
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قراءة التاريخ من جديد
التاريخ صحيفة
كبيرة مفتوحة أمام صحيفة المستقبل المطويَّة ، ولكن بإمكان الباحث المتتبع أن يفتح
القسم المطويّ انطلاقاً من القسم المفتوح ، فيحدِّد معالمَ مسيرة المستقبل على ضوء
الماضي ، كي يعتبر بها ويتَّخذها نبراساً مضيئاً للحياة.
غير انّ هذه
المسيرة ليست معبَّدة ، بل لا تخلو من موانع وعراقيل تحول بين الباحث والوصول إلى
الحقيقة ، وما ذلك إلّا لانّ التاريخ لم يدوَّن بقلم نزيه عن الدسّ والوضع ،
بعيداً عن الأغراض والمصالح الشخصية والفئوية ، وبعيداً عن التزلُّف إلى أصحاب
السلطة والشوكة.
وآية ذلك انّ
الإمام محمد بن جرير الطبري (٢٢٨ ـ ٣١٠) أحد كبار المؤرخين في القرن الثالث قد
اعتمد في سرد وقائع تاريخ الخلفاء على روايات يرويها عن:
١. السريّ.
٢. شعيب بن
إبراهيم الأسدي الكوفي.
٣. سيف بن عمر
التميمي الكوفي.
فالأوّل منهم
مشترك بين اثنين عرفا بالكذب والوضع.
والثاني مجهول لا
يعرف حاله.
والثالث عرّفه
أئمة الجرح والتعديل بانّه ضعيف ، متروك ، ساقط ، وضاع ، متّهم بالزندقة. فما شأن
تاريخ يرويه وضاع ، عن مجهول ، عن متّهم بالزندقة ويا للأسف فقد نقل شيخ التاريخ ،
الطبري عنهم سبعمائة رواية ، ورواية واحدة ، استغرقت بيان حوادث ١١ ـ ٣٧ من الهجرة
فحسبها المتأخرون حقائق فاستندوا إليها في كتبهم ورسائلهم دون تمحيص أو تدقيق.
والتاريخ يعجّ
بهذه الموضوعات والمكذوبات على لسان النبي وصلحاء الأُمّة ، يقف عليها من سبر
التاريخ بتجرد وموضوعية ، فكم من صالح بخس التاريخ حقَّه ، واتّهمه بالزيغ والضلال
، وكم من طالح سفك دماء الأبرياء والأتقياء ألبسه التاريخ ثوبَ الزهد والتقى.
من هنا تتأكّد
المسئولية في إعادة قراءة التاريخ على ضوء القواعد العلمية المتفق عليها ، بعيداً
عن النزوع إلى العواطف والأهواء والآراء المسبقة ، بغية فرض الحقائق عن الأوهام ،
وهذا ما نعبِّر عنه بقراءة التاريخ من جديد ، وهذا ما نقترحه ، آملين أن يقيض الله
رجالاً أحراراً لا يبتغون غير الحقيقة هدفاً.
وأخيراً ، ولأجل
أن تقترن الدعوة بالعمل نقدم إلى القراء الكرام سلسلة من البحوث التاريخية لتكون
نموذجاً لما دعونا إليه ، وليس ما قمنا به إلّا خطوة متواضعة في هذا السبيل.
|
والله هو الهادي
جعفر السبحانى
مؤسسة الإمام
الصادق عليهالسلام
|
١
الافتراء على الشيعة وأكابرهم
إنّ الكذب
والافتراء من الكبائر الموبقة التي نهى عنها الكتاب والسنّة ، والموضوع من الوضوح
بمكان غنيّ عن الاستشهاد عليه ب آية أو رواية. وقد بلغ قبح الكذب إلى حدّ لا يجتمع
مع الإيمان. قال علي عليهالسلام : «جانبُوا الكذب فانّه مجانب للإيمان».
وقد سار العقل
جنباً إلى جنب الشرع في التأكيد على ذم الظاهرة المذكورة والتنديد بها ، وتقبيح
فاعلها على نحو لا يختلف فيه اثنان.
وأوّل من افتُري
عليه ، هو رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى بلغ
__________________
به الحال أن أرتقي
المنبر وخاطب جموع المسلمين بقوله : «من كذّب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من
النار».
ولم يقتصر هذا
الافتراء على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل تعدّاه إلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين عليهمالسلام الذين أُثِر عنهم الروايات التالية:
١. روى زياد بن
أبي الجلال قال : اختلف أصحابنا في أحاديث جابر الجعفي فقلت : أنا أسأل أبا عبد
الله عليهالسلام ، فلمّا دخلت ، ابتدأني ، فقال : «رحم الله جابر الجعفي
كان يصدق علينا ، لعن الله المغيرة بن سعيد كان يكذب علينا».
٢. روى عيسى بن
أبي منصور وأبو أسامة ويعقوب الأحمر ، قالوا : كنّا جلوساً عند أبي عبد الله عليهالسلام ، فدخل زرارة بن أعين فقال له : إنّ الحكم بن عتيبة روى عن
أبيك أنّه قال له : صلّ المغرب دون المزدلفة؟ فقال له أبو عبد الله عليهالسلام :
__________________
«بأيمان ثلاثة ما
قال أبي هذا قط ، كذب الحكم بن عتيبة على أبي».
ثمّ إنّ خصوم
أئمّة أهل البيت ومناوئيهم لم يقتصروا في الكذب على آل الرسول ، بل عمّ أيضاً
شيعتهم ، فافتروا عليهم ـ وكأنّهم ـ يتقرّبون بذلك إلى الله سبحانه.
ولأجل إيقاف
القارئ على نماذج ممّا افتروا به على الشيعة نأتي أوّلاً بما افتروا به على بطل من
أبطالهم في حقل الكلام والمناظرة ، ثمّ نأتي ببعض ما افتروا به على الشيعة جمعاء
ثانياً.
الافتراء على هشام بن
الحكم
هل تعلم مَنْ هو
هشام بن الحكم ، وما مكانته عند المتكلّمين والفلاسفة؟! هذا هو ابن النديم يعرّفه
بقوله :
هو من متكلّمي
الشيعة الإمامية وبطانتهم ، وممّن دعا
__________________
له الصادق عليهالسلام وقال: «أقول ما قال رسول الله لحسّان : لا تزال مؤيَّداً
بروح القدس ما نصرتنا بلسانك» وهو الذي فتقَ الكلام في الإمامة ، وهذّب المذهب
وسهّل طريق الحجاج إليه ، وكان حاذقاً بصناعة الكلام ، حاضر الجواب.
ولأجل مكانة الرجل
في الكلام وبراعته في الحجاج يقول أحمد أمين في حقّه : أكبر شخصية شيعية في الكلام
وكان جدّاً قوي الحجة ، ناظر المعتزلة وناظروه ، ونُقلتْ له في كتب الأدب مناظرات
كثيرة متفرقة تدلّ على حضور بديهته وقوة حججه.
وقد أفرد العلّامة
الشيخ عبد الله نعمة كتاباً في سيرة هشام بن الحكم ، فقد أغرق نزعاً في التحقيق
وأغنانا عن كلّ بحث وتنقيب.
ومع هذا نرى أنّ
ابن حزم ينقل عنه ويقول : قال جمهور متكلّمي الرافضة كهشام بن الحكم الكوفي وتلميذه
أبي علي
__________________
الصكاك وغيرهما
يقول: إنّ علم الله تعالى محدث ، وانّه لم يكن يعلم شيئاً حتّى أحدث لنفسه علماً ،
وهذا كفر صريح ، وقد قال هشام هذا في عين مناظرته لأبي الهذيل العلاف انّ ربه سبعة
أشبار بشِبْر نفسه ، وهذا كفر صريح.
وليس ابن حزم
وحيداً في اختلاق هذه الفرية ، بل سبقه ابن قتيبة في «مختلف الحديث»، والخيّاط في «الانتصار» وهما عدوّان لدودان لهشام بن الحكم لا يُعتمد عليهما فيما
ينقلان عنه.
وقد دافع الشريف
المرتضى في كتاب الشافي عن هشام بن الحكم بما لا مزيد عليه ، فمن أراد فليرجع
إليه.
وقد تبعهم
الشهرستاني في «الملل والنحل» ونسب إلى هشام بن الحكم ما لا يتفوّه به من له أدنى
علم وذكاء ، حيث
__________________
قال: قال هشام بن
الحكم متكلّم الشيعة: إنّ الله جسم ذو أبعاض في سبعة أشبار بشبر نفسه في مكان
مخصوص وجهة مخصوصة.
وقال في موضع آخر:
إنّ الله على صورة إنسان ، أعلاه مجوّف ، وأسفله مصمّت ، وهو نور ساطع يتلألأ ،
وله حواسُ خمس ، ويد ورجل وأنف وأذن وعين ، وفم ، وله وفرة سوداء ، وهو نور أسود
لكنّه ليس بلحم ولا دم ، وانّ هشاماً هذا أجاز المعصية على الأنبياء مع قوله بعصمة
الأئمّة.
كيف يرمون هشام
بهذه التُّهم وقد أفرد هو كتاباً باسم الدلالة على حدوث الأجسام ، وكتاباً آخر
أسماه «الرد على الزنادقة» ، وكتاباً ثالثاً هو «الرد على أصحاب الطبائع» ،
ورابعاً في الرد على ارسطاطاليس في التوحيد ، إلى آخر ما ذكره النجاشي في ترجمة
الرجل. أفيصح في ميزان العقل من له هذه الثقافة ، أن يتفوه بهذه السفاسف؟!كلّا لا.
__________________
قال العلّامة
الأميني ـ بعد ذكر نماذج من الآراء المختلقة والأكاذيب عن كتاب الملل والنحل ـ :
هذه عقائد باطلة ، عزاها إلى رجالات الشيعة المقتصين أثر أئمتهم عليهمالسلام اقتصاصَ الظل لذيه ، فلا يعتنقون عقيدة ، ولا ينشرون
تعليماً ، ولا يبثون حكماً ، ولا يرون رأياً إلّا ومن ساداتهم الأئمة على ذلك
برهنة دامغة ، أو بيان شاف ، أو فتوى سديدة أو نظر ثاقب.
