصورتهما ، وهما لا يوجبان تسخينا وتبريدا وليسا ضدّين.

البحث الخامس : في نفي الحال ذهب قوم غير محقّقين إلى ثبوت واسطة بين الموجود والمعدوم سمّوها بالحال ، وعرّفوها بأنّها صفة لموجود لا يوصف بالوجود ولا بالعدم ، مستدلّين بأنّ الوجود كذلك ، إذ لو كان موجودا لزم التسلسل ، ولو كان معدوما لزم اتّصاف الشيء بنقيضه ، وهو خطأ.

أمّا أوّلا فلقضاء الضرورة بالحصر المذكور ، فإنّ انحصار الشيء بين أن يكون وأن لا يكون من أوّل الأوائل.

وأمّا ثانيا فلأنّ وجود الوجود عينه فلا يتسلسل كضوء الضوء.

البحث السادس : في نفي المعدوم خارجا ، ذهب قوم من المعتزلة والأشاعرة إلى أنّ المعدوم الممكن ثابت خارجا لحكمهم بأنّ الثبوت أعمّ من الوجود ، واستدلوا بأنّ المعدوم متميّز ، وكلّ متميّز ثابت. أمّا الصغرى فلوجوه :

الأوّل : أنّا نعلم الطلوع غدا ، وهو معدوم الآن ، والمعلوم متميّز.

الثاني : أنّا نريد الملازمات حال عدمها ، والمراد متميّز عن غيره.

الثالث : أنّا نقدر على الحركة يمنة ويسرة ولا نقدر على الحركة إلى السماء ، والمقدور متميّز عن غيره.

وأمّا الكبرى فلأنّ التميّز ثبوت صفة للمتميز ، وهو فرع ثبوت الموصوف.

والجواب : الضرورة قاضية بعدم الفرق بين الثبوت والوجود ، فالمنازع مكابر ، فلو

كان المعدوم ثابتا لكان موجودا و (١) التميّز المذكور حاصل ذهنا وإلّا لزم ثبوت الممتنعات والمركّبات المذكورة سابقا ، لانصباب الدليل عليها ، وهو باطل اتّفاقا ولهم تفريعات (٢) في هذا الباب شنيعة كقولهم : إنّ الذوات غير متناهية وإنّها متحقّقة في العدم ، وإنّ الفاعل ليس له تأثير فيها ، وغير ذلك من تفريعاتهم (٣) وأشار ولي الله ووصيّ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلامه إلى دفع هذا المذهب ومذهب الحكماء بقوله : «لم يخلق الأشياء من أصول أزلية ولا (٤) أوائل أبدية».

__________________

(١) إذ ـ خ : (آ).

(٢) تعريفات ـ خ : (آ).

(٣) تعريفاتهم ـ خ : (آ).

(٤) من ـ خ : (آ).

اللامع الثالث

في الوجوب والامتناع والإمكان والقدم والحدوث

وفيه أبحاث :

[البحث] الأوّل : [حمل الوجود على الماهية] اعلم أنّه إذا حمل الوجود على الماهية فإمّا أن يجب اتّصافها به أو يمتنع أو يجوز الأمران ، الأوّل وجوب والثاني امتناع والثالث إمكان ، وهو مفهومات ضرورية لا (١) تفتقر إلى تعريف ، ومن عرّفها لزم الدور أو تعريف الشيء بما يساويه ، ثمّ الأوّلان قد يوجدان (٢) بالذات فيسمّى المتّصف بهما (٣) واجبا لذاته وممتنعا لذاته ، وقد يوجدان (٤) باعتبار الغير فيسمّى واجبا لغيره كالمعلول عند وجود علّته وممتنعا لغيره كهو حال عدمها ، فأمّا الممكن فلا يوجد (٥) بالغير وإلّا لكان مفروض (٦) الإمكان بالغير إمّا واجبا لذاته أو ممتنعا لذاته ، وكل ممكن بالغير ممكن بالذات فيكون ذلك المفروض تارة

__________________

(١) فلا ـ خ : (آ).

(٢) يؤخذان ـ خ : (آ).

(٣) به ـ خ : (آ).

(٤) يؤخذان ـ خ : (آ).

(٥) يؤخذ ـ خ : (آ).

(٦) معروض ـ خ : (آ).

واجبا لذاته وتارة ممكنا لذاته فيلزم الانقلاب ، هذا خلف.

البحث الثاني : [هذه الثلاثة [وجوب ، امتناع وامكان] أمور اعتبارية] أنّ هذه الثلاثة أمور اعتبارية لا وجود لها خارجا ، أمّا عموما فلصدقها على المعدوم ، فإنّ الممتنع مستحيل الوجود وواجب العدم ، والممكن قبل وجوده ممكن الوجود وإذا كان كذلك كان (١) عدمية ، لاستحالة اتّصاف العدمي بالثبوتي. وأمّا خصوصا فلأنّ الوجوب لو كان ثبوتيّا لزم إمكان الواجب ، واللازم كالملزوم في البطلان.

بيان الملازمة : أنّه صفة فيكون حينئذ مفتقرا إلى الموصوف ، والمفتقر ممكن ، فيكون الوجوب ممكنا فيجوز زواله حينئذ ، والفرض أنّ الواجب واجب فيزول أيضا ، هذا خلف.

أمّا الامتناع فغنيّ عن الاستدلال ، إذ لو كان ثبوتيّا لزم ثبوت الممتنع ، إذ هو صفة له.

وأمّا الإمكان فلأنّه لو كان ثبوتيّا لكان إمّا واجبا فيكون الممكن واجبا ، لأنّه حينئذ عارض لماهيته والعوارض يشترط فيها تحقّق معروضاتها ، أوّلا فيكون المعروض أولى بالوجوب وإمّا ممكنا فله إمكان ويتسلسل.

البحث الثالث : في خواص الواجب لذاته ، وهي أنواع :

الأوّل : أنّه لا يكون واجبا لذاته ولغيره معا وإلّا لزم ارتفاعه بارتفاع الغير ، فيكون ممكنا ، هذا خلف.

الثاني : أن لا يكون صادقا على المركّب ، لأنّ المركّب مفتقر إلى جزئه المغاير له ، والمفتقر إلى غيره ممكن ، فيكون الواجب ممكنا ، هذا خلف.

الثالث : أن لا يكون جزء من ماهية بين أجزائها فعل وانفعال ، وإلّا لكان منفعلا

__________________

(١) يكون ـ خ : (آ).

فيكون متغيّرا ، هذا خلف.

الرابع : أن لا يكون وجوده زائدا عليه وإلّا لكان (١) صفة له فيفتقر إلى موصوفه ، فيكون ممكنا ، فالمؤثر فيه إمّا الذات حال عدمها فيؤثّر المعدوم أوّل (٢) وجودها به ، فيلزم اشتراط الشيء بنفسه أو بغيره فيتسلسل ، أو غير الذات فيفتقر الواجب إلى الغير ، هذا خلف.

الخامس : أن لا يكون وجوبه زائدا عليه ، ودليله ما تقدّم.

السادس : أن يكون نوعه منحصرا في شخصه ، أي لا يوجد منه في الخارج إلّا شخص واحد ، لأنّ طبيعة واجب الوجود لو لم تقتض لذاتها تعيّنه وتشخّصه لزم أن يكون محتاجا إلى غيره في تعيّنه وتشخّصه ، وكلّ محتاج إلى غيره ممكن ، فالواجب ممكن ، هذا خلف.

وإذا كانت طبيعة واجب الوجود مقتضية لتعيّنه فكيف ما تصوّر تلك الطبيعة تصوّرا معها تعيّنها ، فلا يكون الواجب لذاته إلّا شخصا واحدا ، وهو المطلوب وفي آية الشهادة إشارة إلى هذه الخاصّة (٣).

البحث الرابع : في أحكام الممكن ، وهي أنواع :

الأوّل : أنّه لا يترجّح (٤) أحد طرفي وجوده وعدمه إلّا بأمر منفصل ، إذ لو لا ذلك لكان إمّا أن يوجد أو يعدم بذاته أو بلا سبب ، والأوّل يستلزم أن لا يكون ممكنا بل إمّا واجبا أو ممتنعا ، والثاني محال بالضرورة.

الثاني : أنّه ليس أحد طرفيه أولى بالنسبة إليه قبل وجوده ، لأنّ غير الأولى إمّا أن يمكن وقوعه أولا ، فمع الأوّل نفرضه واقعا فإمّا لا لسبب وهو محال ، لأنّ

__________________

(١) وجوده ـ خ : (آ).

(٢) حال ـ خ : (آ).

(٣) قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ). آل عمران ٣ : ١٨.

(٤) يرجّح ـ خ : (آ).

المساوي (١) يمتنع وقوعه لا بسبب فالمرجوح أولى ، أو بسبب (٢) وهو محال أيضا ، لأنّ ذلك الراجح حينئذ يتوقّف على عدم ذلك السبب فلا تكون الأولويّة كافية ، ومع الثاني (٣) أن لا يمكن وقوع غير الأولى لا يكون الممكن ممكنا بل إمّا واجبا أو ممتنعا ، وليس كلامنا فيهما.

الثالث : أنّ الإمكان إنّما يعرض لماهية من حيث هي هي لا باعتبار وجودها ولا باعتبار عدمها ولا باعتبار وجود علّتها ولا باعتبار عدمها ، لأنّ مع اعتبار الماهية مع أحد هذه الأمور تكون واجبة ، أعني حال اعتبار وجودها أو وجود علّتها أو ممتنعة ، أعني حال اعتبار عدمها أو عدم علّتها ، ومع هذين الاعتبارين لا إمكان.

الرابع : أنّ الممكن محفوف بوجوبين : سابق ولاحق.

أمّا السابق فلأنّ الممكن ما لم يتعيّن صدوره عن مؤثّره لم يوجد ، إذ فرض إمكانه حينئذ لا يحصل المقابل ، وقد بيّنا أنّ الأولويّة ليست كافية فلا بدّ من الانتهاء إلى الوجوب ، أي التعيّن المشار إليه.

وامّا اللاحق فلأنّه حال وجوده لا يقبل العدم وإلّا لزم الجمع بين النقيضين ، فإنّا إذا حكمنا بوجود المشي للإنسان اقتضى ذلك أن يكون واجبا له ما دام المشي موجودا له وهذا الوجوب يسمّى ضرورة بحسب المحمول.

الخامس : أنّه يحتاج إلى المؤثّر ، وهو حكم ضروري ، فإنّ كلّ من تصوّر تساوي طرفي الممكن جزم بالضرورة أنّ أحدهما لا يترجّح من حيث هو مساو ، بل من حيث وجود المرجّح ، وضرورية هذا ممّا لا يشكّ فيها.

وقيل : هو حكم استدلالي وإلّا لعلمناه كعلمنا بأنّ الواحد نصف الاثنين ، وهو (٤) باطل.

__________________

(١) المتساوي ـ خ : (آ).

(٢) لسبب ـ خ : (آ).

(٣) أي ـ خ : (آ).

(٤) وهذا ـ خ : (آ).

قلنا : الفرق حصل من حيث الإلف.

وخالف بعض الناس وقال : علّة الحاجة هي الحدوث ، وهو باطل ، فإنّ الحدوث هو كون الوجود مسبوقا بالعدم فهو كيفية الوجود الموصوف به ، والصفة متأخرة بالطبع عن موصوفها ، والوجود الموصوف به متأخّر عن تأثير موجده بالذات تأخّر المعلول عن علّته ، وتأثير الموجود متأخّر عن احتياج الأثر عليه في الوجود تأخّرا بالطبع واحتياج الأثر إليه (١) متأخّر عن علّته بالذات ، فلو كان الحدوث علّة للاحتياج لتأخّر عن نفسه بأربع مراتب ، هذا خلف.

السادس : أنّه حال بقائه محتاج ، لأنّا بيّنا أنّ علّة الحاجة هي الإمكان ، والإمكان لازم للماهية وإلّا لزم انقلابها إلى الوجوب أو الامتناع ، فالاحتياج لازم ، إذ لازم اللازم لازم.

إن قلت : لو احتاج حال بقائه لزم تحصيل الحاصل ، لأنّ (٢) أثر الفاعل في الوجود الحاصل وإن أثّر في غير الحاصل كان في أمر جديد لا في الباقي.

قلت : معنى احتياجه كون بقائه ليس بذاته بل بالفاعل ، وفي التحقيق الفاعل يفيد البقاء بعد الإحداث فهو يفيد أمرا جديدا.

البحث الخامس : في القدم والحدوث ، الموجود إمّا أن يكون غير مسبوق بالغير أو بالعدم أو يكون مسبوقا بأحدهما ، والأوّل من الأوّل قديم ذاتي والثاني منه قديم زماني ، والأوّل من الثاني حادث ذاتي والثاني منه حادث زماني ، وحيث تعرّضنا لذكر [أقسام السبق وهي خمسة] السبق فحقيق (٣) بنا ذكر أقسامه وهي خمسة :

الأوّل : السبق بالعلية كحركة الإصبع على حركة الخاتم.

الثاني : بالطبع كتقدّم الواحد على الاثنين ، وفرق بينه وبين الأوّل أنّه علّة تامة في

__________________

(١) إليه ـ خ : (د).

(٢) إذ ـ خ : (آ).

(٣) فحليق ـ كذا في نسختى (د) و (آ) ولم يعلم وجهه.

متأخّرة بخلاف هذا.

الثالث : بالزمان وهو كون السابق في زمان (١) متقدّم على زمان المتأخّر كالأب والابن.

الرابع : بالرتبة إمّا عقلا كالجنس على نوعه إن جعل المبدأ الأعمّ أو حسّا كالإمام على المأموم.

الخامس : بالشرف كالعالم على متعلّمه.

وزاد المتكلمون سادسا سمّوه تقدّما ذاتيا كتقدم أمس على اليوم ، فإنّه ليس بالثلاثة الأوّل ولا لآخرين ، وهو ظاهر ، ولا بالزمان وإلّا لافتقر إلى زمان وتسلسل.

ولا يخفى عليك أنّ حصره فيما ذكر ليس يقينيّا بل هو استقرائي ، ومقوليّته على اقسامه بالتشكيك فليس بجنس لها ، لامتناع التفاوت في جزء الماهية بل هو عرض عامّ لها.

البحث السادس : في أحكام القدم والحدوث ، وهي مسائل :

الاولى : القدم والحدوث اعتباران عقليان ليس لهما تحقّق في الخارج وإلّا لزم التسلسل أو اتّصاف الشيء بنقيضه ، لأنّ كلّ موجود خارجي إمّا قديم أو حادث لما ذكرناه من الحصر العقلي ، فلو كان أحدهما موجودا في الخارج لزم ما ذكرناه ، وهو ظاهر.

الثانية : أنّ القديم لا يجوز أن يكون أثر المختار ، لأنّ أثر المختار مسبوق بالداعي ، وهو لا يتوجه إلّا إلى معدوم وإلّا لزم تحصيل الحاصل وهو محال. فإذن أثر المختار يسبقه العدم ولا شيء من القديم يسبقه العدم ، ينتج من الثاني لا شيء من أثر المختار بقديم وينعكس بالمستوي إلى المطلوب.

__________________

(١) زمانه ـ خ : (آ).

الثالثة : أنّ القديم لا يجوز عليه العدم ، لأنّه إمّا واجب أو (١) ممكن ، لأنّ كلّ موجود كذلك ، فإن كان واجبا ثبت المطلوب ، وإن كان ممكنا كان له علة واجبة ، لاستحالة التسلسل كما يجيء ويكون موجبة ، لاستحالة كون القديم أثر المختار كما تقدّم ، فيلزم من دوام علّته دوامه فلا يعدم.

الرابعة : القديم عندنا هو الله تعالى لا غير ، لما يأتي من دليل إثبات الحدوث لكلّ ما عداه ، وعند الأشاعرة هو الله تعالى وصفاته ، وعند الحكماء هو الله تعالى والعالم ، وعند الحرنانيّين (٢) القدماء خمسة : اثنان حيّان فاعلان هما الله والنفس ، وواحد منفعل غير حيّ هو المادة ، واثنان لا حيّان ولا فاعلان ولا منفعلان وهما الدهر والخلاء ، والحادث ما عدا ذلك.

__________________

(١) وإمّا ـ خ : (آ).

(٢) هم جماعة من صائبة الكلدانيين ، وهم مع اعتقادهم بوجود الله تعالى يقولون : «وما يهلكنا إلّا الدهر» ولا دار سوى هذه الدار ، وما يميتنا إلّا الأيام والليالي ومرور الزمان وطول العمر ، ويسندون الحوادث إلى الدهر ، ولهم مقالات واهية سخيفة من هذا القبيل مذكورة في كتب الملل والنحل وغيرها.

اللامع الرابع

في الماهية ولواحقها

وفيه فصول :

[الفصل] الأوّل : في مباحث الماهية

وفيه مسائل :

الاولى : الماهية مشتقّة من قولنا : ما هو ، فإنّه إذا سئل عن الإنسان مثلا بما هو؟ فقد سئلت عن حقيقته ، فإذا قلنا : حيوان ناطق فالواقع في الجواب هو الماهية.

الثانية : الماهية مغايرة لجميع ما يعرض لها من الاعتبارات ، فإنّ الإنسانية من حيث هي هي ليست واحدة وإلّا لما صدقت على الكثير ، وليست كثيرة وإلّا لما صدقت على الواحد ، ولا كلية وإلّا لما صدقت على الجزئي وبالعكس.

وإن كانت لا تخلو عن أحد هذه المتقابلات وتسمّى بهذا الاعتبار المطلق والماهية بلا شرط ، فإن أخذت مع المشخّصات واللواحق تسمّى مخلوطا ، والماهية بشرط شيء وإن أخذت بشرط العراء عن المشخّصات واللواحق تسمّى مجرّدا

والماهية بشرط لا ، وهذه لا وجود لها إلّا في الذهن ، إذ كل موجود في الخارج مشخّص فلا يكون عاريا عن الاعتبارات ، وأمّا المخلوط فوجوده في الخارج ظاهر ، وكذا المطلق ، لتركّب المخلوط منه ومن المشخّصات واللواحق ، وجزء الموجود موجود.

الثالثة : الماهية إمّا أن يكون لها جزء تتقوّم منه ومن غيره وهي المركّبة ، أو لا يكون وهي البسيطة ، ووجود الأوّل ظاهر ، وهي إمّا خارجة وأجزاؤها متميزة في الخارج كالإنسان المركّب من البدن والنفس والمثلّث المركّب من المخلوط ، أو عقلية وأجزاؤها ليست كذلك كالنفس المجرّدة والسواد.

ثمّ الأجزاء إمّا أن يكون بعضها أعمّ من بعض وهي المتداخلة كالأجناس والفصول ، أو لا يكون وهي المتباينة ، وهذه إمّا متشابهة كوحدات العشرة أو متخالفة إمّا عقلية كالهيولى والصورة أو خارجية كأعضاء البدن ، وكذا الثانية ، لأنّ وجود المركّب يستلزم وجود أجزائه ضرورة وأجزاؤها يجب انتهاؤها إلى ما لا جزء له وإلّا لزم التسلسل.

الرابعة : الجزء سابق على المركّب ، لأنّ الجزء ما يتمّ المركّب منه ومن مثله ، فبالضرورة يكون تحقّق المركّب متوقّفا على تحقّقه ، والمتوقّف عليه سابق هذا في الخارج وأمّا في الذهن فكذلك ، لأنّ الذهن يجب مطابقته للخارج وكما أنّ الجزء سابق في الوجود فكذا في العدم ، لأنّه إذا عدم جزء من المركّب لم يبق ملتئما فلا تحصل الماهيّة ، فيكون عدم أيّ جزء كان من تلك الأمور علّة لعدم المركّب والعلّة متقدّمة.

الخامسة : المركّب محتاج وهو ظاهر ، فإنّه لا بدّ لبعض الأجزاء من الحاجة إلى البعض الآخر ، إذ لو استغنى كل جزء عن كل جزء لم يحصل منها حقيقة كما لا يحصل من الإنسان الموضوع فوق الحجر حقيقة.

ثمّ الاحتياج قد يكون للجزء الصوري لا غير كالهيئة الاجتماعية في العسكر

والبلدية (١) في البيوت والعشرية في العدد ، وقد يكون للجزء المادي كالهيولى في الجسم ولا يتحقّق شمول الحاجة من الطرفين بأن يكون المادي محتاجا إلى الصوري وبالعكس باعتبار واحد ، لأنّه يلزم منه الدور المحال وإمّا لا باعتبار واحد كالمادة المفتقرة في وجودها إلى الصورة والصورة المفتقرة في شخصها إلى المادة فجائز.

الفصل الثاني في الوحدة والكثرة

وفيه فوائد :

الأولى : الوحدة عبارة عن كون الشيء غير منقسم ، وهي مغايرة للوجود ، لأنّه صادق على الكثير ، بخلافها وهي أمر ثبوتي أي ليس العدم مفهومها ولا جزء مفهومها ، وهو ظاهر من تعريفها ، ولأنّها لو كانت عدمية لكانت عدم الكثرة ، والكثرة مجموع الوحدات العدمية حينئذ ، فيكون النقيضان عدميين وهو باطل ، لكنها من المعقولات الثانية اللاحقة للمعقولات الأولى ، لعدم امكان تصوّرها قائمة بنفسها بل عارضة لغيرها.

الثانية : الكثرة عبارة عن كون الشيء منقسما ، والبحث فيها كما تقدّم في الوحدة.

الثالثة : الوحدة والكثرة قد يكون معروضهما واحدا وقد يكون متغايرا والأوّل يجب أن يكون له جهتان ، لاستحالة كون الشيء (٢) واحدا وكثيرا باعتبار واحد ، فجهة الوحدة قد تكون مقوّمة لجهة الكثرة أي داخلة في قوامها ، فإن كانت جهة الوحدة (٣) مختلفة فالوحدة جنسية وإن كانت متّفقة فالوحدة نوعية إن كانت مقولة في جواب ما هو وفصلية إن كانت مقولة في جواب أي ما هو ، وقد تكون مقوّمة ، وتكون عارضة ، إمّا

__________________

(١) البلدة ـ خ : (آ).

(٢) الشيء الواحد كثيرا ـ خ : (آ).

(٣) الكثرة ـ خ : (د).

موضوعا كالإنسان هو الكاتب فإنّ جهة الوحدة هي الإنسانية ، وهي موضوع ، أو محمولات لموضوع واحد كقولنا : الكاتب هو الضاحك ، فإنّ جهة الوحدة ما هو موضوعها وهو الإنسان أو موضوعات لمحمول واحد كقولنا : القطن هو كالثلج ، فإنّ جهة الوحدة صفة لهما أعني البياض.

وقد لا تكون عارضة وتسمّى وحدة بالعرض كقولنا : نسبة الملك إلى المدينة كنسبة الربّان (١) إلى السفينة ، وكذا حال النفس إلى البدن كحال الملك إلى البلد ، فإنّه ليس هنا نسبة واحدة وحالة واحدة بل هما نسبتان وحالتان والثاني (٢) قسمان :

الأوّل : موضوع الوحدة إمّا أن يكون نفس مجرّد عدم الانقسام وهو الوحدة ، أو له مفهوم آخر زائد فإمّا أن يكون قابلا للقسمة أولا ، والثاني إمّا ذا وضع كالنقطة أو غير ذي وضع كالعقل والنفس ، والأوّل إمّا أن تكون أجزاؤه متساوية أو لا ، والأوّل المقدار إن قبل القسمة لذاته وإلّا فالجسم الطبيعي أو غير متساوية كالأجسام المركبة.

الثاني : موضوع الكثرة ، وسيأتي أقسامه.

الرابعة : أنّ الواحد بالنوع كالإنسان كثير بالشخص كزيد وعمرو ، والواحد بالجنس كالحيوان كثير بالنوع كالإنسان والفرس إمّا بالجنس القريب كما قلنا أو بالمتوسّط كالإنسان والشجر أو بالبعيد كالإنسان والحجر ومقوليته على هذه الأقسام بالتشكيك.

الخامسة : أسماء الوحدة مختلفة ففي النوع يسمّى مماثلة وفي الجنس مجانسة وفي الكم مساواة وفي الكيف مشابهة وفي المضاف مناسبة وفي الشكل مشاكلة وفي الوضع موازاة وفي الأطراف مطابقة.

السادسة : أقسام الكثرة كلّ اثنين إمّا أن يتساويا في تمام الماهية أو يختلفا ، والأوّل

__________________

(١) الربان. ج ـ ربابنة وربابين : رئيس الملاحين.

(٢) أي كون معروضهما متغايرا.

المثلان ، ويقال : المتساويان كزيد وعمرو ، والثاني إمّا أن يمكن اجتماعهما في موضوع واحد أولا ، والأوّل المتلاقيان كالسواد والحركة فإمّا أن يصدق كلّ منهما على كلّ ما يصدق عليه الآخر ، وهما المتساويان كالإنسان والناطق أو يصدق أحدهما على بعض ما يصدق عليه الآخر فإن صدق الآخر على كلّ أفراده ، فالأوّل أخصّ مطلقا والثاني أعمّ مطلقا كالإنسان والحيوان وإن لم يصدق على كلّ أفراده ، فكلّ منهما أعمّ من وجه وأخصّ من وجه والثاني المتقابلان ، وهما اللذان لا يجتمعان في موضوع واحد باعتبار واحد في زمان واحد ، فإن كانا وجودين وأمكن تعقّل أحدهما منفكّا عن الآخر ، فهما ضدّان كالسواد والبياض وإن لم يمكن فهما مضافان كالأبوّة والبنوّة وإن كان أحدهما وجوديا والآخر عدميا فإن اعتبر موضوع معيّن لهما فعدم وملكة كالعمى والبصر وإن لم يعتبر فهما نقيضان كالإنسان واللاإنسان.

السابعة : أنّ التضادّ نوعان ، حقيقي وهو كون الشيئين الوجوديين لا يجتمعان في موضوع واحد باعتبار واحد وبينهما غاية البعد كما مثّلناه به ومشهوري ، وهو كون الشيئين يجتمعان في موضوع واحد ، وهذا أعمّ من الأوّل.

والعدم والملكة أيضا نوعان ، حقيقي وهو عدم شيء عن شيء ومشهوري ، وهو عدم شيء عن شيء من شأنه أن يكون له بحسب نوعه أو جنسه والثاني أخصّ ، فعدم البصر عن الحائط عدم ملكة على الأوّل وسلب على الثاني فقد تعاكس هو والتضادّ في العموم والخصوص في مشهوريهما وحقيقيهما.

الثامنة : للتضادّ أحكام :

الأوّل : أنّ أحد الضدّين بعينه قد يكون لازما للموضوع كسواد القارّ وقد لا يكون ، فإمّا أن يكون أحدهما لا بعينه لازما للموضوع كالصحّة والمرض للبدن ، أو لا يكون فإمّا أن يخلو عنهما معا كالهواء الخالي عن السواد والبياض أو يتّصف بالوسط كالفاتر.

الثاني : أنّ الضدّ الحقيقي ليس له إلّا ضدّ واحد ليتحقّق شرطه ، وهو غاية البعد ،

وأمّا المشهوري فيجوز أن يكون للواحد أضداد.

الثالث : أنّ التضادّ منفي عن الأجناس ومشروط في الأنواع بدخولها تحت جنس واحد أخير ، وعلم هذا بالاستقراء ، فنقض الأوّل بالخير والشر ، والثاني بالتهوّر والشجاعة.

وللتناقض أحكام : هي بعلم الميزان أنسب وكذا للمضاف أحكام يأتي.

ثمّ اعلم كما لا يجتمع المتقابلان فكذا المثلان لا يجتمعان ، إذ لو اجتمعا لما امتازا ، لأنّ امتيازهما إمّا بالذات أو باللوازم أو العوارض ، وبطلان الأوّل ظاهر ، وكذا الثاني لوجوب اتحادهما في اللوازم وإلّا لم يكونا مثلين ، وإمّا الثالث فهو إنّما يكون بواسطة المحلّ فيتّحدان في العوارض ، لأنّ نسبة العوارض إلى كلّ واحد منهما بالسوية فلا يمتازان أيضا.

الفصل الثالث : في العلّة والمعلول وهما من لواحق الماهية

وفيه مسائل :

الأولى : أنّهما من المعلومات الضروريّة لكن يقال تنبيها : إذا استتبع شيء شيئا آخر ، فالأوّل علّة والثاني معلول.

وبعبارة أخرى : إذا صدر شيء عن شيء إمّا استقلالا أو بانضمام فالثاني علّة والأوّل معلول.

ثمّ العلّة لا يجوز أن تكون نفس المعلول ، لأنّ الشيء لا يقدم (١) على نفسه ، وحينئذ إمّا أن تكون داخلية والمعلول معها بالقوة وهي المادية أو بالفعل وهي الصورية ، أو خارجية ، ومنها (٢) الوجود وهي الفاعلية أو لأجلها الوجود وهي الغاية.

__________________

(١) يتقدّم ـ خ : (آ).

(٢) فيها ـ خ : (آ).

الثانية : الفاعلية إمّا تامّة أو ناقصة ، والتامّة هي (١) جميع ما يتوقّف عليه التأثير من حصول الشرائط وارتفاع الموانع ، وعند حصول هذه يجب حصول المعلول وإلّا لزم الترجيح بلا مرجّح أو فرض ما ليس بتامّ تامّا ، هذا خلف ، وذلك لأنّ حصول المعلول بعدها إن لم يتوقّف على غير ما فرضناه لزم الأوّل ، وإن توقّف لزم الثاني. وأمّا الناقصة وهي بعض ما يتوقّف عليه كواحد من الأربعة فهي لا يجب حصول المعلول عندها.

الثالثة : العلّة قد تكون بسيطة وقد تكون مركّبة ، والثانية يجوز صدور الكثرة عنها ، وأمّا الأولى فمع تعدّد الآلات والموادّ يجوز صدور الكثرة عنها أيضا ، ومع عدمه قال الحكماء: لا يصدر عنها إلّا واحد ، مستدلّين بأنّه لو صدر أكثر لكان مصدرية هذا غير مصدرية ذاك ، فإن دخلا أو أحدهما في ذاتها لزم التركيب ، هذا خلف ، وإن خرجا كانا معلولين فينقل (٢) الكلام ويتسلسل (٣).

وأجيب بأنّ الصدور اعتباري لا وجود له خارجا ولا يوصف بالدخول والخروج ، وعلى تقدير تسليمه جاز أن يكون صدور الصدور عينه ، هذا مع المعارضة بصدور (٤) الواحد وباقتضاء (٥) الجسم البسيط عندهم التحيّز وقبول الأعراض الحقيقيّة.

الرابعة : قالوا : الواحد من كلّ وجه لا يجوز أن يكون فاعلا وقابلا ، لأنّ القبول غير الفعل فمصدر أحدهما غير مصدر الآخر فيتعدّد فلا يكون واحدا من كلّ وجه.

وأجيب بأنّ التعدّد بالاعتبار كاف مع أنّا قدّمنا أنّ البسيط تتعدّد آثاره.

__________________

(١) هي ـ خ : (د).

(٢) فننقل ـ خ : (د).

(٣) نتسلسل ـ خ : (د).

(٤) بالصدور ـ خ : (آ).

(٥) اقتضاء ـ خ : (آ).

الخامسة : قيل : لا يجوز أن يكون لمعلول بسيط علّة مركّبة ، إذ لو كان كذلك لكان إمّا أن يكون كل واحد من أجزائها مستقلّا بالتأثير أولا ، والأوّل محال وإلّا لاجتمع على الواحد الشخصي علّتان تامّتان ، وهو باطل كما يجيء وكذا الثاني ، لأنّه إذا (١) لم يكن كل واحد مستقلّا فإمّا أن يكون البعض مستقلّا ، وهو باطل وإلّا لكان ما عداه حشوا لا حاجة إليه فلا يسند التأثير إلى الكلّ من حيث هو كلّ ، هذا خلف.

أو لا يكون شيء من أجزائها مستقلّا فلا يخلو إمّا أن يكون لكلّ واحد منها تأثير في شيء من (٢) ذات المعلول بحيث يحصل من اجتماعها ذلك المعلول بتمامه أو لا يكون ، وعلى الأوّل يكون المعلول مركّبا ، والفرض خلافه ، وعلى الثاني لا يخلو إمّا أن يلزم بعض أجزاء المعلول عن بعض أجزاء العلّة ويلزم ما ذكرناه الآن ، وإمّا أن لا يلزم المعلول ولا بعضه عن شيء من أجزائها ، وحينئذ إمّا أن يحصل عند الاجتماع أمر زائد لم يكن عند الانفراد يكون هو العلّة لوجود ذلك البسيط ، وحينئذ لا تكون تلك العلّة المركّبة علّة بل علّة العلّة ، والكلام إنّما هو في العلّة القريبة.

وأيضا ذلك الزائد إمّا عدمي أو وجودي ، والأوّل باطل ، لأنّ العدمي لا يستقل بالتأثير في الوجودي ، والفرض استقلاله ، هذا خلف ، والثاني إمّا أن يكون بسيطا أو مركّبا ، وكلاهما يلزم منه التسلسل ، أمّا على تقدير البساطة فلأنّ الكلام يعود في كيفية صدور ذلك البسيط عنه (٣) ، وأمّا على تقدير التركيب فلأنّا نعود بالكلام في كيفية صدور ذلك البسيط عنه. أولا (٤) يحصل عند الاجتماع زائد ، وحينئذ يكون الكلّ غير مؤثّر كما كان كلّ واحد كذلك.

وفيه نظر : أمّا تفصيلا فلأنّ قوله : إمّا أن لا يلزم المعلول ... إلى آخره ، نختار أنّه

__________________

(١) إذ ـ خ : (د).

(٢) في ذات ـ خ : (آ).

(٣) صدوره عن ذلك المركّب ـ خ : (آ).

(٤) عطف على قوله فيما تقدّم : إما أن يحصل عند الاجتماع أمر زائد ...

لا يلزم المعلول شيئا من أجزاء العلّة.

قوله : وحينئذ إمّا أن يحصل عند الاجتماع ... إلى آخره ، نختار أنّه يحصل ولا نسلّم أنّه هو العلّة ليلزم ما ذكر ، لجواز أن يكون شرطا لتأثير الأجزاء ، فإنّ كلّ واحد له تأثير ناقص بشرط الاجتماع ولمجموعها تأثير تامّ ، لحصول جميع أجزاء العلّة وشروطها (١) ، وما لم يبطل ذلك لم يحصل المطلوب مع أنّه لا سبيل إلى إبطاله خصوصا مع وقوعه ، فإنّ مجموع أجزاء العشرة (٢) علّة تامّة لحصول العشرة ولكلّ واحد من أجزائها تأثير ناقص عند الاجتماع ، وكذا إذا كان مائة ألف رطل تغرق السفينة كان لكلّ واحد من الآلاف تأثير ناقص بشرط الاجتماع ، ولمجموعها تأثير تامّ لحصول جميع أجزاء العلّة التامّة.

وأمّا إجمالا فلأنّه لو صحّ مدّعاه في الجملة لزم التسلسل ، واللازم كالملزوم في البطلان.

وبيان الملازمة يتوقّف على إثبات معلول بسيط حادث فنقول : الجزء الصوري لكلّ مركّب حادث بالضرورة فإمّا أن يكون بسيطا أو مركّبا ، فإن كان بسيطا فهو المطلوب ، وإن كان مركّبا فلا بدّ له من جزء آخر صوريّ وهكذا ، ولا بدّ أن يتناهى إلى جزء آخر صوريّ بسيط حادث (٣) وإلّا لزم تركّبه من أجزاء غير متناهية ، وهو محال ، وإذا ثبت جزء صوريّ بسيط حادث قلنا : يلزم من بساطته بساطة علّته ، ومن حدوثه حدوثها ، ومن بساطة علّته بساطة علّة علّته وهكذا حتّى يلزم التسلسل.

وأمّا معارضه فلأنّه على تقدير دلالته على امتناع صدور البسيط عن المركب فعندنا ما يدلّ على جوازه ، وهو أنّه كلّما ثبت حادث بسيط فلا بدّ من انتهاء علله إلى علّة مركّبة وإلّا لزم التسلسل المحال ، لكن ثبت الملزوم بما تقدّم من الدليل فيثبت اللازم ، وهو المطلوب.

__________________

(١) وشرطها ـ خ : (آ).

(٢) العشرية خ ل ـ خ : (د).

(٣) حادث ـ خ : (د).

السادسة : المعلول الشخصي لا تجتمع عليه علّتان تامّتان وإلّا لاستغنى بكلّ واحدة عن كل واحدة ، فيكون مستغنيا أو محتاجا عنهما وإليهما معا ، وهو محال.

وبيان ذلك : أنّا إذا فرضنا تحقّق الأولى مثلا وجب صدوره عنها فيستغني بها عن الثانية ، وكذا نقول في الثانية عند تحقّقها فيكون مستغنيا عن العلل التامة ومحتاجا إليهما ، هذا خلف.

وأمّا النوعي فيجوز فيه ذلك كالحرارة الصادرة عن علل مختلفة.

السابعة : لا يجوز تعاكس العلل ولا تراميها إلى غير النهاية ، والأوّل دور والثاني تسلسل ، وكلّ منهما باطل.

أمّا الأوّل : فلأنّه يفضي إلى كون الشيء الواحد موجودا معدوما ، وهو محال.

وبيان ذلك يظهر من وجوب تقدّم العلّة على معلولها فيكون معدوما حال فرض وجودها قبله ، فلو انعكس لزم تقدّمه فتكون معدومة حال فرض وجوده.

وأمّا الثاني : لوجهين : الأوّل : التطبيق بين جملة من الآن إلى الأزل ، وأخرى من الطوفان إليه بحيث يجعل مبدأهما واحدا ، فإن تساويا لزم مساواة الزائد للناقص وإلّا نقصت الناقصة بمقدار متناه فتتناهى الجملتان للزيادة التامة بمقدار متناه.

الثاني : أنّ المجموع مفتقر ، فمؤثّره ليس نفسه ضرورة ولا جزؤه ، وإلّا لأثّر في نفسه وعلله ، لأنّ المؤثّر في المجموع مؤثّر في كلّ واحد ولا خارج عنه ، وإلّا لاجتمعت على الواحد الشخصي علّتان تامتان ، هذا خلف.

واشترط الحكماء في بطلانه وجود الأفراد معا وترتّبها طبعا (١) أو وضعا ، فتسلسل

__________________

(١) معا ـ خ : (د) طبعا ـ خ ل.

اشترط الحكماء في إبطال التسلسل حصول أمرين : الأول : أن يكون بين الآحاد الموجودة ترتيب طبيعي كالعلل والمعلولات أو وضعي كالأجسام والمقادير. مثال الترتيب الوضعي كالخطّ الغير المتناهي ، فإنّ أبعاضه النقطة المفروضة علّته موجودة دفعة مع ترتيب وضعى.

الحركات والنفوس ليس بباطل عندهم ، والمتكلّمون لم يشترطوا ذلك ، بل كلّ عدد فرض غير متناه باطل عندهم.

الثامنة : للمادّة والصورة أحكام تأتي.

وأمّا الغاية فلها اعتباران :

الأوّل : ماهيتها وهي علّة لعلّته الفاعلية ، فهي متقدّمة حينئذ بها ، لأنّ الفاعل يفتقر إلى تصوّر جزئي (١) ثمّ شوق ثمّ إرادة ، فيستلزم تصور الغاية فتحمله على الفعل.

الثاني : وجودها وهي بهذا متأخّرة ، لتأخّره عن فعل الفاعل.

التاسعة : كما استند وجود المعلول إلى وجود علّته ، فعدمه مستند إلى عدمها ، لأنّ عدمه لا يستند إلى ذاته ، وإلّا لكان ممتنعا ، ولا إلى وجود شيء غير عدم علّته ، لأنّ عند وجود علّته يجب وجوده ، فتأثير ذلك الشيء في العدم (٢) إن كان عند وجود علّة الوجود لزم أن يكون موجودا بالنظر إلى علّة وجوده ومعدوما بالنظر إلى علّة عدمه ، هذا خلف ، ولا ترجيح لأحدهما ، لأنّا فرضنا هما تامّتين ، وإن كان عند اختلال بعض شرائط العلّة أو عدم جزء منها كان المقتضي للعدم هو عدم ذلك الجزء أو الشرط لا غير ولا إلى عدم شيء غير العلّة وأجزائها وشرائطها ، لأنّ ما عدا العلّة وأجزائها وشرائطها لا يحتاج إليه المعلول ، وما لا يحتاج إليه الشيء لا يلزم من عدمه عدم ذلك الشيء بالضرورة فلم يبق إلّا عدم علّته ، وهو المطلوب.

__________________

الثاني : أن تكون موجودة دفعة ، وجوّزوا تسلسلا خاليا عنهما ، فلهذا قالوا بتسلسل الحركات الفلكية على زعمهم ، لأنّها وان كانت مترتبة إلّا أنّها ليست موجودة دفعة ، وقالوا بتسلسل النفوس البشرية ، لأنّها وإن كانت موجودة إلّا أنّها لا ترتيب بينها وأبطلوا تسلسل العلل والمعلولات لوجود شرطين فيه.

(١) جزئيتين ـ خ : (آ).

(٢) المعدوم ـ خ : (آ).

العاشرة : العلّة قد تكون معدّة ، وهي ما تقرّب العلّة المؤثّرة إلى معلولها بعد بعدها عنه ، وهي إمّا أن تؤدّي إلى ما يماثلها كالحركة إلى المنتصف (١) ، فإنّها تؤدّي إلى الحركة إلى المنتهى ، وليست فاعلة بل الفاعل غيرها (٢) أو إلى مخالفها (٣) كالحركة المعدّة للسخونة (٤) ، أو مضادّها كالحركة المعدّة للسكون عند الوصول إلى المنتهى (٥) ثمّ الإعداد إمّا قريب كالجنين المستعدّ (٦) لقبول الصورة الإنسانية أو بعيد كالنطفة لها ، فالمعدّة القريبة حينئذ ما يحصل المعلول عقبها ، والبعيدة ما ليس كذلك.

__________________

(١) أي منتصف المسافة.

(٢) غيرهما ـ خ : (د).

(٣) أو إلى ما يخالفها ـ خ : (آ).

(٤) وهي مخالفة لها.

(٥) وكالحركة إلى الفوق المؤدية إلى الحركة إلى الأسفل وهما متضادتان.

(٦) المعد ـ خ : (آ).

اللامع الخامس

في تقسيم الممكنات

وفيه فصول :

[الفصل] الأوّل : في التقسيم على رأي الحكماء

وتقريره : أنّ الممكن الموجود إمّا أن يكون قائما بالموضوع أو لا ، والأوّل العرض ، والمراد بالموضوع هو المقوّم لما يحلّ فيه ، والثاني إمّا أن يكون له دخل في التحيّز أو لا ، والثاني المجرّد ، وهو إمّا أن يكون بحيث تتوقّف كمالاته على التعلّق بالماديات أو لا ، والأوّل النفس والثاني العقل ، والأوّل من القسم الثاني إمّا أن يكون محلّا ، وهو المتقوّم بما يحلّ فيه ، وهو المادة والهيولى أو حالّا ، أعني المقوّم لما يحلّ فيه ، وهو الصورة إمّا مركّبا منهما ، وهو الجسم.

ثمّ العرض إمّا أن يقتضي قسمة أو نسبة أو لا يقتضي شيئا منهما ، والأوّل إمّا أن يوجد فيه واحد عاد بالفعل وهو الكمّ المنفصل كالعدد ، أو بالقوة وهو الكمّ المتصل ، وهو إمّا غير قارّ الذات وهو الزمان ، أو قارّ الذات وهو إمّا ينقسم في جهة واحدة وهو الخط ، أو جهتين وهو السطح ، أو ثلاث جهات وهو الجسم التعليمي.

والثاني ـ أي ما يقتضي نسبة ـ إمّا أن يكون نسبة التأثير وهو الفعل ، أو التأثّر وهو الانفعال ، أولا واحدا منهما فإمّا نسبة المكان وهو الأين أو الزمان وهو المتى ، أو نسبة

إلى الأمور الخارجية غيرهما وهو الوضع ، أو نسبة التملّك وهو الملك أو نسبة متكرّرة وهو الإضافة.

والثالث قيل : هو الكيف.

وفي الحصر نظر ، لانتقاضه بالحركة والنقطة والآن ، وهذه التسعة (١) مع الجوهر يسمّونها بالمقولات العشر الشاملة لأنواع الممكنات ، وقد جمعها بعضهم في بيت من الشعر تمثيلا في المادة في قوله :

قمر غزير الحسن ألطف (٢) مصره

لو قام يكشف غمّتى لمّا انثنى (٣)

فهنا مباحث :

[البحث] الأوّل : في تتمة مباحث العرض ، وفيه فوائد :

الأولى : الكمّ وقد ذكرنا أنّه قسمان : أحدهما المتّصل غير القارّ ـ أعني الزمان ـ ومرادنا بكونه غير قارّ أن (٤) لا تجتمع أجزاؤه في الوجود والحال هنا كذلك ، فإنّه لا يكون

__________________

(١) القسمة ـ خ : (آ).

(٢) أنطق ـ خ : (د). وما أثبتناه من ـ خ : (آ) هو الأنسب.

(٣) في الشعر إشارة إلى المقولات العشر : ١ ـ فالقمر للجوهر ٢ ـ والغزير للكم ٣ ـ والحسن للكيف ٤ ـ وألطف للإضافة ٥ ـ ومصره للأين وإضافته إشارة إلى أنّ الأين ، الحصول في مصر ، لا نفس المصر ٦ ـ وقام للوضع ٧ ـ ويكشف للفعل ٨ ـ وغمّتي للملك ٩ ـ ولمّا (بتشديد الميم) للمتى ١٠ ـ وانثنى للانفعال.

وقد زاد بعض فلا سفة الغرب عليها مقولتين أخريين هما : ١ ـ النفي ٢ ـ الإثبات ، الوضع ، هو اسم للهيئة الحاصلة من نسبة بعض الأجزاء إلى بعض ومن نسبتها إلى أمر خارجي ، الملك : هو اسم للهيئة الحاصلة في إحاطة شيء بشيء كلّا أو بعضا ، انثنى للانفعال ، أي إذا كان بتأثير مؤثّر ، أي فعل فاعل. المقولات ، أي المحمولات ـ يعني الموجودات العشرة ـ أي الكون احتوى على هذه العشرة.

كلمة «مقولة» اشتقت من مصدر القول ، وهي ترجمة لكلمة كاتيجورياairojitaK اليونانية ولا يعرف بالضبط أول من وضع هذا الاصطلاح في العربية ، ولا نجد له في معاجمنا وجودا وقد دخلت في جميع اللغات بلفظها تقريباeirojetaC ـ yrojetaC حتّى في كتب الفلاسفة المسلمين ومعناها في الأصل «العلاقة».

(٤) أي ـ خ : (آ).

أحد الزمانين مجتمعا مع صاحبه. ثمّ الزمان قيل : هو مقدار الحركة الفلكية العليا ، وقيل : مقدار الوجود ، وعلى ذلك كلّه أدلّة هي بالمطوّلات أشبه.

والكمّ قد يكون بالذات كالذي عددناه ، وقد يكون بالعرض ، وهو إمّا معروض ذلك كالجسم الطبيعي أو عارضا له كالسواد القائم بالجسم والسطح ، ويوصف بالزيادة والنقصان والكثرة والقلة ، ولا يوصف بالشدة والضعف ، وهو ظاهر.

الثانية : كلّ من الأين والمتى قد يكون حقيقيا ، وهو حصول الشيء في المكان الخاص به والزمان الخاص به ، وغير حقيقي ، وهو نسبة إلى مكان عامّ أو زمان كذلك كقولنا : زيد في الدار وفي سنة كذا.

الثالثة : الوضع يحصل للشيء بحسب نسبة أجزائه إلى الأمور الخارجية عنه ، ككون رأس زيد مثلا قريبا من السقف ورجليه قريبين من الأرض ، وبحسب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض ككون رأسه فوق رجليه وهما تحته ، أو (١) يقع فيه التضادّ كالقيام والانتكاس والشدّة والضعف كالانتصاب ، فإنّه يكون شديدا وضعيفا.

الرابعة : الملك ، قيل : هو نسبة التملّك ، وقيل : كون الشيء محاطا لغير أو محيطا بغيره ، ولحقائقها اختلفت العبارات في التعبير عنها.

الخامسة : المضاف فيقال لنفس الإضافة ، أعني العارض للشيء باعتبار قياسه إلى غيره كالأبوّة والبنوّة وهو الحقيقي ، ويقال لمعروض ذلك كالأب والابن وهو المشهوري ، ويجب فيه الانعكاس والتكافؤ.

أمّا الأوّل : فمعناه إضافة كلّ منهما إلى صاحبه من حيث إنّه مضاف إليه ، فإنّه كما أنّ الأب أب للابن (٢) كذا الابن ابن للأب (٣) ، وقيّدنا بحيثية الإضافة ، لأنّه لو أخذ المضاف مجرّدا عن الإضافة لم يجب الانعكاس ، فإنّه إذا قيل : الرأس رأس الإنسان

__________________

(١) و ـ خ : (آ).

(٢) أب الابن ـ خ : (آ).

(٣) ابن الأب ـ خ : (آ).

لم يصدق التعاكس ، بخلاف ما لو قيل : الرأس رأس لذي الرأس فإنّه يصدق ذو الرأس بالرأس (١).

وأمّا الثاني : أعني التكافؤ في الوجود ، على معنى أنّه يستحيل تقدّم أحدهما على الآخر ، بل يجب وجودهما معا خارجا وذهنا ، وهذا الحكم ضروري ، فإنّ العقل يقضي بوجوب المصاحبة بينهما.

السادسة : الكيف رسموه بأنّه هيئة عارضة للجسم لا يقتضي قسمة ولا نسبة اقتضاء أوّليا وقسّموه إلى أربعة أقسام :

الأوّل : الكيفيات المختصة بالكميات كالاستقامة والاستدارة والانحناء والتقعير (٢) والتقبيب.

الثاني : الكيفيات النفسانية كالعلم والظنّ والنظر وأمثالهما.

الثالث : الكيفيات الاستعدادية كالقوة واللاقوة ، ونعني بالأوّل استعداد اللاقبول كالصلابة وبالثاني استعداد القبول كاللين.

الرابع : الكيفيات المحسوسة وهي إمّا راسخة ، أي مستمرّة ثابتة وتسمّى انفعاليات كحمرة الذهب ، أو غير راسخة وتسمّى انفعالات كحمرة الخجل سمّيت بذلك لانفعال الحواس عنها أو لا (٣) أو لأنّها تابعة للمزاج فينفعل عنها ، وهي تنقسم بانقسام الحواس الخمس الظاهرة إلى الملموسات كالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، وهي كيفيات أول ويتبعها الخفّة والثقل والصلابة واللين والخشونة والملوسة ، وإلى مبصرات وهي كالألوان والأضواء ، ومسموعات وهي الأصوات والحروف ، ومذوقات وهي الطعوم ، ومشمومات وهي الروائح ، ولهذه الأعراض مزيد بسط يأتي في الفصل الثاني.

ثمّ إنّ المتكلّمين أنكروا وجود الأعراض النسبية المذكورة ، استسلاما (٤) منهم

__________________

(١) ذو الرأس ذو رأس ـ خ : (آ).

(٢) التقعر ـ خ : (آ).

(٣) أولا ـ خ : (د).

(٤) استسلافا ـ خ : (آ).

لنفي (١) الإضافات خارجا وإلّا لزم التسلسل ، إذ لا بدّ لها حينئذ من إضافة إلى محلّها ، وننقل الكلام ويلزم ما قلناه.

البحث الثاني : في المجرّدات ، وهي قسمان :

الأوّل : العقول العشرة واستدلّوا على إثباتها بأنّ الصادر الأوّل عن الواجب يجب أن يكون واحدا ، لما تقدّم ، وحينئذ إمّا أن يكون جسما أو مادة أو صورة أو نفسا أو عرضا أو عقلا ، والكلّ باطل إلّا الأخير.

أمّا الجسم فلأنّه مركّب من المادّة والصورة ، وهو حينئذ متكثّر.

وأمّا المادة فلأنّ الصادر الأوّل يجب أن يكون فاعلا لما بعده ، ولا شيء من المادة بفاعل ، لأنّها قابلة ، ولا تكون فاعلة ، لأنّ نسبة القبول نسبة الإمكان ، ونسبة الفعل نسبة الوجوب ، ويستحيل أن تكون نسبة الشيء الواحد إلى الواحد نسبة إمكان ووجوب.

وأمّا الصورة فلأنّها مفتقرة (٢) في فاعليتها وتأثيرها إلى المادة ، لأنّها إنّما تؤثّر إذا كانت مشخّصة ، وإنّما يكون كذلك بالمادة ، فلو كانت هي الصادر الأوّل لكانت واحدة مستغنية عن المادة ، وهو باطل.

وأمّا النفس فلأنّها تعقل (٣) بواسطة البدن فلو كانت هي الصادر لوجب كونها علّة لما بعدها ، فتكون مستغنية عن البدن فتكون عقلا لا نفسا ، وهو باطل.

وأمّا العرض فلأنّه محتاج في وجوده إلى الجوهر ، فلو كان هو الصادر الأوّل مع وجوب كونه علّة لما بعده لكان السابق مشروطا باللاحق ، وهو باطل أيضا ، فلم يبق إلّا الأخير.

وقد عرفت ضعف ما تبنى عليه هذه الحجّة (٤)

__________________

(١) كنفي ـ خ : (آ).

(٢) تفتقر ـ خ : (آ).

(٣) فلأنّها إنّما تفعل ـ خ : (آ).

(٤) انظر ص ١٠٦ ـ ١٠٨ من الكتاب.

ثمّ إنّ هؤلاء قالوا : الصادر الأوّل عقل فيه تكثّر باعتبار وجوده وإمكانه الذاتي ووجوبه الغيري ، فتصدر الكثرة عنه حينئذ بذلك ، فيصدر عنه عقل آخر ونفس وفلك ، ويصدر عن العقل الثاني عقل آخر ونفس وفلك كذلك ، فأثبتوا عقولا عشرة سمّوا آخرها بالعقل الفعّال.

الثاني : النفوس الناطقة واستدلّوا على مغايرتها للأبدان أوّلا وعلى تجرّدها ثانيا.

أمّا الأوّل فلوجوه :

الأوّل : أنّ الواحد قد يغفل عن بدنه وأعضائه وأجزائه الظاهرة ولا يغفل عن ذاته ، فلا يكون ذاته هو البدن.

الثاني : أنّ البدن جسم فهو مشارك لغيره من الأجسام في الجسمية ومخالف له بنفسه الناطقة ، وما به المشاركة غير ما به المخالفة.

الثالث : أنّ البدن يتبدّل ولا شيء من النفس يتبدّل فلا يكون هو هي ، أمّا الأولى فلأنّ الحرارة الغريزية تقتضي تحليل الرطوبات البدنية ، فالبدن دائما في التحلّل والاستخلاف ، وأمّا الثانية فظاهر.

وأمّا الثاني : فتقريره بوجوه :

الأوّل : أنّ هنا معلوما غير منقسم كالواجب والنقطة والوحدة.

الثاني : أنّ العلم بذلك غير منقسم وإلّا لكان كلّ واحد من جزئه إمّا أن لا يكون علما ، وهو باطل ، لأنّ عند الاجتماع إن لم يحصل أمر زائد لم يكن ما فرضناه علما علما ، هذا خلف ، وإن حصل فذلك الزائد إمّا أن يكون منقسما فيعود الكلام ، أو غير منقسم وهو المطلوب ، أو يكون كل واحد من أجزائه علما تاما بكلّ (١) المعلوم فيتساوى الجزء الكل أو ببعضه فينقسم ، والفرض خلافه.

الثالث : أنّ محلّ العلم غير منقسم وإلّا لانقسم (٢) ، لأنّه إن لم يحلّ في شيء من

__________________

(١) لكل ـ خ : (د).

(٢) لانقسم العلم ـ خ : (آ).

أجزائه لم يكن حالّا فيه ، والفرض أنّه كذلك ، وإن يحل (١) فإمّا في جزء غير منقسم وهو المطلوب ، أو جزء منقسم فإمّا أن يكون الحالّ في أحد الجزءين عين الحالّ في الآخر وهو محال بالضرورة (٢) أو غيره فينقسم.

الرابع : أنّ كلّ جسم وجسماني منقسم بناء على نفي الجوهر الفرد ، وحينئذ نقول : النفس عالمة بما لا ينقسم فيكون غير منقسم ، فلا يكون جسما ولا جسمانيا وهو المطلوب.

وفي هذا (٣) نظر لأنّا (٤) لا نسلّم أنّه يلزم من مساواة الجزء للكل في التعلّق المساواة في الحقيقة المدّعى بطلانها ضرورة.

وفي هذا البحث فوائد :

الأولى : قال أكثرهم : إنّ النفوس الناطقة واحدة بالنوع ، لأنّها يشملها حدّ واحد ولا شيء من المختلفات كذلك.

أمّا الأوّل فلأنّهم عرّفوها بأنّها كمال أوّل (٥) لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة ، وهذا المعنى حاصل في جميع أفرادها.

وأمّا الثاني فظاهر.

وفي هذا نظر (٦).

قال بعضهم : باختلافها لاختلاف عوارضها من الذكاء والبلادة (٧) والعفة والفجور وغيرها ، وليس ذلك مستندا إلى المزاج ، لأنّه قد يكون واحدا والعوارض مختلفة ، فإنّ بارد المزاج قد يكون ذكيا في الغاية وكذا حارّ المزاج قد يكون في غاية البلادة ، ولا إلى سبب خارجي ، لأنّه قد يقتضي خلقا والحاصل غيره.

__________________

(١) حل ـ خ : (آ).

(٢) ضرورة ـ خ : (آ).

(٣) وفيه ـ خ : (آ).

(٤) فإنّا ـ خ : (آ).

(٥) أول ـ خ : (د).

(٦) فإنّ المختلفات قد يشملها حدّ واحد كما يعرف الإنسان والفرس بالحيوان الحسّاس ـ هامش ـ خ : (د).

(٧) البلاهة ـ خ : (آ).

فأجاب (١) الأوّلون بأنّ هذه عوارض مفارقة غير لازمة ، فاختلافها لا يقتضي اختلاف معروضاتها.

الثانية : مذهب محقّقهم أرسطو : أنّ النفوس حادثة ، وقال أفلاطون بقدمها.

احتجّ الأوّل بأنّها لو كانت أزلية لكانت إمّا واحدة أو كثيرة ، فإن كان الأوّل فإمّا أن يبقى كذلك مهما لا يزال (٢) وهو باطل ، وإلّا لكانت نفس زيد هي نفس عمرو ، فما علمه أحدهما يعلمه الآخر (٣) هذا خلف ، أو لا يبقى كذلك فيلزم انقسامها ، ولا شيء من المجرد بمنقسم ، وإن كان الثاني فباطل أيضا ، لأن التكثّر (٤) حينئذ ليس للذات ، لما ثبت من وحدتها بالنوع ، ولا للوازم كذلك أيضا (٥) ولا للعوارض ، لأنّ ذلك إنّما يكون عند تغاير المواد ، ولأنّ نسبة العارض إلى المثلين واحدة ، لكن مادّة النفس البدن ، لاستحالة الانطباع عليها ، وقيل : البدن لا مادة وإلّا لزم التناسخ ، وهو محال.

وأمّا الثاني : فلم أظفر له بدليل خاص غير الأدلّة العامة (٦) لهم على قدم العالم ، وذكر بعض من تابعه في مقالته من المتأخّرين دليلا تقريره :

لو كانت حادثة لكانت علّتها التامة إمّا موجودة قبل حدوثها ، وهو محال ، لاستحالة تخلّف المعلول عن العلّة التامة ، أو لا يكون كذلك وهو يقتضي أن تكون علّتها مركّبة ، إذ لو كانت بسيطة لكانت لها علّة حادثة وبسيطة ، لاستحالة صدور الحادث عن القديم والبسيط عن المركّب ، ويكون الكلام في علتها كالكلام فيها ، وهلمّ جرّا فإذا كانت علتها مركبة ، وكلّ ما علته مركبة فهو مركّب ، فتكون النفس مركّبة ، وقد برهن على أنّها بسيطة ، هذا خلف.

__________________

(١) وأجاب ـ خ : (آ).

(٢) فيما يزال ـ خ : (آ).

(٣) فما علم أحدهما فعلم الآخر ـ خ : (د).

(٤) الكثرة ـ خ : (آ).

(٥) أيضا ـ خ : (د).

(٦) لهم ـ خ : (آ).

وأجيب باختيار أنّ علتها ليست أزليّة ، قوله ذلك (١) يقتضي أن تكون علّتها مركّبة.

قلنا : نعم ونلتزم به.

قوله : وكلّ ما علّته مركّبة فهو مركّب.

قلنا : ممنوع وقد تقدّم بيانه.

الثالثة ، قالوا : إنّها ليست حالّة في البدن ولا مجاورة له ، لما ثبت من تجرّدها ، لكنها متعلّقة به تعلّق العاشق بالمعشوق ، وسبب تعلّقها توقّف كمالاتها ولذّاتها الحسّيين والعقليين عليه ، لأنّها في مبدأ الفطرة خالية من جميع العلوم والإدراكات ، وبواسطة الإدراكات الجزئية يحصل لها استعداد البديهيات ، إذ الحواس مبادي اقتناص العلم بمشاركات ومباينات فمن فقد حسّا فقد علما.

ثمّ البديهيات تحصل النظريات بواسطتها ، فتتعلّق أوّلا بالروح المنبعث عن القلب المتكوّن من ألطف أجزاء الأغذية ، فيفيض عليه من النفس الناطقة قوى تسري لسريانه إلى أجزاء البدن وأعماقه ، فتسير في كلّ عضو قوى تليق به ويكمل بها نفعه بإذن الحكيم العليم ، وتلك القوى تنقسم إلى مدركة ومحركة ، أمّا المدركة فإمّا ظاهرة وهي خمس سيجيء بيانها أو باطنة ، وهي خمس أيضا :

الأوّل : الحسّ المشترك ، وهي قوّة يدرك بها (٢) صور المحسوسات بالحواسّ الخمس ، فإنّه يحكم (٣) على هذا بأنّه أبيض طيب الرائحة حلو ، والحكم بدون استحضار المحكوم عليه وبه محال فلا بدّ من مدرك لهما معا ، ويسمّى أيضا بنطاسيا ، ومحلّها مقدّم البطن الأوّل من الدماغ.

الثاني : الخيال ، وهي قوة تحفظ تلك الصور ، فإنّ الإدراك غير الحفظ ومحلّه مؤخّر هذا البطن.

الثالث : الوهم وهي قوة تدرك المعاني الجزئية المتعلّقة بالمحسوسات ، كصداقة زيد

__________________

(١) أي كل ما علته مركبة فهو مركب.

(٢) بها ـ خ : (آ).

(٣) فإنّا نحكم ـ خ : (آ).

وعداوة عمرو ، ومحلّها مقدم البطن الآخر.

الرابع : الحافظة وهي قوة تحفظ ما يدركه الوهم ، ومحلّها مؤخّر هذا البطن.

الخامس : المتصرّفة التي تحلّل وتركّب الصور والمعاني بعضها مع بعض ، فإن استعملها العقل سمّيت مفكّرة ، وإن استعملها الوهم سمّيت متخيّلة ومحلّها مقدّم البطن الأوسط من الدماغ فتكون (١) متوسّطة بين الصور والمعاني ، ويدل على اختصاص هذه القوى بهذه المواضع أنّه إذا عرضت آفة بعضو من الأعضاء المذكورة اختلّ فعل تلك القوة المختصّة به.

وأمّا المحركة فإمّا اختيارية أو طبيعية :

والأولى إمّا باعثة تحثّ على جلب النفع ، وهي الشهوانية ، أو على دفع الضرر ، وهي الغضبية ، وإمّا فاعلة وتسمّى محركة تحرك (٢) الأعضاء بواسطة تمديد الأعصاب لتنبسط نحو المطلوب وإرخائها لتنقبض عن المنافي ، وهي المبدأ القريب للحركة.

والثانية : إمّا حافظة للشخص ، وهي قسمان : غاذية تحيل الغذاء إلى مشابهة المغتذي ليخلف بدل ما تحلّل منه ، ونامية تزيد في أقطار البدن على تناسب طبيعي إلى غاية النشوء.

وإمّا حافظة للنوع ، وهي قسمان أيضا عندهم : مولّدة تفصل جزء من الغذاء بعد الهضم ليصير مادة شخص آخر.

ومصوّرة تحبل تلك المادة في الرحم وتفيدها الصور والقوى ، بناء منهم على نفي فعل القادر المختار.

والحقّ أنّ المصوّرة باطلة ، لاستحالة صدور أفعال محكمة مركبة عن قوة بسيطة ليس لها شعور.

قالوا : وهذه القوى الأربع تخدمها قوى أربع أخر.

الأوّل : الجاذبة تجذب المحتاج إليه.

__________________

(١) لتكون ـ خ : (آ).

(٢) تحرّى ـ خ : (د).

الثاني : الهاضمة وهي التي تصيّر الغذاء إلى ما يصلح أن يكون جزء من المغتذي ، ومراتبها أربع :

الأولى : عند المضغ لإنضاج الدماميل بالحنطة الممضوغة.

والثانية : في المعدة ، وهي التي تصير الغذاء كماء الكشك الثخين ويسمّى كيلوسا.

والثالثة : في الكبد ، وهي التي تصير الكيلوس أخلاطا ، وهي الدم والصفراء والسوداء والبلغم.

والرابعة : في الأعضاء بحيث يصير مزاج الغذاء شبيها بالعضو المغتذي.

الثالث : الماسكة تمسك المجذوب بقدر ما تفعل به الهاضمة.

الرابع : الدافعة تدفع الفضل الزائد عن الحاجة والمهيأ لعضو آخر إليه.

الرابعة : قالوا : لا تجتمع في بدن نفسان ، وهو ضروري ، فإنّ كلّ أحد يجد نفسه واحدة ، وكذا لا يكون لنفس بدنان وإلّا لكان معلوم أحدهما معلوم الآخر ، وهو باطل ، ولا يصير مبدأ صورة لبدن آخر أعني التناسخ ، لما ثبت (١) من حدوثها وعلّة حدوثها قديمة ، فلا بدّ من حدوث استعداد وقت حدوثها ليتخصّص ذلك الوقت بوجودها ، وذلك باعتبار القابل فإذا حدث وتمّ استحقّ فيضان نفس عن المبادي الفاعلة ، فلو انتقلت إليه نفس أخرى مستنسخة لزم اجتماع نفسين على بدن واحد ، وهو باطل ، لما قلنا.

الخامسة : قالوا : لا يجوز عليها الفناء بموت البدن ، لأنّها ليست مادية ، وكل ما يقبل الفناء مادي ، فالنفس لا تقبل الفناء.

أمّا الصغرى فقد تقدّمت ، وأمّا الكبرى فلأنّ إمكان عدمها يحتاج إلى محلّ مغاير لها ، لأنّ القابل يجب وجوده مع المقبول ، ولا يمكن وجود النفس مع العدم ، فذلك المحلّ هو المادة ، فتكون النفس مادية ، هذا خلف. قالوا : وجاء ذلك أيضا في النصوص الإلهية (٢) كقوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ

__________________

(١) نبين ـ خ : (آ).

(٢) فإنّ في الآية الشريفة دلالة على بقاء نفوس الذين قتلوا في سبيل الله تعالى وعدم فنائها بعد فناء أبدانهم وخرابها ، وقد نهى الله تعالى من القول بأنّهم أموات ، وذلك بعد خراب أبدانهم بسبب القتل والشهادة في ـ

عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١) وغير ذلك.

البحث الثالث : في المادة والصورة على وجه مختص (٢)

قالوا : يدلّ على تركيب (٣) الجسم من المادة والصورة أنّه متّصل في نفسه وقابل للانفصال ، ويستحيل أن يكون القابل هو الاتّصال نفسه ، لأنّ الشيء لا يقبل عدمه ، فلا بدّ للاتّصال من محلّ يقبل الانفصال والاتصال ، وذلك هو الهيولى ، والاتصال هو الصورة.

قالوا : والصورة لا تنفكّ عن المادة ، لأنّه على تقدير انفكاكها لا بدّ لها من التناهي والتشكّل ، لما يأتي من تناهي الامتدادات الجسمية ، وكل متناه متشكّل ، فالموجب لهما حينئذ ليس هو الجسمية العامة ، ولا شيء من لوازمها ، ولا تساوي الجزء الكل فيهما ، لاشتراكهما في الصورة الجسمية الموجبة لذلك فرضا ، ولا الفاعل وإلّا لاستقلّت الصورة بالانفعال ، أي قبول التناهي والتشكّل ، إذ لا يمكن حصولهما إلّا بعد كونهما مباينة للانفعال ويكون فيها قوة الفصل والوصل ، وقد تقدم بطلانه.

وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة بقي أن يكون الموجب أمرا آخر هو الحامل لما فيه الصفات ، قالوا : ولا بدّ من صورة أخرى نوعية وإلّا لما اختلفت الأجسام في الهيئات والأمكنة والكيفيات والأوضاع الطبيعية والتشكّل والتفكّك بسهولة وعدمها ، وهذا الكلام كلّه بناء منهم على نفي الجوهر الفرد وعدم استناد الآثار إلى الفاعل المختار ، وسيأتيك إن شاء الله تعالى بيان ذلك مع كلام يرد عليه إيرادات هي بالمطوّلات أشبه.

__________________

ـ سبيله ، ولا يتوهم اختصاصها بالشهداء فإنّه توهّم فاسد كما يأتي بيان عدم الاختصاص فيما يأتي من تعاليقنا على الكتاب في المباحث الآتية.

(١) آل عمران ٣ : ١٦٩.

(٢) مختصر ـ خ : (د).

(٣) تركب ـ خ : (آ).

البحث الرابع : في الجسم وأقسامه

قالوا : الجسم هو القابل للأبعاد الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم ، وهو المعبّر عنه عندهم بالجسم الطبيعي ، وهو قسمان : فلكي وعنصري.

أمّا الأوّل : فالفلكي منه تسعة :

الأوّل : الفلك الأطلس ، ويقال له أيضا : الجسم المحيط والفلك الأعظم ، وهو خال عن الكواكب ومحدّد الجهات ، وليس وراءه خلاء ولا ملاء ، وهو صاحب الحركة اليومية من المشرق إلى المغرب.

الثاني : فلك الكواكب الثابتة ، أعني ما عدا السبعة ، ويسمّى صاحب الحركة البسيطة ، فعند بعضهم يتحرك في كل ثلاثين ألف سنة دورة ، وعند بعضهم في أربعة وعشرين ألف سنة ، والمرصود من كواكبه ألف ونيف وعشرون.

الثالث : فلك زحل.

الرابع : فلك المشتري.

الخامس : فلك المريخ.

السادس : فلك الشمس.

السابع : فلك الزهرة.

الثامن : فلك عطارد.

التاسع : فلك القمر.

وهذه التسعة متوافقة المراكز وموافقة للأرض في مركزها. ثمّ إنّهم رأوا اختلاف حركات الكواكب السبعة المذكورة في الطول والعرض والاستقامة والرجوع والسرعة والبطء والبعد والقرب ، فأثبتوا لكلّ كوكب فلكا آخر ممثّلا لفلك البروج ، مركزه مركز العالم ، يماسّ بمحدّبه مقعّر ما فوقه ، وبمقعّره محدّب ما تحته إلّا القمر ، فإنّ ممثله محيط يسمّى المائل.

وأثبتوا أيضا فلكا آخر خارج المركز عن مركز الأرض منفصل عن الممثّل والمائل ،

يماسّ محدّبيهما ومقعّريهما على نقطتين يسمّى الأبعد عن الأرض أوجا والأقرب حضيضا.

ثمّ أثبتوا فلكا آخر يسمّى فلك التدوير غير محيط بالأرض ، بل هو في ثخن الخارج المركز للخمسة المتحيرة (١) أعني ما عدا الشمس والقمر ، والمراد بالمتحيرة ماله رجوع واستقامة ، وأثبتوا لعطارد فلكين : خارجي المركز أحدهما المدير والآخر الحامل والمجموع مع الفلكين العظيمين أربعة وعشرون.

واستدلّوا على ذلك بالأرصاد.

قالوا : وجميع هذه الأفلاك بما فيها أمور بسيطة شفّافة خالية عن الكيفيات الفعلية كالحرارة والبرودة وما ينسب إليهما ، والانفعالية كالرطوبة واليبوسة وما ينسب إليهما وليست ثقيلة ولا خفيفة ولا لها حركة مستقيمة ، بل حركاتها كلّها مستديرة صادرة عن إرادة قائمة بنفس مجرّدة متعلّقة بذلك الفلك.

قالوا : والكواكب كلّها أجسام بسيطة مركوزة في الفلك مضيئة إلّا القمر ، فإنّه يستفيد الضوء من الشمس ، يشهد بذلك تفاوت نوره بحسب قربه من الشمس وبعده عنها.

ومن قال : إنّه كرة تضيء أحد وجهيها وتظلم الآخر ، وتتحرّك على مركزها حركة تساوي حركة الفلك كذّبه الخسوف. هذه حكاية ما قالوه ولهم على ذلك استدلالات هي بمظانّها أنسب (٢).

وأمّا الثاني : فهو إمّا بسائط أو مركّبات ، فالبسائط أربعة (٣) : النار والهواء والماء

__________________

(١) سمّيت الخمسة منها ، ما عدا الشمس والقمر متحيّرة ، لكونها في حركاتها الخاصة تارة مستقيمة وتارة واقفة وتارة راجعة كالمتحيّر في أمره على ما زعموا وتخيلوا.

(٢) وقد تحقّق بطلان تلك الاستدلالات في زماننا هذا ، ولا ينبغي الإذعان بتلك الحدسيّات الواهية كما أنّ المصنّف (ره) بمقتضى ذكاوته ودقّته اكتفى بمجرّد الحكاية عنهم غير مذعن بأقوالهم ومزاعمهم.

(٣) هذا الكلام وكثيرا ما يأتي ذكره كقوله : فالنار تحت فلك القمر ، مبنيّ على ما كان محقّقا عند القدماء على زعمهم ، وأما اليوم فقد تحقّق البسائط والمركّبات بالبحث والتنقيب العلمي الصحيح ، فراجع الكتب المؤلّفة في هذا الشأن ، وقد لغت فكرة العناصر الأربعة ، وثبت أنّها ليست هي العناصر الأصلية البسيطة للمادة ، ـ

والأرض ، كلّ واحد منها محيط بالآخر ، فالنار تحت فلك القمر ، والهواء تحتها ، والماء تحته ، والأرض وسط هي مركز العالم.

فالنار خفيفة مطلق حارّ يابس شفّاف متحرّك بتبعية (١) فلك القمر ، وهي طبقة واحدة ، ولها قوة على إحالة المركّب (٢) إليها.

والهواء خفيف مضاف حارّ رطب شفّاف ، له طبقات أربع : الأولى : ملاصقة للأرض. والثانية : الطبقة الباردة بسبب ما يخالطها من الأبخرة. والثالثة : الطبقة الصرفة. والرابعة : الملاصقة للنار ويمتزج بشيء منها.

والماء ثقيل مضاف بارد رطب شفّاف محيط بثلاثة أرباع الأرض ، له طبقة واحدة.

والأرض ثقيل مطلق بارد يابس ساكن في الوسط ، شفّافة لها ثلاث طبقات : طبقة منكشفة ، وطبقة هي المركز ، وطبقة يحيط بها البحر.

وهذه الأربع كلّها كائنة وفاسدة ، والمركبات تخلق من امتزاج هذه الأربعة بأمزجة مختلفة لخلق متخالفة وهي ثلاث : المعادن والحيوان والنبات.

والمزاج كيفية متوسّطة حاصلة من تفاعل البسائط بعضها مع بعض ، بأن تتصغّر أجزاؤها فيختلط ، بحيث تكسر سورة كلّ واحد منها سورة (٣) الآخر حتّى يحصل كيفية متوسطة.

الفصل الثاني : في التقسيم على رأي المتكلّمين

قالوا : الممكن الوجود إمّا أن يكون متحيّزا أو حالّا في المتحيّز ، والثاني

__________________

ـ فالماء ـ مثلا ـ مركّب من عنصرية البسيطين : الأوكسجين والهيدروجين. والهواء ـ مثلا ـ من آزوت وأو كسجين وغازات أخرى. والتراب من أكثر من مائة عنصر أصيل. وانكشف وسيكشف عناصر أخرى بسيطة.

(١) حركة فلك ـ خ : (آ).

(٢) المتركّب ـ خ : (آ).

(٣) السورة : الخاصية والأثر.

أو منقسما إمّا في جهة واحدة هو الخطّ أو جهتين وهو السطح أو ثلاث جهات وهو الجسم. واستحال أكثرهم وجود ممكن غير متحيّز ولا حالّ فيه وإلّا لشارك الربّ في أخصّ صفاته ، فلا بدّ من مائز فيقع التركيب في الواجب ، وهو محال.

أجيب بأنّه اشتراك في السلب فلا يوجب تركيبا.

وهنا مباحث :

[البحث] الأوّل : في الجوهر الفرد

نفاه الحكماء محتجّين : بأنّه لو وجد متوسّطا بين جوهرين لاقى كلّ منهما بما لا يلاقي به الآخر ، فينقسم وإلّا لزم التداخل.

وبأنّ الخطّ المركّب من ثلاثة أجزاء لو فرض على طرفيه جزءان ، ثمّ تحرّكا معا على السواء في السرعة والبطء والابتداء ، فلا بد من تلاقيهما ، وإنّما يمكن بأن يكون نصف كل واحد منهما على نصف الطرف والنصف الآخر على نصف المتوسّط ، فتنقسم الخمسة.

وبأنّ المتحرك على الاستدارة كالرحى مثلا باق على وضعه ونسبة أجزائه ، ومع القول بالجزء يلزم تفكّكه ، لأنّ الجزء القريب من النقطة لو تحرّك جزء فإن تحرّك البعيد عن القطب جزء تساوى المداران ، وهو باطل ضرورة ، وإن تحرّك أقلّ لزم الانقسام ، وإن لم يتحرك لزم التفكيك ، وهو باطل حسّا.

وأثبت المتكلّمون محتجّين بأنّ الكرة والسطح الحقيقيين ثابتان ، فإذا فرض حركتها عليه كان موضع الملاقاة في كلّ آن غير منقسم ، إذ لو انقسم لأمكن إخراج خطّين من مركزها إلى طرفيه وإيقاع عمود على الوسط ، فيوتران قائمتين ويوتر العمود حادّتين.

وبرهن اقليدس على أنّ وتر القائمة أعظم ، فلا تتساوى الخطوط الخارجة ، فلا تكون الكرة حقيقة بل مضلعة هذا خلف.

وبأنّا إذا حرّكنا خطّا قائما على مثله حتّى أنهاه كان ما لا ينقسم ملاقيا في كلّ آن لمثله ، فيتركب المتحرك عليه من النقط ، وهو المطلوب.

لمثله ، فيتركب المتحرك عليه من النقط ، وهو المطلوب.

وبأنّ النقطة موجودة ، وهي ذات وضع اتفاقا وغير منقسم اتفاقا أيضا ، فإن كانت جوهرا فالمطلوب ، وإن كانت عرضا فمحلّه إن انقسم كان الحالّ منقسما وإلّا لم يكن حالّا فيه كلّه ، والفرض خلافه ، وإن لم ينقسم ثبت المطلوب.

وأجابوا عن أولى الحكماء بأنّ الملاقاة ليست ببعض الأجزاء ولا بجميعها ، بل بأعراض حالّة فيها كما هو عندكم في الأجسام المتلاقية بالسطوح ، مع أنّه منقوض بملاقاة النقطة لمحيط الدائرة ، فإنّه لا يستلزم تكثّرها وانقسامها.

وعن الثانية بالمنع من حركتهما ، لأنّ الحركة تتوقّف على المكان ، والحيّز الواحد لا يصحّ أن يكون مكانا لهما.

وعن الثالثة بالتزام التفكيك ، والاستبعاد لا يلتفت إليه.

وفي هذه الأجوبة نظر ، والمقام مقام تردّد.

البحث الثاني : في الجسم ، وهو مركّب عندهم من الجواهر الأفراد ، واختلف في أقلّ ما يتركّب منه ، فعند المحقّقين من ثمانية جواهر ، إذ من اثنين يحصل خطّ ، ومن خطّين سطح ، ومن سطحين جسم.

وقيل : من ستة.

وقيل : من أربعة.

وعند الأشعري : كلّ مؤلّف جسم.

وقال النظّام (١) : وهو مركّب من أجزاء غير متناهية ، ويبطله تناهي مقداره ، ولزوم

__________________

(١) النظّام كشدّاد وعطّار لقّب به أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار بن هانئ البصري ابن اخت أبي الهذيل العلّاف شيخ المعتزلة ، وإنّما سمّي بالنظّام ، لأنّه كان ينظم الخرز في سوق البصرة ويبيعها.

وقالت المعتزلة : إنّما سمّي بذلك لحسن كلامه نثرا ونظما ، وكان صاحب معرفة بالكلام وأحد رؤساء المعتزلة ، أستاذ الجاحظ المشهور ، ذكره الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات ونقل ذلك عنه صاحب العبقات مع بعض الأقوال منه كخبر المحسن وأنّ الإجماع ليس بحجّة وكذلك القياس ، وإنّما الحجّة قول المعصوم عليه‌السلام ـ

عدم قطع المسافة المتناهية في زمان متناه. واعتذاره عن الأوّل بالتداخل وعن الثاني بالطفرة شنيع باطل ضرورة.

وهنا فوائد :

الأولى : أنّ كلّ جسم لا بدّ له من مكان ضرورة ، وهو عندهم فراغ يشغله الجسم بالحصول فيه.

وقال أرسطو ـ من الحكماء ـ : بأنّه السطح الباطن من الجسم الحاوي المماسّ للظاهر من المحوي.

وقال أفلاطون : إنّه البعد المجرّد عن المادّة يحلّ فيه الجسم ويلاقيه بجملته ويتّحد به.

واختاره المحقق (ره) فإنّ الأمارات الشهيرة دالّة عليه ، وأبطل السطح بالحجر الواقف في الماء والطير الواقف في الهواء ، فإنّ السطوح متواردة عليهما وهما ساكنان ، ومع القول بالسطح هما متحرّكان ، هذا مع أنّ العقلاء حكموا بأنّ كل جسم لا بدّ له من

__________________

ـ وأنّه نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على الإمام علي عليه‌السلام وعينه وعرفت الصحابة ذلك ، لكنه كتمه عمر لأجل أبي بكر رضي الله عنهما (انتهى) ونقل الشهرستاني في كتاب الملل والنحل : أنّ النظّام انفرد عن أصحابه بمسائل ثمّ ذكرها تفصيلا ، ومنها أنّه قال : لا إمامة إلّا بالنص والتعيين ظاهرا مكشوفا ، وقد نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على عليّ كرّم الله وجهه في مواضع وأظهره إظهارا لم يشتبه على الجماعة إلّا أنّ عمر كتم ذلك وهو الذي تولّى بيعة أبي بكر يوم السقيفة ، ونسبه إلى الشكّ يوم الحديبية في سؤاله عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال : ألسنا على الحقّ؟ أليسوا على الباطل؟ قال : نعم ، قال عمر : فلم نعطي الدنية في ديننا ، قال : هذا شكّ في الدين ... وقال : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة عليها‌السلام يوم البيعة حتّى ألقت المحسن من بطنها وكان يصيح احرقوا الدار بمن فيها ، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين ، وقال : تغريبه نصر بن الحجاج من المدينة إلى البصرة وإبداعه التراويح ونهيهم عن متعة الحج ومصادرته العمال ، كل ذلك أحداث ـ انظر الملل والنحل ، ج ١ ، ص ٧٧ ـ ٧٨ طبعة مصر مطبعة حجازي بالقاهرة سنة ١٣٦٨.

وما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج في الجزء الثالث من ص ١٤٧ إلى ص ١٨١ طبعة مصر سنة ١٣٢٩ في الردّ على ما طعن به على عمر وتزييف تلك الطعون ردود ضعيفة واهية ليست على ضوء العلم والتحقيق النزيه وغير خالية عن التعصّب البغيض ولا تكون ردودا على تلك الطعون الفاضحة ، فراجع وتأمل وجانب العصبية والعناد (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ).

مكان ، ولا يتمّ ذلك على السطح وإلّا لزم عدم تناهي الأجسام ، وهو ظاهر (١).

الثانية : أكثر المتكلّمين على ثبوت الخلاء بين الأجسام ، وإلّا لزم التداخل لو انتقل جسم من مكانه إلى مكان آخر مشغول إن بقي الشاغل كما هو في المنتقل إليه ، والدور إن انتقل إلى مكان المنتقل ، وحركة العالم جملة بحركة البقّة إن انتقل إلى ثالث وهكذا ، والثلاثة باطلة ضرورة.

وقال الحكماء بالملاء ، معتذرين عن الأوّل بالتخلّل والتكاثف الحقيقيين ، بناء منهم على القول بالمادة.

الثالثة : الأجسام متناهية ، وبرهان التطبيق دالّ على ذلك (٢) ، فإنّ الأبعاد لو لم تتناهى لأمكنّا فرض خطّين كذلك متّحدي المبدأ ، وقطعنا من أحدهما قطعة ، ثمّ طبقنا أحدهما على الآخر ، فإن استمرّا كذلك كان الزائد مثلا للناقص ، وإن انقطع الناقص فالزائد كذلك ، لكونه حينئذ زائدا بالمقدار المقطوع ، وهو متناه فيتناهى الخطّان ، وهو المطلوب.

الرابعة : الأجسام متماثلة ، لدخولها تحت حدّ واحد كما تقدّم ، واجتماع المختلفين (٣) في حدّ باطل ، وخالف النظّام ، لاختلافها في الخواصّ والطبائع ، وهو ضعيف ، إذ اختلاف العوارض لا يقتضي اختلافها.

الخامسة : أنّها باقية ضرورة ، وقال النظّام بعدم بقائها ، واعتذر له الخوارزميّون بأنّه أراد افتقارها إلى الفاعل حال البقاء فتوهّم الناقل خلافه.

السادسة : الأكثرون على جواز خلوّها عن الكيفيات المذوقة والمشمومة (٤) والمرئية ، إذ الهواء كذلك في الواقع.

السابعة : أكثر المتكلّمين على أنّها مرئية بالذات ، وقال الحكماء بعدمه وإلّا لرئي

__________________

(١) باطل ـ خ : (آ).

(٢) عليه ـ خ : (آ).

(٣) المختلفات ـ خ : (آ).

(٤) الملموسة ـ خ : (آ).

الهواء ، نعم هي مرئية بشرط وقوع الضوء واللون عليها ، وهو حقّ.

البحث الثالث : في العرض ، وينقسم إلى مختصّ بالأحياء وغير مختصّ بهم ، والأوّل أقسام :

الأوّل : الحياة ، وهي صفة تقتضي لموضوعها إمكان الاتّصاف بالقدرة والعلم ، إذ لو لا هما لما كان المحلّ أولى بذلك من الجماد المشارك له في الجسمية والتركيب. وقيل : هي عبارة عن الحسّ والحركة ، وقيل : اعتدال المزاج ، ونقض الأوّل بالعضو المفلوج ، فإنّه حيّ ليس بحسّاس ، والثاني بأنّه شرط فيها ، وحينئذ لا بدّ لها من البنية ، لاستحالة حصولها في غير البنية ، ويفتقر إلى الروح ، وهي أجسام لطيفة متكونة من بخارية الأخلاط ، سارية في العروق تنبعث عن القلب ، والموت عدم الحياة عن محلّ اتّصف بها ، فهو عدم ملكة ، وقيل: وجودي ، فيكون ضدّا ، ودليله خلق الموت ، وهو ضعيف ، إذ الخلق التقدير. (١)

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) الملك ٦٧ : ٢. قوله : إذ الخلق التقدير ، يريد أنّ الخلق في الآية الشريفة إمّا بمعنى التقدير فقط بدون اعتبار معنى إحداث فعل معه ، أو بمعنى التقدير مع الإحداث حسب التقدير ، فعلى الأول هو معنى لغوي للخلق بناء على أنّ الموت أمر عدمي كما هو كذلك عند العرف ، وهو عدم الحياة عمّن من شأنه أن يكون حيا فلا يتعلق به الإيجاد ، والتقدير يتعلق بالمعدوم كتعلّقه بالموجود ، وهذا أيضا بناء على أنّ المراد بالموت ما هو المقدّم على الحياة ، وهو عدم الحياة كما يشير إليه قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً). الآية وهذا عدم صرف وأزلي لا يتعلق به الإيجاد ، إذ لو تعلّق به الخلق لكان حادثا.

وأما على الثاني ـ أعني كون المراد هو التقدير مع الإحداث حسب التقدير ـ فيراد بالموت ما هو بعد الحياة ، والموت في اللغة هو زوال الحياة عمن كانت فيه فيعرف بعدم الحياة عمّن اتّصف بها ، وهذا التعريف لا يتناول ما هو قبل الحياة فهو أخصّ من الأول مطلقا.

وعلى المعنى الأول فإطلاق الموت على ما قبل الحياة مجاز واستعارة وأمّا على المعنى الثاني فتعلّق الخلق بالموت ظاهر لا مجاز فيه ، لأنّ عدم الملكة يتعلّق به الخلق كالعمى ، وليس عدم الصرف حتى لا يتعلق به الجعل ، كما هو كذلك في جعل الظلمة من النور فيتعلق بهما الخلق ، فلا مجاز في إطلاق الخلق على الموت بالمعنى الثاني كما لا مجاز في إطلاق الجعل على الظلمة.

الثاني : القدرة ، وهي صفة تقتضي التأثير وفق الإرادة فتخرج الطبيعة ، ولها أحكام :

الأوّل : أنّ الفعل مع انضمام الداعية إليها واجب وبدونه ممكن ، ولا ينافي الأوّل الاختيار ، إذ هو معتبر بالنسبة إلى القدرة فقط.

الثاني : أنّها متقدّمة على الفعل ، وهو ظاهر ضرورة ، ولأنّ الكافر مكلّف بالإيمان حال كفره فلولاه لزم تكليف ما لا يطاق.

الثالث : هي متعلقة بالضدّين على البدل ، وهو ظاهر أيضا ، فإنّا حال الاستقرار نجد إمكان كلّ من الحركة يمنة ويسرة بالنسبة إلينا ، ولأنّه لولاه لما وقع الفرق بين القادر والموجب.

الثالث : (١) الاعتقاد ، وهو الحكم بمتصوّر على متصوّر ، فإن كان جازما مطابقا ثابتا فهو علم تصديقي ، ومع انتفاء الأوّل وانتفاء الثاني جهل مركّب ، وانتفاء الثالث تقليد محض (٢).

ثمّ العلم له أحكام :

__________________

هذا كله بناء على أنّ الموت أمر عدمي من قبيل عدم الملكة ، ولكن الظاهر من الآية الشريفة أنّ الموت عرض موجود يضاد الحياة ، وكيف يكون أمرا عدميا وقد وصف بكونه مخلوقا؟ بل قيل : لو كان الموت عدم الحياة استحال أن يكون مخلوقا. وظاهر الآية أنّ الموت والحياة عرضان وجوديان مخلوقان يضادّ أحدهما الآخر. وما ذكره المصنف (ره) : «أنّ دليله ضعيف ، اذ الخلق التقدير» وقد عرفت المراد بالتقدير بالمعنيين ـ فهو علي خلاف ظاهر الآية وظاهر القرآن الكريم دليل قوي ـ على أنّ الموت كما هو ظاهر تعليم القرآن الكريم ـ كما في تفسير الميزان لسيدنا العلامة الطباطبائي دام ظله الوارف ، انتقال من نشأة من نشئات الحياة إلى نشأة أخرى كما يستفاد ذلك من قوله تعالى : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ...) إلى قوله : (فِي ما لا تَعْلَمُونَ) الواقعة ٥٦ : ٦١. فلا مانع من تعلّق الخلق بالموت كالحياة ، فالموت إنشاء. خلق يناسب الحياة الآخرة وراء الخلق الدنيوي الداثر ، فالموت انتقال من دار إلى دار وتبدّل خلق إلى خلق آخر وليس بانعدام وفناء ، فالخلق يتعلق بالموت كالحياة. راجع تفسير الميزان ، ج ١٩ ، ص ١٥١ وج ٢٠ ، ص ٤ طبعة إيران.

(١) أي الثالث من أقسام العرض المختصّ بالأحياء.

(٢) محق ـ خ : (آ).

الأوّل : أنّه لا يحدّ لكونه وجدانيا فهو أحد الضروريات.

الثاني : أنّه ينقسم إلى فعلي وهو ما تحصل الأعيان الخارجية عنه ، كعلم الواجب تعالى وكما إذا تصوّرنا شيئا ثمّ أوجدناه ، وانفعالي وهو المستفاد من الأعيان الخارجية وما ليس واحدا منهما ، كعلم الواجب بذاته تعالى.

الثالث : أنّه ينقسم إلى ضروري ونظري ، والضروريات ستة :

بديهيات وهي قضايا يحكم بها العقل بمجرّد تصوّر الطرفين نحو : السماء فوقنا.

وفطرية القياس ، وهي ما يفتقر مع تصوّر الطرفين إلى وسط لا يغيب ، ويقال لها : قضايا تصاحبها أدلّتها (١) نحو : الأربعة زوج.

وحسيات تدرك بالحسّ الظاهر كمدركات الحواس الخمس ، وتسمّى مشاهدات ، أو بالحسّ الباطن وتسمّى وجدانيات كالجوع والشبع.

ومجرّبات ، وهي ما يفتقر الحكم فيها إلى مشاهدات متكرّرة ، ويلزمها القياس الخفي كالسقمونيا مسهل.

وحدسيات ، وهي ما يحكم فيها بحدس قوي من النفس ، ويفتقر إلى القياس الخفي أيضا ، كالحكم بأنّ نور القمر مستفاد من نور الشمس والحدس سرعة الانتقال من المبادي إلى المطالب فهي (٢) إحدى حركتي النظر.

ومتواترات ، وهي ما يحصل الجزم فيها عن سماع الخبر من جماعة يستحيل (٣) العقل تواطئهم على الكذب ، ولا يشترط عدد مخصوص ، ويشترط فيه استواء الطرفين والواسطة ، واستناده إلى محسوس ، وعدم سبق شبهة تخالف مقتضاه.

الرابع : قيل : العلم صورة مساوية للمعلوم في ذات العالم ، ونقض بالجدار

__________________

(١) يعني قضايا قياساتها معها كالحكم بأنّ الاثنين نصف الأربعة ، لوجود وسط لا ينفكّ عنها ، وهو قولنا : الاثنين عدد انقسمت الأربعة إليه وإلى ما يساويه ، وكلّ عدد انقسمت الأربعة إليه وإلى ما يساويه ، فهو نصف ذلك العدد ، ينتج أنّ الاثنين نصف الأربعة.

(٢) فهو ـ خ : (آ).

(٣) يحيل تواطئهم ـ خ : (آ).

القائم به السواد مع أنّه غير عالم به.

وفيه نظر. (١)

وقيل : إضافة بين العالم والمعلوم ، والحقّ أنّه انكشاف الشيء وظهوره لا (٢) بأحد المعنيين.

الخامس : أنّه قد يتعلّق بالمعدوم ، وهو ظاهر ، فإنّا نعلم الطلوع غدا وهو الآن معدوم.

قيل : لو تعلّق به لتميز فيكون ثابتا.

قلنا : يتميز ذهنا ، وقد تقدّم تحقيقه.

السادس : قيل : يستدعي تغاير العالم والمعلوم وإلّا لزم حصول الأمثال أو تكثّر الواحد ، وهو ضعيف ، فإنّ اجتماع الأمثال يكون في حقّ عالم بغيره والتكثّر بالاعتبار كاف ، فلا ينافي الواحدية ، مع أنّه مبنيّ على القول بالصورة والإضافة.

والحقّ كما تقدّم خلافهما.

السابع : قيل : العلم بالعلة علم بالمعلول.

والحقّ أنّه كذلك إذا كان على وجه التمام ، كما إذا حصل العلم بالذات ولوازمها فيحصل العلم بالمعلول حينئذ لا مطلقا.

الثامن : العلم تابع للمعلوم ، أي في المطابقة ، بمعنى أنّه إذا تعقّل أحدهما العقل حكم بأصالة المعلوم في هيئة التطابق ، وأنّ العلم مثال له وحكاية عنه ، وأنّ فاعلية العلم فرع فاعلية المعلوم لا بمعنى أنّ العلم متأخّر عن المعلوم أو مستفاد منه ليلزمنا الدور ، لكون العلم الفعلي يأبى ذلك كأنّه محصّل للمعلوم.

فإنّا نقول : إنّه محصّل (٣) خارجا لا مطلقا.

__________________

(١) لأنّ قولهم : في ذات العالم ، يخرج الجدار ، نعم لو قالوا : صورة مساوية للشيء في ذات آخر نقض بالجدار ونحوه.

(٢) لفظ : «لا» كأنّه شطب في ـ خ : (د) ولم يظهر لي وجهه وهو موجود في ـ خ : (آ) والأنسب إثباته بل هو الحقّ.

(٣) يحصل ـ خ : (د)

التاسع : العلم منتزع (١) عن العقل ، وهو غريزة في القلب يلزمها العلم بالضروريات عند سلامة آلاتها ، وقسّمه الحكماء إلى علمي وعملي ، والأوّل إلى أربع مراتب :

الاوّل : العقل الهيولاني ، أي ما شأنه الاستعداد المحض من غير حصول علم ضروري أو كسبي.

الثاني : العقل بالملكة ، وهو أن يحصل البديهيات باستعمال الحواسّ في الجزئيات ، وهو مناط التكليف.

الثالث : العقل بالفعل ، وهو الاستعداد لحصول النظريات بحيث متى شاء استحضرها.

الرابع : العقل المستفاد ، وهو حصول النظريات بالفعل ، وهو آخر درجات كمال النفس في هذه القوة.

والثاني : إلى ثلاثة أقسام :

الاوّل : القوة التي بها يحصل التميّز بين الأمور الحسنة والقبيحة.

الثاني : المقدّمات التي يستنبط بها الأمور الحسنة والقبيحة.

الثالث : فعل الأمور الحسنة والقبيحة.

العاشر : الجهل ، وهو إمّا مركّب ، وهو ما تقدّم ذكره ، وإمّا بسيط وهو عدم العلم ، والأوّل قسم من الاعتقاد والثاني مقابل له.

والسهو عدم ملكة العلم وهل بينه وبين النسيان فرق؟

قيل : نعم ، فإنّ السهو زوال الصورة عن المدركة خاصّة دون الحافظة والنسيان زوالها عنهما.

الرابع (٢) : الإرادة وهو صفة يقتضي ترجيح أحد طرفي المقدور ، إذ لولاها لامتنع الفعل ، لما تقدّم من تساوي طرفي الممكن ، وهي نوع من العلم عند بعضهم ،

__________________

(١) متفرّع ـ خ : (د).

(٢) أي الرابع من أقسام العرض المختصّ بالأحياء كما تقدّم في صفحة ١٣١.

وزائدة عليه عند آخرين.

والحقّ الزيادة في حقّنا ، لوجود الميل عقيب علمنا بالمصلحة ، والحقّ أنّ إرادة الشيء يستلزم (١) كراهة ضدّه لا أنّها نفسها ، وإلّا لزم تصوّرها حينئذ وهو باطل ، ثمّ الإرادة قد تتعلّق بذاتها وكذا الكراهة.

الخامس : الكراهة ، وهي صفة تقتضي ترجيح الترك.

السادس : الشهوة ، وهو الميل طبعا إلى الملائم ، وهي مغايرة للإرادة ، فإنّ المريض مريد شرب الدواء ولا يشتهيه.

السابع : النفرة ، وهي الإباء طبعا عن المنافي ، وهي غير الكراهة ، فإنّا نكره الملاذّ المحرّمة ولا ننفر عنها.

الثامن : الألم ، وهو نوع من الإدراك ، لكنه تخصيص بالمنافي ، وسببه إمّا تفرّق اتّصال أو سوء مزاج مختلف ، واللذة نوع منه أيضا ، لكنّها تخصّصت بالملائم.

وقول بعضهم : إنّها خلاص عن الألم (٢) باطل للالتذاذ بالوجه الحسن من غير سابقة ألم الشوق ، وكلّ من الإدراكين قد يكون حسيا وقد يكون عقليا ، ودفع الثاني مكابرة ضرورة.

__________________

(١) مستلزم ـ خ : (آ).

(٢) وقد زيف هذا القول وأبطله صدر المتألهين في الأسفار كالمصنّف ، وقال : وأما بطلان هذا الظن فلأنّ الإنسان قد يستلذّ من النظر إلى الصور الحسنة التي لم يكن عالما بوجودها مشتاقا إليها سابقا حتى يقال بأنّ النظر إليها يدفع ضرر الاشتياق وألم الفراق ، وكذلك ربما يدرك مسألة علمية من غير طلب وشوق إليها ولا تعب فكري في تحصيلها ، كما في عقيب انحلال الشبهات المشكلة التي قد تعب في حلّها حتّى يقال بأنّ الاستلذاذ لها لأجل زوال أذى الانزعاج الفكري وكذلك إذا أعطي له مال عظيم أو منصب جليل لم يكن متوقّعا له ولا طالبا لحصوله حتى يقال بأنّ حصول هذه الأمور يدفع ألم الطلب والشوق مع أنّ كل هذه الامور لذيذة فبطل هذا المذهب (انتهى) راجع الأسفار ، ج ٤ ، ص ١١٨ ، كما أنّك إن شئت أن تعرف تفصيل اللذات وتفضيل بعضها على بعض وأنّ كلّا من اللذة والألم ينقسم بحسب القوة المدركة إلى العقلي والوهمي والخيالي والحسي على نحو التحقيق العلمي راجع الأسفار.

التاسع : النظر ، وقد تقدم ذكره.

العاشر : الإدراك ، وهو اطّلاع الحيوان على الأمور الخارجية بواسطة الحواس ، وهو زائد على العلم فينا ، للفرق بين علمنا بالحرارة وبين لمسنا بها ، لحصول الألم في الثاني لا الأوّل ، ولأنّه لولاه لكان كلّ موصوف به عالما ، وهو باطل ضرورة ، والزيادة راجعة إلى تأثّر الحاسّة لا إلى المعنى ، وهنا مزيد بحث حقّقناه في شرح النهج (١).

ثمّ أنواع الإدراك خمسة :

الأوّل : الإبصار ، فقيل : يحصل بانطباع صورة المرئي في العين ، إذ لو كان بالشعاع لتشوّش بالرياح العاصفة ، ولأنّه إن كان عرضا فباطل ، لعدم جواز الانتقال عليه ، وإن كان حسّا استحال خروج جسم بقدر من (٢) العين يتصل بهذه الأجسام العظيمة.

وقيل بخروج شعاع على شكل مخروط رأسه عند مركز الباصرة وقاعدته على سطح المرئي ، إذ لو حصل بالأوّل لزم انطباع العظيم في الصغير.

والحقّ أنّه يحصل (٣) بقوة قائمة بالمحلّ عند حصول الشرائط ، وهي سلامة الحاسة وكثافة المبصر وعدم البعد والقرب المفرطين والمقابلة أو حكمها وإضاءة المرئي بذاته أو بغيره وعدم إفراطها وعدم الحجاب وتعمّد (٤) الإبصار ، قيل : وتوسط الشفاف (٥).

الثاني : السماع ، وهو قوّة قائمة بالصماخ تدرك الصوت ، وهو يحصل بتموّج الهواء الصادر عن قرع أو قلع ، فيحدث صوت يصل إلى سطح الصماخ ، وقيامه بالهواء.

وقيل بعدمه وإلّا لما أدركنا الصوت خلف الجدار ، وهو استبعاد مجرّد.

__________________

(١) يعني نهج المسترشدين لآية الله العلّامة قدس‌سره ، وسمّاه بإرشاد الطالبين ، وهو مطبوع ببمبئي سنة ١٣٠٣ كما أو عزنا إليه في المقدّمة.

(٢) من ـ خ ل ـ خ : (د).

(٣) لا بهما بل ـ خ : (آ).

(٤) قوة ـ خ : (آ).

(٥) بناء على أنّ العالم ملاء ـ هامش ـ خ : (آ).

الثالث : الشمّ ، وهو قوة مودعة في حلمتين في مقدّم الدماغ يدرك الرائحة عند حصول الهواء المتكيّف بها عندها.

الرابع : الذوق ، وهو قوة تحصل في سطح اللسان تحت الجلدة ، ولا بدّ من توسط الرطوبة اللعابية المنفعلة عن الطعم ، وتلك الرطوبة خالية عن الطعم ، إذ لو كان مماثلا لم يحصل الانفعال الذي هو شرط ومخالفا لم يتأدّى الطعم (١) على حاله كالمريض.

الخامس : اللمس ، وهو منبثّ في البدن كلّه ، وهو قوة واحدة. وقيل : أربع (٢) بناء على عدم صدور الكثرة عن الواحد.

ثمّ إنّه أنفع الأنواع لدفعه الضرر وتلك جالبة للنفع ، والأوّل أقدم ، إذ النفع

__________________

(١) أو مخالفا ولم يتأدّى الطعم وإلّا لما يؤدّي الطعم على حاله كالمريض ـ خ : (د). وما أثبتناه في المتن من ـ خ : (آ) هو الصحيح والمناسب لسياق الكلام.

(٢) قسّم الجمهور من الحكماء اللمس إلى قوى أربعة : الأول : القوة الحاكمة بين الحارّ والبارد. والثاني : القوة الحاكمة بين الرطب واليابس. الثالث : القوة الحاكمة بين الصلب واللين. الرابع : القوة الحاكمة بين الخشن والأملس ، بناء منهم على أنّ القوة الواحدة لا يصدر عنها أكثر من واحد.

وذهب آخرون إلى أنّه قوة واحدة تدرك جميع هذه الكيفيات ، وإليه مال العلّامة قدس‌سره في المناهج وعقد صدر المتألّهين قدس‌سره في الأسفار فصلا فيما يظنّ دخوله في الكيفيات اللمسية وليس منها قال : فمن ذلك الخشونة والملاسة والصلابة واللين وإنّما يقع الاشتباه في مثل هذه الأمور ، لعدم الفرق بين ما بالذات وما بالعرض راجع تفصيل ذلك في الأسفار ، ج ٤ ،. ص ٨٤ من الطبعة الجديدة. وأما استدلال الحكماء بادّعائهم المذكور من تقسيم اللمس إلى قوى أربعة بقاعدة الواحد لا يصدر عنه إلّا واحد فلا يصدر الكثير عن الواحد ، فهو مبني على أنّ القاعدة كلية غير مخصوصة بالواحد الحقّ الواجب بالذات ، بل تشمل كل واحد بجهته الوحدانية ، ولكن كلية القاعدة غير تامة ، وصدر المتألّهين (ره) مع ادّعائه الكلية في الأسفار في الموقف التاسع الفصل الثاني (مجلد ٧ ص ٢٠٤ طبعة جديدة) يقول في سفر النفس بعدم الكلية وبالاختصاص بالواحد الحقّ الواجب بالذات كما صرّح به الحكيم السبزواري (ره) في حواشيه على الأسفار.

وأمّا استدلال المحقق الخراساني (ره) في الكفاية في بعض المباحث الأصولية بهذه القاعدة فهو كما ترى ، فلعلّه مبني على تقدير كونها كلية ، وكان سيدنا وأستاذنا العلّامة المجاهد الأكبر في سبيل الله تعالى السيد المرجع الأعظم آية الله العظمى الحاج سيّد روح الله الموسوي الخميني القاطن اليوم في النجف الأشرف أدام الله تعالى ظله الوارف كما سمعناه في درسه ببلدة قم قائلا بعدم الكلية في القاعدة.

لا يصل إلى البدن إلّا بعد اعتداله المتوقّف على بعده عن المنافي.

واعلم أنّ الضرورة قاضية بوجوب حصول مقتضيات هذه الإدراكات عند حصول شرائطها ، والمانع مكابر لمقتضى عقله.

والثاني (١) : أيضا أقسام :

الأوّل : الكون وهو الحصول في الحيّز. إمّا حركة وهو حصول الجسم في حيّز بعد أن كان في آخر ، وقال الحكماء : كمال أوّل لما بالقوة من حيث هو بالقوة ، وهي متوقّفة على أمور ستة :

ما منه أعني مبدأها وما إليه أعني منتهاها وما به الحركة أعني العلّة الفاعلية ، وما له الحركة أعني العلّة الغائية وما فيه وهو المقولة التي يتحرّك الجسم فيها من نوع إلى آخر ، وهي أربع الكمّ : إمّا بتخلخل (٢) أو تكاثف أو ذبول (٣) كالضابئ أو نموّ ، كحركة أجزاء المغتذي في جميع الأقطار (٤) على تناسب ، والكيف كالانتقال من الخضرة إلى الحمرة أو البياض ، والأين والوضع ، والسادس (٥) المقدار وهو الزمان.

وإمّا سكون أعني حفظ النسب الحاصلة بين الأجسام الثابتة على حالها ، وهو معنى قولهم : إنّه حصول الجسم في مكان أكثر من زمان ، هذا في الأين وفي غيره حفظ النوع الذي وقع فيه.

وقال الحكماء : هو عدم الحركة عمّا من شأنه (٦) ، فهو عدم ملكة وعلى

__________________

(١) أي العرض غير المختصّ بالأحياء.

(٢) التخلخل هو أن يزيد مقدار الجسم من غير أن ينضمّ إليه غيره ، كما في هواء باطن القارورة عند مصّها. والتكاثف هو أن ينتقص مقدار الجسم من غير أن ينفصل منه جزء كما في هواء باطن القارورة عند النفح فيها. (٣) هو انتقاص حجم الجسم بسبب ما ينتقص منه في الطول والعرض والعمق على نسبة طبيعية. والضابئ : الرماد.

(٤) الطول والعرض والعمق.

(٥) هذا راجع إلى الأمور الستة وهو تمامها.

(٦) بقيد عمّا من شأنه يخرج عدم حركة الأعراض والمفارقات والاجسام في آن ابتداء الحركة أو انتهائها بل في كلّ آن.

الأوّل هو ضد (١).

وإمّا اجتماع ، وهو حصول الجوهرين بحيث لا يتخلّلهما ثالث.

وإمّا افتراق ، وهو ضدّه.

وتشترك الأربعة في كونها وجودية ويقع فيها تضادّ وتماثل ، وهو مدركة بواسطة وقوع الضوء واللون على محلها.

الثاني : الحرارة ، وهي محسوسة باللمس من شأنها إحداث الخفّة والجمع بين المتشاكلات والتفريق بين المختلفات من المركّبات ، وهي جنس لأنواع كثيرة كحرارة الحمى والعدو والشمس والأدوية والنار.

وأمّا الحرارة الغريزية فهي مخالفة بالنوع للعرضية. قيل : إنّها الجزء الناري في المركّب إذا لم تبلغ حدّ الإحراق إفراطا ولا حدّ النقصان محاجة. وقيل : تفيدها النفس ، أي هي مبدأ علّتها والروح جاعل (٢) لها محاجة (٣) فهي مركّب لها. وقيل : تحدث عن أشعّة الشمس والكواكب.

الثالث : البرودة ، وهي ملموسة أيضا وآثارها مقابلة لما تقدّم. وقيل : هي عدم الحرارة عمّا من شأنه ، وهو باطل ، لأنّا نحسّ من البارد بزائد على العدم ، ولا شيء من العدم بمحسوس.

الرابع : اليبوسة ، فقيل : هي كيفية يعسر معها قبول الأشكال لموضوعها وتركها. وقيل : هي الجفاف.

الخامس : الرطوبة ، وهي على الأوّل ما يسهل معه قبول الشكل وتركه ، وعلى الثاني البلّة أو سهولة الالتصاق والانفصال ، فالهواء رطب على الأوّل لا الثاني.

السادس : اللون ، وهو محسوس بصري وأصوله عند أبي هاشم خمسة : السواد والبياض والحمرة والخضرة والصفرة ، وما عداها مركّب. وعند بعض الأوائل الأوّلان.

__________________

(١) يعني أنّ السكون على المعنى الأول أمر وجودي مضادّ للحركة.

(٢) خامد ـ خ : (آ).

(٣) محاجة ـ خ : (د).

وعند بعضهم : البياض لا حقيقة له بل يحصل عند مخالطة الهواء للأجسام الشفّافة الصغيرة جدّا ، كالزيد والزجاج المدقوق ، ويبطله البيض المسلوق ، فإنّه بعد الطبخ أبيض لا باعتبار إحداث النار هوائية فيه وإلّا لكان أخفّ ، وشرط إدراك اللون وقوع الضوء.

وقال ابن سينا (ره) : هو شرط وجوده. وهو خطأ ، وجعل بعضهم الضوء نوعا من اللون. وهو خطأ أيضا ، فإنّ السواد والبياض يشتركان في الإضاءة مع اختلافهما ماهية.

السابع (١) : الرائحة ، وهي كيفية مشمومة ليس لها اسم يخصّها ، بل إنّما العلم بالإضافة إلى المحلّ أو إلى طعم مقارن لها أو بالموافقة والمخالفة.

الثامن : الطعم ، وهو كيفية مذوقة ، قيل : وأنواعه تسعة ، لأنه كيفية مزاجية والحامل له إمّا كثيف أو لطيف أو معتدل ، والفاعل في كلّ (٢) منها إمّا حارّ أو بارد أو معتدل ، فالحاصل تسعة فالحارّ في الكثيف مرارة عفوصة (٣) وفي اللطيف دسومة والمعتدل تفاهة (٤).

وقد يقال هذه على عدم الطعم عمّا من شأنه.

التاسع : الصوت ، وهو كيفية مسموعة ، وهو غير قار ، لإدراكنا الهيئة الصورية ، ولو كانت أجزاء الصوت باقية لم يكن إدراك هذه أولى من باقي التركيبات ، وأخطأ من جعله جسما وإلّا لشارك الأجسام في اللمس والإبصار.

والحروف (٥) كيفية عارضة له يتميّز به عن صوت آخر مثله تميز (٦) في السمع (٧) ، وهو إمّا مصوّت أو صامت ، وإمّا متماثل أو مختلف بالذات أو بالعرض ، والكلام

__________________

(١) من هاهنا إلى قوله : الثامن. ساقط في نسخة : (آ).

(٢) لكلّ ـ خ ل ـ خ : (د).

(٣) العفوصة : المرارة والقبض اللذان يعسر معهما الابتلاع.

(٤) تفه يتفه تفاهة الطعام : لم يكن له طعم حلاوة أو حموضة أو مرارة.

(٥) والحرف ـ خ : (آ).

(٦) تمييزا ـ خ : (آ).

(٧) في المسموع ـ خ ل ـ خ : (د).

منتظم منه ، والنفساني ليس له حقيقة ودليله خطابي وشعري لا يفيد يقينا.

العاشر : الاعتماد ، ويسمّيه الحكيم ميلا ، وهو كيفية يقتضي حصول الجسم في جهة من الجهات طبعا أو قسرا أو إرادة. قيل : وهو غير باق.

والجهة مقصد المتحرّك ومتعلّق الإشارة ، وهي ستة ؛ إذ الأبعاد ثلاثة ولكلّ طرفان فالحاصل ستة.

وأثبت قوم أعراضا أخر من الفناء والتأليف والموت وغيرها.

والمحقّق ما ذكرناه ، وما ذكروه من أحكام الفناء باطل ، إذ عدمه لذاته يقتضي امتناعه ، وسيأتي لهذا مزيد بحث في اللامع الأخير.

وتشترك الأعراض في عدم الانتقال وإلّا لعدمت ، لاحتياجها في وجودها إلى الفاعل وفي التشخّص إلى المحلّ فلو انتقلت زال أحد عللها.

وفي عدم قيام عرض بمحلّين وإلّا لاجتمع على الواحد بالشخص علّتان ، وبه يبطل قول أبي هاشم في التأليف : إنّه قائم بمحلّين لا أزيد ، وكذا قول بعض الأوائل في الإضافات المتفقة كالأخوّة والجوار.

وفي جواز قيام عرض بعرض كالسرعة والبطء القائمين بالحركة.

وفي كون القار من الأعراض ، وهو ما يجتمع أجزاؤه في الوجود باقيا ، وأمّا غيره فلا.

وما قيل : إنّ البقاء عرض ، فلو بقيت لزم قيام العرض بالعرض ، فالمقدّمتان ممنوعتان بل البقاء أمر عقلي هو استمرار الوجود ، وعلى تقدير التسليم قد تقدّم صحّة الفناء منه(١).

__________________

(١) الفناء منه ـ خ : (د). الثانية ـ خ : (آ).

اللامع السادس

في حدوث العالم

بمعنى أنّ وجوده مسبوقا بالعدم سبقا زمانيا ، وهو مذهب المليين كافة ، خلافا للحكماء.

والحق الأوّل لوجوه :

الأوّل : أنّه ممكن ، وكلّ ممكن محدث ، والصغرى ظاهرة ، فإنّ العالم متكثّر ولا شيء من الواجب بمتكثّر ، وأمّا الكبرى فلافتقار الممكن إلى المؤثّر كما تقدم ، فحال التأثير لا جائز أن يكون موجودا وإلّا لزم تحصيل الحاصل فيكون معدوما ، فعدمه سابق على وجوده وهو المطلوب.

الثاني : أنّه لا يخلو من الحوادث ، وكل ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.

أمّا الصغرى فتظهر بأمور :

الأوّل : أنّ هنا أمورا زائدة على الأجسام التي هي أجزاء العالم ، وتلك الأمور هي الحركات والسكنات ، وهو ظاهر ، فإنّ الجسم يسكن بعد أن كان متحرّكا (١) وبالعكس ، فتكون الحركة والسكون غيره ؛ إذ الباقي غير الزائل.

__________________

(١) فإنّ الجسم لا يعقل منفكا عن السكن بعد أن كان متحركا ـ خ : (د).

الثاني : أنّ الأجسام لا تخلو منها ، هو ظاهر أيضا ، فإنّ الجسم لا يعقل منفكّا عن الحيّز ، وحينئذ لا يخلو من أن يكون لابثا وهو الساكن أو غير لابث وهو المتحرّك.

الثالث : إنّ هذه الأمور حادثة بأشخاصها ونوعها ومجموعها ، أمّا أشخاصها فظاهر ، لتبدّل بعضها ببعض ، ولأنّها ممكنة ، لافتقارها إلى موضوعها ، وكلّ ممكن حادث ، لما تقدم. وأمّا نوعها ، فلأنّ النوع لا يوجد إلّا في ضمن أشخاصه ، فهو مفتقر إليها ، وقد دللنا على حدوث الأشخاص ، والمفتقر إلى الحادث (١) أولى بالحدوث وأمّا مجموعها ، فلبرهان التطبيق فإنّا نأخذ جملة من الحركات من زماننا إلى الأزل وجملة أخرى من الطوفان إلى الأزل ، ونطبّق بينهما ، فإن تساويا فباطل ، وإلّا لزم مساواة الزائد الناقص ، وإن لم يتساويا زادت التامّة على الناقصة بمقدار ما نقصناه ، وهو متناه ، فتتناهى الجملتان ، لأنّ الزائد على المتناهي بمقدار متناه متناه.

وأمّا الكبرى ، فلأنّ كلّ ما لا يخلو من الحوادث لو لم يكن حادثا لكان قديما ، لعدم الواسطة فإن كان معه شيء من الحوادث المذكورة اجتمع النقيضان ، وإن لم يكن معه شيء لزم خلوّ الجسم منها ، وهو باطل ، لما تقدّم.

الثالث : إنّه لا يجوز أن يكون جسم من الأجسام أزليا (٢) ، لأنّه حينئذ إمّا متحرّك أو

__________________

(١) إلى المحدث ـ خ ل ـ خ : (د).

(٢) غير خفي على القارئ الكريم والباحث الخبير أنّ المتكلّمين من علماء الاسلام وفلاسفة المسلمين أقاموا الدلائل العقلية والنقلية قديما وحديثا على إثبات الحدوث الزماني للعالم بطرق مختلفة ، وكانوا يثبتونه بالبراهين الدقيقة العقلية ، كما نرى أنّ المصنّف (ره) في هذا المقام حذا حذوهم ومشى على طريقتهم في بيان الدلائل العقلية ، ولكن في هذه العصور الأخيرة بعد ما انكشف القانون الثاني في العلم الطبيعي (ترموديناميك) (الحرارة والحركة) فقد سهل بهذا الطريق العلمي ثبوت الحدوث الزماني للعالم واضحا جليّا بحيث لم يبق فيه شكّ ولا ريب ، وبطل القول بأنّ العالم أزلي والمادة أزلية ، وأوّل من كشف الحدوث من هذا الطريق وأثبت حدوث الأجسام المخلوقة بأسرها هو «إسحاق نيوتن» (NOTWENCAASl (وقد أظهر نظره بعد المطالعات الدقيقة العلمية ، وأثبت أنّ العالم ينحدر من النظم والترتيب والانتظام إلى ـ

ساكن ، وهو ظاهر ، وكلاهما محال.

أمّا الأوّل ، فلأنّ الأزل عبارة عن نفي المسبوقية بالغير وكلّ متحرك مسبوق بالغير ؛ لما علم من تعريف الحركة.

__________________

ـ الانحلال وعدم النظم والترتيب ، حتّى يأتي يوم تكون الحرارة في جميع الأجسام متساوية لا مزيّة فيها لجسم على آخر ، ووصل من هذا البحث العلمي إلى النتيجة المطلوبة ، وهي القول بأنّ العالم لا بدّ له من ابتداء ، ثمّ بحث في الحرارة واعتقد أنّ من جميع التغييرات التي تتولد في الحرارة يتبدل قسم من القوة التي تستفاد منها إلى القوة التي لا تكون قابلا للاستفادة ولا تتبدّل القوة التي لا يستفاد منها إلى القوة التي يستفاد منها. وهذا هو القانون الثاني يقال له : ترموديناميك (SClMANYDOMREHT).

وفهم بعض الفلاسفة أنّ القانون الثاني «الحرارة والحركة» حالة مخصوصة من أصل كلّي واحد ويثبت أنّ في جميع النقل والانتقالات قسمة من النظم والترتيب تضمحل وتذهب من البين ، وفي مورد الحرارة من تبديل القوة القابلة للاستفادة إلى القوة غير القابلة للاستفادة ، يذهب النظم والترتيب من كل الذرات في البين ويتلاشى طرح الخلقة أصلا وأساسا.

فعلى هذا نقول : إنّ بحسب القانون الثاني «ترموديناميك» يعني قانون الحرارة والحركة الذي يسمّى «انتروپى» (YPORTNE) تجري الحرارة من الأجسام الحارة إلى طرف الأجسام الباردة ، وهذا الجريان لا يمكن أن يجري بنفسه معكوسا ففي الحقيقة أنّ «انتروپى» نسبة قوة غير قابلة للاستفادة إلى قوة قابلة للاستفادة وقد تحقق بلا ريب أنّ «انتروپى» يتزايد دائما على التدريج فإن كان العالم أزليا ولم يكن له ابتداء فكان لا بدّ من مدى بعيد الحرارة في الأجسام متساوية ولم يكن قوة قابلة للاستفادة باقية. وفي نتيجة ذلك لا بدّ وأن لا يوجد فعل وانفعال كيمياوي أصلا وكانت الحياة في سطح الأرض غير ممكنة ، ولكنا نشاهد بالعيان أنّ الفعل والانفعالات الكيمياوية موجودة والحياة في سطح الأرض دائمة وتتجلّى في الكون على الدوام. والحاصل أنّ جميع الأجسام في العالم تتنزل وتصل إلى درجة نازلة دانية ، ولا يوجد فيها قوة قابلة للمصرف ولا يمكن فيها التعيش والحياة ، فإن لم يكن للعالم ابتداء وإنّه كان موجودا أزلا فكان لا بدّ وأن تكون هذه الشمس الطالعة خامدة قبل زماننا بالسنين المتمادية ، والشمس والموجودات الكائنة في منظومتها ومنها الأرض وسكّانها في حالة منكسرة ، وأن لا يوجد عنصر «راديو آكتيو» أصلا ، فهذا القانون المسلّم العلمي يبطل القول بأنّ العالم أزلي ، بل هو دليل من أبرز الدلائل على إثبات الصانع للعالم وتوحيده ، لأنّا إذا قلنا : إنّ العالم وهذا الترتيب الموجود فيه له ابتداء ولكن لا خالق له ولا صانع ، فلا بدّ أن نقول : إنّ المادة بنفسها وجدت من العدم وبعد الوجود أثبت لنفسها بنفسها هذا النظم والترتيب والمحاسبة والحدود ، وأوجد لنفسها قوانين ثابتة لا تتغير فهل يقبل عاقل صاحب فهم وشعور هذا الرأي السخيف والقول المزيّف غير المعقول؟ بل لا يعبأ به أصلا.

وأمّا الثاني ، فلأنّ السكون (١) حينئذ (٢) يكون أزليا فلا يجوز عليه العدم ، لما تقدم من استحالة العدم على القديم ، لكن السكون يجوز عليه العدم ، لأنّ كلّ جسم يجوز عليه الحركة ، أما الفلكي فظاهر ، وأمّا العنصري المركب فكذلك ، وأمّا البسيط فلأنّ كلّ واحد من البسائط يلاقي ما فوقه بمحدّبه وما تحته بمقعّره فيجوز العكس وإلّا لم يكن بسيطا ، إذ مرادنا هنا بالبسيط إمّا طبيعة واحدة ولوازمه واحدة فلا يكون له لازمان مختلفان ، وذلك إنّما يكون بالانقلاب المستلزم للحركة فتكون الحركة جائزة على الأجسام ، وهو المطلوب.

واعلم أنّ الدليل الأوّل يدلّ على حدوث كلّ ما سوى الواجب جسما أو غيره وأمّا الأخيران فيختصّان بالأجسام ويدخل العرض لافتقاره إلى الجسم.

احتجّ الحكماء على القدم بوجوه :

الأوّل : أنّ المؤثّر التامّ في وجود العالم إمّا أن يكون قديما أو حادثا ، فإن كان الأوّل وجب وجود العالم أزلا ، وإلّا لكان حدوثه فيما بعد إمّا أن يتوقف على أمر أو لا فإن كان الأوّل لزم أن لا يكون ما فرضناه أوّلا تاما بتامّ ، والفرض أنّه تام ، هذا خلف. وإن كان الثاني يلزم الترجيح بلا مرجّح ، وإن كان حادثا نقلنا الكلام على علّة حدوثه ويلزم التسلسل أو الانتهاء إلى المؤثّر القديم وهو محال ، لتخلف الأثر عنه كما هو الفرض. وهذان المحالان إنّما (٣) نشئا من الحدوث فيكون قديما (٤) محالا.

والجواب : أمّا تفصيلا فلوجوه :

الأوّل : أنّ المؤثّر التامّ قديم لكن الحدوث اختصّ بوقته ، إذ لا وقت قبله ، إذ الزمان يبتدئ وجوده مع ابتداء وجود العالم لكونه جزء منه.

الثاني : أنّ المؤثّر التامّ إذا كان مختارا لا يجب وجود أثره معه ، بل يرجّح أحد

__________________

(١) سكونه ـ خ : (آ).

(٢) حينئذ ـ خ : (د).

(٣) إنّما ـ خ : (آ).

(٤) قديما ـ خ : (د).

مقدوريه على الآخر متى شاء لا لأمر ، ومحالية ذلك ممنوعة ، بل المحال إنّما هو الترجيح بلا مرجّح ، وبينهما فرقان (١).

الثالث : جاز أن يكون التأخير لمصلحة لا توجد قبل ذلك.

الرابع : أنّ التأخير لتعلّق العلم الأزلي بالحدوث في وقته ، فيستحيل وجوده قبل ذلك وإلّا لانقلب جهلا.

الخامس : أنّ الفرض حدوث العالم فيكون وجوده أزلا محالا وإلّا لاجتمع النقيضان.

وأمّا إجمالا فالمعارضة بالحادث (٢) اليومي ، فإنّه معلول لا بدّ له من علّة إمّا قديمة فيلزم قدمه أو حادثة فيلزم التسلسل.

الثاني (٣) : أنّ العالم على تقدير حدوثه مسبوق بإمكان وجوده ، وذلك الإمكان ليس أمرا عدميا ، لأنّه نقيض لا إمكان (٤) وهو عدمي ، فلا فرق بينهما حينئذ ، وإذا كان الإمكان ثبوتيا فليس هو قدرة القادر ، لأنّا نعلّلها به فيكون غيرها ، فإمّا أن يكون جوهرا وهو محال ، لأنّه نسبة وإضافة فيكون عرضا فلا بدّ له من محلّ ، ونسمّيه مادة فإن كانت قديمة فالمطلوب ، لأنّها لا تخلو عن الصورة كما تقدّم والجسم مركّب منهما ، فيكون قديما ، وإن كانت حادثة لزم التسلسل.

والجواب : أنّا نختار أنّ الإمكان ليس عدميا ، قولكم : يكون عرضا لا بدّ له من محلّ.

قلنا : ممنوع بل هو أمر اعتباري ليس موجودا خارجيا ليفتقر إلى المحلّ.

إن قلت : مرادنا بالإمكان هاهنا الاستعدادي كالنطفة يمكن أن تصير علقة ، وذلك عرض.

__________________

(١) فرق ـ خ ل ـ خ : (د).

(٢) بالحدوث ـ خ : (آ).

(٣) أي الثانى من احتجاج الحكماء على قدم العالم.

(٤) إلّا إمكان ـ خ : (آ).

قلنا : ذلك أيضا اعتباري ، إذ لو كان عرضا مع أنّه حادث لتوقّف على استعداد له ويعود البحث فيه ويتسلسل ، سلّمنا لكن نقول : المادة لكونها ممكنة لها إمكان ، فمحل إمكانها مغاير لها فيكون لها مادة ويلزم التسلسل.

الثالث : قالوا : إيجاد العالم جود فلا يتأخّر وإلّا انخلى الواجب عن الجود مع أنّه متصف بصفات الكمال.

والجواب : إنّ عدم الإيجاد لا يلزم منه الخلو عن الجود ، لتوقّف التأثير على شرائط في جانب الفاعل والقابل ، فجاز أن يكون التأخّر هنا لفوات الشرط من جهة القابل فلا يلزم نقص الفاعل مع أنّ حديث الجود خطابي لا برهاني.

اللامع السابع

في وجود الصانع تعالى وأحكام وجوده

أمّا الاوّل ، فهو وإن كان غنيا عن الاستدلال بعد ما تقدّم من حدوث العالم ، فإنّ الضرورة قاضية بافتقار ما لم يكن ثمّ كان إلى فاعل حتّى أنّ ذلك مركوز في جبلّة كلّ ذي إدراك ، فإنّ الحمار إذا أحسّ بحدوث الضرب أسرع في المشي ، لكن تكميل الصناعة بإيراد الأدلّة على أعيان المسائل أوثق في النفس وأبعد عن اللبس ، ولنذكر هنا طرقا شريفة منها بديع (١) ومنها مشهور :

أمّا الأوّل فدليلان الأوّل : مخترع المحقّق الطوسي (ره) (٢).

وتقريره : لو لم يكن الواجب موجودا لم يكن لشيء من الممكنات وجود أصلا واللازم كالملزوم في البطلان.

وبيان الملازمة : أنّ الموجود يكون حينئذ منحصرا في الممكن ، وليس له وجود من ذاته كما تقدم بل من غيره ، فإذا لم يعتبر ذلك الغير لم يكن للممكن وجود ، وإذا لم يكن له وجود لم يكن لغيره عنه وجود ، لأنّ إيجاده لغيره فرع على وجوده ،

__________________

(١) أي غير متوقّف على بطلان الدور والتسلسل.

(٢) ذكره المحقّق قدس‌سره في كتابه الفصول وشرحه المصنّف (ره) في كتابه الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية منه نسخة مخطوطة في مكتبتنا.

لاستحالة كون المعدوم موجدا.

الثاني : مخترع العلّامة القاشي (ره) (١).

وتقريره موقوف على مقدّمتين : إحداهما تصورية ، وهو أنّ مرادنا بالموجب التامّ ما يكون كافيا في وجود أثره (٢) وثانيتهما : تصديقية ، وهي أنّه لا شيء من الممكن بموجب تام لغيره ، لأنّه لو أوجبه وموجبيته له (٣) تتوقّف على موجوديته ، وهي متوقفة على موجودية سببه فلا يكون ذلك الموجب كافيا في إيجاد غيره لما تقدم.

وحينئذ نقول : لا شكّ في وجود موجود فإن كان واجبا لذاته فالمطلوب ، وإن كان ممكنا فلا بدّ له من موجب وليس بممكن ، لما تقدم فيكون واجبا لذاته وهو المطلوب.

لا يقال : يلزم من ذلك قدم الحوادث لقدم موجبها ، لأنّا نقول : إنّما يلزم أن لو كان الكافي في وجودها موجبا بالذات أمّا إذا كان فاعلا بالاختيار يرجّح أحد مقدوريه بلا مرجّح فلا يلزم ذلك.

وأمّا الثاني : فهو إمّا الإمكان أو الحدوث ، والأوّل طريقة الحكماء.

وتقريره : أنّ هنا موجودا بالضرورة فإن كان واجبا فالمطلوب ، وإن كان ممكنا افتقر

__________________

(١) ذكره المصنّف (ره) في شرح الفصول النصيرية بهذه العبارة : ولشيخنا الإمام العلّامة القاشي قدّس الله روحه تقرير حسن لهذه الطريقة ، ووصفه الشيخ الشهيد (ره) بالشيخ الإمام العلّامة المحقّق أستاذ الفضلاء ... قلت : هو نصير الدين علي بن محمد القاشاني الحلّي من أكابر متكلّمي الإمامية وكبار فقهائهم مولده بكاشان ، ونشأ بالحلّة ، وتوفّي بالنجف الأشرف سنة ٧٥٥ ذكره القاضي الشهيد (ره) في مجالس المؤمنين وافندى التبريزي الأصفهاني في رياض العلماء والسيد حيدر الآملي (ره) في كتابه منبع الأنوار وذكر في المجالس : أنّه فاق على حكماء عصره وفقهاء دهره وكان معروفا بدقة الطبع وحدّة الفهم ، وكان دائما يشتغل في الحلة وبغداد بإفادة العلوم الدينية والمعارف اليقينية ثم ذكر له مؤلفات ممتعة ، والقاشي نسبة إلى قاشان معرب كاشان ، والصحيح في تعريب كاشان : قاشان بالشين المعجمة لا القاسان لئلّا يلتبس الأمر في النسبة إلى قاسان وأمّا القاشي معرب الكاشي في النسبة إلى كاشان فهو من لحن العامة ولا ينبغي ذكره في الكتب العلمية.

(٢) أي لا يحتاج في إيجاد الأثر إلى أمر خارج عن ذاته.

(٣) له ـ خ : (د).

إلى مؤثّر ، فإن كان واجبا فالمطلوب ، وإن كان ممكنا دار وتسلسل ، وهما محالان كما تقدّم.

قالوا : وهذه طريقة شريفة أشير إليها في الكتاب العزيز بقوله : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١) وهو برهان لمّي (٢) لأنّه استدلال به تعالى على غيره.

والثاني : طريقة المتكلّمين ، وهو إمّا استدلال لحدوث الذوات أو الصفات.

فالاوّل تقريره : أنّ العالم محدث ، وكلّ محدث مفتقر إلى محدث ، والمقدمتان تقدم بيانهما.

والثاني : منحصر في نوعين :

الأوّل : دلائل الأنفس ، وهو أنّ النطفة (٣) جسم متشابه الأجزاء يتكوّن منه جسم(٤)

__________________

(١) فصلت ٤١ : ٥٣.

(٢) الاستدلال بالعلّة على المعلول يسمّى برهانا لميّا ، لأنه يفيد لميّة الحكم في الواقع ونفس الأمر عند المستدل كما يستدل بوجود النار على الاحتراق ، لأنّ العلم بالعلة مستلزم للعلم بالمعلول المعين ، لأنّه انتقال من العلّة إلى المعلول ، والبرهان اللميّ منسوب إلى «لم» التي هي السؤال عن العلة ، وإنما شدّد الميم لقاعدة النسبة وأنّ كلّ ما نسب إلى شيء مركّب من حرفين شدّد ثانيهما ، ومن أنكر القاعدة في النسبة مطلقا في اللسان العربي المبين من المعاصرين فقد خبط خبط العشواء ودحضنا شبهاته بنحو أحسن وأو في في المقدمة التي كتبناها على تفسير جوامع الجامع للطبرسي (ره) فراجع.

وقد يكون الاستدلال بالمعلول على العلة كالاستدلال من وجود الإحراق في جسم على ملاقاة النار ، لأنّ العلم بالمعلول يستلزم العلم بعلة ما. وقد يصحّ الاستدلال بأحد المعلولين على الآخر كالاستدلال بوجود النهار على إضاءة العالم وهما معا معلولا علّة واحدة ، وهي طلوع الشمس ، ويسمّيان معا برهانا إنّيا ، لأنّهما يفيدان علية الحكم عند المستدلّ لا في نفس الأمر.

والبرهان الإنّي منسوب إلى «إنّ» التي هي بمعنى التحقق.

وقد يكون الدليل هو الاستدلال بموجود على موجود كالاستدلال بثبوت الحياة على ثبوت العلم.

وقد يكون الاستدلال بموجود على معدوم كالاستدلال بوجود أحد الضدّين على عدم الآخر.

وقد يكون الاستدلال بمعدوم على معدوم كالاستدلال بنفي الحياة على نفي العلم.

وقد يكون الاستدلال بمعدوم على موجود كالاستدلال بعدم أحد الضدّين على وجود الآخر.

(٣) النقطة ـ خ : (د) وهو غلط.

(٤) بدن ـ خ ل ـ : (د) و ـ خ : (آ).

مركّب من أعضاء مختلفة في الكمّ والكيف والشكل والطبيعة ، فلو كان الفاعل في ذلك الحرارة أو فعل الكواكب لكان فعلا متساويا ، وإذا كان تأثير المؤثر متساويا وأجزاء القابل مشابهة كان الأثر متشابها ، ولذا قال الحكماء : الشكل الطبيعي هو الكرة لكنّ الأثر مختلف كما عرفت ، فدلّ ذلك على فاعل حكيم يدبر بالقدرة والاختيار.

الثاني : دلائل الآفاق فإمّا في العالم الفلكي أو العالم العنصري من الحيوان والمعدن والنبات. وتفصيل ذلك مذكور في مظانّه المطوّلة ، وأشير في الكتاب العزيز إلى هذه الطريقة بقوله : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (١) وهو استدلال إنّي.

وأمّا الثاني فنقول : الواجب تعالى قديم ، أي لا أوّل لوجوده وأزلي كذلك ، وباق أي مستمر الوجود ، وأبديّ أي لا آخر لوجوده ، وسرمديّ أي أنّه مصاحب لجميع الأزمنة المحقّقة والمقدّرة ماضية كانت أو حاضرة أو مستقبلة ، إذ لو لا ذلك لجاز عليه العدم وقتا ما فيكون ممكنا فيفتقر إلى المؤثر ، فيلزم الدور أو التسلسل ، وهما باطلان. وقد تقدم في خواصّ الواجب أنّه لا يزيد وجوده ولا وجوبه على ماهيته فلا حاجة إلى إعادته.

__________________

(١) فصلت ٤١ : ٥٣.

اللامع الثامن

في صفاته تعالى

وفيه مرصدان :

[المرصد] الأوّل : في الجلاليات (١)

وفيه فصول :

الأوّل : أنّ حقيقته غير معلومة لأحد من البشر ، لأنّها ليست معلومة ضرورة (٢) وهو ظاهر ، ولا استدلالا (٣) وإلّا لكان له حد فيكون له جنس وفصل فيكون له جزء ، وهو محال ، وإلّا لكان مفتقرا إليه.

ومن هنا يعلم استحالة التركيب عليه مطلقا سواء كان التركيب عقليا أو حسيا ، بل المعلوم إنّما هو الصفات ، ولذلك لمّا سئل الكليم على نبينا وعليه‌السلام عنه أجاب بذكر الخواصّ والصفات ، فنسب إلى الجنون فذكر صفات أبين وقال :

__________________

(١) في الجلالية ـ خ : (آ).

(٢) أي بداهة.

(٣) أي نظرا.

(إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (١) إنّه غير معلوم الحقيقة.

إن قلت : فلم لا يكون معلوما بالرسم؟

قلت : الرسم تعريف بالخارج فهو لا يفيد الحقيقة.

وقال كثير من المتكلمين : إنّها معلومة ، لأنّ وجوده معلوم وهو نفس حقيقته ، وهو خطأ ، فإنّ الوجود المعلوم هو الزائد المقول عليه وعلى غيره بالتشكيك لا ما هو نفس حقيقته.

الثاني : أنّ حقيقته ليست مماثلة لغيرها من الذوات ، لأنّها لو كانت مماثلة لكان امتيازها عن غيرها ، إن كان لنفسها لزم الترجيح بلا مرجّح ، وإن كان لأمر زائد عليها فإن كان لازما لها عاد الكلام في اللزوم كما قلنا أوّلا ، وإن كان عارضا نقلنا الكلام إلى سبب عروضه ويتسلسل.

من هنا يعلم أنّه لا ندّ له ، لأنّه يقال على المشارك في الحقيقة.

الثالث : أنّه لا ضدّ له ، لأنّ الضدّ يقال على معنيين :

الأوّل : مساو في القوة ممانع في الوجود ، والثاني : عرض يعاقب عرضا آخر في محلّه وينافيه فيه ، والواجب سبحانه لا مساوي له كما تقدّم وليس بعرض كما يجيء ، فلا يكون له ضدّ بالمعنيين.

الرابع : أنّه ليس بمحتاج ، لأنّه لو كان كذلك لكان احتياجه إمّا في ذاته أو في صفاته ، وكلاهما محال ، وإلّا لكان ممكنا وناقصا ، تعالى الله عن ذلك.

__________________

(١) الشعراء ٢٦ : ٢٨ ـ أشار المصنّف (ره) من قوله : ولذلك لما سئل الكليم ... إلى قوله : إنّه غير معلوم الحقيقة ... إلى سؤال فرعون عن موسى عليه‌السلام عن ربّه تعالى بقوله : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ)؟ ـ الشعراء ٢٦ : ٢٣ (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) ٢٦ : ٢٤ ثم ذكر سبحانه وتعالى قول فرعون : (قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) ٢٦ : ٢٧ ـ انظر إلى الآيات الشريفة في سورة الشعراء.

الخامس : أنّه غير متّحد بغيره ، والاتحاد عبارة عن صيرورة الشيئين شيئا واحدا موجودا واحدا ، وهو محال ؛ لأنّهما إن بقيا كما كانا فهما اثنان لا واحد ، وإن عدما فلا اتّحاد أيضا بل وجد ثالث ، وإن عدم أحدهما فلا اتّحاد أيضا بل عدم أحدهما وبقي الآخر.

وقال بعض النصارى باتّحاده بالمسيح وتفصيل مذهبهم : أنّهم أجمعوا على أنّه تعالى واحد بالجوهر ، أي بالذات ثلاثة بالأقنومية أي بالصفات ، ومعنى لفظة أقنوم الصفة الشخصية ويعبرون عن هذه الأقانيم بالأب أعني الذات مع الوجود ، وبالابن أعني الذات مع العلم ، ويطلقون عليه اسم الكلمة ويختصّونه بالاتّحاد ، وروح القدس الذات مع الحياة.

وانفردت الملكائية بقولهم : إنّ جزء من اللاهوت حلّ في الناسوت واتّحد بجسد المسيح وتدرّع به ، ولا يسمّون العلم قبل تدرّعه ابنا ، بل المسيح مع ما تدرّع به هو الابن ، ويقولون: إنّ الكلمة مازجت الجسد ممازجة الخمر (١) والماء اللبن.

وقالوا : إنّ الجوهر غير الأقانيم وصرّحوا بالتثليث ، وإليه أشار بقوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (٢) وقالوا : إنّ المسيح ناسوت كلّي لا جزئي ، وإنّ القتل والصلب وقع على الناسوت دون اللاهوت.

وانفردت اليعقوبية بقولهم بإلهية المسيح وإنّ الكلمة انقلبت لحما ودما فصار الجميع هو الإله ، وإنّه (٣) ظاهر بجسده (٤) وإليه الإشارة بقوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (٥) وزعموا أنّ الكلمة اتّحدت بالإنسان الجزئي لا الكلي ،

__________________

(١) الخمر جمع الخمرة. وخمرة اللبن : روبته التي تجعل فيه ليروب سريعا. والروبة خميرة تلقى في اللبن ليروب بقية اللبن.

(٢) المائدة ٥ : ٧٣.

(٣) وأنّهما ـ خ : (د).

(٤) وأنّه ظاهر الجسد ـ خ ل ـ خ : (د).

(٥) المائدة ٥ : ١٧ ؛ ٧٢.

وقالوا : إنّ المسيح جوهر واحد وأقنوم واحد إلّا (١) أنّه من جوهرين ، وربما قالوا : طبيعة من طبيعتين.

وانفردت النسطورية بقولهم : اللاهوت أشرق على الناسوت كإشراق الشمس على بلّورة وظهر فيه كظهور النقش على خاتم ، وقال بعضهم : حلول اللاهوت في الناسوت حلول العظمة والوقار ، وهو بناسوت المسيح أتمّ وأكمل ممّا عداه ، ووافقوا الملكائية : في أنّ القتل وقع على المسيح من جهة ناسوته ، ومرادهم بالناسوت الجسد وباللاهوت الروح. هذا تفصيل مذهبهم ذكرناه ليوقف عليه. (٢)

__________________

(١) لا ـ خ : (د).

(٢) اكتفى المصنف قدس‌سره بنقل عقائد النصارى ليقف القارئ الكريم على هذه العقائد المضحكة ، ولم يتعرّض لدحضها وردّها تفصيلا ، لسخافتها وظهور بطلانها مما ذكره من صفات الواجب تعالى التي يعلم من المعرفة بها بطلان تلك العقائد الخرافية.

والقول الفصل في بطلان مذهب النصارى أنّ أساسه هو القول بالحلول والاتحاد ، وهما محالان ، ويلزم من مذهبهم التناقض ، وهو محال أيضا بالضرورة من العقل فأساس مذهبهم لا يقبله العقل السليم.

فنقول : معنى الحلول هو أن يكون الشيء موجودا في محل قائما به ، ومعنى الاتحاد هو أن يصير الشيئان أو الأكثر شيئا واحدا. أمّا بطلان الأوّل : فقد ثبت أنّ الواجب ما كان وجوده من نفسه ولا يحتاج في وجوده إلى غيره ، وما كان كذلك لا بدّ أن يكون غير متناه وإلّا لاحتاج إلى مكان ، وإذا لم يكن متناهيا فلا يعقل أن يحلّ في غيره ؛ لأنّه يحدّ به حينئذ فيكون متناهيا ، ولا يعقل أن يكون الشيء الواحد متناهيا وغير متناه. وأمّا إنّه لا يحلّ فيه غيره فهو أن المحلّ محدود بالحالّ ، وقد ثبت أنّ الواجب ليس بمحدود ، وإذا لم يكن الواجب محلّا فيستحيل أن تعرض له الأعراض ، لأنّها لا تعرض إلّا للمحل الذي تقوم به.

وأمّا بطلان الثاني فهو أنّ كلّ شيء اتحد بسواه لا بدّ أن يحدّ به ، والواجب إذا لم يكن محدودا فلا يعقل اتحاده بغيره ، ولا سيما إذا كان المتّحد به من الأجسام الصغيرة الضعيفة التي لا تقوى على شيء كالاجسام البشرية ، فإنّ تنزيل الواجب عن تلك العظمة والقوة الإلهيّة التي هي المبدأ لكل شيء ولكلّ العوالم المختلفة التي لا تحصى ، وبها قوام كل موجود إلى هذا الضعف والعجز الملازم لأجسام البشريّة العاجزة عن قهر ما هو أقوى منها من الموجودات ، وعن تصريف أدنى المحتاجات ـ غفلة ينفر عنها العلم الصحيح ويأباها ترقّي مدارك البشر في العصر الحاضر الذي تشعّبت فيه العلوم وانكشفت اسرار الكون ، أفيعذر العقل بعد تشعّب العلوم وترقّيها في هذا الأمر العظيم إذا انقلب عنها خاسئا إلى القول بأنّ مبدأ الكون ومنشأ وجود العوالم اتّحد بإنسان عاجز ضعيف قوامه الغذاء وحاجته إلى شرب الماء؟

هذا ما تقتضيه بداهة البرهان في عقيدة الاتحاد ومع قطع النظر عن الدليل نقول : إنّ الاتّحاد الذي زعمه ـ

السادس : أنّه ليس بحالّ في شيء والمعقول من الحلول هو قيام موجود بموجود على

__________________

ـ النصارى غير معقول في رتبة التصور ، أي أنّ العقل لا يمكن أن يتصوّره ، فكيف يصدّق به ويعتقده ، ونحن لا نحتاج في ردّه إلى تكلّف إقامة الدليل بعد أن كان غير معقول بنفسه ، لأنّ أرباب هذه العقيدة يعتقدون أنّ الواجب واحد ، وهو الله تعالى ، وهو ثلاثة : الله وهو الأب ...؟! وعيسى وهو الابن ، والروح القدس ، وهذه الثلاثة يسمّونها الأقانيم ويدّعون أنّها واحد فيحفظون عنوان الواحدية لها وعنوان الثلاثية. يقولون : إنّ الثلاثة واحد وإنّ الواحد ثلاثة بالاتحاد ، وهذا تناقض واضح وغير معقول في حدّ ذاته ولا يمكن تصوره ؛ لأنّ العقل يجزم بأنّ الثلاثة غير الواحد وأنّ الواحد غير الثلاثة ، فصيرورة الثلاثة واحدا محال عقلا ، وهذا أمر فطري يميّزه حتّى الرضيع من الأطفال ، ألا ترى الطفل إذا نضب أحد ثديي مرضعته تركه والتقم الثدي الآخر فهو يدرك بفطرته أنّ الاثنين غير الواحد.

قال بعض في كتابه الذي ألّفه في حال استقامته بعد أن بين ما ذكرناه : ليست عقيدة الاتحاد التي تمسك بها المسيحيون من مختصات النصرانية ومبتدعاتها ، فقد سبق الناس إلى أمثالها من العقائد قبل النصرانية بألوف من السنين ، وقد دقق الباحثون في معتقدات النصرانية فرأوها لا تختلف عن العقائد الوثنية وديانات الهند ، وجزموا بأنها قد أخذت من تلك الديانات ، والاعتبار يساعد على ذلك ، فإنّ كل ذي عقل ودين ينزّه المسيح عليه‌السلام من أن يأتي بخرافات لا تنطبق على العقل وينفيها صريح الوجدان.

قلت : وقد أشار القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) (سورة التوبة ـ ٣٠) إلى أنّ عقائد النصارى في حقّ المسيح مأخوذة من الكفّار الذين سبقوهم في الزمن الغابر ، وقد انكشفت في هذه السنين الأخيرة الحقائق الراهنة في حقّ أهل الكتاب ، وظهرت أسرار الآية الشريفة في حقّهم ، وقد اتّضح أنّ العهدين ـ العتيق والجديد ـ متضمّنان من مذاهب البوذيين والبرهمانيين والمجوس وغيرهم من الوثنيين ومأخوذان عنهم ، بحيث لم تختلف عنهم قيد شعرة حتى في القصص والحكايات والأساطير التي اشتملت عليها الأناجيل ، ولم يبق لأي باحث منقّب ريب فيما تضمّنه قوله تعالى : (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) الآية ـ من الإشارة إلى المعاني الكثيرة التي خفيت منذ القرون إلى هذه العصور عند أكثر المفسرين للقرآن الكريم ، فإنّهم لم يكشفوا عن معناها في حقّ أهل الكتاب كما يستحقّ بالذكر ، ولم يلفتوا أنظارهم إلى العقائد الوثنية التي تسرّبت إلى دين النصارى واليهود ، وقد كشف الغطاء عن وجه أسرار الآية الشريفة الشيخ الفاضل المتكلّم محمد طاهر التنير البيروتي المتوفّى سنة ١٣٥٢ في كتابه العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ، وطبع في بيروت سنة ١٣٣٠ ولكن أتباع الكنيسة أبادوا نسخه ووفقني الله تعالى لطبعه ونشره ثانيا بطريق (الأفست) في سنة ١٣٩١ والحمد لله تعالى. وغير خفي على الخبير أنّ بعض أهل أوربا وغيرهم أيضا ألّف على منوال ذلك الكتاب تأليفا في هذا الباب ، فتفحّص والله الموفق.

سبيل التبعية بحيث يبطل وجود الحال ببطلان المحل ، ولا شكّ في نفيه عنه تعالى ، وإلّا لكان محتاجا إلى المحلّ ، وهو محال.

وقال جمع من المتصوّفة بحلوله في قلوب العارفين ، فإن أرادوا ما قلناه فباطل ، وإن أرادوا غيره فلا بدّ من تصويره لنذعن له أو نمنع.

السابع : أنّه لا يقوم به شيء من الحوادث وإلّا لكان منفعلا عن الغير ، وهو محال كمال تقدم ، ولأنّ علة ذلك الحادث التامة (١) إمّا ذاته أو شيء من لوازمها فيلزم الترجيح بلا مرجّح ، وهو اختصاص ذلك الحادث بوقت دون آخر ، وإمّا وصف آخر فيلزم التسلسل ، وإمّا غير ذلك فيكون الواجب مفتقرا إلى أمر منفصل ، وهو محال ، ولأنّ ذلك الحادث إن كان صفة نقص امتنعت (٢) عليه ، وإن كان صفة كمال لزم خلوه عن (٣) الكمال ، والخلو من الكمال نقص ، تعالى الله عنه ، وقالت الكرامية : إنّ صفاته حادثة وهي قائمة به.

الثامن : أنّه ليس له صفة زائدة على ذاته ، بل ليس له صفة أصلا كما أشار إليه ولى الله بقوله : «وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنّها غير الموصوف» فلو كان له صفة زائدة (٤) لزم افتقاره إليها والمفتقر إلى الغير ممكن ، ويلزم أيضا تعدّد القدماء فبطل قول الأشاعرة القائلين بالمعاني والبهشمية القائلين بالأحوال ، وسيأتي لهذا مزيد بسط وتحقيق.

التاسع : في سلب الأعراض المحسوسة عنه ، وهذا مطلب ظاهر اتّفق العقلاء عليه فليس له طعم ولا لون ولا رائحة ولا غير ذلك ، وإلّا لكان محتاجا تعالى الله عن ذلك.

__________________

(١) التامّة ـ خ : (آ).

(٢) امتنع ـ خ : (آ).

(٣) من ـ خ : (آ).

(٤) مغايرة ـ خ : (د).

ومن هنا يعلم أنّه ليس له ألم ولذة حسّيان ولا ألم عقلي ، إذ لا منافي له تعالى ، إذ الكل ذرّة من ذرّات جوده ورشحة من رشحات وجوده ، وأمّا اللذة العقلية فقال الحكماء بثبوتها له تعالى ؛ لأنّها إدراك الملائم وهو مدرك لذاته إدراكا تامّا ، وهي أكمل الذوات ، فيكون أجلّ مدرك لأعظم مدرك بأتمّ إدراك ، فيكون ملتذّا ، وتابعهم على ذلك بعض شيوخنا (١) ، ومنعه باقي المتكلّمين إمّا لمنع بعضهم اللذات العقلية أو لعدم ورود ذلك في الشرع الشريف.

والذي يقتضيه العقل هو (٢) عدم التهجّم على هذه الذات المقدّسة بما لا ضرورة إلى اثباته ، ولم يرد الإذن فيه.

وبالجملة البحث في هذا الباب عسر والتهجّم بإثبات ما لم يرد (٣) منه تعالى خطر.

__________________

(١) الظاهر أنّه يقصد به بعض شيوخنا الإمامية كالشيخ المتكلّم الأقدم الشيخ أبي إسحاق النوبختي قدس‌سره صاحب كتاب الياقوت في الكلام الذي شرحه العلّامة قدس الله روحه وسمّاه بأنوار الملكوت في شرح الياقوت وطبعته دانشگاه طهران سنة ١٣٣٨ ه‍ ـ ش. وفي مكتبتنا نسخة نفيسة مخطوطة منه في غاية النفاسة ، والظاهر أنّها مكتوبة لبعض السلاطين الصفوية ، وتصدّت بعض المطابع في النجف الأشرف لطبع أنوار الملكوت بتحقيقنا وتعليقنا عليه مع الأستاذ الجعفري ، وطبع منه قريبا من أربعين صفحة ثمّ توقّف طبعه بسبب قفولنا إلى إيران.

قال النوبختي (ره) : المؤثّر مبتهج بالذات ، لأنّ علمه بكماله الأعظم يوجب ذلك ... وهذه المسألة سطّرنا فيها كتابا منفردا وسمّيناه بكتاب الابتهاج ، قال العلامة (ره) في شرحه : هذه المسألة ممّا وافق الشيخ أبو إسحاق فيها الحكماء وخالف الإمامية وباقي المتكلّمين فيها ... وقد ذكر المصنّف (ره) أنّه قد صنّف كتابا في هذه المسألة ولم يصل إلينا ، انتهى. وقد أشار الأستاذ الدجيلي إلى نسخة مكتبتنا من أنوار الملكوت في كتابه أعلام العرب في العلوم والفنون ، انظر ج ٢ ، ص ١١١ ، طبعة النجف.

(٢) هو ـ خ : (آ).

(٣) قال بعض المحشّين على أنوار الملكوت : والتحقيق أنّ هاهنا أمرين : أحدهما : أنّ معنى اللذة لا يوجد فيه تعالى ، وثانيهما : أن ليس لنا أن نطلق عليه هذين اللفظين ـ أي اللذة والألم ـ وما أجمع عليه الإمامية وسائر المتكلّمين ليس إلّا الثاني منهما دون الأول ، فلا يكون ما ذهب إليه المصنّف (ره) ـ يعني النوبختي ـ مخالفا لما أجمعوا عليه. انتهى.

وقال المحقق الطوسي (ره) في نقد المحصّل ص ١١٥ طبعة مصر سنة ١٣٢٣ : والتمسك بإجماع الأمة يفيد في عدم إطلاق لفظي : اللذة والألم عليه تعالى ، لأن كلّ صفة لا يقارنها الإذن الشرعي لا يوصف تعالى بها ـ

العاشر : في نفي التحيّز عنه ولواحقه ، وفيه مسائل.

الأوّل : أنّه ليس له مكان وإلّا لافتقر إليه ؛ لأنّ كلّ ذي مكان فله امتداد وبعد وأقطار متناهية ، وكلّ ما كان كذلك يستحيل (١) استغناؤه عن المكان والافتقار عليه تعالى محال ، ومن هنا يعلم أنّه ليس في جهة فوق ، خلافا للكرامية واحتجاجهم بأنّه أشرف الذوات ، والفوق أشرف الجهات ، فناسب الأشرف الأشرف ، وبرفع الأيدي حال الدعاء ضعيف ، لأنّ أشرفية الجهات (٢) كلام خطابي بل شعري فلا يفيد علما ، مع أنّه يلزم منه مخالفة المقصود ؛ إذ الفوقية أمر إضافي مختلف باختلاف المضاف إليه ، ومع كون الأرض كرة لا يتحقّق ما ذكروه ، لأنّ الفوق يقوم تحت الآخرين (٣) ورفع الأيدي ليس فيه دلالة ، وإلّا لكان السجود دليلا على تحتيّته ، وهو باطل ، بل هو كناية عن الطلب. (٤)

__________________

ـ إلّا في العين الذي ادّعاه الفلاسفة ، فالإجماع حاصل ونفي الألم عنه تعالى لا يحتاج إلى بيان ، لأنّ الألم إدراك مناف ، ولا منافي له تعالى ، انتهى.

كذا في نقد المحصّل أو تلخيص المحصّل المطبوع بمصر في السنة المذكورة ، والعبارة لا تخلو من غلط ، والعبارة المنقولة عن نقد المحصّل في هامش النسخة النفيسة المخطوطة من أنوار الملكوت كما يلي : قال أفضل المحقّقين قدس‌سره في نقده : والتمسّك بالإجماع إنّما يفيد عدم إطلاق لفظي : اللذة والألم وما يشتقّ منهما عليه ، لأنّ كلّ ما لا يقارنه الإذن الشرعي لا يوصف هو به. أمّا المعنى الذي أثبته الفلاسفة فالإجماع لا ينعقد عليه ونفى الألم عنه تعالى فتدبّر.

(١) استحيل ـ خ : (آ).

(٢) الجهة ـ خ : (د).

(٣) آخرين ـ خ : (آ).

(٤) رفع الأيدي في الدعاء من باب التذلّل إلى الله تعالى والخضوع له وكسر صولة التكبر ، ألا ترى أنّ السائل الذليل يرفع يديه بين يدي الإنسان الغني حين يسأل عنه ، فمن أحقّ برفع يدي التذلّل بين يديه من الله تعالى الغني بالذات. ألا ترى أنّ المتكبرين لا يرفعون أيديهم إلى الدعاء. وروى الشيخ الصدوق (ره) في كتاب التوحيد في باب الردّ على الثنوية والزنادقة ، بإسناده عن هشام بن الحكم المتكلّم الكبير رحمه‌الله ، عن الإمام الصادق سلام الله عليه في حديث طويل ما هذا لفظه : قال السائل : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ـ

الثانية : أنّه ليس بجسم ولا شيء من أجزائه ، وإلّا لكان مفتقرا إلى الحيّز ، ولكان متحرّكا أو ساكنا فيكون حادثا ، تعالى الله عن ذلك.

الثالثة : أنّه ليس حالّا في الحيّز وإلّا لكان مفتقرا إليه ، وهو باطل.

الحادي عشر : أنّه ليس بمرئي بالبصر ، لأنّه ليس في جهة ، وكلّ مرئيّ في جهة. أمّا الأولى فقد تقدم بيانها. وأمّا الثانية فلأنّ كلّ مرئيّ مقابل أو في حكمه كالصورة في المرآة ، وهو ضروري ، وكلّ مقابل فهو في جهة ، وهو ضروري أيضا.

ولقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١) والمراد

__________________

ـ ولكنّه عزوجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش ، لأنه تعالى جعله معدن الرزق ، فثبّتنا ما ثبّته القرآن والأخبار عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال : ارفعوا أيديكم إلى الله عزوجل ، وهذا مجمع عليه فرق الأمة كلّها. الحديث.

وقال العلّامة الكراجكي (ره) في كتابه كنز الفوائد : فإن قيل : فما معنى رفعكم أيديكم نحو السماء في الدعاء ، وما معنى قوله سبحانه : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قلنا : الجواب عن ذلك :

أنّا إنّما رفعنا أيدينا نسترزق من السماء لقول الله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) وإنّما جاز أن يقال : إنّ الأعمال تصعد إلى الله تعالى ، لأنّ الملائكة الكرام حفظة الأعمال مسكنهم السماء ، وأيضا لأنّ السماء أشرف في الخلقة من الأرض ، فلذلك تعرض الأعمال فيها على الله سبحانه وبالتوجّه إليها دعي الله تعالى ، وكلّ ذلك اتساع في الكلام وليس فيه ما يوجب أن يكون الله سبحانه على الحقيقة في السماء ، ونحن نرى المسلمين يقولون للحجّاج : هؤلاء زوار الله ، وإنّما هم زوار بيت الله.

فإن قيل : فأين الله تعالى؟

فالجواب أنّه لا يستفهم بأين إلّا عن مكان والله تعالى لا يوصف بالمكان.

فان قيل : فكيف هو؟

فالجواب أنّه استفهام عن حال فالله تعالى لا تناله الأحوال ، والذي ساق إليه الدليل هو العلم بوجوده سبحانه وأنّه لا شبه له ، جاء في الحديث أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يقول ـ إذا سبّح الله تعالى ومجّده ـ : سبحان من إذا تناهت العقول في وصفه كانت حائرة عن درك السبيل إليه ، وتبارك من إذا غرقت الفطن في تكييفه لم يكن لها طريق إليه غير إليه غير الدلالة عليه انظر ص ٢٣٩ ـ ٢٣٨ طبعة تبريز سنة ١٣٢٢.

(١) الأنعام. ٦ : ١٠٣.

الرؤية لاقترانها بالإبصار فيكون كذلك ، وإلّا لجاز إثبات الرؤية مع عدم الإدراك ، وهو باطل ضرورة ، وحينئذ نقول : تمدّح بنفي الإدراك لذكره بين مدحين ، فيكون إثباته له نقصا ، لأنّ التمدّح إنّما يكون بصفات الكمال ، فيكون عامّا بالنسبة إلى كلّ شخص وكلّ وقت ، فيكون سالبة كلية دائمة ، وهو المطلوب.

ولقوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) (١) النافية للأبد ، واستعماله في غيره مجاز ، لسبق الأوّل إلى الذهن ، فبطل قول المجسّمة.

وأمّا الأشاعرة فإن نفوا الجسمية فقد أثبتوا الرؤية ، مخالفين لجميع العقلاء في ذلك.

وقال الرازي : مرادنا بالرؤية (٢) ليس ارتسام صورة من المرئي في العين ولا اتّصال الشعاع البصري به ، بل الحالة الحاصلة عند رؤية الشيء بعد العلم به.

واستدلّوا بأدلّة نقلية ستأتي ، ودليل عقلي تقريره : أنّه تعالى موجود ، وكل موجود مرئي ، وبيّنوا الكبرى بأنّ الجسم والعرض مرئيان ، ولهذا الحكم المشترك علّة مشتركة ، ولا مشترك بينهما إلّا الوجود أو الحدوث ، والعلّة ليست هي الحدوث ، لعدميته فيكون الوجود ، وهو المطلوب.

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٤٣.

(٢) ولسيدنا الإمام المتكلّم الأكبر السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي (ره) رسالة لطيفة في مسألة الرؤية ، وهي مطبوعة في صيدا (مطبعة العرفان) سنة ١٣٧١ وقد أثبت فيها قول الشيعة الإمامية القائلين بامتناع الروية في الدنيا والآخرة بالأدلّة العقلية والنقلية ، وزيّف كلّ ما ذكره الرازي ودحض شبهاته وتشكيكاته ، وهو إمام المشكّكين ، بما لا مزيد عليه قدّس الله تعالى روح سيدنا الإمام الراحل العظيم وأسكنه في بحبوحة جنانه ، وهو من أكابر مشايخنا في الرواية ، وعليه من الله تعالى شآبيب الرحمة.

وغير خفي على من له إلمام بالعلم واطّلاع على الكتب المؤلّفة في العلوم الدينية أنّ علماءنا رضوان الله تعالى عليهم كتبوا في هذه المسألة رسائل مستقلة قديما وحديثا ، ومنها الرسالة التي ألّفها باللغة الفارسية السيد العلامة المتضلّع الأعظم السيد ابو القاسم الرضوي قدّس الله روحه وسمّاها لا تدركه الأبصار في نفي رؤية الله بالأنظار ، المطبوعة في «لاهور» سنة ١٣٠٢ وفي مكتبتنا نسخة منها ومعها رسالة نفي الإجبار عن الفاعل المختار من تأليفه قدس‌سره.

وهذا في غاية السخافة لمنع رؤية الجسم ، بل العرض كما تقدم ، وبمنع (١) تعليل كل حكم ، ويمنع (٢) كون كل حكم مشترك معلّلا بمشترك ، ولمنع (٣) الحصر في الاثنين ، لحصول الإمكان أو لكون أحدهما علّة بشرط الآخر ، وبمنع مساواة وجوده تعالى لوجودهما ، ويلزمهم رؤية كل موجود (٤) حتّى الروائح وغيرها ، وجواز كونها ملموسا لانصباب دليلهم عليه ، وهو محال.

الثاني عشر : في تأويل (٥) آيات احتجّ بها من قال بخلاف ما ذكرناه من المجسّمة والمشبّهة وغيرهم ، ولا بدّ من تقرير مقدّمة قبل الخوض في المقصود فنقول : يجب تأويل ما ورد ممّا ظاهره التشبيه لوجوه :

الأوّل : ما تقدّم من أنّه إذا تعارض العقل والنقل وجب تأويل النقل ، وإلّا لزم اطّراح العقل ، فيطرح النقل أيضا لاطّراح أصله.

الثاني : أنّه ورد في الكتاب العزيز أشياء وقع الإجماع على وجوب تأويلها ، ودعت الضرورة إلى ذلك ، وذلك آيات :

الأولى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٦) وكل عاقل يعلم بالبديهة أنّ إله العالم ليس هو الشيء المنبسط على الجدران والحيطان ، ولا هو الفائض من جرم (٧) الشمس والقمر ، فلا بدّ من تأويله بأنّه منوّر السموات والأرض أو هاد لأهلها أو مصلحها (٨).

__________________

(١) لمنع ـ خ : (آ).

(٢) نمنع ـ خ : (آ).

(٣) بمنع ـ خ : (آ).

(٤) ويلزم رؤية كل جسم موجود ـ خ : (آ).

(٥) تأويلات ـ خ : (آ).

(٦) النور ٢٤ : ٣٥.

(٧) من نور جرم ـ خ : (آ).

(٨) أو هاد لأهلهما أو مصلحهما ـ خ : (آ) وهذا المعنى هو المروي عن مولانا الرضا سلام الله عليه ، رواه الشيخ الصدوق رحمه‌الله في كتاب التوحيد بإسناده عن العباس بن هلال ، قال سألت الرضا عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فقال : هاد لأهل السموات وهاد لأهل الأرض ، وفي توجيه إضافة ـ

الثانية : قوله : (أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) (١) ومعلوم أنّه (٢) لم تنزل من السماء ، وكذا (أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) (٣) الثالثة : قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(٤) (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ

__________________

ـ النور إلى الله تعالى مسلك لا يخلو عن دقة.

وبيانه : أنّ من الضروري أنّ الموجودات بأسرها لما كانت ممكنة لذواتها ، والممكن لذاته يستحقّ العدم من ذاته والوجود من غيره ، والعدم هو الظلمة الحاصلة والوجود هو النور ، فكلّ ما سوى الله تعالى مظلم لذاته مستنير بإنارة الله تعالى ، وكذا جميع معارفها بعد وجودها حاصل من وجود الله تعالى ، فالحق سبحانه هو الذي أظهرها بالوجود بعد أن كانت في ظلمات العدم وأفاض عليها أنوار المعارف بعد أن كانت في ظلمات الجهالة ، فلا ظهور لشيء من الأشياء إلّا بإظهاره ، وخاصية النور إعطاء الإظهار والتجلّي والانكشاف ، فإنّه ظاهر بذاته مظهر لغيره.

وعند هذا يظهر أنّ النور المطلق هو الله سبحانه وأنّ إطلاق النور على غيره مجاز ، إذ كلّ ما سواه فإنّه من حيث هو هو ظلمة محضة ، لأنّه من حيث إنّه هو هو عدم محض ، بل الأنوار إذا نظرنا إليها من حيث هي هي فهي ظلمات ، لأنّها من حيث هي هي ممكنات ، والممكن من حيث هو هو معلوم والمعدوم مظلم ، وأمّا إذا التفت إليها من حيث إنّ الحقّ سبحانه أفاض عليها نور الوجود. فبهذا الاعتبار صارت أنوارا فثبت أنّه سبحانه هو النور وأنّ كلّ ما سواه فليس بنور إلّا على سبيل المجاز ، ولقد فسّر النور بهذا المعنى غير واحد من أهل التحقيق.

(١) الزمر ٣٩ : ٦. يعني من الأنعام : الإبل والبقر والضأن والمعز ، وكونها ثمانية أزواج باعتبار انقسامها إلى الذكر والأنثى ، فإنّ من كل صنف اثنان وهما زوجان.

(٢) أنّها ـ خ : ـ (آ).

(٣) الحديد ٥٧ : ٢٥. يعني لا بدّ من فهم معنى النزول هنا فنقول : يقال : أنزل الله الشيء من نعمه أو نقمه : خلقه أو هدى إليه. وذلك أنّ هذه الأشياء ترجع إلى أسباب سماوية كالمطر وأشعّة الكواكب ، أو أنّها مقضية مكتوبة في اللوح المحفوظ وتنزّل الملائكة الموكّلة بإظهارها في العالم السفلي فينسب الإنزال بذلك إليها ، ومن ذلك إنزال الأنعام وإنزال الحديد وإنزال اللباس هداية الناس إليه مع أنّ أسبابه من السماء ، فهو من القطن ونحوه ، وهو يفتقر إلى المطر وإنزال الميزان هداية الناس إليه أو الأمر به في الكتب المنزلة قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً) الأعراف ـ ٢٦ ـ أي خلقنا ، وعبّر عنه بالإنزال ، لأنّه بتدبيرات سماوية ، أو يرجع إلى النبات الناشئ عن المطر. فقوله تعالى : (أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) أي خلقنا الحديد ، انظر معجم ألفاظ القرآن الكريم ج ٢ ، ص ٧٠٣ ـ ٧٠٤ الطبعة الثانية مصر.

(٤) ق ٥٠ : ١٦.

رابِعُهُمْ) (١) و (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٢) ومعلوم أنّ المراد بذلك القرب بالعلم والقدرة ، ولذلك نقل الغزالي عن أحمد بن حنبل أنّه أقرّ بالتأويل في ثلاثة أحاديث :

أحدها : الحجر الأسود يمين الله في الأرض.

وثانيها : قوله عليه‌السلام : «إنّي لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن» (٣).

وثالثها : قوله تعالى (٤) : «أنا جليس من ذكرني» وحيث وقع الاتّفاق على تأويل هذه لمنافاتها العقل فكذا غيرها من المنافيات.

الثالث (٥) : أنّ القرآن كالكلمة الواحدة في الاتّفاق وعدم التناقض ، ولهذا قال تعالى: (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٦) فلا شكّ أنّه جاء فيه ما يدلّ على التنزيه عن الجسمية والجهة وغيرها كقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (٧) فإنّه يدلّ على نفي الجسمية والجهة والحيّز (٨).

أمّا الأوّل فلأنّ الجسم أقلّ ما قيل في تركّبه (٩) : إنّه من جزءين ، وذلك ينافي الوحدة وقوله : (أَحَدٌ) مبالغة في الوحدانية ، وذلك يدلّ على نفي كونه جوهرا فردا.

أمّا على رأي من ينفيه ، فإنّه يقول : كلّ متحيّز لا بدّ أن (١٠) يكون يمينه غير يساره

__________________

(١) المجادلة ٥٨ : ٧.

(٢) البقرة ٢ : ١١٥.

(٣) قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ أويس القرني قدّس الله روحه. راهب هذه الأمة وأحد الزهّاد الثمانية ، من أكابر التابعين استشهد في صفّين بين يدي أمير المؤمنين سلام الله عليه وهو من حواريه ، وقد اتّفق المسلمون على جلالة شأنه ورفعة مقامه وزهده وتقواه ووثاقته وعظمته وملئوا الكتب من مدائحه وفضائله ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّه ليشفع في مثل ربيعة ومضر» رزقنا الله تعالى شفاعته.

(٤) يعني في الحديث القدسي.

(٥) الرابع ـ خ : ـ د ـ والصحيح ما أثبتناه من ـ خ : (آ).

(٦) النساء ٤ : ٨٢.

(٧) الإخلاص ١١٢ : ١.

(٨) والحيز ـ خ : (د).

(٩) تركيبه ـ خ : (آ).

(١٠) وإن ـ خ : (آ).

وقدّامه غير خلفه ، وكلّ ما يتميز أحد جانبيه عن الآخر فهو منقسم ، وإلّا لكان اليمين بعينه ليس بيمين بل بيسار (١) وبالعكس ، وكلّ منقسم فليس بأحد.

وأمّا على رأي من يثبته فيدلّ من وجه آخر ، وهو أنّ الأحد كما يراد به نفي التركيب والتأليف فقد يراد به نفي الضدّ والندّ ، ولو كان جوهرا فردا لكان كل جوهر فرد (٢) مثلا له ، ولهذا أكّد هذا الوجه بقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).

وإذا دلّ ذلك على نفي الجسمية والجوهرية دلّ على نفي الحيّز والجهة ، لأنّ كلّ ما كان مختصّا بحيّز وجهة ، فإن كان منقسما كان جسما وإن لم يكن منقسما كان جوهرا فردا ، وقد مضى (٣) بطلانهما.

وكقوله : (اللهُ الصَّمَدُ) فإنّ الصمد (٤) هو السيد المصمود إليه في الحوائج ، فلو كان

__________________

(١) يسار ـ خ : (آ).

(٢) فرد ـ خ : (آ).

(٣) ثبت ـ خ : (آ).

(٤) روى الشيخ الصدوق (ره) في كتاب التوحيد مسندا إلى أبي البختري وهب بن وهب القرشي : أنّ الصادق جعفر بن محمد حدّثه عن أبيه الباقر عن أبيه عليهما‌السلام : أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهما‌السلام يسألونه عن الصمد فكتب إليهم :

بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد : فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلّموا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار ، وإنّ الله سبحانه قد فسّر الصمد فقال : (اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) ثمّ فسّره فقال : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ لَمْ يَلِدْ) : لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، ولا شيء لطيف كالنفس ، ولا يتشعّب منه البدوات كالسنة والنوم والخطرة والهمّ والحزن والبهجة ، والضحك والبكاء ، والخوف والرجاء ، والرغبة ، والجوع والشبع ، تعالى عن أن يخرج منه شيء ، وأن يتولّد منه شيء كثيف أو لطيف و (لَمْ يُولَدْ) لم يتولّد من شيء ولم يخرج من شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنبات من الأرض والماء من الينابيع والثمار من الأشجار ، ولا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين ، والسمع من الأذن ، والشمّ من الأنف ، والذوق من الفم ، والكلام من اللسان ، والمعرفة والتمييز من القلب ، وكالنار من الحجر ، لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه ، فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ـ

جسما مركّبا محتاجا إلى أجزائه لم يكن غنيا محتاجا إليه فلم يكن صمدا مطلقا ، ولأنّ الأجسام المتماثلة يجب اشتراكها في اللوازم ، فلو احتاج بعض الأجسام إلى بعض وجب كون الكلّ محتاجا إلى ذلك الجسم ، ولزم كونه محتاجا إلى نفسه ، وكل ذلك محال.

وكذا يدلّ على نفي الحيّز والجهة ، لأنّه لو حلّ فيهما مع وجوب الحلول ، لزم افتقاره في الوجود إلى غيره ، ويكون ذلك الحيّز مستغنيا عنه ، فلا يكون صمدا مطلقا ، وإن حلّ مع جواز الحلول افتقر إلى مخصّص يخصّصه بالحلول ، وذلك يوجب كونه محتاجا.

وقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) فإنّه يدلّ على نفي الجسمية والجوهرية ، لأنّ الأجسام والجواهر متماثلة فيكون كفؤا له ، وهو باطل (١).

وكقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٢) ولو كان جسما لكان له مثل.

وقوله تعالى : (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (٣) ولو كان جسما لم يكن (٤) غنيا ، لأنّ

__________________

ـ ولم يكن له كفؤا أحد ، ثم نقل وهب بن وهب القرشي ما نقله الإمام الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه الباقر عليه‌السلام حين قدم وفد من أهل فلسطين على الباقر عليه‌السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم ثمّ سألوه عن الصمد وفسّره عليه‌السلام إليهم. الحديث.

ويظهر من كلام الإمام عليه‌السلام في ذلك الخبر أنّ الإمام عليه‌السلام لم يجد حملة لنشر علمه من تفسير «الصمد» ولم يكن في عصره من يتحمّله كما أنّ الأمر كذلك في نشر كثير من العلوم حيث لم يجد الأئمة عليهم‌السلام من يتحمّلها في عصر هم قال عليه‌السلام :

لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عزوجل حملة لنشرت التوحيد والإسلام والإيمان والدين والشرائع من الصمد ، وكيف لي بذلك ولم يجد جدّي أمير المؤمنين عليه‌السلام حملة لعلمه حتى كان يتنفّس الصعداء ويقول على المنبر :

«سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّ بين الجوانح منّي علما جمّا هاه هاه! ألا لا أجد من يحمله» انظر التوحيد ص ٩٢ ـ ٩٣ طبعة طهران سنة ١٣٨٧ ومكاتيب الأئمة عليه‌السلام لعلم الهدى ابن العلامة الفيض الكاشاني (ره) ج ٢ ، ص ٤٨ ، طبعة طهران سنة ١٣٨٨.

(١) باطل كذا ـ خ : (د).

(٢) الشورى ٤٢ : ١١.

(٣) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ٤٧ : ٣٨.

(٤) لما كان ـ خ : (د).

كلّ جسم مركّب ومحتاج إلى أجزائه (١). إلى غير ذلك من الآيات ، وإذا وجب تأويل أمثال ذلك وجب تأويل غيرها من المتشابهات ، لئلا يتناقض كلامه سبحانه ، وهو المطلوب.

إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ الآيات المتأوّلة أنواع.

[النوع] الأوّل : ما فيه إشعار بالجسمية ، وهو أقسام.

الأوّل : ما يدلّ على الوجه وهو قسمان :

الأوّل : قوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) (٢) أضاف الوجه إلى نفسه ، وإضافة الشيء إلى نفسه محال ، فيكون جزؤه ، وكذا قوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٣) وقوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٤).

الثاني : قوله : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) (٥) وكذا (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى)(٦) وغير ذلك.

والجواب عن الأوّل : ليس المراد بالوجه العضو ، وإلّا لزم أن يفنى جميع الجسد ويبقى الوجه ، بل (٧) ظاهره أنّه الموصوف بالجلال والإكرام ولهذا قرئ برفع (ذو) ولا شكّ أنّ الموصوف بالجلال والإكرام هو الله ، فيكون كناية عن الذات ، وكذا الكلام في قوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ) إلى آخره.

وأمّا (فَأَيْنَما تُوَلُّوا) فلو كان المراد العضو لزم حصوله في جميع جوانب العالم ، ومعلوم بالحسّ خلافه ، وإلّا لزم حصول الجسم الواحد في أماكن كثيرة ، فيكون المراد

__________________

(١) جزئه ـ خ : (د).

(٢) الرحمن ٥٥ : ٢٧.

(٣) القصص ٢٨ : ٨٨.

(٤) البقرة ٢ : ١١٥.

(٥) الانسان ٧٦ : ٩.

(٦) الليل ٩٢ : ٢٠.

(٧) بل ـ خ : (د).

به الذات ، والمقصود به التأكيد والمبالغة.

وإنّما كنّى بالوجه عن الذات ، لأنّ المرئي من الإنسان في الأغلب ليس إلّا وجهه ، وبوجهه (١) يتميّز عن غيره ، فكأنّه العضو الذي به يتحقّق وجوده.

وأيضا إنّ المقصود من الإنسان ظهور آثار عقله وحسنه وفهمه وفكره ، ومعلوم أنّ معدن هذه القوى هو الرأس ، ومظهر آثارها هو الوجه.

وأيضا لاختصاصه بمزيد الحسّ واللطافة والتركيب العجيب والتأليف الغريب وظهور ما في القلب من الأحوال عليه فحسن الإطلاق.

وعن الثاني أنّه ليس المراد العضو ، لأنّه قديم عندهم ، والقديم لا يراد حصوله (٢) ، لأنّ الشيء الذي يراد معناه يراد حصوله ودخوله في الوجود ، وذلك في القديم والأزل محال ، بل المراد الرضا ، (٣) وإنّما كنّى به عن الرضا ، لأنّ الإنسان إذا مال قلبه إلى

__________________

(١) وبوجه ـ خ : (د).

(٢) لا يزاد حصوله ودخوله في الوجود ، وذلك في القديم الأزلي محال ـ خ ـ : (آ).

(٣) يعني رضا الله تعالى ، وقد يقال في توجيه إضافة الوجه إلى الله تعالى : أن يكون المراد ما يقصد به الله تعالى ، ويوجّه به نحو القربة إليه من الأعمال ، فلا نشرك بالله ولا ندع إلها آخر ، فإنّ كلّ فعل يتقرّب به إلى غيره ويقصد به سواه فهو هالك باطل. وهذا توجيه حسن. وأما ما ورد عن العترة الطاهرة أهل بيت العصمة حملة كتاب الله تعالى سلام الله عليهم الذين أمرنا بالرجوع إليهم في أمثال ذلك فكما يلي :

فقد روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله في كتاب التوحيد ، بإسناده في حديث عن عبد السّلام بن صالح الهروي ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه أنّ ثواب لا إله الّا الله النظر إلى وجه الله؟ فقال عليه‌السلام : يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر ولكن وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم هم الذين بهم يتوجه إلى الله وإلى دينه ومعرفته وقال الله عزوجل : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) وقال عزوجل : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) فالنظر إلى أنبياء الله ورسله وحججه عليهم‌السلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة. الحديث. انظر التوحيد ، ص ١١٧ والاحتجاج للطبرسي ره ج ٢ ، ص ١٩٠ ، طبعة النجف.

وروى بإسناده عن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله عزوجل : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) قال : فيهلك كلّ شيء ويبقى الوجه ، إنّ الله عزوجل أعظم من أن يوصف بالوجه ، ولكن معناه كل شيء هالك إلّا دينه ، والوجه الذي يؤتى منه.

وروى بسنده عن الحارث بن المغيرة النصري قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (كُلُّ شَيْءٍ

الشيء اقبل بوجهه عليه ، وإذا كرهه أعرض بوجهه عنه.

الثاني : ما يدلّ على العين قوله : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) (١) (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (٢) (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) (٣).

والجواب : لا يمكن إجزاء ذلك على ظاهره ، وإلّا لزم كون العين آلة لتلك الصنيعة (٤) في الأولى ، وأن يكون موسى عليه‌السلام مستقرا على العين ملتصقا بها مستعليا عليها.

وأيضا للزم إثبات أعين في الوجه الواحد ، وهو قبيح فيكون المراد غير ذلك ، وهو

__________________

هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) قال : كلّ شيء هالك إلّا من أخذ طريق الحقّ.

وبسنده عن صفوان الجمّال عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) قال : من أتى الله بما أمر به من طاعة محمد والأئمة من بعده صلوات الله عليهم ، فهو الوجه الذي لا يهلك ، ثمّ قرأ : «من يطع الرسول فقد أطاع الله».

ثمّ قال الشيخ الصدوق (ره) : وبهذا الإسناد قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : نحن وجه الله الذي لا يهلك.

وبسنده عن صالح بن سهل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) قال : نحن.

قال بعض المعاصرين في تعاليقه على كتاب التوحيد : الوجه من كلّ شيء هو أول ما يظهر منه ويتوجّه إليه منه ، وجميع الأخبار الواردة في هذا الباب في هذا الكتاب ، يعني كتاب التوحيد للصدوق (ره) ، وغيره عن أئمتنا صلوات الله عليهم فسّر الوجه فيه بهم وبما يتعلق بهم من الأمور الإلهية انظر التوحيد ، ص ١٥٠.

وقال بعض الأعاظم رحمه‌الله : معنى كونهم عليهم‌السلام «وجه الله» أنّهم يتوجّه بهم إلى الله تعالى. قلت : قال الباقر عليه‌السلام كما رواه في الكافي والتوحيد وتفسير علي بن ابراهيم وغيره : نحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم ، عرفنا من عرفنا ومن جهلنا فأمامه اليقين ـ الحديث : وفيه اختلاف في التعبير فراجع الجوامع الحديثية.

قوله : فأمامه اليقين ، أي أمامه الموت وسيموت وينكشف له ما هو الحقّ ويتيقن بعد الموت الذي أمامه أنّا وجه الله الذي لا بدّ لعباده أن يتوجّهوا إليه به.

(١) هود ١١ : ٣٧ ، المؤمنون ٢٣ : ٢٧.

(٢) طه ٢٠ : ٣٩.

(٣) الطور ٥٢ : ٤٨.

(٤) الصنعة في الأزل ـ خ : ـ (آ).

الحمل على شدّة العناية والحراسة ، ووجه حسن هذا المجاز أنّ من عظمت رعايته لشيء واشتدّت عنايته به كثر نظره إليه.

الثالث : ما يدلّ على اليد وقد وردت تارة بصيغة الإفراد كقوله تعالى : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (١) (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) (٢) وتارة بصيغة التثنية كقوله : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ)(٣) وقوله : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) (٤) وتارة بصيغة الجمع كقوله تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) (٥)

والجواب أنّ اليد يعبّر بها مجازا عن أمور :

منها : القدرة فيقال : يد السلطان فوق يد الرعية ، أي قدرته. ووجه حسن هذا المجاز أنّ كمال حال هذا العضو إنّما يظهر بالقدرة ، فلمّا كان المقصود القدرة أطلق اسم اليد على القدرة.

ومنها : النعمة ؛ لأنّ آلة إعطاء النعمة اليد (٦) فيكون إطلاق اسم السبب على المسبّب.

ومنها : أن يذكر لفظ اليد صلة للكلام وتوكيدا ، يقال : يداك أوكتا وفوك (٧) نفخ ، ويقرب منه (٨) قوله تعالى : (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) (٩) ، و (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ)(١٠)

إذا عرفت هذا. فالمراد في الأولى : أنّ قدرة الله غالبة على قدرتهم ، وفي الثانية : النعمة.

__________________

(١) الفتح ٤٨ : ١٠.

(٢) المائدة ٥ : ٦٤.

(٣) ص ٣٨ : ٧٥.

(٤) المائدة ٥ : ٦٤.

(٥) يس ٣٦ : ٧١.

(٦) لأن اعطاء النعمة باليد ـ خ : (آ).

(٧) وكذا وفوك نفخ ـ خ : (د).

