

بسم الله الرحمن
الرحيم
الاهداء
إلى من أنار الله بصائرهم بنور الحق،
وهدى قلوبهم لعرائض العلم، ونوّر عقولهم
بأنوار الهداية،
طلبا للعلم، ومدارسة القرآن من شباب
عالمنا الإسلامي من طلاب الجامعات،
ورواد المعرفة، والثقافة الإسلامية.
مقدمة الكتاب
تكمن أهمية دراسة
علم أسباب النزول القرآني ، في كونها المدخل الصائب ، والطريق المنير لتفسير آيات
القرآن الكريم ، والوقوف على حقائقها ، ومعانيها ، وأحكامها ، وحكمها ، حيث تتأصل
العلاقة الوثيقة ، والحتمية بين علمي التفسير ، والأسباب ، حيث يمتنع تفسير الآية
دون الوقوف على سبب نزولها ، وقصد سبيلها.
قال الواحدي : لا
يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها ، وبيان سبب نزولها.
وقال ابن دقيق
العيد : بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن.
وقال ابن تيمية :
معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية ، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب.
ولقد أصّل الصحابة
(رضوان الله عليهم) التفسير الصحيح لمعاني القرآن الكريم ، بسبب ملازمتهم لنزول
الوحي ، ووقوفهم على أسباب النزول القرآني.
يقول الواحدي :
ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية ، والسماع ممن شاهدوا التنزيل ،
ووقفوا على الأسباب ، وبحثوا في علمها.
ولقد أنكر الواحدي
، وغيره تفسير معاني القرآن عن الجهالة ، ودون الوقوف على معرفة أسباب النزول ،
محذرا ، وموعظا بالكذب على القرآن.
قال صلىاللهعليهوسلم : (اتّقوا الحديث إلا ما
علمتم ، فإنه من كذب عليّ
متعمدا
فليتبوأ مقعده من النّار ، ومن كذب على القرآن من غير علم. فليتبوأ مقعده من النّار).
وعلى هذا كان
السلف الصالح من العلماء ، وكان سدادهم يتأصل في الاحتراز عن التفسير دون الوقوف
على سبب النزول ، وتأصيلا للحكمة السامية ، والفرضية الواجبة في تيسير ، وتسهيل
الاطلاع ، والوقوف على أسباب النزول القرآني ، حدتني الرغبة العلمية الهادفة إلى
وضع كتابي هذا بعنوان أسباب النزول القرآني ، مستجديا فيه الرحمة الربانية ،
والعناية الإلهية في التوفيق ، والهداية ، حافزي في ذلك تدريسي لهذه المادة ،
وإلقاء محاضرات فيها على مسامع طالباتى وطلابي في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم
الإسلامية ، آملا من الله أن أكون قد وفقت في طرح هذا المرجع في أسباب النزول
القرآني بأسلوب قريب إلى الأذهان في التناول ، وبسلاسة لغوية في التلطف ، وشمولية
سامية في التناول لكل الآيات التي لها أسباب نزول. ومن أجل تحقيق هذه الغاية فقد
حاولت جهدي الجمع في التناول للآيات ، وأسباب نزولها في كتابي : الواحدي ،
والسيوطي ، موفقا بين الروايات ، وجامعا بين الآيات.
هذا وقد انفردت
بكتابي هذا عن كتابي : الواحدي ، والسيوطي في أنني عاينت بعض الموضوعات التي لها
علاقة وثيقة بأسباب النزول القرآني ، وأهمها : موضوعات عموم اللفظ وخصوص السبب ،
وصيغ سبب النزول ، وتعدد الروايات في أسباب النزول ، والحكمة من الوقوف على أسباب
النزول ، إضافة إلى الأمثلة على أسباب النزول القرآني.
هذا وقد استهديت
في ذلك بخطة الدراسة المبرمجة في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية ، حيث
حاولت تغطية المادة المقررة على
طلاب هذه الجامعة
الفتية ، داعيا إلى الله السداد في الرأي ، والجد في العمل ، والرجاء في التوفيق.
هذا وقد ضمنت هذه
الدراسة لأسباب النزول القرآني أربعة أبواب ، هي :
الباب الأول :
التعريف بعلم أسباب النزول القرآني.
الباب الثاني :
عموم اللفظ وخصوص السبب.
الباب الثالث :
صيغ وروايات أسباب النزول القرآني.
الباب الرابع :
الآيات التى لها سبب نزول.
دكتور : غازي
عناية
قسنطينة في ١ / ٥
/ ١٤٠٧ ه
١ / ١ / ١٩٨٧
الباب الأول
التعريف بعلم أسباب
النزول القرآني
مقدمة
أهمية العناية بأسباب
النزول القرآني
إن ضرورة معرفة
سبب النزول القرآني ، تقتضيها ضرورة التفسير الدقيق ، والواضح للقرآن الكريم ، حتى
أن العلماء المحققين منعوا من يجهل أسباب النزول من تفسير كتاب الله.
يقول الواحدي : «لا
يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها ، وبيان سبب نزولها» ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : «معرفة سبب النزول يعين على
فهم الآية ، فإن العمل بالسبب يورّث العلم بالمسبب» .
ويقول ابن دقيق
العيد : «معرفة سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن» .
ويقول أبو الفتح
القشيري : «بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز ، وهو أمر تحصّل
للصحابة بقرائن تحتفّ بالقضايا» .
وتؤصل أقوال
العلماء تلك العلاقة الوثيقة بين علمي التفسير ، وأسباب النزول ، وهما : أهم علوم
القرآن الكريم ، ولقد نبغ الصحابة
__________________
(رضوان الله عليهم)
، بسبب ملازمتهم للرسول صلىاللهعليهوسلم ، ومعاصرتهم لنزول الوحي في التفسير الصحيح ، والفهم
الدقيق لمعاني القرآن الكريم ، وفي الوقوف على أسباب النزول القرآني ، وبالتالي
فهم الذين أرسوا الدعائم الأساسية لعلوم القرآن ، وأهمها : علما التفسير ، وأسباب
النزول ، ومن أشهرهم :
الخلفاء الأربعة :
أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي.
والعبادلة الأربعة
: عبد الله بن عباس ، عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن
عمر.
والصحابة : زيد بن
ثابت ، أبيّ بن كعب ، وأبو موسى الأشعري.
ولقد توالى اهتمام
العلماء المسلمين بعد عصر الصحابة بتأصيل دعائم علمي التفسير ، وأسباب النزول ،
ومن أشهرهم :
القرن الأول ـ التابعين
: مجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، وقتادة ، والحسن البصري ، سعيد بن جبير ، وزيد بن أسلم
، وطاوس ، وأبو العالية.
القرن الثاني ـ تابعي
التابعين : مالك بن أنس ، وقد أخذ عن زيد بن أسلم ، وشعبة بن الحجاج ، ووكيع بن الجراح وسفيان بن عيينة .
القرن الثالث :
علي بن المديني ، شيخ البخاري في أسباب النزول .
__________________
القرن الرابع :
ابن جرير الطبري ، في التفسير ، وأسباب النزول
القرن الخامس :
الواحدي ، في أسباب النزول .
القرن السادس :
أبو القاسم السهيلي ، في مبهمات القرآن .
القرن السابع :
السخاوي ، في التفسير والقراءات.
القرن الثامن :
الجعبري ، في أسباب النزول .
القرن التاسع :
ابن حجر العسقلاني ، في أسباب النزول .
القرن العاشر :
السيوطي ، في التفسير ، وأسباب النزول .
__________________
الفصل الأول
التعريف بسبب النزول
القرآني
كان أمين الأرض
المصطفى (صلوات الله عليه) يتلقى القرآن من أمين السماء ، جبريل (عليهالسلام) بتلهف ، وشغف كبيرين ، وكان يتعجّل به ، فنزل قوله تعالى
: (لا تُحَرِّكْ بِهِ
لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (القيامة : ١٦)
وكان الصحابة (رضوان الله عليهم) يتلقون القرآن من نبيهم بشغف وتلهف كبيرين أيضا ،
وكان التلقّي النبوي ، والصحابي للقرآن حفظا ، وتلاوة ، وتدبرا ، وعملا لأحكامه ،
وفرائضه.
روي عن أبي عبد
الرحمن السلمي ، أنه قال : «حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن ، كعثمان بن عفان ،
وعبد الله بن مسعود ، وغيرهما ، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلىاللهعليهوسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم ،
والعمل. قالوا : فتعلمنا القرآن ، والعلم ، والعمل جميعا» .
وقد جاء النزول
القرآني بعقيدة جديدة هي عقيدة التوحيد ، ودين جديد هو دين الإسلام ، وأحكام ،
وفرائض ، وتشريعات ، هي من نوع جديد لم يألفه العرب في حياتهم ، مما فتح الأذهان ،
وهيأ النفوس ، وحفز الأفراد إلى ترديد التساؤلات ، والتوجه بالاستفسارات ، وأقبل
الجميع على النبي صلىاللهعليهوسلم يستوضحون ، ويتثبّتون.
وكان أهل البيت
والصحابة ، والأنصار ، والمهاجرون ، وأهل الأمصار ، وأهل البداوة يسألون. وكان
الكفار من أهل الكتب السماوية
__________________
والمشركون من عبدة
الأوثان ، والمنافقون من أهل الشرك ، والرياء يسألون.
وكان القرآن ينزل
بسبب هذه التساؤلات ، وتلك الاستفسارات مجيبا عنها موضحا ، مفصلا ، ومبينا لها ،
ولأحكامها ، وقد أطلق على تلك الأسئلة ، والاستفسارات ، أسباب النزول.
فسبب النزول إذا :
ما هو إلا سؤال ، أو استفسار ، أو استيضاح ، أو استبيان ، أو واقعة ، أو حادثة ،
أو قصة ، أو حكاية وقعت ، ونزل القرآن من أجلها ، مجيبا عنها ، مفصلا لها ، مؤصلا
لحكم الله فيها.
ويشترط في سبب
النزول أن ينزل القرآن من أجله ، وبسببه أولا ، وأن ينزل القرآن في زمن وقوعه
ثانيا.
يقول الإمام
السيوطي : «والذي يتحرر في سبب النزول ، أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه ، ليخرج ما
ذكره الواحدي في تفسيره في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة به ، فإن ذلك
ليس من أسباب النزول في شيء ، بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية ، كذكر قصة
نوح ، وعاد ، وثمود ، وبناء البيت ، ونحو ذلك. وكذلك ذكره في قوله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) (النساء : ١٢٥).
سبب اتخاذه خليلا ، فليس ذلك من أسباب النزول كما لا يخفى ، ومن هنا فإن سبب النزول ينحصر فقط في السؤال ، أو
الواقعة ، أو السبب الذي نزلت الآية ، أو الآيات القرآنية زمن وقوعه ، أو زمن حدوثه.
وإذا رمزنا إلى
تلك الأسئلة والاستفسارات ، والوقائع ، أسباب النزول القرآني ، أو استعضنا عنها
باسم الموصول : كالذي ، أو ما ـ فيمكننا أن نعرف سبب النزول كما يأتي :
سبب النزول «هو ما
نزل القرآن من أجله ، للإجابة عنه ، أو لبيان
__________________
حكمه زمن وقوعه».
أو «هو ما نزلت
السورة بسببه ، للإجابة عنه ، أو لبيان حكمه زمن وقوعه».
أو «هو ما نزلت
الآية بشأنه ، للإجابة عنه ، أو لبيان حكمه زمن وقوعه».
النزول القرآني
الابتدائي :
يقول الإمام
الجعبري : «نزل القرآن على قسمين : قسم نزل ابتداء ، وقسم نزل عقب واقعة ، أو سؤال»
.
ويفهم من هذا أنه
ليس لكل نزول قرآني سبب ، فكثير من الآيات والسور القرآنية كانت تنزل ابتداء ،
وليس كل النزول القرآني ، كان وقفا في نزوله على الوقائع ، والأسئلة. ومن هذا
النزول القرآني الذي كان يقع ابتداء : الآيات ، والسور النازلة في قصص الأنبياء ،
والرسل مع أقوامهم ، والآيات النازلة في وصف الوقائع ، والأحوال السابقة ، والآيات
النازلة في الأمور الغيبية : كقيام الساعة ، ومشاهد البعث ، والجنة ، والنار ،
وأحوال النعيم ، والعذاب ، وغيرها : كأمور العقيدة ، والأركان ، والأخلاق ، إلخ ..
فمثل هذه الآيات
لم تنزل إجابة لسؤال ، أو توضيحا لواقعة ، فلا يلتمس لها سبب ، وإنما نزلت ابتداء
، ولذا يجب التفريق بينها وبين الآيات التي نزلت ، ولها أسباب.
وغني عن القول :
بأن هذا التفريق لا يتعارض البتّة مع إخبار بعض الصحابة عن مدى علمهم بأسباب
النزول القرآني ، كقول الإمام علي كرم الله وجهه : «والله ما نزلت آية إلا وأنا
أعلم فيم نزلت» . وكقول عبد
__________________
الله بن مسعود (رضي
الله عنه) : «والله ما نزلت آية إلا وأنا أعلم فيم نزلت ، وفيمن نزلت ، وأين نزلت»
.
فقولهم هذا يحمل
على شيء من المبالغة ، حفزا للناس على تلقي القرآن بعلومه عنهم ، فمن الصعب الحكم
على علم الصحابة الشامل لأسباب النزول ، فضلا عن أن قولهم لا يتناول ما نزل من
القرآن ابتداء ، فليس كل ما يحفظه الصحابي ، أو يلم به شاملا لما يجب حفظه من
أسباب النزول.
__________________
الفصل الثاني
أمثلة على أسباب
النزول القرآني
غالبا ما يكون سبب
النزول ، إما : سؤالا ، أو استفتاء ، أو واقعة.
أولا : أمثلة على
الأسئلة أسباب النزول :
أ ـ سؤال يهود
الرسول صلىاللهعليهوسلم عن الروح ، والذي كان سببا في نزول قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ
الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)
(الإسراء : ٨٥)
أخرج البخاري عن
ابن مسعود ، قال : «كنت أمشي مع النبي صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، وهو يتوكأ على عسيب ، فمر بنفر من اليهود ،
فقال بعضهم : لو سألتموه ، فقالوا : حدثنا عن الرّوح؟. فقام ساعة ، ورفع رأسه ،
فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الروح ، ثم قال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ
أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً).
ب ـ سؤال يهود
الرسول صلىاللهعليهوسلم عن ذي القرنين ، والذي كان سببا في نزول قوله تعالى :
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ
ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً).
(الكهف : ٨٣)
أخرج الواحدي : قال قتادة : «إن اليهود سألوا نبي الله صلىاللهعليهوسلم ، عن ذي القرنين ، فأنزل الله تعالى هذه الآية :
__________________
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ
ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً).
ج ـ سؤال الصحابة (رضوان
الله عليهم) الرسول صلىاللهعليهوسلم أن يقصص عليهم ، كان سببا في نزول قوله تعالى :
(الر تِلْكَ آياتُ
الْكِتابِ الْمُبِينِ ، إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا
إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ)
(يوسف : ١ ، ٢ ، ٣)
أخرج الواحدي من
رواية عن الصحابي سعد بن أبي وقاص : «أن الصحابة قالوا : يا رسول الله ، لو قصصت
علينا ، فأنزل الله تعالى :
(الر تِلْكَ آياتُ
الْكِتابِ الْمُبِينِ ...) إلى قوله : (نَحْنُ نَقُصُّ
عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) .
د ـ سؤال الصحابة
رضوان الله عليهم الرسول صلىاللهعليهوسلم ، عن التعامل مع المرأة الحائض ، كان سببا في نزول قوله
تعالى :
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة : ٢٢٢)
أخرج مسلم عن أنس
قال : «إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ، ولم يواكلوها ،
ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها في البيوت ، فسئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ)
__________________
الآية. فقال رسول
الله صلىاللهعليهوسلم : جامعوهن في البيوت ، واصنعوا كل شيء إلا النكاح .
ه ـ سؤال الرسول صلىاللهعليهوسلم جبريل عليهالسلام ، بأن يكثر من زياراته ، كان سببا في نزول قوله تعالى :
(وَما نَتَنَزَّلُ
إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ
ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (مريم : ١٦٤)
أخرج الواحدي عن
ابن عباس قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا جبريل ، ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ قال :
فنزلت : (وَما نَتَنَزَّلُ
إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) الآية كلها.
قال : كان هذا
الجواب لمحمد صلىاللهعليهوسلم» .
ثانيا : أمثلة على
الاستفتاءات أسباب النزول :
أ ـ استفتاء الناس
رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن نكاح يتامى النساء ، كان سبب في نزول قوله تعالى :
(وَيَسْتَفْتُونَكَ
فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَ) (النساء : ١٢٧)
أخرج مسلم عن
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، قالت : «ثم ان الناس استفتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية :
(وَيَسْتَفْتُونَكَ
فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي
الْكِتابِ) الآية : ، والذي يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي
قال فيها : (وَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) (النساء : ٣).
__________________
قالت عائشة (رضي
الله عنها) : «وقال الله تعالى في الآية الأخرى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ
تَنْكِحُوهُنَ) (النساء : ١٢٧) ،
رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال ، والجمال ، فنهوا
أن ينكحوا ما رغبوا في مالها ، وجمالها من باقي النساء إلّا بالقسط من أجل رغبتهم
عنهن» .
ب ـ استفتاء الناس
رسول الله صلىاللهعليهوسلم في إرث الكلالة كان سببا في نزول قوله تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ
فِي الْكَلالَةِ) (النساء : ١٧٦).
أخرج الواحدي عن
جابر قال : «اشتكيت ، فدخل عليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعندي سبع أخوات ، فنفخ في وجهي ، فأفقت ، فقلت : يا
رسول الله ، أوصي لأخواتي بالثلثين؟ قال : أجلس ، فقلت : الشطر؟
قال : اجلس ، ثم
خرج ، فتركني ، قال : ثم دخل عليّ ، وقال : يا جابر ، إني لا أراك تموت في وجعك
هذا ، إن الله قد أنزل ، فبين الذي لأخواتك الثلثين ، وكان جابر يقول : نزلت هذه
الآية فيّ :
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ
اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) .
ثالثا : أمثلة على
الوقائع أسباب النزول :
أ ـ واقعة السرقة
من قبل طعمة بن أبيرق كانت سببا في نزول قوله تعالى :
(إِنَّا أَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا
تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) إلى قوله تعالى : (وَمَنْ يُشْرِكْ
بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء : ١٠٥ ـ ١١٦)
__________________
فالآيات من ١٠٥
إلى ١١٦ كلها نزلت في قصة واحدة.
أخرج الواحدي «أن
رجلا من الأنصار يقال له : طعمة بن أبيرق ـ أحد بني ظفر بن الحارث ـ سرق درعا من
جار له يقال له : قتادة بن النعمان ، وكانت الدّرع في جراب فيه دقيق ، فجعل الدقيق
ينثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار ، وفيها أثر الدقيق ثم خبأها عند رجل
من اليهود ، يقال له : زيد بن السمين ، فالتمست الدرع عند طعمة ، فلم توجد عنده ،
وحلف لهم ، والله ، ما أخذها ، وما له به من علم ، فقال صاحب الدرع : والله قد
أدلج علينا ، فأخذها ، وطلبنا أثره حتى دخل داره ، فرأينا أثر الدقيق ، فلما أن
حلف تركوه ، وأتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي ، فأخذوه ، فقال :
دفعها إليّ طعمة بن أبيرق ، وشهد له أناس من اليهود على ذلك ، فقالت بنو ظفر ـ وهم
قوم طعمة ـ : انطلقوا بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكلموه في ذلك ، فسألوه أن يجادل عن صاحبه ، وقالوا : إن
لم تفعل ، هلك صاحبنا ، وافتضح ، وبرئ اليهودي ، فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يفعل ، وكان هواه معهم ، وأن يعاقب اليهودي حتى أنزل
الله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) إلى (وَمَنْ يُشْرِكْ
بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) ، الآيات كلها ، وهذا قول جماعة من المفسرين» .
__________________
ب ـ واقعة أوس بن
الصامت مع زوجته خولة بنت ثعلبة ، حيث كان ظهاره منها سببا في نزول آيات الظهار
الأربعة من أول سورة المجادلة. قال الله تعالى :
(قَدْ سَمِعَ اللهُ
قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ
تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، الَّذِينَ يُظاهِرُونَ)
(مِنْكُمْ مِنْ
نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي
وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ
اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ، وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ
يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ
تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ
شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ
حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) (المجادلة : ١ ـ ٤)
أخرج ابن أبي حاتم
عن عائشة أم المؤمنين : رضي الله عنها قالت : «تبارك الذي وسع سمعه كل شيء ، إني
لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ، ويخفى عليّ بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهي تقول : يا رسول الله أكل شبابي ، ونثرت له بطني ،
حتى كبر سني ، وانقطع ولدي ظاهر مني ، اللهم إني أشكو إليك ، قالت : فما برحت حتى
نزل جبريل بهؤلاء الآيات : (قَدْ سَمِعَ اللهُ
قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها). وهو أوس بن الصامت»
والقصة كما أخرجها الواحدي عن
ابن عبد الله بن سلام ، قال : «حدثتني خويلة بن ثعلبة ، وكانت عند
أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت ، قالت : دخل عليّ ذات يوم ، وكلّمني بشيء ـ وهو
فيه كالضجر ـ فراددته ، فغضب ، فقال : أنت عليّ كظهر أمي ، ثم خرج في
__________________
نادي قومه ، ثم
رجع إليّ ، فراودني عن نفسي ، فامتنعت منه ، فشادّني فشاددته ، فغلبته بما تغلب به
المرأة الرجل الضعيف ، فقلت : كلا والذي نفس خويلة بيده ، لا تصل إليّ حتى يحكم
الله تعالى فيّ ، وفيك بحكمه ، ثم أتيت النبي صلىاللهعليهوسلم أشكو ما لقيت ، فقال : زوجك ، وابن عمك ، اتقي الله ،
واحسني صحبته ، فما برحت حتى نزل القرآن : (قَدْ سَمِعَ اللهُ
قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها ... إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ، حتى انتهى إلى الكفّارة.
قال : مريه ،
فليعتق رقبة ، قلت : يا نبي الله ، ما عنده رقبة يعتقها قال : مريه ، فليصم شهرين
متتابعين : قلت : يا نبي الله ، شيخ كبير ما به من صيام ، قال : فليطعم ستين
مسكينا ، قلت : يا نبي الله ، والله ما عنده ما يطعم ، قال : بلى ، سنعينه بعرق من
تمر ـ مكتل يسع ثلاثين صاعا ـ قلت : وأنا أعينه بعرق آخر ، قال : قد أحسنت ،
فليتصدق».
ج ـ واقعة هلال بن
أمية مع زوجته التي قذفها بالزنا من شريك بن سمحاء ، كانت سببا في نزول آيات
الملاعنة في سورة النور. قال تعالى :
(وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ
فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ،
وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ،
وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ
لَمِنَ الْكاذِبِينَ ، وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ) (النور : ٦ ـ ٩)
أخرج البخاري عن
ابن عباس : «أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلىاللهعليهوسلم بشريك بن سمحاء ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : البيّنة وإلّا حد في
ظهرك؟ فجعل الرسول
صلىاللهعليهوسلم يقول : البينة وإلا حد في ظهرك؟؟ ، فقال هلال : والذي بعثك
بالحق ، إني لصادق ، ولينزل الله ما يبرى ظهري من الحد ، ونزل جبريل ، فأنزل عليه
: (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ
أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) .
د ـ قصة أصحاب
الإفك ، الذين قذفوا أم المؤمنين عائشة ، كانت سببا في نزول آيات الإفك تبرئها ،
قال تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ
بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ
لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى
كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) إلى آخر الآيات.
(النور : ١١)
وأصحاب قصة الإفك هم : عبد الله بن أبيّ بن سلول ، حسّان بن ثابت ، ومسطح بن خالة
أبي بكر ، وحمنة بنت جحش ، والقصة مشهورة في كتب التفاسير.
ه ـ حادثة أم جميل
زوجة أبي لهب مع الرسول صلىاللهعليهوسلم ، كانت سببا في نزول أول خمس آيات من سورة الضحى. قال
تعالى :
(وَالضُّحى ،
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى ، وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ
لَكَ مِنَ الْأُولى ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (الضحى : ١ ـ ٥)
أخرج الشيخان عن
جندب قال : «اشتكى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلم يقم ليلة ، أو ليلتين ، فأتته امرأة ، فقالت : يا
محمد ، ما أرى إلا شيطانك قد تركك.
فأنزل الله : (وَالضُّحى ، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ، ما
وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)»
__________________
سند معرفة سبب النزول
يجمع العلماء على
أن سندهم في معرفة سبب النزول ، انما هو الرواية الصحيحة عن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، أو رواية الصحابة ، أو رواية التابعين.
فالسند الأول في
معرفة سبب النزول ـ هو الرواية الصحيحة عن الرسول صلىاللهعليهوسلم.
والسند الثاني ـ هو
قول الصحابي ، حيث يرى العلماء «أن قول الصحابي فيما لا مجال فيه للرأي ،
والاجتهاد ، بل عمدته النقل ، والسماع محمول على سماعه من النبي صلىاللهعليهوسلم ، لأنه يبعد جدا أن يقول ذلك من تلقاء نفسه» .
ويقرر ابن الصلاح
، والحاكم ، وغيرهما في علوم الحديث : أن الصحابي الذي شهد الوحي ، والتنزيل إذا
أخبر عن آية أنها نزلت في كذا ، فإنه حديث مسند له حكم المرفوع .
والسند الثالث ـ هو
قول التابعي ، بشرط أن يعتضد بمرسل آخر مروي عن أحد أئمة التفسير الذين ثبت أخذهم
عن الصحابة أمثال :
عكرمة ، مجاهد ،
عطاء ، سعيد بن جبير ، الحسن البصري ، سعيد بن المسيب ، والضحاك ، وغيرهم .
فالسند في معرفة
سبب النزول ، وهو الرواية الصحيحة أمر ضروري للتأكد من وقوع المشاهدة ، أو السماع
للواقعة ، أو السؤال سببي نزول القرآن.
ولذا فالعلماء
يستبعدون كل محاولة للاجتهاد ، والرأي في هذا الموضوع ، وهم يحصرون السند في
المشاهدة ، أو الرواية ، أو السماع لأسباب
__________________
النزول القرآني.
يقول الواحدي : «ولا
يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية ، والسماع ممن شاهدوا التنزيل ،
ووقفوا على الأسباب ، وبحثوا عن علمها ، وجدّوا في الطلب» .
وينوّه الواحدي
أيضا : أن السلف الصالح كانوا يتورعون ، ويتحرجون من البحث ، أو القول بأسباب
النزول دون تثبت ، خشية الكذب على القرآن ، أو القول بدون علم.
وإذا فالواحدي
يأخذ باللّوم على تساهل العلماء في زمانه بالقول في أسباب النزول ، وهو يقول : «وأما
اليوم فكل أحد يخترع شيئا ، ويختلق إفكا ، وكذبا ، ملقيا زمامه إلى الجهالة غير
مفكر بالوعيد للجاهل ، بسبب الآية» .
وقال محمد بن
سيرين : «سألت عبيدة عن آية من القرآن الكريم ، فقال : اتق الله ، وقل سدادا ، ذهب
الذين يعلمون فيما أنزل الله من القرآن» .
ويعني قول ابن
سيرين ـ وهو من التابعين ـ : وجوب تحري الرواية الصحيحة ، والوقوف عند أسباب
النزول الصحيحة.
__________________
الفصل الثالث
فوائد معرفة أسباب
النزول القرآني
مقدمة :
قال الإمام
الشباطبي : «إن معرفة أسباب النزول لازمة لمن أراد علم القرآن ، والدليل على ذلك
أمران : الأول ـ إن علم المعاني ، والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن فضلا عن
معرفة مقاصد العرب إنما حواره على معرفة مقتضيات الأحوال : حال الخطاب من جهة نفس
الخطاب ، أو المخاطب ، أو المخاطب به ، أو الجميع ، إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب
حالّيه ، وبحسب المخاطبين ، وبحسب غير ذلك ، كالاستفهام ، لفظه واحد ، ويدخله معان
أخرى من : تقرير ، وتوبيخ ، وغير ذلك.
وكالأمر يدخله
معنى الإباحة ، والتهديد ، والتعجيز ، وأشباهها ، ولا يدل على معناها المراد إلا
الأمور الخارجية ، أو عمدتها مقتضيات الأحوال ، وليس كل حال ينقل ، ولا كل قرينة
تقترن بنفس الكلام المنقول ، فإذا فات نقل بعض القرائن الدالة فات فهم الكلام جملة
، أو فهم شيء منه ، ومعرفة الأسباب رافعة لكل مشكل في هذا النمط ، فهي من المهمات
في فهم الكلام بلا بد ، ومعنى معرفة السبب ، هو معنى معرفة مقتضى الحال ، وينشأ عن
هذا الوجه :
الوجه الثاني ـ وهو
أن الجهل بأسباب التنزيل موقع ، الشبه ، والإشكالات ، ومورد للنصوص الظاهرة مورد
الإجمال حتى يقع الاختلاف ، وذلك مظنة وقوع النزاع.
ويوضح هذا المعنى
ما روى أبو عبيد عن إبراهيم التميمي قال :
«خلا عمر ذات يوم
فجعل يحدث نفسه : كيف تختلف هذه الأمة ، ونبيها
حد ، وقبلتها
واحده؟ ...
فقال ابن عباس :
يا أمير المؤمنين ، إنّا أنزل علينا القرآن فقرأناه ، وعلمنا فيم نزل ، وإنه سيكون
بعدنا أقوام يقرءون القرآن ، ولا يدرون فيم نزل ، فيكون لهم فيه رأي ، وإذا كان
لهم فيه رأي اختلفوا ، فإذا اختلفوا ، اقتتلوا. قال : فزجره عمر ، وانتهره ،
فانصرف ابن عباس ، ونظر عمر فيما قال ، فعرفه ، فأرسل إليه فقال : أعد عليّ ما قلت؟
فأعاده عليه ، فعرف عمر ، قوله ، وأعجبه» .
فوائد معرفة سبب
النزول :
يذكر السيوطي في
اتقانه ، كما يذكر العلماء فوائد عدة لمعرفة سبب النزول منها :
أولا : ـ معرفة
وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم ، أي بيان الحكمة التي دعت إلى تشريع حكم من
الأحكام ، وأمثلة ذلك :
أ ـ تجنب الإضرار
الناشئة عن جماع الحائض في قوله تعالى :
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة : ٢٢٢) ب
ـ زجر الناس عن القذف ، وتناول أعراض النساء المسلمات ، وذلك في قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً
وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (سورة النور : ٤)
__________________
ج ـ زجر الناس عن
إيقاع الظهار على زوجاتهم ، وذلك في قوله تعالى :
(قَدْ سَمِعَ اللهُ
قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ
تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ
نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي
وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ
اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ، وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ
لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ
تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ
شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ
حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) (المجادلة : ١ ـ ٤)
د ـ التحلي بالصبر ، وعدم معاملة الكفار بالمثل في الإيذاء ، والضرر ، واحتساب
الأجر على الله في قوله تعالى :
(وَإِنْ عاقَبْتُمْ
فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ
لِلصَّابِرِينَ).
(النحل : ١٢٦) ه ـ
معرفة مواقيت الفرائض الدينية في قوله تعالى :
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ
تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) (البقرة : ١٨٩)
ثانيا : إن اللفظ قد يكون عاما ، ويقوم الدليل على تخصيصه ، فإذا عرف السبب قصر
التخصيص ، على ما عدا صورته ، فإن دخول صورة
السبب قطعي ،
وإخراجها بالاجتهاد ممنوع إجماعا . وبعبارة أخرى : إذا كان هناك لفظ قرآني ، نزل بصيغة العموم ثم ورد دليل على
تخصيصه ، فإن معرفة السبب تقصر التخصيص على ما عدا صورته ، ولا يصح إخراجها ، لأن
دخول صورة السبب في اللفظ العام قطعي ، فلا يجوز إخراجها بالاجتهاد ، لأنه ظنّي ،
وهذا رأي الجمهور.
مثال ذلك : قوله
تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا
وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ
أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ،
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ
الْحَقُّ الْمُبِينُ) (النور : ٢٣ ، ٢٤
، ٢٥) أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَناتِ) (أي الآية السابقة).
نزلت في عائشة خاصة .
وأخرج ابن أبي
حاتم عن ابن عباس في هذه الآية أيضا : هذه في عائشة ، وأزواج النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولم يجعل الله لمن فعل ذلك توبة ، وجعل لمن رمى امرأة من
المؤمنات من غير أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم التوبة ، ثم قرأ :
(وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ...) الى قوله : (إِلَّا الَّذِينَ
تابُوا) (٥).
ولنا القول : إن
الآية الخامسة من سورة النور ، وهي قوله تعالى :
(إِلَّا الَّذِينَ
تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور : ٥).
وهي تنص على قبول
توبة القاذف ، وإن كانت مخصصة لعموم
__________________
اللفظ في قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ) الآية ، والتي نزلت بحق من يقذف أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم إلا أنها لا تتناول بالتخصيص الذين يقذفون أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم ، لأن دخول صورة السبب في اللفظ العام قطعي ، ولكن تلك
الآية ، أي الخامسة تتناول بالتخصيص الآية الرابعة من سورة النور ، وهي قوله تعالى
:
(وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً
وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (النور : ٤)
وذلك بقبول توبة
من يقذف المحصنات من غير أزواج الرسول صلىاللهعليهوسلم ، لأن هذه الآية الأخيرة تتعلق بمن يقذف المحصنات من المسلمات
، فتقبل توبته.
ثالثا : الفهم
الصحيح لمعاني القرآن الكريم ، وكشف الغموض والإبهام عنها.
قال الواحدي : «لا
يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها ، وبيان سبب نزولها».
وقال ابن دقيق
العيد : «بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن» ، وقال بن تيمية : «سبب
معرفة النزول يعين على فهم الآية ، فإن العمل بالسبب يورث العلم بالمسبب» .
أمثلة : ١ ـ غموض
معنى الآية على مروان بن الحكم في قوله تعالى :
(لا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ
يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ) (آل عمران : ١٨٨)
فقد أرسل مروان بن
الحكم بوابه رافع إلى ابن عباس ، ليقول له : لئن
__________________
كان كل امرئ فرح
بما أوتي ، وأحب أن يحمد بما لم يفعل ، معذّبا لنعذبن أجمعون»!! ، فقال ابن عباس :
«ما لكم ، ولهذه الآية؟ إنما نزلت في أهل الكتاب ، ثم تلا قوله تعالى :
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ
مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا
تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً
فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) آل عمران : ١٨٧
وقال ابن عباس :
سألهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن شيء ، فكتموه إياه ، فأخذوا بغيره ، فخرجوا ، وقد أروه
أن قد أخبروه لما سألهم عنه ، واستحمدوا لذلك إليه ، وخرجوا بما أتوا من كتمان ما
سألهم عنه» .
فإن وقوف ابن عباس
على سبب النزول هو الذي أزال الغموض عن معنى الآية.
٢ ـ غموض معنى
الآية على قدامة بن مظعون في قوله تعالى :
(لَيْسَ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا
اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ
اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) المائدة : ٩٣
روي : أن عمر
استعمل قدامة بن مظعون على البحرين ، فقدم الجارود على عمر ، فقال : إن قدامة شرب
، فسكر. فقال عمر : من يشهد على ما تقول؟ قال الجارود : أبو هريرة يشهد على ما
أقول ، وذكر الحديث ، فقال عمر : يا قدامة ، إني جالدك ، قال : والله ، لو شربت
كما يقولون ما كان لك أن تجلدني. قال عمر : ولم؟! قال : لأن الله يقول :
__________________
(لَيْسَ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا
اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ
اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة : ٩٣)
فقال عمر : أخطأت
التأويل يا قدامة ، إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرّم الله؟ ، وفي رواية ، فقال : لم
تجلدني ، وبيني وبينك كتاب الله!! ، فقال عمر : وأي كتاب الله تجد ألّا أجلدك؟!
قال : إن الله يقول في كتابه : (لَيْسَ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ...) الآية ، فأنا من الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، ثم اتقوا
، وآمنوا ثم اتقوا ، وأحسنوا ، شهدت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بدرا ، وأحدا ، والخندق والمشاهد ، فقال عمر : ألا تردّون
على قوله؟ ، فقال ابن عباس : إن هؤلاء الآيات أنزلن ، عذرا للماضين ، وحجة على
الباقين ، فعذر الماضين بأنهم لقوا الله قبل أن تحرم عليهم الخمر ، وحجة على
الباقين ، لأنّ الله يقول : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) ، ثم قرأ إلى آخر الآية ، فإن كان من الذين آمنوا وعملوا
الصالحات ، ثم اتقوا ، وآمنوا ، ثم اتقوا ، وأحسنوا فإن الله قد نهى أن يشرب الخمر
، قال عمر : صدقت» .
فإن معرفة ابن
عباس لسبب نزول الآية أزال الغموض في فهمها.
٣ ـ غموض معنى
الآية على نفر من أهل الشام في قوله تعالى :
(لَيْسَ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا
اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ
اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة : ٩٣)
حكى اسماعيل
القاضي قال : «شرب نفر من أهل الشام الخمر ، وعليهم
__________________
يزيد بن أبي سفيان
، فقالوا : هي لنا حلال ، وتأولوا هذه الآية : (لَيْسَ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا ...) الآية. فكتب فيهم إلى عمر. قال : فكتب إليه عمر : أن ابعث بهم إليّ قبل أن يفسدوا من قبلك ،
فلما أن قدموا على عمر استشار فيهم الناس ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، نرى أن قد
كذبوا على الله ، وشرعوا في دينه ما لم يأذن به إلى آخر الحديث» . فالغفلة
عن معرفة سبب نزول الآية أدت إلى الجهالة بمقصود الآية.
٤ ـ غموض معنى
الآية في قوله تعالى :
(وَلِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ
واسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة : ١١٥)
أخرج الترمذي ،
وضعّفه من حديث عامر بن ربيعة ، قال : «كنا في سفر في ليلة مظلمة ، فلم ندر أين
القبلة ، فصلى كل رجل منا على حياله ، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت» .
وفي رواية أيضا ،
ما أخرجه ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : «أن
رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما هاجر إلى المدينة أمره أن يستقبل بيت المقدس ، ففرحت
اليهود ، فاستقبلها بضعة عشر شهرا ، وكان يحب قبلة إبراهيم ، فكان يدعو الله ،
وينظر إلى السماء فأنزل الله :
(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
شَطْرَهُ) (البقرة : ١٤٤)
فارتب من ذلك
اليهود ، وقالوا : ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها
__________________
فأنزل الله :
(وَلِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ
واسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة : ١١٥)
إن ظاهر الآية
يبيح للمسلم أن يصلي إلى الجهة التي يختارها ، على اعتبار أن لله المشرق ، والمغرب
، وجميع الجهات ، إلا أن الوقوف على سبب نزول الآية ينفي هذا المعنى ، ويمنع هذه
الإباحة ، ويقيد الصلاة إلى القبلة ، أي الكعبة ، والمحددة في الآية ١٤٤ من سورة
البقرة ، حيث أن سبب النزول كان للرد على يهود عند ما تساءلوا عن سبب تحول
المسلمين عن قبلة بيت المقدس إلى قبلة الكعبة.
أو أن سبب النزول
كما يقول الواحدي في إسناده : «هو أن نفرا من المسلمين صلّوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم في ليلة مظلمة ، فلم يدروا كيف القبلة ، فصلى كل رجل على
حاله ، وتبعا لاجتهاده ، فلم يضيع الله لأحد منهم عمله ، وأثابه الرضا على صلاته
حتى ولو لم يتجه إلى الكعبة ، لأنه لم يكن له إلى معرفة القبلة سبيل في ظلام الليل
البهيم» .
ويعلن الإمام
السيوطي أيضا : «فإنا لو تركنا مدلول اللفظ لاقتضى أن المصلين لا يجب عليهم
استقبال القبلة ، سفرا ولا حضرا ، وهو خلاف الإجماع ، فلما عرف سبب نزولها ، علم
أنها في نافلة السفر ، أو فيمن صلّى بالاجتهاد ، وبأن له الخطأ على مختلف الروايات».
٥ ـ غموض معنى
الآية على عروة بن الزبير في قوله تعالى :
(إِنَّ الصَّفا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا
جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ
شاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة : ١٥٨)
أخرج الشيخان عن
عائشة : «أن عروة بن الزبير قال لها : أرأيت قول الله : إن الصفا والمروة من شعائر
الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ، ومن تطوع خيرا فإن الله
شاكرا عليم. فما
__________________
أرى على أحد جناح
أن لا يطّوف بهما!!
فقالت عائشة : بئس
ما قلت يا ابن أختي ، إنها لو كانت على ما أوّلتها ، كانت : فلا جناح عليه أن لا
يطوف بهما ، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة
الطاغية التي كانوا يعبدونها ، وكان من أهل لها يتحرج من أن يطوف بالصفا ، والمروة
في الجاهلية ، فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) الآية. قالت عائشة : ثم قد بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم الطواف بهما ، فليس لأحد أن يدع الطواف» .
إن معرفة عائشة (رضي
الله عنها) بسبب نزول الآية رفع الإشكال الذي التبس على عروة بن الزبير ، وفهم ان
حكم الطواف هو الإباحة ، وأفهمته عائشة أن حكم الطواف الوجوب ، لأن الله لم يقل
ألّا يطّوّف بهما ، وإنما قال أن يطّوف بهما ، وكان رد عائشة مستندا إلى سبب نزول
الآية ، وهو أن الصحابة تأثموا من السعي بينهما ، لأنه من عمل الجاهلية ، حيث كان
على الصفا إساف ، وعلى المروة نائلة ، وهما صنمان ، وكان أهل الجاهلية إذا سعوا
مسحوهما.
٦ ـ غموض معنى
الآية على أحد المفسرين في قوله تعالى :
(فَارْتَقِبْ يَوْمَ
تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (الدخان : ١٠)
أخرج البخاري : «جاء
رجل إلى ابن مسعود ، فقال : تركت في المسجد رجلا يفسر القرآن برأيه ، يفسر هذه
الآية : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ
تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) ، يأتي الناس يوم القيامة ، فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم
كهيئة الزكام ، فقال ابن مسعود : من علم علما فليقل به ، ومن لم يعلم فليقل : الله
أعلم ، فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم
__________________
له به : الله أعلم
، إنما كان هذا ، لأن قريشا استعصوا على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فدعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم قحط ، وجهد حتى
أكلوا العظام ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء ، فيرى بينه ، وبينها كهيئة الدخان من
الجهد ، فأنزل الله : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ
تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ).
فمعرفة ابن مسعود
بسبب النزول أزال الغموض في معناها.
٧ ـ غموض معنى
الآية على بعض الأئمة ، في قوله تعالى :
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ
مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ
أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) (الطلاق : ٤) وقد
وقع الغموض في معنى الشرط (إِنِ ارْتَبْتُمْ) على بعض الأئمة حتى قال الظاهرية : إن الآيسة لا عدة لها ،
إذا لم ترتب ، وقد بين ذلك سبب النزول ، أي أزال الغموض في قوله تعالى : (إِنِ ارْتَبْتُمْ).
أخرج الحاكم : أنه
لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد النساء ، فقالوا : قد بقي عدد من عدد
النساء ، لم يذكرن : الصغار والكبار ، فنزلت.
ويقول السيوطي : «فعلم
بذلك أن الآية خطاب لمن لم يعلم ما حكمهن في العدة ، وارتاب هل عليهن عدة أولا؟!
أو هل عدتهن كاللاتي في سورة البقرة أولا؟! فمعنى ان ارتبتم : ان اشكل عليكم حكمهن
، وجهلتم كيف يعتدون ، فهذا حكمهن» .
رابعا : معرفة
فيمن نزلت الآية ، وإزالة الإبهام عمن نزلت فيه ، وذلك دفعا للضرر ، والتحامل في
أن يفسر معنى الآية لغير أو بحق غير من نزلت فيه.
فقوله تعالى :
__________________
(وَالَّذِي قالَ
لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ
مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ
فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (الأحقاف : ١٧)
فقد عزا مروان بن
الحكم نزول هذه الآية في حق عبد الرحمن بن أبي بكر زورا ، وبهتانا.
حيث أن معاوية طلب
من مروان بن الحكم ـ واليه على المدينة ـ أن يأخذ البيعة لابن معاوية يزيد ، فأبى
عبد الرحمن بن أبي بكر أن يبايع ، فعزا مروان نزول هذه الآية في حقه ، فتدخلت
عائشة عند ما التجأ إلى بيتها عبد الرحمن بن أبي بكر ، وأفهمت مروان سبب نزول
الآية ، وأنها ليست في عبد الرحمن بن أبي بكر.
عن يوسف بن ماهك
قال : «كان مروان على الحجاز استعمله معاوية بن أبي سفيان ، فخطب فجعل يذكر يزيد
بن معاوية ، لكي يبايع له بعد أبيه ، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا ، فقال :
خذوه.
فدخل بيت عائشة ،
فلم يقدروا عليه ، فقال مروان : إن هذه أنزلت فيه (وَالَّذِي قالَ
لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) ، فقالت عائشة : ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن
الله أنزل عذري».
وفي رواية : «إن
مروان لما طلب البيعة ليزيد ، قال : سنّة أبي بكر ، وعمر ، فقال عبد الرحمن : سنة
هيرقل ، وقيصر ، فقال مروان : هذا الذي قال الله فيه : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ
لَكُما) الآية ، فبلغ ذلك عائشة ، فقالت : كذب مروان ، والله ، ما
هو به ، ولو شئت أن أسمي الذي نزلت فيه ، لسمّيته» .
خامسا : معرفة ما
إذا كانت العبرة لعموم اللفظ أم لخصوص
__________________
السبب ، ويمكننا
تأصيل ذلك ضمن حالتين اثنتين من النزول القرآني ، وهما :
الحالة الأولى :
خصوص اللفظ وخصوص السبب ... أي أن ينزل القرآن بلفظ الخصوص ، وفي سبب خاص ،
فالعلماء يجمعون على أن العبرة بالنسبة له لخصوص السبب ، ولا خلاف.
الحالة الثانية :
عموم اللفظ وخصوص السبب : أي أن ينزل القرآن بلفظ العموم ، وفي سبب خاص ، فأكثر
العلماء على أن العبرة بالنسبة له هي لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
ويشترط في هذه
الحالة أن يفيد اللفظ العموم في ظاهره ، وحقيقته ، أما إذا كان اللفظ يفيد العموم
في ظاهره ، ولكنه يفيد الخصوص في حقيقته ، فإن العبرة في هذه الحالة ، تكون لخصوص
السبب لا لعموم اللفظ ، وهنا تأتي الفائدة من معرفة سبب النزول ، حيث يستند إليه
في تخصيص الحكم لا تعميمه ، وفي الحكم على أن العبرة لخصوص السبب.
مثال ذلك قوله
تعالى :
(لا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ
يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ) (آل عمران : ١٨٨)
فاللفظ في هذه
الآية يفيد العموم في ظاهره ، ولكنه يفيد الخصوص في حقيقته ، فالعبرة فيه لخصوص
السبب لا لعموم اللفظ.
وبعبارة أخرى :
فاللفظ في هذه الآية ، ولو أنه يفيد العموم في ظاهره إلا أن معرفتنا بسبب النزول
تجعل العبرة فيها لخصوص السبب لا لعموم اللفظ ، أي أن معرفة سبب النزول قصر حكم
هذه الآية على الخصوص لا على العموم ، ومن ثم فإن حكم هذه الآية لا يتعدى السبب
الذي نزلت فيه ،
وهم فئة من اليهود ، سألهم الرسول صلىاللهعليهوسلم عن شيء فكتموه إياه ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما
أتوا من كتمان ما سألهم عنه.
أخرج البخاري ،
ومسلم عن مروان بن الحكم قال لبوابه : «اذهب يا رافع ، إلى ابن عباس ، فقل : لئن
كان كل أمرع منا فرح بما أوتي ، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون ،
فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية ، إنما نزلت في أهل الكتاب ، ثم تلا قوله
تعالى :
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ
مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا
تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً
فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (آل عمران : ١٨٧)
قال ابن عباس : «سألهم رسول الله عن شيء ، فكتموه إياه ، وأخذوا بغيره ، فخرجوا ،
وقد أروه أن قد اخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أوتوا من
كتمان ما سألهم عنه».
ونظرا لأهمية
موضوع عموم اللفظ ، وخصوص السبب فقد افرد له العلماء بحوثا خاصة مفصلة به. وترتبط
أهمية الدراسة لعلم أسباب النزول في تفسيرها لمدلولات الأحكام القرآنية بتغاير
اللفظ ، والسبب في الآية القرآنية الواحدة.
ففي الآية
القرآنية قد يرد اللفظ عاما ، وفي سبب عام ، وهو ما يعرف بعموم اللفظ وعموم السبب.
وقد يرد اللفظ
خاصا ، وفي سبب خاص ، وهو ما يعرف بخصوص اللفظ وخصوص السبب ، وقد يرد اللفظ عاما
وفي سبب خاص ، وهو ما يعرف بعموم اللفظ وخصوص السبب.
وهذا سيكون مدار
الباب الثاني.
الباب الثاني
عموم اللفظ وخصوص
السبب
الفصل الأول
عموم اللفظ وعموم
السبب
الفصل الثاني
خصوص اللفظ وخصوص
السبب
الفصل الثالث
عموم اللفظ وخصوص
السبب
الفصل الأول
موم اللفظ وعموم
السبب
وهذا يعني أن
النزول القرآني جاء بلفظ العموم ، وفي سبب عام.
أي أن الآية
القرآنية نزلت بلفظ عام ، وكان سببها عاما.
فالعبرة تكون
لعموم اللفظ ، وعموم السبب معا ، ويطبق حكم الآية القرآنية على جميع الأسباب التي
نزلت فيها.
وبعبارة أخرى :
إذا اتفق ما نزل من القرآن مع السبب في العموم حمل العام على عمومه ، أي حمل الحكم
، وطبق بعمومه.
أمثلة :
١ ـ قوله تعالى :
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
(البقرة : ٢٢٢)
فاللفظ في الآية جاء عاما ، أي نزل بصيغة العموم في قوله تعالى :
(وَيَسْئَلُونَكَ) ، وفي قوله : (فَاعْتَزِلُوا
النِّساءَ) ، وهو يخاطب جميع المسلمين.
والسبب الذي نزلت
فيه الآية عام ، وهو سؤال المسلمين للرسول صلىاللهعليهوسلم عن كيفية التعامل مع المرأة الزوجة الحائض.
فاللفظ عام ،
والسبب عام ، فالعبرة تكون لعموم اللفظ ، أي الحكم يكون عاما ، يتناول المسلمين
عامة ، وإلى قيام الساعة ، وهو اعتزال النساء ، وعدم مجامعتهن أثناء الحيض.
٢ ـ قوله تعالى :
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا
ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (الأنفال : ١)
فاللفظ في الآية
عام ، وهو : (يَسْئَلُونَكَ) ، والسبب الذي نزلت الآية بشأنه عام ، وهو سؤال المسلمين
الرسول صلىاللهعليهوسلم عن كيفية توزيع الأنفال.
فالعبرة لعموم
اللفظ والسبب ، فيكون الحكم عاما.
٣ ـ قوله تعالى :
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) (البقرة : ٢٢٠)
فاللفظ في الآية
نزل عاما ، وهو (يَسْئَلُونَكَ)
والسبب الذي نزلت
من أجله الآية عام ، وهو سؤال المسلمين للرسول صلىاللهعليهوسلم عن كيفية التعامل مع اليتامى ، فالعبرة لعموم اللفظ والسبب
، والحكم عام.
٤ ـ قوله تعالى :
(وَيَسْتَفْتُونَكَ
فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَ) (النساء : ١٢٧)
فاللفظ في الآية نزل عاما (وَيَسْتَفْتُونَكَ).
وسبب الآية عام ،
وهو سؤال المسلمين الرسول صلىاللهعليهوسلم عن التعامل مع يتامى النساء المسلمات في النكاح ، فالعبرة
لعموم اللفظ والسبب ، والحكم عام.
٥ ـ قوله تعالى :
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ
تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) (البقرة : ١٨٩)
فاللفظ في الآية
نزل بصيغة العموم ، وهو (يَسْئَلُونَكَ).
والسبب الذي نزلت
من أجله الآية عام ، وهو سؤال المسلمين الرسول صلىاللهعليهوسلم عن الأهلة ، فالعبرة لعموم اللفظ ، والسبب معا ، والحكم
عام.
الفصل الثاني
خصوص اللفظ وخصوص
السبب
وهذا يعني : أن
النزول القرآني جاء بلفظ الخصوص ، وفي سبب خاص ، أي أن الآية القرآنية نزلت بلفظ
خاص ، وكان سببها خاصا.
فالعبرة تكون
لخصوص اللفظ ، وخصوص السبب معا.
ويتناول حكم الآية
فقط السبب الذي نزلت فيه ، ولا يتعداه إلى غيره من الأسباب.
وبعبارة أخرى :
إذا اتفق ما نزل من القرآن مع السبب في الخصوص حمل الخاص على خصوصه ، أي حمل الحكم
على الخصوص.
أمثلة :
١ ـ قوله تعالى في
أبي بكر الصديق :
(وَسَيُجَنَّبُهَا
الْأَتْقَى ، الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ، وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ
نِعْمَةٍ تُجْزى ، إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ، وَلَسَوْفَ يَرْضى) (الليل : ١٧ ـ ٢١)
فاللفظ في الآية
نزل بصيغة الخصوص ، وهو الأتقى.
وسبب نزول الآية
في أبي بكر ، حيث تصدق بأمواله ، وهو سبب خاص ، فالعبرة لخصوص اللفظ والسبب معا ـ وحكم
الآية خاص بأبي بكر ، ولا يتعداه إلى غيره ، واللفظ الذي أفاد الخصوصية هو الأتقى
ـ وأل فيه هي العهدية ، حيث أن الأتقى معهود في الذهن بين الصحابة أنه أبو بكر
الصديق ، وأل العهدية تفيد الخصوص ، وليس العموم.
وهذا على العكس من
أل الاستغراقية ، فهي التي تفيد العموم مثل : ال الموصول ، وأل التي تأتي في معرفة جمع ، مثل المؤمن ،
الصالح ،
ومثل : المؤمنون ،
والصالحون.
ومما أفاد
الخصوصية في اللفظ أتقى أيضا : أن ال الموصولة لا توصل بأفعل التفضيل ، وهو الأتقى
، فالأتقى مفرد ، وأل فيه ال العهدية.
وما أفاد الخصوصية
في اللفظ أتقى أيضا : أن صيغة أتقى أي أفعل تدل على التمييز ، وهذا كان لقصر حكم
الآية على من نزلت فيه ، وهو أبو بكر الصديق.
قال الواحدي : «الأتقى
أبو بكر الصديق في قول جميع المفسرين» .
عن عروة : «أن أبا
بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في الله :
بلال ، وعامر بن
فهيرة ، والنهدية ، وابنتها ، وأم عيسى ، وأمة بني الموئل ، وفيه نزلت : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) إلى آخر السورة» .
وروى نحوه عن عامر
بن عبد الله بن الزبير ، وزاد فيه : «فنزلت فيه هذه الآية : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) إلى قوله : (وَما لِأَحَدٍ
عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ، إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ،
وَلَسَوْفَ يَرْضى) .
٢ ـ قوله تعالى في
الثلاثة الذين خلّفوا عن غزوة تبوك :
(وَعَلَى الثَّلاثَةِ
الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ
وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا
إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ) (التوبة : ١١٨)
فاللفظ في الآية
نزل بصيغة الخصوص ، وهو (وَعَلَى الثَّلاثَةِ).
وسبب نزول الآية
خاص ، وهو في ثلاثة من المؤمنين تخلفوا عن الرسول في غزوة تبوك ، وهم : كعب بن
مالك ، وهلال بن أمية ،
__________________
ومرارة بن الربيع
، حيث ندموا ، وثابوا إلى الله ، فتاب عليهم.
فالعبرة لخصوص
اللفظ ، والسبب معا ، وحكم الآية خاص لا يتعدى الثلاثة إلى غيرهم.
٣ ـ قوله تعالى
أيضا في نساء النبي صلىاللهعليهوسلم :
(يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا
وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) (الأحزاب : ٢٨)
فاللفظ في الآية
نزل بصيغة الخصوص ، وهو : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُ).
والسبب في نزول
الآية خاص ، وهو نساء النبي صلىاللهعليهوسلم ، وتآمرهن ، وطلبهن زيادة النفقة.
فالعبرة لخصوص
اللفظ ، والسبب معا ، وحكم الآية لا يتعدى سببها ، وهو نساء النبي صلىاللهعليهوسلم.
٤ ـ قوله تعالى في
اليهودي نبتل بن الحارث :
(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ
يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (التوبة : ٦١)
فلفظ الآية ، نزلت
بصيغة الخصوص ، وهو (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ النَّبِيَ) ، حيث أن اللفظ منهم يفيد البعض ، وسبب نزول الآية خاص ،
وهو في نبتل بن الحارث ، ونقله لكلام الرسول صلىاللهعليهوسلم للكفار ، والمنافقين.
فالعبرة لخصوص
اللفظ ، والسبب معا ، وحكم الآية في سببها لا يتعداه.
والحارث بن نبتل
كان من المنافقين ، وقال فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
من أحب أن ينظر
إلى الشيطان ، فلينظر إلى نبتل بن الحارث، وكان يتحدث إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيسمع منه ، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين ، وهو القائل :
محمد أذن ، ومن حدثه شيئا ، صدقه!! ، فنزلت فيه الآية.
عن محمد بن إسحاق
بن يسار ، وغيره قال : «نزلت في رجل من المنافقين يقال له : نبتل بن الحارث وكان
رجلا أدلم أحمر العينين ، أسفع الخدين ، مشوه الخلقة ، وهو الذي قال النبي صلىاللهعليهوسلم فيه من أراد أن ينظر الشيطان ، فلينظر إلى نبتل بن الحارث
، وكان ينم حديث
النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المنافقين ، فقيل له : لا تفعل ، فقال : إنما محمد أذن
، من حدثه شيئا ، صدقه ، نقول ما شئنا ، ثم نأتيه فنحلف له ، فيصدقنا ، فأنزل الله
تعالى هذه الآية» .
٥ ـ قوله تعالى في
اليهودي كعب بن الأشرف :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ
وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (النساء : ٥١)
فاللفظ في الآية
نزل بصيغة الخصوص ، وهو (الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ).
وسبب نزول الآية
خاص ، وهو اليهودي كعب بن الأشرف. حيث قدم مكة بعد أن شاهد قتلى بدر ـ حرض الكفار على الأخذ
بثأرهم ، وغزو النبي صلىاللهعليهوسلم ، فسألوه من أهدى سبيلا؟ المؤمنون أم هم؟ ، فتملق عواطفهم
، وقال : بل أنتم أهدى من المؤمنين سبيلا .
فالعبرة لخصوص
اللفظ ، والسبب معا ، وحكم الآية خاص فيمن نزلت
__________________
فيه ، وهو كعب بن
الأشرف ، ولا يتعداه إلى غيره.
أخرج الواحدي عن
عكرمة قال : «جاء حييّ بن أخطب ، وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة ، فقالوا لهم : أنتم
أهل الكتاب ، وأهل العلم القديم ، فأخبرونا عنا ، وعن محمد ، فقالوا : ما أنتم ،
ومحمد؟! قالوا : نحن ننحر الكوماء ، ونسقي اللبن على الماء ، ونفك العاني ، ونصل
الأرحام ، ونسقي الحجيج ، وديننا القديم ، ودين محمد الحديث. قالا :
بل أنتم خير منه ،
وأهدى سبيلا ، فأنزل الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ...) إلى قوله : (وَمَنْ يَلْعَنِ
اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) .
٦ ـ قوله تعالى في
المشرك المجادل أبيّ بن خلف :
(وَضَرَبَ لَنا
مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، قُلْ
يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يس : ٧٨ ، ٧٩)
فاللفظ في الآية
جاء خاصا ، وهو (وَضَرَبَ لَنا
مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ).
والسبب الذي نزلت
فيه الآية خاص ، وهو أبيّ بن خلف ، الذي أحضر جمجمة ثور ، وقال للرسول صلىاللهعليهوسلم : هل يستطيع ربك إحياءها من جديد؟! فأجابه الرسول صلىاللهعليهوسلم : نعم ، ويميتك ، ويحييك ، ويدخلك النار ، وقد قتله الرسول
صلىاللهعليهوسلم برمية حربة في غزوة أحد.
أخرج الواحدي عن
أبي مالك : «أن أبيّ بن خلف الجمحي جاء إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم بعظم حائل ففتته بين يديه ، وقال : يا محمد ، يبعث الله
هذا بعد ما أرم؟!! فقال : نعم ، يبعث الله هذا ، ويميتك ثم يحييك ، ثم يدخلك نار
جهنم ، فنزلت هذه الآيات» .
__________________
٧ ـ قوله تعالى في
عم الرسول صلىاللهعليهوسلم عبد العزى أبي لهب :
(تَبَّتْ يَدا أَبِي
لَهَبٍ وَتَبَ) (سورة المسد)
فاللفظ في الآية
جاء بصيغة الخصوص وهو : (تَبَّتْ يَدا أَبِي
لَهَبٍ وَتَبَ).
والسبب الذي نزلت
فيه السورة خاص ، وهو أبو لهب ، عند ما قال للرسول صلىاللهعليهوسلم : تبّا لك ألهذا جمعتنا؟!! فالعبرة بخصوص اللفظ ، والسبب
معا ، والحكم يحمل على الخصوص ، وفي أبي لهب ، وزوجته لا يتعداهما إلى غيرهما.
أخرج البخاري ،
ومسلم عن ابن عباس قال : «لما نزلت (وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء) ٢١٤.
خرج النبي صلىاللهعليهوسلم حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صباحاه! فاجتمعوا إليه فقال :
أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقي؟؟ قالوا : ما جرّبنا
عليك كذبا ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تبّا لك إنما
جمعتنا لهذا! ، ثم قال : فنزلت سورة المسد» .
هذا ولنا التنويه
: أنه قد يرد اللفظ القرآني أحيانا بصيغة العموم الظاهري ، وفي هذه الحالة تكون
العبرة لخصوص السبب لا لعموم اللفظ.
فإذا نزلت الآية
القرآنية بلفظ العموم الظاهري ، وليس الحقيقي ، وإذا عرفنا أن سبب النزول خاص ،
وان السياق القرآني يتناول سببا خاصا : كفرد أو فئة ، أو جماعة معينة ، فاللفظ في
هذه الحالة يحمل على الخصوص ، وليس على العموم.
أمثلة على لفظ
العموم الظاهري :
__________________
١ ـ قوله تعالى :
(لا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ
يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ) (آل عمران : ١٨٨)
فاللفظ في هذه
الآية نزل بصيغة العموم الظاهري ، وليس العموم الفعلي ، وبالوقوف على سبب النزول ،
والسياق القرآني ، يتبين أن الآية نزلت في سبب خاص ، وتتناول فئة معينة من اليهود
سألهم الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فكتموه إياه ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من
كتمان ما سألهم عنه.
فالعبرة بالنسبة
لهذه الآية هي لخصوص السبب لا لعموم اللفظ ، لأنه عموم ظاهري ، فقد بين ابن عباس
حكمها الخاص ، وبأنها في جماعة من اليهود نزلت.
٢ ـ قوله تعالى :
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) (التوبة : ٦٥)
فلفظ هذه الآية
نزل بصيغة العموم الظاهري ، وقد عرف من سبب النزول ، والسياق القرآني أنها نزلت في
فئة من الناس ، وهم جماعة من المنافقين كانوا يستهزءون بالرسول ، والقرآن ،
فالعبرة هنا لخصوص السبب لا لعموم اللفظ ، ومن هؤلاء المنافقين من ساهم في بناء
مسجد ضرار الذي هدمه الرسول ، لأنه أسس على النفاق ، ومنهم : مجمع بن جارية ـ وكان
غلاما حذقا حفظ القرآن ، وكان يصلي بجماعته ـ ووديعة بن ثابت ـ وكان يستهزئ
بالرسول صلىاللهعليهوسلم ـ ومربع بن قيظي ، وقد أخذ حفنة من تراب ، وأراد أن يرمي
بها النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو ذاهب إلى أحد ،
وهمّ الصحابة
بقتله ، فقال لهم النبي : دعوه ، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر ، وضربه سعد
بن زيد بالقوس ، فشجه.
٣ ـ قوله تعالى :
(هُمُ الَّذِينَ
يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا
وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا
يَفْقَهُونَ ، يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ
الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون : ٧ ،
٨)
فلفظ الآية نزل
بصيغة العموم الظاهري ، وقد عرف من سبب النزول ، ومن السياق القرآني أنها نزلت في
سبب خاص ، وهو رأس النفاق عبد الله بن أبيّ بن سلول ، فالعبرة هنا لخصوصية السبب
لا لعموم اللفظ ، وحكم الآية يحمل على الخصوص.
عن زيد بن أرقم : «أنه
سمع عبد الله بن أبي يقول : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ،
ويقول : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل» .
وعند ما قال ابن
أبيّ «رأس المنافقين» في غزوة المريسيع ، وتسمى غزوة «المصطلق» : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ
لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ). ونقل ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أشار أسيد بن حضير على الرسول بالرفق به قائلا : والله لقد
جاء الله بك ، وإن قومه لينظمون له الخرز ، ليتوّجوه ، وإنه ليرى أنك قد استلبته
ملكه!! قال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق ... قال له النبي : دعه ، لا يتحدث
الناس أن محمدا يقتل أصحابه ... واكتفى النبي بإذلاله ، وذلك بإرغام ولده عبد الله له أن
يقر بخطئه ، وخلف عليه ألا يمكنه من العودة إلى المدينة حتى
__________________
يقول : إنه الدليل
، ورسول الله هو العزيز ، ففعل ، فكان ابن أبيّ بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه
هم الذين يعاتبونه ، ويعنفونه ...» ٤ ـ قوله تعالى :
(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ
قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما
قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ
الْحَرِيقِ) (آل عمران : ١٨١)
فلفظ الآية نزل
بصيغة العموم الظاهري ، وقد عرف من سبب النزول ، ومن السياق القرآني ، أنها نزلت
في جماعة من اليهود ، وعلى رأسهم : فنحاص ، وأشيع ، فالعبرة بخصوصية السبب ، وحكم
الآية على الخصوص.
أخرج الواحدي عن
عكرمة ، والسدّي ، ومقاتل ، وابن عباس : «دخل أبو بكر الصديق على يهود في بيت
المدارس بالمدينة ، فوجد كثيرا منهم اجتمعوا على رجل يقال له فنحاص ، وكان من
علمائهم ، ومعه حبر من أحبارهم هو أشيع.
ولما وجه دعوة
الإسلام إلى فنحاص قال له : والله ، يا أبا بكر ، ما بنا إليه من فقر ، وإنه إلينا
بفقير ، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه أغنياء ، وما هو عنا بغني ،
ولو كان غنيا عنا ما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم ، وينهاكم عن الربا ،
ويعطيناه ، ولو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا. فغضب أبو بكر ، وضرب وجهه بشدة
قائلا : لو لا العهد الذي بيننا ، وبينكم لضربت عنقك ، فشكاه إلى النبي منكرا ما
قاله ، فنزلت في فنحاص الآية».
٥ ـ قوله تعالى :
__________________
(وَلِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ
واسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة : ١١٥)
فلفظ الآية نزل
بصيغة العموم الظاهري ، وقد فهم من السياق القرآني ، وسبب النزول أنها في فئة
معينة من المسلمين صلت بالليل كل إلى جهة لجهالتهم القبلة ، وأثابهم الله على
صلاتهم ، ورضي بها ، وقبلها منهم ، فالعبرة بخصوصية السبب ، وحكم الآية خاص في
السبب الذي نزلت فيه لا يتعداه إلى غيره.
أخرج الترمذي ،
وضعّفه من حديث عامر بن ربيعة ، قال : «كنا في سفر في ليلة مظلمة ، فلم ندر أين
القبلة ، فصلّى كل رجل منا على حياله ، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت» .
٦ ـ قوله تعالى :
(لَيْسَ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا
اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ
اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة : ٩٣)
فلفظ الآية نزل
بصيغة العموم الظاهري ، وقد عرف من السياق القرآني ، وسبب النزول أنها في جماعة
المسلمين الذين ماتوا ، وفي بطونهم الخمر ، قبل أن ينزل القرآن بتحريمها ، فكانت
الآية عذرا لهم ، وحجة على الباقين من المسلمين.
فالعبرة هنا
بخصوصية السبب ، وحكم الآية يحمل على الخصوصية لا العمومية ، وإلا لشرب المسلمون
الأتقياء الخمر ، وإلى قيام الساعة.
__________________
الفصل الثالث
عموم اللفظ وخصوص
السبب
وهذا يعني أن
النزول القرآني جاء بلفظ العموم ، وفي سبب خاص.
أي أن الآية
القرآنية نزلت بلفظ عام ، وكان سببها خاصا.
فالعبرة تكون
لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، وحكمها يتعدى السبب الذي نزلت فيه الآية إلى الأسباب
الأخرى المناظرة.
فالاتفاق بين معظم
العلماء على أن الآية القرآنية التي نزلت بلفظ العموم ، وفي سبب خاص يتعدى حكمها
السبب الذي نزلت فيه إلى جميع الأسباب ، والحالات الأخرى المشابهة.
قال شيخ الإسلام
ابن تيمية : «قد يجيء كثيرا من هذا الباب قولهم :
هذه الآية نزلت في
كذا ، لا سيما إن كان المذكور شخصا كقولهم : إن آية الظهار نزلت في امرأة أوس بن
الصامت ، وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله ، وان قولهم : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ) (المائدة : ٤٩)
نزلت في بني قريظة
، والنضير ، ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة ، أو في قوم
من اليهود ، والنصارى ، أو في قوم من المؤمنين ، فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن
حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم. هذا لا يقوله مسلم ، ولا عاقل على
الإطلاق ، والناس ، وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب ، هل يختص بسببه؟؟
فلم يقل أحد أن عمومات الكتاب ، والسنة تختص بالشخص المعين ، وإنما غاية ما يقال :
إنها تختص بنوع ذلك الشخص ، فتعم ما يشبهه ، ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ ،
والآية التي لها سبب معين إن كانت أمرا ، أو نهيا ، فهي متناولة لذلك الشخص ،
ولغيره من كانت بمنزلته ، وإن كانت خبرا بمدح ، أو بذم فهي متناولة لذلك الشخص ،
ولمن كان بمنزلته»
.
وينبه الإمام
السيوطي كذلك : «إلى أن القول بعموم السبب إنما يستند إلى كون نزول الآية بصيغة
العموم ، أما إذا نزلت آية في أمر معين ، ولا عموم للفظها ، فإنها تقصر عليه ،
فتكون العبرة بخصوص السبب لا لعموم اللفظ ، ولا يتعدى حكم الآية السبب الذي نزلت
فيه أي الشخص ، أو الفئة التي نزلت بسببه ، أو فيه».
أمثلة على عموم
اللفظ وخصوص السبب :
١ ـ آيات حكم
الظهار التي نزلت في واقعة ظهار أوس بن الصامت من زوجته خولة بنت ثعلبة ، قال
تعالى :
(قَدْ سَمِعَ اللهُ
قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ
تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ
نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي
وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ
اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ، وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ
يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا
ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ
وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) (المجادلة : ١ ـ ٤)
عن عائشة أم
المؤمنين أنها قالت : «تبارك الذي وسع سمعه كلّ شيء إني أسمع كلام خولة بنت ثعلبة
، ويخفى علي بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهي تقول : يا رسول الله ، أكل شبابي ، ونثرت له بطني
حتى إذا كبر سني ، وانقطع ولدي ، ظاهر منّي ، اللهم إني أشكو إليك. قالت : فما
برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء
__________________
الآيات : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي
تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها).
وهو أوس بن الصامت»
.
فلفظ هذه الآيات
نزل بصيغة العموم وهو : (الَّذِينَ
يُظاهِرُونَ) ، وكذلك (وَالَّذِينَ
يُظاهِرُونَ) ، والسبب الذي نزلت فيه الآيات خاص ، وهو : ظهار أوس بن
الصامت من زوجته خولة بنت ثعلبة ، فالعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، وحكم
الآيات عام يتعدى السبب الذي نزلت فيه إلى غيره من الأسباب المشابهة ، وإلى قيام
الساعة.
٢ ـ آيات اللعان ،
التي نزلت في واقعة قذف هلال بن أمية زوجته من شريك بن سمحاء.
قال تعالى :
(وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ
فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ،
وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ،
وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ
لَمِنَ الْكاذِبِينَ ، وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ) (النور : ٦ ـ ٩)
عن ابن عباس : «أن
هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلىاللهعليهوسلم بشريك بن سمحاء ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : البينة وإلا حد في ظهرك؟؟ فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : البينة وإلا حد في ظهرك؟؟ ، فقال هلال : والذي بعثك
بالحق ، إني لصادق ، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد ، ونزل جبريل فأنزل عليه :
(وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) حتى بلغ : (إِنْ كانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ) .
__________________
فلفظ الآيات نزل
بصيغة العموم ، وهو :
(وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) (النور : ٤)
والسبب الذي نزلت فيه الآيات خاص ، وهو : واقعة قذف هلال بن أمية زوجته بشريك بن
سمحاء ، فالعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، وحكم الآيات عام يتعدى السبب الذي
نزلت فيه إلى غيره من الأسباب المشابهة.
٣ ـ آية حد القذف
التي نزلت في أصحاب قصة الإفك ، رماة عائشة أم المؤمنين. قال تعالى :
(وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً
وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (النور : ٤)
لفظ الآية نزل
بصيغة العموم ، وهو : (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ).
والسبب الذي نزلت
فيه الآية خاص ، وهو قصة الإفك المعروفة ، وأصحابها : عبد الله بن أبيّ (رأس
النفاق) ، ومسطح بن خالة أبي بكر ، وحسّان بن ثابت ، شاعر الرسول صلىاللهعليهوسلم الذي فقد بصره قبل وفاته ، ورفاعة المنافق ، وحمنة بنت
جحش.
فالعبرة لعموم
اللفظ لا لخصوص السبب ، وحكم الآية عام ، يتعدى السبب الذي نزلت فيه ، ويتناول
جميع الأسباب المشابهة ، والحالات التي بمنزلة حالة أصحاب قصة الإفك ممن يقذف
النساء المسلمات.
٤ ـ آية النفاق
التي نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي ، قال تعالى :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ
وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ، وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها
وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ، وَإِذا قِيلَ
لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ
وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) (البقرة : ٢٠٤ ـ ٢٠٦)
قال السّدّي :
نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي ، وهو حليف بني زهرة ، اقبل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأعجب النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك منه ، وقال : إنما جئت أريد الإسلام ، والله يعلم اني
لصادق ، وذلك قوله تعالى : (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى
ما فِي قَلْبِهِ).
ثم خرج من عند
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمر بزرع لقوم من المسلمين ، وحمر ، فأحرق الزرع ، وعقر
الحمر ، فأنزل الله فيه : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى
فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) .
فلفظ الآية نزل بصيغة
العموم ، وهو : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ).
والسبب الذي نزلت
فيه خاص ، وهو قصة الأخنس بن شريق الثقفي المنافق الذي تظاهر بالإسلام ، وأبطن
الكفر.
فالعبرة في هذه
الآية لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، وحكم الآيات يتعدى السبب الذي نزلت فيه إلى
غيره من الأسباب المناظرة.
٥ ـ آية الايمان
التي نزلت في صهيب الرومي ، (رضي الله عنه).
قال تعالى :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (البقرة : ٢٠٧)
__________________
قال سعيد بن
المسيب : «أقبل صهيب مهاجرا نحو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فاتبعه نفر من قريش من المشركين ، فنزل عن راحلته ، ونثر
ما في كنانته ، وأخذ قوسه ، ثم قال : يا معشر قريش ، لقد علمتم إني من أرماكم رجلا
، وأيّم الله ، لا تصلون إليّ حتى أرمي بما في كنانتي ، ثم أضرب بسيفي ما بقي في
يدي منه شيء ، ثم افعلوا ما شئتم ، قالوا : دلنا على بيتك ، ومالك بمكة ، ونخلي
عنك؟ وعاهدوه إن دلهم أن يدعوه ففعل. فلما قدم على النبي صلىاللهعليهوسلم قال : أبا يحيى ، ربح البيع ، ربح البيع ، وأنزل الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ
ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)
، وقال المفسرون :
أخذ المشركون صهيبا ، فعذبوه ، فقال لهم صهيب : إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت
أم من شرط عليهم راحلة ، ونفقة ، فخرج إلى المدينة ، فتلقاه أبو بكر ، وعمر ،
ورجال ، فقال له أبو بكر : ربح بيعك أبا يحيى ، فقال صهيب : وبيعك فلا بخس ما ذاك؟!
فقال : أنزل الله فيك كذا ، وقرأ عليه هذه الآية».
فلفظ الآية نزل
عاما ، وهو : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْرِي).
وسبب الآية خاص ،
وهو واقعة صهيب الرومي مع كفار مكة الذين اعترضوه في هجرته ، ودلهم على بيته ،
وماله بمكة مقابل إخلاء سبيله ، ومواصلة هجرته إلى المدينة ، وقبل ذلك.
