


كتاب اللقطة
(كتاب اللقطة)
بضمّ اللام
وفتح القاف ، اسم للمال الملقوط ، أو للملتقِط
كباب فُعَلَة ـ
كهُمَزَة ولُمَزَة ـ أو بسكون القاف اسم للمال ، واُطلِق على ما يشمل الإنسان
تغليباً.
(وفيه
فصول) :
(الأوّل)
(في اللقيط)
وهو فعيل بمعنى
مفعول ـ كطريح وجريح ـ ويُسمّى منبوذاً. واختلاف اسميه باعتبار حالتيه إذا ضاع ، فإنّه
يُنبذ أوّلاً ـ أي يُرمى ـ ثمّ يُلقط (وهو إنسان ضائع لا كافل له) حالة الالتقاط (ولا
يستقلّ بنفسه) أي بالسعي إلى
ما يصلحه ويدفع
عن نفسه المهلكات الممكن دفعها عادة.
(فيُلتقط
الصبيّ والصبيّة) وإن ميّزا على
الأقوى؛ لعدم استقلالهما
__________________
بأنفسهما (ما
لم يبلغا) فيمتنع التقاطهما حينئذٍ؛ لاستقلالهما وانتفاء الولاية
عنهما.)
نعم ، لو خاف
على البالغ التلف في مهلكة وجب إنقاذه كما يجب إنقاذ الغريق ونحوه.
والمجنون بحكم
الطفل ، وهو داخل في إطلاق التعريف وإن لم يخصّه بالتفصيل ، وقد صرّح بإدخاله في
تعريف الدروس .
واحترز بقوله :
(لا
كافل له) عن معلوم الوليّ أو الملتقِط (فإذا عُلم الأب أو
الجدّ)
وإن علا ، والاُمّ
وإن صعدت (أو
الوصيّ ، أو الملتقِط السابق) مع انتفاء الأوّلين
لم يصحّ
التقاطه و (سُلّم
إليهم) وجوباً؛ لسبق تعلّق الحقّ بهم فيُجبرون على أخذه.
(ولو
كان اللقيط مملوكاً حُفظ) وجوباً (حتّى
يصل إلى المالك) أو وكيله. ويفهم
من إطلاقه عدم جواز تملّكه مطلقاً وبه صرّح في الدروس .
واختلف كلام
العلّامة ، ففي القواعد قطع بجواز تملّك الصغير بعد التعريف حولاً
وهو قول للشيخ
لأنّه مال ضائع
يُخشى تلفه. وفي التحرير أطلق المنع
__________________
من تملّكه محتجّاً بأنّ العبد يتحفّظ بنفسه كالإبل
وهو لا يتمّ في
الصغير. وفي قول الشيخ قوّة.
ويمكن العلم
برقّيّته ، بأن يراه يباع في الأسواق مراراً قبل أن يضيع ، ولا يعلم مالكه ، لا
بالقرائن من اللون وغيره ، لأصالة الحرّيّة.
(ولا
يضمن) لو تلف أو أبق (إلّابالتفريط) للإذن في قبضه شرعاً ، فيكون أمانة (نعم ، الأقرب المنع من أخذه) أي أخذ المملوك (إذا
كان بالغاً أو مراهقاً) أي مقارباً
للبلوغ؛ لأنّهما كالضالّة الممتنعة بنفسها (بخلاف الصغير الذي لا قوّة معه) على دفع المهلكات عن نفسه.
ووجه الجواز
مطلقاً أنّه مال ضائع يُخشى تلفه. وينبغي القطع بجواز أخذه إذا كان مخوف التلف ولو
بالإباق؛ لأنّه معاونة على البرّ ، ودفع لضرورة المضطرّ ، وأقلّ مراتبه الجواز. وبهذا
يحصل الفرق بين الحرّ والمملوك ، حيث اشترط في الحرّ الصغر ، دون المملوك؛ لأنّه
لا يخرج بالبلوغ عن الماليّة ، والحرّ إنّما يُحفظ عن التلف ، والقصد من لَقطَته
حضانته وحفظه ، فيختصّ بالصغير ، ومن ثَمّ قيل : إنّ المميّز لا يجوز لقطتُه .
(ولا
بدّ من بلوغ الملتقط وعقلِه) فلا يصحّ التقاط الصبيّ والمجنون ، بمعنى أنّ حكم اللقيط في يديهما ما كان
عليه قبلَ اليد. ويُفهم من إطلاقه اشتراطهما دون غيرهما : أنّه لا يشترط رشده ، فيصحّ
من السفيه؛ لأنّ حضانة اللقيط ليست مالاً. وإنّما يُحجر على السفيه له ، ومطلق
كونه مولّى عليه غير مانع.
واستقرب
المصنّف في الدروس اشتراط رشده؛ محتجّاً بأنّ الشارع
__________________
لم يأتمنه على ماله ، فعلى الطفل وماله أولى بالمنع ، ولأنّ الالتقاط
ائتمان شرعيّ والشرع لم يأتمنه .
وفيه نظر؛ لأنّ
الشارع إنّما لم يأتمنه على المال ، لا على غيره ، بل جوّز تصرّفه في غيره مطلقاً
وعلى تقدير أن يوجد معه مال يمكن الجمع بين القاعدتين الشرعيّتين ، وهما : عدم
استئمان المبذّر على المال ، وتأهيله لغيره من التصرّفات التي من جملتها الالتقاط
والحضانة ، فيؤخذ المال منه خاصّة.
نعم ، لو قيل :
إنّ صحّة التقاطه يستلزم وجوب إنفاقه ، وهو ممتنع من المبذّر؛ لاستلزامه التصرّف
المالي ، وجعل التصرّف فيه لآخر يستدعي الضرر على الطفل بتوزيع اُموره ، أمكن إن
تحقّق الضرر بذلك ، وإلّا فالقول بالجواز أجود.
(وحرّيّته) فلا عبرة بالتقاط العبد (إلّابإذن
السيّد) لأنّ منافعه له ، وحقّه مضيّق ، فلا يتفرّغ للحضانة. أمّا
لو أذن له فيه ابتداءً أو أقرّه عليه بعد وضع يده جاز ، وكان السيّد في الحقيقة هو
الملتقط والعبد نائبه ، ثمّ لا يجوز للسيّد الرجوع فيه.
ولا فرق بين
القِنّ والمكاتب والمدبّر ومن تحرّر بعضه واُمّ الولد ، لعدم جواز تبرّع واحد منهم
بماله ولا منافعه إلّابإذن السيّد. ولا يدفع ذلك مهاياة المبعَّض وإن وفى زمانُه
المختصّ بالحضانة؛ لعدم لزومها ، فجاز تطرّق المانع كلَّ وقت.
نعم ، لو لم
يوجد للقيط كافل غير العبد وخيف عليه التلف بالإبقاء فقد قال المصنّف في الدروس : إنّه
يجب حينئذٍ على العبد التقاطه بدون إذن المولى
وهذا في
الحقيقة لا يوجب إلحاق حكم اللقطة ، وإنّما دلّت الضرورة على الوجوب من
__________________
حيث إنقاذ النفس المحترمة من الهلاك ، فإذا وُجِدَ من له أهليّة الالتقاط
وجب عليه انتزاعه منه وسيّده من الجملة؛ لانتفاء أهليّة العبد له.
(وإسلامه
إن كان اللقيط محكوماً بإسلامه) لانتفاء السبيل للكافر على المسلم ، ولأ نّه لا يؤمن أن يفتنه عن دينه ، فإن
التقطه الكافر لم يُقرَّ في يده. ولو كان اللقيط محكوماً بكفره جاز التقاطه للمسلم
وللكافر؛ لقوله تعالى : (وَاَلَّذِينَ
كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ) .
(قيل) والقائل الشيخ
والعلّامة في
غير التحرير
: (وعدالته) لافتقار الالتقاط إلى الحضانة وهي استئمان لا يليق بالفاسق ، ولأ نّه لا
يؤمن أن يسترقّه ويأخذ ماله.
والأكثر على
العدم للأصل ، ولأنّ المسلم محلّ الأمانة ، مع أنّه ليس
استئماناً حقيقيّاً ، ولانتقاضه بالتقاط الكافر مثلَه؛ لجوازه بغير خلاف.
وهذا هو الأقوى
، وإن كان اعتبارها أحوط. نعم لو كان له مال فقد قيل باشتراطها؛ لأنّ الخيانة في
المال أمر راجح الوقوع .
ويشكل بإمكان
الجمع بانتزاع الحاكم ماله
منه كالمبذّر. وأولى
__________________
بالجواز التقاط المستور
والحكم بوجوب
نصب الحاكم
مراقباً عليه
لا يعلم به إلى أن تحصل الثقة به أو ضدّها فينتزع منه ، بعيد.
(وقيل) : يعتبر أيضاً (حضره
فينتزع من البدوي ومن مريد السفر به) لأداء التقاطهما له إلى ضياع نسبه بانتقالهما عن محلّ ضياعه الذي هو مظنّة
ظهوره.
ويضعَّف بعدم
لزوم ذلك مطلقاً ، بل جاز العكس ، وأصالة عدم الاشتراط تدفعه ، فالقول بعدمه أوضح.
وحكايته اشتراط
هذين قولاً يدلّ على تمريضه ، وقد حكم في الدروس بعدمه
ولو لم يوجد
غيرهما لم ينتزع قطعاً ، وكذا لو وُجد مثلهما.
والواجب على
الملتقط حضانته بالمعروف ، وهو تعهّده والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره ولا
يجب عليه الإنفاق عليه من ماله ابتداءً ، بل من مال اللقيط الذي وجد تحت يده ، أو
الموقوف على أمثاله ، أو الموصى به لهم بإذن الحاكم مع إمكانه ، وإلّا أنفق بنفسه
ولا ضمان.
(و) مع تعذّره (ينفق
عليه من بيت المال) برفع الأمر إلى
الإمام؛ لأنّه معدّ للمصالح وهو من جملتها (أو الزكاة) من سهم الفقراء والمساكين ، أو سهم سبيل اللّٰه إن اعتبرنا البسط ، وإلّا
فمنها مطلقاً. ولا يترتّب أحدهما على الآخر.
__________________
(فإن
تعذّر) ذلك كلّه (استعان) الملتقط (بالمسلمين) ويجب عليهم مساعدته بالنفقة كفاية؛ لوجوب إعانة المحتاج كذلك مطلقاً ، فإن
وُجد متبرّع منهم ، وإلّا كان الملتقط وغيرُه ممّن لا ينفق إلّابنيّة الرجوع سواء
في الوجوب.