(٨) ونعرف منه ـ خ : (آ) ـ ونعرف منه قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) والمراد بأنفسكم إلى التهلكة ـ هامش ـ خ : (آ).

(٩) المجادلة ٥٨ : ١٢.

(١٠) الأعراف ٧ : ٥٧ ؛ الفرقان ٢٥ : ٤٨ ؛ النمل ٢٧ : ٦٣.

ويدلّ عليه أنّه كلام اليهود (١) فإمّا أن يكونوا مقرّين بإثبات الخالق أو منكرين ، فإن كان الأوّل امتنع أن يقال : خالق العالم مغلول مقيّد ، فإنّه لا يقوله عاقل ، وإن كان الثاني لم يكن لذلك الكلام فائدة فلم يبق إلّا أن يكون المراد النعمة ، لاعتقادهم أنّ نعمة الله (٢) محبوسة عن الخلق ممنوعة عنهم.

وأمّا قوله تعالى : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ، فنقول : للعلماء فيه قولان :

الأوّل : أنّ اليدين صفتان قائمتان بذاته تعالى ، يحصل بهما التخليق على وجه التكريم والاصطفاء كما في حقّ آدم عليه‌السلام ؛ لأنّ قوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) يشعر (٣) بالعلّية للسجود ، فلو كان المراد القدرة لكانت علّة للسجود في جميع الخلق ، ولأنّها مذكورة بالتثنية ، والقدرة واحدة ، ولأنّ فيه إشعارا بأنّ آدم مخصوص بذلك ، وأنّ الحكم منفي عن غيره.

وفي هذا نظر :

أمّا أوّلا فلأنّه لو كان التخليق باليدين يوجب التكريم ومزيد الاصطفاء ، لكان تخليق البهائم والأنعام بالأيدي يوجب رجحانها على آدم عليه‌السلام ، لقوله في حالها : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) (٤).

وأمّا ثانيا فلأنّه لا يدلّ على حصول العدد ، بدليل قوله تعالى : (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) (٥).

وأمّا ثالثا فلأنّ التخصيص بالذكر لا يدلّ على نفي الحكم عمّا عداه.

الثاني : أنّ المراد القدرة وإنّما ثنّاها لكثرة العناية بآدم في تكوينه وإيجاده ، فإنّ الإنسان إذا أراد المبالغة في بعض المهمّات وتكميلها يقول : هذا عملت (٦) بيدي ، ومن

__________________

(١) كلام لليهود ـ خ : (د).

(٢) نعم الله تعالى ـ خ : (آ).

(٣) مشعر ـ خ : (آ).

(٤) يس ٣٦ : ٧١.

(٥) المجادلة ٥٨ : ١٢.

(٦) علمت ـ خ : (د) ـ والظاهر عدم الصحة ، وما أثبتناه من ـ خ : (آ) هو الصحيح.

المعلوم أنّ التخليق مع هذا النوع من العناية ما كان حاصلا في غير آدم.

وأمّا يداه مبسوطتان ، فالمراد النعمة ؛ لأنّه ورد جوابا عن قول اليهود ، وقد بيّنا وجه ذلك ، والتثنية عبارة عن كثرة النعم وشمولها للخلق.

وقيل : المراد نعمتاه الظاهرة والباطنة أو نعمة (١) الدنيا والآخرة.

الرابع : ما يدلّ على اليمين كقوله : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (٢) وقوله : (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) (٣).

والجواب أنّ اليمين عبارة عن القوة والقدرة ، بدليل أنّه يسمّى جانب الأيمن باليمين ؛ لأنّه أقوى الجانبين ، وسمّى الحلف باليمين ؛ لأنّه يقوي عزم الإنسان على الفعل والترك ، فعلى هذا المراد بالسماوات مطويات بقدرته.

وأمّا قوله : (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) أي ثمّ أخذنا بيمين ذلك الإنسان ، كما يقال :

أخذت بيمين الصبي إلى المكتب أو يكون بيمين الآخذ ، فيكون المراد أخذنا منه بالقوة والقدرة.

الخامس : ما يدلّ على القبضة كقوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٤).

والجواب : ظاهر الآية يدلّ على أنّ الأرض قبضته ، وذلك محال لوجوه :

الأوّل : أنّ الأرض محتوية على النجاسات ، فكيف يقول العاقل : إنّها قبضة إله العالم.

الثاني : أنّ القرآن دالّ على أنّ الأرض مخلوقة ، وقبضة الخالق لا تكون مخلوقة.

الثالث : أنّ الأرض تقبل الاجتماع والافتراق والعمارة والتخريب ، وقبضة الخالق لا تكون كذلك.

فإذن لا بدّ من التأويل ، وهو أنّ الأرض في قبضته. ثمّ إنّ القبضة قد يراد بها احتواء

__________________

(١) أو نعمتا ـ خ : (آ).

(٢) الزمر ٣٩ : ٦٧.

(٣) الحاقة ٦٩ : ٤٥.

(٤) الزمر ٣٩ : ٦٧.

الأنامل على الشيء ، وقد يراد بها كون الشيء في قدرته وتصرّفه وملكه ، يقال : البلد في قبضة السلطان ، والمراد هنا ما ذكرناه (١).

السادس : ما يدلّ على الجنب ، قال تعالى : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (٢)

والجواب : قيل : المراد من الجنب الحقّ ، والسبب في حسن هذا المجاز أنّ جنب الشيء إنّما يسمّى حقّا ، لأنّه به يصير ذلك الشيء مجانبا لغيره ، فمن أتى بعمل على سبيل الإخلاص في حقّ الله فقد جانب في ذلك العمل غير الله ، فيصحّ أن يقال : إنّه أتى بذلك العمل في جنب الله تعالى ، وهذه الاستعارة معروفة معتادة في العرف.

السابع : ما يدلّ على الساق في قوله تعالى : (يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) (٣) وروى صاحب شرح السنّة عن أبي سعيد الخدري أنّه سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يكشف ربّنا عن ساقه فيسجد له كلّ مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد له فيعود ظهره طبقا (٤).

والجواب : لا حجّة في الآية والخبر ، لوجوه.

الأوّل : إنّه ليس في الآية أن (٥) يكشف عن ساقه بل قال : عن ساق ، وذكره بما (٦) لم يسمّ فاعله.

__________________

(١) هذا المعنى ـ خ ل ـ خ : (د).

(٢) الزمر ٣٩ : ٥٦.

(٣) القلم ٦٨ : ٤٢.

(٤) انظر الدّرّ المنثور للسيوطي ، ج ٦ ، ص ٢٥٦ ، وروى فيه عن ابن عباس أنّه سئل عن قوله : «يكشف عن ساق» قال : إذا خفى عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر ، فإنه ديوان العرب أما سمعتم قول الشاعر:

اصبر عناق أنه شر باق

قد سنّ لي قومك ضرب الأعناق

وقامت الحرب بنا على ساق

قال ابن عباس : هذا يوم كرب وشدّة.

(٥) أنّه ـ خ : (آ).

(٦) بلفظ ما ـ خ : (آ).

الثاني : أنّ إثبات الساق الواحدة للحيوان نقص ، تعالى الله عنه.

الثالث : أنّ الكشف إنّما يكون عن الاحتراز عن تلوّث الثوب بشيء محذور ، وجلّ إله العالم ، بل المراد شدّة أهوال القيامة يقال : قامت الحرب على ساقها ، أي شدّتها فقوله: (يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) أي عن شدّة القيامة وأهوالها وأنواع عذابها وأضافه إلى نفسه في الخب ؛ لأنّه شدّة لا يقدر عليها إلّا هو.

الثامن : ما يدلّ على صفات لا تقوم إلّا بالأجسام (١) ، وهو أقسام :

الأوّل : الحياء ، قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً)(٢)وكما روى سلمان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنّ الله حيّ كريم يستحيي إذا رفع العبد يديه إليه أن يردّهما صفرا حتّى يضع فيهما خيرا».

والجواب : أنّ الحياء هو تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاقب به أو يذمّ عليه ، واشتقاقه من الحياة جعل الحياء لما يعتريه من الانكسار والتغيّر ، فتنكسر القوة فتنقص الحياة (٣) ولهذا يقال : هلك فلان حياء من كذا ، ومات حياء ، وحينئذ لا بدّ من تأويل.

فنقول : إنّ القانون الكلّي أنّ كلّ وصف يختصّ بالأجسام إذا وصف به تعالى ، فهو محمول على نهايات الأغراض لا على بدايات الأغراض.

مثاله : إنّ الحياء حالة تحصل للإنسان ، لها مبدأ ونهاية ، أمّا المبدأ فهو التغيّر المذكور ، وأمّا النهاية فهو ترك ذلك الفعل ، فإذا ورد في حقّ الله تعالى ، فليس المراد ذلك التغيّر والخوف الذي هو مبدأ ، بل المراد ترك الفعل الذي هو نهايته ، وكذلك الغضب له مبدأ ، وهو غليان دم القلب وشهوة الانتقام ، وله غاية ، وهو إيصال العقاب إلى المغضوب عليه ، فإذا وصف الله تعالى به فليس المراد المبدأ بل النهاية والغاية.

__________________

(١) بأجسام ـ خ : (آ).

(٢) البقرة ٢ : ٢٦.

(٣) جعل الحيّ لما يعتريه من الانكسار والتغيّر منكسر القوة بمنتقض الحياء ـ خ : (آ).

الثاني : اللقاء ، قال الله تعالى : (أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) (١) (يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) (٢) واللقاء من صفات الأجسام.

والجواب أنّه محمول على أحد وجهين :

الأوّل : أنّ الرجل إذا حضر عند ملك ولقيه ، دخل هناك تحت حكمه وقهره دخولا لا حيلة له في رفعه ، وكان ذلك اللقاء سببا لظهور قدرة الملك عليه ، فعلى هذا الوجه يكون من قسم الحمل على نهايات الأغراض.

وثانيهما : أن يكون في الكلام حذف مضاف ، أي ملاقوا جزاء ربّهم ، وكذا في غيرها.

الثالث : المجيء نحو : (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) (٣) وكذا في قوله : (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) (٤) و (جاءَ رَبُّكَ) (٥).

والجواب : أنّ إتيان الله تعالى ومجيئه يمتنع حمله على ظاهره ، وإلّا لكان محدثا ؛ لأنّه لا ينفكّ حينئذ من الحوادث ، ولكان محدودا ، ولجاز إثبات إلهيّة غيره من الأجسام ؛ لأنّ منع إلهيّتها لجريان صفات الأجسام عليها وإلّا لما كان يتمّ طعن الخليل عليه‌السلام في إلهيّة الكواكب والشمس والقمر ، فيكون المراد حينئذ غير ذلك.

أمّا في الإتيان فوجهان : الأوّل : أنّ المراد أن يأتيهم آيات الله ، فجعل مجيئها مجيئا له على التعظيم لشأنها ، ويدلّ على هذا قوله من قبل : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) (٦).

أو يكون المراد أن يأتيهم أمر الله ، لقوله في سورة النحل : (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ

__________________

(١) البقرة ٢ : ٤٦ ؛ هود ١١ : ٢٩.

(٢) التوبة ٩ : ٧٧ ؛ الاحزاب ٣٣ : ٤٤.

(٣) البقرة ٢ : ٢١٠.

(٤) الأنعام ٦ : ١٥٨.

(٥) الفجر ٨٩ : ٢٢.

(٦) البقرة ٢ : ٢٠٩.

أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) (١) فكان هذا مفسّرا لذلك ، ولقوله بعد ذلك : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) (٢) واللام للمعهود (٣) السابق فيكون مقتضيا لذكر أمر جرى (٤) ليكون معهودا ذهنيا ، والمراد باللام هنا الفعل كقوله : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (٥) وإن حمل على القول جاز أن يكون المراد مناداة مناد من عند الله ، وحصول أصوات مقطّعة مخصوصة في تلك الغمامات ، دالّة على حكم ، أو يكون هناك حذف تقديره : أن يأتيهم الله بما وعد من العذاب ، فحذف ما يأتي به ، تعويلا (٦) على الفهم فيكون الحذف أبلغ في التهويل لتقسيم أفكارهم وخواطرهم في كلّ وجه ومثله (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) (٧).

الثاني : أن يكون في بمعنى الباء ، وحروف الجرّ يقام بعضها مقام بعض ، وتقديره : أن يأتيهم الله بظلل من الغمام والملائكة أي مع الملائكة.

وأمّا المجيء فوجهان أيضا : الأوّل : حذف المضاف فيحتمل حينئذ وجوها :

الأوّل : جاء أمر ربّك بالمجازاة والمحاسبة.

الثاني : جاء قهر ربّك كما يقال : جاء الملك القاهر إذا جاء عسكره.

الثالث : جاء ظهوره معرفة الله تعالى بالضرورة في ذلك اليوم ، فصار ذلك جاريا مجرى مجيئه وظهوره.

الثاني : أن يكون هناك حذف مضاف ، ويكون المراد من الآية التمسّك بظهور آيات الله وتبيين آثار قدرته وقهره وسلطانه ، والمقصود (٨) تمثيل تلك الحالة بحال الملك

__________________

(١) النحل ١٦ : ٣٣.

(٢) البقرة ٢ : ٢١٠.

(٣) للعهد ـ خ ل ـ خ : (د) خ : (آ).

(٤) جزئى ـ خ : (آ).

(٥) القمر ٥٤ : ٥٠.

(٦) تعولا ـ خ : (آ).

(٧) الحشر ٥٩ : ٢.

(٨) والمراد ـ خ : (آ).

إذا حضر ، فإنّه يظهر بمجرد حضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلّها.

التاسع : ما يدلّ على أنّه جسم أو متعلّق بالجسم كالروح والنفس كقوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (١) وغير ذلك ، وقوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي) (٢) فإنّه يدلّ على التجزّي أو على ما يستلزم ذلك.

والجواب : أمّا الروح ، فإنّ إضافة الروح (٣) إلى نفسه فهو إضافة التشريف ، والمراد بالنفخ التعبير بالسبب عن المسبّب ، لامتناع أن يكون تعالى قابلا للتجزّي والتبعيض.

وأمّا النفس فقد جاء لغة على وجوه.

الأوّل : البدن كقوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (٤).

الثاني : الدم نحو : حيوان له نفس سائلة ، ومنه سمّيت النفساء.

الثالث : الروح كقوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) (٥).

الرابع : العقل كقوله تعالى : (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) (٦) وقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) (٧) وذلك لأنّ الأحوال بأسرها باقية حالة النوم إلّا العقل (٨) ، فإنّه هو الذي يختلف الحال فيه عند النوم واليقظة.

الخامس : ذات الشيء وعينه ، نحو قوله تعالى : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) (٩) (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (١٠).

__________________

(١) الحجر ١٥ : ٢٩ ؛ ص ٣٨ : ٧٢.

(٢) المائدة ٥ : ١١٦ والاستشهاد على المطلب بقوله تعالى : (وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ).

(٣) إضافة الروح ـ خ : (د). إضافتها ـ خ : (آ).

(٤) آل عمران ٣ : ١٨٥ ، الأنبياء ٢١ : ٣٥ ؛ العنكبوت ٢٩ : ٥٧.

(٥) الزمر ٣٩ : ٤٢.

(٦) الزمر ٣٩ : ٤٢.

(٧) الأنعام ٦ : ٦٠.

(٨) لأنّ الأحوال التي ثابتة هنا باقية حال النوم لا العقل ـ خ : (آ) قوله : «الذي» كذا في النسخة.

(٩) البقرة ٢ : ٩.

(١٠) البقرة ٢ : ٥٤.

إذا تقرّر هذا فالمراد هنا الذات والحقيقة ، فعلى هذا تقديره : تعلم معلومي ولا أعلم معلومك.

وأمّا قوله : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (١) فإنّه دالّ على تزييد (٢) المبالغة ، فإنّ الإنسان إذا قال : عمّرت هذه الدار لنفسي أو جعلتها ، فهم منه المبالغة.

العاشر (٣) : ما ورد في الأخبار ـ وليس في القرآن ما يدلّ على الجسمية ـ وهو كثير ذكرنا منه حديثا واحدا لاشتماله على محاسن في العبارة ، وهو حديث الصورة ، وقد ورد بعبارتين أحدهما : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّ الله خلق آدم على صورته وثانيهما : روى أبو خزيمة (٤) عن أبي هريرة عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يقولنّ أحدكم لعبده : قبّح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ، فإنّ الله خلق آدم على صورته (٥).

والجواب : أنّ الهاء في قوله : «على صورته» تحتمل وجوها.

الأوّل : أن تكون عائدة إلى شيء غير صورة آدم وغير الله.

__________________

(١) طه ٢٠ : ٤١.

(٢) مزيد ـ خ : (آ).

(٣) الحادي عشر ـ خ : (د) ـ وهو اشتباه ، وما أثبتناه من ـ خ : (آ) هو الصحيح.

(٤) أبي خزيمة ـ خ : (آ).

(٥) يظهر من بعض الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، على ما رواها الشيخ الصدوق (ره) في كتاب التوحيد ، ومن التوجيهات التي ذكرها السيد المرتضى علم الهدى قدس سرّه لهذه الرواية أنّها صادرة عن صاحب الرسالة المقدّسة صلوات الله عليه وآله ، وقد نقل العلامة السيد شبّر (ره) في مصابيح الأنوار عن السيد (ره) عدّة تأويلات وزاد عليها بعضها.

وروى الشيخ الصدوق (ره) في التوحيد بإسناده عن علي عليه‌السلام قال : سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا يقول لرجل : قبّح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : مه لا تقل هذا فإنّ الله خلق آدم على صورته. قال الصدوق (ره) : تركت المشبّهة من هذا الحديث أوّله وقالوا : إنّ الله خلق آدم على صورته ، فضلّوا في معناه وأضلّوا ، انتهى.

قال الرضا عليه‌السلام : قاتلهم الله لقد حذفوا أوّل الحديث. انظر مصابيح الأنوار ، ج ١ ، ص ٢٠٦ ـ ٢٠٧ طبعة بغداد.

يظهر من روايات أهل البيت عليهم‌السلام أنّ الضمير يرجع إلى الرجل كما هو واضح فلا حاجة إلى الوجوه التي ذكرها المصنّف (ره) في مرجع الضمير.

الثاني : أن تكون عائدة إلى آدم عليه‌السلام.

الثالث : أن تكون عائدة إلى الله تعالى.

فعلى الأوّل يكون المراد من العبارة الأولى الردّ على من قال : إنّ آدم كان على صورة أخرى كقولهم : إنّه كان عظيم الجثّة طويل القامة بحيث يكون رأسه قريبا من السماء ، فيكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أشار إلى إنسان معيّن ، وقال : إنّ الله خلق آدم على صورته أي كان شكل آدم مثل شكل هذا الإنسان.

وكذا على (١) العبارة الثانية ، وزيادة وجه آخر ، وهو أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما نهى عنه ؛ لأنّه شتم لآدم عليه‌السلام وجميع الأنبياء ، لأنّهم مشبهون بصورة ذلك الشخص ، وخصّ آدم عليه‌السلام بالذكر ، لأنّه ابتدأ خلقه على هذه الصورة.

وعلى الثاني وهو أقوى الوجوه ؛ لكونه عودا إلى الأقرب يحتمل وجوها :

الأوّل : لمّا عصى آدم وأخرج من الجنّة لم يعاقب بمثل ما عوقب به غيره من الحية والطاوس (٢) ، فإنّه أخرجهما وغيّر في خلقهما ، بخلافه عليه‌السلام فإنّه لم يغير خلقه.

والفرق بين هذا الجواب وما قبله : أنّ المقصود من هذا أنّه عليه‌السلام كان مصونا عن المسخ ، والأوّل بيان أنّ هذه الصورة الموجودة ليس إلّا هي التي كانت قبل من غير تعرّض للمسخ وعدمه.

الثاني : أنّه إبطال لقول الدهرية الذين يقولون : إنّ الإنسان لا يتولّد إلّا بواسطة النطفة ودم الطمث فقال : إنّ الله خلق آدم على صورته ابتداء من غير تقدّم نطفة وعلقة ومضغة.

__________________

(١) في ـ خ : (د).

(٢) كيفية مجيء إبليس إلى آدم وحوّاء في الجنّة وما اتّخذه فيه من الوسيلة غير مذكورة في الروايات الصحيحة والمعتبرة ، فإنّها خالية عن بيانها ، وأما ما في بعض الأخبار من ذكر الحية والطاوس عونين لإبليس في إغوائه إياهما فغير معتبرة ، وكأنّها من الأخبار الدخيلة والقصة مأخوذة من التوراة ، ويظهر من التأمل وإمعان النظر فيها أنّ تلك القصة من الإسرائيليات والأساطير التي لا يعتمد عليها. انظر في هذا المطلب إلى ما كتبه سيدنا العلامة الطباطبائي دام ظله العالى في تفسير الميزان ، ج ١ ، ص ١٤٠ طبعة بيروت.

الثالث : أنّه ردّ على الفلاسفة الذين قالوا : إنّ الإنسان لا يتكوّن إلّا في مدّة طويلة وزمان مديد وبواسطة الأفلاك والعناصر ، فقال عليه‌السلام : إنّه خلقه من غير هذه الوسائط.

الرابع : الردّ على الأطبّاء والفلاسفة القائلين بالقوة المصوّرة المولّدة لا بتخليق الله تعالى وإيجاده.

الخامس : أن يكون المراد من الصورة الصفة ، يقال : شرحت لفلان صورة الواقعة ، وذكرت (١) صورة المسألة ، أي صفتها ، فيكون المراد أنّ آدم عليه‌السلام خلق على جملة صفاته وأحواله ؛ وذلك أنّ الانسان حين يحدث يكون في غاية العجز والجهل ، ثمّ يزداد علمه وقدرته ، فبيّن عليه‌السلام أنّ آدم خلق من أوّل الأمر كاملا في علمه وقدرته.

وعلى الثالث : يحتمل وجوها :

الأوّل : أن يكون المراد من الصورة الصفة ، فيكون المعنى أنّ آدم عليه‌السلام امتاز عن سائر الأشخاص والأجسام بكونه عالما بالمعقولات ، قادرا على استنباط الحرف والصناعات ، وهذه صفات شريفة للشخص نفسه مناسبة لصفات الله تعالى من بعض الوجوه.

الثاني : أنّه كما يصحّ إضافة الصفة إلى الموصوف كذا يصحّ إضافتها إلى الخالق والموجد (٢) ، ويكون الغرض من هذه الإضافة الدلالة على أنّ هذه الصورة ممتازة عن سائر الصور بمزيد الكرامة والجلالة.

الثالث : قال الغزالي : ليس الانسان عبارة عن هذه البنية ، بل هو موجود ليس بجسم ولا جسماني ولا تعلّق له بالبدن الأعلى سبيل التدبير والتصرف ، فيكون المراد أنّ نسبة ذات آدم إلى هذا البدن كنسبة الباري تعالى إلى العالم ، من حيث إنّ كلّ واحد منهما غير حالّ في هذا الجسم وإن كان مؤثّرا فيه بالتصرّف.

__________________

(١) وكدت ـ خ : (آ).

(٢) والموجود ـ خ : (د) ـ والصحيح ما في ـ خ : (آ) وأثبتناه في المتن.

النوع الثاني : فيما تمسّك به من قال بالجهة له تعالى ، وهو من الكتاب وجوه :

الأوّل : الآيات الستة (١) الواردة بلفظ الاستواء على العرش.

وأجيب بأنّ الدلائل القطعية دالّة على أنّه ليس مختصّا بجهة وحيّز ، فلا يكون المراد بالاستواء ما فهموه ، وإلّا لزم كونه منقسما ، لأنّ الجزء الحاصل منه في يمين العرش غير الحاصل في يساره ، ولزم أن يكون محدثا إن قدر على الحركة والسكون ، وإن لم يقدر يلزم أن يكون (٢) كالمربوط أو كالزمن بل أسوأ حالا منهما ، ولزم أن يكون محمولا بقوله : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (٣) فيكون محفوظا بحامليه ، لكن الخالق يحفظ المخلوق لا العكس ، وإذا لم يكن كذلك وجب تأويله ، وهو أنّ المراد : الاستيلاء والقهر ونفاذ القدرة ، وجريان الأحكام الإلهية ، وهذا جائز في اللغة.

قال الشاعر :

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق (٤)

وعلّة تخصيص العرش وجهان :

الأوّل : أنّه أعظم المخلوقات ، فخصّ الذكر لذلك كما خصّه في قوله : (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (٥).

__________________

(١) الأعراف ٧ : ٥٧ ؛ يونس ١٠ : ٣ ؛ الرعد ١٣ : ٢ ؛ طه ٢٠ : ٥ ؛ الفرقان ٢٥ : ٥٩ ؛ السجدة ٣٢ : ٤ ؛ الحديد ٥٧ : ٤ فهذه الآيات السبعة الواردة بلفظ «الاستواء على العرش» وورد في آيتين بلفظ «الاستواء إلى السماء». البقرة ٢ : ٢٩ فصلت ٤١ : ١١ فما أشار إليه المصنف (ره) : أنّها الآيات الستة ذهول منه قدس‌سره.

(٢) كان كالمربوط ـ خ : (آ).

(٣) الحاقة ٦٩ : ١٧.

(٤) راجع مجمع البحرين للشيخ الطريحي (ره) ج ١ ، ص ٢٣٥ طبعة النجف ، وقد استشهد بهذا البيت في كثير من كتب التفاسير ومعاجم اللغة وغيرها ، وقائله الأخطل كما في تاج العروس للزبيدي. انظر ج ١٠ ص ١٨٩ ، طبعة مصر.

(٥) المؤمنون ٢٣ : ٨٦ ؛ النمل ٢٧ : ٢٦.

الثاني : ما ذكره الغزالي في كتاب إلجام العوام : وهو أنّه تعالى يتصرّف في أجزاء العالم بواسطة العرش ، وأنّه لا يحدث صورة في العالم ما لم يحدثها في العرش ، كما أنّ النقّاش والكاسب لا يحدث صورة ما لم يحدثها في الدماغ بواسطة القلب ، وهذا الكلام مبنيّ على قواعد الحكماء ، وفيه ما فيه.

الثاني : ما يدلّ على الفوقية كقوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) (١) (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (٢).

وأجيب بأنّ المراد بالفوقية : الفوقية بالقدرة والقهر ، قال الله تعالى : (بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (٣) أي أزيد منها في صفة الصغر والحقارة ، وإذا كان اللفظ محتملا لذلك تعيّن له كقوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) والفوقية المقرونة بالقهر هو الفوقية بالقدرة والمكنة لا الجهة ، بدليل أنّ الحارس يكون فوق السلطان في الجهة ، ولا يقال : إنّه فوق السلطان ، ولقوله : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٤) (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) (٥) (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) (٦) وغير ذلك.

ولأنّ الفوقية بالجهة ليست صفة مدح ؛ لأنّ تلك الفوقية حاصلة للجهة ، فلو كانت صفة مدح لزم أن تكون الجهة أفضل وأكمل من الله ؛ لأنّ صفة المدح حينئذ حصلت له بسببها.

وأمّا قوله في صفة الملائكة (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (٧) ففيه جواب آخر ، وهو أنّه يحتمل أن يكون قوله : (مِنْ فَوْقِهِمْ) صلة لقوله : (يَخافُونَ) أي يخافون من فوقهم ربّهم ؛ لأنّهم يخافون نزول العذاب عليهم من جانب فوقهم.

__________________

(١) الأنعام ٦ : ١٨ و ٦١.

(٢) النحل ١٦ : ٥٠.

(٣) البقرة ٢ : ٢٦.

(٤) الحديد ٥٧ : ٤.

(٥) البقرة ٢ : ١٨٦.

(٦) المجادلة ٥٨ : ٧.

(٧) النحل ١٦ : ٥٠.

الثالث : الآيات الدالّة على لفظ العلوّ كقوله : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (١) (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٢).

وأجيب أنّ المراد العلوّ بسبب القدرة والقهر ، فإنّه يقال : السلطان أعلى من غيره ، ويكتب في أمثلة السلاطين الأعلى (٣) الديوان الأعلى ، ويقال لأوامرهم (٤) : الأمر الأعلى ، والمجلس الأعلى (٥) ، وليس المراد من ذلك كلّه الجهة.

وأيضا قال الله تعالى لموسى : (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) (٦) (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) (٧).

الرابع : الآيات الدالّة على لفظ العروج إليه والصعود ، وهي كثيرة في القرآن.

وأجيب بأنّ المعارج جمع معرج ، وهو المصعد ، ومنه (وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) (٨) ، وليس في قوله : (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) أي شيء يعرج إليه ، فجاز أن يكون معارج نعم الله تعالى.

وأمّا قوله : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) (٩) ، فليس المراد من خرق (١٠) إلى المكان ، بل المراد انتهاء الأمور إلى مراده كقوله : (إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) (١١) ، أو المراد انتهاء أهل

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٥٥ ؛ الشورى ٤٢ : ٤.

(٢) الحج ٢٢ : ٦٢ ، لقمان ٣١ : ٣ ؛ سبأ ٣٤ : ٢٣ ؛ غافر ٤٠ : ١٢ فإن قيل : سبحانه عمّا يقولون علوا كبيرا وعلوا لا يكون إلّا في الجهة ؛ لأنّهم فرّقوا بين العلوّ والتعالي وقالوا : الثاني في المكانة والأوّل في المكان.

أجيب بأنّ الله أقام مصدرا مقام مصدر مثل قوله : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) هامش : خ (آ).

(٣) الأعلى ـ خ : (د).

(٤) لأواخرها ـ خ : (د).

(٥) العالى ـ خ : (آ).

(٦) طه ٢٠ : ٦٨.

(٧) آل عمران ٣ : ١٣٩.

(٨) الزخرف ٤٣ : ٣٣.

(٩) المعارج ٧٠ : ٤.

(١٠) حرف إلى مكان ـ خ : (آ).

(١١) هود ١١ : ١٢٣.

الثواب إلى منازل الكرامة كقول إبراهيم عليه‌السلام : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) (١).

الخامس : الآيات المشتملة على لفظ الإنزال والتنزيل (٢) ، وهي كثيرة تزيد على

__________________

(١) الصافّات ٣٧ : ٩٩.

(٢) هذان اللفظان الواردان في القرآن الكريم يدلّ الأوّل منهما ـ أعني الإنزال ـ على النزول الدفعي ، والثاني منهما ـ أعني التنزيل ـ يدلّ على التدريجي ، وهذا هو الأصل في وضعهما اللغوي.

قال الشيخ إسماعيل القنوي في شرحه الكبير على تفسير القاضى البيضاوي : التنزيل هو النزول متفرّقا وبالتدريج ونزول الفرقان كذلك ، والإنزال هو الدفعي وهذا هو الأصل ، وقد يستعمل كلّ منهما في موضع الآخر ... انظر المجلّد الأول ص ٤ من مجلّداته السبعة الكبيرة طبعة سنة ١٢٨٦ ونظرا إلى أصل الوضع فيهما ذهب سيّدنا العلّامة الطباطبائي دام ظلّه الوارف في تفسير الميزان إلى أنّ القرآن الكريم يدلّ على نزوله دفعة واحدة في ليلة القدر ، كما هو ظاهر الذكر الحكيم ، ويدلّ أيضا على نزوله تدريجا على مكث في مدة ثلاث وعشرين سنة ، فلا بدّ من التوفيق بينهما ولا محيص لنا إلّا من فهم ذلك ، والذي نفهم من التأمل في الآيات أنّ القرآن ، وهو الكتاب المبين ذا حقيقة أخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي الذي يقضي فيه بالتفرّق والتفصيل والانبساط والتدريج هو المصحّح لكونه واحدا غير تدريجي ونازلا بالإنزال دون التنزيل.

وهذا هو اللائح من الآيات الكريمة ، وهو القرآن المجيد الموجود في اللوح المحفوظ ، وهو النازل إلى قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دفعة ، كما أنزل القرآن المفصّل على قلبه الشريف تدريجا في مدّة الدعوة النبوية ، والآيات القرآنية بظاهرها دلّت على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان له علم بما سينزل عليه فنهى عن الاستعجال بالقراءة قبل قضاء الوحي ، وجعل الله تعالى القرآن المنزل على رسوله تدريجا بمنزلة اللباس لأصل القرآن وهو الكتاب المبين الذي جعله قرآنا عربيا والبسه لباس القراءة العربية ليعقله الناس ، هذا كلّه يستفاد من القرآن الكريم مضافا إلى الأحاديث الواردة عن العترة الطاهرة صلوات الله عليهم.

وغير خفي على من له إلمام بالتدبّر في الآيات القرآنية إنّ من الآيات التي يستفاد منها كون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عالما بما سينزل عليه ، هي الآية الواردة في سورة يونس آية ١٦ ، فإنّها تدلّ على ما ادّعيناه ، قال تعالى: (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ).

المستفاد من هذه الآية الشريفة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان عالما بالكتاب الذي سينزل عليه بواسطة جبرائيل إذا تعلّقت المشية الإلهية بذلك ، ولكن لما لم يشأ الله تعالى إظهاره وتلاوته في مدّة أربعين سنة قبل البعثة فلم يظهره ، ولم يقدم على تلاوته إلّا بعد تعلق المشية على تلاوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي الآية عدم الإظهار والتلاوة معلّق على المشية ، وفي كلّ قضية إذا لم يكن المقتضى موجودا لم يصحّ نسبة عدم وجودها إلى وجود المانع ، بل تكون علّة عدم الوجود هو فقد المقتضي.

وفي الآية الشريفة الأمر على العكس من ذلك حيث نسب عدم الوجود إلى وجود المانع ، فالمقتضي كان موجودا ، والمانع كان عدم المشيّة الإلهية ، فعدم التلاوة قبل البعثة إنّما هو لوجود المانع ، وهو عدم تعلق ـ

المائتين كقوله : أنزل القرآن (١) وغير ذلك.

وأجيب أنّ القرآن حروف وأصوات ، فيكون الانتقال عليها محالا ، فيكون إطلاق لفظ الإنزال على سبيل المجاز ، فلا يحسن التمسّك به.

وأيضا قد يضاف الفعل إلى الأمر به كما يضاف إلى المباشر كقوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) (٢) وقال في موضع آخر : (يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) (٣) وغير ذلك فيكون الإنزال مضافا إليه ، للأمر به ، وهو المطلوب.

السادس : التمسّك بالآيات المقرونة بحرف «إلى» مع أنّها لانتهاء الغاية كقوله تعالى: (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٤) (إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (٥) (إِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٦) (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) (٧).

وأجيب : أنّا نبيّن في النوع الثالث الجواب عن الآية الأولى ، وأمّا الثاني فمعارض بقوله تعالى عن الخليل عليه‌السلام : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) (٨) وليس المراد الجهة فكذا هنا.

__________________

ـ المشية ، لا لعدم المقتضي ، بل المقتضي لتلاوة القرآن كان موجودا في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا ارتفع المانع وتعلّقت المشية ، فشرع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لتلاوة القرآن ، بعد أن نزل جبرائيل وأتى بالقرآن تدريجا في قالبه العربي إليه ليعقله الناس ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينتظر الوحي فيما ينزل إليه بالألفاظ العربية ليبلغه الناس ، فإنّ أفهامهم لا تصل إلى فهم الكتاب المبين ، الذي نزل في ليلة القدر إلى قلبه الشريف إلّا أن ينزل في القالب العربي الذي يفهم الناس ، وكان ذلك في مدّة الدعوة النبوية المقدّسة.

ذكرنا هذا المطلب هنا بمناسبة ذكر المصنّف (ره) لفظي : الانزال والتنزيل وإن كان المناسب ذكره عند المباحث الآتية في بحث النبوة.

(١) أنزل القرآن ـ خ : (د) ـ (يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ) ـ خ : (آ) كذا في النسختين ، وفي القرآن الكريم : (أَنْزَلَ الْفُرْقانَ) آل عمران ٣ : ٤ (أَنْزَلَ الْفُرْقانَ) الفرقان ٢٥ : ١.

(٢) الزمر ٣٩ : ٤٢.

(٣) السجدة ٣٢ : ١١.

(٤) القيامة ٧٥ : ٢٣.

(٥) السجدة ٣٢ : ١١ ؛ الجاثية ٤٥ : ١٥.

(٦) آل عمران ٣ : ٢٨ ؛ النور ٢٤ : ٤٢ ؛ فاطر ٣٥ : ١٨.

(٧) الفجر ٨٩ : ٢٨.

(٨) الصافات ٣٧ : ٩٩.

السابع : قوله : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١) والحجاب إنّما يصحّ في حقّ من يكون في جهة حتّى يصير محجوبا بشيء آخر.

وأجيب عنه بوجوه تأتي.

الثامن : الآيات الدالة على أنّه في السماء كقوله : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) (٢) وغيرها.

وأجيب بأنّه لا يمكن إجراؤها على ظاهرها ، لوجهين.

الأوّل : قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) (٣) وهذا يقتضي أن يكون المراد بالصورتين معنى (٤) واحدا ، لكن كونه في الأرض ليس بمعنى الاستقرار ، فكذا كونه في السماء ليس بمعنى الاستقرار.

الثاني : أنّه ليس في الآية ما يدلّ على أنّ الذي في السماء هو الله ، لجواز (٥) أن تكون «من» كناية عن الملائكة ، لأنّهم أعداء الكفّار والفسّاق ، سلّمنا أنّ المراد هو الله ، لكنّ في الكلام إضمارا ، إمّا ملكه ، وخصّ بالسماء تفخيما بشأنها ، لكونها أعظم من الأرض. وإمّا في السماء عذابه أو غير ذلك.

التاسع : ما يدلّ على الارتفاع إليه كقوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) (٦)

__________________

(١) المطففين ٨٣ : ١٥.

(٢) الملك ٦٧ : ١٦.

(٣) الزخرف ٤٣ : ٨٤.

(٤) معا ـ خ : (د).

(٥) يجوز ـ خ : (د).

(٦) آل عمران ٣ : ٥٥. التوفّي في الآية الشريفة بمعنى الأخذ والاستيفاء ، وهو يتحقّق بالإماتة وبالنوم وبالأخذ من الأرض وعالم البشر إلى عالم السماء ، أي إنّي آخذك ورافعك إليّ ، وليس معنى التوفّي الإماتة ، فما لهج به بعض المفسّرين بقوله : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) ، أي مميتك حتف أنفك أو مميتك في وقتك بعد النزول من السماء وما يقرب من هذا التفسير ، فقد ذهل عن أصل معنى لفظ التوفّي وحقيقته فلا منافاة بين معنى الآية وما يعتقده المسلمون بأنّ عيسى عليه‌السلام لم يمت ولم يقتل قبل الرفع إلى السماء كما صرّح به القرآن الكريم.

فإن شئت تفصيل الكلام في هذا المقام وتحقيقه فانظر إلى مقدّمات تفسير آلاء الرحمن للعلامة النابغة الأكبر الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي قدّس الله روحه ج ١ ، ص ٣٣ طبعة صيدا. وانظر أيضا إلى كتاب موقف العقل والعلم والعالم من ربّ العالمين للشيخ العلّامة الشيخ مصطفى صبري شيخ الإسلام ـ

__________________

ـ للدولة العثمانية سابقا وقد حقّق المطلب على ضوء العلم والبحث الدقيق في ردّه على الشيخ شلتوت ، وقال : بجانبنا نحن القائلين برفع عيسى عليه‌السلام إلى السماء ونزوله منها عند اقتراب الساعة ـ ومعنا علماء الإسلام أجمعون غير شذّاذ آخر الزمان ـ ستّون حديثا برواية واحد وثلاثين صحابيا مذكورين بأسمائهم في إقامة البرهان على نزول عيسى في آخر الزمان لمؤلّفها الفاضل جزاه الله خيرا ، وليس بجانب الخصم حديث واحد يؤيّد شذوذه غير عدم المبالاة بجيش الأحاديث المؤيدة لجانبنا ، وأمّا الآيات فلنا منها آيتان ناطقتان بالرفع : إحداهما : قطعية الدلالة لا تحتمل التأويل ، وهي آية النساء ، والأخرى ظاهرة الدلالة ، وهي آية آل عمران ، وآيتان ظاهرتان في النزول. وليس للخصم من الآيات إلّا ما توهّمه من المنافاة بين الرفع والتوفّي في آية آل عمران ، أعني قوله تعالى : (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) فنحن لا نحتاج إلى تأويل أيّ آية واردة في هذه المسألة ، بل نحمل الكلّ على ظاهره ، حتّى آية التوفّي التي هي مستند الخصم الوحيد نتركها على ظاهرها من غير تأويل ، والخصم المنكر لرفع عيسى ونزوله يتمسك بقوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) ظنا منه أنّ التوفّي ظاهر في معنى الإماتة ثمّ يرهق آيتي الرفع على تأويلهما بما ينطبق على هذا التوفّي ، فيؤوّل القطعي لتطبيقه على الظاهر ، وهو ليس بظاهر ، وتأويله ليس تأويلا بمعقول من المعنى ، وإنّما هو إفساد وإلغاء للنصّ ... التوفّي بمعنى أخذ الشيء بتمامه يساوي التوفّي بمعنى الإماتة من حيث الاستناد إلى اللغة ، بل يفوقه ، حتى أنّ الزمخشري ذكر معنى الإماتة في أساس البلاغة بعد قوله : ومن المجاز. فإذا كان معنى الأخذ التامّ مساويا لمعنى الإماتة أو أظهر منها في أن يكون هو المراد في قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أي إنّي آخذك من العالم الأرضي الذي أنت فيه ، فلا ضرورة في تأويل قوله بعد : (وَرافِعُكَ إِلَيَّ) برفع روحه ـ وقال في ضمن المقال وتحقيقه الرشيق ـ مع أنّا قد قضينا على ذلك الادّعاء ، بمانع آخر استنبطناه من أسلوب النظم المعجز ... وهو كون رفع روحه لا يضاد ما قبل «بل» من قتله وصلبه. فكان «الشيخ شلتوت» بتأويله في رفع عيسى يلغي رفعه ويعاكس القرآن فيما أثبت لعيسى وفيما نفى عنه. فيقول الله (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ ... بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) ويقول الشيخ : قتلوه والله رفع روحه إليه!!! ولا أظنّ مفشيا سرّا إذا قلت عن سائق الشيخ كاتب مقالات الردّ على القول الفصل إلى هذه المغامرات : إنّه لا يؤمن بالقرآن إيمانه باستحالة الخوارق ، فيدكّ القرآن دكّا إذا رأى آياته تنطق بالمستحيل عنده وعند فئته ...

وقال في أواخر مقاله القيم : إنّ سيدنا عيسى قتله اليهود وصلبوه في عقيدة النصارى ، وبعد قتله بأيام أحياه الله ورفعه إلى السماء ، وفي عقيدتنا نحن المسلمين رفعه الله من غير أن يسبقه القتل. فالمسلمون والنصارى متّفقون على رفعه. وعند الشيخ شلتوت أنّه لم يقتل ولم يصلب ولم يرفع بل عاش ما عاش في الأرض بعد حادثة محاولة قتله ثمّ مات فيها ميتة عادية وانتهى أمره. فعيسى اليهود مقتول بأيديهم ، وعيسى النصارى والمسلمين مرفوع إلى السماء ، وهو فيها الآن ، وعيسى الشيخ شلتوت عاش في الأرض ومات فيها كما يعيش ويموت غيره من الناس ، فأسأله إذن : أين عاش بعد حادثة محاولة قتله؟ ثم أين مات وأين قبره الآن؟ وسيكون جواب الشيخ على هذا السؤال إن كان له جواب : عيسى الآن حيث كان عيسى ـ

(بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) (١).

وأجيب بأنّه لمّا رفعه إلى موضع الكرامة ومكان آخر صحّ على سبيل المجاز أن يقال :

رفعه الله ، كما أنّ الملك إذا عظّم منصب إنسان ، حسن أن يقال : إنّه رفعه من تلك الدرجة إلى درجة عليا وإنّه قرّبه من نفسه ، ومنه قوله : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (٢).

العاشر (٣) : الآيات الدالّة على العندية كقوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٤) (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) (٥) ، (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٦) ، وغير ذلك.

__________________

ـ اليهود!! ، انظر ج ٤ من ص ٢٢٨ ـ إلى ص ٢٨٠.

أقول : الأحاديث المروية عن العترة الطاهرة النبوية سلام الله عليهم في حقّ عيسى المسيح على كثرتها ، موافقة مع روايات أهل السنة التي أشار إليها الشيخ صبري ، وإنّه ينزل في آخر الزمان ويصلّي خلف المهدي الموعود المنتظر أرواحنا فداه وعجّل الله تعالى فرجه.

ومن طريق العامة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر : أوّلهم أخي وآخرهم ولدي ، قيل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ومن أخوك؟ قال : علي بن أبي طالب ، قيل : فمن ولدك؟ قال : المهدي الذي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، والذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه ولدي المهدي ، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه ، وتشرق الأرض بنور ربّها ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب انظر غاية المرام للسيد البحراني (ره) باب ٢٤ ـ ص ١٩٥ ـ وانظر إلى كتب الحديث للشيعة والسنّة حتّى ترى الأحاديث الكثيرة فيها ولا تنافي بينها وبين الآيات القرآنية المقدّسة في حقّ المسيح عليه‌السلام وكونه حيّا وينزل في آخر الزمان ، ولا تغترّ بما كتبه بعض أهل الاعوجاج من الشيعة والسنة من التأويلات الباردة على خلاف النصوص والظواهر في الآيات والأحاديث الكثيرة ، وما ذكره بعض من كتب في هذا الموضوع بالفارسية من أنّ تلك الأحاديث من الموضوعات هو ادّعاء لا دليل عليه ويكذبه الوجدان ، فإنّ الأحاديث المتواترة من طرق الفريقين الموجبة للعلم القطعي لا يمكن أن تكون من الموضوعات ، ولذا لا يعبأ بما ادّعاه ، عصمنا الله تعالى عن الزلل في القول والعمل.

(١) النساء ٤ : ١٥٨.

(٢) الواقعة ٥٦ : ٩ ـ ١٠.

(٣) الحادي عشر ـ خ : (د) وهو غلط.

(٤) آل عمران ٣ : ١٩.

(٥) الاعراف ٧ : ٢٠٦.

(٦) القمر ٥٤ : ٥٥.

وأجيب أنّ المراد : العندية بالشرف ، مع أنّه معارض بقوله عليه‌السلام ، حكاية عن ربّه : «أنا عند المنكسرة قلوبهم وأنا عند ظنّ عبدي بي» بل هذا أقوى ، لأنّ الأوّل يدلّ على أنّ الملائكة عند الله ، والثاني يدلّ على أنّ الله عند العبد.

وأيضا قوله : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) (١) وليس المراد بالعندية فيها الجهة ، فكذا غيرها.

مع أنّا نقول للكرامية : إنّكم تساعدون على أنّ ظواهر القرآن وإن دلّت على إثبات الاعضاء يجب القطع بنفيها ، لما دلّت عليه الدلائل القطعية من استحالة الجسمية عليه ، وأنّ مراده تعالى غير ذلك ، فكذا نقول فيما ذكرتموه من دلائل الجهة حذو النعل بالنعل.

النوع الثالث : فيما تمسّك به من قال بالرؤية وهو وجوه :

الأوّل : قوله تعالى حكاية عن موسى عليه‌السلام : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (٢) ولو كانت الرؤية ممتنعة لما سألها عليه‌السلام وإلّا لكان بعض حثالة (٣) المعتزلة أعلم بصفاته من موسىعليه‌السلام.

وأجيب بوجوه :

الأوّل : أنّ المراد : أظهر لي أحوالا تفيد العلم بك ضرورة ، وأطلق لفظ الرؤية على العلم مجازا ، وهو جواب الكعبي.

الثاني : أنّ السؤال كان لقومه لا نفسه ، بدليل قوله تعالى : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (٤) وإنّما أضافه إلى نفسه ليكون أولى بالإجابة ، فلمّا منعه كان أقوى في الدلالة على منع الغير ، وهو جواب الجبائيّين.

الثالث : أنّه كان عالما باستحالتها عقلا فأراد أن يعضد ذلك بالدليل النقلي ، وكثرة

__________________

(١) ص ٣٨ : ٢٥ و ٤٠.

(٢) الاعراف ٧ : ١٤٣.

(٣) جهالة ـ خ : (د).

(٤) البقرة ٢ : ٥٥.

الأدلّة توجب الطمأنينة وزوال الشكّ ، ولذلك كان تكرير دلائل (١) التوحيد في القرآن ، وهو جواب أبي الهذيل.

الثاني : قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢) والنظر المقرون بحرف «إلى» يفيد الرؤية ، لاستعمال ذلك استعمالا شائعا في الكتاب واللغة والعرف ، وبسطه في المطوّلات.

ولأنّ المراد به إمّا معناه الحقيقي ، وهو تقليب الحدقة نحو المرئي طلبا لرؤيته ، وهو عليه تعالى محال ، لاستدعائه الجهة ، أو الانتظار ، وهو باطل ، لأنّه تعدّى (٣) ب «إلى» والانتظار لا يتعدّى بها كقوله : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٤)

ولأنّ الآية في (٥) سياق حال النعم ، فتكون حاصلة لا منتظرة ، مع أنّ الانتظار يوجب ألما فيكون نقمة لا نعمة ، ولذلك قيل : إنّه موت أحمر ، فلم يبق إلّا الرؤية مجازا ، إطلاقا لاسم السبب على المسبّب.

وأجيب بوجوه :

الأوّل : بالمنع من كون المقرون ب «الى» يفيد الرؤية في سائر استعمالاته ، بل قد استعمل لا لذلك ولهذا يقال : نظرت إلى الهلال فلم أره.

الثاني : أنّ هنا حذفا لمضاف تقديره : ثواب ربّها ، والإضمار وإن كان خلاف الأصل فكذا المجاز.

الثالث : نختار أنّها بمعنى الانتظار ، ولا يكون «إلى» حرف جرّ ، بل اسما هو واحد إلّا لا كما نقله الأزهري وابن دريد قال الشاعر :

أبيض لا يرهب النهر إلّا

ولا يقطع رحما ولا يخون إليّ.

__________________

(١) دلائل ـ خ : (د).

(٢) القيامة ٧٥ : ٢٢ ، ٢٣.

(٣) معدّى ـ خ : (آ).

(٤) النمل ٢٧ : ٣٥.

(٥) مع ـ خ : ـ (د).

أي لا يخون نعمة ، ويكون المراد : منتظرة نعمة ربّها ، ونمنع كون الآية لبيان حال النعم ، بل حكايته حال الناس قبل استقرار أهل الجنة في الجنة ، بدليل ما بعده وهو (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) (١) على أنّا نمنع كون الانتظار موجبا للنعم ، بل للفرح (٢) والسرور ، كمنتظر خلعة (٣) الملك المتيقّن حصولها.

الثالث : قوله : (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) علّق الرؤية على استقرار الجبل الممكن ، والمعلّق على الممكن ممكن.

وأجيب بالمنع على (٤) تعليقها على الممكن ، والاستقرار ممكن بالنظر إلى ذاته ، لا إليه حال تجلّي الربّ له كما هو الفرض (٥) ؛ لأنّه كان عالما بتجلّيه ، وحال التجلّي كان متحركا فيكون الاستقرار حينئذ محالا ، فالمعلّق عليه محال أيضا.

الرابع : قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (٦) واللام في (الْحُسْنى) ليس للاستغراق وإلّا لدخلت الزيادة ، وذلك يمنع عطفها ، فتكون للعهد ولا معهود بين المسلمين إلّا الجنة وما فيها من الثواب ، فتكون الزيادة مغايرة له ، وكلّ من أثبت ذلك قال : إنّه رؤية الله تعالى ، ولاستفاضته في النقل.

وأجيب أنّ المراد : المثوبة الحسنى ، وهي التي يحسن الجزاء بها ، أي القدر الواجب ، والزيادة : التفضّل لقوله : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) (٧) وبه قال أكثر المفسّرين.

سلّمنا لكن نختار أنّ اللام للعهد فيكون المعهود هو الجنة وما فيها ، وتكون الزيادة هي الرضوان ؛ لقوله عقيب ذكر الجنة : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (٨) ولذلك قال مجاهد :

__________________

(١) القيامة ٧٥ : ٢٤ ، ٢٥.

(٢) للفرج ـ خ : ـ (آ).

(٣) حلية ـ خ : (آ).

(٤) من ـ خ : (آ).

(٥) الغرض ـ خ : (د).

(٦) يونس ١٠ : ٢٦.

(٧) النساء ٤ : ١٧٣ ؛ النور ٢٤ : ٣٨ ؛ فاطر ٣٥ : ٣٠ ؛ الشورى ٤٢ : ٢٦.

(٨) التوبة ٩ : ٧٢.

الزيادة نصرة من الله ورضوان.

الخامس : قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١) دلّت هذه الآية على كون الكفّار محجوبين عن الربّ تحقيرا لهم ، فيكون المؤمنون المعظمون منزّهين عن ذلك.

وأجيب بأنّه يلزم منه رفع الحجاب عن المؤمنين ، ولا يلزم منه الرؤية وإنّما يلزم أن لو كان جائز الرؤية وهو ممنوع ، أو المراد بالحجاب تمثيل بالاستخفاف (٢) ، لأنّه لا يحجب عن الملوك إلّا المهانون ، قال الشاعر :

والناس ما بين مرجوب ومحجوب

أو نقول في الكلام حذف لا محالة ، إمّا محجوبون عن رحمته أو رؤيته ، لكن الثاني باطل ، للدلائل العقلية فتعيّن الأوّل ، وهو المطلوب.

المرصد الثاني : في الإكراميات

وفيه ثلاث فصول :

[الفصل] الأوّل : فيما يتوقّف عليه الأفعال ، وهو أقسام :

الأوّل : كونه قادرا ، أي مع خلّوه عن الداعي يصحّ أن يؤثّر وأن لا يؤثّر إذا لم يكن منع أو ما يجري مجراه ، وهل مع انضمام الداعي يجب المتعلق؟ الحقّ نعم ، وإلّا لزم الترجيح بلا مرجّح أو فرض ما ليس بتامّ تاما ، هذا خلف.

ومنع منه جماعة وإلّا لم يكن مختارا ، وهو ضعيف إذ الاعتبار بالنسبة إلى القدرة المستقلة ، وهو حاصل ثمّ.

اعلم أنّ الحقّ أنّه تعالى مختار بمعنى أنّ فعله تابع لداعيه وأنّ الداعي لا يدعوه إلى

__________________

(١) المطففين ٨٣ : ١٥.

(٢) تمثل بالاستحقاق ـ خ : (د).

موجود ، وقد اشتهر عن الحكماء القول بالإيجاب كالنار في الإحراق ، ومحقّقوهم ينكرون ذلك بل يثبتون له عناية ، لكن يجوزون تعلّقها بالموجود ، والضرورة قاضية بما ذكرناه أوّلا.

وتقرير دليل المطلوب : أنّه لو لم يكن قادرا مختارا لزم قدم العالم ، والتالي باطل ـ كما تقدّم ـ فكذا المقدّم.

وبيان الشرطية : بأنّ الموجب لا يتأخّر فعله (١) عنه ؛ لأنّ تأثيره إن لم يتوقّف على شرط أو توقّف على شرط قديم لزم القدم ، وإن توقف على شرط حادث نقلنا الكلام إليه ولزم التسلسل.

تتمة : حيث علّة المقدورية هي الإمكان ؛ لاستحالة القدرة على الواجب والممتنع ، والإمكان مشترك فمقتضاه مشترك فيكون قادرا على كل الممكنات ، وهو المطلوب.

وخالف جماعة منهم عباد بن سليمان قال : لا يقدر على خلاف معلومه ، لأنّه محال(٢) وإلّا لزم انقلاب علمه جهلا.

__________________

(١) أثره ـ خ ل ـ خ : (د).

(٢) ترتيبه : خلاف معلومه محال وهو لا يقدر على المحال.

والجواب : خلاف معلومه محال لغيره ، وهو لا يقدر على المحال لذاته فاختلف الوسط. هامش ـ خ : (آ).

قال المصنّف (ره) في إرشاد الطالبين : من المذاهب الباطلة مذهب عباد بن سليمان الصيمري ، وهو أنّه لا يقدر تعالى على خلاف معلومه.

وتقرير حجته : أنّ ما علم الله تعالى وقوعه وجب وقوعه وما علم عدمه امتنع وقوعه ؛ إذ لو لم يقع ما علم وقوعه لو وقع ما علم عدمه لزم انقلاب علمه تعالى جهلا ، وانقلاب علمه تعالى جهلا محال ، فيكون خلاف ما علم وقوعه ممتنعا وخلاف ما علم عدمه واجبا ، فيصدق قياس هكذا : خلاف معلومه واجب أو ممتنع ، ولا شيء من الواجب والممتنع بمقدور عليهما ، فلا شيء من خلاف معلومه بمقدور عليه ، أمّا الصغرى فلما قررناه ، وأمّا الكبرى فلأنّ متعلّق القدرة يصحّ وجوده ويصحّ عدمه ، والواجب لا يصحّ عدمه ، فالممتنع لا يصحّ وجوده فلا قدرة عليهما.

ثم ذكر وجوها في جوابه منها : أنّ أوسط القياس غير متّحد في المقدّمتين ؛ فإنّ الواجب والممتنع في الصغرى هما الحاصلان بالغير ، وهو تعلّق العلم بنقيضهما ، وفي الكبرى الذاتيان ؛ فإنّ المنافي للقدرة ـ

أجيب بعدم اتحاد الوسط ؛ إذ هو في الكبرى الضمير لذاته ، وفي صغراه لغيره.

ومنهم النظّام قال : لا يقدر على القبيح وإلّا لصدر عنه فيكون فاعله جاهلا أو محتاجا ، وهو محال فيكون الفعل محالا فلا يقدر عليه.

وأجيب بأنّ المحال لازم من الوقوع بالفعل لا من القدرة عليه. وأيضا وسط القياس مختلف ، إذ المحال في الصغرى للغير وفي الكبرى للذات.

ومنهم البلخي (١) قال : لا يقدر على مثل مقدور عبده ؛ لأنّه طاعة أو سفه أو عبث ، والكلّ محال عليه تعالى.

وأجيب بأنّها أوصاف عارضة لا تقدح في التماثل الذاتي ، وإن قدحت جاز التعلق نظرا إلى القدرة لا إلى الداعي ؛ فإنّ كلّا من الثلاثة ممكن ، وكلّ ممكن مقدور ، لكن الصارف يصرفه عن ذلك.

وبأنّه إن أراد بالعبث ما ليس بطاعة منعنا عدم جوازه من الله ؛ فإنّ أفعاله كلّها كذلك.

وإن أراد ما ليس له علّة صحيحة عقلا وشرعا فالحصر ممنوع ؛ فإنّ المباح ليس طاعة ولا عبثا بهذا التفسير.

وكذا قال : لا يقدر أن يخلق فينا ، علما ضروريا بما علمناه استدلالا وإلّا لجاز أن يخلق فينا العلم بقدرة زيد المعلوم وجوده اكتسابا ، ثمّ نشكّ في وجوده فنشكّ في قدرته ، فيلزم السفسطة بوقوع الشكّ في الضروريات.

وأجيب بأنّ التقدير : أنّه معلوم بالكسب ، وعلى تقدير العلم بالشيء يكون عدم العلم (٢) محالا ، والمحال جاز أن يلزمه المحال.

ومنهم الجبائيان قالا : لا يقدر على عين مقدور العبد وإلّا لاجتمع قادران على

__________________

ـ هو الوجوب الذاتي والامتناع الذاتي وإذا لم يتّحد أوسط القياس لم يحصل الإنتاج ـ راجع ص ٩٦ طبعة بمبئي.

(١) أبو القاسم الكعبي يقال له : البلخي أيضا توفّي سنة ٣١٧ كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لهم : الكعبية ، له آراء في علم الكلام.

(٢) عدم العلم خ : (آ) ـ وعدم الشك ـ خ : (د).

مقدور واحد وهو محال ، وإلّا لزم وقوعه نظرا إلى إرادة أحدهما وعدمه نظرا إلى كراهة الآخر ، فيكون واقعا غير واقع ، هذا خلف.

وأجيب بأنّه تقدير (١) فعل أقوى القادرين كما إذا أراده الله وكره العبد ، ومنع قوة القادر القوي الآخر لا يخرجه عن كونه قادرا ؛ إذ فعل القادر مشروط بعدم المانع.

الثاني : كونه تعالى عالما بمعنى انكشاف الأشياء له وكونها غير غائبة عنه ؛ لأنّه مختار كما تقدّم ، وكلّ مختار عالم ، لتبعية فعله لداعيه الذي هو العلم الفعلي بما انعقد عليه الباعث على إيجاده.

ولأنّه فعل فعلا محكما ، أي مستتبعا لخواصّ كثيرة ومنافع عظيمة ، وكلّ من كان كذلك فهو عالم.

أمّا الصغرى فحسيّة ننبّه عليها بوجوه :

الأوّل : العالم الفلكي من نظر فيه عرف كيفية نظام أفلاكه وكيفية نضدها وسيرها على مدارات مختلفة ، وحصول الأوجات والحضيضات بخوارج مراكز وأفلاك ممثلات وأفلاك تداوير ، وما يترتب على الحركات المخصوصة من الفوائد ، فإنّ قرب الشمس من رءوسنا يترتّب عليه نضج الثمار بالسخونة ، وبعدها عنّا يترتّب عليه حصول البرد في الجوّ فتحتقن الحرارة في باطن الأرض فتتكوّن الأبخرة ، والمحلّل الخارجي ضعيف فتحدث الغيوم والأمطار ، فيحصل النبات.

وبالجملة جميع الأحوال الفلكية من نظر في علم تشريحها علم ضرورة أنّها لا تصدر إلّا من لطيف خبير.

الثاني : خلق العالم العنصري ووضع استقصائه بعضها فوق بعض وكيفية تكون المركبات الثلاث : المعدن والحيوان والنبات منها ، وحصول الخواصّ والفوائد فيها ـ كما هو مذكور في مظانّه ـ دليل ظاهر على فاعل عليم حكيم.

__________________

(١) تقدير ـ خ : (د) ـ ويقع ـ خ : (آ).

الثالث : بدن الإنسان (وكيفية تكوّن المركبات الثلاث) (١) وخلقه ونشئه وفوائد أعضائه وآلاته ، فخلق المعدة للهضم وجعل القوّة الهاضمة فيها وخوادمها من الجاذبة والماسكة ، وكذلك قرب المرارة منها لتصفّي الدم ممّا غلظ من المرّة الصفراء لئلّا تسري في جميع البدن فيحصل اليرقان الأصفر ، فهو يتغذى بالبعض ، ويقذف بالباقي إلى الأمعاء لتغسل (٢) ما فيها من الأثقال ، وكذا الطحال يجذب ما غلظ من المرّة السوداء لئلّا يسري في البدن كلّه فيستولي (٣) اليرقان الأسود عليه ، ثمّ الكليتان الجاذبتان لمائية الدم ؛ إذ لو لا ذلك لسرى في البدن فيحصل الاستسقاء الدقّي ، وكذا الدماغ وما يشتمل عليه من القوى الخمس كما تقدّم ذكره ، برهان قاطع بوجود مدبّر قدير.

وأمّا الكبرى فضرورية وإن أنقضت (٤) بالنحل ؛ لأنّه يبني بيتا مسدّسا يعجز حذّاق المهندسين عنه مع عدم علمه ، وبالمحتذي بغيره في نقش من النقوش التزمنا العلم في كلّ منهما ومنعنا عدمه ، أو نقول : إنّهما ليسا فاعلين أما النحل فلكونه يفعل بالطبيعة ، وأمّا المحتذي فلعدم استقلاله.

خاتمة : حيث صفاته تعالى ذاتية كما يجيء ، فكلّ ما صحّ له وصف وجب له وإلّا لم يكن ذاتيا ، هذا خلف ، وهو تعالى يصحّ أن يعلم كلّ معلوم ؛ لأنّه حيّ فيجب له ذلك ، وهو المطلوب ، وخالف هنا أقوام :

الأوّل : من منع علمه بذاته وإلّا لزم التكثّر في ذاته ؛ لكون العلم نسبة بين العالم والمعلوم ، ولا يحصل إلّا بين شيئين.

وأجيب بأنّه منقوض بعلم الواحد منّا بنفسه ، على أنّا نقول : إنّ التغاير بالاعتبار كاف ، فالذات (٥) من حيث إنّها عالمة مغايرة لها من حيث إنّها معلومة.

__________________

(١) ما بين القوسين موجود في ـ خ : (د) و ـ خ : (آ) خالية عنه ، والظاهر أنه زائد.

(٢) ويقذف الباقي إلى المعاء تغسل ما فيها ـ خ : (آ).

(٣) فيتولى ـ خ : (د).

(٤) نقضت ـ خ : (آ).

(٥) في الذات ـ خ : (د).

قيل : يلزم الدور ؛ لأنّ العلم يتوقّف على التغاير ، فلو حصل التغاير باعتباره دار(١).

أجيب بأنّ التغاير يحصل بكون الذات عالمة ومعلومة بالقوة ، والذي يتوقّف على العلم حصولها بالفعل.

الثاني : من منع علمه بغيره وإلّا لزم اجتماع الصور في ذاته فيجتمع الأمثال.

وأجيب بأنّه مبنيّ على أنّ العلم هو الصورة ، وهو ممنوع ، بل هو إمّا إضافة أو صفة يلزمها الإضافة أو ليس واحدا منهما ، بل الكشف كما قرّرناه.

الثالث : من منع علمه بالجزئيات على أنّها واقعة الآن أو وقعت أو سيقع ، بل يعلمها مقرونة بأسبابها وأزمانها لا من حيث التقييد.

قالوا : لو كان عالما بها كذلك تغيّر علمه الذاتي بتغيّرها وإلّا لزم الجهل.

وأجيب بأنّ التغيّر في التعلّقات إمّا العلم الذي هو صفة حقيقية يستلزم التعلّق بالمعلوم فلا ، وهو ضعيف ؛ للزوم زيادة صفة زائدة على ذاته.

والأجود جوابا أنّ جميع الأشياء من الأزل إلى الأبد كلّ منها على ما هو عليه منكشف له أزلا وأبدا ، ولا يتغير ذلك الانكشاف ولا شيء منه أصلا ، فيعلم الثابت ثابتا والمتغيّر حاصلا في حينه غير حاصل في غيره ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

الرابع : من منع (٢) علمه بما لا يتناهى ؛ لأنّ المعلوم متميّز عن غيره وإلّا لم يتعلّق به العلم دون غيره ، والتميز عن غيره محصور فلا يكون غير متناه.

أجيب بأنّه يعلمه على ما هو عليه فإن كان متناهيا علمه كذلك ، وإن كان غير متناه علمه كذلك ، والتميّز يحصل في غير المتناهي ، وهو ظاهر.

الثالث : كونه حيّا بمعنى أنّه لا يستحيل أن يقدر ويعلم ، أو الدرّاك الفعّال ، وثبوته(٣) له حينئذ بعد ثبوت قدرته وعلمه ظاهر.

__________________

(١) من قوله قيل يلزم ـ إلى ـ قوله دار ـ ساقط من نسخة : (د).

(٢) ومنهم من منع ـ خ : (د).

(٣) وثبوتها ـ خ : (آ).

الرابع : كونه مريدا أي عالما باشتمال الفعل على المصلحة الباعثة على إيجاده ، ويدلّ على ثبوت هذا الوصف له أنّ أفعاله اختصّت بأوقات وأوصاف وأوضاع ومقادير ، يجوز في كلّ منها خلافها مع تساوي الكلّ بالنسبة إليه أو إلى (١) القابل ، فلا بدّ من مخصص ليس هو القدرة ؛ لتساويها ، ولأنّ شأنها الإيجاد فقط ، ولا العلم ؛ لتبعيته لتعيّن الممكن وتقرّر صدوره ، فلا يكون مخصّصا وإلّا دار ، وظاهر أنّ باقي الصفات لا يصلح أيضا للمخصصية فيكون المخصص ما ذكرناه وهو المطلوب.

تتمة : فسّر النجّار (٢) إرادته تعالى بأنّه غير مغلوب ولا مكره ، والأشاعرة بأنّها معنى قديم قائم بذاته ، والكرامية : بمعنى حادث قائم بذاته أيضا وأكثر المعتزلة : بأنّها معنى حادث قائم بنفسه (٣) لا في محلّ ، والكلّ باطل.

أمّا الأوّل فلأنّه لازم الإرادة لا نفسها ،

وأمّا الثاني : فلما يأتي (٤)

وأمّا الثالث : فلما تقدّم (٥)

وأمّا الرابع : فلعدم تعقّله (٦) فهو محال ضرورة (٧) ، ولاستلزامه التسلسل ، إذ فعل الحادث يستلزم تبعية إرادة أخرى وهكذا.

__________________

(١) وإلى القابل ـ خ : (د).

(٢) هو الحسين بن محمد النجّار المتوفى سنة ٢٣٠ ويقال لاتباعه : النجّارية قالوا بحدوث القرآن ونفي الرؤية في الجنة. وقيل : النجارية هم اتباع أبي الحسن النجّار المصري. وصاحب القول الذي نقله المصنف قدس‌سره في معنى الإرادة هو الحسين النجّار كما صرح به الإمام الرازي في كتابه الاربعين انظر ص ٤٧ ـ ١٤٦ ـ طبعة حيدرآباد.

(٣) قائم بنفسه ـ خ : (د).

(٤) من بطلان المعاني.

(٥) من امتناع حلول الحوادث فيه.

(٦) من أنّه لا يعقل قيام صفة بذاتها.

(٧) ضرورة ـ خ : (آ).

الفصل الثاني : فيما لا يتوقّف عليه الأفعال ، وهو أقسام :

الأوّل : كونه سميعا وبصيرا ، أي عالم بالمسموع والمبصر ، وبرهانه ظاهر بعد ما تقدّم من عموم علمه ، فكان فيه غنية ، لكن ورد النقل بثبوت هذين (١) ومنع العقل من ظاهرهما فحملناه على العلم مجازا.

واستدلال الأشعري على ثبوتهما له بأنّه حيّ ، وكلّ حيّ يصحّ عليه ذلك ، فتجبان له ؛ إذ لولاه لكان موصوفا بضدّهما ، وضدّهما نقص باطل ، لانتقاض الكبرى بكثير من الحيوان ؛ فإنّ السمك لا سمع له والعقرب والخلد (٢) لا بصر لهما والديدان ليس لها شيء منهما ، ونمنع وجوب الاتّصاف بالضدّ لولاه ، فإنّ الشفّاف جسم يجوز اتّصافه بالضدّين ، وهما مسلوبان عنه ، ونمنع كون ضدهما نقصا مطلقا بل في حقّ من يجوزان عليه.

الثاني : كونه متكلّما أي فاعلا للكلام (٣) الذي هو الحرف والصوت في جسم يعبّر به عن مراده ، ودليل إمكانه : عموم قدرته للممكنات وثبوته له ، للنقل ، وإطباق أهل اللغة على أنّ المتكلّم من فعل الكلام ينفي تفسير الأشعرية له بأنّه من قام به الكلام ، وإلّا لكان الصدى والمصروع متكلّمين ، ومنعه ظاهر في البين ، ولأنّه مبنيّ على تفسير الكلام بالمعنى وهو باطل ، فإنّ المتبادر إلى الذهن ليس إلّا تفسيرنا وإلّا لكان الأخرس والساكت متكلّمين ، وهو باطل.

واستدلال الأشعري (٤) بأنّ الألفاظ موضوعة بإزاء المعاني ، أعني الصور الذهنية ، فإنّا إذا نطقنا بخبر مدلوله ليس نفس الاعتقاد لجواز أن يكون بخلافه ، ولا نفس الإرادة ؛ لأنّ الخبر يتعلّق (٥) بالواجب والممكن ، ولا شيء من الإرادة كذلك فهو أمر آخر ، وهو

__________________

(١) هاتين ـ خ : (آ).

(٢) الخلد نوع من القواضم يعيش تحت الأرض ، وهو ليس له عينان ولا أذنان.

(٣) فاعل الكلام ـ خ : (آ).

(٤) واستدلاله بأنّ ... خ : (آ).

(٥) متعلّق ـ خ : (آ).

مرادنا بالكلام النفسي ، ويقول الأخطل :

إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

ضعيف أمّا الأوّل : فلأنّا نقول : لم لا يجوز أن يكون من قبيل العلوم ؛ فإنّ الصور الذهنية إمّا تصوّرات أو كيفيات تلحقها كالتصديق ونحوه ، وهي من أقسام العلم ، وحينئذ نمنع من (١) إطلاق لفظ الكلام عليها ، واصطلاحكم ليس حجّة علينا.

وأمّا الثاني : فلأنّ المراد تصوّر الكلام ، ولأنّه كلام شعري لا يفيد علما بل تخيّلا.

ثمّ إنّ تركّب الكلام من الحروف التي يعدم (٢) السابق منها بوجود اللاحق يدلّ على حدوثه ، ولأنّه يلزم تعدّد القدماء لو كان قديما ، وهو باطل.

ولقوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) (٣) والذكر هو القرآن لقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (٤) وللزوم العبث بأمر المعدوم لو كان أزليا والكذب ب (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) (٥) الدالّ على الماضي (٦) مع أنّه لا سابق على الأزل.

فائدة : خبره تعالى صدق وإلّا لكان كاذبا ، تعالى الله عنه ؛ لأنّه قبيح كما يجيء ، والقبيح منفيّ عنه.

الثالث : كونه واحدا وهو مطلب يستدلّ عليه بالسمع ، وهو أقوى ما استدلّ به فيه، وشهرته ظاهرة ، وبالعقل أيضا ، وهو طريقان :

الأوّل : طريق الحكماء ، ولنذكر منها ما هو على الخاطر وهو وجهان.

__________________

(١) من ـ خ : (د).

(٢) يتقدّم ـ خ : (د).

(٣) الأنبياء ٢١ : ٢ ؛ الشعراء ٢٦ : ٥ (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ).

(٤) الزخرف ٤٣ : ٤٤.

(٥) نوح ٧١ : ١.

(٦) ويلزم منه إرسال نوح قبل إرساله وهو محال.

الأوّل : تقريره أنّ واجب الوجود يجب أن يكون نفس حقيقته وإلّا لكان إمّا جزءها فيلزم التركيب أو خارجا عنها ، فيلزم أن لا يكون واجب الوجود بالنظر إلى ماهيته مع قطع النظر عمّا عداها ، وهو محال كما تقدم.

وحينئذ نقول : لو كان محمولا على اثنين لزم ثبوت الامتياز ، فيكون كلّ منهما مركّبا ممّا به الاشتراك وممّا به الامتياز ، فيكونان ممكنين ، هذا خلف.

الثاني : لو كان الواجب أكثر من واحد ، لكان مفهوم واجب الوجود إمّا أن يكون ذاتيا لهما فالخصوصية التي تنضاف إلى المعاني المشتركة إن كانت في كل واحد منهما لزم تركّبهما ، وإن كانت في أحدهما فهو مركّب. وإمّا أن يكون عرضيا لهما أو لأحدهما ، فالمعروض في ذاته لا يكون واجبا ، ولا يجوز أن يكون إلّا له هو المعنى المشترك فقط ، لأنّ المعنى المشترك من حيث هو مشترك لا يوجد في الخارج من غير خصوصية ، ولا يجوز أن تكون الخصوصية أمرا سلبيا ، وهو كونه ليس الآخر ؛ لأنّ سلب الغير لا يحصل (١) إلّا بعد حصول الغير ، وحينئذ يكون كلّ واحد منهما متوقّفا على حصول الآخر ، فيكون ممكنا.

وفيهما نظر ؛ لجواز أن يكون الواجب لذاته نفس كلّ واحد منهما ، ولا يحتاج كلّ منهما إلى المميّز ؛ لتمايزهما بنفس الحقيقة ، ويكون قول الواجب لذاته (٢) عليهما بالاشتراك اللفظي فقط أو بالاشتراك المعنوي ، ويكون مفهومه أمرا عدميا ، فلا يلزم المحال المذكور.

الثاني : طريق المتكلّمين ، والمشهور منها دليل التمانع ، (٣) وهو يثبت وحدانية القادر المريد.

وتقريره : لو كان هناك إلهان بالصفة المذكورة فإمّا أن يمكن مخالفة أحدهما للآخر في مقتضى الإرادة أو لا ، وكلاهما باطل.

__________________

(١) يتحصل ـ خ : (آ).

(٢) لذاته ـ خ : (د).

(٣) المانع ـ خ : (د).

أمّا الأوّل ، فلأنّه لو أمكن فليفرض (١) وقوعها بإرادة أحدهما حركة جسم وأراد (٢) الآخر سكونه ، فإن وقعا لزم اجتماع المنافيين ، وإن ارتفعا بطل ما علم ضرورة عدم تحقّقه ، وإن وقع أحدهما يرجّح الجائز من غير مرجّح أو لزم عجز الآخر.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّ كلّا منهما لو انفرد لقدر على ما يريده ، فوجب كونه كذلك عند الاجتماع ، وإلّا لزم زوال الصفة الذاتية بالعارض ، وهو محال.

وفيه نظر أيضا ؛ لأنّا نمنع التمانع ، وليس ثبوت قدرتهما عند الاجتماع علّة تامة في ذلك ، بل لا بدّ من انضمام الإرادة ، وهو ممنوع.

وسنده : أنّ الإرادة : العلم بالمصلحة ، فلم قلت بمصلحة الضدّين حتّى يحصل إرادتهما؟

سلّمنا ، لكن المصلحتان إن ترجّحت إحداهما تعيّنت ، ويكون علم غير المريد لها صارفا له عن إرادة المرجوحية ، وإن لم ترجّح إحداهما فلم قلت بحصول الداعي؟ لتحقّق التمانع ، فإذن الأقوى السمع (٣).

__________________

(١) فيفرض ـ خ : (آ).

(٢) إرادة ـ خ : (د).

(٣) فأنت أيّها القارئ الكريم إن شئت أدلّة عقلية تامة خالية عن الخدشة والشبهات في إثبات التوحيد ، فعليك بالمراجعة إلى كتاب الأسفار لصدر المتألهين قدس‌سره ، نعم خير مأخذ للتوحيد هو القرآن الكريم والسنة الصحيحة من أحاديث النبيّ وأهل بيته المعصومين عليهم‌السلام وقد أودع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علم التوحيد عند أوصيائه الطاهرين عليهم‌السلام وتجد كلماتهم في هذا الموضوع الشريف مأثورة في كتاب نهج البلاغة والصحيفة الكاملة السجادية وفي الأدعية المأثورة عنهم عليهم‌السلام في مصباح الشيخ الطوسي (ره) والإقبال للسيد ابن طاوس (ره) وسائر كتب السيد (ره) ، وغيرها من كتب الأدعية والأحاديث الشريفة مثل أصول الكافي وكتاب التوحيد للشيخ الصدوق (ره).

وغير خفي على الباحث العاقل أنّه ليس غرضنا من الرجوع إلى الكتب المذكورة التصديق بها تقليدا ، بل لأنّها تنبّه على أمر عقلي يجزم به العقل بعد التنبيه إليه ، فيكون الأمر في الحقيقة هو الرجوع إلى صريح العقل وواضح البرهان ، والله الموفّق.

الفصل الثالث : في توابع هذا المرصد ، وفيه (١) أبحاث :

الأوّل : أثبت الحكماء له صفات لازمة (٢).

الأوّل (٣) : كونه جوادا أي يفيد ما ينبغي إفادته لا لمقابلة (٤) عوض ؛ لأنّه أفاد الممكنات الوجود من غير استعاضة شيء منها من صفة حقيقية (٥) أو إضافية.

الثاني : كونه ملكا ؛ لتحقّق صفة الملوكية بالنسبة إليه ، وهي غناه المطلق في ذاته وصفاته (٦) ، وكون كلّ شيء مفتقرا إليه ؛ للزوم الإمكان له وأنّه لا يوجد إلّا بسببه ، فله ذات كلّ شيء.

الثالث : كونه تاما وفوق التمام ؛ لما تقدّم من وحدته من جميع الجهات وامتناع تغيّره وانفعاله وتجدّد شيء له ، وكلّ ما من شأنه أن يكون له فهو حاصل له بالفعل.

الرابع : كونه حقّا ، أي واجب الثبوت والدوام غير قابل للعدم والبطلان ، فهو حق بل أحقّ من كلّ حقّ.

الخامس : كونه خيرا ؛ لأنّ الخير وجود والشرّ عدم ، فهو عدم كمال الشيء من حيث هو مستحقّ له ، وهو تعالى يستحيل أن يعدم عنه شيء من الكمالات فلا يتطرّق إليه الشرّ بوجه ، فهو خير محض.

السادس : كونه حكيما إمّا بمعنى علمه بالأشياء على ما هي عليه أو صدور الأشياء

__________________

(١) هو ـ خ : (د).

(٢) صفات لازمة من وجوب وجوده ـ كذا في ـ خ : ـ (د) وما أثبتناه فهو من ـ خ : (آ).

(٣) في ـ خ : (د) : الثاني. وفي ـ خ : (آ) الأول. كما أثبتناه. وكان مكان : الثاني كونه ملكا ـ في ـ خ : (د) : الثالث ـ إلى آخر تعداد الصفات ولكن الصحيح هو ما أثبتناه من خ : (آ) إلى آخر الصفات وهو التاسع وكان في ـ خ : (د) العاشر ، وهو في غير محلّه.

(٤) بمقابلة ـ خ : (آ).

(٥) حقيقة ـ خ : (د).

(٦) ولذلك ورد عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله النهي عن تسمية شخص باسم (...) وقال : هو بمعنى ملك الملوك وهو الله تعالى.

منه على الوجه الأكمل ، وهو تعالى حكيم بالمعنيين.

السابع : كونه جبّارا ، لاستناد كلّ شيء إليه ، فهو يجبر ما بالقوّة بالفعل (١) والتكميل كالمادة بالصورة.

الثامن : كونه قهّارا ، أي يقهر العدم بالوجود.

التاسع : كونه قيّوما ، أي قائم بذاته مقيم لغيره (٢).

أمّا الأوّل ؛ فلوجوب وجوده ، وأمّا الثاني ؛ فلاستناد كلّ شيء إليه.

الثاني : أثبت جماعة من المتكلّمين له تعالى صفات زائدة على ما تقدّم ، فالأشعري أثبت اليد صفة وراء القدرة والوجه مغايرا للوجود ، وابن سعيد القدم مغايرا للبقاء ، والرحمة والكرم والرضا صفات مغايرات للإرادة ، وكذلك جماعة من حنفية ما وراء النهر أثبتوا صفة التكوين مغايرة للقدرة.

والحقّ خلاف ذلك كلّه بل ذلك راجع إلى ما تقدّم.

الثالث : اعلم أنّ التحقيق في هذا المقام أنّه تعالى ليس له صفة (٣) كما قال وليّهعليه‌السلام : وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، بشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وبشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ، بل التعبير عن صفاته هو بالحقيقة تعبير عن ذاته ، بمعنى أنّ مقتضيات الصفات منسوبة إلى ذاته لا باعتبار صفة يقوم بها كالتمكّن من الإيجاد ؛ فإنّه باعتباره يقال : قادر ، والكشف والظهور باعتباره يقال : عالم لا باعتبار قيام قدرة أو علم بذاته.

ولذلك مثال في المحسوسات ، وهو أنّ النور إذا وقع على الجدار ـ مثلا ـ ظهر لنا الجدار والنور معا ، لكن ظهور الجدار باعتبار وقوع النور عليه وظهور النور ، لا لقيام نور آخر به بل لذاته ، وكذلك ذاته وذات غيره بالنسبة إلى الصفات وبرهان هذا ، ما تقدّم.

__________________

(١) مجبر ما بالقوة هي بالفعل ـ خ : (د).

(٢) مقيما لغيره ـ خ : (آ).

(٣) أي صفة زائدة.

ونزيد هنا (١) أنّه لو كان له صفة زائدة على ذاته لكانت إمّا قديمة أو حادثة ، والقسمان باطلان :

أمّا الأوّل : فلما تقدّم من أنّ الواجب واحد وما عداه ممكن ، وكلّ ممكن حادث فلا قديم سواه ، وللإجماع (٢) على ذلك ، ولذلك كفرت النصارى بقولهم بقدم أقانيم ثلاثة (٣) فكيف من يثبت سبعة أو ثمانية.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّ ذلك الحادث لا بدّ له من محدث ، فمحدثه إمّا ذات الواجب أو شيء من لوازمها بالإيجاب ، فيلزم القدم لاستحالة تخلّف المعلول عن علّته القديمة ، فيلزم قدم الحادث ، أو بالاختيار فيستدعى ذلك ثبوت صفات يتوقّف عليها الفعل ، والكلام فيها كالأوّل ويتسلسل. وإمّا غير ذاته فيلزم افتقاره إلى الغير المستلزم لإمكانه ، والكلّ باطل.

__________________

(١) ويؤيّد هذا ـ خ : (د).

(٢) والإجماع ـ خ : (د).

(٣) من القول بأنّ لله تعالى صفات زائدة كما هو مذهب الأشاعرة قد يعتذر النصارى عن التثليث ، بأنّ جمعا من المسلمين يعتقدون مثله في صفات الواجب ، فإنّ الواجب عندهم مركّب من تسعة : ذات الواجب وصفاته الثمانية.

وغير خفي على الباحث الناقد أنّ هذا الاعتذار ليس في محلّه ، فإنّه قد تحقّق عند الشيعة الإمامية كما حقّقه المصنّف (ره) في الكتاب أنّه لا وجود لغير الذات ، وأنّ الصفات عين الذات ، وصفات الواجب ليست إلّا اعتبارات تقال عليها ألفاظ في مقام التفاهم ، وليست الصفات أمرا غير الذات في الحقيقة.

نعم يمكن أن يقال : إنّ هذا الاعتذار قد يصحّ على مذهب الأشاعرة القائلين بأنّ الصفات غير الذات ، وهو باطل عندنا كما أوضحه المصنّف (ره) بل التحقيق أنّه فرق واضح بين مذهب الأشاعرة ومذهب النصارى في الأقانيم ، فشتّان بين القول بأنّ الأب في السماء والابن في الأرض والروح القدس ترفرف على الخليقة والكلّ واحد في حين أنّ لكلّ واحد وجودا مستقلّا ، وبين ما يقول الأشعري : إنّ الواجب واحد متّصف بصفات متعدّدة ، ولكن لا يهمنا الدفاع عن الأشاعرة ؛ فإنّ كلا القولين : تثليثا كان أو تسبيعا أو تثمينا أو تتسيعا ، باطل عندنا بالبراهين الواضحة من العقل والنقل ، والحمد لله تعالى.

اللامع التاسع

في الأفعال

وفيه مقاصد :

[المقصد] الأوّل : في الفعل وأقسامه

قيل هو ما يصدر (١) من الفاعل وهو تعريف دوري.

وقيل : هو مبدأ التغيير في آخر ، وينتقض بكثير من الكيفيات.

والحقّ أنّه ضروري التصوّر.

ثمّ إنّه إمّا أن يوصف بزائد على (٢) الحدوث أو لا ، والثاني كحركة الساهي والنائم ، والأوّل : إمّا أن ينفر منه العقل وهو القبيح أو لا وهو الحسن ، وإمّا أن لا يكون له (٣) وصف زائد على حسنه ، وهو المباح أو يكون (٤) فإمّا أن يترجّح تركه ، وهو المكروه ، أو يترجّح فعله فإمّا أن يمتنع تركه وهو الواجب ، أو لا يمتنع تركه وهو المندوب.

__________________

(١) صدر ـ خ : (آ).

(٢) عن ـ خ : (آ).

(٣) وإمّا لا أن يكون له ـ خ : (د).

(٤) أو لا يكون ـ خ : (د) والظاهر أنّه ليس بصحيح.

ثمّ الحسن والقبح (١) قد يراد بهما ملائمة الطبع وعدمها وكون الشيء صفة كمال أو صفة (٢) نقص ، ولا خلاف في كونهما عقليين ، وقد يراد بهما استحقاق المدح والذمّ عاجلا والثواب والعقاب آجلا ، فعند الأشعري شرعيان والحكمان معلومان بالعقل العملي ؛ إذ عليهما مدار مصالح العالم ، وعند العدلي ، منهما عقلي ضروري كشكر المنعم وحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضارّ ، ونظري كحسن الصدق الضارّ وقبح الكذب النافع ، وغير عقلي كحسن صوم آخر رمضان وقبح ما بعده.

ونبّه على الضروري باتّفاق العقلاء على حسن ما ذكر وقبحه ، وليس ذلك بالشرع وإلّا لما حكم به البراهمة (٣) ولا بالطبع ؛ لأنّ الطباع مختلفة وأنّ كثيرا من الأمور ينفر منها طبع إنسان ويميل إليها طبع غيره مع الاتّفاق على الحكم بما ذكرناه ، فلم يبق إلّا أن تكون أحكاما عقلية وليست نظرية وإلّا لما حكم به العوامّ ، وبأنّ العاقل يختار الصدق على الكذب عند تخييره فيهما حال استوائهما عنده ، فلو لا تقرّر حسن الصدق وقبح الكذب عنده لما اختار الأوّل.

وحصول التفاوت بين هذه القضايا وبين سائر البديهيات إن سلّم ؛ فلمقولية الضرورة على ما تحتها بالتفاوت ككون الواحد نصف الاثنين ونصف عشر العشرين ، فإنّ الحكم فيهما ضروريّ مع أنّ الأوّل أجلى.

ومن هنا نشأ اختلاف العقلاء فيما ذكرناه.

وأمّا النظري فلأنّه لمّا كان الحسن والقبح لازمين لمطلق الصدق والكذب كما قرّرناه (٤) كانا لازمين للصدق الضارّ والكذب النافع ؛ لكون المطلق جزء من المركّب ، ولازم الجزء لازم للكلّ.

__________________

(١) والقبيح ـ خ : (د).

(٢) صفة هي كمال أو نقص ـ خ : (د).

(٣) كما أنّ أهل الجاهلية يحكمون بالحسن والقبح ، وهم غير قائلين بالشرائع ، فلو لم يكونا عقليين لما حكموا بذلك.

(٤) كما ذكرناه ـ خ : (آ).

واستدلّ أيضا على المطلوب ، بأنّه لولاه لزم عدم الوثوق بالوعد والوعيد ؛ لجواز الكذب حينئذ على الشارع ، ولجاز تعذيب المؤمن وإثابة الكافر ؛ إذ لا حاكم على الفاعل بالقبح ، ولجاز أيضا إظهار المعجزة على يد الكاذب (١).

واحتجاج الأشعري بأنّه لو كان كما قلتم لما صدر القبيح من الشارع الممتنع القبيح عليه عندكم ، لكنّه صدر منه تكليف ما لا يطاق كتكليف الكافر المعلوم عدم الإيمان منه له تعالى ، المستلزم لمحاليته وإلّا لزم انقلاب علمه جهلا. وبأنّ الكذب قد يحسن حال اشتماله على تخليص نبي أو وليّ ، باطل.

أمّا الاوّل فلمنع عدم الطاقة على الإيمان ؛ لأنّه ممكن في نفسه ، والكافر قادر عالم بقدرته ، فكان تكليفا بما يطاق ، ونمنع تأثير العلم بل هو مطابق له فقط.

وأمّا الثاني ، فلمنع زوال القبيح عن الكذب ؛ وإنّما جاز لأنّ قبحه أضعف من قبح إيقاع النبي في الضرر ، فارتكب أضعف القبيحين للضرورة.

سلّمنا ، لكن لحوق القبح للكذب مبدؤه (٢) الاستيجاب ، فهو مشروط بعدم المانع ، فيختلف (٣) الأثر عن المؤثّر عند وجود المانع ، والمانع هنا اشتماله على المفسدة فتخلّف القبيح.

سلّمنا ، لكن نمنع (٤) زوال القبح بل الواجب حينئذ التعريض ، فإنّ في المعاريض مندوحة.

المقصد (٥) الثاني : في الفاعل

لا خلاف في أنّ ما لا يتعلّق به قصودنا ودواعينا ولا يحصل عند إرادتنا ولا ينتفي عند

__________________

(١) الكذاب ـ خ : (آ).

(٢) من مبدئه ـ خ : (د).

(٣) فتخلف ـ خ : (آ).

(٤) يمنع ـ خ : (د).

(٥) الفصل ـ خ : (د) وما في ـ خ : (آ) هو الصحيح.

كراهتنا ولا نمدح عليه ولا نذمّ ، أنّ فاعله هو الله ، أمّا نقيض ذلك فقال جهم (١) وبشر (٢) هو كالأوّل.

وقال أبو الحسن الأشعري (٣) وأتباعه كذلك إلّا أنّ العبد له الكسب ، وفسّره بأنّ الله تعالى أجرى عادته أن يخلق الفعل والقدرة عليه عند اختيار العبد الطاعة أو المعصية.

والقاضي (٤) : بأنّ ذات الفعل من الله وكونه طاعة أو معصية من العبد ، وذلك مناط التكليف كاللطمة تقع تاديبا وظلما. وقال قوم : هو غير معلوم.

والأسفرائني (٥) أبو إسحاق جعل الفعل واقعا بالقدرتين.

وقالت العدلية : إنّه من العبد ، فقيل : معلوم نظرا ، وقيل : ضرورة ، وهو الحقّ ، وننبّه على ضروريّته بالفرق بين حركاتنا الاختيارية كالأكل والشرب وغيرها كالنبض بإمكان ترك الأوّل دون الثاني حتّى قال أبو الهذيل : حمار بشر أعقل من بشر. وبحسن (٦) المدح على الطاعة والذمّ على المعصية لا على حسن الصورة وقبحها ، وليس إلّا العلم ضرورة بالفاعلية في الأوّل دون الثاني.

وبحصول العلم بذلك للأطفال ؛ فإنّه يذمّ رامي الآجرة لا الآجرة بل للبهائم ، فإنّ الحمار ينفر من الإنسان إذا قصد أذاه ، ولا ينفر من النخلة والحائط ؛ لما تقرّر في وهمه من قدرة الإنسان دونهما.

وبالنقل المستفيض بذلك كتابا وسنّة.

فإن احتجّ المخالف بأنّ فعل العبد إمّا معلوم الوقوع له تعالى فواجب أو عدمه فممتنع ، ولا قدرة عليهما.

__________________

(١) جهم بن صفوان الراسبي قتل سنة ١٢٨.

(٢) بشر المريسي من المرجئة ، ومرجئة بغداد من أتباعه توفّي ٢١٩ قيل : إنّ المأمون أمر بصلب المريسي على الجسر ، وبشر بن المعتمر من المعتزلة توفّى ٢١٠.

(٣) أبو الحسن على بن إسماعيل الأشعري توفّي ٣٢٤ ، وقيل ٣٣٢.

(٤) القاضي عبد الجبار المعتزلي الهمذاني الأسدآبادي المتوفّى ٤١٥.

(٥) أبو إسحاق الأسفرائني المتوفّى ٤١٨.

(٦) يحسن ـ خ : (آ).

وبأنّه ممكن مستحيل حال استواء الدواعي إلى طرفيه ، فيفتقر إلى المرجّح فيجب مع حصوله وإلّا لا ترجيح ويمتنع مع عدمه فلا قدرة.

وبأنّ وقوعه إمّا لا لمرجّح وهو محال ، أو لمرجّح إمّا منه تعالى فالفعل منه أو من العبد فيتسلسل وهو محال أيضا ، فتعيّن الثاني.

وبأنّه لو كان فاعلا لكان عالما بتفاصيل فعله ؛ لأنّ تخصيص الشيء بالإيجاد يستدعي تصوّره ، لكن اللازم باطل بحركات (١) أجفانه ، وبأنّ البطء لتخلّل السكنات التي لا يشعرها.

وبأنّه يمكن مخالفة إرادة العبد لإرادته تعالى (٢) بالفعل الواحد فإمّا أن لا يقع المرادان ، وهو خلو عن النقيضين ، أو يقعا وهو جمع بينهما ، أو يقع أحدهما وهو ترجيح بلا مرجّح لاستقلال كلّ بقدرته.

وبالنقل المستفيض أيضا.

فإنّا نجيب عن الأوّل بأنّ الوجوب اللاحق لا ينافي إمكان الفعل الذاتي الذي هو متعلّق القدرة ، وبأنّ العلم تابع للوقوع وعدمه فلا يؤثّر فيه وجوبا ولا امتناعا ، وبأنّه معارض بفعله تعالى (٣).

وعن الثاني بأنّ المختار يرجّح أحد مقدوريه لا لمرجّح أو بأنّ المرجّح هو الداعي ، وذلك لا ينافي القدرة كالواجب تعالى.

وعن الثالث بما قلناه آنفا ، ولا يلزم نسبة الفعل إليه تعالى ؛ لكون الداعي منه ؛ لأنّه آلة كالسيف مع القاتل ، فإنّ فعله لا ينسب إلى الحدّاد.

وعن الرابع بالمنع من عدم علمه ، وبطلان اللازم ممنوع ، ولا نسلّم أنّه غير شاعر بما ذكرته ، غايته أنّه غير شاعر بأنّه شاعر.

__________________

(١) لحركات ـ خ : (د).

(٢) إرادته تعالى ـ خ : (آ).

(٣) مراده أنّ ما ذكره المخالف المستدلّ عائد في حقّه تعالى من غير فرق ، فيقال : فعله تعالى إمّا معلوم الوقوع له أو لا ، والأول واجب والثاني ممتنع ، ولا قدرة عليهما.

وعن الخامس بأنّه يقع مراده تعالى لقوّة قدرته ؛ إذ يمتنع (١) تساوي القدرتين بل هما متفاوتان ؛ فإنّ الضعيف لا يعارض القوي ، أو نقول : يقع مراد العبد ؛ لأنّه تعالى خلقه ومكّنه وأراد وقوع الطاعة منه اختيارا ليستحقّ الثواب ، فلا يحسن إجباره ، ولا يلزم من ذلك تخلّف مراده تعالى المنافي لقوله عليه‌السلام : «ما شاء الله كان» لأنّ المراد استحالة التخلّف في إرادته فعل نفسه لا فعل عبده ، والفرق ما ذكرناه.

وعن السادس بالمعارضة بمثله عن النقل وهو كثير ، ويترجّح نقلنا بأنّه موافق لما علم ضرورة ، وبانتفاء التكليف على ما ذكرناه ، وكذا الوعد والوعيد والتخويف والإنذار مع قبول ما ذكروه للتأويل ، وهو مذكور في المطوّلات.

وأمّا الكسب الذي ذكروه فلا معنى له ؛ لأنّ حاصل تفسيرهم له أنّه فعل من أفعال القلب عزما أو اختيارا ، وكلّ فعل لا بدّ له من قدرة ، فذلك إمّا من فعل الله فلا كسب للعبد وإمّا من العبد ، فيثبت أنّه فاعل لشيء وهو يناقض قولهم : لا فاعل إلّا الله.

وهنا فوائد :

الأولى : أنّ الفعل إمّا مباشر ، وهو ما كان في محلّ القدرة كحركة اليد وإمّا متولّد ، وهو الصادر بحسب فعل آخر في محلّ القدرة كالحركة الصادرة عن الاعتماد ، ويسمّونه المسبّب ، ويسمّون الأوّل سببا ، وإمّا مخترع وهو ما عدا هذين القسمين ، وهذا لا نزاع في أنّه مختصّ به تعالى.

والأوّل : قد عرفت الخلاف فيه ، وأمّا الثاني فأكثر المعتزلة والمحقّقين على أنّه من فعلنا كالمباشر ، وعند بعضهم : أنّه بطبع المحلّ وأنّه ليس للعبد إلّا الإرادة. وقيل : له الفكر فقط.

والحقّ الأوّل ، والتجأ المعتزلة في حقّيته إلى الضرورة ، واستدلّ بعضهم على ضرورية العلم بذلك بحسن المدح والذم عليه فيكون صادرا من العبد.

__________________

(١) نمنع ـ خ : (آ).

إن قلت : قد يقع الذمّ مع العلم بأنّ الفاعل هو الله تعالى ، كإلقاء الطفل إلى النار المحرقة.

قلت : الذمّ على الإلقاء لا على الإحراق.

إن قلت : لو كان المتولّد مقدورا للعبد لأمكنه تركه ، وهو باطل ؛ فإنّ عند اختيار السبب يجب المسبّب فلا يقع بالقدرة.

قلت : الوجوب لاحق كالوجوب مع انضمام الداعي إلى القدرة فلا ينافي الوقوع منّا.

الثانية : وقع الاتفاق وتطابق النقل على كون الأفعال واقعة بقضاء الله وقدره ، ويستعملان في معان ثلاثة :

الأوّل : الخلق والإيجاد كقوله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) إلى قوله : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) (١) ، وهذا المعنى ليس بمراد (٢) ، لما علم بطلانه ضرورة.

الثاني : أن يراد بالقضاء الحكم والإيجاب كقوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)(٣) وهذا لا يصحّ إلّا في الواجب خاصّة دون غيره.

الثالث : أن يراد بالقضاء الإعلام والإخبار كقوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (٤) أي أعلمناهم وأخبرناهم.

والقدر يراد به الكتابة والبيان كقوله : (قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (٥) وهذا المعنى هو المراد ، أمّا القضاء فلأنّه تعالى أعلمنا أحكام أفعالنا ، وأمّا القدر فلأنّه تعالى بيّن أفعال العباد وكتبها في اللوح المحفوظ وبيّنها للملائكة ؛ إذ لو لم يتعيّن هذا المعنى للإرادة لزم وجوب الرضا بالكفر وأنواع القبائح ، للإجماع على وجوب الرضا بقضاء الله وقدره ، وقول الخصم : إنّا (٦) نرضى بالقضاء لا بالمقضي باطل ؛ لأنّ القائل : رضيت بقضاء الله

__________________

(١) فصلت ٤١ : ١٠.

(٢) مرادنا ـ خ : (آ).

(٣) الإسراء ١٧ : ٢٣.

(٤) الإسراء ١٧ : ٤.

(٥) النمل ٢٧ : ٥٧.

(٦) بأنّا ـ خ : (آ).

لا يريد به رضاه بصفة من صفاته ، بل يريد ما يقضي به تلك الصفة وهو المقضى ، فيلزم المحذور.

واعلم أنّ وليّ الله قد كشف القناع عن معنى القضاء والقدر حين سأله الشامي عن مسيرهم (١) أبقضاء الله وقدره؟ فقال عليه‌السلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلّا بقضائه وقدره ، فقال له السائل : عند الله أحتسب عنائي لا أرى لي من الأجر شيئا ، فقال عليه‌السلام : مه يا شيخ ، بل عظّم الله أجوركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرّين فقال الشيخ : كيف والقضاء والقدر ساقانا ، فقال : ويحك لعلّك ظننت قضاء لازما وقدرا حاتما ، ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ، ولم يأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ولا المسيء أولى بالذمّ من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الثواب ، وهم قدرية هذه الأمّة ومجوسها (٢) ، إنّ الله تعالى أمر تخييرا ونهى تحذيرا ، وكلّف يسيرا ولم يعص

__________________

(١) سيرهم ـ خ : (آ) رواه في الكافي وغيره عن الأصبغ بن نباتة.

(٢) للعلامة الكراجكي قدس‌سره تحقيق رشيق في معنى الحديث : القدرية مجوس هذه الأمة. وقد أوضح معنى الحديث ومصداقه ، ينبغي نقله هنا من كتابه كنز الفوائد قال : اعلم أنّا وجدنا كل فرقة تعرف باسم أو تنعت بنعت ، فهي ترتضيه ولا تنكره سواء كان مشتقا من فعل فعلته أو قول قالته أو من اسم مقدّم لها تبعته ، ولم نجد في أسماء الفرق كلّها اسما ينكره أصحابه ، ويتبرّأ منه أهله ولا يعترف احد به إلّا القدرية ، فأهل العدل يقولون لأهل الجبر : أنتم القدرية ، وأهل الجبر يقولون لأهل العدل : أنتم القدرية وإنّما تبرأ الجميع من هذا الاسم ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعن القدرية وأخبر أنّهم مجوس هذه الأمة ، والأخبار بذلك مشتهرة. فمنها : ما حدّثني به أبو القاسم هبة الله بن إبراهيم بن عمر الصوّاف بمصر ، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي ، قال : حدّثنا عباس بن محمد الدورسي قال : حدّثنا عثمان بن زفر قال : حدّثنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لكلّ أمة مجوس ومجوس هذه الأمة القدرية ، فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم وإن لقيتموهم في طريق فالجئوهم إلى ضيّقه.

وهذا القول من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دلالة لنا على المعرفة بالقدرية وتمييز لهم من بين الأمة ؛ لأنّهم لم ينعتهم بالمجوسية إلّا لموضع المشابهة بينهم وبين المجوس في المقال والاعتقاد ، وقد علمنا بغير شكّ ولا ارتياب أنّ من ـ

__________________

ـ قول المجوس : إنّ الله تعالى فاعل لجميع ما سرّ ولذّ وأبهج ومالت إليه الأنفس واشتهته الطباع كائنا ما كان ، حتّى أنّه فاعل الملاهي والأغاني وكلّ ما دخل في هذا الباب ، وهذا مذهب المجبرة بغير خلاف ، ويقول المجوس : إنّ الله تعالى محمود على فعل الخير ، وهو لا يقدر على ضدّه ، وإنّ إبليس مذموم على فعل الشر ولا يقدر على ضدّه ، وهذا بعينه يضاهي قول المجبرة : إنّ المؤمن محمود على الإيمان وهو لا يقدر على ضده ، وإنّ الكافر مذموم على الكفر ولا يقدر على ضدّه ، وتذهب المجوس إلى القول بتكليف ما لا يطاق ، وهو رأيها الذي تدين به في الاعتقاد ولهم في السنة يوم يأخذون فيه بقرة قد زيّنوها ، فيربطون يديها ورجليها أوثق الرباط ثمّ يقرّبوها إلى سفح الجبل ويضربوها لتصعد ، فإذا رأوا أن قد تعذّر عليها ذلك قتلوها ، ويسمّون هذا اليوم عيد الباقور ، وهذا هو مذهب المجبرة في القول بتكليف ما لا يستطاع ، فهم مجوس هذه الأمة ، وقد رتّبتها بما اقتضاه هذا البيان ، وقد قالت العدلية للمجبرة : إنّ من أدلّ دليل على أنّكم القدرية قولكم : إنّ جميع أفعال العباد بقدر من اللهعزوجل ، وإنّه الذي قدّر على المؤمن أن يكون مؤمنا وعلى الكافر أن يكون كافرا ، وإنّه لا يكون شيء إلّا أن يقدّره الله تعالى قالت المجبرة : بل أنتم أحقّ بهذا ؛ لأنّكم نفيتم القدر وجحدتموه وأنكرتم أن يكون الله سبحانه قدّر لعباده ما اكتسبوه. قالت العدلية : قد غلطتم فيما ذكرتموه وجرتم فيما قضيتموه ؛ لأن الشيء يجب أن ينسب إلى من أثبته وأوجبه لا إلى من نفاه وسلبه ، ويضاف إلى من أقرّبه واعتقده لا إلى من أنكره وجحده فتأملوا قولنا تعلموا أنكم القدرية دوننا. ثمّ ذكر الكراجكي (ره) تحقيقا آخر لا بأس بنقله تكثيرا للفائدة وقال :

وقد ظنّت المعتزلة أنّ الشيعة هم المرجئة لقولهم : إنّا نرجو من الله تعالى العفو عن المؤمن إذا ارتكب معصية ومات قبل أن تقع منه التوبة ، وهذا غلط منهم في التسمية ؛ لأنّ المرجئة اسم مشتقّ من الإرجاء وهو التأخير ، يقال لمن أخّر أمرا : أرجأت الأمر يا رجل فأنت مرجئي ، قال الله : «ارجه وأخاه» أي أخّره ، وقال تعالى : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) يعني مؤخرون إلى مشيته وأمّا الرجاء فإنّما يقال : منه رجوت فأنا راج ، فيجب أن تكون الشيعة راجية لا مرجئة والمرجئة هم الذين أخّروا الأعمال ولم يعتقدوها من فرائض الإيمان ، وقد لعنهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما وردت به الأخبار ، حدّثنا القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الأزدي البصري بمصر سنة ستّ وعشرين وأربع مائة ، قراءة منه علينا ، قال : أخبرنا أبو القاسم عمر بن محمد بن يوسف قال : حدثنا على بن محمد بن مهرويه القزويني ببغداد سنة ثلاث عشر وثلاثمائة قال : حدّثنا داود بن سليمان العادي قال : حدّثنا علي بن موسى الرضا قال : حدّثنا أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أبي علي ابن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صنفان من أمّتي ليس لهم في الآخرة نصيب : المرجئة والقدرية. قلت : وقد تحقّق ممّا ذكره العلامة الكراجكي (ره) وما رواه مسندا أنّه لا شكّ أنّ حديث : القدرية مجوس هذه الأمة. ثابت من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا شكّ في ثبوته عن صاحب الرسالة المقدّسة فما لهج به بعض من لا يعبأ بقوله : إنّه من الموضوعات ، فقوله من الخرافات.

مغلوبا ، ولم يطع مكرها ولم يرسل الرسل عبثا ، ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ، (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (١) فقال الشيخ : فما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلّا بهما؟ فقال : هو الأمر من الله تعالى ، وتلا قوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (٢) فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول :

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته

يوم النشور من الرحمن رضوانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا

جزاك ربّك عنّا منه إحسانا

الثالثة : أنّه قد ورد في النقل القرآني لفظ الهداية والضلال (٣) فلا بدّ من تفسيرهما فنقول : يطلق كل منهما على معان ثلاثة :

الأوّل : يراد بالهداية نصب الدلالة على الحقّ نحو هدانا (٤) إلى الطريق ، والمراد (٥) بالإضلال الإشارة إلى خلاف الحقّ.

الثاني : يراد بالهداية فعل الهدى في الإنسان حتّى يعقد الشيء على ما هو عليه ، ويراد بالإضلال فعل الضلالة في الإنسان.

الثالث : يراد بالهداية : الإثابة كقوله : (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) (٦) أي يثيبهم ، وبالاضلال الإهلاك والإبطال كقوله : (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) (٧) أي يبطلها ، إذ لا شكّ (٨) أنّ معاني الهداية كلّها صادقة في حقّه تعالى (٩) ؛ لأنّه نصب الدلالة على الحقّ وفعل الهداية الضرورية في العقلاء وأثابهم على إيمانهم ، ولم يفعله فيهم لأنّه تكليف اختياري (١٠).

__________________

(١) ص ٣٨ : ٣٨.

(٢) الإسراء ١٧ : ١٧.

(٣) الإضلال ـ خ : (آ).

(٤) هداني ـ خ : (آ).

(٥) يراد ـ خ : (آ).

(٦) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ٤٧ : ٥.

(٧) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ٤٧ : ٤.

(٨) ولا شكّ ـ خ : (آ).

(٩) في صفة الله تعالى ـ خ : (آ).

(١٠) ولم يفعله فيهم لأنه فعل تكليف اختياري ـ خ : (د).

وأمّا الإضلال فالأوّلان من معانيه لا يجوز نسبتهما إليه سبحانه ، لقبحهما وأنّه منزّه عنه كما يجيء.

وأمّا الثالث فيجوز ؛ لأنّه يهلك العصاة ويعاقبهم ، وقول موسى عليه‌السلام : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) (١) أي ما هي إلّا ابتلاء منك ، أي فتنتهم بتكليمك إيّاي وسماعهم كلامك حتى توهّموا أنّ سماع الكلام يستلزم جواز رؤية المتكلّم ، ونسبة الإضلال إليه مجاز ؛ إذ المضلّ في الحقيقة هو الجهل ، وهو فعل الطبيعة التي هي فعله ، فهو علة بعيدة فجازت النسبة إليه مجازا ، إذ المراد الإهلاك كما ذكرناه أولا.

المقصد الثالث : فيما يمتنع نسبته إلى الفاعل سبحانه

وهو أنواع :

الأوّل : فعل القبيح وترك الواجب ؛ لأنّ له صارفا عنهما ولا داعي له إليهما وكلّ من كان كذلك امتنعا منه.

أمّا بيان أولتي الصغرى ، فهو أنّ علمه بما فيهما من المفسدة وغناه عنها صارف له عن فعلهما.

وأمّا بيان ثانيهما (٢) فلأنّه لما تحقّق الصارف انتفى الداعي ، وإلّا لزم اجتماع الضدّين ، ولأنّ الداعي لو حصل لكان إمّا داعي الطبع أي الحاجة وهو محال ، لما ثبت من غناه (٣) ، وإمّا داعي الحكمة وهو باطل ؛ إذ لا حكمة فيما ذكرناه.

وأمّا الكبرى فلما ثبت من تساوي طرفي الممكن واستناد الترجيح إلى الداعي وعدم الصارف ، وهما مفقودان ، فثبت المطلوب.

__________________

(١) الاعراف ٧ : ١٥٥.

(٢) أي ثاني أولتي الصغرى وهو لا داع إليهما أي لا فعل قبيح وترك واجب قوله : فلأنّه لما تحقّق الصارف ، الصارف علمه وغناؤه ، ولما ثبت كونه كذلك لم يكن له داعيا فكان تحقق الصارف ، وقد عرفته.

(٣) لما بينا من غنائه ـ خ : (آ).

قال الأشعري : ثبت استناد الأفعال إليه ، ومن جملتها ما ذكرتم فيكون منه ، ولأنّه كلّف ما لا يطاق وقد تقدّم ، فيكون فاعلا للقبيح ، ولأنّ تكليف الكافر لا فائدة له وإلّا لحصلت ، إمّا في الدنيا وهو باطل ، إذ ليس الحاصل إلّا المشقة ، وإمّا في الآخرة وهو باطل أيضا ؛ لموته على كفره المانع من وصول الثواب إليه ، وإذا كان كذلك كان تكليفه قبيحا إذ انتفاء (١) الفائدة فيه مطلقا أو عودها إليه تعالى أو إلى غير المكلّف قبيح عندكم أيضا ، وإذا ثبت أنّه كلّف الكافر ثبت أنّه فاعل القبيح (٢).

وأجيب : أمّا عن الأوّلين فقد تقدّم ، وأمّا عن الثالث فبالمنع من انتفاء الفائدة ، ونمنع حصرها فيما ذكرتم ، بل الغرض التعريض لاستحقاق الثواب الذي لا يمكن الابتداء به ، وأمّا حصوله بالفعل فمشروط بالكسب الذي هو الإيمان والعمل الصالح ، وعدمه من سوء اختياره ؛ لما ثبت من تمكّنه وإزاحة العلل عنه.

الثاني : إرادة القبيح والأمر به وترك إرادة الحسن ؛ لأنّ ذلك كلّه قبيح ، وقد تقدّم استحالته عليه ، ولأنّه نهي عن القبيح وأمر بالطاعة فيكون كارها للأوّل ومريدا للثاني ، ولأنّه حكيم وله صارف من القبيح وداع إلى الحسن وهو ظاهر ، ولأنّه لو كان مريدا لجميع الكائنات لوجب الرضى بها ، لكن الرضى بالكفر كفر ، ولأنّه يلزم كون الكافر مطيعا بكفره لموافقته إرادة الله تعالى ، ولقوله : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (٣) والرضى هو الإرادة.

وقال الأشعري : إنّه مريد لجميع الكائنات ، لأنّها فعله ، ولأنّه لو أراد طاعة الكافر التي لم تقع منه لكان مغلوبا معه ، ولقوله : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (٤) (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (٥) المقتضيتين لعدم إرادة الطاعة

__________________

(١) لانتفاء ـ خ : (د).

(٢) للقبيح ـ خ : (د).

(٣) الزمر ٣٩ : ٧.

(٤) السجدة ٣٢ : ١٣.

(٥) يونس ١٠ : ٩٩.

لانتفاء المقدّم بانتفاء التالي (١).

وجواب الأوّل تقدّم. وأمّا الثاني ؛ فلأنّ المغلوبية إنّما تلزم أن لو أرادها مطلقا ، بل أرادها اختيارا ليستحقّ بها الثواب. وأمّا الثالث ؛ فلأنّ المراد (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) على سبيل الإلجاء والجبر ، وحينئذ لا يلزم انتفاء المقدم بانتفاء التالي.

الثالث : انتفاء الغرض عن أفعاله فإنّه يستلزم العبث المنافي لحكمته وإنّه لا يفعل إلّا للداعي.

ومنع الأشاعرة من ذلك ؛ لأنّه لو فعل لغرض فإن لم يكن أولى به فلا ترجيح وإن كان أولى به كان ناقصا بذاته مستكملا بالغرض ، ولقدرته على إيجاد الغرض ابتداء ، فتوسط الفعل عبث.

والجواب عن الأوّل : إن عنيت بالأولوية كونها أليق بحكمته فلم قلت باستلزامه النقصان لذاته واستكماله به؟ وإن عنيت استفادته لكمال غير حاصل فهو ممنوع.

وعن الثاني : أنّ الغرض هو الغاية من الفعل ، وإيجاد الغاية من دون ما هي غاية له وشرط فيه محال (٢). هذا مع أنّ النقل صريح بكونه لا يفعل إلّا لغرض كقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٣).

المقصد الرابع : فيما تقتضي الحكمة وجوبه عليه سبحانه

وهو أنواع :

الأوّل : التكليف وفيه مباحث :

__________________

(١) الثاني ـ خ : (د).

(٢) أي عدم القدرة على إيجاد الغرض قبل الغرض.

(٣) الذاريات ٥١ : ٥٦.

الأول : في حقيقته وأقسامه ، وهو بعث (١) من يجب طاعته ابتداء على ما فيه مشقّة إمّا من فعل أو ترك ، فبقيد الابتداء خرج النبي والإمام وغيرهما ممّن تجب طاعته ، وبقيد المشقّة خرج ما لا مشقّة فيه كالنكاح المستلذّ ، واشتراط الإعلام (٢) لا أرى دخوله في حقيقته ، بل في شرائطه كما يجيء.

وينقسم إلى اعتقاد وعمل ، الأوّل : ينقسم إلى علم عقلا (٣) كالمعرفة بالله وشرعا (٤) كالعبادات ، وإلى ظنّ كالقبلة ، والثاني : إمّا عقلي كردّ الوديعة ، وشكر المنعم والإنصاف وترك الظلم من الواجبات ، والفضل وحسن المعاشرة من المندوبات ، وإمّا سمعي كفعل العبادات الخمس وغيرها ممّا لا يستقلّ العقل بدركه.

الثاني : في شرائطه ، وهي إمّا راجعة إلى الربّ ، وهي كونه عالما بصفات الأفعال وإلّا لجاز عليه الأمر بالقبيح والنهي عن الحسن ، وبمقدار الثواب وإلّا لأوصل بعض الحقّ فيكون ظلما ، وكونه قادرا على إيصال المستحقّ لما قلناه ، وكونه لا يخلّ بالواجب وإلّا لجاز الإخلال ببعض المستحقّ أو بكلّه.

وإمّا راجعة إلى العبد ، وهي كونه قادرا على ما كلّف به وكونه عالما (٥) به أو إمكان

__________________

(١) البعث على الشيء هو الحمل عليه والحثّ بالأمر والنهي.

(٢) يعني زيادة قيد «بشرط الإعلام» على التعريف كما فعله جمع من المتكلّمين ـ أي بشرط إعلام المكلّف بما كلّف به ؛ إذ الإتيان به لا يتصوّر بدون قصده على وجه الامتثال ـ ووجه عدم لزوم هذا القيد في التعريف هو ما ذكره المصنّف (ره) أنّه غير داخل في حقيقة التكليف بل في شرائطه.

(٣) عقلي ـ خ : (د).

(٤) شرعي ـ خ : (د).

(٥) ذكر في كثير من الكتب الكلامية في شرائط المكلّف : «كونه عاقلا» وقالوا في تفسيره على ما هو المشهور بين المتكلّمين ـ كما صرّح به فخر الدين الرازي في المحصل والعلّامة قدس‌سره في نهاية المرام ـ أنّ العقل الذي هو مناط التكليف هو العلم بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات ، لأنّ العقل لو لم يكن من قبيل العلوم لأمكن انفكاك أحدهما عن الآخر ، فيصحّ وجود العقل من دون علم ووجود علوم كثيرة بغير عقل ، وهو محال ؛ لاستحالة وجود عاقل لا يعلم شيئا أصلا ووجود عالم بجميع الأشياء ولا يكون عاقلا ، وليس هو العلم بالمحسوسات لحصوله في البهائم والمجانين ، فهو إذن علم بالأمور الكلية ، وليس من العلوم النظرية ؛ لأنّها مشروطة بالعقل ، فلو كان العقل عبارة عنها كان الشيء شرطا في نفسه وهو محال ، فإذن هو علم ـ

علمه وتمكّنه من الشرائط والآلات ؛ لعدم إمكان الفعل بدون هذه ، فيكون التكليف حينئذ بالمحال.

وإمّا راجعة إلى التكليف نفسه ، وهي انتفاء المفسدة ، أي لا تكون مفسدة للمكلّف في فعل آخر أو لغيره من المكلّفين ، وتقدّمه على زمان الفعل قدرا يتمكّن فيه من الاستدلال ، وكون متعلّقه ممكنا لما تقدّم ، واشتماله على صفة تزيد على حسنه.

الثالث : في حسنه ووجوبه ووجههما فنقول : أمّا الأوّل فلأنّه فعله تعالى ، وقد تقدم انتفاء القبيح عنه ، ووجه حسنه التعريض للثواب ؛ لأنّه لمّا خلق العبد وهيّأه لاستحقاق الثواب على التعظيم والعقاب ولم يكن إيصالهما إليه إلّا مع الطاعة أو المعصية ؛ لاشتمال الثواب على التعظيم والعقاب على الإهانة ، ولا يمكن إيصالهما إلّا مع الاستحقاق ؛ لأنّ تعظيم من لا يستحقّ التعظيم وإهانته قبيحان عقلا وشرعا فلم يكونا لائقين بالحكمة.

وأمّا الثاني : فإنّه لولاه لكان مغريا بالقبيح ، واللازم كالملزوم في البطلان ، والملازمة ظاهرة ، فإنّه لمّا خلق الإنسان وكمل عقله ، وخلق فيه شهوة للقبيح ونفرة عن الحسن مع عدم استقلال عقله بمعرفة كثير من الحسن والقبح ، لو لم يقرّر عنده وجوب

__________________

ـ بأمور كلّية ضرورية.

والأحسن في تفسير العقل هو ما قيل : إنّه غريزة يلزمها العلم بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات عند ارتفاع الموانع. والقيد الأخير ليندرج فيه الساهي والنائم ؛ لأنّه يصدق عليه أنّه عاقل مع أنّه غافل عن العلم بالأمور المذكورة ، ولذلك ذكر فخر الدين الرازي في المحصّل ص ٧٢ طبعة مصر عام ١٣٢٣ بعد الإشكال ، بأنّ العقل قد ينفكّ عن العلم كما في حقّ النائم أو اليقظان الذي لا يكون مستحضرا لشيء من وجوب الواجبات واستحالة المستحيلات ما هذا لفظه : «وعند هذا يظهر أنّ العقل غريزة تلزمها هذه العلوم البديهية عند سلامة الحواسّ» وقال المحقق الطوسي (ره) في نقد المحصّل ص ٧٢ : وما ذهب إليه المصنّف هو الصواب ، فممّا ذكرنا كلّه يظهر وجه عدول المصنف (ره) عن تعبير القوم وتعبيره : بكونه عالما ، ولم يعبّر كما عبّر به المشهور بكونه عاقلا فتدبّر. وإنّما ذكر التمكّن من العلم به ليندرج فيه التكليف بكثير من السمعيات المفتقرة إلى البيان كالصلاة والحجّ والصوم ، فإنّ الجاهل بهذه الأمور قد يكون مكلّفا بها مع كونها مجهولة عنده لا يميّزها عن غيرها ، وإنّما جاز تكليفه بها لكونه متمكّنا من العلم بها من بياناتها المخصوصة أو من المفتي.

الواجب ليمتثله وحرمة الحرام ليجتنبه لكان بفعل ذلك مغريا.

وأمّا بطلان اللازم فإنّ الإغراء بالقبيح قبيح ضرورة ؛ فإنّ العقلاء كما يذمّون فاعل القبيح فكذا المغرى به والعلم بحسن الحسن وقبح القبيح واستحقاق المدح والذم عليهما غير كاف ، فإنّ كثيرا من العقلاء يعلمون ذلك ويقضون أوطارهم من اللذات القبيحة مستستهلين للذمّ غير مختلفين بالمدح وقد بان في اثناء ذلك وجه وجوبه.

الرابع : في أحكامه :

الأوّل : أنّه عامّ في حقّ المؤمن والكافر ؛ لأنّ علّته حسنه وهي التعريض لذلك ، وكون الكافر لا ينتفع به لا يقتضي قبحه ؛ لأنّ ذلك من سوء اختياره ، لوجود التمكين في حقّه كما في حقّ المؤمن.

الثاني : اتّفق الجبائيان على أنّ المؤمن إذا علم كفره لا يجب إماتته ؛ لأنّ تكليفه في المستقبل تعريض للثواب فحسن كالمبتدئ المعلوم منه الكفر.

وقال الخوارزمي : بل يجب إماتته ؛ فإنّ بقاءه مفسدة لا تحسن من الله ، وفرق بينه وبين التكليف المبتدئ بأنّ المبتدئ لم يحصل منه الغرض ، وهو التعريض للثواب ، وهذا قد حصل الغرض منه فلو أبقاه لنقض (١) غرضه ، قيل : وفيه قوة.

واختلفا في وجوب إبقاء الكافر المعلوم إيمانه فأوجبه أبو علي لما فيه من اللطفية ، ومنعه أبو هاشم ، لأنّه ممكن (٢) وليس بلطف فلا يكون واجبا ، وهذا أقوى.

ويتفرّع على هذا البحث جواب سؤال بعض الأشاعرة إلزاما : بفرض (٣) إخوة ثلاثة وردوا يوم القيامة : صبي ومؤمن وكافر فيقول الصبي : لم لا كلّفتني لأصل إلى ثواب أخي المؤمن؟ فيقول الله : إنّي علمت أنّك لو بلغت لكفرت فلهذا أمتّك ، فيقول الكافر : يا ربّ لم لا أمتّني قبل البلوغ كالطفل فتنقطع الحجّة باعتبار المصلحة؟

فيقال في الجواب : إماتة من يعلم منه الكفر ليست واجبة ، فجاز تخصيص بعض

__________________

(١) انتقض ـ خ : (آ).

(٢) تمكين ـ خ ل ـ خ : (آ).

(٣) نفرض ـ خ : (آ).

الناس بها دون بعض ، أو يقال : الإبقاء مطلقا تفضّل ، والتفضّل ليس بواجب ، أو إنّ تكليف الصبي لو حصل ترتّب عليه مفسدة لبعض المكلّفين ، وهو وجه قبح ، وتكليف الكافر ليس كذلك.

الثالث : أنّ التكليف منقطع لوجوه.

الأوّل : الإجماع عليه.

الثاني : إنّه لولاه لما أمكن إيصال الثواب ، والتالي كالمقدّم في البطلان.

وبيان الشرطية أنّ التكليف مشقّة ، والثواب مشروط بخلوصه عن المشاق ، فالجمع بينهما محال.

الثالث : لو لا انقطاعه لزم الإلجاء وهو باطل.

بيان الملازمة أنّ إيصال الثواب واجب ، فإذا علم المكلّف حصول جزاء الطاعة إذا فعلها في تلك الحال وكذا جزاء المعصية إذا تركها ، يكون مجبرا على ذلك ، وهو باطل ؛ لاشتراط الاستحقاق بصدور الفعل اختيارا وإلّا لا فرق بين صدوره وعدمه.

إن قلت : هذا ينتقض بالحدود ، وبأنّه عليه‌السلام كان يخيّر الأعرابي بين الإسلام والقتل ، وهو إلجاء.

قلت : جواب الأوّل بالمنع من كونها ملجئة لتجويز العاصي عدم الشعور به (١) ، بخلاف يوم القيامة فإنّ التجويز غير حاصل لما ثبت من علمه بالجزئيات.

وجواب الثاني : أنّ هذه الصورة حسنة في ابتداء التكليف لا مطلقا ، وحسنها لاشتمالها على مصلحة ، وهو الاطّلاع على أدلّة الحقّ ، فيدعوه إلى الدخول في الإيمان اختيارا ، فيستحق الثواب بخلاف ما لو بقي على كفره ، فإنّه حينئذ لا يطّلع عليها وإسلامه الأوّل لا يستحقّ به ثوابا (٢).

__________________

(١) لتجويز القاضي عدم الشعور به ـ خ : (د).

(٢) ذكر المصنّف (ره) في مباحث التكليف حقيقته وشرائطه الراجعة إلى المكلّف والمكلّف والتكليف وحسنه ووجوبه وأحكامه ، وأنّ التكليف منقطع ولم يتعرّض هنا لماهية المكلّف كما تعرّض بعضهم للبحث عن المكلّف أنّه من هو؟ ولعلّ عدم تعرّض المصنّف (ره) لهذا البحث هنا من جهة أنّه يتعرّض له في اللامع ـ

__________________

ـ الثاني عشر في الحشر والجزاء من المباحث الآتية ، حيث يبحث عن حقيقة الإنسان ، ولكن تكميلا للفائدة وتبعا لبعض المتكلّمين نتعرّض له هنا إجمالا ونقول :

ومن مباحث التكليف هو المكلّف من هو؟ فقيل ـ كما قال به الشيخ الأقدم الشيخ أبو اسحاق النوبختي (ره) في الياقوت ـ : إنّ ماهية الانسان وحقيقته هو ما يشير إليه الإنسان بقوله : أنا هذه البنية والجملة ، وقال العلّامة قدّس الله روحه في شرحه : لما ذكر الشيخ ـ يعني النوبختي (ره) ـ التكليف أشار إلى بيان ماهية المكلّف ما هي؟ وقد اختلف الناس في ذلك ، فالذي اختاره المصنف (ره) ـ يعني النوبختي (ره) ـ أنّه هذه البنية المخصوصة والجملة المشار إليها ، وهو الذي يعبر عنه بقوله : أنا فعلت وأنت فعلت ، وهو اختيار السيّد المرتضى رحمه‌الله وأكثر المعتزلة ، وذهب الشيخ أبو سهل بن نوبخت من أصحابنا والشيخ المفيد محمد بن النعمان رحمهما‌الله إلى أنّه ـ أي المكلّف ـ شيء مجرّد ـ أي غير جسم ولا جسماني ـ غير مشار إليه بالحسّ يتعلّق بهذا البنية تعلّق العاشق بمعشوقه لا تعلّق الحال بالمحلّ ، وهو مذهب الأوائل ـ يعني الحكماء ـ واختيار معمّر بن غياث السلمي من المعتزلة ، وذهب ابن الراوندي إلى أنّه ـ أي الإنسان ـ جزء لا يتجزّأ في القلب ، وقال جماعة من المتكلّمين : إنّ المكلّف هو الأجزاء الأصلية في هذا البدن لا تتطرّق إليها الزيادة والنقصان ، بل هي باقية من أوّل العمر إلى آخره.

قلت : وإلى هذا القول يميل المصنّف (ره) في هذا الكتاب عند البحث عن حقيقة الإنسان بقوله : وهو الأقرب. كما يأتي هناك إن شاء الله تعالى.

والمعتمد من رأي المتكلّمين أنّ النفس الإنسانية إمّا جسم لطيف مخالف للجسم الذي يتولّد من الأعضاء ، نوراني علوي خفيف سار في الأعضاء كلّها ، نافذ فيها نفوذ ماء الورد فيه ونفوذ النار في اللحم ، لا تتبدّل ذاته ولا تتحلّل أجزاؤه ، بقاؤه في الأعضاء حياة له وانتقاله عنها إلى عالم الارواح موت له ، أو هي الأجزاء الأصلية الباقية من أول العمر إلى آخره التي لا تقوم الحياة إلّا بها كما عرفت.

وغير خفي على الباحث الخبير أنّ هذه الأوصاف التي ذكروها أوصاف شبيهة بصفات البدن المثالي البرزخي لا النفس المجرّد ، كما ذكر بعض المتكلّمين في وصف الروح : أنّه جسم لطيف اشتبك بالأجسام الكثيفة اشتباك الماء بالعود الأخضر ، قال صدر المتألهين قدس‌سره : وذلك لأنّ ذلك الجسم البرزخي أيضا من مظاهر الروح وكينونته في هذا البدن ليس بتداخل واشتباك لكن يشبههما ، انتهى.

قال أمير المؤمنين سلام الله عليه كما نقله الصفدي في شرح لامية العجم : «الروح في الجسد كالمعنى في اللفظ».

والمعتمد من رأي المحقّقين من الحكماء الإلهيين وجمع من محقّقي المتكلّمين : أنّ النفس الانسانية جوهر مجرّد في ذاته دون فعله ، متصرّف في البدن ، متعلّق به تعلّق التدبير والتصرّف ، وهي تتعلّق أولا وبالذات بالروح الحيواني المتكوّن في الجوف الأيسر من القلب من بخار الغذاء ولطيفه ، ويفيد قوة بها يسري في جميع البدن.

النوع الثاني : اللطف ، وفيه مسائل.

الأولى : تعريفه ، وهو ما يكون المكلّف به أقرب إلى فعل الطاعة وترك المعصية ولا يبلغ الإلجاء ، وليس له حظّ في التمكين ، ويخرج بالأخير الآلة (١) وهو الواجب في الحكمة وإلّا لزم مناقضة الحكيم غرضه ، وهو باطل ، وإلّا لم يكن حكيما ؛ لأنّ العقلاء يعدّون نقض الغرض سفها وهو عليه تعالى محال وأمّا بيان اللزوم فلأنّه تعالى أراد الطاعة من العبد ، فإذا علم أنّه لا يختارها أو لا يكون أقرب إليها إلّا عند فعل يفعله به لا مشقّة عليه فيه ولا غضاضة ، فإنّ الحكمة تقضي (٢) بوجوبه ، وإلّا لكشف عن عدم إرادته كمن أراد حضور شخص مائدته وعلم أنّه لا يحضر إلّا بمراسلة (٣) أو ملاطفة ولم يفعلهما ، فإنّه يعدّ ناقضا لغرضه.

الثانية : في أقسامه ، وهي ثلاثة.

الأوّل : أن يكون من فعله تعالى كإرسال الرسل ونصب الأدلّة ، وقد تقدّم بيان وجوبه.

الثاني : من فعل المكلّف نفسه ، ويجب في حكمته تعالى أن يعرّفه به ويوجبه ، فإنّ

__________________

وهذا ما اختاره الشيخ الأعظم المفيد (ره) وقبله الشيخ أبو سهل النوبختي (ره) ، وبعدهما من المحقّقين المحقّق الطوسي (ره) وغيره من المتأخّرين.

وتدلّ على هذا القول الأدلّة العقلية والنقلية كما ذكرها وحقّق المطلب الفيلسوف الإلهي صدر المتألّهين (ره) في كتابه الأسفار الأربعة مع إثبات البدن البرزخي الذي هو همزة الوصل بين الروح المجرّد والبدن المادي العنصري كما بيّنه شيخنا الأستاذ الأعظم كاشف الغطاء (ره) في الفردوس الأعلى ولا سعة في المقام لبسط الكلام في هذا المرام بأكثر من ذلك ، فراجع الأسفار والفردوس الأعلى وگوهر مراد ورسالة بقاء النفس بعد فناء الجسد للمحقّق الطوسي (ره) وكتاب جامع السعادات للعلّامة النراقي (ره) ، وقد استفدنا تجرد النفس من بعض الآيات القرآنية ، فراجع في ذلك تعاليقنا التي كتبناها في السنين الماضية على الأنوار النعمانية للجزائري (ره) ، ولعلّه تأتى الإشارة إليها في هذه التعليقات إن شاء الله تعالى.

(١) فإنّ لها حظّا في التمكين وليست لطفا. وقولنا : لم يبلغ حدّ الإلجاء ؛ لأنّ الإلجاء ينافي التكليف ، واللطف لا ينافيه وهذا هو اللطف المقرّب.

(٢) تقتضى ـ خ : (آ).

(٣) برسالة ـ خ : (آ).

قصر المكلّف فقد أتى من قبل نفسه ، كمتابعة الرسل.

الثالث : من فعل غيرهما ، ويجب في الحكمة إيجابه على الغير كتبليغ الرسالة ، وأن يكون له في مقابلته نفع يعود إليه ؛ لأنّ إيجابه عليه لمصلحة غيره مع عدم نفع يصل إليه ظلم ، تعالى الله عنه.

ثمّ إنّه لا يحسن تكليف من له اللطف إلّا بعد العلم بأنّه يقع ؛ إذ لولاه يلزم مناقضة الغرض.

الثالثة : في أحكامه :

الأوّل : أنّه عام للمؤمن والكافر ، ولا يلزم من حصوله للكافر عدم كفره ؛ لأنّ اللطف لطف في نفسه سواء حصل الملطوف فيه أو لا ، بل كونه لطفا من حيث إنّه مقرّب إلى الطاعة ومرجّح لوجودها ، وعدم الترجيح هنا لعارض أقوى وهو سوء اختيار العاصي.

الثاني : أنّه إذا لم يفعل الله اللطف لم يحسن عقابه للمكلّف على ترك الملطوف فيه ؛ لأنّه بذلك كالأمر بالمعصية كما قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) (١) قرر أنّه (٢) لو منعهم الإرسال لكان لهم هذا السؤال ، ولا يكون لهم ذلك إلّا مع قبح الإهلاك.

نعم لا يقبح الذمّ (٣) ؛ لأنّه مستحقّ على القبيح غير مختصّ (٤) به تعالى بخلاف العقاب المختصّ ؛ ولهذا لو بعث الإنسان غيره على فعل القبيح ففعل لكان له ذمّه كما يذمّ إبليس أهل النار وإن كان هو المسئول.

الثالث : لا بدّ من مناسبة بين اللطف والملطوف فيه ، أي يكون حصوله داعيا إلى حصول الملطوف فيه ، وإلّا (٥) لم يكن كونه لطفا فيه أولى من كونه لطفا لغيره من

__________________

(١) طه ٢٠ : ١٣٤.

(٢) قدّر ـ خ : (د).

(٣) أي من الله تعالى على ترك الإيمان مع عدم اللطف.

(٤) أي الذمّ ، بل العقلاء مشاركين في الذمّ على القبيح.

(٥) أي إذا لم يكن داعيا إلى حصوله.

الأفعال ، أو من كون غيره لطفا فيلزم الترجيح بلا مرجّح.

الرابع : أنّه (١) لا يبلغ إلى الإلجاء ، لمنافاته التكليف.

الخامس : أنّه (٢) يدخله التخيّر (٣) أي لا يجب أن يكون معينا بل يجوز أن يكون كلّ واحد من الفعلين مشتملا على مصلحة اللطفية ، فيقوم مقام صاحبه ، أمّا في حقّنا فكخصال الكفّارة الثلاث ، وأمّا في حقّه تعالى فكما يجوز أن ينصب لنا دليلا يحصل به اللطفية ويحصل أيضا لنا بدليل آخر ، وذلك بشرط حسن كلّ من الفعلين وعدم اشتماله على وجه من وجوه القبح.

وخالف في هذا بعض المعتزلة وقال : يجوز أن يكون القبيح كالظلم منّا لطفا قائما مقام أمراض الله تعالى ، مستدلّا بأنّ وجه كون الألم من فعله تعالى لطفا ، هو حصول المشقّة وتذكّر العقاب ، وهو حاصل في الظلم فكان جائزا.

وفيه نظر ، لأنّ كونه لطفا جهة وجوب والقبيح لا جهة وجوب له ، بل اللطف إنّما هو في علم المظلوم (٤) لا في نفس الظالم ، كما أنّ العلم بحسن ذبح البهيمة لطف لنا وإن لم يكن الذبح في نفسه لطفا.

الرابعة : في توابعه (٥) ، وهي أقسام.

الأوّل : الأمر بالمعروف الواجب واجب عقلا وكذا النهي عن المنكر للطفيته ؛ فإنّ المكلّف إذا علم أنّه إذا ترك الواجب أو فعل المعصية منع أو عوقب كان ذلك مقرّبا له إلى فعل الأوّل وترك الثاني ، وكلّ لطف واجب ، وجهة الوجوب عامّة ، فيكون واجبا على الأعيان.

وخالف السيد (٦) في المقامين وقال : وجوبهما سمعي وإلّا لوجبا عليه تعالى ؛ لأنّ

__________________

(١) أن لا ـ خ : (د).

(٢) أن ـ خ : (آ).

(٣) التخيير ـ خ : (آ).

(٤) الملطوف ـ خ : (آ) وهو تذكر العقاب.

(٥) أي توابع اللطف.

(٦) «السيد» على الإطلاق هو السيد الأجلّ سيد الأمة ذو المجدين ، السيد المرتضى علم الهدى علي بن الحسين ـ

الواجب العقلي يعمّ (١). لكن اللازم باطل ، وإلّا لوقع كلّ معروف وارتفع كلّ منكر إن فعلهما ، وإن لم يفعل أخلّ بالواجب ، وهو محال.

وفيه نظر ؛ لأنّه إذا كان المراد بالأمر والنهي الحمل والمنع المؤديين إلى الإلجاء فباطل ، لمنافاته التكليف وإلّا لم (٢) يلزم الوقوع والارتفاع المذكوران ؛ لأنّ ذلك حينئذ يفيد التقريب وعلى الكفاية ، لأنّ الغرض وقوع المعروف وارتفاع المنكر ، فوجوبهما بعد حصوله من واحد عبث.

وفيه نظر أيضا ؛ لأنّا نمنع حصر الغرض فيما ذكرتم ، لجواز وجود غرض آخر مع ذلك ، هو حصول الثواب بالقصد إليه. سلّمنا لكن ليس الكلام فيهما بعد الوقوع ؛ لأنّ الشرط كونهما ممّا يتوقّعان ، لاستحالة الأمر بالماضي والنهي عنه بل الكلام قبل الوقوع ، وحينئذ لا عبث.

والوجوب هنا ليس مطلقا بل مشروط بعلم الآمر والناهي بالوجه ، وإلّا لجاز الخلاف ، فيقع المنكر ويرتفع المعروف ، وتجويز التأثير وإلّا لزم العبث ، وعدم حصول مفسدة بذلك(٣) لغير مستحقّ لها وإلّا لحصل ما هو أعظم من المقصود رفعه.

ثمّ الضابط في كيفية ذلك عدم الانتقال إلى الأصعب مع انجاح (٤) الأسهل سواء كان بالقلب أو اللسان أو الجوارح والأمر بالندب ندب.

الثاني : الرزق ما ساغ عقلا وشرعا الانتفاع به ولم يكن لأحد المنع منه ، ولا يشترط الملكية ؛ لأنّ البهيمة مرزوقة وليست مالكة ، ولا كونه ممّا يصحّ تملكه عرفا ، فإنّه قد يكون مالا وولدا ، وقد يكون جاها وعلما وحياة وزوجة وصاحبا (٥) ، مع عدم وصف أكثرها

__________________

ـ الموسوي المتوفّى ٤٦٣ شهرته العلمية والعملية بين الأمة وجلالة شأنه وكونه من أعلام الدين الشاهقة ، في غنى عن البيان قدّس الله سرّه.

(١) أي الربّ والعبد.

(٢) لا ـ خ : (د).

(٣) كذلك ـ خ ل ـ خ : (د).

(٤) انجاع ـ خ : (آ).

(٥) أي الولد والعلم رزق ولا يقال : إنّهما ملك.

بالملكية ، بل تكفي الإباحة لكن مع الانتفاع بالفعل ، ولهذا قلنا : ولم يكن لأحد المنع فيخرج (١) طعام الضيافة قبل استهلاكه بالمضغ ، فإنّه ليس برزق ؛ لأنّ لصاحبه المنع من أكله ففي اشتراط السوغان (٢) إشارة إلى أنّ الحرام ليس رزقا ، وإلى أنّ الإنسان قد يأكل رزق غيره.

وقال الأشعري : الرزق ما أكل (٣) ، فعلى قوله الحرام رزق ، ولا يأكل الإنسان رزق غيره ، وهو باطل.

ثمّ الرزق قد لا يجب (٤) عليه تعالى فعله إلّا مع الجدّ في طلبه ؛ لاشتماله على اللطفيّة. فالاجتهاد في تحصيل المنافع الأخروية ، لخاطر أنّ المنافع الدنيوية مع حقارتها لا تحصل إلّا بالكسب ، فالأخروية مع جلالتها أولى.

وقد يمتنع منه تعالى كما إذا اشتمل على مفسدة ، وطلبه ينقسم إلى الأحكام الخمسة بحسب ما يشتمل (٥) عليه من جهاتها.

ومنع الصوفية من ذلك ـ لاختلاط الحرام بضدّه ولا يتميّز فيحرم التصرف فيه والصدقة منه ، ولمساعدة الظالم بإعطاء الباج والتمغاء (٦) ، ولقوله عليه‌السلام : «لو توكّلتم على

__________________

(١) ليخرج ـ خ : (آ).

(٢) السوغ ـ خ ل ـ خ : (آ).

(٣) أي حراما كان أو حلالا.

(٤) لا ـ خ : (آ) وليس في ـ خ : (د) والصحيح هو ـ خ : (آ).

(٥) ما اشتمل ـ خ : (آ).

(٦) قال في فرهنك آنندراج تمغاباجي كه بر درهاى بلاد ومعابر بحار از تجّار گيرند. تمغا بالفتح والغين المعجمة لفظ تركي. لمّا استولى كفّار المغول على البلاد الإسلامية ، ولا سيما على العراق كان من دأبهم استعمال بعض الألفاظ من لغاتهم في بعض شئون دولتهم الغاشمة الكافرة كال (يأسا) وال (تمغاء) ونظائرهما ، ولما كان استعمال هذا اللفظ متداولا في عصر المصنّف (ره) في ألسنة أهل زمانه وشائعا في محاوراتهم ، لقرب عهدهم بهم ، ولذلك استعمله في كتابه مع علمه بأنّه ليس من اللغة العربية كما استعمله في كتابه كنز العرفان أيضا. انظر ج ٢ ، ص ١٠ ، س ٦ طبعة طهران حيث قال في تفسير آية : ١٥ من سورة الملك : وفي الآية دلالة على جواز طلب الرزق خلافا للصوفية حيث منعوا من ذلك ، لاشتماله على مساعدة الظلمة بإعطاء التمغاء والباج ، وهو جهل منهم فإنّ ذلك الإعطاء غير مقصود بالذات ، بل لو أمكن المنع لما اعطوا شيئا ،

الله حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا (١)» ـ باطل ؛ لأنّا نمنع اختلاط كلّ حلال ، والبعض لا حرج فيه مع عدم العلم ، والإعطاء ليس مقصودا ولا مرادا ، والتوكّل لا ينافي الطلب ، والمكتسب حال طلبه متوكّل لإردافه بالغدوّ مع أنّه لا نهي في الحديث عن الطلب ، بل يفهم منه : أنّكم لو عبدتم الله لرزقكم كما يرزق الطير بتهيئته الأسباب وأردفه بالغدوّ الذي هو الطلب.

ثمّ الذي يدلّ على قولنا ، اندفاع الضرر به فيكون سائغا وقوله تعالى : (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٢) وقوله عليه‌السلام : «سافروا تغنموا».

الثالث : السعر تقدير البدل فيما يباع به الشيء ، وليس نفس البدل ؛ لأنّه الثمن والمثمن ، وهو رخص ـ أعني المنحطّ ـ عمّا جرت به العادة مع اتّحاد الوقت والمكان ، وغلاء وهو ضدّه واعتبر الاتّحاد في الطرفين ، إذ لا يقال : الثلج رخيص في الشتاء حال نزوله(٣) وغال في الصيف حال عدمه ، بل يقال : رخص في الصيف لانحطاطه عن جاري عادته ، وكذا الكلام في المكان.

ثمّ إنّهما إن اشتملا على وجه قبيح فمنّا وإلّا منه تعالى ومنّا ، وما منه تعالى قد يشتمل على اللطفية وقد يكون ابتلاء.

الرابع : الأجل ، وهو الوقت الذي علم الله تعالى بطلان الحياة فيه وقد يكون لطفا

__________________

ـ وفي الحديث أنّه لما نزل : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق : ٣ ، انقطع رجال من الصحابة في بيوتهم واشتغلوا بالعبادة وثوقا بما ضمن الله لهم ، فعلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك فعاب عليهم ذلك وقال : إنّي لابغض الرجل فاغرا فاه إلى ربّه يقول : اللهم ارزقني ويترك الطلب.

أقول : مساعدة الظالم وإعانته إنّما تتحقّق بالقصد إليها وبالصدق العرفي وإن لم يكن قصد ، وهما غير متحقّقين في طلب الرزق أصلا ، فقول الصوفية باطل قطعا كما هو مشروح ومحقق في مظانّه من كتب الفقه.

(١) قال القاضي عبد الجبار المعتزلي : أما قولهم : إنّ الطلب ينافي التوكّل ويضادّه فمحال ، بل التوكّل هو طلب القوت من وجهه ، وعلى هذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو توكّلتم على الله ... جعل التوكّل هو أن تغدو أو تروح في طلب المعيشة من حلّه شرح الأصول الخمسة ص ٧٨٦ طبعة مصر.

(٢) الجمعة ٦٢ : ١٠.

(٣) لأنّه ليس أو أن بيعه.

لغير صاحبه ، ولا خلاف في أنّ من يموت حتف أنفه أنّه بأجله مات ، وإنّما اختلف فيمن يموت بسبب خارجي.

فقال أبو الهذيل : إنّه كالأوّل وإنّه لو لا السبب لوجب موته وإلّا لكان القاتل قاطعا لحياته المعلوم له تعالى حصولها وهو باطل ؛ إذ لا قدرة على المحال ، ولزم انقلاب علمه تعالى جهلا ، إذ مع وجوب حياته قد علم أنّه يعيش وبالقتل فاتت حياته فيلزم الانقلاب.

وقال البغداديّون من المعتزلة : إنّه لم يمت بأجله وإنّه لو لم يقتل لوجب أن يعيش ، وإلّا لكان من ذبح غنم غيره محسنا إلى صاحبها واللازم باطل ، لاستحقاقه الذمّ من العقلاء ويغرم (١) قيمتها شرعا (٢).

وفيهما نظر ، أمّا الأوّل فلأنّ المعلوم قد يكون مشروطا ، ولأنّ العلم تابع فلا يكون خلاف المعلوم محالا في نفسه وإن كان محالا بالنظر إلى العلم.

وتحقيقه : أنّ العلم يستدعي المطابقة ، ففرض وقوع العلم بأحد الطرفين هو فرض وقوع ذلك الطرف ، ولا شكّ في أنّه يستحيل وقوع أحد الطرفين مع فرض وقوع نقيضه ، لكن هذه الاستحالة ليست منافية للإمكان الذاتي ؛ لأنّها تابعة للفرض المذكور وهي التي سمّاها المنطقيون الضرورة بحسب المحمول.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّ ذمّه باعتبار تفويته العوض الكثير عليه تعالى (٣).

وفي هذا نظر ؛ فإنّ العقلاء إنّما يذمّونه على الذبح ، ولذلك يعلّلونه به.

__________________

(١) ولغرم ـ خ : (آ).

(٢) في شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي والشرح للإمام أحمد بن الحسين بن أبي هاشم : والذي عندنا أنّه كان يجوز أن يحيى ويجوز أن يموت ولا يقطع على واحد من الأمرين ، فليس إلّا التجويز ، ثمّ شرع في الردّ على ما قاله أبو الهذيل والبغداديون ـ انظر ص ٧٨٢ طبعة القاهرة سنة ١٣٨٤.

(٣) يعني أنّه إنّما لم يكن محسنا باعتبار تفويته الأعواض الكثيرة ، فإنّه لو لا ذبحه لكان موته من قبل الله تعالى فتتزايد أعواضه على أعواض الذبح.

وفيه نظر ؛ فإنّ العقلاء إنّما يذمّونه على الذبح وتفويت الحياة ، ولهذا لو سئل الواحد منهم لقال ذلك.

والأقرب في الجواب : أنّا نحكم على ذابح الشاة بالظلم ونذمّه لتجويز حياتها ، وأيضا باعتبار إقدامه على مال الغير ، ولهذا يغرم القيمة.

والأجود جوابا : أنّ الذمّ باعتبار تجويز الحياة وبالإقدام على مال غيره ، ولذلك يغرم القيمة.

وقال البصريون : إنّه يجوز الأمران ؛ لعدم دليل قاطع على أحد الطرفين. ثمّ من هؤلاء من قال : الذي يعلم منه البقاء لو لم يقتل له أجلان ، وقال الجبائيان وأبو الحسين :

إنّ أجله هو الوقت الذي قتل فيه ليس له أجل آخر لو لم يقتل ، فما كان يجوز أن يعيش إليه ليس بأجل له الآن حقيقي بل تقديري.

النوع الثالث : العوض على الألم ، وفيه فوائد.

الأولى : العوض ، وهو النفع المستحقّ الخالي عن تعظيم إمّا مساو للألم أو زائد عليه ، والأوّل علينا خاصّة والثاني عليه تعالى وله أسباب.

الأوّل : إنزال الألم.

الثاني : تفويت المنافع لمصلحة الغير كإماتة ابن لزيد علم أنّه لو عاش انتفع به (١).

الثالث : إنزال الغموم سواء استند إلى علم ضروري أو مكتسب أو ظنّ ؛ لأنّه هو الخالق لذلك العلم والناصب للدليل والأمارة ، وأمّا ما يستند إلينا فلا.

الرابع : ما كان منّا بأمره وإباحته.

الخامس : ما كان بتمكين غير العاقل كالحيوان الأعجم والمجنون لتمكينه إيّاه منه وخلق الميل فيه إليه ، ولم يخلق له عقلا (٢) زاجرا فكان كالمغري له والملجئ.

وقيل : العوض في هذا على الحيوان ؛ لقوله عليه‌السلام : «إنّ الله ينتصف للجماء من القرناء».

وفيه نظر : إذ لا دلالة فيه على المدّعى ، بل على الانتصاف ، وهو إيصال

__________________

(١) كيف يعلم أنّه لو عاش انتفع به وقد علم إماتته وفرض حياته محال لاحق ، والمنفعة المقدّرة مفرّعة على المحال فهي محال فكيف نفع العلم بها ، وقد سبق في جوابه الخلاف في المقتول ما يناسب ذلك. هامش ـ خ : (آ).

(٢) علما ـ خ : (آ).

العوض إلى المستحقّ ، وهو أعمّ من كون العوض من المؤلم أو غيره ، مع أنّه يمكن حمله على المظلوم والظالم مجازا ؛ لضعف الأوّل فشبّه بالجماء وقوة الثاني فشبّه بالقرناء.

وقيل : لا عوض هنا لقوله عليه‌السلام : «جرح العجماء جبار (١)».

وفيه نظر ؛ لإمكان حمله على عدم القصاص.

وقال القاضي : إن كان الحيوان ملجأ إلى الإيلام ، فالعوض عليه تعالى وإلّا فعلى الحيوان ، محتجّا بأنّ التمكّن (٢) وحده غير كاف في استحقاق العوض وإلّا لوجب العوض على الحدّاد بصنعة السيف للقاتل ، وهو باطل اتفاقا لقبح ذمّه بخلاف القاتل ، وأمّا مع الإلجاء فالعوض عليه ؛ لعدم حسن ذمّ الملجأ.

الثانية : الألم ، قد تقدّم تعريفه ، وهو إمّا أن يعلم فيه وجه من وجوه القبح ، وقد ذكر ثلاثة : أن يكون عبثا أو ظلما كلطمة اليتيم أو يشتمل على مفسدة كإيلام الظالم إذا علم زيادة ظلمه بذلك ، وذلك يصدر عنّا خاصة لاستحالة القبح عليه تعالى ، أو لا يعلم فيه ذلك ، وهو أقسام :

الأوّل : أن يكون مستحقا كالعقاب وكضرب العبد على عصيانه.

الثاني : كونه دافعا لضرر كشرب الدواء المرّ.

الثالث : كونه جالبا للنفع.

الرابع : كونه مجرى العادة (٣).

الخامس : كونه على وجه الدفع لضرر يتوقّع كقتل من يقصدنا ويسمّى هذا كلّه حسنا ، وهو قد يصدر منه تعالى ومنّا.

الثالثة : قد علمت أنّ الحسن قسمان :

__________________

(١) أي جرح البهيمة هدر ـ جمع : عجماوات.

(٢) التمكين ـ خ : (آ).

(٣) أي أن يكون مفعولا على مجرى العادة كما يفعله الله تعالى بالحيّ إذا ألقيناه في النار. انظر إلى كشف المراد للعلّامة قدس‌سره.

الأوّل : ما كان صادرا منّا إمّا بأمره تعالى كالهدى أو ندبه كالأضحية أو إباحته كالذبح للأكل ، والعوض في هذه عليه تعالى ؛ لما ذكرناه من العلة إذ كان يمكن عدمها.

وأمّا ما صدر عنا بالاستحقاق والدفع فلا عوض فيه ، وما كان بمجرى العادة كالإلقاء في النار المحرقة فالعوض علينا ؛ لقصدنا الإيلام والنار كالآلة إن قلنا بفعلها طبعا ، وكذا إن قلنا : إنّه تعالى هو المحرق بالعادة فلأنّ إجراء العادة حكمة لا يجوز نقضها مطلقا بل لتصديق نبي أو ولي.

الثاني : ما يكون صادرا منه تعالى فما كان بالاستحقاق ، فلا عوض فيه وما كان مبتدأ فعليه عوضه زائدا إلى حدّ الرضى عند كلّ عاقل ، بحيث لو خيّر بينه مع الألم وبين عدم الألم والعوض لاختار الأوّل ، وهذا هو وجه حسنه لكن مع اللطفية إمّا للمتألّم أو لغيره؛ إذ لو لا هما لزم الظلم بعدم العوض والعبث بعدم اللطفية ، واكتفى أبو علي بالأوّل وعبّاد بالثاني.

الرابعة : يجب عليه الانتصاف للمظلوم من ظالمه بأخذ المنافع المستحقّة له أمّا عليه تعالى وعلى غيره وإيصالها إلى المظلوم ؛ لأنّه بتمكينه من الظلم وعدم منعه بالجبر لو لم ينتصف له مع قدرته على ذلك لزم ضياع حقّه ، وهو قبيح عقلا.

وهل يجوز تمكينه ولا عوض له في الحال يوازي ظلمه؟ جوّزه البلخي وأبو هاشم لوقوعه كما في الملوك الظلمة الذين يصدر عنهم آلام عظيمة ويستبعد حصول مساويها لهم ، لكن جوّز البلخي خروجهم من الدنيا من غير عوض لهم ؛ لجواز التفضّل عليهم في الآخرة ، وأوجب أبو هاشم التبقية حتّى يكتسبوا ؛ لأنّ التفضّل جائز فلا يعلّق الواجب به ، ومنع السيّد (ره) من تمكين من هذا حاله ؛ لأنّ التفضّل والتبقية جائزان فلا يعلّق بهما الواجب ، وما استبعداه ممنوع ؛ إذ من الجائز أن يكون للظالم أعواض عليه تعالى توازي ظلمه ، وهي معلومة الحصول له تعالى فجاز تمكينه. وفيه أيضا نظر.

الخامسة : في أحكام العوض.

الأوّل : الحقّ أنّه لا يجب دوامه ؛ لأنّه انّما حسن لاشتماله على نفع زائد على الألم

أضعافا مضاعفة ، نختار الألم معها ، وهذا وجه حسن كاف فيه وإن كان منقطعا ، ولأنّا في الشاهد (١) يحسن منّا ركوب الأهوال الخطرة كالبحر لنفع منقطع نزر.

وأوجب أبو علي دوامه وإلّا لتألّم صاحبه بانقطاعه فيعوض فينقطع فيتسلسل ، وبأنّه لو كان كذلك لوجب إيصاله في الدنيا ؛ لأنّ منع الواجب لا لمانع من إيصاله باطل.

وجواب الأوّل بالمنع من تألّمه ؛ لجواز إيصاله على التدريج بحيث لا يشعر بانقطاعه كما يجيء بيانه ، وأنّه يجعله ساهيا ثمّ يقطعه فلا يتألّم. وأمّا الثاني ؛ فلاحتمال مصلحة التأخير.

الثاني : كيفية إيصاله ، إنّ المظلوم إن كان من أهل الجنة فرّق الله أعواضه على الأوقات أو يفضّله (٢) عليه بمثلها بحيث تصير دائمة ، وإن كان من أهل العقاب أسقط بها جزء من عقابه ؛ لأنّه لا فرق بين حصول المنافع ودفع المضارّ ، ويفرّق ذلك الإسقاط على الأوقات بحيث لا يظهر له التخفيف.

الثالث : لا يجب إشعار صاحبه به ؛ لأنّه مجرّد نفع والتذاذ لا يجب فيه تعظيم ، بخلاف الثواب الواجب لاشتماله على التعظيم وهو لا يحصل إلّا مع الشعور به.

الرابع : أنّه لا تتعيّن منافعه في نوع دون آخر ، بل أيّ نوع من الالتذاذ والشهوة حصل كفى ، بخلاف الثواب فإنّه يجب أن يكون من جنس ما ألفه المكلّف من ملاذّه كالأكل والشرب والنكاح ؛ لأنّه هو الذي رغب فيه في تحمّل المشاقّ.

الخامس : إنّه هل يصحّ (٣) إسقاطه؟ الحقّ جوازه منّا دنيا وآخرة في حقّ الظالم لنا ؛ لأنّه حقّ للمتألّم وفي هبته نفع للظالم وإحسان إليه ، وكلّ احسان حسن ، وهو قول أبي الحسين.

ومنع القاضي وأبو هاشم من ذلك ؛ لأنّا لا نقدر على استيفائه ولا نعلم مقداره فحالنا فيه كحال الصبي المحجور عليه.

__________________

(١) أي فيما نشاهده عيانا فكذلك فيما لا نشاهده.

(٢) أو تفضّل عليه ـ خ : (آ).

(٣) يجوز الإسقاط ـ خ : (آ).

وفيه نظر ؛ لأنّه قياس غير تامّ فإنّ الشارع منع الصبي لمصلحة شرعية حتّى أنّه لو لا منع الشرع يجوز (١) بالصبي ذي الديانة التصرّف في ماله ، فعلى قولنا : يجوز أن يهب ما يستحقّه عليه تعالى لغيرنا لانتفاعه به فإنّه إحسان إليه.

النوع الرابع : الثواب وكذا العقاب عند الوعيد به (٢) ، وسيأتي تفصيل ذلك.

النوع الخامس : فعل الأصلح كما إذا علم الله انتفاع زيد بإيجاد قدر من المال له أو انتفاء ضرر به في الدين والدنيا عنه وعن غيره من المكلّفين ، أوجبه البلخي وهو مذهب البغداديين وجماعة من البصريين ؛ لأنّ له داعيا إليه وهو كونه إحسانا خاليا عن جهات المفسدة ؛ لأنّه الغرض ، ولا مانع له إذ الغرض خلوه عن المفاسد فيجب فعله.

ومنعه الجبائيان وإلّا لأدّى إلى ما لا نهاية له ؛ إذ ما من أصلح إلّا وفوقه مرتبة أخرى خالية عن المفسدة أيضا وهكذا ، فيتحقق حصول ما لا نهاية له ، وهو محال.

وقال أبو الحسين : يجب حال دون حال وهكذا ؛ فإنّه إذا كان ذلك القدر مصلحة خالية عن المفسدة وكان الزائد مفسدة وجب إعطاء ذلك القدر ؛ لوجود الداعي وانتفاء الصارف ، وإذا لم يكن في الزائد مفسدة إلى غير النهاية فإنّ لله تعالى أن يفعل وأن لا يفعل.

والحقّ التوقّف في هذا المقام.

واعلم أنّ الأشاعرة لم يوجبوا عليه تعالى شيئا ممّا ذكرناه ، بناء على أصلهم الفاسد من نفي قاعدة الحسن والقبح وتوهّمهم أنّه لا حاكم على أحكم الحاكمين (٣) ، ولم يعلموا أنّه سبحانه بإعطائنا العقول السليمة الحاكم بذلك هو الحاكم بالحقيقة ، تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.

__________________

(١) لجوّزنا ـ خ : (آ).

(٢) الوعيدية ـ خ : (د).

(٣) ولم يعلموا أنّ الوجوب هنا عقلي يلزم من نفيه القبح لا أنّه شرعي فتفوّهوا بما لا يعبأ به.

اللامع العاشر

في النبوّة

وفيه مطالب :

[المطلب] الأوّل : في معرفة النبي وحسن بعثه به ووجوبها في الحكمة وغايتها

وفيه أبحاث :

الأوّل : النبي هو الإنسان المأمور من السماء (١) بإصلاح الناس في معاشهم ومعادهم ، العالم بكيفية ذلك ، المستغني في علمه وأمره عن واسطة البشر ، المقترنة دعواه بظهور المعجز. وفي هذا فوائد :

الأولى : كونه إنسانا ، إذ لولاه لدخل الملك المتلقّي الوحي من السماء.

الثانية : كون أمر ذلك الإنسان من السماء وهو العمدة في النبوّة على قاعدة الإسلام ؛ لأنّ الفلاسفة القائلين بالنبوّة يسندون أوامره ومعجزاته إلى خواصّ نفسانية

__________________

(١) يقصد به أنّه المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر.

واتّصالات بالمجرّدات ، لا إلى أوامر إلهية صادرة من لدن حكيم عليم.

الثالثة : أنّ كونه مستغنيا في علومه عن البشر يخرج الإمام ؛ لأنّه أيضا مأمور من السماء بالإصلاح المذكور لكن بواسطة البشر ، وهو النبي (١).

الثاني : في حسن بعثة من هذا حاله

وبيانه باشتمال بعثته على فوائد عظيمة : الأولى : متعاضدة العقل في أحكامه كتوحيد الله تعالى وقدرته وعلمه ، فإنّ تعاضد الأدلّة يفيد النفس طمأنينة.

الثانية : أنّ ما لا يستقلّ العقل بمعرفة حسنه وقبحه يعرف من النبي.

الثالثة : تعريفنا كيفيات الشرع التي لا تهتدي العقول إليها ، وكذا كيفيات شكر المنعم الذي يقضي العقل بوجوبه لا بكيفيته.

الرابعة : إزالة خوف المكلّف في تصرّفاته في ملك غيره ؛ لما دلّ الدليل العقلي على كون هذه الأشياء مملوكة له تعالى ، والتصرّف في ملك الغير غير جائز عقلا (٢).

الخامسة : أنّ بعض الأغذية نافع وبعضها ضار ، والتجربة تفتقر إلى أدوار تقصر عنها الأعمار فتخبرنا بذلك.

السادسة : حفظ النوع الإنساني من الفناء بشرع العدل الذي لا يعلم إلّا منه كما يجيء بيانه.

السابعة : تكميل أشخاص الإنسان بحسب استعداداتهم وكذا تعليمهم الصنائع الخفية والأخلاق والسياسات ، وما هذا شأنه حسن بضرورة العقل.

__________________

(١) ولذلك إنّ الإمام لا يحتاج في علمه وسائر كمالاته إلى التعلّم من أحد من البشر ، وهو غنيّ عن استفادة كمال من البشر بل هو المعلّم لهم ، وعلمه لدني من جانب الله تعالى بواسطة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «وعلّمناه من لدنّا علما» فمن ادّعى أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام تعلّم الخطّ عن بعض أهل مكة مثلا وأدّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أجرة ذلك من مال خديجة عليها‌السلام كما تفوّه بهذا الكلام الشائن بعض أبناء العصر فقد خبط خبط العشواء وتفوّه بما لم يتفوّه به أحد من المسلمين وغيرهم ، عصمنا الله تعالى من هذه الأقوال الشائنة الكاذبة الصادرة عن بعض الأفواه.

(٢) مبنيّ على أنّ الأشياء قبل ورود الشرع على حظر.

وخالف البراهمة في ذلك وقالوا بعدم حسنها ؛ لأنّ النبي إن أتى بموافق (١) العقل ففي العقل غنية عنه (٢) وإن أتى بمخالفه فباطل لقبح اتّباعه حينئذ.

والجواب بالمنع عن (٣) الاستغناء على تقدير الموافقة ؛ إذ ليس كلّ ما يوافقه العقل يستقلّ بدركه ، لجواز أن يكون عالما به إجمالا ولا يعلمه تفصيلا والشرع يفصّله ، فلا يحصل الاستغناء كالمريض العالم إجمالا أنّ كلّ نافع له يجب تناوله وكلّ ضارّ له يجب تركه والطبيب يفصّله له ، فلا يكون مستغنيا عنه ، وفيما ذكرنا من الفوائد كفاية.

الثالث : في وجوب بعثته ، ويدخل فيه بيان غايتها ، ولنا فيه طريقان.

الأوّل : طريقة المتكلّمين ، وهو أنّها مشتملة على اللطف في التكليف العقلي وشرط في التكليف السمعي ، وكلّ ما كان كذلك فهو واجب.

أمّا بيان أولى الصغرى فلأنّ العبادات متلقّاة من النبي ، ولا شكّ أنّ المواظبة عليها باعثة على معرفة المعبود الواجبة عقلا فيكون لطفا فيها ، ولأنّ الثواب والعقاب لطفان كما يجيء ولا يعلم تفاصيلهما إلّا من جهته أيضا. وأمّا بيان ثانيهما فظاهر.

وأمّا الكبرى فلما تقدّم من وجوب اللطف وكذا التكليف ، فشرطه لو لم يكن واجبا لجاز الإخلال به فيجوز الإخلال بالمشروط الواجب ، وهو على الحكيم محال.

الثاني : طريقة الحكماء وتقريرها : إن كان إصلاح (٤) النوع الثاني مطلوبا له تعالى فالبعثة واجبة ، لكن المقدّم حقّ فكذا التالي. أمّا حقّية المقدّم فظاهرة من الحكمة الإلهية كما تقدّم. وأمّا الشرطية فتتبيّن بمقدّمات :

الأولى : أنّ الإنسان مدني بالطبع ، أي (٥) لا يمكن أن يعيش وحده ، بل لا بدّ له من

__________________

(١) بما يوافق ـ خ ل ـ خ : (د).

(٢) إن أتى بموافق العقل فغنى عنه ـ خ : (آ).

(٣) من ـ خ : (آ).

(٤) صلاح ـ خ : (د).

(٥) أي ـ خ : (د).

معاشرة لافتقاره في معاشه إلى المأكل والملبس والمسكن ، ويتعذّر عليه تحصيلها بنفسه وإلّا لازدحم على الواحد كثير ، وهو باطل ؛ لأنّها أمور تفتقر إلى معالجات تقع في أزمنة متعدّدة ، ولو أمكن ذلك لكان عسرا ، فلا بدّ حينئذ من جماعة يفرغ كل واحد منهم لصاحبه عن مهمّه مستعصا (١) منه مثله.

الثانية : أنّ ذلك الاجتماع مظنّة النزاع ؛ لأنّ التغلّب (٢) موجود في الطباع ، إذ القوى الإنسانية ليست فاضلة في الغاية خصوصا العامّة ، فكلّ يرى العمل بشهوته دون الآخر ، ويرى حفظ ماله وبطلان حقّ غيره ، ويغضب على الغير في مزاحمته فتدعوه شهوته وغضبه إلى المنازعة ، فيقع الهرج والمرج المؤدّيان إلى هلاك النوع وفساده ، فلا بدّ من معاملة وعدل تجمعها قوانين كلّية متّفق عليها بينهم بحيث يرجعون إليها عند النزاع ، وتلك هي الشريعة ، فوجب في العناية الإلهية وجودها.

الثالثة : أنّ تلك الشريعة لا يجوز تفويضها إلى أشخاص النوع وإلّا لوقع النزاع في كيفية وضعها فلا يحصل المطلوب ، فوجب أن تكون مفوّضة إلى القدير الخبير ، ولما كان ممّا يتعذر مشافهته وجب وجود واسطة بينه وبينهم في تبليغها ، وذلك هو النبي.

ثمّ إنّ لكلّ من النبي والشريعة شرطا. أمّا النبي فيجب اختصاصه بآيات ودلالات يمتاز بها عن بني نوعه تدلّ على أنّه مبعوث من عند ربّهم (٣) ليكون لهم طريق إلى تصديقه ، وهي إمّا قولية هي بالخواصّ أنسب أو فعلية هي بالعوامّ أشبه وهي لهم أنفع.

وأمّا الشريعة فيجب أن تشتمل على نوعين :

الأوّل : أن يكون فيها وعد ووعيد أخرويّان ؛ لأنّ كل شخص عند استعلاء (٤) قوّته الشهوية عليه غلب لما يحتاج إليه بحسب ما يخصّه ، تستحقر اختلال العدل النافع في أمور معاشه بحسب نوعه ، فيبعثه ذلك على الإقدام على مخالفة تلك القوانين ، أمّا إذا

__________________

(١) من لفظ : حينئذ ـ إلى ـ مستعصا ـ ساقط من ـ خ : (آ).

(٢) التغليب ـ خ : (آ).

(٣) ربّه ـ خ : (آ).

(٤) استبداء ـ خ : (د).

كان هناك ثواب وعقاب فيحملهم الرجاء والخوف على المحافظة على متابعتها.

الثاني : أن تكون مشتملة على عبادات مذكّرة بالمعبود ؛ لاستيلاء السهو والنسيان على أفراد نوع الإنسان ، ويجب تكرارها في أوقات متداولة ليتحفّظ التذكير بالتكرير.

وهنا تذنيبان :

الأوّل : الدليل المذكور يعطي وجوب البعثة في كلّ زمان ونصب حافظ للشريعة ، وهو ظاهر. وقال بعض المعتزلة : يجب في حال ظهور المصلحة لا مطلقا.

الثاني : هل يجب في كلّ نبيّ أن تكون له شريعة؟ قال الجبائي : لا ، وتكون فائدته (١) تأكيد ما في العقل ، ولجواز بعثة نبي بشريعة من يقدمه فيجوز ابتداء ، وقال ابنه : نعم ؛ لأنّ العقل كاف في العقليات فلو لم تكن شريعة لانتفت فائدة البعثة.

والحقّ الأوّل ، لكن مع تقدّم شريعة باقية الحكم.

المطلب الثاني : في صفاته

وفيه فصول :

[الفصل] الأوّل : في العصمة ، وفيه قطبان :

[القطب] الأوّل : فيه مسائل :

الأولى : في تفسير العصمة ، قال أصحابنا ومن وافقهم من العدلية : هي لطف يفعله الله بالمكلّف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية ، لانتفاء داعيه ووجود صارفه مع قدرته عليها ، ووقوع المعصية ممكن ؛ نظرا إلى قدرته وممتنع نظرا إلى عدم الداعي ووجود الصارف ، وإنّما قلنا : بقدرته عليها ؛ لأنّه لولاه لما استحقّ مدحا ولا ثوابا ، إذ لا اختيار له حينئذ ؛ لأنّهما يستحقّان على فعل الممكن وتركه ، لكنّه يستحقّ المدح والثواب لعصمته إجماعا فيكون قادرا.

__________________

(١) فائدتها ـ خ : (آ).

وقالت الأشاعرة : هي القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية. وقال بعض الحكماء : إنّ المعصوم خلقه الله جبلّة صافية وطينة نقية (١) ومزاجا قابلا ، وخصّه بعقل قوي وفكر سوي ، وجعل له ألطافا زائدة ، فهو قوي بما خصّه على فعل الواجبات واجتناب المقبّحات والالتفات إلى ملكوت السموات والإعراض عن عالم الجهات ، فتصير النفس الأمّارة مأسورة مقهورة في حيّز النفس العاقلة.

وقيل : هو المختصّ بنفس هي أشرف النفوس الإنسانية ، ولها عناية خاصة وفيض خاص ، يتمكّن (٢) به من أسر القوة الوهمية والخيالية الموجبتين للشهوة والغضب ، المتعلق كلّ ذلك بالقوة الحيوانية.

ولبعضهم كلام حسن جامع هنا قالوا : العصمة ملكة نفسانية يمنع المتّصف بها من الفجور مع قدرته عليه ، وتتوقّف هذه الملكة على العلم (٣) بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات ؛ لأنّ العفّة متى حصلت في جوهر النفس ، وانضاف إليها العلم التامّ بما في المعصية من الشقاوة والطاعة من السعادة ، صار ذلك العلم موجبا لرسوخها (٤) في النفس ، فتصير ملكة.

ثمّ إنّ تلك الملكة إنّما تحصل له بخاصيّة نفسية أو بدنية تقتضيها ، وإلّا لكان اختصاصه بتلك الملكة دون بني نوعه ترجيحا من غير مرجّح ، ويتأكّد ذلك العلم بتواتر الوحي وإن يعلم المؤاخذة على ترك الأولى.

الثانية : في أقوال الناس في متعلّق العصمة وزمانها :

أجمعوا على امتناع الكفر عليهم إلّا الفضيلية (٥) من الخوارج فإنّهم جوّزوا صدور الذنب عنهم ، وكلّ ذنب عندهم كفر ، فلزمهم جواز الكفر عليهم ، وجوّز قوم عليهم

__________________

(١) تقية ـ خ : (د).

(٢) متمكن ـ خ : (آ).

(٣) علم ـ خ ل ـ خ : (د).

(٤) لرسخها ـ خ : (آ).

(٥) انظر الحور العين ، ص ١٧٧ ، ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ؛ مقالات الإسلاميين ، ج ١ ، ص ١٨٣.

الكفر تقية وخوفا ، ومنعه ظاهر ؛ فإنّ أولى الأوقات بالتقية زمان ابتداء الدعوة لكثرة المنكرين له (١) حينئذ ، لكن ذلك يؤدّي إلى خفاء الدين بالكلية.

وجوّز الحشوية وأصحاب الحديث عليهم الإقدام على الكبيرة والصغيرة ولو عمدا قبل النبوّة وفي (٢) بعدها ، وأمّا المعتزلة فمنعوا من الكبائر وما يستخفّ من الصغائر قبل النبوة وفي حالها ، وما لا يستخفّ جوّزوه في الحالين ، ثمّ منهم من أجاز الصغيرة عمدا ، ومنهم من منع وجوّر إقدامهم على المعصية على سبيل التأويل ، كتأويل آدم عليه‌السلام الإشارة النوعية بالشخصية (٣) وكان المراد الأولى ، فنزّهه هذا عن معصية وأضاف إليه اثنتين ، ومنهم من جوّز الذنوب كلّها سهوا أو (٤) غفلة.

وأمّا الأشاعرة فمنعوا الكبائر مطلقا عمدا وسهوا ، وجوّزوا الصغائر سهوا لا عمدا حال النبوة ، وأمّا قبلها فجوّزوا جميع المعاصي عمدا وسهوا إلّا الكفر.

وقال أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم : إنّهم معصومون من جميع المعاصي كبائر وصغائر عمدا وسهوا وخطا وتأويلا ، قبل النبوة وبعدها من أوّل العمر إلى آخره ، وهو الحقّ الصراح.

الثالثة : في الدليل على مذهبنا ، وهو من وجوه.

الأوّل : لو لا العصمة لزم نقض غرض الحكيم ، لكن اللازم باطل فكذا الملزوم. وأمّا الملازمة فلأنّ (٥) بتقدير وقوع المعصية منه جاز أمر الناس بما فيه مفسدتهم ونهيهم عمّا فيه مصلحتهم ، وذلك مستلزم (٦) لإغوائهم وإضلالهم ، وهو ضدّ مراد الحكيم ؛

__________________

(١) لها ـ خ ل ـ خ : (د).

(٢) في ـ خ : (د).

(٣) يعني كما يقال : إنّ آدم الأوّل نهي عن الشجرة بالنهي عن الشخص ، وكان المراد النوع فإنّ الإشارة قد تكون إلى النوع كقوله عليه‌السلام : هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة إلّا به. وقال بعض المعتزلة : تجوز الصغيرة على سبيل القصد ، لكنّها تقع محبطة لكثرة ثواب الأنبياء.

(٤) و ـ خ : (آ).

(٥) فلأنّه ـ خ : (آ).

(٦) يستلزم ـ خ : (د).

إذ غرضه هداية الخلق إلى مصالحهم وجذبهم بالبشارة والإنذار كما قال سبحانه : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ) (١) ، وأمّا بطلان اللازم فظاهر ؛ لأنّ مناقضة الغرض سفه وعبث ، وهما محالان عليه تعالى.

الثاني : لو لم يكن معصوما لزم وجوب (٢) فعل المعصية وترك الطاعة ، واللازم كالملزوم في البطلان.

بيان الملازمة : أنّه بتقدير جواز المعصية عليه جاز أن يوجب الحرام ويحرّم الحلال ، ويجب علينا اتباعه لقوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٣) وأمّا بطلان اللازم فلأنّ الأمر بالقبيح قبيح على الحكيم.

الثالث : لو لم يكن معصوما لم يكن مقبول الشهادة ، لكن اللازم باطل إجماعا فكذا الملزوم.

بيان الملازمة : أنّ بتقدير عدم عصمته يجوز وقوع المعصية منه فيكون فاسقا ، فلا تقبل شهادته لقوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٤).

الرابع : لو كان جائز الخطأ فليفرض (٥) واقعا فإمّا أن يجب الإنكار عليه فيسقط محلّه من القلوب أو لا يجب فيسقط وجوب النهي عن المنكر ، والقسمان باطلان ، وهما لازمان من جواز الخطأ فيكون باطلا.

الخامس : لو لم يكن معصوما من أوّل العمر إلى آخره لجاز أن لا يؤدّي بعض ما أمر به ، بل جاز إخفاء الرسالة ابتداء ، لكن اللازم باطل إجماعا فكذا الملزوم ، والملازمة ظاهرة.

القطب الثاني : في تأويل آيات ، احتجّ الخصم بظاهرها على وقوع المعصية من

__________________

(١) النساء ٤ : ١٦٥.

(٢) وجود ـ خ : (آ).

(٣) الحشر ٥٩ : ٧.

(٤) الحجرات ٤٩ : ٦.

(٥) فلنفرضه ـ خ : (آ).

الأنبياء ، وهي في قصص متعدّدة يجاب عنها إمّا إجمالا فتحمل المعصية والمخالفة على ترك الأولى ، كما قيل : «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» جمعا بين أدلّة العقل على عصمتهم وبين أدلّة النقل المحتملة ، وأيضا جمعا بين ما جاء من تعظيمهم في كلامه تعالى والثناء عليهم ووصفهم بالاصطفاء والاجتباء والخلّة والإخلاص والخلافة ، وغير ذلك من المحامد.

وإمّا تفصيلا فنقول :

الأولى : قصّة آدم عليه‌السلام ، وفيها شبهتان :

الأولى : وفيها وجوه :

الأوّل : قوله : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (١) وهو صريح في المعصية.

الثاني : قوله : (فَغَوى) والغواية ذنب.

الثالث : قوله : (فَتابَ عَلَيْهِ) (٢) والتوبة ندم على ذنب.

الرابع : ارتكاب المنهيّ عنه ؛ لقوله : (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) (٣) وارتكاب المنهيّ عنه ذنب.

الخامس : سمّاه ظالما بقوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٤) (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا)(٥).

السادس : اعترافه أنّه لو لا المغفرة لكان من الخاسرين ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٦).

السابع : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) (٧) حملهما على الزلّة.

والجواب عن الأوّل : أنّ المعصية مخالفة الأمر ، وهو شامل للواجب والندب فلم لا يكون المراد مخالفة الثاني.

__________________

(١) طه ٢٠ : ١٢١.

(٢) البقرة ٢ : ٣٧.

(٣) الأعلى ٨٧ : ٢٢.

(٤) البقرة ٢ : ٣٥ ؛ الأعراف ٧ : ١٩.

(٥) الأعراف ٧ : ٢٣.

(٦) الأعراف ٧ : ٢٣.

(٧) البقرة ٢ : ٣٦.

وعن الثاني : أنّ الغواية هي الخيبة بترك ثواب المندوب.

وعن الثالث : أنّ التوبة قد يكون عن ذنب لإسقاط عقابه ، وتلك توبة العوام ، وأمّا الخواصّ فيتوبون عن غير ذلك إمّا انقطاعا إليه تعالى ووجه استحقاق الثواب واللطف ، أو عن ترك الأولى ، أو عن خطور المعصية بالبال أو عن الاشتغال لغير الله.

وعن الرابع : أنّ النهي للتنزيه.

وعن الخامس : أنّ الظلم نقص الثواب ، أي تكونا من ناقصي الثواب بترك الأولى ف (ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) أي نقصناها بدليل ولم تظلم منه شيئا.

وعن السادس : أنّ المغفرة الستر ، أي إن لم تستر علينا وترحمنا وتتفضّل علينا بما يتمّ به ما نقصناه من ثوابنا.

وعن السابع : أنّ الوسوسة تكون في ترك المندوب وفعل المكروه.

الثانية : قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) (١) إلى قوله : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) دلت على وقوع الشرك من آدم وزوجته ، إذ لم يتقدّم من يمكن صرف الكناية إليه غيرهما.

والجواب : أنّ الإجماع منعقد على امتناع الشرك على الأنبياء فلا يكون مرادا ، هذا مع أنّ الضمير في (جَعَلا) راجع إلى جنس الذكور والإناث من نسلهما ، ويؤيّده قوله : (عَمَّا يُشْرِكُونَ) جمعه نظرا إلى الأفراد ، ونحو قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) (٢) وعود الضمير إلى غير مذكور لفظا جائز كثير شائع ، قال الله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (٣) والضمير للشمس على قول ، ومثله (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) والضمير للقرآن(٤).

__________________

(١) النساء ٤ : ١ ؛ الأعراف ٧ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ؛ الزمر ٣٩ : ٦.

(٢) الحج ٢٢ : ١٩.

(٣) ص ٣٨ : ٣٢.

(٤) الظاهر أنّ الضمير راجع إلى كلّ القرآن ، وما قيل : إنّ عود الضمير إلى بعض القرآن جائز ، فهو خلاف الظاهر لا يصار إليه ، فالآية تدلّ على نزول القرآن بتمامه في ليلة القدر لا بعضه ، فكلّ القرآن نازل في ليلة ـ

أو نقول : دلّ قوله : (آتاهُما صالِحاً) (١) على ذكر ولد ؛ لأنّ صالحا صفة لا بدّ لها من موصوف ، والولد للجنس.

أو نقول : لا نسلّم أنّ النفس الواحدة هي آدم بل غيره من ولده ، وجعل زوجها من جنسها ؛ بدليل قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) (٢) (فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) (٣) وهو ماء لفحل (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) لصيرورة ذلك الماء لحما ودما وعظما دعا الرجل وزوجته ربّهما (٤) (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) وكانت عادتهم الكراهة للبنات (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) لأنّهم (٥) كانوا يسمّون عبد العزّى وعبد شمس وعبد يغوث ، ثمّ رجعت الكناية إلى جميعهم بقوله : (يُشْرِكُونَ) فليس حينئذ الضمير عائدا إلى آدم وحوّاء.

الثانية : قصّة نوح عليه‌السلام وفيها وجهان.

الأوّل : أنّها تتضمّن كذبه عليه‌السلام ؛ لأنّه قال : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) أجيب بقوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) وهو تناقض صريح.

الثاني : أنّ سؤاله كان خطأ.

أمّا أوّلا ، فلقوله : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٦).

وأمّا ثانيا ؛ فلقوله : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) بالرفع على قراءة الأكثر ، وهي الأولى ، والضمير يجب عوده إلى مذكور حقيقة وليس هو الابن ؛ لأنّه لا يوصف بالعمل فيكون

__________________

ـ القدر دفعة وفي مدّة ثلاث وعشرين سنة تدريجا في قالب العربيّة. وتحقيق المطلب وتوضيحه في محلّه. وأشرنا إليه فيما تقدّم انظر صفحة ١٨٧ ـ ١٨٨ من الكتاب.

(١) الأعراف ٧ : ١٩٠.

(٢) الروم ٣٠ : ٢١.

(٣) الاعراف ٧ : ١٨٩.

(٤) ربّنا ـ خ : ـ (آ).

(٥) أي ـ خ : ـ (آ).

(٦) هود ١١ : ٤٦ و ٤٧.

هو السؤال ، إذ لا ثالث يحتمل عود الضمير إليه.

والجواب عن الأوّل : أنّ المراد ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم ؛ بدليل ف (احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) فاستثنى سبحانه من أهله من أراد هلاكه (١) فأخبره أنّه منهم فلا يكون مناقضا ، إذ اتّحاد المحمول شرط (٢).

أو أنّه ليس على دينك ، لا نفي أهلية النسب التي هي مرادة لنوح ، والذي على دين الشخص وطريقته يقال : إنّه من أهله ، كقوله عليه‌السلام : سلمان منّا أهل البيت.

وعن الثاني : أنّ الأوّل ليس فيه دلالة على محذور ؛ لأنّه جاز أن يكون عليه‌السلام نهي عن سؤال ما ليس له به علم وإن لم يقع منه ، وأن يكون قد تعوّذ من ذلك وإن لم يقع ، كما أنّ نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله نهي عن الشرك لقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٣) مع امتناع الشرك منه عليه‌السلام ، أو أنّه دعا له بشرط الإيمان والمصلحة فلمّا تبيّن له ضدّ ذلك لم يكن خارجا عما تضمّنه السؤال ، وقوله : (إِنِّي أَعِظُكَ) الوعظ الدعاء إلى الحسن والزجر عن القبيح ترغيبا وترهيبا ، وأن يكون تقدير الكلام : لئلّا يكون منهم ، ولا شكّ أنّ وعظه تعالى صارف عن الجهل وزاجر عنه ، وقوله : (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي) تخشّع واستكانة له تعالى.

وأمّا الثاني : فلم لا يجوز عود الضمير إلى الولد جمعا بين القراءتين ؛ فإنّ الكسائي قرأ (عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) بصيغة الفعل الماضي ، وهو راجع إلى الابن ، ويكون تقدير قراءة الرفع : إنّه ذو عمل غير صالح فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وهو كثير شائع فصيح.

