بسم الله الرّحمن الرّحيم

(فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ).

الزمر / ١٧ ـ ١٨

البحث الرابع

قيام الإمام الحسين (ع) ضدّ الانحراف

عن سنّة رسول الله (ص) بسبب الاجتهاد والعمل بالرأي

المدخل : حال المسلمين قبل قيام الإمام الحسين (ع).

الفصل الأول : استشهاد الإمام الحسين (ع) أيقظ الأمة من سباتها العميق.

الفصل الثاني : ثورات أهل الحرمين وغيرهم بعد استشهاد الإمام الحسين (ع).

المدخل

حال المسلمين قبل قيام الامام الحسين (ع)

ذكرنا في ما سبق كيف اجتهد الخلفاء بعد رسول الله في أحكام الإسلام حكما بعد حكم بما رأوا فيه مصلحة عامّة أو مصلحة خاصّة ممّا حفلت بذكره كتب الخلاف وأوردنا بعضها في ما سبق ، وإلى جانب ذلك وجّه المسلمون توجيها خاصّا إلى تقديس مقام الخليفتين أبي بكر وعمر خاصة بحيث أصبح مستساغا لدى عامّتهم أن يشترط في البيعة بعد الخليفة عمر : العمل بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة الشيخين ، وبذلك أقرّ المسلمون أن تكون سيرة الشيخين في عداد كتاب الله وسنة نبيّه ، مصدرا للتشريع في المجتمع الإسلامي ، واستمرّ الأمر كذلك حتى إذا جاء إلى الحكم الإمام علي (ع) بقوة الجماهير بعد عثمان ، لم يستطع أيضا أن يعيد إلى المجتمع الأحكام الإسلامية الّتي اجتهد فيها الخلفاء ، وتعالت صيحات : وا سنّة عمراه ، من جيشه عند ما نهاهم عن إقامة صلاة النافلة جماعة في شهر رمضان ، ولم يرضوا بسنّة الرسول بديلا عن سنّة عمر في هذا الحكم ، ذلك لأن الجماهير المسلمة عند ما بايعته لم تكن تدرك أنّه مخالف في اتّجاهه في الحكم سيرة الشيخين ، وهذا ما كان يحاول معاوية جاهدا أن ينبّه الجماهير الإسلاميّة إليه ليثوروا عليه.

والإمام إن لم يستطع أن يعيد إلى المجتمع الأحكام الإسلاميّة الّتي جاء بها الرسول بديلا عن اجتهادات الخلفاء ، فقد استطاع هو وثلّة من صحبه أن ينشروا بين المسلمين من حديث الرسول ما كان محظورا نشره قبل ذاك. فأنتجت هذه النهضة من الإمام عليّ وجماعته في نشر الحديث المحظور عن الرسول ، تيّارا فكريا مخالفا لما ألفه المسلمون زهاء خمس وعشرين سنة مدّة حكومة الخلفاء الثلاثة قبله ، وهذا ما أشار إليه سليم بن قيس حين قال لأمير المؤمنين :

«إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبيّ الله (ص) أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أن ذلك كلّه باطل ، أفترى الناس يكذبون على رسول الله متعمّدين ويفسّرون القرآن برأيهم ...؟».

كان ما سمعه سليم من سلمان وأبي ذر والمقداد وليس غيرهم قبل هذا ، بتكتّم ، وائتمان على سرّ ، ثمّ سمعه بعد ذلك من أمير المؤمنين وصحبه جهارا وفي غير سرّ من قبل مناشدة أمير المؤمنين الركبان في رحبة مسجد الكوفة : من سمع النبيّ يقول في غدير خم : (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه) فليشهد. فقام اثنا عشر بدريا وشهدوا بذلك ، وما كشفه عن واقع الأمر في خطبته الشقشقية حين قال :

«أما والله لقد تقمّصها فلان ـ ابن أبي قحافة ـ وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى ، ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهبا حتّى مضى الأول لسبيله

فأدلى إلى فلان بعده.

شتّان ما يومي على كورها

ويوم حيّان أخي جابر

فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها ، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ، ويخشن مسّها ، ويكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصّعبة ؛ إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم ، فمني النّاس ـ لعمر الله ـ بخبط وشماس وتلوّن واعتراض ؛ فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة ؛ حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم ، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر!! لكنّي أسففت إذ أسفّوا ، وطرت إذ طاروا ؛ فصغى رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الرّبيع ، إلى أن انتكث فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته ، فما راعني إلّا والنّاس كعرف الضّبع إليّ ينثالون عليّ من كلّ جانب ؛ حتّى لقد وطئ الحسنان ، وشقّ عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم. فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون ... الخطبة (١).

ومثل قوله : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (ص) متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده مغيّرين لسنّته ، ولو حملت الناس على تركها ، وحوّلتها إلى مواضعها ، وإلى ما كانت عليه في عهد رسول الله (ص) ، لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي ، أو قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزوجل وسنّة رسول الله (ص)

__________________

(١) روضة الكافي ، ص ٥٩ ، ط. الثانية سنة ١٣٨٩ ه‍ ، دار الكتب الإسلامية بطهران.

انقسام الأمة إلى قسمين

تلكم التظاهرة الضخمة في الأقوال أدّت إلى انقسام الأمة إلى قسمين ، وذلك أنّ الناس مدى الدهر ينقسمون إلى قسمين :

١ ـ همج رعاع ، أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح. كما وصفهم الإمام علي(ع)(١)

٢ ـ وقسم آخر يتحرّكون ، واعين لتحرّكهم. هادفين. وينظر في تقويم أفعال الناس في المجتمع وتعليلها إلى الواعين الهادفين. والواعون الهادفون في المجتمع يوم ذاك انقسموا على أثر تلك التظاهرة إلى قسمين :

أ ـ محبّ لأهل البيت ، موال لهم ، مقرّ بفضلهم.

ب ـ مستنكر للاستهانة بمقام الشيخين ، مستهزئ بأقوال الإمام ، يزداد حقدهم له يوما بعد يوم ، وكان جلّ هؤلاء الحاقدين على الإمام ممّن ثار قبل ذلك على عثمان حتّى قتلوه. وهؤلاء هم الخوارج الذين رفعوا شعار : «لا حكم إلّا لله» وأشرب في قلوبهم حبّ الشيخين ، والسخط على عائشة ، وطلحة والزبير ، وعثمان ، وعليّ. وخرج هؤلاء على الإمام فقاتلهم في النهروان ولم يقض عليهم ، فأردوه قتيلا في محرابه ، واستولى على الحكم معاوية بعده ، فبذل جهده في عشرين سنة ـ مدّة حكمه ـ في توجيه الأمة توجيها تساير فيه هواه ، وتسير طائعة راغبة إلى ما يشتهيه.

وكان معاوية ـ بالإضافة إلى ذلك ـ يغيظه انتشار ذكر بني هاشم أعداء أسرته التقليديين عامّة ، وخاصّة ذكر الرسول وابن عمّه الإمام عليّ ، وذلك

__________________

(١) ترجمة الإمام علي بتاريخ دمشق لابن عساكر ، ط. الاولى سنة ١٩٣٥ ه‍ بمطبعة العاملية ٢ / ٢٨٥ الأحاديث ٥٠١ ـ ٥٢٨ خاصة رقم ٥٢١ ـ ٥٢٢.

لانتشار ذكرهما بين المسلمين انتشارا هائلا (١) في مقابل خمول ذكر بني أبيه أمثال عتبة ، وشيبة ، وأبي سفيان ، والحكم بن أبي العاص أوّلا ، وثانيا لما يناقض انتشار ذكر الرسول وابن عمه ما يتوخاه من تركيز الخلافة لنفسه ، وتوريثه لعقبه ، إذ بانتشار ذكرهما تتّجه أنظار المسلمين إلى شبليهما الحسن والحسين ، لهذا كلّه جدّ معاوية في إطفاء نورهم عامّة ، وذكر الرسول وابن عمّه خاصة فقدّر لهذا ودبّر ما يلي :

أ ـ رفع ذكر الخليفتين أبي بكر وعمر ، وألحق بهما أخيرا ابن عمّه عثمان ثالث الخلفاء (٢).

ب ـ عمل سرّا على تحطيم شخصية الرسول في نفوس المسلمين ، وجهارا لتحطيم شخصية ابن عمّه.

وللوصول إلى هذين الهدفين ، دفع قوما من الصحابة والتابعين ليضعوا أحاديث في ما يرفع ذكر الخلفاء ، ويضع من كرامة الرسول وابن عمّه ، وصرف حوله وطوله في إنجاح هذا التدبير ، وكتم أنفاس من خالفه في ذلك من أولياء علي وأهل بيته وقتلهم شرّ قتلة ، صلبا على جذوع النخل ، وتمثيلا بهم ، ودفنهم أحياء.

فنجح في ما دبّر نجاحا منقطع النظير حين انتشرت بين الأمة على أثر ذلك أحاديث تروى عن رسول الله (ص) انّه قال في مناجاته لربّه : إنّي بشر أغضب كما يغضب البشر فأيّما مؤمن لعنته أو سببته ، فاجعلها له صلاة وزكاة

__________________

(١) اما انتشار ذكر الرسول فواضح ، وأما اسم علي فمن مواقفه في بدر وأحد والخندق وخيبر ، ومن أحاديث الرسول في شأنه في تلك المواقف وفي تبوك والغدير ، وعمل الرسول في المباهلة ، وعند نزول آية التطهير ، وآيات صدر سورة براءة. من كل ذلك ونظائره انتشر له ذكر جميل ، وسعى معاوية لاخفاء معالمه.

(٢) راجع قبله الفصل الثاني من الباب الثاني من هذا الكتاب ، باب «على عهد معاوية».

وقربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة. وفي رواية «طهورا : أجرا» (١).

وانّه قال : «أنتم أعلم بأمر دنياكم» أو قال : «وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنّما أنا بشر» ، وإنّه قال ذلك عند ما نهاهم عن تأبير النخل وفسد تمرهم (٢) ، أو انّه رفع زوجته عائشة لتنظر إلى رقص الحبشة بمسجده (٣) ، أو انّه أقيم مجلس الغناء في داره (٤).

هذه الأحاديث إلى عشرات غيرها ، نراها قد وضعت بإمعان في عصر معاوية (٥) وامتد أثرها على مدرسة الخلفاء إلى يومنا الحاضر ، وانّها هي الّتي جعلت طائفة من المسلمين لا ترى لرسول الله القدرة على اتيان المعجزات ، ولا الشفاعة ، ولا حرمة لقبره ، ولا ميزة له بعد موته.

أمّا الإمام عليّ (ع) فقد نجح معاوية في تحطيم شخصيته في المجتمع

__________________

(١) صحيح مسلم باب «من لعنه النبي (ص) أو سبه ... كان له زكاة وأجرا ورحمة» من كتاب البر ، ح ٨٨ ـ ٩٧ ، وسنن أبي داود ، كتاب السنة ، الباب ١٢ وسنن الدارمي ، الرقاق ٥٢ ، ومسند أحمد ٢ / ٣١٧ و ٣٩٠ و ٤٤٩ و ٤٤٨ و ٤٩٣ و ٤٩٦ و ٣ / ٣٣ و ٣٩١ و ٤٠٠ و ٥ / ٤٣٧ و ٤٣٩ و ٦ / ٤٥.

(٢) صحيح مسلم ، باب «وجوب امتثال ما قاله شرعا ، دون ما ذكره (ص) من معايش الدنيا على سبيل الرأي» من كتاب الفضائل ح ١٣٩ ـ ١٤١ ، وابن ماجة ، باب تلقيح النخل ، ومسند أحمد ١ / ١٦٢ و ٣ / ١٥٢.

(٣) صحيح البخاري ، كتاب الصلاة ، باب أصحاب الحراب في المسجد ، وكتاب العيدين ، باب ٢٥ ، وكتاب الجهاد ، باب ٧٩. وكتاب النكاح : باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة ، وباب حسن المعاشرة مع الأهل ، وكتاب المناقب ، باب قصة الحبش.

وصحيح مسلم ، كتاب صلاة العيدين : باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه ، وكتاب المساجد ١٨ ، والنسائي ٣٤ و ٣٥ ، ومسند أحمد ٢ / ٣٦٨ و ٦ / ٥٦ و ٨٣ و ٨٤ و ٨٥ و ١٦٦ و ١٨٦.

(٤) صحيح البخاري «كتاب فضائل النبي» باب مقدم أصحاب النبي المدينة ، وكتاب العيدين : باب سنة العيدين لاهل الإسلام ، وباب إذا فاته العيد يصلي ركعتين ، وباب الحراب والدرق ، وكتاب مناقب الانصار / ٤٦ ، وصحيح مسلم ، باب اللعب الذي لا معصية فيه ، وكتاب العيدين / ١٦ ، وسنن ابن ماجة ، تصحيح محمد فؤاد عبد الباقي ، كتاب النكاح ، باب الغناء والدف ، ص ٦١٢ ، رقم الحديث ١٨٩٨ ، ومسند أحمد ٦ / ١٣٤.

(٥) راجع فصل «مع معاوية» من كتاب «أحاديث أم المؤمنين عائشة» للمؤلف.

الإسلامي يوم ذاك إلى حدّ أن المسلمين واصلوا لعنه فوق جميع منابرهم في شرق الأرض وغربها ، خاصّة في خطبة الجمعة كفريضة من فرائض صلاة الجمعة زهاء ألف شهر مدّة حكم آل أميّة ، وإلى جانب ذلك نجح معاوية في رفع مقام الخلافة في نفوس المسلمين (١).

واستمرّت الأمة بعده في سيرها الفكري على هذا الاتجاه إلى حدّ أنّه أمكن الولاة أن يقولوا على منابر المسلمين أخليفة أحدكم أكرم عنده أم رسوله؟ أي أنّ الخليفة الذي يعتبرونه خليفة الله في الأرض أكرم على الله من رسوله خاتم النبيين!!

نتيجة مساعي الخليفة معاوية

وكانت نتيجة تلك المساعي أنّ المسلمين وغير المسلمين منذ عهد معاوية وإلى اليوم عرفوا رسول الله وابن عمّه والخلفاء الثلاثة وشخصيات إسلاميّة أخرى من خلال ما وضع من حديث على عهد معاوية وكما أراد معاوية ، وكان ما أراده خلاف الواقع الذي كانوا عليه ، وبالإضافة إلى ذلك كان لمعاوية اجتهادات في تغيير الأحكام الإسلاميّة بدّل منها ما بدّل باجتهاده ، سمّي بعضها بأوّليّات معاوية (٢).

استطاع معاوية بكلّ تلك الجهود أن يبدّل الإسلام ويعرّفه كما يشتهي ، حتى لم يبق من الإسلام في آخر عهده إلّا اسمه ، ومن القرآن إلّا رسمه ، وإنّما حافظ معاوية ومن جاء بعده على اسم الإسلام لأنّهم كانوا يحكمون باسم الإسلام.

كذلك كانت حالة المسلمين عند ما توفي معاوية في سنة ستين واستولى

__________________

(١) سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى.

(٢) ذكر بعضها اليعقوبي في تأريخه ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء في ذكر سيرة معاوية.

على الحكم ابنه يزيد ، فما كان أمام سبط الرسول ووريثه إلّا واحدة من اثنتين : إمّا البيعة ، وإمّا القتال. وبيعة الحسين (ع) ليزيد تعني اقراره على أفعاله وتصديقه لأقواله. فأبى الحسين (ع) أن يبايع يزيد واستشهد في سبيل ذلك.

الإمام الحسين (ع) امتنع من بيعة يزيد

فكيف كان يزيد في أفعاله وأقواله؟ ولما ذا أبى الإمام أن يبايعه؟ وهل كان يعرف مصيره حين أبى؟ وما ذا كان أثر استشهاده على الإسلام والمسلمين؟

في ما يلي نحاول تفهّم كل ذلك من كتب الحديث والسيرة ان شاء الله تعالى.

أوّلا : يزيد في أفعاله وأقواله

في تاريخ ابن كثير : كان يزيد صاحب شراب ، فأحب معاوية أن يعظه في رفق ، فقال : يا بنيّ ما أقدرك على أن تصل حاجتك من غير تهتّك يذهب بمروءتك وقدرك ويشمت بك عدوّك ويسيء بك صديقك ، ثمّ قال : يا بنيّ إنّي منشدك أبياتا فتأدّب بها واحفظها فأنشده :

انصب نهارا في طلاب العلى

واصبر على هجر الحبيب القريب

حتى إذا الليل أتى بالدجى

واكتحلت بالغمض عين الرقيب

فباشر الليل بما تشتهي

فإنّما اللّيل نهار الأريب

كم فاسق تحسبه ناسكا

قد باشر الليل بأمر عجيب

غطّى عليه اللّيل أستاره

فبات في أمن وعيش خصيب

ولذّة الأحمق مكشوفة

يسعى بها كل عدوّ مريب (١)

وقال : وكان فيه أيضا اقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات ، في بعض الأوقات ، واقامتها في غالب الأوقات (٢).

* * *

لمّا أراد معاوية أن يأخذ البيعة ليزيد من الناس ، طلب من زياد أن يأخذ بيعة المسلمين في البصرة ، فكان جواب زياد له : ما يقول الناس إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد ، وهو يلعب بالكلاب والقرود ، ويلبس المصبّغات ، ويدمن الشراب ، ويمشي على الدفوف وبحضرتهم الحسين بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله ابن الزبير ، وعبد الله بن عمر؟ ولكن تأمره يتخلّق بأخلاق هؤلاء حولا أو حولين فعسانا أن نموّه على الناس (٣).

فاغزى معاوية يزيد الصائفة مع الجيش الغازي الروم «فتثاقل واعتلّ وأمسك عنه أبوه» (٤) فأصاب المسلمين حمّى وجدري في بلاد الروم ويزيد حينذاك كان مصطبحا بدير مرّان مع زوجته أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر ، فلمّا بلغه خبرهم قال :

إذا ارتفقت على الانماط مصطبحا

بدير مرّان عندي أمّ كلثوم

فما أبالي بما لاقت جنودهم

ب (الغذقدونة) من حمّى ومن موم(٥)

وبعده في معجم البلدان :

فبلغ معاوية ذلك فقال : لا جرم ليلحقنّ بهم ويصيبه ما أصابهم وإلّا خلعته فتهيّأ للرحيل وكتب إليه :

تجنّى لا تزال تعدّ ذنبا

لتقطع حبل وصلك من حبالي

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٨ / ٢٢٨.

(٢) تاريخ ابن كثير ٨ / ٢٣٠.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٢٠.

(٤) هذا نص ابن الأثير في تاريخه ٣ / ١٨١ في ذكر حوادث سنة ٤٩.

(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٢٩ ، والاغاني ط. ساسي ١٦ / ٣٣ ، وأنساب الأشراف ٤ / ٢ / ٣.

فيوشك أن يريحك من بلائي

نزولي في المهالك وارتحالي(١)

وأرسل معاوية يزيد إلى الحجّ وقيل بل أخذه معه فجلس يزيد بالمدينة على شراب فاستأذن عليه عبد الله بن العبّاس والحسين بن علي فأمر بشرابه فرفع ، وقيل له : انّ ابن عباس إن وجد ريح شرابك عرفه ، فحجبه واذن للحسين ، فلما دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب ، فقال : ما هذا يا ابن معاوية؟ فقال : يا أبا عبد الله هذا طيب يصنع لنا بالشام ، ثمّ دعا بقدح فشربه ثمّ دعا بقدح آخر فقال : اسق أبا عبد الله يا غلام. فقال الحسين : عليك شرابك أيّها المرء ...

فقال يزيد :

ألا يا صاح للعجب

دعوتك ثم لم تجب

إلى القينات واللّذا

ت والصهباء والطرب

وباطية مكلّلة

عليها سادة العرب

وفيهنّ الّتي تبلت

فؤادك ثمّ لم تتب

فوثب الحسين عليه وقال : بل فؤادك يا ابن معاوية تبلت (٢).

وحجّ معاوية وحاول أن يأخذ البيعة من أهل مكّة والمدينة فأبى عبد الله بن عمر وقال: نبايع من يلعب بالقرود والكلاب ويشرب الخمر ويظهر الفسوق ، ما حجّتنا عند الله؟

وقال ابن الزبير : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وقد أفسد علينا ديننا (٣). وفي رواية : إنّ الحسين قال له : كأنّك تصف محجوبا أو تنعت غائبا أو تخبر عمّا كان احتويته لعلم خاصّ ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد في ما أخذ من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحمام

__________________

(١) ترجمة دير مران والغذقدونة : من معجم البلدان.

(٢) الأغاني ١٤ / ٦١ ، وتاريخ ابن الأثير ٤ / ٥٠ في ذكره سيرة يزيد. وقد أوردت الخبر بايجاز.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٢٨.

السّبق لأترابهنّ ، والقينات ذوات المعازف ، وضروب الملاهي ، تجده ناصرا ، ودع عنك ما تحاول (١) انتهى.

قال المؤلّف : لست أدري أكان هذا الحوار من سبط النبي مع معاوية وحوار ابن الزبير وابن عمر معه في مجلس واحد أم في مجلسين ، ومهما يكن من أمره فانّ معاوية لم يستطع أن يأخذ البيعة من هؤلاء ، واستطاع أن يأخذ البيعة من أهل الحرمين ويموّه عليهم أمر العبادلة في بيعة ابنه ، وارتحل عنهم.

* * *

وجدنا يزيد في سفريه إلى الحجّ والغزو يتظاهر باللامبالاة بالمقدسات الإسلامية وعدم الاكتراث بنكبة الجيش الإسلامي الغازي ، خلافا لرغبة أبيه معاوية ووصيّة دعيّه زياد بأن يتظاهر بالتخلّق بالاخلاق الإسلامية حولا أو حولين عساهم أن يموّهوا على الناس أمره ، ولم يكتف بذلك حتى نظم في سكره واعلام أمره ما سارت به الركبان.

وأكثر يزيد من نظم الشعر في الخمر والغناء مثل قوله :

معشر الندمان قوموا

واسمعوا صوت الأغاني

واشربوا كأس مدام

واتركوا ذكر المثاني (٢)

شغلتني نغمة العيدان

عن صوت الاذان

وتعوّضت من الحور

عجوزا في الدنان

وقوله :

ولو لم يمسّ الأرض فاضل بردها

لما كان عندي مسحة للتيمّم

وأظهر ذات صدره في قصيدته التي يقول فيها :

__________________

(١) الامامة والسياسة لابن قتيبة ١ / ١٧٠.

(٢) في الأصل : «المعاني» تحريف ويقصد بالمثاني : السبع المثاني أي اتركوا قراءة الحمد في الصلاة.

عليّة هاتي واعلني وترنّمي

بذلك إنّي لا أحب التناجيا

حديث أبي سفيان قدما سما بها

إلى أحد حتى أقام البواكيا

ألا هات سقّيني على ذاك قهوة

تخيّرها العنسي كرما شاميا

إذا ما نظرنا في أمور قديمة

وجدنا حلالا شربها متواليا

وإن متّ يا أمّ الاحيمر فانكحي

ولا تأملي بعد الفراق تلاقيا

فإنّ الذي حدّثت عن يوم بعثنا

أحاديث طسم تجعل القلب ساهيا

ولا بدّ لي من أن أزور محمدا

بمشمولة صفراء تروي عظاميا

إلى غير ذلك ممّا نقلت من ديوانه. انتهى نقلا عن تذكرة خواصّ الأمّة (١).

يخاطب يزيد في هذه القصيدة حبيبته ويقول لها : ترنّمي وأعلني قصّة أبي سفيان لمّا جاء إلى أحد وفعل ما فعل ، حتى أقام البواكي على حمزة وغيره من شهداء أحد ، أعلني ذلك ولا تذكريه في نجوى ، واسقيني على ذلك خمرا تخيّرها الساقي من كروم الشام ، فإنّا إذا نظرنا في أمور قديمة من أعراف قريش وآل أميّة في الجاهلية وجدنا حلالا شربها متواليا وأمّا ما قيل لنا عن البعث فهو من قبيل أساطير (طسم) تشغل قلبنا ، فلا بعث ولا نشور ، فإذا متّ فانكحي بعدي إذ لا تلاقي بعد الموت ، ثمّ يستهزئ بالرسول ، ويقول : ولا بدّ أن ألقاه بخمرة باردة تروي عظامي ، كان يزيد يستهين بمشاعر المسلمين وينادم النصارى.

وروى صاحب الأغاني وقال : كان يزيد بن معاوية أوّل من سنّ الملاهي في الإسلام من الخلفاء ، وآوى المغنّين ، وأظهر الفتك ، وشرب

__________________

(١) تذكرة خواص الأمة ـ ص ١٦٤ تأليف أبي المظفر يوسف بن قزأغلي أي السبط وكان سبط جمال الدين عبد الرحمن ابن الجوزي ، من مؤلفاته التاريخ المسمى بمرآة الزمان (ت : ٦٥٤) راجع ترجمة جده في وفيات الأعيان لابن خلكان.

الخمر ، وكان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه ، والأخطل ـ الشاعر النصراني ـ وكان يأتيه من المغنّين سائب خاثر فيقيم عنده فيخلع عليه ... (١).

كان يزيد بن معاوية أوّل من أظهر شرب الشراب ، والاستهتار بالغناء ، والصيد واتخاذ القيان والغلمان ، والتفكّه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعافرة بالكلاب والديكة (٢).

وكان من الطبيعي أن تتأثّر بيزيد حاشيته ، ويتظاهر الخلعاء والماجنون بأمرهم كما ذكره المسعودي في مروجه قال : وغلب على أصحاب يزيد وعمّاله ما كان يفعله من الفسوق ، وفي أيّامه ظهر الغناء بمكة والمدينة ، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب.

وكان له قرد يكنّى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته ، ويطرح له متّكأ ، وكان قردا خبيثا ، وكان يحمله على أتان وحشيّة قد ريضت وذلّلت لذلك بسرج ولجام ويسابق بها الخيل يوم الحلبة ، فجاء في بعض الايام سابقا ، فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل وعلى أبي قيس قباء من الحرير الأحمر والأصفر مشمّر ، وعلى رأسه قلنسوة من الحرير ذات الألوان بشقائق ، وعلى الأتان سرج من الحرير الأحمر منقوش ملمّع بأنواع من الألوان ، فقال في ذلك بعض شعراء الشام في ذلك اليوم.

تمسّك أبا قيس بفضل عنانها

فليس عليها إن سقطت ضمان

ألا من رأى القرد الذي سبقت به

جياد أمير المؤمنين أتان (٣)

وروى البلاذري عن قصّة هذا القرد وقال : كان ليزيد بن معاوية قرد يجعله بين يديه ويكنّيه أبا قيس ، ويقول : هذا شيخ من بني اسرائيل أصاب

__________________

(١) الأغاني ١٦ / ٦٨.

(٢) أنساب الأشراف للبلاذري ج ٤ القسم الأول ص ١. المعافرة كالمهارشة.

(٣) مروج الذهب ٣ / ٦٧ ـ ٦٨.

خطيئة فمسخ وكان يسقيه النبذ ويضحك ممّا يصنع ، وكان يحمله على أتان وحشيّة ويرسلها مع الخيل فيسبقها ، فحمله يوما وجعل يقول تمسّك ... البيتين (١).

واشتهر يزيد بمنادمة القرود حتى قال فيه رجل من التنوخ :

يزيد صديق القرد ملّ جوارنا

فحنّ إلى أرض القرود يزيد

فتبّا لمن أمسى علينا خليفة

صحابته الادنون منه قرود (٢)

وقال ابن كثير : اشتهر يزيد بالمعازف وشرب الخمور ، والغناء والصيد ، واتّخاذ القيان والكلاب ، والنطاح بين الاكباش والدباب والقرود ، وما من يوم إلّا ويصبح فيه مخمورا. وكان يشدّ القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به ، ويلبس القرد قلانس الذهب وكذلك الغلمان ، وكان يسابق بين الخيل وكان إذا مات القرد حزن عليه وقيل إن سبب موته أنّه حمل قردة وجعل ينقزها فعضّته ... (٣).

وروى البلاذري عن شيخ من أهل الشام : انّ سبب وفاة يزيد أنّه حمل قردة على الأتان وهو سكران ثمّ ركض خلفها فسقط فاندقّت عنقه أو انقطع في جوفه شيء.

وروى عن ابن عيّاش أنّه قال : خرج يزيد يتصيّد بحوّارين وهو سكران فركب وبين يديه أتان وحشيّة قد حمل عليها قردا وجعل يركض الأتان ويقول :

أبا خلف احتل لنفسك حيلة

فليس عليها إن هلكت ضمان

__________________

(١) أنساب الأشراف ٤ / ١ / ١ ـ ٢ وفي لفظ البيتين اختلاف يسير مع رواية المسعودي.

(٢) أنساب الأشراف ٤ / ١ / ٢.

(٣) ابن كثير ٨ / ٤٣٦.

فسقط واندقّت عنقه (١)

ولا منافاة بين هذه الروايات فمن الجائز أنّه أركب قردة على أتان وركب هو أيضا وركض خلفه وجعل ينقزها فعضّته وسقط واندقّت عنقه وانقطع في جوفه شيء وهكذا استشهد الخليفة قتيل القرد.

* * *

كان هذا شيئا من سيرة يزيد ، وكان أبناء الأمّة آنذاك قد تبلّد احساسهم وأخلدوا إلى سبات عميق ، وما غيّر حالهم تلك عدا استشهاد الإمام الحسين (ع) كما نشرحه في الباب التالي.

__________________

(١) أنساب الأشراف ٤ / ١ / ٢ ويبدو ان هذا القرد الذي كناه أبا خلف غير القرد الذي كناه أبا قيس.

الفصل الأوّل

استشهاد الإمام الحسين

أيقظ الأمة من سباتها العميق

ينبغي لنا في سبيل دراسة آثار استشهاد الإمام الحسين (ع) على الإسلام وأهله أن ندرس جميع جوانبه بدءا بدراسة ما ورد من أنباء باستشهاده قبل وقوعه عن الأنبياء السابقين وخاتم الأنبياء والإمام علي ممّا مهد السبيل لقيامه كما يأتي بيانه.

أنباء باستشهاد الحسين (ع) قبل وقوعه

١ ـ خبر رأس الجالوت :

روى الطبري والبلاذري ، والطبراني ، وابن سعد ، واللفظ للأوّل ، عن رأس الجالوت عن أبيه قال : ما مررت بكربلاء ، إلّا وأنا أركض دابّتي حتّى أخلف المكان ، قال : قلت : لم؟ قال : كنّا نتحدّث أنّ ولد نبيّ مقتول في ذلك المكان وكنت أخاف أن أكون أنا ، فلمّا قتل الحسين قلنا : هذا الذي كنّا نتحدّث ، وكنت بعد ذلك إذا مررت بذلك المكان أسير ولا أركض (١)

٢ ـ خبر كعب :

روى الذهبيّ والهيثميّ والعسقلانيّ وابن كثير عن عمّار الدهنيّ قال : مرّ علي (ع) على كعب فقال : يقتل من ولد هذا رجل في عصابة لا يجف عرق خيولهم حتّى يردوا على محمّد (ص) ، فمرّ حسن (ع) فقالوا : هذا؟ قال : لا ، فمرّ حسين (ع) فقالوا : هذا؟ قال : نعم (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ط. أوربا ٢ / ٢٨٧ وترجمة الإمام الحسين بمعجم الطبراني الكبير تأليف أبي القاسم سليمان بن أحمد (ت : ٣٦٠ ه‍) ، ح ـ ٦١. ص ١٢٨ وقد طبع ضمن مجموعة باسم «الحسين والسنة» اختيار وتنظيم السيد عبد العزيز الطباطبائي بمطبعة مهر ، قم. وفي المجموعة بالإضافة إليه فضائل الحسين من كتاب فضائل امام الحنابلة أحمد بن حنبل ، وفي تاريخ ابن عساكر ح ٦٤١ وفي لفظه «فلما قتل حسين كنت أسير على هيئتي» ، وسير النبلاء ٣ / ١٩٥ بايجاز.

(٢) معجم الطبراني الكبير ح ٨٥ ، وطبقات ابن سعد بترجمة الإمام الحسين ح ٢٧٧ ، وتاريخ ابن ـ

وأخرج ابن قولويه (ت : ٣٦٧ ه‍) أربع روايات في باب علم الأنبياء بمقتل الحسين من كتابه كامل الزيارة ، وفي باب علم الملائكة حديثا واحدا ، وفي باب لعن الله ولعن الأنبياء لقاتليه روايتين إحداهما ما رواها عن كعب ان إبراهيم وموسى وعيسى أنبئوا بقتله ولعنوا قاتله (١).

٣ ـ حديث أسماء بنت عميس :

عن عليّ بن الحسين (ع) قال : حدثتني أسماء بنت عميس قالت : قبّلت جدّتك فاطمة بالحسن والحسين ...

فلمّا ولد الحسين فجاءني النبي (ص) فقال : يا أسماء هاتي ابني فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في اذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ثمّ وضعه في حجره وبكى ، قالت أسماء : فقلت فداك أبي وأمّي ممّ بكاؤك؟ قال : على ابني هذا. قلت : انه ولد الساعة ، قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية لا أنالهم الله شفاعتي ، ثم قال : يا أسماء لا تخبري فاطمة بهذا ، فإنّها قريبة عهد بولادته. الحديث (٢).

__________________

ـ عساكر ح ٦٣٩ و ٦٤٠ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١١ ، وسير النبلاء له ٣ / ١٩٥ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٣٩ ، وفي مقتل الخوارزمي أخبار من كعب بقتل الحسين ١ / ١٦٥ ، وتهذيب التهذيب ٢ / ٣٤٧ ، والروض النضير ، شرح مجموع الفقه الكبير تأليف الحسين بن أحمد بن الحسين السياغي الحيمي الصنعاني (ت : ١٢٢١ ه‍) وفي لفظ بعضهم مع بعض اختلاف. نقلنا هذا الخبر عن كعب مع عدم اعتمادنا عليه ، لتواتر الأخبار عن رسول الله أنّه أنبأ بقتل الحسين فلعل كعبا سمع ممن سمع من النبي (ص) ، ومن الجائز أنه قرأ شيئا من ذلك في كتب أهل الكتاب.

(١) كامل الزيارة لابن قولويه ط. المرتضوية ـ النجف سنة ١٣٥٦ ص ٦٤ ـ ٦٧ ، الابواب ١٩ و ٢٠ و ٢١ من الكتاب.

(٢) مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ٨٧ ـ ٨٨ ، وذخائر العقبي ١١٩ واللفظ للأول. لا تستقيم هذه الرواية مع الواقع التاريخي فإن أسماء كانت بالحبشة ورجعت مع زوجها جعفر بعيد فتح خيبر ، وقد ولد الحسنان (ع) قبل ذلك. ولعل الصحيح سلمى بنت عميس زوجة حمزة سيد الشهداء. ترجمتها بأسد الغابة ٥ / ٤٧٩.

٤ ـ حديث أم الفضل :

في مستدرك الصحيحين وتأريخ ابن عساكر ومقتل الخوارزميّ وغيرها واللفظ للأوّل ، عن أمّ الفضل بنت الحارث.

انّها دخلت على رسول الله (ص) فقالت : يا رسول الله انّي رأيت حلما منكرا الليلة ، قال : وما هو؟ قالت : انّه شديد. قال : وما هو؟ قالت : رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ، فقال رسول الله (ص) : رأيت خيرا ، تلد فاطمة ـ إن شاء الله ـ غلاما فيكون في حجرك ، فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري ـ كما قال رسول الله (ص) ـ فدخلت يوما إلى رسول الله (ص) فوضعته في حجره ، ثم حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول الله (ص) تهريقان من الدموع. قالت : فقلت : يا نبي الله! بأبي أنت وأمي ما لك؟ قال : أتاني جبرئيل عليه الصلاة والسلام فأخبرني انّ أمّتي ستقتل ابني هذا ، فقلت : هذا؟ قال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء.

قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (١).

٥ ـ في مقتل الخوارزمي :

لما أتى على الحسين من ولادته سنة كاملة هبط على رسول الله (ص)

__________________

(١) مستدرك الصحيحين ٣ / ١٧٦ ، وباختصار في ص ١٧٩ منه ، وتاريخ ابن عساكر ، ح ٦٣١ ، وقريب منه في ح ـ ٦٣٠ ، وفي مجمع الزوائد ٩ / ١٧٩ ومقتل الخوارزمي ١ / ١٥٩ وفي ١٦٢ بلفظ آخر ، وتاريخ ابن كثير ٦ / ٢٣٠ وأشار إليه في ٨ / ١٩٩ ، وأمالي الشجري ص ١٨٨. وراجع الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١٤٥ ، والروض النضير ١ / ٨٩ ، والصواعق ١١٥ وفي ط ١٩٠ ، وراجع كنز العمال ط القديمة ٦ / ٢٢٣ ، والخصائص الكبرى ٢ / ١٢٥. وفي كتب أتباع مدرسة أهل البيت ورد في مثير الاحزان ص ٨ واللهوف لابن طاوس ٦ ـ ٧.

اثنا عشر ملكا محمرّة وجوههم قد نشروا أجنحتهم وهم يقولون : يا محمّد! سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ، قال : ولم يبق في السماء ملك إلّا ونزل على النبيّ (ص) يعزّيه بالحسين ويخبره بثواب ما يعطى ، ويعرض عليه تربته ، والنبيّ يقول : اللهم اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تمتعه بما طلبه.

ولمّا أتت على الحسين من مولده سنتان كاملتان خرج النبيّ في سفر فلمّا كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه ، فسئل عن ذلك فقال : هذا جبريل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها : كربلاء ، يقتل فيها ولدي الحسين بن فاطمة ، فقيل : من يقتله يا رسول الله؟ فقال : رجل يقال له يزيد ، لا بارك الله في نفسه ، وكأنّي أنظر إلى منصرفه ومدفنه بها ، وقد أهدي رأسه ، والله ما ينظر أحد إلى رأس ولدي الحسين فيفرح إلّا خالف الله بين قلبه ولسانه (يعني ليس في قلبه ما يكون بلسانه من الشهادة).

قال : ثم رجع النبي من سفره ذلك مغموما فصعد المنبر فخطب ووعظ والحسين بين يديه مع الحسن ، فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسين ورفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إنّي محمّد عبدك ونبيّك ، وهذان أطائب عترتي وخيار ذريّتي وأرومتي ومن أخلفهما بعدي ، اللهم وقد أخبرني جبريل بأنّ ولدي هذا مقتول مخذول ، اللهم فبارك لي في قتله ، واجعله من سادات الشهداء إنك على كل شيء قدير ، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله.

قال : فضجّ الناس في المسجد بالبكاء ، فقال النبي : أتبكون ولا تنصرونه؟! اللهم فكن له أنت وليا وناصرا (١).

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ١ / ١٦٣ ـ ١٦٤ وقد أوردنا ما ذكره باختصار.

٦ ـ رواية زينب بنت جحش في بيتها :

في تاريخ ابن عساكر ومجمع الزوائد وتأريخ ابن كثير وغيرها واللفظ للأوّل عن زينب ، قالت : بينا رسول الله (ص) في بيتي وحسين عندي حين درج ، فغفلت عنه ، فدخل على رسول الله (ص) فقال : دعيه ـ إلى قولها ـ ثم قام فصلّى فلمّا قام احتضنه إليه فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فبكى ، ثم مدّ يده فقلت حين قضى الصلاة : يا رسول الله! إنّي رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك تصنعه؟ قال : إنّ جبريل أتاني فأخبرني أنّ هذا تقتله أمّتي ، فقلت : فأرني تربته ، فأتاني بتربة حمراء (١).

٧ ـ حديث انس بن مالك :

في مسند أحمد ، والمعجم الكبير للطبرانيّ ، وتأريخ ابن عساكر وغيرها ، واللفظ للأوّل ، عن انس بن مالك ، قال : استأذن ملك القطر ربّه أن يزور النبيّ (ص) فاذن له وكان في يوم أمّ سلمة ، فقال النبيّ (ص) : يا أمّ سلمة احفظي علينا الباب ، لا يدخل علينا أحد. قال : فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي (ع) فاقتحم ففتح الباب فدخل فجعل النبي (ص) يلتزمه ويقبله ، فقال الملك : أتحبّه؟ قال : نعم. قال : ان أمتك ستقتله ، ان شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه؟ قال : نعم. قال : فقبض قبضة من المكان الذي قتل فيه فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها. قال ثابت : فكنا نقول إنّها كربلاء (٢).

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٢٩ ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٨ ، وكنز العمال ١٣ / ١١٢ ، وأشار إليه ابن كثير بتاريخه ٨ / ١٩٩ ، وورد في كتب أتباع مدرسة أهل البيت بامالي الشيخ الطوسي ١ / ٣٢٣ ، ومثير الاحزان ص ٧ ـ ٨ ، وورد قسم منه في ص ٩ ـ ١٠ وفي آخره تتمة مهمة ، وكذلك في اللهوف ص ٧ ـ ٩.

(٢) مسند أحمد ٣ / ٢٤٢ و ٢٦٥ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦١٥ و ٦١٧ ، وتهذيبه ٤ / ٣٢٥ واللفظ ـ

٨ ـ حديث أبي إمامة :

في تاريخ ابن عساكر ، والذهبي ومجمع الزوائد ، وغيرها ، واللفظ للأوّل ، عن أبي إمامة. قال : قال رسول الله (ص) لنسائه : «لا تبكوا هذا الصبيّ» يعني حسينا. قال : وكان يوم أمّ سلمة فنزل جبرئيل فدخل على رسول الله (ص) الداخل وقال لامّ سلمة : «لا تدعي أحدا أن يدخل عليّ» فجاء الحسين فلمّا نظر إلى النبيّ (ص) في البيت أراد أن يدخل فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكته فلما اشتدّ في البكاء خلّت عنه ، فدخل حتّى جلس في حجر النبيّ (ص) فقال جبريل للنبي (ص) إنّ أمتك ستقتل ابنك هذا ، فقال النبي (ص) «يقتلونه وهم مؤمنون بي؟» قال : نعم يقتلونه. فتناول جبريل تربة فقال : مكان كذا وكذا ، فخرج رسول الله (ص) وقد احتضن حسينا كاسف البال ، مهموما. فظنّت أم سلمة انّه غضب من دخول الصبيّ عليه فقالت : يا نبي الله! جعلت لك الفداء إنّك قلت لنا : لا تبكوا هذا الصبي ، وأمرتني أن لا أدع أحدا يدخل عليك ، فجاء فخلّيت عنه ، فلم يردّ عليها ، فخرج إلى أصحابه وهم جلوس فقال «إنّ أمتي يقتلون

__________________

ـ له ، وبترجمة الحسين من المعجم الكبير للطبراني ح ٤٧ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ١٦٠ ـ ١٦٢ ، والذهبي في تاريخ الإسلام ٣ / ١٠ ، وسير النبلاء ٣ / ١٩٤ ، وذخائر العقبى ص ١٤٦ ـ ١٤٧ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٧ ، وفي ص ١٩٠ منه بسند آخر وقال : اسناده حسن ، وفي باب الاخبار بمقتل الحسين من تاريخ ابن كثير ٦ / ٢٢٩ في لفظه «وكنا نسمع يقتل بكربلاء» ، وفي ٨ / ١٩٩ ، وكنز العمال ١٦ / ٢٦٦ ، والصواعق ص ١١٥ ، وراجع الدلائل للحافظ أبي نعيم ٣ / ٢٠٢ ، والروض النضير ١ / ١٩٢ ، والمواهب اللدنيّة للقسطلاني ٢ / ١٩٥ ، والخصائص للسيوطي ٢ / ٢٥ ، وموارد الظمآن بزوائد صحيح ابن حبان لابي بكر الهيتمي ص ٥٥٤. وفي كتب أتباع مدرسة أهل البيت بأمالي الشيخ الطوسي (ت : ٤٦٠ ه‍). ط ـ النعمان بالنجف سنة ١٣٨٤ ه‍ ١ / ٢٢١ وفي لفظه : «ان عظيما من عظماء الملائكة ...».

هذا» وفي القوم أبو بكر وعمر ، وفي آخر الحديث : فأراهم تربته (١).

٩ ـ روايات أم سلمة :

أ ـ عن عبد الله بن وهب بن زمعة :

في مستدرك الصحيحين ، وطبقات ابن سعد ، وتاريخ ابن عساكر ، وغيرها ، واللفظ للأوّل ، قال : أخبرتني أم سلمة : رضي الله عنها : انّ رسول الله (ص) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر (٢) ، ثم اضطجع فرقد ، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرة الأولى ، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبّلها (٣) ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال : أخبرني جبريل (عليه الصلاة والسلام) ان هذا يقتل بأرض العراق ـ للحسين ـ فقلت لجبريل : أرني تربة الأرض التي يقتل بها. فهذه تربتها.

فقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (٤).

ب ـ عن صالح بن أربد :

روى الطبراني ، وابن أبي شيبة ، والخوارزمي ، وغيرهم ، واللفظ للأول ، عن صالح بن أربد ، عن أمّ سلمة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله (ص) : اجلسي بالباب ، ولا يلجنّ عليّ أحد ، فقمت بالباب إذ جاء

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦١٨ ، وتهذيبه ٤ / ٣٢٥ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١٠ ، وسير النبلاء له ٣ / ١٠ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٩ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٩٩ ، وأمالي الشجري ص ١٨٦ ، وفي الروض النضير ١ / ٩٣ ـ ٩٤ اسناده حسن ، وأبو إمامة هذا صديّ بن عجلان.

(٢) كذا في لفظه الحاكم والبيهقي وفي غيرهما من الاصول : خائر ، وفي النهاية : أصبح رسول الله وهو خائر النفس ، أي ثقيل النفس غير طيب ولا نشيط ه.

(٣) في الحديث الآتي «يقلّبها».

(٤) مستدرك الصحيحين ٤ / ٣٩٨ ، والمعجم الكبير للطبراني ح ٥٥ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦١٩ ـ ٦٢١ ، وترجمة الحسين بطبقات ابن سعد بترجمة الحسين ح ٢٦٧ ، والذهبي في تاريخ الاسلام ٣ / ١١ ، وسير النبلاء ٣ / ١٩٤ ـ ١٩٥ ، والخوارزمي في المقتل ١ / ١٥٨ ـ ١٥٩ باختصار ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى ص ١٤٨ ـ ١٤٩ ، وتاريخ ابن كثير ٦ / ٢٣٠ ، وكنز العمال للمتقي ١٦ / ٢٦٦.

الحسين رضي الله عنه فذهبت أتناوله فسبقني الغلام فدخل على حدّه ، فقلت : يا نبيّ الله جعلني الله فداك أمرتني أن لا يلج عليك أحد ، وانّ ابنك جاء فذهبت أتناوله فسبقني ، فلمّا طال ذلك تطلّعت من الباب فوجدتك تقلّب بكفّيك شيئا ودموعك تسيل والصبيّ على بطنك؟

قال : نعم ، أتاني جبريل (ع) فأخبرني انّ أمتي يقتلونه ، وأتاني بالتربة التي يقتل عليها فهي التي أقلّب بكفي (١).

ج ـ عن المطلب بن عبد الله بن حنطب :

في معجم الطبراني ، وذخائر العقبى ، ومجمع الزوائد ، وغيرها ، واللفظ للأول ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن أم سلمة قالت :

كان رسول الله (ص) جالسا ذات يوم في بيتي فقال : لا يدخل عليّ أحد فانتظرت فدخل الحسين رضي الله عنه ، فسمعت نشيج رسول الله (ص) يبكي ، فاطّلعت فإذا حسين في حجره والنبيّ (ص) يمسح جبينه وهو يبكي ، فقلت : والله ما علمت حين دخل فقال : إنّ جبريل (ع) كان معنا في البيت فقال : تحبّه؟ قلت : أما من الدنيا فنعم ، قال : ان أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها : كربلاء. فتناول جبريل (ع) من تربتها فأراها النبيّ (ص). فلما أحيط بحسين حين قتل قال : ما اسم هذه الأرض؟ قالوا : كربلاء ، قال : صدق الله ورسوله ، أرض كرب وبلا (٢).

د ـ عن شقيق بن سلمة :

في معجم الطبراني ، وتأريخ ابن عساكر ، ومجمع الزوائد ، وغيرها ،

__________________

(١) ترجمة الحسين في المعجم الكبير للطبراني ح ٥٤ ص ١٢٤ ، وطبقات ابن سعد ح ٢٦٨ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ١٥٨ ، وكنز العمال ١٦ / ٢٢٦ ، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ج ١٢ بلفظ آخر.

(٢) معجم الطبراني ح ٥٣ ، ص ١٢٥ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، وكنز العمال ١٦ / ٢٦٥ ، وفي ذخائر العقبى ص ١٤٧ بايجاز ، وراجع نظم الدرر ص ٢١٥ للحافظ جمال الدين الزرندي.

واللفظ للأول ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن أمّ سلمة قالت : كان الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يدي النبي (ص) في بيتي ، فنزل جبريل (ع) فقال : يا محمّد! انّ أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك ، فأومأ بيده إلى الحسين ، فبكى رسول الله (ص) وضمّه إلى صدره ، ثم قال رسول الله (ص) : وديعة عندك هذه التربة ، فشمها رسول الله (ص) وقال : ويح كرب وبلاء. قالت :

وقال رسول الله (ص) : يا أمّ سلمة إذا تحوّلت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل ، قال : فجعلتها أم سلمة في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول : انّ يوما تتحوّلين فيه دما ليوم عظيم (١).

ه ـ عن سعيد بن أبي هند :

في تاريخ ابن عساكر ، وذخائر العقبى ، وتذكرة خواصّ الأمة ، وغيرها ، واللفظ للأول ، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه قال : قالت أمّ سلمة رضي الله عنها :

كان النبي (ص) نائما في بيتي فجاء حسين رضي الله عنه يدرج ، فقعدت على الباب فأمسكته مخافة أن يدخل فيوقظه ، ثم غفلت في شيء فدبّ فدخل فقعد على بطنه قالت : فسمعت نحيب رسول الله (ص) فجئت فقلت : يا رسول الله! والله ما علمت به فقال : إنّما جاءني جبريل (ع) ـ وهو على بطني قاعد ـ فقال لي : أتحبه؟ فقلت : نعم ، قال : انّ أمتك ستقتله ، ألا أريك التربة التي يقتل بها؟ قال : فقلت : بلى ، قال : فضرب بجناحه فأتى

__________________

(١) معجم الطبراني ح ٥١ ، ص ١٢٤ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٢٢ ، وتهذيبه ٤ / ٣٢٨ ، وبايجاز في ذخائر العقبى ص ١٤٧ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٩ ، وراجع طرح التثريب للحافظ العراقي ١ / ٤٢ ، والمواهب اللدنية ٢ / ١٩٥ ، والخصائص الكبرى للسيوطي ٢ / ١٥٢ ، والصراط السوي ، للشيخاني المدني ٩٣ ، وجوهرة الكلام ص ١٢٠ ، والروض النضير ١ / ٩٢ ـ ٩٣.

بهذه التربة ، قالت : وإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟ (١).

و ـ عن شهر بن حوشب :

في فضائل ابن حنبل ، وتأريخ ابن عساكر ، وذخائر العقبى ، وغيرها ، واللفظ للأول ، عن شهر بن حوشب ، عن أمّ سلمة قالت : كان جبريل عند النبي (ص) والحسين معي فبكى فتركته ، فدنا من النبي (ص) فقال جبريل : أتحبه يا محمّد؟ فقال : نعم ، قال : انّ أمتك ستقتله ، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ، فأراه إيّاها فإذا الأرض يقال لها : كربلاء (٢).

ز ـ عن داود :

في تأريخ ابن عساكر ، وغيره ، واللفظ له ، عن داود ، قال : قالت أم سلمة : دخل الحسين على رسول الله ففزع ، فقالت أم سلمة : ما لك يا رسول الله؟ قال : انّ جبريل أخبرني أنّ ابني هذا يقتل ، وانّه اشتدّ غضب الله على من يقتله (٣).

ح ـ في معجم الطبراني ، وتأريخ ابن عساكر ، وغيرهما ، واللفظ للأول ، عن أمّ سلمة قالت : قال رسول الله (ص) يقتل الحسين بن علي (رض) على رأس ستين من مهاجري (٤).

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٢٦ ، وذخائر العقبى ص ١٤٧ ، وراجع الفصول المهمة ص ١٥٤ ، وتذكرة خواص الامة ١٤٢ نقلا عن الإمام الحسين (ع) وأمالي الشجري ص ١٦٣ و ١٦٦ و ١٨١.

(٢) فضائل الحسن والحسين عن كتاب الفضائل تأليف أحمد بن حنبل ح ٤٤ ، ص ٢٣ من المجموعة وطبقات ابن سعد ح ٢٧٢ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٢٤ ، والعقد الفريد في الخلفاء وتواريخهم ، وقد أسنده إلى أم سلمة ، وذخائر العقبى ص ١٤٧.

(٣) تاريخ ابن عساكر ح ٦٢٣ ، وتهذيبه ٤ / ٣٢٥ ، وكنز العمال ٢٣ / ١١٢ ، والروض النضير ١ / ٩٣.

(٤) ترجمة الحسين ح ٤١ ص ١٢١ من المجموعة وتاريخ ابن عساكر ح ٦٣٤ ، وتهذيبه ٤ / ٣٢٥ ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٩ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ١٦١ ، وأمالي الشجري ص ١٨٤.

ط ـ في معجم الطبراني عن أمّ سلمة ، قالت :

قال رسول الله يقتل الحسين حين يعلوه القتير.

قال الطبراني : القتير : الشيب (١).

١٠ ـ روايات عائشة :

أ ـ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في تاريخ ابن عساكر ، ومقتل الخوارزمي ، ومجمع الزوائد ، وغيرها ، واللفظ للثاني ، عن عائشة ، قالت : إنّ رسول الله (ص) أجلس حسينا على فخذه فجاء جبريل إليه ، فقال : هذا ابنك؟ قال : نعم ، قال : أما انّ أمتك ستقتله بعدك ، فدمعت عينا رسول الله ، فقال جبريل : إن شئت أريتك الأرض التي يقتل فيها. قال : «نعم» فأراه جبريل ترابا من تراب الطف.

وفي لفظ آخر : فأشار له جبريل إلى الطفّ بالعراق فأخذ تربة حمراء ، فأراه إيّاها فقال : هذه من تربة مصرعه (٢).

ب ـ عن عروة بن الزبير : في مجمع الطبراني وغيره واللفظ للطبراني ، عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : دخل الحسين بن عليّ رضي الله عنه على رسول الله (ص) وهو يوحى إليه فنزا على رسول الله (ص) وهو منكبّ ، ولعب على ظهره ، فقال جبريل لرسول الله (ص) : أتحبّه يا محمّد؟ قال : يا جبريل وما لي لا أحب ابني؟ قال : فإنّ أمتك ستقتله من بعدك ، فمدّ جبريل (ع)

__________________

(١) ترجمة الحسين من معجم الطبراني ح ٤٢ ص ١٢١ من المجموعة ، وأمالي الشجري ص ١٨٤.

(٢) طبقات ابن سعد ح ٢٦٩ ، وتاريخ ابن عساكر بترجمة الحسين ح ٦٢٧ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ١٥٩ واللفظ له .. ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، وكنز العمال ١٣ / ١٠٨ ، وفي ط. القديمة ٦ / ٢٢٣ ، والصواعق المحرقة لابن حجر ، ص ١١٥ ، وفي ط : ١٩ ، وراجع خصائص السيوطي ٢ / ١٢٥ و ١٢٦ ، وجوهرة الكلام للقره غولي ص ١١٧ ، وفي أمالى الشيخ الطوسي من كتب أتباع مدرسة أهل البيت ١ / ٣٢٥ ، وفي أمال الشجري ص ١٧٧ بتفصيل.

يده فأتاه بتربة بيضاء فقال : في هذه الأرض يقتل ابنك هذا يا محمّد واسمها الطف ، فلما ذهب جبريل (ع) من عند رسول الله (ص) والتربة في يده يبكي فقال : يا عائشة ان جبريل (ع) أخبرني انّ الحسين ابني مقتول في أرض الطّف ، وأنّ أمّتي ستفتتن بعدي ، ثم خرج إلى أصحابه ، فيهم عليّ ، وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمّار وأبو ذر ، رضي الله عنهم ، وهو يبكي فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال : أخبرني جبريل أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطّف ، وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني أنّ فيها مضجعه (١).

ج ـ عن المقبري :

في طبقات ابن سعد وتاريخ ابن عساكر واللفظ للثاني ، عن عثمان بن مقسم عن المقبري عن عائشة قالت : بينا رسول الله (ص) راقد إذ جاء الحسين يحبو إليه فنحّيته عنه ثم قمت لبعض أمري ، فدنا منه فاستيقظ يبكي ، فقلت : ما يبكيك؟ قال : إنّ جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين ، فاشتدّ غضب الله على من يسفك دمه ، وبسط يده فإذا فيها قبضة من بطحاء فقال : يا عائشة والذي نفسي بيده (٢)! انّه ليحزنني ، فمن هذا من أمتي يقتل حسينا بعدي (٣)؟

د ـ عن عبد الله بن سعيد :

في طبقات ابن سعد ومعجم الطبراني وغيرهما واللفظ للأخير ، عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة : انّ الحسين بن علي دخل على رسول الله (ص) فقال النبي (ص) : يا عائشة! ألا أعجبك! لقد دخل عليّ ملك

__________________

(١) بترجمة الحسين (ع) من معجم الطبراني ح ٤٨ وص ١٢٣ من المجموعة ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٧ ، وراجع أعلام النبوة للماوردي ص ٨٣ ، وأمالي الشجري ص ١٦٦.

(٢) في نسخة تاريخ ابن عساكر ؛ الكلمة غير واضحة.

(٣) ترجمة الحسين من طبقات ابن سعد ح ٢٧٠ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٢٨.

آنفا ما دخل عليّ قطّ فقال : إنّ ابني هذا مقتول ، وقال : إن شئت أريتك تربة يقتل فيها ، فتناول الملك بيده فأراني تربة حمراء (١).

ه ـ عن أم سلمة أو عائشة :

كما في مسند أحمد وفضائله ، وطبقات ابن سعد وتاريخ الإسلام ، وسير النبلاء للذهبي ، ومجمع الزوائد ، واللفظ للأول ، عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة أو أم سلمة ـ شكّ عبد الله ـ أنّ النبيّ قال لأحدهما : لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل عليّ قبلها ، فقال لي : إنّ ابنك هذا حسينا مقتول ، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ، قال : فأخرج تربة حمراء (٢).

١١ ـ رواية معاذ بن جبل :

في معجم الطبراني ، ومقتل الخوارزمي ، وكنز العمال ، واللفظ للأول ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ معاذ بن جبل أخبره قال : خرج علينا رسول الله (ص) متغيّر اللون فقال : أنا محمّد أوتيت فواتح الكلم وخواتمه ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله عزوجل أحلّوا حلاله ، وحرّموا حرامه ، أتتكم الموتة ، أتتكم بالروح والراحة ، كتاب من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا رحم الله من أخذها بخقها ،

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٢٧ ، ومعجم الطبراني ح ٤٩ ص ١٢٤ من المجموعة ، وكنز العمال ١٣ / ١١٣ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٩٩. ولدى أتباع مدرسة أهل البيت بمثير الاحزان ص ٨ ، وعبد الله بن سعيد أبو هند الفزاري ولاء ، المدني (ت : ١٤٧ ه‍) من رجال الصحاح الستّة.

(٢) مسند أحمد ٦ / ٢٩٤ وبترجمة الحسين من فضائل أحمد ح ١٠ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٢٥ ، وقال الذهبي في تاريخ الإسلام ٣ / ١١ ، اسناده صحيح. وفي سير النبلاء ٣ / ١٩٥ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٧ ، وكنز العمال ١٣ / ١١١ ، والصواعق المحرقة ١١٥ وفي طبعة دار الطباعة المحمدية بالقاهرة : ص ١٩٠ ، وراجع طرح التثريب ١ / ٤١ للعراقي ، والروض النضير ١ / ٩٤ ، وأمالي الشجري ص ١٨٤.

وخرج منها كما دخلها.

أمسك يا معاذ وأحص ، قال : فلما بلغت خمسة. قال : يزيد لا بارك الله في يزيد ، ثم ذرفت عيناه (ص) ، ثم قال : نعي إليّ حسين ، أتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله ، والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه (١) إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلّط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا ، ثم قال : واها لفراخ آل محمد (ص) من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف. الحديث (٢).

١٢ ـ رواية سعيد بن جمهان :

في تاريخ ابن عساكر ، والذهبي ، وابن كثير ، واللفظ للأول ، عن سعيد بن جمهان : أنّ النبي (ص) أتاه جبريل بتراب من تراب القرية التي يقتل بها الحسين ، فقال : اسمها كربلاء ، فقال رسول الله (ص) : كرب وبلاء (٣).

١٣ ـ روايات ابن عباس :

أ ـ أبو الضحى :

في مقتل الخوارزمي ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس قال : ما كنّا نشك أهل البيت وهم متوافرون انّ الحسين بن علي يقتل بالطف (٤).

ب ـ سعيد بن جبير :

في تاريخ ابن عساكر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال :

__________________

(١) في مجمع الزوائد ٩ / ١٨٩ ـ ١٩٠ «لا يمنعوه» وهو خطأ.

(٢) معجم الطبراني ح ٩٥ ص ١٤٠ ، ومقتل الخوارزمي ١٦٠ ـ ١٦١ ، وكنز العمال ١٣ / ١١٣ ، وأمالي الشجري ص ١٦٩ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٩ ـ ١٩٠.

(٣) تاريخ ابن عساكر ح ٦٣٢ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١١ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ٢٠٠.

(٤) مقتل الخوارزمي ١ / ١٦٠.

أوحى الله تعالى : يا محمّد ، إنّي قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وإنّي قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا ، وسبعين ألفا (١).

وسنذكر بقية رواياته في باب سبب استشهاد الحسين (ع) ان شاء الله تعالى.

وروى ابن قولويه في باب قول رسول الله (ص) : «إنّ الحسين (ع) تقتله أمّته من بعده» في كامل الزيارة سبع روايات عن رسول الله (ص) (٢).

١٤ ـ روايات الإمام علي (ع):

أ ـ عن أبي حبرة :

في ترجمة الإمام الحسين (ع) معجم الطبراني عن أبي حبرة ، قال : صحبت عليا (رض) حتى أتى الكوفة فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : كيف أنتم إذا نزل بذريّة نبيكم بين ظهرانيكم؟ قالوا : إذن نبلى الله فيهم بلاء حسنا ، فقال : والذي نفسي بيده لينزلنّ بين ظهرانيكم ولتخرجنّ إليهم فلتقتلنّهم. ثم أقبل يقول :

هم أوردوهم بالغرور وعرّدوا

أجيبوا نجاة لا نجاة ولا عذرا(٣)

ب ـ عن هانئ بن هانئ :

في معجم الطبراني ، وتاريخ ابن عساكر ، وتاريخ الإسلام للذهبي ، وغيرها ، واللفظ لابن عساكر عن هانئ بن هانئ عن عليّ ، قال : ليقتلنّ الحسين قتلا وإنّي لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها ، يقتل بقرية (بتربة)

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٨٤ ، وتهذيبه ٤ / ٣٤٢ ، وأمالي الشجري ص ١٦٠.

(٢) كامل الزيارة ، ص ٦٨ ـ ٧١ ، الباب ٢٢.

(٣) معجم الطبراني ح ٥٧ ص ١٢٨ ، وفي مجمع الزوائد ٩ / ١٩١ «اجيبوا دعاه» ، وأنساب الاشراف للبلاذري ص ٣٨ عن مجاهد بايجاز.

قريبة من النهرين (١).

ج ـ في مقتل الخوارزمي :

انّ أمير المؤمنين عليا (ع) لما سار إلى صفّين نزل بكربلاء وقال لابن عباس : أتدري ما هذه البقعة؟ قال : لا ، قال : لو عرفتها لبكيت بكائي ، ثم بكى بكاء شديدا ، ثم قال: ما لي ولآل أبي سفيان؟ ثم التفت إلى الحسين. وقال : صبرا يا بنيّ فقد لقي أبوك منهم مثل الذي تلقى بعده (٢).

د ـ عن الحسن بن كثير ، في صفين :

عن الحسن بن كثير ، عن أبيه : انّ عليّا أتى كربلاء فوقف بها ، فقيل : يا أمير المؤمنين هذه كربلاء؟ قال : ذات كرب وبلاء ، ثم أومأ بيده إلى المكان فقال هاهنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم ، وأومأ إلى موضع آخر فقال : هاهنا مهراق دمائهم (٣).

ه ـ عن الاصبغ بن نباتة :

وفي ذخائر العقبى وغيره ، عن الاصبغ بن نباتة قال : أتينا مع عليّ فمررنا بموضع قبر الحسين ، فقال علي (ع) : هاهنا مناخ ركابهم ، وهاهنا موضع رحالهم ، هاهنا مهراق دمائهم ، فتية من آل محمّد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض (٤).

و ـ عن غرفة الأزدي :

__________________

(١) معجم الطبراني ح ٥٧ ص ١٢٨ ، وفي لفظه : «ليقتلن الحسين قتلا ، وإنّي لأعرف التربة التي يقتل فيها قريبا من النهرين» ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١١ ، وسير النبلاء له ٣ / ١٩٥ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٠ ، وكنز العمال ١٦ / ٢٧٩ ، ومن كتب حديث أهل البيت بكامل الزيارة ص ٧٢.

(٢) مقتل الخوارزمي ١ / ١٦٢.

(٣) صفين ، لنصر بن مزاحم ص ١٤٢ ، وشرح نهج البلاغة ١ / ٢٧٨.

(٤) ذخائر العقبى ص ٩٧ ، وراجع دلائل النبوة لابي نعيم ٣ / ٢١١ ، وفي تذكرة خواص الامة ص ١٤٢ «هذا مصرع الرجل ثم ازداد بكاؤه».

في أسد الغابة ، عن غرفة الأزدي قال : دخلني شكّ من شأن علي خرجت معه على شاطئ الفرات فعدل عن الطريق ووقف ، ووقفنا حوله ، فقال بيده : هذا موضع رواحلهم ومناخ ركابهم ومهراق دمائهم ، بأبي من لا ناصر له في الأرض ولا في السماء إلّا الله ، فلما قتل الحسين خرجت حتّى أتيت المكان الذي قتلوا فيه فإذا هو كما قال ما أخطأ شيئا. قال: فاستغفرت الله ممّا كان منّي من الشكّ ، وعلمت أنّ عليّا رضي الله عنه لم يقدم إلّا بما عهد إليه فيه (١).

ز ـ عن أبي جحيفة :

في صفين لنصر بن مزاحم عن أبي جحيفة قال : جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب ، فسأله وأنا أسمع ، فقال : حديث حدّثتنيه عن علي بن أبي طالب ، قال : نعم ، بعثني مخنف بن سليم إلى عليّ فأتيته بكربلاء ، فوجدته يشير بيده ويقول : «هاهنا ، هاهنا» فقال له رجل : وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال : «ثقل لآل محمّد ينزل هاهنا فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم» فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين قال : «ويل لهم منكم تقتلونهم ، وويل لكم منهم : يدخلكم الله بقتلهم النار».

وقد روي هذا الكلام على وجه آخر : أنّه (ع) قال : «فويل لكم منهم وويل لكم عليهم» قال الرجل : أما ويل لنا منهم فقد عرفت وويل لنا عليهم ما هو؟ قال ترونهم يقتلون ولا تستطيعون نصرهم (٢).

ح ـ عون بن أبي جحيفة :

__________________

(١) أسد الغابة ٤ / ١٦٩ قال في ترجمة غرفة الازدي : «يقال له صحبة وهو معدود في الكوفيين ، روى عنه أبو صادق قال : وكان من أصحاب النبي (ص) ومن أصحاب الصفة ، وهو الذي دعا له النبي (ص) ان يبارك في صفقته» ثم أورد الخبر الذي أوردناه في المتن ، ثم قال بعد انتهائه «أخرجه ابن الدباغ مستدركا على أبي عمر». وأشار إليه ابن حجر في ترجمته بالاصابة.

(٢) صفين لنصر بن مزاحم ص ١٤٢.

في تاريخ ابن عساكر ، عن عون بن أبي جحيفة ، قال : انّا لجلوس عند دار أبي عبد الله الجدلي ، فأتانا ملك بن صحار الهمدانيّ ، فقال : دلّوني على منزل فلان ، قال : قلنا له : ألا ترسل إليه فيجيء؟ إذ جاء فقال : أتذكر إذ بعثنا أبو مخنف إلى أمير المؤمنين وهو بشاطئ الفرات ، فقال : ليحلنّ هاهنا ركب من آل رسول الله (ص) يمرّ بهذا المكان فيقتلونهم ، فويل لكم منهم وويل لهم منكم (١).

ط ـ في تاريخ ابن كثير :

روى محمّد بن سعد وغيره من غير وجه ، عن عليّ بن أبي طالب : أنّه مرّ بكربلاء عند أشجار الحنظل وهو ذاهب إلى صفين ، فسأل عن اسمها فقيل : كربلاء. فقال : كرب وبلاء ، فنزل وصلّى عند شجرة هناك ثم قال : يقتل هاهنا شهداء هم خير الشهداء غير الصحابة ، يدخلون الجنة بغير حساب ـ وأشار إلى مكان هناك ـ فعلّموه بشيء ، فقتل فيه الحسين (٢).

ي ـ عن نجي الحضرمي :

في مسند أحمد ، ومعجم الطبراني ، وتاريخ ابن عساكر ، وغيرها ، واللفظ للأول ، عن عبد الله بن نجيّ عن أبيه : أنّه سار مع عليّ رضي الله عنه ، فلما جاءوا نينوى وهو منطلق إلى صفين ، فنادى عليّ : اصبر أبا عبد الله ، اصبر أبا عبد الله! بشط الفرات ، قلت : وما ذا؟ قال : دخلت على رسول الله (ص) ذات يوم وعيناه تفيضان. قلت : يا نبيّ الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال : بل قام من عندي جبريل قبل ، فحدثني : أنّ الحسين يقتل بشط الفرات ، قال فقال : هل لك إلى أن أشمّك من تربته؟

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٣٥ وتهذيبه ٤ / ٣٢٥.

(٢) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩١.

قال : قلت : نعم ، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا(١).

وفي رواية : «وكان صاحب مطهرته ، فلمّا حاذوا نينوى وهو منطلق إلى صفين نادى عليّ : صبرا أبا عبد الله ، صبرا أبا عبد الله بشط الفرات ، قلت : ومن ذا أبو عبد الله؟ ... ، هل لك أن أشمك من تربته؟ ...» (٢).

ك ـ عن عامر الشعبي :

في طبقات ابن سعد ، وتاريخ ابن عساكر ، والذهبي وتذكرة خواص الأمة ، عن عامر الشعبي : أنّ عليا قال وهو بشط الفرات : صبرا أبا عبد الله ، ثم قال : دخلت على رسول الله (ص) وعيناه تفيضان ، فقلت : أحدث حدث؟ قال : «أخبرني جبريل أنّ حسينا يقتل بشاطئ الفرات ثم قال : أتحبّ أن أريك من تربته؟ قلت : نعم ، فقبض قبضة من تربتها فوضعها في كفّي فما ملكت عينيّ أن فاضتا (٣).

ل ـ عن كدير الضّبي :

في تاريخ ابن عساكر عن كدير الضّبي قال : بينا أنا مع عليّ بكربلاء ، بين أشجار الحرمل ـ إذ ـ أخذ بعرة ففركها ، ثمّ شمّها ، ثم قال : ليبعثنّ الله

__________________

(١) في مسند أحمد ١ / ٨٥ ، وقال بهامشه : اسناده صحيح ، ومعجم الطبراني ح ٤٥ ص ١٢١ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦١١ ـ ٦١٢ ، وتهذيبه ٤ / ٣٢٥ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٧ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١٠ ، والنبلاء ٣ / ١٩٣ ، وتهذيب التهذيب ٢ / ٣٤٧ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٩٩ ، وتذكرة خواص الامة بلفظ آخر في ص ١٤٢ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ١٧٠ ، والصواعق لابن حجر ص ١١٥ ، وفي ذخائر العقبى ص ١٤٨ من «دخلت ...» إلى آخر الحديث ، وراجع الخصائص الكبرى للسيوطي ٢ / ١٢٦ ، ولدى أتباع مدرسة أهل البيت بمثير الأحزان ص ٩ ، وأمالي الشجري ص ١٥٠.

(٢) كما في أحاديث تاريخ ابن كثير ، والروض النضير ١ / ٩٢.

(٣) طبقات ابن سعد ح ١٧٣ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦١٤ ص ٣٩٣ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١٠ ، والنبلاء ٣ / ١٩٤ ، وأشار إليه ابن كثير في ٨ / ١٩٩ من تاريخه ، وتذكرة خواص الامة ص ١٤٢.

من هذا الموضع قوما يدخلون الجنّة بغير حساب (١).

م ـ عن هرثمة :

في معجم الطبراني عن هرثمة ، كنت مع علي (رض) بنهر كربلاء فمرّ بشجرة تحتها بعر غزلان فأخذ منه قبضة فشمّها ، ثم قال : يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا يدخلون الجنّة بغير حساب (٢).

قد روى عن هرثمة حضوره مع الإمام عليّ بكربلاء وما تبع ذلك غير واحد وكلّ راو يؤيّد ما قاله الآخر كما نذكره في ما يأتي :

١ ـ رواية نشيط مولى هرثمة :

في مقتل الخوارزمي بسنده إلى نشيط أبي فاطمة قال : جاء مولاي هرثمة من صفين فأتيناه فسلّمنا عليه فمرّت شاة وبعرت فقال : لقد ذكرتني هذه الشاة حديثا : أقبلنا مع عليّ ونحن راجعون من صفين فنزلنا كربلاء ، فصلّى بنا الفجر بين شجرات ثم أخذ بعرات من بعر الغزال ففتها في يده ، ثمّ شمّها فالتفت إلينا وقال : يقتل في هذا المكان قوم يدخلون الجنّة بغير حساب (٣).

٢ ـ رواية أبي عبد الله الضبي :

في طبقات ابن سعد ، وتاريخ ابن عساكر ، بسنده عن أبي عبد الله الضبي قال : دخلنا على هرثمة الضبي (٤) حين أقبل من صفين ، وهو مع عليّ ، وهو جالس على دكّان له ، وله امرأة يقال لها جرداء وهي أشدّ حبا لعليّ وأشدّ لقوله تصديقا ، فجاءت شاة له فبعرت ، فقال لها : لقد ذكرني بعر هذه الشاة

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٣٨ ، وتهذيبه ٤ / ٣٢٦.

(٢) معجم الطبراني ح ٥٩ ص ١٢٨.

(٣) مقتل الخوارزمي ١ / ١٦٥ ـ ١٦٦ وفي لفظ أبو هرثمة.

(٤) في الاصل «أبي هرثمة» تحريف. وان اعلام هذا الحديث وغير هذا الحديث الذين ذكروا في هذا البحث بحاجة إلى تحقيق لم يتسن لنا القيام به.

حديثا لعلي ، قالوا وما علم بهذا «قال : أقبلنا مرجعنا من صفين فنزلنا كربلاء ، فصلّى بنا عليّ صلاة الفجر بين شجيرات ودوحات حرمل ، ثمّ أخذ كفّا من بعر الغزلان فشمّه ، ثم قال : «اوه ، اوه ، يقتل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنّة بغير حساب» قال : قالت جردا : وما تنكر من هذا؟ هو أعلم بما قال منك ، نادت بذلك وهي في جوف البيت (١).

٣ ـ عن هرثمة بن سليم :

عن أبي عبيدة ، عن هرثمة بن سليم قال : غزونا مع عليّ بن أبي طالب غزوة صفين ، فلمّا نزلنا بكربلاء صلّى بنا صلاة ، فلما سلّم رفع إليه من تربتها فشمّها ثمّ قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب. فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ـ وكانت شيعة لعليّ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجبك من صديقك أبي الحسين؟ لمّا نزلنا كربلاء رفع إليه من تربتها فشمّها وقال : واها لك يا تربة ، ليحشرنّ منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب ، وما علمه بالغيب؟ فقالت : دعنا منك أيّها الرجل ، فإنّ أمير المؤمنين لم يقل إلّا حقّا. فلمّا بعث عبيد الله ابن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن عليّ وأصحابه ، قال : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلمّا انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري ، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين ، فسلّمت عليه ، وحدّثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل ، فقال الحسين : معنا أنت أو علينا؟ فقلت اي ابن رسول الله لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي

__________________

(١) في طبقات ابن سعد ح ٢٧٦ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٣٦ ، وفي مقتل الخوارزمي ١ / ١٦٥ عن نشيط أبي فاطمة قال : جاء مولاي أبو هرثمة من صفين ، فأتيناه فسلمنا عليه فمرت شاة فبعرت ... وليس في لفظه «وما علم بهذا».

وعيالي أخاف عليهم من ابن زياد. فقال الحسين : فولّ هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس محمّد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلّا أدخله الله النار. قال : فأقبلت في الأرض هاربا حتّى خفي عليّ مقتلهم (١).

٤ ـ عن جرداء بنت سمير :

عن زوجها هرثمة بن سلمى ، قال : خرجنا مع عليّ في بعض غزواته ، فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة فصلّى إليها فأخذ تربة من الأرض فشمّها ، ثم قال : واها لك تربة ليقتلنّ بك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب. قال : فقفلنا من غزوتنا وقتل عليّ ونسيت الحديث ، قال : وكنت في الجيش الذين ساروا إلى الحسين فلمّا انتهيت إليه نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث ، فتقدّمت على فرس لي فقلت : أبشّرك ابن بنت رسول الله (ص) ، وحدّثته الحديث ، قال : معنا أو علينا؟ قلت لا معك ولا عليك ، تركت عيالا وتركت ـ كذا وكذا ـ (٢) قال : أمّا لا فولّ في الأرض ، فوالذي نفس حسين بيده ، لا يشهد قتلنا اليوم رجل إلّا دخل جهنّم. فانطلقت هاربا مولّيا في الأرض حتّى خفي عليّ مقتله (٣).

ن ـ عن شيبان بن مخرم :

في معجم الطبراني ، وتاريخ ابن عساكر ، ومجمع الزوائد ، وغيرها ، واللفظ لابن عساكر ، عن ميمون عن شيبان بن مخرم ـ وكان عثمانيا يبغض عليا ـ قال :

__________________

(١) صفين ، لابن مزاحم ، ص ١٤٠ ـ ١٤١ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٣٦ و ٦٣٨ باختصار. وأمالي الشجري ص ١٨٤.

(٢) تهذيب ابن عساكر ٤ / ٣٢٨.

(٣) تاريخ ابن عساكر ح ٦٧٧ ، وأمالي الشجري ص ١٨٤ ، وفي لفظ «عن جرد ابنة شمير» ، والأمالي للصدوق (ره) ط. الاسلامية طهران سنة ١٣٩٦ ه‍ ص ١٣٦.

رجعنا مع علي إلى صفين فانتهينا إلى موضع ، قال : فقال : ما سمّي هذا الموضع؟ قال : قلنا : كربلاء قال : كرب وبلاء. قال : ثمّ قعد على دابّته ، وقال : يقتل هاهنا قوم أفضل شهداء على ظهر الأرض لا يكون شهداء رسول الله (ص). قال : قلت بعض كذباته وربّ الكعبة. قال : فقلت لغلامي ، وثمّة حمار ميّت : جئني برجل هذا الحمار فأوتدته في المقعد الذي كان فيه قاعدا ، فلمّا قتل الحسين قلت لاصحابنا : انطلقوا ننظر ، فانتهينا إلى المكان فإذا جسد الحسين على رجل الحمار وإذا أصحابه ربضة حوله (١).

وأخرج ابن قولويه في باب قول أمير المؤمنين في قتل الحسين من كامل الزيارة أربعة أحاديث (٢).

١٥ ـ رواية أنس بن الحارث واستشهاده :

في تاريخ البخاري ، وابن عساكر ، والاستيعاب ، وغيرها ؛ انّ أنس ابن الحارث بن نبيه قتل مع الحسين ، قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : «انّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يقتل بأرض يقال لها كربلاء ، فمن شهد ذلك فلينصره» ، فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقتل بها مع الحسين.

وفي مثير الاحزان : خرج انس بن الحارث الكاهلي وهو يقول :

قد علمت كاهلنا وذودان

والخندفيون وقيس عيلان

بأنّ قومي آفة للأقران

يا قوم كونوا كأسود خفّان

__________________

(١) ترجمة الحسين من طبقات ابن سعد ح ٢٧٥ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٧٥ ، وتهذيب ابن عساكر ٤ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، وقريب منه لفظ الحديث ٦٧٦ في التأريخ وأسقطه في التهذيب ، والطبراني ح ٦٠ ص ١٢٨ ، والمقتل للخوارزمي ١ / ١٦١ ، وكنز العمال ١٦ / ٢٦٥ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٠ ـ ١٩١. وفي الاصل «رجع» تحريف ، وربضة : الجثة الجاثمة ، ومن الناس الجماعة ، والجاثم : الذي لزم الأرض. لسان العرب وغيره.

(٢) كامل الزيارة ، باب ٢٣ ص ٧١ ـ ٧٢.

واستقبلوا القوم بضرب الآن

آل عليّ شيعة الرحمن

وآل حرب شيعة الشيطان (١)

١٦ ـ رجل من بني أسد :

روى كلّ من ابن سعد ، وابن عساكر ، عن العريان بن هيثم بن الأسود النخعي الكوفي الأعور ، قال : كان أبي يتبدّى (٢) فينزل قريبا من الموضع الّذي كان فيه معركة الحسين ، فكنّا لا نبدو (٣) إلّا وجدنا رجلا من بني أسد هناك ، فقال له أبي : انّي أراك ملازما هذا المكان؟ قال : بلغني انّ حسينا يقتل هاهنا ، فأنا أخرج لعلّي أصادفه ، فاقتل معه ، فلمّا قتل الحسين ، قال أبي : انطلقوا ننظر ، هل الاسدي في من قتل؟ وأتينا المعركة فطوّفنا فإذا الأسدي مقتول (٤).

* * *

أوردنا في ما سبق من الأحاديث التي فيها إنباء باستشهاد الإمام الحسين قبل وقوعه ، ما رواها الفريقان أو ما تفرّد بروايتها أتباع مدرسة الخلفاء ، وتركنا إيراد ما تفرّد بروايتها أتباع مدرسة أهل البيت (٥) وتخيّرنا في ما رواها الفريقان لفظ روايات مدرسة الخلفاء ، وينبغي أن نبحث بعد هذا عن سبب استشهاد

__________________

(١) ترجمة أنس بن الحارث في الجرح والتعديل للرازي ١ / ٢٨٧ ، وفي تاريخ البخاري الكبير ١ / ٣٠ رقم الترجمة ١٥٨٣ ، وابن عساكر ح ٦٨٠ ، وتهذيبه ٤ / ٣٣٨ ، والاستيعاب ، وأسد الغابة ١ / ١٢٣ ، والاصابة ومقتل الخوارزمي ١ / ١٥٩ ـ ١٦٠ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٩٩ ، والروض النضير ١ / ٩٣ ، ومثير الاحزان ص ٤٦ ـ ٤٧.

(٢) يتبدّى : أي يقيم في البادية وفي الاصل «يبتدى» تحريف.

(٣) نبدو : أي نخرج إلى البادية.

(٤) بترجمة الحسين من كل من طبقات ابن سعد ح ٢٨٠ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٦٦.

(٥) مثل ما روى الصدوق في أماليه ط. النجف ، ص ١١٢ ، وط. دار الكتب الإسلامية طهران سنة ١٣٥٥ ش. ه ص ١٢٦ ـ ١٢٧ عن ميثم رواية مفصّلة ، وما ورد في أمالي الشيخ الطوسي (ره) ١ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤ ، ومثير الأحزان ص ٩ ـ ١٣.

الإمام الحسين ونرجع في هذا البحث في ما يلي إلى كتب الفريقين المشهورة دون ما تخيّر رواية فريق على آخر.