(فإن
تعذّر أنفق) الملتقط (ورجع عليه) بعد يساره (إذا
نواه) ولو لم ينوِ كان متبرّعاً لا رجوع له ، كما لا رجوع له
لو وجد المعين المتبرّع فلم يستعن به. ولو أنفق غيره بنيّة الرجوع فله ذلك.
والأقوى عدم
اشتراط الإشهاد في جواز الرجوع وإن توقّف ثبوته عليه بدون اليمين.
ولو كان اللقيط
مملوكاً ولم يتبرّع عليه متبرّع بالنفقة رفع أمره إلى الحاكم لينفق عليه ، أو
يبيعه في النفقة ، أو يأمره به. فإن تعذّر أنفق عليه بنيّة الرجوع ثمّ باعه فيها
إن لم يمكن بيعه تدريجاً.
(ولاولاء
عليه للملتقط) ولا لغيره من
المسلمين ـ خلافاً للشيخ
ـ بل هو سائبة
يتولّى من شاء ، فإن مات ولا وارث له فميراثه للإمام.
(وإذا
خاف) واجده (عليه
التلف وجب أخذه كفاية) كما يجب حفظ
كلّ نفس محترمة عنه مع الإمكان (وإلّا) يخف عليه التلف (استحبّ) أخذه؛ لأصالة عدم الوجوب مع ما فيه من المعاونة على البرّ.
وقيل : بل يجب
كفاية مطلقاً؛ لأنّه مُعرَّض للتلف ، ولوجوب إطعام المضطرّ
واختاره
المصنّف في الدروس .
__________________
وقيل : يستحبّ
مطلقاً؛ لأصالة البراءة
ولا يخفى ضعفه.
(وكلّ
ما بيده) عند التقاطه من المال أو المتاع كملبوسه والمشدود في
ثوبه (أو
تحته) كالفراش والدابّة المركوبة له (أو فوقه) كاللحاف والخيمة والفسطاط التي لا مالك لها معروف (فله) لدلالة اليد ظاهراً على الملك. ومثله ما لو كان بيده قبل الالتقاط ثمّ زالت
عنه لعارض ، كطائر أفلت من يده ومتاع غُصب منه أو سَقَط.
لا ما بين يديه
، أو إلى جانبه
أو على دكّة هو
عليها ، على الأقوى.
(ولا
ينفق منه) عليه الملتقطُ ولا غيره (إلّابإذن الحاكم) لأنّه وليّه مع إمكانه ، أمّا مع تعذّره فيجوز للضرورة ، كما سلف .
(ويستحبّ
الإشهاد على أخذه) صيانةً له
ولنسبه وحرّيّته ، فإنّ اللُقطة يشيع أمرها بالتعريف ، ولا تعريف للّقيط إلّاعلى
وجه نادر. ولا يجب؛ للأصل.
(ويحكم
بإسلامه إن التقط في دار الإسلام) مطلقاً (أو
في دار الحرب وفيها مسلم) يمكن تولّده منه وإن كان تاجراً أو أسيراً (وعاقلته الإمام) دون الملتقط إذا لم يتوال أحداً بعد بلوغه ولم يظهر له نسب ، فدية جنايته
خطأً عليه ، وحقّ قصاصه نفساً له ، وطرفاً للّقيط بعد بلوغه قصاصاً وديةً. ويجوز
تعجيله للإمام قبلَه ، كما يجوز ذلك للأب والجدّ على أصحّ القولين .
__________________
(ولو
اختلفا) الملتقط واللقيط بعد البلوغ (في الإنفاق) فادّعاه الملتقط وأنكره اللقيط (أو) اتّفقا على أصله واختلفا في (قدره حلف الملتقط في) قدر (المعروف) لدلالة الظاهر عليه وإن عارضه الأصل. أمّا ما زاد على المعروف فلا يلتفت
إلى دعواه فيه؛ لأنّه على تقدير صدقه مفرط. ولو قُدّر عروض حاجة إليه
فالأصل عدمها ،
ولا ظاهر يعضدها.
(ولو
تشاحّ ملتقطان) جامعان للشرائط
في أخذه قُدّم السابق إلى أخذه فإن استويا (اُقرع) بينهما وحُكم به لمن أخرجته القرعة ، ولا يُشرك بينهما في الحضانة؛ لما فيه
من الإضرار باللقيط أو بهما (ولو
ترك أحدهما للآخر جاز) لحصول الغرض ، فيجب
على الآخر الاستبداد به.
واحترزنا
بجمعهما للشرائط عمّا لو تشاحّ مسلم وكافر ، أو عدل وفاسق حيث يشترط العدالة ، أو
حرّ وعبد ، فيرجّح الأوّل بغير قرعة وإن كان الملقوط كافراً في وجه.
وفي ترجيح
البلدي على القروي ، والقروي على البدوي ، والقارّ على المسافر ، والموسر على
المعسر ، والعدل على المستور ، والأعدل على الأنقص ، قول
مأخذه النظر
إلى مصلحة اللقيط في إيثار الأكمل.
والأقوى اعتبار
جواز الالتقاط خاصّة.
(ولو
تداعى بنوّته اثنان ولا بيّنة) لأحدهما ، أو لكلّ منهما بيّنة (فالقرعة) لأنّه من الاُمور المشكلة وهي لكلّ أمرٍ مشكل (ولا ترجيح) لأحدهما (بالإسلام) وإن كان اللقيط محكوماً بإسلامه ظاهراً (على قول
__________________
الشيخ) في
الخلاف؛ لعموم الأخبار فيمن تداعوا نسباً
ولتكافؤهما
في الدعوى.
ورجّح في
المبسوط دعوى المسلم؛ لتأيّده بالحكم بإسلام اللقيط على تقديره .
ومثله تنازع
الحرّ والعبد مع الحكم بحرّيّة اللقيط. ولو كان محكوماً بكفره أو رقّه اُشكل
الترجيح. وحيث يحكم به للكافر يحكم بكفره على الأقوى؛ للتبعيّة.
(و) كذا (لا) ترجيح (بالالتقاط) بل الملتقط كغيره في دعوى نسبه؛ لجواز أن يكون قد سقط منه أو نَبَذه ثمّ
عاد إلى أخذه ، ولا ترجيح لليد في النسب. نعم ، لو لم يعلم كونه ملتقطاً ولا صرّح
ببنوّته فادّعاه غيره فنازعه ، فإن قال : «هو
لقيط وهو ابني» فهما سواء ، وإن قال : «هو
ابني» واقتصر ولم يكن هناك بيّنة على أنّه التقطه ، فقد قرّب
في الدروس ترجيح دعواه عملاً بظاهر اليد .
__________________
(الثاني)
(في) لقطة (الحيوان)
(وتُسمّى
ضالّة ، وأخذه في صورة الجواز مكروه) للنهي عنه في أخبار كثيرة
المحمول على
الكراهة جمعاً (ويستحبّ
الإشهاد) على أخذ الضالّة (ولو تحقّق التلف لم يُكره) بل قد يجب كفاية إذا عرف مالكها ، وإلّا اُبيح خاصّة.
(والبعير
وشبهه) من الدابّة والبقرة ونحوهما (إذا وُجِد في كلاء
وماء) في حالة كونه (صحيحاً) غير مكسور ولا مريض ، أو صحيحاً وإن لم يكن في كلاء وماء (تُرك) لامتناعه ، ولا يجوز أخذه حينئذٍ بنيّة التملّك مطلقاً.
وفي جوازه
بنيّة الحفظ لمالكه قولان
: من إطلاق
الأخبار بالنهي
__________________
والإحسان
وعلى التقديرين
(فيضمن
بالأخذ) حتّى يصل إلى مالكه ، أو إلى الحاكم مع تعذّره.
(ولا
يرجع آخذه بالنفقة) حيث لا يرجّح
أخذه؛ لتبرّعه بها. أمّا مع وجوبه أو استحبابه فالأجود جوازه مع نيّته؛ لأنّه محسن
، ولأنّ إذن الشارع له في الأخذ مع عدم الإذن في النفقة ضرر وحرج.
(ولو
تُرِك من جُهد) وعطب لمرض أو
كسر أو غيرهما (لا
في كلاء وماء اُبيح) أخذه ومَلِكَه
الآخذ وإن وُجد مالكه وعينه قائمة في أصحّ القولين
لقول الصادق
عليه السلام في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان :
«من أصاب مالاً أو بعيراً في فلاة من الأرض قد كلّت وقامت وقد سيّبها صاحبها لمّا
لم تتبعه ، فأخذها غيره ، فاقام عليها وأنفق نفقة حتّى أحياها من الكلال ومن الموت
فهي له ولا سبيل له عليها ، وإنّما هي مثل الشيء المباح»
وظاهره أنّ
المراد بالمال ما كان من الدوابّ التي تحمل ونحوها ، بدليل قوله :
«قد كلّت وقامت وقد سيّبها صاحبها لمّا لم تتبعه».
والظاهر أنّ
الفلاة المشتملة على كلاء دون ماء أو بالعكس بحكم عادمتهما؛ لعدم قوام الحيوان
بدونهما ، ولظاهر قول أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّه إن تركها في
__________________
غير كلاء ولا ماء فهي للّذي أحياها» .
(والشاة
في الفلاة) التي يُخاف
عليها فيها من السباع (تؤخذ) جوازاً (لأنّها
لا تمتنع من صغير السباع) فهي كالتالفة ، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (هي لك أو لأخيك أو
للذئب)
(وحينئذٍ
يتملّكها إن شاء ، وفي الضمان) لمالكها على تقدير ظهوره أو كونه معلوماً (وجه) جزم به المصنّف في الدروس
لعموم قول
الباقر عليه السلام : «فإذا جاء طالبه ردّه
إليه»
ومتى ضمن
عينَها ضمن قيمتَها. ولا ينافي ذلك جواز تملّكها بالقيمة على تقدير ظهوره؛ لأنّه
ملك متزلزل.
ووجه العدم : عموم
صحيحة ابن سنان السابقة وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «هي
لك ...» إلى آخره فإنّ المتبادر منه عدم الضمان مطلقاً ، ولا ريب أنّ الضمان أحوط.
وهل يتوقّف
تملّكها على التعريف؟ قيل : نعم
لأنّها مال ، فيدخل
في عموم الأخبار .