فالعبرة في الآية
لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، ويتعدى السبب الخاص الذي نزلت فيه الآية الى الأسباب
المناظرة.
٦ ـ آية شراء لهو
الحديث ، التي نزلت في النضر بن الحارث.
قال تعالى :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (لقمان : ٦)
__________________
قال الكلبي ،
ومقاتل : «نزلت في النضر بن الحارث ، وذلك أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس ، فيشتري
أخبار الأعاجم ، فيرويها ، ويحدث بها قريشا ، ويقول لهم : إن محمدا (صلىاللهعليهوسلم)
يحدثكم بحديث عاد ، وثمود ، وأنا أحدثكم بحديث رستم ، واسفنديار ، وأخبار الأكاسرة
، فيستملحون حديثة ، ويتركون استماع القرآن ، فنزلت فيه هذه الآية» .
وأخرج الواحدي
أيضا عن أبي أمامة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا يحل تعليم المغنيات ، ولا بيعهن ، وائتمانهن حرام ،
وفي مثل هذا نزلت هذه الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) إلى آخر الآية ، وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث
الله تعالى عليه شيطانين ، أحدهما على هذا المنكب ، والآخر على هذا المنكب ، فلا
يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت» .
وأخرج الواحدي عن
مجاهد قوله : «نزلت في شراء القيان ، والمغنيات» .
وأخرج الواحدي
أيضا عن ابن عباس قوله : «نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه ليلا ، ونهارا»
.
فلفظ الآية ، نزل
عاما وهو : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ).
وسبب الآية خاص ،
وهو النضر بن الحارث.
فالعبرة في الآية
لعموم اللفظ لا خصوص السبب ، وحكمها يتعدى السبب الخاص الذي نزلت فيه إلى الأسباب
الأخرى المشابهة.
٧ ـ آية حد السرقة
التي نزلت في طعمة بن أبيرق.
__________________
قال تعالى :
(وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ
وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة : ٣٨)
أخرج الواحدي عن
الكلبي قوله : «نزلت في طعمة بن أبيرق ـ سارق الدرع ـ من جار له»
وذكر السيوطي : أن
ابن عباس سئل عن حكم هذه الآية أخاص أم عام؟؟ فأجاب بأنه عام.
فلفظ الآية عام ،
وهو : (وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ) أي كل سارق ، وكل سارقة ، وهذه الصيغة من صيغ العموم ،
وسبب نزول الآية خاص ، وهو سرقة طعمة بن أبيرق لدرع من جار له ، وتخبئته له عند
يهودي.
فالعبرة في هذه
الآية لعموم اللفظ لا خصوص السبب ، وحكمها يتعدى السبب الخاص الذي نزلت فيه إلى
الأسباب الأخرى المشابهة.
٨ ـ آية منع
الاستغفار للمشركين ، ولو كانوا أولي قربى ، والتي نزلت في استغفار الرسول صلىاللهعليهوسلم لعمه أبي طالب.
قال تعالى :
(ما كانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي
قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (التوبة : ١١٣)
فالآية نزلت بلفظ
العموم ، وفي سبب خاص ، وهو استغفار الرسول صلىاللهعليهوسلم لعمه أبي طالب عند ما حضرته الوفاة ، وقد أبى أن يموت إلا
__________________
مشركا.
عن المسيب قال : «لما
حضر أبا طالب الوفاة ، دخل عليه الرسول صلىاللهعليهوسلم ـ وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ـ فقال : أي عم ،
قل : لا إله إلا الله أحاجّ لك بها عند الله ، فقال أبو جهل ، وعبد الله : يا أبا
طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب؟! ، فلم يزالا يكلمانه حتى قال : هو على ملة عبد
المطلب ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : لأستغفرن لك ما لم أنه عنه ، فنزلت الآية»
فالعبرة بالنسبة
لهذه الآية لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، والحكم يحمل على العموم لا الخصوص ، وهو
يتعدى السبب الذي نزلت فيه الآية إلى جميع الأسباب المناظرة ، والمشابهة.
٩ ـ آية عدم
الصلاة على المنافقين الأموات ، والتي نزلت في صلاة الرسول صلىاللهعليهوسلم على المنافق عبد الله بن أبيّ ، قال تعالى :
(وَلا تُصَلِّ عَلى
أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا
بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) (التوبة : ٨٤)
فالآية نزلت بلفظ
العموم ، وفي سبب خاص ، وهو صلاة الرسول صلىاللهعليهوسلم على المنافق عبد الله بن أبيّ بن سلول.
روى البخاري ،
وغيره : «أنه لما توفي عبد الله بن أبيّ ـ رأس المنافقين ـ دعي الرسول صلىاللهعليهوسلم للصلاة عليه فقام عليه ، فلما وقف ، قال عمر : أعلى عدو
الله ، عبد الله بن أبيّ القائل كذا ، وكذا ، والقائل كذا ، وكذا؟! يعدد أيامه ،
ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يبتسم ، ثم قال له : إني قد خيّرت ، قد قيل لي : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا
تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ
اللهُ لَهُمْ).
فلو أعلم ان زدت
على السبعين غفر له ، لزدت عليها ، ثم صلّى عليه
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومشى معه حتى قام على قبره ، حتى فرغ منه. قال عمر :
فعجبت لي ، ولجرأتي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم. والله ، ورسوله أعلم ، فو الله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت
هاتان الآيتان : (وَلا تُصَلِّ عَلى
أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) ، فما صلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على منافق بعد حتى قبضه الله عزوجل» .
١٠ ـ سورة الهمزة
التي نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي أو الوليد بن المغيرة.
قال تعالى :
(وَيْلٌ لِكُلِّ
هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ، الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ ، يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ
أَخْلَدَهُ ، كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ، وَما أَدْراكَ مَا
الْحُطَمَةُ ، نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ،
إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ، فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (سورة الهمزة)
السورة نزلت بلفظ
العموم ، وفي سبب خاص ، وهو الأخنس بن شريق الثقفي.
فالعبرة فيها
لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، والحكم يحمل على العموم لا على الخصوص.
وهو يتعدى السبب
الذي نزلت فيه السورة إلى غيره من الأسباب المشابهة.
وكما يقول
الزمخشري في كشافه : «ويجوز أن يكون السبب خاصا ، والوعيد عاما ، ليتناول كل من
باشر ذلك القبيح ، وليكون جاريا مجرى التعريض بالوارد فيه ، فإن ذلك أزجر له ،
وأنكى فيه» .
__________________
الباب الثالث
روايات سبب النزول
القرآني
الفصل الأول : تعدد
الروايات في سبب النزول :
الفصل الثاني : تعدد
السبب مع وحدة النزول :
الفصل الثالث : تعدد
النزول مع وحدة السبب :
الفصل الرابع : صيغة
سبب النزول :
الفصل الأول
تعدد الروايات في سبب
النزول
قد تتعدد الروايات
في سبب نزول آية واحدة ، فكيف يكون موقف المفسرين في هذه الحالة؟ ...
أولا : ـ إذا كانت
صيغ الروايات غير صريحة فلا منافاة بينها ، ويؤخذ بها جميعها ، حيث أن المراد هنا
هو التفسير ، وليس سبب النزول.
مثل : نزلت هذه
الآية في كذا ، أو أحسبها نزلت في كذا.
فتحمل هذه الأقوال
، والصيغ على أنها مفسرة ، وليس المراد منها ذكر سبب النزول إلا إذا قامت قرينة
تثبت أن إحدى هذه الصيغ إنما وردت في ذكر سبب النزول.
ثانيا : إذا كانت
إحدى صيغ الروايات غير صريحة ، والأخرى صريحة يؤخذ بالصريحة.
مثال : ورود صيغ ،
ونصوص غير صريحة ، ونصوص صريحة في ذكر سبب نزول قوله تعالى :
(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ
وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (البقرة : ٢٢٣)
فالنص غير الصريح
في تفسير سبب نزول الآية ، ورد عن ابن عمر :
عن نافع قال : «قرأت
ذات يوم (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ) ، فقال ابن عمر : أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟؟ قلت : لا ،
قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن» .
__________________
فهذه الصيغة غير
صريحة في السببية.
أما النص الصريح
في تفسير سبب نزول الآية ، فقد ورد عن جابر.
«قال : كانت
اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها جاء الولد أحول ، فنزلت (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)» .
فهذه الصيغة صريحة
في السببية ، وبذلك يعتمد عليها في تفسير سبب نزول الآية ، أما صيغة ابن عمر فهي
غير صريحة في السببية ، فلا يعتد بها ، ويحمل قوله : على أنه تفسير ، أو استنباط.
ويقول السيوطي :
فالمعتمد حديث جبير ، لأنه نقل ، وقول ابن عمر استنباط.
ثالثا : إذا كانت
صيغ الروايات كلها صريحة ، ولكن إحداهما صحيح ، والآخر غير صحيح ، فالمعتمد هو
الرواية الصحيحة.
فأحيانا ترد صيغ ،
ونصوص اسنادها صحيح ، وأخرى اسنادها غير صحيح ، فنأخذ في هذه الحالة بالصيغة التي
اسنادها صحيح ، ومن البداهة أن يؤخذ بالرواية الصحيحة في تفسير سبب النزول.
مثال : فالنص
الصحيح في تفسير سبب نزول الآية : ما
أخرجه الشيخان ،
وغيرهما عن (جندب البجلي) قال : «اشتكى النبي صلىاللهعليهوسلم فلم يقم ليلتين ، أو ثلاثا ، فأتته امرأة ، فقالت : يا
محمد ، ما أرى شيطانك إلا قد تركك لم يقربك ليلتين ، أو ثلاثا ، فأنزل الله : (وَالضُّحى ، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ، ما
وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى).
والنص غير الصحيح
في تفسير سبب نزول الآية : ما
أخرجه الطبراني ،
وابن أبي شيبة عن حفص بن ميسرة عن أمه عن أمها ـ وكانت خادم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ : «إنّ جزوا دخل بيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فدخل تحت السرير
__________________
فمات ، فمكث النبي
صلىاللهعليهوسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي ، فقال : يا خولة ، ما حدث
في بيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟! جبريل لا يأتيني!! فقلت في نفسي ، لو هيأت البيت ،
وكنسته ، فأهويت بالمكنسة تحت السرير ، فأخرجت الجرو ، فجاء النبي صلىاللهعليهوسلم ترعد لحيته ، وكان إذا نزل عليه أخذته الرعدة ، فأنزل الله
: (وَالضُّحى) إلى قوله : (فَتَرْضى).
قال ابن حجر في
شرح البخاري : «قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة ، لكن كونها سبب نزول الآية
غريب ، وفي إسناده من لا يعرف ، فالمعتمد ما في الصحيحين».
فالرواية الأولى
هي الأصح فنأخذ بها.
رابعا : إذا كانت
صيغ الروايات كلها صحيحة ، ولكن إحداها أرجح من الأخرى نأخذ بالأرجح ، اعتبارا أن
راويها قد يكون شهد القصة ، أو الحادثة سبب النزول ، فتكون روايته أرجح من عداها.
مثال : فالنص
الراجح في تفسير سبب نزول الآية : ما
أخرجه البخاري عن
ابن مسعود قال : «كنت أمشي مع النبي صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، وهو يتوكأ على عسيب ، فمر بنفر من اليهود ،
فقال بعضهم : لو سألتموه؟ فقالوا : حدّثنا عن الروح ، فقام ساعة ، ورفع رأسه ،
فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي ، ثم قال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ
أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً).
(الإسراء : ٨٥)
والنص غير الراجح
في تفسير سبب نزول الآية هو :
ما أخرجه الترمذي
، وصححه عن ابن عباس ، قال : «قالت قريش لليهود : أعطنا شيئا نسأل هذا الرجل ،
فقالوا : اسألوه عن الروح ،
فسألوه فأنزل الله
:
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) الآية.
فالرواية الأولى
هي المعتمد عليها ، لأنها الأصح ، والأرجح في تفسير سبب نزول الآية ، وعلى اعتبار
أنها نزلت بالمدينة ، ولأن الراوي ابن مسعود حضر القصة ، ولأن الرواية من البخاري
، وهو مقدّم على الترمذي ، أما الرواية الثانية فقد نزلت في مكة ، فلا يعتد بها ،
وراويها الترمذي ، والبخاري مقدّم عليه.
خامسا : إذا لم
نستطع ترجيح رواية على أخرى ننظر إذا كانت الروايات متقاربة في الزمن ، أو غير
متقاربة.
أ ـ إذا كانت
الروايات متقاربة في الزمن.
إذا كانت صيغ
الروايات كلها راجحة ، ولم نستطع ترجيح إحداها على الأخرى ، وكانت متقاربة في
الزمن ، أخذنا بها كلها ، أي نجمع بين الروايات كلها كأسباب متعددة لنزول آية
واحدة.
ويكون الأمر هنا
بالقول : بوقوع أكثر من سبب لنزول آية واحدة.
قال ابن حجر : «لا
مانع من تعدد الأسباب ، ومثاله : آيات اللعان (النور : ٦ ـ ٩) فقد نزلت في هلال بن
أمية ، وفي عويمر ، فالرواية الراجحة الأولى في عويمر ، والثانية في هلال.
مثال ذلك : ما أخرجه الشيخان ـ واللفظ
للبخاري عن سهل بن سعد أن عويمرا أتى عاصم بن عدي ، وكان سيد بني عجلان ـ فقال : كيف تقولون في رجل
وجد مع امرأته رجلا أيقتله ، فتقتلونه كيف يصنع؟؟! ، سل لي رسول الله عن ذلك ،
فأتى عاصم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله ، فكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم المسائل ، وعابها.
فقال عويمر :
والله لا أنتهي حتى أسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فجاء «عويمر» فقال يا رسول الله : رجلا وجد مع
امرأته رجلا أيقتله ، فتقتلونه ، أم كيف يصنع؟؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قد أنزل الله القرآن فيك ، وفي صاحبتك ، فأمرهما رسول
الله صلىاللهعليهوسلم بالملاعنة ، بما سمّى الله في كتابه ، فلاعنهما» .
والرواية الراجحة
الصحيحة عن هلال.
أخرج البخاري من
طريق عكرمة عن ابن عباس : «أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلىاللهعليهوسلم بشريك بن سمحاء ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم (البيّنة أو حد في
ظهرك) ، فقال : يا رسول الله ، إذا وجد أحد رجلا مع امرأته ، ينطلق يلتمس البيّنة؟؟
فنزل جبريل عليهالسلام ، وأنزل عليه : (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) ، حتى بلغ (إِنْ كانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ).
فالروايتان
صحيحتان ، وجمع بينهما كسبب ، أو كأسباب نزل في شأنهما آية واحدة.
ب ـ إذا كانت
الروايات غير متقاربة في الزمن.
إذا كانت صيغ
الروايات كلها راجحة ، ولم نستطع ترجيح إحداها على الأخرى ، وكانت متباعدة في
الزمن ، ففي هذه الحالة لا نستطيع أن نجمع بين الروايات كأسباب متعددة لنزول آية
واحدة. وهنا نحمل الأمر على تعدد نزول الآية ، وتعدد الأسباب.
مثال ذلك : ١ ـ ما أخرجه الشيخان
عن المسيّب قال : «لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أميّة ـ فقال : أي عم ،
قل : لا إله إلا الله أحاجّ لك بها عند
__________________
الله ، فقال أبو
جهل ، وعبد الله : يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب! ، فلم يزالا يكلمانه
حتى قال : هو على ملّة عبد المطلب ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : لأستغفرن لك ما لم أنه عنه ، فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ
بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (التوبة : ١١٣).
وما أخرجه الترمذي
عن علي قال : «سمعت رجلا يستغفر لأبويه ، وهما مشركان ، فقلت : تستغفر لأبويك ،
وهما مشركان! فقال : استغفر إبراهيم لأبيه ، وهو مشرك. فذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت.
وما أخرجه الحاكم ،
وغيره عن ابن مسعود ، قال : «خرج النبي صلىاللهعليهوسلم يوما إلى المقابر ، فجلس إلى قبر منها ، فناجاه طويلا ثم
بكى ، فقال : إن القبر الذي جلست عنده قبر أمّي ، وإني استأذنت ربي في الدعاء لها
، فلم يأذن لي ، فأنزل عليّ : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ...) الآية.
وهنا فقد جمعنا
بين تعدد النزول للآيات مع تعدد أسبابها.
٢
ـ ومن ذلك سورة الإخلاص ، فقد ورد أنها تعددت في النزول مع تعدد أسبابها ، ولم نستطع أن نجمع بين
أسبابها لتباعد الفترة الزمنية بينها ، فأخذنا بتعدد نزول الآيات فقد نزلت سورة
الإخلاص مرة بمكة ، وبسبب جواب للمشركين فيها.
ونزلت مرة أخرى
بالمدينة ، وبسبب جواب أهل الكتاب فيها.
٣
ـ ومثال ذلك أيضا : خواتيم سورة النحل :
(وَإِنْ عاقَبْتُمْ
فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ
لِلصَّابِرِينَ ، وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ
عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ، إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ
اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (سورة النحل : ١٢٦
ـ ١٢٨)
فقد روي عن أبي
هريرة : أن النبي صلىاللهعليهوسلم وقف على حمزة حين استشهد وقد مثّل به ، فقال : لأمثلن
بسبعين منهم مكانك ، فنزل جبريل ، والنبي صلىاللهعليهوسلم واقف ، بخواتيم سورة النحل : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ
فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) إلى آخر السورة.
فهذه الرواية تدل
على أن هذه الآيات نزلت يوم أحد.
وفي رواية أخرى أن
هذه الآيات نزلت يوم الفتح في مكة. وفي رواية ثالثة أنها نزلت بمكة قبل الهجرة مع
السورة ، ففي هذه الحالة أخذنا بتعدد نزول الآية ، مع تعدد أسباب نزولها.
قال الزركشي : «وقد
ينزل الشيء مرتين ، تعظيما لشأنه ، وتذكيرا عند حدوث سبب خوف نسيانه ، كما قيل في
الفاتحة ... نزلت مرتين :
مرة بمكة ، ومرة
بالمدينة» .
خلاصة : في حالة تعدد أسباب النزول نحكم في أنه :
١ ـ إذا كانت جميع
أسباب النزول غير صريحة في السببية ، فلا منافاة بينها ، ويصبح الأمر هنا محمولا
على التفسير ، والدخول في الآية.
٢ ـ إذا كانت
أسباب النزول أخذها صريح ، والآخر غير صريح أخذنا بالصريح.
٣ ـ إذا كانت
أسباب النزول كلها صريحة ، ولكن أحدها صحيح ، والآخر غير صحيح أخذنا بالصحيح.
٤ ـ إذا كانت
أسباب النزول كلها صحيحة ، ولكن أحدها يرجّح على الآخر ، أخذنا بالراجح دون المرجوح.
٥ ـ إذا كانت
أسباب النزول كلها راجحة ، ولم نستطع أن نرجح سببا على آخر نقول :
__________________
أ ـ إذا كانت
الأسباب متقاربة في الزمن أخذنا بها في نزول آية واحدة.
ب ـ إذا كانت
الأسباب غير متقاربة في الزمن أخذنا بتعدد الأسباب ، وتعدد نزول الآية الواحدة.
الفصل الثاني
تعدد السبب مع وحدة
النزول
ويعني أن يكون
هناك أسباب متعددة لنزول آية واحدة ، ولا إشكال في ذلك ، فالآية القرآنية الواحدة
قد يكون لنزولها أكثر من سبب ، وبالتالي يكون الأمر هنا بوقوع أكثر من سبب لنزول
آية واحدة. قال الحافظ بن حجر : «لا مانع من تعدد الأسباب».
أمثلة : ١ ـ ما أخرجه الشيخان ، وغيرهما أن الأشعث قال : «كان
بيني وبين رجل من اليهود أرض ، فجحدني ، فقدمته إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : ألك بينة؟ قلت : لا. فقال اليهودي : أحلف ، فقلت :
يا رسول الله ، إذا يحلف ، فيذهب مالي ، فأنزل الله :
(إِنَّ الَّذِينَ
يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ
لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (آل عمران : ٧٧)
وأخرج البخاري عن
عبد الله بن أبي أوفى : «أن رجلا أقام سلعة له في السوق ، فحلف بالله ، لقد أعطي
بها ما لم يعطه ، ليوقع فيها رجلا من المسلمين ، فنزلت هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ
اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) (آل عمران : ٧٧)
قال الحافظ بن حجر
في شرح البخاري : «لا منافاة بين الحديثين ، بل يحمل على أن النزول كان بالسببين
معا».
وأخرج بن جرير عن
عكرمة : «أن الآية نزلت في حييّ بن
أخطب ، وكعب بن
الأشرف ، وغيرهما من اليهود الذين كتموا ما أنزل الله في التوراة ، وحلفوا أنه من
عند الله».
قال الحافظ بن حجر
: «والآية محتملة ، لكن العمدة في ذلك ما ثبت في الصحيح».
٢ ـ ما أخرجه
الشيخان ـ واللفظ للبخاري ـ عن سهل بن سعد : «أن عويمرا أتى عاصم بن عدي ـ وكان
سيد بني عجلان ـ ، فقال : كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلا ، أيقتله ،
فتقتلونه ، فكيف يصنع؟! سل لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك؟ فأتى عاصم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله ، فكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم المسائل ، وعابها ، فقال عويمر : والله لا أنتهي حتى أسأل
رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فقال عويمر : يا رسول الله ، رجل وجد مع امرأته
رجلا أيقتله ، فتقتلونه ، أم كيف يصنع؟! ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قد أنزل القرآن فيك ، وفي صاحبتك ، فأمرهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالملاعنة بما سمّى الله في كتابه فلا عنهما».
وأخرج البخاري من
طريق عكرمة عن ابن عباس : «أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلىاللهعليهوسلم بشريك بن سمحاء ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم :
البينة أو حد في
ظهرك؟ فقال : يا رسول الله ، إذا وجد أحدنا رجلا مع امرأته ، ينطلق يلتمس البينة؟!!
، فنزل جبريل «عليهالسلام» وأنزل عليه :
(وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ
فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ،
وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ،
وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ
لَمِنَ الْكاذِبِينَ ، وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ) (النور : ٦ ـ ٩)
فالآية هنا واحدة
، أي نزول قرآني واحد لأكثر من سبب.
الفصل الثالث
تعدّد النزول مع وحدة
السبب
ويعني أن يكون
هناك سبب واحد لنزول آيات متعددة. ولا إشكال في ذلك ، فالواقعة الواحدة ، أو السبب
الواحد قد يكون سببا في نزول أكثر من آية.
أمثلة
: ١ ـ ما أخرجه
الترمذي ، والحاكم عن أمّ سلمة أنها قالت : «يا رسول الله ، لا أسمع الله ذكر
النّساء في الهجرة بشيء ، فأنزل الله :
(فَاسْتَجابَ لَهُمْ
رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى
بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ
وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ
سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ). (آل عمران : ١٩٥)
وأخرج الحاكم عنها
أيضا قالت : «قلت : يا رسول الله ، تذكر الرجال ، ولا تذكر النساء ، فأنزلت : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ).
(الأحزاب : ٣٥) ،
وأنزلت : (أَنِّي لا أُضِيعُ
عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) (الآية. آل عمران
: ١٩٥).
وأخرج الحاكم عن
أمّ سلمة ، أنها قالت : تغزو الرجال ، ولا تغزو النساء! وإنما لنا نصف الميراث.
فأنزل الله : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما
فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا
وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ
اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً). (النساء : ٣٢)
فهذه الآيات
الثلاث نزلت بسبب واحد ، وهو كلام ، وسؤال أم سلمة للرسول صلىاللهعليهوسلم بشأن ذكر القرآن للرجال دون النساء.
٢ ـ ما أخرجه
البخاري من حديث زيد بن ثابت : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أملى عليه قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ).(النساء : ٩٥)
فجاء ابن أمّ
مكتوم ، وقال : يا رسول الله ، لو أستطيع الجهاد لجاهدت ـ وكان أعمى ـ فأنزل الله
: (غَيْرُ أُولِي
الضَّرَرِ) (النساء : ٩٥)
وأخرج ابن أبي
حاتم أيضا عن زيد بن ثابت قال : «كنت أكتب لرسول الله (صلىاللهعليهوسلم) ،
فإنّي لواضع القلم على أذني ، إذ أمر بالقتال ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ينظر ما ينزل عليه ، إذ جاء أعمى ، فقال : كيف لي يا
رسول الله ، وأنا أعمى!! فأنزلت : (لَيْسَ عَلَى
الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى) (التوبة : ٩١).
فهاتان الآيتان
نزلتا بسبب واحد ، هو قصة ابن أم مكتوم ، وسؤاله لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بعدم قدرته على القتال.
٣ ـ ما أخرجه ابن
جرير الطبري ، والطبراني ، وابن مردوية عن ابن عباس قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم جالسا في ظل شجرة ، فقال : إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم
بعيني شيطان ، فإذا جاء ، فلا تكلموه ، فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق العينين ،
فدعاه الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فقال : علام تشتمني أنت ، وأصحابك؟ ، فانطلق الرجل ،
فجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما قالوا ، حتى تجاوز عنهم ، فأنزل الله :
(يَحْلِفُونَ بِاللهِ
ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ
وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ
وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ
يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا
وَالْآخِرَةِ
وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (سورة التوبة : ٧٤)
وأخرج الحاكم هذا
الحديث بهذا اللفظ ، وقال : فأنزل الله :
(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ
اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ ، اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ
الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ
حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (سورة المجادلة :
١٨ ـ ١٩)
٤ ـ ما أخرجه
الواحدي عن المفسرين قالوا : «إن المشركين قالوا : أترون إلى محمد يأمر أصحابه
بأمر ثم ينهاهم عنه ، ويأمرهم بخلافه ، ويقول اليوم قولا ، ويرجع عنه غدا ، ما هذا
القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه ، وهو كلام يناقض بعضه بعضا ، فأنزل
الله تعالى :
(وَإِذا بَدَّلْنا
آيَةً مَكانَ آيَةٍ) (النحل : ١٠١)
(ما نَنْسَخْ مِنْ
آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (البقرة : ١٠٦)
فهاتان الآيتان
نزلتا لسبب واحد ، وهو قول المشركين ، بأن محمدا يأمر بأمر ، ويأمر بخلافه.
٥ ـ ما أخرجه ابن
جرير ، وابن أبي حاتم بسند حسن عن أمامه بن سهل بن حنيف ، قال : «لما توفي أبو قيس
بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته ، وكان لهم ذلك في الجاهلية ، فأنزل الله
تعالى :
(لا يَحِلُّ لَكُمْ
أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) (النساء : ١٩)
وأخرج ابن أبي
حاتم ، والفريابي ، والطبراني ، عن عدي بن ثابت ، عن رجل من الأنصار ، قال : «توفي
أبو قيس بن الأسلت ، وكان من صالحي الأنصار ، فخطب ابنه قيس امرأته ، فقالت : إنما
أعدّك ولدا ، فأنت من صالحي قومك ، فأتت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأخبرته ، فقال : ارجعي إلى بيتك ، فنزلت هذه الآية :
(وَلا تَنْكِحُوا ما
نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) (النساء : ٢٢)
فهاتان الآيتان
نزلتا لسبب واحد ، وهو خطبة قيس بن الأسلف من امرأة أبيه.
٦ ـ ما أخرجه ابن
جرير من طرق عن الحسن : أن رجلا من الأنصار لطم امرأته ، فجاءت تلتمس القصاص ،
فجعل النبي صلىاللهعليهوسلم بينهما القصاص ، فنزلت :
(وَلا تَعْجَلْ
بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (سورة طه : ١١٤)
ونزلت :
(الرِّجالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما
أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) (سورة النّساء :
٣٤)
فهاتان الآيتان
نزلتا لسبب واحد ، وهو لطم أحد الأنصار لزوجته.
٧ ـ ما أخرجه
الواحدي عن عكرمة ، عن ابن عباس : «أن رجلا أنى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقال : إني إذا أكلت هذا اللحم انتشرت إلى النساء ، وإني
حرمت عليّ اللحم ، فنزلت :
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) (المائدة : ٨٧)
ونزلت :
(وَكُلُوا مِمَّا
رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) (المائدة : ٨٨)
فهاتان الآيتان ،
نزلتا لسبب واحد ، وهو تحريم أحد الصحابة أكل اللحم على نفسه.
الفصل الرابع
صيغة سبب النزول
ويقصد بها صيغة
الروايات المتعلقة بالأسباب. وأحيانا لا تكون عبارة ، أو صيغة الرواية حتى الصحيحة
نصا في بيان سبب النزول في جميع الأحوال.
فهناك النص الواضح
الصريح في بيان سبب النزول ، وهناك النص المحتمل لسبب النزول ، وعلى هذا فصيغة سبب
النزول ، إما أن تكون نصا صريحا في السبب ، أي سبب النزول ، وإما أن تكون نصا
محتملا في السبب ، أي سبب النزول.
أولا : تكون صيغة
سبب النزول نصا صريحا ، وواضحا في السببية في حالتين : ـ أ ـ إذا قال الراوي : «سبب
نزول هذه الآية كذا» ـ أي ذكر كلمة السبب صراحة.
ب ـ إذا أتى بفاء
تعقيبية داخله على مادة نزول الآية بعد ذكره للحادثة ، أو الواقعة ، أو السؤال
الذي طرح على الرسول صلىاللهعليهوسلم ، كما إذا قال : «حدث كذا ، فنزلت آية كذا» ، أو «سئل
الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت آية كذا» ، فهاتان الصيغتان صريحتان في السبية
تبينان ، ويفهم منهما صراحة سبب نزول الآية.
ثانيا : وتكون
صيغة سبب النزول نصا محتملا في السببية في حالتين :
أ ـ إذا قال
الراوي : «نزلت هذه الآية في كذا» ، فلم يذكر كلمة السبب.
ب ـ إذا قال
الراوي : «أحسب هذه الآية نزلت في كذا» أو «ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في كذا» ،
فصيغة الراوي في هذين القولين ، هي صيغة محتملة للسببية ، أي لا تدل صراحة أن ما
يقصده هو السبب ، وإنما تحتمل صيغته بيان السبب ، وبيان أمر آخر غير السبب ، وهو
الأحكام التي تتضمنها الآية.
وعليه ، فإن صيغة
النص المحتمل للسببية ، قد تفيد السببية ، وقد تفيد الأحكام التي تضمنتها الآية.
قال الزركشي في
البرهان : «قد عرف من عادة الصحابة ، والتابعين أن أحدهم إذا قال : «نزلت هذه
الآية في كذا» ، فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم ، لا أن هذا كان
السبب في نزولها ، فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآيات ، لا من جنس النقل لما
وقع».
ولذلك لو قال راو
: «نزلت هذه الآية في كذا» ، وقال آخر : «نزلت في غير ذلك» ، فإن كان اللفظ يحتمل
كلا القولين حمل عليهما ، ولا تناقض في ذلك ، وإلا تعين ما يدل عليه اللفظ ،
ويساعد السياق على فهمه.
وأما إذا قال أحد
الراوين : «نزلت الآية في كذا» بهذا النص الصريح ، فالمعوّل عليه ما كان نصا ، فهو
أولى بالتقديم مما كان محتملا.
ولنا القول : إن
صيغة رواية الصحابي تكون أحيانا نصا صريحا ، وواضحا في السببية ، كقوله : «سبب
نزول هذه الآية كذا» ، ففي هذه الحالة صرح بالسبب ، ويكون هو المقصود من الرواية.
وتكون رواية
الصحابي أحيانا نصا محتملا في السببية ، كقوله : «نزلت هذه الآية في كذا» ، ففي
هذه الحالة لم يصرح بالسبب ، فيكون المقصود من قوله : إما ذكر السبب ، وإما الحكم
في الآية.
يقول شيخ الإسلام
ابن تيمية : «قولهم نزلت هذه الآية في كذا يراد
به تارة سبب
النزول ، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية ، وإن لم يكن السبب»
أي ان هذا لم يكن
السبب في نزولها ، ولقد اختلفت آراء العلماء بالنسبة لقول الصحابي : «نزلت هذه
الآية فى كذا».
هل يجعل هذا القول
من المرفوع المسند؟ أي المسند إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم فيعتبر بمثابة السبب الذي نزلت الآية من أجله ، أو به؟ أي
نعتبر هذا القول هو سبب نزول الآية ، أو أن لا يجعل هذا القول من المرفوع المسند؟؟
فيعتبر هنا بمثابة تفسير حكم الآية.
ان جماعة من
المحدثين ، ومنهم البخاري يجعلون قول الصحابي هذا من المرفوع المسند ، فيفسر على
أنه هو سبب نزول الآية ، ويستشهدون.
بصيغة الصحابي ابن
عمر : «نزلت في إتيان النساء في أدبارهن» ، وذلك في روايته عن سبب نزول الآية :
(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة : ٢٢٣)
ومن جهة أخرى فإن جماعة من العلماء المحدثين لا يجعلون قول الصحابي ذلك «نزلت
الآية في كذا».
من المرفوع المسند
: أمثال الإمام أحمد في مسنده ، والإمام مسلم ، بل ، ومعظم المسانيد ، فلا يكون
قول الصحابي في هذه الحالة سببا في نزول الآية.
وجعل هؤلاء
المحدثين أن قول الصحابي هذا هو مما يقال بالاستدلال والتأويل ، فهو من جنس
الاستدلال على الحكم بالآية ، لا من جنس النقل لما وقع.
أمثلة عن الصيغة
الصريحة فى السببية :
أ ـ مثال الصيغة :
«فأنزل الله».
أخرج الحاكم عن أم
سلمة أنها قالت : «تغزو الرجال ولا تغزو النساء ، وإنما لنا نصف الميراث» ، فأنزل
الله :
(وَلا تَتَمَنَّوْا ما
فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا
وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) (النساء : ٣٢)
ب ـ مثال الصيغة :
«فنزلت هذه الآية».
أخرج الشيخان عن
المسيب قال : «لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، فقالا : أي عم
، قل : لا إله إلا الله أحاجّ لك بها عند الله. فقالا : يا أبا طالب ، أترغب عن
ملة عبد المطلب! فقال : هو على ملة عبد المطلب ، فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ)».
أمثلة على الصيغة
المحتملة للسببية :
أ ـ مثال الصيغة :
«نزلت هذه الآية في كذا».
مثالها : قول ابن
عمر (رضي الله عنهما) : «أنزلت : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ) ، الآية في إتيان النساء في أدبارهن.
ب ـ مثال الصيغة :
«أحسب ، أو ما أحسب أن هذه الآية إلا نزلت في كذا».
مثالها : قول (الزبير)
: «ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك :» ، وذلك في الآية :
(فَلا وَرَبِّكَ لا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) (النساء : ٦٥)
والقصة هي ما
روي عن عبد الله
بن الزبير : «إن الزبير خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع النبي صلىاللهعليهوسلم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في شراج من الحرة ، وكانا يسقيان به كلاهما النخل ، فقال
الأنصاري : سرح الماء يمز ، فأبى عليه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اسق يا زبير ، ثم أرسل الماء إلى جارك ، فغضب الأنصاري ،
وقال : يا رسول الله ، إن كان ابن عمتك؟؟ ، فتلون وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم قال : اسق يا زبير ثم أحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر
، ثم أرسل الماء إلى جارك
، واستوعى رسول
الله صلىاللهعليهوسلم الزبير حقه ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له ، وللأنصاري
، فلما أحفظ رسول الله الأنصاري استوعى للزبير حقه في صريح الحكم ، فقال الزبير :
ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك».
الباب الرابع
لآيات التي لها أسباب
نزول
الباب الرابع
الآيات التي لها
أسباب نزول
ـ سورة البقرة ـ
أخرج الواحدي عن
عكرمة قال : «أول سورة أنزلت بالمدينة سورة البقرة».
وأخرج الواحدي ،
والفريابي ، وابن جرير عن مجاهد قال :
«أربع آيات من أول
هذه السورة نزلت في المؤمنين ، وآيتان بعدها نزلتا في الكافرين ، وثلاث عشرة بعدها
نزلت في المنافقين».
الآيتان : ٦ ، ٧ ،
قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ ، خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى
أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) أخرج الواحدي عن الضحاك قال : «نزلت في أبي جهل ، وخمسة من
أهل بيته».
وأخرج الواحدي عن
الكلبي قال : «يعني اليهود».
وأخرج ابن جرير عن
طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، الآيتين أنهما نزلتا في يهود المدينة.
الآية : ١٤ ، قوله
تعالى :
(وَإِذا لَقُوا
الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا
إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ)
أخرج الواحدي ،
والثعلبي من طريق محمد بن مروان ، والسدي
الصغير عن الكلبي
، عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : «نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ ، وأصحابه
، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم ، فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال عبد الله بن أبيّ : أنظروا كيف أردّ هؤلاء السفهاء
عنكم؟ ، فذهب ، فأخذ بيد أبي بكر فقال : مرحبا بالصديق سيد بني تيم ، وشيخ الإسلام
، وثاني رسول الله في الغار الباذل نفسه ، وماله ، ثم أخذ بيد عمر ، فقال : مرحبا
بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله ، الباذل نفسه ، وماله لرسول الله
، ثم أخذ بيد علي ، فقال : مرحبا بابن عم رسول الله ، وختنه سيد بني هاشم ما خلا
رسول الله ، ثم افترقوا ، فقال عبد الله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلت؟ ، فإذا
رأيتموهم ، فافعلوا كما فعلت ، فأثنوا عليه خيرا ، فرجع المسلمون إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأخبروه بذلك ، فأنزل الله هذه الآية».
الآية : ١٩ ، قوله
تعالى :
(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ
السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي
آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ)
أخرج ابن جرير من
طريق السدي الكبير عن أبي مالك ، وأبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ،
وناس من الصحابة ، قالوا : «كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول
الله صلىاللهعليهوسلم إلى المشركين ، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله ، فيه
رعد شديد ، وصواعق ، وبرق ، فجعلا كل ما أصابهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما
من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما ، فتقتلهما ، وإذا لمع البرق مشيا إلى ضوئه
، وإذا لم يلمع لم يبصرا ، فأتيا مكانهما يمشيان ، فجعلا يقولان : ليتنا قد أصبحنا
، فنأتي محمدا ، فنضع أيدينا في يده ، فأتياه فأسلما ، ووضعا أيديهما في يده، وحسن
إسلامهما ، فضرب الله شأن
هذين المنافقين
الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة ، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم ، فرقا من كلام النبي صلىاللهعليهوسلم أن ينزل فيهم شيء ، أو يذكروا بشيء ، فيقتلوا كما كان ذانك
المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما ، وإذا أضاء لهم مشوا فيه ، وإذا
أظلم عليهم قاموا ، فإن كثرت أموالهم ، وولدهم ، وأصابوا غنيمة ، أو فتحا مشوا فيه
، وقالوا : إن دين محمد حينئذ صدق ، واستقاموا عليه كما كان ذلك المنافقان يمشيان
إذا أضاء لهما البرق ، وإذا أظلم عليهما ، قاما. وكانوا إذا هلكت أموالهم ، وولدهم
، وأصابهم البلاء قالوا : هذا من أجل دين محمد ، وارتدوا كفارا كما قام ذانك
المنافقان حين أظلم البرق عليهما».
الآيتان : ٢٦ ، ٢٧
قوله تعالى :
(إِنَّ اللهَ لا
يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ
كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً
وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ، الَّذِينَ
يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ
بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)
أخرج ابن جرير عن
السدي بأسانيده ، وأخرج الواحدي عن ابن عباس : «لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين
للمنافقين ، قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ
الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً). وقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ
السَّماءِ).
قال المنافقون :
الله أجلّ ، وأعلى من أن يضرب هذه الأمثال ، فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ
يَضْرِبَ مَثَلاً) ، إلى قوله : (هُمُ الْخاسِرُونَ)
.
وأخرج الواحدي : «قال
الحسن ، وقتادة : لما ذكر الله الذباب ، والعنكبوت في كتابه ، وضرب للمشركين المثل
ضحكت اليهود ، وقالوا : ما يشبه هذا كلام الله ، فأنزل الله هذه الآية».
الآية : ٤٤ ، قوله
تعالى :
(أَتَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا
تَعْقِلُونَ)
أخرج الواحدي ،
والثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : «نزلت هذه الآية في يهود
المدينة ، كان الرجل يقول لصهره ، ولذوي قرابته ، ولمن بينهم ، وبينه رضاع من
المسلمين : أثبت على الدين الذي أنت عليه ، وما يأمرك به هذا الرجل ، فإن أمره حق
، وكانوا يأمرون الناس بذلك ، ولا يفعلونه».
الآية : ٦٢ ، قوله
تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)
أخرج الواحدين
طريق عبد الله بن كثير عن مجاهد قال : «لما قص سلمان على النبي صلىاللهعليهوسلم قصة أصحاب الدير ، قال : هم في النار. قال سلمان : فأظلمت
عليّ الأرض ، فنزلت : (إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) ، إلى قوله : (يَحْزَنُونَ)، قال : فكأنما كشف عني جبل».
وأخرج الواحدي عن
السدي ، قال : «نزلت في أصحاب سلمان الفارسي ، لما قدم سلمان على رسول الله صلىاللهعليهوسلم جعل يخبر عن عبادة أصحابه ، واجتهادهم ، وقال : يا رسول
الله ، كانوا يصلون ، ويصومون ويؤمنون بك ، ويشهدون أنك تبعث نبيا ، فلما فرغ
سلمان من ثنائه عليهم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا سلمان ، هم من أهل النار ، فأنزل الله :
(إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) ، وتلا إلى قوله : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
الآية : ٧٦ ، قوله
تعالى :
(وَإِذا لَقُوا
الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ
بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا
تَعْقِلُونَ).
أخرج ابن جرير عن
مجاهد قال : «قام النبي صلىاللهعليهوسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال : يا إخوان القردة ، ويا إخوان
الخنازير ، ويا عبدة الطاغوت ، فقالوا : من أخبر بهذا محمدا؟! ، ما خرج هذا إلا
منكم ، أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ، ليكون لهم حجة عليكم ، فنزلت الآية».
وأخرج ابن جرير من
طريق عكرمة عن ابن عباس قال : «كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، إن
صاحبكم رسول الله ، ولكنه إليكم خاصة ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : أيتحدث
العرب بهذا ، فإنكم كنتم تستفتحون به عليهم ، فكان منهم ، فأنزل الله : (وَإِذا لَقُوا) الآية».
الآية : ٧٩ ، قوله
تعالى :
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ
يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ
لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ
وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : نزلت في أحبار اليهود ، وجدوا صفة النبي مكتوبة
في التوراة : أكحل ، أعين ، ربعة ، جعد الشعر ، حسن الوجه ، فمحوه ، حسدا ، وبغيا
، وقالوا : نجده طويلا ، أزرق ، سبط الشعر».
وأخرج الواحدي عن
الكلبي قال : «إنهم غيّروا صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم
في كتابهم ،
وجعلوا آدم سبطا طويلا ، وكان ربعة أسمر صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا لأصحابهم ، وأتباعهم : أنظروا إلى صفة النبي صلىاللهعليهوسلم الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبه نعت هذا ، وكانت الأحبار
، والعلماء مأكلة من سائر اليهود ، فخافوا أن يذهبوا مأكلتهم إن بينوا الصفة ، ومن
ثم غيروا».
الآيتان : ٨٠ ، ٨١
، قوله تعالى :
(وَقالُوا لَنْ
تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ
اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا
تَعْلَمُونَ ، بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ
أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)
أخرج الطبراني في
الكبير ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال : «قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، ويهود تقول : إنما مدة الدنيا سبع آلاف سنة ،
وإنما يعذّب الناس بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة
، فإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب ، فأنزل الله في ذلك :
(وَقالُوا لَنْ
تَمَسَّنَا النَّارُ) إلى قوله : (فِيها خالِدُونَ)»
وأخرج ابن جرير من
طريق الضحاك عن ابن عباس قال : «إن اليهود قالوا : لن ندخل النار إلا تحلة القسم ـ
الأيام التي عبدنا فيها العجل أربعين ليلة ـ فإذا انقضت انقطع عنا العذاب ، فنزلت
الآية».
الآية : ٨٩. قوله
تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ
كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ
يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا
بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ).
أخرج الحاكم ،
والبيهقي ، والواحدي عن ابن عباس قال : «كانت يهود خيبر تقاتل غطفان ، فكلما التقوا
هزمت يهود ، فعاذت يهود بهذا الدعاء : اللهم ، إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي
الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم ، فكانوا إذا التقوا دعوا
بهذا الدعاء ، فهزموا غطفان ، فلما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم كفروا به ، فأنزلت.
وأخرج ابن أبي حاتم
عن ابن عباس : «إن يهود كانوا يستفتحون على الأوس ، والخزرج برسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب كفروا به ، فقال لهم
معاذ بن جبل ، وبشر بن البراء ، وداود بن سلمة : يا معشر يهود ، اتقوا الله ،
وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ، ونحن أهل شرك ، وتخبرونا بأنه مبعوث ،
وتصفونه بصفته ، فقال سلام بن مشكم ـ أحد بن النضير ـ : ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما
هو بالذي كنا نذكر لكم ، فأنزلت الآية».
الآيتان : ٩٧ ـ ٩٨.
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ
عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ، مَنْ كانَ
عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ
عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ).
أخرج أحمد ،
والترمذي ، والنسائي من طريق بكر بن شهان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : «أقبلت
يهود إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : يا أبا القاسم ، إنّا نسألك عن خمسة أشياء ،
فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي ، فذكر فيه الحديث ، وفيه : أنهم سألوه عما حرّم
اسرائيل على نفسه ، وعن علامة النبي ، وعن الرعد ، وصوته ، وكيف تذكر المرأة وتؤنث
، وعمن يأتيه بخبر السماء ، إلى أن قالوا : فأخبرنا عن صاحبك ، قال : جبريل. قالوا
: جبريل ذاك ينزل بالحرب ، والقتال ، والعذاب عدونا ، ولو قلت : ميكائيل الذي ينزل
بالرحمة ، والنبات ، والقطر ، لكان خيرا ، فنزلت».
وأخرج إسحاق بن
راهويه في مسنده ، وابن جرير من طريق الشعبي ، وأخرج الواحدي من طريق الشعبي ، «قال
: قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة ، فأعجب
من موافقة القرآن التوراة ، فقالوا : ما أحد أحب إلينا منك ، قلت : ولم؟! قالوا :
لأنك تأتينا ، وتغشانا ، قلت : إنما أجيء لاعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضا ،
وموافقة التوراة القرآن ، وموافقة القرآن التوراة ، فبينما أنا عندهم ذات يوم إذ
مر رسول الله صلىاللهعليهوسلم خلف ظهري ، فقالوا : إن هذا صاحبك ، فقم إليه ، فالتفت ،
فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد دخل خوخة في المدينة ، فأقبلت عليهم فقلت : انشدكم
بالله ، وما أنزل عليكم من كتاب ، أتعلمون أنه رسول الله؟ فقال سيدهم : قد نشدكم
الله ، فأخبروه ، فقالوا : أنت سيدنا ، فأخبره ، فقال سيدهم : إنا نعلم أنه رسول
الله ، قال : فقلت : فأنت أهلكهم إن كنتم تعلمون ، أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم لم تتبعوه ، قالوا : إن لنا عدوا من الملائكة ، وسلما
من الملائكة ، فقلت : من عدوكم؟ ، ومن سلمكم؟ قالوا : عدونا جبريل ، وهو ملك
الفظاظة ، والغلظة ، والإصار ، والتشديد ، قلت : ومن سلمكم؟ قالوا : ميكائيل ، وهو
ملك الرأفة ، واللين ، والتيسير ، قلت : فإني أشهدكم ما يحل لجبريل أن يعادي سلم
ميكائيل ، وما يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل ، وإنهما جميعا ، ومن معهما أعداء
لمن عادوا ، وسلم لمن سالموا ، ثم قمت ، فدخلت الخوخة التي دخلها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فاستقبلني ، فقال : يا ابن الخطاب ، ألا أقرئك آيات نزلت
عليّ قبل؟
قلت : بلى ، فقرأ
: (قُلْ مَنْ كانَ
عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ) الآية ، حتى بلغ : (وَما يَكْفُرُ بِها
إِلَّا الْفاسِقُونَ).
قلت : والذي بعثك
بالحق ما جئت إلا أخبرك بقول اليهود ، فإذا
اللطيف الخبير قد
سبقني بالخبر ، قال عمر : فلقد رأيتني اشد في دين الله من حجر».
الآية : ٩٩ ، قوله
تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا
إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
من طريق سعيد ، أو عكرمة عن ابن عباس قال : «قال ابن صوريا للنبي صلىاللهعليهوسلم : يا محمد ، ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل الله عليك من
آية بيّنة ، فأنزل الله في ذلك : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا
إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ) الآية.
الآية : ١٠٢ ،
قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما
تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ
الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى
الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى
يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما
يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ
أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ
وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ
وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)
أخرج الواحدي عن
ابن عباس قال : «إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء ، فيجئ ، أحدهم بكلمة
حق ، فإذا جرب مع أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة ، فبشر بها قلوب الناس ، فأطلع
على ذلك سليمان ، فأخذها ، فدفنها تحت الكرسي ، فلما مات سليمان قام شيطان الطريق
، فقال : ألا أدلكم على كنز سليمان المنيع الذي لا كنز له مثله؟؟ قالوا : نعم. قال
: تحت الكرسي ، فأخرجوه ، فقالوا : هذا سحر سليمان سحر به الأمم ، فأنزل الله عذر
سليمان : (وَاتَّبَعُوا ما
تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ).
وأخرج الواحدي عن
الكلبي ، قال : «إن الشياطين كتبوا السحر ،
والناجيات على
لسان آصف : هذا ما علم آصف بن برخيا الملك ، ثم دفنوها تحت مصلاه حين نزع الله
ملكه ، ولم يشعر بذلك سليمان ، ولما مات سليمان استخرجوه من تحت مصلاه ، وقالوا
للناس : إنما ملككم سليمان بهذا ، فتعلموه ، فلما علم علماء بني اسرائيل قالوا :
معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان ، وأما السفلة ، فقالوا : هذا علم سليمان ،
وأقبلوا على تعلمه ، ورفضوا كتب أنبيائهم ، ففشت الملامة لسليمان ، فلم تزل هذه
حالهم حتى بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم ، وأنزل الله عذر سليمان على لسانه ، ونزّل براءته مما رمي
به ، فقال : (وَاتَّبَعُوا ما
تَتْلُوا الشَّياطِينُ).
الآية : ١٠٤ ،
قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا
وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ)
أخرج ابن المنذر
عن السدي قال : «كان رجلان من اليهود : مالك بن صيف ، ورفاعة بن زيد إذا لقيا
النبي صلىاللهعليهوسلم ، قالا له ، وهما يكلمانه : راعنا سمعك ، واسمع غير مسمع ،
فظن المسلمون أن هذا شيء كان أهل الكتاب يعظمون به أنبياءهم ، فقالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم ذلك ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا).
وأخرج أبو نعيم في
(الدلائل) من طريق السّدّي الصغير ، عن الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال :
راعنا بلسان اليهود السب القبيح ، فلما سمعوا أصحابه يقولونه ، أعلنوا بها له ،
فكانوا يقولون ذلك ، ويضحكون فيما بينهم ، فنزلت فسمعها منهم سعد بن معاذ ، فقال
لليهود : يا أعداء الله ، لئن سمعتها من رجل منكم بعد هذا المجلس ، لأضربن عنقه».
الآية : ١٠٦ ،
قوله تعالى :
(ما نَنْسَخْ مِنْ
آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ
اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
قال الواحدي : قال
المفسرون : إن المشركين قالوا : أترون الى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ،
ويأمرهم بخلافه ، ويقول اليوم قولا ، ويرجع عنه غدا ، ما هذا القرآن إلّا كلام
محمد يقوله من تلقاء نفسه ، وهو كلام يناقض بعضه بعضا ، فأنزل الله ، (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) الآية و (ما نَنْسَخْ مِنْ
آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) الآية
الآية ١٠٨ : قوله
تعالى :
(أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ
تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ
الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ)
أخرج الواحدي عن
ابن عباس قال : «نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبى كعب ، ورهط من قريش ، قالوا :
يا محمد ، اجعل لنا الصفا ذهبا ، ووسع لنا أرض مكة ، وفجّر الأنهار خلالها تفجيرا
، نؤمن بك ، فأنزل الله هذه الآية».
وقال الواحدي :
قال المفسرون : «إن اليهود ، والمشركين تمنعوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمن قائل يقول : يأتينا بكتاب من السماء جملة كما أتى
موسى بالتوراة ، ومن قائل يقول ـ وهو عبد الله بن أبي أمية المخزومي ـ : ائتني
بكتاب من السماء فيه من رب العالمين الى أمية ، أعلم أني قد أرسلت محمدا الى الناس
، فأنزل الله هذه الآية.
الآية ١٠٩ : قوله
تعالى :
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ
أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً
مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا
وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ)
أخرج الواحدي من
طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه : «إن كعب بن الأشرف اليهودي
كان شاعرا ، وكان يهجو النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويحرّض عليه كفار قريش فى شعره ، وكان المشركون ،
واليهود من المدينة حين قدمها رسول الله صلىاللهعليهوسلم يؤذون النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه أشد الأذى ، فأمر الله تعالى نبيه بالصبر على
ذلك ، والعفو عنهم ، وفيهم أنزلت (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ
أَهْلِ الْكِتابِ) إلى قوله (فَاعْفُوا
وَاصْفَحُوا).
الآية ١١٣ : قوله
تعالى :
(وَقالَتِ الْيَهُودُ
لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى
شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ
قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
من طريق سعيد ، أو عكرمة عن ابن عباس قال : «لمّا قدم أهل نجران من النصارى على
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أتتهم أحبار يهود ، فتنازعوا ، فقال رافع بن خزيمة : ما
أنتم على شيء ، وكفر بعيسى ، والانجيل ، فقال رجل من أهل نجران لليهود : ما أنتم
على شىء ، وجحد نبوة موسى ، وكفر بالتوراة ، فانزل الله فى ذلك (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى
عَلى شَيْءٍ) الآية.
الآية ١١٤ : قوله
تعالى :
(وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها
أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا
خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)
أخرج ابن أبي حاتم
من طريق سعيد ، أو عكرمة عن ابن عباس قال : «أن قريشا منعوا النبي صلىاللهعليهوسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام.
فأنزل الله تعالى
: (وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ).
وأخرج ابن جرير عن
ابن زيد قال : «نزلت في المشركين حين صدوا رسول الله عن مكة يوم الحديبية».
وأخرج الواحدي من
رواية الكلبي عن ابن عباس قال : «نزلت فى طيطلوس الرومي ، وأصحابه من النصارى ،
وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل ، فقتلوا مقاتليهم ، وسبوا ذراريهم ، وحرقوا التوراة ،
وخرّبوا بيت المقدس ، وقذفوا فيه الجيف».
الآية ١١٥ : قوله
تعالى :
(وَلِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ
واسِعٌ عَلِيمٌ)
أخرج الواحدي من
رواية عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال : «بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم سرية كنت فيها ، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة ، فقالت
طائفة منا : قد عرفنا القبلة ، هي هاهنا ، قبل الشمال ، فصلّوا ، وخطّوا خطوطا.
وقال بعضنا : القبلة هاهنا قبل الجنوب ، وخطّوا خطوطا ، فلما أصبحوا ، وطلعت الشمس
أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة ، فلما قفلنا من سفرنا ، سألنا النبي صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فسكت ، فأنزل الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ).
وأخرج مسلم ،
والترمذي ، والنسائي عن ابن عمر قال : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به ، وهو جاء من مكة
الى المدينة ، ثم قرأ ابن عمر (وَلِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) وقال : في هذا نزلت هذه الآية».
وأخرج الحاكم عن
ابن عمر قال : «نزلت : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك فى التطوع ، وقال : صحيح
على شرط مسلم».
واخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس : «ان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمّا هاجر الى المدينة أمره الله أن يستقبل بين المقدس ،
ففرحت اليهود ، فاستقبلها بضعة عشر شهرا ، وكان يحب قبلة إبراهيم ، وكان يدعو الله
، وينظر الى السماء ، فأنزل الله تعالى : (فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) فارتاب فى ذلك اليهود ، وقالوا : ما ولّاهم عن قبلتهم التي
كانوا عليها؟ فأنزل الله : (قُلْ لِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) وقال : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ).
الآية ١١٩ : قوله
تعالى :
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ
بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ)
أخرج الواحدي عن
ابن عباس قال : «إن الرسول صلىاللهعليهوسلم قال ذات يوم : ليت شعري ما فعل أبواي؟؟ فنزلت هذه الآية».
وأخرج السيوطي : «قال
عبد الرزاق : أنبأنا الثوري عن موسى بن عبيده عن محمد بن كعب القرظي قال : قال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ليت شعري ما فعل أبواي؟؟ فنزلت : إنّا أرسلناك بالحقّ
بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم» فما ذكرهما حتى توفاه الله».
الآية ١٢٠ : قوله
تعالى :
(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ
الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ
هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ
الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)
أخرج الثعلبي عن
ابن عباس قال : «إن يهود المدينة ، ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلىاللهعليهوسلم الى قبلتهم ، فلما صرف الله القبلة الى الكعبة شق ذلك
عليهم ، وأحبوا أن يوافقهم على دينهم ، فأنزل الله : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ
الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى) الآية.
الآية ١٢٥ : قوله
تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ
إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)
روى البخاري ،
وغيره عن عمر قال : وافقت ربّي في ثلاث. قلت :
يا رسول الله ، لو
أخذت من مقام إبراهيم مصلّى؟ فنزلت «واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى» وقلت : يا
رسول الله ، إن نساءك يدخل عليهن البر ، والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن ، فنزلت آية
الحجاب.
واجتمع على رسول
الله صلىاللهعليهوسلم نساؤه في الغيرة ، فقلت لهنّ : عسى ربّه إن طلّقكنّ أن
يبدله أزواجا خيرا منكنّ ، فنزلت».
الآية ١٣٠ : قوله
تعالى :
(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ
مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي
الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)
قال ابن عيينة : «روي
أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه ، سلمه ، ومهاجرا الى الإسلام ، فقال لهما : قد
علمتما ان الله تعالى قال في التوراة :
إني باعث من ولد
إسماعيل نبيا اسمه أحمد ، فمن آمن به ، فقد اهتدى ، ورشد ، ومن لم يؤمن به ، فهو
ملعون ، فأسلم سلمه ، وأبى مهاجر ، فنزلت فيه الآية»
الآية ١٣٥ : قوله
تعالى :
(وَقالُوا كُونُوا
هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
أخرج ابن أبى حاتم
من طريق سعيد ، أو عكرمة عن ابن عباس قال : «قال ابن صوريا للنبي صلىاللهعليهوسلم : ما الهدى إلّا ما نحن عليه ، فاتبعنا يا محمد ، تهتد.
وقالت النصارى مثل ذلك ، فأنزل الله فيهم : «وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا»
وأخرج الواحدي عن
ابن عباس قال : «نزلت في رءوس يهود
المدينة : كعب بن
الأشرف ، ومالك بن الصيف ، وأبي ياسر بن أخطب ، وفي نصارى أهل نجران ، وذلك أنهم
خاصموا المسلمين في الدين ، كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله تعالى من غيرها ،
فقالت اليهود : نبينا موسى أفضل الأنبياء ، وكتابنا التوراة أفضل الكتب ، وديننا
أفضل الأديان ، وكفرت بعيسى ، والانجيل ، ومحمد ، والقرآن. وقالت النصارى : نبينا
عيسى أفضل الأنبياء ، وكتابنا الانجيل أفضل الكتب ، وديننا أفضل الأديان ، وكفرت
بمحمد ، والقرآن. وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين : كونوا على ديننا ، فلا دين
إلّا ذلك ، ودعوهم الى دينهم».
الآية ١٣٨ : قوله
تعالى :
(صِبْغَةَ اللهِ
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ)
أخرج الواحدي عن
ابن عباس قال : «ان النصارى كان إذا ولد لأحدهم ولد ، فأتى عليه سبعة أيام صبغوه
في ماء لهم يقال له المعمودي ، ليطهّروه بذلك ، ويقولون هذا طهور مكان الختان ،
فإذا فعلوا ذلك صار نصرانيا حقا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآيات : ١٤٢ ـ ١٥٠.
قوله تعالى : (سَيَقُولُ
السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا
عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ)
روى البخارى عن
عبد الله بن رجاء قال : «حدثنا اسرائيل بن أبي إسحاق عن البراء قال : لما قدم رسول
الله صلىاللهعليهوسلم فصلّى نحو بيت المقدس ستة عشرا شهرا ، أو سبعة عشر شهرا ،
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة ، فأنزل الله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي
السَّماءِ) إلى آخر الآية ، فقال السفهاء من الناس ، وهم اليهود : ما
ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، فقال الله تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ)
إلى آخر الآية.
وقال ابن إسحاق :
حدثني اسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن البراء قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلى نحو بيت المقدس ، ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر
الله ، فأنزل الله (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الآية.
فقال رجل من
المسلمين : وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نصرف الى القبلة ، وكيف بصلاتنا
قبل بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى :
(وَما كانَ اللهُ
لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) الآية.
وقال السفهاء من
الناس : ما ولّاهم من قبلتهم التي كانوا عليها ، فأنزل الله : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) الآية.
الآية : ١٤٦. قوله
تعالى : (الَّذِينَ
آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ
فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
أخرج الواحدي : «أنها
نزلت في مؤمني أهل الكتاب : عبد الله بن سلام ، وأصحابه ، كانوا يعرفون رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنعته ، وصفته ، وبعثه في كتابهم كما يعرف أحدهم ولده إذا
رآه مع الغلمان. قال عبد الله بن سلام : لأنا أشد معرفة برسول الله صلىاللهعليهوسلم مني بابني ، فقال له عمر بن الخطاب : وكيف ذاك يا ابن سلام؟!
قال : إني أشهد أن محمدا رسول الله حقا يقينا ، وأنا لا أشهد بذلك على ابني ، لأني
لا أدرى ما أحدث النساء. فقال عمر : وفقك الله يا ابن سلام».
الآية : ١٥٤. قوله
تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ
يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ)
أخرج ابن منده في «الصّحابة»
من طريق السدّي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال : «قتل تميم بن
الحمام ببدر ، وفيه ، وفي
غيره نزلت : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي
سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) الآية.
وروى الواحدي : «الآية
نزلت في قتلى بدر ، وكانوا بضعة عشر رجلا : ثمانية من الأنصار ، وستة من المهاجرين
، وذلك أنّ النّاس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل الله : مات فلان ، وذهب عنه
نعيم الدّنيا ، ولذّتها ، فأنزل الله هذه الآية».
الآية : ١٥٩. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما
بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ
اللَّاعِنُونَ)
أخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم من طريق سعيد ، أو عكرمة عن ابن عبّاس قال : «سأل معاذ بن جبل ،
وسعد بن معاذ ، وخارجة بن زيد نفرا من أحبار يهود عن بعض ما في التوراة ، فكتموهم
إيّاه ، وأبوا أن يخبروهم ، فأنزل الله فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) الآية.
الآية : ١٦٤. قوله
تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي
تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ
مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ
دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ
وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
أخرج سعيد بن
منصور في (سننه) ، والفريابي في (تفسيره) ، والبيهقي في (شعب الإيمان) عن أبي
الضحى قال : «لما نزلت : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ
واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ)» تعجب المشركون ، وقالوا : الها واحدا؟!! لئن كان صادقا ،
فليأتنا بآية ، فأنزل الله : (إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلى قوله : (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
الآية : ١٦٨. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ
كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ)
حَلالاً
طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)
أخرج الواحدي عن
الكلبي : «نزلت في ثقيف ، وخزاعة ، وعامر بن صعصعة ، حرّموا على أنفسهم من الحرث ،
والأنعام ، وحرموا البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحامي».
الآية : ١٧٤. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً
قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا
يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ)
أخرج الثعلبي من
طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : «نزلت هذه الآية في رؤساء اليهود ،
وعلمائهم ، كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا ، والفضل ، وكانوا يرجون أن يكون النبي
المبعوث منهم ، فلما بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم ، وزوال رياستهم فعمدوا إلى
صفة محمد صلىاللهعليهوسلم فغيّروها ثم أخرجوها إليهم ، وقالوا : هذا نعت النبي الذي
يخرج آخر الزمان لا يشبه نعت هذا النبي ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما
أَنْزَلَ اللهُ)
الآية : ١٧٧. قوله
تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ
تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ
آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ
وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ
وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ
الْمُتَّقُونَ)
أخرج ابن جرير
وابن المنذر عن قتادة قال :
سأل النبي صلىاللهعليهوسلم عن البرّ فأنزل الله هذه الآية : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا) فدعا الرجل ، فتلاها عليه ، وكان قبل الفرائض إذا شهد ان
لا إله الا الله ، وأن محمدا عبده ، ورسوله ثم مات على ذلك يرجى له ، ويطمع له في
خير ، فأنزل الله : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ
تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) فكانت اليهود
توجهت قبل المغرب ، والنصارى قبل المشرق.
الآية : ١٧٨. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ
شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ
مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن سعيد بن جبير قال : «إن حيّين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل
، وكان بينهم قتل ، وجراحات حتى قتلوا العبيد ، والنساء ، فلم يأخذ بعضهم من بعض
حتى أسلموا ، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدد ، والأموال ، فحلفوا : أن
لا يرضوا حتى يقتل العبد منّا الحر منهم ، وبالمرأة منا الرجل منهم ، فنزل فيهم : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ
بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى)
الآية : ١٨٤. قوله
تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) أخرج ابن سعيد في (طبقاته) عن مجاهد قال : «هذه الآية نزلت
في مولى قيس بن السائب : (وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) فأفطر ، وأطعم بكل يوم مسكينا.
الآية : ١٨٦. قوله
تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ
عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
أخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم ، وابن مردوية ، وأبو الشيخ ، وغيرهم من طرق عن جرير بن عبد الحميد
عن عبدة السجستاني عن الصلت بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده قال : «جاء
أعرابي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه؟؟ فسكت عنه ،
فأنزل الله : (وَإِذا سَأَلَكَ
عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) الآية.
الآية : ١٨٧ :
قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ
لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ
لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ
عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ
لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ
مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)
أخرج البخاري عن
البراء بن عازب قال : «كان أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم إذا كان الرجل صائما ، فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم
يأكل ليلته ، ولا يومه حتى يمسي ، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما ، فلما حضر
الإفطار أتى امرأته ، فقال : هل عندك طعام؟ فقالت : لا ، ولكني أنطلق ، فأطلب لك ،
وكان يومه يعمل ، فغلبته عينه ، وجاءته امرأته ، فلما رأته قالت : خيبة لك ، فلما
انتصف النهار غشي عليه ، فذكر ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية : (أُحِلَّ لَكُمْ
لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) ففرحوا بها فرحا شديدا ، فنزلت : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ
الْفَجْرِ)
وأخرج البخاري عن
البراء بن عازب قال : «لما نزل صوم شهر رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله ،
فكان رجال يختانون أنفسهم ، فأنزل الله : (عَلِمَ اللهُ
أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ) الآية.
الآية : ١٨٨ ،
قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا
أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ
لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
أخرج الواحدي عن
مقاتل قال : «نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عابس الكندي ، وفي عبدان بن أشوع
الحضرمي ، وذلك أنهما اختصما إلى النبي صلىاللهعليهوسلم في أرض ، وكان امرئ القيس المطلوب ، وعبدان الطالب ، فأنزل
الله تعالى هذه الآية ، فحكم عبدان في أرضه ، ولم يخاصمه».
الآية : ١٨٩ ،
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ).
أخرج الواحدي عن
الكلبي قال : «نزلت في معاذ بن جبل ، وثعلبة بن غنمة ـ وهما رجلان من الأنصار ـ قالا
: يا رسول الله ، ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ،
ويستوي ويستدير ، ثم لا يزال ينقص ، ويدق حتى يكون كما كان ، لا يكون على حال
واحدة؟! ، فنزلت هذه الآية».
الآية : ١٨٩ ،
قوله تعالى : (وَلَيْسَ الْبِرُّ
بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى
وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
أخرج ابن أبي حاتم
والحاكم ، وصححه عن جابر قال : «كانت قريش تدعى الحمس ، وكانوا يدخلون من الأبواب
في الإحرام ، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام ، وبينما
رسول الله في بستان إذ خرج من بابه ، وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري ، فقالوا :
يا رسول الله ، إنّ قطبة بن عامر رجل فاجر ، وانه خرج معك من الباب ، فقال له : ما
حملك على ما فعلت؟ قال : رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت ، قال : إني رجل أحمسي. قال
له : فإن ديني دينك ،
فأنزل الله : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا
الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) الآية.
وأخرج الطيالسي في
مسنده عن البراء بن عازب قال : «كانت الأنصار إذا قدموا من سفر لم يدخل الرجل من
قبل بابه ، فنزلت هذه الآية».
الآية : ١٩٠ ـ ١٩٤
، قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ).
أخرج الواحدي من
طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : «نزلت هذه الآية في صلح الحديبية ،
وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما صدّ عن البيت ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه
المقبل ، فلما كان العام القابل تجهز ، وأصحابه لعمرة القضاء ، وخافوا ألا تفي
قريش بذلك ، وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ، ويقاتلوهم ، وكره أصحابه قتالهم في
الشهر الحرام ، فأنزل الله ذلك».
وأخرج بن جرير عن
قتادة قال : «أقبل نبي الله صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه معتمرين في ذي القعدة ، ومعهم الهدي حتى إذا
كانوا بالحديبية صدهم المشركون ، وصالحهم النبي صلىاللهعليهوسلم على أن يرجع من عامه ذلك ثم يرجع من العام المقبل ، فلما
كان العام المقبل أقبل ، وأصحابه حتى دخلوا مكة ، معتمرين في ذي القعدة ، فأقام
بها ثلاث ليال ، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه ، فأقصّه الله منهم ،
فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه ، فأنزل الله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ
الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ).
الآية : ١٩٥ ،
قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي
سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
أخرج البخاري عن
حذيفة قال : «نزلت هذه الآية في النفقة».
وأخرج الواحدي عن
عكرمة ، قال : «نزلت في النفقات في سبيل
الله».
وأخرج أبو داود ،
والترمذي ، وصححه ، وابن حبان ، والحاكم ، وغيرهم عن أبي أيوب الأنصاري قال : «نزلت
هذه الآية فينا معشر الأنصار ، لما أعز الله الإسلام ، وكثر ناصروه ، قال بعضنا
لبعض سرا : إنّ أموالنا قد ضاعت ، وإن الله قد أعز الإسلام ، فلو أقمنا في أموالنا
، فأصلحنا ما ضاع منها ، فأنزل الله يرد علينا ما قلنا : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا
تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)
، فكانت التهلكة ،
الإقامة على الأموال ، وإصلاحها ، وتركنا الغزو».
الآية : ١٩٦ ،
قوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن صفوان بن أمية قال : «جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم متمضخا بالزعفران عليه جبة ، فقال : كيف تأمرني يا رسول
الله في عمرتي ، فأنزل الله : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ). فقال : أين السائل عن العمرة؟ قال : ها أنا ذا ، فقال له
: الق عنك ثيابك ثم اغتسل ، واستنشق ما استطعت ثم ما كنت صانعا في حجك ، فاصنعه في
عمرتك».
الآية : ١٩٦. قوله
تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ
مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ
أَوْ نُسُكٍ).
روى البخاري عن
كعب ابن عجرة أنه سئل عن قوله تعالى : (فَفِدْيَةٌ مِنْ
صِيامٍ) قال : حملت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، والقمل يتناثر على وجهي فقال : ما كنت أرى أن الجهد بلغ
بك هذا! أما تجد شاه؟ قلت : لا ، قال : صم ثلاثة أيام ، واطعم ستة مساكين لكل
مسكين نصف صاع من طعام ، واحلق رأسك ، فنزلت فيّ خاصة ، وهي لكم عامة».
الآية : ١٩٧ ،
قوله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا
فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ).
روى البخاري ،
وغيره عن ابن عباس قال : «كان أهل اليمن يحجّون ، ولا يتزودون ، ويقولون نحن
متوكلون ، فأنزل الله : (وَتَزَوَّدُوا
فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى)
وأخرج الواحدي عن
عطاء بن ابي رباح قال : «كان الرجل يخرج فيحمل كلّه على غيره ، فأنزل الله تعالى :
(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى).
الآية : ١٩٨ ،
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ
فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ
وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ).
روى البخاري عن
ابن عباس قال : «كانت عكاظ ، ومجنة ، وذو المجاز أسواقا في الجاهلية ، فتأثموا أن
يتجروا في الموسم ، فسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فنزلت : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ).
الآية : ١٩٩ ،
قوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ
حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أخرج الواحدي من
طريق يحيى بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : «كانت العرب تفيض من عرفات ،
وقريش ، ومن دان بدينها تفيض من جمع من المشعر الحرام ، فأنزل الله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ
النَّاسُ).
وأخرج ابن المنذر
عن أسماء بنت أبي بكر قالت : «كانت قريش يقفون بالمزدلفة ، ويقف الناس بعرفة إلا
شيبة بن ربيعة ، فأنزل الله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ
حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ)، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : «كانت العرب تقف بعرفة
، وكانت قريش تقف دون
ذلك بالمزدلفة ،
فأنزل الله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ
حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ).
الآية : ٢٠٠ ،
قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ
مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً
فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي
الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن عباس قال : «كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم يقول الرجل منهم : كان أبي
يطعم ، ويحمل الحمالات ، ويحمل الديات ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم ، فأنزل الله :
(فَإِذا قَضَيْتُمْ
مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً).
وأخرج ابن أبي
حاتم عن ابن عباس قال : «كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف ، فيقولون اللهمّ
اجعله عام غيث ، وعام خصب ، وعام ولاء ، وحسن ، لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا ،
فأنزل الله فيهم : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) ، ويجيء بعدهم آخرون من المؤمنين ، فيقولون : ربّنا آتنا
في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار».
الآية : ٢٠٨ ،
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ
الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)
أخرج ابن جرير عن
عكرمة قال : «قال عبد الله بن سلمان ، وثعلبة ، وابن يامين ، وأسد ، وأسيد بن كعب
، وسعيد بن عمرو ، وقيس بن زيد ، وكلهم من اليهود : يا رسول الله : يوم السبت يوم
نعظمه ، فدعنا فلنسبت فيه ، وان التوراة كتاب الله ، فدعنا ، فلنقم بها الليل ،
فنزلت : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) الآية.
الآية : ٢١٥ ،
قوله تعالى :
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا
يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ
فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).
أخرج ابن جرير عن
ابن جريج قال : «سأل المؤمنون رسول الله صلىاللهعليهوسلم أين يضعون أموالهم؟ فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا
يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) الآية.
وأخرج ابن المنذر
عن أبي حيان أن عمرو بن الجموح سأل النبي صلىاللهعليهوسلم : ما ذا ننفق من أموالنا ، وأين نضعها؟؟ فنزلت».
الآيتان : ٢١٧ ،
٢١٨ ، قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) الآية.
أخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم ، والطبراني في (الكبير) ، والبيهقي في (سننه) عن جندب بن عبد الله
: «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث رهطا ، وبعث عليهم عبد الله بن جحش ، فلقوا ابن
الحضرمي ، فقتلوه ، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب ، أو من جمادي ، فقال المشركون
للمسلمين :
قتلتم في الشهر
الحرام ، فأنزل الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) الآية ، فقال بعضهم : إن لم يكونوا أصابوا وزرا ، فليس لهم
أجر ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ
رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). وأخرج الواحدي عن الزهري قال : «بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم عبد الله بن جحش ، ومعه نفر من المهاجرين ، فقتل عبد الله
بن واقد الليثي عمرو بن الحضرمي في آخر يوم من رجب ، وأسروا رجلين ، واستاقوا
العير ، فوقف على ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقال : لم آمركم بالقتال في الشهر الحرام ، فقالت قريش :
استحل محمد الشهر الحرام ، فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الشَّهْرِ الْحَرامِ) الى قوله : (وَالْفِتْنَةُ
أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)، أي كانوا يقتلونكم ، وأنتم في حرم الله بعد إيمانكم ،
وهذا أكبر عند الله من أن
تقتلوهم ، في
الشهر الحرام مع كفرهم بالله ، قال الزهري : لما نزل هذا قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم العير ، وفادا الأسيرين ، ولما فرج الله عن أهل تلك السرية
ما كانوا فيه من غم طمعوا فيما عند الله من ثوابه ، فقالوا : يا نبي الله ، أنطمع
أن تكون غزوة ، ولا نعطى فيها أجر المجاهدين في سبيل الله؟؟ فأنزل الله تعالى فيهم
: (الَّذِينَ هاجَرُوا
وَجاهَدُوا) الآية.
الآية : ٢١٩ ،
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ
وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما).
روى الواحدي : «نزلت
في عمر بن الخطاب ، ومعاذ بن جبل ، ونفر من الأنصار ، أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : أفتنا في الخمر ، والميسر ، فإنهما مذهبة للعقل
، ومسلبة للمال ، فأنزل الله تعالى الآية».
الآية : ٢١٩ ،
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما
ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ)
أخرج ابن أبي حاتم
من طريق سعيد ، أو عكرمة عن ابن عباس : «أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في
سبيل الله أتوا النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا في أموالنا
، فما ننفق منها؟! فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ ما
ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ)
الآية : ٢٢٠ ،
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ).