سبب استشهاد الإمام الحسين (ع)

ينبغي أن نبحث في هذا المقام في أمرين :

أ ـ قاتل الإمام الحسين لما ذا أقدم على قتله؟

ب ـ الإمام الحسين لما ذا اختار القتل؟

لقد روى الطبري وغيره واللفظ للطبري (١) في بيان ذلك وقال : بويع ليزيد بن معاوية بالخلافة بعد وفاة أبيه في رجب سنة ستين وأمير المدينة الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان ، ولم يكن ليزيد همّة ـ حين ولي ـ إلّا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية الاجابة إلى بيعة يزيد حين دعا الناس إلى بيعته وانّه ولي عهده بعده والفراغ من أمرهم ، فكتب إلى الوليد يخبره بموت معاوية ، وكتب إليه في صحيفة كأنّها أذن فأرة : أمّا بعد. فخذ حسينا وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام.

فأشار عليه مروان أن يبعث إليهم في تلك الساعة ويدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة ، فان فعلوا قبل منهم وكفّ عنهم ، وإن أبوا قدّمهم

__________________

(١) الطبري ، باب خلافة يزيد بن معاوية ٦ / ١٨٨.

فضرب أعناقهم فإنّهم ان علموا بموت معاوية وثب كل منهم في جانب وأظهر الخلاف والمنابذة ، ودعا إلى نفسه ، عدا ابن عمر فانّه لا يرى القتال إلا أن يدفع الأمر إليه عفوا.

فأرسل الوليد عبد الله بن عمرو بن عثمان إلى الحسين وابن الزبير يدعوهما فوجدهما في المسجد فدعاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس. فقالا : انصرف ، الآن نأتيه. فقال حسين لابن الزبير : أرى طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر. فقال : وأنا ما أظنّ غيره. فقام الحسين وجمع إليه مواليه وأهل بيته وسار إلى باب الوليد وقال لهم : إنّي داخل فإن دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا فاقتحموا عليّ ، وإلّا فلا تبرحوا حتّى أخرج إليكم ، فدخل على الوليد ومروان جالس عنده فأقرأه الوليد الكتاب ودعاه إلى البيعة ، فاسترجع الحسين وقال : انّ مثلي لا يعطي بيعته سرا ولا أراك تجتزئ بها منّى سرا دون أن تظهرها على رءوس الناس علانية ، قال : أجل. قال : فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا. فقال له الوليد ، وكان يحبّ العافية : انصرف على اسم الله ، فقال له مروان : والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه ؛ احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب عند ذلك الحسين ، فقال : يا ابن الزرقاء (١)! أنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله وأثمت (٢).

__________________

(١) قال ابن الاثير في تاريخه الكامل ٤ / ١٦٠ ط. اوربا وكان يقال له ـ أي لمروان ـ ولولده : بنو الزرقاء. يقول ذلك من يريد ذمهم وعيبهم وهي الزرقاء بنت موهب جدة مروان بن الحكم لأبيه وكانت من ذوات الرايات التي يستدل بها على بيوت البغاء فلهذا كانوا يذمون بها ، وقال البلاذري : اسمها مارية ابنة موهب وكان قينا. أنساب الأشراف ٥ / ١٢٦.

(٢) الطبري ٦ / ١٩٠.

وفي تاريخ ابن أعثم ، ومقتل الخوارزمي ومثير الأحزان (١) ، واللهوف ، واللفظ للاخير(٢) ، كتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها عامّة وخاصّة على الحسين (ع) ويقول له : إن أبى عليك فاضرب عنقه ، ثم أوردوا الخبر نظير ما ذكره الطبري إلى قولهم ، فغضب الحسين وقال : ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي؟ كذبت ولؤمت ، نحن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ويزيد فاسق شارب الخمر وقاتل النفس ومثلي لا يبايع مثله.

قال الطبري : فقال له الوليد ـ وكان يحبّ العافية ـ : انصرف على اسم الله. وفي الرواية الأولى : فلمّا أصبح الحسين لقيه مروان فقال أطعني ترشد ، قال : قل ، قال : بايع أمير المؤمنين يزيد فهو خير لك في الدارين. فقال الحسين : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٣) وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمّة براع مثل يزيد (٤).

أمّا ابن الزبير فانّهم ألحوا عليه وتعلّل ولم يحضر دار الوليد ، وبعث الوليد إلى عبد الله بن عمر فقال : بايع ليزيد. فقال : إذا بايع الناس بايعت ، فانتظر حتى جاءت البيعة من البلدان فتقدّم إلى الوليد فبايعه (٥).

وفي رواية : أنّ الحسين خرج من منزله بعد ذلك وأتى قبر جدّه فقال : السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك وسبطك والثقل الذي خلّفته في أمّتك ، فاشهد عليهم يا نبي الله انّهم قد

__________________

(١) مثير الأحزان ، لابن نما ؛ نجم الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء (ت : ٦٤٥ ه‍) ط. المطبعة الحيدرية في النجف سنة ١٣٦٩ ه‍ ص ١٤ ـ ١٥.

(٢) اللهوف في قتلى الطفوف ط. مكتبة الأندلس بيروت ص ٩ ـ ١٠ تأليف علي بن موسى ابن جعفر بن طاوس الحسيني (ت : ٦١٤ ه‍) ، وفتوح ابن أعثم ٥ / ١٠ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ١٨٠ ـ ١٨٥.

(٣) لم أجد الاسترجاع في اللهوف.

(٤) مثير الأحزان ص ١٤ ـ ١٥ ، اللهوف ص ٩ ـ ١٠ ، وفتوح ابن أعثم ومقتل الخوارزمي.

(٥) الطبري ٦ / ١٩٠ ـ ١٩١.

خذلوني وضيّعوني ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك صلّى الله عليك.

ثمّ صفّ قدميه فلم يزل راكعا ساجدا (١) إلى الفجر.

وفي رواية أخرى : فصلّى ركعات فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول : اللهم هذا قبر نبيّك محمّد (ص) وأنا ابن بنت نبيّك وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللهم إنّي أحبّ المعروف وأنكر المنكر وإنّي أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحق هذا القبر ومن فيه الّا اخترت من أمري ما هو لك رضى ولرسولك رضى وللمؤمنين رضى ، ثمّ جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه ومن خلفه فجاء وضمّ الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال «حبيبي يا حسين كأنّي أراك عن قريب مرمّلا بدمائك ، مذبوحا بأرض كربلاء ، بين عصابة من أمّتي ، وأنت في ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى ، وهم في ذلك يرجون شفاعتي ، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي. ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، وما لهم عند الله من خلاق ، حبيبي يا حسين! انّ أباك وأمّك وأخاك قدموا عليّ وهم إليك مشتاقون ، وانّ لك في الجنّة لدرجات لن تنالها إلّا بالشهادة (٢). الحديث.

وذهب إلى قبر أمّه وأخيه وودّعهما (٣).

وروى عمر بن علي الاطرف وقال :

لمّا امتنع أخي الحسين (ع) عن البيعة ليزيد بالمدينة دخلت عليه فوجدته خاليا ، فقلت له : جعلت فداك يا أبا عبد الله : حدّثني أخوك أبو محمّد الحسن عن أبيه (ع). ثمّ سبقتني الدمعة ، وعلا شهيقي ، فضمّني

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ١ / ١٨٦.

(٢) فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٩ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ١٨٧.

(٣) اللهوف ، ص ١١.

إليه ، وقال : أحدّثك أنّي مقتول؟ فقلت : حوشيت يا ابن رسول الله. فقال : سألتك بحقّ أبيك ، بقتلي خبّرك أبي؟ فقلت نعم ، فلولا تأوّلت وبايعت. فقال : حدّثني أبي : أنّ رسول الله (ص) أخبره بقتله وقتلي وأنّ تربتي تكون بقرب تربته ، فتظنّ أنك علمت ما لم أعلمه؟! وانّي لا أعطي الدنيّة من نفسي أبدا ، ولتلقينّ فاطمة أباها شاكية ما لقيت ذريّتها من أمّته ولا يدخل الجنّة أحد آذاها في ذريتها (١).

* * *

كان حكّام ذلك العصر وأشياعهم قد اعتادوا على تسمية تغيير أحكام الله بالتأويل ـ كما شرحناه في بحث الاجتهاد ـ حتّى أصبح المتبادر إلى الذهن من لفظ التأويل هو التغيير ، وأصبح ذلك شائعا وسائغا ، ومن ثمّ كان معاصر والإمام الحسين (ع) الذين بلغهم نبأ استشهاد الحسين في العراق عن رسول الله يلحّون على الإمام الحسين أن يؤوّل قضاء الله هذا ، أي يغيّره بعدم ذهابه إلى العراق ، وبعضهم كان يضيف إلى ذلك طلبه من الإمام أن يؤوله بالبيعة ، أي يغيّره بالبيعة ، وهذا ما عناه عمر بن علي بقوله : (فلولا تأوّلت وبايعت) أي فلولا أوّلت قضاء الله بقتلك ببيعتك ، وكذلك كان قصد محمّد بن الحنفية في ما حاور أخاه الحسين وان لم يصرّح به.

كما روى الطبري والمفيد وغيرهما واللفظ للمفيد : انّ محمّد بن الحنفية قال للحسين (ع) لمّا عزم على الخروج من المدينة : يا أخي أنت أحبّ الناس إليّ وأعزّهم عليّ ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، إلّا لك وأنت أحقّ بها. تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الامصار ما استطعت ، ثمّ ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فان بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك ، وان اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك إنّي أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الامصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك

__________________

(١) اللهوف ، ص ١١.

وأخرى عليك فيقتتلون فتكون لأوّل الأسنّة غرضا ، فإذا خير هذه الأمّة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما وأذلها أهلا. فقال له الحسين (ع) : فاين أذهب يا أخي؟ قال : انزل مكّة فإن اطمأنّت بك الدار بها فسبيل ذلك ، وان نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس إليه ، فانّك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا (١).

وفي فتوح ابن أعثم ومقتل الخوارزمي بعده : فقال له الحسين : يا أخي : والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية أبدا ، وقد قال (ص) : اللهم لا تبارك في يزيد. فقطع محمد بن الحنفية الكلام وبكى ، فبكى معه الحسين ساعة ثم قال : جزاك الله يا أخي عنّي خيرا لقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأنا أرجو أن يكون ان شاء الله رأيك موفّقا مسدّدا ، وإني قد عزمت على الخروج إلى مكة ، وقد تهيّأت لذلك أنا وإخوتي وبنو اخوتي وشيعتي وأمرهم أمري ورأيهم رأيي وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم ، ولا تخف عليّ شيئا من أمورهم. ثمّ دعا بدواة وبياض وكتب (٢) هذه الوصية لاخيه محمّد.

__________________

(١) ارشاد الشيخ المفيد ص ١٨٣.

(٢) الفتوح لابن أعثم ٥ / ٣٢ ـ ٣٣.

وصيّة الحسين (ع) (١)

بسم الله الرحمن الرحيم ـ هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمّد المعروف بابن الحنفيّة انّ الحسين يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وانّ محمّدا عبده ورسوله ، جاء بالحقّ من عند الحقّ ، وأنّ الجنّة والنار حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ، وانّي لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدي (ص) ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيّتي يا أخي إليك وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

ثمّ طوى الحسين الكتاب ، وختمه بخاتمه ، ودفعه إلى أخيه محمّد ، ثمّ ودّعه وخرج في جوف الليل (٢).

__________________

(١) اخترنا لفظ محمد بن أبي طالب الموسوي حسب رواية المجلسي في البحار ٤٤ / ٣٢٩.

(٢) فتوح ابن أعثم ٥ / ٣٤ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ١٨٨ وبعد سيرة جدي وأبي ، أضافت يد التحريف «وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم» وان الراشدين اصطلاح تأخر استعماله عن عصر الخلافة الاموية ولم يرد في نص ثبت وجوده قبل ذلك ، ويقصد بالراشدين الذين أتوا إلى الحكم بعد رسول الله متواليا من ضمنهم الإمام علي ، فلا يصح أن يعطف الراشدين على اسم الإمام ، كل هذا يدلنا على أن الجملة أدخلت في لفظ الإمام الحسين.

مسير الإمام الحسين (ع) إلى مكّة المكرّمة

وروى الطبري والمفيد : أنّ الوليد أرسل إلى ابن الزبير بعد خروج الحسين فطاوله حتى خرج في جوف الليل إلى مكة وتنكّب الطريق ، فلمّا أصبحوا سرّح في طلبه الرجال فلم يدركوه فرجعوا وتشاغلوا به عن الحسين (ع) فلمّا أمسوا ، أرسل إلى الحسين فقال لهم : اصبحوا ثم ترون ونرى ، فكفوا عنه فسار من ليلته إلى مكة وهو يتلو (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وأبى أن يتنكب الطريق الأعظم مثل ابن الزبير(١).

وفي تاريخ الطبري وغيره ، أنّ عبد الله بن عمر التقى بالحسين وابن الزبير في الطريق فقال لهما : اتّقيا الله ولا تفرّقا جماعة المسلمين (٢).

ولقي الحسين ـ أيضا ـ عبد الله بن مطيع ، فقال له : جعلت فداك اين تريد؟ قال : أمّا الآن فمكة وأمّا بعد فانّي استخير الله. قال : خار الله لك وجعلنا فداءك ، فإذا أتيت مكّة فإيّاك أن تقرب الكوفة فإنّها بلدة مشئومة ؛ بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه. الزم الحرم فانّك سيّد العرب لا تعدل بك أهل الحجاز أحدا ، ويتداعى إليك الناس من كلّ

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ١٩٠ ، وارشاد المفيد ص ١٨٤.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ١٩١.

جانب. لا تفارق الحرم فداك عمّي وخالي فو الله لئن هلكت لنسترقنّ بعدك.

وسار الحسين حتى دخل مكّة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان وهو يقرأ : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ ، قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) ، ودخل ابن الزبير مكة ولزم الكعبة ، يصلّي عندها عامّة النهار ، ويطوف ويأتي حسينا في من يأتيه ، ويشير عليه بالرأي ، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير ، قد عرف انّ أهل الحجاز لا يبايعونه أبدا ما دام الحسين بالبلد ، وأنّه أعظم في أعينهم وأنفسهم منه ، وأطوع في الناس منه (١).

فأقبل أهلها يختلفون إليه ويأتيه المعتمرون وأهل الآفاق (٢).

وفي هذه السنة عزل يزيد الوليد وولى على الحرمين عمرو بن سعيد (٣) ، وبلغ أهل الكوفة موت معاوية وامتناع الحسين وابن الزبير وابن عمر عن البيعة ؛ فاجتمعوا وكتبوا إليه كتابا واحدا ... أمّا بعد : فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الذي انتزى على هذه الأمّة فابتزها أمرها وتآمر عليها بغير رضى منها ... فبعدا له كما بعدت ثمود. انّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ ، والنعمان بن بشير ـ الوالي ـ في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا عيد ، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت أخرجناه حتى نلحقه بالشام ... وبعثوا بالكتاب مع رجلين فأغذّا السير حتى قدما على الإمام الحسين لعشر مضين من شهر رمضان. ثمّ مكثوا يومين وسرّحوا إليه ثلاثة رجال معهم نحو من ثلاث وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والاربعة ، ثمّ لبثوا يومين آخرين وأرسلوا رسولين وكتبوا معهما ... إلى الحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين ، أمّا بعد فحيّ هلا فانّ الناس ينتظرونك ولا رأي لهم في غيرك ، فالعجل العجل والسلام عليك.

وكتب إليه رءوس من رؤساء الكوفة كتابا ورد فيه : فأقدم على جند لك

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ١٩٦ ـ ١٩٧.

(٢) الطبري ٦ / ١٩٦.

(٣) الطبري ٦ / ١٩١.

مجنّدة والسلام عليك (١).

وفي رواية الطبري : كتب إليه أهل الكوفة «أنّه معك مائة ألف» (٢).

__________________

(١) الطبري ٦ / ١٩٧ ، وراجع أنساب الأشراف ص ١٥٧ ـ ١٥٨.

(٢) الطبري ٦ / ٢٢١ ، ومثير الأحزان ص ١٦.

ارسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة

وهكذا تلاقت الرسل وتكدّست الكتب لديه فكتب الإمام في جوابهم :

إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين. أمّا بعد ... قد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلّكم أنّه ليس علينا امام فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق ، وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي ، وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم ، فإن كتب إليّ أنّه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم وقرأت في كتبكم ، أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله فلعمري ما الإمام إلّا العامل بالكتاب ، والآخذ بالقسط ، والدائن بالحق ، والحابس نفسه على ذات الله. والسلام (١).

وأرسل إليهم مسلم بن عقيل (٢) ، فأقبل حتّى دخل الكوفة ، فاجتمع إليه الشيعة واستمعوا إلى كتاب الحسين وهم يبكون ، وبايعه ثمانية عشر ألفا (٣).

فكتب مسلم بن عقيل إلى الحسين :

__________________

(١) الطبري ٦ / ١٩٨ ، والاخبار الطوال للدينوري ٢٣٨.

(٢) الطبري ٦ / ١٩٨.

(٣) الطبري ٦ / ٢١١ ، ومثير الأحزان ص ٢١ ، واللهوف ص ١٠.

أمّا بعد فإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا ، فعجّل الاقبال حين يأتيك كتابي ، فانّ الناس كلّهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى والسلام (١).

وفي رواية بايع مسلم بن عقيل خمسة وعشرون ألفا.

وفي رواية أخرى أربعون ألفا (٢).

قال المؤلف : ولعلّ أهل الكوفة استمرّوا على البيعة لمسلم بعد ارساله الكتاب إلى الامام الحسين حتى بلغوا خمسة وعشرين أو أربعين ألفا.

قال الطبري : اجتمع ناس من الشيعة بالبصرة وتذاكروا أمر الحسين ، والتحق بعضهم به وسار معه حتى استشهد ، وكتب إليهم الحسين يستنصرهم (٣).

قال : وعزل يزيد نعمان بن بشير عن ولاية الكوفة وولى عبيد الله بن زياد عليها (٤) بالإضافة إلى ولايته على البصرة ، وكتب إليه أن يطلب مسلم بن عقيل حتى يقتله فقدم الكوفة وتتبع الشيعة ، فثار عليه مسلم بن عقيل ، وخذله من بايعه من أهل الكوفة وبقي وحيدا يحارب جنود ابن زياد ، فضرب بسيف قطع شفته العليا ونصلت ثناياه وأخذوا يرمونه بالحجارة من فوق البيوت ، ويلهبون النار في أطنان القصب ثم يقلبونها عليه. فتقدّم إليه محمّد بن الأشعث وقال : لك الامان لا تقتل نفسك ، وكان قد أثخن بالحجارة وعجز عن القتال وانبهر وأسند ظهره إلى جنب الدار. فدنا منه ابن الاشعث فقال : لك الامان قال : آمن أنا؟ قال : نعم. وقال القوم : أنت آمن. فقال : أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم فاجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه من عنقه فقال : هذا

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢١١.

(٢) تاريخ ابن عساكر ح ٦٤٩.

(٣) الطبري ٦ / ١٩٨ ـ ٢٠٠.

(٤) الطبري ٦ / ١٩٩ ـ ٢١٥.

أوّل الغدر! أين أمانكم؟ ثمّ أقبل على ابن الاشعث وقال له : إنّي أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خير؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني يبلغ حسينا فانّي لا أراه إلّا قد خرج إليكم اليوم مقبلا أو هو خارج غدا هو وأهل بيته ، وإن ما ترى من جزعي لذلك فيقول : انّ ابن عقيل بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير لا يرى أن يمسي حتى يقتل ، ارجع بأهل بيتك ولا يغرّك أهل الكوفة فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل ، انّ أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لمكذوب رأي. فقال الأشعث : والله لأفعلنّ ولاعلمن ابن زياد انّي قد أمنتك.

وادخل مسلم على ابن زياد على تلك الحالة ، وجرت بينهما محاورة فقال له ابن زياد: لعمري لتقتلنّ.

قال : كذلك؟ قال : نعم. قال : فدعني أوص إلى بعض قومي. فنظر إلى جلساء عبيد الله وفيهم عمر بن سعد. فقال : يا عمر! انّ بيني وبينك قرابة ، ولي إليك حاجة ، وقد يجب لي عليك نجح حاجتي وهو سرّ ، فأبى أن يمكّنه من ذكرها. فقال له عبيد الله : لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك ، فقام معه فجلس حيث ينظر إليه ابن زياد فقال له : انّ عليّ بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عنّي ، وانظر جثّتي فاستوهبها من ابن زياد فوارها ، وابعث إلى حسين من يردّه فانّي قد كتبت إليه أعلمه انّ الناس معه ولا أراه إلّا مقبلا. فأخبر ابن سعد ابن زياد بما قال مسلم فقال ابن زياد : انّه لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن ، وأمر بمسلم أن يصعد به فوق القصر ويضرب عنقه. فقال لابن الاشعث : أما والله لو لا أنّك أمنتني ما استسلمت. قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمتك. فصعد به وهو يكبّر ويستغفر ويصلّي على ملائكة الله ورسله ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذبونا وأذلّونا. واشرف به وضربت عنقه وأتبع جسده رأسه.

وأمر ابن زياد بهانئ بن عروة فاخرج إلى السوق فضربت عنقه ، وأرسل ابن زياد برأسيهما مع كتاب إلى يزيد ، فكتب إليه يزيد : أمّا بعد فانّك لم تعد ان كنت كما أحبّ ، عملت عمل الحازم ، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، فقد أغنيت وكفيت وصدّقت ظني بك ورأيي فيك ... الكتاب (١).

__________________

(١) الطبري ٦ / ١٩٩ ـ ٢١٥ ، وارشاد المفيد ١٩٩ ـ ٢٠٠.

عزم الإمام الحسين (ع) على المسير إلى العراق

هكذا استشهد مسلم بن عقيل ، أمّا الإمام الحسين فقد استعدّ بعد تسلّمه كتاب سفيره مسلم ـ الآنف الذكر ـ للتوجّه إلى العراق ، ولمّا علم ابن الزبير بقصده قال له : أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها ، ثم خشي أن يتّهمه فقال : أما انّك لو أقمت بالحجاز ثمّ أردت هذا الأمر هاهنا ما خولف عليك ان شاء الله. ولمّا خرج من عند الإمام الحسين قال الإمام : انّ هذا ليس شيء يؤتاه من الدنيا أحبّ إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق ، وقد علم أنّه ليس له من الأمر معي شيء وانّ الناس لم يعدلوه بي ؛ فودّ أنّي خرجت منها لتخلو له (١).

وفي يوم التروية التقيا بين الحجر والباب فقال له ابن الزبير : ان شئت أقمت فوليت هذا الأمر آزرناك وساعدناك ونصحناك وبايعناك. فقال له الحسين : انّ أبي حدّثني أنّ بها كبشا يستحلّ حرمتها ؛ فما أحبّ أن أكون ذلك الكبش. فقال له ابن الزبير : فاقم ان شئت وتوليني أنا الأمر فتطاع ولا تعصى ، فقال : وما أريد هذا. ثمّ انّهما أخفيا كلامهما(٢).

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢١٦.

(٢) الطبري ٦ / ٣١٧ ، وراجع أنساب الأشراف ص ١٦٤.

وفي رواية : فسارّ ابن الزبير الحسين فالتفت إلينا الحسين ، فقال : يقول ابن الزبير : أقم في هذا المسجد أجمع لك الناس ، ثم قال : والله لأن أقتل خارجا منها أحبّ إليّ من أن أقتل داخلا منها بشبر ، وأيم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم ، وو الله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت (١).

وفي تاريخ ابن عساكر وابن كثير : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن تستحلّ بي ـ يعني مكة (٢) ـ.

ثم طاف الحسين بالبيت وبين الصفا والمروة ، وقصّ من شعره ، وأحلّ من احرامه وجعلها عمرة (٣).

الحسين مع ابن عباس :

وفي تاريخ الطبري وغيره : لما عزم على الخروج أتاه ابن عباس وقال له في ما قال : أقم في هذا البلد فانّك سيّد أهل الحجاز ، فان كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عاملهم وعدوّهم ثم اقدم عليهم ، فان أبيت إلّا أن تخرج ؛ فسر إلى اليمن فانّ بها حصونا وشعابا ، وهي أرض عريضة طويلة ولأبيك بها شيعة وأنت عن الناس في عزلة ، فتكتب إلى الناس وترسل وتبثّ دعاتك ، فاني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحبّ. فقال له الحسين : يا ابن عمّ : إنّي والله أعلم أنك ناصح مشفق ، وقد أزمعت وأجمعت المسير ، فقال له ابن عباس : فان كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فاني خائف أن تقتل كما قتل عثمان ، ونساؤه وولده ينظرون إليه.

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢١٧ ، وابن الاثير ٤ / ١٦ ، وقوله «ليعتدن علي ...» في طبقات ابن سعد ح ٢٧٨ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٦٦٤ ، وابن كثير ١٦٦٠٨.

(٢) تاريخ ابن عساكر ح ٦٤٨ ، وابن كثير ٨ / ١٦٦.

(٣) ارشاد المفيد ص ٢٠١ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٦٦.

وفي الاخبار الطوال بعده : قال الحسين : يا ابن عمّ ما أرى الخروج إلّا بالأهل والولد(١).

وفي رواية : فقال الحسين : لأن اقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن أقتل بمكة وتستحلّ بي ، فبكى ابن عباس (٢). وفي رواية فقال : فذلك الذي سلا بنفسي عنه (٣).

كتابه إلى بني هاشم :

في كامل الزيارة قال : كتب الحسين بن عليّ من مكة إلى محمّد بن علي :

بسم الله الرحمن الرحيم ... من الحسين بن عليّ إلى محمّد بن علي ومن قبله من بني هاشم ، أما بعد : فانّ من لحق بي استشهد ومن تخلّف لم يدرك الفتح والسلام (٤).

قال ابن عساكر : وبعث حسين إلى المدينة فقدم عليه من خفّ معه من بني عبد المطّلب ... وتبعهم محمّد بن الحنفية بمكة ... (٥).

الإمام الحسين مع أخيه محمد بن الحنفية :

في اللهوف : سار محمّد بن الحنفية إلى الحسين (ع) في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها عن مكة ، فقال : يا أخي : انّ أهل الكوفة من عرفت

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢١٦ ـ ٢١٧ ، وابن الاثير ٤ / ١٦ ، والاخبار الطوال ص ٢٤٤.

(٢) تاريخ ابن عساكر بترجمة الإمام الحسين ، الحديث ٦٤٢ ـ ٦٤٤ ، وابن كثير ٨ / ١٦٥ ، وذخائر العقبى ص ١٥١ ، ومقتل الخوارزمي ١ / ٢١٩.

(٣) معجم الطبراني ح ٩٣ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٢.

(٤) كامل الزيارة ص ٧٥ باب ٧٥ ، وفي اللهوف عن الكليني : ان هذا الكتاب كتبه إليهم لما فصل من مكة ولفظه من الحسين بن علي إلى بني هاشم أما بعد ، فانه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح ، اللهوف ص ٢٥ ، ومثير الاحزان ص ٢٧.

(٥) بترجمة الإمام الحسين في تاريخ ابن عساكر ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٤٣.

غدرهم بأبيك وأخيك وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فان رأيت أن تقيم فانّك أعزّ من في الحرم وأمنعه ، فقال : يا أخي : خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم ، فأكون الذي تستباح به حرمة هذا البيت (١).

خروج الإمام الحسين من مكة وممانعة رسل الوالي اياه :

خرج الإمام الحسين من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة (٢) ، فاعترضه رسل الوالي من قبل يزيد عمرو بن سعيد ، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط ، وامتنع الحسين وأصحابه منهم امتناعا قويا ، ومضى ، فنادوه : يا حسين : ألا تتّقي الله! تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الامّة. فتأوّل حسين قول الله عزوجل : (لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٣).

مع عبد الله بن جعفر وكتاب الوالي :

فكتب إليه عبد الله بن جعفر مع ابنيه عون ومحمّد : أمّا بعد ، فإني أسألك بالله لمّا انصرفت حين تنظر في كتابي فانّي مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، وان هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنّك علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالسير ، فإني في أثر الكتاب والسلام.

وطلب من عمرو بن سعيد أن يكتب له أمانا ويمنّيه البرّ والصلة ويبعث به إليه ، فكتب : أمّا بعد ، فإنّي أسأل الله أن يصرفك عمّا يوبقك ، وان يهديك لما يرشدك ، بلغني أنّك توجهت إلى العراق ، وإنّي أعيذك بالله

__________________

(١) اللهوف ص ٢٤ ـ ٢٥.

(٢) الطبري ٦ / ٢١١.

(٣) الطبري ٦ / ٢١٧ ـ ٢١٨ ، وابن الاثير ٤ / ١٧ ، وابن كثير ٨ / ١٦٦ ، وأنساب الأشراف ص ١٦٤.

من الشقاق ، فإني أخاف عليك فيه الهلاك ، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ، ويحيى بن سعيد ـ أخا الوالي ـ فأقبل إليّ معهما ، فإنّ لك عندي الامان ، والصلة والبرّ وحسن الجوار .. فذهبا بالكتاب ولحقا الإمام الحسين ، واقرأه يحيى الكتاب فجهدا به. وكان ممّا اعتذر به أن قال : إني رأيت رؤيا فيها رسول الله (ص) ، وأمرت فيها بأمر أنا ماض له عليّ كان أو لي ، فقالا : فما تلك الرؤيا؟ قال : ما حدثت بها أحدا وما أنا محدث بها حتّى ألقى ربّي (١).

وكتب الإمام الحسين (ع) في جواب عمرو بن سعيد : أمّا بعد فانّه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله عزوجل وقال إنّني من المسلمين ، وقد دعوت إلى الأمان والبرّ والصلة ، فخير الامان أمان الله ، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا ، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه يوم القيامة ، فان كنت نويت بالكتاب صلتي وبرّي ، فجزيت خيرا(٢).

كتاب عمرة بنت عبد الرحمن :

وفي تاريخ ابن عساكر : كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظّم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنّه إنّما يساق إلى مصرعه ، وتقول : اشهد لحدّثتني عائشة انّها سمعت رسول الله (ص) يقول : يقتل حسين بأرض بابل ، فلما قرأ كتابها ، قال : فلا بدّ لي إذا من مصرعي ، ومضى (٣).

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢١٩ ـ ٢٢٠ ، وابن الأثير ٤ / ١٧ ، وابن كثير ٨ / ١٦٧ ، وفي ١٦٣ منه بايجاز ، وارشاد المفيد ص ٢٠٢ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٤٣.

(٢) في الطبري وابن الاثير ، وابن كثير تتمة للخبر السابق.

(٣) تاريخ ابن عساكر بعد الحديث ٦٥٣. وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الانصارية المدنية أكثرت عن عائشة ، ثقة ، من الثالثة ، ماتت قبل المائة. تقريب التهذيب ٢ / ٦٠٧.

مع ابن عمر :

وفيه أيضا : ان عبد الله بن عمر كان بمال له فبلغه ان الحسين بن علي قد توجه إلى العراق ، فلحقه على مسيرة ثلاث ليال ، ونهاه عن المسير إلى العراق فأبى الحسين ، فاعتنقه ابن عمر ، وقال : استودعك الله من قتيل (١).

وفي فتوح ابن أعثم ، ومقتل الخوارزمي ، ومثير الاحزان ، وغيرها ، واللفظ للأخير : انّ ابن عمر لمّا بلغه توجّه الحسين إلى العراق لحقه وأشار عليه بالطاعة والانقياد ، فقال له الحسين : يا عبد الله! أما علمت أنّ من هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريّا أهدي إلى بغيّ من بغايا بني اسرائيل ـ إلى قوله ـ فلم يعجّل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر ، ثمّ قال : اتّق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعنّ نصرتي (٢).

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٤٥ و ٦٤٦ ، وتهذيبه ٤ / ٣٢٩ ، وقد أوردنا موجزا من الحديث. وأنساب الأشراف ح ٢١ ص ١٦٣.

(٢) الفتوح لابن أعثم ٥ / ٤٢ ـ ٤٣ ، والمقتل ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣ ، ومثير الاحزان ٢٩ ، واللهوف ص ١٣ ، ويبدو أنّ ابن عمر حاور الحسين في هذا الأمر مرتين : أولاهما عند توجهه إلى مكة ، والثانية بعد خروجه منها متوجها إلى العراق.

توجّه الإمام الحسين (ع) إلى العراق

خطبة الإمام (ع):

وفي مثير الاحزان بعد المحاورة السابقة : ثمّ قام خطيبا فقال : الحمد لله وما شاء الله ، ولا قوّة إلّا بالله ، خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن منّي أكراشا جوفا وأحوية سغبا ، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين ، لن تشذّ عن رسول الله لحمته ، وهي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقرّبهم عينه وينجز بهم وعده ، من كان باذلا فينا مهجته ، وموطّنا على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا فإنّي راحل مصبحا إن شاء الله (١).

لفت نظر :

لم نتوخّ في إيراد هذه المحاورات تسجيلها حسب تسلسلها الزماني أو المكانيّ كي نبحث عنها ثمّ نرتّب تدوينها حسبما يؤدي إليه البحث لانّا

__________________

(١) مثير الاحزان ص ٢٩ ، وفي اللهوف ص ٢٣ انه خطب بها في مكة لما عزم على الخروج وفي لفظه «أجربة سغبا».

استهدفنا في هذا البحث اعطاء صورة عن رؤية الإمام الحسين (ع) ورؤيّة معاصريه لواقعة استشهاده ، لنتمكّن من معرفة حكمة استشهاده وآثارها ، وكان يكفينا في هذا المقام إيراد المحاورات والحوادث حسبما أدّى إليه ظنّنا ، وهكذا فعلنا.

أوامر الخليفة يزيد :

ولما بلغ يزيد نبأ مسير الإمام كتب إلى ابن زياد : انّه قد بلغني انّ حسينا قد سار إلى الكوفة ، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلدان ، وابتليت به أنت من بين العمّال ، وعندها تعتق أو تعود عبدا كما تعتبد العبيد (١).

لعلّ يزيد يشير في كتابه إلى أنّ زيادا والد عبيد الله بن زياد ، ولد من أبوين عبدين وهما عبيد وسميّة ، وبعد أن ألحقه معاوية بأبيه أبي سفيان ، أصبح أمويا (٢) ومن الأحرار في حساب العرف القبلي الجاهلي ، وانّ يزيد يهدّد ابن زياد انّه ان لم يقم بواجبه في القضاء على الحسين فانّه سينفيه من نسب آل أبي سفيان فيعود عبدا.

وفي رواية : انّ عمرو بن سعيد أيضا كتب إلى ابن زياد نظير هذا الكتاب (٣).

مع الفرزدق :

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٥٧ ، وفي ح ٦٥٦ أمر بمحاربته ، وفي تهذيبه ٤ / ٣٣٢ ، ومعجم الطبراني ح ٨٠ ، وأنساب الأشراف للبلاذري بترجمة الحسين ح ١٨٠ ص ١٦٠ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٤٤ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٦٥.

(٢) راجع كتاب «عبد الله بن سبأ» ج ١ فصل استلحاق زياد.

(٣) تاريخ ابن عساكر ح ٦٥٣ ، وتهذيبه ٤ / ٣٢٦ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٦٥ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٤٣.

سار الإمام الحسين (ع) حتى انتهى إلى الصفاح (١) فلقيه الفرزدق بن غالب الشاعر فقال للإمام : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحجّ. فقال : لو لم أعجل لأخذت.

ثم سأل الفرزدق عن نبأ الناس خلفه فقال له الفرزدق : قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية والقضاء ينزل من السماء.

فقال له الحسين : صدقت ، لله الأمر ، والله يفعل ما يشاء ، وكلّ يوم ربّنا في شأن ان نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على اداء الشكر وان حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته ، والتقوى سريرته ، ثم حرّك الحسين راحلته فقال : السلام عليك (٢).

ولمّا بلغ الحاجر أرسل إلى أهل الكوفة بكتاب يخبرهم فيه انه خرج من مكة يوم التروية متجها إليهم (٣).

مع عبد الله بن مطيع (٤) :

وفي بعض المياه التقى بعبد الله بن مطيع العدوي فقال ابن مطيع : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أقدمك؟ فأخبره الحسين بخبره فقال ابن مطيع : أذكّرك الله يا ابن رسول الله وحرمة الإسلام أن تنتهك ، أنشدك الله في حرمة رسول الله (ص) ، أنشدك الله في حرمة العرب ، فو الله لئن طلبت ما

__________________

(١) الصفاح بين حنين وأنصاب الحرم يسرة الداخل إلى مكة.

(٢) الطبري ٦ / ٢١٨ ، وابن الاثير ٤ / ١٦ ، وارشاد المفيد ص ٢٠١ ، وابن كثير ٨ / ١٦٧ ، وأنساب الأشراف ص ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٣) الطبري ٦ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، والأخبار الطوال للدينوري ص ٢٤٥ ، وكان الحاجر ببطن الرمة ، ويجتمع فيه أهل الكوفة والبصرة بطريق مكة ـ مادة الحاجر وبطن الرمة بمعجم البلدان ، وراجع أنساب الأشراف ص ١٦٦.

(٤) عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي المدني ، له رؤية ، وكان رأس قريش يوم الحرة ، وأمّره ابن الزبير على الكوفة ثمّ قتل معه سنة ثلاث وسبعين. أخرج حديثه البخاري ومسلم. تقريب التهذيب ١ / ٤٥٢.

في أيدي بني أميّة ليقتلنّك ، ولئن قتلوك لا يهابون بعدك أحدا أبدا ، والله انّها لحرمة الإسلام تنتهك ، وحرمة قريش وحرمة العرب ، فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرّض لبني أميّة ، فأبى إلّا أن يمضي (١).

وفي رواية ، فقال الحسين : لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا ، ثم ودّعه ومضى (٢).

من رأى ان الحسين (ع) لا يجوز فيه السلاح :

خلافا لمن سبق ذكر رأيه كان عبد الله بن عمرو بن العاص من عصبة الخلافة من الصحابة يأمر الناس باتّباع الإمام الحسين (ع) ، قال الفرزدق بعد ذكره لقاءه للإمام الحسين (ع) :

ثمّ مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم وهيئته حسنة فأتيته فإذا هو لعبد الله بن عمرو بن العاص ، فسألني فأخبرته بلقاء الحسين بن علي ، فقال لي : ويلك فهلّا اتبعته ؛ فو الله ليملكنّ ولا يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه.

قال : فهممت والله ان الحق به ووقع في قلبي مقالته ، ثمّ ذكرت الأنبياء وقتلهم فصدّني ذلك عن اللحاق بهم ... الحديث (٣).

مع زهير بن القين :

سار الإمام الحسين حتى نزل زرود فالتقى فيها بزهير بن القين ـ وكان عثمانيا (٤) ـ قال الراوي الذي كان مع زهير : أقبلنا من مكة نساير الحسين فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل ، فإذا سار الحسين تخلّف زهير

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٢٤ ، وارشاد المفيد ص ٢٠٣ ، وأنساب الأشراف ص ١٥٥.

(٢) الأخبار الطوال للدينوري ٢٤٦.

(٣) الطبري ٦ / ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٤) في أنساب الأشراف ط. الأولى ، ١٣٩٧ ص ١٦٨ وص ١٦٧ وتاريخ ابن الاثير ٤ / ١٧ انه كان عثمانيا ، وزرود في وسط رمال عالج كان منزلا للحاج العراقي.

وإذا نزل تقدّم ، حتى نزلنا منزلا لم نجد بدّا من أن ننازله فيه ، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب ، فبينا نحن جلوس نتغدّى إذ أقبل رسول الحسين فسلّم ، وقال : يا زهير بن القين! انّ أبا عبد الله الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه ، قال : فطرح كلّ انسان ما في يده حتّى كانّنا على رءوسنا الطير.

فقالت له زوجته : أيبعث إليك ابن رسول الله ثمّ لا تأتيه؟ سبحان الله! لو أتيته فسمعت من كلامه! فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه ، فأمر بفسطاطه ومتاعه فحمل إلى الحسين ، ثمّ قال لامرأته : أنت طالق. الحقي بأهلك ، فانّي لا أحبّ أن يصيبك من سببي إلّا خير ، ثمّ قال لاصحابه : من أحبّ منكم أن يتبعني وإلّا فانّه آخر العهد. [وفي رواية : من أحبّ منكم الشهادة فليقم ومن كرهها فليتقدّم] (١). انّي سأحدّثكم حديثا ، غزونا بلنجر ؛ ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان الباهلي : أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من المغانم؟ فقلنا : نعم. فقال لنا : إذا أدركتم شباب آل محمّد ـ وفي رواية : سيد شباب أهل محمّد (٢) ـ فكونوا أشدّ فرحا بقتالكم معهم بما اصبتم من الغنائم ، فاما أنا فاستودعكم الله (٣). فقالت له زوجته : خار الله لك ، وأسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جدّ الحسين (ع).

__________________

(١) الأخبار الطوال ص ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، وأنساب الأشراف ص ١٦٨.

(٢) ابن الاثير ٤ / ١٧.

(٣) نقلنا الرواية من الطبري ٦ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، وسلمان المذكور في الخبر هو ابن ربيعة الباهلي أرسله الخليفة عثمان لغزو اران من آذربايجان ففتح كورها صلحا وحربا وقتل خلف نهر بلنجر. فتوح البلدان ص ٢٤٠ ـ ٢٤١ ، وراجع ترجمته في أسد الغابة ٢ / ٢٢٥.

وصول خبر قتل مسلم وهانئ

لما وصل الإمام إلى الثعلبيّة (١) أخبره أسديّان عن صاحبهم أنّه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ورآهما يجرّان في الأسواق بأرجلهما.

فقال الإمام : انّا الله وانّا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما ، وردّد ذلك مرارا ، فقالا : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك الّا انصرفت من مكانك هذا فانّه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوف أن تكون عليك ، فوثب عند ذلك بنو عقيل ، وقالوا : لا والله لا نبرح حتّى ندرك ثارنا أو نذوق ما ذاق أخونا. فنظر الحسين إلى الأسديّين وقال : لا خير في العيش بعد هؤلاء.

قالا : فعلمنا انّه عزم له رأيه على المسير ، فقلنا : خار الله لك ، فقال : رحمكما الله(٢).

رسولا ابن الاشعث وابن سعد إلى الحسين (ع):

في تاريخ الإسلام للذهبي : أرسل ابن سعد رجلا على ناقة إلى الحسين

__________________

(١) الثعلبية من منازل طريق الحاج من العراق ، مثير الأحزان ص ٣٣ ، واللهوف ص ٢٧.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٥ ، وابن الاثير ٤ / ١٧ ، والدينوري ص ٢٤٧ باختصار ، وابن كثير ٨ / ١٦٨.

يخبره بقتل مسلم بن عقيل.

وفي الأخبار الطوال : لما وافى زبالة وافاه بها رسول محمّد بن الأشعث ، وعمر بن سعد بما كان سأله مسلم أن يكتب به إليه من أمره وخذلان أهل الكوفة ايّاه بعد أن بايعوه ، وقد كان مسلم سأل محمّد بن الأشعث ذلك. فلما قرأ الكتاب استيقن بصحة الخبر (١).

وروى الطبري : ان محمّد بن الأشعث أرسل اياس بن العثل الطائي ، وقال له : الق حسينا فأبلغه هذا الكتاب وكتب فيه الذي أمره مسلم بن عقيل فاستقبله بزبالة واخبره الخبر وبلّغه الرسالة ، فقال حسين : كلّ ما حمّ نازل ، وعند الله نحتسب أنفسنا وفساد أمّتنا (٢).

__________________

(١) الدينوري في الأخبار الطوال ص ٢٤٨ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٢٧٠ و ٣٤٤ ، وزبالة منزل مشهور كان به حصن وجامع لبني أسد.

(٢) الطبري ٦ / ٢١١.

الإمام يخبر الناس بقتل مسلم ويحلهم من بيعته

قال الطبري وغيره : كان الحسين لا يمرّ بأهل ماء إلّا اتبعوه حتى انتهى إلى زبالة وفيها جاءه خبر قتل ابن زياد ، عبد الله بن يقطر ـ وكان قد سرّحه إلى أهل الكوفة ـ فأخرج الحسين (ع) للناس كتابا فقرأه عليهم :

بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد ، فانّه قد أتانا خبر فظيع ؛ قتل مسلم ابن عقيل وهانئ بن عروة ، وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام ، فتفرّق الناس عنه يمينا وشمالا حتّى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة وانّما فعل ذلك لانّه ظنّ انّما اتبعه الأعراب لأنّهم ظنوا انّه يأتي بلدا استقامت له طاعة أهله فكره أن يسيروا معه إلّا وهم يعلمون على ما يقدمون وقد علم انّهم إذا بيّن لهم لم يصحبه الا من يريد مواساته.

رجل من بني عكرمة :

قال الراوي : فلما كان من السحر أمر فتيانه فاستقوا الماء وأكثروا ، ثم سار حتى نزل ببطن العقبة (١) ، وفي هذا المكان لقيه رجل من بني عكرمة فسأله :

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٢٦ ، وأنساب الأشراف ص ١٦٨ ، وابن كثير ٨ / ١٦٨ ـ ١٦٩ وقد تخيرت لفظ الطبري في هذا الخبر وما قبله إلّا ما ذكرت مصدره والعقبة أيضا من منازل الطريق.

أين تريد؟ فحدّثه الحسين فقال له : انّي أنشدك الله لما انصرفت ، فو الله لا تقدم إلّا على الأسنّة وحدّ السيوف ، فان هؤلاء الّذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مئونة القتال ووطّئوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا ، فاما على هذه الحال التي تذكرها فاني لا أرى لك ان تفعل. فقال له : يا عبد الله ، انّه ليس يخفى عليّ ، الرأي ما رأيت ، ولكن الله لا يغلب على أمره (١).

وفي الأخبار الطوال : واخبره بتوطيد ابن زياد الخيل ما بين القادسية إلى العذيب رصدا له ـ وفي لفظه ـ فلا تتكلن على الّذين كتبوا لك ؛ فانّ أولئك أوّل الناس مبادرة إلى حربك .. الحديث (٢).

وفي رواية ثمّ قال : والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلّط الله عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذلّ فرق الامم (٣).

نذير آخر :

وفي تاريخ ابن عساكر وابن كثير قال الراوي : رأيت أخبية مضروبة بفلاة من الأرض ، فقلت : لمن هذه؟ قالوا : هذه لحسين. قال : فأتيته فإذا شيخ يقرأ القرآن والدموع تسيل على خدّيه ولحيته ، قلت : بأبي وأمي يا ابن رسول الله! ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحد! فقال : هذه كتب أهل الكوفة إليّ ، ولا أراهم إلّا قاتلي ، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلّا انتهكوها ، فيسلط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرم

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٢٦ ، وابن الأثير ٣ / ١٧ ـ ١٨ ، وابن كثير ٨ / ١٦٨ ـ ١٧١.

(٢) الأخبار الطوال ص ٢٤٨.

(٣) ارشاد المفيد ص ٢٠٦ ، وقد روى كلام الحسين هذا أيضا غيره ولم يذكروا أين خطب ، مثل الطبري في ٦ / ٢٢٣ ، وابن الأثير ٣ / ١٦ ، وابن كثير ٨ / ١٦٩ وفي لفظهما «حتى يكونوا أذل من فرام الامة» أو فرمة الامة. قال ابن الاثير بعده «والفرام خرقة تجعلها المرأة في قبلها إذا حاضت» وطبقات ابن سعد ح ٢٦٨.

الأمة ـ يعني مقنعتها ـ (١).

ويبدو من مقارنة الروايات بعضها ببعض انّ الامام كان قد أخبر بأنهم سيقتلونه ويذلّهم الله ويسلط عليهم ، في محاورته مع ثلاثة أشخاص وفي ثلاثة أماكن.

وكذلك كان يكرّر التصريح بأمثال هذه الاقوال. قال علي بن الحسين : خرجنا مع الحسين (ع) فما نزل منزلا ولا ارتحل منه إلّا ذكر يحيى بن زكريّا ومقتله ، وقال يوما : ومن هوان الدنيا على الله انّ رأس يحيى بن زكريّا أهدي إلى بغيّ من بغايا بني اسرائيل (٢).

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ح ٦٦٥ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٤٥ وفي هامشه (فرم الأمة أي خرقة حيضها) ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٦٩.

(٢) ارشاد المفيد ص ٢٣٦ ، واعلام الورى ص ٢١٨.

لقاء الإمام الحسين (ع) الحرّ

سار الحسين حتى نزل شراف (١) ، فلمّا كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فاكثروا (٢).

وسار الحسين من شراف ، فلما انتصف النهار كبّر رجل من أصحابه فقال له : مما كبرت؟ قال : رأيت النخل. فقال رجلان من بني أسد : ما بهذه الأرض نخلة قط. فقال الحسين فما هو؟ فقالا : لا نراه إلّا هوادي الخيل. فقال وأنا أيضا أراه ذلك وقال لهما : أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟ فقالا : بلى هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فان سبقت القوم إليه فهو كما تريد. فمال إليه فما كان باسرع من ان طلعت الخيل وعدلوا إليهم فسبقهم الحسين إلى الجبل فنزل. وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي ثمّ اليربوعي فوقفوا مقابل الحسين

__________________

(١) بين شراف والواقصة ميلان كان بها ثلاثة آبار كبار.

(٢) خبر لقاء الحسين مع الحر إلى آخره من تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٧ ، وابن الاثير ٤ / ٩ ـ ٢١ ، وابن كثير ٨ / ١٧٢ ـ ١٧٤ ، وقد بدأ هذا الفصل بقوله : وهذه صفة مقتله (رض) مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن ، لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب والبهتان ، ثم جاء بسياق الطبري الذي سنلتزمه ان شاء الله ، والاخبار الطوال للدينوري ص ٢٤٨ ـ ٢٥٣ ، وأنساب الأشراف ص ١٦٩ ـ ١٧٦ ، وارشاد المفيد ٢٠٥ ـ ٢١٠ ، وإعلام الورى ٢٢٩ ـ ٢٣١ ، وقد تخيرت اللفظ من الطبري وأوجزته.

وأصحابه في نحر الظهيرة ، فقال الحسين لأصحابه وفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفا فسقوا القوم من الماء حتى ارووهم ، واقبلوا يملئون القصاع والاتوار والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس ، فاذا عبّ فيه ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلوها عنه وسقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها ، قال علي بن الطعان المحاربي : كنت آخر من جاء من أصحاب الحرّ فلمّا رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش قال : أنخ الراوية ، والراوية عندي السقاء ، ثمّ قال : يا ابن أخي أنخ الجمل فأنخته ، فقال : اشرب فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء ، فقال الحسين اخنث السقاء أي اعطفه قال : فجعلت لا أدري كيف أفعل ، قال : فقام الحسين فخنثه فشربت وسقيت فرسي.

قال المؤلف : الا يجد الباحث في أمر الإمام بارواء الف فارس وفرسه في هذا اليوم تعليلا لما أمر به فتيانه في سحر هذا اليوم أن يستقوا وانهم استقوا وأكثروا؟ الا يجوز أن يكون الإمام الحسين قد سمع من جده الرسول في هذا الشأن خاصّة أنباء تلقاها الرسول عن علّام الغيوب؟

قال الطبري وغيره : وكان مجيء الحرّ من القادسية ، أرسله الحصين بن نمير في هذه الألف ، وذلك ان عبيد الله بن زياد لما بلغه اقبال الحسين بعث الحصين التميمي وكان على شرطه فأمره أن ينزل القادسية ويضع المسالح ما بين القطقطانة إلى خفّان فارسل الحصين الحرّ ليستقبل الحسين. فلم يزل موافقا الحسين حتى حضرت صلاة الظهر فأمر الحسين مؤذنه بالأذان فأذّن ، فخرج الحسين إليهم ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيها الناس! انها معذرة إلى الله عزوجل وإليكم إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ان أقدم علينا فانه ليس لنا امام لعل الله يجمعنا بك على الهدى ، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما اطمئنّ إليه من عهودكم

ومواثيقكم أقدم مصركم وان لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين ، انصرف عنكم إلى المكان الّذي أقبلت منه إليكم. قال : فسكتوا عنه وقالوا للمؤذن أقم فأقام الصلاة فقال الحسين (ع) للحر : أتريد أن تصلي بأصحابك ؛ قال : لا ، بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك قال فصلّى بهم الحسين. ثمّ إنه دخل واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه الذي كان به فدخل خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه جماعة من أصحابه وعاد أصحابه إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ، ثمّ أخذ كل رجل منهم بعنان دابّته وجلس في ظلّها فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيئوا للرحيل ثمّ إنه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين فصلّى بالقوم ثمّ سلّم وانصرف إلى القوم بوجهه ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال :

أمّا بعد أيّها الناس : فانكم ان تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله ، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، وان أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به عليّ رسلكم انصرفت عنكم.

فقال له الحرّ بن يزيد : إنّا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر؟

فقال الحسين : يا عقبة بن سمعان (١)! أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ. فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرها بين أيديهم.

فقال الحرّ : فانّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألّا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد. فقال له الحسين : الموت أدنى إليك من ذلك. ثمّ قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا وانتظروا حتى

__________________

(١) كان عقبة بن سمعان مولى الرباب بنت امرئ القيس الكلبية أم سكينة بنت الحسين ، أنساب الأشراف بترجمة الحسين ص ٢٠٥.

ركبت نساؤهم فقال لاصحابه : انصرفوا بنا ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين للحرّ : ثكلتك أمّك ، ما تريد؟ قال أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال الّتي أنت عليها ما تركت ذكر أمّه بالثكل ان أقوله كائنا من كان ، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمّك من سبيل إلّا بأحسن ما يقدر عليه ، فقال له الحسين : فما تريد؟ قال الحرّ : أريد والله أن أنطلق بك إلى عبيد الله بن زياد. قال له الحسين : اذن والله لا اتبعك فقال له الحرّ : إذن والله لا أدعك. فترادّا القول ثلاث مرّات ، ولمّا كثر الكلام بينهما قال له الحرّ : إنّي لم أومر بقتالك وانما أمرت ان لا أفارقك حتى اقدمك الكوفة ؛ فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردّك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية ان أردت أن تكتب إليه أو إلى عبيد الله بن زياد ان شئت ، فلعلّ الله إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك. قال فخذ هاهنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسيّة وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا. ثمّ ان الحسين سار في أصحابه والحرّ يسايره.

وخطب الحسين أصحابه وأصحاب الحرّ بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس! ان رسول الله (ص) قال من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنّة رسول الله (ص) ، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ؛ كان حقّا على الله أن يدخله مدخله ، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غيّر ، وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم انّكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فان تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) نفسي

مع أنفسكم ، وأهلي مع أهليكم فلكم فيّ أسوة ، وان لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم ، والمغرور من اغتر بكم فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم ، ومن نكث فانّما ينكث على نفسه ، وسيغني الله عنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وخطب بدي حسم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : انّه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وان الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها واستمرّت جذّاء فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الاناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. الا ترون ان الحقّ لا يعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فانّي لا أرى الموت إلّا شهادة ولا الحياة مع الظالمين إلّا برما.

فقام زهير بن القين البجليّ فقال لاصحابه : تكلّمون أم أتكلّم؟ قالوا لا بل تكلّم فحمد الله فأثنى عليه ، ثمّ قال : قد سمعنا ـ هداك الله يا ابن رسول الله ـ مقالتك ، والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلّدين إلّا انّ فراقها في نصرك ومواساتك ، لآثرنا الخروج معك على الاقامة فيها. فدعا له الحسين ثمّ قال له خيرا ، وأقبل الحرّ يسايره وهو يقول له : يا حسين إنّي أذكرك الله في نفسك فإنّي اشهد لئن قاتلت لتقتلنّ ، ولئن قوتلت لتهلكنّ فيما أرى ، فقال له الحسين : أفبالموت تخوّفني؟! وهل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني؟! ما أدري ما أقول لك! ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه ولقيه وهو يريد نصرة رسول الله (ص) فقال له : اين تذهب فانك مقتول! فقال :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا يغش ويرغما

فلمّا سمع ذلك منه الحرّ تنحّى عنه ، وكان يسير باصحابه في ناحية وحسين في ناحية اخرى ، حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات وكان بها هجائن

النعمان ترعى هنالك فإذا هم بأربعة نفر قد اقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له الكامل ومعهم دليلهم الطرمّاح بن عدي على فرسه وهو يقول :

يا ناقتي لا تذعري من زجري

وشمّري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان وخير سفر

حتّى تحلي بكريم النجر

الماجد الحرّ رحيب الصدر

أتى به الله لخير أمر

ثمّت ابقاه بقاء الدهر

قال فلمّا انتهوا إلى الحسين انشدوه هذه الأبيات فقال : أما والله انّي لارجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا ؛ قتلنا أم ظفرنا.

وأقبل إليهم الحرّ بن يزيد فقال : إنّ هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك وأنا حابسهم أو رادّهم. فقال له الحسين : لأمنعنّهم مما أمنع منه نفسي انما هؤلاء أنصاري وأعواني وقد كنت اعطيتني أن لا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد. فقال : أجل لكن لم يأتوا معك. قال : هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي فان تممت على ما كان بيني وبينك وإلّا ناجزتك ، فكفّ عنهم الحرّ ، ثمّ قال لهم الحسين : أخبروني خبر الناس وراءكم؟

فقال له مجمّع بن عبد الله العائذي ، وهو أحد النفر الأربعة الذين جاءوه : أمّا أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم ، يستمال ودّهم ، ويستخلص به نصيحتهم ، فهم ألب واحد عليك ، وأمّا سائر الناس بعد فان أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غدا مشهورة عليك. قال : أخبروني فهل لكم برسولي إليكم ؛ قالوا : من هو؟ قال : قيس بن مسهر الصيداويّ ، فقالوا : نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك ؛ فصلّى عليك وعلى أبيك ولعن ابن زياد وأباه ، ودعا إلى

نصرتك ، وأخبرهم بقدومك ، فأمر به ابن زياد فألقي من طمار القصر ، فترقرقت عين الحسين (ع) ولم يملك دمعه ثمّ قال : (منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا) ، اللهم اجعل لنا الجنّة نزلا ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك.

ثمّ دنا الطرمّاح بن عديّ من الحسين فقال له : والله انّي لا نظر فما أرى معك أحدا ، ولو لم يقاتلك إلّا هؤلاء الّذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم ، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عين في صعيد واحد جمعا أكثر منه ، فسألت عنهم فقيل اجتمعوا ليعرضوا ثمّ يسرّحون إلى الحسين ، فأنشدك الله إن قدرت على أن لا تقدم عليهم شبرا إلّا فعلت ، فان أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به حتى ترى من رأيك ويستبين لك ما أنت صانع ، فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الّذي يدعى أجأ ، امتنعنا والله به من ملوك غسّان وحمير ، ومن النعمان بن المنذر ، ومن الأسود والأحمر ، والله ان دخل علينا ذلّ قطّ ، فأسير معك حتى أنزلك القرية ثمّ نبعث إلى الرجال ممن بأجأ وسلمى من طيّئ فو الله لا يأتي عليك عشرة أيّام حتى يأتيك طيئ رجالا وركبانا ، ثمّ أقم فينا ما بدا لك ، فان هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائيّ يضربون بين يديك بأسيافهم والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف. فقال : له : جزاك الله وقومك خيرا ، انّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف ولا ندري على ما تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة. ومضى الحسين حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به فاذا هو بفسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا الفسطاط؟ فقيل : لعبيد الله بن الحرّ الجعفيّ ، قال : ادعوه لي. وبعث إليه فلمّا اتاه الرسول ، قال : هذا الحسين بن علي يدعوك ، فقال عبيد الله بن الحرّ : إنّا لله وإنا إليه راجعون ، والله ما خرجت من الكوفة إلّا كراهة أن يدخلها الحسين

وأنابها ، والله ما أريد أن أراه ولا يراني ، فأتاه الرسول فأخبره ، فأخذ الحسين نعليه فانتعل ، ثمّ قام فجاءه حتى دخل عليه ، فسلّم وجلس ، ثمّ دعاه إلى الخروج معه ، فأعاد إليه ابن الحرّ تلك المقالة ، فقال : فإلّا تنصرنا فاتّق الله أن تكون ممن يقاتلنا ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلّا هلك ، قال : أمّا هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله ، ثمّ قام الحسين من عنده حتى دخل رحله.

قال المؤلّف : لعل الباحث يجد بادئ ذي بدء تناقضا بين موقف الإمام ممّن تجمع عليه في منزل زبالة يفرّقهم من حوله ، وموقف الإمام هنا مع ابن الحرّ وقبله مع ابن القين ، وكذلك مع غيرهما ، حيث كان يدعوهم فرادى وجماعات إلى نصرته ، ولكنه إذا تدبّر خطب الإمام وكلامه في كل مكان ومع أيّ إنسان كان ، أدرك ان الإمام كان يبحث عن أنصار ينضمّون تحت لوائه ويبايعونه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستنكار بيعة ائمة الضلالة أمثال يزيد على الحكم ، أنصارا واعين لاهداف قيامه ، يقاومون الاغراء بالدنيا ، يصارعون الحكم الغاشم حتى يقتلوا في سبيل ذلك!

استقاء مرة اخرى :

روى الطبري وغيره واللفظ للطبري (١) ، عن عقبة بن سمعان ، قال : لمّا كان في آخر اللّيل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ثمّ أمرنا بالرحيل ففعلنا. قال : فلمّا ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة ثمّ انتبه وهو يقول : انّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين.

قال : ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا.

قال : فأقبل إليه ابنه عليّ بن الحسين على فرس له ، فقال : يا أبت جعلت فداك ممّ حمدت الله واسترجعت؟ قال : يا بنيّ ، إنّي خفقت برأسي

__________________

(١) المصادر لا تزال هي التي ذكرناها في أول فصل «لقاء الإمام الحسين (ع) الحر».

خفقة فعنّ لي فارس على فرس ، فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت انّها أنفسنا نعيت إلينا قال له : يا أبت ، لا أراك الله سوءا! ألسنا على الحقّ؟ قال : بلى والّذي إليه مرجع العباد. قال : يا ابت : إذا لا نبالي ، نموت محقّين ، فقال له : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده.

نزول ركب آل الرسول (ص) أرض كربلاء

قال أبو مخنف : فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة ثمّ عجّل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّهم فيردّه ، فجعل إذا ردّهم إلى الكوفة ردّا شديدا امتنعوا عليه ، فارتفعوا فلم يزالوا يتسايرون حتى انتهوا إلى نينوى المكان الّذي نزل به الحسين.

قال : فإذا راكب على نجيب له وعليه السلاح ، متنكّب قوسا ، مقبل من الكوفة فوقفوا جميعا ينتظرونه ، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ بن يزيد وأصحابه ولم يسلّم على الحسين (ع) وأصحابه ، فدفع إلى الحرّ كتابا من عبيد الله بن زياد فإذا فيه : أمّا بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي ، فلا تنزله إلّا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري والسلام.

قال : فلمّا قرأ الكتاب ، قال لهم الحرّ : هذا كتاب الأمير عبيد الله بن زياد يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الّذي يأتيني فيه كتابه ، وهذا رسوله ، وقد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره ، فنظر إلى رسول عبيد الله ، يزيد بن زياد بن المهاصر أبو الشعثاء الكنديّ ثمّ البهدلي فعنّ له

فقال : أمالك بن النسير البديّ؟ قال : نعم ، وكان احد كندة ، فقال له يزيد بن زياد : ثكلتك أمّك! ما ذا جئت فيه؟! قال : وما جئت فيه ، أطعت امامي ووفيت ببيعتي ، فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، كسبت العار والنار ، قال الله عزوجل : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) فهو إمامك.

قال : وأخذ الحرّ بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية فقالوا دعنا ننزل في هذه القرية ـ يعنون نينوى ـ أو هذه القرية ـ يعنون الغاضرية ـ أو هذه الأخرى ـ يعنون شفية ـ فقال : لا والله ما استطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث إليّ عينا. فقال له زهير بن القين : يا ابن رسول الله! ان قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمري ليأتينا من بعد من ترى ما لا قبل لنا به ، فقال له الحسين : ما كنت لأبدأهم بالقتال. وفي الاخبار الطوال بعده :

فقال له زهير : فها هنا قرية بالقرب منا على شطّ الفرات ، وهي في عاقول (١) حصينة ، الفرات يحدق بها إلّا من وجه واحد.

قال الحسين : وما اسم تلك القرية؟

قال : العقر.

قال الحسين : نعوذ بالله من العقر (٢).

فقال الحسين للحرّ : سر بنا قليلا ، ثم ننزل.

فسار معه حتى أتوا كربلاء ، فوقف الحرّ وأصحابه أمام الحسين ومنعوهم من المسير ، وقال : انزل بهذا المكان ، فالفرات منك قريب.

__________________

(١) عاقول الوادي ما اعوج منه ، والأرض العاقول التي لا يهتدى إليها.

(٢) مكان قرب كربلاء من نواحي الكوفة.

قال الحسين : وما اسم هذا المكان (١)؟

قالوا له : كربلاء.

قال : ذات كرب وبلاء ، ولقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفّين ، وأنا معه ، فوقف ، فسأل عنه ، فأخبر باسمه ، فقال : «هاهنا محط ركابهم ، وهاهنا مهراق دمائهم» ، فسئل عن ذلك ، فقال : «ثقل لآل بيت محمّد ، ينزلون هاهنا» (٢). وقبض قبضة منها فشمّها وقال هذه والله هي الأرض الّتي أخبر بها جبرئيل رسول الله أنّني أقتل فيها ، أخبرتني أمّ سلمة ، قالت : كان جبرئيل عند رسول الله (ص) وأنت معي فبكيت. فقال رسول الله دعي ابني ، فتركتك فأخذك ووضعك في حجره. فقال جبرئيل : أتحبّه؟ قال : نعم ، قال : فانّ أمّتك ستقتله ، وان شئت أريتك تربة أرضه الّتي يقتل فيها ، قال : نعم. فبسط جبرئيل جناحه على أرض كربلاء فأراه ايّاها (٣).

وفي رواية : لمّا أحيط بالحسين بن علي ، قال : ما اسم هذه الأرض؟ قيل : كربلاء. فقال : صدق النبيّ (ص) انّها أرض كرب وبلاء (٤).

قال المؤرّخون : ثمّ أمر بأثقاله فحطّت بذلك المكان يوم الاربعاء غرّة محرم سنة ٦١ ه‍ (٥) ، أو يوم الخميس الثاني من المحرّم (٦).

ولمّا نزل كربلاء كتب إلى ابن الحنفيّة وجماعة من بني هاشم : أمّا

__________________

(١) و (٢) روى هذه المحاورة الدينوري في الاخبار الطوال ص ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، وراجع تاريخ الخميس ٢ / ٢٩٧ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٢.

(٣) أوردتها بلفظ سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الامة ١٤٢.

(٤) ترجمة الحسين بمعجم الطبراني ح ٤٦ ، وكنز العمال ٢٦ ـ ٢٦٦ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٢ ذيل الرواية التي أوردناها آنفا بلفظ سبط ابن الجوزي.

(٥) الدينوري في الأخبار الطوال ص ٢٥٣.

(٦) الطبري ٦ / ٢٣٢ ، وابن كثير ٨ / ١٧٤ ، وأنساب الأشراف للبلاذري ص ١٧٦ ، وارشاد المفيد ص ٢١٠.

بعد : فكأنّ الدنيا لم تكن ، وكأنّ الآخرة لم تزل (١).

__________________

(١) كامل الزيارة لابن قولويه ص ٧٥ باب ٢٣. وقد استفاد بعد الإمام الحسين الحسن البصري منه وكتب به إلى عمر بن عبد العزيز كما يبدو ، وراجع الأغاني ط. ساسي ٨ / ١٠٥.

قدوم عمر بن سعد على الحسين (ع)

قال الطبري وغيره واللّفظ للطبري (١) : فلما كان من الغد ؛ قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف ، قال : وكان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين (ع) ان عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها ، فكتب إليه ابن زياد عهده على الريّ وأمره بالخروج ، فخرج معسكرا بالناس بحمّام أعين ، فلمّا كان من أمر الحسين ما كان وأقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال : سر إلى الحسين فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينه سرت إلى عملك ، فقال له عمر بن سعد : إن رأيت رحمك الله أن تعفيني فافعل ، فقال له عبيد الله : نعم ، على ان تردّ لنا عهدنا. فلمّا قال له ذلك قال عمر بن سعد : امهلني اليوم حتى أنظر ، فانصرف عمر يستشير نصحاءه ، فلم يكن يستشير

__________________

(١) رجعنا إلى رواية المصادر التي ذكرناها في أول فصل «لقاء الإمام الحسين (ع) الحر» وما كان من غيرها ، صرحنا به في الهامش ، وهي تاريخ الطبري ٦ / ٢٣٢ ـ ٢٧٠ ، وابن الاثير ١٩ ـ ٣٨ ، وابن كثير ٨ / ١٧٢ ـ ١٩٨ ، والدينوري في الأخبار الطوال ص ٢٥٣ ـ ٢٦١ ، وهو يوجز الاخبار ، وأنساب الأشراف للبلاذري ص ١٧٦ ـ ٢٢٧ ، وسياقه غير سياق الطبري ، وارشاد المفيد ٢١٠ ـ ٢٣٦ ، وإعلام الورى ٢٣١ ـ ٢٥٠. وما تفرد به أحدهم صرحنا به وكذلك ما نقلناه عن غير هؤلاء.

أحدا إلّا نهاه وجاء حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن اخته ، فقال : أنشدك الله يا خال أن تسير إلى الحسين فتأثم بربّك ، وتقطع رحمك ، فو الله لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّها لو كان لك ؛ خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين ، فقال له عمر بن سعد : فانّي أفعل ان شاء الله.

وروى عن عبد الله بن يسار الجهنيّ قال : دخلت على عمر بن سعد وقد أمر بالمسير إلى الحسين فقال لي : انّ الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين ، فأبيت ذلك عليه. فقلت له : أصاب الله بك ، أرشدك الله ، أجل فلا تفعل ، ولا تسر إليه ، قال : فخرجت من عنده فأتاني آت وقال : هذا عمر بن سعد يندب الناس إلى الحسين ، قال : فأتيته فإذا هو جالس ، فلمّا رآني أعرض بوجهه ، فعرفت انّه قد عزم على المسير إليه ، فخرجت من عنده.

وروى الطبري وقال : فأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد ، فقال : أصلحك الله انّك وليتني هذا العمل وكتبت لي العهد وسمع به الناس ، فإن رأيت أن تنفذ لي ذلك فافعل ، وابعث إلى الحسين في هذا الجيش من أشراف الكوفة من لست بأغنى ولا أجزأ عنك في الحرب منه ، فسمّى له اناسا فقال له ابن زياد : لا تعلمني بأشراف أهل الكوفة ، ولست أستأمرك فيمن أريد ان أبعث ، ان سرت بجندنا وإلّا فابعث إلينا بعهدنا ، فلمّا رآه قد لجّ ، قال : فإنّي سائر ، قال : فأقبل في أربعة آلاف حتى نزل بالحسين من الغد من يوم نزل الحسين نينوى.

ابن سعد يسأل الحسين عن الذي جاء به

قال : فبعث عمر بن سعد إلى الحسين (ع) عزرة بن قيس الأحمسي ، فقال : ائته فسله ما الذي جاء به؟ وما ذا يريد؟ وكان عزرة ممّن كتب إلى الحسين ، فاستحيا منه ان يأتيه ، قال : فعرض ذلك على الرؤساء الّذين كاتبوه

فكلّهم أبى وكرهه ، قال : وقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي ، وكان فارسا شجاعا ليس يردّ وجهه شيء ، فقال : أنا أذهب إليه ، والله لئن شئت لأفتكنّ به ، فقال له عمر بن سعد : ما أريد أن يفتك به ، ولكن ائته فسله ما الذي جاء به؟ فأقبل إليه فلمّا رآه أبو ثمامة الصائديّ قال للحسين : أصلحك الله أبا عبد الله قد جاءك شرّ أهل الأرض وأجرأه على دم وأفتكه ، فقام إليه ، فقال : ضع سيفك : قال : لا والله ولا كرامة ، انّما أنا رسول فإن سمعتم منّي أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ، وإن أبيتم انصرفت عنكم ، فقال له : فانّي آخذ بقائم سيفك ، ثم تكلّم بحاجتك ، قال : لا والله لا تمسّه! فقال له : أخبرني ما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنو منه ، فانّك فاجر! قال : فاستبّا ثم انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر ، فدعا عمر قرّة بن قيس الحنظليّ فقال له : ويحك يا قرّة! الق حسينا ، فسله ما جاء به؟ وما ذا يريد؟ قال فأتاه قرّة ابن قيس ، فلمّا رآه الحسين مقبلا ، قال : أتعرفون هذا؟ فقال حبيب بن مظاهر : نعم هذا رجل من حنظلة تميميّ وهو ابن اختنا ، ولقد كنت أعرفه بحسن الرأي ، وما كنت أراه يشهد هذا المشهد! قال : فجاء حتى سلّم على الحسين ، وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه ، فقال له الحسين : كتب إليّ أهل مصركم هذا ان اقدم فأمّا إذ كرهوني فأنا أنصرف عنهم. قال : ثم قال له حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرّة بن قيس! أنّى ترجع إلى القوم الظالمين! انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة وايّانا معك! فقال له قرّة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي ، قال : فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر ، فقال له عمر بن سعد : إني لأرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.

المكاتبة بين ابن سعد وابن زياد :

قال : كتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد : بسم الله الرحمن

الرحيم ، أمّا بعد ، فإنّي حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عمّا اقامه وما ذا يطلب ويسأل ، فقال : كتب إليّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت ، فأمّا إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم.

فلمّا قرئ الكتاب على ابن زياد قال :

الآن إذ علقت مخالبنا به

يرجو النجاة ولات حين مناص

وكتب إلى عمر بن سعد : بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد ، فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت ، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه فإذا فعل ذلك رأينا رأينا والسلام.

قال فلما أتى عمر بن سعد الكتاب ، قال : قد حسبت أن لا يقبل ابن زياد العافية.

ابن زياد يأمر بالنفير العام :

وروى البلاذري في أنساب الأشراف وقال : لما سرح ابن زياد عمر بن سعد ، أمر الناس فعسكروا بالنخيلة ، وأمر أن لا يتخلّف أحد منهم ، وصعد المنبر فقرّض معاوية وذكر إحسانه وادراره الأعطيات وعنايته بأهل الثغور ، وذكر اجتماع الألفة به وعلى يده ، وقال : إن يزيد ابنه ، المتقيّل له (١) ، السالك لمناهجه ، المحتذي لمثاله ، وقد زادكم مائة مائة في أعطيتكم ، فلا يبقين رجل من العرفاء والمناكب والتجار والسكان إلّا خرج فعسكر معي ، فأيّما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن العسكر برئت منه الذّمة.

ثم خرج ابن زياد فعسكر ، وبعث إلى الحصين بن تميم وكان بالقادسية في أربعة آلاف ، فقدم النخيلة في جميع من معه.

__________________

(١) أي المشبه له المتخلق بأخلاقه وسجيته.

ثم دعا ابن زياد كثير بن شهاب الحارثي ، ومحمّد بن الأشعث بن قيس القعقاع بن سويد بن عبد الرحمن المنقري ، وأسماء بن خارجة الفزاري وقال : طوفوا في الناس فمروهم بالطاعة والاستقامة ، وخوّفوهم عواقب الأمور والفتنة والمعصية ، وحثوهم على العسكرة [كذا] فخرجوا فعزروا وداروا بالكوفة. ثم لحقوا به غير كثير بن شهاب ، فإنّه كان مبالغا يدور بالكوفة يأمر الناس بالجماعة ، ويحذّرهم الفتنة والفرقة ويخذّل عن الحسين!!!

وسرّح ابن زياد أيضا حصين بن تميم في الأربعة الآلاف الذين كانوا معه إلى الحسين بعد شخوص عمر بن سعد بيوم أو يومين.

ووجّه أيضا إلى الحسين حجّار بن أبجر العجلي في ألف.

وتمارض شبث بن ربعي ، فبعث إليه فدعاه وعزم عليه أن يشخص إلى الحسين في ألف ففعل.

وكان الرجل يبعث في ألف فلا يصل إلّا في ثلاث مائة وأربع مائة وأقل من ذلك كراهة منهم لهذا الوجه.

ووجّه أيضا يزيد بن الحرث بن يزيد بن رويم في ألف أو أقلّ.

ثم ان ابن زياد استخلف على الكوفة عمرو بن حريث ، وأمر القعقاع بن سويد بن عبد الرحمن بن بجير المنقري بالتطواف بالكوفة في خيل فوجد رجلا من همدان قد قدم يطلب ميراثا له بالكوفة ؛ فأتى به ابن زياد فقتله ، فلم يبق بالكوفة محتلم إلّا خرج إلى العسكر بالنخيلة.

ثم جعل ابن زياد يرسل العشرين والثلاثين والخمسين إلى المائة غدوة وضحوة ونصف النهار وعشية من النخيلة يمدّ بهم عمر بن سعد.

ذكر ابن نما في مثير الاحزان : ان عددهم بلغ لست خلون من المحرّم عشرين الفا (١).

__________________

(١) مثير الاحزان ص ٣٦ ـ ٣٧ ، واللهوف ص ٣٣.

وروى البلاذري في أنساب الأشراف وقال : ووضع ابن زياد المناظر على الكوفة (١) لئلا يجوز أحد من العسكر مخافة أن يلحق الحسين مغيثا له ، ورتب المسالح حولها (٢) ، وجعل على حرس الكوفة زحر بن قيس الجعفي.

ورتب بينه وبين عسكر عمر بن سعد خيلا مضمرة مقدحه (٣) ، فكان خبر ما قبله يأتيه في كل وقت (٤).

__________________

(١) المناظر : جمع المنظرة : القوم يصعدون إلى أعلى الاماكن ينظرون ويراقبون ، ما ارتفع من الأرض أو البناء.

(٢) المسالح : جمع المسلحة : المرقب أو قوم ذوو سلاح يحرسون ويراقبون.

(٣) مقدحة من قولهم : «قدح النرس» : ضمره. أي صيره هزالا خفيف اللحم كي يكون عند الجري سريعا يسبق أقرانه إلى الهدف.

(٤) الروايتان الأولى والثانية في أنساب الأشراف ح ٣٣ بترجمة الحسين.

منع الماء عن عترة الرسول (ص)

روى الطبري عن حميد بن مسلم الأزدي قال : جاء من عبيد الله بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد : أمّا بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقيّ الزكيّ المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان.

قال : فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجّاج على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين حسين وأصحابه وبين الماء أن يسقوا منه قطرة وذلك قبل قتل الحسين بثلاث قال : ونازله عبد الله بن أبي حصين الأزديّ وعداده في بجيلة فقال : يا حسين! ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء! والله لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشا ، فقال حسين : اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا قال حميد بن مسلم والله لعدته بعد ذلك في مرضه فو الله الذي لا إله إلّا هو لقد رأيته يشرب حتّى يبغر ثم يقيء ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى ، فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصّته يعني نفسه.

معركة على الماء :

قال : ولمّا اشتدّ على الحسين وأصحابه العطش دعا أخاه العبّاس بن عليّ بن أبي طالب فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، وبعث معهم بعشرين قربة فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا واستقدم امامهم باللواء نافع بن هلال الجمليّ ، فقال عمرو بن الحجّاج الزّبيدي : من الرجل؟ فجئ ما جاء

بك. قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئا ، قال : لا والله لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن ترى من أصحابه ، فطلعوا عليه ، فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء ، فلمّا دنا منه أصحابه قال لرجاله : املئوا قربكم فشدّ الرجّالة فملئوا قربهم وثار إليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه ، فحمل عليهم العبّاس بن عليّ ونافع بن هلال فكفّوهم ، ثم انصرفوا إلى رحالهم فقالوا : امضوا وقفوا دونهم فعطف عليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه واطّردوا قليلا ، ثم انّ رجلا من صداء طعن من أصحاب عمرو بن الحجّاج ، طعنه نافع بن هلال فظنّ انها ليست بشيء ثم انّها انتفضت بعد ذلك ، فمات منها وجاء أصحاب حسين بالقرب فأدخلوها عليه.

اعذار الإمام قبل القتال :

وروى عن هانئ بن ثبيت الحضرميّ وكان قد شهد قتل الحسين ، قال : بعث الحسين (ع) إلى عمر بن سعد عمرو بن قرضة بن كعب الأنصاريّ ان القني الليل بين عسكري وعسكرك قال : فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارسا وأقبل حسين في مثل ذلك فلمّا التقوا أمر الحسين أصحابه أن يتنحّوا عنه وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك ، قال : فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما ، ولا كلامهما ، فتكلّما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع ، ثم انصرف كلّ واحد منهما إلى عسكره بأصحابه ، وتحدّث الناس فيما بينهما ظنّا يظنّونه ان حسينا قال لعمر بن سعد اخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين قال عمر إذن تهدم داري. قال : أنا أبنيها لك. قال اذن تؤخذ ضياعي. قال : إذن أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز. قال : فتكره ذلك عمر ، قال : فتحدّث الناس بذلك وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئا ولا علموه.

وروى عن عقبة بن سمعان قال صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى العراق ، ولم افارقه حتى قتل وليس من

مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلّا وقد سمعتها ، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنه قال : دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس.

وروى عن أبي مخنف عن رجاله : انّهما كانا التقيا مرارا ثلاثا أو أربعا حسين وعمر بن سعد قال : فكتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد : أمّا بعد فانّ الله قد أطفأ النائرة ، وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمّة ، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى ، أو أن نسيره أي ثغر من ثغور المسلمين شئنا فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه ، وفي هذا لكم رضى وللأمّة صلاح ، قال : فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال : هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه ، نعم قد قبلت. قال : فقام إليه شمر بن ذي الجوشن ، فقال : أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك إلى جنبك! والله لئن رحل من بلدك ، ولم يضع يده في يدك ، ليكوننّ أولى بالقوّة والعز ، ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز ، فلا تعطه هذه المنزلة ، فإنّها من الوهن ، ولكن لينزل على حكمك ، هو وأصحابه ، فإن عاقبت فأنت وليّ العقوبة ، وان غفرت كان ذلك لك ، والله لقد بلغني ان حسينا وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدّثان عامّة الليل ، فقال له ابن زياد : نعم ما رأيت ، الرأي رأيك.

ابن زياد يمنع الإمام من الرجوع

قال : ثم ان عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له : اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد ، فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي ، فإن فعلوا فليبعث بهم إليّ سلما ، وان هم أبوا فليقاتلهم ، فإن فعل فاسمع له وأطع ، وان هو أبى فقاتلهم ، فأنت أمير الناس ، وثب عليه فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه.

قال : ثم كتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد : أمّا بعد فإنّي لم

أبعثك إلى حسين لتكفّ عنه ولا لتطاوله ، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتقعد له عندي شافعا ، انظر ، فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا ، فابعث بهم إليّ سلما ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم ، وتمثّل بهم ، فإنهم لذلك مستحقون ، فإن قتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره ، فإنه عاقّ مشاقّ قاطع ظلوم ، وليس دهري في هذا أن يضر بعد الموت شيئا ولكن عليّ قول لو قد قتلته فعلت هذا به! ان أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنّا قد أمرناه بأمرنا والسلام.