الثالثة : قصة إبراهيم عليه‌السلام ، وفيها وجوه :

__________________

(١) إهلاكه ـ خ : (آ).

(٢) يعني شرط في تناقض الوحدات الثمانية بل التسعة وفي ـ خ : (آ) الموضوع.

(٣) الزمر ـ آية : ـ ٦٥ ـ بناء على أنّ الخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّ الحقّ أنّ أكثر خطابات القرآن الكريم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من باب التعظيم والإجلال ، والمراد في الحقيقة هو الأمة والإفهام لهم ، وعلى ما ادّعيناه من الآيات القرآنية شواهد.

الأوّل : قوله : (هذا رَبِّي) ثلاث مرّات ، وهو كلام غير مطابق فيكون خطأ مع أنّ فيه اعتراف بألوهية الكواكب ، وهو كفر بالإجماع.

الجواب : أنّه ذكر على سبيل الفرض ليبطله ، كما يقول المجادل لخصمه : الجسم قديم ثمّ يقول : لو كان قديما لم يكن متغيّرا ، أو أنّه استفهام على سبيل الإنكار ، وأسقط حرف الاستفهام ، وهو كثير شائع ، أو القول مضمر فيه تقديره يقولون : هذا ربّي.

الثاني : أنّه قال : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) (١) وهو كذب ؛ لأنّه هو الذي كسّرهم لا الصنم الكبير.

والجواب : أنّه عنى نفسه أو أنّه استهزاء بهم ، أو إنّما نسبه إليه مجازا ؛ لأنّه السبب الحامل له على ذلك لشدّة غيظه (٢) من تعظيمهم له ، أو أنّه مشروط بنطقهم ؛ لقوله : (إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) ونطقهم محال ، فالمعلّق عليه محال أيضا ، وقصده بذلك تعنيفهم على عبادة من لا يسمع ولا يقدر.

الثالث : قوله : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (٣) والنظر في النجوم حرام ، وقوله : إنّي سقيم كذب.

والجواب : أنّ النظر فيها ليس بحرام مطلقا بل اعتقادا لتأثيرها ، وأمّا الاستدلال بها على الصانع فلا ، بل ذلك من أعظم الطاعات ، أو أنّه كان به علّة تأتيه في أوقات مخصوصة يعرفها بالنجوم ، فلمّا دعوه إلى الخروج نظر إلى النجوم ليعرف وقت قربها وعدمه ، وعليه يخرج جواب الثاني ، وعبّر عن الإشراف على الشيء بحصوله ، على أنّا نقول : لم لا يجوز أنّه كان سقيما في الحال ، أو نقول : إنّه كان سقيم القلب حزنا وهمّا ؛ لمّا رأى إصرارهم على عبادة الأصنام عند نظره في النجوم وإظهاره لهم أنّها مخلوقة مدبّرة.

__________________

(١) الأنبياء ٢١ : ٦٣.

(٢) غضبه ـ خ ل ـ خ : (د).

(٣) الصافات ٣٧ : ٨٩.

الرابع : قوله : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) (١) عقيب قول النمرود (٢) : أنا أحيي وأميت ، وذلك يدلّ على انقطاعه عن الحجّة.

والجواب : أنّه انتقال من مثال إلى مثال ؛ لاشتراكهما في الدليل وهو صدور غير المقدور منّا ، وأنّه منزل (٣) في المنع كما تقول في الجدل : سلمنا أنّه كذا فرضا وتقديرا.

الخامس : قوله : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) ـ إلى قوله ـ (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٤) وهو يدلّ على شكّه في الإحياء.

والجواب : أنّه دليل على صدق جبرائيل عليه‌السلام وأنّه ملك لا شيطان ، أو كما قال جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : إنّ الله أوحى إليّ اتّخذ خليلا وعلامته أنّي أحيي الموتى (٥) بدعائه وسؤاله ، فلمّا ظهر من إبراهيم عليه‌السلام صنوف الطاعات ، وقع في قلبه أنّه ذلك الخليل وطلب الإجابة للطمأنينة على ذلك ، أو أنّه لتعاضد الأدلّة فإنّه عرف ذلك عقلا وأراد وقوعه حسّا.

السادس : أنّه استغفر لأبيه الكافر ، والاستغفار للكافر حرام ؛ لقوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) (٦).

والجواب : لا يلزم من تحريمه عندنا تحريمه في شرعه أو أنّه (٧) رجا إيمانه فلمّا آيس منه تبرّأ منه (٨).

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٥٨.

(٢) جبار من جبابرة الدنيا ادعى الألوهية انظر إلى «لغت نامه» و (فرهنك آنندراج).

(٣) ينزل ـ خ : (آ).

(٤) البقرة ٢ : ٢٦٠.

(٥) الموتى ـ خ : (د).

(٦) التوبة ٩ : ١١٣.

(٧) لا أو أنّه ـ خ : (د) والظاهر أنّ لفظ «لا» زائد ، والصحيح ما أثبتناه من ـ خ : (آ).

(٨) من التدبّر في هذه الآية وغيرها من الآيات القرآنية قالت الإمامية رضوان الله عليهم : إنّ «آزر» كان عمّ إبراهيم عليه‌السلام لا أبيه لصلبه قال الله تعالى : («ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) التوبة ٩ : ١١٣. (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) التوبة ٩ : ١١٤.

السابع : قوله : (وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) (١) وطلب الحاصل محال.

والجواب : أنّه تضرّع وانقطاع.

الثامن : قوله : (أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) (٢) والجواب : أنّه محمول على ترك الأولى.

__________________

ظاهر الآيتين أنّه لم يكن للنبي والذين آمنوا حقّ يملكون به ، بعد ما ظهر وتبين بتبيين الله لهم أنّ المشركين أعداء لله ومخلّدون في النار ، أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي القربى منهم. وأمّا استغفار إبراهيم لأبيه المشرك ، فإنّه ظنّ أنّه ليس بعدوّ معاند لله وإن كان مشركا ، فاستعطفه بوعد وعده إيّاه فاستغفر له ، فلما تبيّن له أنّه عدو لله معاند على شركه وضلاله تبرّأ منه ولم يستغفر له بعد ذلك ، فلا يعقل استغفار إبراهيم عليه‌السلام لأبيه المشرك بعد ذلك أصلا.

وقال الله تعالى عن قوله عليه‌السلام: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) إبراهيم ١٤ : ٤١. الظاهر من الآية أنّ إبراهيم عليه‌السلام طلب المغفرة لنفسه ولوالديه وللمؤمنين يوم القيامة ، وهو يستغفر لوالديه وهو على الكبر وفي آخر عهده ، وقد تبرّأ من أبيه في أوائل عهده بعد ما استغفر له عن موعدة وعدها إيّاه. قال تعالى : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) مريم ١٩ : ٤٧. وقال : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) الشعراء ٢٦ : ٨٦. وقال تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا ...) فإبراهيم عليه‌السلام لما تبرّأ من أبيه المشرك وهو عدو لله ، محال أن يستغفر له بعد ذلك ولا سيما في أواخر عهده ويقول : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) ... فأبيه الذي كان مشركا لم يكن أبيه لصلبه وأبيه الذي استغفر له بقوله : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) هو أبيه لصلبه.

فما اعتقده الشيعة الإمامية في حقّ «آزر» أنّه كان عمّ إبراهيم عليه‌السلام لا أبيه هو القول الحقّ ، الذي ينبغي المصير إليه ، فإنّه الموافق بما يستفاد من التدبّر في الآيات القرآنية ، وإطلاق الأب على العمّ من الاستعمال الشائع ، كما استعمل ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة ٢ : ١٣٣ وقد أطلق الأب على إسماعيل عليه‌السلام مع أنّه كان عمّ يعقوب بن إسحاق. فلا شكّ أنّه كان أبيه مؤمنا وإن لم يظهر لنا اسمه من القرآن الكريم من أنّه «تارخ» أو غيره ولا ضير في ذلك بعد ما حقّقنا أنّه كان من المؤمنين لا المشركين ، فما أطال به صاحب المنار من إثبات أنّ «آزر» هو الأب الصلبي لإبراهيم عليه‌السلام متمسّكا بظاهر آية : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) ... الأنعام ٦ : ٧٤. وأطال الكلام في اثبات المرام ، فهو تطويل بلا طائل وغفلة عن التدبّر في سائر الآيات القرآنية المقدّسة كما عرفت ، والله الموفق.

(١) البقرة ٢ : ١٢٨.

(٢) الشعراء ٢٦ : ٨٢.

التاسع : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (١) ولم يجب دعاؤه في حقّهم.

والجواب : أنّه محمول على البعض ، وهم المعصومون مع أنّا لا نسلّم عدم إجابة الدعاء ، وأنّه جنّبهم بالألطاف المقرّبة فيكون عاما.

الرابعة : قصة يعقوب عليه‌السلام ، وفيها ثلاثة وجوه :

الأوّل : إنّه رجّح (٢) يوسف عليه‌السلام بالمحبّة على سائر أولاده حتّى حصلت تلك المفسدة بسبب ذلك.

والجواب : أنّ الميل القلبي غير مقدور أو أنّه لم يعلم بحصول تلك المفسدة من ذلك الترجيح.

الثاني : وصف أولاده بالضلال القديم كما حكى الله تعالى وقرّره.

والجواب : الضلال هنا الذهاب عن الصواب ، أي إنّك لفي ذهابك عن الصواب في إفراطك في محبّة يوسف وطمعك في لقائه ، ولا يلزم خطؤه بذلك ؛ لأنّه غير مقدور له فليس بذنب قادح في عصمته.

الثالث : إسرافه في البكاء حتّى ابيضّت عيناه ، وشأن الأنبياء الصبر بل الرضا.

والجواب : أنّ التجلّد على المصيبة مندوب ليس بواجب ، أو أنّه كان يظهر من حزنه قليلا والمخفي أعظم ، أو أنّ جزعه غير مقدور له ، إذ الإنسان مجبول على محبة الولد خصوصا النجيب ، ومن لوازم المحبّة الحزن على الفراق ، ولا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها.

الخامسة : قصّة يوسف عليه‌السلام ، وفيها وجوه :

الأوّل : صبره على العبودية ولم يشرح للقوم حاله.

والجواب : جاز أن يكون ترك الإظهار في تلك الشريعة أولى ، ويكون الصبر على الرقّية امتحانا له كامتحان إبراهيم عليه‌السلام بالنار وإسماعيل بالذبح أو أنّه شرح لهم حاله فلم يقبلوا منه أو خوفا من إخوته.

__________________

(١) إبراهيم ١٤ : ٣٥.

(٢) ترجّح ـ خ : (د).

الثاني : قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) (١) قالت الحشوية : إنّه جلس بين فخذيها مجلس الفجور فرأى يعقوب عاضّا على إصبعه محذّرا له ، فزال عنها. وأيضا الهمّ : العزم على الفعل وإرادة المعصية ، والعزم عليها معصية.

والجواب : لعن الله الحشوية الذين ينسبون إلى أنبياء الله ما لا يجوز ، وحاشا نبي الله ـ الذي قال الله في حقّه : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (٢) وقال نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» ـ من فعل الخيانة والمعصية القبيحة الشنيعة التي يستنكف من فعلها على ذلك الوجه أراذل الناس.

هذا مع أنّ كلّ من له تعلّق بالواقعة برّأه من المعصية :

الأوّل : الحاكم بالمعصية وهو الله قال : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) إلى قوله تعالى : (قالَ مَعاذَ اللهِ) (٣) وفي آية أخرى (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (٤).

الثاني : إبليس قال : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٥) ويوسف كان مخلصا بشهادة الله ، فالحشوي إن كان على دين الله وجب قبوله من الله ، وإن كان على دين إبليس وجب قبوله منه ، لكنّه خالف صديقه ولم يوافق عدوّه (ممّن برّأ يوسفعليه‌السلام (٦)).

الثالث : زوج المرأة بقوله : (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (٧).

الرابع : الشهود (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٨) وقول النسوة :

__________________

(١) يوسف ١٢ : ٢٤.

(٢) يوسف ١٢ : ٢٤.

(٣) يوسف ١٢ : ٢٣.

(٤) يوسف ١٢ : ٢٤.

(٥) الحجر ١٥ : ٤٠.

(٦) ممّن برّأ يوسف عليه‌السلام ـ حاشية ـ خ : (د).

(٧) يوسف ١٢ : ٢٨. فنسب الكيد إلى المرأة دونه ـ زوّج الشيء بالشيء قرنه به.

(٨) يوسف ١٢ : ٢٦ ـ ٢٧.

(ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) (١).

الخامس : زليخا نفسها قالت : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) (٢) وفي الأخرى : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (٣).

السادس : يوسف عليه‌السلام حكى براءته بقوله : (قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) (٤) (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) (٥) ولو قصد المعصية لخانه.

هذا مع أنّ الآية تحتمل وجوها :

الأوّل : أنّ قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) أي قصدت مخالطته وقصد دفعها عن نفسه ، ولا بدّ من التقدير ؛ لأنّ الجواهر لا تقصد ذاتها بل تقصد صفة من صفاتها (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) جواب لو لا محذوف ، لدلالة الكلام عليه ، أي لو لا برهان ربّه لم يهمّ بدفعها ، والبرهان هو الدليل على تحريم الهمّ بها للزنا ، فإنّ كل دليل شرعي هو برهان بالنسبة إلى الشارع.

وقيل بعدم تقدير الجواب بل الجواب ظاهر ، وهو أنّ المراد همّ بدفعها عن نفسه لو لا ، وفائدة لو لا أن راى برهان ربّه مع أنّ دفعها عن النفس واجب (٦) والبرهان لا يصرف عنه : أنّه جائز لما همّ بدفعها أراه الله برهانا على أنّه إن أقدم على ما همّ به أهلكه أهلها وقتلوه ، أو أنّها تدّعي عليه المراودة وتنسبه إلى أنّه دعاها إلى نفسه وضربها لأجل امتناعها منه ، فأخبر الله تعالى أنّه صرف بالبرهان عنه السوء ، وهو القتل والمكروه والفحشاء وهو ظن القبيح واعتقاده فيه.

الثاني : أن يكون الضمير واحدا ويكون في الكلام تقديم وتأخير ، أى لو لا أن رأى

__________________

(١) يوسف ١٢ : ٥١.

(٢) يوسف ١٢ : ٣٢.

(٣) يوسف ١٢ : ٥١.

(٤) يوسف ١٢ : ٢٦.

(٥) يوسف ١٢ : ٥٢.

(٦) جائز ـ خ : (آ).

برهان ربّه لهمّ بها ، مجرى قولهم : قد كنت هلكت لو لا أن تداركتك (١) ، ويبطل (٢) قول الزجاج باستضعاف تقديم الجواب وكونه بغير لام.

قوله تعالى : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) (٣) ، وفائدة هذا الكلام ـ مع أنّه لم يحصل هناك همّ ـ الإخبار عن (٤) أنّ ترك الهمّ لم يكن لعدم الرغبة في النساء ، بل تركه مع الرغبة انقيادا لأمر الله.

الثالث : قوله : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (٥)

والجواب : أنّها داعية ومائلة (٦) بالميل الشهواني ، لا العزم والميل الإرادي (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) ما موصولة أي إلّا نفسا رحمها ربّي بالعصمة كنفسه عليه‌السلام وأمثاله ، ويكون ذلك انقطاعا إليه تعالى. وقيل : إنّ هذا كلام زليخا فلا يكون فيه حجّة.

الرابع : أنّ حبسه في السجن مكان معصية ، فلم قال (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) ومحبّة المعصية معصية.

والجواب : إنّما اختار السجن تخلّصا من الفاحشة لمّا وقع التعارض بينهما.

الخامس : جعل السقاية في رحل أخيه مع أنّه لا ضرورة إلى هذه الحيلة وإدخال الغمّ عليهم بأنّهم سارقون ، وحمل المنادي على الكذب بأنّهم سارقون.

والجواب : أمّا الجعل فوسيلة إلى مصلحة ، والوسائل إلى المصالح جائزة شرعا ، مع أنّه كان بوحي من الله ، ونقل أيضا بأنّه استأذن أخاه في ذلك وأعلمه ، وأمّا إدخال الغمّ عليهم بالتسريق فيحتمل أن لا يكون بأمره ، بل إنّما أمره (٧) بالجعل لا غير ، وإنّما نسبهم إلى السرقة أصحابه أو أراد أنّهم سرقوه من أبيه وباعوه ، إذ ليس

__________________

(١) تدارك ـ خ : (د). تداركتك ـ خ ل ـ خ : (د).

(٢) ولا يبطل ـ خ : (د) والظاهر أنّه غلط.

(٣) القصص ٢٨ : ١٠.

(٤) على أن ـ خ : (آ).

(٥) يوسف ١٢ : ٥٣.

(٦) وقابلة ـ خ : (آ).

(٧) أمر ـ خ : (آ).

في لفظه إشعار بالصواع ، كذا قيل.

والأجود أنّه يكون جزاء الظلم (١) ، وجزاء الظلم ليس بظلم أو أنّه استفهام والهمزة مقدّرة نحو (هذا رَبِّي).

السادس : أنّه يتمكّن من إعلام أبيه بحاله ولم يعلمه حتّى آل الأمر إلى غمّه وحزنه.

والجواب : أنّه جاز كون ذلك بأمر الله تعالى ؛ تشديدا للبلاء على يعقوب عليه‌السلام ، كما قيل : يبدأ البلاء بالأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل.

السابع : قوله تعالى : (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) (٢) وكيف يجوز له أن يرضى بسجودهم له وفيه إذلال للأب ، مع أنّ السجود لا يكون إلّا لله.

والجواب : السجود كان لله لأجله شكرا على الاجتماع ، وليس ذلك تأويلا لرؤياه ، بل تأويلها بلوغه إلى أرفع المنازل ، وقد حصل له ذلك.

السادسة : قصّة أيوب عليه‌السلام في قوله : (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) (٣) والعذاب على الذنب.

والجواب : المراد بالعذاب الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلبه فيتوحّش منها ، وكيف يجوز حمله على صدور الذنب عنه مع أنّه مدحه في آخر الآية بقوله : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٤).

السابعة : قصّة شعيب عليه‌السلام في قوله : (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها)(٥) وملّتهم باطلة ، فدلّ على أنّه كان على مذهب باطل وخلّصه الله منها.

والجواب : جاز أنّها كانت حقّة ونسخت بشرعه عليه‌السلام ؛ ولهذا قال : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ

__________________

(١) لظلمهم ـ خ : (آ).

(٢) يوسف ١٢ : ١٠٠.

(٣) ص ٣٨ : ٤١.

(٤) ص ٣٨ : ٤٤.

(٥) الأعراف ٧ : ٨٩.

اللهُ رَبُّنا) (١) أي إن يشاء استمرار حكمها وعدم نسخها ؛ إذ لو كانت باطلة لزم نسبة مشيئة الكفر إليه تعالى ، وهو باطل لا يجوز نسبته إلى الأنبياء إجماعا.

الثامنة : قصّة موسى عليه‌السلام ، وفيها وجوه :

الأوّل : أنّه قتل القبطي فإمّا أن يكون مستحقا فلا يكون من عمل الشيطان ، ولم يكن موسى ظالما لنفسه (٢) ولا ضالّا ، لكنّه قال هذا ، أو لا يكون مستحقّا فيكون معصية كبيرة لا يجوز صدورها منه.

والجواب : نختار أنّه كان مستحقّا (٣) ، لكنّ الأفضل تأخّره فسمّى نفسه ظالما وضالّا باعتبار ترك الأولى ، وعمل الشيطان إشارة إلى عمل القبطي أو القتل الذي هو مسبّب عن فعل المعصية التي هي بإغوائه ، وإشارة إلى تقديم ما الأولى تأخيره (٤).

الثاني : أنّه استعفى من الرسالة الواجب تبليغها وذلك معصية.

والجواب بالمنع (٥) من الاستعفاء بل طلب المعين على مهمّات الرسالة.

الثالث : أنّه أمرهم بإلقاء السحر (٦) وهو معصية لا يجوز الأمر بها.

والجواب : أنّه أمر مشروط بكونهم محقّين كما في قوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ... إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٧)

__________________

(١) الأعراف ٧ : ٨٩.

(٢) نفسه ـ خ : (آ).

(٣) يعني للقتل ؛ لأنّه كان عليه‌السلام يجتاز فاستغاثه رجل من شيعته على رجل قد بغى عليه وظلمه وقصد إلى قتله ، فأراد عليه‌السلام أن يخلّصه من يده ويدفع عنه مكروهه ، فأدّى ذلك إلى القتل من غير قصد إليه ، وكلّ ألم يقع على سبيل المدافعة للظالم من غير أن يكون مقصودا فهو حسن غير قبيح ، إلى آخر ما ذكره السيد علم الهدى قدس‌سره في كتابه النفيس تنزيه الأنبياء ص ٦٩ تبريز سنة ١٢٩٠ بخطّ المرحوم الشيخ العالم الشيخ عبد الرحيم التبريزي الخطّاط المشهور رحمه‌الله.

(٤) تأخّره ـ خ : (آ).

(٥) المنع ـ خ : (آ).

(٦) إنّه أمر بإلقاء السحرة ـ خ : (آ).

(٧) البقرة ٢ : ٢٣.

الرابع : أنّه أوجس في نفسه خيفة وهو (١) تقتضي شكّه فيما أتى به.

والجواب : أنّه خاف التلبيس (٢) فآمنه الله منه وبيّن له إيضاح حجّته.

الخامس : أخذه برأس أخيه إن كان حقّا فهارون مذنب مع أنّه رسول الله ، وإن لم يكن حقّا فموسى مذنب.

والجواب : أنّ موسى عليه‌السلام فعل ذلك حدّة وغضبا من فعل قومه لا لخطإ من هارون ، وقد كان عليه‌السلام سريع الغضب والحدّة غير مذمومة ، ولهذا قال نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله : «خيار أمّتي حدادها الذين إذا غضبوا رجعوا» فحملته حدّته على جذب رأس أخيه ليدنيه ويتحقّق منه كيفية الواقعة ، فأشفق هارون أن يظنّوا خلاف ذلك ، قال : لا تأخذ بلحيتي ، أي لئلّا يظنّ القوم أنّك تريد قتلي وضربي ولم يعلموا أنّه حدّة وغضب منك عليهم.

السادس : أنّه قال في قصة الخضر عليه‌السلام : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) (٣) فإن كان كما قال فالخضر مذنب وإلّا فموسى ، وكذا في قوله : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً) (٤) ولم تكن زكية.

والجواب عن الأوّل : أنّه نكر (٥) ظاهرا ؛ فإنّ من نظر إلى ظاهر الواقعة ولم يعرف حقيقتها أنكرها أو أنّه نكر (٦) إن كان ظلما أو أنّه عجب ، فإنّ من رأى شيئا عجبا جدّا يقول : هذا شيء منكر.

وعن الثاني : أنّه كان على طريق الاستفهام ، وأمّا قتل الخضر للغلام عند خشية الإرهاق والخشية لا تفيد علما بل ظنّا ، فإنّ ذلك في حقّ غير الأنبياء ، وأمّا الأنبياء فظنونهم علوم أو أنّ الله أمره بقتله.

التاسعة : قصّة داود عليه‌السلام وهي في تأويل قوله تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ

__________________

(١) وهي ـ خ : (آ).

(٢) أي خاف التلبيس على قومه الذين لم ينعموا النظر فآمنه الله تعالى منه.

(٣) الكهف ١٨ : ٧٤.

(٤) الكهف ١٨ : ٧٤.

(٥) أنكر ـ خ : (آ).

(٦) أنكرها ـ خ : (آ).

تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) (١) إلى آخرها ، فقد روي أنّه قال لربّه : قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لوددت أنّك أعطيتني مثله ، قال تعالى : إنّي ابتليتهم بما لم ابتلك بمثله فإن شئت ابتليتك مثلهم ، قال : نعم قال : ستبتلى في يوم كذا وشهر كذا فلبث دهرا فتمثّل له إبليس في صورة حمامة من ذهب في غاية الحسن فوقعت في محرابه ، فأراد أخذها ليري بني اسرائيل قدرة الله تعالى ، فذهبت إلى الكوّة فقام ليأخذها ، وطارت من كوّة المحراب فنظر فإذا امرأة أوريا تغتسل فتعجّب (٢) من حسنها ، فالتفتت فرأته ، فنقضت شعرها فغطّى جميع بدنها فازداد تعجّبا ، قالوا : وكان عمره إذ ذاك سبعين سنة فأحبّ أن يقتل زوجها ليتزوّجها ، وكان مع ابن أخت داود عليه‌السلام في جيش ، وأنفذ إليه خاله أن قدّم اوريا أمام التابوت ، وكان في شرعه أنّ من تقدّم التابوت لا يرجع حتى يفتح على يده أو يقتل ، فتقدّم اوريا ففتح على يده فأرسل إليه ثانية : أن قدّمه إلى جيش كذا أعظم من الأول ففتح على يده ، فأرسل إليه ثالثة فقدّمه فقتل ، وتزوّج

__________________

(١) ص ٣٨ : ٢١ ذكر المصنف (ره) في كنز العرفان قوله تعالى : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها) ثمّ قال : قيل : إنّها تدلّ على كراهية الدخول في سوم المؤمن ؛ لأنّ الأكثر على أنّ داود عليه‌السلام خطب على خطبة أوريا فعوتب على ذلك ج ٢ ، ص ٤٢.

وقد كتبنا في تعاليقنا على كنز العرفان : أنّ نسبة ذلك إلى الأكثر ، وتفريع أنّها تدلّ على كراهية الدخول في سوم المؤمن ، غير وجيه على مذهبنا ، وقد نسب في مجمع البيان هذا القول إلى الجبائي فقط وخطبة داودعليه‌السلام امرأة قد خطبها رجل من أصحابه وتقدّمه عليه وتزوّجها وإن لم يكن معصية ، ولكن في هذا العمل نفرة وخلاف مروّة واشمئزاز للنفوس لا يصدر عن الأنبياء عليهم‌السلام ، وفي قصة داود عليه‌السلام من الإسرائيليات وقصص التوراة المحرّفة شيء كثير لا يعبأ بها ؛ لمخالفتها القواعد المسلّمة في مذهب الإمامية في باب النبوّة من عصمة الأنبياء عليهم‌السلام عن المعصية كبيرة وصغيرة وعن الخطإ ، واستغفار داود عليه‌السلام حصل منه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى ، والخضوع له والتذلّل بالعبادة والسجود ، وقد يفعله الناس كثيرا عند النعم التي تتجدّد عليهم ، والمقصود من التوبة والاستغفار إنّما هو القبول. قيل في جوابه :

«فغفرنا لك» أي فعلنا المقصود به ، راجع في هذه القصة ما حقّقه السيّد علم الهدى قدس‌سره في تنزيه الأنبياء والطبرسي (ره) في مجمع البيان واغلب مطالبه في تحقيق القصّة مأخوذة عن تنزيه الأنبياء ، وراجع أيضا ما حقّقه سيدنا الأستاد العلّامة الطباطبائي دام ظلّه حول القصة في تفسير الميزان والله الموفق.

(٢) فعجب ـ خ : (آ).

داود عليه‌السلام بامرأته فولدت له سليمان عليه‌السلام فأرسل له الملكين في صورة الخصمين ليبكتاه (١) على خطيئته ، ويدل على ذلك قوله : (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) إلى قوله : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) (٢)

والجواب : أنّ هذه القصة كذب لا محالة لوجوه :

الأوّل : أنّ العقل يستقبح نسبة هذا الفعل إلى بعض أراذل الناس ممّن لا مزية (٣) له ، فكيف يجوز نسبته إلى أنبياء الله الذين فضّلهم وشرّفهم واصطفاهم على العالمين.

الثاني : ما روي عن علي عليه‌السلام أنّه قال : «من حدّث بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستّين جلدة» وهي حدّ الفرية على الأنبياء.

الثالث : أنّه تعالى ذكر داود عليه‌السلام بصفات المدح والثناء قبل هذه الآيات وبعدها ، فكيف يليق ذلك بمقام التبكيت والتأنيب (٤).

وبيان مدحه من وجوه :

الأوّل : قوله : (عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) (٥) أي القوّة (٦) في الدين ؛ إذ الكفّار أولو قوّة في الدنيا فلا يكون ذلك مدحا ، وإذا كان قويّا في دينه كان معناه شدّة العزم على فعل الطاعة وترك المعصية.

الثاني : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) (٧) (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) (٨).

__________________

(١) ليذكراه ـ خ ل ـ خ : (د).

(٢) ص ٣٨ : ٢٤ و ٢٥.

(٣) توبة ـ خ : (د).

(٤) والتائب ـ خ : (آ).

(٥) ص ٣٨ : ١٧.

(٦) ذا القوة ـ خ : (د).

(٧) ص ٣٨ : ١٨.

(٨) ص ٣٨ : ١٩.

الثالث : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) (١) وليس المراد كذا (٢) بالمال ؛ إذ هو من صفات الكفار.

الرابع : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) (٣) وهي جامعة للكمالات العلمية والعملية.

الخامس : (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً) (٤) والخلافة من أعظم المناصب خصوصا عقيب القصّة (٥).

السادس : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) (٦).

السابع : أنّه قد قيل في الآية والقصّة غير ذلك ممّا يوافق المعنى والمقام ، فلا يجوز العدول عنه إلى خلافه بما يمنعه الدليل ؛ فإنّ قول الملائكة : (خَصْمانِ) كذب وقوله : (لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) كذب أيضا ، وحمل النعاج على النساء عدول عن الظاهر.

وأمّا ما قيل في القصة والآية فقيل : إنّ أهل ذلك الزمان اعتادوا أن ينزل بعضهم لبعض عن امرأته إذا أعجبته ، فاتّفق أنّ عين داود عليه‌السلام وقعت على امرأة أوريا فأعجبته فسأله النزول عنها فاستحيا أن يردّه ففعل فتزوّجها ، فقيل له : إنّك مع جلالة منزلتك وكثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلا ليس له إلّا امرأة واحدة النزول عنها. وقيل : خطبها أوريا ثمّ خطبها داود عليه‌السلام فآثره أهلها.

وقيل : إنّ الخصومة كانت على الحقيقة بين شخصين من الإنس ، وفيه وجهان : أحدهما : أنّ الخصومة كانت في الغنم ، وثانيهما : أنّ أحدهما كان موسرا وله نساء كثيرة سراري ومهاير ، والآخر معسر ليس له إلّا امرأة واحدة ، فاستنزله الموسر عنها.

__________________

(١) ص ٣٨ : ٢٠.

(٢) كذا ـ خ : (د).

(٣) ص ٣٨ : ٢٠.

(٤) ص ٣٨ : ٢٦.

(٥) وقت القصد ـ خ : (آ) و ـ خ ل ـ خ : (د).

(٦) ص ٣٨ : ٢٥ و ٤٠.

وأمّا فزعه فلدخولهما عليه في غير وقت الحكومة ، وخاف أن يكونا مغتالين له ليقتلاه ، وبه فسّر بعضهم الآية ، وهو أنّهم تسوّروا قاصدين قتله ظنا منهم أنّه غافل ، فلما رآهم فزع ؛ لما تقرّر (١) في العرف أنّ أحدا لا يتسوّر دار غيره إلّا لقصد الإساءة به خصوصا إذا كان صاحب المنزل معظّما فلما رأوه مستيقظا اخترعوا (٢) حكومة ، وأنّهم قصدوه لأجلها ، والفرض عدمها.

وأمّا استغفاره فجاز أن يكون لغيره ؛ إذ ليس فيه إشعار بكونه لنفسه وذلك كاستغفار الأنبياء لأممهم والملائكة للمؤمنين.

سلمنا ، لكن جاز أن يكون على وجه الانقطاع إلى الله تعالى والتذلّل.

(وَخَرَّ راكِعاً) أي ساجدا فعلى وجه الشكر ، وإنابته هي رجوعه إلى عبادة ربّهم ؛ لأنّهم دخلوا عليه في وقت العبادة فشغلوه عنها ، وقوله : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) أي لأجله على الوجه الأول ، وعلى الثاني أي قبلنا استغفاره ، وسمّى القبول غفرانا تسمية للشيء بمقابله كقوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) (٣) وقول الشاعر :

ألا لا يجهلن أحد علينا

فيجهل فوق جهل الجاهلينا

العاشرة : قصة سليمان عليه‌السلام ، وهي وجوه :

الأوّل : أنّه ترك الصلاة حتّى توارت الشمس أي غابت ؛ بسبب اشتغاله بحبّ الخيل(٤) ، وهي من أمور الدنيا ، حتّى قال بعض الحشوية : إنّه أمر بردّها وتقطيع سوقها وأعناقها والصدقة بها ؛ كفّارة لخطيئته.

والجواب : أنّا نفسّر الآية ونبيّن عود الضمير فيها على الوجه المطابق ثمّ نبيّن خطأ القائل.

__________________

(١) تقدر ـ خ : (آ).

(٢) الاختراع : الإيجاد مع سبق مدّة لا مادة ، وحمل الآية على اللصوص أولى من حملها على الملائكة ؛ لقوله تعالى : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) والكذب من الظلم والمعاصي ـ هامش ـ خ : (آ).

(٣) النساء ٤ : ١٤٢.

(٤) الخير ـ خ : (آ).

أمّا الأوّل ؛ فلأنّه عليه‌السلام لما جلس لعرض الخيل عليه ، قال : إنّي أحببت حبّ الخيل (١) مبالغة في حبّه ؛ فإنّ الشخص قد يحبّ شيئا ولا يحبّ أن يحبّه ، وأمّا إذا أحبّه وأحبّ أن يحبّه فذلك مبالغة في حبّه وقال : إنّ ذلك عن ذكر ربّي ، أي هذه المحبّة بسبب ذكر ربّي وعن أمره لا عن هوى النفس ، فإنّ رباط الخيل مندوب إليه شرعا كما في شرعنا ، ثمّ أمر بإركاضها حتّى غابت عنه رياضة لها ، ثمّ أمر بردّها وجعل يمسح سوقها وأعناقها تشريفا لها ، أو إظهار الرحمة بها (٢) وشفقته ، أو لأنّها أعظم الأعوان في دفع العدو ، أو لاهتمامه بمصالح الدين والدنيا (٣) ، فعلى هذا يكون الضميران عائدين إلى الخيل ، ويكون الكلام آخذ بعضه بحجزة بعض (٤).

وأمّا الثاني ، وهو عود الضمير إلى الشمس الذي هو مبنى الشبهة فغير صحيح.

أمّا أوّلا ؛ فلأنّه عود إلى غير مذكور ، وهو خلاف الأصل.

وأمّا ثانيا ؛ فلأنّ ذلك يقتضي عود الضمير في ردّها إلى الشمس أيضا ، ليكون الكلام مرتبطا (٥) بعضه ببعض ، وذلك باطل لقوله : ردّوها ، فظاهره خطاب العارضين للخيل وهم لا قدرة لهم على ردّ الشمس ، وخطاب الله به غير لائق بخطاب الأنبياء له تعالى.

الثاني : قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) (٦) قيل : إنّ جنّا اسمه صخر تمثّل بصورته ، وجلس على سريره ، وأخذ خاتمه الذي فيه النبوة ، وألقاه في البحر فذهبت نبوّته ، فأنكره قومه حتّى عاد إليه من بطن السمكة.

والجواب : أمّا الآية ففيها وجوه :

الأوّل : المراد بالفتنة الابتلاء والامتحان ، بأن أمرضه مرضا شديدا ، وألقى جسده على كرسيه من شدّة المرض فصار كالميّت كما يقال : لحم على وضم وجسد بلا روح ،

__________________

(١) الخير ـ خ : (آ).

(٢) رحمته بها ـ خ : (آ).

(٣) الدنيا ـ خ : (د).

(٤) أي متناظم متناسق.

(٥) مرتبة ـ خ : ـ (د).

(٦) ص ٣٨ : ٣٤.

على معنى شدّة الضعف ، وحذف الهاء مبالغة.

الثاني : قيل : إنّ سليمان عليه‌السلام قال : لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة فتلد كلّ امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله ، ولم يقل : إن شاء الله فطاف فلم تحمل إلّا امرأة واحدة جاءت بولد نصف غلام ، فجاءت إليه القابلة وألقته على كرسيه فكان الابتلاء بترك الاستثناء.

الثالث : قيل : إنّه عليه‌السلام ولد له غلام فخاف عليه من الشيطان ، وأمر السحاب فحملته وأمر الريح أن يحمل إليه غذاءه ، فمات الولد وألقي ميّتا على كرسيه.

وأمّا الحكاية الخبيثة وكتاب الله ونبيه مبرّءان منها ؛ لأنّ النبوّة لا تكون في خاتم ولا يسلبها الله تعالى عن أهلها ، ولا يجوز أيضا تمكين الجنّي من التشبيه بصورة سليمان والتلبيس على قومه.

الرابع : قول سليمان عليه‌السلام : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (١) وهذا فيه إشعار بالحسد.

والجواب من وجوه :

الأوّل : أنّه طلبه ليكون معجزة له في ذلك الزمان وأهله كانوا يتنافسون (٢) في الملك والمال والجاه ، ومعجزة كلّ نبي من جنس ما يعجز به أهل زمانه ، أي أعطني ملكا لا ينبغي(٣) حصوله لأحد من أهل زماني.

الثاني : أنّه ليس في الآية إشعار بملك الدنيا فجاز أن يكون ملك الآخرة ، أي ملكا لا ينتقل عنّي لما علم عند مرضه أنّ ملكه ينتقل عنه إلى غيره ، فلمّا رجع إلى الصحّة سأل ذلك.

الثالث : أنّه لما تقرّر عند أكثر الناس أنّ الاشتغال بالملك يلهي عن الطاعة والإقبال عليها ، فسأل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ويكون مع ذلك غير مشتغل عن الطاعة.

__________________

(١) ص ٣٨ : ٣٥.

(٢) يتباهون ـ خ : (آ).

(٣) لا يمكن ـ خ : (آ).

الحادية عشرة : قصة يونس عليه‌السلام ، وهي وجوه :

الأوّل : قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) (١) والغضب إمّا على الله أو على قومه أمر بدعائهم إلى الإيمان ، وكلاهما ذنب عظيم.

والجواب : لعلّ غضبه على قوم من الكفّار لم يقبلوا قوله.

الثاني : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) والشكّ في قدرة الله تعالى كفر.

والجواب أنّه أراد أن لن يضيّق عليه كما في قوله : (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) (٢) و (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) (٣).

الثالث : قوله : (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٤) وذلك اعتراف بالظلم.

والجواب : أي في ترك الأفضل.

الرابع : قوله : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) (٥) نهى نبيّنا عليه‌السلام عن مثل (٦) فعله فدلّ على أنّ فعله ذنب.

والجواب : لا تكن كهو في ترك صبره الذي هو أفضل من عدمه.

الثانية عشرة : قصّة لوط عليه‌السلام وهي قوله : (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) (٧) (هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (٨) عرض بناته للفاحشة وهو كبيرة.

والجواب : المراد بناتي اللاتي لم (٩) يحكم (١٠) المتابعة في الدين ؛ إذ الإضافة تصدق بأدنى سبب ككوكب الخرقاء ، على أنّا نمنع تعريضهم للفجور بل رجّح النساء على الغلمان.

__________________

(١) الأنبياء ٢١ : ٨٧.

(٢) الفجر ٨٩ : ١٦.

(٣) الرعد ١٣ : ٢٦ ؛ الإسراء ١٧ : ٣٠ ؛ الروم ٣٠ : ٣٧ ؛ سبأ ٣٤ : ٣٦ ؛ الزمر ٣٩ : ٥٢ ؛ الشورى ٤٢ : ١٢.

(٤) الأنبياء ٢١ : ٨٧.

(٥) القلم ٦٨ : ٤٨.

(٦) عن فعل ـ خ : (آ).

(٧) هود ١١ : ٧٨.

(٨) الحجر ١٥ : ٧١.

(٩) لم ـ خ : (د).

(١٠) بحكم ـ خ : (آ).

الثالثة عشرة : قصّة زكريا عليه‌السلام ، وهي أنّه تضرّع في طلب الولد فلمّا بشّر به شرع يتعجّب في (١) إمكانه حال كبره وعقم زوجته (٢) وهو شك في قدرة الله تعالى.

والجواب : أنّه بشّر حال انقطاع رجائه ففرح وزاد فرحه ، فسأل عن الكيفية والكمية ليسمع البشارة مرّة أخرى فيزداد سروره.

الرابعة عشرة : قصّة عيسى عليه‌السلام ، وهي وجوه :

الأوّل : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ) (٣)؟ إن كان قد قال ذلك فذلك ذنب عظيم ، وإن لم يقل فالسؤال عبث منه تعالى.

والجواب : أنّه لم يقع منه ونمنع العبثيّة ، بل ذلك تقريع لمن قال ذلك من النصارى كما قيل : إيّاك أعني واسمعي يا جارة.

الثاني : (لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) (٤) والنفس هي الجسد فقد أوهم إطلاق الجسمية عليه تعالى وأيضا كلمة «في» للظرفية ، وهي لا تعقل إلّا للأجسام.

والجواب : المراد الذات والظرفية مجاز.

الثالث : (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) (٥) والغفران للكافر غير جائز.

والجواب : المراد من هذا تفويض الأمر إليه تعالى بالكلّية.

الخامسة عشرة : قصّة سيد الأنبياء عليه وعلى آله الصلاة والسلام ، وهي وجوه :

الأوّل : قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٦).

والجواب : أنّه معارض بقوله : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) (٧) فيجب تأويل الأوّل بوجوه :

__________________

(١) من ـ خ : (آ).

(٢) امرأته ـ خ : (آ).

(٣) المائدة ٥ : ١١٦.

(٤) المائدة ٥ : ١١٦.

(٥) المائدة ٥ : ١١٨.

(٦) الضحى ٩٣ : ٧.

(٧) النجم ٥٣ : ٢.

الأوّل : وجدك ضالّا في أمر الدنيا وتصرف المعاش فيها ومخالطة الخلق.

الثاني : وجدك غافلا عن وصول مقام النبوّة إليك لقوله : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) (١) (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ) (٢) والضلال يستعمل في ذلك لقوله : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) (٣)

الثالث : ضالّا في طريق مكّة عن الهجرة.

الرابع : ضالّا في شعاب مكّة أيام جدّك عبد المطلب ، حين (٤) خرجت عنه فردّك إليه عدوّك أبو جهل ، وهذه نعمة يمنّ بها.

الخامس : وجدك ضالّا حين خرجت مع عمّك أبي طالب عليه‌السلام إلى الشام في ليلة ظلماء ، فأخذ إبليس (٥) بزمام ناقتك وعدل (٦) بك عن الطريق ، فجاء جبرائيل عليه‌السلام فنفخه نفخة وقع منها إلى الحبشة ، وردّك إلى عمّك (٧).

__________________

(١) يوسف ١٢ : ٣.

(٢) الشورى ٤٢ : ٥٢.

(٣) البقرة ٢ : ٢٨٢.

(٤) حتّى ـ خ : (آ).

(٥) فجاء إبليس وأخذ ـ خ : (آ).

(٦) فعزل بها ـ خ : (آ).

(٧) التحقيق أن يقال : ووجدك ضالّا فهدى. المراد بيان حال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في نفسه مع قطع النظر عن هداية الله تعالى له ، فلا هدى له صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا لأحد من الخلق إلّا بالله سبحانه ، فقد كانت نفسه في نفسها ضالّة وإن كانت الهداية الإلهيّة ملازمة لها منذ وجدت وخلقت ، فالآية في معنى قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) الشورى ٤٢ : ٥٢ يعني أوحينا إليك الروح بأمر من عندنا فأنت تدري بسببه الكتاب والايمان وتدعو الناس إليهما ، وهما ليسا ممّا أدركته بنفسك وأبديته بعلمك ، بل أمر من عندنا منزل إليك بوحينا ، ولو لا وحينا إليك الروح لما كنت تدري بنفسك ذاتا ما الكتاب ولا الإيمان ، ولكن أوحينا إليك الروح بأمر من عندنا منذ وجدت نفسك فمنذ وحينا إليك ـ الروح ـ أنت عالم بالكتاب والإيمان فإنّ العلم بهما ملازم وحينا إليك الروح.

فالآية لا نظر فيها إلى قبل البعثة وبعدها ، وإنّما هي مسوقة لبيان أنّ ما عنده صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يدعو الناس إليه إنّما هو من عند الله سبحانه لا من قبل نفسه المقدّسة ، فإنّها في نفسها لا علم لها ولا هداية فيها بذاتها بل حصل لها العلم بالكتاب والإيمان بسبب وحي الله تعالى الروح إليها.

الثاني : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِه

__________________

فالاستدلال بآية الشورى ٥٢ على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن متلبّسا بالإيمان قبل البعثة مدفوع بأنّه لا دلالة في الآية على ذلك فإنّك عرفت أنّ الآية مسوقة لبيان ما ذكرناه وتلوناه عليك آنفا.

فالآية لا دلالة فيها على عدم كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤمنا بالله تعالى موحّدا قبل البعثة صالحا في عمله وعاملا بشريعة نفسه المقدّسة ، كما عليه إجماع الشيعة الإماميّة ، فإنّه كان يوحى إليه بأشياء تخصّه ، وكان يعمل بالوحي لا اتباعا لشريعة وأنّه ولد نبيّا ، بمعنى كان فيه جميع كمالات النبوّة وأوصاف الرسالة من حين الولادة بل وقبلها في عالم النورانية ، ولذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين كما رواه الفريقان.

وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ولقد قرن الله به صلى‌الله‌عليه‌وآله من لدن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره ، فعلى ما بيّناه في تفسير الآية الشريفة يجمع بينها وبين الأخبار الواردة من طرق أهل البيت عليهم‌السلام أنّ الروح مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يخبره ويسدّده ، وهو مع الأئمّةعليهم‌السلام من بعده ، وأنّ المراد من الروح في الآية هو الروح القدس وهو معهم عليهم‌السلام وفيهم كما في التعبيرات الواردة في الأحاديث ، فراجع.

وأمّا القول بأنّ المراد من الروح هو جبرائيل فهو يستلزم المجاز بأن يكون (أَوْحَيْنا) بمعنى أرسلنا فلا يصار إليه من غير دليل ، مضافا إلى أنّ حمل (أَوْحَيْنا) على الحقيقة مع القول بأنّ المراد من الروح هو جبرائيل لا يستقيم ؛ فإنّ جبرائيل هو واسطة الوحي لا أنّه الوحي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه لا معنى له كما بيّناه في جنّة المأوى فلاحظ ص ٣٣٧ ـ ٣٣٦.

وأمّا قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) سورة يوسف آية ٢ فالغفلة في اللغة : غيبة الشيء عن البال وعدم التوجّه إليه بعد العلم به لا الجهل به بتاتا ، والغفلة عن الشيء : تركه وأنت له ذاكر ، فمعنى الآية الشريفة : نحن نقص عليك أحسن القصص ، أي القرآن أو قصة يوسف كما هو الظاهر بوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبل الوحي لمن الغافلين ، أي لم يكن لك قبل الوحي توجّه إليه ، فإنّك كنت عالما بالقرآن المنزل عليك دفعة واحدة في ليلة القدر ، ولكن كنت في غفلة من ذلك بعدم التوجّه منك إليه قبل نزول الوحي عليك ، وتوجّهت بنزول القرآن تدريجا إلى ما كنت عالما به من قبل ، ولكن كنت غافلا بعدم التوجّه منك إليه. وليست في الآية دلالة على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان جاهلا به قبل البعث على الرسالة وإظهار النبوّة بل في التعبير بالغفلة بقوله : (لَمِنَ الْغافِلِينَ) دلالة على ما بيّناه.

فمن باب المثال نقول : إنّ الناظر إلى المرآة ينظر إلى صورته فيها غافلا عن نفس المرآة ، بعدم توجّهه إليها مع علمه بها فلا يقال : إنّ الناظر لا علم له بها أصلا بل له العلم بها وينظر إلى الصورة ، ولكن لا يتوجّه إلى نفس المرآة.

وأمّا نزول القرآن دفعة واحدة إلى رسول الله في ليلة القدر ثمّ نزوله تدريجا في مدّة ثلاث وعشرين سنة فهو الظاهر المكشوف من القرآن الكريم ومن السنة المروية عن العترة الطاهرة سلام الله عليهم. وأمّا ما تفوّه به بعض الجهّال من إنكار ذلك فهو ممّا لا يعبأ به كما هو مبيّن في محلّه.

فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) (١) ورد (٢) أنّ سببها أنّه عليه‌السلام تمنّى التقرّب إلى قومه بما يسرّهم ، فلمّا قرأ في النجم (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (٣) ألقى الشيطان في قراءته تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهن لترتجى ، فسرّت بذلك قريش وقالت : ذكر آلهتنا بأحسن الذكر ، فلمّا وصل السجدة سجد هو والمسلمون وتبعهم المشركون أيضا لسرورهم ، فجاء جبرائيل عليه‌السلام فأخبره بذلك فحزن ، فأنزلت الآية في الحجّ تسلية له ، وذلك صريح في تمنّي الإضلال الذي هو بصدد خلافه.

والجواب : أنّ نسبة هذه الحكاية إليه عليه‌السلام فظيع شنيع (٤) خصوصا مع وقوع الاتّفاق على وجوب العصمة في تبليغ الرسالة ولو سهوا ، وهذا من جزئياته ، فيكون ذلك الكلام الذي وقع إمّا منه كذبا أو منه تعالى ، والقسمان باطلان اتّفاقا فيحتاج في تتمّة الجواب إلى أمرين :

الأوّل : بيان حال آية النجم فنقول : تقرّر في الأصول أنّ خبر الواحد إذا اقتضى علما وفي الأدلّة القطعية مخالفته (٥) يجب ردّه ، وإلّا لكان تكليفا بالمحال ، وهذا الوارد من هذا القسم لمخالفته الأدلّة القاطعة بعصمة الأنبياء عليهم‌السلام فيجب ردّه.

أمّا على تقدير تسليم الخبر فيمنع (٦) أنّه عليه‌السلام هو القائل لذلك ، لجواز أن يكون القائل بعض المشركين القريبين من مكانه فاشتبه بقوله ؛ وذلك لأنّه لما قرأ أوّل الآية وذكر آلهتهم توهّموا أنّه يذكرها بعد ذلك بما يسرّهم (٧) لما جرت عادته به ، فقال ذلك معارضا لهعليه‌السلام ،

__________________

(١) الحج ٢٢ : ٥٢.

(٢) ورد ـ خ : ـ (آ) ـ خ : (د) وفي ـ خ : ـ (د) علامة التشديد. والظاهر أنّه اشتباه من النساخ والصحيح : وورد أنّ سببها ... كما يظهر ما ادّعيناه من تنزيه الأنبياء للسيد قدس‌سره انظر ص ١٠٩ طبعة تبريز سنة ١٢٩٠.

(٣) النجم ٥٣ : ٢٠.

(٤) فظيع شنيع ـ خ : (د). تشنيع ـ خ : (آ).

(٥) مخالفة ـ خ : (آ).

(٦) فيمتنع ـ خ : (آ).

(٧) يسؤهم ـ خ : (آ).

أو أنّ القائل هو الشيطان. سلّمنا أنّه هو القائل لكن الغرانيق هي الملائكة ، ولذلك قيل : إنّه كان قرآنا ، فلمّا توهّم المشركون قصد آلهتهم به نسخ تلاوته ، والغرانيق جمع غرنوق وهو الحسن الجميل.

الثاني : أنّ (١) آية الحجّ ليس فيها دلالة على التسلية ؛ لأنّ التمنّي يحتمل وجهين.

الأوّل : التلاوة ، قال حسان :

تمنّى كتاب الله أوّل ليله

وآخره لاقى حمام المقادر (٢)

فعلى هذا يكون المراد (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى) أي تلا ما يؤدّيه إلى قومه حرّفوه وبدّلوه وزادوا ونقصوا ، كما فعلت اليهود بالتوراة ونسبته إلى الشيطان ؛ لأنّه وقع لوسوسته فينسخ الله ما يلقي الشيطان بإظهار حجّته وبيّناته على ألسنة رسله ، وليس ذلك صريحا في التسلية.

الثاني : تمنّي النفس ، وحينئذ يكون المراد أنّ فطرة الأنبياء والرسل ليست خارجة عن فطرة الإنسان ، الذي له قوى كثيرة منها المتخيّلة التي من شأنها التركيب للصور والمعاني ، فتحملها (٣) تارة كلّية وتارة في المواد الجزئية ثمّ تنتقل إلى الحس المشترك ومنه إلى الحواس الظاهرة ، ثمّ إنّ تلك الصور قد تحصل من جوهر شريف كجبرائيل فإن كان في المنام فرؤيا صادقة وفي اليقظة وحي ، وقد يحصل من الطبيعة بسبب الإدراكات الحسية المعبّر عنها بالشيطان ، أو يحصل من الشيطان نفسه في حقّ الأنبياء من غير إذعان منهم لذلك ولا جزم به فينسخ ذلك بالوحي والإرشاد إلى مخالفته ، وليس فيه أيضا تصريح (٤) التسلية بل ولا نسبة له إلى نبينا عليه‌السلام على الوجهين :

الثالث : قوله : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ

__________________

(١) ان ـ خ : (آ).

(٢) المعابر ـ خ : (آ). المفاوز ـ خ : (د) وما أثبتناه في المتن فهو من تنزيه الأنبياء للسّيد قدس‌سره.

(٣) فتحكيها ـ خ : (د).

(٤) صريح ـ خ : (آ).

اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (١) الآية. وجه الاعتراض : أنّهم قالوا : إنّه تعالى عاتبه على إضمار شيء كان ينبغي إظهاره ، وإنّه راقب من لا ينبغي مراقبته ، وذلك لا يكون إلّا عن ذنب.

وأيضا نقل عن بعضهم أنّه عليه‌السلام نظر إلى زينب امرأة زيد فهواها وأخفى ذلك ، فمنهم من قال : إنّها حرمت بذلك على زيد. وقيل : بل وجب عليه تطليقها ابتلاء له.

والجواب عن الأوّل بالمنع من دلالة الآية على العتاب على ذنب ؛ لأنّ ما يوهم ذلك وهو قوله : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ) إخبار محض بأنّه عليه‌السلام أخفى شيئا والله تعالى أبداه ، وذلك ليس صريحا ولا ظاهرا في الذنب ، وكذا قوله : (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) إخبار أيضا بأنّه عليه‌السلام يخشى الناس والله أحقّ بالخشية ، وفي قوله (أَحَقُ) دلالة على حقيقة خشية الناس وأنّها ليست أمرا باطلا ؛ لأنّ أفعل التفضيل يقتضي ذلك ، ولم يخبر أنّه لم يفعل ما هو الحقّ ، وأنّه عدل عنه إلى غيره حتّى يكون عتابا.

مع أنّه يحتمل أن يكون المراد ليس خشية التقوى ؛ لأنّه عليه‌السلام كان يتّقي الله حقّ تقاته ، بل المراد خشية الحياء ؛ لأنّ الحياء كان غالبا عليه كما قال : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ). (٢)

وعن الثاني بالمنع من القصّة ؛ فإنّه أمر شنيع لا يقوله في حقّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أعداؤه الذين يريدون التنفير عن متابعته كاليهود ، مع أنّه عليه‌السلام منزّه عن الصفات المنفّرة ـ كما يجيء ـ التي من جملتها هذه الحالة.

وقولهم بأنّها حرمت على زيد بمجرّد ذلك يلزم منه أن يكون أمره له بالإمساك أمرا بالزنا ، هذا مع أنّه قيل في الآية والقصة وجوه :

الأوّل : أنّه تعالى أراد نسخ تحريم أزواج الأدعياء كما هو عادة الجاهلية ، فأوحى إليه أنّ زيدا يطلّق زوجته فإذا طلّقها تزوّج أنت بها ، فلمّا حضر زيد ليطلّقها أشفق عليه‌السلام

__________________

(١) الأحزاب ٣٣ : ٣٧.

(٢) الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

من أنّه لو طلّقها لزمه نكاحها ، فيطغى المنافقون عليه فأمره بالإمساك ظاهرا وأخفى عزمه على نكاحها ، وهذا مطابق لقوله تعالى : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) (١).

الثاني : أنّ زيدا خاصم زوجته ، وهي بنت عمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأشرف على تطليقها ، فهمّ عليه‌السلام على التزويج بها إذا طلّقها ليضمّ قرابته (٢) إليه صلة لها ؛ فإنّها لمكان شرفها لحقها عار من أهل الدنيا بسبب زواجها بزيد ، وهو مولى فأراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جبرها بنكاحه لها وأخفى ذلك اتقاء من المنافقين فعاتبه على ذلك.

الثالث : أنّ زينب في أوّل أمرها رغبت في نكاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا خطبها لزيد شقّ عليها وعلى أهلها ، فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) (٣) الآية فأجابوا على كراهة ، فلما دخل بها زيد نشزت عنه ، لاستحكام طمعها في الرسول عليه‌السلام واستحقار زيد ، فشكاها إليه عليه‌السلام ، فأمره عليه‌السلام بإمساكها ، وأخفى استحكام طمعها فيه ؛ لأنّه لو أظهره له لتنغّصت عليه تلك النعمة.

الرابع : قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) ـ إلى قوله ـ : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٤) قالوا : نزلت هذه عتابا له في أخذ الفداء في أسرى بدر وإنّه لم يثخن في الحرب ، ولو لا الذنب لما عوتب.

والجواب : أنّ العتاب على ترك الأفضل وهو الإثخان وترك أخذ الفداء ، ولو لا ذلك لما استشار أصحابه كما نقل ، وقوله : (لَوْ لا كِتابٌ) إلى آخره ، أي لو لا كتاب من الله سبق بتحليل الغنائم لمسّكم عذاب بأخذها ، والخطاب في ذلك وفي قوله : (تُرِيدُونَ) لأصحابه ؛ لوروده بلفظ الجمع لآله (٥).

__________________

(١) الأحزاب ٣٣ : ٣٧.

(٢) قرابتها ـ خ : (د).

(٣) الأحزاب ٣٣ : ٣٦.

(٤) الأنفال ٨ : ٦٨.

(٥) يقال : إنّ لهم أن يقولوا : جاء الواحد في الكتاب بلفظ الجمع نحو قوله تعالى : (أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله («إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ» «إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً») ونحو ذلك ـ كذا في هامش ـ خ : (آ).

الخامس : قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (١) والعفو لا يكون إلّا عن ذنب.

والجواب : أنّ ذلك تلطّف في الخطاب كما يقال : أرأيت رحمك الله؟ لو كان كذا لا يمكن إلّا ذلك ؛ لأنّه تعالى عفا ثمّ عاتب ، وذلك غير مستحسن بل غير جائز ، هذا مع أنّ ترك الإذن كان أفضل فهو عتاب على ترك الأفضل.

السادس : قوله : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) (٢) والوزر : الذنب.

والجواب : إن صحّ معناه الذنب فهو ترك الأفضل ، على أنّا نقول : الوزر هو الثقل كما قال سبحانه : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) (٣) فهو حقيقة فيه ، والذنب إنّما سمّي وزرا لثقله على فاعله ، وحينئذ يكون المراد ما كان فيه من الغمّ الشديد ، لإصرار قومه على الشرك ، لقوله تعالى : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٤) أو لاستضعاف قومه لقلّتهم فلما أعلى الله كلمته زال ذلك بدليل قوله : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٥)

__________________

قلنا : ولنا أن نقول في جوابهم : إنّ الخطاب في (أَفِيضُوا) عام للمسلمين وغير مختصّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي أفيضوا من المزدلفة إلى منى أو الإفاضة من عرفات ، وعليه أكثر المفسّرين وهو الصحيح وعليه دلّت الأخبار ، والكلام معطوف على مقدّر أي أفيضوا من عرفات فإذا أفضتم منها الخ (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) فتكون «ثمّ» على حقيقتها لما في التراخي الزماني بين الافاضتين ، ويكون فيها دلالة على وجوب الوقوف بالشعر ؛ لأنّ الإفاضة إنّما يكون بعد الوقوف فيه ووجوب نزول منى ، على ما هو مشروح في محلّه.

وأمّا الآية الثانية والثالثة فليس فيها شيء من ألفاظ الجمع ، بل فيهما صيغة المتكلّم مع الغير من باب التعظيم كما هو واضح ، نعم في بعض الموارد يراد من الجمع الواحد إذا كان له قرينة كما في قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) المائدة : ٥٥ وكقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) ـ إلى قوله ـ (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) المؤمنون : ٥١ ، ٥٤ بناء على ما قيل : إنّ الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحده ؛ إذ لا نبي معه ولا بعده.

(١) التوبة ٩ : ٤٣.

(٢) الشرح ٩٤ : ٣ ، ٤.

(٣) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ٤٧ : ٤.

(٤) الشعراء ٢٦ : ٣.

(٥) الانشراح ٩٤ : ٤ ـ ٥.

السابع : قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (١).

والجواب : من وجوه : الأوّل : حمله على ترك الأفضل. الثاني : ذنب أمّتك. الثالث: أنّ الذنب مصدر يضاف تارة إلى الفاعل وأخرى إلى المفعول ، وهاهنا أضافه إلى المفعول أي ذنبهم في حقّك ، أي يغفر لأجلك وببركتك ذنبهم المقدّم والمتأخّر (٢) ويقرب منه : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (٣).

__________________

(١) الفتح ٤٨ : ٢.

(٢) الأشبه بظاهر الكلام أن يكون المراد ما تقدّم من ذنبك ، أي الذنب إليك ؛ لأنّ الذنب مصدر ، والمصدر يجوز إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول ، ألا ترى أنّهم يقولون : أعجبني ضرب زيد عمروا إذا أضافوه إلى الفاعل وأعجبني ضرب عمرو زيد ، إذا أضافوه إلى المفعول ، ومعنى المغفرة على هذا التأويل يكون ببركتك ولأجلك وذنبهم في حقّه منعهم إياه عن مكّة وصدّهم إياه عن المسجد الحرام ؛ لأنّ المغفرة سبب في الفتح ، ولو كان المراد ذنبه لم يكن في الكلام فائدة في قوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) لأنّ المغفرة لذنوبه لا تعلّق لها بالفتح وليس تحرّضا فيه ، والمراد ما تقدّم ، أي ما تقدّم من زمانه من فعلهم القبيح وما تأخّر ، أي ما فعلوه في زمانه.

وفي سؤالات المأمون عن مولانا الإمام الرضا سلام الله عليه : فأخبرني عن قول الله عزوجل : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ). قال الرضا عليه‌السلام : لم يكن أحد عند مشركي أهل مكّة أعظم ذنبا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستّين صنما فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) فلمّا فتح الله عزوجل على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة قال له : يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) عند مشركي أهل مكّة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدّم وما تأخّر ؛ لأنّ مشركي مكّة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكّة ، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه ، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم.

فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن. فأخبرني عن قول الله عزوجل : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)؟ قال الرضا عليه‌السلام : هذا ممّا نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جاره ، خاطب الله عزوجل ذلك نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأراد به أمّته. وكذلك قوله عزوجل : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) وقوله عزوجل : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً) قال المأمون : صدقت يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. انظر عيون أخبار الرضاعليه‌السلام للشيخ الصّدوق قدس‌سره.

(٣) الأنفال ٨ : ٣٣.

الثامن : قوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) (١) والمراد هو عليه‌السلام لقوله : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (٢).

والجواب الحقّ : أنّ الضمير بغيره عليه‌السلام في حقّ ابن أمّ مكتوم ؛ لاستحالة العبوس (٣)

__________________

(١) عبس ٨٠ : ١ ، ٢.

(٢) عبس ٨٠ : ٣.

(٣) فإنّ العبوس منه صلى‌الله‌عليه‌وآله للفقراء قبيح لا يصدر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس الآيات الشريفة في سورة عبس ظاهرة الدلالة على أنّ المراد بها هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّها خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه ، بل فيها ما يدلّ على أنّ المعنى بها غيره ، لأنّ العبوس ليس من صفات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع أعدائه وخصمائه فضلا مع المؤمنين من أحبائه ، وأضف إلى ذلك أنّ هذا الوصف لا يشبه أخلاقه الكريمة وقد عظم الله تعالى خلقه صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) والآية واقعة في سورة «ن» وهي قبل هذه السورة أعني «عبس» فكيف يعقل أن يعظم الله تعالى خلقه في أول بعثته ثمّ يعود فيعاتبه على بعض ما ظهر من أعماله الخلقية ويذمّه على عمله مع ابن أمّ مكتوم. وأضف أيضا كما أشرنا إليه : أنّ هذه الصفة قبيحة والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله منزّه عنها ، فإن قبح ترجيح غنى الغني على كمال الفقير بالعبوس والإعراض عن الفقير والإقبال على الغني لغناه ، قبح عقلي مناف لكريم الخلق الإنساني لا يحتاج في لزوم التجنّب عنه إلى نهي لفظي ، فالعقل حاكم بقبحه ، ومعه ينافي صدوره من كريم الخلق ، وقد عظّم الله تعالى خلقه قبل ذلك إذ قال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وعن الصادق عليه‌السلام على ما في المجمع : أنّها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء ابن أمّ مكتوم ، فلما رآه تقذّر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره.

والعجب من بعض أبناء العصر تبعا لمن سبقه في الزمن الغابر حيث يصرّ أن يفسّر قوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى) .. على أنّ المراد هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والعبوس صدر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو يحاول اثبات هذا القبيح للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع استحالة صدوره منه ، ويكتب ويسوّد في إثبات ذلك على زعمه أوراقا مبعثرة واستدلالات مزيفة مدّعيا أنّ الله تعالى عاتب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في موارد كثيرة من القرآن الكريم وكذا في هذه السورة «عبس» وهو يزعم أنّ بإثبات العتاب يثبت المدّعى مع أنّه وقع في حقّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في القرآن مضافا على العتاب التهديد أيضا بنحو القضية الشرطية كما في قوله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ... ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ») ولكن لا يثبت بذلك إثبات صدور القبيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويحاول بعض أبناء العصر إثباته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويكتب ما لا طائل تحته كلّ هذا الصنيع منه ، دفعا لهذا القبيح عن رجل من بني أمية تلك الشجرة الملعونة ، وليس ذلك إلّا من خبث الطينة وسوء السريرة.

والعجب عن بعض أهل التفسير مع نقله عن سيّد الأمة علم الهدى قدس‌سره إنكاره صدور العبوس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومع ذلك يفسر الآيات بكون النبي هو المعنيّ بها فنقول : إنّ هذا منه ذهول فإنّ من ذا الذي يقول ـ وهو من أصحاب العقول : إنّ هذه الصفة القبيحة صادرة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عصمنا الله تعالى عن الخطإ ـ

والتصدّي للأغنياء والإعراض عن الفقراء والتلهّي عنهم منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع وصفه ب (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وكيف يصحّ (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) مع أنّه مبعوث للدعاء إلى الله.

التاسع : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ) الآية (١) والتوبة لا تكون إلّا عن ذنب ، وكذا قوله : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) (٢) والجواب : حمله على ترك الأفضل.

العاشر : قوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٣).

__________________

ـ والزلل في القول والعمل ، والله العاصم.

وقال فخر الدّين الرازي في كتابه الأربعين ما هذا لفظه : إنّه أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أقدم على فعل قبيح لا قبل النبوّة ولا بعدها ـ انظر إلى ص ٣٠٩ طبعة حيدرآباد.

وقال العلّامة المتكلّم الكبير ابن أبي جمهور الأحسائي (ره) في كتابه «معين المعين» ـ المخطوط ـ : والعتاب في عبس على ترك الأفضل ، والصحيح أنّه في غيره في حقّ ابن أمّ مكتوم ، لاستحالة العبوس والتصدّي للاغنياء والإعراض عن فقراء المؤمنين والتلهّي عنهم مع وصفه في الخلق العظيم ، وكيف يصحّ «وما عليك ألّا يزكّى» وهو مبعوث للدعاء؟ ثم قال في الشرح : بل الصحيح أنّ هذه السورة في رجل من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ ابن أمّ مكتوم وقع منه هذا الفعل إليه وكان أعمى ، ونحن لمّا شككنا في عين من نزلت فيه هذه الآية فلا ينبغي لنا أن نشكّ في أنّها لم يعن بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأيّ تنفير أبلغ من العبوس في وجوه المؤمنين والتلهّي عنهم والإقبال مع الأغنياء الكافرين والتصدّي لهم ، وقد نزه الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله عمّا هو دون هذا في التنفير فكيف هذا ، انتهى. والنسخة المخطوطة موجودة في مكتبتنا.

أقول : وما ورد في بعض الروايات من أنّ صدور هذا العمل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع ابن أمّ مكتوم إنّما كان لتأليف قلوب عدّة من الكفار المشركين طمعا في إيمانهم ، كما في عدّة من الروايات المروية في الدر المنثور للسيوطي عن عائشة وأنس وابن عباس (ره).

وأورد الشيخ الطبرسي (ره) محصّل تلك الروايات في مجمع البيان ، فممّا لم تثبت عندنا صحّتها ، والقصة تنافي حكم العقل باستحالة صدور القبيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالتمسّك بقصة لم تثبت صحّتها لا تكون دليلا على المطلب مع مخالفتها بما يستفاد من سائر الآيات القرآنية كقوله تعالى : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) الحجر : ٨٨. وقوله تعالى : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) الحجر : ٩٤ النازلة في أول الدعوة النبوية فكيف يتصوّر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله العبوس والإعراض عن المؤمنين ومخالفة أوامر الله تعالى باحترام المؤمنين وخفض الجناح لهم والإعراض عن المشركين؟! فالقصّة المستفادة من بعض الروايات تخالف القرآن فهي بالإعراض عنها حقيق.

(١) التوبة ٩ : ١١٧.

(٢) يوسف ١٢ : ٢٩.

(٣) الزمر ٣٩ : ٦٥.

والجواب : من وجهين : الأول : أنّ الخطاب لأمّته كإيّاك أعني واسمعي يا جارة. الثاني: أنّ استلزام الشرك للإحباط لا يستلزم وقوعه ؛ لأنّ صدق الشرطية بصدق الاتّصال لا بصدق الطرفين ووقوعهما ، فقد تتركّب من محالين.

الحادي عشر : قوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ) ـ إلى قوله ـ : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) (١) وقوله : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (٢) وهذا يدلّ على وقوع الشكّ والنسيان منه عليه‌السلام.

والجواب عن الأوّل بالمنع من وقوع الشكّ منه ؛ فإنّ الشرطية لا تستلزم وقوع الطرفين كما تقدّم (٣) من أنّها تتركّب من محالين ، كقولنا : إن كان زيد حجرا فهو جماد (٤).

وفائدة رجوعه إلى أهل الكتاب أنّه مذكور عندهم بصفاته وعلاماته ، فأمره بسؤالهم(٥) ليقف عليها ويزداد يقينه ويلزم المنكرين منهم بها ، أو ليقف على سيرة

__________________

(١) يونس ١٠ : ٩٤.

(٢) الأعلى ٨٧ : ٦ ، ٧.

(٣) كما قلنا ـ خ : (آ).

(٤) فاعلم أنّ في آية : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ) الخ ، وغيرها من الآيات الكثيرة ظاهر الخطاب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تعظيما لمقامه وإعزازا له وتشريفا لمكانه ، ولكن المراد هو الإفهام للخلق ، يشهد به قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) والخطاب والنداء للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحده ، والمراد إفهام حكم الطلاق لأمته ، فكذا الحال في الآية الشريفة : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا) الخ فالله سبحانه يخاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنظر إلى الإفهام للناس ، فالمعنى فإن كنتم في شكّ فاسألوا ، والدليل عليه قوله تعالى في آخر السورة : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ (كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ») الآية فأعلم الله سبحانه أنّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس في شكّ.

(٥) تيسيرا ـ خ ل ـ خ : (د) قوله : ليقف عليها ويزداد يقينه هكذا وقعت العبارة في النسختين (د) و (آ) ولكن فيها مسامحة واضحة ، ولعلّها فكما يلي : ليقف عليها المنكرون ويحصل لهم اليقين بها ويلزم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المنكرين منهم بها ، أي ليقف على سيرة الأنبياء السابقين عليه بحسب ظاهر نقل الذين يقرءون الكتاب أيضا تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا أنّ للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله احتياج في الوقوف على سيرة الأنبياء لنقلهم ، ولكن غير خفي أنّ عمدة فائدة إرجاعه إلى أهل الكتاب : أنّ الخطاب من قبيل إياك أعني واسمعي ... الخ كما مرّ.

الأنبياء السابقين عليه ، وهذا خرج مخرج التسلية له عليه‌السلام عمّا (١) ناله من الغمّ باختلاف الناس فيه وفيما جاء به ، فإنّ الاختلاف لم يزل في أمم الأنبياء ولك بهم (٢) أسوة.

وعن الثاني بأنّ النهي عن الشيء لا يستلزم وقوعه. وعن الثالث : أنّ المراد الترك. لقوله : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) (٣) أو المراد النسخ أو المراد نفي النسيان رأسا كقولهم: أنت سهيمي فيما أملك إلّا ما شاء الله (٤).

الثاني عشر : قوله تعالى : (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) (٥) والجواب : أنّه توجّع في تحمّل المشقّة لرضى الزوجات بالمباح ، مع أنّ تحريم الحلال ليس بمعصية وإلّا لكان الطلاق معصية ، هذا خلف (٦).

الفصل الثاني : في باقي صفات يجب أن يكون عليها

وهي قسمان :

الأوّل : الثبوتيات وهي كمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي ، بحيث لا يكون متحيّرا متردّدا في الأمور ، وأن يكون أفضل أهل زمانه في كلّ ما يعدّ من الكمالات لقبح تقديم المفضول على الفاضل عقلا ، وهو ظاهر ، وسمعا لقوله تعالى :

__________________

(١) على ـ خ ل ـ خ : (د).

(٢) وله ـ خ ل ـ خ : (د).

(٣) التوبة ٩ : ٦٧.

(٤) ولا يقصد استثناء شيء ، وهو من استعمال القلّة في معنى النفي قاله في الكشاف.

(٥) التحريم ٦٦ : ١.

(٦) توضيح العبارة على ما في مجمع البيان قال : ولا يمتنع أن يكون خرج هذا القول ، أي قوله تعالى : (لِمَ تُحَرِّمُ) مخرج التوجّع له صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا بالغ في إرضاء أزواجه وتحمّل في ذلك المشقّة ، ولو أنّ انسانا أرضى بعض نسائه بتطليق بعضهن لجاز أن يقال له : لم فعلت ذلك وتحمّلت فيه المشقّة وإن كان لم يفعل قبيحا ، ولو قلنا : إنّه عوتب على ذلك لأن ترك التحريم كان أفضل من فعله لم يمتنع ؛ لأنه يحسن أن يقال لتارك النفل : لم لم تفعله؟ ولم عدلت عنه؟.

(أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) (١).

الثاني : السلبيات ، وهي أنواع.

الأوّل : ما يكون من الأخلاق النفسانية ، وهي الجهل والجبن والحقد والحسد والفظاظة والغلظة والبخل والحرص وشبهها وكذا السهو والنسيان ، لئلّا يسهو عن أداء ما أمر به.

الثاني : ما يكون من (٢) الخلق البدنية كالجذام والبرص والأبنة والتخنّث.

الثالث : في نسبه ، أي لا يكون مولودا من الزنا ولا في آبائه دنيء ولا عاهر.

الرابع : في أفعاله ، أي لا يكون كثير المزاح والمجون واللعب ولا آكلا (٣) على الطريق ولا فاعلا للمباحات التي يتنفر منها عرفا.

الخامس : في صناعاته (٤) أن لا يكون حائكا ولا حجاما ولا زبالا ولا كنّاسا ؛ لأنّ جميع هذه الأمور صارفة عن الانقياد التامّ له والنظر في معجزته ، وكانت طهارته منها من الألطاف المقرّبة للخلق إلى طاعته ، وكلّ لطف واجب.

الفصل الثالث : فيما يجب أن يكون له من الشواهد المقترنة بدعواه لفرض تصديقه ، وهو المسمّى معجزا ، وعرّفوه بأنّه أمر خارق للعادة ، مطابق للدعوى ، مقرون بالتحدّي ، متعذّر على الخلق الإتيان بمثله جنسا و (٥) صفة ، فالأمر شامل للإثبات كقلب العصا حيّة والمنفيّ كمنع القادر (٦). وبالخارق خرج المعتاد وإن كان متعذّرا كطلوع الشمس من المشرق(٧) ، وبالمطابق خرج ما جاء على العكس كقضية

__________________

(١) يونس ١٠ : ٣٥.

(٢) في ـ خ ـ : (د).

(٣) والأكل ـ خ : (آ).

(٤) في صفاته ـ خ : (آ).

(٥) أو ـ خ : (آ).

(٦) أي كمنع القادر على حمل الكثير عن حمل القليل وكمنع العرب عن المعارضة وكعدم إحراق النار.

(٧) كطلوع الشمس من المغرب ـ كذا في ـ خ : (د) وقال في إرشاد الطالبين : فإنّه لو لم يكن خارقا للعادة ـ

مسيلمة في غور ماء البئر (١) ، وباقترانه بالتحدّي خرج الكرامات والإرهاص (٢) ، وبالمتعذّر خرج ما ليس كذلك وإلّا لم يكن دليلا على التصديق ، وخرج نحو السحر والشعبذة.

والمراد بالتعذّر جنسه ، أي كلّ (٣) جزئي من جزئياته كذلك كخلق الحية ، وصفته أنّ التعذّر (٤) يتعلّق بالهيئة القائمة بالماهية المقدورة من حيث هي كقلع المدينة جملة وأما جزئياتها كقلع صخرة (٥) فليس بمتعذّر ، ويكفي تعذره على تلك الأمة المرسل إليها ، ويشترط فيه كونه من فعل الله أو جاريا مجراه ، وأن يكون في زمن التكليف وإلّا لم يكن دليلا ؛ لانتقاض العوائد عند أشراط الساعة ، وأن يظهر عقيب الدعوى أو جاريا مجراها كظهوره في زمان ذلك النبي ولم يدّع أحد غيره.

وهنا فوائد :

الأولى : يجوز ظهور هذا المعنى على يد الأولياء خلافا للمعتزلة. لنا : قصة مريم وآصف وما نقل متواترا عن أئمّتنا عليهم‌السلام.

وحمل الأوّل على كونه إرهاصا لعيسى عليه‌السلام ، والثاني على أنّه لسليمان عليه‌السلام ،

__________________

ـ كطلوع الشمس من المشرق لم يكن معجزا ؛ لكونه معتادا وإن كان متعذّرا على الخلق.

(١) وكنقله من عين الأعور العور فلم تبرأ بل عميت الأخرى.

(٢) الإرهاص في اللغة : تأسيس البنيان ، وفي الاصطلاح : تأسيس لقاعدة النبوّة قبل البعثة ، وهو ما يظهر من الخوارق للعادات قبل ظهور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كالنور الذي كان في جبين آباء نبينا الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وكقصة أصحاب الفيل ورميهم بحجارة من سجيل في عام ولادته ، وقيل : هو إحداث أمر خارق للعادة دالّ على بعثة نبي قبل بعثته. وقيل : هو ما يصدر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل البعثة من أمر خارق للعادة ، كإظلال الغمام وتسليم الحجر والمدر وخوارق العادات التي ظهرت في ليلة ولادته صلى‌الله‌عليه‌وآله في الدنيا ، وسيشير المصنّف قدس‌سره إلى جملة منها.

(٣) كان ـ خ : (د).

(٤) المتعذّر ـ خ ل ـ خ : (د).

(٥) شجرة ـ خ : (د).

والثالث على أنّه لنبيّنا عليه‌السلام (١) خلاف الظاهر.

__________________

(١) حمل قضية آصف في إتيانه عرش بلقيس قبل أن يرتدّ طرف سليمان عليه‌السلام على الإرهاص لسليمانعليه‌السلام باطل ؛ فإنّ الإرهاص كما عرفت هو تأسيس لقاعدة النبوة قبل بعثة النبي ، وأمّا في زمن وقوع تلك القصة كان سليمان عليه‌السلام نبيا مبعوثا لأمته فكيف يستقيم القول بأنّها إرهاص؟

وأمّا الأئمة عليهم‌السلام فأكثرهم كانوا بعد زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصدور المعجز عنهم عليهم‌السلام لا يكون إرهاصا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد رحلته عن الدنيا ، بل العلة في صدور المعجز عنهم عليهم‌السلام أنّ كلّ الكمالات النفسانية الموجودة في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا بدّ أن تكون موجودة في الإمام القائم مقامه إلّا النبوّة ؛ فإنّ هذا المنصب العظيم غير موجود في الإمام ، فكما أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هو صاحب المعجز فكذا الامام عليه‌السلام وإلّا لا يكون إماما قائما مقامه ووصيا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّ العقل يحكم أنه لا تناسب بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين الجاهل الغبي أن يكون إماما للأمة ووصيا عن صاحب الرسالة.

نعم الفرق بين صدور المعجز عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليه‌السلام هو أنه يجب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يظهر إعجازه في مقام التحدي وإثبات النبوة ، وأمّا الإمام عليه‌السلام بما أنّه منصوب من جانب الله تعالى بواسطة النبي وتنصيصه فلا يجب له إظهار المعجز في إثبات إمامته ، نعم لا بدّ له من إظهاره إذا سأله الناس إظهار المعجز في إثبات الإمامة أو رأى الإمام عليه‌السلام المصلحة في الإظهار فأظهره ، وصدور المعجزات عن العترة الطاهرة سلام الله عليهم إذا رأوا المصلحة في ذلك نقلت متواترا معنى ، والتواتر مفيد للعلم الضروري وقد ألّف علماؤنا الإمامية (ض) في هذا الموضوع كتبا نفيسة موجودة منتشرة ، شكر الله تعالى مساعيهم الجميلة.

وممّا هو جدير بالذكر هنا هو أنّ سياق الآيات الشريفة في سورة النمل في قوله تعالى : (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) الخ وقوله تعالى : (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ) الخ وقوله تعالى : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ) الخ أنّ الخطاب في قول العفريت : (أَنَا آتِيكَ بِهِ) وكذا الخطاب في (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) لسليمان عليه‌السلام فإنّه المنادي للملإ : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) ، وفي جوابه يكون الخطاب من العفريت لسليمان عليه‌السلام وكذا الخطابات في (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) لسليمان عليه‌السلام أيضا ، فإنّه هو الذي يريد الإتيان بالعرش إليه ، وهو الذي يراد الإتيان به إليه لا العفريت ، حتّى تكون الخطابات إليه ، فإن كان المراد من (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ ...) هو سليمانعليه‌السلام فلا بدّ حينئذ أن يكون عفريت هو الذي يريد الإتيان بالعرش إليه ، مع أنّه لم يكن يريد الإتيان به بل الذي يريد ذلك هو سليمان عليه‌السلام.

وبالجملة القول بأنّ قائل : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ ...) هو سليمان عليه‌السلام والخطابات في قوله : (أَنَا آتِيكَ بِهِ ...) هو للعفريت ، خلاف ظاهر سياق الآيات ، ولا نرفع اليد عن الظاهر بالوجوه الرديئة السخيفة التي ذكرها بعض المفسّرين ، عنادا لما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أنّ المراد من (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) هو آصف بن برخيا وصيّ سليمان عليه‌السلام ووزيره مع أنّهم أعرف بالقرآن وتفسيره من غيرهم ، فإنّهم أحد الثقلين وعندهم علم كلّ الكتاب.

واحتجاجهم ـ بأنّه لو جاز لجاز على كلّ وليّ ، فيخرج عن كونه معجزا لاعتياده ، وبأنّه ينفر (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لوجود مشاركه فيه (٢) ، فلو جاز لغيره لم يحصل الامتياز ، وبأنّه حينئذ لا يكون دليلا على التصديق في دعوى النبوّة للعلم بعدم اختصاصه به ـ باطل؛ للمنع من جوازه حينئذ ، لأنّه وجه قبيح بل إذا لم يضر لذلك. والتنفير إنّما يلزم لو لم يكونوا من أتباع الأنبياء ، أمّا على تقديره فلا ، والتمييز يحصل بمقارنة الدعوى وكذا علم دلالته يحصل بها ؛ لما تقرّر أنّ تصديق الكاذب قبيح.

الثانية : الإرهاص جائز ، وهو ظهور الخارق للعادة إنذارا (٣) بقرب البعثة كانشقاق إيوان كسرى وغور بحر ساوة وخمود نيران الفرس وقصة أصحاب الفيل في رميهم بالحجار الصغار على رءوسهم فيخرج من أسافلهم ، وكتظليل الغمامة له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتسليم الأحجار عليه قبل البعثة ، ومنعه المانعون للكرامات ، والوقوع يكذبهم.

الثالثة : يجوز خلق المعجزة (٤) على العكس ؛ إظهارا لتكذيب المدّعى ، كقضية مسيلمة في دعواه فيض الماء من البئر فغاض وهو خارق ، وفي ذهاب العين الأخرى لما دعا الأعور ، وكقصة نمرود وإبراهيم عليه‌السلام لمّا صارت النار عليه بردا وسلاما قال نمرود : إنّما صارت كذلك هيبة لي فجاءته في الحال نار فأحرقت لحيته.

ومنعه أيضا الأولون ، إذ يكفي في التكذيب عدم الخلق عقيب الدعوى.

قلنا : ممنوع ؛ لجواز أن يقال : تأخّر لمصلحة ، فأما ظهوره على العكس فصريح في التكذيب ، وهو وجه المصلحة.

__________________

(١) تنفر ـ خ : (آ).

(٢) مساوي فيه ـ خ : (آ).

(٣) نذر ينذر نذورا الجيش : جعلوه نذيرة ، أي طليعة.

(٤) المعجز ـ خ : (آ).

المطلب الثالث : في تعيين النبيّ

وفيه أبحاث :

[البحث] الأوّل : سيّدنا محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى‌الله‌عليه‌وآله نبي حقّا ، لأنّه ادّعى ذلك وظهرت المعجزة على يده ، وكلّ من كان كذلك فهو نبي. أمّا أوّل الصغرى فضروري تواترا ، وأمّا ثانيها فلوجوه :

الأوّل : أنّه أتى بالقرآن وهو معلوم تواترا (١) ، وتحدّى به العرب الذين هم أهل الفصاحة والبلاغة بقوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (٢) (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ)(٣) (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) (٤) وكل ذلك معلوم متواترا أيضا ، فعجزوا عن الإتيان بمثله وإلّا لما عدلوا إلى محاربته التي فيها قتل أنفسهم وذهاب أموالهم ، إذ العاقل لا يختار الأصعب مع إنجاح الأسهل ، الذي هو

__________________

(١) وقد تواتر نقل القرآن الكريم عن رسول الله خاتم النبيين صلوات الله عليه وآله بين عامة المسلمين جيلا بعد جيل واستمرت مادّته وصورته كلّها بينهم. وما أنزله الله تعالى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله على نحو الإعجاز هو ما بين الدّفتين الموجود اليوم في الدنيا بين المسلمين ، وليس بأكثر من ذلك ، وقال الشيخ الصدوق (ره) : ومن نسب إلينا ـ يعني الشيعة الإمامية ـ أنّا نقول : إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب.

وقال السيد المرتضى علم الهدى (ره) : من خالف في ذلك من الحشوية لا يعتدّ بخلافهم ، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنّوا صحتها ، وقال الشيخ الطوسي (ره) : طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، وقد جمع أكثر تلك الأخبار الشاذّة المحدّث النوري (ره) في كتابه الممقوت فصل الخطاب وقد يعتمد في نقليّاته على مثل كتاب دبستان مذاهب المجهول المؤلف ، والظنّ القوي أنّ مؤلّفه مجوسي عدوّ للإسلام ، وقد جمع فيه من الأكاذيب ما لا يحصى ، وقال بعض أهل التحقيق : إنّ تأليف فصل الخطاب كان من حيل أعداء الإسلام والقرآن. وبالجملة أنّه كتاب ممقوت للمسلمين لا يليق أن يكون موردا للاعتماد ، فإنّه لا يسوى عندهم قلامة ظفر. وانظر في حقّه إلى ما كتبه العلّامة البلاغي (ره) في مقدمة : آلاء الرحمن.

(٢) البقرة ٢ : ٢٣.

(٣) هود ١١ : ١٣.

(٤) الاسراء ١٧ : ٨٨.

معارضته بمثل كتابه لو كان مقدورا مع سهولة الكلام عليهم ، فيكون معجزة (١) لانطباق تعريفه عليه.

لا يقال : نمنع كونه عليه‌السلام أتى (٢) بالقرآن ، قولكم : إنّه متواتر قلنا : ممنوع لقلّة الحفظة له في زمانه عليه‌السلام.

سلّمنا لكن المتواتر جملته لا جزئياته ، فلا تكون آيات التحدّي متواترة (٣).

سلّمنا لكن نمنع كون الآتي به هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لجواز أن يكون غيره ، فنقله هذا ونسبه إلى نفسه.

سلّمنا لكن كتابكم يدلّ على أنّه من عند غير الله ؛ لقوله : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٤) والاختلاف حاصل لفظا بالقراءات السبعة ، ومعنى بالمحكم والمتشابه والخاصّ والعامّ والناسخ والمنسوخ.

سلّمنا لكن نمنع عدم معارضته ؛ لجواز وجودها ولم ينقل إلينا.

سلّمنا لكن لا نسلّم أن يكون (٥) عدم المعارضة للعجز ؛ لجواز القدرة وعدم الاحتفال به أو للخوف.

لأنّا نقول : الجواب عن الأوّل بأنّه مكابرة غير مسموعة.

وعن الثاني بأنّ تعريف المتواتر حاصل هنا ، وقلّة الحفظة لا تضرّنا.

وعن الثالث بأنّا نعلم ضرورة تواتر آحاده كما علمنا تواتر جملته ، ولأنّ تواتر جملته يستلزم تواتر آحاده ؛ لاستحالة وجود المركّب بدون جزئه.

وعن الرابع بأنّه مكابرة أيضا ؛ إذ انتسابه إلى هذا الشخص معلوم ضرورة ، ولدلالة القرآن على تخصيصه به كقوله تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) (٦) (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ

__________________

(١) معجزا ـ خ : (د).

(٢) أتى بقوله ـ خ : (د).

(٣) سلّمنا لكن المتواتر ـ إلى قوله ـ : متواترة ـ من ـ خ : (آ).

(٤) النساء ٤ : ٨٢.

(٥) أن يكون ـ خ : (د).

(٦) التوبة ٩ : ٢٥.

بِبَدْرٍ) (١) (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) (٢) (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ) (٣) (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) (٤).

وعن الخامس بأنّ كونه من عند غير الله لو كان ملزوما للاختلاف فلا يقتضي كون الاختلاف ملزوما ؛ لكونه من عند غير الله ، فإنّ استثناء عين التالي غير منتج ، لجواز كونه أعمّ.

إن قلت : نعكس هذه الشرطية بالعكس المستوي إلى قولنا : قد يكون إذا وجد فيه الاختلاف يكون من عند غير الله ، ويستثنى حينئذ عين مقدّمها فينتج عين تاليها.

قلت : الجزئية لا تصلح مقدّمة استثنائية ؛ لجواز كون زمان الاتّصال أو وضعه غير زمان وجود زمان الملزوم ووضعه.

سلّمنا ذلك ، لكن وجود الاختلاف ممنوع ؛ إذ المراد به التناقض ، وما ذكرتموه ليس بمتناقض ، لقرب موافقة بعض القراءات لبعض وتأويل المتشابه بما يوافق المحكم.

وعن السادس بأنّها لو وجدت لنقلت لتوفّر الدواعي على نقلها ، إذ فيها ترك هذه التكاليف الشاقّة التي تنفر منها طباع أكثر العالم.

وعن السابع قد بيّنا جوابه ، وعدم الاحتفال ممنوع لا يتصوّره عاقل ، فإنّا إذا رأينا شخصا عرض نفسه للقتل والنهب والسبي ، وهو يعرف أنّ خصمه يقنع منه بدون ذلك وقلنا له : لم لا تجبه إلى مراده الذي هو أهون عليك؟ فقال : إنّي لا احتفله ، لعددناه سفيها بل غير عاقل وكذا الخوف أيضا ممنوع ، فإن ابتدأ ظهوره لم يكن له شوكة ولا أنصار فكيف يتصوّر الخوف منه؟

نكتة : اختلف المتكلّمون في جهة إعجاز القرآن ما هي؟ قال أكثر المعتزلة :

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٢٣.

(٢) آل عمران ٣ : ١٥٣.

(٣) التحريم ٦٦ : ٣.

(٤) الأحزاب ٣٣ : ٣٧.

الفصاحة والبلاغة ، ولهذا كانت العرب تستعظم فصاحته كقول الوليد بن المغيرة عنه : ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجنّ وإنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة وإنّ أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق (١) وإنّه يعلو ولا يعلى.

وقال النظّام والسيد (ره) بأنّه الصرفة ، بمعنى أنّ الله تعالى صرفهم عن معارضته إمّا بسلب القدرة أو الداعية أو العلم الذي يحصل به المكنة ؛ إذ لو كان لفصاحته (٢) لأتوا بمثله لقدرتهم على المفردات وعلى التركيب ، ومن قدر على كلّ واحد قدر

__________________

(١) لمغرق ـ خ : (د) لمعدن ـ خ ل ـ خ : (د) وقريب من هذا الكلام ما ذكره التفتازاني في شرح المقاصد وبعضه اقتباس منه بقوله : أشراف العرب ، مع كمال حذاقتهم في أسرار الكلام وفرط عداوتهم للإسلام ، لم يجدوا فيه للطعن مجالا ولم يوردوا في القدح مقالا ، ونسبوه إلى السحر على ما هو دأب المحجوج المبهوت تعجّبا من فصاحته وحسن نظمه وبلاغته ، واعترفوا بأنّه ليس من جنس خطب الخطباء أو شعر الشعراء وأنّ له حلاوة وعليه طلاوة ، وأنّ أسافله مغدقة وأعاليه مثمرة ، فآثروا المقارعة على المعارضة ، والمقاتلة على المقاولة وأبى الله إلّا أن يتمّ نوره على كره من المشركين ورغم المعاندين ، وحين انتهى الأمر إلى من بعدهم من أعداء الدين وفرق الملحدين اخترعوا مطاعين ليست إلّا هزءة للساخرين وضحكة للناظرين ، منها أنّ فيه كلمات غير عربيّة كالاستبرق والسجّيل والقسطاس والمقاليد فكيف يصحّ أنّه عربي مبين؟ فردّ بأنّ ذلك من توافق اللغتين أو المراد أنّه عربي النظم والتركيب أو الكلّ عربي على سبيل التغليب الخ ... انظر شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ١٨٥ ـ ١٨٦ طبعة إسلامبول. والصحيح في ضبط الكلمة : لمغدق. كما أثبتناه ـ انظر إلى الأنوار المحمدية للشيخ يوسف النبهاني ص ٢٦٧ طبعة بيروت ـ قول فرق الملحدين : إنّ في القرآن كلمات غير عربية إلى آخره ، فهو من الأباطيل وقول من لم يدرس اللغة العربية الشريفة على ضوء العلم والتحقيق ، فإنّ القرآن الحكيم عربي أنزل بلسان عربي مبين كما حقّقه بعض المعاصرين لا أنه عربيّ الأسلوب ، ومنشأ القول به عدم التحقيق في اللغات ، ولذا تخيل أنّ القسطاس والسجيل وغيرهما من العربي أسلوبا. ولم يعلم المتخيّل أنّ هذا الاستعمال إنّما هو من باب الإطلاق التوسّعي ، فما في مفردات الراغب ـ قيل : إنّ السجيل فارسي معرّب ـ قول ضعيف ، ولذا نسب إلى القيل. فإنّ السجّيل فهو من سجل وحروفه أصلية له صوت واحد يدلّ على انصباب شيء بعد امتلائه ، ومنه السجيل الدلو العظيم ـ انظر إلى كتاب الخليل (ره) ، وراجع المقاييس لابن فارس رحمه‌الله تعالى ـ ج ٣ ، ص ١٣٦ طبعة مصر ، وقس على ذلك سائر الكلمات ولا تغتر بقول بعض الناس : إنّها من الكلمات العجمية ، فإنّ أساسها وأصلها عربي ، ولا سعة في المقام لتوضيح المطلب وتحقيقه في كل واحد واحد من تلك الألفاظ ، وتحقيق المطلب في محلّه ، والله الموفق.

(٢) للفصاحة ـ خ : (آ).

على الجميع (١).

وفيه نظر ؛ لأنا نمنع أنّه من قدر على كلّ واحد قدر على الجميع ، لجواز اشتمال الجمع (٢) على حال ليس للأفراد ، وهو عين المتنازع مع أنّه كان يجب أن يكون في غاية الركّة ، إذ الصرفة عن الركيك أبلغ في الإعجاز ، وأيضا كان يجب وجدانهم ذلك من أنفسهم ، ولكان الصرف هو المعجز لا القرآن ، وقيل : الأسلوب الذي له ، وقال الجويني : الأسلوب والفصاحة ، وقيل : هما مع الاشتمال على العلوم الشريفة كعلم التوحيد والسلوك وتهذيب الأخلاق ؛ لوجود الفصاحة في كلام بعضهم مع عدم الأسلوب ، وكلام مسيلمة كأسلوبه لا كفصاحته وجمعهما نادر ؛ لأنّ تكلّف الأسلوب يذهب بالفصاحة ، وأمّا العلوم فلم يوجد في كلامهم لها أثر ولا عين إلّا ما ورد عن قسّ (٣) ، لكنّه نقل عن الكتب الإلهية وهذا القول قريب (٤).

__________________

(١) الجمع ـ خ : (آ).

(٢) الجميع ـ خ : (آ).

(٣) قس بن ساعدة حكيم العرب في الجاهلية ذكره الشيخ الصدوق (ره) في إكمال الدين والشيخ المفيد (ره) في المجالس والكراجكي (ره) في كنز الفوائد وغيرهم من علماء الإسلام ، وهو الذي بشّر بقرب ظهور رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإظهاره الرسالة وقال : ما لله على الأرض دين أحبّ إليه من دين قد أظلّكم زمانه وأدرككم أوانه ، طوبى لمن أدرك صاحبه فبايعه ، وويل لمن أدركه ففارقه.

(٤) هذه الأقوال التي نقلها المصنّف (ره) في وجه إعجاز القرآن هي أقوال المتكلّمين في القرون السالفة ، فذكر كلّ منهم وجها لإعجازه فحسب أنّه هو الوجه فيه لا غير ، بل كلّ تلك الوجوه موجودة في إعجازه مضافا إلى الوجوه التي ذكروها في الكتب المؤلّفة في إعجاز القرآن ، ولا سيما في القرن الذي نحن نعيش فيه ومن الكتب الممتعة في هذا الباب كتاب إعجاز القرآن لأديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي. نعم القول بالصرفة لا ينبغي المصير إليه.

وقال السيوطي في كتابه معترك الأقران في إعجاز القرآن : وأنهى بعضهم وجوه إعجازه إلى ثمانين. والصواب أنّه لا نهاية لوجوه إعجازه كما قال السكّاكي في المفتاح : اعلم أنّ إعجاز القرآن يدرك ، ولا يمكن وصفه كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها وكالملاحة. وكما يدرك طيب النغم العارض لهذا الصوت ولا يدرك تحصيله لغير ذوي الفطر السليمة إلّا بإتقان علمي المعاني والبيان والتمرين فيها ، انظر ج ١ ، ص ٣ ـ ٤.

وقال السيوطي : وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كتابه ، فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده. فإذا علمت عجز الخلق عن تحصيل وجوه إعجازه ، فما فائدة ذكرها؟ لكنا ـ

الثاني : أنّه ظهر عنه أمور خارقة كنبوع الماء من بين أصابعه ، وتسبيح الحصى في كفّه وحنين الجذع وانشقاق القمر ، وإقبال الشجر وإطعام الخلق الكثير من الطعام اليسير ، وكلام الحيوان الأعجم وإخباره عليه‌السلام بالمغيّبات ، وغيرها مما يبلغ الألف.

لا يقال : نمنع نقل (١) ذلك تواترا ، وآحادا لا يفيد هنا ؛ إذ المسألة علمية.

سلّمنا لكن نمنع كونها من فعل الله ؛ لجواز أن يكون له خاصّة نفسانية أو بدنية أو ذاتية يقدر معها على ذلك.

سلّمنا لكن لم لا يجوز أن يكون بإعانة بعض الجنّ والشياطين أو يفعل الملائكة استقلالا وإعانة؟

لأنّا نجيب عن الأوّل بأنّها متواترة معنى ، كشجاعة علي عليه‌السلام وسخاء حاتم ، لاشتراكها بجملتها في ظهور الخارق على يده ، ولإحالة العقل كذب كلّها ، فأيّها صدق كفى في الباب.

وعن الثاني والثالث بأنّه ادّعى كونها من فعل الله ، فلو كان كاذبا لكان الله فاعلا للقبيح بتمكينه أو تمكين من أعانه.

الثالث : أنّه لا نزاع في كونه عليه‌السلام نشأ يتيما لا مال له ولا أعوان على أمره ، ولم يسافر من بلده إلّا مرّتين في زمان يسير ، واشتهر عنه أنّه لم يجتمع بأحد من العلماء والحكماء ولا الكهنة وانقضى من عمره من انقضى على ذلك (٢) ثمّ إنّه ظهر عنه مثل هذا الكتاب

__________________

ـ نذكر بعضها تطفّلا على من سبق ... ص ١١.

(١) نقل ـ خ : (د) كون ـ خ : (آ).

(٢) وممّا هو بديهي من حالات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعلوم بالضرورة من تاريخه الواضح المكشوف عند المسلمين وغيرهم ـ وقد ضبطوا تواريخه من حال طفوليته إلى آخر أيام حياته المقدّسة بحيث لم يتيسّر ذلك لأحد من الأنبياء السالفين ـ أنه لم يقرأ ولم يكتب ولم يتعلّم عند أحد من أهل زمانه لا في موطنه الحجاز ولا في غيرها ، ولذلك لم يتفوّه بذلك أحد ممّن ألّف في تاريخ حياته المباركة مع كثرة كتب التواريخ الاسلامية وغيرها ، ولكن من جنايات جمع من المستشرقين في هذه الأعصار المتأخرة وأذنابهم الخونة وهم عمّال الاستعمار الغاشم والسياسة الغاشمة الغربية وغرضهم التحامل على القرآن والإسلام ، حاولوا أن يشوّهوا تاريخ حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بجعل الأفائك والمفتريات ، فنسبوا إليه أنّه تلقّى من الراهب في بصرى في سفره ـ

__________________

ـ إلى سوريا علم التوراة (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) وقد نصّ القرآن الكريم على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقرأ قبل القرآن كتابا ولم يكتب شيئا ، وقال سبحانه : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) العنكبوت : ٤٨.

فلو كان لما تخيّلوه واقعا لاعترضته قريش مع أنّه لم يصدر منهم في ذلك شيء أصلا وإلا لنقل ، ليت شعري من لم يقرأ لسان قومه ولم يكتب به ولم يحسن قراءة لغة أهله الذين نشأ بين أظهرهم ونصب أعينهم كيف تمكّن من قراءة التوراة بتلك الضخامة باللغة العبرية في زمن قصير وساعات قليلة وتلقّى علمها من الراهب «بحيرا» وليس هذا التخيّل الكاذب إلّا من الأفائك والتخيّلات الشيطانية الكاذبة التي ألقاها في روعهم (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) وليس لهم على هذا الادّعاء دليل إلّا أوهامهم وأكاذيبهم الفاضحة (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) البقرة ١٠.

قال الإمام فخر الدين الرازي في كتابه معالم أصول الدين : إنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله نشأ في مكّة وتلك البلدة كانت خالية عن العلماء والأفاضل ، وكانت خالية عن الكتب العلميّة والمباحث الحقيقية ، وأنّ محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يسافر إلّا مرتين في مدّة قليلة ، ثمّ إنّه لم يواظب على القراءة والاستفادة البتّة ، وانقضى من عمره أربعون سنة على هذه الصفة ، ثمّ إنّه بعد انقضاء الأربعين ظهر مثل هذا الكتاب عليه ، وذلك معجزة قاهرة ؛ لأنّ ظهور مثل هذا الكتاب على مثل ذلك الإنسان الخالي عن البحث والطلب والمطالعة والتعلّم لا يمكن إلّا بإرشاد الله تعالى ووحيه وإلهامه ، والعلم به ضروري ، وهذا هو المراد من قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) أي من مثل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في عدم القراءة والمطالعة وعدم الاستفادة من العلماء ، وهذا وجه قوي وبرهان قاطع انظر هامش نقد المحصّل ، ص ٩١.

وقال في كتاب الأربعين : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما ظهر من قبيلة ما كانوا من أهل العلم ، بل كانوا من بلدة ما كان فيها أحد من العلماء ، بل كانت الجهالة غالبة عليهم ولم يتّفق له سفر من تلك البلدة إلّا مرّتين إلى الشام ، وكانت مدّة تلك السفرة قليلة ، ولم يذهب أحد من العلماء والحكماء إلى تلك البلدة حتّى يقال : إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله تعلّم العلم من ذلك الحكيم ، فإذا خرج من مثل هذه البلدة ومن مثل هذه القبيلة إنسان من غير أن مارس شيئا من العلوم ولا تلمّذ لأحد من العلماء البتة ، ثمّ بلغ في معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله وأسمائه وأحكامه هذا المبلغ العظيم ، الذي عجز جميع الأزكياء من العقلاء عن القرب منه بل أقرّ الكل بأنّه لا يمكن أن يزداد في تقرير الدلائل على ما ورد في القرآن ... ولم يقدر أحد أن يقول : إنّه طالع كتابا أو تلمذ لأستاذ ـ ص ٣١١ قلت : ليت الإمام الرازي كان حيّا في عصرنا التعيس حتّى يرى أنّ جمعا ممّن لا حياء لهم من المستشرقين حصل لهم القدرة من كثرة عدم الحياء أن يقولوا ويكتبوا على خلاف ما هو من البديهيات والضروريات كما عرفت.

الشريف المشتمل على العلوم النفيسة والمعاني الدقيقة ، وانضمّ إلى ذلك ظهور أمور خارقة للعوائد على يده وإخبارات عن الغيب (١) ومواظبة على مكارم الأخلاق ، بحيث لم يصدر عنه خلق ذميم قط ، وتقريرات شرعية يتمّ بها نظام النوع فلا شكّ أنّ هذه المجموعة على هذا الوجه أمر خارق للعادة لا يحصل (٢) إلّا بتأييد إلهي وتمكين ربّاني.

وأمّا الكبرى (٣) فلأنّه لو لم يكن صادقا لما جاز من الله تعالى خلق المعجز على يده مقارنا لدعواه ، والملازمة ظاهرة ، فإنّ العقل يضطرّ إلى تصديقه عند ظهور المعجز (٤) مقرونا بدعواه ، فلو كان كاذبا لكان سبحانه مصدّقا للكاذب ، لكن تصديق الكاذب مستلزم لتجهيل الخلق وإغرائهم بالقبيح وهو عليه تعالى محال كما مرّ.

لا يقال : نمنع أنّ الغرض من خلق ذلك تصديقه حتّى يلزم ما ذكرتم ، ولم لا يجوز أن يكون ابتداء عادة أو تكرار عادة متباعدة أو خلقها معجزة لنبي غيره في بعض أطراف المعمورة أو لملك أو كرامة لولي كما جوّزتم؟

سلّمنا لكن لم لا يجوز أن يكون كاذبا ، وخلقها الله على يده تشديدا للبلية ، بقوة الشبهة الموجبة للمحنة الموجبة للثواب كمتشابهات القرآن ، فإنّ الغرض من إيرادها شدّة الامتحان ، فيدعو ذلك العلماء إلى استخراج دقائقها فيضاعف ثوابهم؟

لأنّا نجيب عن الأوّل بأنّ الضرورة قاضية بأنّه لمّا خلقها على وفق دعواه كان الغرض تصديقه ودفعه مكابرة ، وينبّه (٥) على ذلك بأنّ الملك العظيم لو جلس في محفل غاصّ فقام واحد وقال : يا أيّها الناس إنّي رسول هذا الملك إليكم ثمّ قال : يا أيّها الملك إن كنت صادقا في كلامي فخالف عادتك بالنزول عن سريرك أو وضع عمامتك عن رأسك ففعل ، فإنّ الحاضرين يضطرّون إلى تصديقه من غير خطور شيء من الاحتمالات.

__________________

(١) عن الغيب ـ خ : (د) عن علم الغيب ـ خ : (آ).

(٢) تحسن ـ خ : (آ).

(٣) أعني قوله : وكلّ من كان كذلك فهو نبي ـ انظر ص ٢٨٥ من الكتاب.

(٤) المعجزة ـ خ : (آ).

(٥) ننبه ـ خ : (آ).

وعن الثاني بالمنع من جواز المحنة مطلقا ، بل إذا لم يشتمل على وجه قبح لا يمكن إزالته كالمتشابهات ؛ فإنّها يمكن رفعها بما علم ، نظرا من استحالة الجسمية عليه تعالى ، وأمّا إذا اشتملت كما نحن فيه فلا يجوز ، فلأنّا (١) لا نتمكّن من دفع وجه القبح هنا لا ضرورة ولا نظرا.

البحث الثاني : في أنّه مبعوث إلى كافّة الخلق ، ودليل ذلك إخباره عليه‌السلام بذلك المعلوم تواترا مع ثبوت نبوّته ، المستلزمة (٢) لاتّصافه بصفات النبوّة التي من جملتها العصمة المانعة ، من الكذب ، وخالف في ذلك بعض النصارى حيث زعم أنّه مبعوث إلى العرب خاصّة ، وهو باطل ؛ لأنّه لما سلّم نبوّته لزمه تصديقه في كلّ ما أخبر به ، ومن جملته عموم نبوّته كقوله في القرآن : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (٣) (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٤) (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٥) وقوله عليه‌السلام : «بعثت إلى الأسود والأحمر(٦)».

ولا يرد كونه عربيا وقد قال سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) (٧) فلو أرسل إلى غيرهم لزم خطاب من لا يفهم ومخالفة الآية ؛ لإمكان الترجمة فيحصل

__________________

(١) فإنّا ـ خ : (آ).

(٢) المستلزم ـ خ : (د).

(٣) الأعراف ٧ : ١٥٨.

(٤) الأنبياء ٢١ : ١٠٧.

(٥) الأنعام ٦ : ١٩.

(٦) انظر إلى كتاب المغني للقاضي عبد الجبار المعتزلي ، ج ١٦ ، ص ٤٢٤ طبعة مصر. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو كان موسى حيّا لما وسعه إلّا اتّباعي وإنّ شريعتي رافعة لشريعة من قبلي» وأضف إلى ذلك أنّ كونه مبعوثا إلى كافة الخلق من الضروريات في الإسلام ، وعليه إجماع الأمّة الإسلامية كما صرّح به القاضي في الصفحة المذكورة ، وما حكاه عن بعض الشيعة من تجويزهم بعثة نبي ولعلهم كانوا من الغلاة كما أشار إليه القاضي أيضا وقد أبادهم الدهر ، وهم في عقيدة الشيعة الإمامية من الفرق المحكوم عليها بالكفر كالنواصب أعداء أهل البيت عليهم‌السلام.

(٧) إبراهيم ١٤ : ٤.

الفهم ، وليس في الآية دلالة على منفعته (١) ؛ إذ لا يلزم من إرسال الرسل بلسان قومه أن لا يرسله إلى غيرهم بتفهيمهم بلسانهم.

وذكر القاضي في يأجوج ومأجوج وجهين :

أحدهما : أن لا يكونوا بمكلّفين وإن سمّوا مفسدين في الأرض.

وثانيهما : أنّهم مكلّفون وأنّ الدعوة (٢) بلغتهم لإمكان قربهم من السدّ وسماعهم من ورائه (٣).

فائدة : يلزم من عموم نبوّته كونه خاتم الأنبياء وإلّا لم تكن عامّة للخلق ، ولقوله تعالى : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) (٤) وقوله عليه‌السلام : لا نبيّ بعدي.

البحث الثالث : في أنّه عليه‌السلام أفضل من غيره من الأنبياء ، ويدلّ عليه وجوه :

الأوّل : أنّه أكثر كمالات في القوة العلمية والعملية فيكون أفضل.

أمّا الصغرى فلأنّ العلوم الفائضة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا نسبة لعلم غيره من الأنبياء إليها تحقيقا وفائدة ؛ ولأنّ شريعته عامة فتكون أكثر نفعا ، فيكون أتباعه أكثر عددا من أتباع غيره ، ولأنّ أخلاقه أشرف من أخلاق غيره ، ولورود التعبّدات في شرعه ، والأمر بمكارم الأخلاق فيه أكثر.

__________________

(١) منعه ـ خ : (آ).

(٢) الدعوى ـ خ : (آ).

(٣) غير خفيّ على الخبير أنّ الدعوة النبوية إلى الإسلام لم تكن دفعة واحدة في ابتداء ظهوره حتّى تبلغ على وجه الأرض كلّها في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله بل الدعوة تدريجية ، كما أنّ بيان الأحكام كان على التدريج ، قال سبحانه : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) فمن بلغ إليه الإسلام تدريجا منذ ظهوره إلى يومنا هذا ولو كان في أدنى الأرض وأقصاها ، فتتمّ عليه الحجة ولا بد له أن يؤمن به ويصادعه وما جاء به من عند الله تعالى ، فالدعوة تبلغ على نحو التدريج وعلى مرّ الزمان وتعاقب الملوان.

وأمّا تحقيق المراد من «يأجوج ومأجوج» فليس هنا موضع بيانه ، ومهما يكن المراد فقد بلغ إليهم الإسلام تدريجا قطعا ، فلا حاجة إلى الاحتمال الذي ذكره بقوله : لإمكان قربهم من السدّ ...

(٤) الأحزاب ٣٣ : ٤٠ ـ الخاتم والخاتم ـ بالفتح والكسر ـ عاقبة كل شيء ـ خاتم النبيين : أي آخرهم.

وأمّا الكبرى المضمرة فبيّنة ؛ إذ لا نعني بالأفضل إلّا الأكثر كمالا (١).

الثاني : قوله تعالى بعد ذكر الأنبياء : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (٢) أمر بالاقتداء بهديهم المشترك بينهم ، فيجب أن يأتي بكلّ ما أتى به كلّ واحد منهم ، فيحصل (٣) على مثل كمالات جميعهم فيكون أفضل من كلّ واحد.

الثالث : قوله عليه‌السلام : «أنا أشرف البشر» وقوله : «أنا سيّد ولد آدم» وكذا قوله: «آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة».

البحث الرابع : في أنّه عليه‌السلام لم يكن (٤) متعبّدا قبل النبوّة بشرع من قبله من الأنبياء ، فيما عدا الأمور الكلية والقواعد الحقيقية التي اتّفقت الأنبياء عليها ودلّت عليها البراهين ، كالتوحيد والعدل والقول بالمعاد واستكمال النفوس بالعلوم والكمالات ومكارم الأخلاق ، وذلك هو المشار إليه بقوله : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وبقوله : (إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (٥) فنعم (٦) ولكن تعبّده بها لا من حيث إنّهم تعبّدوا بها ، بل من حيث إنّها كمالات في أنفسها.

وأمّا الفروع المختلفة في الشرائع فأكثر المحقّقين على أنّه لم يكن متعبّدا بها أيضا ، واستدلّوا بوجهين :

الأوّل : أنّ ما عدا شرع عيسى فإنّه كان منسوخا به ، وأمّا شرعه (٧) فأكثر الناقلين له كانوا كفّارا ملاحدة ، كما حكينا عنهم في باب الاتّحاد ، والسالمون من ذلك كانوا في

__________________

(١) كمالات ـ خ : (آ).

(٢) الأنعام ٦ : ٩٠.

(٣) فيحصل ـ إلى قوله : من كلّ واحد ـ خ : (د).

(٤) إنّه عليه‌السلام هل كان ـ خ ل ـ خ : (د) خ : (آ).

(٥) الأنعام ٦ : ١٦١.

(٦) فنعم ـ خ : (آ) هذه الكلمة بناء على أنّ العبارة في أوّل الكلام أنّه عليه‌السلام هل كان متعبّدا.

(٧) وأمّا شريعته ـ خ : (آ).

غاية من القلّة لا يفيد قولهم علما (١).

الثاني : أنّه لو كان متعبّدا بشريعة من الشرائع لاشتهر ذلك ولافتخر به أربابها ؛ لأنّ ذلك مما تشتدّ الداعية إليه وإلى نقله ، لكنّه لم يشتهر ذلك ولم ينقل ، فلم يكن متعبّدا بشيء منها ، وهو المطلوب ، وأمّا بعد النبوّة فكذلك ، وتحقيقه في أصول الفقه (٢).

البحث الخامس : في أنّه لما ثبت نبوّته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجب أنّ كلّ ما جاء به من الأحكام وأخبر به أمّته من أحوال القرون الماضية وأخبار السماء وأحوال القيامة وكيفية حشر الأجساد والجنة والنار حقّ وصدق ؛ لإمكانه وإخبار الصادق بوقوعه.

ثمّ اعلم أنّ الحقّ عندنا أنّ شرعه محفوظ بالإمام المعصوم الذي لا يجوز خلوّ زمان التكليف منه ـ كما يجيء ـ فيتلقّاه المكلّفون منه حال الحضور ، وأمّا في الغيبة فأصول الشرع مضبوطة منقولة بالتواتر عن المعصوم ، وأمّا فروعه فمنها ما هو مأخوذ بالإجماع أو بطريق الآحاد الجامع للشرائط أو باستخراج الجزئيات من الأصول الكلية. وبيانه في أصول الفقه.

المطلب الرابع : في توابع مباحث النبوّة

وفيه فصول :

__________________

(١) وقد استدل بذلك الامام الرازي في كتابه معالم أصول الدين وقال : الحقّ أنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل نزول الوحي ما كان على شرع أحد من الأنبياء عليه‌السلام ، وذلك لأنّ الشرائع السابقة على شرع عيسى عليه‌السلام صارت منسوخة بشرع عيسى عليه‌السلام ، وأمّا شريعة عيسى عليه‌السلام فقد صارت منقطعة بسبب أنّ الناقلين عندهم النصارى ، وهم كفار بسبب القول بالتثليث ، فلا يكون نقلهم حجّة ، وأمّا الذين بقوا على شريعة عيسى عليه‌السلام مع البراءة من التثليث فهم قليلون فلا يكون نقلهم حجّة ، وإذا كان كذلك ثبت أنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان قبل النبوة على شريعة أحد. انظر هامش نقد المحصل ، ص ١١١ طبعة مصر سنة ١٣٢٣.

(٢) وقد كتبنا حول هذا المطلب في إضافاتنا على كتاب جنّة المأوى على نحو التفصيل انظر ص ٣٣٠ ـ ٣٥٩ طبعة تبريز. وكتبنا أيضا حوله في كتابنا فصل الخطاب ، وهو مخطوط.

الأوّل : الحقّ عندنا أنّ الأنبياء عليهم‌السلام أفضل من الملائكة وهو مذهب الأشاعرة أيضا.

لنا وجوه :

الأوّل : أنّهم يعبدون الله مع المعاوق الداخلي كالشهوة والغضب والقوى البدنية ، والخارجي كالأهل والولد بخلاف الملائكة ، فإنّهم مجبولون على الخير ، فيكون الأوّل أشقّ ، وهو ظاهر فيكون أفضل ؛ لقوله عليه‌السلام : «أفضل العبادة أحمزها» أي أشقّها.

الثاني : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (١) فيدخل الملائكة.

الثالث : أمر الملائكة بالسجود لآدم ، وهو أعظم ما يكون من الخشوع ، وأمر العالي بذلك للسافل مناف للحكمة ، وأيضا فإنّه معلّمهم بقوله : (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) (٢) والمعلّم أفضل.

وخالف المعتزلة والحكماء محتجّين ، بأنّهم خير محض ونفوسهم خالية من القوى البشرية الشريرة كالشهوة والغضب بخلاف البشر ، وبأنّ علومهم أكمل لكون نفوسهم أقوى ، وبأنّ نسبة النفس إلى النفس كنسبة البدن إلى البدن ، ولا شكّ في أفضلية السماوات على أبداننا فنفوسها أشرف من نفوسنا ، وبأنّهم دائما في العبادة بقوله : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٣) ولقوله : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (٤) وتأخير النفي في مثل هذه الصورة يدلّ على الأفضلية كما يقال : لن يستنكف فلان من خدمة الملك ولا الأمير ، وبتلقّيهم العبادة أوّلا ؛ لأنّهم في العبادة أولى ، لأنّهم طرق تعليم الدين فهم أفضل ؛ لقوله : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٣٣.

(٢) البقرة ٢ : ٣٣.

(٣) الأنبياء ٢١ : ٢٠.

(٤) النساء ٤ : ١٧٢.

الْمُقَرَّبُونَ) (١) ولقوله : (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (٢) ، ولأنّهم أعلم بالله ، لقول عليعليه‌السلام : هم أعلم خلقك بك وبتقديمهم في الذكر على الأنبياء في مواضع كثيرة في القرآن ، ويمكن التكليف لأجوبة هذه ، لكن الأولى عندي الاستدلال على المدّعى بإجماع الفرقة لدخول المعصوم عليه‌السلام فيهم.

ثمّ اعلم أنّ هنا فوائد :

الأولى : أنّ الملائكة عليهم‌السلام معصومون ، أمّا الرسل منهم فلأنّه لولاه لما أمن تغيير الشرع وتبديله ، وأمّا غيرهم فلقوله في الخزنة : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٣) وكلّ من قال بها فيهم قال بها في غيرهم ، والإجماع.

الثانية : أنّهم أجسام شفّافة نورانية قادرة على التشكّل بالأشكال ، مجبولون على الخير والطاعة فاعلون لذلك اختيارا ؛ لدلالة النقل والإجماع على ذلك.

الثالثة : أنّ الأنبياء عليهم‌السلام يعلمون كون الآتي إليهم ملكا رسولا من عند الله بأمور :

الأوّل : أن يخلق الله تعالى فيهم علما ضروريّا بذلك.

الثاني : أن يخلق المعجز على يده ليدلّ على صدقه ، كما في حقّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندنا ، فيكون ذلك واجبا عليه تعالى وإلّا لكان ناقضا لغرضه.

الثالث : (٤) أن يعمل عملا يعلم به ذلك ككشف العورة ورأس المرأة ، فإنّ الملك

__________________

(١) الواقعة ٥٦ : ١١ ، ١٠.

(٢) الأنعام ٦ : ٥٠.

(٣) التحريم ٦٦ : ٦.

(٤) هذا الأمر الثالث ممّا لا وجه له ، ولعلّه مأخوذ من الخرافة التي نقلها جمع من العامة في ضمن الأحاديث الموضوعة ، التي اختلقوها في بعض كتبهم وتواريخهم ونسبوها إلى قدس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ابتداء زمان الوحي ، وذكروها بقولهم : وقالت خديجة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما تثبته فيما أكرمه الله به من نبوّته : يا ابن عمّ أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك قال : نعم فجاءه جبرائيل فأعلمها ، فقالت : قم فاجلس على فخذي اليسرى فقام فجلس عليها ، فقالت : هل تراه؟ قال : نعم قالت : فتحوّل فاقعد على فخذي اليمنى فجلس عليها ، فقالت هل تراه؟ قال : نعم فتحسّرت فألقت خمارها ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجرها ، ثمّ قالت : هل تراه ، قال لا : قالت : يا ابن عمّ اثبت وابشر فو الله إنّه ملك وما هو بشيطان. ورواه مؤرّخهم الكبير الطبري مع هذر كثير في تاريخه المشهور المشحون من الأباطيل والأكاذيب ، وهذه ـ

لا يثبت حينئذ بخلاف الجنّ والشيطان.

الفصل الثاني : في النسخ ، وهو عبارة عن رفع حكم شرعي بحكم آخر شرعي متراخ عنه على وجه لو لا الثاني لبقي الأوّل ، وهو حق واقع ؛ لوجوه :

الأوّل : أنّ الأحكام شرعت لمصالح العباد على ما تقدّم ، والمصلحة لا يجب دوامها ، فلا يمتنع أن يصير ما هو مصلحة في وقت مفسدة في وقت آخر ، فيتغير الحكم المتعلّق بها وحينئذ يجوز نسخه ، وإلّا لكان التكليف به على تقدير صيرورته مفسدة تكليفا بالقبيح ، ومثاله في الواقع المريض المنتقل من مرض إلى آخر مخالف للأوّل في السبب والمادّة ، لو عولج في الثاني بعين ما عولج به في الأوّل لزم المفسدة ، وهو باطل.

الثاني : أنّه لما ثبتت نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا شكّ أنّ ذلك مستلزم لرفع كثير من أحكام الشرائع السابقة فقد وقع النسخ ، وذلك هو المطلوب.

الثالث : الإجماع واقع على أنّ آدم عليه‌السلام كان يزوّج الأخ بأخته ثمّ رفع ذلك (١).

__________________

ـ القصة الخرافية من جملتها ، وذكرها في الاستيعاب بترجمة خديجة عليها‌السلام.

قال بعض مشايخنا قدس‌سره بعد نقلها : إنّه لا يمكن أن يجهل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه رسول الله ، وقد علم برسالته قبل وقتها الكهّان والرهبان ، ولو جهل بها لكان غيره أولى بالجهل بها في تلك الحال فيلغو فيها إرساله ، أيجوز أن يبعث الله من لا يدري برسالة نفسه ولا يعلم ما هو؟ وهو سبحانه قد آتى الكتاب عيسى عليه‌السلام وجعله نبيا وهو في المهد ، وعرّفه أنّه نبيّه وأنطقه برسالته ، ولا أرى أيّ نبوّة لمن يخشى على نفسه من رسول الله إليه ، وأيّ رسالة لمن يحقّقها بقول نصراني ويتعرّفها بقول امرأة حتّى تثبته عليها بذلك الطريق الوحشي ، ولعمري إنّ امرأة تثبت نبيا على نبوّته وتعلمه بها لأحقّ منه بالنبوّة ، وعلى ذلك يكون ورقة وخديجة أوّل الناس إسلاما والسابقين فيه ، حتّى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا بالخرافات والكفر أشبه.

قلت : وللعامة روايات في باب بدء الوحي هي بالخرافات أشبه أيضا تركنا التعرّض لها هنا خوفا من الإطالة.

(١) التمسّك بالإجماع في المسألة التي لم ينكشف لنا حقيقتها يجلّ مقام المصنف (ره) عن ذلك ، ولعلّ نظره إلى أخذ اليهود بقولهم مع ما يستفاد من ظاهر القرآن الكريم في قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) النساء آية : ـ ١.

__________________

فإنّ الظاهر من الآية الشريفة أن بثّ الرجال والنساء كان من آدم عليه‌السلام وحوّاء حيث قال : وبثّ منهما ولم يقل : بثّ منهما ومن غيرهما. فالتوافق والاتّفاق حاصل بالنظر إلى ظاهر القرآن وقول اليهود : إنّ آدم كان يزوّج الأخ من أخته. ولا يمكن أن يكون الإجماع الذي ادّعاه المصنّف قدس‌سره إجماعا مصطلحا ، فإنّه لم يعلم دخول قول المعصوم فيه ، فإنّ كون الإجماع من الأدلة الأربعة حيث يعلم أو يكشف أنّ قول المعصوم في جملة المجمعين مع كون المسألة فرعية ، وأمّا في هذه المسألة لا نعلم دخول قول المعصوم فيهم مع ورود بعض الأخبار على خلاف هذا الإجماع المدّعى.

نعم الأخبار الواردة في كيفية ابتداء النسل من آدم عليه‌السلام وحوّاء ـ مع معارضتها في نفسها من الأخبار الآحاد ـ لا توجب علما بحيث لا يقبل الشكّ ويحصل منها القطع كما هو واضح بالوجدان.

وقد روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده إلى زرارة قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن بدء النسل من آدم صلوات الله عليه كيف كان؟ ومن بدء النسل من ذرّية آدم فإنّ أناسا عندنا يقولون : إنّ الله تعالى أوحى إلى آدم أن يزوّج بناته من بنيه ، وإنّ هذا الخلق كلّه أصله من الأخوة والأخوات ، فمنع أبو عبد الله عليه‌السلام من ذلك. الحديث انظر الحديث في الأنوار النعمانية للمحدث الجزائري (ره) ، ج ١ ، ص ٢٦٣ طبعة تبريز.

وروي عن الباقر عليه‌السلام : أنّ حوّاء كانت تلد توأما كلّ بطن ذكر وأنثى ، فكان يزوّج الذكر من هذا البطن من الأنثى من البطن الآخر. والقرآن الكريم لم يكشف لنا حقيقة الأمر صريحا في هذا المطلب غير ما هو ظاهر الآية الشريفة كما عرفت ، فإنّه لا ثمرة عمليا واعتقاديّا مهمّة فيه. والآية الشريفة ليست من النصوص والمحكمات حتّى يحصل منها القطع ، ومن يدّعي من أهل الاعوجاج والسفهاء من غير أهل العلم والبحث بل من أهل الابتلاء بالأمراض الروحية ، أنّ كلّ القرآن الكريم قطعي الدلالة يكذّبه الوجدان السليم. وعلى فرض أنّه حصل لأحد القطع من دلالة كلّ الآيات القرآنية فله قطعه ، ولا يحصل من حصول القطع له لنا أيضا قطع. فهذا الادّعاء من بعض من لا يعبأ بقوله ، لا يسوى عندنا فلسا. لعنة الله تعالى على أعداء أهل البيت عليهم‌السلام قاطبة ، ومن أعدائهم هذا السفيه الناصبي.

وأمّا المحدّث الجزائري (ره) فعلى مسلكه الأخباري ، وتمسّكه بكل ما روى بطريق الآحاد حتّى في غير الفروعات والأحكام تمسّك بما رواه الشيخ الصدوق (ره) ، الذي أشرنا إليه ، وحمل ما ورد عن الباقر عليه‌السلام على التقية مع ادّعائه القطع في ذلك ـ انظر الأنوار النعمانية ، ج ١ ، ص ٢٦٤ طبعة تبريز.

وفيه نظر واضح ، فإنّه من أين يحصل لنا القطع بذلك؟ فإن حصل للمحدّث المعظّم المذكور قطع بهذا الحمل فله قطعه ولا يحصل لنا من قطعه قطع. والأخبار الواردة على خلاف ما روي عن الباقر عليه‌السلام أيضا آحاد لا توجب القطع ، مضافا إلى الإشكالات الواردة على ما تضمّنها من تزويج آدم أولاده من الحور والجني ، لعدم السنخية في التزويج بينهما وبين أولاد آدم عليه‌السلام في هذه النشأة الدنيوية ، وينبغي ملاحظة أسناد تلك الروايات وتحقيق أحوال الرجال الراوين لها.

وقال شيخنا الأستاذ كاشف الغطاء قدس‌سره : إنّ ما في بعض الأخبار من أنّ الله جلّ شأنه أنزل حوريتين

إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ من اليهود من منعه (١) عقلا وسمعا ، أمّا عقلا فلاستلزامه البداء المستلزم للجهل ، وهو ممتنع عليه تعالى ، والبداء قيل : هو رفع الحكم قبل العمل به ، وقيل : الحكم على الشيء مع الندم عليه (٢) ، وكلاهما محال عليه تعالى.

أمّا الأوّل ؛ فلأنّ رفع الحكم قبل العمل به جهل بمصلحته التي شرّع لأجلها.

وأمّا الثاني ؛ فلاستحالة الندم عليه تعالى.

وأمّا سمعا ؛ فلقول موسى عليه‌السلام : تمسّكوا بالسبت أبدا ، وقوله : شريعتي لا تنسخ. ومنهم من أجازه عقلا ومنعه سمعا. ومنهم من أجازه عقلا وسمعا ومنع نبوّة محمّد المصطفيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكابرة.

__________________

ـ فتزوّجهما ولد آدم فكان النسل منهما ، ولعل المراد من الحوريتين امرأتين بقيتا من السلاسل البشرية المتقدّمة على آدمنا هذا. انظر الفردوس الأعلى ، ص ٧٠ الطبعة الثانية تبريز. فعلى أيّ حال فلم يبق لنا غير ظاهر القرآن الكريم.

وما يقال : إنّ تزويج الأخت من أخيها ولو من بطن آخر ، وإنّه لا يخرج عن كونه زنا وبذات المحارم ، وأنّه موافق لمذاهب المجوس كما ذكره المحدّث المذكور. مدفوع : بأنّ الزنا ليس إلّا مخالفة القوانين المشروعة والنواميس المقرّرة من المشرّع الحكيم ، وحيث إنّ في بدء الخليقة لا يمكن التناسل إلّا بهذا الوضع أجازه الشرع في وقته ؛ لوجود المقتضي وعدم المانع. ثمّ لمّا تكثّر النسل ومسّت الحاجة إلى حفظ الأنساب وتميّز الأسر والأرحام وحفظ النظام العائلي ، وحصل المانع من تزوّج الأخ بأخته وأمثال ذلك مما تضيع فيه العائلة وتهدّ دعائم الأسر ولا يتميّز الأخ من الابن والأخت من البنت ، لذلك وضع الشارع قوانين للزواج تصون النسل عن الاختلاط والامتزاج ، وهذا المحذور لم يكن في بدء الخليقة يوم كانت أسرة آدم وحوّاء نفرا معدودا. وهكذا ذكر الجواب عن الإشكال شيخنا الأستاذ كاشف الغطاء قدس‌سره في الفردوس الأعلى ، ص ٧٠ طبعة تبريز سنة ١٣٧٢.

فممّا ذكرنا كلّه تبيّن أنّه لا يمكن الجزم في هذا المطلب بأحد الأقوال التي أشرنا إليها ، وما ذكره شيخنا الأستاذ قدس‌سره في دفع الإشكال المذكور ليس إلّا لكسر صولة تحاشي : أنّ تزويج الأخت من أخيها ولو من بطن آخر لا يجوز حتّى في بدء الخليقة ، وإلّا لم يكن قدس‌سره جازما بما جاد به يراعه المقدّس قدّس الله روحه ونوّر ضريحه. فالحقّ كما قلناه هو التوقّف وإيكال العلم بالواقع إلى أهله ، والله العالم.

(١) من منع منه ـ خ : (آ).

(٢) مع الندم عليه ـ خ : (آ).

والجواب عن معقولهم بالمنع من لزوم البداء ؛ إذ البداء يستلزم اتّحاد الوقت والفعل ووجهه والمكلّف ، كما قيل : الواحد بالواحد في الواحد على الواحد لا يكون مأمورا منهيّا. وأمّا النسخ فليس كذلك ؛ لعدم بعض هذه وهو الوقت والوجه.

وعن مسموعهم بالمنع من صحّته ، بل هو موضوع وضعه ابن الراوندي (١) لهم ،

__________________

(١) والظاهر أنّ وضعه ذلك لهم حينما كان معاشرا مع اليهود. وابن الراوندي هو أبو الحسين أحمد بن يحيى ابن محمد بن إسحاق الراوندي المعروف بابن الراوندي من أهل مروالروز في خراسان ، والراوندي نسبة إلى راوند ـ بفتح الراء والواو بينهما ألف وسكون النون بعدها دال مهملة ـ قرية من قرى قاشان بنواحي أصفهان كان من المتكلّمين المعروفين في زمانه معتزليا ، ثمّ أظهر مذهب الشيعة وألّف في الردّ على المعتزلة وهجن مذهبهم ، وألّف كتبا على طريقة المعتزلة وتقرير عقائدهم ثمّ ألّف كتبا على طريقة الشيعة الإمامية ككتاب الإمامة وأجاد في تأليف تلك الكتب وجمع فيها من الأدلّة وآراء المتكلّمين لتأييد عقيدة الشيعة خصوصا في مسألة الإمامة.

ومن كتبه في الردّ على المعتزلة كتاب فضيحة المعتزلة ولما كان عارفا بآرائهم على الوجه الأكمل لأنّه كان منهم ومؤلّفا لهم وكاتبا مجيدا جاءت كتبه في ذلك في نهاية الجودة وزاد في تحامل من تحامل عليه من المعتزلة وبعض الأشاعرة نصرته مذهب الشيعة بعد ما كان من المعتزلة ، فنسب إلى الزندقة والإلحاد ، ووجد خصومه ما يقوّي دعواهم ويعضدها من الكتب المنسوبة إليه والله أعلم بحقيقة أمره.

وعلماء الشيعة مختلفون في أمره والذي دافع عنه في قبال المعتزلة هو سيد الأمة السيد المرتضى علم الهدى (ره) في كتابه النفيس الخالد الشافي حيث شنّع القاضي عبد الجبار الهمذاني الأسدآبادي صاحب كتاب المغني الذي صنّف سيدنا المرتضى (ره) كتاب الشافي للردّ عليه على الشيعة في كتابه المذكور ، وردّ عليه السيد (ره) بما لا مزيد عليه ودافع عن ابن الراوندي.

ولكن عن ابن شهرآشوب (ره) في معالم العلماء : أنّ ابن الراوندي مطعون عليه جدّا. وعن بعض : أنّ أكثر كتبه الكفريات ألّفها لأبي عيسى بن الآوي اليهودي الأهوازي ، وفي منزل هذا الرجل توفّي. وعن بعض علماء الإمامية أنّ ابن الراوندي كان يهوديا ثمّ أسلم منتصبا قائلا بإمامة العباس بن عبد المطلب ، قال السيد الأمين العاملي (ره) في أعيان الشيعة بعد نقله : وهذا مع انفراده به لم يسنده إلى دليل.

وعن ابن الجوزي : زنادقة الإسلام ثلاثة : ابن الراوندي وأبو حيان التوحيدي وأبو العلاء المعرّي (١ ه‍) قال السيد الامين (ره) : وحشره في الزنادقة ليس إلّا لما نسب إليه من الكتب ومع اعتذار المرتضى (ره) عنها وتبرئته منها ، ونقل التوبة عنه عن جماعة لا يمكن الجزم بذلك.

أقول : يظهر من حالات ابن الراوندي أنّه كان رجلا متلوّنا في أوائل أمره ، وألّف كتبا على تلك الصفة ونسب إليه بعض الكتب التي لم يعلم أنّها من تأليفه ، ولذا لا يعتمد على بعضها ولكن أجاد في تأليف بعضها الآخر ، فالقول الفصل في حقه هو ما قاله السيد الإمام الأمين العاملي (ره) في أعيان الشيعة بقوله :

سلّمناه لكن آحادي والمسألة علمية ، سلّمنا لكنه يحتمل وجهين :

الأوّل : أن يراد بالأبد المدّة الطويلة. الثاني : أن يكون فيه إضمار تقديره : ما لم يأت صاحب شريعة واستغنى عن إظهاره للعلم به أو قاله ولم ينقل.

إن قلت : هذا خلاف الظاهر المتبادر إلى الفهم.

قلت : الدليل النقلي لا يجوز العمل على ظاهره مع معارضة العقلي ، فيجب حمله على أحد محتملاته ، والعقل هنا ثابت ، وهو البرهان على نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذا كلّه على تقدير صحّته وإلّا فنحن من وراء المنع.

الفصل الثالث : في الردّ على المشهور من المذاهب الباطلة والآراء الفاسدة ، وهو أقسام :

الأوّل : الردّ على اليهود ، اعلم أنّهم (١) افترقوا فرقا كثيرة ، لكن المشهور من فرقهم ثلاثة : الربانيون والقراءون والسامريّون ، وهؤلاء مجمعون على نبوّة موسى وهارون ويوشع ، وعلى التوراة وأحكامها وإن كانت مبدّلة مختلفة النسخ والتواريخ والأحكام ، لكنهم يستخرجون منها ستمائة وثلاثة عشر فريضة يتعبّدون بها ، وينفرد الربانيون والقراءون عن السامرة بنبوّات أنبياء غير الثلاثة المذكورين ، وينقلون عنهم تسعة عشر كتابا ويضيفونها إلى خمسة أسفار التوراة ، ويعبّرون عن الأربعة وعشرين كتابا بالنبوّات ، وهي على مراتب أربع عندهم بحسب مراتب النبوّات في التقدّم زمانا ورتبة ، وتفاصيلها في المطوّلات.

والعمدة في إبطال مذهبهم إنّما هو بتصحيح القول بالنسخ ، وقد بيّنا في الفصل

__________________

ـ وزبدة القول في ابن الراوندي أنّه مخطئ في تأليفه لهذه الكتب التي هي من كتب الضلال سواء كان ألّفها معتقدا بها أو لأجل معارضة المعتزلة كما ذكره المرتضى (ره) في الشافي إلّا أنّه مع نقضه لأكثرها وحكاية القول بتوبته منها لا يمكن الجزم بإلحاده ، ويبقى حاله في مرحلة الشك وإن جزمنا بخطئه ، والله العالم بسريرته. انظر أعيان الشيعة ج ١٠ ، المجلد ١١ ، ص ٣٤٦ طبعة دمشق.

(١) إنّ اليهود ـ خ : (آ).

السابق على هذا نبذة من مباحثه ونزيد هنا ، فنقول : لو لم يكن النسخ جائزا لما كان واقعا ، لكنّه واقع فيكون جائزا ، والملازمة ظاهرة ، لاستحالة وقوع المحال ، وأمّا وقوعه فلوجوه :

الأوّل : أنّه جاء في التوراة أنّه تعالى قال لآدم وحوّاء : أحللت لكما كلّ ما دبّ على وجه الأرض وكانت له نفس حيّة ، وجاء فيها أيضا : أنّه قال لنوح عليه‌السلام : خذ معك من الحيوان الحلال كذا ومن الحيوان الحرام كذا. فقد حرم على نوح بعض ما كان حلالا على آدم وحوّاء ، فإن كانت التوراة غير مغيّرة فهذا برهان ، وإن كانت مغيّرة فإلزام.

الثاني : أنّه تعالى أباح نوحا عليه‌السلام تأخير الختان إلى وقت الكبر ، وحرّمه على غيره من الأنبياء ، وأباح إبراهيم عليه‌السلام تأخير ختان ولده إسماعيل وحرّم على موسى ، وكذا تأخير الأنبياء عن سبعة أيام.

الثالث : أنّه أباح آدم عليه‌السلام الجمع بين الأختين وحظره على موسى عليه‌السلام.

لا يقال : إنّا لا نسلّم أنّ قبل موسى عليه‌السلام كان شرع بل أحكام عقلية كما قلتم ؛ فإنّ الإباحة معلومة عقلا كما تقرّر في الأصول ، ورفع الحكم العقلي ليس بنسخ كما تقدّم في تعريفه.

لأنّا نقول بالمنع من ذلك إجمالا ، فقد جاء في التوراة : أنّه تعالى قال لنوح : «من سفك دم إنسان فليحكم الحاكم بسفك دمه» وهذا حكم جزئي شرعي مناقض لقولكم : لا شرع قبل موسى.

وأمّا تفصيلا فإنّ (١) الإباحة في الحكم الأوّل وإن كانت عقلية ، لكن إنّما نمنع كون رفعها نسخا (٢) إن لو لم يتعرّض له الشرع ، لكنّه تعرّض بقوله : أحللت ، وفي الوجه الثاني والثالث الإباحة ليست مطلقة بل مقيّدة بالوقت ، والتقييد غير معلوم عقلا ، فهما شرعيان لا عقليان.

__________________

(١) فلأنّ ـ خ : (آ).

(٢) نسخا ـ خ : (د) لشيء ـ خ : (آ).

احتجّوا بأنّه على تقدير تسليم النسخ لا يلزم صحّة نبوّة عيسى ومحمد عليهما‌السلام ؛ لوجهين :

الأوّل : أنّ موسى عليه‌السلام إمّا أن يكون قد أخبر بدوام شرعه أو لا.

والثاني : إمّا أن يخبر بانقطاعه أو لا ، والأخيران باطلان فتعيّن الأوّل.

أمّا بطلان الثاني ، وهو إخباره بانقطاع شرعه ؛ فلأنّه لو وقع لنقل ، لأنّه ممّا تشتدّ (١) الدواعي إلى نقله كما أنّ نبيّكم لو قال : شرعي منقطع أو نقل الصوم إلى غير شهر رمضان أو زاد صلاة سادسة لوجب نقل ذلك ، لكنّه لم ينقل فلم يقع.

وأمّا الثالث ؛ فلأنّ الأمر المطلق لا يفيد التكرار كما تقرّر في الأصول ، وبالاتّفاق أنّ شرع موسى عليه‌السلام لم يكن كذلك.

الثاني : أنّ اليهود على كثرتهم ينقلون عن موسى عليه‌السلام أنّه قال : «أنا خاتم النبيين»(٢) فلو ثبت نبوّة محمّد وعيسى عليهم‌السلام لزم كذبه ، فيخرجه ذلك عن كونه نبيا ، وهو باطل اتّفاقا.

والجواب عن الأوّل : أنّا نختار الثالث لكن لا على أنّه أطلق إطلاقا ، بل قرنه بقرائن محتملة للدوام والانقطاع إلى أمد غير معيّن ، ولم يحتج إلى التصريح بتعيين ذلك الأمد للاستغناء بما يأتي من شرع عيسى عليه‌السلام ؛ لأنّ ثبوت شرعه يستلزم انقطاع شرع موسى عليه‌السلام ، على أنّه جاء في التوراة التنبيه على شرع عيسى ومحمّد عليهما‌السلام ، كقوله : إنّ قدرة الله أقبلت من طور سينا وأشرقت من طور ساعير وأطلعت من جبل فاران ، فطور سينا لموسى وساعير لعيسى ، وجبل فاران هو جبل بمكة ؛ لأنّ فاران هو مكّة بدليل أنّه (٣) جاء في التوراة : أنّ إبراهيم أسكن ولده إسماعيل بتربة (٤) فاران.

__________________

(١) يشدّ ـ خ : (د).

(٢) الأنبياء ـ خ : (آ).

(٣) لأنّه ـ خ : (د).

(٤) بقرية ـ خ : (آ).

وعن الثاني بالمنع من تواترهم ؛ فإنّ التواتر يشترط فيه استواء الطرفين والواسطة في بلوغ عدد يفيد قولهم العلم ، وهذا لم يحصل لهم ؛ لأنّ بخت نصر البابلي أفناهم إلّا عددا يسيرا لا يفيد قولهم ، فإنّهم كانوا مجتمعين في الشام لا غير فلمّا قتلوا بعث بخت نصر أو من قام مقامه جماعة من أسرائهم إلى اصفهان ، ولم يكن وصل منهم أحد إلى العجم قبل ذلك ، فبنوا بها المدينة المعروفة باليهودية.

ويدلّ على انقطاع تواترهم أنّ التوراة بعد تلك الواقعة صارت ثلاث نسخ مختلفة في التواريخ والأحكام الشرعية : أحدها : عند القرّائين والربانيين ، وثانيها : عند السامرة ، وثالثها : توراة السبعين التي اتّفق عليها سبعون حبرا من أحبارهم ، وهي في أيدي النصارى ، ولو كان لهم تواتر لم يحصل هذا الاختلاف في كتابهم.

الثاني : الردّ على النصارى وهم أيضا اختلفوا فرقا كثيرة ، ويرجع اختلافهم إلى أمرين :

أحدهما : كيفية نزول عيسى وإيصاله بأمّه وتجسّد الكلمة.

وثانيهما : كيفية صعوده واتّصاله بالملائكة وتوحّد الكلمة. ومعظمهم ثلاث فرق : الملكائية : ينسبون إلى الملك (١) الذي ظهر بالروم واستولى عليها ، ولذلك أنّ معظمها ملكائية.

والنسطورية : أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر من زمن المأمون وتصرّف في الأناجيل بحسب ما رآه.

واليعقوبية : وقد حكينا من قبل كيفية اختلافهم وأقوالهم (٢) ، فلا وجه لإعادته ، وأنّه يرجع إلى القول بالأقانيم.

ويدلّ على بطلان قولهم زيادة على ما تقدّم في التوحيد وجهان :

الأوّل : أنّ الأقانيم إمّا أن تكون زائدة على ذاته تعالى أو لا ، والأوّل : إمّا أن تكون

__________________

(١) ملكا ـ خ : (آ).

(٢) انظر إلى صفحة : ـ ١٥٧ من الكتاب.

معاني كقول الأشعرية أو أحوالا كقول البهشمية أو أحكاما وإضافات ذهنية وسلوبا كما يقول الحكماء ، فإن كان الأوّلان فقد تقدّم القول فيهما ، وإن كان الثالث فهي أمور اعتبارية ، وهو يناقض قولهم باتّحاد الكلمة بالمسيح ؛ لأنّ الاتحاد يستدعي الوجود الخارجي.

والثاني : وهو أن لا تكون زائدة على الذات فإمّا أن تكون مقومة لها أو لا ، والأوّل محال لاستحالة التركيب ، والثاني يناقض قولهم : إنّه تعالى جوهر واحد.

الثاني : أنّ الكلمة إمّا نفس الذات في الخارج أو صفة من صفاتها ، وعلى التقديرين لا يعقل الاتّحاد ؛ لأنّه تعالى مجرّد ، واتّحاد المجرّد بغير المجرّد بالمعاني التي ذكروها غير معقول ، وكذلك اتّحاد وصف الشيء بغيره غير معقول.

الثالث : الردّ على المجوس (١) ، قيل : إنّهم كانوا متعبّدين بدين إبراهيم عليه‌السلام ، ويقال للمجوسية : الدين الأكبر ؛ لأنّ دعوة إبراهيم كانت أعمّ من دعوة من بعده ، وأثبت المجوس للعالم مؤثّرين : النور وهو أزلي فاعل الخير ويسمّى «يزدان» ، والظلمة وهي حادثة فاعلة للشرّ وتسمّى «أهرمن» ، واختلفوا فرقا بحسب اختلافهم في حدوث الظلمة وسبب امتزاجها بالنور وخلاص النور عنها ، وجعلوا الامتزاج مبدأ والخلاص معادا.

فالكيومرثية زعموا أنّ يزدان فكّر أنّه لو كان له منازع كيف يكون حاله معه ، فحدث من هذه الفكرة الرديئة غير المناسبة لطبيعته الظلمة ، وهي مطبوعة على الشرّ ، فخرجت على النور وجرت محاربة بين عسكريهما ، فتوسط الملكية (٢) بينهما على أن يكون العالم السفلي لأهر من سبعة آلاف سنة ثمّ يسلّمه إلى يزدان.

والرزوانية (٣) زعموا أنّ النور أبدع أشخاصا نورانية ، وأعظمها يسمّى رزوان

__________________

(١) هنا تعليق وتحقيق يأتي في إضافاتنا من التعليقات على آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.

(٢) الملائكة ـ خ : (آ).

(٣) النورانية ـ خ : (آ) والصحيح ما اثبتناه من ـ خ : (د) كما في كتب الملل والنحل.

حصل له ابنان في بطن واحد : أحدهما : أهرمن (١) (هرمز ظ) وفيه الخير والطهارة والصلاح ، فاتّخذه قوم ربّا وعبدوه ، وثانيهما : أهرمن وفيه الشرّ والخبث والفساد ، وهو الشيطان فطرده رزوان لذلك ، فمضى وحارب أخاه هرمز (٢) مدة فغلبه واستولى على الدنيا وكانت سليمة من الشرور وأهلها في نعيم ، فلمّا حدث أهرمن حدثت الشرور والآفات ، وكان بمعزل عن السماء فاحتال حتّى خرق السماء وصعدها ، وقيل : بل كان في السماء فاحتال ونزل بجنوده ، فهرب النور بملائكته فأتبعه أهرمن وحاصره في جنته وحاربه ثلاثة آلاف سنة ، فتوسّطت الملائكة على أن يكون أهرمن وجنوده في قرار الأرض تسعة آلاف سنة مضافة إلى الثلاثة ، ثمّ يسلّمها إليها والناس في الشر إلى انقضاء تلك المدة ، وأشهدا على أنفسهما عدلين ودفعا إليهما سيفيهما وأمراهما أن يقتلا الناكث منهما.

والزرادشتية نقلوا عن شيخهم زرادشت أنّ النور والظلمة أصلان للعالم متضادّان ، وحصلت التراكيب في (٣) الصور من امتزاجهما ، والباري تعالى خالق لهما ، وهو واحد لا شريك له ، والخير والشر من امتزاج النور والظلمة ، ولو لم يمتزجا لما حصل (٤) وجود العالم ، وهما متغالبان إلى أن يغلب النور الظلمة والخير الشر ، ويتخلّص الخير إلى عالمه وينحطّ الشرّ إلى عالمه ، وإنّما مزجهما الله تعالى لحكمة رآها وربّما جعل النور أصلا موجودا والظلمة تبعا له كالظلّ بالنسبة إلى الشخص. هذا حاصل مذهبهم (٥).

__________________

(١) كذا في النسختين ولكنه غلط والصحيح : هرمز. نعم يظهر بعد التأمل في ـ خ : (آ) أنّه كتب صحيحا (هرمز) ولكن الناسخ حرّفه.

(٢) أهرمن ـ خ : (د) و ـ خ : (آ) وهو غلط.

(٣) و ـ خ : (د).

(٤) لم يحصل ـ خ : (آ).

(٥) يقال لهم : أوّلا : إنّ قولهم بامتزاج النور والظلمة مجرّد ادّعاء وتخيّلات وأوهام لا دليل لهم على إثبات زعمهم هذا ، وثانيا : كيف يتصوّر امتزاج النور والظلمة واختلاطهما وهما متضادان؟ مع أنّ طبع كلّ واحد منهما على خلاف طبع الآخر.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في احتجاجاته على الثنوية : وكيف اختلط هذا النور والظلمة وهذا من طبعه ـ

وهو فاسد ؛ لأنّ أهرمن إن كان قديما فهو باطل ؛ لما تقدّم من امتناع قديمين ، وإن كان

__________________

ـ الصعود وهذا من طبعه النزول؟ أرأيتم لو أنّ رجلا أخذ شرقا يمشي إليه والآخر غربا أكان يجوز أن يلتقيا ما داما سائرين على جهتهما؟ قالوا : لا. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فوجب أن لا يختلط النور بالظلمة لذهاب كلّ واحد منهما في غير جهة الآخر ، فكيف أحدث هذا العالم من امتزاج ما يحال أن يمتزج بل هما مدبّران جميعا مخلوقان.

وقد أشار القرآن الكريم في بعض آياته الشريفة إلى دحض شبهة المجوس وردّهم وقال سبحانه : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) الأنعام ١. والله تعالى هو خالق الظلمات والنور وهما من مخلوقاته ، والذين كفروا وهم المجوس بربّهم يعدلون ، أي يجعلون بربّهم عدلا مساويا وشريكا في الخلق والعبادة ، سبحانه وتعالى عمّا يقول الظالمون علوا كبيرا وثالثا : بعد أن فرضنا محالا امتزاج النور والظلمة فهل خالق الشرور في العالم هو الله تعالى أو هما؟ فإن كان الأوّل فيعود المحذور ولا يرتفع الإشكال ، أعني صدور الشرور عن الخير المحض وهو محال. وإن كان الثاني فصدور الشرور عن الظلمة بالاستقلال والخيرات عن النور كذلك عين الشرك ، والقول بوجود الخالقين أحدهما للخير والآخر للشرّ بل قول بالتثليث ، فإنّ الله تعالى بزعمهم خلق موجودين : أحدهما مصدر الخير والآخر مصدر الشرّ ، وهما الخالقان لهما ، فهذا هو القول بالتثليث لله. وخالق الخير «يزدان» وخالق الشر «أهريمن» فأين التوحيد وعدم القول بالشريك ، فما يحاول بعض من في قلبه مرض من التعصّب القومي أن يثبت أنّ المجوس ـ أعني الزرادشتيين ـ قائلون بالتوحيد ليس له منشأ صحيح إلّا التعصّب القومي البغيض.

فلا محيص عن القول بأنّهم من أظهر أفراد المشرك. كما عبّر به بعض الفقهاء ـ راجع كتابنا فصل الخطاب وقد شرحنا فيه شبهاتهم والأجوبة التي ذكرها الحكماء الإلهيين في دحضها والجواب الاسلامي الذي يستفاد من الكتاب والسنة في دفع تلك الشبهة الشيطانية. وما ذكره في شرح حكمة الإشراق ـ : أنّ النور والظلمة رمز ، وعلى الرمز تبتني قاعدة أهل الشرق وهم حكماء الفرس القائلون بأصلين : أحدهما نور والآخر ظلمة ؛ لأنه رمز على الوجوب والإمكان ، فالنور قائم مقام الوجود الواجب والظلمة مقام الوجود الممكن ، لا أنّ المبدأ الأوّل اثنان : أحدهما نور والآخر ظلمة ؛ لأنّ هذا لا يقوله عاقل فضلا عن فضلاء فارس الخ انظر ص ١٨ طبعة طهران ـ تأويل لا يجدي في حسم مادة الإشكال ، أعني صدور الشر عن الخير المحض ؛ ولذا اعترف الشارح بعد ذلك بوضوح بطلان قول المجوس وشركهم بقوله : وهي أي وقاعدة الشرق في النور والظلمة ليست قاعدة كفرة المجوس القائلين بظاهر النور والظلمة وأنّهما مبدءان أوّلان ؛ لأنّهم مشركون لا موحّدون ، وكذا كلّ من يثبت مبدءين مؤثّرين في الخير والشرّ كالقدرية حكمهم حكمها ، وكأنّه إلى هذا المعنى أشار بقوله عليه‌السلام : القدرية مجوس هذه الأمة ، انتهى. انظر ص ١٩ وقد تقدم تحقيق عن الكراجكي رحمه‌الله في معنى هذا الحديث ، فراجع.

حادثا فهو مناقض لمذهبهم ؛ لأنّه شرّ ، لأنّه فاعل الشرّ (١) الحاصل في العالم ، فكيف يصدر عن «يزدان» وهم لا (٢) يجوّزون صدور الشرّ عنه.

لا يقال : يلزمكم مثله ؛ لأنّكم تثبتون الشيطان الشرير وأنّ الله تعالى هو خالقه.

لأنّا نقول : ذلك غير لازم ؛ لأنّ الشيطان عندنا فاعل بالاختيار ، وفاعل فاعل الشرّ بالاختيار ليس فاعلا للشرّ ، بخلاف فاعل فاعل الشرّ بالإيجاب.

الرابع : الردّ على الثنوية ، وهم أربعة أصناف : المانوية والمزدكية والديصانية والمرقيونية ، واتّفقوا كلّهم على أنّ للعالم أصلين قديمين ، هما النور والظلمة ، والنور جوهر حسن فاعل للخيرات ، والظلمة جوهر خبيث فاعل للشرور ، وإنّما اختلافهم في كيفية حدوث العالم من امتزاج النور بالظلمة ، وهل الظلمة فاعلة بالاختيار أم لا؟ وفي كيفية تخلّص النور من الظلمة ، إلى غير ذلك ممّا لا فائدة في ذكره (٣).

واحتجّوا على إثبات الأصلين بأنّ الخير والشرّ ضدّان ، والفاعل الواحد لا يجوز أن يصدر عنه ضدّان ؛ لأنّ نسبته إليهما متساوية ، فإن لم يتوقّف صدور أحدهما بعينه على مرجّح لزم الترجيح من غير مرجّح ، وإن توقّف فذلك المرجّح إن كان فعله فالكلام فيه كما في الأوّل (٤) ويلزم التسلسل ، وإن كان فعل غيره لم يكن ما فرضناه فاعلا فاعلا ، وهذا خلف.

والجواب : أمّا إجمالا فيما تقدّم من أنّ ما سوى الله تعالى حادث ، وأنّ صانع العالم

__________________

(١) للشرّ ـ خ : (آ).

(٢) لا ـ خ : (آ) وليس في ـ خ : (د) والصحيح ـ خ : (آ) المناط والإشكال في ادّعاء المجوس بعدم صدور الشرور عن المبدأ هو السنخية بين العلّة والمعلول ، بأنّ المبدأ هو الخير فكيف يصدر عنه الشرّ؟ فيقال في جوابهم : إنّ قولكم هذا يناقض اعتقادكم ، فإن كان المناط هو السنخية بين العلّة والمعلول فكيف صدر مبدأ الشرّ وهو «أهريمن» عن مبدأ الخير ، فالشرّ المحض صدر عن الخير المحض ، فيلزم من قولكم ودليلكم بطلان مذهبكم.

(٣) فإنّ كلّ ما ذكروه ليس إلّا توهّمات وتخيّلات لا يتجاوز عن مقام التصوّر الباطل ، فلا فائدة بإطالة الكلام في ذكر تلك الأباطيل والخزعبلات والشطحات.

(٤) كالكلام في الأوّل ـ خ : (آ).

قديم فيصدق قياس من الشكل الأوّل : النور والظلمة حادثان ، ولا شيء من الحادث بمؤثّر في العالم ، فلا شيء من النور والظلمة بمؤثّر ، وهو المطلوب.

وأمّا تفصيلا فبالمنع من كون الخير والشرّ ضدّين ، فإنّ الضدين لا يجتمعان في ذات واحدة ، وهما مجتمعان (١) فإنّ لطمة اليتيم خير إذا كانت تأديبا وشرّ إذا كانت ظلما وهي فعل واحد.

سلّمنا ، لكن لا نسلّم أنّ الفاعل إذا كان مختارا لا يصدر عنه ضدّان ، فإنّ الحركة إلى جهة تضادّ الحركة إلى أخرى ضدّها ، والفاعل يوجد الضدّين ، والباري تعالى ثبت اختياره فجاز صدور الضدّين عنه.

وقولهم : ترجيح أحد الضدّين يتوقّف على مرجّح مسلّم ، لكن لم لا يجوز أن يكون المرجّح ما فيه من المصلحة؟ وذلك لا يستلزم انتفاء الفاعلية إذا كان الفاعل مختارا.

وقد ألزموا صورة ، هي أنّ الجناية على (٢) المنعم شرّ ، والاعتذار إليه عنها خير (٣) ، فالفاعل لهما معا إمّا النور وحده أو الظلمة وحدها ، وهما باطلان عندهم ؛ لأنّ الخير لا يستند إلى الظلمة والشرّ لا يستند إلى النور (٤) وإمّا أن تكون الجناية صادرة من الظلمة والاعتذار من النور وهو أيضا باطل ؛ لأنّ الاعتذار لا يكون حسنا إلّا إذا كان فاعله هو فاعل الجناية ، وإن كان الفاعل غيرهما فهو مناقض (٥) لقولهم : إنّ الخير مستند إلى النور والشرّ إلى الظلمة.

وفيه نظر (٦).

__________________

(١) يجتمعان ـ خ : (آ).

(٢) إلى ـ خ : (د).

(٣) حسن اتفاقا ـ خ ل ـ خ : (آ).

(٤) ولأنّ الظلمة قد يحصل منها الخير أحيانا كالتخفّي من الظالم والتستّر من عدو وتعين على النوم الموجب للراحة والقوة على العبادة ولكونها قابضة للبصر والنور مفرقا له ـ كذا في هامش ـ خ : (آ).

(٥) تناقض ـ خ : (د).

(٦) فإنّا لا نسلّم قبح اعتذار العبد للعبد ـ كذا في هامش ـ خ : (آ).

__________________

والجدير بالذكر أنّ جميع فرق المجوس يشتركون في القول بمبدأين : مبدأ الخير ومبدأ الشر وإن كان بينهم في هذا الزعم الباطل اختلاف في بعض الجهات ، وقد أشار إلى بعضها في شرح الأصول الخمسة راجع من صفحة ٢٨٤ إلى ٢٩١ طبعة القاهرة ، والذي أوقعهم في هذا المذهب ـ أعني القول بالمبدأين ـ هو وجود الخير والشرّ في هذا الكون فاستدلّوا بوجودهما على تعدّد المبدأ الأوّل ، فإنّ المبدأ الحقّ سبحانه لمّا كان خيرا محضا محال أن يكون مبدأ للشرور ومصدرا لها ؛ لعدم السنخية فيلزم أن يكون للشرور مبدأ من سنخها ليكون هو مصدر الشرور ومنبعا لها. ومنشأ هذه الشبهة هو تخيّل أنّ الشرور مثل الخيرات عبارة عن الحقائق الخارجية ، وأنّ في الخارج حقيقتين ثابتتين مختلفتين بالخيرية والشريّة وسنخين من الوجود ، فلا بد من مبدءين لهما : أحدهما مبدأ الخير والآخر مصدر الشرّ ، ومن كلّ واحد منهما يترشّح ظهور مناسب له ، وهذا هو القول بخالقين اثنين إمّا أحدهما قديم والآخر حادث ، أو هما قديمان ، أو حادثان خلقهما الله تعالى : أحدهما خالق الخيرات بالايجاب والآخر خالق الشرور كذلك لا بالاختيار ، وهذا هو القول بالتثليث كما هو التحقيق.

والغرض أنّ الشبهة المذكورة أوقعت المجوس في الشرك والقول بالاثنين أو التثليث. وأجاب الحكماء قبل الإسلام عن هذه الشبهة المضادة للتوحيد بأجوبة دقيقة : منها أنّ الشرور في العالم ليست إلّا سلوبا وعدميات وليست قابلة لأن تقع تحت الجعل أولا وبالذات ، فلا يتعلّق أن يستدعي مبدأ موجودا حتّى تكون مجعولة من جانبه بل عدمها من جهة عدم العلة لها.

وبعبارة أوضح أنّ السلوب التي هي عدم وملكة كالعمى والصمّ وأمثالهما ، فحقيقتها عدم الإفاضة وفقدان الفيض ، يعني لم يصل فيض البصر والسمع مثلا ، وعدم الفيض وفقدان الإفاضة ليسا مثل وجود الفيض والإفاضة كي يستدعي الفائض والمفيض ويكون بدون ذلك محالا بل عدم العلة كاف في ذلك. قال الحكيم السبزواري (ره) : والشرّ أعدام فكم قد ضلّ من يقول باليزدان ثمّ الأهرمن.

ومنها ما ذكره أرسطو في جواب شبهة المجوس : أنّ الأشياء بالحصر العقلي يتعقّل على خمسة أقسام إمّا خير محض أو شر محض وإمّا خير من جهة وشرّ من جهة ، وهذا يتعقل على ثلاثة أقسام إما خيره غالب وإمّا شرّه وإمّا مساو فيهما ، وما في الخارج من الشرور خيرها غالب على شرّها ، فإيجادها خير ؛ لأنّ إيجاد الشر القليل لحصول الخير الكثير خير ليس بشر ، فإيجاد الموجودات خير نشأ من مبدأ الخير.

ولمّا جاء الإسلام وأشرقت الأرض بنور ربّها ، وطلعت شمس الرسالة من أفق الحجاز ، وظهر النبي العربي خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله وانتشرت راية التوحيد في العالم ، فاضمحلّت الشبهة الشيطانية عن الكون وغلب المسلمون على البلاد وأبادوا الشرك والظلم والأنانية والطغيان ، وبيّن الاسلام أنّ كلّ سوء وشرّ في العالم يصل إلى البشر ويظهر في الكون ، فالباعث له والسبب له هو المكلّف ، بسبب الاستحقاق الذي اكتسبه بسوء اختياره ، فإن لم يكن سوء اختياره في البين فلا يصل من جانب الله تعالى إليه شرّ وسوء أصلا ، بل سعة رحمته وجوده وكرمه وعظمته لا تقتضي إلّا الخير ولم يكن شيء من الله تعالى في حقّ المخلوق إلّا الخير.

__________________

قال سبحانه : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف ٩٦ ـ وقال تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم ٤١ ونظائر هذه الآيات الشريفة كثيرة في القرآن الكريم.

وبعد ما صار سوء اختيار المخلوق سببا بأن أخذهم الله تعالى بأعمالهم وبما كسبت أيديهم فليست الشرور أوّلا وبالذات من الله تعالى ، بل باقتضاء سوء اكتساب الناس واختيارهم الفساد وصلت إليهم ، فظهور الشرّ والفساد إنّما هو بما كسبت أيدي الناس ، وفي عين هذا الحال نزولهما من الله تعالى ، ألا ترى أنّ الله يحكي أوّلا عن الكفار كما في سورة النساء ٧٨ وقال : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) وبعد ذلك يقول سبحانه في تكذيبهم : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) ٧٩ ـ

فيكون الحاصل المستفاد من الآية الشريفة أنّ هذه الأمور كلّها من عند الله ؛ لأنه ليس غيره متصرّفا في عالم الكون ، ولكن الحسنة من الله تعالى يعني اقتضاها فضله وكرمه الذاتي ، والسيئة من عندك يعني بتسبيبك وسوء الاستحقاق الذي هيأته لنفسك بسوء اختيارك. وفي الأحاديث والأدعية المأثورة عن أهل البيت الطاهرين سلام الله عليهم شواهد كثيرة على ذلك ، ففي دعاء التكبيرات الافتتاحية : الخير في يديك والشرّ ليس إليك. يعني أنّ الخير في يديك ينشأ من رحمتك الذاتية ، والشرّ ليس إليك يعني أوّلا وبالذات وبالاقتضاء الأولي ليس منك ، بل بسوء أعمال الناس الفاسدة وأفعالهم الكاسدة التي صارت سببا لأن تصل الشرور منك إليهم ، فالمجعول أوّلا وبالذات وبالاقتضاء الأولي من الله تعالى ليس إلّا الخير المحض ، والشرور مجعولة بالعرض وسببها سوء اعمال الناس وقد استحقوا بها بسوء اختيارهم ، فالمجعول بالذات من الخير المحض ليس إلّا الخير المحض ، ولا يصدر عنه إلّا الخير ولا يصدر عنه الشرّ ، ولكن ظهر في الطرف القابل الفساد فسقط عن القابلية بمقدار ظهور الفساد فيه ، ويصل إليه الفيض بمقدار القابلية من دون أن يكون تفاوت في طرف الفاعل ، وليس فيه قصور ونقص أصلا.

لا يقال : إنّ الجواب المستفاد من الكتاب والسنة في توجيه الشرور الواقعة في العالم إنّما هو بالنسبة إلى الأعمال الصادرة عن المكلّفين من أهل المعاصي ، وهو قاصر عن تفسير الشرور بالنسبة إلى غيرهم ، فإنّ النظر في الشبهة إنّما هو بالنسبة إلى كلّ الشرور الواقعة في الكون ، لا بالنسبة إلى الشرور التي تصل إلى المكلّفين خاصّة وبالنسبة إلى أهل المعاصي منهم ، فما بال الأطفال وغير أهل المعاصي في ابتلائهم بالشرور؟

فإنّه يقال : إنّ كلّ الشرور الواقعة في الكون إنّما هي آثار وضعية بالنسبة إلى الأعمال الصادرة عن البشر ، سواء كانت الشرور التي تصل إليهم أنفسهم أو الشرور التي تقع في الكون وإن لم تصل إليهم ،

الخامس : الردّ على عبدة الأصنام ، قيل : كان قبل إبراهيم عليه‌السلام فرقتان : الصابئة والحنفاء.

فالصابئة : مذهبهم ترجيح الروحانيات السماوية على الأنبياء والتعصّب لها ، وسمّوها آلهة وأربابا ، والله ربّ الآلهة والأرباب ، وافترقوا فرقتين :

الأولى : قالوا : إنّ الروحانيات لسنا ندركها بالحسّ لنوجّه العبادة إليها ، والكواكب السيارة مدركة لنا (١) ، وهي كالأجساد للروحانيات فتوجّه العبادة إليها لتكون وسائط بيننا وبين الروحانيات ، وهي وسائط بينها وبين إله الآلهة ، وهؤلاء عبدة الكواكب.

الثانية : قالوا : إنّ الكواكب لها طلوع وغروب وظهور بالليل وخفاء بالنهار ، ولم يصف لنا التقرّب إليها ، ولا ريب أنّ كلّ واحد يتولّى تربية معدن من المعادن ، فيأخذ منه شخصا على صورته وشكله مع مراعاة الوقت والساعة والدرجة والدقيقة والاتّصالات المحمودة المناسبة لذلك الكوكب ، وتوجّه العبادة إليه ونعكف عليه ، إذ هو نصب أعيننا ليكون شفيعا لنا وواسطة لنا ، كما أخبر سبحانه عنهم في القرآن : وقالوا (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (٢) وهؤلاء هم عبدة الأصنام.

والحنفاء مذهبهم ترجيح الأنبياء على الروحانيات ، وجعلهم واسطة بينهم وبين الله تعالى في تلقّي الوحي لا في العبادة ؛ إذ عبادة الله تعالى غير مفتقرة إلى الواسطة ، ويجب أن يكون الواسطة بيننا وبين الله له وجه روحاني يتلقّى به ما في الغيب ، ووجه

__________________

ـ فكلّ الشرور في العالم إنّما هي من الآثار الوضعية لأعمال البشر (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ).

ثمّ إنّه غير خفي على المتأمّل أنّ الجواب المستفاد من الكتاب والسنة يرجع كما هو الظاهر منه إلى أنّ الشرور أعدام لا وجودات ، فلا تستدعي الشرور مبدأ موجودا ، بل عدم العلّة كاف في ذلك كما ذكره الحكماء الإلهيين ، ولكن في هذا الجواب منشأ الشرور وأسباب وقوعها والباعث لها مبيّن كما هو صريح الآيات الشريفة والسنة السنية.

(١) لها ـ خ : (د).

(٢) الزمر ٣٩ : ٣.

جسماني يبلّغنا (١) به ما تلقّاه ، وهم الأنبياء فالخليل عليه‌السلام كان مبعوثا بتقرير مذهب هؤلاء والردّ على الصابئة ، واحتجّ على عبدة الكواكب بإلزامهم بأفولها ، الذي هو حركتها المستلزم لحدوثها ، الذي اعترف بعضهم بأنّه سبب لعدم صلاحيتها للعبادة. واحتجّ على عبدة الأصنام بقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٢) (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (٣) فلم يرجعوا عمّا هم عليه ، فعدل إلى إلزامهم بأن جعلها جذاذا إلّا كبيرا لهم ف : (قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) (٤) فاندحضت حجّتهم ، فقالوا (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) (٥).

واعلم أنّ الضرورة قاضية ببطلان مذهبهم ؛ إذ الجمادات لا فعل لها ولا شفاعة ولا غيرها ، ولا يرد علينا طوافنا بالبيت واستلام الحجر وتقبيله ؛ لأنّا لا نقصد أنّ البيت أو الحجر يشفع لنا ، إذ هو واسطة بيننا وبينه تعالى ، بل أمرنا بذلك تعبّدا لمصلحة استأثر الله بسرّها.

السادس : الردّ على المنجّمين وأهل الطبيعة.

اعلم أنّ جماعة يسندون الحوادث الكائنة فيما تحت فلك القمر (٦) إلى العقل الفعّال بواسطة الحركات الفلكية ؛ بناء على القول بأنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا واحد وهم

__________________

(١) يلقنا ـ خ ل ـ خ : (د).

(٢) الصافات ٣٧ : ٩٥.

(٣) مريم ١٩ : ٤٢.

(٤) الأنبياء ٢١ : ٦٢ ، ٦٣.

(٥) الأنبياء ٢١ : ٦٤.

(٦) هذا القول بناء على المزاعم السابقة من وجود فلك القمر وغيره ، وقد ظهر بطلانه في هذه العصور وذهبت السفينة إلى كرة القمر ورجعت إلى الأرض ولم يلزم الخرق والالتئام في الفلك الذي زعموه ، وظهر بطلان القول بوجود كرة النار ، واتّضح بطلان الإشكال في قضية معراج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعض التأويلات التي ذكرها بعض من ارتكز في ذهنه وجود كرة النار واعتقد بقواعد الهيئة البطلميوسية وفرضياتها ، وظهر أيضا بطلان تطبيق السماوات الواردة في القرآن الكريم بتلك الأفلاك التي كانت مسلّمة في الهيئة المذكورة.

جمهور الحكماء ، وهؤلاء قد تقدّم القول في مبنى مقالتهم. وجماعة يسندون تلك الحوادث إلى الكواكب ، وهم المعبّر عنهم بالمنجّمين إمّا بناء على ما تقدّم أو بناء على وقوع التجربة بوجود أشياء عند حلول كواكب معينة في بروجها ، فظنّوا استنادها إلى ذلك فجعلوا الكواكب نفسه فاعلا بشرط الحلول ، وبعضهم جعلها فاعلة بالإيجاب ، وبعضهم بالاختيار.

وأنكر ذلك المسلمون ومحقّقو الحكماء ، ونحن نذكر ما استدلّ الفريقان به على بطلان قولهم وهو وجوه :

الأوّل : دليل الحكماء وتقريره أنّ المؤثّر في عالم الكون والفساد إمّا ذات الكواكب أو ذات البروج ، وهما يستلزمان حدوث الحادث قبل أن يحدث وهو باطل ، أو حلول الكواكب في البروج وهو أيضا باطل ؛ لأنّ الكواكب والبروج إمّا أن تكون متساوية بالماهية أو مختلفة ، والأوّل يستلزم أيضا حدوث الحادث قبل أن يحدث ، والثاني باطل لما قرّروه من أنّ الأفلاك بسيطة ، وإذا لم يكن المؤثّر هذه الثلاثة يكون المؤثّر شيئا آخر ، وهو المطلوب.

إن قيل (١) : لم لا يختلف تأثيراتها عند حلولها في البروج لا لاختلاف البروج في ذواتها بل لاختلاف ما فيها من الكواكب الثابتة.

قلت : لو كان الأمر كما قلت (٢) لوجب أن تختلف الأحكام ؛ لأنّ البروج على طول الزمان تنتقل من كواكب إلى أخرى. فإن قلت : العقرب اليوم في أوّل القوس أو ثانيه ، لكن البروج عندهم لا تتغيّر عن طبائعها وتأثيراتها وإن طال الزمان.

الثاني : أنّه لا سبيل لهم إلى العلم بأحكام النجوم إلّا التجربة ، ولم تصحّ التجربة

__________________

(١) إن قلت ـ خ : (آ).

(٢) قوله : كما قلت لوجب ـ إلى قوله ـ عن طبائعها. هكذا وقعت العبارة في النسختين خ (د) و ـ خ : (آ) الظاهر أنّ صوابه : أنّ الكواكب على طول الزمان تنتقل من برج إلى آخر وصواب الاستثناء : لكنّ الكواكب لا تتغير عن طبائعها ؛ لأنّ المنتقل في البرج هو الكواكب لا العكس والتأثير المدّعى للكواكب لا العكس ، والظاهر أنّ هذا من سهو الناسخين.

فيما يدّعونه ؛ لأنّ أبا معشر (١) يزعم أنّ الأدوار والألوف هي الأصل في هذا العالم ، وهي لا تتكرّر بالنسبة إلى شخص واحد حتّى يحكم بالتجربة.

الثالث : دليل المتكلّمين : لو كانت مؤثّرة لكان إمّا بالإيجاب وهو باطل ، وإلّا لزم سقوط الأمر والنهي والمدح والذم ، وإمّا بالاختيار وهو باطل أيضا ؛ لوجوه :

الأوّل : لزوم ما تقدّم. الثاني : يلزم أن لا تستقرّ أفعالها على حالة واحدة ، بل تنتقل من الشيء إلى ضدّه كما هو شأن الفاعل بالاختيار ، واللازم باطل ؛ لأنّ الفعل المنسوب إلى كوكب لا يجوز نسبته إلى غيره عندهم ، كالقتل والفتك إلى المريخ والديانات والخير إلى المشتري والعلوم الدقيقة إلى عطارد.

الثالث : يلزم أن تكون لها حياة وهو باطل ؛ لوجوه :

الأوّل : إجماع المسلمين وهو كاف هنا. الثاني : أنّ من شرط الحياة الرطوبة ، وهي مفقودة في الكواكب باتّفاقهم. الثالث : أنّ من شرط الحياة كون الحرارة على قسط مخصوص وأنّ النار على صرافتها يستحيل أن تكون حية ، والشمس أشدّ حرارة من النار فإنّها على بعدها تؤثّر ما تؤثّر النار على قربها ، فلأن لا تكون حية أولى. وعلى تقدير كون الكواكب أحياء قادرين فإنّها قادرة بقدرة لكونها أجساما ، والقادر بقدرة لا يصحّ أن يفعل بالاختراع بل إمّا بالتوليد أو بالمباشرة ، لكنهم يسندون (٢) إليها التأثير الاختراعي.

الرابع : لهم أيضا ، تقريره : لو كانت مؤثّرة في هذه الحوادث الكائنة (٣) عندنا لزم كونها آلهة ؛ لأنّا لا نريد بالإله إلّا المؤثّر فينا وفي الحوادث الكائنة عندنا ، لكن كونها آلهة باطل ؛ لجسميتها والإله ليس بجسم (٤) فلا تكون مؤثّرة ، وهو المطلوب.

__________________

(١) أبو معشر المنجّم جعفر بن محمد بن عمر البلخي صاحب التصانيف ، لا زالت مصنفاته مخطوطة في خزائن أو روبا توفّي بواسط سنة ٢٧٢ ، وقد جاوز المائة.

(٢) يستندون ـ خ : (د).

(٣) الكائنة ـ خ : (د).

(٤) اعلم أنّ هنا قياسين مقدّرين : استثنائي هو لو كانت مؤثّرة كانت آلهة ، لكنها ليس آلهة ، فليست مؤثرة ، ـ

إن قلت : لم لا يجوز أن تكون وسائط بيننا وبين الله تعالى في التأثير؟ فلا يلزم إلهيّتها.

قلت : الواسطة منفية بالإجماع وبتواتر النقل.

واعلم أنّ المنجّم إن قصد أنّ الكواكب فاعلة (١) حقيقة ، يرد عليه ما تقدّم ، وإن قصد كونها (٢) أمارة على الحوادث والفاعل فيه غيره فليس ببعيد من الصواب ، ويعلم كونه أمارة بالتجربة أمّا في أزمنة متقاربة فظاهر وأمّا في المتباعدة فلأنّا نقول بتوقّفه على تكرار المشاهدة ، بل على العلم بالتكرار إمّا مشاهدة أو إخبارا عنها بنقل متواتر فيفيد علما أو غير متواتر فيفيد ظنّا.

وأمّا الطبيعة فهي قوّة حالّة في الجسم ، وعلماء الطبيعة يسندون الآثار الظاهرة في الأجسام من الصور والأشكال والنموّ والكيفيات الفاعلة والمنفعلة إليها ، وهو باطل بما تقدّم من بطلان تأثير الكواكب ، وهنا أولى بل الآثار العلوية والسفلية واقعة بتقدير العزيز العليم.

__________________

ـ اقتراني : الكواكب جسم ، والإله ليس بجسم ، فالكوكب ليس بإله.

(١) الكوكب فاعل ـ خ : (آ).

(٢) كونه ـ خ : (آ).

اللامع الحادي عشر

في الإمامة

وفيه مقاصد :

[المقصد] الأوّل : في مقدماتها

وفيه فصلان :

[الفصل] الأوّل : في تعريفها وبيان مطالبها. أمّا الأوّل : فهي رئاسة عامة في الدين والدنيا لشخص إنساني خلافة عن النبي ، فالرئاسة جنس قريب والبعيد النسبة (١)

__________________

(١) لأنّه قد ينسب إلى الانسان النبوّة والإمامة والصنعة والقبيلة والحركة والطبيعة ، فالنسبة أعمّ من الرئاسة ، وهي تدلّ عليه بالتضمّن ، وفيما ذكره المصنّف (ره) من كون الرئاسة جنسا قريبا في تعريف الإمامة تأمّلا واضحا ؛ فإنّ التحقيق كما ذكره الشيخ خضر في كتاب مفتاح الغرر على ما نقله عنه الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي (ره) في كتابه معين المعين : أنّ الرئاسة ليست جنسا قريبا ، فإنّا إذا قلنا في تعريف الإمامة : إنّها رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص ، فالرئاسة بمنزلة الجنس البعيد شامل للمقصود وغيره ، وبقيد العموم خرجت الرئاسة الخاصة كالرئاسة على أهل القرية ، والعموم يكون باعتبار الدين فقط ، وقد يكون باعتبار الدنيا فقط ، وقد يكون باعتبارهما معا ، وبالقيد الأخير يخرج القسمين الأولين ويظهر أنّ الرئاسة ليست جنسا قريبا ، وعموم النسبة لا يدلّ عليه كما أنّ عموم الجوهر لا يدلّ على أنّ الجسم ـ

وبعمومها خرج ولاية قرية وقضاء ، بلد وتعلّقها بالدين يخرج الملوكية ، وبالدنيا يخرج القضوية(١) وبقيد الشخص بالإنساني يخرج الملك والجنّ لو أمكن ، وبقيد الخلافة يخرج النبوّة لانطباق ما قبله عليها.

وأمّا الثاني : فاعلم أنّ البحث في الإمامة مبنيّ على خمسة مطالب ، يعبّر عن كل واحد منها بكلمة ، وهي : ما ، وهل ، وكيف ، ولم ، ومن.

والأوّل : قولنا : ما الإمامة ، وهي البحث عن تفسير هذه اللفظة في الاصطلاح العلمي.

والثاني : قولنا : هل الإمام أي هل يكون الإمام موجودا دائما أو في بعض الأوقات وهو الذي (٢) يبحث فيه عن وجوب وجوده في زمان التكليف كلّه أو بعضه.

والثالث : قولنا : لم وجبت الإمامة ، وهو الذي يبحث فيه عن العلّة الغائية لوجودها ووجهها في الحكمة.

__________________

ـ جنس قريب ، وعموم الجسم لا يقتضي كون النامي كذلك بالنسبة إلى الإنسان ، بل مجموع رئاسة عامة بمنزلة الجنس القريب والبعيد المعتبر كالفصل هذا إن جعلنا قيدا لشخص من الأشخاص خارجا عن الحدّ منبّها على أنّ مستحقّها في كلّ عصر لا يكون إلّا واحدا.

وذكر السيد المرتضى في الإيضاح شرح المصباح والكليني في المفصّل في شرح المحصّل من أنّه احتراز عن الأمّة إذا عزلوا إماما عند فسقه ، وأمّا إن جعلناه تتمة التعريف كما هو ظاهر لإخراج النبوّة القابلة للشركة كوقوعها لموسى وهارون فالجنس القريب هو مجموع : رئاسة عامة في الدين والدنيا كالجوهر الجسماني النامي الحسّاس المتحرّك بالإرادة للإنسان ، والفصل القريب قيد لشخص من الأشخاص كالناطق له ، والتعريف حينئذ للإمامة الخاصّة المقابلة للنبوّة ، فلا حاجة إلى زيادة قيد النيابة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو غيره لإخراج النبوّة على الأوّل وعلى الثاني للإمامة المطلقة الشاملة للنبوة أيضا.

والمقصود هنا وإن كان بيان الخاصّة ؛ لأنّ تصوّرها مسبوق بتصوّر المطلقة العامة لكونها جزئها ، فلا حاجة إلى زيادة القيد المذكور ولا إلى إضافة حقّ الأصالة ، لإخراج رئاسة نائب الإمام المفوّض إليه عموم الولاية ؛ لأنّه لا رئاسة له على الإمام فلا تكون رئاسة عامة بالمعتبر ، فتدبّر.

(١) كذا في النسختين يعني قوله : في الدين ليخرج الرئاسة في أمور الدنيا كرئاسة الملوك وقوله : والدنيا ليخرج الرئاسة في أمور الدين لا غير كرئاسة القاضي إذا كانت عامة.

(٢) وهي التي ـ خ : (د).

والرابع : قولنا : كيف الإمام ، ويبحث فيه عمّا ينبغي أن يكون عليه من الصفات.

والخامس : قولنا : من الإمام وهو الذي يبحث فيه عن تعينه (١) في كلّ زمان.

الفصل الثاني : في حكاية الخلاف في هذه المطالب ، ليوقف عليه من قبل تحقيق الحقّ وتزهيق الباطل ، فنقول :

أمّا المطلب الأوّل : فليس فيه خلاف ليحكى.

وأمّا الثاني : فقال النجدات (٢) بعدم وجوبها مطلقا ، وقال الأصم وبعض الخوارج بوجوبها في حال الاختلاف أو استيلاء الظلمة وعدم التناصف ، وهشام الفوطى عكس ، وقال أكثر الناس بوجوبها مطلقا ، ثمّ اختلفوا فقال أكثر الجمهور بوجوبها سمعا ، وهم الأشاعرة وأصحاب الحديث والجبائيان ، وقال جماعة من المعتزلة والشيعة بوجوبها عقلا ثمّ اختلفوا (٣) فقال أبو الحسين والبلخي والبغداديون : إنّها تجب على الخلق ، وقالت الإمامية والإسماعيلية بعدمه (٤) ثمّ اختلفوا فقالت الإسماعيلية : تجب من الله ، وقال الإمامية : على الله من حيث الحكمة.

وأمّا الثالث : فاعلم أنّ أصحاب الوجوب السمعي لم يعلّلوه بعلّة ظاهرة غير ما قال أصحاب الوجوب العقلي ، والموجبون على الخلق علّلوه بدفع الضرر عن أنفسهم ، والموجبون على الله اختلفوا فقال الإمامية : علّتها كونها لطفا مقرّبا إلى الطاعة ، وقالت الإسماعيلية : علّة نصب الإمام لإفادة المعارف الحقّة ، فإنّ النظر بدونه غير مفيد علما ولا نجاة ، ولهذا من جملة ألقابهم : التعليميون.

وأمّا الرابع : فاختلفوا في مقامين :

الأوّل : في صفاته فقالت الحشوية : يجوز عقدها لمن استقلّ بالرئاسة ولو كان عبدا

__________________

(١) تعيينه ـ خ : (آ).

(٢) من الخوارج أصحاب نجدة بن عامر الحنفي ـ راجع كتب الملل والنحل.