أخرج أبو داود ،
والنسائي ، والحاكم ، وغيرهم عن ابن عباس قال : «لما نزلت : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) و (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ
الْيَتامى). انطلق من كان عنده يتيم ، فعزل طعامه من طعامه ، وشرابه
من شرابه ، فجعل يفصل له الشيء في طعامه فيحبس له حتى يأكله ، أو يفسد ، فاشتد ذلك
عليهم ، فذكروا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْيَتامى) الآية.
الآية : ٢٢٢ ،
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)
روى مسلم ،
والترمذي عن أنس : «أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ، ولم
يجامعوها في البيوت ، فسأل أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ) الآية. فقال : اصنعوا كل شيء إلا النكاح.
وأخرج البارودي في
«الصحابة» من طريق ابن إسحاق عن محمود عن عكرمة ، أو سعيد عن ابن عباس : «أن ثابت
بن الدحداح سأل النبي صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ) الآية.
وأخرج ابن جرير عن
السدّي نحوه.
الآية : ٢٢٣. قوله
تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ).
روى الشيخان ،
وأبو داود ، والترمذي عن جابر قال : «كانت اليهود تقول : إذا جامعها من ورائها جاء
الولد أحول ، فنزلت :(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ).
وأخرج أحمد ،
والترمذي عن ابن عباس قال : «جاء عمر الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت ، قال : وما أهلكك؟ قال حوّلت
رحلي الليلة ، فلم يرد عليه شيئا ، فأنزل الله هذه الآية : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أقبل ، وأدبر ، واتق الدبر ، والحيضة.
وأخرج ابن جرير ،
وأبو يعلى ، وابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري
: «أن رجلا أصاب امرأته
في دبرها ، فأنكر
الناس عليه ذلك فأنزلت : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ) الآية.
وأخرج أبو داود ،
والحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن محمد بن عبد السلام عن إسحاق بن إبراهيم عن
المحاربي عن محمد بن إسحاق عن أبان بن مسلم عن مجاهد قال : «عرضت المصحف على ابن
عباس ثلاث عرضات من فاتحته الى خاتمته ، أوقفه عند كل آية منه ، فأسأله عنها حتى
انتهى الى هذه الآية : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ، فقال ابن عباس : إن هذا الحي من قريش كانوا يتزوجون
النساء ، ويتلذذون بهن مقبلات ، ومدبرات ، فلما قدموا المدينة تزوجوا من الأنصار ،
فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بمكة ، فأنكرن ذلك ، وقلن : هذا شيء لم نكن
نؤتى عليه ، فانتشر الحديث حتى انتهى الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى فى ذلك : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) قال : إن شئت مقبلة ، وإن شئت مدبرة ، وإن شئت باركة ، وإنما
يعنى بذلك موضع الولد للحرث : يقول : «ائت الحارث حيث شئت».
الآية : ٢٢٤. قوله
تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا
اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ
النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
أخرج الواحدي عن
الكلبي قال : «نزلت فى عبد الله بن رواحه ينهاه عن قطيعة ختنه بشر بن النعمان ،
وذلك أن ابن رواحه حلف الّا يدخل عليه أبدا ، ولا يكلمه ، ولا يصلح بينه ، وبين
امرأته ، ويقول : قد حلفت بالله أن لا أفعل ، ولا يحلّ إلّا أن أبرّ في يميني ،
فأنزل الله تعالى هذه الآية
الآية : ٢٢٦. قوله
تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ
مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ)
أخرج الواحدي عن
عطاء عن ابن عباس قال : «كان إيلاء أهل الجاهلية السّنة ، والسّنتين ، وأكثر من
ذلك ، فوقّت الله أربعة أشهر ، فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر ، فليس بإيلاء».
وأخرج الواحدي عن
سعيد بن المسيّب قال : «كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية ، كان الرجل لا يريد المرأة
، ولا يجب أن يتزوجها غيره ، فيحلف ألّا يقربها أبدا ، وكان يتركها كذلك لا أيّما
، ولا ذات بعل ، فجعل الله تعالى الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة
أشهر ، وأنزل الله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ
مِنْ نِسائِهِمْ) الآية».
الآية : ٢٢٨. قوله
تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)
أخرج أبو داود ،
وابن أبي حاتم عن أسماء بنت زيد بن السكن الأنصاري قالت : «طلّقت على عهد رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، ولم يكن للمطلقة عدّة ، فأنزل الله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)
وذكر الثعلبي ،
وهبة الله بن سلامة في (الناسخ) عن الكلبي ، ومقاتل : «أن اسماعيل عن عبد الله
الغفاري طلّق امرأته قتيلة على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولم يعلم بحملها ، ثم علم فرجّعها ، فولدت فماتت ، ومات
ولدها ، فنزلت : (وَالْمُطَلَّقاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)
الآية : ٢٢٩. قوله
تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ
فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)
أخرج الترمذي ،
والحاكم ، وغيرهما عن عائشة قالت : «كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها ، وهي
امرأته ، إذا ارتجعها ، وهي في العدة ، وإن طلّقها مائة مرة ، وأكثر حتى قال رجل
لامرأته : والله ، لا
أطلقك ، فتبيني
مني ، ولا آويك أبدا. قالت : وكيف ذلك؟ قال :أطلقك فكلّما همّت عدتك أن تنقضي
راجعتك ، فذهبت المرأة ، فأخبرت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فسكت حتى نزل القرآن : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ
فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)
الآية : ٢٣٠ :
قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها
فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها
فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ
وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)
أخرج ابن المنذر
عن مقاتل بن حيّان قال : «نزلت هذه الآية في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك كانت
عند رفاعة بن وهب بن عتيك ـ وهو ابن عمها ـ فطلقها طلاقا بائنا ، فتزوجت بعده عبد
الرحمن بن الزبير القرظي ، فطلقها ، فأتت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالت : إنه طلقني قبل أن يمسني أفأرجع إلى الأول؟ قال :
لا حتى يمس ، ونزل فيها :(فَإِنْ طَلَّقَها
فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)
فيجامعها فإن
طلقها بعد ما جامعها ، فلا جناح عليهما أن يتراجعا».
الآية : ٢٣١. قوله
تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ
يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)
أخرج ابن جرير عن
السدي قال : «نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق امرأته حتى إذا انقضت
عدتها إلّا يومين ، أو ثلاثة راجعها ثم طلقها ، مضارة ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً
لِتَعْتَدُوا).
الآية : ٢٣١. قوله
تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا
آياتِ اللهِ هُزُواً).
أخرج ابن أبي عمر
في سنده ، وابن مردوية عن أبي الدرداء قال : «كان الرجل يطلق ، ثم يقول : لعبت ،
ويعتق ثم يقول : لعبت ، فأنزل
الله تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً)».
الآية : ٢٣٢. قوله
تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ
أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ
كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ
وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
روى البخاري عن
أحمد بن حفص ، وروى الواحدي عن الحسن أنه قال في قول الله عزوجل : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ
أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا)» الآية. قال : حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه ، قال كنت
زوجت أختا لي من رجل فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوّجتك
وأفرشتك ، واكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها!! لا والله ، لا تعدو إليها أبدا ، قال :
وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فأنزل الله هذه الآية ،
فقلت : الآن أفعل يا رسول الله ، فزوّجتها إياه».
الآية : ٢٣٨. قوله
تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ
قانِتِينَ)».
أخرج الأئمة الستة
، وغيرهم عن زيد بن أرقم قال : «كنا نتكلم على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الصلاة ، يكلّم ، الرجل منا صاحبه ، وهو إلى جنبه في
الصلاة حتى نزلت : (وَقُومُوا لِلَّهِ
قانِتِينَ)».
وأخرج ابن جرير عن
مجاهد قال : «كانوا يتكلمون في الصلاة ، وكان الرجل يأمر أخاه بالحاجة ، فأنزل
الله : (وَقُومُوا لِلَّهِ
قانِتِينَ)».
الآية : ٢٤٠. قوله
تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ
غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي
أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
أخرج إسحاق بن
راهويه في تفسيره عن مقاتل بن حيّان : «أن رجلا
من أهل الطائف قدم
المدينة ، وله أولاد : رجال ، ونساء ، ومعه أبواه ، وامرأته ، فمات بالمدينة ،
فرفع ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأعطى الوالدين ، وأعطى أولاده بالمعروف ، ولم يعط
امرأته شيئا غير أنهم أمروا أن ينفقوا عليها من تركة زوجها إلى الحول ، وفيه نزلت
: (وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) الآية».
الآية : ٢٥٦. قوله
تعالى : (لا إِكْراهَ فِي
الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ
لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
أخرج الواحدي عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : «كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد ،
فتحلف لئن عاش لها ولد ، لتهودنّه ، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم أناس من
الأنصار ، فقالت الأنصار : يا رسول الله ، أبناؤنا ، فأنزل الله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ)».
قال سعيد بن جبير
: «فمن شاء لحق بهم ، ومن شاء دخل في الاسلام». وأخرج الواحدي عن مسروق قال : «كان
لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان ، فتنصرا قبل أن يبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الطعام ،
فأتاهما أبوهما ، فلزمهما ، وقال : والله ، لا أدعكما حتى تسلما ، فأبيا أن يسلما
، فاختصموا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، أيدخل بعضي النار ، وأنا أنظر؟!
فأنزل الله عزوجل : (لا إِكْراهَ فِي
الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) فخلّى سبيلهما».
الآية : ٢٦٧. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا
لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ
مِنْهُ
تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)
روى الواحدي ،
والترمذي ، وابن ماجة ، وغيرهم عن البراء قال : «نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار
، كنا أصحاب نخل ، وكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته ، وقلّته ، وكان أناس
ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الصيص ، والحشف ، وبالقنو قد انكسر
فيعلقه ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) الآية».
وروى الحاكم عن
جابر قال : «أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بزكاة الفطر بصاع من تمر ، فجاء رجل بتمر ردئ ، فنزل
القرآن : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) الآية».
الآية : ٢٧٤. قوله
تعالى : (الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ
أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)
أخرج عبد الرزاق ،
وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال : «نزلت هذه
الآية في علي بن أبي طالب ، كانت معه أربعة دراهم ، فأنفق بالليل درهما ، وبالنهار
درهما ، وسرا درهما ، وعلانية درهما».
وأخرج الواحدي عن
الكلبي قال : «نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لم يكن يملك غير
أربعة دراهم ، فتصدق بدرهم ليلا ، وبدرهم نهارا ، وبدرهم سرا ، وبدرهم علانية ،
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما حملك على هذا؟! قال : حملني أن أستوجب على الله الذي
وعدني ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ألا إن ذلك لك. فأنزل الله تعالى هذه الآية».
وأخرج الواحدي عن
شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «نزلت هذه الآية : (الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ
أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) في أصحاب الخيل». وهذا قول أبي أمامة ، والدرداء ، ومكحول
، والأوزاعي ، ورباح بن زيد. قالوا : هم الذين يرتبطون الخيل في سبيل الله تعالى
ينفقون عليها بالليل والنهار ، سرا ، وعلانية ، نزلت في من لم يربطها تخيّلا ،
وافتخارا».
الآيتان : ٢٧٨ ـ ٢٧٩.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ
وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)
أخرج الواحدي عن
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : «بلغنا ـ والله أعلم ـ أن هذه الآية نزلت في
بني عمرو بن عوف من ثقيف ، وفي بني مخزوم ـ وكانت بنو المغيرة يربون لثقيف ، فلما
أظهر الله تعالى رسوله على مكة وضع يومئذ الربا كله ، فأتى بنو عمرو بن عمير ،
وبنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد ، وهو على مكة ، فقال بنو المغيرة : ما جعلنا أشقى
الناس بالربا ، ووضع عن الناس غيرنا ، فقال بنو عمرو بن عمير : صولحنا على أنّ لنا
ربانا ، فكتب عتاب في ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت هذه الآية ، والتي بعدها. (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا
بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) فعرف بنو عمرو أن لا يدان لهم بحرب من الله ورسوله. يقول
الله تعالى : (وَإِنْ تُبْتُمْ
فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ) فتأخذون أكثر : (وَلا تُظْلَمُونَ) فتبخسون منه».
وقال السديّ : «نزلت
في العباس ، وخالد بن الوليد ـ وكانا شريكين في الجاهلية يسلّفان في الربا ـ فجاء
الاسلام ، ولهما أموال عظيمة في الربا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ألا إن
كل ربا من ربا
الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب».
الآيتان : ٢٨٥ ـ ٢٨٦.
قوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ
بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ
وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، لا
يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا
اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا
تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا
وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا
وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)
أخرج أحمد ، ومسلم
، والواحدي ، وغيرهم عن أبي هريرة قال : «لما نزلت : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي
أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) اشتد ذلك على الصحابة ، فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم جثوا على الركب ، فقالوا : قد أنزل عليك هذه الآية ،
ولا نطيقها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم :
سمعنا ، وعصينا!! بل قولوا : سمعنا ، وأطعنا ، غفرانك ربنا ، وإليك المصير ، فلما
اقترأها القوم ، وذللت بها أنفسهم أنزل الله تعالى في أثرها : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ
إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) الآية ، فلما فعلوا ذلك نسخها الله ، فأنزل : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا
وُسْعَها) الآية».
ـ سورة آل عمران ـ
قوله تعالى : (الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن الربيع : «أن النصارى أتوا النبي صلىاللهعليهوسلم فخاصموه في عيسى ، فأنزل الله : (الم ، اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ) إلى بضع وثمانين آية منها».
وأخرج البيهقي في (الدلائل)
عن ابن إسحاق قال : «حدثني محمد بن سهل بن أبي أمامة قال : لما قدم أهل نجران على
رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسألونه عن عيسى بن مريم نزلت فيهم فاتحة آل عمران إلى رأس
الثمانين منها».
وأخرج الواحدي عن
المفسرين قالوا : «قدم وفد نجران ـ وكانوا ستين راكبا ـ على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، وفي الأربعة عشر
ثلاثة نفر يؤول اليهم أمرهم : فالعاقب أمير القوم ، وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون
إلا عن رأيه ، واسمه عبد المسيح ، والسيد إمامهم ، وصاحب رحلهم ، واسمه الأيهم ،
وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم ، وحبرهم ، وإمامهم ، وصاحب مدارسهم ، وكان قد شرف
فيهم ، ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم ، وكانت ملوك الروم قد شرّفوه ، وموّلوه
، وبنوا له الكنائس لعلمه ، واجتهاده ، فقدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ودخلوا مسجده حين صلّى العصر ، عليهم ثياب الحبر جبّات ،
وأردية ـ في جمال رجال الحارث بن كعب ، يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما رأينا وفدا مثلهم ، وقد
حانت صلاتهم ،
فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : دعوهم؟ فصلّوا إلى المشرق ، فكلم السيد ، والعاقب رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أسلما. فقالا : قد أسلمنا قبلك. قال : كذبتما ، منعكما
من الاسلام ، دعاؤكما لله ولدا ، وعبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير. قالا : إن
لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه؟! وخاصموه جميعا في عيسى ، فقال لهما النبي صلىاللهعليهوسلم : ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلّا ، ويشبه أباه؟ قالوا
: بلى. قال : ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت ، وأن عيسى أتى عليه الفناء؟ قالوا
: بلى. قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيّم على كل شيء يحفظه ، ويرزقه؟ قالوا : بلى.
قال : فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟ قالوا : لا. قال : فإن ربّنا صور عيسى في الرحم
كيف يشاء ، وربنا لا يأكل ، ولا يشرب ، ولا يحدث؟ قالوا : بلى. قال : ألستم تعلمون
أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها؟ ثم غذي كما
يغذي الصبي؟ ثم كان يطعم ، ويشرب ، ويحدث؟؟ قالوا : بلى. قال : فكيف يكون هذا كما
زعمتم؟؟ فسكتوا ، فأنزل الله عزوجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها».
الآية : ١٢. قوله
تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ).
أخرج الواحدي عن
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : «أن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم الله
المشركين يوم بدر : هذا والله ، النبي الأمي الذي بشّرنا به موسى ، ونجده في
كتابنا بنعته ، وصفته ، وأنه لا تردّ له راية ، فأرادوا تصديقه ، واتباعه ، ثم قال
بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى. فلما كان يوم أحد ، ونكب أصحاب
رسول الله صلىاللهعليهوسلم شكّوا ، وقالوا :
لا والله ، ما هو به ، وغلب عليهم الشقاء ، فلم
يسلموا. وكان
بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهد إلى مدة ، فنقضوا ذلك العهد ، وانطلق كعب بن الأشرف في
ستين راكبا إلى أهل مكة : أبي سفيان ، وأصحابه فوافقوهم ، وأجمعوا أمرهم ، وقالوا
: لتكوننّ كلمتنا واحدة ، ثم رجعوا إلى المدينة ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية».
وأخرج الواحدي عن
عكرمة ، وسعيد بن جبير عن ابن عباس : «لما أصاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قريشا ببدر جمع اليهود ، وقال :
يا معشر اليهود ،
احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر ، وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم ،
فقد عرفتم أنّي نبيّ مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم ، وعهد الله اليكم. فقالوا : يا
محمد ، لا يغرّنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب ، فأصبت فيهم فرصة ، أما
والله ، لو قاتلناك ، لعرفت أنّا نحن الناس ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) «يعني الكفار» (سَتُغْلَبُونَ) «تهزمون» (وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ
الْمِهادُ) في الآخرة».
الآية : ١٨. قوله
تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا
إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
أخرج الواحدي عن
الكلبي قال : «لما ظهر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام ، فلما أبصرا
المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في
آخر الزمان. فلما دخلا على النبي صلىاللهعليهوسلم عرفاه بالصفة ، والنعت ، فقالا له : أنت محمد؟ قال : نعم.
قالا : وأنت أحمد؟ قال : نعم. قالا : إنا نسألك عن شهادة ، فإن أنت أخبرتنا بها
آمنا بك ، وصدّقناك. فقال لهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم : سلاني؟ فقالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله؟؟
فأنزل الله تعالى على نبيه : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) فأسلم الرجلان ، وصدّقا برسول الله صلىاللهعليهوسلم».
الآية : ٢٣ ـ ٢٤.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ،
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ
وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).
أخرج ان أبى حاتم
، وابن المنذر عن عكرمة عن ابن عباس قال : «دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيت المدارس على جماعة من اليهود ، فدعاهم إلى الله ، فقال
له نعيم بن عمرو ، والحارث بن زيد : على أيّ دين أنت يا محمد؟؟ قال : على ملة
إبراهيم ، ودينه. قالا : فإن إبراهيم كان يهوديا. فقال لهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فهلمّا إلى التوراة فهي بيننا ، وبينكم ، فأبيا عليه ،
فأنزل الله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ) إلى قوله (يَفْتَرُونَ)».
الآية : ٢٦. قوله
تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ
الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ
وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن قتادة قال : «ذكر لنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سأل ربه أن يجعل ملك الروم ، وفارس في أمّته ، فأنزل الله
تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ
الْمُلْكِ) الآية».
الآية : ٢٨ ـ ٢٩.
قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ
الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ
يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ
تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ، قُلْ إِنْ
تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
أخرج ابن جرير من
طريق سعيد ، أو عكرمة عن ابن عباس قال : «كان الحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف ،
وابن أبي الحقيق ،
وقيس بن زيد قد
بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم ، فقال رفاعة بن المنذر ، وعبد الله بن
جبير ، وسعد بن حثمة لأولئك النفر : اجتنبوا هؤلاء النفر من يهود ، واحذروا
مباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم ، فأبوا ، فأنزل الله تعالى فيهم : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ) إلى قوله : (وَاللهُ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ)
وأخرج الواحدي عن
جبير عن الضحاك عن ابن عباس : «نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري ، وكان بدريا
نقيبا ، وكان له حلفاء من اليهود ، فلما خرج النبي صلىاللهعليهوسلم يوم الأحزاب قال عبادة : يا نبي الله ، إن معي خمسمائة رجل
من اليهود ، وقد رأيت أن يخرجوا معي ، فأستظهر بهم على العدو ، فأنزل الله تعالى :
(لا يَتَّخِذِ
الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) الآية».
الآية : ٣١. قوله
تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أخرج الواحدي عن
جبير عن الضحاك عن ابن عباس قال : «وقف النبي صلىاللهعليهوسلم على قريش ، وهم في المسجد الحرام ، وقد نصبوا أصنامهم ،
وعلقوا عليها بيض النعام ، وجعلوا في آذانها الشنوف ، وهم يسجدون لها ، فقال : يا
معشر قريش ، لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم ، واسماعيل ، ولقد كانا على الإسلام ،
فقالت قريش : يا محمد ، إنما نعبد هذه حبّا لله ، ليقربونا إلى الله زلفى ، فأنزل
الله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللهَ) وتعبدون الأصنام لتقربكم إليه (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) ، فأنا رسوله إليكم ، وحجته عليكم ، وأنا أولى بالتعظيم من
أصنامكم».
وروى الكلبي عن
أبي صالح عن ابن عباس : «أن اليهود لمّا قالوا : نحن أبناء الله ، وأحباؤه ، أنزل
الله تعالى هذه الآية ، فلما نزلت عرضها رسول الله صلىاللهعليهوسلم على اليهود ، فأبوا أن يقبلوها»
وروى محمد بن
إسحاق بن يسار عن محمد بن جعفر بن الزبير قال : «نزلت في نصارى نجران ، وذلك أنهم
قالوا : إنما نعظم المسيح ، ونعبده ، حبّا لله ، وتعظيما له ، فأنزل الله تعالى
هذه الآية ردا عليهم».
الآيتان : ٥٩ ـ ٦٠.
قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى
عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)
أخرج الواحدي عن
المفسرين قالوا : «إن وفد نجران قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : مالك تشتم صاحبنا؟! قال : وما أقول؟! قالوا : تقول : إنه
عبد. قال : أجل ، إنه عبد الله ، ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول ،
فغضبوا ، وقالوا : هل رأيت إنسانا قط بغير أب ، فإن كنت صادقا ، فأرنا مثله ،
فأنزل الله عزوجل هذه الآية».
وأخرج ابن أبي
حاتم عن الحسن قال : «أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم راهبان من نجران فقال أحدهما : من أبو عيسى؟؟ وكان رسول
الله صلىاللهعليهوسلم لا يعجل حتى يؤامر ربّه ، فنزل عليه : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ
وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) إلى قوله (فَلا تَكُنْ مِنَ
الْمُمْتَرِينَ)
الآية : ٦١. قوله
تعالى : (فَمَنْ حَاجَّكَ
فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا
وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ
نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)
أخرج الواحدي عن
الشعبي عن جابر بن عبد الله قال : «قدم وفد أهل نجران على النبي صلىاللهعليهوسلم ـ العاقب ، والسيّد ـ فدعاهما إلى السلام ، فقالا : أسلمنا
قبلك. قال : كذبتما ، إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الاسلام ، فقالا : هات
أنبئنا! قال : حبّ الصليب ، وشرب الخمر ، وأكل لحم الخنزير ، فدعاهما إلى الملاعنة
، فوعداه على أن يغادياه بالغداة ، فغدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأخذ بيد علي ، وفاطمة ، وبيد الحسن ، والحسين ، ثم أرسل
إليهما ، فأبيا أن يجيبا ، فأقرّا له بالخراج ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : والذي
بعثني بالحق ، لو
فعلا لمطر الوادي نارا». قال جابر : فنزلت فيهم هذه الآية : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا
وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ)
قال الشعبي : «أبناءنا
: الحسن والحسين ، ونساءنا : فاطمة ، وأنفسنا : علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).
الآية : ٦٥. قوله
تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ
لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ
إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)
روى ابن إسحاق
بسنده المتكرر عن ابن عباس قال : «اجتمعت نصارى نجران ، وأحبار يهود عند رسول الله
صلىاللهعليهوسلم ، فتنازعوا عنده ، فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلّا
يهوديا. وقالت النصارى : ما كان إبراهيم إلّا نصرانيا ، فأنزل الله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ) الآية».
الآية : ٦٨. قوله
تعالى : (إِنَّ أَوْلَى
النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)
روي الكلبي عن أبي
صالح عن ابن عباس ، وروى أيضا عبد الرحمن ابن غنم عن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وروى محمد بن إسحاق بن يسار قالوا : «لما هاجر جعفر بن
أبي طالب ، وأصحابه إلى الحبشة ، واستقرت بهم الدّار ، وهاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة ـ وكان من أمر بدر ما كان ـ اجتمعت قريش في
دار الندوة ، وقالوا : إنّ لنا في أصحاب محمد الذين عند النجاشي ثأرا عمن قتل منكم
ببدر ، فأجمعوا مالا ، وأهدوه إلى النجاشي لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم ،
ولينتدب لذلك رجلان من ذوى آرائكم ، فبعثوا عمرو بن العاص ، وعمارة بن أبي معيط مع
الهدايا : الأدم ، وغيره ، فركبا البحر ، وآتيا الحبشة ، فلما دخلا على النجاشي
سجدا له ، وسلّما عليه ، وقالا له : إن قومنا لك ناصحون
شاكرون ، ولصلاحك
محبّون ، وإنهم بعثونا إليكم ، لنحذرك هؤلاء القوم الذين قدموا عليك ، لأنهم قوم
رجل كذّاب خرج فينا يزعم أنه رسول الله ، ولم يتابعه منّا إلّا السفهاء ، وكنّا قد
ضيّقنا عليهم الأمر ، وألجأناهم إلى شعب بأرضنا لا يدخل عليهم أحد ، ولا يخرج منهم
أحد ، قد قتلهم الجوع ، والعطش ، فلما اشتد عليهم الأمر بعث إليك ابن عمه ، ليفسد
عليك دينك ، وملكك ، ورعيتك ، فاحذرهم ، وادفعهم إلينا لنكفيكهم. قالوا : وآية ذلك
أنهم اذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ، ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس ،
رغبة عن دينك ، وسنتك. قال : فدعاهم النجاشي ، فلما حضروا صاح جعفر بالباب :
يستأذن عليك حزب الله ، فقال النجاشي : نعم فليدخلوا بأمان الله ، وذمته. فنظر
عمرو بن العاص إلى صاحبه ، فقال : ألا تسمع كيف يرطنون بحزب الله ، وما أجابهم
النجاشي ، فساءهما ذلك ، ثم دخلوا عليه ، ولم يسجدوا له ، فقال عمرو بن العاص : ألا
ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك!! فقال لهم النجاشي : ما يمنعكم أن تسجدوا لي ، وتحيوني
بالتحية التي يحييني بها من أتاني من الآفاق؟! قالوا : نسجد لله الذي خلقك ،
وملّكك ، وإنما كانت تلك التحية لنا ، ونحن نعبد الأوثان ، فبعث الله فينا نبيّا
صادقا ، وأمرنا بالتحية التي نعتها الله لنا ، وهي السلام ، تحية اهل الجنة ، فعرف
النجاشي أنّ ذلك حق ، وأنه في التوراة ، والانجيل. قال : أيكم الهاتف : يستأذن
عليك حزب الله؟؟ قال جعفر : أنا. قال : فتكلم. قال : ملك من ملوك أهل الأرض ، ومن
أهل الكتاب ، ولا يصلح عندك كثرة الكلام ، ولا الظلم ، وأنا أحبّ أن أجيب عن
أصحابي ، فمر هذين الرجلين ، فليتكلم أحدهما ، وليسكت الآخر ، فتسمع محاورتنا ،
فقال عمرو لجعفر : تكلم. فقال جعفر للنجاشي : سل هذا الرجل أعبيد نحن أم أحرار؟
فإن كنا عبيدا أيقنا
من أربابنا ،
فارددنا إليهم. فقال النجاشي : أعبيد هم أم أحرار؟ فقال : بل أحرار كرام. فقال
النجاشي : خرجتم من العبودية. فقال جعفر : سلهما هل أخذنا أموال الناس بغير حق
فعلينا قضاؤها؟ قال النجاشي : يا عمرو ، إن كان قنطارا فعليّ قضاؤها. فقال عمرو :
لا ، ولا قيراط. قال النجاشي : فما تطلبون منهم؟ قال عمرو : كنا ، وهم على دين
واحد على دين آبائنا ، فتركوا ذلك الدين ، واتبعوا غيره ، ولزمنا نحن ، فبعثنا
إليك قومهم ، لتدفعهم إلينا. فقال النجاشي : ما هذا الدين الذي كنتم عليه ، والدين
الذي اتبعتموه؟! أصدقني. قال جعفر : أمّا الذي كنا عليه ، فتركناه ، فهو دين
الشيطان ، وأمره ، كنا نكفر بالله عزوجل ، ونعبد الحجارة ، وأما الذي تحوّلنا إليه فدين الله
الاسلام ، جاءنا به الله ، ورسوله ، وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له. فقال
النجاشي : يا جعفر ، لقد تكلمت بأمر عظيم ، فعلى رسلك ، ثم أمر النجاشي فضرب
بالناقوس ، فاجتمع كل قسيس ، وراهب ، فلما اجتمعوا عنده قال النجاشي : أنشدكم الله
الذي أنزل الانجيل على عيسى ، هل تجدون بين عيسى ، وبين القيامة نبيا مرسلا؟
فقالوا : اللهم نعم ، قد بشرنا به عيسى ، وقال : من آمن به ، فقد آمن بي ، ومن كفر
به ، فقد كفر بي. فقال النجاشي لجعفر : ما ذا يقول لكم هذا الرجل ، ويأمركم به ،
وينهاكم عنه؟ قال : يقرأ علينا كتاب الله ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ،
ويأمر بحسن الجوار ، وصلة الرحم ، وبر اليتيم ، ويأمرنا أن نعبد الله وحده لا شريك
له. فقال : اقرأ علينا شيئا مما كان يقرأ عليكم؟ فقرأ عليهم سورة العنكبوت ،
والروم ، ففاضت عينا النجاشي ، وأصحابه من الدمع ، وقالوا : يا جعفر ، زدنا من هذا
الحديث الطيب ، فقرأ عليهم سورة الكهف ، فأراد عمرو أن يغضب النجاشي ، فقال : إنهم
يشتمون عيسى ، وأمه. فقال النجاشي : ما
يقولون في عيسى ،
وأمه؟! فقرأ عليهم جعفر سورة مريم ، فلمّا أتى على ذكر مريم ، وعيسى رفع النجاشي
بقية من سواك قدر ما يقذي العين ، وقال : والله ، ما زاد المسيح على ما تقولون هذا
، ثم أقبل على جعفر ، وأصحابه ، فقال : اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي (يقول : آمنون من
سبكم ، وأذاكم عزم) ، ثم قال : أبشروا ، ولا تخافوا ، ولا دهورة اليوم على حزب
إبراهيم ، قالوا : يا نجاشي ، ومن حزب إبراهيم؟ قال : هؤلاء الرهط ، وصاحبهم الذي
جاءوا من عنده ، ومن تبعهم ، فأنكر ذلك المشركون ، وادّعوا دين إبراهيم ، ثم رد
النجاشي على عمرو ، وصاحبه المال الذي حملوه ، وقال : إنما هديتكم إليّ رشوة ،
فاقبضوها ، فإن الله ملّكني ، ولم يأخذ مني رشوة. قال جعفر : وانصرفنا ، فكنّا في
خير دار ، وأكرم جوار ، وأنزل الله عزوجل ذلك اليوم في خصومتهم في إبراهيم على رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وهو بالمدينة».
الآية ٧٢ قوله
تعالى : (وَقالَتْ طائِفَةٌ
مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ
النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
روى ابن إسحاق عن
ابن عباس قال : «قال عبد الله بن الصيف ، وعدي بن زيد ، والحارث بن عوف بعضهم لبعض
: تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد ، وأصحابه غدوة ، ونكفر به عشية ، حتى نلبس عليهم
دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع ، فيرجعون عن دينهم ، فأنزل الله فيهم : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ
الْحَقَّ بِالْباطِلِ) الى قوله (واسِعٌ عَلِيمٌ).
وروى الواحدي عن
الحسن والسدّي قالا : «تواطأ اثنا عشر حبرا من يهود خيبر ، وقال بعضهم لبعض :
أدخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد ، واكفروا به فى آخر النهار ،
وقولوا : إنا نظرنا فى كتبنا ، وشاورنا علماءنا ، فوجدنا محمّدا ليس بذلك ، وظهر
لنا كذبه ، وبطلان دينه ، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه فى دينهم ، وقالوا : إنهم أهل
كتاب ، وهم أعلم به منّا ، فيرجعون عن دينهم الى دينكم ، فأنزل الله تعالى هذه
الآية ، وأخبر نبيّه محمد صلىاللهعليهوسلم ، والمؤمنين.
الآية : ٧٧. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ
لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
روى البخاري عن
عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن عبد الله قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من حلف على يمين ، وهو فيها فاجر ، ليقطع بها مال امرئ
مسلم لقي الله ، وهو عليه غضبان ، فقال الأشعث بن
قيس : فيّ والله ،
كان بيني وبين رجل من اليهود أرض ، فجحدني ، فقدمته إلي النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : لك بيّنة؟؟ قلت : لا ، فقال لليهودي : أتحلف؟ قلت
: إذن يحلف ، فيذهب بمالي ، فأنزل الله (عزوجل): (إِنَّ الَّذِينَ
يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ) الآية.
وأخرج البخاري عن
عبد الله بن أبي أوفى : «أن رجلا أقام سلعة له في السوق ، فحلف بالله لقد أعطي بها
ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين ، فنزلت هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ
اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً).
الآيتان ٧٩ ـ ٨٠.
قوله تعالى : (ما كانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ
لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ
بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ، وَلا يَأْمُرَكُمْ
أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ
بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
أخرج ابن إسحاق ،
والبيهقي عن ابن عباس قال : «قال أبو رافع القرظي : حين اجتمعت الأحبار من اليهود
، والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ودعاهم الى الاسلام قالوا أتريد يا محمد أن نعبدك كما
تعبد النصارى عيسى! قال : معاذ الله ، فأنزل الله في ذلك : (ما كانَ لِبَشَرٍ) الى قوله (بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ).
وأخرج عبد الرزاق
في تفسيره عن الحسن قال : «بلغني أن رجلا قال : يا رسول الله ، نسلّم عليك كما
يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟؟ قال : لا. ولكن أكرموا نبيّكم ، واعرفوا الحق
لأهله ، فإنه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ، فأنزل الله تعالى : (ما كانَ لِبَشَرٍ) الى قوله (بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ).
الآيات ٨٦ ـ ٨٩.
قوله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ
قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ
إِيمانِهِمْ
وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ
وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ
الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
روى النسائي ،
وابن حبّان ، والحاكم عن ابن عباس قال : «كان رجل من الأنصار أسلم ثمّ ارتدّ ، ثم
ندم ، فأرسل الى قومه ، ارسلوا الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل لي من توبه ، فنزلت الآية (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا) الى قوله (فَإِنَّ اللهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ) فأرسل اليه قومه ، فأسلم.
وروى الواحدي عن
عكرمة عن ابن عباس قال : «إن رجلا من الأنصار ارتدّ فلحق بالمشركين ، فأنزل الله
تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ
قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) الى قوله (إِلَّا الَّذِينَ
تابُوا) فبعث بها قومه إليه ، فلما قرأت عليه قال : والله ما كذبني
قومي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا كذب رسول الله على الله ، والله عزوجل أصدق الثلاثة ، فرجع ثانيا ، فقبل منه الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وتركه.
الآية : ٩٣. قوله
تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ
حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ).
روى الواحدي عن
أبي روق ، والكلبي قالا : «نزلت حين قال النبي صلىاللهعليهوسلم : إنه على ملة إبراهيم ، فقالت اليهود : كيف ، وأنت تأكل
لحوم الإبل ، وألبانها! فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : كان ذلك حلالا لابراهيم ، فنحن نحله ، فقالت اليهود : كل
شيء أصبحنا اليوم نحرمه ، فإنه كان على قوم إبراهيم حتى انتهى إلينا ، فأنزل الله (عزوجل)
تكذيبا لهم : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ
حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ) الآية.
الآية : ٩٦. قوله
تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ
وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ
مُبارَكاً
وَهُدىً لِلْعالَمِينَ).
روى الواحدي عن
مجاهد قال : «تفاخر المسلمون ، واليهود ، فقالت اليهود : بيت المقدس أفضل ، وأعظم
من الكعبة ، لأنه مهاجر الأنبياء ، وفي الأرض المقدسة. وقال المسلمون : بل الكعبة
أفضل. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
الآية : ٩٩ ـ ١٠٠.
قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ
الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً
وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ، يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ).
روى الواحدي وابن
إسحاق ، وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال : «مرّ شاس بن قيس اليهودي ـ وكان شيخا قد
غبر في الجاهلية ، عظيم الكفر ، شديد الضغن على المسلمين ، شديد الحسد ـ فمرّ على
نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الأوس ، والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما
رأى من جماعتهم ، وألفتهم ، وصلاح ذات بينهم فى الاسلام بعد الذى كان بينهم في
الجاهلية من العداوة ، فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد ، لا والله ، ما
لنا معهم ، إذا اجتمعوا بها من قرار ، فأمر شابا من اليهود كان معه ، فقال : اقعد
إليهم ، فاجلس معهم ، ثم ذكّرهم بعاث ، وما كان فيه ، وأنشدهم بعض ما كانوا
تقاولوا فيه من الأشعار ـ وكان بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس ، والخزرج ، وكان الظفر
فيه الأوس على الخزرج ـ فتكلم القوم عند ذلك ، فتنازعوا ، وتفاخروا حتى تواثب
رجلان من الحيّين : أوس بن قيظي ـ أحد بني حارثة من الأوس ـ وجابر بن صخر ـ أحد
بني سلمه من الخزرج ـ فتقاولا ، وقال أحدهما لصاحبه : إن شئت ردّدتها جزعا ، وغضب
الفريقان جميعا ، وقالا : ارجعا ، السلاح السلاح ، موعدكم الظاهرة ، وهي حرّه ،
فخرجوا
إليها ، فانضمت
الأوس ، والخزرج بعضهم الى بعض على دعواهم التى كانوا عليها في الجاهلية ، فبلغ
ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم ، فقال : يا
معشر المسلمين ، أتدّعون الجاهلية ، وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام
، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، وألّف بينكم ، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا ،
الله ، الله!! فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان ، وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح
من أيديهم ، وبكوا ، وعانق بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم سامعين مطيعين ، فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا) يعني الأوس ، والخزرج : (إِنْ تُطِيعُوا
فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني شاسا ، وأصحابه (يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ
إِيمانِكُمْ كافِرِينَ).
قال جابر بن عبد
الله : ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأومأ إلينا بيده ، فكففنا ، وأصلح الله تعالى ما بيننا
، فما كان شخص أحبّ إلينا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فما رأيت يوما أقبح ، ولا أوحش ، ولا أحسن من ذلك اليوم.
الآية ١١٠. قوله
تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً
لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ).
أخرج الواحدي عن
عكرمة ، ومقاتل قالا : «نزلت فى ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وسالم
مولى أبي حذيفة ، وذلك أن مالك بن الصّيف ، ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم : إن
ديننا خير مما تدعوننا إليه ، ونحن خير ، وأفضل منكم ، فأنزل الله تعالى هذه
الآية.
الآية : ١١٣ ـ ١١٥.
قوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ
أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ
يَسْجُدُونَ ، يُؤْمِنُونَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ، وَما يَفْعَلُوا
مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ).
أخرج ابن أبي حاتم
، والطبراني ، وابن منده فى «الصحابة» عن ابن عباس قال : «لمّا أسلم عبد الله بن
سلام ، وثعلبة بن شعبه ، وأسيد بن شعبه ، وأسيد بن عبد ، ومن أسلم من يهود معهم ،
فآمنوا ، وصدقوا ، ورغبوا فى الاسلام قالت أحبار اليهود ، وأهل الكفر منهم : ما
آمن بمحمد ، وأتباعه إلا شرارنا ، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم ، وذهبوا
إلى غيره ، فأنزل الله في ذلك : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ
أَهْلِ الْكِتابِ) الآية.
وأخرج أحمد ،
وغيره عن ابن مسعود قال : «أخّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد ، فإذا النّاس ينتظرون
الصلاة ، فقال : أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم ،
قال : فأنزلت هذه الآيات : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ
أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ) إلى قوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ
بِالْمُتَّقِينَ).
الآية : ١١٨. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ
خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما
تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْقِلُونَ).
أخرج ابن جرير ،
وابن اسحاق ، عن ابن عباس ، قال : «كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من يهود
لما كان بينهم من الجوار ، والحلف في الجاهلية ، فأنزل الله فيهم ينهاهم عن
مباطنتهم ، تخوف الفتنة عليهم (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) الآية.
الآيات : ١٢١ ـ ١٢٥
، قوله تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ
أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ،
إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى
اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ، وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ
وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، إِذْ تَقُولُ
لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ
مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ، بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ
مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ
مُسَوِّمِينَ).
أخرج ابن أبي حاتم
، وأبو يعلى عن المسوّر بن مخرمة قال :
«قلت لعبد الرحمن
بن عوف : أخبرني عن قصتكم يوم أحد ، فقال : اقرأ بعد العشرين ، ومائة من آل عمران
، تجد قصتنا : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ
أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) إلى قوله : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ
مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) قال : هم الذين طلبوا الأمان من المشركين ، إلى قوله : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ
الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ). قال : هو تمنّي المؤمنين لقاء العدو. إلى قوله : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ
عَلى أَعْقابِكُمْ). قال : هو صياح الشيطان يوم أحد :
قتل محمد إلى قوله
: (أَمَنَةً نُعاساً) قال : ألقي عليهم النوم».
الآية : ١٢٨. قوله
تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ
ظالِمُونَ).
روى أحمد ، ومسلم
عن أنس : «أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كسرت رباعيته يوم أحد ، وشبح في وجهه حتى سال الدم على
وجهه ، فقال : كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم ، وهو يدعوهم الى ربهم ، فأنزل الله
تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ).
وروى أحمد
والبخاري عن ابن عمر : «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول :
اللهم العن فلانا
، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم ألعن سهيل بن عمرو ، اللهم ألعن صفوان بن
أميّة ، فنزلت هذه الآية : (لَيْسَ لَكَ مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ) الى آخرها فتيب عليهم كلهم.
الآية : ١٣٥. قوله
تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا
فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما
فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
أخرج الواحدي من
رواية عطاء عن ابن عباس قال : «نزلت الآية فى نبهان التمّار ، أتته امرأة حسناء
باع منها تمرا ، فضمها الى نفسه ، وقبلها ثم ندم على ذلك ، فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وذكر له ذلك ، فنزلت هذه الآية.
وأخرج الواحدي في
رواية الكلبي : «إن رجلين : أنصاريا ، وثقفيا آخى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بينهما ، فكانا لا يفترقان ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى بعض مغازيه ، وخرج معه الثقفي ، وخلف الأنصاري في أهله
، وحاجته ، وكان يتعاهد أهل الثقفي ، فأقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت ،
وهي ناشرة شعرها ، فوقعت في نفسه ، فدخل ، ولم يستأذن حتى انتهى إليها ، فذهب
ليقبلها فوضعت كفيها على وجهها ، فقبّل ظاهر كفها ثم ندم ، واستحيا ، فأدبر راجعا
، فقالت : سبحان الله ، خنت أمانتك ، وعصيت ربك ، ولم تصب حاجتك ، قال : فندم على
صنيعه ، فخرج يسيح في الجبال ، ويتوب الى الله تعالى من ذنبه حتى وافى الثقفي ،
فأخبرته أهله بفعله ، فخرج يطلبه حتى دلّ عليه ، فوافقه ساجدا ، وهو يقول : رب
ذنبي قد خنت أخي. فقال : يا فلان ، قم فانطلق الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسله عن ذنبك لعل الله أن يجعل لك فرجا ، وتوبة ، فأقبل
معه راجعا الى المدينة ، وكان ذات يوم عند صلاة العصر نزل جبريل (عليهالسلام) بتوبته ، فتلا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَالَّذِينَ إِذا
فَعَلُوا فاحِشَةً) الى قوله (وَنِعْمَ أَجْرُ
الْعامِلِينَ)
فقال عمر : يا
رسول الله ، أخاص هذا لهذا الرجل ، أم للناس عامة؟؟ قال : بل للناس عامة.
الآية : ١٣٩. قوله
تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا
تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
أخرج الواحدي عن
ابن عباس قال : «انهزم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد ، فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل
المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : اللهم لا يعلون علينا ، اللهم لا قوة لنا إلّا بك ،
اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وثاب
نفر من المسلمين رماة ، فصعدوا الجبل ، ورموا خيل المشركين حتى هزموهم ، فذلك قوله
تعالى : (وَأَنْتُمُ
الْأَعْلَوْنَ).
الآية : ١٤٠. قوله
تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ
قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ).
أخرج الواحدي عن
راشد بن سعد قال : لما انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم كئيبا حزينا يوم أحد ، جعلت المرأة تجيء بزوجها ، وابنها
مقتولين وهي تلدم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أهكذا يفعل برسولك؟! فأنزل الله تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) الآية.
الآية : ١٤٠. قوله
تعالى : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ
شُهَداءَ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن عكرمة قال : «لما أبطأ على النساء الخبر خرجن ليستخبرن ، فإذا رجلان مقبلان على
بعير ، فقالت امرأة : ما فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قالا حيّ. قالت : فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء ،
ونزل القرآن على ما قالت : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ
شُهَداءَ).
الآية : ١٤٣. قوله
تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ
تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ).
أخرج ابن أبي حاتم
من طريق العوفي عن ابن عباس : «إن رجالا من الصحابة كانوا يقولون : «ليتنا نقتل
كما قتل أصحاب بدر ، أو ليت لنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ، ونبلي فيه
خيرا ، أو نلتمس الشهادة ، والجنة ، أو الحياة ، والرزق ، فأشهدهم الله أحدا ، فلم
يلبثوا إلّا من شاء الله منهم ، فأنزل الله : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ
تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) الآية.
الآيات : ١٤٤ ـ ١٤٨.
قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ
إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ
انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ
يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) الآيات.
أخرج الواحدي عن
عطية العوفي قال : «لما كان يوم أحد انهزم النّاس ، فقال بعض الناس : قد أصيب محمد
فأعطوهم بأيديكم ، فإنما هم إخوانكم. وقال بعضهم : إن كان محمد أصيب إلام تمضون
على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به ، فأنزل الله تعالى في ذلك : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) إلى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ
نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي
سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا) لقتل نبيهم إلى قوله : (فَآتاهُمُ اللهُ
ثَوابَ الدُّنْيا).
وأخرج ابن المنذر
عن عمر قال : «نفرنا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد فصعدت الجبل ، فسمعت يهود تقول : قتل محمد. فقلت :
لا أسمع أحدا يقول : قتل محمد إلا ضربت عنقه ، فنظرت فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم والناس يتراجعون ، فنزلت : (وَما مُحَمَّدٌ
إِلَّا رَسُولٌ) الآية.
وأخرج ابن أبي
حاتم عن الربيع ، قال : «لمّا أصابهم يوم أحد ما أصابهم من القرح ، وتداعوا نبي الله.
قالوا : قد قتل ، فقال أناس : لو كان نبيا ما قتل ، وقال أناس : قاتلوا على ما
قاتل عليه نبيكم حتى يفتح الله عليكم ، أو تلحقوا به ، فأنزل الله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) الآية.
وأخرج البيهقي في «الدلائل»
عن أبي نجيح : «ان رجلا من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار ، يتشحط في دمه ،
فقال : أشعرت أن محمدا قد قتل؟ فقال : إذا كان محمد قتل فقد بلّغ ، فقاتلوا عن
دينكم ، فنزلت».
وأخرج ابن راهويه
في مسنده عن الزهري : «ان الشيطان صاح يوم أحد : إن محمدا قد قتل ، قال كعب بن
مالك : فأنا أول من عرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، رأيت عينيه من تحت المغفر ، فناديت بأعلى صوتي ـ هذا
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله : (وَما مُحَمَّدٌ
إِلَّا رَسُولٌ) الآية.
الآية : ١٥١. قوله
تعالى : (سَنُلْقِي فِي
قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ
بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ).
أخرج الواحدي عن
السّدّي قال : «لما ارتحل أبو سفيان ، والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكّة ،
انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ثم انهم ندموا ، وقالوا : بئس ما صنعنا قتلناهم حتى
إذا لم يبق منهم إلا الشرذمة تركناهم ، ارجعوا فاستصلوهم ، فلما عزموا على ذلك ،
القى الله تعالى في قلوبهم الرّعب حتى رجعوا عما همّوا به ، وأنزل الله تعالى هذه
الآية».
الآية : ١٥٤. قوله
تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ
عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ
وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ
ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ
الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ
لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي
بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ
وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ
وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
أخرج ابن راهويه
عن الزبير قال : «لقد رأيتني يوم أحد حين اشتد علينا الخوف ، وأرسل علينا النوم ،
فما منا أحد إلّا ذقنه في صدره ، فو الله ، إني لأسمع كالحلم قول معتب بن قشير :
لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ، فحفظتها ، فأنزل الله في ذلك (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ
الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) إلى قوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ
بِذاتِ الصُّدُورِ)
الآية : ١٦١. قوله
تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ
أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ
تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).
أخرج أبو داود ،
والترمذي وحسّنه عن ابن عباس قال : «نزلت هذه الآية في قطينة حمراء ، افتقدت يوم
بدر ، فقال بعض الناس : لعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذها ، فأنزل الله : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ
أَنْ يَغُلَ) إلى آخر الآية.
وأخرج الطبراني
بسند في «الكبير» رجاله ثقات عن ابن عباس قال : «بعث النبي صلىاللهعليهوسلم جيشا فردّت رايته ، ثم بعث فردّت ، بغلول رأس غزال من ذهب
، فنزلت : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ
أَنْ يَغُلَ).
الآية : ١٦٥. قوله
تعالى : (أَوَلَمَّا
أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ
مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن عمر بن الخطاب قال : «عوقبوا يوم أحد بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء ، فقتل
منهم سبعون ، وفرّ أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكسرت رباعيته ، وهشّمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على
وجهه ، فأنزل الله : (أَوَلَمَّا
أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) الآية.
الآية : ١٦٩ ـ ١٧١.
قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ
مِنْ
فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ
أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ
مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ).
روى أحمد ، وأبو
داود ، والحاكم عن ابن عباس قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لمّا أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في طير خضر ترد
أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش ، فلما
وجدوا طيب مأكلهم ، ومشربهم ، وحسن مقبلهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع
الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ، ولا ينكلوا عن الحرب ، فقال الله : أنا أبلغهم
عنكم ، فأنزل الله هذه الآية : (وَلا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا) الآية وما بعدها.
وأخرج الواحدي عن
جابر بن عبد الله قال : (نظر إليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : ألا أخبرك؟ ما كلّم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب
، وأنه كلّم أباك كفاحا ، فقال : يا عبدي ، سلني أعطك ، قال أسألك أن تردّني الى
الدنيا ، فأقتل فيك ثانية ، فقال : إنه قد سبق مني أنهم اليها لا يرجعون. قال : يا
رب ، فأبلّغ من ورائي ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا) الآية.
وأخرج الواحدي عن
سعيد بن جبير قال : «لمّا أصيب حمزة بن عبد المطلب ، ومصعب بن عمير يوم أحد ،
ورأوا ما رزقوا من الخير ، قالوا : ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي
يزدادوا في الجهاد رغبة ، فأنزل الله تعالى : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى
:
(وَلا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) الى قوله :(لا يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُؤْمِنِينَ).
الآية : ١٧٢ ـ ١٧٥.
قوله تعالى : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا
لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا
مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ،
الَّذِينَ
قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ،
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ، إِنَّما ذلِكُمُ
الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ).
أخرج الواحدي من
طريق أبي يونس القشيري عن عمر بن دينار : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم استنفر الناس بعد أحد حين انصرف المشركون ، فاستجاب له
سبعون رجلا ، فطلبهم ، فلقي أبو سفيان عيرا من خزاعة ، فقال لهم : إن لقيتم محمد
يطلبني ، فأخبروه أني في جمع كثير ، فلقيهم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فسألهم عن أبى سفيان ، فقالوا : لقيناه في جمع كثير ،
ونراك في قلة ، ولا نأمنه عليك ، فأبى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلّا أن يطلبه ، فسبقه أبو سفيان ، فدخل مكة ، فأنزل الله
تعالى فيهم : (الَّذِينَ
اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) حتى بلغ : (فَلا تَخافُوهُمْ
وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
وأخرج ابن جرير من
طريق العوفي عن ابن عباس قال : «إن الله قذف الرعب في قلب أبي سفيان يوم أحد بعد
الذي كان منه ، فرجع إلى مكة ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا ، وقد رجع ، وقذف الله
في قلبه الرعب. وكانت وقعة أحد في شوال ، وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة
فينزلون ببدر الصغرى ، وأنهم قدموا بعد وقعة أحد ، وكان أصاب المؤمنين القرح ،
واشتكوا ذلك ، فندب النبي صلىاللهعليهوسلم الناس ، لينطلقوا معه ، فجاء الشيطان فخوّف أولياءه ، فقال
: إن الناس قد جمعوا لكم ، فأبى عليه الناس أن يتبعوه ، فقال : إني ذاهب ، وإن لم
يتبعني أحد ، فانتدب معه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، والزبير ، وسعد ، وطلحة
، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو عبيدة
الجراح في سبعين رجلا ، فساروا في طلب أبي سفيان ، فطلبوه حتى بلغوا الصفراء ،
فأنزل الله
تعالى : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ
وَالرَّسُولِ) الآية.
وأخرج الواحدي عن
سعيد عن قتادة قال : «ذاك يوم أحد بعد القتل ، والجراحة ، وبعد ما انصرف المشركون
ـ أبو سفيان ، وأصحابه ـ قال النبي صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : ألا عصابة تشدد لأمر الله ، فتطلب عدوها ، فإنه
أنكى للعدو ، وأبعد للسمع ، فانطلق عصابة على ما يعلم الله من الجهد حتى إذا كانوا
بذي الحليفة جعل الأعراب ، والناس يأتون عليهم ، ويقولون : هذا أبو سفيان مائل عليكم
، فقالوا : حسنا الله ، ونعم الوكيل ، فأنزل الله تعالى فيهم : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ
النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ).
الآية : ١٧٩. قوله
تعالى : (ما كانَ اللهُ
لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ
مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ
يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ
تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
أخرج الواحدي عن
السّدّي قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم عرضت علي أمتي في صورها كما عرضت على آدم ، وأعلمت من يؤمن
بي ، ومن يكفر ، فبلغ ذلك المنافقين ، فاستهزءوا ، وقالوا : يزعم محمد أنه يعلم من
يؤمن به ، ومن يكفر ، ونحن معه ، ولا يعرفنا ، فأنزل الله هذه الآية.
وأخرج الواحدي عن
الكلبي قال : «قالت قريش : تزعم يا محمد ، أنّ من خالفك فهو في النار ، والله عليه
غضبان ، وأنّ من اتبعك على دينك فهو من أهل الجنة ، والله عنه راض ، فأخبرنا بمن
يؤمن بك ، ومن لا يؤمن بك؟؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وأخرج الواحدي عن
أبي العالية قال : «سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها بين المؤمن ، والمنافق
فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ١٨١. قوله
تعالى : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ
قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما
قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ
الْحَرِيقِ).
أخرج ابن إسحاق ،
وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : «دخل أبو بكر بيت المدارس فوجد يهود قد اجتمعوا
الى رجل منهم يقال له فنحاص ، فقال له : والله ، يا أبا بكر ، ما بنا إلى الله من
فقر ، وإنه إلينا لفقير ، ولو كان غنيا عنا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ، فغضب
أبو بكر ، وضرب وجهه ، فذهب فنحاص الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا محمد ، انظر ما صنع صاحبك بي ، فقال : يا أبا
بكر ما حملك على ما صنعت؟! قال : يا رسول الله ، قال قولا عظيما يزعم أن الله فقير
، وأنهم عنه أغنياء ، فجحد فنحاص ، فأنزل الله (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ
قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا) الآية.
وأخرج ابن أبي
حاتم عن ابن عباس قال : «أتت اليهود النبي صلىاللهعليهوسلم حين أنزل الله : (مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) فقالوا : يا محمد ، افتقر ربك يسأل عباده!! فأنزل الله : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ
قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ) الآية.
وأخرج الواحدي عن
شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : «نزلت في اليهود ، صك أبو بكر (رضي الله عنه)
وجه رجل منهم ، وهو الذي قال : إن الله فقير ، ونحن أغنياء ، قال شبل : بلغني أنه
فنحاص اليهودي ، وهو الذي قال : «يد الله مغلولة».
الآية : ١٨٣. قوله
تعالى : (الَّذِينَ قالُوا
إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا
بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي
بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ).
أخرج الواحدي عن
الكلبي قال : «نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصّيف ، ووهب بن يهوذا ، وزيد بن
تابوت ، وفي فنحاص
بن عازوراء ، وحيي
بن أخطب ، أتوا الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : تزعم أن الله بعثك إلينا رسولا ، وأنزل عليك
كتابا ، وأن الله قد عهد إلينا في التوراة ، أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند
الله حتى يأتينا بقربان تأكله النّار ، فإن جئتنا به صدّقناك ، فأنزل الله تعالى
هذه الآية».
الآية : ١٨٦ ،
قوله تعالى : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً
كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
أخرج الواحدي عن
كعب بن مالك عن أبيه ، وكان من أحد الثلاثة الذين تيب عليهم : «أن كعب بن الأشرف
اليهودي كان شاعرا ، وكان يهجو النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويحرض عليه كفار قريش في شعره ، وكان النبي صلىاللهعليهوسلم قدم المدينة ، وأهلها أخلاط ، منهم المسلمون ، ومنهم
المشركون ، ومنهم اليهود ، فأراد النبي صلىاللهعليهوسلم أن يستصلحهم ، فكان المشركون ، واليهود يؤذونه ، ويؤذون
أصحابه أشد الاذى ، فأمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم بالصبر على ذلك ، وفيهم أنزل الله : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ) الآية.
الآية : ١٩٠. قوله
تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي
الْأَلْبابِ)
أخرج الطبراني ،
وابن أبي حاتم عن ابن عباس ، قال : «أتت قريش النصارى فقالوا : بم جاءكم عيسى؟؟
قالوا : كان يبرئ الأكمة ، والأبرص ، ويحيي الموتى ، فأتوا النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : ادع لنا ربك يجعل لنا الصّفا ذهبا ، فدعا ربه فنزلت
هذه الآية : (إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي
الْأَلْبابِ)
الآية : ١٩٩ :
قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ
الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ
إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً
أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ)
أخرج الواحدي :
قال جابر بن عبد الله ، وأنس ، وابن عباس ، وقتادة : «نزلت في النجاشي ، وذلك لما
مات نعاه جبريل (عليهالسلام) لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في اليوم الذي مات فيه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : أخرجوا ، فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم ،
فقالوا : ومن هو؟! فقال : النجاشي ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى البقيع ـ وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة ـ فأبصر
سرير النجاشي ، وصلّى عليه ، وكبر أربع تكبيرات ، واستغفر له ، وقال لأصحابه :
استغفروا له ، فقال المنافقون : أنظروا إلى هذا يصلّى على علج حبشي نصراني ، لم
يره قط ، وليس على دينه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
وروى النّسائي عن
أنس قال : «لما جاء نعي النجاشي ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : صلّوا عليه قالوا : يا رسول الله ، نصلي على عبد حبشي؟!
، فأنزل الله : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ
الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ).
الآية : ٢٠٠. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ).
روى الحاكم أبو
عبد الله في صحيحه عن ابن محمد المزني ، عن أحمد بن نجدة ، عن سعيد بن منصور ، عن
ابن المبارك ، قال : أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال : حدّثني داود
بن صالح قال : «قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي ، هل تدري في أي شيء نزلت
هذه الآية : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا)؟ قال : قلت : لا. قال : إنه يا ابن أخي ، لم يكن في زمان
النبي صلىاللهعليهوسلم ثغر يرابط فيه ، ولكن الصلاة خلف الصلاة».
سورة النساء
الآية : ٢. قوله
تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى
أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا
أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً)
أخرج الواحدي عن
مقاتل ، والكلبي قالا : «نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم
، فلما بلغ اليتيم طلب المال ، فمنعه عمه ، فترافعا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت هذه الآية ، فلما سمعها العمّ قال : أطعنا الله ،
وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله من الحوب الكبير ، فدفع إليه ماله ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : من يوق شحّ نفسه ، ورجع به هكذا فإنه يحل داره «يعني
جنته» ، فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله تعالى ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : ثبت الأجر ، وبقي الوزر ، فقالوا : يا رسول الله ، قد
عرفنا أنه ثبت الأجر ، فكيف بقى الوزر ، وهو ينفق في سبيل الله؟! ، فقال : ثبت
الأجر للغلام ، وبقى الوزر على والده».
الآية : ٣ قوله
تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ
مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما
مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا).
أخرج الواحدي عن
هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة في قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تُقْسِطُوا) الآية. قالت : أنزلت هذه في الرجل ، يكون له اليتيمة ، وهو
وليها ، ولها مال ، وليس لها أحد يخاصم دونها ، فلا ينكحها حبا لمالها ، ويضربها ،
ويسيء صحبتها ، فقال الله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ). يقول : ما أحللت لك ، ودع هذه.
وأخرج الواحدي من
رواية الوالبي عن ابن عباس قال : «كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ، ويترخصون في
النساء ، ويتزوجون ما شاءوا فربما عدلوا ، وربما لم يعدلوا ، فلما سألوا عن
اليتامى ، فنزلت آية اليتامى (وَآتُوا الْيَتامى
أَمْوالَهُمْ) الآية ، أنزل الله تعالى أيضا : (وَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى)، يقول : كما خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ، فكذلك خافوا في
النساء ألا تعدلوا فيهن ، فلا تتزوجوا أكثر مما يمكنكم القيام بحقهن ، لأن النساء
كاليتامى في الضعف والعجز.
الآية : ٦. قوله
تعالى : (وَابْتَلُوا
الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ
يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً
فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ
فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً).
أخرج الواحدي : «نزلت
في ثابت بن رفاعة ، وفي عمه ، وذلك أن رفاعة توفي ، وترك ابنه ثابتا ، وهو صغير ،
فأتى عم ثابت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحلّ لي من ماله؟؟ ،
ومتى أدفع إليه ماله؟؟. فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ٧. قوله
تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ
مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ
الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً
مَفْرُوضاً).
أخرج أبو الشيخ ،
وابن حبان في كتاب «الفرائض» من طريق الكلبي ، عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : «كان
أهل الجاهلية لا يورّثون البنات ، ولا الصغار الذكور حتى يدركوا ، فمات رجل من
الأنصار يقال له أوس بن ثابت ، وترك ابنتين ، وابنا صغيرا ، فجاء ابنا عمّه خالد ،
وعرفطة ـ وهما عصبته ـ فأخذا ميراثه كله ، فأتت امرأته
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فذكرت له ذلك ، فقال : ما أدري ما أقول ، فنزلت : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ
الْوالِدانِ) الآية.
وأخرج الواحدي : «إن
المفسرين قالوا : إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي ، وترك امرأة يقال لها أمّ كحّة ،
وثلاث بنات له منها ، فقام رجلان هما : ابنا عمّ الميت ، ووصيّاه ، يقال لهما :
سويد ، وعرفجة ، فأخذا ماله ، ولم يعطيا امرأته شيئا ، ولا بناته ، وكانوا في
الجاهلية لا يورّثون النّساء ، ولا الصغير ، وإن كان ذكرا ، إنما يورّثون الرجال
الكبار ، وكانوا يقولون : لا يعطى إلّا من قاتل على ظهور الخيل ، وحاز الغنيمة ،
فجاءت أمّ كحة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن أوس بن ثابت مات ، وترك عليّ
بنات ، وأنا امرأة ، وليس عندي ما أنفق عليهن ، وقد ترك أبوهن مالا حسنا ، وهو عند
سويد ، وعرفجة ، لم يعطياني ، ولا بناته من المال شيئا ، وهنّ في حجري ، ولا
يطعماني ولا يسقياني ، ولا يرفعان لهنّ رأسا ، فدعاهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالا :
يا رسول الله ،
ولدها لا يركب فرسا ، ولا يحمل كلّا ، ولا ينكى عدوّا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهنّ ، فانصرفوا ،
فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ١٠. قوله
تعالى : (الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ
ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً).
أخرج الواحدي عن
مقاتل بن حيان ، قال : «نزلت في رجل من غطفان ، يقال له : مرثد بن زيد ، ولّي مال
ابن أخيه ، وهو يتيم صغير ، فأكله ، فأنزل الله فيه هذه الآية».
الآية : ١١ ، ١٢.
قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي
أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).
أخرج الأئمة الستة
عن جابر بن عبد الله ، قال : «عادني رسول الله
صلىاللهعليهوسلم ، وأبو بكر في بني سلمة ماشيين ، فوجدني النبي صلىاللهعليهوسلم لا أعقل شيئا ، فدعا بماء فتوضأ ، ثم رشّ عليّ ، فأفقت ،
فقلت : ما تأمرني أن أصنع بمالي؟؟ ، فنزلت : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي
أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
وأخرج الواحدي من
طريق بشر بن الفضل ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله ، قال : «جاءت
امرأة بابنتين لها ، فقالت : يا رسول الله ، هاتان بنتا ثابت بن قيس ، أو قالت :
سعد بن الربيع ، قتل معك يوم أحد ، وقد استفاء عمهما مالهما ، وميراثهما ، فلم يدع
لهما مالا إلا أخذه ، فما ترى يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فو الله ، ما ينكحان أبدا إلا ولهما مال ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : يقضي الله في ذلك ، فنزلت سورة النساء ، وفيها : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) إلى آخر الآية ، فقال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أدع لي المرأة وصاحبها ، فقال لعمهما : أعطهما الثلثين ،
وأعط امهما الثمن ، وما بقي فلك».
وأخرج ابن جرير عن
السدّي قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ، ولا الضعفاء من الغلمان ، لا
يورث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال ، فمات عبد الرحمن أخو حسّان الشاعر ، وترك
امرأة يقال لها أمّ كحّة ، وخمس بنات ، فجاء الورثة يأخذون ماله ، فشكت أمّ كحّة
ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله هذه الآية : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً
فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) ، ثم قال في أمّ كحّة : (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ
مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ
فَلَهُنَّ الثُّمُنُ).
الآية : ١٩. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً).
روى البخاري ،
وأبو داود والنسائي ، عن ابن عباس قال : «كانوا
إذا مات الرجل كان
أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوّجها ، وإن شاءوا زوّجوها ، فهم أحق بها من
أهلها ، فنزلت هذه الآية».
وأخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم بسند حسن ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف. قال : «لما توفّي أبو قيس
بن الأسلت ، أراد ابنه أن يتزوج امرأته ، وكان لهم ذلك في الجاهلية ، فأنزل الله :
(لا يَحِلُّ لَكُمْ
أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ) الآية.
الآية : ٢٢. قوله
تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما
نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً
وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً).
أخرج ابن أبي حاتم
، والفريابي ، والطبراني ، عن عدي بن ثابت ، عن رجل من الأنصار ، قال : توفيّ أبو
قيس بن الأسلت ـ وكان من صالحي الأنصار ـ فخطب ابنه قيس امرأته ، فقالت : إنما
أعدّك ولدا ، وأنت من صالحي قومك ، فأتت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأخبرته فقال : ارجعي إلى بيتك ، فنزلت هذه الآية : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ
مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ).
وأخرج ابن سعد عن
محمد بن كعب القرظي ، قال : «كان الرجل إذا توفي عن امرأته كان ابنه أحق بها أن
ينكحها إن شاء ، إن لم تكن أمّه أو ينكحها من شاء ، فلمّا مات أبو قيس بن الأسلت ،
قام ابنه محصن ، فورث نكاح امرأته ، ولم يورّثها من المال شيئا ، فأتت النبي صلىاللهعليهوسلم فذكرت ذلك له ، فقال : ارجعي لعلّ الله ينزل فيك شيئا ،
فنزلت هذه الآية : (وَلا تَنْكِحُوا ما
نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ). ونزلت : (لا يَحِلُّ لَكُمْ
أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) الآية.
وروى الواحدي : «إن
الآية نزلت في حصن بن أبي قيس ، تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن ، وفي الأسود بن
خلف تزوج امرأة أبيه ، وصفوان بن أمية بن خلف ، تزوج امرأة أبيه فاختة بنت الأسود
بن
المطلب ، وفي
منصور بن ماذن ، تزوج امرأة أبيه مليكة بنت خارجة».
الآية : ٢٤. قوله
تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) الآية
روى مسلم ، وأبو
داود ، والترمذي ، والنسائي عن أبي سعيد الخدري ، قال : «أصبنا سبايا من سبي أوطاس
لهن أزواج ، فكرهن أن نقع عليهن ، ولهن أزواج ، فسألنا النبي صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ). يقول : إلا ما أفاء الله عليكم ، فاستحللنا بها فروجهنّ».
وأخرج الطبراني عن
ابن عباس قال : «نزلت يوم حنين ، لما فتح الله حنينا ، أصاب المسلمون نساء من نساء
أهل الكتاب ، وكان الرجل إذا أراد أن يأتي المرأة قالت : إن لي زوجا ، فسئل رسول
الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فنزلت : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
النِّساءِ) الآية.
الآية : ٢٤. قوله
تعالى : (وَلا جُناحَ
عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ
عَلِيماً حَكِيماً).
أخرج ابن جرير عن
معمر بن سليمان ، عن أبيه قال : زعم حضرمي أن رجالا كانوا يقرضون المهر ، ثم عسى
أن تدرك أحدهم العسرة ، فنزلت : (وَلا جُناحَ
عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ).
الآية : ٣٢. قوله
تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما
فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا
وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ
اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).
روى الترمذي ،
والحاكم عن أم سلمة أنها قالت : يغزو الرجال ، ولا تغزو النّساء ، وإنما لنا نصف
الميراث ، فأنزل الله : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما
فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) ، وأنزل فيها : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِماتِ) الآية.
وأخرج ابن أبي
حاتم عن ابن عباس ، قال : «أتت امرأة النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا نبي الله ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وشهادة
امرأتين برجل ، أفنحن في العمل هكذا ، ان عملت المرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة ، فأنزل
الله : (وَلا تَتَمَنَّوْا) الآية.
وأخرج الواحدي عن
السدي ، ومقاتل ، قالا : «لما نزل قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ). قال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في
الآخرة ، كما فضلنا عليهن في الميراث ، فيكون أجرنا على الضعف من أجر النّساء ،
وقالت النساء : إنا نرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة ، كما
لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ
بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) الآية.
الآية : ٣٣. قوله
تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا
مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ).
أخرج الواحدي عن
سعيد بن المسيب ، قال : «نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنّون رجالا غير أبنائهم
، ويورثونهم، فأنزل الله تعالى فيهم أن يجعل لهم نصيبا في الوصية ، ورد الله تعالى
الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم ، والعصمة ، وأبى أن يجعل للمدعين ميراث من
ادعاهم ، ويتبناهم ، ولكن جعل نصيبا في الوصية».
الآية : ٣٤. قوله
تعالى : (الرِّجالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما
أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما
حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ
فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ
سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً).
أخرج الواحدي عن
مقاتل قال : «نزلت هذه الآية في سعد بن
الربيع ـ وكان من
النقباء ـ وامرأته حبيبة بنت زيد بن أبي هريرة ، وهما من الأنصار ، وذلك أنها نشزت
عليه ، فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : أفرشته كريمتي ، فلطمها ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : لتقتص من زوجها ، وانصرفت مع أبيها ، لتقتص منه ، فقال
النبي صلىاللهعليهوسلم : ارجعوا ، هذا جبريل (عليهالسلام) أتاني ، وأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أردنا أمرا ، وأراد الله أمرا ، والذي أراد الله خير ،
ورفع القصاص».
وأخرج ابن جرير من
طرق عن الحسن ، وبعضها : «أن رجلا من الأنصار لطم امرأته ، فجاءت تلتمس القصاص ،
فجعل النبي صلىاللهعليهوسلم بينهما القصاص ، فنزلت : (وَلا تَعْجَلْ
بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ). ونزلت : (الرِّجالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ).
الآية : ٣٧. قوله
تعالى : (الَّذِينَ
يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ
مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً).
أخرج ابن جرير من
طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو سعيد ، عن ابن عباس قال : «كان
كردم بن زيد حليف كعب بن الأشرف ، وأسامة بن حبيب ، ونافع بن أبي نافع ، وبحري بن
عمرو ، وحيي بن أخطب ، ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار ينصحون
لهم ، فيقولون : لا تنفقوا أموالكم ، فإنّا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ، ولا
تسارعوا في النفقة ، فإنكم لا تدرون ما يكون ، فأنزل الله فيهم : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبُخْلِ) إلى قوله : (وَكانَ اللهُ بِهِمْ
عَلِيماً).
الآية : ٤٣. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا
ما تَقُولُونَ).
أخرج أبو داود ،
والترمذي ، والنّسائي ، والحاكم عن علي قال : «صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما ،
فدعانا ، وسقانا من الخمر ، فأخذت الخمر منّا ، وحضرت الصلاة ، فقدّموني ، فقرأت :
قل يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون ، ونحن نعبد ما تعبدون ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ).
الآية : ٤٣. قوله
تعالى : (وَلا جُنُباً إِلَّا
عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا).
أخرج ابن جرير عن
يزيد بن أبي حبيب : «إن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد ، فكانت تصيبهم
جنابة ، ولا ماء عندهم ، فيريدون الماء ، ولا يجدون ممرا إلا في المسجد ، فأنزل
الله : (وَلا جُنُباً إِلَّا
عابِرِي).
الآية : ٤٣. قوله
تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ
مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ
لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً).
أخرج ابن أبي حاتم
، عن مجاهد قال : «نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار كان مريضا ، فلم يستطع أن
يقوم ، فيتوضأ ، ولم يكن له خادم يناوله ، فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله : (وَإِنْ كُنْتُمْ
مَرْضى) الآية.
وأخرج ابن جرير عن
إبراهيم النخعي ، قال : «نال أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم جراح ، ففشت فيهم ، ثم ابتلوا بالجنابة ، فشكوا ذلك إلى
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت : (وَإِنْ كُنْتُمْ
مَرْضى). الآية كلها».
وأخرج الطبراني عن
الأسلع قال : «كنت أخدم النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأرحل له ، فقال لي ذات يوم ، يا أسلع : قم فأرحل ، فقلت
: يا رسول الله ، أصابتني جنابة ، فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأتاه جبريل بآية الصعيد ،
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قم يا أسلع ، فتيمم ، فأراني التّيمم ضربة للوجه ، وضربة
لليدين إلى المرفقين ، فقمت فتيممت ثم رحلت له».
وأخرج الواحدي عن
عبد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس ، عن عمار بن ياسر ، قال : عرّس رسول
الله صلىاللهعليهوسلم بذات الجيش ، ومعه عائشة زوجته ، فانقطع عقد لها من جذع
أظفار ، فحبس الناس ، ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر ، وليس معهم ماء ، فأنزل
الله تعالى على رسوله صلىاللهعليهوسلم قصة التطهر بالصعيد الطيب ، فقام المسلمون ، فضربوا
بأيديهم الأرض ، ثم رفعوا أيديهم ، فلم يقبضوا من التراب شيئا ، فمسحوا بها وجوههم
، وأيديهم إلى المناكب ، ومن بطون أيديهم إلى الآباط. قال الزهري : وبلغنا أن أبا
بكر قال لعائشة ، والله إنك ما علمت أنك مباركة».
الآية : ٤٤. قوله
تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ
أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ).
أخرج ابن إسحاق عن
ابن عباس قال : «كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود ، وإذا كلم رسول
الله صلىاللهعليهوسلم لوّى لسانه ، وقال : أرعنا سمعك يا محمد حتى نفقهك ، ثم
طعن في الإسلام دعابة ، فأنزل الله فيه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) الآية.
الآية : ٤٧. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ
أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما
لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً).
أخرج ابن إسحاق عن
ابن عباس قال : «كلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم رؤساء من أحبار اليهود ، منهم : عبد الله بن صوريا ، وكعب
بن أسيد ، فقال لهم : يا معشر يهود ، اتقوا الله ، واسلموا ، فو الله ، إنكم
لتعلمون
أن الذي جئتكم به
لحق ، فقالوا : ما نعرف ذلك يا محمد ، فأنزل الله تعالى فيهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا) الآية.
الآية : ٤٨. قوله
تعالى : (إِنَّ اللهَ لا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ
يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً).
أخرج ابن أبي حاتم
والطبراني عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : «جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام ، قال : وما
دينه ، قال : يصلّي ، ويوحّد الله ، قال : استوهب منه دينه ، فإن أبي فابتعه منه ،
فطلب الرجل ذلك منه ، فأبى عليه ، فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأخبره فقال : وجدته شحيحا على دينه ، فنزلت : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ
بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ).
الآية : ٤٩. قوله
تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ
فَتِيلاً).
أخرج الواحدي عن
الكلبي قال : «نزلت في رجال من اليهود ، أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم باطفالهم ، وقالوا : يا محمد ، هل على أولادنا هؤلاء من
ذنب؟ قال : لا. فقالوا : والذي نحلف به ، ما نحن إلا كهيئتهم ، ما من ذنب نعمله
بالنهار إلا كفّر عنا بالليل ، وما من ذنب نعمله بالليل إلا كفّر عنا بالنهار ،
فهذا الذي زكّوا به أنفسهم.