أمان ابن زياد للعباس واخوته :

قال : لمّا قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب ، قام هو وعبد الله بن أبي المحلّ ، وكانت عمّته أمّ البنين ابنة حزام عند عليّ بن أبي طالب (ع) فولدت له العبّاس وعبد الله وجعفرا وعثمان ، فقال عبد الله بن أبي المحلّ بن حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب : أصلح الله الأمير ان بني اختنا مع الحسين ، فان رأيت أن تكتب لهم أمانا ، فعلت ، قال : نعم ، ونعمة عين ، فأمر كاتبه فكتب لهم أمانا فبعث به عبد الله بن أبي المحلّ مع مولى له يقال له : كزمان ، فلمّا قدم عليهم دعاهم فقال : هذا أمان بعث به خالكم ، فقال له الفتية : أقرئ خالنا السلام ، وقل له : ان لا حاجة لنا في أمانكم ، أمان الله خير من امان ابن سميّة. قال : فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد ، فلمّا قدم به عليه ، فقرأه ، قال له عمر : ما لك! ويلك لا قرّب الله دارك ، وقبح الله ما قدمت به عليّ ، والله انّي لأظنّك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه ، أفسدت علينا أمرا كنّا رجونا أن يصلح ، لا يستسلم والله حسين ، إن نفسا أبيّة لبين جنبيه ، فقال له شمر : أخبرني ما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوّه؟ وإلّا فخلّ بيني وبين الجند والعسكر. قال : لا! ولا كرامة لك ، وأنا أتولّى ذلك ، قال فدونك وكن أنت على الرجال.

قال : وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين فقال أين بنو اختنا؟

فخرج إليه العبّاس وجعفر وعثمان بنو عليّ فقالوا له : ما لك وما تريد؟ قال : أنتم يا بني اختي آمنون ، قال له الفتية : لعنك الله ولعن أمانك ، لئن كنت خالنا أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له!؟

ليلة العاشر من محرّم

قال : ثم انّ عمر بن سعد نهض إليه عشية الخميس لتسع مضين من المحرّم ، ونادى : يا خيل الله اركبي وابشري.

فركب في الناس ، ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر ، وحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت اخته زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت : يا أخي! أما تسمع الأصوات قد اقتربت قال : فرفع الحسين رأسه ، فقال : انّي رأيت رسول الله (ص) في المنام فقال لي انّك تروح إلينا ، قال : فلطمت أخته وجهها ، وقالت : يا ويلتا! فقال : ليس لك الويل يا اخيّة اسكني ؛ رحمك الرحمن ، وقال العبّاس بن عليّ : يا أخي أتاك القوم ، قال : فنهض ، ثم قال : يا عبّاس! اركب بنفسي أنت يا أخي حتّى تلقاهم فتقول لهم : ما لكم وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم ، فأتاهم العبّاس ، فاستقبلهم في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فقال لهم العباس: ما بدا لكم وما تريدون؟ قالوا جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه ، أو ننازلكم. قال : فلا تعجلوا حتّى ارجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم ، قال : فوقفوا ، ثمّ قالوا : القه فأعلمه ذلك ، ثمّ القنا بما يقول ، قال : فانصرف العبّاس راجعا يركض

إلى الحسين يخبر بالخبر ، ووقف أصحابه يخاطبون القوم ، فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين كلّم القوم ، ان شئت ، وان شئت كلّمتهم ، فقال له زهير : أنت بدأت بهذا ، فكن أنت تكلّمهم ، فقال لهم حبيب بن مظاهر : أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرّيّة نبيه (ص) وعترته ، وأهل بيته (ع) وعبّاد أهل هذا المصر المجتهدين بالاسحار والذاكرين الله كثيرا ، فقال له عزرة بن قيس : انّك لتزكي نفسك ما استطعت ، فقال له زهير : يا عزرة! انّ الله قد زكّاها وهداها ، فاتّق الله يا عزرة! فانّي لك من الناصحين ، أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممّن يعين الضّلال على قتل النفوس الزكية ، قال : يا زهير! ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانيا! قال : أفلست تستدلّ بموقفي هذا انّي منهم؟ أما والله ما كتبت إليه كتابا قطّ ، ولا أرسلت إليه رسولا قطّ ، ولا وعدته نصرتي قطّ ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلمّا رأيته ذكرت به رسول الله (ص) ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه من عدوّه وحزبكم ؛ فرأيت أن أنصره ، وأن أكون في حزبه ، وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظا لما ضيّعتم من حقّ الله ، وحقّ رسوله (ص).

طلب الحسين (ع) المهلة :

قال وأتى العبّاس بن عليّ حسينا بما عرض عليه عمر بن سعد ، فقال له : ارجع إليهم فان استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نصلّي لربّنا وندعوه ونستغفره فهو يعلم انّي قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار.

قال : وأقبل العبّاس بن عليّ يركض حتّى انتهى إليهم ، فقال : يا هؤلاء ان أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية ، حتى ينظر في هذا الأمر فإنّ هذا أمر لم يجر بينكم وبينه فيه منطق ، فإذا أصبحنا التقينا ان شاء

الله ، فإمّا رضيناه ، فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه ، أو كرهنا فرددناه ، وانما أراد بذلك أن يردّهم عنه تلك العشيّة ، حتى يأمر بأمره ويوصي أهله ، فلمّا أتاهم العبّاس بن عليّ بذلك ، قال عمر بن سعد : ما ترى يا شمر! قال : ما ترى أنت ، أنت الأمير والرأي رأيك! قال قد أردت أن لا أكون ، ثم أقبل على الناس فقال : ما ذا ترون؟ فقال عمرو بن الحجّاج بن سلمة الزبيديّ. سبحان الله! والله لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة ، لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها ، وقال قيس بن الأشعث : أجبهم إلى ما سألوك فلعمري ليصبحنّك بالقتال غدوة ، فقال : والله لو أعلم أن يفعلوا ما أخرجتهم العشيّة.

وروى عن عليّ بن الحسين قال : أتانا رسول من قبل عمر بن سعد فقام مثل حيث يسمع الصوت فقال : انّا قد أجّلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم سرّحنا بكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد وإن أبيتم فلسنا تاركيكم.

خطبة الحسين (ع) في أصحابه ليلة العاشر :

وروى عن علي بن الحسين ، قال : جمع الحسين أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد ، وذلك عند قرب المساء ، قال عليّ بن الحسين : فدنوت منه لأسمع وأنا مريض فسمعت أبي وهو يقول لاصحابه : أثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء ، وأحمده على السّراء والضّراء ، اللهم! إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة وعلّمتنا القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، ولم تجعلنا من المشركين ، أمّا بعد فإنّي لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي جميعا خيرا ، ألا وإني أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غدا ، ألا وإنّي قد رأيت لكم ، فانطلقوا جميعا في حلّ ليس عليكم منّي ذمام. هذا الليل قد

غشيكم فاتخذوه جملا ، ثم ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، ثم تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرّج الله ، فإن القوم انّما يطلبوني ، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري.

جواب أهل بيته وأصحابه :

فقال له اخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر : لم نفعل؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبدا ، بدأهم بهذا القول العبّاس بن عليّ ، ثم انّهم تكلّموا بهذا ونحوه ، فقال الحسين (ع) : يا بني عقيل! حسبكم من القتل بمسلم ، اذهبوا قد أذنت لكم ، قالوا : فما يقول الناس؟ يقولون : إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا! لا والله لا نفعل! ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا ، وأهلونا ، ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك.

وقال : فقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي ، فقال : أنحن نخلّي عنك ولما نعذر إلى الله في اداء حقّك؟! أمّا والله! حتّى اكسر في صدورهم رمحي ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولا افارقك ، ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك ، حتى أموت معك.

قال : وقال سعد بن عبد الله الحنفيّ : والله لا نخليك حتّى يعلم الله انّا قد حفظنا غيبة رسول الله (ص) فيك ، والله لو علمت انّي أقتل ، ثم أحيا ، ثم أحرق حيّا ، ثم أذرّ ، يفعل ذلك بي سبعين مرّة ، ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك؟ وانّما هي قتلة واحدة ، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا ، قال : وقال زهير بن القين : والله لوددت انّي قتلت ثم نشرت ، ثم قتلت ، حتى أقتل كذا ألف قتلة ، وأنّ الله يدفع بذلك

القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك ، قال : وتكلّم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد ، فقالوا : والله لا نفارقك ، ولكن أنفسنا لك الفداء ، نقيك بنحورنا ، وجباهنا وأيدينا فإذا نحن قتلنا كنّا وفينا وقضينا ما علينا.

سند آخر لهذه الرواية :

وروى الطبري هذه الرواية بايجاز عن الضحّاك بن عبد الله المشرقيّ قال : قدمت ومالك بن النضر الأرحبيّ على الحسين فسلّمنا عليه ثم جلسنا إليه فردّ علينا فرحّب بنا وسألنا عما جئنا له فقلنا : جئنا لنسلّم عليك وندعو الله لك بالعافية ، ونحدث بك عهدا ، ونخبرك خبر الناس ، وإنّا نحدّثك انهم قد جمعوا على حربك فر رأيك. فقال الحسين (ع) : حسبي الله ونعم الوكيل. قال : فتذمّمنا وسلّمنا عليه ودعونا الله له قال : فما يمنعكما من نصرتي؟ فقال مالك بن النضر : عليّ دين ولي عيال ، فقلت له : انّ عليّ دينا وإنّ لي لعيالا ولكنك ان جعلتني في حلّ من الانصراف إذا لم أجد مقاتلا قاتلت عنك ما كان لك نافعا وعنك دافعا.

قال : قال : فأنت في حلّ فأقمت معه.

ثمّ نقل الضحاك الخبر السابق بايجاز (١).

الحسين ينعى نفسه ويوصي اخته بالصبر :

روى الطبري عن عليّ بن الحسين بن عليّ ، قال : إنّي جالس في تلك العشيّة التي قتل أبي صبيحتها ، وعمتي زينب عندي تمرّضني إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له وعنده حويّ مولى أبي ذرّ الغفاري (٢) وهو يعالج

__________________

(١) الطبري ٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٢ ط. أوربا.

(٢) ورد في مقتل الخوارزمي وغيره في خبر مقتله بلفظ «جون».

سيفه ويصلحه وأبي يقول :

يا دهر افّ لك من خليل

كم لك بالاشراق والأصيل

من صاحب أو طالب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وإنّما الأمر إلى الجليل

وكلّ حيّ سالك السبيل

قال فأعادها مرّتين أو ثلاثا حتّى فهمتها فعرفت ما أراد ، فخنقتني عبرتي فرددت دمعي ولزمت السكوت ، فعلمت انّ البلاء قد نزل ، فأما عمّتي فإنّها سمعت ما سمعت ـ وهي امرأة وفي النساء الرقة والجزع ـ فلم تملك نفسها ان وثبت تجرّ ثوبها وإنّها لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت : وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمّي! وعلي أبي! وحسن أخي! يا خليفة الماضي وثمال الباقي ، فنظر إليها الحسين (ع) ، فقال : يا أخيّة! لا يذهبنّ حلمك الشيطان ، قالت : بأبي أنت وأمّي ، يا أبا عبد الله استقتلت! نفسي فداك! فردّ غصّته وترقرقت عيناه وقال : لو ترك القطا ليلا لنام. قالت : يا ويلتا! أفتغصب نفسك اغتصابا! فذلك أقرح لقلبي! وأشدّ على نفسي! ولطمت وجهها وأهوت إلى جيبها وشقّته! وخرّت مغشيّا عليها! فقام إليها الحسين ، فصبّ على وجهها الماء! وقال لها : يا أخيّة! اتّقي الله! وتعزي بعزاء الله! واعلمي انّ أهل الأرض يموتون ، وانّ أهل السماء لا يبقون ، وانّ كلّ شيء هالك إلّا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته ، ويبعث الخلق فيعودون ، وهو فرد وحده ، أبي خير منّي ، وأمّي خير منّي ، وأخي خير مني ، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول الله اسوة ، قال : فعزّاها بهذا ونحوه ، وقال لها : يا أخيّة! إنّي أقسم عليك فأبرّي قسمي. لا تشقي عليّ جيبا! ولا تخمشي عليّ وجها! ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت! قال : ثم جاء بها حتّى أجلسها عندي ، وخرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرّبوا بعض بيوتهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها

في بعض ، وأن يكونوا هم بين البيوت ، إلّا الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم.

إحياؤهم الليل بالعبادة :

وروى عن الضحّاك بن عبد الله المشرقيّ قال : فلمّا أمسى حسين وأصحابه ، قاموا الليل كلّه يصلّون ، ويستغفرون ، ويدعون ويتضرّعون ، قال : فتمرّ بنا خيل لهم ، تحرسنا ، وانّ حسينا ليقرأ : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ، ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا ، فقال : نحن وربّ الكعبة الطيبون! ميّزنا منكم! قال فعرفته فقلت لبرير بن حضير : تدري من هذا؟ قال : لا ، قلت : هذا أبو حرب السبيعي عبد الله بن شهر ، وكان مضحاكا بطالا ، وكان شريفا شجاعا فاتكا ، وكان سعيد بن قيس ربّما حبسه في جناية ، فقال له برير بن حضير : يا فاسق! أنت يجعلك الله في الطيّبين؟ فقال له : من أنت؟ قال : انا برير بن حضير ، قال : إنّا لله عزّ عليّ! هلكت والله! هلكت والله يا برير ، قال : يا أبا حرب هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام؟! فو الله إنّا لنحن الطيّبون ، ولكنكم لأنتم الخبيثون ، قال : وأنا على ذلك من الشّاهدين. قلت : ويحك! أفلا ينفعك معرفتك؟ قال : جعلت فداك فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزي من عنز بن وائل ، قال : ها هو ذا معي ، قال : قبّح الله رأيك على كلّ حال. أنت سفيه! قال : ثم انصرف عنّا وكان الذي يحرسنا بالليل في الخيل عزرة بن قيس الأحمسيّ وكان على الخيل.

يوم عاشوراء

قال : فلمّا صلّى عمر بن سعد الغداة يوم الجمعة ـ وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء ـ خرج فيمن معه من الناس ، قال : وعبّأ الحسين أصحابه وصلّى بهم صلاة الغداة ، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ، فجعل زهير ابن القين في ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه ، وأعطى رايته العبّاس بن عليّ أخاه ، وجعلوا البيوت في ظهورهم ، وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

قال : وكان الحسين (ع) أتي بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنه ساقية فحفروه في ساعة من الليل ، فجعلوه كالخندق ، ثم ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب ، وقالوا : إذا غدوا علينا فقاتلونا القينا فيه النار كيلا نؤتى من ورائنا ، وقاتلونا من وجه واحد ، ففعلوا ، وكان لهم نافعا.

قال : لمّا خرج عمر بن سعد بالناس كان على ربع أهل المدينة يومئذ عبد الله بن زهير بن سليم الأزديّ ، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الحنفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس ، وعلى ربع تميم وهمدان الحرّ بن يزيد الرياحيّ ، فشهد هؤلاء كلّهم مقتل الحسين إلّا الحر بن يزيد فانّه عدل إلى الحسين وقتل معه ، وجعل عمر على ميمنته عمرو بن الحجّاج الزّبيدي ، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن بن شرحبيل بن الأعور بن عمر بن معاوية وهو الضّباب بن كلاب ، وعلى الخيل

عزرة بن قيس الأحمسيّ ، وعلى الرجال شبث بن ربعيّ اليربوعيّ ، وأعطى الراية ذويدا مولاه.

استبشارهم بالشهادة :

وروى عن غلام لعبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاريّ ، قال : كنت مع مولاي فلمّا حضر الناس وأقبلوا إلى الحسين ، أمر الحسين بفسطاط فضرب ، ثم أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة أو صحفة.

قال : ثم دخل الحسين ذلك الفسطاط فتطّلى بالنورة ، قال : ومولاي عبد الرحمن بن عبد ربّه ، وبرير بن حضير الهمداني على باب الفسطاط ، تحتكّ مناكبهما ، فازدحما أيّهما يطّلي على أثره ، فجعل برير يهازل عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن : دعنا فو الله ما هذه بساعة باطل ، فقال له برير : والله لقد علم قومي انّي ما أحببت الباطل شابّا ولا كهلا ، ولكن والله انّي لمستبشر بما نحن لاقون ، والله إن بيننا وبين الحور العين إلّا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم ، ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم.

قال : فلمّا فرغ الحسين دخلنا فاطّلينا.

قال : ثم ان الحسين ركب دابّته ودعا بمصحف فوضعه أمامه (١). قال : فاقتتل أصحابه بين يديه قتالا شديدا ، فلمّا رأيت القوم قد صرعوا افلتّ وتركتهم.

دعاء الحسين (ع) يوم عاشوراء :

وروى الطبري ، وقال : لمّا صبّحت الخيل الحسين رفع الحسين يديه ، فقال : اللهم أنت ثقتي في كلّ كرب ، ورجائي في كلّ شدة ، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدة ، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدوّ ، أنزلته بك ، وشكوته إليك ، رغبة منّي إليك عمّن سواك ففرّجته وكشفته ، فأنت وليّ كلّ نعمة ، وصاحب كلّ

__________________

(١) في تذكرة خواص الامة أنه نشره على رأسه وخاطبهم (كما يأتي ان شاء الله).

حسنة ، ومنتهى كلّ رغبة (١)

وروى عن الضحّاك المشرقيّ قال : لمّا أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنّا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلّا يأتونا من خلفنا ، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة فلم يكلّمنا حتى مرّ على أبياتنا فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلّا حطبا تلتهب النار فيه ، فرجع راجعا فنادى بأعلى صوته : يا حسين! استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة؟!

فقال الحسين : من هذا؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن! فقالوا : نعم أصلحك الله هو هو ، فقال : يا ابن راعية المعزى! أنت أولى بها صليّا.

فقال له مسلم بن عوسجة : يا ابن رسول الله! جعلت فداك. ألا أرميه بسهم ، فانّه قد أمكنني وليس يسقط سهم ، فالفاسق من أعظم الجبّارين. فقال له الحسين : لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم ، وكان مع الحسين فرس له يدعى لاحقا حمل عليه ابنه عليّ بن الحسين.

خطبة الحسين الأولى :

قال : فلمّا دنا منه القوم دعا براحلته ، فركبها ، ثمّ نادى بأعلى صوته دعاء يسمع جلّ الناس : أيها الناس! اسمعوا قولي ، ولا تعجلوني حتى أعظكم بما الحقّ لكم عليّ ، وحتى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم عليّ سبيل ، وان لم تقبلوا منّي العذر ولم تعطوا النصف من أنفسكم ، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ، ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون ، انّ وليّي الله الذي نزّل الكتاب ، وهو يتولى الصّالحين (٢).

__________________

(١) ورواه بالإضافة إلى الطبري ومن ذكرنا ؛ ابن عساكر ح ٦٦٧ ، وتهذيبه ٤ / ٣٣٣ وفي لفظه «منتهى كل غاية».

(٢) رواها ابن نما في مثير الاحزان في اليوم السادس من المحرم وراجع الطبري ط. اوربا ٢ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

قال : فلمّا سمع اخواته كلامه هذا ، صحن وبكين وبكت بناته ، فارتفعت أصواتهنّ ، فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس بن عليّ ، وعليّا ابنه ، وقال لهما أسكتاهنّ فلعمري ليكثرنّ بكاؤهنّ. فلمّا سكتن ، حمد الله وأثنى عليه ، وذكر الله بما هو أهله ، وصلّى على محمّد صلّى الله عليه وعلى ملائكته وأنبيائه فذكر من ذلك ما الله أعلم ، وما لا يحصى ذكره ، قال:

فو الله ما سمعت متكلّما قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه ، ثم قال : أمّا بعد فانسبوني فانظروا من أنا ، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيّكم (ص) وابن وصيه وابن عمّه؟ وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟ أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي؟ أو ليس جعفر الشهيد الطيّار ذو الجناحين عمّي؟ أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم : ان رسول الله (ص) قال لي ولأخي «هذان سيّدا شباب أهل الجنّة»؟ فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ ، والله ما تعمّدت كذبا مذ علمت انّ الله يمقت عليه أهله ، ويضرّ به من اختلقه! وان كذّبتموني فانّ فيكم من ان سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، أو أبا سعيد الخدريّ ، أو سهل بن سعد الساعدي ، أو زيد بن أرقم ، أو أنس بن مالك ، يخبروكم انّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله (ص) لي ولأخي ، أفما في هذا حاجر لكم عن سفك دمي؟ فقال له شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف ، ان كان يدري ما تقول ، فقال له حبيب بن مظاهر : والله انّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفا ، وأنا اشهد انّك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك ، ثم قال لهم الحسين : فإن كنتم في شكّ من هذا القول أفتشكّون أثرا ما انّي ابن بنت نبيّكم؟ فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري منكم ولا من غيركم. أنا ابن بنت نبيّكم خاصّة ، اخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو

مال لكم استهلكته؟! أو بقصاص من جراحة؟

قال : فأخذوا لا يكلّمونه ، قال : فنادى : يا شبث بن ربعيّ! ويا حجّار بن أبجر! ويا قيس بن الأشعث! ويا يزيد بن الحارث! ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار ، واخضرّ الجناب وطمّت الجمام ، وانّما تقدم على جند لك مجنّدة ، فأقبل؟! قالوا له : لم نفعل. فقال : سبحان الله! بلى والله لقد فعلتم!

ثم قال : أيّها الناس! إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض ، قال : فقال له قيس بن الأشعث : أولا تنزل على حكم بني عمّك ، فانّهم لن يروك إلّا ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه ، فقال له الحسين : أنت أخو أخيك ، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل! لا والله لا أعطيهم بيدي اعطاء الذليل ، ولا أقرّ اقرار العبيد. انّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون. أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبر لا يؤمن بيوم الحساب. قال : ثمّ انّه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها ، وأقبلوا يزحفون نحوه.

خطبة زهير بن القين :

وروى عن كثير بن عبد الله الشعبيّ ، قال : لمّا زحفنا قبل الحسين ، خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح فقال : يا أهل الكوفة! نذار لكم من عذاب الله نذار! إنّ حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ، ونحن حتى الآن اخوة ، وعلى دين واحد ، وملّة واحدة ، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف ، وأنتم للنصيحة منّا أهل ، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة ، وكنّا أمّة وأنتم امة ، انّ الله قد ابتلانا وايّاكم بذريّة نبيّه محمّد (ص) ، لينظر ما نحن وأنتم عاملون ، إنّا ندعوكم إلى نصرهم ، وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد ، فانكم لا تدركون منهما إلّا بسوء عمر

سلطانهما كلّه! ليسملان أعينكم! ويقطعان أيديكم وأرجلكم! ويمثلان بكم! ويرفعانكم على جذوع النخل! ويقتلان أماثلكم وقرّاءكم أمثال حجر ابن عدي وأصحابه وهانئ بن عروة وأشباهه.

قال : فسبّوه واثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له وقالوا : والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه! أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سلما! فقال لهم : عباد الله! انّ ولد فاطمة رضوان الله عليها أحقّ بالودّ والنصر من ابن سميّة ، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم ، فخلّوا بين هذا الرجل وبين ابن عمّه يزيد بن معاوية فلعمري انّ يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين.

قال : فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم! وقال : اسكت أسكت الله نأمتك أبرمتنا بكثرة كلامك. فقال له زهير : : يا ابن البوّال على عقبه! ما إيّاك اخاطب ، إنّما أنت بهيمة ، والله ما أظنّك تحكم من كتاب الله آيتين ، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم! فقال له شمر : انّ الله قاتلك وصاحبك عن ساعة ، قال : أفبالموت تخوّفني؟ فو الله للموت معه أحب إليّ من الخلد معكم ، قال : ثمّ أقبل على الناس رافعا صوته ، فقال : عباد الله! لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه ، فو الله لا تنال شفاعة محمّد (ص) قوما هرقوا دماء ذريّته وأهل بيته ، وقتلوا من نصرهم وذبّ عن حريمهم. قال : فناداه رجل فقال له: انّ أبا عبد الله يقول لك أقبل! فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والابلاغ.

توبة الحرّ :

وروى عن عديّ بن حرملة قال : انّ الحرّ بن يزيد لمّا زحف عمر بن

سعد قال له : أصلحك الله! مقاتل أنت هذا الرجل؟! قال : إي والله قتالا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدي! قال : أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى؟! قال عمر بن سعد : أما والله لو كان الأمر إليّ لفعلت! ولكن أميرك قد أبى ذلك ، قال : فأقبل حتّى وقف من الناس موقفا ، ومعه رجل من قومه يقال له قرّة بن قيس ، فقال : يا قرة! هل سقيت فرسك اليوم؟! قال : لا ، قال : أفما تريد أن تسقيه؟ قال : فظننت والله انّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال ، وكره أن أراه حين يصنع ذلك فيخاف أن أرفعه عليه ، فقلت له : لم أسقه ، وأنا منطلق فساقيه. قال : فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، قال : فو الله لو انّه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين. قال : فأخذ يدنو من حسين ، قليلا قليلا ، فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس : ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء ؛ فقال له : يا ابن يزيد! والله إنّ أمرك لمريب! والله ما رأيت منك في موقف قطّ مثل شيء أراه الآن! ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلا؟ ما عدوتك! فما هذا الذي أرى منك؟ قال : انّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنّار ، والله لا أختار على الجنّة شيئا ولو قطعت وحرّقت ، ثمّ ضرب فرسه فلحق بحسين (ع) فقال له : جعلني الله فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الّذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان ، والله الذي لا إله إلّا هو ما ظننت ان القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبدا ، ولا يبلغون منك هذا المنزلة. فقلت في نفسي : لا أبالي أن أطيع القوم في بعض أمرهم ولا يرون أنّي خرجت من طاعتهم ، وأمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ، وو الله لو ظننت انهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك ، وإنّي قد جئتك تائبا ممّا كان منّي إلى ربّي ، ومواسيا لك بنفسي حتى أموت بين

يديك ، أفترى ذلك لي توبة ، قال : نعم يتوب الله عليك ، ويغفر لك ، ما اسمك؟ قال : أنّا الحرّ بن يزيد! قال أنت الحرّ ، كما سمّتك أمّك ، أنت الحرّ ان شاء الله في الدنيا والآخرة ، انزل! قال : أنا لك فارسا ، خير منّي راجلا ، أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول ما يصير آخر أمري ، قال الحسين : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك.

موعظة الحرّ لأهل الكوفة :

فاستقدم أمام أصحابه ثم قال : أيّها القوم! ألا تقبلون من حسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟ قالوا : هذا الأمير عمر بن سعد فكلّمه ، فكلّمه بمثل ما كلّمه به قبل ، وبمثل ما كلّم به أصحابه ، قال عمر : قد حرصت ، لو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت ، فقال : يا أهل الكوفة! لأمّكم الهبل والعبر إذ دعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم انكم قاتلوا أنفسكم دونه ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كلّ جانب ، فمنعتموه التوجّه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته ، وأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع ضرا ، وحلأتموه ونساءه وأصيبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهوديّ والمجوسيّ والنصرانيّ ، وتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمّدا في ذريّته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ ، ان لم تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا ، في ساعتكم هذه ، فحملت عليه رجّالة لهم ترميه بالنبل ، فأقبل حتى وقف أمام الحسين.

خطبة الحسين الثانية :

قال سبط ابن الجوزي : ثمّ ان الحسين عليه‌السلام ركب فرسه ، وأخذ

مصحفا ونشره على رأسه ، ووقف بإزاء القوم وقال : يا قوم! انّ بيني وبينكم كتاب الله وسنة جدي رسول الله (ص) (١).

وقال الخوارزمي : لمّا عبّأ ابن سعد أصحابه ، فأحاطوا بالحسين من كلّ جانب حتّى جعلوه في مثل الحلقة ، خرج الحسين من أصحابه فأتاهم فاستنصتهم ، فابوا أن ينصتوا فقال لهم : ويلكم! ما عليكم أن تنصتوا إليّ فتسمعوا قولي! وإنّما أدعوكم إلى سبيل الرشاد! فتلاوم أصحاب عمر بن سعد ، وقالوا : أنصتوا له ، فقال :

تبّا لكم أيّتها الجماعة وترحا! أحين استصرختمونا والهين ، فأصرخناكم موجفين ، سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم ، وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم ، فأصبحتم ألبا لأعدائكم على أوليائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، فهلّا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن ، والرأي لما يستحصف ، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا ، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ، ثم نقضتموها ، فسحقا لكم يا عبيد الامة! وشذاذ الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ومحرّفي الكلم ، وعصبة الآثم ونفثة الشيطان ، ومطفئي السنن ، ويحكم! أهؤلاء تعضدون ، وعنّا تتخاذلون؟! أجل والله غدر فيكم قديم ، وشجت عليه اصولكم ، وتأزرت فروعكم ، فكنتم أخبث ثمر ، شجى للناظر وأكلة للغاصب!

ألا وإن الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين ، بين السلّة ، والذلّة وهيهات منا الذلّة ، يأبى الله لنا ذلك ، ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت ، وانوف حميّة ، ونفوس أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر ، ثمّ

__________________

(١) تذكرة الخواص ص ٢٥٢.

أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي (١).

فان نهزم فهزّامون قدما

وإن نهزم فغير مهزّمينا

وما إن طبّنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الموت رفع عن أناس

بكلكله أناخ بآخرينا

أما والله لا تلبثون بعدها إلّا كريثما يركب الفرس ، حتّى تدور بكم دور الرحى ، وتقلق بكم قلق المحور ، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي رسول الله «فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ثمّ اقضوا الي ولا تنظرون ، إني توكلت على الله ربّي وربكم ما من دابّة إلّا هو آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط مستقيم» (٢).

ثمّ رفع يديه نحو السماء وقال : اللهم احبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسني يوسف ، وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة ، فانهم كذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك المصير (٣).

والله لا يدع أحدا منهم إلّا انتقم لي منه ، قتلة بقتلة وضربة بضربة ، وإنه لينتصر لي ولأهل بيتي وأشياعي (٤).

استجابة دعاء الحسين على ابن حوزة

وروى الطبري ، قال : إنّ رجلا من بني تميم يقال له : عبد الله بن

__________________

(١) قال ابن حجر في الاصابة ج ٣ ص ٢٠٥ ، في ترجمة فروة بن مسيك : وفد على النبي (ص) سنة تسع مع مذحج واستعمله النبي على مراد ومذحج وزبيد ، وفي الاستيعاب سكن الكوفة أيام عمر.

(٢) تاريخ ابن عساكر ح ٦٧٠ ، وتهذيبه ج ٢ ص ٣٣٤ ، والمقتل للخوارزمي ج ٢ ص ٧ وقد ذكرا البيتين الأول والثاني ولم ينسباهما إلى أحد.

(٣) اللهوف ص ٥٦ ط. صيدا ، والمقتل للخوارزمي ج ٢ ص ٧.

(٤) راجع : مقتل العوالم ص ٨٤.

حوزة ، جاء حتّى وقف أمام الحسين فقال : يا حسين! يا حسين! فقال حسين : ما تشاء؟ قال : أبشر بالنار! قال : كلّا! إنّي أقدم على ربّ رحيم ، وشفيع مطاع ، من هذا؟ قال له أصحابه : هذا ابن حوزة. قال : ربّ حزه إلى النار ، قال : فاضطرب به فرسه في جدول ، فوقع فيه ، وتعلّقت رجله بالركاب ووقع رأسه في الأرض ونفر الفرس فأخذه يمرّ به فيضرب برأسه كلّ حجر ، وكلّ شجرة ، حتّى مات.

وفي رواية ان عبد الله بن حوزة حين وقع عن (١) فرسه بقيت رجله اليسرى في الركاب وارتفعت اليمنى فطارت وعدا به فرسه يضرب رأسه كلّ حجر وأصل شجرة حتى مات.

وروى عن عبد الجبّار بن وائل الحضرميّ عن أخيه مسروق بن وائل قال : كنت في أوائل الخيل ممّن سار إلى الحسين فقلت : أكون في أوائلها لعلي أصيب رأس الحسين ، فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن زياد ، قال : فلمّا انتهينا إلى حسين تقدّم رجل من القوم يقال له ابن حوزة فقال : أفيكم حسين؟ قال : فسكت حسين ، فقالها ثانية فأسكت حتّى إذا كانت الثالثة ، قال : قولوا له نعم ، هذا حسين فما حاجتك؟ قال : يا حسين! أبشر بالنار ، قال كذبت بل أقدم على ربّ غفور ، وشفيع مطاع ، فمن أنت؟ قال : ابن حوزة ، قال : فرفع الحسين يديه حتى رأينا بياض ابطيه من فوق الثياب ثم قال : اللهم حزه إلى النار ، قال : فغضب ابن حوزة فذهب ليقحم إليه الفرس ، وبينه وبينه نهر ، قال : فعلقت قدمه بالركاب وجالت به الفرس فسقط عنها ، قال : فانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقي جانبه الآخر متعلّقا بالركاب ، قال : فرجع مسروق ، وترك الخيل من ورائه ، قال : فسألته ، فقال : لقد رأيت من

__________________

(١) في الأصل : وقع فرسه ، وهو خطأ.

أهل هذا البيت شيئا لا اقاتلهم أبدا ، قال : ونشب القتال (١)

__________________

(١) في أمالي الشجري ص ١٦٠ ، وفي تاريخ ابن عساكر ح ٧١٦ بايجاز ، والطبري ط. اوربا ٢ / ٣٣٨.

زحف جيش الخلافة على معسكر الحسين (ع)

وروى الطبري عن حميد بن مسلم ، قال : وزحف عمر بن سعد نحوهم ثمّ نادى يا ذويد (١)! ادن رايتك ، قال : فادناها ثمّ وضع سهما في كبد قوسه ثمّ رمى فقال : اشهدوا أنّي أوّل من رمى.

وفي رواية المقريزي : اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل من رمى.

قال الطبري والمفيد : ثمّ ارتمى الناس وتبارزوا ، فبرز يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد فقالا : من يبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم قال : فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن حضير فقال لهما حسين اجلسا ، فقام عبد الله ابن عمير الكلبي من بني عليم وكان قد خرج مع امرأته أمّ وهب لما رأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين فسأل عنهم فقيل له: يسرحون إلى حسين بن فاطمة بنت رسول الله (ص) فقال : والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا ، وانّي لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيّهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه ايّاي في جهاد المشركين ، فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يريد ، فقالت : أصبت ، أصاب الله بك أرشد

__________________

(١) ورد في نسخة «زويد» وفي أخرى «دويد».

امورك افعل وأخرجني معك ، قال : فخرج بها ليلا ، حتّى أتى حسينا فأقام معه ، فلمّا برز يسار وسالم قام عبد الله بن عمير الكلبيّ فقال : أبا عبد الله! رحمك الله! ائذن لي فلأخرج إليهما فرأى حسين رجلا آدم طويلا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين ، فقال حسين : انّي لأحسبه للأقران قتّالا اخرج ان شئت ، قال : فخرج إليهما فقالا له : من أنت؟ فانتسب لهما ، فقالا : لا نعرفك ، ليخرج إليها زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن حضير ويسار مستنتل (١) أمام سالم فقال له الكلبيّ : يا ابن الزانية! وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس ، ويخرج إليك أحد من الناس ، الّا وهو خير منك؟ ثم شدّ عليه فضربه بسيفه حتى برد ، فإنّه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شدّ عليه سالم فصاح به : قد رهقك العبد ، قال : فلم يأبه له حتى غشيه فبدره الضربة فاتّقاه الكلبيّ بيده اليسرى فأطار أصابع كفّه اليسرى ، ثم مال عليه الكلبيّ ، فضربه حتى قتله ، وأقبل الكلبيّ مرتجزا وهو يقول وقد قتلهما جميعا :

ان تنكروني فأنا ابن كلب

حسبي ببيتي في عليم حسبي

إنّي امرؤ ذو مرّة وعصب

ولست بالخوّار عند النكب

انّي زعيم لك أمّ وهب

بالطعن فيهم مقدما والضرب

ضرب غلام مؤمن بالرّب

فأخذت أمّ وهب امرأته عمودا ثم اقبلت نحو زوجها تقول له : فداك أبي وأمّي قاتل دون الطيّبين ذريّة محمّد ، فأقبل إليها يردّها نحو النساء فأخذت تجاذب ثوبه ثم قالت : إنّي لن أدعك دون أن أموت معك ، فناداها حسين فقال : جزيتم من أهل بيت خيرا ، ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهنّ ، فانّه ليس على النساء قتال ، فانصرفت إليهنّ.

__________________

(١) مستنتل : اي متقدم أمام الصف.

زحف الميمنة واستمداد قائد الفرسان :

قال وحمل عمرو بن الحجّاج وهو على ميمنة الناس في الميمنة ، فلمّا ان دنا من حسين ، جثوا له على الركب ، واشرعوا الرماح نحوهم ، فلم تقدم خيلهم على الرماح فذهبت الخيل لترجع ، فرشقهم أصحاب الحسين بالنبل ، فصرعوا منهم رجالا ، وجرحوا منهم آخرين.

قال : وقاتلهم أصحاب الحسين قتالا شديدا وأخذت خيلهم تحمل وإنّما هم اثنان وثلثون فارسا ، وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلّا كشفته ، فلمّا رأى ذلك عزرة بن قيس وهو على خيل أهل الكوفة انّ خيله تنكشف من كلّ جانب بعث إلى عمر بن سعد ، عبد الرحمن بن حصن ، فقال : أما ترى ما تلقى خيلي مذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة؟ ابعث إليهم الرجال والرماة ، فقال لشبث بن ربعيّ : الا تقدم إليهم ، فقال : سبحان الله أتعمد إلى شيخ مصر وأهل المصر عامّة ، تبعثه في الرماة لم تجد من تندب لهذا ويجزي عنك غيري؟! قال : وما زالوا يرون من شبث الكراهة لقتاله ، قال : وقال أبو زهير العبسيّ : فانا سمعته في إمارة مصعب يقول : لا يعطي الله أهل هذا المصر خيرا أبدا! ولا يسدّدهم لرشد ، ألا تعجبون انّا قاتلنا مع عليّ بن أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين ، ثم عدونا على ابنه وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية ، وابن سميّة الزانية! ضلال يا لك من ضلال. قال : ودعا عمر بن سعد الحصين بن تميم فبعث معه المجفّفة وخمس مائة من المرامية فأقبلوا حتى إذا دنوا من الحسين وأصحابه ، رشقوهم بالنبل فلم يلبثوا ان عقروا خيولهم ، وصاروا رجالة كلّهم.

قال : وكان أيّوب بن مشرح الخيواني يقول : انا والله عقرت بالحرّ بن يزيد فرسه حشأته سهما فما لبث ان أرعد الفرس واضطرب وكبا ، فوثب عنه الحرّ كأنّه ليث والسيف في يده وهو يقول :

ان تعقروا بي ، فأنا ابن الحرّ

أشجع من ذي لبد هزبر

قال : فما رأيت أحدا قطّ يفري فريه ، قال : فقال له أشياخ من الحيّ : أنت قتلته ، قال : لا والله ما أنا قتلته ، ولكن قتله غيري وما أحبّ انّي قتلته ، فقال له أبو الودّاك : ولم؟! قال : انه كان زعموا من الصالحين فو الله لئن كان ذلك اثما لأن القى الله بإثم الجراحة والموقف أحبّ إليّ من ألقاه بإثم قتل أحد منهم ، فقال له أبو الودّاك : ما أراك إلّا ستلقى الله باثم قتلهم أجمعين ، أرأيت لو أنّك رميت ذا فعقرت ذا ، ورميت آخر ووقفت موقفا وكررت عليهم وحرّضت أصحابك وكثرت أصحابك ، وحمل عليك فكرهت أن تفرّ ، وفعل آخر من أصحابك كفعلك وآخر وآخر ، كان هذا وأصحابه يقتلون. أنتم شركاء كلّكم في دمائهم! فقال له : يا أبا الودّاك! انّك لتقنّطنا من رحمة الله ؛ ان كنت وليّ حسابنا يوم القيامة فلا غفر الله لك ان غفرت لنا. قال هو ما أقول لك.

زحف الميسرة ومقتل الكلبي وزوجته :

قال : وحمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة فثبتوا له ، فطاعنوه وأصحابه ، وحمل على حسين وأصحابه من كلّ جانب ، فقتل الكلبيّ وقد قتل رجلين بعد الرجلين الأوّلين ، وقاتل قتالا شديدا فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي ، وبكير بن حييّ التيميّ من تيم الله بن ثعلبة ، فقتلاه وكان القتيل الثاني من أصحاب الحسين.

قال : وخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها حتى جلست عند رأسه

تمسح عنه التراب وتقول : هنيئا لك الجنة. فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمّى رستم : اضرب رأسها بالعمود ، فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها.

زحف الميمنة ومقتل مسلم بن عوسجة :

قال : ثمّ انّ عمرو بن الحجّاج حمل على الحسين في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات ، فاضطربوا ساعة ، فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي أوّل أصحاب الحسين ، ثم انصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه وارتفعت الغبرة فإذا هم به صريع ، فمشى إليه الحسين فإذا به رمق ، فقال رحمك ربك يا مسلم بن عوسجة ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا ، ودنا منه حبيب بن مظاهر ، فقال : عزّ عليّ مصرعك يا مسلم أبشر بالجنّة. فقال له مسلم قولا ضعيفا : بشّرك الله بخير ، فقال له حبيب : لو لا انّي أعلم انّي في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكلّ ما أهمّك حتى أحفظك في كلّ ذلك بما أنت أهل له في القرابة والدين ، قال : بل أنا أوصيك بهذا رحمك الله ، وأهوى بيده إلى الحسين ، أن تموت دونه! قال : أفعل وربّ الكعبة ، قال : فما كان بأسرع من ان مات في أيديهم وصاحت جارية له فقالت : يا ابن عوسجتاه! يا سيّداه! فتنادى أصحاب عمرو بن الحجّاج : قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي.

فقال شبث لبعض من حوله من أصحابه : ثكلتكم أمّهاتكم ، انّما تقتلون أنفسكم بأيديكم ، وتذلّلون أنفسكم لغيركم ، تفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة! أما والذي أسلمت له لربّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم سلق آذربيجان قتل ستّة من المشركين قبل تتامّ خيول المسلمين! أفيقتل منكم مثله وتفرحون؟!

قال : وكان الذي قتل مسلم بن عوسجة مسلم بن عبد الله الضبابيّ

وعبد الرحمن بن أبي خشكارة البجليّ.

يزيد بن زياد يرمي بين يدي الحسين (ع):

قال الطبري : وكان أبو الشعثاء يزيد بن زياد بن المهاصر من بني بهدلة خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين ، فلمّا ردّوا الشروط على الحسين مال إليه وقاتل معه ، جثا على ركبتيه بين يدي الحسين فرمى بمائة سهم ما سقط منها إلّا خمسة أسهم ، وكان راميا فكان كلّما رمى قال انا ابن بهدلة فرسان العرجلة ؛ ويقول حسين : اللهم سدّد رميته واجعل ثوابه الجنّة. فلمّا رمى بها قام فقال : ما سقط منها إلّا خمسة أسهم ولقد تبيّن لي أنّي قتلت خمسة نفر وكان في أوّل من قتل وكان رجزه يومئذ :

أنا يزيد وأبي مهاصر

أشجع من ليث بغيل خادر

يا ربّ إنّي للحسين ناصر

ولابن سعد تارك وهاجر

أربعة استشهدوا في مكان واحد :

قال الطبري : وبرز عمر بن خالد وجابر بن الحارث السلماني ، وسعد مولى عمر بن خالد ، ومجمّع بن عبد الله العائذي فشدّوا مقدمين بأسيافهم على الناس وقاتلوا فلمّا وغلوا ؛ عطف عليهم الناس ، فأخذوا يحوزونهم ، وقطعوهم من أصحابهم غير بعيد ، فحمل عليهم العبّاس بن عليّ فاستنقذهم ، فجاءوا قد جرحوا فلمّا دنا منهم عدوّهم ، شدّوا بأسيافهم فقاتلوا في أوّل الأمر حتى قتلوا في مكان واحد.

مقتل برير :

وروى الطبري عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس وكان قد شهد مقتل الحسين ، قال: خرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة ، وهو حليف لبني سليمة من عبد القيس ، فقال : يا برير بن حضير! كيف ترى الله صنع

بك؟ قال : صنع الله والله بي خيرا ، وصنع الله بك شرا. قال : كذبت! وقبل اليوم ما كنت كذّابا! هل تذكر وانا أماشيك في بني لوذان ، وأنت تقول : إن عثمان بن عفّان كان على نفسه مسرفا وإن معاوية بن أبي سفيان ضالّ ، مضلّ ، وإنّ امام الهدى والحقّ عليّ بن أبي طالب؟ فقال له برير : أشهد انّ هذا رأيي وقولي ، فقال له يزيد بن معقل : فانّي أشهد انّك من الضالّين! فقال له برير بن حضير : هل لك فلأباهلك ولندع الله أن يلعن الكاذب وان يقتل المبطل ، ثم اخرج ، فلأبارزك؟

قال : فخرجا فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانه أن يلعن الكاذب ، وان يقتل المحقّ المبطل ، ثم برز كلّ واحد منهما لصاحبه ، فاختلفا ضربتين فضرب يزيد ابن معقل برير بن حضير ضربة خفيفة لم تضرّه شيئا ، وضربه برير بن حضير ضربة قدّت المغفر وبلغت الدماغ ، فخرّ كأنّما هوى من حالق ، وإن سيف ابن حضير لثابت في رأسه فكأنّي انظر إليه ينضنضه من رأسه ، وحمل عليه رضيّ ابن منقذ العبديّ ، فاعتنق بريرا فاعتركا ساعة ، ثمّ انّ بريرا قعد على صدره فقال رضيّ : أين أهل المصاع والدفاع؟!

قال فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزديّ ليحمل عليه ، فقلت : انّ هذا برير بن حضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد! فحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره ، فلمّا وجد مسّ الرمح ، برك عليه ، فعضّ بوجهه ، وقطع طرف أنفه فطعنه كعب بن جابر حتّى القاه عنه ، وقد غيّب السنان في ظهره ، ثم أقبل عليه يضربه بسيفه حتّى قتله.

قال عفيف : كأنّي أنظر إلى العبديّ الصريع ، قام ينفض التراب عن قبائه ، ويقول : أنعمت عليّ يا أخا الأزد نعمة لن أنساها أبدا.

قال : فقلت أنت رأيت هذا؟ قال : نعم رأي عيني وسمع أذني ، فلمّا رجع كعب بن جابر قالت له امرأته ، أو اخته النّوار بنت جابر : أعنت على ابن

فاطمة! وقتلت سيّد القرّاء! لقد أتيت عظيما من الأمر ، والله لا اكلّمك من رأسي كلمة أبدا. وقال كعب بن جابر :

سلي تخبري عنّي وأنت ذميمة

غداة حسين والرماح شوارع

ألم آت أقصى ما كرهت ولم يخل

عليّ غداة الروع ما أنا صانع

معي يزنيّ لم تخنه كعوبه

وأبيض مخشوب الغرارين قاطع

فجردته في عصبة ليس دينهم

بديني وانّي بابن حرب لقانع

ولم تر عيني مثلهم في زمانهم

ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافع

أشدّ قراعا بالسيوف لدى الوغى

ألا كلّ من يحمي الذمار مقارع

وقد صبروا للطعن والضرب حسّرا

وقد نازلوا لو أن ذلك نافع

فأبلغ عبيد الله امّا لقيته

بأنّي مطيع للخليفة سامع

قتلت بريرا ثمّ حملت نعمة

أبا منقذ لمّا دعا من يماصع

وروى عن عبد الرحمن بن جندب قال : سمعته في إمارة مصعب بن الزبير وهو يقول : يا ربّ إنّا قد وفينا فلا تجعلنا يا ربّ كمن قد غدر! فقال له أبي : صدق ولقد وفي وكرم وكسبت لنفسك شرّا ، قال : كلّا انّي لم أكسب لنفسي شرّا ولكني كسبت لها خيرا ، قال : وزعموا ان رضيّ بن منقذ العبديّ ردّ بعد على كعب بن جابر جواب قوله فقال :

لو شاء ربّي ما شهدت قتالهم

ولا جعل النعماء عندي ابن جابر

لقد كان ذاك اليوم عارا وسبّة

يعيّره الأبناء بعد المعاشر

فيا ليت أنّي كنت من قبل قتله

ويوم حسين كنت في رمس قابر

عمرو بن قرظة الأنصاري :

قال : وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري يقاتل دون حسين ، وهو يقول :

قد علمت كتيبة الأنصار

أنّي سأحمي حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكش شاري

دون حسين مهجتي وداري

فقتل عمرو بن قرظة بن كعب وكان مع الحسين وكان عليّ أخوه مع عمر بن سعد فنادى عليّ بن قرظة يا حسين! يا كذّاب ابن الكذّاب! أضللت أخي وغررته حتّى قتلته! قال : انّ الله لم يضلّ أخاك ولكنّه هدى أخاك وأضلّك! قال : قتلني الله ان لم أقتلك! أو أموت دونك! فحمل عليه فاعترضه نافع بن هلال المراديّ فطعنه فصرعه ، فحمله أصحابه ، فاستنقذوه فدووي بعد فبرأ.

مبارزة يزيد بن سفيان والحر :

وروى عن أبي زهير العبسيّ ان الحرّ بن يزيد لمّا لحق بحسين قال يزيد بن سفيان من بني شقرة وهم بنو الحارث بن تميم : أما والله لو انّي رأيت الحرّ بن يزيد حين خرج لأتبعته السنان ، قال : فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون والحرّ بن يزيد يحمل على القوم مقدما ويتمثّل قول عنترة :

ما زلت أرميهم بثغرة نحره

ولبانه حتّى تسربل بالدمّ

وإن فرسه لمضروب على اذنيه وحاجبه وإن دماءه لتسيل ، فقال الحصين بن تميم ـ وكان على شرطة عبيد الله ـ ليزيد بن سفيان : هذا الحرّ بن يزيد الذي كنت تتمنّى قال : نعم ، فخرج إليه فقال له : هل لك يا حرّ بن يزيد في المبارزة؟! قال : نعم ، قد شئت ، فبرز له قال : فأنا سمعت الحصين بن تميم يقول : والله لبرز له فكأنّما كانت نفسه في يده فما لبثه الحرّ حين خرج إليه ان قتله.

قال : وقاتلوهم حتى انتصف النهار أشدّ قتال خلقه الله وأخذوا لا يقدرون على أن يأتوهم إلّا من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض. قال فلمّا رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالا يقوّضونها عن ايمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم قال فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخلّلون البيوت فيشدّون على الرجل وهو يقوّض وينتهب فيقتلونه ويرمونه من

قريب ويعقرونه.

إحراق الخيام :

قال : فأمر بها (أي الخيام) عمر بن سعد عند ذلك فقال احرقوها بالنار ، ولا تدخلوا بيتا ولا تقوّضوه ، فجاءوا بالنار فأخذوا يحرّقون ، فقال حسين : دعوهم فليحرّقوها ، فانهم لو قد حرّقوها لم يستطيعوا أن يجوزا إليكم منها ، وكان ذلك كذلك ، وأخذوا لا يقاتلونهم إلّا من وجه واحد.

قال : وحمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين برمحه ونادى : عليّ بالنار حتى احرق هذا البيت على أهله ، قال : فصاح النساء وخرجن من الفسطاط ، قال : وصاح به الحسين يا ابن ذي الجوشن! أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي! حرّقك الله بالنار.

وروى عن حميد بن مسلم قال : قلت لشمر بن ذي الجوشن : سبحان الله! انّ هذا لا يصلح لك ، أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين تعذّب بعذاب الله ، وتقتل الولدان والنساء ، والله انّ في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك. قال : فقال : من أنت؟! قال : قلت : لا اخبرك من أنا ، قال : وخشيت والله ان لو عرفني أن يضرّني عند السلطان! قال : فجاءه رجل كان أطوع له منّي ، شبث بن ربعي ، فقال : ما رأيت مقالا أسوأ من قولك ، ولا موقفا أقبح من موقفك! أمرعبا للنساء صرت! قال : فأشهد انه استحيا فذهب لينصرف ، وحمل عليه زهير بن القين في رجال من أصحابه عشرة فشدّ على شمر بن ذي الجوشن وأصحابه فكشفهم عن البيوت حتى ارتفعوا عنها ، فصرعوا أبا عزّة الضبابيّ ، فقتلوه فكان من أصحاب شمر ، وتعطف الناس عليهم فكثروهم فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين قد قتل ، فإذا قتل منهم الرجل والرجلان تبيّن فيهم ، واولئك كثير لا يتبين فيهم ما يقتل منهم.

صلاة الخوف :

قال : فلمّا رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائديّ قال للحسين : يا أبا عبد الله! نفسي لك الفداء ، انّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، ولا والله لا تقتل حتّى أقتل دونك ان شاء الله ، وأحبّ أن القى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها. قال : فرفع الحسين رأسه ، ثم قال : ذكرت الصلاة ، جعلك الله من المصلّين الذاكرين! نعم ، هذا أوّل وقتها ، ثم قال : سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي. فقال لهم الحصين بن تميم : انّها لا تقبل! فقال له حبيب بن مظاهر : لا تقبل! زعمت الصلاة من آل رسول الله (ص) لا تقبل ، وتقبل منك يا حمار! قال : فحمل عليهم حصين بن تميم ، وخرج إليه حبيب بن مظاهر ، فضرب وجه فرسه بالسيف ، فشبّ ووقع عنه ، وحمله أصحابه ، واستنقذوه.

مقتل حبيب بن مظاهر :

وحمل حبيب وهو يقول :

أقسم لو كنّا لكم أعدادا

أو شطركم وليتم أكتادا(١)

 يا شرّ قوم حسبا وآدا

وجعل يقول يومئذ :

أنا حبيب وأبي مظاهر

فارس هيجاء وحرب تسعر

أنتم أعدّ عدّة وأكثر

ونحن أوفى منكم وأصبر

ونحن أعلى حجّة وأظهر

حقّا وأتقى منكم وأعذر

وقاتل قتالا شديدا فحمل عليه رجل من بني تميم فطعنه فوقع ، فذهب

__________________

(١) أكتادا : أي جماعات.

ليقوم فضربه الحسين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع ، ونزل إليه التميمي فاحتز رأسه فقال له الحصين : انّي لشريكك في قتله ، فقال الآخر : والله ما قتله غيري ، فقال الحصين : أعطنيه أعلّقه في عنق فرسي كيما يرى الناس ويعلموا أنّي شركت في قتله ثمّ خذه أنت بعد فامض به إلى عبيد الله بن زياد ، فلا حاجة لي في ما تعطاه على قتلك ايّاه ، قال : فأبى عليه فاصلح قومه فيما بينهما على هذا ، فدفع إليه رأس حبيب بن مظاهر فجال به في العسكر قد علّقه في عنق فرسه ثم دفعه إليه بعد ذلك ، فلمّا رجعوا إلى الكوفة ، أخذ الآخر رأس حبيب فعلّقه في لبان فرسه ، ثمّ أقبل به إلى ابن زياد في القصر ، فبصر به ابنه القاسم بن حبيب وهو يومئذ قد راهق ، فاقبل مع الفارس لا يفارقه ، كلّما دخل القصر دخل معه وإذا خرج خرج معه ، فارتاب به فقال : ما لك يا بنيّ تتبعني؟ قال : لا شيء ، قال : بلى يا بنيّ أخبرني ، قال له : انّ هذا الرأس الذي معك رأس أبي أفتعطينيه حتى أدفنه. قال يا بنيّ لا يرضى الامير أن يدفن ، وأنا أريد أن يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا ، قال له الغلام : لكنّ الله لا يثيبك على ذلك إلّا أسوأ الثواب ، أما والله لقد قتلت خيرا منك وبكى ، فمكث الغلام حتّى إذا أدرك لم يكن له همّة إلّا اتّباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرّة فيقتله بأبيه ، فلمّا كان زمان مصعب بن الزبير ، وغزا مصعب باجميرا ؛ دخل عسكر مصعب ، فإذا قاتل أبيه في فسطاطه ، فأقبل في طلبه والتماس غرّته ، فدخل عليه وهو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتى برد.

ولمّا قتل حبيب بن مظاهر ، هدّ ذلك حسينا ، وقال : عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي ، قال فأخذ الحرّ يرتجز ويقول :

آليت لا أقتل حتى أقتلا

ولن أصاب اليوم إلّا مقبلا

أضربهم بالسيف ضربا مقصلا

لا ناكلا عنهم ولا مهلّلا

وأخذ يقول أيضا :

أضرب في أعراضهم بالسيف

عن خير من حلّ منى والخيف

فقاتل هو وزهير بن القين قتالا شديدا فكان إذا شدّ أحدهما فان استلحم شدّ الآخر حتى يخلّصه ، ففعلا ذلك ساعة ، ثم انّ رجّالة شدّت على الحرّ بن يزيد فقتل ، وقتل أبو ثمامة الصائدي ابن عمّ له كان عدوا له ، ثم صلّوا الظهر ، صلى بهم الحسين صلاة الخوف.

سعيد الحنفي :

ثم اقتتلوا بعد الظهر فاشتدّ قتالهم ووصل إلى الحسين فاستقدم الحنفي أمامه فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يمينا وشمالا قائما بين يديه ، فما زال يرمى حتى سقط. وذكر الخوارزمي أنّه كان يرتجز ويقول :

أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا

وشيخك الخير عليا ذا الندى

وحسنا كالبدر وافى الأسعدا

وعمّك القرم الهجان الاصيدا

وحمزة ليث الإله الأسدا

في جنّة الفردوس تعلو صعدا (١)

زهير بن القين :

وقاتل زهير بن القين قتالا شديدا وأخذ يقول :

أنا زهير وأنا ابن القين

أذودهم بالسيف عن حسين

قال : وأخذ يضرب على منكب حسين ويقول :

أقدم هديت هاديا مهديّا

فاليوم تلقى جدّك النبيّا

وحسنا والمرتضى عليا

وذا الجناحين الفتى الكميّا

وأسد الله الشهيد الحيّا

فشدّ عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس فقتلاه.

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٠.

نافع بن هلال الجملي :

قال : وكان نافع بن هلال الجملي قد كتب اسمه على أفواق نبله ، فجعل يرمي بها مسمومة وهو يقول : أنا الجملي ، أنا على دين عليّ.

وقال الخوارزمي : وكان يرمي ويقول :

أرمي بها معلمة أفواقها

والنفس لا ينفعها اشفاقها

مسمومة يجري بها أخفاقها

لتملأنّ أرضها رشاقها

ويقول :

أنا على دين علي

ابن هلال الجملى

أضربكم بمنصلي

تحت عجاج القسطل(١)

فلم يزل يرميهم حتّى فنيت سهامه ، ثم ضرب إلى قائم سيفه فاستلّه ، وحمل وهو يقول :

أنا الغلام اليمنيّ الجمليّ

ديني على دين حسين وعلي

إن أقتل اليوم فهذا أملي

وذاك رأيي وألاقي عملي

فقتل ثلاثة عشر رجلا ... (٢).

قال الطبري :

خرج إليه رجل يقال له مزاحم بن حريث فقال : أنا على دين عثمان ، فقال له : أنت على دين شيطان! ثم حمل عليه فقتله ، فصاح عمرو بن الحجّاج بالناس : يا حمقى! أتدرون من تقاتلون؟ فرسان المصر ، قوما مستميتين. لا يبرزنّ لهم منكم أحد! فانّهم قليل ، وقلّ ما يبقون ، والله لو

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ١٤ ـ ١٥.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٠ ـ ٢١.

لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم. فقال عمر بن سعد : صدقت ، الرأي ما رأيت. وأرسل إلى الناس يعزم عليهم الّا يبارز رجل منكم رجلا منهم.

قال : ودنا عمرو بن الحجّاج من أصحاب الحسين يقول : يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الامام ، فقال له الحسين : يا عمرو بن الحجّاج! أعليّ تحرّض الناس؟! أنحن مرقنا ، وأنتم ثبتّم عليه؟! أما والله لتعلمنّ لو قد قبضت أرواحكم ومتم على أعمالكم ، أيّنا مرق من الدين! ومن هو أولى بصلي النار!

وقال الطبري : فقتل اثني عشر من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح. قال : فضرب حتّى كسرت عضداه وأخذ أسيرا. قال : فأخذه شمر بن ذي الجوشن ومعه أصحاب له يسوقون نافعا حتى أتي به عمر بن سعد ، فقال له عمر بن سعد : ويحك يا نافع! ما حملك على ما صنعت بنفسك؟! قال : انّ ربّي يعلم ما أردت ، قال : والدماء تسيل على لحيته وهو يقول : والله لقد قتلت منكم اثني عشر سوى من جرحت وما ألوم نفسي على الجهد ، ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني ، فقال له شمر : اقتله أصلحك الله ، قال : أنت جئت به فإن شئت فاقتله ، قال : فانتضى شمر سيفه ، فقال له نافع : أما والله ان لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا ، فالحمد لله الّذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه ، فقتله. قال : ثم أقبل شمر يحمل عليهم وهو يقول :

خلّوا عداة الله خلّوا عن شمر

يضربهم بسيفه ولا يفرّ

وهو لكم صاب وسمّ ومقرّ

قال فلمّا رأى أصحاب الحسين انهم قد كثروا وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا حسينا ولا أنفسهم ؛ تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه.

الغفاريان :

فجاءه عبد الله وعبد الرحمن ابنا عزرة الغفاريّان فقالا : يا أبا عبد الله! عليك السلام حازنا العدوّ إليك فأحببنا أن نقتل بين يديك ، نمنعك وندفع عنك ، قال : مرحبا بكما ، ادنوا منّي ، فدنوا منه فجعلا يقاتلان قريبا منه ، أحدهما يقول :

قد علمت حقّا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لنضربنّ معشر الفجّار

بكلّ عضب صارم بتّار

يا قوم ذودوا عن بني الاحرار

بالمشرفيّ والقنا الخطّار

الجابريان وحنظلة :

قال : وجاء الفتيان الجابريّان سيف بن الحارث بن سريع ، ومالك بن عبد بن سريع ، وهما ابنا عمّ وأخوان لامّ فأتيا حسينا فدنوا منه وهما يبكيان ، فقال : أي ابني أخي ما يبكيكما؟! فو الله انّي لأرجو أن تكونا عن ساعة قريري عين ، قالا : جعلنا الله فداك ، لا والله ما على أنفسنا نبكي ، ولكنّا نبكي عليك ، نراك قد أحيط بك ، ولا نقدر على أن نمنعك ، فقال : جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما ايّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين.

قال : وجاء حنظلة بن أسعد الشبامي فقام بين يدي الحسين فأخذ ينادي : يا قوم! انّي أخاف عليكم مثل يوم الاحزاب ، مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والّذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد ، ويا قوم! إنّي أخاف عليكم يوم التناد يوم تولّون مدبرين مالكم من الله من عاصم ، ومن يضلل الله فما له من هاد ، يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من

افترى ، فقال له حسين : يا ابن أسعد! رحمك الله انّهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقّ ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا اخوانك الصالحين ، قال : صدقت جعلت فداك ، أنت أفقه منّي وأحقّ بذلك ، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق باخواننا؟ فقال : رح إلى خير من الدنيا وما فيها ، وإلى ملك لا يبلى ، فقال : السلام عليك يا أبا عبد الله ، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك ، وعرّف بيننا وبينك في جنّته ، فقال : آمين آمين ، فاستقدم فقاتل حتّى قتل.

ثمّ استقدم الفتيان الجابريّان يلتفتان إلى الحسين ويقولان : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فقال : عليكما السلام ورحمة الله ، فقاتلا حتّى قتلا.

عابس بن أبي شبيب وشوذب :

قال وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى شاكر ، فقال : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟ قال : ما أصنع؟! أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله (ص) حتّى أقتل ، قال : ذلك الظنّ بك أملا ، فتقدّم بين يدي أبي عبد الله حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه وحتى أحتسبك أنا ، فانّه لو كان معي الساعة أحد أولى به منّي بك لسرّني أن يتقدّم بين يديّ حتى أحتسبه فانّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما قدرنا عليه ، فانّه لا عمل بعد اليوم ، وانّما هو الحساب قال : فتقدّم فسلّم على الحسين ثمّ مضى فقاتل حتّى قتل ، ثم قال عابس بن أبي شبيب : يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد الله أنّي على هديك

وهدي أبيك ، ثم مشى بالسيف مصلتا نحوهم وبه ضربة على جبينه.

وروى عن ربيع بن تميم الهمدانيّ وقد شهد ذلك اليوم قال : لمّا رأيته مقبلا عرفته وقد شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس فقلت : أيها الناس! هذا الأسد الاسود ، هذا ابن أبي شبيب ، لا يخرجنّ إليه أحد منكم. فأخذ ينادي : ألا رجل لرجل! فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة. قال : فرمي بالحجارة من كلّ جانب ، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ، ثم شدّ على الناس فو الله لرأيته يكرد أكثر من مائتين من الناس ، ثم انّهم تعطّفوا عليه من كلّ جانب فقتل ، قال : رأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدّة ، هذا يقول : أنا قتلته ، وهذا يقول : أنا قتلته ، فأتوا عمر بن سعد ، فقال : لا تختصموا ، هذا لم يقتله سنان واحد ففرّق بينهم.

فرار الضحاك المشرقي :

وروى عن عبد الله المشرقي ، قال : لمّا رأيت أصحاب الحسين قد أصيبوا وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي ، قلت له : يا ابن رسول الله! قد علمت ما كان بيني وبينك ، قلت لك : أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا فإذا لم أر مقاتلا فانا في حلّ من الانصراف ، فقلت لي : نعم قال : فقال : صدقت وكيف لك بالنجاء؟ ان قدرت على ذلك فأنت في حلّ. قال : فأقبلت إلى فرسي وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطا لاصحابنا بين البيوت وأقبلت اقاتل معهم راجلا فقتلت يومئذ بين يدي الحسين رجلين وقطعت يد آخر ، وقال لي الحسين يومئذ مرارا : لا تشلل ، لا يقطع الله يدك ، جزاك الله خيرا عن أهل بيت نبيّك (ص) فلمّا أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ثمّ استويت على متنها ، ثمّ ضربتها حتّى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم فأفرجوا لي واتبعني منهم خمسة

عشر رجلا حتّى انتهيت إلى شفيّة ، قرية قريبة من شاطئ الفرات ، فلمّا لحقوني عطفت عليهم فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني ، وقيس بن عبد الله الصائدي وقالوا : هذا الضحّاك بن عبد الله المشرقي ، هذا ابن عمّنا ننشدكم الله لما كففتم عنه. فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم : بلى والله لنجيبنّ اخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبّوا من الكفّ عن صاحبهم ، قال : فلمّا تابع التميميون أصحابي كفّ الآخرون قال : فنجاني الله.

قال الطبري : وكان آخر من بقي مع الحسين من أصحابه سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي.

قال المؤلف : إلى هنا أوردنا أخبار تاريخ الطبري في مقتل أصحاب الحسين دون أن نلتزم بسياقه في ترتيب ذكر الحوادث لما يظهر منه عدم الاكتراث بذكر الحوادث كما وقعت ، ولم يكن ترتيبنا أيضا بنتيجة البحث العلمي في غير أخبار الطبري وإنّما لاحظنا القرائن الدالّة في أخباره على الترتيب الّذي أوردناه وصرّحنا بمصادر الأخبار التي أضفناها إلى أخباره ، وبما أن الطبري لم يستوعب في تاريخه جميع أخبار أصحاب الحسين وكان في بعضها مزيد إيضاح لما نحن بصدده من إدراك سبب استشهاد الحسين ؛ فإنّا نورد يسيرا منها في ما يلي.

شهداء آخرون

عمرو بن خالد :

قال الخوارزمي : وبرز عمرو بن خالد الأزدي وهو يقول :

اليوم يا نفس إلى الرحمن

تمضين بالروح وبالريحان

اليوم تجزين على الاحسان

قد كان منك غابر الازمان

ما خط باللوح لدى الديّان

فاليوم زال ذاك بالغفران

لا تجزعي فكل حيّ فان

والصبر أحظى لك بالامان

فقاتل حتى قتل.

سعد بن حنظلة :

ثمّ خرج من بعده سعد بن حنظلة التميمي وهو يقول :

صبرا على الأسياف والاسنّة

صبرا عليها لدخول الجنّة

وحور عين ناعمات هنّه

لمن يريد الفوز لا بالظنّة

يا نفس للراحة فاطرحنّه

وفي طلاب الخير فارغبنّه

ثم حمل فقاتل قتالا شديدا فقتل (١).

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ١٤.

عبد الرحمن بن عبد الله اليزني :

قال : ثمّ خرج عبد الرحمن بن عبد الله اليزني وهو يقول :

أنا ابن عبد الله من آل يزن

ديني على دين حسين وحسن

اضربكم ضرب فتى من اليمن

أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن

ثمّ حمل فقاتل حتّى قتل.

قرة بن أبي قرة :

ثمّ قرة خرج بن أبي قرّة الغفاري وهو يقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

بأنني الليث الهزبر الضاري

لأضربنّ معشر الفجّار

بحدّ عضب ذكر بتّار

يشعّ لي في ظلمة الغبار

دون الهداة السادة الابرار

رهط النبي أحمد المختار

ثمّ حمل فقاتل حتى قتل.

عمر بن مطاع :

وبرز عمر بن مطاع الجعفي وهو يقول :

أنا ابن جعفي وأبي مطاع

وفي يميني مرهف قطّاع

واسمر سنانه لمّاع

يرى له من ضوئه شعاع

قد طاب لي في يومي القراع

دون حسين وله الدفاع

ثمّ حمل فقاتل حتّى قتل (١).

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ١٧ ـ ١٨.

جون مولى أبي ذر :

في مثير الاحزان واللهوف : ثم تقدّم جون مولى أبي ذرّ وكان عبدا أسود فقال له : أنت في اذن منّي فإنّما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقنا ، فقال : يا ابن رسول الله! أنا في الرخاء الحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم؟ والله انّ ريحي لمنتن ، وحسبي للئيم ولوني لأسود ؛ فتنفّس عليّ بالجنّة فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيضّ وجهي ، لا والله لا افارقكم حتّى يختلط هذا الدم الاسود مع دمائكم ، ثمّ قاتل حتّى قتل (١).

وفي مقتل الخوارزمي : فجعل يقول وهو يحمل عليهم :

كيف يرى الفجار ضرب الأسود

بالمشرفيّ القاطع المهنّد

احمي الخيار من بني محمّد

أذبّ عنهم باللسان واليد

أرجو بذاك الفوز عند المورد

من الاله الواحد الموحّد(٢)

فقتل خمسة وعشرين وقتل ، فوقف عليه الحسين وقال : اللهم بيّض وجهه وطيّب ريحه ، واحشره مع محمّد (ص) ، وعرّف بينه وبين آل محمّد (٣).

أنيس بن معقل :

وفي مقتل الخوارزمي : ثمّ خرج من بعده أنيس بن معقل الاصبحي ، فجعل يقول :

أنا أنيس وأنا ابن معقل

وفي يميني نصل سيف فيصل

__________________

(١) مثير الاحزان ٤٧ ، واللهوف ٤١.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢ / ١٩.

(٣) راجع : مقتل العوالم ص ٨٨.

أعلوا به الهامات بين القسطل

حتى أزيل خطبه فينجلي

عن الحسين الفاضل المفضّل

ابن رسول الله خير مرسل

الحجاج بن مسروق :

قال : وبرز الحجّاج بن مسروق وهو مؤذن الحسين (ع) فجعل يقول :

أقدم حسين هاديا مهديا

اليوم نلقى جدّك النبيّا

ثمّ أباك ذا العلى عليّا

والحسن الخير الرضا الوليّا

وذا الجناحين الفتى الكميّا

وأسد الله الشهيد الحيّا

ثمّ حمل فقاتل حتى قتل.

جنادة بن الحرث :

قال : وبرز جنادة بن الحرث الانصاري وهو يقول :

أنا جنادة أنا ابن الحارث

لست بخوّار ولا بناكث

عن بيعتي حتّى يقوم وارثي

من فوق شلو في الصعيد ماكث

فحمل ولم يزل يقاتل حتى قتل.

عمرو بن جنادة :

ثمّ خرج من بعده عمرو بن جنادة وهو ينشد ويقول :

اضق الخناق من ابن هند وارمه

في عقره بفوارس الانصار

ومهاجرين مخضبين رماحهم

تحت العجاجة من دم الكفّار

خضبت على عهد النبي محمّد

فاليوم تخضب من دم الفجّار

واليوم تخضب من دماء معاشر

رفضوا القران لنصرة الاشرار

طلبوا بثأرهم ببدر وانثنوا

بالمرهفات وبالقنا الخطّار

والله ربّي لا أزال مضاربا

للفاسقين بمرهف بتّار

هذا عليّ اليوم حقّ واجب

في كل يوم تعانق وحوار

ثم حمل فقاتل حتّى قتل.

غلام يتيم :

ثم خرج من بعده شابّ قتل أبوه في المعركة ، وكانت أمّه عنده ، فقالت : يا بني اخرج فقاتل بين يدي ابن رسول الله حتّى تقتل ، فقال : أفعل ، فخرج ، فقال الحسين : هذا شاب قتل أبوه ولعل أمّه تكره خروجه ، فقال الشاب : أمّي أمرتني يا ابن رسول الله. فخرج وهو يقول :

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

عليّ وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير

ثمّ قاتل فقتل وحزّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين ، فأخذت أمّه رأسه وقالت له : أحسنت يا بنيّ! يا قرّة عيني! وسرور قلبي! ثمّ رمت برأس ابنها رجلا فقتلته واخذت عمود خيمة وحملت على القوم وهي تقول :

أنا عجوز في النسا ضعيفه

بالية خالية نحيفه

أضربكم بضربة عنيفه

دون بني فاطمة الشريفة

فضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين (ع) بصرفها ودعا لها (١).

قال الخوارزمي : وكان يأتي الحسين الرجل بعد الرجل ، فيقول : السلام عليك يا ابن رسول الله. فيجيبه الحسين : وعليك السلام ونحن خلفك ، ويقرأ : فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا ، ثمّ يحمل فيقتل! هكذا استمرّ القتال حتّى قتلوا عن آخرهم (٢).

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ١٩ ـ ٢٢.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٥.

مقتل عترة الرسول

وقال : لمّا لم يبق مع الحسين إلّا أهل بيته. اجتمعوا وودّع بعضهم بعضا وعزموا على الحرب (١).

أول شهيد من عترة رسول الله :

قال الطبري : وكان أوّل قتيل من بني أبي طالب يومئذ عليّ الأكبر بن الحسين بن علي ، وأمّه ليلى ابنة أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي (٢) ، وكانت أمّ أمّة ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب (٣) ومن هذا اعطي له الأمان يوم ذاك ، وقالوا له كما ذكره المصعب الزبيري : «انّ لك قرابة بأمير المؤمنين ـ يعني يزيد ابن معاوية ـ ونريد أن يرعى هذا الرحم ، فان شئت آمنّاك».

فقال عليّ : «لقرابة رسول الله (ص) أحق أن ترعى» وحمل وهو يقول ... (٤).

قال الخوارزمي : فلمّا رآه الحسين رفع شيبته نحو السماء ، وقال : اللهمّ

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٦.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٨٠ ، وتاريخ الطبري ، ط. أوربا ٢ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

(٣) مقاتل الطالبيين ص ٨٠ ، ونسب قريش لمصعب ص ٥٧ ، والاصابة ٤ / ١٧٨ ترجمة أبي مرة.

(٤) نسب قريش ص ٥٧.

اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك محمّد (ص) وكنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه ، اللهمّ فامنعهم بركات الأرض ، وفرقهم تفريقا ومزّقهم تمزيقا ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم أبدا ، فانّهم دعونا لينصرونا ، ثمّ عدوا علينا يقاتلونا.

ثمّ صاح بعمر بن سعد : مالك قطع الله رحمك ، ولا بارك لك في أمرك وسلّط عليك من يذبحك على فراشك ، كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله. ثمّ رفع صوته وقرأ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

وحمل علي بن الحسين وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن عليّ

نحن وبيت الله أولى بالنبي

والله لا يحكم فينا ابن الدعيّ

أطعنكم بالرمح حتّى ينثني

أضربكم بالسيف حتّى يلتوي

ضرب غلام هاشميّ علويّ

فلم يزل يقاتل حتى ضجّ أهل الكوفة ، ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة ، فقال : يا أبة! العطش قد قتلني وثقل الحديد أجهدني ، فهل الى شربة من ماء سبيل أتقوّى بها على الاعداء؟ فبكى الحسين وقال : يا بنيّ عزّ على محمّد ، وعلى عليّ ، وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك وتستغيث بهم فلا يغيثونك. ودفع إليه خاتمه ، وقال له : خذ هذا الخاتم في فيك وارجع إلى قتال عدوّك ، فانّي لارجو أن لا تمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا ، فرجع علي بن الحسين إلى القتال وحمل وهو يقول :

الحرب قد بانت لها حقائق

وظهرت من بعدها مصادق

والله ربّ العرش لا نفارق

جموعكم أو تغمد البوارق (١)

قال الطبري : ففعل ذلك مرارا فبصر به مرّة بن منقذ بن النعمان العبديّ ثمّ الليثيّ فقال : عليّ آثام العرب ان مرّ بي يفعل مثل ما كان يفعل ان لم أثكله أباه ، فمرّ يشدّ على الناس بسيفه فاعترضه مرّة بن منقذ فطعنه فصرع واحتوشه (٢) الناس فقطّعوه بأسيافهم.

وقال الخوارزمي : ضربه منقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها ، وضربه الناس بأسيافهم ، فاعتنق الفرس فحمله الفرس إلى عسكر عدوّه ، فقطعوه بأسيافهم اربا اربا ، فلمّا بلغت روحه التراقي نادى باعلى صوته : يا أبتاه! هذا جدّي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا وهو يقول لك : العجل فانّ لك كأسا مذخورة ، فصاح الحسين ... (٣).

وروى الطبري : عن حميد بن مسلم الأزدي قال : سماع أذني يومئذ من الحسين يقول: قتل الله قوما قتلوك يا بنيّ ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفاء. قال : وكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنّها الشمس الطالعة تنادي : يا أخيّاه ويا ابن أخاه! قال : فسألت عنها فقيل : هذه زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله ، فجاءت حتّى أكبّت عليه ، فجاءها الحسين ، فأخذ بيدها فردّها إلى الفسطاط ، وأقبل الحسين إلى ابنه ، وأقبل فتيانه إليه فقال : احملوا أخاكم. فحملوه من مصرعه حتّى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٠ ـ ٣١.

(٢) في الطبري : واحتوله.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣١.

مقتل آل أبي طالب :

عبد الله بن مسلم بن عقيل :

ثمّ برز من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب (١) ، وأمّه رقيّة الكبرى بنت الإمام علي (ع) (٢) وهو يقول :

اليوم ألقى مسلما وهو أبي

وفتية بادوا على دين النبي(٣)

قال الطبري : ثم إن عمرو بن صبيح الصدائيّ رمى عبد الله بن مسلم ابن عقيل بسهم فوضع كفّه على جبهته يتّقيه فأصاب السهم كفّه ونفذ إلى جبهته فسمّرها به (٤). فأخذ لا يستطيع أن يحرّك كفّيه ، ثمّ انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه ، قال : فاعتورهم الناس من كل جانب.

جعفر بن عقيل :

قال الخوارزمي وابن شهرآشوب : برز جعفر بن عقيل بن أبي طالب وهو يقول :

أنا الغلام الأبطحيّ الطالبي

من معشر في هاشم من غالب

ونحن حقّا سادة الذوائب

هذا حسين أطيب الأطايب

فقاتل حتّى قتل ، قتله بشر بن سوط الهمداني (٥).

__________________

(١) ذكره الطبري بعد مقتل على الأكبر ط. أوربا ، ٢ / ٣٥٧.

(٢) نسب قريش للمصعب الزبيري ص ٤٥ ، ومقاتل الطالبيين ٩٤.

(٣) مناقب ابن شهرآشوب ٢ / ٢٢٠ ، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٢٦.

(٤) هذه الزيادة في سياق الارشاد ص ٢٢٣.

(٥) نقلنا في مقتل ابني عقيل وابني جعفر بعدهما الأراجيز من مقتل الخوارزمي ومناقب ابن شهرآشوب وكان الطبري قد أسقط أراجيزهم من خبر مقتلهم على عادته في حذف الأراجيز في أغلب ما ـ

وقال الطبري : ورمى عبد الله بن عزرة الخثعمي جعفر بن عقيل بن أبي طالب فقتله.

عبد الرحمن بن عقيل :

وبرز بعده أخوه عبد الرحمن بن عقيل وهو يرتجز :

أبي عقيل فاعرفوا مكاني

من هاشم وهاشم إخواني

كهول صدق سادة الأقران

هذا حسين شامخ البنيان

وسيّد الشباب في الجنان

فقاتل حتّى قتل قتله عثمان بن خالد الجهني.

وقال الطبري : وشدّ عثمان بن خالد الجهني وبشر بن سوط الهمداني ثم القابضي على عبد الرحمن بن عقيل فقتلاه.

محمد بن عبد الله بن جعفر :

قال الخوارزمي وابن شهرآشوب : ثمّ برز محمّد بن عبد الله بن جعفر وهو ينشد :

أشكو إلى الله من العدوان

فعال قوم في الردى عميان

قد بدّلوا معالم القرآن

ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان

فقاتل قتالا شديدا حتّى قتل. قتله عامل بن نهشل التميميّ.

عون بن عبد الله بن جعفر :

ثم برز أخوه عون فحمل وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن جعفر

شهيد صدق في الجنان أزهر

__________________

ـ يروي من أخبار الحروب.

يطير فيها بجناح أخضر

كفى بهذا شرفا في محشر

فقاتل حتّى قتل. قتله عبد الله بن قطبة الطائيّ (١).

نجلا السبط الأكبر :

ثمّ برز عبد الله بن الحسن بن عليّ وهو يقول :

إن تنكروني فأنا فرع الحسن

سبط النبي المصطفى المؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن

بين أناس لا سقوا صوب المزن

فقاتل حتى قتل. قتله هاني بن شبيب الحضرميّ (٢).

ثمّ برز أخوه القاسم بن الحسن وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم فلمّا نظر إليه الحسين اعتنقه وجعلا يبكيان ، ثمّ استأذن الغلام للحرب فأبى عمّه الحسين أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه ويسأله الاذن حتّى أذن له ، فخرج ودموعه تسيل على خدّيه (٣) عليه ثوب وازار ونعلان فقط وكأنّه فلقة قمر وأنشأ يقول :

إنّي أنا القاسم من نسل عليّ

نحن وبيت الله أولى بالنبي

من شمر ذي الجوشن أو ابن الدعي (٤)

وروى الطبري عن حميد بن مسلم ، قال : خرج إلينا غلام كأن وجهه شقّة قمر في يده السيف ، عليه قميص وإزار ، ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى انّها اليسرى ، فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الازدي : والله

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ٢ / ٢٢٠ ، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٢٧ ، ويتفق سياق رواية الطبري معهما فيما عدا حذفه الرجزين.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ٢ / ٢٢٠ ، وفي مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٧ نسب البيتين إلى القاسم أو عبد الله ، وفي إعلام الورى ص ٢١٣ : وكان عبد الله بن الحسن قد زوجه الحسين ابنته سكينة فقتل قبل أن يبني بها.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٧.

(٤) مناقب ابن شهرآشوب ٢ / ٢٢١.