والأقوى العدم؛
لما تقدّم. وعليه فهو سَنة كغيرها من الأموال (أو يبقيها) في يده (أمانة) إلى أن يظهر مالكها أو يوصله إيّاها إن كان معلوماً (أو يدفعها إلى
الحاكم) مع تعذّر الوصول إلى المالك ، ثمّ الحاكم يحفظها أو
يبيعها.
__________________
(وقيل)
والقائل الشيخ في المبسوط
والعلّامة
وجماعة
بل أسنده في التذكرة إلى علمائنا
مطلِقاً : (وكذا)
حكم (كلّ
ما لا يمتنع) من الحيوان (من صغير السباع)
بعدْوٍ ولا طيران ولا قوّة وإن كان من شأنه الامتناع إذا كمُل كصغير الإبل والبقر
، ونسبه المصنّف إلى القيل؛ لعدم نصّ عليه بخصوصه ، وإنّما ورد على «الشاة» فيبقى
غيرها على أصالة البقاء على ملك المالك ، وحينئذٍ فيلزمها حكم اللقطة ، فتُعرَّف
سنةً ، ثمّ يتملّكها إن شاء أو يتصدّق بها ، لكن في قوله صلى الله عليه وآله وسلم
: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» إيماء إليه ، حيث إنّها لا تمتنع من السباع. ولو أمكن
امتناعها بالعَدْو كالظباء
أو الطيران لم يجز أخذها مطلقاً إلّاأن يخاف ضياعها ، فالأقرب الجواز بنيّة الحفظ
للمالك.»
وقيل يجوز أخذ
الضالّة مطلقاً بهذه النيّة
وهو حسن؛ لما
فيه من الإعانة والإحسان ، وتُحمل أخبار النهي على الأخذ بنيّة التملّك. والتعليلُ
بكونها محفوظة بنفسها غيرُ كافٍ في المنع؛ لأنّ الأثمان
كذلك حيث كانت
مع جواز التقاطها بنيّة التعريف وإن فارقتها بعد ذلك في الحكم.
__________________
(ولو
وُجدت الشاة في العمران) وهي التي لا يُخاف عليها فيها من السباع ، وهي ما قرب من المساكن (احتبسها) الواجد (ثلاثة
أيّام) من حين الوجدان (فإن لم يجد صاحبها باعها وتصدّق بثمنها) وضمن إن لم يرض المالك على الأقوى. وله إبقاؤها بغير بيع وإبقاء ثمنها
أمانة إلى أن يظهر المالك أو ييأس منه ، ولا ضمان حينئذٍ إن جاز أخذها كما يظهر من
العبارة. والذي صرّح به غيره
عدم جواز أخذ
شيء من العمران ، ولكن لو فعل لزمه هذا الحكم في الشاة.
وكيف كان ، فليس
له تملّكها مع الضمان على الأقوى؛ للأصل وظاهر النصّ
والفتوى عدم
وجوب التعريف حينئذٍ.
وغير الشاة يجب
مع أخذه تعريفه سنة كغيره من المال ، أو يحفظه لمالكه من غير تعريف ، أو يدفعه إلى
الحاكم.
(ولا
يشترط في الآخذ) باسم الفاعل
شيء من الشروط المعتبرة في آخذ اللقيط وغيرها (إلّاالأخذ) ـ بالمصدر ـ بمعنى أنّه يجوز التقاطها في موضع الجواز
للصغير والكبير والحرّ والعبد والمسلم والكافر؛ للأصل (فتقرّ يد العبد) على الضالّة مع بلوغه وعقله (و) يد (الوليّ
على لقطة غير الكامل) من طفل ومجنون
وسفيه ، كما يجب عليه حفظ ماله؛ لأنّه لا يؤمن على إتلافه ، فإن أهمل الوليّ ضمن. ولو
افتقر إلى تعريف تولّاه الوليّ ثمّ يفعل بعدَه الأولى للملتقَط من تملّكٍ وغيره.
__________________
(والإنفاق) على الضالّة (كما
مرّ)
في الإنفاق على
اللقيط : من أنّه مع عدم بيت المال والحاكم ينفق ويرجع مع نيّته على أصحّ القولين
لوجوب حفظها ، ولا
يتمّ إلّابالإنفاق ، والإيجاب إذن من الشارع فيه ، فيستحقّه مع نيّته.
وقيل : لا يرجع
هنا لأنّه إنفاق على مال الغير بغير إذنه ، فيكون متبرّعاً. وقد
ظهر ضعفه.
ولا يشترط
الإشهاد على الأقوى؛ للأصل.
(ولو
انتفع) الآخذ بالظهر والدرّ والخدمة (قاصّ) المالكَ بالنفقة ، ورجع ذو الفضل بفضله.
وقيل : يكون
الانتفاع بإزاء النفقة مطلقاً
وظاهر الفتوى
جواز الانتفاع لأجل الإنفاق ، سواء قاصَّ أم جعله عوضاً.
(ولا
يضمن) الآخذ الضالّة حيث يجوز له أخذها (إلّابتفريطٍ ) والمراد به ما يشمل التعدّي (أو قصد التملّك) في موضع جوازه وبدونه
ولو قبضها في
غير موضع الجواز ضمن مطلقاً؛ للتصرّف في مال الغير عدواناً.
__________________
(الثالث)
(في) لقطة (المال)
غير الحيوان
مطلقاً (وما
كان) منه (في
الحرم حرم أخذه) بنيّة التملّك
مطلقاً قليلاً كان أم كثيراً؛ لقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا
أَنّٰا جَعَلْنٰا حَرَماً آمِناً)
وللأخبار
الدالّة على النهي عنه مطلقاً
وفي بعضها عن
الكاظم عليه السلام : «لقطة الحرم لا
تُمَسّ بيد ولا رجل ، ولو أنّ الناس تركوها لجاء صاحبها وأخذها»
وذهب بعضهم إلى
الكراهة مطلقاً
استضعافاً
لدليل التحريم ، أمّا في الآية فمن حيث الدلالة ، وأمّا في الخبر فمن جهة السند
واختاره
المصنّف في الدروس
وهو أقوى.
__________________
(و) على التحريم (لو
أخذه حَفِظه لربّه ، وإن تلف بغير تفريط لم يضمن) لأنّه يصير بعد الأخذ أمانة شرعيّة.
ويُشكل ذلك على
القول بالتحريم؛ لنهي الشارع عن أخذها فكيف يصير أمانة منه؟ والمناسب للقول
بالتحريم ثبوت الضمان مطلقاً (وليس
له تملّكه) قبل التعريف
ولا بعده (بل
يتصدّق به) بعد التعريف
حولاً عن مالكه ، سواء قلّ أم كثر؛ لرواية عليّ بن أبي حمزة عن الكاظم عليه السلام
قال : «سألته
عن رجل وجد ديناراً في الحرم فأخذه قال : بئس ما صنع! ما كان ينبغي له أن يأخذه.
قال : قلت : قد ابتُلي بذلك ، قال : يُعرّفه سنة
قلت : فإنّه قد عرّفه فلم يجد له ناعتاً
فقال : يرجع إلى بلده فيتصدّق به على أهل بيت من المسلمين ، فإن جاء طالبه فهو له
ضامن» .
وقد دلّ الحديث
بإطلاقه على عدم الفرق بين القليل والكثير في وجوب تعريفه مطلقاً وعلى تحريم الأخذ
، وكذلك على ضمان المتصدّق لو كره المالك. لكن ضعف سنده
يمنع ذلك كلّه.
والأقوى ما
اختاره المصنّف في الدروس
من جواز تملّك
ما نقص عن الدرهم ووجوب تعريف ما زاد ، كغيره.
(وفي
الضمان) لو تصدّق به بعد التعريف وظهر المالك فلم يرضَ
__________________
بالصدقة (خلاف) منشؤه من دلالة الخبر السالف على الضمان ، وعمومِ قوله صلى الله عليه وآله وسلم
: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»
وإتلافه مالَ
الغير بغير إذنه. ومن كونه أمانة قد دفعها بإذن الشارع فلا يتعقّبه الضمان ، ولأصالة
البراءة. والقول بضمان ما يجب تعريفه أقوى.
(ولو
أخذه بنيّة الإنشاد) والتعريف (لم يحرم) وإن كان كثيراً؛ لأنّه محسن. والأخبار الدالّة على التحريم مطلقة ، وعمل
بها الأكثر
مطلقاً ، ولو
تمّت لم يكن التفصيل جيّداً.
(ويجب
تعريفه حولاً على كلّ حال) قليلاً كان أم كثيراً أخذه بنيّة الإنشاد أم لا؛ لإطلاق الخبر السالف
وقد عرفت ما
فيه.
(وما
كان في غير الحرم يحلّ منه) ما كان من الفضّة (دونَ
الدرهم) أو ما كانت قيمته دونَه لو كان من غيرها (من غير تعريف) ولكن لو ظهر مالكه وعينه باقية وجب ردّه عليه على الأشهر. وفي وجوب عوضه مع
تلفه قولان
مأخذهما : أنّه
تصرّف شرعيّ فلا يتعقّبه ضمان. وظهور الاستحقاق.
__________________
(وما
عداه) وهو ما كان بقدر الدرهم أو أزيد عيناً أو قيمة (يتخيّر الواجد فيه
بعد تعريفه حولاً) عقيب الالتقاط
مع الإمكان متتابعاً بحيث يعلم السامع أنّ التالي تكرار لمتلوّه ، وليكن في موضع
الالتقاط مع الإمكان إن كان بلداً ، ولو كان بريّة عرّف من يجده فيها ثمّ أكمله
إذا حضر في بلده. ولو أراد السفر قبل التعريف في بلد الالتقاط أو إكماله ، فإن
أمكنه الاستنابة فهي أولى ، وإلّا عرّفه في بلده بحيث يشتهر خبره ، ثمّ يكمله في
غيره. ولو أخّره عن وقت الالتقاط اختياراً أثِم واعتُبر الحول من
حين الشروع ، ويترتّب
عليه أحكامه مطلقاً على الأقوى. ويجوز التعريف (بنفسه وبغيره) لحصول الغرض بهما ، لكن يشترط في النائب العدالة أو الاطّلاع
على تعريفه
المعتبر شرعاً؛ إذ لا يُقبل إخبار الفاسق (بين الصدقة به) على مستحقّي الزكاة لحاجته ، وإن اتّحد وكثرت
(والتملّك) بنيّته.