الآية : ٥١. قوله
تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ
وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً).
أخرج الواحدي من
طريق محمد بن إسحاق الثقفي ، عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان عن عمرو عن عكرمة
قال : «جاء حييّ بن أخطب ، وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة ، فقالوا لهم : أنتم أهل
الكتاب ، وأهل العلم القديم ، فاخبرونا عنا ، وعن محمد ، فقالوا : ما أنتم ، ومحمد؟؟
قالوا : نحن ننحر
الكوماء ، ونسقي اللبن على الماء ، ونفك العاني ، ونصل الأرحام ، ونسقي الحجيج ،
وديننا القديم ، ودين محمد الحديث ، قالا : بل أنتم خير منه ، وأهدى سبيلا ، فأنزل
الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) إلى قوله : (وَمَنْ يَلْعَنِ
اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً).
وأخرج ابن إسحاق
عن ابن عباس قال : «كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش ، وغطفان ، وبني قريظة : حييّ
بن أخطب ، وسلام بن أبي الحقيق ، وأبو رافع ، والربيع ابن أبي الحقيق ، وأبو عمارة
، وهودة بن قيس ، وكان سائرهم من بني النضير ، فلما قدموا على قريش قالوا : هؤلاء
أحبار يهود ، وأهل العلم بالكتب الأولى ، فاسألوهم : أدينكم خير أم دين محمد؟؟ ،
فسألوهم ، فقالوا : دينكم خير من دينه ، وأنتم أهدى منه ، وممن اتبعه ، فأنزل الله
: (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) إلى قوله : (مُلْكاً عَظِيماً).
الآية : ٥٨. قوله
تعالى : (إِنَّ اللهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ
النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ
اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً).
وروى الواحدي : «أنها
نزلت في عثمان بن طلحة الحجبي من بني عبد الدار ، كان سادن الكعبة ، فلما دخل
النبي صلىاللهعليهوسلم مكة يوم الفتح أغلق عثمان باب البيت ، وصعد السطح ، فطلب
رسول الله صلىاللهعليهوسلم المفتاح ، فقيل : إنه مع عثمان ، فطلب منه ، فأبى ، وقال :
لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه المفتاح ، فلوّى علي بن أبي طالب يده ، وأخذ منه
المفتاح ، وفتح الباب ، فدخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم البيت ، وصلّى فيه ركعتين فلما خرج سأله العباس أن يعطيه
المفتاح ، ليجمع له بين السقاية ، والسدانة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأمر
رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليّا أن
يرد المفتاح إلى
عثمان ، ويعتذر له ، ففعل ذلك علي ، فقال له عثمان : يا علي ، أكرهت ، وآذيت ، ثم
جئت ترفق!! فقال : لقد أنزل الله تعالى في شأنك ، وقرأ عليه الآية ، فقال عثمان :
أشهد أن محمد رسول الله ، فجاء جبريل (عليهالسلام) ، فقال : ما دام هذا البيت فإن المفتاح ، والسدانة في
أولاد عثمان ، وهو اليوم في أيديهم».
الآية : ٥٩. قال
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً).
أخرج الواحدي عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : «نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بعثه
رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سرية».
وأخرج ابن جرير ،
والواحدي في رواية باذان عن ابن عباس قال : «بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم خالد بن الوليد في سرية إلى حي من أحياء العرب ، وكان معه
عمّار بن ياسر ، فسار خالد حتى إذا دنا من القوم عرّس لكي يصبحهم ، فأتاهم النذير
، فهربوا عن رجل كان قد أسلم ، فأمر أهله أن يتأهبوا للمسير ثم انطلق حتى أتى عسكر
خالد ، ودخل على عمّار فقال : يا أبا اليقظان ، إني منكم ، وإن قومي لما سمعوا بكم
هربوا ، وأقمت بإسلامي أفنافعي ذلك؟؟ أو أهرب كما هرب قومي؟
فقال : أقم ، فإن
ذلك نافعك ، وانصرف الرجل إلى أهله ، وأمرهم بالمقام ، وأصبح خالد فغار على القوم
، فلم يجد غير ذلك الرجل فأخذه ، وأخذ منه ماله ، فأتاه عمّار ، فقال : خلّ سبيل
الرجل ، فإنه مسلم ، وقد كنت أمّنته ، وامرأته بالمقام ، فقال خالد : أنت تجير
عليّ ، وأنا الأمير؟!. فقال : نعم أنا أجير عليك ، وأنت الأمير ، فكان في ذلك
بينهما كلام ، فانصرفوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأخبروه خبر الرجل ، فأمّنه النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأجاز
أمان عمار ، ونهاه
أن يجير بعد ذلك على أمير بغير إذنه. قال : واستبّ عمار ، وخالد بين يدي رسول الله
صلىاللهعليهوسلم ، فأغلظ عمّار لخالد ، فغضب خالد ، وقال : يا رسول الله ، أتدع
هذا العبد يشتمني! فو الله لو لا أنت ما شتمني ـ وكان عمار مولى لهاشم بن المغيرة
ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا خالد ، كف عن عمار ، فإنه من يسب عمارا يسبه الله ،
ومن يبغض عمارا يبغضه الله ، فقام عمار ، فتبعه خالد ، فأخذ بثوبه ، وسأله أن يرضى
عنه ، فرضي عنه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمر بطاعة أولى الأمر.
الآية : ٦٠ ـ ٦٢
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ
مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا
أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ،
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ
رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ، فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ
أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً).
أخرج ابن أبي حاتم
، والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال : «كان أبو برزة الأسلمي كاهنا يقضي بين
اليهود فيما يتنافرون فيه ، فتنافر إليه ناس من المسلمين ، فأنزل الله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا) الى قوله : (وَتَوْفِيقاً).
وأخرج ابن أبي
حاتم من طريق عكرمة ، أو سعيد عن ابن عباس قال : «كان الجلاس بن الصامت ، ومعتب بن
قشير ، ورافع بن زيد ، وبشر يدّعون الاسلام ، فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين في
خصومة كانت بينهم الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فدعوهم الى الكهّان حكام الجاهلية ، فأنزل الله فيهم : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا) الآية.
وأخرج ابن جرير عن
الشعبي قال : «كان بين رجل من اليهود ، ورجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي :
أحاكمك الى أهل دينك ،
أو قال : الى
النبي ، لأنه قد علم أنه لا يأخذ الرشوة في الحكم ، فاختلفا ، واتفقا على أن يأتيا
كاهنا فى جهينة ، فنزلت.
الآية : ٦٥. قوله
تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
أخرج الأئمة الستة
عن عبد الله بن الزبير قال : «خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج الحرة ، فقال
النبي صلىاللهعليهوسلم : اسق يا زبير ، ثم أرسل الماء الى جارك. فقال الأنصاري :
يا رسول الله ، إن كان ابن عمتك! فتلوّن وجهه ثم قال : أسق يا زبير ، ثم احبس
الماء حتى يرجع الى الجدر ثم أرسل الماء الى جارك ، واستوعب للزبير حقه. وكان أشار
عليها بأمر لهما فيه سعة. قال الزبير : فما أحسب هذه الآية الّا نزلت فى ذلك : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) الآية.
الآية : ٦٩. قوله
تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ
وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ
رَفِيقاً).
أخرج الواحدي عن
الكلبي قال : «نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان شديد الحبّ له قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم ،
وقد تغير لونه ، ونحل جسمه ، يعرف فى وجهه الحزن ، فقال له : يا ثوبان ، ما غيّر
لونك؟! فقال : يا رسول الله ، ما بي من ضر ، ولا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت
إليك ، واستوحشت وحشة جديده حتى ألقاك ثم ذكرت الآخرة ، وأخاف ألا أراك هناك ،
لأني أعرف أنك ترفع مع النبيين ، وإني ، وإن دخلت الجنة كنت فى منزلة أدنى من
منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة ، فذاك أحرى أن لا أراك أبدا ، فأنزل الله تعالى هذه
الآية».
وأخرج الطبراني ،
وابن مردويه بسند لا بأس به عن عائشة قالت : «جاء رجل الى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنك لأحب إلي من نفسي ، وإنك لأحب
إلي من ولدي ، وإني لأكون فى البيت ، فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك ، وإذا
ذكرت موتي ، وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين ، وإني إذا دخلت الجنة
خشيت أن لا أراك فلم يرد النبي صلىاللهعليهوسلم شيئا حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ) الآية.
الآية : ٧٧. قوله
تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا
الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ
النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ
عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ
الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً).
أخرج الواحدي عن
الكلبي قال : «نزلت هذه الآية في نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم منهم : عبد الرحمن بن عوف ، والمقداد بن الأسود ، وقدامة
بن مظعون ، وسعد بن أبي وقاص ، كانوا يلقون من المشركين أذى كثيرا ، ويقولون : يا
رسول الله ، ائذن لنا فى قتال هؤلاء ، فيقول لهم : كفّوا أيديكم عنهم ، فإني لم
أومر بقتالهم ، فلما هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الى المدينة ، وأمرهم الله تعالى بقتال المشركين كرهه
بعضهم ، وشق عليهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ٧٨. قوله
تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا
يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ).
أخرج الواحدي من
رواية أبي صالح عن ابن عباس قال : «لما استشهد الله من المسلمين من استشهد يوم أحد
قال المنافقون الذين تخلفوا عن الجهاد : لو كان إخواننا الذين قتلوا عندنا ما
ماتوا ، وما
قتلوا ، فأنزل الله
تعالى هذه الآية».
الآية : ٨٣. قوله
تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ
أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى
الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ
لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً).
روى مسلم عن عمر
بن الخطاب قال : «لما اعتزل النبي صلىاللهعليهوسلم نساءه دخلت المسجد ، فإذا الناس ينكتون بالحصى ، ويقولون :
طلّق رسول الله صلىاللهعليهوسلم نساءه ، فقمت على باب المسجد ، فناديت بأعلى صوتي : لم
يطلّق نساءه ، ونزلت هذه الآية فيّ : (وَإِذا جاءَهُمْ
أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى
الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) فكنت أنا استنبط ذلك الأمر».
الآية : ٨٨. قوله
تعالى : (فَما لَكُمْ فِي
الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ
تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً).
روى البخاري ،
ومسلم عن زيد بن ثابت : «أن قوما خرجوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أحد ، فرجعوا ، فاختلف فيهم المسلمون ، فقالت فرقة :
نقتلهم ، وقالت فرقة : لا نقتلهم ، فنزلت هذه الآية».
وأخرج أحمد بن
حنبل عن عبد الرحمن بن عوف : أن قوما أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، فأسلموا ، وأصابهم وباء المدينة ، وحمّاها ،
فأركسوها ، فخرجوا من المدينة ، فاستقبلهم نفر من الصحابة ، فقالوا : ما لكم رجعتم؟!
قالوا : أصابنا وباء المدينة ، فقالوا : أما لكم في رسول الله أسوة حسنة؟! فقال
بعضهم : نافقوا ، وقال بعضهم : لم ينافقوا ، فأنزل الله : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ
فِئَتَيْنِ) الآية.
الآية : ٩٢. قوله
تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ
أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا
خَطَأً
وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ
مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا).
أخرج ابن جرير عن
عكرمة قال : «كان الحارث بن زيد من بني عامر بن لؤي يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي
جهل ، ثم خرج الحارث مهاجرا الى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلقيه عياش بالحرة ، فعلاه بالسيف ، وهو يحسب أنه كافر ،
ثم جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأخبره ، فنزلت : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ
أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) الآية.
الآية : ٩٣. قوله
تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ
مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ
عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً).
أخرج الواحدي عن الكلبي
عن أبي صالح عن ابن عباس : «إن مقيس بن ضبابة وجد أخاه هشام بن ضبابة قتيلا فى بني
النجار ، وكان مسلما ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فذكر له ذلك ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم معه رسولا من بني فهد ، فقال له : ائت بني النجار ،
فأقرئهم السلام ، وقل لهم : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن ضبابة أن تدفعوه الى أخيه
فيقتص منه ، وإن لم تعلموا له قتيلا أن تدفعوا إليه ديته ، فأبلغهم الفهدي ذلك عن
النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : سمعا ، وطاعة لله ولرسوله ، والله ، ما نعلم له
قاتلا ، ولكن نؤدي إليه ديته ، فأعطوه مائة من الإبل ثم انصرفا راجعين نحو المدينة
، فأتى الشيطان مقيسا ، فوسوس إليه ، فقال : تقبل دية أخيك ، فيكون عليك سبّه ،
أقتل الذي معك فيكون نفس مكان نفس ، وفضل الدية ، ففعل مقيس ذلك ، فرمى الفهديّ
بصخرة ، فشدخ رأسه ، ثم ركب بعيرا منها ، وساق بقيتها راجعا الى مكة كافرا ، وجعل
يقول فى شعره :
قتلت به فهرا
وحملت عقله
|
|
سراة بني النجار
أرباب فارع
|
أدركت ثأري
واضطجعت موسدا
|
|
وكنت الى
الأوثان أول راجع
|
فنزلت هذه الآية :
(وَمَنْ يَقْتُلْ
مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) ثم أهدر النبي صلىاللهعليهوسلم دمة يوم فتح مكة ، فأدركه الناس بالسوق فقتلوه».
الآية ٩٤. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا
تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ
عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ
مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما
تَعْمَلُونَ خَبِيراً).
أخرج البزار عن
ابن عباس قال : «بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم سريّة ، فيها المقداد ، فلما أتوا القوم ، وجدوهم قد
تفرقوا ، وبقي رجل له مال كثير ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فقتله المقداد
، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : كيف لك بلا إله إلا الله غدا!! وأنزل الله هذه الآية».
وروى البخاري ،
والترمذي ، والحاكم ، وغيرهم عن ابن عباس قال : «مرّ رجل من بني سليم بنفر من
أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو يسوق غنما له ، فسلّم عليهم ، فقالوا : ما سلّم
علينا إلا ليتعوّذ منّا ، فعمدوا إليه ، فقتلوه ، وأتوا بغنمه النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا).
الآية : ٩٥. قوله
تعالى : (لا يَسْتَوِي
الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي
سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ).
روى البخاري عن
البراء قال : «لمّا نزلت (لا يَسْتَوِي
الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال النبي صلىاللهعليهوسلم : أدع فلانا ، فجاء ، ومعه الدواة ، واللوح ، والكتف فقال
: أكتب : (لا يَسْتَوِي
الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) و (الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ـ وخلف النبي صلىاللهعليهوسلم ابن أم مكتوم ـ فقال
: يا رسول الله ، أنا ضرير ، فنزلت مكانها : (لا يَسْتَوِي
الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ).
وروى البخاري عن
زيد بن ثابت قال : «كنت عند النبي صلىاللهعليهوسلم
حين نزلت عليه : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) و (الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ). ولم يذكر أولي الضرر ، فقال ابن أمّ مكتوم ، كيف ، وأنا
أعمى لا أبصر! قال زيد : فتغشى النبيّ صلىاللهعليهوسلم في مجلسه الوحي ، فاتكأ على فخذي ، فوالذي نفسي بيده ، لقد
ثقل على فخذي حتى خشيت أن يرضها ، ثم سرّي عنه ، فقال : أكتب : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) فكتبتها».
الآية : ٩٧. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا
كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً
فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً).
روى البخاري عن
ابن عباس : «إن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على
رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله ، أو يضرب فيقتل ،
فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ
تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ).
وأخرجه ابن مردوية
، وسمى منهم في روايته : «قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبى قيس بن الفاكه بن مغيرة
، والوليد بن عتبة بن ربيعة ، وعمرو بن أمّية بن أبي سفيان ، وعلي بن أمية بن خلف
، وذكر في شأنهم أنهم خرجوا إلى بدر ، فلما رأوا قلة المسلمين دخلهم شك ، فقالوا :
غرّ هؤلاء دينهم ، فقتلوا ببدر».
الآية : ١٠٠. قوله
تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ
بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ
وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).
أخرج ابن أبي حاتم
، وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس قال : «خرج حمزة بن جندب من بيته مهاجرا ، فقال
لأهله : احملوني ،
فأخرجوني من أرض
المشركين إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فنزل الوحي : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ
بَيْتِهِ مُهاجِراً) الآية.
وأخرج ابن سعد في «الطبقات»
عن يزيد بن عبد الله بن قسط : «إن جندع بن الضمري كان بمكة فمرض فقال لبنيه :
أخرجوني من مكة فقد قتلني غمها ، فقالوا : الى أين؟! فأومأ بيده نحو المدينة ـ يريد
الهجرة ـ فخرجوا به فلما بلغوا أضاة بني غفار مات ، فأنزل الله فيه : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ
مُهاجِراً) الآية.
وأخرج ابن أبى
حاتم ، وابن منده ، والبارودي فى «الصحابة» عن هشام بن عمرو عن أبيه أن الزبير بن
العوام قال : «هاجر خالد بن حرام الى أرض الحبشة ، فنهشته حيّة فى الطريق فمات ،
فنزلت فيه : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ
بَيْتِهِ مُهاجِراً) الآية.
وأخرج ابن أبى
حاتم عن سعيد بن جبير عن أبي ضمرة الزرفي ـ وكان بمكة ـ فلما نزلت : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ
وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) فقال : إنى لذو حيلة ، فتجهز يريد النبي صلىاللهعليهوسلم فأدركه الموت بالتنعيم ، فنزلت هذه الآية : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ
مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ)
الآية : ١٠١. قوله
تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ
فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ
خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ
عَدُوًّا مُبِيناً)
أخرج ابن جرير عن
علي قال : «سأل قوم من بني النجار رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا نضرب فى الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل
الله : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ
فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) ثم انقطع الوحي ، فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي
صلىاللهعليهوسلم فصلّى الظهر ، فقال المشركون : لقد أمكنكم محمد ، وأصحابه
من ظهورهم ، هلّا شددتم عليهم ، فقال قائل منهم : إن لهم أخرى مثلها في أثرها ،
فأنزل الله بين الصلاتين : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ
يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا
مُبِيناً) ، فنزلت هذه الآية في صلاة الخوف.
(وَرائِكُمْ
وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا
حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) الآية.
الآية : ١٠٢. قوله
تعالى : (وَإِذا كُنْتَ
فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ
وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ
وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا
حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) الآية.
أخرج أحمد ،
والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عياش الزرقي قال : «كنا مع رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ظهرا ، فقالوا : قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ، ثم
قالوا : يأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم ، وأنفسهم ، فنزل جبريل
بهذه الآيات بين الظهر ، والعصر : (وَإِذا كُنْتَ
فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) الآية.
وأخرج الواحدي عن
عكرمة عن ابن عباس قال : «خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلقي المشركين بعسفان ، فلما صلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الظهر ، فرأوه يركع ، ويسجد هو وأصحابه قال بعضهم لبعض :
كان هذا فرصة لكم ، لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم ، فقال قائل منهم :
فإن لهم صلاة أخرى هي أحب إليهم من أهليهم ، وأموالهم ، فاستعدّوا حتى تغيروا
عليهم فيها ، فأنزل الله تبارك ، وتعالى على نبيّه : (وَإِذا كُنْتَ
فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) الى آخر الآية، وأعلم بما ائتمر به المشركون ، وذكر صلاة
الخوف».
الآيات : ١٠٥ ـ ١١٦.
قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا
تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) الآيات.
روى الترمذي ،
والحاكم ، وغيرهما عن قتادة بن النعمان ، قال : «كان أهل بيت منا يقال لهم بنو
أبيرق : بشر ، وبشير ، ومبشر ، وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر ، يهجو به أصحاب
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم ينحله بعض العرب ، يقول : قال فلان : كذا ، وكانوا
أهل بيت حاجة ، وفاقه في الجاهلية والإسلام. وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة
التمر ، والشعير ، فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك ، فجعله في مشربه له ،
فيها سلاح ، ودرع ، وسيف ، فعدي عليه من تحت فنقبت المشربة ، وأخذ الطعام ،
والسلاح ، فلمّا أصبح أتاني عمي رفاعة ، فقال : يا ابن أخي ، إنه قد عدي علينا في
ليلتنا هذه ، فنقبت مشربتنا ، وذهب بطعامنا ، وسلاحنا ، تجسّسنا في الدار ، وسألنا
، فقيل لنا : قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ، ولا نرى فيما نرى إلا
على بعض طعامكم. فقال بنو أبيرق ـ ونحن نسأل في الدار ـ : والله ، ما نرى صاحبكم
إلا لبيد بن سهل ، رجل مثاله : صلاح ، وإسلام ، فلما سمع لبيد اخترط سيفه ، وقال :
أنا أسرق!! والله ، ليخالطنّكم هذا السيف ، أو لتبيّنن هذه السرقة. قالوا : إليك
عنا أيها الرجل ، فما أنت بصاحبها ، وسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها ،
فقال لي عمّي : يا ابن أخي ، لو أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فذكرت ذلك له ، فأتيته ، فقلت : أهل بيت منّا أهل جفاء
عمدوا إلى عمّي ، فنقبوا مشربة له ، وأخذوا سلاحه ، وطعامه ، فليردوا علينا سلاحنا
، وأما الطّعام فلا حاجة لنا فيه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : سأنظر في ذلك ، ولمّا سمع بنو أبيرق أتوا رجلا منهم.
يقال له : أسير بن
عروة ، فكلّموه في ذلك ، فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار ، فقالوا : يا رسول الله
، إن قتادة بن النعمان ، وعمّه عمدا إلى أهل بيت منّا ، أهل اسلام ، وصلاح يرمونهم
بالسرقة من غير بيّنة ، ولا تثبّت. قال قتادة : فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم اسلام ، وصلاح ،
ترميهم بالسرقة على غير ثبت ، وبيّنة!! فرجعت ، فأخبرت عمّي ، فقال : الله
المستعان ، فلم نلبث أن نزل القرآن : (إِنَّا أَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا
تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً).
بني أبيرق «واستغفر
الله» أي مما قلت لقتادة إلى قوله : «عظيما». فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالسلاح فردّه إلى رفاعة ، ولحق بشير بالمشركين ، فنزل على
سلافه بنت سعد ، فأنزل الله : (وَمَنْ يُشاقِقِ
الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) إلى قوله : (ضَلالاً بَعِيداً).
الآيات : ١٢٣ ـ ١٢٥.
قوله تعالى : (لَيْسَ
بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ
بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ، وَمَنْ يَعْمَلْ
مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ، وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً
مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ
إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً).
أخرج الواحدي عن
مسروق ، وقتادة قالا : «احتج المسلمون ، وأهل الكتاب ، فقال أهل الكتاب : نحن أهدى
منكم ، نبيّنا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونحن أولى بالله منكم. وقال
المسلمون : نحن أهدى منكم ، وأولى بالله ، نبينا خاتم الأنبياء ، وكتابنا يقضي على
الكتب التي قبله ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ثم أفلج الله حجة المسلمين على من
ناوأهم من أهل
الأديان بقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ
الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) وبقوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً
مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) الآيتين.
وأخرج ابن أبي
حاتم ، عن ابن عباس قال : «قالت اليهود ، والنصارى : لا يدخل الجنة غيرنا. وقالت
قريش : إنّا لا نبعث ، فأنزل الله : (لَيْسَ
بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ).
الآية : ١٢٧. قوله
تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ
فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي
الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ
وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ
تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ
بِهِ عَلِيماً).
روى مسلم عن حرملة
، عن ابن وهب عن عائشة قالت : «ثم إن النّاس استفتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية. قالت : والذي يتلى عليهم في
الكتاب الآية الأولى التي قال فيها : (وَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى). قالت عائشة (رضي الله عنها). وقال الله تعالى في الآية
الأخرى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ
تَنْكِحُوهُنَ)، رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة
المال ، والجمال ، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها ، وجمالها من باقي النساء
إلا بالقسط من أجل رغبتهن عنهنّ».
وأخرج ابن أبي
حاتم عن السدي : «كان لجابر بنت عم دميمة ، ولها مال ورثته عن أبيها ، وكان جابر
يرغب عن نكاحها ، ولا ينكحها خشية أن يذهب الزوج بمالها ، فسأل النبي صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فنزلت».
وروى البخاري عن
عائشة في هذه الآية قالت : «هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليّها ، ووارثها قد
شركته في مالها حتى في العذق ،
فيرغب عن أن
ينكحها ، ويكره أن يزوجها رجلا ، فيشركه في مالها ، فيعضلها ، فنزلت».
الآية : ١٢٨. قوله
تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ
خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ
يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ
الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ
خَبِيراً).
روى البخاري عن
محمد بن مقاتل عن ابن المبارك ، وروى مسلم عن أبي كريب ، وأبي أسامة ، وكلاهما عن
هشام عن عروة ، عن عائشة : «نزلت في المرأة تكون عند الرجل ، فلا يستكثر منها ،
ويريد فراقها ، ولعلّها أن تكون لها صحبه ، ويكون لها ولد ، فيكره فراقها ، وتقول
له : لا تطلّقني ، وامسكني ، وأنت في حلّ من شأني ، فأنزلت هذه الآية».
وأخرج ابن جرير عن
سعيد بن جبير قال : «جاءت امرأة حين نزلت هذه الآية : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها
نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً). قالت : إنّي أريد أن تقسم لي من نفقتك ، وقد كانت رضيت أن
يدعها فلا يطلقها ، ولا يأتيها ، فأنزل الله : (وَإِنِ امْرَأَةٌ
خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ
يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ).
وروى أبو داود ،
والحاكم عن عائشة قالت : «فرقت سودة أن يفارقها رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أسنت ، فقالت : يومي لعائشة ، فأنزل الله : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها
نُشُوزاً).
الآية : ١٣٥. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى
أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ
فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ
تَلْوُوا
أَوْ
تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً).
أخرج ابن أبي حاتم
، والواحدي عن السدي قال : «نزلت هذه الآية في النبي صلىاللهعليهوسلم ، اختصم إليه رجلان : غني ، وفقير. وكان صلىاللهعليهوسلم مع الفقير ، يرى أن الفقير لا يظلم الغنيّ ، فأبى الله إلا
أن يقوم بالقسط في الغني ، والفقير.
الآية : ١٤٨. قوله
تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ
بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً)
أخرج هناد بن
السري في كتاب «الزهد» عن مجاهد قال : «أنزلت (لا يُحِبُّ اللهُ
الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) فى رجل أضاف رجلا بالمدينة ، فأساء قراه ، فتحول عنه ،
فجعل يثني عليه بما أولاه فرخص له أن يثني عليه بما أولاه».
وروى الواحدي عن
مجاهد قال : «إن ضيفا تضيف قوما ، فأساءوا قراه فاشتكاهم ، فنزلت الآية رخصة في أن
يشكو».
الآيتان ١٥٣ ـ ١٥٦.
قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ
الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا
مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ
الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) الآيات.
أخرج ابن جرير عن
محمد بن كعب القرظي قال : «جاء ناس من اليهود إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : إن موسى جاءنا بالألواح من عند الله فأتنا
بالألواح حتّى نصدقك ، فأنزل الله (يَسْئَلُكَ أَهْلُ
الْكِتابِ) إلى قوله : (بُهْتاناً عَظِيماً). فحثا رجل من اليهود ، فقال : ما أنزل الله عليك ، ولا على
موسى ، ولا على عيسى ، ولا أحد شيئا ، فأنزل الله : (وَما قَدَرُوا اللهَ
حَقَّ قَدْرِهِ) الآية.
الآية : ١٦٦. قوله
تعالى : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ
بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى
بِاللهِ شَهِيداً).
روى ابن اسحاق عن
ابن عباس قال : «دخل جماعة من اليهود على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال لهم : إنّي والله ، أعلم أنّكم تعلمون أنّي رسول
الله ، فقالوا : ما نعلم ذلك ، فأنزل الله : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ).
الآية : ١٧٢. (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ
يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ).
روى الواحدي عن
الكلبي قال : «إن وفد نجران قالوا : يا محمد ، تعيب صاحبنا؟! قال : ومن صاحبكم ،
قالوا : عيسى. قال : وأيّ شيء أقول فيه؟! تقول : إنّه عبد الله ، ورسوله ، فقال
لهم : إنه ليس بعار لعيسى أن يكون عبدا لله ، قالوا : بلى ، فنزلت : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ
يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ).
الآية : ١٧٦. (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ
فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها
نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا
اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً
وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ
تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
روى الواحدي عن
هشام بن عبد الله عن ابن الزبير عن جابر قال : «اشتكيت فدخل عليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعندي سبع أخوات ، فنفخ في وجهي ، فأفقت ، فقلت : يا
رسول الله ، أوحي لأخواتي بالثلثين ، قال : أجلس ، فقلت : الشطر. قال : أجلس ، ثم
خرج فتركني. قال : ثم دخل عليّ ، وقال : يا جابر ، إنّي لا أراك تموت في وجعك هذا
، إن الله قد أنزل فبيّن الذي لأخواتك. وكان جابر يقول : نزلت هذه الآية فيّ : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ
فِي الْكَلالَةِ).
ـ سورة المائدة ـ
الآية : ٢. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا
الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ
فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً)
أخرج الواحدي عن
ابن عباس قال : «نزلت في الخطيم ، واسمه شريح بن ضبيع الكندي ، أتى النبي صلىاللهعليهوسلم من اليمامة الى المدينة ، فخلّف خيله خارج المدينة ، ودخل
وحده على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : إلام تدعو الناس؟! ، قال : إلى شهادة أن لا إله
إلا الله ، واقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة. فقال : حسن إلّا أن لي أمراء لا نقطع
أمرا دونهم ، ولعلي أسلم وآتي بهم ـ وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه : يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان ـ ثم خرج
من عنده ، فلما خرج قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
لقد دخل بوجه كافر
، وخرج بعقبى غادر ، وما الرجل مسلم ، فمرّ بسرح المدينة ، فاستاقه ، فطلبوه ،
فعجزوا عنه ، فلما خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم عام القضية سمع تلبية حجاج المدينة ، فقال لأصحابه : هذا
الخطيم ، وأصحابه ، وكان قد قلد هديا من مسرح المدينة ، وأهدى الى الكعبة ، فلما
توجهوا في طلبه أنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ)
يريد ما أشعر لله
، وان كانوا على غير دين الاسلام» ، الآية : ٢. قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ
أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا)
وأخرج الواحدي ،
وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه بالحديبية حين صدهم المشركون عن البيت ـ وقد
اشتد ذلك عليهم ـ فمر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة ، فقال
أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : نصدّ هؤلاء كما صدنا أصحابهم ، فأنزل الله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ
أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) أي ، ولا تعتدوا على هؤلاء العمّال ، وإن صدكم أصحابهم».
الآية : ٣. قوله
تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ
دِيناً) أخرج الواحدي : «نزلت هذه الآية يوم الجمعة ، وكان يوم
عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر ، والنبي صلىاللهعليهوسلم بعرفات على ناقته العضباء».
وأخرج الواحدي عن
طارق بن شهاب قال : «جاء رجل من اليهود الى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقال :
يا أمير المؤمنين ، إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا
ذلك اليوم عيدا ، فقال : أيّ آية هي؟ قال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ
دِيناً) فقال عمر : والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم عشية يوم عرفة في يوم عرفة ، في يوم جمعة». رواه البخاري ،
ومسلم عن جعفر بن عون.
الآية : ٤. قوله
تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا
أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ
الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا
مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ
إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ).
روى الطبراني ،
والحاكم ، والبيهقي ، وغيرهم عن أبي رافع قال : «جاء جبريل (عليهالسلام) إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فاستأذن عليه ، فأذن له ، فأبطأ ، فأخذ رداءه ، فخرج
إليه ، وهو قائم بالباب ، فقال : قد أذنّا
لك. قال : أجل ،
ولكن لا ندخل بيتا فيه صورة ، ولا كلب ، فنظروا ، فإذا في بعض بيوتهم جرو ، فأمر
أبا رافع : لا تدع كلبا بالمدينة إلا قتلته ، فأتاه ناس ، فقالوا : يا رسول الله ،
ما ذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ، فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) الآية.
وروى الواحدي عن
سعيد بن جبير قال : نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم ، وزيد بن المهلهل الطائيين ـ وهو
زيد الخيل الذي سماه رسول الله صلىاللهعليهوسلم زيد الخير ـ فقال : يا رسول الله ، إنا قوم نصيد بالكلاب ،
والبزاة ، فإن كلاب آل درع ، وآل حورية تأخذ البقر ، والحمير والظباء ، والضب ،
فمنه ما يدرك ذكاته ، ومنه ما يقتل فلا يدرك ذكاته ، وقد حرم الله الميتة ، فما ذا
يحل لنا منها؟ فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا
أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ). يعني الذبائح (وَما عَلَّمْتُمْ)، يعني : وصيد ما علمتم من الجوارح ، وهي الكواسب من الكلاب
، وسباع الطير.
الآية : ٦. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ
عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ
فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ
يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ).
روى البخاري من
طريق عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن قاسم عن أبيه عن عائشة قالت : «سقطت قلادة
لي بالبيداء ، ونحن داخلون المدينة ، فأناخ صلىاللهعليهوسلم ، فثنى رأسه في حجري راقدا ، وأقبل أبو بكر ، فلكزني لكزة
شديدة ، وقال : حبست الناس في قلادة ، ثم إن
النبي صلىاللهعليهوسلم استيقظ ، وحضرت الصبح ، فالتمس الماء فلم يوجد ، فنزلت
الآية.
الآية : ١١. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ
يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا
اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
وروى الواحدي عن
مجاهد ، والكلبي ، وعكرمة : «قتل رجل من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
رجلين من بني سلمة
، وبين النبي صلىاللهعليهوسلم ، وبين قومهما موادعة ، فجاء قومهما يطلبون الدّية ، فأتى
النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، وعبد
الرحمن بن عوف (رضوان الله عليهم أجمعين) ، فدخلوا على كعب بن الأشرف ، وبني
النضير يستعينهما في عقل أصابه ، فقالوا : يا أبا القاسم ، قد آن لك أن تأتينا ،
وتسألنا حاجة ، اجلس حتى نطعمك ، ونعطيك الذي تسألنا ، فجلس هو ، وأصحابه ، فجاء
بعضهم ببعض ، وقالوا : إنّكم لم تجدوا محمدا أقرب منه الآن ، فمن يظهر على هذا
البيت ، فيطرح عليه صخرة ، فيريحنا منه؟؟ فقال عمر بن جحاش بن كعب : أنا. فجاء إلى
رحى عظيمة ، ليطرحها عليه ، فأمسك الله تعالى يده ، وجاء جبريل (عليهالسلام) ، وأخبره بذلك ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأنزل الله تعالى هذه الآية».
روى الواحدي عن
الحسن البصري ، عن جابر بن عبد الله الأنصارى : «أن رجلا من محارب يقال له : غورث
بن الحارث ، قال لقومه من غطفان ، ومحارب : ألا أقتل لكم محمدا؟؟ قالوا : نعم ،
وكيف تقتله؟! قال : أفتك به. قال : فأقبل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو جالس ، وسيفه في حجره ، فقال : يا محمد ، أنظر إلى
سيفك هذا؟ قال : نعم. فأخذه فاستلّه ثم جعل يهزه ، ويهمّ به ، فكبته الله عزوجل ،
ثم قال : يا محمد
، ما تخافني؟! قال : لا. قال : ألا تخافني ، وفي يدي السيف؟ قال : يمنعني الله منك
، ثم أغمد السيف ، ورده إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ
يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ).
الآية : ١٥. قوله
تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ
قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ
مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ
مُبِينٌ)
أخرج ابن جرير عن
عكرمة قال : «إن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أتاه اليهود يسألونه عن الرجم ، فقال : أيكم أعلم؟ فأشاروا
الى ابن صوريا ، فناشده بالذي أنزل التوراة على موسى ، والذي رفع الطور ،
والمواثيق التي أخذت عليهم حتى أخذه أفكل ، فقال : إنّه لما كثر فينا جلدنا مائة
وحلقنا الرءوس ، فحكم عليهم بالرّجم ، فأنزل الله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) إلى قوله : (صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
الآية : ١٨. قوله
تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ
وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ
بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ
مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ
الْمَصِيرُ).
روى ابن اسحاق ،
عن ابن عباس قال : «أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم نعمان بن أضاء ، وبحر بن عمرو ، وشاس بن عدي ، فكلّموه ،
وكلّمهم ، ودعاهم إلى الله ، وحذّرهم نقمته ، فقالوا : ما تخوفنا يا محمد ، نحن
والله ، أبناء الله ، وأحباؤه كقول النصارى ، فأنزل الله فيهم : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ
أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).
الآية : ١٩. قوله
تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ
قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ
تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ
وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
روى ابن اسحاق عن
ابن عباس قال : «دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يهود الى الاسلام ، ورغّبهم فيه ، فأبوا عليه ، فقال لهم
معاذ بن جبل ، وسعد بن عباده : يا معشر يهود ، اتقوا الله ، فو الله ، إنكم
لتعلمون أنه رسول الله ، لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه ، وتصفونه لنا بصفته ،
فقال رافع بن حرملة ، ووهب بن يهودا : ما قلنا لكم هذا ، وما أنزل الله من كتاب من
بعد موسى ، ولا أرسل بشيرا ، ولا نذيرا بعده ، فأنزل الله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ
رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ) الآية.
الآية : ٣٣. قوله
تعالى : (إِنَّما جَزاءُ
الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ
يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ
خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ
فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)
روى مسلم عن عبيد
الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس : «إن رهطا من عكل ، وعرينه أتوا
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا كنا أهل ضرع ، ولم نكن أهل
ريف ، فاستوخمنا في المدينة ، فأمر لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذود أن يخرجوا فيها ، فليشربوا من ألبانها ، وأبوالها ،
فقتلوا راعي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، واستاقوا الذّود ، فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم في آثارهم ، فأتي بهم ، فقطع أيديهم ، وأرجلهم ، وثمل
أعينهم ، فتركوا فى الحر حتى ماتوا على حالهم». قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية
نزلت فيهم : (إِنَّما جَزاءُ
الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) الى آخر الآية.
الآيات : ٣٨ ـ ٣٩.
قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ
وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ
اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
روى الواحدي عن
الكلبي قال : «نزلت فى طعمة بن أبيرق سارق
الدرع» وقد مضت
قصته ، وأخرج أحمد ، وغيره عن عبد الله بن عمرو : «ان امرأة سرقت على عهد رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، فقطعت يدها اليمنى ، فقالت : هل لي من توبة يا رسول الله؟
فأنزل الله : (فَمَنْ تابَ مِنْ
بَعْدِ ظُلْمِهِ) الآية.
الآيات : ٤١ ـ ٤٥.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ
قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ
هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) الآيات.
روى أحمد ، ومسلم
، وغيرهما عن البراء بن عازب قال : «مر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يهودي محمما مجلودا فدعاهم ، فقال : هكذا تجدون حدّ الزاني
في كتابكم! فقالوا : نعم ، فدعا رجلا من علمائهم ، فقال : أنشدك بالله الذي أنزل
التوراة على موسى ، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟! فقال : لا والله ، ولو لا
أنك نشدتني بهذا لم أخبرك ، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا
، فكنا إذا زنا الشريف تركناه ، وإذا زنا الضعيف أقمنا عليه الحد ، فقلنا : تعالوا
نجعل شيئا نقيمه على الشريف ، والوضيع ، فاجتمعنا على التحميم ، والجلد. فقال
النبي صلىاللهعليهوسلم : اللهم إنّي أول من أحيا أمرك إذ أماتوه ، فأمر به ، فرجم
، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) إلى قوله تعالى : (إِنْ أُوتِيتُمْ هذا
فَخُذُوهُ). يقولون : ائتوا محمدا فإن أتاكم بالتحميم ، والجلد ،
فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
الآيتان : ٤٩ ،
٥٠. قوله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ
اللهُ
وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما
أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ
يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ ، أَفَحُكْمَ
الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
أخرج ابن اسحاق ،
والواحدي عن ابن عباس قال : «إنّ جماعة من اليهود منهم : كعب بن أسيد ، وعبد الله
بن صوريا ، وشاس بن قيس ، قال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد صلىاللهعليهوسلم لعلّنا نفتنه عن دينه ، فأتوه ، فقالوا : يا محمد ، قد
عرفت أنّا أحبار اليهود ، وأشرافهم ، وإنّا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ، ولن
يخالفونا ، وإن بيننا ، وبين قوم خصومة ، ونحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، ونحن
نؤمن بك ، ونصدّقك ، فأبى ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى فيهم : (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ
يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ).
الآية : ٥١. قوله تعالى
: (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ
أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ
لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
أخرج ابن اسحاق ،
وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، عن عبادة بن الصامت قال : «لما حاربت بنو
قينقاع تشبث بأمرهم عبد الله بن أبيّ بن سلول ، وقام دونهم ، ومشى عبادة بن الصامت
إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتبرأ إلى الله ، وإلى رسوله من حلفهم ، وكان أحد بني
عوف بن الخزرج ، وله من حلفهم مثل الذي لهم من عبد الله بن أبيّ ، فخالفهم الى صلىاللهعليهوسلم ، وتبرأ من حلف الكفار ، وولايتهم. قال : ففيه ، وفي عبد
الله بن أبيّ القصة في المائدة.
وروى الواحدي عن
عبد الله بن أبيّ : إني رجل أخاف الدوائر ، ولا ابرأ من ولاية اليهود ، فقال رسول
الله صلىاللهعليهوسلم : يا أبا الحباب ، ما تجلب به من
ولاية اليهود على
عبادة بن الصامت ، فهو لك دونه ، فقال : قد قبلت ، فأنزل الله تعالى فيهما : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) إلى قوله تعالى : (فَتَرَى الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ). يعني عبد الله بن أبيّ (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) وفي ولايتهم : (يَقُولُونَ نَخْشى
أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) الآية».
الآية : ٥٥. قوله
تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ
اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).
روى الواحدي عن
جابر بن عبد الله قال : «جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله ، ان قوما من قريظة ، والنضير ، قد
هاجرونا ، وفارقونا ، وأقسموا ألا يجالسونا ، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد
المنازل ، وشكى ما يلقى من اليهود ، فنزلت هذه الآية : فقرأها عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : رضينا بالله ، وبرسوله ، وبالمؤمنين أولياء».
وأخرج الطبراني في
«الأوسط» بسند فيه مجاهيل عن عمار بن ياسر قال : «وقف على عليّ بن أبي طالب ، سائل
، وهو راكع في تطوع ، فنزع خاتمه ، فأعطاه السائل ، فنزلت : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية.
الآية : ٥٧. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً
وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ
أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
روى أبو الشيخ ،
وابن حبان ، عن ابن عباس قال : «كان رفاعة بن زيد بن التابوت ، وسويد بن الحارث ،
قد أظهرا الإسلام ، ونافقا ، وكان رجل من المسلمين يوادهما ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ). الآية.
الآية : ٥٨. قوله
تعالى : (وَإِذا نادَيْتُمْ
إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا
يَعْقِلُونَ).
أخرج الواحدي عن
السدي قال : «نزلت في رجل من نصارى المدينة ، كان إذا سمع المؤذن يقول : أشهد أن
محمدا رسول الله قال : حرق الكاذب ، فدخل خادمه بنار ذات ليلة ، وهو نائم ، وأهله
نيام ، فطارت منها شرارة في البيت ، فاحترق هو ، وأهله».
وقال آخرون : «ان
الكفار لمّا سمعوا الآذان حضروا ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم على ذلك ، وقالوا : يا محمد ، لقد أبدعت شيئا لم نسمع به
فيما مضى من الأمم ، فإن كنت تدعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الأذان
الأنبياء من قبله ، ولو كان في هذا خير ، كان أولى النّاس به الأنبياء ، والرسل من
قبلك ، فمن أين لك صياح ، كصياح البعير ، فما أقبح من صوت ، ولا أسمج من كفر ،
فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأنزل : (وَمَنْ أَحْسَنُ
قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً) الآية.
وروى الواحدي عن
الكلبي قال : «كان منادي الرسول صلىاللهعليهوسلم إذا نادى الى الصلاة فقام المسلمون إليها قالت اليهود :
قوموا صلّوا ، واركعوا ، على طريق الاستهزاء ، والضحك ، فأنزل الله تعالى هذه
الآية».
الآية : ٥٩. قوله
تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ
الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ
إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ).
روى أبو الشيخ ،
وابن حبّان عن ابن عباس قال : «أتى النبي صلىاللهعليهوسلم نفر من اليهود فيهم : أبو ياسر بن أخطب ، ونافع بن أبى
نافع ، وغازي بن عمرو ، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ، قال : أومن بالله ، وما
أنزل الى إبراهيم ، واسماعيل ، واسحاق ، ويعقوب ، والأسباط ، وما أوتي
موسى ، وعيسى ،
وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ، ونحن له مسلمون. فلما ذكر عيسى
جحدوا نبوّته ، وقالوا : لا نؤمن بعيسى ، ولا بمن آمن به ، فأنزل الله فيهم : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ
تَنْقِمُونَ مِنَّا) الآية.
الآية : ٦٤. قوله
تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ
يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ
مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) الآية.
أخرج الطبراني عن
ابن عباس قال : «قال رجل من اليهود يقال له النّباش بن قيس : إن ربك بخيل لا ينفق
، فأنزل الله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ
يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) وفي فنحاص رأس
يهود قينقاع في رواية أبي الشيخ الآية : ٦٧. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما
أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ).
أخرج أبو الشيخ عن
الحسن أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعا ، وعرفت أن
الناس مكذبي ، فوعدني لأبلغن ، أو ليعذبني.
الآية : ٦٧. قوله
تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ
مِنَ النَّاسِ)
أخرج الواحدي عن عائشة
(رضي الله عنها) قالت : «سهر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات ليلة ، فقلت : يا رسول الله ، ما شأنك؟! قال : ألا رجل
صالح يحرسنا الليلة ، فقالت : بينما نحن فى ذلك سمعت صوت السلاح ، فقال من هذا؟
قال : سعد ، وحذيفة ، جئنا نحرسك ، فنام رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى سمعت غطيطه ، ونزلت هذه الآية ، فأخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأسه من قبة أدم ، وقال : «انصرفوا يا أيها الناس فقد
عصمني الله».
وروى الواحدي عن
عكرمة عن ابن عباس قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويحرس ، وكان يرسل معه أبو طالب رجالا من بني هاشم يحرسونه
حتى نزلت عليه هذه
الآية (يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الى قوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ
مِنَ النَّاسِ) قال : فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه ، فقال : يا عمّ ،
إن الله قد عصمني من الجن ، والأنس.
وأخرج ابن حبان فى
صحيحه عن أبي هريرة قال : «كنا إذا أصبحنا ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم فى سفر تركنا له أعظم شجرة ، وأظلّها فينزل تحتها ، فنزل
ذات يوم تحت شجرة ، وعلّق سيفه فيها ، فجاء رجل فأخذه ، وقال : يا محمد ، ما يمنعك
مني ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الله يمنعني منك ، ضع السيف ، فوضعه ، فنزلت : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)
الآية : ٦٨. قوله
تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ
الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما
أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ
الْكافِرِينَ).
روى ابن جرير ،
وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : «جاء رافع ، وسلام بن مشكم ، ومالك بن الصيف ،
فقالوا : يا محمد ، ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ، ودينه ، وتؤمن بما عندنا؟ قال
: بلى ، ولكنكم أحدثتم ، وجحدتم بما فيها ، وكتمتم ما أمرتم أن تبيّنوه للناس.
قالوا : فإنا نأخذ بما فى أيدينا ، فإنا على الهدى ، والحق. فأنزل الله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى
شَيْءٍ) الآية.
الآيتان : ٨٢ ـ ٨٣.
قوله تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ
النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا
وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا
نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا
يَسْتَكْبِرُونَ ، وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى
أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ
رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن سعيد بن المسيب ، وأبي بكر بن عبد الرحمن ، وعروة ابن الزبير قالوا : «بعث رسول
الله صلىاللهعليهوسلم عمرو بن أمية الضمري ، وكتب معه كتابا الى النجاشي ، فقدم
على النجاشي فقرأ كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم دعا جعفر بن أبي طالب ، والمهاجرين معه ، وأرسل الى
الرهبان ، والقسيسين ، ثم أمر جعفر بن أبي طالب ، فقرأ عليهم سورة مريم ، فآمنوا
بالقرآن ، وفاضت أعينهم من الدمع ، فهم الذين أنزل الله فيهم : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً) الى قوله : (فَاكْتُبْنا مَعَ
الشَّاهِدِينَ).
وروى ابن أبي حاتم
عن سعيد بن جبير قال : «بعث النجاشي ثلاثين رجلا من خيار أصحابه الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقرأ عليهم سورة «يس» فبكوا ، فنزلت فيهم الآية».
وروى الواحدي : «قدم
جعفر بن أبي طالب من الحبشة هو وأصحابه ، ومعهم سبعون رجلا بعثهم النجاشي وفدا الى
رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليهم ثياب الصوف : اثنان وستون من الحبشة ، وثمانية من أهل
الشام وهم : بحيرا الراهب ، إبراهيم ، وإدريس أشرف ، وتمام ، وقثم ، وذر ، وأيمن ،
فقرأ عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم سورة «يس» الى آخرها ، فبكوا حين سمعوا القرآن ، وآمنوا ،
وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآيات».
الآية : ٨٧ ـ ٨٨.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا
تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ، وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ
اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ).
روى الواحدي عن
عكرمة عن ابن عباس : «أن رجلا أتى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقال : «إني إذا أكلت هذا اللحم ، انتشرت الى النساء ،
وإني حرّمت علي اللحم فنزلت : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ)
ونزلت : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ
حَلالاً طَيِّباً).
وروى الواحدي ،
وابن جرير ، وابن عساكر ، والسدي عن ابن عباس ، والمفسرين : «جلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما فذكر الناس ، ووصف القيامة ، ولم يزدهم على التخويف ،
فرقّ الناس ، وبكوا ، فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي ، وهم
: أبو بكر الصديق ، وعلي بن ابي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ،
وأبو ذر الغفاري ، وسالم مولى أبي حذيفة ، والمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ،
ومعقل بن مضر ، واتفقوا على أن يصوموا النهار ، ويقوموا الليل ، ولا يناموا على
الفرش ، ولا يأكلوا اللحم ، ولا الودك ، ويترهبوا ويجبّوا المذاكير ، فبلغ ذلك
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : ألم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا ، وكذا؟! فقالوا :
بلى يا رسول الله ، وما أردنا إلا الخير ، فقال : إني لم أومر بذلك ، إن لأنفسكم
عليكم حقّا ، فصوموا وافطروا ، وقوموا ، وناموا ، فإنى أقوم ، وأنام ، وأصوم ،
وأفطر ، وآكل اللحم والدسم ، ومن رغب عن سنتي فليس مني ، ثم خرج الى الناس ،
وخطبهم فقال : ما بال أقوام حرّموا النساء ، والطعام ، والطيب ، والنوم ، وشهوات
الدنيا ، أما أني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ، ورهبانا ، فإنه ليس في ديني ترك
اللحم ، والنساء ، ولا اتخاذ الصوامع ، وإن سياحة أمتي الصوم ، ورهبانيتها الجهاد
، واعبدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا ، وحجوا ، واعتمروا ، وأقيموا الصلاة ، وآتوا
الزكاة ، وصوموا رمضان ، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شدّدوا على أنفسهم
فشدد الله عليهم ، فأولئك بقاياهم في الديارات ، والصوامع ، فأنزل الله تعالى هذه
الآية فقالوا : «يا رسول الله ، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها ـ وكانوا
حلفوا على ما عليه اتفقوا ـ فأنزل الله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ).
الآية : ٩٠ ـ ٩١.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ
رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، إِنَّما
يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ
أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).
روى الواحدي عن
سعيد بن أبي وقاص قال : «أتيت على نفر من المهاجرين ، فقالوا : تعال نطعمك ،
ونسقيك خمرا ـ وذلك قبل أن يحرم الخمر ـ فأتيتهم في حش ـ والحش هو البستان ـ وإذا
رأس جزور مشويا عندهم ، ودنّ من خمر ، فأكلت ، وشربت معهم ، وذكرت الأنصار ،
والمهاجرين ، فقلت : المهاجرون خير من الأنصار ، فأخذ الرجل لحى الرأس ، فجذع أنفي
بذلك ، فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأخبرته ، فأنزل الله تعالى ، فى شأن الخمر : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الآية. رواه مسلم عن أبى حنيفة.
وروى الواحدي عن
عمر بن الخطاب قال : «اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت الآية التي في
البقرة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) فدعى عمر ، فقرأت عليه ، فقال : اللهم بيّن لنا من الخمر
بيانا شافيا ، فنزلت الآية التي في النساء : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) فكان منادي رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أقام الصلاة ينادي : لا يقربن الصلاة سكران ، فدعي عمر
، فقرأت عليه ، فقال : اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت هذه الآية : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) فدعي عمر ، فقرأت عليه ، فلما بلغ : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) قال عمر : انتهينا».
الآية : ٩٣. قوله
تعالى : (لَيْسَ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا
اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَ
اتَّقَوْا
وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
روى مسلم عن أبي
الربيع ، وروى البخاري عن أبي نعمان عن حماد عن أنس قال : «كنت ساقي القوم يوم
حرمت الخمر في بيت أبي طلحة ، وما شرابهم الّا الفضيخ ، والبسر ، والتّمر ، وإذا
مناد ينادي : إن الخمر قد حرمت. قال : فأريقت في سكك المدينة ، فقال أبو طلحة :
أخرج فأرقها؟ قال : فأرقتها ، فقال بعضهم : قتل فلان ، قتل فلان ، وهي في بطونهم.
قال : فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) الآية.
الآية : ١٠٠. قوله
تعالى : (قُلْ لا يَسْتَوِي
الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ
يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
أخرج الواحدي ،
والاصبهاني في (الترغيب) عن جابر : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم ذكر تحريم الخمر ، فقام أعرابي ، فقال : إني كنت رجلا كانت
هذه تجارتي ، فاعتقبت منها مالا ، فهل ينفع ذلك المال ، إن عملت بطاعة الله تعالى
، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : إن الله لا يقبل إلّا الطيب ، فأنزل الله تعالى تصديقا
لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ لا يَسْتَوِي
الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ). الآية.
الآية : ١٠١. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ
وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ
عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ).
روى البخارى عن
انس بن مالك قال : «خطب النبي صلىاللهعليهوسلم خطبة فقال رجل : من أبي؟ قال فلان ، فنزلت هذه الآية».
وروى البخاري عن
ابن عباس قال : «كان قوم يسألون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، استهزاء ، فيقول الرجل : من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته
: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ) حتى فرغ من الآية
كلها.
وروى أحمد ،
والترمذي ، والحاكم عن عليّ قال : لمّا نزلت : (وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ). قالوا يا رسول الله ، في كل عام؟ فسكت قالوا : يا رسول
الله ، في كل عام؟ قال : لا ، ولو قلت نعم ، لو حسبت ، فأنزل الله ، : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ
تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ).
الآيات : ١٠٦ ـ ١٠٨.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ
الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ
أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ
تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا
نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ
إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) الآيات.
أخرج الواحدي عن
ابن عباس قال : «كان تميم الداري ، وعدي بن زيد يختلفان الى مكة ، فصحبهما رجل من
قريش من بني سهل ، فمات بأرض ليس بها أحد من المسلمين ، فأوصى إليهما بتركته ،
فلما قدما دفعاها الى أهله ، وكتما جاما كان معه من فضة كان مخوصا بالذهب ، فقالا
: لم نره ، فأتي بهما الى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فاستحلفهما بالله ما كتما ، ولا اطلعا ، وخلّى سبيلهما ،
ثم إن الجام وجد عند قوم من أهل مكة ، فقالوا : ابتعناه من تميم الداري ، وعدي بن
زيد ، فقام أولياء السهمي ، فأخذوا الجام ، وحلف رجلان منهم بالله ، إن هذا الجام
جام صاحبنا ، وشهادتنا أحق من شهادتهما ، وما اعتدينا ، فنزلت هاتان الآيتان : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ
بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) الى آخرها.
سورة الأنعام
الآية : ٧. قوله
تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا
عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).
روى الواحدي عن
الكلبي ، قال : إنّ مشركي مكّة قالوا : يا محمد ، والله ، لا نؤمن لك حتى تأتينا
بكتاب من عند الله ، ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله ، وأنك رسوله
، فنزلت هذه الآية.
الآية : ١٣. قوله
تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي
اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
روى الواحدي عن
الكلبي عن ابن عباس قال : «إنّ كفّار مكة أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : يا محمد ، إنا قد علمنا أنه إنّما يحملك على ما
تدعو إليه الحاجة ، فنحن نجعل لك نصيبا في أموالنا حتى تكون أغنانا رجلا ، وترجع
عما أنت عليه ، فنزلت هذه الآية».
الآية : ١٩. قوله
تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ
أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ
هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ
أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ
وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ).
روى الواحدي عن
الكلبي قال : إن رؤساء مكة قالوا : يا محمد ، ما نرى أحدا يصدّقك بما تقول من أمر
الرسالة ، لقد سألنا عنك اليهود والنّصارى ، فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ، ولا صفة
، فأرنا من يشهد لك أنك رسول كما تزعم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ٢٥. قوله
تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ
يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ
وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا
بِها
حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا
أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
روى الواحدي من
رواية أبي صالح عن ابن عباس قال : «إنّ أبا سفيان بن حرب ، والوليد بن المغيرة ،
والنضر بن الحارث ، وعتبة ، وشيبة ابني ربيعة ، وأميّة ، وأبيّ بن خلف استمعوا إلى
رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا للنضر : يا أبا قتيلة ، ما يقول محمد؟! قال : والذي
جعلها بيته ، ما أدري ما يقول ، إلا أني أرى يحرك شفتيه يتكلم بشيء ، وما يقول
إلّا أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية ، وكان النضر كثير
الحديث عن القرون الأولى ، وكان يحدّث قريشا فيستملحون حديثه ، فأنزل الله تعالى
هذه الآية».
الآية : ٢٦. قوله
تعالى : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ
عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما
يَشْعُرُونَ).
روى الواحدي عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ
عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ). قال : «انزلت في أبي طالب ، كان ينهى المشركين أن يؤذوا
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويتباعد عما جاء به ، وهو قول عمرو بن دينار ، والقاسم
بن مخيمر ، قال مقاتل : وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام ، فاجتمعت قريش عند
أبي طالب يردون سؤال الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فقال أبو طالب :
والله ما وصلوا
إليك بجمعهم
|
|
حتى أوسد في التراب
دفينا
|
فاصدع بأمرك ما
عليك غضاضة
|
|
وابشر وقر بذلك
منك عيونا
|
وعرضت دينا لا
محالة أنه
|
|
من خير أديان
البرية دينا
|
لو لا الملامة
أو حذاري سبّة
|
|
لوجدتني سمحا
بذلك مبينا
|
فأنزل الله تعالى
: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ
عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ).
وروى الواحدي عن
محمد بن الحنفية ، والسدي ، والضحاك : «نزلت في كفار مكة كانوا ينهون الناس عن
اتباع محمد صلىاللهعليهوسلم ، ويتباعدون بأنفسهم عنه ، وهو قول ابن عباس».
الآية : ٣٣. قوله
تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ
إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ
الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ).
روى الترمذي ،
والحاكم عن عليّ : «أن أبا جهل قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : إنّا لا نكذبك ، ولكن نكذّب بما جئت به ، فأنزل الله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ
الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ).
الآيتان : ٥٢ ـ ٥٣.
قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما
عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ
فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ، وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ
بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ
اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ).
روى ابن حبّان ،
والحاكم عن سعد بن أبي وقّاص قال : لقد نزلت هذه الآية في ستة : أنا ، وعبد الله بن
مسعود ، وأربعة ، قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أطردهم ، فإنا نستحيي أن نكون تبعا لك كهؤلاء ، فوقع في
نفس النبي صلىاللهعليهوسلم ما شاء الله ، فأنزل الله : (وَلا تَطْرُدِ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) إلى قوله : (أَلَيْسَ اللهُ
بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)
وروى الواحدي عن
خباب بن الأرت قال : فينا نزلت ، كنا ضعفاء عند النبي صلىاللهعليهوسلم بالغداة ، والعشيّ فعلّمنا القرآن ، والخير ، وكان يخوفنا
بالجنّة ، والنّار ، وما ينفعنا ، والموت ، والبعث ، فجاء الأقرع بن حابس التميمي
، وعيينة بن حصن الفزاري ، فقالا : إنّا من أشراف قومنا ، وإنّا نكره أن يرونا
معهم ، فاطردهم إذا جالسناك. قال : نعم. قالوا : لا نرضى حتى نكتب بيننا كتابا ،
فأتى بأديم ، ودواة ، فنزلت
هؤلاء الآيات : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ
حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ
فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ، وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ).
الآية : ٥٤. قوله
تعالى : (وَإِذا جاءَكَ
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى
نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ
مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
أخرج الفريابي ،
وابن أبي حاتم عن ماهان قال : «جاء ناس إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : إنّا أصبنا ذنوبا عظاما فما ردّ عليهم شيئا ،
فأنزل الله : (وَإِذا جاءَكَ
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا). الآية.
وأخرج الواحدي عن
عكرمة قال : نزلت في الذين نهى الله تعالى نبيّه صلىاللهعليهوسلم عن طردهم ، فكان إذا رآهم النبي صلىاللهعليهوسلم ، بدأهم بالسلام ، وقال : الحمد لله الذي جعل في أمّتي من
أمرني أن أبدأهم بالسلام».
الآية : ٩١. قوله
تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ
حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ
أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ
تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ
تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ
يَلْعَبُونَ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن سعيد بن جبير قال : «جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف ، فخاصم النبي صلىاللهعليهوسلم فقال له النبي : أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى ، هل
تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين ـ وكان حبرا سمينا ـ فغضب ، وقال : ما
أنزل الله على بشر من شيء ، فقال له أصحابه : ويحك!! ولا على موسى ، فأنزل الله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
وأخرج الواحدي من
رواية الوالبي عن ابن عباس قال : «قالت اليهود : يا محمد ، أنزل الله عليك كتابا؟
قال : نعم. قالوا : والله ، ما
أنزل الله من
السماء كتابا ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ
الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ)
الآية : ٩٣. قوله
تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ
إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ).
أخرج ابن جرير عن
عكرمة في قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ
إِلَيْهِ شَيْءٌ).
قال : «نزلت في
مسيلمة ، ومن قال : (سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما
أَنْزَلَ اللهُ) قال : نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي السرح ، كان يكتب
للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فيملي عليه : (عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فيكتب (غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، ثم يقرأ عليه ، فيقول : نعم سواء ، فرجع عن الإسلام ،
ولحق بقريش».
الآية : ٩٤. قوله
تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا
فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ
ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ
فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ
تَزْعُمُونَ).
أخرج ابن جرير
وغيره عن عكرمة قال : قال النضر بن الحارث : سوف تشفع لي اللّات ، والعزّى ، فنزلت
هذه الآية : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا
فُرادى) إلى قوله : (شُرَكاءُ).
الآية : ١٠٠. قوله
تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ
شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ).
روى الواحدي عن
الكلبي ، قال : «نزلت هذه الآية في الزنادقة ، قالوا : إنّ الله تعالى ، وإبليس
أخوان ، والله خالق النّاس ، والدواب ، وإبليس خالق الحيات ، والسباع ، والعقارب ،
فذلك قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ
شُرَكاءَ الْجِنَ).
الآية : ١٠٨. قوله
تعالى : (وَلا تَسُبُّوا
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ
كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ
فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
أخرج الواحدي من
رواية الوالبي عن ابن عباس قال : قالوا : يا محمد ، لتنتهينّ عن سبك آلهتنا ، أو
لنهجونّ ربك ، فنهى الله أن يسبوا أوثانهم ، فيسبوا الله عدوا بغير علم».
أخرج السيوطي : «قال
عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن قتادة قال : كان المسلمون يسبون أصنام الكفار ، فيسب
الكفار الله ، فأنزل الله : (وَلا تَسُبُّوا
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الآية.
الآية : ١٠٩ ـ ١١١.
قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ
جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا
الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ،
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ
مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ، وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا
إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ
شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ).
أخرج ابن جرير عن
محمد بن كعب القرظي قال : «كلّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم قريشا ، فقالوا : يا محمد ، تخبرنا أن موسى كان معه عصا
يضرب بها الحجر ، وأن عيسى كان يحيي الموتى ، وأن ثمود لهم الناقة ، فأتنا من
الآيات حتى نصدّقك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أي شيء تحبون أن آتيكم به؟ قالوا : تجعل لنا الصفا ذهبا.
قال : فإن فعلت تصدّقوني؟ قالوا : نعم ، والله ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدعو فجاءه جبريل ، فقال له : إن شئت أصبح ذهبا ، فإن لم
يصدّقوا عند ذلك لنعذبنهم ، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم ، فأنزل الله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ
أَيْمانِهِمْ) إلى قوله : (يَجْهَلُونَ).
الآية : ١٢١. قوله
تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا
مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ).
روى الواحدي : «قال
المشركون : يا محمد ، أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها ، قال : الله قتلها.
قالوا : فتزعم أن ما قتلت أنت ، وأصحابك حلال ، وما قتل الكلب ، والصقر حلال ، وما
قتله الله حرام ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
الآية : ١٢١. قوله
تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ
لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ
لَمُشْرِكُونَ).
أخرج أبو داود ،
والحاكم ، وغيرهما ، عن ابن عباس قال في قوله : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ
لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) قال : قالوا : ما ذبح الله لا تأكلون ، وما ذبحتم أنتم
تأكلون ، فأنزل الله تعالى الآية».
وأخرج الطبراني ،
وغيره عن ابن عباس قال : «لما نزلت : (وَلا تَأْكُلُوا
مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) أرسلت فارس إلى قريش : أن خاصموا محمدا ، فقولوا له : ما
تذبح أنت بيدك بسكين ، فهو حلال ، وما ذبح الله بشمشار من ذهب ـ يعني الميتة ـ فهو
حرام! ، فنزلت هذه الآية : (إِنَّ الشَّياطِينَ
لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) قال : الشياطين : فارس ، وأولياؤهم ، قريش».
الآية : ١٢٢. قوله
تعالى : (أَوَمَنْ كانَ
مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ
مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ
ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
روى الواحدي عن
ابن عباس قال : «يريد حمزة عن عبد المطلب ، وأبا جهل ، وذلك أنا أبا جهل رمى رسول
الله صلىاللهعليهوسلم بفرث ، وحمزة لم يؤمن بعد ، فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل ،
وهو راجع من قنصه ،
وبيده قوس ، فأقبل
غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس ، وهو يتضرع إليه ويقول : يا أبا يعلى ، أما ترى ما
جاء به : سفّه عقولنا ، وسبّ آلهتنا ، وخالف آباءنا!! قال حمزة : ومن أسفه منكم ،
تعبدون الحجارة من دون الله ، أشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له ، وأن محمدا
عبده ورسوله ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ١٤١. قوله
تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ
يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا).
أخرج ابن جريج : «أنها
نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جدّ نخلة فأطعم حتى أمسى ، وليست له ثمرة».
ـ سورة الأعراف ـ
الآية : ٣١ ـ ٣٢.
قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي
أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا
فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
روى الواحدي عن
عكرمة عن ابن عباس قال : «كان ناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة حتى أن كانت
المرأة لتطوف بالبيت ، وهي عريانة ، فتعلق على سفلاها سيورا مثل هذه السيور التي
تكون على وجوه الحمر من الذباب ، وهي تقول :
اليوم يبدو بعضه
أو كله
|
|
وما بدا منه فلا
أحلّه.
|
فأنزل الله تعالى
على نبيه صلىاللهعليهوسلم : (يا بَنِي آدَمَ
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فأمروا بلبس الثياب.
وروى مسلم عن
بندار عن غندر عن شعبة عن سلمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : «كانت المرأة
تطوف بالبيت في الجاهلية ، وهي عريانة ، وعلى فرجها خرقة ، وهي تقول :
اليوم يبدو كله
أو بعضه
|
|
وما بدا منه فلا
أحله
|
فنزلت : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ
مَسْجِدٍ) ونزلت : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ
زِينَةَ اللهِ) الآيتان.
وروى الواحدي عن
الكلبي قال : «كان أهل الجاهلية لا يأكلون من الطعام إلّا قوتا ، ولا يأكلون دسما
في أيام حجهم ، يعظمون بذلك حجهم ، فقال المسلمون : يا رسول الله ، نحن أحق بذلك ،
فأنزل الله تعالى : (كُلُوا) ـ أي اللحم والدسم ـ (وَاشْرَبُوا).
الآية : ١٧٥. قوله
تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ
نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا
فَانْسَلَخَ
مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ).
روى الواحدي عن
ابن مسعود قال : «نزلت في بلعم بن باعورا رجل من بني اسرائيل.
وقال ابن عباس ،
وغيره من المفسرين : «هو بلعم بن باعورا. وقال الوالبي : هو رجل من مدينة الجبارين
، يقال له بلعم ، وكان يعلم اسم الله الأعظم ، فلما نزل بهم موسى عليهالسلام أتاه بنو عمه ، وقومه ، وقالوا : إن موسى رجل حديد ، ومعه
جنود كثيرة ، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا ، فادع الله أن يرد عنا موسى ، ومن معه.
قال : إني إن دعوت الله أن يرد موسى ، ومن معه ذهبت دنياي ، وآخرتي ، فلم يزالوا
به حتى دعا عليهم ، فسلخه مما كان فيه ، فذلك قوله : (فَانْسَلَخَ مِنْها).
وروى الواحدي عن
عبد الله بن عمرو بن العاص ، وزيد بن أسلم قالا : «نزلت في أميّة بن أبي الصلت
الثقفي ، وكان قد قرأ الكتب ، وعلم أن الله مرسل رسولا في ذلك الوقت ، ورجا أن
يكون هو ذلك الرسول ، فلما أرسل محمدا صلىاللهعليهوسلم حسده ، وكفر به».
وروى الواحدي عن
عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال : «هو رجل أعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيها ،
كانت له امرأة يقال لها البسوس ، وكان له منها ولد ، وكانت له محبة ، فقالت : اجعل
لي منها دعوة واحدة؟ قال : لك واحدة ، فما ذا تأمرين؟ قالت : أدع الله أن يجعلني
أجمل امرأة في بني اسرائيل ، فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه ، وأرادت شيئا
آخر ، فدعا الله عليها أن يجعلها كلبة نبّاحة ، فذهبت فيها دعوتان ، وجاء بنوها ،
فقالوا : ليس لنا على هذا قرار ، قد صارت أمّنا كلبة نباحة يعيرنا بها الناس ،
فادع الله أن يردها الى الحال التي كانت عليها ، فدعا الله ، فعادت كما كانت.
وذهبت الدعوات الثلاث ، وهي البسوس ، وبها يضرب المثل في الشؤم ، فيقال :
أشأم من البسوس».
الآية : ١٨٧. قوله
تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها
لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ
إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها
عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
أخرج ابن جرير ،
وغيره عن ابن عباس قال : «قال جبل بن أبي قشير ، وسموأل بن زيد لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا كما تقول؟ فإنّا نعلم متى
هي ، فأنزل الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) الآية.
وروى الواحدي عن
قتادة : «قالت قريش لمحمد : إن بيننا ، وبينك قرابة فأسر إلينا متى تكون الساعة؟
فأنزل الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ).
الآية : ١٨٨. قوله
تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ
لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ
الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا
إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
روى الواحدي عن
الكلبي قال : «إنّ أهل مكة قالوا : يا محمد ، ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن
يغلو ، فتشترى ، فتربح ، وبالأرض التي يريد أن تجدب ، فترحل عنها الى ما قد أخصب ،
فأنزل الله تعالى هذه الآية.
الآيات ١٨٩ ، ١٩٠
، ١٩١. قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها
فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا
أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ
الشَّاكِرِينَ ، فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما
فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً
وَهُمْ
يُخْلَقُونَ).
روى الواحدي عن
مجاهد قال : «كان لا يعيش لآدم ، وامرأته ولد ، فقال لهما الشيطان : إذا ولد لكما
ولد ، فسمّياه عبد الحرث ، وكان اسم الشيطان قبل ذلك الحرث ـ ففعلا ، فذلك قوله
تعالى : (فَلَمَّا آتاهُما
صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) الآية».
الآية : ٢٠٤. قوله
تعالى : (وَإِذا قُرِئَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
أخرج ابن أبي حاتم
وغيره عن أبي هريرة قال : «نزلت : (وَإِذا قُرِئَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). في رفع الأصوات في الصلاة خلف النبي صلىاللهعليهوسلم.»
وروى الواحدي عن
قتادة : «كانوا يتكلمون في صلاتهم في أول ما فرضت ، وكان الرجل يجيء ، فيقول
لصاحبه : كم صليتم؟ فيقول : كذا ، وكذا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
وروى الواحدي عن
الزهري : «نزلت في فتى من الأنصار ، كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم كلّما قرأ شيئا قرأ هو ، فنزلت هذه الآية».
وروى الواحدي عن
ابن عباس : «إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ في الصلاة المكتوبة ، وقرأ أصحابه وراءه رافعين
أصواتهم ، فخلطوا عليه ، فنزلت هذه الآية».
وروى الواحدي عن
سعيد بن جبير ، ومجاهد وعطاء ، وعمرو بن دينار ، وجماعة قالوا : «نزلت في الإنصات
للإمام في الخطبة يوم الجمعة».
ـ سورة الأنفال ـ
الآية : ١. قوله
تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا
ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
روى أبو داود ،
والنسائي ، وابن حبان ، والحاكم ، عن ابن عباس قال : «قال النبي صلىاللهعليهوسلم : من قتل قتيلا ، فله كذا ، وكذا ، ومن أسر أسيرا فله كذا
، وكذا ، فأمّا المشيخة ، فثبتوا تحت الروايات ، وأما الشبان ، فسارعوا إلى القتل
، والغنائم ، فقالت المشيخة للشبان : أشركونا معكم ، فإنّا كنا لكم ردءا ، ولو كان
منكم شيئا للجأتم إلينا ، فاختصموا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ).
وروى أحمد عن سعد
بن أبي وقاص قال : «لما كان يوم بدر قتل أخي عمير فقتلت به سعيد بن العاص ، وأخذت
سيفه ، فأتيت به النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : اذهب ، فاطرحه في القبض ، فرجعت ، وبي ما لا يعلمه
إلا الله من قتل أخي ، وأخذ سلبي ، فما جاوزت إلا يسيرا حتى نزلت سورة الأنفال ،
فقال لي النبي صلىاللهعليهوسلم : اذهب فخذ سيفك».
وروى أبو داود ،
والترمذي ، والنّسائي عن سعد قال : «لما كان يوم بدر جئت بسيف ، فقلت : يا رسول
الله ، إن الله قد شفى صدري من المشركين ، هب لي هذا السيف ، فقال : هذا ليس لي ،
ولا لك ، فقلت : عسى أن يعطى هذا من لا يبلي بلائي ، فجاءنا الرسول صلىاللهعليهوسلم فقال : إنّك سألتني ، وليس لي ، وإنه قد صار لي ، وهو لك.
قال : فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْأَنْفالِ) الآية».
وأخرج ابن جرير عن
مجاهد : «أنهم سألوا النبي صلىاللهعليهوسلم عن الخمس بعد
الأربعة أخماس ،
فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْأَنْفالِ) الآية».
الآية : ٥. قوله
تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ
رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
لَكارِهُونَ).
أخرج ابن أبي حاتم
، وابن مردويه ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : «قال لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ونحن بالمدينة ـ وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت ـ فقال
: ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ، ويسلمناها ، فخرجنا فسرنا يوما ، أو يومين ،
فقال : ما ترون فيهم؟ فقلنا : يا رسول الله ، ما لنا طاقة بقتال القوم إنما خرجنا
للعير. فقال المقداد : لا تقولوا كما قال قوم موسى : اذهب أنت ، وربك فقاتلا إنّا
هاهنا قاعدون ، فأنزل الله : (كَما أَخْرَجَكَ
رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
لَكارِهُونَ).
الآية : ٩. قوله
تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ
مُرْدِفِينَ).
روى الترمذي عن
عمر بن الخطاب قال : «نظر النبي صلىاللهعليهوسلم الى المشركين ، وهم : ألف ، وأصحابه : ثلاثمائة ، وبضعة
عشر رجلا ، فاستقبل القبلة ثم مدّ يديه ، وجعل يهتف بربه : اللهم انجز لي ما
وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الاسلام لا تعبد في الأرض. فما زال
يهتف بربه ما ذا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه ، فأتاه أبو بكر ، فأخذ رداءه ،
وألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه ، وقال : يا نبي الله ، كفاك ، مناشدتك ربك
، فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ
مُرْدِفِينَ) فأمدهم الله بالملائكة».