على أنّ أحاديث
هؤلاء كلّهم في العقائد والأحكام والمعارف الإلهية مبثوثة في كتب الشيعة تتداولها
الأيدي ، وتشخص إليها الأبصار ، وتهشّ إليها الأفئدة فهي وما نسب إليهم من
الأقاويل على طرفي نقيض وهاتيك كتبهم وآثارهم الخالدة لا ترتبط بشيء من هذه
المقالات بل إنّما هي تدحرها وتضادها بألسنة حداد.
قد تقدّم إنّ
الافتراء على الشيعة جمعاء يتجلّى
__________________
بصورتين ، فتارة
تتوجه سهام الاتّهام إلى شخص ، وأُخرى تكون الشيعة عامّتهم في معرض التهم
والافتراءات.
فتجد نماذج من هذه
الافتراءات في : كتاب «العقد الفريد» لابن عبد ربّه ، و «الانتصار» للخيّاط ، و «الفرق
بين الفرق» للبغدادي ، و «منهاج السنة» لابن تيمية ، و «البداية والنهاية» لابن
كثير ، و «المحاضرات» للخضري المصري ، و «السنّة والشيعة» للسيد محمد رشيد رضا ، و
«الصراع بين الإسلام والوثنية» للقصيمي ، و «فجر الإسلام» لأحمد أمين ، و «جولة في
ربوع الشرق» محمد ثابت المصري ، وأخيراً «الوشيعة في عقائد الشيعة» لموسى جار
الله.
وأمّا الجُدَد
الذين أخذوا يكتبون حول الشيعة وعقائدهم لا سيّما بعد انتصار الثورة الإسلامية في
إيران فكثيرون ، ونالت كثير من أُطروحاتهم رُتَب الشرف وما هذا إلّا لانّ فيها
تحاملاً واضحاً على الشيعة وعقائدهم.
فهذا هو ناصر
القفاري ألّف كتاباً باسم «أُصول مذهب الشيعة الإمامية» ، والكتاب رسالة تقدّم بها
المؤلّف
لنيل درجة
الدكتوراة في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة لجامعة محمد بن سعود الإسلامية ، وقد
أُجيزت هذه الرسالة بمرتبة الشرف الأُولى مع التوفير بطبعها وتبادلها بين
الجامعات.
ويكفي في كونه
علبة للسفاسف والخزايا التي يندى لها جبين الإنسان ما يذكره في حقّ السيد الخميني
قدَّس سرَّه ويقول : إنّ الخميني أدخل اسمه في أذان الصلاة وقدّمه على الشهادتين.
نحن لا نعلّق عليه
شيئاً ، فإنّ العيان لا يحتاج إلى البيان ، هذا أذان الشيعة يذاع من آلاف المآذن
في المحافظات والمدن والإذاعات الإيرانيّة ليس فيه أثر من هذه الفرية ، والسيد
الخميني كان إنساناً مثالياً أفنى عمره في الذب عن حياض الإسلام ، وهو أجل وأرفع
من أن يأمر بالإتيان باسمه في الأذان؟!
__________________
الأكاذيب المفتعلة
لابن تيمية
وها نحن نذكر هنا
لمة من الأكاذيب المفتعلة لابن تيمية ممّا نسبها إلى الشيعة ، نذكرها من دون أيّ
تعليق ، لأنّ بطلانها من الوضوح أغنانا عن إفاضة الكلام في نقدها.
١. يقول: من
حماقات الشيعة انّهم يكرهون التكلم بلفظ العشرة أو فعل شيء يكون عشرة ، حتّى في
البناء لا يبنون على عشرة أعمدة ولا بعشرة جذوع ونحو ذلك لبغضهم العشرة المبشرة
إلا عليّ بن أبي طالب ، ومن العجب انّهم يوالون لفظ التسعة وهم يبغضون التسعة من
العشرة.
٢. يقول: من
حماقاتهم اتّخاذهم نعجة وقد تكون نعجة حمراء لكون عائشة تسمّى حميراء ، ويجعلونها
عائشة ، ويعذبونها بنتف شعرها وغير ذلك ، ويرون أنّ ذلك عقوبة لعائشة.
٣. واتّخاذهم
حيساً مملوء سمناً ثمّ يشقون بطنه فيخرجون السمن فيشربونه ، ويقولون هذا مثل ضرب
عمر و
__________________
شرب دمه.
٤. قال: وتارة
يكتبون أسماءهم على أسفل أرجلهم ، حتّى أنّ بعض الولاة جعل يضرب رِجْلَ من فعل ذلك
، ويقول: إنّما ضربت أبا بكر وعمر ، ولا أزال أضربهما حتّى أعدمهما.
٦. ومنهم من يسمّي
كلابه باسم أبي بكر وعمر ويلعنهما.
إلى غير ذلك من الخزايات
والحماقات التي نسبها إلى الشيعة وهم براء منه براءة يوسف عمّا اتّهم.
وأنت لا تجد على
أديم الأرض إنساناً عاقلاً يحمل روح التشيع ويقوم بواحد من هذه الأعمال أو يعتقد
به.
كان على ابن تيمية
الذي نسب نفسه شيخاً للإسلام أن يذكر مصدر هذه الأقاويل والخزايا ولا يفرق صفوف
المسلمين بتلك الكلمات ، ولكنّه يا للعجب أخذها حقائق راهنة ونشرها بين الأُمّة!!
__________________
وليست هذه
الافتراءات والأكاذيب بعيداً عمن يعرّفه الحافظ ابن حجر في كتابه «الفتاوى
الحديثة» قال : «ابن تيمية عبد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه ، وبذلك
صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله وكذب أقواله ، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة
كلام الإمام المجتهد المتَّفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن
السبكي وولده التاج والشيخ الإمام العزّ بن جماعة ، وأهل عصرهم وغيرهم من
الشّافعيّة والمالكيّة والحنفيّة ، ولم يقصر اعتراضه على متأخّري الصوفيّة ، بل
اعترض على مثل عمر بن الخطّاب وعليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
والحاصل: أن لا
يُقام لكلامه وزنٌ بل يُرمى في كلِّ وعرٍ وحزن ، ويُعتقد فيه أنّه مبتدعٌ ضالٌّ
مضلٌّ غالٍ ، عامله الله بعدله ، وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله ، آمين. إلى
أن قال : إنّه قائلٌ بالجهة ، وله في إثباتها جزءٌ ، ويلزم أهل هذا المذهب ،
الجسميّةُ والمحاذاةُ والاستقرارُ ، أي فلعلّه في بعض الأحيان كان يصرِّح بتلك اللوازم
فنُسبت إليه ، سيّما وممّن
نسب إليه ذلك من
أئمّة الإسلام المتَّفق على جلالته وإمامته وديانته ، وإنّه الثقة العدل المرتضى
المحقِّق المدقِّق ، فلا يقول شيئاً إلّا عن تثبّت وتحقّق ومزيد احتياطٍ وتحرٍّ ،
سيّما إن نسب إلى مسلم ما يقتضي كفره وردّته وضلاله وإهدار دمه.
الموضوعات لابن
الجوزي
ثمّ إنّي وقفت على
كتاب «الموضوعات» لابن الجوزي ورأيت فيها أكاذيب وخزايا ومفتعلات نسبها إلى الشيعة
بضرس قاطع ، ثمّ رأيتها في كتاب «العقد الفريد» فتبيّن لي انّه أخذها من ذلك الكتاب من دون أن يذكر المصدر
فالافتراءات في الكتابين تتّحد روحاً ومعنى ، وتختلف صورة والغاية تشبيه الشيعة
باليهود وبالتالي إثارة البغض على شيعة آل البيت عليهمالسلام.
ومن حسن الحظ انّ
لهذه الافتراءات جولة ولكن للحق دولة ، وهي وإن كانت ربّما تنطلي على السُّذّج
والبسطاء
__________________
لكنّها تعود
بالفائدة على الشيعة ، وذلك عند ما يرجع القارئ المنصف من السنّة إلى كتب الشيعة
أو يلتقي بهم ، يسيء الظن بتلك التهم التي حيكت حول الشيعة ، بل يسيء الظن أيضاً
بكلّ ما جاء في كتب أهل السنّة حول الشيعة ويفقد ثقته بعلمائهم ، الأمر الذي يؤدّي
إلى تعاطفه مع الشيعة أو اعتناقه مذهب التشيع.
وهذا صار سبباً
لتحول عدد كبير من المفكّرين إلى مذهب التشيّع كما هو ملموس في البلاد العربية.
وما ذكرناه هو ما
لمسه أيضاً الدكتور حسن فرحان المالكي في لقاء أجرته معه «مجلة المجلة» ، حيث قال
لما طرح عليه السؤال التالي:
ما هي الصورة
الذهنية الخاطئة عن الشيعة؟
فأجاب بما هذا
نصه: ومن الأسباب العامة الرئيسية في تحول الدكتور التيجاني وغيره من السنّة إلى
الشيعة ، الصورة الذهنية الخاطئة عن الشيعة التي صوّرناها تصويراً مشوّهاً بتعتيم يخالف
الحقيقة ، فعند ما يأتي الدكتور التيجاني إلى
الشيعة الذين ينشر
غلاة السنّة بأنّهم ، أي الشيعة إنّما يعبدون علياً ويزعمون انّ جبرئيل أخطأ ،
وانّهم يريدون الكيد للإسلام من باب التشيّع ، وانّهم يمتلكون مصاحف أُخرى غير
مصاحفنا ، وانّهم حاقدون على الإسلام ويتزاوجون سفاحاً ، إلى غير ذلك من التشويهات
بل الافتراءات التي قد تزيد شباب السنّة شكوكاً إذا اكتشفوا الحقيقة وإذاً فقدوا
الثقة في علمائهم وباحثيهم فلا ينتظر منهم العلماء إلّا هذا التحوّل الحاد والشكّ
بالمنظومة السنيّة كلّها ، بل والحقد على هذا التواطؤ في الكذب والتشويه والتعميم
، فهذا من الأسباب العامّة التي يتحمّلها المجتمع السنّي الذي يجب عليه أن ينقل
الصورة كاملة.
(فَبَشِّرْ عِبادِ*
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ
هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ).
__________________
٢
نظرة تمحيصية في كتاب الموضوعات
لابن الجوزي (٥١٠
ـ ٥٩٧ ه)
قد راج الكذب على
لسان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حياته وبعد رحيله وقد تنبّأ به في حديث متضافر أو
متواتر وقال : «من تعمد عليّ كذباً فليتبوّأ مقعده من النار».