لاشدّنّ عليه ، فقلت له : سبحان الله وما تريد إلى ذلك ، يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوهم (١) قال : فقال : والله لاشدّنّ عليه ، فشدّ عليه فما ولى حتّى ضرب رأسه بالسيف ، فوقع الغلام لوجهه ، فقال : يا عمّاه! قال : فجلّى الحسين كما يجلّي الصقر ، ثمّ شدّ شدّة ليث أغضب ، فضرب عمرا بالسيف ، فاتّقاه بالساعد فأطنّها من لدن المرفق ، فصاح ـ صيحة سمعها أهل العسكر ـ (٢) ثمّ تنحى عنه ، وحملت خيل لأهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من حسين ، فاستقبلت عمرا بصدورها فحركت حوافرها وجالت الخيل بفرسانها عليه ، فتوطّأته حتّى مات ، وانجلت الغبرة فإذا أنا بالحسين قائم على رأس الغلام ، والغلام يفحص برجليه ، وحسين يقول : بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك ثمّ قال : عزّ والله على عمّك ، أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك. صوت والله كثر واتره وقلّ ناصره. ثمّ احتمله فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض وقد وضع حسين صدره على صدره ، قال : فقلت في نفسي : ما يصنع به ، فجاء به حتّى القاه مع ابنه عليّ بن الحسين وقتلى قد قتلت حوله من أهل بيته ، فسألت عن الغلام فقيل : هو القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب.

__________________

(١) في الطبري : احتولهم.

(٢) الطبري ٢ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، وارشاد المفيد ص ٢٢٣.

مقتل إخوة الحسين (١)

أبو بكر بن علي (ع):

ثمّ تقدّم اخوة الحسين (ع) عازمين على أن يقتلوا من دونه ، فأوّل من تقدّم منهم أبو بكر بن علي ، واسمه عبد الله ، وأمّه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي بن مسلم بن جندل بن نهشل بن دارم التميميّة ، فبرز أبو بكر وهو يقول :

شيخي عليّ ذو الفخار الاطول

من هاشم الصدق الكريم المفضل

هذا الحسين ابن النبيّ المرسل

نذود عنه بالحسام الفيصل

تفديه نفسي من أخ مبجّل

يا ربّ فامنحني الثواب المجزل

فحمل زحر بن قيس النخعي فقتله.

عمر بن علي (ع):

ثمّ خرج من بعد أبي بكر بن علي ، أخوه عمر بن علي ، فحمل وهو يقول :

أضربكم ولا أرى فيكم زحر

ذاك الشقيّ بالنبي قد كفر

__________________

(١) إلى آخر هذا الفصل أوردناه بلفظ الخوارزمي ٢ / ٢٨ ـ ٢٩.

يا زحر يا زحر تدان من عمر

لعلّك اليوم تبوء بسقر

شرّ مكان في حريق وسعر

فانّك الجاحد يا شرّ البشر

ثمّ قصد قاتل أخيه فقتله ، وجعل يضرب بسيفه ضربا منكرا ويقول في حملاته :

خلّوا عداة الله خلّوا عن عمر

خلّوا عن الليث العبوس المكفهرّ

يضربكم بسيفه ولا يفر

وليس يغدو كالجبان المنجحر

ولم يزل يقاتل حتّى قتل.

عثمان بن علي (ع):

ثمّ خرج من بعده عثمان بن عليّ وأمّه أمّ البنين بنت حزام بن خالد ، من بني كلاب وهو يقول :

إنّي أنا عثمان ذو المفاخر

شيخي عليّ ذو الفعال الطاهر

صنو النبيّ ذو الرشاد السائر

ما بين كلّ غائب وحاضر

ثمّ قاتل حتّى قتل.

جعفر بن علي (ع):

ثمّ خرج أخوه جعفر بن علي وأمّه أمّ البنين أيضا فحمل وهو يقول :

إنّي أنا جعفر ذو المعالي

نجل عليّ الخير ذو النوال

أحمي حسينا بالقنا العسّال

وبالحسام الواضح الصقّال

ثمّ قاتل حتّى قتل.

عبد الله بن علي (ع):

ثم خرج من بعده أخوه عبد الله بن علي ، وأمّه أمّ البنين أيضا ، فحمل وهو يقول :

أنا ابن ذي النجدة والافضال

ذاك عليّ الخير في الفعال

سيف رسول الله ذو النكال

وكاشف الخطوب والاهوال

فحمل وقاتل حتّى قتل (١).

وروى الطبري عن حميد بن مسلم قال : سمعت الحسين يومئذ وهو يقول : اللهمّ أمسك عنهم قطر السماء ، وامنعهم بركات الأرض ، اللهمّ فان متعتهم إلى حين ففرّقهم فرقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض عنهم الولاة أبدا. فانهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا ، قال : وضارب الرجّالة حتّى انكشفوا عنه ، قال : ولمّا بقي الحسين في ثلاثة رهط أو أربعة ، دعا بسراويل محقّقة يلمع فيها البصر يمانيّ محقّق ففرزه ونكثه لكي لا يسلبه فقال له بعض أصحابه : لو لبست تحته تبّانا. قال ذلك ثوب مذلّة ولا ينبغي لي أن ألبسه قال : فلمّا قتل أقبل بحر بن كعب فسلبه ايّاه فتركه مجرّدا.

قال أبو مخنف : فحدّثني عمرو بن شعيب عن محمّد بن عبد الرحمن أنّ يدي بحر بن كعب كانتا في الشتاء ينضحان الماء وفي الصيف ييبسان كأنّهما عود.

مقتل العباس بن أمير المؤمنين (ع):

في مقاتل الطالبيّين : كان رجلا وسيما جميلا يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض ، وكان يقال له : قمر بني هاشم ، وكان لواء الحسين معه يوم قتل ، وهو أكبر ولد أمّ البنين ، وهو آخر من قتل من إخوته لامّه وأبيه (٢)

وفي مقتل الخوارزمي : ثمّ خرج العباس وهو السقّاء فحمل وهو يقول :

__________________

(١) أورد الطبري ومن تبعه خبر مقتل إخوة الحسين (ع) بايجاز ، وفي مناقب ابن شهرآشوب أورد ارجاز أخوه العباس لأمه. وما أوردناه هنا نقلناه من مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٨ ـ ٢٩ وبلفظه.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٨٤.

أقسمت بالله الأعزّ الأعظم

وبالحجون صادقا وزمزم

وبالحطيم والفنا المحرّم

ليخضبنّ اليوم جسمي بدمي

دون الحسين ذي الفخار الاقدم

إمام أهل الفضل والتكرم (١)

وفي الارشاد ومثير الاحزان واللهوف (٢) : واشتدّ العطش بالحسين (ع) فركب المسنّاة يريد الفرات وبين يديه العباس أخوه فاعترضه خيل ابن سعد.

وفي مناقب ابن شهرآشوب : مضى يطلب الماء فحملوا عليه وحمل عليهم وهو يقول:

لا أرهب الموت إذا الموت رقى

حتّى أوارى في المصاليت لقا

نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا

إنّي أنا العبّاس أغدو بالسقا

ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى

ففرّقهم فكمن له زيد بن الورقاء الجهني من وراء نخلة وعاونه حكيم ابن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله وحمل عليه وهو يرتجز :

والله ان قطعتم يميني

إنّي أحامي أبدا عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

نجل النبيّ الطاهر الأمين

فقاتل حتّى ضعف ، فكمن له حكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله ، فقال :

يا نفس لا تخشي من الكفّار

وأبشري برحمة الجبّار

مع النبيّ السيّد المختار

قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا ربّ حرّ النار

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٩ ـ ٣٠.

(٢) الارشاد ص ٢٤ ، وإعلام الورى ص ٢٤٤ ، ومثير الاحزان ص ٥٣ ، واللهوف ص ٤٥.

فقتله الملعون بعمود من حديد (١).

وفي مقتل الخوارزمي : فقال الحسين : الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي (٢).

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ٢ / ٢٢١ ـ ٢٢٢.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٠.

مقتل أطفال آل الرسول (ص)

قتل الطفل الرضيع :

في مقتل الخوارزمي وغيره : تقدّم الحسين إلى باب الخيمة وقال : ناولوني عليّا الطفل حتّى أودّعه ، فناولوه الصبيّ ، فجعل يقبّله ويقول : ويل لهؤلاء القوم إذ كان خصمهم جدّك ، فبينا الصبيّ في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه في حجره فتلقّى الحسين دمه حتّى امتلأت كفّه ثمّ رمى به نحو السماء ، وقال : اللهمّ ان حبست عنّا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا ، وانتقم من هؤلاء الظالمين ، ثمّ نزل الحسين عن فرسه وحفر للصبي بجفن سيفه وزمّله بدمه وصلّى عليه (١).

مقتل طفل آخر للحسين (ع):

قال الطبري : ورمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بن عليّ بسهم فقتله فلذلك يقول الشاعر وهو ابن أبي عقب :

وعند غنيّ قطرة من دمائنا

وفي أسد أخرى تعدّ وتذكر

معركة في طريق الفرات :

روى الطبري عمّن شهد الحسين في عسكره ، أنّ حسينا حين غلب على

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٢ ، وتاريخ الطبري ط. أوربا ، ٢ / ٣٦٠ ، وابن كثير ٨ / ١٨٨.

عسكره ، ركب المسنّاة ، يريد الفرات ، قال : فقال رجل من بني أبان بن دارم : ويلكم حولوا بينه وبين الماء لا تتامّ إليه شيعته ، قال : وضرب فرسه واتّبعه الناس حتّى حالوا بينه وبين الفرات فقال الحسين : اللهم أظمئه! قال : وينتزع الأبانيّ بسهم فأثبته في حنك الحسين.

وفي رواية : فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه ـ وفي رواية في حنكه ـ قال : فانتزع الحسين السهم ثم بسط كفّيه فامتلأتا دما فرمى به إلى السماء ، ثمّ حمد الله وأثنى عليه ثمّ جمع يديه فقال : اللهم انّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك ، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا.

وروى الطبري وقال : فانتزع الحسين السهم ثمّ بسط كفّيه فامتلأتا دما ثم قال الحسين : اللهم انّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك قال : فو الله ان مكث الرجل إلّا يسيرا حتّى صبّ الله عليه الظمأ فجعل لا يروى ، قال القاسم بن الاصبغ. لقد رأيتني فيمن يروّح عنه ، والماء يبرّد له فيه السكّر وعساس فيها اللبن وقلال فيها الماء وانّه ليقول : ويلكم اسقوني قتلني الظمأ فيعطى القلّة أو العسّ كان مرويا أهل البيت فيشربه فاذا نزعه من فيه اضطجع الهنيهة ثمّ يقول : ويلكم اسقوني قتلني الظمأ قال : فو الله ما لبث إلّا يسيرا حتّى انقدّ بطنه انقداد بطن البعير.

مقتل طفل مذعور :

روى الطبري عن هانئ بن ثبيت الحضرميّ ، قال : كنت ممّن شهد قتل الحسين ، قال: فو الله انّي لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلّا على فرس وقد جالت الخيل وتصعصعت ؛ إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الابنية عليه إزار وقميص وهو مذعور يتلتف يمينا وشمالا فكأني أنظر

إلى درتين في أذنيه تذبذبان كلما التفت ، إذ أقبل رجل يركض حتّى إذا دنا منه مال عن فرسه ، ثمّ اقتصد الغلام فقطعه بالسيف ، قال : الراوي : هانئ بن ثبيت ، هو صاحب الغلام ، فلمّا عتب عليه كنّى عن نفسه.

مقتل غلام للإمام الحسن (ع):

قال الطبري : ثمّ ان شمر بن ذي الجوشن أقبل في الرجّالة نحو الحسين فأخذ الحسين يشدّ عليهم فينكشفون عنه ، ثمّ انّهم أحاطوا به إحاطة وأقبل إلى الحسين عبد الله بن الحسن (١) من عند النساء وهو غلام لم يراهق فأخذته أخته زينب ابنة علي لتحبسه ، فقال لها الحسين : احبسيه. فأبى الغلام وجاء يشتدّ إلى الحسين فقام إلى جنبه ، قال : وقد أهوى بحر بن كعب بن عبيد الله من بني تيم الله ابن ثعلبة بن عكابة إلى الحسين بالسيف فقال الغلام : يا ابن الخبيثة! أتقتل عمّي؟! فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده ، فأطنّها إلى الجلدة فإذا يده معلّقة فنادى الغلام يا أمتاه! فأخذه الحسين فضمّه إلى صدره وقال : يا ابن أخي! اصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك الخير ، فانّ الله يلحقك بآبائك الصالحين ... برسول الله (ص) وعلي بن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن بن علي صلى الله عليهم أجمعين!

مقتل الحسين (ع) وسلبه :

روى الطبري وقال : ومكث الحسين طويلا من النهار كلّما انتهى إليه رجل من الناس انصرف عنه ، وكره أن يتولّى قتله وعظيم اثمه عليه ، قال : وإنّ رجلا يقال له : مالك بن النسير من بني بدّاء ، أتاه فضربه على رأسه بالسيف وعليه برنس له فقطع البرنس وأصاب السيف رأسه فأدمى رأسه فامتلأ البرنس دما فقال له الحسين : لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك الله

__________________

(١) في الطبري ط. أوربا ، ٢ / ٣٦٣ : «غلام من أهله» والتصحيح من ارشاد المفيد ص ٢٢٥.

مع الظالمين ، قال : فألقى ذلك البرنس ثمّ دعا بقلنسوة فلبسها واعتمّ وقد أعيا وبلّد ، وجاء الكندي حتى أخذ البرنس وكان من خزّ فلما قدم به بعد ذلك على امرأته أمّ عبد الله ابنة الحرّ أخت حسين بن الحرّ البدّي ؛ أقبل يغسل البرنس من الدمّ فقالت له امرأته : أسلب ابن بنت رسول الله (ص) تدخل بيتي؟! أخرجه عنّي. فذكر أصحابه أنّه لم يزل فقيرا بشرّ حتّى مات (١).

رجالة جيش الخلافة تهجم على مخيم ذراري رسول الله (ص):

قال أبو مخنف في حديثه : ثمّ إن شمر بن ذي الجوشن أقبل في نفر نحو من عشرة من رجّالة أهل الكوفة قبل منزل الحسين الذي فيه ثقله وعياله فمشى نحوه ، فقال الحسين : ويلكم ان لم يكن لكم دين ولا تخافون يوم المعاد ، فكونوا في أمر دنياكم أحرارا ذوي أحساب ، امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم وجهالكم! فقال ابن ذي الجوشن : ذلك لك يا ابن فاطمة. قال : وأقدم عليه بالرجّالة منهم أبو الجنوب واسمه عبد الرحمن الجعفي ، والقشعم بن عمرو بن يزيد الجعفي ، وصالح بن وهب اليزني ، وسنان بن أنس النخعي ، وخولي بن يزيد الاصبحي ، فجعل شمر بن ذي الجوشن يحرّضهم فمرّ بأبي الجنوب وهو شاك في السلاح فقال له : أقدم عليه قال : وما يمنعك أن تقدم عليه أنت؟ وقال له شمر : ألي تقول ذا؟ قال : وأنت لي تقول ذا؟ فاستبّا فقال له أبو الجنوب : وكان شجاعا : والله لهممت أن أخضخض السنان في عينك قال : فانصرف عنه شمر وقال : والله لئن قدرت على أن أضرّك لاضرّنك (٢).

__________________

(١) الطبري ٤ / ٤٤٨ ط. دار المعارف بمصر ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وط. اوربا ٢ / ٣٥٩ ٣٦٠.

(٢) الطبري ٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ط. اوربا.

آخر قتال الحسين (ع):

وروى الطبري عن أبي مخنف عن الحجاج بن عبد الله بن عمّار بن عبد يغوث البارقي أنّه عتب على عبد الله بن عمّار مشهده قتل الحسين فقال عبد الله بن عمّار : انّ لي عند بني هاشم ليدا ، قلنا له : وما يدك عندهم؟ قال : حملت على حسين بالرمح فانتهيت إليه فو الله لو شئت لطعنته ، ثمّ انصرفت عنه غير بعيد وقلت : ما أصنع بأن أتولّى قتله ؛ يقتله غيري ، قال : فشدّ عليه رجّالة ممّن عن يمينه وشماله ، فحمل على من عن يمينه حتّى ابذعرّوا ، وعلى من عن شماله حتّى ابذعرّوا ، وعليه قميص له من خزّ وهو معتمّ ، قال : فو الله ما رأيت مكثورا قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا منه ولا أجرأ مقدما ، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ان كانت الرجّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب.

صرخة زينب :

قال : فو الله انّه لكذلك إذ خرجت زينب ابنة فاطمة أخته وهي تقول : ليت السماء تطابقت على الأرض ، وقد دنا عمر بن سعد من حسين فقالت : يا عمر بن سعد! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! قال : فكأني أنظر إلى دموع عمر وهي تسيل على خديه ولحيته قال : وصرف بوجهه عنها (١).

__________________

(١) الطبري ٢ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ط. اوربا.

مقتل سبط النبي (ص) (١)

قال أبو مخنف : حدّثني الصقعب بن الزبير عن حميد بن مسلم قال : كانت عليه جبة من خزّ ، وكان معتمّا وكان مخضوبا بالوسمة قال : سمعته يقول قبل أن يقتل وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع يتّقي الرمية ويفترص العورة ، ويشدّ على الخيل وهو يقول : أعلى قتلي تحاثّون! أما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله الله أسخط عليكم لقتله منّي! وأيم الله انّي لارجو أن يكرمني الله بهوانكم ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون ، أما والله ان لو قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ، ثمّ لا يرضى لكم بذلك حتّى يضاعف لكم العذاب الأليم ، قال : ولقد مكث طويلا من النهار ولو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا ، ولكنّهم كان يتّقي بعضهم ببعض ، ويحبّ هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء قال : فنادى شمر في الناس : ويحكم ما ذا تنظرون بالرجل؟ اقتلوه ثكلتكم أمّهاتكم قال : فحمل عليه من كلّ جانب فضربت كفّه اليسرى ضربة ضربها شريك التميمي ، وضرب على عاتقه ، ثمّ انصرفوا وهو ينوء ويكبو ، قال : وحمل عليه في تلك الحال سنان

__________________

(١) الطبري ٢ / ٣٦٥ ـ ٣٦٨ ط. اوربا.

بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع ، ثمّ قال لخوليّ بن يزيد الاصبحي احتزّ رأسه ، فأراد أن يفعل فضعف فأرعد فقال له سنان بن أنس : فتّ الله عضديك وأبان يديك فنزل إليه فذبحه واحتزّ رأسه ثمّ دفع إلى خوليّ بن يزيد وقد ضرب قبل ذلك بالسيوف.

قال أبو مخنف عن جعفر بن محمّد بن علي قال : وجد بالحسين (ع) حين قتل ثلاث وثلاثون طعنة ، وأربع وثلاثون ضربة ، قال : وجعل سنان ابن أنس لا يدنو أحد من الحسين إلّا شدّ عليه مخافة أن يغلب على رأسه حتّى أخذ رأس الحسين (ع) فدفعه إلى خوليّ.

جيش الخلافة يسلب ذراري رسول الله (ص):

قال : وسلب الحسين ما كان عليه ؛ فأخذ سراويله بحر بن كعب ، وأخذ قيس بن الاشعث قطيفته وكانت من خزّ وكان يسمّى بعد قيس قطيفة ، وأخذ نعليه رجل من بني أود يقال له الاسود وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم فوقع بعد ذلك إلى أهل حبيب بن بديل ، قال : ومال الناس على الورس والحلل والابل وانتهبوها ، قال : ومال الناس على نساء الحسين وثقله ومتاعه فان كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتّى تغلب عليه فيذهب به منها.

آخر شهيد :

وروى عن زهير بن عبد الرحمن الخثعمي ، أنّ سويد بن عمرو بن أبي المطاع كان صرع فأثخن فوقع بين القتلى مثخنا فسمعهم يقولون : قتل الحسين فوجد افاقة فإذا معه سكّين وقد أخذ سيفه ، فقاتلهم بسكينه ساعة ثمّ انّه قتل ، قتله عروة بن بطار التغلبي وزيد بن رقاد الجنبي وكان آخر شهيد.

وعن حميد بن مسلم قال : انتهيت إلى عليّ بن الحسين بن علي ،

الأصغر (١) وهو منبسط على فراش له وهو مريض وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجّالته يقولون: ألا نقتل هذا؟ قال : فقلت : سبحان الله أنقتل الصبيان؟! إنّما هذا صبيّ. قال : فما زال ذلك دأبي أدفع عنه كل من جاء حتّى جاء عمر بن سعد فقال : ألا لا يدخلنّ بيت هؤلاء النسوة أحد ، ولا يعرضنّ لهذا الغلام المريض ، ومن أخذ من متاعهم شيئا فليردّه عليه ، قال : فو الله ما ردّ أحد شيئا ، قال : فقال علي بن الحسين : جزيت من رجل خيرا فو الله لقد دفع الله عنّي بمقالتك شرا (٢).

قاتل الحسين يطلب الجائزة :

قال : فقال الناس لسنان بن أنس : قتلت حسين بن علي وابن فاطمة ابنة رسول الله ، قتلت أعظم العرب خطرا ؛ جاء إلى هؤلاء يريد أن يزيلهم عن ملكهم ، فأت أمراءك فاطلب ثوابك منهم ، وانّهم لو أعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلا. فأقبل على فرسه وكان شجاعا وكانت به لوثة ، فأقبل حتى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد ثمّ نادى بأعلى صوته :

أوقر ركابي فضّة وذهبا

أنا قتلت الملك المحجّبا

قتلت خير الناس أمّا وأبا

وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال عمر بن سعد : أشهد إنّك لمجنون ما صححت قطّ ، أدخلوه عليّ. فلمّا أدخل حذفه بالقضيب ، ثمّ قال : يا مجنون أتتكلّم بهذا الكلام! أما والله لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك.

نجاة عقبة بن سمعان وأسر المرقع :

قال : وأخذ عمر بن سعد عقبة بن سمعان ، وكان مولى للرباب بنت

__________________

(١) لم يكن بعلي الأصغر ، وكان قد ولد له محمد الباقر يوم ذاك ، بل هو علي الأوسط.

(٢) الطبري ٢ / ٣٦٧ ط. اوربا.

امرئ القيس الكلبيّة ، وهي أمّ سكينة بنت الحسين ، فقال له : ما أنت؟ قال : أنا عبد مملوك فخلّى سبيله ، فلم ينج منهم أحد غيره ، إلّا ان المرقع بن ثمامة الأسدي كان قد نثر نبله وجثا على ركبتيه فقاتل ، فجاءه نفر من قومه فقالوا له : أنت آمن ، أخرج إلينا ، فخرج إليه فلمّا قدم بهم عمر بن سعد على ابن زياد وأخبره سيّره إلى الزارة (١).

يوطئون الخيل جسد الحسين (ع):

قال : ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى في أصحابه ، من ينتدب للحسين ويوطئه فرسه؟ فانتدب عشرة ، منهم اسحاق بن حياة الحضرمي وهو الذي سلب قميص الحسين فبرص بعد ، وأحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمي ، فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتّى رضّوا ظهره وصدره ، فبلغني أنّ أحبش بن مرثد بعد ذلك بزمان أتاه سهم غرب وهو واقف في قتال ففلق قلبه فمات (٢).

__________________

(١) و (٢) الطبري ٢ / ٣٦٨ ط. اوربا.

من نعى الإمام في المدينة

أ ـ أم سلمة :

في سنن الترمذي ، وسير النبلاء ، والرياض النضرة ، وتاريخ ابن كثير ، وتاريخ الخميس ، وغيرها ، واللفظ للأول ، عن سلمى ، قالت :

دخلت على أمّ سلمة وهي تبكي فقلت : ما يبكيك؟ قالت : رأيت رسول الله (ص) ـ تعني في المنام ـ وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت : ما لك يا رسول الله؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفا (١).

وقال اليعقوبي : وكان أوّل صارخة صرخت في المدينة أمّ سلمة زوج رسول الله ، كان دفع إليها قارورة فيها تربة وقال لها : (انّ جبريل أعلمني انّ أمتي تقتل الحسين) وأعطاني هذه التربة ، وقال لي : (إذا صارت دما عبيطا فاعلمي أنّ الحسين قد قتل) ، وكانت عندها ، فلمّا حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كلّ ساعة ، فلمّا رأتها قد صارت دما صاحت ، وا حسيناه! يا ابن رسول الله! وتصارخت النساء في كلّ ناحية حتى ارتفعت المدينة

__________________

(١) سنن الترمذي ١٣ / ١٩٣ ـ ١٩٤ ، ومستدرك الحاكم ٤ / ١٩ ، وسير النبلاء ٣ / ٢١٣ ، والرياض النضرة ص ١٤٨ ، وتاريخ ابن الاثير ٣ / ٣٨ ، وابن كثير ٨ / ٢٠١ ، وتاريخ السيوطي ص ٢٠٨ ، وتاريخ ابن عساكر ح ٧٢٦ ، وتهذيبه ٤ / ٢٤٠.

بالرجّة التي ما سمع بمثلها قطّ (١).

ب ـ ابن عباس :

في مسند أحمد بن حنبل ، وفضائله ، والمعجم الكبير للطبراني ، والمستدرك للحاكم والرياض النضرة ، وغيرها واللفظ للأول : عن عمار بن أبي عمّار عن ابن عباس ، قال : رأيت رسول الله (ص) في المنام نصف النهار أشعث أغبر ، معه قارورة فيها دم ، فقلت بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا؟ قال : «هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم» قال عمّار : فأحصينا ذلك اليوم فوجدناه قد قتل فيه (٢).

وفي تاريخ ابن عساكر وابن كثير : عن علي بن زيد بن جدعان قال : استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع ، وقال : قتل الحسين والله! فقال له أصحابه : لم يا ابن عباس؟ فقال : رأيت رسول الله (ص) ومعه زجاجة من دم ، فقال : «أتعلم ما صنعت أمّتي من بعدي؟ قتلوا الحسين! وهذا دمه ودم أصحابه أرفعهما إلى الله».

فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه وتلك الساعة ، فما لبثوا إلّا أربعة وعشرين يوما حتّى جاءهم الخبر بالمدينة انّه قتل في ذلك اليوم وفي تلك الساعة (٣).

ج ـ ناع ثالث :

روى الطبري وغيره واللفظ للطبري ، عن عمرو بن عكرمة ، قال :

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨.

(٢) مسند أحمد ١ / ٢٤٢ و ٢٨٢ ، وفضائل أحمد ، الحديث ٢٠ و ٢٢ و ٢٦ ، والمعجم للطبراني ح ٥٦ ، ومستدرك الحاكم ٤ / ٣٩٨ ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، وسير النبلاء ٣ / ٣٢٣ ، والرياض النضرة ١٤٨ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٣ و ١٩٤ ، وتذكرة سبط ابن الجوزي ص ١٥٢ ، وتاريخ ابن الاثير ٣ / ٣٨ ، وابن كثير ٦ / ٢٣١ و ٨ / ٢٠٠ ، وقال اسناده قوي ، وتاريخ الخميس ٢ / ٣٠٠ ، والاصابة ١ / ٣٣٤ ، وتاريخ السيوطي ص ٢٠٨ ، وأمالي الشجري ص ١٦٠.

(٣) تاريخ ابن كثير ٨ / ٢٠٠ ، وتاريخ ابن عساكر الحديث ٧٢٣ ـ ٧٢٥.

أصبحنا صبيحة قتل الحسين بالمدينة فإذا مولى لنا يحدّثنا ، قال : سمعت البارحة مناديا ينادي وهو يقول :

أيّها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

من نبيّ وملئك وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وحامل الإنجيل

وهناك روايات أخرى عن أم سلمة وغيرها أنهم سمعوا نوح الجنّ على الحسين وهم يقولون :

أيّها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

ونبيّ ومرسل وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل(١)

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٨ / ٢٠١ ، وراجع سير النبلاء ٣ / ٢١٤ ، وتاريخ السيوطي ص ٢٨٠ ، وتاريخ ابن عساكر ، الحديث ٧٣٣ ـ ٧٣٩.

ما وقع بعد استشهاد الإمام الحسين (ع)

قتل من أصحاب الحسين (ع) اثنان وسبعون رجلا ، ودفن الحسين وأصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعد ما قتلوا بيوم ، وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلا سوى الجرحى ، فصلى عليهم عمر بن سعد ودفنهم. قال : وما هو إلّا أن قتل الحسين فسرّح برأسه من يومه ذلك مع خوليّ ابن يزيد وحميد بن مسلم الازدي إلى عبيد الله بن زياد ، فأقبل به خوليّ فأراد القصر فوجد باب القصر مغلقا فأتى منزله فوضعه تحت اجّانة في منزله وله امرأتان امرأة من بني أسد والاخرى من الحضرميّين يقال لها : النوّار ابنة مالك بن عقرب ، وكانت تلك الليلة ليلة الحضرميّة ، قال هشام : فحدثني أبي عن النوّار بنت مالك قالت : أقبل خوليّ برأس الحسين فوضعه تحت اجّانة في الدار ثمّ دخل البيت فأوى إلى فراشه فقلت له : ما الخبر؟ ما عندك؟! قال جئتك بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين معك في الدار! قالت : فقلت ويلك! جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول الله (ص)؟ لا والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبدا ، قالت : فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار ، فدعا الاسديّة فأدخلها إليه ، وجلست أنظر ، قالت : فو الله ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الاجّانة

ورأيت طيرا بيضا ترفرف حولها قال : فلمّا أصبح غدا بالرأس إلى عبيد الله بن زياد وأقام عمر بن سعد يومه ذلك والغد ثم أمر حميد بن بكير الاحمري فأذّن في الناس بالرحيل إلى الكوفة وحمل معه بنات الحسين واخواته ، ومن كان معه من الصبيان وعلي بن الحسين مريض (١).

وروى الطبري عن قرّة بن قيس التميمي قال : نظرت إلى تلك النسوة لمّا مررن بحسين وأهله وولده صحن ولطمن وجوههن ... قال : فما نسيت من الأشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة حين مرّت بأخيها الحسين صريعا وهي تقول : يا محمّداه يا محمّداه! ، صلّى عليك ملائكة السماء ، هذا حسين بالعراء ، مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، يا محمّداه! وبناتك سبايا ، وذرّيّتك مقتّلة تسفي عليها الصبا. قال : فأبكت والله كلّ عدوّ وصديق قال : وقطف رءوس الباقين فسرّح باثنين وسبعين رأسا مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعزرة بن قيس فأقبلوا حتّى قدموا بها على عبيد الله بن زياد(٢).

__________________

(١) الطبري ٢ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ط. اوربا.

(٢) الطبري ٢ / ٣٧٠ ط. اوربا.

رءوس الشهداء يتقاسمها القتلة من جيش الخلافة

وروى الطبري عن أبي مخنف ، قال : ولمّا قتل الحسين بن علي (ع) جيء برءوس من قتل معه من أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيد الله بن زياد ، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث ، وجاءت هوازن بعشرين رأسا وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن ، وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا ، وجاءت بنو أسد بستة أرؤس ، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس ، وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس ، فذلك سبعون رأسا قال : وقتل الحسين وأمّه فاطمة بنت رسول الله (ص) قتله سنان بن انس النخعي ثمّ الاصبحي ، وجاء برأسه خوليّ بن يزيد ، وقتل العبّاس بن علي بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين ابنة حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد ، قتله زيد بن رقاد الجنبي وحكيم بن الطفيل السنبسي ، وقتل جعفر بن علي بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين أيضا ، وقتل عبد الله بن عليّ بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين أيضا وقتل عثمان بن علي بن أبي طالب وأمّه أم البنين أيضا رماه خولي بن يزيد بسهم فقتله ، وقتل محمد بن علي بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد ، قتله رجل من بني أبان بن دارم ، وقتل أبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمّه ليلى ابنة مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم ، وقد شرك

في قتله ، وقتل علي بن الحسين بن علي وأمّه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود بن معتب الثقفي وأمّها ميمونة ابنة أبي سفيان بن حرب قتله مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي ، وقتل عبد الله بن الحسين بن علي وأمّه الرباب ابنة امرئ القيس بن عديّ بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب ، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي ، واستصغر علي بن الحسين بن عليّ فلم يقتل (١) ، وقتل أبو بكر بن الحسن بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد قتله عبد الله بن عقبة الغنويّ ، وقتل عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد ، قتله حرملة بن كاهل رماه بسهم ، وقتل القاسم بن الحسن بن عليّ ، وأمّه أمّ ولد ، قتله سعد بن عمرو بن نفيل الازدي ، وقتل عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأمّه جمّانة ابنة المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رياح من بني فزارة قتله عبد الله بن قطبة الطائي ثمّ النبهاني ، وقتل محمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأمّه الخوصاء ابنة خصفة بن ثقيف بن ربيعة بن عائذ بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة من بكر بن وائل ، قتله عامر ابن نهشل التيمي ، وقتل جعفر بن عقيل بن أبي طالب وأمّه أمّ البنين ابنة الشقر بن الهضاب ، قتله بشر بن حوط الهمداني ، وقتل عبد الرحمن بن عقيل وأمّه أمّ ولد قتله عثمان بن خالد بن أسير الجهني ، وقتل عبد الله بن عقيل بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد رماه عمرو بن صبيح الصدائي فقتله ، وقتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمّه أمّ ولد بالكوفة ، وقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمّه رقيّة ابنة علي بن أبي طالب وأمّها أمّ ولد قتله عمرو بن صبيح الصدائي ، وقيل : قتله أسيد بن مالك الحضرمي ، وقتل محمّد بن أبي سعيد بن عقيل ، وأمّه أمّ ولد قتله لقيط بن ياسر الجهني ،

__________________

(١) لم يكن صغيرا بل كان مريضا فلم يقتل وكان له من الاولاد محمد الباقر كما ذكرناه غير مرة.

واستصغر الحسن بن الحسن بن علي ، وأمّه خولة ابنة منظور بن ريّان بن سيّار الفزاري ، واستصغر عمرو بن الحسن بن علي فترك فلم يقتل وأمّه أمّ ولد ، وقتل من الموالي سليمان مولى الحسين بن علي قتله سليمان بن عوف الحضرمي ، وقتل منجح مولى الحسين بن علي ، وقتل عبد الله بن يقطر ؛ رضيع الحسين ابن علي (١).

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ط. المطبعة الحسينية المصرية.

جيش الخلافة يسوق حرم الرسول إلى الكوفة

في فتوح ابن أعثم ومقتل الخوارزمي وغيرهما ، قالوا : وساق القوم حرم رسول الله (ص) كما تساق الاسارى ، حتّى إذا بلغوا بهم الكوفة خرج الناس ينظرون إليهم ، وجعلوا يبكون ويتوجّعون ، وعلي بن الحسين مريض ، مغلول مكبّل بالحديد ، قد نهكته العلّة ، فقال : ألا إنّ هؤلاء يبكون ويتوجّعون من أجلنا ، فمن قتلنا إذن؟ (فأشرفت امرأة من الكوفة وقالت: من أيّ الاسارى أنتنّ؟ فقلن : نحن أسارى آل محمّد (ص) فنزلت وجمعت ملاء وأزرا ومقانع وأعطتهنّ) (١).

خطبة زينب (ع):

وقال بشير بن حذيم الأسدي : نظرت إلى زينب بنت علي يومئذ ـ ولم أر خفرة قطّ انطق منها كأنّما تنطق عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وتفرغ عنه ـ وأومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدّت الانفاس ، وسكنت الاجراس ، فقالت :

«الحمد لله ، والصلاة على أبي محمّد رسول الله وعلى آله الطيّبين

__________________

(١) ما بين القوسين في مثير الاحزان ص ٦٦ ثم رجعنا إلى رواية ابن أعثم.

الاخيار آل الله ، وبعد! يا أهل الكوفة! ويا أهل الختل ، والخذل ، والغدر! أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنّة ، انّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا. تتخذون أيمانكم دخلا بينكم! ألا وهل فيكم إلّا الصلف ، والطنف ، والشنف (١) ، وملق الاماء وغمز الاعداء ، أو كمرعى على دمنة ، أو كقصة (٢) على ملحودة ، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون ، أتبكون وتنتحبون؟! إي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء وسيّد شباب أهل الجنّة وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم ، ومنار حجّتكم ومدره (٣) ألسنتكم ألا ساء ما تزرون وبعدا لكم وسحقا ، فلقد خاب السعي وتبت الايدي ، وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة.

ويلكم يا أهل الكوفة! أ

تدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم؟ وأيّ دم له سفكتم؟ وأيّ كريمة له أبرزتم؟ وأيّ حريم له أصبتم؟ وأيّ حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئا إدّا ، تكاد السموات يتفطّرن منه ، وتنشقّ الأرض منه ، وتخرّ الجبال هدّا ، انّ ما جئتم بها لصلعاء ، وعنقاء سوءاء فقماء خرقاء شوهاء ، كطلاع الأرض وملاء السماء. أفعجبتم أن قطرت السماء دما؟ ولعذاب الآخرة أشدّ وأخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفّنّكم المهل ، فانّه عزوجل لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثار ، كلّا انّ ربّكم لبالمرصاد».

__________________

(١) الأول الوقاحة والثاني فساد الأخلاق والثالث الكراهة.

(٢) وهي الجص.

(٣) كمنبر ، المقدم من اللسان.

قال بشير : فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى ، كأنّهم كانوا سكارى ، يبكون ويحزنون ، ويتفجّعون ويتأسّفون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. قال : ونظرت إلى شيخ من أهل الكوفة كان واقفا إلى جنبي ، قد بكى حتّى اخضلّت لحيته بدموعه وهو يقول : صدقت بأبي وأمّي ، كهولكم خير الكهول ، وشبّانكم خير الشبّان ، ونساؤكم خير النسوان ، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى (١).

خطبة فاطمة ابنة الحسين (ع):

وفي مثير الاحزان واللهوف : وخطبت فاطمة الصغرى فقالت : الحمد لله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأومن به وأتوكّل عليه ، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله وأنّ أولاده ذبحوا بشطّ الفرات من غير ذحل ولا ترات. اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب أو أن أقول خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيّه علي بن أبي طالب ، المقتول ـ كما قتل ولده بالأمس ـ في بيت من بيوت الله ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرءوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته وبعد وفاته ، حتّى قبضته أليك محمود النقيبة طيّب العريكة ، معروف المناقب مشهور المذاهب ، لم تأخذه فيك لومة لائم ، زاهدا في الدنيا ، مجاهدا في سبيلك ، فهديته إلى صراطك المستقيم.

أمّا بعد يا أهل الكوفة! يا أهل المكر والغدر والخيلاء! فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا ؛ فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، أكرمنا بكرامته ، وفضّلنا بمحمّد نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على كثير ممّن خلق تفضيلا فكذّبتمونا ورأيتم قتالنا حلالا وأموالنا نهبا ،

__________________

(١) تاريخ ابن أعثم ٥ / ٢٢١ ـ ٢٢٦ ، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٤٠ ـ ٤٢. ولا يبزى : لا يقهر.

كأنّا أولاد ترك أو كابل ، فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا ، فكأنّ العذاب قد حلّ بكم ، وأتت نقمات ، ألا لعنة الله على الظالمين ، تبّا لكم يا أهل الكوفة! أيّ ترات لرسول الله صلّى الله عليه قبلكم وذحول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب جدي وبنيه وعترته وافتخر بذلك مفتخركم فقال :

نحن قتلنا عليا وبني علي

بسيوف هندية ورماح

وسبينا نساءهم سبي ترك

ونطحناهم فأي نطاح

بفيك الكثكث والأثلب ، افتخرت بقتل قوم زكّاهم الله في كتابه وطهرهم وأذهب عنهم الرجس فأقع كما أقعى أبوك ، وانّما لكل امرئ ما اكتسب ، أحسدتمونا على ما فضّلنا الله تعالى به؟ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. فضجّ الموضع بالبكاء والحنين وقالوا : حسبك يا ابنة الطيّبين فقد أحرقت قلوبنا وأضرمت أجوافنا فسكتت.

خطبة أم كلثوم :

وقال : وخطبت أمّ كلثوم بنت علي (ع) وقد غلب عليها البكاء فقالت : يا أهل الكوفة ، سوءة لكم! مالكم خذلتم حسينا وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وسبيتم نساءه ونكبتموه؟! فتبّا لكم وسحقا. ويلكم أتدرون أيّ دواه دهتكم! وأيّ دماء سفكتموها! وأيّ كريمة أصبتموها! وأيّ أموال انتهبتموها! قتلتم خير رجالات بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله! ألا انّ حزب الله هم الفائزون وحزب الشيطان هم الخاسرون ثمّ قالت :

قتلتم أخي صبرا فويل لامّكم

ستجزون نارا حرّها يتوقّد

سفكتم دماء حرم الله سفكها

وحرّمها القرآن ثمّ محمد

ألا فابشروا بالنار إنكم غدا

لفي سقر حقّا يقينا تخلدوا

وانّي لأبكي في حياتي على أخي

على خير من بعد النبي سيولد

بدمع غزير مستهلّ مكفكف

على الخدّ مني ذائبا ليس يجمد

فضجّ الناس بالبكاء والنوح (١).

__________________

(١) مثير الاحزان ٦٦ ـ ٦٩ ، واللهوف ، وابن شهراشوب في المناقب.

آل رسول الله (ص) في دار الامارة

روى الطبري بسنده ، عن حميد بن مسلم ، قال : دعاني عمر بن سعد فسرحني إلى أهله لأبشّرهم بفتح الله عليه وبعافيته ، فأقبلت حتّى أتيت أهله فأعلمتهم ذلك ، ثمّ أقبلت حتّى أدخل فأجد ابن زياد قد جلس للناس ، وأجد الوفد قد قدموا عليه فأدخلهم وأذن للناس فدخلت فيمن دخل ، فإذا برأس الحسين موضوع بين يديه ، وإذا هو ينكت بقضيب بين ثنيّتيه ساعة ، فلمّا رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب ، قال له : أعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيّتين فو الّذي لا إله غيره ، لقد رأيت شفتي رسول الله (ص) على هاتين الشفتين يقبّلهما ، ثمّ انفضح الشيخ يبكي فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك فو الله لو لا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك ، قال : فنهض فخرج ، فلمّا خرج سمعت الناس يقولون : والله لقد قال زيد بن أرقم قولا لو سمعه ابن زياد لقتله فقلت : ما قال؟ قالوا : مرّ بنا وهو يقول ؛ ملّك عبد عبدا فاتّخذهم تلدا. أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم فرضيتم بالذلّ فبعدا لمن رضي بالذلّ ، قال : فلمّا دخل برأس حسين وصبيانه وأخواته ونسائه على عبيد الله بن زياد لبست زينب ابنة فاطمة أرذل ثيابها وتنكّرت

وحفّت بها إماؤها ، فلمّا دخلت جلست فقال عبيد الله بن زياد : من هذه الجالسة؟ فلم تكلّمه ، فقال ذلك ثلاثا ، كلّ ذلك لا تكلّمه ، فقال بعض إمائها : هذه زينب ابنة فاطمة قال : فقال لها عبيد الله : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم. فقالت : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمّد (ص) وطهّرنا تطهيرا ، لا كما تقول أنت ، انّما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، قال : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ قالت : كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه وتخاصمون عنده. قال : فغضب ابن زياد واستشاط. قال : فقال له عمرو بن حريث : أصلح الله الأمير انّما هي امرأة وهل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها؟ انّها لا تؤاخذ بقول ولا تلام على خطل ، فقال لها ابن زياد : قد أشفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك! قال : فبكت ، ثمّ قالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرت أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فان يشفك هذا ، فقد اشتفيت ، فقال لها عبيد الله : هذه سجّاعة! قد لعمري كان أبوك شاعرا سجّاعا! قالت : ما للمرأة والسجاعة ان لي عن السجاعة (١) لشغلا ولكنّي نفثى ما أقول.

وروى عن حميد بن مسلم قال : انّي لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه علي بن الحسين ، فقال له : ما اسمك؟ قال : أنا علي بن الحسين قال : أولم يقتل الله عليّ بن الحسين؟ فسكت. فقال له ابن زياد : ما لك لا تتكلّم؟ قال : قد كان لي أخ يقال له أيضا عليّ فقتلته الناس. قال : انّ الله

__________________

(١) السجع : الكلام المقفى أو موالاة الكلام على روي واحد ، وقد يطلق السجع على الكلام المسجع وسجع الخطيب سجعا نطق بكلام له فواصل فهو سجاع وسجاعة بتشديد الجيم وهذا ما أراده ابن زياد في قوله وأجابته زينب بأن لها ما يشغلها عن سجع الكلام وما ورد في النسخة (الشجاع والشجاعة) تحريف.

قد قتله. قال : فسكت عليّ. فقال له : ما لك لا تتكلّم؟ قال : الله يتوفّى الأنفس حين موتها وما كان لنفس أن تموت إلّا باذن الله. قال : أنت والله منهم (ويحك انظروا هل أدرك والله انّي لاحسبه رجلا) (١) قال : فكشف عنه مرّيّ بن معاذ الأحمري فقال : نعم قد أدرك. فقال : أقتله. فقال عليّ بن الحسين من توكّل بهؤلاء النسوة؟ وتعلّقت به زينب عمّته فقالت: يا ابن زياد حسبك منّا أما رويت من دمائنا؟ وهل أبقيت منّا أحدا؟ قال : فاعتنقته فقالت : أسألك بالله ان كنت مؤمنا إن قتلته لمّا قتلتني معه. قال : وناداه عليّ فقال : يا ابن زياد إن كانت بينك وبينهم قرابة فابعث معهنّ رجلا تقيّا يصحبهنّ بصحبة الاسلام قال : فنظر إليها ساعة ثمّ نظر إلى القوم فقال : عجبا للرحم والله انّي لا ظنّها ودّت لو أنّي قتلته أنّي قتلتها معه. دعوا الغلام. انطلق مع نسائك.

قال حميد بن مسلم : لمّا دخل عبيد الله القصر ودخل الناس نودي الصلاة جامعة ؛ فاجتمع الناس في المسجد الأعظم فصعد المنبر ابن زياد فقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه ، وقتل الكذّاب الحسين بن عليّ وشيعته ، فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتّى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الغامدي ثمّ أحد بني والبة ـ وكان من شيعة عليّ كرّم الله وجهه وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع عليّ فلمّا كان يوم صفّين ضرب على رأسه ضربة واخرى على حاجبه فذهبت عينه الأخرى ، فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلّي فيه إلى الليل ثمّ ينصرف ـ قال : فلمّا سمع مقالة ابن زياد قال : يا ابن مرجانة! انّ

__________________

(١) ان علي بن الحسين السجاد كان قد ولد له محمد الباقر (ع) يوم ذاك ، ومع هذا لا يستقيم هذا القول وهذه الجملة زيادة في الرواية لم ترد ضمن رواية الطبرسي في إعلام الورى.

الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك والذي ولّاك وأبوه! يا ابن مرجانة! أتقتلون أبناء النبيّين وتكلّمون بكلام الصدّيقين! فقال ابن زياد : عليّ به. قال : فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه قال : فنادى بشعار الأزد : يا مبرور! قال : وعبد الرحمن بن مخنف الأزدي جالس ، فقال : ويح غيرك! أهلكت نفسك وأهلكت قومك ، قال : وحاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمائة مقاتل ، قال : فوثب إليه فتية من الأزد ، فانتزعوه فأتوا به أهله ، فأرسل إليه من أتاه به فقتله ، فأمر بصلبه في السبخة فصلب هناك.

رأس الإمام يدار به في سكك الكوفة :

قال أبو مخنف : ثمّ إن عبيد الله بن زياد نصب رأس الحسين بالكوفة فجعل يدار به في الكوفة.

اخبار مدينة الرسول (ص) بقتل سبط الرسول (ع):

وروى الطبري بسنده عن عوانة بن الحكم قال : لمّا قتل عبيد الله بن زياد الحسين بن علي ، وجيء برأسه إليه ، دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال : انطلق حتّى تقدم المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص ، فبشّره بقتل الحسين ، وكان عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة يومئذ. قال : فذهب ليعتل له فزجره وكان عبيد الله لا يصطلى بناره ، فقال : انطلق حتّى تأتي المدينة ولا يسبقك الخبر ، وأعطاه دنانير وقال : لا تعتلّ وان قامت بك راحلتك فاكتر راحلة قال عبد الملك : فقدمت المدينة فلقيني رجل من قريش فقال : ما الخبر؟ فقلت : الخبر عند الأمير. فقال : انّا لله وإنّا إليه راجعون ، قتل الحسين بن علي ، قال : فدخلت على عمرو بن سعيد فقال : ما وراءك؟ فقلت : ما سرّ الأمير ، قتل الحسين بن علي ، فقال : ناد بقتله ، فناديت بقتله ، فلم أسمع والله واعية قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين! فقال عمرو بن سعيد وضحك :

عجّت نساء بني زياد عجّة

كعجيج نسوتنا غداة الارنب

والأرنب وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من رهط عبد المدان وهذا البيت لعمرو بن معدي كرب ثمّ قال عمرو : هذه

واعية بواعية عثمان بن عفّان ، ثمّ صعد المنبر فأعلم الناس قتله.

وفي الأغاني : أمر عمرو صاحب شرطته على المدينة بعد خروج الحسين أن يهدم دور بني هاشم ففعل وبلغ منهم كلّ مبلغ (١).

وروى الطبري بسنده وقال : لمّا بلغ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب مقتل ابنيه مع الحسين ، دخل عليه بعض مواليه والناس يعزّونه قال : ـ ولا أظنّ مولاه ذلك إلّا أبا اللسلاس ـ ؛ فقال : هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين. قال : فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ، ثمّ قال : يا ابن اللخناء! أللحسين تقول هذا؟! والله لو شهدته لا حببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه ، والله انّه لممّا يسخي بنفسي عنهما ، ويهون عليّ المصاب بهما ، أنّهما أصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيين له صابرين معه. ثمّ أقبل على جلسائه ، فقال : الحمد لله! عزّ عليّ بمصرع الحسين. إلّا يكن آست حسينا يدي فقد آساه ولدي قال : ولمّا أتى أهل المدينة مقتل الحسين خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها وهي حاسرة تلوي بثوبها وهي تقول :

ما ذا تقولون إن قال النبيّ لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الامم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم

دفن أجساد آل الرسول وأنصارهم :

وفي اثبات الوصيّة للمسعودي : أقبل زين العابدين في اليوم الثالث عشر من المحرّم لدفن أبيه (٢). وقال المفيد في الارشاد : لمّا رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضريّة إلى الحسين وأصحابه فصلّوا عليهم ودفنوا الحسين (ع) حيث قبره الآن ، ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجله

__________________

(١) الاغاني ٤ / ١٥٥.

(٢) اثبات الوصية للمسعودي ص ١٧٣.

وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا حوله ، ممّا يلي رجلي الحسين (ع) ، وجمعوهم فدفنوهم جميعا معا ، ودفنوا العبّاس بن علي (ع) في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضريّة حيث قبره الآن (١).

إخبار الخليفة يزيد بقتل الحسين (ع):

روى الطبري بسنده وقال : لمّا قتل الحسين وجيء بالاثقال والاسارى حتّى وردوا بهم الكوفة إلى عبيد الله ، فبينا القوم محتبسون ، إذ وقع حجر في السجن معه كتاب مربوط وفي الكتاب : خرج البريد بأمركم في يوم كذا وكذا إلى يزيد بن معاوية وهو سائر كذا وكذا يوما ، وراجع في كذا وكذا ، فان سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل ، وان لم تسمعوا تكبيرا فهو الامان ان شاء الله ، قال : فلمّا كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجر ألقي في السجن ، ومعه كتاب مربوط وموسى ، وفي الكتاب أوصوا واعهدوا فانّما ينتظر البريد يوم كذا وكذا ، فجاء البريد ولم يسمع التكبير ، وجاء كتاب بأن سرّح الأسارى إليّ. (٢)

إرسال أسارى آل البيت (ع) إلى عاصمة الخلافة الشام :

روى الطبري أيضا وقال : إنّ عبيد الله أمر بنساء الحسين وصبيانه فجهزن وأمر بعليّ بن الحسين فغلّ بغلّ إلى عنقه ، ثمّ سرّح بهم مع محفّز بن ثعلبة العائذيّ عائذة قريش ، ومع شمر بن ذي الجوشن ، فانطلقا بهم حتّى قدموا على يزيد ، فلم يكن عليّ بن الحسين يكلّم أحدا منهما في الطريق كلمة حتّى بلغوا.

وفي فتوح ابن أعثم : قال : دعا ابن زياد زحر بن قيس الجعفي ، فسلّم

__________________

(١) ارشاد المفيد ص ٢٢٧.

(٢) الطبري ط. اوربا ٢ / ٣٨٠.

إليه رأس الحسين بن عليّ رضي الله عنهما ، ورءوس اخوته ورأس علي بن الحسين ورءوس أهل بيته وشيعته ، رضي الله عنهم أجمعين. ودعا علي بن الحسين (أيضا) فحمله وحمل أخواته وعمّاته وجميع نسائهم إلى يزيد بن معاوية قال : فسار القوم بحرم رسول الله (ص) من الكوفة إلى بلاد الشام على محامل بغير وطاء من بلد إلى بلد ، ومن منزل إلى منزل ، كما تساق أسارى الترك والديلم (١).

__________________

(١) فتوح أعثم ٥ / ٢٣٦ ، وقريب منه نص الطبري ط. اوربا ٢ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

استقبال الخليفة وعاصمته لآل الرسول (ص)

استقبال خليفة المسلمين رءوس آل رسول الله (ع) وأنصارهم :

في تذكرة سبط ابن الجوزي : روى عن الزهري ، قال : لمّا جاءت الرءوس كان يزيد في منظرة على ربى جيرون فأنشد لنفسه :

لمّا بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح

فلقد قضيت من الغريم ديوني(١)

حاجة أمّ كلثوم إلى شمر :

في مثير الاحزان واللهوف ، انهم لمّا قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر وقالت له : ـ لي إليك حاجة. فقال : ما حاجتك؟ قالت : ـ إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظّارة ، وتقدّم إليهم أن يخرجوا هذه الرءوس من بين المحامل وينحّونا عنها ، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في مثل هذه الحال.

__________________

(١) تذكرة الخواص ٢ / ١٤٨ ، وجيرون كان خارج دمشق. راجع مادة جيرون من معجم البلدان.

فأمر في جواب سؤالها أن يجعل الرءوس على الرماح في أوساط المحامل وسلك بهم بين النظارة حتى أتى بهم باب دمشق (١).

عيد بعاصمة الخلافة :

في مقتل الخوارزمي عن سهل بن سعد قال : خرجت إلى بيت المقدس حتّى توسّطت الشام فاذا أنا بمدينة مطّردة الانهار كثيرة الأشجار قد علّقوا الستور والحجب والديباج ، وهم فرحون مستبشرون ، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول ، فقلت في نفسي : لعلّ لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن ، فرأيت قوما يتحدّثون ، فقلت : يا هؤلاء ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟! قالوا : يا شيخ! نراك غريبا؟ فقلت : أنا سهل بن سعد ، قد رأيت رسول الله (ص) وحملت حديثه ، فقالوا : يا سهل! ما أعجبك السماء لا تمطر دما! والأرض لا تخسف بأهلها! قلت : ولم ذاك؟ فقالوا هذا رأس الحسين عترة رسول الله (ص) يهدى من أرض العراق إلى الشام وسيأتي الآن. قلت : وا عجبا! أيهدى رأس الحسين والناس يفرحون؟! فمن أي باب يدخل؟ فأشاروا إلى باب يقال له : باب الساعات ، فسرت نحو الباب ، فبينما أنا هنالك ، إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضا ، وإذا أنا بفارس بيده رمح منزوع السنان ، وعليه رأس من أشبه الناس وجها برسول الله ، وإذا بنسوة من ورائه على جمال بغير وطاء.

حاجة سكينة :

قال سهل : فدنوت من احداهنّ فقلت : يا جارية من أنت؟ فقالت : سكينة بنت الحسين. فقلت لها : ألك حاجة إليّ؟ فأنا سهل بن سعد ممّن

__________________

(١) مثير الاحزان ص ٧٧ ، واللهوف ص ٦٧.

رأى جدّك وسمع حديثه. قالت : يا سهل قل لصاحب الرأس : أن يتقدّم بالرأس أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه فلا ينظرون إلينا! فنحن حرم رسول الله ، قال : فدنوت من صاحب الرأس وقلت له : هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ منّي أربعمائة دينار؟! قال : وما هي؟ قلت : تقدّم الرأس أمام الحرم ، ففعل ذلك ودفعت له ما وعدته (١).

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٦٠ ـ ٦١.

دخول أسرى آل الرسول (ص) عاصمة الخلافة الإسلاميّة

روى ابن أعثم وغيره (١) واللفظ لابن أعثم ، قال : وأتي بحرم رسول الله (ص) حتى أدخلوا مدينة دمشق من باب يقال له : باب توما ، ثم أتي بهم حتّى وقفوا على درج باب المسجد حيث يقام السبي وإذا شيخ قد أقبل حتّى دنا منهم وقال : الحمد لله الّذي قتلكم وأهلككم وأراح الرجال من سطوتكم وأمكن أمير المؤمنين منكم! فقال له عليّ بن الحسين : يا شيخ هل قرأت القرآن؟ فقال : نعم قد قرأته ، قال : فعرفت هذه الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢)؟ قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، قال علي بن الحسين رضي الله عنه : فنحن القربى يا شيخ. قال : فهل قرأت في سورة بني اسرائيل (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (٣)؟ قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، فقال عليّ رضي الله عنه : نحن القربى يا شيخ ، ولكن هل قرأت هذه الآية : (وَاعْلَمُوا

__________________

(١) في تاريخ ابن أعثم ٥ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، وأوردها الطبري متفرقة في تفسير الآيات بتفسيره وبعضه بتفسير ابن كثير ٤ / ١١٢ ، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٦١ ، ويختلف سياق اللهوف ص ٦٧ ، وأمالي الصدوق ص ١١٦ مع هذا السياق. كان باب توما في الشمال الشرقي من مدينة دمشق ، راجع الخريطة الملحقة بالمجلدة الثانية من تاريخ دمشق.

(٢) سورة الشورى الآية ٢٣.

(٣) سورة الاسراء الآية ٢٦.

أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (١)؟ [قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، قال علي : (٢)] فنحن ذو القربى يا شيخ ، ولكن هل قرأت هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣)؟ قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، قال علي : فنحن أهل البيت الذين خصّصنا بآية التطهير. قال : فبقي الشيخ ساعة ساكتا نادما على ما تكلّمه ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إنّي تائب إليك ممّا تكلمته ومن بغض هؤلاء القوم ، اللهم إنّي أبرأ إليك من عدوّ محمّد وآل محمّد من الجنّ والانس.

ادخال آل الرسول مجلس الخلافة :

روى الطبري وقال : جلس يزيد بن معاوية ودعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ثمّ دعا بعليّ بن الحسين وصبيان الحسين ونساءه فأدخلوا عليه والناس ينظرون.

وروى سبط ابن الجوزي وغيره وقالوا : انّ الصبيان والصبيات من بنات رسول الله كانوا موثقين في الحبال (٤).

وروى الطبري وغيره قالوا : لمّا وضعت الرءوس بين يدي يزيد ، رأس الحسين وأهل بيته وأصحابه قال يزيد :

يفلّقن هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال يحيى بن الحكم أخو مروان :

__________________

(١) سورة الأنفال الآية ٤١.

(٢) هكذا ورد في النسخة.

(٣) الاحزاب ٣٣.

(٤) تذكرة خواص الامة ص ١٤٩ ، وفي اللهوف ، ومثير الأحزان ص ٧٩ واللفظ للتذكرة.

لهام بجنب الطفّ أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل

سميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل

فضرب يزيد في صدر يحيى وقال : اسكت. (١)

بين السجاد (ع) ويزيد :

وفي مثير الاحزان وغيره ، فقال عليّ بن الحسين : أتأذن لي في الكلام؟ فقال : قل ولا تقل هجرا! فقال عليّ بن الحسين : لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر ، ما ظنّك برسول الله لو رآني في غلّ؟ فقال لمن حوله : حلّوه (٢).

وفي تاريخ الطبري وغيره : قال يزيد لعلي بن الحسين : أبوك الّذي قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت.

قال عليّ : ما أصابكم من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلّا في كتاب من قبل أن نبرأها.

فقال يزيد لابنه خالد : أردد عليه ، قال : فما درى خالد ما يردّ عليه ، فقال له يزيد: قل : ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ، ثمّ سكت عنه.

حبر من اليهود يستنكر على يزيد :

في فتوح ابن أعثم ، قال : فالتفت حبر من أحبار اليهود وكان حاضرا فقال : من هذا الغلام يا أمير المؤمنين؟ فقال : هذا ، صاحب الرأس أبوه.

__________________

(١) الطبري ، ط. اوربا ٢ / ٣٧٧.

(٢) مثير الأحزان ص ٧٨.

قال : ومن هو صاحب الرأس يا أمير المؤمنين؟ قال : الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، قال: فمن أمّه؟ قال : فاطمة بنت محمّد (ص).

فقال الحبر : يا سبحان الله هذا ابن (بنت) نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة؟ بئس ما خلّفتموه في ذريته ، والله لو خلّف فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لكنّا نعبده من دون الله ، وأنتم إنّما فارقكم نبيّكم بالامس فوثبتم على ابن نبيّكم فقتلتموه. سوءة لكم من أمّة! قال : فأمر يزيد بكرّ (١) في حلقه ، فقال الحبر : ان شئتم فاضربوني أو فاقتلوني أو قرّروني ، فانّي أجد في التوراة أنه من قتل ذريّة نبي لا يزال مغلوبا أبدا ما بقي ، فإذا مات يصليه الله نار جهنّم (٢).

شاميّ يطلب عترة الرسول (ص) جارية له :

روى الطبري عن فاطمة بنت الحسين انّها قالت : انّ رجلا من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد ، فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه ـ أتخذها أمة ـ (٣) يعنيني وكنت جارية وضيئة فأرعدت وفرقت ، وظننت انّ ذلك جائز لهم وأخذت بثياب عمّتي (٤) زينب ، قالت : وكانت عمتي زينب أكبر منّي وأعقل ، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون ، فقالت : كذبت والله ولؤمت ، ما ذلك لك وله. فغضب يزيد فقال : كذبت والله ان ذلك لي ، ولو شئت ان أفعله لفعلت. قالت : كلا والله! ما جعل الله ذلك لك إلّا أن تخرج من ملّتنا ، وتدين بغير ديننا ، قالت : فغضب يزيد واستطار ثم قال : ايّاي

__________________

(١) أي : بضرب في حلقه.

(٢) فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٤٦.

(٣) ما بين الخطين في مقاتل الطالبيين ص ١٢٠.

(٤) في الأصل : أختي محرف.

تستقبلين بهذا؟ إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك ، فقالت زينب : بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدّي اهتديت أنت وأبوك وجدّك. قال : كذبت يا عدوّة الله قالت : أنت أمير مسلّط تشتم ظالما وتقهر بسلطانك ، قالت : فو الله لكأنّه استحيى فسكت ، ثم عاد الشاميّ فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية ، قال : أغرب وهب الله لك حتفا قاضيا.

رأس سبط رسول الله (ص) بين يدي خليفة المسلمين :

في فتوح ابن أعثم وغيره واللفظ لابن أعثم ، قال : وضع رأس الحسين بين يدي يزيد بن معاوية في طست من ذهب ، فدعا بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين ، وهو يقول : لقد كان أبو عبد الله حسن الثغر (١).

قال الطبري وغيره واللفظ للطبري : فقال رجل من أصحاب رسول الله (ص) يقال له أبو برزة الاسلمي : أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين؟ أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا ، لربّما رأيت رسول الله (ص) يرشفه! أما انك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك! ويجيء هذا يوم القيامة ومحمّد شفيعه! ثمّ قام فولّى.

وفي اللهوف عن الإمام زين العابدين (ع) ، قال : لمّا أتي برأس الحسين (ع) إلى يزيد كان يتّخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين ويضعه بين يديه ويشرب عليه فحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم وكان من أشراف الروم وعظمائهم ، فقال يا ملك العرب هذا رأس من؟ فقال له يزيد ما لك ولهذا الرأس؟ فقال : انّي إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كلّ شيء رأيته فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه حتّى يشاركك في الفرح والسرور. فقال يزيد : هذا رأس الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، فقال

__________________

(١) في فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٤١ «المنطق» ، وفي غيره «الثغر» كما أثبتناه.

الرومي : وأمّه؟ فقال : فاطمة بنت رسول الله ، فقال النصرانيّ : أفّ لك ولدينك ، لي دين أحسن من دينكم. انّ أبي من حوافد داود (ع) وبيني وبينه آباء كثيرة والنصارى يعظموني ، وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله (ص) وما بينه وبين نبيّكم إلّا أمّ واحدة! فأيّ دين دينكم ... (١)؟!

خليفة المسلمين يتمثل بابيات ابن الزبعرى :

روى ابن أعثم والخوارزمي وابن كثير وغيرهم ، أنّ خليفة المسلمين يزيد جعل يتمثّل بابيات ابن الزبعرى.

١ ـ ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل

٢ ـ لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ثمّ قالوا يا يزيد لا تشلّ

٣ ـ قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

قال ابن أعثم :

ثمّ زاد فيها هذا البيت من نفسه :

٤ ـ لست من عتبة ان لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

وفي تذكرة خواصّ الأمّة : «المشهور عن يزيد في جميع الروايات أنّه لمّا حضر الرأس بين يديه جمع أهل الشام وجعل ينكت عليه بالخيزران ويقول أبيات ابن الزبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

وقعة الخزرج من وقع الاسل

قد قتلنا القرن من ساداتهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

وقال : قال الشعبي : وزاد عليها يزيد فقال :

٥ ـ «لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

__________________

(١) اللهوف ، ص ٦٩.

لست من خندف ان لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل»(١)

قال المؤلّف : لمّا كانت أبيات ابن الزبعرى مشهورة ترويها الرواة قبل تمثّل يزيد ببعضها ثمّ تمثّل بها يزيد وأضاف إليها الأبيات الثاني والرابع والخامس فأخذها الرواة عنه وأحيانا أضافوا إلى ما أنشده يزيد ما كان في ذاكرتهم من أصل الأبيات ومن ثمّ حصل بعض الاختلاف في الفاظ الروايات.

كما أنّنا نعرف من رواية الإمام زين العابدين الآنفة والتي ورد فيها (أنّ يزيد كان يتّخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين ويضعه بين يديه) سبب تعدّد ما روي من قصص عن مجلس يزيد عند ما كان رأس الحسين أمامه.

__________________

(١) ان أبيات ابن الزبعرى وردت في سيرة ابن هشام ٣ / ٩٧ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ / ٣٨٢ ، وورد في ما تمثل به يزيد في فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٤١ بعد البيت الثاني.

حين ألقت بقباء بركها

واستحرّ القتل في عبد الاشل

وهذا من أبيات ابن الزبعرى ، وكذلك ورد في تاريخ ابن كثير ٨ / ١٩٢. وورد في مقتل الخوارزمي ٢ / ٥٨ قبل البيت الأول.

يا غراب البين ما شئت فقل

انما تندب أمرا قد فعل

كل ملك ونعيم زائل

وبنات الدهر يلعبن بكل

وجاء فيه أيضا وفي اللهوف ص ٦٩ بعد البيت الرابع :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

وفي نسختنا من مثير الاحزان ص ٨٠ سقط البيت الرابع ، وفي تاريخ ابن كثير ٨ / ٢٠٤ ، رواها عن تاريخ ابن عساكر عن ريا حاضنة يزيد واكتفى بذكر البيت الأول ، واكتفى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ص ١٢٠ بذكر البيت الأول والثالث. وذكرنا في المتن لفظ تذكرة خواص الامة ص ١٤٨ ، وراجع أيضا طبقات فحول الشعراء ص ٢٠٠ ، وسمط النجوم العوالي ٣ / ١٩٩ ، فقد روى عنهما بهامش فتوح ابن أعثم ، وراجع أيضا الأمالي لأبي علي القالي ١ / ١٤٢.

خطبة حفيدة رسول الله (ص) في مجلس الخلافة :

في مثير الاحزان واللهوف بعده (١) : فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب ، فقالت: الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين ، صدق الله سبحانه حيث يقول: (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ). أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض ، وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تساق الاسارى ؛ انّ بنا على الله هوانا ، وبك عليه كرامة ، وان ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان مسرورا ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والامور متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلا مهلا ، أنسيت قول الله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)؟

«أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك؟ وسوقك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهنّ ، وأبديت وجوههنّ ، تحدو بهنّ الاعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمعاقل ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والدنيّ والشريف ، ليس معهنّ من حماتهنّ حميّ ولا من رجالهنّ وليّ ، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء ، ونبت لحمه من دماء الشهداء ، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن ، والإحن والأضغان ، ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم :

لأهلّوا واستهلوا فرحا

ثمّ قالوا يا يزيد لا تشلّ

«منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنّة تنكتها

__________________

(١) مثير الأحزان ص ٨٠ ، واللهوف ص ٧٠.

بمخصرتك وكيف لا تقول ذلك ، وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذريّة محمّد (ص) ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب ، وتهتف بأشياخك زعمت أنّك تناديهم فلتردنّ وشيكا موردهم ، ولتودّنّ أنّك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت».

«اللهم خذ لنا بحقّنا ، وانتقم ممّن ظلمنا ، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، وقتل حماتنا. فو الله ما فريت إلّا جلدك ، ولا حززت إلّا لحمك ، ولتردنّ على رسول الله (ص) بما تحمّلت من سفك دماء ذرّيّته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، حيث يجمع الله شملهم ، ويلمّ شعثهم ويأخذ بحقّهم ؛ ولا تحسبنّ الّذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربّهم يرزقون».

«وحسبك بالله حاكما ، وبمحمّد (ص) خصيما ، وبجبريل ظهيرا ، وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا ، وأيّكم شرّ مكانا وأضعف جندا ، ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك ، إنّي لأستصغر قدرك واستعظم تقريعك ، واستكثر توبيخك ، ولكن العيون عبرى ، والصدور حرّى. ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء ، بحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلّب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل ، وتعفرها أمّهات الفراعل ، ولئن اتخذتنا مغنما ، لتجدنا وشيكا مغرما ، حين لا تجد إلّا ما قدّمت يداك وما ربّك بظلّام للعبيد ، وإلى الله المشتكى وعليه المعوّل».

«فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يرحض عنك عارها ، وهل رأيك إلّا فند وأيّامك إلّا عدد ، وجمعك إلّا بدد ، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين».

«والحمد لله ربّ العالمين ، الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ،

ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة ، انّه رحيم ودود ، وهو حسبنا ونعم الوكيل».

فقال يزيد :

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون النوح على النوائح

استنكار زوجة الخليفة :

وفي تأريخ الطبري ومقتل الخوارزمي : انّ زوجة يزيد ـ وسمّاها الطبري هند ابنة عبد الله بن عامر بن كريز ـ سمعت بما دار في مجلس يزيد فخرجت من خدرها ودخلت المجلس وقالت : يا أمير المؤمنين! أرأس الحسين ابن فاطمة بنت رسول الله (ص)؟ قال : نعم ...(١)

وفي سير أعلام النبلاء وتاريخ ابن كثير وغيرهما : انّ رأس الحسين صلب بمدينة دمشق ثلاثة أيّام (٢).

رأس سبط الرسول (ص) يهدى إلى عصبة الخلافة بمدينة الرسول (ص):

قال البلاذري والذهبي : ثمّ بعث يزيد رأسه إلى المدينة (٣).

فقال عمرو بن سعيد : وددت والله أنّ أمير المؤمنين لم يبعث إلينا برأسه. فقال مروان: بئس والله ما قلت! هاته ، ثمّ أخذ الرأس وقال :

يا حبّذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدين(٤)

وقال فجيء برأس الحسين فنصب فصرخ نساء آل أبي طالب ، فقال مروان :

__________________

(١) تاريخ الطبري ط. اوربا مسلسل ٢ / ٣٨٢ ، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٧٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ٣ / ٢١٦ ، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٧٥ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ٢٠٤ ، وتاريخ ابن عساكر الحديث ٢٩٦ ، وراجع خطط المقريزي ٢ / ٢٨٩ ، والاتحاف بحب الأشراف ص ٢٣.

(٣) أنساب الأشراف ص ٢١٩.

(٤) أنساب الأشراف ص ٢١٧ ، وتاريخ الإسلام ٢ / ٣٥١.

عجّت نساء بني زبيد عجّة

كعجيج نسوتنا غداة الارنب

ثمّ صحن فقال مروان :

ضربت دوسر فيهم ضربة

أثبتت أركان ملك فاستقر(١)

قال : وقام ابن أبي حبيش وعمرو يخطب ، فقال : رحم الله فاطمة ، فمضى عمرو في خطبته شيئا ، ثمّ قال : وا عجبا لهذا الالثغ ، وما أنت وفاطمة؟ قال : أمّها خديجة. قال: نعم والله وابنة محمّد أخذتها يمينا وشمالا ، وددت والله أنّ أمير المؤمنين كان نحّاه عنّي ولم يرسل به إليّ ، وددت والله أنّ رأس الحسين كان على عنقه وروحه في جسده (٢).

وقال : ثمّ ردّ إلى دمشق (٣).

خطبة السجاد (ع) في مسجد دمشق :

وفي فتوح ابن أعثم ومقتل الخوارزمي : انّ يزيد أمر الخطيب أن يرقى المنبر ويثني على معاوية ، ويزيد ، وينال من الإمام علي والإمام الحسين ، فصعد الخطيب المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين ، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد ، فصاح به علي بن الحسين : ويلك أيّها الخاطب! اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق ؛ فتبوّأ مقعدك من النار. ثمّ قال : يا يزيد ائذن لي حتّى أصعد هذه الاعواد ، فأتكلّم بكلمات فيهنّ لله

__________________

(١) أنساب الأشراف ص ٢١٨ ، وتذكرة خواص الامة ص ١٥١ ، وفي أمالي الشجري ص ١٨٥ ـ ١٨٦ ، بايجاز ودوسر : اسم كتيبة كانت للنعمان بن المنذر ملك الحيرة وكانت أشد كتائبه بطشا ، حتى قيل في المثل «أبطش من دوسر» وكتيبة دوسر ودوسرة : مجتمعة.

(٢) أنساب الأشراف ص ٢١٨.

(٣) أنساب الأشراف ص ٢١٩.

قال المؤلف : ان البلاذري لم يكتب خطبة عمرو بن سعيد لنعرف سبب اعتراض ابن أبي حبيش عليه ، وقد مر بي في ما قرأت أنه خاطب قبر الرسول ، وقال : يوم بيوم بدر.

رضا ، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب. فأبى يزيد ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ائذن له ليصعد ، فعلّنا نسمع منه شيئا فقال لهم : ان صعد المنبر هذا لم ينزل إلّا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ، فقالوا : وما قدر ما يحسن هذا؟ فقال : انّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّا. ولم يزالوا به حتى أذن له بالصعود فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وقال :

أيّها النّاس ، أعطينا ستّا وفضّلنا بسبع : أعطينا العلم ، والحلم ، والسماحة والفصاحة ، والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين ، وفضّلنا بأنّ منّا النبي المختار محمّدا (ص) ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيار ، ومنّا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطي هذه الامّة وسيّدي شباب أهل الجنّة ؛ فمن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي :

أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من انتعل واحتفى ، أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن من حجّ ولبّى ، أنا ابن من حمل على البراق في الهواء ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى ، فسبحان من أسرى ، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمّد المصطفى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا لا إله إلّا الله ، أنا ابن من بايع البيعتين ، وصلّى القبلتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، يعسوب المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، سمح سخي ، بهلول زكيّ ، ليث الحجاز وكبش العراق ، مكيّ مدنيّ ، أبطحيّ تهاميّ ، خيفيّ عقبيّ ، بدريّ ، أحديّ ، شجريّ مهاجريّ ، أبي السبطين ، الحسن

والحسين ، علي بن أبي طالب ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيّدة النساء ، أنا ابن بضعة الرسول ...

قال : ولم يزل يقول أنا أنا حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن تكون فتنة فأمر المؤذّن أن يؤذّن فقطع عليه الكلام وسكت ، فلمّا قال المؤذن : الله أكبر. قال علي بن الحسين : كبّرت كبيرا لا يقاس ، ولا يدرك بالحواسّ ، ولا شيء أكبر من الله ، فلمّا قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، قال علي : شهد بها شعري وبشري ، ولحمي ودمي ومخّي وعظمي ، فلمّا قال أشهد أن محمّدا رسول الله التفت علي من أعلا المنبر إلى يزيد وقال : يا يزيد! محمّد هذا جدّي أم جدّك؟ فان زعمت أنّه جدّك فقد كذبت ، وان قلت انّه جدّي فلم قتلت عترته؟ قال وفرغ المؤذّن من الاذان والاقامة فتقدّم يزيد وصلّى الظهر (١).

اقامة المأتم في عاصمة الخلافة :

يبدو أن يزيد اضطرّ بعد هذا إلى أن يغيّر سلوكه مع ذراري الرسول (ص) ويرفّه عنهم بعض الشيء ويسمح لهم باقامة المأتم على شهدائهم.

فقد روى ابن أعثم بعد ذكر ما سبق وقال : فلمّا فرغ من صلاته أمر بعلي بن الحسين وأخواته وعمّاته رضوان الله عليهم ففرّغت لهم دار فنزلوها وأقاموا أيّاما يبكون وينوحون على الحسين رضي الله عنه.

قال : وخرج علي بن الحسين ذات يوم ، فجعل يمشي في أسواق دمشق ، فاستقبله المنهال بن عمرو الصحابي فقال له : كيف أمسيت يا ابن رسول الله؟ قال : أمسينا كبني اسرائيل في آل فرعون ، يذبّحون أبناءهم ويستحيون

__________________

(١) فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٤٧ ـ ٢٤٩ ، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٦٩ ـ ٧١ ، وقد أوجزنا لفظ الخطبة.

نساءهم ، يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بانّ محمّدا منهم ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّدا منها ، وأمسينا أهل بيت محمّد ونحن مغصوبون مظلومون مقهورون مقتّلون مثبورون مطردون ، فانّا لله وإنّا إليه راجعون على ما أمسينا فيه يا منهال(١).

__________________

(١) فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

ارجاع ذريّة الرسول (ص) إلى مدينة جدّهم

لم يكن ما جرى في عاصمة أميّة بعد وصول سبايا آل الرسول إليها في صالح حكم آل أميّة فرأى يزيد أن يرجعهم إلى مدينة جدّهم مع نعمان بن بشير. كما قال الطبري وغيره واللّفظ للطبري.

قال يزيد بن معاوية : يا نعمان بن بشير! جهّزهم بما يصلحهم ، وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا ، وابعث معه خيلا وأعوانا فيسير بهم إلى المدينة ، ثمّ أمر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة ، معهنّ ما يصلحهنّ وأخوهنّ معهنّ علي بن الحسين في الدار التي هنّ فيها ، قال : فخرجن حتّى دخلن دار يزيد ، فلم تبق من آل معاوية امرأة إلّا استقبلتهنّ تبكي وتنوح على الحسين ، فأقاموا عليه المناحة ثلاثا.

قال : فدعا ذات يوم عمرو بن الحسن بن عليّ وهو غلام صغير فقال لعمرو بن الحسن : أتقاتل هذا الفتى ـ يعني خالدا ابنه ـ قال : لا ولكن أعطني سكينا واعطه سكينا ثم أقاتله. فقام له يزيد : وأخذه فضمّه إليه ثمّ قال : شنشنة أعرفها من أخزم ، هل تلد الحيّة إلّا حيّة ، قال : ولمّا أرادوا أن يخرجوا أوصى بهم ذلك الرسول. قال : فخرج بهم وكان يسايرهم بالليل فيكونون أمامه حيث لا يفوتون طرفه ، فإذا نزلوا تنحّى عنهم وتفرّق هو

وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم وينزل منهم بحيث إذا أراد إنسان منهم وضوء أو قضاء حاجة لم يحتشم ، فلم يزل ينازلهم في الطريق هكذا ويسألهم عن حوائجهم ويلطفهم.

وصول آل الرسول إلى كربلاء :

في مثير الاحزان واللهوف : انّ آل الرسول لمّا بلغوا العراق طلبوا من الدليل ان يمرّ بهم على كربلاء ، فلمّا وصلوا مصرع الشهداء وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم قدموا لزيارة قبر الحسين ، فوافوا في وقت واحد فتلاقوا بالحزن والبكاء ، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد وأقاموا على ذلك أيّاما ، ثمّ انفصلوا من كربلاء قاصدين مدينة جدهم.

إقامة العزاء خارج المدينة :

روى بشير بن جذلم وقال : لمّا قربنا من المدينة حطّ علي بن الحسين رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال : يا بشير! رحم الله أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر على شيء منه؟ فقال : بلى يا ابن رسول الله (ص) انّي شاعر. فقال (ع) : ادخل المدينة وانع أبا عبد الله.

قال بشير : فركبت فرسي وركضت حتّى دخلت المدينة ، فلمّا بلغت مسجد النبي (ص) رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول :

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قتل الحسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرّج

والرأس منه على القناة يدار

قال : ثم قلت : هذا علي بن الحسين (ع) مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه ، قال : فلم يبق في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلّا برزن من خدورهنّ وهنّ بين باكية ونائحة ولاطمة ، فلم ير يوم أمرّ على أهل المدينة منه ، وسألوه : من أنت؟ قال :

فقلت : أنا بشير بن جذلم ، وجّهني علي بن الحسين وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله ونسائه ، قال : فتركوني مكاني وبادروني ، فضربت فرسي حتى رجعت إليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع فنزلت عن فرسي وتخطّيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط ، وكان علي بن الحسين داخلا فخرج وبيده خرقة يمسح بها دموعه وخادم معه كرسيّ فوضعه وجلس وهو مغلوب على لوعته ، فعزّاه الناس فأومأ إليهم أن اسكتوا فسكنت فورتهم فقال : الحمد لله ربّ العالمين مالك يوم الدين ، بارئ الخلائق أجمعين ، الذي بعد فارتفع في السموات العلى وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الامور وفجائع الدهور ، وجليل الرزء وعظيم المصائب. أيّها القوم انّ الله وله الحمد ابتلانا بمصيبة جليلة ، وثلمة في الاسلام عظيمة ، قتل أبو عبد الله وعترته ، وسبي نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان من فوق عالي السنان ، أيّها الناس فأيّ رجالات يسرّون بعد قتله؟ أيّة عين تحبس دمعها وتضن عن انهمالها ، فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار والسموات والأرض والأشجار والحيتان ، والملائكة المقرّبون وأهل السموات أجمعون. أيّها الناس أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟ أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟ أم أيّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام فلا يصمّ؟

أيّها الناس أصبحنا مطرودين مشردين ، مذوّدين شاسعين ، كأنّا أولاد ترك أو كابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين ان هذا إلّا اختلاق ، والله لو أنّ النبيّ تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوه ، فانّا لله وإنّا إليه راجعون.

فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان وكان زمينا فاعتذر إليه فقبل

عذره وشكر له ، وترحّم على أبيه (١).

بعد وصولهم إلى المدينة :

روى الطبري بسنده عن الحارث بن كعب ، قال : قالت لي فاطمة بنت عليّ : قلت لاختي زينب : يا أخيّة لقد أحسن هذا الرجل الشامي إلينا في صحبتنا فهل لك أن نصله؟ فقالت : والله ما معنا شيء نصله به إلّا حليّنا قالت لها : فنعطيه حليّنا قالت : فأخذت سواري ودملجي ، وأخذت أختي سوارها ودملجها ، فبعثنا بذلك إليه واعتذرنا إليه وقلنا له: هذا جزاؤك بصحبتك ايّانا بالحسن من الفعل. قال : لو كان الّذي صنعت انّما هو للدنيا كان في حليّكنّ ما يرضيني ودونه ، ولكن والله ما فعلته إلّا لله ولقرابتكم من رسول الله (ص)(٢).

السجّاد (ع) يقيم العزاء أربعين سنة :

في اللهوف : روى عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال : انّ زين العابدين (ع) بكى على أبيه أربعين سنة ؛ صائما نهاره ، وقائما ليله ، فإذا حضر الافطار وجاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول : كل يا مولاي ، فيقول : قتل ابن رسول الله (ص) عطشانا فلا يزال يكرّر ذلك ويبكي حتّى يبتلّ طعامه من دموعه ، فلم يزل كذلك حتّى لحق باللهعزوجل.