الآية : ١٧. قوله
تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) وروى الحاكم عن
سعيد بن المسيّب عن أبيه قال : «أقبل أبيّ بن
خلف يوم أحد الى
النبي صلىاللهعليهوسلم ، فخلّوا سبيله ، فاستقبله مصعب بن عمير ، ورأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ترقوة أبيّ من فرجة بين سابغة الدرع ، والبيضة فطعنه
بحربته ، فسقط عن فرسه ، ولم يخرج من طعنته دم ، فكسر ضلع من أضلاعه ، فأتاه
أصحابه ، وهو يخور خوار الثّور ، فقالوا له : ما أعجزك!! إنه خدش ، فذكر لهم قول
الرسول صلىاللهعليهوسلم : «بل أنا أقتل أبيّ». ثم قال : والذي نفسي بيده لو كان
هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين ، فمات أبيّ قبل أن يقدم مكة ، فأنزل
الله (وَما رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).
وروى صفوان بن
عمرو عن عبد العزيز بن جبير ، «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم خيبر دعا بقوس طويلة ، فقال : جيئوني بقوس غيرها ،
فجاءوه بقوس كبداء ، فرمى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الحصن ، فأقبل السهم يهوي حتى قتل كنانة بن أبي الحقيق ،
وهو على فراشه ، فأنزل الله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).
وروى الواحدي : «أن
أكثر أهل التفسير : «أن الآية نزلت في رمي النبي صلىاللهعليهوسلم القبضة من حصباء الوادى يوم بدر حين قال في المشركين : شاهت
الوجوه ، ورماهم بتلك القبضة فلم يبق عين مشرك إلّا دخلها منه شيء».
الآية : ١٩. قوله
تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا
فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ
تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ
وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ).
روى الحاكم في
صحيحه عن القطيعي عن ابن حنبل عن أبيه عن يعقوب عن أبيه عن صالح عن ابن شهاب عن
عبد الله بن ثعلبة بن صغير قال : «كان المستفتح أبا جهل ، وإنه قال حين التقى
بالقوم : اللهم أيّنا كان أقطع للرحم ، وأتانا بما لم نعرف ، فافتح له الغداة ، وكان
ذلك استفتاحه ،
فأنزل الله تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا
فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) الى قوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ مَعَ
الْمُؤْمِنِينَ).
وروى الواحدي عن
السدي ، والكلبي قالا : «كان المشركون حين خرجوا الى النبي صلىاللهعليهوسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة ، وقالوا : اللهم انصر أعلى
الجندين ، وأهدى الفئتين ، وأكرم الحزبين ، وأفضل الدينين ، فأنزل الله تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) الآية».
الآية : ٢٧. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
روى سعيد بن منصور
، وغيره عن عبد الله بن قتادة ، وروى الواحدي : «نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر
الأنصاري ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة ، فسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير على أن
يسيروا الى إخوانهم بأذرعات ، وأريحا من أرض الشام ، فأبى أن يعطيهم ذلك الّا أن
ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأبوا ، وقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة ـ وكان
مناصحا لهم ـ لأن عياله ، وماله ، وولده كانت عندهم ، فبعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأتاهم ، فقالوا : يا أبا لبابة ، ما ترى؟ أننزل على حكم
سعد بن معاذ؟؟ فأشار أبو لبابة بيده الى حلقه : إنه الذبح ، فلا تفعلوا. قال أبو
لبابة : والله ، ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ، ورسوله ، فنزلت فيه هذه
الآية. فلما نزلت شدّ نفسه على سارية من سواري المسجد ، وقال : والله ، لا أذوق
طعاما ، ولا شرابا حتى أموت ، أو يتوب الله عليّ ، فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها
طعاما حتى خرّ مغشيا عليه ، ثم تاب الله عليه ، فقيل له : يا أبا لبابة ، قد تيب
عليك ، فقال : لا والله ، لا أحلّ نفسي حتى يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو الذى يحلني ، فجاءه ، فحله بيده ، ثم قال أبو لبابة :
إن من تمام توبتي أن
أهجر دار قومي
التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالى ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يجزيك الثلث أن تتصدق به».
الآية : ٣٠. قوله
تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن عباس : «أن نفرا من قريش ، ومن أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا في دار
الندوة ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل ، فلما رأوه قالوا : من أنت؟! قال : شيخ
من أهل نجد سمعت بما اجتمعتم له ، فأردت أن أحضركم ، ولن يعدمكم منى رأي ، ونصح.
قالوا : أجل فادخل. فدخل معهم ، فقال : انظروا في شأن هذا الرجل ، قال قائل :
احبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء :
زهير ، والنابغة ، فإنما هو كأحدهم. فقال عدو الله الشيخ النجدي : لا والله ، ما
هذا لكم برأي ، والله ليخرجن رائد من محبسه الى أصحابه فليوشكن أن يكونوا عليه ،
فيأخذوه من أيديكم ثم يمنعوه منكم ، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم ، فانظروا
غير هذا الرأي.
فقال قائل :
أخرجوه من بين أظهركم ، واستريحوا منه ، فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع ، فقال
الشيخ النجدي ، والله ، ما هذا لكم برأي ، ألم تروا حلاوة قوله ، وطلاقة لسانه ،
وأخذه للقلوب بما يستمع من ـ حديثه ، والله ، لان فعلتم ثم استعرض العرب ، ليجتمعن
عليكم ثم ليسيرن إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ، ويقتل أشرافكم. قالوا : صدق والله ،
فانظروا رأيا غير هذا. فقال أبو جهل : والله ، لأشيرن عليكم برأي ما أراكم
أبصرتموه بعد ، ما أرى غيره. قالوا : وما هذا؟! قال : تأخذوا من كل قبيلة وسيطا
شابا جلدا ، ثم يعطى كل غلام منهم سيفا صارما ثم يضربونه ضربة رجل
واحد ، فإذا
قتلتموه تفرّق دمه في القبائل كلها ، فلا أظن هذا الحي من بنى هاشم يقدرون على حرب
قريش كلهم ، وإنهم إذا رأوا ذلك ، قبلوا العقل ، واسترحنا ، وقطعنا عنا أذاه. فقال
الشيخ النجدي : هذا والله ، هو الرأي ، القول ما قال الفتى لا أرى غيره ، فتفرقوا
عى ذلك ، وهم مجمعون له. فأتى جبريل النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأمره ألّا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت ، وأخبره بمكر
القوم ، فلم يبت الرسول صلىاللهعليهوسلم في بيته تلك الليلة ، وأذن الله له عند ذلك بالخروج ، وأنزل
عليه بعد قدومه المدينة يذكر نعمته عليه : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية».
الآية : ٣١. قوله
تعالى : (وَإِذا تُتْلى
عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ
هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
أخرج ابن جرير عن
سعيد بن جبير قال : «قتل النبي صلىاللهعليهوسلم يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط ، وطعيمة بن عدي ، والنّضر
بن الحارث ـ وكان المقداد أسر النضر ـ فلما أمر بقتله قال المقداد : يا رسول الله
، أسيري! فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول. قال : وفيه نزلت هذه
الآية : (وَإِذا تُتْلى
عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا) الآية».
الآية : ٣٢. قوله
تعالى : (وَإِذْ قالُوا
اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً
مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ).
روى البخاري ،
ومسلم عن أنس بن مالك قال : «قال أبو جهل : اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك ،
فامطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم ، فنزل : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ
وَأَنْتَ فِيهِمْ) الآية».
وروى الواحدي : «قال
أهل التفسير : نزلت في النضر بن الحارث ، وهو الذي قال : إن كان ما يقوله محمد حقا
، فامطر علينا حجارة من السماء».
وأخرج ابن جرير عن
سعيد بن جبير في قوله تعالى : (وَإِذْ قالُوا
اللهُمَّ
إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) الآية قال : نزلت في النضر بن الحارث».
الآيتان : ٣٣ ـ ٣٤.
قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ ، وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا
الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
أخرج ابن جرير عن
ابن أبزي قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة ، فأنزل الله : (وَما كانَ اللهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) ، فخرج الى المدينة ، فأنزل الله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ
وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) وكان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوا فيها يستغفرون ،
فلما خرجوا أنزل الله : (وَما لَهُمْ أَلَّا
يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) الآية ، فأذن بفتح مكة ، فهو العذاب الذي وعدهم.
الآية : ٣٥. قوله
تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ
عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ
تَكْفُرُونَ)
أخرج الواحدي عن
ابن عمر قال : «كانوا يطوفون بالبيت ، ويصفّقون ـ ووصف الصفق بيده ـ ويصفّرون ،
ووصف صفيرهم ، ويضعون خدودهم على الأرض ، فنزلت هذه الآية».
الآية : ٣٦. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ
فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)
أخرج الواحدي عن
مقاتل ، والكلبي قالا : «نزلت في المطعمين يوم بدر ، وكانوا اثني عشر رجل : أبو
جهل بن هشام ، وعتبة ، وشيبة ابنا ربيعة ، ونبيه ، ومنبّه ، ابنا حجاج ، وأبو
البحتري بن هشام ، والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام ، وأبيّ بن خلف ، وزمعة بن
الأسود ، والحرث
بن عامر بن نوفل ،
والعباس بن عبد المطلب ، وكلهم من قريش ، وكان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشرة
جزور.»
وأخرج الواحدي عن
سعيد بن جبير ، وابن أبزي : «نزلت في أبي سفيان بن حرب ، استأجر يوم أحد ألفين من
الأحابيش يقاتل بهم النبي صلىاللهعليهوسلم سوى من استجاب له من العرب ، وفيهم يقول كعب بن مالك :
فجئنا إلى موج
من البحر وسطه
|
|
أحابيش منهم
حاسر ، ومقنع
|
ثلاثة آلاف ،
ونحن بقية
|
|
ثلاث مئين إن
كثرنا فأربع
|
وأخرج الواحدي عن
الحكم بن عتبة قال : «أنفق أبو سفيان على المشركين يوم أحد أربعين أوقية ، فنزلت
فيه الآية».
وأخرج الواحدي عن
ابن إسحاق قال : حدثني الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حيان ، وعاصم بن عمير بن قتادة ،
والحصين بن عبد الرحمن قالوا : «لمّا أصيبت قريش يوم بدر ، ورجعوا إلى مكة مشى عبد
الله بن أبي ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب
آباؤهم ، وأبناؤهم ، فكلموا أبا سفيان ، ومن كان له في ذلك العير من قريش تجارة ،
فقالوا : يا معشر قريش ، إنّ محمدا قد وتركم ، وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال
على حربه ، فلعلنا أن ندرك منه ثأرا ، ففعلوا ، ففيهم كما ذكر عن ابن عباس أنزل
الله : (إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) إلى قوله : (يُحْشَرُونَ).
الآية : ٤٧. قوله
تعالى : (وَلا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ
عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)
أخرج ابن جرير عن
محمد بن كعب القرظي قال : «لمّا خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقبان ، والدفوف
، فأنزل الله :
(وَلا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً) الآية.
الآية : ٥٨. قوله
تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ
مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ
الْخائِنِينَ).
روى أبو الشيخ عن
ابن شهاب قال : «دخل جبريل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : قد وضعت السلاح ، وما زلت في طلب القوم ، فأخرج ،
فإن الله قد أذن لك في قريظة ، وأنزل فيهم : (وَإِمَّا تَخافَنَّ
مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) الآية».
الآية : ٦٤. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
أخرج الطبراني
وغيره من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : «لما أسلم مع النبي صلىاللهعليهوسلم تسعة وثلاثون رجلا ، وامرأة ، ثم إن عمر أسلم ، فكانوا
أربعين ، نزل : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
وأخرج بن أبي حاتم
بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال : «لما أسلم مع النبي صلىاللهعليهوسلم ثلاثة وثلاثون رجلا ، وست نسوة ، ثم أسلم عمر نزلت : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ) الآية»
وأخرج أبو الشيخ
عن سعيد بن المسيب قال : لما أسلم عمر أنزل الله فى إسلامه : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ) الآية.
الآية : ٦٥. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ
عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ
يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)
أخرج السيوطي عن
إسحاق بن راهويه روى في سنده عن ابن عباس قال : «لما افترض الله عليهم أن يقاتل
الواحد عشرة ثقل عليهم ،
وشق ، فوضع الله
ذلك عنهم إلى أن يقاتل الواحد الرجلين ، فأنزل الله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ
أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا
مِائَتَيْنِ)
الآيتان ٦٧ ـ ٦٨.
قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ
أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ
الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، لَوْ لا كِتابٌ
مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)
روى أحمد ، وغيره
عن أنس قال : «استشار النبي صلىاللهعليهوسلم الناس فى الأسارى يوم بدر ، فقال : إن الله قد أمكنكم منهم
، فقام عمر بن الخطاب فقال : «يا رسول الله ، اضرب أعناقهم ، فأعرض عنه. فقام أبو
بكر فقال : نرى أن تعفو عنهم ، وأن تقبل منهم الفداء. فعفا عنهم ، وقبل منهم الفداء
، فأنزل الله : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ
اللهِ سَبَقَ) الآية.
وأخرج الواحدي عن
ابن عمر : «استشار رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى الأسارى أبا بكر ، فقال : قومك ، وعشيرتك ، خلّ سبيلهم.
واستشار عمر ، فقال : اقتلهم ، ففاداهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله : (ما كانَ لِنَبِيٍّ
أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) الى قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا
غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً). قال : تلقى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : كاد أن يصيبنا فى خلافك بلاء».
وأخرج الواحدي عن
أبى عبيدة عن عبد الله قال : «لما كان يوم بدر ، وجيء بالأسرى قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما تقولون فى هؤلاء الأسرى؟؟ فقال أبو بكر : يا رسول
الله ، قومك ، وأصلك ، فاستبقهم ، واستأن بهم ، لعل الله (عزوجل) يتوب عليهم. وقال
عمر : كذّبوك ، وأخرجوك فقدمهم ، فاضرب أعناقهم. وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول
الله ، انظر واديا كثير الحطب ، فأدخلهم فيه ، ثم اضرم عليهم النار. فقال العباس :
قطعتك رحمك ، فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولم يجبهم. ثم دخل
فقال ناس : يأخذ
بقول أبي بكر ، وقال ناس : يأخذ برأي عمر ، وقال ناس : يأخذ بقول عبد الله ، ثم
خرج عليهم ، فقال : إن الله (عزوجل) ليليّن قلوب رجال فيه حتى يكون ألين من اللبن
، وإن الله (عزوجل) ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشدّ من الحجارة ، وإنّ مثلك يا
أبا بكر ، كمثل عيسى قال : (فَمَنْ تَبِعَنِي
فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وإنّ مثلك يا أبا بكر ، كمثل عيسى قال : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ
عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
وإنّ مثلك يا عمر
: كمثل موسى قال : (رَبَّنَا اطْمِسْ
عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ).
ومثلك يا عمر كمثل
نوح قال : (رَبِّ لا تَذَرْ
عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً).
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنتم اليوم عالة ، أنتم اليوم عالة ، فلا ينقلبن منهم
أحد إلّا بفداء ، أو ضرب عنق. قال : فأنزل الله عزوجل : (ما كانَ لِنَبِيٍّ
أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) إلى آخر الآيات الثلاث».
الآية : ٧٠. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي
قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أخرج الواحدي عن
الكلبي قال : «نزلت فى العباس بن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحرث
، وكان العباس أسر يوم بدر ، ومعه عشرون أوقية من الذهب كان خرج بها معه الى بدر
ليطعم بها الناس ، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام أهل بدر ، ولم يكن بلغته
النوبة حتى أسر ، فأخذت معه ، وأخذها رسول الله صلىاللهعليهوسلم منه. قال : فكلمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يجعل لي العشرين أوقية الذهب
التي أخذها مني من
فدائي ، فأبى علي ، وقال : أما شيء خرجت به تستعين به علينا فلا ، وكفلني فداء ابن
أخي عقيل بن أبي طالب عشرين أوقية من فضة ، فقلت له : تركتني ، والله ، أسأل قريشا
بكفي ، والناس ما بقيت. قال : فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل يوم مخرجك الى
بدر ، وقلت لها : إن حدث بي حدث في وجهي هذا فهو لك ، ولعبد الله ، والفضل ، وقثم.
قال : قلت : وما يدريك؟! قال : أخبرني الله بذلك. قال : أشهد أنّك لصادق ، وإني قد
دفعت لها ذهبا ، ولم يطلع عليها أحد الا الله ، فأنا أشهد أنّ لا إله إلّا الله ،
وأنك رسول الله. قال العباس : فأعطاني الله خيرا مما أخذ مني ، كما قال : عشرين
عبدا كلهم يضرب بمال كبير مكان العشرين أوقية ، وأنا أرجو المغفرة من ربي».
الآية : ٧٥. قوله
تعالى : (وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)
أخرج ابن جرير عن
ابن الزبير قال : كان الرجل يعاقد الرجل : ترثني ، وأورثك. فنزلت : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)
وأخرج ابن سعد من
طريق هشام بن عروة عن أبيه قال : «آخى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين الزبير بن العوام ، وبين كعب بن مالك. قال الزبير :
فلقد رأيت كعبا أصابته الجراحة بأحد ، فقلت : لو مات ، فانقلع عن الدنيا ، وأهلها
لورثته ، فنزلت هذه الآية : (وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)
فصارت المواريث
بعد للأرحام ، والقرابات ، وانقطعت تلك المواريث بالمؤاخاة».
سورة التّوبة
الآية : ١٢. قوله
تعالى : (وَإِنْ نَكَثُوا
أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا
أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)
روى الواحدي عن
ابن عباس قال : «نزلت فى أبي سفيان بن حرب ، والحرث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ،
وعكرمة بن أبى جهل ، وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد ، وهم الذين همّوا بإخراج
الرسول».
الآية : ١٤. قوله
تعالى (قاتِلُوهُمْ
يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ
وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) أخرج أبو الشيخ عن قتادة قال : «ذكر لنا أن هذه الآية نزلت
فى خزاعة حين جعلوا يقتلون بني بكر بمكة».
وأخرج أبو الشيخ
عن السدّي : (وَيَشْفِ صُدُورَ
قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) قال : هم خزاعة حلفاء النبي صلىاللهعليهوسلم يشف صدورهم من بني بكر».
الآيات : ١٧ ـ ١٨.
قوله تعالى : (ما كانَ
لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ
بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ ،
إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسى أُولئِكَ
أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)
روى الواحدي ، قال
المفسرون : «لما أسر العباس يوم بدر أقبل عليه المسلمون ، فعيّروه بكفره ، وقطيعة
الرحم ، وأغلظ عليّ بن أبي طالب له القول ، فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوئنا ،
ولا تذكرون محاسننا!
!! فقال له علي : ألكم
محاسن؟! قال : نعم ، إنا لنعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحاج ، ونفك
العاني ، فأنزل الله عزوجل ردا على العباس : (ما كانَ
لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) الآية».
الآية : ١٩. قوله
تعالى : (أَجَعَلْتُمْ
سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ
وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
أخرج ابن أبي حاتم
من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : «قال العباس حين أسر يوم بدر : إن كنتم
سبقتمونا بالاسلام ، والهجرة ، والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونسقي الحاج
، ونفك العاني ، فأنزل الله : (أَجَعَلْتُمْ
سِقايَةَ الْحاجِ) الآية».
وأخرج مسلم ، وابن
حبان ، وأبو داود عن النعمان بن بشير قال : «كنت عند منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم في نفر من أصحابه ، فقال رجل منهم : ما أبالي أن لا أعمل
لله عملا بعد الإسلام إلّا أن أسقي الحاج ، وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام ،
وقال آخر : بل الجهاد في سبيل الله خير ممّا قلتم ، فزجرهم عمر ، وقال : لا ترفعوا
أصواتكم عند منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك يوم الجمعة ، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، فاستفتيته فيما اختلفتم فيه ، فأنزل الله : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ
وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) إلى قوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
وأخرج الواحدي عن
الحسن ، والشعبي ، والقرظي قالوا : «نزلت في علي ، والعباس ، وطلحة بنى شيبة ،
وذلك أنهم افتخروا ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه ، وإليّ ثياب بيته.
وقال العباس : أنا صاحب السقاية ، والقائم عليها. وقال عليّ : ما أدري ما تقولان
لقد صليت ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ، فأنزل الله تعالى
هذه الآية».
وأخرج الواحدي عن
ابن سيرين ، ومرّة الهمذاني : «قال عليّ للعباس : ألا تهاجر ، ألا تلحق بالنبي صلىاللهعليهوسلم؟ فقال : ألست في أفضل من الهجرة؟ ألست أسقي حاجّ بيت الله
، وأعمر المسجد الحرام؟! فنزلت هذه الآية.
الآية : ٢٣. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ
اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ
فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
روى الواحدي عن
الكلبي قال : «لما أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه ، وأخيه ،
وامرأته : إنا قد أمرنا بالهجرة ، فمنهم من يسرع إلى ذلك ، ويعجبه ، ومنهم من
يتعلق به : زوجته ، وعياله ، وولده ، فيقولون : نشدناك الله إن تدعنا إلى غير شىء
نضيع ، فيرقّ ، فيجلس معهم ، ويدع الهجرة ، فنزلت يعاتبهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ) الآية.
ونزلت في الذين
تخلفوا بمكة ، ولم يهاجروا قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ
آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ) إلى قوله : (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى
يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) يعني القتال ، وفتح مكة».
الآية : ٢٥. قوله
تعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ
فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ
ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)
أخرج البيهقي في «الدلائل»
عن الربيع بن أنس : «أن رجلا قال يوم حنين : لن نغلب من قلّة ـ وكانوا اثني عشر
ألفا ـ فشقّ ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ
إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) الآية.
الآية : ٢٨. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ
الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ
اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن عباس قال : «كان المشركون يجيئون إلى البيت ، ويجيئون معهم بالطعام يتجرون
فيه ، فلما نهوا أن يأتوا البيت قال المسلمون : من أين لنا الطعام؟! فأنزل الله : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ
يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).
الآية : ٣٠. قوله
تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ
عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ
بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ
اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن عباس قال : «أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، ومحمد بن دحية ، وشاس بن
قيس ، ومالك بن الصيف ، فقالوا : كيف نتّبعك ، قد تركت قبلتنا ، وأنت لا تزعم أن
عزيزا بن الله ، فأنزل الله في ذلك : (وَقالَتِ الْيَهُودُ
عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) الآية.
الآية : ٣٤. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ
أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).
قال الواحدي : «نزلت
في العلماء ، والقرّاء من أهل الكتاب ، كانوا يأخذون الرّشا من سفلتهم ، وهي :
المأكل التي كانوا يصيبونها من عوامّهم».
الآية : ٣٤. قوله
تعالى : (وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)
روى البخاري عن
جرير عن حسين عن زيد بن وهب قال :
«مررت بالربذة ،
فإذا أنا بأبي ذر ، فقلت : ما أنزلك منزلك هذا؟ قال : كنت بالشام ، فاختلفت أنا ،
ومعاوية في هذه الآية : (وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) ، فقال معاوية : نزلت في أهل الكتاب ، فقلت : نزلت فينا ،
وفيهم. وكان بيني ، وبينه كلام في ذلك ، وكتب إلى عثمان يشكو مني ، وكتب عثمان أن
أقدم المدينة ، فقدمتها ، وكثر الناس عليّ حتى كأنهم لم يروني من قبل ، فذكرت ذلك
لعثمان ، فقال : إن شئت ، تنحّيت ـ وكنت قريبا ـ فذلك الذي أنزلني هذا المنزل ،
ولو أمّروا عليّ حبشيا لسمعت ، وأطعت».
وروى الواحدي عن
الضحاك قال : «هي عامة في أهل الكتاب ، والمسلمين».
وروى الواحدي عن
عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) قال : يريد من المؤمنين.
وروى الواحدي عن
ثوبان قال : «لمّا نزلت : (وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : تبّا للذهب ، والفضّة. قالوا : يا رسول الله ، فأيّ
المال نكنز؟! قال : قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وزوجة صالحة».
الآية : ٣٨. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ
فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)
أخرج ابن جرير عن
مجاهد في هذه الآية قال : «هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح ، وحنين أمرهم
بالنفير في الصيف حين طابت الثمار ، واشتهوا الظلال ، وشقّ عليهم المخرج ، فأنزل
الله : (انْفِرُوا فِي
سَبِيلِ اللهِ).
الآية : ٣٩. قوله
تعالى : (إِلَّا تَنْفِرُوا
يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ
قَوْماً
غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن نجده بن نفيع قال : «سألت ابن عباس عن هذه الآية ، فقال : استنفر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحياء من العرب ، فتثاقلوا عنه ، فأنزل الله : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ
عَذاباً أَلِيماً) فأمسك عنهم المطر ، فكان عذابهم».
الآية : ٤١. قوله
تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً
وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ
خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
أخرج ابن جرير عن
حضرمي : «أنه ذكر له أن أناسا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا ، أو كبيرا ، فيقول :
إني آثم ، فأنزل الله : (انْفِرُوا خِفافاً
وَثِقالاً).
وأخرج الواحدي عن
السدي : «جاء المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ وكان عظيما سمينا ـ فشكى إليه ، وسأله أن يأذن له ،
فنزلت فيه : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً).
الآية : ٤٣. قوله
تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ
لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ
الْكاذِبِينَ)
أخرج ابن جرير عن
عمرو بن ميمون الأسدي ، قال : «اثنتان فعلهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يؤمر فيهما بشيء : إذنه للمنافقين ، وأخذه من الأسارى
الفداء ، فأنزل الله : (عَفَا اللهُ عَنْكَ
لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ).
الآية : ٤٩. قوله
تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ
جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ)
أخرج الطبراني ،
وأبو نعيم ، وابن مردوية ، عن ابن عباس قال : «لما أراد النبي صلىاللهعليهوسلم أن يخرج إلى غزوة تبوك ، قال : للجد بن قيس المنافق : يا
جدّ بن قيس ، ما تقول في مجاهدة بني الأصفر؟ فقال : يا رسول الله ، إنّي امرؤ صاحب
نساء ، ومتى أرى نساء بني الأصفر افتتن ، فأذن لي ، ولا تفتنّي ، فأنزل الله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي
وَلا تَفْتِنِّي) الآية.
الآية : ٥٠. قوله
تعالى : (إِنْ تُصِبْكَ
حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا
مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن جابر بن عبد الله. قال : «جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النبي
صلىاللهعليهوسلم أخبار السوء ، يقولون : إنّ محمدا ، وأصحابه قد جهدوا في
سفرهم ، وهلكوا ، فبلغهم تكذيب حديثهم ، وعافية النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه ، فساءهم ذلك ، فأنزل الله : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) الآية».
الآية : ٥٣. قوله
تعالى : (قُلْ أَنْفِقُوا
طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً
فاسِقِينَ)
أخرج ابن جرير عن
ابن عبّاس قال : «قال الجدّ بن قيس : إنّي إذا رأيت النّساء لم أصبر حتى أفتتن ،
ولكن أعينك بمال ، قال : ففيه نزلت : (قُلْ أَنْفِقُوا
طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ).
الآية : ٥٨. قوله
تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ
يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا
مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ)
روى البخارى عن
أبي سعيد الخدري قال : «بينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقسّم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي ـ وهو حرقوص
بن زهير أصل الخوارج ـ فقال : اعدل فينا يا رسول الله ، فقال : ويلك ، ومن يعدل إذا
لم أعدل؟! فنزلت : (وَمِنْهُمْ مَنْ
يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ).
الآية : ٦١. قوله
تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ
يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)
أخرج الواحدي عن
محمد بن إسحاق بن ياسر ، وغيره : «نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن
الحارث ـ وكان رجلا أدلم ، أحمر العينين ، أسفع الخدين مشوه الخلقة ـ وهو الذي قال
النبي صلىاللهعليهوسلم فيه :
من أراد أن ينظر
إلى الشيطان ، فلينظر إلى نبتل بن الحارث ، وكان ينمّ حديث النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المنافقين ، فقيل له : لا تفعل. فقال : إنما محمد أذن
من حدّثه شيئا صدّقه ، نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له ، فيصدقنا ، فأنزل الله
تعالى هذه الآية».
الآية : ٦٤. قوله
تعالى : (يَحْذَرُ
الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي
قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ)
روى الواحدي عن
السدي قال : «قال بعض المنافقين : والله ، لوددت أني قدمت ، فجلدت مائة ، ولا ينزل
فينا شيء يفضحنا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
وروى الواحدي عن
مجاهد قال : «كانوا يقولون القول بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي علينا سرا».
الآية : ٦٥. قوله
تعالى : (وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ
وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن عمر قال : «قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما : ما رأينا مثل قرآن هؤلاء ،
ولا أرغب بطونا ، ولا أكذب ألسنة ، ولا أجبن عند اللقاء منهم. فقال له رجل : كذبت
، ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ونزل القرآن. قال ابن عمر : فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والحجارة تنكبه ، وهو يقول : يا رسول الله ، إنما كنا
نخوض ، ونلعب ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : (أَبِاللهِ وَآياتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ)
وروى الواحدي عن
ابن عمر قوله : «رأيت عبد الله بن أبيّ قدّام النبي صلىاللهعليهوسلم ، والحجارة تنكته ، وهو يقول : «يا رسول الله إنما كنا
نخوض ، ونلعب ، والنبي صلىاللهعليهوسلم يقول : (أَبِاللهِ وَآياتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ)
الآية : ٦٦. قوله
تعالى : (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ
كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ
طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن كعب بن مالك عن مخشي بن حمير : «لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منكم مائة
على أن ننجوا من أن ينزل فينا قرآن ، فبلغ النبي صلىاللهعليهوسلم ، فجاءوا يعتذرون ، فأنزل الله : (لا تَعْتَذِرُوا) الآية.
فكان الذي عفا
الله عنه مخشي بن حمير فتسمى عبد الرحمن ، وسأل الله أن يقتل شهيدا لا يعلم بمقتله
، فقتل يوم اليمامة لا يعلم مقتله ، ولا من قتله.
الآية : ٧٤. قوله
تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ
ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ
وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ
وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ
يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ
وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن عباس قال : «كان الجلّاس بن سويد بن الصامت ممن تخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك ، وقال : لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من
الحمير ، فرفع عمير بن سعيد ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فحلف بالله : ما قلت ، فأنزل الله تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) الآية. فزعموا أنه تاب ، وحسنت توبته.
وأخرج ابن جرير ،
وأبو الشيخ عن عكرمة : «أن مولى بني عدي بن كعب قتل رجلا من الأنصار ، فقضى النبي صلىاللهعليهوسلم بالدية اثني عشر ألف ، وفيه نزلت : (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ
اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.
الآيات : ٧٥ ، ٧٦
، ٧٧. قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ
عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ
الصَّالِحِينَ ، فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ
بَخِلُوا
بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ
إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا
يَكْذِبُونَ).
والآية : ١٠٣.
قوله تعالى : (خُذْ مِنْ
أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
أخرج الطبراني ،
وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن أبي أمامة : «أن
ثعلبة بن حاطب قال : يا رسول الله ، أدع الله أن يرزقني مالا قال : ويحك يا ثعلبة
، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه. قال : والله ، لئن آتاني الله مالا لأوتين
كل ذي حق حقّه ، فدعا له فاتخذ غنما ، حتى ضاقت عليه أزقة المدينة ، فتنحى بها ،
وكان يشهد الصلاة ثم يخرج إليها ، ثم نمت حتى تعذرت عليه مراعي المدينة ، فتنحى
بها ، فكان يشهد الجمعة ، ثم يخرج إليها ، ثم نمت فتنحى بها ، فترك الجمعة ،
والجماعات ، ثم أنزل الله على رسوله : (خُذْ مِنْ
أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) فاستعمل على الصدقات رجلين ، وكتب لهما كتابا ، فأتيا
ثعلبة ، فأقرءاه كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : انطلقا إلى الناس ، فإذا فرغتم ، فمرّا بي ،
ففعلا ، فقال : ما هذه إلا أخت الجزية ، فانطلقا ، فأنزل الله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ
آتانا مِنْ فَضْلِهِ) إلى قوله : (يَكْذِبُونَ).
الآية : ٧٩. قوله
تعالى : (الَّذِينَ
يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا
يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ
وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
روى الواحدي عن
قتادة ، وغيره قال : «حثّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الصدقة ، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم ،
وقال : يا رسول الله ، مالي ثمانية آلاف ، فجئتك بنصفها ، فاجعلها في سبيل الله ،
وأمسكت نصفها لعيالي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بارك الله لك فيما أعطيت ، وفيما أمسكت فبارك الله في
مال عبد الرحمن حتى انه خلف
امرأتين يوم مات ،
فبلغ ثمن ماله لهما مائة وستين ألف درهم. وتصدق يومئذ عاصم بن عدي بن العجلان
بمائة وسق من تمر ، وجاء ابو عقيل الانصاري بصاع من تمر ، وقال ، يا رسول الله ،
بتّ ليلتي أجر بالجرير أحبلا حتى نلت صاعين من تمر ، فامسكت أحدهما لأهلي ، واتيتك
بالآخر ، فأمره الرسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ينثره في الصدقات ، فلمزهم المنافقون ، وقالوا : ما
أعطى عبد الرحمن ، وعاصم إلّا رياء ، وإن كان الله ، ورسوله غنيّين عن صاع أبي
عقيل ، ولكنه أحب أن يزكي نفسه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ٨١. قوله
تعالى : (فَرِحَ
الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا
بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي
الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ).
أخرج ابن جرير عن
ابن عباس قال : «أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يبعثوا معه ـ وذلك في الصيف ـ فقال رجل : يا رسول الله
، الحر شديد ، ولا نستطيع الخروج ، فلا تنفر في الحر ، فأنزل الله : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا)
وأخرج ابن جرير عن
محمد بن كعب القرظي قال : «خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حر شديد إلى تبوك ، فقال رجل من بني سلمة : لا تنفروا
في الحر ، فانزل الله : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ
أَشَدُّ حَرًّا).
الآية : ٨٤. قوله
تعالى : (وَلا تُصَلِّ عَلى
أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا
بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ).
روى الشيخان عن
ابن عمر قال : «لما توفي عبد الله بن أبيّ جاء ابنه الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه ، فأعطاه ، ثم سأله
أن يصلي عليه ، فقام عمر بن الخطاب ، فأخذ بثوبه ، وقال : يا رسول الله ، أتصلّي
عليه ، وقد نهاك ربك أن تصلّي على المنافقين! قال : إنما خيّرني الله ، فقال : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا
تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً). وسأزيده على السبعين ، فقال : إنه منافق ، فصلّى عليه ،
فأنزل الله : (وَلا تُصَلِّ عَلى
أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى
قَبْرِهِ). فترك الصلاة عليهم».
الآية : ٩١. قوله
تعالى : (لَيْسَ عَلَى
الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما
يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ
مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن زيد بن ثابت قال : «كنت أكتب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكنت أكتب براءة ، فإني لواضع القلم على أذني إذ أمرنا
بالقتال فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينظر ما ينزل عليه إذ جاءه أعمى ، فقال : كيف بي يا رسول
الله ، وأنا أعمى؟! فنزلت (لَيْسَ عَلَى
الضُّعَفاءِ).
الآية : ٩٢. قوله
تعالى : (وَلا عَلَى الَّذِينَ
إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ
تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما
يُنْفِقُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
من طريق العوفي عن ابن عباس قال : «أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الناس أن ينبعثوا غازين معه ، فجاءت عصابة من أصحابه فيهم
عبد الله بن معقل المزني ، فقال : يا رسول الله ، احملنا ، فقال : والله ، لا أجد
ما أحملكم عليه ، فولّوا ، ولهم بكاء ، وعزّ عليهم أن يحبسوا عن الجهاد ، ولا
يجدون نفقة ، ولا محملا ، فأنزل الله عذرهم : (وَلا عَلَى الَّذِينَ
إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) الآية. وقد ذكرت اسماؤهم في المبهمات.
وأخرج الواحدي قال
: «نزلت في البكّائين ، وكانوا سبعة : معقل بن يسار ، وصخر بن حنين ، وعبد الله بن
كعب الأنصاري ، وسالم بن عمير ، وثعلبة بن غنمة ، وعبد الله بن معقل ، أتوا رسول
الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا نبي الله ، إنّ الله عزوجل قد ندبنا للخروج معك ، فاحملنا على الخفاف المرقوعة ،
والنعال المخصوفة نغزو معك ، فقال : لا أجد ما أحملكم عليه ، فتولّوا ، وهم يبكون.
وأخرج الواحدي عن
مجاهد قال : «نزلت في بني مقرن : معقل ، وسويد ، والنعمان.
الآية : ٩٧. قوله
تعالى : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ
كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى
رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) روى الواحدي : «نزلت في أعاريب من أسد ، وغطفان ، وأعاريب
من أعاريب المدينة».
الآية : ٩٩. قوله
تعالى : (وَمِنَ الْأَعْرابِ
مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ
عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ
اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أخرج ابن جرير عن مجاهد : «أنه نزلت في بني مقرن الذين
نزلت فيهم : (وَلا عَلَى الَّذِينَ
إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) وأخرج عبد الرحمن بن معقل المزني قال : «كنا عشرة ، ولد
مقرن ، فنزلت فينا هذه الآية».
الآية : ١٠١. قوله
تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ
مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى
النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ
يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) أخرج الواحدي عن الكلبي قال : «نزلت في جهينة ، ومزينة ،
وأشجع ، وأسلم ، وغفار من أهل المدينة يعني : عبد الله بن أبيّ ، وجد بن قيس ،
ومعتب بن بشير ، والجلّاس بن سويد ، وأبي عامر الراهب».
الآية : ١٠٢. قوله
تعالى : (وَآخَرُونَ
اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ
أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أخرج ابن مردوية ،
وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس
قال : «غزا رسول
الله صلىاللهعليهوسلم فتخلف أبو لبابة ، وخمسة معه ، ثم إن أبا لبابة ، ورجلين
معه تفكروا ، وندموا ، وأيقنوا بالهلاك ، وقالوا : نحن في الظلال ، والطمأنينة مع
النساء ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والمؤمنون معه في الجهاد ، والله لنوثقنّ أنفسنا
بالسواري فلا نطلقها حتى يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو الذي يطلقها ، فرجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غزوته ، فقال : من هؤلاء الموثقون في السواري؟! فقال
رجل : هذا أبو لبابة ، وأصحاب له تخلفوا فعاهدوا الله ألّا يطلقوا أنفسهم حتى تكون
أنت الذي تطلقهم ، فقال : لا أطلقهم حتى أومر باطلاقهم ، فأنزل الله (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) الآية.
فلما نزلت أطلقهم
، وعذرهم ، وبقي الثلاثة الذين لم يوثقوا أنفسهم لم يذكروا بشيء وهم الذين قال
الله فيهم : (وَآخَرُونَ
مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) الآية. فجعل أناس يقولون : هلكوا إذا لم ينزل عذرهم ،
وآخرون يقولون : عسى الله أن يتوب عليهم حتى نزلت : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ
الَّذِينَ خُلِّفُوا).
وروى الواحدي أن
آية (وَآخَرُونَ
مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) نزلت في كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية
من بني واقف».
الآية : ١٠٣. قوله
تعالى : (خُذْ مِنْ
أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
أخرج ابن جرير من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه وزاد فجاء أبو لبابة وأصحابه بأموالهم حين
أطلقوا ، فقالوا : يا رسول الله هذه أموالنا ، فتصدق بها عنا ، واستغفر لنا ، فقال
: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا ، فأنزل الله : (خُذْ مِنْ
أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) الآية.
أخرج ابن جرير عن
قتادة : «أنها نزلت في سبعة : أربعة منهم ربطوا أنفسهم بالسوارى وهم : أبو لبابة ،
ومرداس ، وأوس بن خذام ،
وثعلبة بن وديعة».
الآية : ١٠٧. قوله
تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا
مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً
لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا
إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)
روى الواحدي عن
المفسرين قالوا : «إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء ، وبعثوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يأتيهم ، فأتاهم فصلّى فيه ، فحسدهم أخوتهم بنو عمرو ،
فقالوا : نبني مسجدا ، ونرسل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليصلي فيه كما يصلي في مسجد إخواننا ، وليصل فيه أبو عامر
الراهب إذا قدم من الشام ، وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية ، وتنصر ، ولبس
المسوح ، وأنكر دين الحنيفية لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، وعاداه ، وسماه النبي (عليه الصلاة والسلام) أبا
عامر الفاسق ، الذي خرج إلى الشام ، وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم
من قوة ، وسلاح ، وابنوا لي مسجدا ، فإني ذاهب إلى قيصر ، فآتي بجند الروم فأحرج
محمدا ، واصحابه فبنوا مسجدا إلى جنب مسجدا قباء ، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا
: حزام بن خالد ، ومن داره أخرج الى المسجد ، وثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ،
وابو حبيبة بن الارعد ، وعباد بن حنيف ، وحارثة ، وجارية ، وابناه مجمع وزيد ،
ونبتل بن الحارث ، ولحاد بن عثمان ، ووديعة بن ثابت ، فلما فرغوا منه أتوا الرسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : إنا بنينا مسجد الذي العلة ، والحاجة ، والليلة
المطيرة ، والليلة الشاتية ، وانا نحب ان تاتينا ، فتصلّي فيه لنا ، فدعا بقميصه
ليلبسه ، فيأتيهم ، فنزل عليه القرآن ، واخبر الله (عزوجل) خبر مسجد ضرار ، وما
هموا به ، فدعا الرسول صلىاللهعليهوسلم مالك بن الدخشن ، ومعن بن عدي ، وعامر بن يشكر ، والوحشي
قاتل حمزة ، وقال لهم : انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم اهله ، فأهدموه ، وأحرقوه ،
فخرجوا ،
وانطلق مالك ،
وأخذ سعفا من النخل ، فاشعل فيه النار ، ثم دخلوا المسجد ، وفيه اهله ، فحرقوه ،
وهدموه ، وتفرق عنه اهله ، وامر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف ، والنتن ، والقمامة ،
ومات ابو عامر بالشام وحيدا غريبا».
الآية : ١٠٨. قوله
تعالى (لا تَقُمْ فِيهِ
أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ
تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ
الْمُطَّهِّرِينَ).
أخرج الواحدي عن
سعد بن ابي وقاص قال : «إن المنافقين عرضوا بمسجد يبنونه يضاهون به مسجد قباء ـ وهو
قريب منه ـ لأبي عامر الراهب يرصدونه اذا قدم ليكون إمامهم فيه ، فلما فرغوا من
بنائه أتوا الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : إنا بنينا مسجدا ، فصل فيه حتى نتخذه مصلّى ،
فأخذ ثوبه ليقوم معهم ، فنزلت هذه الآية : (لا تَقُمْ فِيهِ
أَبَداً)».
الآية : ١١١. قوله
تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ
يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ
حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ
مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
أخرج ابن جرير عن
محمد بن كعب القرظي ، واخرج الواحدي عنه قال : «لما بايعت الانصار رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة العقبة بمكة ـ وهم سبعون نفسا ـ قال عبد الله بن
رواحة : يا رسول الله ، اشترط لربك ، ولنفسك ما شئت ، فقال : اشترط لربي ان تعبدوه
، ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم. قالوا :
فإذا فعلنا ذلك فما ذا لنا؟ قال : الجنة. قالوا : ربح البيع لا نقيل ، ولا نستقيل
، الآية».
الآية : ١١٣. قوله
تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي
قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ).
أخرج الشيخان من
طريق سعيد بن المسيّب عن أبيه قال : «لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، فقال : أي عم ،
قل لا اله إلا الله أحاجّ لك بها عند الله ، فقال أبو جهل ، وعبد الله : يا أبا
طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى آخر شيء كلمهم به هو على
ملة عبد المطلب. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ، فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الآية.
وأخرج الترمذي
وحسّنه ، والحاكم عن عليّ قال : «سمعت رجلا يستغفر لأبويه ، وهما مشركان فقلت له :
أستغفر لأبويك ، وهما مشركان؟! فقال : استغفر إبراهيم لأبيه ، وهو مشرك. فذكرت ذلك
لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي
قُرْبى)
وأخرج أحمد ، وابن
مردوية من حديث بريده قال : «كنت مع النبي صلىاللهعليهوسلم إذ وقف على عسفان ، فأبصر قبر أمّه فتوضأ ، وصلى ، وبكى ثم
قال : إني استأذنت ربي أن أستغفر لها ، فنهيت ، فانزل الله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) الآية.
قال الحافظ بن حجر
: يحتمل أن يكون لنزول الآية أسباب : متقدم ، وهو أمر أبي طالب ، ومتأخر ، وهو أمر
آمنة ، وقصة علي ، وجمع غيره بتعدد النزول.
الآية : ١٢٢. قوله
تعالى : (وَما كانَ
الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ
مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ
إِذا
رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن عكرمة قال : «لما نزلت : (إِلَّا تَنْفِرُوا
يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) وقد كان تخلّف عنه ناس في البدو يفقّهون قومهم ، فقال
المنافقون : قد بقي ناس في البوادي ، هلك أصحاب محمد ، فنزلت : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا
كَافَّةً)
وأخرج الواحدي من
رواية الكلبي عن ابن عباس : «لما أنزل الله تعالى عيوب المنافقين لتخلفهم عن
الجهاد قال المؤمنون : والله ، لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا سرية أبدا ، فلما أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالسرايا إلى العدو نفر المسلمون جميعا ، وتركوا رسول الله
صلىاللهعليهوسلم وحده بالمدينة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
ـ سورة يونس ـ
الآية : ٢. قوله
تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ
عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ
الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ
إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ)
روى الواحدي : قال
ابن عباس : «لما بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم رسولا أنكرت الكفار ، وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله
بشرا مثل محمد ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ١٥. قوله
تعالى : (وَإِذا تُتْلى
عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ
بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ
تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ
عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
روى الواحدي : قال
مجاهد : «نزلت في مشركي مكة».
وروى الواحدي :
قال مقاتل : «وهم خمسة نفر : عبد الله بن ابي امية المخزومي ، والوليد ابن المغيرة
، ومكرز بن حفص ، وعمرو بن عبد الله بن ابي قيس العامري ، والعاص بن عامر قالوا
للنبي صلىاللهعليهوسلم : أنت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات ، والعزى».
وقال الكليب : «نزلت
في المستهزئين ، فقالوا : يا محمد ائت بقرآن غير هذا فيه ما نسألك»
.
سورة هود
الآية : ٥. قوله
تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ
يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ
يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)
قال الواحدي : «نزلت
في الأخنس بن شريق الثقفي ، وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر ، يلقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما يحب ، ويطوي بقلبه ما يكره».
وقال الكلبي : «كان
يجالس النبي صلىاللهعليهوسلم يظهر له أمرا يسره ، ويضمر في قلبه خلاف ما يظهر ، فأنزل
الله تعالى الآية : (أَلا إِنَّهُمْ
يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ).
يقول : يكمنون ما
في صدورهم من العداوة لمحمد صلىاللهعليهوسلم».
الآية : ١١٤. قوله
تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ
طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ)
روى الواحدي عن
عبد الله قال : «جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنّي عالجت؟؟؟ امرأة في أقصى
المدينة ، وإني أصبت منها دون أن آتيها ، وأنا هذا قض فيّ ما شئت. قال : فقال عمر
: لقد سترك الله لو سترت نفسك ، فلم يرد عليه النبي صلىاللهعليهوسلم ، فانطلق الرجل ، فاتبعه رجلا ، ودعاه ، فتلا عليه هذه
الآية ، فقال رجل : يا رسول الله ، هذا له خاصة؟ قال : لا ، بل للناس كافة».
سورة يوسف
الآية : ٣. قوله
تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ
عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ
كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ)
روى الحاكم عن سعد
بن أبي وقاص في قوله عزوجل : (نَحْنُ نَقُصُّ
عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) قال : أنزل القرآن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتلاه عليهم زمانا ، فقالوا : يا رسول الله ، لو قصصت ،
فأنزل الله تعالى : (الر تِلْكَ آياتُ
الْكِتابِ الْمُبِينِ) إلى قوله : (نَحْنُ نَقُصُّ
عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) الآية. فتلاه عليهم زمانا ، فقالوا يا رسول الله ، لو
حدثتنا ، فأنزل الله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ
أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) قال : كل ذلك ليؤمنوا بالقرآن.
وروى الواحدي عن
عون بن عبد الله : «ملّ أصحاب رسول الله ملّة ، فقالوا : يا رسول الله ، حدّثنا ،
فأنزل الله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ
أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) الآية. قال : ثم إنهم ملّوا ملّة أخرى ، فقالوا : يا رسول
الله ، فوق الحديث ، ودون القرآن [يعنون القصص] ، فأنزل الله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ
الْقَصَصِ).
فأرادوا الحديث ،
فدلهم على أحسن الحديث ، وأرادوا القصص ، فدلهم على أحسن القصص».
سورة الرّعد
الآيات : ١٠ ـ ١٤.
قوله تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ
أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) إلى قوله : (وَما دُعاءُ
الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ)
قال ابن عباس في
رواية أبي صالح ، وابن جريج ، وابن زيد : «نزلت هذه الآيات في عامر بن الطفيل ،
وأربد بن ربيعة ، وذلك أنهما أقبلا يريدان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ، هذا عامر بن الطفيل
قد أقبل نحوك ، فقال : دعه ، فإن يرد الله به خيرا ، يهده ، فأقبل حتّى قام عليه ،
فقال : يا محمد ، ما لي إن اسلمت؟ قال : لك ما للمسلمين ، وعليك ما عليهم. قال :
تجعل لي الأمر بعدك؟ قال : لا ليس ذلك إليّ ، إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء.
قال : فتجعلني على الوبر ، وأنت على المدر؟ قال : لا. قال : فما ذا تجعل لي؟ قال :
أجعل لك أعنّة الخيل تغزو عليها. قال : أوليس ذلك إليّ اليوم؟ وكان أوصى أربد بن
ربيعة : إذا رأيتني أكلمه ، فدر من خلفه واضربه بالسيف ، فجعل يخاصم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويراجعه ، فدار أربد خلف النبي صلىاللهعليهوسلم ، ليضربه ، فاخترط من سيفه شبرا ، ثم حبسه الله تعالى ،
فلم يقدر على سله ، وجعل عامر يومئ إليه ، فالتفت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فرأى أربد وما يصنع بسيفه ، فقال : اللهم اكفنيها بما
شئت. فأرسل الله تعالى صاعقة في يوم صائف صاح ، فاحرقته ، وولّى عامر هاربا ، وقال
: يا محمد ، دعوت ربك ، فقتل أربد ، والله لأملأنها عليك خيلا جردا ، وفتيانا مردا
، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يمنعك الله تعالى من ذلك ، وابنا قيله ـ يريد الأوس ،
والخزرج ـ فنزل عامر بيت امرأة سلولية ، فلمّا أصبح ضم إليه سلاحه ، فخرج ، وهو
يقول : والله ، لئن أصحر إليّ محمد وصاحبه ـ يعني ملك الموت ـ لأنفذنهما برمحي ،
فلمّا رأى الله تعالى ذلك
منه أرسل ملكا ،
فلطمه بجناحيه ، فأذراه في التراب ، وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير ،
فعاد إلى بيت السلولية ، وهو يقول : غدة كغدة البعير ، وموت في بيت السلولية! ثم
مات على ظهر فرسه ، وأنزل الله تعالى فيه : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ
أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) حتى بلغ : (وَما دُعاءُ
الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ)
الآية : ٣٠. قوله
تعالى : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ
بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْهِ مَتابِ)
روى الواحدي عن
أهل التفسير قالوا : «نزلت في صلح الحديبية ، حين أرادوا كتابة الصلح ، فقال رسول
الله صلىاللهعليهوسلم : أكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل بن عمرو ،
والمشركون : ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة ـ يعنون مسيلمة الكذاب ـ : أكتب :
باسمك اللهم. ـ وهكذا كانت الجاهلية يكتبون ـ فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية».
وروى الواحدي من
رواية الضحاك عن ابن عباس : «نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : اسجدوا للرحمن ، قالوا : وما الرحمن؟! (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا). فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال : قل لهم : إن الرحمن
الذي أنكرتم معرفته هو ربّي لا إله إلا هو».
الآية : ٣١. قوله
تعالى : (وَلَوْ أَنَّ
قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ
بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً)
أخرج الواحدي عن
الزبير بن العوام قال : قالت قريش للنبي صلىاللهعليهوسلم : تزعم أنك نبي يوحى إليك ، وأن سليمان سخّرت له الريح ،
وأن موسى سخّر له البحر ، وأن عيسى كان يحيي الموتى ، فادع الله تعالى أن يسير
عنّا هذه الجبال ، ويفجر لنا الأرض أنهارا ، فنتخذها محارث ، ومزارع ، ومآكل ،
وإلا فادع أن يحيي لنا موتانا ، فنكلمهم ، ويكلمونا ، وإلا
فادع الله تعالى
أن يصيّر هذه الصخرة التي تحتك ذهبا ، فننحت منها ، وتغنينا عن رحلة الشتاء ،
والصيف ، فإنك تزعم أنك كهيئتهم ، فبينما نحن حوله إذ نزل عليه الوحي ، فلما سرّي
عنه قال : والذي نفسي بيده ، لقد أعطاني ما سألتم ، ولو شئت لكان ، ولكنه خيّرني
بين أن تدخلوا من باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم ، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم
، فتضلوا عن باب الرحمة ، فاخترت باب الرحمة ، وأخبرني إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم أنه
معذبكم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ، فنزلت : (وَما مَنَعَنا أَنْ
نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ). ونزلت : (وَلَوْ أَنَّ
قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) الآية.
الآية : ٣٨. قوله
تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا
رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ
لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ)
روى الواحدي عن
الكلبي : «عيرت اليهود رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقالت : ما نرى لهذا الرجل مهمة إلّا النساء ، والنكاح
ولو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآيتان : ٣٨ ـ ٣٩.
قوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما
يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن مجاهد قال : «قالت قريش حين أنزل : (وَما كانَ لِرَسُولٍ
أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) : ما نراك يا محمد تملك من شيء ، لقد فرغ من الأمر ، فأنزل
الله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما
يَشاءُ وَيُثْبِتُ) الآية».
سورة الحجر
الآية : ٢٤. قوله
تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا
الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ)
روى الواحدي عن
ابن عباس قال : كانت تصلي خلف النبي صلىاللهعليهوسلم امرأة حسناء في آخر النساء ، وكان بعضهم يتقدم إلى الصف
الأول لئلا يراها ، وكان بعضهم يتأخر في الصف الآخر ، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه ،
فنزلت : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا
الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ)
الآيات : ٤٣ ـ ٤٥.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).
أخرج الثعلبي عن
سلمان الفارسي : «لمّا سمع قوله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ
لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ). فرّ ثلاثة أيام هاربا من الخوف لا يعقل ، فجيء به للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فسأله ، فقال : يا رسول الله ، أنزلت هذه الآية : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ
أَجْمَعِينَ) فو الذي بعثك بالحق ، لقد قطعت قلبي!!. فأنزل الله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ
وَعُيُونٍ).
الآية : ٤٧. قوله
تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي
صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن علي بن الحسين : «إن هذه الآية نزلت في أبي بكر ، وعمر : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ
غِلٍ). قيل : وأي غل؟ قال : غل الجاهلية ، إن بني تيم ، وبني عدي
، وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية عداوة ، فلما أسلم هؤلاء القوم تحابوا ، فأخذت
أبا بكر الخاصرة ، فجعل علي يسخن يده ، فيكمد بها خاصرة أبي بكر ، فنزلت هذه الآية».
الآيتان : ٤٩ ـ ٥٠.
قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي
أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ)
روى ابن المبارك
بإسناده عن رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «طلع علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الباب الذي دخل منه بنو شيبة ، ونحن نضحك ، فقال : لا
أراكم تضحكون ، ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقري ، فقال : إنّي
لما خرجت جاء جبريل (عليهالسلام) ، فقال : يا محمد ، يقول الله عزوجل : لم تقنط عبادي؟ : (نَبِّئْ عِبادِي
أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
الآية : ٨٧. قوله
تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ
سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)
روى الواحدي عن
الحسين بن الفضل قال : إن سبع قوافل وافت من بصرى ، وأذرعات ليهود قريظة ، والنضير
في يوم واحد ، فيها أنواع من البز ، وأوعية الطيب ، والجواهر ، وأمتعة البحر ،
فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوّينا بها ، فأنفقناها في سبيل الله ،
فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال : لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه
السبع القوافل ، ويدل على صحة هذا قوله على إثرها : (لا تَمُدَّنَّ
عَيْنَيْكَ) الآية.
الآية : ٩٥. قوله
تعالى : (إِنَّا كَفَيْناكَ
الْمُسْتَهْزِئِينَ)
أخرج البزاز ،
والطبراني عن أنس بن مالك قال : مر النبي صلىاللهعليهوسلم على أناس بمكة ، فجعلوا يغمزون في قفاه ، ويقولون : هذا
الذي يزعم أنه نبي ، ومعه جبريل ، فغمز جبريل بإصبعه فوق مثل الظفر في أجسادهم ،
فصارت قروحا حتى نتنوا ، فلم يستطع أحد أن يدنو منهم ، فأنزل الله : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)
سورة النّحل
الآية : ١. قوله
تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ
فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)
روى الواحدي عن
ابن عباس قال : «لما أنزل الله تعالى : (اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قال الكفار بعضهم لبعض : إنّ هذا يزعم أن القيامة قد قربت
، فامسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن ، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء
، قالوا : ما نرى شيئا ، فأنزل الله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ
حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) ، فأشفقوا ، وانتظروا قرب الساعة ، فلما امتدت الأيام
قالوا : يا محمد ، ما نرى شيئا مما تخوفنا به ، فأنزل الله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) ، فوثب النبي صلىاللهعليهوسلم ، ورفع الناس رءوسهم ، فنزل : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) فاطمأنوا ، فلما نزلت هذه الآية ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بعثت أنا ، والساعة كهاتين ـ وأشار بإصبعه إن كادت
لتسبقني».
وقال الآخرون :
الأمر هاهنا العذاب بالسيف ، وهذا جواب للنضر بن الحارث حين قال : اللهم إن كان
هذا هو الحق من عندك ، فامطر علينا حجارة من السماء ـ يستعجل العذاب ـ فأنزل الله
تعالى هذه الآية» الآية : ٤. قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ
مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)
روى الواحدي : «نزلت
الآية في أبيّ بن خلف الجمحي ، حين جاء بعظم رميم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا محمد ، أترى الله يحيي هذا بعد ما رمّ! نظيرة
هذه الآية قوله تعالى في سورة يس : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ
أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) إلى آخر سورة يس.
نازلة في
هذه القصة».
الآية : ٣٨. قوله
تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ
جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)
أخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية قال : «كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين
دين فأتاه ، يتقاضاه ، فكان فيما يتكلم به : والذي أرجوه بعد الموت أنه كذا ، وكذا
، فقال له المشرك : إنك لتزعم انك تبعث من بعد الموت ، فأقسم بالله جهد يمينه ، لا
يبعث الله من يموت. فنزلت هذه الآية».
الآيتان : ٤١ ـ ٤٢.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا
فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ، الَّذِينَ صَبَرُوا
وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)
روى الواحدي : «الآية
نزلت في أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم بمكة : بلال ، وصهيب ، وخباب ، وعامر ، وجندل بن صهب ،
أخذهم المشركون بمكة ، فعذبوهم ، وآذوهم ، فبوأهم الله تعالى بعد ذلك المدينة».
الآيتان : ٧٥ ـ ٧٦.
قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً
عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً
حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ
لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ، وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ
أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما
يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)
روى الواحدي عن
عكرمة عن ابن عباس قال : «نزلت هذه الآية : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً
عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق ماله سرا ، وجهرا ، ومولاه
أبو الجوزاء الذي كان ينهاه ،
فالأبكم منهما
الكلّ على مولاه ، هذا السيد أسد بن أبي العيص ، والذي يأمر بالعدل ، وهو على صراط
مستقيم ، هو عثمان بن عفان (رضي الله عنه).
الآية : ٨٣. قوله
تعالى : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ
اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن مجاهد : «أن أعرابيا أتى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فسأله ، فقرأ عليه : (وَاللهُ جَعَلَ
لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) قال الأعرابي : نعم ، ثم قرأ عليه : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ
الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ). قال : نعم ، ثم قرأ عليه كل ذلك ، وهو يقول : نعم حتى بلغ
: (كَذلِكَ يُتِمُّ
نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ). فولى الأعرابي ، فأنزل الله : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ
يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ)
الآية : ٩٠. قوله
تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
روى الواحدي عن
ابن عباس قال : «بينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم بفناء بيته بمكة جالسا إذ مر به عثمان بن مظعون فكشر إلى
النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال له : ألا تجلس؟ فقال : بلى ، فجلس إليه مستقبله ،
فبينما هو يحدثه إذ شخّص بصره إلى السماء ، فنظر ساعة ، وأخذ يضع بصره حتى وضع على
عتبة في الأرض ، ثم تحرف عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره ، فأخذ ينغض رأسه كأنه
يستنقه ما يقال له ، ثم شخّص بصره إلى السماء كما شخص أول مرة ، فاتبعه بصره حتى
توارى في السماء ، وأقبل على عثمان كجلسته الأولى ، فقال : يا محمد ، فيما كنت
أجالسك ، وآتيك ما رأيتك تفعل فعلتك الغداة؟!. قال : ما رأيتني فعلت؟ قال : رأيتك
تشخص
بصرك إلى السماء
ثم وضعته حتى وضعته على يمينك ، فتحرفت إليه ، وتركتني ، فأخذت تنغض رأسك كأنك
تستنقه شيئا يقال لك. قال : أو فطنت إلى ذلك؟! قال عثمان : نعم. قال : أتاني رسول
الله جبريل (عليهالسلام) آنفا ، وأنت جالس. قال : فما ذا قال لك؟! قال : قال لي : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، فذاك حين استقر الإيمان في قلبي ، وأحببت محمدا صلىاللهعليهوسلم».
الآية : ٩٢. قوله
تعالى : (وَلا تَكُونُوا
كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ
أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن أبي بكر بن أبي حفص قال : «كانت سعيدة الأسدية مجنونة تجمع الشّعر ، واللّيف ،
فنزلت هذه الآية : (وَلا تَكُونُوا
كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) الآية».
الآية : ١٠١. قوله
تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا
آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ
مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)
روى الواحدي : «نزلت
حين قال المشركون : إن محمدا صلىاللهعليهوسلم سخر بأصحابه ، يأمرهم اليوم بأمر ، وينهاهم عنه غدا ، أو
يأتيهم بما هو أهون عليهم ، وما هو إلا مفترى يقوله من تلقاء نفسه ، فأنزل الله
تعالى هذه الآية ، والتي بعدها».
الآية : ١٠٣. قوله
تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ
أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ
إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)
أخرج ابن جرير
بسند ضعيف عن ابن عباس قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعلّم قينا بمكة اسمه بلعام ـ وكان أعجمي اللسان ـ وكان
المشركون يرون رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدخل عليه ، ويخرج من عنده ، فقالوا : إنما يعلمه بلعام ،
فأنزل الله : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ
أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ
بَشَرٌ) الآية».
وأخرج ابن أبي
حاتم من طريق حصين بن عبد الله بن مسلم الحضرمي ، قال : «كان لنا عبدان ، أحدهما :
يقال له يسار ، والآخر جبر ، وكانا صيقلين ، فكانا يقرءان كتابهما ، ويعلمان
علمهما ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمر بهما فيستمع قراءتهما ، فقالوا : إنما يتعلم منهما ،
فنزلت».
الآية : ١٠٦. قوله
تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ
مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ
وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ
عَذابٌ عَظِيمٌ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن عباس قال : «لما أراد النبي صلىاللهعليهوسلم أن يهاجر إلى المدينة أخذ المشركون بلالا ، وخبابا ، وعمار
بن ياسر ، فأما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم ، تقية. فلما رجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حدثه ، فقال : كيف كان قلبك حين قلت ، أكان منشرحا بالذي
قلت؟ قال : لا. فأنزل الله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).
الآية : ١١٠. قوله
تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ
لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ
رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)
أخرج ابن سعد في
الطبقات عن عمر بن الحكم قال : «كان عمار بن ياسر يعذّب حتى لا يدري ما يقول ،
وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول ، وكان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدري ما يقول ،
وبلال ، وعامر بن فهيرة ، وقوم من المسلمين ، وفيهم نزلت هذه الآية : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ
هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا).
الآيات : ١٢٥ ـ ١٢٨.
قوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ
أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ، وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما
عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ، وَاصْبِرْ
وَما
صَبْرُكَ
إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ
، إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)
أخرج الحاكم
والبيهقي في : «الدلائل» والبزاز عن أبي هريرة : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقف على حمزة حين استشهد ، ومثّل به ، فقال : لأمثلنّ
بسبعين منهم مكانك ، فنزل جبريل ـ والنبي صلىاللهعليهوسلم واقف ـ بخواتيم سورة النحل : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ
فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) إلى آخر السورة ، فكف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأمسك عما أراد».
وأخرج الترمذي ،
وحسنه والحاكم عن أبيّ بن كعب قال : «لما كان يوم أحد أصيب من الانصار أربع وستون
، ومن المهاجرين ستة ، منهم : حمزة فمثّلوا بهم ، فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم
يوما مثل هذا لنربينّ عليهم ، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا)
الآية ، وظاهر هذا
تأخر نزولها إلى الفتح ، وفي الحديث الذي قبله نزولها بأحد ، وجمع ابن الحصار
بأنها نزلت أولا بمكة ، ثم ثانيا بأحد ، ثم ثالثا يوم الفتح ، تذكيرا من الله
لعباده.
سورة الإسراء
الآية : ١٥. قوله
تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)
أخرج ابن عبد
البرّ بسند ضعيف عن عائشة قالت : سألت خديجة رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أولاد المشركين ، فقال : هم من آبائهم ، ثم سألته بعد
ذلك ، فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام ،
فنزلت : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرى). وقال : هم على الفطرة ، أو قال : هم في الجنة.
الآية : ٢٦. قوله
تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى
حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً).
أخرج الطبراني ،
وغيره عن أبي سعيد الخدري قال : «لما أنزلت : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى
حَقَّهُ) ودعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاطمة ، فأعطاها فدك.
قال ابن كثير :
هذا مشكل ، فإنه يشعر بأن الآية مدنية ، والمشهور خلافة».
وروى ابن مردويه
عن ابن عباس مثله.
الآية : ٢٨. قوله
تعالى : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ
عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً
مَيْسُوراً)
أخرج سعيد بن
منصور عن عطاء الخراساني قال : «جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : لا أجد ما أحملكم عليه ، فتولّوا ، وأعينهم تفيض
من الدمع حزنا ـ ظنوا ذلك من غضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ فأنزل الله تعالى : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ
عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ) الآية».
الآية : ٢٩. قوله
تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ
مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً
مَحْسُوراً)
أخرج الواحدي عن
جابر بن عبد الله ، وابن مردويه عن عبد الله
بن مسعود قال : «جاء
غلام إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : إنّ أمي تسألك كذا وكذا ، قال : ما عندنا شيء
اليوم. قال : فتقول لك : ألبسني قميصك. قال : فخلع قميصه ، فدفعه إليه ، وجلس في
البيت حاسرا» فأنزل الله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ
مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً
مَحْسُوراً) الآية.
الآية : ٤٥ : قوله
تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ
حِجاباً مَسْتُوراً)
أخرج ابن المنذر
عن ابن شهاب قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا تلا القرآن على مشركي قريش ، ودعاهم إلى الكتاب قالوا
يستهزءون به : قلوبنا في أكنة ممّا تدعونا إليه ، وفي آذاننا وقر ، ومن بيننا
وبينك حجاب ، فأنزل الله في ذلك من قولهم : (وَإِذا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ) الآية.
الآية : ٥٣. قوله
تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي
يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ
الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً)
روى الواحدي : «نزلت
في عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ، وذلك أنّ رجلا من العرب شتمه ، فأمره الله تعالى
بالعفو».
وروى الواحدي عن
الكلبي قال : «كان المشركون يؤذون أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالقول ، والفعل فشكوا ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ٥٩. قوله
تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ
نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ)
أخرج الحاكم ،
والطبراني ، وغيرهما عن ابن عباس قال : «سأل أهل مكة النبي صلىاللهعليهوسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن ينحي عنهم الجبال ، فيزرعوا
، فقيل له : إن شئت أن تستأني بهم ، وان شئت تؤتهم الذي سألوا ، فإن كفروا أهلكوا
كما أهلكت من قبلهم. قال : بل أستأني بهم ،
فأنزل الله تعالى
: (وَما مَنَعَنا أَنْ
نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ)
الآية : ٦٠. قوله
تعالى : (وَما جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً
كَبِيراً)
أخرج أبو يعلى عن
أم هاني : «أنه صلىاللهعليهوسلم لما أسري به أصبح يحدث نفرا من قريش يستهزءون به ، فطلبوا
منه آية ، فوصف لهم بيت المقدس ، وذكر لهم قصة العير ، فقال الوليد بن المغيرة هذا
ساحر ، فأنزل الله تعالى : (وَما جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)
وأخرج ابن أبى
حاتم ، والبيهقي في (البعث) عن ابن عباس قال : «لما ذكر الله الزّقوم خوّف به هذا
الحي من قريش قال أبو جهل : هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوّفكم به محمد؟ قالوا :
لا. قال : الثريد ، والزبد ، أما والله ، لئن أمكننا منها لنتزقمنها تزقما ، فأنزل
الله تعالى : (وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) الآيات : ٧٣ ـ ٧٥.
قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا
لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ
وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ، وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ
تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ، إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ
وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً).
أخرج ابن مردويه ،
وابن ابي حاتم من طريق إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس قال : «خرج
أمية بن خلف ، وأبو جهل بن هشام ، ورجال من قريش ، فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : يا محمد تعال تمسح بآلهتنا ، وندخل معك في دينك
ـ وكان يحب إسلام قومه ـ فرّق لهم ، فأنزل الله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ
الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) الى قوله : (نَصِيراً).
واخرج أبو الشيخ
عن سعيد بن جبير قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يستلم الحجر ، فقالوا : لا ندعك تستلم حتى تلم بآلهتنا ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم : وما عليّ لو فعلت ، والله يعلم مني خلافه ، فنزلت».
وأخرج أبو الشيخ
عن جبير بن نفير : «أن قريشا أتوا النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إن كنت أرسلت إلينا ، فاطرد الذين أتبعوك من سقاط
الناس ، ومواليهم فنكون نحن أصحابك ، فركن إليهم ، فنزلت».
الآيات : ٧٦ ـ ٨٠.
قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا
لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ
خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً).
أخرج ابن أبي حاتم
، والبيهقي في (الدلائل) من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم : «أن اليهود
أتوا النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : إن كنت نبيّا ، فالحق بالشام أرض المحشر ، وأرض
الأنبياء ، فصدّق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما قالوا ، فغزا غزوة تبوك يريد الشام ، فلما بلغ تبوك
أنزل الله آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ
الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) ، وأمره بالرجوع إلى المدينة ، وقال له جبريل : سل ربك فإن
لكل نبي مسألة ، فقال : ما تأمرني أن أسأل؟ قال : (وَقُلْ رَبِّ
أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) فهؤلاء نزلن في رجعته من تبوك».
الآية : ٨٠. قوله
تعالى : (وَقُلْ رَبِّ
أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)
روى الواحدي عن
الحسن قال : «إن كفار قريش لما أرادوا أن يوثقوا النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويخرجوه من مكة أراد الله تعالى بقاء أهل مكة ، وأمر
نبيه أن يخرج مهاجرا إلى المدينة ، ونزلت الآية.
الآية ٨٥. قوله
تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ
رَبِّي
وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)
أخرج البخاري عن
ابن مسعود قال : «كنت أمشي مع النبي صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، وهو يتوكأ على عسيب ، فمر بنفر من يهود ، فقال
بعضهم : لو سألتموه ، فقالوا : حدثنا عن الروح ، فقام ساعة ورفع رأسه ، فعرفت أنه
يوحى إليه حتى صعد الوحي ثم قال : (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ
رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)
وأخرج الترمذي عن
ابن عباس قال : «قالت قريش لليهود : علّمونا شيئا نسأل هذا الرجل ، فقالوا : سلوه
عن الروح ، فسألوه ، فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)
وقال ابن كثير : «يجمع
بين الحديثين بتعدد النزول. وكذا قال الحافظ ابن حجر ، أو يحمل سكوته حين سؤال
اليهود على توقع مزيد بيان في ذلك ، وإلّا فما في الصحيح أصح.
قال السيوطي : «ويرجح
ما في الصحيح بأن راويه حاضر القصة بخلاف ابن عباس».
الآية : ٨٨. قوله
تعالى : (قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا
يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)
أخرج ابن إسحاق ،
وابن جرير من طريق سعيد ، أو عكرمة عن ابن عباس قال : «أتى النبي صلىاللهعليهوسلم سلام بن مشكم في عامّة من يهود سماهم ، فقالوا : كيف نتبعك
، وقد تركت قبلتنا ، وان هذا الذي جئت به لا نراه متناسقا كتناسق التوراة ، فأنزل
علينا كتابا نعرفه ، وإلّا جئناك بمثل ما تأتي به ، فأنزل الله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ
وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) الآية.
الآية : ٩٠. قوله
تعالى : (وَقالُوا لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً)
أخرج ابن جرير من
طريق ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس : «أن عتبة ، وشيبة ابني
ربيعة ، وأبا سفيان بن حرب ، ورجلا من بني عبد الدار ، وأبا البحتري ، والأسود بن
المطلب ، وربيعة بن الأسود ، والوليد بن المغيرة ، وأبا جهل ، وعبد الله بن أمية ،
وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، ونبيّها ومنبها ابني الحجاج اجتمعوا فقالوا : يا
محمد ، ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، لقد سببت الآباء
، وعبت الدين ، وسفّهت الاحلام ، وشتمت الآلهة ، وفرقت الجماعة ، فما من قبيح إلّا
وقد جئته فيما بيننا وبينك ، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالا ، جمعنا لك
من أموالنا حتى تكون أكثر مالا ، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سوّدناك علينا ،
وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئيا تراه قد غلب ، بذلنا أموالنا في طلب العلم
حتى نبرئك منه. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما بي ما تقولون ، ولكن الله بعثني إليكم رسولا ، وأنزل
عليّ كتابا ، وأمرني أن أكون لكم مبشّرا ، ونذيرا. قالوا : فإن كنت غير قابل عنّا
ما عرضنا عليك قد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادا ، ولا أقل مالا ، ولا أشد
عيشا منّا ، فلتسأل لنا ربك الذي بعثك ، فليسيّر عنا هذه الجبال التي قد ضيقت
علينا ، وليبسط لنا بلادنا ، وليجر فيها أنهارا كأنهار الشام ، والعراق ، وليبعث
لنا من آبائنا ، فإن لم تفعل ، فسل ربك ملكا يصدقك بما تقول ، وأن يجعل لنا جنانا
، وكنوزا ، وقصورا من ذهب ، وفضة نعينك بها على ما نراك تبتغي ، فإنك تقوم
بالأسواق ، وتلتمس المعاش فإن لم تفعل ، فأسقط السماء كما زعمت أنت أن ربك إن شاء
فعل ، فإنا لن نؤمن لك إلّا أن تفعل ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنهم ، وقام معه عبد الله بن أبي أمية ، فقال : يا محمد ،
عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها
منزلتك من الله
فلم تفعل ذلك ، ثم سألوك أن جعل ما تخوفهم به من العذاب ، فوا الله ، لا أومن بك
أبدا حتى تتخذ الى السماء سلّما ثم ترقى فيه ، وأنا أنظر حتى تأتيها ، وتأتي معك
بنسخة منشورة ، ومعك أربعة من الملائكة ، فيشهدون لك أنّك كما تقول. فانصرف رسول
الله صلىاللهعليهوسلم حزينا ، فأنزل عليه ما قال له عبد الله بن أبي أمّية : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) إلى قوله : (بَشَراً رَسُولاً).
وأخرج سعيد بن
منصور في «سننه» عن سعيد بن جبير في قوله : (وَقالُوا لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ) قال : نزلت في أخي أمّ سلمة عبد الله بن أبي أميّة. مرسل
صحيح شاهد لما قبله يجبر المبهم في إسناده».
الآية : ١١٠. قوله
تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ
أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)
أخرج ابن مردويه ،
وغيره عن ابن عباس : قال رسول صلىاللهعليهوسلم بمكة ذات يوم : «فدعا ، فقال في دعائه : يا الله ، يا رحمن
، فقال المشركون : أنظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إليهنّ ، فأنزل الله : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا
الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)
الآية : ١١٠. قوله
تعالى : (وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً)
أخرج البخاري ،
وغيره ، عن ابن عباس في قوله : (وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) قال : «نزلت ورسول الله صلىاللهعليهوسلم مختف بمكة ، وكان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ،
فكان المشركون إذا سمعوا القرآن سبّوه ، ومن أنزله ، ومن جاء به ، فنزلت».
وأخرج البخاري عن
عائشة (رضي الله عنها): «نزلت هذه الآية في التشهد ، كان الأعرابي يجهر ، فيقول :
التحيات لله ، والصلوات ، والطيبات يرفع بها صوته ، فنزلت هذه الآية».
وأخرج ابن جرير من
طريق ابن عباس مثله ، ثم رجّح الأولى لكونها أصحّ سندا ، وكذا رجحها النوري ،
وغيره. وقال الحافظ بن حجر : لكن يحتمل الجمع بينهم بأنها نزلت في الدعاء داخل
الصلاة».
وقد أخرج ابن
مردوية من حديث أبي هريرة قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا صلّى عند البيت رفع صوته بالدعاء ، فنزلت».