وأفضل دليل على
وجود الكذب الهائل في الروايات هو انّ أصحاب الصحاح والسنن أخرجوا رواياتهم من بين
روايات كثيرة هائلة.
فقد أتى أبو داود
في سننه بأربعة آلاف وثمانمائة حديث ، وقال : انتخبته من خمسمائة ألف حديث.
__________________
ويحتوي صحيح
البخاري في الخالص بلا تكرار على ألفي حديث وسبعمائة وواحد وستين حديثاً اختاره من
زهاء ستمائة ألف حديث.
وفي صحيح مسلم
أربعة آلاف حديث أُصول دون المكررات صنّفه من ثلاثمائة ألف.
وذكر أحمد بن حنبل
في مسنده زهاء ثلاثين ألف حديث وقد انتخبه من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف حديث ،
وكان يحفظ ألف ألف حديث.
وكتب أحمد بن
الفرات (المتوفّى ٢٥٨ ه) ألف ألف وخمسمائة ألف حديث ، فأخذ من ذلك ثلاثمائة ألف
في التفسير والأحكام والفوائد وغيرها.
__________________
ثمّ إنّ أسباب
الوضع مختلفة ، نذكر منها ما يلي :
١. فسح المجال
للأحبار والرهبان لنقل ما في الكتب المحرّفة إلى الساحة الإسلامية ، فقد نشروا
بدعاً يهودية وسخافات مسيحية وأساطير مجوسية بين المسلمين ، وتلقّاها المحدّثون
حقائق راهنة ، ونقلوها في كتب الحديث جيلاً بعد جيل.
٢. التجارة
بالحديث ، فقد وضعوا أحاديث للتزلّف إلى أهل الدنيا والطمع بها ، ترى ذلك في
الفضائل الموضوعة في حقّ الخلفاء ، ولا سيّما معاوية ومن بعده.
٣. وضع الحديث
لنصرة المذهب ، فقد افتعلوا أكاذيب على لسان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مناقب أئمتهم ، فهناك مناقب حكيت في أبي حنيفة ، وأُخرى في حقّ الإمام مالك ، وثالثة حول الإمام أحمد ، كما حكيت في حقّ الإمام
__________________
الشافعي ، وكأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تنبّأ بأنّ الأُمّة الإسلامية ستفترق إلى مذاهب أربعة
فقهية لا غير ، فأخذ بتعريفهم قبل قرنين أو أكثر.
وهناك دواع أُخرى
للوضع تركنا التعرض لها.
ولأجل ذلك قام غير
واحد من المحدّثين بجمع الأخبار الضعاف والموضوعات ، وقد جمعوا اليسير منها نشير
إلى بعضها :
أ. «الموضوعات» : لمؤلّفه أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (٥١٠
ـ ٥٩٧ ه) ، طبع مرّتين في ثلاثة أجزاء.
ب. «المقاصد الحسنة في
كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة» : للشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن السخاوي (المتوفّى
٩٠٢ ه) ، رتّبه على حروف أوائل الحديث.
ج. «اللآلي المصنوعة في
الأحاديث الموضوعة» : للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (٨٤٨ ـ ٩١١ ه).
__________________
د. «تمييز الطيب من
الخبيث مما يدور على ألسنة الناس من الحديث» : لعبد الرحمن بن علي الشيباني الشافعي (٨٦٦ ـ ٩٤٤ ه).
ه. «سلسلة الأحاديث
الضعيفة والموضوعة» تأليف محمد ناصر الدين الألباني المعاصر في ٥ أجزاء ، كلّ جزء يشتمل على ٥٠٠
حديث ، تحدّث عن أسانيدها وحكم عليها بالضعف أو النكارة أو الوضع أو البطلان ،
ولكنّه ليس منصفاً في قضائه حيث يميل إلى التجسيم والنصب.
ولعلّ هناك كتباً
أُخرى أُلّفت في هذا المضمار لم نطّلع عليها.
والذي دعانا إلى
تحرير هذه الرسالة الموجزة هو ما وقفنا عليه في كتاب «الموضوعات» لابن الجوزي من
التحامل على الشيعة ، وهو بصدد تمحيص الصادق عن الكاذب ، فنسب إلى الشيعة أُموراً
هم بُرآء منها مع أنّه كان يعيش في بغداد وكانت العاصمة (بغداد) يومذاك معقل
الشيعة وفيها فطاحل الأُمّة.
والحقّ انّ سيرة
المؤلّف في كتبه وآثاره لم تكن على وتيرة واحدة ، فكتابه «المنتظم» في عشرين جزءاً
، من أفضل الآثار في تنظيم حياة العلماء والفقهاء وغيرهم من الأعاظم ، ولكنّه في
كتابه «مناقب أحمد بن حنبل» ـ لأجل نصرة مذهبه وإعلاء شأن إمامه ـ تشبّث بأضغاث
الأحلام واستدلّ بها ، وعلى ضوء ذلك فلا عجب في أن ينسب في كتاب «الموضوعات»
أُموراً تافهة إلى الشيعة ، ليست لها مسحة من الحقّ ولا لمسة من الصدق.
وقفة قصيرة مع محقّق
الكتاب
وقبل أن نناقش
التُّهَم التي رمى بها الشيعة ، نشير إلى ما ذكره محقّق كتاب «الموضوعات» في
مقدّمته حيث قال:
من أمثال ما وضعوه
في مناقب علي (رض) من الأحاديث المكذوبة التي هي في مرتبة دون مراتب الغلو
والإطراء الشركي ، التي غلوا بها فيه ، ثمّ ذكر أحاديث عشرة من الموضوعات في حقّ
الإمام على حسب زعمه.
نحن لا نناقش موقف
الرجل حول حال هذه الروايات وهل هي موضوعات أو لا؟ إنّما نركّز على أمر واحد ، هل
الموضوعات في مجال المناقب مختصة بحقّ الإمام علي عليهالسلام ، أو أنّها تعمّ الخلفاء الأربعة والعشرة المبشّرة وغيرهم
من الأُمويّين والعباسيّين؟ فإذا كان الحال كذلك فلما ذا اقتصر على الأوّل ولم يشر
حتّى إلى شيء طفيف من الموضوعات في حقّ غيره؟! وما هذا إلّا أنّ الرجل في منأى عن
حب أهل البيت لو لم نقل انّ فيه روح النصب.
وهانحن نذكر
نموذجاً واحداً من الموضوعات ، وإن شئت قلت : من أحاديث الغلو أو قصص الخرافة في
حقّ الخليفة أبي بكر ذكره الشيخ إبراهيم العبيدي المالكي في كتابه «عمدة التحقيق
في بشائر آل الصديق» كما نقله غيره.
__________________
روي انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال يوماً لعائشة: إنّ الله تعالى لمّا خلق الشمس خلقها من
لؤلؤة بيضاء بقدر الدنيا مائة وأربعين مرة وجعلها على عجلة ، وخلق للعجلة ثمانمائة
وستّين عروة ، وجعل في كلّ عروة سلسلة من الياقوت الأحمر ، وأمر ستّين ألفاً من
الملائكة المقرَّبين أن يجرّوها بتلك السلاسل مع قوّتهم التي اختصّهم الله بها ،
والشمس مثل الفلك على تلك العجلة وهي تدور في القبّة الخضراء ، وتجلو جمالها على
أهل الغبراء ، وفي كلّ يوم تقف على خطّ الاستواء فوق الكعبة ، لأنّها مركز الأرض
وتقول: يا ملائكة ربّي إنّي لأستحي من الله عزوجل إذا وصلت إلى محاذاة الكعبة التي هي قبلة المؤمنين أن أجوز
عليها ، والملائكة تجرّ الشمس لتعبر على الكعبة بكلّ قوّتها فلا تقبل منهم وتعجز
الملائكة عنها ، فالله تعالى يوحي إلى الملائكة وحي إلهام فينادون: أيّها الشمس
بحرمة الرّجل الذي اسمه منقوش على وجهك المنير إلّا رجعت إلى ما كنت فيه من السير.
فإذا سمعت ذلك تحرّكت بقدرة المالك.
فقالت عائشة رضي
الله عنها : يا رسول الله! من هو الرَّجل الذي اسمه منقوش عليها؟ قال: هو أبو بكر
الصدِّيق يا عائشة! قبل أن يخلق الله العالم ، علم بعلمه القديم أنّه يخلق الهواء
، ويخلق على الهواء هذه السماء ، ويخلق بحراً من الماء ، ويخلق عليه عجلة مركباً
للشمس المشرقة على الدنيا ؛ وإنّ الشمس تتمرّد على الملائكة إذا وصلت إلى الاستواء
، وإنّ الله تعالى قدّر أن يخلق في آخر الزمان نبيّاً مفضَّلاً على الأنبياء وهو
بعلك يا عائشة! على رغم الأعداء ، ونقش على وجه الشمس اسم وزيره ، أعني: أبا بكر
صدّيق المصطفى ، فإذا أقسمت الملائكة عليها به زالت الشمس ، وعادت إلى سيرها ،
بقدرة المولى ، وكذلك إذا مرّ العاصي من أُمّتي على نار جهنّم وأرادت النار على
المؤمن أن تهجم ، فلحرمة محبة الله في قلبه ونقش اسمه على لسانه ترجع النار إلى
ورائها هاربة ، ولغيره طالبة.
قال العلّامة
الأميني: هناك مسألة لا أدري من المجيب عنها ، وهي انّ إرادة الله الفائقة على كلّ
قوّة جامحة ، وهي تمسك السماء بغير عمد ترونها وتسير الجبال تحسبها جامدة
وهي تمر مرّ
السحاب صنع الله الذي أتقن كلّ شيء ، لِمَ لم تقم مقام أولئك المسخِّرين لجرِّ
الشمس حتى لا يوقفها تمرد ، ولا تحتاج إلى عُرى وسلاسل أو الإقسام بمن كتب اسمه
عليها؟! وما الذي أحوج المولى سبحانه في تسيير الشمس إلى هذه الأدوات من العجلة
والعرى والسلاسل وخلق أُولئك الجم الغفير من الملائكة واستخدامهم بالجر الثقيل ،
وهو الذي إذا أراد شيئاً أن يكون يقول له: كن فيكون؟!