قال : وحدّث مولى له قال : إنّه برز يوما إلى الصحراء فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة ، فوقفت وأنا أسمع شهيقه ، وأحصيت عليه ألف مرّة يقول : (لا إله إلّا الله حقّا حقّا. لا إله إلّا الله تعبّدا ورقّا ، لا إله إلّا الله

__________________

(١) مثير الأحزان ص ٩٠ ـ ٩١ ، واللهوف ٧٦ ـ ٧٧.

(٢) تاريخ الطبري. ط. اوربا ٢ / ٣٧٩.

ايمانا وصدقا) ثم رفع رأسه من سجوده وانّ لحيته ووجهه قد غمرا من دموع عينيه ، فقلت : يا سيّدي أما آن لحزنك أن ينقضي ، ولبكائك أن يقلّ؟ فقال : ويحك! انّ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كان نبيّا وابن نبيّ ، له اثنا عشر ابنا فغيّب الله واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن ، واحدودب ظهره من الغمّ ، وذهب بصره من البكاء ، وابنه حيّ في دار الدنيا ، وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين ، فكيف ينقضي حزني ويقلّ بكائي (١)؟

رأس ابن زياد بين يدي السجاد (ع):

وذكر اليعقوبي وقال : وجّه المختار برأس عبيد الله بن زياد إلى علي بن الحسين في المدينة مع رجل من قومه ، وقال له : قف بباب علي بن الحسين ، فإذا رأيت أبوابه قد فتحت ودخل الناس ، فذلك الذي فيه طعامه ، فادخل إليه ، فجاء الرسول إلى باب عليّ بن الحسين ، فلمّا فتحت أبوابه ، ودخل الناس للطعام ، دخل ونادى بأعلى صوته : يا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومهبط الملائكة ، ومنزل الوحي ، أنا رسول المختار بن أبي عبيد ، معي رأس عبيد الله بن زياد. فلم تبق في شيء من دور بني هاشم امرأة إلّا صرخت ، ودخل الرسول فأخرج الرأس ، فلمّا رآه علي بن الحسين قال : أبعده الله إلى النار.

وروى بعضهم أنّ علي بن الحسين لم ير ضاحكا قطّ منذ قتل أبوه ، إلّا في ذلك اليوم ، وانّه كان له ابل تحمل الفاكهة من الشام ، فلمّا أتي برأس عبيد الله بن زياد أمر بتلك الفاكهة ففرّقت بين أهل المدينة ، وامتشطت نساء

__________________

(١) اللهوف ص ٨٠ ، وفي مثير الأحزان ص ٩٢ بايجاز.

آل رسول الله (ص) واختضبن ، وما امتشطت امرأة ولا اختضبت منذ قتل الحسين بن عليّ (١).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٥٩.

حالة مدرسة الخلفاء بعد استشهاد الحسين (ع)

أ ـ عطاء وحبوة :

قال ابن أعثم : فلمّا قتل الحسين (رض) استوسق العراقان جميعا لعبيد الله بن زياد ، ووصله يزيد بألف ألف درهم جائزة ، فبنى قصريه الحمراء والبيضاء في البصرة وأنفق عليهما مالا جزيلا ، فكان يشتّي في الحمراء ويصيّف في البيضاء ، وعلا أمره وانتشر ذكره ، وبذل الأموال واصطنع الرجال ، ومدحته الشعراء (١).

وقال المسعودي : جلس ـ يزيد ـ ذات يوم على شرابه ، وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد قتل الحسين فأقبل على ساقيه ، فقال :

اسقني شربة تروّي مشاشي

ثمّ مل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السرّ والامانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

ثمّ أمر المغنّين فغنّوا به (٢).

قال المؤلف : نرى المقصود من ابن زياد في شعر يزيد انّما هو عبيد الله وليس بأخيه سلم كما ذكره ابن أعثم وقال : انّ يزيد قال له : لقد وجبت

__________________

(١) فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٥٢.

(٢) المسعودي ، مروج الذهب ٣ / ٦٧.

محبّتكم يا بني زياد على آل سفيان ، ثمّ قال : يا غلام أطعمنا ، فقدّمت المائدة فطعما جميعا ، فلمّا أكلا دعا يزيد بالشراب ، فلمّا دارت الكأس التفت يزيد إلى ساقيه وجعل يقول :

اسقني شربة تروّي عظامي

ثمّ مل فاسق مثلها ابن زياد

موضع العدل والامانة عندي

وعلى ثغر مغنم وجهاد(١)

فانّ هذا القول من يزيد يناسب عبيد الله وليس أخاه سلما ، ولعلّه أنشد البيتين للاخوين في مجلسين للشرب.

ويؤيد ذلك ما قاله سبط ابن الجوزي في التذكرة فانّه قال : استدعى ابن زياد إليه وأعطاه أموالا كثيرة وتحفا عظيمة ، وقرب مجلسه ورفع منزلته ، وأدخله على نسائه وجعله نديمه ، وسكر ليلة وقال للمغنّي غن ثمّ قال يزيد بديها : اسقني شربة ... (٢)

قال المؤلّف : هكذا كان عطاؤه وحباؤه لقائد جنده ، أمّا عطاؤه للجنود فقد ذكره البلاذري وقال : كتب يزيد إلى ابن زياد : أمّا بعد ، فزد أهل الكوفة أهل السمع والطاعة في أعطياتهم مائة مائة (٣).

عاش قتلة الحسين هكذا في حبور وسرور واستبشار حتّى إذا ظهرت آثار أفعالهم ندموا على ما فعلوا.

ب ـ ندم عصبة الخلافة بعد ظهور نتائج أفعالهم :

قال ابن كثير وغيره واللفظ لابن كثير : لمّا قتل ابن زياد الحسين ومن معه وبعث برءوسهم إلى يزيد ، سرّ بقتلهم أوّلا ، وحسنت بذلك منزلة ابن

__________________

(١) الفتوح لابن أعثم ٥ / ٢٥٤.

(٢) تذكرة خواص الأمة ص ١٦٤.

(٣) أنساب الأشراف ص ٢٢٠.

زياد عنده ، ثم لم يلبث إلّا قليلا حتى ندم وقال : بغّضني بقتله إلى المسلمين ، وزرع في قلوبهم العداوة فأبغضني البرّ والفاجر (١).

وكذلك يظهر ندم ابن زياد وعمر بن سعد وسائر قتلة آل رسول الله مما ورد في كتب التواريخ ، وقد أعرضنا عن نقلها روما للاختصار. وانّما ندموا من فعلهم بسبب ما رأوا من آثار سخط المسلمين عليهم أوّلا ، ثمّ لثورات المسلمين المستمرّة عليهم بعد ذلك كما نشرحه في الباب الآتي بحوله تعالى.

__________________

(١) ابن كثير ٨ / ٢٣٢ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٥١.

الفصل الثاني

ثورات أهل الحرمين وغيرهم

بعد استشهاد الإمام الحسين (ع)

قدوم عمر بن سعد على الحسين (ع)

قال الطبري وغيره واللّفظ للطبري (١) : فلما كان من الغد ؛ قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف ، قال : وكان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين (ع) ان عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها ، فكتب إليه ابن زياد عهده على الريّ وأمره بالخروج ، فخرج معسكرا بالناس بحمّام أعين ، فلمّا كان من أمر الحسين ما كان وأقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال : سر إلى الحسين فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينه سرت إلى عملك ، فقال له عمر بن سعد : إن رأيت رحمك الله أن تعفيني فافعل ، فقال له عبيد الله : نعم ، على ان تردّ لنا عهدنا. فلمّا قال له ذلك قال عمر بن سعد : امهلني اليوم حتى أنظر ، فانصرف عمر يستشير نصحاءه ، فلم يكن يستشير

__________________

(١) رجعنا إلى رواية المصادر التي ذكرناها في أول فصل «لقاء الإمام الحسين (ع) الحر» وما كان من غيرها ، صرحنا به في الهامش ، وهي تاريخ الطبري ٦ / ٢٣٢ ـ ٢٧٠ ، وابن الاثير ١٩ ـ ٣٨ ، وابن كثير ٨ / ١٧٢ ـ ١٩٨ ، والدينوري في الأخبار الطوال ص ٢٥٣ ـ ٢٦١ ، وهو يوجز الاخبار ، وأنساب الأشراف للبلاذري ص ١٧٦ ـ ٢٢٧ ، وسياقه غير سياق الطبري ، وارشاد المفيد ٢١٠ ـ ٢٣٦ ، وإعلام الورى ٢٣١ ـ ٢٥٠. وما تفرد به أحدهم صرحنا به وكذلك ما نقلناه عن غير هؤلاء.

ثورة أهل الحرمين

غايتنا من إيراد خبر مقتل الإمام الحسين (ع)

لم أقصد في ما أوردت من أخبار مقتل الإمام الحسين (ع) استقصاء أخبار مقتله ولا تحقيق حوادثه ، ولا بيان زمانها وتحديد مكانها ، بل توخّيت في ما أوردت فهم آثار مقتله على مدرستي الإمامة والخلافة في الإسلام ، وكان يكفيني في هذا الصدد ما أوردته على سبيل التنبيه.

وكان من آثار مقتله على مدرسة الخلافة ثورات المسلمين المستمرّة على حكم آل أميّة وفي مقدّمتها ثورة أهل الحرمين كما نبينها في ما يلي :

قال المسعودي : لمّا شمل الناس جور يزيد وعمّاله ، وعمّهم ظلمه وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله (ص) وأنصاره ، وما أظهر من شرب الخمور ، وسيره سيرة فرعون ، بل كان فرعون أعدل منه في رعيّته وأنصف منه لخاصّته وعامّته (١) ، امتنع ابن الزبير من بيعة يزيد ، وكان يسمّيه السكّير الخمّير ، وكتب إلى أهل المدينة ينتقصه ، ويذكر فسوقه ، ويدعوهم إلى معاضدته على حربه (٢).

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٦٨ ، وتاريخ ابن كثير ٨ / ٢١٩.

(٢) التنبيه والاشراف ص ٢٦٣.

فقال مروان :

خذها فليست للعزيز بخطّة

وفيها مقال لامرئ متضعّف

ثم مضى من عنده حتّى قدم على ابن الزبير ، فأتى ابن الزبير فأخبره بممرّ البريد على مروان وتمثّل مروان بهذا البيت فقال ابن الزبير : لا والله! لا أكون أنا ذلك المتضعّف ، وردّ ذلك البريد ردّا رفيقا. وعلا أمر ابن الزبير بمكة وكاتبه أهل المدينة ، وقال الناس : أما إذ هلك الحسين (ع) فليس أحد ينازع ابن الزبير (١).

رسل يزيد مع ابن الزبير :

روى خبر رسل يزيد مع ابن الزبير ابن أعثم والدينوري وغيرهما واللفظ لابن أعثم قال : وتحرّك عبد الله بن الزبير ودعا الناس إلى نفسه (٢).

قال ولمّا بلغ يزيد بن معاوية ما فيه عبد الله بن الزبير من بيعة الناس له واجتماعهم عليه ؛ دعا بعشرة نفر من وجوه أصحابه منهم النعمان بن بشير الانصاري ، وعبد الله بن عضاءة الاشعري ...

ثمّ قال لهم : إنّ عبد الله بن الزبير قد تحرّك بالحجاز وأخرج يده من طاعتي ودعا الناس إلى سبّي وسبّ أبي ، وقد اجتمعت إليه قوم يعينونه على ذلك ، صبروا إليه ، فإذا دخلتم عليه فعظّموا حقّه وحقّ أبيه ، وسلوه أن يلزم الطاعة ولا يفارق الجماعة ؛ فإن أجاب فخذوا بيعته ، وإن أبى فخوّفوه ما نزل بالحسين بن عليّ ، وليس الزبير عندي بأفضل من عليّ بن أبي طالب ولا ابنه عبد الله بأفضل من الحسين ، وانظروا أن لا تلبثوا عنده فاني متعلّق القلب بورود خبركم عليّ ، فخرج القوم إلى مكّة ودخلوا على ابن الزبير وأدوا

__________________

(١) الطبري ط. اوربا ٢ / ٣٩٦ ـ ٣٩٧ ، وط. مصر ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

(٢) الأخبار الطوال للدينوري ص ٢٦٣ ، وقد أوردتها ملخصة من فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٦٢ ـ ٢٩٠.

إليه رسالة يزيد فقال : وما الّذي يريد منّي يزيد؟ انّما أنا رجل مجاور هذا البيت عائذ من شر يزيد وغير يزيد ، فان تركني فيه والا انتقلت عنه إلى بلد غيره وكنت فيه إلى أن يأتيني الموت ، ثمّ أمر لهم بمنزل فصاروا إليه يومهم ذلك ولمّا كان من الغد خرج فصلّى بأصحابه الفجر ، ثمّ أقبل فجلس في الحجر واجتمع إليه أصحابه ، وأقبل إليه هؤلاء الوفد الّذين قدموا عليه من عند يزيد ، وتكلّموا كلاما يرجون به اتباعه ليزيد وطاعته له ، قال : فأقبل إليه النعمان بن بشير فقال : بلغ يزيد عنك أنّك تصعد المنبر فتذكره وتذكر أباه معاوية بكلّ قبيح ، وأنت تعلم أنّه امام وقد بايعه الناس ، ولا نحبّ لك أن تخرج يدك من الطاعة وتفارق الجماعة ، وبعد فانّ الغيبة لا خير فيها ، قال : فقطع عليه الكلام عبد الله بن الزبير ، ثمّ قال : يا ابن بشير! انّ الفاسق لا غيبة له ، وما قلت فيه إلّا ما قد علمه الناس منه ، ولو كان على ما كان عليه الائمة الاخيار سمعنا وأطعنا ولذكرناه بكلّ جميل ، وبعد فانّي أنا في هذا البيت بمنزلة حمامة من حمام مكّة ، أفتحلّ لكم أن تؤذوا حمام مكّة؟ قال : فغضب عبد الله بن عضاءة الاشعري ، فقال : نعم والله يا ابن الزبير ، نؤذي حمام مكّة ونقتل حمام مكّة ، وما حرمة حمام مكّة؟ يا ابن الزبير! أتصعد المنبر وتتكلم في أمير المؤمنين بكلّ قبيح ثم تشبه نفسك بحمام مكة؟ ثمّ قال : يا غلام ، ائتني بقوسي وسهمي. قال : فأتي بقوسه وسهامه فأخذ سهما فوضعه في كبد قوسه ثمّ سدّده نحو حمام مكّة وقال : يا حمامة! أيشرب أمير المؤمنين ويفجر؟ قولي نعم. أما والله لو قلت : نعم ، لما أخطأك سهمي هذا ، يا حمامة! أيلعب أمير المؤمنين بالقرود والفهود ويفسق في الدين؟ قولي : نعم. أما والله لئن قلت : نعم ، لا أخطأك سهمي هذا ، يا حمامة فتقتلين أم تخلعين الطاعة وتفارقين الجماعة وتقيمين في الحرم عاصية؟ قولي : نعم. قال : ثمّ أقبل عبد الله بن عضاءة على ابن الزبير فقال له : ما لي لا أرى الحمامة

تنطق بشيء وأنت الناطق بجميع ما كلّمتها فيه على المنبر ، أما والله يا ابن الزبير إنّي خائف عليك ، وأقسم بالله قسما صادقا لتبايعنّ يزيد طائعا أو كارها أو لتعرفنّي في هذه البطحاء وفي يدي راية الاشعريّين (١).

وذكر ابن أعثم وقائع بين ابن الزبير وعمرو بن سعيد ، كانت الغلبة فيها لابن الزبير.

وذكر الطبري أنّه عزل عمرو بن سعيد وولى الوليد بن عتبة فأقام الحج سنة ٦١ ه‍ (٢).

قال : (٣) وأقام الوليد يريد ابن الزبير فلا يجده إلا متحذّرا متمنّعا ، وأفاض بالناس من عرفة ثمّ أفاض ابن الزبير بأصحابه ، ثمّ انّ ابن الزبير عمل بالمكر في أمر الوليد فكتب إلى يزيد انّك بعثت إلينا رجلا أخرق لا يتجه لأمر رشد ، ولا يرعوي لعظة الحكيم ، فلو بعثت رجلا سهل الخلق رجوت أن يسهل من الامور ما استوعر منها ، وان يجتمع ما تفرّق ، فعزل يزيد الوليد وولى عثمان بن محمّد بن أبي سفيان.

وفد أهل المدينة عند يزيد :

قالوا : كان عثمان فتى غرا لم يجرّب الامور ولم يحنّكه السنّ فبعث إلى يزيد وفدا من أهل المدينة فيهم : عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة الانصاري ، وعبد الله بن أبي عمرو المخزومي ، والمنذر بن الزبير ، ورجالا كثيرا من أشراف أهل المدينة فقدموا على يزيد فأكرمهم وأحسن إليهم وأعظم جوائزهم ، فأعطى عبد الله بن حنظلة ـ وكان شريفا فاضلا عابدا سيّدا ـ مائة

__________________

(١) وقريب منه لفظ الاصبهاني في الاغاني ١ / ٣٣.

(٢) الطبري ٦ / ٢٧٣ ـ ٢٧٥ في آخر ذكر حوادث سنة احدى وستين.

(٣) الطبري ٨ / ٢ ـ ٥ في ذكر حوادث سنة اثنين وستين. وتخيرت اللفظ من تاريخ ابن الاثير ٤ / ٤٠ ـ ٤٢.

ألف درهم ، وكان معه ثمانية بنين فاعطى كلّ ولد عشرة آلاف سوى كسوتهم وحملانهم ، فلمّا رجعوا قدموا المدينة وأظهروا شتم يزيد وعيبه وقالوا قدمنا من عند رجل ليس له دين ، يشرب الخمر ويضرب بالطنابير ، ويعزف عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسمر عنده الخرّاب والفتيان! وإنّا نشهدكم أنّا خلعناه! وقام عبد الله بن حنظلة الغسيل ، فقال : جئتكم من عند رجل لو لم أجد إلّا بنيّ هؤلاء لجاهدته بهم ، قالوا : قد بلغنا أنّه أجداك وأعطاك وأكرمك ، قال : قد فعل وما قبلت منه عطاءه إلّا لأتقوى به ، فخلعه الناس وبايعوا عبد الله بن حنظلة على خلع يزيد ، وولّوه عليهم.

أمّا المنذر بن الزبير فكان قد أجازه بمائة ألف وكان قوله لمّا قدم المدينة : انّ يزيد والله لقد أجازني بمائة ألف درهم وإنّه لا يمنعني ما صنع إليّ أن أخبركم خبره وأصدقكم عنه. والله انّه ليشرب الخمر ، وانّه ليسكر حتّى يدع الصلاة. وعابه بمثل ما عابه به أصحابه الذين كانوا معه وأشدّ (١).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٧ / ٣ ـ ١٣ ، وابن الاثير ٤ / ٤٠ ـ ٤١ ، وابن كثير ٨ / ٢١٦ ، والعقد الفريد ٤ / ٣٨٨.

ثورة الصحابة والتابعين

ثورة أهل المدينة وبيعتهم لعبد الله بن حنظلة

وقال الذهبي في تاريخ الإسلام : اجتمعوا على عبد الله بن حنظلة وبايعهم على الموت ، قال : يا قوم اتّقوا الله فو الله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، إنّه رجل ينكح أمّهات الأولاد والبنات والاخوات ، ويشرب الخمر ويدع الصلاة (١).

وقال اليعقوبيّ : أتى ابن مينا عامل صوافي معاوية إلى عثمان بن محمّد والي المدينة من قبل يزيد فاعلمه أنّه أراد حمل ما كان يحمله في كلّ سنة من تلك الصوافي من الحنطة والتمر ، وانّ أهل المدينة منعوه من ذلك. فأرسل عثمان إلى جماعة منهم فكلّمهم بكلام غليظ فوثبوا به وبمن كان معه بالمدينة من بني أميّة ، وأخرجوهم من المدينة وأتبعوهم يرجمونهم بالحجارة(٢).

وفي الاغاني : وأقام ابن الزبير على خلع يزيد ومالأه على ذلك أكثر الناس ، فدخل عليه عبد الله بن مطيع وعبد الله بن حنظلة وأهل المدينة المسجد ، وأتوا المنبر فخلعوا يزيد ، فقال عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن

__________________

(١) تاريخ الإسلام ٢ / ٣٥٦.

(٢) اليعقوبي ٢ / ٢٥٠.

المغيرة المخزومي : خلعت يزيد كما خلعت عمامتي ، ونزعها عن رأسه ، وقال : انّي لأقول هذا وقد وصلني وأحسن جائزتي ، ولكنّ عدوّ الله سكّير خمّير. وقال آخر : خلعته كما خلعت نعلي. وقال آخر : خلعته كما خلعت ثوبي ، وقال آخر : قد خلعته كما خلعت خفّي ، حتّى كثرت العمائم والنعال والخفاف ، وأظهروا البراءة منه وأجمعوا على ذلك. وامتنع منه عبد الله بن عمر ، ومحمّد بن علي بن أبي طالب ـ (ع) ـ وجرى بين محمّد خاصّة وبين أصحاب ابن الزبير فيه قول كثير ، حتّى أرادوا اكراهه على ذلك ، فخرج إلى مكّة وكان هذا أوّل ما هاج الشرّ بينه وبين ابن الزبير ، واجتمع أهل المدينة لاخراج بني أمية عنها ، فأخذوا عليهم العهود ألّا يعينوا عليهم الجيش ، وأن يردّوهم عنهم فان لم يقدروا على ردّهم لا يرجعوا إلى المدينة معهم.

السجّاد (ع) يؤوي حريم بني أميّة :

قال : فأتى مروان عبد الله بن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن! انّ هؤلاء القوم قد ركبونا بما ترى ، فضمّ عيالنا ، فقال : لست من أمركم وأمر هؤلاء في شيء ، فقام مروان وهو يقول : قبّح الله هذا أمرا وهذا دينا. ثمّ أتى عليّ بن الحسين (ع) فسأله أن يضمّ أهله وثقله ففعل ، ووجّههم وامرأته أمّ أبان بنت عثمان إلى الطائف ومعها ابناه : عبد الله ومحمّد(١).

وقال الطبري وابن الأثير : وقد كان مروان بن الحكم كلّم ابن عمر لمّا أخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني أميّة في أن يغيب أهله عنده فلم يفعل ، فكلّم عليّ بن الحسين وقال: يا أبا الحسن! انّ لي رحما ، وحرمي تكون مع حرمك. فقال : افعل. فبعث بحرمه إلى عليّ بن الحسين ، فخرج بحرمه

__________________

(١) الاغاني ١ / ٣٤ ـ ٣٥.

وحرم مروان حتّى وضعهم بينبع (١).

وفي تاريخ ابن الاثير : فبعث بامرأته ـ وهي عائشة ابنة عثمان بن عفّان ـ وحرمه إلى علي بن الحسين ، فخرج عليّ بحرمه وحرم مروان إلى ينبع.

وفي الاغاني : واخرجوا بني أميّة فأراد مروان أن يصلّي بمن معه فمنعوه وقالوا : لا يصلّي والله بالناس أبدا ، ولكن إذا أراد أن يصلّي بأهله فليصلّ ، فصلّى بهم ومضى (٢).

استغاثة بني أميّة بيزيد :

قال الطبري وغيره : فخرج بنو أميّة بجماعتهم حتّى نزلوا دار مروان ، فحاصرهم الناس بها حصارا ضعيفا ، فارسل بنو أميّة بكتاب إلى يزيد يستغيثونه. فقال يزيد للرسول : أما يكون بنو أميّة ومواليهم ألف رجل بالمدينة؟ قال : بلى والله وأكثر ، قال : فما استطاعوا أن يقاتلوا ساعة من نهار؟! قالوا : فبعث إلى عمرو بن سعيد فأقرأه الكتاب وأخبره الخبر وأمره أن يسير إليهم فأبى ، وبعث إلى عبيد الله بن زياد يأمره بالمسير إلى المدينة ومحاصرة ابن الزبير فأبى وقال : والله لاجمعتها للفاسق. أقتل ابن بنت رسول الله (ص) وأغزو البيت. وكانت أمّه مرجانة قد عنّفته حين قتل الحسين وقالت له : ويلك ما ذا صنعت وما ذا ركبت؟!(٣).

فبعث إلى مسلم بن عقبة المرّي وكان معاوية قد قال ليزيد : انّ لك من أهل المدينة يوما ، فان فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فانّه رجل قد عرفت نصيحته ، فلمّا جاءه مسلم وجده شيخا ضعيفا مريضا (٤).

__________________

(١) الطبري ٧ / ٧ ، وابن الاثير ٤ / ٤٥.

(٢) الاغاني ١ / ٣٦.

(٣) في أمالي الشجري ص ١٦٤.

(٤) الطبري ٧ / ٥ ـ ١٣ ، وابن الاثير ٤ / ٤٤ ـ ٤٥ ، وابن كثير ٨ / ٢١٩ ، والاغاني ١ / ٣٥ ـ ٣٦.

قال صاحب الاغاني : قال مسلم ليزيد : ما كنت مرسلا إلى المدينة أحدا إلّا قصّر ، وما صاحبهم غيري ، إنّي رأيت في منامي شجرة غرقد تصيح : على يدي مسلم ، فأقبلت نحو الصوت فسمعت قائلا : أدرك ثأرك ، أهل المدينة قتلة عثمان.

أوامر الخليفة لقائد جيشه :

قال الطبري : فانتدبه لذلك وقال له : ان حدث بك حدث فاستخلف على الجيش الحصين بن نمير السكوني ، وقال له : أدع القوم ثلاثا فان أجابوك وإلّا فقاتلهم فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا ، فما فيها من مال أو ورقة أو سلاح أو طعام فهو للجند فاذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس ، وانظر علي ابن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيرا وادن مجلسه فانّه لم يدخل في شيء ممّا دخلوا فيه ، وأمر مناديه فنادى أن سيروا إلى الحجاز على أخذ أعطياتكم كملا ومعونة مائة دينار توضع في يد الرجل من ساعته ، فانتدب لذلك اثنا عشر ألف رجل.

وفي لفظ المسعودي في التنبيه والاشراف : وإذا قدمت إلى المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك حربا فالسيف السيف ولا تبق عليهم وانتهبها عليهم ثلاثا وأجهز على جريحهم واقتل مدبرهم ، وان لم يعرضوا لك ؛ فامض إلى مكّة ، فقاتل ابن الزبير.

وفي لفظه في مروج الذهب : فسيّر إليهم يزيد ، مسلم بن عقبة الّذي سمّى المدينة نتنة وقد سمّاها رسول الله طيبة.

قال هو والدينوري :

ما أنشده خليفة المسلمين :

لمّا عرض على يزيد الجيش أنشأ يقول :

أبلغ أبا بكر إذا الليل سرى

وهبط القوم على وادي القرى

عشرون ألفا بين كهل وفتى

أجمع سكران من الخمر ترى

أم جمع يقظان نفى عنه الكرى

كانت كنية ابن الزبير أبا بكر وأبا خبيب وكان ابن الزبير يسمّي يزيد : السكران الخمّير.

قال المسعودي : وكتب يزيد إلى ابن الزبير :

أدع إلهك في السماء فانّني

أدعو عليك رجال عكّ وأشعر

كيف النجاة أبا خبيب منهم

فاحتل لنفسك قبل أتي العسكر(١)

قال الطبري وغيره واللفظ لابن الأثير : ولمّا سمع عبد الملك بن مروان انّ يزيد قد سيّر الجنود إلى المدينة قال : ليت السماء وقعت على الأرض ، اعظاما لذلك ثمّ ابتلي بعد ذلك بأن وجّه الحجّاج فحصر مكّة ، ورمى الكعبة ، بالمنجنيق ، وقتل ابن الزبير.

__________________

(١) التنبيه والاشراف ص ٢٦٣ ، ومروج الذهب ٣ / ٦٨ ـ ٦٩ ، والأخبار الطوال ص ٢٦٥ ، والبيتان الاخيران وردا فيه ، وأوردت الشعر الأول بلفظ الطبري ٨ / ٦ ، وابن الأثير ، وراجع تاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٥٥.

مسير جيش الخلافة إلى الحرمين :

لمّا أقبل مسلم بالجيش وبلغ أهل المدينة خبرهم ، اشتدّ حصارهم لبني أميّة بدار مروان وقالوا : والله لا نكفّ عنكم حتّى نستنزلكم ونضرب أعناقكم أو تعطونا عهد الله وميثاقه أن لا تبغونا غائلة ، ولا تدلوا لنا على عورة ، ولا تظاهروا علينا عدوّا فنكف عنكم ونخرجكم عنّا ، فعاهدوهم على ذلك ، فأخرجوهم من المدينة ، فساروا باثقالهم حتّى لقوا مسلم بن عقبة بوادي القرى ، فدعا بعمرو بن عثمان بن عفّان أوّل الناس فقال له : خبرني ما وراءك ، وأشر عليّ ، فقال : لا أستطيع. قد أخذ علينا العهود والمواثيق أن لا ندلّ على عورة ولا نظاهر عدوا. فانتهره ، وقال : والله لو لا أنّك ابن عثمان لضربت عنقك ، وايم الله لا أقيلها قرشيّا بعدك ، فخرج إلى أصحابه فأخبرهم خبره ، فقال مروان بن الحكم لابنه عبد الملك : أدخل قبلي لعلّه يجتزي بك عنّي فدخل عبد الملك فقال : هات ما عندك. فقال : نعم أرى أن تسير بمن معك فإذا انتهيت إلى ذي نخلة نزلت فاستظلّ الناس في ظلّه فأكلوا من صقره(١) ، فإذا أصبحت من الغد مضيت وتركت المدينة ذات اليسار ، ثم درت بها حتّى

__________________

(١) الصقر بكسر القاف : التمر الذي يصلح للدبس.

تأتيهم بها من قبل الحرّة مشرقا ، ثم تستقبل القوم فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم الشمس طلعت بين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم وتقع في وجوههم فيؤذيهم حرّها ويصيبهم أذاها ، ويرون ـ ما دمتم مشرقين ـ من ائتلاق بيضكم وحرابكم وأسنّة رماحكم وسيوفكم ودروعكم ما لا ترونه أنتم ما داموا مغربين ، ثمّ قاتلهم واستعن بالله عليهم ، فقال له مسلم : لله أبوك أي امرئ ولد! ثمّ انّ مروان دخل عليه فقال له : إيه : فقال : أليس قد دخل عليك عبد الملك؟! قال : بلى وايّ رجل عبد الملك ، قلّما كلّمت من رجال قريش رجلا شبيها به ، فقال : إذا لقيت عبد الملك فقد لقيتني. ثمّ انّه صار في كلّ مكان يصنع ما أمر به عبد الملك. فجاءهم من قبل المشرق ، ثمّ أمهلهم ثلاثا ، فلمّا مضت الثلاث قال : يا أهل المدينة ما تصنعون؟ أتسالمون أم تحاربون؟ قالوا : بل نحارب ، فقال لهم : لا تفعلوا بل ادخلوا في الطاعة ونجعل حدّنا وشوكتنا على أهل هذا الملحد الذي قد جمع إليه المرّاق والفسّاق من كل أوب ـ يعني ابن الزبير ـ فقالوا له : يا أعداء الله لو أردتم أن تجوزوا إليه ما تركناكم ، نحن ندعكم أن تأتوا بيت الله الحرام وتخيفوا أهله وتستحلّوا حرمته؟! لا والله لا نفعل! (١).

قال المسعودي والدينوريّ واللفظ للأول : احتفر أهل المدينة خندق رسول الله (ص) الذي كان قد حفره يوم الاحزاب ، وشكوا المدينة بالحيطان ، وقال شاعرهم مخاطبا ليزيد :

انّ بالخندق المكلّل بالمجد

لضربا يبدي عن النشوات

لست منّا وليس خالك منّا

يا مضيع الصلاة للشهوات

فإذا ما قتلتنا فتنصّر

واشرب الخمر واترك الجمعات(٢)

__________________

(١) الطبري ٧ / ٦ ـ ٨ ، وابن الاثير ٤ / ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) التنبيه والاشراف ص ٢٦٤ ، والأخبار الطوال ص ٢٦٥.

قال الذهبي : فكان ابن حنظلة يبيت تلك الليالي في المسجد ، وما يزيد على أن يشرب يفطر على شربة سويق ويصوم الدهر ، وما رؤي رافعا رأسه إلى السماء أحيانا ، فلمّا قرب القوم خطب أصحابه وحرّضهم على القتال ، وأمرهم بالصدق في اللقاء وقال : اللهم انّا بك واثقون. فصبّح القوم المدينة ، فقاتل أهل المدينة قتالا شديدا ، فسمعوا التكبير خلفهم من المدينة وأقحم عليهم بنو حارثة وهم على الحرة فانهزم الناس وعبد الله بن حنظلة متساند إلى بعض بنيه يغطّ نوما فنبّهه ابنه ، فلمّا رأى ما جرى أمر أكبر بنيه فقاتل حتى قتل ، ثمّ لم يزل يقدّمهم واحدا بعد واحد حتّى أتى على آخرهم!

قال : وبقي ابن حنظلة يمشي بها مع عصابة من الناس أصحابه ، فقال لمولى له : احم ظهري حتّى أصلّي الظهر ، فلمّا صلّى ، قال له مولاه : ما بقي أحد فعلام نقيم؟ ولواؤه قائم ، ما حوله إلّا خمسة ، فقال : ويحك انّما خرجنا على أن نموت ، قال : وأهل المدينة كالنعام الشرود ، وأهل الشام يقتلون فيهم. فلمّا هزم الناس طرح الدرع وقاتلهم حاسرا حتّى قتلوه. فوقف عليه مروان وهو مادّ إصبعه السبّابة ، فقال : والله لئن نصبتها ميّتا فطالما نصبتها حيّا (١).

جيش الخلافة يستبيح حرم الرسول (ص):

قال الطبري وغيره : وأباح مسلم المدينة ثلاثا يقتلون الناس ويأخذون الاموال (٢).

قال اليعقوبي : فلم يبق بها كثير أحد إلّا قتل ، وأباح حرم رسول الله

__________________

(١) تاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

(٢) تاريخ الطبري ٧ / ١١ ، وابن الاثير ٣ / ٤٧ ، وابن كثير ٨ / ٢٢٠.

حتى ولدت الابكار لا يعرف من أولدهن (١).

وفي تاريخ ابن كثير : قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن ، وكان فيهم ثلاثة من أصحاب رسول الله!

وقال : قتل بشر كثير حتّى كاد لا يفلت أحد من أهلها (٢).

وقال : ووقعوا على النساء ، حتّى قيل : إنّه حبلت ألف امرأة في تلك الأيّام من غير زوج!!

وروى عن هشام بن حسّان أنّه قال : ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرّة من غير زوج!

وروى عن الزهري أنّه قال : كان القتلى سبعمائة من وجوه المهاجرين والانصار ، ووجوه الموالي ، وممّن لا أعرف من حرّ أو عبد وغيرهم عشرة آلاف (٣).

وفي تاريخ السيوطي : وكانت وقعة الحرّة بباب طيبة ؛ قتل فيها خلق من الصحابة ومن غيرهم ، ونهبت المدينة وافتضّ فيها ألف بكر! (٤)

قال الدينوري والذهبي واللفظ للأوّل : وذكر أبو هارون العبدي ، قال : رأيت أبا سعيد الخدري ، ولحيته بيضاء ، وقد خفّ جانباها وبقي وسطها ، فقلت : «يا أبا سعيد! ما حال لحيتك؟» فقال : «هذا فعل ظلمة أهل الشام يوم الحرّة ، دخلوا عليّ بيتي ، فانتبهوا ما فيه حتّى أخذوا قدحي الذي كنت أشرب فيه الماء ثمّ خرجوا ، ودخل عليّ بعدهم عشرة نفر ، وأنا قائم أصلّي ، فطلبوا البيت ، فلم يجدوا فيه شيئا ، فأسفوا لذلك ، فاحتملوني

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٦ / ٢٥١.

(٢) تاريخ ابن كثير ٦ / ٢٣٤.

(٣) تاريخ ابن كثير ٨ / ٢٢.

(٤) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٠٩ ، وراجع تاريخ الخميس ٢ / ٣٠٢.

من مصلّاي ، وضربوا بي الأرض ، وأقبل كلّ رجل منهم على ما يليه من لحيتي ، فنتفه ، فما ترى منها خفيفا فهو موضع النتف ، وما تراه عافيا فهو ما وقع في التراب ، فلم يصلوا إليها ، وسأدعها كما ترى حتّى أوافي بها ربّي (١).

هكذا انتهت الأيّام الثلاثة على مدينة الرسول (ص).

أخذ البيعة من أهل المدينة على أنهم عبيد للخليفة يزيد :

قال الطبري وغيره : فدعا الناس للبيعة على أنّهم خول ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء (٢).

وقال المسعودي : وبايع من بقي من أهلها على أنهم قنّ ليزيد ، غير علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ؛ لأنّه لم يدخل فيما دخل فيه أهل المدينة ، وعلي بن عبد الله بن العبّاس فان من كان في الجيش من أخواله من كندة منعوه. وقال : ومن أبى أمره على السيف(٣).

وفي طبقات ابن سعد : إنّ مسلم بن عقبة لمّا قتل الناس وسار إلى العقيق سأل عن علي بن الحسين أحاضر فقيل له : نعم ، فقال : ما لي ما أراه؟ فجاءه مع ابني عمّه محمّد بن الحنفيّة فلمّا رآه رحّب به وأوسع له على سريره (٤).

وفي تاريخ الطبري : قال : مرحبا وأهلا ، ثمّ أجلسه معه على السرير والطنفسة ، ثمّ قال : انّ أمير المؤمنين أوصاني بك قبلا ، وانّ هؤلاء الخبثاء شغلوني عنك وعن وصلتك ، ثمّ قال لعليّ : لعلّ أهلك فزعوا ، قال : اي

__________________

(١) الدينوري في الأخبار الطوال ص ٢٦٩ ، والذهبي في تاريخ الإسلام ٢ / ٣٥٧.

(٢) تاريخ الطبري ٧ / ١٣.

(٣) التنبيه والأشراف ص ٢٦٤ ، ومروج الذهب ٣ / ٧١.

(٤) طبقات ابن سعد ٥ / ٢١٥. وفيه (مسرف) وهو خطأ.

والله! فأمر بدابّته فاسرجت ثمّ حمله فردّه عليها (١).

قال الدينوري : فلمّا كان اليوم الرابع جلس مسلم بن عقبة ، فدعاهم إلى البيعة ، فكان أوّل من أتاه يزيد بن عبد الله بن ربيعة بن الأسود ، وجدّته أمّ سلمة زوج النبي (ص). فقال له مسلم : بايعني. قال : أبايعك على كتاب الله وسنّة نبيه (ص). فقال مسلم : بل بايع على أنّك فيء لامير المؤمنين ، يفعل في أموالكم وذراريكم ما يشاء. فأبى أن يبايع على ذلك ، فأمر به ، فضربت عنفه (٢)

وقال الطبري : دعا الناس مسلم بن عقبة بقبا إلى البيعة وطلب الامان لرجلين من قريش ليزيد بن عبد الله بن زمعة ومحمّد بن أبي الجهم فأتي بهما بعد الوقعة بيوم فقال : بايعا. فقالا : نبايعك على كتاب الله وسنة نبيّه ، فقال : لا والله لا أقيلكم هذا أبدا ، فقدّمهما فضرب أعناقهما ، فقال له مروان : سبحان الله أتقتل رجلين من قريش أتيا ليؤمنا فضربت أعناقهما ، فنخس بالقضيب في خاصرته ، ثمّ قال : وأنت والله لو قلت بمقالتهما ما رأيت السماء إلّا برقة.

قال : وأتي بيزيد بن وهب بن زمعة ، فقال : بايع. قال : ابايعك على سنّة عمر ، قال : اقتلوه. قال : أنا أبايع : قال : لا والله لا أقيلك عثرتك ، فكلّمه مروان بن الحكم لصهر كان بينهما فأمر بمروان فوجئت عنقه ثمّ قال : بايعوا على أنكم خول ليزيد بن معاوية ، ثمّ أمر به فقتل (٣).

ارسال الرءوس إلى الخليفة يزيد :

قال ابن عبد ربّه : وبعث مسلم بن عقبة برءوس أهل المدينة إلى يزيد ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ٧ / ١١ ـ ١٢ ، وط. اوربا ٢ / ٤٢١ ، وفتوح ابن أعثم ٥ / ٣٠٠.

(٢) تاريخ الطبري ٧ / ١١ ـ ١٢ وط. اوربا ٢ / ٤١٨ ـ ٤٢٠.

(٣) الأخبار الطوال ص ٢٦٥.

فلمّا ألقيت بين يديه ، جعل يتمثّل بشعر ابن الزّبعرى يوم أحد :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل

لاهلّوا واستهلّوا فرحا

ثمّ قالوا : يا يزيد لا تشل

فقال له رجل من أصحاب رسول الله (ص) : ارتددت عن الاسلام يا أمير المؤمنين! قال : بلى! نستغفر الله ، قال : والله لا أساكنك أرضا أبدا ، وخرج عنه (١).

وفي رواية ابن كثير ، جاء بعد البيت الأول :

حين حلّت بقباء بركها

واستحرّ القتل في عبد الاشل

قد قتلنا الضعف من أشرافهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

ثمّ قال : وزاد بعض الروافض فيها فقال :

لعبت هاشم بالملك فلا

ملك جاء ولا وحي نزل

قال ابن كثير بعده : فهذا ان قاله يزيد بن معاوية فلعنة الله عليه ولعنة اللاعنين وان لم يكن قاله فلعنة الله على من وضعه عليه (٢).

قال المؤلّف : قد وهم ابن كثير وظنّ أنّهم قالوا : أضاف يزيد هذا البيت على شعر ابن الزبعرى في هذا المقام فأنكره بينما هم لم ينقلوا ذلك وانّما روى الشعبي وغيره أنّ يزيد أضاف هذا البيت على شعر ابن الزبعرى عند ما تمثّل بشعره ورأس الحسين بين يديه ، ولم يكن الشعبي رافضيّا ولا شيعيّا ، وانما كان من كبار المتعصبين لمدرسة الخلافة. ولست أدري لما ذا لم يعتذر ابن كثير عن يزيد ويقول : انّه مجتهد ، وانّه أنشد هذا البيت باجتهاده؟!

__________________

(١) العقد الفريد ٤ / ٣٩٠.

(٢) ابن كثير ٨ / ٢٢٤ ، وفي رواية الدينوري في الأخبار الطوال ص ٢٦٧.

في سبيل طاعة الخليفة

مسير جيش الخلافة إلى مكّة ومناجاة أميره ساعة الاحتضار ووصيته :

قال الطبري وغيره : ولمّا فرغ مسلم من قتال أهل المدينة وإنهاب جنده أموالهم ثلاثا ، شخص بمن معه من الجند متوجّها إلى مكّة حتّى إذا انتهى إلى المشلّل ، نزل به الموت وذلك في آخر المحرّم من سنة ٦٤ ه‍ ، فدعا حصين ابن نمير السكوني فقال له : يا ابن برذعة الحمار! أما والله لو كان هذا الامر إليّ ما ولّيتك هذا الجند ، ولكن أمير المؤمنين ولّاك بعدي وليس لأمر أمير المؤمنين مردّ ، فاحفظ ما اوصيك به! عمّ الاخبار ولا ترع سمعك قرشيّا أبدا! ولا تردّن أهل الشام عن عدوّهم! ولا تقيمنّ إلّا ثلاثا حتّى تناجز ابن الزبير الفاسق! ثمّ قال : اللهمّ انّي لم أعمل عملا قطّ بعد شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله أحبّ ولا أرجى عندي في الآخرة (١).

وفي لفظ ابن كثير : أحبّ إليّ من قتل أهل المدينة ، وأجزى عندي في الآخرة وان دخلت النار بعد ذلك انّي لشقيّ! ثمّ مات (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٧ / ١٤ ، وابن الاثير ٣ / ٤٩ ، وابن كثير ٨ / ٢٢٥.

(٢) تاريخ ابن كثير ٨ / ٢٢٥.

وفي تاريخ اليعقوبي ، قال : اللهم ان عذّبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن معاوية وقتل أهل الحرّة فانّي إذا لشقيّ (١).

وفي فتوح ابن أعثم ، أن مسلم بن عقبة قال في وصيته للحصين بن نمير : فانظر أن تفعل في أهل مكة وفي عبد الله بن الزبير كما رأيتني فعلت بأهل المدينة. ثمّ جعل يقول : اللهم انّك تعلم أنّي لم أعص خليفة قطّ ، اللهم انّي لا أعمل عملا أرجو به النجاة إلّا ما فعلت بأهل المدينة. ثمّ اشتدّ به الأمر فمات. فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه ، وبايع الناس للحصين بن نمير السكوني من بعده ، وسار القوم يريدون مكة ، وخرج أهل ذلك المنزل فنبشوه من قبره وصلبوه على نخلة. قال : وبلغ ذلك أهل العسكر فرجعوا إلى أهل ذلك المنزل فوضعوا السيف فيهم ، فقتل منهم من قتل وهرب الباقون ، ثمّ أنزلوه من النخلة فدفنوه ثمّ أجلسوا على قبره من يحفظه (٢).

جيش الخلافة يحرق الكعبة في حرب ابن الزبير وينشد الاراجيز :

قال المسعودي : فسار الحصين حتّى أتى مكة وأحاط بها ، وعاذ ابن الزبير بالبيت الحرام ، ونصب الحصين في من معه من أهل الشام المجانيق والعرّادات على البيت ، ورمى مع الاحجار بالنار والنفط ومشّاقات الكتّان وغير ذلك من المحروقات فانهدمت الكعبة واحترقت البنيّة.

ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المنجنيق أحد عشر رجلا فكان ذلك يوم السبت لثلاث خلون من ربيع الأول وقبل وفاة يزيد بأحد عشر يوما ، واشتدّ الأمر على أهل مكة وابن الزبير ، واتصل الاذى بالاحجار والنار والسيف فقال راجزهم :

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٥١.

(٢) فتوح ابن أعثم ٥ / ٣٠١.

ابن نمير بئسما تولّى

قد أحرق المقام والمصلّى(١)

وقال اليعقوبي : رمى حصين بن نمير بالنيران حتّى أحرق الكعبة ، وكان عبيد الله بن عمير الليثي قاصّ ابن الزبير إذا تواقف الفريقان قام على الكعبة فنادى بأعلى صوته : يا أهل الشام! هذا حرم الله الذي كان مأمننا في الجاهلية ، يأمن فيه الطير والصيد ، فاتّقوا الله يا أهل الشام ، فيصيح الشاميّون : الطاعة الطاعة ، الكرّ الكرّ ، الرواح قبل المساء ، فلم يزل على ذلك حتّى احترقت الكعبة. فقال أصحاب ابن الزبير : نطفئ النار. فمنعهم وأراد أن يغضب الناس للكعبة. فقال بعض أهل الشام إن الحرمة والطاعة اجتمعتا فغلبت الطاعة الحرمة (٢)!!

وفي تاريخ الخميس وتاريخ الخلفاء للسيوطي : واحترقت من شرارة نيرانهم استار الكعبة وسقفها وقرنا الكبش الذي فدى الله اسماعيل وكان معلّقا في الكعبة (٣)!

وقال الطبري وغيره : أقاموا عليه يقاتلونه بقيّة المحرم وصفر كلّه ، حتّى إذا مضت ثلاثة أيام من شهر ربيع الأول يوم السبت سنة ٦٤ ه‍ قذفوا البيت بالمجانيق وحرّقوه بالنار وأخذوا يرتجزون ويقولون :

خطّارة مثل الفنيق المزبد

نرمي بها أعواد هذا المسجد

ويقول راجزهم :

كيف ترى صنيع أمّ فروة

تأخذهم بين الصفا والمروة

يعني ب «أم فروة» المنجنيق.

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٧١ ـ ٧٢.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٥١ ـ ٢٥٢.

(٣) تاريخ الخميس ٢ / ٣٠٣ ، تاريخ السيوطي ص ٩.

قالوا : واستمرّ الحصار إلى مستهلّ ربيع الآخر حين جاءهم نعي يزيد وأنّه قد مات لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول (١).

وفي تاريخ الطبري وغيره : بينا حصين بن نمير يقاتل ابن الزبير إذ جاء موت يزيد ، فصاح بهم ابن الزبير وقال : انّ طاغيتكم قد هلك ؛ فمن شاء منكم أن يدخل في ما دخل فيه الناس فليفعل ، فمن كره فليلحق بشامه ، فغدوا عليه يقاتلونه. فقال ابن الزبير للحصين بن نمير : أدن منّي أحدّثك. فدنا منه فحدّثه فجعل فرس أحدهما يجفل ، (الجفل : الروث) فجاء حمام الحرم يلتقط من الجفل فكفّ الحصين فرسه عنهنّ ، فقال له ابن الزبير : مالك؟ قال : أخاف أن يقتل فرسي حمام الحرم ، فقال له ابن الزبير ، أتحرّج من هذا وتريد أن تقتل المسلمين؟! فقال : لا أقاتلك ؛ فاذن لنا نطف بالبيت وننصرف عنك. ففعل ، قالوا : فأقبل الحصين بمن معه نحو المدينة.

قالوا : واجترأ أهل المدينة وأهل الحجاز على أهل الشام ، فذلّوا حتى كان لا ينفرد منهم رجل إلّا أخذ بلجام دابّته ثم نكس عنها! فكانوا يجتمعون في معسكرهم فلا يفترقون ، وقالت لهم بنو أميّة : لا تبرحوا حتى تحملونا معكم إلى الشام ففعلوا ، فمضى ذلك الجيش حتى دخل الشام (٢).

الحجاج يرمي الكعبة ثانية :

قال ابن الاثير وغيره : أرسل عبد الملك بن مروان الحجّاج لحرب ابن الزبير بمكة فنزل الطائف ، وأمدّه بطارق فقدم المدينة في ذي القعدة سنة ٧٢ ه‍ وأخرج عامل ابن الزبير عنها وجعل عليها رجلا من أهل الشام اسمه

__________________

(١) تاريخ الطبري ٧ / ١٤ ـ ١٥ ، وابن الاثير ٤ / ٤٩ ، وابن كثير ٨ / ٢٢٥.

(٢) تاريخ الطبري ٧ / ١٦ ـ ١٧ في ذكر حوادث سنة ٦٥ ه‍. ذكر الطبري وغيره محادثات أخرى بين ابن الزبير والحصين لم تكن ثمة حاجة لذكرها وانما ذكرنا رجوع الجيش إلى الشام بايجاز.

ثعلبة ، فكان ثعلبة يخرج المخّ على منبر النبيّ (ص) يأكله ويأكل عليه التمر ليغيظ أهل المدينة (١).

وقال الدينوري : فقال الحجّاج لأصحابه : تجهّزوا للحجّ ـ وكان ذلك في أيام الموسم ـ ثمّ سار من الطائف حتّى دخل مكّة ونصب المنجنيق على أبي قبيس ، فقال الاقيشر الاسدي :

[ف] لم أر جيشا غرّ بالحج مثلنا

ولم أر جيشا مثلنا غير ما خرس

دلفنا لبيت الله نرمي ستوره

بأحجارنا زفن الولائد في العرس

دلفنا له يوم الثلاثاء من منى

بجيش كصدر الفيل ليس بذي رأس

فإلّا ترحنا من ثقيف وملكها

نصلّ لايام السباسب والنحس

فطلبه الحجّاج فهرب. وأناخ الحجاج بابن الزبير ، وتحصّن منه ابن الزبير في المسجد ، واستعمل الحجّاج على المنجنيق ابن خزيمة الخثعمي ، فجعل يرمي أهل المسجد ويقول :

خطّارة مثل الفنيق الملبد

نرمي بها عوّاذ أهل المسجد(٢)

قال المسعودي : وكتب الحجّاج إلى عبد الملك بحصار ابن الزبير وظفره بأبي قبيس ، فلمّا ورد كتابه كبّر عبد الملك ، فكبّر من معه في داره ، واتّصل التكبير بمن في جامع دمشق فكبّروا ، واتّصل ذلك بأهل الاسواق فكبّروا ، ثمّ سألوا عن الخبر فقيل لهم : انّ الحجاج حاصر ابن الزبير بمكّة وظفر بأبي قبيس ، فقالوا : لا نرضى حتّى يحمله إلينا مكبّلا ، على رأسه برنس ، على جمل يمرّ بنا في الاسواق ، هذا الترابي الملعون (٣)!

__________________

(١) تاريخ ابن الاثير ٣ / ١٣٥.

(٢) الأخبار الطوال ص ٣١٤.

(٣) مروج الذهب ٣ / ١١٣.

كان «أبو تراب» كنية الامام عليّ كنّاه بها رسول الله ؛ فاتّخذها بنو أميّة نبزا للامام وسمّوا شيعته ترابيّا بهذه المناسبة ، وأصبح هذا اللقب في عرف آل أميّة وشيعتهم طعنا ، فنبزوا بها ابن الزبير أيضا.

قال ابن الاثير : قدم الحجّاج مكّة في ذي القعدة وقد أحرم بحجّة ، فنزل بئر ميمون وحجّ بالناس في تلك السنّة الحجّاج إلّا أنّه لم يطف حول الكعبة ولا سعى بين الصفا والمروة ، منعه ابن الزبير من ذلك.

قال : ولم يحجّ ابن الزبير ولا أصحابه لانّهم لم يقفوا بعرفة ولم يرموا الجمار.

قال : ولمّا حصر الحجّاج ابن الزبير ، نصب المنجنيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة ، وكان عبد الملك ينكر ذلك أيّام يزيد بن معاوية ، ثمّ أمر به ، فكان الناس يقولون خذل في دينه (١).

وقال الذهبي : وألحّ عليه الحجّاج بالمنجنيق وبالقتال من كلّ وجه ، وحبس عنهم الميرة فجاعوا ، وكانوا يشربون من زمزم ، فتعصبهم وجعلت الحجارة تقع في الكعبة (٢).

قال ابن كثير : وكان معه خمس مجانيق ، فالحّ عليها بالرمي من كلّ مكان. ثمّ ذكر مثل قول الذهبي (٣).

احتراق الكعبة ونزول الصواعق :

وفي تاريخ الخميس بسنده قال : انّ الحجّاج رمى الكعبة بالحجارة والنيران حتّى تعلّقت بأستار الكعبة واشتعلت ، فجاءت سحابة من نحو جدّة

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٤ / ١٣٦.

(٢) تاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١١٤.

(٣) ابن كثير ٨ / ٣٢٩.

مرتفعة يسمع منها الرعد ويرى فيها البرق ، واستوت فوق الكعبة والمطاف فأطفأت النار وسال الميزاب في الحجر ، ثم عدلت إلى أبي قبيس فرمت بالصاعقة وأحرقت منجنيقهم قدر كوّة ، وأحرقت تحته أربعة رجال ، فقال الحجّاج : لا يهولنّكم هذا فانّها أرض صواعق فأرسل الله صاعقة أخرى ، فأحرقت المنجنيق وأحرقت معه أربعين رجلا (١).

وقال الذهبي : وجعل الحجاج ، يصيح بأصحابه : يا أهل الشام ، الله الله في الطاعة(٢).

وروى الطبري وغيره عن يوسف بن ماهك قال : رأيت المنجنيق يرمى به فرعدت السماء وبرقت ، وعلا صوت الرعد والبرق على الحجارة فاشتمل عليها ، فأعظم ذلك أهل الشام فأمسكوا بأيديهم ، فرفع الحجّاج بركة قبائه فغرزها في منطقته ، ورفع حجر المنجنيق فوضعه فيه ، ثمّ قال : ارموا ورمى معهم ، قال : ثمّ أصبحوا فجاءت صاعقة تتبعها اخرى فقتلت من أصحابه اثنى عشر رجلا فانكسر أهل الشام ، فقال الحجّاج : يا أهل الشام! لا تنكروا هذا فانّي ابن تهامة ، هذه صواعق تهامة ، هذا الفتح قد حضر فابشروا انّ القوم يصيبهم مثل ما أصابكم ، فصعقت من الغد فأصيب من أصحاب ابن الزبير عدّة ، فقال الحجّاج : ألا ترون أنّهم يصابون وأنتم على الطاعة وهم على خلاف الطاعة (٣).

وجاء في تاريخ ابن كثير بعده : وكان أهل الشام يرتجزون وهم يرمون بالمنجنيق ويقولون :

__________________

(١) الطبري ٧ / ٢٠٢ في ذكر حوادث سنة ٧٣ ه‍.

(٢) الذهبي ، تاريخ الإسلام ٣ / ١١٤.

(٣) الطبري ، ط. اوربا ٢ / ٨٤٤ ـ ٨٤٥ ، وابن كثير ٨ / ٣٢٩. وليس فيه كلمة (خطّارة) وانما نقلناها من الأخبار الطوال ص ٣١٤.

خطّارة مثل الفنيق المزبد

نرمى بها أعواد هذا المسجد

فنزلت صاعقة على المنجنيق فأحرقته فتوقّف أهل الشام عن الرمي والمحاصرة فخطبهم الحجّاج ، فقال : ويحكم! ألم تعلموا أنّ النار كانت تنزل على من قبلنا فتأكل قربانهم إذا تقبّل منهم؟ فلولا انّ عملكم مقبول ما نزلت النار فأكلته (١).

وفي فتوح ابن أعثم أمر الحجّاج أصحابه أن يتفرّقوا من كلّ وجه : من ذي طوى ، ومن أسفل مكّة ، ومن قبل الابطح ، فاشتدّ الحصار على عبد الله بن الزبير وأصحابه فنصبوا المجانيق وجعلوا يرمون البيت الحرام بالحجارة وهم يرتجزون بالاشعار ، وتقع الحجارة في المسجد الحرام كالمطر ، وكان رماة المنجنيق إذا ونوا وسكتوا ساعة فلم يرموا يبعث إليهم الحجّاج فيشتمهم ، ويتهدّدهم بالقتل ، فأنشأ بعضهم يقول :

لعمر أبي الحجّاج لو خفت ما أرى

من الامر ما أمست تعذلني نفسي

الابيات (٢)

نشيد الحجاج عند ما رأى البيت يحترق :

قال : فلم يزل الحجّاج وأصحابه يرمون بيت الله الحرام بالحجارة حتّى انصدع الحائط الذي على بئر زمزم عن آخره ، وانتقضت الكعبة من جوانبها.

قال : ثمّ أمرهم الحجّاج فرموا بكيزان النفط والنار حتّى احترقت الستارات كلّها فصارت رمادا ، والحجّاج واقف ينظر في ذلك كيف تحترق الستارات وهو يرتجز ويقول :

__________________

(١) تاريخ الخميس ٢ / ٣٠٥.

(٢) الفتوح ٦ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦.

أما تراها ساطعا غبارها

والله في ما يزعمون جارها

فقد وهت وصدعت أحجارها

ونفرت منها معا أطيارها

وحان من كعبتها دمارها

وحرقت منها معا أستارها

لمّا علاها نفطها ونارها (١)

قال الطبري وغيره واللفظ للطبري : فلم تزل الحرب بين ابن الزبير والحجّاج حتّى كان قبيل مقتله ، وقد تفرّق عنه أصحابه ، وخرج عامّة أهل مكّة إلى الحجّاج في الامان ، وخذله من معه خذلانا شديدا ، حتّى خرج إلى الحجّاج نحو من عشرة آلاف ، وفيهم ابناه حمزة وخبيب فأخذا منه لانفسهما أمانا.

نهاية أمر ابن الزبير وارسال الرءوس إلى عبد الملك :

فقاتل قتالا شديدا حتّى قتل ، وبعث الحجّاج برأس ابن الزبير وعبد الله بن صفوان وعمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة فنصبت بها ، ثمّ ذهب بها إلى عبد الملك بن مروان (٢).

وفي تاريخ ابن كثير : وأرسل بالرءوس مع رجل من الازد ، وأمرهم إذا مرّوا بالمدينة أن ينصبوا الرءوس بها ثمّ يسيروا بها إلى الشام ففعلوا ما أمرهم ، وأعطاه عبد الملك خمسمائة دينار ، ثمّ دعا بمقراض فأخذ من ناصيته ونواصي أولاده فرحا بمقتل ابن الزبير!

قال : ثمّ أمر الحجّاج بجثّة ابن الزبير فصلبت على ثنية كداء عند الحجون ، يقال : منكّسة. ثمّ أنزل عن الجذع ودفن هناك (٣).

__________________

(١) فتوح ابن أعثم ٦ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦.

(٢) تاريخ الطبري ٨ / ٢٠٢ ـ ٢٠٥.

(٣) تاريخ ابن كثير ٨ / ٣٣٢ ، وفي فتوح ابن أعثم ٦ / ٢٧٩ أكد أنه صلبه منكوسا.

قال الذهبي : واستوسق الامر لعبد الملك بن مروان واستعمل على الحرمين الحجّاج بن يوسف ، فنقض الكعبة التي من بناء ابن الزبير وكانت تشعّثت من المنجنيق ، وانفلق الحجر الاسود من المنجنيق فشعبوه (١).

الحجّاج يختم أعناق أصحاب النبي (ص):

وقال الطبري بعده : ثمّ انصرف إلى المدينة في صفر ، فأقام بها ثلاثة أشهر يتعبّث بأهل المدينة ويتعنّتهم ، وبنى بها مسجدا في بني سلمة فهو ينسب إليه ، واستخفّ فيها بأصحاب رسول الله (ص) فختم في أعناقهم ، وكان جابر بن عبد الله مختوما في يده وأنس مختوما في عنقه يريد أن يذلّه بذلك.

وأرسل إلى سهل بن سعد فدعاه فقال : ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان بن عفّان ، قال : قد فعلت ، قال : كذبت ، ثمّ أمر به فختم في عنقه برصاص (٢).

انتهاء ثورة الحرمين وقيام ثورات أخرى :

هكذا انتهت ثورة الحرمين ، وثارت معها وبعدها بلاد أخرى ، مثل ثورة التوّابين في سنة خمس وستين في الكوفة الذين خرجوا ينادون : يا لثارات الحسين! وقاتلوا جيش الخلافة بعين الوردة حتى استشهدوا ، ثمّ ثورة المختار في الكوفة سنة ست وستين ، وقيامه بقتل قتلة الحسين (ع).

ثمّ ثورات العلويين مثل زيد الشهيد وابنه يحيى (٣) ، وأخيرا ثورة

__________________

(١) تاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١١٥.

(٢) تاريخ الطبري ٧ / ٢٠٦ في ذكر حوادث سنة ٧٤ ه‍.

(٣) راجع تاريخ الطبري ، وابن الأثير ، وابن كثير في ذكرهم حوادث سني ٦٥ و ٦٦ ـ ٦٧ و ١٢١ ـ ١٢٢ و ١٢٥.

العباسيين وقيامهم باسم الدعوة لآل محمّد ، وتهديمهم الخلافة الامويّة ، واقامتهم الخلافة العباسيّة بهذا الاسم ؛ فقد كان أبو سلمة الخلّال يسمّى : وزير آل محمّد ، وأبو مسلم : أمير آل محمّد!

ولما قتل أبو سلمة ، قال الشاعر :

انّ الوزير وزير آل محمّد

أودى فمن يشناك كان وزيرا(١)

الثائرون أضعفوا الخلافة والائمة (ع) أعادوا أحكام الاسلام :

وقعت كلّ تلكم الثورات اثر استشهاد الحسين (ع) ومن قبل القائمين بها في جانب. وفي جانب آخر استطاع الائمة على اثر استشهاد الحسين أن يجدّدوا شريعة جدّهم سيد الرسل بعد اندراسها ، ونشطت مدرستهم في نشر أحكام الاسلام ، كما يأتي بيانه في الباب التالي.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٤٥ و ٣٥٢ ـ ٣٥٣ ، وابن الاثير ٥ / ١٤٤ و ١٤٨ في ذكر حوادث سنة ١٣٠ ه‍ ، ومروج الذهب ٣ / ٢٨٦.

البحث الخامس

إعادة ائمّة أهل البيت (ع)

سنة الرسول (ص) إلى المجتمع بعد قيام الامام الحسين (ع)

الفصل الاول : نتيجة استشهاد الإمام الحسين (ع)

الفصل الثاني : تقويم كتب الحديث بمدرسة أهل البيت (ع)

الفصل الثالث : رأيا المدرستين في تقويم كتب الحديث

الفصل الأول

نتيجة استشهاد الإمام الحسين (ع)

نتيجة لكل ما سبق ذكره تيقظت ضمائر بعض أبناء الأمّة الاسلاميّة من سباتها العميق ، واشمأزّت نفوسهم من أوضاع الخلافة ، وانتشر حبّ آل بيت النبيّ (ص) في الأوساط الإسلاميّة غير المنتفعة بالحكم ، وزمن الصراع بين الامويين والعباسيين حول الخلافة ، فسح المجال للواعين منهم لأن يلتفّوا حول الإمامين الباقر والصادق (ع) ومن ثمّ تمكّن الامامان من نشر الأحكام الإسلامية التي جاء بها رسول الله (ص) وبيان زيف الاحكام المحرّفة ، ودحض الشبهات المثارة حول بعض الآيات القرآنية. فعلا ذلك تارة بالرواية عن كتاب عليّ «الجامعة» ، وأخرى بالحديث عن رسول الله (ص) ، أو ببيان حكم الله دون ما ذكر سند له ، وفي هذا الصدد أتيحت الفرصة للإمام الصادق أكثر من غيره من سائر أئمة أهل البيت ، فاجتمع حوله في بعض الاحيان آلاف من روّاد العلوم الإسلامية ورواة أحاديثه ، وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف (١) ، مثل الحافظ أبي العبّاس ابن عقدة (ت : ٣٣٣ ه‍) الّذي

__________________

(١) راجع الارشاد ، للشيخ المفيد (ت : ٤١٣ ه‍) ص ٢٥٤ منه ، وإعلام الورى ص ٢٧٦ تأليف الفضل الطبرسي من أعلام القرن السادس.

صنّف كتابا جمع فيه رواة حديثه ، وأنهاهم إلى أربعة آلاف (١).

وفي عصر الإمام الكاظم (ع) كان جماعة من أصحابه وأهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم الواح آبنوس لطاف ، وأميال ، فإذا نطق ابو الحسن كلمة أو أفتى في نازلة ، أثبتوا ما سمعوه منه في ذلك.

هكذا دوّن أصحاب الأئمة ما سمعوه منهم ، وبلغت مؤلفاتهم الآلاف ، نجد تراجمها في فهرستي النجاشي والشيخ الطوسي ، وكل واحد منهما يروي تلك الكتب عن مؤلّفيها بسنده الخاصّ إليهم.

وفي عصر الأئمة دوّن أصحابهم الاصول والاصل في اصطلاح المحدّثين من مدرسة أهل البيت هو الكتاب الّذي جمع فيه مصنّفه الاحاديث التي رواها هو عن المعصوم أو عن الراوي عن المعصوم ولم ينقل فيه الحديث عن كتاب مدون. وكان من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من أحد الأئمة حديثا بادروا إلى اثباته في اصولهم لئلّا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كلّه بتمادي الأيّام ، واستقر أمر المتقدمين على أربعمائة أصل ممّا دوّن منذ عصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) إلى عصر أبي محمّد الحسن العسكري وسميت بالاصول الأربعمائة ، وجلّ الاصول الاربعمائة دوّنت من قبل أصحاب الامام الصادق سواء كانوا مختصين به أو ممن أدركوا أباه الامام الباقر أو ممن أدركوا ولده الامام الكاظم (ع) بعده(٢).

__________________

(١) ابن عقدة الحافظ أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني الكوفي كان زيديا جاروديا (ت : ٣٣٢ ه‍) من مؤلفاته: كتاب أسماء الرجال الذين رووا عن الصادق أربعة آلاف رجل خرج فيه لكل رجل الحديث الذي رواه ـ ترجمته في الكنى والالقاب ١ / ٣٤٦. وسنة وفاته فيه : (٣٣٣ ه‍).

(٢) وأول موسوعة حديثية جامعة الفت بمدرسة أهل البيت هو كتاب الكافي ، ألّفه ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني. (ت : ٣٢٩ أو ٣٢٨ ه‍) حاول مؤلفه أن يجمع فيه الاصول والمدونات الحديثية الصغيرة الأخرى ، وجاب من أجله البلاد في عشرين سنة.

وأخذ من الكافي ومن الاصول والمدونات الحديثية الاخرى الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن ـ

كيف أخذ المصنفون من رسائل أصحاب الأئمة وأصولهم؟

لمعرفة كيفية أخذهم من الاصول ومدوّنات أصحاب الأئمة ؛ ندرس في كتب المشايخ الثلاثة كيفية أخذهم من «أصل ظريف» أو كتاب الديات رواية ظريف بن ناصح ، بعد تعريف ظريف وأصله في ما يلي :

ظريف بن ناصح وأصله أو كتابه :

أ ـ ظريف بن ناصح :

كان أبوه بياع الاكفان (١). أدرك ظريف الامام الباقر (ع) (٢).

قال النجاشي في ترجمته : كوفي نشأ ببغداد وكان ثقة في حديثه صدوقا (٣).

وله كتب اخرى ذكرها النجاشي والشيخ في ترجمته ، وروايات الكتاب منتشرة في الموسوعات الحديثية ، ذكرها الاردبيلي في ترجمته بجامع الرواة.

__________________

ـ علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت : ٣٨١ ه‍) الروايات الخاصة بالفقه وألف فقيه من لا يحضره الفقيه وهو أول موسوعة حديثية في فقه مدرسة أهل البيت ، ونحا نحوه من بعده الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت : ٤٦٠ ه‍) في كتابه تهذيب الأحكام الذي شرح فيه مقنعة الشيخ المفيد ثم في كتابه الاستبصار في ما اختلف من الأخبار ، وسميت هذه الكتب بالكتب الأربعة للمحمدين الثلاثة ، وأصبحت مدار البحث في الحلقات التدريسية بمدرسة أهل البيت منذ تأليفها حتى اليوم ، شأنها في ذلك شأن الصحاح الستّة بمدرسة الخلفاء عدا ان مدرسة أهل البيت لا تلتزم بصحة جميع ما في كتاب ما عدا كتاب الله جل جلاله.

(١) ترجمته بجامع الرواة ١ / ٤٢٣.

(٢) ترجمته بمجمع الرجال ٣ / ٢٣٢.

(٣) ترجمته برجال النجاشي ص ١٥٦.

ب ـ أصل ظريف :

ليس ما يسمى بأصل ظريف أو كتاب في الديات تأليف ظريف ، وانما هو كتاب كتبه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لامرائه ورؤساء أجناده ، كما يعرف ذلك من سند رواية الكليني (د) (١) عن أبي عمرو المتطبب ، قال :

عرضته على أبي عبد الله ، قال ـ أي عرضت كتاب الديات موضوع البحث على أبي عبد الله الصادق فقال في تعريف الكتاب ـ :

أفتى أمير المؤمنين ، فكتب الناس فتياه ، وكتب به أمير المؤمنين إلى أمرائه ورءوس أجناده ... الحديث.

وفي سند رواية الكليني (ج) عن محمّد بن عيسى وعن يونس جميعا ، قالا : عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين على أبي الحسن الرضا ، فقال هو صحيح ... الحديث.

يتضح من هذه الروايات وغيرها ان كتاب ديات ظريف انّما نسب إليه لرواية جمع من المشايخ عنه (٢) ، وقد صرّح بذلك الشيخ الطوسي في ترجمة محمّد بن أبي عمرو حيث قال : محمّد بن أبي عمرو الطبيب ، كوفي ، روى كتاب الديات عن أبي عبد الله (ع) وهو المنسوب إلى ظريف بن ناصح ، لانّه طريقه (٣).

ويستفاد أيضا من تلك الأسانيد ـ خاصة ما ورد في سند حديث

__________________

(١) قسمنا روايات الكافي عن ظريف إلى خمسة :

أ ـ ما ورد في ٧ / ٣١١ منه ، وب ـ ما في ٧ / ٣٢٤ ، وج ـ ما في ٧ / ٣٢٧ ، ود ـ ما في ٧ / ٣٣٠ ـ ٣٤٢ منه وه ـ رواية الفقيه.

(٢) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٢ / ١٦١ في البحث عن الأصول.

(٣) مجمع الرجال ٥ / ١١٧.

الكافي (د) عن الامام الصادق ـ انّ بعض شيعة الامام علي في عصره كانوا قد كتبوا الكتاب عن املائه أو خطه.

ويظهر أيضا من تلك الروايات ان كتاب الديات هذا لم يكن جزءا من كتاب الجامعة للإمام علي ، وانّما سمّي في الروايات بكتاب الديات ، وكتاب ما أفتى به عن أمير المؤمنين ، وكتاب الفرائض عن أمير المؤمنين ، وهو أيضا غير صحيفة الفرائض عن أمير المؤمنين في المواريث والتي كانت بخطّ أمير المؤمنين.

هذا ما وجدنا عن ظريف وأصله ، أمّا سند المصنفين إلى رواة الكتاب فانه يتصل بالأئمة بسلسلة متصلة الحلقات كما يلي :

أسانيد المصنّفين إلى كتاب الديات رواية ظريف :

تتصل أسانيد المشايخ في روايتهم كتاب الديات الذي كان بإملاء أمير المؤمنين باثنين من أئمة أهل البيت : أ ـ الإمام الصادق (ع) ؛ ب ـ الإمام الرضا (ع).

وندرس في ما يلي أسانيد المشايخ إلى كل امام على حدة :

أ ـ أسانيدهم إلى الإمام الصادق (ع):

تنقسم أسانيد الكتب إلى الإمام الصادق إلى مجموعتين نوردهما في ما يلي :

أسانيد المجموعة الأولى :

وردت أسانيد المجموعة الأولى في روايات الشيخ الكليني والشيخ الطوسي كما يلي :

أولا ـ الشيخ الكليني :

قال الكليني في باب «ما يمتحن به من يصاب في سمعه ...»

من كتاب الديات في الكافي :

١ ـ عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن ظريف ، عن أبيه ظريف بن ناصح ، عن رجل يقال له عبد الله بن أيوب ، قال : حدّثني أبو عمرو المتطبب ، قال : عرضت هذا الكتاب على أبي عبد الله (ع) .. الحديث (١).

وقصد الكليني من عدّة من أصحابنا في طريق سهل بن زياد بكتاب الكافي : علي بن محمّد بن إبراهيم ، علّان ، ومحمّد بن الحسن الصفار ، ومحمّد بن جعفر أبا عبد الله الأسدي ، ومحمّد بن عقيل الكليني (٢).

روى الكليني بهذا السند هنا بعض أحكام الديات من الكتاب المذكور.

وروى في «باب آخر» من نفس الكتاب كثيرا من أحكام الديات من الكتاب المذكور بنفس السند وفي لفظه (حدثني رجل يقال له عبد الله بن أيوب قال : حدثني أبو عمرو المتطبب ، قال : عرضته على أبي عبد الله (ع) قال : أفتى به أمير المؤمنين (ع) فكتب إلى أمرائه ورءوس أجناده فمما كان فيه إن اصيب شفر العين فشتر ... الحديث (٣).

__________________

(١) الكافي ٧ / ٣٢٤.

(٢) وفي جامع الرواة ٢ / ٤٦٥ «علي بن محمد بن علان» خطأ والتصويب من مجمع الرجال ٧ / ٢٠١ ، ومستدرك الوسائل ٣ / ٥٤١.

(٣) الكافي ٧ / ٣٣٠ ـ ٣٤٢.

وتبعه الشيخ الطوسي في التهذيب (١) في باب (ديات الأعضاء والجوارح ...) وقال : «سهل بن زياد» ثم أورد سند الكليني بلفظه ، وفي لفظ الحديث عند الطوسي : «أفتى أمير المؤمنين فكتب الناس فتياه ، وكتب أمير المؤمنين به إلى أمرائه ورءوس أجناده فمما كان فيه : ان أصيب شفر العين ..» الحديث إلى آخر دية الشتر والحاجب ، وانما قلنا تبع الشيخ الطوسي الشيخ الكليني في هذه الرواية لانّه قال في مشيخة تهذيب الاحكام (٢) :

وما ذكرته عن سهل بن زياد فقد رويته بهذه الاسانيد عن محمّد بن يعقوب أي الكليني.

وأورد الكليني أيضا بنفس السند في باب «القسامة» ما يخصّ القسامة (٣).

وهكذا وزّع الكليني كتاب الديات على أبواب كتاب الكافي.

أمّا الشيخ الطوسي فقد أورد بعضه في أبواب التهذيب متفرقا ، وأورد جميع الكتاب مرّة واحدة كما يأتي ذكره :

ثانيا ـ الشيخ الطوسي :

قال الشيخ الطوسي في باب «ديات الشجاج ...» من كتاب التهذيب :

٢ ـ محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصّفار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن ظريف بن ناصح.

__________________

(١) تهذيب الشيخ الطوسي ١٠ / ٢٥٨.

(٢) مشيخة تهذيب الاحكام ص ٥٤ ـ ٥٥.

(٣) الكافي ٧ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣.

٣ ـ وروى أحمد بن محمّد بن يحيى عن العبّاس بن معروف عن الحسن بن علي بن فضّال عن ظريف بن ناصح.

٤ ـ وعليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضّال عن ظريف بن ناصح.

٥ ـ وسهل بن زياد عن الحسن بن ظريف عن أبيه ظريف بن ناصح.

٦ ـ ورواه محمّد بن الحسن بن الوليد عن أحمد بن ادريس عن محمّد ابن حسان الرازي عن اسماعيل بن جعفر الكندي عن ظريف بن ناصح ، قال : حدّثني رجل يقال له : عبد الله بن أيوب ، قال : حدثني أبو عمرو المتطبب ، قال : عرضت هذه الرواية على أبي عبد الله (ع).

ثمّ أورد بعدها أسانيد الرسالة إلى الإمام الرضا (ع) ثم أورد جميع كتاب الديات (١).

في هذه الأسانيد :

أوّلا : محمّد بن الحسن بن الوليد. قال الشيخ في مشيخة التهذيب : وما ذكرته عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، فقد أخبرني به الشيخ أبو عبد الله ـ المفيد ـ عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين عن محمّد بن الحسن بن الوليد (٢).

ثانيا : أحمد بن محمّد بن يحيى. قال الشيخ الطوسي في رجاله : أخبرنا عنه الحسين بن عبيد الله وأبو الحسين بن أبي جيّد القمي وسمع منه سنة ست وخمسين وثلاثمائة (٣).

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١٠ / ٢٩٥ ـ ٣٠٨.

(٢) مشيخة التهذيب ص ٧٥.

(٣) مجمع الرجال ١ / ١٦٨ ، وفي مشيخة التهذيب ص ٣٤ واخبرني به أيضا الحسين بن عبيد الله وأبو الحسين بن أبي الجيد القمي جميعا عن أحمد بن محمد بن يحيى.

ثالثا : علي بن إبراهيم. قال الشيخ الطوسي في مشيخة التهذيب (١) : وما ذكرته عن علي بن إبراهيم بن هاشم فقد رويته بهذه الاسانيد عن محمّد بن يعقوب أي الكليني.

رابعا : سهل بن زياد. وسبق قولنا فيه ان الشيخ ـ أيضا ـ ينقل روايته عن الكافي.

خامسا : محمّد بن الحسن بن الوليد. وسبق القول فيه.

أسانيد المجموعة الثانية :

تنحصر برواية الشيخ الصدوق ومن تبعه : قال الشيخ الصدوق في باب «دية جوارح الانسان ...» من كتاب : فقيه من لا يحضره الفقيه :

٧ ـ روى الحسن بن علي بن فضّال عن ظريف بن ناصح عن عبد الله بن أيّوب ، قال : حدّثني حسين الرواسي عن ابن أبي عمرو الطبيب ، قال : عرضت هذه الرواية على أبي عبد الله (ع) فقال : نعم هي حقّ ، وقد كان أمير المؤمنين (ع) يأمر عمّاله بذلك ، قال : أفتى (ع) في كل عظم له مخّ .. الحديث (٢).

روى الشيخ الصدوق هنا كتاب الديات عن الحسن بن علي بن فضّال وقال في مشيخة كتابه : وما كان فيه عن الحسن بن علي بن فضّال فقد رويته عن أبي ـ علي بن الحسين بن بابويه القمي ـ رضي الله عنه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضّال (٣).

أورد الشيخ الصدوق بهذا السند في هذا الباب جميع كتاب الديات أو

__________________

(١) مشيخة التهذيب ص ٢٩.

(٢) فقيه من لا يحضره الفقيه ٤ / ٥٤.

(٣) مشيخة كتاب الفقيه بآخر المجلد الرابع منه ص ٩٥.

فرائض علي في اثنتي عشرة صفحة من اخريات كتابه (١).

أسانيد اخرى للكتاب إلى ظريف فحسب :

قال الشيخ الطوسي بترجمة ظريف من الفهرست :

٨ ـ له كتاب الديات ، أخبرنا به الشيخ المفيد أبو عبد الله رحمه‌الله عن أبي الحسين أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد.

٩ ـ وأخبرنا ابن أبي جيد ، عن محمّد بن الحسن الصفار ، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عنه (٢).

١٠ ـ وقال أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي (ت : ٤٠٥ ه‍) في ترجمة ظريف من رجاله : له كتب ، منها كتاب الديات ، رواه عدّة من أصحابنا.

١١ ـ أخبرنا عدّة من أصحابنا عن أبي غالب أحمد بن محمّد ، قال : قرأ عليّ عبد الله بن جعفر وأنا اسمع ، قال : حدّثنا الحسن بن ظريف ، عن أبيه به (٣).

* * *

انتهت أسانيد المشايخ في روايتهم الكتاب عن الإمام الصادق إلى عشرة أسانيد حسب احصائنا لها في مصنفاتهم ، وتنقسم سلاسل أسانيدهم إلى الإمام الصادق إلى قسمين :

أ ـ من ظريف إلى الإمام الصادق.

ب ـ من المشايخ إلى ظريف.

__________________

(١) فقيه من لا يحضره الفقيه ٤ / ٥٤ ـ ٦٦.

(٢) فهرست الشيخ الطوسي ص ١١٢.

(٣) رجال النجاشي ص ١٥٦.

أ ـ أسانيد الكتاب من ظريف إلى الإمام الصادق (ع):

ورد سند ظريف إلى الإمام الصادق (ع) في المجموعة الأولى كما يلي : ظريف بن ناصح عن عبد الله بن أيّوب عن ابن أبي عمرو الطبيب عن الإمام الصادق ، وفي المجموعة الثانية : ظريف بن ناصح ، عن عبد الله بن أيوب عن حسين الرواسي ، عن ابن أبي عمرو الطبيب عن الإمام الصادق.

ورد في سند المجموعة الثانية «حسين الرواسي وابن أبي عمرو» بين عبد الله بن أيوب وأبي عمرو ، بينا لم يرد اسماهما في سند المجموعة الأولى ، ونرى انّ منشأ ذلك أوّلا سقوط لفظ (ابن) قبل (أبي عمرو) من نسخهم وبذلك أصبح (أبو عمرو) الأب هو الراوي عن الإمام الصادق وهو المتطبب ، بينا الراوي عن الإمام كان ابنه محمّد بن أبي عمرو ، وكان من أصحاب الصادق (١) وكان هو الطبيب كما ورد في ترجمته بمجمع الرجال وجامع الرواة نقلا عن رجال الشيخ قال : محمّد بن أبي عمرو الطبيب كوفي روى كتاب الديات عن أبي عبد الله (ع) وهو المنسوب إلى ظريف بن ناصح ، لانه طريقه (٢)

هذا عن ابن أبي عمرو ، أمّا رواية عبد الله بن أيّوب في المجموعة الثانية عن حسين الرواسي عن ابن أبي عمرو ، وفي المجموعة الأولى عن ابن أبي عمرو بلا واسطة فذلك يعني ان ابن أيّوب يروي الكتاب عن الرواسي عن ابن أبي عمرو تارة ، واخرى عن ابن أبي عمرو مباشرة ، وقد ورد نظير

__________________

(١) رمز في ترجمته ب «ق» إلى انه من أصحاب الصادق كما هو دينهم ، ونقل ذلك في الذريعة ٢ / ١٦١ عن رجال الشيخ الطوسي.