(ويضمن) لو ظهر المالك (فيهما) في الثاني مطلقاً ، وفي الأوّل إذا لم يرض بالصدقة. ولو وجد العين باقية ، ففي
تعيين رجوعه بها لو طلبها ، أو تخيّر الملتقط بين دفعها ودفع البدل مثلاً أو قيمة
، قولان
ويظهر من
__________________
الأخبار
الأوّلُ ، واستقرب
المصنّف في الدروس
الثاني.
ولو عابت ضمن
أرشها ويجب قبوله معها على الأوّل ، وكذا على الثاني على الأقوى. والزيادة
المتّصلة للمالك ، والمنفصلة للملتقط. أمّا الزوائد قبل نيّة التملّك فتابعة للعين.
والأقوى أنّ
ضمانها لا يحصل بمجرّد التملّك أو الصدقة ، بل بظهور المالك ، سواء طالب أم لم
يطالب ، مع احتمال توقّفه على مطالبته أيضاً ، ولا يشكل بأنّ استحقاق المطالبة
يتوقّف على ثبوت الحقّ ، فلو توقّف ثبوته عليه دار؛ لمنع توقّفه على ثبوت الحقّ ، بل
على إمكان ثبوته ، وهو هنا كذلك.
وتظهر الفائدة
في عدم ثبوته ديناً في ذمّته قبل ذلك ، فلا يقسّط عليه ماله لو أفلس. ولا يجب
الإيصاء به ولا يُعدّ مديوناً ولا غارماً بسببه ، ولا يطالبه به في الآخرة لو لم
يظهر في الدنيا ، إلى غير ذلك.
(وبين
إبقائه) في يده (أمانة) موضوعاً في حرز أمثاله (ولا
يضمن) ما لم يفرّط.
هذا إذا كان
ممّا لا يضرّه البقاء كالجواهر (ولو
كان ممّا لا يبقى) كالطعام (قوّمه على نفسه) أو باعه وحفظ ثمنه ثمّ عرّفه (أو دفعه إلى الحاكم) إن وجده ، وإلّا تعيّن عليه الأوّل ، فإن أخلّ به فتلف أو عاب ضمن. ولو كان
ممّا يتلف على تطاول الأوقات لا عاجلاً كالثياب تعلّق الحكم بها عند خوف التلف.
(ولو
افتقر إبقاؤه إلى علاج) كالرطب المفتقر
إلى التجفيف (أصلحه
الحاكم ببعضه) بأن يجعل بعضه
عوضاً عن إصلاح الباقي أو يبيع بعضه وينفقه
__________________
عليه وجوباً ، حذراً من تلف الجميع. ويجب على الملتقط إعلامه بحاله إن لم
يعلم ، ومع عدمه يتولّاه بنفسه ، حذراً من الضرر بتركه.
(ويُكره
التقاط) ما تكثر منفعته وتقلّ قيمته مثل (الإداوة) ـ بالكسر ـ وهي المِطهرة ، به
أيضاً (والنعل) غير الجلد؛ لأنّ المطروح منه مجهولاً ميتة ، أو يُحمل
على ظهور
أمارات تدلّ على ذكاته ، فقد يظهر من المصنّف في بعض كتبه
التعويل عليها
، وذكره هنا مطلقاً تبعاً للرواية
ولعلّها تدلّ
على الثاني (والمِخصرة) ـ بالكسر ـ وهي كلّما اختصره الإنسان بيده فأمسكه من
عصى ونحوها قاله الجوهري
والكلام فيها
إذا كانت جلداً ـ كما هو الغالب ـ كما سبق (والعصا) وهي على ما ذكره الجوهري
أخصّ من
المخصرة ، وعلى المتعارف
غيرها (والشِظاظ) ـ بالكسر ـ خشبة محدّدة الطرف تدخل في عروة الجُوالقين
ليجمع بينهما
عند حملهما على البعير ، والجمع أشِظّة (والحبل والوتد) بكسر وسطه (والعِقال) ـ بالكسر ـ وهو حبل يُشدّ به قائمة البعير.
__________________
وقيل : يحرم
بعض هذه
؛ للنهي عن
مسّه.
(ويُكره
أخذ اللقطة) مطلقاً وإن
تأكّدت في السابق؛ لما روي عن عليّ عليه السلام : (إيّاكم واللقطة ، فإنّها ضالّة المؤمن
، وهي من حريق النار)
وعن الصادق
عليه السلام : (لا
يأخذ الضالّة إلّاالضالّون)
وحرّمها بعضهم
لذلك. وحُمل
النهي على أخذها بنيّة عدم التعريف ، وقد روي في الخبر الثاني زيادة (إذا لم يعرّفوها)
(وخصوصاً
من الفاسق والمعسر) لأنّ الأوّل
ليس أهلاً لحفظ مال الغير بغير إذنه ، والثاني يضرّ بحال المالك إذا ظهر وقد تملّك.
وإنّما جاز مع ذلك؛ لأنّ اللقطة في معنى الاكتساب ، لا استئمان محض.
هذا إذا لم
يعلم خيانته ، وإلّا وجب على الحاكم انتزاعها منه حيث لا يجوز له التملّك ، أو ضمّ
مشرف إليه من باب الحسبة ، ولا يجب ذلك في غيره (ومع اجتماعهما) أي الفسق والإعسار المدلول عليهما بالمشتقّ منهما (تزيد
__________________
الكراهة) لزيادة سببها.
(وليُشهد) الملتقط (عليها) عند أخذها عدلين (مستحبّاً) تنزيهاً لنفسه عن الطمع فيها ، ومنعاً لوارثه من التصرّف
لو مات ، وغرمائه
لو فُلِّس. (ويعرّف
الشهود بعض الأوصاف) كالعُدّة
والوعاء
والعفاص
والوكاء
لا جميعها
حذراً من شياع
خبرها فيطّلع عليها من لا يستحقّها فيدّعيها ويذكر الوصف.
(والملتقط) للمال (من
له أهليّة الاكتساب) وإن كان غير
مكلّف أو مملوكاً (و) لكن يجب أن (يحفظ
الوليّ ما التقطه الصبيّ) كما يجب عليه حفظ ماله ، ولا يُمكّنه منه؛ لأنّه لا يؤمن عليه (وكذا المجنون) فإن افتقر إلى تعريفه عرّفه ، ثمّ فعل لهما ما هو الأغبط لهما من التملّك
والصدقة والإبقاء أمانة.
(ويجب
تعريفها) أي اللقطة البالغة درهماً فصاعداً (حولاً) كاملاً وقد تقدّم ، وإنّما أعاده ليرتّب عليه قوله : (ولو متفرّقاً) وما بعده ، ومعنى جوازه متفرّقاً : أنّه لا يعتبر وقوع التعريف كلّ يوم من
أيّام الحول ، بل المعتبر ظهور أنّ التعريف التالي تكرار لما سبق ، لا للقطة جديدة.
فيكفي التعريف في الابتداء كلّ يوم مرّة أو مرّتين ، ثمّ في كلّ اُسبوع ، ثمّ في
كلّ شهر مراعياً لما ذكرناه. ولا يختصّ تكراره أيّاماً باُسبوع واُسبوعاً ببقيّة
الشهر وشهراً ببقيّة الحول ، وإن
__________________
كان ذلك مجزياً ، بل المعتبر : أن لا ينسى كون التالي تكراراً لما مضى؛
لأنّ الشارع لم يقدّره بقدر ، فيعتبر فيه ما ذكر؛ لدلالة العرف عليه.
وليس المراد
بجوازه متفرّقاً : أنّ الحول يجوز تلفيقه لو فُرض ترك التعريف في بعضه ، بل يعتبر
اجتماعه في حول واحد؛ لأنّه المفهوم منه شرعاً عند الإطلاق. خلافاً لظاهر التذكرة
حيث اكتفى به. وبما
ذكرناه من تفسير التفرّق صرّح في القواعد .
ووجوب التعريف
ثابت (سواء
نوى) الملتقط (التملّك أو لا) في أصحّ القولين
لإطلاق الأمر
به الشامل للقسمين. خلافاً للشيخ
حيث شرط في
وجوبه نيّة التملّك ، فلو نوى الحفظ لم يجب.
ويشكل
باستلزامه خفاء اللقطة ، وبأنّ التملّك غير واجب فكيف تجب وسيلته؟ وكأ نّه أراد به
الشرط.
(وهي
أمانة) في يد الملتقط (في الحول وبعدَه) فلا يضمنها لو تلفت بغير تفريط (ما لم ينو التملّك ، فيضمن) بالنيّة وإن كان قبل الحول ، ثمّ لا تعود أمانة
لو عاد إلى
نيّتها استصحاباً لما ثبت. ولم تفد النيّة
الملك في غير
وقتها ،
__________________
لكن لو مضى الحول مع قيامه بالتعريف وتملّكها حينئذٍ بُني بقاء الضمان
وعدمه على ما سلف : من تنجيز الضمان ، أو توقّفه على مطالبة المالك.
(ولو
التقط العبدُ عرّف بنفسه أو بنائبه) كالحرّ (فلو
أتلفها) قبل التعريف أو بعده (ضمن بعد عتقه) ويساره كما يضمن غيرَها من أموال الغير التي يتصرّف فيها بغير إذنه (ولا يجب على المالك
انتزاعها منه) قبل التعريف
وبعده (وإن
لم يكن) العبد (أميناً) لأصالة البراءة من وجوب حفظ مال الغير مع عدم قبضه ، وخصوصاً مع وجود يد
متصرّفة.
وقيل : يضمن
بتركها في يد غير الأمين؛ لتعدّيه
وهو ممنوع.
نعم ، لو كان
العبد غير مميّز فقد قال المصنّف في الدروس : إنّ المتّجه ضمان السيّد
نظراً إلى أنّ
العبد حينئذٍ بمنزلة البهيمة المملوكة يضمن مالكها ما تفسده من مال الغير مع إمكان
حفظها.
وفيه نظر؛
للفرق بصلاحيّة ذمّة العبد لتعلّق مال الغير بها ، دون الدابّة ، والأصل براءة
ذمّة السيّد من وجوب انتزاع مال غيره وحفظه.
نعم ، لو أذن
له في الالتقاط اتّجه الضمان مع عدم تمييزه أو عدم أمانته إذا قصّر في الانتزاع
قطعاً ، ومع عدم التقصير على احتمال من حيث إنّ يد العبد يد المولى.
(ويجوز
للمولى التملّك بتعريف العبد) مع علم المولى به ، أو كون العبد ثقة ليقبل خبره ، وللمولى انتزاعها منه
قبل التعريف وبعده. ولو تملّكها العبد بعد التعريف صحّ على القول بملكه ، وكذا
يجوز لمولاه مطلقاً.