(٣) من قوله : وهم الأشاعرة ـ إلى قوله ـ ثمّ اختلفوا ـ ساقط من ـ خ : (د).

(٤) وأكثر الشيعة أنّها يجب على الله ثمّ اختلفوا ... ـ خ : (د).

أو فاسقا متغلّبا أو بويع له ثمّ تاب (١) وقالت الخوارج وبعض المعتزلة : هي جائزة في كلّ صنف بشرط الفضل والقيام بها وإن لم يكن قرشيّا ، وقال المحقّقون من الجمهور : يجب أن يكون مكلّفا ذكرا حرّا عدلا قرشيّا لا غير. وهل يجب أن يكون ذا رأي في تدبير الحرب وأن يكون شجاعا ومجتهدا في أصول الدين وفروعه؟ فقال جماعة : لا يجب بل يكفي أن يثبت من (٢) دون هذه الصفات.

وقالت الزيدية : يجب أن يكون فاطميا عالما زاهدا شجاعا داعيا إلى نفسه ، وبعضهم لم يشترط كونه فاطميا بل يكفي كونه ولو علويا. واشترط الجارودية خاصّة كونه أفضل أهل زمانه ولم يشترطه غيرهم ، بل جوز السليمانية والصالحية (٣) إمامة

__________________

(١) مقتضى هذا الكلام أنّه ولو كانت توبته من الكفر ـ فينبغي أن يقال : إنّ ما ذكره الحشوية من صفات الإمام إنّما هي صفات الملوك الجبابرة الغاشمة الذين لا اهتمام لهم إلّا برئاسة الدنيا فقط ، وأمّا الإمام الذي له رئاسة الدين والدنيا خلافة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهي ليست من صفاته ، فإنّ الملوك هم الذين يستقلون بالرئاسة مع أنواع الفسق والفجور والتغلّب والتسلّط ولو بالقهر والغلبة وارتكاب القتل بغير حقّ وأنواع الجنايات الفجيعة التي يرتكبونها ولو بقتل أعزّ أولادهم ، فإنّ «الملك عندهم عقيم» فانظر إلى التواريخ ، واقرأ ما ضبطه التاريخ من جناياتهم على الدين والدنيا وارتكابهم أنواع الفجائع والموبقات ، وقد سوّدوا بأعمالهم الشنيعة وجه تاريخ البشرية بجهة النيل إلى الرئاسة الظالمة.

(٢) بل يكفي من ثبت فيه هذه الصفات ـ خ : ـ (آ).

(٣) إنّا آثرنا على أنفسنا أن لا نشرح في تعاليقنا على الكتاب أحوال الفرق التي أشار المصنّف (ره) إليها في هذا المقام وغيره ؛ خوفا من إطالة الكلام في التعليقات مع عدم كثير فائدة في ذلك ، فإنّ أحوال الفرق مذكورة في الكتب المتداولة في بيان الفرق والملل والنحل ، وتلك الكتب سهلة التناول لمن يريد الرجوع إليها ، ولكن غير خفيّ على الخبير أنّ الكتب المؤلّفة في بيان عقائد الفرق لا ينبغي الركون إليها والاعتماد عليها في كلّ ما اشتمل عليه من نسبة الآراء والعقائد المنسوبة إلى الفرق فيها ، فإنّها مؤلّفه على نزعة التعصّب البغيض من دون استناد إلى مصدر وثيق كما هو ظاهر لمن راجع تلك الكتب ، ككتاب الفرق بين الفرق للبغدادي والملل والنحل للشهرستاني المتعصّب العنيد كما صرّح به الإمام الرازي في المناظرات وكما ذكرنا في تعاليقنا على كتاب أنيس الموحّدين بالفارسية ـ انظر ص ٩٨ ـ ٩٩ وفي تعاليقنا على الأنوار النعمانية ، ج ١ ، ص ٢٩ تبريز وراجع المجلد الأوّل من الموسوعة الكبيرة أعيان الشيعة. وقال المحقّق الأكبر الخواجة نصير الدين الطوسي (ره) في نقد المحصّل حيث نقل الإمام الرازي في المحصّل آراء مختلقة بل مختلفة منسوبة إلى فرق الشيعة ما هذا لفظه الشريف : أقول : هذه اختلافات رويت عن الشيعة القائلين بإمامة علي عليه‌السلام ، وأكثرها ممّا لم يوجد له أثر غير المكتوب في كتب غير معتمد عليها. انظر إلى كلام هذا ـ

المفضول مع وجود الأفضل ، وجوّزوا أيضا انعقاد الإمامة بالبيعة ولو من اثنين من خيار الأمة.

وقالت الإسماعيلية : يشترط عصمته (١) على معنى أنّ فعله لا يوصف بالخطإ.

وقال أصحابنا الإمامية : يجب أن يكون الإمام معصوما في نفس الأمر وأفضل أهل زمانه في سائر الكمالات ، وكذا سائر الصفات المذكورة في النبوة.

الثاني : في طريق تعيينه ، واتّفقوا على أنّه إذا حصل نصّ من الله ورسوله أو إمام سابق كان كافيا في تعيينه ، واختلفوا في حصوله بغير ذلك ، فقالت الراوندية : يحصل بالإرث ، وقال محققو الجمهور : إذا بايعت الأمة مستعدّا للإمامة واستولى هو بشوكته على خطط الإسلام تعيّنت إمامته.

وقال أصحابنا الإمامية والكيسانية : لا بدّ من النصّ. والزيدية والجارودية اكتفوا بالنصّ الخفي أو القيام والدعوة ، وأصحابنا أوجبوا النصّ الجلي.

وأمّا الخامس : فقال الراوندية : إنّ الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو العباس بن عبد المطلب بالإرث ، وهؤلاء انقرضوا.

قال الجمهور : هو أبو بكر بالإجماع ، ثمّ عمر بنصّ أبي بكر عليه ، ثمّ عثمان بنصّ عمر على جماعة أجمعوا على خلافته ، ثمّ علي عليه‌السلام بإجماع المعتبرين من الصحابة ، وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون ، ثمّ وقعت منازعة بين الحسن عليه‌السلام وبين معاوية ، وصالحه الحسنعليه‌السلام واستقرّت الخلافة عليه ثمّ على من بعده من بني أمية وبني مروان حتّى انتقلت إلى بني عبّاس ، وأجمع أكثر أهل الحلّ والعقد عليهم وانساقت الخلافة فيهم إلى عهدنا هذا الذي جرى فيه ما جرى.

وقالت الزيدية : إنّه عليّ عليه‌السلام بالنصّ الخفي وذكر فضائله ، ثمّ من بعده الحسنانعليهما‌السلام ، ولم يوجبوا فيهما القيام والدعوة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هما إمامان قاما أو قعدا ،

__________________

ـ الفيلسوف الحكيم الأكبر قدّس الله روحه في ـ ص ١٧٨ طبعة مصر سنة ١٣٢٣.

(١) وقالت الإسماعيلية : يشترط عصمته ـ خ : (آ) ساقط من ـ خ : (د).

ويجوز خلوّ الزمان عن إمام عند بعضهم ، وكذا جوّزوا قيام إمامين في بقعتين متباعدتين ولم يقولوا بإمامة زين العابدين عليه‌السلام ؛ لأنّه لم يشهر سيفه في الدعوة إلى الله ، وقالوا بإمامة ابنه زيد ، لقيامه وشهره سيفه وبه لقّبوا ، لمفارقتهم سائر الشيعة بإمامته ، ولقّبوا باقي الشيعة بالرافضة لرفضهم زيدا ، وقالوا بعد زيد بمن اجتمعت فيه الشرائط من العترة إلى زماننا هذا ، وسيأتي البحث معهم.

وقالت الكيسانية بإمامة محمّد بن الحنفية بعد أخيه الحسين عليه‌السلام ، وقالوا : إنّه المنتظر، أي المهدي الذي يملأ الأرض عدلا ، وهو الآن مستتر في جبل رضوى (١) بقرب المدينة ، وبعضهم قدّمه على عليّ بن الحسين عليه‌السلام وبعضهم ساق الإمامة إلى ابنه هاشم ثمّ إلى غيره ، ولهم فرق والآن هم منقرضون.

وقالت الإسماعيلية : الإمام في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو عليّ عليه‌السلام ، وبعده ابنه الحسن عليه‌السلام إماما مستودعا ، وبعده الحسين عليه‌السلام إماما مستقرا ، ولذلك لم تذهب الإمامة من ذرّية الحسين عليه‌السلام ثمّ ابنه عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ثمّ ابنه محمد الباقر عليه‌السلام ثمّ ابنه جعفر الصادق عليه‌السلام ، ثمّ انتقلت إلى اسماعيل وهو السابع ، ولقّبوا بالاسماعيلية لقولهم بإمامته ، وبالسبعية لأنّهم وقفوا على الأئمّة السبعة ، والباطنية لقولهم : كلّ ظاهر له باطن ، والملاحدة لعدولهم عن ظاهر الشريعة إلى باطنها ، وقالوا : إنّ الأئمة في عهد محمد بن إسماعيل صاروا مستورين ، ثمّ ظهر المهدي في بلاد المغرب وادّعى أنّه من أولاد إسماعيل واتّصل أولاده ابنا بعد ابن إلى المنتصر ، واختلفوا بعده فقال بعضهم بإمامة نزار ابنه ، وبعضهم بإمامة المستعلي بالله ، وبعد نزار استتر أئمة النزاريين واتّصلت بإمامة المستعلويين إلى أن انقطعت في العاضد ، وكان الحسن بن محمد بن علي الصباح المستعلي على قلعة الموت من دعاة النزاريين ، ثمّ ادّعوا بعده أنّ الحسن الملقّب بعلي ذكره السّلام [لكن (٢) من حيث الرئاسة الدنيوية لا الدينية ولطفيّته بالاعتبار

__________________

(١) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٢) من قوله : لكن من حيث ... ـ إلى قوله ـ : لكن نقول ـ من ـ خ : (د) والظاهر أنّه لا ربط لهذه الجملات المذكورة ما بين القوسين على المطلب في هذا المقام ويأتي من ـ خ : (آ) وجود هذه الجملات عند بيان قاعدة ـ

الثاني ، سلّمنا لكن لم لا يستغني عن الدينية بالعلماء ، وعن الدنيوية بالملوك؟ سلّمنا لكن نقول] كان إماما ظاهرا من أولاد نزار واتّصل أولاده إلى أن انقرضوا.

وقال أصحابنا الإمامية : إنّه عليّ عليه‌السلام بلا فصل للنصّ الجليّ والخفيّ ، واجتماع الشرائط التي هي العصمة ، والأفضلية فيه وفي من بعده وهم ولده الحسن ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين زين العابدين ثمّ ابنه محمد الباقر ثمّ ابنه جعفر الصادق ثمّ ابنه موسى الكاظم ثمّ ابنه علي الرضا ثمّ ابنه محمد الجواد ثمّ ابنه علي الهادي ثمّ ابنه الحسن العسكري ثمّ ابنه محمد المهدي القائم المنتظر (عج) صلوات الله عليهم ، وهو حيّ باق موجود يظهر ويملأ الدنيا عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، عجّل الله فرجه ، وهو الثاني عشر ، وإنّه يجب الإقرار بكلّ واحد منهم في كلّ زمان ، ومن جحد واحدا منهم لم يكن مؤمنا بالله تعالى ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أنت والأئمّة من بعدك ، من أنكر واحدا منكم فقد أنكرني» (١) ولقّبوا بالاثني عشرية لذلك ، وبالإمامية لقولهم بوجوب الإمامة مطلقا في كلّ زمان ، وتنسب إليهم اختلافات شاذّة لا حقيقة لها في تعيين أئمّتهم وانقرض القائلون بها إن كانت (٢) قد وقعت ، وذلك كاف في فسادها.

المقصد الثاني : في الاستدلال على حقّية مذهب الإمامية

وفيه أبحاث :

[البحث] الأوّل : نصب الإمام واجب عقلا على الله تعالى ؛ لأنّه لطف وكلّ لطف

__________________

ـ اللطف في الاستدلال على حقّية مذهب الإمامية في بيان الاعتراض على صغرى القاعدة ، انظر إلى المقصد الثاني كما يأتي.

(١) الصراط المستقيم ، ج ٢ ، ص ١٢٤ وص ١٢٧ طبعة طهران.

(٢) وقد نحت ارباب كتب الملل والنحل فرقا كثيرة ونسبوها إلى الشيعة كذبا واختلاقا لا حقيقة لها ، وقد كتبنا علّة هذا العمل في تعاليقنا على كتاب أنيس الموحّدين للعلامة النراقي (ره) ، وكتبنا مقالا ضافيا في هذا الموضوع نشرناه في بعض أجزاء مجلة العرفان الصادرة عن صيدا ـ لبنان ، فراجع ، وانظر إلى المجلد الأول من الموسوعة الكبيرة أعيان الشيعة للسيد الأجلّ الأمين العاملي قدس‌سره.

واجب عليه تعالى ، أمّا الصغرى فمعلوم بالضرورة التجربية أنّ الناس مع وجود الرئيس المطاع الآمر بالطاعة الباعث عليها الناهي عن المعصية الزاجر عنها ، يكونون إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد ومع عدمه يكون العكس فيكون لطفا ، وأمّا الكبرى فقد تقدّم بيانها.

اعترض على الصغرى بأنّ وجه الوجوب غير كاف ما لم تنتف المفاسد ، فلم (١) قلت بانتفائها؟ سلّمنا ، لكن اللطف قد يتعيّن كالمعرفة وقد لا كالوعظ (٢). فلم قلت : إنّه من القسم الأوّل (٣)؟ سلّمنا أنّه منه ، لكن (٤) من حيث الرئاسة الدنيوية لا الدينية ولطفيته بالاعتبار الثاني ، لكن لم لا تستغني عن الدينية بالعلماء وعن الدنيوية بالملوك؟ سلّمنا ، لكن ما تقول : في من هو في أطراف المعمورة بحيث لا يصل إليه خبره ، فإنّه كيف ينتفع باللطف ، سلّمنا لكن يكون ذلك كذلك مع ظهوره وانبساط يده لا مطلقا ولو في غيبته ، ومرادكم الثاني.

والجواب عن الأوّل بأنّ المفاسد لو كانت لعلمناها ؛ لأنّا مكلّفون باجتنابها. إن قلت: بل هي واقعة معلومة كالفتن الواقعة عند نصب بعض الرؤساء ، سلّمنا ، لكن إنّما يتمّ هذا الجواب على مذهب أبي الحسين لا على مذهبكم ؛ لأنّكم أوجبتموها على الله.

قلت الجواب عن الأوّل : إنّه إن اتّفق فهو أقلّ نادر لا يخرج المصلحي الأكثري عن كونه مصلحيا (٥) ، كما لا يخرج خلق النار المشتمل على مصلحة العالم عن ذلك بإحراق ثوب العجوز ؛ لأنّ ترك الخير الكثير لأجل الشرّ القليل شر كثير ، هذا مع أنّه لازم

__________________

(١) فلم لا قلت ـ خ : (د).

(٢) إذ يكون غيره مقامه مع كون الوعظ لطفا ، فلا تكون متعينة للوجوب كالواحدة من خصال الكفّارة.

(٣) أي من فعل الله تعالى.

(٤) من قوله : لكن من حيث ... ـ إلى قوله : ـ سلّمنا لكن ... ـ من ـ خ : (آ) وهذه الجملات ساقطة من ـ خ :

(د) ومذكورة فيما تقدّم كما أشرنا إليه ، انظر ص ٣٤٦ ـ ٣٤٧ وظاهر أنّها مرتبطة بالمطلب في هذا المقام لا ثمة.

(٥) مصلحا ـ خ : (آ).

لرئيس معين لا مطلق الرئيس الذي دلّت الضرورة على حصول اللطفية بنصبه.

وعن الثاني : بأنّه وإن لم يكن نصبه منّا ، لكن اعتقاد وجوبه منّا ، فيأتي الجواب أيضا.

وعن الثاني : أنّ التجربة دلّت على التعيين ، كما أشرنا إليه من الملازمة بين نصبه وعدمه وبين الصلاح والفساد ، ولأنّ التجاء العقلاء في سائر الأمصار والأعصار عند الهرج والمرج إلى نصب الرؤساء ، دليل على أنّه لا يدلّ لها وإلّا لالتجئوا إليه وقتا ما.

وعن الثالث : بالمنع من أنّ لطفيته بالاعتبار الثاني بل بهما معا ولا بدل له ؛ لأنّه أقوى في المقصود.

وعن الرابع : بأنّ الدين والملك توأمان لا ينفع أحدهما بدون الآخر ، فاقتضت الحكمة وجودهما في شخص واحد ، وإلّا لزم نقض غرض الحكيم عند انفكاك العالم المجتهد عن السلطان وحضور الواقعة المحتاجة إلى الفتوى والحكم معا في الحال (١).

__________________

(١) وقد أشار الشيخ المصنّف (ره) في هذه الكلمات الموجزة إلى مسألة مهمّة ، وهي عدم فصل الدين الإسلامى المقدّس عن السياسة والحكومة ، وهي من المسائل التي لها أهميتها في الإسلام على ما وضع عليها حجرها الأساسي صاحب الرسالة المقدّسة صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد هجرته إلى المدينة المنورة ، وقد اهتم الغاصبون للخلافة الإسلامية بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غاية الاهتمام بفصل الدين عن السياسة حبّا وطمعا بالرئاسة مع أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما ورد إلى المدينة وأسّس الدولة الإسلامية كان الدين والملك توأمان ، وأمّا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد اهتمّ المنافقون في فصل الدين عن السياسة بسلب الخلافة الإسلامية عن أهلها ، وقد تقمّصها من هو غير أهل لها ، ومع ذلك لم يكن فصل الدين عن الحكومة إلّا في الرئاسة ، وأمّا في العمل بالقوانين الإسلامية لم يكن فصل بينهما.

ثمّ صارت الخلافة ملكا عضوضا وسلطنة كسروية وقيصرية بيد الشجرة الملعونة بني أمية الملوك الجبابرة الغاشمة باسم الدين والخلافة الدينية ، وانكفأ الإسلام في زمانهم كما يكفأ الإناء بمائه ، ولا تزال هذه السنّة السيئة مستمرة في زمن بني العباس وبعدهم إلى يومنا هذا ، ولكن مع ذلك كلّه كانت السيادة في الحكومة للإسلام حتّى في زمن الأتراك العثمانيين وكما كان كذلك في إيران إلى زمن القاجاريين ، ولكن فصل الدين عن السياسة وهو على خلاف أساس الإسلام ، صار في هذه العصور المتأخّرة بيد الحكومات المسيطرة على البلاد الإسلامية ، بإيعاز من الاستعمار الغربي عمليا بعدم العمل بأحكام الإسلام والقرآن ولا سيما في القوانين الجنائية ، ويهتمّ الاستعمار بوساطة أذنابه في فصل الدين عن السياسة ليتخلّص عن الإسلام ، ويستطيع بالخلاص منه أن يستمر باستغلاله للمسلمين واستثماره بلادهم ، فإنّ من نياتهم الممقوتة الكافرة ـ

__________________

ـ تحكيم الحكم الكافر في البلاد الإسلامية ، وكلّ ذلك بأيدي أذنابهم الأثيمة وأجرائهم المسيطرة على البلاد الاسلامية بالتظاهر بالدين ، ولكن من نياتهم الفاسدة وأعمالهم الكاسدة محو الدين ومحقه وقلع أساس الدين ونسفه.

ولا بدّ للمسلم المثقّف المتيقّظ الحي أن يعلم أنّ الدين الإسلامي عبارة عن عقيدة إلهية ينبثق عنها نظام كامل للحياة ، فردية واجتماعية ، بين الانسان وربّه وبين الإنسان وجميع ما في الكون والحياة ، وقد عمل الاستعمار الغربي على إشاعة تعريف خاطئ للدين بقوله : إنّ الدين علاقة فردية بين الإنسان وخالقه ، وهذا التعريف جاءنا من الغرب ، ويهتمّ أذناب الاستعمار بإشاعته في أذهان أفراد الأمة لعلّه يتخلّص بعد رسوخه في أفكارهم وأذهانهم من الإسلام ليتمّ له فصل الدين الإسلامي عن الحكم ، ولا تتقيد الحكومات بقوانين الإسلام والقرآن ؛ لأنّ الاسلام يحارب الاستعمار ، ويحرّم الخضوع للكافر ويوجب على المسلمين أن يعيشوا في ظلّ حكم إسلامي ، ويلزمهم الخضوع إليه والمحافظة عليه.

ومن ادّعى فصل الدين عن السياسة فقد خبط في قوله هذا خبط العشواء وتورّط في المهلكة الشوهاء ، وهذا كلام من هو من عمّال الاستعمار الغاشم ومن هو في أفكاره ووجوده متعفن متفرعن ، وإلّا فكيف يجوز للمسلم العارف بدينه أن يتفوّه بهذا الكلام الباطل المقذع ، ولا بدّله أن يعلم أنّ عمل الغربيين على نشر هذه التعاليم الخاطئة بين الأمة الإسلامية ليخدّرونا بها ويبعدونا عن مكافحة استعمارهم وعن الدعوة إلى إقامة حكم إسلامي بإنفاذ قوانينه وأحكامه الشرعية وتقييد الحكومة بالعمل بها ، وتكون أعمالها في حدود الشريعة الإسلامية ، فإنّ معنى فصل الدين عن السياسة الذي يجتهد العدو في إشاعته بين أفراد المسلمين : أن لا تكون الحكومات مقيّدة في قوانينها بقواعد الدين وقوانينه المقدّسة ، ويجتنب المسلمون مكافحة عمل الحكومات بالقوانين الكافرة بإيعاز من أسيادهم الخونة الظلمة. ألا ترى أنّ «مس بل» وهي أكبر جاسوسة إنجليزية عدوّة الإسلام وعدوة المسلمين تقول بصراحة : «إنّ رجال الدين كانوا من أكبر دعاة الثورة في العراق خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها ، وهذا ممّا دعا رجال الحكم إلى إنشاء المدارس الحديثة لكي يضعفوا بها الدين في نفوس الجيل الجديد ويقتلعوا بذلك جذور الثورة من أساسها» نقله السيد العلامة المعاصر الكاظمي القزويني ، نزيل البصرة ، دام بقاؤه في كتابه الإسلام وشبهات الاستعمار ، ص ٤٣ طبعة النجف ، عن ترجمة علي الوردي أحد نتائج تلك المدارس في كتابه وعاظ السلاطين ، ص ٣٩٨ ـ ثمّ قال السيد المعاصر بعد نقله : وإنّما عبّرت برجال الدين بدل تعبيرها بعلماء المسلمين ؛ لتوهّم أنّ الرجال قسمان : رجال الدين ، ورجال السياسة ، وأنّه ليس من حقّ الأول أن يتبنّى السياسة ويخوض فيها ، كما ليس من حقّ الأخير أن يتبنّى الدين ويخوض فيه ، فالاستعمار بهذا المنطق الأهوج البالي يريد فصل الإسلام عن السياسة وإبعاد السياسة عن الدين ، ولكن خاب سعيه وطاش سهمه وضلّت مطيته فقد انبرى له علماء المسلمين والمخلصون من أبنائهم فحطّموه وقدعوه فقمعوه وأرجعوا طغيانه إلى نحره وترّهاته إلى نصابها (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) النحل ـ ١٢٨

وعن الخامس : بأنّ عدم وصول خبره إليه مستبعد ؛ لوقوع الأسفار للتجارة غالبا ، على أنّا نقول : إنّه ينتقض بالنبوّة ، فجواب المعتزلي عنها جوابنا هنا ، وعلى تسليم الفرض نقول : يجب أن يكون له رئيس ويظهر من الجواب الآتي زيادة هنا.

وعن السادس : بأنّا إذ نختار أنّه لطف مطلقا ، أمّا مع ظهوره فظاهر تمام لطفيته ، وأمّا حال الغيبة فنفس وجوده لطف في حفظ الشريعة وضبطها من الزيادة والنقصان ، وكذا في حقّ أوليائه المعتقدين له في قربهم من الواجبات وبعدهم عن المقبّحات ؛ إذ لا يؤمنون في كلّ وقت من تمكينه وظهوره عليهم ، وحينئذ يكون تمكينه وتصرفه شرطا في تمام لطفيته بل لطف آخر.

وفي الحقيقة اللطفية تمامها بأمور ثلاثة : الأوّل : منه تعالى وهو التمكين والتعيين ، وقد حصل. الثاني : منه عليه‌السلام وهو تحمّل الإمامة وقيامه بأعبائها ، وقد حصل أيضا.

__________________

ـ قلت : كما أنّ الاستعمار عبّر عن العلماء المسلمين العرب برجال الدين ، وقد عبر عن أفراد العلماء المسلمين العجم ب «الروحاني» ويقصد به أنّه ليس لعلماء المسلمين التدخّل في أمور الحكومة والسياسة ، وليس لهم إلزامها بالعمل بالقوانين الإسلامية وصارت هذه الكلمة في التعبير عنهم شائعة بين الإيرانيين وأكثرهم لا يشعرون وجه ذلك ، وجمع من الغافلين يكتبون هذه الكلمة في مقالاتهم ، وفي بياناتهم ، كبعض الخطباء على المنابر.

وليعلم المسلم أنّ هذا الزعم الباطل ـ أعني فصل الدين عن الحكومة ـ قد راج بين المسلمين بيد المنتسبين إلى الإسلام ممّن لم يعرفوه حقّ معرفته ولم يقدروه حقّ قدره ، فتلقّفوا أفكار المستعمرين وأباطيلهم ولم يشعروا أنّه من أضاليلهم وأغاليطهم ، فإنّ السياسة بمعناها اللغوي الصحيح هو من حقّ الإسلام وحده ومن شئون دولتهم الكريمة ، والسياسة بمعنى الأمر والنهي من صميم رسالتهم الكبرى ، وبمعنى الحكم من صميم واقع الإسلام ، وبمعنى التدبير والتأدّب وإدارة أمور المسلمين ، تحكي ناحية مهمّة من نواحي تعاليم الإسلام الرشيدة وتشريعاته الفذّة.

وإن شئت أيّها القارئ الكريم تفصيل هذه الأهداف الشريفة فعليك بالرجوع إلى كتاب الفاضل المعاصر الذي أو عزنا إليه انظر ص ٣٧ ـ ٤٤ وانظر أيضا في هذه المسألة المهمّة إلى ما كتبه العلامة الجليل الشيخ مصطفى صبري شيخ الإسلام في الدولة العثمانية سابقا ـ نزيل القاهرة ـ في كتابه موقف العقل والعلم والعالم من ربّ العالمين ، ج ١ ، ص ١٦٢ ـ ١٦٥ وج ٤ ص ٢٨١ ـ ٢٩٥ وقد حقّق المسألة وأدى حقّها على مذاقه السنّي وصرّح في ذيل صفحة (٢٨٦ ج ٤) أنّ مسألة عدم جواز فصل الدين عن السياسة ترجع إلى مسألة وجوب نصب الإمام المعدودة من المسائل الكلامية ـ فراجع كلماته وطالع تلك المطالب العالية.

الثالث : منّا وهو الانقياد له والطاعة ، وهذا لم يحصل ، فعدم اللطف التامّ منّا.

[البحث] الثاني (١) : في صفاته ، وهي أنواع : [النوع] الأوّل : العصمة وقد تقدّم تفسيرها ودليل وجوبها من وجوه :

الأوّل : لو لم يكن معصوما لزم التسلسل ، واللازم باطل فكذا الملزوم.

بيان الملازمة : أنّ علّة حاجة المكلّفين إلى نصبه ليس إلّا عدم عصمتهم ، فلو كان غير معصوم لاحتاج إلى إمام معصوم آخر ويتسلسل وينتهي إلى إمام معصوم ، وهو المطلوب.

لا يقال : نمنع احتياجه إلى إمام آخر عند عدم عصمته ، بل ذلك مع عدم مانع آخر من إقدامه أمّا مع وجوده كخوف العزل مثلا فلا ، سلّمنا ، لكن لم لا يكون هو لطفا لكل واحد من الأمة ومجموع الأمة لطفا له ، ولا يلزم الدور لاختلاف جهة التوقف ، سلّمنا ، لكن ينتقض ما ذكرتم بالنائب (٢) البعيد ، فإنّه مشارك للإمام في نفوذ حكمه على غيره وعدم نفوذ حكم غيره عليه ؛ لعدم علم الإمام بالغيب (٣) ، مع أنّه ليس بواجب العصمة.

لانّا نجيب عن الأوّل : أنّ من عرف العوائد عرف أنّ الرعية لا تتمكّن من عزل واحد من الأمراء الظلمة ، فكيف يتمكّنون من عزل حاكم الحكام ، سلّمنا أنّ الخوف مانع لكن

__________________

(١) أي البحث الثاني من المقصد الثاني.

(٢) بالغائب البعيد ـ خ : (آ) أي نائب الإمام ـ هامش ـ خ : (آ).

(٣) وفي عقيدتنا عدم علم الإمام بالغيب إنّما هو بالذات ، فإنّ علم الغيب بالذات منحصر على الله تعالى ، وأمّا مع تعليم الله تعالى الغيب للإمام بواسطة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو يعلم الغيب ، وهو تعلّم من ذي علم ، وورد الاستثناء في القرآن الكريم : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) والإمام كالنبي في جميع الأوصاف إلّا النبوّة ، بخلاف نائبه فإنّه ليس كالنبي أو الإمام ، فظهر الفرق بين الإمام ونائبه ، فلا بدّ في الإمام من العصمة دون نائبه.

وليعلم أنّ علمه الغيبي الباطني لا يكون متعلّقا للتكليف ، وإنّما تعلّقه بعلمه الظاهري ، الذي يحصل له من الأسباب والعادات الظاهرية كسائر البشر ، نعم إن أراد الإمام في مورد العمل بعلمه الواقعي الباطني نظرا إلى بعض المصالح فلا مانع منه ، ولكنه كما قلناه ليس بمتعلّق التكليف وتفصيل الكلام في محلّه.

في المعاصي الظاهرة لا مطلقا ، والإمام لطف في المعاصي الظاهرة من حيث عصمة وسياسته وفي الباطنة من حيث عصمته (١) فقط ، فإنّ اعتقاد كلّ واحد عصمة الإمام مطلقا يكون لطفا له في الأمور الباطنة ومرغّبا في إضمار الخير ، إذ لو جوّز إضمار الإمام الشرّ لكان أقرب إلى مثله.

وعن الثاني : بأنّه واحد من الأمة ، فلو جاز كون المجموع لطفا له لجاز في غيره كذلك ، وحينئذ لا حاجة إلى الإمام.

وأيضا مجموع الأمة غيره ليس بمعصوم اتّفاقا ، أمّا عندنا فظاهر ، وأمّا عند الخصم ؛ فلخروج الإمام عن ذلك المجموع ، فيكون المجموع الباقي جائز الخطإ فلا يكون لطفا.

وعن الثالث : بأنّ الفرق حاصل بينهما ، فإنّ النائب غير محكوم عليه في الحال ويتوقّع المؤاخذة في الاستقبال ، والإمام غير محكوم عليه مطلقا.

الثاني : أنّه كلّما وجب أن يكون للشرع حافظ وجب عصمة الإمام ، لكن الملزوم ثابت إجماعا فكذا اللازم.

بيان الملازمة : أنّ الحافظ ليس هو الكتاب ولا السنّة لكونهما غير وافيين بكلّ الأحكام (٢). وأيضا هما حمّالان (٣) للوجوه المختلفة ، وذلك يؤدّي إلى الاختلاف ، ولا الإجماع ؛ لعدم حصوله في الكلّ ، فلأنّه إن لم يشتمل على المعصوم فليس بحافظ ، لجواز الخطإ على كلّ واحد فيجوز على المجموع ، وإن اشتمل فهو الحافظ في الحقيقة وغيره هدر ، ولأنّ (٤) الإجماع حجّة نقلي وإلّا لكان كلّ إجماع حجّة ، فيتوقّف النقل على حافظ فيدور ، ولا القياس ؛ لابتناء شرعنا على تفريق المتماثل وجمع المختلف ،

__________________

(١) قوله : من حيث عصمته وسياسته وفي الباطنة من حيث عصمته خ : (آ).

(٢) يقصد به كلّ تفاصيل الأحكام وجزئياتها المختلفة المتعدّدة ومجموعها ؛ لأنّ لله تعالى في كلّ واقعة حكما ، مضافا إلى الفروعات المتجدّدة والمسائل المستحدثة التي تتجدّد على مرّ القرون والأعوام ووقع الحوادث الواقعة على مضي الشهور والأيام ، فلا بدّ من مبيّن لها ومقرّر لتفاصيلها ، فيتعيّن أن يكون في كلّ عصر إمام معصوم ؛ لأنّ غيره لا يصلح لهذا المقام.

(٣) حالان ـ خ : (آ).

(٤) ولأن كون ... خ : (آ).

ولا البراءة الأصلية وإلّا لارتفعت الأحكام ، فيتعيّن الإمام فيكون معصوما وإلّا لما أمن التغيير والتبديل.

الثالث : لو لم يكن معصوما لجاز عليه الخطأ فلنفرض وقوعه ، وأمّا أن ينكر عليه فيسقط محلّه من القلوب فيضادّ الأمر بطاعته ، وفات الغرض من نصبه ولزم انحطاط درجته عن أقلّ العوام ؛ لكون عقله وعلمه أكمل من غيره ، فلو وقعت المعصية منه لزم أن يكون أقلّ منهم ، واللوازم محالة فكذا الملزوم.

إن قلت : ذلك كلّه لازم من الوقوع والجائز لا يكون واقعا.

قلت : اللطف الباطني لا يتمّ مع الجواز كما تقدّم.

الرابع : غير المعصوم ظالم ، ولا شيء من الظالم بصالح للإمامة ، فغير المعصوم ليس بصالح للإمامة ، وهو المطلوب.

بيان الصغرى : أنّ الظلم وضع الشيء في غير موضعه (١) وغير المعصوم كذلك.

وأمّا الكبرى فلقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢) والمراد عهد الإمامة (٣)

__________________

(١) هنا تعليق يأتي في إضافاتنا من التعليقات على آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.

(٢) البقرة ٢ : ١٢٤.

(٣) كما أنّ هذا المراد هو المستفاد من السنة أيضا. ولنا أن نستدل بهذه الآية على أنّ كون الإمامة معينة في عليّعليه‌السلام ؛ لأنّ العصمة لا تثبت لأحد غيره فنقول : ذرية إبراهيم عليه‌السلام انتهت إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ عليه‌السلام ، بدليل ما رواه كبير علماء أهل السنة الفقيه الحافظ ابن المغازلي الشافعي الواسطي البغدادي المتوفى ٤٨٣ في كتاب المناقب بإسناده إلى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا دعوة أبي إبراهيم قلنا : يا رسول الله وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟ قال : أوحى الله عزوجل إلى إبراهيم : إنّي جاعلك للناس إماما. فاستخفّ إبراهيم الفرح قال : يا ربّ ومن ذريتي أئمة مثلي فأوحى الله إليه أن يا إبراهيم إنّى لا أعطيك عهدا لا أفي لك به ، قال : يا ربّ ما العهد الذي لا تفي لي به؟ قال : لا أعطيك لظالم من ذريتك. قال إبراهيم عندها :

(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : فانتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ لم يسجد أحد منّا لصنم قطّ ، فاتّخذني الله نبيا واتّخذ عليا وصيا ـ انظر المناقب ، ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧ طبعة طهران سنة ١٣٩٤. أمر بطبعه سيدنا الأستاذ الأعظم المرجع الأكبر السيد النجفي المرعشي أدام الله ظلّه الوارف ، وانتشر هذا السفر الجليل بعد قرون ببركات وجوده المقدس. وكم له من ـ

لقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)

لا يقال : المراد عهد النبوّة فلا يلزم المطلوب ، سلّمنا لكن لا يناله حال ظلمه لا مطلقا ومرادكم هو الثاني.

لأنّا نجيب عن الأوّل : أنّ الإمامة تطلق على معنيين : عامّ بحيث تشتمل النبوة كما تقدّم ، وخاصّ وهو هذا الباب ، فإن كان المسلوب عهد الأولى وكان سلبا للعام وهو ملزوم لسلب الخاص فيحصل المطلوب ، وإن كان عهد (١) الثانية فالمطلوب حاصل.

وعن الثاني : قد تقرّر في المنطق أنّ صدق عنوان الموضوع لا يشترط أن يكون دائما بل إمّا حال الحكم أو قبله أو بعده فيحصل المطلوب.

النوع الثاني : أن يكون أفضل أهل زمانه في سائر الكمالات وإلّا لكان إمّا مساويا أو مفضولا ، والأوّل ترجيح بلا مرجّح وهو باطل ، والثاني قبيح عقلا ونقلا كما تقدّم فيدخل في هذا وجوب كونه أعلم وأعفّ وأشجع ؛ لرجوع الكمالات النفسانية إلى العلم والعفّة والشجاعة ، التي مجموعها هو العدالة المطلقة ، وكذا يجب تنزيهه عن كلّ ما ينفر عنه من الصفات المذكورة في النبوّة فإنّ الدليل بعينه قائم هنا.

[النوع] الثالث : أن يكون منصوصا عليه ، لوجهين :

الأوّل : كلّ ما وجب كونه معصوما وأفضل وجب كونه منصوصا عليه ، لكن المقدّم حقّ فالتالي مثله ، أمّا حقية المقدّم فقد تقدّمت ، وأمّا بيان الشرطية فلأنّ العصمة أمر خفي لا يطّلع عليها غير علّام الغيوب ، وكذا الأفضلية ؛ لأنّ كثرة الثواب لها مدخل في

__________________

ـ أمثال هذه الخدمات الجليلة التي قلّما يتفق مثلها لأحد من معاصريه. قال المحشّي في ذيل الصفحة المذكورة : أخرجه من طريق مؤلفنا ابن المغازلي في تفسير اللوامع ١ / ٦٢٩ طبعة لاهور ، ورواه الحميدي من حديث ابن مسعود على ما في المناقب المرتضوي ٤١ طبعة بمبئي.

أقول : وأخرجه الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي (ره) في كتابه معين المعين ـ المخطوط الموجود في مكتبتنا ـ عن كتاب المناقب لابن المغازلى.

(١) الإمامة الثانية ـ خ : (د).

الأفضلية ولا يعلم كثرته إلّا الله ، فيجب نصبه عليه ، وإلّا لكان تكليفنا باتّباعه مع عدم النصّ تكليفا بالمحال.

الثاني : علم من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كونه أشفق على الأمّة من الوالد على الولد ، ويؤيّده قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١) ولما كان شفقته عليهم في أشياء لا نسبة لها إلى الإمامة كوظائف الاستنجاء وغيرها ، وكان إذا سافر عن المدينة يوما أو يومين يستخلف فيها من يقوم مقامه ، فيلزم من هذه سيرته أن ينصّ لهم على ما هو أعمّ نفعا وأعظم فائدة وأشدّ احتياجا إليه ، وهو نصب إمام (٢) ، وهو المطلوب.

لا يقال : لم لا يجوز أن يكون ترك ذلك اتّكالا على اختيارهم ، وإنّهم لا يختارون إلّا الصالح لها خصوصا على قولكم : إنّ الإمامة واجبة عقلا ، فلكم طريق إلى وجوبها وتعيينها؟.

لأنّا نقول : أمّا مع اشتراط العصمة فظاهر أنّه لا علم لهم بالصالح لها ، وأمّا مع عدم الاشتراط فلأنّ العقل وإن دلّ على وجوب الإمام في الجملة لا يدلّ على إمامة شخص معيّن ، فلا بدّ أن يكون مستفادا من الشرع بوحي إلهي ، وهو المطلوب.

واعلم أنّ النصّ هنا قد يكون قوليا وقد يكون فعليا كخلق المعجز على يده ، فإنّه قد يحتاج إليه في بعض الأوقات ، فيجب أن تكون له آيات ودلالات خارقة للعادة ، وهو المطلوب.

[البحث] الثالث (٣) : في إثبات إمامة علي عليه‌السلام بلا فصل ، ولنا في ذلك مسالك:

[المسلك] الأوّل : من حيث الاستدلال ، وهو من وجوه :

الأوّل : كلّما وجب كون الإمام معصوما وجب أن يكون هو عليّ عليه‌السلام ، لكن المقدم

__________________

(١) التوبة ٩ : ١٢٨. وقال تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) فاطر ـ آية : ٨.

(٢) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٣) أي البحث الثالث من المقصد الثاني.

حقّ كما سبق فالتالي مثله.

بيان الشرطية : أنّ القائل قائلان : قائل باشتراط العصمة قال : الإمام (١) علي عليه‌السلام ، وقائل بعدم اشتراطها قال : الإمام (٢) أبو بكر أو العبّاس فلو قلنا بإمامة غيره لكان إمّا قولا بإمامة غير مشترط (٣) العصمة ، وهو باطل بما تقدّم أو قولا باشتراط العصمة في غيره(٤) ، وهو باطل بالاجماع.

الثاني : كلّما وجب كونه أفضل فالإمام علي عليه‌السلام ، والمقدّم حقّ فالتالي مثله ، والتقرير كما سبق.

الثالث : كلّما وجب كونه منصوصا عليه فالإمام هو علي عليه‌السلام ، لكن المقدّم حقّ كما تقدّم فالتالي مثله ، وبيان الشرطية كما تقدّم أيضا (٥).

المسلك الثاني : من حيث النصّ الجليّ ، أي غير المفتقر إلى ضمّ مقدّمة أو مقدّمات ، وهو أحاديث كثيرة كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله له : «أنت الخليفة بعدي» (٦) وغير ذلك ، وقد بلغت التواتر لفظا (٧) ومعنى ، ولو لا خوف الإطالة لذكرتها مع أسانيدها لكن نذكر نبذا (٨) منها.

الأوّل : ما صحّ لنا رواية عن شيخنا أبي جعفر بن بابويه رحمه‌الله ، بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله اطّلع إلى الأرض اطّلاعة فاختارني منها فجعلني نبيّا ، ثمّ اطّلع ثانية فاختار منها عليّا فجعله إماما ، ثمّ أمرني أن اتّخذه أخا ووصيا ووزيرا.

__________________

(١) فالإمام ـ خ : (آ).

(٢) فالإمام ـ خ : (آ).

(٣) مشروط ـ خ : (آ).

(٤) باشتراط عصمة غيره ـ خ : (آ).

(٥) اتفاقا ـ خ : (آ).

(٦) يستفاد ذلك من الروايات الكثيرة المتواترة. انظر إلى كتاب غاية المرام للسيد البحراني (ره) وغيره من كتب الحديث.

(٧) إنكار التواتر اللفظى كما في بعض كتب دراية الحديث تبعا لبعض العامة لا وجه له كما حقّق في محلّه.

(٨) نبذة ـ خ : (آ).

الثاني : بالإسناد عن عبد الرحمن بن سمرة (١) قال : قلت : يا رسول الله أرشدني إلى النجاة فقال : يا ابن سمرة إذا اختلفت الأهواء وتفرّقت الآراء فعليك بعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فإنّه إمام أمّتي وخليفتي عليهم.

الثالث : بالإسناد عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإذا الحسين عليه‌السلام على فخذيه ، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول : أنت سيّد وابن سيّد ، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمة ، وأنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا تعدّ ولا تحصى كثرة.

لا يقال : نمنع ما ذكرتم وإلّا لنقله غيركم كما نقلتموه لتوفّر الدواعي على نقل مثله.

سلّمنا ، لكن نمنع كونه متواترا وإلّا لأفادنا علما كما أفادكم ؛ لأنّا نجيب عن الأوّل : بأنّه منقوض بفصول الإقامة هل هي مثنّى أو فرادى ، وجهر التسمية وسرّها ، وكمعجزات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والفرق بين الإقامة والتسمية بكونها من الفروع ومخالفتهما (٢) لا توجب بدعة ولا تكفيرا وبين الإمامة التي هي من الأصول يبدع ويكفر مخالفها ، فلم تتوفّر الداعية على الأوّل فلم ينقل بخلاف الثاني ، وبكون مشاهدي المعجزات قليلين باطل.

أمّا الأوّلان فلأنّهما يقضيان شرعا مكرّرا في كلّ يوم وليلة خمس مرات ، فالداعية متوفّرة ، هذا مع أنّ الداعية إلى عدم نقل النصّ حاصلة له ، كالحسد له عليه‌السلام والمعاندة وغلبة شياطينهم وغير ذلك.

وأمّا المعجزات وقلّة مشاهديها فنقول : في النصّ كذلك ، ولا يخرجه قلّة السامع

__________________

(١) سمرة ـ بفتح السين المهملة وضمّ الميم وفتح الراء المهملة والهاء ـ سمّي به جماعة من الصحابة وغيرهم وفي ـ خ : (آ) ثمرة بالثاء المثلّثة وهو غلط ، وسمرة شجر معروف. وعبد الرحمن من الصحابة عدّه الشيخ (ره) في رجاله من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسكن البصرة ، وهو فاتح سجستان وغيرها وتوفّي في البصرة سنة ٥٠ ، وقيل سنة ٥١ وإليه تنسب سكّة سمرة بالبصرة ، وكان متواضعا فإذا كان اليوم المطير لبس برنسا وأخذ المسحاة فكنس الطريق. انظر إلى أسد الغابة لابن الأثير.

(٢) ومخالفتها ـ خ : (آ).

عن التواتر ؛ لجواز بلوغهم حدّ التواتر ، إذ لا يشترط فيه نقل جمهور الناس ولا عدد مخصوص.

وعن الثاني : أنّ شرط التواتر حاصل الآن وهو الكثرة ، وينقلون عمّن قبلهم كذلك وهكذا ، وعدم إفادتكم (١) لمكان الشبهة كاليهود في عدم إفادتهم نقل المعجزات علما أو لوقوع الخلاف في المتواتر هل هو نظري أو ضروري.

المسلك الثالث : من حيث النصّ الخفي ، وهو ما يفتقر إلى ضمّ مقدّمة أو مقدّمات ، وهو أنواع.

الأوّل : قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٢) و «إنّما» للحصر نقلا عن أهل اللغة ، ولأنّ «إنّ» للإثبات و «ما» للنفي ، فإذا ركّبتا وجب بقاء ذلك وإلّا لزم النقل وهو خلاف الأصل ، فإمّا أن يردا على واحد وهو محال ، أو لنفي المذكور وإثبات غيره ، وهو باطل إجماعا ، فتعيّن العكس ، والوليّ هنا الأولى بالتصرّف لغة (٣) وهو شائع ، وعرفا نحو : وليّ العهد ، وشرعا كقوله عليه‌السلام : «أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل» فيكون حقيقة ، فإن ورد في غيره يكون مجازا وإلّا لزم الاشتراك ، وهو خلاف الأصل ، ولأنّ غير ذلك من معانيه غير صادق (وَالَّذِينَ آمَنُوا) هنا بعض المؤمنين لعود الضمير إلى الكل ؛ لأنّ قبله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ) والضمير لهم فلو كان المراد هنا الكلّ لكان كلّ واحد وليّا لنفسه (٤) ، ولوصفهم بإيتاء الزكاة حال الركوع ، إذ الجملة حالية فيكون مدلول

__________________

(١) افادتهم ـ خ : (آ).

(٢) المائدة ـ : ـ ٥٥ قال العلّامة قدس‌سره في منهاج الكرامة بعد نقل قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) وقد أثبت له الولاية في الأمّة كما أثبتها الله تعالى لنفسه ولرسوله ، انتهى. فكما أنّ لله تعالى الولاية التكوينية والتشريعية فكذا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأمير المؤمنين عليه‌السلام غاية الأمر أنّ ولايتهما في طول ولاية الله تعالى وموهوبي من الله ، وولاية الله بالذات يستفاد ذلك من الآية الشريفة ، فإنّه لم يفرّق بين ولاية الله وولاية رسوله وأمير المؤمنين عليه‌السلام وتفصيل المطلب في محلّه.

(٣) لغة وعرفا نحو : ولي العهد ـ خ : (آ).

(٤) خاطب الله تعالى في الآية جميع المؤمنين ودخل في الخطاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وغيره ، ثمّ قال : (وَرَسُولُهُ) فأخرج ـ

الآية : لا أولى بالتصرّف فيكم إلّا الله ورسوله والذي أتى الزكاة حال ركوعه من المؤمنين ، وذلك الشخص هو علي عليه‌السلام لاتّفاق أكثر المفسّرين عليه ، ولأنّ كلّ من قال : المراد البعض قال : هو علي عليه‌السلام ، ولأنّه داخل في العموم قطعا فيكون هو الإمام ، إذ ليس مرادنا بالإمام إلّا الأولى بالتصرّف وهو المطلوب.

لا يقال : يلزم المجاز في حمل الجمع على الواحد ، والمضارع وهو «يقيمون ويؤتون» على الماضي.

لأنّا نقول : أمّا الأوّل فلازم لكم أيضا ، فإنّ حملها على العموم باطل ، لما قلنا فيكون البعض ، فيكون إطلاق الكلّ على البعض ، لكن مجازيا تسمية المعظم بالجمع وهو كثير. وأمّا الثاني فممنوع ، لجواز أن يراد به الحال فإنّه حقيقة فيه عند الكوفي ومشترك عند البصري.

الثاني : حديث الغدير (١) وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحقّ معه كيفما دار. وهو متواتر نقله الجميع فبعض جعله دليل الأفضلية ، وبعض دليل الإمامة وهو الحقّ ، إذ المراد بالمولى هنا :

__________________

ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من جملتهم لكونهم منساقين إلى ولايته ثمّ قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية وإلّا أدّى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه ، وإلى أن يكون كل واحد من المؤمنين وليّ نفسه ، وذلك محال كما ذكره المصنّف (ره).

(١) انظر إلى الموسوعة الكبيرة الغدير ذلك الأثر الخالد النفيس ، وهو من جلائل الكتب المؤلّفة في عصرنا ومن نفائس الآثار المنتشرة في دهرنا ، فيه بيان طرق حديث الغدير ونقل ما فهمه أهل اللسان العربي المبين من لفظ «المولى» من الشعراء والأدباء والعلماء الأكابر منذ عصر النبوّة إلى اليوم ، وفيه إثبات تواتر الحديث الشريف من عصر الرسالة إلى يومنا هذا ، وقد جاد به يراع العلامة الأكبر المتضلّع الأعظم حجّة الحقّ المجاهد في سبيل الله تعالى بقلمه ولسانه وبعلمه وعمله الشيخ عبد الحسين الأميني التبريزي المتولّد بها سنة ١٣٢٠ والمتوفّى سنة ١٣٩٠ بطهران ، والمدفون في النجف الأشرف القاطن بها طيلة حياته الشريفة الثمينة ، وقد انتشر إلى اليوم من هذا الأثر الخالد (١١) مجلّدا ، وكتبت تقريظا ضافيا حول هذا السفر الجليل مطبوع في أوّل المجلد الحادي عشر ، فراجع.

الأولى بالتصرّف للاستعمال نحو مولى العبد أولى به. ولقوله تعالى : (النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ)(١) أولى بكم ، ولأنّ غيره من معانيها إمّا محال الإرادة كالمعتق والمعتق ، وإمّا ظاهر لا فائدة في إعلامه كابن العمّ والجار والسيد أو الدلالة تدفعه كالناصر ؛ ولأنّ مقدّمة الخبر وهو قوله : «ألست أولى بكم» نصّ فيه (٢) فيكون عليّ عليه‌السلام أولى بنا وهو المطلوب ، ولذلك هنّأه الصحابة بذلك المقام حتّى قال عمر : بخ بخ لك يا عليّ أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، وبذلك يبطل حمله على واقعة زيد (٣) وأيضا فإنّ زيدا قتل في مؤتة (٤) سنة ثمان من الهجرة ؛ ولأنّ عليّا عليه‌السلام احتجّ به على الصحابة (٥) ولم يردّوا عليه دلالته على مطلوبه.

الثالث : حديث المنزلة ، وهو قوله عليه‌السلام : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي» وهو أيضا متواتر متفق على نقله (٦) وذكره البخاري ومسلم ، والمراد بالمنزلة جميع المنازل وإلّا لما حسن الاستثناء ، فيكون لعليّ عليه‌السلام جميع منازل هارون إلّا النبوّة ومن جملتها أنّه خليفة له بعد وفاته ، لأنّ هارون لو عاش لكان كذلك لمكان عصمته المقتضية لوجوب تقديمه ، ولأنّه خليفة له حال حياته ؛ لقوله : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٧) فعزله حطّ لمرتبته ؛ ولأنّه كان شريكا في الرسالة فيكون شريكا في فرض الطاعة فيكون لعلي عليه‌السلام مثله، وهو المطلوب.

__________________

(١) الحديد ٥٧ : ١٥.

(٢) في حقّه ـ خ : (د) قال فخر الدين الرازي في كتابه الأربعين : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعليّ مولاه. ولفظ المولى في حقّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لا شكّ أنّه يفيد أنّه كان مخدوما للكلّ وصاحب الأمر فيهم ، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يقال في علي عليه‌السلام : إنّه أيضا مخدوم لكلّ الأمة ونافذ الحكم فيهم ، وهذا يوجب كونه أفضل الخلق. والذي يدلّ على أنّه يفيد المعنى الذي ذكرناه : ما نقل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لما ذكر هذا الكلام قال عمر لعلي : بخ بخ يا علي أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ـ ص ٤٧٣ طبعة حيدرآباد.

(٣) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٤) بموتة ـ خ : (آ).

(٥) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٦) انظر إلى عبقات الأنوار للسيد العلامة المجاهد الأكبر السيد مير حامد حسين اللكنهوئي قدّس الله روحه.

(٧) الأعراف ٧ : ١٤٢.

الرابع : قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) (١).

وتقريره : أن نقول : علي عليه‌السلام أقرب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أبي بكر نسبا ، وكلّ من كان كذلك كان إماما بعده ، أمّا الصغرى فظاهرة وأمّا الكبرى فللآية المذكورة ، ووجه دلالتها : أنّ أولوية ذوي الأرحام إمّا أن تكون في كلّ ما للميّت أن يتصرّف فيه أو في بعضه ، فإن كان الأوّل لزم انتقال ولاء (٢) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ذوي رحمه ؛ لقضية العموم ، وإن كان الثاني فذلك البعض إمّا أن يكون هو الولاية أو غيرها ، والثاني باطل ؛ لعدم دلالة اللفظ عليه وعدم القرينة أيضا ، فيكون هو الولاية ؛ لدلالة القرينة وهي قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (٣)

ومعلوم أنّ أولويّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هي في الولاية (٤) ، وإذا احتمل اللفظ معنيين أحدهما عليه قرينة دون الآخر تعيّن ذو القرينة إلّا مع دليل أقوى وليس.

لا يقال : إن صحّ دليلكم فالعبّاس أولى بالمقام ؛ لأنّه عمّ وعليّ عليه‌السلام ابن عمّ ، والعمّ أقرب من ابنه.

لأنّا نقول : إنّه وإن كان عمّا لكنّه من جهة الأب فقط ، وعليّ عليه‌السلام ابن عمّه من جهة أبيه وأمّه ، سلّمنا أنّه أقرب لكنّه خرج بالدليل وهو عدم أفضليته وعصمته كما خرج الكافر والقاتل من الإرث ، ولأجل ذلك لم يدعها العبّاس وقال لعلي عليه‌السلام : امدد يدك أبايعك.

الخامس : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل معه أفعالا دالة على تعيينه لخلافته ، كتقديمه في السرايا والحروب (٥) والتنويه بفضائله ومؤاخاته وتزويجه ابنته وتصويب فتاويه وأحكامه وغير ذلك ، ولو لم يكن إلّا توليته على المدينة لما خرج إلى تبوك ، فقال له : إنّ المدينة

__________________

(١) الأحزاب ٣٣ : ٦.

(٢) ولاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ خ : (آ).

(٣) الأحزاب ٣٣ : ٦.

(٤) هي الولاية ـ خ : (آ).

(٥) والحروب والثغور والتقوية ـ خ : (آ).

لا تصلح إلّا بي أو بك ، فأرجف المنافقون به فخرج إليه عليه‌السلام وقال : إنّ المنافقين أرجفوا بي وقالوا : إنّك خلفتني استثقالا وتحرّزا منّي فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : كذبوا إنّما خلفتك لما تركت من ورائي فارجع فاخلفني ، أفلا (١) ترضى يا عليّ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي؟

وفي هذه القصة دلالة على إمامته بعده ؛ لأنّه لم يعزله قبل موته ولا بعده فيكون خليفة عليها بعده ، وكلّ من قال : إنّه خليفة عليها بعده قال : إنّه خليفة على غيرها ، وهو المطلوب.

السادس : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا بعث أبا بكر لتبليغ سورة براءة ، وقيل آيات منها وكلمات أخرى نزل عليه جبرائيل عليه‌السلام وقال : لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك ، فبعثصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا عليه‌السلام وعزله وأخذ السورة منه ، فلمّا رجع أبو بكر قال : ما لي هل نزل فيّ شيء؟ قال : «أجل لم يكن ليبلّغها (٢) إلّا أنا أو رجل منّي» وإذا كان تبليغ سورة وأربع كلمات إلى قوم مخصوصين لا يجوز إلّا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو رجل منه ، فتبليغ الشرع وولاية الأمة كافة في الدين والدنيا لا يجوز أيضا إلّا منه صلى‌الله‌عليه‌وآله أو رجل منه بطريق الأولى ، وهو علي عليه‌السلام ، وهو المطلوب.

وفي هذه دلالة على عدم صلاحية أبي بكر للولاية صريحا ؛ لأنّه إذا لم يكن صالحا لتبليغ آيات وكلمات فبالأولى أن لا يكون رئيسا على السادات في كافة أمور الديانات.

السابع : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي» و «قاضي ديني» والاستدلال به من وجهين :

الأوّل : أنت وصيي ، وهذا لا ينكره أحد فإمّا أن يريد بذلك التصرّف في كلّ ما كان للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتصرّف فيه أو بعضه. والثاني : باطل ؛ لإطلاق اللفظ وعدم تقييده وعدم قرينة دالة على التقييد ، فلو أريد لكان تلبيسا وهو غير جائز منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتعيّن

__________________

(١) ألا ـ خ : (آ).

(٢) ليأخذها ـ خ : (آ).

الأوّل وهو المطلوب ؛ لأنّا لا نريد بالإمامة إلّا ذلك.

والثاني : قوله : قاضي ديني ، على رواية كسر الدال (١) وهو صريح في خلافته.

__________________

(١) استدل العلّامة قدس‌سره في شرح التجريد كشف المراد بقوله : «قاضي ديني» وكذا المحقّق الطوسي قدس‌سره في التجريد على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وصرّحا أنّه بكسر الدال.

وقال القوشجي في شرح التجريد : وأجيب بأنّه خبر واحد في مقابلة الإجماع ، ولو صحّ لما خفي على الصحابة والتابعين والمهرة المتقنين من المحدثين سيما عليّ وأولاده الطاهرين ، ولو سلّم فغايته إثبات خلافته لا نفي خلافة الآخرين ، انتهى.

والظاهر منه أنّه إذ عن أن قوله : «قاضي ديني» بكسر الدال. قلت : إن سلّمنا أنه خبر واحد لفظا ولكنه متواتر معنى ؛ لأنّ تواتر الأخبار من طرق الفريقين يفيد ما يستفاد من هذا الخبر ، وقد تواتر عند المسلمين قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم عليّ».

وقال العلّامة ابن أبي جمهور الأحسائي قدس‌سره في كتاب معين المعين : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قاضي ديني. ـ بكسر الدال ـ مأخوذ من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أقضاكم عليّ عليه‌السلام وهذا يدلّ على أنّه أفضل الصحابة والقضاء يفتقر إلى جميع العلوم. وقال قدس‌سره : هذا الخبر نقله القاضي أبو محمد الحسن بن مسعود العبري عن أنس ابن مالك ، ثمّ نقل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تخصيص جماعة من الصحابة كلّ واحد بفضيلة وقال «أقضاكم عليّ» فقد صدع في هذا الحديث بمنطوقه وخصّص بمفهومه أنّ أنواع العلوم وأقسامه قد جمعها لعليّ عليه‌السلام دون غيره ، فإنّ كلّ واحدة من الفضائل التي خصّص بها جماعة من الصحابة لا يتوقّف حصولها على غيرها من الفضائل ، بخلاف علم القضاء وقد جعله لعلي عليه‌السلام بصيغة أفضل ، وهي تقتضي وجود أصل الوصف والزيادة فيه على غيره ، والمتّصف بها يجب أن يكون كامل العقل صحيح التميّز جيّد الفطنة ، بعيد عن السهو والغفلة ، متوصّل بفطنته إلى الحكم إذا أشكل عليه ، ذا عدالة تحجره عن أن يحوم حول المحارم ، ومروّة تحمله ومجانبة الدنيا ، صادق اللهجة ظاهر الأمانة إلى آخر ما ذكره رحمه‌الله بهذا النمط ونقلناه باختصار في الجملة وتركنا نقله برمّته خوف الإطالة ـ وأمّا الإجماع الذي ادّعاه القوشجي فغير ثابت ، ليت شعري كيف انعقد الاجماع مع مخالفة أفاضل الصحابة وعلمائهم وعدم دخول المعصوم فيهم؟ ومع عدم دخوله لا دليل على حجّيته. ومضمون الخبر ما خفي على الصحابة والتابعين ولا سيما على أولاده الطاهرين عليهم‌السلام فإنّهم علموا يقينا أنّ عليا أمير المؤمنين عليه‌السلام حاكم الدين بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّما أخفاه المنافقون من الصحابة لنفاقهم وطمع بعضهم في الرئاسة.

وأمّا قوله : «ولو سلّم فغايته» ... فنقول : نعم إثبات خلافته لا ينفي خلافة الآخرين ، لكن من أولاده المعصومين عليهم‌السلام فإنّه يثبت به أنّه خليفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وحاكم الدين الإسلامي بلا فصل ، وليس بعده حاكم للدين إلّا أولاده الطاهرين عليهم‌السلام ويدلّ على ذلك أيضا القرائن الدالّة عليه في نفس الخبر.

وقد روى الشيخ الطوسي (ره) في أماليه ، بإسناده عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن آبائه ، عن ـ

المسلك الرابع : أنّه عليه‌السلام ادّعى الإمامة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وظهر المعجز على يده ، وكلّ من كان كذلك كان إماما ، فعلي عليه‌السلام إمام وهو المطلوب. أمّا أولى (١) الصغرى وهو دعواه الإمامة ؛ فلأنّ دعواه لها ومنازعته فيها وإخراجه قهرا من بيت فاطمة عليها‌السلام للبيعة ظاهر مشهور (٢) لا ينكره إلّا مكابر. وأمّا ثانيها ؛ فلما يأتي. وأمّا الكبرى فلما مرّ في النبوة.

المسلك الخامس : أنّه كان أفضل الخلق بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلّ من كان أفضل كان متعيّنا للإمامة ، ينتج أنّ عليّا عليه‌السلام كان متعيّنا للإمامة وهو المطلوب ، أمّا الصغرى فلما يأتي ، وأمّا الكبرى فلما مرّ من قبح تقديم المفضول على الفاضل (٣).

__________________

ـ جابر بن عبد الله الأنصاري قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما صلاة الفجر ، ثمّ انفتل وأقبل علينا يحدّثنا ثمّ قال : أيها الناس من فقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن فقد القمر فليتمسك بالفرقدين قال : فقمت أنا وأبو أيوب الأنصاري ومعنا أنس بن مالك فقلنا : يا رسول الله من الشمس؟ قال : أنا فإذا هو صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرب لنا مثلا فقال : إنّ الله تعالى خلقنا وجعلنا بمنزلة نجوم السماء كلّما غاب نجم طلع نجم ، فأنا الشمس فإذا ذهب لي فتمسّكوا بالقمر. قلنا : فمن القمر؟ قال : أخي ووصيّي ووزيري و «قاضي ديني» وأبو ولدي وخليفتي في أهلي علي بن أبي طالب. قلنا : فمن الفرقدان؟ قال : الحسن والحسين ، ثمّ مكث مليّا وقال : فاطمة هي الزهرة ، وأهل بيتي هم مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الخوض. انظر الأمالي للشيخ (ره) ج ٢ ، ص ١٣٠ ـ ١٣١ طبعة النجف وغاية المرام ، ص ٦١٤. ويستفاد من هذا الخبر كغيره من الأخبار أنّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قاضي ديني» صادر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مضافا إلى أنّه يستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم عليّ أيضا ، كما ذكره ابن أبي جمهور الأحسائي (ره) وسمعت كلامه ، وانظر في المجلد الرابع من إحقاق الحقّ إلى تعليقات سماحة سيدنا الأستاذ المرجع الأكبر النجفي المرعشي دام ظلّه العالي ص ٧٤ وص ٣٨٥ طبعة طهران. وانظر إلى شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني المتوفّى ٧٩٢ ـ ج ٢ ، ص ٢٩١ طبعة إسلامبول. قال : وقوله عليه الصلاة والسّلام لعلي رضي الله عنه : أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني بالكسر. ثمّ ذكر ما سمعت عن القوشجي وذكرنا جوابه.

(١) أوّل ـ خ : (د).

(٢) انظر إلى كتاب سليم بن قيس الهلالي (ره) وسائر التواريخ.

(٣) ومن قال : إنّ الله قدّم المفضول على الفاضل لحكمة. فقد غلط في قوله هذا ؛ فإنّ الحكمة لا تقتضي القبيح ولا تسوغ نسبة القبيح إلى الله تعالى.

المسلك السادس : كلّما لم يكن العباس وأبو بكر صالحين للإمامة وجب أن يكون علي عليه‌السلام إماما ، لكن المقدّم حقّ والتالي مثله ، أمّا حقّية المقدّم ؛ فلقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) وهما كانا ظالمين بتقدّم كفرهما فلا يصلحان.

وأمّا بيان الشرطية : فلعدم ادّعاء الإمامة لغير هذه الثلاثة ، وقد بان عدم صلاحيتهما ، فلو لم تتعيّن إمامته عليه‌السلام لزم إمّا عدم القول بالإمامة وهو باطل بما تقدم ، أو إثبات إمامة رابع ، وهو باطل بالاجماع.

إن قلت : الشرطية ممنوعة فإنّ الأنصار قالوا : منّا أمير ومنكم أمير ، وأقاموا سعد بن عبادة.

قلنا : حصل الإجماع على بطلان قولهم وسقوطه.

البحث الرابع : في إمامة الأحد عشر عليهم‌السلام ، ويدلّ عليه وجوه :

الأوّل : كلّ من قال بوجوب العصمة والأفضلية والنصّ قال بإمامتهم ، وكلّ من لم يقل لم يقل ، فلو قلنا بإمامة غيرهم لكان إمّا قولا بإمامة غير معصوم ولا أفضل ولا منصوصا عليه ، وهو باطل بما تقدّم أو قولا بوجوب الثلاثة ووجودها في غيرهم (٢) وهو باطل بالإجماع ، فتعيّن القول بإمامتهم ، وهو المطلوب.

الثاني : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٣).

وجه الاستدلال : أنّه أمر أمرا مطلقا بالطاعة لأولي الأمر ، ولا يجوز ذلك إلّا للمعصوم وإلّا لزم الأمر بالقبيح ، وهو محال عليه تعالى ، ولا معصوم غيرهم بالإجماع فيكونون هم المرادون ، وهو المطلوب.

ويؤيّده ما رواه جابر الأنصاري قال : قلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عرفنا الله ورسوله فمن

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٢٤.

(٢) من قوله : ولا أفضل ـ إلى قوله : ـ في غيرهم ـ ساقط من ـ خ : (آ).

(٣) النساء ٤ : ٥٩.

أولو الأمر ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هم خلفائي ، يا جابر أوّلهم أخي علي وبعده ابنه الحسن ثمّ ابنه الحسين ثمّ تسعة من ولد الحسين عليه‌السلام.

الثالث : نقل الإمامية تواتر النصّ عليهم بأسمائهم من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو مشهور في كتب الأحاديث وناهيك بكتاب الكفاية (١).

الرابع : نقل الإمامية أيضا متواترا (٢) نصّ كلّ واحد منهم على من بعده ، ولما ثبت عصمة الأوّل وإمامته وجب قبول قوله فيمن بعده.

الخامس : ما ورد من طريق الخصم كخبر مسروق قال : بينما (٣) نحن عند عبد الله بن مسعود إذ يقول له شابّ : هل عهد إليكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة ، قال : إنّك لحدث السنّ وإنّ هذا شيء ما سألني عنه أحد! نعم عهد إلينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه يكون بعده اثني عشر خليفة عدد نقباء بني إسرائيل (٤).

وروى البخاري (٥) عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ، وكلّ من قال بذلك قال : إنّهم المعنيّون.

السادس : أنّه جاء في التوراة : أنّ الله قال لإبراهيم عليه‌السلام : قد أجبت دعاك في

__________________

(١) كتاب كفاية الأثر في النصّ على الأئمة الاثنا عشر للشيخ الثقة الجليل علي بن محمد بن علي الخزّاز الرازي (ره) الذي يروي عن الشيخ الصدوق (ره) وابن عيّاش (ره) ، وكتابه مطبوع سنة ١٣٠٢ بطهران ، وقد روى فيه بطرق كثيرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّ الأئمّة اثنا عشر رواه أكثر من (٢٨) صحابيا ذكرت أسماؤهم في كتاب أنيس الموحّدين للنراقي (ره) ، ص ١٩٣ وينبغي الرجوع إلى كتاب غاية المرام للبحراني (ره) ، وهو أنفس تأليف في هذا الباب فيه الأخبار المتواترة بطرق الفريقين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأسماء الأئمة وأنّهم اثنا عشر ، ونعم ما قال بعض الأعلام : وكأنّ الله سخّر الناس برواية «الأئمة اثنا عشر» وينبغي الرجوع أيضا إلى كتاب الاستنصار في النصّ على الأئمة الأطهار للكراجكي (ره) وكتاب مقتضب الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر لابن عيّاش (ره) وهما مطبوعان في النجف سنة ١٣٤٦ معا بقطع صغير.

(٢) تواترا ـ خ : (د).

(٣) بينا ـ خ : (د).

(٤) غاية المرام ص ١٩٣.

(٥) ورواه مسلم أيضا انظر غاية المرام ، ص ١٩١ ـ ١٩٣.

إسماعيل وباركت عليه وعظّمته جدّا جدّا وسيلة اثني عشر عظيما (١).

السابع : أنّ كلّ واحد منهم ادّعى الإمامة وظهر المعجز على يده وكان أفضل أهل زمانه ، فيكون إماما ، أمّا الصغرى فأوّلها معلوم بتواتر الشيعة ، وثانيها بتواترهم أيضا ، ومن وقف على كتاب الخرائج (٢) ظهر له ذلك ، وثالثها لا ينكره (٣) إلّا مكابر ومعاند. وأمّا الكبرى فتقريرها كما تقدّم.

فائدة : الأئمّة أفضل من الملائكة ؛ لزيادة المشقّة في طاعتهم لمعارضة الشهوة والغضب ، ولأنّهم من آل إبراهيم ، وآل إبراهيم أفضل للآية (٤) ولا يلزم العموم لوجود المخصّص.

البحث الخامس : في الغيبة ، وفيه ثلاث مسائل.

الأولى : أنّه لمّا دلّ الدليل على إمامة سيّدنا المنتظر عليه الصلاة والسّلام ، وأنّ كلّ زمان لا بدّ فيه من إمام معصوم وجب وجوده وبقاؤه من حين موت أبيه الحسن عليه‌السلام إلى آخر زمان التكليف ، وإلّا لزم إمّا القول بوجوب إمامة معصوم غيره ، وهو باطل بالإجماع أو خلوّ زمان عن إمام ، وهو باطل بما تقدّم ، وبدلالة الأخبار المتواترة على وجوده (٥) وبقائه وغيبته وظهوره بعد ذلك ، فيكون القول بوجوده حقّا ، وهو المطلوب (٦) ، وقد تقدّم وجه لطفيته حال غيبته فلا وجه لإعادته.

__________________

(١) انظر التوراة المترجمة بالعربية المطبوعة سنة ١٨١ م السفر الأول وهو سفر الخليقة الفصل (١٧) وانظر في التوراة المترجمة بالفارسية من أصلها العبري ترجمها «وليم گلسن» بإعانة فاضل خان الهمذاني المطبوعة في «ادن برغ» سنة ١٨٤٥ م سنة ١٢٦١ صفحة : (٢٦) الفصل : (١٧) آية : (٢٠).

(٢) كتاب الخرائج والجرائح للشيخ الإمام الفقيه الثقة قطب الدين الراوندي قدس‌سره المتوفّى ٥٧٣ وهو من الكتب النفيسة المعتبرة مطبوع منتشر.

(٣) ينكرها ـ خ : (آ).

(٤) مراده قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) آل عمران ٣ : ٣٣.

(٥) بوجوده ـ خ : (آ).

(٦) سئل عن الشيخ البهائي قدس‌سره : هل خروج المهدي المنتظر بقول مطلق من الضروريات وإنكاره يوجب ـ

الثانية : سبب غيبته ، لا يجوز أن يكون قبيحا ؛ لما ثبت من عصمته عليه‌السلام فتكون حسنا ، ولا يجب علينا معرفة وجه حسن كلّ فعل تفصيلا وإلّا لوجب معرفة وجه حسن خلق الحيّات والعقارب تفصيلا ، وهو باطل بالإجماع ، وحينئذ جاز أن يكون غيبته لمصلحة خفيّة استأثر الله تعالى بعلمها ، غير أنّا نذكر ما يمكن أن يكون سببا ، وهو الخوف كما استتر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تارة في الغار وتارة في الشعب ؛ خوفا من المشركين.

وقد دل (١) بعض الأخبار على أنّ غيبته عليه‌السلام لذلك (٢) وتكون الغيبة حاصلة ما دام السبب باقيا ، ويكون الإثم في تعطيل الحدود والأحكام على من منه الخوف.

لا يقال : الخوف ليس مختصّا بزمانه عليه‌السلام بل كان في زمن آبائه عليهم‌السلام أيضا ، ثمّ إنّهم ظهروا وبيّنوا الشرائع (٣) لشيعتهم ولزموا التقية مع الظلمة ولم يستتروا ، فهلّا كان حاله كذلك؟

سلّمنا ، لكن الخوف ليس من شيعته فهلّا ظهر لهم خاصّة وأفتاهم وبيّن لهم ما اختلفوا فيه من الأحكام.

لأنّا نقول : أمّا الأوّل فقد أجاب السيد المرتضى (ره) عنه بما مضمونه : أنّه عليه‌السلام غير متعبّد بالتقية ، بل فرضه الجهاد ومنابذة الأعداء وإقامة الدين ، كما دلّت عليه الأخبار المتواترة من الإمامية وغيرهم ، بخلاف آبائه عليهم‌السلام فإنّ أكثرهم لم يكن مأمورا بالخروج والقيام والحرب بل كان متعبّدا بالتقية ، كما ورد عنهم عليهم‌السلام : «ما منّا إلّا من وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلّا قائمنا فإنّه يخرج ولا بيعة لأحد في عنقه» فظهر الفرق بينه وبين آبائه كما أنّ عيسى عليه‌السلام لم يحارب ولم يكن (٤) فرضه الجهاد.

__________________

ـ الارتداد؟ فأجاب بأنّه من الضروريات وإنكاره كفر ـ انظر كتاب علم الإمام المطبوع مع ترجمة علم الإمام للمظفّر (ره) ، ص ٨ طبعة تبريز فقد نقلنا هناك السؤال وجواب الشيخ (ره) له بعين ألفاظه.

(١) ذكر ـ خ : (آ).

(٢) كذلك ـ خ : (آ).

(٣) وأفتوا شيعتهم ـ خ : (آ).

(٤) ولا كان ـ خ : (آ).

ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حارب وكان فرضه الجهاد (١) ، والأحكام تتغيّر بحسب تغيّر المصالح.

وأمّا الثاني فقد أجاب شيخنا المفيد (ره) بأنّ شيعته غير معصومين ، فجاز أن تدعوهم دواعي الشيطان إلى إغرائه ؛ طمعا في الدنيا كما دعت أمم الأنبياء إلى الارتداد عن شرائعهم ، وكما عاند قوم موسى عليه‌السلام أخاه هارون وارتدّوا.

وفي هذا نظر.

وأجاب غيره بأنّا نجوّز ذلك ولا نحيله ، لكن ليس (٢) كلّ جائز يجب وقوعه ، بل إذا وجد سبب وجوده ، وهو غير حاصل هنا ، لأنّهم ينتفعون بلطفيته حال غيبته فلا مرجّح لظهوره (٣) ، وهذا أقوى عندي.

الثالثة : في طول بقائه عليه‌السلام (٤) ، ولا شكّ في إمكانه ؛ لكون الفاعل قادرا مختارا كما تقدّم ، وقد وقع تعمير أقوام مثل عمره عليه‌السلام وأزيد وأنقص ، فإنّ الخضر عليه‌السلام موجود اتّفاقا وكان قبل موسى عليه‌السلام على عهد «افريدون» وكذلك السامري والدجّال من الأشقياء ، وقد نصّ القرآن على أنّ نوحا عليه‌السلام لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما وجاء في الأخبار أنّه عاش ألفي سنة وزائدا ، وكذلك لقمان عاش سبعة آلاف سنة وهو صاحب النسور (٥) وأخبار المعمّرين شائعة بذلك ، من وقف عليها عرف صحة ما قلنا (٦).

__________________

(١) ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قوله : فرضه الجهاد ـ خ : (د).

(٢) على كلّ ـ خ : (د).

(٣) قال السيد علم الهدى (ره) في رسالته الموجزة في الغيبة ما هذا لفظه : نحن نجوّز أن يصل إليه كثير من أوليائه والقائلين بإمامته فينتفعون به ... الخ انظر نفائس المخطوطات المجموعة الرابعة ص ١٢ طبعة بغداد.

(٤) وقد تحقّق في هذه العصور الأخيرة أنّ الإنسان يمكن أن يعيش آلاف السنين ، راجع مجلّدات مجلة المقتطف وكتاب المهدي لسيدنا الأستاذ العلامة السيد صدر الدين الصدر الموسوي نزيل «قم» والمتوفّى بها سنة ١٣٧٣ قدّس الله روحه.

(٥) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٦) انظر إلى كتاب «المعمّرون» لأبي حاتم السجستاني المتوفّى ٢٥٠ ـ مطبوع. وانظر إلى كتاب كنز الفوائد للعلامة الكراجكي (ره) له كتاب البرهان على صحة عمر الإمام صاحب الزمان عليه‌السلام أدرجه في كنز الفوائد ، فراجع.

لا يقال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أعمار أمّتي ما بين الستّين إلى السبعين (١)» وقال أصحاب الأحكام النجومية : إنّ العمر لا يزيد على مائة وعشرين.

لأنّا نقول : أمّا الأوّل فإنّه بناء على الأغلب ؛ لأنّ خلافه معلوم ضرورة ، وأيضا خرق العادة جائز للإعجاز فلم لا يجوز أن يكون طول عمره معجزة له عليه‌السلام؟

وأمّا الثاني فباطل ؛ لما بيّنا من بطلان استناد الحوادث إلى الكواكب بل إلى الفاعل المختار ، وقولهم بناؤه على نفيه ، ثمّ على تقدير القول بالإيجاب يجوز أن يحدث شكل غريب فلكي يوجب طول عمره عليه‌السلام والحكماء لا ينكرون ذلك ، هذا مع أنّ أصحاب النجوم لا يمنعون ذلك أيضا وإنّما قالوا : أكثر ما يعطي كوكب واحد من العمر من حيث هو مائة وعشرون سنة ، وجاز أيضا أن يضمّ إليه عندهم أسباب أخر فتتضاعف العطية ، قالوا : مثل أن يتّفق طالع كثرة الهيلاجات فيه والكتخدايات كلّها في أوتاد الطالع ، ناظرة إلى بيوتها ، ونظر السعود إليها من الأوتاد بالتثليث أو التسديس وتكون النحوس ساقطة ، وحينئذ يحكمون لصاحب الطالع بطول العمر كما لسيّدنا صلوات الله عليه وعجّل الله فرجه وأرانا أيّامه بحقّ الحقّ وأهله.

المقصد الثالث : في الردّ على المخالفين لنا والطعن عليهم

وهو على أقسام :

[القسم] الأوّل : الردّ على الجمهور الملقّبين بأهل السنّة وهو في مواضع :

الأوّل : طريق تعيين الإمام قالوا : البيعة أو الاستيلاء طريق إلى ذلك ، مستدلّين بحصول المقصود من الإمامة (٢) وهو دفع الضرر بنصب الرئيس أو استيلائه.

والجواب بالمنع من حصول المقصود بل قد يكون موقعا في الضرر ، بأنّ يبايع كلّ

__________________

(١) نقله السيد الأعظم السيد الرضي قدس‌سره في كتابه المجازات النبوية انظر ص ٢٤٨ طبعة مصر سنة ١٣٥٦.

(٢) الإمام ـ خ : (آ).

فرقة شخصا أو يستولي كلّ شخص على خطّة ويقع بينهم التحارب و (١) التجاذب.

ثمّ الذي يدلّ على بطلان قولهم وجوه :

الأوّل : أنّهم لا تصرّف لهم في أمر غيرهم ، فكيف يولّونه عليهم؟ والنقض بالشاهد ، لكونه غير متصرّف في المدّعى عليه مع أنّ الحاكم بقوله يصير متصرّفا باطل ؛ فإنّا لا نسلّم أنّ تصرّف الحاكم مستند (٢) إلى الشاهد بل إلى حكم الله عند شهادة الشاهد بإقرار المدّعى عليه.

الثاني : أنّ الإمام نائب عن الله ورسوله فلا يحصل إلّا بقولهما.

الثالث : قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٣) نفى سبحانه عن عباده الاختيار نفيا عاما ، فظاهره يقتضي أن لا اختيار لهم أصلا ، خرج منه ما خرج بالدليل فبقي الباقي على عمومه.

ويدلّ على بطلان الغلبة والاستيلاء قوله عليه‌السلام : «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ تصير (٤) ملكا عضوضا (٥)» سمّى الرئاسة بعد ثلاثين في زمان القهر والغلبة ملكا ، ولم يسمّ خلافة وهذا إلزام.

الثاني : أدلّة الإمامة ، احتجّوا على إمامة أبي بكر بوجوه :

الأوّل : قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية (٦).

وجه الاستدلال : أنّ الموعودين إمّا علي عليه‌السلام ومن قام بعده بالأمر وهو الحسن والحسين عليهما‌السلام ، أو أبو بكر ومن قام بعده وهو عمر وعثمان ؛ لأنّ الخطاب في الآية ليس إلّا مع الصحابة بدليل قوله : (مِنْكُمْ) فيكون المراد طائفة منهم فيحمل الجمع على أقلّه

__________________

(١) أو ـ خ : (د).

(٢) يستند ـ خ : (آ).

(٣) القصص ٢٨ : ٦٨.

(٤) ثم يكون ـ خ ل ـ خ : (د).

(٥) ثم تصير ملكا ثم تصير عضوضا ـ خ : (آ).

(٦) «وليمكننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا» خ : (آ) النور ٢٤ : ٥٥.

وهو ثلاثة ، والأوّل باطل إجماعا ؛ لأنّه تعالى وعدهم بالتمكين ، وعلي عليه‌السلام ومن بعده لم يكونوا كذلك ، لكونهم في الخوف والتقية فتعيّن الثاني وهو المطلوب.

والجواب بالمنع من اختصاص الصحابة بالخطاب (١) ، إذ اللفظ عام والعبرة بعمومه ، سلّمنا لكن لا نسلّم اختصاصه بالخلفاء ، أمّا ظاهرا فلأنّ الإيمان وعمل الصالحات ليس مختصّا بهم ، بل جميع الصحابة كانوا كذلك خصوصا عند الخصم ، فإنّهم عندهم عدول كلّهم ، وأمّا حقيقة فلأنّ التمكين لم يكن مختصّا بالخلفاء بل سائر الصحابة كانوا آمنين ومكّن لهم دينهم بأن أظهره على الدين كلّه.

سلّمنا لكن لا نسلّم الإجماع على بطلان الأوّل ، وما ذكرتم من عدم تمكينهم (٢) لا يقدح في استخلافهم ، إذ التمكين المذكور هو في الدين ؛ لدلالة الآية عليه صريحا ، وذلك كان ثابتا لعليّ عليه‌السلام وابنيه اتّفاقا.

هذا كلّه إذا كان المراد بالاستخلاف جعلهم خلفاء ، أي رؤساء رئاسة عامة في الدين والدنيا ، لكنه ممنوع ؛ لجواز أن يكون المراد مدلوله اللغوي فيكون المراد : ليورثهم أرض الكفّار من العرب والعجم ويجعلهم سكّانها ، كما استخلف الذين من قبلهم ، يعني بني اسرائيل إذ أهلك الجبابرة بمصر وأورثهم (٣) أرضهم وأموالهم.

الثاني : قوله تعالى : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) (٤) فالداعي المحظور مخالفته لا يجوز أن يكون محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقوله : لن تتبعونا ، ولا عليا عليه‌السلام ؛ لأنّه ما حارب كافرا في أيّام خلافته ، والحرب هنا مع الكفار ؛ لقوله : (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) أي إلى أن يسلموا ، ولا من ملك بعده وفاقا ، فتعيّن من كان قبله وهو المطلوب.

الجواب بالمنع من أنّه أبو بكر ومن بعده ؛ لجواز أن يكون محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

__________________

(١) من اختصاص الخطاب بالصحابة ـ خ : (آ).

(٢) تمكنهم ـ خ : (آ).

(٣) بتوريثهم ـ خ : (آ).

(٤) الفتح ٤٨ : ١٦.

لأنّه لا خلاف بين المفسّرين أنّ الآية نزلت في متخلّفي الحديبية وكان بعدها غزوات كثيرة ، قال الضحّاك : إنّها ثقيف ، وعن ابن جبير : إنّها هوازن وثقيف.

وأجاب بعض الفضلاء بأنّ قوله : (لَنْ تَتَّبِعُونا) يدلّ على أنّ المتخلّفين (١) لا يتبعون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله في فتح خيبر ، فإنّهم قالوا لأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ذرونا نتبعكم فقال تعالى في حقّهم : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) (٢) أي مواعيد الله لأهل الظفر بغنيمة خيبر خاصة ، أرادوا تغيّر ذلك بأن يشاركوهم فيها (٣) قل يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله للمخلّفين : لن تتبعونا في فتح خيبر كذلك (٤) قال الله من قبل ، أي قال الله بالحديبية من قبل فتح خيبر ومن قبل مرجعنا إليكم : إنّ غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية لا يشاركهم فيها غيرهم ، هكذا قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما ، وليس المراد أنّهم لا يتبعون محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله مدّة حياته في حرب من الحروب ، فإنّه دعاهم بعد ذلك إلى قتال قوم أولي بأس شديد كأهل الطائف وتبوك وغيرهما.

الثالث : فعله عليه‌السلام ، لأنّه استخلفه في الصلاة أيّام مرضه وما عزله ، فبقي كونه خليفة في الصلاة بعد وفاته ، فإذا ثبت كونه خليفة في الصلاة بعد وفاته ثبت في غيرها ؛ لعدم القائل بالفرق.

والجواب بالمنع من ذلك مع أنّه خبر واحد لا يوجب علما خصوصا في موضع التهمة ؛ لأنّ راويها (٥) عائشة بإجماع أهل البيت عليهم‌السلام.

سلّمنا لكن روي أنّ بلالا لمّا أتاه يؤذنه الصلاة قال : قد أبلغت يا بلال فمن شاء فليصلّ ، ثمّ عاد ثانية وثالثة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لقد أبلغت يا بلال ، ولو أراد الاستخلاف لما قال ذلك ، فخرج بلال ورأس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجر علي عليه‌السلام ،

__________________

(١) المخلّفين ـ خ : (د).

(٢) الفتح ٤٨ : ١٥.

(٣) من قوله : ـ لأهل الظفر ـ إلى قوله : ـ فيها ـ من ـ خ : (د).

(٤) كذلكم ـ خ : (آ).

(٥) لأنه رواية عائشة ـ خ : (آ).

والفضل بن العباس بين يديه يروّحه ، وأسامة بن زيد يحجب عنه زحمة الناس ، ونساؤه في ناحية البيت يبكين ، فلمّا سمعت عائشة قوله عليه‌السلام : من شاء فليصلّ ، بعثت بلالا وقالت: مر أبا بكر فليصلّ بالناس ويؤيّده قوله عليه‌السلام في تلك الحال : إنّكنّ كصويحبات يوسف ، وأنّه لمّا سمع صوت أبي بكر خرج متّكئا على علي عليه‌السلام والفضل فأزاله عن المحراب وصلّى بالناس.

سلّمنا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمره بذلك ، لكنّه لمّا عقد أبو بكر التحريم خرج صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا أحسّ أبو بكر بخروجه عليه‌السلام تأخّر ، وصلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس قاعدا ، فلم يكن أبو بكر بمجرّد التحريم وعقده خليفة في الصلاة خصوصا وقد عزله (١).

سلّمنا أنّه صلّى الصلاة تامة لكن هذا الاستخلاف لا يقتضي الدوام ؛ إذ الفعل لا دلالة له على التكرار إن ثبتت خلافته بالفعل ، وإن ثبتت بالقول فكذلك ، كيف وقد جرت العادة بالنيابة مدة الغيبة والانعزال عند مجيء المستخلف.

سلّمنا لكن لا يقتضي ذلك خلافته بعده ، أمّا أوّلا ؛ فلقوله عليه‌السلام كما رويتم : «صلّوا خلف كلّ برّ وفاجر» (٢) وأمّا ثانيا ؛ فلأنّه لو اقتضى لكان إمّا بمجرد التقديم ، وهو باطل ، وإلّا لكان كلّ من قدّمه في الصلاة إماما وهو باطل ، فإنّه قدّم جماعة عندهم وليسوا أئمّة بعده.

__________________

(١) من قوله : ـ فلم يكن ـ إلى قوله : ـ وقد عزله ـ من ـ خ : (د).

(٢) قال العلّامة محمد سعيد العرفي ـ ذلك الرجل العاقل الغيور ـ في كتابه النفيس سرّ انحلال الأمّة العربية ووهن المسلمين : «صلّوا خلف كلّ بر وفاجر حديث رواه البيهقي بطرق كلّها واهية ومنقطعة ، ولم يثبت منها سند صحيح ، ولكن ساعد على ترويجه الدولة الأموية المعلوم حالها كما قاله الشوكاني في نيل الأوطار فقد التفّ حولهم أناس لا غرض لهم إلّا الطمع النفسي أو أنّ غايتهم نشر الفساد في الأرض ، فعوّدوا المسلمين على أن لا يأنفوا من الصلاة التي هي أعظم القرب إلى الله خلف فاسق لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، ثمّ دامت مشاهدتهم لهذه الطبقة المضرّة الفاسدة حتّى عادوا لا يبالون بمخالطة الفسقة ومساعدتهم ، وأمّا معاملتهم فيرضونها بطريق الأولى ـ إلى أن قال ـ : والعجب أنّ بعض علماء الكلام دافع عن الصلاة خلف الفاجر ، وبالغ في ذلك إلى أن جعل صحّتها من المسائل الاعتقادية ، وهذه عبارة العقائد النسفية بالحرف : «ويجوز الصلاة خلف كلّ بر وفاجر» ... انظر ص ٣٩ ـ ٤٢ الطبعة الثانية دمشق.

وأيضا فإنّ الإمامة ولاية مشتملة على الصلاة وغيرها ، وإثبات جزء الشيء لا يستلزم إثباته بل العكس ، أو لقيد كونه في مرضه فيلزم أن يكون أسامة إماما ؛ لأنّه أمّره على المهاجرين والأنصار وأكّد أمره ، ووجه الدلالة ظاهر ؛ فإنّ الولاية تشتمل على الصلاة وغيرها.

لا يقال : سلّمنا ورود ما ذكرتم ، لكنّا نستدلّ بغير ذلك ، وهو أنّه روي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى وراء أبي بكر.

لأنّا نقول : ذلك باطل ؛ لأنّ (١) أكثر الجمهور ينكره خصوصا ، وقد اختلفت الأمّة أنّه لمّا أخّره هل قرأ من حيث قطع أبو بكر أو استأنف القراءة.

وأيضا إنّهم نقلوا أنّه صلّى خلف عبد الرحمن بن عوف ولم يقل أحد أنّه خليفة بعده.

الرابع : قوله عليه‌السلام وهو روايات.

الأولى : قوله : عليه‌السلام : «اقتدوا بالذين من بعدي : أبو بكر وعمر».

الثانية : روى أنس أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمره أن يبشّر أبا بكر بالجنّة والخلافة بعده ، وأن يبشّر عمر بالجنّة وبالخلافة بعد أبي بكر.

الثالثة : روى جبير بن مطعم أنّ امرأة أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكلّمته في شيء فأمرها أن ترجع إليه فقالت : إن لم أجدك ـ يعني (٢) بعد الموت ـ فقال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر.

الرابعة : روى سفينة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنه : أنّ الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثمّ يصير ملكا عضوضا ، وكان خلافة الشيخين ثلاثة عشر سنة ، وخلافة عثمان اثني عشر سنة ، وخلافة عليّ خمس سنين.

الخامسة : روي أنّ أبا بكر قال : يا رسول الله رأيت كأنّ عليّ برد حبرة (٣) وكان فيه

__________________

(١) فإنّ ـ خ : (د).

(٢) تعنى ـ خ : (آ).

(٣) بردة ـ خ : (آ).

رحمتين ، فقال عليه‌السلام : تلي الخلافة بعدي سنتين إن صدقت رؤياك.

والجواب عن الأولى : من وجوه :

الأوّل : أنّه خبر واحد لا يوجب علما.

الثاني : راويه عبد الملك بن عمر اللخمي وكان فاسقا جريئا على الله ، وهو الذي قتل عبد الله بن يقطر رسول الحسين عليه‌السلام إلى مسلم بن عقيل.

الثالث : أنّ الاقتداء بهما مستحيل ؛ لاختلافهما في كثير من الأحكام.

الرابع : أنّه محرّف ؛ لأنّه عليه‌السلام إنّما قال : أبا بكر وعمر ليكونا مناديين ، كأنّه أمر الناس بالاقتداء بالكتاب والعترة ، ووجّه الخطاب إليهما لعلمه بتغليبهما (١) على الرئاسة نحو (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (٢) وإنّما قلنا ذلك جمعا بين هذا الخبر وبين قوله عليه‌السلام : «إنّي تارك فيكم الثقلين : الأكبر كتاب الله وعترتي» لأنّهما يخالفان العترة في كثير من الأحكام ولا يمكن الاقتداء بهما وبالعترة معا.

الخامس : أنّه لو كان صحيحا لاحتجّ به أبو بكر يوم السقيفة واحتجّ به على طلحة حين قال له : ولّيت علينا فظّا غليظا ، ولما خالفهما غيرهما في كثير من الأحكام.

السادس : أنّ الأمر بالاقتداء بهما لو كان موجبا لخلافتهما لكان أصحابه كلّهم أئمّة ، واللازم باطل إجماعا فكذا الملزوم.

وبيان الملازمة قوله عليه‌السلام : «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم».

وعن الثانية بأنّ أنسا منهم وانحرافه عن علي عليه‌السلام معلوم وردّه يوم الطائر عن الدخول على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وعن الثالثة أنّه إذا لم تجديني فأتي أبا بكر لقضاء حاجتك ، ولفظة «بعد الموت» دسّها الراوي لينال بها مطلوبه.

وعن الرابعة أنّ الإخبار بالخلافة لا يستلزم أن تكون خلافتهم حقّة ؛ لأنّ الإخبار

__________________

(١) بتغلّبهما ـ خ : (د).

(٢) الطلاق ٦٥ : ١.

لم يقع إلّا عن مطلق الخلافة بعد الموت أعمّ من كونها حقّا أو باطلا ، والعام لا دلالة له على الخاص ، أو يكون المراد استمرار الخلافة لشخص واحد ثلاثين سنة وهو علي عليه‌السلام.

ويؤيّده أنّ خليفة الرجل في الحقيقة من استخلفه لا من تغلّب ، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف إلّا عليا عليه‌السلام ، فإن استدلّوا على استخلافه لغيره بهذا الخبر كان مصادرة. هذا كلّه مع تسليم الخبر وأنّه صحيح ، ولكن نحن من وراء المنع (١).

وعن الخامسة بما أجبنا به أوّلا عن الرابعة.

الخامس : قالوا : إنّ الأمّة أجمعت على إمامة أحد الأشخاص الثلاثة ، وهم عليّعليه‌السلام والعباس وأبو بكر ، وبطل القول بإمامة الأوّلين فتعيّن الثالث ، أمّا الإجماع فمشهور مذكور في السير والتواريخ ، وأمّا بطلان القول بإمامتهما ؛ فلأنّه لو كان الحقّ لأحدهما لنازع أبا بكر وناظره ولم يرض بخلافته ، كما نازع أبو بكر الأنصار حين قالوا : منّا أمير ومنكم أمير ، لأنّ الرضا بالظلم ظلم ، لكن كل واحد منهما لم ينازع ولا ناظر بل رضيا بإمامته وبايعاه ، فتعيّن أنّ الحقّ معه ولا يمكن أن يقال : ترك علي عليه‌السلام المنازعة كان خوفا وعجزا وتقية ؛ لأنّه كان في غاية الشجاعة وأكثر صناديد قريش كانوا معه كالحسن والحسين والعباس وغيرهم ، وأبو بكر كان شيخا ضعيفا لا مال له ولا أعوان ، فدلّ على أن ترك منازعتهم كان اعترافا بتقدّمه وكثرة فضائله.

والجواب أمّا شكاية علي عليه‌السلام بسبب أخذ حقّه منه فلا يمكن لعاقل وقف على السير والأخبار دفعها (٢) ، وأنّ الأحاديث بذلك وإن لم تبلغ كل واحد منها حدّ التواتر ، لكنّها تشترك في المعنى الواحد المنقول تواترا ، وأمّا المنازعة والمحاربة فلا شكّ بأنّها لم تقع منه حال عقد البيعة ؛ لأنّه حينئذ كان مشغولا بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مغموما لفقده فلا يحسن منه

__________________

(١) فإنّ الخبر غير صحيح وخبر واحد لا دليل على حجيّته في المقام.

(٢) دفع ذلك ـ خ : (آ) خ ل ـ خ : (د).

ترك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا كفن ودفن (١) لطلب (٢) الخلافة كما فعلوا ، ولا بعد عقد البيعة خوفا وحذرا من ثوران الفتنة حين عدم استقرار الدين وقرب العهد بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع كثرة الأعداء والمنافقين.

وقولكم : إنّ أكثر صناديد قريش كانوا معه حتّى أنّه اجتمع عنده قريبا من سبعمائة من أكابر الصحابة لا يرد علينا. أمّا أوّلا ؛ فلأنّهم لم يبلغوا كثرة تقاوم من بايع أبا بكر من المنافقين وضعفاء الإسلام والأحلام. وأمّا ثانيا ؛ فلأنّ ذلك أدحض لحجّة الخصم ، لأنّه إذا كان معه أكثر الصحابة وأعظمهم كان على الحقّ في دعواه وفي تأخّره عن بيعة أبي بكر ، حتّى أخرج مشبوقا بحمائل سيفه وإلّا لكان أكابر الصحابة ومجتهدوهم على الخطإ والعوام على الصواب ، وذلك باطل.

الثالث : في الطعن على أئمّتهم وهي أقسام :

الأوّل : أبو بكر ، وقد طعن عليه بأمور :

الأوّل : أنّه خالف كتاب الله تعالى في منع إرث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخبر رواه ، وهو قوله: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه فهو صدقة» فهذا صريح في تكذيب الكتاب العزيز في قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) (٣) وفي قصة زكريّا : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي) (٤) وذلك دليل على كذب روايته لقوله : عليه‌السلام : «إذا جاءكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فإن وافق فخذوه وإن خالف فاضربوا به عرض الحائط».

وحمل الآية على وراثة العلم والنبوّة باطل. أمّا أوّلا ؛ فلأنّه حقيقة في إرث المال لغة وشرعا ، فإطلاقه على غيره يكون مجازا لا يصار إليه إلّا بالقرينة وليس ، وأمّا ثانيا ؛ فلأنّه لو أراد وراثة العلم لكان قوله : (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (٥) لغوا ، إذ مع وراثة العلم

__________________

(١) وقبر ـ خ ل ـ خ : (آ) ـ خ : (د).

(٢) يطلب ـ خ : (آ).

(٣) النمل ٢٧ : ١٦.

(٤) مريم ١٩ : ٥ ، ٦.

(٥) مريم ١٩ : ٦.

والنبوة يكون رضيّا ولم يحتجّ إلى سؤاله ، إذ لا يقال : اللهمّ ابعث لنا نبيّا (١) واجعله عاقلا.

الثاني : أنّ فاطمة عليها‌السلام كان قد نحلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «أبوها» فدكا لمّا نزل قوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (٢) كما رواه أبو سعيد الخدري وجماعة ، فلمّا توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذها ، فطلبتها وادّعت النحلة فلم يصدّقها ، وقد شهد لها عليّ عليه‌السلام وأمّ أيمن ، فلمّا آيست من ذلك ادّعت الإرث فروى لها الخبر الأوّل (٣) فقد ارتكب هنا مناكير :

الأوّل : تكذيبه لفاطمة عليها‌السلام مع دلالة القرآن على عصمتها (٤).

الثاني : إيذاؤه إيّاها بردّ دعواها حتّى ماتت ساخطة عليه وعلى صاحبه ، وأوصت أن لا يصلّي عليها أبو بكر ولا عمر ودفنت ليلا ، مع قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) : «فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها ، من آذى فاطمة فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله» وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) (٦).

الثالث : ردّ شهادة عليّ عليه‌السلام مع دلالة القرآن على عصمته.

الرابع : أنّه صدّق أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في ادّعاء الحجرة لهنّ ، فأمّا من جهة الإرث فقد ناقض قوله : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» أو من جهة التمليك فقد قبل قولهن من غير بيّنة وفاطمة عليها‌السلام كانت أولى بذلك (٧).

__________________

(١) ملكا ـ خ : (آ) والأرجح ما أثبتناه من ـ خ : (د) فإنّ على نسخة (آ) الدعاء صحيح فإنّ أكثر (...) من السفهاء.

(٢) الإسراء ١٧ : ٢٦ ؛ الروم ٣٠ : ٣٨.

(٣) وهو قوله : نحن معاشر الأنبياء إلخ.

(٤) في آية التطهير وغيرها.

(٥) مع أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ـ خ : (آ).

(٦) الأحزاب ٣٣ : ٥٧. وأمّا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة بضعة الخ ... فراجع كتب الحديث المعتبرة للفريقين.

(٧) وقد استدلّ بعضهم بآية : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) من نسبة البيوت إليهنّ على أنّ البيوت كانت ملكا لأزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لإضافة البيوت إليهنّ ، وبعض مفسّريهم مال إلى الاستدلال بها على أنّ عائشة كانت مالكة لحجرتها وقال : إنّ إضافة البيوت إليهنّ يشير إلى التمليك ، وبعض جهّالهم ظنّ أنّ البيت لعائشة بإضافته إليها في المحاورات.

الثالث : أنّ عليّا عليه‌السلام وجماعة لمّا امتنعوا من البيعة والتجئوا إلى بيت فاطمة عليها‌السلام منكرين ببيعته ، بعث إليها عمر حتّى ضربها على بطنها وأسقطت سقطا اسمه محسن ، وأضرم النار ليحرق عليهم البيت وفيه فاطمة عليها‌السلام وجماعة من بني هاشم ، فأخرجوا عليّاعليه‌السلام قهرا بحمائل سيفه يقاد.

لا يقال : هذا الخبر يختصّ الشيعة بروايته ، فيجوز أن يكون موضوعا للتشنيع به عليه.

لأنّا نقول : ورد أيضا من طريق الخصم ، رواه البلاذري وابن عبد البرّ وغيرهما (١) ويؤيّده قوله عند موته : ليتني تركت بيت فاطمة لم أكشفه.

الرابع : أنّه روى يوم السقيفة الأئمة من قريش ، ثمّ إنّه عند موته قال : ليتني سألت

__________________

ـ ويردّه أنه من باب قوله تعالى : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) أضاف البيوت إليهن لاختصاصهن بسكناها ؛ لأنّ الإضافة تكفي فيها أدنى ملابسة ، والمراد من البيوت هو بيوت الأزواج وأضيفت إلى الزوجات بملابسة السكنى ، فإنّها لو كان ملكا لهن لما جاز إخراجهنّ عند الفاحشة ، وقد أباح الله تعالى إخراجهن عند إتيانهن بالفاحشة بقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ).

فكذا الحال في إضافة البيت إلى عائشة في المحاورات. وأضف إلى ما ذكرنا أنّ قوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) معارض بقوله تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) في الاستعمال الحقيقي أو المجازي ، وهي صريحة في نسبة البيوت إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وظاهرة في ملكه لها ؛ إذ شأن الرجال ملك مساكنهم كما هو الغالب ، بخلاف النساء ولا سيما ذوات الأزواج ، ومجرد إضافة البيوت إليهنّ لا تستلزم الانتقال إليهن كما هو واضح ، فظهر أنّ النسبة في قوله تعالى : (وَقَرْنَ ...) وقوله تعالى : (مِنْ بُيُوتِهِنَّ ...) مجازية وأمّا في قوله تعالى : (بُيُوتَ النَّبِيِّ) حقيقة ، مضافا إلى ما يستفاد من الأحاديث المروية في كتب أهل السنة : أنّ البيوت كانت ملكا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله. فقد روى الطبري في تاريخه : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا غسّلتموني كفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري». انظر ، ج ٢ ، ص ٤٣٥ طبعة مصر سنة ١٣٥٧ ، ونظير هذا الخبر كثير في كتبهم وصحاحهم ، فراجع.

(١) انظر تاريخ الطبري ، ج ٣ ، ص ٢٠٢ طبعة دائرة المعارف ؛ الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ، ص ١٢ ؛ شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١ ، ص ١٣٤ ؛ أعلام النساء ج ٣ ، ص ١٢٠٥ ؛ الإمام علي عبد الفتاح ج ١ ، ص ٢٢٥ ، العقد الفريد ج ٤ ، ص ٢٥٩ طبعة مصر سنة ١٣٦٣ ؛ تلخيص الشافي للشيخ (ره) نقلا عن البلاذري ج ٣ ، ص ٧٦ طبعة النجف وص ١٥٦.

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هل للأنصار في هذا الأمر حقّ؟ وبين القولين تناقض ، وكذا قوله : ليتني في ظلّة بني ساعدة ضربت على يد أحد الرجلين فكان هو الأمير وكنت الوزير وهذا يدلّ على شكّه في كونه محقّا في خلافته وتقدّمه وتندّمه على دخوله فيها.

الخامس : أنّه خالف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في أمور.

الأوّل : أنّه تخلّف عن جيش أسامة مع أمره عليه (١) بقوله : «نفذوا جيش أسامة» يكرّر ذلك ، وكان أبو بكر وصاحباه من جملة الجيش كما ذكره أصحاب السير وذكره البلاذري ، والأمر للوجوب ـ كما تقرّر في أصول الفقه ـ وانضمّت إليه قرائن تدلّ على الفور فيكون المخالف عاصيا ، هذا مع أنّهم علموا أنّ القصد في إنفاذهم توطئة الأمر لعليعليه‌السلام.

الثاني : أنّه استخلف عمر بعد موته ، وعندهم أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مات ولم يستخلف ، فقد خالفه.

الثالث : أنّه ولى عمر والحال أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يولّه إلّا في خيبر ورجع منهزما ، وولّاه مرّة أخرى في جباية الصدقة فشكاه العبّاس ، فعزله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

السادس : أنّه قال «أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم» فإن كانت الخلافة له بحقّ فاستقالته معصية ، وإن لم تكن بحق فذلك أعظم لما سمع أنّه قال : «إن أسقمت فأعينوني وإن اعوججت فقوّموني إنّ لي شيطانا يعتريني».

السابع : أنّ عمر صاحبه يشهد أنّ بيعته «كانت فلتة وقي الله المسلمين شرّها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه» والفلتة في اللغة : الزلّة والبغتة. والمراد (٢) هو الأوّل لقوله : «وقي الله المسلمين شرّها» ولذلك قال عمر : «والهفاه على ضئيل (٣) بني تيم بن مرّة لقد تقدّمني ظالما وخرج إليّ منها آثما (٤)».

__________________

(١) مع علمه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ خ : (آ).

(٢) ومراده ـ خ : (آ).

(٣) ضهيل ـ خ : (د).

(٤) فقال له المغيرة : هذا تقدّمك ظالما قد عرفناه فكيف خرج إليك منها آثما؟ قال : ذلك إنّه لم يخرج إليّ منها ـ

الثامن : أنّه لم يكن عارفا بالأحكام حتّى أنّه قطع يسار سارق وأحرق الفجاءة السلمي بالنار ، وقال عليه‌السلام : «لا يعذّب بالنار إلّا ربّ النار» وسئل عن الكلالة فقال : «أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمنّي ومن الشيطان» وسألته امرأة عن ميراث الجدّة فقال : «لا أجد لك في كتاب الله ولا سنة نبيه شيئا» فأخبره المغيرة ابن شعبة ومحمد بن مسلمة (١) أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاها السدس وكان يضطرب في أحكامه ويستفتي الصحابة.

التاسع : أنّ خالد بن وليد قتل مالك بن نويرة وضاجع امرأته في ليلته ، فلم يحدّه على الزنا ولا قتله قصاصا ، فأنكر عليه عمر ذلك وقال : اقتله فإنّه قتل مؤمنا ، فلم يلتفت إليه وقال : لا أغمد سيفا سلّه الله على الكفّار. ولا ريب أنّ مالكا كان مؤمنا ولم يمنع الزكاة إلّا ليتبيّن له أنّ الحقّ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من يستحقّه ، فلم يكن مرتدّا يستحقّ القتل ، وروي أنّ عمر لمّا تولّى جمع بين عشيرة مالك ، واسترجع ما وجد عند (٢) المسلمين من أولادهم وأموالهم ونسائهم ، حتّى ردّ بعض نسائهم من نواحي دمشق وهنّ حوامل فردّهن على أزواجهنّ.

العاشر : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل معه أشياء تدلّ على عدم صلاحيته للإمامة ، فإنّه ولى عليه أسامة ، والوالي أفضل من المولى عليه ، ولم يولّه عملا ليعلم بذلك صلاحيته للولاية بل ولّاه مرّتين ليعلم بهما عدم صلاحيته : أحدهما : خيبر فرجع منهزما يجبّن أصحابه ويحنونه ، وثانيهما : سورة براءة فنزل الوحي بردّه وعزله وأخذ السورة منه.

الثاني : الطعن على عمر بن الخطاب بأمور :

الأوّل : أنّه لمّا مات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : والله ما مات محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولن يموت حتّى يقطع

__________________

ـ إلّا بعد اليأس منها ، أما والله لو كنت أطعت زيد بن الخطاب وأصحابه لما تملمص من حلاوتها بشيء أبدا ، ولكن قدّمت وأخّرت وصعدت وصوّبت وأنقضت وأبرمت ، ولم أجد إلّا غضا له على ما تشبّث فيه منها ، هذا وتمام الحديث يدلّ على أن عمر كان كارها لخلافته ولم يرض بها إلّا ظاهرا هامش ـ خ : (آ).

(١) مسلم ـ خ : (د).

(٢) مع ـ خ : (د).

أيدي رجال وأرجلهم ، فتلا عليه أبو بكر : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (١) فقال : أيقنت كأنّي لم أسمع هذه الآية ، فإن كان منكرا لموته أصلا فهو ممّا لم (٢) يشكّ في جهالته وتوجّه الطعن عليه ، وإن كان منكرا لموته في ذلك الوقت كما دلّ عليه قوله : حتّى يقطع ... إلى آخره ، فلا تكون الآية دليلا عليه ، فإنّها تدلّ على موته مطلقا وكان ينبغي أن يقول لأبي بكر : إنّي ما منعت موته مطلقا وإنّما منعته الآن ، لكن لم يقل ذلك وهو دليل على جهالته أيضا.

الثاني : أنّه أمر برجم امرأة حامل فقال له معاذ : إن يكن لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها فرجع عن حكمه ، فإن كان ذلك مع جهله بعدم رجم الحامل فلا يصلح للخلافة ، وإن كان مع جهله بحملها فكان ينبغي له أن يسأل ، فإنّ الحمل أحد موانع الرجم وكان ينبغي لمعاذ أن يقول : هي حامل ولا يقول : إن يكن عليها سبيل.

الثالث : أنّه أمر برجم مجنونة فنبّهه عليّ عليه‌السلام وقال له : رفع القلم عن ثلاثة ، فقال: لو لا علي لهلك عمر ، وتوجيهه كما تقدّم.

الرابع : أنّه قال يوما في خطبته : «من غالى في مهر امرأته جعلته في بيت المال» فقالت امرأة : لم تمنعنا ما فرضه الله لنا بقوله : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) (٣) فقال : كلّ أفقه من عمر حتّى المخدّرات.

الخامس : أنّه فضّل عائشة وحفصة في العطاء من بيت المال ، وكان يعطيهما كلّ سنة عشرة آلاف درهم ويعطي الباقيات خمسة آلاف من غير دليل ، ولم يفعل ذلك أبو بكر ولا عثمان ، ولذلك طعنت عائشة على عثمان وقالت : اقتلوا نعثلا.

السادس : أنّه اقترض من بيت المال ثمانين ألف درهم وليس له ذلك إلّا بإذن جميع المسلمين ؛ لأنّ لكل واحد منهم حقّا (٤).

__________________

(١) الزمر ٣٩ : ٣٠.

(٢) لا ـ خ : (آ).

(٣) النساء ٤ : ٢٠.

(٤) كان عمر عالما بأنّ لعموم المسلمين حقّا في بيت المال ، ولكن لمّ لم يستأذن في ذلك كما استاذن في أخذ ـ

السابع : أنّه منع أهل البيت عليهم‌السلام من خمسهم مع دلالة القرآن على وجوبه لهم.

الثامن : أنّه لم يكن عارفا بالأحكام حتّى أنّه قضى في الجدّ بمائة (١) قضية متنافية ، وقيل : تسعين.

التاسع : أنّه فضّل في العطاء والقسمة والواجب التسوية (٢).

__________________

ـ العسل الموجود فيه ورقى المنبر واستأذن منهم في أخذه وأكله لمرضه؟ وإنّما لم يستأذن من المسلمين في أخذ ثمانين ألف درهم فإنّه لم يكن للعسل أهمية في نظر المسلمين ، وكانوا يأذنونه في أكله ، وأما ثمانين ألف درهم كان أمرا مهما فإن كان عمر أظهر أخذها من بيت المال لم يكونوا يأذنون له بأخذها ، فلم يستأذن منهم فأخذها من غير إذن منهم فأنكروا عليه ذلك ، فقال أخذته على جهة القرض ومات وعليه لبيت مال المسلمين ثمانون ألف درهم.

(١) بثمانين ـ خ : (آ) وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : إنّه كان يتلوّن في الأحكام حتّى روي أنّه قضى في الجدّ بسبعين قضية ، وروي مائة قضية ـ ج ٤ ص ١٦٥ طبعة مصر قديم. أخرج البيهقي في سننه الكبرى ج ٦ ، ص ٢٤٥ عن عبيدة قال : إنّي لأحفظ عن عمر في الجدّ مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا ، وعن ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١ ـ ٦١ طبعة مصر قديم : كان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثمّ ينقضه ويفتي بضدّه وخلافه. قضى في الجدّ مع الأخوة قضايا كثيرة مختلفة ثمّ خاف من الحكم في هذه المسألة فقال : من أراد أن يقتحم جراثيم جهنّم فليقل في الجدّ برأيه ... ومثله عن المتقي في كنز العمال ج ٦ ، ص ١٥ كتاب الفرائض ، وفي المبسوط للسرخسي ج ٢٩ ، ص ١٨٠ : والصحيح أنّ مذهب عمر رضي الله عنه لم يستقرّ على شيء في الجدّ ، وقال الشيخ الأعظم الطوسي (ره) في تلخيص الشافي : وممّا طعنوا عليه : أنّه كان يتلوّن في الأحكام حتّى روي : أنه قضى في الجدّ سبعين قضية وروي مائة قضية : ج ٤ ، ص ٢٥ طبعة النجف.

فالقارئ الكريم بعد المعرفة بما نقلناه تعرف ما وقع في عبارة التجريد وشروحه من التصحيف ، قال في التجريد : وقضى في الحدّ بمائة قضيب ، وقال العلامة (ره) : فقضى في الحدّ بمائة قضيب وروي تسعين قضيبا. انظر إلى كشف المراد ، ص ٢١٢ طبعة اصفهان ـ وشرح التجريد للقوشجي ، ص ٤٠٨ طبعة تبريز وص ... خط «كلب علي» طبعة سنة ١٢٨٥ ، ويحتمل أن يكون ما في التجريد إشارة إلى حدّ شرب الخمر ، ولكن الظاهر هو ما ذكرناه فإنّ في حدّ الشرب حكم عمر بثمانين تارة وبأربعين أخرى لا بمائة.

(٢) وقد أوجز المصنف (ره) الكلام في المقام ، وقد ترتّبت لعمل عمر هذا نتائج سيئة مهمة في العالم الإسلامي ، وقد سوّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بين المسلمين في العطاء فلم يفضل أحدا منهم على أحد ، وجرى على مبدأ التسوية في العطاء أبو بكر مدّة خلافته ، أمّا عمر فقد جرى حين فرض العطاء في سنة عشرين للهجرة على مبدأ التفضيل «ففضّل السابقين على غيرهم ، وفضّل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين ، وفضّل المهاجرين كافة على الأنصار كافة ، وفضّل العرب على العجم ، وفضّل الصريح على المولى» ابن

العاشر : أنّه قال على رءوس الملأ : «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما» وكيف يجوز له النهي والعقاب على ما كان في عهده عليه‌السلام؟

الحادي عشر : أنّه خرق كتاب فاطمة عليها‌السلام ، وذلك أنّه لما طالت المنازعة بينها وبين أبي بكر ردّ عليها فدكا ، وكتب لها كتابا فخرجت والكتاب في يدها (١) فلقيها عمر

__________________

ـ أبي الحديد : شرح النهج ، ج ٨ ، ص ١١١ وفضّل مضر على ربيعة ففرض لمضر في ثلاثمائة ولربيعة في مائتين ـ تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ، ص ١٠٦ «وفضّل الأوس على الخزرج» فتوح البلدان ص ٤٣٧. وقد ولّد هذا المبدأ فيما بعد أسوأ الآثار في الحياة الإسلامية ، حيث إنّه وضع أساس تكوّن الطبقات في المجتمع الإسلامي ، وجعل المزيّة الدينية من سبل التفرق المادي وزوّد الارستقراطية القرشية التي مكّنت لنفسها من جديد بتمكن أبي بكر من الحكم بمبرّر جديد للاستعلاء والتحكّم بمقدّرات المسلمين ، فجميع اعتبارات التفضيل تجعل القرشيين أفضل في العطاء من غير القرشيين ، وهذا يعني أنّ قريشا هي أفضل الناس ؛ لأنّها قريش وكفى بهذا مبرّرا للتحكّم والاستعلاء.

وقد كوّن هذا المبدأ سببا جديدا من أسباب الصراع القبلي بين ربيعة ومضر وبين الأوس والخزرج ، بما تضمّن من تفضيل سائر مضر على سائر ربيعة وتفضيل الأوس على الخزرج ، ونظنّ أنّ هذا المبدأ قد أرسى أوّل أساس من أسّس الصراع العنصري بين المسلمين العرب وغيرهم من المسلمين ، بما جرى عليه عمر من تفضيل العرب على العجم والصريح على المولى ، وكان عمر قد أدرك في آخر أيامه الأخطار السياسية والاجتماعية التي يؤدّي إليها مبدؤه هذا ، كما يدلّ على ذلك بعض كلماته المأثورة عنه ، وقد أعلن عزمه على الرجوع إلى المبدأ النبوي في العطاء فقال : «إنّي كنت تألّفت الناس بما صنعت في تفضيل بعض على بعض ، وإن عشت هذه السنة ساويت بين الناس فلم أفضّل أحمر على أسود ولا عربيا على عجمي ، وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر». الطبري في أحداث سنة ٢٣ ، ولكن عمر قتل قبل أن يرجع عن هذا المبدأ ، فجاء عهد عثمان وسار عليه فظهرت آثاره الضارة في الحياة الإسلامية ، وكان من أهمّ العوامل التي مهّدت للفتنة بين المسلمين.

وقد كشف الفاضل المعاصر بالبحث والتنقيب والتحليل الصحيح عن النتائج والآثار الضارّة التي ترتّبت علي تفضيل عمر في العطاء في كتابه ثورة الحسين المطبوع ببيروت الطبعة الثالثة سنة ١٣٩٣ ، فراجع حتى ينكشف لديك ما ترتّب على عمل عمر هذا من المفاسد والمخازي التي لا يسدّها شيء ، بل بقيت آثار هذا المبدأ إلى اليوم على خلاف من قوانين الإسلام المقدّسة وعلى نقيض من التساوي الحقيقي الذي جاءت به الشريعة المطهّرة وعمل به صاحب الرسالة الكريمة في أيام حياته المباركة.

(١) معها ـ خ : (آ).

وسألها عن شأنها فقصّت (١) قصّتها فأخذ منها الكتاب وخرقه ، فدعت عليه ودخل على أبي بكر فعاتبه ، واتّفقا على منعها (٢).

الثاني عشر : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قال عند موته : آتوني بدواة وكتف أكتب كتابا لا تضلّون بعدي وقال : إنّ الرجل ليهجر ، كفانا الكتاب ، فاختلف أهل المجلس حتّى قال بعضهم : القول ما قال رسول الله ، وبعضهم : القول ما قال عمر ، وكثر النزاع واللغطة (٣) حتّى غضب صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : قوموا عنّي.

والطعن من وجهين : أحدهما : قوله : إنّ الرجل ليهجر ، ومعنى اللفظ : إنّه ليهذي ، حاشاه من ذلك ، وفي بعض الروايات ليهذي (٤). وثانيهما : ردّه ومخالفته له ، وهو يدلّ على أنّه أعرف منه بالمصلحة وكذبه في ذلك.

__________________

(١) عليه القصة ـ خ : (آ).

(٢) انظر إلى كتاب سليم بن قيس الهلالي رحمه‌الله تعالى وانظر إلى تلخيص الشافي للشيخ الطوسي (ره) ج ٣ ، ص ١٢٥ طبعة النجف والاحتجاج للطبرسي (ره) وغير ذلك من المصادر المعتبرة.

(٣) بالغين المعجمة والطاء المهملة بالتحريك والتسكين الصوت والجلبة وأصوات مبهمة لا تفهم.

(٤) وفي لفظ آخر : قد غلب عليه الوجع ، وفي لفظ الشهرستاني : قد غلبه الوجع ـ الملل والنحل ، ج ١ ، ص ١٤. ولما كان قوله : ليهجر في أعلى مراتب القبح والاستهجان والدلالة على الكفر وعدم الإيمان بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد بدّل بعض أتباع عمر العبارة بقوله : قد غلب عليه الوجع ، ولكنّ المسكين لم يعلم أنّ النتيجة في العبارتين واحدة ، وهي نسبة الهذيان ـ وهو النطق بما لا يفهم ـ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وذهاب العقل إليه بواسطة الوجع العارض له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا فائدة في تغيير العبارة ، وفي لفظ آخر : فقال عمر : ما له أهجر؟ صرّح بذلك ابن تيمية في منهاجه ، ج ٣ ، ص ٢١٢. وفي حديث البخاري في باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد : فقالوا : هجر رسول الله ، ومن حديثه في باب إخراج اليهود من جزيرة العرب من قولهم : ماله أهجر؟ استفهموه ، ونحوه حديث مسلم في صحيحه ج ٥ ، ص ٧٥ وأحمد بن حنبل في المسند ، ج ١ ، ص ٢٢٢ ومن حديث مسلم أيضا في كتاب الوصية ج ٥ ، ص ٧٦ وأحمد في المسند ج ١ ، ص ٣٥٥ قالوا : إنّ رسول الله يهجر ، وفي قول البخاري : باب قول المريض : قوموا عنّي من إساءة الأدب ما لا يخفى ، فكان ينبغي له أن يقول : باب قول رسول الله : قوموا عنّي نعم تبع البخاري لإمامه عمر في إساءة الأدب. قال الشهرستاني : «أوّل شبهة وقعت في الخليفة شبهة إبليس» ج ١ ، ص ٦ وأول اختلاف وقع في الإسلام مخالفة عمر في مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ائتوني بدواة وقرطاس ... قال عمر : قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله ... قال ابن عباس : الرزية ... كلّ الرزية ... انظر ص ١٤.

الثالث عشر : أنّه لمّا حضرته الوفاة وأشير عليه بالوصية ، فقال : ادعوا لي عليّا وعثمان وطلحة والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف (١) ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مات وهو راض عن هؤلاء الستّة أريد أن أجعلها شورى بينهم ، فلمّا حضروا قال لطلحة : أما إنّي أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد وائبا (٢) بالذي حدث لك ، ولقد مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم نزلت آية الحجاب (٣) ، وقال لعلي عليه‌السلام : لله أنت لو لا دعابة فيك ، أما والله لئن ولّيتهم لتحملنّهم على الحقّ الواضح والمحجّة البيضاء ، وقال لسعد : إنّما أنت صاحب نصب (٤) مقنب وأسهم (٥) وأين زهرة والخلافة (٦) وقال لعبد الرحمن : لا يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك وما زهرة وهذا الأمر؟! ووصف الزبير بالبخل وأنّه يوما إنسان ويوما شيطان.

ثمّ أقبل على عثمان وقال قائلا : كأنّي (٧) بك قد قلّدتك قريش هذا الأمر لحبّها إيّاك (٨) فحملت بني أمية وبني معيط على رقاب الناس ، فسارت إليك ذؤبان العرب فذبحوك ، والله إن فعلوا لتفعلنّ ولئن فعلت ليفعلنّ بك (٩) ثمّ قال لأبي طلحة الأنصاري : إذا دفنت كن مع خمسين رجلا من الأنصار ، واحمل هؤلاء الستة على

__________________

(١) وسعد بن أبي وقّاص ـ خ : (د) والظاهر أنّه زائد.

(٢) وائبا : غاضبا.

(٣) الكلمة المذكورة أنّ طلحة لمّا نزلت آية الحجاب قال : إن قبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لننكحنّ أزواجه من بعده ، فما جعل الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بأحقّ ببنات عمّنا ـ فأنزل الله تعالى فيه : «وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا» قال الجاحظ : لو قال لعمر قائل : أنت قلت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مات وهو راض عن الستة ، فكيف تقول الآن لطلحة : إنّه مات عليه‌السلام ساخطا عليك للكلمة التي قلتها ـ لكان قد رماه بمشاقصه ، ولكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا فكيف هذا؟!.

(٤) نصب ـ خ : (د).

(٥) صاحب مقنب من هذه المقانب تقاتل به وصاحب قنص وقوس وأسهم وما زهرة والخلافة ... شرح النهج لابن أبي الحديد. المقنب : جماعة الخيل.

(٦) وما زهرة ـ شرح النهج قبيلة سعد بن أبي وقّاص.

(٧) هيها إليك ـ شرح النهج.

(٨) لك ـ خ ل ـ خ : (د).

(٩) بك ـ خ : (د).

التشاور والاتفاق على واحد منهم ، فإن خالف (١) واحد منهم فاضرب عنقه ، وإن خالف اثنان فاضرب أعناقهما ، وإن خالف ثلاثة فاضرب أعناق الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن ، وإن مضى ثلاثة أيّام ولم يتّفقوا على واحد فاضرب أعناق الجميع ، ودع المسلمين وشأنهم.

والردّ عليه هنا في أماكن :

الأوّل : جعل الشورى طريقا إلى الإمامة ، وهو أمر ابتدعه من غير كتاب ولا سنة.

الثاني : أنّه وصف عليا عليه‌السلام بما يقتضي تعيينه للإمامة وكان (٢) يجب أن ينصّ عليه ، وجعل الدعابة مانعا ليس شيء ، لأنّه سمّى حسن الخلق دعابة ، لما كان هو (٣) عليه من شراسة الخلق وشكاسته. والحقّ أنّ حسن الخلق من مقوّمات الإمامة ، وقد وصف الله سبحانه وتعالى نبيّه في قوله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤).

وإن أراد المزاح بالباطل فهو منفيّ عنه عليه‌السلام ؛ لما روي عنه عليه‌السلام أنّه قال : «ما مزح امرئ مزحة إلّا مجّ من عقله مجّة» على أنّ المزاح بالحقّ من سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما ورد (٥) أنّه يمزح ولا يقول إلّا حقّا.

الثالث : أنّه قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مات وهو راض عنهم ، ثمّ قال لطلحة : إنّه مات وهو ساخط عليك ، وهو تناقض (٦).

__________________

(١) فإن خالفك ـ خ : (آ) فكذا في الموضعين الآتيين.

(٢) ينبغي ـ خ ل ـ خ : (د).

(٣) أي عمر من سوء الخلق.

(٤) القلم ٦٨ : ٤.

(٥) روي ـ خ : (آ).

(٦) القول المتناقض لا يصدر عن عاقل ، ولعلّه هجر وغلب عليه وجع ضربة أبو لؤلؤ عند التكلّم بهذا الكلام المتناقض ، تكلّم هو في حقّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الكلام الشائن المقذع كما عرفت ، ولكن ما لسبب أنّ عمر لم يقل ذلك في حقّ أبي بكر؟ لما مرض وآيس من حياته دعا عثمان وأملى عليه كتاب العهد لعمر ، فقال : اكتب هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا عنها ... إنّي استخلفت ... ولما انتهى أبو بكر إلى هذا الموضع ضعف ورهقته غشيته فكتب عثمان : وقد استخلف عمر بن الخطّاب فأمسك حتّى أفاق أبو بكر قال أكتبت شيئا؟ قال : نعم كتبت عمر بن الخطاب قال : رحمك الله أما لو كتبت نفسك لكنت ـ

الرابع : أنّه أمر بقتل الجماعة ، وهم أعيان الصحابة من غير موجب.

الخامس : أنّه قصد بحيلة الشورى العدول بالأمر عن عليّ عليه‌السلام من حيث لا يشعر به ، روى الطبرسي أنّهم لما خرجوا من عند عمر لقي عليّ عليه‌السلام العبّاس ، فقال قد عدل بالأمر عنّي يا عمّ قال : وما يدريك؟ قال : قرن بي عثمان وقال : كونوا مع الأكثر فإن رضي رجلان رجلا ورجلان رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن ، وسعد لا يخالف ابن عمّه وعبد الرحمن صهر عثمان فيولّيها أحدهما الآخر ، فلو كان الآخران معي لم يغنيا عنّي شيئا ، وفيه مطاعن أخر هذه أشهرها.

الثالث : الطعن على عثمان بأمور :

الأول : أنّه بويع على كتاب الله وسنة نبيّه ، وأن يسير بسيرة الشيخين ولم يفعل.

الثاني : أنّه ولى أمور المسلمين من لا معرفة له بالأمور وهو فاسق ، كاستعمال الوليد بن عقبة (١) على الكوفة حتّى شرب الخمر وسكر ، ودخل عليه من نزع خاتمه من إصبعه وهو لا يحسّ وصلّى بهم وهو سكران ، وقال : تريدون أن أزيدكم؟ قالوا : لا ، قد صلّينا صلاتنا ، وكاستعمال سعيد بن العاص على البصرة حتّى ظهر منه ما لأجله أخرج.

واستعمل عبد الله بن أبي سرح على مصر فلما تظلّموا منه صرفه عنهم وولى محمد بن أبي بكر ، ثمّ كاتب عبد الله : أن استمر على ولايتك ، وقيل : إنّه كاتبه بقتل محمد بن أبي بكر وأصحابه ممّن يرد منهم عليه ، فظفر بالكتاب وجرى عليه لذلك ما جرى.

الثالث : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد طرد الحكم بن العاص عن المدينة لأمور

__________________

ـ لها أهلا ، فاكتب قد استخلفت عمر بن الخطاب ... انظر تاريخ الخميس للديار بكري ، ج ٢ ، ص ٢٤١ طبعة مصر سنة ١٢٨٣ والمصادر الأخرى.

والقارئ الفطن يدري سبب عدم تكلّم عمر في حقّ أبي بكر بالكلام الذي تكلّم به في حقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله.

(١) هو وليد الفاسق المشهور بنصّ القرآن الكريم في قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) الآية.

صدرت منه ، ثمّ لم يرده أبو بكر ولا عمر ، فلمّا ولي ردّه وقرّبه وأعطاه مائة ألف درهم واستوزر ابنه مروان وسلّطه على رقاب الناس.

الرابع : أنّه أعطى أقاربه من بيت مال المسلمين ما لا يجوز ، فأعطى مروان خمس إفريقية وعبد الله بن خالد بن أسيد أربعمائة ألف درهم ، وأقطع الحارث بن الحكم موضع سوق بالمدينة يعرف بمهزور (١) ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد تصدّق به على المسلمين ، وأقطع مروان فدكا ملك فاطمة عليها‌السلام ، وأعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله من مال إفريقية بالمغرب ، وأعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف درهم من بيت المال ، في اليوم الذي أمر لمروان فيه بمائة ألف وقد كان زوجه ابنته أمّ أبان (٢) وزوج ابنته عائشة الحارث بن الحكم وأعطاه مائة ألف درهم من بيت المال.

الخامس : أنّه آذى كبار الصحابة ، فضرب عبد الله بن مسعود حتّى كسر بعض أضلاعه ومات وأحرق مصحفه ، وضرب عمّارا حتّى أصابه فتق ، وضرب أبا ذر ونفاه إلى الربذة.

السادس : أنّ عبيد الله بن عمر (٣) توهّم أنّ الهرمزان قتل أباه ، وكان قد أسلم فقتله ولم يقتص منه عثمان ، فلمّا ولي علي عليه‌السلام هرب منه إلى معاوية (٤) ولمّا ثبت على الوليد شرب الخمر أراد سقوط الحدّ عنه فحدّه علي عليه‌السلام ، وقال : لا يسقط حدّ الله وأنا حاضر.

السابع : أنّه حمى لنفسه ومنع المسلمين وهو مناف للشريعة ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الناس في الماء والكلاء شرعا سواء.

__________________

(١) بفتح أوّله وسكون ثانيه ثمّ زاء مضمومة وواو ساكنة وراء. كان قد تصدّق به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان وفي ـ خ : (د) مهرور بالراء المهملة وهو تصحيف.

(٢) أمان ـ خ : (د) وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه من خ : (آ) وراجع كتاب نسب قريش للزبيري ص ١٠٤ ـ ١٠٥ والمعارف لابن قتيبة ص ١٩٨ طبعة دار الكتب.

(٣) في نسخة : (د) و (آ) عبد الله ، والصحيح عبيد الله.

(٤) وقتل عبيد الله في صفين.

الثامن : أنّه لبس خاتما من الذهب وجعل على بابه حجابا ، وهو خلاف سيرة من تقدّمه (١).

التاسع : أنّه حمل الناس على قراءة زيد ، وأحرق المصاحف وأسقط ما شكّ أنّه قرآن(٢).

العاشر : الأمر الجامع لحاله أنّ أهل البصرة والكوفة ومصر اجتمعوا عليه وحصروه وقتلوه بعد أن أوردوا عليه أحداثه ، وكان بالمدينة كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار ولم ينصروه بل خذلوه ، ولو أرادوا المدافعة عنه لفعلوا ، وذلك دليل على اعتقادهم خطأه ، وأنّهم راضون بما جرى عليه حتّى أنّ عليّا عليه‌السلام قال : الله قتله وأنا معه ، أي مع الله ، ولم يدفن إلّا بعد ثلاثة أيّام (٣).

فهذه نبذة ممّا ورد (٤) من مطاعنه ، وإذا كان حال هؤلاء الثلاثة كذلك فكيف يجوز لمسلم (٥) اعتقاد خلافتهم ، وأنّهم نوّاب الله في أرضه (٦).

الرابع : في أحوال محاربي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولا خلاف بين الإمامية في كفرهم ؛ لقوله عليه‌السلام : «حربك يا عليّ حربي وسلمك سلمي» والمراد حربك مثل حربي ، ولا شكّ أنّ محارب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كافر وكذا محارب عليّ عليه‌السلام ، وهم الناكثون والقاسطون

__________________

(١) بل هو سيرة الملوك الجبابرة الغشمة الذين سوّدوا وجه تاريخ البشرية بجناياتهم الفجيعة وأعمالهم الشنيعة وبإيذائهم الأنبياء والأولياء والأئمّة والعلماء الحقّة ، واقتدى بعثمان في سيرته أسرته بني أمية ولا سيما معاوية وسخله يزيد القرود والخمور أعداء الاسلام والقرآن ، وهم الشجرة الملعونة في الفرقان ، لعن الله تعالى أتباعهم وأشياعهم من الأوّلين والآخرين.

(٢) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٣) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٤) أورد ـ خ : (آ).

(٥) المسلم ـ خ : (د).

(٦) وكيف يجوز لمسلم حيّ متيقّظ أن يعتقد أنّهم أولي الأمر الذين أمرنا الله تعالى بفرض طاعتهم وقرن طاعتهم بطاعته وأوجب علينا الاعتقاد بإمامتهم ، أهم أئمة يهدوننا إلى الله تعالى كما وصف الله تعالى الأئمة في القرآن الكريم بهذه الصفة الكريمة؟ وقد قسم القرآن الأئمة قسمين ، فقسم منهم يدعون الناس إلى الله تعالى ويهدونهم إلى أمر الله ، وقسم آخر يدعونهم إلى النار وإلى دار البوار ، فهؤلاء الثلاثة من أي القسمين حينئذ؟

والمارقون الذين أخبره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه سيقاتلهم ، وهم أصحاب الجمل ومعاوية وأصحابه والخوارج.

لا يقال : لو كانوا كفّارا لأتبع مدبرهم وأجهز على جريحهم وسبي ذراريهم واستباح أموالهم.

لأنّا نقول : أحكام الكفّار مختلفة فإنّ الذمّي كافر كالحربي ، وليس حكمه حكمه ، وعند الزيدية وأكثر المعتزلة أنّ أصحاب الجمل فسقة ، وقال الأصمّ : هم أحسن حالا في تلك الحرب من عليّ ، وعمرو بن عبيد لم يقطع بفسقهم ولا بفسق عليّ عليه‌السلام ، بل هم بمنزلة المتلاعنين ، فلو شهد علي عليه‌السلام أو أحد الناكثين مع عدل آخر قبلت شهادتهما ، ولو شهد علي عليه‌السلام وطلحة لم يقبل شهادتهما ؛ للقطع بأنّ أحدهما على الخطإ ، وأمّا معاوية فأجمع أهل البيت عليه‌السلام على كفره وكذا أكثر المعتزلة لكن لا لحربه ، بل لقوله بالجبر ، وكان يقول : المال مال الله ونحن خزّانه ، نمنع من منعه ونعطي من أعطاه (١) ، والمجبرة عندهم كفرة ، ونقل عن الأصمّ : أنّه صوّبه في شيء وأخطأه في آخر. وكذلك عليه‌السلام (٢).

وقالت الحشوية : إنّه ليس بفاسق بل هو خال المؤمنين (٣) ، وهم يتوالونه (٤) ويترحّمون عليه ، وقطع الباقون بفسقه ؛ لوجوه :

الأوّل : محاربته للإمام الذي انعقدت بيعته.

الثاني : استلحاقه زيادا ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر».

الثالث : قتله لعمّار مع قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «تقتلك الفئة الباغية وآخر زادك اللبن» وتأويل معاوية هذا الحديث بقوله : إنّما قتله (٥) من جاء به وقوله : «نعم نحن الفئة

__________________

(١) قال ذلك يوما وعنده زيد بن أرقم صاحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله متوكّئا على عكّازة قد رغد بها من كتفه إلى كتفه ، وقال : كذبت يا معاوية تمنع من أعطاه الله وتعطى من منعه الله. هامش خ : (آ).

(٢) وكذلك عليه‌السلام ـ خ : (د).

(٣) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٤) يتالونه ـ خ : (آ).

(٥) بأنه ما قتله إلّا ـ خ : (د).

الباغية لأنّا نبغي دم عثمان» يدلّ على صحّة الخبر وتصديقه إيّاه ، لكن تأويله باطل وإلّا لكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قتل حمزة ، والبغي حقيقته الحرب بالباطل.

الرابع : وضعه السبّ على عليّ عليه‌السلام ، وكتبه بذلك إلى الآفاق حتّى قال له ابن عباس : أسألك أن تمسك عن سبّ هذا الرجل قال : لا والله لا أمسك حتّى ينشأ عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ، ولم يزل الحال كذلك إلى زمن عمر بن عبد العزيز.

الخامس : قتله لحجر بن عدي وأصحابه لمّا امتنعوا من السبّ.

السادس : أخذ البيعة لابنه يزيد وهو فاسق حتّى صدر عنه في ذرّية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ما صدر (١).

وأمّا الخوارج فلا شكّ أيضا في كفرهم ؛ لنصبهم عداوة علي عليه‌السلام وثبوته بصفتهم (٢) معلوم من الدين ضرورة ، ولتواتر الحديث بفسقهم (٣) وأنّهم يخرجون على خير فرقة من الناس ، تحتقر صلاتكم في جنب صلاتهم وصومكم في جنب صومهم ، يقرءون القرآن لا يتجاوز تراقيهم ، آيتهم رجل أسود أو قال أذعج (مخدج اليد (٤)) إحدى ثدييه كأنّها ثدي المرأة (٥) يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، وهو نصّ على كفرهم ؛ لأنّ معنى يمرقون : يخرجون ، والخارج من الدين لا يكون داخلا فيه.

ودعوى : توبة أصحاب الجمل ، باطلة بإجماع أهل البيت عليهم‌السلام ، وتفصيل ذلك في المطوّلات (٦).

__________________

(١) وهو بعد هذه الجناية الكبيرة والفاجعة العظيمة فقد كفر ، ولا شكّ عندنا في كفره ووجوب لعنه وجواز لعن من منع من لعنه ، بل كان يزيد من أوّل الأمر كافرا فاسقا لا يعتقد بشيء ممّا جاء به القرآن الكريم والشريعة المقدّسة ، كما هو صريح ما صدر عنه من الكلمات والأشعار المنقولة في الكتب المعتبرة ، وهو من الذين مخلّدون في نار جهنّم كما نصّ على ذلك في الأحاديث الواردة عن العترة الطاهرة سلام الله عليهم.

(٢) بصفتهم ـ خ : (د).

(٣) بصفتهم ـ خ : (د).

(٤) مجذوع اليدين ـ خ : (آ).

(٥) امرأة ـ خ : (آ).

(٦) كالشافي للسيد (ره) وتلخيصه للشيخ (ره).

[القسم] الثاني : الردّ على الزيدية ، والمشهور منهم ثلاث فرق : السليمانية أصحاب سليمان بن جرير ، والصالحية أصحاب صالح بن حي ، والفرقتان متساويتان في اعتقاد إمامة الشيخين باختيار الأمّة على وجه الاجتهاد ، ونقل عن سليمان : أنّ الأمّة أخطأت في اختيارهما مع وجود عليّ عليه‌السلام ، لكن لا يبلغ ذلك درجة الفسق ، لأنّه خطأ اجتهادي ، ثمّ اختلفوا في عثمان فالسليمانيّة طعنوا فيه كطعن الإمامية وكفّروا أيضا محاربي عليّ عليه‌السلام ، والصالحية توقّفوا في عثمان نظرا إلى أنّه من العشرة المبشّرة بالجنة وإلى أحداث أحدثها ، وقال هؤلاء : علي عليه‌السلام أفضل الأمّة وأولاهم بالإمامة إلّا أنّه سلّم الأمر إليهم ورضي بهم ، ونحن راضون بما رضي به ، ولو لم يرض (١) لهلك أبو بكر ، ولهاتين الفرقتين مطاعن الجمهور كافية في الردّ عليهم.

وأمّا الفرقة الثالثة وهم الجارودية أصحاب أبي الجارود ، فوافقوا الإمامية في تخطئة الثلاثة والطعن عليهم والتبرّي منهم ، وأثبتوا إمامة عليّ عليه‌السلام بالنصّ الخفيّ خاصّة وإمامة الحسنين عليهما‌السلام بالنص الجليّ ، وساقوا الإمامة في أولادهما لمن اجتمعت فيه الأوصاف السابقة ، فموضع النزاع معهم في مواضع :

الأوّل : أنّهم لا يشترطون العصمة ، وهذا قد بيّنا بطلانه.

الثاني : أنّهم لا يشترطون النصّ الجليّ في إمام أصلا ، ولكن اتفق ذلك للحسنينعليهما‌السلام ولم يوجد في حقّ علي عليه‌السلام ، وهذا أيضا أبطلناه ، وقد بيّنا وجود النصّ الجلي على عليّ عليه‌السلام من طرقنا وطرق الجمهور ، ووروده أيضا من طريق الزيدية فإنّ صاحب المحيط ذكر روايات متعدّدة وقال : إنّها تدلّ على إمامته من غير فكر (٢) ولا روية ، وهو الجليّ بعينه.

الثالث : اكتفاؤهم في تعيين الإمام بالقيام والدعوة (٣) في غير الحسنين عليهما‌السلام

__________________

(١) ولو لا ذلك ـ خ : (آ).

(٢) نكير ـ خ : (د).

(٣) الدعوى ـ خ : (آ).

وأمّا هما (١) لم يشترطوا فيهما ذلك ؛ لقوله عليه‌السلام : «قاما أو قعدا» وهذا أيضا يعلم بطلانه ممّا تقدّم لكن نزيد على ذلك ونقول : يدلّ على بطلانه وجوه :

الأوّل : أنّه غير القائم المدّعى (٢) إمّا أن يجوز له القيام والدعوة أو لا ، فإن كان الأوّل فلا يكون القيام والدعوة دليلا على الإمامة ؛ لأنّهما (٣) حينئذ أعمّ ، والعام لا دلالة له على الخاصّ ، وإن كان الثاني كان صحّة القيام والدعوة موقوفة على الإمامة ، فلو توقّفت الإمامة على القيام والدعوة لزم الدور المحال.

الثاني : لو كان القيام شرطا لما صحّت إمامة الحسنين عليهما‌السلام ، واللازم باطل اتفاقا فكذا الملزوم ، وبيان الملازمة ظاهرة (٤) من قوله عليه‌السلام : «إمامان قاما أو قعدا» فلو كان القيام شرطا لما صحّ نفيه عنهما كالعلم والعدالة.

الثالث : أنّه لو كان القيام كافيا لزم نقض الغرض من نصب الإمام ، واللازم كالملزوم في البطلان.

بيان الملازمة : أنّ نصب الإمام جعل لإطفاء النائرة ، ولا يحصل ذلك من مذهبهم ؛ لجواز تعدّد من اتّصف بالقيام والدعوة في زمان واحد ومكان واحد ، فيبايع هذا قوم وهذا قوم فيقع الخلاف بينهم بالتحارب والتجاذب.

الرابع : لو قام اثنان كلّ منهما موصوف بصفات الإمامة فإمّا أن يتّبعا معا وهو محال أو يتّبع أحدهما دون الآخر وهو ترجيح من غير مرجّح.

الخامس : أنّ الأمّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اختلفوا في طريق الإمامة ، فمنهم من قال بالنصّ ، ومنهم من قال بالاختيار ، ولم يدّع أحد القيام ، فلو كان حقّا لزم خروج الأمّة عن الحقّ وهو باطل.

السادس : أنّ الإمام إمّا أن يكون من قبل الله تعالى ، أو من قبل الأمّة ، أو من قبل

__________________

(١) وأنّهم ـ خ : (د).

(٢) الداعى ـ خ : (آ) خ ل ـ خ : (د).

(٣) لأنّها ـ خ : (آ).

(٤) ظاهر ـ خ : (آ).

نفسه ، والأخيران باطلان فتعيّن الأوّل ، فيبطل (١) القيام وهو المطلوب. أمّا بطلان الثاني ؛ فلما تقدّم (٢) ، إذ هو قول الجمهور بعينه ، وأمّا الثالث (٣) فبعين ما أبطلنا به الاختيار ، فلم يبق إلّا الأوّل ، فلا بدّ من الدلالة على أنّه من قبله تعالى ، وهو النصّ إمّا من الله أو من رسوله أو من إمام سابق عليه ، فيبطل القيام وهو المطلوب.

لا يقال : لم لا يجوز أن يكون جعله على تلك الصفات نصّا على إمامته؟

لأنّا نقول : هذا باطل.

أمّا أوّلا فلأنّك إن أردت أنّ جميع الصفات من الله تعالى ، وهو دليل على إمامته لزمك الجبر في الأوّل وهو باطل ، وفي الثاني (٤) إقامة الدليل على دلالة تلك الصفات على الإمامة ، فإنّا من وراء المنع ، وإن أردت أنّ بعضها من الله وأنّه يدلّ على الإمامة لزمك أن يكون البعض الآخر ساقطا عن درجة الاعتبار وإقامة الدليل على دلالة الأوّل على الإمامة ، وإن اردت أنّ جميعها من غير الله تعالى وأنّها دليل على الإمامة لزمك إقامة الدليل على كلتا المقدّمتين وإن تقدر على (٥) أنّه كيف يكون ما هو من غير الله نصّا من الله!.

وأمّا ثانيا فلأنّه إذا كانت تلك الصفات دالّة على النصّ أو هي النصّ كان كما قلنا ، ويكون من قبيل (٦) النصّ العقلي (٧) وأنت لا تقول به ، وإذا بطلت هذه القواعد التي يبنى عليها صحّة مذهبهم بطلت إمامة زيد ومن قام بالأمر بعده إلى يومنا هذا ؛ لأنّ ذلك مبنيّ على هدم قاعدة النصّ والعصمة ، وقد بيّنا تشييد أركانها وهم لم يدّعوهما في زيد ولا من قام بعده.

__________________

(١) فبطل ـ خ : (آ).

(٢) فقد تقدّم ـ خ : (آ).

(٣) وكذا الثالث بعين ـ خ : (آ).

(٤) أي كونها دلالة على الإمامة.

(٥) وإن يقدر مع ـ خ : (د).

(٦) قبيل ـ خ : (د).

(٧) الفعلي ـ خ : (آ).

على أنّا لا نخطّئ زيدا رضي الله عنه في قيامه وجهاده ، وإيضاح ذلك بما رواه شيخنا الصدوق محمد بن بابويه رحمه‌الله من (١) حديث أخذنا منه موضع الحاجة عن الرضا عليه‌السلام قال : أخبرني أبي موسى بن جعفر عليهما‌السلام أنّه سمع أباه يقول : رحم الله عمّي زيدا فإنّه دعا إلى الرضا من آل محمد ، ولو ظفر بما دعا إليه لوفى ، قال : ولقد استشارني في خروجه ، فقلت له : يا عمّ إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك ، فلمّا ولي قال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : ويل لمن سمع داعيته (٢) فلم يجبه ، فقال المأمون (٣) : يا أبا الحسن عليه‌السلام أليس قد جاء فيمن ادّعى الإمامة بغير حقّها ما جاء؟ فقال الرضا عليه‌السلام : إنّ زيد بن علي لم يدّع ما ليس له بحقّ ، إنّه اتقى لله من ذلك ، إنّه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد وإنّما جاء ما جاء فيمن يدّعي أنّ الله نصّ عليه ثمّ يدعو إلى غير دين الله ويضل الناس عن سبيله بغير علم ، فكان زيد والله ممّن خوطب بهذه الآية : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ)(٤).

أقول : ولا يمكن حمل قوله : «إلى الرضا» أي إلى نفسه ، كما يقول الإمام نفسه أدعوكم إلى الإمام العادل ؛ لأنّه خلاف الظاهر ، فإنّ الظاهر أنّ مراده : أدعوكم إلى كلّ مرضيّ من آل محمد ؛ لأنّ الرضا بمعنى المرضيّ وهو عام ، والأصل إجراء العام على عمومه ، فحمله على إرادة نفسه تخصيص من غير دليل ، ولهم شبهات واهية على دعواهم مبنيّة على هدم قاعدة العصمة ، والنصّ لا يخفى على المحصّل ، والجواب عنها وأكثرها روايات من طرقهم (٥) مع تسليم صحّتها ليست دالّة على المطلوب.

فائدة : من تشنيعهم علينا قول سليمان بن جرير شيخهم (٦) : إنّ أئمّة الرافضة

__________________

(١) في ـ خ : (د). وألّف جمع من علمائنا الإمامية (رض) كتبا مستقلّة في أحوال زيد الشهيد رضوان الله عليه كسيدنا المعاصر الجليل السيد عبد الرزاق المقرّم قدس‌سره ـ وكتابه مطبوع منتشر.

(٢) دعايته ـ خ : (آ).

(٣) المأمون ـ خ : (د).

(٤) الحج ٢٢ : ٧٨.

(٥) طريقهم ـ خ : (د).

(٦) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب فيه تحقيق البداء والتقية.

قد وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظهر أحد قط عليهم معهما.

إحداهما : القول بالبداء فإذا أظهروا مقالا : إنّه سيكون لهم قوة وشوكة وظهور ثمّ لا يكون الأمر على ما أخبروا به قالوا : بدا لله في ذلك.

ثانيهما : القول بالتقية فإنّهم كلّ ما أرادوا تكلّموا به ، فإذا قيل لهم : ذلك ليس بحقّ فظهر لهم البطلان قالوا : إنّما قلناه تقية وفعلناه تقية.

والجواب : لا شكّ أنّ هذا قول معاند عدوّكما قال جعفر بن محمد عليه‌السلام : إنّ النواصب أعداؤنا والزيدية أعداؤنا وأعداء شيعتنا.

وجواب الأولى بالمنع من القول بالبداء ؛ إذ لم يصحّ ذلك عن أئمّتنا ، وعلى تقدير صحّته فهو خبر واحد يمكن حمله على النسخ الذي لا يمكن دفعه إلّا من يهودي ، وذلك أنّ البداء رفع الحكم الثابت بالشرع قبل وقت العمل به ، والنسخ رفعه بعد وقت العمل به ، مع أنّه منقول عن زيد رضي الله عنه (١) ، فالشناعة مقلوبة عليه.

وجواب الثانية : أنّ التقية لا يمكن لمسلم رفعها إلّا مكابر ، ودليلنا عليه من وجوه :

الأوّل : أنّها دافعة للضرر ، ودفع الضرر واجب مطلقا ، أمّا الأولى فظاهرة ؛ لأنّا لا نجوّزها إلّا عند الخوف ، وأمّا الثانية فكما تقدّم في باب العدل.

الثاني : قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ـ إلى قوله ـ (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (٢) وقرئ تقية ، وهو نصّ في الباب.

__________________

(١) عليه‌السلام ـ خ : (آ).

(٢) آل عمران ٣ : ٢٨ ذكر بعض الجهّال من النواصب في مكتوبه إلينا : أنّ في الآية إشارة إلى التقية ، وفسّر التقية أنّها عبارة عن الإدارة السلمية مع الكفار ، ولم يفهم المسكين أنّ ما ذكره ليس إلّا مجرد تغيير العبارة ، والآية صريحة في التقية ، ولا ينفع له تفسيرها بتغيير العبارة وقال : إنّ التقية تكون مع الكفار كما هو المستفاد من الآية لا مع المسلمين ، لم يفهم المسكين أيضا أنّ ما فعله الذين يسمّون أنفسهم بالمسلمين في حقّ الشيعة من القتل والفتك والتشريد والإيذاء وإلى غير ذلك من أنواع الأذى لم يفعل مثلها في حقّهم الكفار ، فالسبب الذي صرّحت الآية بجواز التقية فيه ، فذلك السبب صادر عن المسلمين في حقّ شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، بل أشد ممّا صدر عن الكفار كما هو غير خفي على من له إلمام بالتاريخ.

الثالث : قصة عمّار بن ياسر مع الكفار لمّا أمر بسبّ النبيّ فسبّه ولم يسبّه أبواه ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن عادوا فعد فنزل (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (١).

الرابع : قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٢) إلى غير ذلك والتقية نجوّزها حين خوف التهلكة.

وإن قلت : فما الفرق بينها وبين النفاق.

قلت : هي إظهار الباطل وكتمان الحقّ خوفا من الظالم ، والنفاق إظهار الحق وكتمان الباطل خوفا من العادل. هذا مع أنّ هؤلاء الجهلة لو فطنوا وأنصفوا لما قالوا ذلك ، فإنّهم كانوا في زمن بني العباس ينقلون علم مذهبهم من «اليقاطين» إلى الجرار تحت الأرض ، حتّى سمّي مذهبهم مذهب الجرّة (٣) ثمّ إنّهم يقعدون الآن ويختبئون في حصن من الحصون ولا يخرجون ، فإن كان مع القدرة على الجهاد فهو فسق ، وإن كان مع العجز وخوف الهلاك فهو كقولنا (٤) لكنّهم صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون شعر :

ولو أنصفت في حكمها أمّ مالك

إذا لرأت تلك المساوي محاسنا

[القسم] الثالث : في الردّ على باقي فرق الشيعة ، أمّا ما عدا الإسماعيلية والغلاة

__________________

وقال ذلك الناصب الجاهل في آية : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) إنّها في حقّ فرد واحد كان له خطر هلاكة النفس ، ولم يفهم أنّ العبرة بعموم الحكم لا بخصوص المورد ، فإنّ المورد لا يخصّص ، ذكرت هذه الأباطيل لذكر الجواب عليها وإلّا كلماته غير قابلة للاعتناء ، فإنّها من كلمات الجهال والسفهاء بل لا شك أنّ لكاتب تلك الأباطيل مرض روحي وجسمي لا يعبأ بأقواله وأفعاله ، وزاد الله تعالى في مرضه بحقّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله.

(١) النحل ١٦ : ١٠٦.

(٢) البقرة ٢ : ١٩٥.

(٣) قال البياضي : على أنّ الزيدية في دولة العباسيين نقلوا مذهبهم من اليقاطين إلى الجرار تحت الأرض حتّى سمّي مذهبهم مذهب الجرة ـ الصراط المستقيم ، ج ٢ ، ص ٢٧١.

(٤) فهو قولنا ـ خ : (آ) أي التقية في حين خوف التهلكة ـ هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

في بطلان مذاهبهم (١) انقراضهم ، وأمّا الغلاة فلقولهم بالحلول والاتّحاد والتجسيم خرجوا عن الملّة ، وبطلت مقالتهم ببطلان ذلك وقد تقدّم (٢).

وأمّا الإسماعيلية (٣) فنقول : نقل الأستاذ المحقق الطوسي رضوان الله عليه (٤) في حكاية مذهبهم : أنّهم يقولون : كلّ ظاهر فله باطن يكون ذلك الباطن مصدرا ، وذلك الظاهر مظهرا له ، ولا يكون ظاهر لا باطن له إلّا ما هو كالسراب ، ولا باطن لا ظاهر له إلّا خيال لا أصل له.

ومذهبهم أنّ الله تعالى أبدع بتوسّط معنى يعبّر عنه بكلمة «كن» أو غيرها عالمين : عالم الباطن وهو عالم الأمر ، وعالم الغيب ويشتمل على العقول والنفوس والأرواح والحقائق كلّها ، وأقرب ما فيها إلى الله تعالى هو العقل الأوّل ثمّ ما بعده على الترتيب ، وعالم الظاهر ، وهو عالم الخلق وعالم الشهادة ، ويشتمل على الأجرام العلوية والسفلية والأجسام الفلكية والعنصرية ، وأعظمها العرش ثمّ الكرسي ثمّ سائر الأجسام على الترتيب. والعالمان ينزلان من الكمال إلى النقصان ، ويعودان من النقصان إلى الكمال حتّى ينتهيا (٥) إلى الأمر ، وهو المعنى المعبّر عنه بكلمة «كن» وتنتظم بذلك سلسلة الوجود الذي مبدؤه من الله تعالى ومعاده إليه.

ثمّ يقولون : إنّ الإمام هو مظهر الأمر وحجّته ، مظهر العقل الذي يقال له العقل

__________________

(١) مقالتهم ـ خ : (د).

(٢) انظر صفحة : ـ ١٧٣ ـ ١٧٥.

(٣) الإسماعيلية : أتباع اسماعيل بن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ، وتوفّي في حياة أبيه بلا خلاف كما يشهد به التواريخ والأحاديث ، وذلك في سنة ١٤٥ أو سنة ١٣٣ على قول ضعيف ، ووفاة الإمام الصادق عليه‌السلام في سنة ١٤٨ بإجماع المؤرّخين من الفريقين وصلّى عليه أباه عليه‌السلام ودفنه ونزل معه في قبره ، وكشف عن وجهه بعد ما فرغ عن غسله ، وأراه الناس ليحصل لهم اليقين بموته فكيف تثبت إمامته مع ثبوت إمامة أبيه؟ وكانت ولادة إسماعيل سنة ١٠١ ويرى بعضهم أنّه توفي ١٣٨ ، وهو أيضا قول ضعيف ، وأمّا القول : إنّ إسماعيل توفّى سنة ١٥٩ فممّا لا أصل له ويعدّ من الأغلاط ، فإنّ وفاته في حياة أبيه عليه‌السلام من اليقينيات.

(٤) قاله المحقّق الطوسي قدس‌سره في كتابه : قواعد العقائد وقد شرحه تلميذه آية الله العلّامة قدّس الله روحه وسمّاه : كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد وهو مطبوع على الحجر.

(٥) ينتهي ـ خ : قواعد العقائد.

الأوّل وعقل الكلّ ، والنبي مظهر النفس التي يقال لها : نفس الكل ، والإمام هو الحاكم على عالم الباطن ، ولا يصير غيره عالما بالله إلّا بتعليمه إيّاه ، والنبي هو الحاكم في عالم الظاهر ولا تتمّ الشريعة التي يحتاج الناس إليها إلّا به ، ولشريعته تنزيل وتأويل ظاهره التنزيل وباطنه التأويل ، والزمان لا يخلو إمّا عن نبي وإمّا عن شريعة ، وأيضا لا يخلو عن إمام ودعوته (١) وهي ربّما تكون خفية مع ظهوره إلّا أنّها تكون ظاهرة (٢) مع خفائه البتة ؛ لئلّا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. وكما يعرف النبي بالمعجز القولي أو الفعلي كذا يعرف الإمام بدعوته إلى الله وبدعواه (٣) أنّ المعرفة بالله تعالى لا تحصل إلّا به ، والأئمّة ذرّية بعضها من بعض ، فلا يكون إمام إلّا وهو ابن إمام ، ويجوز أن يكون للإمام أبناء ليسوا بأئمّة ، ولا يخلو زمان من إمام إمّا ظاهر وإمّا مستور ، كما لا يخلو زمان من نور نهار وظلمة ليل لم يزل العالم هكذا ولا يزال ، وطريقهم التأليف بين أقوال الحكماء وأقوال أهل الشرائع فيما يمكن أن يؤلّف بينهما ، وأمّا تعيين الأئمّة فقد حكينا عنهم فيما تقدّم. وهؤلاء كما ترى لا حجّة لهم فيما يدّعونه في هذه المقامات

__________________

(١) أو عن دعوته ـ بعض نسخ قواعد العقائد.

(٢) اي الدعوة لا بدّ أن تكون ظاهرة مع خفائه. وحاصل الكلام جواز خفاء دعوته مع ظهوره وعدم جواز خفاء دعوته مع خفائه عليه‌السلام بنفسه ؛ لأنّ إتمام الحجّة على الله واجب ولا يتمّ مع خفائه وخفاء دعوته أو العكس فالحجّة قائمة. هذا وأمّا تصور خفائه وظهور الدعوة فبأن يقال : إنّه عليه‌السلام يجعل أفئدة من الناس تهوي إليه بحيث يدعونه سرّا وعلانية ، أو إنّه يجعل ألسنة الناس معترفة به ، أو إنّه يظهر دعوته بنصب النوّاب عامّا أو خاصّا ، أو إنّه يأتي بإلقاء الخلاف المجمعين على الحكم المخالف للواقع كذا في بعض الحواشي.

قلت : إنّ الإسماعيلية الباطنية خلطوا الحقّ بالباطل ، وفي عقائدهم اختلط الحابل بالنابل ، كما سيشير إليه المصنّف قدس‌سره بقوله : وطريقهم التأليف بين أقوال الحكماء وأقوال أهل الشرائع فيما يمكن أن يؤلّف بينهما. وكما يظهر ذلك من كتاب رسائل إخوان الصفا ، وهو من تأليفهم.

والجدير بالذكر أنّ نسبة أكثر فرق الإسماعيلية كالقرامطة والخرمية والبابكية وغيرها إلى الشيعة كما فعله ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس ، ص ١٠٣ ـ ١٠٥ من الأكاذيب والمختلقات ، فإنّهم يباينونهم في الأساسيات ، ولا شكّ أنّ عقائد القرامطة من الكفريات المأخوذة من المجوس ، وقد ألصق أكثر تلك الفرق إلى الشيعة أرباب كتب الملل والنحل كسائر الفرق المنحوتة التى ألصقوها بهم كذبا واختلافا.

(٣) ويدعون ـ خ : (آ).

مع أنّهم يرتكبون (١) ما يعلم خلافه من الدين ضرورة ، وإجماع الأمّة دليل (٢) على بطلانه.

ثمّ كلامهم يدلّ على بطلانه أمور :

الأوّل : أنّه تعالى يفعل بوسائط ، وهذا قد تقدّم بطلانه.

الثاني : أنّ العالم أزلي وأبدي ، وقد تقدّم بطلان الأوّل ، وسيأتي بطلان الثاني.

الثالث : إثبات العقول المجرّدة ، وقد تقدّم بطلان مبنى ذلك ، وهو أنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد.

الرابع : أنّ العلم بالله لا يحصل إلّا بتعليم الإمام ، وقد تقدّم كون النظر مفيدا للعلم بنفسه.

الخامس : أنّ الإمامة أفضل من النبوّة لكونها مظهر الأمر (٣) وهو العقل ، وأنّها ليست بواسطة النبوة ، بل هي رئاسة مستقلّة في عالم الباطن ، وهو أيضا باطل بما تقدّم وبإجماع الأمّة مع كونه عاريا عن البرهان فهؤلاء كما ترى خارجون عن الملّة.

واعلم : أنّ الفخر الرازي جعل الشيعة جنسا تحتها أربعة أنواع : الإمامية والزيدية والإسماعيلية والغلاة ، وهذا باطل ؛ لأنّ الأخيرتين قد بان لك خروجهم عن اعتقاد الإسلام فهم خارجون عن الملّة فضلا عن الشيعة (٤).

وأمّا الزيدية فنقول : قال الجوهري : شيعة الرجل أتباعه وأنصاره (٥) ، يقال : شايعه كما يقال : والاه ، وقال بعد ذلك : كلّ قوم أمرهم واحد يتّبع بعضهم رأي بعض فهم شيع ، ولا شكّ أنّ اسم الشيعة في العرف يختصّ بقوم يرون تقديم عليّ عليه‌السلام على الصحابة في الخلافة والفضل ، فعلى هذا خرجت السليمانية والصالحية ، ولم يبق إلّا الجارودية (٦) ، وهم أيضا ليسوا شيعة في الحقيقة. وبيانه موقوف على مقدّمات :

__________________

(١) مرتكبون ـ خ : (آ).

(٢) دال ـ خ : (آ).

(٣) لكونها مظهرة للأشرف وهو ... ـ خ : (آ).

(٤) عن التشيّع ـ خ : (آ).

(٥) أنصاره ـ خ : (د) والصحاح ـ ج ٣ طبعة شربتلى ـ مصر.

(٦) السليمانيّة والصالحية والجارودية من فرق الزيدية ، راجع الملل والنحل للشهرستاني ج ١ ، ص ٢٥٥ طبعة ـ

الأولى : اتّفاقنا نحن وهم ، وجاء متواترا أنّ عليا عليه‌السلام وشيعته (١) على الحقّ يدور مع علي كيفما دار.

الثانية : لا شكّ أنّ الجارودية ليسوا متابعي الإماميّة على معتقدهم بل مباينون لهم ومعاندون.

الثالثة : قيام الدليل على صحّة مذهب الإمامية ـ كما تقدم ـ فلو كانت الجارودية شيعة لزم أن يكون الحقّ والنجاة في أكثر من واحدة من الفرق ، وهو باطل ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله: «ستفترق أمّتي ثلاثا وسبعين فرقة واحدة ناجية والباقون في النار» ولغير ذلك من الأدلّة.

المقصد الرابع : في التفضيل ودفع المطاعن

وفيه مرصدان :

[المرصد] الأوّل : في التفضيل ، وفيه فصلان :

[الفصل] الأوّل : إنّ عليا صلوات الله عليه وآله أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

__________________

ـ سنة ١٣٦٨ القاهرة وقد أحسن المصنّف قدس‌سره في قوله : فعلى هذا خرجت السليمانية والصالحية ، فإنّ الفرقة الأولى هم أصحاب سليمان بن جرير كان يقول : إنّ الامامة شورى فيما بين الخلق ويصحّ أن ينعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين ، وأنّها تصحّ في المفضول مع وجود الأفضل ، وأثبت إمامة أبي بكر وعمر حقا باختيار الأمة حقا اجتهاديا ، وربما كان يقول : إنّ الأمة أخطأت في البيعة لهما مع وجود علي عليه‌السلام خطأ لا يبلغ درجة الفسق ، وذلك الخطأ خطأ اجتهادي غير أنّه طعن في عثمان للأحداث التي أحدثها وأكفره بذلك وأكفر عائشة والزبير وطلحة بإقدامهم على قتال علي عليه‌السلام.

وأمّا الصالحية فقولهم في الامامة كقول السليمانية إلّا أنّهم توقّفوا في أمر عثمان أهو مؤمن أم كافر؟ إلى آخر مقالهم الذي لا يهمّنا نقله ، ومعلوم أنّ الاعتقاد بهذه الآراء خروج عن التشيّع ولا يطلق على المعتقد بها اسم الشيعة.

وعند التحقيق يظهر أنّ نسبة هذه الفرق وأمثالها إلى الشيعة كذب واختلاق من مؤلّفي كتب الملل والنحل ، ألصقوها إليهم كذبا وبهتانا لتكثير الفرق ونسبتها إلى الشيعة ، كما هو دأبهم وديدنهم منذ القرون الأولى إلى اليوم.

(١) وشيعة على عليه‌السلام ـ خ : (د).

وهو مذهب معتزلة بغداد وعطاء ومجاهد من التابعين ، والشيعة كافة قديما وحديثا ، ولنا في المطلوب مسلكان :

[المسلك] الاوّل : النصّ على أفضليته إجمالا ، وهو من وجوه :

[الوجه] الأوّل : أنّه مساوي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والنبي أفضل ، ومساوي الأفضل أفضل. أمّا الأولى : فلقوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (١) واتّفق المفسّرون على أنّ المراد بالنساء فاطمة ، وبالأبناء الحسنان ، وبالأنفس هو علي عليه‌السلام ، ومن المحال أن تكون نفس علي عليه‌السلام هي نفس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حقيقة ، فبقي أن يكون المراد المثلية ، والمثلية هي التساوي ، والمتساويان ـ كما عرفت ـ هما اللذان يسند أحدهما مسند صاحبه ، فيقتضي ذلك أنّ كلّ ما حصل لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضائل فمثله حاصل لعليّ عليه‌السلام إلّا ما أخرجه الدليل فيبقى عاما فيما سواه. وأمّا أنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل فهو ممّا لا شبهة فيه فيكون عليّ عليه‌السلام كذلك ، وهو المطلوب.

إن قلت : لم لا يجوز أن يكون المراد بالنفس هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليكون اللفظ مستعملا في حقيقته؟ لأنّ ما ذكرتموه مجاز خلاف الأصل ، وصيغة الجمع لا تنافي ما ذكرناه ؛ إذ المعظم يعبّر عنه بالجمع ك (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) (٢).

قلت : أوّلا : هذا خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلّا بدليل ، خصوصا وقد ثبت أنّ المفسّرين نقلوا ذلك (٣). وثانيا : يلزم أن يكون المدعوّ والداعي واحدا ، وهو باطل.

[الوجه] الثاني : خبر الطائر ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر» فجاء عليّ عليه‌السلام ، والخبر مشهور متواتر ، ومعلوم أنّ المحبة هي كثرة الثواب التي هي عبارة عن الأفضلية ، فمن كان أحبّ فهو أفضل.

لا يقال : لفظة «أحبّ» ليست باقية على العموم ؛ إذ يحتمل أن يكون أحبّ في كلّ الأمور وفي بعضها ، فلا يكون دليلا على الأفضلية.

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٦١.

(٢) يوسف ١٢ : ٣ ؛ الكهف ١٨ : ١٣.

(٣) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

لأنّا نقول : هذا باطل ؛ لأنّه خلاف الظاهر ، فإنّ قوله : «أحبّ خلقك إليك» يقتضي العموم لمكان الإضافة ، فجرى مجرى قولنا : زيد أفضل الناس ، فإنّه يقتضي العموم.

[الوجه] الثالث : قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة عليها‌السلام : «إنّ الله اطّلع إلى الأرض اطّلاعة فاختار منها أباك فاتّخذه نبيّا ، ثمّ اطّلع ثانية فاختار منها بعلك فاتّخذه (١) وصيّا» فلو كان غيره أفضل منه تعين للاختيار.

[الوجه] الرابع : قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذي الثدية : «يقتله خير الخلق» (٢) ومعلوم أنّ قاتله عليّ عليه‌السلام.

[الوجه] الخامس : روى ابن مسعود عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «عليّ خير البشر فمن أبى فقد كفر (٣)».

[الوجه] السادس : روى أنس عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «إنّ أخي ووصيّي وخير من أتركه بعدي هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يقضي ديني وينجز وعدي».

[الوجه] السابع : روت عائشة قالت : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبل عليّ فقال : هذا سيّد العرب فقلت : بأبي أنت وأمّي ألست سيّد العرب؟ فقال : أنا سيّد

__________________

(١) فجعله ـ خ : (آ).

(٢) غاية المرام ص ٤٥١ : يقتله خير أمتي من بعدي.

(٣) وقد صنف الشيخ الأقدم أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي القميّ نزيل الري (ره) من مشايخ الشيخ الصدوق (ره) كتابا في نقل هذا الحديث الشريف ، وهو مطبوع مع تآليف أخرى له في مجلّد واحد مع رسائل أخرى من تأليف غيره وسمّى كتابه نوادر الأثر في علي عليه‌السلام خير البشر ، وقد أخرج الحديث فيه من أكثر من أربعين طريقا ، عن الأعمش (ره) وغيره ، عن عطية العوفي (ره) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري (ره) ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «عليّ خير البشر ، ولا يشك فيه إلّا كافر أو منافق» وفي بعض طرقه ـ : «عليّ خير البشر ، من أبي فقد كفر» ص ٣٦ وفي بعضه : «عليّ خير البشر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قال غير هذا فقد كفر» ص ٣٨ والكتاب مطبوع سنة ١٣٧١ بإيران ، وينبغي الرجوع إلى كتاب غاية المرام للسيد الأعظم البحراني قدس‌سره ، انظر ص ٤٤٩ وفيه من طريق العامة : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من لم يقل : عليّ خير البشر فقد كفر».

العالمين وهو (١) سيّد العرب.

[الوجه] الثامن : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ودلالته من وجهين:

الأوّل : المولى هو الأولى بالأمر والتصرّف كما تقدّم ، فيكون أفضل.

الثاني : أنّه يفيد كونه مخدوما ومقدّما ورئيسا فيكون أفضل ؛ ولهذا قال عمر : «أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة (٢)».

[الوجه] التاسع : قوله «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» ومعلوم أنّ هارون كان أفضل من كلّ أمّة موسى عليه‌السلام ، فوجب أن يكون علي عليه‌السلام أفضل من كلّ أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ المساوي للأفضل أفضل.

[الوجه] العاشر : المؤاخاة فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا آخى بين الصحابة اتّخذه أخا لنفسه ، ويؤكّده (٣) قوله عليه‌السلام : «أنا عبد الله وأخو رسول الله لا يقولها بعدي إلّا كذّاب أنا الصديق الأكبر أنا الفاروق الأعظم الذي يفرق بين الحقّ والباطل» قال ذلك مرارا كثيرة ولم ينكر عليه ، ومعلوم أنّ المؤاخاة تدلّ على الأفضلية ؛ ولأنّ المؤاخاة مظنّة المساواة في المنصب بل هي المساواة بعينها ، فيكون كل واحد منهما قائما مقام الآخر ، ولمّا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الخلق لزم أن يكون مساويه أفضل وهو المطلوب.

[الوجه] الحادي عشر : قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (٤). وجه الاستدلال : أنّ المفسّرين قالوا : إنّ المراد بصالح المؤمنين هو عليّ عليه‌السلام، والمولى هنا هو الناصر ؛ لأنّه القدر المشترك بين الله وجبرائيل عليه‌السلام ، فيكون علي عليه‌السلام مختصّا بالنصرة من بين سائر الصحابة فيكون أفضل منهم ، وهو المطلوب.

__________________

(١) وهذا ـ خ : (آ).

(٢) قوله : إلى يوم القيامة ـ موجود في كتاب الأربعين للإمام الرازي كما تقدّم انظر ص ٣٦١. من الكتاب.

(٣) ويؤيّده ـ خ : (آ).

(٤) التحريم ٦٦ : ٤.

[الوجه] الثاني عشر : روى البيهقي (١) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام» وهؤلاء الأنبياء أفضل من سائر الصحابة وعليّ مساويهم ، ومساوي الأفضل أفضل ، وهو المطلوب.

المسلك الثاني : الاستدلال على أفضليّته تفصيلا فنقول : الفضائل إمّا نفسانية أو بدنية أو خارجية ، وكلّ واحد من هذه كان علي عليه‌السلام أفضل من كلّ واحد من الصحابة فيه ، فيكون أفضل الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو المطلوب.

فها هنا أقسام ثلاثة :

[القسم] الأوّل : في النفسانية وهي أنواع :

الأوّل : أنّه سابق إلى الإيمان ، والسابق أفضل ، فيكون هو أفضل ، أمّا الكبرى فلقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (٢) وأمّا الصغرى فلوجوه :

الأوّل : قوله عليه‌السلام على المنبر (٣) : «أنا الصدّيق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم» (٤) قاله بجمع من الناس وما ردّوا عليه قوله ، وذلك دليل على صحّته.

الثاني : روى سلمان الفارسي أنّ النبي عليه‌السلام قال : «أولكم وردا على الحوض أولكم

__________________

(١) انظر المجلد التاسع من كتاب بحار الأنوار للعلّامة المجلسي (ره) ص ٣٥٥ ـ ٣٥٦ طبع أمين الضرب تجد فيه الحديث الذي رواه البيهقي ، ونقله المصنف (ره) عنه وأحاديث أخرى بهذا المضمون عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فراجع.

(٢) الواقعة ٥٦ : ١٠ ـ ١١.

(٣) أنا الصدّيق الأكبر آمنت قبل أن تؤمنوا وأسلمت قبل أن تسلموا ـ خ : (د).

(٤) قاله على منبر البصرة انظر الإرشاد للشيخ المفيد (ره) ، ص ١٦ طبعة تبريز سنة ١٣٠٨ والصراط المستقيم للبياضي ، ج ١ ، ص ٢٣٥ طبعة طهران والفصول المختارة ، ج ٢ ، ص ٦٣ ، طبعة النجف وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ٤ ص ١٢٢ طبعة مصر والمناقب لابن شهرآشوب (ره) ج ٢ ، ص ٤ طبعة قم. وفيه : وأسلمت قبل أن يسلم عمر.

إسلاما عليّ بن أبي طالب» (١).

الثالث : روى أنس بن مالك : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الاثنين وآمن عليّ يوم الثلاثاء (٢).

الرابع : روى عبد الله الحسن قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنا أوّل من صلّى وأنا أوّل من آمن بالله ورسوله ولم يسبقني بالصلاة إلّا نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

الخامس : روايات أهل البيت عليهم‌السلام وإجماعهم على ذلك.

السادس : أنّ الدلالة على سبق إيمانه ظاهرة ، وذلك أنّه عليه‌السلام كان ابن عمّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي تربيته ومختصّا به غاية الاختصاص ، وأبو بكر كان من الأجانب ، ومن البعيد عرض هذا المهمّ على البعيد قبل عرضه على القريب الخصيص ، ولهذا السرّ قال تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٤) حثّه على ذلك مع علمه بما عنده من شدّة الحرص على إيمان الكفّار حتّى قال : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٥) فيكون حرصه على الأقارب أعظم.

إن قلت : هذا ممنوع بل إسلام أبي بكر أسبق ؛ لقوله عليه‌السلام : «ما عرضت الإسلام على أحد إلّا (٦) وله كبوة (٧) غير أبي بكر ، فإنّه لم يتلعثم» فلو تأخّر إسلامه لكان إمّا من جهته

__________________

(١) الصراط المستقيم ، ج ١ ، ص ٢٣٥.

(٢) ورواه جابر الأنصاري (ره) ـ الصراط المستقيم ، ج ١ ، ص ٢٣٦ وانظر إلى المناقب ، ج ٢ ، ص ٧ طبعة قم.

(٣) انظر إلى الروايات الواردة قريبا بهذا المضمون في المناقب لابن شهرآشوب (ره) ج ٢ ، ص ١٥ طبعة قم. قال ابن شهرآشوب (ره) : ولقد كان إسلامه عن فطرة وإسلامهم عن كفر ، وما يكون عن كفر لا يصلح للنبوّة وما يكون من الفطرة يصلح لها ، ولهذا قوله عليه‌السلام : إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ولو كان لكنته. ولذلك قال بعضهم وقد سئل : متى أسلم علي؟ قال : ومتى كفر إلا أنّه جدد الإسلام ص ٨.

(٤) الشعراء ٢٦ : ٢١٤.

(٥) الشعراء ٢٦ : ٣.

(٦) إلّا ـ خ : (آ).

(٧) الكبوة : الوقفة كوقفة العاثر أو الوقفة عند الشيء يكرهه الإنسان قاله ابن الأثير في النهاية ، لم يتلعثم أي لم يتوقّف حتّى أجابني.

فيكون له كبوة ، وهو باطل بما تقدم ، وإن كان من جهة الرسول (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله لزم تقصيره في التبليغ وعدم حرصه ، وهما باطلان ، سلّمنا لكن إسلام علي عليه‌السلام حال الطفولية لقولهعليه‌السلام في شعره :

سبقتكم إلى الإسلام طرّا

صغيرا (٢) ما بلغت أوان حلمي

وإسلام الصبيّ مختلف في صحّته ، وأمّا أبو بكر فإسلامه وهو بالغ عاقل وغير مختلف في صحّته ، فيكون معتبرا ، سلّمنا لكن عليّ عليه‌السلام كان صبيا حال إسلامه غير مشهور (٣) ولا مقبول القول ، فلم يحصل بإسلامه شوكة للإسلام ، وأبو بكر كان على العكس من ذلك ، فيكون إيمانه منتفعا في قوة الدين فيكون إيمانه أفضل.

قلت : الجواب عن الأوّل : أنّا نمنع صحّة الخبر فهو خبر واحد ، سلّمنا لكن لا يدلّ على سبق إسلامه ، بل على عدم التوقّف في القبول ، فيكون التأخر (٤) لعدم لقاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أوقات طويلة كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مشتغلا فيها بعرض الإسلام على غيره فلا يكون مقصّرا ، سلّمنا لقاءه له لكن جاز أن يكون قد عرف منه في ذلك الوقت العناد وعدم القبول فأخّره إلى زمن القبول ؛ لعلمه بعدم التأثير قبله.

وعن الثاني بالمنع أيضا من صباه حينئذ ؛ لأنّه عليه‌السلام عاش خمسا وستين سنة ، وقيل :

ستّا وستّين ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقي بعد الوحي ثلاثا وعشرين سنة ، وعلي عليه‌السلام بقي بعده قريبا من ثلاثين سنة ، فإذا أسقطنا ثلاثا وخمسين ممّا تقدّم يكون عمره الشريف اثنتي عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة ، والبلوغ في هذا ممكن فوجب الحكم بصحّته (٥) ، ووقوعه

__________________

(١) رسول الله ـ خ : (آ).

(٢) غلاما ـ خ ل ـ خ : (د) وكذا في الاحتجاج للطبرسي (ره) ، وبعد هذا البيت :

وصلّيت الصلاة وكنت طفلا

مقرّا بالنبيّ في بطن أمّي

وينبغي الرجوع في التحقيق حول هذه الأبيات إلى الأثر الخالد الغدير ، ج ٢ ص ٢٥ طبعة طهران. قال قتادة : أما بيته : غلاما ما بلغت أوان حلمي. فإنّما قال : قد بلغت ـ البحار ، ج ٣٧ ، ص ٢٣٦.

(٣) مشهود ـ خ : (آ).

(٤) التأخير ـ خ : (آ).

(٥) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة عليها‌السلام : زوّجتك أقدمهم سلما وأكثرهم علما (١)» سلّمنا ، لكن ذلك دليل على أفضليّته عليه‌السلام بوجوه :

الأوّل : الغالب على الصبيان الميل إلى اللعب ومتابعة الشهوات والبعد عن الفكر في ملكوت السماوات ، ثمّ إنه عليه‌السلام أعرض عن ذلك واشتغل بالفكر والنظر والتطلّع إلى أسرار التوحيد والعدل ، بحيث ساوى البالغين العاقلين ، بل زاد عليهم ، وذلك دليل على شرف نفسه وعظمها.

الثاني : أنّه حال الصبا كان خاليا من الشكوك وشوائب الطبيعة ونواميس العادة ووسوسة الشيطان ، فيكون إيمانه صادف محلّا نقيا يتمكّن (٢) فيه كما قيل (٣) :

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى

فصادف قلبا خاليا فتمكّنا

فيكون إيمانه أبلغ وأكمل (٤) من حيث الكيف.

الثالث : لا امتناع في العقل من وجود صبي كامل حصيف في الدين عارف بالأسرار ، وكيف وقد أخبر سبحانه عن عيسى عليه‌السلام أنّه قال في المهد : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ) (٥) وعن يحيى عليه‌السلام (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (٦) فجاز أن يكون علي عليه‌السلام هو ذلك الصبيّ الكامل (٧).

وعن الثالث بالمنع من حصول الشوكة بإسلامه وكونه منتفعا (٨) به ، أمّا الأوّل : فإنّه حال كبره وخلافته بعد معاشرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يكن له بارقة في خطاب ولا لامعة في ردّ

__________________

(١) وقد صرّح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الحديث في ثلاثة مواضع بأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أوّل من آمن وأسلم به ، ورواه الشيخ المفيد (ره) في الإرشاد بإسناده عن أبي هارون قال : أتيت أبا سعيد الخدري ... وعنده علم الأولين والآخرين وهو أول من آمن بي ... الحديث. انظر ص ١٩ ، طبعة تبريز.

(٢) فتمكن فيه ـ خ : (آ).

(٣) شعر ـ خ : (آ).

(٤) أفضل ـ خ : (د).

(٥) مريم ١٩ : ٣٠.

(٦) مريم ١٩ : ١٢.

(٧) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٨) وكونه محترما ـ خ : (آ).

جواب ، فكيف في ابتدائه؟ وأمّا الثاني : فإنّ أباه كان مناديا لابن جذعان وهو تابع لأبيه ، ولما كبر كان معلّما للصبيان ، فأيّ حرمة له حينئذ؟

الثاني (١) : العلم وهو النعمة (٢) الكبرى في الفضيلة ، ولنا في إثبات أفضليّته عليه‌السلام فيه بيانان : الأوّل : إجمالي وهو وجوه :

الأوّل : أنّه عليه‌السلام كان في الغاية من الذكاء والفطنة والحرص على اقتناء الفضيلة ، شديد المصاحبة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ودائمها ، بحيث لم يفارقه من زمان الصغر إلى آخر عمره إلّا زمانا يسيرا لا يعدّ مفارقة ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلم العلماء شديد الحرص على التعليم عامّا وله خاصّا ، وإذا اتّفق لمثل هذا التلميذ المستعدّ المداومة على صحبة هذا الأستاذ الكامل ، فلا شكّ ولا ريب أنّ ذلك التلميذ يبلغ في العلم مرتبة لا يلحقه غيره فيها.

ولا يمكن إنّ يقال : إنّ أبا بكر كان أيضا كذلك لأنّا نمنع ذكاءه أوّلا وحرصه (٣) ثانيا ، ومن وقف على صفاته عرف ذلك. سلمنا لكن فرق بين الحالتين ، فإنّه اتّصل بالرسول وهو شيخ كبير السن ، وقد قيل : العلم في الصغر كالنقش في الحجر ، والعلم في الكبر كالنقش في المدر أو كالكتابة على وجه الماء.

الثاني : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم عليّ» والقضاء يحتاج إلى جميع العلوم فوجب أن يكون محيطا بها (٤).

الثالث : قوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (٥) أكثر المفسّرين على أنّها نزلت في حقّ علي عليه‌السلام ، ووصفه بزيادة الفهم دليل على زيادة العلم.

الرابع : قوله عليه‌السلام : «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» (٦) وكذا قوله : «بل اندمجت

__________________

(١) أي النوع الثاني من الفضائل النفسانية.

(٢) العمدة ـ خ : (آ).