(٢) ترجمته بمجمع الرجال ٥ / ١١٧ وجامع الرواة ٢ / ٥٠.

ذلك في رواية الاقران كثيرا. ويبين الجدول الآتي سند ظريف إلى الإمام الصادق (ع) لدى المجموعتين الأولى والثانية :

__________________

(١) كتبنا محمد بن أبى عمرو بناء على ما رجحناه من ان اسمه سقط سهوا لديهم كما بيناه في محله.

ب ـ أسانيد الكتاب من المشايخ إلى ظريف :

أوردنا آنفا أسانيد المجموعتين إلى ظريف ، ونكتفي هنا بايرادهما في جدولين ليسهل البحث حولهما :

أ ـ أسانيد المجموعة الأولى :

ب ـ جدول سند المجموعة الثانية :

سند الشيخ الصدوق :

* * *

كانت هذه سلسلة أسانيد المشايخ إلى الإمام الصادق في رواية كتاب الديات قضاء أمير المؤمنين وفي ما يلي أسانيدهم إلى الإمام الرضا (ع).

ب ـ أسانيدهم إلى الإمام الرضا في روايتهم كتاب الديات :

يروي المشايخ كتاب الديات الذي كان بخطّ الإمام علي أو باملائه عن الإمام الرضا بثلاثة أسانيد :

أولا ـ سند الحسن بن علي المشهور بابن فضال :

١ ـ أخرج الكليني في عدّة أبواب من كتابه الكافي أقساما من رواية كتاب الديات عن ابن فضّال هذا ، منها ما في باب «دية الجراحات».

أخرج فيه عن عليّ بن إبراهيم ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن فضّال ، قال : عرضت الكتاب على أبي الحسن ، فقال : هو صحيح. «قضى أمير المؤمنين في دية جراحات الأعضاء كلّها ... ثمّ أورد قسما من كتاب الديات» (١).

وتبعه الشيخ الطوسي وأورد هذا القسم من كتاب الديات ، في باب ديات الشجاج من تهذيبه بلفظ الكليني في سنده ومتنه (٢).

ثانيا ـ سند يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين :

روى الكليني في باب «ما يمتحن به من يصاب ...» من كتابه الكافي : عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس. قال يونس : عرضت عليه الكتاب فقال : «هو صحيح». وأورد من الكتاب ما يخص كيفية امتحان من اصيب في احدى عينيه (٣).

وتبعه الشيخ الطوسي وأورده بلفظ الكليني في سنده ومتنه بباب

__________________

(١) الكافي ٧ / ٣٢٧.

(٢) التهذيب للشيخ الطوسي ١٠ / ٢٩٢.

(٣) الكافي ٧ / ٣٢٤.

«ديات الأعضاء والجوارح ...» من كتاب التهذيب (١)

ويجمع المشايخ بين السندين في جلّ ما أوردوه في روايتهم الكتاب عن الإمام الرضا.

في المثال الأوّل ، قال الكليني والطوسي : علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي الحسن (ع). وعنه عن أبيه ، عن ابن فضّال ، قال : عرضت الكتاب على أبي الحسن ، فقال : هو صحيح ...

وفي المثال الثاني ، قالا : عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس. وعن أبيه عن ابن فضّال جميعا عن أبي الحسن الرضا (ع). قال يونس : عرضت عليه الكتاب فقال هو صحيح ...

وكذلك فعل الكليني في «باب آخر» من كتاب الديات وقال : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضّال. ومحمّد بن عيسى ، عن يونس جميعا ، قالا : عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين (ع) على أبي الحسن الرضا (ع) فقال : «هو صحيح» ...

ثم أورد قسما كبيرا من كتاب الديات في هذا الباب (٢) ، وتبعه الشيخ الطوسي في إيراد أحد أسانيد الكليني وما فيه بيان شتر العين وفقد الحاجب من أوّل ما أورده الكليني(٣).

وفي باب «القسامة» من الكافي أيضا أورد الكليني من الكتاب ما يخص القسامة بالسندين المذكورين (٤).

__________________

(١) تهذيب الشيخ الطوسي ١٠ / ٢٦٧.

(٢) الكافي ٧ / ٣٣٠ ـ ٣٤٢ ، وأورد أحيانا مع ما في كتاب الديات روايات اخرى تناسب الباب.

(٣) تهذيب الشيخ الطوسي ١٠ / ٢٥٨ ، أورد سند الكليني إلى الإمام الصادق ولم يورد سنده إلى الإمام الرضا(ع).

(٤) الكافي ٧ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣.

وقال الكليني في باب «ما تجب فيه الدية كاملة من الجراحات ...» علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس. وعدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس. انه عرض على أبي الحسن الرضا كتاب الديات ، وكان فيه ذهاب السمع ...

ثم أورد من الكتاب ما يخصّ الباب ، وبعد انتهائه من إيراد ما أراد ، قال : علي ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن الرضا مثله (١).

وتبعه الشيخ الطوسي في باب ديات الأعضاء والجوارح .. من التهذيب وأورد هذا القسم ممّا أورده الكليني هنا بسنده ومتنه (٢).

امتاز هذا الحديث على ما سبقه بروايته عن محمّد بن عيسى بطريقين :

أ ـ علي بن إبراهيم.

ب ـ عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد.

وروى الشيخ في كتاب التهذيب بباب «الحوامل والحمول ..» وفي الاستبصار بباب «دية الجنين» ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، ومحمّد بن عيسى ، عن يونس جميعا ، قالا : عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين على أبي الحسن (ع) قال : «هو صحيح». وكان ممّا فيه : انّ أمير المؤمنين جعل دية الجنين مائة دينار ... (٣)

وقال الشيخ الطوسي أيضا في باب «ديات الشجاج وكسر العظام ...» من التهذيب بعد إيراده اسناده إلى الإمام الصادق : وروى علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضّال ، ومحمّد بن عيسى ، عن يونس جميعا ،

__________________

(١) الكافي ٧ / ٣١١.

(٢) تهذيب الشيخ الطوسي ١٠ / ٢٤٥.

(٣) تهذيب الشيخ ١٠ / ٢٨٥ ، والاستبصار ٤ / ٢٩٩.

عن الرضا (ع) قالا : عرضنا عليه الكتاب ، فقال : نعم هو حقّ (١) ، وقد كان أمير المؤمنين يأمر عمّاله بذلك ... الحديث (٢).

ثالثا ـ رواية الحسن بن الجهم :

قال الكليني في باب «ما يمتحن به من يصاب في سمعه ...» عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن ظريف ... إلى قوله ، حدّثني أبو عمرو المتطبب ، قال : عرضت هذا الكتاب على أبي عبد الله (ع). وعلي بن فضّال عن الحسن بن الجهم ، قال : عرضته على أبي الحسن الرضا (ع) فقال لي : ارووه فانّه صحيح ، ثم ذكر مثله (٣).

قصد الكليني انّ عدّة من أصحابنا رووا عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن ظريف رواية عرض الكتاب على الإمام الصادق (ع).

وانّ اولئك العدة من أصحابنا أيضا رووا عن سهل بن زياد عن عليّ بن فضّال رواية عرض الكتاب على الإمام الرضا ، وهذا دأب الكليني وسائر المشايخ المحدثين في اختصار السند ، وحذف صدر السند الثاني إذ كان قد ورد في صدر الحديث السابق.

وقصد الكليني من علي بن فضّال : علي بن الحسن بن علي بن فضّال ، فهذا روى بواسطة الحسن بن الجهم عن الإمام الرضا ، وروى أبوه الحسن بن علي بن فضال عن الإمام الرضا بلا واسطة كما مرّ بيانه في بحث السند الأوّل.

كان هذا ما وجدنا من أسانيد كتاب الديات إلى الإمام الرضا (ع) كما تبينه الجداول الثلاثة الآتية :

__________________

(١) في الأصل «هو نعم حق» ورأينا الصواب «نعم هو حق» كما ورد في رواية الصدوق في الفقيه نظيره.

(٢) تهذيب الشيخ الطوسي ١٠ / ٢٩٥ ـ ٣٠٨.

(٣) الكافي ٧ / ٣٢٤.

أ ـ سلسلة سند الحسن بن علي بن فضال

ب ـ سلسلة سند يونس بن عبد الرحمن

ج ـ سلسلة سند الحسن بن الجهم

سلسلة رواة كتاب الديات عن الإمام علي (ع)

خلاصة البحث

إنّ كتاب الديات المنسوب إلى ظريف بن ناصح ، كان الإمام عليّ قد كتبه بخطه أو انّه كان قد أملاه ، وكتب به إلى أمرائه ، وكتبه شيعته وتوارثوه جيلا بعد جيل حتى إذا انتهوا إلى عصر الإمام الصادق عرضوه عليه فقال عن الرواية : «نعم هو حق وقد كان أمير المؤمنين يأمر عماله بذلك».

وفي رواية : أفتى أمير المؤمنين فكتب الناس فتياه ، وكتب أمير المؤمنين به إلى أمرائه ورءوس أجناده.

ثمّ تسلسل الرواة عن الإمام الصادق حتى عصر المشايخ ، وفي هؤلاء الرواة من أدرك الإمام الرضا (ع) وعرض الكتاب عليه ، فقال لأحدهم : نعم هو حق ، قد كان أمير المؤمنين يأمر عمّاله بذلك!

وقال للثاني : هو صحيح.

وقال للثالث : ارووه فانّه صحيح.

ثمّ تسلسل الرواة أيضا عن الإمام إلى المشايخ ، وأدرجه المشايخ في الكتب الأربعة : الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار.

فرّق الكليني الكتاب على أبواب الديات في الكافي. وأورد الصدوق جميعه مرة واحدة وفي باب واحد من الفقيه.

وأورد الشيخ الطوسي جميعه في مكان واحد من التهذيب ، وأورده أيضا متفرقا في أبواب مختلفة منه.

وأورد قسما منه في باب واحد من الاستبصار.

تسلسلت روايات المشايخ إلى الأئمة في نقل كتاب الديات عنهم ، وأوردوا أحاديث اخرى عن الأئمة في نفس مواضيع كتاب الديات ، وبنفس المغزى ، مثاله ما قاله الكليني في باب «دية الجنين» :

وبهذا الاسناد ، أي بالاسناد الذي أورده في أوّل الباب إلى الإمامين (الصادق والرضا) في نقل كتاب الديات ، قال :

١ ـ وبهذا الإسناد عن أمير المؤمنين (ع) قال : جعل دية الجنين مائة دينار وجعل مني الرجل إلى أن يكون جنينا خمسة أجزاء : فإذا كان جنينا قبل أن تلجه الرّوح مائة دينار وذلك أنّ الله عزوجل خلق الإنسان من سلالة وهي النطفة فهذا جزء ، ثمّ علقة فهو جزءان ، ثمّ مضغة فهو ثلاثة أجزاء ، ثمّ عظما فهو أربعة أجزاء ، ثمّ يكسى لحما فحينئذ تمّ جنينا فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار ، والمائة دينار خمسة أجزاء فجعل للنطفة خمس المائة عشرين دينارا ، وللعلقة خمسي المائة أربعين دينارا ، وللمضغة ثلاثة أخماس المائة ، ستّين دينارا وللعظم أربعة أخماس المائة ، ثمانين دينارا ، فإذا كسي اللّحم كانت له مائة دينار كاملة ، فإذا نشأ فيه خلق آخر وهو الرّوح ؛ فهو حينئذ نفس فيه ألف دينار دية كاملة إن كان ذكرا ، وإن كان انثى فخمسمائة دينار ، وإن قتلت امرأة وهي حبلى فتمّ فلم يسقط ولدها ولم يعلم أذكر هو أم أنثى ، ولم يعلم أبعدها مات أو قبلها ؛ فديته نصفان ، نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى ، ودية المرأة كاملة بعد ذلك وذلك ستّة أجزاء من الجنين ، وأفتى(ع)

في منّي الرجل يفزع (١) من عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك نصف خمس المائة عشرة دنانير ، وإذا أفرغ فيها عشرين دينارا ، وقضى في دية جراح الجنين من حساب المائة على ما يكون من جراح الذكر والأنثى الرجل والمرأة كاملة ، وجعل له في قصاص جراحته ومعقلته على قدر ديته وهي مائة دينار (٢).

وورد أيضا في نفس الباب عن سعيد بن المسيّب قال : سألت عليّ بن الحسين (ع) عن رجل ضرب امرأة حاملا برجله فطرحت ما في بطنها ميتا فقال : إن كان نطفة فإنّ عليه عشرين دينارا ، قلت : فما حدّ النطفة؟ فقال : هي الّتي إذا وقعت في الرحم فاستقرّت فيه أربعين يوما ، قال : وإن طرحته وهو علقة ؛ فإنّ عليه أربعين دينارا ، قلت : فما حدّ العلقة؟ فقال : هي الّتي إذا وقعت في الرحم فاستقرّت فيه ثمانين يوما ، قال : وإن طرحته وهو مضغة ؛ فإنّ عليه ستّين دينارا ، قلت : فما حدّ المضغة؟ فقال : هي الّتي إذا وقعت في الرحم فاستقرّت فيه مائة وعشرين يوما ، قال : وإن طرحته وهو نسمة مخلّقة له عظم ولحم مزيّل الجوارح قد نفخ فيه روح العقل فإنّ عليه دية كاملة ... الحديث (٣).

وورد فيه عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (ع) عن الرّجل يضرب المرأة فتطرح النطفة؟ فقال : عليه عشرون دينارا ، فقلت : يضربها فتطرح العلقة؟ فقال : عليه أربعون دينارا ، قلت : فيضربها فتطرح المضغة؟ قال : عليه ستّون دينارا ، قلت : فيضربها فتطرحه وقد صار له عظم؟ فقال : عليه الدية كاملة ، وبهذا قضى أمير المؤمنين (ع) ، قلت : فما صفة خلقة النطفة الّتي تعرف بها؟ فقال : النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة

__________________

(١) في الكافي ٧ / ٣٤٣ (يفرغ) وهو خطا.

(٢) الكافي ٧ / ٣٤٣.

(٣) الكافي ٧ / ٣٤٧.

فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوما ثمّ تصير إلى علقة ، قلت : فما صفة خلقة العلقة الّتي تعرف بها؟ فقال : هي علقة كعلقة الدم المحجمة الجامدة تمكث في الرحم بعد تحولها عن النطفة أربعين يوما ، ثمّ تصير مضغة : قلت : فما صفة المضغة وخلقتها الّتي تعرف بها؟ قال : هي مضغة لحم حمراء فيها عروق خضر مشتبكة ، ثمّ تصير إلى عظم ، قلت : فما صفة خلقته إذا كان عظما؟ فقال : إذا كان عظما شقّ له السمع والبصر ورتّبت جوارحه فإذا كان كذلك فإنّ فيه الدية كاملة (١).

وعن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله (ع) قال : دية الجنين خمسة أجزاء : خمس للنطفة عشرون دينارا ، وللعلقة خمسان أربعون دينارا ، وللمضغة ثلاثة أخماس ستّون دينارا ، وللعظم أربعة أخماس ثمانون دينارا ، فإذا تمّ الجنين كانت له مائة دينار ، فإذا أنشأ فيه الرّوح فديته ألف دينار أو عشرة آلاف درهم إن كان ذكرا ، وإن كان أنثى فخمسمائة دينار ، وإن قتلت المرأة وهي حبلى فلم يدر أذكر كان ولدها او أنثى فدية الولد نصفان نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى وديتها كاملة (٢).

* * *

في هذا المورد وجدنا الحكم المبيّن في حديث الإمام الصادق (ع) نظير الحكم المشروح في حديث الإمام الباقر (ع) ، والحكم في حديثيهما نظير الحكم في حديث الإمام السجّاد (ع) والحكم في أحاديثهم هذه نظير ما في كتاب الديات الذي أملاه الإمام علي (ع) ، وفي الباب أيضا حديثان آخران عن الإمامين الباقر والصادق (ع) لا يختلفان عمّا سبق إلّا بمقدار ما بين الموجز

__________________

(١) الكافي ٧ / ٣٤٥.

(٢) الكافي ٧ / ٣٤٣.

والمفصّل والمجمل والمبيّن (١).

وكذلك نجد في باب «دية الجنين» ثلاثة أحاديث عن الإمام الصادق (ع) بمغزى واحد ، روى الأوّل أبو بصير عن أبي عبد الله ، قال : إن ضرب رجل بطن امرأة حبلى فألقت ما في بطنها ميتا ؛ فإنّ عليه غرّة عبد أو أمة يدفعها إليها (٢).

وروى الثاني داود بن فرقد ، عن أبي عبد الله (ع) قال : جاءت امرأة فاستعدت على اعرابي قد أفزعها فالقت جنينا فقال الأعرابيّ لم يهلّ ولم يصح ومثله يطل فقال النبيّ (ص) : اسكت سجّاعة : عليك غرّة وصيف ، عبد أو أمة (٣).

وروى الثالث السكونيّ ، عن أبي عبد الله (ع) قال : قضى رسول الله (ص) في جنين الهلاليّة حيث رميت بالحجر فألقت ما في بطنها ؛ غرّة عبد أو أمة (٤).

في هذا المورد ، أفتى الإمام الصادق في الحديث الأوّل وبيّن حكم الله دون أن ينسبه إلى أحد ، أمّا الحديثان الثاني والثالث فقد رواهما عن رسول الله مع بيان الحادث الذي حكم فيه رسول الله (ص).

ونجد نظير ما ذكرنا في كتاب الديات من الكافي كثيرا حيث نرى الحكم الواحد مبينا في رواية ما عن أحد الأئمة تارة ، وأخرى يرويه الإمام عن الإمام علي (ع) ، وثالثة عن جدّهم الرسول (ص) ، كما ورد في الصفحات : ٢٦٥ و ٢٦٦ و ٢٦٨ و ٢٨١ و ٢٨٤ و ٢٨٥ و ٣٢٠ و ٣٢٣ و ٣٢٦ و ٣٢٩ و ٣٣١

__________________

(١) الحديثان السادس والثامن في الباب ص ٣٤٤ و ٣٤٥.

(٢) الحديث الرابع ص ٣٤٤ من الكافي ج ٧.

(٣) الكافي ٧ / ٣٤٣ الحديث الثالث.

(٤) الكافي ٧ / ٣٤٤ الحديث السابع.

و ٣٣٣ و ٣٣٤ و ٣٥٣ ـ ٣٥٧ و ٣٦٠ و ٣٦٤ ـ ٣٦٨ و ٣٧٠ و ٣٧١ و ٣٧٣ و ٣٧٥ من الجزء السابع من الكافي :

وكذلك الأمر في غير كتاب الديات من الكافي ، وكذلك أيضا في غير الكافي من الموسوعات الحديثية الإمامية مثل الفقيه والتهذيب والاستبصار.

وإذا انتهينا من البحث في كتاب الديات إلى هنا ، فلا بدّ لنا عندئذ من التعرّف على الرجال الوسطاء بين المشايخ والأئمة في ما يلي :

معرفة رواة كتاب الديات

انقطعت صلة الرواة بمن أخذه عن الإمام في عصر بني اميّة على أثر نشاط خلفاء بني اميّة العدائي ضد الأئمة من آل علي (ع) وشيعتهم ، حتى إذا كان عصر الإمام الصادق (ع) ، عرضوا الكتاب الذي ورثوه من أسلافهم عليه ، ومن بعده عرضوه على الإمام الرضا (ع) فتسلسل الرواة عنهما إلى المشايخ. وفي ما يلي تعريف اولئك الرواة :

أ ـ من روى كتاب الديات عن الإمام الصادق (ع) في المجموعة الأولى :

أولا : سند الشيخ الكليني في الكافي :

روى الشيخ الكليني كتاب الديات عن «عدّة» عن سهل بن زياد. ومن أولئك العدّة :

١ ـ محمد بن جعفر بن محمد بن عون الاسدي :

قال النجاشي في ترجمته : أبو الحسين الكوفي ، ساكن الري ،. له ... أخبرنا ... بجميع كتبه ، ومات سنة ٣١٢ ه‍.

وقال الطوسي : له كتاب ... أخبرنا به جماعة ... وروايته بجامع

الرواة (١).

٢ ـ محمد بن الحسن الصفار :

سبقت ترجمته.

٣ ـ علي بن محمد بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلّان :

قال النجاشي في ترجمة الكليني : وكان خاله علّان الكليني. وقال في ترجمة علّان : يكنّى أبا الحسن ، ثقة ، عين ، له كتاب أخبار القائم ، وقتل بطريق مكة. وفي مجمع الرواة : ثقة ، عين (٢).

٤ ـ محمد بن عقيل الكليني :

لم يفردوا له ترجمة لانهم انما يترجمون أصحاب الاصول والمدوّنات ولم يكن محمّد بن عقيل هذا من أصحاب المؤلّفات ، وانّما هو من الرواة ، وذكر في مجمع الرجال وفي جامع الرواة ما روي عنه من حديث (٣).

وسهل بن زياد الآدمي :

قال النجاشي : أبو سعيد الرازي ، له كتاب النوادر ، أخبرناه ...

وقال الشيخ الطوسي : له كتاب أخبرنا به ... أدرك الإمام الجواد والهادي وكاتب الإمام الحسن العسكري سنة ٢٥٠ ه‍ وقد ضعّفوه في الرواية (٤)

وروى سهل بن الحسن بن ظريف :

قال النجاشي في ترجمته : أبو محمّد ، ثقة ، والرواة عنه كثير : أخبرنا

__________________

(١) مجمع الرجال ٥ / ١٧٧ ، وجامع الرواة ٢ / ٨٦.

(٢) رجال النجاشي ص ٢٩٢ وص ١٩٨ ، ومجمع الرجال ٤ / ٢١٤ ، وجامع الرواة ١ / ٥٩٦.

(٣) مجمع الرجال ٥ / ٢٦٥ ، وجامع الرواة ٢ / ١٥٠.

(٤) رجال النجاشي ص ١٤٠ ، والفهرست ص ١٠٦ ، وجامع الرواة ١ / ٣٩٣ ، ومجمع الرجال ٣ / ١٧٩.

اجازة ...

وقال الشيخ الطوسي في ترجمته : له كتاب أخبرنا به عدّة من أصحابنا ... وذكر الأردبيلي رواياته في جامع الرواة (١). وروى الحسن بن ظريف ، عن أبيه ظريف بن ناصح وسبقت ترجمته.

وروى ظريف بن ناصح عن عبد الله بن أيوب بن راشد الزهري

قال النجاشي في ترجمته : بيّاع الزطي ، روى عن جعفر بن محمّد (ع). له كتاب النوادر ، أخبرنا ...

وقال الشيخ الطوسي في ترجمته : له كتاب رويناه عن جماعة ... وتعريف رواياته بجامع الرواة (٢).

وروى ابن أيوب كتاب الديات عن محمّد بن أبي عمرو الطبيب عن الإمام الصادق (ع) ، وقد سبقت ترجمة ابن أبي عمرو.

ثانيا : سند الشيخ الطوسي :

تنتهي أسانيد الشيخ الطوسي إلى ظريف بثلاثة طرق :

١ ـ سند الشيخ الكليني الذي درسناه آنفا :

يتصل سند الشيخ الطوسي إلى الشيخ الكليني في رواية كتاب الكافي بواسطة جماعة ذكرهم في مشيخة كتاب التهذيب ، قال : فما ذكرنا في هذا الكتاب عن محمّد بن يعقوب الكليني (ره) فقد أخبرنا به الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان (ره) ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه (ره) ، عن محمّد بن يعقوب و... (٣) نكتفي بهذا السند وندرس

__________________

(١) و (٢) رجال النجاشي ص ١٤٦ ، وفهرست الطوسي ص ١٣٠ ، وجامع الرواة ١ / ٤٧٧ و ١ / ٤٧٤ ، ومجمع الرجال ٣ / ٢٥٦ و ٢ / ١١٧.

(٣) قاله الشيخ الطوسي في مشيخة كتابه : التهذيب ص ٥ ـ ٢٣.

الواسطتين فيه :

أ ـ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان :

قال النجاشي : شيخنا واستاذنا (رض) فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم ، له كتب ... (ت : ٤١٣ ه‍).

سمعنا منه هذه الكتب كلّها ؛ بعضها قراءة عليه ، وبعضها يقرأ عليه غير مرّة (١).

ب ـ الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه :

قال النجاشي : كان أبو القاسم من ثقات أصحابنا وأجلّائهم في الحديث والفقه ، روى عن أبيه وأخيه عن سعد وقال : ما سمعت من سعد إلّا أربعة أحاديث ، وعليه قرأ شيخنا أبو عبد الله الفقيه ، ومنه حمل.

وله كتب ... قرأت أكثر هذه الكتب على شيخنا أبي عبد الله (ره) ، وعلى الحسين بن عبيد الله.

؟ وقال الطوسي في الفهرست : ثقة ، له تصانيف كثيرة على عدد أبواب الفقه منها ... وغير ذلك ، وهي كثيرة ، وله فهرست ما رواه من الكتب والاصول أخبرنا برواياته ، وفهرس كتبه جماعة ، منهم ...

وقال في رجاله : أخبرنا عنه محمّد بن محمّد بن النعمان ـ الشيخ المفيد ـ و... مات سنة ثمان وستين وثلاثمائة. وعيّن في جامع الرواة من أخرج حديثه من المصنّفين (٢).

٢ ـ سند الطوسي بواسطة المفيد والصدوق :

روى الشيخ الطوسي عن شيخه المفيد ، والمفيد عن الشيخ أبي جعفر

__________________

(١) مجمع الرجال ٦ / ٣٣ ـ ٣٨.

(٢) فهرست الطوسي ص ٦٧ ، ومجمع الرجال ٢ / ٣٧ ـ ٣٨ ، وروضات الجنات ٢ / ١٧١ ، وجامع الرواة ١ / ١٥٧ ـ ١٥٨.

محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن أحمد بن ادريس ، عن محمّد بن حسان الرازي ، عن اسماعيل بن جعفر الكندي ، عن ظريف بن ناصح، ...

أولا ـ الشيخ المفيد :

مضت ترجمته.

ثانيا ـ الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه بن موسى القمي نزيل الري :

قال النجاشي : شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان ، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن ، وله كتب كثيرة منها ...

أخبرنا بجميع كتبه ، وقرأت بعضها على والدي علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي (ره) ، وقال لي : أجازني جميع كتبه لمّا سمعنا منه ببغداد ، ومات سنة (٣٨١ ه‍).

وقال الشيخ في الفهرست : كان جليلا حافظا للاحاديث ، بصيرا بالرجال ، ناقدا للاخبار ، لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه ، له نحو من ثلاثمائة مصنف ...

أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة من أصحابنا ، منهم ... كلّهم عنه ، وذكر نظير هذا القول في رجاله (١).

ثالثا ـ محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد :

قال النجاشي : أبو جعفر شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم ، ثقة ، ثقة ، عين مسكون إليه ، له كتب منها ... أخبرنا ... بجميع كتبه وأحاديثه ،

__________________

(١) مجمع الرجال ٥ / ٢٦٩ ـ ٢٧٣ ، وجامع الرواة ٢ / ١٥٤.

مات سنة (٣٤٣ ه‍).

وقال الشيخ الطوسي في الفهرست : جليل القدر ، عارف بالرجال ، موثوق به ، له كتب جماعة ، منها ... أخبرنا برواياته ابن أبي جيد عنه ، وأخبرنا جماعة عن ... وأخبرنا جماعة ... عنه .. وقال نظير هذا في رجاله ، وعين الاردبيلي أماكن رواياته في الكتب (١).

رابعا ـ أحمد بن ادريس :

قال النجاشي : أبو علي الأشعري القمي ، كان ثقة ، فقيها في أصحابنا ، كثير الحديث ، صحيح الرواية وله كتاب النوادر ، أخبرني عدّة من أصحابنا اجازة. توفي بالقرعاء في طريق مكة سنة ست وثلاثمائة.

وقال الطوسي في الفهرست : له كتاب النوادر كبير ، كثير الفوائد ، أخبرنا بسائر رواياته الحسين بن عبيد الله ...

وقال في رجاله : وروى في رجاله عن التلعكبري انه قال : سمعت منه أحاديث يسيرة في دار ابن همام وليس لي منه اجازة. وفي جامع الرواة أماكن رواياته (٢).

يعرف ممّا سبق ان النجاشي لم يسمع كتاب نوادره من شيخ ، ولم يقرأه على شيخ ، وانما له اجازة بروايته ، وانّ الشيخ الطوسي سمع رواياته من شيوخه ، عدا كتاب النوادر ، وهذا لا ينافي انّ الشيخ الطوسي روى كتاب الديات ، برواية ظريف بوسائط عنه ، فان كتاب الديات كان من مرويّاته اللاتي أخبره بها اساتذته.

__________________

(١) النجاشي ص ٢٩٧ ، وفهرست الطوسي ص ١٨٤ ، ومجمع الرجال ٥ / ١٨٢ ـ ١٨٣ ، جامع الرواة ٢ / ٩٠.

(٢) مجمع الرجال ١ / ٩٣ ـ ٩٤ ، وجامع الرواة ١ / ٤٠ ـ ٤١.

خامسا ـ محمد بن حسان الرازي الزينبي أو الزيني :

قال الشيخ في الفهرست : له كتب منها ... أخبرنا به.

وقال النجاشي : له كتب منها ... أخبرنا ابن شاذان عن ... بكتبه. وذكر صاحب جامع الرواة رواياته (١).

واسماعيل بن جعفر الكندي :

لم يكن من أصحاب التواليف فلم يفردوا له ترجمة خاصّة.

٣ ـ سند الشيخ الطوسي إلى الحسن بن فضّال ومنه إلى ظريف :

تتّصل أسانيد الشيخ الطوسي بالحسن بن فضّال في ثلاث سلاسل :

أولا ـ بواسطة الكليني في الكافي وهذا اسناده :

روى الشيخ الطوسي عن شيخه المفيد ، عن شيخه جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن الشيخ الكليني في الكافي. ورواه الكليني في الكافي ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن الحسين بن علي بن فضّال ، عن ظريف.

وفي ما يلي تراجم من لم يترجم له في ما سبق :

١ ـ إبراهيم بن هاشم القمي :

قال الكشي : من أصحاب موسى بن جعفر (ع).

قال النجاشي : كوفي انتقل إلى قم ، وهو أول من نشر حديث الكوفيين بقم ، له كتب ، منها ... أخبرنا ... عن علي بن إبراهيم عن أبيه بها.

وقال الطوسي : ذكروا انّه لقي الرضا ، والذي أعرف من كتبه ... و... أخبرنا بهما جماعة من أصحابنا منهم ... كلّهم عن علي بن إبراهيم بن

__________________

(١) مجمع الرجال ٥ / ١٨٠ ، وجامع الرواة ٢ / ٨٨.

هاشم ، عن أبيه. وفي جامع الرواة تعريف رواياته (١).

٢ ـ علي بن إبراهيم بن هاشم القمي :

قال النجاشي : أبو الحسن ثقة في الحديث ، ثبت معتمد ، صحيح المذهب ، سمع فاكثر ، وصنف كتبا ، له ... أخبرنا ... باجازة سائر حديثه وكتبه.

وقال الطوسي : له كتب ، منها ... أخبرنا بجميعها جماعة ... عن علي بن إبراهيم إلّا حديثا واحدا استثناه من كتاب الشرائع في تحريم لحم البعير ، وقال : لا أرويه ، وروى حديث تزويج المأمون أمّ الفضل من محمّد بن علي ، رويناه بالاسناد الأوّل. وفي جامع الرواة تعريف برواياته (٢).

٣ ـ الحسن بن علي بن فضّال التيملي الكوفي :

وقال النجاشي : من أصحاب الرضا ، أخبرنا ابن شاذان ... عن الحسن بكتابه الزهد ، وأخبرنا ابن شاذان عن ... عنه بكتابه المتعة وكتاب الرجال (ت : ٢٢٤ ه‍).

وقال الشيخ الطوسي في الفهرست : كان خصيصا بالرضا ، له كتب ، منها ... أخبرنا بجميع رواياته عدّة من أصحابنا ... عنه وأخبرنا ... عنه. وفي جامع الرواة تعريف رواياته (٣)

ثانيا ـ سند الطوسي إلى ابن فضال بسلسلة ثانية غير سلسلة الكليني :

روى الشيخ الطوسي ، عن الحسين بن عبيد الله ، وأبي الحسين بن جيّد ـ كليهما ـ عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن العباس بن معروف ، عن

__________________

(١) مجمع الرجال ١ / ٧٩ ـ ٨٠ ، وجامع الرواة ١ / ٣٨.

(٢) النجاشي ص ١٩٧ ، وفهرست الطوسي ص ١١٥ ، وجامع الرواة ١ / ٥٤٥ ، ومجمع الرجال ٢ / ١٥٢

(٣) مجمع الرجال ٢ / ١٨٢ ـ ١٨٣ ، وجامع الرواة ١ / ٢٤٦.

الحسن بن علي بن فضال ، عن ظريف بن ناصح.

وفي ما يلي تعريف رواة هذا السند :

١ ـ الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري :

قال النجاشي : أبو عبد الله شيخنا (ره) له كتب منها ... أجازنا جميعها وجميع رواياته (ت : ٤١١ ه‍).

وقال الشيخ الطوسي في رجاله : سمعنا منه واجاز لنا بجميع رواياته (١).

٢ ـ علي بن أحمد بن محمد بن أبي جيد القمي :

في جامع الرواة ومجمع الرجال : أبو الحسين شيخ النجاشي والطوسي.

وفي شرح مشيخة التهذيب : سمع أحمد بن محمّد بن يحيى العطار سنة (٣٥٦ ه‍) وله منه اجازة ... (٢)

٣ ـ أحمد بن محمد بن يحيى العطار القمي :

قال الشيخ : أخبرنا عنه الحسين بن عبيد الله وأبو الحسين بن أبي جيّد وسمع منه سنة ستّ وخمسين وثلاثمائة وله منه اجازة ، وذكر طرقه إليه في مشيخة التهذيب. وتعريف رواياته في جامع الرواة (٣).

٤ ـ والعباس بن معروف ، أبو الفضل مولى جعفر بن عبد الله الأشعري من أصحاب الامامين الرضا والهادي (ع):

قال النجاشي : قمي ثقة ، له كتاب الادب و... حدّثنا بجميع حديثه

__________________

(١) رجال النجاشي ص ٢٦ ـ ٢٨ ، وفهرست الطوسي ص ٧٣ ، وجامع الرواة ١ / ٢١٤ ، ومجمع الرجال ٢ / ١٣١ ـ ١٣٧.

(٢) مجمع الرجال ٤ / ١٦٤ ، وجامع الرواة ١ / ٥٥٤ ، وشرح مشيخة التهذيب ص ٣٤.

(٣) مجمع الرجال ١ / ١٦٧ ـ ١٦٨ ، ومشيخة التهذيب ص ٣٤ ، وجامع الرواة ١ / ٧١.

ومصنفاته ...

وقال الشيخ : له كتب عدّة أخبرنا بها جماعة ... وتعريف رواياته بجامع الرواة (١).

ثالثا ـ الشيخ الطوسي إلى ابن فضال بسلسلة ثالثة غير سلسلة الكليني :

روى الشيخ الطوسي : عن الشيخ المفيد ، عن أبي جعفر الصدوق ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفار ، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضّال.

وفي ما يلي تعريف رجال السند :

أ ـ أحمد بن محمد بن عيسى ، أبو جعفر الاشعري القمي :

قال النجاشي : شيخ القميين ووجيههم وفقيههم. لقي الرضا وأبا جعفر الثاني وأبا الحسن العسكري. له كتب ، منها ... أخبرنا بكتبه ...

وقال الشيخ الطوسي : أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا ، منهم ابن أبي جيد ... وتعريف رواياته بجامع الرواة (٢).

* * *

بالطرق الثلاث الآنفة روى الشيخ الطوسي ، عن ظريف بن ناصح ، عن عبد الله بن أيوب ، عن ابن أبي عمرو الطبيب ، عن الإمام الصادق (ع).

كانت هذه أسانيد المجموعة الأولى. ونذكر في ما يلي سلسلة سند المجموعة الثانية :

__________________

(١) مجمع الرجال ٣ / ٢٥٠ ، وجامع الرواة ١ / ٤٢٣.

(٢) النجاشي ص ٦٤ ، والفهرست ص ٤٨ ـ ٤٩ ، وجامع الرواة ١ / ٦٩ ، ومجمع الرجال ١ / ١٦١ ـ ١٦٥.

سلسلة سند الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه

روى الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه ، عن علي بن الحسين بن بابويه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ ابن فضّال ، عن ظريف بن ناصح ، عن عبد الله بن أيّوب ، عن حسين الرّواسي ، عن محمّد بن أبي عمرو الطبيب ، عن الإمام الصادق.

وسبق تعريف رواة هذه السلسلة عدا ثلاثة منهم ، وهم :

١ ـ علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، أبو الحسن القمي :

قال النجاشي : شيخ القميين في عصره ، وفقيههم ، وثقتهم ، له كتب ، منها ... قدم بغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، واجاز فيها العباس بن عمر الكلوذاني بجميع كتبه ، وتوفي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة.

وقال الطوسي : كان فقيها جليلا ثقة ، له كتب كثيرة ، منها ... أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ المفيد ... وعرّف الاردبيلي رواياته بجامع الرواة (١)

٢ ـ سعد بن عبد الله بن أبي خلف الاشعري القمي :

قال النجاشي : شيخ هذه الطائفة وفقيهها ، ووجيهها ، سمع من حديث العامّة شيئا كثيرا وصنّف كتبا كثيرة ، وقع إلينا منها ... أخبرنا بكتبه ... و... قالا : حدّثنا سعد بكتبه ؛ قال الحسين بن عبيد الله الغضائري : جئت بكتابه (المنتخبات) إلى أبي القاسم بن قولويه (ره) أقرؤها عليه ، فقلت : حدّثك سعد؟ فقال : لا ، بل حدّثني أبي وأخي

__________________

(١) مجمع الرجال ٤ / ١٨٦ ـ ١٨٨ ، وجامع الرواة ١ / ٥٧٤.

عنه ، وأنا لم أسمع من سعد إلّا حديثين (ت : ٣٠١ أو ٢٩٩ ه‍).

وقال الشيخ الطوسي : أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا ، عن محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه. ومحمّد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله ، عن رجاله.

قال محمّد بن علي بن الحسين : إلّا كتاب المنتخبات فانّي لم أروها عن محمّد بن الحسن إلّا أجزاء قرأتها عليه ، واعلمت على الاحاديث الّتي رواها محمّد بن موسى ... وفي جامع الرواة تعيين رواياته (١).

٣ ـ حسين بن عثمان بن زياد الرواسي :

روى عنه الكشي في رجاله ص ٢٣٦ ، وذكره مع غيره في ص ٣٧٢ منه ، ثم قال : كلّهم فاضلون ، خيار ؛ ثقات.

وقال الشيخ الطوسي في فهرسته : له كتاب ، رويناه بالاسناد ، وعيّن الاردبيلي رواياته في كتب الحديث (٢).

* * *

أوردنا في ما سبق تعريف سلسلة رواة كتاب الديات عن الإمام الصادق (ع) ، وفي ما يلي نعرّف سلسلة رواة الكتاب عن الإمام الرضا (ع).

يرتفع سند الكتاب إلى الإمام الرضا بثلاثة طرق :

أ ـ سلسلة الرواة عن الحسن بن علي بن فضّال :

روى الشيخ الطوسي بسنده عن الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن الإمام

__________________

(١) مجمع الرجال ٣ / ١٠٥ ـ ١٠٧ ، وجامع الرواة ١ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦.

(٢) فهرست الشيخ الطوسي ص ٨٢ ، ومجمع الرجال ٢ / ١٨٦ ، وجامع الرواة ١ / ٢٤٧. ونقصد من «رجال الكشي» اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي ، ط. دانشكاه مشهد سنة ١٣٤٨ ه‍ ش.

الرضا (ع). وقد سبقت تراجمهم.

ب ـ سلسلة الرواة عن يونس بن عبد الرحمن :

وهم : الشيخ الطوسي بسنده ، عن الشيخ الكليني عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الإمام الرضا ، وعن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى كذلك.

وفي هذا السند :

١ ـ محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، مولى أسد خزيمة :

قال النجاشي : أبو جعفر ، جليل في أصحابنا ، ثقة عين ، كثير الرواية ، حسن التصانيف ، سكن بغداد ، وروى عن أبي جعفر الثاني ـ الإمام الجواد ـ مكاتبة ومشافهة ، له من الكتب ...

ثم ذكر سنده في رواية كتبه إلى الحميري الّذي قال : حدثنا محمّد بن عيسى بكتبه ورواياته.

وروى النجاشي عن أحمد بن محمّد ، عن سعد ، عنه بالمسائل.

وذكر الشيخ الطوسي في الفهرست كتبه ، وقال : أخبرنا بها جماعة عن ... وعيّن الاردبيلي أماكن رواياته في الكتب (١).

٢ ـ يونس بن عبد الرحمن ، مولى علي بن يقطين ، مولى بني أسد :

قال النجاشي : كان وجها في أصحابنا ، متقدّما ، عظيم المنزلة ، ولد في أيّام هشام بن عبد الملك ، ورأى جعفر بن محمّد (ع) ولم يرو عنه ، وروى عن الإمامين : موسى بن جعفر وابنه الرضا ، كان الرضا يشير إليه في العلم والفتيا.

__________________

(١) مشيخة تهذيب الأحكام ص ٨٣ ومجمع الرجال ٦ / ١٧ ـ ١٨ وجامع الرواة ٢ / ١٦٦.

له تصانيف كثيرة ، منها ... ثم ذكر سنده في رواية الكتب إلى محمّد ابن عيسى الّذي قال : حدّثنا يونس بجميع كتبه.

وقال الشيخ في الفهرست : له كتب كثيرة أكثر من ثلاثين ... أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة ... وأحصى الاردبيلي رواياته مع تعيين أماكنها (١).

ج ـ سلسلة الرواة عن الحسن بن جهم :

روى الشيخ الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن الحسن بن الجهم ، عن الإمام الرضا (ع).

وعلي بن الحسن بن فضّال مولى عكرمة بن ربعي الفياض :

في رجال الكشي : لم يكن كتاب عن الأئمة (ع) في كلّ صنف إلّا وقد كان عنده.

قال النجاشي : أبو الحسن ، كان فقيه أصحابنا بالكوفة ، ووجههم وثقتهم ، وعارفهم بالحديث ، والمسموع قوله فيه ، سمع منه شيئا كثيرا ، ولم يعثر له على زلّة فيه ولا ما يشينه ، وقلّ ما روى عن ضعيف ، وكان فطحيا ولم يرو عن أبيه شيئا ، قال : كنت أقابله وسنّي ثماني عشرة سنة بكتبه ولا أفهم إدراك الروايات ، ولا استحلّ أن أرويها عنه ، وروى عن أخويه ، عن أبيهما. وقد صنّف كتبا كثيرة ، ومنها ما وقع إلينا كتاب ...

وقال : ورأيت جماعة من شيوخنا يذكرون : انّ الكتاب المنسوب إلى عليّ بن الحسن بن فضّال المعروف باصفياء أمير المؤمنين ، موضوع عليه ، لا

__________________

(١) رجال النجاشي ص ٣٤٩ والفهرست ص ٢١١ ومجمع الرجال ٦ / ٢٩٣ ـ ٣٠٧ وجامع الرواة ٢ / ٣٥٦ ـ ٣٥٨.

أصل له ، قالوا : وهذا الكتاب الصق روايته إلى أبي العباس بن عقدة وابن الزبير ، ولم نر أحدا ممّن روى عن هذين الرجلين ، يقول : قرأته على الشيخ ، غير انّه يضاف إلى كلّ رجل منهما بالاجازة ، حسب.

قصد النجاشي : ان كتاب «أصفياء أمير المؤمنين» انّما روي اجازة عن ابن عقدة وابن الزبير عن عليّ بن فضّال ، ولم نجد أحدا من تلامذة الرجلين يقول : قرأته عليهما إذا لم يتصل سند الكتاب قراءة إلى عليّ بن فضّال.

ثمّ قال النجاشي : قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة والزكاة ؛ ومناسك الحجّ ، والصيام ... على أحمد بن عبد الواحد في مدّة سمعتها معه.

وقرأت أنا كتاب الصيام عليه في مشهد العتيقة ؛ عن ابن الزبير ، عن علي بن الحسن. وأخبرنا بسائر كتب ابن فضّال بهذه الطريق.

إذا فالشيخ النجاشي سمع قراءة زميله كتب ابن فضّال على شيخه. كما قرأ الشيخ النجاشي أيضا بنفسه كتب ابن فضّال على شيخه في مشهد العتيقة ، ثمّ قال النجاشي : وأخبرنا محمّد بن جعفر في آخرين عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن علي بن الحسن بكتبه.

يعني النجاشي : أنّ محمّد بن جعفر كان قد أخذ عن أحمد بن محمّد ابن سعيد وهذا عن ابن فضّال كتبه ، وأخبر محمّد بن جعفر بهذا السند جماعة بكتب ابن فضّال كان من ضمنهم النجاشي ، وبهاتين الطريقين روى الشيخ النجاشي كتب ابن فضّال.

وقال الطوسي في الفهرست : كوفيّ ، ثقة ، كثير العلم ، واسع الاخبار ، جيّد التصانيف ؛ غير معاند ، وكان قريب الأمر إلى أصحابنا الامامية القائلين بالاثني عشر ؛ عليهم‌السلام ؛ وكتبه مستوفاة في الاخبار ؛

حسنة ؛ وقيل : انّها ثلاثون كتابا ؛ منها ...

أخبرنا بكتبه قراءة عليه أكثرها ، والباقي إجازة ؛ أحمد بن عبدون عن عليّ بن محمّد بن الزبير سماعا واجازة عن عليّ بن الحسن بن فضّال. وذكر الاردبيلي رواياته في جامع الرواة(١).

والحسن بن الجهم :

قال النجاشي : الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين الشيباني الزراري. أبو محمّد ، ثقة. روى عن أبي الحسن موسى والرضا ؛ له كتاب ... أخبرنا عدّة من أصحابنا ...

وقال الطوسي في الفهرست : له مسائل ، أخبرنا بها ... وبحث الأردبيلي في جامع الرواة عن رواياته (٢).

تداخل الأسانيد وتشابكها :

وجدنا في ما سبق :

أ ـ أن عبد الله بن أيوب يروي الكتاب عن حسين الرواسي ، عن ابن أبي عمرو تارة ، وعن ابن أبي عمرو نفسه تارة أخرى.

ب ـ وان الحسن بن علي بن فضّال ، مرة يروي الكتاب عن الإمام الصادق عن ظريف بن ناصح ، واخرى يعرض الكتاب بنفسه على الإمام الرضا ويرويه عنه.

ج ـ وأن سهل بن زياد يروي الكتاب عن الحسن بن ظريف ، عن أبيه

__________________

(١) رجال النجاشي ص ١٩٥ ـ ١٩٦ ، وفهرست الطوسي ص ١١٨ ، وجامع الرواة ١ / ٥٦٩ ومجمع الرجال ٤ / ١٨٠ ـ ١٨٢.

(٢) رجال النجاشي ص ٤٠ ، وفهرست الطوسي ٧٢ ، وجامع الرواة ١ / ١٩١ ، ومجمع الرجال ٢ / ١٠٠ ـ ١٠١.

ظريف ، عن أيوب ، عن ابن أبي عمرو الطبيب عن الإمام الصادق. كما يرويه عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الإمام الرضا (ع).

د ـ وان محمد بن الحسن الصفار ، يروي عن أحمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن ظريف ، وسهل بن زياد ، عن الحسن بن ظريف ، عن ظريف بسنده إلى الإمام الصادق (ع). كما روى عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن الإمام الرضا (ع).

ه ـ وانّ علي بن إبراهيم يروي عن أبيه ، عن الحسن بن فضّال ، عن ظريف بسنده عن الإمام الرضا. كما يروي عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن الإمام الرضا.

و ـ وانّ محمد بن الحسن بن الوليد ، يروي عن أحمد بن ادريس ، عن محمّد بن حسان عن اسماعيل ، عن ظريف ، وعن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن عيسى ، عن الحسن بن فضّال ، عن ظريف بسنده إلى الإمام الصادق (ع).

ز ـ وانّ الشيخ الكليني يروي : بأربعة أسانيد ، عن سهل ، وبسندين عن محمّد بن عيسى ويونس. وينتهي بثلاثة أسانيد إلى الإمام الرضا.

ح ـ وانّ الشيخ الصدوق يروي عن محمّد بن الحسن بطريقيه السابقين ، إلى الإمام الصادق (ع) وإلى الإمام الرضا (ع). وهكذا تتداخل الاسانيد ، وتتشابك في رواية أمثال كتاب الديات ، ومن ثمّ يعلم انّ ضعف أحد الرواة في سند ما ، يجبر بتسلسل رواة عدول في السند الآخر.

أضف إليه انّه أحيانا كان عندهم الاصل أو الكتاب الذي يأخذون عنه ، مشتهرا في عصرهم ، متواترا نقله عن مؤلّفه ، مثل اشتهار الكتب الأربعة : الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار اليوم لدينا ، ولم يكونوا

بحاجة إلى اثبات الكتاب إلى مؤلّفه ، وانّما كانوا يذكرون اتصال سندهم قراءة إلى مؤلفه ، وأحيانا إجازة بواسطة أو بوسائط مضافا إلى اتصال سندهم قراءة بوسائط اخرى.

وكذلك يعلم انّ انقطاع سند هذا الكتاب إلى أبي الأئمة (الإمام علي (ع)) لا يقدح في صحة انتسابه إليهم بعد اتّصال سلاسل أسانيده إلى الإمامين الصادق والرضا(ع).

* * *

هكذا أدخل أصل ظريف ـ أو بالاحرى كتاب الديات برواية ظريف ـ في الموسوعات الحديثية وأصبح جزءا من آحادها وانتهى إلينا بوساطتها ، مع بقاء أصله منفردا بين أيدي المحدّثين ، يرويه محدّث عن محدّث ، حيث قال الشيخ أبو زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن الهذلي المولود بالكوفة (٦٠١ ه‍) و (ت : ٦٨٩ أو ٦٩٠ ه‍) بالحلّة (١) ، في آخر باب الديات من كتابه «جامع الشرائع» :

فصل : فلمّا انتهيت إلى هنا ، وهو المقصود بالكتاب ، سأل من وجب حقه ، اثبات كتاب الديات لظريف بن ناصح (ره) باسناده ، وأجبته إلى ذلك ، وها أنا ذاكره على وجهه ان شاء الله تعالى. أخبرني ...

ثمّ أورد أسانيده البالغة ثمانية إلى الشيخ الكليني والطوسي ، مثل قوله : أخبرني الشيخ محمّد بن أبي البركات بن إبراهيم الصنعاني في شهر رجب سنة ست وثلاثين وستمائة ، عن الشيخ أبي عبد الله الحسين بن هبة الله بن رطبة السوراوي ، عن أبي علي ، عن ولده الشيخ أبي جعفر الطوسي (٢).

__________________

(١) الذريعة ٥ / ٦١ في ترجمة جامع الشرائع.

(٢) مستدرك البحار ٣ / ٣٠٨.

وقال شيخنا صاحب الذريعة : و «نسخة الجامع» هذه الّتي عليها خطّ المؤلّف ، وقد قرئت عليه ؛ موجودة في مكتبة سيّدنا الحسن صدر الدين بالكاظمية وهذه صورة خطّه: «انهاه قراءة وسماعا له ، وفقه الله وايّانا لمرضاته بمحمّد وآله ، وكتب يحيى بن سعيد في ج ٢ / ٦٨١».

وقال النوري في شرح حال الكتب ومؤلّفيها من خاتمة مستدرك الوسائل (١) : كتاب الديات هو من الاصول المشهورة واعتمد عليها المشايخ ... إلى قوله :

وبالجملة فهذا الكتاب معروف مشهور معتمد عليه وقد نقله في الوسائل ـ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة (٢) ـ عن الكافي والتهذيب والفقيه وفرّق أجزاءه على الابواب ، ونحن نقلناه عن الاصل وبينهما اختلاف في بعض المواضع ..

* * *

وجدنا هذا الاصل أو هذا الكتاب منذ القرن الأوّل الهجري إلى عصرنا هذا : (القرن الخامس عشر الهجري) تتداوله أيدي المحدثين ، يرجعون إلى نسخة الأصل أحيانا وآونة إلى من نقل عنه ، ولم تنقطع صلتهم به ، وانّ آخر من رجع إلى نسخة الأصل من المحدّثين هو المحدّث النوري المتوفى ١٣٢٠ ه‍ فجزأ أحاديثه على أبواب كتاب الديات من مستدرك الوسائل.

* * *

ضربنا مثلا لرجوع المشايخ إلى الاصول والمدوّنات الحديثية الصغيرة برجوعهم إلى كتاب الديات رواية ظريف ، وفي ختام البحث ينبغي أن ندرس

__________________

(١) تأليف الحاج ميرزا حسين النوري.

(٢) تأليف الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (ت : ١١٠٤ ه‍).

كيفية اتصال أسانيد المشايخ إلى أصحاب تلك الاصول والمدوّنات الصغيرة ومنها إلى أئمة أهل البيت (ع).

اتّصال سلاسل أسانيد المشايخ

في مدرسة أهل البيت (ع) بهم

في سبيل هذه المعرفة ندرس أولا بعض مصطلح المحدثين في ما يلي :

قسم المحدّثون طرق تحمّل الحديث ونقله إلى الدرجات التالية :

أولها : السماع من الشيخ :

يعتبر السماع من لفظ الشيخ ـ سواء أكان من حفظ الشيخ أو من كتابه ـ أرفع الطرق عندهم. ويقول التلميذ عندئذ في مقام الرواية : سمعت فلانا ، أو حدّثني ؛ لدلالته على قراءة الشيخ عليه.

وقد يقول : أنبأنا.

ثانيها : القراءة على الشيخ :

وتسمّى : العرض ، لأنّ القارئ يعرض الحديث على الشيخ ، سواء كانت القراءة من حفظ الراوي أو من كتاب ، وسواء كان الشيخ يعارض المقروّ على أصل بيده أو بيد ثقة غيره أو يعارضه على ما يحفظه.

ويقول التلميذ إذا أراد رواية ذلك : قرأت على فلان ، أو قرئ عليه ، وأنا أسمع فأقرّ الشيخ به ، وله أن يقول : حدثنا وأخبرنا مقيّدين بقوله : قراءة

عليه.

وفي الحالتين ان كان معه غيره ، قال : حدّثنا وأنبأنا بلفظ الجمع ، وبعد الفراغ من سماع الحديث كلّه أو الكتاب بعد الفراغ منه يجيز الشيخ للسامعين روايته.

ثالثها : المناولة : (١)

وهي نوعان :

أ ـ المناولة المقرونة بالاجازة ، ويسمّى عرض المناولة في مقابل عرض القراءة ، وهي دون السماع في المرتبة.

ب ـ المناولة المجردة عن الاجازة ، بان يناوله كتابا ويقول : هذا سماعي أو روايتي من غير أن يقول : اروه عنّي أو أجزت لك روايته عنّي ، والصحيح انّه لا يجوز له الرواية بها ، وجوّزها بعض المحدّثين.

وإذا روى بها ، قال : حدّثنا فلان مناولة أو أخبرنا مناولة ، غير مقتصر على حدّثنا وأخبرنا لإيهامه السماع أو القراءة.

رابعها : الكتابة :

وهي أن يكتب الشيخ مرويّة لغائب أو حاضر بخطّه أو يأذن لثقة يكتبه له ، وهي أيضا نوعان :

أ ـ مقرونة بالاجازة : بأن يكتب إليه : أجزت لك ما كتبته لك أو كتبت به إليك ونحو ذلك من عبارات الاجازة. وهي في الصحّة والقوّة كالمناولة المقرونة بالاجازة.

__________________

(١) لقد جعلها الشهيدان رابعا وجعلا الاجازة ثالثا ، غير ان ما ذكرا في المناولة المقرونة بالاجازة بأنها أعلى أنواع الاجازة على الاطلاق ، ... جعلني أعتبرها ثالثة وجعلت الاجازة بالكتابة رابعة لقولهما فيها : هي في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة ، وذكرت الاجازة بعد هذه وجعلتها خامسة في الترتيب.

ب ـ مجردة عن الاجازة : واختلفوا في جواز الرواية بها وعدمه.

خامسها : الاجازة :

الاجازة : إذن وتسويغ ، مثل قول الشيخ : أجزتك رواية كذا ، أو الكتاب الفلاني ، أو رواية مسموعاتي أو ما اشتمل عليه فهرستي هذا. ولا تجوز الاجازة بما لم يتحمّله المجيز من حديث.

ويصحّ للمجاز له اجازة المجاز لغيره ، فيقول : أجزت لك رواية ما اجيز لي روايته.

سادسها : الاعلام :

وهو أن يعلم الشيخ الطالب أنّ هذا الكتاب أو الحديث روايته ، أو سماعه من فلان ، من غير أن يقول : اروه عنّي ، أو أذنت لك في روايته ونحوه. وفي جواز الرواية به قولان : الجواز والمنع.

سابعها : الوجادة :

وهو أن يجد انسان بخطّ معاصر له ، أو غير معاصر ، ولم يسمعه منه ، وليس له منه اجازة ، ولا خلاف بينهم في منع الرواية بها ، وانّما يقول : وجدت ، أو قرأت بخطّ فلان «حدثنا فلان» ويسوق باقي الاسناد والمتن ، أو يقول : وجدت بخط فلان ، أو في كتاب فلان ، عن فلان ... (١)

* * *

في كلّ هذه الصور ليس الكلام من مجهول لمجهول عن مجهول ، وانّما الكلام حول شيخ وطالب وحديث أو كتاب ، موجود كلّ واحد منه في الخارج ، ومعلوم ومشخص.

__________________

(١) أوردته ملخصا من الباب الثالث «في تحمل الحديث وطرق نقله» من كتاب دراية الشهيد الثاني زين الدين العاملي (ت : ٩٧٥ ه‍) ط. مطبعة النعمان بالنجف ص ٨٢ ـ ١٠٨ وقد أورد المامقاني تفصيل أقوال أهل الفن في مقباس الهداية ص ٩٥ ـ ١٠٢.

دراسة اتّصال المشايخ بأئمّة أهل البيت (ع)

على ضوء ما أوردنا من تعريف مصطلحاتهم ندرس ألفاظهم في الاسانيد لنعلم مدى اتّصال المشايخ في رواية الحديث بأئمة أهل البيت :

في ترجمة ظريف :

قال النجاشي : كان ثقة في حديثه ، صدوقا ، له كتب ، منها كتاب الديات ، رواه عدّة من أصحابنا.

أخبرنا عدّة من أصحابنا ، عن أبي غالب أحمد بن محمّد ، قال : قرأ عليّ عبد الله بن جعفر وأنا أسمع ، قال : حدّثنا الحسن بن ظريف ، عن أبيه به.

وقال الطوسي : له كتاب الديات ، أخبرنا الشيخ أبو عبد الله ... وأخبرنا ابن أبي جيّد ... (١)

قال النجاشي : (أخبرنا عدّة من أصحابنا ، عن أبي غالب) وأخبرنا ـ في اصطلاحهم ـ مشترك بين سماع التلميذ من الشيخ ، وقراءة

__________________

(١) مجمع الرجال ٣ / ٢٣٣.

التلميذ أو قراءة زميله على الشيخ والشيخ يسمع ، ولعلّ كلّ ذلك وقع في رواية عدّة من الاصحاب عن أبي غالب ، أمّا رواية أبي غالب عن شيخه وإلى آخر سلسلة السند فقد كانت سماعا عن الشيخ حسب مفاد الألفاظ الواردة في السند.

وقال الطوسي هنا أي في الفهرست : «أخبرنا المفيد وابن أبي جيّد» وذكر صدر السند ، بينما هو يحذف صدور الأسانيد في رواياته بكتابيه : الاستبصار والتهذيب ويختزل الفاظ الأسانيد.

وكذلك فعل الصدوق في الفقيه وقبله الكليني في الكافي وحذفا صدور أسانيد كتاب الديات.

وكذلك دأب المشايخ مع أسانيد جلّ رواياتهم يحذفون صدور الاسانيد ويرمزون إلى مقصودهم أحيانا ، واخرى يجملون القول ، مثل قولهم : «علي بن إبراهيم ، عن أبيه» ، «وعدّة من أصحابنا ، أو عدّة عن سهل بن زياد».

ثمّ يشرحون في محلّ آخر رمزهم ، ويبيّنون تفصيل ذلك المجمل ، ويذكرون تمام السند ، كما فعل الصدوق في ذكر مشيخته بآخر الفقيه ، والطوسي في شرح مشيخته بآخر الاستبصار والتهذيب.

وقد قصدنا في ما أوردنا ببحث «معرفة رواة كتاب الديات» إراءة شرحهم لكيفية تلقّيهم الرواية من كل شيخ في ترجمة ذلك الشيخ ، ووجدنا في ما ذكروا بتلك التراجم تثبتا في تحمل الحديث ونقله بما لا مزيد عليه ؛ فهذا العالم يروي عن شيخه أربعة من أحاديثه بلا واسطة لانّه قد سمعها منه بنفسه ، ويروي سائر رواياته عنه بواسطة أبيه وأخيه.

وآخر يسمع من أبيه كتبه مقابلة ومع ذلك فانّه لا يرويها عنه بلا واسطة لأنّ سنّه كان عند سماعه ايّاها عنه ثمانية عشر عاما ولم يكن يفهم معنى

الحديث تماما. ولهذا فهو يروي تلك الكتب عن أبيه بواسطة أخويه اللّذين سمع الكتب منهما في حال كمال ادراكه.

وذلك الشيخ الثالث يروي جميع ما في كتاب الشرائع ويستثني منه حديثا واحدا في حكم لحم البعير ويحتاط في روايته.

والرابع يقول : سمعت منه روايات يسيرة في دار ابن همام وليس لي منه اجازة.

* * *

من كلّ ما أوردناه آنفا ومن نظائره الكثيرة في سلاسل أسانيد الروايات ومحتويات رسائل الاجازات يطمئن الباحث إلى سلامة اتصال سلاسل أسانيد المشايخ إلى أئمة أهل البيت في حدود القدرات البشرية.

وبعد البرهنة على ذلك ينبغي البحث في كيفية اتصال فقهاء مدرسة أهل البيت عبر القرون بالموسوعات الحديثيّة الّتي ألّفها أولئك المشايخ ، ولنضرب مثلا لذلك اتصالهم بأول الموسوعات الحديثية بمدرسة أهل البيت ، وأقدمها زمنا ، وهو كتاب الكافي تأليف محمّد بن يعقوب الكليني ، وفي هذا الصدد ، قال الشيخ الطوسي في الفهرست : «محمّد بن يعقوب الكليني ، يكنّى أبا جعفر ، ثقة ، عارف بالاخبار ، له كتب منها كتاب الكافي ، وهو يشتمل على ثلاثين كتابا ، أوّله كتاب العقل». ثمّ سجّل أسماء كتب كتاب الكافي ، وقال في آخره : «كتاب الروضة آخر كتاب الكافي».

وقال : أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد ابن يعقوب بجميع كتبه.

وأخبرنا الحسين بن عبيد الله قراءة عليه أكثر هذا الكتاب الكافي عن جماعة ، منهم : أبو غالب أحمد بن محمّد الزراري ، وأبو القاسم جعفر بن

محمّد بن قولويه ، وأبو عبد الله أحمد بن إبراهيم الصيمري المعروف بابن أبي رافع ، وأبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري ، وأبو المفضّل محمّد بن عبد الله بن المطّلب الشيباني ، كلّهم عن محمّد بن يعقوب.

وأخبرنا الاجلّ المرتضى ، عن أبي الحسين أحمد بن علي بن شعيب الكوفي ، عن محمّد بن يعقوب.

وأخبرنا أبو عبد الله أحمد بن عبدون ، عن أحمد بن إبراهيم الصيمري ، وأبي الحسين عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزّاز بتفليس وبغداد ، عن أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني بجميع مصنّفاته ورواياته ... ـ انتهى.

إذا فالشيخ الطوسي عرّف كتب الكافي واحدا بعد الآخر وكان أوّلها كتاب العقل وآخرها كتاب الروضة.

وقال : انّه يرويه عن أربعة من شيوخه ، وكان هؤلاء الأربعة يروون الكتاب عن تلاميذ الكليني ، وكان أحد شيوخ الطوسي يروي الكتاب عن خمسة من تلاميذ الكليني ، وآخر عن اثنين منهم.

وروى الطوسي عن شيوخه بلفظ (أخبرنا) وأخبرنا مشترك بين سماع لفظ الشيخ والقراءة على الشيخ ، غير انّه لمّا ذكر في روايته عن الحسين بن عبيد الله انّه يروي الكتاب عنه قراءة عليه أكثرها ، نفهم بانّه قد روى الكتاب من بقية شيوخه في سلسلة هذا السند سماعا منهم.

هذا ما كان عن الشيخ الطوسي. أمّا النجاشي فقد قال : ... صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني ، يسمّى الكافي في عشرين سنة ، شرح كتبه : كتاب العقل ... كتاب الروضة.

يظهر مما ذكره النجاشي وغيره انّ الكتاب كما كان يسمّى باسم «الكافي» كان يسمّى أحيانا باسم مؤلّفه «الكليني» كما نسمّي نحن اليوم أحيانا كتاب

تاريخ الأمم والملوك» تأليف الطبري باسم مؤلّفه «الطبري».

ويظهر أيضا من تعريف النجاشي والطوسي للكافي انّه كان مقسّما حسب مواضيعه إلى ثلاثين كتابا على صورة أجزاء ، كلّ كتاب منه في مجلّد واحد ، غير انّها لم تكن مرقّمة بالتسلسل ، كما هو شأن مجلّدات الكتب في عصرنا ، لذلك حصل بعض التقديم والتأخير في ذكر أسماء كتبه ، عدا اسم الأوّل : كتاب العقل ، واسم الكتاب الأخير ، الروضة.

وقال النجاشي أيضا : كنت أتردّد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي ، وهو مسجد نفطويه النحوي ، أقرأ القرآن على صاحب المسجد ، وجماعة من أصحابنا يقرءون كتاب الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب : «حدّثكم محمّد بن يعقوب الكليني» ورأيت أبا الحسن العقراوي يرويه عنه.

إذا فالشيخ النجاشي أدرك اثنين من تلاميذ الكليني يرويان الكافي عنه ، أحدهما كان يخاطب تلاميذه عند ما يقرأ الكافي ، وهو يقول : «حدّثكم محمّد ابن يعقوب الكليني» وذلك بحكم سماعه الكتاب عن الكليني واجازته له أن يرويه عنه ، ولكن النجاشي لا يروي الكافي عن هذين الشيخين من تلاميذ الكليني وان أدركهما وسمعهما ، وانّما يرويه عن تلاميذ الكليني فقد قال :

وروينا كتبه كلّها عن جماعة شيوخنا ، منهم : محمّد بن محمّد ـ الشيخ المفيد ـ ، والحسين بن عبيد الله ـ الغضائري ـ ، وأحمد بن علي بن نوح ، عن أبي القاسم جعفر بن قولويه ، عنه رحمه‌الله. انتهى.

ولنشرح بعد هذا العرض اسلوب الدراسة يوم ذاك لنتفهّم مغزى أقوالهم.

اسلوب الدراسة في عصر الكليني فما بعد

كان اسلوب الدراسة في عصر الكليني وقبله ـ حسبما يستفاد ممّا بقي لدينا من اجازات رواية الاصول الاربعمائة والمدوّنات الحديثية الصغيرة الاخرى ـ ان يقرأ الشيخ كتابه على تلاميذه وهم يستمعون إليه ، أو يقرأ تأليف الشيخ أحد طلابه على الشيخ ويستمع زملاء الطالب إليه وينتبهون إلى تعليق شيخهم ان كان ثمّة تعليق ، وبعد انتهاء الطلاب من دراسة كتاب الشيخ عليه باحد الاسلوبين المذكورين يمنح الشيخ طلّابه اجازة رواية تأليفه عنه ، ويصبح هؤلاء الطلبة بعد ذلك شيوخا للطلبة من الجيل الجديد الصاعد ، ويدرّسونهم الكتاب كذلك ، ثمّ يجيزونهم أن يرووا ذلك الكتاب بواسطتهم عن مؤلّفه. وهكذا دواليك جيلا بعد جيل ، فكلّ طالب يقرأ الكتاب على مؤلفه أو على شيخ تتصل سلسلة قراءته وروايته بمؤلّف الكتاب.

هكذا كانت الحالة في عصر الكليني وقبله وبعده حتى عصر الشيخ الطوسي وبعد انتقاله إلى النجف الأشرف سنة (٤٤٨ ه‍) وتأسيسه الحوزة العلمية هناك.

بعد تأسيس الحوزة العلمية في النجف الأشرف :

أسّس الشيخ الطوسي الحوزة العلمية في النجف بعد انتقاله إليها وبقي

زعيمها حتّى توفي سنة (٤٦٠ ه‍).

في هذه الحوزة ـ منذ عصر الشيخ الطوسي ـ وفي الحوزات المماثلة والمؤسسة بعدها كانت الموسوعات الحديثية الأربع : الكافي والفقيه والاستبصار والتهذيب ؛ محورا للدراسات الفقهية إلى العصور الأخيرة يدرسونها على من تتصل قراءتهم لها بمؤلفيها.

وهكذا بقيت الكتب الحديثية متداولة بين أيدي الطلبة حتى اليوم شأنها في ذلك شأن الفية ابن مالك التي قرأها الطلاب على شيوخهم في الحوزات العلمية منذ تأليفها حتّى اليوم.

وشأنها شأن كتب ابن سينا في الطبّ والفلسفة وشأن غيرهنّ من الكتب الدراسية الّتي بقيت تتداولها أيدي الطلبة الدارسين لها جيلا بعد جيل منذ تأليفها حتّى اليوم ، غير انّ العناية بكتب الحديث كانت أكثر من أيّ كتاب بعد كتاب الله ، وبقي اسلوب روايتها سماعا وقراءة واجازة معمولا به في دراساتها إلى القرون الأخيرة كما يشهد به ما تبقى لدينا من اجازات الرواية الّتي جمع بعضها المجلسي في المجلد السابع والعشرين من موسوعته البحار ، واستدرك عليه جدّنا شيخ المحدّثين الشيخ مرزا محمّد الشريف العسكري في خمسة مجلدات من مستدركه على بحار الأنوار ، ومن أمثلة تلك الاجازات المصرّحة باتصال قراءة الموسوعات الحديثية بمؤلفيها ما ورد في الاجازات التالية :

أ ـ اجازة الشيخ فخر الدين محمّد (ت : ٧٧١ ه‍) ابن العلّامة الحلي الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر ، للشيخ محسن بن مظاهر ، ورد فيها : وأجزت له أيضا أن يروي عنّي مصنّفات الشيخ الأعظم والامام الأقدم ، مقرّر قواعد الشريعة ، شيخ الشيعة عماد الدين أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدّس الله روحه ، فمن ذلك كتاب تهذيب الأحكام فانّي قرأته على

والدي درسا بعد درس ، وتمّت قراءته في جرجان سنة اثني عشر وسبعمائة عنّي عن والدي ، ثمّ والدي قرأه على والده أبي المظفر يوسف بن عليّ بن المطهّر وأجاز له روايته ، ثمّ يوسف المذكور قرأه على الشيخ معمر بن هبة الله بن نافع الورّاق وأجاز له روايته ، ثمّ الفقيه معمر المذكور قرأه على الفقيه أبي جعفر محمّد بن شهرآشوب وأجاز له روايته ، ثمّ شهرآشوب قرأه على مصنّفه أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي قدّس الله سره وقرأه جدّي مرّة ثانية على الشيخ يحيى بن محمّد بن يحيى بن الفرج السوراوي وأجاز له روايته ، والشيخ يحيى المذكور قرأه على الفقيه الحسين بن هبة الله بن رطبة وأجاز له روايته ، والشيخ يحيى المذكور قرأه على المفيد أبي عبد الله محمّد بن الحسن الطوسيّ وأجاز له روايته ، والمفيد قرأه على والده وأجاز له روايته وعندي مجلّد واحد من الكتاب الّذي قرأه المفيد على والده وهو بخطّ المصنّف والده وقرأت أنا هذا المجلّد على والدي وباقي المجلّدات في نسخة أخرى.

وأمّا كتاب النهاية والجمل فانّي قرأتهما على والدي درسا بعد درس وأجاز لي روايتهما بالطريق الثاني عن والده قرأه عليه عن باقي أهل السند المذكور قراءة (١). انتهى موضع الحاجة من الاجازة.

في هذا القسم من اجازة ابن العلّامة للشيخ محسن بن مظاهر ، يقول المجيز وهو في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري ، انّه قرأ تهذيب الشيخ الطوسي على والده العلّامة درسا بعد درس ، وانّ والده العلّامة كان قد قرأه على شيخه ، وشيخه على شيخه ، وهكذا يذكر سلسلة القراءات حتى بنهي

__________________

(١) البحار ١٠٧ / ٢٢٣ ، وهذه الاجازة وردت ضمن اجازة الشيخ علي بن محمد البياضي (ت : ٨٢٧) للشيخ ناصر بن إبراهيم البويهي.

تسلسل القراءات إلى قراءة على مؤلّف التهذيب الشيخ الطوسي ، ويقول : انّ جزءا من كتاب التهذيب الّذي قرأه على والده كان بخطّ مؤلّفه الّذي توفي في النصف الأوّل من القرن الخامس الهجري.

ويقول في اجازته رواية كتاب النهاية : انّه قرأه أيضا على والده العلّامة درسا بعد درس ، ويجيز الشيخ محسن روايته بطريق آخر أيضا تسلسلت فيه قراءة شيخ على شيخ إلى أن ينهي القراءة إلى مؤلف الكتاب.

في هذا النوع من أنواع الاجازة التي يصدرها الشيخ في رسالة خاصة يمنح فيها تلميذه اجازة رواية مؤلّف واحد أو عدّة مؤلّفات ومرويّات ، تارة يذكر شيوخه ، واخرى لا يذكرهم ، وعند ما يذكر شيوخه نادرا ما يصرّح بتسلسل سند قراءته الكتاب على شيوخه إلى مؤلّفه ، مثل ما مرّ في الاجازة الآنفة ، وغالبا ما يذكر ذلك بلفظ «رويت عن فلان ، عن فلان» أو بلفظ «حدّثني فلان ، عن فلان» أو بلفظ «أخبرني» كلّ ذلك اختصارا للسند. وكان هذا دأبهم على الأكثر في سلاسل الاجازات ، مثاله : ما ورد في اجازة العلّامة الحلي حسن بن يوسف (ت : ٧٢٦ ه‍) للسيد مهنّا بن سنان المدني (ت : ٧٥٤ ه‍) (١) حيث قال فيه : وما رويته من كتاب أصحابنا السالفين رضوان الله عليهم أجمعين باسنادي المتصل إليهم رحمة الله عليهم.

إلى قوله : وأجزت له رواية كتب شيخنا أبي جعفر محمّد بن الحسن ابن علي الطوسي ـ قدس الله روحه ـ بهذه الطرق وبغيرها عنّي ، عن والدي.

لم يذكر العلّامة ـ في هذا القسم من الاجازة ـ ما ذكره ابنه فخر الدين في اجازته الآنفة : انّ أباه العلّامة قرأ تلك الكتب على أبيه «يوسف» وانّما أشار إلى سنده إلى الشيخ الطوسي حسب. ولكن في اجازته رواية الكافي بعد هذا

__________________

(١) ترجمته في طبقات أعلام الشيعة للشيخ آقا بزرك الطهراني ، القرن الثامن ص ٢٢٣.

أورد سنده نوعا ما أكثر تفصيلا ، حيث قال : وأمّا الكافي للشيخ محمّد بن يعقوب الكليني فرويت أحاديثه المذكورة المتّصلة بالأئمة (ع) عنّي عن والدي والشيخ أبي القاسم جعفر بن سعيد وجمال الدين أحمد بن طاوس وغيرهم باسنادهم المذكور إلى الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب الكليني ، عن رجاله المذكورة في كلّ حديث عن الأئمّة (ع).

وكتب حسن بن يوسف بن المطهر الحلّي في ذي الحجّة سنة تسع عشرة وسبعمائة بالحلّة حامدا مصلّيا.

في هذه الاجازة نجد العلّامة يقول «رويت أحاديث الكافي عن ، عن ..» ومرّ سابقا انّهم يقصدون من «رويته عن» انّهم سمعوه من الشيخ وورود «عن فلان» بعده يفيد تسلسل سماع شيخ عن شيخ إلى حيث ينهون التعبير ب «عن».

وورد نظيره في اجازة المجلسي محمّد باقر للأردبيلي حيث قال فيه : أمّا بعد فقد قرأ عليّ وسمع مني المولى الفاضل ... حاجي محمّد الاردبيلي ... كثيرا من العلوم الدينية ... لا سيّما كتب الاخبار المأثورة عن الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين ، ثمّ استجازني فاستخرت الله سبحانه وأجزت له أن يروي عنّي ... بحق روايتي واجازتي عن مشايخي الكرام ... فمن ذلك ما أخبرني به عدّة ... ممّن قرأت عليهم أو سمعت منهم ... منهم والدي العلّامة وشيخه ... مولانا حسن علي التستري و... وبحق روايتهم واجازتهم عن شيخ الاسلام والمسلمين بهاء الملة ... محمّد العاملي قدّس الله روحه عن والده.

وهكذا سلسل المجلسي في هذه الاجازة سنده حتى انتهى إلى فخر الدين محمّد ، عن والده العلّامة الحلّي ، ثم سلسل السند منه إلى الشيخ المفيد

والكليني والصدوق.

ثمّ بدأ بذكر سند آخر له وقال : ومنها ما أخبرني به العدّة المتقدّم ذكرهم بحقّ روايتهم عن ... ، ثمّ ذكر سلسلة مشايخه إلى الشهيد محمّد بن مكي (ت : ٧٨٦ ه‍) (١) وسنده روايته عنهم.

وهكذا ذكر طرقه واسانيده وأكثرها بلفظ أخبرني ممّا يدل على السماع من الشيخ أو سماع القراءة عليه ، وتسلسل ذلك إلى صاحب التأليف في اجازته رواية تأليفه ، ثم ختم الاجازة بقوله : كتب بيمينه ... محمّد باقر بن محمّد تقي ... سنة ثمان وتسعين بعد الألف الهجرية (٢).

* * *

وردت نظائر هذه الاجازات كثيرا في مجلدات اجازات البحار ممّا فيها ذكر قراءات الكتب على الشيوخ المجيزين روايتها.

مثل اجازة الشيخ حسن علي ابن المولى عبد الله لمحمد تقي المجلسي سنة (١٠٣٤ ه‍) حيث ورد فيها : وقرأ من الحديث ، كثيرا من تهذيب الاحكام وسمع منه أيضا ، ومن من لا يحضره الفقيه أكثره ، ومن الكافي كتبا كثيرة (٣).

وورد في اجازة محمّد تقي المجلسي (ت : ١٠٧٠ ه‍) لميرزا إبراهيم «فمنها ما أخبرني به قراءة وسماعا واجازة بهاء الملة ... والدين محمّد العاملي ... عن الشيخ عبد العالي .. (٤)

وفي إجازة محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت : ١١٠٤ ه‍) للشيخ

__________________

(١) ترجمته في المائة الثامنة من طبقات الشيخ آقا بزرك ص ٢٠٥.

(٢) آخر جامع الرواة ٢ / ٥٤٩ ـ ٥٥٢.

(٣) البحار ١١٠ / ٣٨ ـ ٤٢.

(٤) البحار ١١٠ / ٦٧ ـ ٧٣.

محمّد فاضل المشهدي (١). وقد قرأ عندي ما تيسّر قراءته وهو كتاب من لا يحضره الفقيه ، من أوّله إلى آخره ، وكتاب الاستبصار أيضا بتمامه ، وكتاب اصول الكافي كلّه ، وأكثر كتاب التهذيب ، وغير ذلك ، قراءة بحث وتنقيح وتدقيق ، فأحسن وأجاد وأفاد أكثر ممّا استفاد بحيث ظهر جدّه واجتهاده وقابليته واستعداده ... وأهليته لنقل الحديث وروايته بل نقده ودرايته ، وقد التمس مني الاجازة فبادرت إلى اجابته ... (٢).

كان هذا نوعا من أنواع الاجازة يحرّرها الشيخ في رسالة خاصّة ، ونوع ثان منها يحرّرها الشيخ بظهر الكتاب الّذي قرأه التلميذ عليه ، مثل خمس اجازات للمجلسي محمّد باقر منحها تلميذه محمّد شفيع التويسركاني وجدناها بخطّه في أواخر كتب الكافي من نسخة مخطوطة ثبتنا صورها بآخر الكتاب وهي كالآتي :

أ ـ الاجازة الأولى مدوّنة بآخر كتاب العقل والتوحيد وما يقابل ١ / ١٦٧ ط. طهران جاء فيها :

بسم الله الرحمن الرحيم

انهاه المولى الفاضل الكامل التقيّ الذكيّ الالمعي مولانا محمّد شفيع التويسركاني وفقه الله تعالى للارتقاء على أعلى مدارج الكمال في العلم والعمل سماعا وتصحيحا وتدقيقا وضبطا في مجالس آخرها خامس عشر شهر جمادى الأولى من شهور سنة ثلاث وثمانين بعد الألف من الهجرة ، وأجزت له أن يروي عنّي كلّما صحّت روايته واجازته بحق روايتي عن مشايخي واسلافي ، باسانيدي المتكثرة المتصلة إليهم ، رضوان الله عليهم أجمعين ، وكتب بيمناه

__________________

(١) ترجمته في الفوائد الرضوية للشيخ عباس القمي ص ٥٨٨.

(٢) البحار ١١٠ / ١٠٧ ـ ١٠٩ ، وراجع ص ١٢٧ و ١٥٧ وما بعدها وما قبلها.

الجانية الفانية أحقر عباد الله محمّد باقر بن محمّد تقي عفي عنهما حامدا مصليا.

ب ـ الاجازة الثانية منه كذلك ، في آخر الجزء الثاني من الكافي المخطوط حسب تجزئتهم ، والذي يقابل ١ / ٣٦٧ ط. طهران مؤرّخة بتاريخ ستة أشهر بعد الأولى قال فيها : أنهاه ... في مجالس آخرها بعض أيّام شهر ذي القعدة سنة ثلاث وثمانين بعد الألف من الهجرة وأجزت له ـ دام تأييده ـ أن يروي ...

ج ـ والثالثة في آخر كتاب الحجّة منه وما يقابل ١ / ٥٤٨ ط. طهران مؤرخة بتاريخ خمسة أشهر بعد الثانية ، قال فيها : أنهاه ... في مجالس آخرها أواخر شهر ربيع الثاني ، سنة أربع وثمانين وأجزت له ـ زيد فضله ـ أن يروي ...

د ـ والرابعة بآخر كتاب الايمان منه وما يقابل ٢ / ٤٦٤ ط. طهران منحت بعد سنتين وعشرة أشهر من صدور الثالثة ، قال فيها : أنهاه ... في مجالس آخرها شهر محرّم الحرام من شهور سنة سبع وثمانين بعد الألف الهجرية.

ه ـ والخامسة في آخر كتاب العشرة منه وما يقابل ٢ / ٦٧٤ ط. طهران منحت بعد ثلاثة أشهر وثلاثة أيّام من تاريخ الرابعة ، قال فيها : انهاه ... في مجالس آخرها ثالث جمادى الاولى من شهور سنة سبع وثمانين بعد الألف هجرية ، فاجزت له ـ دام تأييده ـ أن يروي ...

في الاجازات السابقة وجدنا في بعضها تصريحا بتسلسل قراءة شيخ على شيخ حتى تنتهي القراءة على مؤلف الكتاب.