وروى الواحدي عن
عبد الله بن شداد ، قال : «كان أعراب بني تميم إذا سلم النبي صلىاللهعليهوسلم من صلاته ، قالوا : اللهم ارزقنا مالا ، وولدا ، ويجهرون ،
فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ١١١. قوله
تعالى : (وَقُلِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً)
أخرج ابن جرير عن
محمد بن كعب القرظي قال : «إن اليهود ، والنصارى قالوا : اتخذ الله ولدا ، وقالت
العرب : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك. وقال الصابئون والمجوس
: لو لا أولياء الله لذلّ ، فأنزل الله : (وَقُلِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ)
سورة الكهف
أخرج ابن جرير من
طريق ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس قال : «بعثت قريش النضر بن
الحارث ، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة ، فقالوا لهم : سلوهم عن
محمد ، وصفوا لهم صفته ، وأخبروهم بقوله ، فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم ما ليس
عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا حتى أتيا المدينة ، فسألوا أحبار اليهود عن رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، ووصفوا لهم أمره ، وبعض قوله ، فقالوا لهم : سلوه ثلاث :
فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل ، فالرجل متقوّل. سلوه عن فتية ذهبوا
في الدهر الأول ، ما كان أمرهم؟ فإنه كان لهم أمر عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف بلغ
مشارق الأرض ، ومغاربها ، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ، ما هو؟ فأقبلا حتى قدما
على قريش ، فقالا : قد جئنا بفصل ما بينكم وبين محمد.
فجاءوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسألوه ، فقال : أخبركم غدا بما سألتم عنه ، ولم يستثن ،
فانصرفوا ، ومكث رسول الله صلىاللهعليهوسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله في ذلك إليه وحيا ، ولا يأتيه
جبريل حتى أرجف أهل مكة ، وحتى أحزن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكث الوحي عنه ، وشق عليه ما تكلم به أهل مكة ، ثم جاءه
جبريل من الله بسورة الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم. وخبر ما سألوه عنه
من أمر الفتية ، والرجل الطوّاف ، وقول الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الرُّوحِ)
الآية : ٦. قوله
تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ
نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً)
أخرج ابن مردويه
عن ابن عباس قال : «اجتمع عتبة بن ربيعة ،
وشيبة بن ربيعة ،
وأبو جهل بن هشام ، والنضر بن الحارث ، وأميّة بن خلف ، والعاص بن وائل ، والأسود
بن المطلب ، وأبو البحتري في نفر من قريش ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه ، وإنكارهم ما جاء
به من النصيحة ، فأحزنه حزنا شديدا ، فأنزل الله : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ
نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) الآية.
الآية : ٢٣ ـ ٢٤.
قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ
لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً ، إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)
أخرج ابن مردويه
عن ابن عباس قال : «حلف النبي صلىاللهعليهوسلم على يمين ، فمضى له أربعون ليلة ، فأنزل الله تعالى (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ
ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)
الآية : ٢٥. قوله
تعالى : (سِنِينَ وَازْدَادُوا
تِسْعاً)
أخرج ابن مردويه
عن ابن عباس قال : «أنزلت : (وَلَبِثُوا فِي
كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ) فقيل : يا رسول الله ، سنين ، أو شهور؟ فأنزل الله : (سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً)
الآية : ٢٨. قوله
تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ
مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ
مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ
فُرُطاً)
روى الواحدي عن
سلمان الفارسي قال : «جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ عيينة بن حصن ، والأقرع بن حبس ، وذووهم ـ فقالوا : يا
رسول الله ، إنك لو جلست في صدر المجلس ، ونحيت عنّا هؤلاء ، وأرواح جبابهم ـ يعنون
سلمان ، وأبا ذر ، وفقراء المسلمين ، وكان عليهم جباب الصوف ، لم يكن عليهم غيرها
ـ جلسنا إليك ، وحادثناك ، وأخذنا عنك ، فأنزل الله تعالى :
(وَاتْلُ ما أُوحِيَ
إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ
دُونِهِ مُلْتَحَداً ، وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) حتى بلغ : (إِنَّا أَعْتَدْنا
لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) يتهددهم بالنار ، فقام النبي صلىاللهعليهوسلم يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى
قال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم
المحيا ، ومعكم الممات».
الآية : ٢٨. قوله
تعالى : (وَلا تُطِعْ مَنْ
أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)
روى الواحدي عن
الضحاك عن ابن عباس قال : «نزلت في أمية بن خلف الجمحي ، وذلك أنه دعا النبي صلىاللهعليهوسلم إلى أمّر كرهه من تجرد الفقراء عنه ، وتقريب صناديد أهل
مكة ، فأنزل الله تعالى (وَلا تُطِعْ مَنْ
أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا)
يعنى من ختمنا على
قلبه عن التوحيد ، واتبع هواه أي الشرك».
الآية : ٨٣. قوله
تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ
ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً)
روى الواحدي عن
قتادة قال : «إن اليهود سألوا نبي الله صلىاللهعليهوسلم عن ذي القرنين فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ١٠٩. قوله
تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ
الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ
كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً)
روى الواحدي عن
ابن عباس قال : «قالت اليهود لما قال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ
الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) : كيف ، وقد أوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة ، فقد أوتي
خيرا كثيرا ، فنزلت : (قُلْ لَوْ كانَ
الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) الآية.
الآية : ١١٠. قوله
تعالى : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا
لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ
أَحَداً)
أخرج ابن أبي حاتم
، وابن أبي الدنيا في كتاب (الاخلاص) عن طاوس قال : «قال رجل : يا رسول الله ، إني
أقف أريد وجه الله ، وأحب أن أرى موطني ، فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت هذه الآية : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ
فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) مرسل.
وأخرج ابن أبي
حاتم عن مجاهد قال : «كان رجل من المسلمين يقاتل ، وهو يحب أن يرى مكانه ، فأنزل
الله : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا
لِقاءَ رَبِّهِ) الآية.
وأخرج أبو نعيم ،
وابن عساكر في (تاريخه) من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس
قال : «قال جندب بن زهير : إذا صلّى الرجل ، أو صام ، أو تصدق ، فذكر بخير ارتاح
له ، فزاد في ذلك لمقالة الناس له ، فنزلت في ذلك (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا
لِقاءَ رَبِّهِ) الآية.
سورة مريم
الآية : ٦٤. قوله
تعالى : (وَما نَتَنَزَّلُ
إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ
ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)
أخرج البخاري عن
ابن عباس قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لجبريل : ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ
رَبِّكَ)
وأخرج ابن إسحاق
عن ابن عباس : «ان قريشا لما سألوا عن أصحاب الكهف مكث خمس عشرة ليلة لا يحدث الله
له في ذلك وحيا ، فلما نزل جبريل قال له : أبطأت ، فذكره.
وأخرج ابن مردويه
عن أنس قال : «سأل النبي صلىاللهعليهوسلم جبريل : أي البقاع أحب إلى الله ، وأبغض إلى الله؟ فقال :
ما أدري حتى أسأل ، فنزل جبريل ـ وكان قد أبطأ عليه ـ فقال : لقد أبطأت عليّ حتّى
ظننت أن ترى عليّ موجده ، فقال : (وَما نَتَنَزَّلُ
إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) الآية.
وروى الواحدي عن
مجاهد قال : «أبطأ الملك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم أتاه فقال : لعلّي أبطأت ، فقال : قد فعلت. قال : ولم
لا أفعل ، وأنتم لا تتسوكون ، ولا تقصون أظفاركم ، ولا تنقون براجمكم. قال : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ
رَبِّكَ). قال مجاهد : فنزلت هذه الآية».
وروى الواحدي عن
عكرمة ، والضحاك ، وقتادة ، ومقاتل ، والكلبي : «احتبس جبريل (عليهالسلام) حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف ، وذي القرنين ، والروح
فلم يدر ما يجيبهم ، ورجا أن يأتيه جبريل (عليهالسلام) بجواب ، فسألوه ، فأبطأ عليه ، فشق
على رسول الله صلىاللهعليهوسلم مشقة شديدة ، فلما نزل جبريل (عليهالسلام) قال له : أبطأت علي حتى ساء ظني ، واشتقت إليك. فقال
جبريل (عليهالسلام) : إني كنت إليك أشوق ، ولكني عبد مأمور إذا بعثت ، نزلت ،
وإذا حبست ، احتبست ، فأنزل الله : (وَما نَتَنَزَّلُ
إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ).
الآية : ٦٦. قوله
تعالى : (وَيَقُولُ
الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا)
روى الواحدي عن
الكلبي قال : «نزلت في أبيّ بن خلف حين أخذ عظاما بالية يفتها بيده ، ويقول : زعم
لكم محمد أنّا نبعث بعد ما نموت».
الآية : ٧٧. قوله
تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي
كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً)
أخرج الشيخان ،
وغيرهما عن خبّاب بن الأرت قال : «جئت العاص بن وائل السهمي أتقاضاه حقا لي عنده ،
فقال : لا أعطينك حتى تكفر بمحمد. فقلت : لا حتى تموت ، وتبعث. قال : إني إذا متّ
ثم بعثت جئني ، وسيكون لي ثمّ مال ، وولد فأعطيك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ٩٦. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا)
أخرج ابن جرير عن
عبد الرحمن بن عوف : «لما هاجر إلى المدينة وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة ،
منهم : شيبة ، وعتبة ابنا ربيعة ، وأمية بن خلف ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا). قال : محبة في قلوب المؤمنين».
سورة طه
الآية : ١ ـ ٢. قوله
تعالى : (طه ، ما أَنْزَلْنا
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى)
أخرج ابن مردويه
عن ابن عباس : «ان النبي صلىاللهعليهوسلم كان أول ما أنزل الله عليه الوحي يقوم على صدور قدميه إذا
صلّى ، فأنزل الله : (طه ، ما أَنْزَلْنا
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى)
وأخرج عبد بن حميد
في (تفسيره) عن الربيع بن أنس قال : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم يراوح بين قدميه ليقوم على كل رجل حتى نزلت (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
لِتَشْقى)
أخرج الواحدي عن
مقاتل قال : «قال أبو جهل ، والنضر بن الحارث للنبي صلىاللهعليهوسلم : إنك لتشقى بترك ديننا ـ وذلك لما رأياه ، من طول عبادته
، واجتهاده ـ فأنزل الله تعالى هذه الآية».
وأخرج الواحدي عن
الضحاك قال : «لما نزل القرآن على النبي صلىاللهعليهوسلم قام هو ، وأصحابه ، فصلّوا ، فقال كفار قريش : ما أنزل
الله تعالى هذا القرآن على محمد صلىاللهعليهوسلم إلّا ليشقى به ، فأنزل الله تعالى : (طه ، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
لِتَشْقى)
الآية : ١٠٥. قوله
تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً)
أخرج ابن المنذر
عن ابن جريج قال : «قالت قريش : يا محمد ، كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة؟!
فنزلت : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْجِبالِ) الآية.
الآية : ١١٤. قوله
تعالى : (وَلا تَعْجَلْ
بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن السدي قال : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا نزل عليه جبريل بالقرآن أتعب نفسه في حفظه حتى يشق على
نفسه ، فيخاف أن يصعد جبريل ، ولم يحفظه ، فأنزل الله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)
الآية : ١٣١. قوله
تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ
عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ
الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى)
أخرج ابن أبي شيبة
، وابن مردويه ، والبزار ، وأبو يعلى عن أبي رافع قال : «أضاف النبي صلىاللهعليهوسلم ضيفا ، فأرسلني إلى رجل من اليهود : أن أسلفني دقيقا إلى
هلال رجب ، فقال : إلّا برهن ، فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأخبرته فقال : أما والله ، إني لأمين في السماء أمين في
الأرض ، فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية : (وَلا تَمُدَّنَّ
عَيْنَيْكَ إِلى ما)
سورة الأنبياء
الآية : ٦. قوله
تعالى : (ما آمَنَتْ
قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ).
أخرج ابن جرير عن
قتادة قال : «قال أهل مكة للنبي صلىاللهعليهوسلم : إن كان ما تقول حقا ، ويسرك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا
ذهبا ، فأتاه جبريل (عليهالسلام) ، فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك ، ولكنه إن كان ، ثمّ
لم يؤمنوا لم ينظروا ، وإن شئت استأنيت بقومك ، فأنزل الله : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ
أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ).
الآية : ٣٤. قوله
تعالى : (وَما جَعَلْنا
لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ).
أخرج ابن المنذر عن
ابن جريج قال : «نعي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم نفسه ، فقال : يا رب ، فمن لأمّتي؟ فنزلت : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ
الْخُلْدَ) الآية.
الآية : ٣٦. قوله
تعالى : (وَإِذا رَآكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ
آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن السدي قال : «مر النبي صلىاللهعليهوسلم على أبي جهل ، وأبي سفيان ، وهما يتحدثان ، فلما رآه أبو
جهل ضحك ، وقال لأبي سفيان : هذا نبي بني عبد مناف ، فغضب أبو سفيان ، وقال : أتنكرون
أن يكون لبني عبد مناف نبي؟ فسمعها النبي صلىاللهعليهوسلم ، فرجع إلى أبي جهل فوقع به ، وخوّفه. قال : ما أراك
منتهيا حتى يصيبك ما أصاب من غيّر عهده ، فنزلت : (وَإِذا رَآكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً).
الآية : ٧٦. قوله تعالى
: (وَلَقَدْ
أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا
لِرَبِّهِمْ
وَما يَتَضَرَّعُونَ).
أخرج النسائي ،
والحاكم عن ابن عباس قال : «جاء أبو سفيان إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا محمد ، أنشدك الله ، والرحم أكلنا العلهز (يعني
الوبر ، والدم) فأنزل الله تعالى : (وَلَقَدْ
أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ).
وأخرج البيهقي في (الدلائل)
بلفظ : «أن ابن أياز الحنفي لما أتي به النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو أسير خلّى سبيله ، وأسلم ، فلحق بمكة ثم رجع ، فحال
بين مكة وبين الميرة من اليمامة حتى اكلت قريش العلهز ، فجاء أبو سفيان إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟! قال : بلى. قال
: فقد قتلت الآباء بالسيف ، والأبناء بالجوع ، فنزلت».
الآية : ١٠١. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ)
عن ابن عباس قال :
«آية لا يسألني الناس عنها ، لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها!! أو جهلوها ، فلا
يسألون عنها!! قال : وما هي؟ قال : لما نزلت : (إِنَّكُمْ وَما
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) شق على قريش ، فقالوا : أيشتم آلهتنا!! فجاء ابن الزبعرى
فقال : مالكم؟ قالوا يشتم آلهتنا. قال : فما قال؟ قالوا : قال : إنكم ، وما تعبدون
من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون. قال : ادعوه لي؟ فلما دعى النبي صلىاللهعليهوسلم. قال : يا محمد ، هذه شيء لآلهتنا خاصة ، او لكل من عبد من
دون الله؟ قال : بل لكل من عبد من دون الله. فقال : ابن الزبعرى : خصمت ورب هذه
البنية (يعني الكعبة) ، ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون ، وان عيسى عبد صالح ،
وهذه بنو مليح يعبدون الملائكة ، وهذه النصارى يعبدون عيسى (عليهالسلام) ، وهذه اليهود يعبدون عزيرا. قال : فصاح أهل مكّة ، فأنزل
الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) الملائكة ، عيسى ، وعزيرا (عليهمالسلام) (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ).
ـ سورة الحج
الآية : ٣ قوله
تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ).
أخرج ابن ابي حاتم
عن ابي مالك في قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُجادِلُ فِي اللهِ). قال : نزلت في النضر بن الحارث.
الآية : ١١. قوله
تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ
أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ
هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ).
أخرج البخاري عن
ابن عباس قال : «كان الرجل يقدم المدينة ، فيسلم فإن ولدت امرأته غلاما ، ونتجت
خيله قال : هذا دين صالح ، وإن لم تلد امرأته ولدا ذكرا ، ولم تنتج خيله قال : هذا
دين سوء ، فأنزل الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) الآية.
وأخرج ابن مردوية
من طريق عطية عن ابن مسعود قال : أسلم يهودي فمات ولده ، فتشاءم بالاسلام ، فقال :
لم أصب من ديني هذا خيرا ، ذهب بصري ، ومالي ، ومات ولدي ، فنزلت : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ
عَلى حَرْفٍ) الآية.
الآية : ١٩. قوله
تعالى : (هذانِ خَصْمانِ
اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ
نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ).
روى البخاري عن
حجاج بن منهال عن هشيم بنم أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عبادة ، قال : «سمعت
أبا ذر يقول : أقسم بالله ، لنزلت : (هذانِ خَصْمانِ
اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) في هؤلاء الستة : حمزة ، وعبيدة ، وعلي بن أبي طالب ،
وعتبة ، وشيبة ، والوليد بن عتبة».
وأخرج الحاكم عن
عليّ قال : «فينا نزلت هذه الآية ، وفي مبارزتنا يوم بدر : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي
رَبِّهِمْ) إلى قوله : (الْحَرِيقِ).
الآية : ٢٥. قوله
تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن عباس قال : «بعث النبي صلىاللهعليهوسلم ، عبد الله بن أنيس مع رجلين : أحدهما مهاجر ، والآخر من
الأنصار فافتخروا في الانساب ، فغضب عبد الله بن أنيس فقتل الأنصاري ثم ارتد عن
الاسلام ، وهرب إلى مكة ، فنزلت فيه : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) الآية.
الآية : ٣٩. قوله
تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)
أخرج أحمد ،
والترمذي ، والحاكم وحسّنه ، وصححه عن ابن عباس قال : «خرج النبي صلىاللهعليهوسلم من مكة ، فقال أبو بكر : أخرجوا نبيّهم ليهلكن ، فأنزل
الله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).
الآية : ٥٢. قوله
تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ
قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي
أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ
آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
اخرج ابن ابي حاتم
، وابن جرير ، وابن المنذر من طريق بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال : «قرأ النبي صلىاللهعليهوسلم بمكة (النجم) فلما بلغ : (أَفَرَأَيْتُمُ
اللَّاتَ وَالْعُزَّى ، وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ألقى الشيطان على لسانه : «تلك الغرانيق العلى ، وان
شفاعتهنّ لترتجى ، فقال : المشركون : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم ، فسجد ،
وسجدوا ، فنزلت :
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ
قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ).
وأخرج الواحدي عن
سعيد عن جبير قال : «قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
(أَفَرَأَيْتُمُ
اللَّاتَ وَالْعُزَّى ، وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) فألقى الشيطان على لسانه : «تلك الغرانيق العلى ، وإن
شفاعتهنّ لترتجي» ففرح بذلك المشركون ، وقالوا : قد ذكر آلهتنا ، فجاء جبريل (عليهالسلام) إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال : أعرض عليّ كلام الله ، فلما عرض عليه فقال : أمّا
هذا فلم آتك به ، هذا من الشيطان ، فأنزل الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ
رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ).
الآية : ٦٠. قوله
تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ
بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ
اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن مقاتل : «إنما نزلت في سرية بعثها النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلقوا المشركين لليلتين بقيتا من المحرم ، فقال المشركون
بعضهم لبعض : قاتلوا أصحاب محمد ، فإنهم يحرّمون القتال في الشهر الحرام ، فناشدهم
الصحابة ، وذكّروهم بالله أن لا تعرضوا لقتالهم ، فإنهم لا يستحلون القتال في
الشهر الحرام ، فأبى المشركون ذلك ، وقاتلوهم ، وبغوا عليهم ، فقاتلهم المسلمون ،
ونصروا عليهم ، فنزلت هذه الآية».
ـ سورة المؤمنون ـ
الآيات : من ١ ـ ١٠.
قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ)
روى الحاكم في
صحيحه عن أبي بكر القطيعي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن عبد الرزاق عن
يونس بن سليمان عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال : «سمعت
عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول : «كان إذا أنزل الوحي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسمع عند وجهه دويّ كدويّ النحل ، فمكثنا ساعة ، فاستقبل
القبلة ، ورفع يديه فقال : اللهم زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وأعطنا
ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وارض عنّا ، ثم قال : لقد أنزلت علينا عشر
آيات من أقامهن دخل الجنة ، ثم قرأ : (قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ) إلى «عشر آيات»
الآية : ٢. قوله
تعالى : (الَّذِينَ هُمْ فِي
صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ)
أخرج الحاكم عن
أبي هريرة : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا صلّى رفع بصره إلى السماء ، فنزلت : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ
خاشِعُونَ) فطأطأ رأسه.
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن سيرين مرسلا : «كان الصحابة يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة ، فنزلت»
الآية : ١٤. قوله
تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ
أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)
روى الواحدي عن
أنس بن مالك قال : «قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : وافقت ربي في أربع ، قلت :
يا رسول الله ، لو صلّينا خلف المقام ، فأنزل الله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ
مُصَلًّى)
وقلت : يا رسول
الله ، لو اتخذت على نسائك حجابا ، فإنه يدخل
عليك البر ،
والفاجر ، فرسول الله تعالى : (وَإِذا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ)
وقلت لأزواج النبي
صلىاللهعليهوسلم : لتنتهنّ أو ليبدلنّه الله أزواجا خيرا منكن ، فأنزل الله
تعالى : (عَسى رَبُّهُ إِنْ
طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) ونزلت : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) إلى قوله : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ
خَلْقاً آخَرَ)
فقلت : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)
الآية : ٦٧. قوله
تعالى : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ
سامِراً تَهْجُرُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن سعيد بن جبير قال : «كانت قريش تسمر حول البيت ، ولا تطوف به ، ويفتخرون به ،
فأنزل الله : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ
سامِراً تَهْجُرُونَ)
ـ سورة النور ـ
الآية : ٣. قوله
تعالى : (الزَّانِي لا
يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا
زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
أخرج النسائي عن
عبد الله بن عمر قال : «كانت امرأة يقال لها أم مهزول ، وكانت تسافح ، فأراد رجل
من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم أن يتزوجها ، فأنزل الله : (وَالزَّانِيَةُ لا
يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
وأخرج أبو داود ،
والترمذي ، والنسائي ، والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : «كان
رجل يقال له مزيد يحمل من الأنبار إلى مكة حتى يأتيهم ، وكانت امرأة بمكة صديقة له
يقال لها عناق ، فاستأذن النبي صلىاللهعليهوسلم أن ينكحها فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً
أَوْ مُشْرِكَةً) الآية. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا مزيد ، : (الزَّانِي لا
يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) الآية. فلا تنكحها».
وأخرج الواحدي عن
عكرمة قال : «نزلت الآية في نساء بغايا بمكة ، والمدينة ، وكن كثيرات ، ومنهن تسع
صواحب رايات ، لهن رايات كرايات البيطار يعرفونها : أم مهدون جارية السائب بن أبي
السائب المخزومي ، وأم غليظ جارية صفوان بن أمية ، وحنّة القبطية جارية العاص بن
وائل ، ومرية جارية ابن مالك بن السباق ، وجلاله جارية سهيل بن عمرو ، وأم سويد
جارية عمرو بن عثمان المخزومي ، وشريفة جارية زمعة بن الأسود ، وقرينة جارية هشام
بن ربيعة ، وفرتنا جارية هلال بن أنس لا يدخل عليهن إلّا زان ، أو مشرك ،
وأراد ناس من
المسلمين نكاحهن ليتخذونهنّ مأكلة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ونهى المؤمنين
عن ذلك ، وحرّمه عليهم».
الآيات : ٦ ـ ٩.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ
فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ،
وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ،
وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ
لَمِنَ الْكاذِبِينَ ، وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ)
أخرج البخاري من
طريق عكرمة عن ابن عباس : «إن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : البيّنة ، أو حدّ في ظهرك. فقال : يا رسول الله ، إذا
رأى أحدنا مع امرأته رجلا ، ينطلق يلتمس البينة! فجعل النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : البيّنة ، أو حدّ في ظهرك. فقال هلال : والذي بعثك
بالحق ، إني لصادق ، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد ، فنزل جبريل ، فأنزل الله
عليه : (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) فقرأ حتى بلغ : (إِنْ كانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ)
واخرج أحمد عن ابن
عباس قال : «لما نزلت : (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً)
قال سعد بن عبادة
ـ وهو سيد الأنصار ـ : أهكذا نزلت يا رسول الله؟! فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا معشر الأنصار ، ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟! قالوا :
يا رسول الله ، لا تلمه ، فإنه رجل غيور ، والله ، ما تزوج امرأة قط فاجترأ رجل
منا أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد : والله يا رسول الله ، إني لأعلم أنها حق
، وأنها من الله ، ولكني تعجبت أني لو وجدت لكاعا يعجزها رجل لم يكن لي أن أنحيه ،
وأحركه حتى آتي بأربعة شهداء ، فو الله ، لا آتي بهم حتى يقضي حاجته. قال : فما
لبثوا إلّا يسيرا
حتى جاء هلال بن أمية ـ وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم ـ فجاء من أرضه عشاء ،
فوجد عند أهله رجلا ، فرأى بعينيه ، وسمع بأذنه فلم يهيجه حتى أصبح ، فغدا إلى
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال له : إني جئت أهلى عشاء ، فوجدت عندها رجلا ، فرأيت
بعيني ، وسمعت بأذني ، فكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما جاء به ، واشتد عليه ، واجتمعت الأنصار ، فقالوا : قد
ابتلينا بما قال سعد بن عبادة إلّا أن يضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم هلال بن أمية ، ويبطل شهادته في الناس. فقال هلال : والله
إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا ، فو الله ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريد أن يأمر بضربه ، فأنزل الله عليه الوحي ، فأمسكوا عنه
حتى فرغ من الوحي ، فنزلت : (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) الحديث».
وأخرج الشيخان ،
وغيرهما عن سهل بن سعد قال : «جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال : اسأل لي رسول الله
صلىاللهعليهوسلم : أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف
يصنع؟ فسأل عاصم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم المسائل ، فلقيه عويمر ، فقال : ما صنعت؟ قال : ما صنعت
إنك لم تأتني بخير ، سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فعاب المسائل ، فقال عويمر : فو الله ، لآتين رسول الله
، فلأسألنّه ، فسأله ، فقال : إنه أنزل فيك ، وفي صاحبتك ... الحديث».
قال الحافظ بن حجر
: «اختلف الأئمة في هذه المواضيع ، فمنهم من رجّح أنها نزلت في شأن عويمر ، ومنهم
من رجّح أنّها نزلت في شأن هلال ، ومنهم من جمع بينهما ، بأن أول من وقع له ذلك
هلال ، وصادف مجيء عويمر أيضا ، فنزلت في شأنهما معا. وإلى هذا جنح النووي ، وتبعه
الخطيب فقال : لعلهما اتفق لهما ذلك في وقت واحد».
وقال الحافظ بن
حجر : «ويحتمل أن النزول سبق بسبب هلال ، فلما جاء عويمر ، ولم يكن له علم بما وقع
لهلال أعلمه النبي صلىاللهعليهوسلم بالحكم.
ولهذا قال في قصة
هلال : فنزل جبريل ، وفي قصة عويمر : قد انزل الله فيك ، فيؤوّل قوله : قد أنزل
الله فيك ، أي فيمن وقع له مثل ما وقع لك». وبهذا أجاب ابن الصبّاغ في (الشامل) ،
وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين».
وأخرج البزار من
طريق زيد بن مطيع عن حذيفة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبي بكر : لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به؟ قال
: كنت فاعلا به شرا. قال : وأنت يا عمر ، قال : كنت أقول لعن الله الأعجز ، وإنه
لخبيث. فنزلت.
قال الحافظ بن حجر
: «لا مانع من تعدد الأسباب».
الآيات : ١١ ـ ٢٢.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ
بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ...) إلى قوله : (وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ
رَحِيمٌ).
روى البخاري عن
عائشة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم قالت :
«كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها
معه ، قالت عائشة (رضي الله عنها) ، فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج فيها سهمي ،
فخرجت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذلك بعد ما نزلت آية الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي ، وأنزل
فيه مسيرنا حتى فرغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غزوته ، وقفل ، ودنونا من المدينة أذن ليلة بالرحيل ،
فقمت حتى آذنوا بالرحيل ، ومشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل
، فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني
ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحّلون ، فحملوا هودجي ، فرحّلوه على بعيري
الذي كنت أرغب ، وهو يحسبون ، أني فيه ، قالت عائشة : وكانت النساء إذ ذاك خفافا
لم يهبلن ، ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم ثقل
الهودج حين رحلوه ، ورفعوه ، وكنت
جارية حديثة السن
، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش ، فجئت منازلهم ، وليس بها
داع ، ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أن القوم سيفقدوني ، فيرجعوا
إليّ ، فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت ، وكان صفوان بن المعطل
السلمي الذكواني قد عرّس من وراء الجيش ، فأدلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان
نائم ، فأتاني ، فعرفني حين رآني ـ وقد كان يراني قبل أن يضرب عليّ الحجاب ـ فاستيقظت
باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني بكلمة ، ولا سمعت منه
كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها ، فركبتها ، فانطلق يقود بي
الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، وهلك من هلك فيّ.
وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبيّ بن سلول ، فقدمنا المدينة ، فاشتكيت
حين قدمتها شهرا ، والناس يفضون في قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ،
ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلىاللهعليهوسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكى ، إنما يدخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيسلم ثم يقول : كيف تيكم؟؟ فذلك يحزنني ، ولا أشعر
بالشرّ حتى خرجت بعد ما نقهت ، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع ، وهو متبرزنا ، ولا
نخرج إلّا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر
العرب الأول في التنزه ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا ،
وأم مسطح ، وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف ، وأمها بنت صخر بن عامر
خالة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) ، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب
فأقبلت أنا ، وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها
، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا قد شهد بدرا؟! قالت :
أي
هنتاه ، أو لم
تسمعي ما قال؟! قلت : وما ذا قال؟! فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى
مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي ، ودخل عليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم قال : كيف تيكم؟ قلت : تأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت :
وأنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من قبلها ، فأذن لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجئت أبويّ ، فقلت : يا أمّاه ، ما يتحدث الناس؟ قالت يا
بنيّة ، هوّني عليك ، فو الله قلّما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل ، ولها ضرائر إلا
أكثرن عليها. قالت : فقلت : سبحان الله ، وقد تحدث الناس بهذا؟ قالت : فبكيت تلك
الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي ، ودعا رسول
الله صلىاللهعليهوسلم علي ابن أبي طالب ، وأسامة بن زيد ـ حين استلبث الوحي ـ يستشيرهما
في فراق أهله ، فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم في نفسه لهم من
الود ، فقال : يا رسول الله ، هم أهلك ، وما نعلم إلّا خيرا ، فأما علي بن أبي
طالب ، فقال : لم يضيّق الله تعالى عليك ، والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك.
قالت : فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بريرة ، فقال : يا بريرة ، هل رأيت شيئا يريبك من عائشة؟؟
قالت بريرة : والذي بعثك بالحق ، إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها
جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها ، فتأتي الداجن فتأكله ، قالت : فقام رسول
الله صلىاللهعليهوسلم فاستعذر من عبد الله بن أبيّ بن سلول ، فقال ، وهو على
المنبر : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي؟ فو الله ، ما
علمت على أهلي إلّا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا ، وما كان يدخل
على أهلي إلّا معي. فقام سعد بن معاذ الأنصاري ، فقال : يا رسول الله ، أنا أعذرك
منه ، إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ، ففعلنا
أمرك قال : فقام سعد بن عبادة
ـ وهو سيد الخزرج
، وكان رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحميّة ـ فقال لسعد بن معاذ : كذبت. لعمر الله
لا تقتله ، ولا تقدر على قتله ، فقام أسيد بن الحضير ـ وهو ابن عم سعد بن معاذ ـ فقال
لسعد بن عبادة : كذبت. لعمر الله ، لنقتلنه ، إنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار
الحيّان من الأوس ، والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم قائم على المنبر ، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا ، وسكت. قالت
: وبكيت يوم ذلك لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنان أن البكاء فالق
كبدي. قالت : فبينما هما جالسان عندي ، وأنا أبكي استأذنت عليّ امرأة من الانصار ،
فأذنت لها ، وجلست تبكي معي. قالت : فبينما نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم جلس ، ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل ، وقد لبثت شهرا
لا يوحي إليه في شأني شيء. قالت : فتشهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين جلس ثم قال : أما بعد يا عائشة ، فإنه بلغني عنك كذا ،
وكذا ، فإن كنت بريئة ، فسيبرئك الله ، وإن كنت الممت بذنب ، فاستغفري الله ،
وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ، ثم تاب تاب الله عليه. قالت : فلما قضى
رسول الله صلىاللهعليهوسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب
عني رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما قال؟ قال : والله ، ما أدري ما أقول لرسول الله. فقلت
ـ وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن ـ : والله لقد عرفت أنكم سمعتم
هذا ، وقد استقر في نفوسكم ، فصدقتم به ، ولئن قلت لكم : إني بريئة ، والله يعلم
أني بريئة لا تصدقوني ، والله ، ما أجد لي ، ولكم مثلا إلا ما قال أبو يوسف : فصبر
جميل والله المستعان على ما تصفون. قالت : ثم تحولت ، واضطجعت على فراشي. قالت :
وأنا والله حينئذ ، أعلم أني بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ، ما
كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ، ولشأني أحقر في نفسي من أن
يتكلم الله تعالى
فيّ بأمر يتلى ، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلىاللهعليهوسلم رؤيا يبرئني الله تعالى بها. قالت : فو الله ، ما رام رسول
الله صلىاللهعليهوسلم منزله ، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على
نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي ، حتى إنه
ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الثّاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه.
قالت : فلما سرّي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سري عنه وهو يضحك ، وكان أول كلمة تكلم بها أن قال :
البشرى يا عائشة ، أما والله لقد برأك الله. فقالت لي أمي : قومي إليه؟ فقلت :
والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلّا الله سبحانه وتعالى ، هو الذي برّأني. قالت : فأنزل
الله تعالى هذه الآيات في براءتي. قال الصدّيق ـ وكان ينفق على مسطح لقرابته ،
وفقره ـ والله ، لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال : فأنزل الله
تعالى : (وَلا يَأْتَلِ
أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى) إلى قوله (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ
يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ). فقال أبو بكر : والله إني أحب أن يغفر الله لي ، فرجّع
الى مسطح النفقة التي كانت عليه ، وقال : لا أنزعها منه أبدا».
الآية : ٢٢. قوله
تعالى : (وَلا يَأْتَلِ
أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى
وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا
تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أخرج ابن مردويه
عن ابن عباس : «فقال أبو بكر ـ وكان ينفق على مسطح لقرابته منه ، وفقره ـ : والله
، لا أنفق عليه شيئا بعد الذي قال لعائشة ، فأنزل الله : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ
مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) إلى (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ
يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ). قال أبو بكر : والله ، إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع
الى مسطح ما كان ينفق عليه».
الآية : ٢٣. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ
الْمُؤْمِناتِ
لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)
أخرج الطبراني عن
خصيف : «قلت لسعيد بن جبير : أيّما أشد : الزنا ، أو القذف؟ قال : الزنا ، قلت :
إن الله يقول : (إِنَّ الَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ) قال : إنما أنزل هذا في شأن عائشة خاصة». في إسناده يحيى
الحماني ، ضعيف.
وأخرج الطبراني عن
الضحاك بن مزاحم قال. «نزلت هذه الآية في نساء النبي صلىاللهعليهوسلم خاصة : (إِنَّ الَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ) الآية الآيات : ٢٣ ـ ٢٦. قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ)
أخرج ابن جرير عن
عائشة قالت : «رميت بما رميت به ، وأنا غافلة ، فبلغني بعد ذلك ، فبينما رسول الله
صلىاللهعليهوسلم عندي إذ أوحي إليه ثم استوى جالسا ، فمسح وجهه ، وقال : يا
عائشة ، أبشري. فقلت : بحمد الله لا بحمدك. فقرأ : (إِنَّ الَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ) حتى بلغ (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ
مِمَّا يَقُولُونَ)
الآية : ٢٦. قوله
تعالى : (الْخَبِيثاتُ
لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ
وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ
مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)
أخرج الطبراني
بسند رجاله ثقات عن عبد الرحمن عن زيد بن أسلم في قوله : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) الآية. قال : نزلت في عائشة حين رماها المنافق بالبهتان ،
والفرية ، فبرأها الله من ذلك».
وأخرج الطبراني عن
الحكم عن عتيبة قال : «لما خاض الناس في أمر عائشة أرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى عائشة ، فقال : يا عائشة ، ما يقول الناس؟ فقالت : لا
أعتذر بشيء حتى ينزل عذري من السماء ، فأنزل
الله فيها خمس
عشرة آية من سورة النور ، ثم قرأ حتى بلغ : (الْخَبِيثاتُ
لِلْخَبِيثِينَ) الآية. مرسل صحيح الأسناد».
الآية : ٢٧. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى
تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ)
أخرج الفريابي ،
وابن جرير عن عدي بن ثابت قال : «جاءت امرأة من الأنصار ، فقالت : يا رسول الله ،
إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد ، وإنه لا يزال يدخل علي رجل
من أهلي ، وأنا على تلك الحال فكيف أصنع؟ فنزلت : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى
تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) الآية».
الآية : ٢٩. قوله
تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ
يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن مقاتل عن بن حبّان قال : «لما نزلت آية الاستئذان في البيوت قال أبو بكر : يا
رسول الله ، فكيف بتجار قريش الذين يختلفون بين مكة ، والمدينة ، والشام ، ولهم
بيوت معلومة على الطريق ، فكيف يستأذنون ، ويسلمون ، وليس فيها سكان؟ فنزل : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ
تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ)
الآية : ٣١. قوله
تعالى : (وَقُلْ
لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ
عَلى جُيُوبِهِنَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن مقاتل قال : «بلغنا أنّ جابر بن عبد الله حدّث : أن أسماء بنت مرثد كانت في نخل
لها ، فجعل النساء يدخلن عليها متأزرات ، فيبدو ما في أرجلهن (يعني الخلاخل) وتبدو
صدورهن ،
وذوائبهن ، فقالت
أسماء : ما أقبح هذا!! فأنزل الله تعالى في ذلك هذه الآية».
الآية : ٣١. قوله
تعالى : (وَلا يَضْرِبْنَ
بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ)
أخرج ابن جرير عن
حضرميّ : «أن امرأة اتخذت صرتين من فضة ، واتخذت جزعا ، فمرت على قوم فضربت برجلها
، فوقع الخلخال على الجزع ، فصوّت ، فأنزل الله : (وَلا يَضْرِبْنَ
بِأَرْجُلِهِنَ).
الآية : ٣٣. قوله
تعالى : (وَالَّذِينَ
يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً).
أخرج ابن السكن في
(معرفة الصحابة) عن عبد الله بن صبيح عن أبيه قال : «كنت مملوكا لحويطب ابن عبد
العزى ، فسألته الكتاب فأبى ، فنزلت : «(وَالَّذِينَ
يَبْتَغُونَ الْكِتابَ). الآية.
الآية : ٣٣. (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى
الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا
وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
أخرج مسلم من طريق
أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال : «كان عبد الله بن أبيّ يقول لجاريته : اذهبي
فابغينا شيئا ، فأنزل الله : (وَلا تُكْرِهُوا
فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً).
أخرج الحاكم من
طريق أبي الزبير عن جابر قال : «كانت مسيكة لبعض الأنصار ، فقالت : إنّ سيدي
يكرهني على البغاء ، فنزلت : (وَلا تُكْرِهُوا
فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً). الآية.
وأخرج البزار ،
والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال : «كانت لعبد الله ابن أبيّ جارية تزني في
الجاهلية ، فلمّا حرّم الزنا قالت : لا والله ، لا أزني أبدا ، فنزلت : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى
الْبِغاءِ إِنْ
أَرَدْنَ
تَحَصُّناً).
وأخرج سعيد بن
منصور عن شعبان بن عمرو بن دينار عن عكرمة : «أن عبد الله بن أبيّ كانت له أمتان
مسيكة ، ومعاذة ، فكان يكرههما على الزنا ، فقالت إحداهما : إن كان خيرا فقد
استكثرن منه ، وان كان غير ذلك ينبغي أن أدعه ، فأنزل الله : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى
الْبِغاءِ). الآية.
الآية : ٤٨. قوله
تعالى : (وَإِذا دُعُوا إِلَى
اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
من مرسل الحسن قال : «كان الرجل إذا كان بينه ، وبين الرجل منزعة ، فدعي إلى النبي
صلىاللهعليهوسلم ، وهو محق ، أذعن ، وعلم أن النبي صلىاللهعليهوسلم سيقضي له بالحق ، وإذا أراد أن يظلم فدعي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، أعرض ، فقال : «أنطلق إلى فلان ، فأنزل الله تعالى : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) الآية.
الآية : ٥٥. قوله
تعالى : (وَعَدَ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي
الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْناً)
أخرج الحاكم وصححه
، والطبراني عن أبيّ بن كعب قال : «لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه المدينة ، وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس
واحدة ، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ، ولا يصبحون إلا فيه ، فقالوا : ترون أنّا
نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلّا الله ، فنزلت : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ) الآية».
الآية : ٥٨. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ
وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ
صَلاةِ
الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ
الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ)
روى الواحدي عن ابن
عباس قال : «وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم غلاما من الأنصار ـ يقال له مدلج بن عمرو ـ إلى عمر بن
الخطاب (رضي الله عنه) وقت الظهيرة ليدعوه ، فدخل ، فرأى عمر بحاله فكره عمر رؤيته
ذلك ، فقال : يا رسول الله ، وددت لو أنّ الله تعالى أمرنا ، ونهانا في حال الاستئذان
، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
وروى الواحدي عن
مقاتل قال : «نزلت في أسماء بنت مرثد ، كان لها غلام كبير فدخل عليها في وقت كرهته
، فأتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : إنّ خدمنا ، وغلماننا يدخلون في حال نكرهها ،
فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ٦١. قوله
تعالى : (لَيْسَ عَلَى
الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)
قال عبد الرزاق :
أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : «كان الرجل يذهب بالأعمى ، والأعرج ،
والمريض إلى بيت أبيه ، أو بيت أخيه ، أو بيت أخته ، أو بيت عمته ، أو بيت خالته ،
فكانت الزّمنى يتحرجون من ذلك ، ويقولون : إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم ، فنزلت
هذه الآية رخصة لهم : (لَيْسَ عَلَى
الْأَعْمى حَرَجٌ) الآية».
وروى الواحدي عن
ابن عباس قال : «لما نزّل الله تبارك وتعالى : (لا تَأْكُلُوا
أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ) تحرّج المسلمون من مؤاكلة المرضى ، والزمنى ، والعرجى ،
وقالوا : الطعام أفضل الأموال ، وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل ،
والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب ، والمريض يستوفي الطعام ، فأنزل الله تعالى
هذه الآية».
الآية : ٦١. (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ
تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً)
أخرج البزار بسند
صحيح عن عائشة (رضي الله عنها) قالت : «كان المسلمون يرغبون في النفر مع رسول الله
صلىاللهعليهوسلم ، فيدفعون مفاتيح إلى زمناهم ، ويقولون لهم : قد أحللنا
لكم أن تأكلوا مما أحببتم ، وكانوا يقولون : إنه لا يحل لنا ، إنهم أذنوا عن غير
طيب نفس ، فأنزل الله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً)
وأخرج الواحدي عن
قتادة ، والضحاك : «نزلت في حيّ من كنانة ـ يقال لهم بنو ليث بن عمرو ـ وكانوا
يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده ، فربما قعد الرجل ، والطعام بين يديه من
الصباح إلى الرواح ، والشول حفّل ، والأحوال منتظمة ، تحرجا من أن يأكل وحده ،
فإذا أمسى ولم يجد أحدا أكل ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
وروى الواحدي عن
عكرمة قال : «نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلّا مع
ضيفهم ، فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاءوا جميعا متحلقين ، أو أشتاتا متفرقين».
الآيات : ٦٢ ـ ٦٤.
قوله تعالى : (إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى
أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ
يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ)
أخرج ابن إسحاق ،
والبيهقي في (الدلائل) عن عروة ، ومحمد بن كعب القرظي ، وغيرهما قالوا : «لما
أقبلت قريش عام الأحزاب نزلوا بمجمع الأسيال من رومة (بئر بالمدينة) قائدها أبو
سفيان ، وأقبلت غطفان حتى نزلوا بنقمى إلى جانب أحد ، وجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم الخبر ، فضرب الخندق على المدينة ، وعمل فيه ، وعمل
المسلمون فيه ، وأبطأ رجال من المنافقين ، وجعلوا يأتون بالضعيف من العمل ،
فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا إذن ، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته لنائبة
يستأذن لحاجته ثم يرجع فأنزل الله فيهم الآية
ـ سورة الفرقان ـ
الآية : ١٠. قوله
تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي
إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً)
أخرج ابن أبي شيبة
في (المصنف) ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن خيثمة قال : «قيل للنبي صلىاللهعليهوسلم : إن شئت أعطيناك مفاتيح الأرض ، وخزائنها لا ينقصك ذلك
عندنا شيئا في الآخرة ، وإن شئت جمعتها لك في الآخرة ، فنزلت : (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ
خَيْراً مِنْ ذلِكَ) الآية».
وروى الواحدي عن
الضحّاك عن ابن عباس قال : «لمّا عيّر المشركون رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالفاقة قالوا : ما لهذا الرسول يأكل الطعام ، ويمشي في
الأسواق ، حزن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزل جبريل (عليهالسلام) من عند ربه معزيا له ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ،
ربّ العزة يقرئك السلام ، ويقول لك : (وَما أَرْسَلْنا
قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ
وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) أي يبتغون المعاش في الدنيا. قال : بينما جبريل (عليهالسلام) ، والنبي صلىاللهعليهوسلم يتحدثان إذ ذاب جبريل (عليهالسلام) حتى صار مثل الهدرة. قيل : يا رسول الله ، وما الهدرة؟!
قال : العدسة. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : مالك ذبت حتى صرت مثل الهدرة!! قال : يا محمد ، فتح باب
من أبواب السماء ، ولم يكن فتح قبل ذلك اليوم ، وإني أخاف أن يعذّب قومك عند
تعييرهم إياك بالفاقة. وأقبل النبي صلىاللهعليهوسلم ، وجبريل (عليهالسلام) يبكيان ، إذ عاد جبريل (عليهالسلام) إلى حاله ، فقال : أبشر يا محمد ، هذا رضوان خازن الجنة
قد أتاك بالرضا من ربك ، فأقبل رضوان حتى سلّم ثم قال : يا
محمد ، رب العزة
يقرئك السلام ، ومعه سقط من نور يتلألأ ، ويقول لك ربك : هذه مفاتيح خزائن الدنيا
مع ما لا ينتقص لك مما عنده في الآخرة مثل جناح بعوضة ، فنظر النبي صلىاللهعليهوسلم إلى جبريل (عليهالسلام) كالمستشير به ، فضرب جبريل بيده إلى الأرض ، فقال : تواضع
لله : فقال : يا رضوان ، لا حاجة لي فيها ، الفقر أحب إليّ ، وأن أكون عبدا صابرا
شكورا ، فقال رضوان (عليهالسلام) : أصبت أصاب الله بك ، وجاء نداء من السماء فرفع جبريل (عليهالسلام) رأسه ، فإذا السموات قد فتحت أبوابها إلى العرش ، وأوحى
الله تعالى إلى جنة عدن أن تدلي غصنا من أغصانها عليه عذق عليه غرفة من زبر جدة
خضراء لها سبعون ألف باب من ياقوتة حمراء. فقال جبريل (عليهالسلام) : يا محمد ، ارفع بصرك ، فرفع فرأى منازل الانبياء ،
وعرفهم ، فإذا منازله فوق منازل الأنبياء فضلا له خاصة ، ومناد ينادي : أرضيت يا
محمد؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : رضيت فاجعل ما أردت أن تعطيني في الدنيا ذخيرة عندك في
الشفاعة يوم القيامة ، ويرون أن هذه الآية أنزلها رضوان : (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ
خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ
قُصُوراً).
الآية : ٢٠. قوله
تعالى : (وَما أَرْسَلْنا
قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ
وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ
وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً).
أخرج الواحدي من
طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : «لما عير المشركون رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالفاقة ، وقالوا : «مال هذا الرسول يأكل الطعام ، ويمشي
في الأسواق» حزن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزل : (وَما أَرْسَلْنا
قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ
وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ).
الآيات : ٢٧ ـ ٢٩.
قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَعَضُّ
الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ
سَبِيلاً ، يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ، لَقَدْ
أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ
خَذُولاً).
أخرج ابن جرير عن
ابن عباس قال : «كان أبيّ بن خلف يحضر النبي صلىاللهعليهوسلم فيزجره عقبة بن أبي معيط ، فنزل : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى
يَدَيْهِ) إلى قوله : (خَذُولاً).
وأخرج الواحدي من
رواية عطاء الخراساني «كان أبيّ بن خلف يحضر النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويجالسه ، ويستمع إلى كلامه من غير أن يؤمن به ، فزجره
عقبة بن أبي معيط عن ذلك ، فنزلت الآية».
وأخرج الواحدي عن
الشعبي قال : «وكان عقبة خليلا لأمية بن خلف ، فأسلم عقبة ، فقال أمية : وجهي من
وجهك حرام إن تابعت محمدا (عليهالسلام) ، وكفر ، وارتد لرضا أمية ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ٣٢. قوله
تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ
لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً).
أخرج ابن أبي حاتم
، والحاكم وصححه ، والضياء في (المختارة) عن ابن عباس قال : «قال المشركون : إن
كان محمد كما يزعم نبيّا فلم يعذبه ربه ، ألا ينزل عليه القرآن جملة واحدة ، فينزل
عليه الآية ، والآيتين ، فأنزل الله (وَقالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً).
الآيات : ٦٨ ـ ٧٠.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا
يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ،
يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً ، إِلَّا
مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ
سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).
روى الواحدي عن
ابن عباس قال : «أتى وحشيّ إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا محمد ، أتيتك مستجيرا ، فأجرني حتى أسمع كلام
الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قد كنت أحب أن أراك على غير جوار ، فأما إذ أتيتني
مستجيرا ، فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله. قال : فإنّي أشركت بالله ، وقتلت
النفس التي حرم الله تعالى ، وزنيت ، هل يقبل الله مني توبة؟! فصمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى نزل : (وَالَّذِينَ لا
يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) إلى آخر الآية ، فتلاها عليه ، فقال : أرى شرطا ، فلعلّي
لا أعمل صالحا ، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله ، فنزلت : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ
بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، فدعا به ، فتلاها عليه ، فقال : ولعلّي ممن لا يشاء ،
أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله ، فنزلت : (قُلْ يا عِبادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ
اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) ، فقال : نعم ، الآن. لا أرى شرطا ، فأسلم».
وأخرج الشيخان عن
ابن عباس : «إن أناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا ، وزنوا فأكثروا ، ثم أتوا محمدا
صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا : إنّ الذي تقول ، وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن
لما عملنا كفارة ، فنزلت : (وَالَّذِينَ لا
يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) إلى قوله : (غَفُوراً رَحِيماً) ، ونزل : (قُلْ يا عِبادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ
اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)».
سورة الشعراء
الآية : ٢٠٥ ـ ٢٠٧
: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ
مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ، ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ، ما أَغْنى
عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن أبي جهضم قال : «رئي النبي صلىاللهعليهوسلم كأنه متحير ، فسألوه عن ذلك ، فقال : ولم ، ورأيت عدوي
يكون من أمتي بعدي ، فنزلت : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ
مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ، ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ، ما أَغْنى
عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) فطابت نفسه»
الآية : ٢١٥. قوله
تعالى : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ
لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
أخرج ابن جرير عن
ابن جريج قال : «لما نزلت : (وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) بدأ بأهل بيته ، وفصيلته فشق ذلك على المسلمين ، فأنزل
الله : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ
لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
الآية : ٢٢٤. قوله
تعالى : (وَالشُّعَراءُ
يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ)
أخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال : «تهاجى رجلان عى عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحدهما من الأنصار ، والآخر من قوم آخرين ، وكان مع كل
واحد منهم غواة من قومه ، وهم السفهاء ، فأنزل الله : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) الآيات».
الآية : ٢٢٧. قوله
تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ
بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ
يَنْقَلِبُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن عروة قال : «لما نزلت (وَالشُّعَراءُ) إلى قوله (ما لا يَفْعَلُونَ) قال عبد الله بن رواحة : قد علم الله أنّي منهم ،
فانزل الله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) إلى آخر السورة.
وأخرج ابن جرير ،
والحاكم عن أبي حسن البراد قال : «لما أنزلت :
(وَالشُّعَراءُ) الآية جاء عبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ، وحسّان بن
ثابت ، فقالوا : «يا رسول الله ، والله لقد أنزل الله هذه الآية ، وهو يعلم أنّا
شعراء ، هلكنا ، فأنزل الله : (إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا) الآية. فدعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فتلاها عليهم».
ـ سورة القصص ـ
الآية : ٥١. قوله
تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا
لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أخرج ابن جرير ، والطبراني عن رفاعة القرظي قال : «نزلت :
(وَلَقَدْ وَصَّلْنا
لَهُمُ الْقَوْلَ) في عشرة أنا أحدهم».
الآية : ٥٢. قوله
تعالى : (الَّذِينَ
آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ)
أخرج ابن جرير عن
علي بن رفاعة قال : «خرج عشرة رهط من أهل الكتاب منهم : رفاعة (يعني أباه) إلى
النبي صلىاللهعليهوسلم ، فآمنوا ، فأوذوا ، فنزلت : (الَّذِينَ
آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) الآية.
وأخرج ابن جرير عن
قتادة قال : «كنا نحدّث أنها نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على الحق حتى بعث
الله محمدا صلىاللهعليهوسلم ، فآمنوا به ، منهم : عثمان ، وعبد الله بن سلام».
الآية : ٥٦. قوله
تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي
مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ)
روى البخاري عن
أبي اليمان ، ومسلم عن حرملة ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري ، قال : «أخبرني
سعيد بن المسيب عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فوجد عنده أبا جهل ، وعبد الله بن أبي أميّة ، فقال رسول
الله صلىاللهعليهوسلم : يا عم ، قل : لا اله الّا الله كلمة أحاجّ لك بها عند
الله سبحانه وتعالى ، فقال أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية : أترغب عن ملة عبد
المطلب؟! فلم يزل الرسول صلىاللهعليهوسلم يعرضها عليه ، ويعاودانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب
آخر ما كلمهم
به : أنا على ملة
عبد المطلب ، وأبى أن يقول : لا اله الّا الله. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : والله ، لأستغفرنّ لك ما لم أنّه عنك ، فأنزل الله عزوجل (ما كانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي
قُرْبى) الآية. وأنزل في أبي طالب : (إِنَّكَ لا تَهْدِي
مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ).
وأخرج مسلم ،
وغيره عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعمه : قل : لا اله الا الله ، أشهد لك يوم القيامة. قال :
لو لا أن تعيرني نساء قريش ، يقلن إنّه حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك ،
فأنزل الله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي
مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ)
وأخرج النسائي ،
وابن عساكر في (تاريخ دمشق) بسند جيد عن أبي سعيد بن رافع قال : «سألت ابن عمر عن
هذه الآية : (إِنَّكَ لا تَهْدِي
مَنْ أَحْبَبْتَ) أفي أبي جهل ،
وأبي طالب؟ قال : نعم»
الآية : ٥٧. قوله
تعالى : (وَقالُوا إِنْ
نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا)
أخرج الواحدي «نزلت
في الحارث بن عثمان بن عبد مناف ، وذلك أنه قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : إنّا لنعلم أن الذي تقول حق ، ولكن يمنعنا من اتباعك ،
ان العرب تخطفنا من أرضنا لاجماعهم على خلافنا ، ولا طاقة لنا بهم ، فأنزل الله
تعالى هذه الآية».
الآية : ٦١. قوله
تعالى : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ
وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا
ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ) الآية. قال : نزلت في النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفي أبي جهل بن هشام».
وأخرج ابن جرير عن
مجاهد : «أنها نزلت في حمزة ، وأبي جهل».
وأخرج الواحدي عن
شعبة ، عن أبان ، عن مجاهد في هذه الآية
قال : «نزلت في
علي ، وحمزة ، وأبي جهل.
وأخرج الواحدي عن
السدّي : «نزلت في عمار ، والوليد بن المغيرة».
الآية : ٦٨. قوله
تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ
ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا
يُشْرِكُونَ)
روى الواحدي عن
المفسرين قالوا : «نزلت جوابا للوليد بن المغيرة حين قال فيما أخبر الله تعالى أنه
لا يبعث الرسل باختياره».
الآية : ٨٥. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ
بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن الضحاك قال : «لما خرج النبي صلىاللهعليهوسلم من مكة ، فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ
الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)
سورة العنكبوت
الآية ١ ـ ٢. قوله
تعالى : (الم ، أَحَسِبَ
النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن الشعبي في قوله : (الم ، أَحَسِبَ
النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) الآية. قال : أنزلت في أناس كانوا بمكة قد أقرّوا بالاسلام
فكتب هم المسلمون من المدينة : أنه لا يقبل منكم حتى تهاجروا ، فخرجوا عامدين إلى
المدينة ، فتبعهم المشركون ، فردوهم ، فنزلت هذه الآية ، فكتبوا إليهم أنه قد نزل
فيكم كذا وكذا ، فقالوا : نخرج فان اتبعنا أحد قاتلناه ، فخرجوا فاتبعهم المشركون
، فقاتلوهم ، فمنهم من قتل ، ومنهم من نجا ، فأنزل الله فيهم : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا
مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) وأخرج الواحدي عن مقاتل قال : نزلت في مهجع مولى عمر بن
الخطاب كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر رماه عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، فقال
النبي صلىاللهعليهوسلم : سيد الشهداء مهجع ، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من
هذه الأمة ، فجزع عليه أبواه ، وامرأته ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية ، وأخبر
أنه لا بدّ لهم من البلاء ، والمشقة في ذات الله تعالى».
الآية : ٨. قوله
تعالى : (وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً)
روى الواحدي عن
المفسرين قالوا : «نزلت في سعد بن أبي وقاص ، وذلك أنه لما أسلم قالت له أمه جميلة
: يا سعد ، بلغني أنك صبوت ، فو الله ، لا يظلني سقف بيت من الضح ، والريح ، ولا
آكل ، ولا أشرب حتى تكفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وترجع إلى ما كنت عليه ـ وكان أحب ولدها إليها ـ فأبى
سعد فصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ، ولم تشرب ، ولم
تستظل حتى غشي
عليها فأتى سعد النبي صلىاللهعليهوسلم ، وشكا ذلك إليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، والتي في
لقمان ، والأحقاف».
الآية : ٨. قوله
تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ
لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
أخرج الواحدي عن
سعد بن مالك قال : «أنزلت فيّ هذه الآية : (وَإِنْ جاهَداكَ
لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) قال : كنت رجلا برا بأمي ، فلما أسلمت قال : يا سعد ، ما
هذا الدين الذي أحدثت؟ ، لتدعن عن دينك هذا ، أو لا آكل ، ولا أشرب حتى أموت
فتعيّر بي ، فيقال : يا قاتل أمه. قلت : لا تفعلي يا أمّاه ، فإني لا أدع ديني هذا
لشيء. قال : فمكثت يوما لا تأكل ، فأصبحت قد جهدت. قال : فمكثت يوما آخر ، وليلة
لا تأكل ، فأصبحت وقد اشتدّ جهدها. قال : فلما رأيت ذلك قلت : تعلمين يا أماه لو
كانت لك مائة نفس ، فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء ، إن شئت فكلي ، وإن
شئت فلا تأكلي ، فلما رأت ذلك أكلت ، فأنزل الله هذه الآية : (وَإِنْ جاهَداكَ) الآية».
الآية : ٦٠. قوله
تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ
دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ)
روى الواحدي عن
ابن عمر قال : «خرجنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم حتى دخل حيطان الأنصار ، فجعل يلقط من التمر ، ويأكل ،
فقال : يا ابن عمر ، مالك لا تأكل؟! فقلت : ما أشتهيه يا رسول الله. فقال : ولكن
أشتهيه ، وهذه صبيحة رابعة ما ذقت طعاما ، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى
، وقيصر ، فكيف بك يا ابن عمر ، إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم ، ويضعف اليقين!!
قال : فو الله ، ما برحنا حتى نزلت : (وَكَأَيِّنْ مِنْ
دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ)
ـ سورة الروم ـ
الآية : ١ ـ ٥.
قوله تعالى : (الم ، غُلِبَتِ
الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ،
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ
يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الرَّحِيمُ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن شهاب قال : «بلغنا أن المشركين كانوا يجادلون المسلمين ، وهم بمكة قبل أن
يخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيقولون :
الروم يشهدون أنهم
أهل الكتاب ، وقد غلبتهم المجوس ، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبوننا بالكتاب الذي أنزل
على نبيكم فكيف غلب المجوس الروم ، وهم أهل الكتاب؟! سنغلبكم كما غلبت فارس الروم
، فأنزل الله : (الم ، غُلِبَتِ
الرُّومُ)
وأخرج ابن جرير عن
عكرمة ، ويحيى بن يعمر ، وقتادة على قراءة «غلبت» بالفتح ، لأنها نزلت يوم غلبهم
يوم بدر ، والثانية على قراءة الضم ، فيكون معناه : وهم بعد غلبتهم فارس سيغلبهم
المسلمون حتى يصبح معنى الكلام ، وإلّا لم يكن له كبير معنى».
وأخرج الواحدي عن
المفسرين قالوا : «بعث كسرى جيشا إلى الروم ، واستعمل عليهم رجلا يسمى شهريران ،
فسار إلى الروم بأهل فارس ، وظهر عليهم ، فقتلهم ، وخرّب ديارهم ، وقطع زيتونهم ،
وكان قيصر بعث رجلا يدعى «يحنس» فالتقى مع شهريران بأذرعات ، وبصرى ، وهي أدنى
الشام إلى أرض العرب ، فغلب فارس الروم ، وبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه بمكة ، فشق ذلك عليهم ، وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يكره أن يظهر الأميون من أهل المجوس على أهل الكتاب من
الروم ،
وفرح كفار مكة ،
وشمتوا ، فلقوا أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : إنكم أهل كتاب ، والنصارى أهل كتاب ، ونحن
اميون ، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم ، وإنكم إن قاتلتمونا ،
لنظهرن عليكم ، فأنزل الله تعالى : (الم ، غُلِبَتِ
الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) إلى آخر الآيات».
الآية : ٢٩. قوله
تعالى (ضَرَبَ لَكُمْ
مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ
شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ
كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
أخرج الطبراني عن
ابن عباس قال : «كان يلبي أهل الشرك : لبيك اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك إلا شريكا
هو لك تملكه ، وما ملك ، فأنزل الله (ضَرَبَ لَكُمْ
مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ
شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ).» الآية.
وأخرج جويبر مثله
عن داود بن أبي هند عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه.
ـ سورة لقمان ـ
الآية : ٦. قوله
تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ).
أخرج جويبر عن ابن
عباس قال : «نزلت في النضر بن الحارث ، اشترى قينة ، وكان لا يسمع بأحد يريد
الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول : أطعميه ، وأسقيه ، وغنيه ، هذا خير مما
يدعوك إليه محمد من الصلاة ، والصيام ، وأن تقاتل بين يديه ، فنزلت».
أخرج الواحدي عن
الكلبي ، ومقاتل : «نزلت في النضر بن الحارث ، وذلك أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس ،
فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ، ويحدّث بها قريشا ، ويقول لهم : إن محمدا «عليه
الصلاة والسلام» يحدثكم بحديث عاد ، وثمود ، وأنا أحدثكم بحديث رستم ، واسفنديار ،
وأخبار الأكاسرة ، فيستملحون حديثه ، ويتركون استماع القرآن ، فنزلت فيه هذه الآية».
روى الواحدي عن
أبي أمامة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا يحل تعليم المغنيات ، ولا بيعهن ، وأثمانهن حرام ،
وفي مثل هذا نزلت هذه الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ) إلى آخر الآية. وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلّا بعث
الله تعالى عليه شيطانين ، أحدهما على هذا المنكب ، والآخر على هذا المنكب ، فلا
يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت».
وأخرج الواحدي عن
ثور بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عباس : «نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه
ليلا ، ونهارا».
الآية : ١٥. قوله
تعالى : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ
مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ)
روى الواحدي : «نزلت
في أبي بكر (رضي الله عنه).
وروى الواحدي أيضا
عن عطاء عن ابن عباس : «يريد أبا بكر ، وذلك أنه حين أسلم أتاه عبد الرحمن بن عوف
، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، فقالوا لأبي بكر (رضي
الله عنه) : آمنت ، وصدقت محمد (عليه الصلاة والسلام)؟! فقال أبو بكر : نعم ،
فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فآمنوا ، وصدقوا ، فأنزل الله تعالى يقول لسعد : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) يعني أبا بكر (رضي الله عنه).
الآية : ٢٧. قوله
تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي
الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ
أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
أخرج ابن جرير عن عكرمة
قال : «سأل أهل الكتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الروح ، فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا
قَلِيلاً) فقالوا : تزعم أنّا لم نؤت من العلم إلّا قليلا ، وقد
أوتينا التوراة ، وهي حكمة ، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، فنزلت : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ
شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) الآية».
وأخرج ابن إسحاق
عن عطاء بن يسار ، وأخرج الواحدي عن المفسرين قالوا : «سألت اليهود رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الروح ، فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا
قَلِيلاً) فلما هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا : يا محمد ، بلغنا
عنك أنك تقول : وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا!
أفتعنينا أم قومك؟!
فقال : كلّا عنيت. قالوا : ألست تتلو فيما جاءك إنّا قد أوتينا التوراة ، وفيها
علم كل شيء؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هي في علم الله سبحانه وتعالى قليل ، ولقد آتاكم الله
تعالى ما إن عملتم به انتفعتم به ، فقالوا : يا محمد ، كيف تزعم هذا وأنت تقول :
ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا!! وكيف يجتمع هذا علم قليل ، وخير كثير ،
فأنزل الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي
الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) الآية».
الآية : ٣٤. قوله
تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ
عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما
تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ
إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
أخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : «جاء رجل من أهل البادية فقال : إن امرأتي حبلى ،
فأخبرني بما تلد ، وبلادنا مجدبة فأخبرني متى ينزل الغيث ، وقد علمت متى ولدت ،
فأخبرني متى أموت؟! فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ
عِلْمُ السَّاعَةِ)
وروى البخاري عن
ابن عمر قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمهم إلا الله تعالى : لا يعلم متى
تقوم الساعة الّا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم ما في غد
إلا الله ، ولا يعلم بأي أرض تموت إلا الله ، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله.
سورة السجدة
الآية : ١٦. قوله
تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ
عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ
يُنْفِقُونَ).
أخرج البزار عن
بلال قال : كنا نجلس في المسجد ، وناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلون بعد المغرب إلى العشاء ، فنزلت هذه الآية : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) الآية.
وروى الواحدي عن
معاذ بن جبل قال : «بينما نحن مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك ـ وقد أصابنا الحر ـ فتفرق القوم ، فنظرت
فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أقربهم مني ، فقلت : يا رسول الله ، أنبئني بعمل يدخلني
الجنة ، ويباعدني عن النار؟ قال : لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسّره
الله تعالى عليه : تعبد الله ، ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي
الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان ، وإن شئت أنبأتك بأبواب الخير ، فقال : قلت : أجل
يا رسول الله. قال : الصوم جنّة ، والصدقة تكفّر الخطيئة ، وقيام الرجل في جوف
الليل يبتغي وجه الله تعالى ، ثم قرأ هذه الآية : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ
عَنِ الْمَضاجِعِ)
الآية : ١٨. قوله
تعالى : (أَفَمَنْ كانَ
مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ)
أخرج الواحدي عن
ابن عباس قال : «قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه)
: أنا أحد منك سنانا ، وأبسط منك لسانا ، وأملأ للكتيبة منك ، فقال له عليّ : اسكت
، فإنما أنت
فاسق ، فنزل : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ
فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) قال : يعني بالمؤمن عليا ، وبالفاسق الوليد بن عقبة».
ـ سورة الأحزاب ـ
الآية : ١. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ
كانَ عَلِيماً حَكِيماً)
روى الواحدي : «نزلت
في أبي سفيان ، وعكرمة بن أبي جهل ، وأبي الأعور السلمي قدموا المدينة بعد قتال
أحد ، فنزلوا على عبد الله بن أبيّ ، وقد أعطاهم النبي صلىاللهعليهوسلم الأمان على أن يكلموه ، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي
سرح ، وطعمة بن أبيرق ، فقالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم وعنده عمر بن الخطاب : أرفض ذكر آلهتنا : اللّات والعزى ،
ومنات ، وقل : إنّ لها شفاعة ، ومنفعة لمن عبدها ، وندعك ، وربك ، فشق على النبي صلىاللهعليهوسلم قولهم ، فقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : ائذن لنا يا
رسول الله ، في قتلهم ، فقال : إنّي قد أعطيتهم الأمان. فقال عمر : اخرجوا في لعنة
الله ، وغضبه.
فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يخرجهم من المدينة ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية».
الآية : ٤. قوله
تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ
لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)
روى الواحدي : «نزلت
في جميل بن معمر الفهري ، وكان رجلا لبيبا حافظا لما سمع ، فقالت قريش ما حفظ هذه
الأشياء إلّا وله قلبان ، وكان يقول : إنّ لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من
عقل محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلما كان يوم بدر ، وهزم المشركون ، وفيهم يومئذ جميل بن
معمر ، تلقاه أبو سفيان ـ وهو معلق إحدى نعليه بيده ، والأخرى في رجله ـ فقال له :
يا أبا معمر ، ما حال الناس؟ قال : انهزموا. قال : فما بالك إحدى نعليك في يدك ،
والأخرى في رجلك؟! قال : ما
شعرت إلّا أنهما
في رجلي ، وعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده».
أخرج الترمذي ،
وحسّنه عن ابن عباس قال : «قام النبي صلىاللهعليهوسلم يوما يصلى فخطر خطرة ، فقال المنافقون الذين يصلون معه : ألا
ترى أنّ له قلبين : قلبا معكم ، وقلبا معه ، فأنزل الله : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ
قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)
الآية : ٤ ـ ٥.
قوله تعالى : (ما جَعَلَ
أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ
الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ، ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ
عِنْدَ اللهِ).
أخرج البخاري عن
ابن عمر قال : «ما كنا ندعوا زيد بن حارثة إلّا زيد بن محمد حتى نزل في القرآن : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ
عِنْدَ اللهِ).
الآية : ٩. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيراً).
أخرج البيهقي في «الدلائل»
عن حذيفة قال : «لقد رأينا ليلة الأحزاب ، ونحن صافّون قعودا ، وأبو سفيان ، ومن
معه من الأحزاب فوقنا ، وقريظة أسفل منا ، نخافهم على ذرارينا ، وما أتت قطّ علينا
ليلة أشد ظلمة ، ولا أشد ريحا منها ، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلىاللهعليهوسلم يقولون : إن بيوتنا عورة ، وما هي بعورة ، فما يستأذن أحد
منهم إلّا أذن له فيتسلّلون إذا استقبلنا النبي صلىاللهعليهوسلم رجلا رجلا حتى أتى عليّ فقال : ائتني بخبر القوم ، فجئت ،
فإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا ، فو الله ، اني لأسمع صوت الحجارة في
رحالهم ، وفرشهم ، الريح تضربهم بها ، وهم يقولون : الرحيل! الرحيل! فجئت ،
فأخبرته
خبر القوم ، وأنزل
الله (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ)». الآية.
الآية : ١٢. قوله
تعالى (وَإِذْ يَقُولُ
الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ
وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً).
أخرج ابن أبي حاتم
، والبيهقي «في الدلائل» من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده
قال : «خط رسول الله صلىاللهعليهوسلم الخندق عام الأحزاب ، فأخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء
مدوّرة ، فأخذ النبي صلىاللهعليهوسلم المعول فضربها ضربة صدعها ، وبرق منها برق أضاء ما بين
لابتي المدينة ، فكبّر ، وكبّر المسلمون ، ثم الثانية فصدعها ، وبرق منها برق أضاء
ما بين لابتيها ، فكبّر وكبّر المسلمون. ثم ضربها الثالثة فكسرها ، وبرق منها برق
أضاء ما بين لابتيها ، فكبر ، وكبر المسلمون ، فسئل عن ذلك ، فقال : ضربت الأولى ،
فأضاءت قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت
الثانية ، فأضاءت لي قصور الحيرة من أرض الروم ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة
عليها. ثم ضربت الثالثة ، فأضاءت لي قصور صنعاء ، وأخبرني جبريل : أن أمتي ظاهرة
عليها. فقال المنافقون : ألا تعجبون يحدثكم ، ويمنيكم ، ويعدكم الباطل ، ويخبركم
أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ، وحدائق كسرى ، وأنها تفتح لكم ، وأنتم إنما تحفرون
الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا ، فنزل القرآن (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ
وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا
غُرُوراً).
الآية : ٢٣. قوله
تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).
أخرج مسلم ،
والترمذي ، وغيرهما عن أنس قال : «غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فكبر عليه ، فقال :
أول مشهد قد شهده رسول الله
صلىاللهعليهوسلم غبت عنه ، لئن اراني الله مشهدا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليرينّ الله ما أصنع ، فشهد يوم أحد ، فقاتل حتى قتل ،
فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة ، وطعنة ، ورمية ، ونزلت هذه الآية : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما
عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)
الآية : ٢٣. قوله
تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى
نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ)
روى الواحدي : «نزلت
في طلحة بن عبيد الله ثبت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد حتى أصيبت يده ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم أوجب لطلحة الجنّة»
وروى الواحدي عن
عليّ قال : «قالوا : أخبرنا عن طلحة ، قال : ذلك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله
تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى
نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) طلحة ممن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل.
روى الواحدي عن
وكيع عن طلحة بن يحيى عن عيسى بن طلحة : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم مرّ عليه طلحة ، فقال : هذا ممن قضى نحبه».
الآية : ٢٨. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا
وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً)
أخرج مسلم ، وأحمد
، والنسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال : «أقبل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يؤذن له ، ثم أقبل عمر ، فاستأذن فلم يؤذن له ، ثم أذن
لهما فدخلا ، والنبي صلىاللهعليهوسلم جالس ، وحوله نساؤه ، وهو ساكت ، فقال عمر : لأكلمن النبي صلىاللهعليهوسلم لعله يضحك ، فقال عمر : يا رسول الله ، لو رأيت ابنة زيد ـ
امرأة عمر ـ
سألتني النفقة
آنفا فوجأت عنقها ، فضحك النبي صلىاللهعليهوسلم حتى بدا ناجذه ، وقال : هن حولي يسألنني النفقة ، فقام أبو
بكر إلى عائشة ليضربها ، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقول : تسألان النبي صلىاللهعليهوسلم ما ليس عنده! وأنزل الله الخيار ، فبدأ بعائشة فقال : إني
ذاكر لك أمرا ما أحبّ أن تعجلى فيه حتى تستأمرى أبويك. قالت : ما هو؟ فتلا عليها :
(يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) الآية. قالت عائشة : أفيك أستأمر أبوي بل أختار الله ،
ورسوله».
الآية : ٣٣. قوله
تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ
اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) روى الواحدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : «أنزلت هذه
الآية في نساء النبي صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّما يُرِيدُ
اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) وروى الواحدي عن عكرمة في قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) قال : ليس الذين يذهبون إليه ، إنما هي أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم. قال : وكان عكرمة ينادي هذا في السوق».
وروى الواحدي عن
أبي سعيد قال : «نزلت في خمسة : في النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين الآية : ٣٥. قوله
تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ)
أخرج الترمذي ،
وحسّنه من طريق عكرمة عن أم عمارة الأنصاري : أنها أتت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالت : ما أرى كل شيء إلّا الرجال ، وما أرى النساء
يذكرن بشيء فنزلت : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِماتِ)
أخرج الواحدي عن
مقاتل بن حيّان : «بلغني أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة ، ومعها زوجها جعفر
بن أبي طالب دخلت على
نساء النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالت : هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن : لا. فأتت
النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إنّ النساء لفي خيبة ، وخسارة
قال : وممّ ذلك! قالت : لأنهن لا يذكرن في الخير كما يذكر الرجال ، فأنزل الله
تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِماتِ)
وأخرج ابن سعد عن
قتادة قال : «لما ذكر أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم قال النساء : لو كان فينا خير لذكرنا ، فأنزل الله تعالى :
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِماتِ) الآية».
الآية : ٣٦. قوله
تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ
وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلالاً مُبِيناً)
أخرج الطبراني
بسند صحيح عن قتادة قال : «خطب النبي صلىاللهعليهوسلم زينب ـ وهو يريدها لزيد ـ فظنت أنه يريدها لنفسه ، فلما
علمت أنه يريدها لزيد أبت ، فأنزل الله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ
وَلا مُؤْمِنَةٍ) الآية ، فرضيت ، وأسلمت».
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن زيد قال : «نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ـ وكانت أول امرأة هاجرت
من النساء ـ فوهبت نفسها للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فزوجها زيد بن حارثة ، فسخطت هي ، وأخوها ، قالا : إنما
أردنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فزوجنا عبده ، فنزلت».