(٣) حفظه ـ خ : (آ).

(٤) فمن هنا تعرف ما في قول بعض الشارحين : إنّ قوله : أقضاكم ، أي أفقهكم ـ من النظر والغرض.

(٥) الحاقة ٦٩ : ١٢.

(٦) هذه الكلمة المباركة أول الكلمات المائة التي اختارها الجاحظ من كلمات أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : «كلّ كلمة منها تفي بألف من محاسن كلام العرب» وقد شرحها العالم الربّاني ابن ميثم البحراني قدس‌سره شارح ـ

على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة» وهذا يدلّ على بلوغه مبلغا لا يدركه غيره.

الخامس : قوله : «لو كسرت لي الوسادة فجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، والله ما من آية نزلت في برّ ولا بحر ولا سهل ولا جبل ولا ليل ولا نهار إلّا وأنا أعلم فيمن نزلت وفي أيّ شيء نزلت».

ولا يرد : كون (١) تلك الكتب منسوخة فلا يكون الحديث صحيحا ؛ لأنّ المراد : الحكم بها لو لا النسخ ، أو باستخراج المواضع الدالّة على نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليكون أقوى في الحجّة عليهم.

السادس : قوله عليه‌السلام : «علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم ، وفتح لي من كلّ باب ألف باب» (٢).

الثاني : تفصيلي ، وهو وجوه :

الأوّل : أنّ أشرف العلوم علم الكلام ، ومعلوم أنّه ورد في كلامه عليه‌السلام من سائر أنواعه من التوحيد والعدل والنبوّات والقضاء والقدر ما لا يوجد في كلام غيره ، وقد بيّنا في شرح النهج (٣) انتساب سائر الفرق إليه فيه.

الثاني : علم التفسير ، وفيه إليه تشدّ الرحال حتّى أنّه شرح لابن عبّاس في تفسير باء بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من أوّل الليل إلى آخره.

الثالث : علم الفقه ، ورجوع الصحابة إليه فيه مشهور كرجوع عمر في قضية

__________________

ـ نهج البلاغة في مجلّد مستقل ، وهو مطبوع سنة ١٣٩٠ بإيران ، باهتمام المتضلّع المتتبع الخبير السيد جلال الدين الأرموي المحدّث نزيل طهران زاد الله تعالى في تأييداته ووفّقه لمرضاته.

(١) إنّ ـ خ : (آ).

(٢) الإرشاد ، ص ١٧ ، طبعة تبريز.

(٣) يقصد به شرح نهج المسترشدين للعلّامة (ره) ، وقد سمّاه بإرشاد الطالبين مطبوع ببمبئي ، ولكن فيه أغلاط كثيرة في الطبع ، راجع ص ١٧٨.

المجهضة (١) ومن ولدت لستّة أشهر حين أمر برجمها ، وقضية المقرّة بالزنا وهي حامل ، وغير ذلك حتّى قال : لا عشت لمعضلة ولا أبا حسن لها (٢) وكذا رجوع المجتهدين إليه ظاهر ، حتّى قال الشافعي : «ما عرفنا أحكام البغاة إلّا من فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام وفتاويه الغريبة المشهورة».

الرابع : علم البلاغة ، وهو العمدة فيه حتّى قال معاوية : «والله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره».

الخامس : علم النحو ، ومشهور أنّه وضعه وعلّم أبا الأسود أصوله.

السادس : علم السلوك وتحلية (٣) الباطن ، وفخر الصوفية بانتسابهم إليه (٤).

السابع : علم الشجاعة وممارسة الأسلحة ، وهو ممّا ينسب إليه أيضا حتّى أنّ أرباب كلّ فنّ ينتسبون إليه.

فظهر أنّه أعلم الخلق بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن شكّ في ذلك فقد كابر مقتضى عقله.

الثالث : العفّة ، وقد كان فيها الآية الكبرى ، وناهيك كتابه إلى عثمان بن حنيف فتدبّره (٥).

والرابع : الشجاعة ، وبه عليه‌السلام فيها يضرب الأمثال حتّى أنّ أعداءه يفتخرون بأنّهم

__________________

(١) راجع في هذه القضية وما بعدها الإرشاد للشيخ المفيد (ره) ، ص ١٠٩ طبعة تبريز سنة ١٣٠٨ ، وهذه الطبعة من الإرشاد مطبوعة بتصحيح العلمين الحجّتين الآيتين : سيّدنا الوالد الماجد المعظم «القاضي الطباطبائي» وسيّدنا الأجلّ السيد علي القاضي الطباطبائي نزيل النجف الأشرف قدس‌سرهما ونوّر الله مرقدهما وغيرهما من الأفاضل ، وهذه الطبعة من أحسن طبعات كتاب الإرشاد ، ذلك الأثر الخالد النفيس ، وهو في الرعيل الأوّل من الكتب المعتبرة عند الشيعة الإمامية رضوان الله عليهم. وراجع إرشاد القلوب للديلمي (ره) ج ٢ ، ص ٧ طبعة بيروت.

(٢) الإرشاد ، ص ١٠٨ طبعة تبريز.

(٣) تجلية ـ خ : (د).

(٤) راجع في تحقيق أحوالهم وتشخيص المضلّ منهم والمصيب شرح دعاء كميل رحمه‌الله للسيد العلامة السيد جعفر الطباطبائي آل بحر العلوم قدس‌سره ، المطبوع في النجف الأشرف على الحجر بإيعاز من الفقيه المرجع الكبير الشيخ المامقانى قدس‌سره سنة ١٣٤٢ انظر ص ٢٨ ـ ٣١.

(٥) راجع نهج البلاغة.

وقفوا معه في الحروب.

الخامس : الزهد ، وكان فيه الغاية القصوى حتّى أنّه أعرض عن الدنيا إعراض من لم ينل منها ذرّة ، مع أنّه كان يجبى إليه حاصلها ، وقال : إليك عنّي يا دنيا ، فقد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها وقال : لقد رقّعت مدرعتي حتّى استحييت من راقعها ، وكان يختم أوعية طعامه لئلّا يوضع له في خبزه أدام.

السادس : السخاء (١) والكرم ، وهو في ذلك الآية الكبرى ، فمن سخائه أنّه لم يستردّ فدكا أيام خلافته ، واعترف أعداؤه بسخائه حتّى قال معاوية : «لو يملك ابن أبي طالبعليه‌السلام بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفق تبره قبل تبنه» وعمّر عليه‌السلام عدّة حدائق وتصدّق بها (٢) وآثر بقوته وقوة عياله حتّى نزلت فيهم سورة هل أتى.

السابع : الحلم ، وهو الذي حلم عن مروان يوم الجمل وكان شديد العداوة ، وعن عبد الله بن الزبير وكان يشتم عليا عليه‌السلام ظاهرا ، وأفرج لمعاوية عن الشريعة لمّا ملكها وكان معاوية قد منعها أوّلا ، وأكرم عائشة وبعث معها عشرين امرأة إلى المدينة بعد حربها (٣).

__________________

(١) السخاوة ـ خ : (د).

(٢) راجع في تفصيل صدقاته عليه‌السلام المناقب لابن شهرآشوب (ره) ، والوافي للفيض (ره) والبحار وغيرها وقضية عين أبي نيزر مذكورة في الكامل للمبرّد ج ٣ ، ص ٩٣٨ طبعة مصر ، وكتبنا في سالف الزمان رسالة مستقلة بالفارسية في هذا الباب ، والله الموفق.

(٣) راجع تاريخ الجمل : النصرة في حرب البصرة للشيخ المفيد (ره) ، وقد تبع المصنّف (ره) في قوله : «وبعث معها عشرين امرأة» لابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة ، ولكن التحقيق هو ما ذكره الشيخ المفيد (ره) وقال : ولمّا عزم أمير المؤمنين عليه‌السلام على المسير إلى الكوفة أنفذ إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى المدينة ، فتهيأت لذلك وأنفذ معها أربعين امرأة ألبسهنّ العمائم والقلانس وقلّدهن السيوف ، وأمرهن أن يحفظنها ويكن عن يمينها وشمالها ومن ورائها ، فجعلت عائشة تقول في الطريق : اللهمّ افعل بعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وافعل ، بعث معي الرجال ولم يحفظ بي حرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما قدمن المدينة معها ألقين العمائم والسيوف ودخلن معها ، فلما رأتهن ندمت على ما فرطت بذمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام وسبّه وقالت جزى الله ابن أبي طالب خيرا فلقد حفظ فيّ حرمة رسول الله ص ٢٠٧ طبعة النجف.

قلت : ولكن عائشة نفسها لم تحفظ حرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخرجت عن بيتها وركبت الجمل وجاءت إلى ـ

الثامن : الحرص والشدّة في إقامة حدود الله تعالى ، وحاله في ذلك أشهر من أن يقال حتّى قال في كتابه إلى بعض عماله : لو أنّ الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت لما كانت لهما عندي هوادة ، ولا ظفرا منّي باردة حتّى آخذ الحقّ منهما ، وأزيح الباطل عن مظلمتهما.

التاسع : شرف الخلق وحسنه حتّى نسبه عمر إلى الدعابة مع شدّة بأسه وهيبته ، قال صعصعة : كان بيننا كأحدنا في لين جانب وشدّة تواضع وسهولة قياد ، وكنّا نهابه مع ذلك مهابة الأسير المربوط للسيّاف الواقف على رأسه (١) وقال معاوية يوما لقيس سعد بن عبادة(٢) : رحم الله أبا حسن فلقد كان هشّا بشّا ذا فكاهة ، فقال قيس : أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسّه الطوى تلك هيبة التقوى ليس كما تهابك طغام الشام.

العاشر : الطهارة من الذنوب قال سبحانه : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣) ولما نزلت أدار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الكساء على عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس.

كذا روته أمّ سلمة وغيرها (٤) وليس الآية في النساء وإلّا لأنّث الضمير (٥) وللرواية

__________________

ـ حرب إمام زمانها وأشعلت نار الفتنة ، وأجّجت التهابها وأهرقت أم المؤمنين دماء أولادها ، ونسيت آية القرآن الكريم : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ...)

ونسيت آية التبرج أم لم

تدر أنّ الرحمن عنه نهاها

حفظت أربعين ألف حديث

ومن الذكر آية تنساها

ونعم ما أبدع السيّد (ره) على ما نقله الجاحظ :

جاءت مع الأشقين في لمّة

تقود للبصرة أجنادها

كأنّها في فعلها هرّة

من جوعها تأكل أولادها.

(١) و (٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ، ج ١ ، ص ٢٥ طبعة دار إحياء الكتب العربية ١٣٧٨.

(٣) الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٤) انظر إلى الفضائل الخمسة ، ج ١ ، ص ٢٢٤ ـ ٢٤١ طبعة النجف وغاية المرام ، ص ٢٨٧.

(٥) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

المذكورة إذ قالت أمّ سلمة : ألست من أهل بيتك؟ قال : إنّك على خير ، وكون ما قبلها مختصّا بالنساء لا يمنع من اختصاصها بهم لجواز الانتقال من خطاب إلى آخر ، وحينئذ نقول : الذنب رجس ، وكلّ رجس فهو منفيّ عن أهل البيت ، فالذنب منفي عنهم (١) ، وهم مطهرون منه وعليّ عليه‌السلام سيّدهم ، فيكون مطهّرا من الذنوب.

الحادي عشر : إخباره بالمغيّبات كإخباره عن نفسه الشريفة بالقتل في شهر رمضان ، وقوله للبراء بن عازب : «يقتل ولدي الحسين عليه‌السلام وأنت حيّ لا تنصره» وكان كذلك. وقوله عليه‌السلام لسعد بن أبي وقّاص حين قال : كم على رأسي من طاقة شعر؟ : «إنّ في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» وكان ابنه صبيا حينئذ.

وقوله : «بمعنى إخباره» (٢) عن خالد بن عرفطة : «لن يموت حتّى يقود جيش ضلالة حامل رايته حبيب بن جمار ، فقام إليه حبيب فقال : إنّي لك شيعة وإنّي لك لمحبّ ، فقال : إيّاك أن تحملها ، ولتحملنها وتدخل بها من هذا الباب» وأشار إلى باب الفيل (٣) ، فلمّا بعث ابن زياد عمر بن سعد لعنهما الله لقتال الحسين عليه‌السلام جعل على مقدّمته خالدا وحبيب حامل رايته. وإخباره ميثما (ض) أنّ أباه سمّاه ميثما وأنّه يصلب على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة ، وأراه النخلة التي يصلب على جذعها وغير

__________________

(١) فإنّ المنفيّ في الآية الشريفة عن أهل البيت عليهم‌السلام هو كلّ الأرجاس ، ومصب الآية الأرجاس الباطنية ، وأما الظاهرية فأهل البيت عليهم‌السلام كانوا يجتنبون عنها يقينا ، والألف واللام في «الرجس» إمّا للاستغراق أو للجنس ، يفيد العموم فكلّ الأرجاس الباطنية من الذنب والجهل والخطإ والنسيان والطمع والحقد والحسد والعناد والبخل واللئامة ، وكلّ الصفات الرذيلة والأرجاس المعنوية منفيّ عنهم عليهم‌السلام ، فقول المصنّف (ره) : «الذنب رجس ، وكلّ رجس فهو منفيّ عن أهل البيت عليهم‌السلام» في غاية المتانة ، فإنّ المنفي في الآية عنهم عليهم‌السلام هو الكبرى الكلية ، والذنب من صغرياتها ومصاديقها البارزة فينطبق عليها وكذا سائر الأرجاس والقذارات الباطنية.

(٢) ما بين القوسين من ـ خ : (د).

(٣) هو باب الثعبان واشتهر بباب الفيل في زمن بني أمية ، قال العلّامة (ره) : كان أهل الكوفة يسمّون الباب الذي دخل منه الثعبان باب الثعبان ، فأراد بنو أمية إطفاء هذه الفضيلة ، فنصبوا على ذلك الباب فيلا مدة طويلة حتّى سمّى بباب الفيل انظر منهاج الكرامة ، ص ٨٣ طبعة تبريز.

ذلك من إخباراته (١) تركناها اختصارا.

الثاني عشر : ظهور المعجز (٢) عنه في مواضع :

الأوّل : قلعه لباب خيبر ، وكان يرده ويفتحه أربعون نفسا وقال : «والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ولكن بقوة ربانية».

الثاني : مخاطبته الثعبان على منبر الكوفة ، وعرّفهم أنّه حاكم من الجنّ أشكل عليه مسألة أجبته عنها (٣).

الثالث : قلعه الصخرة العظيمة عن فم القليب ، وقد عجز عنها الجيش.

الرابع : ردّ الشمس له مرّتين ؛ أحدهما في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأخرى (٤) في توجّهه إلى الصفّين في أرض بابل (٥).

الخامس : محاربته الجنّ لما أرادوا وقوع (٦) الضرر بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلى غير ذلك من معجزاته عليه‌السلام ذكرنا المشهور منها.

القسم الثاني : البدنية ، وهى نوعان :

__________________

(١) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٢) المعجزات ـ خ : (د).

(٣) صرح القوشجي في شرح التجريد بقضية الثعبان ص ٤٠٥ طبعة تبريز ، كما أنّها موجودة بالنقل الصحيح في كثير من كتب الشيعة والسنة.

(٤) وثانيهما ـ خ : (آ).

(٥) قضية رد الشمس من الضروريات حتّى نظمها الشعراء ، انظر إلى أشعار السيد الحميري وإلى كتاب الغدير.

(٦) وقوع ـ خ : (آ) انظر إلى الارشاد للشيخ المفيد (ره) ص ١٨١ طبعة تبريز. وقال : وهذا الحديث قد روته العامّة كما روته الخاصّة ولم يتناكروا شيئا منه ، والمعتزلة لميلها إلى مذهب البراهمة تدفعه ، ولبعدها من معرفة الأخبار تنكره ، وهي سالكة في ذلك طريق الزنادقة فيما طعنت به في القرآن ، وما تضمّنه من أخبار الجنّ وإيمانهم بالله ورسوله ، وما قص الله من بنائهم في القرآن ... وإذا بطل اعتراض الزنادقة في ذلك بتجويز العقول وجود الجنّ وإمكان تكليفهم وثبوت ذلك مع إعجاز القرآن والأعجوبة الباهرة فيه ، كان مثل ذلك ظهور بطلان طعون المعتزلة في الخبر الذي رويناه ، لعدم استحالة مضمونه في العقول ـ إلى آخر ما ذكره قدس‌سره من الاستدلال على صحّة هذا الحديث ـ انظر الإرشاد من الصفحة المذكورة إلى ص ١٨٤.

الأوّل : العبادة ، وبه يضرب المثل حتّى أنّ زين العابدين عليه‌السلام كان يصلّي كلّ يوم وليلة ألف ركعة (١) ويرمي الصحيفة شبه المتضجّر ، ويقول : أين لي بعبادة عليّ عليه‌السلام ، ووضع له نطع بين الصفّين بصفّين فصلّى عليه ركعتين والسهام تخطف حوله ، وكان يوما بصفّين يرمق الشمس ليعلم الزوال فيصلّي ، فقال له ابن عباس : ليس هذا وقت الصلاة! فقال : على الصلاة نقاتلهم. وكان إذا أريد إخراج شيء من السهام (٢) من بدنه ترك حتّى يشتغل بالصلاة ، فيكون غافلا عن هذا العالم حتّى عن بدنه ، لاستغراق نفسه الشريفة في عالم الجبروت.

ومعلوم أنّه لم يحصل لأحد من الصحابة بعض هذه الخصائص ولا قريبا منها ،

__________________

(١) لعلّه كناية عن كثرة صلاته عليه‌السلام.

(٢) الأولى في التعبير ما عبّر به آية الله العلّامة قدّس الله روحه في منهاج الكرامة بقوله : وكان إذا أريد إخراج شيء من الحديد من جسده عليه‌السلام يترك إلى أن يدخل في الصلاة ، فيتلقّى متوجّها إلى الله تعالى غافلا عما سواه غير مدرك للآلام التي تفعل به ص ٧٤ ـ ٧٥ طبعة تبريز. وكفى في الاعتماد على هذه القضية نقل العلّامة (ره) لها كما عرفت. وقد حقّقنا هذه القضية في كتاب التحقيق في الأربعين باللغة الفارسية ، انظر ص ١٧٠ ـ ١٧٨ وقلنا : إنّه لم نجدها في مصدر وثيق يمكن الاعتماد عليه ثمّ وجدنا في كتاب منهاج الكرامة للعلّامة قدس‌سره ، وكفى به مصدرا ومرجعا وثيقا وتعبيره (ره) : «شيء من الحديد» أولى من التعبير بالسهم كما في عبارات جمع من المؤلّفين ، وليس ذلك إلّا مسامحة منهم في التعبير ، وما ذكره الشيخ المصنّف (ره) بقوله : «شيء من السهام» أحسن من تعبيرهم وهو يفيد بعض السهم ، وعلى أيّ حال لا يكون هذا الأمر شاهدا لما أنكره العلّامة المحدّث النوري قدس‌سره على الشيخ الأعظم المفيد قدس‌سره من قوله في كتاب الإرشاد : «ومن آيات الله تعالى الخارقة للعادة في أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه لم يعهد لأحد من مبارزة الأقران ومنازلة الأبطال ما عرف له عليه‌السلام من كثرة ذلك على مرّ الزمان ، ثمّ إنّه لم يوجد في ممارسي الحروب إلّا من عرته بشرّ ونيل منه بجراح أو شين إلّا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإنّه لم ينله مع طول زمان حربه جراح من عدو ولا شين ، ولا وصل إليه أحد منهم بسوء حتّى كان من أمره مع ابن ملجم على اغتياله إيّاه ما كان ، وهذه اعجوبة أفرده الله بالآية فيها وخصّه بالعلم الباهر في معناها ، ودلّ بذلك على مكانه منه وتخصّصه بكرامته التي بان بفضلها من كافة الأنام» ص ١٦٣ ، طبعة تبريز ـ فإصابة شيء من الحديد بجسده الشريف يمكن أن تكون صدفة حين المشي ، خصوصا في تلك الحروب التي كان أمير المؤمنين عليه‌السلام المبارز الوحيد فيها حين الصعود إلى المركب والنزول منه ، وغير ذلك من الأحوال التي كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يتجوّل فيها لا أنّه أصاب بدنه المقدّس من العدو الغاشم ، فقول الشيخ المفيد (ره) وما جاد به يراعه الشريف في غاية الجودة والقوة والمتانة ، وقد حقّقنا ذلك في كتابنا الذي أو عزنا إليه ، وهو مطبوع منتشر ، فراجع.

بل كان فيهم عبّاد وزهّاد كسلمان وأبي ذرّ وغيرهما ، هم تلامذته وأتباعه ، فيكون أفضل من كلّ واحد منهم ، وهو المطلوب.

الثاني : الجهاد فنقول : كان عليه‌السلام أكثر جهادا ، وكلّ من كان كذلك كان أفضل.

أمّا الصغرى فيمكن فيها دعوى الضرورة ، فإنّ أحدا لا ينكر أنّ أكثر وقائع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وفتوحه كانت على يد عليّ عليه‌السلام ، وبلاؤه وعناؤه بين يديه في يوم أحد وبدر وحنين وغيرها أمر لا يدفعه إلّا مكابر.

وأمّا الكبرى فلقوله تعالى : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (١) وهذا البيان فيه كفاية في المطلوب ، غير أنا نذكر صورتين تدلّان على أفضليّة عليّعليه‌السلام على غيره :

الأوّل : ضربته لعمرو بن عبد ودّ التي قال فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لضربة عليّ يوم الأحزاب أفضل من عبادة الثقلين» فليت شعري كم يكون نصيب كلّ واحد من الصحابة من عبادة الثقلين من جهاد وغيره حتّى تنسب إلى جهاد عليّ عليه‌السلام؟.

الثاني : روت الرواة في قصّة خيبر : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبا بكر فرجع منهزما ، ثمّ بعث عمر فرجع أيضا منهزما (٢) ، وبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فبات ليلته مهموما ، فلمّا أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية فقال : «لأعطينّ الراية اليوم رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّار (٣) غير فرّار» فتعرّض لها المهاجرون والأنصار فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) النساء ٤ : ٩٥.

(٢) ومن المضحك ما ذكره بعض المؤرخين كأبي الفداء : أخذ أبو بكر الصدّيق الراية ، فقاتل قتالا شديدا ، ثم رجع فأخذها عمر بن الخطاب فقاتل قتالا أشدّ من الأوّل ، ثمّ رجع ـ انظر المختصر في أخبار البشر ، ج ٢ ، ص ٤٤ طبعة بيروت.

ليت شعري أين وقع هذا القتال حتّى كان الثاني أشدّ من الأوّل؟ ولعلّه كان في عالم الخيال تخيّله صاحب التاريخ من شدّة محبته للشيخين. والجدير بالذكر أنّه لم يعبّر أنّهما «فرّا» بل عبّر بالرجوع ، وبتغيير التعبير لا يتغيّر الفرار من الزحف ، وهو من الكبائر الموبقة قال ابن أبي الحديد :

وإن أنس لا أنس الذين تقدّما

وفرّهما والفرّ قد علما حوب

(٣) كرّارا ـ خ : (د).

«أين علي» فقيل له : إنّه أرمد (١) ، فجاءه فتفل في عينيه ، ثمّ دفع إليه الراية.

وهذه القصّة تدلّ على اختصاصه عليه‌السلام بصفات لم تكن حاصلة لهما من وجوه :

الأوّل : أنّهما رجعا منهزمين ، وذلك يقتضي كونهما فرّارين ، وهو صفة نقص في حقّ الإسلامي.

الثاني : وصفه بكونه كرّارا ، وهذه صفة أخرى زائدة على كونه غير فرّار ؛ لأنّ الثاني أعمّ من الأوّل ، لأنّ غير الفرّار قد يكون كرّارا تارة وغير كرّار أخرى ، فكلّ كرّار فهو غير فرّار ، وقد أثبت له عليه‌السلام الوصفان جميعا ، وظاهره يقتضي نفيهما عمّن تقدّم.

الثالث : كونه يحبّ الله ورسوله أثبت له هذه الخاصّة جزما ، ثمّ خصّه ثانيا بأن قال : «ويحبّه الله ورسوله» وهذه خاصة ثانية زائدة على الأولى ، وظاهر هذا الكلام يدلّ على نفي هذين الوصفين عمّن تقدّم ، وذلك غاية لنقصهما وفضله عليه‌السلام عليهما حينئذ ، بل تحته سرّ لا يمكن شرحه ، وكلّ ميسّر لما خلق له.

وينبّهك على ما قلناه من الاختصاص : أنّ من أرسل رسولا (٢) في مهمّ فقصّر الرسول فيه ، فقال المرسل بمحضر من الناس : لأرسلنّ غدا رسولا من صفته كذا وكذا ، فإنّه يدلّ بظاهر كلامه على أنّ الصفات المشار إليها في الرسول الثاني ليست حاصلة له في الأوّل ، إن لم يكن كلّها فلا أقلّ من البعض ، فقد ظهر لك من هاتين الصورتين أنّه عليه‌السلام أفضل من كلّ واحد من الصحابة ، وهو المطلوب.

القسم الثالث : الخارجية ، وهي أنواع :

الأوّل : النسب الشريف ، ومعلوم أنّ أشرف النسب ما قرب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو كان أقرب فإنّ العبّاس وإن كان عمّا ، لكنه من جهة الأب خاصّة وعلي عليه‌السلام ابن عمّه من الأبوين ، وأيضا عليّ عليه‌السلام هاشمي من هاشميين.

الثاني : مصاهرته للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بزواجه سيدة النساء التي نطق القرآن بعصمتها ،

__________________

(١) العينين ـ خ : (د).

(٢) رسوله ـ خ : (آ).

ودلّ النقل على سيادتها ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : سيدة نساء العالمين أربع ، وعدّ منهنّ فاطمة عليها‌السلام. وعثمان وإن كان صهرا لكن زوجته ليست كفاطمة عليها‌السلام.

الثالث : الأولاد الأشراف الذين لم يتّفق لأحد من الصحابة مثلهم ، كالحسن والحسين والسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والمهدي الذين مناقبهم ومعجزاتهم ظاهرة مشهورة ، ومناصب كمالاتهم (١) مغمورة ، وهم أهل البيت الذين قال فيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق» وقال : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا» إلى غير ذلك.

ثمّ إنّ هؤلاء كلّ أحد يقرّ بفضلهم ويفتخر بالانتساب إليهم ، وذلك معلوم شائع بين الناس.

فائدة : يجب تعظيم الذرّية النبوية العلوية ومودّتهم ، لقوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢) ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أكرموا صالحهم لله وطالحهم لأجلي» (٣) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة : المكرم لذريّتي والساعي لهم في حوائجهم والباذل لهم ماله والمحبّ لهم بقلبه ولسانه» (٤).

__________________

(١) ومناصب الكمال بهم ـ خ : (آ).

(٢) الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٣) «أكرموا أولادي الصالحون لله والطالحون لي» انظر فضائل السادات للسيد الحسيب السيد محمد أشرف سبط السيّد الداماد قدس‌سره ص ٢٧٧ طبعة قم ، سنة ١٣٨٠ ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «احفظوني في عترتي» وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أكرموا أولادي وحسّنوا آدابي» انظر ص ١٧٦.

(٤) الخصال للصدوق (ره) ، ص ١٩٦ ، طبعة طهران.

قال الإمام الرضا عليه‌السلام : «ولد علي وفاطمة عليهما‌السلام لو عرفهم الله هذا الأمر لم يكونوا كالناس» انظر رجال الكشي ، ص ٤٩٥ طبعة النجف ؛ وتنقيح المقال للشيخ المامقاني (ره) ج ٢ ، ص ٢٩٨ طبعة النجف. يظهر من الحديث أنّ القائلين من ذريّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بإمامة الأئمة الأطهار سلام الله عليهم وبولايتهم ، لهم المراتب العالية والمقامات السامية ، ولا يقاس بشأنهم شأن سائر الناس ، وليسوا مثلهم في علوّ الشأن والقرب عند الله تعالى ، انظر إلى قصة علي بن عبيد الله وعياله أم سلمة رضوان الله عليهما والإمام الرضا عليه‌السلام ، وعندها قال الإمام عليه‌السلام : ولد علي وفاطمة عليهما‌السلام الخ ...

الفصل الثاني : ذهب الأشاعرة ومعتزلة البصرة إلى أنّ أبا بكر أفضل ، واستدلوا بوجوه :

الأوّل : أنّ أبا بكر أتقى ، وكلّ من كان أتقى كان أفضل.

أمّا الصغرى فلقوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) (١) فالمراد به إمّا علي عليه‌السلام أو أبو بكر وفاقا ، والأوّل ممنوع لقوله : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) وعلي عليه‌السلام لم يكن موصوفا بهذه الصفة ؛ لأنّه نشأ في تربية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك نعمة تجزى بخلاف أبي بكر ، فإنّه ليس لأحد عليه من نعمة إلّا نعمة الإرشاد ، وتلك نعمة لا تجزى ، إمّا لقوله تعالى : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) (٢) وإمّا لعظم قدرها فتعيّن الثاني.

وأمّا الكبرى فلأنّ كلّ من كان أتقى كان أكرم عند الله وأفضل ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٣).

الثاني : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه : «ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر».

الثالث : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي بكر وعمر : «هما سيّدا كهول أهل الجنة ما خلا النبيين والمرسلين».

والجواب عن الأوّل بالمنع من الإجماع ، على أنّ المراد إمّا أبو بكر أو علي عليه‌السلام ؛ لجواز أن يكون المراد أبو الدحداح الذي اشترى النخلة المائلة إلى دار الفقير ، الذي شكا إلى النبي عليه‌السلام ما يلقاه من صاحبها ، فطلبها النبي منه ليعطيها الفقير وله بها نخلة في الجنّة فأبى، فمضى أبو الدحداح إليه واشتراها منه بأربعين نخلة حاضرة ، ودفعها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فدفعها إلى الفقير ، فنزل (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (٤) إلى آخرها ، كذا رواه

__________________

(١) الليل ٩٢ : ١٧ ـ ١٩.

(٢) الفرقان ٢٥ : ٥٧ ؛ الشعراء ٢٦ : ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٣٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠.

(٣) الحجرات ٤٩ : ١٣.

(٤) الليل ٩٢ : ١.

الواقدي بإسناده إلى عكرمة وابن عباس وعن عطا أنّ المراد بقوله : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) (١) المراد به صاحب النخلة ، وإذا كان كذلك فادّعاء الإجماع باطل.

سلّمنا ، لكن لا نسلّم أنّ أبا بكر ليس عليه نعمة تجزى ، وقولكم : «نعمة الإرشاد لا تجزى» ممنوع ، نعم جزاؤها لا يكون مساويا لها في الفضل ، وذلك لا يرفع أصل الجزاء.

سلمنا ، لكن نمنع أنّه لم تكن عليه نعمة سوى الإرشاد ، فإنّه وأباه كانا يعيشان على سماط بن جذعان.

سلّمنا ، لكن نمنع أنّ الأتقى أفعل التفضيل ؛ لجواز أن يكون بمعنى التقي ، فإنّه جاء كثيرا في الشعر وإلّا لكان أتقى من كلّ المؤمنين ، فيكون أتقى من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو باطل ، وإذا كان بمعنى التقي لا يلزم أفضليته ؛ لأنّ المراد من قوله «أتقاكم» أي أتقى من جميع المؤمنين وهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فإن قلت : لم لا يجوز أن يكون المراد بعض المؤمنين؟ فيكون أتقى أفعل التفضيل.

قلت : محال لا يكون أفضل من علي عليه‌السلام لجواز أن لا يكون علي عليه‌السلام من ذلك البعض. على أنّا نقول : من الرأس لا نسلّم أنّ الأتقى للموصوف في الآية الأولى هو الأتقى المشار إليه في الآية الأخرى ، حتّى يكون الأوسط متّحدا في القياس ؛ لجواز أن يكون مباينا له.

سلّمنا ، لكن منطوق قوله : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٢) يدلّ على أنّ كلّ من كان أكرم عند الله فصفة (٣) الأتقى ثابتة له ، لا على أنّ كلّ من كان أتقى فهو أكرم ؛ لما ثبت في المنطق أنّ الموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها.

وعن الثاني بالمنع من صحّته ؛ فإنّه بالاتفاق ليس من الصحاح المتّفق عليها عندهم ، وعلى تقدير صحته فهو من الآحاد.

__________________

(١) الليل ٩٢ : ١٥.

(٢) الحجرات ٤٩ : ١٣.

(٣) فضيلة ـ خ : (آ).

سلّمنا ، لكن لا يدلّ على أنّه أفضل الكلّ ، فإنّ مدلوله أنّ الشمس ما طلعت على أحد أفضل ، فجاز أن يكون قد طلعت على من هو مساو له ، فلا يلزم حينئذ مطلوبكم.

سلّمنا ، لكن لا يدل على أفضليّته مطلقا ؛ لأنّه أتى بلفظ الماضي ، فجاز أن يكون وقت الإمامة علي عليه‌السلام أفضل منه.

وعن الثالث نمنع صحّته ، بل هو موضوع في زمن بني أمية ؛ ليعارض ما ورد في الحسنين عليهما‌السلام من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهما : «إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما» ويؤيّده وجوه :

الأوّل : أنّه مسند إلى عبيد الله بن عمر ، وحاله في الانحراف عن أهل البيت عليهم‌السلام ظاهر لا يدفع (١).

الثاني : أنّ في الخبر أنّ عليّا عليه‌السلام كان عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبل أبو بكر وعمر فقال : «يا عليّ هذان سيّدا كهول أهل الجنة لا تخبرهما بذلك يا عليّ» ولم يعهد منهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أخبر بفضيلة أحد وأمر بكتمانه.

الثالث : أنّ متن الخبر يحكم ببطلانه ، وذلك لأنّ أهل الجنة بالاتفاق شبّان جرد مرد مكحولون (٢) ، فكيف يكون فيهم كهل ، ولكن ، ما أحسن الكذب إذا دلّ على نفسه!

المرصد الثاني : في دفع المطاعن ، وفيه فصول :

[الفصل] الأوّل : فيما (٣) ورد على عليّ عليه‌السلام من أعدائه الذين لا بصيرة لهم ، وهو وجوه :

الأوّل : ما ذكره الخوارج خذلهم الله تعالى ، وهو أنّه حكّم في الدين رجلين

__________________

(١) انظر في التحقيق حول هذا الخبر المجعول من الدجّالين أتباع بني أمية اللعناء إلى الأثر الخالد : تلخيص الشافي للشيخ قدس‌سره ، وما علّق عليه سيدنا العلامة الجليل السيد حسين الطباطبائي آل بحر العلوم النجفي دام بقاؤه من التعاليق النفيسة ـ ج ٣ ، ص ٢٢٣ ـ ٢١٩.

(٢) مكحلون ـ خ : (آ).

(٣) ما ـ خ : (آ).

فاسقين ، وهو مناف لقوله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) وذلك يستلزم (١) خطاءه وشكّه في إمامته ، وروي أنّه ندم على التحكيم فلا بدّ من خطاءه أحدهما.

والجواب : أنّ التحكيم جائز شرعا ؛ لقوله تعالى : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) (٢) وفي الصيد : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٣) فليس بحرام ولم يكن واجبا ، لكن إنّما أجاب إليه لسؤال أهل الشام والخوارج لمّا قامت الحرب ، فأجاب لعلمه أنّه أسهل الطريقين إلى غرضه ، وكان عالما بأنّه على الحقّ (٤) ، وأمّا كون الحكمين فاسقين فإنّه لم يكن باختياره بل كان مقهورا ، وإنّما كان غرضه ابن عباس (ره) والأشتر (ره) ، فما وافقوه فرضي كرها ، هذا ولا يلزم من تحكيم الفاسقين فسقه إلّا مع إطلاق التحكيم ، أمّا على (٥) شرط أن لا يخالفا القرآن فلا ، وأمّا ندمه فغير مسلّم إذ كان الخوارج مطلوبهم منه على الاعتراف بخطإ التحكيم والتوبة فلم يفعل ، ولذلك فارقوه.

الثاني : قالوا : إنّه محو اسم أمير المؤمنين من كتاب التحكيم ، وهو يدلّ على شكّه.

والجواب : أنّ له أسوة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث أمر بمحو اسم الرسالة في كتاب الصلح مع أهل الحديبية (٦).

الثالث : ما أورده النظّام أنّه عليه‌السلام كان يوم النهر ينظر إلى السماء تارة وإلى الأرض أخرى ويقول : «والله ما كذبت ولا كذبت» ولما فرغ من حربهم قال له الحسن عليه‌السلام : أعهد إليك رسول الله في أمر هؤلاء بشيء؟ فقال (٧) : لا ، ولكن أمرني بكلّ حقّ ، ومن الحقّ

__________________

(١) مستلزم لخطئه ـ خ : (آ).

(٢) النساء ٤ : ٣٥.

(٣) المائدة ٥ : ٩٥.

(٤) وكان عالما بأنّ أبا موسى الأشعري يخدعه عمرو بن العاص ـ انظر إلى خبر ابن أبي رافع في المناقب لابن شهرآشوب (ره) ، ج ٢ ، ص ٢٦١ طبعة قم ، ويأتى نقل ذلك في آخر الكتاب.

(٥) مع ـ خ ل ـ خ : (آ).

(٦) وكان أخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله به في الحديبية كما هو مشهور في السير والتواريخ.

(٧) قال ـ خ : (د).

أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، وهذا الكلام يشتمل على التناقض إن أراد بقوله : ما كذبت ولا كذبت عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلّا فعلى ادّعاء الوحي ، وكلاهما طعن.

والجواب : أمّا قوله : «والله ما كذبت» فصحيح ، لكنه قاله بعد الحرب وفقدان ذي الثدية بعد التفتيش ، ومعناه أنّي (١) ما كذبت في قولي عن رسول الله : إنّي أقاتل المارقين ، وأنّ آيتهم (٢) ذو الثدية. وأمّا قوله عليه‌السلام : «ما عهد إليّ فيهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشيء» فهو كذب من الراوي موضوع ، كيف وقد تظاهرت الأخبار أنّ رجلا من عسكره قال : يا أمير المؤمنين عليه‌السلام إنّ القوم ذهبوا وقطعوا النهر فقال : لا والله ما قطعوه ولا يقطعونه حتّى يقتلوا دونه ، عهد من الله ورسوله ، وروى فضالة بن فضالة عنه في حديث أنّه قال : «إنّ فيما عهد إلي النبيّ الأمّي أنّي لا أموت حتّى أؤمر وأقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين وحتّى تخضب هذه من هذا».

ثمّ إنّه على تقدير صحّته يحتمل أن يريد ما عهد إليّ في أمرهم مع الله لا (٣) في قتالهم ، وذلك لأنّهم لم (٤) يقصدوا الباطل وإنّما كانوا ضعفاء العقول ، طلبوا الحقّ فضلّوا عنه ، ولذلك قال عليه‌السلام : «لا تقتلوا الخوارج بعدي».

الرابع : ما أورده النظّام أيضا ، وهو أنّه حكم بأحكام خالف بها الإجماع ، كبيع أمّهات الأولاد وقطع (٥) السارق من أصول الأصابع ، ودفع السارق إلى الشهود ، وجلد الوليد بن عقبة أربعين سوطا ، وجهره بتسمية رجال في القنوت ، وقبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض والله يقول : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٦) وأخذه دية الرجل من

__________________

(١) إنّي ـ خ : (د).

(٢) منهم ـ خ ل ـ خ : ـ (د).

(٣) لا ـ خ : (آ).

(٤) لا ـ خ : (د).

(٥) يد ـ خ : (د).

(٦) الطلاق ٦٥ : ٢.

أولياء المرأة ، وأخذه (١) دية العين من المقتصّ من الأعور ، وتخليفه رجلا يصلّي بالضعفاء صلاة العيدين في المسجد ، وإحراقه رجلا لاط وكان عليه الرجم ، وجعله مهور البغايا في عطاء غنى وباهلة ، فإن كانوا مؤمنين فما وجه التخصيص وإلّا فلا يجوز اعطاؤهم.

والجواب : تفصيلا (٢) ذكره السيد في الشافي (٣) فلا نطوّل بإعادته. وإجمالا بأنّ ذلك لو قدح في علمه لقدح في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّه قال : أقضاكم علي ، وإنّ الحقّ يدور معه كيفما دار وقال : «اللهمّ اهد قلبه وثبّت لسانه» لمّا بعثه قاضيا إلى اليمن ، فقالعليه‌السلام : «ما شككت في قضاء بين اثنين» وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب» (٤).

وأيضا لو كانت هذه الأحكام باطلة لطعن بها بنو أمية وغيرهم من أعدائه الشديدي الحرص على إطفاء نوره ، ولكن ليس ، فليس.

الخامس : أنّه قعد عن طلب الخلافة وبايع أبا بكر ، وصوّب كثيرا من أحكام القوم

__________________

(١) نصف ـ تلخيص الشافي ، ج ٢ ، ص ٢٨٠ طبعة النجف.

(٢) مفصّلا ـ خ : (آ).

(٣) وقد أثنى الشيخ الطبرسي (ره) على هذا الكتاب الخالد النفيس ، وهو من جلائل الكتب ونفائس الآثار في كتابه إعلام الورى عند ذكره الأدلّة السمعية على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله : وأمّا الادلة السمعية على ذلك فقد استوفاها أصحابنا رضي الله عنهم قديما وحديثا في كتبهم ، لا سيما ما ذكر السيد الأجلّ المرتضى علم الهدى ذو المجدين قدّس الله روحه في كتاب الشافي في الإمامة فقد استولى على الأمد ، وغار في ذلك وأنجد وصوّب وأرشد وبلغ غاية الاستيفاء والاستقصاء ، وأجاب على شبه المخالفين التي عوّلوا على اعتمادها ، واجتهدوا في إيرادها أحسن الله عن الدين وكافة المؤمنين جزاءه ـ انظر ص ١٦٣ طبعة طهران سنة ١٣٧٩. وتلخيص الشافي لتلميذه شيخ الطائفة الطوسي قدّس الله روحه أيضا كتاب نفيس وأثر خالد لخصّه الشيخ (ره) وهذّبه في غاية الجودة والمتانة ، مطبوع في أربعة أجزاء في النجف الأشرف سنة ١٣٨٣.

(٤) يروي هذا الحديث باختلاف بسيط في ألفاظه عامّة المؤرّخين من أهل السنة بحيث لا يسع المقام لذكر مصادره ، وقد صنّف الفاضل العلّامة المحدّث أحمد بن محمد بن الصديق المغربي نزيل القاهرة كتابا نفيسا وسمّاه ب «فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي عليه‌السلام» مطبوع بمصر سنة ١٣٥٤ ، وذكر طرق هذا الحديث الشريف وحقّق أسناده على طريقة أهل السنة ، وهو كتاب فائق في بابه.

وأفتى بها ، ولم يعزل كثيرا من عمّالهم كشريح ولم يستردّ فدكا ، فإن كان ذلك صوابا فما باله خطابا (١) له يتظلّم من أخذ حقّه كما ينقلون عنه ، وإن لم يكن صوابا كان طعنا عليه.

والجواب : لما ثبتت عصمته وإمامته وجب أن يكون كلّ ما فعله صوابا وإن أنكرنا ظاهره ، فجاز اشتماله على مصلحة لا نعلمها ، مع أنّ التقية قد بيّنا وجه الحكمة فيها. ويعلم ممّا ذكرناه سابقا زيادة في الجواب عن هذا الوجه.

السادس : روي أنّه خطب بنت أبي جهل بن هشام في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشكته فاطمة عليها‌السلام إلى أبيها (٢) فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر : إنّ عليا آذاني بخطب (٣) بنت أبي جهل ، ليجمع بينها وبين فاطمة ، ولم يستقم الجمع بين بنت نبيّ الله وبين بنت عدوّه ، أما علمتم معاشر الناس أنّ من آذى فاطمة فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله.

والجواب : أنّ هذا كذب وضعه بعض النواصب ليطعن به عليه عليه‌السلام ، وكذبه مشهور ، وكفاه كذبا إسناده إلى الكرابيسي (٤) ، وكان عدوّا لأهل البيت عليهم‌السلام ، ولو كان صحيحا لذكره بنو أمية واحتجوا به في مطلوبهم (٥).

الفصل الثاني : فيما أورد على الحسن عليه‌السلام ، وهو أنّه صالح معاوية وبايعه وخلع

__________________

(١) باله خطابا ـ خ : (د).

(٢) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ خ : (آ).

(٣) فخطب ـ خ : (د).

(٤) هو أبو علي الحسين بن علي بن يزيد البغدادي الكرابيسي صاحب الشافعي (٢٤٥) أو (٢٤٨) قال ابن النديم في الفهرست : (٢٧٠ ـ : (... وكان من المجبرة وعارفا بالحديث والفقه ... وله من الكتب كتاب المدلّسين في الحديث ، وكتاب الإمامة ، وفيه غمز على عليّ عليه‌السلام ، وفي ميزان الاعتدال للذهبي ج ١ ، ص ٢٥٥ : (... لا يرجع إلى قوله. وقال الخطيب : حديثه يعزّ جدا ؛ لأنّ أحمد بن حنبل كان يتكلّم فيه بسبب مسألة اللفظ ، وهو أيضا كان يتكلّم في أحمد فتجنب الناس الأخذ عنه ... وفي تهذيب التهذيب ج ٢ ، ص ٣٥٩ : «... وقال الأزري : ساقط لا يرجع إلى قوله. وقال ابن حيان : أفسده قلّة عقله. أقول : إن كان له عقل لم ينقل تلك الأسطورة الكاذبة والقصّة المجعولة الخرافية ، ولم يكن من أعداء أهل البيت عليهم‌السلام.

(٥) وإن شئت تفصيل الجواب فانظر إلى تلخيص الشافي للشيخ (ره) ، ج ٢ ، ص ٢٧٦ طبعة النجف ، وكون هذه القصة أسطورة لا يعبأ بها من الواضحات ؛ ولذا لم يتعرّض المصنّف (ره) إلى جوابها تفصيلا.

نفسه وأخذ عطاياه وأظهر موالاته مع فجور معاوية ، وكان قد بايعه خيار الصحابة وأفاضل المسلمين حتّى قال له سليمان بن صرد : ما ينقضي تعجّبنا من بيعتك لمعاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من أهل الكوفة ، ومعهم أبناؤهم سوى شيعتك من أهل البصرة والحجاز.

والجواب : أمّا الصلح فلأنّه فعله اضطرارا ؛ لأنّ أكثر أصحابه كانوا غير مخلصين ومالوا إلى دنيا معاوية ، وأظهروا له عليه‌السلام النصرة وحملوه على الحرب ليورّطوه ويسلموه ، فلمّا أحسّ عليه‌السلام بذلك صالح تحرزا من المكيدة وأجاب معاوية ، ولمّا عوتب قال : إنّما هادنت حقنا للدماء وصيانتها وإشفاقا على نفسي وأهلي والمخلصين من أصحابي ، وكان الذي جرى من مكيدة معاوية وحكاياته مع عبيد الله بن عباس ، وقيام الخوارج على الحسن عليه‌السلام مشهور ، والصلح (١) مع الضرورة جائز كما فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديبية. وأمّا البيعة فإن أردت بها الصفقة وإظهار الرضى للضرورة ، فقد وقعت كما وقعت من أبيه عليه‌السلام للشيوخ الثلاثة ، ولا يضرّنا ذلك. وإن أردت الرضى بالقلب فباطل ، فإنّه لم يقع ، ولهذا لمّا طلب معاوية الكلام وإعلام الناس ما عنده حمد الله وأثنى عليه وقال : إنّ أكيس الكيّس التقى وأحمق الحمق الفجور ، أيّها الناس لو أنّكم طلبتم من جابلق وجابرس (٢) رجلا جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما وجدتموه غيري وغير أخي ، وأنّ الله قد هداكم بأولياء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ معاوية نازعني حقّا هو لي فتركته لصلاح الأمّة (٣) وحقن دمائها ، وقد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت ، وقد رأيت أن أسالمه ، وأن يكون ما صنعت حجّة على من كان يتمنّى هذا الأمر ، وإن

__________________

(١) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٢) جابلق بالباء الموحدة المفتوحة وسكون اللام وفي النسختين (د) و (آ) جابلص باللام والصاد المهملة ، قال ياقوت في معجم البلدان ، وفي رواية : جابلص ، والظاهر هو ما في تلخيص الشافي ومعجم البلدان وغيرهما : «جابرس» بالراء والسين المهملة انظر تلخيص الشافي ، ج ٤ ، ص ١٧٧ ومعجم البلدان ـ نفس المادة ، وأثبتنا ما هو المشهور.

(٣) صلاحا للأمة ـ خ : (د).

أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين ، وليس في هذا دليل على المتابعة.

وأمّا خلع نفسه عن الإمامة فإنّه محال ، كيف وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هما إمامان قاما أو قعدا» فالإمامة لازمة لهما قائمين أو قاعدين. وأمّا أخذ العطاء فقد فعل مثله عليّعليه‌السلام ؛ لأنّ جميع ما في يد المتغلّب من الأموال فللإمام انتزاعه (١) منه كيفما كان طوعا أو كرها ، وكان ينفق على نفسه وعياله قدر حقّهم ويدفع الباقي إلى المستحقّ وإظهار الموالاة كان تقية.

[الفصل] الثالث : فيما أورد على الحسين عليه‌السلام ، وهو أنّه فعل ضدّ ما فعله أخوه(٢) ، فإنّه خرج بأهله وعياله ، مع علمه (٣) باستيلاء أعدائه على الكوفة وعاملها من قبل يزيد ، وعلمه بغدر أهل الكوفة ؛ ولهذا نهاه ابن عباس فلم ينته ، وودّعه ابن عمر وقال: استودعك الله من قتيل ، وكذلك أخوه محمّد ، ثمّ إنه لمّا علم بقتل مسلم لم لم يرجع؟ ولم جوّز المحاربة في نفر يسير جموعا عظيمة؟ ولم لم يبايع للضرورة كما بايع أخوه حقنا للدماء حين عرض عليه الأمان والمبايعة ليزيد؟ وبالجملة الذي فعله إلقاء للنفس إلى التهلكة ، وربّك ينهى عنه بنصّ الكتاب.

والجواب : أنّ الأحكام تختلف بحسب الأمارات المختلفة ، والحسين عليه‌السلام لم يخرج من الحجاز إلّا بعد أن ورد عليه ثمانمائة كتاب من العراق ، ببيعة أربعة وعشرين ألفا من الفرسان المقاتلين ، وبعد أن بعث إليه مسلم بن عقيل (ض) يستحثّه لمّا أخذ له البيعة من ثمانية عشر ألفا غير أهل البصرة ، فخرج عليه‌السلام من مكّة مع سبعين (٤) فارسا وأربعين راجلا ليصل بمن بايعه (٥) لا ليحارب بهم ، ولم يعلم (٦) بما اتّفق من مكيدة ابن زياد وسوء

__________________

(١) ما انتزعه ـ خ : (د).

(٢) ضدّ فعل أخيه ـ خ : (آ).

(٣) مع علمه باستيلاء ـ خ : (آ).

(٤) ستين ـ خ : (آ) خ ل ـ خ : (د).

(٥) تابعه ـ خ : (د).

(٦) هذا الكلام وما تقدّمه وما يأتي إن كان نظرا إلى علم الإمام عليه‌السلام بعلم الإمامة والولاية ، فهو غير صحيح ؛ فإنّه عليه‌السلام كان عالما بما يتّفق ويقع ويؤول إليه عواقب أمره ونهضته المقدسة ، كما يأتي تحقيق ذلك ، ـ

الاتّفاق لمسلم كما هو مشهور ، ومع هذه الأمارات الغالبة يجب على الإمام عليه‌السلام القيام وإلّا لم يكن معذورا.

وأمّا مخالفته لنصحائه فلعلّهم لم يحصل لهم (١) من الظنّ ما حصل له ؛ لعدم وقوفهم على الرسائل وغيرها من الأمارات الدالّة على الظفر ، وإنّما لم يرجع لمّا سمع بقتل مسلم ، فقيل : لعدم تصديقه الخبر أو إنّه أراد التوجّه إلى العجم (٢) والشام إلى يزيد أو علم أنّهم يلحقوا (٣) به. ولم ينفعه الرجوع ؛ لأنّه كان منتقلا بالأهل والعيال والرحل ، وهذا عندي أقوى ، ولهذا قيل : إنّه لما سمع همّ بالرجوع فقام إليه بنو عقيل ، وقالوا : والله لا ننصرف حتّى ندرك ثارنا أو نذوق ما ذاق أخونا (٤) ، فقال عليه‌السلام : لا خير في العيش بعد هؤلاء ثمّ لحقه الحرّ ومن معه وسألوه أن يقدم على ابن زياد ، فسار معهم حتّى قدم عمر بن سعد في عسكر عظيم ، فقال عليه‌السلام لعمر : اختاروا منّي إمّا الرجوع إلى مكّة أو أن أضع يدي على يد يزيد ، يرى فيّ رأيه (٥) وإمّا تسيّروني إلى ثغر من ثغور

__________________

ـ نعم هذا الكلام إن كان بناء على ظاهر الحال الذي كان وظيفة الإمام عليه‌السلام المشي عليه فهو صحيح ، فإنّ تكليفه كان في العمل بما هو نتيجة الأسباب الظاهرية ، ولم يكن من وظيفته العمل بعلم إمامته عليه‌السلام ولم يكن مكلّفا به ، فإنّ هذا العلم لا يكون متعلّقا للتكليف ، وقد شرحنا هذا المطلب في إضافاتنا على كتاب أنيس الموحّدين بالفارسية ، انظر ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧ طبعة تبريز سنة ١٣٩٢ ، وانظر إلى رسالة «بحثى كوتاه درباره علم امام عليه‌السلام» بالفارسية لسيدنا العلامة الطباطبائي دام ظلّه مع مقدّمتنا عليه ، طبعة تبريز سنة ١٣٩٦.

(١) هذا الكلام بناء على ظاهر الحال وإلّا كان ابن عباس ومحمد بن الحنيفة وعبد الله جعفر وابن عمر وغيرهم عالمين ، بأنّه عليه‌السلام سوف يصير شهيدا بطفّ العراق ، وكان ذلك بإخبار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام كما هو غير خفي على من راجع التواريخ وكتب المقاتل ، ويشهد به قول ابن عمر كما نقله المصنف (ره) : أستودعك الله من قتيل. فإنّه من أين علم أنّه قتيل؟ ليس إلّا من إخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. انظر إلى قول ابن عمر هذا في إسعاف الراغبين ص ١٨٦ ـ ١٨٧ ؛ تذكرة الخواصّ ص ٢٥١ ؛ نظم درر السمطين ، ص ٢١٤.

(٢) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٣) يلحقونه ـ خ : (آ).

(٤) أبونا ـ خ : (د) وكذا في تنزيه الأنبياء للسيد (ره) ، ولكن الطبري في التاريخ موافق لما أثبتناه.

(٥) ليت المصنّف (ره) كان نقل مصدر هذا النقل ، وذكر أنّه من أين أخذ ذلك ونسبه إلى الإمام عليه‌السلام ، ولعلّه أخذه من الطبري في تأريخه ولكن هذه الخصال : اختاروا منّي ... لم يثبت في التاريخ ، وما نقله الطبري ـ

المسلمين ، فكتب (١) بذلك إلى ابن زياد فأبى إلّا نزوله إلى حكمه وتمثّل :

الآن إذ (٢) علقت مخالبنا به

يرجو النجاة ولات حين مناص

وعلم الحسين عليه‌السلام أنّه إن نزل على حكمه تعجّل الذلّ والعار وآل أمره بعد ذلك إلى القتل ، فاختار الشهادة والموتة الكريمة على الدخول تحت الذلّ ، ولذلك قال بعض الفضلاء : إنّ جهاد الحسين عليه‌السلام كان بحسب ذلك المقام الذي هو فيه ، فلا يرد عليه شيء من الإيرادات في مراعاة الشرائط الشرعية للجهاد (٣).

والفرق حينئذ بينه وبين أخيه عليهما‌السلام ظاهر ؛ أمّا أوّلا ، فإنّ أخاه إنّما قعد عند تخاذل أصحابه وتفرّقهم في الآراء بحسب مكيدة معاوية ، والحسين عليه‌السلام إنّما قام حين ظهرت له أمارات الظفر ، ولمّا انعكس الأمر عليه لم يتمكّن من القعود.

وأمّا ثانيا ، فلجواز اختلاف التكليف بحسب اختلاف الزمان والأحوال ، فجاز أن يكون تكليف الحسين عليه‌السلام القيام مطلقا ، ولا مانع في العقل منه وإن أدّى إلى ضرر (٤) ، لاشتماله على مصلحة عظيمة كقيام الشعار الإيماني مثلا ، (٥) فإنّه ربّما لو قعد عليه‌السلام لا نطمس شعار الإمامة ولكان لقائل أن يقول : لو كان دعوى هذه الطائفة حقّا لقام لها قائم بذلك وإن كان هذا غير لازم ، لكن يمكن أن يخطر ذلك لبعض الجهّال.

__________________

ـ عن عقبة بن سمعان كما يأتي نقله هو الصحيح ؛ لأنّه الموافق للعقل والاعتبار والقرائن تدلّ على صحة قوله ، وما أخذه المصنف (ره) من الطبري ونقله بقوله : اختاروا منّي الخ ... من الأكاذيب التي شحن الطبري تاريخه بها ، كنسبة المهادنة إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام مع معاوية كذبا واختلاقا ، انظر إلى حوادث سنة ٤٠ من تاريخه ، ولهذا التعليق بقية تأتي في آخر الكتاب.

(١) ثم كتب ـ خ : (آ).

(٢) قد ـ خ : (آ).

(٣) بل جهاده عليه‌السلام جهاد خاص وتضحية خاصة في سبيل إحياء الدين واستخلاصه من أيدي بني أمية أعداء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن والإسلام ، وقضية الحسين عليه‌السلام لا تقاس بالقضايا المتعارفة حتّى يقال : هل روعي فيها شرائط الجهاد أولا؟

(٤) يعني بحسب الظاهر ، وأمّا في الواقع فهو عليه‌السلام غالب ، فإن عمله «غالبية في صورة المغلوبية» وهو من كلمات الشيخ الأستاذ (ره).

(٥) مثلا ـ خ : (د).

فإن قلت : يظهر من كلام بعض أصحابكم أنّ الحسين عليه‌السلام كان يعلم أنّه يقتل في مسيره إلى الكوفة ، ويخذله من كاتبه ، وكذا ورد في كلامه عليه‌السلام صريحا : «كأنّي بأعضائي تقطّعها عسلان الفلوات» وإنّما سار تعبّدا بالجهاد ، وهذا غير جائز ؛ لأنّ دفع الضرر عن النفس واجب عقلا وشرعا ، فلا يجوز أن يتعبّد بالصبر على خلافه.

قلت : تردّد شيخنا الطوسي رحمه‌الله في ذلك ، وأمّا السيد المرتضى (ره) فقال : إن أراد القائل بأنّه كان يعلم ما جرى عليه في ذلك الوقت على التفصيل ، فهو فاسد ، لما ذكرتم ، وإن أراد أنّه كان يعلم جملة أنّه سيقتل ولم يعلم وقته وكيفيته ، فهو جائز ولم يلزم منه محذور. وكذلك نقول في حقّ علي عليه‌السلام : إن كان يعلم أنّه يقتل إجمالا ، وكان يقول : متى يبعث أشقاها؟ والأولى أن يجاب بما ذكرناه من اختلاف التكليف.

اللامع الثاني عشر

في الحشر والجزاء

وفيه قطبان (١) :

[القطب] الأوّل : في الحشر ومقدّماته

وفيه فصلان :

[الفصل] الأوّل : في المقدمات وفيه أبحاث.

الأوّل : أنّه يجوز خلق عالم آخر مماثل لهذا العالم خلافا للحكماء ، لنا وجهان : الأوّل : أنّه لو امتنع لامتنع وجود هذا العالم ، واللازم كالملزوم في البطلان.

بيان الملازمة : أنّ امتناعه إن كان لذاته لزم امتناع هذا ؛ لأنّ حكم المثلين واحد ، وإن كان لعارض أمكن زواله فيزول الامتناع ، فيحصل المطلوب.

الثاني : تواتر النقل الصحيح بإمكانه ، كقوله تعالى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ

__________________

(١) مطلبان ـ خ : (آ).

وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) (١) وغيرها.

قالوا : لو أمكن لكان كرة ، لأنّه الشكل الطبيعي ، فيلزم اجتماع كرتين فيحصل بينهما خلاء ، وهو محال وإلّا لكانت الحركة مع العائق (٢) كالحركة مع عدمه ، وهو باطل.

بيان الملازمة : أنّ الحركة تستدعي زمانا ضرورة ، فلو فرضنا حركة تقطع مسافة خالية عن معاوق في زمان ومع المعاوق في مثليه ، ثمّ فرضنا معاوقا آخر أرقّ من الأوّل تكون نسبته إليه على النصف ، فيكون معاوقته كذلك ، فيقطع المسافة معه في نصف زمان الأوّل ، وذلك زمان الخلوّ عن المعاوقة ، فيتساويان وهو باطل.

ولأنّه يلزم وجود أرض أخرى مساوية لهذه فيكون مركزا في عالمها ، مع أنّه يكون لها ميل إلى مكان هذه وإلّا لما كانت مساوية لها ، فيكون لتلك مكانان طبيعيان ، وهو باطل وإلّا لكان المطلوب المتروك طبعا متروكا طبعا.

والجواب عن الأوّل بالمنع من الكرية ، وبتقديره نمنع (٣) استناده إلى الطبيعة كما تقدّم. سلّمنا لكن جاز تعدّد آثارها لتعدد الشروط. سلّمنا لكن نمنع استحالة الخلاء ، وقد تقدّم دليل امكانه ، وقولهم : «يلزم تساوي زمان العائق وعدمه» ممنوع ، فإنّا لا نسلّم وجود المعاوق الثاني كما وصفتم ..

وبيانه : أنّ الحركة تستدعي لذاتها قدرا معيّنا من الزمان ، فلا بدّ لها من قدر آخر بسبب المعاوق الأرقّ ، فيستحيل مساواته لزمان خلوّها عن المعاوق. هذا مع أنّا إذا رفعنا الصحفة (٤) الملساء عن مثلها رفعا متساويا (٥) ، فإنّ أوّل زمان الرفع يكون الوسط خاليا ، وهو ظاهر.

وعن الثاني بالمنع من أنّ التخصيص للطبيعة بل للفاعل المختار. سلّمنا لكن جاز

__________________

(١) يس ٣٦ : ٨١.

(٢) المعاوق ـ خ : (آ).

(٣) يمتنع ـ خ : (آ).

(٤) الصحفة ـ خ : (د).

(٥) مستويا ـ خ : (آ).

اختلاف الطبيعتين وإن تساويا في الجسمية ، فيقتضي كلّ واحد مركزا. سلمنا لكن جاز تخصيص كلّ بعالمها لا لمخصّص (١) كاختصاص المدرة بحيّزها دون غيره (٢).

الثاني : هذا العالم يجوز عدمه ؛ لأنّه ممكن فيجوز عدمه ، والمقدّمتان سبقتا ، ولأنّه لو امتنع فإن كان لذاته (٣) لزم الوجوب وهو باطل ، وإن كان لغيره (٤) كان جائزا ؛ نظرا إلى ذاته وهو المطلوب.

ومنعه الحكماء استسلافا ؛ لكونه أثرا لعلّة واجبة فيدوم بدوامها ، وقد تقدّم بطلان المستسلف.

الثالث : هل يقع هذا الجائز؟ منع أبو الحسين منه وإلّا لما أعيد ، لكن اللازم باطل بالاجماع على وقوع المعاد.

وبيان الملازمة بامتناع إعادة المعدوم كما يجيء. وجوّزه آخرون ؛ لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٥) و (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (٦) و (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (٧) و (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (٨) وأوّل أبو الحسين الأوّل بأنّه نظرا إلى (٩) ذاته لإمكانه أو بخروجه عن الانتفاع ، والثاني أنّه أوّل (١٠) بحسب الذات وآخر كذلك أو مبدأ وغاية ، فإنّ أهل الجنّة مؤبّدون ، والثالث بأنّ المراد الموت ، والرابع بأنّ التشبّه من بعض الوجوه كاف في الصدق.

__________________

(١) لا لمخصص ـ خ : (د).

(٢) غيرها ـ خ : (آ).

(٣) بذاته ـ خ : (آ).

(٤) بغيره ـ خ : (آ).

(٥) القصص ٢٨ : ٨٨.

(٦) الحديد ٥٧ : ٣.

(٧) الرحمن ٥٥ : ٢٦.

(٨) الأنبياء ٢١ : ١٠٤.

(٩) بالنظر إلى ذاته ـ خ : (آ).

(١٠) أول ـ خ : (د).

والحقّ انصباب كلام أبي الحسين على المكلّف (١) ، كما في قصّة ابراهيم عليه‌السلام وكلام الآخرين على غيره ؛ إذ لا مانع منه مع دلالة النقل عليه.

تذنيبان

الأوّل : يجوز انخراق الأفلاك وانتثار الكواكب لإمكانها ، فيجوز عليها العدم وزوال الصورة التركيبية ، والنقل بوقوعه متواتر.

الثاني : الأعدام يحصل بالفاعل إذ لا مانع منه ، وقولهم ـ : العدم لا بفعل بل لا بدّ أن يكون أثر الفاعل وجودا وإلّا لم يكن مؤثرا ، إذ لا فرق حينئذ بين فعل العدم وبين لم يفعل شيئا ـ باطل ؛ إذ (٢) المراد عدم التأثير في الوجود أو بقائه لا التأثير في العدم ، ويلزم العدم من عدم ذلك التأثير (٣) ، وما ذكرتموه (٤) من عدم الفرق فاسد ، بل هو حاصل ، فإنّ مفهوم فعل العدم تجدّده بعد الوجود ، ومفهوم لم يفعل بقاء العدم على ما كان.

وقال الجبائيان : يحصل بطريان الضدّ الذي هو الفناء ، وأنّه عرض قائم بنفسه يبقى زمانا واحدا تعدم (٥) به الجواهر ، ثمّ يعدم لذاته ، لكن أبو علي قال : بإزاء كلّ جوهر فناء ، وأبو هاشم قال : فناء واحد كاف ، وهذا باطل ؛ لاستحالة عرض لا في محلّ ضرورة ، وكذا يقول في اختصاصه بالإعدام مع ثبوت التضادّ من الطرفين ؛ للزوم الترجيح بلا مرجّح.

__________________

(١) يعني كلام أبي الحسين مصبّه إعدام المكلّف وإعادته ، وإعدامه بتفرق أجزائه كما في قصّة ابراهيم عليه‌السلام وأخذه أربعة من الطير وتفريق أجزائها ، ولم يعدم الله تعالى تلك الأجزاء فكذا الأمر في المكلّف ، وأمّا كلام الآخرين فمصبّه في غير المكلّفين ، وهم من لا يجب إعادته وجاز إعدامه بالكلية ولا يعاد.

(٢) لأن ـ خ : (آ).

(٣) في العدم ويلزم العدم من عدم ذلك التأثير ـ خ : (آ).

(٤) وما ذكروه ـ خ : (آ).

(٥) تقوم ـ خ : (د).

وقولهم : ـ اختصّ الطارئ به ، لكونه متعلّق السببية (١) ـ باطل أيضا ؛ لأنّ البحث في اختصاص الطارئ بالسببية ، وحينئذ نقول : حدوث الحادث وانتفاء السابق إن كان معا ، فليس إعداما بالضدّ ، بل بالفاعل فإنّه يحدث الحادث وينفي السابق ويكون التوقّف توقّف معية ، وإن كان على التعاقب لزم الدور المحال. ثمّ إنّ عدمه لذاته يصيّره (٢) ممتنعا ، فلا يوجد هذا مع المطالبة بالتخصيص.

وقال جماعة : يحصل بانتفاء الشرط ، فالأشعرية قالوا : الأعراض غير باقية بل يجدّدها الفاعل ، فما هو شرط في بقاء الجوهر إذا لم يتجدّد (٣) عدم. وقال القاضي منهم : إنّها الأكوان وقال محمود الخيّاط (٤) والجويني : إنّ الجوهر محتاج (٥) إلى نوع من كلّ جنس ، فإذا لم يخلق ذلك النوع عدم.

وقال الكعبي وبشر : إنّ وجود الجوهر مشروط بالبقاء فإذا لم يخلقه عدم ، فبشر جعله قائما لا في محلّ ، والكعبي قائما بالمحلّ ، وهذا أيضا باطل لوجوه :

الأوّل : ما تقدّم من بقاء العرض.

الثاني : أنّ العرض مفتقر إلى الجوهر فلو افتقر هو إليه دار.

الثالث : الكلام في عدم الشرط كالمشروط ، وليس بالفاعل عندهم ولا بالضدّ أيضا ، فيكون بانتفاء الشرط ويتسلسل.

__________________

(١) السبب ـ خ : (آ).

(٢) يصير ـ خ : (د).

(٣) يتجدده ـ خ : (د).

(٤) محمود ـ خ : (آ) قال العلّامة قدس‌سره في أنوار الملكوت : وقال أبو بكر الباقلاني : وتلك الأعراض هي الأكوان ، وقال في موضع آخر : إنّ الفاعل المختار يفنى بلا واسطة ، وبمثله قال محمود الخيّاط وقال : إنّ الجوهر يحتاج من كلّ جنس من أجناس الأعراض إلى نوع ، فإذا لم يخلق أيّ نوع كان انعدم الجوهر. وبمثله قال إمام الحرمين. كذا في النسخة المطبوعة من نشريات «دانشگاه طهران» ولكن في النسخة المخطوطة النفيسة الموجودة بمكتبتنا : وقيل : إنّ الجوهر يحتاج ... الخ ... ـ فعلى هذه النسخة لا يكون المطلب من قول محمود الخيّاط ، بل قال بمثله إمام الحرمين الجويني ، ص ٤٢ ، والظاهر أنّ محمود الخيّاط من المتكلّمين ولم أقف إلى اليوم بعد فضل التتبع على ترجمته ، والله الموفق.

(٥) إنّ الجواهر تحتاج ـ خ : (آ).

الرابع : أنّ البقاء أمر عقلي لا عرض وجودي. سلمنا لكن لا يعقل وجوده إلّا في محلّ وإلّا لكان جوهرا ، ووجوده في المحلّ يستلزم الدور ؛ لأنّ كلّا منهما باق بصاحبه.

الرابع : المحقّقون على امتناع إعادة المعدوم وادّعوا الضرورة في ذلك ، ونبّهوا عليه بوجوه :

الأوّل : أنّ ما عدم لم يبق له هوية يشار إليها فيحكم عليها بصحّة العود ، مع أنّ الحكم على الشيء مشروط بتحقّق (١) ماهيته.

الثاني : لو أعيد بعينه تخلّل العدم بين الشيء ونفسه وهو محال.

وبيانه : أنّ الوجود الثاني إن كان هو الأوّل فذاك ما قلناه ، وإن كان غيره فهو ما طلبناه.

الثالث : أنّه يلزم صدق المتقابلين عليه وهو محال ؛ فإنّه لو أعيد لأعيد مع جميع مشخّصاته التي من جملتها الوقت الذي كان عليه ، فيكون مبتدأ بذلك الاعتبار ومعادا باعتبار وجوده الثاني ، فيكون مبتدأ معادا معا وهما متقابلان.

وقال المثبتون بامكانه بناء منهم على تقرّر ماهية حال العدم ، وقد عرفت ما فيه. وقال نفاة الأشاعرة بذلك أيضا وإلّا لخرج عن الإمكان إلى الامتناع ، وهو باطل ؛ لما ثبت من إمكانه الذاتي.

وفيه نظر ؛ لأنّ الحكم بامتناع وجوده المقيّد بكونه بعد العدم ، وذلك ليس للذات حتّى يخرجه (٢) إلى الامتناع بل لأمر لازم.

الخامس : في حقيقة الإنسان ، قد مرّ أنّ الحكماء يثبتون الجوهر المجرّد ، وقد حكينا دليلهم ، وتابعهم على ذلك جماعة ، وقال قوم من المتكلّمين : إنّه الهيكل المحسوس.

والمحقّقون منهم على أنّه أجزاء أصلية في هذا البدن ، باقية من أوّل العمر إلى آخره لا تتطرّق إليها الزيادة والنقصان ، وهو الأقرب ؛ لوجهين.

__________________

(١) بتحقيق ـ خ : (د).

(٢) تخرج ـ خ : (آ).

الأوّل : أنّا نحكم على ذواتنا بأحكام صادقة كالقدرة والعلم والمجيء والذهاب وغيرها ، وليس المحكوم عليه هو المجرّد وإلّا لما أمكن حصول الأحكام المذكورة إلّا من عالم به ؛ لما علم من اشتراط العلم بالمحكوم عليه في الحكم ، لكن اللازم باطل ؛ فإنّ كثيرا من العوام يحكم بها ولم يتصوّر المجرّد ولم يشعر به فيكون غيره ، وليس هو هذا الهيكل بأجمعه لتغيّره وتبدّله (١) ، والإنسان واحد لا يزيد ولا يتغيّر فيكون بعضه ، وليس هو الأجزاء الزائدة التي تتغيّر وتتبدّل ؛ لأنّ كلّ واحد يعرف أنّ ذاته لم تزد ولم تنقص ولم تتغير فتكون أجزاء باقية ، وذلك هو المطلوب.

الثاني : كلّما كان مدرك الجزئيات جسما كان مدرك الكلّيات جسما ، لكن المقدّم حقّ باعتراف الحكماء فالتالي مثله.

وبيان الشرطية : أنّا نحكم على زيد بالإنسانيّة ، والحاكم على الشيئين مدرك لهما ، فالنفس مدركة للجزئيات فتكون جسما ؛ لما تقدم. وفي هذين نظر :

أمّا الأوّل ؛ فلأنّ العامّي يحكم ولا يتصوّر الأجزاء أيضا. وأمّا الثاني ؛ فلأنّ مرادهم أنّ المدرك للجزئيات بالذات جسم ، والنفس مدركة بواسطة الآلات لا بذاتها.

ويجاب عن الأوّل بأنّا نحكم على البدن الذي يعلم دخول الأجزاء الأصلية فيه ، ثمّ نتنبّه على أنّ الفضلية (٢) ساقطة عن درجة الاعتبار بأدنى فكر ، بخلاف المجرّد فإنّه حال الحكم غير شاعر به مطلقا.

واعلم أنّ هنا أقوالا أخر يظهر فسادها لمن تصوّرها :

الأوّل : هو الجزء الناري.

الثاني : هو الجزء الهوائي.

الثالث : هو الجزء المائي.

الرابع : أنّه الدم ؛ لأنّ المذبوح يموت بخروج دمه.

__________________

(١) تبديله ـ خ : (د).

(٢) الفضيلة ـ خ : (آ).

الخامس : أنّه الأخلاط الأربعة : الدم والبلغم والصفرة والمرة.

السادس : أنّه الروح ، وهو المركّب من بخارية الأخلاط ولطيفها ، ومسكنه الأعضاء الرئيسة التي هي القلب والدماغ والكبد.

السابع : أنّه النفس الذي في الإنسان.

الثامن : قول النظّام : إنّه جسم لطيف داخل البدن سار في الأعضاء ، وإذا قطع عضو تقلّص باقيه (١) إلى داخل البدن ، فإن قطع بحيث ينقطع ذلك الجسم اللطيف مات الإنسان ، وهو قريب من مذهب المتكلّمين.

التاسع : قول ابن الراوندي : إنّه جزء لا يتجزّأ في القلب.

العاشر : أنّه المزاج المعتدل.

الحادي عشر : أنّه الحياة.

الثاني عشر : أنّه تخاطيط الأعضاء وتشكل الإنسان الذي لا يتغيّر من أوّل عمره إلى آخره (٢).

الفصل الثاني : في الحشر

ويعبّر عنه بالمعاد ، ونفاه الدهرية وأهل الطبيعة وقولهم يبطل ببطلان أصولهم ، وقد سلف ، وأثبته المليون جسمانيا (٣) والحكماء روحانيا وجماعة من المحققين جسمانيا وروحانيا ، وهو قريب. وتوقّف جالينوس في الكلّ. فهاهنا أبحاث (٤) ثلاثة :

[البحث] الأوّل : الجسماني ، والنظر إمّا في إمكانه أو وجوب وقوعه.

__________________

(١) ما فيه ـ خ : (آ).

(٢) هنا تعليق في تحقيق النفس الإنسانية يأتي في التعليقات المضافة إلى آخر الكتاب.

(٣) لا معنى لحشر الأجساد فقط ، فإنّها حينئذ جمادات ، ولا يقول بذلك عاقل ، فهذا القول يرجع إلى القول بالمعادين : الجسماني والروحاني معا ، وحمله على الجسماني فقط بديهي البطلان ، فمعنى قولهم : إنّه إذا أعيدت الأجسام لزمت إعادة الأرواح أيضا باعتبار المشاركة ؛ للطافتها وسريانها فيها. فلا تغفل.

(٤) أحكام ـ خ : (آ).

أمّا الأوّل : فاعلم أنّه قد ثبت أنّه تعالى قادر على كلّ ممكن ، وأنّه عالم بالجزئيات ، وأنّ الجوهر الفرد متحقّق وكذا الخلاء ، وأنّ الإنسان عبارة عن الأجزاء الأصلية. فأمّا أن نقول بجواز إعادة المعدوم فالإمكان ظاهر بعد ثبوت المقدّمات المذكورة أو نقول بامتناع (١) إعادة المعدوم فيفسّر الإعدام بالتفريق. ولا شكّ أنّ جمع تلك الأجزاء ممكن كابتداء خلقها والأحياز خالية فتصحّ حركة بعض الأجزاء إلى بعض ، وهو تعالى قادر وعالم بكمية الأجزاء وكيفية ترتيبها ، فالإمكان ظاهر أيضا.

وأمّا الثاني ؛ فلوجوه :

الأوّل : أنّه لو لم يجب لزم بطلان الجزاء ، واللازم باطل وإلّا لزم الظلم والسفه ، وهما عليه تعالى محالان ، فكذا الملزوم.

وبيان الملازمة : أنّا نرى المطيع والعاصي يدركهما الموت من غير أن يصل إلى أحدهما ما يستحقّه ، فلو لم يحشر التوصّل (٢) إليهما الجزاء ، لزم بطلانه.

الثاني : خلق العبيد إمّا لا لغرض وهو عبث محال على الحكيم ، أو لغرض. فإمّا التعب وهو محال على الحكيم أيضا أو الراحة وهو المطلوب (٣) ، فأمّا أن تكون حاصلة في الدنيا وهو باطل ؛ لأنّ كلّ ما يعتقد في الدنيا لذّة فهو دفع ألم ، كالأكل فإنّه دفع ألم الجوع ، ولهذا فإنّ أوّل لقمة تكون ألذّ ممّا بعدها ، وكذا في الثانية بحسب ضعف ألم الجوع وكذا سائر اللذات ، وإن فرض هناك لذّة فهي قليلة لا يحسن جعلها أجزاء على هذه الآلام ، الحاصلة بالتكاليف الشاقّة ، فلم يبق إلّا أن تكون تلك الراحة حاصلة في دار أخرى ، وهي المعاد.

الثالث : تواتر النقل عن الأنبياء عليهم‌السلام أنّهم أخبروا بذلك مع إمكانه ، فوجب القطع به ؛ لما علم من عصمتهم الدافعة للكذب عنهم.

لا يقال : لم لا يجوز أن يكون إخبارهم به إقامة لنظام النوع في بعث العوام على

__________________

(١) بعدم ـ خ : (د).

(٢) ليصل ـ خ : (آ).

(٣) من قوله : فإمّا التعب ـ إلى قوله : ـ وهو المطلوب ـ ساقط من ـ خ : (آ).

القيام به؟ حيث لم يتصوّروا المعاد الروحاني فعبّروا لهم بالجسماني ، ليكون ذلك المعلوم باعثا لهم ، فإنّهم لو خوطبوا بالروحاني لم يتصوّروه ولم يصدّقوا به ، ولم ينبعثوا ، كما عبّر في صفات الله بالمتشابهات (١) المشعرة بالجسمية ؛ لعدم تصوّرهم المجرّدة ، ثمّ أوّلت لمن له عقل ، فكذا نقول هنا : يجب تأويل ما ورد من كلامهم.

وأيضا لو أكل إنسان إنسانا بحيث صارت أجزاء المأكول أجزاء للآكل ، فلا يرد إليهما معا يوم القيامة وإلّا لكان الجزء الواحد جزء لبدنين ، وهو محال ، ولا إلى أحدهما خاصة وإلّا لزم الترجيح من غير مرجّح ، مع أنّه يلزم ضياع الآخر.

لأنّا نجيب عن الأوّل بأنّ التأويل إنّما يصار إليه إذا لم يكن الحمل على الظاهر ممكنا ، كالمتشابهات المذكورة. وأمّا هنا فلا لعدم المعارض أوّلا ولقيام الدليل على وجوبه ثانيا ، ولما علم من دين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالضرورة ، أنّه كان يثبت المعاد الجسماني ، ويكفّر من أنكره ثالثا.

وعن الثاني بأنّا بيّنا أنّ الإنسان عبارة عن الأجزاء الأصلية ، فالمأكول أجزاء فضلية بالنسبة إلى الأكل وأصلية بالنسبة إليه ، فإذا أعيدت لا يلزم ضياع الأكل لبقاء أجزائه الأصلية.

البحث الثاني : في إثبات السمعيات وهي أنواع :

الأوّل : الجنّة والنار ، والبحث فيهما في مقامين : الأوّل : في إمكانهما ، الحقّ ذلك ، لما تقدّم من عموم قدرته تعالى ولإخبار الصادق به ، ونفاه الحكماء محتجين ؛ بأنّهما لو أمكنا لكانا إمّا في هذا العالم أو غيره.

والأوّل : إما فلكياته وهو باطل وإلّا لزم جواز الانخراق عليها ومخالطتها للفاسدات.

__________________

(١) المشابهات ـ خ : (آ).

وبيانه : أنّه وصف الجنّة بأنّها تجري من تحتها الأنهار ، والنار بأنّها ذات طبقات ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (١) واللازم باطل ؛ لما تقرّر عندهم ، أو عنصرياته ، وهو باطل أيضا وإلّا لزم التناسخ ، وهو باطل بما تقدّم.

والثاني باطل بما تقدّم من استحالة عالم آخر ، وأيضا فإنّ الجنّة تقتضي تولّد الأشخاص من غير توالد من أبوين ، والنار تقتضي دوام الحياة مع الاحتراق ، وكلاهما باطل.

والجواب عن الأوّل : لم لا يجوز كونهما في هذا العالم؟ فالجنّة في فلكياته ، كما ورد أنّها في السماء السابعة ؛ لقوله تعالى : (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) (٢) ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سقف الجنّة عرش الرحمن» والعرش الفلك الثامن (٣) وامتناع الخرق ممنوع ؛ لبنائه على أصول فاسدة ، ولأنّ أدلّتكم عليه إن صحّت فإنّها تتمّ في المحدّد لا غير ، والنار في عنصرياته كما ورد أنّها تحت الأرضين (٤) السفلى.

والتناسخ الذي تقدّم بطلانه : ردّ النفس إلى بدن مبتدأ ، وهنا ليس كذلك بل هو ردّ النفس إلى بدنها المعاد أو المؤلّف من الأجزاء الأصلية ، وفرق بينهما.

سلمنا لكن لم لا يجوز حصولهما في عالم آخر؟ وقد تقدّم بيان إمكانه ، وإن سلّم عدمه فلم لا يجوز كون هذا العالم وعالم الجنّة والنار مركوزين في ثخن (٥) كرة أعظم منهما؟

وعن الثاني بأنّه مجرّد استبعاد ، وهو باطل بما تقدّم من عموم القدرة الذاتية ، والتوالد (٦) ممكن كما في آدم عليه‌السلام والإحراق مع الحياة ممكن ؛ لجواز استحالة الجسم إلى

__________________

(١) النساء ٤ : ١٤٥.

(٢) النجم ٥٣ : ١٤ ـ ١٥.

(٣) تطبيق العرش على الفلك الثامن ـ بناء منهم على الهيئة البطلميوسية التي كانت مسلّمة عندهم ، والوارد من معنى العرش في الأحاديث الدينية هو العلم والتطبيق المذكور ـ لا اعتداد به في عصرنا. انظر إلى الكتب المؤلّفة في هذا الباب.

(٤) الأرض ـ خ : (آ).

(٥) سخن ـ خ : (د).

(٦) والتولّد ـ خ : (آ).

أجزاء نارية ثمّ يعيدها الله تعالى وهكذا ، مع أنّ السند يشهد بإمكانه.

الثاني : أنّهما مخلوقتان الآن. أمّا الجنّة ؛ فلقوله تعالى : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (١) شبه عرضها بعرضهما وإلّا لزم كون الجنّة نفس السماوات والأرض ، ولقوله تعالى في آية أخرى : (كَعَرْضِ السَّماءِ) (٢) ثمّ أخبر تعالى عن أعدادها وتعقّبها بلفظ الماضي ، فتكون الآن واقعة وإلّا لزم الكذب عليه تعالى ، ولإسكان آدم وخروجه عنها (٣). وأمّا النار فلقوله تعالى : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (٤) والتقرير كما سبق.

ومنع أبو هاشم والقاضي عبد الجبار من وجودهما الآن وإلّا لكانتا هالكتين ؛ لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٥) لكن الثاني باطل ؛ لقوله تعالى : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) (٦).

والجواب : تقدّم معنى الهلاك. سلّمنا أنّ المراد العدم ، لكنه مخصوص ؛ جمعا بين الأدلّة. سلّمنا لكن دوام الأكل ممنوع الظاهر ؛ لأنّ المأكول يفنى بالأكل ضرورة ، بل المراد أنّه كلّما فنى شيء منها حدث عقيبه مثله ، فلا ينافي ذلك عدم الجنة طرفة عين.

الثاني (٧) : عذاب القبر ، ويدلّ على وقوعه بعد كون العلم بذلك لطفا آيات :

الأولى : قوله تعالى في حقّ آل فرعون : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٣٣.

(٢) الحديد ٥٧ : ٢١.

(٣) فيه تأمّل ؛ فإنّ كون جنّة آدم عليه‌السلام جنة الخلد ليس من المسلّمات.

(٤) البقرة ٢ : ٢٤ ؛ آل عمران ٣ : ١٣١.

(٥) القصص ٢٨ : ٨٨. ووافقهما السيد الشريف المرتضى علم الهدى والشريف الرضي رضوان الله عليهما.

انظر حقائق التأويل للشريف الرضي (ره) ج ٥ ، ص ٢٤٥ طبعة النجف سنة ١٣٥٥.

(٦) الرعد ١٣ : ٣٥.

(٧) أي النوع الثاني من بحث إثبات السمعيات.

تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (١) وهو صريح في وقوع العذاب بعد الموت وقبل البعث ، وإلّا لتكرّر قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) والأوّل عذاب القبر اتّفاقا.

الثانية : قوله تعالى في قوم نوح : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (٢) أتى بفاء التعقيب ، فيكون إدخالهم النار عقيب الإغراق ، وهو قبل يوم القيامة ، وذلك عذاب القبر.

الثالثة : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (٣) وهو دليل على أنّ في القبر حياة وموتا آخر وإلّا لم يكن إلّا حياة مرتين ولا الإماتة كذلك.

قيل : على هذا يكون الإحياء ثلاثا فلم ذكر مرّتين فقط.

قلنا : التخصيص بالعدد لا يثبت الزائد ولا ينفيه مع أنّ التثنية جاءت للتكثير (٤) ، كقوله تعالى : (ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) (٥) ونحو : لبّيك وسعديك.

ومنع ضرار وجماعة من المعتزلة عذاب القبر ؛ لقوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (٦) ولو عذّبهم في القبر لصاروا أحياء فيه ؛ لأنّ تعذيب الجماد غير معقول ، ولو صاروا أحياء فيه لماتوا مرّة أخرى ، فلا تكون الموتة مرّة واحدة ، هذا خلف ، ولقوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٧) وهو دليل على أنّ من في القبر ليس بحيّ ، إذ لو كان حيا لأمكن إسماعه.

والجواب عن الأوّل : المراد أنّ نعيم الجنة لا ينقطع بالموت كما انقطع نعيم الدنيا ، وإنّما قلنا ذلك لأنّ الله تعالى أحيا كثيرا من الناس في زمن الأنبياء ثمّ أماتهم ثانيا ، فوجب حمل الآية على ما ذكرناه ؛ لأصالة عدم مجاز آخر.

وعن الثاني : أنّ عدم إسماعهم لا يلزم منه عدم إدراكهم ؛ لجواز أن لا يحصل

__________________

(١) غافر ٤٠ : ٤٦.

(٢) نوح ٧١ : ٢٥.

(٣) غافر ٤٠ : ١١.

(٤) للتكرير ـ خ : (د).

(٥) الملك ٦٧ : ٤.

(٦) الدخان ٤٤ : ٥٦.

(٧) فاطر ٣٥ : ٢٢.

الإسماع بسبب كون القبر مانعا من وصول الصوت إلى الصماخ (١) هذا مع أنّ للآية محملا آخر ، وهو أنّ المراد : لا تقدر أن تسمع الجهّال إسماعا تاما حتّى ينتفعوا به ؛ لأنّه لمّا استعار للجهّال اسم الأموات في صدر الآية رشح الاستعارة بقوله : (مَنْ فِي الْقُبُورِ) فإنّ الميّت من شأنه أن يكون مقبورا.

الثالث : في باقي السمعيات من الحساب والصراط والميزان وتطاير الكتب وإنطاق الجوارح وأحوال الجنة والنار وكيفيات النعيم والجحيم ، والأصل في ثبوتها أنّها أمور ممكنة ، أخبر الصادق بوقوعها ، فتكون حقّا وإلّا لخرج الصادق عن كونه صادقا ، هذا خلف.

فالحساب عبارة عن إيقان العبد على أعماله الصالحة والطالحة والصراط ، كما ورد عن العسكري (٢) عليه‌السلام ، صراطان : دنيوي وهو ما قصر عن العلوّ وارتفع عن التقصير واستقام فلم يعد (٣) إلى شيء من الباطل ، وأخروي وهو المراد هنا (٤).

فقيل : جسر بين الجنة والنار يمرّ عليه.

وقيل : هو الأعمال الرديئة التي يسأل عنها ويؤاخذ بها ، كأنّه يمرّ عليها ويطول المرور بكثرتها ويقلّ بقلّتها.

والميزان فالمشهور أنّه توزن صحف الأعمال فترجّح على قدر تفاوت الأعمال.

__________________

(١) هذا الجواب كأصل الادّعاء أجنبيّ عن مفاد الآية الشريفة ؛ إذ لا ربط لها لمرامهم كما يشهد بذلك صدر الآية ، قال تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) فإنّ الله تعالى استعار للكفّار اسم الأموات ، ثمّ خاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّك لا تقدر على أن تنفع الكفار المطبوع على قلوبهم بإسماعك إياهم ، فإنّهم لا يقبلون ذلك منك ، كما أنت لا تسمع الأجساد التي في القبور ، فإنّها مدفونة تحت الأرض بل بالية فيها لا يمكن الإسماع لهم.

(٢) الباقر عليه‌السلام ـ خ : (آ).

(٣) يعدل ـ خ : (آ).

(٤) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب في تحقيق أنّ من الاعتقادات ما هو من قبيل الواجبات المطلقة ، ومنها ما هو من قبيل الواجبات المشروطة بحصول العلم ، ومن هذا القبيل تفاصيل الصراط والميزان ... ويكفي في مقام الاعتقاد أن يحصل الاعتقاد بها إجمالا.

وقيل : إنّه ملك يقابل الحسنات بالسيئات.

وقيل : هو العدل في القضاء ومعاني الباقي ظاهر مشهور ، ولا شكّ في إمكان الجميع.

الرابع : النقل الشريف دالّ على أنّه (ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (١) فهؤلاء منهم من يحكم العقل بوجوب البعثة ، وهو كلّ من له حقّ أو عليه حقّ للإنصاف والانتصاف ، ومنهم من لم يحكم بوجوبه بل بجوازه كمن عدا هؤلاء.

البحث الثالث : [أنّ الحكماء لمّا منعوا من الميعاد] اعلم أنّ الحكماء لمّا منعوا من الميعاد (٢) الجسماني أثبتوا الروحاني ، بناء منهم على ما سبق من تجرّد النفس أوّلا وعلى استحقار (٣) اللذات الحسيّة وعدم الاحتفال بها ، رام جماعة من المحقّقين الجمع بين الحكمة والشريعة ، فقالوا : دلّ العقل على أنّ سعادة النفوس في معرفة الله تعالى ومحبّته ، وعلى أنّ سعادة الأبدان في إدراك المحسوسات ، ودلّ الاستقراء على أنّ الجمع بين هاتين السعادتين في الحياة الدنيا غير ممكن ؛ وذلك أنّ الإنسان حال استغراقه في تجلّي أنوار عالم الغيب لا يمكنه الالتفات إلى اللذات الحسيّة ، وإن أمكن كان على ضعف جدّا بحيث لا يعدّ التذاذا وبالعكس ، لكن تعذّر ذلك سببه ضعف النفوس البشرية هنا ، فمع مفارقتها واستمدادها الفيض من عالم القدس تقوى وتشرق ، فمع إعادتها إلى أبدانها غير بعيد أن تصير هناك قويّة على الجمع بين السعادتين على الوجه التام ، وهو الغاية القصوى في مراتب السعادة.

قالوا : وهذا لم يقم على امتناعه برهان ، فلذلك أثبتوا المعادين. وحيث الحال كذلك فلنشر إلى تتميم هذا البحث بفوائد يظهر بها المعاد الروحاني :

الأولى : إثبات التجرّد وقد سلف شيء من أدلّته وأحكامه (٤) ، لكن نزيد هنا

__________________

(١) الأنعام ٦ : ٣٨.

(٢) المعاد ـ خ : (آ).

(٣) استخفاف ـ خ : (آ).

(٤) إمكانه ـ خ : (آ).

فنقول : استدلّوا عليه بالمعقول والمنقول.

أمّا الأوّل (١) ؛ فلوجوه (٢) :

الأوّل : إنّ الإنسان كلّما بالغ في التخلّي عن الدنيا وأهلها ، كان عقله وتمييزه وحدسه وعلمه وجميع الصفات التي بها يمتاز عن غيره من الحيوانات أقوى ، وإذا تخلّى عن ظاهر بدنه بالنوم يطّلع على المغيّبات ، وإذا كان منغمسا (٣) في الدنيا ومعالجة أمورها كان الأمر بالعكس ، وهذا يدلّ على أنّ النفس الإنسانية غير هذا البدن وأجزائه وأعراضه ، وأنّها مباينة له في ذاتها وأفعالها.

الثاني : أنّ البدن وأجزاءه وقواه كلّما قويت ضعف إدراك النفس ، وكلّما ضعفت بالرياضة ونفي الكبر وغير ذلك قوي إدراكها ، ولو كانت هي البدن أو جزءا من أجزائه أو قوة من قواه لكان الأمر بالعكس.

الثالث : أنّ النفس لو كانت جسما أو جسمانيا لكلّت وفترت بكثرة أفعالها مثلها ، لكنها ليست كذلك ، بل كلّما كثرت تصرّفاتها وإدراكاتها كانت أقوى في ذاتها وإدراكاتها.

وأمّا المنقول فوجهان :

الأوّل : قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) (٤).

وجه الدلالة : أنّه لا شيء من الإنسان من الإنسان المقتول بميّت ، وكلّ بدن ميت ، ينتج أنّه ليس ببدن والصغرى ثابتة بالآية والكبرى ضرورية.

الثاني : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض خطبه : «حتّى إذا حمل الميّت على نعشه رفرفت روحه فوق النعش ويقول : يا أهلي ويا ولدي لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي» وهو دليل على أنّ الروح باقية بعد الموت لوصفها بالرفرفة ، ولا شيء من البدن وأجزائه

__________________

(١) أي المعقول.

(٢) بوجوه ـ خ : (آ).

(٣) منغمرا ـ خ : (آ).

(٤) آل عمران ٣ : ١٦٩ ، ويستفاد أيضا تجرّد النفس من الآية من قوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) انظر إلى تعاليقنا في آخر الكتاب.

بباق ، فلا شيء من الروح ببدن.

واعلم أنّ هذه الأدلّة كلّها تدلّ على أنّ هناك أمرا مغايرا للبدن ، وأمّا على أنّه مجرّد فلا ؛ لجواز أن يكون جوهرا لطيفا له تعلّق بالبدن ، وله قوى خاصّة يقوى بها على أمور يعجز البدن عنها ، والنقل صريح به ؛ لأنّ القتل والرفرفة يستلزمان الجسمية (١).

الثانية : اللذة ، وعرّفها ابن سينا (ره) بأنّها إدراك ونيل لما هو خير وكمال من حيث هو خير وكمال بالنسبة إلى المدرك والنائل ، فالإدراك حصول صورة من المدرك عند المدرك ، والنيل : الإصابة والوجدان ، فلهذا لم يقتصر على الأوّل ؛ لأنّ حصول الصور (٢) المساوية للشيء لا يستلزم حصول ذاته ، كمن أدرك صورة حسنة ولم ينلها ، وكذا لم يقتصر على الثاني ؛ لعدم دلالته على الإدراك كمن نال محبوبه ولم يشعر به ، فالكمال والخير هما حصول شيء يناسب شيئا ويصلح له ، والفرق بينهما اعتباري ؛ فإنّ حصول الشيء المناسب كمال باعتبار البراءة من القوة والخير باعتبار الملائمة والإيثار ، وقيّد بالحيثية لأنّ الشيء قد يكون كمالا وخيرا من جهة دون أخرى ، وكذا قيّده بالنسبة إلى المدرك لأنّ اللذة ليست إدراك اللذيذ فقط بل إدراك حصول اللذيذ للمتلذّذ ، ولذلك قال : «عند المدرك» لأنّ من لا يعتقد كمالية الشيء وخيريته لا يكون إدراكه له لذّة وبالعكس يكون لذة ، فليس الاعتبار بما في نفس الأمر.

ثمّ الإدراك يختلف بحسب اختلاف القوى المدركة ، وكلّ واحد منها يخصّها كمال لا يشاركها غيرها فيه ، كالإبصار للصورة الحسنة والسمع للصوت الطيّب الحسن (٣) ، وكذا باقي القوى الظاهرة والباطنة ، وكذا القوة العقلية لها أيضا كمال يخصّها ، وهو

__________________

(١) ولعلّ هذه الجسمية المستفادة من النقل بالنظر إلى البدن الجسماني البرزخي الشفاف الرقيق الذي له اتّحاد مع الروح المجرّد ، والنفس الناطقة باقية معه مدّة البرزخ إلى يوم البعث ، فيعودان إلى البدن العنصري الدنيوي أو يجذبان البدن إليهما عند البعث ، والنقل ظاهر ، بل صريح في بيان أوصاف البدن الجسماني البرزخي. فراجع الأخبار الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام وتأمّل فيها ولا تقلّد أحدا في هذه المباحث ؛ فإنّها من الواجبات المشروطة بحصول العلم للمكلّف كما نبيّن ذلك في محلّه من التعليقات.

(٢) الصورة ـ خ : (آ).

(٣) من الحسّ ـ خ : (آ).

التعقّل للذات الظاهرة بحسب ما يمكن ، وللماهيات الكلية على ما هي عليه بحسب طاقتها ، فإدراكها كذلك لذّة لها (١) ، وإنكاره مكابرة.

الثالثة : أنّ اللّذة العقلية أقوى من الحسية كيفا وكمّا وأشرف منها.

الأوّل فظاهر ؛ فإنّ العلماء الراسخين في التحقيق لا يختارون اللذات الحسية بأجمعها على أقل لذّة عقلية.

وبيانه تفصيلا : أمّا كيفا ؛ فإنّ العقل يصل إلى كنه المعقول وإلى ذاتياته وعوارضه ، ويقسّم الذاتي إلى الجنس والفصل ، والعوارض إلى المختصّ والمشترك. وبالجملة يدرك الماهية على ما هي عليه ، وأمّا الحسّ فيدرك ظاهر المحسوس وكيفيته القائمة بالسطح حال حضوره حتّى لو غاب زال إدراكه ، بخلاف العقل فإنّه مدرك مطلقا.

وأمّا كمّا ؛ فإنّ عدد المعقولات لا تتناهى ، فإنّه ما من معقول إلّا ويتصوّر له مناسب ، وللمناسب مناسب وهكذا ، بخلاف المحسوسات فإنّها محصورة متناهية.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّ العقل (٢) يدرك واجب الوجود تعالى ، وهو أكمل الموجودات وأشرف ، بخلاف الحسية فإنّها تدرك الأشياء الفانية الخسيسة (٣) ، وهذا الإدراك يختلف بحسب اختلاف المدرك.

الرابعة : حيث عرفت معنى اللذة وانقسامها إلى الحسّي والعقلي ، فإنّ عقليّها (٤) أقوى وأشرف من حسّيها (٥) فكذلك ينبغي أن تعرف معنى الألم.

ونورد تعريفه على طرز تعريفها بإبدال الكمال والخير بالنقص والشرّ ، فنقول : هو إدراك ونيل لما هو نقص وشرّ من حيث هو نقص وشر بالنسبة إلى المدرك والنائل ، ونقسّمه إلى الحسي والعقلي بحسب الإدراك ، ونحكم بأنّ عقليّة أيضا أعظم نكالا

__________________

(١) إيّاه ـ خ : (د).

(٢) العقلية ـ خ : (د).

(٣) فإنّها يدرك الأشياء الفانية الخسيسة ـ خ : (د).

(٤) عقليتها ـ خ : (د).

(٥) حسيتها ـ خ : (د).

من حسيّه ، وأنّ المتّصفين بعدم الكمال والخير من أرباب الجهل ، لو عقلوا ما هم عليه لتصوّروا أنّهم في أعظم الألم ممّن هو مقطع الأعضاء مصلى (١) بالنار ، ولكنّهم لانغمار عقولهم في ملابس الطبيعة لا يعقلون ، أولئك كالأنعام بل هم أضلّ ، أولئك هم الغافلون.

الخامسة : أنّ النفس الناطقة لها قوّتان : علمية وعملية. وسعادتها تكون على قدر كمالها في هاتين القوّتين ، وشقاوتها تكون بفوات الكمال فيهما ؛ لعدم استعدادها. وعدم الاستعداد قد يكون لأمر عدمي كنقصان غريزة العقل ، وقد يكون لأمر وجودي كوجود الأمور المضادّة للكمالات من الاعتقادات الفاسدة والأخلاق الذميمة ، وتلك قد تكون راسخة وقد تكون غير راسخة ، وتشترك بجملتها في كونها رذائل ، كما تشترك مراتب السعادة في كونها فضائل.

السادسة : قالوا : إنّ النفس بحسب القوّة العلمية إمّا أن تكون ذات عقائد (٢) أو لا تكون ، وذات العقائد إمّا أن تكون مطابقة أو لا ، والمطابقة إمّا أن يحصل لها ذلك بالبرهان أو لا ، فهذه مراتب أربع :

الأولى : ذات العقائد البرهانية المطابقة وهي من أهل السعادة ؛ لحصول (٣) الكمال الذي هو العلم الملائم للنفس لها ، بأن يتمثّل صور المعقولات فيها ، فتلتذّ بعد المفارقة بمشاهدة ما اكتسبته ووجدان ما أدركته ، فكأنها كانت ذات إدراك فصارت ذات نيل.

الثانية : ذوات العقائد المطابقة غير البرهانية ينبغي أن يحكم لها بالسعادة.

الثالثة : ذات العقائد غير المطابقة وذوات الجهل المركّب ، وهؤلاء هم أصحاب الشقاوة العظيمة ؛ لأنّهم مشتاقون إلى المعارف راجون لها ، وهي غير حاصلة لهم ، فهم (٤) بسبب تمثّل أضداد الكمال فيها واعتقادها فيها الكمال ، رجت الوصول إلى

__________________

(١) الصلى : الحرارة.

(٢) وإمّا أن لا ـ خ : (آ).

(٣) بحصول ـ خ : (د).

(٤) فهي ـ خ : (د).

مدركاتها. ثمّ إنّها بعد الموت تفقد ما رجت الوصول إليه تصير (١) معذّبة بفقدان ما رجته ، كما أشار التنزيل الشريف : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ ، لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٢).

الرابعة : الخالية من الاعتقادات فقال قوم : لا تبقى هذه ؛ لأنّه لا موجب لسعادتها وشقاوتها ، فلا يحصلان فتكون معطّلة ، ولا تعطيل (٣) في الطبيعة.

وقال قوم : إنّها تبقى ولكن لا تخلو من الإدراك فهي إذن تدرك بالآلات الجسمانية ، فيجب أن تتعلّق بأبدان أخرى ، ولا تصير مبادي صور لها وإلّا لزم التناسخ ، فلا يجوز أن تكون تلك أبدان الحيوان وإلّا لاستعدّت لفيضان نفوس عليها ، بل تكون أبدان متولّدة من الأجزاء الهوائية والدخانية ، أو تكون من الأجرام السماوية من غير أن تكون مفارقة للروح.

وأمّا بحسب القوة العملية فلها مراتب ثلاث :

الأولى : ذوات الأخلاق الفاضلة ، قالوا : ولاحظ للنفس يحسّها في السعادة بالذات بل (٤) يحسّها زوال الشقاوة الحاصلة بتعلّقها بالبدن التي هي معذّبة به ، فهي مستلزمة لنفي التعذيب عن النفس ، وذلك أمر عرضي في تحصيل السعادة.

الثانية : ذوات الأخلاق الرديئة ، وهي التي اشتدّت محبتها للتعلّق بالبدن ، فهي تتعذّب لمحبتها لما زال عنها ، لكن عذابها يكون منقطعا لزوال تلك المحبّة.

والفرق بينها وبين ذوات الشقاوة أنّ تلك سبب عذابها الاعتقاد الفاسد الذي لاحظ للبدن فيه ، وهذه لا تخلو عن مفارقة البدن في استحقاق العقاب وقد زال.

الثالثة : التي لا أخلاق لها ولا اعتقاد كأنفس الصبيان ، وفي بقائها خلاف سبق هذا

__________________

(١) فيصير ـ خ : (د).

(٢) الزمر ٣٩ : ٥٦ ـ ٥٨.

(٣) معطل ـ خ : (د).

(٤) في زوال ـ خ : (آ).

حكاية قولهم في المعاد الروحاني ، وهو بناء على إثبات النفس المجرّدة ، وأمّا أرباب الجمع فيلزمهم القول بالأجزاء والنفس ، ويكون كمال كلّ واحد حاصلا له. و (١) الشريعة الحقة قد(٢) نطقت بتفاصيل الجسماني ، وهو مذكور في مظانّه.

القطب الثاني : في الجزاء ومستحقّه (٣)

وفيه فصلان :

[الفصل] الأوّل : في الجزاء وفيه أبحاث :

الأوّل : في المقدمات :

الأولى : الوعد : إخبار بوصول نفع أو دفع ضرر من المخبر مستقبلا ، والوعيد إخبار بوصول ضرر أو دفع نفع من المخبر كذلك.

الثانية : المدح : قول ينبئ عن عظم حال الغير مع القصد ، والذمّ : قول ينبئ من اتّضاع (٤) حال الغير كذلك ، والثواب : نفع خالص مستحقّ مقارن للتعظيم والإجلال ، والعقاب : ضرر محض مستحقّ مقارن للاستخفاف والإهانة.

الثالثة : يستحقّ المدح والثواب لفعل الواجب لوجوبه والمندوب لندبه أو لوجوههما (٥) ، وترك القبيح لقبحه أو لوجهه وبفعل ضدّه كذلك ، ويستحق الذمّ والعقاب بفعل القبيح والإخلال بالواجب.

ومنع بعضهم كون الإخلال بالواجب موجبا للذم وإلّا لو أخلّ المكلّف مع ذلك

__________________

(١) وأمّا ـ خ : (د).

(٢) فقد ـ خ : (د).

(٣) ومستحقّه ـ خ : (د).

(٤) إيضاح ـ خ : (د).

(٥) لوجههما ـ خ : (آ).

بالقبيح يكون مستحقّا للذمّ والمدح معا ، وهو باطل.

وجوابه : أنّه ليس بمستبعد باعتبارين.

الثاني : الطاعة علّة لاستحقاق الثواب إذا كانت شاقّة والمعصية علّة لاستحقاق العقاب إذا كان تركها شاقّا.

أمّا الأوّل ؛ فلأنّها مشقّة التزم المكلّف بها ، فلو لم يكن في مقابلتها نفع لزم الظلم ، والمقدّمتان ظاهرتان ، ولأنّ التكليف إن لم يكن لفائدة فهو عبث لا يصدر من الحكيم ، وإن كان لفائدة فليست عائدة إلى المكلّف لتنزّهه ، ولا إلى غير فاعله لقبحه ، فيكون لفاعله ، وليس إضرارا به ؛ لقبحه ، فيكون للنفع ، وليس في الدنيا ؛ لأنّ الحاصل ليس إلّا المشقّة فتكون في الآخرة ، فإمّا أن يكون ممّا يصحّ الابتداء به وهو باطل وإلّا لكان توسّط التكليف عبثا ، أو لا يصحّ الابتداء به وهو الثواب الذي ذكرناه ، وهو لاشتماله على العظيم يقبح الابتداء به ، لأنّ تعظيم من لا يستحقّ التعظيم قبيح.

وأمّا الثاني ؛ فلاشتماله على اللطفية ، واللطف واجب. أمّا الأولى ؛ فلأنّ المكلّف إذا عرف استحقاق العقاب على (١) المعصية يبعد (٢) عن فعلها وهو ظاهر. وأمّا الثانية ؛ فقد سبقت ، ولدلالة السمع في البابين بقوله : «جزاء بما كنتم تعملون» (٣) وخالفت الأشاعرة فيهما بناء على عدم صدور الفعل عن العبد وأنّه لا حاكم عليه الله تعالى ، وقد أبطلناهما.

والبلخي في الأوّل محتجّا بأنّ الطاعة وقعت شكرا لأنعام عظيمة ، فيكون الفاعل لها مؤدّيا للواجب فلا يستحقّ عليه شيئا بل الثواب تفضّل منه تعالى.

والجواب : أنّه يقبح في الشاهد أن ينعم الإنسان على غيره ، ثمّ يكلّفه ويوجب عليه شكره ولا يعوّضه ولا يثيبه ، ويعدّ ذلك نقصا في المنعم فلا ينسب إلى أكرم الأكرمين.

__________________

(١) عن ـ خ : (آ).

(٢) منعه ـ خ : (آ).

(٣) خ : (د) ـ خ : (آ) (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) الأحقاف ٤٦ : ١٤ ؛ الواقعة ٥٦ : ٢٤ (تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الطور ٥٢ : ١٦ ؛ الجاثية ٤٥ : ٢٨ ؛ التحريم ٦٦ : ٧ ؛ السجدة ٣٢ : ١٧.

الثالث : في أحكامهما ، وهي أقسام :

الأوّل : اتّفقت الإماميّة والمعتزلة على دوامهما ، وأنّ العلم به عقلي ، وقالت المرجئة والأشاعرة : سمعي ، والمختار الاوّل ، لوجوه :

الأوّل : أنّ العلم بذلك باعث للعبد على إيقاع الطاعة وارتفاع المعصية ، فيكون لطفا ، واللطف واجب.

الثاني : أنّ فاعل الطاعة إذا لم يظهر منه ندم يستحقّ المدح دائما ، وفاعل المعصية إذا لم يظهر منه ندم يستحقّ الذمّ دائما ، فكذا استحقاق الثواب والعقاب دائما ، ولأنّ دوام أحد المعلولين يستلزم دوام الآخر ؛ لأنّ العلّة تكون دائمة أو في حكم الدائمة.

الثالث : لو لم يكونا دائمين لزم حصول الألم للمثاب والسرور للمعاقب بالانقطاع فيهما ، واللازم باطل ؛ لأنّه يجب خلوصهما عن الشوائب ، والملازمة ظاهرة.

الثاني : يجب كونهما خالصين من شوائب الضدّ ، أمّا الثواب فلأنّه لولاه لكان أنقص حالا من العوض والتفضّل ؛ لأنّه يجب خلوّهما عن الشوائب اتّفاقا ، فلو لم يكن الثواب خاليا لكانا أكمل منه ، وهو باطل.

إن قلت : هذا معارض بأنّ أهل الجنّة متفاوتون في الدرجات فالأنقص منهم يغتمّ بنقص درجته وبعدم اجتهاده في ازدياد الطاعة ، وبأنّهم يجب عليهم شكر المنعم وترك القبيح ، وهما مشقّتان.

أجيب عن الأوّل بأنّ شهواتهم مقصورة على ما حصل لهم ، فلا غمّ لفوات الزائد.

وعن الثاني بأنّ المشقّة فيهما مكسورة ، بل معدومة بزيادة السرور بالشكر وغناهم بالثواب عن فعل القبائح ، وأمّا العقاب فلأنّه أدخل في الزجر عن القبيح فيكون لطفا.

إن قلت : أهل النار تاركون للقبائح ، وذلك تكليف يستدعي جزاء فإن أوصل (١) نافى الخلوص وإلّا لزم الإخلال بالواجب.

أجيب بأنّهم ملجئون ، وشرط الجزاء الفعل اختيارا.

__________________

(١) وصل ـ خ : (آ).

الثالث : يجوز توقّف الثواب على شرط ؛ إذ لولاه لأثيب العارف بالله مع جهله بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو باطل إجماعا.

وبيان الشرطية بأنّ المعرفة طاعة مستقلّة ، ومنعها قوم وإلّا لكان المدح مشروطا. ونمنع كون المعرفة طاعة مستقلّة بل هي جزء الإيمان الذي هو الطاعة.

أجيب عن الأوّل بأنّه جاز كون أحد المعلولين مشروطا بشرط دون الآخر.

وعن الثاني بأنّ الثواب يستحقّ على الأجزاء كاستحقاقه على المجموع ، ولهذا يثاب من عرف الله تعالى ثمّ مات مجتهدا قبل عرفانه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الرابع : أنّه مشروط بالموافاة ، أي ببقائه على الأمور المعتبرة فيه إلى حين الموت ، وخالف قوم وقالوا : إنّ الطاعة سبب تامّ في (١) الاستحقاق فحال حصولها يستحقّ الثواب.

لنا ، قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٢).

وجه الدلالة : أنّ العمل الذي يعقبه الشرك لم يقع باطلا في نفسه وإلّا لما علّق بطلانه على الشرك فيكون صحيحا ، فلو كان علّة في استحقاق الثواب مطلقا ، لكان سقوطه إمّا لذاته وهو باطل وإلّا لما علق ، أو للكفر المتعقّب وهو باطل أيضا ؛ لبطلان الإحباط أو لعدم الموافاة ، وهو المطلوب إذ لا رابع اتفاقا.

الرابع : الحقّ عندنا أنّه يجوز أن يجتمع استحقاق الثواب والعقاب معا ويوصلان على التعاقب كما يجيء ، وقالت المعتزلة بعدم جوازه ، فلو فعل المكلّف طاعة ومعصية معا (٣) اختلفوا في حاله فقال الجبائي : إنّ المتأخّر يسقط المتقدّم سواء ساواه أو زاد أو نقص ، ويسمّيه إحباطا إن تأخّرت المعصية ، وتكفيرا إن تأخّرت الطاعة.

وقال ابنه : أيّهما كان أكثر أسقط الآخر سواء تقدّم أو تأخّر ، ونقل عنه قول آخر وهو أنّهما إن تساويا تساقطا ، وإن تفاوتا أسقط الأقلّ ما قابله وسقط ، ويبقى الزائد

__________________

(١) في سبب ـ خ : (آ).

(٢) الزمر ٣٩ : ٦٥.

(٣) معا ـ خ : (آ).

كالخمسة (١) يسقط خمسة من ستّة وتسقط هي ويبقى واحد.

والقولان باطلان لوجوه :

الأوّل : أنّ الإحباط يستلزم الظلم ، فيكون قبيحا.

بيان الصغرى : أنّ من زادت إساءته يكون بمنزلة من لم يحسن ، ومن زادت حسناته يكون بمنزلة من لم يسئ ، فإن (٢) تساويا يكون بمنزلة من لم يصدر منه شيء ، وكلّ ذلك ظلم.

الثاني : قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٣) وعلى قولهم لم تصدق هذه الآية وكذا قوله : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (٤).

الثالث : أنّ الاستحقاقين إمّا أن يتنافيا لذاتيهما أو لا ، والثاني موجب لبقائهما وهو المطلوب ، والأوّل إمّا أن يتنافيا لذاتيهما (٥) وهو باطل ؛ لتساويهما في الماهية ، فلو أثّر أحدهما خاصّة لزم الترجيح بلا مرجّح ، وإن أثّرا لزم اجتماع الوجود والعدم. أو لأمر لازم لكلّ منهما وهو باطل أيضا ؛ لوجوب تساوي الماهيات المتّحدة في اللوازم. أو لأمر عارض ، وذلك يجوز زواله فيزول ما به حصلت المنافاة ، فجاز الاجتماع ، فوجب إيصالهما ، وهو المطلوب.

الرابع : أنّ الموازنة تستلزم تأثير المعدوم أو اجتماع الوجود والعدم ، واللازم بقسميه باطل فكذا الملزوم.

بيان الملازمة : أنّ الخمسة مثلا إذا تساقطت هي والخمسة الأخرى ، فإمّا أن يتقدّم تأثير أحدهما فيلزم الأوّل ؛ لأنّ الثانية تكون حال تأثيرها في الأولى معدومة ، أو يقترنا فيلزم الثاني ؛ لأنّ وجود كلّ واحد منهما ينفي وجود الآخر.

__________________

(١) فالخمسة ـ خ : (آ).

(٢) فلو ـ خ : (آ) وفي ـ خ : (د) : فإن لم. والظاهر أنّ «لم» زائدة.

(٣) الزلزلة ٩٩ : ٧ ـ ٨.

(٤) النساء ٤ : ١٢٣.

(٥) والأول حاصله لزوم الترجيح بلا مرجّح ـ خ : (آ).

الخامس : إنّا سنبيّن أنّ الإيمان هو التصديق ، وهو علّة في استحقاق الثواب ، وهو باق قبل المعصية وبعدها ، فإذا كانت العلّة موجودة وجب وجود معلولها ، وهو المطلوب ، فيبطل الإحباط والموازنة معا (١).

__________________

(١) والتحقيق في مسألة الإحباط والتكفير أنّه لا نزاع في بطلان الكفر واستحقاق العقاب الذي حصل له بالإيمان. وكذا لا نزاع في بطلان الإيمان وسائر الطاعات والأعمال واستحقاق الثواب بها بالكفر ، فيقال باشتراط وصول ثواب الطاعات على عدم حصول الكفر والموت على الإيمان. وكذا حصول العقاب بالكفر مشروط بعدم الإيمان والموت على الكفر ، والقرآن الكريم نصّ صريح في ذلك قال الله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ).

ومورد النزاع في المسألة هو المؤمن المطيع إذا فعل ما يستحقّ به عقابا ، فاختلف فيه أنّه هل يجتمع له استحقاق ثواب واستحقاق عقاب أم لا؟ فذهب أهل التحقيق والنظر الدقيق من الإمامية بل أكثرهم أنّه يجتمع له ذلك ، وقال جمهور المعتزلة : إنّه لا يمكن له ذلك ، وقالوا بالإحباط والتكفير ، وهو على خلاف التحقيق والتحليل العلمي الصحيح.

ثمّ المراد من الإحباط والتكفير هو البطلان والفساد وعدم التأثير للأعمال في سعادة الإنسان وشقاوته ، لا المحو والإعدام والمحق والتنسيف بالكلّية وصيرورة الأعمال معدومة بحيث لا يبقى منها شيء ، كما هو ظاهر تعبيرات جمع كثير منهم ، فإنّهم يعبّرون عنهما بالمحو ، والمحق والإفناء ، حيث يقولون : الإحباط عبارة عن إفناء كلّ من الاستحقاقين للآخر أو المتأخّر للمتقدّم أو بتعبير بعضهم : هو الانتفاء ، وفي اللغة : الإحباط هو الابطال والإفساد ، حبط عمله أي بطل وفسد.

فيظهر من ذلك أنّ الإحباط بمعنى إفساد الثواب وإبطاله لا محو العمل ومحقه وإعدامه بحيث لا يبقى شيء ، بل سقوطه عن قوّة التأثير بحصول الثواب في حقّ صاحبه ، وكذا الأمر في التكفير ، وهذا لا يستلزم إفناء العمل ومحوه بتاتا ، بل العمل الفاسد الباطل يبقى على تلك الحالة ويسقط عن قوّة التأثير ، فلا منافاة بين ظواهر عدّة من الآيات القرآنية في إبطال الكفر واستحقاق العقاب به بالإيمان وكذا في إبطال الإيمان وسائر الطاعات واستحقاق الثواب بالكفر ، وبين قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) فإنّ الكفر واستحقاق العقاب له يبطل بالإيمان ويفسد به ، ولا يكون له تأثير بعد حصول الإيمان ، وكذا الإيمان واستحقاق الثواب به يبطل بالكفر ويفسد ولا يكون له تأثير بعد حصول الكفر ، لا أنّهما يصيران معدومين تماما ، بل الكفر والأعمال الصادرة في حالته وكذا الإيمان والأعمال الصادرة في حالته باقيان في حالة البطلان والفساد ، ويبقيان في حال عدم التأثير حتّى يراهما الإنسان يوم القيامة.

وأمّا المؤمن المطيع إذا فعل ما يستحقّ به العقاب فلا يبطل الاستحقاقين في حقّه ، ويجتمعان في حقّه ، ليرى أعمال نفسه واستحقاقه الثواب والعقاب عند الميزان ، أو تدركه الشفاعة إن لم يوفّق للتوبة ونحوها ، ـ

الفصل الثاني : في المستحقّ وفيه أبحاث :

الأوّل : في الأسماء ، وهي أربعة :

الأوّل : الإيمان وهو لغة التصديق ، وعرفا قيل : الشهادتان ؛ للحديث (١) ، ويبطله قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (٢).

وقيل : المعرفة بالله ؛ لقوله عليه‌السلام : «أوّل الدين معرفته» ويبطل بقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (٣) (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (٤).

__________________

ـ فإذا جمع الله تعالى الناس في الحشر في صعيد واحد ، ويومئذ يصدر الناس أشتاتا سواء كانوا مؤمنين أو كافرين ومنافقين أو المؤمن المطيع العاصي ، يرون كلّهم أعمالهم كلها ويقفون على ما فعلوه ولو مثقال ذرّة من خير وشرّ ، فإن كان كافرا بعد الإيمان أو ناشئا على الكفر يرى أنّ كفره أبطل جميع ما صدر عنه حال الإيمان ، أو أنّ ما صدر عنه كلّه باطل فاسد لا أثر له في حقّه ، وإن كان مؤمنا بعد الكفر أو مؤمنا ناشئا على الإيمان يرى أعماله كلّها حال كفره وقد أبطلها الإيمان وأفسدها ، ولا تأثير لها في حقّه حتّى يوجب الشقاوة ويرى أعماله حال الإيمان كلها ويقرأ كتاب نفسه ويرى أنّه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها.

وأمّا المؤمن المطيع العاصي فهو مستحقّ للثواب والعقاب ولم يبطل من أعماله شيء وكلّها باقية في القوّة والاستعداد والتأثير (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ).

ويظهر ثمرة الاستحقاقين بالميزان لأعماله إن لم يوفّق بالتوبة أو لم تدركه الشفاعة أو العفو الإلهي بأحد أسبابه الكثيرة كما هو مشروح في تلك المسألة.

فالإحباط والتكفير بالمعنى الذي قال به المعتزلة ـ أعني محو السيئة للثواب المتقدّم ومحقه وجعله معدوما أو محو الطاعة للعقاب المتقدم وجعله معدوما أو بالموازنة ـ باطل عقلا ولا دليل عليه من النقل شرعا ؛ فإنّ معنى الآيات الشريفة هو ما ذكرناه وشرحناه ، أعني الإبطال والإفساد لا المحو والمحق والإفناء والإعدام ، كما توهّموه ، قال الله تعالى : (لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) وقال تعالى : (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وقال : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطلت وفسدت وسقطت عن الأثر ، لا عدمت ومحقت ، والله العالم.

(١) لعلّه إشارة إلى ما جاء في الحديث أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله».

(٢) الحجرات ٤٩ : ١٤.

(٣) البقرة ٢ : ٨٩.

(٤) النمل ٢٧ : ١٤.

وقيل : عمل الجوارح ؛ لقوله تعالى : (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (١) ويبطله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (٢) وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٣) والعطف يقتضي المغايرة.

وقيل : اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان.

وقيل : الأوّلان فقط. ويعلم ضعفهما مما سبق ويجيء.

والحقّ أنّه التصديق ؛ لأنّ معناه لغة ذلك فكذا شرعا ، وإلّا لزم الاشتراك أو النقل ، وهما خلاف الأصل. ويكفي التصديق بالقلب ؛ لقوله : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (٤) وقوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٥) والمراد تصديق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ ما علم ضرورة مجيئه به. نعم الإقرار باللسان كاشف والأعمال ثمرات فعلي (٦).

قولنا : الإيمان غير قابل للزيادة والنقصان ، وما ورد في النقل من ذلك له تأويلات ، وعلى القول الثالث يكون قابلا لهما ، وقد عرفت ما فيه.

الثاني : الكفر وهو لغة : الستر ، والزارع كافر لستر الحبّ في الأرض ، وعرفا يعلم ممّا تقدّم ، وهل يكفر أحد من أهل القبلة أم لا؟ فالمعتزلة كفّرت الأشاعرة بقولهم بالصفات القديمة ولنسبتهم الأفعال إلى الله تعالى ، وكذا كفّرت المعتزلة والأشاعرة المشبّهة والمجسّمة ، وكلّ ذلك حقّ عندنا ونزيد نحن ، دافعي النصّ على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإنّهم كفرة عند جمهور أصحابنا ، ويقوى عندي أنّ ذلك حقّ في دافع النصّ المتواتر و (٧) ما ثبت عنده بطريق يعتقد صحّته. وأمّا المقلّد الذي سبقت إليه الشبهة وهو عاجز عن النظر في الأدلّة غير المعاند ، فيقوى الحكم بفسقه وعدم تخليده.

__________________

(١) البينة ٩٨ : ٥.

(٢) الأنعام ٦ : ٨٢.

(٣) البقرة ٢ : ٢٧٧ ؛ يونس ١٠ : ٩ ؛ هود ١١ : ٢٣ ؛ الكهف ١٨ : ١٠٧.

(٤) المجادلة ٥٨ : ٢٢.

(٥) النحل ١٦ : ١٠٦.

(٦) فلا بدّ مع التصديق القلبي عقد القلب بإظهار آثاره.

(٧) أو ما ـ خ : (آ).

الثالث : النفاق ، وهو لغة إبطال الشخص خلاف ما يظهره ، وعرفا إظهار الإيمان وإبطان الكفر.

الرابع : الفسق ، وهو لغة الخروج ، والفأرة فويسقة ؛ لخروجها عن بيتها ، وعرفا الخروج عن طاعة الله تعالى مع الإيمان ففاعل الكبيرة مؤمن لتصديقه ، وقال الحسن البصري: هو منافق ، وقالت الخوارج : هو كافر ، وقال الزيدية : كافر نعمه ، وقال جمهور المعتزلة : غير كافر ولا مؤمن بل له منزلة بين منزلتي : الإيمان والكفر ، والحقّ ما قلناه.

الثاني : في الأحكام ، وفيه مسائل :

الأولى : حكم المؤمن في الدنيا المدح والتعظيم والمناكحة والموارثة والغسل والصلاة والدفن في مقابر المسلمين ، وفي الآخرة استحقاق الثواب الدائم ؛ للإجماع ودلالة النصّ والعقل. وأطفالهم تابعون لهم في ذلك كلّه ؛ لقوله تعالى : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (١).

الثانية : حكم الكافر في الدنيا ضدّ ما تقدّم في المؤمن ، وفي الآخرة العقاب الدائم والتخليد في النار ؛ للاجماع ودلالة القرآن.

قال الجاحظ والعنبري : إنّ الكافر المبالغ في الاجتهاد وطلب (٢) الحقّ ومات ولم يصل إليه معذور عند الله ، وهو غير مخلّد.

وقال البيضاوي : يرجى له العفو ، وقال أكثر المسلمين بعدم الفرق.

وأما أطفالهم فالحقّ أنّ عقابهم قبيح ؛ لعدم التكليف فلا مخالفة فلا عقاب ، ويجوز التفضّل عليهم ؛ لعموم (رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (٣) وللكافر المرتدّ وغيره أحكام هي بالفقه أنسب ، والمنافق إن أظهر الإسلام عومل بأحكامه في الدنيا.

الثالثة : حكم الفاسق المؤمن (٤) المدح والتعظيم لإيمانه والذمّ والاستخفاف

__________________

(١) الطور ٥٢ : ٢١.

(٢) الطلب ـ خ : (د).

(٣) الأعراف ٧ : ١٥٦.

(٤) المؤمن ـ خ : (د).

لعصيانه ، فهو ممدوح مذموم باعتبارين ، وأمّا في الآخرة فإن كانت معصيته صغيرة فهي مغفورة إجماعا ، وإن كانت كبيرة ومات ولم يتب منها فقطع المرجئة بعدم عقابه ، وإلّا لكان مخزيا ؛ لقوله تعالى : (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) (١) وكلّ مخزيّ كافر ؛ لقوله : (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) (٢).

وقطع الوعيدية بعقابه وتخليده لما يأتي من حجّتهم ، وقالت الأشاعرة وأكثر أصحابنا : يجوز عقابه وعدمه ؛ لأنّه حقّه تعالى فجاز له تركه ، لأنّه لا لوم ولا ذمّ على من ترك حقّه(٣) وجائز له أخذه ، لكن لو عوقب لكان عقابا (٤) منقطعا ، وهو الحقّ ؛ لما يأتي.

الرابعة : حيث تعرّضنا لذكر الكبيرة فلنذكر ما قيل في تفسيرها ، فنقول : قال قوم من أصحابنا : إنّ الذنوب كلّها كبائر ؛ نظرا إلى اشتراكها في المخالفة ، وإنّما سمّي بعضها صغائر بالنسبة إلى ما فوقه ، كالقبلة فإنّها صغيرة بالنسبة إلى الزنا ، وكبيرة بالنسبة إلى النظر (٥).

وقالت المعتزلة : الكبيرة والصغيرة يقالان بالإطلاق وبالإضافة.

أمّا الأوّل فالصغيرة ما ينقص عقابه عن ثواب فاعله في كلّ وقت ، والكبيرة ما يزيد عقابه عن ثواب فاعله في كلّ وقت.

وأمّا الثاني فبالإضافة إلى معصية أو طاعة ، فالصغيرة ما ينقص عقابه عن ثواب تلك الطاعة أو عقاب تلك المعصية في كلّ وقت ، والكبيرة هو الذي يزيد عقابه على ثواب تلك الطاعة ، وقيّد في هذه الصور لكل وقت ؛ لأنّه لو اختلفت الأوقات لوجب التقييد ، فيختلف الاسم.

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٩٢.

(٢) النحل ١٦ : ٢٧.

(٣) على ترك حقّه ـ خ : (آ).

(٤) عقابه ـ خ : (آ).

(٥) النظرة ـ خ : (آ).

وأمّا الفقهاء والمفسّرون فقالوا : الكبيرة ما توعّد عليه بالنار (١) فبعضهم عدّ سبعة ، وبعض سبعين ، وقال ابن عباس : هي إلى سبعمائة أقرب ، غير أنّه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار.

الثالث : في انقطاع عقاب صاحب الكبيرة ، ويدلّ عليه وجوه :

الأوّل : أنّه لمّا بطل التحابط وجب استحقاق هذا الثواب بإيمانه والعقاب بمعصيته ، فإن وصلا إليه دفعة فهو محال عقلا وإجماعا ، وإن وصلا على التعاقب فإن أثيب أوّلا فهو باطل ؛ للاجماع على أنّ من يدخل الجنة لا يخرج منها ، وإن عوقب أوّلا فهو المطلوب.

الثاني : أنّه لو خلّد في النار لزم مساواته للكافر الذي أتى بأعظم المعاصي ، مع أنّ الفاسق انضمّ إلى معصيته إيمان ، واللازم باطل عقلا ، فكذا الملزوم.

الثالث : أنّه يقبح منه تعالى أن يعبده إنسان ألف سنة ، ثمّ يفسق مرّة واحدة فيحبط تلك الطاعات العظيمة بتلك المرّة الواحدة.

الرابع : أنّ معصية الفاسق متناهية فلا يحسن استحقاقه عقابا غير متناه ، ولا ينتقض بالكافر ؛ لأنّه أتى بأعظم المعاصي (٢).

الخامس : قوله تعالى : (النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (٣).

وجه الاستدلال أنّ المستثنى إمّا الأوقات أو الأشخاص ، فإن كان الأوّل فليس

__________________

(١) الظاهر أنّ مراد المصنف (ره) من ذلك التوعّد بالنار في الكتاب الكريم ، ولكن التحقيق هو أن يقال : إنّ الكبيرة ما توعّد عليه بالنار في الكتاب والسنّة التي ثبتت حجّيتها في الفروع والأحكام الشرعية ، فكل معصية توعّد عليها النار في الكتاب الكريم والسنة الثابتة الحجية في الأحكام فهي كبيرة ، وقد ذكرنا تفصيلها في رسالة مستقلّة ، كما كتب سيدنا العلّامة العالم الشهير السيد عبد الحسين دستغيب الشيرازي المعاصر أطال الله بقاءه كتابا مستقلا في هذا الباب بالفارسية ، وهو مطبوع منتشر ، فراجع.

(٢) وهو الكفر والشرك بالله تعالى وصفاته ، والكفر بما لا يتناهى يكون عقابه غير متناه ، وليس الفاسق كذلك ، ومن هنا يرتفع إشكال : أنّ الكافر كيف يخلد في النار؟ فإنّ الذي جهله الكافر وهو ذات القديم سبحانه وصفاته شيء لا نهاية له ، فيكون جهلا ولا يتناهى فكذا عقابه.

(٣) الأنعام ٦ : ١٢٨.

المراد ما قبل الدخول ، كما قيل ؛ للزوم الإضمار من غير (١) ضرورة ، ولقبحه في اللفظ فيكون بعد الدخول.

ويؤيّده : كون الخلود إنّما يكون بعد الدخول ، وليس تلك الأوقات للكفار ؛ للإجماع ، فيكون للفسّاق وهم من فعل الكبيرة ، إذ الصغائر مكفّرات إجماعا ، وإن كان الثاني فالمطلوب ظاهر ؛ إذ لا خلاف أنّ الكافر لا يخرج من النار.

إن قلت : كان يجب أن يقول على هذا : إلّا من شاء الله ؛ لأنّ الفاسق من أولي العلم.

قلت : المحقّقون على أنّ «من» يشترط في مدلولها العلم ، وأما «ما» فلا يشترط فيها العلم ولا عدمه ، فقد يطلق على أولو العلم كقوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) (٢) وكذا الاستدلال بقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) (٣).

السادس : ورد متواترا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : يخرج قوم من النار كالحمم والفحم فيراهم أهل الجنّة فيقولون : هؤلاء جهنّميون ، فيؤمر بهم فيغمسون في عين الحيوان فيخرج أحدهم كالبدر.

احتجّ القائلون بالتخليد بعموم آيات نحو قوله تعالى : (مَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) (٤) (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (٥) وغير ذلك ، وعموم أخبار وهي كثيرة.

والجواب أنّا نحمل الخلود على المكث الطويل ؛ لاستعماله فيه كقولهم : وقف مخلّد ، وقول الفقهاء : إنّ السارق يخلد السجن في الثالثة ، وفي الدوام كقوله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) (٦) فيكون للقدر المشترك ؛ لأنّ الاشتراك والمجاز خلاف

__________________

(١) بغير ضرورة ـ خ : (د).

(٢) الشمس ٩١ : ٥.

(٣) هود ١١ : ١٠٦ ، ١٠٧.

(٤) النساء ٤ : ١٤.

(٥) طه ٢٠ : ٧٤.

(٦) الأنبياء ٢١ : ٣٤.

الأصل ، فيكون أعمّ ، والعامّ لا دلالة له على الخاصّ ، فإذا دلّ الدليل على التخصيص وجب المصير إليه ، وقد بيّنا ذلك.

أو نحمله على الكافر ؛ جمعا بين ما ورد (١) وبين قوله : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٢) (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٣) وقوله : (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) (٤) وقوله : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (٥) وقوله : (أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٦) على أنّ المراد بالآية الأولى فيما ذكروه الكافر ؛ لأنّ الحدود جمع مضاف وهو للعموم ـ كما بيّن في الأصول ـ فيدخل فيه الإيمان ، والفاسق غير متعدّ للإيمان ، وكذا الثانية لقوله بعدها : (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً) (٧) مع أنّ المراد بالفاجر (٨) الكامل في فجوره ، وهو الكافر بدليل قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) (٩).

الرابع : في المسقط العام للعقاب وهو التوبة ، وفيه مسألتان.

الأولى : لا بدّ فيها من الندم على فعل المعصية ، وتركها في الحال ، والعزم على عدم المعاودة في الاستقبال ، وهل العزم المذكور جزء منها أو خارج؟ وعلى الثاني هل هو شرط أو لازم؟

ذهب إلى كلّ واحد قوم بعد اتّفاقهم على أنّه لا بدّ من الكلّ ، وهي واجبة في الجملة ؛ لقوله تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً) (١٠) وتقع مقبولة لقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ

__________________

(١) أوردوا ـ خ : (آ).

(٢) التحريم ٦٦ : ٨.

(٣) الزلزلة ٩٩ : ٨ ، ٧.

(٤) النحل ١٦ : ٢٧.

(٥) سبأ ٣٤ : ١٧.

(٦) طه ٢٠ : ٤٨.

(٧) طه ٢٠ : ٧٥.

(٨) الفاجر المستفاد من قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) يعني العاصي الفاجر ، وهو الكامل في فجوره.

(٩) عبس ٨٠ : ٤٢.

(١٠) النور ٢٤ : ٣١.

التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) (١) ويسقط العقاب مع القبول ؛ لقوله تعالى : (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ)(٢) واختلف في مسائل :

الأولى : أنّها هل تجب من جميع الذنوب؟ مذهب أصحابنا ذلك ؛ لدفعها الضرر اللازم بكلّ ذنب ؛ لأنّها إمّا عن فعل محرّم أو ترك واجب (٣) ، وكلاهما قبيح يجب تركه ؛ ولعموم الآية.

وقال أبو هاشم : تجب عن الكبائر لا غير ؛ لعدم حصول الضرر بالصغائر.

والجواب بالمنع من ذلك ؛ إذ غفرانها تفضّل.

الثانية : هل تصحّ من قبيح دون آخر؟ قال أبو علي : نعم وإلّا لم يصحّ الإتيان بواجب دون واجب ، واللازم باطل إجماعا.

بيان الملازمة بأنّه تجب التوبة عن القبيح لقبحه ، وفعل الواجب لوجوبه ، والاشتراك في العلّة يوجب المساواة في الحكم.

وقال ابنه : لا يصحّ ؛ (٤) إذ لو صحّ لكشف عن أنّه لم يتب عنه لقبحه ، وفرق بين الواجبات والقبائح ، فإنّه فرق بين الفعل والترك ، فإنّ من أكل الرمانة لحموضتها

__________________

(١) الشورى ٤٢ : ٢٥.

(٢) الشورى ٤٢ : ٢٥.

(٣) أمّا التوبة عن ترك المندوب وفعل المكروه فمرتبة المعصومين ، والتوبة عن الالتفات إلى غير الحقّ مرتبة السالكين ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي لأستغفر الله في اليوم سبعين مرّة» من هذا المعنى ؛ لاشتغال قلبه في بعض أحوال العباد عن التوجّه شطر الحقّ ، ثمّ بعد ذلك كان يتوجّه بكلّيته إلى الحقّ سبحانه فيستغفر الله تعالى ، وكان يتوب إليه من ذلك الالتفات والاشتغال ، وذلك منه صلى‌الله‌عليه‌وآله من باب غاية الكمال ، لعلوّ درجته بحيث لا يبلغ إليها أحد من الأولين والآخرين ، ولأنّه في مرتبة أعلى من مرتبة السالكين والالتفات عندهم ذنب ، ومن ذلك قيل : «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» فالقارئ الكريم يعرف ممّا ذكرناه إجمالا معنى ما ورد في الأدعية المأثورة عن المعصومين عليهم‌السلام من كثرة الاستغفار عن الذنوب والخطايا والتوبة والإنابة الصادرة عنهم إلى الله تعالى ، ولا شكّ أنّهم في كلّ الأوصاف الكمالية مثل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا النبوة ، فالتوبة والاستغفار الواردة في كلماتهم ليس معناها إلّا المعنى الذي ورد في كلمات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٤) نقل هذا القول القاضي عبد الجبار المعتزلي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وعن الإمام عليّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام ، انظر إلى إرشاد الطالبين ، ص ٢٠٨ طبعة بمبئي وشرح الأصول الخمسة ، ص ٧٩٧ طبعة مصر.

لا يجب عليه أكل كلّ رمانة حامضة ، ومن ترك أكلها لحموضتها وجب عليه ترك كلّ رمانة ، وإلّا لكشف أكله منها عن أنّه لم يتركها لحموضتها.

والتحقيق : أنّ القبائح مقولة بالتشكيك ، فإذا تاب عن قبيح (١) له مشارك في جهة قبح وجب التوبة عن مشاركه ؛ للعلة المشتركة ، ولا يجب عن غير المشارك ؛ لاختلاف الدواعي ، ولهذا لو أسلم يهودي مصرّ على صغيرة قبلت توبته عن كفره ، وبه تتأوّل النصوص.

الثالثة : هل سقوط العقاب بها واجب أم تفضّل؟ أصحابنا والمرجئة على الثاني ؛ إذ لو وجب سقوط العقاب بها لكان إمّا لوجوب قبولها وهو باطل ، وإلّا لكان من أساء إلى غيره بسائر أنواع الإساءة (٢) ثمّ اعتذر إليه يجب قبول عذره ، واللازم كالملزوم في البطلان. وإمّا لكثرة ثوابها فيلزم الإحباط وهو باطل كما تقدّم.

والمعتزلة على الأوّل وإلّا لما حسن تكليف العاصي ؛ إذ لو كلّف لا لفائدة لزم العبث ، ولفائدة (٣) غير الثواب فباطل إجماعا ، ولفائدة الثواب فهو باطل وإلّا لزم اجتماع المتنافيين؛ إذ العقاب ممكن حينئذ ، فلو وصل الثواب اجتمع المتنافيان.

__________________

(١) عن قبيح له مشاركة لعلله المشتركة ولا يجب توبته عن غير المشارك ـ خ : (د) يعني أنّ القبائح مختلفة بجهات قبحها وإن اشتركت في مطلق القبح ، فإذا تاب العبد من قبيح له مشارك في جهة قبحه وجب توبته عن ذلك القبيح الآخر ، ولا يلزم توبته عن غيره من القبائح التي ليست مشتركة في تلك الجهة لاختلاف الأغراض ، ولعلّ المصنّف (ره) أشار بقوله : وبه يتأوّل النصوص إلى أنّ ما نقل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وعن أولادهعليهم‌السلام مأوّل بهذا ، كأنّه يشير بهذا إلى جواب سؤال مقدّر تقريره : أنّه ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وعن أولاده كعلي بن موسى الرضا عليه‌السلام القول بعدم جواز التوبة عن قبيح دون قبيح ، كما عرفت نقل القاضي ذلك عنهم عليهم‌السلام ، فكيف تقولون بجواز التوبة من بعض دون بعض؟ فأجاب بأنّا نحمل ما ورد عنهم عليهم‌السلام في المنع من ذلك على المنع من التوبة عن قبيح دون قبيح آخر مشارك له في جهة قبحه كما بيّنا.

(٢) مثل إن قتل ولده وأذهب أمواله ثمّ اعتذر إليه من تلك الإساءات العظيمة وجب قبوله عذره ، ولو لم يقبل عذره كان مذموما عند العقلاء ، وهو باطل ، بل يحسن عدم قبول عذره ويحسن الإعراض عنه فلا يكون قبولها واجبا.

(٣) والفائدة ـ خ : (د).

والجواب (١) : اجتماع المتنافيين لازم على تقدير دوام عقاب الفاسق ، وهو باطل لما تقدّم. سلّمنا ، لكن يمكن التخلّص على مذهبهم بأن يفعل طاعات كثيرة تزيد على معاصيه(٢) فيكفر (٣).

الرابعة : هل سقوط العقاب لذاتها (٤) أو لكثرة ثوابها؟ أصحابنا على الأوّل لوجوه :

الأوّل : أنّها قد تقع محبطة بغير ثواب كتوبة الخارجي عن الزنا ، فإنّها تسقط عقاب الزنا ولا ثواب (٥).

الثاني : لو كان كذلك لما بقي فرق بين تقدّمها على المعصية وتأخّرها عنها ، كغيرها من الطاعات التي يسقط العقاب بكثرة ثوابها ، ولو صحّ ذلك لكان التائب عن المعصية إذا كفر بعد ذلك أو فسق لسقط عقابه (٦).

الثالث : أنّه لو كان كذلك لما اختصّ بها بعض الذنوب دون بعض ، فلم يكن إسقاط عقاب هذا أولى من غيره ؛ لأنّ الثواب لا اختصاص له ببعض العقاب دون بعض ، عندي في هذين الوجهين نظر (٧).

__________________

(١) يعني أنّا نختار أنّ التكليف لفائدة هي الثواب واجتماع ... الخ.

(٢) معصيته ـ خ : (د).

(٣) فيكفرها ـ خ : (آ) يعني على قول الخصم ، وحينئذ يحسن تكليفه ، وهو المطلوب.

(٤) لا على معنى أنّها لذاتها تؤثّر في إسقاط العقاب ، بل على معنى أنّها إذا وقعت على شروطها والصفة التي بها تؤثّر في إسقاط العقاب أسقطت العقاب من غير اعتبار أمر زائد ، قاله العلّامة قدس‌سره في شرح التجريد وسيشير المصنف (ره) إلى هذا المعنى فيما يأتي من قوله : إنّ المراد بسقوط العقاب الخ ...

(٥) يعني لا ثواب لها.

(٦) مع أنّ اللازم باطل ؛ للقطع بعدم سقوط العقاب ، فمن تاب عن المعاصي كلّها ثمّ شرب الخمر لا يسقط عنه عقاب الشرب.

(٧) قال التفتازاني في شرح المقاصد : عندنا سقوط العقاب بمحض عفو الله تعالى وكرمه وتوبته الصحيحة عبادة يثاب عليها تفضّلا ، ولا تبطل بمعاودة الذنب ، ثمّ إذا تاب عنه ثانيا يكون عبادة أخرى ثمّ قال :

فإن قيل : فعندكم حكم المؤمن المواظب على الطاعات المعصوم عن المعاصي ، والمؤمن المصرّ على المعاصي طول عمره من غير عبادة أصلا ، والمؤمن الجامع بين الطاعات والمعاصى من غير توبة ، والمؤمن ـ

وقال قوم بالثاني وإلّا لقبلت في الآخرة وحال المعاقبة ، واللازم باطل فكذا الملزوم.

والجواب : أنّ المراد بسقوط العقاب بها أنّها إذا وقعت بشرائطها لا تفتقر في سقوط العقاب إلى أمر زائد ، ومن جملة شروطها أنّها تقع ندما على القبيح لقبحه ، وفي الآخرة وحال المعاقبة يقع الإلجاء (١).

الثانية (٢) : يجب أن يندم على القبيح لكونه قبيحا وإلّا لكشف عن كونه غير تائب ، فإنّ من تاب عن شرب الخمر لإضرارها ببدنه غير تائب منها لقبحها ، فعلى هذا لو تاب عن المعصية خوفا من النار أو من فوات الجنة ويكون ذلك هو الغاية لم يكن تائبا (٣).

ثمّ القبيح إمّا من حقوق الله أو الآدمي ، والأوّل : إمّا فعل محرّم كالزنا والشرب (٤) ، فيكفي فيه الندم والعزم المتقدّمان ، أو ترك واجب فإن لم يكن له وقت معيّن كالزكاة والحجّ أتى به ، وإن كان له وقت معيّن فإن لم يسقط بخروج وقته وجب

__________________

ـ التائب عن المعاصي ، واحد وهو التفويض إلى مشيئة الله تعالى من غير قطع بالثواب أو العقاب ، فلا رجاء من الطاعات والتوبة ولا خوف من المعصية والإصرار ، وهذه جهالة جاهلة ومكابرة تائهة.

قلنا : حكم الكلّ واحد في أنّه لا يجب على الله تعالى في حقّهم شيء ، لكن يثيب المطيع والتائب البتة بمقتضى الوعد على تفاوت درجات ، ويعاقب العاصي المصرّ بمقتضى الوعيد على اختلاف دركات ، لكن مع احتمال العفو احتمالا مرجوحا فأين التساوي وانقطاع الخوف والرجاء؟ نعم خوفنا لا ينتهي إلى حدّ اليأس والقنوط ؛ إذ لا ييأس من روح الله إلّا القوم الكافرون انظر إلى شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ٢٤٣ طبعة إسلامبول.

أقول : إنّ التوبة الصحيحة إذا كانت عبادة وطاعة فتكون علّة لاستحقاق الثواب عليها ؛ ولأنّ التكليف إن لم يكن لفائدة فهو عبث لا يصدر عن الحكيم ، نعم سقوط العقاب بالتوبة تفضّل من الله تعالى ، كما تقدّم عن المصنّف (ره) بيان المطلبين.

(١) ولا ندم في صورة الإلجاء وبمنع كونه للقبح في صورة المعاينة والمعاقبة.

(٢) أي المسألة الثانية من مسألتي التوبة.

(٣) وفي ذلك نظر ، وقد حقّقنا هذا المطلب إجمالا في حواشينا على كنز العرفان للمصنّف (ره) ولا تنس قول الله تعالى : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) الصافات ـ ٦١ فإنّه يدلّ على جواز العبادة لنيل الثواب والخلاص عن العقاب ، ولا شكّ أنّ التوبة عبادة ، فالتوبة خوفا من النار أو طمعا في الجنة صحيحة.

(٤) والشراب ـ خ : (د).

قضاؤه كالصلاة اليومية ، وإن سقط كصلاة العيد كفى الندم. والثاني : إمّا أن يكون إضلالا أو غيره والأوّل يجب إرشاد من أضلّه. والثاني إن كان جناية دموية يجب الانقياد لمستحقّ (١) القصاص ليعفو أو يستوفي ، وإن كان جناية مالية يجب الإيصال إلى المستحقّ أو وارثه أو الاستيهاب ، ومع التعذر العزم عليهما عند المكنة ، وإن كان حدّ قذف فكذلك ، وإن كان اغتيابا فإن بلغ ذلك إلى المغتاب وجب الاعتذار إليه ؛ لأنّه أدخل عليه ألما والندم لمخالفته الشرع ، وإن لم يبلغه كفى الندم والعزم على ترك المعاودة ، وهذه اللوازم ليست جزءا من التوبة في سقوط العقاب المتقدّم ، لكنّه إن قام بها كان إتماما للتوبة وإن لم يقم يسقط (٢) عقاب المتقدّم وتكون التبعات ذنوبا مستأنفة يجب الرجوع عنها ، ويحتمل أن تكون دلالة (٣) على عدم صحّة الندم.

وهنا فروع :

الأوّل : أنّ العاصي إن لم يكن عارفا بذنوبه على التفصيل كفى الندم الإجمالي ، وإن كان عارفا بها تفصيلا قال القاضي : يجب التوبة عن كلّ واحد مفصّلا.

وفيه نظر ؛ لإمكان الإجزاء (٤) بالإجمال.

الثاني : هل يجب التجديد كلّما ذكر الذنب قال أبو علي : نعم ؛ لأنّ قدرة المكلّف لا تنفكّ عن أحد الضدّين : إمّا الفعل أو الترك ، فإذا ذكر المعصية فإن كان نادما فالمطلوب ، وإن كان عازما فهو قبيح يجب الندم عنه. وقال ابنه : لا يجب ؛ لجواز خلوّ القادر عنهما.

الثالث : إذا رمى ولم يصب بعد ، قال الأكثر : يندم على الإصابة ؛ لأنّها هي القبيح ، وقد صارت في حكم الموجود (٥) ؛ لوجوب حصول المعلول عند حصول العلّة. قال

__________________

(١) لمستحقى ـ خ : (د).

(٢) سقط ـ خ : (آ).

(٣) دالّة ـ خ : (آ).

(٤) الإجزاء ـ خ : (د).

(٥) الوجود ـ خ : (د).

القاضي : يجب ندمان : أحدهما على الرمي ؛ لأنّه قبيح ، والآخر على كونه مولّدا للقبيح ، ولا يندم على المعلول ؛ لأنّ الندم على القبيح لقبحه وقبل الوجود لا قبح.

الخامس (١) : المسقط الخاص بالمؤمنين وهو نوعان :

الأوّل : الشفاعة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أحد الأئمّة عليهم‌السلام ، الأوّل بإجماع المسلمين ، والثاني بإجماعنا ويدلّ على الأوّل أيضا وجهان :

الأوّل : قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٢) قيل : هو مقام الشفاعة.

الثاني : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (٣) أمره بالاستغفار لنا ، فإن كان للوجوب فلا يتركه (٤) لعصمته ، وإن كان للندب فكذلك ؛ لعلوّ منزلته وعظم شفقته ، والفاسق مؤمن كما تقدّم ، فيدخل فيمن يستغفر له واستغفاره لا يردّ ؛ لقوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (٥).

وذهب الوعيدية إلى أنّها لزيادة الدرجات لا غير ، وهو باطل وإلّا لكنّا شافعين له(٦)صلى‌الله‌عليه‌وآله بقولنا : «اللهمّ ارفع درجته» وذلك باطل ؛ لأنّ الشافع أعلى رتبة من المشفوع.

احتجّوا بآيات : قوله تعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (٧) والفاسق ظالم وكذا قوله : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٨) وقوله : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ)(٩) [وقوله] : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (١٠) والفاسق غير مرتضى (١١).

__________________

(١) أي البحث الخامس من الفصل الثاني.

(٢) الإسراء ١٧ : ٧٩.

(٣) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ٤٧ : ١٩.

(٤) يترك ـ خ : (آ).

(٥) الضحى ٩٣ : ٥.

(٦) فيه ـ خ : (د).

(٧) غافر ٤٠ : ١٨.

(٨) البقرة ٢ : ٢٧٠ ؛ آل عمران ٣ : ١٩٢ ؛ المائدة ٥ : ٧٢.

(٩) المدثر ٧٤ : ٤٨.

(١٠) الأنبياء ٢١ : ٢٨.

(١١) والفاسق غير مرتضى ـ خ : (د).

والجواب : أنّه مخصوص للكفّار ؛ جمعا بين الأدلّة ، ويؤيّده قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» هذا مع أنّ نفي المطاع في الآية لا يلزم منه نفي المجاب ؛ لجواز أن يكون مجابا ولا يكون مطاعا ، فإنّ المطاع فوق المطيع ، والله فوق كل موجود بالرتبة ، ونمنع أيضا كون الفاسق غير مرتضى ، بل هو مرتضى بإيمانه.

الثاني : العفو من الله والبحث إمّا في جوازه أو وقوعه.

الأوّل : فلوجهين : الأوّل : أنّه إحسان ، وكلّ إحسان حسن ، والمقدمتان ضروريتان. الثاني : أنّه حقّه تعالى وهو ظاهر ، فجاز منه إسقاطه ؛ لوجود الداعي وهو كونه إضرارا بالعبد وتركه إحسان إليه ، وانتفاء المانع إذ لا ضرار (١) عليه في تركه ولا لوم.

ومنع الوعيدية منه ؛ لأنّ العلم بذلك إغراء للمكلّف بالمعصية فيكون قبيحا.

وأجيب بأنّه معارض بالتوبة ، فإنّ العقاب يسقط معها اتفاقا ولا إغراء فيها وإلّا لقبحت (٢).

أمّا الثاني ؛ فلوجوه :

الأوّل : قوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) (٣) وليس للتعليل نحو : ضربته على عصيانه اتّفاقا (٤) فيكون للحال ؛ لجواز ضربه (٥) على شربه ، أي حال شربه ، فيكون المراد حال ظلمهم ، خرج الكفر اتّفاقا فيبقى الباقي على عمومه.

الثاني : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)(٦)

__________________

(١) ضرر ـ خ : (آ).

(٢) لا يلزم الإغراء بالمعصية لا في العفو ولا في التوبة ، فإنّ عقاب المعصية محقّق قطعي ، أمّا العفو فمعلّق على المشيئة الإلهية قال تعالى : (لِمَنْ يَشاءُ) وأمّا التوبة فمعلقة على القبول فالعقاب قطعي ، وأما التوبة والعفو فمعلّقتان على المشيئة والقبول فلا إغراء فلا قبح في البين ، وقد بسطنا الكلام في هذا المطلب وحقّقناه بالتحقيق والتحليل الصحيح في إضافاتنا على كتابنا التحقيق في الأربعين ، انظر ص ٥٠٦ ـ ٥١٨.

(٣) الرعد ١٣ : ٦.

(٤) لأنّه لا تناسب بين العلّة والمعلول في الآية فلا تكون : (عَلى ظُلْمِهِمْ) تعليلا لغفران الله تعالى قطعا.

(٥) نحو رجمه ـ خ : (آ).

(٦) النساء ٤ : ٤٨ و ١١٦.

والاستدلال بها (١) من وجهين :

أحدهما : أنّه أخبر بغفران ما دون الشرك ، فأمّا مع التوبة فباطل ؛ إذ لا فرق حينئذ بين الشرك وغيره ، للإجماع على غفرانه مع التوبة فيكون بدونها ، فيكون العفو واقعا وهو المطلوب ، وجعل عدم غفران الشرك مع عدم التوبة وغفران ما دونه معها يخرج الكلام عن النظم الفصيح الصحيح (٢).

وثانيهما : أنّه علّق غفران ما دون الشرك بالمشيئة ، فوجب أن لا يكون مشروطا بالتوبة ؛ لأنّ الغفران معها واجب ، ولا شيء من الواجب معلّق بالمشيئة.

الثالث : قوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٣) خرج من ذلك الكفر بالإجماع فيبقى غيره على حاله ، وجعل الغفران فيها مشروطا بالتوبة (٤) لتبقى على عمومها موجب للإضمار ، وما ذكرناه مخصّص ، وهو خير منه على ما تقرّر في الأصول.

وقالت الوعيدية : ما ذكرتموه معارض بآيات الوعيد نحو قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (٥) (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٦) وغير ذلك ، فيحمل ما ذكرتموه على الصغائر.

فالجواب : أنّ ما ذكرتموه على تقدير تسليم معارضته (٧). فهو قليل

__________________

(١) والاشتراك بها ـ خ : (د) والظاهر أنّها ليست بصحيحة ، والصحيح ما أثبتناه من ـ خ : (آ).

(٢) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٣) الزمر ٣٩ : ٥٣.

(٤) بالغير ـ خ ل ـ خ : (د).

(٥) النساء ٤ : ١٢٣.

(٦) الزلزلة ٩٩ : ٨.

(٧) يعني لا نسلّم المعارضة فإنّ آيات الوعيد التي ذكروها نحو قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً ...) وقوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ...) لا تعارض آيات الوعد ؛ فإنّ الآية الأولى ناظرة إلى أنّ من عمل سوءا يجز به إن لم يشمله العفو الإلهي وغفران الله تعالى ذنوب المسيء ؛ لتقييد الإطلاق بآيات العفو والغفران ، والآية الثانية ناظرة إلى أنّ من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره يوم القيامة وينظر إلى ما عمله من الشرّ ولا منافاة بين رؤية الشرّ وما عمله منه وغفران الله إياه وشمول العفو الإلهي لعامله ، وقد مرّ فيما تقدّم أنّ الإحباط باطل.

ومكثور (١) بالنسبة إلى ما في طرقنا من الآيات والأخبار ، فيكون ما عندنا أكثر ، والكثرة أمارة الرجحان ، ولا نطرح (٢) ما ذكرتموه بل نحمله على الكفّار ؛ لقيام الدليل ، فأمّا حمل آياتنا على الصغائر فباطل أمّا أوّلا ؛ فلأنّه لا ضرورة إليه بخلاف حملنا ، وأمّا ثانيا ؛ فلأنّه لا يحسن من الجواد المطلق من التمدّح بالعفو عن الصغير مع إمكان العفو عن الكبير مع استواء الأمرين بالنسبة إليه. هذا مع أنّ تأويل آيات الوعد (٣) أولى ؛ لأنّ إهمال الوعد لؤم ، وإهمال الوعيد كرم ، ولأنّ المؤمن العاصي أتى بأتمّ الطاعات وأعظمها وهو الإيمان ، ولم يأت بأعظم المعاصي وهو الكفر ، فوجب ترجيح جانب وعده كما قال سيد العابدين علي بن الحسين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين : «يا ربّ إن عصيتك فقد أطعتك في أحبّ الأشياء إليك وهو التوحيد ، وإن لم أطعك فلم أعصك في أبغض الأشياء إليك وهو الشرك» ولبعض حكماء الإسلام هنا أبيات قالها قبيل موته يحسن إيرادها وهي هذه :

إن كانت الأعضاء خالفت الذي

أمرت به في سالف الأزمان

فاسألوا الفؤاد عن الذي أودعتم

فيه من التوحيد والإيمان

تجدوه قد أدّى الأمانة فيهما

فهبوه ما أخطأ بالجثمان

والآن فلنقطع الكلام حامدين لله على آلائه شاكرين له على جزيل إنعامه وجميل بلائه ، ونسأله حيث سبق في التقدير الإلهي والعلم الأزلي أنّ كتابنا هذا آيات (٤) العفو منتهاه ، أن يجعلنا وإخواننا ممّن تكون الجنة خاتمته ومأواه ، ولا تكون النار عاقبته ومثواه ، وكيف لا يكون كذلك وقد جعلنا الله من أشرف الأمم وأتباع سيّد العرب والعجم ، ووفّقنا عند اختلاف الآراء وتشتت الأهواء للتمسك بفائح عطر ولاء جبرة الجبار وقسيم

__________________

(١) مكسور ـ خ : (آ).

(٢) يطرح ـ خ : (آ).

(٣) الوعد أولى ـ كذا في ـ خ : (د) و ـ خ : (آ) والظاهر أنّ الصحيح : الوعيد أولى ـ فتدبّر.

(٤) باب ـ خ : (د).

الجنة والنار الذي يدور الحقّ معه كيفما دار وصيّرنا في سجلّات الكرام الكاتبين من عديد علماء المؤمنين المشيدين لأركان الدين ودعاة الأئمة المعصومين وأبناء سيّد الأوّلين والآخرين ، ونسأله بعد ذلك في مقام الذلّ والخضوع بفيض هوامل الدموع أن يرسل علينا من شآبيب ديم جود وابل تلك النعم ، ويفيض من سجال ينابيع ذلك الجود الأقدم على وهاد ما أظلم من صحف أعمالنا ما يزيل درن ما اكتسبناه من الذنوب واكتسيناه من العيوب ، وأن لا يستدرجنا بذنوبنا ولا يقايسنا بخطوبنا ، ولا يوفقنا في مقام النظر من عصيت بل في مقام النظر من رجوت ، ولسان الحال والمقال ينشد أبياتا قالها بعض المؤمنين المسرفين ، وقيل : إنّه غفر له بها وهي :

يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة

ولقد علمت بأنّ عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلّا محسن

فبمن يلوذ ويستجير المجرم

ها قد مددت يدي إليك تضرّعا

فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم

ما لي إليك وسيلة إلّا الرجا

وعظيم عفوك بعد إنّي مسلم

والمسئول من السادة العلماء والأئمة الفضلاء ممّن يقف على هذا الكتاب أن يصلح ما عساه أن يجده في الكلام من الطغيان ، وفي النظام من السهو والنسيان ، وأن يستره بذيل العفو والغفران ، والعفو عند كرام الناس مأمول ، والحمد لله وحده ، والصلاة على من لا نبيّ بعده وآله الطاهرين الأكرمين.

ووقع الفراغ من تصنيفه يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر جمادى الأولى من سنة أربع وثمانمائة ٨٠٤ هجرية ، وكتب مصنّفه العبد المقداد بن عبد الله بن السيوري الأسدي (١) غفر الله له ولوالديه ولمن صنّفه له ، ولمن قرأ وانتفع به ، ولوالديه (٢) ولكافة المؤمنين أجمعين بمحمّد وآله الطاهرين (٣) رب اختم بخير (٤).

__________________

(١) مقداد بن عبد الله الأسدي ـ خ : (د).

(٢) ولمن ينتفع به ولوالديهم ـ خ : (د).

(٣) المعصومين ـ خ : (د).

(٤) هنا آخر نسخة : (د).

هذا (١) آخر كلامه رحمه‌الله ووافق الفراغ من تعليقه عصر السبت ليلة نصف ربيع الأوّل سنة اثنين وخمسين وثمانمائة ٨٥٢ هجرية على يد أحمد بن حسين بن جمال المغيراني عفا الله عنه ، وغفر له ولوالديه ولإخوانه المؤمنين بمحمّد وآله الأكرمين ، وحشره في زمرتهم آمين ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين ، كتبه لنفسه وبعده لنسله إن كانوا من أهله وإلّا فلا تأس على القوم الظالمين.

__________________

(١) من هنا إلى آخر الكلام وهو قوله : «الظالمين» آخر ـ خ : (آ) وأمّا ـ خ : (د) فقد تمّت في قوله : «رب اختم بخير».

تمّت التعليقات بقلم مؤلّفها ومرصّفها العبد الفاني محمد علي القاضي الطباطبائي عفا الله تعالى عن جرائمه.

فلنشرع بعد ذلك بالتعليقات المضافة إلى آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.

تعليقات على الكتاب

ص ٢٠٠ ـ س ٢٠ : mz١ «كونه حيّا» mz٢.

قال العلّامة الشيخ حسين بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الدرازي البحراني آل عصفوررحمه‌الله تعالى في كتابه محاسن الاعتقاد واكتساب السداد (١) : إنّه تعالى حيّ ، وقد اتفق المليون والعقلاء على ثبوت هذه الصفة له ، وليست بمعنى حياة الحادث لتنزّهه عن ذلك. وقد اختلفوا في معناها بالنسبة إليه ، فالحكماء وأبو الحسن ذهبوا إلى أنّ حياته عبارة عن كونه بحيث يصحّ اتّصافه بالعلم والقدرة. وذهبت الأشاعرة وبعض المعتزلة إلى أنّها صفة تقتضي القدرة والعلم ، وعن بهمنيار (٢) : أنّ الحيّ

__________________

(١) نسخة مخطوطة موجودة في مكتبتنا مع رسالة : ذريعة الهداة في بيان معاني ألفاظ الصلاة ، وكتاب سداد العباد ورشاد العباد ـ بالتشديد ـ في الفقه من الطهارة إلى آخر كتاب الخمس كلّها تأليف الشيخ البحراني الذي نوّهنا باسمه الشريف ، وقد اشترى هذا المجلّد سيدنا الجدّ الأعظم المجتهد الفقيه السيد محمد حسين الطباطبائي ، الشهير ب «شيخ آقا» ابن السيد الأجلّ الحاج ميرزا علي أصغر شيخ الإسلام بن الفقيه المجتهد الكبير السيد ميرزا محمد تقي القاضي الطباطبائي قدس‌سره في سنة ١٢٥٤ كما كتبه بخطّه الشريف في ظهر النسخة ، والنسخة أول نسخة كتبت من النسخة الأصلية سنة ١٢٣٣ ، وفرغ الشيخ البحراني (ره) من تأليفها ٢١ محرم سنة ١٢١٦ ، وفرغ من تأليف الذريعة سنة ١٢١٣ ، وتوفّي البحراني (ره) ٢١ شوال سنة ١٢١٦ ، انظر ترجمته في أنوار البدرين ، ص ٢٠٧ طبعة النجف.

(٢) أبو الحسن بهمنيار بن مرزبان الآذربيجاني المشهور بابن مرزبان ، من مشاهير الحكماء والفلاسفة ومن أعيان تلامذة الشيخ الرئيس ابن سينا رحمه‌الله ، توفّي سنة ٤٥٨ أي بعد ثلاثين سنة من وفاة أستاذه ابن سينا (ره).

ذكر المترجمون له أنّه كان مجوسيا ثمّ أسلم وحسن إسلامه ، والترديد في إسلامه ممّا لا وجه له ، فإنّ ـ

هو الدرّاك الفعّال.

واستدلّوا على ثبوتها بأنّه قادر عالم ، وكلّ قادر عالم حيّ بالضرورة ، فحيث قد ثبتت قدرته وعلمه ثبت أنّه حيّ بالضرورة.

ونقل عن الرازي في بعض كتبه أنّه قال : الحياة قد يوصف بها النباتات وقد يوصف بها الإنسان والحيوانات ، والجهة التي وصف بها كلّ منها هو كونه على الوجه الذي يترتّب عليه الكمالات التي من شأنه ، فالحياة في حقّه تعالى عبارة عن كونه على الوجه الأرفع الأتمّ الذي يليق بجلال ذاته وكمال صفاته.

ولهذا جاء في بعض الأخبار كما في كتاب التوحيد عن الصادق عليه‌السلام : أنّه حيّ لا بحياة ، فيكون مجرى الحياة مجرى الصفات الذاتية ، والغرض من هذا نفي الحياة

__________________

ـ المترجمين له الذين صرّحوا بكونه مجوسيا فقد صرحوا أيضا بإسلامه ، فقبول قولهم في الأول والترديد في الثاني ممّا لا يمكن المصير إليه.

وأضف إلى ذلك أنّه إن كان باقيا في عقيدة المجوسية البائدة لكان يظهر ذلك قهرا من تضاعيف كلماته ورشحات أقلامه وفلتات لسانه ، وتتبعنا كلماته وعباراته على ما وصل إلينا منها فلم يظهر لنا إلى الآن شيء من ذلك ، وهذا ممّن كان باقيا على مجوسيته طيلة حياته في غاية البعد. ومثل هذا الحكيم وبياناته في مسائل التوحيد والخير والشرّ على طريقة الحكماء الإلهيين والإسلاميين لا يستقيم مع بقائه على المجوسية.

ولم أقف من المترجمين له أن يتردّد في إسلامه كما هو المشهور بينهم سوى بعض من هو مبتلى بمرض التعصّب القومي البغيض من أبناء العصر في بعض الموارد فقد وصفه بالمجوسي.

والحقّ أنّ القرائن الدالّة على إسلامه قويّة وأقوال المترجمين له صادقة ، فلا ينبغي الركون إلى هذه التخيّلات الواهية.

ولذلك قال المتتبع الشهير «دهخدا» في كتابه الكبير لغت نامه بعد أن وصفه بالآذربايجاني ما لفظه بالفارسية «او در أول دين گبركان داشت وسپس مسلمانى گرفت» ـ انظر ج (آ) إلى «أبو سعيد» رقم ١ ، ص ٤٠١.

ونقل الفاضل الزنوزي (ره) في رياض الجنّة من كلماته الحكيمة قوله : العقل أنيس في الغربة. واللذات العقلية شفاء لا يعقبها داء وصحّة لا يلزمها سقم. من تعلّم العلوم العقلية ولم يتخلّق بأخلاق أربابها كان جاهلا بحقائق العلوم. وكلّ حكيم طلب زيادة على صاحبه فليس له علم الحكمة وليس له ذوقها. نقل لي هذه الكلمات صديقنا الجليل آقا ميرزا جعفر سلطان القرائي عن نسخة مخطوطة من رياض الجنة موجودة عنده.

الزائدة وإلّا لكان بدونها مسلوب الحياة ، ويلزم الافتقار كما قلنا في العلم والقدرة.

ولا يجب البحث عن حقيقة الحياة فيه ؛ لعدم الوصول إلى ذلك ، وإنّما يعتقد المكلّف أنّ ذاته حياة فيترتّب على تلك الذات ما يترتّب على صفة الحياة ، فيجب حمل ما في القرآن والأخبار من وصفه بهذه الصفة على ما قرّر في غيرها من الصفات الذاتية.

وربما قيل في معناها : إنّه واهب الحياة ، كما جاء في العالم أنّه واهب العلم ، وفي القدرة أنّه واهب القدرة لغيره. فعن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «هل سمّي الواجب عالما إلّا لأنّه وهب العلم للعلماء والقدرة للقادرين ، وكلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم (١) ، والباري واهب الحياة ومقدّر الموت ، ولعلّ النمل الصغار تتوهّم أنّ لله زبانيين ، فإنّ ذلك كمالها وتتوهّم أنّ عدمهما نقص لمن لا يتّصف بهما ولا يكونان له ، هكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به ، وإلى الله المفزع (٢)».

قال الفاضل الدواني بعد أن نقل هذا الكلام عن إمام الأنام : هذا كلام دقيق رشيق أنيق صدر عن مصدر التحقيق ومورد التدقيق ، والسرّ في ذلك : أنّ التكليف إنّما يتوقّف على معرفة الله تعالى بحسب الوسع والطاقة ، وإنّما كلّفوا بأن يعرفوه بالصفات التي ألفوها وشاهدوها فيهم مع سلب النقائص الناشئة عن انتسابها إليهم ، ولمّا كان الإنسان واجبا لغيره عالما قادرا مريدا حيّا متكلّما سميعا بصيرا ، كلّف بأن يعتقد أنّه تعالى واجب لذاته لا لغيره ، عالم بجميع المعلومات قادر على جميع الممكنات ، مريد لجميع الكائنات ، وهكذا في سائر الصفات ، ولم يكلّف باعتقاد وصف فيه تعالى

__________________

(١) هرچه در فهم تو كنجد كه من آنم نه من آنم

هرچه در خاطرت آيد كه چنانم نه چنانم

هرچه در فهم تو كنجد همه مخلوق بود آن

بحقيقت تو بدان بنده كه من خالق آنم

(٢) وإنّما قصرت الأوهام عن إدراك ذاته تعالى وتناهت وانقطعت عن إدراك كنهه تعالى ؛ لأنّ الوهم إنّما يتعلّق بالأمور المحسوسة وذوات الصور والأحياز حتّى أنّه لا يدرك نفسه إلّا ويقدرها ذات مقدار وحجم ، فلو أدرك الوهم ذاته تعالى وكنهه لأدركه في جهة وحيّز ذات مقدار وصورة شخصية متعلّقة بالمحسوس ، وكلّ ذلك في حقّ الواجب المنزّه عن شوائب الكثرة محال.

لا يوجد مثاله ومناسبه ، ولو كلّفوا به أمكن تعقله بالحقيقة ، وهذا أحد معاني : من عرف نفسه فقد عرف ربّه ، مع أنّه قال تعالى : (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)» انتهى.

وبه يعلم أنّ كلام الإمام عليه‌السلام المراد منه أنّ تخصيصات الأصحاب (رض) بعض الصفات بالنفي والإثبات محض اصطلاح راجع إلى اعتبار الصفات التي تنبئ الشريعة عن التنبيه على خصوصياتها وإن لم يتعلّق غرض بما سواها فتورد ، وإلّا فهو سبحانه يوصف بالاعتبارات اللائقة بجلاله كالحقّ والقيّوم والجواد ونحوها ، وكلّها داخلة على سبيل الإجمال في وجوب الوجود أوهما في اعتبار القدرة والعلم ؛ لترتّب الباقي عليها ما يظهر لمن له المعرفة التامّة.

وقول الشيخ البحراني (ره) : وعن بهمنيار أنّ الحيّ هو الدرّاك الفعّال. فقد صرّح به بهمنيار في موارد من كلماته ، منها ما ذكره في كتابه التحصيل في الفصل الخامس عشر ـ في بقاء النفس الإنسانية وفي أحوالها في المعاد ـ ما هذا نصّه : وأنت تعلم أنّ النفس بعد المفارقة يزول عنها الاشتغال بقوى البدن ، فيخلص لها اشتغالها بذاتها فتشاهد ذاتها مشاهدة تامّة ؛ إذ قد عرفت أنّ شعورها بذاتها ليس بآلة ، وأنّ اللذة التامة تكون بالمشاهدة ، وأنّ القوة التي تبقى معها هي القوة العقلية. فنقول الآن : إنّ النفس الإنسانية حيّة ، أي «درّاكة فعّالة» والحياة هي كون الشيء بحيث يصدر عنه أفعال الحياة ... الخ.

قال بعض المحقّقين قدس‌سره : حياته سبحانه عبارة عن نوريته المحضة المستلزمة للإدراك والفعل ؛ فإنّ الحيّ «هو الدرّاك الفعّال» ولما كانت الصفتان عين ذاته تعالى ، فذاته بذاته حياته ، وكلّ حياة غيرها فإنّما هي رشحة من حياته ، وهو الحيّ بالحقيقة لا إله إلّا هو.

ص ٣٠٧ س ١٠ : (المجوس)

لفظ «مجوس» معرّب : «موغوش» وأصله : «موگوش» في الفارسي القديم وصار في اللسان الفارسي الموجود اليوم بصورة : «مغ» وكان دين «مغان» قبل زرادشت وقبل سلطنة «ماد» وكان رائجا في إيران القديم وكذا في أيّام سلطنة «ماد» ولفظ ال «مجوس»

الوارد في القرآن الكريم وإن فسّره جمع من المفسّرين بأتباع الدين الزردشتي ، ويقال لهم بالفارسية : «گبر» ولكن يمكن أن يكون المراد منه أتباع دين «موگوش» «موغوش» القديم الذي كان هذا اللفظ في الأصل اسما لهم ، ولم يعلم على القطع أنّ المراد منه في القرآن أتباع الدين الزردشتي.

نعم يمكن أن يقال : إنّ إطلاق لفظ «مجوس» في لسان العرب وفي اصطلاح الشرع المقدّس والمتشرعة في الإسلام ينصرف إلى أتباعه ، ومع ذلك يوجد في بعض الروايات الإسلامية والتواريخ التوسّع في استعمال كلمة المجوس في أعمّ من أتباع زردشت وأتباع دين «موگوش» القديم.

ولعلّ ما ذكرناه هو السرّ في إبهام اسم نبيّ المجوس وكتابهم في أكثر الروايات ، والمراد فيها : من أنّه كان لهم نبيّ فقتلوه وكتاب فأحرقوه. هم المجوس ، أعني «موگوش» ، «موغوش» لا المجوس أتباع زرادشت الذي ظهر بعد قرون متطاولة وأراد إصلاح دين المجوس ، وهو ضالّ مضلّ أسّس أساس عبادة النار وبنيان بيوت النيران ، وعمله هذا يكشف عن باطن أمره ، فإنّه لا يصدر عن النبي الحقّ المبعوث من جانب الله تعالى وأتباعه ، بعث الناس إلى عبادة النيران ، وهم الذين قال الصادق عليه‌السلام [فيهم] : «إنّ المجوس كفرت بكلّ الأنبياء وجحدت كتبهم وأنكرت براهينهم ولم تأخذ بشيء من سننهم وآثارهم» وعدم كونه من الأنبياء المبعوثين من جانب الله تعالى من المسلّمات في الإسلام وقد ثبت عدم نبوّته ، قال الإمام الرازي في تضاعيف كلماته في كتابه الأربعين ما معناه : إنّه كان كذّابا ساحرا عند المسلمين (١) ، وهو قام بزعمه لإصلاح دين المجوس ، وأتى بكتاب وادّعى أنّه الكتاب الذي آتاه نبي المجوس إليهم ، وأحرقوه ولم يبق منه أثر ، ولذا اشتهر بين علماء الإسلام أنّ لهم شبهة كتاب لا أنّ لهم كتابا سماويا حقيقة ، وألحقهم الإسلام بأهل الكتاب في أخذ الجزية منهم وفي بعض الأحكام.

قال العلّامة المجلسي الأوّل قدس‌سره في شرحه الفارسي على كتاب من لا يحضره

__________________

(١) كتاب الأربعين ، ص ٣٠٧ ، طبعة حيدرآباد.

الفقيه للشيخ الصدوق (ره) ـ بعد أن نقل أنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه وأتاهم نبيّهم بكتاب فأحرقوه ـ ما هذا تعريبه ملخصا : «المشهور أنّ المجوس لمّا أحرقوا ذلك الكتاب جاء إبراهيم زردشت وصنّف لهم ال «زند» ولما كان معضلا فكتب له شرحا وسمّاه «با زند» وقال : إنّ الكتاب الذي أحرقتموه هو هذا الكتاب ، والمجوس يعملون بهذين الكتابين بتوهّم أنّه كتاب سماوي».

وهو كلام متين مستفاد مجموع الروايات والتواريخ الإسلامية ، وأما تسمية زرادشت بإبراهيم فهو من أوهام المجوس بادّعاء أنّه إبراهيم الخليل عليه‌السلام وهو أسطورة واضحة وغلط فاحش ، فإنّ إبراهيم عليه‌السلام كان قبل زردشت بقرون كثيرة ، فإنّه ظهر على القول المعتمد في القرن السابع قبل الميلاد على حين أنّ إبراهيم الخليل عليه‌السلام كان ظهوره حوالي القرن السابع عشر قبل الميلاد أي قبل زردشت بنحو عشرة قرون. وقد أباد الدهر تاريخ زردشت ونسف آثاره ولم يعلم تاريخه وحالاته على التحقيق ، وما هو معلوم من حالاته مشحونة من الأساطير كما هو ظاهر لمن تتبّع التواريخ وأمعن النظر فيها. أنظر إلى دائرة المعارف للبستاني ، وهو المؤرّخ المنصف حتّى تجد صدق ما قلناه ، ولأهل الكتاب في حقّه رأي خاص مذكور في مظانّه ، ولا شكّ أنّه قائل بخالقين اثنين وبالتثليث على التحقيق. وأيضا لا شكّ أنّ المجوس ليسوا من أهل الكتاب حقيقة وإنّما يطلق عليهم بعضا مجازا لإلحاقهم بأهل الكتاب في بعض الأحكام ، وما يلهج به بعض المغرضين في عصرنا من أنّ القرآن الكريم ذكر المجوس في رديف أهل الكتاب ، فهم من أهل الكتاب ، بطلانه أوضح من أن يذكر ؛ فإنّه لا دلالة في الآية القرآنية بإحدى الدلالات على ذلك أصلا ، وقد فصلنا وحقّقنا هذه المطالب بما لا مزيد عليه في كتابنا فصل الخطاب في تحقيق أهل الكتاب ـ مخطوط ـ ونسأل الله تعالى التوفيق لطبعه ونشره ليعمّ نفعه إن شاء الله تعالى ولا يتيسّر لنا طبعه إلّا بعد أن يخلّصنا الله تعالى من أيدي الظالمين والله الموفق.

وممّا هو جدير بالذكر أنّ القارئ العزيز إن شاء أن يتّضح لديه ، أنّ لفظ المجوس استعمل في كلمات أهل اللسان العربي المبين من المؤرّخين وغيرهم في المعنى العامّ من

أتباع زرادشت وغيرهم ، فعليه أن يراجع كتاب أخبار أمم المجوس تأليف المستشرق «الكندر سيپل» وقد طبعه في مدينة «أوسلو» سنة ١٩٢٨ م ، وقد جمع فيه نصوصا عربية صريحة في استعمالهم لفظ المجوس في أقوام أخرى غير أتباع زرادشت ، بحيث لا يبقى فيما أشرنا إليه ريب ولا شكّ ، فراجع.

وأنت أيّها القارئ الكريم بعد ما عرفت أنّ المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب فأحرقوه ، وهم الذين كان نبيّهم دعاهم إلى التوحيد ، وكان نبيّا حقّا. وأمّا زرادشت فهو جاء بعدهم ، ودعاهم بزعمه إلى الإصلاح وأسّس بيوت النيران ، وهو ليس من الأنبياء الحقّة ، فيتّضح لك أنّ ما ذكره أبو الكلام آزاد ـ أنّ زرادشت كان على التوحيد ، وأمّا المجوس الذين كانوا من الأمم البائدة فهم كانوا على الشرك كما يظهر من خلاصة كلماته في مقالة في مجلة ثقافة الهند ـ فممّا لا وجه له وبعيد عن مرحلة التحقيق ، فإنّ الأمر على عكس ممّا ذكره كما فصلناه في كتاب فصل الخطاب.

ثمّ إنّ ما يظهر من عبارات أكثر القوم كما هو ظاهر عبارة المصنف (ره) : من ترادف لفظ «الشيطان» في اللغة العربية مع لفظ «أهريمن» في اللغة الفارسية فيه مسامحة واضحة بل غلط واضح ، فإنّه ليس للفظ «الشيطان» لفظ مرادف في الفارسية ، فإنّ لفظ «أهريمن» بمعنى خالق الشرّ ، ومصدره ليس هو معنى الشيطان في العربي ، فإنّ الشيطان ليس بخالق شيء أصلا ، بل له إغواء البشر على الشرّ والأعمال القبيحة والاعتقادات الباطلة ، وليس له عمل أزيد من إضلال البشر مع اختياره واختيارهم. قال : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) فاستعمال الشيطان في عبارات أكثر المتكلّمين بمعنى «أهريمن» غير صحيح ؛ لأنّ في نظر المجوس أنّ الموجودات في العالم على قسمين : خير وشر ، والخير لازم وجوده في العالم ، والشرّ غير لازم بل وجوده نقص بزعمهم ، فهم لا يقولون بالنظام الأتمّ الأكمل في العالم مع أنّه ثابت بالأدلّة القطعية ، ويقولون : إنّ الشرور لا يمكن أن تصدر عن «آهورامزدا» بل هي مخلوقة لأهريمن ، فكثيرا من مخلوقات العالم بزعمهم مخلوقة له.

وأمّا في نظر الإسلام المقدّس فليس في العالم موجودات منقسمة إلى الخير

والشر ، بل كلّ الموجودات خير لا شرّ فيها (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) وأمّا الشيطان فليس له أن يخلق شيئا ولا نفوذ له في التكوينيات ، بل نفوذه في البشر لا غير ، وهو فيهم محدود في تفكيرهم لا في أبدانهم ، ونفوذه في تفكيرهم أيضا محدود على الوسوسة والخيال ، لا يتجاوز من ذلك بحيث إنّ التسليط عليه في إجباره على الأعمال القبيحة والأفعال السيئة ، فإنّه لا قدرة للشيطان على ذلك بل له الإغواء ، وتسلّطه عليه منحصر على الذين يؤمنون به ويتولّونه ، لا على الذين يكفرون به ، وذلك بإرادة البشر واختيارهم (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) وقد نصّ القرآن الكريم على لسان الشيطان يوم القيامة في جواب اعتراض المعترضين في إغوائه لهم ويقول : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) فالاختيار إنّما هو للإنسان في استجابته لدعوة الشيطان وعدم الاستجابة كما هو مختار في دعوته أيضا.

فلا تسلّط للشيطان في الخلق والإيجاد ، لا في أعمال العباد ولا في غيرها من أمور العالم ، لا استقلالا ولا غيره ، وإنّما أعطاه الله تعالى التسلّط على الإغواء والإضلال للبشر ؛ للحكمة والمصلحة التي اقتضاها النظام الأتمّ الأكمل ، فوجود الشيطان شرّ نسبي لا أنّه شرّ حقيقي وواقعي مطلق ، فوجوده خير في نظام الكون للحكم والمصالح (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً).

فالحاصل أنّه لا أثر للشيطان في الخلق والإيجاد في شيء من الأشياء وأمر من الأمور الواقعة في العالم ، فأين هذا من معنى «أهريمن» الذي يقول به المجوس فتفسير «أهريمن» بالشيطان من الأغلاط ، وليست في اللغة الفارسية كلمة ترادف معنى لكلمة «الشيطان».

فأنت أيّها القارئ الكريم بعد ما عرفت ما ذكرناه تعرف ما في كلمات أبي الكلام «آزاد» وزير معارف الهند في بحثه عن شخصية ذي القرنين ، المنتشر في مجلة ثقافة الهند من البساطة وعدم التحقيق ، حيث زعم ترادف لفظ «انغرامى نيوش» «أهريمن» مع لفظ

«الشيطان» وهو يحاول إثبات أنّ الدين الزردشتي دين التوحيد ، ويزعم أنّ بتغيير العبارة يتغيّر الواقع ، تارة يقول : صرّح زردشت بأنّه ليس للشرّ إله ، بل الذي يأمر بالشرّ هو «انغرامى نيوش» أي الشيطان ، وأخرى يقول : قال زردشت بأصلين كونيين : أصل الخير وأصل الشر ، ولكنه لم يقل بإلهين متوازيين ، وثالثة يقول : ما هي حقيقة الثنوية عند زردشت؟ ليس إلّا القول بأنّه يوجد في الكون أصلين : أصل للخير وأصل للشرّ ، وأنّ الذي يجلب الشرّ هو «انغرامى نيوش» «أهريمن» وهو الشيطان في لغته (١).