__________________
(ولا
تدفع) اللقطة إلى مدّعيها وجوباً (إلّابالبيّنة) العادلة أو الشاهد واليمين (لا بالأوصاف وإن خفيت) بحيث يغلب الظنّ بصدقه لعدم
اطّلاع غير
المالك عليها غالباً كوصف وزنها ونقدها ووكائها؛ لقيام الاحتمال .
(نعم
يجوز الدفع بها ) وظاهره كغيره جواز الدفع بمطلق الوصف؛ لأنّ الحكم ليس منحصراً في الأوصاف
الخفيّة ، وإنّما ذُكرت مبالغةً. وفي الدروس شرط في جواز الدفع إليه ظنَّ صدقه
لإطنابه في الوصف ، أو رجحان عدالته
وهو الوجه؛
لأنّ مناط أكثر الشرعيّات الظنّ ، ولتعذّر إقامة البيّنة غالباً ، فلولاه لزم عدم
وصولها إلى مالكها كذلك. وفي بعض الأخبار
إرشاد إليه.
ومنع ابن إدريس
من دفعها بدون البيّنة؛ لاشتغال الذمّة بحفظها ، وعدم ثبوت كون الوصف حجّة .
والأشهر الأوّل
وعليه (فلو
أقام غيره) أي غير الواصف (بها بيّنة) بعد دفعها إليه (استعيدت
منه) لأنّ البيّنة حجّة شرعيّة بالملك ، والدفع بالوصف إنّما
كان رخصة وبناءً على الظاهر (فإن
تعذّر) انتزاعها من الواصف (ضمن الدافع) لذي البيّنة مثلَها أو قيمتها (ورجع) الغارم (على
القابض) بما غرمه؛ لأنّ التلف في يده ، ولأ نّه عادٍ ، إلّاأن
يعترف الدافع له بالملك ،
__________________
فلا يرجع عليه لو رُجع عليه؛ لاعترافه بكون الأخذ منه ظلماً. وللمالك
الرجوع على الواصف القابض ابتداءً فلا يرجع على الملتقط ، سواء تلفت في يده أم لا.
ولو كان دفعها
إلى الأوّل بالبيّنة ثمّ أقام آخر بيّنته حكم بأرجح البيّنتين عدالةً وعدداً ، فإن
تساويا اُقرع ، وكذا لو أقاماها ابتداءً. فلو
خرجت القرعة
للثاني انتزعها من الأوّل ، وإن تلفت فبدلها مثلاً أو قيمةً. ولا شيء على الملتقط
إن كان دفعها بحكم الحاكم ، وإلّا ضمن.
ولو كان
الملتقط قد دفع بدلها لتلفها ثمّ ثبتت للثاني رجع على الملتقط؛ لأنّ المدفوع إلى
الأوّل ليس عين ماله ، ويرجع الملتقط على الأوّل بما أدّاه إن لم يعترف له بالملك
لا من حيث البيّنة ، أمّا لو اعترف لأجلها لم يضرّ ، لبنائه على الظاهر وقد تبيّن
خلافه (والموجود
في المفازة) وهي البريّة
القفر ، والجمع : المفاوز ، قاله ابن الأثير في النهاية
ونقل الجوهري
عن ابن الأعرابي : أنّها سُمّيت بذلك تفاؤلاً بالسلامة والفوز
(والخربة) التي باد أهلها (أو
مدفوناً في أرض لا مالك لها) ظاهراً (يُتملّكُ
من غير تعريف) وإن كثر (إذا لم يكن عليه أثر
الإسلام) من الشهادتين ، أو اسم سلطان من سلاطين الإسلام ونحوه (وإلّا) يكن كذلك بأن وجد عليه أثر الإسلام (وجب) التعريف؛ لدلالة الأثر على سبق يد المسلم ، فتستصحب.
وقيل : يملك
مطلقاً
؛ لعموم صحيحة
محمّد بن مسلم : «إنّ للواجد
__________________
ما يوجد في الخربة»
ولأنّ أثر
الإسلام قد يصدر عن غير المسلم ، وحملت الرواية
على الاستحقاق
بعد التعريف فيما عليه الأثر . وهو بعيد ، إلّاأنّ الأوّل أشهر.
ويستفاد من
تقييد الموجود في الأرض التي لا مالك لها بالمدفون ، عدم اشتراطه في الأوّلين ، بل
يُملك ما يوجد فيهما مطلقاً ، عملاً بإطلاق النصّ والفتوى. أمّا غير المدفون في
الأرض المذكورة فهو لقطة.
هذا كلّه إذا
كان في دار الإسلام. أمّا في دار الحرب فلواجده مطلقاً.
(ولو
كان للأرض) التي وجد
مدفوناً فيها (مالك
عرّفه ، فإن عَرِفه) أي ادّعى أنّه
له ، دفعه إليه من غير بيّنة ولا وصف (وإلّا) يدّعيه
(فهو
للواجد) مع انتفاء أثر الإسلام ، وإلّا فلقطة كما سبق. ولو وجده
في الأرض المملوكة غير مدفون فهو لقطة ، إلّاأ نّه يجب تقديم تعريف المالك ، فإن
ادّعاه فهو له كما سلف ، وإلّا عرّفه.
(وكذا
لو وجده في جوف دابّة عرّفه مالكها) كما سبق؛ لسبق يده ، وظهور كونه من ماله دخل في علفها ، لبعد وجوده في
الصحراء واعتلافه ، فإن عَرِفه المالك ، وإلّا فهو للواجد؛ لصحيحة عليّ
بن جعفر قال : كتبت
إلى الرجل أسأله عن رجل اشترى جزوراً ، أو بقرة للأضاحي فلمّا ذبحها وجد في جوفها
__________________
صُرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة ، لمن تكون؟ فقال : فوقّع عليه السلام
: «عرّفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشيء
لك ، رزقك اللّٰه إيّاه»
وظاهر الفتوى
والنصّ عدم الفرق بين وجود أثر الإسلام عليه وعدمه.
والأقوى الفرق
واختصاص الحكم بما لا أثر عليه ، وإلّا فهو لقطة جمعاً بين الأدلّة
ولدلالة أثر
الإسلام على يد المسلم سابقاً (أمّا) ما يوجد في جوف (السمكة
فللواجد) لأنّها إنّما ملكت بالحيازة ، والمحيز إنّما قصد تملّكها
خاصّة؛ لعدم علمه بما في بطنها فلم يتوجّه قصده إليه بناءً على أنّ المباحات إنّما
تملك بالنيّة والحيازة معاً (إلّاأن
تكون) السمكة (محصورة) في ماء (تعلف) فتكون كالدابّة ، لعين ما ذكر.
ومنه يظهر أنّ
المراد بالدابّة : الأهليّة كما يظهر من الرواية ، فلو كانت وحشيّة لا تعتلف من
مال المالك فكالسمكة. وهذا كلّه إذا لم يكن أثر الإسلام عليه. وإلّا فلقطة كما مرّ
، مع احتمال عموم الحكم له فيهما
لإطلاق النصّ
والفتوى.
(والموجود
في صندوقه أو داره) أو غيرهما من
أملاكه (مع
مشاركة الغير) له في التصرّف
فيهما محصوراً أو غير محصور على ما يقتضيه إطلاقهم (لُقطَة) أمّا مع عدم الحصر فظاهر؛ لأنّه بمشاركة غيره لا يَدَ له بخصوصه فيكون لقطة.
وأمّا مع انحصار المشارك فلأنّ المفروض أنّه لا يعرفه ، فلا يكون له
__________________
بدون التعريف. ويحتمل قويّاً كونه له مع تعريف المنحصر؛ لأنّه بعدم اعتراف
المشارك يصير كما لا مشارك فيه.
(ولا
معها) أي لا مع المشاركة (حلّ) للمالك الواجد؛ لأنّه من توابع ملكه المحكوم له به.
هذا إذا لم
يقطع بانتفائه عنه ، وإلّا أشكل الحكم بكونه له ، بل ينبغي أن يكون لقطة ، إلّاأنّ
كلامهم هنا مطلق كما ذكره المصنّف.
ولا فرق في
وجوب تعريف المشارك هنا بين ما نقص عن الدرهم وما زاد؛ لاشتراكهم في اليد بسبب
التصرّف. ولا يفتقر مدّعيه منهم إلى البيّنة ولا الوصف؛ لأ نّه مال لا يدّعيه أحد.
ولو جهلوا
جميعاً أمره فلم يعترفوا به ولم ينفوه ، فإن كان الاشتراك في التصرّف خاصّة فهو
للمالك منهم ، وإن لم يكن فيهم مالك فهو للمالك ، وإن كان الاشتراك في الملك
والتصرّف فهم فيه سواء.
(ولا
يكفي التعريف حولاً في التملّك) لما يجب تعريفه (بل
لا بدّ) بعد الحول (من النيّة) للتملّك وإنّما يُحدث التعريفُ حولاً تخيير
الملتقط بين التملّك
بالنيّة ، وبين الصدقة به ، وبين إبقائه في يده أمانة لمالكه.
هذا هو المشهور
من حكم المسألة ، وفيها قولان آخران على طرفي
النقيض.
أحدهما : دخوله
في الملك قهراً من غير احتياج إلى أمر زائد على التعريف؛
__________________
لظاهر قول الصادق عليه السلام : «فإن
جاء لها طالب ، وإلّا فهي كسبيل ماله»
والفاء للتعقيب
، وهو قول ابن إدريس
وردّ بأنّ
كونها (كسبيل
ماله) لا يقتضي حصول الملك حقيقة.
والثاني : افتقار
ملكه إلى اللفظ الدالّ عليه بأن يقول : «اخترت
تملّكها» وهو قول أبي الصلاح
وغيره
لأنّه معه مجمع
على ملكه ، وغيره لا دليل عليه.
والأقوى
الأوّل؛ لقوله عليه السلام : «وإلّا فاجعلها في عرض
مالك»
وصيغة (افعل) للأمر
ولا أقلّ من أن
يكون للإباحة ، فيستدعي أن يكون المأمور به مقدوراً بعد التعريف وعدم مجيء المالك
، ولم يذكر اللفظ ، فدلّ الأوّل على انتفاء الأوّل ، والثاني على انتفاء الثاني ، وبه
يجمع بينه وبين قوله عليه السلام : «كسبيل
ماله» وإلّا لكان ظاهره الملك القهريّ ، لا كما ردّ سابقاً. والأقوال
الثلاثة للشيخ .