الآية : ٤٠. قوله
تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ
أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ
اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).
أخرج الترمذي عن
عائشة قالت : «لما تزوج النبي صلىاللهعليهوسلم زينب قالوا : تزوج حليلة ابنه ، فأنزل الله تعالى (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ
رِجالِكُمْ) الآية.
الآية : ٤٣. قوله
تعالى : (هُوَ الَّذِي
يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ
لِيُخْرِجَكُمْ
مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً).
أخرج عبد بن حميد
عن مجاهد قال : «لما نزلت : (إِنَّ اللهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) قال أبو بكر : يا رسول الله ، ما أنزل الله عليك خيرا إلا
أشركنا فيه ، فنزلت.
الآية : ٤٧. قوله
تعالى : (وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً).
أخرج ابن جرير عن
عكرمة ، والحسن البصري قالا : لما نزلت : (لِيَغْفِرَ لَكَ
اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) قال رجال من المؤمنين : هنيئا لك يا رسول الله ، قد علمنا
ما يفعل بك ، فما ذا يفعل بنا؟ فأنزل الله : (لِيُدْخِلَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) الآية ، وأنزل في سورة الأحزاب (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ
لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً).
الآية : ٥٠. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ
وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ)
أخرج الترمذي
وحسّنه ، والحاكم وصححه من طريق السدي عن أبي صالح عن ابن عباس عن أم هانئ بنت أبي
طالب قالت : «خطبني رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فاعتذرت إليه ، فعذرني ، فأنزل الله (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ) الى قوله (اللَّاتِي هاجَرْنَ
مَعَكَ) فلم أكن أحل له ، لأني لم أهاجر».
الآية : ٥٠. قوله
تعالى : (وَامْرَأَةً
مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ
يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)
أخرج ابن سعد عن
منير بن عبد الله الدؤلي : «أن أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية عرضت نفسها
على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكانت جميلة ، فقبلها ، فقالت عائشة ، ما في امرأة حين
تهب نفسها لرجل خير. قالت أم شريك : فأنا تلك ، فسماها الله مؤمنة ، فقال (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ
نَفْسَها لِلنَّبِيِ) فلما نزلت هذه
الآية قالت عائشة :
إن الله يسرع لك
في هواك».
الآية : ٣٧. قوله
تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ
لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ
زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى
النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) أخرج البخاري عن أنس : «أن هذه الآية : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) نزلت في بنت جحش ، وزيد بن حارثة».
وأخرج الحاكم عن
أنس قال : «جاء زيد بن حارثة يشكو إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من زينب بنت جحش ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : أمسك عليك أهلك ، فنزلت : (وَتُخْفِي فِي
نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ)
الآية : ٥١. قوله
تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ
مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ)
روى البخاري ،
ومسلم ، وغيرهما عن عائشة : «أنها كانت تقول لنساء النبي صلىاللهعليهوسلم : أما تستحي المرأة أن تهب نفسها؟ فأنزل الله تعالى هذه
الآية : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ
مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) فقالت عائشة : أرى ربك يسارع لك في هواك».
الآية : ٥٣. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ
إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا
طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ
يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ)
أخرج مسلم ، وأحمد
، والنسائي قال : «لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لزيد : اذهب فاذكرها عليّ ، فانطلق فأخبرها ، فقالت : ما
أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ، ونزل القرآن. وجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فدخل عليها بغير إذن ، ولقد رأيتني حين دخلت على رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، أطعمنا عليها الخبز واللحم ،
فخرج الناس ، وبقي
رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، واتّبعته ، فجعل يتبع حجر نسائه ، ثم أخبر أن القوم
خرجوا ، فانطلق حتى دخل البيت ، فذهبت أدخل معه ، فألقي الستر بيني وبينه ، ونزل
الحجاب ، ووعظ القوم بما أوعظوا به : (لا تَدْخُلُوا
بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) الآية
وروى الواحدي عن
المفسرين قالوا : «لما بنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بزينب بنت جحش أولم عليها بتمر وسويق وذبح شاة .. قال أنس
: وبعثت إليه أمي أم سليم بحيس في تور من حجارة فأمرني النبي صلىاللهعليهوسلم ان أدعو اصحابه الى الطعام ، ـ فجعل القوم يجيئون ،
فيأكلون ، فيخرجون ثم يجيء القوم ، ويأكلون ، ويخرجون فقلت : يا نبي الله ، قد
دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه ، فقال : ارفعوا طعامكم ، فرفعوا وخرج القوم ، وبقي
ثلاثة أنفار يتحدثون في البيت ، فأطالوا المكث ، فتأذى منهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ وكان شديد الحياء ـ فنزلت هذه الآية».
الآية : ٥٣. قوله
تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ
أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ
أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً)
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن زيد قال : «بلغ النبي صلىاللهعليهوسلم أن رجلا يقول : لو قد توفي النبي صلىاللهعليهوسلم تزوجت فلانة من بعده ، فنزلت : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ
اللهِ) الآية.
وأخرج ابن أبي
حاتم عن السدّي قال : «بلغنا أن طلحة بن عبيد الله قال : أيحجبنا محمد عن بنات
عمنا ، ويتزوج نساءنا! لئن حدث به حدث ، لنتزوجن نساءه من بعده ، فأنزلت هذه الآية».
وأخرج جويبر عن
ابن عباس : «أن رجلا أتى بعض أزواج النبي فكلمها ، وهو ابن عمها ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : لا تقومنّ هذا المقام بعد يومك هذا. فقال : يا رسول الله
، إنها ابنة عمي ، والله ما قلت لها
منكرا ، ولا قالت
لي. قال النبي صلىاللهعليهوسلم : قد عرفت ذلك ، إنه ليس أحد أغير من الله ، وإنه ليس أحد
أغير مني ، فمضى ثم قال : يمنعني من كلام ابنة عمي!! لأتزوجنها من بعده ، فأنزل
الله هذه الآية». قال ابن عباس : «فأعتق ذلك الرجل رقبة ، وحمل على عشرة أبعر في
سبيل الله ، وحج ماشيا توبة من كلمته».
الآية : ٥٧. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ
وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً)
أخرج ابن أبي حاتم
من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية. قال : «نزلت في الذين طعنوا على النبي صلىاللهعليهوسلم حين اتخذ صفية بنت حيي».
وقال جويبر عن
الضحاك عن ابن عباس : «أنزلت في عبد الله بن أبيّ ، وناس معه قذفوا عائشة فخطب
النبي صلىاللهعليهوسلم وقال : من يعذرني من رجل يؤذيني ، ويجمع في بيته من يؤذيني
، فنزلت».
الآية : ٥٨. قوله
تعالى : (وَالَّذِينَ
يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ
احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً)
روى الواحدي عن
مقاتل قال : «نزلت في علي بن أبي طالب ، وذلك أن أناسا من المنافقين كانوا يؤذونه
، ويسمعونه».
وروى الواحدي عن
الضحاك ، والسدي ، والكلبي : «نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة
يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن ، فيرون المرأة فيدنون منها ،
فيغمزونها ، فإن سكتت ، اتبعوها ، وإن زجرتهم ، انتهوا عنها ، ولم يكونوا يطلبون
إلّا الإماء ، ولكن لم يكن يومئذ تعرف الحرة من الأمة إنما يخرجن في درع ، وخمار ،
فشكون ذلك إلى أزواجهن.
الآية : ٥٩. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ
قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ
الْمُؤْمِنِينَ
يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا
يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).
أخرج البخاري عن
عائشة قالت : «خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها ـ وكانت امرأة جسيمة لا تخفى
على من يعرفها ـ فرآها عمر فقال : يا سودة ، أما والله ، ما تخفين علينا ، فانظري
كيف تخرجين. قالت فانكفأت راجعة ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في بيتي ، وإنه ليتعشى ، وفي يده عرق فدخلت ، فقالت : يا
رسول الله ، إنّي خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر : كذا وكذا. قالت : فأوحى الله إليه
ثم رفع عنه ـ وإن العرق في يده ما وضعه ـ فقال : إنه قد أذن لكنّ أن تخرجن لحاجتكن».
وأخرج الواحدي عن
السدي قال : «كانت المدينة ضيقة المنازل ، وكان النساء إذا كان الليل خرجن فقضين
الحاجة ، وكان فسّاق من فساق المدينة يخرجون ، فإذا رأوا المرأة عليها قناع قالوا
: هذه حرّة فتركوها ، وإذا رأوا المرأة بغير قناع قالوا : هذه أمة ، فكانوا
يراودونها ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
سورة سبأ
الآية : ١٥. قوله
تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ
فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ
رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن علي بن رباح قال : «حدثني فلان أن قدوة بن مسيك الغطفاني قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا نبي الله ، إنّ سبأ قوم كان لهم في الجاهلية
عزّ ، وإنّي أخشى أن يرتدوا عن الاسلام أفأقاتلهم؟؟ فقال : ما أمرت فيهم بشيء بعد
، فأنزلت هذه الآية : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ
فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) الآيات».
الآية : ٣٤. قوله
تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي
قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ
كافِرُونَ)
أخرج ابن المنذر ،
وابن أبي حاتم من طريق سفيان عن عاصم عن أبي رزين قال : «كان رجلان شريكان خرج
أحدهما إلى الشام ، وبقي الآخر ، فلما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم كتب إلى صاحبه يسأله ما عمل ، فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد
من قريش إلّا رذالة الناس ، ومساكينهم ، فترك تجارته ثم أتى صاحبه ، فقال : دلني
عليه ـ وكان يقرأ بعض الكتب ـ فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : إلا م تدعو؟ فقال : إلى كذا وكذا. فقال : أشهد
أنك رسول الله ، فقال : وما علمك بذلك؟! فقال : إنه لم يبعث نبي إلّا اتبعه رذالة
الناس ، ومساكينهم ، فنزلت هذه الآية : (وَما أَرْسَلْنا فِي
قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ
كافِرُونَ) فأرسل اليه النبي صلىاللهعليهوسلم : ان الله قد أنزل تصديق ما قلت»
سورة فاطر
الآية : ٨. قوله
تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ
لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي
مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما
يَصْنَعُونَ)
أخرج جويبر عن
الضّحاك عن ابن عباس قال : «أنزلت هذه الآية : (أَفَمَنْ زُيِّنَ
لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) الآية حيث قال النبي صلىاللهعليهوسلم : اللهم أعز دينك بعمر بن الخطاب ، أو بأبي جهل بن هشام ،
فهدى الله عمر ، وأضل أبا جهل ، ففيهما أنزلت».
الآية : ٢٩. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ
سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) أخرج عبد الغني الثقفي في (تفسيره) عن ابن عباس : «أنّ
حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي نزلت فيه : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ
وَأَقامُوا الصَّلاةَ) الآية.
الآية : ٣٥. قوله
تعالى : (لا يَمَسُّنا فِيها
نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ)
أخرج البيهقي في (البعث)
وابن أبي حاتم من طريق نفيع بن الحارث عن عبد الله بن أبي أوفى قال : «قال رجل
للنبي صلىاللهعليهوسلم : يا رسول الله ، إنّ النوم مما يقر الله به أعيننا في
الدنيا فهل في الجنة من نوم؟! قال : لا ، إنّ النوم شريك الموت ، وليس في الجنة
موت. قال : فما راحتهم؟! فأعظم ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : ليس فيها لغوب ، كل أمرهم راحة ، فنزلت : (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا
يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ)
الآية : ٤٢. قوله
تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ
جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ
نَذِيرٌ
لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما
زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً)
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن أبي هلال : «أنه بلغه أن قريشا كانت تقول : لو أنّ الله بعث منّا نبيّا ما
كانت أمة من الأمم أطوع لخالقها ، ولا أسمع لنبيها ، ولا أشد تمسكا بكتابها منّا ،
فأنزل الله : (وَإِنْ كانُوا
لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) و (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ
عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) و (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ
أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ).
سورة يس
الآية : ١. قوله
تعالى : (يس ، وَالْقُرْآنِ
الْحَكِيمِ).
أخرج أبو نعيم في «الدلائل»
عن ابن عباس قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرأ في السجدة ، فيجهر بالقراءة حتى يتأذى به ناس من قريش
حتى قاموا ليأخذوه ، وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم ، وآذانهم ، عمي لا يبصرون ،
فجاءوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : ننشدك الله ، والرحم يا محمد ، فدعا حتى ذهب
ذلك عنهم ، فنزلت : (يس ، وَالْقُرْآنِ
الْحَكِيمِ) الى قوله (أَمْ لَمْ
تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).
قال : فلم يؤمن من
ذلك النفر أحد.
الآيتان : ٨ ـ ٩.
قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا فِي
أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ، وَجَعَلْنا
مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ
لا يُبْصِرُونَ)
أخرج ابن جرير عن
عكرمة قال : «قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا لأفعلنّ ، ولأفعلنّ ، فأنزل الله تعالى
: (إِنَّا جَعَلْنا فِي
أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) قوله (لا يُبْصِرُونَ) فكانوا يقولون : هذا محمد ، فيقول : أين هو أين هو؟! ولا
يبصر».
الآية : ١٢. قوله
تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ
الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي
إِمامٍ مُبِينٍ)
اخرج الترمذي ،
وحسنه ، والحاكم ، وصححه عن أبي سعيد الخدري : «كانت بنو سلمة في ناحية المدينة ،
فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد ، فنزلت هذه الآية (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ
الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) فقال صلىاللهعليهوسلم : إن أثاركم تكتب فلا تنتقلوا».
الآيات : ٧٧ ـ ٨٣.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ
الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)
أخرج الحاكم ،
وصححه عن ابن عباس قال : «جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعظم حائل ، ففتته ، فقال : يا محمد ، أيبعث هذا بعد ما
رمّ؟ قال : نعم ، يبعث الله هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم ، فنزلت هذه
الآيات (أَوَلَمْ يَرَ
الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ)
سورة الصافات
الآية : ٦٤. قوله
تعالى : (إِنَّها شَجَرَةٌ
تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ).
أخرج ابن جرير عن
قتادة قال : «قال أبو جهل : زعم صاحبكم هذا أن في النار شجرة ، والنار تأكل الشجر
، وإنّا والله ، ما نعلم الزقوم إلا التمر ، والزبد ، فأنزل الله حين عجبوا أن
يكون في النار شجرة (إِنَّها شَجَرَةٌ
تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) الآية.
الآية : ١٥٨. قوله
تعالى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ
لَمُحْضَرُونَ) أخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : «أنزلت هذه الآية
في ثلاثة أحياء من قريش : سليم ، وخزاعة ، وجهينة. (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) الآية.
وأخرج البيهقي في (شعب
الايمان) عن مجاهد قال : «قال كبار قريش : الملائكة بنات الله. فقال لهم أبو بكر
الصديق : فمن أمهاتهم؟!! قالوا : بنات سراة الجن ، فأنزل الله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ
لَمُحْضَرُونَ)
الآية : ١٦٥. قوله
تعالى : (وَإِنَّا لَنَحْنُ
الصَّافُّونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن يزيد بن أبي مالك قال : «كان الناس يصلون متبددين ، فأنزل الله تعالى : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) فأمرهم أن يصفوا».
الآية : ١٧٦ قوله
تعالى : (أَفَبِعَذابِنا
يَسْتَعْجِلُونَ)
أخرج جويبر عن ابن
عباس قال : «قالوا يا محمد ، أرنا العذاب الذي تخوفنا به ، عجّله لنا ، فنزلت (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) صحيح عن الشيخين.
سورة ص
الآيات : ١ ـ ٨.
قوله تعالى : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي
الذِّكْرِ)
أخرج أحمد
والترمذي ، والنّسائي ، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : «مرض أبو طالب ، فجاءته
قريش ، وجاءه النبي صلىاللهعليهوسلم ، فشكوه إلى أبي طالب ، فقال : يا ابن أخي ، ما تريد من
قومك؟! قال : أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم العجم الجزية ،
كلمة واحدة. قال : ما هي؟ قال : لا إله الا الله ، فقالوا : الها واحدا إن هذا
الشيء عجاب ، فنزلت فيهم : (ص وَالْقُرْآنِ) إلى قوله : (بَلْ لَمَّا
يَذُوقُوا عَذابِ)
ـ سورة الزّمر ـ
الآية : ٣. قوله
تعالى : (ما نَعْبُدُهُمْ
إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى)
أخرج جويبر عن ابن
عباس في هذه الآية : «نزلت في ثلاثة أحياء : عامر ، وكنانة ، وبني سلمة ، كانوا
يعبدون الأوثان ، ويقولون : «الملائكة بناته ، فقالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا
إِلَى اللهِ زُلْفى)
الآية : ٩. قوله
تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ
آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) الآية. قال : «نزلت في عثمان بن عفان».
وأخرج ابن سعد من
طريق الكلبي عن صالح عن ابن عباس قال : «نزلت في عمّار بن ياسر».
وأخرج جويبر عن
ابن عباس قال : «نزلت في ابن مسعود ، وعمّار بن ياسر ، وسالم ، مولى أبي حذيفة».
وأخرج جويبر عن
عكرمة قال : «نزلت في عمار بن ياسر».
أخرج الواحدي في
رواية عطاء عن ابن عباس : «نزلت في أبي بكر الصديق (رضي الله عنه).
وأخرج الواحدي عن
مقاتل قال : «نزلت في عمّار بن ياسر».
الآية : ١٧. قوله
تعالى : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا
الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) الآية.
روى الواحدي : «قال
ابن زيد : نزلت في ثلاثة أنفار كانوا في الجاهلية يقولون : لا إله الا الله ، وهم
: زيد بن عمر ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي».
الآيات : ١٧ ـ ١٨.
قوله تعالى : (فَبَشِّرْ عِبادِ ،
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ
هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)
روى الواحدي عن
عطاء عن ابن عباس : «ان أبا بكر الصديق (رضي الله عنه) آمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، وصدّقه ، فجاء عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة ،
والزبير ، وسعيد بن زيد ، وسعد بن أبي وقاص فسألوه ، فأخبرهم بايمانه ، فآمنوا ،
ونزلت فيهم : (فَبَشِّرْ عِبادِ ،
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) قال : يريد من أبي بكر الصديق (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)
الآية : ٢٢. قوله
تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ
اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ
لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) روى الواحدي : «نزلت في حمزة ، وعلي ، وأبي لهب ، وولده.
فعليّ ، وحمزة ممن
شرح الله صدره. وأبو لهب وأولاده الذين قست قلوبهم عن ذكر الله ، وهو قوله تعالى :
(فَوَيْلٌ
لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ).
الآية : ٢٣. قوله
تعالى : (اللهُ نَزَّلَ
أَحْسَنَ الْحَدِيثِ).
روى الواحدي عن
مصعب بن سعد عن سعد قالوا : يا رسول الله ، لو حدثتنا. فأنزل الله تعالى (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ).
الآية : ٣٦. قوله
تعالى : (وَيُخَوِّفُونَكَ
بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ).
أخرج عبد الرزاق
عن محمد : «قال لي رجل : قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : لتكفّنّ عن شتم آلهتنا ، أو لنأمرنّها فلتخبلنّك ، فنزلت
: (وَيُخَوِّفُونَكَ
بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ).
الآية : ٤٥. قوله
تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ
وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا
ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)
أخرج ابن المنذر
عن مجاهد : «أنها نزلت في قراءة النبي صلىاللهعليهوسلم النجم عند الكعبة ، وفرحهم عند الذكر للآلهة».
الآية : ٥٣. قوله
تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ
اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
أخرج الطبراني
بسند عن ابن عباس قال : «بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى وحشيّ ـ قاتل حمزة ـ يدعوه إلى الإسلام ، فأرسل إليه :
كيف تدعوني ، وأنت تزعم أنّ من قتل ، أو زنا ، أو أشرك يلق أثاما ، يضاعف له
العذاب يوم القيامة ، ويخلد فيه مهانا ، وأنا صنعت ذلك فهل تجد لي من رخصة؟! فأنزل
الله : (إِلَّا مَنْ تابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ
حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) فقال وحشي هذا شرط شديد : (إِلَّا مَنْ تابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) فلعلي لا أقدر على هذا. فأنزل الله (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ
بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فقال وحشي : هذا أرى بعده مشيئة ، فلا أدرى أيغفر لي أم لا!!!
فهل غير هذا؟ فأنزل الله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ
اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
وأخرج البخارى عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس : «أن أناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا ،
وزنوا فأكثروا ، ثم أتوا محمدا صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إنّ الذي تدعو إليه لحسن إن تخبرنا لما عملنا
كفّارة ، فنزلت هذه الآية : (قُلْ يا عِبادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ
اللهِ) الآية.
الآية : ٦٧. قوله
تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ
حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)
أخرج الترمذي ،
وصححه عن ابن عباس قال : «مرّ يهودي بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : كيف تقول يا أبا القاسم ، إذا وضع الله السموات
على ذه ، والأرض على ذه ، والماء على ذه ، والجبال على ذه ، فأنزل الله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)
وأخرج الواحدي عن
عبد الله قال : «أتى النبي صلىاللهعليهوسلم رجل من أهل الكتاب ، فقال : يا أبا القاسم ، بلغك أنّ الله
يحمل الخلائق على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والثرى على إصبع ،
فضحك النبي صلىاللهعليهوسلم حتى بدت نواجذه ، فأنزل الله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)
وأخرج ابن المنذر
عن الربيع بن أنس قال : «لما نزلت : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) قالوا : يا رسول الله ، هذا الكرسي ، فكيف العرش؟!! فأنزل
الله : (وَما قَدَرُوا اللهَ
حَقَّ قَدْرِهِ)
ـ سورة غافر ـ
الآية : ٤. قوله
تعالى : (ما يُجادِلُ فِي
آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي
الْبِلادِ) أخرج ابن أبي حاتم
عن السدي عن أبي مالك في قوله : (ما يُجادِلُ فِي
آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) قال : «نزلت في الحارث بن قيس السهمي».
الآية : ٥٦. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ
إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن أبي العالية قال : «جاءت اليهود إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فذكروا الدجال ، فقالوا : يكون منا في آخر الزمان ،
فعظموا أمره ، وقالوا يصنع كذا ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ
يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ
إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ) فأمر نبيه أن يتعوذ من فتنة الدجال : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) قال : من خلق
الدجال».
وأخرج ابن أبي
حاتم عن كعب الأحبار في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ
يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ) قال : هم اليهود ، نزلت في ما ينتظرونه من أمر الدجال».
الآية : ٦٦. قوله
تعالى : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ
أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ
مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)
أخرج جبير عن ابن
عباس : «أن الوليد بن المغيرة ، وشيبة بن ربيعة قالا : يا محمد ، ارجع عما تقول ،
وعليك بدين آبائك ، وأجدادك ، فأنزل الله : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ
أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الآية.
ـ سورة فصّلت ـ
الآية : ٢٢. قوله
تعالى : (وَما كُنْتُمْ
تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ
وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ)
أخرج الشيخان ،
والترمذي ، وأحمد ، وغيرهم عن ابن مسعود قال : «اختصم عند البيت ثلاثة نفر :
قرشيان ، وثقفي ، أو ثقفيان ، وقرشي ، فقال أحدهم : أترون الله يسمع ما نقول؟!
فقال الآخر : يسمع إن جهرنا ، ولا يسمع إن أخفينا. وقال الآخر : إن كان يسمع إذا
جهرنا ، فهو يسمع إذا أخفينا ، فأنزل الله تعالى : (وَما كُنْتُمْ
تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ) الآية.
الآية : ٣٠. قوله
تعالى (إِنَّ الَّذِينَ
قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ
أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ
تُوعَدُونَ)
أخرج الواحدي عن
عطاء عن ابن عباس : «نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) ، وذلك أن
المشركين قالوا : ربنا الله ، وعزير ابنه ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم ليس بنبي ، فلم يستقيموا.
وقال أبو بكر (رضي
الله عنه) : ربنا الله وحده لا شريك له ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم عبده ورسوله ، واستقام».
الآية : ٤٠. قوله
تعالى : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي
النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما
شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
أخرج ابن المنذر
عن بشير بن فتح قال : «نزلت هذه الآية في أبي جهل ، وعمار بن ياسر ، : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ
أَمْ مَنْ يَأْتِي
آمِناً
يَوْمَ الْقِيامَةِ) الآية : ٤٤. قوله تعالى : (لَقالُوا لَوْ لا
فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ).
أخرج ابن جرير عن
سعيد بن جبير قال : «قالت قريش : لو لا أنزل هذا القرآن أعجميا ، وعربيّا ، فأنزل
الله : (لَقالُوا لَوْ لا
فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ). الآية.
ـ سورة الشورى ـ
الآية : ١٦. قوله
تعالى : (وَالَّذِينَ
يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ
عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ)
أخرج ابن المنذر
عن عكرمة قال : «لما نزلت : (إِذا جاءَ نَصْرُ
اللهِ وَالْفَتْحُ) قال المشركون بمكة لمن بين أظهرهم من المؤمنين : قد دخل
الناس في دين الله أفواجا ، فأخرجوا من بين أظهرنا ، فعلام تقيمون بين أظهرنا!!
فنزلت : (وَالَّذِينَ
يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) الآية.
وأخرج عبد الرزاق
عن قتادة في قوله : (وَالَّذِينَ
يُحَاجُّونَ) الآية قال : هم اليهود ، والنصارى.
قالوا : كتابنا
قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن خير منكم».
الآية : ٢٣. قوله
تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)
روى الواحدي عن
ابن عباس قال : «لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة كانت تنوبه نوائب ، وحقوق ، وليس في يده لذلك سعة
، فقال الانصار : إن هذا الرجل قد هداكم الله تعالى به ، وهو ابن أختكم ، وتنوب به
نوائب ، وحقوق ، وليس في يده لذلك سعة ، فاجمعوا له من أموالكم ما لا يضركم ،
فأتوه به ، ليعينه على ما ينوبه ، ففعلوا ، ثم أتوا به ، فقالوا : يا رسول الله ،
انك ابن أختنا ، وقد هدانا الله تعالى على يديك ، وتنوبك نوائب ، وحقوق ، وليست لك
عندنا سعة ، فرأينا أن نجمع لك من أموالنا ، فنأتيك به فتستعين على ما ينوبك وهو
هذا ،
فنزلت الآية.
الآيات : ٢٤ ـ ٢٦
: قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ).
أخرج الطبراني
بسند فيه ضعف عن ابن عباس قال : «قالت الانصار : لو جمعنا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مالا ، فأنزل الله (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) فقال بعضهم : إنما قال هذا ليقاتل عن أهل بيته ، وينصرهم ،
فأنزل الله : (أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) إلى قوله : (وَهُوَ الَّذِي
يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) فعرض لهم التوبة الى قوله : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ
فَضْلِهِ).
الآية : ٢٧. قوله
تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ
الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما
يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)
أخرج الحاكم ،
وصححه عن عليّ ، قال : «نزلت هذه الآية في أصحاب الصّفة : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ
لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) وذلك أنهم قالوا : لو أن لنا ، فتمنّوا الدنيا».
وأخرج الواحدي عن
خباب بن الأرت قال : «فينا نزلت هذه الآية ، وذلك أنا نظرنا الى أموال قريظة ،
والنضير فتمنيناها ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
وقال الواحدي : «نزلت
في قوم من أهل الصّفة تمنوا سعة الدنيا ، والغنى».
الآية : ٥١. قوله
تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ
رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)
روى الواحدي : «وذلك
أن اليهود قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : ألا تكلم الله ،
وتنظر اليه ان كنت
نبيا كما كلم الله موسى ، ونظر اليه؟! فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك ، فقال : لم
ينظر موسى إلى الله. وأنزلت الآية.
ـ سورة الزّخرف ـ
الآية : ١٩. قوله
تعالى : (وَجَعَلُوا
الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ
سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ)
أخرج ابن المنذر
عن قتادة قال : «قال ناس من المنافقين إنّ الله صاهر الجن ، فخرجت من بينهم
الملائكة ، فنزل فيهم : (وَجَعَلُوا
الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً)
الآية : ٣١. قوله
تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا
نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)
أخرج ابن المنذر
عن قتادة قال : «قال الوليد بن المغيرة : لو كان ما يقول محمد حقا لأنزل الله عليّ
هذا القرآن ، أو على ابن مسعود الثقفي ، فنزلت».
الآية : ٣٦. قوله
تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ
ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن محمد بن عثمان المخزومي : «أن قريشا قالت : قيّضوا لكل رجل من أصحاب محمد رجلا
يأخذه ، فقيّضوا لأبي بكر طلحة ، فأتاه وهو في القوم ، فقال أبو بكر : إلام تدعوني؟!
قال : أدعوك إلى عبادة اللّات ، والعزّى. قال أبو بكر : وما اللّات؟! قال : ربنا.
قال : وما العزّى؟! قال : بنات الله. قال أبو بكر : فمن أمهم؟! فسكت طلحة ، فلم
يجبه. فقال طلحة لأصحابه : أجيبوا الرجل ، فسكت القوم. فقال طلحة : قم يا أبا بكر
، أشهد أن لا اله الا الله ، وأن محمدا رسول الله. فأنزل الله : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ
نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) الآية».
الآية : ٥٧. قوله
تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ
ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ)
أخرج أحمد بسند
صحيح ، والطبراني عن ابن عباس : «أن قريشا قالت للرسول صلىاللهعليهوسلم : ألست تزعم أن عيسى كان نبيا ، وعبدا صالحا ، وقد عبد من
دون الله! فأنزل الله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ
مَرْيَمَ مَثَلاً) الآية.
الآية : ٨٠. قوله
تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ
يَكْتُبُونَ)
أخرج ابن جرير عن
محمد بن كعب القرظي قال : «بينما ثلاثة بين الكعبة ، وأستارها : قرشيان وثقفي ، أو
ثقفيان وقرشي ، فقال واحد منهم : ترون الله يسمع كلامنا؟! فقال آخر : إذا جهرتم
سمع ، وإذا أسررتم لم يسمع ، فنزلت : (أَمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى) الآية».
سورة الدخان
الآية : ١٠ ـ ١٥ ـ
١٧. قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ
تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ)
أخرج البخاري عن
ابن مسعود قال : «إنّ قريشا لما استعصوا على الرسول صلىاللهعليهوسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم قحط حتى أكلوا العظام
، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه ، وبينها كهيئة الدخان من الجهد ،
فأنزل الله : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ
تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) فأتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقيل : يا رسول الله ، استسق الله لمضر ، فإنها قد هلكت ،
فاستسقى فسقوا ، فنزلت : (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ، فأنزل الله تعالى
: (يَوْمَ نَبْطِشُ
الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) يعني يوم بدر.
الآيتان : ٤٣ ـ ٤٤.
قوله تعالى : (إِنَّ شَجَرَةَ
الزَّقُّومِ ، طَعامُ الْأَثِيمِ)
أخرج البخاري عن
سعيد بن منصور عن أبي مالك قال : «إنّ أبا جهل كان يأتي بالتمر ، والزبد فيقول :
تزقموا فهذا الزقوم الذي يعدكم به محمد ، فنزلت : (إِنَّ شَجَرَةَ
الزَّقُّومِ ، طَعامُ الْأَثِيمِ)
الآية : ٤٩. قوله
تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)
أخرج الأموي في (مغازية)
عن عكرمة قال : «لقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا جهل فقال : إن الله أمرني أن أقول لك : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ، ثُمَّ أَوْلى
لَكَ فَأَوْلى) قال : فنزع ثوبه من يده ، فقال : ما تستطيع لي أنت ، ولا
صاحبك من شيء لقد علمت أنّي أمنع أهل بطحاء ، وأنا العزيز الكريم ، فقتله الله يوم
بدر ، وأذلّه ، وعيّره بكلمته ، ونزل فيه : (ذُقْ إِنَّكَ
أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)
وأخرج ابن جرير عن
قتادة نحوه.
وأخرج ابن جرير عن
قتادة قال : «نزلت في عدو الله أبي جهل ، وذلك أنه قال : أيوعدني محمد ، والله ،
لأنا أعزّ من بين جبليها ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
ـ سورة الجاثية ـ
الآية : ١٤. قوله
تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ
آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً
بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)
روى الواحدي عن
ابن عباس قال : «لما نزلت هذه الآية : (مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قال يهودي بالمدينة ـ يقال له فنحاص ـ : احتاج ربّ محمد
فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه ، وخرج في طلبه ، فجاء جبريل (عليهالسلام) إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إنّ ربك يقول : (قُلْ لِلَّذِينَ
آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) وأعلم أنّ عمر قد اشتمل على سيفه ، وخرج في طلب اليهودي ،
فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم في طلبه ، فلما جاء ، قال : يا عمر ، ضع سيفك. قال : صدقت
يا رسول الله ، أشهد أنك أرسلت بالحق. قال : فإن ربك يقول : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا
لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) قال : لا جرم ، والّذي بعثك بالحق ، ولا يرى الغضب في وجهي».
الآية : ٢٣. قوله
تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ
اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ
وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا
تَذَكَّرُونَ)
أخرج ابن المنذر ،
وابن جرير عن سعيد بن جبير قال : «كانت قريش تعبد الحجر حينا من الدهر ، فإذا
وجدوا ما هو أحسن منه ، طرحوا الأول ، وعبدوا الآخر ، فأنزل الله : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ
هَواهُ)
الآية : ٢٤. قوله
تعالى : (وَقالُوا ما هِيَ
إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ
وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)
أخرج ابن المنذر
عن أبي هريرة قال : «كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل ، والنهار ،
فأنزل الله تعالى : (وَقالُوا ما هِيَ
إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ)
سورة الأحقاف
الآية : ١٠. قوله
تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ)
أخرج الطبراني
بسند صحيح عن ابن عوف بن مالك الأشجعي قال : «انطلق النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم ، فكرهوا
دخولنا عليهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا معشر اليهود ، أروني اثني عشر رجلا منكم ، يشهدون أن
لا اله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، يحط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء
الغضب الذي عليه ، فسكتوا فما أجابه منهم أحد ، ثم انصرف فإذا رجل من خلفه فقال :
كما أنت يا محمد ، فأقبل ، فقال : أي رجل تعلموني منكم يا معشر اليهود؟ قالوا :
والله ، ما نعلم فينا رجلا كان أعلم بكتاب الله ، ولا أفقه منك ، ولا من أبيك قبلك
، ولا جدك قبل أبيك. قال : فإني أشهد أنه النبي التي تجدونه في التوراة. قالوا :
كذبت ، ثم ردوا عليه ، وقالوا فيه شرا ، فأنزل الله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ
عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) الآية».
الآية : ١٠. قوله
تعالى : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ
بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال : «في عبد الله بن
سلام نزلت : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ
بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن سلام قال : «فيّ نزلت».
الآية : ١١. قوله
تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ
يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ)
أخرج ابن جرير عن
قتادة قال : «قال ناس من المشركين : نحن
أعزّ ، ونحن ،
ونحن ... فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان ، وفلان ، فنزل : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا)
أخرج ابن المنذر
عن عون بن أبي شداد قال : «كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله يقال لها زنّيرة ،
فكان عمر يضربها على إسلامها حتى يفتر ، وكان كفار قريش يقولون : لو كان خيرا لما
سبقتنا إليه زنّيرة ، فأنزل الله في شأنها : (وَقالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ)
الآية : ١٥. قوله
تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ
أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ
الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ
وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ)
روى الواحدي عن
عطاء عن ابن عباس قال : «أنزلت في أبي بكر (رضي الله عنه) ، وذلك أنه صحب رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو ابن ثماني عشرة ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ابن عشرين سنة ، وهم يريدون التجارة إلى بلاد الشام ،
فنزلوا منزلا فيه سدرة ، فقعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ظلها ، ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأل عن الدين ،
فقال له : من الرجل الذي في ظل السدرة؟! فقال : ذاك محمد بن عبد الله بن عبد
المطلب. قال : هذا والله ، نبي ، وما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم الّا محمد
نبي الله ، فوقع في قلب أبي بكر اليقين ، والتصديق ، وكان لا يفارق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أسفاره ، وحضوره ، فلما نبّئ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو ابن أربعين سنة ، وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة أسلم
، وصدّق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما بلغ أربعين سنة قال : (رَبِّ أَوْزِعْنِي
أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ)
الآيات : ١٧ ـ ١٩.
قوله تعالى : (وَالَّذِي قالَ
لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما
أَتَعِدانِنِي
أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ
وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ
الْأَوَّلِينَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن السدي قال : «نزلت هذه الآية : (وَالَّذِي قالَ
لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) في عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال لأبويه : وكانا قد أسلما ،
وأبى هو أن يسلم ، فكانا يأمرانه بالاسلام فيرد عليهما ، ويكذبهما ، ويقول : فأين
فلان؟! وأين فلان؟ ـ يعني مشايخ قريش ممن قد مات ـ ثم أسلم بعد فحسن إسلامه ،
فنزلت توبته في هذه الآية : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ
مِمَّا عَمِلُوا)
وأخرج البخاري من
طريق يوسف بن ماهان قال : «قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر : إنّ هذا الذي
أنزل فيه : (وَالَّذِي قالَ
لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئا من
القرآن إلّا أنّ الله أنزل عذري».
وأخرج عبد الرزاق
من طريق مكي : «أنه سمع عائشة تنكر أن تكون الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر ،
وقالت : إنما نزلت في فلان سمّت اسمه».
قال الحافظ بن حجر
: «ونفي عائشة أصح إسنادا ، وأولى بالقبول».
الآيات : ٢٩ ـ ٣٢.
قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا
إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ
قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)
أخرج ابن أبي شيبة
عن ابن مسعود قال : «إنّ الجن هبطوا على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو يقرأ القرآن في بطن نخلة ، فلما سمعوه قالوا :
أنصتوا ، وكانوا تسعة : أحدهم زوبعة ، فأنزل الله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ
الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) إلى قوله : (ضَلالٍ مُبِينٍ)
ـ سورة محمد صلىاللهعليهوسلم
ـ
الآيتان : ١ ـ ٢.
قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا
وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ
مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ) قال : هم الأنصار».
الآية : ٤. قوله
تعالى : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن قتادة في قوله : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللهِ) قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في الشّعب ، وقد نشبت فيهم الجراحات ، والقتل. وقد نادى
المشركون يومئذ : اعل هبل ، ونادى المسلمون : الله أعلى وأجلّ. فقال المشركون :
إنّ لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قولوا : الله مولانا ، ولا مولى لكم».
الآية : ١٣. قوله
تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ
قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ
أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ).
أخرج أبو يعلى عن
ابن عباس قال : «لمّا خرج رسول صلىاللهعليهوسلم تلقاء الغار نظر إلى مكة ، فقال : أنت أحب بلاد الله إليّ
، ولو لا أنّ أهلك أخرجوني منك لم أخرج منك ، فأنزل الله تعالى الآية : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ
قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ)». الآية.
الآية : ١٦. قوله
تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ
يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ
طَبَعَ
اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ).
أخرج ابن المنذر
عن ابن جريج قال : «كان المؤمنون ، والمنافقون يجتمعون إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فيسمع المؤمنون منهم ما يقول ، ويعونه ، ويسمعه المنافقون
فلا يعونه ، فإذا خرجوا سألوا المؤمنين : ما ذا قال آنفا ، فنزلت : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) الآية.
الآية : ٣٣. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا
أَعْمالَكُمْ).
أخرج ابن أبي حاتم
، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب (الصلاة) عن أبي العالية قال : «كان اصحاب رسول
الله صلىاللهعليهوسلم يرون أنه لا يضر مع لا اله الا الله ذنب ، كما لا ينفع مع
الشرك عمل ، فنزل : (أَطِيعُوا اللهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)
فخافوا أن يبطل
الذنب العمل».
ـ سورة الفتح ـ
أخرج الحاكم ،
وغيره عن المسود بن مخرمة ، ومروان بن الحكم قالا : «نزلت سورة الفتح بين مكة
والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها».
الآيات : ٢ ـ ٥.
قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ
اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ
وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً).
أخرج الشيخان ،
والترمذي ، والحاكم عن أنس قال : «أنزلت على النبي صلىاللهعليهوسلم : (لِيَغْفِرَ لَكَ
اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) أثناء مرجعه من الحديبية ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : لقد نزلت عليّ آية أحبّ اليّ مما على الأرض ، ثم قرأها
عليهم ، فقالوا : هنيئا مريئا لك يا رسول الله ، قد بيّن الله لك ما ذا يفعل بك
فما ذا يفعل بنا؟! فنزلت : (لِيُدْخِلَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) حتى بلغ (فَوْزاً عَظِيماً).
الآية : ١٨. قوله
تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ
عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي
قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)
أخرج ابن أبي حاتم
عن سلمة بن الأكوع قال : «بينما نحن قائلون إذ نادى منادى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أيها الناس : البيعة ، نزل روح القدس ، فسرنا إلى رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ـ وهو تحت شجرة سمرة ـ فبايعناه ، فأنزل الله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)
الآية : ٢٤. قوله
تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ
أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ
أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً)
أخرج مسلم ،
والترمذي ، والنّسائي عن أنس قال : «لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه ثمانون رجلا في السلاح من جبل التنعيم يريدون
غرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخذوا ، فأعتقهم ، فأنزل الله : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ
عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) الآية».
وأخرج مسلم نحوه
من حديث سلمه بن الأكوع.
وأخرج أحمد ،
والنسائي نحوه من حديث عبد الله بن مغفل المزني. وأخرج ابن إسحاق نحوه من حديث ابن
عباس.
الآية : ٢٥. قوله
تعالى : (وَلَوْ لا رِجالٌ
مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ
فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي
رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ)
أخرج الطبراني ،
وأبو يعلى عن أبي جمعة جنيد بن سبع قال : «قاتلت النبي صلىاللهعليهوسلم أول النهار كافرا ، وقاتلت معه آخر النهار مسلما ، وكنا
ثلاثة رجال ، وسبع نسوة ، وفينا نزلت : (وَلَوْ لا رِجالٌ
مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ)
الآية : ٢٧. قوله
تعالى : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ
رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ
اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما
لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)
أخرج الفريابي ،
وعبد بن حميد ، والبيهقي في (الدلائل) عن مجاهد قال : «أري النبي صلىاللهعليهوسلم وهو بالحديبية أنه يدخل مكة هو ، وأصحابه آمنين محلقين
رءوسهم ، ومقصرين ، فلما نحر الهدي بالحديبية قال أصحابه : أين رؤياك يا رسول الله!
فنزلت : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ
رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) الآية».
ـ سورة الحجرات ـ
الآيات : ١ ـ ٥.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا
اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
أخرج البخاري ،
وغيره من طريق ابن جريج عن ابن أبي ملكية : «أن عبد الله عن الزبير أخبره أنه قدم
ركب من بني تميم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال أبو بكر : أمّر القعقاع بن معبد ، وقال عمر : بل أمّر
الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر : ما أردت إلّا خلافي ، وقال عمر : ما أردت خلافك ،
فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزل في ذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) إلى قوله (وَلَوْ أَنَّهُمْ
صَبَرُوا)
وأخرج ابن المنذر
عن الحسن : «أن ناسا ذبحوا قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم النحر ، فأمرهم أن يعيدوا ذبحا ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب (الأضاحي) بلفظ : «ذبح رجل
قبل الصلاة ، فنزلت».
وأخرج الطبراني في
(الأوسط) عن عائشة : «أن أناسا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ)
الآية : ٢. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا
تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ
أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ).
روى الواحدي : «نزلت
في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر ، وكان جهوري الصوت ، وكان إذا كلّم
إنسانا جهر بصوته ، فربما
كان يكلم رسول
الله صلىاللهعليهوسلم فيتأذى بصوته ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
وأخرج ابن جرير عن
قتادة قال : «كانوا يجهرون له بالكلام ، ويرفعون أصواتهم ، فأنزل الله : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ) الآية.
الآية : ٣. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ
قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)
أخرج ابن جرير عن
محمد بن ثابت بن شماس قال : «لما نزلت هذه الآية : (لا تَرْفَعُوا
أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) قعد ثابت بن قيس في الطريق يبكي ، فمر به عاصم بن عدي بن
العجلان ، فقال : ما يبكيك؟! قال : هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت فيّ ، وأنا صيت
رفيع الصوت ، فرفع عاصم ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدعا به ، فقال : أما ترضى أن تعيش حميدا ، وتقتل شهيدا ،
وتدخل الجنة؟ قال : رضيت ، ولا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ) الآية».
وأخرج الواحدي عن
عطاء عن ابن عباس : «لما نزل قوله تعالى : (لا تَرْفَعُوا
أَصْواتَكُمْ) تألى أبو بكر أن لا يكلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلّا كأخى السرار ، فأنزل الله تعالى في أبي بكر : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ
أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ)
الآية : ٤. قوله
تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ).
أخرج الطبراني ،
وأبو يعلى بسند حسن عن زيد بن أرقم قال : «جاء ناس من العرب إلى حجر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فجعلوا ينادون : يا محمد ، يا محمد ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ
وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)
وقال عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة : «أن رجلا جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد ، إنّ مدحي زين ، وإنّ شتمي شين ، فقال
النبي صلىاللهعليهوسلم : ذلك هو الله ، فنزلت : (إِنَّ الَّذِينَ
يُنادُونَكَ) الآية».
وأخرج أحمد بسند
صحيح : «عن الأقرع بن حابس أنه نادى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من وراء الحجرات ، فلم يجبه ، فقال : يا محمد ، إن حمدي
لزين ، وإن ذمي لشين ، فقال : ذاكم الله».
الآية : ٦. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا
قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)
أخرج أحمد ، وغيره
بسند جيد عن الحارث بن ضرار الخزاعي (رضي الله عنه) قال : «قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فدعاني إلى الاسلام ، ودخلت فيه ، وأقررت به ، ودعاني
إلى الزكاة ، فأقررت بها ، وقلت : يا رسول الله ، أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى
الاسلام ، وأداء الزكاة ، فمن استجاب لي جمعت زكاته فترسل لإبّان كذا وكذا لآتيك
بما جمعت من الزكاة ، فلمّا جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له ، وبلغ الأبان الذي
أراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول فلم يأته فظنّ الحارث أنه
حدث فيه سخطة من الله تعالى ، ورسوله فدعا سروات قومه فقال لهم : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد كان وقّت لي وقتا يرسل إليّ رسوله ليقبض ما كان عندي من
الزكاة ، وليس من رسول الله صلىاللهعليهوسلم الخلف ، ولا أرى حبس رسوله إلّا من سخطة ، فانطلقوا فنأتي
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى الحارث ، ليقبض ما كان
عنده مما جمع من الزكاة ، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع حتى أتى
رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، إنّ الحارث منعني الزكاة ، وأراد
قتلي ، فضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم البعث إلى
الحارث ، فأقبل
الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث ـ وقد فصل من المدينة ـ فلقيهم الحارث ،
فقالوا : هذا الحارث! فلما غشيهم قال لهم : إلى من بعثتم؟! قالوا : إليك. قال :
ولم؟! قالوا : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة ، فزعم أنك منعته الزكاة ،
وأردت قتله! قال : لا. والذي بعث محمدا بالحق ، ما رأيته بتّة ، ولا أتاني ، فلما
دخل الحارث على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : منعت الزكاة ، وأردت قتل رسولي؟! قال : لا. والذي
بعثك بالحق ، ما رأيته بتّة ، ولا أتاني ، وما أقبلت إلّا حين احتبس عليّ رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، خشيت أن تكون ، كانت سخطة من الله تعالى ، ورسوله. قال :
فنزلت في الحجرات : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) إلى قوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ) رجال اسناده ثقات».
الآية : ٩. قوله
تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ
إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى
أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
أخرج الشيخان عن
أنس : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم ركب حمارا ، وانطلق الى عبد الله بن أبيّ فقال : إليك عني
، فوا الله ، لقد أذاني نتن حمارك ، فقال رجل من الأنصار : والله ، لحماره أطيب
ريحا منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه ، وغضب لكل واحد منهما أصحابه ، فكان بينهم
ضرب بالجريد ، والأيدي ، والنعال ، فنزلت فيهم : (وَإِنْ طائِفَتانِ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما)
وأخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم عن السدي قال : «كان رجل من الأنصار يقال له : عمران ، تحته امرأة
يقال لها : أم زيد ، وإنّ المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها ، وجعلها في
علية له ، وإنّ المرأة
بعثت إلى أهلها
فجاء قومها ، فأنزلوها لينطلقوا بها ، وكان الرجل قد خرج ، فاستعان بأهله ، فجاء
بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها ، فتدافعوا ، واجلدوا بالنعال ، فنزلت فيهم
هذه الآية : (وَإِنْ طائِفَتانِ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) فبعث إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأصلح بينهم ، وفاءوا إلى أمر الله».
وأخرج ابن جرير عن
قتادة : «ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مداراة في حق
بينهما ، فقال أحدهما للآخر لآخذنّ عنوة ، لكثرة عشيرته ، وإنّ الآخر دعاه ليحاكمه
إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فأبى ، فلم يزل الأمر حتى تدافعوا وحتى تناول بعضهم بعضا
بالأيدي ، والنعال ولم يكن قتال بالسيوف».
الآية : ١١. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً
مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ).
روى الواحدي : «نزلت
في ثابت بن قيس بن شماس ، وذلك أنه كان في أذنه وقر ، فكان إذا أتى النبي صلىاللهعليهوسلم أوسعوا له حتى يجلس الى جنبه ، فيسمع ما يقول ، فجاء يوما
، وقد أخذ الناس مجالسهم ، فجعل يتخطى رقاب الناس ، ويقول : تفسحوا تفسحوا! فقال
له رجل : قد أصبت مجلسا فاجلس ، فجلس ثابت مغضبا ، فغمز الرجل فقال : من هذا؟!
فقال : أنا فلان ، فقال ثابت : بن فلانة ، وذكر أمّا كانت له يعيّر بها في
الجاهلية ، فنكس الرجل رأسه استحياء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية»
وروى الواحدي في (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) : «نزلت في امرأتين من أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم سخرتا من أم سلمة ، وذلك أنها ربطت حقويها بسبنية ـ وهي
ثوب أبيض ـ وسدلت طرفها خلفها ، فكانت تجره ،
فقالت عائشة لحفصة
: انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب ، فهذا كان سخريتها».
الآية : ١١. قوله
تعالى : (وَلا تَلْمِزُوا
أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ
الْإِيمانِ).
أخرج أصحاب السنن
الأربعة عن أبي جبير بن الضحاك قال : «كان رجل منا يكون له الاسمان ، والثلاثة
فيدعى ببعضها فعسى أن يكره ، فنزلت : (وَلا تَنابَزُوا
بِالْأَلْقابِ)
قال الترمذي : حسن
وأخرج الحاكم ، وغيره من حديثه أيضا قال : «كانت الألقاب في الجاهلية فدعا النبي صلىاللهعليهوسلم رجلا منهم بلقبه فقيل له : يا رسول الله ، انه يكرهه ، فأنزل
الله (وَلا تَنابَزُوا
بِالْأَلْقابِ).
الآية : ١٢. قوله
تعالى : (وَلا يَغْتَبْ
بَعْضُكُمْ بَعْضاً)
أخرج ابن المنذر
عن ابن جريج قال : «زعموا أنها نزلت في سلمان الفارسي ، أكل ثم رقد ، فنفخ فذكر
رجل أكله ، ورقاده ، فنزلت» الآية : ١٣. قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ
لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ
خَبِيرٌ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن أبي مليكة قال : «لما كان يوم الفتح رقي بلال على ظهر الكعبة ، فأذّن ،
فقال بعض الناس : أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة!! فقال بعضهم : إن يسخط
الله هذا يغيره! فأنزل الله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) الآية».
وقال ابن عساكر في
مبهماته : «وجدت بخط ابن بشكوال : أن أبا بكر بن أبي داود أخرج في تفسير له أنها
أنزلت في أبي هند ، أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بني بياضة أن يزوجوه امرأة منهم ، فقالوا : يا رسول الله ،
نزوج بناتنا موالينا!! فنزلت الآية».
وروى الواحدي عن
مقاتل قال : «لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلالا حتى أذّن على ظهر الكعبة ، فقال عتاب بن أسيد بن أبي
العيص : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم. وقال الحارث بن هشام : أما
وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا!! وقال سهيل بن عمرو : إن يرد الله شيئا
يغيّره وقال أبو سفيان : إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء ، فأتى جبريل
(عليهالسلام) النبي صلىاللهعليهوسلم وأخبره بما قالوا ، فدعاهم ، وسألهم عما قالوا : فأقرّوا ،
فأنزل الله تعالى هذه الآية، وزجرهم عن التفاخر بالأنساب ، والتكاثر بالأموال ،
والازدراء بالفقراء».
الآية : ١٤. قوله
تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ
آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ
الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ)
قال الواحدي : «نزلت
في أعراب بني أسد بن خزيمة ، قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة في سنة جدبة ، وأظهروا الشهادتين ، ولم يكونوا
مؤمنين في السر ، وقد أفسدوا طرق المدينة بالعذرات ، وأغلوا أسعارها ، وكانوا
يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أتيناك بالأثقال لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان ، فاعطنا
من الصدقة ، وجعلوا يمنون عليه ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية».
الآية : ١٧. قوله
تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ
أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ
عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)
أخرج الطبراني
بسند حسن عن عبد الله بن أبي أوفى : «أن أناسا من العرب قالوا : يا رسول الله ،
أسلمنا ، ولم نقاتلك ، وقاتلك بنو فلان ، فأنزل الله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) الآية».
وأخرج ابن سعد عن
محمد بن كعب القرظي قال : «قدم عشرة نفر
من بني أسد على
رسول الله صلىاللهعليهوسلم سنة تسع ، وفيهم طلحة بن خويلد ـ ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في المسجد مع أصحابه ـ فسلّموا وقال متكلمهم : يا رسول
الله ، إنا شهدنا أن لا إله الّا الله وحده لا شريك له ، وانك عبده ، ورسوله ،
وجئناك يا رسول الله ، ولم تبعث الينا بعثا ، ونحن لمن وراءنا سلم ، فأنزل الله
تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ
أَنْ أَسْلَمُوا) الآية».
وأخرج سعيد بن
منصور في (سننه) عن سعيد بن جبير قال : «أتى قوم من الأعراب من بني أسد النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : جئناك ، ولم نقاتلك ، فأنزل الله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) الآية».
ـ سورة ق ـ
الآيتان : ٣٨ ـ ٣٩.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ
لُغُوبٍ ، فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ
طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)
أخرج الحاكم ،
وصححه عن ابن عباس : «أنّ اليهود أتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسألته عن خلق السموات والأرض ، فقال : خلق الله الأرض
يوم الأحد ، والاثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء ، وما فيهن من منافع ، وخلق يوم
الاربعاء الشجر ، والماء ، والمدائن ، والعمران ، والخراب ، وخلق يوم الخميس السماء
، وخلق يوم الجمعة النجوم ، والشمس والقمر ، والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه ،
فخلق أول ساعة الآجال حتى يموت من مات ، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما
ينتفع به الناس ، وفي الثالثة خلق آدم وأسكنه الجنّة ، وأمر ابليس بالسجود له ،
وأخرجه منها في آخر ساعة. قالت اليهود : ثم ما ذا يا محمد؟ قال : استوى على العرش.
قالوا : قد أصبت لو أتممت. قالوا : ثم استراح ، فغضب النبي صلىاللهعليهوسلم غضبا شديدا ، فنزلت : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ
لُغُوبٍ ، فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) الآية».
الآية : ٤٥. قوله
تعالى : (فَذَكِّرْ
بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ)
أخرج ابن جرير من
طريق عمرو بن قيس الملائي عن ابن عباس قال : «قالوا : يا رسول الله ، لو خوّفتنا!
فنزلت : (فَذَكِّرْ
بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ).
ـ سورة الذاريات ـ
الآية : ١٩. قوله
تعالى : (وَفِي أَمْوالِهِمْ
حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)
أخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم عن الحسن عن محمد بن الحنفية : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث سرية فأصابوا ، وغنموا ، فجاء قوم بعد ما فرغوا ،
فنزلت : (وَفِي أَمْوالِهِمْ
حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)
الآية : ٥٥. قوله
تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ
الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)
أخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم ، وابن منيع ، وابن راهويه ، والهيثم بن كليب في مسانيدهم من طريق
مجاهد عن عليّ قال : «لما نزلت (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ
فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) لم يبق من أحد إلّا أيقن بالهلكة ، إذ أمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يتولى عنا ، فنزلت : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ
الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)
وأخرج ابن جرير عن
قتادة قال : «ذكر لنا أنه لما نزلت : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) الآية اشتد على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ورأوا أن الوحي قد انقطع ، وأن العذاب قد حضر ، فأنزل
الله تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ
الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)
ـ سورة الطّور ـ
الآية : ٣٠. قوله
تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ
شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)
أخرج ابن جرير عن
ابن عباس : «ان قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلىاللهعليهوسلم قال قائل منهم : احبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى
يهلك كما هلك من قبله من الشعراء ، زهير ، والنابغة ، فإنما هو كأحدهم ، فأنزل
الله تعالى في ذلك : (أَمْ يَقُولُونَ
شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)
ـ سورة النّجم ـ
الآية : ٣٢. قوله
تعالى : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ
إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ
أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى)
أخرج الواحدي ،
والطبراني ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال : «كانت
اليهود تقول : إذا هلك لهم صبي صغير هو صدّيق ، فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : كذبت يهود ، ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمها
إلّا أنه شقي ، أو سعيد ، فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ
مِنَ الْأَرْضِ) الآية».
الآيات : ٣٣ ـ ٤١.
قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي
تَوَلَّى ، وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى ، أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى
، أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى ، وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ،
أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما
سَعى ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ، ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى)
أخرج ابن أبي حاتم
عن عكرمة : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم خرج في مغزاه ، فجاء رجل يريد أن يحمل فلم يجد ما يخرج
عليه ، فلقي صديقا له ، فقال : أعطني شيئا ، فقال : أعطيك بكري هذا على أن تتحمل
ذنوبي ، فقال له : نعم ، فأنزل الله : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي
تَوَلَّى) الآيات».
وأخرج ابن جرير عن
ابن زيد قال : «إن رجلا أسلم فلقيه بعض من يعيّره فقال : أتركت دين الأشياخ ،
وظللتهم ، وزعمت أنهم في النار!! قال : إني خشيت عذاب الله. قال : أعطني شيئا ،
وأنا أحمل كل عذاب كان عليك ، فأعطاه شيئا ، فقال : زدني ، فتعاسرا حتى أعطاه شيئا
، وكتب كتابا ، وأشهد له ، ففيه نزلت هذه الآية : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي
تَوَلَّى
، وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى)
الآية : ٤٣. قوله
تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ
أَضْحَكَ وَأَبْكى).
روى الواحدي عن
عائشة قالت : «مرّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أناس يضحكون ، فقال : لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا
، ولضحكتم قليلا ، فنزل جبريل (عليهالسلام) بقوله : (وَأَنَّهُ هُوَ
أَضْحَكَ وَأَبْكى).
فرجع اليهم فقال :
ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل (عليهالسلام) فقال : ائت هؤلاء ، فقل لهم : إن الله عزوجل يقول : (وَأَنَّهُ هُوَ
أَضْحَكَ وَأَبْكى).
الآية : ٦١. قوله
تعالى : (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن عباس قال : «كانوا يمرون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يصلّي شامخين ، فنزلت (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ)
.
سورة القمر
الآية : ١ ـ ٢.
قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا
سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ).
أخرج الواحدي عن
مسروق عن عبد الله قال : «انشق القمر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة سحركم ، فاسألوا
السّفار فسألوهم ، فقالوا : نعم قد رأينا ، فأنزل الله عزوجل : (اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا
سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)».
وأخرج الشيخان ،
والحاكم عن ابن مسعود قال : «رأيت القمر منشقا شقّين بمكة قبل مخرج النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : سحر القمر ، فنزلت :
(اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)».
وأخرج الترمذي عن
أنس قال : «سأل أهل مكة النبي صلىاللهعليهوسلم آية ، فانشق القمر بمكة مرتين ، فنزلت (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ
الْقَمَرُ) الى قوله (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ).
الآيات : ٤٧ ـ ٤٩.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ
فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ، يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا
مَسَّ سَقَرَ ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)
أخرج مسلم ،
والترمذي عن أبي هريرة قال : «جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلىاللهعليهوسلم في القدر فنزلت : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ
فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) إلى قوله : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)
وأخرج الواحدي عن
عطاء قال : «جاء أسقف نجران إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد ، تزعم أن المعاصى بقدر ، والبحار بقدر ،
والسماء
بقدر ، وهذه
الأمور تجرى بقدر ، فأما المعاصي فلا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنتما خصماء الله ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ
وَسُعُرٍ) إلى قوله (خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)
ـ سورة الرحمن ـ
الآية : ٤٦. قوله
تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ
رَبِّهِ جَنَّتانِ)
أخرج ابن أبي حاتم
، وأبو الشيخ في كتاب (العظمة) عن عطاء : «أنّ أبا بكر الصديق ذكر ذات يوم القيامة
، والموازين ، والجنة ، والنار فقال : وددت أني كنت خضراء من هذه الخضر تأتي عليّ
بهيمة تأكلني ، وإني لم أخلق ، فنزلت : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ
رَبِّهِ جَنَّتانِ)
ـ سورة الواقعة ـ
الآيات : ٢٧ ـ ٢٩.
قوله تعالى : (وَأَصْحابُ
الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ ، فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ)
أخرج سعيد بن
منصور في (سننه) والبيهقي في (البعث) ، عن عطاء ، ومجاهد قالا : لما سأل أهل
الطائف الوادي يحمى لهم ، وفيه عسل ففعل ـ وهو واد معجب ـ فسمعوا الناس يقولون :
إن في الجنة كذا ، وكذا. قالوا : يا ليت لنا في الجنة مثل هذا الوادي ، فأنزل الله
الآية.
وأخرج الواحدي عن
أبي العالية ، والضحاك قالا : «نظر المسلمون إلى فوج ، وهو واد مخصب بالطائف
فأعجبهم سدره ، فقالوا : يا ليت لنا مثل هذا!! فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآيات : ٣٩ ـ ٤٠.
قوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ
الْأَوَّلِينَ ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ).
أخرج أحمد ، وابن
المنذر ، وابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن أبي هريرة قال : لما نزلت : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ، وَقَلِيلٌ
مِنَ الْآخِرِينَ) شق ذلك على المسلمين ، فنزلت : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ، وَثُلَّةٌ
مِنَ الْآخِرِينَ).
وأخرج ابن عساكر
في (تاريخ دمشق) بسند فيه نظر من طريق عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله قال : «لمّا
نزلت اذا وقعت الواقعة ، وذكر فيها (ثُلَّةٌ مِنَ
الْأَوَّلِينَ ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) قال عمر : يا رسول الله ، ثلّة من الأوّلين ، وقليل منّا
فأمسك آخر السورة سنة ثم نزلت : (ثُلَّةٌ مِنَ
الْأَوَّلِينَ ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) فقال صلىاللهعليهوسلم : يا عمر ،
تعال فاسمع ما قد
أنزل الله : (ثُلَّةٌ مِنَ
الْأَوَّلِينَ ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ).
وأخرجه ابن أبي
حاتم عن عروة بن رويم مرسلا.
الآيات ٧٥ ـ ٨٢.
قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ
بِمَواقِعِ النُّجُومِ ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ، إِنَّهُ
لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ ، لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ، أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ
مُدْهِنُونَ ، وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).
أخرج مسلم عن ابن
عباس قال : «مطر الناس على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أصبح من الناس شاكر ، ومنهم كافر. قالوا هذه رحمته وضعها
الله. وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا ، فنزلت هذه الآيات : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) حتى بلغ (وَتَجْعَلُونَ
رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).
سورة الحديد
الآية : ١٠. قوله
تعالى. (لا يَسْتَوِي
مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ
دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ
الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
روى الواحدي عن
ابن عمر قال : «بينا النبي صلىاللهعليهوسلم جالس ، وعنده أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) وعليه عباءة
قد خلّها على صدره بخلال ، إذ نزل عليه جبريل (عليهالسلام) ، فأقرأه من الله السلام ، وقال : يا محمد ، ما لي أرى
أبا بكر عليه عباءة قد خلها على صدره بخلال! فقال : يا جبريل ، أنفق ماله قبل
الفتح عليّ. قال : فأقرئه من الله سبحانه وتعالى السلام ، وقل له : يقول لك ربك : أراض
أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فالتفت النبي صلىاللهعليهوسلم الى أبي بكر ، فقال : يا أبا بكر ، هذا جبريل يقرئك من
الله سبحانه السلام ، ويقول لك ربك : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فبكى أبو
بكر ، وقال : على ربي أغضب؟!! أنا عن ربّي راض ، أنا عن ربي راض».
الآية : ١٦. قوله
تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ
الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ
عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ).
روى الواحدي قال
الكلبي ومقاتل : «نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة ، وذلك أنهم سألوا سلمان
الفارسي ذات يوم فقالوا : حدثنا عما في التوراة فإن فيها العجائب ، فنزلت هذه
الآية. وقيل انها نزلت في المؤمنين».
وأخرج ابن أبي
حاتم عن مقاتل بن حبّان قال : «كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أخذوا في شيئ من المزاح ، فأنزل الله تعالى : (أَلَمْ
يَأْنِ
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ)» الآية.
الآية : ٢٨. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ
مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أخرج الطبراني في (الاوسط)
بسند فيه من لا يعرف عن ابن عباس : «أن أربعين من أصحاب النجاشي قدموا على النبي صلىاللهعليهوسلم فشهدوا معه أحدا ، فكانت فيهم جراحات ، ولم يقتل منهم أحد.
فلما رأوا ما بالمؤمنين من حاجة قالوا : يا رسول الله ، إنّا أهل ميسرة فأذن لنا
نجيء بأموالنا نواسي بها المسلمين ، فأنزل الله فيهم : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ
قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) الآيات ، فلما نزلت قالوا : يا معشر المسلمين ، أمّا من
آمن بكتابكم فله أجران ، ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم ، فأنزل الله تعالى
: (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ
مِنْ رَحْمَتِهِ) الآية، فجعل ما أجرين مثل أجور مؤمني أهل الكتاب».
الآية : ٢٩. قوله
تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ
أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ
الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
أخرج ابن جرير عن
قتادة قال : «بلغنا أنّه لما نزلت : (يُؤْتِكُمْ
كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) حسد أهل الكتاب المسلمين عليها ، فأنزل الله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ
أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ) الآية.
وأخرج ابن المنذر
عن مجاهد قال : «قالت اليهود : يوشك أن يخرج منا نبي فيقطع الأيدي ، والأرجل ،
فلما خرج من العرب كفروا ، فأنزل الله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ
أَهْلُ الْكِتابِ) الآية. يعني بفضل النبوة».
سورة المجادلة
الآيات : ١ ـ ٤
قوله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ
قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ
تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)
أخرج الحاكم وصححه
عن عائشة قالت : «تبارك الذي وسع سمعه كل شيء ، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ،
ويخفى عليّ بعضه ، وهي تشكي زوجها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتقول : يا رسول الله ، أكل شبابي ، ونثرت له بطني حتى
إذا كبرت سني ، وانقطع ولدي ظاهر مني ، اللهم إنّي أشكو إليك ، فما برحت حتى نزل
جبريل بهؤلاء الآيات : (قَدْ سَمِعَ اللهُ
قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) وهو أوس بن الصامت».
وأخرج الواحدي عن
قتادة عن أنس بن مالك قال : «إن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خويلة بنت ثعلبة ،
فشكت ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالت : ظاهر مني حين كبر سني ، ورقّ عظمي ، فأنزل الله
تعالى آية الظهار ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأوس : اعتق رقبة ، فقال : ما لى بذلك يدان. قال : فصم
شهرين متتابعين. قال : أما إني إذا أخطأني أن لا آكل في اليوم كلّ بصري. قال :
فاطعم ستين مسكينا ، قال : لا أجد الّا أن تعينني منك بعون ، وصله. قال : فأعانه
رسول الله صلىاللهعليهوسلم بخمسة عشر صاعا حتى جمع الله له ، والله رحيم. وكانوا يرون
، أنّ عنده مثلها ، ذلك ستون مسكينا».
الآية : ٨. قوله
تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ
وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ)
روى الواحدي قال
ابن عباس ومجاهد : «نزلت في يهود ، والمنافقين ، وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما
بينهم دون المؤمنين ، وينظرون إلى
المؤمنين ،
ويتغامزون بأعينهم ، فإذا رأى المؤمنون نجواهم ، قالوا : ما نراهم إلّا وقد بلغهم
عن أقربائنا ، وإخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل ، أو موت ، أو هزيمة ، فيقع
ذلك في قلوبهم ، ويحزنهم ، فلا يزالون كذلك حتى يندم أصحابهم ، وأقرباؤهم ، فلما
طال ذلك ، وكثر شكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأمرهم أن يتناجوا دون المسلمين ، فلم ينتهوا عن ذلك ،
وعادوا إلى مناجاتهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ٨. قوله
تعالى : (وَإِذا جاؤُكَ
حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا
يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ
الْمَصِيرُ)
روى الواحدي عن
عائشة (رضي الله عنه) قالت : «جاء ناس من اليهود إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : السّام عليك يا أبا القاسم. فقلت : السّام
عليكم ، وفعل الله بكم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : مه يا عائشة ، فإن الله تعالى لا يحب الفحش ، ولا
التفحش. فقلت : يا رسول الله ، ألست أدرى بما يقولون؟ قال : ألست ترين أرد عليهم
ما يقولون؟ أقول : وعليكم ، ونزلت هذه الآية في ذلك : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ
يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ)
الآية : ١٠. قوله
تعالى : (إِنَّمَا النَّجْوى
مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً
إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
أخرج ابن جرير عن
قتادة قال : «كان المنافقون يتناجون بينهم ، وكان يغيظ المؤمنين ، ويكبر عليهم ،
فأنزل الله تعالى : (إِنَّمَا النَّجْوى
مِنَ الشَّيْطانِ) الآية» ،
الآية : ١١. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا
يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ)
وأخرج ابن جرير عن
قتادة قال : «كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنّوا بمجلسهم عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) الآية»
وأخرج ابن أبي
حاتم عن مقاتل : «أنها نزلت يوم الجمعة ، وقد جاء ناس من أهل بدر ، وفي المكان ضيق
، فلم يفسح لهم ، فقاموا على أرجلهم ، فأقام صلىاللهعليهوسلم نفرا بعدتهم ، وأجلسهم مكانهم ، فكرة؟؟؟ أولئك النفر :
فنزلت».
وروى الواحدي عن
مقاتل قال : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم بالصّفّة ، وفي المكان ضيق ـ وذلك يوم الجمعة ـ وكان رسول
الله صلىاللهعليهوسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين ، والأنصار ، فجاء ناس من أهل
بدر ـ وقد سبقوا إلى المجلس ـ فقاموا حيال النبي صلىاللهعليهوسلم على أرجلهم ينتظرون أن يوسّع لهم فلم يفسحوا لهم ، وشق ذلك
على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال لمن حوله من غير أهل بدر : قم يا فلان ، وأنت يا فلان
، فأقام من المجلس بقدر النفر الذي قاموا بين يديه من أهل بدر ، فشق ذلك على من
أقيم من مجلسه ، وعرف النبي صلىاللهعليهوسلم الكراهية في وجوههم ، فقال المنافقون للمسلمين : ألستم
تزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس؟! فو الله ، ما عدل على هؤلاء ، قوم أخذوا مجالسهم
، وأحبهم القرب من نبيّهم أقامهم ، وأجلس من أبطأ عنهم مقامهم ، فأنزل الله تعالى
هذه الآية».
الآية : ١٢. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ
نَجْواكُمْ صَدَقَةً)
روى الواحدي عن
مقاتل بن حيان : «نزلت الآية في الأغنياء ، وذلك أنهم كانوا يأتون النبي صلىاللهعليهوسلم فيكثرون مناجاته ، ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك من طول جلوسهم ، ومناجاتهم ، فأنزل الله تبارك وتعالى
هذه الآية ، وأمر بالصدقة عند
المناجاة ، فأما
أهل العسر ، فلم يجدوا شيئا ، وأما أهل الميسرة فبخلوا ، واشتد ذلك على أصحاب
النبي صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت الرخصة».
وأخرج ابن أبي
حاتم من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : «إن المسلمين أكثروا المسائل على
رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى شقّوا عليه ، فأراد الله تعالى أن يخفف عن نبيه فأنزل
الله : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ
نَجْواكُمْ صَدَقَةً) فلما نزلت صبر كثير من الناس ، وكفوا عن المسألة ، فأنزل
الله بعد ذلك : (أَأَشْفَقْتُمْ) الآية».
الآية : ١٣. قوله
تعالى : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ
اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ
وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)
أخرج الترمذي ،
وحسّنه ، وغيره عن عليّ قال : «لما نزلت : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ
نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال لي النبي صلىاللهعليهوسلم ما ترى ، دينار؟ قلت : لا يطيقونه. قال : فنصف دينار؟ قلت
: لا يطيقونه. قال : فكم؟ قلت : بشعيرة. قال : إنك لزهيد ، فنزلت : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ
يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) الآية فبي خفف الله عن هذه الأمة». قال الترمذي : حسن.
الآية : ١٨. قوله
تعالى : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ
اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ)
أخرج الحاكم وصححه
، وأحمد عن ابن عباس قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ظل حجرة ، وقد كاد الظل أن يتقلص ، فقال : إنه سيأتيكم
إنسان ،؟؟؟ فينظر اليكم بعيني شيطان ، فإذا جاءكم فلا تكلموه ، فلم يلبثوا أن طلع
عليهم رجل أزرق أعور ، فدعاه
رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له حين رآه : علام تشتمني أنت ، وأصحابك! فقال : ذرني
آتيك بهم ، فأنطلق فدعاهم ، فحلفوا له ما قالوا ، وما فعلوا ، فأنزل الله تعالى : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً
فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) الآية».
الآية : ٢٢. قوله
تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً
يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ
وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ
عَشِيرَتَهُمْ)
روى الواحدي عن
ابن مسعود قال : «نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن
الجراح يوم أحد ، وفي أبي بكر دعا ابنه في بدر إلى البراز ، فقال : يا رسول الله ،
دعني أكن في الرعلة الأولى ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : متّعنا بنفسك يا أبا بكر ، أما تعلم أنك عندي بمنزلة
سمعي ، وبصري ، وفي مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد ، وفي عمر قتل
خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر ، وفي علي ، وحمزة قتلوا عتبة ، وشيبة ابني
ربيعة ، والوليد بن عتبة يوم بدر ، وذلك قوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا
آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ).
وأخرج الطبراني ،
والحاكم في (المستدرك) بلفظ : «جعل والد أبي عبيدة بن الجراح يتصدى لأبي عبيدة يوم
بدر ، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلما أكثر قصده أبو عبيدة ، فقتله ، فأنزلت»
وأخرج ابن المنذر
عن ابن جريج قال : «حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلىاللهعليهوسلم فصكه أبو بكر صكة ، فسقط ، فذكر ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم فقال : أفعلت يا أبا بكر؟!! فقال : والله ، لو كان السيف
قريبا مني لضربته به ، فنزلت : (لا تَجِدُ قَوْماً
يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الآية».
ـ سورة الحشر ـ
أخرج البخاري عن
ابن عباس قال : «سورة الأنفال نزلت في بدر ، وسورة الحشر نزلت في بني النضير».
وأخرج الحاكم ،
وصححه عن عائشة قالت : «كانت غزوة بني النضير ـ وهم طائفة من اليهود ـ على رأس ستة
أشهر من وقعة بدر ، وكانت منازلهم ، ونخلهم في ناحية المدينة ، فحاصرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى نزلوا على الجلاء ، وعلى أنّ لهم ما أقلت الإبل من
الأمتعة ، والأموال إلّا الحلقة ، وهي السلاح ، فأنزل الله تعالى فيهم : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ
وَما فِي الْأَرْضِ).
الآيتان : ١ ـ ٢.
قوله تعالى : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما
فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، هُوَ الَّذِي
أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ
الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ
حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ
فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ
فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ)
روى الواحدي عن
ابن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أن كفار قريش كتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود : أنكم أهل
الحلقة ، والحصون ، وإنكم لتقاتلن صاحبنا ، أو لنفعلن كذا ، ولا يحول بيننا ، وبين
خدم نساؤكم ، وبين الخلاخل شيء ، فلما بلغ كتابهم اليهود أجمعت بنو النضير الغدر ،
وأرسلوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أن أخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك ، وليخرج معنا
ثلاثون حبرا حتى نلتقي بمكان نصف بيننا ، وبينك ليسمعوا منك ، فإن صدقوك ، وآمنوا
بك ، آمنّا بك ،
فخرج النبي صلىاللهعليهوسلم في ثلاثين من أصحابه ، وخرج إليه ثلاثون حبرا من اليهود ،
حتى إذا برزوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض : كيف نتفق ونحن ستون رجلا!