ثمّ إنّ الشمس
هلّا كانت تعلم أنّ إرادة الله سبحانه ماضية عليها يجريها إلى الغاية المقصودة ،
فما هذا التوقّف والتمرّد والله تعالى أعلم بعظمة الكعبة وشرفها منها وقد جعلها في
خطة سيرها ، أنّى للشمس أن تجهل بها؟! وهي الشاعرة بخط الاستواء ومحاذاة الكعبة
ووصولها إلى تلك النقطة المقدّسة وهي العارفة لمقامات الصديق وان اسمه منقوش عليها
، وانّ من واجبها أن تنقاد ولا تجمح على من أقسم به عليها.
__________________
أقول: أو ما كان في وسع المحقّق أن يشير إلى شيء قليل من هذه
الموضوعات أو قصص الخرافة في حقّ أبي بكر أو في غيره من الخلفاء الثلاث في جانب ما
ذكره من الأحاديث الموضوعة في حقّ عليّ عليهالسلام حتى يكون في قضائه موضوعياً؟!
فلنرجع إلى ما هو
المقصود من وضع هذه الرسالة؟
* * *
عقد ابن الجوزي
فصلاً في فضائل أبي بكر الموضوعة ، كما عقد مثل هذا الفصل في حقّ عمر بن الخطاب ،
وعثمان بن عفان ، وأخيراً عقد فصلاً في باب فضائل علي. وذكر في هذا الفصل ما لا
يصحّ عنده من الفضائل في حقّ علي ، ونحن نمرّ على هذه الأحاديث وما علّق عليها من
دون نقد أو استيضاح ، إنّما نتكلّم حول التّهم التي رَمى بها الشيعة وألصقها بهم ،
فها نحن نذكر تلك التهم مع إيضاح حالها.
التهمة الأُولى :
قال:
محنة الرافضة محنة اليهود ، قالت اليهود: لا يصلح الملك إلّا في آل داود ، وقالت
الرافضة: لا تصلح الإمارة إلّا في آل علي.
إنّ المؤلف سوّى
بين شيعة علي ومحبّيه الذين يجسّدون بحبّهم قول الله تبارك وتعالى فيهم : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً
إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ، سوّى بينهم وبين اليهود حيث إنّ الشيعة تقول: لا يصلح
الملك إلّا في آل علي نظير قول اليهود بأنّه لا يصلح إلّا في آل داود.
أقول: لا شكّ انّ الشرائع السماوية تشترك في كثير من الأُمور
وإن كانت تختلف في بعض آخر.
وهذا هو الذكر
الحكيم يصوّر الشرائع السماوية بأنّها تتّحد جوهراً وتختلف في الشريعة والمشرب ،
يقول سبحانه: (وَأَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
__________________
الْكِتابِ
وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ
أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً
وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ
لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ
جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
فلا غرو في أن
يشارك المسلمون أهل الكتاب في كثير من الفروع ، فالجميع أُمروا بالصلاة والصوم
وحرمة الربا وتحريم المحارم ، أفيصح أن يقال : انّ محنة أهل السنّة محنة اليهود
قالت اليهود بالصلاة والصوم وقالت السنّة بهما أيضاً؟!
فاشتراك الشيعة مع
اليهود في اختصاص القيادة الإلهية ببيت رفيع كبيت داود وبيت علي عليهالسلام يُشبه باشتراك المسلمين مع اليهود في الصلاة والصوم.
أو ما كان في وسع
الرجل أن يُشبِّه قول الشيعة بقول
__________________
إبراهيم حيث طلب
أن تكون الإمامة في ذريته فاستجيبت دعوته إلّا في حقّ الظالمين ، قال سبحانه: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ
بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
إنّه سبحانه جعل
النبوة والكتاب في ذرّية إبراهيم وقال: (وَوَهَبْنا لَهُ
إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ
وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ
الصَّالِحِينَ).
فإذا جعل سبحانه
السفارة الإلهية في آل إبراهيم ، فأي وازع من أن يجعل الخلافة الإسلامية والإمامة
في أشرف وأرفع بيت وأفضل منبت وهو بيت علي؟! أفيصح في منطق العقل تشبيه شيعة علي
ومحبّي أئمة أهل البيت باليهود لأجل اشتراكهم في هذا النوع من القول؟!
كيف يسوّي الشيعة
باليهود في قولهم بأنّ الأمارة لا
__________________
تصلح إلّا في آل
علي ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على ما أخرجه مسلم في صحيحه : لا يزال هذا الأمر في قريش
ما بقي من الناس اثنان.
أخرج مسلم في
صحيحه عن سماك بن حرب ، قال: سمعت جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله ، يقول : لا
يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ، ثمّ قال كلمة لم أفهمها.
قال : قلت لأبي :
ما قال؟
فقال : كلّهم من
قريش.
وأيّ فرق بين حصر
الملك في آل علي الذين هم أحد بطون قريش وحصره في قريش؟!
هذا ومن سبر في
كتب العقائد يرى أنّ المتكلّمين ذكروا : أنّ من شرائط الخليفة أن يكون من قريش ،
ولم يذهب
__________________
إلى خلافه إلّا
الخوارج.
قال الباقلاني (المتوفّى
٤٠٣ ه): يشترط أن يكون قرشياً من صميم.
وقال عبد القاهر
البغدادي (المتوفّى ٤٢٩ ه) قال أصحابنا : إنّ الذي يصلح للإمامة ينبغي أن يكون
فيه أربعة أوصاف ـ إلى أن قال : ـ الرابع: النسب من قريش.
وقال أبو الحسن
البغدادي الماوردي (المتوفّى ٤٥٠ ه): والشروط المعتبرة في الإمامة سبعة ـ إلى أن
قال : ـ السابع: النسب ، وهو أن يكون من قريش.
وقال ابن حزم (المتوفّى
٤٥٦ ه): يشترط فيه أُمور: ١. أن يكون صلبه من قريش.
وقال القاضي سراج
الدين الأرموي (المتوفّى ٦٨٩ ه):
__________________
صفات الأئمة تسع ـ
إلى أن قال: ـ التاسع: أن يكون قرشياً.
أو يظن ابن الجوزي
في حقّ هؤلاء مثل ما ظنّه في حقّ الشيعة حيث إنّهم أيضاً قالوا مثل قول اليهود لا
يصلح الملك إلّا في قريش؟
التهمة الثانية :
قالت
اليهود : لا جهاد في سبيل الله حتّى يخرج المسيح الدجال ، وقالت الرافضة : لا جهاد
حتّى يخرج المهدي.
يلاحظ
عليه : أنّه لو صحّ ما
نسبه إلى اليهود فقياس الرافضة ـ حسب تعبيره ـ باليهود قياس مع الفارق ، فانّ
اليهود يقولون : لا جهاد في سبيل الله حتّى يخرج المسيح الدجال ، فعندئذٍ يجاهدون
لقتله وإعدامه ثمّ يتخلّون عن
__________________
الجهاد ؛ وأمّا
الشيعة فهم يقولون ـ على فرض صحة النسبة: لا جهاد في سبيل الله حتّى يخرج المهدي
فيجاهدوا في ركابه إلى استقرار حكومته في الأرض وتجسم ما وعد به سبحانه على الأُمم
وقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنا
فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ
الصَّالِحُونَ)
فشتّان بين قوم لا
يجاهدون إلّا في وقت خاص لقتل عدوهم المزعوم ، وبين قوم ينتظرون ظهور إمامهم
المهدي الذي وعد الله به الأُمم حتّى يجاهدوا في كلّ وعر وحزن في أقاصي العالم
وأقطاره لاستقرار حكومته الإلهية حتّى ترفرف راية الإسلام خفّاقة على ربوع الأرض.
وهناك نكتة أُخرى
غفل عنها ابن الجوزي ، وهي انّ الشيعة تقول بالجهاد الابتدائي ويطلق عليه بالجهاد
التحريري وهو مشروع عندهم للغايات التالية:
١. تحرير البشرية
من الشرك.
__________________
٢. إزالة الرقابة
المفروضة على الشعوب في استماع قول الحقّ.
٣. انقاذ
المستضعفين من براثن الظالمين.
إلى غير ذلك من
مبرّرات الجهاد الابتدائي قبالة الجهاد الدفاعي.
غير أنّ مشاهير
فقهاء الإمامية ذهبوا إلى أنّه لا جهاد إلّا بإذن إمام معصوم. وعلى ضوء ذلك فالشرط
الرئيسي هو إذن الإمام ، سواء أكان حاضراً أم غائباً ، غير أنّ تحصيل الإذن في
زمان الغيبة أمر مشكل ، فكم فرق بين أن يقال لا جهاد إلّا مع إمام حاضر أو نقول:
لا جهاد إلّا بإذن الإمام المعصوم؟! وإن كان تحصيل إذنه حضوراً أسهل من تحصيله في
زمان الغيبة.
هذا وانّ لفيفاً
من فقهاء الشيعة ذهبوا إلى كفاية إذن الإمام العادل وإن لم يكن معصوماً ، والمسألة
محررة في محلّها.
التهمة الثالثة :
اليهود
يؤخّرون صلاة المغرب حتّى تشتبك النجوم وكذلك الرافضة.
يلاحظ
عليه: ما نسبه إلى
اليهود ممّا لا نحوم حوله ، وأمّا ما نسبه إلى الرافضة فهي فرية واضحة ، وقد جاءت
الروايات على خلافه ، فهذا هو الإمام الصادق عليهالسلام قال: «ملعون ملعون من أخّر المغرب طلباً لفضلها».
وقيل له : إنّ أهل
العراق يؤخّرون المغرب حتّى تشتبك النجوم ، فقال: «هذا من عمل عدو الله أبي
الخطاب».
وفي رواية أُخرى
قال: «من أخّر المغرب حتّى تشتبك النجوم من غير علّة فأنا إلى الله منه بريء».
وفي رواية رابعة
عن ذريح ، قال: قلت لأبي عبد الله عليهالسلام: إنّ أُناساً من أصحاب أبي الخطّاب يُمْسون بالمغرب حتّى
تشتبك النجوم ، قال: «أبرأ إلى الله ممّن فعل ذلك متعمّداً».
إلى غير ذلك من
الروايات التي نقلها الشيخ الحرّ العاملي في «وسائل الشيعة» في كتاب الصلاة ،
أبواب المواقيت.
إنّ ابن الجوزي
نسب رأي طائفة بائدة هالكة من الشيعة إلى عامّتهم مع أنّ أئمّتهم قد تبرّءوا من
الخطابية مرة بعد أُخرى.