__________________
كتاب إحياء الموات
كتاب إحياء الموات
(وهو) أي الموات من الأرض (ما
لا يُنتفع به) منها (لعُطلته أو لاستيجامه
، أو لعُدم الماء عنه ، أو لاستيلاء الماء عليه) ولو جعل هذه الأقسام أفراداً لعُطلته؛ لأنّها أعمّ منها ، كان أجود. ولا
فرق بين أن يكون قد سبق لها إحياء ثمّ ماتت ، وبين موتها ابتداءً على ما يقتضيه
الإطلاق. وهذا يتمّ مع إبادة أهله بحيث لا يُعرفون ولا بعضهم ، فلو عُرف المحيي لم
يصحّ إحياؤها على ما صرّح به المصنّف في الدروس
وسيأتي إن شاء
اللّٰه تعالى ما فيه .
ولا يعتبر في
تحقّق موتها العارض ذهاب رسم العمارة رأساً ، بل ضابطه العُطلة وإن بقيت آثار
الأنهار ونحوها؛ لصدقه عرفاً معها خلافاً لظاهر التذكرة
ولا يلحق ذلك
بالتحجير حيث إنّه لو وقع ابتداءً كان تحجيراً؛ لأنّ شرطه بقاء اليد وقصد العمارة.
وهما منتفيان هنا ، بل التحجير مخصوص بابتداء الإحياء؛ لأنّه بمعنى الشروع فيه حيث
لا يبلغه ، فكأ نّه قد حجّر على غيره بأثره أن يتصرّف فيما حجّره بإحياء وغيره.
__________________
وحكم الموات : أن
(يتملّكه
مَن أحياه) إذا قصد تملّكه (مع
غيبة الإمام عليه السلام) سواء في ذلك المسلم والكافر؛ لعموم (من أحيا أرضاً ميتة فهي له)
ولا يقدح في
ذلك كونها للإمام عليه السلام على تقدير ظهوره؛ لأنّ ذلك لا يقصر عن حقّه من غيرها
كالخمس والمغنوم بغير إذنه ، فإنّه بيد الكافر والمخالف على وجه الملك حالَ الغيبة
، ولا يجوز انتزاعه
منه فهنا أولى.
(وإلّا) يكن الإمام عليه السلام غائباً (افتقر) الإحياء (إلى
إذنه) إجماعاً. ثمّ إن كان مسلماً ملكها بإذنه ، وفي ملك
الكافر مع الإذن قولان
ولا إشكال فيه
لو حصل ، إنّما الإشكال في جواز إذنه له ، نظراً إلى أنّ الكافر هل له أهليّة ذلك
أم لا؟ والنزاع قليل الجدوى.
(ولا
يجوز إحياء العامر وتوابعه كالطريق) المفضي إليه (والشرب) ـ بكسر الشين ـ وأصله الحظّ من الماء ، ومنه قوله تعالى
: (لَهٰا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ
يَوْمٍ مَعْلُومٍ)
والمراد هنا
النهر وشبهه المعدّ لمصالح العامر ، وكذا غيرهما من مرافق العامر وحريمه.
__________________
(ولا) إحياء (المفتوحة
عَنْوةً) بفتح العين أي قهراً وغلبة على أهلها كأرض الشام والعراق
وغالب بلاد الإسلام (إذ
عامرها) حالَ الفتح (للمسلمين) قاطبة بمعنى أنّ حاصلها يصرف في مصالحهم ، لا تصرّفُهم فيها كيف اتّفق كما
سيأتي (وغامرها
) بالمعجمة وهو خلاف العامر بالمهملة ، قال الجوهري : وإنّما قيل له : (غامر) ؛ لأنّ الماء يبلغه فيغمره ، وهو فاعل بمعنى مفعول كقولهم : (سرٌّ كاتم) و (ماء
دافق) وإنّما بُني على فاعل ليقابل به العامر .
وقيل : الغامر
من الأرض ما لم يُزرع ممّا يحتمل الزراعة
وما لا يبلغه
الماء من موات الأرض لا يقال له : (غامر) نظراً إلى الوصف المتقدّم.
والمراد هنا
أنّ مواتها مطلقاً (للإمام
عليه السلام) فلا يصحّ
إحياؤه بغير إذنه مع حضوره. أمّا مع غيبته فيملكها المحيي.
ويرجع الآن في
المحيى منها والميّت في تلك الحال إلى القرائن ، ومنها : ضرب الخراج والمقاسمة ، فإن
انتفت فالأصل يقتضي عدم العمارة ، فيحكم لمن بيده منها شيء بالملك لو ادّعاه.
(وكذا
كلّ ما) أي موات من الأرض (لم يجر عليه ملك لمسلم) فإنّه للإمام عليه السلام فلا يصحّ إحياؤه إلّابإذنه مع حضوره ويباح في
غيبته. ومثله ما جرى عليه ملكه ثمّ باد أهله.
(ولو
جرى عليه ملك مسلم) معروف (فهو له ولوارثه بعده) كغيره من الأملاك (ولا
ينتقل عنه بصيرورته مواتاً) مطلقاً ، لأصالة بقاء الملك ،
__________________
وخروجه يحتاج إلى سبب ناقل ، وهو محصور وليس منه الخراب.
وقيل : يملكها
المحيي بعد صيرورتها مواتاً ويبطل حقّ السابق
لعموم «من
أحيا أرضاً ميتة فهي له» ولصحيحة أبي خالد الكابلي عن الباقر عليه السلام قال : «وجدنا
في كتاب عليّ عليه السلام : إنّ الأرض للّٰهيورثها من يشاء من عباده
والعاقبة للمتّقين ـ إلى أن قال ـ وإن تركها أو أخربها
فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها وأحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها»
وقول الصادق عليه السلام : «أيّما رجل أتى خربة هائرة
فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها ، فإنّ عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضاً لرجل
قبله فغاب عنها وتركها وأخربها ثمّ جاء بعدُ يطلبها ، فإنّ الأرض للّٰهولمن
عمرها»
وهذا هو الأقوى.
وموضع الخلاف :
ما إذا كان السابق قد ملكها بالإحياء ، فلو كان قد ملكها بالشراء ونحوه لم يزل
ملكه عنها إجماعاً ، على ما نقله العلّامة في التذكرة عن جميع أهل العلم .
(وكلّ أرض أسلم
عليها أهلها طوعاً) كالمدينة
المشرّفة والبحرين
__________________
وأطراف اليمن (فهي
لهم) على الخصوص يتصرّفون فيها كيف شاؤوا (وليس عليهم فيها سوى
الزكاة مع) اجتماع (الشرائط) المعتبرة فيها. هذا إذا قاموا بعمارتها.
أمّا لو تركوها
فخربت فإنّها تدخل في عموم قوله : (وكلّ أرض تَركَ أهلها عمارتها فالمحيي
أحقّ بها) منهم ، لا بمعنى ملكه لها بالإحياء؛ لما سبق من أنّ ما
جرى عليها ملك مسلم لا ينتقل عنه بالموت ، فبترك العمارة التي هي أعمّ من الموت
أولى ، بل بمعنى استحقاقه التصرّف فيها ما دام قائماً بعمارتها (وعليه طسقها) أي اُجرتها (لأربابها) الذين تركوا عمارتها.
أمّا عدم
خروجها عن ملكهم فقد تقدّم. وأمّا جواز إحيائها مع القيام بالاُجرة فلرواية سليمان
بن خالد «وقد سأله عن الرجل يأتي الأرض الخربة
فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها فماذا عليه؟ قال : الصدقة ، قلت : فإن
كان يعرف صاحبها ، قال : فليؤدّ إليه حقّه»
وهي دالّة على
عدم خروج الموات به عن الملك أيضاً؛ لأنّ نفس الأرض حقّ صاحبها ، إلّاأ نّها
مقطوعة السند ضعيفة
فلا تصلح.
وشرط في الدروس
إذن المالك في الإحياء ، فإن تعذّر فالحاكم ، فإن تعذّر جاز الإحياء بغير إذن ، وللمالك
حينئذٍ طسقها
ودليله غير
واضح.
والأقوى أنّها
إن خرجت عن ملكه جاز إحياؤها بغير اُجرة ، وإلّا امتنع
__________________
التصرّف فيها بغير إذنه. وقد تقدّم ما يعلم منه خروجها عن ملكه وعدمه .
نعم ، للإمام
عليه السلام تقبيل المملوكة الممتنع أهلها من عمارتها بما شاء؛ لأنّه أولى
بالمؤمنين من أنفسهم.
(وأرض
الصلح التي بأيدي أهل الذمّة) وقد صالحوا النبيّ صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام على أنّ الأرض
لهم فهي (لهم) عملاً بمقتضى الشرط (وعليهم
الجزية) ما داموا أهل ذمّة. ولو أسلموا صارت كالأرض التي أسلم
أهلها عليها طوعاً ملكاً لهم بغير عوض. ولو وقع الصلح ابتداءً على الأرض للمسلمين
ـ كأرض خيبر ـ فهي كالمفتوحة عنوة.
(ويصرف
الإمام عليه السلام حاصل الأرض المفتوحة عنوة) المحياة حال الفتح (في
مصالح المسلمين) الغانمين
وغيرهم ، كسدّ الثغور ، ومعونة الغزاة ، وأرزاق الولاة.
هذا مع حضوره. أمّا مع غيبته فما كان منها بيد الجائر يجوز المضيّ معه في
حكمه فيها فيصحّ تناول الخراج والمقاسمة منه بهبة وشراء واستقطاع ، وغيرها ممّا
يقتضيه حكمه شرعاً. وما يمكن استقلال نائب الإمام به ـ وهو الحاكم الشرعي ـ فأمرُه
إليه يصرفه في مصالح المسلمين كالأصل .
(ولا
يجوز بيعها) أي بيع الأرض
المفتوحة عنوةً المحياة حالَ الفتح؛ لأ نّها للمسلمين قاطبة ، من وُجد منهم ذلك
اليوم ومن يتجدّد إلى يوم القيامة ، لا بمعنى ملك الرقبة ، بل بالمعنى السابق ، وهو
صرف حاصلها في مصالحهم.
__________________
(ولا
هبتها ، ولا وقفها ، ولا نقلها) بوجه من الوجوه المملّكة؛ لما ذكرناه من العلّة.