أخرج في ثلاثة من أصحابك ، ونخرج إليك ثلاثة من علمائنا إن آمنوا بك ، آمنا بك كلنا
، وصدقناك ، فخرج النبي صلىاللهعليهوسلم في ثلاثة من أصحابه ، وخرج من اليهود ، واشتملوا على
الخناجر ، وأرادوا الفتك بالرسول صلىاللهعليهوسلم ، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها ـ وهو رجل
مسلم من الأنصار ـ فأخبرته خبر ما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأقبل أخوها سريعا حتى أدرك النبي صلىاللهعليهوسلم ، فسارّه بخبرهم ، فرجع النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما كان من الغد غدا عليهم بالكتائب ، فحاصرهم ،
فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء ، على أن لهم ما أقلّت الإبل إلا الحلقة ، وهي
السلاح ، وكانوا يخربون بيوتهم ، فيأخذون ما وافقهم من خشبها. فأنزل الله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي
الْأَرْضِ) حتى بلغ (وَاللهُ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ)
أي الست آيات من
أول سورة الحشر».
الآية : ٥. قوله
تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ
لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ
وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ)
أخرج البخاري ،
وغيره عن ابن عمر : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حرق نخل بني النضير ، وقطع وادي البويرة ، فأنزل الله
تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ
لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها) الآية».
وأخرج ابن إسحاق
عن يزيد بن رومان قال : «لما نزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ببني النضير تحصنوا منه في الحصون ، فأمر بقطع النخل ،
والتحريق فيها ، فنادوه : يا محمد ، قد كنت تنهى عن الفساد ، وتعيبه ، فما بال قطع
النخل ، وتحريقها؟! فنزلت».
وقال الواحدي : «وذلك
أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزل ببني النضير ،
وتحصنوا في حصونهم
أمر بقطع نخيلهم ، وإحراقها ، فجزع أعداء الله عند ذلك ، وقالوا : زعمت يا محمد ،
أنك تريد الصلاح ، أفمن الصلاح عقر الشجر المثمر ، وقطع النخل؟! وهل وجدت فيما
زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض؟! فشق ذلك على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم ، وخشوا أن يكون ذلك
فسادا ، فقال بعضهم : لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا. وقال بعضهم : بل اقطعوا
، فأنزل الله تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ
لِينَةٍ) الآية ، تصديقا لمن نهى عن قطعه ، وتحليلا لمن قطعه ،
وأخبر أن قطعه ، وتركه بإذن الله».
الآية : ٩. قوله
تعالى : (وَالَّذِينَ
تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ
إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ
عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ
فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
وأخرج الواحدي عن
أبي هريرة قال : «أتى رجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، أصابني الجهد ، فأرسل إلى نسائه فلم
يجد عندهن شيئا ، فقال : ألا رجل يضيّفه هذه الليلة يرحمهالله. فقام رجل من الأنصار فقال : أنا يا رسول الله ، فذهب إلى
أهله ، فقال لامرأته : ضيف رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا تدخريه شيئا. قالت : والله ما عندي إلّا قوت الصبية.
قال : فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم ، وتعالي فاطفئي السراج ، ونطوي بطوننا
الليلة ، ففعلت. ثم غدا الرجل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : لقد عجب الله ، أو ضحك من فلان ، وفلانة ، فأنزل
الله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى
أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ).
وأخرج مسدّد في (مسنده)
، وابن المنذر عن أبي المتوكل الناجي : «أن رجلا من المسلمين ... فذكر نحوه ، وفيه
: أن الرجل الذي أضاف ثابت بن قيس بن شماس ، فنزلت فيه هذه الآية».
ـ سورة الممتحنة ـ
الآية : ١. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ
إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ
يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ
إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ
وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ)
روى الشيخان عن
علي والواحدي : قال جماعة من المفسرين : «نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، وذلك أن
سارة مولاة أبي عمر بن صهيب بن شهاب بن عبد مناف أتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مكة إلى المدينة ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يتجهز لفتح مكة ، فقال لها : أمسلمة جئت؟ قالت : لا. قال :
فما جاء بك؟! قالت : أنتم الأهل ، والعشيرة ، والموالي ، وقد احتجت حاجة شديدة
فقدمت عليكم لتعطوني ، وتكسوني ، قال لها : فأين أنت من شباب مكة؟ ـ وكانت مغنية
ـ؟ قالت : ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر ، فحث رسول الله بني عبد المطلب فكسوها ،
وحملوها ، وأعطوها ، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة ، وكتب معها إلى أهل مكة ، وأعطاها
عشرة دنانير على أن توصل إلى أهل مكة ، وكتب في الكتاب : من حاطب إلى أهل مكة ، إن
رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريدكم ، فخذوا حذركم ، فخرجت سارة ، ونزل جبريل (عليهالسلام) ، فأخبر النبي صلىاللهعليهوسلم بما فعل حاطب ، فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليا ، وعمارا ، والزبير ، وطلحة ، والمقداد بن الأسود ،
وأبا مرثد ، وكانوا كلهم فرسانا ، وقال لهم : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن
فيها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين ، فخذوه منها ، وخلوا سبيلها ،
فإن لم تدفعه
إليكم ، فاضربوا عنقها ، فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان ، فقالوا لها : أين
الكتاب؟ فحلفت بالله ، ما معها كتاب ، ففتشوا متاعها ، فلم يجدوا معها كتابا ،
فهموا بالرجوع. فقال علي : والله ما كذبنا ولا كذبنا ، وسل سيفه ، وقال : أخرجي
الكتاب وإلّا والله لأجزرنك ، ولأضربنّ عنقك ، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد
خبأته في شعرها ، فخلوا سبيلها ، ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأرسل إلى حاطب ، فأتاه ، قال : ما حملك على ما صنعت؟!
فقال : يا رسول الله ، والله ما كفرت منذ أسلمت ، ولا غششتك منذ نصحتك ، ولا
أحببتهم منذ فارقتهم ، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلّا وله بمكة من يمنع عشيرته
، وكنت غريبا فيهم ، وكان أهلي بين ظهرانيهم ، فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم
يدا ، وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه ، وكتابي لا يغني عنهم شيئا ، فصدقه رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، وعذره فنزلت هذه السورة : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ)». فقام عمر بن الخطاب ، فقال : دعني يا رسول الله ، أضرب
عنق هذا المنافق؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع على أهل بدر ، فقال
لهم : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم».
الآية : ٧. قوله
تعالى : (عَسَى اللهُ أَنْ
يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً).
روى الواحدي : «لما
نزلت الآية : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ)».
عادى المؤمنون
أقرباءهم من المشركين في الله ، وأظهروا لهم العداوة ، وعلم الله شدة وجد المؤمنين
بذلك ، فأنزل الله : (عَسَى اللهُ أَنْ
يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً). ثم فعل ذلك بأن أسلم كثير منهم ، وصاروا لهم أولياء ،
وإخوانا ، وخالطوهم ، وأنكحوهم ، وتزوج
رسول الله صلىاللهعليهوسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب ، فلان لهم أبو سفيان ،
وبلغه ذلك فقال : «الفحل لا يقرع أنفه».
الآية : ٨. قوله
تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ
عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ
دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ).
أخرج أحمد ،
والبزار ، والحاكم وصححه عن عبد الله بن الزبير قال : «قدمت قتيلة على ابنتها
أسماء بنت أبي بكر ـ وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية ـ فقدمت على ابنتها بهدايا ،
فأبت أسماء أن تقبل منها ، أو تدخلها منزلها حتى أرسلت إلى عائشة : أن سلي عن هذا
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأخبرته ، فأمرها أن تقبل هداياها ، وتدخلها منزلها ،
فأنزل الله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ
عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ
دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) الآية».
الآية : ١٠. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ
اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ
لَهُنَ)
روى الحاكم ،
وصححه عن ابن عباس قال : «إنّ مشركي مكة صالحوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عام الحديبية على أنّ من أتاه من أهل مكة رده إليهم ، ومن
أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم ، وكتبوا بذلك الكتاب ، وختموه ، فجاءت سبيعة بنت
الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب ، والنبي صلىاللهعليهوسلم بالحديبية ، فأقبل زوجها ـ وكان كافرا ـ فقال : يا محمد ،
ردّ عليّ امرأتي ، فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منّا ، وهذه طينة الكتاب
لم تجف بعد ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
وأخرج الشيخان عن
المسور ، ومروان بن الحكم : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء من المؤمنات ،
فأنزل الله تعالى
: (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) إلى قوله : (وَلا تُمْسِكُوا
بِعِصَمِ الْكَوافِرِ).
وأخرج الطبراني
بسند عن عبد الله بن أبي أحمد قال : «هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في
الهدنة ، فخرج أخواها : عمارة ، والوليد ـ ابنا عقبة ـ حتى قدما على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكلّماه في أم كلثوم أن يردها إليهم ، فنقض الله العهد بينه
وبين المشركين خاصة في النساء ، ومنع أن يرددن إلى المشركين ، فأنزل الله تعالى
آية الامتحان».
وأخرج ابن أبي
حاتم عن يزيد بن أبي حبيب : «أنه بلغه أنها نزلت في أميمة بنت بشر امرأة أبي حسّان
الدحداحة».
وأخرج ابن أبي
حاتم عن مقاتل : «أن امرأة تسمى سعيدة ، كانت تحت صيفي بن الراهب ، فهو مشرك من
أهل مكة ، جاءت زمن الهدنة ، فقالوا : ردها علينا ، فنزلت».
وأخرج ابن منيع من
طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : «أسلم عمر بن الخطاب فتأخرت امرأته في
المشركين ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا
بِعِصَمِ الْكَوافِرِ)
الآية : ١٣. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ)
أخرج ابن المنذر
من طريق ابن إسحاق عن محمد عن عكرمة ، وأبو سعيد عن ابن عباس قال : «كان عبد الله
بن عمر ، وزيد بن الحارث يوادّان رجالا من يهود ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما
يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ)
ـ سورة الصّف ـ
أخرج الترمذي ،
والحاكم وصححه عن عبد الله بن سلام قال : «قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتذاكرنا ، فقلنا : لو نعلم أي الأعمال أحبّ إلى الله
لعملناه ، فأنزل الله : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما
فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) فقرأها علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى ختمها».
الآيات : ٢ ـ ١٠.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ)
أخرج ابن جرير عن
الضحاك ، وابن أبي صالح قال : «قالوا : لو كنا نعلم أي الأعمال أحب الى الله ، وأفضل
، فنزلت : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ) الآية ، فكرهوا الجهاد ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ
تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ).
وأخرج ابن جرير عن
الضحاك ، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس أنزلت : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) في الرجل يقول في القتال ما لم يفعله من الضرب ، والطعن ،
والقتل».
وأخرج ابن أبي
حاتم عن مقاتل : «أنها نزلت في توليهم يوم أحد».
الآية : ١١. قوله
تعالى : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ
وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ
ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : «لمّا نزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ
أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) قال المسلمون : لو علمنا ما هذه التجارة لأعطينا فيها
الأموال ، والأهلين ، فنزلت : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ
وَرَسُولِهِ).
ـ سورة الجمعة ـ
الآية : ١١. قوله
تعالى : (وَإِذا رَأَوْا
تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ
اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
أخرج الشيخان عن
جابر قال : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم يخطب يوم الجمعة إذ أقبلت عير قد قدمت ، فخرجوا إليها حتى
لم يبق معه الّا اثنا عشر رجلا ، فأنزل الله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا
تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً)
وأخرج ابن جرير عن
جابر أيضا قال : «كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرون بالكير ، والمزامير ، ويتركون
النبي صلىاللهعليهوسلم قائما على المنبر ، ويفضّون إليها ، فنزلت ، وكأنها نزلت
في الأمرين معا»
وأخرج ابن المنذر
عن جابر نحوه لقصة النكاح ، وقدوم العير معا من طريق واحد ، وأنها نزلت في الأمرين
، ولله الحمد».
سورة المنافقون
الآية : ١. قوله
تعالى : (إِذا جاءَكَ
الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ
لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)
روى الشيخان
والواحدي عن زيد بن أرقم قال : «غزونا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ وكان معنا ناس من الأعراب ـ وكنا نبتدر الماء ، وكان
الأعراب يسبقونا ، فيسبق الأعرابي أصحابه فيملأ الحوض ، ويجعل النطع عليه حتى يجيء
أصحابه ، فأتى رجل من الأنصار ، فأرخى زمام ناقته
لتشرب ، فأبى أن
يدعه الأعرابي ، فأخذ خشبة ، فضرب بها رأس الأنصاري فشجّه ، فأتى الأنصاري عبد
الله بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين ، فأخبره ـ وكان من أصحابه ـ فغضب عبد الله بن
أبيّ ثم قال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ـ يعني الأعراب
ـ ثم قال لأصحابه : إذا رجعتم إلى المدينة ، فليخرج الأعز منها الأذل. قال زيد بن
الأرقم ـ وأنا ردف عمي ـ : فسمعت عبد الله ، فأخبرت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فانطلق ، وكذبني ، فجاء إليّ عمي ، فقال : ما أردت أن
مقتك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكذّبك المسلمون ، فوقع عليّ من الغمّ ما لم يقع على أحد
قط ، فبينما أنا أسير مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ أتاني فعرك أذني ، وضحك في وجهي ، فما كان يسرنى أن لي
بها الدنيا ، فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سورة المنافقون : (قالُوا نَشْهَدُ
إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) حتى بلغ : (هُمُ الَّذِينَ
يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) حتى بلغ : (لَيُخْرِجَنَّ
الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ).
قال أهل التفسير «غزا
رسول الله صلىاللهعليهوسلم بني المصطلق ، فنزل على ماء من مياههم يقال له المريسيع
فوردت واردة الناس ، ومع عمر بن الخطاب أجير من بني غفار يقال له جهجاه بن سعيد
يقود فرسه ، فازدحم جهجاه ، وسنان الجهني ـ حليف بني العوف من الخزرج ـ على الماء
، فاقتتلا ، فصرخ الجهني : يا معشر الأنصار ، وصرخ الغفاري : يا معشر المهاجرين ،
فلما أن جاء عبد الله بن أبي بن سلول قال ابنه : وراءك! قال : مالك ويلك! قال : لا
والله لا تدخلها أبدا ـ يعني المدينة ـ الّا باذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولتعلم اليوم من الأعز من الأذل.
فشكا عبد الله إلى
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما صنع ابنه ، فأرسل إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ارتحل عنه حتى يدخل قال أمّا إذ جاء أمر النبي فنعم ،
فدخل ، فلما نزلت هذه وبان كذبه قيل له : يا أبا حبّاب ، إنه قد نزل فيك أي
شداد ، فاذهب إلى
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ليستغفر لك ، فلوّى رأسه فذلك قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا
يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) الآية».
الآية : ٥. قوله
تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ
تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ
يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)
أخرج ابن جرير عن
قتادة : «قيل لعبد الله بن أبيّ : لو أتيت النبي صلىاللهعليهوسلم فاستغفر لك فجعل يلوي رأسه ، فنزلت فيه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا
يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ) الآية
وأخرج ابن المنذر
عن عكرمة مثله.
الآية : ٦. قوله
تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ
أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ
إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)
أخرج ابن جرير عن
عروة قال : «لما نزلت : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ
أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ
يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) قال النبي صلىاللهعليهوسلم : لأزيدن على السبعين ، فأنزل الله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ
لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) الآية.
وأخرج ابن جرير من
طريق العوفي عن ابن عباس قال : «لما نزلت آية براءة قال النبي صلىاللهعليهوسلم ـ وأنا أسمع ـ : إني قد رخص لي فيهم ، فو الله لأستغفرنّ
أكثر من سبعين مرة لعل الله أن يغفر لهم ، فنزلت.
سورة التغابن
الآية : ١٤. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ
فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ).
أخرج الترمذي ،
والحاكم ، وصححاه عن ابن عباس قال : «نزلت هذه الآية (إِنَّ مِنْ
أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) في قوم من أهل مكة أسلموا فأبى أزواجهم ، وأولادهم أن
يدعوهم ، فأتوا المدينة ، فلما قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين ، فهمّوا أن يعاقبوهم ،
فأنزل الله تعالى : (وَإِنْ تَعْفُوا) وأخرج ابن جرير عن
عطاء بن يسار قال : «نزلت سورة التغابن كلها بمكة الّا هؤلاء الآيات (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ
مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) نزلت في عوف بن مالك الأشجعي ، كان ذا أهل ، وولد ، فكان
إذا أراد الغزو بكوا اليه ، ووقفوه ، فقالوا : الى من تدعنا ، فيرق ، ويقيم ،
فنزلت هذه الآية ، وبقية الآيات الى آخر السورة بالمدينة».
الآية : ١٦. قوله
تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن سعيد بن جبير قال : «لما نزلت : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ
تُقاتِهِ) اشتد على القوم العمل ، فقاموا حتى ورمت عراقبهم ، وتقرحت
جباههم ، فأنزل الله تعالى ، تخفيفا على المسلمين (فَاتَّقُوا اللهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ)
ـ سورة الطلاق ـ
الآية : ١. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا
الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا
يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ
وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ
يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً)
أخرج الحاكم عن
ابن عباس قال : «طلّق عبد يزيد ـ أبو ركانة ـ أم ركانة ثم نكح امرأة من مزينة ،
فجاءت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالت : «يا رسول الله ، ما عنى ما عنى إلّا عن هذه
الشقرة ، فنزلت : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) فقيل له : راجعها
فإنّها صوّامة قوامة.
وأخرجه ابن جرير
عن قتادة مرسلا ، وأخرجه ابن المنذر عن ابن سيرين مرسلا.
وأخرج ابن أبي
حاتم عن مقاتل في قوله : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) الآية. قال : «بلغنا أنها نزلت في عبد الله بن العاص ،
وطفيل بن الحارث ، وعمرو بن بن سعيد بن العاص». الآية : ٢ ـ ٣. قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)
أخرج الحاكم عن
جابر قال : «نزلت هذه الآية : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) في رجل من أشجع كان فقيرا ، خفيف ذات اليد ، كثير العيال ،
فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسأله ، فقال له : اتّق الله ، واصبر ، فلم يلبث إلّا
يسيرا حتى جاء ابن له بغنم ـ وكان العدو أصابوه ـ فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأخبره خبرها ، فقال : كلها ، فنزلت. قال الذهبي : حديث
منكر ، له شاهد!
وأخرج ابن مردويه
من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : «جاء عوف بن مالك الأشجعي فقال : يا
رسول الله ، إنّ ابني أسره العدو ، وجزعت أمه ، فما ذا تأمرني؟ قال : آمرك ،
وإياها أن تستكثرا من قول : لا حول ولا قوّة إلّا بالله. فقالت المرأة : نعم ما
أمرك ، فجعلا يستكثران منها ، فتغفل عنه العدو ، فاستاق غنمهم ، فجاء بها إلى أبيه
، فنزلت (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)
الآية : ٤. قوله
تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ
مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ
أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ)
أخرج ابن جرير ،
وإسحاق بن راهويه ، والحاكم ، وغيرهم عن أبيّ بن كعب قال : «لما نزلت الآية التي
في سورة البقرة في عدد من عدد النساء قالوا : قد بقي عدد من عدد النساء لم يذكرن :
الصغار ، والكبار ، وأولات الحمل ، فنزلت : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ
مِنَ الْمَحِيضِ) الآية».
وأخرج مقاتل في
تفسيره : «أنّ خلاد بن عمرو بن الجموح سأل النبي صلىاللهعليهوسلم عن عدة التي لا تحيض ، فنزلت».
ـ سورة التحريم ـ
الآية : ١. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ
وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أخرج الحاكم ،
والنّسائي بسند صحيح عن أنس : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانت له أمة يطؤها ، فلم تزل به حفصة حتى جعلها على نفسه
حراما ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ)
وأخرج الواحدي عن
ابن عباس عن عمر قال : «دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة فوجدته حفصة معها ، فقالت : لم
تدخلها بيتي!! ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلّا من هواني عليك. فقال لها : لا
تذكري هذا لعائشة ، وهي عليّ حرام إن قربتها. قالت حفصة : وكيف تحرم عليك ، وهي
جاريتك!! فحلف لها لا يقربها ، وقال لها : لا تذكريه لأحد ، فذكرته لعائشة ، فأبى
أن يدخل على
نسائه شهرا ،
واعتزلهن تسعا وعشرين ليلة ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) الآية.
وأخرج الطبراني
بسند عن ابن عباس قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يشرب العسل عند سودة ، فدخل على عائشة ، فقالت : إني أجد
منك ريحا. ثم دخل على حفصة فقالت : مثل ذلك. فقال : أراه من شراب شربته عند سودة ،
والله لا أشربه ، فنزلت : (يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ)
قال الحافظ بن حجر
: «يحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا».
الآية : ٤. قوله
تعالى : (إِنْ تَتُوبا إِلَى
اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ
مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ
ظَهِيرٌ)
روى الواحدي عن
ابن عباس قال : «وجدت حفصة رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع أم إبراهيم في يوم عائشة ، فقالت : لأخبرها ، فقال رسول
الله صلىاللهعليهوسلم : هي عليّ حرام إن قربتها ، فأخبرت عائشة بذلك فأعلم الله
رسوله بذلك ، فعرّف حفصة بعض ما قالت ، فقالت له : من أخبرك؟!! قال : نبأني العليم
الخبير ، فآلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من نسائه شهرا ، فأنزل الله تعالى : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ
قُلُوبُكُما) الآية».
سورة القلم
الآية : ٢. قوله
تعالى : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ
رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)
أخرج ابن المنذر
عن ابن جرير قال : «كانوا يقولون للنبي صلىاللهعليهوسلم : إنه مجنون ، ثم شيطان فنزلت : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
بِمَجْنُونٍ)
الآية : ٤. قوله
تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى
خُلُقٍ عَظِيمٍ)
أخرج أبو نعيم في (الدلائل)
والواحدي بسند رواه عن عائشة قالت : «ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ما دعاه أحد من أصحابه ، ولا من أهل بيته إلّا قال :
لبيك ، فلذلك أنزل الله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى
خُلُقٍ عَظِيمٍ)
الآيتان : ١٠ ـ ١١.
قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ
حَلَّافٍ مَهِينٍ ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) نزلت في الأخنس بن شريف الثقفي».
وأخرج ابن أبي
حاتم عن مجاهد قال : «نزلت في الأسود بن عبد يغوث».
الآيات : ١٠. ١٣.
قوله تعالى : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ
زَنِيمٍ) أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال ، «نزلت على النبي صلىاللهعليهوسلم (وَلا تُطِعْ كُلَّ
حَلَّافٍ مَهِينٍ ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) فلم نعرفه حتى نزل عليه بعد ذلك : (زَنِيمٍ) فعرفناه ، له زنمة كزنمة الشاة».
الآية : ١٧. قوله
تعالى : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ
كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن جريح : «أن أبا جهل قال يوم بدر : خذوهم أخذا ، فاربطوهم في الحبال ، ولا
تقتلوا منهم أحدا ، فنزلت : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ
كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) يقول في قدرتهم
عليهم كما اقتدر أصحاب الجنة على الجنة».
الآية : ٥١. قوله
تعالى : (وَإِنْ يَكادُ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ
وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ).
روى الواحدي عن
الكلبي قال : «كان رجل يمكث لا يأكل يومين ، أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب خبائه ، فتمر
به النعم ، فيقول : ما رعى اليوم
إبل ، ولا غنم
أحسن من هذه فما تذهب إلا قريبا حتى يسقط منها طائفة ، وعدة ، فسأل الكفار هذا
الرجل أن يصيب الرسول صلىاللهعليهوسلم بالعين ، ويفعل به مثل ذلك ، فعصم الله نبيّه ، وأنزل هذه
الآية».
ـ سورة الحاقة ـ
الآية : ١٢. قوله
تعالى : (لِنَجْعَلَها لَكُمْ
تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ).
أخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم ، والواحدي عن بريدة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلي بن أبي طالب : إني أمرت أن أدنيك ، ولا أقصيك ، وأن
أعلمك ، وأن تعي ، وحق لك أن تعي. قال : فنزلت هذه الآية : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)».
ـ سورة المعارج ـ
الآية ١. قوله
تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ
بِعَذابٍ واقِعٍ).
أخرج النسائي ،
وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (سَأَلَ سائِلٌ) قال : هو النضر بن الحارث قال : اللهم إن كان هذا هو الحقّ
من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء».
أخرج ابن أبي حاتم
عن السدي في قوله : (سَأَلَ سائِلٌ) نزلت بمكة في النضر بن الحارث ، وقد قال : اللهم ان كان
هذا هو الحق من عندك». الآية. وكان عذابه يوم بدر.
وأخرج ابن المنذر
عن الحسن قال : «نزلت : (سَأَلَ سائِلٌ
بِعَذابٍ واقِعٍ) فقال الناس : على من يقع العذاب؟! فأنزل الله تعالى
(لِلْكافِرينَ لَيْسَ
لَهُ دافِعٌ).
الآية : ٣٨. قوله
تعالى : (أَيَطْمَعُ كُلُّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ).
روى الواحدي عن
المفسرين قالوا : «كان المشركون يجتمعون حول النبي صلىاللهعليهوسلم يستمعون كلامه ، ولا ينتفعون به ، بل يكذبون به ،
ويستهزءون به ، ويقولون : لئن دخل هؤلاء الجنة ، لندخلنها قبلهم ، وليكوننّ لنا
فيها أكثر مما لهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
ـ سورة الجن ـ
أخرج البخاري ،
والترمذي ، وغيرهما عن ابن عباس قال : «ما قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الجنّ ، ولا رآهم ، ولكنه انطلق في طائفة من أصحابه
عامدين الى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين ، وبين خبر السماء ، فأرسلت عليهم
الشهب ، فرجعوا إلى قومهم ، فقالوا : ما هذا إلّا لشيء قد حدث ، فاضربوا مشارق
الأرض ، ومغاربها ، فانظروا هذا الذي حدث. فانطلقوا فانصرف النفر الذين توجهوا نحو
تهامة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو بنخلة ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا
القرآن استمعوا له ، فقالوا : هذا والله ، الذي حال بينكم ، وبين خبر السماء ،
فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا : يا قومنا ، إنا سمعنا قرآنا عجبا ، فأنزل الله
تعالى على نبيّه (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَ) وانما أوحي إليه قول الجن».
وأخرج ابن الجوزي
في كتاب (صفوة الصفوة) بسنده عن سهل بن عبد الله قال : «كنت في ناحية ديار عاد إذ
رأيت مدينة من حجر منقور في وسطها قصر من حجارة تأويه الجن ، فدخلت فإذا شيخ عظيم
الخلق يصلّي نحو
الكعبة ، وعليه جبة صوف فيها طراوة ، فلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبي من طراوة جبته
، فسلمت عليه ، فرد عليّ السلام ، وقال : يا سهل ، إن الأبدان لا تخلق الثياب ،
وإنما تخلقها روائح الذنوب ، ومطاعم السحت ، وإن هذه الجبة عليّ منذ سبعمائة سنة
لقيت فيها عيسى ، ومحمدا (عليه الصلاة السلام) فآمنت بهما ، فقلت له : ومن أنت؟!!
قال : من الذين نزل فيهم (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ
أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ)».
الآية : ٦. قوله
تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ
رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً).
أخرج ابن المنذر ،
وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في (العظمة) عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال :
خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة ـ وذلك أول ما ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ فآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف الليل جاء ذئب
، فأخذ حملا من الغنم ، فوثب الراعي فقال : عامر الوادي جارك. فنادى مناد لا نراه
: يا سرحان ، فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم ، وأنزل الله على رسوله بمكة : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ
يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) الآية ..
وأخرج ابن سعد عن
أبي رجاء العطاردي من بني تميم قال : «بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد رعيت على أهلى ، وكفيت مهنتهم ، فلما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم خرجنا هرابا ، فأتينا على فلاة من الأرض ، وكنا إذا أمسينا
بمثلها قال شيخنا : إنّا نعوذ بعزيز هذا الوادي من الجنّ الليلة ، فقلنا : ذاك
فقيل لنا : انما سبيل هذا الرجل شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأن محمدا رسول الله
، من أقرّ بها أمن على دمه ، وماله ، فرجعنا فدخلنا في الاسلام. قال أبو رجاء ،
إنّي لأرى هذه الآية نزلت فيّ ، وفي أصحابي : (وَأَنَّهُ كانَ
رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ
فَزادُوهُمْ
رَهَقاً)
وأخرج الخرائطي في
كتاب (هواتف الجان) حدثنا عبد الله بن محمد البلويّ ، حدثنا عمارة بن زيد ، حدثني
عبد الله بن العلاء ، حدثنا محمد بن عكير عن سعيد بن جبير : «أن رجلا من بني تميم
يقال له رافع بن عمير حدّث عن بدء إسلامه قال : إنّي لأسير برمل عالج ذات ليلة إذ
غلبني النوم ، فنزلت عن راحلتي ، وأنختها ، ونمت ، وقد تعوذت قبل نومي فقلت : أعوذ
بعظيم هذا الوادي من الجن ، فرأيت في منامي رجلا بيده حربه يريد أن يضعها في نحر
ناقتي ، فانتبهت فزعا ، فنظرت يمينا ، وشمالا فلم أر شيئا ، فقلت : هذا حلم. ثم
عدت فغدوت ، فرأيت مثل ذلك ، فانتبهت فرأيت ناقتي تضطرب ، والتفت ، وإذا برجل شاب
كالذي رأيته في المنام بيده حربة ، ورجل شيخ ممسك بيده يدفعه عنها ، فبينما هما
يتنازعان إذ طلعت ثلاثة أثوار من الوحش ، فقال الشيخ للفتى. قم فخذ أيتها شئت فداء
لناقة جارى الأنسي ، فقام الفتى فأخذ منها ثورا ، وانصرف ثم التفت إليّ الشيخ ،
وقال : يا هذا إذا نزلت واديا من الأودية فخفت هوله ، فقل : أعوذ برب محمد من هول
هذا الوادي ، ولا تعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها. قال : فقلت له : ومن محمد هذا؟
قال : نبي عربي ، لا شرقي ، ولا غربي ، بعث يوم الاثنين ، فقلت : أين مسكنه؟ قال :
يثرب ذات النخل ، فركبت راحلتي حين ترقى لي الصبح ، وجدرت السير حتى تقحمت المدينة
، فرآني رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فحدثني بحديثي قبل أن أذكر منه شيئا ، ودعاني إلى
الإسلام ، فأسلمت. قال سعيد بن جبير : وكنا نرى أنه هو الذي أنزل الله فيه : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ
يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً)
الآية : ١٦. قوله
تعالى : (وَأَنْ لَوِ
اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ
لَأَسْقَيْناهُمْ
ماءً غَدَقاً)
أخرج ابن أبي حاتم
عن مقاتل قال : «نزلت في كفار قريش حين منع المطر سبع سنين».
الآية : ١٨. قوله
تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ
لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)
أخرج ابن أبي حاتم
من طريق أبي صالح عن ابن عباس قال : «قالت الجن : يا رسول الله ، ائذن لنا فنشهد
معك الصلوات في مسجدك ، فأنزل الله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ
لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)
وأخرج ابن جرير عن
سعيد بن جبير قال : «قالت الجن للنبي صلىاللهعليهوسلم : كيف لنا أن نأتي المسجد ، ونحن ناءون عنك ، أو كيف نشهد
الصلاة ، ونحن ناءون عنك ، فنزلت : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ
لِلَّهِ) الآية»
ـ سورة المزمل ـ
الآية : ١. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ)
أخرج البزار ،
والطبراني بسند رواه عن جابر قال : «اجتمعت قريش في دار الندوة فقالت : سمّوا هذا
الرجل اسما يصد عنه الناس. قالوا : كاهن. قالوا : ليس بكاهن. قالوا : مجنون. قالوا
: ليس بمجنون. قالوا : ساحر. قالوا : ليس بساحر. فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم ، فتزمل في ثيابه ، فتدثر فيها ، فأتاه جبريل فقال : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ يا أَيُّهَا
الْمُدَّثِّرُ)
وأخرج ابن أبي
حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله : (يا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ) قال : نزلت وهو في قطيفة».
الآية : ٢٠. قوله
تعالى : (فَاقْرَؤُا ما
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ
يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ
فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ)
أخرج الحاكم عن
عائشة قالت : «لما نزلت : (يا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ ، قُمِ
اللَّيْلَ
إِلَّا قَلِيلاً) قاموا سنة حتى ورمت أقدامهم ، فأنزل الله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ)
وأخرج ابن جرير
مثله عن ابن عباس وغيره».
ـ سورة المدثر ـ
الآيات : ١ ـ ٧.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنْذِرْ ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ،
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ، وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ)
روى الواحدي عن
أبي سلمة عن جابر قال : «حدثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت
بطن الوادي ، فنوديت ، فنظرت أمامي ، وخلفي ، وعن يميني ، وعن شمالي ، فلم أر أحدا
، ثم نوديت فرفعت رأسي ، فإذا هو على العرش في الهواء (يعني جبريل عليهالسلام) فقلت : دثروني دثروني ، فصبوا عليّ ماء ، فأنزل الله (عزوجل):
(يا أَيُّهَا
الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنْذِرْ ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ)
الآيات : ١١ ـ ٢٥.
قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ
خَلَقْتُ وَحِيداً ، وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً ، وَبَنِينَ شُهُوداً ،
وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ، كَلَّا إِنَّهُ كانَ
لِآياتِنا عَنِيداً ، سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ، إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ،
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ، ثُمَّ نَظَرَ ، ثُمَّ
عَبَسَ وَبَسَرَ ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ، فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ
يُؤْثَرُ ، إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ)
روى الحاكم
والواحدي عن ابن عباس : «أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقرأ عليه القرآن ، وكأنه رق له ، فبلغ ذلك أبا جهل ،
فقال : يا
عم ، إن قومك
يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه ، فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله ، فقال : قد
علمت قريش أني من أكثرها مالا ، قال : فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له ، وكاره
، قال : وما ذا أقول؟! فو الله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجزها ،
وبقصيدها مني ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، والله ، إن لقوله الذي يقول
حلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه ، معذق أسفله ، وإنه ليعلو وما يعلى ،
قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه ، قال : فدعني حتى أفكر فيه فقال : هذا سحر
يؤثر يأثره عن غيره ، فنزلت : (ذَرْنِي وَمَنْ
خَلَقْتُ وَحِيداً) الآيات كلها».
وروى الواحدي :
قال مجاهد : «إن الوليد بن المغيرة كان يفشى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأبا بكر (رضي الله عنه) حتى حسبت قريش أنه يسلم ، فقال
له أبو جهل : إن قريشا تزعم أنك تأتي محمدا ، وابن أبي قحافة تصيب من طعامهما.
فقال الوليد لقريش. إنكم ذووا أحساب ، وذووا أحلام ، وانكم تزعمون أن محمدا مجنون
، وهل رأيتموه يتكهن قط؟
قالوا : اللهم لا.
قال : تزعمون أنه شاعر ، هل رأيتموه ينطق بشعر قط؟ قالوا : لا. قال : فتزعمون أنه
كذاب ، فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟ قالوا : لا. قالت قريش للوليد : فما هو؟!
قال : فما هو إلّا ساحر ، وما يقوله سحر ، فذلك قوله (إِنَّهُ فَكَّرَ
وَقَدَّرَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ)
الآية : ٣٠. قوله
تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ
عَشَرَ)
أخرج ابن أبي حاتم
، والبيهقي في (البعث) عن البراء : «أن رهطا من اليهود سألوا رجلا من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم عن خزنة جهنم ، فجاء فأخبر النبي صلىاللهعليهوسلم فنزل عليه ساعتئذ : (عَلَيْها تِسْعَةَ
عَشَرَ)
الآية : ٣١. قوله
تعالى : (وَما جَعَلْنا
أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً)
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن إسحاق قال : «قال أبو جهل : يا قريش ،
يزعم محمد أن جنود
الله الذين يعذبونكم في النار تسعة عشر ، وأنتم أكثر الناس عددا ، فيعجز مائة رجل
منكم عن رجل منهم!! فأنزل الله : (وَما جَعَلْنا
أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) الآية».
وأخرج ابن أبي
حاتم عن السدي قال : «لما نزلت : (عَلَيْها تِسْعَةَ
عَشَرَ) قال رجل من قريش يدعى أبا الأشد : يا معشر قريش ، لا
يهولنكم التسعة عشر ، أنا أدفع عنكم بمنكبي الأيمن عشرة ، وبمنكبي الأيسر التسعة ،
فأنزل الله تعالى : (وَما جَعَلْنا
أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً)
الآية : ٥٢. قوله
تعالى : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً)
أخرج ابن المنذر
عن السدي قال : «قالوا : لئن كان محمد صادقا فليصبح تحت رأس كل رجل منا صحيفة فيها
براءة ، وأمنة من النار ، فنزلت : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً)
ـ سورة القيامة ـ
الآيتان : ٣ ـ ٤.
قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ
الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ ، بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ
بَنانَهُ)
روى الواحدي قال :
«نزلت في عمر بن أبي ربيعة ، وذلك أنه أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : حدثني عن يوم القيامة متى يكون ، وكيف أمرها ،
وحالها؟!! فأخبره النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ، ولم
أومن به ، أو يجمع الله هذه العظام؟!! فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ١٦. قوله
تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ
لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)
أخرج البخاري عن
ابن عباس قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا نزل عليه الوحي يحرك به لسانه ، يريد أن يحفظه ، فأنزل
الله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ
لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)
الآيتان : ٣٤ ـ ٣٥.
قوله تعالى : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى
، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى)
أخرج ابن جرير من
طريق العوفي عن ابن عباس قال : «لما نزلت : (عَلَيْها تِسْعَةَ
عَشَرَ) قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم ، يخبركم ابن أبي كبشة
أن خزنة جهنم تسعة عشر وأنتم الدّهم!!! أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من
خزنة جهنم؟!!! فأوحى الله إلى رسوله أن يأتي أبا جهل فيقول له : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ، ثُمَّ أَوْلى
لَكَ فَأَوْلى).
وأخرج النسائي عن
سعيد بن جبير : «أنه سأل ابن عباس عن قوله : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) أشيء قاله رسول
الله صلىاللهعليهوسلم من قبل نفسه أم امره الله به؟ قال : بل قاله من قبل نفسه ،
ثم أنزله الله».
ـ سورة الإنسان ـ
الآية : ٨. قوله
تعالى : (وَيُطْعِمُونَ
الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً)
روى الواحدي عن
عطاء عن ابن عباس : «وذلك أن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) نوبة أجرّ نفسه يسقى
نخلا بشيء من شعير ليله حتى أصبح ، وقبض الشعير ، وطحن ثلاثة ، فجعلوا منه شيئا
ليأكلوا يقال له : الخزيرة فلما تم إنضاجه أتى يتيم ، فسأل ، فأطعموه ، ثم عمل
الثلث الباقي ، فلما تم انضاجه أتى أسير من المشركين ، فأطعموه ، وطووا يومهم
ذلك ، فانزل الله
فيه هذه الآية.
الآية : ٢٠. قوله
تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ
ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً).
أخرج ابن المنذر
عن عكرمة قال : «دخل عمر بن الخطاب على النبي صلىاللهعليهوسلم وهو راقد على حصير من جريد ، وقد أثّر في جنبه ، فبكى عمر
، فقال له : ما يبكيك؟! قال : ذكرت كسرى ، وملكه ، وهرمز ، وملكه ، وصاحب الحبشة ،
وملكه ، وأنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم على حصير من جريد. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أما ترضى أنّ لهم الدنيا ، ولنا الآخرة ، فأنزل الله : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ
نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً).
الآية : ٢٤. قوله
تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ
آثِماً أَوْ كَفُوراً)
أخرج عبد الرزاق ،
وابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة : «أنه بلغه أنّ أبا جهل قال : لئن رأيت محمدا
يصلّي لأقطعن عنقه ، فأنزل الله : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ
آثِماً أَوْ كَفُوراً)
سورة المرسلات
الآية : ٤٨. قوله
تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ
ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) أخرج المنذر عن مجاهد في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا
يَرْكَعُونَ) قال : «نزلت في ثقيف».
ـ سورة النبأ ـ
الآية : ١ ـ ٢.
قوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ
، عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ)
أخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم عن الحسن قال : «لما بعث النبي
صلىاللهعليهوسلم ، جعلوا يتساءلون بينهم ، فنزلت : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ ، عَنِ النَّبَإِ
الْعَظِيمِ)
سورة النازعات
الآية : ١٢. قوله
تعالى : (قالُوا تِلْكَ إِذاً
كَرَّةٌ خاسِرَةٌ)
أخرج سعيد بن
منصور عن محمد بن كعب القرظي قال : «لما نزلت قوله : (أَإِنَّا
لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) قال كفار قريش : لئن حيينا بعد الموت لنخسرن ، فنزل : (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ)
الآيات : ٤٢ ـ ٤٦.
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها)
أخرج الحاكم وابن
جرير عن عائشة قالت : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسأل عن الساعة حتى أنزل (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ، فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ، إِلى رَبِّكَ
مُنْتَهاها) فانتهى.
وأخرج ابن أبي
حاتم من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : «أن مشركي هل مكة سألوا النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : متى تقوم الساعة؟؟ استهزاء منهم ، فأنزل الله
تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) إلى آخر السورة.
وأخرج الطبراني ،
وابن جرير عن طارق بن شهاب قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكثر ذكر الساعة حتى نزلت (فِيمَ أَنْتَ مِنْ
ذِكْراها ، إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها).
وأخرج ابن أبي
حاتم مثله عن عروة.
سورة عبس
الآيات : ١ ـ ١٠
قوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى ،
أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ، وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ، أَوْ يَذَّكَّرُ
فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى ، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى ، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ، وَما
عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ، وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى ، وَهُوَ يَخْشى ،
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)
روى الواحدي عن
عائشة : «أنها نزلت في ابن أم مكتوم ـ وكان أعمى ـ وذلك أنه أتى النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يناجي عتبة بن ربيعة ، وأبا جهل بن هشام ، وعباس بن
عبد المطلب ، وأبيّا وأميّة ابني خلف ، ويدعوهم إلى الله تعالى ، ويرجو اسلامهم.
فقام ابن أم مكتوم ، وقال : يا رسول الله ، علمنى مما علّمك الله ، وجعل يناديه ،
ويكرر النداء ، ولا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره ، حتى ظهرت الكراهية على وجه
رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقطعه كلامه ، وقال في نفسه : يقول هؤلاء الصناديد إنما
أتباعه العميان ، والسفلة ، والعبيد ، فعبس رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأعرض عنه ، وأقبل على القوم الذين يكلمهم ، فأنزل الله
تعالى هذه الآيات فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك يكرمه ، وإذا رآه يقول : مرحبا بمن عاتبني فيه ربي».
الآية : ١٧. قوله
تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ
ما أَكْفَرَهُ).
أخرج ابن المنذر
عن عكرمة في قوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ
ما أَكْفَرَهُ) قال : نزلت في عتبة بن أبي لهب حين قال : كفرت بربّ النجم».
الآية : ٣٧. قوله
تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ
مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)
روى الواحدي عن
أنس بن مالك قال : «قالت عائشة للنبي صلىاللهعليهوسلم : أنحشر عراة؟!! قال : نعم. قالت : وا سوأتاه!! فأنزل الله
تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ
مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ).
ـ سورة التكوير ـ
الآية : ٢٩. قوله
تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا
أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)
أخرج ابن جرير ،
وابن أبي حاتم عن سليمان بن موسى قال : «لما أنزلت : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ
أَنْ يَسْتَقِيمَ) قال أبو جهل : ذلك إلينا ان شئنا استقمنا ، وان شئنا لم
نستقم ، فأنزل الله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا
أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)
وأخرج ابن أبي
حاتم من طريق بقية عن عمرو بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة مثله.
وأخرج ابن المنذر
من طريق سليمان عن القاسم بن مخيمرة مثله.
ـ سورة الانفطار ـ
الآية : ٦. قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ).
أخرج ابن أبي حاتم
عن عكرمة في قوله : (يا أَيُّهَا
الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) الآية. قال نزلت في أبيّ بن خلف.
ـ سورة المطففين ـ
أخرج النسائي وابن
ماجة بسند صحيح عن ابن عباس قال : «لمّا قدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة كانوا من أبخس الناس كيلا فأنزل الله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) فأحسنوا الكيل بعد ذلك»
وروى الواحدي عن
القرطبي قال : «كان بالمدينة تجار يطففون ، وكانت بياعاتهم كشبه القمار المنابذة ،
والمخاطرة ، فأنزل الله تعالى : هذه الآية ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم الى السوق ، وقرأها.
وروى الواحدي عن
السدي : «قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، وبها رجل يقال له أبو جهينة ، ومعه صاعان يكيل
بأحدهما ، ويكتال بالآخر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
ـ سورة الطارق ـ
الآية : ١ ـ ٣.
قوله تعالى : (وَالسَّماءِ
وَالطَّارِقِ ، وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ ، النَّجْمُ الثَّاقِبُ)
قال الواحدي : «نزلت
في أبي طالب ، وذلك أنه أتى النبي صلىاللهعليهوسلم بخبز ، ولبن ، فبينما هو جالس إذ انحط نجم فامتلأ ماء ثم
نارا ، ففزع أبو طالب ، وقال : أي شيء هذا!! فقال : هذا نجم ، رمي به ، وهو آية من
آيات الله ، فعجب أبو طالب ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».
الآية : ٥. قوله
تعالى : (فَلْيَنْظُرِ
الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن عكرمة في قوله : (فَلْيَنْظُرِ
الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) قال : نزلت في أبي الأشد ، كان يقوم على الأديم ، فيقول :
يا معشر قريش ، من أزالني عنه فله كذا ، ويقول : إن محمدا يزعم أن خزنة جهنم تسعة
عشر ، فأنا أكفيكم وحدي عشرة ، واكفوني أنتم تسعة».
ـ سورة الأعلى ـ
الآية : ٦. قوله
تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا
تَنْسى).
أخرج الطبراني عن
ابن عباس قال : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا أتاه جبريل بالوحي لم يفرغ جبريل من الوحي حتى يتكلم
النبي صلىاللهعليهوسلم بأوّله ، مخافة أن ينساه ، فأنزل الله : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) في اسناده جويبر
ضعيف جدا».
ـ سورة الغاشية ـ
الآية : ١٧. قوله
تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ
إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ).
أخرج ابن جرير
وابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : «لما نعت الله ما في الجنة عجب من ذلك أهل الضلالة
، فأنزل الله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ
إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ).
ـ سورة الفجر ـ
الآية : ٢٧. قوله
تعالى : (يا أَيَّتُهَا
النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) أخرج ابن أبي حاتم عن بريدة في قوله : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ
الْمُطْمَئِنَّةُ) قال : نزلت في حمزة».
وأخرج ابن أبي
حاتم من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن
عباس : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : من يشتري بئر رومة يستعذب بها غفر الله له ،
فاشتراها عثمان. فقال : هل لك أن تجعلها سقاية للناس؟ قال : نعم. فأنزل الله في
عثمان».
ـ سورة اللّيل ـ
أخرج ابن أبي حاتم
، وغيره من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس : «أن رجلا كانت له نخلة
فرعها في دار رجل فقير ذي عيال ، فكان الرجل إذا جاء ، فدخل الدار ، فصعد إلى
النخلة ، ليأخذ منها التمر ، ربما تقع ثمرة فيأخذها صبيان الفقير ، فينزل من نخلته
، فيأخذ التمرة من أيديهم ، وإن وجدها في فم أحدهم أدخل إصبعه حتى يخرج التمرة من
فيه ، فشكا ذلك الرجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : اذهب. ولقي النبي صلىاللهعليهوسلم صاحب النخلة ، فقال له : أعطيني نخلتك التي فرعها في دار
فلان ، ولك بها نخلة في الجنة. فقال الرجل : لقد أعطيت ، وأن لي نخلا كثيرا ، وما
فيه نخلة أعجب إليّ ثمرة منها. ثم ذهب الرجل ، ولقي رجلا كان يسمع الكلام من رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، ومن صاحب؟؟؟؟ ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : أتعطيني يا رسول الله ، ما أغطيت الرجل إن أنا
أخذتها؟! قال : نعم. فذهب الرجل ، فلقي صاحب النخلة ، ولكليهما نخل ، فقال له صاحب
النخلة : أشعرت أن محمدا صلىاللهعليهوسلم أعطاني. خلتي المائلة في دار فلان نخلة في الجنة. فقلت له
: لقد أعطيت ، ولكن يعجبني ثمرها ، ولي نخل كثير ما فيه ، ولا أظن أعطى مثلها قال
: فكم مناك منها؟ قال : أربعون نخلة. قال : لقد جئت بأمر عظيم ، ثم سكت عنه ، فقال
له : أنا أعطيك أربعين نخلة فاشهد لي ان كنت صادقا ، فدعا قومه فأشهد له ، ثم ذهب
إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فقال له : يا رسول
الله صلىاللهعليهوسلم إنّ النخلة قد صارت لي ، وهي لك ، فذهب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى صاحب الدار ، فقال له : النخلة لك ، ولعيالك ، فأنزل
الله : (وَاللَّيْلِ إِذا
يَغْشى) إلى آخر السورة». قال ابن كثير : حديث غريب جدا.
الآيات : ١ ـ ٤.
قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا
يَغْشى ، وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى ، وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ، إِنَّ
سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)
روى الواحدي عن
عبد الله : «أن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف ببردة ، وعشر أواق ، فأعتقه ،
فأنزل الله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا
يَغْشى ، وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى ، وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ، إِنَّ
سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)».
الآيات : ٥ ـ ٧.
قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى
وَاتَّقى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى).
روى الواحدي عن
عبد الرحمن السلمي عن علي قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما منكم من أحد الّا كتب مقعده من الجنة ، ومقعده من
النار. قالوا : يا رسول الله ، أفلا نتكل؟ قال : اعملوا فكل ميسر (أي لما له) ثم
قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى
وَاتَّقى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى)».
وأخرج الحاكم عن
عبد الله بن الزبير عن أبيه ، وأخرج الواحدي عن عامر بن عبد الله عن بعض أهله : «قال
أبو قحافة لابنه أبي بكر : يا بنيّ ، أراك تعتق رقابا ضعافا فلو انك إذا فعلت ما
فعلت أعتقت رجالا جلدة يمنعونك ، ويقومون دونك. فقال : أبو بكر : يا أبت ، إني
إنما أريد ما أريد. قال : فتحدث ما أنزل هؤلاء الآيات الّا فيه ، وفيما قاله ابوه
: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى
وَاتَّقى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) إلى آخر السورة».
الآيات : ١٩ ـ ٢١.
قوله تعالى : (وَما لِأَحَدٍ
عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ
تُجْزى
، إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ، وَلَسَوْفَ يَرْضى).
روى الواحدي عن
ابن عباس : «إن بلالا لما أسلم ذهب إلى الأصنام فسلح عليها ـ وكان عبدا لعبد الله
بن جدعان ـ فشكى إليه المشركون ما فعل ، فوهبه لهم ، ومائة من الإبل ينحرونها
لآلهتهم ، فأخذوه ، وجعلوا يعذبونه في الرمضاء ، وهو يقول : أحد أحد ، فمر به رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : ينجيك أحد أحد. ثم أخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا بكر أن بلالا يعذب في الله ، فحمل أبو بكر رطلا من ذهب
، فابتاعه به ، فقال المشركون : ما فعل أبو بكر ذلك إلّا ليد كانت لبلال عنده ،
فأنزل الله تعالى : (وَما لِأَحَدٍ
عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ، إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ،
وَلَسَوْفَ يَرْضى).
وأخرج البزار عن
ابن الزبير قال : «نزلت هذه الآية : (وَما لِأَحَدٍ
عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) إلى آخرها في أبي بكر الصديق».
سورة والضّحى
الآيات : ١ ـ ٥.
قوله تعالى : (وَالضُّحى ،
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى ، وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ
لَكَ مِنَ الْأُولى ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى).
أخرج الشيخان ،
وغيرهما عن جندب قال : «اشتكى النبي صلىاللهعليهوسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين ، فأتته امرأة ، فقالت : يا محمد ،
ما أرى شيطانك الّا قد تركك. فأنزل الله تعالى : (وَالضُّحى
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)».
وأخرج سعيد بن
منصور ، والفريابي عن جندب قال : «أبطأ جبريل على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال المشركون : قد ودّع محمد ، فنزلت».
وأخرج الحاكم عن
زيد بن أرقم قال : «مكث رسول الله صلىاللهعليهوسلم أياما لا ينزل عليه جبريل ، فقالت ام جميل ـ امرأة أبي لهب
ـ ما أرى صاحبك الّا قد ودعك ، وقلاك ، فأنزل الله تعالى : (وَالضُّحى).
وروى الواحدي عن
جندب قال : «قالت امرأة من قريش للنبي
صلىاللهعليهوسلم : ما أرى شيطانك الّا ودّعك ، فنزل : (وَالضُّحى ، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ، ما
وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)».
وأخرج الطبراني ،
وابن أبي شيبة في مسنده ، والواحدي ، وغيرهم بسند فيه من لا يعرف عن حفص بن ميسرة
القرشي عن أمه عن أمها خولة ـ وقد كانت خادم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ إن جروا دخل بيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فدخل تحت السرير فمات ، فمكث النبي صلىاللهعليهوسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي ، فقال : يا خولة ، ما حدث
في بيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم!!! جبريل لا يأتيني ، فقلت في نفسي : لو هيأت البيت فكنسته
، فأهويت بالمكنسة تحت السرير ، فأخرجت الجرو ، فجاء النبي صلىاللهعليهوسلم يرعد بجبته وكان إذا أنزل عليه الوحي أخذته الرعدة ، فأنزل
الله تعالى : (وَالضُّحى) إلى قوله : (فَتَرْضى)
قال الحافظ بن حجر
: قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة ، لكن كونها سبب نزول الآية غريب بل شاذ
مردود بما في الصحيح».
وأخرج ابن جرير عن
عبد الله بن شداد : «أن خديجة قالت للنبي صلىاللهعليهوسلم : ما أرى ربك إلا قلاك فنزلت».
وأخرج ابن جرير عن
عروة قال : «أبطأ جبريل على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فجزع جزعا شديدا ، فقالت خديجة : إني أرى ربك قد قلاك.
مما يرى من جزعك ، فنزلت».
وكلاهما مرسل
رواتهما ثقات قال الحافظ بن حجر : «فالذي يظهر أن كلا من أم جميل ، وخديجة قالت
ذلك ، لكن ام جميل قالته شماتة وخديجة قالته توجعا».
الآيات : ١ ـ ٣.
قوله تعالى : (وَالضُّحى ،
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)
روى الواحدي عن
جندب قال : «قالت امرأة من قريش للنبي صلىاللهعليهوسلم ما أرى شيطانك الا ودعك فنزل : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ، ما
وَدَّعَكَ
رَبُّكَ وَما قَلى)
الآيات : ٤ ـ ٥.
قوله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ
لَكَ مِنَ الْأُولى ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)
روى الواحدي عن
ابن عباس عن أبيه قال : «رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما يفتح على أمته من بعده ، فسرّ بذلك ، فأنزل الله عزوجل :
(لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ
لَكَ مِنَ الْأُولى ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) قال :
فأعطاه الله ألف
قصر في الجنة ، من لؤلؤ ترابه مسك في كل قصر منها ما ينبغي له».
الآيات : ٦ ـ ٨.
قوله تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ
يَتِيماً فَآوى ، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ، وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى)
روى الواحدي عن
ابن عباس قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لقد سألت ربي مسألة ، ووددت أني لم أكن سألته. قلت : يا
رب ، إنه قد كانت الأنبياء قبلي : منهم من سخّرت له الريح ـ وذكر سليمان بن داود ـ
ومنهم من كان يحيي الموتى ـ وذكر عيسى بن مريم ـ ومنهم ، ومنهم. قال : قال : ألم
أجدك يتيما ، فآويتك؟ قال : قلت : بلى. قال : ألم أجدك ضالا ، فهديتك؟ قال : قلت :
بلى يا رب. قال : ألم أجدك عائلا ، فأغنيتك؟ قال : قلت : بلى يا رب. قال : ألم
أشرح لك صدرك ، ووضعت عنك وزرك؟ قال : قلت : بلى يا رب».
ـ سورة الانشراح ـ
الآية : ٦. قوله
تعالى : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْراً) أخرج ابن جرير عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أبشروا ، أتاكم اليسر لن يغلب عسر يسرين.
قال السيوطي : «نزلت
لما عيّر المشركون المسلمين بالفقر».
ـ سورة التين ـ
الآية : ٥. قوله
تعالى : (ثُمَّ رَدَدْناهُ
أَسْفَلَ سافِلِينَ)
أخرج ابن جرير من
طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : (ثُمَّ رَدَدْناهُ
أَسْفَلَ سافِلِينَ) قال : هم نفر ردّوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسئل عنهم حين سفهت عقولهم ، فأنزل الله عذرهم أن لهم
أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم».
ـ سورة العلق ـ
الآية : ٦ ـ ١٩.
قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ
لَيَطْغى)
أخرج ابن المنذر
عن أبي هريرة قال : «قال أبو جهل : هل يعرف محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل : نعم.
فقال : واللات والعزى ، لئن رأيته يفعل لأطأن على رقبته ، ولأعفرنّ وجهه في التراب
، فأنزل الله : (كَلَّا إِنَّ
الْإِنْسانَ لَيَطْغى)» الآية.
الآية : ٩ ـ ١٦.
قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي
يَنْهى ، عَبْداً إِذا صَلَّى)
أخرج ابن جرير عن
ابن عباس قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلي فجاءه أبو جهل ، فنهاه ، فأنزل تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ، عَبْداً
إِذا صَلَّى) إلى قوله (كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ)».
الآيات : ١٧ ـ ١٨.
قوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ
، سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ)
أخرج الترمذي ،
وغيره عن ابن عباس قال : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم يصلي
فجاءه أبو جهل
فقال : ألم أنهك عن هذا؟! فزجره النبي صلىاللهعليهوسلم فقال أبو جهل : إنك لتعلم ما بها ناد اكثر مني فأنزل الله
: (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ
، سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ)
قال الترمذي : حسن
صحيحي.
قال ابن عباس في
رواية الواحدي : «لو دعا ناديه ، لاخذته زبانية الله تبارك وتعالى».
ـ سورة القدر ـ
أخرج ابن أبي حاتم
، والواحدي عن مجاهد قال : «ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجلا من بني اسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر ،
فتعجب المسلمون من ذلك ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ
الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) قال : قال : خير من التي لبس فيها السلاح ذلك الرجل».
وأخرج ابن جرير عن
مجاهد قال : «كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ، ثم يجاهد العدو
بالنهار حتى يمسي ، فعمل ذلك ألف شهر ، فأنزل الله تعالى : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
شَهْرٍ)». عملها ذلك الرجل.
ـ سورة الزلزلة ـ
الآيات : ١ ـ ٦.
قوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ
الْأَرْضُ زِلْزالَها ، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها ، وَقالَ الْإِنْسانُ
ما لَها ، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها ،
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ)
روى الواحدي عن
عبد الله بن عمر قال : «نزلت (إِذا زُلْزِلَتِ
الْأَرْضُ زِلْزالَها) ، وأبو بكر الصديق قاعد ، فبكى أبو بكر ، فقال له رسول
الله صلىاللهعليهوسلم : ما يبكيك يا أبا بكر؟! قال : أبكاني هذه السورة.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لو أنكم لا تخطئون ، ولا تذنبون لخلق الله أمة من بعدكم
يخطئون ، ويذنبون ، فيغفر لهم».
الآيتان : ٧ ـ ٨.
قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا
يَرَهُ)
أخرج ابن أبي حاتم
عن سعيد بن جبير قال : «لما نزلت (وَيُطْعِمُونَ
الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) الآية».
كان المسلمون يرون
أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوا ، وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على
الذنب اليسير : الكذبة ، والنظرة ، والغيبة ، وأشبه ذلك ، ويقولون : إنما أوعد
الله النار على الكبائر ، فأنزل الله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا
يَرَهُ).
وروى الواحدي عن
مقاتل : «نزلت في رجلين كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة ، والكسرة
، والجوزة ، ويقول ما هذا شيء ، وإنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبّه. وكان الآخر
يتهاون بالذنب اليسير : الكذبة ، والنظرة ، والغيبة ، ويقول : ليس عليّ من هذا شيء
، وانما أوعد الله بالنار على الكبائر ، فأنزل الله تعالى يرغبهم في القليل من
الخير ، فإنه يوشك أن يكثر ، ويحذرهم اليسير من الذنب ، فإنه يوشك أن يكثر».
ـ سورة العاديات ـ
أخرج البزار ،
وابن أبي حاتم ، والحاكم عن ابن عباس قال : «بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم خيلا ، ولبثت شهرا لا يأتيه منها خبر ، فنزلت : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً)
وروى الواحدي عن
مقاتل قال : «بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم سرية إلى حي من كنانة ، واستعمل عليهم المنذر بن عمرو
الأنصاري ، فتأخر خبرهم. فقال المنافقون : قتلوا جميعا. فأخبر الله تعالى عنها ،
فأنزل : (وَالْعادِياتِ
ضَبْحاً) أي الخيل».
ـ سورة التكاثر ـ
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن بريدة قال : «نزلت في قبيلتين من الأنصار : في بني حارثة ، وبني الحارث ،
تفاخروا ، وتكاثروا. فقالت إحداهما : فيكم مثل : فلان ، وفلان. وقال الآخرون :
تفاخروا بالأحياء ، ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور ، فجعلت إحدى الطائفتين
تقول : فيكم مثل : فلان ، ومثل فلان ـ يشيرون إلى القبر ـ وتقول الأخرى مثل ذلك ،
فأنزل الله : (أَلْهاكُمُ
التَّكاثُرُ ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ)
وأخرج الواحدي عن
مقاتل ، والكلبي : «نزلت في حيّين من قريش : بني عبد مناف ، وبني سهم ، كان بينهما
لحا فتعاند السادة ، والأشراف أيهم أكثر. فقال بنو عبد مناف : نحن أكثر سيدا ، وعزا
وعزيزا ، وأعظم نفرا. وقال بنو سهم : مثل ذلك ، فكثر بنو عبد
مناف ثم قالوا :
نعد موتانا حتى زاروا القبور ، فعدوا موتاهم فكثر بنو سهم ، لأنهم كانوا أكثر عددا
في الجاهلية».
الآيات : ١ ـ ٤.
قوله تعالى : (أَلْهاكُمُ
التَّكاثُرُ ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ، كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ، ثُمَّ
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)
أخرج ابن جرير عن
عليّ قال : «كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت : (أَلْهاكُمُ
التَّكاثُرُ) إلى قوله : (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ
تَعْلَمُونَ) في عذاب القبر».
ـ سورة الهمزة ـ
أخرج ابن أبي حاتم
عن عثمان ، وابن عمر قالا : «ما زلنا نسمع أنّ (وَيْلٌ لِكُلِّ
هُمَزَةٍ) نزلت في أبيّ بن خلف».
وأخرج ابن أبي
حاتم عن السدي قال : «نزلت في الأخنس بن شريق».
وأخرج ابن جرير عن
رجل من أهل الرقة قال : «نزلت في جميل بن عامر الجمحي».
وأخرج ابن المنذر
عن ابن إسحاق قال : «كان أمية بن خلف إذا رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم همزه ، ولمزه فأنزل الله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ) السورة كلها».
ـ سورة قريش ـ
أخرج الحاكم ،
وغيره عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فضّل الله قريشا بسبع خصال ، الحديث ، وفيه نزلت
فيهم سورة لم يذكر
فيها أحد غيرهم : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ)
وروى الواحدي عن
أم هاني بنت أبي طالب : «قال النبي صلىاللهعليهوسلم : أن الله فضّل قريش بسبع خصال لم يعطها قبلهم أحد ، ولا
يعطها أحد بعدهم : إن الخلافة فيهم ، والحجابة فيهم ، وأن السقاية فيهم ، وأن
النبوة فيهم ، ونصروا على الفيل ، وعبدوا الله سبع سنين لم يعبده أحد غيرهم ،
ونزلت فيهم سورة لم يذكر أحد فيها غيرهم : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ)
ـ سورة الماعون ـ
الآيات : ١ ـ ٣.
قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي
يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ، فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ، وَلا يَحُضُّ عَلى
طَعامِ الْمِسْكِينِ) روى الواحدي عن مقاتل ، والكلبي : «نزلت في العاص بن وائل
السهمي».
وروى الواحدي عن
ابن جرير : «كان أبو سفيان بن حرب ينحر كل أسبوع جزورين ، فأتاه يتيم ، فسأله شيئا
، فقرعه بعصا ، فأنزل الله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي
يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ، فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)
الآية : ٤ ـ ٧.
قوله تعالى : (فَوَيْلٌ
لِلْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ، الَّذِينَ هُمْ
يُراؤُنَ ، وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ)
أخرج ابن المنذر
عن طريف بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : (فَوَيْلٌ
لِلْمُصَلِّينَ) الآية. قال : نزلت في المنافقين ، كانوا يراءون المؤمنين
بصلاتهم إذا حضروا ، ويتركونها إذا غابوا ، ويمنعونهم العارية».
ـ سورة الكوثر ـ
الآيات : ١ ـ ٣.
قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ
الْكَوْثَرَ ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ، إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).
أخرج البزار ،
وغيره بسند صحيح عن ابن عباس قال : «قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش : أنت
سيدهم ، ألا ترى إلى هذا الصابئ المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل
الحجيج ، وأهل السقاية ، وأهل السدانة! قال : أنتم خير منه ، فنزلت : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).
وأخرج ابن أبي
شيبة في (المصنف) ، وابن المنذر عن عكرمة قال : «لما أوحي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم قالت قريش : بتر محمد منا ، فنزلت (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).
وأخرج ابن أبي
حاتم عن السدي قال : «كانت قريش تقول ، إذا مات ذكور الرجال : بتر فلان. فلما مات
ولد النبي صلىاللهعليهوسلم قال العاص بن وائل : بتر محمد ، فنزلت».
وأخرج البيهقي في (الدلائل)
عن مجاهد قال : «نزلت في العاص بن وائل ، وذلك أنه قال : أنا شانئ محمد»
وأخرج ابن جرير عن
شمر بن عطية قال : كان عقبة بن أبي معيط يقول : إنه لا يبقى للنبي صلىاللهعليهوسلم ولد ، وهو أبتر ، فأنزل الله فيه (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)».
وأخرج ابن المنذر
عن ابن جريح قال : «بلغني أن إبراهيم ولد النبي صلىاللهعليهوسلم لما مات قالت قريش : أصبح محمد أبترا ، فغاظه ذلك ، فنزلت (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) تعزية له».
وروى الواحدي عن
ابن عباس قال : «نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وذلك أنه رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخرج من المسجد ، وهو يدخل ، فالتقيا عند باب بني سهم ،
وتحدثا ، وأناس من صناديد قريش في المسجد جلوسا ، فلما دخل العاص قالوا له : من
الذي كنت تحدث؟! قال : ذلك الأبتر (يعني النبي صلىاللهعليهوسلم) وقد كان توفي قبل ذلك عبد الله بن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان من خديجة ، وكانوا يسمّون من ليس له ولد أبتر ، فأنزل
الله تعالى هذه السورة».
ـ سورة الكافرون ـ
أخرج الطبراني ،
وابن أبي حاتم عن ابن عباس : «أنّ قريشا دعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجلا بمكة ، ويزوجوه ما أراد
من النساء ، فقالوا : هذا لك يا محمد ، وتكف عن شتم آلهتنا ، ولا تذكرها بسوء ،
فإن لم تفعل ، فاعبد آلهتنا سنة. قال : حتى أنظر ما يأتيني من ربي ، فأنزل الله
تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا
الْكافِرُونَ) إلى آخر السورة. وأنزل : (قُلْ أَفَغَيْرَ
اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ).
وأخرج عبد الرزاق
عن وهب قال : «قالت كفار قريش للنبي صلىاللهعليهوسلم : إن سرّك أن تتّبعنا عاما ، ونرجع إلى دينك عاما ، فأنزل
الله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا
الْكافِرُونَ) إلى آخر السورة».
وأخرج ابن أبي
حاتم عن سعيد بن ميناء قال : «لقي الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود
بن المطلب ، وأمية بن خلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا محمد ، هلم فلتعبد ما نعبد ، ونعبد ما تعبد ،
ولنشترك نحن ، وأنت في أمرنا كله ، فأنزل الله (قُلْ يا أَيُّهَا
الْكافِرُونَ) إلى آخر السورة».
وقال الواحدي : «نزلت
في رهط من قريش قالوا : يا محمد ، هلم اتبع ديننا ، ونتبع دينك ، تعبد آلهتنا سنة
، ونعبد إلهك سنة ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا ، قد شركناك فيه ،
وأخذنا بحظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يدك ، قد شركت في أمرنا ،
وأخذت بحظك ، فقال : معاذ الله أن أشرك به غيره ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) الى آخر السورة .. فغدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المسجد الحرام ـ وفيه الملأ من قريش ـ فقرأها عليهم
حتى فرغ من السورة».
ـ سورة النصر ـ
أخرج ابن عبد
الرزاق في (مصنفة) عن معمر عن الزهري قال : «لما دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة عام الفتح بعث خالد بن الوليد ، فقاتل بمن معه صفوف
قريش بأسفل مكة حتى هزمهم الله ، ثم أمر بالسلاح ، فرفع عنهم ، فدخلوا في دين الله
، فأنزل الله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ
اللهِ وَالْفَتْحُ) حتى ختمها».
ـ سورة المسد ـ
وأخرج البخاري ،
وغيره عن ابن عباس قال : «صعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم على الصفا فنادى : يا صباحاه! فاجتمعت إليه قريش. قال
: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم ، أو ممسيكم أكنتم تصدقونني؟ قالوا : بلى.
قال : فإنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تبّا لك! ألهذا جمعتنا!!
فأنزل الله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي
لَهَبٍ
وَتَبَ) إلى آخرها».
وأخرج الواحدي عن
ابن عباس قال : «لما أنزل الله تعالى : (وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصفا ، فصعد عليه ثم نادى : يا صباحاه!! فاجتمع إليه
الناس من بين رجل يجيء ، ورجل يبعث رسوله. فقال : يا بني عبد المطلب ، يا بني فهر
، يا بني لؤي ، لو أخبرتكم أنّ خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا
: نعم. قال : فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تبّا لك سائر اليوم
ما دعوتنا إلّا لهذا؟!! فأنزل الله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي
لَهَبٍ وَتَبَ)
وأخرج ابن جرير من
طريق اسرائيل عن أبي إسحاق عن رجل من همدان يقال له يزيد بن زيد : «أن امرأة أبي
لهب كانت تلقى في طريق النبي صلىاللهعليهوسلم الشوك ، فنزلت : (تَبَّتْ يَدا أَبِي
لَهَبٍ) إلى (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ
الْحَطَبِ ، فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)
وأخرج ابن المنذر
عن عكرمة مثله».
ـ سورة الاخلاص ـ
أخرج الترمذي ،
والحاكم ، وابن خزيمة من طريق أبي العالية عن أبيّ بن كعب : «أن المشركين قالوا
لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : انسب لنا ربك؟ فأنزل الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) إلى آخرها.
وأخرج الطبراني ،
وابن جرير مثله من حديث جابر بن عبد الله ، فاستدل بها على أنّ السورة مكية.
وأخرج ابن جرير عن
قتادة ، وابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله بهذا على أنها مدنية.
وأخرج ابن جرير عن
أبي العالية قال : «قالت الأحزاب : انسب لنا ربك؟ فأتاه جبريل بهذه السورة. وهذا
المراد بالمشركين في حديث أبيّ فتكون السورة مدنية كما دلّ عليه حديث ابن عباس ،
وينتفي التعارض بين الحديثين».
وأخرج أبو الشيخ
في كتاب (العظمة) من طريق أبان عن أنس قال : «أتت يهود خيبر إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : يا أبا القاسم ، خلق الله الملائكة من نور
الحجاب ، وآدم من حماء مسنون ، وإبليس من لهب النار ، والسماء من دخان ، والأرض من
زبد الماء ، فأخبرنا عن ربك؟ فلم يجبهم ، فأتاه جبريل بهذه السورة : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)
وأخرج الواحدي عن
قتادة ، والضحاك ، ومقاتل : «جاء ناس من اليهود إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : صف لنا ربك؟ فإنّ الله أنزل نعته بالتوراة ،
فأخبرنا من أي شيء هو؟؟ ومن أي جنس هو؟؟ أذهب هو ، أم نحاس ، أم فضة؟؟ وهل يأكل ،
ويشرب ، وممن ورث الدنيا ، ومن يورثها؟ فأنزل الله تبارك وتعالى هذه السورة ، وهي
نسبة الله خاصة».
ـ المعوّذتان ـ
ـ سورة الفلق وسورة
الناس ـ
أخرج البيهقي في (دلائل
النبوة) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : «مرض رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرضا شديدا ، فأتاه ملكان ، فقعد أحدهما عند رأسه ، والآخر
عند رجليه ، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه. ما ترى؟ قال : طبّ. قال : وما طبّ؟
قال : سحر. قال : ومن سحره؟ قال : لبيد بن الأعصم ال؟؟؟ ودي
قال : أين هو؟ قال
: في بئر آل فلان تحت صخرة في كرّية ، فأتوا الكرية فانزحوا ماءها ، وارفعوا
الصخرة ثم خذوا الكرية ، واحرقوها. فلما أصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث عمار بن ياسر في نفر ، فأتوا الكرية فإذا ماؤها مثل
ماء الحنّاء ، فنزحوا الماء ، ثم رفعوا الصخرة ، وأخرجوا الكرية ، وأحرقوها ، فإذا
فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة ، وأنزلت عليه هاتان السورتان ، فجعل كلما قرأ آية
انحلت عقدة : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) لأصله شاهد في الصحيح دون نزول السورتين ، وله شاهد
بنزولها».
وأخرج أبو نعيم في
(الدلائل) من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال : «صنعت
اليهود لرسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا فأصابه من ذلك وجع شديد ، فدخل عليه أصحابه فظنّوا
أنه لما به ، فأتاه جبريل بالمعوذتين فعوّذه بهما ، فخرج إلى أصحابه صحيحا».
وروى الواحدي قال
المفسرون : «كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأتت إليه اليهود ، ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ، وعدة أسنان من مشطة ، فاعطاها اليهود ، فسحروه فيها ،
وكان الذي تولّى ذلك لبيد بن أعصم اليهودي ، ثم دسّها في بئر لبني زريق يقال لها
ذروان ، فمرض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وانتثر شعر رأسه ، ويرى أنه يأتي نسائه ، ولا يأتيهن ،
وجعل يدور ولا يدري ما عراه. فبينما هو نائم ذات يوم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند
رأسه ، والآخر عند رجليه ، فقال الذي عند رأسه : ما بال الرجل؟ قال : طبّ. قال :
وما طبّ؟ قال : سحر. قال : وأين هو؟ قال : في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان.
والجف : قشر الطلع.
والراعوفة : حجر
في أسفل البئر يقوم عليه المائح. فانتبه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا عائشة ، ما شعرت أن الله أخبرني بدائي ، ثم بعث
عليا ، والزبير ،
وعمار بن ياسر ، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء ، ثم رفعوا الصخرة ،
وأخرجوا الجف ، فإذا هو مشاطة رأسه ، وأسنان مشطه ، وإذا وتر معقد فيه احدى عشر
عقدة مغروزة بالابر ، فأنزل الله تعالى سورتي المعوّذتين. فجعل كلما قرأ آية انحلت
عقدة ، ووجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم خفّه حتى انحلت العقدة الأخيرة ، فقام كأنما نشط من عقال ،
وجعل جبريل (عليهالسلام) يقول : بسم الله أرقيك من كل شيئ يؤذيك ومن حاسد ، وعين
الله يشفيك. فقالوا : يا رسول الله ، أولا نأخذ الخبيث فنقتله؟! فقال : أما أنا
فقد شفاني الله ، وأكره أن أثير على الناس شرا».
ـ ثبت المراجع ـ
١ ـ الاتقان. جلال
الدين السيوطي. الجزء الأول والثاني. دار الفكر للطباعة والنشر ـ بيروت.
٢ ـ لباب النقول
في اسباب النزول. جلال الدين السيوطي. الدار التونسية للنشر ـ ١٩٨١ م.
٣ ـ البرهان في
علوم القرآن. الزركشي. دار إحياء الكتب العربية القاهرة ـ ١٩٥٧ م.
٤ ـ الكشاف.
الزمخشري.
٥ ـ أسباب النزول.
الواحدي. دار الفكر للطباعة والنشر ـ بيروت.
موضوعات الكتاب
مقدمة.......................................................................... ٥
الباب الأول
التعريف بعلم أسباب النزول القرآني
مقدمة
ـ أهمية العناية بأسباب النزول القرآني.......................................... ٩
الفصل
الأول ـ التعريف بسبب النزول القرآني....................................... ١٢
الفصل
الثاني ـ أمثلة على أسباب النزول القرآني..................................... ١٦
الفصل
الثالث ـ فوائد معرفة اسباب النزول لقرأني.................................... ٢٦
الباب الثاني
عموم
اللفظ وخصوص السبب................................................... ٤١
الفصل
الأول ـ عموم اللفظ وعموم السبب......................................... ٤٣
الفصل
الثاني ـ خصوص اللفظ وخصوص السبب................................... ٤٦
الفصل
الثالث ـ عموم اللفظ وخصوص السبب..................................... ٥٦
الباب الثالث
روايت سبب النزول القرآني
الفصل
الأول ـ تعدد الروايات في سبب النزول...................................... ٦٩
الفصل
الثاني ـ تعدد السبب مع وحدة النزول....................................... ٧٧
الفصل
الثالث ـ تعدد النزول مع وحدة السبب...................................... ٧٦
الباب الرابع
الآيات
التي لها أسباب نزول...................................................... ٩٠
ثبت
المراجع.................................................................. ٤٢٥
|