وفي بعضها تعبيرا عن ذلك حسب مصطلحهم في علم الحديث ، وفي بعضها تعيينا لزمان القراءة ومكانها وانّه أنهى الكتاب قراءة أو سماعا.

ووجدنا ذلك معمولا به منذ عصر أصحاب الكافي والفقيه والتهذيب وبقي معمولا به كذلك حتى عصر المجلسي صاحب البحار.

ومن كلّ ذلك ثبت عندنا تداول الكتب الأربعة في أيدي الطلبة بلا انقطاع منذ تأليفها حتّى اليوم.

وقلنا حتّى اليوم لاننا نعلم استمرار رجوع فقهاء مدرسة أهل البيت في استنباط الاحكام الشرعية إليها عبر القرون وإلى يومنا الحاضر.

فإذا أراد أحد فقهاء هذه المدرسة أن يصدر رسالة فقهيّة رجع إلى الكافي والتهذيب والاستبصار والوسائل واستند إلى أحاديثها في ما يصدر من فتوى.

وقد مرّ بنا كيف أخذ أولئك المشايخ الحديث من الاصول والمدوّنات الحديثية الصغيرة وألفوا منها كتبهم.

وانّ أصحاب تلك الاصول والمدوّنات كانوا قد أخذوا أحاديثها من أئمة أهل البيت.

وانّ أئمة أهل البيت حدّثوا عن الجامعة التي أملاها رسول الله وكتبها علي بخطّه.

* * *

هكذا أصبحت الموسوعات الحديثية الأربع منذ تأليفها وإلى عصرنا الحاضر محور البحوث الفقهية بمدرسة أهل البيت ، يرجع إليها فقهاؤهم لاستكشاف سنّة الرسول في الاحكام ومنها يستنبطون أحكام الاسلام بعد القرآن.

وقد مرّ بنا ان الموسوعات الحديثية الأربع أخذت الحديث من الاصول والمدوّنات الحديثية الصغيرة ، وانّ الاصول والمدوّنات الحديثية الصغيرة كانت قد أخذت الحديث من أئمة أهل البيت.

وانّ أئمة أهل البيت كانوا يتبرّءون من القول بالرأي وانّما كانوا

يعتمدون جامعة الإمام علي في بيان الاحكام.

وانّ جامعة الامام علي كان قد أملاه رسول الله على الإمام وكتبه الإمام علي بخطّه.

وفي مقابل هذا وجدنا مدرسة الخلفاء تعتمد الاجتهاد ، وانّ الخلفاء كانوا يتأوّلون في مقابل النصوص الواردة في الشرع الإسلامي ، ويعتمدون الرأي في بيان أحكام الإسلام.

ويوضح الجدول الآتي اتّجاه مدرسة أهل البيت في أخذ سنّة الرسول :

مدرسة أهل البيت

الفصل الثاني

تقويم كتب الحديث بمدرسة أهل البيت (ع)

أخطاء في نسخ كتب الحديث

ومع تسلسل الاسناد في جوامع الحديث بمدرسة أهل البيت إلى رسول الله (ص) كما شاهدنا فانّ فقهاء مدرستهم لم يسمّوا أيّ جامع من جوامع الحديث لديهم بالصحيح ـ كما فعلته مدرسة الخلفاء وسمّت بعض جوامع الحديث لديهم بالصحاح ـ ، ولم يحجروا بذلك على العقول ، ولم يوصدوا باب البحث العلمي في عصر من العصور ، وانّما يعرضون كلّ حديث في جوامعهم على قواعد دراية الحديث ، ويخضعون لنتائج تلك الدراسات ، ذلك لانّهم يعلمون انّ رواة تلك الاحاديث غير معصومين عن الخطأ والنسيان اللذين يعرضان لكلّ بشر لم يعصمه الله ، وفعلا قد وقع الخطأ في أشهر كتب الحديث بمدرسة أهل البيت وهو كتاب الكافي مثل ما ورد في الأحاديث الخمسة المرقمة : ٧ و ٩ و ١٤ و ١٧ و ١٨ من كتاب الحجّة بالكافي في باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم كما نشرحه في ما يلي :

أولا : الحديثان السابع والرابع عشر :

في كلا الحديثين في اصول الكافي : بسنده عن ابن سماعة ، عن عليّ بن الحسين بن رباط ، عن ابن اذينة ، عن زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر (ع)

يقول : الاثنا عشر الإمام من آل محمّد (ع) كلّهم محدث من ولد رسول الله (ص) (١) ، ومن ولد علي ؛ فرسول الله وعليّ هما الوالدان.

وفي لفظ الحديث السابع بعده «فقال علي بن راشد ...» الحديث.

ومغزى هذين الحديثين : أن يكون عدد الأئمة من أهل البيت ثلاثة عشر : الإمام علي مع اثني عشر إماما من ولده.

بينما نقل هذه الرواية عن الكافي المفيد في الارشاد ، والطبرسي في إعلام الورى ولفظهما كما يلي : الاثنا عشر الأئمة من آل محمّد كلّهم محدّث : عليّ ابن أبي طالب ، وأحد عشر من ولده ، ورسول الله وعليّ هما الوالدان (ع).

وأخرج الرواية عن الكليني أيضا الصدوق في كتابه : عيون أخبار الرضا والخصال ولفظه كما يلي : اثنا عشر إماما من آل محمّد كلّهم محدّثون بعد رسول الله ، وعليّ بن أبي طالب منهم (٢).

نتيجة البحث والمقارنة :

يظهر من استعراضنا الحديث عن الكافي ومن أخذ منه ، أي الشيخ الصدوق والمفيد والطبرسي ، انّ النسّاخ قد أخطئوا في كتابة الحديث في الكافي بعد عصر الشيخ المفيد ، ولم نقل بعد عصر الطبرسي ، لانّ الطبرسي يأخذ اخباره في اعلام الورى من كتاب الارشاد للمفيد ، وينسج فيه على منواله.

__________________

(١) وجهه المجلسي في مرآة العقول ٦ / ٢٢٣ وقال : أي أكثرهم من ولد رسول الله.

(٢) الحديث السابع في الكافي ١ / ٥٣١ عن محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد الخشاب ، عن ابن سماعة ... والحديث الرابع عشر ١ / ٥٣٣ ولفظ سنده : أبو علي الأشعري ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن علي بن سماعة ... ، وفي الارشاد ص ٣٢٨ بسند الحديث الرابع عشر ، وفي إعلام الورى ص ٣٦٩ ، وفي عيون أخبار الرضا ١ / ٥٦ ، والخصال ص ٤٨٠ كلاهما عن الكليني بسند حديثه الرابع عشر.

ثانيا : الحديث التاسع :

بسنده عن محمّد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر (ع) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : دخلت على فاطمة (ع) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها ، فعددت اثني عشر آخرهم القائم (ع) ثلاثة منهم محمّد وثلاثة منهم علي.

ونقل الحديث عن الكافي بهذا اللفظ المفيد في الارشاد وتبعه الطبرسي في اعلام الورى.

ومغزى الحديث بهذا اللفظ في الكتب الثلاثة أن يكون عدد الائمة أوصياء النبي ثلاثة عشر : الإمام علي مع اثني عشر من بنيه من ولد فاطمة.

بينا نرى الصدوق الذي يروي نفس الحديث باسناده ، ولا ينقله عن الكافي ، يخرجه في عيون أخبار الرضا بسندين ، وفي اكمال الدين بسند واحد ، عن محمّد بن الحسين ، ثمّ يجتمع سنده مع سند الكافي إلى جابر ثم يروي عنه انّه قال : دخلت على فاطمة (ع) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء ، فعددت اثني عشر ، آخرهم القائم ، ثلاثة منهم محمّد وأربعة علي (١).

__________________

(١) أ ـ الكافي ١ / ٥٣٢ وهذا لفظ السند عنده : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين.

ب ـ الارشاد للمفيد ص ٣٢٨ ولفظ سنده أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، ... وفي لفظ أسماء الأوصياء والأئمة.

ج ـ إعلام الورى ص ٣٦٦ ، ولفظ رواه محمد بن يعقوب الكليني ... وآخره «وأربعة منهم علي».

د ـ عيون أخبار الرضا للصدوق ١ / ٤٦ و ٤٧ ، ولفظ سند الحديث الثاني. حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار (رض) ؛ قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن الحسين ... ولفظ سند الحديث الثاني. حدثنا الحسين بن أحمد بن ادريس (رض) ، قال : حدثنا أبي ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم جميعا ، عن الحسن بن محبوب ... ، وبهذا السند في اكمال الدين ١ / ٢١٣. وفي مرآة العقول ٦ / ٢٢٨ من ولدها أي الأحد عشر أو على المجاز وأشار إلى التصحيف في «ثلاثة منهم علي».

نتيجة البحث والمقارنة :

ظهر انّ في نسخة الكافي ورد «من ولدها» وهي زائدة ، وورد «ثلاثة منهم عليّ» محرّفة ، وانّ الشيخ المفيد نقل عنه في الارشاد كذلك ، وانّ الصواب ما ورد في لفظ الرواية عند الشيخ الصدوق في العيون والخصال «أربعة منهم علي» وبدون زيادة «من ولدها».

ثالثا ورابعا : الحديثان ١٧ و ١٨ من كتاب الحجّة :

وقد رواهما الكليني عن أبي سعيد العصفري : (ت : ١٥٠ ه‍) وبحثنا عن أبي سعيد العصفري فوجدنا الشيخ يقول عنه في الفهرست :

عباد أبو سعيد العصفري ، له كتاب أخبرنا به جماعة عن التلعكبري عن ابن همّام ، عن محمّد بن خاقان النهدي ، عن محمّد بن علي أبي سمينة ، عن أبي سعيد العصفري ، واسمه عبّاد.

وقال النجاشي : كوفي ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عمران ، قال : حدّثنا محمّد بن همّام قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد بن خاقان النهدي ، قال : حدّثنا أبو سمينة بكتاب عبّاد (١).

وبحثنا عن كتابه فوجدنا صاحب الذريعة (٢) يقول :

أصل عباد العصفري أبي سعيد الكوفي هو من الاصول الموجودة ، ووجدناه يقول عن هذا الاصل وأصل عاصم : استنسخ من نسخة الوزير منصور بن الحسن الآبي ، وهو كتبها عن أصل محمّد بن الحسن القمي الذي رواه عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري سنة ٣٧٤ ه‍.

__________________

(١) مجمع الرجال ٣ / ٢٤٢.

(٢) الذريعة ٢ / ١٦٣ في بحثه عن الاصول.

ووجدنا الشيخ النوري يبحث في مستدركه عن أصل أبي سعيد بتفصيل واف ، ويقول: فيه تسعة عشر حديثا ، ثمّ يصف أحاديثه ، وينقل تراجم أبي سعيد عن مختلف كتب الرجال (١).

ووجدنا نسخة خطية من أصل العصفري بنفس الاوصاف التي وردت عنه في المستدرك والذريعة بالمكتبة المركزية لجامعة طهران ضمن مجموعة باسم الاصول الاربعمائة (٢).

فقارنّا بين الحديثين في أصل العصفري هذا ، ونسخة الكافي الموجودة لدينا ، فوجدنا ما يلي :

أ ـ الحديث السابع عشر :

في الكافي :

١٧ ـ محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن الحسين ، عن أبي سعيد العصفوري (٣) عن عمرو بن ثابت ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «اني واثني عشر من ولدي (٤) وأنت يا علي زرّ الأرض ـ يعني أوتادها وجبالها ـ بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها ، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ، ولم ينظروا» (٥).

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٣ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠ في الفائدة الثانية في شرح حال الكتب.

(٢) نسخة «كتابخانه اهدائي مشكاة به كتابخانه مركزى دانشكاه تهران» ضمن المجموعة المسماة : الاصول الأربعمائة والمرقمة ٩٦٢ الرسالة الثانية.

(٣) في نسخة الكافي لدينا «العصفوري» تحريف.

(٤) وفي مرآة العقول ٦ / ٢٣٢ : روى الشيخ في كتاب الغيبة بسند آخر «إني واحد عشر من ولدي» وهو أظهر.

(٥) الكافي ١ / ٥٣٤.

وفي أصل العصفري : عبّاد ، عن عمرو ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر (ع) قال : قال رسول الله (ص) : اني وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض ـ يعني أوتادها [و] (١) جبالها ـ [بنا أوتد الله] (٢) الأرض أن تسيخ بأهلها ، فإذا ذهب الأحد عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا (٣).

نتيجة المقارنة :

و «اثني عشر من ولدي» و «الاثنا عشر من ولدي» في نسخة الكافي تحريف والصواب ما ورد في أصل العصفري : و «أحد عشر من ولدي» و «والاحد عشر من ولدي» والذي يروي الكليني الحديث عنه.

ب ـ الحديث الثامن عشر :

ورد في الكافي : ١٨ ـ وبهذا الاسناد ، عن أبي سعيد رفعه ، عن أبي جعفر ، قال : قال رسول الله (ص) : من ولدي اثنا عشر نقيبا ، نجباء محدّثون ، مفهمون ، آخرهم القائم بالحق يملأها عدلا كما ملئت جورا (٤).

وفي اصل العصفري : عبّاد ، رفعه إلى أبي جعفر ، قال : قال رسول الله (ص) : من ولدي أحد عشر نقباء ، نجباء ، محدثون ، مفهمون ، آخرهم القائم بالحق ، يملؤها عدلا كما ملئت جورا (٥).

__________________

(١) في نسخة الاصول سقط [و].

(٢) في نسخة الاصل [وقال وتد] تحريف.

(٣) أصل العصفري ، الحديث ٦.

(٤) الكافي ١ / ٥٣٤.

(٥) أصل العصفري ، الحديث ٤.

نتيجة المقارنة :

ما ورد في نسخة الكافي (اثنا عشر) تحريف وما ورد في أصل العصفري (أحد عشر) هو الصواب.

ولا يحتاج هذا البيان إلى استدلال عليه لانّ الكليني انّما روى في الكافي عن أصل العصفري ، ونرى انّ الخطأ من قلم النسّاخ.

ولفظ سندي الحديثين من التلعكبري راوي هذا الاصل عن عباد العصفري فهو الذي يقول في صدري الحديثين (عبّاد) وهو الذي يقول : في سند الحديث الثاني (عبّاد ، رفعه) كما ورد في الاصل ، وفي نسخة الكافي.

أئمة أهل البيت يعيّنون مقاييس لمعرفة الحديث

هكذا يقع الخطأ في رواية الحديث وغيره ، ولم يعصم الله أي كتاب من الباطل عدا كتابه العزيز الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (١).

أضف إليه انّه قد كذب على رسول الله ، وكذلك كذب على الأئمة من أهل بيته ، وانتشر الحديث المكذوب على رسول الله والأئمة من أهل بيته في كتب الحديث واختلط الحقّ بالباطل والصحيح بالزائف ، فعالج أئمة أهل البيت هذا وذاك بأمرين :

أولا ـ التشهير بالكذابين ممّن يروون الحديث وطردهم ولعنهم أمثال أبي الخطّاب محمّد بن أبي زينب الكوفي (٢) ، والمغيرة بن سعيد (٣) ، وبنان بن بيان (٤) ، وغيرهم.

ثانيا ـ وضع قواعد وموازين خاصّة لمعرفة سليم الحديث من سقيمه ،

__________________

(١) سورة فصلت / ٤٢.

(٢) مجمع الرجال ٥ / ١٠٦ ـ ١١٥.

(٣) مجمع الرجال ٦ / ١١٧ ـ ١٢١.

(٤) مجمع الرجال ٦ / ١١٧.

مثل :

أ ـ ما رواه الإمام أبو عبد الله الصادق (ع) عن جدّه الرسول (ص) ، قال : خطب النبيّ بمنى فقال «أيّها الناس! ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فانا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم اقله» (١).

ب ـ ما ورد في كتاب الإمام علي لمالك الاشتر : .. «فان تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول» فالرّاد إلى الله الآخذ بمحكم كتابه والرّاد إلى الرسول الآخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة (٢).

ج ـ ما قاله الإمام الباقر (ع) : إذا جاءكم عنّا حديث فوجدتم عليه شاهدا ، أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به ، وإلّا فقفوا عنده ، ثمّ ردّوه إلينا حتّى يستبين لكم (٣).

د ـ ما ورد عن الإمام الصادق (ع) :

١ ـ إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردّوه ... (٤).

٢ ـ كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف (٥).

٣ ـ أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ، انّ الكلمة لتنصرف على وجوه (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ / ٧٩ ، ح ١٥ من الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، عن المحاسن.

(٢) نهج البلاغة في كتاب الإمام لمالك الاشتر ، والوسائل ١٨ / ٨٦ ، ح ٣٨. غير المفرقة : أي السنّة التي اجتمعت عليها الأمة.

(٣) الكافي ٢ / ٢٢٢ ، ح ٤ ، ووسائل الشيعة ١٨ / ٨٠ ، ح ١٨.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ / ٨٤ ، ح ٢٩.

(٥) وسائل الشيعة ١٨ / ٧٩ ، ح ١٤ ، والزخرف : الباطل المموّه.

(٦) معاني الأخبار ص ١ ، ح ١ ، ووسائل الشيعة ١٨ / ٨٤.

ورد أمثال هذا أحاديث كثيرة عن أئمة أهل البيت ، ووردت عنهم أيضا أحاديث يشيرون فيها إلى : الأخذ بما يخالف رأي مدرسة الخلفاء.

ورد عن الإمام الصادق (ع) في تعليل ذلك أنّه قال : أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة؟ فقلت : لا أدري فقال : إنّ عليّا (ع) لم يكن يدين الله بدين إلّا خالف عليه الأمّة إلى غيره إرادة لابطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين (ع) عن الشيء الّذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّا من عندهم ليلبسوا على النّاس (١).

ومن بحث سيرة معاوية وجد فيها الادلة الكافية على ما قاله الإمام وبالإضافة إلى ذلك ، فانّ في ما مضى من بحوث موارد الاجتهاد بمدرسة الخلفاء من هذا الكتاب أدلّة وافرة على اعتماد مدرسة الخلفاء في بيان أحكام الإسلام على الرأي والاجتهاد في مقابل سنّة الرسول.

ومر علينا ـ أيضا ـ في أول الجزء الثاني تحت عنوان «كيف وجد الحديثان المتناقضان» وفي آخر باب «المجتهدون في القرن الأوّل وموارد اجتهادهم» كيف كانوا يضعون الاحاديث تأييدا لمواقف الخلفاء ، وكذلك نجد مزيد إيضاح لذلك في ما ورد بآخر الجزء الأول ، في بحث اتجاه السلطة زهاء ثلاثة عشر قرنا.

وعلى ما ذكرنا في هذه البحوث من الصحيح أن نترك من الحديثين المتعارضين ما وافق اتجاه مدرسة الخلفاء (٢).

ولمّا كان أتباع مدرسة الخلفاء كثيرا ما يسألون أئمة أهل البيت عن تلك المسائل في مجالس عامّة حيث لم يكن بمقدور الأئمة حينذاك ان يبيّنوا حكم

__________________

(١) علل الشرائع ٢ / ٢١٨ ، ح ١ ، ووسائل الشيعة ١٨ / ٨٣ ، ٨٤.

(٢) لا يفهم هذا البحث حق الفهم ما لم تراجع البحوث الثلاثة المذكورة في المتن.

الله وسنّة الرسول في مورد السؤال والّذي كان مخالفا لاجتهاد مدرسة الخلفاء ، صونا لدمائهم ودماء شيعتهم ، وكانوا مكرهين أحيانا على الاجابة بما يوافق رأي مدرسة الخلفاء ، حتّى إذا أتيحت لهم فرصة الاجابة دون ما تقيّة ، بيّنوا حكم الله وسنّة الرسول في المسألة ، فمن ثمّ ورد بعض الاحاديث عنهم في مسألة واحدة مختلفة في بيان الحكم كما صرّح به الإمام الصادق (ع) وقال : ما سمعته منّي يشبه قول الناس فيه التقية ، وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه (١).

وقال : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردّوه ، فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه (٢).

هكذا ذكر الأئمة هذه القاعدة مع بيان علتها وأحيانا غير معلّلة ، وورد عنهم أيضا قواعد أخرى لمعرفة الحديث ، مثل حديث الإمام الرضا (ع).

وقد سئل يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله (ص) في الشيء الواحد فقال (ع) : إنّ الله حرّم حراما وأحلّ حلالا وفرض فرائض ، فما جاء في تحليل ما حرّم الله أو في تحريم ما أحلّ الله أو دفع فريضة في كتاب الله رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك فذلك ما لا يسع الأخذ به ، لأنّ رسول الله (ص) لم يكن ليحرّم ما أحلّ الله ولا ليحلّل ما حرّم الله ولا ليغيّر فرائض الله وأحكامه ، كان في ذلك كلّه متّبعا مسلّما مؤدّيا عن الله ، وذلك قول الله : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) فكان (ع) متّبعا لله مؤدّيا عن الله ما أمره به من تبليغ الرّسالة ، قلت : فانه يرد

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ / ٨٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ / ٨٤ ، ح ٢٩.

عنكم الحديث في الشيء عن رسول الله (ص) ممّا ليس في الكتاب وهو في السنّة ثمّ يرد خلافه فقال : كذلك قد نهى رسول الله (ص) عن أشياء نهي حرام فوافق في ذلك نهيه نهي الله ، وأمر بأشياء فصار ذلك الأمر واجبا لازما كعدل فرائض الله فوافق في ذلك أمره أمر الله ، فما جاء في النّهي عن رسول الله (ص) نهي حرام ثمّ جاء خلافه لم يسع استعمال ذلك ، وكذلك فيما أمر به ، لأنّا لا نرخّص فيما لم يرخّص فيه رسول الله (ص) ، ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول الله (ص) إلّا لعلّة خوف ضرورة ، فأمّا أن نستحلّ ما حرّم رسول الله (ص) أو نحرّم ما استحلّ رسول الله (ص) فلا يكون ذلك أبدا ، لأنّا تابعون لرسول الله (ص) مسلّمون له كما كان رسول الله (ص) تابعا لأمر ربّه مسلّما له ، وقال الله عزوجل : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وإنّ الله نهى عن أشياء ليس نهي حرام بل إعافة وكراهة ، وأمر بأشياء ليس بأمر فرض ولا واجب بل أمر فضل ورجحان في الدّين ، ثمّ رخّص في ذلك للمعلول وغير المعلول ، فما كان عن رسول الله (ص) نهي إعافة أو أمر فضل فذلك الّذي يسع استعمال الرّخصة فيه ، إذا ورد عليكم عنّا الخبر فيه باتّفاق يرويه من يرويه في النّهي ولا ينكره وكان الخبران صحيحين معروفين باتّفاق النّاقلة فيهما يجب الأخذ بأحدهما أو بهما جميعا أو بأيّهما شئت وأحببت ، موسّع ذلك لك من باب التّسليم لرسول الله (ص) والردّ إليه وإلينا ، وكان تارك ذلك من باب العناد والانكار وترك التّسليم لرسول الله (ص) مشركا بالله العظيم ، فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله (ص) فما كان في السنّة موجودا منهيّا عنه نهي حرام ومأمورا به عن رسول الله (ص) أمر إلزام فاتّبعوا ما وافق نهي رسول الله (ص) وأمره ، وما كان في

السنّة نهى إعافة أو كراهة ثمّ كان الخبر الأخير خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول الله (ص) وكرهه ولم يحرّمه ، فذلك الّذي يسع الأخذ بهما جميعا وبأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التّسليم والاتّباع والردّ إلى رسول الله (ص) ، وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم ، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف ، وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا (١)

__________________

(١) عيون الأخبار. ط. قم ج ٢ ص ٢٠ ، ح ٤٥. والوسائل ١٨ / ٨١ ـ ٨٦ ، ح ٢١.

مقاييس العلماء لمعرفة الحديث

هكذا وضع أئمة أهل البيت قواعد لمعرفة صحيح الحديث من سقيمه ، واتخذها فقهاء مدرستهم ميزانا في فقه الحديث جيلا بعد جيل ، وقد جمعها بعض العلماء ونسّقها مثل الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي في الفائدتين التاسعة والعاشرة من خاتمة وسائل الشيعة ، والشيخ حسين النوري في الفائدة الرابعة من مستدركه (١).

وفي اخريات القرن السابع الهجري راجت قاعدة جديدة لمعرفة الحديث ، نسب كشفها (٢) لابن طاوس أحمد بن موسى الحلي (ت : ٦٧٣ ه‍) (٣) والعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر (ت : ٧٢٦ ه‍) (٤) حيث صنّف الحديث بالنظر إلى راويه منذ عصرهما إلى أربعة أصناف :

أ ـ الصحيح : وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بنقل الإمامي العدل ، عن مثله في جميع الطبقات.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٠ / ٩٦ الفائدة التاسعة من الخاتمة ، ومستدركه ٣ / ٥٣٥ الفائدة الرابعة.

(٢) وسائل الشيعة ٢٠ / ٩٦ ـ ١١٢ ، وخاصة ص ١٠٢ منه.

(٣) ترجمته بمصفى المقال ص ٧١.

(٤) ترجمته بالكنى والالقاب للقمّي ٢ / ٤٣٦.

ب ـ الحسن وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بامامي ممدوح من غير نصّ على عدالته ، مع تحقق ذلك في جميع الطبقات.

ج ـ الموثّق ويقال له : القوي أيضا وهو ما دخل في طريقه من نصّ الاصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته بان كان من احدى الفرق الإسلامية المخالفة للامامية وان كان من الشيعة.

د ـ الضعيف : وهو ما لا تجتمع فيه شروط أحد الثلاثة المتقدمة ؛ بان يشتمل طريقه على مجروح بالفسق ونحوه ، أو مجهول الحال أو ما دون ذلك ، كالوضاع (١).

* * *

اشتهرت القاعدة الآنفة منذ عصر العلّامة فما بعد ، وغالى بعض العلماء في اعتمادهم على هذه القاعدة ، وعرض جميع الاخبار والاحاديث عليها.

فعدّوا مثلا أحاديث من السيرة لا يصدّق محتواها ولا يمكن أن يقع في الخارج ـ بموجب هذا الميزان ـ صحيحة (٢).

كما ضعف هذا البعض عن قبول أحاديث صحيحة لا يصحّحها هذا الميزان.

وقابل اولئك جماعة من الاخباريين ، فشذّوا في تصحيحهم جميع ما ورد في الموسوعات الحديثية الأربع وما شاكلها (٣) ووقع هؤلاء في تهافت عجيب ، وكلا الجانبين ابتعدا عن الصواب في معرفة الحديث ، وليس ثمّة مجال للخوض في هذا البحث.

ومن نتائج التصنيف الأخير للحديث واعتمادهم المطلق عليه ؛ انّهم

__________________

(١) دراية الشهيد الثاني ص ١٩ ـ ٢٤ ، الباب الأول في أقسام الحديث.

(٢) راجع فصل «عبد الله بن سبأ في كتب الحديث» من عبد الله بن سبأ ـ ج ٢.

(٣) راجع الفائدتين التاسعة والعاشرة من خاتمة وسائل الشيعة.

وزنوا أحاديث الكافي بالجملة عليه وقالوا : ان الكافي يشتمل على تسعة وتسعين ومائة حديث وستة عشر الف حديث ، منها : ٥٠٧٢ حديثا صحيح. ١٤٤ حديثا حسن. ١١١٨ حديثا موثق. ٣١٢ حديثا قويّ. ٩٤٨٥ حديثا ضعيف (١). ١٦١٢١ المجموع.

يعتمد هذا التقسيم على تصنيف الروايات بالنظر إلى درجة رواتها بحسب الميزان المشهور منذ عهد العلّامة الحلّي ، ثمّ اعتمادا على معرفة علماء تلكم العصور بحال الرواة ، ومع غضّ النظر عن الموازين الّتي نقلناها عن الأئمة قبل هذا.

ومع كلّ ذلك فانّ الحوزات العلمية بمدرسة أهل البيت لم توصد باب البحث العلمي في يوم من الأيّام ، بل استمر جهدها المثمر مدى العصور في جهتين من الحديث.

أ ـ في المحافظة على نصوص الروايات المبينة للأحكام.

ب ـ في طرح البحوث العلمية حول أسانيد الاحاديث ومتونها ومنطوقها ومدلولها و...

وأخيرا فانّها خضعت لنتيجة ما وعته من نصوص الكتاب والسنّة ولم تجتهد في مقابلهما بتاتا.

__________________

(١) قال الشيخ يوسف البحراني في لؤلؤة البحرين ص ٣٩٤ قال بعض مشايخنا المتأخرين : أما الكافي فجميع «أحاديثه ...» وهكذا نقله النوري عن لؤلؤة البحرين في شرح حال الكليني من خاتمة المستدرك ٣ / ٥٤١. وقال النوري : والظاهر ان المراد من القوي ما كان بعض رجال سنده ، او كله الممدوح من غير الإمامي ، ولم يكن فيه من يضعف به الحديث ، وله اطلاق آخر ...

ويختلف الجمع الذي ذكره البحراني والنوري مع حاصل جمع هذه الارقام كما أوردناه في المتن ، وينقص (تسعة) عن المجموع الذي ذكره صاحب الروضات بترجمة الكليني ٦ / ١١٦ ، ويختلف عما في الذريعة ١٧ / ٢٤٥ فقد ذكر المجموع ستة عشر ألف حديث ، والموثق ١٧٨ ، وأراه من الخطأ في النسخ. وقد يكون هذا الاختلاف ، والاختلاف في المجموع الوارد في المتن نتيجة لحذف المكررات عند البعض.

وبذلك حافظت على الأحكام الإسلامية من الضياع ، وتسلسلت أسانيدها إلى أئمة أهل البيت (ع) ، ومنهم إلى جدهم الرسول (ص) ، ومنه إلى جبرئيل إلى الباري ، ولنعم ما قال الشاعر :

ووال أناسا قولهم وحديثهم

روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

الفصل الثالث

رأيا المدرستين في تقويم كتب الحديث

نختم بحوث مصادر الشريعة الإسلاميّة لدى المدرستين ببيان تقويمهما لكتب الحديث ونقول :

أ ـ تقويم كتب الحديث بمدرسة الخلفاء :

مرّ بنا في البحوث السابقة أن الخلفاء الأوائل منعوا نشر حديث الرسول (ص) ونهوا المسلمين عن كتابته ، وان النهي استمرّ حتى عصر عمر ابن عبد العزيز حين رفع الحضر عن تدوين حديث الرسول (ص) وأمر به ، فتسابق محدّثو مدرستهم بتدوين ما كان متداولا بينهم من الحديث ، وألفوا مختلف كتب الحديث ، ثم اشتهرت عندهم الكتب الستّة الآتية بالصحاح :

أ ـ صحيح البخاري ، تأليف محمد بن اسماعيل (ت : ٢٥٦ ه‍).

ب ـ صحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت : ٢٦١ ه‍).

ج ـ سنن ابن ماجة ، تأليف محمد بن يزيد القزويني (ت : ٢٧٣ ه‍).

د ـ سنن أبي داود تأليف سليمان بن الاشعث السجستاني (ت : ٢٧٥ ه‍).

ه ـ سنن الترمذي تأليف محمد بن عيسى الترمذي (ت : ٢٧٩ ه‍).

و ـ سنن النسائي تأليف أحمد بن شعيب النسائي (ت : ٣٠٣ ه‍).

وبعضهم يجعل بدل سنن النسائي سنن الدارمي تأليف عبد الله بن عبد الرحمن (ت: ٢٥٥ ه‍) من الصحاح الستّة.

وكان نتيجة ذلك أن علماء مدرسة الخلفاء بتقليدهم العلماء الستة في تقويم الحديث ، أوصدوا باب البحث العلمي في تمحيص الاحاديث على مدرسة الخلفاء وقلّدوا العلماء الستة المذكورين خاصّة البخاري ومسلم حتى اليوم ، كما فعلوا ذلك في سدّ باب الاجتهاد (١) على مدرسة الخلفاء بتقليدهم العلماء الأربعة الآتية أسماؤهم :

أ ـ أبو حنيفة عتيك بن زوطي (٢) المعروف بالنعمان بن ثابت (ت : ١٥٠ ه‍).

ب ـ مالك بن أنس (ت : ١٧٩ ه‍).

ج ـ محمد بن ادريس الشافعي (ت : ٢٠٤ ه‍).

د ـ أحمد بن حنبل (ت : ٢٤١ ه‍).

ومن الحنابلة تفرّعت السلفية أتباع ابن تيميّة أحمد بن عبد الحليم (ت : ٧٢٦ ه‍).

ومن السلفية تفرّعت الوهابية أتباع محمد بن عبد الوهاب (ت : ١٢٠٦ ه‍).

كان ذلكم تقويم الحديث بمدرسة الخلفاء وأثره.

__________________

(١) إنهم أوصدوا ـ بسدّ باب الاجتهاد ـ باب استنباط الأحكام من الكتاب والسنّة كما هو متداول لدى فقهاء مدرسة أهل البيت (ع).

(٢) بترجمته في تاريخ بغداد : النعمان بن ثابت بن زوطي ، وكان زوطي مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة ، فاعتق ، فولاؤه لبني تيم الله. أصله من كابل. وزاد ابن خلكان بعد زوطي ابن ماه. وذكر الخطيب ان أبا حنيفة اسمه عتيك بن زوطرة فسمى نفسه النعمان وأباه ثابتا.

ب ـ تقويم كتب الحديث بمدرسة أهل البيت :

نلخّص هنا ما سبق ذكره في هذا الباب ونضيف إليه ونقول :

انّ أوّل من دوّن الحديث في مدرسة أهل البيت هو الإمام علي (ع) حيث دوّن ما أملاه عليه رسول الله (ص) في كتب منها الجامعة التي كان طولها سبعون ذراعا في عرض الاديم ، ما على الأرض شيء يحتاج إليه الناس من أحكام الإسلام إلّا وهو فيه. ثم توارث الأئمة من ولده كتبه ورووا منها عن رسول الله (ص) لتلاميذهم ، ودوّنها من أصحابهم من دوّن ما سمعه في رسائل صغار ، وكان الشيخ الكليني (ت : ٣٢٩ ه‍) أوّل من ألّف بمدرسة أهل البيت موسوعة حديثية عامّة جمع فيها ما أمكنه من تلكم الرسائل ، ثم تلاه الشيخ الصدوق (ت : ٣٨١ ه‍) وألف كذلك مدينة العلم وهي مفقودة على أثر إحراق كتب أتباع مدرسة أهل البيت ومكتباتهم ومطاردتهم وتشريدهم. وختم تأليف الموسوعات الحديثية العامّة بمدرسة أهل البيت بموسوعة المجلسي (ت : ١١١١ ه‍) في الحديث وهو البحار ، والعوالم للبحراني (من تلامذة المجلسي) واهتمّ علماء مدرسة أهل البيت باحاديث الاحكام وعنوا بها عناية فائقة. وكان الشيخ الصدوق أوّل من ألّف موسوعة فقهية من الحديث سمّاها «من لا يحضره الفقيه» ، وتلاه في ذلك الشيخ الطوسي (ت : ٤٦٠ ه‍) وألّف الاستبصار والتهذيب. ثم اشتهر الكافي ومن لا يحضره الفقيه ، والتهذيب والاستبصار من الموسوعات الحديثية اشتهارا واسعا ، على انّ الذي ألّف بعدها جاء أوسع منها وأفضل تبويبا مثل الوسائل للشيخ الحرّ العاملي (ت : ١١٠٤ ه‍) وجامع أحاديث الشيعة للسيد حسين ابن علي البروجردي (ت : ١٣٨٠ ه‍). وهذا الأخير أكثر إتقانا وشمولا من كل ما سبقه ، غير انّ الفضل للمتقدّم.

علماء أهل البيت (ع)

لا يقلدون السلف في الفقه ولا في دراية الحديث

تمتاز مدرسة أهل البيت (ع) على مدرسة الخلفاء بأنها لا تعتبر أيّ كتاب عدا كتاب الله من أوله إلى آخره صحيحا ، ولا تقلّد أيّ واحد من السلف الصالح من العلماء في ما اتّخذه من رأي فقهي أو ما اعتبره صحيحا من حديث مروي ، خلافا لما عليه مدرسة الخلفاء من تقليدهم العلماء الأربعة في الفقه وسدّهم باب الاجتهاد على غيرهم إلى اليوم ، وكذلك اعتبارهم ما ورد في الكتب الستة من الحديث صحيحا وخاصة ما في صحيح مسلم والبخاري ، وسدّهم بذلك باب البحث العلمي في دراية الحديث على أنفسهم إلى اليوم.

ويدلّك على ما ذكرنا بالنسبة إلى مدرسة أهل البيت انّ ما انتخبه العلامة الحلي الحسن بن يوسف (ت : ٧٢٦ ه‍) من حديث ، ودوّنه في عشرة أجزاء ، وسمّاه «الدرّ والمرجان في الاحاديث الصحاح والحسان» (١) ، وكذلك ما انتخبه من حديث صحيح حسب اجتهاده وجمعه في تأليف وسمّاه «النهج الوضاح في الاحاديث الصحاح» (٢) ، وما انتخبه الشيخ حسن

__________________

(١) راجع ترجمة الكتاب في حرف الدال من الذريعة.

(٢) راجع ترجمة الكتاب في حرف النون من الذريعة.

(ت : ١٠١١ ه‍) ابن الشهيد الثاني من حديث مقتفيا أثر العلامة وسمّاه «منتقى الجمان في الاحاديث الصحاح والحسان» (١) لم تتداول في الحوزات العلمية ، ولم يعتدّ بها العلماء ، وانما اعتبروا عملهما اجتهادا شخصيا ، رغم اشتهار سائر مؤلفاتهما لديهم وتداولها بينهم حتى اليوم ، مثل كتاب معالم الأصول للشيخ حسن الذي بقي منذ عصر مؤلفه إلى اليوم أول كتاب دراسي يدرسه طلاب اصول الفقه ، ودرسه عامّة الفقهاء في سلّم الدراسات الاصولية ، ومن جرّاء ذلك اشتهر مؤلفه بين العلماء بصاحب المعالم ، ومع ذلك نسيت مؤلفاتهم في صحاح الاحاديث وحسانها ، ولعلّ في العلماء بمدرسة أهل البيت من لم يسمع بأسماء كتبهم في صحاح الاحاديث وحسانها فضلا عن التمسّك بما ورد فيها من حديث بعنوان الصحيح والحسن.

__________________

(١) راجع رجال المامقاني ، ط. النجف الأولى ١ / ٢٨١ وترجمة الكتاب في حرف الميم من الذريعة.

باب استنباط الأحكام الفقهية

من السنّة النبوية

تقويم أحاديث الكتب الأربعة

انّ مدرسة أهل البيت لم تعتبر جميع أحاديث الكتب الأربعة : الكافي والفقيه والاستبصار والتهذيب ، صحيحة كما هو الشأن لدى مدرسة الخلفاء بالنسبة إلى صحيحي مسلم والبخاري ، وانّ أقدم الكتب الأربعة زمانا وأنبهها ذكرا وأكثرها شهرة هو كتاب الكافي للشيخ الكليني ، وقد ذكر المحدّثون بمدرسة أهل البيت انّ فيها خمسة وثمانين وأربعمائة وتسعة آلاف حديث ضعيف من مجموع ١٦١٩٩ حديثا ، وإذا رجعت إلى شرح الكافي المسمّى بمرآة العقول وجدت مؤلفه المجلسي ـ أحد كبار علماء الحديث ـ يذكر لك في تقويمه أحاديث الكافي ضعف ما يراه منها ضعيفا ، وصحة ما يرى منها صحيحا ، ووثاقة ما يرى منها موثقا أو قويا باصطلاح أهل الحديث.

وقد ألّف أحد الباحثين في عصرنا صحيح الكافي (١) واعتبر من مجموع

__________________

(١) صحيح الكافي ، تأليف محمد باقر البهبودي ، ط. بيروت سنة ١٤٠١ ه‍.

ولمّا كان المؤلف قد اعتمد في عمله على الأقوال المنقولة عن كتاب الرجال المنسوب إلى ابن الغضائري أبي الحسين أحمد بن الحسين (كان معاصرا للنجاشي والطوسي) وعلماء الدراية والرجال ينكرون وجود كتاب كهذا لابن الغضائري ، لهذا لم يلق عمله المذكور القبول في الحوزات العلمية.

راجع حرف الراء من الذريعة بترجمة رجال ابن الغضائري ١٠ / ٨٧ ـ ٨٩ ، وحرف التاء بترجمة كتاب تفسير العسكري ٤ / ٢٨٨ ـ ٢٩١ ، وفصل «التشكيك في نسبة الرجال إلى ابن الغضائري» الحكم ـ

١٦١٢١ حديثا من أحاديث الكافي ٤٤٢٨ حديثا صحيحا وترك ١١٦٩٣ حديثا منها لم يرها حسب اجتهاده صحيحة.

وما ذكرناه يدلّك على أن مدرسة أهل البيت لا تعتبر أيّ كتاب حديث لديها صحيحا ، سواء الكافي منها وما دونه شهرة ، وبعده زمانا.

وانها تؤمن بأن كتاب الله القرآن وحده صحيح من الجلد إلى الجلد ولا شريك له في الصحة.

قول مجهول قائله

أما ما قيل من أنّ المهدي (ع) قال : انّ الكافي كاف لشيعتنا ، فانّه قول مجهول راويه ولم يسمّ أحد اسمه ، ويدلّ على بطلانه تأليف مئات كتب الحديث بمدرسة أهل البيت بعد الكافي مثل : من لا يحضره الفقيه ، ومدينة العلم ، والتهذيب ، والاستبصار والبحار ، ووسائل الشيعة ، وجامع أحاديث الشيعة ، إلى غيرها.

الأحاديث الصحيحة لدى فقهاء مدرسة أهل البيت

بما انّ أتباع مدرسة أهل البيت لم يسدّوا باب الاجتهاد ـ أي استنباط الأحكام من الكتاب والسنّة ـ ، كما فعل ذلك أتباع مدرسة الخلفاء ، فانهم بحاجة مستمرة إلى دراسة آيات الاحكام من كلام الله ، ودراسة أحاديث الأحكام المنتهية إلى رسول الله (ص).

وفي صدد ذلك جمعوا آيات الأحكام في رسائل خاصة مثل : كنز العرفان في فقه القرآن للسيوري (ت : ٨٢٦ ه‍) ، ومسالك الافهام إلى آيات الأحكام لجواد الكاظمي (توفي أواسط القرن الحادي عشر الهجري) ، ثم

__________________

ـ عليه بالوضع والاختلاق من المقدّمة السادسة بمعجم رجال الحديث ١ / ١٠٢.

عنوا بدراستها لدراية منطوقها ومفهومها ، خاصها وعامها ، محكمها ومتشابهها ، إلى غير ذلك من الدراسات ، واستنبطوا منها الاحكام الشرعية التي دوّنوها في كتبهم الفقهية.

وكذلك جمعوا الاحاديث المروية بواسطة الصحابة المؤمنين وأئمة أهل البيت الاطهار في موسوعات كبيرة مثل الفقيه والاستبصار والتهذيب والوسائل وجامع أحاديث الشيعة ، ثم عنوا بدراسة أسانيد أحاديثها لمعرفة قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها ، ودراسة متونها لمعرفة عامها وخاصها ، مجملها ومبيّنها ورجحان ما تعارض منها ، ثم أثبتوا الأحكام التي استخرجوها مما صحّ عندهم من تلك الاحاديث في كتب فقهيّة ، مثل النهاية للشيخ الطوسي ، والمختصر النافع وشرايع الإسلام للمحقق الحلي (ت : ٦٧٦ ه‍) ، واللمعة للشهيد الأول (ت : ٧٨٦ ه‍) ، وشرحها للشهيد الثاني (ت : ٩٦٥ ه‍) وجواهر الكلام في شرح شرايع الإسلام للشيخ محمد حسن (ت : ١٢٦٦ ه‍) إلى نظائرها.

ويتّضح ممّا ذكرنا انّ علماء مدرسة أهل البيت لم يجروا في دراستهم الرسميّة الحوزوية على غير أحاديث الأحكام دراسات لتمحيص الأحاديث ، وأن الأحاديث التي جمعوها (في مثل الوسائل وجامع أحاديث الشيعة) انّما جمعوها ليجري الفقيه عليها دراساته لمعرفة الاحاديث الصحيحة منها ، ثم استنباط الأحكام ممّا ثبت عندهم صحّتها منها.

إذا فالأحاديث الصحيحة عند فقهاء الشيعة هي التي استخرجوا منها المسائل الفقهية المدوّنة في الكتب الفقهية المذكورة آنفا ، ومن ثمّ ثبت انّ العلماء لم يجروا أي دراسة حوزوية على أحاديث السيرة ، سواء سيرة الأنبياء السابقين ، أو خاتم الأنبياء وصحابته ، أو الأئمة وأصحابهم ، وروايات التاريخ الإسلامي العام ، ولا على أحاديث تفسير القرآن الكريم والادعية والأخلاق ،

وكذلك أغلب أحاديث الأعمال المستحبّة ، وتجدهم يعوّلون في هذه المباحث على روايات ورواة لا يعوّلون عليها ولا عليهم في المباحث الفقهية ، بل يطرحونها ويسقطونها من الاعتبار. ولو سألت أحدهم : هل صحّ عندك جميع ما أوردت في هذا البحث غير الفقهي من حديث؟ لأجابك بالنفي وقال : انه ليس من مباحث الأحكام الشرعيّة وانّما هو من أبواب المعارف الإسلاميّة ، والأمر فيه هيّن.

ومن ثمّ يخرجون في مباحث التفسير والسيرة والأدعية والأخلاق والاعمال المستحبة روايات عن رواة لا يروون عنهم في أبواب الفقه ، وقد أكثروا في هذه المباحث من ايراد روايات مدرسة الخلفاء ممّا تخالف الواقع وانتقدوا عليها ، دون أن يعلم الناقد ان النقد انما يتّجه إلى روايات مدرسة الخلفاء فيها وليس إلى روايات مدرسة أهل البيت. وإليك ثبتا بذلك فيما يأتي.

انتشار أحاديث مدرسة الخلافة

لدى أتباع مدرسة أهل البيت

أوردنا في الجزء السابع من «نقش ائمه در احياء دين» (١) الأحاديث التي خرجها الشيخ المفيد (ت : ٤١٣ ه‍) من أحاديث سيف بن عمر الزنديق من رواة أحاديث السيرة والتاريخ بمدرسة الخلفاء.

وذكرنا بعض ما اعتمده الشيخ الطوسي من رواياتهم بترجمة القعقاع من رجاله وانتشر منه إلى رجال الاردبيلي (ت : ١١٠١ ه‍) والقهبائي (كان حيّا سنة ١٠١٦ ه‍) والمامقاني (ت : ١٣٥١ ه‍).

وانّ بعض ما أخرجه الشيخ الطوسي ـ أيضا ـ من رواياتهم في تفسيره التبيان انتشرت منه إلى تفسير : أبي الفتوح الرازي (ت : ٥٥٤ ه‍) ومنه إلى تفسير كازر (ت : ٧٢٢ ه‍) ومنه إلى تفسير الكاشاني (ت : ٩٨٨ ه‍).

وانّ من «إحياء علوم الدين» للغزالي (ت : ٥٠٥ ه‍) انتشر حديث موضوع عن سيرة رسول الله إلى «جامع السعادات» لمهدي النراقي (ت : ١٢٠٩ ه‍) ومنه إلى «معراج السعادة» لابنه أحمد النراقي

__________________

(١) راجع في ما نقلناه إلى هنا : «نقش ائمه» فارسى ٧ / ٦١ ـ ٧٥ ، ط. طهران سنة ١٤٠٤ ه‍ ١٣٦٣ ش. وقد ترجم إلى العربية باسم «قيام الأئمة باحياء السنة».

(ت : ١٢٤٥ ه‍).

وانّ ابن طاوس (ت ٦٦٤ ه‍) اعتمد في كتاب دعائه «المجتنى» على رواية نقلها من تاريخ ابن الاثير (ت : ٦٣٠ ه‍) والتي كان قد نقلها من رواية سيف الزنديق بتاريخ الطبري.

وان المجلسي الكبير (ت : ١١١١ ه‍) أخرج في أبواب سيرة رسول الله (ص) ومقتل الإمام علي ووفاة فاطمة بكتاب البحار ٢٦٤ صفحة من روايات كتب أبي الحسن البكري (ت : منتصف القرن الثالث الهجري) (١).

واستنسخ الشيخ الحرّ العاملي (ت : ١١٠٤ ه‍) كتاب البكري المذكور وألحقه بآخر كتاب «عيون المعجزات» (٢) للشيخ حسين بن عبد الوهاب.

* * *

هكذا انتشر في غير الأبواب الفقهية من كتب علماء مدرسة أهل البيت لشيء الكثير

من الأحاديث الضعيفة ، وسبّب ايراد النقد الكثير عليهم ، ومن ثمّ يرد هذا السؤال : انه ما المبرر لهم في تدوين الأحاديث الضعيفة في غير أبواب الفقه من كتبهم؟ وفي ما يأتي جوابهم على هذا السؤال :

الأمانة العلمية لدى علماء مدرسة أهل البيت

لمّا لم يكن علماء مدرسة أهل البيت بصدد تدوين الحديث الصحيح في كتبهم ـ كما هو شأن مؤلفي الصحاح بمدرسة الخلفاء وخاصة في غير الأبواب

__________________

(١) هو أحمد بن عبد الله بن محمد من أولاد الخليفة الأول أبي بكر قال الذهبي بترجمته : «واضع القصص التي لم تكن قطّ» وهو غير أبي الحسن البكري محمد بن محمد بن عبد الرحمن المتوفى ٩٥٤ ه‍ ، وترجمته في الاعلام للزركلي ٧ / ٢٨٥.

راجع ترجمة أحمد بن عبد الله في ميزان الاعتدال رقم الترجمة ٤٤٠ ولسان الميزان رقم الترجمة ٦٣٩ والاعلام للزركلي ١ / ١٤٨.

(٢) راجع «نقش أئمة» ٧ / ٧٠.

الفقهية ـ وكانوا بصدد جمع الأحاديث المناسبة لكلّ باب ، فقد اقتضت الامانة العلمية في النقل أن يدوّنوا كل ما انتهى إليهم من حديث في بابه ، مع غضّ النظر عن صحة الحديث لديهم أو عدمها ، كي تصل جميع أحاديث الباب إلى الباحثين في الاجيال القادمة كاملة ، مهما كان بعض الاحاديث مكروها لديهم وضعيفا بموازين النقد العلمي. وإنما كانوا يرون أنفسهم مسئولين أمام الله في تمحيص الاحاديث التي يعتمدونها في استخراج الأحكام الشرعيّة في تدوين كتبهم الفقهية فحسب.

إذا فانّ النقد يرد عليهم لو اعتمدوا على حديث ضعيف في كتبهم الفقهية ، وكذلك يرد النقد على كتب «منتقى الجمان» و «الدرّ والمرجان في الأحاديث الصّحاح والحسان» و «النهج الوضاح في الاحاديث الصحاح» و «صحيح الكافي» لو ورد فيها حديث ضعيف.

ومن كل ما سبق ذكره يتّضح جليّا انّ مدرسة أهل البيت لا تتسالم على صحة كتاب عدا كتاب الله جلّ اسمه ، وانّ المؤلفين منهم قد يوردون في غير الكتب الفقهية حديثا لا يعتقدون صحّته ويرونه ضعيفا ، لأن الامانة العلميّة تقتضيهم أن لا يكتموا الباحثين في الاجيال القادمة حديثا بدليل انهم يرونه ضعيفا ، فلا يتّجه إليهم نقد في غير ما دوّنوه في الابواب الفقهية ، ويرد النقد على مؤلفي الصحاح والحسان الأربعة لو وجد فيها حديث ضعيف.

* * *

بعد أن بلغ البحث إلى هنا رجعنا إلى معجم رجال الحديث (١) لاستاذ الفقهاء السيد الخوئي ، فوجدناه ـ مدّ ظله ـ قد أفاض في الحديث في ذلك تحت عنوان «روايات الكتب الأربعة ليست قطعية الصدور» و «النظر في

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ / ٢٢ ـ ٣٦ ، ط. بيروت سنة ١٤٠٣ ه‍.

صحة روايات الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيبين ...» (١).

وأثبت ان الشيخ الطوسي والصدوق وشيخه لم يكونوا يرون صحة جميع ما ورد في الكافي من حديث.

وأن الشيخ الطوسي لم يكن يرى صحة جميع ما ورد في «من لا يحضره الفقيه» من حديث.

والاهمّ من ذلك أن الكليني نفسه لم يكن يرى جميع ما أورده من حديث في كتابه الكافي صحيحا.

وكذلك الصدوق لم يكن يرى صحة جميع ما أورد من حديث في «من لا يحضره الفقيه».

والشيخ الطوسي لم يكن يرى صحة جميع ما أورد من حديث في «التهذيب» ، و «الاستبصار».

واستدلّ فيما أفاد بأدلّة قوية ؛ منها : أنه كيف يصحّ أن يقال ان الشيخ الكليني أو غيره يرى جميع ما في كتاب الكافي قطعيّ الصدور عن رسول الله (ص) أو أحد الائمة من أهل بيته (ع) ، وقد نقل فيه الشيخ الكليني أقوالا عن أشخاص أمثال :

أ ـ هشام بن الحكم.

ب ـ أبي أيوب النحوي.

ج ـ النظر بن سويد.

د ـ أسيد بن صفوان.

ه ـ ادريس بن عبد الله الاودي.

و ـ الفضيل.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ / ٨٥ ـ ٩٧.

ز ـ أبي حمزة.

ح ـ اليمان بن عبيد الله.

ط ـ اسحاق بن عمّار.

ي ـ يونس.

ك ـ إبراهيم بن أبي البلاد.

ل ـ أبي نعيم الطحان.

م ـ اسماعيل بن جعفر (١).

كيف يصحّ وليس هؤلاء الرجال الّذين أخرج أحاديثهم في الكافي بالنبيّ والائمة من أهل بيته لتكون أقوالهم أحاديث صحيحة.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ / ٨٩ ـ ٩١.

خلاصة وخاتمة

للبحثين الرابع والخامس

كانت نتيجة ما ذكرنا من انتشار اجتهادات الخلفاء وفق سياستهم أن غمّ أمر الأحكام الإسلامية الّتي جاء بها الرسول (ص) على المسلمين ونسيت ، واشتهرت بين المسلمين الأحكام التي اجتهد فيها الخلفاء ، وانتشرت باسم أحكام الإسلام في جميع بلاد الإسلام على وجه الأرض من اليمن إلى الحجاز والشام والعراق وأقاصي ايران ومصر إلى أقاصي إفريقيّة بعد أن نسيت الأحكام التي جاء بها سيّد الرسل في تلك المسائل ، ولو عرف أحيانا الحكم الذي جاء به الرسول وكان مخالفا لأوامر الخليفة فالتديّن عندهم في الاعراض عن حكم الله في سبيل طاعة الخليفة ؛ فقد مرّ علينا قول الشاميّ في رميه الكعبة إنّ الحرمة والطاعة اجتمعتا فغلبت الطاعة الحرمة. ونادى الحجاج : يا أهل الشام! الله الله في الطاعة! ولو لا طاعة الخليفة لاجتنبوا تلك المعاصي الكبيرة. ألم يكن قائد الحملة (الحصين بن نمير) يخاف الله في حمامة الحرم أن تطأها فرسه وهو غافل عنها!!؟

وكذلك كان شأن شمر في قتله الحسين (ع) فقد روى الذهبيّ وقال :

كان شمر بن ذي الجوشن يصلّي الفجر ثمّ يقعد حتّى يصبح ثمّ يصلّي ،

ويقول في دعائه : اللهم اغفر لي! فقيل له : كيف يغفر الله لك وقد خرجت إلى ابن بنت رسول الله (ص) فأعنت على قتله؟! ، قال : ويحك! فكيف نصنع!؟ إنّ امراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم ولو خالفناهم كنّا شرا من هذه الحمر (١).

وكان كعب بن جابر ـ ممّن حضر قتال الحسين (ع) في كربلاء ـ يقول في مناجاته:

«يا ربّ! إنّا قد وفينا فلا تجعلنا يا ربّ كمن قد غدر» يقصد بمن قد غدر من خالف الخليفة وعصى أوامره.

ودنا عمرو بن الحجّاج يوم عاشوراء من أصحاب الحسين (ع) ونادى وقال : يا أهل الكوفة! الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام.

بلغوا في تديّنهم بطاعة الخليفة إلى حدّ أنّه كان أرجى عمل عندهم ليوم القيامة ارتكاب كبائر معاصي الله في سبيل طاعة الخليفة ، وقد مرّ علينا قول مسلم في حالة النزع :

اللهمّ إنّي لم أعمل عملا قطّ بعد شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله ـ أي بعد الإسلام ـ أحبّ إليّ من قتل أهل المدينة ولا أرجى عندي في الآخرة ، وان دخلت النار بعد ذلك إنّي لشقيّ.

أرأيت هذا التديّن؟! أرأيت أرجى عمل ليوم القيامة؟! أرأيت كيف استطاعت عصبة الخلافة أن تقلب الإسلام إلى ضدّه؟ فانّ الذين قتلوا الحسين (ع) كانوا يصلّون في صلاتهم حين يصلّون على محمّد وآل محمّد ثمّ يقتلونه؟! وإن الذين كانوا يرمون الكعبة بالمنجنيق كانوا يستقبلونها في

__________________

(١) تاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١٨ ـ ١٩.

صلاتهم ثم يعقبون صلاتهم برميها بالنفط ومشاقّات الكتّان وأحجار المنجنيق؟!!

وقع كلّ ذلك في سبيل طاعة الخليفة. إذن أصبح الخليفة يوم ذاك مطاعا دون الله ، وكان الخليفة الذي يأمر برمي الكعبة بالمنجنيق أعتى وأطغى من فرعون! فانّ فرعون لم يأمر بهدم بيت عبادته كما فعل خليفة المسلمين يزيد وعبد الملك. هكذا ربّت مدرسة الخلافة المسلمين. فكيف أدرك المسلمون الحقيقة؟

كيف وعى المسلمون؟

أصاب شريعة سيّد المرسلين (ص) بسبب تلك الاجتهادات ما أصاب شرايع الأنبياء السابقين في تلك المسائل ، ولم يكن من الممكن إعادة أحكام الإسلام إلى المجتمع مع طاعة (١) أفراده لمقام الخلافة التي اجتهدت في تلك الأحكام. فلم يكن بدّ من كسر قدسية مقام الخلافة في نفوس المسلمين كي يتيسّر بعد ذلك إبعاد الأحكام التي انتشرت بسبب اجتهاداتهم ، ثمّ إعادة أحكام الإسلام التي جاء بها رسول الله إلى المجتمع بعد ذلك ، وقد أعدّ الله الإمام الحسين للقيام بهذه المهمّة كما يلي بيانه.

__________________

(١) ورد في لسان العرب وتاج العروس بمادة «عبد».

عبد عبادة وعبودة وعبودية اطاعه ، والعبادة : الطاعة مع الخضوع ، وعبد الطاغوت : أي اطاعه يعني الشيطان في ما سوّل له وأغواه ، واعبدوا ربكم أي أطيعوا ربكم ، واياك نعبد أي نطيع الطاعة التي يخضع معها.

أعدّ الله ورسوله الإمام الحسين (ع) للقيام بالتغيير

قيّض الله الإمام الحسين (ع) لكسر قدسية مقام الخلافة في نفوس المسلمين بعد أن أعدّ له الاجواء النفسيّة في المجتمع الإسلامي بما أنزل في حقّه ضمن ما أنزل في حقّ أهل البيت عامة بقرآنه الكريم ، وفي ما بلّغ المسلمين على لسان رسوله في أهل البيت عامّة وفي الإمام الحسين (ع) خاصّة :

فانّه لما أنزل الله سبحانه : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

فسّر رسوله (القربى) بعلي وفاطمة والحسن والحسين (١).

ولمّا أراد الله سبحانه أن ينزل آية التطهير ، ورأى رسول الله أنّ الرحمة هابطة ، دعا عليّا وفاطمة والحسن والحسين وضمّهم إلى نفسه تحت الكساء ، فانزل الله تعالى :

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، فقال رسول الله : اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي ، وبقي طول حياته

__________________

(١) بتفسير الآية من تفسير الطبري والزمخشري والسيوطي ، ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٧٢ ، وذخائر العقبى للطبري ص ١٣٨ ، وأسد الغابة ٥ / ٣٦٧ ، وحلية الأولياء ٣ / ٢٠١ ، ومجمع الزوائد ٧ / ١٠٣ و ٩ / ١٤٦.

بعد ذلك يقف على باب دارهم يوميا خمس مرّات أوقات الصلاة اليومية ويقول : السلام عليكم يا أهل البيت إنّما يريد الله ليذهب ... (١)

ولمّا نزلت الآية الكريمة : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (٦١ / آل عمران) وأراد أن يباهل نصارى نجران ؛ دعا رسول الله عليّا وفاطمة والحسن والحسين (٢)

وفي رواية : وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي يمشي خلفها ، وقال لهم النبي : إذا دعوت فأمّنوا ، فلمّا رآهم أسقف نجران ، قال : يا معشر النصارى! إنّي لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله ، فلا تبتهلوا فتهلكوا ، فصالحهم على دفع الجزية (٣). هذا بعض ما تلته أبناء الامّة في قرآنها وسمعته في تفسيره عن رسول الله له وشاهدته يفسّره بعمله.

وأيضا سمعت رسول الله يقول :

من صلّى صلاة لم يصلّ فيها عليّ ولا على أهل بيتي لم تقبل منه (٤).

ولمّا سألوه كيف يصلّون عليه قال :

قولوا : اللهمّ صلّى على محمد وعلى آل محمّد كما صلّيت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، اللهمّ بارك على محمّد وآل محمّد كما باركت

__________________

(١) مضت مصادر الخبر في ص ١٨ ـ ٢٣ من القسم الأول من هذا الكتاب.

(٢) صحيح مسلم ، باب فضائل علي من كتاب فضائل الصحابة ، وسنن الترمذي ، ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٥٠ ، ومسند أحمد ١ / ١٨٥ ، وسنن البيهقي ٧ / ٦٣ ، وتفسير الآية بتفسير الطبري والسيوطي ، والواحدي في أسباب النزول ص ٧٤ و ٧٥.

(٣) بتفسير الآية بتفسير الكشاف للزمخشري ، والتفسير الكبير للفخر الرازي ، ونور الابصار للشبلنجي ص ١٠٠.

(٤) سنن البيهقي ٢ / ٣٧٩ ، وسنن الدار قطني ص ١٣٦.

على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد (١).

وسمعته يقول لعلي وفاطمة والحسن والحسين : أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم(٢).

وفي رواية : أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم (٣).

وأخذ بيد حسن وحسين ، فقال : من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة (٤).

ويقول : الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا (٥).

ويقول : ألا أخبركم بخير الناس جدا وجدّة؟ ألا أخبركم بخير الناس عمّا وعمّة؟ ألا أخبركم بخير الناس خالا وخالة؟ ألا أخبركم بخير الناس

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب الدعوات في باب الصلاة على النبي ، وفي كتاب التفسير ، في باب تفسير قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) ، وصحيح مسلم ، في كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي (ص) بعد التشهد ، ومسند أحمد ٢ / ٤٧ ، و ٥ / ٣٥٣ ، والادب المفرد للبخاري ص ٩٣ ، وسنن النسائي وابن ماجة والترمذي ، والبيهقي ٢ / ١٤٧ و ٢٧٩ ، والدار قطني ص ١٣٥ ، ومسند الشافعي ص ٢٣ ، ومستدرك الصحيحين ١ / ٢٦٩ ، وتفسير آية «ان الله وملائكته ...» من تفسير الطبري.

(٢) سنن الترمذي كتاب المناقب وابن ماجة المقدمة ، ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٤٩ ، ومسند أحمد ٢ / ٤٤٢ ، وأسد الغابة ٣ / ١١ و ٥ / ٥٢٣ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٦٩ ، وتاريخ بغداد ٨ / ١٣٦ ، والرياض النضرة ٢ / ١٩٩ ، وذخائر العقبى ص ٢٣.

(٣) سنن الترمذي كتاب المناقب وابن ماجة المقدمة ، ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٤٩ ، ومسند أحمد ٢ / ٤٤٢ ، وأسد الغابة ٣ / ١١ و ٥ / ٥٢٣ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٦٩ ، وتاريخ بغداد ٨ / ١٣٦ ، والرياض النضرة ٢ / ١٩٩ ، وذخائر العقبى ص ٢٣.

(٤) مسند أحمد ١ / ٧٧ ، وسنن الترمذي كتاب المناقب ، وتاريخ بغداد ٣ / ٢٨٧ ، وتهذيب التهذيب ١٠ / ٤٣٠ ، وكنز العمال.

(٥) في باب مناقب الحسن والحسين من كتاب بدء الخلق من صحيح البخاري أن رجلا سأل ابن عمر عن دم البعوض فقال : ممن أنت؟ قال : من أهل العراق ، قال : انظروا إلى هذا! يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي (ص) وسمعت النبي (ص) يقول : هما ريحانتاي من الدنيا.

وباب رحمة الولد وتقبيله ، والادب المفرد له ص ١٤ ، وسنن الترمذي ، ومسند أحمد ٢ / ٨٥ و ٩٣ و ١١٤ و ١٥٣ ، ومسند الطيالسي ٨ / ١٦٠ ، وخصائص النسائي ص ٣٧ ، ومستدرك الحاكم ٣ / ١٦٥ ، والرياض النضرة ٢ / ٢٣٢ ، وحلية أبي نعيم ٣ / ٢٠١ و ٥ / ٧٠ ، وفتح الباري ٨ / ١٠٠ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨١.

أبا وأمّا : الحسن والحسين (١).

ويقول : هذان ابناي وابنا ابنتي ، اللهمّ انّي أحبّهما فأحبّهما وأحبّ من يحبّهما (٢).

ويقول : من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني (٣).

ويقول : كلّ بني آدم ينتمون إلى عصبتهم إلّا ولد فاطمة فانّي أنا أبوهم وأنا عصبتهم(٤).

وكان يصلّي في مسجده فإذا سجد وثب الحسن والحسين (ع) على ظهره ، وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعا رفيقا فإذا عاد عادا ... (٥)

وكان يخطب في مسجده إذ جاء الحسن والحسين يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله (ص) من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ... (٦)

* * *

__________________

(١) مجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ١٨٤ ، وذخائر العقبى ص ١٣٠ ، وكنز العمال ١٣ / ١٠٣ ـ ١١٤ ، ط. الثانية.

(٢) الترمذي ، كتاب المناقب ، وخصائص النسائي ص ٢٢٠ ، وكنز العمال. ١٣ / ٩٩ ، ط الثانية.

(٣) سنن ابن ماجة ، في فضائل الحسن والحسين ، ومسند أحمد ٢ / ٢٨٨ و ٤٤٠ و ٥٣١ ، و ٥ / ٣٦٩ ، وتاريخ بغداد ١ / ١٤١ ، وكنوز الحقائق ، ط. اسلامبول ص ١٣٤ ، ومسند الطيالسي ١٠ / ٣٢٧ و ٣٣٢ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٠ و ١٨١ و ١٨٥ ، وسنن البيهقي ٢ / ٢٦٣ ، و ٤ / ٢٨ ، وحلية الأولياء ٨ / ٣٠٥ ، ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٦٦ و ١٧١.

(٤) مستدرك الصحيحين ٣ / ١٦٤ ، وتاريخ بغداد ١١ / ٢٨٥ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٧٢ ، وذخائر العقبى ص ١٢١ ، وكنز العمال ٦ / ٢٦٦ و ٢٢٠.

(٥) مستدرك الصحيحين ٣ / ١٦٣ و ١٦٥ و ٦٢٦ ، ومسند أحمد ٢ / ٥١٣ ، و ٣ / ٤٩٣ ، و ٥ / ٥١ ، وسنن البيهقي ٢ / ٢٦٣ ، ومجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ٢٧٥ و ١٨١ و ١٨٢ ، وذخائر العقبى ص ١٣٢ ، وأسد الغابة ٢ / ٣٨٩ ، والرياض النضرة ص ١٣٢.

(٦) مسند أحمد ٤ / ٣٨٩ ، و ٥ / ٣٥٤ ، ومستدرك الحاكم ١ / ٢٨٧ ، و ٤ / ١٨٩ ، وسنن البيهقي ٣ / ٢١٨ ، و ٦ / ١٦٥ ، وسنن ابن ماجة ، باب لبس الأحمر للرجال من كتاب اللباس ، وسنن النسائي ، باب صلاة الجمعة والعيدين ، وسنن الترمذي ، كتاب المناقب.

أعدّ الله ورسوله الامّة في الآيات والأحاديث الآنفة لتنظر إلى أهل البيت عامّة بعد رسول الله (ص) نظرة إجلال وإكبار وحبّ وولاء ، وكذلك في آيات أخرى مثل : آية الخمس وسورة هل أتى ، وآية وآت ذا القربى حقّه ، وفي أحاديث عن النبي في تفسير تلك الآيات وغيرها (١).

وخصّ بالذكر من بينهم الإمام الحسين في مثل إخبار الله نبيّه باستشهاد الإمام الحسين في يوم مولده وبعده ، واخبار رسوله أمّته بذلك مرّة بعد أخرى (٢).

وكذلك في ما فعل الإمام علي (ع) بعد رسول الله (ص) مثل روايته عن رسول الله (ص) في طريقه إلى صفين وغيره باستشهاد الإمام الحسين (ع).

وقوله في بعض أيّام صفّين :

إنّني أنفس بهذين ـ يعني الحسن والحسين (ع) ـ على الموت لئلّا ينقطع بهما نسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

هكذا وجّهت الامّة إلى حبّ الإمام الحسين وإجلال مقامه ، أضف إلى ذلك ما كان عند بعض أبناء الأمّة من نصوص عن الرسول في إمامة الأئمة الاثني عشر ، وأنّهم حملة الإسلام وحفظته وأن الإمام الحسين ثالثهم.

ومهما يكن من أمر فان الإمام الحسين كان الرجل الوحيد الذي ورث حب المسلمين لجده الرسول (ص) في عصره.

ولهذا رغب المسلمون يوم ذاك في أن يبايعوه بالخلافة ليصبح بتلك البيعة

__________________

(١) أسباب النزول للواحدي ص ٣٣١ ، وأسد الغابة ٥ / ٥٣٠ ، والرياض النضرة ٢ / ٢٢٧ ، ونور الأبصار ، للشبلنجي ، وتفسير الآية بتفسير السيوطي.

(٢) راجع قبله فصل «انباء باستشهاد الحسين».

(٣) نهج البلاغة ، العدد ٢٠٥ من خطبه.

الخليفة الشرعي بعد معاوية ، يتبوّأ عرش الخلافة بحقوقها ، ولو أتيح له ذلك وأصبح خليفة المسلمين ببيعتهم ايّاه لما استطاع أن يعيد إلى المجتمع الأحكام الإسلاميّة التي بدّلها الخلفاء وغيّروها باجتهاداتهم ، كما لم يستطع الإمام علي (ع) أن يفعل ذلك بالنسبة إلى اجتهادات الخلفاء الثلاثة من قبله (١) ، وكان على الإمام الحسين لو بويع أن يقرّ أحداث معاوية ـ اجتهاداته ـ على حالها بما فيها لعن أبيه الإمام علي (ع) على جميع منابر المسلمين بالإضافة إلى اجتهادات الخلفاء السابقين ، ولمّا لم يقدّر للمسلمين أن يبايعوه بالخلافة أصبحت حاله لدى المسلمين حال الحرمين الشريفين ، له الحرمة في نفوسهم ولكنّهم انتهكوها في سبيل طاعة الخليفة. وصحّ ما قال له الفرزدق في هذا الصدد (قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أميّة).

في ضوء الدراسات السابقة نستطيع أن نعرّف مشكلة ذلك العصر كما يلي.

__________________

(١) راجع قبله ، شكوى الإمام علي من تغيير الولاة قبله أحكام الإسلام بباب : «شكوى الإمام علي (ع) من تغيير السنّة النبوية» في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

حال المسلمين في عصر الإمام الحسين (ع)

كان المسلمون في عاصمتي الإسلام مكة والمدينة وعاصمتي الخلافة الكوفة والشام يرون التمسك بالدين في طاعة الخليفة مهما كانت صفاته وفي كلّ ما يأمر ، ويرون في الخروج عليه شقا لعصا المسلمين ومروقا من الدين ، هذه كانت حالتهم وفيهم بقية ممن رأى رسول الله وسمع حديثه ، وفيهم التابعون باحسان ، وفيهم عليّة المسلمين.

وبالقياس إلى هؤلاء ، كيف كانت حال المسلمين في سائر الحواضر الإسلاميّة وبلاده النائية مثل من كان في أقاصي إفريقيا وإيران والجزيرة العربية ممّن لم يروا رسول الله (ص) ولم يصاحبوا أهل بيته أو خريجي مدرسته؟ أولئك المسلمين الذين كانوا يعرفون الإسلام من خلال ما يرونه في عاصمة الخلافة وبلاط الخليفة خاصة ويمثّل الإسلام في عرفهم الخليفة وسيرته!

وما أدراك ما الخليفة وما سيرته! الخليفة الذي لا يردعه رادع من دين عن نيل ما يشتهيه! الخليفة الذي يشرب الخمر ، ويترك الصلاة! ويضرب بالطنابير ويعزف عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسمر عنده الخرّاب والفتيان.

الخليفة الذي ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات (١).

الخليفة الذي يأمر بقتل سبط الرسول ويسبي بناته ويبيح حرم الرسول ويرمي الكعبة بالمنجنيق وينشد :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل (٢)

هذا هو الإسلام الذي كانوا يجدونه لدى خليفة الله وخليفة رسوله (٣).

وكان يقال للمسلمين في كل مكان : انّ التمسّك بالدين في طاعة هذا الخليفة.

إذا فقد تبيّن ان المشكلة يوم ذاك لم تكن مشكلة تسلط الحاكم الجائر كي يعالج بتبديله بحاكم عادل ، بل كانت مشكلة ضياع الأحكام الإسلاميّة ، وتديّن المسلمين بطاعة الخليفة مهما كانت أوامره ، ورؤيتهم لمقام الخلافة ، ومع هذه الحالة كان العلاج منحصرا بتغيير رؤية المسلمين هذه وعقيدتهم تلك كي تتيسّر بعد ذلك اعادة الأحكام الإسلاميّة من جديد ، وكان الانسان الوحيد الذي يستطيع أن ينهض بعبء هذا التغيير هو الإمام الحسين (ع) لمنزلته من رسول الله (ص) ومقامه منه ، ولما ورد في حقه من الآيات والأحاديث.

كان على هذا الإنسان مع تلك الميزات أن يختار يومئذ أحد أمرين لا ثالث لهما :

__________________

(١) هكذا وصفه أماثل أهل المدينة الذين وفدوا إليه وشاهدوه من قريب مع انه برهم وأكرمهم.

(٢) ذكرنا مصادر هذه الأخبار في ما سبق من هذا الكتاب.

(٣) كانت عصبة الخلافة تسمي الخليفة بخليفة الله كما مرّت الاشارة إليه ، وقد قال مروان بن أبي حفصة في وصف دفاع معن عن المنصور يوم الهاشمية :

ما زلت يوم الهاشمية معلنا

بالسيف دون خليفة الرحمن

مروج الذهب ٣ / ٢٨٦.

إمّا أن يبايع يزيد ويحظى بعيش رغيد في الدنيا مع بقاء حبّ المسلمين واحترام كافّة الناس ايّاه وهو يعلم أنّ بيعته :

أولا ـ اقرار منه ليزيد على كلّ فجوره وكفره وتظاهره بهما!

وثانيا ـ إقرار منه للمسلمين في ما يعتقدونه في أمثال يزيد ممّن تربّع على دست الخلافة بالبيعة بأنّهم الممثّلون الشرعيون لله ورسوله وأنّ طاعتهم واجبة على كلّ حال وفي كل ما يأمرون!

وفي كلا الاقرارين قضاء على شريعة جدّه سيّد المرسلين ، وتؤول شريعته بعد ذاك مآل شريعة موسى وعيسى وشرايع سائر النبيين ، وبذلك كان سبط رسول الله يحمل آثام أهل عصره وآثام من جاء بعدهم إلى يوم القيامة ، فإنّه لم يكن قد بقي من الرسول سبط غير الحسين ، ولم يمهد لاحد ما مهّد له كما ذكرنا ، ولم يكن يأتي بعده من يصبح له شأن عند المسلمين كشأن الإمام الحسين (ع).

إذن فهو الإنسان الوحيد الذي أنيطت به تلك المهمّة الخطيرة مدى الدهر وعليه أن يختار أحد أمرين : إمّا أن يبايع ، وإمّا أن ينكر على يزيد أعماله ، وينكر على المسلمين كافّة اقرارهم أعمال يزيد ، وبذلك يغيّر ما كانوا عليه ويمكّن الأئمّة من بعده من أن يقوموا باحياء ما اندرس من شريعة جدّه. وهذا ما اختاره الإمام الحسين (ع) واستهدفه في قيامه واتّخذه شعارا لنفسه ، وسلك سبيلا يوصله إليه. كما نبيّنه في ما يلي.

هدف الإمام الحسين (ع) وشعاره وسبيله

رفع الإمام شعار بطلان حكم الخلافة القائم وانّ فيه خطرا على الإسلام حيث قال :

«وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الامّة براع مثل يزيد».

قال ذلك في جواب من قال له :

بايع أمير المؤمنين يزيد فهو خير لك في الدارين.

قال ذلك في ظرف كان يقال له :

يا حسين ألا تتّقي الله تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الامّة! قال ذلك في ظرف قال له ابن عمر :

اتّق الله ولا تفرّق جماعة المسلمين (١).

في هذا الظرف قال الإمام الحسين (ع) :

والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية أبدا.

وكان مؤدّى هذا الشعار صحّة أمر الإمامة وبطلان أمر الخلافة القائمة ويتّضح ذلك بأجلى من هذا في وصيّته لأخيه محمّد ابن الحنفيّة حيث كتب

__________________

(١) الطبري ٦ / ١٩١.

فيها :

«انّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي (ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب. فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين».

أسقط الإمام الحسين في هذه الوصيّة ذكر الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وذكر سيرتهم ، وصرّح بأنّه يريد أن يسير بسيرة جدّه وأبيه.

وتتلخص سيرة الخلفاء في :

مجيئهم إلى الحكم استنادا إلى بيعة المسلمين ايّاهم كيف ما كانت البيعة ، ثمّ حكمهم المسلمين وفق اجتهاداتهم الخاصّة في الأحكام الإسلاميّة.

وتتلخّص سيرة أبيه وجدّه في :

حملهما الإسلام إلى الناس ، ودعوتهما الناس إلى العمل به ، ووقوفهما عند أحكام الإسلام ؛ كانت هذه سيرتهما في جميع الأحوال ، سواء أكانا حاكمين مثل عهد الرسول في المدينة والإمام عليّ بعد مقتل عثمان ، أو غير حاكمين مثل حالهما قبل ذلك ، فقد كان للرسول سيرة في مكة وللامام عليّ سيرة قبل أن يلي الحكم ، وسيرتهما في كلتا الحالين حمل الإسلام إلى الامّة ، أحدهما بلّغه عن الله والآخر عن رسوله.

في كلتا الحالين دعوا إلى الإسلام وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر.

والإمام الحسين (ع) يريد أن يسير بسيرتهما كذلك ، ولا يريد أن يسير بسيرة الخلفاء ، فمن قبله بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ عليه ذلك صبر حتّى يقضي الله بينه وبين عصبة الخلافة بالحق.

* * *

يعرف ممّا أوردنا ومن سائر أعمال الإمام وأقواله في أيام قيامه ؛ انّه كان قد حمل إلى الناس شعار بطلان أمر الخلافة القائمة ، وصحّة أمر الإمامة. وهدفه من كلّ ما قال وفعل ؛ أن يؤمن الآخرون بهذا الشعار. فمن آمن به اهتدى ومن لم يؤمن بعد أن بلغه نداء الإمام تمّت الحجّة عليه ، ومن ثمّ كان يعمل جاهدا في سبيل نشر قضيّته.

كان هذا شعار الإمام وهدفه واتخذ الشهادة سبيلا للوصول إلى هدفه ، ولنعم ما قال الشاعر على لسانه :

ان كان دين محمد لم يستقم

إلّا بقتلي يا سيوف خذيني

وممّا يدلّ على ذلك ما ورد في كتابه إلى بني هاشم :

أمّا بعد ، فانّ من لحق بي استشهد ، ومن تخلّف لم يدرك الفتح.

صرّح الإمام في هذا الكتاب بأنّ سبيله الشهادة ومآلها الفتح ، وكذلك كان شأن سائر أقواله وأفعاله في هذا القيام فإنّها كلّها توضح ما حمل من شعار ، وما اتّخذ من سبيل وهدف ، وكان حين يدعو ويستنصر يدعو ويستنصر من يشاركه في كلّ ذلك على بصيرة من أمره ، مثل قصّته مع زهير بن القين فانّ الإمام حين دعاه ذهب إلى الإمام متكارها ، ثم ما لبث ـ كما قال الراوي ـ أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه ، فأمر بفسطاطه فحمل إلى الحسين (ع) ، ثم قال لامرأته : أنت طالق! الحقي بأهلك ، فانّي لا أحب أن يصيبك من سببي إلّا خير ، ثمّ قال لأصحابه : من أحبّ منكم الشهادة فليقم وإلّا فانّه آخر العهد.

أخبر زهير بمصيره قبل أن يصل إلى ركب الإمام خبر استشهاد مسلم وهانئ وانقلاب أهل الكوفة على أعقابهم ، وأخبرهم انّه سمع في غزوة بلنجر من الصحابي سلمان الباهلي أن يستبشروا بادراك هذا اليوم.

كان الإمام يدعو أنصارا من هذا القبيل ، ويبعد عن نفسه من اتبعه أملا

بوصول الإمام إلى الحكم (١).

أعلن الإمام عن سبيله هذا ، ورفع شعاره ذلك ، مرّة بعد أخرى ، وفي منزل بعد منزل. فقد قال في جواب ابن عمر :

يا عبد الله! أما علمت أنّ من هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغيّ من بغايا بني اسرائيل ... : فلم يعجّل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر! ثمّ يقول له : اتّق الله ، يا أبا عبد الرحمن ولا تدعنّ نصرتي.

كأنّ الإمام يشير في حديثه إلى أنّ شأنه شأن يحيى ويدعو ابن عمر إلى نصره في ما اختار لنفسه من سبيل.

وقال الإمام في خطبته عند توجّهه إلى العراق :

خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وقد خير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن منّي أكراشا جوفا ، وأحوية سغبا ، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين ، لن تشذّ عن رسول الله لحمته ، وهي مجموعة له في حضيرة القدس ، تقرّبهم عينه وينجز بهم وعده.

من كان باذلا فينا مهجته ، وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ... وما نزل الإمام منزلا ولا ارتحل منه إلّا ذكر يحيى بن زكريا ومقتله (٢)

لبّى الإمام نداء أهل الكوفة اتماما للحجّة :

كان الإمام يعلم بالبداهة وبحسب حكم طبائع الأشياء ، ومع صرف

__________________

(١) راجع قبله ص ٢٠٦.

(٢) مضى ذكر مصادر هذه الأخبار.

النظر عمّا كان قد علمه من الامور الغيبيّة بانباء رسول الله عن الله عزّ اسمه بمقتله ، كان يعلم أنّ عليه أن يختار أحد اثنين لا ثالث لهما : إمّا البيعة وإمّا القتل ، وكان يشير إلى ذلك في أقواله مرّة بعد أخرى ، وقد بان ذلك منذ أوّل مرّة طلب منه البيعة بعد موت معاوية حيث أشار مروان على والي المدينة أن يأخذ منه البيعة وأن يقتله إن أبى ، ففرّ منهم الإمام إلى مكة والتجأ إلى بيت الله الحرام.