(وقيل) والقائل به جماعة من المتأخّرين
منهم المصنّف ـ
وقد تقدّم في كتاب البيع اختياره له
ـ : إنّه (يجوز) جميع ما ذكر من البيع والوقف وغيره (تبعاً لآثار المتصرّف) من بناءٍ وغرس ، ويستمرّ الحكم ما دام شيء من الأثر باقياً ، فإذا زال رجعت
الأرض إلى حكمها الأوّل.
ولو كانت ميتة
حالَ الفتح أو عرض لها المَوَتان ثمّ أحياها محيٍ ، أو اشتبه حالها حالتَه ، أو
وُجدت في يد أحد يدّعي ملكها حيث لا يعلم فساد دعواه ، فهي كغيرها من الأرضين
المملوكة بالشرط السابق
يتصرّف فيها
المالك كيف شاء بغير إشكال.
(وشروط
الإحياء المملّك ) للمحيي (ستّة) :
(انتفاء
يد الغير) عن الأرض الميتة ، فلو كان عليها يد محترمة لم يصحّ
إحياؤها لغيره؛ لأنّ اليد تدلّ على الملك ظاهراً إذا لم يُعلم انتفاء سبب صحيح
للملك أو الأولويّة ، وإلّا لم يلتفت إلى اليد.
(وانتفاء
ملك سابق) للأرض قبل موتها لمسلم أو مسالم ، فلو كانت مملوكة
لأحدهما لم
يصحّ إحياؤها لغيره استصحاباً للملك السابق.
__________________
وهذان الشرطان
مبنيّان على ما سبق من عدم بطلان الملك بالموت مطلقاً ، وقد تقدّم ما فيه من
التفصيل المختار.
(وانتفاء
كونه حريماً لعامر) لأنّ مالك
العامر استحقّ حريمه؛ لأنّه من مرافقه وممّا يتوقّف كمال انتفاعه عليه ، وسيأتي
تفصيل الحريم.
(و) انتفاء (كونه
مشعراً) أي محلّاً (للعبادة) كعرفة والمشعر ومنى ولو كان يسيراً لا يمنع المتعبّدين ، سدّاً لباب مزاحمة
الناسكين ، ولتعلّق حقوق الناس كافّة بها ، فلا يسوغ تملّكها مطلقاً؛ لأدائه إلى
تفويت هذا الغرض الشرعي.
وجوّز المحقّق
اليسير منه
لعدم الإضرار ،
مع أنّه غير ملك لأحد. وهو نادر ، وعليه لو عمد بعض الحاجّ فوقف به لم يجز؛ للنهي
عن التصرّف في ملك الغير؛ لأنّا بنينا عليه ، وهو مفسد للعبادة التي هي عبارة عن
الكون ومن ضروراته
المكان.
وللمصنّف
تفريعاً عليه وجه بالجواز جمعاً بين الحقّين وآخر بالتفصيل بضيق المكان فيجوز ، وسعته
فلا وإثبات الملك مطلقاً يأباهما ، وإنّما يتوجّهان لو جعله
مشروطاً بأحد الأمرين.
(أو
مُقْطَعاً) من النبيّ صلى
الله عليه وآله ، أو الإمام عليه السلام لأحد المسلمين؛ لأنّ المُقطَع له يصير
أولى من غيره كالتحجير ، فلا يصحّ لغيره التصرّف بدون إذنه وإن لم يفد ملكاً ، وقد
رُوي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أقطع بلال بن الحارث العقيق
وهو وادٍ بظاهر
__________________
المدينة واستمرّ تحت يده إلى ولاية عمر. وأقطع الزبير بن العوّام حُضرَ
فرسه ـ بالحاء المهملة المضمومة والضاد المعجمة ـ وهو عدوه مقدارَ ما جرى ، فأجرى
فرسه حتّى قام أي عجز عن التقدّم فرمى بسوطه طلباً للزيادة على الحُضر فأعطاه صلى
الله عليه وآله من حيث وقع السوط
وأقطع صلى الله
عليه وآله غيرهما مواضع اُخر .
(أو
محجّراً) أي مشروعاً في إحيائه شروعاً لم يبلغ حدّ الإحياء ، فإنّه
بالشروع يفيد أولويّة لا يصحّ لغيره التخطّي إليه وإن لم يفد ملكاً ، فلا يصحّ
بيعه ، لكن يورث ويصحّ الصلح عليه ، إلّاأن يُهمِل الإتمام ، فللحاكم حينئذٍ
إلزامه به أو رفع يده عنه ، فإن امتنع أذِنَ لغيره في الإحياء ، وإن اعتذر بشاغل
أمهله مدّة يزول عذره فيها ، ولا يتخطّى غيره إليها ما دام مُمهَلاً.
وفي الدروس جعل
الشروط تسعة ، وجعل منها : إذن الإمام مع حضوره. ووجود ما يُخرجها عن المَوات (بأن
يتحقّق الإحياء؛ إذ لا ملك قبل كمال العمل المعتبر فيه ، وإن أفاد الشروع تحجيراً
لا يفيد سوى الأولويّة ، كما مرّ)
وقصد التملّك
فلو فعل أسباب الملك بقصد غيره أو لا مع قصد لم يملك كحيازة سائر المباحات من
الاصطياد والاحتطاب والاحتشاش .
والشرط الأوّل
قد ذكره هنا في أوّل الكتاب. والثاني يلزم من جعلها
__________________
شروط الإحياء ، مضافاً إلى ما سيأتي من قوله : «والمرجع
في الإحياء إلى العرف ...». والثالث يستفاد
من قوله في أوّل الكتاب : «يتملّكه من أحياه» إذ التملّك يستلزم القصد إليه ، فإنّ الموجود في بعض النسخ «يتملّكه» بالتاء بعد الياء
ويوجد في بعضها
«يملكه»
وهو لا يفيد.
ويمكن استفادته
من قوله بعد حكمه برجوعه إلى العرف : «لمن
أراد الزرع» و «لمن أراد البيت»
فإنّ الإرادة
لما ذكر ونحوه تكفي في قصد التملّك وإن لم يقصده بخصوصه.
وحيث بيّن أنّ
من الشرائط أن لا يكون حريماً لعامر نبّه هنا على بيان حريم بعض الأملاك بقوله :
(وحريم
العين ألف ذراع) حولَها من كلّ
جانب (في) الأرض (الرخوة
وخمسمئة في الصَلبة) بمعنى أنّه ليس
للغير استنباط عين اُخرى في هذا القدر ، لا المنع من مطلق الإحياء. والتحديد بذلك
هو المشهور روايةً
وفتوىً
وحدّه ابن
الجنيد بما ينتفي معه الضرر
ومال إليه
العلّامة في
__________________
المختلف
استضعافاً
للمنصوص ، واقتصاراً على موضع الضرر ، وتمسّكاً بعموم نصوص جواز الإحياء. ولا فرق
بين العين المملوكة والمشتركة بين المسلمين. والمرجع في الرخاوة والصلابة إلى
العرف.
(وحريم
بئر الناضح) وهو البعير
الذي يستقى عليه للزرع وغيره (ستّون
ذراعاً) من جميع الجوانب ، فلا يجوز إحياؤه بحفر بئر اُخرى ولا
غيره.
(و) حريم بئر (المَعطِن) واحد المعاطن وهي مَبارك الإبل عند الماء لتشرب ، قاله الجوهري
والمراد البئر
التي يُستقى منها لشرب الإبل (أربعون
ذراعاً) من كلّ جانب كما مرّ.
(وحريم
الحائط مطرح آلاته) من حجر وتراب
وغيرهما على تقدير انهدامه؛ لمسيس الحاجة إليه عنده.
(و) حريم (الدار
مطرح ترابها) ورمادها
وكناستها (وثلوجها) ومسيل مائها حيث يحتاج إليهما (ومسلك الدخول والخروج في صوب الباب) إلى أن يصل إلى
الطريق أو
المباح ولو بازورار
لا يوجب ضرراً
كثيراً أو بُعداً. ويضمّ إلى ذلك حريم حائطها كما سلف
وله منع من
يحفر بقرب حائطه بئراً أو نهراً ، أو يغرس شجرة تضرّ بحائطه أو داره ، وكذا لو غرس
في ملكه أو أرضٍ أحياها ما تبرز أغصانه أو عروقه إلى المباح ولو بعد حين ، لم يكن
لغيره
__________________
إحياؤه ، وللغارس منعه ابتداءً.
هذا كلّه إذا
أحيا هذه الأشياء في الموات. أمّا الأملاك المتلاصقة فلا حريم لأحدها على جاره؛
لتعارضها ، فإنّ كلّ واحد منها حريم بالنسبة إلى جاره ولا أولويّة؛ ولأنّ من
الممكن شروعهم في الإحياء دفعة ، فلم يكن لواحد على آخر حريم.
(والمرجع
في الإحياء إلى العرف) لعدم ورود شيء
معيّن فيه من الشارع (كعضد
الشجر) من الأرض (وقطع
المياه الغالبة) عليها (والتحجير) حولَها (بحائط) من طين أو حجر (أو
مِرز) ـ بكسر الميم
ـ وهو جمع التراب حولَ ما يريد إحياءه من الأرض ليتميّز عن غيره (أو مُسنّاة) ـ بضمّ الميم ـ وهو نحو المرز ، وربما كان أزيد منه
تراباً.
ومثله نصب
القصب والحجر والشوك ونحوها حولَها (و سوق الماء) إليها حيث يحتاج إلى السقي (أو اعتياد الغيث).
كلّ ذلك (لمن أراد الزرع
والغرس) بإحياء الأرض.
وظاهر هذه
العبارة : أنّ الأرض التي يُراد إحياؤها للزراعة لو كانت مشتملة على شجر والماء
مستولٍ عليها ، لا يتحقّق إحياؤها إلّابعضد شجرها وقطع الماء عنها ونصب حائط وشبهه
حولَها ، وسوق ما يحتاج إليه من الماء إليها إن كانت ممّا تحتاج إلى السقي به ، فلو
أخلّ بأحد هذه لا يكون إحياءً ، بل تحجيراً ، وإنّما جمع بين قطع الماء وسوقه
إليها؛ لجواز أن يكون الماء الذي يحتاج إلى قطعه غير مناسب للسقي ، بأن يكون وصوله
إليها على وجه الرشح المضرّ
__________________
بالأرض من غير أن ينفع في السقي ونحو ذلك ، وإلّا فلو كان كثيراً يمكن
السقي به كفى قطع القدر المضرّ منه وإبقاء الباقي للسقي.