التهمة الرابعة :
اليهود
يُولُّون عن القبلة شيئاً وكذا الرافضة.
يلاحظ
عليه: أنّنا نترك
الحديث حول ما نسبه إلى اليهود كسابقتها ، لكن ما نسبه إلى الشيعة نسبة خاطئة
بعيدة عن الصواب ، فهم لا يولّون بوجههم عن صوب القبلة ، بل يولّون من القبلة إلى
القبلة ، هذه هي مجمل القضية ، وإليك التفصيل.
__________________
قد وردت الروايات
انّ من توجّه إلى القبلة من أهل العراق والمشرق قاطبة ، فعليه أن يتياسر قليلاً
ليكون متوجّهاً إلى المسجد الحرام.
وقال المحقّق في
«الشرائع»: وأهل العراق ومن والاهم يجعلون الفجر على المنكب الأيسر ، والمغرب على
الأيمن ، والجدي على محاذي خلف المنكب الأيمن ، وعين الشمس عند زوالها على الحاجب
الأيمن ، ويستحب لهم التياسر إلى يسار المصلّي منهم قليلاً.
قال ابن فهد الحلي
في شرحه على النافع المختصر : حضر المحقّق الطوسي ذات يوم حلقة درس المحقّق رحمهالله بالحلّة ، فقطع المحقّق الدرس تعظيماً له وإجلالاً لمنزلته
، فالتمس منه الخواجة إتمام الدرس ، فجرى البحث في مسألة استحباب التياسر للمصلّي
بالعراق ، فأورد المحقّق الخواجة
__________________
بأنّه لا وجه لهذا
الاستحباب ، لأنّ التياسر إن كان من القبلة إلى غير القبلة فهو حرام وإن كان من
غيرها إليها فهو واجب.
فأجاب المحقّق
بأنّه من القبلة إلى القبلة ، فسكت الخواجة ، ثمّ إنّ المحقّق ألّف رسالة لطيفة في
المسألة وأرسلها إلى المحقّق الطوسي فاستحسنها.
وحاصل الجواب: منع
الحصر بل التياسر في نفس القبلة ، ولا مانع من أن يختصّ بعض جهات القبلة بمزيد
الفضيلة على بعض ، أو يكون الانحراف لأجل الاستظهار ، بسبب الانحراف ، والثاني هو
الأظهر كما يظهر من الرواية وانّه لأجل تحصيل اليقين باستقبالها.
توضيحه: انّ
لفقهائنا قولين:
أحدهما
: انّ الكعبة قبلة
لمن كان في الحرم ومن خرج عنه ، والتوجّه إليها متعيّن على التقديرات ، فعلى هذا
لا معنى للتياسر أصلاً.
__________________
ثانيهما
: انّها قبلة لمن
كان في المسجد ، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم ، والحرم قبلة لمن خرج عنه ، وعلى
هذا ، فالآفاقي لا يتوجّه إلى الكعبة بل إلى الحرم ، حتّى أنّ استقبال الكعبة في
الصف المتطاول متعذّر لأنّ عنده جهة كل واحد من المصلّين ، غير جهة الآخر ، إذ لو
خرج من وجه كل واحد منهم خط مواز ، للخط الخارج من وجه الآخر ، لخرج بعض تلك
الخطوط عن ملاقاة الكعبة ، فحينئذٍ يسقط اعتبار الكعبة بانفرادها في الاستقبال ،
ويعود الاستقبال مختصّاً باستقبال ما اتّفق من الحرم.
ثمّ إنّ القول باستحباب
التياسر شيئاً طفيفاً مبني على هذا القول. ووجهه ما روي عن الإمام الصادق عليهالسلام وقد سُئل عن سبب التحريف عن القبلة ذات اليسار؟ فقال: «إنّ
الحرم عن يسار الكعبة ثمانية أميال وعن يمينها أربعة أميال ، فإذا انحرف ذات
اليمين خرج عن حدّ القبلة وإن انحرف
__________________
ذات اليسار لم يكن
خارجاً عن القبلة».
وهذا الحديث يؤذن
بأنّ المقابلة قد يحصل معها احتمال الانحراف.
وقد عرفت أنّ
المسألة اختلافية وأنّ التياسر مبنيّ على كون الحرم هو القبلة للآفاقي ، وهذا أمر
مختلف فيه ، ولأجل ذلك استشكل فيه غير واحد من الفقهاء ، منهم المحقّق الأردبيلي ،
فمن أراد التفصيل فلينظر «مجمع الفائدة والبرهان».
وعلى كلّ تقدير
فهل يصحّ لمؤرّخ موضوعي أن يتّهم الشيعة بهذه التهمة ويلحقهم باليهودية مع أنّك
عرفت أنّ المسألة لها جذور في الحديث والفقه ، وأنّها اختلافية حسب اختلاف الرؤى
في القبلة وانّ لها وجهاً علمياً قابلاً للتدبّر.
__________________
التهمة الخامسة :
اليهود
تسدل أبوابها وكذلك الرافضة.
هكذا في النسخة
المطبوعة في دار الفكر ، ويحتمل أن يكون مصحّف : تسد ، والظاهر انّ مراد ابن
الجوزي اتّهام الشيعة بالبخل حيث يسدّون أبوابهم ، أو يسدلون الستار لئلّا يدخل
عليهم أحد فيأكل على مائدتهم.
وهل ابن الجوزي
جرّب ذلك في عامّة ربوع الأرض التي تقطن فيها الشيعة أو جرّبها في مورد دون مورد؟!
وهل تكون هذه
التجربة الناقصة حجّة على الكلّ؟! ولعمر الحقّ انّ كلامه هذا أشبه بالمهزلة ، فإنّ
طائفة الشيعة من أسخى الطوائف حيث يوقفون الأموال الطائلة ويبذلونها بين الفقراء ،
ويساهمون في المشاريع الخيرية أكثر من سائر الطوائف ، والشاهد عليه انّهم يعطون
كلّ سنة خمس أرباحهم إلى إمامهم لصرفه في الأُمور الخيرية وترويج الشريعة إلى غير
ذلك.
ولو حاول ابن
الجوزي أن يعرف البخلاء والسفهاء ، فعليه أن يرجع إلى كتاب «البخلاء» للجاحظ وهو
وابن الجوزي كلاهما صنوان من أصل واحد ، فعند ذلك يعرف من البخيل هل هم الشيعة أو
غيرهم؟!
التهمة السادسة :
اليهود
حرّفوا التوراة وكذلك الرافضة حرّفوا القرآن.
اتّفق المسلمون
على أنّ القرآن الموجود بين أيدينا هو القرآن المنزل على قلب سيّد المرسلين دون أن
يكون فيه نقص أو زيادة ، ولم يخالف في ذلك إلّا شُذّاذ من الفريقين حيث تمسّكوا
بروايات ضعيفة تنتهي إلى الضعاف.
وقد ذهب مشايخ
الشيعة تبعاً لأئمتهم إلى عدم طروء النقص والتحريف على القرآن الكريم وذلك بالبيان
التالي:
إنّ القرآن الكريم
كان موضع عناية للمسلمين من أوّل يوم أُتُوا به ، فقد كان المرجع الأوّل لهم
فيهتمون به قراءة
وحفظاً ، كتابة
وضبطاً ، فتطرق التحريف إلى مثل هذا الكتاب لا يمكن إلّا بقدرة قاهرة حتّى تتلاعب
بالقرآن بالنقص ، ولم يكن للأمويّين ولا للعباسيّين تلك القدرة القاهرة ، لأنّ
انتشار القرآن بين القرّاء والحفّاظ ، وانتشار نُسَخِه على صعيد هائل قد جعل هذه
الأمنية الخبيثة في عداد المحالات.
إنّ للسيد الشريف
المرتضى بياناً في المقام نأتي بنصه ، يقول : إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم
بالبلدان والحوادث الكبار ، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة وأشعار العرب
المسطورة ، فإنّ العناية اشتدت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حد
لم يبلغه غيره ، لأنّ القرآن معجزة النبوة ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام
الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتّى عرفوا كلّ شيء
اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً ومنقوصاً
مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟!
قال: والعلم
بتفسير القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة
من الكتب المصنّفة ككتاب سيبويه والمُزني ، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من
تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما ، ومعلوم أنّ العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من
العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء.
هذا وانّ علماء
الشيعة الذين هم المراجع في العقائد والأحكام صرحوا ببطلان التحريف من لدن عصر
الفضل بن شاذان (المتوفّى ٢٦٠ ه) إلى يومنا هذا ، وقد ذكرنا نصوصهم في كتاب مصادر
الفقه الإسلامي ومنابعه.
كما أجبنا في ذلك
الكتاب عن الشبهات التي صارت سبباً لاحتمال طروء التحريف إلى القرآن الكريم.
نعم ، توجد في كتب
الفريقين روايات يستشم منها طروء التحريف ، وهي لا تختصّ بفرقة دون أُخرى ، هذا هو
__________________
الإمام البخاري
ينقل في صحيحه:
خطب عمر عند
منصرفه من الحجّ وقال: إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم ، يقول قائل لا نجد حدّين في
كتاب الله ، فقد رجم رسول الله ورجمنا ، والذي نفسي بيده لو لا أن يقول الناس زاد
عمر في كتاب الله تعالى لكتبتها : «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» فأنا
قد قرأناها.
وبما انّا قد
استوفينا الكلام في هذا الموضوع نقتصر على ذلك المقدار ، فمن أراد التفصيل فعليه
الرجوع إلى المصادر التالية. هذا وقد ألّف غير واحد من أصحابنا رسائل خاصة في هذا
الموضوع ، نخصّ بالذكر:
١. «آلاء الرحمن»
للشيخ الحجة البلاغي.
٢. «البيان في
تفسير القرآن» للعلّامة الحجّة السيد أبو القاسم الخوئي.
__________________
٣. «الميزان في
تفسير القرآن» (سورة الحجر) للعلّامة الطباطبائي.
٤. صيانة القرآن
عن التحريف ، تأليف المحقّق المعاصر محمد هادي معرفة.
التهمة السابعة :
اليهود
يستحلّون دم كلّ مسلم وكذلك الرافضة.
اللهم ما أجرأه
على الفرية والافتعال! ما أجرأه على الكذب وإلصاق التهم بشيعة آل البيت الذين
يقتدون بالنبي وأهل بيته في كلّ جليل ودقيق!