وقد عرفت أنّه ليس لفظ الشيطان بمرادف للفظ «أهريمن» وقوله : «بل الذي يأمر بالشرّ» وقوله : «إنّ زردشت قال بأصلين كونيين» وكذا قوله : «وإنّ الذي يجلب الشرّ هو ...» فما معنى : إنّ الذي يجلب الشرّ هو الشيطان؟ فهل الشيطان يجلب الشرّ؟ ومن أين يجلبه ، أو يصدر الشرّ منه؟ وما معنى أنّ الذي يأمر بالشرّ هو أهريمن؟ وعلى هذا فمن هو مصدر الشرّ؟ وعلى هذه التعبيرات هل وجود الشرور في العالم مخلوق لله الواحد الذي هو الخير المحض أو مخلوق لغيره ، فإن كان الأوّل فيعود المحذور وهو صدور الشرّ عن الخير المحض ، وإن كان الثاني فهو القول بخالق للشرور غير الله تعالى ، وهذا هو الشرك الجليّ ، فأين التوحيد الذي يزعم إثباته في الدين الزردشتي؟

ومن العجب قوله ـ بعد أن زعم أنّ «أهريمن» يرادف الشيطان في المعنى ـ : وهذه الثنوية لا يخلو منها دين وإن تفاوتت درجات الأديان فيها ، فاليهودية والنصرانية والإسلام كلّ من هذه الأديان الثلاثة يقول بوجود الشيطان!!

فأنت أيّها القارئ الكريم بعد ما عرفت معنى الشيطان في الإسلام على ما بيّنه القرآن الكريم ، تعرف ما في هذا الادّعاء من البساطة وأنّه قول سطحي غير عميق ، وغفلة عن معنى الشيطان وعمله في نظر الإسلام ، وأنّه إنّما أعطاه الله تعالى التسلّط له على الإغواء ولا أثر له في خلق الشرّ أصلا ، وفي نظر الإسلام ليس في العالم موجودات منقسمة إلى الخير والشرّ ، بل كلّ الموجودات خير لا شرّ فيها ، والشرور

__________________

(١) شخصية ذي القرنين ، ص ٦٥ ـ ٦٧ ، منشورات دار البصري ، طبع مطبعة أسعد.

مجعولة بالعرض بما كسبت أيدي الناس ، فكيف يقول : إنّ هذه الثنوية لا يخلو منها دين حتّى الإسلام؟ والحقّ ـ وما في الحق مغضبة ـ أنّ في كلمات أبي الكلام هفوات كثيرة وعثرات عديدة كادّعائه أنّ المراد من «ذي القرنين» هو «كورش» ولا دليل له غير الحدسيات التي لا توجب علما ؛ فإنّها حدسيات واهية وتوهّمات فاسدة وتخيّلات كاسدة لا دليل عليها.

ومن أغلاطه نسبته إلى المسلمين أنّهم قائلون بأنّ زرادشت من الأنبياء وقال ما هذا نصه : فما زال المسلمون يرون أنّ الدين الزردشتي في أصله لم يأمر بعبادة النار بل أمر بالتوحيد ، وأنّ زردشت كذلك كان نبيّا من الأنبياء القدماء (١).

فإن كان ذكر ذلك في حقّ المجوس القدماء قبل زردشت لعلّه كان حقّا ، حيث أمرهم نبيهم بالتوحيد ولكنّهم قتلوه وأحرقوا كتابه ورفع العلم عنهم ، وأمّا زرادشت فهو الذي أسّس بيوت النار بمساعدة «گشتاسب» كما في أكثر التواريخ ، ودعا المجوس لعبادتها والتعظيم لها ، الدالّ عمله هذا على عدم كونه من الأنبياء الحقّة.

وإنّي أتعجّب من أبي الكلام كيف نسب هذا الغلط الفاحش إلى المسلمين ، وقد سمعت ما ذكره الإمام الصادق عليه‌السلام فيما سبق كما في الاحتجاج للطبرسي (ره) ، ونقلنا ثمّة كلام فخر الدين الرازي في كتابه الأربعين وقال ما هذا معناه : إنّه من الكذّابين عند المسلمين. وإنّي أرى كلام أبي الكلام ـ وهو رجل سياسي ـ لا يخلو من دسيسة سياسية بإيعاز من المستعمرين للنيل إلى مقاصدهم المشئومة لا سمح الله.

واستشهاده لمرامه بشعر الفردوسي في ال «شاهنامه» المشحون بالأساطير والخرافات لا يجدي نفعا ؛ فإنّه من الشعريات وأصدق الشعر أكذبه ، وما نقله عن شيخ الإشراق في كتابه حكمة الإشراق ، وكذا عن الشارح له ، أنّهما صرّحا أنّ زرادشت كان نبيا فهو لا يسوي عندنا فلسا ؛ فإنّ النبوّة تثبت في نظر الإسلام بحصول القطع واليقين لا بالظن والتخمين وادّعاء شخص أو شخصين ، فالأنبياء الذين أسماؤهم مذكورة في

__________________

(١) شخصية ذي القرنين ، ص ٧٢.

القرآن تفصيلا نعتقد بنبوّتهم وهم خمسة وعشرون نبيّا ، وأمّا الأنبياء الذين ليس لهم ذكر في القرآن الكريم فنعتقد بنبوّتهم إجمالا ، أمّا ادّعاء شخص أو أشخاص أو قوم أو طائفة أنّ الشخص الفلاني من الأنبياء وليس له ذكر في القرآن فلا قيمة له في نظر الإسلام والمسلمين ، فإنّ الظن لا يغني من الحقّ شيئا.

وأضف إلى ذلك أنّ المعروف بين المسلمين بل بين اليهود والنصارى أيضا خلاف هذا الادّعاء ، وجمع من المؤرّخين صرحوا بكونه ضالّا ومضلّا ، وأضف إلى ذلك كلّه أيضا أنّه ليس ممّا نسبه إلى شيخ الإشراق وكذا إلى قطب الدين الشيرازي في حكمة الإشراق وشرحها عين ولا أثر ، فإنّي تفحّصت الكتاب وشرحه ولم أجد فيه ممّا نسبه إليه أثرا ، وقال الشارح : وزعم الحكيم الفاضل زرادشت ... انظر ص ٣٢١ ، فإن كان الشارح معتقدا بنبوّته ومصرّحا بكونه من الأنبياء فهذا لا يستقيم مع نسبة الزعم المستعمل في خلاف الواقع إليه ، مضافا إلى أنّ ما نسبه إليه أشبه بالخرافة ، فراجع المطلب الذي نقله عنه. وذكره في ص ١٨ ، وأيضا في ص ٣٧٢ وفي ص ٤٣٥ ووصفه الشارح في هذه المواضع بالحكمة والفضل لا بالنبوّة والوحي ، وأمّا السهروردي فاكتفى بذكر اسمه فقط ، فراجع شرح حكمة الإشراق ، المطبوع بإيران ـ طهران سنة ١٣١٥ ، ولعلّه كانت نسخة عند أبي الكلام لم نقف عليها والله العالم ، وإلّا فما ذكره بقوله : وقد صرّح شيخ الإشراق شهاب الدين المقتول في كتابه حكمة الاشراق بأنّ زردشت كان نبيا ... ووافقه في قوله شارح حكمة الإشراق قطب الدين الشيرازي ... انظر ص ٧٢ ـ ٧٣ لا أصل له.

وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب ، يدلّ على أنّهم ليسوا بأهل كتاب ، وقد أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعامل المسلمون في حقّهم في بعض الأحكام كالجزية ونحوها معاملة أهل الكتاب إرفاقا بهم ، وإلّا لقال : هم من أهل الكتاب ، ولكن قال : «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» كما هو محقّق في الكتب الفقهية ، فهم ليسوا من أهل الكتاب حقيقة بل في القول بأنّ لهم شبهة كتاب مسامحة واضحة.

وعليك بالمراجعة إلى ما جاد به يراع سيدنا الأستاذ المرجع الأكبر السيد

شهاب الدين النجفي المرعشي دام ظلّه الوارف في هامش المجلّد الاوّل من كتاب «إحقاق الحق» (١) للقاضي الشهيد قدس‌سره.

والجدير بالذكر أنّ قولنا : لفظ ال «مجوس» معرّب. إنّما هو تبعا لما هو المشهور في الألسنة ، ولكن عند التحقيق فيه تأمّل.

ص ٣٢٤ س ٧ : «رضوى».

قال في متن اللغة : رضوى : جبل بالمدينة. (٢)

وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان : «رضوى بفتح أوّله وسكون ثانيه ... قال أبو منصور من أسماء النساء رضيا وتكبيرها رضوى ، وهو جبل بالمدينة ... وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : رضوى رضي الله عنه وقدس قدّسه الله ... وقال أبو زيد : وقرب ينبع جبل رضوى ... وهو الجبل الذي يزعم الكيسانية أنّ محمّد بن الحنفية به مقيم حيّ يرزق» (٣).

قلت : ادّعاء الكيسانية باطل لا دليل لهم على إمامة محمّد بن الحنفية ، وقد تعلّقت في إمامته بقول أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم البصرة : أنت ابني حقّا. وأنّه كان صاحب رايته ، كما كان أمير المؤمنين عليه‌السلام صاحب راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وكان ذلك عندهم الدليل على أنّه أولى الناس بمقامه.

وغير خفيّ أنّ ذلك لا يدلّ على ادّعائهم أصلا ، ولا نطيل الكلام بردّ دليلهم ودحض شبهاتهم ؛ فإنّ بطلانه في الوضوح بمكان لا يحتاج إلى بيان وإقامة برهان ، وكفاك في ذلك ما ذكره الشيخ والسيّد قدس‌سرهما في الفصول المختارة (٤).

ويستفاد من التواريخ والأحاديث أنّ جبل رضوى محل شريف من الأماكن المقدّسة ، ولا ربط لقدسيته بزعم الكيسانية زعما باطلا حيث قالوا : إنّ المهدي الموعود

__________________

(١) إحقاق الحقّ ، ص ٣٩١ ـ ٣٩٢ ، طبعة طهران.

(٢) متن اللغة ، ج ٢ ، ص ٦٠١ طبعة بيروت.

(٣) معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٥١ ، طبعة بيروت.

(٤) الفصول المختارة ، ج ٢ ، ص ٩١ طبعة النجف.

هو محمد بن الحنفية ، وهو مقيم في رضوى فإنّه المهدي ليس هو محمد رضوان الله عليه ولا هو مقيم في رضوى ، وقد انقرضت الكيسانية ولم يبق منهم أحد ، فإن كانوا حقّا لم ينقرضوا قطعا.

وأمّا ما في دعاء الندبة : «أبرضوى أو غيرها أم ذي طوى» فبقرينة ما قبل هذه الفقرات وبعدها يظهر ظهورا واضحا جليّا لا شكّ فيه ، أنّه ليس المراد منه الإشارة إلى محمّد بن الحنفية كما قد يتوهّم ، بل المراد الإشارة إلى بقية الله في العالمين الحجّة بن الحسن العسكري أرواحنا فداه ؛ فإنّه لم يكن محمد (رض) ابن النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى دنوّا واقترابا من العليّ الأعلى. ولم يكن ابن خديجة الغرّاء وفاطمة الزهراء عليها‌السلام ، والمراد الإشارة إلى عدم تعيين محلّ للحجّة المنتظر أرواحنا فداه ، وأنّه ليس له مكان خاصّ يقيم فيه والقرينة المتّصلة «أم ذي طوى» أصدق شاهد على ذلك ؛ فإنّ الكيسانية لم يقولوا : إنّ محمدا (رض) مقيم في «ذي طوى» ونظرا إلى أنّ «رضوى» و «ذي طوى» من الأماكن المقدّسة.

ويمكن أن يكون «المهدي سلام الله عليه» في بعض الأوقات فيهما ، كما يكون في سائر الأماكن المقدّسة من النجف الأشرف وكربلاء والكوفة والسهلة وغيرها ، ولذا يقول : «ليت شعري أين استقرّت بك النوى بل أيّ أرض تقلّك أو ثرى أبرضوى ...» الخ ، أين هذا من عقيدة الكيسانية : أنّ محمدا (رض) مقيم في رضوى فقط لا في محلّ آخر.

وأمّا كون «رضوى» من الأماكن المقدّسة فيدلّ عليه ما سمعت عن الحموي في معجم البلدان. وما رواه الشيخ في كتاب الغيبة بإسناده عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : خرجت مع أبي عبد الله عليه‌السلام ، فلمّا نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلّا عليها فقال لي : ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يدعى رضوى ... أما أنّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين ؛ قصيرة والأخرى طويلة (١).

__________________

(١) كتاب الغيبة ، ص ١٠٣ ، طبعة النجف.

وذكر العلامة المجلسي (ره) في البحار ما لفظه : «رضوى كسكرى جبل بالمدينة ، يروى أنّه عليه‌السلام قد يكون هناك» (١).

وذكر المؤرّخ السمهودي في وفاء الوفاء عن إسحاق بن يحيى بن طلحة مرسلا رفعه «أحد وورقان وقدس ورضوى من جبال الجنة» (٢).

وقال : «ونقل الحافظ ابن حجر اختلاف الروايات في الأجبل التي بني منها البيت الحرام ، وفي بعضها : أنّه أسّس من ستة أجبل : أبي قبيس ، والطور ، وقدس ، وورقان ، ورضوى ، وأحد.

وروى ابن شبة عن أنس بن مالك مرفوعا «لما تجلّى الله عزوجل للجبل طارت لعظمته ستة أجبل ، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة ، وقع بالمدينة أحد ، وورقان ورضوى ، ووقع بمكة حراء وثبير وثور» (٣).

وقال السمهودي في الجزء الرابع من وفاء الوفاء : «رضوى ـ بالفتح كسكرى جبل قرب ينبع ، ذو شعاب وأودية ، وبه مياه وأشجار ، ومنه يقطع أحجار المسان ، قال ابن السكّيت : رضوى قفاه حجاز وبطنه غور ، وهو لجهينة. وقال عرام : هو أوّل جبال تهامة ، على مسيرة يوم من ينبع ، وعلى سبع مراحل من المدينة ، ميامنه طريق مكة ، وسبق آخر الباب الخامس ـ يعني في الجزء ٣ ـ عند ذكر فضل أحد أنّ رضوى ممّا وقع بالمدينة من الجبل الذي تجلّى الله تعالى له ، وصار لهيبته ستة أجبل. وأنّ أبا غسان قال : أمّا رضوى فبينبع على مسيرة أربع ليال من المدينة ، وهذا هو المعروف في المسافة بينهما ، وسبق هناك أيضا أنّ رضوى من جبال الجنة ، وفي رواية أنّه من الجبال التي بني منها البيت ، وفي حديث «رضوى رضي الله عنه ، وقدس قدّسه الله وأحد جبل يحبّنا» وتزعم الكيسانية أن محمّد بن الحنفية مقيم برضوى يرزق.

ولقوله : يحبّنا ونحبّه معنى ذكره السمهودي بقوله : «وللعلماء في معنى قوله

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١٠٢ ، ص ١٢٠.

(٢) و (٣) وفاء الوفاء ، ج ٣ ، ص ٩٢٦ ـ ٩٢٧ ، طبعة سنة ١٣٧٤ بمصر.

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقوال : أحدها : أنّه على حذف مضاف ، أي أهل أحد وهم الأنصار ؛ لأنّهم جيرانه. ثانيها : أنه للمسرّة بلسان الحال ؛ لأنّه كان يبشّره إذا رآه عند القدوم بالقرب من أهله ، وذلك فعل المحبّ» ثمّ ذكر معنى ثالثا (١).

وأمّا «ذي طوى» فمن الأماكن المقدّسة أيضا كما يستفاد ذلك من الأحاديث الشريفة ، ففي كتاب الغيبة للشيخ النعماني قدس‌سره ، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليهما‌السلام قال: يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب ، وأومأ بيده إلى ناحية ذي طوى(٢).

وفيه عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : إنّ القائم عليه‌السلام يهبط من ثنية ذي طوى في عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا حتّى يسند ظهره إلى الحجر الأسود ...» (٣).

وإلى غيرها من الأحاديث وكلمات الأكابر التي يستفاد منها أنّ «ذي طوى» أيضا مثل رضوى من الأماكن التي قد يكون الإمام أرواحنا فداه فيها ، ففي عبارة دعاء الندبة : أبرضوى ... الخ ، إشارة إلى ذلك ، وأنّه ليس له عليه‌السلام مكان خاص يقيم فيه دائما. نعم قد يكون في بعض الأماكن كثيرا كما يحضر في موسم الحج في مكة وعرفات ومنى وغيرها ، والحمد لله على هذه النعمة العظمى.

ص ٣٣٢ س ١١ : «في غير موضعه».

قال بعض المحشّين كما في هامش ـ خ : ـ (آ) ما هذا لفظه : ولقائل أن يقول : وضع الشيء في غير موضعه منه محرّم ومكروه عقلي أو سمعي ، وربّما كان مباحا ، فإن عنى بالظالم غير الصالح للإمامة القسم الأوّل فمسلّم ، وباقي الأقسام يمتنع منعها منها ، وتسمية فاعل المكروه مثلا ظالما لغة لا عرفا ولا عقلا ولا شرعا ، وحينئذ يصير التقدير : غير المعصوم ظالم بأحد المعاني الثلاثة المذكورة ، والظالم ظلما محرّما لا يصلح للإمامة

__________________

(١) وفاء الوفاء ، ج ٣ ، ص ٩٢٨ ـ ٩٢٩.

(٢) كتاب الغيبة ، ص ٩٥ ، الطبعة القديمة.

(٣) المصدر السابق ، ص ١٧١.

فلم يتّحد الوسط.

ولو كان ذلك ظالما حقيقة لجازت اللعنة لجميع غير المعصوم ـ انتهى.

قال سيدنا الأستاذ الأعظم العلّامة الأكبر السيد «الطباطبائي» (١) ١ ـ ٦٠٣ ـ ١ أدام الله تعالى ظلّه الوارف فيما كتبه إلينا بخطّه الشريف ما هذا نصّه : الحقّ أنّ الإشكال وارد ، والقياس غير منتج ، لكن قول المستشكل : لو كان ذلك ظالما حقيقة لجازت اللعنة على جميع غير المعصوم» انتهى. غير مستقيم ؛ لأنّه مبني ظاهرا على قوله تعالى : (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٢). والآية في كلا الموضعين محفوفة بالقرينة على أنّ المراد بالظالمين الكفار ، لا كلّ من اقترف معصية. فذيل الآية في سورة الأعراف هو قوله : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) وفي سورة هود : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) وكذا قوله تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (٣) ، فقد وقع قبله قوله : (فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) فالآيات المشتملة على لعن الظالمين لا تدلّ على أزيد من لعن الكفّار.

ولبعض أساتيذنا رضوان الله عليه تقريب آخر لدلالة الآية على عصمة الإمام محصّله: أنّ الإنسان ينقسم بالقسمة العقلية على أربعة أقسام : إمّا ظالم في أوّل عمره وآخره. وإمّا ظالم في أوّل عمره دون آخره. وإمّا ظالم في آخر عمره دون أوّله. وإمّا غير ظالم في أوّل عمره وآخره.

وإبراهيم عليه‌السلام أجلّ من أن يسأل الإمامة للقسم الأوّل والثالث ، ويبقى الثاني والرابع ، والآية تنفي القسم الثاني ، فيبقى الرابع وهو المطلوب.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد بالظالمين في الآية الكفار؟ ويكون قوله :

__________________

(١) آية الله العلامة صاحب تفسير الميزان ـ أدام الله ظلّه. وهو اليوم من أبطال العلم والدين ومن مفاخر الشيعة ولا سيما السادات العبد الوهابية.

(٢) الأعراف ٧ : ٤٤ ؛ هود ١١ : ١٨.

(٣) غافر ٤٠ : ٥٢.

(لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) تقييدا لإطلاق قول إبراهيم عليه‌السلام : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فيفيد جواز صدور المعصية غير الكفر من الإمام.

قلنا : شأن الإمام ووصفه الهداية على ما صرّح به تعالى في قوله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (٢). وقوله : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (٣). والهدى يلازم الرشد كما أنّ الهداية تلازم الإرشاد ، والرشد وهو إصابة الواقع يقابل الغي كما قال تعالى : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) والغيّ لازم المعصية التي هي اتّباع الشهوات واتّباع الشيطان كما قال تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (٤). وقال خطابا للشيطان : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (٥)

فالذي لا يجامع الإمامة التي تلازمها الهداية هو الظلم بمعنى مطلق المعصية ، دون الظلم بمعنى الكفر فقط ، فلا محيص عن كون الظلم في الآية بمعنى مطلق المعصية ، وإلّا لزم صلاحية الغوي بما هو غوي للهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب ، فإنّ الهداية بهذا المعنى هي المراد من هداية الإمام ، وإلّا فإبراهيم عليه‌السلام كان نبيا رسولا من أولي العزم صاحب شريعة وكتاب هاديا بمعنى إراءة الطريق قبل الإمامة ، انتهى.

والتقريب الذي نقله دام ظلّه فيما كتبه إلينا بخطّه الشريف عن بعض أساتيذه رضوان الله عليه في الاستدلال بالآية الشريفة على عصمة الإمام كما سمعت فقد نقله في أثره الخالد(٦). نسأل الله تعالى أن يديم في عمره ، ونفعنا وجميع الأمّة بعلومه الجمّة بحقّ النبي وعترته الطاهرة سلام الله عليهم.

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٢٤.

(٢) الأنبياء ٢١ : ٧٣.

(٣) السجدة ٣٢ : ٢٤.

(٤) مريم ١٩ : ٥٩.

(٥) الحجر ١٥ : ٤٢.

(٦) الميزان ، ج ١ ، ص ٢٧٧ ، طبعة طهران.

ص ٣٣٤ س ٨ : «وهو نصب إمام».

قال الشيخ الرئيس أبو علي سينا (ره) في كتابه الشفاء في بيان الاحتياج إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : فالحاجة إلى هذا الإنسان ... أشدّ من الحاجة إلى إنبات الشعر على الأشفار.

قلت : ولما كان الاحتياج إلى الإمام عليه‌السلام كالاحتياج إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا فرق بينهما إلّا في النبوّة ، فالاحتياج إلى الإمام أشدّ من الحاجة إلى إنبات الشعر على الأشفار.

فنقول : لمّا رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الدنيا ، فإن لم يعيّن الإمام بعده والناس أحوج إليه من كل شيء ولم ينصّ على وصيه ، فالدين الاسلامي لم يكمل بل هو ناقص لترك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الأمر الأهمّ مع أنّ الله تعالى يقول : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١) فإن رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يعيّن الإمام ، فكيف تمّت النعمة على الأمة؟ وكيف يصحّ أن يخاطبهم الله تعالى بقوله : (أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) وكيف أكمل لهم الدين؟ فهل رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يعيّن قائدا لأمته؟ فهل بيّن الأحكام الجزئية كوظائف الاستنجاء كما أشار إليه المصنّف (ره) ، ولكن لم ينصّ على خليفته بعد رحلته مع وجود المنافقين بين أصحابه كما صرّح به القرآن الكريم؟ فهل مع وجودهم أهمل موضوع الإمامة حتّى تكون أمور الدين بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله فوضى ، ويكون هذا الأمر الديني جولة للمنافقين بل لعبة لهم في إيجاد الاختلاف بين الأمّة؟ فهل ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الأمّة حيارى لا تدري تكليفها في مسألة الوصاية بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ وهل العنايات الإلهية انقطعت؟ وهل الفيض من الفيّاض على الإطلاق صار مقطوعا؟. فهل الله تعالى ـ العياذ بالله ـ شاء أن ينتشر الفساد والهرج بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الأمّة الإسلامية حتّى يعمّ البلاد والعباد؟ فهل الناس على حسب جبلّتهم الأصلية استغنوا عن المصالح النوعية ولم يحتاجوا إلى الشخص الذي يقرّبهم إلى الطاعة ويبعدهم عن المعصية؟

وعلى فرض أن الناس تفطّنوا على مقدار من المصالح والمفاسد في اجتماعهم ،

__________________

(١) المائدة ٥ : ٣.

فهل التمايلات النفسانية وجلب المنافع الشخصية وحبّ الرئاسات الدنيوية لا تمنعهم عن التبعية بتلك المصالح؟ فهل عقل الكلّ وخاتم الرسل لم يتصوّر ولم يتعقّل ـ العياذ بالله تعالى ـ هذه الأسئلة التي أو عزنا إليها. فما لكم كيف تحكمون؟

فلا ينسب ذو شعور إلى النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يرحل من الدنيا من دون أن يعيّن لنفسه وصيا بعد رحلته وإماما لأمّته بعد وفاته مع أنّ الكتاب الكريم الذي جاء به من عند الله تعالى يقول : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) ويقول : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فمن هو الهادي للمسلمين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فهل الهادي لهم بعده أولئك الجاهلين والظالمين؟ فمن الهادي منذ زمن رحلته صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليوم؟ فهل لا احتياج للأقوام من المسلمين في هذه القرون بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الهادي لهم ، يهديهم إلى الصراط السوى؟ فهل الهادي لهم ملوك بني أمية اللعناء تلك الشجرة الملعونة؟ أو الهادي لهم ملوك بني العباس أو الظالمين من الملوك الجبابرة الذين تسلّطوا على البلاد الإسلامية وصاروا مالكي رقاب الأمم باسم الدين وارتكبوا أنواع الجنايات ، وسوّدوا وجه تاريخ البشرية بها ، والقرآن الكريم يقول : (لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) فهل أولو الأمر الذين أمرنا الله تعالى بطاعتهم وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله يراد منهم هؤلاء الظالمون؟

فإن قيل : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فوض تعيين الإمام بعد وفاته إلى انتخاب أمّته واختيارهم.

قلنا : تترتّب على هذا الادّعاء إن كان الأمر كذلك مفاسد كثيرة لا نطيل الكلام بذكرها ، مع أنّها مذكورة في الكتب الكلامية لأصحابنا الإمامية ، ولكن نقول : إن بناء على ما ذكرته فالباعث للاختلاف بين الأمّة ، والموجب لاشتعال نار الفتنة بينهم ، هو نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ العياذ بالله ـ وهو الباعث على أنّ الأمّة افترقت بعده بثلاث وسبعين فرقة ، وهو الذي صار سببا لإراقة الدماء في تعيين الإمام ، وهو السبب الوحيد أن يتصدّى معاوية ونظائره مع الدكتاتورية الغاشمة والاستبداد والقهر والغلبة لإمامة المسلمين وإمارتهم ، مع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في حقّه : «معاوية في تابوت مقفل عليه

في جهنّم» (١) فهل يوجد مسلم عاقل ينسب هذه الاحتمالات والأسئلة التي ذكرناها إلى قدس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟. حاشا وكلّا.

ولقد أجاد من قال : إنّ مقتضى العقل والنقل عدم جواز إهمال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الخلافة من بعده ، ولا يمكن أن يرتحل إلى لقاء الله تعالى قبل أن ينصب وصيّه وخليفته ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلم شدّة الخلاف بين الأمّة بل وتلاعب المنافقين من أصحابه بالشريعة في حياته ، فكيف بهم بعد وفاته ، وكان يعلم أنّه سوف يموت عن أناس لم يدخل الإيمان في قلوبهم ، وعلم ـ بالضرورة من الوحي ـ شقاق بعض أصحابه ونفاقهم ، وارتداد ثلّة منهم ، وانقلابهم على أدبارهم.

وأمّا إيكال الأمر في اختيار الخليفة إلى أصحابه فإنّما هو تضييع للشريعة ، وإيقاع لها ولهم في المفسدة ؛ لأنّ الآراء مختلفة والرغبات متضاربة ، وقد أفصح عن ذلك خلاف الأنصار والمهاجرين يوم السقيفة ، وتخلّف أمير المؤمنين عليه‌السلام وبني هاشم ومتابعيهم عن الدخول في البيعة ، وما حدث يومئذ من النزاع والخصام.

ومن هنا قال عمر بعد السقيفة : «كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرّها» وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لعمر لما قهره عمر على البيعة : «احلب حلبا لك شطره» وقد عرف عمر أنّ الأصحاب لا يتّفقون فيما بينهم على رأي واحد كما في الستّة الذين جعلهم من أصحاب الشورى بعده ـ مع قلة عددهم ، وثقة الأمّة بهم ـ فحكم بالأخذ بجانب الأكثر منهم ، ومع التساوي في عدد المختلفين ، جعل الترجيح في الجانب الذي فيه عبد الرحمن بن عوف ، ومع الاختلاف أمر بضرب عنق المتخلّف منهم. وطعن أمير المؤمنينعليه‌السلام في هذه الشورى ، بقوله : «فيا لله وللشورى ... فصغى رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره ... مع هنّ وهنّ ...»

وأخيرا ناقشت الصحابة أعمال عثمان ، وانتقدوا تصرّفاته ، فخلعوه وقتلوه بأنفسهم كما نصبوه بأنفسهم ، ثمّ خرجوا على أمير المؤمنين عليه‌السلام وبغوا

__________________

(١) تقوية الإيمان ، ص ٩٠ ، طبعة صيدا.

عليه باجتهادهم وآرائهم.

وخلاصة القول : أنّ أمر الخلافة ما أحيل إلى الآراء والأهواء إلّا وأوجب مفاسد عظيمة ، وفتنا كبيرة ، لا سيما إذا كانت تلك الآراء مقترنة بإعمال القوة والإرهاب ، مستمدّة من السلطة والشوكة الزمنية. فمن يكون حينئذ حافظا للدين عن التبديل والتغيير؟ وعلى من تكون التبعة في التضييع والتفويت؟ أعلى الله أم على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أم على الأمّة؟

فإن قلت : على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد لزمك القول بأنّ تعيين الخليفة والإمام عليهما لا محالة.

وإن قلت : على الأمّة ، فقد اعترفت بقصورها عن إدراك الحقّ ، ووقوعها في الضلالة ، وذلك يسلب الاعتماد عليها في إناطة اختيار الخليفة إليها ؛ ولذا تجد الأمّة افترقت بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلّهم هالكون وواحدة منها ناجية فقط ، انتهى.

فأنت أيّها القارئ الكريم بعد أن عرفت ما تلوناه عليك تعرف أنّا نقول نحن ـ معاشر الشيعة ـ : إنّا لا نشكّ أنّ نبيّ الرحمة ورسول الحكمة صلى‌الله‌عليه‌وآله عمل بما وافق العقل والنقل ، وأوضح سبيل الرشد ولم يترك الناس سدى ، وهو يعلم أنّ الشريعة الخالدة الأبدية هي أحوج إلى تعيين الخليفة ، فأعلن بتعيين الوصي والقيم الديني بإرجاع الأمّة إلى باب مدينة علمه عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام وإلى الأئمّة الطاهرين من عترته المعصومين عليهم‌السلام وإن أبت عن قبوله النفوس وأعرض عنه المتعصّبون ، وتركوا وصيّ الرسول كما ترك بنو إسرائيل هارون ، ومثل ذلك لا يضرّ بالحقّ. قال الله تعالى : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار» (١) انظر تاريخ دمشق ترجمة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عساكر وغيره من المصادر.

__________________

(١) تاريخ دمشق لابن عساكر ، ج ٣ ، ص ١١٧ ، طبعة بيروت.

ص ٣٣٩ س ٦ : «واقعة زيد».

هو زيد بن حارثة الكلبي ، وقد أخذ الراية في مؤتة فأصيب ، ثمّ أخذها جعفر (رض) فأصيب ، ثمّ أخذها ابن رواحة فأصيب. وأخبر ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه يوم حرب أهل الإسلام فيها. والواقعة التي أشار إليها المصنّف (ره) هو ما ادّعاه إسحاق بن إبراهيم ، وهو من الأربعين رجلا كلهم من الفقهاء حضروا عند المأمون العبّاسي مع يحيى بن أكثم قاضي القضاة ، وقد أحضرهم المأمون واحتجّ عليهم ، في فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام وأنّه خير خلق الله بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأولى الناس بالخلافة ، ونقل الواقعة أحمد بن محمد بن عبد ربّه الأندلسي في كتابه المشهور : العقد الفريد.

ولقد أحسن المأمون في مناظرته مع الفقهاء وقال : يا إسحاق هل تروي الولاية؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين قال : أروه ففعلت ، قال : يا إسحاق : أرأيت هذا الحديث هل أوجب على أبي بكر وعمر ما لم يوجب لهما عليه؟ قلت : إنّ الناس ذكروا أنّ الحديث إنّما كان بسبب زيد بن حارثة لشيء جرى بينه وبين علي وأنكر ولاء علي ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه. قال : وفي أيّ موضع قال هذا؟ أليس بعد منصرفه من حجّة الوداع؟ قلت : أجل ، قال : فإن قتل زيد بن حارثة قبل الغدير كيف رضيت لنفسك بهذا؟ (١).

قلت : غير خفيّ أنّ مأمون الرشيد من خلفاء أهل السنة ، وهم يعتقدون أنّه من أولي الأمر الذين يجب عليهم طاعتهم ، وقد اعترف بصحّة حديث الغدير واحتجّ به على أربعين رجلا من فقهاء أهل السنة وأثبت ولاية أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، فيجب عليهم قبول قوله.

ولمّا اتّضح بطلان واقعة زيد بن حارثة فاختلقوا واقعة أخرى ، وذكروا أكذوبة ثانية على ما ذكره الآلوسي البغدادي في مختصر التحفة الاثنا عشرية المطبوع بتحقيق المتعصّب العنيد محيي الدين الخطيب ، من سبب خطبة يوم الغدير :

__________________

(١) العقد الفريد ، ج ٥ ، ص ٩٩ ، طبعة سنة ١٣٦٥.

وأنّه كان من شكوى بريدة الأسلمي وخالد بن الوليد ، وقد أخذ هذه الأكذوبة عن بعض من سبقه في هذه الأفائك كالحافظ بن كثير في كتابه البداية والنهاية وسياق عبارته أصدق شاهد على أنّ هذا الادّعاء من التخيّلات التي أوجدها في مخيّلته حيث لم يجد مفرّا لتأويل حديث الغدير إلّا أن ينحت سببا له ، وهو شكوى الجيش الذي رجع مع أمير المؤمنين عليه‌السلام من اليمن (١).

قال ابن كثير : «وقد قال يونس عن محمد بن إسحاق : حدّثني يحيى بن عبد الله ابن أبي عمر ، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، قال : إنّما وجد (٢) جيش علي بن أبي طالب الذين كانوا معه باليمن ؛ لأنّهم حين أقبلوا خلّف عليهم رجلا وتعجّل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فعمد الرجل فكسى كلّ رجل حلّة فلما دنوا خرج عليهم [عليّ] يستقبلهم فإذا عليهم الحلل. قال علي : ما هذا؟ قالوا : كسانا فلان ، قال : فما دعاك إلى هذا قبل أن تقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيضع ما شاء ، فنزع الحلل منهم ، فلمّا قدموا على رسول الله اشتكوه لذلك ، وكانوا قد صالحوا رسول الله وإنّما بعث عليا إلى جزية موضوعة».

ثمّ قال ابن كثير بعد نقل ذلك : «قلت : هذا السياق أقرب من سياق البيهقي ، وذلك أنّ عليا سبقهم لأجل الحجّ وساق معه هديا وأهلّ بإهلال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمره أن يمكث حراما ... إلى أن قال : والمقصود أنّ عليا لمّا كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه ، وعليّ عليه‌السلام معذور فيما فعل ، لكن اشتهر الكلام في الحجيج ، فلذلك ـ والله أعلم ـ لمّا رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجّته وتفرّغ من مناسكه ورجع إلى المدينة فمرّ بغدير خم ، قام في الناس خطيبا فبرّأ ساحة عليّ ورفع من قدره ونبّه على فضله ، ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس» (٣). هذا كلامه بعين ألفاظه.

__________________

(١) مختصر التحفة ، ص ١٦٢ ، طبعة سنة ١٣٧٣ ـ القاهرة.

(٢) في التيمورية : وجه وهو تصحيف ، ووجد هنا بمعنى غضب.

(٣) البداية والنهاية ، ج ٥ ، ص ١٠٦ ، طبعة بيروت.

أقول : هذا السبب الذي تخيّله ابن كثير نحته ولفّقه بذهنه الفاسد الكاسد ، كما يومئ إلى ذلك قوله : «فلذلك والله أعلم لمّا رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجّته ...» الخ. والله تعالى هو العالم أنّ السبب الذي ذكره ابن كثير هو كذب محض لا مسحة له من الواقع ، وإنّما تخيّله تأييدا لما يدّعيه أكثر الجمهور من أهل السنة أنّ مقصود رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خطبة الغدير كان إبلاغ لزوم محبّة أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الناس ، لا النصّ عليه بالإمامة والوصاية والخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعلوم أنّ ما ذهب إليه أكثر الجمهور فقد تحقّق بطلانه ووضح خلافه.

وما تخيّله ابن كثير من السبب لم يقل به أحد من الصحابة والتابعين ، وهو نفسه نقل حديث الغدير في تاريخه متواترا ، كما اعترف به وإن ناقش في بعض أسناده وخصوصياته ، ودحض شبهاته علّامتنا الأكبر والمتضلّع الأعظم شيخنا الأميني قدس‌سره في كتابه الخالد الممتع الغدير. فهو سبب منحوت من ابن كثير وأمثاله. وهب فرضا أنّا سلّمنا أنّه كان السبب في خطبة الغدير هو الذي ذكره ابن كثير ، مع ذلك فقد نصّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها لأمير المؤمنين عليه‌السلام بالولاية والإمامة والخلافة ، كما هو واضح مكشوف لمن راجع قصة الغدير والخطبة التي خطبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك الحشد العظيم كما في رواية الطبري وغيره فراجع.

ومن المضحك قول الآلوسي في مختصر التحفة : وقد أورد هذه القصة محمد بن إسحاق وغيره من أهل السير مفصّلة (١).

فأراد المسكين أن يلتبس الأمر على الأذهان الساذجة ، فإنّ قصة الجيش نقلها محمد بن إسحاق ، ولكن لم يشر أصلا إلى أنّها السبب لخطبة الغدير ، ولم يتفوّه به أحد من الصحابة والتابعين ممّن روى حديث الغدير.

فالذي نقله محمد بن إسحاق فقد هذّبه ونقله ابن هشام في السيرة ، ويظهر من ابن إسحاق أنّ الخطبة التي خطبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد شكوى الجيش إنّما كانت في مكّة

__________________

(١) مختصر التحفة ، ص ١٦٢.

قبل إتمام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مناسك الحجّ ، وأمّا خطبة الغدير فكانت في الثامن عشر من ذي الحجّة بعد منصرفه منها راجعا إلى المدينة.

قال في السيرة : قال محمد بن إسحاق : ثمّ ذكر بإسناده إلى أبي سعيد الخدري قال : اشتكى الناس عليا رضوان الله عليه ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فينا خطيبا فسمعته يقول : «أيّها الناس ، لا تشكوا عليا ، فو الله إنّه لأخشن في ذات الله» أو «في سبيل الله ـ من أن يشكى». قال ابن إسحاق : ثمّ مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على حجّه فأرى مناسكهم ، وأعلمهم سنن حجّهم ، وخطب الناس خطبته التي بيّن فيها ما بيّن ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس اسمعوا قولي ... إلى آخر ما ذكره من الخطبة التي نقلها أهل السنة مختصرا والشيعة تفصيلا (١).

فصريح كلام محمد بن إسحاق : أنّ الخطبة التي خطبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد شكوى الجيش إنّما كانت في مكّة قبل إعلام المناسك ، وأمّا خطبة الغدير فقد كانت في غدير خمّ في الثامن عشر من ذي الحجّة ، فأين هذه من ذاك؟. وغير خفي على الفطن الباحث الحرّ أنّ في كلام ابن كثير الذي نقلناه أكذوبة أخرى كسائر أكاذيبه وتمويهاته ومخازيه ، أعني قوله كما نقلناه : إنّ عليا سبقهم لأجل الحجّ ، وساق معه هديا وأهلّ بإهلال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ... فإنّ الظاهر من كلامه أنّ عليا أمير المؤمنين سلام الله عليه ساق معه هديا مع أنّه عليه‌السلام لم يسق الهدي بل أشركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هديه.

قال ابن هشام في السيرة : ثمّ أتى ـ يعنى أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما فرغ من الخبر عن سفره قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انطلق فطف بالبيت ، وحلّ كما حلّ أصحابك. قال : يا رسول الله إنّي أهللت كما أهللت ، فقال : ارجع فاحلل كما حلّ أصحابك. قال : يا رسول الله إنّي قلت حين أحرمت : اللهمّ إنّي أهلّ بما أهلّ به نبيّك وعبدك ورسولك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فهل معك هدي؟ قال : لا ، فأشركه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في

__________________

(١) انظر الاحتجاج ، ص ٦٦ ـ ٨٤ ، طبعة النجف ؛ سيرة ابن هشام ، ج ٤ ، ص ٢٧٥ ، طبعة مطبعة حجازي ـ القاهرة.

هديه ، وثبت على إحرامه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى فرغا من الحج ونحر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الهدي عنهما (١).

وفي قوله : وكانوا قد صالحوا رسول الله ، وإنّما بعث عليا ... الخ ما لا يخفى من التمويه ، وهو غير خفي على حملة التاريخ الصحيح ، وقد حبسنا القلم عن توضيحه خوف الإطالة. والجدير بالذكر هنا بل لا بدّ من التنبيه عليه ، هو أنّه يظهر من ابن كثير (٢) ومن تاريخ دمشق للمؤرخ الكبير ابن عساكر أنّ الشكوى إنّما وقعت في المدينة بعد قفول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكّة وبعد واقعة الغدير ، فإنّهما رويا بإسنادهما إلى أبي سعيد الخدري أنّه قال : إنّ عليا عليه‌السلام قضى حجّته وقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارجع إلى أصحابك ... وقال : فلمّا قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ... فعلى هذا النقل كيف يكون سبب واقعة الغدير هو ما ادّعاه واختلقه ابن كثير وأمثاله ، فإن كان وقعت الشكوى في مكة فلا تقع في المدينة أيضا من أبي سعيد وغيره بعد قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مكة : أيّها الناس لا تشكوا عليا ... فإنّ بعد إعلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تشكوا عليا ... كيف يتصوّر أن تصدر الشكوى من أبي سعيد وعمرو بن شاس الأسلمي في المدينة ، فيظهر من ذلك أنّ ما نقله ابن إسحاق عن أبي سعيد كما نقلناه من قوله : فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فينا خطيبا ... كان ذلك في المدينة بعد أن قفل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة وبعد واقعة الغدير ، فلا تكون الشكوى سببا لها ، فظهر بطلان ما تخيّله صاحب مختصر التحفة وابن كثير من السبب ، والحمد لله تعالى ، راجع ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام من تاريخ دمشق لابن عساكر (٣) ، جزى الله تعالى الشيخ المحقّق المحمودي خير الجزاء فإنّه نشر هذا الأثر الخالد.

ص ٣٣٩ س ٧ : «ولأنّ عليّا عليه‌السلام احتجّ به على الصحابة ...».

احتجّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بحديث الغدير في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته ، وهو

__________________

(١) سيرة ابن هشام ، ج ٤ ، ص ٢٧٤.

(٢) تاريخ ابن كثير ، ج ٥ ، ص ١٠٥ وج ٧ ، ص ٣٤٦.

(٣) تاريخ دمشق ، ج ١ ، ص ٣٨٧ ، طبعة بيروت سنة ١٣٩٥.

أوّل حجاج وقع بهذا الحديث ، ذكره التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي (ره) في كتابه المشهور ، الذي أوصى الإمام الصادق عليه‌السلام الشيعة أن يكون عندهم من ذلك الكتاب ، والتعويل عليه ممّا تسالم عليه الفريقان وهو مطبوع قال : ثمّ أقبل عليهم علي عليه‌السلام فقال : يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار أنشدكم الله أسمعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم كذا وكذا ، فلم يدع عليه‌السلام شيئا قاله فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علانية للعامة إلّا ذكّرهم إيّاه قالوا : نعم ، فلما تخوّف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم فقال : كلّ ما قلت حقّ قد سمعنا بآذاننا ووعته قلوبنا ، ولكن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الخ ، وهذا ما نقله جمهور الشيعة خلفا عن سلف إلى اليوم.

واحتجّ عليه‌السلام بهذا الحديث يوم الشورى على الستة ، الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم مع حيلة منه وقال : أنشدكم بالله أمنكم من نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم للولاية غيري؟ قالوا : اللهمّ لا. رواه أخطب الخطباء الخوارزمي الحنفي في المناقب (١) ، وأخرجه الإمام الحمويني في فرائد السمطين في باب (٥٨) ورواه ابن حاتم الشامي في درّ النظيم وأخرجه الحافظ الدار قطني وغيرهم جمع كثير من الحفّاظ والمحدّثين.

واحتجّ عليه‌السلام بهذا الحديث أيام عثمان في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حشد من الناس.

واحتجّ عليه‌السلام بهذا الحديث يوم الرحبة سنة ٣٥ لمّا قدم الكوفة وسمع نزاع الناس في خلافته ، حضر في مجتمع الناس بالرحبة واستنشدهم بحديث الغدير ردّا على من نازعه فيها. روى الإمام أحمد عن أبي الطفيل قال : جمع عليّ عليه‌السلام الناس سنة خمس وثلاثين في الرحبة ثمّ قال لهم : أنشد بالله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم ما قال لمّا قام؟ فقام إليه ثلاثون من الناس فشهدوا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وقد اهتمّ الرواة بنقل حديث المناشدة في الرحبة ورواه كثير من المحدّثين والمؤرّخين.

واحتجّ عليه‌السلام بهذا الحديث يوم الجمل. وقد شهد بهذا الحديث يوم الركبان جمع في

__________________

(١) المناقب للخوارزمي ، ص ٢١٧ ، طبعة تبريز سنة ١٣١٢.

الكوفة سنة ٣٦ ـ ٣٧.

ومناشدة أمير المؤمنين عليه‌السلام بحديث الغدير يوم صفّين سنة ٣٧ لا شكّ فيها ، حين صعد المنبر في عسكره وجمع الناس وخطب خطبة وذكر فيها مناقبه واحتجّ بحديث الغدير.

وأمّا احتجاج الصدّيقة الطاهرة الزهراء البتول سلام الله عليها والسبطين : الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما‌السلام وعبد الله بن جعفر (رض) وغيرهم من أكابر الصحابة وأفاضلهم والتابعين ، فمذكورة في الكتب المعدّة لنقل أمثال هذه التواريخ المهمة.

فأنت أيّها القارئ الكريم بعد المعرفة والاطّلاع بهذه المناشدات والاحتجاجات ، التي فعلها أمير المؤمنين عليه‌السلام في الأزمنة المختلفة والموارد المتعددة ، تعرف كذب ما أورده أبو نعيم عن الحسن المثنّى ابن الإمام السبط المجتبى عليه‌السلام ، الذي ذكره صاحب مختصر التحفة الاثني عشرية ـ ذلك المعاند للحقّ ـ من إنكار دلالة الحديث على النصّ بالولاية (١).

ولا شكّ أنّه مختلق عن لسان الحسن المثنّى وافتراء عليه ، وشأنه أجلّ من أن يقول هذا الكلام المقذع الباطل وهو من الأفائك والمفتريات على هذا السيد الأجلّ الأعظم رضوان الله تعالى عليه.

وتعرف أيضا أنّ ما كتبه إلينا بعض الجهّال القاصرين من النواصب الموجودين في عصرنا في مكتوبه ، من ادّعاء عدم مناشدة أمير المؤمنين عليه‌السلام وعدم احتجاجه بحديث الغدير ، ناشئ عن عدم الاطّلاع أو المعاندة للحقّ والنصب والعداء لأهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم.

ولا بأس هنا بنقل حديث الغدير على رواية محمّد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير في كتاب الولاية ، الذي روى فيه حديث الغدير بطرق كثيرة تبلغ خمسا وسبعين طريقا ، وإنّما اخترنا متن الحديث على رواية الطبري ؛ لأنّها على نقله تشتمل

__________________

(١) انظر مختصر التحفة ، ص ١٦١.

على الفوائد والنكات الكثيرة كما هو غير خفيّ على الباحث الفطن المنقّب.

روى الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفّى ٣١٠ بإسناده في كتاب الولاية عن زيد بن أرقم ، قال : لمّا نزل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خم في رجوعه من حجّة الوداع ، وكان في وقت الضحى وحرّ شديد ، أمر بالدوحات فقمّت ، ونادى : الصلاة جامعة فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة ، ثمّ قال : إنّ الله تعالى أنزل إليّ : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) وقد أمرني جبرئيل عن ربّي أن أقوم في هذا المشهد ، وأعلم كلّ أبيض وأسود : أنّ عليّ بن أبي طالب أخي ووصيّي وخليفتي والإمام بعدي ، فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربّي ؛ لعلمي بقلة المتّقين وكثرة المؤذين لي واللائمين ؛ لكثرة ملازمتي لعليّ وشدة إقبالي عليه حتّى سمّوني أذنا فقال تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) ولو شئت أن أسمّيهم وأدلّ عليهم لفعلت ، ولكنّي بسترهم قد تكرّمت فلم يرض الله إلّا بتبليغي فيه ، فاعلموا معاشر الناس ذلك ، فإنّ الله قد نصبّه لكم وليا وإماما وفرض طاعته على كلّ أحد ، ماض حكمه ، جائز قوله ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدّقه ، اسمعوا وأطيعوا ، فإنّ الله مولاكم وعليّ إمامكم ، ثمّ الإمامة في ولدي من صلبه إلى القيامة ، لا حلال إلّا ما أحلّه الله ورسوله ، ولا حرام إلّا ما حرّم الله ورسوله وهم ، فما من علم إلّا وقد أحصاه الله فيّ ونقلته إليه فلا تضلّوا عنه ولا تستنكفوا منه ، فهو الذي يهدي إلى الحقّ ويعمل به ، لن يتوب الله على أحد أنكره ولن يغفر له ، حتما على الله أن يفعل ذلك أن يعذّبه عذابا نكرا أبد الآبدين ، فهو أفضل الناس بعدي ، ما نزل الرزق وبقي الخلق ، ملعون من خالفه ، قولي عن جبرائيل عن الله ، فلتنظر نفس ما قدّمت لغد. افهموا محكم القرآن ولا تتبعوا متشابهه ، ولن يفسر ذلك لكم إلّا من أنا آخذ بيده وشائل بعضده ومعلّمكم : أنّ من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، وموالاته من الله عزوجل أنزلها عليّ ، ألا وقد أدّيت ألا وقد بلّغت ألا وقد أسمعت ألا وقد أوضحت لا تحلّ إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره ، ثمّ رفعه إلى السماء حتى صارت رجله مع ركبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : معاشر الناس ، هذا أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي على من

آمن بي وعلى تفسير كتاب ربّي ، وفي رواية اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه والعن من أنكره واغضب على من جحد حقّه ، اللهمّ إنّك أنزلت عند تبيين ذلك في عليّ اليوم أكملت لكم دينكم بإمامته ، فمن لم يأتمّ به وبمن كان من ولدي من صلبه إلى القيامة فأولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ، إنّ إبليس أخرج آدم عليه‌السلام من الجنة مع كونه صفوة الله بالحسد ، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم وتزلّ أقدامكم ، في عليّ نزلت سورة والعصر إنّ الإنسان لفي خسر. معاشر الناس آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارهم أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السبت. النور من الله في ثمّ في عليّ ثمّ في النسل منه إلى القائم المهدي.

معاشر الناس سيكون من بعدي أئمّة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ، وإنّ الله وأنا بريئان منهم ، إنّهم وأنصارهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار ، وسيجعلونها ملكا اغتصابا ، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان ، ويرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران. الحديث.

ينبغي التأمل في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فما من علم إلّا وقد أحصاه الله فيّ ونقلته إليه». وفي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إلى القائم المهدي» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وسيجعلونها ملكا اغتصابا». وقد صرّح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه عالم بجميع العلوم وكذا أمير المؤمنين عليه‌السلام فالقول بانحصار علوم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام بعلوم الديانة والشريعة باطل قطعا. ونصّ على الأئمّة عليهم‌السلام من نسل عليّ عليه‌السلام إلى القائم المهدي عليه‌السلام وأشار إلى الملك العضوض بيد معاوية وأمثاله ، وبفصل الدين عن السياسة.

ص ٣٤٨ س ١٤ : «وهو صاحب النسور».

لعلّ المصنّف (ره) في قوله «وهو صاحب النسور» يشير إلى أنّه لقمان بن عاد الكبير كما يستفاد ذلك عن أبي حاتم السجستاني في كتابه «المعمّرون» وقال :

قالوا : وكان أطول الناس عمرا بعد الخضر لقمان بن عاد الكبير عاش خمسمائة وستّين سنة ، عاش عمر سبعة أنسر ، عاش كلّ نسر منها ثمانين عاما ، وكان من بقية عاد الأولى. ثمّ روى في خبر آخر أنّه عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة. وقال : وكان من

وفد عاد الذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم ، وكان أعطى من العمر عمر سبعة أنسر ، فجعل يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل الذي هو في أصله فيعيش النسر منها ما عاش ، فإذا مات أخذ آخر فربّاه حتّى كان آخرها لبد وكان أطولها عمرا. فقيل : طال الأبد على لبد.

قال لبيد :

لما رأى لبد النسور تطايرت

رفع القوادم كالفقير الأعزل

من تحته لقمان يرجو نهضه

ولقد رأى لقمان ألّا يأتلي (١)

كذا ذكر أبو حاتم قصة الأنسر ، والله العالم.

ويقال : إنّ لقمان هذا غير لقمان الحكيم المذكور في القرآن الكريم الذي كان على عهد النبي داود عليه‌السلام كما عن شرح القاموس (٢) قال صدر المتألهين قدس‌سره في كتابه كسر أصنام الجاهلية. قد ذكر أهل التواريخ أنّ أول من وصف بالحكمة من البشر لقمان الحكيم ، والله يقول : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) وكان في زمن داود عليه‌السلام ، وكان مقامه ببلاد الشام. وكان «إنباذقلس» الحكيم يختلف إليه على ما حكاه ويأخذ من حكمته. واليونانيّون كانوا يصفونه بالحكمة ؛ لمصاحبة لقمان. وطائفة من الباطنية تنتمي إلى حكمته ، وتقول بتفضيله ، وتدّعي أنّ له رموزا قلّما يوقف على منطواها ؛ إذ كان يتكلّم في خلقة العالم بأشياء توجد ظواهرها قادحة في أمر المعاد (٣).

وذكره قطب الدين الديلمي اللاهيجي (ره) في كتابه محبوب القلوب ، وذكر في حقّه قريبا ممّا نقلناه عن صدر المتألهين (٤) (ره).

قال شمس الدين السامي في كتابه الممتع قاموس الأعلام ـ باللغة التركية ـ : إنّ احتمال كون لقمان الحكيم من العرب أقرب إلى الصحّة. وذكر أنّه كان في جزيرة

__________________

(١) المعمّرون ، ص ٤ ـ ٥ ، طبعة مصر.

(٢) انظر المصدر السابق ، ص ٤.

(٣) كسر أصنام الجاهلية ، ص ٣٥ ، طبعة جامعة طهران سنة ١٣٤٠ ه‍ ش.

(٤) محبوب القلوب ، ص ١٦ ، طبعة جامعة طهران سنة ١٣١٣.

العرب في جهة عمان حكيم أيضا اسمه لقمان ، ولا يبعد أنّه هو لقمان الحكيم المذكور في القرآن الكريم. وقال : إنّه كان أيضا لقمان في اليمن ومنقول أنّه كان من المعمّرين وأنّه هو لقمان الحكيم. ثمّ قال : الحاصل أنّ لقمان الحكيم ومحلّه وزمان ظهوره وشخصه وترجمة حاله من المبهمات (١).

فنحن نؤمن بلقمان الحكيم ووجوده وجلالة قدره ؛ لتصريح القرآن الكريم به وإن لم نعلم تاريخ أحواله تفصيلا. وفي بعض روايات العامة : أنّ لقمان كان حبشيا. وفي بعض روايات أهل البيت عليهم‌السلام : أنّه لم يكن صاحب حسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في الجسم ولا جمال ، ولكن كان رجلا قويا في أمر الله متورّعا في الله تعالى ، وكان اسم ابنه «باثار» والله العالم.

ص ٣٦٨ س ٣ : «روى الطبرسي».

كذا في النسختين ـ خ : (آ) و ـ خ : (د) والظاهر أنّ المراد «الطبري» صاحب التاريخ (٢).

والاختلاف اليسير فيه مع ما نقله المصنّف قدس‌سره لعلّه من اختلاف النسخ. وتعبيره ب «الطبرسي» الظاهر أنّه تبعية عن المشهور على ما زعموا من أنّ الطبرسي نسبة إلى «طبرستان» مازندران الحالية ، ولكن التحقيق كما حققناه في مقدّمتنا المفصّلة على تفسير جوامع الجامع للطبرسي (ره) المطبوع بطريق «أوفست» بتبريز بخطّ صديقنا الخطّاط الشهير المرحوم الحاج طاهر ال «خوشنويس» المتوفّى سنة ١٣٩٦ أنّ الطبرسي نسبة إلى «طبرس» معرّب «تفرش» الحالية بإيران.

والصحيح بناء على القاعدة النحوية في النسبة إلى ـ طبرستان ـ «الطبري» ـ انظر إلى المقدّمة المذكورة ـ وقد أثنى عليها شيخنا البحّاث الإمام المحقّق الشيخ آقا بزرك الطهراني صاحب الذريعة قدس‌سره في هامش المقدمة التي كتبها على الصراط

__________________

(١) قاموس الأعلام ، ص ٣٩٩٥ ، طبعة إسلامبول سنة ١٣١٤.

(٢) انظر تاريخ الطبري ، ج ٣ ، ص ٢٩٤ ، طبعة مطبعة الاستقامة ـ القاهرة.

المستقيم (١) للبياضي (ره).

والجدير بالذكر أنّ تفسير جوامع الجامع يطبع في هذه الأيّام ، ونشر مجلّده الأوّل ، وهو من منشورات «دانشكده إلهيات ومعارف إسلامى» بطهران ، بتحقيق المحقّق الدكتور أبي القاسم الگرجي ، وهو من أنفس المطبوعات وكتب في مقدمته أنّ في النسخة المطبوعة من ذلك التفسير بطريق «أوفست» وقعت أغلاط (ص ـ بيست) ولكن الدكتور الفاضل لم يلفت نظره إلى سبب ذلك ، وهو أنّي لم يتيسّر لي إتمام تصحيح ذلك التفسير غير مقدار يسير منه ، وفي زمان تصحيح جمع من فضلاء حوزتنا له كنت في طهران في المستشفى «بيمارستان مهر» ممنوعا عن الخروج ومتوقّفا في غرفة واحدة بعد العملية الجراحية ودام ذلك مدّة أربعة أشهر ، ثمّ صار المنفى لنا «النجف الأشرف» في مدّة أكثر من سنة. وهذا هو السبب الوحيد في عدم تصحيح ذلك التفسير على النحو الأكمل. ونسأل الله تعالى أن يبرز المجلّد الثاني من ذلك التفسير ـ طبعة «دانشكده» إلى عالم المطبوعات ، وأن يوفّق الدكتور المعظّم على هذه الخدمة الجليلة.

ص ٣٧٠ س ٣ : «أنّه قرآن».

لم يذكر المحقّق الطوسي قدس‌سره في التجريد من مطاعن عثمان إحراقه جميع المصاحف ، بل ذكر إحراقه مصحف ابن مسعود فقط ، قال المحقق الشهشهاني (ره) في الجزء الثاني من كتابه غاية القصوى ـ مخطوط موجود في مكتبتنا ـ في مقام ردّه على من قال : إنّ عثمان طبخ أو أحرق ما عدا مصحفه من سائر المصاحف ما هذا لفظه الشريف : لكنه معارض بما ذكره العلامة الطوسي (ره) في التجريد في مطاعنه من إحراق مصحف ابن مسعود بخصوصه ولم يذكر الجميع مع أنّه أشنع فكان بالذكر أليق ، انتهى.

أقول : نسبة تدوين القرآن الكريم وجمعه إلى أبي بكر وعمر وعثمان ، وإسقاطه ما شكّ أنّه قرآن عليّ ما دلّت عليه الروايات المروية في الجوامع الحديثية لأهل السنة ،

__________________

(١) الصراط المستقيم ، ج ٢ ، ص ٢٤ ، طبعة طهران.

فممّا لا شكّ أنّها من خرافات العامة ومجعولاتهم الكاذبة ؛ فإنّ تلك الروايات مع الغض عن أسانيدها والراوين لها ، بحيث لا يمكن الركون إليها أبدا ، متناقضة لا يمكن للباحث المنقّب ، ومن يتحرّى الحقائق على ضوء الدليل والبرهان والعقل والوجدان الاعتماد عليها ويقطع على أنّها من الموضوعات والمجعولات التي شحن أرباب الجوامع الحديثية للعامة كتبهم بها ، وألصقوا المعايب في نقلها على كرامة القرآن الكريم من حيث لا يشعرون ، وهم يحسبون أنّهم يذكرون الفضائل للخلفاء الثلاثة ، ولكن لا يحسنون صنعا ، مع أنّها أخبار آحاد لا يفيدنا علما ومخدوشة من جهات شتّى.

وقد ذكرها سيدنا الأستاذ المرجع الأعلى للشيعة اليوم السيد الخوئي دام ظلّه الوارف في مقدّمة تفسير البيان (١). وقال دام ظله : هذه الروايات معارضة بما دلّ على أنّ القرآن كان قد جمع وكتب على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : وصفوة القول : إنّه مع هذه الروايات كيف يمكن أن يصدق أنّ أبا بكر كان أوّل من جمع القرآن بعد خلافته (٢).

وقال : إنّ هذه الروايات معارضة بالكتاب فإنّ كثيرا من آيات الكتاب الكريمة دالّة على أنّ سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعض ، وإنّ السور كانت منتشرة بين الناس حتّى المشركين وأهل الكتاب ، فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد تحدّى الكفار والمشركين على الإتيان بمثل القرآن وبعشر سور مثله مفتريات وبسورة من مثله ، ومعنى هذا أنّ سور القرآن كانت في متناول أيديهم.

وقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير من آياته الكريمة ، وفي قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، وفي هذا دلالة على أنّه كان مكتوبا مجموعا ؛ لأنّه لا يصحّ إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور بل ولا على ما كتب في اللخاف والعسب ، والأكتاف إلّا على نحو المجاز والعناية ، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة ، فإنّ لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي ، ولا يطلق على المكتوب

__________________

(١) البيان ، ص ١٦٢ ، طبعة النجف.

(٢) البيان ، ص ١٦٦.

إذا كان مجزّا غير مجتمع فضلا عمّا إذا لم يكتب وكان محفوظا في الصدور فقط (١).

وقال دام ظلّه في خلاصة كلامه بعد الاستدلال على مرامه : إنّ إسناد جمع القرآن إلى الخلفاء أمر موهوم مخالف للكتاب والسنة والإجماع والعقل (٢).

وقال دام ظله : نعم لا شكّ أنّ عثمان قد جمع القرآن في زمانه لا بمعنى «أنّه جمع الآيات والسور في مصحف بل بمعنى أنّه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد ، وأحرق المصاحف الأخرى التي تخالف ذلك المصحف ، وكتب إلى البلدان أن يحرقوا ما عندهم منها ، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة ، وقد صرّح بهذا كثير من أعلام أهل السنّة ....

أمّا إنّ عثمان جمع المسلمين على قراءة واحدة ، وهي القراءة التي كانت متعارفة بين المسلمين ، والتي تلقّوها بالتواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه منع عن القراءات الأخرى المبتنية على أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف التي تقدّم توضيح بطلانها. أمّا هذا العمل من عثمان فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين ؛ وذلك لأنّ الاختلاف في القراءة كان يؤدي إلى الاختلاف بين المسلمين وتمزيق صفوفهم وتفريق وحدتهم ، بل كان يؤدّي إلى تكفير بعضهم بعضا. وقد مرّ ـ فيما تقدّم ـ بعض الروايات الدالة على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله منع عن الاختلاف في القرآن ، ولكن الأمر الذي انتقد عليه هو إحراقه لبقية المصاحف وأمره أهالي الأمصار بإحراق ما عندهم من المصاحف ، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من المسلمين حتّى سمّوه بحرّاق المصاحف (٣).

كلّ ما ذكره دام ظله تحقيق رشيق حقيق بالإذعان والقبول على ضوء العلم والدليل والبرهان الواضح ، فهذا القرآن الكريم الموجود بين أيدينا اليوم قد جمع ودوّن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمره وبتعليمه في ترتيب الآيات والسور وجمعها فيما بين الدفّتين لا يزيد عنها ولا ينقص ، تنزيل من لدن حكيم عليم.

__________________

(١) البيان ، ص ١٦٧.

(٢) البيان ، ص ١٧١.

(٣) البيان ، ص ١٧٢.

وهذا هو اعتقاد رؤساء الإمامية وكبراء الدين والملّة ممن يعبأ بقوله ويستند إلى أقواله كالشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد علم الهدى والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي والعلّامة الحلّي وأضرابهم من عظماء الإسلام ودعائمه رضوان الله عليهم ، وكذا هو اعتقاد كبراء العلماء الأعلام من أهل السنة وعظمائهم ، فما ورد على خلاف ذلك من طرقهم وطرقنا فأخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا في هذا الأمر المهمّ العظيم ، بل هي صادرة عن خصماء الإسلام وأعدائه يطرح ويضرب بها على الجدار.

ص ٣٧٠ س ٩ : «بعد ثلاثة أيام».

قال الشيخ المفيد معلّم الأمّة رزقنا الله تعالى شفاعته في يوم الدين في كتابه مسارّ الشيعة : «وفي هذا اليوم بعينه ـ يعني اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ـ من سنة أربع وثلاثين من الهجرة قتل عثمان بن عفان ، وله يومئذ اثنان وثمانون سنة ، وأخرج من الدار وألقي على مزابل المدينة لا يقدم أحد على مواراته ؛ خوفا من المهاجرين والأنصار حتّى احتيل له بعد ثلاث فأخذ سرّا ودفن في «حشّ كوكب» وهي مقبرة اليهود بالمدينة ، فلمّا ولي معاوية بن أبي سفيان أدخلها بمقابر أهل الإسلام ، وفي هذا اليوم بعينه بايع الناس أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد عثمان ورجع الأمر إليه في الظاهر والباطن ، واتفقت الكلمة عليه طوعا بالاختيار (١)» وراجع النسخة المخطوطة الموجودة بمكتبتنا المكتوبة سنة ١٣٠٨.

وفي الاستيعاب ـ بترجمته ـ ... لما قتل ألقي على المزبلة ثلاثة أيام ، فلمّا كان من الليل أتاه اثنا عشر رجلا فاحتملوه ، فلما صاروا به إلى المقبرة ليدفنوه ناداهم قوم من بني مازن : والله لئن دفنتموه هاهنا لنخبرن الناس غدا ، فاحتملوه وكان على باب ، وأنّ رأسه على الباب ليقولن «طق طق» حتّى صاروا به إلى «حشّ كوكب» فاحتفروا له.

وقال العلامة الكراجكي (ره) : وقد رام قوم من بني أمية أن يصلّوا عليه فلم يتمكّنوا ، وهمّوا أن يدفنوه في مقابر المسلمين فلم يتركوه حتّى مضوا إلى «حشّ كوكب» وهو بستان بقرب البقيع ثمّ أتوا ليجزّوا رأسه ، فصاح نسوة من أهله وضربن

__________________

(١) مسارّ الشيعة ، ص ٤٠ ، طبعة مصر.

وجوههنّ فتركوه ، وداسه عمير بن أبي صابي فكسر ضلعا من أضلاعه ، وبقي مكانه مرميّا ثلاثة أيام لم يستعظم في بابه مستعظم ولا أنكره منكر (١).

وقال السمهودي في وفاء الوفاء : وحملوه على باب أسمع قرع رأسه على الباب كأنّه دباة ويقول : دب دب حتّى جاءوا حشّ كوكب فدفن به (٢).

وقال الشيخ الأعظم الطوسي (ره) في تلخيص الشافي : إنّ أهل المدينة منعوا من الصلاة عليه حتّى حمل بين المغرب والعتمة ، ولم يشهد جنازته غير مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه ، ولما همّوا بذلك رموه بالحجارة وذكروه بأسوإ الذكر ، ولم يتمكّن من دفنه إلّا بعد أن أنكر أمير المؤمنين عليه‌السلام المنع من دفنه وأمر أهله بتولّي ذلك منه (٣).

ص ٣٧١ س ١٤ : «خال المؤمنين».

في تلقيبهم معاوية بخال المؤمنين ـ وأنّه استحقّ بذلك بسبب أخته أم حبيبة بنت صخر إحدى أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يسمون محمّد بن أبي بكر خال المؤمنين وأخته عائشة أعظم أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عندهم قدرا وأجلّ الأمهات في مذهبهم فضلا ـ وجه واضح جلي غير خفيّ على أحد وهو بغضهم لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد حملهم ذلك على تبجيل محاربيه وتفضيل معانديه وإهمال ذكر أوليائه والمنسوبين إليه من أصفيائه ، فعن البلاذري في تاريخه الكبير أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : معاوية في تابوت مقفل عليه في جهنم. (٤) انظر إلى كتاب التعجّب للعلامة الكراجكي (ره) ، وقد أوضح من وقاحة الحشوية في العناد والعصبيّة بما لا مزيد عليه ، وهو مطبوع مع كنز الفوائد له سنة ١٣٢٢ ببلدنا العزيز تبريز وانظر إلى ما كتبنا في ملحقات «جنة المأوى» ص ٣٦٤ ـ ٣٦٨ طبعة تبريز ، وانظر إلى كتاب النصائح الكافية ، وكتاب النزاع والتخاصم للمقريزي والغدير للعلّامة الأميني وكتاب تشييد المطاعن ، وكتاب فصل الحاكم في النزاع والتخاصم ،

__________________

(١) التعجّب ، ص ١٤ ، طبعة تبريز.

(٢) وفاء الوفاء ، ج ٣ ، ص ٩١٣ ، طبعة مصر.

(٣) تلخيص الشافي ، ص ١٢٦ ؛ تاريخ الطبري ، ج ٤ ، ص ٤١٢ طبعة دار المعارف مصر.

(٤) تقوية الإيمان ، ص ٩٠ ، طبعة صيدا.

وإلزام النواصب ، ومنظومة المعاصر الشيخ أحمد خيري من علماء مصر ، حتّى تجد في تلك الكتب وغيرها من مطاعن معاوية ومثالبه شيئا كثيرا ومن صدماته وجناياته على الإسلام والمسلمين نزرا يسيرا ، ولم يذكروا أكثرها مع أنّها لا تحصى ، وقد صارت الخلافة الإسلامية بيده ملكا عضوضا وسلطنة كسروية وقيصرية ، وهو رأس الفئة الباغية بإخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في قتل عمّار وأنّه يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار وهو دعيّ ابن دعيّ.

روى هشام بن السائب الكلبي قال : كان معاوية لأربعة نفر : نعمان بن الوليد والمسافر بن أبي عمر ولأبي سفيان ولرجل سمّاه ، ولم يزل معاوية مشركا مدة كون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مبعوثا يكذّب بالوحي ويهزأ بالشرع ، وكان هاربا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّه قد هدر دمه ، فالتجأ إلى الإسلام لما هدر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دمه ولم يجد ملجأ قبل وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسة أشهر أو ستة أشهر ، فهرب إلى مكة وأظهر الإسلام اضطرارا ، وأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه يموت على غير ملّته ، وقد قتل أربعين ألفا من الأنصار والمهاجرين وأبنائهم ، وقد قال الله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) الآية.

وكان لمعاوية ارتباط مع بلاط الروم لميله إليهم ؛ فإنّ أصل بني أمية ليس من العرب وإنّما هم لصيق بهم ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في جوابه إلى معاوية ليس أمية كهاشم ... ولا الصريح كاللصيق. والصريح : صحيح النسب في ذوي الحسب ، واللصيق : من ينتمي إليهم وهو أجنبي عنهم ، وحمل كلامه عليه‌السلام على الصراحة والالتصاق بالنسبة إلى الدين ـ كما فعله بعض الشارحين ـ خلاف الظاهر ومجاز لا يصار إليه مع صحّة الحمل على الحقيقة ، كما أنّ المعنى الحقيقي مأثور عن أهل البيت عليهم‌السلام.

وجاء سرجون بن منصور الرومي من بلاط الروم إلى معاوية وصار نديما بل وزيرا مشاورا له وسرجون معرب «سرژيوس» وكان من البطارقة «بطريق» معرّب «پاتريك» وواقعة كربلاء غير خالية من دسائسه الخائنة ، وأخذ عهدا من معاوية في أيام حياته قبل خلافة يزيد إلى عبيد الله بن زياد ، وبعد خلافته أظهر العهد وأراه إلى

يزيد ، وضمّ هو لذلك حكومة العراقين الكوفة والبصرة معا وأعطاها إلى ابن زياد ليقاتل الحسين عليه‌السلام (١).

يظهر من عمله هذا الذي ذكره جمع من أرباب الكتب المعتبرة أنّه كان يمهّد الأمر في واقعة كربلاء من زمن معاوية ، فإنّه من أين علم أنّ يزيد سوف يحتاج إلى مثل ابن زياد؟ وأخذ قبل موت معاوية عهدا منه إلى ابنه يزيد في ضمّ العراقين وتفويض حكومتهما إلى ابن زياد لكفاءته في الحرب مع الحسين عليه‌السلام.

وكتب أسقف نجران إلى معاوية يستعينه في بناء كنيسة فأرسل إليه بمائتي ألف درهم من بيت مال المسلمين ، وأرسل معاوية بصور أصنام من ذهب وفضة ونحاس وبخمر إلى أرض الهند يباع هنالك ممّن يعبد الأصنام ، وأرسلها في سفينة فمرّت السفينة في البحر بموضع فيه مسروق فأخبر بذلك ، فقال : لو علمت أنّ معاوية إنّما يقتلني لغرقت هذه السفينة ولكنّي أخاف أن يعذّبني فيفتنني في دين الله ، وما أدري أيّ الرجلين معاوية أرجل يئس من رحمة الله فهو لا يبالي ما صنع؟ أم رجل زيّن له سوء عمله فرآه حسنا؟

وكان معاوية سبب إدخال الغناء إلى أرض العرب ، وإنّما كان الغناء عند العرب غناء الركبان فأرسل معاوية إلى أرض فارس ، فأتي برجلين يجيدان الغناء الخسرواني ، وأظهروا أنّهما بنّاءان ، وكان حينئذ يبني بناء له فغنّيا ، وانتشر هذا الغناء الخسرواني عنهما.

وعن المسيّب وغيره من جلة التابعين أنّ معاوية مرض مرضه الذي مات فيه واشتد به الأمر ، قال لطبيب كان يعالجه : ويحك ما أرى أمرا إلّا يتزايد بي ، فهل بقيت عندك من حيلة؟ قال : لا والله ، إلّا أنّ عندنا صليبا من ذهب ما علّقه عليه مريض إلّا برئ قال : فجئني به فأتاه به فعلّقه في عنقه ، فمات وهو معلّق في عنقه.

وأنّه لما مات انزوى ما بين عينيه فصار ذلك الانزواء كتابا كافرا لا يراه أحد إلّا قرأه :

__________________

(١) كتاب التدوين ، ص ٢٠ ، طبعة سنة ١٣١١ ـ إيران.

كافر. وهو تصديق قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه يموت على غير ملّتي (١).

ومن أكاذيب الحشوية من العامة نعتهم معاوية بكاتب الوحي ، وقد عرفت أنّه أظهر الإسلام اضطرارا ونفاقا قبل وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسة أشهر. والعجب من أبي عبد الله الزنجاني (ره) أنّه ذكر أبا سفيان وابنه معاوية من كتّاب الوحي في كتابه تاريخ القرآن مقدّما لهما على أكثر كتّاب الوحي في الذكر (٢). وعمله هذا لا يخلو من أحد أمرين : إمّا وقع ذلك منه من عدم الاطّلاع أو تبعا للحشوية واقتداء بهم ، وذلك منه غير بعيد.

ص ٣٧٦ س ١٨ : «شيخهم».

سليمان بن جرير ظهر في أيّام المنصور العبّاسي ، وهو من أهل الكلام والجدل وأحد المجتمعين من أهل الكلام في منزل يحيى البرمكي بأمر هارون الرشيد ، وباحث مع المتكلّم الأكبر هشام بن الحكم رضوان الله عليه بما ألجأه إلى بيان معتقده في الإمامة ، كما هو مشروح في رجال الشيخ الكشّي (ره).

ويظهر من الإمام الرازي في المحصّل وعن العلّامة البياضي (ره) في كتابه الصراط المستقيم (٣). أنّه من أئمة الزيدية قال الرازي : يحكى عن سليمان بن جرير الزيدي أنّه قال : إنّ أئمة الرافضة ... إلى آخر ما ذكره المصنّف (ره) ملخّصا في كلامه ، (٤) وذكره الشهرستاني في الملل والنحل في عنوان السليمانية (٥) وانظر إلى لسان الميزان لابن حجر (٦).

وقال المحقّق الطوسي (ره) في نقد المحصّل : أقول : إنّهم لا يقولون بالبداء ، وإنّما القول بالبداء ما كان إلّا في رواية رووها عن جعفر الصادق عليه‌السلام أنّه جعل إسماعيل القائم

__________________

(١) عيون الأخبار وفنون الآثار ، ص ٨٥ ـ ٨٦ ، طبعة بيروت.

(٢) المصدر السابق ، ص ٤٢.

(٣) الصراط المستقيم ، ج ٢ ، ص ٢٧٠ ، طبعة طهران.

(٤) المحصّل ، ص ١٨٢ ، طبعة مصر.

(٥) الملل والنحل ، ج ١ ، ص ٢٥٩.

(٦) لسان الميزان ، ج ٣ ، ص ٨٠.

مقامه فظهر من إسماعيل ما لم يرتضه منه ، فجعل القائم موسى عليه‌السلام فسئل عن ذلك فقال: يدا لله في أمر إسماعيل. وهذه رواية وعندهم أنّ الخبر الواحد لا يوجب علما ولا عملا انتهى.

مراد المحقّق (ره) أنّ ما يرجع إلى أصول الدين وفروعه يجب فيه القطع واليقين ، ولا يحصل ذلك من الخبر الواحد. وأمّا الفروع والأحكام فقد ثبتت حجية الخبر الواحد فيها بالأدلّة القطعية المذكورة في محلّها من أصول الفقه.

قال عمّنا العلّامة شيخ الإسلام الطباطبائي قدس‌سره في رسالة إبداء البداء في القول بالبداء : القول بالبداء ممّا نسب إلى معظم الفرقة الحقّة الإمامية ، وظاهر ما عن الصدوق (ره) وغيره إجماعهم عليه ، وعن بعضهم التصريح به. وقال بعض الأجلّة : إنّ الأخبار عليه متظافرة أو متواترة ، فالعجب من المحقّق الطوسي (ره) فيما نقل عن نقده من إنكاره رأسا ، وأنّ القول به ما كان إلّا في رواية رووها في إسماعيل بن الصادق عليه‌السلام وأنّها رواية واحدة ، وخبر الواحد عندهم لا يوجب علما ولا عملا ، نعم قد صرّح بعض الأجلّة بأنّ الظاهر من أئمة اللغة أنّ معناه الظهور بعد الخفاء ، وهذا على أحد وجهيه المستلزم للجهل ممّا لا يجوز نسبته إلى الله سبحانه ، ولم يقل به أحد من الإمامية بل ولا من الأمة إلّا أن يكون من لا يعتدّ به ، وأمّا على وجهه الآخر ـ كما سيحرّر ـ فلا بأس بنسبته إلى تعالى.

وما عن الفخري من نسبته إلى الإمامية اعتقادهم جواز هذا المعنى مجهول المراد ، فإن أراده على الوجه الأول فالنسبة فرية بلا مرية.

وبالجملة الذي قال به الإمامية ليس إلّا معنى مستقيما ، فعن السيد الداماد (ره) أنّه في الأحكام التكوينية بمنزلة النسخ في الأحكام التكليفية. وردّه بعض الأجلّة (ره) بأنّه مخالف لظاهر الأخبار ؛ فإنّها تعمّهما ، ولا عموم لها عند بصيرها ، وأمّا أمر الخليل عليه‌السلام بذبح إسماعيل عليه‌السلام فالتحقيق أنّ فيه ابتلاء وليس فيه نسخ ولا بداء ، نعم التحقيق أنه غير النسخ فإنّ الحكم المنسوخ حكم ثابت مغيّا ، وما فيه البداء حكم موقوف معلّق.

وإن شئت فقل : إنّ النسخ رفع الثابت ـ بالراء ـ والبداء دفع الثبوت ـ بالدال ـ

ويرشد إلى هذا ما في الكافي عن أبي جعفر عليه‌السلام : «من الأمور أمور موقوفة عند الله يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر منها ما يشاء» وهذا هو المراد عند الإمامية من القول بالبداء.

وتوضيح المقام : أنّ البداء إنّما هو على طبق قوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) عن العيّاشي عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول : لو لا آية في كتاب الله لحدّثتكم ما يكون إلى يوم القيامة فقلت له : أيّة آية قال : قول الله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) الآية. ومثله عن التوحيد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

والآية كما ذكرها غير واحد من الأعاظم (ره) ردّ على اليهود والمتهوّدة المنكرين للبداء القائلين بأنّ يد الله مغلولة ، فرغ من الأمر ليس يحدث شيئا ، في الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في هذه الآية : وهل يمحى إلّا ما كان ثابتا ، وهل يثبت إلّا ما لم يكن ثابتا ، يعني في الآية دلالة على ثبوت البداء لله سبحانه فلا وجه لإنكار المخالفين علينا ....

وبالجملة إنكار البداء من عمى البصيرة ، وفيه وفي أسبابه من حكم القدر ، وأسراره ما لا يعلمه إلّا هو. ولقد أجاد من قال : إنّ مسألة البداء من غوامض المسائل الإلهية وعويصات المعارف الربانية ، وعجز هذه العقول عن إدراك حكمه وأسراره ... إلى أن قالقدس‌سره : وعن سيّدنا المرتضى (ره) ما مهذّبه : أنّ ظهور الشيء إنّما هو بعد وجوده فيجوز أن يقال : بعد وجود الشيء ظهر لله ما لم يكن ظاهرا له بوجوده وإن كان ظاهرا له في علمه ، ونظير هذا ما ذكروه في نحو قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) أنّ المعنى حتّى نعلم جهادكم موجودا ؛ لأنّ الجهاد قبل وجوده لا يعلم موجودا وإنّما يعلم ذلك بعد وجوده فتدبر ، انتهى.

قلت : مراد السيد علم الهدى قدّس الله روحه : أنّ البداء في مسألة البداء بمعناه اللغوي أيضا يمكن القول بصحّة استعماله ، بمعنى أنّه لا تغيّر في العلم ، وعلم الله تعالى قبل وجود الشيء ـ يعني في حال عدمه ـ عين العلم به بعد وجوده وإنّما التغيّر في المعلوم والمتعلق ، بمعنى كان عالما بالشيء قبل وجوده وهو عالم به بعد وجوده وظهوره ، من دون حصول تغيّر في العلم في الحالين.

ويصح أن يقال : إنّه يعلم به موجودا بعد وجوده وظهوره له ، نظير ما ذكره في قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) الآية ، ثمّ نقول : إنّ النزاع في مسألة البداء بين الإمامية وبين غيرهم لفظي ؛ فإنّ المسلمين كافة يقولون ويذعنون بمفاد قوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) الآية، وقوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) الآية ، وقوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) الآية ، ولا معنى للبداء الذي يقول به الإمامية إلّا معاني هذه الآيات الكريمة ، ولا يمكن لمسلم أن ينكر مفادها ومعانيها ، فليس التحامل من الإمام الرازي وغيره على الإمامية في قولهم بالبداء إلّا من باب التعصّب البغيض ومن عمى البصيرة أو من عدم فهم هذه المسألة العويصة المشكلة أو من عدم درك الموضوع وفهمه وحمله على المعنى اللغوي في لفظ البداء ، كما لم يفهم سليمان بن جرير وتفوّه بالقول الشائن الذي نقله المصنّف(ره).

نعم الظاهر كما قلنا أنّ النزاع لفظي عند التحقيق لا علاقة له بواقع الأمر ، ولا نزاع حقيقي في البين ، وقد التبس الأمر على جمع كثير من أمثال الرازي والبلخي وغيرهما في تفسيريهما في مناقشة الإمامية في رأيهم الموافق للآيات الكريمة القرآنية ، وألجأ أعلام الشيعة الإمامية منذ العصور الإسلامية الأولى إلى اليوم للدفاع والردّ على تلك المناقشات ، فراجع الذريعة لشيخنا البحّاث قدس‌سره حتّى تجد مؤلّفات كثيرة في هذا الموضوع ، مضافا إلى مؤلّفات كثيرة قد تعرض مؤلّفوها في تضاعيفها لهذه المسألة المهمّة.

وللشيخ العلّامة الأكبر الشيخ البلاغي النجفي قدس‌سره رسالة لطيفة موجزة في هذه المسألة مطبوعة في ضمن الرسائل النفيسة المنتشرة في مجموعة «نفائس المخطوطات» جزى الله تعالى ناشرها الفاضل الجليل خير الجزاء ، وهي كما قال الناشر الفاضل من أفضل الرسائل التي ألّفت في هذا الموضوع ؛ لأنّها كتبت بأسلوب واضح جليّ وبنيت على استدلال جميل ظاهر ، ذكر العلّامة البلاغي قدس‌سره موضوع البداء في حقّ إسماعيل رضوان الله عليه بما هذا لفظه : قد كان الناس يحسبون أنّ إسماعيل بن الصادق عليه‌السلام هو الإمام بعد أبيه ، لما علموه من أنّ الإمامة

للولد الأكبر ما لم يكن ذا عاهة ، ولأنّ الغالب في الحياة الدنيا وأسباب البقاء أن يبقى إسماعيل بعد أبيه عليه‌السلام ، فبدا وظهر بموت إسماعيل أنّ الإمام هو الكاظم عليه‌السلام لأنّ عبد الله كان ذا عاهة ، فظهر لله وبدا للناس ما هو في علمه المكنون ، وكذا في موت محمد بن الهادي عليه‌السلام حيث ظهر للشيعة أنّ الإمام بعد الهادي عليه‌السلام هو الحسن العسكري عليه‌السلام وهذا الظهور للشيعة هو الأمر الذي أحدثه الله بموت محمد (رض) كما قال الهادي للعسكري عليهما‌السلام عند موت محمد : «أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا» فالإمامة ثابتة للكاظم عليه‌السلام والعسكري عليه‌السلام منذ الأزل ، وقد جاء في الأحاديث ، البالغة حدّ التواتر أو ما يقاربه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام ممّن هو قبل الكاظم والعسكري عليهما‌السلام ، ما يتضمّن النص على إمامتهما في جملة الأئمة عليهم‌السلام (١).

قال الشيخ الأعظم معلّم الأمّة الشيخ المفيد (ره) : وأمّا الرواية عن أبي عبد اللهعليه‌السلام من قوله : ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ، فإنّها على غير ما توهّموه من البداء في الإمامة ، وإنّما معناها ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : إنّ الله تعالى كتب القتل على ابني إسماعيل مرّتين ، فسألته فيه فعفا عن ذلك ، فما بدا له في شيء كما بدا له في إسماعيل ، يعني به ما ذكره من القتل الذي كان مكتوبا فصرفه عنه بمسألة أبي عبد الله عليه‌السلام.

وأمّا الإمامة فإنّها لا يوصف الله فيها بالبداء ، وعلى ذلك إجماع فقهاء الإمامية ، ومعهم فيه أثر عنهم عليهم‌السلام أنّهم قالوا : مهما بدا لله في شيء فلا يبدو له في نقل نبيّ عن نبوّته ولا إمام عن إمامته ولا مؤمن قد أخذ عهده بالإيمان عن إيمانه ، وإذا كان الأمر على ما ذكرناه فقد بطل أيضا هذا الفصل الذي اعتمدوه وجعلوه ـ يعني الإسماعيلية ـ دلالة على نصّ أبي عبد الله عليه‌السلام على إسماعيل (٢).

__________________

(١) نفائس المخطوطات ، المجموعة الرابعة ، ص ٨٠ ، طبعة بغداد.

(٢) الفصول المختارة ، ج ٢ ، ص ١٠٢ ، طبعة النجف.

ص ٣٧٨ س ١١ : «فهو كقولنا».

واعلم أنّ التقية عندنا هي أن تقول أو تفعل غير ما تعتقد ؛ لتدفع الضرر عن النفس أو المال المحترم أو العرض أو الكرامة ، وهي من الأحكام الثانوية التي تفرضها الضرورة الملحّة.

ويدلّ عليها الكتاب والسنّة والعقل ، فمن الكتاب ما ذكره المصنّف (ره) وأمّا السنة فحديث : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» والحديث المشهور بحديث الرفع : «رفع عن أمّتي تسعة» وغيرهما ، وأمّا العقل فهو مستقلّ بدفع الضرر عن النفس والمال والعرض ومستقرّ في دفع الأهمّ بالمهمّ ، وهذا أمر تستقلّ به ضرورة العقول ، وعليه جبلت الطباع وغرائز البشر.

لقد كانت التقية شعارا لأهل البيت عليهم‌السلام ، دفعا للضرر عنهم وعن أتباعهم ، وحقنا لدمائهم واستصلاحا لحال المسلمين ، وجمعا لكلمتهم ولمّا لشعثهم ، وليس اللوم في العمل بالتقية على الشيعة بل على من سلبهم موهبة الحرية وألجأهم إلى العمل بالتقية ، وقد شرح شيخنا الأستاد كاشف الغطاء قدس‌سره نزرا يسيرا من الأسباب المشئومة التي أوجبت التقية للشيعة في زمن بني أمية تلك الشجرة الملعونة في خاتمة كتابه الخالد (أصل الشيعة وأصولها).

ثمّ إنّ جمعا من النواصب جعلوا التقية من جملة المطاعن للشيعة ، وكأنّهم كان لا يشفى غليلهم إلّا أن تقدّم رقابهم إلى السيوف لاستئصالهم عن آخرهم في تلك العصور التي يكفي فيها أن يقال : هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه على يد أعداء أهل البيت عليهم‌السلام من الأمويين والعباسيين والسلجوقيين والعثمانيين ، وقد أخذ وليّ أمرهم السلطان سليم العثماني من فقهاء زمانه الحكم بوجوب قتل الشيعة وسفك دمائهم أينما وجدوا ، ولو لا قيام الدولة العليّة العلوية الصفوية في الدفاع عن الشيعة والحماية لهم لكان استئصال الشيعة بيد عمال سليم السفّاك متحتّما وإبادتهم عن البسيطة قطعيا ، فجزى الله تعالى لأغلب سلاطين الصفوية خير الجزاء.

ثمّ اعلم أنّ للتقية أحكاما من حيث وجوبها وعدم وجوبها وحرمتها ، فإنّها قد تحرم

كما لو كان العمل بها موجبا لرواج الباطل وإضلال الخلق وإحياء الظلم والجور وسفك الدماء ، كما هو مشروح في الكتب الفقهية لأصحابنا الإمامية ، وقد أفرد جمع من فقهائنا الأكابر رسائل مفردة في مسألة التقية وبينوا أحكامها تفصيلا كالشيخ الأعظم الأنصاري وتلميذه الأكبر الأعظم السيد التبريزي الكوه كمري قدس الله روحيهما ، وغيرهما من الأكابر. راجع الذريعة وغيرها ، جزاهم الله تعالى خير الجزاء.

ص ٣٨٣ س ١٦ : «إنّ المفسّرين نقلوا ذلك».

اتّفق المسلمون كافة على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدع في المباهلة من الأبناء سوى الحسنين عليهما‌السلام ومن النساء سوى فاطمة عليها‌السلام ومن أنفسنا سوى علي عليه‌السلام ، وهذا من الضروريات في الإسلام ، فهؤلاء أصحاب الكساء بحكم الضرورة التي لا يمكن جحودها ، باهل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بهم خصومه من نصارى نجران ، وأزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كنّ حينئذ في حجراته فلم يدع واحدة منهنّ ، ولم يدع صفيّة وهي شقيقة أبيه ولا أمّ هاني وهي كريمة عمّه ، ولا دعا غيرها من عقائل الشرف والمجد ، ولا واحدة من نساء الخلفاء الثلاثة وغيرهم ، كما أنّه لم يدع مع سيدي شباب أهل الجنّة أحدا من أبناء الهاشميين وغيرهم من أبناء الصحابة ، وكذلك لم يدع من الأنفس مع عليّ عليه‌السلام عمّه العباس.

وغير خفيّ أنّ الآية الشريفة ظاهرة في عموم الأبناء والنساء والأنفس ، والجمع المضاف حقيقة في الاستغراق ، وإنّما أطلقت هذه العمومات عليهم بالخصوص ، تبيانا لكونهم ممثّلي الإسلام وإعلانا لكونهم أكمل الأنام ، وتنبيها إلى أنّ دعوتهم إلى المباهلة بحكم دعوة الجميع وحضورهم فيها منزل منزلة حضور الأمة عامة ، وبهذا جاز إطلاق تلك العمومات عليهم بالخصوص.

ولذا قال الزمخشري في الكشاف : وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم‌السلام ، ونكتة أخرى في الآية الكريمة وهي نكتة شريفة : أنّ اختصاص الزهراء بالنساء والمرتضى من الأنفس مع عدم الاكتفاء بأحد السبطين من الأبناء ، دليل على غاية تفضيلهم عليهم‌السلام ؛ لأنّ عليا وفاطمة عليهما‌السلام لمّا لم يكن لهما نظير في الأنفس والنساء كان وجودهما مغنيا عن وجود من سواهما ، بخلاف كلّ من السبطين فإنّ وجود

أحدهما لا يغني عن وجود الآخر ؛ لتكافئهما ، ولذا دعاهما صلى‌الله‌عليه‌وآله جميعا ، ولو دعا أحدهما دون صنوه كان ترجيحا بلا مرجّح ، وهذا ينافي الحكمة والعدل ، نعم لو كان ثمّة في الأبناء من يساويهما لدعاه معهما ، كما أنّه لو كان لعلي عليه‌السلام نظير من الأنفس أو لفاطمةعليها‌السلام من النساء لما حاباهما ؛ عملا بقاعدة الحكمة والعدل والمساواة.

وهذه النكات الشريفة تلخيص ممّا ذكره بعض الأكابر من الأساتذة قدّس الله روحه.

وقال العلامة قدس‌سره في كتابه إيضاح مخالفة السنة ـ مخطوط ـ ما هذا لفظه : واستدلّت الإمامية بهذه الآية على أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان أفضل الصحابة من وجهين :

الأوّل : أنّ موضوع المباهلة ليتميّز المحقّ من المبطل ، ولا يصح أن تفعل إلّا بمن هو مأمون الباطل ويكون مقطوعا على صحة عقيدته ، وأنّه أفضل الناس عند الله ؛ لأنّ استعانة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله به في الدعاء تدلّ على علوّ مرتبته وشرف منزلته وتميزه عن غيره.

والثاني : أنّ قوله تعالى : (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) أشار به إلى أنّ نفس عليّعليه‌السلام هي نفس محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والاتحاد محال ، فالمراد به المساواة ، ومساوي الأفضل أفضل. وأراد بقوله : (نِساءَنا) فاطمة عليها‌السلام. وهذا كلّه يدلّ على أفضليتهم عليهم‌السلام على غيرهم ؛ فإنّ العقل يقضي بأنّه لو كان أحد أفضل منهم استند به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الدعاء ، على أنّ الله تعالى هو الذي أمره بذلك ، وخالفت السنة فيه انتهى ، انظر إلى كتابنا التحقيق في الأربعين (١).

ص ٣٨٨ س ١٧ : «فوجب الحكم بصحّته».

ولقد أحسن المأمون ـ الخليفة العباسي ـ الاحتجاج في إثبات صحّة إسلام أمير المؤمنين عليه‌السلام في حال صباه ، حين جمع أربعين رجلا من فقهاء العامة ، واحتجّ عليهم في أفضلية الإمام عليه‌السلام وأحقيته بالخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما أشرنا إليه فيما تقدّم من تعاليقنا.

__________________

(١) انظر التحقيق في الأربعين ، ص ٥٦٠ ، طبعة تبريز.

وقد نقل ذلك الاحتجاج بطوله ابن عبد ربّه الأندلسي في كتابه الخالد العقد الفريد : قال المأمون : يا إسحاق أيّ الأعمال كانت أفضل يوم بعث الله رسوله؟ قلت : الإخلاص بالشهادة قال : أليس أسبق إلى الإسلام؟ قلت : نعم قال : فهل علمت أحدا سبق عليا إلى الإسلام؟ قلت : إنّ عليا أسلم وهو حديث السنّ لا يجوز عليه الحكم ، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم قال : أخبرني أيّهما أسلم قبل ، ثمّ أناظرك من بعده في الحداثة والكمال قلت : عليّ أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة ، فقال : نعم فأخبرني عن إسلام عليّ حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعاه إلى الإسلام أو يكون إلهاما من الله؟ قال : فأطرقت فقال لي : يا إسحاق لا تقل إلهاما فتقدّمه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلت : أجل ، بل دعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإسلام قال : فهل يخلو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلّف ذلك من نفسه؟ فقال : لا تنسب رسول الله إلى التكلّف فإنّ الله يقول : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) قلت : بل دعاه بأمر الله قال : فهل من صفة الجبار جلّ ذكره أن يكلّف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم؟ قلت : أعوذ بالله فقال : أفتراه في قياس قولك يا إسحاق إنّ عليا أسلم صبيّا لا يجوز عليه الحكم ، وقد كلّف رسول الله دعاء الصبيان إلى ما لا يطيقونه ، فهو يدعوهم الساعة ويرتدّون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهم شيء ، ولا يجوز عليهم حكم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أترى هذا جائزا عندك أن تنسبه إلى الله عزوجل؟ قلت : أعوذ بالله قال : فأراك إنّما قصدت لفضيلة فضّل بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا على هذا الخلق أبانه بها منهم ليعرف مكانه وفضله ، ولو كان الله تبارك وتعالى أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليا؟ قلت : بلى قال : فهل بلغك أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا أحدا من الصبيان من أهله وقرابته لئلا تقول : إنّ عليا ابن عمّه؟ قلت : لا أعلم ولا أدري فعل أو لم يفعل قال : أرأيت ما لم تدره ولم تعلمه هل تسأل عنه؟ قلت : لا ، قال : فدع ما قد وضعه الله عنّا وعنك (١) ، نقلناه باختصار يسير.

__________________

(١) إن شئت التفصيل انظر العقد الفريد ، ج ٥ ، ص ٩٤ ـ ٩٥ ، طبعة القاهرة.

وينبغي هنا أن نلفت النظر إلى ما ذكره شيخنا الأعظم الشيخ المفيد (ره) في الإرشاد ، وقد أثبت أنّ من آيات الله تعالى في أمير المؤمنين عليه‌السلام ما ساوى به نبيّين من أنبياء الله تعالى ورسله : المسيح عليه‌السلام ويحيى عليه‌السلام وقد أكمل الله تعالى عقله ومعرفته بالله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع كونه في عداد الأطفال ظاهرا ، وكان كمال عقله وحصول المعرفة له بالله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله آية لله تعالى فيه باهرة ، خرق بها العادة ودل بها على مكانه منه واختصاصه به وتأهيله لما رشحه له من إمامة المسلمين والحجة على الخلق أجمعين ، فجرى في خرق العادة مجرى عيسى عليه‌السلام ويحيى عليه‌السلام ، فلو لا أنّه عليه‌السلام كان في العقل والعلم والمعرفة وسائر أوصاف الكمال كاملا وافرا وبالله تعالى عارفا ، لما كلّفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الإقرار بنبوته ، ولا ألزمه الإيمان به والتصديق لرسالته ، ولا دعاه إلى الاعتراف بحقّه ، ولا افتتح الدعوة به قبل كلّ أحد من الناس سوى خديجة عليها‌السلام زوجته ، ولما ائتمنه على سرّه الذي أمر بصيانته ، ولما أفرده النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك من أبناء سنّه كلّهم في عصره وخصّه به دون من سواه ممّن ذكرناه ، دلّ ذلك على أنه عليه‌السلام كان كاملا مع تقارب سنه ، وقد خرق الله تعالى في أمير المؤمنين عليه‌السلام بالآية الباهرة التي ساوى بها نبيّيه اللذين نطق القرآن بآياته العظمى فيهما ، نقلناها ملخّصا [عن الإرشاد (١)].

وللعلّامة القاضي أبي الفتح الكراجكي قدس‌سره رسالة شريفة في إثبات أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام هو أول من أسلم ، أدرجها بتمامها في كتابه الخالد كنز الفوائد وقال قدس‌سره : وقد أتت الأخبار بأنّ زيد بن حارثة تقدّم أبا بكر في الإسلام ، بل قد روي أنّ أبا بكر لم يسلم حتّى أسلم قبله جماعة من الناس ، وروى سالم بن أبي الجعد عن محمد بن أبي وقّاص أنّه قال لأبيه سعد : كان أبو بكر أوّلكم إسلاما قال : لا قد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلا (٢).

__________________

(١) انظر الكلمات الباهرات في الإرشاد ، ص ١٦٢ ، طبعة تبريز.

(٢) انظر كنز الفوائد ، ص ١١٨ ، ١٢٤.

ص ٣٨٩ س ١٤ : «ذلك الصبي الكامل».

وممّا هو جدير بالذكر هنا : أنّ الأئمة الطاهرين المعصومين عليهم‌السلام علومهم مقتبسة عن مشكاة النبوّة ، صاحب الرسالة المقدسة جدّهم خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يكن لهم احتياج إلى المعلّم والمؤدّب من البشر وإلى من يأخذون علومهم منه ؛ فإنّ من الضروريات والبديهيات في الإسلام أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين والأوصياء المرضيين ، فإذا كان المسيح عليه‌السلام آتاه الله تعالى النبوة في المهد وجعله نبيا في حال الطفولية ، وكذا النبيّ يحيىعليه‌السلام آتاه الله تعالى الحكم صبيا ، فالنبيّ خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أفضل منهما بالضرورة من الدين آتاه الله تعالى النبوّة والحكمة في حال صباه بالطريق الأولى ، وإلّا يلزم ترجيح المرجوح وهو باطل.

وقد حقّقنا فيما تقدّم صفحة (٢٠٣) من الكتاب أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان عالما بالقرآن الكريم من أوّل الأمر ، ولكن لم تتعلّق المشيئة الإلهية بإظهاره إلّا بعد البعثة ، كما يستفاد ذلك من آية (١٦) من سورة (يونس) وغيرها من الآيات ، وأوصياؤه من العترة الطاهرة نظيره في جميع الأوصاف والكمالات النفسانية إلّا النبوّة ، وهم في اعتقادنا أفضل من الأنبياء إلّا جدّهم خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله وحمل الآية على المعنى المجازي وتفسير قوله تعالى : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ) أي سيؤتيني كتابا ، وقوله تعالى : (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) أي سيجعلني نبيّا فيما بعد ؛ نظرا إلى ما يأتي ويؤول أمره إليه ، فممّا لا يصار إليه فإنّ اللفظ يحمل على المعنى الحقيقي ما لم يكن دليل صارف عنه ، ولفظ الماضي في قوله تعالى : (آتانِيَ الْكِتابَ) وقوله : (وَجَعَلَنِي) حقيقة في وقوع الأمر وحدوثه وتحقّقه كما هو ظاهر الآية ، ولذا ذكر الشيخ الأعظم المفيد قدس‌سره : أنّ ظاهر الذكر الحكيم دليل على ما ذكره الإمامية رضوان الله عليهم.

قال قدس‌سره في أوائل المقالات : كلام عيسى عليه‌السلام كان على كمال عقل وثبوت تكليف، وبعد أداء واجب كان منه ونبوة حصلت له ، وظاهر الذكر دليل على ذلك في قوله تعالى: (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) وهذا مذهب أهل الإمامة بأسرها وجماعة من أهل الشيعة غيرها ، وقد ذهب إليه نفر من المعتزلة وكثير من

أصحاب الحديث وخالف فيه الخوارج وبعض الزيدية وفرق من المعتزلة (١).

وليعلم هنا أنّ ظواهر القرآن الكريم يحصل منها الظن ، وهو حجة في الفروعات والأحكام الدينية ، وأمّا في أصول الدين وفروعها فالظواهر القرآنية إذا توافقت مع الأدلّة والقرائن القطعية من أحاديث العترة الطاهرة عليهم‌السلام وضرورة مذهب الإمامية ، يصل الظاهر القرآني الذي يحصل منه الظنّ إلى مرتبة النصّ ، فيحصل للمكلّف القطع من ظاهر القرآن ؛ فيصير المستفاد من الظاهر حينئذ قطعيا حجّة في أصول الدين وفروعه.

وقال الرضا عليه‌السلام لوالد الخيراني حين استصغر سنّ الجواد عليه‌السلام : إنّ الله بعث عيسى بن مريم رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدئة في أصغر من السنّ الذي فيه أبو جعفر (٢) عليه‌السلام.

وكان سنّ الجواد عليه‌السلام حين وفاة الإمام الرضا عليه‌السلام أقلّ من ثمان سنين على التحقيق.

وقال المأمون العباسي ـ حين اعترض عليه بنو العبّاس أنّ سنّ الجواد عليه‌السلام أصغر ـ : وأمّا أبو جعفر محمد بن علي عليه‌السلام قد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنّه ، والأعجوبة فيه بذلك ، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أنّ الرأي ما رأيت فيه فقالوا : إنّ هذا الفتى وإن راقك منه هدية ، فإنّه صبي لا معرفة له ولا فقه ، فأمهله ليتأدّب ويتفقّه في الدين ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك ، فقال لهم : ويحكم إنّي أعرف بهذا الفتى منكم ، وإنّ هذا من أهل بيت علمهم من الله وموادّه وإلهامه ، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال ، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبيّن لكم به ما وصفت من حاله ...

وبعد أن ظهر علم الجواد عليه‌السلام على أهل المجلس أقبل المأمون عليهم وعلى بني العبّاس، وقال : ويحكم إنّ أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل ،

__________________

(١) أوائل المقالات ، ص ١٠٥ ، الطبعة الثانية ـ تبريز.

(٢) الإرشاد ، ص ٣٤٢.

وإنّ صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال ، أما علمتم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو ابن عشرة سنين ، وقبل منه الإسلام وحكم له به ، ولم يدع أحدا في سنّه غيره ، وبايع الحسن والحسين عليهما‌السلام وهو ابنا دون ستّ سنين ولم يبايع صبيا غيرهما ، أفلا تعلمون الآن ما اختصّ الله به هؤلاء القوم وأنّهم ذرية بعضها من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟ قالوا : صدقت (١).

وينبغي التأمّل في قوله : إنّ هذا من أهل بيت علمهم من الله ... وقد صدع المأمون بالحقّ والقول الصراح في قوله هذا وأتى بما هو الواقع المراد ، فعلوم الأئمة عليهم‌السلام لدني من جانب الله تعالى ، وقال الله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (٢) فإذا علّم الله تعالى الخضر عليه‌السلام من لدنه علما ، فخاتم الأنبياء وعترته الطاهرة عليهم‌السلام أولى بالتعليم منه ؛ لرجحانهم عليه في جميع الكمالات وإلّا لزم ترجيح المرجوح على الراجح ، وهو باطل كما قدّمنا.

ويدلّ على ما ذهبنا إليه آية التطهير ، فإنّ الله تعالى صرّح فيها أنّه طهّرهم من الرجس ، والألف واللام في «الرجس» إمّا للجنس أو الاستغراق ، يفيد العموم ، فهم طهّرهم الله تعالى من الأرجاس الباطنية كلّها ، والجهل من أظهر مصاديقها فهم مطهّرون عنه ؛ ولذا قال الشيخ الصدوق (ره) : «واعتقادنا فيهم أنّهم معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم ، من أوائل أمورهم وأواخرها ، لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل» انتهى.

وهم حفظة وحي الله وخزّان علمه ، واقتبسوا علومهم بواسطة جدّهم خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله ولذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ أمير المؤمنين عليه‌السلام : وعنده علوم الأوّلين والآخرين ، وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم ... كما نقله المصنّف (ره) ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد العلم

__________________

(١) الإرشاد ، ص ٣٤٣ ـ ٣٤٧.

(٢) الكهف ١٨ : ٦٥.

فليقتبسه من عليّ عليه‌السلام (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما من علم إلّا وقد أحصاه الله فيّ ونقلته إليه (٢).

قال العلّامة شيخ الإسلام والمسلمين الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي والد الشيخ البهائي قدس‌سرهما : ولقد علم بين كلّ الخلق من العامة والخاصّة أنّه لم يسأل أحد منهم عليهم‌السلام قط فتردّد ، ولا توقّف ولا استشكل أحد منهم سؤالا قط ، ولا عوّل في جوابه على كتاب ولا مباحث مع أنّهم لم يشاهدوا قطّ مختلفين إلى معلّم ، ولا ادّعى ذلك عليهم مدّع من أوليائهم ولا من أعدائهم ، بل كلّ واحد منهم يسند عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا من أقوى الأدلّة على اختصاصهم بالمزايا التي يقطع كلّ ذي لبّ بأنّها من الله تعالى ميّزهم بها عن الخلق. ومعجزاتهم الباهرات وإخبارهم بالمغيبات مما نقله الثقات واشتهر في كلّ الأمكنة والأوقات. (٣)

وقال العلامة المتكلّم ابن أبي جمهور الأحسائي قدس‌سره في كتابه معين المعين ـ المخطوط ـ في جملة كلام نقله عن بعض الأعاظم ، ونقلناه في كتاب التحقيق في الأربعين ص ٥٤٣ ـ ٥٤٤ طبعة تبريز. ما هذا لفظه : ولم يكن أحد يدّعي أنّهم أخذوا العلم عن رجال العامة أو بلوغه من رواتهم وفقهائهم ؛ لأنّهم لم يروا قط مختلفين إلى أحد من العلماء في تعلم شيء من العلوم ، وأكثره لا يعرف إلّا منهم ولم يظهر إلّا عنهم ، فعلمنا أنّ هذه العلوم بأسرها قد انتشرت عنهم مع غنائهم عن سائر الناس ، حتّى زيادتهم في ذلك على كافّتهم ونقصان جميع العلماء عن رتبتهم ، فثبت أنّهم أخذوا بها عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما يحتاجون إليه ، وغناؤهم عنهم فيكونون مفزعا لأمّته في الدين وملجأ لهم في الأحكام ، وجروا في هذا مجرى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تخصيص الله لإعلامه أحوال الأمم السالفة وإفهامه ما في الكتب المتقدّمة ، من غير أن يقرأ كتابا أو يلقى أحدا من أهليه هذا ، فثبت في العقول : أنّ الأعلم أفضل ، والأفضل أولى

__________________

(١) الإرشاد ، ص ١٧ ، طبعة تبريز.

(٢) انظر ص ٤٩٠ من هذا الكتاب.

(٣) رسالة الدراية ، ص ٤١.

بالإمامة من المفضول ...

فالقارئ العزيز بعد المعرفة بما ذكرناه جدّ خبير ، بأنّه لو وجد فيما ورد من الأخبار الآحاد أو يوجد في تضاعيف بعض الكتب ، والمسفورات في حقّ بعض الأئمة الأطهارعليهم‌السلام ، من أنّه في حال الطفولية وصغر سنّه كان في الكتاب أو وجدوه بين الأطفال المتعلّمين ، فلا يتوهّم من ذلك أنّه كان للتعلّم والأخذ من المعلّم ؛ لعدم احتياجهم إلى ذلك ، فقد عرفت أنّهم مثل جدّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلومهم مقتبسة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأضف إلى ذلك أوّلا : أنّها اخبار آحاد شاذّة لا توجب العلم ولا الظن في هذا المقام من فروعات باب الإمامة وثانيا : فعلى فرض صحّة النقل وثبوته فرضا وإمكان التعويل عليه ، لا شكّ أنّ هذا العمل من بعضهم عليهم‌السلام كان من باب المماشاة مع أبناء نوعهم من الأطفال والمعاشرة والإدارة معهم بحسب مقتضى ظواهر الأحوال ، ولا سيما في زمان شدّة صولة أعدائهم وتسلّطهم على جميع شئون الأمة ، كزمن بني أمية فكان دأبهم عليهم‌السلام في أعمالهم وحركاتهم وسكناتهم على حسب الظواهر المتعارفة بين الناس والمعاشرة معهم ، فإنّهم كانوا يعاشرون الناس بما هو المعروف المعمول بينهم ؛ صونا لأنفسهم وحفظا لها عن كيد الأعداء والخصماء.

ومن جهة أخرى لئلّا يغلوا في حقّهم الجهال ، وغير ذلك من المصالح التي كانوا عليهم‌السلام ، وهم أهل العصمة والطهارة أعرف بها منّا ، وخوفهم من فراعنة زمانهم وجبابرة أوانهم ، ولا سيما من ملوك بني أميّة الذين كانت شئون دولتهم الغاشمة على نقيض من قوانين الإسلام المقدّسة ، بل كانت على النزعة العربية الباقية من زمن الجاهلية.

ولذلك كان الأئمّة عليهم‌السلام يعاشرون الناس في حقّ أولادهم ، ولا سيما في حقّ من كان منهم إماما وحجّة لله تعالى في أرضه ، كمعاشرة بعضهم مع بعض سترا عليه. ألا ترى أنّ الإمام الباقر عليه‌السلام لمّا حدّث الناس عن أبيه عن جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أهل المدينة : ما رأينا قط أجرى من هذا يحدّث عمّن لم يره ، فلمّا رأى الإمام عليه‌السلام ما يقولون حدّثهم عن جابر بن عبد الله الأنصاري (ره) فصدّقوه ، مع أنّ جابر كان يأتيه ويتعلّم منه ،

وكان قبل ذلك لمّا رأى جابر بن عبد الله الأنصاري (ره) الإمام الباقر عليه‌السلام في الكتّاب عند جماعة من الأولاد المجتمعين لتعلّم الكتابة ، فأقبل إليه يقبّل رأسه وقال : بأبي أنت وأمّي إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرئك السّلام ، وذكر الإمام عليه‌السلام ذلك على أبيه الإمام السجاد عليه‌السلام فأخبره الخبر وهو ذعر ، فقال : يا بني قد فعلها جابر؟ قال نعم قال : يا بني الزم بيتك فكان جابر يأتيه طرفي النهار ، وكان أهل المدينة يقولون : وا عجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار ، وكان جابر والله يتعلّم منه ، فأمر السجاد عليه‌السلام ابنه الباقر عليه‌السلام بلزوم البيت ، فإنّ ما فعله جابر في ملأ من الناس على رءوس الأشهاد من تقبيل رأسه وإبلاغه سلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليه ، صار سببا لمعروفية الإمام عليه‌السلام بين الأولاد ، وهم كانوا يحسبون أنّه من أمثالهم ، وبعد ذلك أمر السجّاد عليه‌السلام بلزومه البيت وعدم الاختلاف إلى الكتّاب. راجع رجال الكشّي (ره) وتأمّل في الأخبار والآثار حتّى تجد صدق ما قلناه.

ص ٣٩٤ س ١٤ : «لأنّث الضمير».

لا يقال : إنّ تذكير الضمير باعتبار الأهل كما ادّعاه بعض النواصب في عصرنا ، وهو يحمل نسبا إلى الأمويين ، فإنه يقال : وعلى ما ادّعاه أيضا لا بدّ وأن يكون في العدول إلى الخطاب بالجمع المذكّر سببا ومرجّحا ؛ فإنّ الأهل يذكّر ويؤنّث كما ذكره العلامة الزمخشري في الكشاف ، فكان التعبير بحسب سياق الآيات ، وصدر هذه الآية نفسها هو الخطاب بالجمع المؤنّث ، فالعدول ليس إلّا أنّ المراد من قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ...) هو الخمسة النجباء أصحاب الكساء عليهم‌السلام فقط ....

ثمّ نقول : إن كان المراد من الأهل هو الأهل في قوله تعالى : (أَهْلَ الْبَيْتِ) فهذا لا يصحّح مراده ؛ لأنّ الأهل تابع ل (عَنْكُمُ) والتابع لا يؤثر في المتبوع لا تذكيرا ولا تأنيثا.

وإن كان المراد من الأهل هو الأهل المنتزع من النساء ، فهذا يقتضي أن تكون الضمائر السابقة أيضا بالتذكير ، والحال أنّ الضمائر كلّها بالتأنيث ، فما وجه العدول في ذيل الآية إلى التذكير؟ مع أنّ الأهل يذكّر ويؤنّث. ووجه العدول ليس إلّا أنّ الخطاب فيها لأصحاب الكساء عليهم‌السلام وليست الأزواج داخلة فيها.

وأضف إلى ذلك أنّ الأمة الإسلامية أجمعت على أن الآية الشريفة من قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ ...) إلى آخرها نازلة منفردة لا منضمّة إلى الآيات السابقة واللاحقة الراجعة إلى الزوجات ، وإيقاع الآية الشريفة بينها منضمّة إليها إنّما هو بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّ ترتيب الآيات القرآنية كان بأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولإيقاعها بينها نكتة شريفة أشار إليها الطحاوي من علماء العامة في كتابه مشكل الآثار وقال : إن قال قائل : إنّ قبل آية التطهير وما بعدها في حقّ الزوجات ، فإنّ الخطابات إليهنّ فالخطاب في آية التطهير أيضا لهنّ ، ثمّ قال في جوابه : إنّ الذي تلاه إلى آخر ما قبل قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية ، خطاب لأزواجه ، ثمّ أعقب ذلك بخطابه لأهله بقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية فجاء على خطاب الرجال ؛ لأنّه قال فيه : (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ) وهكذا خطاب الرجال ، وما قبله فجاء به بالنون ، وكذلك خطاب النساء ، فعقلنا أنّ قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية ، خطاب لمن أراده من الرجال بذلك ، ليعلمهم تشريفه لهم ورفعه لمقدارهم أن جعل نساء هم ممّن قد وصفه لما وصفه به ممّا في الآيات المتلوّة قبل الذي خاطبهم به تعالى (١).

وتوضيح مرامه أنّ آية التطهير ليست في حقّ الزوجات ، وإنّما هي خطاب لأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحاب الكساء ، وإنّما وقعت الآية بين الآيات الواقعة في الخطاب بها للأزواج ؛ تشريفا لأصحاب الكساء وترفيعا لرتبتهم وإيذانا لهنّ أنّ مقامكنّ لا يصل إلى رتبتهم لرفعة مقامهم وعلو شأنهم فإنّ أصحاب الكساء مطهّرون نقيّون من الأرجاس كلّها بالإرادة الإلهية ، وإنّكن لستنّ مثلهم ؛ ولذا جاءت الخطابات في الآيات الراجعة إليهنّ بالخطابات التي لا تليق بمقام من خوطب بآية التطهير ، كقوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) وكذا في الآيات التي بعدها ولا يليق ، لكن قياس أنفسكنّ لأصحاب الكساء ؛ فإنّ الله تعالى طهّرهم وأذهب عنهم الرجس ، فأنتنّ لاتصلن إلى مقامهم ورتبتهم ، فأنتنّ إن عملتنّ بالأحكام

__________________

(١) مشكل الآثار ، ج ١ ، ص ٣٣٨ ، طبعة حيدرآباد.

التي فرضها الله تعالى لكن ما كنتنّ كسائر النساء ، فإنّ لكنّ حينئذ شأنا ومقاما ، وإن لم تتّقين ولا تكون التقوى شعاركن فأنتنّ كأحد من النساء ، كما أنّ الحميراء ما التزمت بهذا الشرط ، وخرجت على إمام زمانها ، وأشعلت نار الفتنة في البصرة ، وسوّدت تأريخها بعملها القبيح في الخروج على إمام المسلمين أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وغير خفيّ أنّ المراد من الإرادة الواقعة في آية : (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا) وآية (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) هو الإرادة التكوينية. وهذا يؤيد كون الإرادة في آية التطهير أيضا تكوينية ، فلا بدّ لنا حينئذ من بيان معنى الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية ، وأنّ القسمين استعملا في القرآن الكريم ، وبيان الشواهد على ذلك من الآيات الكريمة ، ثمّ تحقيق أنّ الإرادة الواقعة في آية التطهير من أيّ القسمين منهما فنقول :

الإرادة التكوينية عبارة عن حقيقة الإرادة والحمل الشائع عليها ، وتتعلق بتكوين الشيء وتحقّقه وإيجاده بالمباشرة من ذات الباري تعالى أو من فاعل مريد من البشر يريد أن يعمل عملا. يريد الإنسان أن يأكل فيتصوّر الشيء المراد والتصديق بفائدته ، فيحصل الميل والعزم ثمّ الشوق المؤكّد فيريده.

وهذه الإرادة التكوينية في حقّ الباري تعالى أمر ممكن ، ولكن فيه تعالى لا يمكن أن تبتني على المقدّمات المذكورة ، فإنّها في حقّه تعالى غير معقولة فإنّها توجب النقص في ذاته تعالى ، وهو محال. وأمّا حقيقة هذه الإرادة التي هي عين العلم وعين الذات فهي من صفات ذاته الأقدس.

فالإرادة التكوينية تتعلّق بفعل المريد ؛ فالله تعالى يريد خلق العالم أو وقوع الزلزلة وغيرها ، والإنسان يريد تعلّم العلم وأكل الغذاء وشرب الماء ، ولكن مع الفرق البين بينهما ، فإنّ الإرادة التكوينية في الله تعالى لا تتخلّف عن المراد ، وكلّ ما أراد يتحقّق المراد في الخارج من غير حالة منتظرة ، وأمّا في الإنسان تتخلّف عن المراد ، فإنّه يمكن أن يريد شيئا ولا يقع في الخارج لعلّة ، فالتفكيك يقع بين إرادة الإنسان ومراده.

وأمّا الإرادة التشريعية فهي التي تتعلّق بفعل الغير وبصدور العمل عنه باختياره ، وهذه الإرادة أيضا تكون في الإنسان بعد المقدّمات التي ذكرناها من تصوّر الشيء المراد والفائدة والميل والعزم والشوق المؤكّد ، فالوالد يريد من ابنه أن يتعلّم العلم فيأمره بذلك ، فإنّ بعد المقدّمات يأمر ابنه بتعلّم العلم أو ينهاه عن شيء ، وهذه الإرادة التشريعية ـ كما قلنا في التكوينية ـ تصدر عن الباري تعالى وتتعلّق بأفعال المكلّفين ، وليست في حقّ الله تعالى إلّا الأوامر والنواهي ، بمعنى التشريع باختيار المكلّفين ؛ ولذا نقول : إنّ الإرادة التي لا محيص عنها في التكليف حتّى يكون جدّيا لا صوريا هي الإرادة التشريعية ، والتشريع هو تعليم الله تعالى عباده كيفية سلوكهم في طريق العبودية.

ثمّ نقول : إنّ الإرادتين ـ أعني التكوينية والتشريعية ـ قد استعملتا في القرآن الكريم ، فنحن نذكر بعض الآيات القرآنية حتّى يثبت ذلك ، ثمّ نشرع في تحقيق أنّ الإرادة في آية التطهير هل هي من قبيل الإرادة التكوينية أو التشريعية؟

قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ).

ولا شكّ أنّ معنى (يُرِيدُ) هو الإرادة التكوينية وأنّها لا تتخلّف عن المراد وهو يتحقّق قطعا.

قال تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١).

فالله تعالى يبيّن في هذه الآية كيفية تحقّق المراد بإرادته التكوينية ، وأنّها لا تتخلّف عن مراده ، ويلبس المطلوب لباس الوجود بمجرّد الإرادة من غير حالة منتظرة.

وكما يقول تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) لا ريب أنّ المراد الإرادة التكوينية من الله تعالى. وإلى غير ذلك من الآيات الشريفة التي يطول الكلام بذكر كلّها.

وأمّا استعمال الإرادة التكوينية في الآيات القرآنية بالنسبة إلى إرادة الإنسان ، فمنها

__________________

(١) يس ٣٦ : ٨٢.

قوله تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (١).

وقال تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ)(٢).

ومن الواضح أنّ في الآيتين إشارة واضحة إلى الإرادة التكوينية للإنسان ، وأنّها تتخلّف عن مراده وأنّ إرادته مقهورة تحت الإرادة الأزلية. والآيات دليل بين أنّ الإرادة التكوينية استعملت في القرآن الكريم في الإرادة التكوينية لله تعالى وفي إرادة الإنسان.

وأمّا ما جاء في القرآن الكريم من استعمال الإرادة التشريعية فكقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٣).

ولا شكّ أنّ الإرادة في قوله عزوجل : (يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) تشريعية ، فإنّ الله تعالى يريد جعل الأحكام وتشريعها من الوضوء والغسل والتيمّم ، والغرض طهارة الناس من الأحداث والقذارات والكثافات. وبديهي أنّ بعض الناس يعمل بهذه الأحكام وبعضهم يتركها ، فإن كانت الإرادة تكوينية فلا يمكن أن تتخلّف عن المراد. وأضف إلى ذلك أنّك قد عرفت أنّ الإرادة التشريعية تتعلّق بفعل الغير بإرادته واختياره ، وفي هذه الآية تعلّقت إرادة الله تعالى بأفعال العباد ، وأنّهم يعملون بهذه الأحكام باختيارهم ، فظهر أنّ المراد من الإرادة في قوله : (يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) هو الإرادة التشريعية.

قال الله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٤).

__________________

(١) الصف ٦١ : ٨.

(٢) المائدة ٥ : ٣٧.

(٣) المائدة ٥ : ٦.

(٤) البقرة ٢ : ١٨٥.

استعمل في الآية الشريفة (يُرِيدُ) في الإرادة التشريعية ، فإنّ متعلّقها هو تشريع حكم وجعل قانون وليس ذلك إلّا بالإرادة التشريعية.

فالقارئ الكريم بعد ما تبيّن له أنّ القرآن الكريم قد نصّ على استعمال الإرادتين : التشريعية والتكوينية في حقّ الله تعالى وفي حقّ الإنسان ، واتّضح له معنى الإرادتين ممّا بيّناه فهلمّ بنا أن نبيّن أنّ الإرادة في آية التطهير من أيّ القسمين منهما.

فجمع من مفسّري المخالفين لنا من علماء العامة قالوا : إنّ الإرادة في آية التطهير هي التشريعية ، ودليلهم على هذا القول : أنّ آية التطهير بما أنّها واقعة بين الآيات الراجعة إلى زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيها بيان لتكاليفهن ، فآية التطهير نازلة في حقّ الزوجات أو أعمّ منهنّ ومن أصحاب الكساء عليهم‌السلام الخمسة النجباء ، وآية التطهير في بيان تشريع تلك الأحكام التي بيّنها الله تعالى لهنّ.

وينبغي لهنّ ولسائر أقرباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحاب الكساء من الطهارة عن الذنوب ، وعلى أيّ نحو كان يعتقدون أنّ الإرادة في الآية تشريعية.

وهذا الاعتقاد منهم غير مبتن على المباني العلمية أمّا أوّلا : فإنّك عرفت أنّ استعمال كلمة (أَرادَ) و (يُرِيدُ) في القرآن الكريم ظاهر نوعا في التكويني بل حقيقة فيه ، واستعمال اللفظ في غير معناه النوعي يحتاج إلى القرينة ، واستعمال في التشريعي ـ يعني في نفس الأوامر والنواهي بالنسبة إلى التكويني ـ قليل ، وقد استعملت كلمة «الإرادة» في القرآن الكريم في (١٣٨) موردا تقريبا ، وقريب من (١٣٥) موردا منها استعملت في الإرادة التكوينيّة ، فعلى ذلك فكلّ مورد عرض لنا الشكّ على الفرض أنّه هل المراد من الإرادة فيه هو التكوينية أو التشريعية؟ فلا بدّ لنا بملاك الظهور وكثرة الاستعمال في القرآن الكريم من الحمل على الإرادة التكوينية إلّا أن يكون دليل وقرينة على خلافه.

وأمّا ثانيا : فلنا دليل واضح في تشخيص أنّ الإرادة في آية التطهير هي التكوينية ، وقد بيّنا أنّ الفرق بين التكويني والتشريعي والفصل المميّز بينهما على ما استفدنا من الآيات القرآنية ، هو أنّ الإرادة التكوينية تتعلّق بفعل المريد لا بفعل الغير ، والتشريعية

تتعلق بفعل الغير ، وفي آية التطهير المريد هو الله تعالى ، والمراد هو إذهاب الرجس عن أهل البيت عليهم‌السلام وتطهيرهم ، والإذهاب والتطهير من فعل الله تعالى لا من فعل غيره ، فإنّ الفاعل في كلمة (لِيُذْهِبَ) وكلمة (لِيُطَهِّرَكُمْ) هو الضمير العائد إلى الله تعالى ، فإذهاب الرجس عن أهل البيت عليهم‌السلام وتطهيرهم من فعل الله تعالى.

ولعلّ هنا يخطر على بال القارئ الكريم ويقول : لم قلتم : إنّ في آية الوضوء قوله تعالى : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) إرادة تشريعية مع أنّها بعينها ، نظير آية التطهير والفاعل في (لِيُطَهِّرَكُمْ) هو الضمير العائد إلى الله تعالى ، فالفعل فعله تعالى ، فالإرادة تكوينية؟

فنقول : إنّ هذا الخطور إنّما هو بالنظر السطحي ، وأنت إن أمعنت النظر في آية الوضوء فلا تفوّهت بهذا الكلام الباطل ، فإنّ الله تعالى في تلك الآية الشريفة إنّما هو في مقام التشريع وجعل الحكم ، وغرضه تعالى تطهير المصلّي عن القذارات الجسمانية الظاهرة ؛ للوصول إلى الطهارة الواقعية المعنوية.

ولا شكّ أنّ رفع القذارات والكثافات الظاهرية من فعل المكلّف لا من فعل الله تعالى ، فبقرينة أوّل الآية الشريفة يفهم أنّ الله تعالى في مقام التشريع أراد من المكلّف أن ينظّف نفسه عند القيام إلى الصلاة ، ويطهّرها بهذه الأحكام : الوضوء والغسل والتيمّم ، فالآية في مقام تشريع هذه الطهارات ، بأن يفعلها المكلّف عند الصلوات ، ولا شكّ أنّها من فعله والإرادة التشريعية تتعلّق بفعل الغير كما عرفت.

وأمّا ثالثا : أنّ كلمة «الإرادة» في الآيات البيانية استعملت في موردين (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا) و (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) ومن الواضح أنّ الإرادة في الآيتين تكوينية ، فإنّ إرادة الحياة الدنيا وإرادة الله تعالى ورسوله من فعلهن ، فإنّها تعلّقت بفعل المريد ، وهنّ الزوجات ، وفي آية التطهير تعلّقت بفعل الله تعالى ، فإنّه المريد له فبقرينة الآيتين ، فالإرادة في آية التطهير أيضا تكوينية.

وأمّا رابعا : فإن قلنا : إنّ الإرادة في آية التطهير تشريعية ، فلا بدّ لنا من لفت النظر إلى الأحكام التي شرعت فيها ما هي؟ والأحكام المجعولة فيها ليست إلّا إطاعة

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وعدم الإتيان بالفاحشة المبيّنة والتوجّه إلى الآخرة وعدم الإقبال القلبي إلى الدنيا الفانية وإتيان الأعمال الحسنة والقرار في البيوت وعدم التبرّج والاختلاط مع الأجانب. فهل هذه الأحكام مختصّة بأهل البيت؟ أو أنّها تشريعات وأحكام يشترك فيها أهل البيت مع سائر الناس ، وكلّ الناس في العمل بها على حدّ سواء ، وهذه الإرادة التشريعية مشتركة بين الناس. والحال أنّ المفسّرين اتّفقوا على أنّ في آية التطهير نحو اختصاص ومزيّة خاصة لأهل البيت فوق جعل الحكم وتشريعه المشترك بين الناس ، فإن كانت الإرادة تشريعية فلا يفهم من الآية اختصاص لأهل البيت عليهم‌السلام ، بخلاف الإرادة التكوينية فإنّها توجب الاختصاص والمزيّة.

وأمّا خامسا : يفهم من مجموع الآيات البيانية وآية التطهير ، أنّ الزوجات وأهل البيت عليهم‌السلام صنفان ، وللزوجات وظائف منظّمة إن عملن بها وجعلن التقوى شعارا لأنفسهن لم يكن كسائر النساء بل لهنّ درجات وشئون عالية ، وإن لم يلتزمن بالعمل بها وما اتّقين فهنّ كسائر الناس لا مزيّة لهنّ على غيرهنّ.

وأمّا أهل البيت عليهم‌السلام فآية التطهير تثبت لهم الطهارة الواقعية عن الأرجاس الباطنية ، وهي جملة معترضة استطرادية واقعة بين الآيات ، نازلة بنحو الاستقلال كما عليه الاتفاق من المسلمين قاطبة ، فتثبت بها اختصاص لصنف أهل البيت عليهم‌السلام والمستفاد منها هو الكبرى الكلية ، وكلّ الأرجاس منفيّة عنهم ، وقد طهّرهم الله تعالى من كلّ الأمراض الروحية والقلبية والظاهرية والباطنية ، فنقول : إنّ الذنب أو الجهل أو الحسد أو البخل أو كلّ القذارات المعنوية رجس ، وكلّ رجس فهو منفيّ عن أهل البيت عليهم‌السلام فالذنب أو الجهل ... منفيّ عنهم عليهم‌السلام ، كما ذكر ذلك الشيخ المصنّف قدس‌سره في الكتاب (١).

فأهل البيت عليهم‌السلام صنف غير صنف الزوجات ، ويستفاد من الآية العصمة الواقعية لأهل البيت عليهم‌السلام ولا يمكن أن يتفوّه بذلك في حقّ الزوجات ، فعلى ما ذكرنا لا يمكن أن تكون الآيات البيانية في حقّ الزوجات قرينة على كون الإرادة تشريعية في آية التطهير ،

__________________

(١) انظر ص ٤١٦ ، وانظر إلى تعليقنا عليه.

ولا يمكن أن تكون الإرادة في آية التطهير ناظرة إلى تشريع الأحكام المجعولة في سائر الآيات، بل ظهور الإرادة في آية التطهير في الإرادة التكوينية باق على حاله. والحمد لله تعالى.

فالقارئ العزيز ـ بعد المعرفة بما شرحنا وحقّقناه ـ يعرف ما في كلام السيد قطب في تفسيره من التهافت ، فإنّ المستفاد من كلامه أنّ الإرادة في آية التطهير تشريعية ، ويظهر ممّا ذكره في أثناء كلامه أنّها تكوينية ، فليراجع الذين يحبّون كتبه وتأليفاته كلماته فإنّها لا تستقيم مع المباني العلمية.

والعجب عن شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي في تفسيره روح المعاني ، وقد اعترف أنّ الإرادة في آية التطهير تكوينية ، ثمّ رأى أنّ هذا يثبت العصمة لأهل البيتعليهم‌السلام وفي حقّ الزوجات لا يمكن ادّعاء العصمة ، فإنّ أهل البيت في نظره أعمّ يشمل الزوجات ، فصار هذا المعنى والاعتراف منه في غاية الصعوبة له ؛ ولذا صار مضطربا في كلماته وكتب بعض الشطحات والأباطيل في عباراته ، لعلّه يتخلّص عن القول بعصمة أهل البيت عليهم‌السلام ولكنا تركنا التعرّض لمقاله واستدلاله والجواب عنهما ؛ لئلّا يطول الكلام ويوجب الملال للقرّاء الكرام ، وقد كفانا مئونة الجواب عن كلماته تعرّض بعض المعاصرين الفضلاء لجوابها على ضوء التحقيق العلمي.

والمهمّ الذي ينبغي صرف عنان القلم نحوه هو مسألة الجبر ؛ فإنّ عدّة من أرباب الأذهان الساذجة يتوهّمون أنّ القول بأنّ الإرادة في آية التطهير إذا كانت تكوينية ، وهي لا تتخلّف عن المراد في الإرادة الأزلية الإلهية ، فمصونية أهل البيت عليهم‌السلام عن الذنوب والأرجاس المعنوية والأمراض الروحية تكون على نحو الإجبار ، فإنّها حتمية من غير اختيار ، والإجبار على العصمة لا يوجب المزيّة والفضيلة والافتخار.

فنقول أوّلا : إنّ هذه المسألة من مصاديق مسألة شبهة الجبر ، وينبغي إيكالها إلى إثبات نفي الجبر والتفويض وإلى حلّ تلك المسألة ، وإنّ الحق فيها هو الأمر بين الأمرين كما في تعبير أهل بيت العصمة والطهارة عليهم‌السلام ، وهو أحسن تعبير صادر عنهم عليهم‌السلام في هذه المسألة.

وثانيا : نقول : إنّ من التأمّل في آية التطهير لا نحتاج بالإيكال إلى تلك المسألة ؛ فإنّ الإشكال ينحلّ بسهولة بعد إمعان النظر في معنى الآية وإذهاب الرجس عن أهل البيتعليهم‌السلام ومن ينعم النظر إلى معنى الآية يرى أنّ إذهاب الرجس عنهم تعلّق بإبعادهم عنه ، لا على مصونيتهم عن الرجس ليلزم جبرهم على عدم صدور الرجس عنهم ، بل الله تعالى أراد أن يبعد أهل البيت عليهم‌السلام عن الرجس ، وأمّا مصونيتهم عنه فهو باختيارهم ، وهم مع كونهم قادرين على الأرجاس لا يحومون حولها ، فإنّ الله تعالى أراد إبعادهم عنها ، وهذا معنى التوفيق ، وهم يبعدون عن الأرجاس باستعانة من الله تعالى وتوفيقه وحوله وقوته ، فلا جبر في البين على عدم صدور الذنوب عنهم.

وفي توضيح استفادة ذلك من الآية نقول : إنّ قوله : (لِيُذْهِبَ) مفعول به لفعل (يُرِيدُ) يعني «يريد الله أن يذهب عنكم الرّجس» فأراد الله تعالى إبعادهم عن الرجس.

والدليل على أنّ (لِيُذْهِبَ) مفعول به هو أنّ هذه الكلمة ، أعني (يُرِيدُ) استعملت في القرآن الكريم في مورد باللام وفي مورد آخر به «أن» ففي آية : ٥٥ من سورة التوبة يقول الله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وفي آية : ٨٥ من سورة التوبة يقول : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا) فيظهر من ملاحظة الآيتين أنّه ليس «اللام» في الآية الأولى للغاية بل بمعنى «أن» كما في الآية الثانية ، ولا ريب أنّ قوله : (أَنْ يُعَذِّبَهُمْ) في الآية الثانية مفعول به لفعل (يُرِيدُ) بالتأويل بالمصدر.

وفي مورد يقول تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) سورة الصفّ آية : ٨ ، ويعبّر سبحانه وتعالى عن هذا المعنى في سورة التوبة آية : ٣٢. بقوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) من هذا الاختلاف في التعبير نعرف أنّ «اللام» و «أن» في هذا المورد بمعنى واحد ومفعول به لكلمة (يُرِيدُ اللهُ).

ومن هذا البيان الواضح تحقّق أنّ متعلّق الإرادة في آية التطهير هو الإذهاب ، بمعنى أنّ الله تعالى أراد إبعاد الرجس عن أهل البيت عليهم‌السلام وإيجاد الفاصلة بين أهل البيت وبين الأرجاس والكثافات المعنوية ، وهذا العمل من عنايات الله تعالى لأهل البيت عليهم‌السلام حتّى لا يحوموا حول الأرجاس ، ولكن مصونيتهم عنها باختيارهم ، فإرادة الله تعالى هو

إيجاد الفاصلة بين الرجس وبين أهل البيت عليهم‌السلام لا مصونيتهم عن الذنوب بالاجبار حتّى لا يحوموا حولها من غير اختيار ، وعناية الحق لأهل البيت عليهم‌السلام هو التوفيق لهم ، ولا ينبغي أن نسمّيه جبرا.

ثمّ ـ مع الغض عن كلّ ما ذكرناه إلى هنا ـ نقول : إن سلّمنا أنّ الإرادة الأزلية تعلّقت بمصونيتهم عن الأرجاس ولكن لا بالإجبار ، بل باختيارهم وقدرتهم عليها ولا يحومون حولها بتوفيق الله الخاصّ بأهل البيت عليهم‌السلام.

ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرناه أنّ المراد من الإرادة في آية التطهير هو الإرادة المستتبعة للفعل ، فإنّ إرادة الله تعالى لا تتخلّف. فما تخيّله بعض من لا يعبأ بقوله أنّها إرادة محضة غير واصلة إلى مرتبة الفعلية بطلانه أوضح من أن يذكر. واستعمال المضارع فيما وقع خصوص مادة «الإرادة» ولفظ : «يريد» كثير في القرآن الكريم قال الله تعالى : (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ) وقال : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقال : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ)

والمراد من إذهاب الرجس هو دفع الرجس وإبعاده لا رفعه ، كما اتّضح ذلك مما تلوناه عليك إلى هنا ، ولأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله داخل في حكم الآية الشريفة بالاتفاق ، ولم يكن فيه رجس أصلا لا قبل البعثة ولا بعدها باتّفاق الأمة الاسلامية ، فالزوجات خارجات عن حكم الآية قطعا ، فإنّ أكثرهنّ إن لم يكن كلّهن كنّ في الرجس قبل الإسلام ، وقد شرحنا ذلك في تعاليقنا على تفسير جوامع الجامع للطبرسي (١) (ره).

وأيضا الدليل على أنّ المراد هو دفع الرجس : أنّ الحسنين عليهما‌السلام داخلان في حكم الآية وهما من أهل البيت عليهم‌السلام قطعا ، وكانا في وقت نزول الآية طفلين غير بالغين لا يتصوّر منهما الرجس حتّى يرتفع ، فمن هنا يعلم أنّ المراد عدم اتّصاف أصحاب الكساء بالرجس ، ولا يتوهّم أنّه يمكن أن يكون إذهاب الرجس بالنسبة إليهما إليهما السّلام دفعا وبالنسبة إلى غيرهما رفعا ؛ فإنّه يلزم على هذا استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ،

__________________

(١) تفسير جوامع الجامع ، ص ٣٧٢ ، طبعة تبريز.

وهو غير جائز بل محال.

فالزّوجات خارجات عن مفاد الآية قطعا ، ومن المضحك أن يحصر بعض النواصب مفادها في الزوجات ، وعمله هذا يدور على أمرين : أحدهما : عدم التأمّل في الآية والخروج عن التدبّر العلمي في الآية القرآنية. وثانيهما : النصب والعداء أهل البيت عليهم‌السلام وإظهار العداوة لهم والتعصّب للأمويين ، كما هو غير بعيد بل قريب ممّن ينتمي نسبا إليهم ، كإسعاف النشاشيبي في إسلامه الصحيح ، وهو غير صحيح.

وأضف إلى ما ذكرنا كلّه إلى هنا : أنّ الحكم المحمول على موضوع تارة يكون على نحو القضية الحقيقة وأخرى على نحو القضية الخارجية ـ كما هو محقّق في أصول الفقه ـ وفي القضايا الخارجية تارة تكون الأشخاص الموجودة في الخارج موضوعا للقضية صراحة وأخرى بنحو الإشارة ، ولا يشمل غير الأفراد التي أشير إليها. ففي مفهوم القضايا الحقيقية وتشخيص الطبيعة التي وقعت موضوعا للحكم فيها ، مثل أكرم العلماء ، لا بد من التحقيق والتفحّص عنها ، بخلاف القضايا الخارجية فإنّ الموضوع سواء كان متعيّنا بالصراحة أو بنحو الإشارة والكناية لا يحتاج إلى التحقيق ؛ فإنّه لا شكّ أنّ فيها لا يتجاوز الحكم عن موضوعها.

ففي آية التطهير وقع عنوان «أهل البيت» موردا لعناية الحقّ سبحانه ، وأراد الله تعالى بالإرادة التي لا تتخلّف عن المراد إذهاب الرجس عن الأفراد الموجودين في ذلك البيت بالإشارة إليهم بهذا العنوان ، وهو كناية عن النبي والوصي والزهراء البتول والحسنينعليهم‌السلام ، الذين اجتمعوا في ذلك البيت الموجود في الخارج بيت أمّ سلمة رضوان الله عليها ، فالألف واللام في «أهل البيت» للعهد.

ومن الضروري بين الأمّة الإسلامية أنّه لم يكن في بيت أم المؤمنين أمّ سلمة (رض) غير الخمسة أصحاب الكساء ، حتّى أنّ أمّ سلمة خرجت أو أخرجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيتها لامتناع أن تكون مشمولة لحكم الآية ومفادها ، وقال لها بعد أن سألت الدخول معهم : إنّك على خير ، ولم يأذن لها لأن تدخل تحت الكساء كما تدل على ذلك الروايات المتواترة بطرق الفريقين المروية في الجوامع الحديثية لأهل الشيعة والسنة.

ثمّ لا بأس هنا من الإشارة إلى معنى صفة الإرادة في الله تعالى فنقول : إرادته سبحانه فهي من حيث نسبتها إليه سبحانه عين ذاته جلّ وعزّ ، وأمّا من حيث إضافتها إلى المراد فإنّها محدثة إلّا أنّها ليست كإرادتنا متقدّمة على الفعل ، بل هي هناك نفس الفعل والإيجاد.

قال مولانا الكاظم عليه‌السلام : الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل ، وأمّا من الله عزوجل فإرادته إحداثه لا غير ذلك ؛ لأنّه لا يتروّى ولا يهمّ ولا يتفكّر ، وهذه الصفات منفية عنه وهي من صفات الخلق ، فإرادة الله تعالى هي الفعل لا غير ، يقول له : كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفكّر ولا كيف لذلك ، كما أنّه بلا كيف ، رواه في كتاب التوحيد. قال الله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)

قال بعض الأكابر : هو تمثيل لقدرته وسهولة تأتي المقدورات حسب ما تقتضيه إرادته ، وتصوير لسرعة حدوثها عند تعلّق الإرادة بها بما هو علم فيها من طاعة المأمور المطيع للآمر القوي المطاع.

ولما كانت إرادته سبحانه بالنسبة إلى المراد نفس الإيجاد ، فكلّما أراد شيئا وجد فقدرته عامة وسعت كلّ شيء وأمّا الممتنع فليس بشيء حتّى تسعه القدرة ، فعدم دخوله تحت الوجود ليس نقضا على ذلك ولا نقصا على الله سبحانه وتعالى.

روي في كتاب التوحيد بإسناده عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : قيل لأمير المؤمنين صلوات الله عليه : هل يقدر ربّك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغّر الدنيا أو يكبّر البيضة قال : إنّ الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز والذي سألتني لا يكون.

وبإسناده عنه عليه‌السلام قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال : أيقدر الله أن يدخل الأرض في بيضة ولا يصغّر الأرض ولا يكبّر البيضة؟ فقال له : ويلك إنّ الله لا يوصف بالعجز ، من أقدر ممّن يلطف الأرض ويعظم البيضة؟.

وبإسناده عن مولانا الرضا عليه‌السلام أنه سئل هل يقدر ربّك أن يجعل السماوات

والأرض وما بينهما في بيضة؟ قال : نعم. وفي أصغر من بيضة ، قد جعلها في عينك ، وهي أقلّ من البيضة ؛ لأنّك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما ، ولو شاء لأعماك عنها.

قال بعض المحقّقين بعد أن نقل ما ذكرناه : وصدر مثل هذا الجواب عن مولانا الصادق عليه‌السلام أيضا كما روي في التوحيد وفي الكافي ، ولكنه جواب جدل مسكت ناسب فهم السائل ، وإنّما صدر من محلّ الخلافة النبوية ؛ امتثالا لقوله سبحانه : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وأمّا الجواب الحقّ فهو الجواب الأوّل الصادر عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، واختلاف الأجوبة إنّما يكون لاختلاف أفهام السائلين والعلم عند الله تعالى.

ص ٣٩٦ س ١ : «من إخباراته».

إخبارات الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه عن الوقائع والحوادث الآتية تفصيلا لا إجمالا كثيرة ، وكتب الملاحم بها مشحونة ، وقد رأينا في زماننا منها بأعيننا ما يكفينا عن غيرها وقد تحقّق ... ما رواه الشيخ الصّدوق رحمه‌الله في كتاب من لا يحضره الفقيه عن الاصبغ بن نباتة في كتاب النكاح في باب المذموم من أخلاق النساء وصفاتهنّ وقال : وروى الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال سمعته يقول : يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة وهو شرّ الأزمنة نسوة كاشفات عاريات متبرّجات ، خارجات من الدين ، داخلات في الفتن ، مائلات إلى الشهوات مسرعات إلى اللذّات ، مستحلّات للمحرّمات ، في جهنّم خالدات(١).

وقريب ممّا روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ كما سمعت ـ ما هو مرويّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بطريق العامة ، كما في صحيح مسلم بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس. ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات ، رءوسهن كأسنمة البخت

__________________

(١) الفقيه ، ج ٣ ، ص ٢٤٧ ، طبعة النجف.

المائلة لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها ، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» (١).

ولقد أحسن بعض المحشّين على صحيح مسلم من المعاصرين العامة حيث قال : هذا الحديث من معجزات النبوّة فقد وقع هذان الصنفان ، وهما موجودان ، وفيه ذمّ هذين الصنفين.

كاسيات قيل : معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لجمالها ونحوه وقيل : تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها.

مميلات قيل : يعلّمن غيرهن الميل. وقيل : مميلات لأكتافهنّ.

مائلات أي يمشين متبخترات ، وقيل : مائلات يمشين المشية المائلة وهي مشية البغايا ، ومميلات يمشين غيرهن تلك المشية.

قلت : معنى السياط واضح من تشبيهها بأذناب البقر ، والمراد «باطوم» وأما ظهور الصفات المنقولة في حقّ النساء ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، لا يحتاج إلى البيان بعد أن تسفر النساء في البلاد الإسلامية وفي بعضها بيد الدول المسيطرة عليها. وهذان الصنفان كما قال المعاصر موجودان نصب أعيننا في عصرنا هذا ، فهل هذه الإخبارات مع ذكر هذه الحالات والصفات الجزئية إخبارات تفصيلا أو إجمالا أو مبهما كما يتخيّله بعض الناس؟

ص ٤١٠ ص ٥ : «إلى العجم».

إرادة الإمام عليه‌السلام التوجّه إلى العجم ـ والعراق يومئذ كانت عاصمة بلاد العجم وفيها المدائن مقر الأكاسرة ـ أو الشام ليزيد من الحدسيات غير الصائبة ، ولا دليل لهما في التواريخ المعتمدة ، نعم همّ بالرجوع في ظاهر الحال لمّا سمع قتل مسلم بن عقيل رضوان الله عليه ووقعت المكالمة مع بني عقيل ، ولكن كلّ ذلك بحسب الوظيفة الظاهرية في العمل بمتعارف الحال في الأعمال والأفعال ، وأمّا بعلم الإمامة وأنّ عندهم علم ما كان وما يكون فكان عالما بالحقائق وما يقع من الوقائع ، فإنّ علوم الأئمة مقتبسة

__________________

(١) صحيح مسلم ، ج ٣ ، ص ١٦٨٠ ، طبعة دار إحياء التراث العربي.

عن جدّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولده الحسين عليه‌السلام بما يقع في كربلاء ، وما يصل إليه أمره مع يزيد ، وأخبره أيضا أمير المؤمنين عليه‌السلام بما سيقع في كربلاء كما في مروره عليها عند رجوعه من صفّين ، وقد أخبر الحسين عليه‌السلام نفسه بذلك في خطبته المشهورة في مكّة لمّا صار عازما إلى العراق ، كما يأتي نقل فقراتها ، وحديث إعطاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من التربة إلى أمّ سلمة (رض) وبيانه لها بما سيبتلى به الحسين عليه‌السلام في العراق ، ممّا رواه أهل السنة والشيعة ورواه السيوطي في الخصائص الكبرى بإسناده بعدة طرق عن أمّ سلمة ، وأمّ سلمة توفّيت بعد وقعة عاشوراء قطعا كما عليه الشواهد من التواريخ والروايات ، وقد أثبتنا ذلك في محلّه.

وقول الشيخ المصنّف (ره) : «فلعلّهم لم يحصل لهم من الظنّ ما حصل له ؛ لعدم وقوفهم على الرسائل وغيرها من الأمارات الدالة على الظفر» يعني بحسب ظاهر الحال ؛ فإنّ لازم كلامه أنّه تخلّف ظنّ الإمام عليه‌السلام فإن كان نظره في كلامه هذا على ظاهر الأمر وجريان العادة في الأمور والأسباب فلا بأس بهذا الكلام وهو حقّ ، فإنّ الإمام عليه‌السلام مكلّف على العمل بعلمه الحاصل من الأسباب والأمور الظاهرية التي يحصل العلم منها على غيره من سائر الأشخاص أيضا ، ولا فرق في ذلك بينه وبين غيره ، وأمّا بالنظر إلى علمه الباطني اللدني ، فإنّ الحسين عليه‌السلام كان في أمر نفسه وعلمه بواقع الأمر وتضحيته المقدسة عالما بما يجري عليه من الشهادة ومن سلب حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسر أولاده وعياله ، وكان عالما بنتائج شهادته ونهضته ، وأنّه فاتح في الحقيقة ، وأنّه في عمله يبطل تمويهات عدوّه ، وتضمحلّ نتيجة عمله الضغائن والأحقاد التي كان بنو أمية يستعملونها ضدّ الدعوة النبوية من زمن صاحب الرسالة المقدّسة ، والحسين عليه‌السلام هو الفاتح المنصور وإن كان في صورة المغلوبية.

وقد ثبت عندنا تواترا وضرورة من مذهبنا أنّ الخلافة الكبرى بعد صاحب الرسالة المقدّسة منحصرة في شخصية عليّ أمير المؤمنين ، ثمّ ابنه الحسن وبعده أخوه سيد الشهداء الحسين عليهم‌السلام ، ثمّ في أولاده التسعة المعصومين عليهم‌السلام ، وآخرهم القائم المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وأرواحنا له الفداء.

وقد أفاد المتواتر من الأحاديث الشريفة بأنّ الله تعالى أودع فيهم عليهم‌السلام ـ وهم المنصوبون لهداية الضالّين ، وهم الواسطة للفيض الإلهي إلى الموجودات كلّها ـ قوة قدسية نورية يتمكّن الإمام عليه‌السلام بواسطتها من العلم بالكائنات وما يقع في الوجود من الحوادث والواقعات ، وأنّهم مؤيّدون بروح القدس ، ففي الصحيح من الحديث : «إذا ولد المولود منّا رفع له عمود نور يرى به أعمال العباد وما يحدث في البلدان» (١).

وفي هذا الحديث وأمثاله ، وهو كثير ، يشير إلى تلك القوة القدسية المفاضة من الله تعالى إلى وليّه وحجّته في عباده وبلاده ؛ ليستكشف بها جميع الحقائق على ما هي عليه من قول أو فعل من لفظ أو عمل من أجزاء الكيان الملكي والملكوتي ، وبتلك القوة القدسية الإلهية يرتفع سدول الجهل واستتار الغفلة ، فلا تدع لهم شيئا إلّا وهو حاضر بذاته عند ذواتهم القدسية.

وقد أنبأ الإمام الصادق عليه‌السلام عمّا حباهم به المولى جلّ شأنه من الوقوف على أمر الأولين والآخرين وما في السماوات والأرضين وما كان وما يكون حتّى كأنّ الأشياء كلّها حاضرة لديهم [كما في] مختصر البصائر (٢) وغيره من كتب الحديث. ثمّ يسجّل الإمامعليه‌السلام التدليل عليه بقوله : كلّ ما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلنا مثله إلّا النبوّة والأزواج(٣).

وقد ذكرنا ما هو المستفاد من آية التطهير فيما تقدّم من التعاليق ، وأنّ علومهم من الله تعالى ، ومن إفاضاته القدسية بتلك الذوات المطهرة ، فإنّها قابلة لكسب الفيض الإلهي مع عدم الشحّ في المبدأ الأعلى الفيّاض على الإطلاق ، ولا يحيل ذلك العقل ، وليس في كرم الله تعالى المنع ، مع جوده وكرمه على الأشقياء والمتمرّدين ، فكيف يمنع فيضه عن أوليائه الطاهرين وذواتهم قابلة للإفاضة ، فكلّ ما ورد في حقّ الأئمة عليهم‌السلام من علمهم بالغيب والوقوف على أعمال العباد ، وما يحدث في وجه الأرض ممّا كان

__________________

(١) بصائر الدرجات ، ص ١٢٨.

(٢) مختصر بصائر الدرجات ، ص ١٠١.

(٣) مختصر بصائر الدرجات ، ص ٢٠.

ويكون لا شكّ في صحّته ، فإنّ علمهم بالغيب موهبي مفاض من الله تعالى ومجعول منه سبحانه.

فالعلم بالغيب في الله تعالى ذاتي ، وهو تعالى عالم الغيب بالذات ، وليس غيره تعالى عالما به بالذات ، وعلمه عين الذات ، وفي النبيّ والأئمة عليهم‌السلام حادث موهوب إليهم من الله تعالى ، فما هو في الله تعالى عين واجب الوجود وليس صادرا عن علّة غير الذات ، وما فيهم عليهم‌السلام صادر عن علّة ومتوقّف على الفيض الإلهي وقد وهبه الله تعالى إليهم ؛ لأنّه انتقاهم وجعلهم عيبة علمه وحفظة غيبه.

فالفرق بين علم الله تعالى بالغيب وعلمهم عليهم‌السلام به واضح واسع ، لا يقاس أحدهما بالآخر ، فإنّ الفرق بين الواجب بالذات والحادث المخلوق بجميع شئونه من وجوده وصفاته من البديهيات ، وقد كتبنا فروق العلم الإلهي مع علم الإمام في الرسالة الموجزة المطبوعة كالمقدّمة على رسالة بحثى كوتاه درباره علم إمام بالفارسية لسيدنا العلّامة الطباطبائي دام ظلّه ، فراجع.

قال المفسّر الآلوسي في تفسيره عند قوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ ... الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ): لعلّ الحقّ أن يقال : إنّ علم الغيب المنفي عن غيره جلّ وعلا هو ما كان للشخص بذاته ، أي بلا واسطة في ثبوته له ، وما وقع للخواصّ ليس من هذا العلم المنفيّ في شيء وإنّما هو من الواجب عزوجل إفاضة منه عليه بوجه من الوجوه ، فلا يقال : إنّهم علموا الغيب بذلك المعنى ، فإنّه كفر بل يقال : إنّهم أظهروا واطلعوا على الغيب (١).

قالت أمّ الفضل بنت المأمون للإمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام : لا يعلم الغيب إلّا الله ، قال عليه‌السلام : وأنا أعلمه من علم الله تعالى (٢).

ولا شكّ أنّ الآية القرآنية صريحة في قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) أنّ الله سبحانه يظهر غيبه على من ارتضى من رسله.

__________________

(١) روح المعاني ، ج ٢٠ ، ص ١١.

(٢) البحار ، ج ١٢ ، ص ١٢٩ طبعة أمين الضرب.

وقال الإمام عليه‌السلام : «كان والله محمدا ممّن ارتضاه» (١) ولا شكّ عندنا أنّ خلفاءه المرضيين من آله الطاهرين عليهم‌السلام اشتقاقهم من ذلك النور ، ولا فرق بينه وبينهم إلّا في النبوّة ، ولذلك أجاب الرضا عليه‌السلام لعمرو بن هداب لمّا نفى هو عن الأئمّة عليهم‌السلام علم الغيب ، محتجّا بهذه الآية الشريفة قال عليه‌السلام : إنّ رسول الله هو المرتضى عند الله ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على غيبه فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة (٢).

فتلخّص ممّا ذكرنا كلّه أنّ ما ذكره المصنّف (ره) بقوله : فإن قلت يظهر من كلام بعض أصحابكم أنّ الحسين عليه‌السلام ... الخ هو الحقّ والصواب. وأمّا ما ذكره السيد علم الهدى (ره) بأنّه كان يعلم إجمالا لا تفصيلا ، فإن كان مراد السيد (ره) هو العلم الحاصل من الأسباب الظاهرية والإمام مكلّف على العمل به فهو حقّ ، ولعله الظاهر من كلامه قدس‌سره ، وأمّا إن كان مراده العلم الباطني اللدني للإمام عليه‌السلام فلا يستقيم قوله مع ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام من إخبارهم عن الحوادث والغائبات بالتفصيل في بيان تفاصيل الوقائع الآتية ، كما في متواتر الأحاديث عن الأعمش عن عباية بن ربعي قال : كان عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كثيرا ما يقول : سلوني قبل أن تفقدوني فو الله ما من أرض مخصبة ولا مجدبة ولا فئة تضلّ مائة أو تهدي مائة إلّا وأنا أعلم قائدها وسائقها وناعقها إلى يوم القيامة» (٣). فهل يعقل من الصادع بقوله : «سلوني قبل أن تفقدوني» أن يجهل تفاصيل العلوم والحقائق وما يتّفق في المستقبل من الدنيا من الوقائع والحوادث؟ حاشا وكلّا ، فإنّ من لم يكن عالما بالأمور إلّا على بنحو الإجمال لا يقدر أن يدّعي هذا الادّعاء العظيم في حشد الناس على رءوس الاشهاد ، وفي مجتمع السامعين كثير من مختلف الناس من مؤمن ومنافق وعدوّ وصديق ، وكان عليه‌السلام يخطب الناس وهو يقول : سلوني قبل أن تفقدوني فو الله ما تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلّا نبأتكم به ، قال : فقام إليه سعد بن أبي وقّاص وقال : يا أمير المؤمنين خبّرني كم في رأسي ولحيتي

__________________

(١) البحار ، ج ١٥ ، ص ٧٤.

(٢) البحار ، ج ١٢ ، ص ٢٢ وج ١٥ ، ص ٧٤.

(٣) أمالي الطوسي ، ص ٥٨ ، طبعة النجف.

من شعرة ... فقال له : وإنّ في بيتك لسخلا يقتل الحسين عليه‌السلام ابني (١).

والتحقيق أنّ الرجل السائل لم يكن هو سعد بن أبي وقاص بل غيره ، وقوله عليه‌السلام : فو الله ما تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلّا نبأتكم به ، فهل يختصّ ذلك بالإنباء الإجمالي أو يعمّ التفصيلي؟ ولا شكّ أنّ العبارة صريحة في الأعمّ ، والحسين عليه‌السلام كان عالما بتفاصيل الوقائع التي اتفقت في كربلاء ، وأنّ بني أمية تقتله وأهل بيته ، وقد روى ابن قولويه بسنده عن الحسين عليه‌السلام أنّه قال : والذي نفس حسين عليه‌السلام بيده لا ينتهي بنو أمية ملكهم حتّى يقتلوني وهم قاتلي ، فلو قد قتلوني لم يصلوا جميعا أبدا ولم يأخذوا عطاء في سبيل الله جميعا أبدا ، إنّ أوّل قتيل هذه الأمّة أنا وأهل بيتي ، والذي نفس حسين عليه‌السلام بيده لا تقوم الساعة وعلى الأرض هاشمي يطرق (٢) ، ولمّا وصل عليه‌السلام إلى كربلاء قال : هذا موضع كرب وبلاء انزلوا هاهنا محطّ ركابنا وسفك دمائنا وهنا محلّ قبورنا ، بهذا حدّثني جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله. (٣)

ولما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال : الحمد لله وما شاء الله ولا قوّة إلّا بالله وصلّى الله على رسوله ، خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخيّر لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلاة (الفلوات) بين النواويس وكربلاء فيملأنّ منّي أكراشا جوفا ... ألا ومن كان باذلا فينا مهجته وموطّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإنّي راحل مصبحا إن شاء الله. ولا شكّ أنّ هذه الخطبة الشريفة وعليها مسحة من الواقع ، ويلوح منها آثار كلمات الإمامة ، ومتنها شاهد صدق على أنّها من خطب الإمام عليه‌السلام صريحة في إخبارهعليه‌السلام بقتل نفسه المقدّسة.

قال محمد بن أبي عمير ، وعن الأعمش قال : قال أبو محمد سفيان بن وكيع عن أبيه وكيع عن الاعمش قال : قال أبو محمد الواقدي وزرارة بن خلج : لقينا الحسين بن

__________________

(١) كامل الزيارات ، ص ٧٤ ، طبعة النجف.

(٢) كامل الزيارات ، ص ٧٦.

(٣) اللهوف ص ٤٥ ، طبعة صيدا.

علي عليهما‌السلام قبل أن يخرج إلى العراق ، فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة وأنّ قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلّا الله عزوجل ، فقال : لو لا تقارب الأشياء وهبوط الأجل لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكن أعلم يقينا أنّ هناك مصرعي ومصرع أصحابي لا ينجو منهم إلّا ولدي (١).

محمد بن أبي عمير عن المفضّل بن عمر ، عن الصادق عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لقد فتحت لي السبل وعلمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب ، ولقد نظرت في الملكوت بإذن ربّي فما غاب عنّي ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي. الحديث(٢).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام للنصراني : فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا تسألني عمّا مضى ولا ما يكون إلّا أخبرتك به عن نبيّ الهدى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. الحديث (٣).

ص ٤١٠ س ١٠ : «اختاروا منّي».

من الأكاذيب التي شحن أبو جعفر الطبري تاريخه الكبير بها نسبته إلى الحسين عليه‌السلام أنّه قال : اختاروا منّي خصالا ثلاثا : إمّا أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه ، وإمّا أن تسيّروني إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم ، فأكون رجلا من أهله لي ما لهم وعليّ ما عليهم (٤).

نقله عن أبي مخنف عن جماعة المحدّثين ، ولا شكّ أنّ نسبة هذه الخصال الثلاث إلى الحسين عليه‌السلام كانت من ناحية أتباع بني أمية وابن زياد ، فإنّ عمر بن سعد ذكرها في كتابه إلى ابن زياد ، وهو السبب الوحيد لشهرتها بين الناس ونسبتها إلى الإمام عليه‌السلام (٥).

والمؤرّخون ينقلون الحوادث والوقائع من غير تحقيق عن حقيقتها وتمييز صحيحها

__________________

(١) اللهوف ، ص ٣٤.

(٢) أمالي الطوسي ، ص ٢٠٨.

(٣) أمالي الطوسي ، ص ٢٢٣.

(٤) و (٥) تاريخ الطبري ، ج ٤ ، ص ٣١٣ ، طبعة القاهرة.

عن باطلها ، ويأخذون الأخبار المجعولة والأكاذيب الواضحة عن الأفواه وما هو شائع بين الناس ، من دون أن يحقّقوا غشّها عن صحيحها وغثّها عن سمينها ، كما هو دأبهم وديدنهم في نقل التواريخ والوقائع ؛ ولذا كثيرا [ما] خلطوا الحقّ بالباطل وخلطوا الحابل بالنابل ، وصار تمييز الحقّ عن الباطل في التاريخ في غاية الصعوبة ، كما نشاهد بالعيان في هذا الزمان يكتبون التواريخ على غير ما هو واقع الأمر وحقيقته ، ويأخذون بعض الوقائع عن أفواه العوام والهمج الرعاع وما اشتهر بينهم ، وقديما قيل : ربّ شهرة لا أصل لها.

وسبب الشهرة هو الدعاية الكاذبة والأغراض المشئومة والدسائس السياسية الباطلة ، ومنها هذه الأكذوبة التي أخذها المحدّثون عن الأفواه ، ونقلها أبو مخنف عنهم على نقل الطبري ، وقد أشاعوا نسبة الخصال الثلاث إلى الحسين عليه‌السلام بين الناس ، وكان السبب في ذلك عمّال الدولة الأموية في الكوفة ، وكتاب ابن سعد أصدق شاهد على ذلك والاعتبار أيضا لا يساعد على صحّة هذا النقل ، فإنّ ابن زياد كان حاكما من قبل يزيد في العراق ومأمورا من جانبه في دفع الحسين عليه‌السلام أو أخذ البيعة منه ليزيد ولم يكن لابن زياد استقلال في البيعة له ، فإن كان صحيحا إبلاغ الإمام عليه‌السلام له أن يضع يده في يد يزيد فما ذا يريد ابن زياد من الإمام عليه‌السلام؟ فإنّ هذا عين مرامه.

فلا يعقل أن يقول الإمام عليه‌السلام : اختاروا منّي خصالا ثلاثا الخ ... ، وهو يقول : لا أرى الموت إلّا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلّا برما ، وخطب أصحابه وأصحاب الحرّ بالبيضة ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من رأى سلطانا جائرا مستحلّا لحرم الله ، ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقّا على الله أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غيّر وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم ، أنّكم لا تسلّموني ولا تخذلوني ، فإن تممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم فلكم فيّ أسوة ، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم

وخلعتم بيعتي من أعناقكم ، فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم ، والمغرور من اغترّ بكم ، فحظّكم أخطأتم ونصيبكم ضيّعتم ، ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته (١).

فهل يعقل بعد هذه الخطبة الشريفة أن يقول : اختاروا منّي خصالا ثلاثا؟ ويقول : أضع يدي على يد يزيد؟ ويقبل هذه الذلّة والحقارة؟ هيهات من الإمام عليه‌السلام الذلّة والبيعة ليزيد الخمور والقرود ، وهو السلطان الجائر المستحل لحرم الله تعالى والمخالف لسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله.

والقول الصحيح عن لسان الإمام عليه‌السلام هو ما ذكره ابن سعد في كتابه إلى ابن زياد قبل كتابه هذا الذي شحنه من الأكاذيب وهو يقول : «أمّا بعد فإنّي حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عمّا أقدمه وما ذا يطلب ويسأل فقال : «كتب إلي أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت ، فأمّا إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم».

هذا هو الموافق لهدف الإمام ومقصده المقدّس ، ولا يقول قطعا : أن تسيّروني إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم ، ليكون منفى للإمام ويبقى في واحد من الثغور ويعيش فيه على الذلة والعار والشنار. فهل يليق نسبة هذا الكلام إلى الإمام وهو يقول : إنّي أحقّ من غيّر؟ ثمّ يقول : تسيّروني إلى ثغر وأعيش في رفاه وسرور ـ حاشا وكلّا ـ فما نقله أبو مخنف عن المحدّثين ليس إلّا تبعا لما شاع في ألسنة الهمج الرعاع من نسبة الخصال الثلاث إلى الإمامعليه‌السلام وسبب ذلك كما قلنا هو إشاعة أتباع الدولة الأموية وعمّالهم وأذنابهم وأجرائهم الناشرين تلك الأفائك والمفتريات بين الناس كما نرى أمثال ذلك بأعيننا في هذا العصر التعيس.

فالقول الحقّ المطابق للواقع ، هو ما ذكره عقبة بن سمعان الذي عدّه الشيخ الطوسي (ره) في رجاله من أصحاب الحسين عليه‌السلام ، كان عبدا للرباب زوجة الإمام عليه‌السلام

__________________

(١) لواعج الأشجان ، ص ٩٤ ، الطبعة الثالثة ـ صيدا.

وكان يروي واقعة الطفّ كما حدثت ، فإنّه كان يتولّى خدمة الإمام عليه‌السلام من المدينة إلى مكة وإلى أن استشهد الإمام عليه‌السلام وفرّ على فرس إلى الكوفة ، فأخذه أهل الكوفة ثمّ أطلقوه ، وكان عارفا بأخبار الواقعة ومنه أخذت أخبارها ، وعلى قوله يعتمد في نقل حوادثها ، ولعلّ عدم استشهاده بين يدي الإمام عليه‌السلام كان لمصلحة بقائه حتّى ينقل واقع الأمر فيما قاله الإمام ، قال الطبري : قال أبو مخنف : فأمّا عبد الرحمن بن جندب فحدّثني عن عقبة بن سمعان قال : صحبت حسينا عليه‌السلام فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ومن مكّة إلى العراق ، ولم أفارقه حتّى قتل ، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلّا وقد سمعتها ، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس ، وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنه قال : دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر الناس (١).

انظر إلى قول عقبة بن سمعان هذا وتأمّل بدقّة نقله وتأكيده أنّه لم يسمع من الإمامعليه‌السلام ما يتذاكر الناس وما يزعمون. يظهر من عبارته هذه أنّ ما نسبوه إلى الإمامعليه‌السلام أنّه قال : اختاروا منّي خصالا ثلاثا الخ ... ممّا لا أصل له ، وأنّه خلاف الواقع ، وأنّه من دعايات بني أمية وأكاذيب أتباعهم وأشاعها ابن زياد وأشياعه ، وهم تداولوه في ألسن الناس وأفواههم ، ومن الأفواه أخذه المحدّثون من دون تحقيق وتمحيص ، فإنّ دأبهم في الأغلب هو الأخذ من الأفواه ثمّ الثبت في التاريخ من دون علم بواقع الأمر وحقيقته ومن غير تحقيق عن صحّته وسقمه.

وقد تحقّق عندي وثبت واضحا جليا بعد البحث والتنقيب وإمعان النظر الدقيق بحيث لا يشوبه شيء من الدجل ، أنّ ما نقله أبو مخنف عن جماعة من المحدّثين وضبطه في تاريخه ، ومنه أخذ الطبري ونسبه إلى الإمام عليه‌السلام : اختاروا منّي خصالا الخ ... من الأفائك والمفتريات ، وأيقنت بأنّه من الأكاذيب والخزعبلات ، وقد أخذه عن الأفواه

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٤ ، ص ٣١٣.

وضبطه في التاريخ ، وقد حصل لنا هذا اليقين من التأمل في التواريخ والأحاديث وسائر القرائن والأمارات ، كنسبة الصلح إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام مع معاوية وأنّه وقع بينهما مهادنة ، وقد أوضحنا في كتابنا التحقيق في الأربعين أنّ هذه النسبة أكذوبة واضحة ، ودللنا عليه بأدلّة تامة قوية ، فراجع.

ومن سبر تاريخ الطبري ولا سيما فيما كتبه من تاريخ الإمام عليه‌السلام قبل واقعة الطفّ ، وما ضبطه من وقائع تلك الكارثة الفجيعة يظهر له أنّ الإمام عليه‌السلام كان عالما بأنّه يكون مقتولا في أرض كربلاء المقدسة ، وكان هذا الأمر مشهورا بين صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بإخباره ذلك مرارا لهم.

قال السيوطي : وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال : «ما كنّا نشكّ وأهل البيت متوافرون أنّ الحسين عليه‌السلام يقتل بالطفّ» (١) ، وإخبار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مقتل الحسين عليه‌السلام وصل إلى حدّ لا يمكن لأحد من المسلمين إنكاره حتّى أنّ بعض المحشّين لكتاب الخصائص الكبرى من أساتذة الأزهر مع عناده ونصبه وعدم مراعاته الإنصاف وعداوته مع أهل البيت عليهم‌السلام بل الإسلام والمسلمين قاطبة ، لم يتمكّن من إنكار أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عن مقتل الحسين عليه‌السلام (٢).

وإنّي أتعجّب من هذا المحشّي العنيد وقد سوّد هوامش الخصائص الكبرى للسيوطي ـ ذلك الكتاب الممتع من تراثنا الخالد ـ بقلمه وتعاليقه المشئومة كأنّه متعمّد بتزييف الأحاديث التي أخرجها السيوطي والتمسخر بها وتوهينها ، كأنّ له عداء خاص للحديث ورواته والإشكال على الأحاديث بأدنى شبهات واهية وتشكيكات غير واردة ، ورأيت في ج ٢ ، ص ٤٥٤ ما يستهجن ذكره ويقبح نقله ، وعجبت من قلّة حيائه وعدم إبائه من كتابة ما يقبح ذكره ومن تمادي غيّه وضلاله.

وحقّا أقول ـ وما في الحقّ مغضبة ـ : إنّ الرجل ضيّع كتاب الخصائص الكبرى

__________________

(١) الخصائص الكبرى ، ج ٢ ، ص ٤٥١ ، طبعة مصر.

(٢) الخصائص الكبرى ، ج ٢ ، ص ٤٤٩.

للسيوطي وأفسده بتلك التعاليق المشوهة ، فإنّه يلوح من تضاعيف كلماته الخاطئة أنّه من أعداء الإسلام والمسلمين أفا بل تبا لأمثال هذه الدكاترة وتعسا له أن يكون من أساتذة الجامع الأزهر الشريف ، وهو يحسب نفسه بإنكار بعض ما تضمّنته الأحاديث أنّه في مقام شامخ من تنوّر الفكر وأنّه يحسن صنعا.

وكان أنس بن الحارث الصحابي على يقين ممّا سمعه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مقتل الحسين عليه‌السلام ولذلك استشهد بين يديه قال السيوطي : وأخرج ابن السكن والبغوي في الصحابة وأبو نعيم من طريق سحيم ، عن أنس بن الحارث : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يقتل بأرض يقال لها : كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره. فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقتل بها مع الحسين» (١). يظهر من خطاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «منكم» أنّه خاطب الصحابة وأمرهم أنّهم إذا شهدوا ذلك أن ينصروا الحسين عليه‌السلام. فهل عرض لكلّ الصحابة النسيان؟ أو تناسوا إخبار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمقتل الحسين عليه‌السلام؟

كان أنس من بني أسد كاهليّا ، و «كاهل» بطن من بني أسد بن خزيمة. قال شيخنا العلامة السماوي (ره) : كان صحابيا كبيرا ممّن رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسمع حديثه. وكان فيما سمع منه وحدّث به ما رواه جمّ غفير من العامة والخاصة عنه أنّه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ـ والحسين بن علي في حجره ـ : إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق ، ألا فمن شهده فلينصره. ذكر ذلك الجزري في أسد الغابة وابن حجر في الإصابة وغيرهما ، ولما رآه في العراق وشهده نصره وقتل معه. قال الجزري : وعداده في الكوفيين ، وكان جاء إلى الحسين عليه‌السلام عند نزوله كربلاء والتقى معه ليلا فيمن أدركته السعادة. روى أهل السير أنّه لما جاءت نوبته استأذن الحسين عليه‌السلام في القتال فأذن له وكان شيخا كبيرا (٢) ـ الخ.

__________________

(١) الخصائص الكبرى ، ج ٢ ، ص ٤٥١.

(٢) إبصار العين ، ص ٥٥ ـ ٥٦.

وخاطب الصحابي الشهير الأعظم أبو ذر الغفاري (ره) الجمّ الغفير من الناس ، وأخبرهم بمقتل الحسين عليه‌السلام حينما أبعده عثمان وأرسله إلى الربذة. وقد روى الشيخ الفقيه الثقة الأقدم ابن قولويه القمي قدس‌سره ، بإسناده عن عروة بن الزبير قال : سمعت أبا ذر وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر فهذا قليل في الله تعالى فقال : ما أيسر هذا ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن علي عليهما‌السلام قتلا أو قال : «ذبح ذبحا»؟ والله لا يكون في الإسلام بعد (١) قتل الخليفة (٢) أعظم قتلا منه ، وإنّ الله سيسلّ سيفه على هذه الأمّة لا يغمد أبدا ، ويبعث ناقما (٣) من ذريته فينتقم من الناس ، وأنّكم لو تعلمون ما يدخل أهل البحار وسكّان الجبال في الغياض والآكام وأهل السماء من قتله «لبكيتم والله حتّى تزهق أنفسكم» وما من سماء تمرّ به روح الحسين عليه‌السلام إلّا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ، ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة ، وما من سحابة تمرّ وترعد وتبرق إلّا لعنت قاتله ، وما من يوم إلّا وتعرض روحه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيلتقيان (٤).

ولا شكّ أنّ هذه الإخبارات والإخبار عن عالم ما وراء الطبيعة والأحوال البرزخية ، إنّما أخذها أبو ذر قدّس الله روحه عن صاحب الرسالة المقدّسة «رسول الله» صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيعلم من ذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر الخواصّ من أصحابه كأبي ذر (ره) ا تعالى تفاصيل مقتل الحسين عليه‌السلام سواء ما هو واقع في عالم الطبيعة أم ما وراءها ، كما هو غير خفيّ على من ينعم النظر إلى حديث أبي ذرّ رضوان الله عليه وأمعن فيه.

ويستفاد من بعض التواريخ والأحاديث أنّ علماء أهل الكتاب أيضا كانوا عالمين

__________________

(١) بعد قتل الحسين أعظم قتيلا منه ـ خ ل.

(٢) يشير إلى قتل أمير المؤمنين سلام الله عليه بيد المرادي الملعون في محراب مسجد الكوفة ، ويستفاد من كلامه هذا أنّه كان عالما بشهادة أمير المؤمنين عليه‌السلام أيضا قبل وقوعها.

(٣) قائما ـ خ ل ـ يشير إلى ظهور القائم المهدي المنتظر أرواحنا فداه وعجل الله تعالى فرجه وجعلنا من كلّ مكروه فداه.

(٤) كامل الزيارات ، ص ٧٣ ـ ٧٤ ، طبعة النجف.

بمقتل الحسين عليه‌السلام قبل وقوعه ، وذلك من أخبار الأنبياء والكهنة وأهل النجوم. وقد روى الطبري في تاريخه قال : وحدّثني العلاء بن أبي عاثة قال : حدّثني رأس الجالوت عن أبيه قال: ما مررت بكربلاء إلّا وأنا أركض دابّتي حتّى أخلف المكان قال : قلت : لم؟ قال : كنّا نتحدّث أن ولد نبي مقتول في ذلك المكان قال : وكنت أخاف أن أكون أنا ، فلمّا قتل الحسين عليه‌السلام قلنا : هذا الذي نتحدّث قال : وكنت بعد ذلك إذا مررت بذلك المكان أسير ولا أركض (١).

فلا شكّ عندنا أنّ الإمام عليه‌السلام كان عالما بما يؤول أمره إليه ، وأنّه شهيد هذه الأمّة ، ومن سبر كتاب كامل الزيارات وهو من أصحّ كتب الحديث عندنا لا يبقى له شكّ في ذلك. وينبغي مطالعة ذلك الكتاب النفيس الممتع الخالد ، وهو من نفائس الآثار وجلائل الكتب والأسفار ، ويجدر فيه مطالعة حديث زائدة عن الإمام علي بن الحسين عليهما‌السلام المشهور بحديث أم أيمن رضوان الله عليها ، فيه إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن مقتل سيد الشهداء سلام الله عليه وأعوانه وأنصاره وأحوال قبره الشريف (٢).

نعم ، الإمام عليه‌السلام كان عالما بما يقع في طف كربلاء تفصيلا ، ولكن كانت وظيفته العمل بما يعلم ويراه من الأسباب الظاهرية ، فإنّ ذلك هو متعلّق التكليف له ، وكانت وظيفة الحسين عليه‌السلام على ما يستفاد من الأخبار والأحاديث الواردة عن العترة الطاهرةعليهم‌السلام : عدم الدخول تحت سيطرة أحد من الظالمين والمتغلّبين وعدم البيعة لواحد من أولئك الطغاة الغاشمين.

ومن هنا نقطع أنّ ما ذكره الطبري نقلا عن الإمام عليه‌السلام أنّه قال : اختاروا منّي خصالا ... الخ ، من الأكاذيب والموضوعات المأخوذة عن الأفواه. هل يعقل من الإمامعليه‌السلام القائل : لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أفرّ فرار العبيد ، يا عباد الله إنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون. أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٤ ، ص ٢٩٦.

(٢) كامل الزيارات ، ص ٢٥٩ ـ ٢٦٦.

بيوم الحساب ، ثمّ أناخ راحلته فعقلها عقبة بن سمعان (١) الخ ... أن يقول : اختاروا منّي ... الخ؟

وقال عليه‌السلام : ألا وإنّ الدعيّ بن الدعيّ قد ركز بين اثنتين : بين السلّة والذلة ، وهيهات منا الذلّة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر. ثمّ أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي :

فإن نهزم فهزّامون قدما

وإن نهزم فغير مهزمينا

وما إن طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا

ثمّ شرع الإمام عليه‌السلام بإخباره عن مستقبل الناس وقال : أما والله لا تلبثون بعدها إلّا كريث ما يركب الفرس حتّى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور ، عهد عهده إليّ أبي عن جدي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلى أن قال عليه‌السلام : اللهمّ احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف ، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة فإنّهم كذبونا وخذلونا(٢). الخ.

والمراد من غلام ثقيف ـ كما أخبر به أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ هو الحجّاج بن يوسف الثقفي ، سلّطه الخليفة الأموي عبد الملك على العراق وفعل فيه من الجنايات ما هو مشهور في التاريخ إلى اليوم.

فما ذكره الطبري في تاريخه عن الإمام عليه‌السلام من قوله : اختاروا منّي ... الخ ، من الأكاذيب كسائر الأفائك التي لا تحصى في تاريخه. وقد أفصح علّامتنا الأميني قدس‌سره بهذه الحقيقة ، وكشف عن مخازيه وتمويهاته على الحقائق الراهنة ، وبيّن كيف بثّ الموضوعات على صفحات تأريخه ، ونقلها عن الكذّابين والوضّاعين والمتروكين

__________________

(١) إبصار العين ، ص ١١.

(٢) إبصار العين ، ص ١١ ـ ١٢.

ومن اتّهم بالإلحاد والزندقة ، فراجع الأثر الخالد الغدير واقرأ فيه الحقائق وطالع الواقعيات وكن من الشاكرين.

ص ٤٢٠ س ١٢ : «من أوّل عمره إلى آخره».

غير خفيّ أنّ هذه الأقوال التي ذكرها المصنّف (ره) صادرة من المتكلّمين الذين كانوا في القرون السالفة ، وأقوالهم ليست عليها مسحة من الواقع في بيان حقيقة الإنسان ، وقد ذكرنا فيما تقدّم من الكتاب (١) أنّ المعتمد من رأي المحقّقين من الحكماء والمتكلّمين : أنّ النفس الإنسانية جوهر مجرّد في ذاته دون فعله ، متصرّف في البدن ، متعلّق به تعلّق التدبير والتصرّف ، وذكرنا ما هو المعتمد من رأي جمع من المتكلّمين ، فالاعتماد في هذه المسألة على ما هو المستفاد من الكتاب والسنة وما دلّت عليه الأدلّة العقلية الموافقة لهما في الحقيقة.

وقد قال صدر المتألهين قدس‌سره في الرسالة العرشية : اعلم أنّ معرفة النفس من العلوم الغامضة التي ذهلت عنها الفلاسفة ذهولا شديدا مع طول بحثهم وقوّة فكرهم وكثرة خوضهم فيها ، فضلا عن غيرهم من الجدليين ؛ إذ لا يستفاد هذا العلم إلّا بالاقتباس من مشكاة النبوة ، والتتبّع لأنوار الوحي والرسالة ومصابيح الكتاب والسنة الواردة عن طريق أئمتنا أصحاب الهداية والعصمة عن جدّهم خاتم الأنبياء عليه أفضل صلوات المصلّين وعلى سائر الأنبياء والمرسلين ، انتهى.

أقول : ينبغي الرجوع إلى كتب صدر المتألّهين قدس‌سره ، وإلى رسالة حقيقة الإنسان والروح الجوّال في العوالم للعلّامة المحقّق المولى جلال الدين الدواني (ره) وإلى كتاب باب الفتوح لمعرفة أحوال الروح للشيخ عبد الهادي نجا الأبياري. وأمّا كتاب الروح لابن قيّم الجوزية فلا يستفاد منه شيء غير الجمود والتعصّب البغيض حتّى في المطالب العلمية.

ولعلماء الإسلام قديما وحديثا بحوث مستفيضة وتأليفات مستقلة في هذه المسألة

__________________

(١) انظر ص ٢٤٣ ـ ٢٤٥ من هذا الكتاب.

العلمية ، ولفلاسفة الغرب اشتغال طويل عريض في هذه العصور الأخيرة بمباحث النفس وأحوالها وبدراسة الروح الإنساني وما إلى ذلك بمثابرة ، محاولين إدخال الأرواح البشرية تحت سلطان تصرّفهم بتجارب يتخيّلون إمكان إجرائها في إحضارها ومخاطبتها ، شأنهم في مغامراتهم في جميع التجارب المادية ، وستبدي الأيام عن مردّ أمر هؤلاء الباحثين المندفعين بشره العقول ، كما أظهر نظره هكذا بعض من اهتمّ في التفكير في شئون الروح وعجائب أسرار الله تعالى فيه ، وقد قال أمير المؤمنين سلام الله عليه : من عرف نفسه فقد عرف ربّه. وما ذكره بعض جهلة العامة : أنّه ليس بحديث بل هو من كلام أبي بكر الرازي كما في باب الفتوح ص ٧ طبعة مصر سنة ١٣٠٤ فهو من الأغلاط ، وناشئ عن عدم الاطّلاع ، فإنّه أين أبي بكر الرازي من هذا الكلام اللائح منه أنوار المعرفة ، بل هو من جملة المائة كلمة التي انتخبها أبو عثمان الجاحظ المتوفّى ٢٥٥ من كلمات أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وذلك ثابت محقّق لا سترة عليه (١).

وانظر إلى تعاليقنا على الأنوار النعمانية (٢) ، وقد تكلّمنا حول هذه الكلمة الشريفة وأشرنا إلى اشتباه بعض المحدّثين ، وذكرنا أنّها مروية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام.

فلنذكر هنا من دلائل العقل والكتاب والسنة على تجرّد الروح التي هو النفس الناطقة الانسانية ، فمن أدلّتهم : أنّ معلوماته لا تقف عند حدّ ، فلو كان الروح جسما لكانت معلوماته واقفة عند حدّ ؛ لتعذر ارتسام ما لا نهاية له من الصور في جسم محدود.

وغير خفيّ أنّ تفهّم تجرّد الروح يعين كثيرا [في] فهم تنزّه الإله جلّ شأنه من الزمان والزمانيات والمكان والمكانيات وإن كان لا يرقى إليه فهم الشخص العامي ، ولا يفهم أنّ الروح : لا داخل البدن ولا خارجه كما أنّ الله سبحانه لا داخل العالم ولا خارجه وهو بكلّ شيء محيط.