وتبيّن له في مكة أنّ يزيد يريد أن يغتاله ، وخشي أن يكون الذي تستباح به حرمة البيت كما صرّح به لاخيه محمّد ابن الحنفيّة وقاله أيضا لابن الزبير حين قال له :

وايم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيّ حاجتهم ، والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت ...

والله لأن أقتل خارجا منها أحبّ إليّ من أن أقتل داخلا منها بشبر.

وقال لابن عباس :

لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن أقتل بمكّة وتستحلّ بي.

إذا فإنّ الإمام كان يعلم انّه لا محيص له عن القتل أينما كان ، ما زال ممتنعا عن بيعة خليفة المسلمين يزيد بن معاوية فاختار سبيل الشهادة لنفسه ولمن تبعه!

أمّا أهل الكوفة ، فانهم بعد أن توالت كتبهم إلى الإمام الحسين (ع) يقولون فيها انّه ليس علينا امام فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ ، والنعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا عيد ، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت أخرجناه حتّى نلحقه بالشام.

ويقولون :

إلى الحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين. أما بعد فحيّ هلا ،

فان الناس ينتظرونك ، ولا رأي لهم في غيرك ، فالعجل العجل ...

وكتب إليه رؤساء أهل الكوفة : فأقدم على جند لك مجنّد.

وكتبوا إليه : انّه معك مائة ألف سيف ...

بعد ما توالت عليه أمثال الكتب الآنفة من الرجل والاثنين والاربعة ومن رؤساء أهل الكوفة وتكاثرت حتّى ملأت خرجين.

بعد كلّ ذلك لو أنّ الإمام لم يلبّ دعوة أهل الكوفة ، وبايع يزيد ، أو أنه لم يبايع يزيد ولكنّه استشهد بمكان آخر ، كان عندئذ قد فرط في حقّ أهل الكوفة. وكان الناس أبد الدهر وجيلا بعد جيل يسجّلون لاهل الكوفة الحق على الإمام ، وفي يوم القيامة كانت لهم الحجّة على الله جلّ اسمه ، ولله الحجّة البالغة على خلقه.

إذن فما فعله الإمام الحسين (ع) مع أهل الكوفة كان من باب إتمام الحجّة عليهم وليس غيره ، ولو لم يكن هذا بل كان سبب توجّه الإمام الحسين (ع) إلى العراق انخداعه بكتب أهل الكوفة وطلبهم الحثيث ، لرجع حين بلغه خبر مقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، ومن قبل أن يصل إليه الحرّ بن يزيد ويلازمه بأيّام (١).

أجل إن الإمام الحسين (ع) قد أتمّ الحجّة بما فعل على أهل العراق وعلى غيرهم وقال الله سبحانه : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).

ذهب إلى العراق لاتمام الحجة لا لقول بني عقيل :

وقد يتوهّم متوهّم ويقول : كان سبب ذهاب الإمام إلى العراق بعد وصول نبأ مقتل مسلم وهانئ إليه قول بني عقيل : «لا نبرح حتّى ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق أخونا» وأنّ الإمام بسبب هذا القول عرّض نفسه ونفوس من

__________________

(١) راجع قبله ص ٢٠٤ ـ ٢٢٨.

معه للقتل ، فالحقّ أنّ هذا ليس بصحيح ولا ينبغي أن يقوله من له مسكة من عقل ، وإنّما الصحيح أنّه لمّا كان سيّان للامام أن يتوجّه إلى العراق أو إلى أيّ بلد آخر بالنسبة إلى المصير الذي كان ينتظر الامام ، وهو القتل ، ما زال ممتنعا عن بيعة خليفة المسلمين يزيد ، وكان من واجبه إتمام الحجّة على أهل العراق ولمّا تتمّ يوم ذاك ، وإنّما تمّت بعد أن ألقى عليهم هو وأصحابه الخطبة بعد الخطبة منذ أن قابل جيش الحرّ حتّى يوم عاشوراء وعند ذاك فقط تمّت الحجّة عليهم. إذا كان لا بدّ للامام أن يذهب إلى كربلاء بعد اطّلاعه على مصرع مسلم وهانئ أيضا ، دون الرجوع من حيث أتى أو الذهاب إلى أيّ بلد آخر.

وقد أتمّ الإمام الحجّة على أهل الكوفة وعلى من بلغه خبره من معاصريه في إنكاره على الطاغوت يزيد إنكارا دوّى صداه على وجه الأرض ، وبقي مدويّا ما كرّ الجديدان ، فانّه لم يكتف بالامتناع عن بيعة يزيد والجلوس في داره حتّى يقتل فيها ويذهب ضحيّة باردة ثمّ تطمس أجهزة الخلافة على حقيقة خبره ، بل قام بكلّ ما ينشر خبره ، ويعلن حقيقة أمره وامر الخلافة ، كما نشرحه في ما يلي.

حكمة الإمام (ع) في كيفيّة قيامه

عارض الإمام في المدينة بيعة خليفة اكتسب شرعيّة حكمه لدى المسلمين ببيعتهم إيّاه، وقاوم عصبة الخلافة في المدينة حتّى انتشر خبره ، ثم توجّه إلى مكة والتزم الطريق الأعظم ولم يتنكبه مثل ابن الزبير ، وورد مكة والتجأ إلى بيت الله الحرام فاشرأبّت إليه أعناق المعتمرين ، وتحلّقوا حوله يستمعون إلى سبط نبيّهم وهو يحدّثهم عن سيرة جدّه ويشرح لهم انحراف الخليفة عن تلك السيرة!. ثم أعلن دعوته وكاتب البلاد ودعا الامّة إلى القيام المسلّح في وجه الخلافة ، وتغيير ما هم عليه ، وطلب منهم البيعة على ذلك ، وليس على أن يعينوه ليلي الخلافة ، ولم يمنّ الإمام أحدا بذلك بتاتا ولم يذكره في خطاب ولم يكتبه في كتاب ، بل كان كلّما نزل منزلا أو ارتحل ضرب بيحيى بن زكريّا مثلا لنفسه ، وحقّ له ذلك فانّ كلا منهما أنكر على طاغوت زمانه الطّغيان والفساد ، وقاومه حتّى قتل ، وحمل رأسه إلى الطاغية! فعل ذلك يحيى بمفرده ، والحسين مع أعوانه وأنصاره وأهل بيته ، ولا يفعل ذلك من يريد أن يجمع الناس حوله ويستظهر بهم ليلي الخلافة ، بل يمنّيهم بالنصر والاستيلاء على الحكم ولا يذكر للناس ما يؤدّي إلى الوهن والفشل.

بقي الإمام أربعة أشهر في مكّة بما فيهنّ أشهر الحجّ ، واجتمع به

المعتمرون أولا ثم الوافدون لحجّ بيت الله الحرام من كلّ فجّ عميق ، وهو يروي لهم عن جدّه الرسول (ص) عن الله ما يخوّفهم معصيته ، ويحذّرهم عذابه في يوم القيامة ، ويدعوهم إلى تقوى الله وطلب مراضيه ، وينبّههم إلى خطر الخلافة القائمة على الإسلام ، فيسمعون منه ما لم يسمعوه من غيره في ذلك العصر ، وبقي هكذا حتّى أقبل يوم التروية ، وأحرم الحاجّ للحجّ ، واتّجهوا إلى عرفات ملبّين.

في هذا الوقت خالف الإمام الحجيج وأحلّ من إحرامه وخرج من الحرم قائلا أخشى أن تغتالني عصبة الخلافة لانّي لم أبايع فتهتك بي حرمة الحرم ، ولأن أقتل خارجا منه بشبر أحبّ إليّ من أقتل داخلا بشبر. إنّ الإمام لم يقل عندئذ أذهب إلى العراق لألي الحكم ؛ بل قال : أذهب لاقتل خارجا من الحرم بشبر.

ويعود الحجيج إلى مواطنهم ويبلغ معهم خبر الإمام الحسين إلى منتهى الخفّ والحافر ، يبلغ خبره إلى أيّ صقع من أصقاع الأرض يمرّ به ركب الحجيج الذي يحمل معه إلى المسلمين في كلّ مكان النبأ العظيم ، نبأ خروج سبط نبيّهم على الخلافة القائمة ودعوته المسلمين إلى القيام المسلّح ضدّ الخلافة لأنّه يرى الخليفة قد انحرف عن الإسلام ويرى الخطر محدقا بالإسلام مع استمرار هذا الحكم ، فيتعطّش المسلمون في كل مكان لمعرفة مآل هذه المعركة ، معركة أهل بيت الرسول مع عصبة الخلافة ، ويتنسّمون أخبارها فيبلغهم أنّ الحسين (ع) خرج لا يلويه شيء ، ولا يثني عزمه تحذير المحذّرين ، ولا تخذيل المخذّلين ، لا يلويه قول عبد الله بن عمر : استودعك الله من قتيل ، ولا قول الفرزدق : قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أميّة ، ولا كتاب عمرة وحديثها عن عائشة عن رسول الله أنّه يقتل بأرض بابل ، هكذا تبلغهم أخبار الإمام خبرا بعد خبر ، ويمضي الحسين (ع) متريثا متمهلا لا يخفي من أمره

شيئا ، بل يبادر إلى كل فعل يشهر مخالفته للخليفة يزيد ، فيأخذ ما أرسله والي اليمن إلى الخليفة من تحف وعطور ويعلن بفعله هذا عدم شرعية تصرف الخليفة ، وكذلك يفعل كلّ ما يتمّ به الحجّة على من اجتمع به أو بلغه خبره ، ويبالغ في ذلك ، وأخيرا يستقبل بالماء جيش عدوّه وقد أجهده العطش في صحراء لا ماء فيها يرويهم ويروي مراكبهم ، ولا يقبل أن يباغت هذا الجيش بالحرب ، بل يتركهم ليكونوا هم الذين يبدءوه بالحرب ، ثم انه يتمّ الحجّة على هذا الجيش ويخاطبهم بعد أن يؤمّهم بالصلاة ويقول :

معذرة إلى الله عزوجل وإليكم ، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم ، وقدمت عليّ رسلكم أن أقدم علينا فانّه ليس لنا امام لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى ، فان كنتم على ذلك ، فقد جئتكم ، فان تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين ، أنصرف عنكم.

وقال في خطبته الثانية :

إن تتّقوا وتعرفوا الحقّ لاهله يكن أرضى لله ، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان ...

وأتمّ الحجّة أيضا على أصحابه وخطب فيهم وقال :

ألا ترون الحقّ لا يعمل به وانّ الباطل لا يتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّا ، فانّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة (١) مع الظالمين إلّا برما.

فقال له أصحابه : والله لو كانت الدنيا باقية وكنّا فيها مخلّدين إلّا أنّ فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الاقامة فيها.

وقال في جواب اقتراح الطرمّاح أن يذهب إلى جبلي طيّ فيدافع عنه

__________________

(١) في الطبري (إلّا شهادة ولا الحياة) تصحيف.

عشرون ألف طائي : انّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف.

إنّه قد كان بين الحسين (ع) وبين أهل العراق عهد أن يذهب إليهم ولا يقدر أن ينصرف عنهم حتّى يتمّ الحجّة عليهم.

* * *

أتمّ الإمام الحسين (ع) الحجّة على المسلمين في بلادهم وحواضرهم وعواصمهم مدّة خمسة أشهر ، سواء من كان منهم في الحرمين أو العراقين ـ البصرة والكوفة ـ وكذلك من كان في الشام حين أسمعهم حججه في خطبه وكتبه وعلى لسان رسله وأبلغهم نبأه.

وباشر القيام المسلّح بأخذه البيعة ممن بايعه على ذلك ، ثمّ في قتال سفيره مسلم ثمّ في توجّهه إلى العراق متريثا ، وكان بامكان جماهير الحجيج أن يلتحقوا بعد الحجّ بركبه المتمهّل في السير ، وكان بامكان أهل الحرمين والعراقين وسائر البلاد الإسلاميّة أن يلبّوا دعوته حين استنصرهم ، فانّه لم يؤخذ على حين غرّة ليكونوا معذورين لانه لم تؤاتهم الفرصة لنصرته ، بل انه تنقّل من بلد إلى بلد يداور عصبة الخلافة ويحاور بمنظر من المسلمين ومخبر ، اذن فقد اشترك الجميع في تخذيله ، وان تفرّد أهل الكوفة بحمل العار في دعوته ، وتلبية دعوته ثمّ قتالهم ايّاه!.

* * *

أتمّ الإمام الحسين (ع) الحجّة على المسلمين عامّة بما قال وفعل من قبل أن يصل إلى عرصات كربلاء ، ولمّا انتهى إليها وقلب له أهل العراق ظهر المجنّ ، وازدلف إليه هناك عشرات الالوف منهم ، يتقرّبون إلى عصبة الخلافة بدمه ، عند ذاك أتمّ عليهم ـ وعلى عصبة الخلافة خاصّة ـ الحجّة بما قال وفعل :

فقد اقترح على عصبة الخلافة أوّلا أن يتركوه فيلقي السلاح ويرجع إلى

المكان الذي أتى منه أو يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، وبذلك لا يبقى أيّ خطر منه على حكمهم كما كان شأن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد مع أبيه الإمام علي (ع) حين لم يبايعوه ، فلمّا أبى عليه جيش الخلافة إلّا أن يبايع وينزل على حكم ابن زياد ، أبى ذلك واستعدّ للقاء الله ؛ ولإتمام الحجّة على جيش الخلافة من أهل العراق ، وعلى أصحابه خاصّة ، طلب منهم عصر التاسع من محرّم أن يمهلوه ليلة واحدة ليصلّي لربّه ويتضرّع ويتلو كتابه فانّه يحبّ ذلك ، وبعد لأي لبّوا طلبه فجمع أصحابه ليلة العاشر من محرّم وخطب فيهم وقال في خطبته :

ألا وانّي أظنّ أن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا وانّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حلّ ، ليس عليكم منّي ذمام ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كلّ واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعا خيرا ، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم فانّ القوم إنّما يطلبونني ، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري.

فقال له الهاشميّون :

لم نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا!

والتفت إلى بني عقيل وقال :

حسبكم من القتل بمسلم ، اذهبوا قد أذنت لكم!

فقالوا : .. لا والله لا نفعل ، ولكن نفديك بأنفسنا ، وأموالنا وأهلينا ، نقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك!.

ثمّ تكلّم أنصاره فقال مسلم بن عوسجة :

أنحن نخلّي عنك؟! وبما ذا نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟ أما والله لا أفارقك حتّى أطعن في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في

يدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتّى أموت معك.

وقال سعيد بن الحنفي :

والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسوله فيك. أما والله لو علمت انّي أقتل ثمّ أحيا ، ثمّ أحرق حيّا ثمّ أذرّى ، يفعل بي ذلك سبعين مرّة ، لما فارقتك حتّى ألقى حمامي ، فكيف لا أفعل ذلك وانّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا ، وتكلّم باقي الأصحاب بما يشبه بعضه بعضا. وبعد هذه الخطبة تهيّئوا للقاء ربّهم وأحيوا الليل بالعبادة. قال الراوي :

«فلمّا أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون».

واستعدّوا كذلك للقاء خصومهم واتمام الحجّة عليهم في يوم غد ، فأمر الإمام بمكان منخفض من وراء الخيام كأنّه ساقية فحفروه في ساعة من الليل ، وأمر فأتي بحطب وقصب فألقي فيه ، فلمّا أصبحوا استقبلوا القوم بوجوههم وجعلوا البيوت في ظهورهم وأمر بذلك الحطب والقصب من وراء البيوت فأحرق بالناركي لا يأتوهم من ورائهم ، وبذلك منعهم الإمام من الحملة عليه بغتة وقتله قبل اتمامه الحجّة عليهم ، بل ألقى عليهم هو وأصحابه الخطبة تلو الخطبة. وحين تقابل الجيشان في يوم عاشوراء واستعدّا للقتال بدأهم الإمام الحسين فركب ناقته واستقبلهم واستنصتهم ثمّ قال في خطبته :

أيّها الناس! اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم ...

آمنتم بالرسول محمّد (ص) ثمّ انكم زحفتم إلى ذريّته وعترته تريدون قتلهم ...

أيّها الناس! انسبوني من أنا ، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحلّ قتلي وانتهاك حرمتي؟!

ألست ابن بنت نبيكم ...؟

أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي : هذان سيّدا شباب أهل الجنّة؟ فان كنتم في شكّ من هذا القول أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم؟ فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم ، ويحكم! أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟!

ونادى :

يا شبث بن ربعي! ويا حجّار بن أبجر! ويا قيس بن الاشعث! ويا زيد بن الحارث!ألم تكتبوا إليّ أن أقدم قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب ، وانّما تقدم على جند لك مجنّد؟

وقال :

أيّها الناس! إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم!

فقال له قيس بن الأشعث :

أولا تنزل على حكم بني عمّك ..؟

وقال الحسين (ع) :

ألا وانّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركّز بين اثنتين ، بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ...

وقال :

أما والله لا تلبثون بعدها إلّا كريثما يركب الفرس حتّى تدور بكم دور الرحى ... عهد عهده إليّ أبي عن جدّي رسول الله ..

ثمّ رفع يديه إلى السماء وقال :

اللهمّ احبس عنهم قطر السماء ... وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة ...

* * *

إذن فانّ جيش الخلافة من أمّة محمّد (ص) يقاتلون ابن بنت نبيّهم من أجل أن يبايع يزيد وينزل على حكم ابن زياد ، ويتقبل الإمام الحسين وجيشه قتل رجالهم وسبي نسائهم ولا يفعلون ذلك.

جيش الخلافة يقتل ابن بنت نبيّه ويسبي عترته من أجل كسب رضا الخليفة ، وواليه ، وكسب حطام الدنيا منهما.

والإمام وجيشه يستشهدون من أجل كسب رضا الله وتحصيل ثوابه في يوم القيامة.

يدلّ على ذلك بالإضافة إلى ما سبق ذكره ، جميع أفعال الجيشين وأقوالهما في ذلك اليوم.

بدأ القول والفعل أمير جيش الخلافة عمر بن سعد حين وضع سهما في كبد قوسه ثمّ رمى وقال : اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل من رمى.

ورفع الحسين (ع) يديه وقال :

اللهم أنت ثقتي في كلّ كرب ورجائي في كلّ شدّة ...

وتسابق الجيشان يكشفان عن دخائل نفوسهما في ما يقولان ويفعلان ؛ مثل مسروق الوائلي من جيش الخلافة حين قال : كنت في أوائل الخيل ممّن سار إلى الحسين فقلت : أكون في أوائلها لعلّي أصيب رأس الحسين (ع) فأصيب به منزلة عند عبيد الله ابن زياد.

في جيش الخلافة من يريد أن يأخذ رأس ابن بنت نبيّه ليتقرّب به إلى ابن زياد.

وفي جيش الحسين (ع) جون ، مولى أبي ذر ، إنّه يستأذن الإمام للقتال فيقول له الحسين :

إنّما تبعتنا طلبا للعافية فأنت في اذن منّي ، فيقول : أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدّة أخذلكم! إنّ ريحي لمنتن وحسبي للئيم ولوني لأسود.

فتنفّس عليّ بالجنّة ليطيب ريحي ويبيضّ لوني ، لا والله لا أفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ...

ولمّا أذن له الحسين (ع) حمل عليهم وهو يقول :

كيف يرى الفجّار ضرب الأسود

بالمشرفيّ القاطع المهنّد

أحمي الخيار من بني محمّد

أذبّ عنهم باللسان واليد

أرجو بذاك الفوز عند المورد

من الاله الواحد الموحّد

وبعد ما قتل وقف عليه الحسين (ع) وقال :

اللهم بيّض وجهه وطيّب ريحه واحشره مع محمّد (ص) وعرّف بينه وبين آل محمّد (ص).

وفي جيش الحسين (ع) فتى عمره احدى عشرة سنة قتل أبوه في المعركة يستأذن الحسين للقتال فأبى أن يأذن له وقال : هذا قتل أبوه ، ولعلّ أمّه تكره ذلك فقال : انّ أمّي أمرتني ، فلمّا قتل رمي برأسه إلى عسكر الحسين (ع) فأخذته أمّه ومسحت الدم عنه وضربت به رجلا قريبا منها وعادت إلى المخيم فأخذت عمودا وتقدّمت إلى جيش العدى وهي تقول :

أنا عجوز سيّدي ضعيفة

خاوية بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشريفة

فأمر الحسين (ع) بردّها.

وفي جيش الحسين (ع) عمرو الازديّ برز وهو يقول :

اليوم يا نفس إلى الرحمن

تمضين بالروح وبالريحان

اليوم تجزين على الاحسا

قد كان منك غابر الزمان

ما خطّ باللوح لدى الديّان

فاليوم زال ذاك بالغفران

وفي جيش الحسين (ع) خالد ابن هذا القتيل برز وهو يقول :

صبرا على الموت بني قحطان

كيما نكون في رضى الرحمن

ذي المجد والعزة والبرهان

يا أبتا قد صرت في الجنان

وفي جيش الحسين (ع) سعد بن حنظلة ، برز وهو يقول :

صبرا على الاسياف والأسنه

صبرا عليها لدخول الجنّة

يا نفس للراحة فاطرحنّه

وفي طلاب الخير فارغبنّه

ومن جيش الحسين ، زهير أخذ يضرب على منكب حسين ويقول :

أقدم هديت هاديا مهديّا

فاليوم تلقى جدّك النبيّا

وحسنا والمرتضى عليّا

وذا الجناحين الفتى الكميّا

وأسد الله الشهيد الحيّا

ويقول :

أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا

وشيخك الخير عليا ذا الندى

وحسنا كالبدر وافى الاسعدا

وعمّك القرم الهجان الاصيدا

وحمزة ليث الإله الأسدا

في جنّة الفردوس تعلو صعدا

ومن جيش الحسين (ع) ، حمل نافع وهو يقول :

أنا الغلام اليمني الجمليّ

ديني على دين حسين وعليّ

ان أقتل اليوم فهذا أملي

وذاك رأيي وألاقي عملي

وفي جيش الحسين (ع) يقول ابنه علي :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

ويقول القاسم ابن أخيه :

إن تنكروني فأنا فرع الحسن

سبط النبي المصطفى والمؤتمن

ويقول محمّد بن عبد الله بن جعفر :

أشكو إلى الله من العدوان

فعال قوم في الردى عميان

قد بدّلوا معالم القرآن

ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان

ويقول أخوه العباس بعد أن قطعت يمينه :

والله ان قطعتم يميني

إنّي أحامي أبدا عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

نجل النبي الطاهر الأمين

ويقول :

يا نفس لا تخشي من الكفار

وأبشري برحمة الجبار

مع النبي السيد المختار

وفي جيش الخلافة من يرمي الطفل الرضيع في حجر أبيه الإمام.

وفي جيش الخلافة من يقطع الصبي الذاهل بسيفه أمام أمّه.

* * *

ليت شعري هل قتل جيش الخلافة الطفل الصغير لانه لم يبايع خليفتهم؟!

أم هل سبوا بنات رسول الله وساروا بهن من كربلاء إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام وأحضروهن دار الامارة في الكوفة وعرضوهن في محل عرض الاسارى في الشام وأحضروهن مجلس الخلافة من أجل أن يبايعن الخليفة؟! لما ذا فعلوا ذلك وغير ذلك؟

لما ذا أحرق جيش الخلافة خيام آل الرسول (ص)؟!

ولما ذا داس جيش الخلافة بحوافر خيولهم صدر ابن بنت رسول الله وظهره؟!

ولما ذا ترك جسده وأجساد آل بيته وأنصاره في العراء ولم يدفنوهم؟!

ولما ذا قطعوا رءوسهم واقتسموها في ما بينهم وحملوها على أطراف الرماح؟!

إنّهم فعلوا ذلك من أجل أن يبلغ ابن زياد أنهم سامعون مطيعون. فقد قال راجزهم :

فأبلغ عبيد الله إمّا لقيته

بأني مطيع للخليفة سامع

إذا فقد استهدفوا من كل ذلك رضا ابن زياد وطاعة الخليفة. كما ذكره الآخر حين قال :

املأ ركابي فضة وذهبا

إني قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أمّا وأبا (١)

من أجل كسب رضا الخليفة وواليه فعلوا كل ذلك ، ومن أجل كسب الذهب والفضة منهما. من أجل هذا ينشدون أمام قصر ابن زياد :

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر

بكل يعبوب شديد الاسر

وقال خوليّ لزوجته : جئتك بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين معك في البيت.

إذن فانّ جيش الإمام (ع) عند ما يقاتلون كانوا يطلبون بذلك رضا الله ورسوله والدار الآخرة.

وجيش الخليفة يفعلون في سبيل رضا يزيد وابن زياد وكسب الذهب والفضة.

وقد أقرّ الخليفة عيونهم فأمر لعبيد الله بن زياد بن أبيه بألف ألف ، وأمر لأهل الكوفة جزاء السامع المطيع ، وزاد في أعطياتهم مائة مائة.

أمّا لما ذا فعل خليفة المسلمين ما فعل؟! ولما ذا نكت ثنايا أبي عبد الله بالقضيب؟ ولما ذا نصب رأسه ثلاثا في دمشق وسار به من بلد إلى بلد؟! فإنّه بنفسه قد أفصح عن سبب أفعاله وأقواله حين أنشد قائلا :

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

__________________

(١) في تاريخ ابن عساكر ، الحديث ٧٧٥ ، وتهذيبه ٤ / ٣٤٤ وفيه (أوقر) مكان (املأ).

إذا فإنّها أحقاد بدريّة! ألم تبقر هند أمّ أبيه في أحد بطن حمزة ، وتمثّل به ، وتمضغ كبده ، ثم أنشأت تقول :

شفيت من حمزة نفسي بأحد

حين بقرت بطنه عن الكبد؟!

أولم يضرب جدّه أبو سفيان بزجّ الرمح في شدق حمزة يوم ذاك ويقول : ذق عقق!.

فرآه الحليس سيد الاحابيش وقال :

يا بني كنانة! هذا سيّد قريش يصنع بابن عمّه لحما ما ترون؟!.

ألم يقل جدّه أبو سفيان على عهد عثمان وبمحضر منه :

يا بني أميّة تلقّفوها تلقّف الكرة. فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرنّ إلى صبيانكم وراثة؟!.

ألم يمرّ يومئذ بقبر حمزة ويضربه برجله ويقول :

يا أبا عمارة! انّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس ؛ صار بيد غلماننا اليوم يتلعّبون به؟! ألم يقل أبوه معاوية :

إنّ أخا بني هاشم ـ ويقصد به رسول الله ـ ليصاح به يوميا خمس مرّات. لا والله إلّا دفنا دفنا!.

ألم يقتل جيش أبيه الخليفة معاوية بقيادة ابن ارطاة في وجهه الذي وجّهه ثلاثين ألفا من المسلمين وحرّق بيوتهم وذبح طفلي عبيد الله بن العبّاس بيده بمدية (١)؟!

إذا فانّ خليفة المسلمين يزيد اقتدى بجديه وأبيه في ما قال وفعل.

__________________

(١) راجع تفصيل أخبار أبي سفيان وهند ومعاوية هذه في فصل : «مع معاوية» من كتابنا «أحاديث أم المؤمنين عائشة» ص ٢١٣ ـ ٢٥٠.

وانّ عصبة الخلافة يزيد ومروان وسعيدا أيضا اشتفوا من رسول الله ما كان فعل!.

أثر استشهاد الحسين (ع)

لقد قتلوا ذريّة الرسول (ص) ومثّلوا بهم وطافوا بآل رسول الله (ص) سبايا في بلاد المسلمين والمسلمون بمرأى ومسمع. كلّ تلك الأحداث الجسام وقعت بين كربلاء والكوفة والشام في أقلّ من شهرين من خروج الحسين من مكة يوم التروية.

وكان قد بلغ خبر خروج الإمام على خليفة المسلمين مع عودة الحاجّ إلى كلّ فجّ عميق.

وكان طبيعيّا أن يتنسّم المسلمون أخباره بعد ذلك ، وتبلغهم أنباء تلك الفجائع فجيعة بعد فجيعة ، وتنكسر لتلك الانباء قلوب المؤمنين ويحزنوا.

وكان وقع المصيبة حقّا عظيما على من بلغه نبأها من المسلمين ، فقد وقعت الصيحة في دار يزيد ، وشمل الانكار عليه أهل مجلسه ومسجده ، وأينما بلغت أخبار فضائعه ، وانقسم المسلمون اثر هذه الفجيعة إلى قسمين :

قسم انضوى تحت لواء الخلافة لا يثنيه عن ولاء الخليفة قتل ذريّة الرسول ، ولا استباحة حرمه ، ولا هدم الكعبة ، بل ازدادوا قساوة وفضاضة.

وقسم آخر انكسر مقام الخلافة في نفسه وتبرّأ من فعل عصبة الخلافة وخرج عليهم ، مثل أهل المدينة في وقعة الحرّة وغيرهم ممّن ثاروا على عصبة

الخلافة.

وتوالت الثورات والخروج على الخلافة من قبل الفريق الآخر ، وقليل من هذا الفريق عرفوا حقّ أئمّة أهل البيت (ع) واتّبعوهم وائتمّوا بهم. وكان بدء ذلك على عهد قيام الإمام الحسين ، كما فعل زهير بن القين الذي كان عثمانيا وأصبح بعد الاجتماع بالامام علويّا حسينيا ، والحرّ بن يزيد الرياحي أحد قادة جيش الخلافة لحرب الإمام الذي تاب واستشهد دون الحسين (ع).

هذا القليل من هذا الفريق أدرك مجانبة الإسلام مع سيرة الخلافة القائمة ، وآمن بصحة إمامة أئمّة أهل البيت ، وتهيّأت نفسه لقبول أحكام الإسلام الذي جاء به رسول الله (ص) والّذي كان مخزونا لدى أئمة أهل البيت (ع) يتوارثونه كابر عن كابر ، ومن ثمّ أمكن نشر أحكام الإسلام وتبليغها من جديد ، فعني بذلك أئمّة أهل البيت ، وبدأ العمل لذلك الإمام السجّاد فمهّد له في مرض وفاته كما يلي.

أئمّة أهل البيت (ع) يتداولون مواريث النبوّة

الإمام السجاد (ع) يدفع مواريث النبوة إلى الإمام الباقر (ع) في تظاهره

لمّا حضرت علي بن الحسين (ع) الوفاة أخرج صندوقا عنده ، فقال : يا محمّد! احمل هذا الصندوق. فحمل بين أربعة ، فلمّا توفّي جاء اخوته يدّعون في الصندوق ، فقال لهم : والله ما لكم فيه شيء ، ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إليّ. وكان في الصندوق سلاح رسول الله (ص).

ونظر الإمام السجّاد (ع) إلى ولده ، وهو يجود بنفسه وهم مجتمعون عنده ، ثمّ نظر إلى ابنه محمّد فقال : يا محمّد خذ هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك وقال : أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ، ولكن كان مملوّا علما.

هذه التظاهرة في تسليم الكتب اختصّ بها الإمام السجّاد (ع) ولم يفعل نظيرها من سبقه من الأئمة ولا فعل مثلها من جاء بعده منهم ، والحكمة في عمله تهيئة الاجواء للامام الباقر (ع) كي ينقل للناس أحكام الإسلام وعقائده عمّا ورثه من رسول الله (ص) من كتب في مقابل من كان يفتي برأيه مثل الحكم ابن عتيبة فانّه اختلف مع الإمام الباقر (ع) في شيء فقال لابنه الصادق (ع) : يا بنيّ قم ، فأخرج كتابا مدروجا عظيما وجعل ينظر حتّى أخرج المسألة فقال : هذا خطّ عليّ واملاء رسول الله ، وأقبل على الحكم وقال : يا أبا محمّد!

اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يمينا وشمالا فو الله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل.

هكذا بدأ الإمام الباقر (ع) من بين الأئمّة (ع) بإراءة الكتب التي ورثوها عن جدّه الإمام علي من املاء رسول الله للمسلمين وأقرأها بعضهم ، وتابعه في ذلك الإمام جعفر الصادق وأكثر من توصيفها والنقل عنها وبيان ما فيها وانّها كيف كتبت ، وأنّ فيها كلّ ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة حتّى ارش الخدش.

وكان الأئمّة يصادمون في عملهم هذا مدرسة الخلافة في اعتمادها على الرأي والقياس في استنباط الأحكام وبيانها ، وكانوا يصرّحون بأنّهم لا يعتمدون الرأي وانّما يحدّثون عن رسول الله. كما قال الإمام الصادق (ع) :

حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله ، وحديث رسول الله قول الله عزوجل.

* * *

بعد ما انصرفت قلوب بعض المسلمين عن مدرسة الخلافة اثر استشهاد الحسين (ع) وأدركوا أنّ أولئك ليسوا على حقّ في ما يقولون ويفعلون ، ومالت قلوبهم إلى أهل بيت رسول الله (ص) ؛ عند ذاك استطاع أئمة أهل البيت أن يبصّروا بعضهم أمر دينهم ، ويعرّفوهم أنّ مدرسة الخلفاء تعتمد الرأي في الدين في قبال أئمّة أهل البيت الذين يبلّغون عن الله ورسوله ، وكان الفرد المسلم بعد تفهّم هذه الحقيقة ، يتهيّأ لقبول ما يبيّنه الإمام من أئمّة أهل البيت ، ومن ثمّ بدأ بعض الأفراد يتلقّى الحكم الإسلامي الذي جاء به رسول الله

عن طريقهم. وكذلك استبصر الفرد بعد الآخر حتّى تكونت منهم جماعات اسلاميّة واعية ، ومن الجماعات الواعية مجتمعات اسلاميّة صالحة قائمة على أسس من المعرفة الإسلامية الصحيحة ، وعند ذاك احتاجوا إلى مرشدين فعيّن لهم الأئمّة من يقوم بذلك وينوب عنهم في أخذ الحقوق المالية ، فكانوا يرجعون إلى الوكلاء النوّاب في ذينك تارة ، وأخرى يجتمعون بامامهم إذا تيسّر لهم السفر إليه.

وإلى جانب ذلك ساعدت الظروف أحيانا الأئمّة منذ الإمام الباقر (ع) على تكوين حلقات دراسيّة يحضرها الأمثل فالأمثل من أهل عصرهم ، يحدّثهم الإمام فيها عن آبائه عن جدّه الرسول (ص) تارة ، ويروي لهم عن جامعة الإمام علي (ع) تارة أخرى ، وثالثة يبين لهم الحكم دون ما اسناد ، وتوسّعت تلك الحلقات على عهد الإمام الصادق (ع) حتّى بلغ عدد الدارسين عليه أربعة آلاف شخص ، وكان تلاميذهم يدونون أحاديثهم في رسائل صغيرة تسمّى بالاصول ، دأبوا على ذلك حتّى بلغوا عصر المهدي ، ثاني عشر أئمّة أهل البيت (ع) ، وغاب عن أنظار الناس وارجع بدءا شيعته أينما كانوا إلى نوّابه الأربعة التالية أسماؤهم :

أ ـ عثمان بن سعيد العمري.

ب ـ محمّد بن عثمان بن سعيد العمري.

ج ـ أبو القاسم حسين بن روح.

د ـ أبو الحسن علي بن محمّد السمري.

ومارس هؤلاء النيابة عن الإمام زهاء سبعين عاما يتوسّطون بينه وبين الشيعة حتّى تعوّدت الشيعة على الرجوع إلى نوّاب الإمام وحدهم في ما ينوبهم ، وألّف في هذا العصر ثقة الإسلام الكليني أوّل موسوعة حديثيّة في مدرسة أهل البيت (ع) أسماها الكافي ، جمع فيها قسما كبيرا من رسائل

خرّيجي هذه المدرسة التي كانت شائعة في ذلك العصر يرويها المئات عن أصحابها ، وبذلك بدأ عهد جديد في تدوين الحديث بمدرسة أهل البيت (ع).

* * *

جاهد الأئمّة بعد استشهاد الحسين (ع) لاعادة الإسلام الصحيح إلى المجتمع فأعادوه حكما بعد حكم وعقيدة بعد عقيدة حتّى تمّ في نهاية هذا العهد تبليغ جميع ما جاء به الرسول ، وأبعد عنه كلّ محرّف وزائف في حدود من تقبّل منهم ، وتمّ تدوين جميع سنّة الرسول (ص) في رسائل صغيرة ومدوّنات كبيرة.

وكذلك جاهدوا في ارشاد أبناء الامّة فردا بعد فردا حتّى تكونت منهم مجتمعات إسلاميّة صالحة فيها علماء يرجعون إلى مدوّنات حديثية ، حوت كلّ ما تحتاجه أبناء الأمّة من حقائق الإسلام ، وبذلك انتهى واجب الأئمّة التبليغي في نهاية هذا العهد ، كما انتهى واجب رسول الله التبليغي في آخر سنة من حياته فقبضه الله إليه صلوات الله عليه وآله.

وكذلك اقتضت حكمة الله أن يحتجب في نهاية هذا العهد الإمام المهدي (ع) عن الانظار إلى ما شاء الله ، فأرجع شيعته إلى فقهاء مدرستهم وأنابهم عنه نيابة عامّة دون تعيين أحد بالخصوص ، وبذلك بدأ عصر غيبة الإمام المهدي الكبرى ، وناب عنه فقهاء مدرستهم في حمل أعباء التبليغ إلى اليوم وإلى ما شاء الله. كما نبيّنه في ما يلي :

نيابة الفقهاء عن الإمام في حمل أعباء التبليغ

مارس خرّيجو مدرسة أهل البيت (ع) حمل أعباء التبليغ على عهد الأئمّة تدريجيا ، وتكامل عملهم في عصر غيبة الإمام الصغرى ، وتنامى في

عصر غيبته الكبرى ، حيث تحوّلت الحلقات الدراسيّة التي كانت تعقد في المساجد والبيوت على عهد الأئمّة إلى معاهد تعليميّة وحوزات علميّة شيّدت في بلاد كبيرة مثل بغداد ، على عهد المفيد والمرتضى ، والنجف الأشرف على عهد الطوسي وغيره ، ثمّ كربلاء والحلّة واصفهان وخراسان وقم في أزمان غيرهم.

ولم يزل منذئذ ولا يزال يهاجر إلى تلك المعاهد والحوزات طلاب العلوم الإسلاميّة من كلّ صقع عملا بالآية الكريمة :

(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة / ١٢٢.

يجتمعون في تلك المعاهد والحوزات حول أساطين العلم ويستقون من معينهم ثمّ يرجعون إلى بلادهم ليقوموا بحمل الدعوة الإسلاميّة إلى كلّ صقع ، دأبوا على ذلك في خدمة الإسلام جيلا بعد جيل ، وكانوا وما يزالون مع المسلمين في كلّ نازلة ، يحاربون خصوم الإسلام أعداء الله وأعداء رسوله أبدا ، ويدافعون عن المسلمين في كلّ مكروه وكذلك لم يزل وما يزال يحاربهم بكلّ سلاح في كلّ عصر ؛ كلّ كافر وملحد ومنافق عليم يريد أن يقضي على الإسلام! وذلك لان نواب الإمام هؤلاء حملوا لواء الإسلام بعده ، وطبيعي أن يهاجم في المعارك حامل اللواء.

ونذكر على سبيل المثال من نواب الإمام في الغيبة الكبرى الشيخ الكليني ، وكان أوّل موسوعيّ في هذه المدرسة اشتهر بتأليفه الكافي ، ثمّ توالت التآليف الموسوعيّة بعده غير أنّ الذين جاءوا بعده كانوا يعنون بنوع واحد من الحديث فيجمعونه في مؤلّفاتهم ، وغالبا ما كانت العناية متّجهة إلى تجميع أحاديث الأحكام مثل ما فعله الشيخ الصدوق في : «من لا يحضره الفقيه» والشيخ الطوسي في : «التهذيب والاستبصار» والشيخ الحرّ العاملي في :

«وسائل الشيعة» إلى أن لمع نجم المجلسي الكبير وألّف موسوعته الكبرى «البحار» على غرار موسوعة الكليني «الكافي» في تجميعه أنواع الأحاديث ، وبزّ المجلسي الموسوعيين جميعا لمّا جمع في موسوعته تلك بين الكتاب والسنّة وفسّر آيات كتاب الله وشرح بعض الأحاديث وبيّن علل بعضها ، إلى غير ذلك من المميزات ، وشارك الكليني في دراساته حول أحاديث الكافي بكتابه (مرآة العقول) استوعب فيها شرح الفاظ الحديث وكشف معانيها وذكر علل الحديث وقوّته وصحّته وفق القواعد المتبنّاة لدى المحدّثين منذ عصر العلّامة الحلّي وابن طاوس ، وخالفهم أحيانا فقال : (ضعيف على المشهور معتمد عندي) أو (معتبر عندي) وكان نتيجة تقويمه لأحاديث الكافي انّه وجد منها خمسة وثمانين وأربعمائة وتسعة آلاف حديث ضعيف من مجموع ١٦١٢١ حديثا.

* * *

آراء القراء

كتاب الأستاذ الربيعي الثاني للمؤلّف :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله ، وعلى آله الطيبين الأطهار.

نبذة مختصرة عن كيفيّة نشر تراث أهل البيت (عليهم‌السلام) في مصر ، ومن خلال تجربتي.

سيدي الفاضل! كما تعلمون إنّ مصر فيها أرضية جيدة لتقبّل وحبّ أهل البيت (ع) ، ثم مصر وما فيها من فكر ومفكرين وعلماء وأهميتها على كافة الأصعدة ، والأزهر المشتق اسمه من فاطمة الزهراء (عليها‌السلام) ، والذي أنشأه الفاطميون ، ومن ذلك التاريخ ولحد الآن تمثل مصر مركزا علميا ، وتعتبر الآن هي قلب العالم السّنّيّ ، وفي السنوات الأخيرة وبعد قيام الثورة الإسلاميّة أصبح الناس هناك متعطشين لمعرفة تراث وعقيدة اولئك المتحمسين للشهادة ، ويا للأسف! بدلا من أن يزوّدوا بالمنهل الصافي ؛ منهل أهل البيت ، قام صدام لعنه الله والسعودية الوهابية بغزو الساحة المصرية بمئات المؤلفات وعشرات العناوين ، وأطنان من المجلات ، وآلاف من الخطباء المأجورين ، وكانت هجمة غير موضوعيّة وزبدا. وهنا وقف الكثير الكثير من المفكرين والعقلاء مندهشين ، وكان لسان حالهم يقول : هل أصبحت ايران شيعية بعد مجيء الإمام الخميني أم إنّها كانت شيعية قبل ذلك؟ ما هو مصدر قوة مذهب الشيعة الذي يقف أمام هذا التحدي العالمي والمحلي؟

لما ذا لا نسمع من الشيعة أنفسهم؟ أين هي كتبهم؟.

وبخلاصة العبارة كانت العقول متعطشة لمعرفة مذهب أهل البيت من أتباعه

لا من خصومه ، وخاصّة اولئك الخصوم غير الموضوعيّين وكتاباتهم والتي هي عبارة عن كيل من الشتائم والسباب التي لا تقنع ناشد الحقّ.

لهذه الأمور فكرنا نحن الطلبة الدارسين في الجامعات المصرية بإيصال ما يمكن ايصاله من تراث أهل البيت (عليهم‌السلام) إلى طالبيه. وكانت بداية عملنا في المراجعات ، وأصل الشيعة واصولها ، وعقائد الإماميّة ، ومعالم المدرستين ، والنص والاجتهاد ، وبعض الكتب والكراسات الأخرى.

كانوا يقولون لنا : إنّا وجدنا أنفسنا كأننا ولدنا من جديد ؛ كنّا نشعر في الماضي بأننا نفتقد شيئا. هناك شيء مفقود ، حتى وجدنا ضالتنا في مذهب أهل البيت وكانت طبعا معاناة ومقارنة ورغم كثرة الباطل وزيفه فما أن جاء حقّ أهل البيت فإذا الزبد يذهب جفاء!!

سيدي الفاضل! هناك في الساحة المصرية مختلف التيارات الفكرية والعقائدية والحزبيّة. حتى الإسلاميون فهم يتكونون من حوالي (٤٠) حزبا وجماعة اسلاميّة ومعظمها تعيش في حيرة عند ما تستخدم تراث الصحابة وخاصّة بعد اصطدامهم بالظلمة وعند ما يأتيهم من يسمون أنفسهم علماء أزهريين يستشهدون بما وضعه مرتزقة معاويّة وجميع من باعوا دينهم بدنيا غيرهم

(أطيعوا أمراءكم وان جاروا وان فسقوا) ، (صلّوا وراء كل برّ وفاجر). لذلك هناك مجموعات كبيرة تركت الأخذ بالحديث كله والاعتماد على القرآن فقط.

لكن ـ وكما تعرفون سيادتكم ـ لا يمكن أبدا الاستغناء عن سنّة الرسول (ص). فكانوا عند ما اطّلعوا على تراث وسنّة أهل البيت الخالية من الشوائب نزلت عليهم رحمة وأخذوا يعملون ليل نهار لإيصال ذلك الحقّ إلى طالبيه.

معالم المدرستين الجزء الأول غيّر أكثر من (٢٠٠) فرد من الضلالة إلى الهدى وجميع هؤلاء من أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والمفكرين.

معالم المدرستين والكتب الموضوعيّة التي على شاكلته هي الدواء الناجح زمانيا ومكانيا (أقصد المكان الساحة المصرية).

وبعد بضع سنوات من المعاناة والصراع الفكري تولّد من ذلك الكثير من العلماء والمفكرين والكتّاب المرموقين والّذين أخذوا يألفون الكتب وعلى طريقة معالم المدرستين والمراجعات ، ووضع المعالم الفاصلة التي تفصل بين الشجرة الطيّبة والشجرة الخبيثة. فإما شجرة محمد (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين وإمّا شجرة أبي سفيان ومعاويّة ويزيد وهند ... خياران لا ثالث لهما.

يا علمائنا الأجلّاء! اغتنموا الفرصة فإنّها تمرّ مرّ السحاب ...

من أجل نصرة مذهب أهل البيت سيما وفي هذا الوقت وبعد أن كشف الله الوهابيّة وفتنهم بصدام فقدوا المصداقيّة ودحض الله حجّتهم وهم الّذين طالما قالوا : إنّ شعارهم الأول هو التوحيد ومحاربة الشرك والمشركين وإذا بهم مع أول صيحة يسبق بهم الفزع والخوف ، وهي الآن فرصتنا. والعمل الذي وجدناه نافعا ومفيدا هو مجرد ايصال ذلك النبع وبطريقة سهلة وميسّرة. فمثلا هذه الكتب وخاصّة كتب العلّامة الجليل شرف الدين والعلّامة الفاضل والمحقق السيّد مرتضى العسكري وبعض الكتب والمؤلفات الاخرى إنّ هناك من العلماء عند ما وقع تحت أيديهم مؤلفات العلّامة العسكري وشرف الدين ومحمد باقر الصدر كانوا يبكون ويقولون : الحمد لله الّذي أنقذنا من الضلالة ، ويقولون : لأول مرّة نجد أنفسنا نقرأ لعلماء كأننا عشنا عمرنا كلّه في غيبوبة.

المهم توجد الإمكانات الفكرية والعاملة لأجل الحقّ لكنها تحتاج إلى التوجيه في بعض الامور والدعم ، بعيدا عن الأعمال التنظيميّة والحزبيّة والدعائيّة.

الله أكبر! الوهابيون ... يوفّرون ويوزّعون كتب ابن تيميّة وابن قيم الجوزية مجّانا ، وكتاب المراجعات يباع في مصر ب (٢٠) جنيه مصري ، والمصريّ راتبه الشهري (٥٠) جنيه معالم المدرستين كان يبيعه اللبنانيون التجار بما يقرب من (٢٠) جنيه قال مولانا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : لو لم تتهاونوا في نصرة الحقّ وتوهين الباطل لم يقو من قوي عليكم.

خلاصة القول : إنّ مصر بحاجة ماسّة وفي هذا الوقت إلى نشر كتب العلّامة العسكري (حفظه الله) ، وكتب شرف الدين (رحمة الله عليه) والحمد لله أولا وآخراً

خادم أهل البيت عليهم‌السلام

... الربيعي

الفهرست

البحث الرابع : قيام الإمام الحسين (ع) ضد الانحراف عن سنة رسول الله (ص)..........

المدخل : حال المسلمين قبل قيام الإمام الحسين (ع)..................................

انقسام الأمة إلى قسمين...................................................... ١٤

نتيجة مساعي الخليفة معاوية.................................................. ١٧

الإمام الحسين (ع) امتنع من بيعة يزيد............................................. ١٩

الفصل الأول : استشهاد الإمام الحسين (ع) أيقظ الأمة من سباتها العميق............. ٢٧

أنباء باستشهاد الحسين (ع) قبل وقوعه........................................... ٣٠

١ ـ خبر رأس الجالوت........................................................ ٣٠

٢ ـ خبر كعب............................................................... ٣٠

٣ ـ حديث أسماء بنت عميس................................................. ٣١

٤ ـ حديث أم الفضل........................................................ ٣٢

٥ ـ في مقتل الخوارزمي........................................................ ٣٢

٦ ـ رواية زينب بنت جحش................................................... ٣٤

٧ ـ حديث أنس بن مالك.................................................... ٣٤

٨ ـ حديث أبي أمامة......................................................... ٣٥

٩ ـ روايات أم سلمة.......................................................... ٣٦

١٠ ـ روايات عائشة........................................................... ٤

١١ ـ رواية معاذ بن جبل...................................................... ٤٢

١٢ ـ رواية سعيد بن جمهان................................................... ٤٣

١٣ ـ روايات ابن عباس....................................................... ٤٣

١٤ ـ روايات الإمام علي (ع)................................................. ٤٤

١٥ ـ رواية أنس بن الحارث.................................................... ٥٢

١٦ ـ رجل من بني أسد....................................................... ٥٣

سبب استشهاد الإمام الحسين (ع)............................................... ٥٥

وصية الحسين (ع)............................................................. ٦١

مسير الإمام الحسين (ع) إلى مكة المكرمة.......................................... ٦٢

ارسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة................................................. ٦٥

عزم الإمام الحسين (ع) على المسير إلى العراق...................................... ٦٩

الحسين (ع) مع ابن عباس.................................................... ٧٠

كتابه إلى بني هاشم.......................................................... ٧١

الإمام الحسين (ع) مع أخيه محمد بن الحنفية.................................... ٧١

خروج الإمام الحسين من مكة وممانعة رسل الوالي إياه.............................. ٧٢

مع عبد الله بن جعفر وكتاب الوالي............................................. ٧٢

كتاب عمرة بنت عبد الرحمن.................................................. ٧٣

مع ابن عمر................................................................. ٧٤

توجه الإمام الحسين (ع) إلى العراق............................................... ٧٥

خطبة الإمام (ع)............................................................ ٧٥

لفت نظر................................................................... ٧٥

أوامر الخليفة يزيد............................................................ ٧٦

مع الفرزدق................................................................. ٧٦

مع عبد الله بن مطيع......................................................... ٧٧

من رأى أن الحسين (ع) لا يجوز فيه السلاح.................................... ٧٨

مع زهير بن القين............................................................ ٧٨

وصول خبر قتل مسلم وهاني..................................................... ٨٠

رسولا ابن الأشعث وابن سعد إلى الحسين (ع).................................. ٨٠

الإمام (ع) يخبر الناس بقتل مسلم ويحلهم عن بيعته................................. ٨٢

رجل من بني عكرمة.......................................................... ٨٢

نذير آخر................................................................... ٨٣

لقاء الإمام الحسين (ع) مع الحر.................................................. ٨٥

استقاء مرة أخرى............................................................ ٩٢

نزول ركب آل الرسول (ص) أرض كربلاء.......................................... ٩٤

قدوم عمر بن سعد على الحسين (ع)............................................. ٩٨

ابن سعد يسأل الحسين (ع) لماذا جاء به........................................ ٩٩

مكاتبة ابن سعد وابن زياد................................................... ١٠٠

ابن زياد يأمر بالنفير العام................................................... ١٠١

منع الماء عن عترة الرسول (ص)................................................. ١٠٤

معركة على الماء............................................................ ١٠٤

إعذار الإمام (ع) قبل القتال................................................ ١٠٥

ابن زياد يمنع الإمام (ع) من الرجوع.......................................... ١٠٦

أمان ابن زياد للعباس وإخوته................................................. ١٠٧

ليلة العاشر من محرم........................................................... ١٠٩

طلب الحسين (ع) المهلة.................................................... ١١٠

خطبة الحسين (ع) في أصحابه ليلة العاشر.................................... ١١١

جواب أهل بيته وأصحابه................................................... ١١٢

الحسين (ع) ينعى نفسه ويوصي اخته بالصبر.................................. ١١٣

احياؤهم الليل بالعبادة...................................................... ١١٥

يوم عاشوراء.................................................................. ١١٦

استبشارهم بالشهادة........................................................ ١١٧

دعاء الحسين (ع) يوم عاشورا................................................ ١١٧

خطبة الحسين (ع) الأولى................................................... ١١٨

خطبة زهير بن القين........................................................ ١٢٠

توبة الحر.................................................................. ١٢١

موعظة الحر لأهل الكوفة.................................................... ١٢٣

خطبة الحسين (ع) الثانية................................................... ١٢٣

استجابة دعاء الحسين (ع) على ابن حوزة..................................... ١٢٥

زحف جيش الخلافة على معسكر الحسين (ع)................................... ١٢٨

زحف الميمنة واستمداد قائد الفرسان.......................................... ١٣٠

زحف الميسرة ومقتل الكلبي وزوجته............................................ ١٣١

زحف الميمنة ومقتل مسلم بن عوسجة........................................ ١٣٢

يزيد بن زياد يرمي بين يدي الحسين (ع)...................................... ١٣٣

أربعة استشهدوا في مكان واحد............................................... ١٣٣

مقتل برير................................................................. ١٣٣

عمرو بن قرظة الأنصاري.................................................... ١٣٥

مبارزة يزيد بن سفيان والحر.................................................. ١٣٦

احراق الخيام............................................................... ١٣٧

صلاة الخوف.............................................................. ١٣٨

مقتل حبيب بن مظاهر..................................................... ١٣٨

سعيد الحنفي.............................................................. ١٤٠

زهير بن القين.............................................................. ١٤٠

نافع بن هلال الجملي....................................................... ١٤١

الغفاريان.................................................................. ١٤٣

الجابريان وحنظلة........................................................... ١٤٣

عابس بن أبي شبيب وشوذب................................................ ١٤٤

فرار الضحاك المشرقي....................................................... ١٤٥

شهداء آخرون................................................................ ١٤٧

عمرو بن خالد............................................................. ١٤٧

سعد بن حنظلة............................................................ ١٤٧

عبد الرحمن بن عبد الله اليزني................................................ ١٤٨

قرة بن أبي قرة.............................................................. ١٤٨

عمر بن مطاع............................................................. ١٤٨

جون مولى أبي ذر.......................................................... ١٤٩

أنيس بن معقل............................................................. ١٤٩

الحجاج بن مسروق......................................................... ١٥٠

جنادة بن الحرث........................................................... ١٥٠

عمرو بن جنادة............................................................ ١٥٠

غلام يتيم................................................................. ١٥١

مقتل عترة الرسول (ص)....................................................... ١٥٢

أول شهيد من عترة رسول الله (ص).......................................... ١٥٥

مقتل آل أبي طالب......................................................... ١٥٥

عبد الله بن مسلم بن عقيل.................................................. ١٥٥

بخلا السبط الأكبر......................................................... ١٥٦

مقتل إخوة الحسين (ع)....................................................... ١٥٦

أبو بكر بن علي........................................................... ١٥٧

عمر بن علي.............................................................. ١٥٩

عثمان بن علي............................................................ ١٦٠

جعفر بن علي............................................................. ١٦٠

عبد الله بن علي........................................................... ١٦٠

مقتل العباس بن أمير المؤمنين (ع)............................................ ١٦١

مقتل أطفال آل الرسول (ص).................................................. ١٦٤

قتل الطفل الرضيع.......................................................... ١٦٤

مقتل طفل آخر للحسين (ع)............................................... ١٦٤

معركة في طريق الفرات...................................................... ١٦٤

مقتل طفل مذعور.......................................................... ١٦٥

مقتل غلام للإمام الحسن (ع)............................................... ١٦٦

رجالة جيش الخلافة تهجم على مخيم ذراري رسول الله........................... ١٦٧

آخر قتال الحسين (ع)...................................................... ١٦٨

صرخة زينب............................................................... ١٦٨

مقتل سبط النبي (ص)......................................................... ١٦٩

جيش الخلافة تسلب ذرارى رسول الله (ص) وتنهب............................ ١٧٠

آخر شهيد................................................................ ١٧٠

قاتل الحسين (ع) يطلب الجائزة.............................................. ١٧١

نجاة عقبة بن سمعان وأسر المرقع.............................................. ١٧١

يوطئو الخيل جسد الحسين (ع).............................................. ١٧٢

من نعى الإمام (ص) في المدينة.................................................. ١٧٣

أ ـ أم سلمة................................................................ ١٧٣

ب ـ ابن عباس............................................................. ١٧٤

ج ـ ناع ثالث.............................................................. ١٧٤

ما وقع بعد استشهاد الإمام الحسين (ع)......................................... ١٧٦

رؤوس الشهداء تتقاسمها القتلة من جيش الخلافة................................... ١٧٨

جيش الخلافة تسوق حرم الرسول (ص) إلى الكوفة................................ ١٨١

خطبة زينب (ع)........................................................... ١٨١

خطبة فاطمة ابنة الحسين (ع)............................................... ١٨٣

خطبة أم كلثوم............................................................. ١٨٤

آل رسول الله (ص) في دارالامارة............................................. ١٨٦

رأس الإمام (ع) يدار به في سكك الكوفة..................................... ١٨٩

إخبار مدينة الرسول (ص) بقتل سبط الرسول (ص)............................... ١٩٠

دفن أجساد آل الرسول (ص) وأنصارهم...................................... ١٩١

إخبار الخليفة يزيد بقتل الحسين (ع).......................................... ١٩٢

إرسال أسارى آل البيت (ع) إلى عاصمة الخلافة الشام............................ ١٩٢

استقبال الخليفة وعاصمته لآل الرسول (ص)...................................... ١٩٤

استقبال خليفة المسلمين رؤوس آل رسول الله (ص)............................. ١٩٤

حاجة أم كلثوم إلى شمر..................................................... ١٩٤

عيد بعاصمة الخلافة........................................................ ١٩٥

حاجة سكينة.............................................................. ١٩٥

دخول أسرى آل الرسول (ص) عاصمة الخلافة الاسلامية.......................... ١٩٧

إدخال آل الرسول (ص) في مجلس الخلافة..................................... ١٩٨

بين السجاد (ع) ويزيد..................................................... ١٩٩

حبر من اليهود يستنكر على يزيد............................................. ١٩٩

شامي يطلب عترة الرسول (ص) جارية له..................................... ٢٠٠

رأس سبط رسول الله (ص) بين يدي خليفة المسلمين............................ ٢٠١

خليفة المسلمين يتمثل بأبيات ابن الزبعرى..................................... ٢٠٢

خطبة حفيدة رسول الله (ص) في مجلس الخلافة................................. ٢٠٤

استنكار زوجة الخليفة....................................................... ٢٠٦

رأس سبط الرسول (ص) يهدى إلى عصبة الخلافة بمدينة

الرسول (ص).............................................................. ٢٠٦

خطبة السجاد (ع) في مسجد دمشق......................................... ٢٠٧

إقامة المأتم في عاصمة الخلافة................................................ ٢٠٩

إرجاع ذرية الرسول (ص) إلى مدينة جدهم....................................... ٢١١

وصول آل الرسول (ص) إلى كربلاء........................................... ٢١٢

إقامة العزاء خارج المدينة..................................................... ٢١٢

بعد وصولهم إلى المدينة...................................................... ٢١٤

السجاد (ع) يقيم العزاء أربعين سنة.......................................... ٢١٤

رأس ابن زياد بين يدي السجاد (ع).......................................... ٢١٥

حالة مدرسة الخلفاء بعد استشهاد الحسين (ع)................................... ٢١٧

أ ـ عطاء وحبوة............................................................. ٢١٧

ب ـ ندم عصبة الخلافة بعد ظهور نتائج أفعالهم................................. ٢١٨

الفصل الثاني : ثورات أهل الحرمين وغيرهم بعد استشهاد الإمام الحسين (ع)......... ٢١١

ثورة أهل الحرمين.............................................................. ٢٢٣

غايتنا من إيراد خبر مقتل الإمام الحسين (ع).................................. ٢٢٣

رسل يزيد مع ابن الزبير...................................................... ٢٢٥

وفد أهل المدينة عند يزيد.................................................... ٢٢٧

ثورة الصحابة والتابعين......................................................... ٢٢٩

ثورة أهل المدينة وبيعتهم لعبد الله بن حنظلة.................................... ٢٢٩

السجاد (ع) يؤوي حريم بني أمية............................................. ٢٣٠

استغاثة بني أمية بيزيد....................................................... ٢٣١

أوامر الخليفة لقائد جيشه.................................................... ٢٣٢

ما أنشده خليفة المسلمين.................................................... ٢٣٢

مسير جيش الخلافة إلى الحرمين.............................................. ٢٣٤

جيش الخلافة يستبيح حرم الرسول (ص)...................................... ٢٣٦

أخذ البيعة من أهل المدينة على أنهم عبيد للخليفة يزيد............................. ٢٣٨

إرسال الرؤوس إلى الخليفة يزيد............................................... ٢٣٩

في سبيل طاعة الخليفة....................................................... ٢٤١

مسير جيش الخلافة إلى مكة ومناجاة أميره ساعة الاحتضار ووصيته............... ٢٤١

جيش الخلافة يحرق الكعبة في حرب ابن الزبير وينشد الأراجيز.................... ٢٤٢

الحجاج يرمي الكعبة ثانية................................................... ٢٤٤

احتراق الكعبة ونزول الصواعق............................................... ٢٤٦

نشيد الحجاج عندما رأى البيت يحترق........................................ ٢٤٨

نهاية أمر ابن الزبير وإرسال الرؤوس إلى يزيد.................................... ٢٤٩

الحجّاج يختم أعناق أصحاب النبي (ص)...................................... ٢٥٠

انتهاء ثورة الحرمين وقيام ثورات اُخرى.......................................... ٢٥٠

الثائرون أضعفوا الخلافة والأئمة (ع) أعادوا أحكام الاسلام...................... ٢٥١

البحث الخامس : إعادة أئمة أهل البيت (ع) سنة الرسول (ص) إلى المجتمع.......... ٢٥٣

الفصل الأول : نتيجة استشهاد الإمام الحسين (ع)............................... ٢٥٥

كيف أخذ المصنفون من رسائل أصحاب الأئمة وأصولهم........................... ٢٥٩

ظريف بن ناصح وأصله أو كتابه.............................................. ٢٥٩

أ ـ ظريف بن ناصح......................................................... ٢٥٩

ب ـ أصل ظريف........................................................... ٢٦٠

اسناد المصنفين إلى كتاب الديات رواية ظريف.................................. ٢٦١

أ ـ أسنادهم إلى الإمام الصادق (ع).......................................... ٢٦١

أسناد المجموعة الأولى....................................................... ٢٦١

أسناد المجموعة الثانية....................................................... ٢٦٥

اسناد أخرى للكتاب إلى ظريف فحسب...................................... ٢٦٦

أ ـ اسناد الكتاب من ظريف إلى الإمام الصادق (ع)............................ ٢٦٧

أ ـ جدول سند المجموعة الأولى............................................... ٢٦٨

ب ـ جدول سند المجموعة الثانية.............................................. ٢٦٨

ب ـ أسانيد الكتاب من المشايخ إلى ظريف.................................... ٢٦٩

أ ـ جدول أسانيد المجموعة الأولى............................................. ٢٦٩

أولا ـ سند الشيخ الكليني.................................................... ٢٦٩

ثانيا ـ أسناد الشيخ الطوسي................................................. ٢٧٠

ب ـ جدول سند المجموعة الثانية.............................................. ٢٧١

ب ـ أسنادهم إلى الإمام الرضا (ع)........................................... ٢٧٢

أولا ـ سند ابن فضال....................................................... ٢٧٢

ثانيا ـ سند يونس بن عبد الرحمن.............................................. ٢٧٢

ثالثا ـ رواية الحسن بن الجهم.................................................. ٢٧٥

جدول سلسلة رواة كتاب الديات عن الإمام علي (ع)............................. ٢٧٦

خلاصة البحث............................................................ ٢٨٠

معرفة رواة كتاب الديات....................................................... ٢٨٦

أولا ـ سند الشيخ الكليني في الكافي........................................... ٢٨٦

ثانيا ـ سند الشيخ الطوسي................................................... ٢٨٨

سلسة سند الشيخ الصدوق في كتابه الفقيه.................................... ٢٩٦

تداخل الاسناد وتشابكها................................................... ٣٠١

اتصال سلاسل أسناد المشايخ في مدرسة أهل البيت (ع) بهم....................... ٣٠٦

طرق تحمل الحديث......................................................... ٣٠٦

١ ـ السماع من الشيخ...................................................... ٣٠٦

٢ ـ القراءة على الشيخ...................................................... ٣٠٦

٣ ـ المناولة................................................................. ٣٠٧

٤ ـ الكتابة................................................................ ٣٠٧

٥ ـ الإجازة................................................................ ٣٠٨

٦ ـ الاعلام................................................................ ٣٠٨

٧ ـ الوجادة................................................................ ٣٠٨

دراسة اتصال المشايخ بأئمة أهل البيت (ع)...................................... ٣٠٩

في ترجمة ظريف............................................................ ٣٠٩

أسلوب الدراسة في عصر الكليني فما بعد........................................ ٣١٤

بعد تأسيس الحوزة العلمية في النجف الأشرف.................................. ٣١٤

الفصل الثاني : تقسيم كتب الحديث بمدرسة أهل البيت (ع)....................... ٣٢٥

أخطاء في نسخ كتب الحديث.................................................. ٣٢٧

أئمة أهل البيت يعينون مقائيس لمعرفة الحديث.................................... ٣٣٤

مقائيس العلماء لمعرفة الحديث.................................................. ٣٤٠

الفصل الثالث : رأيا المدرستين في تقييم كتب الحديث............................. ٣٤٥

أ ـ تقييم كتب الحديث بمدرسة الخلفاء......................................... ٣٤٧

ب ـ تقييم كتب الحديث بمدرسة أهل البيت................................... ٣٤٩

علماء مدرسة أهل البيت لا تقلد السلف في الفقه ولا دراية الحديث.............. ٣٥٠

استنباط الأحكام من السنّة النبوية............................................ ٢٥٣

تقويم أحاديث الكتب الأربعة................................................ ٣٥٥

قول مجهول قائله........................................................... ٣٥٦

الأحاديث الصحيحة لدى فقهاء مدرسة أهل البيت (ع)....................... ٣٥٦

انتشار أحاديث مدرسة الخلافة لدى أتباع مدرسة أهل البيت (ع).................. ٣٥٩

الأمانة العلمية لدى علماء مدرسة أهل البيت (ع)............................. ٣٦٠

خلاصة وخاتمة البحث الرابع والخامس........................................... ٣٦٥

كيف وعى المسلمون.......................................................... ٣٦٩

أعد الله ورسوله الإمام الحسين (ع) للقيام بالتغيير................................. ٣٧٠

حال المسلمين في عصر الإمام الحسين (ع)....................................... ٣٧٦

هدف الإمام الحسين (ع) وشعاره وسبيله........................................ ٣٧٩

لبى الإمام (ع) نداء أهل الكوفة إتماما للحجة.................................. ٣٨٢

ذهب إلى العراق لاتمام الحجة لا لقول بني عقيل................................ ٣٨٤

حكمة الإمام (ع) في كيفية قيامه............................................... ٣٨٦

اثر استشهاد الحسين (ع)...................................................... ٤٠٠

أئمة أهل البيت (ع) يتداولون مواريث النبوة..................................... ٤٠٢

الإمام السجاد (ع) يدفع مواريث النبوة إلى الإمام الباقر (ع) في تظاهرة........... ٤٠٢

نيابة الفقهاء عن الإمام في حمل أعباء التبليغ................................... ٤٠٥

آراء القراء حول الكتاب........................................................ ٤٠٩

الفهرست.................................................................... ٤٢١

معالم المدرستين - ٣

المؤلف: السيد مرتضى العسكري
الصفحات: 441
  • البحث الرابع : قيام الإمام الحسين (ع) ضد الانحراف عن سنة رسول الله (ص) ۷
  • المدخل : حال المسلمين قبل قيام الإمام الحسين (ع) ۹
  • انقسام الأمة إلى قسمين 14
  • نتيجة مساعي الخليفة معاوية 17
  • الإمام الحسين (ع) امتنع من بيعة يزيد 19
  • الفصل الأول : استشهاد الإمام الحسين (ع) أيقظ الأمة من سباتها العميق 27
  • أنباء باستشهاد الحسين (ع) قبل وقوعه 30
  • 1 ـ خبر رأس الجالوت 30
  • 2 ـ خبر كعب 30
  • 3 ـ حديث أسماء بنت عميس 31
  • 4 ـ حديث أم الفضل 32
  • 5 ـ في مقتل الخوارزمي 32
  • 6 ـ رواية زينب بنت جحش 34
  • 7 ـ حديث أنس بن مالك 34
  • 8 ـ حديث أبي أمامة 35
  • 9 ـ روايات أم سلمة 36
  • 10 ـ روايات عائشة 4
  • 11 ـ رواية معاذ بن جبل 42
  • 12 ـ رواية سعيد بن جمهان 43
  • 13 ـ روايات ابن عباس 43
  • 14 ـ روايات الإمام علي (ع) 44
  • 15 ـ رواية أنس بن الحارث 52
  • 16 ـ رجل من بني أسد 53
  • سبب استشهاد الإمام الحسين (ع) 55
  • وصية الحسين (ع) 61
  • مسير الإمام الحسين (ع) إلى مكة المكرمة 62
  • ارسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة 65
  • عزم الإمام الحسين (ع) على المسير إلى العراق 69
  • الحسين (ع) مع ابن عباس 70
  • كتابه إلى بني هاشم 71
  • الإمام الحسين (ع) مع أخيه محمد بن الحنفية 71
  • خروج الإمام الحسين من مكة وممانعة رسل الوالي إياه 72
  • مع عبد الله بن جعفر وكتاب الوالي 72
  • كتاب عمرة بنت عبد الرحمن 73
  • مع ابن عمر 74
  • توجه الإمام الحسين (ع) إلى العراق 75
  • خطبة الإمام (ع) 75
  • لفت نظر 75
  • أوامر الخليفة يزيد 76
  • مع الفرزدق 76
  • مع عبد الله بن مطيع 77
  • من رأى أن الحسين (ع) لا يجوز فيه السلاح 78
  • مع زهير بن القين 78
  • وصول خبر قتل مسلم وهاني 80
  • رسولا ابن الأشعث وابن سعد إلى الحسين (ع) 80
  • الإمام (ع) يخبر الناس بقتل مسلم ويحلهم عن بيعته 82
  • رجل من بني عكرمة 82
  • نذير آخر 83
  • لقاء الإمام الحسين (ع) مع الحر 85
  • استقاء مرة أخرى 92
  • نزول ركب آل الرسول (ص) أرض كربلاء 94
  • قدوم عمر بن سعد على الحسين (ع) 98
  • ابن سعد يسأل الحسين (ع) لماذا جاء به 99
  • مكاتبة ابن سعد وابن زياد 100
  • ابن زياد يأمر بالنفير العام 101
  • منع الماء عن عترة الرسول (ص) 104
  • معركة على الماء 104
  • إعذار الإمام (ع) قبل القتال 105
  • ابن زياد يمنع الإمام (ع) من الرجوع 106
  • أمان ابن زياد للعباس وإخوته 107
  • ليلة العاشر من محرم 109
  • طلب الحسين (ع) المهلة 110
  • خطبة الحسين (ع) في أصحابه ليلة العاشر 111
  • جواب أهل بيته وأصحابه 112
  • الحسين (ع) ينعى نفسه ويوصي اخته بالصبر 113
  • احياؤهم الليل بالعبادة 115
  • يوم عاشوراء 116
  • استبشارهم بالشهادة 117
  • دعاء الحسين (ع) يوم عاشورا 117
  • خطبة الحسين (ع) الأولى 118
  • خطبة زهير بن القين 120
  • توبة الحر 121
  • موعظة الحر لأهل الكوفة 123
  • خطبة الحسين (ع) الثانية 123
  • استجابة دعاء الحسين (ع) على ابن حوزة 125
  • زحف جيش الخلافة على معسكر الحسين (ع) 128
  • زحف الميمنة واستمداد قائد الفرسان 130
  • زحف الميسرة ومقتل الكلبي وزوجته 131
  • زحف الميمنة ومقتل مسلم بن عوسجة 132
  • يزيد بن زياد يرمي بين يدي الحسين (ع) 133
  • أربعة استشهدوا في مكان واحد 133
  • مقتل برير 133
  • عمرو بن قرظة الأنصاري 135
  • مبارزة يزيد بن سفيان والحر 136
  • احراق الخيام 137
  • صلاة الخوف 138
  • مقتل حبيب بن مظاهر 138
  • سعيد الحنفي 140
  • زهير بن القين 140
  • نافع بن هلال الجملي 141
  • الغفاريان 143
  • الجابريان وحنظلة 143
  • عابس بن أبي شبيب وشوذب 144
  • فرار الضحاك المشرقي 145
  • شهداء آخرون 147
  • عمرو بن خالد 147
  • سعد بن حنظلة 147
  • عبد الرحمن بن عبد الله اليزني 148
  • قرة بن أبي قرة 148
  • عمر بن مطاع 148
  • جون مولى أبي ذر 149
  • أنيس بن معقل 149
  • الحجاج بن مسروق 150
  • جنادة بن الحرث 150
  • عمرو بن جنادة 150
  • غلام يتيم 151
  • مقتل عترة الرسول (ص) 152
  • أول شهيد من عترة رسول الله (ص) 155
  • مقتل آل أبي طالب 155
  • عبد الله بن مسلم بن عقيل 155
  • بخلا السبط الأكبر 156
  • مقتل إخوة الحسين (ع) 156
  • أبو بكر بن علي 157
  • عمر بن علي 159
  • عثمان بن علي 160
  • جعفر بن علي 160
  • عبد الله بن علي 160
  • مقتل العباس بن أمير المؤمنين (ع) 161
  • مقتل أطفال آل الرسول (ص) 164
  • قتل الطفل الرضيع 164
  • مقتل طفل آخر للحسين (ع) 164
  • معركة في طريق الفرات 164
  • مقتل طفل مذعور 165
  • مقتل غلام للإمام الحسن (ع) 166
  • رجالة جيش الخلافة تهجم على مخيم ذراري رسول الله 167
  • آخر قتال الحسين (ع) 168
  • صرخة زينب 168
  • مقتل سبط النبي (ص) 169
  • جيش الخلافة تسلب ذرارى رسول الله (ص) وتنهب 170
  • آخر شهيد 170
  • قاتل الحسين (ع) يطلب الجائزة 171
  • نجاة عقبة بن سمعان وأسر المرقع 171
  • يوطئو الخيل جسد الحسين (ع) 172
  • من نعى الإمام (ص) في المدينة 173
  • أ ـ أم سلمة 173
  • ب ـ ابن عباس 174
  • ج ـ ناع ثالث 174
  • ما وقع بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) 176
  • رؤوس الشهداء تتقاسمها القتلة من جيش الخلافة 178
  • جيش الخلافة تسوق حرم الرسول (ص) إلى الكوفة 181
  • خطبة زينب (ع) 181
  • خطبة فاطمة ابنة الحسين (ع) 183
  • خطبة أم كلثوم 184
  • آل رسول الله (ص) في دارالامارة 186
  • رأس الإمام (ع) يدار به في سكك الكوفة 189
  • إخبار مدينة الرسول (ص) بقتل سبط الرسول (ص) 190
  • دفن أجساد آل الرسول (ص) وأنصارهم 191
  • إخبار الخليفة يزيد بقتل الحسين (ع) 192
  • إرسال أسارى آل البيت (ع) إلى عاصمة الخلافة الشام 192
  • استقبال الخليفة وعاصمته لآل الرسول (ص) 194
  • استقبال خليفة المسلمين رؤوس آل رسول الله (ص) 194
  • حاجة أم كلثوم إلى شمر 194
  • عيد بعاصمة الخلافة 195
  • حاجة سكينة 195
  • دخول أسرى آل الرسول (ص) عاصمة الخلافة الاسلامية 197
  • إدخال آل الرسول (ص) في مجلس الخلافة 198
  • بين السجاد (ع) ويزيد 199
  • حبر من اليهود يستنكر على يزيد 199
  • شامي يطلب عترة الرسول (ص) جارية له 200
  • رأس سبط رسول الله (ص) بين يدي خليفة المسلمين 201
  • خليفة المسلمين يتمثل بأبيات ابن الزبعرى 202
  • خطبة حفيدة رسول الله (ص) في مجلس الخلافة 204
  • استنكار زوجة الخليفة 206
  • رأس سبط الرسول (ص) يهدى إلى عصبة الخلافة بمدينة
  • الرسول (ص) 206
  • خطبة السجاد (ع) في مسجد دمشق 207
  • إقامة المأتم في عاصمة الخلافة 209
  • إرجاع ذرية الرسول (ص) إلى مدينة جدهم 211
  • وصول آل الرسول (ص) إلى كربلاء 212
  • إقامة العزاء خارج المدينة 212
  • بعد وصولهم إلى المدينة 214
  • السجاد (ع) يقيم العزاء أربعين سنة 214
  • رأس ابن زياد بين يدي السجاد (ع) 215
  • حالة مدرسة الخلفاء بعد استشهاد الحسين (ع) 217
  • أ ـ عطاء وحبوة 217
  • ب ـ ندم عصبة الخلافة بعد ظهور نتائج أفعالهم 218
  • الفصل الثاني : ثورات أهل الحرمين وغيرهم بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) 211
  • ثورة أهل الحرمين 223
  • غايتنا من إيراد خبر مقتل الإمام الحسين (ع) 223
  • رسل يزيد مع ابن الزبير 225
  • وفد أهل المدينة عند يزيد 227
  • ثورة الصحابة والتابعين 229
  • ثورة أهل المدينة وبيعتهم لعبد الله بن حنظلة 229
  • السجاد (ع) يؤوي حريم بني أمية 230
  • استغاثة بني أمية بيزيد 231
  • أوامر الخليفة لقائد جيشه 232
  • ما أنشده خليفة المسلمين 232
  • مسير جيش الخلافة إلى الحرمين 234
  • جيش الخلافة يستبيح حرم الرسول (ص) 236
  • أخذ البيعة من أهل المدينة على أنهم عبيد للخليفة يزيد 238
  • إرسال الرؤوس إلى الخليفة يزيد 239
  • في سبيل طاعة الخليفة 241
  • مسير جيش الخلافة إلى مكة ومناجاة أميره ساعة الاحتضار ووصيته 241
  • جيش الخلافة يحرق الكعبة في حرب ابن الزبير وينشد الأراجيز 242
  • الحجاج يرمي الكعبة ثانية 244
  • احتراق الكعبة ونزول الصواعق 246
  • نشيد الحجاج عندما رأى البيت يحترق 248
  • نهاية أمر ابن الزبير وإرسال الرؤوس إلى يزيد 249
  • الحجّاج يختم أعناق أصحاب النبي (ص) 250
  • انتهاء ثورة الحرمين وقيام ثورات اُخرى 250
  • الثائرون أضعفوا الخلافة والأئمة (ع) أعادوا أحكام الاسلام 251
  • البحث الخامس : إعادة أئمة أهل البيت (ع) سنة الرسول (ص) إلى المجتمع 253
  • الفصل الأول : نتيجة استشهاد الإمام الحسين (ع) 255
  • كيف أخذ المصنفون من رسائل أصحاب الأئمة وأصولهم 259
  • ظريف بن ناصح وأصله أو كتابه 259
  • أ ـ ظريف بن ناصح 259
  • ب ـ أصل ظريف 260
  • اسناد المصنفين إلى كتاب الديات رواية ظريف 261
  • أ ـ أسنادهم إلى الإمام الصادق (ع) 261
  • أسناد المجموعة الأولى 261
  • أسناد المجموعة الثانية 265
  • اسناد أخرى للكتاب إلى ظريف فحسب 266
  • أ ـ اسناد الكتاب من ظريف إلى الإمام الصادق (ع) 267
  • أ ـ جدول سند المجموعة الأولى 268
  • ب ـ جدول سند المجموعة الثانية 268
  • ب ـ أسانيد الكتاب من المشايخ إلى ظريف 269
  • أ ـ جدول أسانيد المجموعة الأولى 269
  • أولا ـ سند الشيخ الكليني 269
  • ثانيا ـ أسناد الشيخ الطوسي 270
  • ب ـ جدول سند المجموعة الثانية 271
  • ب ـ أسنادهم إلى الإمام الرضا (ع) 272
  • أولا ـ سند ابن فضال 272
  • ثانيا ـ سند يونس بن عبد الرحمن 272
  • ثالثا ـ رواية الحسن بن الجهم 275
  • جدول سلسلة رواة كتاب الديات عن الإمام علي (ع) 276
  • خلاصة البحث 280
  • معرفة رواة كتاب الديات 286
  • أولا ـ سند الشيخ الكليني في الكافي 286
  • ثانيا ـ سند الشيخ الطوسي 288
  • سلسة سند الشيخ الصدوق في كتابه الفقيه 296
  • تداخل الاسناد وتشابكها 301
  • اتصال سلاسل أسناد المشايخ في مدرسة أهل البيت (ع) بهم 306
  • طرق تحمل الحديث 306
  • 1 ـ السماع من الشيخ 306
  • 2 ـ القراءة على الشيخ 306
  • 3 ـ المناولة 307
  • 4 ـ الكتابة 307
  • 5 ـ الإجازة 308
  • 6 ـ الاعلام 308
  • 7 ـ الوجادة 308
  • دراسة اتصال المشايخ بأئمة أهل البيت (ع) 309
  • في ترجمة ظريف 309
  • أسلوب الدراسة في عصر الكليني فما بعد 314
  • بعد تأسيس الحوزة العلمية في النجف الأشرف 314
  • الفصل الثاني : تقسيم كتب الحديث بمدرسة أهل البيت (ع) 325
  • أخطاء في نسخ كتب الحديث 327
  • أئمة أهل البيت يعينون مقائيس لمعرفة الحديث 334
  • مقائيس العلماء لمعرفة الحديث 340
  • الفصل الثالث : رأيا المدرستين في تقييم كتب الحديث 345
  • أ ـ تقييم كتب الحديث بمدرسة الخلفاء 347
  • ب ـ تقييم كتب الحديث بمدرسة أهل البيت 349
  • علماء مدرسة أهل البيت لا تقلد السلف في الفقه ولا دراية الحديث 350
  • استنباط الأحكام من السنّة النبوية 253
  • تقويم أحاديث الكتب الأربعة 355
  • قول مجهول قائله 356
  • الأحاديث الصحيحة لدى فقهاء مدرسة أهل البيت (ع) 356
  • انتشار أحاديث مدرسة الخلافة لدى أتباع مدرسة أهل البيت (ع) 359
  • الأمانة العلمية لدى علماء مدرسة أهل البيت (ع) 360
  • خلاصة وخاتمة البحث الرابع والخامس 365
  • كيف وعى المسلمون 369
  • أعد الله ورسوله الإمام الحسين (ع) للقيام بالتغيير 370
  • حال المسلمين في عصر الإمام الحسين (ع) 376
  • هدف الإمام الحسين (ع) وشعاره وسبيله 379
  • لبى الإمام (ع) نداء أهل الكوفة إتماما للحجة 382
  • ذهب إلى العراق لاتمام الحجة لا لقول بني عقيل 384
  • حكمة الإمام (ع) في كيفية قيامه 386
  • اثر استشهاد الحسين (ع) 400
  • أئمة أهل البيت (ع) يتداولون مواريث النبوة 402
  • الإمام السجاد (ع) يدفع مواريث النبوة إلى الإمام الباقر (ع) في تظاهرة 402
  • نيابة الفقهاء عن الإمام في حمل أعباء التبليغ 405
  • آراء القراء حول الكتاب 409
  • الفهرست 421