وهذا هو إمام
الشيعة بل إمام المسلمين جعفر الصادق عليهالسلام يقول: «الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله ، والتصديق
برسول الله ، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث».
__________________
وروى التميمي عن
الإمام الرضا عليهالسلام ، عن آبائه ، عن علي عليهالسلام قال: قال النبي: «أُمرت أن أُقاتل الناس حتّى يقولوا لا
إله إلّا الله ، فإذا قالوها فقد حرم عليّ دماؤهم وأموالهم».
وروى البرقي
مسنداً عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال: «الإسلام يحقن به الدم ، وتؤدّى به الأمانة ،
ويستحلّ به الفرج ، والثواب على الإيمان».
وهذه كتب الشيعة
في العقائد والفقه مشحونة بذكر أركان الإيمان وهي التوحيد والرسالة والمعاد ، فمن
آمن بها فهو مسلم محقون الدم وله من الأحكام ما لسائر المسلمين ، وبما انّ المسألة
من البداهة بوضوح نطوي الكلام عنها ، ومن أراد التفصيل فعليه أن يرجع إلى كتاب
«الإيمان والكفر على ضوء الكتاب والسنّة» بقلم المؤلّف.
__________________
التهمة الثامنة :
اليهود
لا يرون طلاق الثلاث بشيء وكذلك الرافضة.
نحن لا نتكلم فيما
نسبه إلى اليهود ، لأنّ القضاء فيه رهن الوقوف على أحكامهم ، غير أنّ ما نسبه إلى
الشيعة صحيح ، ولكنّهم لا يقيمون وزناً للطلاق الثلاث تبعاً للكتاب والسنّة ويرون
من يقول بها ، منحرفاً عن المصدرين.
إنّ الكتاب
والسنّة يدلّان على بطلان الطلاق ثلاثاً وانّه إمّا باطل أو لا يحسب إلّا طلاقاً
واحداً ، إذ يجب أن تكون الطلقة واحدة بعد الأُخرى يتخلّل بينها رجوع أو نكاح ،
فلو طلق ثلاثاً مرّة واحدة أو كرر الصيغة في مجلس واحد فلا يقع الثلاث وعند بعضهم
يقع طلاقاً واحداً.
ثمّ إنّ الاستدلال
على المسألة عن طريق الكتاب والسنّة خارج عن وضع الرسالة ، وقد أشبعنا البحث فيها
في كتاب «الاعتصام بالكتاب والسنّة» ، غير انّنا نذكر طائفة من الروايات النبوية
ليتّضح من خلالها انّ الشيعة لا تميل عن
السنّة قيد شعرة.
١. أخرج النسائي
عن محمود بن لبيد ، قال : أخبر رسول الله عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً ،
فقام غضبان ثمّ قال : «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟!» حتّى قام رجل وقال: يا
رسول الله ألا أقتله؟
إنّ محمود بن لبيد
صحابي صغير وله سماع ، روى أحمد باسناد صحيح عنه ، قال: أتانا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فصلّى بنا المغرب في مسجدنا فلما سلم منها قال: اركعوا
هاتين الركعتين في بيوتكم للسبحة بعد المغرب.
٢. روى ابن إسحاق
، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال: طلّق «ركانة» زوجته ثلاثاً في مجلس واحد ، فحزن عليها حزناً
شديداً ، فسأله رسول الله : «كيف طلّقتها؟» قال: طلّقتها ثلاثاً في مجلس واحد.
قال: «إنّما تلك طلقة واحدة
__________________
فارتجعها».
٣. أخرج الإمام
أحمد باسناد صحيح عن ابن عباس ، قال: طلّق «ركانة» بن عبد يزيد أخو بني مطلب امرأته ثلاثاً في
مجلس واحد ، فحزن عليها حزناً شديداً ، قال : فسأله رسول الله : «كيف طلّقتَها؟»
قال: طلّقتها ثلاثاً ، قال ، فقال: «في مجلس واحد؟» قال: نعم ، قال: «فإنّما تلك
واحدة فأرجعها إن شئت» ، قال: فارجعها ، فكان ابن عباس يرى انّما الطلاق عند كلّ
طهر.
الاجتهاد مقابل النصّ
:
التحق النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالرفيق الأعلى وقد حدث بين المسلمين اتّجاهان مختلفان ،
وصراعان فكريّان ، فعلي عليهالسلام ومن تبعه من أئمّة أهل البيت كانوا يحاولون التعرّف على
الحكم الشرعي من خلال النصّ الشرعي آية ورواية ولا يعملون
__________________
برأيهم أصلاً ،
وفي مقابلهم لفيف من الصحابة يستخدمون رأيهم للتعرّف على الحكم الشرعي من خلال
التعرّف على المصلحة ووضع الحكم وفق متطلباتها.
وعلى ضوء ذلك
فالتاريخ يشهد بأنّ أوّل من ترك النص وأخذ بالاجتهاد في هذه المسألة هو عمر بن
الخطاب ، وقد صارت البدعة بمرور الزمان سنّة والسنّة بدعة ، وإن كنت في شك من ذلك
فاقرأ هذه النصوص:
١. أخرج مسلم عن
ابن عباس ، قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر : طلاق الثلاث واحدة ، فقال
عمر بن الخطاب: إنّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه
عليهم ، فأمضاه عليهم.
٢. أخرج مسلم عن
ابن طاوس عن أبيه: انّ أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أنّما كانت الثلاث تجعل
__________________
واحدة على عهد
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر وثلاثاً من خلافة عمر؟ فقال: نعم.
٣. وأخرج مسلم
أيضاً : انّ أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك ، ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله
وأبي بكر واحدة؟ قال: قد كان ذلك ، فلمّا كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق
فأجازه عليهم.
٤. أخرج البيهقي ،
قال: كان أبو الصهباء كثير السؤال لابن عباس ، قال: أما علمت أنّ الرجل كان إذا
طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها ، جعلوها واحدة على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر فلمّا رأى الناس قد تتابعوا
فيها ، قال: أجيزوهن عليهم.
فأيّ الفريقين ـ يا
ابن الجوزي ـ أحقّ بالأمن ، أمّن يتّبع السنّة اللّاحبة والطريق المهيع أو مَن
يجتهد أمام النص؟! والله
__________________
سبحانه يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وقد حاول غير واحد
من المتفقّهة أن يبرّروا فتوى الخليفة أمام الكتاب والسنّة ولكن خابت محاولاتهم ،
فهذا هو ابن قيم الجوزية أحد المتحمّسين في الدفاع عن الخليفة في هذه الفتيا يقول
: لم نجد بداً من القول بأنّ المصلحة في زماننا هذا على عكس ما كان عليه زمن
الخليفة ، وانّ تصحيح التطليق ثلاثاً ، جرّ الويلات على المسلمين في أجوائنا
وبيئاتنا وصار سبباً لاستهزاء الأعداء بالدين وأهله ، وانّه يجب في زماننا هذا
الأخذ بنصّ الكتاب والسنّة ، وهو انّه لا يقع منه إلّا واحد.
__________________
التهمة التاسعة :
اليهود
يبغضون جبرئيل ويقولون هو عدونا من الملائكة ، وكذلك الرافضة يقولون غلط بالوحي.
لا شكّ انّ اليهود
يبغضون جبرئيل وغيره بنصّ القرآن الكريم ، قال سبحانه: (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ
فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ
يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ).
وأمّا سبب عدائهم
لجبرئيل فقد فصّل الكلام فيه فخر الدين الرازي في تفسيره ، ومن أسباب عدائهم زعمهم
انّ أمين الوحي جبرئيل خان حيث أُمر أن يجعل النبوة فينا [اليهود] فجعلها في
غيرنا.
وهذا يعرب عن أنّ
مسألة «خان الأمين» فكرة يهودية قد أخذها عدو آل البيت من اليهود ونسبها إلى
الشيعة أو إلى الرافضة على حدّ تعبير ابن الجوزي ، والشيعة براء من هذه
__________________
التهمة ، فلا تجد
أي أثر لهذه الفرية في كتبهم.
ومن هوان الدنيا
على الكاتب الإسلامي ـ كابن الجوزي ـ أن يعتمد على أُسطورة تاريخية لاكتها اليهود
فيأخذها من يد اليهود وينسبها إلى شيعة آل البيت الذين ليس لهم ذنب سوى حبهم لأهل
البيت عليهمالسلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
التهمة العاشرة :
فضلت
صنف من اليهود أو النصارى على الرافضة بخصلتين سُئلت اليهود مَنْ خيرُ أهل ملّتكم
، قالوا : أصحاب موسى. وسئلت النصارى ، فقالوا : أصحاب عيسى ، وسئلت الرافضة من
شرّ أهل ملّتكم ، فقالوا حواريّ محمد ، وأُمروا بالاستغفار لهم فسبّوهم.
إنّ هذا الكلام
يشتمل على فريتين:
الأُولى: سألت
الرافضة من شرّ أهل ملّتكم ، فقالوا : حواري محمد.
الثانية: أمروا
بالاستغفار لهم فسبّوهم.
أمّا الأُولى فهي
فرية شائنة لا تجد أيَّ سند لها في كتب الشيعة ، فإنّ لصحابة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عند الشيعة منزلة خاصة لأنّهم رأوا نور الوحي واستضاءوا به
وآمنوا بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ونصروه.
وهذا هو إمام
الشيعة علي أمير المؤمنين عليهالسلام يصف الصحابة بقوله:
١. لقد رأيت أصحاب
محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فما أرى أحداً يُشبههم منكم ، لقد كانوا يُصبحون شُعثاً
غبراً ، وقد باتوا سُجّداً وقياماً ، يراوحون بين جباههم ، وخدودهم ، ويقفون على
مثل الجمر من ذكر معادهم! كأنّ بين أعينهم رُكب المِعْزى من طول سجودهم! إذا ذكر
الله هملت أعينهم حتّى تبلّ جيوبهم ، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف
خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب.