__________________

(١) انظر شرح المائة كلمة ، ص ٥٧ ، طبعة طهران.

(٢) الأنوار النعمانية ، ج ١ ، ص ٩ ، طبعة تبريز.

وقال الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١) يستفاد من هذه الآية الشريفة تجرّد الروح ، وكونه في عالم البرزخ في البدن الجسماني البرزخي ، يرزق من نعم الجنة ، أمّا الأوّل فإنّ الحضور عند الربّ والقرب منه تعالى لا يتصوّر من ذي مكان ، فإنّ القرب من ذي مكان ممّا هو لا في مكان محال ؛ إذ لا يتصوّر القرب المعنوي ممّا هو لا في مكان من ملابس مكان ، فإنّ القرب منه ليس القرب المكاني أو الزماني ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا بل القرب منه معنوي يحصل بالتخلّق بأخلاق الله تعالى وأوصافه المقدّسة والانتقاش بما هو مسطور في كتابه الذي لا يمسّه إلّا المطهرون ، فلا بدّ أن يكون القرب من غير ذي مكان ممّا هو لا في مكان وهو المطلوب ، كما هو المقصود من إتيان العبادات قربة إلى الله تعالى ، فإنّ المراد هو القرب المعنوي ولا يحصل ذلك إلّا من غير ذي مكان ، فالروح لا يتصوّر في مكان فلا يتصوّر لها الأوصاف الجسمانية ، فهي جوهر بريء عن المواد والمكان وشيء قائم بنفسه لا حجم له ولازمان ، ولا يصحّ عليه التركيب ولا الحركة والسكون ولا الاجتماع ولا الافتراق ، ومجرّد عن الأجزاء معقولة ومحسوسة فضلا عن الموضوع والهيولى ، ولذا لا يعقل لها الفناء ولا الانعدام ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أيّها الناس إنّا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء ، لكنكم من دار إلى دار تنقلون ، فتزوّدوا لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه (٢).

وأمّا الثاني ـ أعني كون الروح في عالم البرزخ في البدن الجسماني ـ فيستفاد من قوله تعالى : (يُرْزَقُونَ) أي يرزقون من نعيم الجنة غدوا وعشيا ، قال تعالى : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) والارتزاق من النعم الجسمانية يحصل بالبدن الجسماني ؛ إذا الحيّ لا بدّ له من رزق ، والرزق يشمل الروحاني والجسماني.

والأوّل : ارتزاق الأرواح من الأنوار الإلهية والعلوم الربانية والأشعة والأضواء

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٦٩.

(٢) الإرشاد ، ص ٢٢٨ ، طبعة تبريز.

القيومية والبهجة والسرور المعنوية ، التي لا يمكن أن نتصوّرها ما دام الإنسان مقيّدا في الطبيعة ، وللروح علاقة بالبدن الطبيعي العنصري ، فإذا فارقها وكان من أهل الإيمان والسعادة فعند ذلك يفهم ويتصوّر ويدرك تلك المسرّة المعنوية.

والثاني : هو الارتزاق من نعم الجنة البرزخية ، والارتزاق الجسماني لا بدّ له من جهة جسمية ، فإنّ هذا الارتزاق ليس من شئون الروح المجرّد ، فهذا الارتزاق يحصل بالبدن الجسماني البرزخي ، فيستفاد من قوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) تجرّد النفس ومن قوله تعالى : (يُرْزَقُونَ) الارتزاق من النعم الروحانية والجسمانية ، ففيه إشارة لطيفة إلى كون الروح في عالم البرزخ متنعّما في القالب البرزخي بالنعم الجسمانية أيضا ، كما أنّ في قول الإمامعليه‌السلام : «من دار إلى دار تنقلون» ظهور في الانتقال الجسماني فهو يحصل للبدن المثالي.

لا يقال : كما توهّمه بعض المحدّثين : إنّ القول بتجرّد الروح الإنساني ينافي إطلاق المجرّد على الله تعالى ، ولا مجرّد في الوجود إلّا الله تعالى ، فإنّه يقال : هذا توهّم عجيب فإنّ الله تعالى هو القديم بالذات وواجب الوجود من جميع الجهات وفوق التجرّد والمجرّدات ، وأين هو من إطلاق المجرّد على المجرّد الحادث الذي هو من مخلوقات الله تعالى والله خالق كلّ شيء ، فإنّ المجرّد الذي هو من قبيل الممكنات ووجوده من غيره كيف يكون إطلاق المجرّد عليه كإطلاقه على الواجب الوجود القديم بالذات؟

والجدير بالذكر : أنّ القول بتجرّد الروح الإنساني منقول عن الأعاظم من الحكماء والعرفاء ، ووافقهم من أكابر علماء الإسلام قدماء أصحابنا الإمامية كابن بابويه والشيخ المفيد والسيد علم الهدى وبني نوبخت ، حسب ما استفادوه من أئمّتهم المعصومين عليهم‌السلام كما صرّح به العلامة السيد علي خان المدني (ره) في شرح الصحيفة ، وأغلب علماء الإمامية ولا سيما المتأخرين منهم من زمن المحقق الطوسي (ره) ولا سيما من زمن صدر المتألهين (ره) إلى زماننا هذا قائلون بذلك إلّا شرذمة من المحدّثين.

قال العلّامة المدني قدس‌سره في شرح الصحيفة عند قول الإمام عليه‌السلام في دعائه : حمدا تضيء لنا به ظلمات البرزخ : البرزخ في اللغة الحاجز بين الشيئين ، وأطلق على

الحالة التي تكون بين الموت والبعث قال تعالى : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وهي مدّة مفارقة الروح لهذا الجسد المحسوس إلى وقت البعث وعودها إليه ، ويطلق على القبر بهذا الاعتبار. روى ثقة الإسلام في الكافي بإسناده عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّي سمعت وأنت تقول : كلّ شيعتنا في الجنّة على ما كان منهم قال : صدقتك ، كلّهم والله في الجنة قال : قلت : جعلت فداك إنّ الذنوب كثيرة كبار فقال : أمّا في القيامة فكلّكم في الجنة بشفاعة النبيّ المطاع أو وصيّ النبيّ ، ولكنّي والله أتخوّف عليكم في البرزخ قلت : وما البرزخ؟ قال : القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة.

ثمّ قال العلّامة المدني قدس‌سره : في هذه الفقرة من الدعاء دلالة على بقاء النفوس الناطقة بعد خراب الأبدان ؛ لأنّ الإضاءة المطلوبة ليست إلّا للروح وإلّا فالجسم يضمحلّ ويستحيل ، وهو مذهب أكثر العقلاء من المليين والفلاسفة القائلين بأنّ الروح جوهر مجرّد أبدي لا يعتريه الزوال ولا يتطرّق إليه الاختلال ، ولم ينكره إلّا شرذمة قليلون كالقائلين بأنّ النفس هي المزاج أو الدم ، وأمثالهم ممن لا يعبأ بهم ولا يلتفت إلى أقوالهم ، والشواهد العقلية والنقلية على ذلك أكثر من أن تحصى ويكفي في ذلك قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) انتهى.

لا يقال : إنّ هذه الآية الشريفة نازلة في حقّ الشهداء وتدلّ على أنّهم أحياء بعد موت أبدانهم في البرزخ فلها اختصاص بهم دون غيرهم ، فإنّه يقال : إنّ في الآية دلالة على بقاء جميع الأرواح بعد الموت أيضا ، ولا اختصاص لها للذين قتلوا في سبيل الله ، فإنّه لما كان المقصود بيان حال الشهداء لقومهم من المؤمنين الباقين في الدنيا وإخبار لهم عن حالهم بعد موتهم ، وبيان ما يختصّ بهم من النعم فلذلك خصّ الكلام بهم ، نظير قوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) وإن كان عليما بغيرهم أيضا فهل بقاء حياة الإنسان بعد الموت مختصّ بالشهداء؟ مع أنّ الروح المجرد الباقي ثابت في كلّ الإنسان لا في

الشهداء فقط ، فإنّه لم يقل أحد : إنّه مختصّ بهم ، فليس بيان الحياة لهم في الآية الشريفة إلّا لما ذكرناه.

وهذه الآية كالآية النظيرة لها وهي قوله تعالى في سورة البقرة : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (١) فقد قيل : إنّها نزلت في شهداء بدر فقط فهي مخصوصة بهم ، وهذا القول ممّا لا يعبأ به ، فإنّه بعد التحليل يعدّ من الأغلاط الواضحة فإنّ من يقول بانعدام الإنسان بعد الموت ، فهل يقول في حقّ الشهداء أنّ حياتهم بعد القتل على سبيل الإعجاز؟ مع أنّ ذلك ضروري الاستحالة ولا إعجاز في محال ، أم هو على نحو الاستثناء في حكم الحس وحياتهم غائب عن إحساسنا وما أدركنا من أمرهم بالقتل فقد أخطأ الحسّ في ذلك ، فلو جاز على الحسّ أمثال هذه الأغلاط فقد بطل الوثوق به على الإطلاق ، ولو كان المخصص هو الإرادة الإلهية احتاج تعلّقها إلى مخصّص آخر ، والإشكال ـ وهو عدم الوثوق بالإدراك ـ على حاله فكان من الجائز أن نجد ما ليس بواقع واقعا والواقع ليس بواقع ، وكيف يرضى عاقل أن يتفوّه بمثل ذلك؟ وهل هو إلّا سفسطة ، فإن شئت التفصيل في الجواب عن هذه المغلطة والتحقيق في ذلك فعليك بمراجعة ما ذكره سيدنا العلامة الطباطبائي دام ظلّه في تفسير الميزان (٢).

ونظير هذه المغالطة التي أشرنا إليها مع جوابها الإجمالي ربّما يقال : إنّ المراد من الحياة للشهداء هو بقاء الاسم والذكر الجميل على مرّ الدهور ، وهذا القول غلط واضح فإنّ الحياة بهذا المعنى حياة تخيّلية ليس لها في الحقيقة إلّا الاسم ، ومثل هذا الموضوع الوهمي لا يليق بكلامه تعالى ، وهو تعالى يدعو إلى الحقّ ويقول : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) (٣) ، مع أنّ قوله تعالى : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) لا يناسب هذا المعنى ، فإنّ بقاء الذكر الجميل ممّا نشعر به ، وكان المناسب له أن يقول : بل أحياء ببقاء ذكرهم الجميل.

فالمراد من الحياة هو الحقيقة التي لا نشعر بها ، أعني الحياة البرزخية التي يصل

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٥٤.

(٢) الميزان ، ج ١ ، ص ٣٥٢ ـ ٣٥٣ طبعة طهران.

(٣) يونس ١٠ : ٣٢.

الإنسان إليها بعد الحياة الدنيوية المانعة من إدراك أكثر الأشخاص لتلك الحياة.

وبالجملة تفسير الحياة بما نقلناه من الحياة ، أعني بقاء الذكر الجميل لا يليق أن يتفوّه به من كان من أهل العلم والإيمان ؛ فإنّه ليس إلّا مجرّد وهم كاذب وتخيّل فاسد ، مع أنّه حمل للفظ على غير معناه الحقيقي بغير دليل.

روى الشيخ الأعظم البهائي قدس‌سره في كتابه الأربعين ، بسنده عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام عن أرواح المؤمنين؟ فقال : في الجنّة على صور أبدانهم لو رأيته لقلت : فلان ثمّ قال الشيخ (ره) : بعد نقل الحديث عن أرواح المؤمنين. ـ أي عمّا يؤول إليه حالها بعد خراب أبدانها ـ : وكثيرا ما يطلق الروح على الجسم البخاري المتكوّن عن لطيف الدم المتبخّر المنجذب إلى التجويف الأيسر من القلب.

والمراد هنا هو ما يشير إليه الإنسان بقوله : أنا ، أعني النفس الناطقة ، وهو المعنيّ بالروح في القرآن والحديث ، وقد تحيّر العقلاء في حقيقتها واعترف كثير منهم بالعجز عن معرفتها حتّى قال بعض الأعلام : إنّ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» معناه أنّه كما لا يمكن التوصّل إلى معرفة النفس لا يمكن التوصل إلى معرفة الربّ (١). وقوله عزوجل : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) ممّا يعضد ذلك.

والأقوال في حقيقتها متكثّرة والمشهور أربعة عشر قولا ذكرناها في المجلّد الرابع من المجموع الموسوم بالكشكول ، والذي عليه المحقّقون : أنّها غير داخلة في البدن بالجزئية والحلول ، بل بريئة عن صفات الجسمية منزّهة عن العوارض المادية ، متعلّقة به تعلّق التدبير والتصرّف فقط ، وهو مختار أعاظم الحكماء الإلهيّين وأكابر الصوفية والإشراقيين ، وعليه استقر رأي أكثر متكلّمي الإمامية ، كالشيخ المفيد وبني نوبخت والمحقّق نصير الملّة والدين الطوسي والعلّامة آية الله جمال الدين الحلّي ، ومن الأشاعرة

__________________

(١) الظاهر أنّ المراد أنّه لا يمكن التوصّل إلى معرفة كنه النفس وحقيقتها وذاتها فكذلك الربّ تعالى.

الراغب الأصفهاني وأبي حامد الغزالي والفخر الرازي.

وهو المذهب المنصور الذي أشارت إليه الكتب السماوية ، وانطوت عليه الأنباء النبوية وعضدته الدلائل العقلية ، وأيّدته الأمارات الحسيّة والمكاشفات الذوقيّة ، فقال : «في الجنّة» الظرفية مجازية باعتبار الشبح الذي تعلّقت الروح به وإلّا فهي مجرّدة غير مكانية «على صور أبدانهم» خبر ثان للمبتدإ المحذوف أو حال من المستكنّ في الظرف ، والمراد أنّها عاكفة ومقيمة على تلك الصور ، ويحتمل أن يكون على معنى «في» كما قالوه في قوله تعالى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) وقوله سبحانه : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) تشبيها للملابسة التعليقية بالملابسة الظرفية ، إلى أن قالقدس‌سره:

في هذا الحديث دلالة على أمرين :

الأوّل : بقاء النفوس بعد خراب الأبدان ، وإليه ذهب أكثر العقلاء من الملّيين والفلاسفة ، ولم تنكره إلّا فرقة قليلة كالقائلين بأنّ النفس هي المزاج ، وأمثالهم ممّا لم يعبأ بهم ولا بكلامهم ، والشواهد العقلية والنقلية على ذلك كثيرة ، وقد تضمّن كتاب المطالب العالية ـ من تأليفات الفخر الرازي ـ منها ما لا يوجد في غيره ، ويكفي في هذا الباب قوله جلّ وعلا : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا) الآية (١).

قلت : وقد بيّن الشيخ المصنّف (ره) دلالة الآية الشريفة على المطلب ، وذكرنا دلالتها على تجرّد الروح وعلى البدن البرزخي كما عرفت. ثمّ قال الشيخ البهائي قدس‌سره.

الثاني : أنّها تتعلّق بعد مفارقة أبدانها العنصرية بأشباح مثالية تشابه تلك الأبدان ، وعليه الصوفية وحكماء الإشراق. والذي دلّت عليه الأخبار المنقولة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّ تعلّق الأرواح بهذه الأشباح يكون في مدّة البرزخ ، فتتنعّم أو تتألّم بها إلى أن تقوم الساعة ، فتعود عند ذلك إلى أبدانها كما كانت عليه.

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٦٩.

وروى الشيخ الجليل عماد الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني في أواخر كتاب الجنائز من الكافي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام : أنّ الأرواح في صفة الأجساد في شجرة في الجنة ـ أي مساكنها في غرف على تلك الأشجار ـ تتعارف وتتساءل فإذا قدمت الروح على تلك الأرواح تقول : دعوها ، فإنّها قد أقبلت من هول عظيم ثمّ يسألونها : ما فعل فلان وما فعل فلان؟ فإن قالت : تركته حيا ارتجوه ، وإن قالت لهم : قد هلك ، قالوا : قد هوى هوى.

وفي الكافي أيضا عنه عليه‌السلام : أنّ أرواح المؤمنين في حجرات في الجنة يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها ، ويقولون : ربّنا أقم لنا الساعة وأنجز لنا ما وعدتنا وألحق آخرنا بأوّلنا. وروي في أرواح الكفار بضدّ ذلك.

وروى الشيخ الجليل أمين الإسلام محمد بن الحسن الطوسي (ره) في كتاب تهذيب الأخبار عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام أنّه قال ليونس بن ظبيان : ما يقول الناس في أرواح المؤمنين؟ فقال يونس : يقولون : في حواصل طير خضر في قناديل تحت العرش فقال عليه‌السلام : سبحان الله المؤمن أكرم على الله من ذلك أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر ، يا يونس المؤمن إذا قبضه الله تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليه القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا. وأمثال هذه الأحاديث من طرق الخاصة كثيرة ، وروى العامة أيضا ما يقرب منها ، انتهى.

ولا يتوهّم من كلام الشيخ الأعظم البهائي قدس‌سره كما مرّ : «أنّ تعلّق الأرواح بهذه الأشباح يكون في مدة البرزخ» الخ ... أنّ تلك الأشباح البرزخية موجودة في عالم البرزخ ولا ارتباط لها بالأرواح ، وإنّما تعلّقها بها يكون بعد الموت كما هو صريح كلام الشيخ الأعظم المفيد (ره) فيما نقله عنه العلامة المجلسي (ره) في البحار (١) عن كتاب المسائل له في تنعّم أصحاب القبور وتعذيبهم على أيّ شيء يكون الثواب لهم

__________________

(١) بحار الأنوار ج ١٤ ، ص ٤١٠ ، طبعة أمين الضرب.

والعقاب؟ قال قدس‌سره : أقول : إنّ الله تعالى يجعل لهم أجساما كأجسامهم في الدار الدنيا ، ينعم مؤمنيهم فيها ويعذّب كفّارهم وفسّاقهم فيها ، دون أجسامهم التي في القبور يشاهدها الناظرون تتفرّق وتندرس وتبلى على مرور الأوقات ، وينالهم ذلك في غير أماكنهم من القبور ، وهذا يستمر على مذهبي في النفس ومعنى الإنسان المكلّف عندي ، وهو الشيء المحدث القائم بنفسه الخارج عن صفات الجواهر والأعراض ، ومضى به روايات عن الصادقين من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولست أعرف لمتكلّم من الإمامية قبلي فيه مذهبا فأحكمه ، ولا بيني وبين فقهاء الإمامية وأصحاب الحديث فيه اختلافا ، انتهى.

فإنّ التحقيق : أنّ الأشباح موجودة في الإنسان ، وللأرواح تعلّق بها في هذه النشأة الدنيويّة وما يكتسب المكلّف من الثواب والعقاب فيها ويتنعّم أو يتألّم في مدّة البرزخ ، كلّ ذلك بتلك الأشباح والأبدان البرزخية ، ولا إشكال في تألّمه وتعذيبه فيها ، فإنّها غير خارجة عن الأبدان العنصرية بل لها تعلّق شديد وارتباط واتّحاد معها.

ويمكن أن يقال : إنّه ليس في كلام الشيخ المفيد (ره) والشيخ البهائي (ره) وغيرهما من الأكابر اختلاف مع ما ذكرناه في المعنى وإن كان ظاهر كلام الشيخ المفيد (ره) يفيد غير ما ذكرناه ، فإنّما هو اختلاف وتسامح في التعبير وإلّا فالمراد واحد كما يظهر عند التأمل والتحقيق ، وما ذكره الشيخ المفيد (ره) من مذهبه في النفس ومعنى الإنسان وتجرّده ، ونفى فيه الخلاف بين فقهاء الإمامية وأصحاب الحديث كلام حقّ متين.

وعمدة الأقوال في حقيقة الإنسان التي يتحصّل من بين الأقوال الكثيرة في معنى الروح عبارة عن قولين وباقي الأقوال لا يعبأ بها.

الأوّل : أنّه جوهر لطيف نوراني ملكوتي له تعلّق بالبدن.

والثاني : أنّه مجرّد حادث قائم بنفسه خارج عن صفات الجواهر والأعراض كما في تعبير الشيخ (ره) الذي عرفت.

وقال الشيخ المفيد (ره) في جواب السائل عن حقيقة الإنسان : إنّ الإنسان هو ما ذكره بنو نوبخت ، وقد حكى عن هشام بن الحكم (ره) ، والأخبار عن موالينا عليهم‌السلام

تدلّ على ما ذهب إليه ، وهي شيء قائم بنفسه لا حجم له ولا حيّز ، لا يصحّ عليه التركيب ولا الحركة ولا السكون ولا الاجتماع ولا الافتراق ، وهو الشيء الذي كانت تسمّيه الحكماء الأوائل «الجوهر البسيط» وكذلك كلّ حيّ فعّال محدث فهو جوهر بسيط وليس كما قال الجبائي وابنه وأصحابهما : إنّه جملة مؤلّفة ، ولا كما قال ابن الأخشاد : إنّه جسم متخلخل في الجملة الظاهرة ، ولا كما قال الأعوازي : إنّه جزء لا يتجزّأ ، وقوله فيه قول معمّر من المعتزلة وبني نوبخت من الشيعة على ما قدّمت ذكره ، وهو شيء يحتمل العلم والقدرة والحياة والإرادة والكراهة والبغض والحبّ ، قائم بنفسه محتاج في أفعاله إلى الآلة التي هي الجسد.

والوصف له أنّه حيّ يصحّ عليه القول بأنّه عالم قادر ، وليس الوصف له بالحياة كالوصف للأجساد بالحياة حسبما قدمناه ، وقد يعبّر عنه بالروح ، وعلى هذا المعنى جاءت الأخبار أنّ الروح إذا فارقت نعمت وعذبت ، والمراد الإنسان الذي هو الجوهر البسيط يسمّى الروح ، وعليه الثواب والعقاب ، وإليه يوجّه الأمر والنهي والوعد والوعيد.

وقد دلّ القرآن على ذلك بقوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) فأخبر تعالى أنّه غير الصورة وأنّه مركّب فيها ، ولو كان الإنسان هو الصورة لم يكن لقوله تعالى : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) معنى ؛ لأنّ المركّب في الشيء غير الشيء المركّب فيه ، ومحال أن تكون الصورة مركّبة في نفسها وعينها ؛ لما ذكرناه وقد قال سبحانه في مؤمن آل يس : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) فأخبر أنّه حيّ ناطق منعّم وإن كان جسمه على ظهر الأرض أو في بطنها ، وقال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ ...) فأخبر أنّهم أحياء وإن كانت أجسادهم على وجه الأرض أمواتا لا حياة فيها. وروي عن الصادقين عليهما‌السلام أنّهم قالوا : إذا فارقت أرواح المؤمنين أجسادهم أسكنها الله تعالى في أجسادهم التي فارقوها فينعّمهم في جنّته ، وأنكروا ما ادّعته العامة من أنّها تسكن في حواصل الطيور الخضر ، وقالوا : المؤمن

أكرم على الله من ذلك ، ولنا على المذهب الذي وصفناه أدلّة عقلية لا يطعن المخالف فيها ونظائر لما ذكرناه من الأدلّة السمعية ، وبالله أستعين (١) ، انتهى كلام الشيخ المفيد قدس‌سره.

أقول : والذي استقرّ عليه رأي المحقّقين من كبراء أساتذتنا وأعاظم مشايخنا كشيخنا وأستاذنا الإمام كاشف الغطاء قدس‌سره ، على ما ذكره في كتابه الفردوس الأعلى وقد جمعناه من رشحات أقلامه الشريفة ، وسيّدنا وأستاذنا المجاهد الأكبر الموسوي الخميني القاطن في النجف الأشرف اليوم أدام الله ظلّه ، وسيّدنا وأستاذنا العلّامة الأكبر السيد الطباطبائي التبريزي صاحب تفسير الميزان دام ظلّه الوارف ، وأستاذنا السيد المجتهد الأكبر السيّد البجنوردي قدس الله روحه ، هو أنّ في هذا الهيكل الإنساني روح مجرّدة بسيطة ، وجسد مادّي مركّب من العناصر ، وجسم آخر أثيري سيّال شفّاف أخفّ وألطف من الهواء ، هو برزخ بين الجسم المادي الثقيل والروح المجرّد الخفيف ، والبدن المادي والبدن الامتدادي المجرّد عن المادّة والروح المجرّدة عنهما شيء واحد ، وهذا البدن الامتدادي الأثيري هو همزة الوصل بين الروح المجرّدة عن المادة ذاتا المتعلّقة بها تصرّفا وبين البدن المادي ذاتا والذي هو آلة الروح تعلّقا وتصرّفا ، وتجد لهذا الرأي إشارة في كلمات الأكابر من القدماء والمتأخّرين ، وهو الذي يستفاد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار الواردة عن العترة الطاهرة عليهم‌السلام ، وهو رأي الحكيم المتشرّع الربّاني صدر المتألّهين قدس‌سره كما ذكره في كتبه وأسفاره ، قال قدس‌سره في كتابه العرشية : إنّ في باطن هذا الإنسان المخلوق من العناصر والأركان إنسانا نفسانيا وحيوانا برزخيا بجميع أعضائه وحواسه وقواه ، وهو موجود الآن ، وليست حياته كحياة هذا البدن عرضية واردة عليه من خارج بل له حياة ذاتية ، وهذا الإنسان النفساني جوهر متوسّط في الوجود بين الإنسان العقلي والإنسان الطبيعي ... انظر الأدلّة العقلية والنقلية في إثبات هذا الرأي إلى ما ذكره هذا الحكيم والفيلسوف الأكبر الإلهي قدّس

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١٤ ، ص ٤١٢ طبعة امين الضرب.

سرّه في كتبه وتصانيفه كالأسفار وغيرها ، وإلى ما بيّنه وحقّقه شيخنا الأستاذ قدس‌سره في الفردوس الأعلى بقلمه السيّال بأحسن بيان ، والله الموفق.

ص ٤٢٤ س ٢ : «أنّهما مخلوقتان».

وممّا يجب اعتقاده أنّ الجنّة والنار الكائنتين في يوم القيامة مخلوقتان الآن لا سيخلقان ؛ لشهادة ظواهر الآيات القرآنية والأخبار المعصومية بذلك ، ولا احتياج لارتكاب المجاز فيها مع إمكان الأخذ بالمعنى الحقيقي ، قال الله تعالى : (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) وقال تعالى : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) وقال تعالى : (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ).

فقد أخبر تعالى عن الإعداد بلفظ الماضي ، وهو يدلّ على وجودها وإلّا لزم الحمل على الكذب. وكذا قوله تعالى في حقّ أهل النار : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) والحمل على التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي عدول عن الظاهر بغير دليل ، بل الدليل على خلافه من الإجماع والضرورة ونصوص الأخبار ، ففي حديث صحيح الهروي كما في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني عن الجنة والنار أهما اليوم مخلوقتان؟ قال : نعم. وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد دخل الجنة ورأى النار لما عرج به إلى السماء ، قال : فقلت له : إنّ قوما يقولون : إنّهما اليوم مقدّرتان غير مخلوقتين فقال عليه‌السلام : ما أولئك منّا ولا نحن منهم ، من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذّب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذّبنا ، وليس من ولايتنا على شيء وخلد في نار جهنّم ، قال الله عزوجل : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ).

وفي كتاب صفات الشيعة للشيخ الصدوق (ره) بإسناده عن عمارة ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : ليس من شيعتنا من أنكر أربعة أشياء : المعراج ، والمساءلة في القبر ، وخلق الجنة والنار ، والشفاعة.

وفيه عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام قال : من أقرّ بتوحيد الله ، وساق الحديث إلى أن قال : وأقرّ بالرجعة ، والمتعتين ، وآمن بالمعراج ، والمساءلة في القبر ، والحوض،

والشفاعة ، وخلق الجنّة والنار ، والصراط ، والميزان ، والبعث والنشور ، والجزاء والحساب ، فهو مؤمن حقّا ، وهو من شيعتنا أهل البيت.

وفي تفسير النعماني (ره) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : وأمّا الردّ على من أنكر خلق الجنة والنار فقول الله تعالى : (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى).

وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : دخلت الجنّة فرأيت فيها قصرا من ياقوت يرى داخله من خارجه وخارجه من داخله من نوره ، فقلت : يا جبرئيل لمن هذا القصر؟ فقال : لمن أطاب الكلام ، وأدام الصيام ، وأطعم الطعام ، وتهجّد بالليل والناس نيام ، فقلت : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي أمّتك من يطيق هذا؟ فقال لي : ادن منّي فدنوت منه ، فقال : أتدري ما إطابة الكلام؟

فقلت : الله ورسوله أعلم. فقال : هو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر. أتدري ما إدامة الصيام؟ فقلت : الله ورسوله أعلم. فقال : من صام شهر رمضان ولم يفطر منه يوما. أتدري ما إطعام الطعام؟ فقلت : الله ورسوله أعلم. فقال : من طلب لعياله ما يكفّ به وجوههم.

أتدري ما التهجّد بالليل والناس نيام؟ فقلت : الله ورسوله أعلم. فقال : من لا ينام حتّى يصلي العشاء الآخرة ، ويريد بالناس هنا اليهود والنصارى ؛ لأنّهم ينامون بين الصلاتين.

فالظاهر من الآيات والروايات أنّ الجنّة والنار مخلوقتان ، ويجب الإيمان به بل الإيمان بكونهما مخلوقتين الآن من ضروريات الدين ، وتأويل الآيات والروايات لا يصار إليه ببعض الشبهات المنقولة عن بعض الفلاسفة الأقدمين ، فإنّها شبهات واهية لا ينبغي أن يعبأ بها في مقابل نصّ القرآن الكريم والأحاديث الواردة عن العترة الطاهرة سلام الله عليهم.

وإلى هذا القول ذهب أكثر طوائف المسلمين إلّا شرذمة من المعتزلة ، فإنّهم يقولون : سيخلقان في يوم القيامة ، ولم يذهب إلى هذا القول السخيف أحد من الشيعة الإمامية إلّا السيدين الأجلّين ذوا المجدين : السيد المرتضى علم الهدى وأخاه الشريف

الرضي جامع نهج البلاغة قدس‌سرهما.

والظاهر أنّ السيد علم الهدى قدس‌سره لم يصرّح بالاعتقاد بهذا القول ، بل يظهر منه الميل إليه ، وأمّا السيّد الشريف الرضي قدس‌سره فقد صرّح به في حقائق التأويل بقوله : «في ذكر الجنة والنار. هل هما مخلوقتان الآن أم تخلقان بعد فناء العباد؟ وقد اختلف العلماء في ذلك فمنهم من قال : هما الآن مخلوقتان ، وقال بعضهم : إنّ الجنّة خاصّة مخلوقة ، والصحيح أنّهما تخلقان بعد» (١).

ثمّ ذكر أدلّة في إثبات هذا القول ، ولكنها ضعيفة لا تقاوم الأدلّة القوية الدالّة على أنّهما مخلوقتان الآن.

وأكثر قدس‌سره من التأويل والحمل على المجازات مع أنّها لا يصار إليها مع صحّة الحمل على المعنى الحقيقي ، ونصوص الأحاديث الواردة عن العترة الطاهرة سلام الله عليهم دالّة على أنّهما مخلوقتان كما سمعت بعضها.

وقال الشيخ المحشّي (ره) على حقائق التأويل : «الخلاف في خلق الجنة والنار الآن أو أنّهما يخلقان يوم الجزاء مأثور عن قدماء المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة ، فقد ذهب الأشاعرة وأبو علي الجبائي وبشر بن المعتمر وأبو الحسن البصري إلى أنّهما مخلوقتان ، وهو مذهب أكثر علماء الإماميّة ، وأنكر أكثر المعتزلة ذلك كعبّاد الصمري وضرار بن عمر وأبي هاشم والقاضي عبد الجبار وإليه مال الشريف المرتضى» (٢) انتهى.

قال العلامة الشيخ البحراني (ره) في محاسن الاعتقاد ـ المخطوط ـ : واعلم أنّ الإيمان بالجنة والنار ـ على ما وردتا في الآيات والأخبار من غير تأويل ـ من ضروريات الدين ، ومنكرهما أو مؤوّلهما بما أوّلت به الفلاسفة خارج من الدين ؛ لأنّ كونهما مخلوقتين الآن قد ذهب إليه أكثر طوائف المسلمين إلّا شرذمة من المعتزلة ، فإنّهم يقولون سيخلقان في القيامة ، والآيات والروايات دافعة لقولهم مزيّفة لمذهبهم ،

__________________

(١) حقائق التأويل ، ج ٥ ، ص ٢٤٥ ـ ٢٤٨ ، طبعة النجف سنة ١٣٥٥.

(٢) حقائق التأويل ، هامش ص ٢٤٥.

ولم يذهب لهذا القول السخيف أحد من الإمامية إلّا ما ينسب إلى السيّد الرضيّ (ره) ، وقد وقع منه غفلة ، انتهى.

قلت : إنّ النسبة إلى السيد الشريف الرضيّ قدس‌سره محقّقة كما عرفت ، وأمّا قوله : منكرهما أو مؤوّلهما خارج من الدين ، فلعلّه من طغيان القلم إن كان المراد إنكار وجودهما فعلا وأمّا إن كان المراد هو إنكار وجودهما مطلقا فعلا وفي القيامة فهو كما ذكره خروج عن الدين ، كيف والمسألة خلافية من قديم الزمان بين المتكلّمين ، نعم صار بعد بثّ المحدّثين أحاديث العترة الطاهرة عليهم‌السلام من ضروريات الدين ولكن لم يكن وضوح المسألة في زمن السيّد (ره) بهذه المثابة حتّى يقال : إنّ منكرها خارج من الدين.

نعم ذكر الشيخ الصدوق (ره) القول بوجود الجنّة والنار وأنّهما مخلوقتان الآن من اعتقادات الإمامية ، وهو الاعتقاد الحقّ الحقيق بالإذعان والقبول. رحم الله معشر الماضين وألحقنا بهم في الصالحين.

ص ٤٢٦ س ١١ : «من الحساب والصراط والميزان».

اعلم أنّ الاعتقاد بالصراط والميزان والحساب وأمثالها والعلم بتفاصيلها من قبيل الواجبات المشروطة بحصول العلم بها ، وأمّا الاعتقاد بها إجمالا فهو من قبيل الواجبات المطلقة ، يجب تحصيل العلم واليقين والاعتقاد بها إجمالا. فلتوضيح المطلب لا بدّ لنا أن نقول: يجب في التديّن بمذهب الحقّ تحصيل الاعتقاد بالأمور الخمسة ، ومن لم يحصل الاعتقاد بها لا حظّ ولا نصيب له من الإسلام في الآخرة.

وقد وقع الكلام في أنّ الأمور الخمسة هل يجب الاعتقاد بها بالنظر والاستدلال وإقامة البرهان ، والعلم الحاصل من التقليد لا يجزي في تحقّق الإيمان؟ أو أنّ العلم الحاصل ولو من التقليد يكفي في تحقّقه؟

قولان : ذهب إلى الأوّل الإمام العلّامة قدس‌سره وغيره ، بل هو المشهور وادّعى (ره) تعالى إجماع العلماء كافة عليه. وإلى الثاني ذهب الشيخ الإمام الأنصاري قدس‌سره ، ويدل على مختاره أمور :

الأوّل : إنّ الإيمان هو التصديق القلبي والاعتقاد الجناني (١) فقط مع عقد القلب بإظهار آثاره ، وهو حاصل في صورة العلم بالأمور الخمسة من التقليد.

والثاني : إنّ العلم لا يحصل من غير دليل وإلّا يلزم وجود معلول بلا علّة ، وهو محال ، فالعلم الحاصل من التقليد علم حصل من الدليل ، ولا دليل لنا على تعيين دليل من الأدلّة وتخصيصه بواحد منها دون آخر.

الثالث : أنّه بعد ما حصل العلم من التقليد ، فإن لم يكف ذلك في تحقّق الإيمان وصار العالم بالمعارف الخمسة مأمورا بتحصيل مقدّمات العلم ، فيلزم منه أن يأمر المولى الحكيم بتحصيل الحاصل ، وقبحه معلوم.

ففي توضيح هذا المطلب نقول : إنّ النظر عبارة عن ترتيب أمور معلومة لتحصيل أمر مجهول ، وفي صورة حصول العلم من التقليد لا يبقى مجهول حتّى يكون العلم بالمقدّمات محصّلا العلم به ، نعم للمولى أن يأمر بحفظ صورة براهين لحفاظة المؤمنين من كيد أعداء الدين وإغواء حزب الأبالسة وإضلال الشياطين ؛ لئلّا يكونوا سببا لانحراف الناس عن الصراط السوي والمذهب الحقّ ، فيلزم من ذلك أن يكون حفظ صور البراهين واجبا كفائيا لا عينيا ، وبعد قيام من به الكفاية بذلك يسقط الوجوب ، وبناء عليه فلا دخل له في تحقّق الإيمان أصلا.

وأضف إلى ذلك أنّ هذا المعنى الذي ذكرناه لا يحصل بحفظ صورة البرهان فقط ، بل يلزم التعمّق في مباحث علم الكلام والبحث والتنقيب فيها حتّى يتمكّن من صيانة الدين عند الحاجة من بدع أهل البدعة والضلالة [ودفع] شبهات أهل الكفر والغواية.

__________________

(١) قال علماؤنا الإمامية (رض) : إنّ الإيمان الذي يوجب وجوده الخلود في الجنة وعدمه الخلود في النار ، هو التصديق القلبي فقط بالمعارف الخمسة ، وأمّا القول بأنّ الإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان فهو تعريف للإيمان الكامل ، نعم ذهب المحقّق الطوسي (ره) إلى أنّ الإيمان هو التصديق القلبي مع الإقرار باللسان ، ولكنّ المشهور هو الأول ، وتدلّ عليه الآيات والأخبار ، نعم يعتبر في إجراء أحكام الإسلام عدم الإنكار باللسان ، وقد حقّقنا هذه المسألة في رسالة مستقلة ، وينبغي للقارىء العزيز مطالعة كتاب حقائق الإيمان المطبوع للشيخ الإمام الشهيد الثاني قدس‌سره. ولكن غير خفيّ على الخبير أنّه يلزم مع التصديق القلبي عقد القلب بإظهار آثار الإيمان في الخارج كما حقّقه المحقّق القميّ (ره) وغيره.

وما ذكرناه من كفاية العلم الحاصل من التقليد لا ينافي الآية المباركة. (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (١) فإنّ المراد منها هو ذمّ اتّخاذهم دين آبائهم وأجدادهم بمحض التعصّب لهم ، وسلوك طريقتهم تعصبا وتقليدا لهم من غير أن يحصل لهم العلم والمعرفة ، ومن المعلوم أنّ سلوك هذه الطريقة مذموم شرعا وعقلا.

والظاهر أنّ من قال من علمائنا (ره) : إنّه لا يجوز التقليد في أصول الدين ، وهو المشهور المدّعى عليه الإجماع من العلّامة والشهيد (ره) ، مرادهم من ذلك هو هذا المعنى ، أعني التقليد الذي اشتهر في الألسن وقرع الأسماع ، وهو الأخذ بقول الغير والالتزام به من غير حصول العلم للمقلّد ، ولا ريب أنّ هذا التقليد لا يكفي في أصول الدين ، والتعبير بالتقليد عن العلم الحاصل من التقليد إن لم يكن غلطا فلا شكّ أنّه مسامحة في التعبير وخلاف ظاهر اللفظ ، ومن أخذ أصول دينه بهذا النحو من التقليد المصطلح في الفروع الدينيّة فليس فيه حقيقة الإيمان الذي هو من صفات القلب ، وهذا المطلب بديهي فضلا أن يكون إجماعيا.

نعم من أخذ أصول الدين بهذا النحو من التقليد وهو متديّن في الظاهر مع عدم الجحود والإنكار ، فهل تترتّب عليه الأحكام الظاهرية الموجودة في الشريعة المقدّسة الإسلامية أولا؟ فهو مقام آخر ، وإن كان الأقوى في هذا المقام هو ترتّب أحكام الإسلام على هذا المسلم : من حقن الدماء وحرمة الأموال والطهارة وجواز المناكحة وحلّ الذبيحة ونحوها ، ولا سيما في بدء الإسلام لحكمة تكثير سواد المسلمين وطلب ازدياد شوكة الدين حيث يكتفي بمجرد الانقياد والتسليم ، وهذه الحكمة موجودة في كلّ زمان ، نعم كانت أهمّ في بدء الإسلام قال تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٢) ولمّا لم يكن في أمثالهم حقيقة الإيمان فيعامل معهم في الآخرة معاملة الكفر ، وهم في زمرة المخلّدين في النار

__________________

(١) الزخرف ٤٣ : ٢٣.

(٢) الحجرات ٤٩ : ١٤.

ولا يستحقّون أن تشملهم شفاعة النبيّ المختار وآله الأطهار عليهم صلوات الملك الجبّار.

أمّا الذين يعتقدون المعارف الخمسة بالاعتقاد الجازم ، ولكن لجهلهم بصناعة الاستدلال عاجزون من ترتيب المقدّمات بصورة القياس ، كأكثر العوام من الذكور والإناث ، فعلمهم واعتقادهم علم حاصل من الدليل وواجدون لحقيقة الإيمان ، وعنهم وعن أمثالهم عبّر الشيخ الطوسي قدس‌سره في كتابه النفيس العدّة بأصحاب الجملة ، يعني أنّهم يعلمون معارف دينهم بنحو الإجمال وبالدليل الإجمالي ، ولا يتمكّنون من أداء ما في ضمائرهم على نحو التفصيل ، وذكر أنّ المحدّثين والأخباريين في باب أصول الدين من أصحاب الجملة.

وأمّا ما نطق به القرآن الكريم في حقّ إبراهيم الخليل عليه‌السلام بقوله تعالى : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (١) فالمراد من الاطمئنان ليس دون مرتبة العلم وإن كانت كفاية هذه المرتبة في تحقّق الإيمان لا تخلو من قوّة ؛ لأنّ عدم حصول علم اليقين لإبراهيم الخليل عليه‌السلام ينافي مقام النبوّة والعصمة ، وكونه من أولي العزم ، ومناقض ومضادّ لمرتبة الخلّة للرحمن.

بل الاطمئنان ، وهو عبارة عن سكون النفس وحصول الطمأنينة له مع وحدة المعنى ، له مرتبتان : مرتبة فوق مراتب الظن ودون مرتبة العلم ، ومرتبة فوق مراتب العلم والإيمان ، والمرتبة التي كان الخليل عليه‌السلام طالبا لحصولها هو الاطمئنان الذي هو فوق العلم ، ومع حصوله يأمن من تصرّفات الوهم ، فإنّ الإنسان مع جزمه على شيء ربّما يتصرّف الوهم فيه ، كما أنّه مع علمه وجزمه بأنّ بدن الميّت في القبر من قبيل الجمادات قطعا ، ولا حسّ ولا حركة له أصلا ولا يقدر على الإضرار أبدا ، ولكنّه مع ذلك متى صار عابرا ومجتازا في ظلمة الليل من بين القبور مع العلم الذي عرفت وجوده فيه ، يتصرّف الوهم فيه فيعرض له الاضطراب والخوف من أجساد الأموات ، كما أنّ الإنسان يعلم أنّ الله تعالى هو رازقه ، ومع ذلك إذا تأخّر رزقه يوما فيتصرّف

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٦٠.

الوهم فيه ، ويحصل له حالة الاضطراب من تأخّر رزقه ، ونظائر هذه الأمثلة كثيرة.

فكان مطلوب خليل الرحمن عليه‌السلام الاطمئنان الذي هو أعلى مراتب العلم والإيمان حتّى لا يكون معه سبيل إلى تصرف الوهم فيه ، فعن المحاسن والعياشي سئل الرضاعليه‌السلام أكان في قلبه شكّ؟ قال : لا ، كان على يقين ولكنّه أراد من الله الزيادة في يقينه هذا.

ولكن الإنصاف أنّ العالم بالمعارف الخمسة تقليدا وإن كان مؤمنا ظاهرا وباطنا وواجدا حقيقة الإيمان إلّا أنّ الاعتقاد التقليدي بواسطة تطرّق الشبهات يقع في معرض الزوال ، وربما ينهدم بإلقاء الشبهات والوساوس من شياطين الإنس والجنّ ، فتحصيل الإيمان كما يجب ابتداء يجب الاهتمام بحفظه وإبقائه أيضا ، ولا يحصل إبقاء الاعتقادات الدينية وحفظها عن الزوال وصيانتها عن عواصف الشبهات والجهالات إلّا بالاعتقاد بها بالنظر والاستدلال ، ومعرفتها بالدليل والبرهان.

وما كان شيوع أكثر المذاهب الباطلة والآراء الفاسدة ورواجها بين العوام إلّا أنّه لمّا لم تكن اعتقاداتهم بالدليل والبرهان ، ولم يكن أساس معتقداتهم مستحكما ومتقنا على ضوء الدليل والحجّة ، فتزول اعتقاداتهم بمجرد التشكيك والشبهات من أرباب المذاهب الباطلة ومن إغواء أعداء الدين والزنادقة فينهدم إيمانهم بأدنى تشكيك وشبهة ، قال الله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (١)

وأمّا الذين اعتقاداتهم ثابتة راسخة في قلوبهم بالدليل والبرهان فشبهات أهل الأهواء والمذاهب الشعواء بالنسبة إلى إيمانهم كالريح على الحجر لا تحرّكهم العواصف الفاسدة ولا تقلعهم الآراء الباطلة.

روى الشيخ الإمام النعماني (ره) في كتاب الغيبة عن الصادق عليه‌السلام : «من دخل في هذا الدين بالرجال أخرجته منه الرجال كما أدخلوه ، ومن دخل في هذا الدين بالكتاب والسنّة زالت الجبال قبل أن يزول».

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٤٥.

ومقتضى عموم «من» الشرطية أنّ من آمن بهذا الدين ودان به اعتمادا على قول الرجال سواء حصل له من قولهم العلم أم لا ، يكون إيمانه وإسلامه متزلزلا في معرض الزوال ، وأمّا من دان بهذا الدين بنور القرآن والسنّة ، فهو يخرج من ظلمات الكفر والضلالة ، ويدخل في الإسلام بالفهم والمعرفة ، يعني من قبل الإسلام على ضوء الأدلّة والبراهين العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم تصريحا أو تلويحا ، يكون إيمانه على أساس مستحكم وتزول جبال الأرض قبل أن يزول إيمانه واعتقاده.

وغير خفيّ على العاقل البصير أنّ العلم الحاصل من التقليد هو العلم العادي كما هو الغالب في التقاليد ، وهو الظن الاطمئناني ، وهو يحتمل الخلاف ، والذي يحتمل الخلاف واضح البطلان في أصول الدين ، والمطلوب هو العلم القطعي الذي لا يحتمل الخلاف وإلّا فالعقل لا يفرّق بين أسباب العلم القطعي سواء حصل عن تقليد أو نظر ، نعم إن حصل العلم القطعي من التقليد فيكفي في المطلوب ، وهو حصول العلم في أصول الدين كما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري (ره) ولكن الشأن في حصول العلم القطعي من التقليد ، فإنّ الحاصل منه هو العلم العادي وهو الظن الاطمئناني ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئا كما عرفت. وقد أشرنا إلى ذلك في تعاليقنا على أوائل الكتاب (١).

فبعد ما تبيّن أنّ معرفة أصول الدين والاعتقاد بالمعارف الخمسة لا بدّ وأن يكون بالدليل والبرهان والحجة والإيقان ، فلا محيص من التنبيه على أنّ هذه المعرفة لا تتوقّف على الخوض في مباحث علم الكلام ، والتوغّل في مطالبه ، واستقصاء ما ذكره المتكلّمون في الكتب الكلامية بأسرها وإن كانت تلك المباحث والمطالب والأدلّة تفيد العلم وتوجب المعرفة إلّا أنّ معرفتها والخوض فيها والإحاطة بها لا يجب عينا ، بل تطويل للمسافة ويوجب بعد الطريق مع وجود الطريق القريب ؛ فإنّ كلّ ما أوجب الله تعالى معرفته على عموم المكلّفين ، فالعقل حاكم على أنّه يجب أن تكون أدلّة

__________________

(١) انظر ص ٨١ ـ ٨٢.

معرفته على نحو يقدر أن تدركها عقول عامة المكلّفين ، ولا تقصر عن الوصول إليها ولا تعجز عن فهمها ، وإلّا فإن لم تكن سهلة المأخذ ولم ينلها القاصرون والبسطاء يلزم القبيح وخلاف العدل الإلهي ، وتعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، ألا ترى أنّ الله تعالى إذا أوجب مثلا رؤية الهلال على عامة المكلّفين من ذوي الأبصار ، فهذا التكليف في حقّ الإنسان الذي قوة الباصرة فيه ضعيفة ظلم قبيح ومخالف للعدل ، فمقتضى العدل والحكمة إمّا أن يكون هذا التكليف مختصّا بأقوام ذوي الأبصار القوية أو أنّ الله تعالى يجعل الهلال واضحا مرئيا بحيث يراه كلّ أحد ولو كان في أدنى مرتبة من الأبصار حيث يقدر على أن تحصل له الروية.

إذا تبيّن هذا فنقول : إنّ الله تعالى دعا ذوي العقول قاطبة على معرفته وأوجبها على كلّ واحد منهم ، فلا بدّ وأن تكون آياته وبيّناته وبراهين معرفته ظاهرة مكشوفة لكلّ واحد من أرباب العقول ، على حسب مراتبهم في الكمال والقصور ، بحيث يقدرون من إدراكها وفهمها بأدنى لفت نظر وبذل جهد. وتوضيحا للمرام. نقول : إنّ معرفة أصول الدين واجبة على عامة المكلّفين سواء كانوا من روّاد الفضل وحملة العلم والكمال أولا ، وسواء كانوا من أهل البلاد والشعوب ، أو من القبائل وسكان البوادي والأعراب ، وسواء كانوا من العرب والعجم ، أو من سائر الأقوام والأجناس ، وسواء كانوا من الرجال والنساء ، أو من الشباب والكهول ، وغيرهم.

ومن البديهي حينئذ أنّ طريق معرفة الصانع وتوحيده إن كان موقوفا على تعلّم علم الكلام والمطالب المندرجة فيه ، والمقدمات التي ذكرها المتكلّمون في الكتب الكلامية ، والبراهين التي سطّرها المتوغّلون في المباحث العقلية والبحوث العلمية من إبطال الدور والتسلسل مثلا ، ونظائر هذه المطالب والبحوث والدقائق ، فلا بدّ حينئذ أن تكون معرفة الله تعالى مختصّة بعدّة قليلة من هذه الطبقات والأصناف ، ويبقى غيرهم في مرتبة الإهمال ومرحلة الإبطال ، وبطلان هذا الأمر بديهي لا يحتاج إلى البيان وإقامة دليل وبرهان.

وينبغي التنبيه على أنّ أصول العقائد وتفاصيل المعارف الخمسة على قسمين :

[القسم] الأوّل : ما هو من قبيل الواجب المطلق وغير مشروط بشيء أصلا ، ويجب على جميع المكلّفين الاعتقاد والتديّن به ، فإنّ العلم من مقدّمات الواجب المطلق ، كوجوب الاعتقاد والتديّن بالمعارف الخمسة وتحصيل العلم بها وبعض العقائد الثابتة بالبراهين القطعية ولو إجمالا أو بضرورة الشرع ، مثل جملة من الصفات الثبوتية ، وأنّها عين الذات ، ونفي الجسمية والتركيب عن ذات الله تعالى شأنه.

ومن هذا القبيل جملة من أوصاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والوصي عليه‌السلام كالعصمة والأفضليّة على كافة الممكنات ، ومثل الاعتقاد على جملة من أمور المعاد كالموت والبرزخ وسؤال القبر والصراط والميزان وأمثالها على نحو الإجمال ، فيجب على جميع المكلّفين في هذا القسم من أصول العقائد تحصيل العلم بها ؛ لانفتاح باب العلم فيها على قاطبة المكلّفين بالأدلّة والبراهين القطعية من العقلية والنقلية ولو كان حصول العلم بها من التقليد ؛ فإنّه تحصيل للعلم من الدليل بناء على حصول العلم منه ، لا العلم العادي كما عرفت. ومن لم يحصّل الاعتقاد القطعي في هذا القسم من الاعتقادات فهو مقصّر خاطئ آثم وليس بمعذور ، نعم إن كان قاصرا عن تحصيل الاعتقاد القطعي في هذا القسم ولم يتمكّن من تحصيل العلم والقطع به مع بذل الوسع في ذلك ، فهل يجب عليه تحصيل الظّن به أو لا؟ فتفصيله موكول إلى محلّه وقد حقّقه الشيخ الإمام الأنصاري (ره) في الرسائل ، فراجع.

والقسم الثاني : من العقائد ما هو من قبيل الواجبات المشروطة ، فإن حصل للمكلّف العلم بها يجب الاعتقاد والتديّن بها وإلّا فلا ، كبعض التفاصيل المتعلّقة بالمعاد مثل العلم بحقيقة الصراط والميزان ، وأنّه ميزان كموازين الدنيا ، أو أنّه ميزان لمعيار الحسنات والسيّئات ، أو أنّ ميزان كلّ شيء بحسبه ، وكبعض التفاصيل المتعلّقة بالجنّة والنار (١) ، ومثل الاعتقاد ببعض كيفيات عذاب القبر وسؤاله ، وتفاصيل أحوال عالم

__________________

(١) كتفاصيل الجنة والنار التي ذكرها المحدّث المتبحّر الجزائري (ره) في كتابه الأنوار النعمانية ، كما أشرنا إلى ذلك في تعاليقنا عليه ، وممّا يقضي منه العجب أنّه قد ذكر فيه أنّه روى أنّ الحوراء العيناء استدارة عجيزتها ألف ذراع ، وفي عنقها ألف قلادة من الجوهر ، بين كل قلادة إلى قلادة ألف ذراع. انظر ج ٤ ص ٢٩٣ طبعة ـ

البرزخ ، وكيفيات تنعّم الأرواح وارتزاقهم عند ربّهم أو عقابهم في البرزخ بالأبدان المثالية البرزخية ، وغيرها من التفاصيل المتعلقة بأمور الآخرة.

فإن حصل للمكلّف طريق علمي بها وقطع بتلك التفاصيل ففي هذه الصورة يلحق هذا القسم الثاني بالقسم الأوّل. وإذا لم يحصل له طريق علمي بها على سبيل الجزم والقطع ، إمّا لعدم وجدان دليل أو من جهة تعارض الأدلّة أو إجمالها فهل يجوز لمكلّف تحصيل الظنّ بها والاكتفاء بالظّن في وجوب التديّن بها أو لا؟ وهل يجوز له تقليد الغير في هذا القسم من العقائد أو لا؟

الحقّ أنّه لا يجوز له في هذا القسم من العقائد اكتفاء بالظنّ في وجوب التديّن بها ، ولا يجوز له تقليد الغير فيها ؛ لأنّ المفروض عدم وجوب تحصيل العلم في هذا القسم من العقائد ، ولم يثبت التكليف بوجوب التدين بهذا القسم على الإطلاق ، بل ذلك مشروط بحصول العلم ، وما دام أنّه فاقد للشرط لم يكن التكليف بالمشروط فكيف يجوز أن يقال بوجوب الاعتقاد والتديّن في هذا القسم بمجرّد الظن أو التقليد والعمل به في أصول العقائد؟ ولا دليل قطعي لنا يفيد حجية الظنّ أو التقليد في هذه الصورة حتّى يكون هو المخرج عن حرمة العمل بالظنّ والتقليد.

ولقائل أن يتوهّم ويقول : لو كان النظر والاستدلال في المعارف وأصول الدين واجبا على المؤمنين ولم يكن التقليد جائزا عليهم لكان على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه أن يكلّفوا المؤمنين به كتكليفهم لسائر الواجبات الدينية.

قال المحقّق الدواني رحمه‌الله تعالى في شرح العقائد العضدية : «فإن قلت : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه والتابعين كانوا يكتفون من العوام بالإقرار باللسان والانقياد لأحكام الشرع ، ولم ينقل من أحد منهم أنّهم كلّفوا المؤمنين بالنظر والاستدلال ، كيف

__________________

ـ تبريز ، فهل الرجل العاقل يرضى بنقل ذلك؟

وإنّي أحتمل قويا الوضع والدسّ في أمثال هذه الأخبار من أعداء الإسلام خذلهم الله تعالى ، والمحدّث المذكور إنّما نقل هذا الخبر وأمثاله بناء على مسلكه الأخباري من التمسّك بكلّ خبر صحيح وضعيف وموضوع ومجهول ومدلّس.

ومنهم من أسلم تحت ظلّ السيف!! ومعلوم أنّه في هذه الحالة لم يظهر له دليل دالّ على إثبات الصانع وصفاته.

قلت : إنّهم لم يكلّفوهم بالنظر من أوّل الأمر ، بل كلّفوهم أوّلا بالإقرار والانقياد ، ثمّ علّموهم ما يجب اعتقاده في الله وصفاته ، وكانوا يفيدونهم المعارف الإلهية في المحاورات والمواعظ والخطب على ما تشهد به الأخبار والآثار ، غاية الأمر أنّهم ببركة صحبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه والتابعين وقرب الزمان بزمانه عليه الصلاة والسّلام كانوا مستغنين عن ترتيب المقدّمات وتهذيب الدلائل على الوجه الذي ينطبق على القواعد المدوّنة ، ولكنهم كانوا عالمين بالدلائل الإجمالية ، بحيث لم تكن الشبهة والشكوك متطرّقة إلى عقائدهم بوجه من الوجوه.

والحاصل أنّهم كانوا متيقّنين بالمعارف الإلهية ، ويرشدون غيرهم إلى طريق تحصيل اليقين بوجوه شتّى ، حسب ما يقتضيه استعداداتهم ، قال الأعرابي : البعرة تدلّ على البعير وأثر الأقدام على المسير ، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدلّان على اللطيف الخبير جلّ جلاله؟ وقال بعض العارفين حين سئل بم عرفت ربّك؟ فقال : عرفته بواردات تعجز النفس عن عدم قبولها. وقال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : «عرفت الله بنقض العزائم وفسخ الهمم» وأنت إذا تأمّلت وأحطت بجوانب الكلام علمت أنّ الاشتغال بعلم الكلام إنّما هو من قبيل فرض الكفاية ، وما هو فرض عين هو تحصيل اليقين بما يبلج به صدره وتطمئنّ به نفسه وإن لم يكن دليلا تفصيليا» انتهى كلامه (ره).

«علم الامام عليه‌السلام»

والجدير بالذكر هنا أنّ من الاعتقادات التي هي من قبيل الواجبات المشروطة بحصول العلم ، هو الاعتقاد بعلم الامام عليه‌السلام من حيث الكمية والكيفية من الحصولي أو الحضوري ، كتفاصيل حقيقة الصراط والميزان والجنّة والنار وغيرها ، فإن حصل العلم بها يجب الاعتقاد تفصيلا. وليس من قبيل الواجبات المطلقة حتّى يكون تحصيل العلم بها من مقدّمات الواجب المطلق ، ولكنّ التحقيق أنّ هذا الموضوع الاعتقادي ليس على

إطلاقه ، بمعنى أنّ الاعتقاد بعلم الإمام عليه‌السلام من حيث الكمية والكيفية ليس من قبيل الواجب المشروط مطلقا حتّى بالنسبة إلى الخواصّ أيضا ، بل بالنسبة إليهم من قبيل الواجبات المطلقة ، ويجب لهم تحصيل الاعتقاد في ذلك ؛ فإنّ له ضرورة خاصة وإن لم يكن له ضرورة عامة لجميع المكلّفين ، فلا بدّ لنا من تحقيق ذلك وتوضيحه لينكشف واقع المطلب فنقول :

قال بعض المحققين (ره) : إنّ معرفة علم الإمام من حيث الكمية والكيفية وإن لم تكن كسائر العقائد الضرورية في عدم معذورية المخطئ فيها وخروجه عن الإيمان ومذهب الإسلام الموجب للخلود في النار ، إمّا لعدم الضرورة فيها أصلا ، وإمّا لأنّ الضرورة فيها على تقديره ـ كما هو الأصحّ ـ ضرورة خاصة بالخواصّ من أهل العلم ، لا ضرورة عامة يعلم بها حتّى النسوان والصبيان حتّى لا يعذر فيه المخطئ والمخالف ؛ كما توهّم كلّ من المختلفين في المسألة كفر خصمه أو خروجه عن المذهب والإيمان الموجب للخلود في النار ، ولا كبعض تفاصيل البرزخ والمعاد من كيفيات الحساب والصراط والميزان والجنة والنار من العقائد الواجب الاعتقاد بها باطنا والتديّن بها ظاهرا بالوجوب المشروط بحصول المعرفة بها قهرا ، حتّى لا يجب تحصيلها مقدّمة ، ويعذر فيها الجاهل والمعتقد بها إجمالا على ما هي عليها من التفصيل واقعا ، كما هو شأن سائر الواجبات المشروطة كما زعمه بعض الأصحاب ؛ إذ كما أنّ فرضها من قبيل العقائد الضرورية في عدم معذورية المخطئ والجاهل فيها إفراط ، كذلك فرضها من قبيل الواجبات المشروطة في عدم وجوب تحصيلها تفريط ، كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ الناس فيك بين غال وقال.

وخير الأمور أوسطها ، وهو كون معرفة علم الإمام من حيث الكمية والكيفية المختلف فيه ، كمعرفة شخص الإمام بالنسب المعروف المختصّ به ووصفه بالإمامة والعصمة، بل هي منها ، بل كمعرفة الله وسائر الواجبات المطلقة من أصول العقائد في قيام الأدلّة الأربع على وجوب تحصيل الاعتقاد التفصيلي بها باطنا ، والتديّن بها ظاهرا بالوجوب المطلق، لا المشروط بحصول المعرفة قهرا ، فيجب تحصيلها مقدّمة وعلى

مدخليته في العدالة بل الإيمان وجودا وعدما على وجه لا يعذر فيه الجاهل التارك لتحصيل المعرفة بها مقدّمة ، ولا المعتقد بها إجمالا ، فإن عذر المحصّل المخطئ فيها قصورا ، والجاهل المستضعف كالنساء والبنين عفوا.

أمّا من الكتاب فيكفي الدليل على ذلك إطلاق قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) نظرا إلى أنّ من مقدّمات العبادة ، بل من أعظم أفرادها معرفة المعبود ومعرفة خلفائه الكرام أو إلى ما ورد في تفسير يعبدون بيعرفون.

وأيضا إطلاق وجوب التفقّه في الدين الشامل لمطلق المعارف بقرينة ما ورد من أنّ معرفة الإمام من تمام الدين وكماله.

أو بقرينة استشهاد الإمام عليه‌السلام بها لوجوب النفر لمعرفة الإمام بعد موت الإمام السابق.

وأيضا عموم قوله تعالى : (لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) نظرا إلى عموم الجمع المحلّى باللام لنعمة الإمامة التي هي من أعظم النعم ، أو نظرا إلى ما ورد في تفسيره بنعمة الإمامة.

وأيضا عموم قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) نظرا إلى أنّ تكليف الإمامة من جملة الأمانات المكلّف بها الإنسان بل من أعظمها ، أو إلى ما ورد في تفسيرها بخصوص الإمامة.

وأمّا من السنة فيكفي الدليل عليه إطلاق النبوي المشهور بين الفريقين العامة والخاصة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» (١) ضرورة أنّ المراد من معرفته ليس معرفة شكله وشمائله بالرؤية ، بل معرفة شخصه بالنسب المعروف المختصّ به ، ووصفه بالإمامة والعصمة التي من لوازمها عموم علمه وفعليته.

__________________

(١) مسند الإمام أحمد ، ج ٤ ، ص ٩٦. أجمع أهل الإسلام أنّ هذا الحديث قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال بعض علماء العامة : فمن لم يعرف إمام زمانه وأنه في ظلّ أمانه فكما عاش عيشة جاهلية فقد مات ميتة جاهلية. انظر هامش شرح عقائد النسفي ، طبع إسلامبول ص ١٨١. وانظر إلى أنيس الموحّدين وما كتبنا في هامشه ص ١١٢.

وأيضا إطلاق المأثور في الجامعة وغيرها : «من عرفكم فقد عرف الله ومن جهلكم فقد جهل الله».

وأيضا إطلاق المأثور في ضمن حديث الطارق : «من عرفهم وأخذ عنهم ومنهم فإليه الإشارة بقوله : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي).

وأيضا عموم قوله عليه‌السلام : «ما أعرف شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس» بناء على أنّ الأفضلية من الواجب المطلق خصوصا من مثل الصلاة يستلزم الوجوب المطلق ، إلى غير ذلك من عموم جميع الآيات والأخبار الدالّة على وجوب الإيمان والتفقّه ، والمعرفة والتصديق ، والإقرار والتديّن والشهادة ، وعدم الرخصة والمعذورية في الشكّ والجهل بمعرفة الله ومعرفة خلفائه ومراتب سفرائه عليهم‌السلام ، مع تيسر العلم بها لأحد من المكلّفين إلّا المستضعفين كالنساء والبنين.

وأمّا احتمال انصراف معرفة الإمام في تلك الإطلاقات إلى معرفته الإجمالية بأظهر خواصّه وخصائصه ، وهي الرئاسة العامة الإلهية ، دون معرفته التفصيلية بجميع خصائصه الكمالية ، كاحتمال كون المراد وجوب الاعتقاد والتديّن مشروطا بحصول المعرفة قهرا لا مطلقا ليجب تحصيلها مقدمة ، فخلاف الأصل والظاهر.

بل قد يقال : إنّ الاشتغال بالعلم المتكفّل لمعرفة الله ومعرفة خلفائه أهمّ من الاشتغال بعلم المسائل العملية ، بل هو المتعيّن ؛ لأنّ العمل يصحّ عن تقليد فلا يكون الاشتغال بعلمه إلّا كفائيا بخلاف المعرفة.

وأمّا من الإجماع فهو الظاهر من إطلاق ما استدلّ به العلّامة (ره) والفاضل المقداد (ره) في الباب الحادي عشر وشرحه من إجماع العلماء كافة على وجوب تحصيل المعارف بالنظر والاجتهاد ، وأنّ الجاهل بها عن نظر واستدلال خارج عن ربقة الإيمان مستحقّ للعذاب الدائم. وهو الظاهر أيضا مما عن العلامة (ره) في الرسالة السعدية حيث إنّه بعد ما نقل جواز السهو عن طائفة حتّى قالوا : إنّه كان يصلّي الصبح فقرأ مع الحمد النجم إلى أن ألحق بآخره «تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى» قال : وهذا في الحقيقة كفر ، فإنّ كفرية السهو عليه مستلزم لضرورية بطلانه فضلا عن إجماعيته إلّا

أن يريد به كفريّة السهو فيه ، وهو قوله : تلك الغرانيق العلى ... الخ ، لا نفس السهو.

وأمّا من العقل فيكفي أيضا ما استدلّ به المتكلّمون على وجوب تحصيل المعارف والنظر في المعجزة بقاعدة وجوب شكر المنعم ، حيث إنّ الأئمّة بالنسبة إلى سائر الخلق أولياء النعم بالنقل والعقل ، كما أنّ الله تعالى بالنسبة إلى الكلّ وليّ النعمة.

ومن البين توقّف شكر المنعم الذي هو عبارة عن تعظيمه باللسان على الجميل الاختياري على معرفة المنعم وما يصح منه وما يمتنع عليه حذرا من اتّصافه في مقام الشكر بما لا يليق بحاله من الجهل والنقص ، وبقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، حيث إنّ الجاهل بشيء من المعارف يحتمل في نفسه أن يفوته من مصالح العلم ويصيبه من مفاسد الجهل ما يتضرّر به ، وهو ألم نفساني يجب بإلزام العقل دفعه ، بل وبقاعدة دفع الضرر المظنون ، بل المعلوم كما عن العلّامة (ره) في الرسالة السعدية تقريبه : بأنّ من المعلوم بالضرورة أنّ وصف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعصمة أكمل وأحسن من وصفه بضدّها ، فيجب المصير إليه ؛ لما فيه من دفع الضرر المظنون بل المعلوم.

ص ٤٥٣ س ٤ : «للإجماع على غفرانه مع التوبة».

بحث شريف حول التوبة والعفو الإلهي وعدم الإغراء بالمعصية

غير خفيّ على من له إلمام بالعلوم الدينية والبحوث الإسلامية والآيات القرآنية أنّ موضوع التوبة من البحوث العلمية المهمّة التي عنى بها علماء الإسلام من الشيعة والسنة والباحثون منهم في علم الاخلاق والفروع الفقهية ، ولهم الاهتمام الكثير في البحث حولها ؛ لأنّها من أركز دعائم الخلق الكامل ومن أرسى القواعد المؤدّية إلى سعادة الدنيا والآخرة ؛ لأنّها ترفع الإنسان من حضيض النقص والذلّ إلى أوج الرقّي والكمال ومن رذيلة التوحش إلى مدارج الفضيلة ؛ لأنّها أعظم نعمة أنعمها الله تعالى على عباده ، وبها تصفّى النفوس الإنسانية عن كدورات المعاصي والموبقات وتصلح المجتمعات ، فإنّها الرجوع إلى الله تعالى والتخلّق بأخلاقه تعالى في ضوء تعاليم الإسلام المقدّسة.

قال بعض المحقّقين (ره) : التوبة من أعظم نعم الله تعالى على عباده ؛ لأنّها ممحاة

للذنوب مسترة للعيوب ، مرضاة للرحمن ، مسخطة للشيطان ، مفتحة لأبواب الجنان ، معدّة لإشراق شموس المعارف الإلهية على ألواح النفوس ، مستنزلة للمواهب الربّانية من الملك القدوس ، روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : لا شفيع أنجح من التوبة ... وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الله تعالى يفرح بتوبة عباده المؤمنين إذا تابوا كما يفرح أحدكم بضالّته إذا وجدها ، انتهى.

ولذلك حثّ القرآن الكريم على التوبة في كثير من آياته الكريمة ، وأمر صاحب الشريعة المقدّسة عليها ، وورد عن العترة الطاهرة في الحثّ عليها الأحاديث الكثيرة مذكورة في مظانّها من الجوامع الحديثية.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ التوبة يجمعها ستّة أشياء : على الماضي من الذنوب الندامة ، وللفرائض الإعادة ، وردّ المظالم ، واستحلال الخصوم ، وأن يعزم أن لا يعود ، وأن يذيب نفسه في طاعة الله كما ربّاها في معصيته ، وأن يذيقها مرارة الطاعة كما أذاقها حلاوة المعصية.

أجمع المسلمون على سقوط العقاب بالتوبة ، ولكن اختلفوا في أنّه هل يجب إسقاط العقاب عند التوبة بحيث لو عوقب التائب بعد توبته كان ظلما ، أو أنّ إسقاط العقاب تفضّل من الله تعالى ورحمة منه بعباده؟

فللمتكلّمين قولان :

الأوّل : رأي المعتزلة وهم قالوا بوجوب الإسقاط ، واستدلّوا على ذلك بعدم حسن التكليف بالتوبة إذا لم يكن إسقاط العقاب واجبا.

والثاني : رأي الإمامية والأشاعرة ، حيث قالوا بعدم الوجوب ، وإنّ العفو عند التوبة تفضّل من الله تعالى ، وإنّ التكليف بها تعريض للطاعة والثواب. والإمامية قالوا بعدم الدلالة العقلية على وجوب العفو.

وعلى القولين لا شكّ أنّ قبول التوبة مع تحقّق شروطها ممّا لا ريب فيه ويسقط العقاب بها. (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) وغيرها من الآيات النيّرات.

واستدلّ بعض علمائنا رحمه‌الله تعالى على وجوب قبول التوبة بقوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ... إلخ ، و «كتب» بمعنى أوجب كما نصّ عليه بعض المفسّرين.

وقال بعض الأعاظم (ره) : إنّ المراد بقبول التوبة إسقاط العقاب بها ، وهو مما أجمع عليه أهل الإسلام ، وإنّما الخلاف في أنّه هل يجب القبول حتّى لو عاقب بعد التوبة كان ظلما؟ أو هو تفضّل وكرم من الله تعالى بعباده ورحمة بهم؟. المعتزلة على الأوّل ، والأشاعرة على الثاني ، وإليه ذهب الشيخ الطوسي قدس‌سره في كتاب الاقتصاد والعلّامة قدس‌سره في بعض كتبه الكلامية ، وتوقّف المحقق الطوسي (ره) في التجريد ، انتهى.

قال الفاضل البحراني رحمه‌الله تعالى في كتابه محاسن الاعتقاد ـ المخطوط ـ : لا شكّ في أنّ التوبة مسقطة للعقاب كما أجمع عليه أهل الإسلام ، وإنّما الخلاف في أنّه هل يجب على الله القبول حتّى لو عاقب بعد وقوع التوبة يكون ظلما؟ أو هو تفضّل محض بفعله سبحانه كرما منه ورحمة بعباده؟ فالمعتزلة وأكثر الإماميّة على الأوّل ، والأشاعرة على الثاني ، وإليه ذهب شيخ الطائفة في كتاب الاقتصاد ، والعلّامة الحلّي في بعض كتبه الكلامية ، وتوقّف المحقق الطوسي في التجريد ، والظاهر من الأخبار وأدعية الصحيفة هو الثاني ، وهو مختار الطبرسي في المجمع ، ونسبه إلى أصحابنا كافة ، ودليل الوجوب ضعيف مدخول كما لا يخفى على من تأمل فيه ، انتهى. نقلنا ذلك ليعرف القارئ الكريم أنّه نسب الموافقة مع المعتزلة إلى أكثر الإمامية ، ولم يكن ذلك فيما ذكره بعض الأعاظم (ره).

ثمّ إنّ من لم يوفّق للتوبة وارتكب الكبائر الموبقة وارتحل عن الدنيا بلا توبة ولم تشمله هذه النعمة ، فهل يمكن أن يشمله العفو الإلهي في الآخرة أو لا؟ بمعنى أنّه هل يجوز أن يشمل العفو الإلهي بعض المذنبين بلا توبة أو لا يجوز؟

هنا اختلاف بين المتكلّمين :

فالمعتزلة قالوا : إنّ مرتكب الكبيرة كافر يستحقّ الخلود في النار ، واستدلّوا على

رأيهم من الكتاب الكريم بآيات الوعد والوعيد منها : قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) وقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) وقوله تعالى : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) والله تعالى صادق بما يعد. ومن هنا نشأ قولهم : إنّ الله لا يغفر الكبائر من غير توبة ، فحيث يموت المسلم عن طاعة وتوبة يستحقّ الثواب ، وحيث يموت عن غير توبة من كبيرة اقترفها يخلد في النار إلّا أنّ عذابه فيها يكون أخفّ من عذاب الكفار.

وهذا الرأي يرتكز على مذهبهم من القول بالمنزلة بين المنزلتين ، وهو أنّ مرتكب الكبيرة ـ على هذا المذهب ـ لا مؤمن ولا كافر ، بل هو فاسق في منزلة ثالثة بين منزلتي الإيمان والكفر ، فالفاسق في رأيهم لا يرتفع إلى سموّ الإيمان ولا ينخفض إلى حضيض الكفر وإنّما هو «بين بين».

والذي يؤخذ عليهم : أنّه يلزم على هذا القول إنكار الشفاعة يوم القيامة ، وتجاهل الآيات الحكيمة التي تقول بها ، والتمسك بالآيات النافية لها. وإشكال المعتزلة عليها سنشير إليه مع نقده ودفعه إن شاء الله تعالى.

والأشاعرة قالوا : إنّ مرتكب الكبيرة التي دون الشرك مسلم مؤمن ، وهذا الذنب لا يخرجه من الإيمان ولا يدخله الكفر ؛ لبقاء التصديق الذي هو حقيقة الإيمان عند العبد العاصي من المسلمين ، ولإجماع الأمّة الإسلامية منذ زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على وجوب تأدية الصلاة على من مات من المسلمين عن كبيرة من غير توبة ، والدعاء له ودفنه في مقابر المسلمين ، ولإطلاق القرآن الكريم لفظ الإيمان على العاصي في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) وفي قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً).

وأمّا الشيعة الإمامية فهم يتفقون مع الأشاعرة في القول بأنّ مقترف الكبيرة مؤمن ؛ لتصديقه بالله ورسوله وإقراره بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويرون أنّه معاقب على ذنبه هذا إذا لم يحصل له أحد أمرين :

الأوّل : عفو الله تعالى وعفوه مرجوّ متوقّع وقد وعد به ، وخلف الوعد

غير مستحسن من الجواد المطلق ، ولمدحه نفسه تعالى بأنّه «غفور رحيم».

وللمحقّقين من المتكلّمين أدلّة قوية في إثبات عفو الله تعالى ، وأنّه مرجوّ متوقّع في حقّ المرتكبين للكبائر إن ماتوا من غير توبة.

منها : أنّ العقاب حقّ الله تعالى فيجوز تركه ، ولا ضرر في الترك ؛ لأنّه تعالى غنيّ بذاته عن كلّ شيء ، وقال الشيخ المصنّف (ره) في إرشاد الطالبين : «العقاب حقّه تعالى فجاز منه إسقاطه ، أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني ؛ فلأنّه لا ضرر عليه في تركه ولا لوم مع أنّه إضرار بالعبد ، فتركه إحسان إليه ، وكلّما كان كذلك كان إسقاطه جائزا بل ذلك غاية الإحسان قطعا» (١).

منها : أنّ العقاب ضرر بالمكلّف ، ولا ضرر في تركه على مستحقّه ، وكلّما كان كذلك كان حسنا.

منها : قال الله تعالى في كتابه الكريم بأنّه (لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (٢) وأجمع المسلمون على ذلك ، ولا معنى له إلّا إسقاط العقاب عن العاصي.

منها : إنّما يكون العفو عن المذنب غير جائز ومستحيلا إذا لم يكن هناك مرجّح له ، وإمّا إذا كان المرجّح ـ وهو الفائدة المخرجة للفعل عن أن يكون عبثا ـ موجودا في نوعه فلا استحالة فيه ، والفائدة تتحقّق في شمول العبد المذنب بالعفو الإلهي.

منها : تحقّق «عدم وجود المانع» من صدور العفو عنه تعالى لمن يشاء من غير فرق في ذلك بين الصغير والكبير من الذنوب بل وبين الكفر وغيره ؛ إذ لا رادّ لحكمه ولا مبدّل لكلماته ، وهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ... إلّا أنّه لما ثبت أنّ أفعاله كأحكامه تابعة للمصالح ، فالتخصيص ببعض دون بعض لا بدّ وأن يكون لمخصّص ، والمخصص قد يكون «شفاعة» نبيّ له أو وصيّ ، أو مؤمن أو من جهة ملكة نفسانية حسنة كالسخاء أو صلة الرحم مثلا : نقل هذا الدليل مؤلّف كتاب التوبة والعفو

__________________

(١) إرشاد الطالبين ، ص ٢٠٥.

(٢) (لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) الحج ٢٢ : ٦٠ ؛ المجادلة ٥٨ : ٢ (عَفُوًّا غَفُوراً) النساء ٤ : ٤٣ ـ ٩٩ (عَفُوًّا قَدِيراً) النساء ٤ : ١٤٩.

الالهي (١) عن سيدنا الأستاذ الأكبر المرجع الأعلى للشيعة اليوم السيد أبي القاسم الخوئي دام ظلّه الوارف ، ويأتي نقل نصّ كلماته الشريفة فيما يأتي مع نقل كلمات عن سيدنا الأعظم الطباطبائي التبريزي قدس‌سره أيضا إن شاء الله تعالى.

منها : أنّ الكثير من آيات القرآن الكريم دالة على جواز العفو ووقوعه عن بعض المذنبين بلا توبة. منها قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ).

وهذان الحكمان : نفي المغفرة في أوّل الآية بقوله : (لا يَغْفِرُ). وإثباتها في آخرها بقوله : (وَيَغْفِرُ) إمّا أن يكونا مع التوبة أو بدونها ، والأوّل وهو وقوعهما مع التوبة باطل ؛ لأنّه يلزم منه عدم مغفرة الشرك مع التوبة ، وممّا أجمع عليه المسلمون غفران الشرك مع التوبة. وحيث يبطل الأوّل يتعيّن الثاني ، وهو مغفرة ما دون الشرك من الذنب بلا توبة. مضافا إلى أنّ المعصية مع التوبة يجب غفرانها كما تقدّم ، وعليه فليس المراد في الآية الكريمة المعصية التي يجب غفرانها ؛ لأنّ الواجب لا يعلّق بالمشيئة وإلّا لما كان قوله : (لِمَنْ يَشاءُ) حسنا ، فوجب أن يكون المقصود في الآية المعصية التي لا يجب غفرانها.

منها : أنّ مرتكب المعصية الكبيرة إنّما يعاقب إذا لم يكن هناك ما يمنع من عقابه ، وهو أمران :

الأوّل : عفو الله تعالى فإنّ عفوه مرجوّ متوقّع ، خصوصا وقد وعد به في العديد من آيات القرآن الكريم (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) ... (يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ... (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ... (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) ... (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) وخلف الوعد لا ريب أنّه غير مستحسن من الجواد المطلق ؛ لمدحه نفسه بأنّه غفور رحيم. والحكم في هذه الآيات المباركة ليس إلى الصغائر من الذنوب ، ولا إلى الكبائر

__________________

(١) التوبة والعفو الإلهي ، ص ٦٦ ، طبعة سنة ١٣٧٥ ، البصرة ـ العشّار.

مع التوبة ؛ لقيام الإجماع على سقوط العقاب فيهما ، فلا فائدة في العفو ، فلا بدّ وأن يكون متوجّها إلى الكبائر قبل التوبة.

الثاني : شفاعة النبي خاتم الأنبياء محمد صلوات الله عليه وآله وسلّم ، وشفاعته متوقّعة بل واقعة ؛ لصريح قوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ، وقد ثبت أنّ مرتكب الكبيرة مؤمن لتصديقه بالله ورسوله وإقراره بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك هومعنى الإيمان ؛ لأنّ الإيمان هو التصديق القلبي مع عقد القلب بإظهار آثاره ، وحين تعطى له صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه المنزلة الرفيعة ، وحين يؤمر أن يستغفر للمؤمن لن يتركه لعصمته صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأنّ استغفاره صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمّته مقبول تحصيلا لمرضاة الله تعالى ؛ لقوله جلّ وعلا : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» ولقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما شفاعتي لأهل الكبائر ، وأما المحسنون فما عليهم من سبيل (١)».

وآيات الشفاعة لأهل الكبائر من المسلمين كثيرة ، وبها يندفع إنكار المعتزلة لها بقولهم بأنّ الشفاعة تتعارض مع مبدأ الوعد والوعيد ، وعليه ليس لأحد أن يشفع عند الله لأحد فتكون الشفاعة نجاة له من العقاب ، بل تجد كلّ نفس يومئذ من الثواب بقدر عملها الصالح ، ومن العقاب بقدر عملها السيّئ ؛ فإنّ قولهم هذا نظر سطحي ، وبالنظر العميق لا تتعارض الشفاعة مع مبدأ الوعد والوعيد ، فإنّ الآيات القرآنية تنفي الشفاعة من جهة وتثبتها من جهة أخرى ، وليس من المعقول الأخذ بآيات وصرف النظر عن آيات أخرى ، فإليك نقل عدة كثيرة من آيات الشفاعة فيما يلي :

١ ـ (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (٢).

٢ ـ (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) (٣).

__________________

(١) رسالة العدالة للشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره.

(٢) البقرة ٢ : ٢٥٥.

(٣) يونس ١٠ : ٣.

٣ ـ (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (١).

٤ ـ (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (٢).

٥ ـ (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (٣).

٦ ـ (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) (٤).

٧ ـ (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (٥).

٨ ـ (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٦) ٩ ـ (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) (٧)

١٠ ـ (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) (٨).

القارئ الكريم بعد أن يقرأ هذه الآيات الكريمة ، يظهر له جليا أنّ القرآن الكريم ينفي الشفاعة في بعض الآيات إلّا أنّ هذا النفي لم يكن عاما ، وإنّما كان مختصّا بالمشركين والكافرين أو بالشفاعة التي يزعمها المشركون للذين اتّخذوهم آلهة مع الله سبحانه وتقدّس ، من أنّهم قادرون على تنفيذ شفاعتهم حتما أو شفاعة الشفيع الذي يطاع حتما.

والآيات الشريفة تثبت الشفاعة من جهة أخرى ؛ لئلّا يتوهّم أنّها منفية نفيا مطلقا

__________________

(١) مريم ١٩ : ٨٧.

(٢) طه ٢٠ : ١٠٩.

(٣) الأنبياء ٢١ : ٢٨.

(٤) سبأ ٣٤ : ٢٣.

(٥) غافر ٤٠ : ١٨.

(٦) الزخرف ٤٣ : ٨٦.

(٧) النساء ٤ : ٨٥.

(٨) النجم ٥٣ : ٢٦.

عن كلّ انسان بما استدرك واستثنى في أواخر الآيات الشريفة بقوله تعالى : (إِلَّا بِإِذْنِهِ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى).

هذه الآيات المباركة صريحة في الدلالة على أنّه يقع العفو الإلهي عن بعض المذنبين من المؤمنين ، تفضّلا من الله تعالى عليهم ، وبعد أن أذن الله بالشفاعة للشافعين وأنّ العفو واقع من الله تعالى بسبب من الأسباب التي من جملتها «الشفاعة».

ومن الدليل على وقوع العفو الإلهي عن بعض المذنبين بلا توبة الآية المباركة : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

وقد روي عن ثوبان مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ما أحبّ أنّ لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ، يشير إلى الآية المذكورة. وعن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أنّه قال : ما في القرآن آية أوسع من (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) الآية. وسئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن هذه الآية : أخاصّة هي أم للمسلمين عامة؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل هي للمسلمين عامة «ولله سبحانه المشيئة» في المذنب الذي لم يتب ، يعذّبه بعدله أو يغفر له بفضله كما دلّ عليه بقوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) وفيه ما يثبت جواز وقوع العفو الإلهي عن بعض المذنبين المؤمنين الذين يموتون بلا توبة عمّا اقترفوا من كبيرة عدا الشرك. ولا مجال لليأس والقنوط بعد أن كتب سبحانه على نفسه الرحمة وتفضّل بالعفو ومنّ بالمغفرة (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) ومن الدليل على وقوع العفو الإلهي المذكور قوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) يقول الكثير من المفسّرين : إنّ الله تعالى يغفر لمن يشاء من المؤمنين ذنوبهم فلا يؤاخذهم بها ولا يعاقبهم عليها رحمة منه وتفضّلا ،

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٢٩.

ويعذّب من يشاء ، أي ويعذّب الكافرين ومن يشاء من مذنبي المؤمنين إن مات قبل التوبة عدلا ، ويدلّ عليه مفسّرا قوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ووجه إبهامه تعالى أمر التعذيب والمغفرة فلم يبيّن من يغفر له ومن يعذّبه ، بأنّه ليقف المكلّف بين الخوف والرجاء فلا يأمن من عذاب الله تعالى ؛ لأنّ الأمن من عذابه خسر ، واليأس من رحمته كفر فلا يأمن مكر الله إلّا القوم الخاسرون ، ولا ييأس من روح الله إلّا القوم الكافرون ، ويلفت إلى هذا قول الإمام الصادق عليه‌السلام : «لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا» وفي تفسيرها عن ابن عباس قال : معنى الآية : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ممّن لم يتب.

وإلى هنا ونعود إلى الآية الشريفة : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) آية العفو والرحمة ، يقول الكلبي : نزلت هذه الآية في المشركين وحشي وأصحابه ؛ وذلك لأنّه لمّا قتل حمزة (رض) وكان قد جعل له على قتله أن «يعتق» فلم يوفّ له بذلك ، فلمّا قدم مكة ندم على صنيعه هو وأصحابه فكتبوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّا قد ندمنا علي الذي صنعناه وليس يمنعنا عن الإسلام إلّا أنّا سمعناك تقول وأنت بمكة : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) وقد دعونا مع الله إلها آخر ، وقتلنا النفس التي حرّم الله وزنينا ، فلو لا هذا لاتّبعناك ، فنزلت الآية (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) فبعث بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى وحشيّ وأصحابه ، فلما قرءوها كتبوا إليه : إنّ هذا شرط شديد نخاف أن لا نعمل عملا صالحا فلا نكون من أهل هذه الآية فنزلت : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فبعث بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم فقرءوها فبعثوا إليه : إنّا نخاف أن لا نكون من أهل مشيئة الله ، فنزلت الآية ، (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) فبعث بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم ، فلمّا قرءوها دخلوا في الإسلام ورجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقبل منهم.

ويقول أبو مخنف عن ابن عمر قال : نزلت في المؤمنين ، وذلك أنّه لما نزلت

(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) الآية ، قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ورقي المنبر فتلاها على الناس فقام إليه رجل ، فقال : والشرك بالله؟ فسكت النبيّ ثمّ قام الرجل إليه مرتين أو ثلاثا ، فنزلت الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ).

ويروى مطرف بن الخشير عن عمر بن الخطاب أنّه قال : كنّا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا مات الرجل منّا على كبيرة شهدنا بأنّه من أهل النار حتّى نزلت الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فأمسكنا عن الشهادة.

ويقول المحققون من أكابر العلماء : هذه الآية أرجى آية في القرآن ؛ لأنّ فيها إدخال ما دون الشرك من جميع المعاصي في مشيئة الغفران ، وقد وقف الله المؤمنين الموحّدين بهذه الآية بين الخوف والرجاء وبين العدل والفضل ، وليست هذه إلّا صفة المؤمن الصحيح ودليل الإيمان العميق.

وإلى هذا المعنى يشير الإمام الصادق عليه‌السلام بقوله : «لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا» وعليه يدخل قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) وقوله سبحانه (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ).

وعن ابن عباس قال : ثمان آيات نزلت في سورة النساء خير لهذه الأمة ممّا طلعت عليه الشمس وغربت (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) و (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) في الموضعين (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ).

وغير خفيّ أنّ الآراء مختلفة ، فحكم فريق بكفر المذنبين وخلودهم في النار ، وحكم فريق بالمنزلة بين المنزلتين : الإيمان والكفر ، وفريق حكم بإرجاء أمرهم إلى يوم القيامة ليحكم الله عليهم بما شاء ، وحكم فريق بجواز العفو الإلهي عنهم ؛ لأنّ ذنوبهم دون الشرك ، والذي يهمّنا من هذه الآراء هو إثبات العفو الإلهي ، وبيان أدلّة هذا الفريق الذي يرى جواز العفو الإلهي عن بعض المذنبين بلا توبة ، وإثبات أنّ العفو جائز لا ريب في ذلك ، وأنّه تفضل من الله تعالى لا ميل فيه ولا محاباة ولا مخالفة لعدله

سبحانه وتعالى ، كما يذهب الوعيديون من المعتزلة ومن وافقهم من الإمامية الذين أخذوا بظاهر الوعيد دون الوعد. الوعد الذي جاء في آيات كثيرة العدد في القرآن العزيز.

والموضوع الذي يدور حوله البحث والنقد ، والذي هو سبب هذا الاختلاف في الرأى بين علماء المسلمين هو تفسير الآية الكريمة (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١).

فيقول بعضهم : إنّ الله تعالى أدخل ما دون الشرك من جميع المعاصي في مشيئة الغفران ، وبها يستدلون على جواز العفو الإلهي عمّن يشاء الله تعالى أن يغفر له من أهل الكبائر بلا توبة ، ويقولون أيضا : إنّ المعصية مع التوبة يجب غفرانها ، ومن المقطوع به أنّه ليس المراد في الآية المعصية التي يجب غفرانها ؛ لأنّ الواجب لا يعلّق بالمشيئة فلا يحسن على هذا قوله تعالى : (لِمَنْ يَشاءُ) فلازمه أن تكون المعصية المقصودة في الآية المعصية التي لا يجب غفرانها ، ولقوله جلّ ذكره : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) ويقول بعضهم خلاف الرأي الأوّل : إنّ مرتكبي المعصية التي دون الشرك هم الذين لا يشاء الله أن يغفر لهم ، وإنّ مشيئة الله تعالى في مثل هذه الحال إنّما تدخل لتمييز أمر عن أمر ، ولا يكون المقصود بها ظاهرها.

وممّن ذهب إلى القول الأخير من علماء الشيعة الإمامية السيد الشريف الرضيّ قدس‌سره على ما صرّح به في تفسيره ، وقال : لا حجّة للقائلين بالإرجاء في هذه الآية ؛ لأنّ الأمر لو كان على ما ظنّوه من الغفران لأهل الكبائر الذين يموتون غير مقلعين ولا نادمين بل مصرّين متتابعين ، لكان وجه القول أن يكون ويغفر ما دون ذلك إن شاء ، فأمّا وهو تعالى يقول : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فقد وجب أنّه تعالى يغفر لبعضهم ، وهم الذين يشاء أن يغفر لهم ، ودلّ ذلك على أنّ ممّن يرتكب ما دون الشرك من لا يشاء أن يغفر له ، فلمّا دلّت الآية على ـ أنّه سبحانه يغفر لبعض من يرتكب ما دون

__________________

(١) النساء ٤ : ٤٨ و ١١٦.

الشرك ولا يغفر لبعضهم ، علمنا أنّه لا يجوز في حكمته وعدله أن يكون البعض الذين يغفر لهم أهل الكبائر ، والبعض الذين لا يغفر لهم أهل الصغائر ، أو أن يغفر لعبد ويعذّب عبدا والذنبان متساويان وهما في المعصية سيان ؛ لأنّ هذا هو معنى المحاباة التي يتعالى سبحانه عن فعلها ، إذ لا هوادة بينه وبين أحد ولا علاقة قرابة ولا نسب ولا تدركه الرقّة ولا تميل به الشفقة ؛ لأنّ جميع ذلك من صفات الأجسام المصنوعة ودلائل الأعيان المخترعة ، وهو تعالى خالق الخلق ومنشئ الكلّ ، فإذا كان الأمر على ما ذكرنا فقد صحّ أنّ البعض الذي لا يشاء أن يغفر لهم ممّن أتى ما دون الشرك هم أهل الكبائر الذين ماتوا على جهة الإصرار وذهبوا عن الندم والإقلاع ، وأنّ البعض الذي يشاء تعالى أن يغفر لهم هم أهل الصغائر ، ومن مات تائبا من أهل الكبائر (١).

ويقول أيضا : على أنّ المغفرة عندنا تتضمّن الإثابة ؛ لأنّه تعالى إنّما يغفر السيّئات بفعل الثواب فيصير كالساتر للمعاصي ، وهذه حقيقة الغافر في أصل اللغة ، وقد علمنا أنّ الغفران على هذا الحدّ لا يصحّ إلّا للتائبين ولأصحاب الصغائر ؛ لأنّه يصحّ في كلا الوجهين إثبات الثواب وفي غفران الكبائر لا يصحّ ذلك (٢).

هذا ما ذكره السيد الشريف الرضي (ره) تبعا للمعتزلة الذين يذهبون إلى عدم جواز العفو الإلهي.

وخلاصة هذا الرأى السلبي : أنّ عفو الله تعالى إنّما يكون عن المذنبين بقبول توبتهم إذا تابوا وأنابوا وعملوا صالحا ، وأنّ الشفاعة إنّما تكون لزيادة المنافع وزيادة الثواب ، أمّا من مات عن كبيرة من المسلمين وهو مصرّ عليها فلا عفو ولا شفاعة.

وأمّا آراء القائلين بجواز العفو الإلهي ودليلهم في المسألة وهم جمع من جهابذة أساطين المتكلّمين فكما يلي.

قال الشيخ المفيد (ره) : وأقول : إنّ مرتكبي الكبائر من أهل المعرفة والإقرار مؤمنون

__________________

(١) انظر حقائق التأويل ، ج ٥ ، ص ٣٦٢ ـ ٣٦٣ طبعة النجف.

(٢) حقائق التأويل ، ج ٥ ، ص ٣٦٨ ـ ٣٦٩.

بإيمانهم بالله وبرسوله وبما جاء من عنده وفاسقون بما معهم من كبائر الآثام ، ولا أطلق لهم اسم الفسق ولا اسم الإيمان بل أقيّدهما جميعا في تسميتهم بكلّ واحد منهما ، وأمتنع من الوصف لهم بهما من الإطلاق ، وأطلق لهم اسم الإسلام بغير تقييد وعلى كلّ حال ، وهذا مذهب الإمامية (١) ... أمّا بالنسبة لآيات الوعيد فقد قيل : فإذا لم يثبت وجود صيغة للعموم تخصّه في لغة العرب ، يحتمل اللفظ العموم والخصوص ، فيجوز عند ذلك تخصيص الوعيد بالكفار دون فسّاق أهل القبلة ، كما هو مذهب الإمامية والمرجئة وتخالفهم فيه المعتزلة (٢).

وقال شيخ الطائفة الطوسي (ره) ـ عند تفسير الآية الكريمة : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الآية ـ : وظاهر الآية يدلّ على أنّ الله تعالى لا يغفر الشرك أصلا ، لكن أجمعت الأمّة على أنّه لا يغفره مع عدم التوبة ، فأمّا إذا تاب منه فإنّه يغفره وإن كان عندنا غفران الشرك مع التوبة تفضّلا وعند المعتزلة هو واجب ، وهذه الآية من آكد ما دلّ على أنّ الله تعالى يعفو عن المذنبين من غير توبة.

ووجه الدلالة فيها : أنّه نفى أن يغفر الشرك إلّا مع التوبة وأثبت أنّه يغفر ما دونه ، فيجب أن يكون مع عدم التوبة ؛ لأنّه إن كان ما دونه لا يغفر إلّا مع التوبة فقد صار ما دون الشرك مثل الشرك ، فلا معنى للنفي والإثبات ، وكان ينبغي أن يقول : إنّ الله لا يغفر المعاصي إلّا بالتوبة ، ألا ترى أنّه لا يحسن أن يقول الحكيم : أنا لا أعطي الكثير من مالي تفضّلا وأعطي القليل إذا استحقّ عليّ ؛ لأنّه كان يجب أن يقول : أنا لا أعطي شيئا من مالي إلّا إذا استحقّ علي. كيف وفي الآية ذكر العظيم وهو الشرك وذكر ما دونه ، والفرق بينهما بالنفي والإثبات فلا يجوز ، ألا يكون بينهما فرق من جهة المعنى.

فإن قيل : نحن نقول : إنّه يغفر ما دون الشرك من الصغائر من غير توبة.

قلنا : هذا فاسد من وجهين :

__________________

(١) أوائل المقالات ، ص ٦٠ الطبعة الثانية تبريز.

(٢) انظر هامش أوائل المقالات ، ص ٥٩ الطبعة الثانية تبريز.

أحدهما : أنّه تخصيص بلا مخصّص ؛ لأنّ ما دون الشرك يقع على الكبير والصغير ، والله تعالى أطلق أنّه يغفر ما دونه ، فلا يجوز تخصيصه من غير دليل.

الثاني : أنّ الصغائر تقع محبطة فلا تجوز المؤاخذة بها عند الخصم ، وما هذا حكمه لا يجوز تعليقه بالمشيئة ، وقد علّق الله تعالى غفران ما دون الشرك بالمشيئة ؛ لأنّه قال : (لِمَنْ يَشاءُ).

فإن قيل : تعليقه بالمشيئة يدلّ على أنّه لا يغفر ما دون الشرك قطعا.

قلنا : المشيئة دخلت في المغفور له لا فيما يغفر ، بل الظاهر يقتضي أنّه يغفر ما دون الشرك قطعا ، لكن لمن يشاء من عباده ، وبذلك تسقط شبهة من قال : القطع على غفران ما دون الشرك من غير توبة إغراء بالقبيح الذي هو دون الشرك ؛ لأنّه إنّما يكون إغراء لو قطع على أنّه يغفر ذلك لكلّ أحد ، فأمّا إذا علّق غفرانه لمن يشاء فلا إغراء ؛ لأنّه لا أحد إلّا وهو يجوز أن يغفر له كما يجوز أن يؤاخذ به ، فالزجر حاصل على كلّ حال.

ومتى عارضوا هذه الآية بآيات الوعيد كقوله : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) وقوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) وقوله : (إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) كان لنا أن نقول : العموم لا صيغة له فمن أين لكم أنّ المراد به جميع العصاة؟

ثمّ نقول : نحن نخص آياتكم بهذه الآية ونحملها على الكفار. فمتى قالوا لنا : بل نحن نحمل آياتكم على أصحاب الصغائر ، فقد تعارضت الآيات ووقفنا وجوّزنا العفو لمجرّد العقل وهو غرضنا.

وقال ابن عمر : لمّا نزل قوله : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) ظنّ قوم أنّه تعالى يغفر الشرك أيضا فأنزل الله هذه الآية ، وقال ابن عمر : ما كنّا نشكّ معشر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قاتل المؤمن وآكل مال اليتيم وشاهد الزور وقاطع الرحم حتّى نزلت هذه الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فأمسكنا عن هذه الشهادة.

وهذا يدلّ على أنّ الصحابة كانت تقول بما نذهب إليه من جواز العفو عن فسّاق أهل الملّة من غير توبة ، بخلاف ما ذهب إليه أصحاب الوعيد من المعتزلة والخوارج وغيرهم(١).

وقال المحقّق الطوسي (ره) : والعفو واقع ؛ لأنّه حقّه تعالى فجاز إسقاطه ، ولا ضرر عليه في تركه مع ضرر النازل به فحسن إسقاطه ، ولأنّه إحسان ، وقال في الشفاعة : والإجماع على الشفاعة أنّها واقعة لزيادة المنافع للمؤمنين المستحقّين للثواب وللمذنبين في إسقاط عقابهم. ثمّ بيّن قدس‌سره أنّ الشفاعة بالمعنى الثاني ـ أعني إسقاط المضار ـ ثابتة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي (٢).

وقال العلّامة قدّس الله روحه : دليل وقوع العفو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ..) فإمّا أن يكون هذان الحكمان مع التوبة أو بدونها ، والأوّل باطل ؛ لأنّ الشرك يغفر مع التوبة فتعيّن الثاني. وأيضا المعصية مع التوبة يجب غفرانها وليس المراد في الآية المعصية التي يجب غفرانها ؛ لأنّ الواجب لا يعلّق بالمشيئة فما كان يحسن قوله : (لِمَنْ يَشاءُ) فوجب عود الآية إلى معصية لا يجب غفرانها ، وكقوله تعالى في كتابه العزيز ب (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) وأجمع المسلمون عليه ، ولا معنى له إلّا إسقاط العقاب عن العاصي.

وقال (ره) في الشفاعة : إنّ الشفاعة للفسّاق من هذه الأمّة في إسقاط عقابهم (٣) وقال : إنّ شفاعة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله متوقّعة ، بل واقعة بقوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) وصاحب الكبيرة مؤمن لتصديقه بالله ورسوله وإقراره بما جاء به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك هو الإيمان ، وإذا أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله بالاستغفار لا يتركه لعصمته ، واستغفاره لأمّته مقبول ، تحصيلا لمرضاته تعالى ؛ لقوله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) هذا مع قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ادّخرت شفاعتي لأهل البكائر من أمّتي».

__________________

(١) التبيان ، ج ١ ، ص ٤٣٤.

(٢) شرح التجريد ، ص ٢٦٢ ـ ٢٦٣.

(٣) شرح التجريد ، للعلّامة (ره) ص ٣٦٢ ـ ٣٦٣.

قال الشيخ الطبرسي (ره) : إنّ الله لا يغفر أن يشرك به أحد ، ولا يغفر ذنب الشرك لأحد ويغفر ما دونه من الذنوب لمن يريد ، قال المحقّقون : هذه الآية أرجى آية في القرآن ؛ لأنّ فيها إدخال ما دون الشرك من جميع المعاصي في مشيئة الغفران ، وقف الله المؤمنين الموحّدين بهذه الآية بين الخوف والرجاء وبين العدل والفضل ، وذلك صفة المؤمن ؛ ولذلك قال الصادق عليه‌السلام : «لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا» ويؤيّده قوله سبحانه : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) وروي عن ابن عباس أنّه قال : ثمان آيات نزلت في سورة النساء خير لهذه الأمّة ممّا طلعت عليه الشمس وغربت ، قوله سبحانه : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) و (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) في الموضعين (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ)

وبيان وجه الاستدلال بهذه الآية على أنّ الله تعالى يغفر الذنوب من غير توبة : أنّه نفى غفران الشرك ولم ينف غفرانه على كلّ حال ، بل نفى أن يغفر من غير توبة ؛ لأنّ الأمّة أجمعت على أنّ الله يغفره بالتوبة وإن كان الغفران مع التوبة عند المعتزلة على وجه الوجوب وعندنا على وجه التفضل ، فعلى هذا يجب أن يكون المراد بقوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) أنّه يغفر ما دون الشرك من الذنوب بغير توبة لمن يشاء من المذنبين غير الكافرين ؛ وإنّما قلنا ذلك لأنّ موضوع الكلام الذي يدخله النفي والإثبات وينضمّ إليه الأعلى والأدون أن يخالف الثاني الأوّل ، ألا ترى أنّه لا يحسن أن يقول الرجل : أنا لا أدخل على الأمير إلّا إذا دعاني وأدخل على من دونه إذا دعاني ، وإنّما يكون الكلام مفيدا إذا قال : وأدخل على من دونه وإن لم يدعني ...

ولا معنى لقول من يقول من المعتزلة : إنّ في حمل الآية على ظاهرها وإدخال ما دون الشرك في المشيئة إغراء على المعصية ؛ لأنّ الإغراء إنّما يحصل بالقطع على الغفران ، فأمّا إذا كان الغفران متعلّقا بالمشيئة فلا إغراء فيه ، بل يكون العبد به واقفا بين الخوف والرجاء على الصفة التي وصف الله بها عباده المرتضين في قوله تعالى :

(يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) (١) و (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) (٢) وبهذا وردت الأخبار الكثيرة من طريق الخاص والعام وانعقد عليه إجماع سلف أهل الإسلام.

ومن قال : إنّ في غفران ذنوب البعض دون البعض ميلا ومحاباة ، ولا يجوز الميل والمحاباة على الله ، فجوابه : أنّ الله متفضّل بالغفران ، وللمتفضّل أن يتفضّل على قوم دون قوم وإنسان دون إنسان ، وهو عادل في تعذيب من يعذّبه ، وليس يمنع العقل ولا الشرع من الفضل والعدل ...

ومن قال منهم : إنّ لفظ (ما دُونَ ذلِكَ) وإن كانت عامة في الذنوب التي هي دون الشرك ، فإنّما نخصّها ونحملها على الصغائر أو ما تقع منه التوبة ؛ لأجل عموم ظاهر آيات الوعيد ، فجوابه : أنّا نعكس عليكم ذلك فنقول : بل قد خصّصوا ظاهر تلك الآيات لعموم ظاهر هذه الآية ، وهذا أولى ؛ لما روي عن بعض السلف أنّه قال : إنّ هذه الآية استثناء على جميع القرآن ، يريد به ـ والله أعلم ـ جميع آيات الوعيد أيضا ؛ فإنّ الصغائر تقع عندكم محبطة ولا تجوز المؤاخذة بها ، وما هذا حكمه فكيف يعلّق بالمشيئة؟! فإنّ أحدا لا يقول : إنّي أفعل الواجب إن شئت ، وأردّ الوديعة إن شئت ، وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : ما في القرآن آية أرجى عندي من هذه الآية (٣).

قال المحقق الفيض الكاشاني (ره) : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) لأنّه حكم على خلود عذابه ، من جهة أنّ ذنبه لا ينمحي عنه أثره فلا يستعدّ لعفو إلّا أن يتوب ويرجع إلى التوحيد ، فإنّ باب التوبة مفتوح أبدا ، ويغفر ما دون ذلك ما دون الشرك صغيرا كان أو كبيرا لمن يشاء تفضّلا عليه وإحسانا.

وفي الكافي عن الصادق عليه‌السلام في هذه الآية قال : الكبائر في سواها ....

وفيه وفي الفقيه أنّه سئل : هل تدخل الكبائر في مشيئة الله قال : نعم ذاك إليه عزّ و

__________________

(١) السجدة ٣٢ : ١٦.

(٢) الزمر ٣٩ : ٩.

(٣) مجمع البيان ، ج ٣ ص ٥٧.

جلّ إن شاء عذّب ، وإن شاء عفا عنها.

وفي الفقيه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث : ولقد سمعت حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لو أنّ المؤمن خرج من الدنيا وعليه مثل ذنوب أهل الارض لكان الموت كفّارة لتلك الذنوب ، ثمّ قال : من قال : لا إله إلّا الله بإخلاص فهو بريء من الشرك ، ومن خرج من الدنيا لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، ثمّ تلا هذه الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) من شيعتك ومحبّيك يا علي عليه‌السلام قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

فقلت : يا رسول الله هذا لشيعتي قال : إي وربّي إنّه لشيعتك (١).

قال الشيخ العلّامة البلاغي (ره) : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ممّن يراه بحكمته ورحمته أهلا للغفران ؛ جزاء لما سعد به من اختياره للأعمال الصالحات العظيمة التي تؤهّله بكثرتها وكبير شأنها وعظيم أثرها في الصلاح ، إن يغفر الله برحمته وحكمته له بعض سيّئاته وإن لم يبادر بالتوبة (٢).

المرجع الأعلى للشيعة اليوم سيدنا الأستاذ الأكبر الخوئي دام ظلّه الوارف يبدي نظره بقوله الآتي ، وملخّص ما يرتئيه دام ظلّه الرفيع في موضع الآية الكريمة : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ينحصر في خمسة أمور :

ألف) إنّ طاعة الله سبحانه هي ما حكم بموجبها العقل الفطري السليم الحاكم بوجوب شكر المنعم ، وبلزوم دفع الضرر المحتمل ، وبلزوم كون أحكام الله تابعة للمصالح الشخصية ، أو النوعية النظامية ، كما أرشدنا إليها القرآن الكريم بقوله عزّ من قائل : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).

ب) أنّه لا يتحتّم على الله سبحانه أن يثيب العبد بطاعته وإنّما الثواب بفضله سبحانه ، وبوعده الذي لا خلف فيه ، بحكم العقل بقبح (٣) خلف الوعد على المخلوقين فضلا عن الخالق العظيم ، ودعوى أنّ الجزاء على الطاعة واجب على الله تعالى إن

__________________

(١) تفسير الصافي ، ص ٣٤.

(٢) آلاء الرحمن ، ج ٢ ، ص ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٣) فإذا كان خلف الوعد قبيحا فلذلك يتحتّم عليه أن يثيب العبد بطاعته كما سيصرّح به دام ظلّه.

استندت إلى قبح خلف الوعد عقلا ، وإلى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) فصحيحة لا مناص عنها ، وإن استندت إلى الوجوب عليه في نفسه فلا برهان يدعمها من العقل والنقل.

ج) أنّ التوبة إلى الله والرجوع عن معصيته بالطاعة والندم ، ممّا استقل بوجوبها العقل ودلّ عليها النقل من الآيات والروايات ، فهي إحدى الواجبات التي لا بدّ للمكلّف منها ، ولا يجب على الله قبولها إلّا من جهة وعده بقبول توبة كلّ تائب بنصّ الآيات الكريمة والسنة المتواترة ، ولا يخصّ هذا معصية بل يعمّ جميع المعاصي حتّى الشرك ؛ إذ التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، ويدلّنا على ذلك ـ مضافا إلى الآيات والروايات ـ سيرة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه كان يدعو المشركين إلى الإسلام ويعدهم بالغفران ، فلو لم تكن التوبة مقبولة في حقّ المشرك لم تكن الدعوة مؤثّرة.

د) أنّ التوبة التي تحطم الذنوب إنّما هي التوبة حال الاختيار ، وأمّا بعد تمامية الأجل وظهور أمارات الموت فلا أثر لها ، كما هو مفاد قوله عزّ من قائل : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً ، وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) فوعد الله تعالى بقبول التوبة إنّما هو في غير هذه الصورة.

ه) أنّ العفو عن الذنب ولو بدون توبة لا مانع من أن يصدر منه سبحانه لمن يشاء ، من غير فرق بين الصغيرة والكبيرة بل بين الكفر وغيره ؛ إذ لا رادّ لحكمه ولا مبدّل لكلماته ، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

نعم ، قد ثبت أنّ أفعاله كأحكامه تابعة للمصالح ، فالتخصيص ببعض دون بعض لا بدّ وأن يكون لمخصّص ، وهو قد يكون شفاعة نبي له أو وصي أو مؤمن كما في كثير من الروايات المتظافرة ، وقد يكون لصدور فعل محبوب إليه يوجب غفران ذنبه كتخليص المؤمنين من أيدي الظلمة ، وقد يكون من جهة ملكة نفسانية حسنة كالسخاء ونحوه.

وبالجملة عفوه سبحانه عن الذنب في نفسه أمر ممكن ، وقد أخبر في نصّ الكتاب بوقوعه ، فلا مناص عن الأخذ به ، بلا حاجة إلى تأويل ، وليس في هذا أيّ شائبة للظلم والتسبّب في الوقوع في المعصية ؛ فإنّ ذلك ليس إلّا إخبارا عن العفو عن بعض المذنبين وهو من يشاء الله العفو عنه ، ويكفي في الارتداع عن المعصية الجزم باستحقاق العقاب مع احتمال عدم العفو ، لشكّه في كونه ممّن يشاء الحقّ العفو عنه (١).

قال سيدنا المجتهد الكبير السيد محمد الجواد الطباطبائي التبريزي قدس‌سره : إنّ الأمر كما ذكره الأعلام من مشايخنا العظام قدّس الله أسرارهم من جواز العفو عن المذنب من غير توبة ولا محذور فيه ، والدليل عليه من وجهين : عقلي ونقلي ، وتوضيح ذلك بعد بيان مقدمتين:

الأولى : أنّ أفعال الله تعالى مبتنية على أساس متين ونظام صحيح لا مجازفة ولا عبث في فعله ، فكل ما يصدر عنه هو مقتضى العلم بالنظام الأصلح ، فشمول عفوه ورحمته لمورد دون مورد إنّما هو لاختلاف في القوابل وتفاوت في الاستعدادات ، وإليه يشير في الدعاء «وأعلم أنّك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة وأشدّ المعاقبين في موضع النكال والنقمة» وفي التنزيل : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) فلا بخل في المفيض وإنّما النقص في المستفيض.

الثانية : أنّ استحالة الترجيح بلا مرجّح إنّما هو فيما إذا لم يكن مرجّح في البين أصلا ، وأمّا إذا كان المرجّح ، وهو الفائدة المخرجة للفعل عن العبثية موجودة في نوعه دون شخصه ، فلا استحالة فيه كما هو المشاهد في قدحي العطشان ورغيفي الجوعان وطريقي الهارب من السبع ، وإنكار ذلك مكابرة واضحة.

وقد استدل الفخر الرازي لما ذكرنا من ناحية الفلكيات حيث قال ما محصّله : إنّ كلّ كرة تدور على قطبين معيّنين ، فإذا كان الفلك متشابه الأجزاء ومتساوي النسبة من

__________________

(١) كتبه دام ظلّه في رسالة خاصة بعث بها سماحته دام وارف ظلّه إلى السيد الفاضل الجليل طاهر السيد عبد الله أبي رغيف ـ وأدرجها هو في كتابه النفيس اللطيف التوبة والعفو الإلهي وأخذنا من أبحاث كتابه ونقلناها في هذه التعاليق التي كتبناها في بحث العفو الإلهي.

حيث الأجزاء ، كانت جميع النقط المفروضة عليها متساوية وجميع الدوائر عليها متشابهة ، فاختصاص نقطتين معتبرتين بالقطبية دون سائر النقاط مع استوائها في الطبيعة ، وكذا اختصاص كون حركة فلك الأفلاك من الشرق إلى الغرب دون العكس ، بلا مخصّص ولا مرجّح ؛ لأنّ المصلحة والعناية الإلهية مقتضية لأصل وجود حركة الفلك المحدث لليل والنهار ، ومن المعلوم أنّه لا يتفاوت الأمر فيه بين كون الحركة من الشرق إلى الغرب أو بالعكس ، وليس هذا ترجيحا بلا مرجّح ؛ لما عرفت من أنّ وجود المرجّح ، أي الفائدة المخرجة للفعل عن العبثية في نوعه كاف ، ولا يجوز على الحكيم تفويت المصلحة النوعية ؛ نظرا إلى عدم وجود المرجّح في الشخص قطعا ، وهذا ظاهر لا سترة فيه إذا عرفت هذا فنقول :

أمّا الدليل العقلي على الجواز فلأنّ المؤاخذة على التمرّد والعصيان حقّه تعالى ، فله أن يسقطه تفضّلا عن قوم وإنسان دون إنسان فلا ميل ولا محاباة ، وهو عادل في تعذيب من يعذّبه ومتفضّل على من يعفو عنه ويغفر له ، وليس يمنع العقل ولا الشرع من الفضل والعدل ، وفي الدعاء : «اللهمّ عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك» ولا يلزم ترجيح بلا مرجّح لما ذكرنا في المقدّمة الثانية ، وهذا نظير أن يكون على المكلّف صاع واحد من الفطرة والفقراء المستحقّون المتساوون في الحاجة والاستحقاق ألف نفر أو يزيدون ، فهل يمنع المكلّف عن دفعه لواحد منهم عدم وجود مرجّح في الأفراد ، وكذا إذا كنت تطلب شخصين ولك على كلّ واحد منهما مائة دينار ، فوددت الإحسان واظهار التفضّل فأسقطت حقّك عن أحدهما وطالبت الآخر به ، فهل ترى أنّك ارتكبت القبيح في إحسانك وتفضّلك لأحدهما وعدلك على الآخر في مطالبة حقّك؟. كلّا ثمّ كلّا.

وأمّا الدليل النقلي فقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فالتفصيل قاطع للشركة ، ففي الآية المباركة لما نفى غفران الشرك ولم ينفه على كلّ حال بل نفى أن يغفر من دون توبة ؛ لقيام الإجماع على غفران الشرك مع التوبة ، فيجب أن يكون المراد بقوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) أنّه يغفر بدون توبة

لمن يشاء من المذنبين غير المشركين والكافرين ، فلو لم يكن يغفر ما دون الشرك إلّا بالتوبة لما كان للتفصيل بينهما بالنفي والإثبات وجه ، فالتفصيل قاطع للشركة ، والآيات الدالّة على المؤاخذة والتعذيب جميعها قابلة للتخصيص بهذه الآية ، كما أنّها مخصّصة بآية التوبة ونحوها ممّا ورد في خصوص البكاء على الحسين عليه‌السلام وزيارة قبره.

بقي شيء وهو أنّه ربّما يشكل على الآية بأنّها تنافي قاعدة اللطف ، فإنّها تقتضي تبعيد المكلّف عن المعصية وتقريبه إلى الطاعة ، والعفو اللازم ينافي ذلك ويكون إغراء على المعصية ؛ إذ لا يكون بعده رادع للمكلّف عن المعصية ، وبمثله يشكل على ما دلّ على العفو عن الصغائر في فرض الاجتناب عن الكبائر ، بل يطّرد الإشكال بالنسبة إلى مطلق المعصية مع تشريع التوبة.

ولكنّه مدفوع بأنّ الإغراء إنّما يحصل بالقطع على الغفران ، وأمّا إذا كان معلّقا على أمر غير معلوم الحصول فلا نفي في المقام معلّق على المشيئة الإلهية ولا يعلم أنّه يشاء ذلك أم لا ، وفي مسألة العفو عن الصغائر معلّق على الاجتناب عن الكبائر ، ولا يحصل العلم ولا الاطمئنان لأحد بأنّه لا يرتكب كبيرة أصلا حتّى يكون مأمونا من العقاب حين ارتكب الصغائر ، ومع عدم حصول العلم ولا الوثوق بعدم ارتكاب الكبائر لا يمكن أن يكون العفو المعلّق مؤمّنا له حين الارتكاب حتّى يكون منافيا لقاعدة اللطف.

ومنه يظهر الجواب عن الإشكال في العفو عن مطلق المعاصي مع التوبة ، وذلك لعدم الوثوق من المرتكب لها حين ارتكابها أنّه يتوفّق للتوبة ، ويحتمل أن يموت فجأة قبل التوبة ، ومعه لا مؤمن له من العقاب حين الارتكاب فلا يتنافى شيء من الموارد المذكورة مع قاعدة اللطف أصلا (١).

هذا آخر ما ذكره سيدنا الأجلّ العلّامة الطباطبائي التبريزي قدس‌سره.

__________________

(١) رسالة خاصة أرسلها سيدنا العلامة الفقيه السيد محمد الجواد الطباطبائي التبريزي قدس‌سره إلى صاحب كتاب التوبة والعفو الإلهي ، وأدرجها هو في ذلك الكتاب انظر من ص ١٩٤ إلى ١٩٩.

ونزيدك بيانا هنا ونقول : الحقّ في الوعد وجوب الوفاء به على الله تعالى ؛ فإنّ عدم الوفاء به قبيح عقلا لا يصدر عن الحكيم ، ولا سيما من الكريم تعالى شأنه وإن لم يكن المكلّف مستحقا له في الحقيقة.

وأمّا الوعيد فالله تعالى فيه بالخيار إن شاء غفر وإن شاء عذّب ؛ لعدم القبح في عدم الوفاء بالوعيد ، وعلى ذلك ورد النقل أيضا عن العترة الطاهرة عليهم‌السلام :

ففي خبر عبد الله بن القاسم الجعفري كما في كتاب «المحاسن» للبرقي (ره) وفي غيره عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجز له ، ومن أوعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار إن عذّبه فبعدله وإن عفا عنه فبفضله وما الله بظلام للعبيد (١).

وأضف إلى ما ذكرنا :

إنّ الله تبارك وتعالى أمرنا بالعدل ، وعاملنا بما هو فوقه ، وهو التفضل ، وذلك أنّه عزوجل يقول : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢)

ولا يرد على ما قلناه ما قاله المعتزلة الجاحدون للعفو والمكذّبون لله تعالى فيما أخبر به ، من أنّه لو صدر ذلك من الله ـ بعد ما أوعد مرتكبي الكبيرة بالعقاب ولم يعاقب ـ لزم الخلف في وعده والكذب في خبره ، وهما محالان.

لأنّا نقول : إنّ الوعد والوعيد مشروطان بقيود وشروط معلومة من النصوص ، فيجوز التخلّف بسبب بعض تلك الشروط ؛ ولأنّ الغرض منها إنشاء الترغيب والترهيب لا الإخبار ، ولا سيّما بعد تكثّر الآيات والروايات بالفرق فيما بين الأمرين ؛ ولأنّ الوعد حقّ العبد والوعيد حقّ الله تعالى ، وهو من المدائح التي مدح بها نفسه في مواضع عديدة ، وأمر العباد بذلك في أدعيتهم وأنديتهم.

__________________

(١) المحاسن ، ج ١ ، ص ٢٤٧ ، الباب ٢٧ ، طبعة طهران.

(٢) الأنعام ٦ : ١٦٠.

على أنّا نقول بجواز أن يقال بتخصيص الذنب المغفور من عمومات الوعيد بالدلائل المنفصلة ، ولا خلف على هذا التقدير أيضا ، فلا يلزم تبديل القول كما دلّت عليه آية : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) (١).

ولنا أيضا حمل آيات الوعيد على استحقاق ما أوعد به لا على وقوعه بالفعل.

وللشيخ الإمام المفيد معلّم الأمّة قدّس الله روحه كلام مذكور في كتاب العيون والمحاسن ، ونقله عنه سيّد الأمّة السيّد علم الهدى المرتضى قدس‌سره في كتاب الفصول المختارة ، وهو كلام في غاية المتانة والدقّة والرزانة ، والأولى نقل ذلك هنا تتميما للفائدة.

قال السيّد (ره) ما هذا لفظه : قال الشيخ أدام الله عزّه : حكى أبو القاسم الكعبي في كتاب الغرر ، عن أبي الحسن الخيّاط ، قال حدّثني أبو مجالد قال : مرّ أبو عمرو بن علاء بعمرو بن عبيد وهو يتكلّم في الوعيد ، فقال ـ يعني أبا عمرو ـ : إنّما أتيتم من العجمة ؛ لأنّ العرب لا ترى ترك الوعيد ذمّا ، وإنّما ترى ترك الوعد ذمّا ، وأنشد :

وإنّي وإن أوعدته وعدته

لأخلف إيعادي وأنجز موعدي

قال : فقال له عمرو : أفليس يسمّى تارك الإيعاد مخلفا؟ قال : بلى ، قال : فنسمّي الله عزوجل مخلفا إذا لم يفعل ما أوعد ، قال : لا ، قال : فقد أبطلت شاهدك.

قال الشيخ أدام الله عزّه : ووجدت أبا القاسم قد اعتمد على هذا الكلام واستحسنه ، ورأيته قد وضعه في أماكن شتّى من كتبه واحتجّ به على أصحابنا الراجئة ، فيقال له : إنّ عمرو بن عبيد ذهب عن موضع الحجّة في الشعر وغالط أبا عمرو بن العلاء أو جهل مواضع العمدة من كلامه ، وذلك أنّه إذا كانت العرب والعجم وكلّ عاقل يستحسن العفو بعد الوعيد ولا يعلّقون بصاحبه ذمّا فقد بطل أن يكون العفو من الله تعالى مع الوعيد قبيحا ؛ لأنّه لو جاز أن يكون منه قبيحا ما هو حسن في الشاهد عند كل عاقل لجاز أن يكون منه حسنا ما هو قبيح في الشاهد عند كلّ عاقل ، وهذا نقض العدل

__________________

(١) ق ٥٠ : ٢٩.

والمصير إلى قول أهل التجوير والجبر.

مع أنّه إذا كان العفو مستحسنا مع الخلف فهو أولى بأن يكون حسنا مع عدم الخلف ، ونحن إذا قلنا : إنّ الله سبحانه يعفو مع الوعيد فإنّما نقول بأنّه توعّد بشرط يخرجه عن الخلف في وعيده ؛ لأنّه حكيم لا يعبث وإذا كان حسن العفو في الشاهد منّا يغمر قبح الخلف حتّى يسقط الذمّ عليه ، وهو لو حصل في موضع لم يجر به إلى العفو أو ما حصل في معناه من الحسن لكان الذمّ عليه قائما ، ويجعل وجود الخلف كعدمه في ارتفاع اللوم عليه ، فهو في إخراج الشرط المشهود عن القبح إلى صفة الحسن ، وإيجاب الحمد والشكر لصاحبه أحرى وأولى من إخراجه الخلف عمّا كان يستحقّ عليه من الذمّ عند حسن العفو وأوضح في باب البرهان ، وهذا بيّن لمن تدبّره.

وشيء آخر وهو أنّا لا نطلق على كلّ تارك الإيعاد الوصف بأنّه مخلف ؛ لأنّه يجوز أن يكون قد شرط في وعيده شرطا أخرجه به عن الخلف ، وإن أطلقنا ذلك في البعض ؛ فلإحاطة العلم أو عدم الدليل على الشرط فنحكم على الظاهر وإن كان أبو عمرو بن العلاء أطلق القول في الجواب إطلاقا فإنّما أراد به الخصوص دون العموم وتكلّم على معنى البيت الذي استشهد به.

وما رأيت أعجب من متكلّم يقطع على حسن معنى مع مضامّته لقبيح ، ويجعل حسنه مسقطا للذمّ على القبيح ، ثمّ يمتنع من حسن ذلك المعنى مع تعرّيه من ذلك القبيح ، ثمّ يفتخر بهذه النكتة عند أصحابه ويستحسنون احتجاجه المؤدّي إلى هذه المناقضة ولكن العصبية ترين القلوب (١).

فأنت أيّها القارئ الكريم بعد ما عرفت ما تلوناه عليك يظهر لك : أنّ جواز العفو الإلهي عن بعض المذنبين من غير توبة ، تفضّلا من الله تعالى ورحمة منه لعباده ومنة وإنعاما وإحسانا عليهم ـ بسبب الشفاعة من صاحب الرسالة المقدّسة أو من عترته الطاهرة ، أو من كلّ من أذن له الرحمن بأن يشفع عند الله تعالى ، أو بسبب صدور فعل

__________________

(١) الفصول المختارة ج ١ ، ص ٤٢ ـ ٤٣ ، الطبعة الأولى ـ النجف.

من الأفعال الحسنة التي توجب الغفران ، أو بسبب ملكة نفسانية حسنة ، أو بسبب البكاء على الإمام الشهيد الحسين سلام الله عليه أو بسبب زيارة قبره الشريف ـ ممّا لا يشكّ فيه عاقل بعد دلالة العقل والنقل عليه ، وأنّ الله تعالى متفضّل وله أن يتفضّل على إنسان دون إنسان وعلى قوم دون قوم ، وإسقاط العقاب حقّه تعالى ولا ضرر له في تركه ، والإحسان والكرم من أوصافه وليس في ذلك ظلم ولا محابة ، وقد نصّ في الآيات القرآنية الكريمة على أنّه عفوّ غفور ، وقال تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ).

وقد أثنى على نفسه تبارك وتعالى بأنّه عفوّ غفور ، وذلك في عدّة من الآيات المباركة ، والعفو لا يعقل توجّهه إلى الصغائر ولا إلى الكبائر بعد التوبة. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له».

وقد تحقّق لك أيضا أيّها القارئ الكريم أنّه لا يلزم من القول بالعفو الإلهي الإغراء بالمعصية ، كما عرفت من الإشارة إلى ذلك في كلمات المرجع الأكبر الخوئي دام ظلّه ، وفي كلمات السيد الحجة الكبير الطباطبائي التبريزي قدس‌سره ، فإنّ استحقاق العقاب بالمعصية محقّق قطعي غير معلّق على شيء ، وأمّا العفو الإلهي معلّق على المشيئة الإلهية ، وكون المكلّف ممن يشمله العفو غير معلوم ، فالعاقل لا يقدم على ما هو محقّق لرجاء الوصول إلى أمر غير محقّق.

ومن هنا انقدح أنّ ذكر الثواب الوارد في الأخبار المتواترة في البكاء على الحسين عليه‌السلام وفي زيارة قبره الشريف ، مع بيان خطباء المنابر واقع الأمر في ذلك ، لا يكون إغراء للناس على المعصية كما قد يزعم ذلك بعض البسطاء أو يلقي هذه الشبهة على الأذهان الساذجة من ناحية المغرضين والمعاندين.

وغير خفيّ على الخبير ومن يتحرّى الحقائق على ضوء الدليل أنّ الأخبار الواردة ، بل المتواترة في ثواب البكاء على الإمام الشهيد سلام الله عليه وزيارة قبره الشريف

ومرقده المنيف ، مضافا إلى ضرورة المذهب من أسباب العفو الإلهي الذي عرفت ، أنّ الشيعة الإمامية قاطبة قالوا بثبوته خلافا للمعتزلة المنكرين له ، وهو على خلاف من النصوص القرآنية لشبهات واهية وتوهّمات فاسدة ، وقد دحضناها فيما تقدّم من كلماتنا وما نقلنا عن الأكابر من علمائنا السابقين أو أساتذتنا الحاضرين رحم الله تعالى معشر الماضين منهم وألحقنا بهم في الصالحين وأدام الله ظلال الباقين.

وقد عرفت أنّ الآيات الشريفة الدالة على المؤاخذة والتعذيب والوعيد كلّها مخصّصة بآيات العفو والغفران ولا سيما قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) كما أنّها مخصّصة بآيات التوبة ، ولا شكّ أنّ العمومات القرآنية تخصّص بالسنة المتواترة ، كما في الأحاديث الكثيرة الواردة في خصوص ثواب البكاء على الحسينعليه‌السلام وثواب زيارة قبره المطهر ، فإنّ البكاء والزيارة من جملة أسباب العفو الإلهي الذي قلنا بثبوته وعدم لزوم الإغراء بالمعصية منه.

ونقول : إنّ في البكاء والزيارة وفي نقل الثواب عليهما لا يلزم الإغراء بالمعصية أيضا ، كما قد يتوهّم بعض البسطاء ، نظير ما زعمه المعتزلة في مطلق العفو الإلهي من غير توبة ، فإنّ الإغراء إنّما يحصل إذا قطع الإنسان بالعفو والغفران ، ويقطع أنّ بسبب البكاء والزيارة يغفر الذنوب ويحصل نيل الثواب ، وأمّا إذا كان ذلك كلّه معلّقا على أمر غير معلوم الحصول فلا إغراء قطعا.

والغفران بسبب من أسبابه معلّق على المشيئة الإلهية كما في الآية : (لِمَنْ يَشاءُ) ولا علم لكلّ شخص بالخصوص في حقّ نفسه أنّ الله تعالى يشاء ذلك في حقّه أو لا ، فيحتمل عدم العفو للشكّ في كونه ممّن يشاء الله العفو عنه وممّن يقبل بكاؤه وزيارته. وأمّا في المعصية فالقطع حاصل للعاصي على استحقاق العقاب ، وليس الاستحقاق مشكوكا أو معلّقا على شيء ، وهذا يكفي في الارتداع عن المعصية وعدم الإغراء عليها.

فهنا نقف معك أيّها القارئ الكريم ونقول : إنّ في قراءة الخطباء والذاكرين على المنابر ، ونقلهم الأخبار الواردة في ثواب البكاء على الحسين عليه‌السلام ، وكذا في نقل الأخبار

الواردة في ثواب زيارة قبره المطهّر لا يكون إغراء على المعصية بعد ما عرفت أنّ استحقاق العقاب قطعي ، وأمّا نيل ثواب البكاء والزيارة ليس بقطعي ، بل معلق على أمر غير معلوم الحصول معلّق على المشيئة والقبول واجتماع شرائط القبول ، ولا يعلم المكلّف حصولها على القطع فلا إغراء.

نعم ينبغي بل يلزم عند نقل ثواب البكاء والزيارة إفهام الناس ذلك ، ولا سيّما لبسطاء العقول وتفهيمهم ذلك على النحو الأتمّ ، وإلّا فهم المسئولون إن حصل الإغراء لهم من جهة عدم إفهامهم واقع المطلب وحقيقته ، والله الموفق وهو الهادي إلى الصراط السوي.

ثمّ نعود أيضا ونقول : إنّك قد عرفت أنّه لا ينبغي التحامل على أهل المنابر من الوعاظ والخطباء والذاكرين لفضائل العترة الطاهرة عليهم‌السلام ، في نقلهم ثواب البكاء على سيّدنا المظلوم الإمام الشهيد الحسين عليه‌السلام ، وثواب زيارة قبره المطهر في كربلاء المقدسة في أندية الناس ومجتمعات المسلمين ، بادّعاء أنّ ضعفاء العقول يستمعون ذلك منهم ويكون إغراء لهم على المعاصي والموبقات ، كما يصدر هذا التوهم الباطل عن بعض البسطاء أو المخالفين لإقامة المآتم على الإمام الحسين عليه‌السلام ؛ فإنّك عرفت أنّه لا إغراء في ذلك بعد بيان واقع المطلب وإفهام الناس ذلك كما ذكرنا تفصيلا.

وقد ورد عن الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام أنّهم ذكروا كثيرا ثواب البكاء وإنشاد الشعر في عزاء الحسين عليه‌السلام وفي مراثيه ، وذكروا ذلك على رءوس الأشهاد في حشد الناس ومجتمعهم ونواديهم ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه أوّل من بكوا على الحسين عليه‌السلام ، ونقلوا ثواب البكاء عليهم وذكروا ثواب زيارة قبره الشريف.

قال السيد الإمام السيد محسن الأمين العاملي رحمه‌الله في كتابه «إقناع اللائم على إقامة المآتم (١)» ما نصّه :

__________________

(١) إقناع اللائم ، ص ٣٠.

ذكر الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي في كتابه أعلام النبوة (١) فقال: ومن إنذاره صلى‌الله‌عليه‌وآله ما رواه عروة عن عائشة قالت : دخل الحسين بن عليعليهما‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يوحى إليه ، فبرك على ظهره وهو منكبّ ولعب على ظهره فقال جبرائيل : يا محمّد إنّ أمّتك ستفتن بعدك ، ويقتل ابنك هذا من بعدك ومدّ يده فأتاه بتربة بيضاء وقال : في هذه الأرض يقتل ابنك اسمها الطفّ.

فلمّا ذهب جبرئيل خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أصحابه والتربة في يده ، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمّار وأبو ذر وهو يبكي فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال : أخبرني جبرائيل أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أنّ فيها مضجعه ، انتهى.

ثمّ يضيف السيد الأمين رحمه‌الله على ذلك بقوله : أقول : ولا بدّ أن يكون الصحابة لما رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يبكي لقتل ولده وتربته بيده ، وأخبرهم بما أخبره جبرئيل من قتله ، وأراهم تربته التي جاء بها جبرائيل ، أخذتهم الرقّة الشديدة فبكوا لبكائه وواسوه في الحزن على ولده ، فإنّ ذلك ممّا يبعث على أشدّ الحزن والبكاء لو كانت هذه الواقعة مع غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة فكيف بهم معه؟ فهذا أوّل مأتم أقيم على الحسين عليه‌السلام يشبه مآتمنا التي تقام عليه ، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمستمعون أصحابه ...

قلت : هذا الخبر يدلّ على ما ادّعيناه : أنّ الصحابة كانوا عالمين بمقتل الحسين عليه‌السلام بإخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإعلامه لهم (٢).

روى الشيخ ابن قولويه قدس‌سره في كامل الزيارات بإسناده عن مالك الجهني عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : من زار الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء من المحرّم حتّى يظلّ عنده باكيا ، لقي الله تعالى يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجّة وألفي ألف عمرة وألفي

__________________

(١) اعلام النبوّة ، ص ٨٣ ، طبعة مصر.

(٢) انظر ص ٥٦٠ ـ ٥٦٢.

ألف غزوة ، وثواب كلّ حجّة وعمرة وغزوة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومع الأئمّة الراشدين صلوات الله عليهم أجمعين ، قال : قلت : جعلت فداك فما لمن كان في بعد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم ... ـ إلى أن قال ـ : ثمّ ليندب الحسين عليه‌السلام ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه ، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه ، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضا في البيوت ، وليعزّ بعضهم بعضا بمصاب الحسينعليه‌السلام(١) ...

انظر الحديث الشريف بطوله ، وفيه الزيارة الشريفة المعروفة بزيارة عاشوراء ، ولاحظ فيه بيان الثواب من الإمام عليه‌السلام على البكاء والزيارة من قريب أو بعيد على الحسين عليه‌السلام.

وروى الشيخ الكشي (ره) في كتاب الرجال عن زيد الشحّام قال : كنّا عند أبي عبد الله جعفر الصادق عليه‌السلام ونحن جماعة من الكوفيين. فدخل جعفر بن عفّان على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقرّبه وأدناه. ثمّ قال : يا جعفر. قال : لبيك ، جعلني الله فداك. قال : بلغني إنّك تقول الشعر في الحسين عليه‌السلام وتجيد؟ فقال له : نعم جعلني ا له فداك. قال : قل ، فأنشده فبكى ومن حوله حتّى صارت الدموع على وجهه ولحيته. ثمّ قال : يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون هاهنا يسمعون قولك في الحسين عليه‌السلام ، ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر. ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعتك الجنّة بأسرها ، وغفر الله لك. فقال : يا جعفر ، أولا أزيدك؟ قال : نعم يا سيّدي. قال : ما من أحد قال في الحسينعليه‌السلام شعرا فبكى وأبكى به إلّا أوجب الله له الجنّة وغفر له.

وروى الشيخ الصدوق (ره) في الأمالي والشيخ ابن قولويه في كامل الزيارات بسنديهما عن أبي عمارة المنشد ، عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه‌السلام قال : قال لي : يا أبا عمارة أنشدني للعبدي في الحسين عليه‌السلام. قال : فأنشدته فبكى ، ثمّ أنشدته فبكى ، ثمّ أنشدته فبكى. قال : فو الله ما زلت أنشده ويبكي سمعت البكاء من الدار. فقال لي :

__________________

(١) كامل الزيارات ، ص ١٧٤ ، طبعة النجف.

يا أبا عمارة من أنشد في الحسين عليه‌السلام شعرا فأبكى خمسين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى أربعين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى ثلاثين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرة فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين عليه‌السلام شعرا فأبكى واحدا فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين عليه‌السلام شعرا فبكى فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فتباكى فله الجنة (١).

وانظر إلى كتاب تاريخ النياحة. وراجع كتاب كامل الزيارات حتّى تجد فيه الأحاديث متواترة في هذا المعنى معنويا فعليك أيّها القارئ الكريم بمطالعة هذا الكتاب الشريف ، أعني تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما‌السلام. للسيد الفاضل الأستاذ العبقري السيد صالح الشهرستاني ، نزيل طهران ـ شميران ، وهو مطبوع في جزءين بقطع الصغير سنة ١٣٩٤. وقد حقّق تاريخ النياحة والتطورات التي مرّت عليها طيلة القرون والأدوار ، وأثبت أنّها من دأب الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام ومن شعائر شيعتهم الأبرار ، ولم يتركوها طوال السنين والأعوام إلى يومنا هذا رغم المضائق والموانع والاختناق والهجمات التي أقبلت عليهم من المخالفين والمعاندين لأهل البيت الطاهر عليهم‌السلام والناصبين لهم العداوة من ملوك الأمويين والعباسيين والوهابيين وبعض أعداء الدين وأجراء المستعمرين ، حيث هجموا على الشيعة ومنعوهم عن إقامة العزاء والمآتم لذكرى الشهيد الحسين عليه‌السلام ، ولكن هذه الموانع لم تزد الشيعة إلّا رغبة شديدة في إقامة هذه الشعائر ، وهذه العادة لا زالت متداولة حتّى يومنا هذا ، وصارت واستمرت عادة متّبعة في العالم الإسلامي ومعظم البلدان الإسلامية ، ولا سيما في الأقطار الشيعية وقصباتها وقراها ولا سيما البلاد الإيرانية والعراقية وغيرها.

وفي عامنا هذا كان أهل الظلم والفساد منعوا المواكب الحسينية في العراق في أيّام عاشوراء سنة ١٣٩٧ نسأل الله تعالى خذلان المانعين بحقّ محمد وآله الطاهرين عليهم‌السلام

__________________

(١) كامل الزيارات ، ص ١٠٥.

وقد ذكر الأستاذ الشهرستاني : أنّ إقامة النياحة في إيران صارت سنة متّبعة منذ أن وصل نبأ الحادث العظيم المحزن استشهاد الحسين عليه‌السلام إليها ، فقد عمّت الأحزان الأوساط الإيرانية واستمرت هذه العادة إلى اليوم. (١)

وذكر الأستاذ الكبير كيفية النياحة في تركية وأفغان وشبه القارة الهندية وفي جنوب شرقي آسيا وفي القارة الإفريقية وفي القارة الأوربية ، وخاصة الأقطار القريبة من الصقع الآسيوي ، والحفلات الحزينة التي تقام في انجلترا «لندن» وفي الأندلس «إسبانيا» وفي القارة الأمريكية.

وقد ألّف الأستاذ السيد الشهرستاني كتابه بالولع والاهتمام الشديدين في البحث والتنقيب في بطون الكتب ـ المطبوعة والمخطوطة ـ والتحقيق العميق والاطّلاع الواسع في استخراج ما يصلح منها للدراسة في «تاريخ النياحة» ، وهذا أحسن اسم اختاره لكتابه ، فإنّ الراثي في عزاء الإمام الشهيد سلام الله عليه كان في القرون الإسلامية الأولى يسمّى «النائح» وقد كان الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام يأمرون الشيعة بالنياحة على جدّهم الشهيدعليه‌السلام والندبة له حتّى أنّ أبا هارون المكفوف قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال لي : أنشدني فأنشدته فقال : لا كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره. قال : فأنشدته :

امرر على جدث الحسين

فقل لاعظمه الزكية

قال : فلمّا بكى أمسكت أنا فقال : مر فمررت. قال : ثم قال : زدني زدني. قال : فأنشدته :

يا مريم قومي فاندبي مولاك

وعلى الحسين فأسعدي ببكاك

قال : فبكى وتهايج النساء (٢) ... الحديث.

يظهر من أمثال هذه الأحاديث أنّ الأئمة عليهم‌السلام يحبّون النياحة على الحسينعليه‌السلام والندبة له ، كما ترثيه الناس بينهم بالنياحة المرسومة فيهم المثيرة للأشجان والأحزان

__________________

(١) تاريخ النياحة ، ج ١ ، ص ١٥٩ ، طبعة طهران.

(٢) انظر كامل الزيارات ، ص ١٠٥ ـ ١٠٦.

والهموم والغموم في القلوب ، لا مجرد إنشاد الشعر من غير نياحة وندبة بل بالبكاء والجزع والنياحة التي تفعلها الثكلى ؛ ولذا قال الإمام عليه‌السلام : إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ عليهما‌السلام فإنّه فيه مأجور (١).

ص ٤٠٤ س ٢١ : ذكرنا أنّه يأتي نقل خبر ابن أبي رافع ، ولكن فاتنا ذكر التعليق في محلّه فنذكره هنا. قال الشيخ ابن شهرآشوب (ره) في المناقب : عبد الله بن أبي رافع ، قال : حضرت أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد وجّه أبا موسى الأشعري وقال له : احكم بكتاب الله ولا تجاوزه ، فلمّا أدبر قال : كأنّي به وقد خدع. قلت : يا أمير المؤمنين فلم توجّهه وأنت تعلم أنّه مخدوع ، فقال : يا بني لو عمل الله في خلقه بعلمه ما احتجّ عليهم بالرسل. (٢)

ذكرنا في ص ٤٣٠ س ٥ ـ أنّ هنا تعليقا يأتي ، وكان من قصدنا نقل ما كتبه شيخنا الأستاذ قدس‌سره في سرّ صلح الإمام عليه‌السلام ونقلناه في جنّة المأوى ص ١٧٨ ـ ١٩٦ الطبعة الأولى تبريز ، ومن قصدنا طبع جنّة المأوى ثانيا عن قريب إن شاء الله تعالى ، فلذلك تركنا ذكره والله الموفق.

ص ٤٧٤ س ٢٢ : «السادات العبد الوهابية».

السادات العبد الوهابية نسبة إلى السيد الأجلّ العالم العلّامة الفقيه الكبير ، الشهيد في أعماق السجون صاحب الكرامات والمقامات العالية الأمير عبد الوهاب الحسني الحسيني الطباطبائي ، المنتهى نسبه الشريف إلى الإمام الحسن السبط المجتبى سلام الله عليه بثمانية عشر واسطة بالترتيب الآتي :

السيد الأمير نور الدين (٣) عبد الوهاب (١) ابن السيد الأمير رفيع الدين عبد الغفّار

__________________

(١) انظر كامل الزيارات ، ص ١٠٠.

(٢) المناقب ، ج ٢ ، ص ٢٦١ ، طبعة قم.

(٣) وصفه الحافظ حسين في روضات الجنان بلقب «سراج الدين» ولكن التحقيق على ما هو صريح بعض التواريخ وبعض الأسناد المعتبرة ، وعليها خطوط أولاده الامجاد الكرام ونقوش خواتمهم أنّ لقبه : «نور الدين» كما هو أيضا صريح مكتوب الشاه إسماعيل الصفوي (ره) إلى السلطان سليم. أنظر إلى مجلة «دانشكده أدبيات» طهران عدد ٢ ص ١٢٤ من السنة الأولى سنة ١٣٣٢ ه‍ ش وص ١١٦ ـ ١٢١.

شيخ الإسلام الكبير (١) (٢) ابن السيد الأمير عماد الدين أمير الحاج (٣) ابن السيد فخر الدين حسن (٤) ابن الأمير كمال الدين محمد (٥) ابن الأمير السيد حسن (٦) ابن السيد شهاب الدين علي (٧) ابن السيد عماد الدين علي (٨) ابن السيد أحمد (٩) ابن السيد عماد الدين الكبير (١٠) ابن أبي الحسن علي الأصفهاني الملقّب بالشهاب (١١) ابن السيد أبي الحسن محمد الأصفهاني الشهير بابن طباطبا صاحب المؤلّفات الممتعة منها عيار الشعر المطبوع بمصر سنة ١٩٥٦ م ـ (١٢) ابن أبي عبد الله أحمد الأصفهاني ـ وهو أوّل رجل من هذه الدوحة العلوية رحل إلى إيران وأقام بأصفهان على ما حقّقنا ذلك بعد التتبّع والتحقيق العميق ـ (١٣) ابن أبي جعفر محمد الأصغر المعروف بابن الخزاعية (١٤) ابن أبي عبد الله أحمد الرئيس (١٥) ابن أبي إسحاق إبراهيم طباطبا الذي عرض عقائده على الإمام الرضا سلام الله عليه (١٦) ابن السيد إسماعيل الديباج الأكبر (١٧) ابن السيد إبراهيم الغمر (١٨) ابن الحسن المثنّى (١٩) ابن الإمام الحسن المجتبى (٢٠) ابن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما ، وأمّ الإمام المجتبى كانت الصديقة الطاهرة الزهراء البتول فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمّ إبراهيم الغمر كانت فاطمة بنت الإمام الحسين سيد الشهداء سلام الله عليه. لله در الحسن بن هاني أبي نواس الشاعر المشهور (ره) وقد قال :

مطهّرون نقيات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه

فما له من قديم الدهر مفتخر

والله لما برأ خلقا فأتقنه

صفاكم واصطفاكم أيّها البشر

__________________

(١) وقد وصفه السلطان «اوزون حسن» (حسن پادشاه) ذلك السلطان الفاضل العالم العادل جد السادات العبد الوهابية من طرف الأمّ في مكتوب كتبه في حقّ السيد الأمير المذكور سنة ٨٧٥ بقوله : «أعلى حضرت سيادت منقبت» ... ولم أقف إلى اليوم في حقّ أحد من العلماء والفقهاء أن يصفه أحد من السلاطين بهذا الوصف. وقد وصفه بهذه الأوصاف : أعلى حضرت سيادت منقبت ، قدسي پناه حقايق دستگاه ، هدايت شعار ولايت دثار مرتضى ممالك اسلام مرشد طوائف الأمم ، المؤيّد من عند الله الملك الجبار ، سيد رفيعا الحق والحقيقة والطريقة والدين عبد الغفار ـ خلد الله تعالى ظلال ميامن إرشاده وبركاته ـ انظر إلى كتاب فرمانهاى تركمانان قراقويونلو وآق قويونلو تأليف «المدرسى الطباطبائي» طبعة قم سنة ١٣٥٢ ه‍ ش ص ٧٥.

وسلسلة نسبه الشريف في الاشتهار والوضوح ، ومعروفية الأشخاص وبداهة اتّصال شجرته الزاكية وعدم الريب والإشكال فيها ، وسرد الأسماء والأفراد وغير ذلك من الأوصاف ، يعدّ اليوم في الدنيا في الدرجة الأولى والقمّة العليا من أنساب الذريّة النبوية والسادات العلوية الفاطمية كما تشهد به كتب الأنساب والتواريخ وغيرها.

وترجمة أحوال هذا السيد الأجلّ مذكورة إجمالا وتفصيلا في الكتب المعدّة لذلك ، ولا سيما في كتب الأنساب المختصّة لأحوال أسرته المباركة وتاريخ أولاده وأنسابهم ، وكتبنا في تاريخ هذه الأسرة الفاطمية الحسنية تأليفا خاصا ووسمناه ب «خاندان عبد الوهاب» بالفارسية ونسأل الله تعالى التوفيق لطبعه إن شاء الله تعالى.

وممّا هداني إلى كتابة هذه السطور ، ورأيت من الجدير بالذكر هنا لئلّا يقع محلّا للالتباس على الباحثين والمنقّبين من عباقرة العلم والتاريخ ، هو أنّ المحدّث الشيخ عباس القميّ رحمه‌الله تعالى في كتابه : سفينة البحار الذي صنّفه بنظرية سيدنا الإمام المحقّق المدقّق الفقيه الجامع للمعقول والمنقول ، الذي يعجز يراعي عن وصفه وكتابة الألقاب والأوصاف الكمالية في حقّه ، آية الله السيد محمد هادي الحسيني الميلاني التبريزي قدّس الله روحه ، نزيل المشهد المقدس الرضوي عليه‌السلام في السنين المتأخّرة المتوفّى ١٩ رجب سنة : ١٣٩٥.

ذكر في المجلّد الثاني في ذيل مادة «عبد». قال : السيد الأمير عبد الوهاب الحسيني التبريزي ، قال في الرياض : الفاضل العالم الفقيه الكامل جدّ السادات العبد الوهابية في تبريز وصاحب الكرامات والمقامات ، وكان معاصرا للسلطان شاه طهماسب الصفوي ، وقد استشهد في حبس ملك الروم في بلاد قسطنطينية وقصّته طويلة ، وخلاصتها أنّه قد أرسله السلطان المذكور إلى الملك المزبور من تبريز للحجابة ، ولما دخل إلى بلاد الروم أخذه ذلك الملك وحبسه إلى أن مات فيه ، فلاحظ تواريخ الصفوية (١) ، انتهى.

__________________

(١) انظر سفينة البحار ، ص ١٤٢ ، طبعة النجف.

أقول : توصيفه ب «الحسيني» يوجب اشتباه من يأتي بعده ويطالع كتابه المذكور المشهور المتداول بين الناس ، فإنّه فهرس للكتاب الكبير الخالد بحار الأنوار للعلّامة المجلسىقدس‌سره ومن نفائس تأليفات المحدّث القميّ (ره) ، ومن هنا نرى المرحوم الشيخ محمد علي المعلّم الحبيب آبادي الأصفهاني (ره) ، في كتابه مكارم الآثار وقع في الحيرة من توصيف المحدّث القميّ (ره) للأمير الكبير المعظّم ب «الحسيني» وذلك ناشئ من المسامحة وعدم التحقيق. وكان شيخنا البحّاث المحقّق الأكبر الشيخ آقا بزرك الطهراني صاحب الذريعة قدس‌سره يقول : وقد سقط لفظ «الحسني» عن قلم المحدّث القميّ في سفينة البحار ، وكان حقّ العبارة أن يقول : «الحسني الحسيني» ورأيته قدس‌سره قد كتب بخطّه الشريف كلمة «الحسني» في هامش نسخته من سفينة البحار ، والنسخة محفوظة ظاهرا اليوم في مكتبته العامرة في داره في النجف الأشرف ، وصارت مقبرة له بعد وفاته ، فراجع.

وأمّا عبارة النسخة الموجودة من رياض العلماء للأفندي في مكتبة شيخنا الطهراني قدس‌سره في النجف وطالعتها مرارا فكانت كما يلي :

السيد الأمير عبد الوهاب الحسني التبريزي الفاضل العالم العامل الفقيه الكامل ، جدّ السادات العبد الوهابية في تبريز ، وصاحب الكرامات والمقامات ، وقد استشهد في حبس ملك الروم في بلاد قسطنطينية وقصّته طويلة ـ إلى أن قال ـ المشهور المتداول أنّه عزّزه ملك الروم أوّلا ثمّ حبسه في قعر بئر مظلمة إلى أن مات بها ويقال : إنّه قد أخرج من تلك البئر بعد موت السلطان سليم ، انتهى.

والسيد الأمين أيضا نقل في أعيان الشيعة عبارة رياض العلماء كما نقلناها من غير زيادة ولا نقصان حتّى قوله : «الحسني» إلى قوله : وقصّته طويلة (١).

فالقارئ الكريم يرى أنّ المحدّث القميّ (ره) بدل في عبارته «الحسني» ب «الحسيني» وأسقط من عبارة الرياض كلمة «العامل» ولعله كانت نسخة الرياض الموجودة عند

__________________

(١) أعيان الشيعة ، ج ٤٧ ، ص ٦٢.

المحدّث القمي (ره) «الحسيني» وهو أيضا نقلها كما وجدها ، فحينئذ فالاشتباه صدر من قلم صاحب الرياض أو من الناسخين والله العالم ، وكلّ ذلك ناشئ من المسامحة كما نرى في بعض المواضع يوصف السيد الأعظم رضي الدين بن طاوس الحسني قدس‌سره ب «الحسيني» وليس ذلك إلّا تسامحا بيّنا ، فإنّه لا شكّ أنّه من السادات الحسنية ومن مفاخرهم ومن أعلام الدين الشاهقة.

وأمّا ما نقل المحدّث القمي (ره) بقوله : وكان معاصرا للسلطان شاه طهماسب الصفوي (ره) ... أرسله السلطان المذكور إلى الملك المزبور ...

ففيه أيضا من الاشتباه والالتباس ما هو غير خفيّ على المتتبّع الخبير والمنقّب الناقد البصير ، فإنّ الأمير الفقيه المعظّم إنّما كان معاصرا مع الشاه إسماعيل الصفوي مؤسّس الدولة العلية الصفوية ، وله نسبة سببية مع الشاه المذكور ، فكما أنّ السلطان حيدر الصفوي والد الشاه إسماعيل كان صهرا للسلطان العالم الفاضل السلطان «أوزون حسن آق قويونلو» (حسن پادشاه) رحمه‌الله فكذا الأمير عبد الوهاب رحمه‌الله كان صهرا له على ابنته الأخرى ، ولذا أولاد الأمير السيد المعظّم له من أولاد السلطان «أوزون حسن» من طرف الأمّ ، ولذلك كانت تولية الموقوفات النصريّة في أيديهم ، وعلى ذلك عندنا أسناد ومدارك معتبرة ، وقد طبع وانتشر واحد منها في بعض أجزاء مجلة دانشكده أدبيات وعلوم انسانى تبريز ، فراجع ، وأصل ذلك السند موجود عندي.

وأضف إلى ذلك أنّ السيد الأمير المعظّم نال الشهادة بيد عمّال السلطان سليم السفّاك العثماني في سنة ٩٢٢ على ما هو المحقّق الصحيح من تاريخ شهادته والشاه إسماعيل توفي سنة ٩٣٠ وكان جلوس الشاه طهماسب الصفوي المتشرّع المبرور على عرش الملك في ١٩ رجب سنة ٩٣٠ ، فكيف يكون السيد الأمير معاصرا له في زمن سلطنته؟ ولم يرسله السلطان شاه طهماسب إلى الروم للإصلاح بين الدولتين : إيران والعثمانية ، بل أرسله الشاه إسماعيل بعد وقعة «جالدران» مع القاضي إسحاق باشا وشكر الله المغاني وجمع آخر ، وسجنه السلطان سليم السفّاك العنيد ونال السيد الأمير

الشهادة في حبسه في حصن «ينكى حصار» على ثغر إسلامبول ، كما صرّح به محمد بن حسن خان في كتابه تاج التواريخ من تواريخ العثمانية.

وما ذكره حافظ حسين التبريزي في كتابه روضات الجنان من أنّ السيد الأمير أخرج من السجن ، وعاش قريبا من سنة في بلاد الروم وتوفّي سنة ٩٢٧ ، ليس على ضوء العلم والتحقيق ، بل لا يخلو من ستر على الحقائق ، فإنّ العامة كثيرا ما يسترون الجنايات الصادرة من أولي أمرهم ، وقد حققنا هذه المطالب التاريخية في كتابنا خاندان عبد الوهاب بالفارسية تفصيلا.

فالقارئ العزيز بعد المعرفة بما ذكرناه يعرف أنّ ما ذكره في تاريخ حبيب السير من أنّ السيد الأمير في سنة ٩٣٠ ، لعلّه حيّ يرزق في بلاد الروم ، وكذا ما في بعض التواريخ أنّه توفّي ١٠٢٧ اشتباه ناشئ من عدم التحقيق ، كما يظهر من تعبير تاريخ حبيب السير ، فراجع.

والظن القوي أنّ التاريخ الأخير ١٠٢٧ اشتباه من الناسخ.

ويعرف أيضا أنّ ما ذكره علّامتنا المتضلّع الأكبر حجّة الحقّ الشيخ عبد الحسين الأميني صاحب الغدير قدّس الله سرّه في كتابه شهداء الفضيلة من توصيف السيد الأمير المعظّم ب «الحسيني» بقوله : العلّامة السيد عبد الوهاب الحسيني التبريزي الشهيد في أعماق السجون ، من أعاظم علماء الشيعة وفقهائهم ، وقد زان عبقريته في العلوم ورع موصوف وغرائز كريمة موروثة عن أسلافه الطاهرين من علماء عهد السلطان إسماعيل (١) ...» ذهول وغفلة منه رحمه‌الله تعالى ، ولعلّ سببه هو التبعية لسفينة البحار ، وقد ذكرت ذلك له (ره) في النجف الأشرف وكان يتأسّف من وقوع هذا الاشتباه في كتابه ، ووعد استدراك ذلك في الطبعة الثانية ، ولكن لم يوفق له لاشتغاله بتأليف كتابه النفيس الخالد الغدير ، وكان في الأغلب مشاورا فيه مع العلّامة المتبحّر الأكبر الشيخ ميرزا محمد علي الغروي الأوردبادي ، الفاضل الأديب الفقيه الشاعر

__________________

(١) شهداء الفضيلة ، ص ١٢٩ ، طبعة النجف.

الكاتب المشهور للصداقة الأكيدة بينهما قدّس الله سرّهما.

ويجدر بالذكر هنا أنّ محمد علي تربيت ذكر في كتابه دانشمندان آذربايجان من تراجم أفراد هذه الأسرة الحسنية ، ويعبر عنها بالفارسية «سادات وهابيها» وهذا التعبير منه لا يخلو من إيماء وإشارة وتعريض ، وذلك منه غير بعيد فإنّه من أفراد الفرقة الماسونية (١) ـ انظر كتاب «ماسوني في إيران» تأليف ال «رائين».

وهذا الرجل «تربيت» هو الذي كان ساعيا في تخريب مساجد الله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها) (٢) وكتابه الذي أو عزنا إليه مشحون بالأغلاط ، وقد عدّ المحقق المعاصر أحمد «گلچين معاني» في كتابه المؤلّف على ضوء التتبع والتحقيق تاريخ تذكره هاى فارسى (٣) من أغلاطه ثلاثين موردا ، ولكنّها أكثر من ذلك أضعافا مضاعفة.

والعثرات التي وقعت في كتاب رجال آذربايجان در عصر مشروطيت في تراجم أفراد هذه الأسرة الحسنية لا تقصر من عثرات «تربيت» في كتابه ، ولا سيما في أحوال سيدي الوالد الماجد قدّس الله روحه ونوّر ضريحه ، وقد تعرّضنا للتنبيه على تلك العثرات والهفوات في كتابنا «خاندان عبد الوهاب».

والغرض الإشارة إلى الاشتباهات التي وقعت لجمع من المؤلّفين في تواريخ أفراد هذه الأسرة الفاطمية والشجرة الطيبة الزاكية ، كما وقع بعض الاشتباهات في بعض الكتب المؤلّفة في تواريخ هذه الأسرة خاصّة أيضا ككتاب «هدية لآل عبا في نسب آل طباطبا» المطبوع سنة ١٣٣١ ه‍ ش بمطبعة المجلس بطهران ، ومؤلّفه من أفراد هذه السلسلة العلية وهو السيد الجليل المرحوم «حسينعلي نقيب زاده مشايخ طباطبا» ألّف كتابه في أنساب السادات العبد الوهابية ، واستفاد كثيرا من كتاب النسب الذي صنّفه سيّدنا الأستاذ الأكبر آية الله العلّامة الطباطبائي دام ظلّه صاحب تفسير الميزان ،

__________________

(١) ماسونى في إيران ، ج ٢ ، ص ١٩٦ ، ٤٥٢ ، طبعة طهران.

(٢) البقرة ٢ : ١١٤.

(٣) تاريخ تذكره هاى فارسى ، ج ١ ، ص ٦١٧ ، طبعة جامعة طهران.

وعندي نسخة من كتاب النسب له دام ظلّه مع ما كتبنا عليه بعض التعليقات ، ولكن في كتاب الهدية المذكور اشتباهات عجيبة لو لا التعرّض لرفعها يوشك أن تكون تلك الاشتباهات منشأ لالتباس الأمر على النسل الآتي ؛ ولذلك تعرّضنا لرفعها في هوامش النسخة الموجودة عندي ، وسوف نذكرها في كتاب «خاندان عبد الوهاب» عند الطبع إن شاء الله تعالى والله الموفق.

ونظرا إلى ضبط نسب شيخ الإسلام الأمير نور الدين قدس‌سره في هذه التعاليق ، أحببت سرد نسبي أيضا ليعلم اتصال سلسلة النسب الشريف إلى السيد الأمير الفقيه الجليل إجمالا ، وأمّا التفصيل في بيان الشعب وتراجم الأفراد وأحوالهم فموكول إلى الكتب المؤلّفة في تواريخ هذه الشجرة المباركة ولا سيما كتابنا الذي أو عزنا إليه. فأقول :

أنا العبد الفاني السيد محمد علي القاضي الطباطبائي (١) ابن السيد ميرزا محمد باقر القاضي الطباطبائي (٢) ابن السيد ميرزا محمد علي القاضي (٣) ابن السيد ميرزا محسن القاضي (٤) ابن السيد ميرزا عبد الجبار القاضي (٥) ابن السيد ميرزا محمد مهدي القاضي (٦) ابن السيد ميرزا محمد تقي القاضي (٧) ابن السيد ميرزا محمد القاضي (٨) ابن السيد الشهيد ميرزا محمد علي القاضي (٩) ابن السيد ميرزا صدر الدين محمد المعروف بميرزا صدرا القاضي (١٠) ابن السيد ميرزا يوسف نقيب الأشراف (١١) ابن السيد ميرزا صدر الدين محمد الكبير (١٢) ابن السيد مجد الدين (١٣) ابن السيد الأمير إسماعيل (١٤) ابن السيد محمد أكبر الشهير «بميرشاهمير» القاضي (١٥) ابن السيد الأمير نور الدين شيخ الإسلام الشهيد ابن الأمير عبد الغفار شيخ الإسلام ـ إلى آخر نسبه الشريف :

نسب كأنّ عليه من شمس الضحى

نورا ومن فلق الصباح عمودا

وينبغي الرجوع في الاطّلاع على تراجم هؤلاء الأكابر إلى التواريخ وكتب التراجم والرجال ، التي يطول الكلام بذكر أساميها والإشارة إلى المطبوع منها والمخطوط كرياض العلماء ، ومن المطبوع كتاب «أعيان الشيعة» لسيد الأعيان الإمام السيد محسن الأمين العاملي (ره).

والقارئ العزيز إن أراد الاطّلاع على ترجمة السيد العالم الرباني والفقيه الصمداني صاحب الكرامات والمقامات ، مفخرة هذه الأسرة المباركة آية الله السيد ميرزا محمد مهدي القاضي الطباطبائي المتوفّى ١٢٤١ قدس‌سره ـ وهو أحد المهادي الخمسة من تلامذة العلّامة الوحيد البهبهاني قدس‌سره ـ فعليه بالرجوع إلى المجلد ٤٧ من أعيان الشيعة ص ٦٠ ـ ٦١ طبعة ـ بيروت. وقد أطراه السيد الأمين (ره) وأثنى عليه ثناء بليغا ، ووصفه بصفة «العالم الرباني» وغيرها فراجع.

ومن الكتب المخطوطة التى لم تبرز إلى عالم المطبوعات كتاب رياض الجنّة لمعاصره السيد الفاضل الزنوزي رحمه‌الله ، وقد وصفه في ترجمة والده الفقيه الكبير السيد ميرزا محمد تقي القاضي قدس‌سره بما هذا لفظه : الميرزا محمد تقي القاضي الحسني التبريزي ابن الميرزا محمد القاضي عالم فاضل كامل محقّق مدقّق دقيق الذهن جيد الفهم ، له اطّلاع كامل في فنون العربية والفقه والكلام والتفسير متقلد في تلك البلدة إرثا واستحقاقا بأمر القضاء ، وهو من أعاظم النجباء في تلك الناحية وأكابرهم ، بابه مرجع لكلّ وارد وصادر ، عظيم الحرمة عند الأمراء والسلاطين والأكابر والأصاغر تشرّفت بصحبته كثيرا ، وله رسالة في شرح دعاء الصباح لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو يأمن دلع ... الدعاء. توفّي في سنة ١٢٢٢ اثنين وعشرين ومائتين وألف في بلدة تبريز ونقل إلى العتبات.

وله ابن فاضل كامل وهو الميرزا محمد مهدي عالم فاضل كامل باذل ماهر في أكثر الفنون ، فقيه نبيه وجيه مهندس متكلّم أصولي طبيب ، وله اطّلاع في العلوم الغريبة أيضا والآن ساكن مع أخيه الفاضل الكامل المقدّس الورع الميرزا محمد رحيما في مسقط رأسهما تبريز أطال الله بقاءهما انتهى.

راجع الروضة الرابعة من كتاب «رياض الجنة» للعالم الجليل السيد ميرزا محمد حسن الزنوزي الخوئي رحمه‌الله تعالى. وينبغي لمن أراد الاطّلاع على ترجمة الزنوزي صاحب رياض الجنة (ره) الرجوع إلى المقال الممتع الذي نشره صديقنا الجليل آقا ميرزا جعفر سلطان القرائي التبريزي في مجلة «پيام نو» العدد (٦) سنة ١٣٣٣ ه‍ ش

ص ـ ١٦ ـ ٢٤ ونقل ذلك المقال عن كتابه النفيس المحافل ـ المخطوط ـ وهو في تواريخ أكابر آذربيجان وتراجم علمائها وأدبائها على ضوء التتبع والتحقيق ، نسأل الله تعالى التوفيق لطبعه ونشره إن شاء الله تعالى.

تمّت التعليقات المضافة إلى آخر الكتاب بقلم مؤلّفها : العبد الفاني محمد علي القاضي الطباطبائي عفا الله تعالى عن جرائمه في ٢٢ شهر جمادى الأولى سنة ١٣٩٧ ، سنة (١٣٥٦) ه ش.

نسأل الله تعالى أن يعصم أفهامنا عن الهفوات وأقلامنا عن الزلّات وأقدامنا عن العثرات ، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب ، وصلّى الله على النبيّ خاتم النبيين وآله الطاهرين المعصومين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

الفهارس

١. فهرس الآیات الکریمة

٢. فهرس الأحاديث

٣. فهرس أهمّ ما جاء في هامش الكتاب من تعليقات وملاحظات

٤. فهرس التعليقات المضافة إلى آخر الکتاب

٥. فهرس الآسماء الأنبياء والمعصومين عليهم‌السلام

٦. فهرس الاعلام

٧. فهرس الفرق والطوائف

٨. فهرس أسماء الكتب

٩. فهرس الموضوعات

١ ـ فهرس الآیات الکریمه

آتاهما صالحاً ٢٤٩

أأمنتم من في السماء ١٨٩

الا ابتغاء وجه ربه الاعلى ١٧٠

الا ان تاتيهم الملائكة ١٧٩

الا أن يأتين بفاحشة مبينّه ٣٥٩

الا ان ياتبهم الله في .. ١٧٨٩ ، ١٧٩

الا ان يشاء الله ربنا ٢٥٢

الا لمن اذن له ٥٧٨

الا لمن ارتضى ٥٧٨

الا ما رحم ربيّ ٢٥٧

الا من اتخذ عند الرحمن عهداً ٥٨

الا من اذن له الرحمن ورضي له قولاً ٥٧٨

الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ٣٧٨ ، ٤٤٠

الا من ارتضى من رسول ٣٣٠

الا من بعد اذنه ٥٧٨

الا من بعد ان ياذن الله لمن يشاء ويرضى ٥٧٨

الا من تاب وعمل صالحاً ٥٧٩

الا من شهد بالحق ٥٧٨

أأتت قلت للناس اتخلوني واميّ الهين ٢٦٨

أتعبدون ما تنحثون والله خلقكم وما تعلم ٣١٥

احمل فيها من كل زوجين اثنين و... ٢٥٠

احياء عند ربهم يرزقون ... ١٢٤

اخلفني في قومي ٣٣٩

إذ تصعدون ولاتلون على احد ... ٢٨٧

ارجع البصركرتين ٤٢٥

ارجعي إلى ربك ١٨٨

اطيعو الله واطيعو الرسول وأولى الامرمنكم ٥٤٤

اعد الله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ٥٥٤

اعدث للكافرين ٤٢٤ ، ٥٥٤

اغرقوا فادخلوا ناراً ٤٢٥

افرأيتم اللات والعُزّى ومناة ... ٢٧١

أفمن يهدي إل الحقّ احقّ ... ٢٨١

أفيضوا من حيث افاض الناس ٢٧٤

أقتلت نفساً زكيةً ٢٦٠

أكلها دائم وظلها ٢٤٢

الاستواء إلى السماء ١٨٤

الاستواء علي العرش ١٨٤

الآن حصحص الحق انا راودته ... ٢٥٦

الحمدلله الذي خلق السموت والارض و... ٣٠٩

الذي احسن كل شي حلقه ٤٦٦

الذي خلق المون والحياة ليبلوكم ... ١٣٢

الذين آمنوا ولم یلبسوا ایمانهم بظلم ٤٤٠

الذين يصدون عن سبيل الله و... ٤٧٤

الله نور السموات والارض ١٦٥

الله يتوفي الانفس حين موتها ١٨٠ ، ١٨٨

ألم اتهكما عن تلكما الشجرة ٢٤٧

النّار مثواكم خالدين فيها الاّ ما شاءالله ٤٤٣

النّار هي مولاكم ٣٣٨

الناّار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم ... ٤٢٤

النبي اولى بالمؤمنين من أنفسهم ٣٤٠

الى الله المصير ١٨٨

إلى ربكم ترجعون ١٨٨

إلى ربه ناظرة ١٨٨

اليوم اكملت لكم دينكم واقممتُ عليكم ... ٤٧٦

اليه يرجع الامركله ١٨٦

اليه بصعد الكلم الطيب والعمل ... ١٦٣

ام كنتم شهداء إذ حضر يعقوب ... ٢٥٣

إنّ ابني من اهلي ٢٤٩

أنّ اكرمكم عندالله اتقاكم ٤٠١ ، ٤٠٢

انّ الابرار لفي نعيم وانّ الفجّار لفي جحيم ٥٧٣

إن لحكم الا لله ٤٠٤

انّ الخري اليوم والسوء على الكافرين ٤٤٢ ، ٤٤٥

انّ الدين عند اللله الإسلام ١٩١

ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات ٤٤٠

ان الذین عند ربّك ١٩١

ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله ... ٣٥٨

ان العذاب على من كذب وتولى ٤٤٥

ان الفجارلفي جحيم ٥٨٤

ان الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم ... ٢٩٧ ، ٣٤٦

انّ الله لا يخلف الميعاد ٥٨٩

انّ الله لا يستحيي ان يضرب ... ١٧٧

ان الله لا يظلم مثقال ذرة ٥٨٠ ، ٥٨٦

ان الله لا يغفران يشرك ... عظيما ٤٥٢ ، ٥٧٥ ـ ٥٧٩ ، ٥٨٠ ، ٥٨١ ، ٥٨٣ ، ٥٨٨ ، ٥٩١ ، ٥٩٦ ، ٥٩٧ ـ ٦٠١ ، ٦٠٤ ، ٦٠٩ ، ٦١٠

ان الله يدخل الذين آمنوا وعملوا ... ٥١٦

ان الله یغفر الذنوب جميعاً ٥٨٤

ان المنافقين في الدرّك الاسفل من النّار ٤٢٣

ان تجتنبوا ما تنهون عنه ٥٨٠ ، ٥٨٦

ان تضل إحديهُما ٢٦٩

ان تقول نفس يا حسرتي على فرطت في ... ٤٣٢

إن جاءعكم فاسق بنباء فتبينوا ٢٤٦ ، ٣٦٨

انّ جهنّم كانت مرصاداً للطاغين ... ٥٧٣

ان ذلكم كان يؤذي النبيّ فيستحي منكم ٢٧٣

انّ ربك لبالمرصاد ١٣٠

ان ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ٥٧٥

انّ عبادي ليس لك عليهم سلطان الاّ ... ٤٧٥

ان عدنا في ملتكم بعد اذنجانا الله منها ٢٥٨

ان كادت لتبدي به لولا ان ربطنا على قلبها ٢٥٧

ان كانو ينطقون ٢٥١

ان كنتم تعقلون ١٥٦

ان كنتن تردن الحياة الدنيا ٥١٥ ، ٥١٩

ان كنتن تردن الله ورسوله ٥١٥

ان لعنة الله على الظالمين ٤٧٤

ان هذا اخي له تسع وتسعون ... ٢٦١

ان هي الا فتتك تضل بها من تشاء ٢١٩

ان يغفر لي خطيئتي ٢٥٣

انا آتیتک به قبل ان یرتد اليك طرفك ٣٠٢

انا ارسلنا نوحاً ٢٠٣

انا ارسلنا نوحا الى قومه ٢١٩

انا انزلنا ٢٦٨

انا جعلناك خليفة ٢٦٣

انا سخرنا الجبال معه يسجن بالشعيَّ والاشراق ٢٦٢

إنّأ عرضنا الامانة عل السّماوات ... ٥٦٨

إنّأ فتحنا لم فتحاً مبيناً ... ٢٧٦ ، ٢٩٥

انا نحن نزلنا الذكر ٢٩٤

إنّأ وجدنا آباءنا على امّة وانّا ... ٥٥٩

إنّا وجدنا صابراً نعم العبد انّه أواّب ٢٥٨

أنبئهم بأسمائهم ٢٩٧

انزل القرآن ١٨٨

انزل الفرقان ١٨٨

انزل لکم من الانعام ثمانیئ ازدواج ١٦٦

انزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ٥٩٠

انزلنا الحديد ١٦٦

انك لعلي خلق عظيم ٢٧٨

إنكّ من تدخل النّار فقد اخزيته ٤٤٢

إنّك ميّت وانّهم ميّتون ٣٦٢

انّكم انتم الظالمون ٣١٥

انّما التوبة على الله اللّذين ... اليماً ٥٨٩

انّما امره اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون ٥١٦ ، ٥٢٥

أنما انت منذر ولكل قوم هاد ٤٧٧

انّما نطعمكم لوجه الله ١٧٠

انّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ... ٢٧٥ ، ٣٣٧

انمّا يريد الشيطان أن يصلّهم ٥٢٣

انما يريد الله ان يعذيهم بها في الدنيا ٥٢٢

انمّا يريد الله ليذهب عنكم الرجس ... ٣٩٤ ، ٥١٤ ، ٥١٩ ، ٥٢٢

انما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ٥٢٢

انني هداني ربيّ إلى صراط مستقيم ... ٢٩٥

انّه على كل شيء شهيد ١٦٧

انّه عمل غير صالح ٢٤٩ ، ٢٥٠

انّه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ... ٤٦٦

انّه ليس من اهلك ٢٤٩

انّه من عبادنا المخلصين ٢٥٥

إنّه من كيدكن ان كيدكن عظيم ٢٥٥

انّه مي بات ربّه مجرماً فإنّ له ... ٤٤٤

انهم ملاقوا ربّهم ١٧٨

إنّي اعظلك ٢٥٠

إنّي جاعلك للنّاس اماماً ٣٣٣

اني ذاهب الى ربّي ... ١٨٧ ، ١٨٨

انّي عبد الله آتاني الكتاب ٤١١ ، ٥٠٨ ، ٥٣٢

اني كنت من الظالمين ٢٨٦

انّي متوفّيك ورافعك إلىَّ ١٨٩ ، ١٩٠

انّي مسنّي الشيطان بنصب وعذاب ٢٥٨

اويأتي ربّك ١٧٨

اولئك الذيم هدي الله فهداهم اقتده ٢٩٥

اولئك كتب في قلوبهم الايمان ٤٤٠

اولئك هم الكفرة الفجر ٤٤٥

اولم يكف بربّك ١٥٣

اوليس الذي خلق السماوات والارض ... ٤١٤

بعوضة فما فوقها ١٨٥

بل رفعه الله اليه ٢٠٧

بل فعله الله اليه ٢٠٧

بل فعله كبيرهم هذا ٢٧٠

بل يداء مبسوطتان ١٧٣

بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم ... ٤٨٧

بيد يدي رحمته ١٧٣

تجزون بما كنتم تعملون ٤٣٤ ، ٤٥٨

تعرج الملائكة والرّوح إليه ١٨٦

تقوم الساعة دخلوا آل فرعون اشدّ العذاب ٤٤٩

جاء ربّك ١٧٨

جزاء بما كانوا يعملون ٤٣٤

حبطت اعمالهم ٤٦٣

حتّى تضع الحرب اوزارها ٢٧٥

حتى تورات بالحجاب ٢٤٨

خلق لكم من انفسكم ... ٢٤٩

خلقكم من نفس واحدة ٢٤٨ ، ٢٩٩

ذلك ظن الذين كفروا ... ٢١٨

رب ارني انظراليك ١٩٢

رب ارني كيف تحي الموتى قال ... ١٩٢ ، ٢٥٢ ، ٥٦٠

ربّ السجن احب إلى ٢٥٧

ربّنا اغفرلي ولوالدي و... ٢٥٣ ، ٢٧٢

ربنا امتَّنا اثنتين واحييننا اثنتين ٤٢٥

ربّنا ظلمنا أنفسنا ٢٤٧ ، ٢٤٨

رحمني وسعت كلّ شيء ٤٤١

رُسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون ... ٢٤٦

ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد ... ٣٥١ ، ٣٥٢

سنقرئك فلا تنسى الاّ ما شاءالله ٢٧٩

سيهديهم ويصلح بالهم ٢١٨

شرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ٦٠٠

شهد الله انّه لا إله الا هو والملائكة واولى العلم قائماً بالقسط ٩٥

ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ٣٣٣ ، ٣١٤ ، ٣٣٢ ، ٣٣٣

عالم الغيب فلا يظهرعلى غيبة احداً ... ٥٣٠

عبدنا داود ذا الابد ٢٦٢

عبس وتولى ان جاءُ الاعمى ٢٧٧

عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً ٤٥١

عفا الله عنك لم اذنت لهم ٢٧٥ ، ٢٩٦

عفوّ غفور ٥٧٤

عفواً غفوراً ٥٧٤ ، ٥٩٨

عفوا قديراً ٥٩٨

علم ما في نفسي ١٩٦

عند سدرة المنتهى عندها جنه المأوى ٤٢٣ ، ٥٥٤ ، ٥٥٥

عند مليك مقتدر ١٩١

فابعثوا حكماً من اهله وحكماً من اهلها ٤٠٤

فأتاهم الله من حيث ... ١٧٩

فاتوا بسورة من مثله ٢٥٩ ، ٢٨٥

فاتو بعشر سُورَ مثله مفتريات ٢٨٥

فادعو وما دعاء الكافرين الا في ضلال ٤٧٤

فازلهما الشيطان عنها ... ٢٤٧

فاستغفر ربّه وقرَّ راكعاً ... ٢٨١

فاصبرلحكم ربك فانك باعيننا ١٧٢

فاقتلوا انفسكم ١٨٠

فامّا الذين شُقوا ففي النّار لهم فيها ... ٤٤٤

فانّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ٣٨٥

فإنّ الله يأتي بالشمَّس من المشرق ٢٥٢

فإن ذللتم من بعد ... ١٧٨

فإن كنت في شك مما انزلنا إليك ... ٢٧٩

فاينما تولوا فتم وجه الله ١٦٧ ، ١٧٠

فبعزّتّك لاغوينّهم اجمعين الاّ عبادك ... ٤٦٥

فتاب عليه ٢٤٧

فتكونا من الظالمين ٢٤٧

فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة ... ٤٧٥

فضل الله مجاهدين على القاعدين اجراً عظيماً ٣٩٨

فظن ان لن نقدرعليه ٢٦٧

فعّال لما يريد ٥١٦

فغفرنا له ذلك ٢٦٤

فقدر عليه رزقه ٢٦٧

فقدموا لين يدي نجويكم صدقة ١٧٣ ، ١٧٤

فقضهن سبع سموات في يومين ٢١٥

فقل تعالوا ندع أبناءنا وابناءكم ونساءنا و... ٣٨٣

فلا تطع الكافرين ١٣ ، ١٤

فلا يأمن مكرالله الا لقوم الخاسرون ٥٨٠

فلا تسألن ما ليس لك به علم ... ٢٦٩

فلمّأ أتيهما صالحاً جعلا له شركاء فيهما آتهاهما ٢٤٩

فلما اثقلت ٢٤٩

فلما تغشاها حملت حملاٌ حفیفاٌ ٢٤٩

فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ٤٣٩

فلمّا قضى زيد منها وطرا زوّجنا كما ٢٨٧

فلن يُضل اعمالهم ٢١٨

فما تنفعهم شفاعة الشافعين ٤٥١

فماذا بعد الحقّ الا الضّلال ٥٤٧

فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن ... ٥١٧

فمن يعمل مثقال ذرةً خيراً يره و... ٤٣٧ ، ٤٣٨

فناظرة بم يرجع لمرسلون ١٩٣

فنظ نظرة في النجوم فقال اني سقيم ٢٥١

فهب لي من لذنك وليا يرثني ٣٥٧

قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتیک ٣٠٢

قلل أنَّ رسُولكُم الَّذي ... ١٥٦ ، ١٧٢

قال رب السموات الارض ما بينهما ١٥٦ ، ١٧٢

قال سلام عليك ساستغفرلك ربّي ٢٥٣ ، ٢٧٢

قال عفويت من الجنّ انا آتیک به ٣٠٢

قال معاذ الله ٢٥٥

قال هي راودتني عن نفسي ٢٥٦

قال يا ايها الملا ايكم يأتيني بعرشها ٢٨٣ ، ٣٠٢ قالت الاعراب آمنا قل لكم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ٤٣٩

قالوا أأتت فعلت هذا بآلهتنا يا ايراهيم ... ٣١٥

قد تبيّن الرّشد من الغير ٤٧٥

قدّرناها من الغاربرين ٢١٥

قل كلّ من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون ... ٣١٣ ، ٣٣٢

قل لا اسئلكم عليه اجراً إلاً المودة في القربى ٤٠٠

قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ ... ٢٨٥

قل لا بعلم الغيب الا الله ٥٣٠

قل او شاء الله ملقونه عليكم و... ١٨٧ ، ٢٠٣

قل هو الله احد ١٦٧ ـ ١٦٩

قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم ... ٥٧٥ ، ٥٧٨ ـ ٥٨٠

قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي ... ٥٥٢

كتب ربكّم على نفسه الرّحمة ٥٧٣ ، ٥٩٦

كعرض السَّماء ٤٢٤

كل شي هالك الا وجهه ١٧٠ ، ٤١٥ ، ٤٢٤

كل من عليها فان ٤١٥

كل نفس ذائقة الموت ١٨٠

كلّ يوم هو في شأن ٥٠١

كلاّ انّهم عن ربّهم ... ١٨٩ ، ١٩٥

كما بدانا اول خلق نعيده ٤١٥

لا اعلم ما في نفسك ٢٦٨

لا تبطلوا اعمالكم ٤٦٣

لا تخف انك الاعلى ١٨٦

لاتدركه الابصار وهو يدرك ... ١٦٣٤

لا تركتوا إلى الذين ظلكوا فتمسّكم النّار ٤٧٧

لاخذنا منهّ باليمين ١٧٥

لاغوينهّم اجمعين الا ... ٢٥٥

لئن آتینا صالحاً لتكونن من الشاكرين ٢٤٩

لئن اشركت ليحبطن عملك ... ٢٥٠ ، ٢٧٨ ، ٤٣٦ ، ٤٣٨

لا نذركم به ومن بلغ ٢٩٣ ، ٢٩٤

لا يتّخذ المؤمنون الكافرين اولياء من ... ٣٧٧

لايذوقون فيه الموت الا الموتة الاولى ٤٢٥

لا يصلاها الا الأشقى ٤٠٢

لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ٢٦٤ ، ٢٩٨

لا يملكون الشفاعة الا من اتّخذ عند الرحّمن عهداً ٥٧٧ ، ٥٧٨

لا ينال عهدي الظالمين ٣٣٢ ، ٣٤٤ ، ٤٧٥

لتسُئلنَّ عن يومئذ عن النعيم ٥٦٨

لعفوّ غفور ٥٩٨

لعلك باخغ نفسك الا يكونوا مؤمنين ٢٧٥ ، ٤٠٩

لقد تاب الله على النبي والمهاجرين ٢٩٨

لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما ...