__________________
٢. وقال الإمام
زين العابدين عليهالسلام: اللهم وأصحاب محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصة الذين أحسنوا الصحبة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في
نصره ، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له حيث أسمعهم
حجة رسالاته ، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والأبناء
في تثبيت نبوته ، وانتصروا به ، ومن كانوا منطوين على محبته ، يرجون تجارة لن تبور
في مودته ، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروقه ، وانتفت منهم القربات إذ
سكنوا في ظل قرابته ، فلا تنس اللهم ما تركوا لك وفيك ، وأرضهم من رضوانك وبما
حاشوا الخلق عليك ، وكانوا مع رسولك ، دعاة لك إليك ، واشكرهم على هجرهم فيك ديار
قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه ، ومن كثّرتَ في إعزاز دينك من مظلومهم.
اللهمّ وأوصل إلى
التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا».
__________________
هذا كلّه حول
الفرية الأُولى ، وأمّا الفرية الثانية من أنّهم أُمروا بالاستغفار فسبّوهم فيا
ليت انّه تكفّل عناء البحث وراء هذه المسألة في كتب الشيعة ، دون أن ينسبه إليهم
دون دليل.
والحقّ انّ الشيعة
لا يسبّون أحداً من الصحابة ، فإنّ سباب المؤمن فسوق ، ولكنّهم لا يعتقدون بعدالة
الصحابة كلّهم ، ولا يغالون في حقّ من عُدّ من الصحابة بحجّة انّهم رأوا أو سمعوا
حديث النبي أو عاشروه ، بل يعتقدون أنّ الصحابة كالتابعين ففيهم الصالح والطالح
والعادل والفاسق ، ويشهد على ذلك القرآن الكريم حيث يصف بعضهم بالفسق ويقول: (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ
نادِمِينَ).
إنّ القول بعدالة
جميع الصحابة لم يظهر في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا في عهد الخلفاء وإنّما ظهر في عهد الأمويّين
__________________
للحيلولة دون
التفاف الرأي العام حول أئمّة أهل البيت عليهمالسلام.
غير أنّ ابن
الجوزي أعرف بصحاح أهل السنّة ومسانيدهم ، وقد تعرضت هذه الكتب للصحابة بالطعن
والارتداد ، ولأجل إيقاف القارئ على شيء ممّا جاء في هذه الكتب من الطعن على
الصحابة ، نذكر بعض ما روي في ذلك المجال ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب
«جامع الأُصول» لابن الأثير: ١١ / ١١٩.
١. روى عبد الله
بن مسعود ، قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنا فرطكم على الحوض ، وليُرفعنّ إليّ رجال منكم ، حتّى
إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول: أي رب ، أصحابي ، فيقال: إنّك لا
تدري ما أحدثوا بعدك.
٢. روى أنس بن
مالك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صاحبني حتّى إذا رأيتهم
ورفعوا إليّ اختلجوا دوني ، فلأقولنّ: أي ربّ ، أصحابي ، أصحابي ،
__________________
فليقالن لي: إنّك
لا تدري ما أحدثوا بعدك.
٣. روت عائشة ،
قالت: سمعت رسول الله ، يقول ـ وهو بين ظهراني أصحابه ـ : إنّي على الحوض أنتظر من
يرد عليّ منكم ، فو الله ليقطعنّ دوني رجال ، فلأقولنّ : أي ربّ ، مني ومن أُمّتي!
فيقول: إنّك لا تدري ما عملوا بعدك ما زالوا يرجعون على أعقابهم.
٤. روت أسماء بنت
أبي بكر ، قالت: قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم: إنّي على الحوض ، أنظر من يرد عليّ وسيؤخذ ناس دوني ،
فأقول: يا ربّ ، مني ومن أُمّتي ، وفي رواية ، فأقول : أصحابي ، فيقال: هل شعرت ما
عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابكم.
٥. روى سعيد بن
المسيب انّه كان يحدِّث عن أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: يرد عليّ الحوض رجال من أصحابي ،
__________________
فيُحلئون عنه ،
فأقول : يا ربّ ، أصحابي ، فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك. إنّهم ارتدّوا
على أدبارهم القهقرى.
٦. روى أبو هريرة
، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والذي نفسي بيده ، لأذودن رجالاً عن حوضي ، كما تذاد
الغريبة من الإبل عن الحوض.
بالله عليك يا ابن
الجوزي من الذي يبخس حقوق الصحابة هل الشيعة أو الذين يروون عن النبي ارتدادهم بعد
رحيله ، والمرتد خارج عن ربقة الإسلام ، كافر بالله ورسله وكتبه ، ضال مضلّ ملعون
في الدنيا والآخرة؟!
نعم هناك فرق بين
وصف ما ارتكبه بعض الصحابة من الأعمال المشينة وبين سبّهم ، فالسبّ يضاد روح
الإسلام ، ولكن وصف الرجل بما له من الأعمال الحسنة والسيئة هو طريقة المحقّق
المتحرّي للحقائق.
__________________
عفا الله عنّا وعن
ابن الجوزي حيث جرّنا إلى تحرير هذه الكلمات التي ربّما تعكر صفو المياه وترخي عرى
الوحدة الإسلامية ، واستغفر الله لي وله.
خاتمة المطاف
ما أشبه الليلة بالبارحة
وربما يتصوّر
القارئ انّ ابن الجوزي رمى الشيعة بهذه التهم بعد ان لمسها بعينه وشاهدها. ولكن
الغريب حقّاً انّه لم يعش مع الشيعة قط ليرى تلك الأُمور بأُمّ عينيه ، بل نقلها
من كاتب متساهل هو ابن عبد ربّه الأندلسي في كتابه «العقد الفريد» دون أي تحقيق
وتتبّع ، فإنّ الثاني سعى أن يشبّه الرافضة حسب تعبيره باليهود من جهات شتّى
وكأنّهم هم اليهود ، وإليك نزراً ممّا اختلقه من التشبيه حيث قال:
١. الرافضة يهود
هذه الأُمّة يبغضون الإسلام كما يبغض اليهود النصرانية ....
__________________
وكلامه هذا لا
يوافق كلام صاحب الرسالة في حق شيعة علي حيث قال: أنت وشيعتك هم الفائزون ذكره صلىاللهعليهوآلهوسلم في تفسير قوله: (إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) .
٢. محنة الرافضة
محنة اليهود قالت اليهود لا يكون الملك إلّا في آل داود وقالت الرافضة لا يكون
الملك إلّا في آل علي.
وهذا المورد بعينه
كسائر الموارد اجترّه ابن الجوزي وأعاد ذكره في كتابه تقليداً لا تحقيقاً ،
وغافلاً عن الحديث المتضافر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي رواه بضع وعشرون صحابياً حيث قال : «إنّي تارك فيكم
الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وانّهما
لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». نقله ابن حجر في صواعقه عن بضع وعشرين
__________________
صحابياً.
٣. اليهود يؤخّرون
صلاة المغرب حتّى تشتبك النجوم وكذلك الرافضة.
وقد سبق منّا
الحديث عنه ، فلاحظ.
٤. اليهود لا ترى
الطلاق الثلاث شيء وكذا الرافضة.
وقد سبق منّا
الحديث عنه وانّ ما نسبه إلى الرافضة كان الأولى أن ينسبه إلى القرآن الكريم حيث
إنّه سبحانه يقول: (الطَّلاقُ مَرَّتانِ
فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) إلى أن يقول: (فَإِنْ طَلَّقَها
فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ).
قال العلّامة
الأميني: ومن جلية الحقائق انّ تحقّق المرتين أو الثلاث يستدعي تكرر وقوع الطلاق ،
كما يستدعي تخلّل الرجعة بينهما أو النكاح ، فلا يقال للمطلّقة مرتين
__________________
بكلمة واحدة أو في
مجلس واحد إنّما طلقت مراراً ، كما إذا كان زيد أعطى درهمين لعمرو بعطاء واحد ، لا
يقال إنّه أعطى درهمين مرّتين وهذا معنى يعرفه كلّ عربي صميم.
٥. اليهود لا ترى
على النساء عدّة وكذلك الرافضة.
٦. اليهود تستحل
دم كلّ مسلم وكذا الرافضة.
٧. اليهود حرّفوا
التوراة وكذلك الرافضة حرّفت القرآن.
٨. اليهود تبغض
جبرئيل وتقول هو عدونا من الملائكة وكذلك الرافضة تقول : غلط جبرئيل في الوحي إلى
محمد بترك علي بن أبي طالب.
٩. اليهود لا تأكل
لحم الجزور وكذا الرافضة.
وجاء بعد ابن
الجوزي شيخ البدع والضلالة ابن تيمية في «منهاج السنة» الذي هو أولى أن يسمّى
منهاج البدعة ، فسار على منهاج سلفه فرأى أنّ ما افتعله أسلافه
__________________
شيئاً قليلاً
فحاول أن يضيف عليها تهماً أُخرى ، فقال :
اليهود يستحلّون
أموال الناس كلّهم وكذلك الرافضة.
اليهود تسجد على
قرونها في الصلاة وكذلك الرافضة.
اليهود لا تسجد
حتّى تخفق برءوسها مراراً تشبيهاً بالركوع وكذلك الرافضة.
اليهود يرون غش
الناس وكذلك الرافضة.
إلى غير ذلك من
الخرافات والسفاسف ممّا لا يحتاج إلى النقد والرد لمن ألقى السمع وهو بصير.
ونمر على تلك
السفاسف مرار الكرام ونقول :
(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ
عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ*
تَنَزَّلُ
عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يُلْقُونَ
السَّمْعَ
وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ).
__________________
المباراة في نسج الكذب
قد زعم أبناء حزم
والجوزي وتيمية ومن لفّ لفّهم في الافتراء على الشيعة ، أنّ لما نسجوه من الأكاذيب
تأثيراً على العقول الحرّة. كلا إنّها كلمة هم قائلوها ومن ورائها من يناقشهم
ويبدي عِوَارهم.
والسابر في كتب
هؤلاء ومن سار في خطهم ، يقف على أنّ القوم يتبارون في نسج الأكاذيب على الشيعة ،
وكأنّ أفضلَهم أكذبهم.
وإن كنت في شكّ من
ذلك ، فاقرأ الفرية التي نقلها عبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري الشافعي (المتوفّى
٨٩٤) في كتابه.
__________________
قال: كنت مجاوراً
بالمدينة المشرَّفة على مشرِّفها أفضل الصّلاة والسّلام فخرجت يوم عاشوراء الذي
تجتمع فيه الإمامية في قبّة العباس وقد اجتمعوا في القبّة ، قال: فوقفت أنا على
باب القبّة وقلت: أُريد في محبّة أبي بكر شيئاً فخرج إليّ شيخٌ منهم وقال: اجلس
حتّى نفرغ ونعطيك ، فجلست حتّى فرغوا ثمّ خرج ذلك الرجل وأخذ بيدي ومضى بي إلى
داره وأدخلني الدار وأغلق ورائي الباب وسلّط عليّ عبدين فكتّفاني وأوجعاني ضرباً ،
ثمّ أمرهما بقطع لساني فقطعاه ، ثمّ أمرهما فحَلّا كتافي ، وقال: اخرج إلى الذي
طلبتَ في محبّته ليردّ إليك لسانك.
قال: فخرجت من
عنده إلى الحجرة الشريفة النبويّة وأنا أبكي من شدّة الوجع والألم فقلت في نفسي:
يا رسول الله! قد تعلم ما أصابني في محبّة أبي بكر فإن كان صاحبك حقّاً؟
فأُحبّ أن يرجع
إليّ لساني وبتُّ في الحجرة قلقاً من شدّة الألم فأخذتني سِنةٌ من النوم فنمت
فرأيت في منامي انّ لساني قد عاد إلى حاله كما كان فاستيقظت فوجدته في فيَّ صحيحاً
كما كان وأنا
أتكلّم فقلت: الحمد لله الذي ردّ عليَّ لساني وازددتُ محبّةً في أبي بكر.
فلمّا كان العام
الثاني في يوم عاشوراء اجتمعوا على عادتهم فخرجت إلى باب القبّة وقلت: أُريد في
محبّة أبي بكر ديناراً ، فقام إليَّ شابٌّ عن الحاضرين وقال لي: اجلس حتّى نفرغ.
فجلست فلمّا فرغوا خرج إليَّ ذلك الشابّ وأخذ بيدي ومضى بي إلى تلك الدار فأدخلني
فيها ووضع بين يديَّ طعاماً.
ولمّا فرغنا قام الشابُّ وفتح عليَّ باباً على بيت في الدار وجعل يبكي فقمت لأنظر
ما سبب بكائه فرأيت في البيت قرداً مربوطاً فسألته عن قضيَّته فزاد بكاءً فسكّنته
حتّى سكن ، فقلت له: بالله أخبرني عن حالك فقال: إن حلفتَ لي أن لا تخبر أحداً من
أهل المدينة أخبرتك ، فحلفت له.
فقال: اعلم أنّه
أتانا في عام أوّل رجلٌ وطلب في محبّة أبي بكر شيئاً في قبّة العباس يوم عاشوراء
فقام إليه أبي وكان من أكابر الإمامية والشيعة فقال له: اجلس حتّى نفرغ. فلمّا
فرغوا أتى به إلى
هذه الدار وسلّط عليه عبدين فضرباه ، وأمر بقطع لسانه فقطع ، وأخرجه فمضى لسبيله
ولم نعرف له خبراً ، فلمّا كان الليل ونمنا صرخ أبي صرخة عظيمة فاستيقظنا من شدّة
صرخته فوجدناه قد مسخه الله قرداً ففزعنا منه وأدخلناه هذا البيت وربطناه ،
وأظهرنا للناس موته وهو ذا نبكي عليه بكرة وعشيّاً.
فقلت له: إذا رأيت
الذي قطع أبوك لسانه تعرفه؟ قال: لا والله: فقلت: أنا هو والله ، أنا الذي قطع
أبوك لساني ، وقصصت عليه القصّة فأكبّ عليَّ يقبِّل رأسي ويدي ثمّ أعطاني ثوباً
وديناراً وسألني كيف ردّ الله عليَّ لساني؟ فأخبرته وانصرفت.
على هامش القصة
ربما يتصوّر ذوو
التعصب والعقول الفارغة أنّ باستطاعتهم أن يُمرّروا أهدافهم الخبيثة من خلال نسج
الأكاذيب وحوك الافتراءات ... وإلّا فأيّ إنسان يحترم عقله
يصدّق مثل هذه
الخرافة التي تفضح قبل كلّ شيء صانعها ، وتكشف عن خياله السقيم وذوقه الفاسد وعقله
التافة.
وكان الأجدر
بالصفوري (المؤلّف) أن يُفكِّر قليلاً قبل أن يسوّد صفحات كتابه ، بهذه القصة
المختلقة ، ويكشف هو الآخر عن سذاجته وغفلته بتصديق مثل هذه الأكاذيب المفضوحة
التي لم يقصد منها إلّا خداع البسطاء باستغلال عواطفهم ومشاعرهم الدينية من جهة ،
وبإثارة النعرات الطائفية والإحن والأحقاد في نفوسهم من جهة أُخرى.
ولكن محاولات هذا
الأفّاك البائس ، لم تنجح ، لأنّ القصة من التفاهة والسخف ، بحيث تبعث على
الاشمئزاز والقَرف أكثر ممّا تثير العواطف ، وتستدرّ الشفقة على عقل صانعها
وبائعها أكثر ممّا تدفع إلى الإعجاب والتقدير لهما ، ولا أعتقد أنّ لها سوقاً
رائجة في دنيا العقول.
ونحن لم نسمع على
طول الفترة التاريخية الممتدة من عصر موسى عليهالسلام إلى يومنا هذا أنّ ثمة من مُسخ قرداً على الرغم من عِظَم
الجرائم التي ارتكبت ، والفظائع التي اقتُرفت.
وهذا الكوكب الذي
نعيش عليه يضجّ بالقَتَلة والإرهابيين والجزّارين ، ولكننا لم نسمع أنّ أحداً منهم
قد مُسخ قِرْداً أو خنزيراً ، فما بالُ هذا الإمامي الكبير (المجهول الاسم ، والذي
لم يولد إلّا في خيال ذلك المعتوه) قد شذّ عن هؤلاء جميعاً؟!! وأي حظّ قاتم قد
قدّر لهذا المسكين الذي لم يقطع إلّا لساناً واحداً؟!!
نعوذ بالله من
سُبات العقل ، وقُبح الزّلل ، وبه نستعين.
فرية تلو فرية
نقل الشيخ إبراهيم
العبيدي المالكي في «عمدة التحقيق» عن خاله الشيخ عليا المالكي: انّ الرافضي إذا
أشرف على الموت يقلّب الله صورة وجهه وجه خنزير فلا يموت إلّا إذا مسخ وجهُه وجهَ
خنزير ، ويكون ذلك للأُمّة على انّه مات على الرفض ، فيستبشرون بذلك الروافض ، وإن
لم يقلب وجهه عند الموت يحزنون ويقولون انّه مات سنيّاً.
__________________
فرية تلو فرية تلو
فرية
ذكر الجرداني في
مصباح الظلامشاهداً على هذه الفرية ، فقال: لما مات ابن منير: خرج جماعة من شُبّان حلب يتفرجون ، فقال بعضهم لبعض: قد
سمعنا انّه لا يموت أحد ممّن كان يسبُّ أبا بكر وعمر إلّا ويمسخه الله تعالى في
قبره خنزيراً ، ولا شكّ انّ ابن منير كان يسبُّهما ، فأجمعوا رأيهم على المضي إلى
قبره ، فمضوا ونبشوه فوجدوا صورته خنزيراً ووجهه منحرفاً عن جهة القبلة إلى جهة
الشمال ، فأخرجوه من قبره ليشاهده الناس ، ثمّ بدا لهم أن يحرقوه فأحرقوه بالنار ،
واعادوه في قبره ، وردوا عليه التراب وانصرفوا.
ولا نعلق على تلك
الخرافة بل نحيل التعليق إلى وجدان القارئ الكريم.
__________________
فهرس المحتويات
قراءة التاريخ من جديد............................................................ ٣
الافتراء علي الشيعة وأكابرهم...................................................... ٥
الافتراء علي هشام بن الحكم،بطل علم الكلام....................................... ٧
مختلقات ابن حزم والشهرستاني في حقّه.............................................. ٩
فرية الدكتور ناصر القفاري علي الإمام الخميني...................................... ١٣
الأكاذيب المفتعلة لابن تيمية..................................................... ١٤
كتاب الموضوعات لابن الجوزي................................................... ١٧
مضاعفات الافتراء علي الشيعة ونظرية الدكتور حسن بن فرحان
المالكي ، فيه.......... ١٧
الكتب المؤلفة حول الأحاديث الموضوعة........................................... ٢٠
كتاب الموضوعات لابن الجوزي ، ووقفة قصيرة مع محققه............................. ٢٥
من أحاديث الغلو أو قصص الخرافة في حقّ الخليفة أبي بكر.......................... ٢٦
الأكاذيب العشرة التي افتعلها ابن الجوزي علي الشيعة ونقدها......................... ٣٠
١. قالت اليهود : لايصلح الملك إلّا في آل داود وقالت الرافضة
لاتصلح الإمارة إلّا في آل علي ، ونقده ٣١
٢. قالت اليهود : لاجهاد في سبيل الله ، قالت الرافضة :
لا جهاد حتّى يخرج المهدي ، ونقده............................................. ٣٦
٣. اليهود تؤخرون صلاة المغرب حتّى تشبك النجوم وكذلك الرافضة ،
ونقده........ ٣٩
٤. اليهود يولُّون عن القبلة شيئاً وكذلك الرافضة ، ونقده......................... ٤٠
٥. اليهود تسدل أبوابها وكذلك الرافضة ، ونقده................................. ٤٥
٦. اليهود حرّفوا التوراة وكذلك الرافضة حرّفوا القرآن ، ونقده...................... ٤٦
٧. اليهود تستحلون دم كلّ مسلم ، وكذلك الرافضة ، مع نقده................... ٥٠
٨. اليهود لا يرون طلاق الثلاث بشيء وكذلك الرافضة ، مع نقده................ ٥٢
٩. اليهود يبغضون جبرئيل وكذلك الرافضة ، مع نقده............................ ٥٨
١٠. التهمة العاشرة : صنف من اليهود والنصارى أفضل من الرافضة ،
ونقده........ ٥٩
الصحاح والسنن تعجّ ،بقدح الصحابة وارتدادهم بعد رحيل الرسول................... ٦٣
اختلاس ابن الجوزي تكلم المفتعلات عن كتاب «العقد الفريد» لابن
عبد ربه الأندلسي.. ٦٧
المباراة في نسج الكذب.......................................................... ٧٢
لايموت رافضيّ إلّا مُسخ خنزيراً................................................... ٧٧
|