٣٣٤

لقد كفر الذين قالوا ... ١٥٧

لقد جئت شيئا نكراً ٢٧٩

لكيلا يكون على المؤمنين حرج ... ٢٧٤

للذين احسنوا الحسنى وزيادة ١٩٤

لم تحرمّ ما احلّ الله لك ٢٨٠

لم يلد ولم يولد ولم يكن به كفواً احد ١٨٤

لم خلقتُ بيديَّ ١٧٣

لمثل هذا فليعمل العاملون ٤٤٩ ، ٤٧٣

لمن الغافلين ٢٩٠

لمن تراني ١٦٤

لن نؤمن لك حتّى زي الله جهرة ١٩٦

لن يستنكف المسيح ان يكون ... ٢٩٧

لنصرف عنه السوء والفحشاء ... ٢٧٥

لولا أن رأى برهان ربّه ٢٥٦

له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ٢٦٣

ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم ٥٣٨

ليس كمثله شيء ١٦٩

ليعلم اني لم اخنه بالغيب ٢٥٦

ليغفرلك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخّر ٢٧٦

ما ضلَّ صاحبكم وما غوى ٢٦٨

ما علمنا عليه من سوء ٢٥٦

ما كنت تدري ما الكتال ٢٦٩

ما للظالمين من انصار ٤٥١

ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ٤٥١ ، ٥٧٧

ما دابة في الارض ولا طائر يطير ... ٤٢٧

ما من شفيع الا من بعد اذنه ٥٧٦ ، ٥٧٨

ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ٢٠٣

ما يبدلّ القول لدي ٥٩٤

 ما يفعل الله بعذابكم ٥٨٠ ، ٥٨٦

ما يكون من نجوى ثلاثة ... ١٦٧ ، ١٨٥

مادون ذلك ٦١١

ما قدروالله حق قدره ٤٦٢

ما يفعل الله بعذابكم ٦٠٤

ممّا عملت أيدينا ١٧٣ ، ١٧٤

من تبعني ايدينا ١٧٣ ، ١٧٤

من تبعني فإنّه منّى ٥٦٩

من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاءَ ... ٥٩٣

من ذا الذي يشفع عنده الاّ بإذنه ٥٧٦ ، ٥٧٨

من في القبور ٤٢٦

من نعمة تجزي ٤٢٣

من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب ... ٥٧٧

مع يطع الرسول فقد اطاع الله ١٨٨

من يعص الله ورسوله ويتعدَّ حدوده ... ٤٤٤

من يعمل سوءً يجزيه ٤٣٧ ، ٤٥٣

نَحنُ قدرَّنا بّينكُم المَوتَ ... ١٣٣

نحن قدّرنا بينكم الموت ... فيما لا يعلمون ١٤٣

نحن نقص عليك ٣٨٣

نزلّ الفرقان ٢٠٤

نسوا الله فنسيهم ٢٨٠

نهم ملاقوا ربّهم ١٩٤

وإذا طلقتم النساء فطلقوهن ... ٣٥٩٤

ولا تغفرلي وترحمني ٢٥٠

وابتغوا من فضل الله ٢٣٢

وآت ذا القربى حقّه ٣٥٨

واتّبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ٥٤٩

وآتیتهم إحديهن قنطارً فلا تأخذوا منه شيئاً ٣٦٢

وآتینا الحكمة وفصل الخطاب ٢٨٢

وآتیناه الحکم صبیاً ٣٨٩

واجعلنا مسلمين لك ٢٥٣

واجعله ربّ رضيّا ٣٥٧

واجنبني ونبي أن نعبد الاصنام ٢٥٤

وآخرون اعترفوا بذنوبهم حلطوا ... ٤٣٩

وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً ... ٤٦٣

واخفض جناحك للمؤمنين ٢٩٧

وإذ أسَرَّ النبي إلى بعض أزواجه ٣٠٦

واذ تقول للذّي انعم الله عليه و... ٢٩٢

واذ قال ابراهيم لأبيه آزر ٢٥٣ ، ٢٧٣

وإذا سالك عبادي ... ٢٠١

واذا طلقتم النساء فطلقوهنَّ ... ٣٨١

واستغفرلذنبك وللؤمنين والمؤمنات ٢٩٨ ، ٤٧٥ ، ٦٠٠ ، ٦٠٩ ، ٦٢٠

واستفزز من استطعت منهم بصوتك ... ٤٩٤

واشهدو ذوى عدل منكم ٤٠٥

واصطنعتك لنفسي ١٨١

واصنع لنفسي ١٨١

واعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة و... ٣٢٨ ، ٣٥٠

وأعرض عن الشركين ٢٧٨ ، ٢٩٧

واغفرلأبي إنّه كان من الضالّين ٢٥٣ ، ٢٧٢

والارض جميعاً قبضته يوم القيامة ١٩١

والتي لم تمت في منامها ١٩٦

والحقتا بهم ذريتَّهم ٤٦٥

والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ... ٦٠٣

والسابقون السابقون اولئك ... ١٩١ ، ٢٩٨ ، ٣٨٦

والسمّاء وما بناها ٤٤٤

والسموات مطوبات بيمينه ١٧٥

والطير محشورة كل له أوآب ٢٦٢

والله الغني وانتم الفقراء ١٦٩

والله عليهم بالمتقين ٥٤٦

والليل إذا يغشى ٤٠١

وإن الشياطين ليوحون إلى اوليائهم ... ٢٩١ ، ٣١٠

وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله ... ٣١٣ ، ٣٣٢

وان تغفرلهم ٢٦٨

وانّ ربّك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ٤٥٢

وان كنت من قبلة لمن الغافلين ٢٦٩ ، ٢٧٠

وان كنتم فر ريب ممّأ نزلنا على عبدنا ... ٣١٠

وان كنتن تردن الله ورسوله ٥١٥ ، ٥١٩

وان لم تغفرلنا وترحمنا ... ٢٤٧

وانَّ له عندنا لزلفي وحسن مآب ١٩٢ ، ٢٦٣ ، ٣٦٧

وانذرعشيرتك الاقربين ٣٨٧

وأنفسنا وأنفسكم ٥٠٥

وانّك لعلى خلق عظيم ٣٨٩

وانّه لذكر لك ولقومك ٢٠٣

وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ... ٣٤٠

وباطل ما كانوا يعملون ٤٦٣

وتبتل إليه تبتيلا ٢٠٢

وتعيها أذن واعية ٣٩٠ ، ٤١٢

وتوبوا إلى الله جميعا ٤٦٩

وجاد لهم بالتي هي احسن ٥٢٦

وجاهدوا في الله حقّ جهاده هو اجتبئكم ٣٧٦

وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ٤٣٩

وجعلا له شركاء فيها آتهاهما ... ٢٤٨

وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا ٤٧٥ ، ٥٠٣

وجعلني نبيّا ٥٣٢

وجنّة عرضها السّماوات والأرض اعدّت للمتقين ٤٢٤

وجنة عرضها كعرض السماء والارض ... ٥٥٤

وجوه يومئذ باسرة تظنّ أن ... ١٩٤

وجوه يومئذ ناضرة الى ... ١٩٣ ، ١٨٨

وخاتم النبيين ٢٩٤

وخرّ راكعاً ٢٦٤ ـ ٢٦٦

ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها ٥٤٩

وذالنون إذ ذهب مغاضباً ٢٦٧

وذلك دين القيمة ٤٤٠

وواودته التي هو بيتها عن نفسه ٢٥٨

وربّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ٣٥٠

ورضوان من الله اكبر ١٩٤

ورفعنالك ذكرك فإن مع العسر يسرا ٢٧٥

ويسئلونك عن الروح قل الروح ... ٥٧٢

وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكىّ ... ٤٠١

وشددنا ملكه ٢٦٣

وشهد شاهد من أهلها ان كان ... ٢٥٥

وعدالله الذين آمنوا منکم وعملوا ... ٣٥٠

وعصی آدم ربّه فغوى ٢٤٧

وعلّمنا من لدنّا علماً ٥١٠ ، ٥٣٤

وفي السًّماء رزقكم وما توعدون ١٧٩

وقالت الاعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ... ٥٥٩

وقالت النَّصارى المسيح ابن الله ذلك ... ١٥٩ ، ١٧٥

وقالت اليهود يدالله مغلولة ٥٠١ ، ٥٢٥

وقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ٣١٤

وقد فتنّأ سليمان والقينا على كرسيّة جسداً ٢٨٤

وقدّرفيها اقواتها ٢١٥

وفرن في بيوتكن ٣٥٨ ، ٣٥٩ ، ٣٩٤

وقضى الامر ١٧٩

وقضى ربّك الأّ تعبدوا الإ ايّاه ٢١٥ ، ٢١٨

وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب ٢١٥

وكذلك اوحينا اليك روحاً من ... ٢٦٩ ، ٢٨٩

وكم من ملك في السّماوات لا تغنى ... ٥٧٧ ، ٥٧٨

ولا علم ما في نفسك ١٩٦

ولا اقول لكم انّي ملك ٢٩٨

ولا تحسبن الذين قتلوا ... ١٢٣ ، ١٢٤ ، ٤٢٨ ، ٥٤٤ ، ٥٤٦ ، ٥٤٩ ، ٥٥٩

ولا تدخلوا بيوت النبي ٣٨١

ولا تذهب بنفسك عليهم حسرات ٣٣٤ ، ٣٥٦

ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله اموات ... ٥٤٧

ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ١٧٣ ، ٣٧٨

ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن اذن له ٥٧٧ ، ٥٧٨٤

ولا تهنوا ولا تحزنوا ... ١٨٦

ولا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون ٥٩٦

ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله ٥٦٨

ولا تدخلو بيوت النبي ٣٥٩

ولا تكن كصاحب الحوت ٢٨٦

ولآمن من فی الارض کلّهم جميعاً ٢٢١

ولئن اتّبعت اهواء هم من بعد جاءك ... ٥٦١

ولا يأمن مكرالله إلا القوم الخاسرون ٥٨٦

ولا يرضى لعباده الكفر ٢٢٠

ولا يشفعون الا لمن ارتضى ٤٥١

ولا يملك الذين يدعون من دونه ... ٥٧٧ ، ٥٧٨

ولتصنع على عيني ١٧٢

ولسوف يعطيك ربّك فترضى ٤٥١ ، ٥٧٦ ، ٥٨٥

ولقد آتینا لقمان الحكمة ٤٨٩

ولد راودته عن نفسه فاستعصم ٢٥٦

ولقد نصركم الله ببدر ٢٨٧

ولقد همَّت به وهمَّ بها ٢٥٥ ـ ٢٥٧

ولكن انظر الى الجبل فإن ... ١٩٤

ولكن لا تشعرون ٥٧١

ولكن يريد ليطهركم ٥١٩

ولله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ٥٧٨

ولم يكن له كفواً احد ١٦٨ ، ١٦٩

ولنبلونكم حتّى نعلم المجاهدين منكم ٥٠٠

ولو أنّ اهل القرى آمنوا واتقّوا لفتحنا ... ٣١٣ ، ٣٣٢

ولو انّأ اهلكناهم بعذاب ... ٢٢٩

ولو تقوّل علينا بعض الاقاويل ... ٢٩٧

ولو شئنا لآتینا كلّ نفس هُداها ٢٣٨

ولو شاء ربّك لآمن من في ... ٢٢٠ ، ٢٢١

ولولا أن ثّبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا ٢٩٦

ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً ٥٤٤

وليمكننَّ لهم دينهم الَّذي ... ٣٥٠

وما ربّ العالمين ١٥٦

وما أبرىء نفسي انَّ النفس لامارة بالسوء ٢٥٧

وما آتیکم الرسول فخذوه و... ٢٤٦

وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ٢٩٣

وما ارسلنا من قبلك من رسول ... ٢٧٠ ، ٢٧٢

وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ٢٩٣

وما أسألكم عليه من اجر ٤٠١

وما امرنا الا واحدة ... ١٧٩

وما انا من المتكلّفين ٥٠٦

وما انت بمسمع من في القبور ٤٢٥ ، ٤٢٦

وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ٤٤٤

وما خلقت الجنّ والإنس الا ليعبدون ٢٢١ ، ٥٦٨ ، ٥٩٢

وما قتلوه وما صلبوه ... ١٩١

وما كان استغفار إبراهيم ... ٢٥٢

وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم ٢٧٦

وما كان لكم ان توذوا رسول الله و... ٣٦٦

وما كان للنبيّ والذين آمنوا ... ٢٥٢

وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا ... ٢٧٤

وما كان لنبيّ أن يكون له أسرى ... ٢٩٣

وما كان لي عليكم من سلطان الاّ ... ٤٦٦

وما كنت تتلوا من قبله من كتاب و... ٢٩١ ، ٣١٠

وما لاحد عنده من نعمة تجزي ٤٠١

وما يايهم من ذكر الرحمن محدث ٢١٩

وما يخدعون الا انفسهم ١٨٠

وما يدريك لعله يزكى ٢٧٧

وما يستوى الاحياء والا الاموات انّ ... ٤٥٠

وما يهلكنا الا الدهر ١٠٥

وما كان استغفار ابراهيم لأبيه ... ٢٥٢ ، ٢٧٢

وما كان لكم ان تؤذوا رسول ... ٣٦٦

ومعارج عليها يظهرون ١٨٦

وممّن خلقنا أمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون ٤٧٩

ومن اظلم ممّن منع مساجد الله أن ... ٦٠٩

ومن ذرّيتي ٤٧٥

ومن قتل مؤمنا متعمداّ فجزاءه جهنم خالداً فيها ٤٩٦

ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون ٥٤٦

ومن يأته مؤمناً ٤٤٥

ومن يتق الله بجعل له مخرجا ويزقه ... ٢٣٢

ومن يظلم منكم نذقة عذابا كبيراً ٥٨٤

ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ... ٤٤٥ ، ٥٧٤ ، ٥٨٤ ، ٥٨٦

ومن يعمل سؤاً او يظلم نفسه ثم استغفر الله ٥٨٠ ، ٥٨٦

ومن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ٥٨٠ ، ٥٨٦

ومن يقنط من رحمة ربّه الا الضّالّون ٥٧٨ ، ٥٨٠

ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون ... ٤٨٧

ونحن اقرب اليه من حبل الوريد ١٦٦

ونفخت فيه من روحي ١٨٠

ووجدك ضالاً فهدى ٢٦٨

وورث سليمان داود ٣٥٧ ، ٣٧٩

ووضعنا عنط وزرك الذي ... ٢٧٥

وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي ... ٢٦٦

وهل اتيك نبأ الخصم اذ تسور والمحراب ٢٦١

وهل نجازي الا الكفور ٤٤٥

وهو العلي العظيم ١٨٦

وهو العلي الكبير ١٨٦

وهو القاهر فوق عبادة ١٨٥

وهو ربّ العرش العظيم ١٨٤

وهو معكم اينما كنتم ١٨٥

وهو الذي يتوفيكم باليل ١٩٦

وهو الذي يقبل التوبة عن عباده و... ٤٤٦ ، ٥٧١

ويبقى وجه ربك ١٧٠

ويحمل عرش ربّك فوقهم ... ١٨٤

ويريد الله أن يخفّف عنكم ٥٨٠ ، ٥٨٦

ويزيدهم من فضله ١٩٤

ويعذّب من يشاء والله غفور رحيم ٦٠٣

ويعفو عن السيئات ٥٧٥

ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ٦٠٦ ، ٦١٠

ويوم تقوم الساعة ٤٤٩

ويوم حنين ٢٨٦

هؤلاء بناتي ان كنتم فاعلين ٢٦٧

هؤلاء بناتي هنَّ اطهرلكم ٢٦٧

هذا ربيّ ٢٥١ ، ٢٥٨

هذا خصمان اختصموا في ربّهم ٢٤٨

هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون ... ٥٥٤ ، ٥٧٨

هو الاول والآخر ٤١٥

يا ابت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ... ٣١٥

يا ايها الانسان ما غرّك ... ركّبك ٥٥٢

يا ايها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا ... ٥١٧

يا ايّها الذين آمنوا اطيعوا الله و... ٣٤٤ ، ٥٨٨

يا ايها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً ٥٧٣

يا ايها الذين آمنوا کتب علیکم القصاص ٥٧٣

یا ایها الذین آمنوا یرتد ٣٣٧

یا ایها المرسل ان کنتم فی شک من دینی فلا ... ٢٩٨

یا ایّها النّاس انی رسول الله الیکم جمیعاٌ ٢٩٣

یا ایها النبی اذا طلقتم النساء ٢٧٩ ، ٣٥٥

يا بني آدم قد انزلنا عليكم ... ١٨٢

يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ١٧٦

يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم ... ٤٥٣

يا عيسى انّى متوفيك ورافعك إلىَّ ٢٠٦

يا نساء النبي من يات منكنّ بفاحشة ... ٥١٤

يا ايّها الناس إن كنتم في شكّ من ديني فلا اعيد ... ٢٧٩

يتوفيكم ملك الموت ١٨٨

يحذرالآخرئ ویرجوا رحمة ربّه ٥٨٧

يحكم به ذو اعدل منكم ٤٠٤

يا بني آدم قد انزلنا عليكم ... ١٦٦

يا ايّها الرسول كلو من الطيبات ... ٢٧٥

يخادعون الله والذين آمنوا و... ٢٩١ ، ٣١٠

يخادعون الله وهو خادعهم ٢٦٤

يخافون ربهم من فوقهم ١٨٥

يدالله مغلولة ١٧٣

يدعون ربّهم خوفا وطمعاً ٥٨٧

يريد الله أن يخفّف عنكم ٥٢٣

يريد الله ان يذهب عنكم الرجس ٥٤٦

يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ٥٢٣

يريد الله ليبيّن لكم ٥٨٠ ، ٥٨٦

يريدون ان ييدّلوا كلام الله ٣٥٢

يريدون ان يخرجوا من النار وماهم ... ٥١٧

يريدون ان يطفئوا نورالله بافواهم ٢٩١ ، ٥١٧ ، ٥٢٢

يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون ٢٩٧

يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ٢٨٦

يضاهون قول الذي كفروا من قبل ١٧٥

يعفوا عن كثير ٥٧٥

يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون ... ٥٧٧ ، ٥٧٨

يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ٥٧٩ ، ٦٠٣

يكشف عن ساق ١٧٦ ، ١٧٧

يمحو الله ما يشاء ٥٠٠

يوم لا يخزي الله النبيّ والذين آمنوا ٤٧٧

يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ... ٤٧٤

يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ٤٧٧

يوم يلقونه ١٧٨

يومئذ لاتنفع الشفاعة الا من اذن له ... ٥٧٧ ، ٥٧٨

يومئذ يصدرالناس اشتاتاً ليروا اعمالهم ... ٤٦٢

٢ ـ فهرس الاحاديث

أبا بكر وعمر ليكونا مناديين ، كأنّه ... ٣٥٥

آتونی بدواة وكتف اكتب كتاباً ... ٣٦٥

اجل لم بكن ليبلغها إلا انا ... ٣٤١

احدث لله شكراً فقد احدث فيك امراً ٥٠٢

احفظوني في عترتي ٤٠٠

احكم بكتاب الله ولا تجاوزه ... ٦٠٣

اخبرني جبرائيل انّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ ... ٥٩٩

اختاروا منّي إمّا الرجوغ إلى ... ٤١٠

اختاروا مني خصالاً ثلاثاً ... ٥٣٣ ، ٥٣٤ ، ٥٣٥ ، ٥٣٦

ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من امتّي ٤٥٢ ، ٥٧٦ ، ٥٨٥

آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة ٢٩٥

إذا جاءكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله ... ٣٥٧

إذا غلستموني كفنتموني فضعوني على سريري ... ٣٥٩

إذا فارقت ارواح المؤمنين اجسادهم أسكناها الله ... ٥٥٢

إذا ولد المولود منّا رفع له عمود نوريري ... ٥٢٩

أربعة انا شفيع لهم يوم القيامة ... ٤٠٠

أرفعوا أيذيكم إلى الله عزوجل ... ١٦٣

أصحابي كالنجوم بايّهم اقتديهم اهتديتم ٣٥٥

أعمار أمتّي ما بين الستّين إلى السبعين ٣٤٩

أعوذ يربّي وربّكم من كلّ متكبّر لايؤمن ... ٥٤٠

اعهد إليك رسول الله في امر ... ٤٠٤

افضل العبادة احمزها ٢٩٧

افيضوا من حيث افاض الناس ٢٧٤

اقتدوا بالذين من بعدي ... ٣٥٤

اقضاكم عليّ ... ٣٤٢ ، ٣٩٠ ، ٤٠٦

اقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم ٣٦٠

اكرموا أولادي وحسنّوا آدابی ٤٠٠

اكرموا صالحهم لله وطالحم لاجلي ٤٠٠

الا وإنّ الدعيّ بن الدعي قدر ركز بين اثنتين : بين السلة والذلة ... ٥٤١

الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدوله بعد ذلك ... ٥٢٥

التائب من الذنب كمن لا ذنب له ٥٩٦

الحمدلله وماشاءالله ... خُط الموت على ولد آدم .. ٥٣٢

الحمد لله وما شاء الله ولا قوّة إلا ... ٥٣٢

الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ ... ٣٥٠

الروح في الجسد كالمعني في اللفظ ٢٢٦

الست أولى بكم ٣٣٨ ، ٣٣٩

السنا على الحقّ اليسوا على الباطل؟ قال : نعم .... ١٣٠

العلم في الصغر كالنقش في الحجر ... ٣٩٠

القدرية مجوس هذه الأمّة ٣٠٩

الكبائر في سواها ... ٥٨٧

الكريم بن الكرين بن الكريم ... ٢٥٥

الله قتله وانا معه ، ٣٧٠

اللهم اثتني بأحبّ خلقك إليك ... ٣٨٣ ، ٣٨٤

اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم ... ٥٤١

اللهم ارفع درحته ٤٥١

اللهم اهد قلبه وثبّت لسانه ٤٠٦

اللهمّ هؤلاء اهل بيتي فأذهب عنهم الرجس ٣٩٤

الملك عندهم عقيم ٣٢٢

الولد للفراشي وللعاهر الحجر ٣٧١

إلى القائم المهدي ٤٨٨

امّا الردّ على من انكر خلق الجنة ... ٥٥٥

اما والله لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس ... ٥٤١

إمامان قاما وقعدا ٣٧٤

امرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله ... ٤٣٩

إنّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يقتل بأرض يقال لها : كربلاء ... ٥٣٨

إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق ٥٣٨

إن اخي ووصييّ وخير من اتركه بعدي ... ٣٨٤

ان ارواح المؤمنين في حجرات في الجنة يأكلون ... ٥٥٠

إن اسقمت فاعينوني وإن اعوحججت ... ٣٦٠

إنّ اضافة البيوت إليهنّ بشير ... ٣٥٨

إنّ الارواح في صفة الاجساد في شجرة ... ٥٥٠

إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء ... ٦٠٣

إن التوبة يجمعها ستّة أشياء ... ٥٧١

أن الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثمّ ... ٣٥٤

إن القائم عليه‌السلام يهبط من ثنية ذي طوى في عدّة ... ٤٧٣

إنّ الله اطلّع إلى الارض اطلاّعه فاختارني منها ... ٣٣٥ ، ٣٨٤

إنّ الله أوحى إلى اتّخذ خليلاً ... ٢٥٢

إن الله بعث عيسى بن مريم رسولا نبياً صاحب ... ٥٠٩

إن الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز ... ٥٢٥

إن الله تعالى اوحى إلى آدم ان ... ٣٠٠

إن الله تعالى كتب القتل على ابني اسماعيل مرّتين ... ٥٠٢

إنّ الله تعالى يفرح بتوبة عبادة المؤمنين ... ٥٧١

أن الله حيّ كريم يستحيي إذا رفع العبد ... ١٧٧

ان الله خلق آدم على صورته ١٨١ ، ١٨٢

إن الله ينتصف للجماء من القرناء ٢٣٤

إن المجوس كفرت بكلّ الأنبياء وجحدت كتبهم ... ٤٦٣

إنّ المنافقين أرجفوا بي وقالوا ... ٣٤١

إن النواصب أعداؤنا والزيدية ... ٣٧٧

إن اوّل قتيل هذه الامة انا وأهل بيتي ... ٥٣٢

أنّ حوّاء كانت تلد تواماً كلّ ... ٣٠٠

إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله ... ١٩١

إنّ رسول الله هو المرتضى عند الله ونحن ورثة ذلك الرسول ... ٥٣١

إنّ رسو الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد دخل الجنة ورأى النارلما عرج به إلى السماء ... ٥٥٤

إنّ زيد بن علي لم يدّع ما ليس ... ٣٧٦

إنّ عليا آذانی بخطب بنت أبي جهل ... ٤٠٧

إنّ في بيتك لسخلاً يقتل الحسين عليه‌السلام ابني ٥٣٢

إنّ فيما عهد إلى النبيّ الأمّي ... ٤٠٥

إنّ قدرة الله اقبلت من طور ... ٣٠٥

إن لم اجدك ـ يعني بعد الموت ـ فقال ... ٣٥٤

انّ من أذى فاطمة فقد آذاني ... ٤٠٧

انا اشرف البشر ... ٢٩٥

انا اعلمه من علم الله تعالى ٥٣٠

انا الصّديق الاكبر ، آمنت ... ٣٨٦

انا اوّل من صلّى وانا اوّل من آمن بالله ... ٣٨٧

أنا جليس من ذكرني ١٦٧

أنا خاتم النبيين ٣٠٥

أنا دعوة أبي ابراهيم ... أوحى الله عزوّجل إلى ابراهيم ... ٣٣٢

انا سيّد ولد آدم ٢٩٥

انا عبد الله وأخو رسول الله لا يقولها ... ٣٨٥

انا عند المنكسرة قلوبهم ... ١٩٢

انا مدينة العلم وعلي بابها ... ٤٠٦ ، ٥١٠

أنت ابني حقاً ٤٧٠

أنت أخي ووصييّ وخليفتي ... ٣٤١ ، ٣٤٣

انت الخليفة بعدي ٣٣٥

انت سيد واين سيدّ ، انت امام ابن امام أبو الائمة ... ٣٣٦

أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ... ٣٣٩ ، ٣٨٥

انشدني فانشدته فقال : لا كما ... ٦٠٢

انطلق فطف بالبيت وحلّ كما حلّ اصحابك ... ٤٨٣

إنّما شفاعتي لأهل الكبائر ... ٥٧٦

انّه حيّ لا بحياة فيكون مجري الحياة ... ٤٦٠

إنّه خلقه من غير هذه الوسائط ١٨٣

انّه لم يكن صاحب حسب ولا مال و... ٤٩٠

إنّه ليشفع في مثل ربيعة ومضر ١٦٧

انّه يموت علي غير ملّتي ٤٩٨

انّها نزلت في رجل من بني امية كان عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... ٢٧٧

إنّهما سيّدا شباب اهل الجنة ... ٤٠٣

إنّي اقاتل المارقين ٤٠٥

انّي تارك فيكم الثقلين ... ٣٥٥ ، ٤٠٠ ، ٤٩٢

إنّي تارك فيكم الثقلين : الاكبر كتاب الله وعترتي ٣٥٥ ، ٤٠٠

إني سمعت وانت تقول : كلّ ... ٥٤٦

إني لاجد نفس الرحمن من قبل اليمن ١٦٧

انّي لاستغفرالله في اليوم سبعين مرة ٤٤٦

اوّل الدين معرفته ٨٣ ، ٤٣٩

اولكم وروداً على الحوض ... ٣٨٧

أهلّ باهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... ٤٨٣

ايّما الناس إنّا خلقتا وإياكم للبقاء لا للفناء ... ٥٤٤

أيّها الناس لا تشكوا عليا ... ٤٨٣

ايّها الناس من فقد الشمس فليتمسك بالقمر ومن فقد القمر ... ٣٤٣

بأبي انت واميّ إنّ ... ٥١٣

بسم الله الرحمن الرحيم ... فلا تخوضوا في القرآن ... ١٦٨

بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم الاثنین و ٣٨٧

بعثت إلى الأسود والأحمر ٢٩٣

بعدي اثنى عشرخليفة كلّهم من قريش ... ٣٤٦

بل اندمحت على مكنون علم لو بحث ... ٣٩٠

ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يدعى رضوي ... ٤٧١

تقتلك الفئة الباغية وآخر زادک اللبن ٣٧١

تلی الخلافة بعدي سنتين إن صدقت رؤياك ٣٥٥

جرح العجماء جبار ٢٣٥

حربك يا عليّ حربي وسلمك سلمي ٣٧٠

حسنات الأبرارسيئات المقربين ٢٤٧

حمدا نضيء لنا به ظلمات البرزخ ... ٥٤٥

خيار أمتي حدادها الذين إذا ... ٢٦٠

دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً من ياقوت ... ٥٥٥

رجعنا من الجهاد إلى جهاد الاكبر ١٤

رحم الله عمّى زيدا فإنّه دعا ... ٣٧٦

رضوي رضي الله عنه وقدس قدّسه الله ٤٧٠ ، ٤٧٢

رفع القلم عن ثلاثا ، فقال : ... ٣٦٢

رفع عن أمتّي تسعة ٥٠٣

زوجتك اقدمهم سلماً و... ٣٨٩

سافروا تغتنموا ٢٣٢

سئل أبو عبدالله عليه‌السلام عني بدء النسل من آدم ... ٣٠٠

سبحان الله المؤمن اكرم على الله من ذلك ان يجعل روحه ... ٥٥٠

سبحان من اذا تناهت العقول ... ١٦٣

ستفترق امتّي ثلاثاً وسبعين فرقة ... ٣٨٢

سقف الجنّة عرش الرحمن ... ٤٢٣

سلمان منّا اهل البيت ٢٥٠

سلوني قبل أن تفقدوني ... ١٦٩ ، ٥٣١

سنّوا بهم سنّة اهل الكتاب ... ٤٦٩

سيدة نساء العالمين أربع ، وعدّ ... ٤٠٠

صراطان : دنيوي وهو ما قصر عن ... ٤٢٦

صلّوا خلف كلّ برّ وفاجر ٣٥٣

صلى بنا رسول اله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم یوماً صلاة الفجر ... ٣٤٣

صنفان من أمتي ليس لهم في الآخرة نصيب : المرجئة والقدرية ٢١٧

صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سباط ... ٥٢٦

عرفت الله بنقض العزائم وفسخ الهمم ٥٦٦

علماء شيعتنا مرابطون في الثغر ... ١٥

علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الف باب من العلم ٣٩١ ، ٥١٠

عليّ خير البشر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قال ... ٣٨٤

عليّ خير البشر فمن أبي فقد كفر ٣٨٤

عليّ خير البشر ... ٣٨٤

علي ّ خير البشر ، ولا يشك فيه إلا ... ٣٨٤

علي مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار ٤٧٩

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول اله ... كل شيء هالك ... قال : نحن ١٧١ : ١٧٢

فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها من آذی ... ٣٥٨

فبكى ومَن حوله حتّى صارت الدموع ... ٦٠٠

فعمد الرجل فكسي كلّ رجل حلّة ... ٤٨١

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مه لا تقل هذا فإن الله خلق ... ١٨١

فما من علم إلا وقد احصاء الله في ونقلته إلى القائم المهدي ٤٨٨

فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا تسالني عمّا ... ٥٣٣

فوالله مازلت انشده ويبكي سمعت البكاء من الدار ٦٠٠

فوالله ما تسألوني عن شيء مضيء ولا شيء يكون ... ٥٣٢

في الجنة على صور ابدانهم لو رأيته ... ٥٤٨

في حواصل طير خضر في قناديل ... ٥٥٠

فيهلك كل شيء ويبقى الوجه انّ الله ... ١٧١

«قاضي ديني» ٣٤١ ، ٣٤٢ ، ٣٤٣ ،

قال ابو عبد الله عليه‌السلام : نحن وجه الله الذي لا يهلك ١٧٢

قال الرضا عليه‌السلام قاتلهم الله لقد حذفوا ... ١٨١

قال السائل : قما الفرق بين أن ترفعوا ... قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ذلك في علمه ... ١٦٢

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه ليشفع في مثل ... ١٦٧

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فی حق اويس القرني ... راهب هذه الامة ... ١٦٧

قال : نعم. وفي اصغر من بيضة ... ٥٢٦

كان والله محمّدا ممّن ارتضاه ٥٣١

كأنّي بأعضائي تقطعها عسلان للفلوات ٤١٢

كذبوا إنّما خلقتك لما تركت من ... ٣٤١

كل شيء هالك إلا من أخذ طريق الحق ١٧٢

كلّ شيعتنا في الجنة على ما كان منهم ... ٥٤٦

كلّ كلمة منها تفي بالف من ... ٣٩٠

كنت نبياً وآدم بين الماء والطين ... ٧٩ ، ٢٧٠

لا شفيع انجح من التوبة ٥٧١

لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ٥٠٣

لا والله ما قطعوه ولا يقطعونه حتّى يقتلوا دونه ... ٤٠٥

لا ، كان علي يقين ولكنّه أراد من ... ٥٦١

لا اجد لك في كتاب الله ولا سنّة نبيّه شيئاً ٣٦١

لا اري الموت إلا سعادة ولا ... ٥٣٤

لا تقتلوا الخوارج بعدي ٤٠٥

لاخير في العيش بعد هؤلاء ثمّ ... ٤١٠

لأعطين الراية اليوم رجلاً يحبّ ... ٣٩٨

لا يؤدي عنك إلا انت أو ... ٣٤١

لا يسقط حدّ الله وانا حاضر ٣٦٩

لا يعذّب بالنار الا ربّ النار ٣٦١

لا يقولنّ احدكم لعبده : قبّج الله وجهك ١٨٨

لضربة عليّ يوم الاحزاب أفضل ... ٣٩٨

لقد أبلغت يا بلال ، ولو اراد الاستخلاف ... ٣٥٢

لقد فتحت لي السبل وعلمت المنايا والبلايا ... ٥٣٣

لكلّ امة مجوس ومجوس هذه الامة القدرية ... ٢١٦

لم يخلق الاشياء من أصول أزلية ... ٩١

لم يكن أحد عند مشركي أهل مكّة اعظم ذنباً ... ٢٧٦

لم يكن أحد عند مشركي أهل مكّة أعظم ... ٢٧٦

لمّا خلق الله العقل قال له " اقبل فاقبل ... ٦٧

لو أن المؤمن خرج من الدنيا وعليه مثل ذنوب أهل الأرض ... ٥٨٨

لو توكلّتم على الله حقّ توكلّه ... ٢٣١ ـ ٢٣٣

لو كسرت لي الوسادة فجلست ... ٣٩١

لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً ٣٩٠

لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عزوّجلّ حملة ... ١٦٩

لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا و... ٥٧٩ ، ٥٨٠ ، ٥٨٦

لو كان موسى حياً لما وسعه إخ اتّباعي و... ٢٩٣

لولا آية في كتاب الله لحدثتكم ما يكون ... ٥٠٠

لولا تقارب الاشياء وهبوط الأجل لقاتلهم ... ٥٣٣

لولا من يبقي بعد غيبة قائمكم عليه‌السلام من العلماء الداعين ... ١٦

لولاك لما خلقت الافلاك ... ٧٩

ليس امية كهاشم ... ٤٩٦

ليس من شيعتنا من انكر أربعة أشياء : المعراج ... ٥٥٤

ما أحب انّ لي الدنيا وما فيها ... ٥٧٨

ما اعرف شيئاً بعد المعرفة افضل من هذه ... ٥٦٩

ما يد الله في شي كما بداله في اسماعيل ... ٥٠٢

ما شاء الله كان ٢١٤

ما شككت في قضاء بين اثنين ٤٠٦

ما طلعت شمس ولا غربت ... ٤٠١

ما عرضت الاسلام على احد إلا وله كبوة ... ٣٨٧

ما عهد إلي فيهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشیء ٤٠٥

ما لله على الارض دين أحب إليه من ... ٢٨٩

ما مزح امرئ مزحة إلا مجّ من عقله مجّة ٣٦٧

ما من احد قال في الحسين عليه‌السلام شعراً فبكى وأبكى به الا ... ٦٠٠

ما من علم إلا وقد احصاء الله في ... ٥١١

ما منّا إلا من وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ... ٣٤٧

ما في القرآن آية ارجى عندي من هذه الآیة ٥٨٧

ما في القرآن آیة أوسع من ... ٥٧٨

مثل اهل بيتي فيكم كسفينة نوح ... ٤٠٠

مدح العلماء والمتكلمين الذين يذبّون ... ٧

معاشر الناس سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ... ٤٨٨

معاشر الناس هذا أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي ... ٤٨٧

معاوية في تابوت مقفل عليه في جهنّم ٤٧٧ ، ٤٩٥

من أتى الله بما امر به من طاعة محمد والائمة ... ١٧٢

من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه ... ٣٨٦

من اقرّ بتوحيد الله ... واقرّ بالرجعة ... ٥٥٤

من الامور امور موقوفة عند الله يقدّم منها ... ٥٠٠

 من حدّث بحديث داود علي ما يرويه القصاص ... ٢٦٢

من دار إلى دار تنقلون ٥٤٥

من دخل في هذا الدين بالرجال أخرجته من الرجال ... ٥٦١

من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ... ٥٤٤

من زار الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء من المحرّم حتّى ... ٥٩٩

من سفك دم إنسان فليحكم الحاكم ... ٣٠٤

من شاء فليصلّ ، بعثت بلالاً وقالت : ... ٣٥٣

من عرف نفسه فقد عرف ربّه ٤٦٢ ، ٥٤٣ ، ٥٤٨

من غالي في مهر امرأته جعله ... ٣٦٢

من كنت مولاه فعليّ مولاه ... ٣٣٩ ، ٣٨٥ ، ٤٨٠ ، ٤٨٥

من لم يقل : علي خير البشر فقد كفر ٣٨٤

من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ٥٦٨

من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزله ... ٥٩٣

مهما بدالله في شيء فلا يبدو له في نقل ... ٥٠٢

نحن معاشر الانبياء لا نورّث ٣٥٧ ، ٣٥٨

والذي فلق الحبّة وبرا النسمة ما وطننا ... ٢١٦ ، ٢١٧

والذي نفس حسين عليه‌السلام بيده لا ينتهي بنو امية ملكهم ... ٥٣٢

والله ما قلعت باب خيبر بقوة ... ٣٩٦

والله ما كذبت ولا كذبت ٤٠٤

والله ما مات محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولن یموت ... ٣٦١

وامّا الردّ على من انكرخلق الجنة و... ٥٥٥

وجدت علم الناس كلّهم في أربع : أولهما : ان تعرف ربّك ... ٨٢

وسيجعلونها ملكاً اغتصاباً ٤٨٨

وعند علوم الاولين والآخرین ٥١٠

وقالت خديجة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فیما تثبته فیما اکرمه الله به من نبوّته ... ٢٩٨

وكمال الاخلاص له نفي الصفات ... ١٦٠ ، ٢٢٣

وكيف اختلط هذا النور والظلمة و... ٣٠٨

ولد علي وفاطمة عليهما‌السلام لو عرفهم الله ... ٤٠٠

ولقد قرن الله به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من لدن كان فطيما أعظم ... ٢٧٠

ولقد قرن الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من لدن كان فطيما ... ٢٧٠

وما يهلكنا إلا الدهر ٩٩

ويحكم إنّ اهل هذا البيت خصّوا ... ٥٠٩

ويل بمن سمع داعيته فلم يجبه ... ٣٧٦

ويلك إنّ الله لا يوصف بالعجز ، من اقدر ممّن ... ٥٢٥

هاد لأهل السموات وهاد لأهل الأرض ١٦٥

هذا سيدّ العرب ... ٣٨٤

هذا موضع كرب وبلاء انزلوا ... ٥٣٢

هل تدخل الكبائر في مشيئة الله قال : ... ٥٨٧

هل سمّي الواجب عالماً إلا لأنّه وهب العلم للعماء ... ٤٦١

هل عهد إليكم كم يكون من ... ٣٤٥

هل يمحي إلا ما كان ثابتاً وهل يثبت ... ٥٠٠

هل خلفائي ، يا جابر أولهم أخي عليّ ... ٣٤٥

هما إمامان قاما او قعدا ٤٠٩

هما سيّدا كهول اهل الجنة ... ٤٠١ ، ٤٠٣

يا أبا عماره من أنشد في الحسين عليه‌السلام شعراً فأبكى خمسين فله الجنة ٦٠٠

يا أبا صلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد ... ١٧١

يا اهلي ويا ولدي لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي ٤٢٨

يا بني الزم بيتك فكان جابريأتيه طرفي النهار ٥١٣

يا بني لو عمل الله في خلقه بعلمه ما احتجّ عليهم بالرسل ٦٠٣

يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقرّبين ها هنا ... ٦٠٠

يا رب إن عصيتك فقد اطعتك فياحبّ الأشياء ... ٤٥٤

يا علي الناس فيك بين غال وقال ٥٦٧

يا علي انت والأئمة من بعدك ، من أنكر ... ٣٢٥

يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار أنشدكم الله اسمعتم ... ٤٨٥

يا بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد دخل الجنة ورأى النار ... ٥٥٤

يا بن سمرة إذا اختلفت الاهواء وتفرّقت ... ٣٣٦

يخرج قوم من النار كالحمم والفحم فيراهم ... ٤٤٤

يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة وهو شرّ الازمنة ... ٥٢٦

يقتل والدي الحسين عليه‌السلام وانت حي لا تنصره ٣٩٥

يقتله خير الخلق ٣٨٤

يكشف ربّنا عن ساقه فيسجد له كلّ ... ١٧٦

يكون لصاحب هذه الامر غيبة في ... ٤٧٣

يملأ الدنيا عدلا وقسطاً كما ملئت ... ٣٢٥

٣ ـ فهرس أهم ما جاء في هامش الكتاب من تعليقات وملاحظات

حديث لولاك ٧٩

اختلاف الناس في اوّل الواجبات ٨١

يجب القطع واليقين بأصول الدين ولايجوز التقليد فيها والدليل عليه ٨١

وقد حث الاسلام على النظر في أصول الدين ٨٢

الحقّ أنّ اوّل الواجبات «المعرفة» ٨٣

للنظر مقدّمات ومعظمها ستة امور ٨٣ ، ٨٤

المراد بالمعرفة. وتعريف المصنف ره للدليل والإشكال عليه ٨٥

مثال البرهان وغيره ٨٦

تقريب الدور ٨٨

توضيح الاعلوطة التي ذكرها المصنّف (قدس سره) ٨٨

الحرنانّيون وهم جماعة من صابئة الكلدانيين ٩٩

توضيح اشتراط الحكماء في إيطال التسلسل حصول امران ١١٠

توضيح البيت الذي ذكره المصنّف ره في المقولات العشر ، وذكر مازاد عليها بعض فلاسفة الغرب من مقولتين ١١٤

كلمة «مقولة» اشتقّت من مصدر «القول» ١١٤

المختلفات قد يشملها حدّ واحد ١١٩

في الآية الشريفة : ولا تحسبنّ الذين قتلوا ..

دلالة على بقاء النفوس ١٢٣

الخمسة المتحيرّة ١٢٦

بطلان بعض الاستدلالات ١٣٦

بطلان فكرة العناصر الاربعة بل هي كثيرة ١٢٦

النظام المعتزلي وإظهاره بعض الحقائق في حقّ الصدّيقة الطاهرة سلام الله تعالى عليها وبعض الطعون على الثاني ١٢٩ ، ١٣٠

معنىي انّ الخلق بمعني التقدير. وتحقيق انّ الموت والحياة عرضان وجوديان يضاد أحدهما الآخر كما هو ظاهر الآية الشريفة ١٣٢ ، ١٣٣

معنى قضايا قياساتها معها ١٣٤

وجه النظر الذي ذكره المضنف (ره) ١٣٥

تزييف القول بأنّ اللذائذ دفع آلام ١٣٧

تقسيم الحكماء اللمس إلى قوى اربعة. وهل قاعدة : الواحد لا يصدر عنه إلاّ واحد كلية اولا ١٣٩

معني التخلخل ١٤٠

توصيح لعض عبارات (المصنف) (ره) ١٤٠ ، ١٤١

القانون الثاني في العلم الطبيعي «الحرارة والحركة» يدلّ على حدوث العالم ١٤٦ ، ١٤٧

معنى قول المصنف (ره) بديع. ترجمة العلاّمة القاشاني الحلّي رحمه الله تعالى ١٥٢

البرهان اللمّي والإنّي ووجه تسميتها وأنواع الاستدلال ١٥٣

إشارة المصنّف (ره) إلى آیات في سورة الشعراء ١٥٦

ردّ على دين النصارى بنحو التحقيق العلمي ١٥٨ ، ١٥٩

النوبختي قدس سره وكونه قائلاً باللذة العقلية في حقّه تعالى ١٦١ ، ١٦٢

تحقيق عن بعض المشّين وعن المحقق الطوسي (قدس سره) ١٦١ ، ١٦٢

علة رفع الأيدي حال الدعا ١٦٢ ، ١٦٣

لسيدنا الإمام شرف الدين قدس سره رسالة «حول الرؤية» دخص فيها شبهات الرازي ١٦٤

في توجيه إضافة للنور إلى الله تعالى مسلك

دقيق وبيانه : ١٦٥ ، ١٦٦

معنى إنزال الانعام وإنزال الحديد وغيره ١٦٦

أويس القرني قدس سره وجلاله شأنه عند المسلمين ١٦٧

سؤال أهل البصرة عن سید الشهدا«ء سلام الله عليه عن معنى الصمد وجوابه عليه‌السلام ١٦٨ ، ١٦٩

لم يجد الائمة عليهم‌السلام جملة لعلومهم ١٦٩

تفسير «الوجه» على ما ورد ن العترة الطاهرة عليهم‌السلام ١٧١ ، ١٧٢

قول ابن عباس (رض) : الشعر ديوان العرب ١٧٦

يظهر من روايات اهل البيت عليهم‌السلام انّ الخبر : أنّ الله خلق آدم ... صادر عن صاحب الرسالة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٨١

قصة الحية والطاوس عونين لإبليس في أغوائه لآدم وحواء الإسرائيليات ١٨٢

الآیات الستة بل السبعة وذهول المصنّف ره عنها ١٨٤

التحقيق فيما يستفاد من القرآن الکریم من کون نزوله دفعة وتدريجا وانّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم کان عالما بما سینزل علیه ١٨٧ ، ١٨٨

معنى «إنّي مُتوفّيك ورافعك» وردّ الشيخ صبري على الشيخ شلتوت ١٨٩ ـ ١٩١

تقدير مذهب عبّأد بن سليمان الصيمري ١٩٦ ، ١٩٧

حسين بن محمد النجّار المتوفي سنة ٢٣٠ ويقال

لاتباعه : النجّارية ٢٠١

خير مأخذ للتوحيد هو القرآن الکریم ونهج البلاغئ والصحیفة والاحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام ٢٠٥

اعتذار النصارى عن التثليث باطل ٢٠٨

مراد المصنف (قدس سره) أن ما ذكر المخالف المستدّل عائد في حقه تعالى ٢١٣

تحقيق رشيق عن العلامة الكراكجي (ره) في معنى حديث : القدرية مجوس هذه الأمة ٢١٦ ، ٢١٧

زيادة قيد في تعريف التكليف وعدم لزوكه ٢٢٢

ذكر في كثير من الكتب في شرائط المكلّف كونه «عاقلاً» ومعنى العقل ٢٢٢ ، ٢٢٣

البحث عن ماهية المكلفّ وانّه مَن هو؟ ٢٢٥ ـ ٢٢٧

معني لفظ : «تمغا» وذكر المصنفّ (ره) له في كتابه كنزالعرفان ، واشارة إلى مسألة فقهية ٢٣١ ، ٢٣٢

نقل عن القاضي عبد الجبار ، وتوضيح لعبارة المصنف (ره) ٢٣٢

الامام لايحتاج في علمه وسائركمالاته إلى احد من البشر غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٢٤٠

توضیح لعبارئ المصنّف (ره) كتأويل آدم صلی الله علیه وآله وسلم ... ٢٤٥

الظاهرعود الضمير في «إنّا انزلنا» إلى كلّ القرآن لا بعضه ٢٤٨ «٢٤٩

اکثر خطابات القرآن لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ٢٥٠

اثبات انّ «آزر» عمّ ؛براهیم علیه السلام لا أبيه لصلبه

٢٥٢ ، ٢٥٣

نقل كلمات عن «تنزيه الأنبياء» لتوضيح المطلب ٢٥٩

نقل كلمة عن المصنف (قدس سره) في كنز العرفان والتحقيق في ذلك ٢٦١

تحقيق في تفسير آیة : «ووجدک ضالاٌ فهدی» ٢٦٩ ، ٢٧٠

ما في هامش ـ خ : (آ) وجوابه ٢٧٤ ، ٢٧٥

تحقيق في قوله تعالى : «ما تقدّم من ذنبك» ٢٧٦

العبوس قبيح لا يصدر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٢٧٧ ، ٢٧٨

تحقيق في آیة : «فإن كنت في شكّ ممّا انزلنا» ... ٢٧٩

مسامحة في عبارة المصنّف (قدس سره) ٢٧٩

توضيح العبارة على ما في مجمع البيان ... قوله تعالى : «لم تحرّم» ٢٨٠

نقل عن الإرشاد. ومعنى الارهاص ٢٨٢

حمل معجزات الائمة عليهم‌السلام على الإرهاص لرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا وجه له ٢٨٣

الفرق بین صدور المعجز عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدوره عن الائمة عليهم‌السلام الخطاب من عفريت لسليمان عليه‌السلام وقائل: «قال الذي عنده» ... هو آصف ٢٨٣

تواتر القرآن مادة وصورة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٢٨٥

ليس في القرآن کلمات غیرعربیة ٢٨٨

قسّ بن ساعدة حكيم العرب ٢٨٩

في إعجاز القرآن الکرین ٢٨٩ ، ٢٩٠

جنايات المستشرقين في تاريخ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٢٩٠ ، ٢٩١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبعوث إلى كافّة البشر ٢٩٣

الدعوة النبوية تدريجية ٢٩٤

استدلال الإمام الرازي على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل البعثة ما كان على شرح احد من الانبياء ٢٩٦

خرافة اخذها المصنفّ (ره) عن موضوعات المخالفين ٢٩٨ ، ٢٩٩

تحقيق في ابتداء النسل عن آدم علیه السلام وردّ على الإجماع الذي ادّعاه المصنّف (قدس سره) ٢٩٩ ، ٣٠١

تحقيق في حقّ ابن الراوندي ٣٠٢ ، ٣٠٣

ردّ على القائلين بامتزاج النور والظلمة ٣٠٨ ، ٣٠٩

المناط في ادّعاه المجوس وجوابه ٣١٠

جميع فرق المجوس يشتكون في القول بمدأين والردّ عليهم ٣١١ ـ ٣١٤.

بطلان بعض المزاعم وورود البشر إلى كرة القمر ٣١٥

سهو من الناسخين ٣١٦

أبو معشر المنجّم ٣١٧

قياسان مقدّران ٣١٧ ، ٣١٨

بما ذكره المصنف (ره) من كون الرئاسة جنساً قريباً في تعريف الإمامة تاملاً ٣١٩ ، ٣٢٠

توضيح لعبارة المصنف (ره) ٣٢٠

مقتضى كلام الحشويه ، والأوصاف التي ذكروها في حقّ الإمام ٣٢٢

انتقاد على كتب الملل والنحل ، ونقل كلام

موجز عن المحقّق الطوسي (ر) ٣٢٢ ، ٣٢٣

اهتمّ الغاصبون للخلافة : على فصل الدين عن إدارة الأمور الاجتماعية ٣٢٧ ـ ٣٢٩

الإمام يعلم الغيب بتعليم الله تعالى ٣٣٠

لابدّ من مبيّن للمسائل المستحدثة ٣٣١

الاستدلال على كون الإمامة متعيّنة في علي عليه‌السلام ٣٣٢ ، ٣٣٣

إنكار التواتر اللفظي لا وجه له ٣٣٥

ضبط كلمة : «سمرة» ٣٣٦

الإشارة إلى استفاده الولاية التكوينية والتشريعية ٣٣٧ ، ٣٣٨

الخطاب في آیة : «إنّما وليّكم الله» الخ ٣٣٧

كتاب «الغدير» من جلائل الكتب ٣٣٨

نقل كلام عن الرازي في معنى المولى ٣٣٩

الاستدلال بقوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قاضي ديني» على إمامة أميرالمؤمنين عليه‌السلام وإيراد القوشجي عليه وجوابه تقديم المفضول على الفاضل قبيح ٣٤٢ ، ٣٤٣

كتاب كفاية الأثر وكتاب الاستنصار ٣٤٥

اثنا عشر عظيماً من ولد اسماعيل عليه‌السلام والاشارة إليه في التوراة ٣٤٦

هل إنكارالمهدي يوجب الارتداد؟ ٣٤٦ ، ٣٤٧

يمكن أن يعيش الإنسان آلاف السنين ٣٤٨

كلام الشيخ العرفي حول : صلّوا خلف كلّ بروفاجر ٣٥٣

نسبة البيوت إلى الأزواج لا تثبت الملكية لهنّ ٣٥٨ ، ٣٥٩

سؤال مغيرة ٣٦٠ ، ٣٦١

علة عدم استيذان عمر من المسلمين حين اقترض من بيت المال ثمانين الف درهم ٣٦٢ ، ٣٦٣

كان عمر يتلوّن في الأحكام وانّه قضى في الجدّ بمائة قضية متنافية ٣٦٣

تفضیل عمر فی العطاء وترتّب آثارفاسدة على ذلك ٣٦٣ ، ٣٦٤

قول عمر : «إنّ الرجل ليهجر» ونقل مصادر ذلك عن كتب العامة ٣٦٥

كلمة تفوّة بها طلحة ٣٦٦

صدور التناقض عن عمر ٣٦٧ ، ٣٦٨

«مهزور» وضبطه ٣٦٩

إشارة إلى سيرة عثمان وملوك بني أمية ٣٧٠

كيف يكون الثلاثة من أولي الأمر؟ ٣٧٠

زيد بن أرقم ومعاوية ٣٧١

كفريزيد ولعنه وجواز لعن من منع من لعنه ٣٧٢

جمع من علمائنا (رض) كتبوا في أحوال زيد الشهيد (رض) كتباً مستقلة ٣٧٦

إشكال بعض السفهاء من النواصب في كتابه إلينا وجوابه ٣٧٧ ، ٣٧٨

مذهب الجرة ووفاة إسماعيل (رض) في أيّام حياة الإمام عليه‌السلام ٣٧٩

الباطنية خلطوا الحقّ بالباطل في عقائدهم ٣٨٠

السليمانية والصالحية ليسوا من الشيعة ٣٨١ ، ٣٨٢

أخرج أبو محمد الرازي (ره) حديث «عليّ خير البشر» من أربعين طريقاً في كتابه ٣٨٤

«آمنت قبل ان یؤمن ابوبكر» قاله اميرالمؤمنين عليه‌السلام على منبر البصرة ٣٨٦

كان إسلامه عن فطرة واسلامهم عن كفر ٣٨٧

«وصلّيت الصلاة وكنت طفلاً» ٣٨٨

قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه اول من آمن ... وعنده علم الأولين والآخرین ٣٨٩

مائة كلمة وشرحها ٣٩٠ ، ٣٩١

الإرشاد للمفيد (ره) من الكتب المعتبرة ٣٩٢

بعث أميرالمؤمنين عليه‌السلام مع عائشة أربعين امرأة ٣٩٣ ، ٣٩٤

المستفاد من آیة التطهير هوالكبرى الكلية ٣٩٥

تغییر بنی أمية اسم باب الثعبان ٣٩٥

محاربة أميرالمؤمنين عليه‌السلام مع الجنّ واستدلال الشيخ المفيد (ره) ٣٩٦

إخراج شيء من الحديد من جد أميرالمؤمنين عليه‌السلام والتحقيق في ذلك ٣٩٧

كلام مضحك من أبي الفاء ٣٩٨

«اكرموا اولادي الصالحون ...» «اكرموا اولادي وحسنّوا ...» ٤٠٠

قول الإمام الرضا عليه‌السلام : ولد علي وفاطمة عليها‌السلام ... ٤٠٠

الخبر المجعول من الدجالين أتباع بني أمية ٤٠٣

كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام عالماً بأنّ أبا موسى يخدعه ابن العاص ٤٠٤

ثناء الشيخ الطبرسي (ره) على كتاب «الشافي»

للسيد (ره) ٤٠٦

كتاب فتح الملك العلي وحديث : انا مدينة العلم ... ٤٠٦

الكرابيسي الذي لم يكن له عقل ٤٠٧

ضبط كلمة : جابرس ٤٠٨

كلام المصنف (ر) نظراً إلى علم الامام عليه‌السلام في ظاهر الحال المتعلق للتكليف ٤٠٩ ، ٤١٠

كان ابن عباس وغيره عالمين بأنّ الإمام عليه‌السلام يصير شهيداً ٤١٠

من أكاذيب نقليات الطبري ٤١٠ ، ٤١١

جهاد الامام عليه‌السلام كان جهاداً خاصاً ٤١١

غالبية في صورة المغلوبية ٤١١

مراد أبي الحسين ومراد الآحرین ٤١٦

كلام العلاّمة (ره) في انوار الملكوت ٤١٧

لا معنى لحشر الاجساد فقط ٤٢٠

تطبيق العرش على الفلك الثامن لا وجه له ٤٢٣

توافق الشريفين مع القاضي عبد الجبار ٤٢٤

تفسير آية : «وما أنت بمسمع من في القبور» ٤٢٦

البدن الجسماني البررخي ٤٢٩

تحقيق في مسألة الاحباط والتكفير ٤٣٨ ، ٤٣٩

في كون المعصية كبيرة ٤٤٣

الكفر بما لا يتناهي يكون عقابه غير متناه ٤٤٣

توبة المعصومين عليهم‌السلام ٤٤٦

التوبة عن قبيح دون آخر ٤٤٧

إذا وقعت التوبة على شروطها أسقطت العقاب ٤٤٨

نقل كلام عن التفتازاني والمؤاخذة عليه ٤٤٨ ، ٤٤٩

العيادة خوفاً من النار وطمعاً في الجنة صحيحة

كما يستفاد من الآیة القرآنیة ٤٤٩

لا يلزم الإغراء بالمعصية ٤٥٢

لا تعارض بين آیات الوعید وآیات الوعد ٤٥٣

نسخة كتاب «محاسن الاعتقاد» في مكتبتنا ٤٥٩

بهمتيار الآذربیجانی وكونه مسلماً ٤٥٩ ، ٤٦٠

إنّما قصرت الأوهام عن إدراك ذاته تعالى ٤٦١

٤ ـ فهرس التعليقات المضافة إلى آخر الکتاب

معنی كونه تعالى حباّ ٤٥٩ ـ ٤٦٢

تحقيق في بعض الالفاظ والفرق الباطلة ٤٦٢ ـ ٤٧٠

حول كلمة : «رضوي» ٤٧٠ ـ ٤٧٣

إيراد بعض المحشّين علي كلام المصنّف (ره) ونظيره العلامة الطباطبائي (دام ظله) في ذلك في كتابه الذي كتبه إلينا ٤٧٣ ـ ٤٧٥

الاحتياج إلى وجوب نصب الإمام أشدّ من الحاجة إلى إنبات الشعر على الاشغار ٤٧٦

فإن رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم یعیّن الإمام! فلنا على هذا الفرض أسئلة ٤٧٦ ـ ٤٧٩

لما ظهر بطلان واقعة زيد في سبب واقعة الغدير نحتوا واقعة أخرى ، نحتها ابن كثير وتوضيح بطلانها ٤٨٠ ـ ٤٨٤

الإشاره إلى موارد احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام بحديث الغدير على الصحابة إجمالاً ٤٨٤ ـ ٤٨٦

نقل حديث الغدير على رواية الطبري صاحب التاريخ في كتاب الولاية ٤٨٦ ، ٤٨٧

إشارة إلى بعض النكات ٤٨٨

لقمان الحكيم ، هل هو لقمان الذي كان في عهد داود عليه‌السلام او غيره؟ ٤٨٨ ـ ٤٩٠

كلمة «الطبرسي» نسبة إلى «طبرس» معربّ «تفرش» لا إلى طبرستان ٤٩٠ ، ٤٩١

نسبة تدوين القرآن الکریم إلى أبي بكر وعمر وعثمان من خرافات العامة ٤٩١ ـ ٤٩٤

دفن عثمان بعد ثلاثة أيّام ٤٩٤ ، ٤٩٥

علة تلقيبهم معاوية بخال المؤمنين وجناياته على الإسلام والمسلمين ٤٩٥ ـ ٤٩٨

سليمان بن جرير الزيدي وتشنيعه علينا في التقية والبداء كبعض النواصب في عصرنا وجوابنا عليه ٤٩٨ ـ ٥٠٢

التقية ٥٠٣، ٥٠٤

قضية المباهلة ودلالتها على أفضلية

أهل البيت عليهم‌السلام ٥٠٤ ، ٥٠٥

احتجاج المأمون على أحقية أمير المؤمنين عليه‌السلام للخلافة ٥٠٥ ـ ٥٠٧

تحقيق انّ الائمة الطاهرين عليهم‌السلام علومهم مقتيه عن جدّهم خاتم الانبياء عليهم‌السلام ٥٠٨ ـ ٥١٣

تحقيق حول آية التطهير تفصيلاً ٥١٣ ـ ٥٢٥

معنى صفة الإرادة في الله تعالى ٥٢٥ ، ٥٢٦

إخبارات غيبية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأميرالؤمنين عليه‌السلام ٥٢٦ ، ٥٢٧

إرادة الامام عليه‌السلام التوجّه إلى العجم من الحدسيات الغير الصائبة ٥٢٧ ، ٥٢٨

تحقيق حول علم الإمام عليه‌السلام بالغيب ٥٢٨ ـ ٥٣٠

تحقيق حول كلام المصنّف (ره) وكلام السيد علم الهدي (ره) ٥٣١

كان الإمام الحسين عليه‌السلام عالماً بما يتفّق في كربلا ٥٣١ ـ ٥٣٣

من الاكاذيب التي شحن أبو جعفر الطبري تاريخه بها : نسبته إلى الإمام عليه‌السلام أنّه قال : اختاروا منّى خصالاً ثلاثاً ... الخ ٥٣٣ ـ ٥٣٦

كان أهل البيت والصحابة عالمين بأنّ الحسين عليه‌السلام يقتل في كربلا ٥٣٧ ، ٥٣٨

إخبارأبي ذرالغفاري (رض) عن مقتل الحسين (ع) ٥٣٩ ، ٥٤٠

ينبغي مطالعة كتاب «كامل الزيارات» وكان وظيفة الإمام عليه‌السلام العمل بما يراه من الاسباب الظاهرية ٥٤٠ ـ ٥٤٢

حول الروح الانساني وتجرّده من دلالة العقل

والنقل عليه ٥٤٢ ـ ٥٤٨

كلمات الشيخ البهائي (قدس سره) في أربعينه ٥٤٨ ـ ٥٥٣

النظرالذي استقرّ عليه رأي الاكابر من الاساتذة ٥٥٣ ، ٥٥٤

الجنّة والنار مخلوقتان ٥٥٤ ـ ٥٥٧

لا يجوز التقليد في أصول الدين وبيان رأي الشيخ الانصاري (ره) ٥٥٧ ـ ٥٥٩

بيان المراد من التقليد في أصول الدين ٥٥٩

الذين يعتقدون المعارف الخمسة بالاعتقاد الجازم مع جهلهم بصنااعة الاستدلال يعبّر الشيخ (ره) عنهم بأصحاب «الجملة» ٥٦٠

المراد من الاطمئنان في حقّ إبراهيم عليه‌السلام في الآية الشريفة : «ليطمئن قلبي» ٥٦٠ ، ٥٦١

معنى الحديث المرويّ في كتاب الغيبة للنعماني (ره) بيان أنّ العلم الحاصل من التقليد هو العلم العادي ، وهو يحتمل الخلاف ولذا لا يكفي في أصول الدين ٥٦١ ، ٥٦٢

كل ما أوجب الله تعالى معرفته على عموم المكلفين لابدّ وان تكون سهل الماخذ ٥٦٢ ، ٥٦٣

التنبيه على أنّ تفاصيل المعارف الخمسة على قسمين : الواجبات المطلقة والواجبات المشروطة ٥٦٤ ، ٥٦٥

توهّم بالنسبة إلى وجوب النظر على المؤمنين في صدر الاسلام ودفعه. ذكر المحقّق الدواني (ره) ٥٦٥ ، ٥٦٦

هل الاعتقاد بعلم الامام عليه‌السلام من الواجبات

المطلقة او المشروطة؟ ٥٦٦ ـ ٥٦٨

كلمة عن بعض علماء العامة في حقّ من لم يعرف إمام زمانه ٥٦٨ ـ ٥٧٠

حول التوبة والعفو الالهي وعدم الإغراء بالمعصية ٥٧٠ ـ ٨٥١

توافق السيد الشيريف الرضي (ره) مع المعتزلة ٥٨١ ، ٥٨٢

كلام الشيخ المفيد (ره) ٥٨٢ ، ٥٨٣

كلام المحقق الطوسي (ره) عند تفسير الآیة الكريمة «انّ الله لا يغفر ...» ٥٨٣ ـ ٥٨٥

كلام العلامة (ره) ٥٨٥ ، ٥٨٦

كلام الشيخ الطبرسي (ره) ٥٨٦ ، ٥٨٧

كلام الفيض الكاشاني (ره) ٥٨٧

كلام العلامة البلاغي (ره) ٥٨٨

كلام المرجع الأعلي السيد الخوئي (دام ظله) ٥٨٨

كلام العلاّمة الطباطبائي (ره) الحجّة الكبير السيد محمد الجواد ـ قدس سره ـ ٥٩٠ ـ ٥٩٣

كلام الشيخ المفيد (ره) في العيون والمحاسن وهو في غاية الدقّة والمتانة ٥٩٣

بيان الخطباء ثواب البكاء والزيارة ليس إغراء على المعصية ٥٩٨ ـ ٦٠٣

٥ ـ فهرس أسماء الأنبياء والأئمة المعصومين عليهم‌السلام

ابراهيم خليل عليه‌السلام ١٧٨ ، ٢٥٠ ، ٢٥٢ ، ٢٥٤ ، ٢٦١ ، ٢٨٤ ، ٣٠٤ ، ٣٠٥ ، ٣٠٧ ، ٣١٤ ، ٣١٥ ، ٣٣٢ ، ٣٤٥ ، ٣٤٦ ، ٣٨٦ ، ٤١٦ ، ٤٦٤ ، ٤٧٥ ، ٤٩٩ ، ٥٦٠ ، ٥٦١

آدم علیه السلام ٧٩ ، ٢٤٥ ، ٢٤٧ ، ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، ٣٠٤ ، ٣٨٦ ، ٤٢٣ ، ٤٨٨ ، ٥٣٢

آزر ٢٥٢ ، ٢٥٣

اسحاق علیه السلام ٢٦١ ، ٤٨٠

اسماعیل علیه السلام ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٣٠٤ ، ٣٠٥ ، ٤٩٩ ، ٥٠١ ، ٥٠٢

أيّوب عليه‌السلام ٢٥٨

خضرعليه‌السلام ٢٦٠ ، ٣٤٨ ، ٥١٠

داود عليه‌السلام ٢٦٠ ، ٢٦٣ ، ٤٨٩

زكريا عليه‌السلام ٢٦٨ ، ٣٥٧

سليمان عليه‌السلام ٢٦٢ ، ٢٦٤ ، ٢٦٦ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣

شعيب عليه‌السلام ٢٥٨

عيسى = عيسى بن مريم = عيسى مسيح عليه‌السلام ١٥٧ ، ١٥٩ ، ١٨٩ ، ١٩١ ، ٢٦٨ ، ٢٨٢ ، ٢٩٦ ، ٣٠٥ ، ٣٠٧ ، ٣٤٧ ، ٣٨٦ ، ٣٨٩ ، ٥٠٧ ، ٥٠٨

لوط عليه‌السلام ٢٦٧

موسى عليه‌السلام ١٥٦ ، ١٧٢ ، ١٩٢ ، ٢١٩ ، ٢٥٩ ، ٢٦٠ ، ٣٠١ ، ٣٠٣ ، ٣٠٥ ، ٣٢٠ ، ٣٤٨ ، ٣٨٥ ، ٣٥٦ ، ٤٤٨

نوح عليه‌السلام ٢٤٩ ، ٣٠٤ ، ٣٤٨ ، ٣٨٦ ، ٤٢٥

هارون عليه‌السلام ٣٠٣ ، ٣٢٠ ، ٣٤٨ ، ٣٨٥ ، ٤٧٩

يحيى عليه‌السلام ٣٨٩ ، ٥٠٧ ، ٥٠٨

يعقوب عليه‌السلام ٢٥٣ ، ٢٥٨ ، ٢٦١ ، ٥٣٢

يوسف عليه‌السلام ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٦ ، ٥٣٢ ، ٥٤١

يوشع عليه‌السلام ٣٠٣

يونس عليه‌السلام ٢٦٦ ، ٤٨١

محمد خانم الأنبياء = النبيّ = رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٧ ، ١١ ، ١٣ ، ١٥ ، ٢٢ ، ٢٥ ، ٢٩ ، ٤٠ ، ٤٢ ،

٤٣ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢١١ ، ٢١٧ ، ٢٣٢ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤٢ ، ٢٦٠ ، ٢٦٧ ، ٢٧٠ ، ٢٧٢ ، ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٢٨٢ ، ٢٨٦ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٢٩١ ، ٢٩٤ ، ٢٩٦ ، ٢٩٨ ، ٢٩٩ ، ٣٠١ ، ٣٠٥ ، ٣٣٤ ، ٣٣٦ ، ٣٣٩ ، ٣٤١ ، ٣٤٥ ، ٣٤٧ ، ٣٤٩ ، ٣٥١ وفي اكثر الصفحات الامام اميرالمؤمنين عليه‌السلام ٨ ، ٨٣ ، ١٣٠ ، ١٦٧ ، ١٦٩ ، ١٩١ ، ٢١٧ ، ٢٢٦ ، ٢٤٠ ، ٢٦٢ ، ٢٧٠ ، ٢٩٠ ، ٢٩٨ ، ٣٢٢ ، ٣٢٥ ، ٣٣٢ ، ٣٢٥ ، ٣٣٦ ، ٣٤٠ ، ٣٤٢ ، ٣٤٤ ، ٣٤٥ ، ٣٥٠ ، ٣٦٠ ، ٣٦٢ ، ٣٦٦ ، ٣٧٣ ، ٣٨١ ، ٣٨٦ ، ٣٨٣ ، ٣٨٩ ، ٣٩٣ ، ٣٩٤ ، ٣٩٥ ، ٣٩٧ ، ٤٠٣ وفي أكثر الصفحات

فاطمة الزهراء عليها‌السلام ١٤ ، ٣٦٥ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٨٥ ، ٤٠٦ ، ٤٢١ ، ٤٢٢ ، ٤٢٩ ، ٤٨٨ ، ٤٩٩ ، ٥٢٨ ، ٥٢٩ ، ٥٣٠ ، ٥٣١ ، ٥٤٨ ، ٥٥٩ ، ٦٢٨

الامام الحسن عليه‌السلام (حسن بن علي) ١٣٠ ، ٣٢٣ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٤٣ ، ٣٤٥ ، ٣٤٦ ، ٣٥٠ ، ٣٥٦ ، ٣٧٣ ، ٣٧٤ ، ٤٠٠ ، ٤٠٢ ، ٤٠٦ ، ٤٠٨ ، ٤٨٦ ، ٥٠٤ ، ٥١٠ ، ٥١٣ ، ٥٢٤ ، ٦٠٣ ، ٦٠٤

الامام الحسين عليه‌السلام (حسين بن علي) ١٣٠ ، ١٦٨ ، ٢١٧ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٣٦ ، ٣٤٣ ، ٣٤٥ ، ٣٥٠ ، ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، ٣٧٣ ، ٣٧٤ ، ٣٩٤ ، ٣٩٥ ، ٤٠٠ ، ٤٠٢ ، ٤٠٩ ، ٤١١ ، ٤١٢ ، ٤٨٦ ، ٤٩٧ ، ٥٠٤ ،

٥١٠ ، ٥٢٣ ، ٥٢٤ ، ٥٢٨ ، ٥٣١ ، ٣٣٥ ، ٥٣٧ ، ٥٤٠ ، ٥٩٢ ، ٥٩٦ ، ٥٩٧ ، ٥٩٩ ، ٦٠٠ ، ٦٠٤

الإمام زين العابدين = الإمام السجاد عليه‌السلام (علي بن الحسين) ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٩٧ ، ٤٠٠ ، ٤٥٤ ، ٥٠٠ ، ٥١٣ ، ٥٤٠

الإمام الباقرعليه‌السلام (محمد بن علي ، ابو جعفر) ١٦٨ ، ١٦٩ ، ١٧٢ ، ٣٠٠ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٤٠٠ ، ٤٢٦ ، ٤٦١ ، ٤٧٣ ، ٥٠٠ ، ٥١٢ ، ٥١٣ ، ٥٥١ ، ٥٥٢ ، ٥٩٩

الإمام الباقرعليه‌السلام (محمد بن علي ، أبو جعفر) ١٦٨ ، ١٦٩ ، ١٧٢ ، ٣٠٠ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٤٠٠ ، ٤٢٦ ، ٤٦١ ، ٤٧٣ ، ٥٠٠ ، ٥١٢ ، ٥١٣ ، ٥٥١ ، ٥٥٢ ، ٥٩٩

الإمام الصادق عليه‌السلام (جعفربن محمد ، ابو عبد الله) ١٥ ، ٦٧ ، ٨٢ ، ١٦٢ ، ١٦٨ ، ١٦٩ ، ١٧١ ، ٢٥٢ ، ٢٧٧ ، ٣٠٠ ، ٣٢٤ ، ٣٧٦ ، ٣٧٧ ، ٤٠٠ ، ٤٦٠ ، ٤٦٨ ، ٤٧١ ، ٤٧٢ ، ٤٧٥ ، ٤٩٨ ، ٥٠٠ ، ٥٢٥ ، ٥٢٦ ، ٥٢٩ ، ٥٣ ، ٥٤٦ ، ٥٤٨ ، ٥٥٠ ، ٥٥٢ ، ٥٥٤ ، ٥٥٦ ، ٥٧١ ، ٥٧٩ ، ٥٨٠ ، ٥٨٦ ، ٥٥٤ ، ٥٥٦ ، ٥٧١ ، ٥٧٩ ، ٥٨٠ ، ٥٨٦ ، ٥٨٨ ، ٥٩٣ ، ٦٠٠ ، ٦٠٢

الإمام الكاظم عليه‌السلام (موسى بن جعفر ، ابو ابراهيم) ٣٢٥ ، ٣٤٢ ، ٣٧٦ ، ٤٠٠ ، ٤٩٩ ، ٥٠١ ، ٥٢٥

الإمام الرضا عليه‌السلام (علي بن موسى ، أبو الحسن) ٦٢ ، ١٦٥ ، ١٧١ ، ١٨١ ، ٢١٧ ، ٢٧٦ ، ٣٢٥ ، ٣٧٦ ، ٤٠٠ ، ٤٤٦ ، ٥٠٩ ، ٥٢٥ ، ٥٣١ ، ٥٥٤ ، ٥٦١ ، ٦٠٤ ، ٦٠٥

الامام الجواد عليه‌السلام (محمد بن علي ، ابو جعفر) ٣٢٥ ، ٤٠٠ ، ٥٠٩ ، ٥٣٠

الإمام الهادي عليه‌السلام (علي بن محمد) ١٦ ، ٣٢٥ ،

٤٤٠ ، ٥٠٢

الإمام حسن العسكري عليه‌السلام (حسن بن علي ، ابو محمد) ٣٢٥ ، ٤٠٠ ، ٤٢٦ ، ٥٠٢

الإمام المهدي عليه‌السلام (حجة بن الحسن) ١٦ ، ١٩١ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٤٦ ، ٤٠٠ ، ٤٧٠ ، ٤٧١ ، ٤٨٨ ، ٥٢٨ ، ٥٣٩

٦ ـ فهرس الأعلام

آزر ٢٥٢ ، ٢٥٣

آصف بن برخیا ٢٨٣

أباذر الغفاري ٣٦٩ ، ٣٩٨ ، ٥٣٩ ، ٥٩٩

أبا سفيان بن حرب ٣٦٩ ، ٤٩٤ ، ٤٩٦ ، ٤٩٧

أبا عمرو ٥٩٤

أبا غسان ٤٧٢

أبا منصور حسن بن يوسف بن المطهرّ الحلي ٢٥ ، ٥٠ ، ٤٧٠

أبا موسى الاشعري ٤٠٤ ، ٦٠٣

أبا هارون المكفوف ٦٠٢

ابراهيم بن نصر ٢٧

ابن أبي اسحاق ابراهيم طباطبا ٦٠٤

ابن أبي الحديد ١٣٠ ، ٣٦٦ ، ٣٥٩ ، ٣٦٣ ، ٣٦٤ ، ٣٨٦ ، ٣٩٣ ، ٣٩٤ ، ٣٩٨

ابن أبي رافع عبد الله ٤٠٤ ، ٦٠٣

ابن الاثير ٣٣٦ ، ٣٨٧

ابن الاخشار ٥٥٢

ابن الجو اليقي ٢٧

ابن الجوزي ٣٠٢ ، ٣٨٠

ابن الحسن المثنّى ٦٠٤

ابن السكن ٥٣٨

ابن الغضائري ٦١

ابن جبير ٣٥٢

ابن حاتم الشامي ٤٨٥

ابن حجر ٤٩٨

ابن حجر ٥٣٨

ابن حجر ٥٣٨

ابن حيان ٤٠٧

ابن راوندي ، أبو الحسن أحمد بن يحيى بن محمد بن اسحاق ٢٢٦ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٤٠٢

ابن رواحة ٤٨٠

ابن زياد ٤٠٩ ، ٤١١ ، ٤٩٦ ، ٤٩٧ ، ٥٣٣ ، ٥٣٥

ابن سعيد ٢٠٧

ابن سكّيت ٤٧٢

اين سينا ، أبو علي ١٤٢ ، ٢٢٤ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٤٢٩ ، ٤٥٩ ، ٤٧٥

ابن شبه ٤٧٢

ابن شهر آشوب ٣٠٢ ، ٣٨٦ ، ٣٨٧ ، ٤٠٤ ، ٦٠٣

ابن عباس ١٧٦ ، ٢٧٨ ، ٣٣٥ ، ٣٥٢ ، ٣٧٢ ، ٣٩١ ، ٣٩٧ ، ٤٠٢ ، ٤٠٤ ، ٤٠٩ ، ٤١٠ ، ٤٤٣ ، ٥٣٧ ، ٥٧٩ ، ٥٨٠ ، ٥٨٦

ابن عبد البرّ ٣٥٩

ابن عساكر ٤٧٩ ، ٤٨٤

ابن عيّاش ٣٤٥

ابن فارس ٢٨٨

ابن قتيبه ٣٥٩ ، ٣٦٩

ابن قولويه ٥٣٢ ، ٥٣٩ ، ٥٩٩ ، ٦٠٠

ابن كثير ٤٨١ ، ٤٨٤

ابن ملجم ٣٩٧

ابن نديم ٤٠٧

اين هشام ٤٨٢

أبو اسحاق ابراهيم بن سيّار بن هاني البصري ١٢٩

أبو اسحاق الاسفرائيني ٢١٢

أبو الحسن بهمنيار ٤٥٩ ، ٤٦٢

أبو الحسن علي بن اسماعيل الأشعري ٢١٢

أبو الحسن علي بن هلال الجزائري ٩ ، ٣١ ، ٣٣ ، ٣٥ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٧١ ، ٤٥٩ ،

أبو الحسن محمد بن علي بن صخر الأزدي البصري ٢١٧

أبو الحسين ٢٣٤ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٣٢١ ، ٤١٥ ، ٤١٦

أبو العلاء المعرّ ٣٠٢

أبو القاسم الكعبي ١٩٧

أبو القاسم عمر بن عمر يوسف ٢١٧

أبو القاسم هبة الله بن ابراهيم بن عمر الصوّاف ٢١٦

أبو بكر احمد بن مروان المالكي ٢١٦

أبو بكر باقلاني ٤١٧

أبو جعفر الطبرسي ٥٣٣

أبو جفنة القرشي ٢٧

أبو جهل ٢٦٩

أبو حيان التوحيدي ٣٠٢

أبو خزيمة ١٨١

أبو زيد ٤٧٠

أبو سهل بن نوبخت ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٥٤٥ ، ٥٤٨ ، ٥٥١ ، ٥٥٢

أبو علي الحسين بن علي بن يزيد البغدادي ٤٠٧ ، ٤١٦ ، ٤٤٦ ، ٤٥٠

أبو عمرو بن علاء ٥٩٤

أبو لؤلؤ ٣٦٧

أبو مجالد ٥٩٤

أبو محمد الواقدي ٥٣٢

أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي ٣٨٤

أبو محمد سفيان بن وكيع ٥٣٢

أبو معشر المنجّم جعفر بن محمد بن عمر البلخي ٣١٧

أبو معشر عن سعيد عن أبي هريره ٢١٦

أبو نعيم ٥٣٨

أبو هاشم ، أحمد بن الحسين ٢٢٤ ، ٢٣٣ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٤١٦ ، ٤٤٦

أبي اليختري ١٦٨

أبي الحسن الخيّاط ٥٩٤

أبي الحسن النجّار المصري ٢٠١

أبي الحسن علي الاصفهاني ٦٠٤

أبي الطفيل ٤٨٥

أبي الهذيل العلاف شيخ المعتزلة ١٢٩ ، ٢١٢ ، ٢٣٣

أبي بصرة ٤٥٨

أبي بكر ١٣٠ ، ٣٢٣ ، ٣٣٥ ، ٣٤١ ، ٣٤٤ ، ٣٥٠ ، ٣٥١ ، ٣٥٣ ، ٣٥٨ ، ٣٦٠ ، ٣٦٢ ، ٣٦٥ ، ٣٦٧ ، ٣٦٩ ، ٣٧٣ ، ٣٨٢ ، ٣٨٧ ، ٣٨٩ ، ٣٩٨ ، ٤٠٠ ، ٤٠٣ ، ٤٠٦ ، ٤٧٨ ، ٤٨٠ ، ٤٨٥ ، ٤٩١ ، ٤٩٢ ، ٥٠٦ ، ٥٠٧ ، ٥٩٩

أبي بكر الرازي ٥٤٢

أبي جارود ٣٧٣

أبي جعفر محمد الاصغر ، ابن الخزاعية ٦٠٤

أبي جهل بن هشام ٤٠٧

أبي حاتم السجستاني ٣٤٨ ، ٤٨٨ ، ٤٨٩

أبي حمزة ثمالي ١٧١

أبي سعيد الخدري ١٧٦ ، ٣٥٨ ، ٣٨٩ ، ٤٦٠ ، ٤٨٤

أبي طالب ٢٦٩

أبي عبد الله احمد الرئيس ٦٠٤

أبي عبد الله الزنجاني ٤٩٨

أبي عيسى بن الآوي اليهودي الأهوازي ٣٠٢

أبي مختف ٥٣٣ ، ٥٣٤ ، ٥٣٦ ، ٥٧٩

أبي هارون ٣٨٩

أبي هاشم ٥٥٦

أبي هريره ١٨١

احمد «گلچین میانی» ٦٠٩

احمد بن حسين بن جمال المغيراني ٥٧ ، ٤٥٦

أحمد بن حنبل ١٦٧ ، ٤٠٧

احمد بن حنبل ٣٦٥ ، ٤٨٥

أحمد بن محمد بن الصديق المغربي ٤٠٦

أحمد بن محمد بن عبد ربّه الاندلسي ٤٨٠ ، ٥٠٦

اردشير ٢٧

ارسطو ١٣٠

اسامة بن زيد ٣٥٣ ، ٣٥٤ ، ٣٦٠ ، ٣٦١

استاد جعفري ١٦١

اسحاق بن ابراهيم ٤٨٠

اسحاق بن أبي الجعد ٥٠٧

اسحاق بن يحيى بن طلحة ٤٧٢

اسحاق نيوتن ١٤٦

اسد الله التستري ٢٠ ، ٢٨ ، ٣٥ ، ٤٢

اسقف نجران ٤٩٧ ، ٥٠٤

اسماعيل القرة باغي ٦٣

اسماعيل بن الإمام جعفرالصادق عليه‌السلام ٣٧٩ ، ٤٩٨ ، ٤٩٩ ، ٥٠١ ، ٥٠٢

اسماعيل بن صادق عليه‌السلام ٣٢٤

أصبغ بن نباته ٥٢٦

أصبغ بن نباته ٢١٦

آغا بزرگ الطهراني ، المحقق الطهراني ٣٧ ، ٥١،

٥٩ ، ٦٢ ، ٤٩٠ ، ٤٩٥ ، ٦٠٦

فريدون ٣٤٨

افلاطون ١٣٠

افندي التبريزي الإصفهاني ١٥٢

الأزري ٤٠٧

الاستاذ الدجيلي ١٩ ، ٣٠ ، ٣٧ ، ٤٨ ، ٥٩ ، ١٦١

الإسترآبادي ١٧ ، ٢٠

الاشتر ٤٠٤

الاصم ٣٧١

الاعوازي ٥٥٢

الآغا بزرگ بهبهاني ٦٨

الافندي ٦٠٦

الآلوسی البغدادي ، شهاب الدين محمود ٤٨٠ ، ٤٨٢ ، ٥٢١ ، ٥٣٠

الامام الحمويني ٤٨٥

الإمام الرازي ، فخر الدين ٣٠١ ، ٣٣٣ ، ٣٣٣ ، ٢٧٨ ،٣٩١ ، ٣٩٦ ، ٣٣٣ ، ٣٣٩ ، ٣٨١ ، ٣٨٥ ، ٤٦٠ ، ٤٦٣ ، ٤٩٨ ، ٥٠١ ، ٥٤٩ ، ٥٩٠

الامام المحقق الميلاني ، محمد هادي الحسيني ٦٦ ، ٦٨ ، ٦٠٥

الامير عبد الوهاب الحسني الحسيني الطباطبائي ٦٠٣ ، ٦٠٦ ، ٦٠٨

الامير كمال الدين محمد ٦٠٤

البحراني ، السيد الفاضل ٣٨ ، ٣٧ ، ٤٣ ، ١٩١ ، ٣٣٥ ، ٣٤٥ ، ٣٨٤ ، ٥٧٢

التفتازاني ، سعد الدين ٣٨٨ ، ٣٤٣ ، ٤٤٨

؟ ، ٦٠٩

ام الفضل بنت المأمون ٥٣٠

ام ايمن ٣٥٨ ، ٥٤٠

ام حبيبة بنت صخر ٤٩٥

ام سلمة ، امّ المؤمنين ٣٩٤ ، ٣٩٥ ، ٥٢٤ ، ٥٢٨

امّ هاني ٥٠٤

انياذ قلس ٤٨٩

أنس بن مالك ٣٧٨ ، ٣٤٢ ، ٣٥٤ ، ٣٨٤ ، ٣٨٧ ، ٤٧٢

أنس بن الحارث ٥٣٨

اوربا ٢٦١ ، ٢٦٣

أوزون حسن آق؟ حسن پادشاه ٦٠٧

أويس القرني ١٦٧

اهريمن ٤٦٥ ، ٤٦٦ ، ٤٦٧

آهورا مزدا ٤٦٥

بخت نصر البابلي ٣٠٦

براء بن عازب ٣٩٥

بريدة الأسلمي ٤٨١

بشر الريسي ٢١٣

بشربن المعتمر ٣١٢ ، ٥٥١

بلال ٣٥٢ ، ٣٥٣

بلقيس ٣٨٣

البخاري ٣٦٥

البطليموسية ٣١٥ ، ٤٣٣

البغدادي ٣٧

اللغوي ٥٣٨

البلاذري ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، ٤٩٥

البلخي ١٩٧ ، ٢٣٦ ، ٢٣٨ ، ٣٢١ ، ٤٣٤ ، ٥٠١

البياضي ٢٠ ، ٢٧ ، ٤٩١ ، ٤٩٨

البياضي ٣٧٨ ، ٣٨٦ ، ٤٩١

البيهقي ٣٦٣ ، ٣٨٦ ، ٣٨٧ ، ٤٨١

تأرخ ٢٥٣

ثقة الاسلام الكليني ٦٧ ، ٥٤٦ ، ٥٥٠

جابربن سمرة ٣٤٦

جابربن عبد الله الانصاري ٣٤٣ ، ٣٤٥ ، ٣٨٤ ، ٣٨٧ ، ٥١٢ ، ٥١٣

جالينوس ٤٢٠

جبير بن مطعم ٣٥٤

جعفر ٤٨٠

جعفر بن عفّان ٦٠٠

جعفر بن محمد بن بكة الحسيني ٤٣

جمال الدين ابو العباس ، محمد بن فهد الأسدي الحلي ٣١ ، ٣٣ ، ٣٥ ، ٤٣ ، ٤٥ ، ٧١ ، ٤٩٤ ، ٥٤٨

جمال الدين خوانساري ٦٦ ، ٧١

جهم بن صفوان الراسبي ٢١٢

الجاحظ ابو عثمان ١٢٩ ، ٣٦٦ ، ٣٩٤ ، ٤٤١ ، ٥٤٣ ،

الجبائي ، ابو علي ٢٣٨ ، ٢٤٣ ، ٢٦١ ، ٣٢١ ، ٣٧٠ ، ٤١٦ ، ٤٧٧ ، ٥٥٢ ، ٥٥٦

الجد الحميد ١٧ ، ١٩ ، ٢٠

الجزائري «صاحب الانوار النعمانية» ٢٢٧

الجزري ٥٣٨

الجوهري ٣٨١

الجويني ٢٨٩ ، ٤١٧

حاتم ٢٩٠

حارث بن الحكم ٣٦٩

حبيب ٣٩٥

حبيب بن جمار ٣٩٥

حجر بن عدي ٣٧٢

حذيفة ٥٩٩

حسن بن راشد الحلّي ٣٤ ، ٣٧ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤٩ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٦

حسين بن محمد بن أحمد بن ابراهيم الدرازي ، لبحراني آل عصفور ٤٥٩ ، ٤٦٢ ، ٥٥٦

حسین عبد الصمد الحارثي الهمداني ٦٧ ، ٧١ ،٥١١ ،

حسين علي محفوظ ٣٧

حسينعلي نقيب زاده مشايع طباطبا ٦٠٩

حفصه ٣٦٢

حمزه ٣٧٢ ، ٥٧٩

حيدر بن علي بن حيدر الحسيني الآملی ٢٢ ، ١٥٢

الحاج الآمیزا خلیل الطهراني ، ميرزا حسين ٦٥ ، ٦٦ ، ٦٨

الحارث بن المغيرة النصري ١٧١

الحافظ ابن المغازلي ٣٣٢ ، ٣٣٣

الحافظ الدار قطني ٤٨٥

الحافظ بن حجر ٤٧٢

الحافظ حسين ٦٠٣ ، ٦٠٨

الحجاج بن يوسف الثقفي ٥٤١

الحرالعاملي ٣٥

الحسن البصري ٤٤١ ، ٥٥٦

الحسن المثنّى ٤٨٦

الحسن الملقب بعلي ٣٢٤

الحسن بن محمد بن علي الصباح المستعلي ٣٢٤

الحسين بن محمد النجّار ٢٠١

الحسيني ٦٠٦ ، ٦٠٨

الحكم بن عاص ٣٦٨

الحكيم سبزواري ١٣٩ ، ٣١٢

الحميري ٣٣٣

خالد ٣٩٥

خالد بن عرفطة ٣٩٥

خالد بن وليد ٣٦١ ، ٤٨١

خطب بنت أبي جهل ٤٠٧

الخراساني ، (آخوند ، محقق) ١٠ ، ٦٣ ، ١٣٩

الخسرواني ٤٩٧

الخطيب ٤٠٧

الخوارزمي ٢٢٤

الخوارزمي الحنفي ٤٨٥

الخوانساري ، ميرزا محمد هاشم ٣٧ ، ٣٨ ، ٥٥ ، ٦٤

داوود بن سليمان العادي ٢١٧

دهخدا ٤٦٠

الدجّال ٣٤٨

الدستوري ٢٢

الدكتور أبي القاسم الگرجي ٤٩١

الذهبي ٤٠٧

رأس الجالوت ٥٤٠

رباب ٥٣٥

ربيعة ٣٦٤

رضا مختاري ١١

رضي الدين بن طاووس الحسيني ٦٠٧

رفيع الدين عبد الغفّار ٦٠٣

ركن الدين الجرجاني ١٩ ، ٢٠ ، ٢٢ ، ٢٤ ، ٤٤ ، ٥٠ ، ٥٢

الراغب اصفهاني ٥٤٩

زبيب ٢٧٣ ، ٢٧٤

زرارة ٣٠٠ ، ٥٣٢

زليخاه ٢٥٦ ، ٢٥٧

زيد ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، ٣٣٩ ، ٣٧٠ ، ٣٧٥ ، ٣٧٦

زيد بن أرقم ٤٨٦

زيد بن الخطاب ٣٦١

زيد بن الشحّام ٦٠٠

زيد بن حارثه ٤٨٠ ، ٥٠٧

زين الدين ابو الحسن علي بن الخازن الحائري ٣٢

زين الدين ادريس ٣٩ ، ٦٧

زين الدين علي بن الحسن علاله ٣٣ ، ٣٧ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٥٦

زين العابدين القشقائي ٥١

الزبير ٣٦٦ ، ٣٨٢

الزبيري ٣٦٩

الزركلي ٢٠ ، ٣٤ ، ٣٧ ، ٣٨

الزمخشري ١٩٠ ، ٥٠٤ ، ٥١٣

سرجون بن منصور الرومي ٤٩٦

سعد بن أبي وقاص ٣٦٦ ، ٣٦٨ ، ٣٩٥ ، ٥٠٧ ، ٥٣١ ، ٥٣٢

سعد بن عبادة ٣٩٤

سكاكي ٢٨٩

سلمان فارسي ٣٣٦ ، ٣٨٦ ، ٣٩٨

سليم بن قيس الهلالي ٣٤٣ ، ٣٦٥

سليم بن قيس الهلالي ٤٨٤

سليمان بن جرير ٣٧٣ ، ٣٧٦ ، ٣٨٢

سليمان بن جرير ٤٩٨ ، ٥٠١

سليمان بن صرد ٤٠٨

سماط بن جذعان ٤٠٢

سوراء بنت اردوان ٢٧

سوركان ١٠

سيد ابن طاووس ٥٤ ، ٢٠٥

سيد احمد الزنجاني ٦٣

سيد الاعيان «صاحب اعيان الشيعة» ٢٠ ، ٢٥ ، ٣٠٢ ، ٣٢٥

سيد جلال الدين الاموري ٣٩١

سيد فخر الدين الموسوي الاردبيلي ٥٧

السامري ٣٤٨

السامي ٣٨

السلبي ٥٨٢

السلطان حيدر الصفوي ٦٠٧

السلطان سليم العشماني ٥٠٣ ، ٦٠٣ ، ٦٠٦ ، ٦٠٧

السمهودي ٤٧٢ ، ٤٩٥

السهرودي ٤٩٦

السيد حسن البجنوردي ، المجتهد الاكبر ٥٥٣

السيد ابراهيم الغمر ٦٠٤

السيد ابو القاسم الرضوي ١٦٤

السيد أبي الحسن الإصفهاني ٦٣

السيد أبي الحسن محمد الاصفهاني (معروف به

اين طباطبا) ٦٠٤

السيد أبي تراب الخوانساري ٦٣

السيد أحمد ٦٠٤

السيد احمد الروضاتي ٦٠

السيد الاجلّ الجابلقي ٣٦ ، ٤٣

السيد الامير إسماعيل ٦١٠

السيد الامير عماد الدين أمير الحاج ٦٠٤

السيد الامير نور الدين عبد الوهاب ٦٠٣ ، ٦٠٧ ، ٦١٠

السيد الأمير نور الدين ، عبد الغفار ٦١٠

السيد الأمين العاملي ، محسن ٢٢ ، ٢٤ ، ٥٩٨ ، ٦٠٦ ، ٦١٠ ، ٦١١

السيد الخوئي ، ابو القاسم ١٨ ، ٦٩ ، ٤٩٢ ، ٥٧٥ ، ٥٨٨ ، ٥٩٦

السيد الداماد ٤٩٩

السيد الفاضل الاستاذ العبقري ٦٠١

السيّد المحقق «صاحب روضات الجنات» ٥ ، ٢٠ ، ٢٦ ، ٣٥

السيد حسن ٦٠٤

السيد حسن صدر الدين العاملي الكاظمي ٥١ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٤ ، ٦٨

السيد حسين ٥٨ ، ٥٩

السيد حميري ٣٩٦

السيد شبّر ١٨١

السيد شهاب الدين النجفي المرعشي ٤١ ، ٤٩ ، ٦٩ ، ٣٣٢ ، ٣٤٣ ، ٤٧٠

السيد شهاب الدين علي ٦٠٤

السيد شهيد ميرزا محمد علي القاضي ٦١٠

السيد صالح الشهرستاني ٦٠١ ، ٦٠٢

السيد صالح بن سيد مهدي بن سيد رضي القزويني ٤٧

السيد صدر الدين الصدر الموسوي ٦٤ ، ٣٤٨

السيد صدر الدين محمد العاملي النجفي ٦٤

السيد ضياء الدين عبد الله الاعرجي ٣٠ ، ٥٦

السيد عبد الحسين دستغيب الشيرازي ٤٤٣

السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ٦٦ ، ٦٩ ، ١٦٤

السيد عبد الله أبي رغيف ٥٩٠

السيد علي خان الحويزاوي ٣٢

السيد علي خان المدني ٥٤٥ ، ٥٤٦

السيد عماد الدين الكبير ٦٠٤

السيد عماد الدين علي ٦٠٤

السيد فخر الدين حسن ٦٠

السيد قطب ٥٢١

السيد كاظم العاملي ٢٢

السيد مجد الدين ٦١٠

السيد محسن الطباطبائي الحكيم ٩ ، ١٨ ، ٣١ ، ٥١ ، ٥٩ ، ٦٧

السيد محمد اكبر ، «بميرشاهمير» القاضي ٦١٠

السيد محمد الحجّ’ الكوه كمري ٨ ، ٦٣ ، ٥٠٤

السيد محمد الشرف ٤٠٠

السيد محمد المشكاة ٥٩ ، ٦٠

السيد محمد باقر الصدر الموسوي ١٨ ، ٥٨ ، ٦١

السيد محمد جواد الطباطبائي تبريزي ٦٧ ، ٥٩٠ ، ٥٩٢ ، ٥٩٦

 السيد محمد حسين الطباطبائي التبريزي ٧٠ ، ١٣٣ ، ١٨٢ ، ١٨٧ ، ٢٦١ ، ٤١٠ ، ٤٧٤ ، ٥٣٠ ، ٥٤٧ ، ٥٥٣ ، ٦٠٩

السيد محمد حسين الطباطبائي ، شيخ آقا ٤٥٩ ، ٤٩٩

السيد محمد رضا الگلپایگانی ٦٩

السید محمد علي السبزواري ٤٣

السيد محمود الشاهرودي ٧٠

السيد مرتضي علم الهدى ٤٨ ، ١٨١ ، ٢٢٩ ، ٢٣٦ ، ٢٥٩ ، ٢٦١ ، ٢٧٧ ، ٢٨٥ ، ٢٨٨ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٢٠ ، ٣٤٧ ، ٣٤٩ ، ٤٠٦ ، ٤١٢ ، ٤٢٤ ، ٤٩٤ ، ٥٠٠ ، ٥٣١ ، ٥٤٥ ، ٥٥٦ ، ٥٩٤

السيد ميرحامد حسين الكنهوتي ٣٣٩

السيد ميرزا اسد الله القاضي الطباطبائي ٨

السيد ميرزا صدر الدين محمد الطبير ٦١٠

السيد ميرزا صدر الدين ، صدر القاضي ٦١٠

السيد ميرزا عبد الجبار القاضي ٦١٠

السيد ميرزا على القاضي ٦١٠

السيد ميرزا محسن القاضي ٦١٠

السيد ميرزا محمد القاضي ٦١٠

السيد ميرزا محمد باقر القاضي الطباطبائي ٨ ، ٦٥ ، ٦١٠

السيد ميرزا محمد علي القاضي الطباطبائي ٧ ، ٨ ، ١١ ، ٣١ ، ٣٦ ، ٤٦ ، ٦٥ ، ٦٨ ، ٧١ ، ٧٨ ، ١٥٢ ، ٣٩٢ ، ٤٥٦ ، ٤٧٠ ، ٦١٠ ، ٦١١

السيد ميرزا محمد مهدي القاضي ٦١٠

السيد ميرزا محمد مهدي القاضي الطباطبائي ٦١١

السيد ميرزا يوسف نقيب الاشراف ٦١٠

السيد هبة الدين الشهرستاني ٥٩ ، ٣٦٥ ، ٣٨١ ، ٤٩٨

السيوطي ، جلال الدين ١٧٦ ، ٢٨٩ ، ٥٢٨ ، ٥٣٧ ، ٥٣٨

شاه طهماسب الصفوي ٦٠٥ ، ٦٠٧

شمس الدين السامي ٤٨٩

شمس الدين محمد بن الشجاع القطان الانصاري الحلي ، ابن القطان ٣٣ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٥٦

شهيد ثاني ٦٧ ، ٧١

شيخ الإسلام الكبير ، اوزن حسن ٦٠٤

شيخ الإشراق ٤٦٨ ، ٤٦٩

الشاه إسماعيل الصفوي ٦٠٣ ، ٦٠٧ ، ٦٠٨

الشريف الرضي ٤٢٤ ، ٥٥٦ ، ٥٥٧ ، ٥٨١ ، ٥٨٢

الشريف العلماء المازندراني ٣٦ ، ٦٣

الشوكاني ٣٥٣

الشهيد الاول ٢٩ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٥ ، ٣٩ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٥٤ ، ٥٦ ، ٥٩ ، ٦٧ ، ٨١ ، ١٥٢

الشيخ ابن أبي الجمهور الاحسائي ٣٢ ، ٤٧ ، ٢٧٨ ، ٣١٩ ، ٣٣٣ ، ٣٤٢ ، ٣٤٣ ، ٥١١

الشيخ ابو الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي ٥٩٩

الشيخ أبي اسحاق النوبختي ١٦١ ، ٢٢٦

الشيخ أبن علي ٦٧

الشيخ احمد خيري ٤٩٦

الشيخ اسماعيل القنوي ١٨٧

الشيخ الاعظم الأنصاري ، مرتضى ١٠ ، ٥١ ، ٦٤ ، ٦٦ ، ٨٢ ، ٥٠٤ ، ٥٥٧ ، ٥٦٢ ، ٥٦٤ ، ٥٧٦

الشيخ السعيد الطهراني ١٤

الشيخ الشريعة الشيرازي بالإصفهاني ٦٣

الشيخ الطبرسي ١٣ ، ١٥ ، ٥٥ ، ١٥٣ ، ١٧١ ، ٢٦١ ، ٢٧٨ ، ٣٦٥ ، ٣٦٨ ، ٣٨٨ ، ٤٠٦ ، ٤٦٨ ، ٤٩٠ ، ٤٩٤ ، ٥٢٣ ، ٥٧٢ ، ٥٨٦

الشيخ الطهراني ، ميرزا محمّد ٢٠ ، ٢٤ ، ٢٧ ، ٤٤ ، ٦٤

الشيخ الفاضل ١٩ ، ٢٨

الشيخ الكشي ٦٠٠

الشيخ المحقق المحمودي ٤٨٤

الشيخ إلياس بن هشام الحائر ٦٧

الشيخ بهائي ٦٧ ، ٧١ ، ٣٤٦ ، ٥١١ ، ٥٤٨ ، ٥٥١

الشيخ جعفر بن باقر آل محبوبة النجفي ٥٥

الشيخ حسن «صاحب الانوار الفقاهة» ٦٦

الشيخ حضرمي ٣١٩

الشيخ سماوي ٥٩

الشيخ شلتوت ١٩٠

الشيخ صدوق ، أبي جعفر بن بابوية ٦٧ ، ١٦٢ ، ١٦٥ ، ١٦٨ ، ١٧١ ، ١٧٢ ، ١٨١ ، ٢٠٥ ، ٢٧٦ ، ٢٨٥ ، ٢٨٩ ، ٣٠٠ ، ٣٣٥ ، ٣٤٥ ، ٣٧٦ ، ٣٨٤ ، ٤٦٤ ، ٤٩٤ ، ٤٩٩ ، ٥١٠ ، ٥٢٦ ، ٥٤٥ ، ٥٥٤ ، ٥٥٧ ، ٦٠٠

الشيخ عبد العلي الرشتي ٦٨

الشيخ عبد النبي الظالمي ٣٢

الشيخ عبد النبي العراقي ٧٠

الشيخ عبد الحسين الاميني التبريزي ٣٣٨ ، ٤٨٢ ، ٥٤١ ، ٦٠٨

الشيخ عبد الله ٤٣

الشيخ عبد الهادي نجا الآبیاری ٥٤٢

الشیخ عربی بن مسافر ٦٧

الشیخ علي الخاقاني ٦٦

الشيخ علي القمي النجفي ٧٠

الشيخ فضل الله النوري ٢٢

الشيخ محمد باقر الاصطباناني ٦٣

الشيخ محمد بن علي الجوازري ٤٧

الشيخ محمد سلطان المتكلمين ٢١

الشيخ محمد علي المعلّم الحبيب آبادي الاصفهاني ٦٠٦

الشيخ مرتضي آل یاسین ٥٠

الشیخ مرتضی التبریزی الجهره قانی ٦٣

الشیخ مصطفى صبري ١٨٩ ، ٣٢٩

الشيخ مفيد ، النعماني ٦٧ ، ٨٢ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٨٩ ، ٣٤٨ ، ٣٨٦ ، ٣٨٩ ، ٣٩٢ ، ٣٩٣ ، ٣٩٦ ، ٣٩٧ ، ٤٧٣ ، ٤٩٤ ، ٥٠٢ ، ٥٠٧ ، ٥٠٨ ، ٥٤٥ ، ٥٤٨ ، ٥٥٠ ، ٥٥١ ، ٥٥٣ ، ٥٨٢ ، ٥٩٤

الشيخ ميرزا محمد علي الغروي الأوردبادي ٦٠٨

الشيخ هادي الطهراني ٦٨

الشيخ يحيى بن قاسم الكاظمي ٣٩

الشيخ يوسف النبهاني ٢٨٨

الشيخ يوسف كركوش ٢٧

الشهيد الثاني ٥٥٨

صاحب الشرائع ٥٤

صالح بن السهل ١٧٢

صالح بن حيّ ٣٧٣

صدر المتألهين ١٣٧ ، ١٣٩ ، ٢٠٥ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٤٨٩ ، ٥٤٥ ، ٥٥٣

صعصة ٣٩٤

صفوان الجمال ١٧٢

صفي الدين عيسي ٣١ ، ٣٣

الصفدي ٢٢٦

ضياء الدين علي ٦٧

طاهر ، خوشنويس ٤٩٠

طلعة ، ٣٥٥ ، ٣٦٧ ، ٣٧١ ، ٣٨٢

الطباطبائي اليزدي ٦٣

الطباطبائي بحرالعلوم ، سيد حسين ٤٠٣

الطباطبائي بحرالعلوم ، سيد مهدي ٣٣ ، ٣٤ ، ٣٧ ، ٤٠ ، ٤٩ ، ٦٦ ، ٦٨ ، ٣٩٢

الطبري ، محمد بن جرير ٣٦٤ ، ٤١٠ ، ٤١١ ، ٤٨٦ ، ٤٨٧ ، ٤٩٠ ، ٥٣٦ ، ٥٤٠ ، ٥٤١

الطحاوي ٥١٤

الضّحاك ٣٥٢

عائيشة ، الحميراء ٣٥٢ ، ٣٥٣ ، ٣٥٨ ، ٣٥٩ ، ٣٦٢

عبّاد صمري ٥٥٦

عباس بن محمد الدورسي ٢١٦

عباية ربن ربعي ٥٣١

عبد الأعلى مولى آل سام ٤٧١

عبد الحسين محمد علي بقّال ٥٠ ، ٥١

عبد الرحمن بن سمرة ٣٣٦

عبد الرحمن بن عوف ٣٥٤ ، ٣٦٦ ، ٣٦٨ ، ٤٧٨

عبد الرحيم التبريزي ٤٠ ، ٢٥٩

عبد الرزاق المقرّم ٣٧٦

عبد السلام بن صالح الهروي ، أبا الصلت ١٧١ ، ٥٥٤ ،

عبد الشمس ٢٤٩

عبد العزّي ٢٤٩

عبد الكريم التبريزي ٤٦

عبد الله الحسن ٣٨٧

عبد الله بن الشيخ شرف الدين ٢٦

عبد الله بن مسعود ٣٣٢ ، ٣٣٣ ، ٣٤٥ ، ٣٦٩ ، ٣٨٤ ، ٤٩١

عبد الله بن يقطر ٣٥٥

عبد الله جعفر (ابن جعفر) ٤١٠ ، ٤٨٦

عبد المطلب ٢٦٩ ، ٣٠٢

عبد الملك ٥٤١

عبد الملك بن شمس الدين محمد بن فتحان الجافظ ٣٣

عبد الملك بن عمر اللخمي ٣٥٥

عبد الواحد بن الصفي النعمائي ٤٩ ، ٥٦١

عبد يغوث ٢٤٩

عبد الرحمن بن جندب ٥٣٦

عبد الفتاح ٣٥٩

عبد الله ٥٠٢

عبد الله بن أبي السرح ٣٦٨

عبد الله بن الزبير ٣٩٣

عبد الله بن القاسم الجعفري ٥٩٣

عبد الله بن خالد بن أسيد ٣٦٩

عبيد الله بن عباس ٤٠٨

عبيد الله بن عمر (ابن عمر) ٣٦٩ ، ٤٠٣ ، ٤٠٩ ، ٤١٠ ، ٥٧٩ ، ٥٨٤

عثمان ٣٢٣ ، ٣٥٠ ، ٣٥٤ ، ٣٦٢ ، ٣٦٤ ، ٣٦٦ ، ٣٧٠ ، ٣٧٢ ، ٣٧٣ ، ٣٨٢ ، ٤٧٨ ، ٤٨٥ ، ٤٩١ ، ٤٩٣ ، ٤٩٤ ، ٥٣٩

عثمان بن حنيف ٣٩٢

عثمان بن زفر ٢١٦

عرام ٤٧٢

عروة بن الزبير ٥٣٩

عروة بن عائشة ٥٩٩

عقبة بن سمعان ٤١١

عقبة بن سمعان ٥٣٤ ، ٥٣٦ ، ٥٤١

عكرمة ٤٠٢

علامة الكاظمي القزويني ٣٢٨

علي بن المختار العلوي الحسيني (ابن اخت العلامة) ٢٥ ، ٥٠

علي بن شرف الدين المرتضى العلوي الحسيني الآوي ٤٤

علي بن محمد بن علي الخزّاز الرازي ٣٤٥

علي بن محمد بن مهرويه القزويني ٢١٧

علي بن هلال العاملي الكركي ٤٤

علي بن يوسف بن عبد الجليل ٤٤

عمّار ياسر ٣٦٩ ، ٣٧١ ، ٣٧٨ ، ٤٩٦ ، ٥٩٩

عمارة (ابا عمارة) ٥٥٤ ، ٦٠٠ ، ٦٠١

عمر ١٣٠ ، ٣٢٣ ، ٣٣٩ ، ٣٥٠ ، ٣٥٤ ، ٣٥٨ ، ٣٦٩ ، ٣٨٢ ، ٣٨٥ ، ٣٨٦ ، ٣٩١ ، ٣٩٣ ، ٣٩٨ ، ٤٠١ ، ٤٠٣ ، ٤٧٨ ، ٤٨٠ ، ٤٨٥ ، ٤٩١ ، ٥٨٠ ، ٥٩٩

عمر بن سعد ٣٩٥ ، ٤١٠ ، ٥٣٣ ، ٥٣٥

عمر بن يزيد ٥٤٦

عمر رضا كحالة ٣٦

عمرو بن العاص ٤٠٤

عمرو بن حريث ٣٩٥

عمرو بن شاس الاسلمي ٤٨٤

عمرو بن عبدود ٣٩٨

عمرو بن عبيد ٣٧١

عمرو بن عبيد ٥٩٤

عمرو بن هداب ٥٣١

عمير بن أبي صابي ٤٩٥

عين أبي تيزر ٣٩٣

العباس بن عبد المطلب ٣٠٢ ، ٣٢٣ ، ٣٣٥ ، ٣٤٤ ، ٣٥٦ ، ٣٦٠ ، ٣٦٨ ، ٣٩٩ ، ٥٠٤

العباس بن هلال ١٦٥

العلامة الوحيد البهبهاني ٦١١

العلامة محمد رضا الاصفهاني ٦٣

العلامة محمد سعيد العرفي ٣٥٣

العطية العوفي ٣٨٤

العلاء بن أبي عائة ٥٤٠

العلامة السماوي ٥٣٨

العلامة القاشي ، نصر الدين علي بن محمد ١٥٢

العلامة الكراجكي ، القاضي أبي الفتح ١٦٣ ، ٢١٦ ، ٢١٧ ، ٢٨٩ ، ٣٠٩ ، ٣٤٨ ، ٤٩٥ ، ٥٠٧

العلامة حاج ميرزا عباسقلي الواعظ الجراندابي ٥٦ ، ٥٧ ، ٦٠

العنبري ٤٤١

العيّاشي ٥٠٠

الغزالي ، أبو حامد ١٦٧ ، ١٨٥ ، ٥٤٩

فاصل الجواد الكاظمي ٧٠

فاضل خان الهمذاني ٣٤٦

فاطمة بنت الإمام الحسين ٦٠٤

فخرالدين احمد بن عبدالله بن سعيد بن المتبوّح البحراني ٣٤

فخر المحققين ٣٠ ، ٣٢ ، ٤٧ ، ٤٩ ، ٥٤ ، ٥٦ ، ٦٧

فرعون ١٥٦

فروة بن مسيك المرادي ٥٤١

فضالة بن فضالة ٤٠٥

فضل بن شاذان ٥٥٤

فيض الكاشاني ١٦٩ ، ٥٨٧

الفاضل الزنوزي ، السيد ميرزا محمد حسن الخوئي ٤٦٠ ، ٦١١

الفاضل المقداد ٧ ، ١٦ ، ١٩ ، ٢١ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٩ ، ٤١ ، ٤٣ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٩ ، ٥١ ، ٥٣ ، ٥٥ ، ٥٧ ، ٥٩ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٧١ ،

٧٨ ، وفي اكثر الصفحات

الفردوسي ٤٦٨

الفضل بن العباس ٣٥٣

قتادة ٣٨٨

قس بن ساعدة ، حكيم العرب ٢٨٩

قطب الدين الراوندي ٣٤٦

قطب الدين الشيرازي ٤٦٩

قطب الدين ديلمي اللاهيجي ٤٨٩

القاضي ٤١٧ ، ٤٥٠ ، ٤٥١

القاضي ابو محمد الحسن بن مسعود العبري ٣٤٢

القاضي اسحاق پاشا ٦٠٧

القاضي عبد الجبار المعتزلي الاسدآبادي ٢١٢ ، ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، ٢٣٧ ، ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، ٣٠٢ ، ٤٤٦ ، ٥٥٦

القوشجي ٣٤٩ ، ٣٤٣ ، ٣٩٦

كورش ٤٦٨

لبيد ٤٨٩

لقمان بن عاد ٤٨٨ ، ٤٨٩

لمضر ٣٦٤

مالك الجهني ٥٩٩

مالك بن نُويره ٣٦١

مأمون ٢٧٦ ، ٣٧٦

محمد أكمل ٦٦ ، ٦٨ ، ٧١

محمد الجواد البلاغي النجفي ٣٨ ، ٤٠ ، ١٨٥ ، ٥٠١ ، ٥٨٨

محمد باقر بن محمد امين الحسيني الطالقاني ٤٦

محمد بن أبي بكر ٣٦٨ ، ٤٩٥

محمد بن أبي عمير ٥٣٢ ، ٥٣٣

محمد بن أبي وقاص ٥٠٧

محمد بن اسحاق ٤٨١ ، ٤٨٣

محمد بن اسماعيل ٣٢٤

محمد بن الهادي ٥٠٢

محمد بن حسن خان ٦٠٨

محمد بن حسين بن موسى البعلبكي ٤٥

محمد بن حنيفة ٣٢٤ ، ٤١٠ ، ٤٧٠ ، ٤٧٢

محمد بن داود ٦٧

محمد بن سلمة ٣٦١

محمد بن علي الاسترالجرجاني ١٧ ، ١٩ ، ٢١ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٤٤

محمد بن مسلم ٦٧

محمد تقي مجلسي ٦٧ ، ٧١

محمد تقي مجلسي ٦٧ ، ٧١

محمد حسين كاشف الغطاء ٩ ، ١٧ ، ٦٦ ، ٢٢٧ ، ٥٠٣ ، ٥٥٣

محمد صادق بحرالعلوم ٤٠

محمد طاهر التيز البيروتي ١٥٩

محمد علي ٦٠٩

محمد علي الخراساني ١٠

محمد علي بن شيخ حسين الحسين الكربلائي ، شيخ عبد الله الحسيني ٤٧

محمود الخياط ٤١٧

محيي الدين الخطيب ٤٨٠

مذهب عباد بن سليمان الصيمري ١٩٦

مروان بن الحكم ٣٦٩ ، ٣٩٣ ، ٤٩٥

مسروق ٣٤٥

مسعد بن عبادة ٣٤٤

مسلم ٣٦٥

مسلم بن عقيل ٣٥٥ ، ٤٠٩ ، ٤١٠ ، ٥٢٧ ، ٥٣٥

مصطفى صادق الرافعي ٢٨٩

مطرب بن الخشير ٥٨٠

معاذ ٣٦٢

معاوية ٣٢٣ ، ٣٦٩ ، ٣٧١ ، ٣٩٢ ، ٣٩٤ ، ٤٠٧ ، ٤٠٧ ، ٤٧٧ ، ٤٩٥ ، ٤٩٨ ، ٥٣٣ ، ٥٣٦ ، ٥٣٧

مقداد بن الاسود الكندي ٥٣

موسى بن جعفر صاحب كشف الغطاء ٦٦ ، ٦٨

مولانا فخر الدين محمد ٤٨

ميثم ٣٩٥

ميثم البحراني ٣٩ ، ٤٥ ، ٣٩٠

ميرزا جعفر سلطان القرائي ٤٦٠

ميرزا جعفر سلطان القرائي التبريزي ٦١١

ميرزا خليل الرازي ٦٨ ، ١٦٤ ، ٢٨٨

ميرزا علي اصغر شيخ الإسلام ٤٥٩

ميرزا محمد تقي القاضي الطباطبائي ١١ ، ٤٥٩ ، ٦١٠ ، ٦١١

ميرزا محمد حسن الشيرازي ، الحسيني الغروي العسكري ٦٥

ميرزا محمد رحيما ٦١١

المامقاني ٢٦ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٩٢ ، ٤٠٠

المأمون ٥٠٥ ، ٥٠٦ ، ٥٠٩

المبرّد ٣٩٣

المجلسي «صاحب بحار الانوار» ٦٦ ، ٦٨ ، ٧١ ، ٣٨٦ ، ٤٦٣ ، ٤٧٢ ، ٥٥٠ ، ٦٠٦

المحدّث الجزائري ٤٣ ، ٣٠٠ ، ٥٦٤

المحدث القمي ، الشيخ عباس ١٩ ، ٣٥ ، ٥٣ ، ٦٤ ، ٧٠ ، ٥٥٨ ، ٦٠٥ ، ٦٠٧

المحدث نوري ، حاج ميزرا حسين ٣٢ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٨ ، ٢٨٥ ، ٣٩٧

المحشّي علي حقائق التأويل ٥٥٦

المحقق الثاني ، الشيخ علي الكركي ٣١ ، ٣٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٧١

المحقق الدواني ٨٢ ، ٥٤٢ ، ٥٦٥

المحقق الطوسي ١٥ ، ٢١ ، ٢٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٨ ، ٥٩ ، ٦٧ ، ١٥١ ، ١٦١ ، ٢٠٥ ، ٢٢٣ ، ٢٢٧ ، ٢٨٥ ، ٣٢٢ ، ٣٤٢ ، ٣٤٣ ، ٣٦٥ ، ٣٧٩ ، ٤٠٦ ، ٤١٢ ، ٤٩١ ، ٤٩٤ ، ٤٩٥ ، ٤٩٨ ، ٤٩٩ ، ٥٣٥ ، ٥٤٥ ، ٥٤٨ ، ٥٥٠ ، ٥٥٨ ، ٥٦٠ ، ٥٧٢ ، ٥٨٣ ، ٥٨٥

المحقق النائيني ، الميرزا محمد حسين ١٠ ، ٥٥ ، ٧٠

المحقق شهشهاني ٤٩١

المدرس التبريزي ٢٥ ، ٢٦ ، ٣٧

المدرس الطباطيائي ٦٠٤

المرتضى عميد الدين عبد المطلب ، أبي الفوارس ٥١ ، ٥٢

المسافر بن أبي عمر ٤٩٦

المسيب ٤٩٧

المظفر ٩

المفضّل بن عمر ٥٣٣

المنصور العبّاسي ٤٩٨

الموسوي الخميني ٨ ، ١١ ، ١٨ ، ٦٩ ، ١٣٩ ، ٥٥٣ ،

الميسي ، عبد العالي العاملي ٦٧ ، ٧١

نجدة بن عامر الحنفي ٣٢١

نجم الدين أبي القاسم بن سعيد ٣٩

نجيب الدين نما ٦٧

نصر بن الحجاج ١٣٠

نعمان بن الحجاج ١٣٠

نعمان بن وليد ٤٩٦

نمرود ٢٥٢ ، ٢٨٤

النراقي ٩ ، ٦٦ ، ٢٢٧ ، ٣٢٥ ، ٣٤٥

النصراني ٥٣٣

النظام ٢٨٨

الواقدي ٤٠٢

وحشي ٥٧٩

وحيد البهبهاني ٢٧ ، ٢٨ ، ٦٣ ، ٦٦ ، ٧١

وليد بن المغيرة ، ابن شعبة ٢٨٨ ، ٣٦٠ ، ٣٦١

وليد عقبة ٣٦٨ ، ٤٠٥

وهب بن وهب القرشي ١٦٨

هارون الرشيد ٤٩٨

هرمز (هرمزان) ٣٠٨ ، ٣٦٩

هشام بن الحكم ١٦٢ ، ٤٩٨ ، ٥٥١

هشام بن السائب الكلي ٤٩٦ ، ٥٧٩

يأجوج ومأجوج ٢٩٤

ياقوت ، حموي ٢٧ ، ٢٨ ، ٤٠٨ ، ٤٧٠ ، ٤٧١

يحيى البرمكي ٤٩٨

يحيى بن اكثم قاضي القضاة ٤٨٠

يحيى بن عبد الله أبي عمير ٤٨١

يزيد ٣٧٠ ، ٣٧٢ ، ٤٠٩ ، ٤١١ ، ٤٩٤ ، ٤٩٦ ، ٤٩٧ ، ٥٢٧ ، ٥٢٨ ، ٥٣٣ ، ٥٣٤ ، ٥٣٦

يزيد بن طلحة بن زيد بن ركانة ٤٨١

يونس ٤٨١

يونس بن ظبيان ٥٥٠

٧ ـ فهرس الفرق والطوائف

آ

آق قویونلو ٨

آل إبراهيم ٣٤٦

آل بحر العلوم ٣٤

آل طباطبا ٨ ، ٤٩

آل عمران ٣٤٦

آل یس ٥٥٢

الف

اصحاب الإمامية ٥٤٥

اصحاب الجمل ٣٧٢ ، ٣٧٤

اصحاب الحديث ٢٨٥ ، ٥٥١

اصحاب صالح بن حي ٣٧٣

اصحاب الكساء ٥٠٤ ، ٥١٣ ، ٥١٨ ، ٥٢٣

اصجاب النبي ٣٥٥

اصحاب الجملة ٥٦٠

اصحاب الفيل ٢٨٢

الاثنا عشرية ٢١ ، ٣٠ ، ٨٣ ، ٣٢٥ ، ٣٤٥ ، ٣٤٦

الإسماعلية ٨٥ ، ٣٢١ ، ٣٢٣ ، ٣٢٤ ، ٣٧٨ ، ٣٧٩ ، ٣٨١ ، ٥٠٢

الأشاعرة ... «الإشعرية» ٩٠ ، ١٦٤ ، ٢٠١ ، ٢٠٢ ، ٢٠٨ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٢٤ ، ٢٣١ ، ٢٣٨ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٩٧ ، ٣٠٢ ، ٣٠٧ ، ٣٢١ ، ٤٠١ ، ٤١٧ ، ٤١٨ ، ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، ٤٤٠ ، ٤٤٢ ، ٤٥٩ ، ٥٤٨ ، ٥٥٦ ، ٥٧١ ، ٥٧٣

الاطباء ١٨٣

الإقنومية ١٥٧

الإمامية ١٨ ، ٨١ ، ١٥٢ ، ٣٢١ ، ٣٨١ ، ٤٩٩ ، ٥٤٩ ، ٥٥١ ، ٥٥٢

الانصار ٣٥٤ ، ٣٥٦ ، ٣٦٣ ، ٣٧٠ ، ٣٩٨ ، ٤٧٨ ، ٤٨٥ ، ٤٨٨ ، ٤٩٣ ، ٤٩٦

الأوس والخزرج ٣٦٤

امويين ٥٠٣ ، ٥١٣ ، ٥٢٤ ، ٥٤١

اهل الجبر ٢١٦

اهل البيت ٧ ، ١١ ، ٤٠٠ ، ٥٣٧

اهل العدل ٢١٦

اهل النجوم ٥٤٠

ب

البابكية ٣٨٠

الباطنية ٣٨٠

البراهمانيين ١٥٩

البصريون ٢٣٤

البغداديون ... «من المعتزلة» ٢٣٣

البوذيين ١٥٩

بني اسد ٥٣٨

بني اسرائيل ٢٦١

بني أمية ٣٩٥ ، ٤٠٢ ، ٤٠٧ ، ٤١١ ، ٤٧٧ ، ٤٩٤ ، ٤٩٦ ، ٥٠٣ ، ٥١١ ، ٥١٢ ، ٥٢٨ ، ٥٣٢ ، ٥٣٣ ، ٥٣٦

بني تميم ٣٦٠ ، ٣٦٥

بني عباس ٣٧٨ ، ٤٧٧ ، ٥٠٣ ، ٥٠٥ ، ٥٠٩

بني مازن ٤٩٤

بني نوبخت ٥٥١ ، ٥٥٢

بني هاشم ٣٥٩ ، ٤٧٨

ث

الثنوية ١٦٢ ، ٣١٠ ، ٣١١ ، ٤٦٧

ج

الجارودية ٣٢٢ ، ٣٢٣ ، ٣٧٣ ، ٣٨١ ، ٣٨٢

الجبائيين ٢٢٤ ، ٢٣٨ ، ٢٤٣ ، ٢٦١ ، ٣٢١ ، ٣٧٠ ، ٤١٦ ، ٤٧٧ ، ٥٥٢

ح

الحرنانيين ١٠٥

الحشوية ٨٣ ، ٢٤٥ ، ٢٥٥ ، ٢٦٤ ، ٣٢٢ ، ٣٧١ ، ٣٩٥ ، ٤٩٨

الحكماء ٢٩١ ، ٥٤٩ ، ٥٥٢

حكماء الالهيين ٢٢٦ ، ٣٠٩

حكماء الاشراق ٥٤٩

خ

الخوارزمين ١٤١

الخرمية ٣٨٠

الخوارج ٣٢١ ، ٣٢٢ ، ٣٧١ ، ٣٧٢ ، ٤٠٣ ، ٤٠٥ ، ٤٠٨ ، ٤٤١ ، ٥٠٩

د

الدهرية ١٨٢

الديصانية ٣١٠

ر

الرافضة ٣٤٦ ، ٣٧٦ ، ٤٩٨

الراوندية ٣٢٣

الربانيون ٣٠٣ ، ٣٠٦

الرزوانية ٣٠٧

ز

الزرداشتية ٣٠٨ ، ٣٠٩ ، ٤٢٦ ، ٤٦٥ ، ٤٦٧ ، ٤٦٨

الزنادقة ١٦٢ ، ٣٠٢ ، ٣٩٦ ، ٥٦١

الزيدية ٢١ ، ٣٢٢ ، ٣٢٣ ، ٣٧١ ، ٣٧٣ ، ٣٧٧ ، ٣٨١ ، ٤٤١ ، ٤٩٨ ، ٥٠٩

س

السامريون ٣٢٢

السريانيين ٢٧

السليمانية ٣٢٣ ، ٣٧٣ ، ٣٨١ ، ٣٨٢

السلجوقيين ٥٠٣

ش

الشافعي ٣٩٢ ، ٤٠٧

الشيعة ١٥ ، ٦١ ، ٧٩ ، ١٩١ ، ٢٠٨ ، ٢١٧ ، ٢٥٩ ، ٢٩٣ ، ٣٠٢ ، ٣٢١ ، ٣٢٢ ، ٣٢٤ ، ٣٤٦ ، ٣٤٨ ، ٣٥٩ ، ٣٧٧ ، ٣٧٨ ، ٣٨٠ ، ٣٨٣ ، ٣٩٢ ، ٣٩٥ ، ٣٩٦ ، ٤٧٤ ، ٤٧٥ ، ٥٠١ ، ٥٠٣ ، ٥٢٤ ، ٥٢٨ ، ٥٥٢ ، ٥٧٠ ، ٥٧٣ ، ٥٨٨ ، ٥٩٧ ، ٦٠١ ، ٦٠٢

الشيعة الإمامية ١٨ ، ٦٩ ، ٧١ ، ٨١ ، ١٦١ ، ٢٥٣ ، ٢٨٥ ، ٣٠٢ ، ٣٢١ ، ٣٢٣ ، ٥٥٥

ص

الصابئة ١٠٥ ، ٣١٤ ، ٣١٥

الصالحية ٣٢٢ ، ٣٧٣ ، ٣٨١ ، ٣٨٢

صحابة الرسول ٢٣٢ ، ٣٨١

الصوفية ٢٣٢ ، ٥٤٩

ع

العثمانيين ٣٢٧

علماء الإسلام ١٤٦

علماء العامة ١٥

غ

الغلاة ٣٧٨ ، ٣٧٩ ، ٣٨١

ف

الفلاسفة ١٧٧ ، ١٨٣ ، ٥٤٩ ، ٥٥٦

فلاسفة المسلمين ١٤٦

ق

القاسطون ٣٧٠ ، ٤٠٥

القاجاريين ٣٢٧

القدرية ٢١٦ ، ٢١٧ ، ٣٠٩

القرامطة ٣٨٠

قريش (القرشيين) ٣٥٩ ، ٣٦٣ ، ٣٦٤ ، ٣٦٦

ك

الكلدانيين ٩٩

الكهنة ٥٤٠

الكيسانية ٣٢٣ ، ٣٢٤ ، ٤٧٠ ، ٤٧٢

م

المارقين ٣٧١ ، ٤٠٥

المانوية ٣١٠

المتكلمين ٧ ، ١١ ، ١٤ ، ١٥ ، ٢١ ، ١١٦ ، ١٤٦ ، ٢٢٦ ، ٣٠٢ ، ٤٦٥

المجبرة ٢١٦ ، ٢١٧ ، ٢٢٥ ، ٣٧٣ ، ٣٩٢ ، ٣٩٣

المجسمة ١٥٩ ، ٢٨٥ ، ٣٠١ ، ٣٠٧ ، ٣٠٩ ، ٣١٠ ، ٣١٢ ، ٣٨٠ ، ٤٥٩ ، ٤٦٠ ، ٤٦٢ ، ٤٦٨ ، ٤٧٠

المجوس ١٧٥ ، ٢١٦ ، ٢١٧ ، ٣٠٩ ، ٣٠٩ ، ٣١٠ ، ٣١٢ ، ٤٦٣ ، ٤٦٤

المرجئة ٢١٢ ، ٢١٧ ، ٤٣٥ ، ٥٨٣

المرقيونية ٣١٠

المزدكية ٣١٠

المسلمين ١١ ، ٣٢٧ ، ٣٢٨ ، ٣٢٩ ، ٣٦٣ ، ٣٦٤ ، ٣٨٢ ، ٤٦٣ ، ٤٩٣ ، ٤٩٤ ، ٤٩٦ ، ٤٩٧ ، ٥٠١ ، ٥٥٥ ، ٥٥٦

المسيحيون ١٥٩

المعتزلة ١٧ ، ٩٠ ، ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٩٢ ، ٢٠١ ، ٢١٢ ، ٢٢٦ ، ٢٣٣ ، ٢٤٥ ، ٢٨٧ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٢١ ، ٣٢٢ ، ٣٣٠ ، ٣٧١ ، ٣٨٣ ، ٣٩٣ ، ٣٩٦ ، ٤٠١ ، ٤٢٥ ، ٤٣٥ ، ٤٣٨ ، ٤٤٢ ، ٤٤٧ ، ٤٥٩ ، ٥٠٨ ، ٥٠٩ ، ٥٥٢ ، ٥٥٥ ، ٥٥٦ ، ٥٧١ ، ٥٧٣ ، ٥٧٦ ، ٥٨١ ، ٥٨٣ ، ٥٨٥ ، ٥٨٦ ، ٥٩٣ ، ٥٩٧

المعتزلة بصره ٤٠١

الملكائية ١٥٧ ، ١٥٨ ، ٣٠٦

الملّيين ٥٤٩

المنجّمين ٣١٥ ، ٣١٦

المنصوري ٥٤٩

المهاجرين ٣٥٤ ، ٣٦٣ ، ٣٧٠ ، ٣٩٨ ، ٤٧٨ ، ٤٨٥ ، ٤٩٤ ، ٤٩٦

ن

الناكثون ٣٧٠ ، ٣٧١ ، ٤٠٥

النسطورية ١٥٧ ، ٣٠٦

النصارى ١٥٩ ، ٢٠٨ ، ٢٩٦ ، ٣٠٦ ، ٤٦٧ ، ٤٦٩ ، ٥٥٥

النواصب ١٦ ، ٤٨٨ ، ٥٢٧ ، ٥٣٧

ه

الهاشميين ٣٩٩

و

الوعيدية ٤٥١ ، ٤٥٣

الوهابيين ٤٧٤

ي

يأجوج ومأجوج ٢٩٤

اليعقوبية ١٥٧ ، ٣٠٦

اليهود ١٥٩ ، ١٩٠ ، ١٩١ ، ٢٧٣ ، ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٠٥ ، ٣٣٧ ، ٣٦٥ ، ٣٧٧ ، ٤٤٧ ، ٤٦٧ ، ٤٦٩ ، ٤٩٤ ، ٥٠٠

اليونانيون ٤٨٩

٨ ـ فهرس أسماء الكتب

آثار تاریخی آیة الله حكيم ١٠ ، ٣١

آداب الحچ ٤٢

ابداء البداء ٤٩٩

ابصار العين ٥٣٨ ، ٥٤٨

احقاق الحق ٣٤٣ ، ٤٧٠

اخبار امم المجوس ٤٦٥

ارشاد الطالبين في شرح نهج المسترشديى ١٩ ، ٤٠ ، ٤٣ ، ١٣٨ ، ١٩٦ ، ٢٨١ ، ٣٩١ ، ٤٤٦ ، ٥٧٤

ارشاد القلوب ٣٩٢

اسد الغابة (لابن اثير) ٣٣٦ ، ٥٣٨

اسعاف الراغبين ٤١٠

اسلام صراط مستقيم ١٠

اصل الشيعة وأصولها ٥٠٣

اصنام الجاهلية ٤٨٩

اصول البلاغة ٤٥

اعجاز القرآن ٢٨٩

أعلام العامة في الحج مع العامة ٧٠

أعلام العرب في العلوم والفنون ١٩ ، ٢٨ ، ٣٠ ، ٣٧ ، ٥٩ ، ١٦١

اعلام النبوة ٥٩٩

اعلام النساء ٣٥٩

إعلام الورى ٤٠٦

اعلام الشيعة ٣٧

اعيان الشيعة ١٩ ، ٢٠ ، ٢٢ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٢٢ ، ٣٢٥ ، ٦٠٦ ، ٦١٠ ، ٦١١

اقامة البرهان على نزول عيسى في آخر الزمان ١٩٠

اقناع اللائم على اقامة الآثم ٥٩٨

اکتساب السداد ٤٥٩

اكمال الدين ٢٨٩

آلاء الرحمن ٢٨٥

الأبحاث في تقويم الأحداث ٢١

الاحتجاج (للطبرسي) ١٦ ، ١٧١ ، ٣٦٥ ، ٣٨٨ ، ٤٦٨ ، ٤٨٣

الأربعين (للرازي) ٢٠١ ، ٢٧٨ ، ٢٩١ ، ٣٣٩ ، ٣٨٥ ، ٤٥٢ ، ٤٦٣ ، ٤٦٨ ، ٥٤٨

الأربعين (شيخ بهائي) ٥٤٨

الأربعين الهاشمية ٦٣

الأربعين حديثاً ٢٦ ، ٣٣ ، ٤٣ ، ٦٨

الارشاد (شيخ مفيد) ٣٨٦ ، ٣٨٩ ، ٣٩١ ، ٣٩٢ ، ٣٩٦ ، ٣٩٧ ، ٥٠٧ ، ٥٠٩ ، ٥١٠ ، ٥٤٤

الاستنصار في النص على الائمة الاطهار ٣٤٥

الاستيعاب ٤٩٤

الاسفار الاربعة ١٣٧ ، ١٣٩ ، ٢٠٥ ، ٥٥٣ ، ٥٥٤

الاسلام وشبهات الاستعمار ٣٢٨

الاشارات ٢٢ ، ٨٢

الاصابة ٥٣٨

الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد ٤٨

الاعلام (للزركلي) ٣٥ ، ٣٦

الإقبال (ابن طاووس) ٢٠٥

الاقتباس واوصاف الاشراف ٢١

الاقتصاد ٥٧٢

الامالي صدوق ٣٤٢ ، ٣٤٣ ، ٥٣١ ، ٥٣٣ ، ٦٠٠

الامام علي عليه‌السلام (لعبد الفتاح) ٣٥٩

الامامة والسياسة (لابن قتيبة) ٣٥٩ ، ٤٠٧

الانوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية ١٦ ،

٦٧ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ١٥١

الانوار المحمديه ٢٢٨

الانوار النعمانية ٢٢٧ ، ٣٠٠ ، ٣٢٢ ، ٥٤٢ ، ٥٦٤

الانوار الفقاهة ٦٦

الايضاح شرح المصباح ٣٤٦

البداية والنهاية ٤٨١

التاريخ الكبير (للبلاذري) ٤٨٦ ، ٤٩٠ ، ٤٩٥ ، ٥٣٣ ، ٥٣٦ ، ٥٣٧

التجريد ٣٦٣ ، ٤٩١ ، ٥٧٢

التحصيل ٤٦٢

التحصين ٣١

التحقيق في الأربعين (قاضي طباطبائي) ٣٩٧ ، ٥٠٥ ، ٥١١ ، ٥٣٧

التوبة والعفو الإلهي ٥٩٠ ، ٥٩٢

التنقيح ٤٥

التوحيد ١٦٢ ، ١٦٥ ، ١٦٨ ، ١٦٩ ، ١٧١ ، ١٧٢ ، ١٨١ ، ٢٠٥ ، ٤٦٠ ، ٥٠٠ ، ٥٢٥ ، ٥٢٦

التيمورية ٤٨١

الثبت ٣٥

الجام العوام ١٨٥

الجعانة البهية في شرح الألفية ٣٤

الخصائص الكبرى (سيوطي) ٥٢٨ ، ٥٣٧ ، ٥٣٨

الدر المنثور ١٧٦ ، ٢٧٨

الدعامة في إثبات الامامة ٢١ ، ٢٣

الذريعة ١٩ ، ٢١ ، ٣٢ ، ٤٢ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٨ ، ٥٠ ، ٥٢ ، ٥٨ ، ٦٠ ، ٦٢ ، ٥٠١ ، ٥٠٤ ، ٦٠٦

الرجال الكبير ٢٧

الرسائل (شيخ انصاري) ١٠ ، ٥٦٤

الرسالة السعدية ٥٦٩ ، ٥٧٠

الرسالة العرشية ٥٤٢ ، ٥٥٣

الزام الناصب ٤٩٦

الشافي في الامامة (سيد مرتضى) ٣٠٢ ، ٤٠٦

الشفاء ٤٧٦

الصحيفة السجادية ٢٠٥ ، ٥٧٢

الصراط المستقيم (للبياضي) ٢٠ ، ٢٧ ، ٣٢٥ ، ٣٧٨ ، ٣٨٦ ، ٣٨٧ ، ٤٩٠ ، ٤٩١ ، ٤٩٨

العدة (طوسي) ٥٦٠

العقائد النفسية ٣٥٣

العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ١٥٩

العقد الفريد ٣٥٩ ، ٤٨٠ ، ٥٠٦

العيون والمحاسن ٥٩٣

الغدير (اميني) ٣٣٨ ، ٣٨٨ ، ٣٩٦ ، ٤٩٥ ، ٥٤٢ ، ٦٠٨

الغيبة ٤٧١ ، ٤٧٣ ، ٥٦١

الفردوس الاعلى ٩ ، ١٧ ، ٢٢٧ ، ٣٠١ ، ٥٥٣ ، ٥٥٤

الفرق بين الفرق ٣٢٢

الفصول المختارة ٣٨٦ ، ٤٧٠ ، ٥٠٢ ، ٥٩٤ ، ٥٩٥

الفصول النصيرية ١٩ ، ٤٤ ، ١٥١

الفصول في الاصول ١٦ ، ٢١ ، ١٥١

الفضائل الخمسة ٤١٦

الفوائد الرجالية ٣٣ ، ٤٩

الفوائد الرضوية ١٩ ، ٣٦ ، ٥٣

الفهرست (ابن نديم) ٤٠٧

القواعد الفقهية (للبنجنوردي) ٢٩ ، ٤٥ ، ٤٧ ، ٦٩

الكافي ٦٧ ، ١٧٢ ، ٢٠٥ ، ٢١٦ ، ٥٠٠ ، ٥٢٦ ، ٥٤٦ ، ٥٨٧

الكامل (للمبرد) ٣٩٣

الكرامات الباهرة ٦٣

الكشاف (زمخشري) ٥٠٤ ، ٥١٣

الكنى والالقاب ١٩ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٥٣

اللهوف ٥٣٢ ، ٥٣٣

اللوامع الإلهية ٥ ، ٧ ، ١٠ ، ٢٨ ، ٣٩ ، ٤٢ ، ٤٧ ، ٤٩ ، ٥٦ ، ٥٩ ، ٦١ ، ٧١ ، ٨٠

المبسوط (للسرخسي) ٣٦٣

المجازات النبوية ٣٤٩

المجالس (للمفيد) ٢٨٩

المحاسن برقي ٥٦١ ، ٥٩٣

المحافل ٦١١

المحصّل (للرازي) ١٥ ، ٢٢٢ ، ٣٢٢ ، ٤٩٨

المختصر في اخبار البشر ٣٩٨

المدلّسين في الحديث ٤٠٧

المراصد ٢٨

المسائل المقداديه ٢٩ ، ٥٥٠

المستدرك ٣٢ ، ٣٣ ، ٦٤ ، ٦٦ ، ٦٨

المسلسلات في الأسانيد والإجازات ٧٠

المصفى الى آل المصطفى ٣٢

المعارف (لابن قتبية) ٣٦٩

المعمرون ٣٤٨ ، ٤٨٨ ، ٤٨٩

المغنى ٢٩٣ ، ٣٠٢

المفتاح (سكاكي) ٢٨٩

المفصّل في شرح المحصل ٣٢٠

المقائيس ٢٨٨

المقابس الانوار ٢٠ ، ٢٨ ، ٣٥ ، ٤٢

المقامات العالية ٣١ ، ٣٢ ، ٣٣

المنار ٢٥٣

المناظرات ٣٢٢

المناقب (ابن شهر آشوب) ٣٨٦ ، ٣٨٧ ، ٣٩٣ ، ٦٠٣

المناقب (للخوارزمی) ٤٨٥

المناقب (المغازلی) ٣٣٢ ، ٣٣٣

المناهج ١٣٩

المهدي ٦٤ ، ٣٤٨

المهذّب البارع في الفقه ٣١ ، ٣٣ ، ٣٥

النافع (شرح اللوامع الالهية) ٣٩

النافع يوم الحشر ٤٠ ، ٤١ ، ٤٦ ، ٤٧

النزاع والتخاصم ٤٩٥

النصائع الكافية ٤٩٥

النصرة في حرب البصرة ٣٩٣

النهاية (ابن اثير) ٣٨٧ ، ٤٨١

الوافي (للفيض) ٦١ ، ٣٩٣

الوافي بالوفيات ١٢٩

الياقوت في الكلام ١٦١ ، ١٦٢ ، ٢٢٦

أمل الآمل ١٩ ، ٢٨ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٣٢١ ، ٣٢٢ ، ٣٢٥

أنوار البدرين ٤٥٩

أنوار الفقاهة ٦٦

أنوار الملكوت في شرح الياقوت ٤١٧

أنيس الموحدين ٩ ، ٣٢٢ ، ٣٢٥ ، ٣٤٥ ، ٤١٠ ، ٥٦٨

اوائل المقالات ٥٠٨ ، ٥٠٩ ، ٥٨٣

ايضاح المكنون ٣٧

ايضاح مخالفة السنة ٤٠٥

باب الفتوح لمعرفة احوال الروح ٥٤٢

باب حادي عشر ٥٦٩

بحار الأنوار ٦١ ، ٦٦ ، ٦٨ ، ٣٨٦ ، ٣٨٨ ، ٣٩٣ ، ٤٧٢ ، ٥٣٠ ، ٥٣١ ، ٥٥٠ ، ٦٠٦

بحثي كوتاه درباره عل امام عليه‌السلام ٤١٠ ، ٥٣٠

بصائر الدرجات ٥٢٩

بغية الهداة في شرح وسيلة النجاة ٦٧

تاج العروس ١٨٤

تاريخ الحلة ٢٧

تاريخ الخميس (للديار بكري) ٣٦٨

تاريخ الطبري ٣٥٩ ، ٤١٠

تاريخ القاهرة ٣٤

تاريخ الملوك والخلفاء ٣٤

تاريخ النياحة ٦٠١ ، ٦٠٢

تاريخ اليعقوبي ٣٦٤

تاريخ دمشق ٤٧٩ ، ٤٨٤

تجويد البراعة في شرح تجريد البلاغة ٤٥

تذكرة الخواص ٤١٠

تذكرة المتبحّرين ٣٧

تشييد المطاعن ٤٩٥

تفسير آلاء الرحمن ١٨٩ ، ٢٨٥ ، ٥٨٨

تفسير البيان ٤٩٢ ، ٤٩٣

تفسير البيضاوي ١٨٧ ، ٢٢٥

تفسير الصافي ٥٨٨

تفسير العياشي ٥٨٥

تفسير الميزان ٧٠ ، ١٣٣ ، ١٨٢ ، ١٨٧ ، ٢٦١ ، ٤٧٤ ، ٤٧٥ ، ٥٤٧ ، ٥٥٣ ، ٦٠٩

تفسير النعماني ٥٥٥

تفسير جوامع الجامع (طبرسي) ١٠ ، ١٥٣ ، ٤٩٠ ، ٤٩١ ، ٥٢٣

تفسير روح المعاني ٥٢١ ، ٥٣٠

تفسير علي بن ابراهيم ١٧٢

تفسير مجمع البيان ١٣ ، ١٤ ، ٢٦١ ، ٢٧٨ ، ٢٨٠ ، ٥٧٢ ، ٥٨٧

تلبيس إبليس ٣٨٠

تلخيص الشافي (للشيخ الطوسي) ٣٥٩ ، ٣٦٣ ، ٣٦٥ ، ٣٧٢ ، ٤٠٣ ، ٤٠٧ ، ٤٠٨ ، ٤٩٥

تلخيص الفصول ٦٤

تلخيص المحصّل ١٣ ، ١٧٨

تنزيه الأنبياء ٢٥٩ ، ٢٦١ ، ٢٧٠ ، ٤١٠

تنقيح المقال (مامقاني) ١٩ ، ٢٦ ، ٣٢ ، ٣٥ ، ٣٧ ، ٤٥ ، ٤٠٠

تهذيب الاخبار (طوسي) ٥٥٠

تهذيب الاصول ٥١

تهذيب التهذيب ٤٠٧

ثبت الاثبات في سلسلة الرواة ٦٧ ، ٦٩

ثورة الحسين ٣٦٤

جامع السعادات ٢٢٧

جنة المأوى ٩ ، ٦٦ ، ٢٧٠ ، ٢٩٦ ، ٤٩٥ ، ٦٠٣

حقائق الايمان ٥٥٨

حقائق التأويل ٤٢٤ ، ٥٥٦ ، ٥٨٢

خاندان عبد الوهاب ٦٠٩ ، ٦١٠

خاندان عبد الوهاب ٧٠

دائرة المعارف (للبستاني) ٤٦٢

دانشمندان آذربایجان ٦٠٩

درّ النظيم ٤٨٥

دهخدا (لغت نامه) ٤٦٠

ذريعة الهداة في بيان معاني الفاظ الصلاة ٤٥٩

رجال آذربایجان ٦٠٩

رجال الکشَي ٤٠٠ ، ٤٩٨ ، ٥١٣ ، ٦٠٠

وسائل اخوان الصفا ٣٨٠

رسالة حقيقة الانسان والروح الجوّال في العوالم (دواني) ٥٤٢

رسالة نفي الإجبار عن الفاعل المختار ١٨٠

روح المعاني ٥٢١ ، ٥٣٠

روضات الجنّات ٥ ، ١٧ ، ١٩ ، ٢١ ، ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٠ ، ٣٣ ، ٣٤ ، ٣٥ ، ٣٨ ، ٤٠ ، ٤٤ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٥٣ ، ٥٦ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦٠٣ ، ٦٠٨

روضات الجنان ٦٠٨

رياض الجنّة ٤٦٠ ، ٦١١

رياض العلماء ١٩ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٣ ، ٣٥ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٦٣ ، ٦٨ ، ١٥٢ ، ٦٠٥ ، ٦٠٦ ، ٦٠٧ ، ٦١٠

رياض الجنّة ٤٨٤

ريحانة الأدب ١٩ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٧ ، ٤٦ ، ٤٨ ، ٥٢ ، ٥٣

سادات وهابيها ٦٠٩

سداد العباد ورشاد العباد ٤٥٩

سرّ انحلال الأمة العربية ووهن المسلمين ٣٥٣

سفينة البحار ٦٠٥ ، ٦٠٦ ، ٦٠٨

سنن الكبرى (للبيهقي) ٣٨٥

سيرة ابن هشام ٤٨٢ ، ٤٨٤

شاهنامه (فردوسي) ٤٦٨

شرح الاصول الخمسة ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، ٣١٢ ،

٤٤٦

شرح التجريد كشف المراد ٥٩ ، ٤٩١ ، ٥٧٢

شرح السنة ١٧٦

شرح الصحيفة (سيد على خان) ٥٤٥

شرح العقائد العضدية ٨٢ ، ٥٦٥

شرح العقائد النسفي ٥٦٨

شرح القاموس ٤٨٩

شرح المقاصد (للتفتازاني) ٢٨٨ ، ٣٤٣

شرح التجريد ٣٤٢ ، ٣٦٣ ، ٣٩٦ ، ٤٤٨

شرح تجريد البلاغة ٣٩

شرح حكمة الاشراق ٣٠٩ ، ٤٦٨ ، ٤٦٩

شرح دعاي كميل ٣٩٢

شرح رسالة واجب الاعتقاد ٣٠

شرح لامية العجم ٢٢٦

شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد ٣٥٩ ، ٣٦٣ ، ٣٦٤ ، ٣٦٦ ، ٣٨٦ ، ٣٩١ ، ٣٩٤

شرح نهج البلاغة (ابن ميثم البحراني) ٣٩٠

شرح نهج المسترشدين ٣٥

شرح الصحيفة (مدني) ٥٤٥

شهداء الفضيلة ٦٠٨

صحيح مسلم ٥٢٧

صفات الشيعة (صدوق) ٥٥٤

طبقات اعلام الشيعة ٢٤ ، ٦٢

عبقات الانوار ٣٣٩

عدّة الداعي ٣١

علم الإمام عليه‌السلام ٩ ، ٣٤٧

عيار الشعر ٦٠٤

عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ٢٧٦

غاية البادئ في شرح المبادي ٢٢ ، ٥٠ ، ٥٢

غاية القصوى ٢٧٦ ، ٤٩١ ، ٥٥٤

غاية المرام ١٩١ ، ٣٣٥ ، ٣٤٣ ، ٣٤٥

غوالي اللآتی ٣٢

فتح الملك العلى بصحة حديث باب مدينة العلم علي عليه‌السلام ٤٠٦

فتوح البلدان ٣٦٤

فرائد السمطين ٤٨٥

فرهنگ آندراج ٢٣١

فصل الحاكم في النزاع والتخاصم ٤٩٥

فصل الخطاب في تحقيق اهل الكتاب ٩ ، ٢٨٥ ، ٢٩٦ ، ٣٠٩ ، ٤٦٤ ، ٤٦٥

فضائل الخمسة ٣٩٤

فضائل السادات ٤٠٠

فقه الرضا عليه‌السلام ٦٢

فوائد الرجالية ٣٣ ، ٤٩

قاموس الاعلام (تركي) ٢٨ ، ٤٨٩

قواعد العقائد ٣٨ ، ٣٩ ، ٣٧٩ ، ٣٨٠

كامل الزيارات ٥٣٢ ، ٥٣٩ ، ٥٤٠ ، ٥٩٩ ، ٦٠٢

كتاب البرهان على صحة عمر الامام صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف ٣٤٨

كتاب التعجب (كراجكي) ٤٩٥

كتاب الخرائج والجرائح ٣٤٦

كتاب الروح ٥٤٢

كتاب الغرر ٥٩٤

كتاب الفرائض ٣٦٣

كتاب المسائل ٥٥٠

كتاب المطالب العالية ٥٤٩

كتاب المعمرون ٣٤٨

كتاب الوصية ٣٨٧

كتاب سليم بن قيس الهلالي ٣٤٣ ، ٣٦٥

كشف الحجب ٢٠ ، ٥٩

كشف الفوائد في شرح قواعد العقاعد ٣٧٩

كشكول (شيخ بهائي) ٥٤٨

كفاية الاثر في النص على الأئمة الاثنى عشر ٣٤٥

كفاية الاصول ١٠ ، ٦٣ ، ١٣٩

كلمات المحققين ٤٨ ، ٤٩

كنز العرفان في فقه القرآن ١٠ ، ١٩ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣١ ، ٣٥ ، ٣٩ ، ٤١ ، ٤٢ ، ٤٤ ، ٤٨ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٦ ، ٢٣١ ، ٢٦١ ، ٤٤٩

کنز العمال ٣٦٣

کنز الفوائد ١٦٣ ، ٢١٦ ، ٢٨٩ ، ٣٤٨ ، ٤٩٥ ، ٥٠٧

گوهر مراد ٢٢٧

لؤلؤ البحرين ١٩ ، ٢٨ ، ٣٤ ، ٣٦ ، ٤٣

لسان العرب ٤٦٣

لسان الميزان (ابن حجر) ٤٩٨

ماضي النجف وحاضرها ٢٩ ، ٥٤ ، ٥٦

مسالك الأفهام ٤١

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ٢١ ، ٢٥ ، ٥٠ ، ٥١

مجالس المؤمنين ١٥٢

مجلة العرفان ٣٢٥

مجلة المقتطف ٣٤٨

مجمع البحرين ١٨٤

محاسن الاعتقاد واكتساب السداد ٤٥٩ ، ٥٥٦ ، ٥٧٢

محبوب القلوب ٤٨٩

مختصر التحفة الاثنى عشرية ٤٨٠ ، ٤٨٦ ، ٤٨١ ، ٤٨٢ ، ٤٨٤ ، ٤٨٦

مسارّ الشيعة ٤٩٤

مستمسك العروة الوثقى ٦٧

مسند (احمد بن حنبل) ٥٦٨

مشكل الآثار ٥١٤

مصابيح الانوار ١٨١

مطالب العالية ٥٤٩

مصباح المتهجد (طوسي) ٥٥ ، ٢٠٥

مصفّى المقال ١٩ ، ٣٧

معالم الاصول الدين ٢٩١ ، ٢٩٦

معالم الدين في فقه آل یاسین ٣٣

معالم العلماء ٣٠٢

معترك الاقران في اعجاز القرآن ٢٨٩

معجم البلدان ٢٧ ، ٢٨ ، ٤٠٨ ، ٤٧٠ ، ٤٧١

معجم المؤلفين ٢٠ ، ٣٦

معين الفكر ٤٧

معين المعين في اصول الدين ٤٧ ، ٢٧٨ ، ٣١٩ ، ٣٣٣ ، ٣٤٢ ، ٥١١

مفتاح الغرر ٣١٩

مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثنى عشر

(ابن عياشي) ٣٤

مكارم الآثار ٦٠٦

ملل والنحل ٩٩ ، ١٣٠ ، ٣٠٧ ، ٣٢٣ ، ٣٦٥ ، ٣٨٠ ، ٣٨٢ ، ٤٩٨

من لا يحضره الفقيه ٤٦٤ ، ٥٢٦ ، ٥٨٧ ، ٥٨٨

منتهى السؤول في شرح الفصول ٤٤

منهاج الكرامة ٣٣٧ ، ٣٩٧

مهج السداد ٤٨ ، ٤٩

ميزان الاعتدال ٤٠٧

نضد القواعد الشهيدية ٢٨ ، ٤٧

نظم درر السمطين ٤١٠

نفائس المخطوطات ٣٤٨ ، ٥٠١

نقد المحصّل (طوسي) ١٥ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ٢٢٣ ، ٢٩١ ، ٢٩٦ ، ٣٢٢ ، ٤٩٨

نقد فلسفة داروين ٦٣

نوادر الاثر في علي عليه‌السلام خير البشر ٣٨٤

نهاية البادئ في شرح المبادى ٥١ ، ٥٢

نهاية المأمول ٥١

نهاية المرام ٢٢٢

نهج السداد في شرح واجب الاعتقاد ٤٧ ، ٥٠

نهج المسترشدين في اصول الدين ٤٣

نهج البلاغة ١٣ ، ٢٠٥ ، ٣٩١ ، ٣٩٢ ، ٣٩٣ ، ٥٥٦

نيل الاوطار ٣٥٣

وعاظ السلاطين ٣٢٨

وفاء الوفاء ٤٧٢ ، ٤٩٥

هدية العارفين ٣٧

هدية لآل عبا في نسب آل طباطبا ٦٠٩

٩ ـ فهرس الموضوعات

تمهيد........................................................................... ٧

نسب الشهيد ومولده....................................................... ٨

مشايخه وأساتذته في الدراسة.................................................. ٨

تأليفاته وإجازاته............................................................ ٩

جهاده وشهادته........................................................... ١١

شكر وثناء............................................................... ١١

مقدّمة التحقيق................................................................. ١٣

(اسم المؤلف ونسبه)....................................................... ١٩

مولده ومحتده............................................................. ٢٦

لقبه..................................................................... ٢٨

أساتذته ومشايخه.......................................................... ٢٩

تلامذته والراوون عنه....................................................... ٣٠

جعل الثناء وحلل الإطراء عليه............................................... ٣٤

ثقافته العالية.............................................................. ٤٠

تأليفاته المتعة............................................................. ٤٢

وفاته ومدفنه.............................................................. ٥٢

«مدرسة السيوري»........................................................ ٥٥

حول كتابنا اللوامع الالهية................................................... ٥٦

سندنا في رواية الكتاب عن الفاضل المقداد (قدس سره)......................... ٦١

متن الكتاب

(مقدمة المؤلف)................................................................ ٧٩

اللامع الأول : في مباحث النظر

الأول : [فی تعریف النظر]...................................................... ٨١

الثاني : في وجوبه............................................................... ٨٣

الثالث : [في تعريف الدليل]..................................................... ٨٥

اللامع الثاني : في تقسيم المعلوم

البحث الأوّل : [في بداهة تصوّر الوجود].......................................... ٨٧

[البحث] الثاني : [انّه مشترك معنوي]............................................. ٨٨

[البحث] الثالث : انّه زائد على ماهية الممكن...................................... ٨٩

البحث الرابع : في الوجود الذهني................................................. ٨٩

البحث الخامس : في نفي الحال................................................... ٩٠

البحث السادس : في نفي المعدوم خارجاً.......................................... ٩٠

اللامع الثالث : في الوجوب والامتناع والإمكان والقدم والحدوث

[البحث] الأوّل : حمل الوجود على الماهية......................................... ٩٣

البحث الثاني : هذه الثلاثة [وجوب ، امتناع وامكان] أمور اعتبارية................... ٩٤

البحث الثالث : في خواصّ الواجب لذاته......................................... ٩٤

البحث الرابع : في احكام الممكن................................................. ٩٥

البحث الخامس : في القدم والحدوث.............................................. ٩٧

أقسام السبق وهي خمسة................................................... ٩٧

البحث السادس : في احكام القدم الحدوث........................................ ٩٨

اللامع الرابع : في الماهية ولواحقها

[الفصل] الأوّل : في مباحث الماهية............................................. ١٠١

الفصل الثاني : في الوحدة والكثرة............................................... ١٠٣

للتضادّ احكام.......................................................... ١٠٥

الفصل الثالث : في العلّة والمعلول وهما من لواحق الماهية............................ ١٠٦

اللامع الخامس : في تقسيم الممكنات

[الفصل] الأوّل : في التقسيم على رأى الحكماء.................................. ١١٣

[البحث] الأوّل في تتمّة مباحث العرض......................................... ١١٤

البحث الثاني : في المجرّدات..................................................... ١١٧

الأوّل : العقول العشرة................................................... ١١٧

الثاني : النفوس الناطقة................................................... ١١٨

في هذا البحث فوائد..................................................... ١١٩

القوة المدركة والمحركة...................................................... ١٢١

البحث الثالث : في المادة والصورة على وجه مختصّ................................ ١٢٤

البحث الرابع : في الجسم واقسامه............................................... ١٢٥

الفلكيات............................................................... ١٢٥

البسائط................................................................ ١٢٦

الفصل الثاني : في التقسيم على رأي المتكلّمبن.................................... ١٢٧

[البحث] الأوّل : في الجوهر الفرد............................................... ١٢٧

البحث الثاني : في الجسم...................................................... ١٢٩

هنا فوائد : الأولى : كلّ جسم لابدّ له من مكان............................ ١٣٠

الثانية : اكثر المتكلّمين على ثبوت الخلاء................................... ١٣١

الثالثة : الاجسام متناهية................................................. ١٣١

الرابعة : الأجسام متماثلة................................................. ١٣١

الخامسة : انّها باقية ضرورة................................................ ١٣١

السادسة : الاكثرون على جواز خلوّها من الكيفيات......................... ١٣١

السابعة : اكثر المتكلّمين على انّها مرثية بالذات.............................. ١٣١

البحث الثالث : في العرض ، وينقسم إلى مختصّ بالاحياء غير مختصّ بهم............ ١٣٢

الأوّل اقسام............................................................ ١٣٢

الأوّل الحياة............................................................. ١٣٢

الثاني : القدرة........................................................... ١٣٣

الثالث : الاعتقاد....................................................... ١٣٣

العلم له احكام.......................................................... ١٣٣

مراتب العقول........................................................... ١٣٦

الجهل اما مركب او بسيط................................................ ١٣٦

الرابع : الارادة.......................................................... ١٣٦

الخامس : الكراهة....................................................... ١٣٧

السادس : الشهوة....................................................... ١٣٧

السابع : النفرة.......................................................... ١٣٧

الثامن : الألم........................................................... ١٣٧

التاسع : النظر.......................................................... ١٣٨

العاشر : الادراك وانواعه.................................................. ١٣٨

والثاني [اقسام العرض الغير المختصّ بالاحياء] وهي اقسام.......................... ١٤٠

الأوّل : الكون.......................................................... ١٤٠

الثاني : الحرارة........................................................... ١٤١

الثالث : البرودة......................................................... ١٤١

الرابع : اليبوسة.......................................................... ١٤١

الخامس : الرطوبة........................................................ ١٤١

السادس : اللون......................................................... ١٤١

السابع : الرائحة......................................................... ١٤٢

الثامن : الطعم.......................................................... ١٤٢

التاسع : الصوت........................................................ ١٤٢

العاشر : الاعتماد....................................................... ١٤٣

اللامع السادس : في حدوث العالم

وجوده مسبوقاً بالعدم.......................................................... ١٤٥

احتجاج الحكماء على القدم.................................................... ١٤٨

اللامع السابع : في وجود الصانع تعالى واحكام وجوده

[دلائل وجود الصانع تعالى وأحكام وجوده]...................................... ١٥١

اللامع الثامن : في صفاته تعالى

[المرصد] الأوّل : في الجلاليات وفيه فصول....................................... ١٥٥

الأوّل أنّ حقيقته غير معلومة لأحد من البشر..................................... ١٥٥

الثاني : أنّ حقيقته ليست مماثلة لغيرها من الذوات................................ ١٥٦

الثالث : انّه لا ضدّ له........................................................ ١٥٦

الرابع : أنّه ليس بمحتاج....................................................... ١٥٦

الخامس : إنّه متحد بغيره...................................................... ١٥٧

عقائد النصارى.......................................................... ١٥٧

السادس : انّه ليس بحال في شيء............................................... ١٥٩

السابع : انّه لا يقوم به شيء من الحوادث........................................ ١٦٠

الثامن : انّه ليس له صفة زائدة على ذاته......................................... ١٦٠

التاسع : في سلب الاعراض المحسوسة عنه........................................ ١٦٠

العاشر : في نفي التحيّز عنه ولواحقه............................................ ١٦٢

الحادي عشر : انّ÷ ليس بمرئي بالبصر.......................................... ١٦٣

الثاني عشر : في تأويل آیات احتج بها........................................... ١٦٥

الآیات المتأولة أنواع : الاول.............................................. ١٧٠

[النوع] الأوّل : ما فيه إشعار بالجسمية..................................... ١٧٠

في توجيه ما ورد في الأخبار : أن الله خلق آدم على صورته.................... ١٨١

النوع الثاني : فيما تمسّك به من قال بالجهة له تعالى.......................... ١٨٤

الاستشهاد بيت للاخطل................................................. ١٨٤

النوع الثالث : فيما تمسّك : به من قال بالرؤية.............................. ١٩٢

المرصد الثاني : في الإكراميات وفيه ثلاث فصول................................... ١٩٥

[الفصل] الأوّل : فيما يتوقف عليه الأفعال....................................... ١٩٥

الفصل الثاني : فيما لا يتوقّف عليه الافعال...................................... ٢٠٢

الاستدلال على التوحيد.................................................. ٢٠٤

الفصل الثالث : في توابع هذا المرصد............................................ ٢٠٦

ليس له صفات زائدة..................................................... ٢٠٧

اللامع التاسع : في الأفعال

[المقصد] الأوّل : في الفعل واقسامه............................................. ٢٠٩

المقصد الثاني : في الفاعل...................................................... ٢١١

المقصد الثالث : فيما يمتنع نسبته إلى الفاعل سبحانه.............................. ٢١٩

المقصد الرابع : فيما نقتضي الحكمة وجوبه عليه سبحانه وهو انواع.................. ٢٢١

[النوع] الأوّل : التكليف...................................................... ٢٢١

النوع الثاني : اللطف.......................................................... ٢٢٧

النوع الثالث : العوض على الألم................................................ ٢٣٤

النوع الرابع : الثواب........................................................... ٢٣٨

النوع الخامس : فعل الاصلح................................................... ٢٣٨

اللامع العاشر في النبّوة

[المطلب] الأوّل : في معرفة النبيّ وحسن بعثه به و................................. ٢٣٩

المطلب الثاني : في صفاته ، وفيه فصول.......................................... ٢٤٣

[الفصل] الأوّل في العصمة..................................................... ٢٤٣

قصة سيد الأنبياء عليه وعلى الصلاة والسلام............................... ٢٦٨

الفصل الثاني : في باقي صفات يجب أن يكون عليها.............................. ٢٨٠

الفصل الثالث : فيما يجب أن يكون له من الشواهد.............................. ٢٨١

المطلب الثالث : في تعيين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفیه ابحاث.................................. ٢٨٥

[البحث] الأوّل : سيّدنا محمد بن عبد الله بن المطلب صلى‌الله‌عليه‌وآله نبیّ حقاً................ ٢٨٥

البحث الثاني : في أنّه مبعوث إلى كافة الخلق..................................... ٢٩٣

البحث الثالث : في أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله افضل من غیره من الأنبياء........................... ٢٩٤

البحث الرابع : في أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن متعّبداً قبل النبوّة بشرع....................... ٢٩٥

البحث الخامس : في أنّه لما ثبت نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله...................................... ٢٩٦

المطلب الرابع : في توابع مباحث النبوة وفيه فصول................................. ٢٩٦

[الفصل] الأوّل الحق عندنا ان الأنبياء عليهم افضل من الملائكة..................... ٢٩٧

الفصل الثاني : في النسخ...................................................... ٢٩٩

الفصل الثالث : في الردّ على المشهور من المذاهب الباطلة والآراء الفاسدة وهو اقسام... ٣٠٣

الأوّل : الردّ على اليهود.................................................. ٣٠٣

الثاني : الردّ على النصارى................................................ ٣٠٦

الثالث : الردّ على المجوس................................................. ٣٠٧

الرابع : الردّ على التنوية.................................................. ٣١٠

الخامس : الردّ على عبدة الاصنام.......................................... ٣١٤

السادس : الردّ على المنجّمين واهل الطبيعة.................................. ٣١٥

اللامع الحادي عشر في الإمامة

[المقصد] الأوّل في مقدماتها.................................................... ٣١٩

المقصد الثاني : في الاستدلال على حقية مذهب الإمامية وفيه ابحاث................ ٣٣٥

[البحث] الأوّل : نصب الإمام واجب عقلاً على الله تعالى......................... ٣٢٥

[البحث] الثالث : في إثبات إمامة علي عليه‌السلام بلا فصل............................ ٣٣٤

[المسلك] الأوّل من حيث الاستدلال...................................... ٣٣٤

المسلك الثاني : من حيث النص الجلي...................................... ٣٣٥

المسلك الثالث : من حيث النص الخفي.................................... ٣٣٧

المسلك الرابع : انّه عليه‌السلام ادّعى الامامة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله....................... ٣٤٣

المسلک الخامس : انّه كان افضل الخلق بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله....................... ٣٤٣

المسلك السادس : كلّما لم يكن العباس وابوبكر صالحين للإمامة............... ٣٤٤

البحث الرابع : في إمامة الاحد عشرعليهم‌السلام....................................... ٣٤٤

البحث الخامس : في الغيبة..................................................... ٣٤٦

المقصد الثالث : في الردّ على المخالفين لنا والطعن عليهم ، وهو على اقسام........... ٣٤٩

[القسم] الأوّل : الردّ على الجمهور الملقّبين بأهل السنة............................ ٣٤٩

القسم الثاني : الردّ على الزيدية................................................. ٣٧٣

زيد الشهيد (رض) مصيب في خروجه...................................... ٣٧٦

تشتيع سليمان علينا في التقية والبداء وجوابه................................. ٣٧٦

القسم الثالث في الرّد علي باقي فرق الشيعة................................. ٣٧٨

المقصد الرابع : في التفضيل ودفع المطاعن ، وفيه مرصدان.......................... ٣٨٢

[المرصد] الأوّل في التفضيل..................................................... ٣٨٢

[الفصل [الأوّل أنّ عليّا عليه‌السلام افضل الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله..................... ٣٨٢

[المسلک] الأوّل : النص علي أفضليته ، اجمالاً.............................. ٣٨٣

المسلك الثاني : الاستدلال على افضليته تفصيلاً ، فهو اقسام................. ٣٨٦

[القسم] الأوّل في النفسانية............................................... ٣٨٦

القسم الثاني : البدنية.................................................... ٣٩٦

القسم الثالث : الخارجية................................................. ٣٩٩

الفصل الثاني : ذهب الاشاعرة ومعتزلة البصرة إلى انّ ابابكر افضل.................. ٤٠١

المرصد الثاني : في دفع المطاعن ، وفيه فصول..................................... ٤٠٣

[الفصل] الأوّل فيما ورد على علي عليه‌السلام من أعدائه الذين بصيرة لهم................ ٤٠٣

الفصل الثاني : فيما أورد على الحسين عليه‌السلام...................................... ٤٠٧

[الفصل] الثالث : فيما أورد على الحسين عليه‌السلام................................... ٤٠٩

اللامع الثاني عشر : في الحشر والجزاء

[القطب] الأوّل : في الحشر ومقدّماته ، وفيه فصلان.............................. ٤١٣

[الفصل] الأوّل : في المقدمات ، وفيه أبحاث..................................... ٤١٣

الأوّل : أنّه يجوز خلق عالم آخر مماثل...................................... ٤١٣

الثاني : هذا العالم يجوز عدمه............................................. ٤١٥

الثالث : هل يقعل هذا الجائز............................................. ٤١٥

تدنييان : الأوّل : يجوز انخراق الافلاك...................................... ٤١٦

الثاني : الاعلام يحصل بالفاعل............................................ ٤١٦

الرابع : المحققون على امتناع إعادة المعدوم................................... ٤١٨

الخامس : في حقيقة الإنسان.............................................. ٤١٨

الفصل الثاني : في الحشر ، وفيه أبحاث ثلاثة..................................... ٤٢٠

[البحث] الأوّل : الجسماني............................................... ٤٢٠

البحث الثاني : في إثبات السمعيات ، وهي انواع............................ ٤٢٢

الأول : الجنّة والنار...................................................... ٤٢٢

الثاني : عذاب القبر...................................................... ٤٢٤

الثالث : في باقي السمعيات من الحساب................................... ٤٢٦

الرابع : النقل الشريف دالّ على أنّه (مامن دابّة)............................ ٤٢٧

البحث الثالث : أنّ الحكماء لمّا منعوا من الميعاد............................. ٤٢٧

القطب الثاني : في الجزاء ومستحقّة ، وفيه فصلان................................. ٤٣٣

[الفصل] الأوّل : في الجزاء ، وفيه ابحاث......................................... ٤٣٣

الأوّل في المقدمات....................................................... ٤٣٣

الثاني : الطاعة علّة لاستحقاق الثواب...................................... ٤٣٤

الثالث : في أحكامها.................................................... ٤٣٥

الرابع : أنّه مشروط بالموافاة............................................... ٤٣٦

الخامس : الايمان هو التصديق............................................. ٤٣٨

الفصل الثاني : في المستحق ، وفيه ابحاث........................................ ٤٣٩

الأوّل : في الاسماء ، وهي اربعة............................................ ٤٣٩

الأوّل : الايمان.......................................................... ٤٣٩

الثاني : الكفر........................................................... ٤٤٠

الثالث : النفاق......................................................... ٤٤١

الرابع : الفسق.......................................................... ٤٤١

الثاني : في الأحكام...................................................... ٤٤١

الثالث : في انقطاع عقاب صاحب الكبيرة.................................. ٤٤٣

الرابع : في المسقط العام للعقاب وهو التوبة.................................. ٤٤٥

الخامس : المسقط الخاص بالمؤمنين ، وهو نوعان............................. ٤٥١

الأوّل : الشفاعة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو احد الأئمة عليه‌السلام...................... ٤٥١

الثاني : العفو من الله..................................................... ٤٥٢

خاتمة الكتاب................................................................ ٤٥٤

اشعار لبعض حكماء الإسلام.................................................. ٤٥٤

تاريخ الفراغ.................................................................. ٤٥٥

تعليقات على الكتاب......................................................... ٤٥٧

الفهارس

فهرس الآیات الکریمة.......................................................... ٦١٥

فهرس الأحاديث............................................................. ٦٢٨

فهرس أهمّ ما جاء في هامش الكتاب من تعليقات وملاحظات...................... ٦٣٧

فهرس التعليقات المضافة إلى آخر الکتاب........................................ ٦٤٣

فهرس أسماء الأنبياء والأئمه المعصومين عليهم‌السلام..................................... ٦٤٦

فهرس الأعلام................................................................ ٦٤٩

فهرس الفرق والطوائف......................................................... ٦٦٤

فهرس أسماء الكتب........................................................... ٦٦٩

فهرس الموضوعات............................................................. ٦٧٧

اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة

المؤلف: جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي
الصفحات: 687
ISBN: 964-424-883-X
  • تمهيد 7
  • نسب الشهيد ومولده 8
  • مشايخه وأساتذته في الدراسة 8
  • تأليفاته وإجازاته 9
  • جهاده وشهادته 11
  • شكر وثناء 11
  • مقدّمة التحقيق 13
  • (اسم المؤلف ونسبه) 19
  • مولده ومحتده 26
  • لقبه 28
  • أساتذته ومشايخه 29
  • تلامذته والراوون عنه 30
  • جعل الثناء وحلل الإطراء عليه 34
  • ثقافته العالية 40
  • تأليفاته المتعة 42
  • وفاته ومدفنه 52
  • «مدرسة السيوري» 55
  • حول كتابنا اللوامع الالهية 56
  • سندنا في رواية الكتاب عن الفاضل المقداد (قدس سره) 61
  • متن الكتاب
  • (مقدمة المؤلف) 79
  • اللامع الأول : في مباحث النظر
  • الأول : [فی تعریف النظر] 81
  • الثاني : في وجوبه 83
  • الثالث : [في تعريف الدليل] 85
  • اللامع الثاني : في تقسيم المعلوم
  • البحث الأوّل : [في بداهة تصوّر الوجود] 87
  • [البحث] الثاني : [انّه مشترك معنوي] 88
  • [البحث] الثالث : انّه زائد على ماهية الممكن 89
  • البحث الرابع : في الوجود الذهني 89
  • البحث الخامس : في نفي الحال 90
  • البحث السادس : في نفي المعدوم خارجاً 90
  • اللامع الثالث : في الوجوب والامتناع والإمكان والقدم والحدوث
  • [البحث] الأوّل : حمل الوجود على الماهية 93
  • البحث الثاني : هذه الثلاثة [وجوب ، امتناع وامكان] أمور اعتبارية 94
  • البحث الثالث : في خواصّ الواجب لذاته 94
  • البحث الرابع : في احكام الممكن 95
  • البحث الخامس : في القدم والحدوث 97
  • أقسام السبق وهي خمسة 97
  • البحث السادس : في احكام القدم الحدوث 98
  • اللامع الرابع : في الماهية ولواحقها
  • [الفصل] الأوّل : في مباحث الماهية 101
  • الفصل الثاني : في الوحدة والكثرة 103
  • للتضادّ احكام 105
  • الفصل الثالث : في العلّة والمعلول وهما من لواحق الماهية 106
  • اللامع الخامس : في تقسيم الممكنات
  • [الفصل] الأوّل : في التقسيم على رأى الحكماء 113
  • [البحث] الأوّل في تتمّة مباحث العرض 114
  • البحث الثاني : في المجرّدات 117
  • الأوّل : العقول العشرة 117
  • الثاني : النفوس الناطقة 118
  • في هذا البحث فوائد 119
  • القوة المدركة والمحركة 121
  • البحث الثالث : في المادة والصورة على وجه مختصّ 124
  • البحث الرابع : في الجسم واقسامه 125
  • الفلكيات 125
  • البسائط 126
  • الفصل الثاني : في التقسيم على رأي المتكلّمبن 127
  • [البحث] الأوّل : في الجوهر الفرد 127
  • البحث الثاني : في الجسم 129
  • هنا فوائد : الأولى : كلّ جسم لابدّ له من مكان 130
  • الثانية : اكثر المتكلّمين على ثبوت الخلاء 131
  • الثالثة : الاجسام متناهية 131
  • الرابعة : الأجسام متماثلة 131
  • الخامسة : انّها باقية ضرورة 131
  • السادسة : الاكثرون على جواز خلوّها من الكيفيات 131
  • السابعة : اكثر المتكلّمين على انّها مرثية بالذات 131
  • البحث الثالث : في العرض ، وينقسم إلى مختصّ بالاحياء غير مختصّ بهم 132
  • الأوّل اقسام 132
  • الأوّل الحياة 132
  • الثاني : القدرة 133
  • الثالث : الاعتقاد 133
  • العلم له احكام 133
  • مراتب العقول 136
  • الجهل اما مركب او بسيط 136
  • الرابع : الارادة 136
  • الخامس : الكراهة 137
  • السادس : الشهوة 137
  • السابع : النفرة 137
  • الثامن : الألم 137
  • التاسع : النظر 138
  • العاشر : الادراك وانواعه 138
  • والثاني [اقسام العرض الغير المختصّ بالاحياء] وهي اقسام 140
  • الأوّل : الكون 140
  • الثاني : الحرارة 141
  • الثالث : البرودة 141
  • الرابع : اليبوسة 141
  • الخامس : الرطوبة 141
  • السادس : اللون 141
  • السابع : الرائحة 142
  • الثامن : الطعم 142
  • التاسع : الصوت 142
  • العاشر : الاعتماد 143
  • اللامع السادس : في حدوث العالم
  • وجوده مسبوقاً بالعدم 145
  • احتجاج الحكماء على القدم 148
  • اللامع السابع : في وجود الصانع تعالى واحكام وجوده
  • [دلائل وجود الصانع تعالى وأحكام وجوده] 151
  • اللامع الثامن : في صفاته تعالى
  • [المرصد] الأوّل : في الجلاليات وفيه فصول 155
  • الأوّل أنّ حقيقته غير معلومة لأحد من البشر 155
  • الثاني : أنّ حقيقته ليست مماثلة لغيرها من الذوات 156
  • الثالث : انّه لا ضدّ له 156
  • الرابع : أنّه ليس بمحتاج 156
  • الخامس : إنّه متحد بغيره 157
  • عقائد النصارى 157
  • السادس : انّه ليس بحال في شيء 159
  • السابع : انّه لا يقوم به شيء من الحوادث 160
  • الثامن : انّه ليس له صفة زائدة على ذاته 160
  • التاسع : في سلب الاعراض المحسوسة عنه 160
  • العاشر : في نفي التحيّز عنه ولواحقه 162
  • الحادي عشر : انّ÷ ليس بمرئي بالبصر 163
  • الثاني عشر : في تأويل آیات احتج بها 165
  • الآیات المتأولة أنواع : الاول 170
  • [النوع] الأوّل : ما فيه إشعار بالجسمية 170
  • في توجيه ما ورد في الأخبار : أن الله خلق آدم على صورته 181
  • النوع الثاني : فيما تمسّك به من قال بالجهة له تعالى 184
  • الاستشهاد بيت للاخطل 184
  • النوع الثالث : فيما تمسّك : به من قال بالرؤية 192
  • المرصد الثاني : في الإكراميات وفيه ثلاث فصول 195
  • [الفصل] الأوّل : فيما يتوقف عليه الأفعال 195
  • الفصل الثاني : فيما لا يتوقّف عليه الافعال 202
  • الاستدلال على التوحيد 204
  • الفصل الثالث : في توابع هذا المرصد 206
  • ليس له صفات زائدة 207
  • اللامع التاسع : في الأفعال
  • [المقصد] الأوّل : في الفعل واقسامه 209
  • المقصد الثاني : في الفاعل 211
  • المقصد الثالث : فيما يمتنع نسبته إلى الفاعل سبحانه 219
  • المقصد الرابع : فيما نقتضي الحكمة وجوبه عليه سبحانه وهو انواع 221
  • [النوع] الأوّل : التكليف 221
  • النوع الثاني : اللطف 227
  • النوع الثالث : العوض على الألم 234
  • النوع الرابع : الثواب 238
  • النوع الخامس : فعل الاصلح 238
  • اللامع العاشر في النبّوة
  • [المطلب] الأوّل : في معرفة النبيّ وحسن بعثه به و 239
  • المطلب الثاني : في صفاته ، وفيه فصول 243
  • [الفصل] الأوّل في العصمة 243
  • قصة سيد الأنبياء عليه وعلى الصلاة والسلام 268
  • الفصل الثاني : في باقي صفات يجب أن يكون عليها 280
  • الفصل الثالث : فيما يجب أن يكون له من الشواهد 281
  • المطلب الثالث : في تعيين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفیه ابحاث 285
  • [البحث] الأوّل : سيّدنا محمد بن عبد الله بن المطلب صلى‌الله‌عليه‌وآله نبیّ حقاً 285
  • البحث الثاني : في أنّه مبعوث إلى كافة الخلق 293
  • البحث الثالث : في أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله افضل من غیره من الأنبياء 294
  • البحث الرابع : في أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن متعّبداً قبل النبوّة بشرع 295
  • البحث الخامس : في أنّه لما ثبت نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله 296
  • المطلب الرابع : في توابع مباحث النبوة وفيه فصول 296
  • [الفصل] الأوّل الحق عندنا ان الأنبياء عليهم افضل من الملائكة 297
  • الفصل الثاني : في النسخ 299
  • الفصل الثالث : في الردّ على المشهور من المذاهب الباطلة والآراء الفاسدة وهو اقسام... 303
  • الأوّل : الردّ على اليهود 303
  • الثاني : الردّ على النصارى 306
  • الثالث : الردّ على المجوس 307
  • الرابع : الردّ على التنوية 310
  • الخامس : الردّ على عبدة الاصنام 314
  • السادس : الردّ على المنجّمين واهل الطبيعة 315
  • اللامع الحادي عشر في الإمامة
  • [المقصد] الأوّل في مقدماتها 319
  • المقصد الثاني : في الاستدلال على حقية مذهب الإمامية وفيه ابحاث 335
  • [البحث] الأوّل : نصب الإمام واجب عقلاً على الله تعالى 325
  • [البحث] الثالث : في إثبات إمامة علي عليه‌السلام بلا فصل 334
  • [المسلك] الأوّل من حيث الاستدلال 334
  • المسلك الثاني : من حيث النص الجلي 335
  • المسلك الثالث : من حيث النص الخفي 337
  • المسلك الرابع : انّه عليه‌السلام ادّعى الامامة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله 343
  • المسلک الخامس : انّه كان افضل الخلق بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله 343
  • المسلك السادس : كلّما لم يكن العباس وابوبكر صالحين للإمامة 344
  • البحث الرابع : في إمامة الاحد عشرعليهم‌السلام 344
  • البحث الخامس : في الغيبة 346
  • المقصد الثالث : في الردّ على المخالفين لنا والطعن عليهم ، وهو على اقسام 349
  • [القسم] الأوّل : الردّ على الجمهور الملقّبين بأهل السنة 349
  • القسم الثاني : الردّ على الزيدية 373
  • زيد الشهيد (رض) مصيب في خروجه 376
  • تشتيع سليمان علينا في التقية والبداء وجوابه 376
  • القسم الثالث في الرّد علي باقي فرق الشيعة 378
  • المقصد الرابع : في التفضيل ودفع المطاعن ، وفيه مرصدان 382
  • [المرصد] الأوّل في التفضيل 382
  • [الفصل [الأوّل أنّ عليّا عليه‌السلام افضل الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله 382
  • [المسلک] الأوّل : النص علي أفضليته ، اجمالاً 383
  • المسلك الثاني : الاستدلال على افضليته تفصيلاً ، فهو اقسام 386
  • [القسم] الأوّل في النفسانية 386
  • القسم الثاني : البدنية 396
  • القسم الثالث : الخارجية 399
  • الفصل الثاني : ذهب الاشاعرة ومعتزلة البصرة إلى انّ ابابكر افضل 401
  • المرصد الثاني : في دفع المطاعن ، وفيه فصول 403
  • [الفصل] الأوّل فيما ورد على علي عليه‌السلام من أعدائه الذين بصيرة لهم 403
  • الفصل الثاني : فيما أورد على الحسين عليه‌السلام 407
  • [الفصل] الثالث : فيما أورد على الحسين عليه‌السلام 409
  • اللامع الثاني عشر : في الحشر والجزاء
  • [القطب] الأوّل : في الحشر ومقدّماته ، وفيه فصلان 413
  • [الفصل] الأوّل : في المقدمات ، وفيه أبحاث 413
  • الأوّل : أنّه يجوز خلق عالم آخر مماثل 413
  • الثاني : هذا العالم يجوز عدمه 415
  • الثالث : هل يقعل هذا الجائز 415
  • تدنييان : الأوّل : يجوز انخراق الافلاك 416
  • الثاني : الاعلام يحصل بالفاعل 416
  • الرابع : المحققون على امتناع إعادة المعدوم 418
  • الخامس : في حقيقة الإنسان 418
  • الفصل الثاني : في الحشر ، وفيه أبحاث ثلاثة 420
  • [البحث] الأوّل : الجسماني 420
  • البحث الثاني : في إثبات السمعيات ، وهي انواع 422
  • الأول : الجنّة والنار 422
  • الثاني : عذاب القبر 424
  • الثالث : في باقي السمعيات من الحساب 426
  • الرابع : النقل الشريف دالّ على أنّه (مامن دابّة) 427
  • البحث الثالث : أنّ الحكماء لمّا منعوا من الميعاد 427
  • القطب الثاني : في الجزاء ومستحقّة ، وفيه فصلان 433
  • [الفصل] الأوّل : في الجزاء ، وفيه ابحاث 433
  • الأوّل في المقدمات 433
  • الثاني : الطاعة علّة لاستحقاق الثواب 434
  • الثالث : في أحكامها 435
  • الرابع : أنّه مشروط بالموافاة 436
  • الخامس : الايمان هو التصديق 438
  • الفصل الثاني : في المستحق ، وفيه ابحاث 439
  • الأوّل : في الاسماء ، وهي اربعة 439
  • الأوّل : الايمان 439
  • الثاني : الكفر 440
  • الثالث : النفاق 441
  • الرابع : الفسق 441
  • الثاني : في الأحكام 441
  • الثالث : في انقطاع عقاب صاحب الكبيرة 443
  • الرابع : في المسقط العام للعقاب وهو التوبة 445
  • الخامس : المسقط الخاص بالمؤمنين ، وهو نوعان 451
  • الأوّل : الشفاعة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو احد الأئمة عليه‌السلام 451
  • الثاني : العفو من الله 452
  • خاتمة الكتاب 454
  • اشعار لبعض حكماء الإسلام 454
  • تاريخ الفراغ 455
  • تعليقات على الكتاب 457
  • الفهارس
  • فهرس الآیات الکریمة 615
  • فهرس الأحاديث 628
  • فهرس أهمّ ما جاء في هامش الكتاب من تعليقات وملاحظات 637
  • فهرس التعليقات المضافة إلى آخر الکتاب 643
  • فهرس أسماء الأنبياء والأئمه المعصومين عليهم‌السلام 646
  • فهرس الأعلام 649
  • فهرس الفرق والطوائف 664
  • فهرس أسماء الكتب 669
  • فهرس الموضوعات 677