ولو جُعِل «الواو»
في هذه الأشياء
بمعنى «أو» كان كلّ واحد منها كافياً في تحقّق الإحياء ، لكن لا
يصحّ في بعضها ، فإنّ من جملتها سوق الماء أو اعتياد الغيث ، ومقتضاه : أنّ
المعتادة لسقي الغيث لا يتوقّف إحياؤها على شيءٍ من ذلك.
وعلى الأوّل
لو فرض عدم
الشجر أو عدم المياه الغالبة لم يكن مقدار ما يُعتبر في الإحياء مذكوراً ويكفي كلّ
واحد ممّا يبقى على الثاني .
وفي الدروس
اقتصر على حصوله بعضد الأشجار والتهيئة للانتفاع وسَوق الماء أو اعتياد الغيث ولم
يشترط الحائط والمسنّاة ، بل اشترط أن يبين الحدّ بمرز وشبهه ، قال : ويحصل
الإحياء أيضاً بقطع المياه الغالبة
وظاهره
الاكتفاء به عن الباقي أجمع. وباقي عبارات الأصحاب
مختلفة في ذلك
كثيراً.
والأقوى
الاكتفاء بكلّ واحد من الاُمور الثلاثة السابقة مع سوق الماء حيث يفتقر إليه ، وإلّا
اكتفى بأحدها خاصّة.
هذا إذا لم يكن
المانعان الأوّلان أو أحدهما موجوداً ، وإلّا لم يكتفِ بالباقي ، فلو كان الشجر
مستولياً عليها والماء كذلك لم يكف الحائط ، وكذا أحدهما؛ وكذا لو كان الشجر لم
يكفِ دفع الماء وبالعكس؛ لدلالة العرف على ذلك كلّه.
__________________
أمّا الحرث والزرع
فغير شرط فيه قطعاً؛ لأنّه انتفاع بالمحيىٰ كالسُكنى لمحيي الدار.
نعم ، لو كانت
الأرض مهيّأة للزراعة والغرس لا يتوقّف إلّاعلى الماء كفى سوق الماء إليها مع
غرسها أو زرعها؛ لأنّ ذلك يكون بمنزلة تميّزها
بالمرز وشبهه.
(وكالحائط) ولو بخشب أو قصب (لمن
أراد) بإحياء الأرض (الحظيرة) المعدّة للغنم ونحوه ، أو لتجفيف الثمار أو لجمع الحطب والخشب والحشيش وشبه
ذلك. وإنّما اكتفى فيها بالحائط؛ لأنّ ذلك هو المعتبر عرفاً فيها. (و) كالحائط (مع
السقف) بخشب أو عُقَد
أو طُرَح
بحسب المعتاد (إن أراد البيت).
واكتفى في التذكرة
في تملّك قاصد السكنى بالحائط
المعتبر في
الحظيرة ، وغيره من الأقسام التي يحصل بها الإحياء لنوع ، مع قصد غيره الذي لا
يحصل به.
وأمّا تعليق
الباب للحظيرة والمسكن فليس بمعتبر عندنا؛ لأنّه للحفظ لا لتوقّف السكنى عليه.
__________________
(القول في المشتركات)
بين الناس في
الجملة وإن كان بعضها مختصّاً بفريق خاصّ.
وهي أنواع ترجع
اُصولها إلى ثلاثة : الماء ، والمعدن ، والمنافع. والمنافع ستّة منافع : المساجد ،
والمشاهد ، والمدارس ، والرُبُط ، والطُرُق ، ومقاعد الأسواق. وقد أشار إليها
المصنّف في خمسة أقسام.
(فمنها
: المسجد) وفي معناه المشهد.
(فمن
سبق إلى مكان) منه (فهو أولى به) ما دام باقياً فيه (فلو
فارق) ولو لحاجة كتجديد طهارة وإزالة نجاسة (بطل حقّه) وإن كان ناوياً للعود (إلّاأن
يكون رحله) وهو شيء من
أمتعته ولو سُبحته وما يشدّ به وسطه وخفّه (باقياً) في الموضع (و) مع ذلك (ينوي
العود) فلو فارق لا بنيّته سقط حقّه وإن كان رحله باقياً.
وهذا الشرط لم
يذكره كثير. وهو حسن؛ لأنّ الجلوس يفيد أولويّة ، فإذا فارق بنيّة رفع الأولويّة
سقط حقّه منها. والرحل لا مدخل له في الاستحقاق بمجرّده. مع احتماله؛ لإطلاق النصّ
والفتوى
وإنّما تظهر
الفائدة على الأوّل
__________________
لو كان رحله لا يشغل من المسجد مقدارَ حاجته في الجلوس والصلاة؛ لأنّ ذلك
هو المستثنى على تقدير الأولويّة ، فلو كان كبيراً يسع ذلك ، فالحقّ باقٍ من حيث
عدم جواز رفعه بغير إذن مالكه ، وكونه في موضع مشترك كالمباح. مع احتمال سقوط حقّه
مطلقاً على ذلك التقدير ، فيصحّ رفعه لأجل غيره ، حذراً من تعطيل بعض المسجد ممّن
لا حقّ له.
ثمّ على تقدير
الجواز هل يضمن الرحلَ رافعُه؟ يحتمله؛ لصدق التصرّف وعدم المنافاة بين جواز رفعه
والضمان ، جمعاً بين الحقّين ، ولعموم «على
اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»
وعدمه؛ لأنّه
لا حقّ له ، فيكون تفريغه منه بمنزلة رفعه من ملكه. ولم أجد في هذه الوجوه كلاماً
يعتدّ به.
وعلى تقدير
بقاء الحقّ لبقائه أو بقاء رحله فأزعجه مزعج ، فلا شبهة في إثمه. وهل يصير أولى
منه بعد ذلك؟ يحتمله؛ لسقوط حقّ الأوّل بالمفارقة ، وعدمه؛ للنهي ، فلا يترتّب
عليه حقّ.
والوجهان آتيان
في رفع كلّ أولويّة ، وقد ذكر جماعة من الأصحاب : أنّ حقّ أولويّة التحجير لا يسقط
بتغلّب غيره
ويتفرّع على
ذلك صحّة صلاة الثاني وعدمها.
واشترط المصنّف
في الذكرى في بقاء حقّه مع بقاء الرحل أن لا يطول المكث
وفي التذكرة
استقرب بقاء الحقّ مع المفارقة لعذر ، كإجابة داعٍ
__________________
وتجديد وضوء وقضاء حاجة وإن لم يكن له رحل .
(ولو
استبق اثنان) دفعةً إلى مكان
واحد (ولم
يمكن الجمع) بينهما (اُقرع) لانحصار الأولويّة فيهما وعدم إمكان الجمع فهو لأحدهما؛ إذ منعهما معاً
باطل ، والقرعة لكلّ أمر مشكل. مع احتمال العدم؛ لأنّ القرعة لتبيين المجهول عندنا
المعيّن في نفس الأمر ، وليس كذلك هنا.
وقد تقدّم
أنّ الحكم
بالقرعة غير منحصر في ما ذكر ، وعموم الخبر يدفعه ، والرجوع إليها هنا هو الوجه.
ولا فرق في ذلك
كلّه بين المعتاد لبقعة معيّنة وغيره وإن كان اعتياده لدرس وإمامة. ولا بين
المفارق في أثناء الصلاة وغيره؛ للعموم.
واستقرب
المصنّف في الدروس بقاء أولويّة المفارق في أثنائها اضطراراً ، إلّا أن يجد مكاناً
مساوياً للأوّل أو أولى منه ، محتجّاً بأ نّها صلاة واحدة فلا يمنع من إتمامها . ولا يخفى ما فيه.
(ومنها
: المدرسة والرباط).
(فمن
سكن بيتاً) منهما أو أقام
بمكان مخصوص (ممّن
له السكنى) بأن يكون
متّصفاً بالوصف المعتبر في الاستحقاق ، إمّا في أصله بأن يكون مشتغلاً بالعلم في
المدرسة ، أو بحسب الشرط بأن تكون موقوفة على قبيلة مخصوصة أو نوع من العلم أو
المذاهب ، ويتّصف الساكن به (فهو
أحقّ به وإن تطاولت
__________________
المدّة
، إلّامع مخالفة شرط الواقف) بأن يشترط الواقف أمداً فينتهي.
واحتمل المصنّف
في الدروس في المدرسة ونحوها الإزعاج
إذا تمّ غرضه
من ذلك ، وقوّى الاحتمال إذا ترك التشاغل بالعلم وإن لم يشترطه الواقف؛ لأنّ موضوع
المدرسة ذلك .
(وله
أن يمنع من يشاركه) لما فيها من
الضرر إذا كان المسكن الذي أقام به معدّاً لواحد ، فلو اُعدّ لما فوقه لم يكن له
منع الزائد عنه إلى أن يزيد عن النصاب المشروط.
(ولو
فارق) ساكن المدرسة والرباط (لغير عذر بطل حقّه) سواء بقي رحله أم لا ، وسواء طالت مدّة المفارقة أم قصرت؛ لصدقها وخلوّ
المكان الموجب لاستحقاق غيره إشغاله .
ومفهومه : أنّه
لو فارق لعذر لم يسقط حقّه مطلقاً ، ويشكل مع طول المدّة.
وأطلق الأكثر
بطلان حقّه بالمفارقة .
وفي التذكرة : أنّه
إذا فارق أيّاماً قليلة لعذر فهو أحقّ
وشرط بعضهم
بقاء الرحل وعدم طول المدّة .
__________________
وفي الدروس ذكر
في المسألة أوجهاً :
زوال حقّه
كالمسجد. وبقاؤه مطلقاً؛ لأنّه باستيلائه جرى مجرى المالك. وبقاؤه إن قصرت المدّة
دون ما إذا طالت ، لئلّا يضرّ بالمستحقّين. وبقاؤه إن خرج لضرورة وإن طالت المدّة.
وبقاؤه إن بقي رحله أو خادمه. ثمّ استقرب تفويض الأمر إلى ما يراه الناظر صلاحاً .
والأقوى أنّه
مع بقاء الرحل وقِصَر المدّة لا يبطل حقّه ، وبدون الرحل يبطل ، إلّاأن يقصر
الزمان بحيث لا يخرج عن الإقامة عرفاً.
ويشكل الرجوع
إلى رأي الناظر مع إطلاق النظر؛ إذ ليس له إخراج المستحقّ اقتراحاً ، فرأيه حينئذٍ
فرع الاستحقاق وعدمه. نعم ، لو فُوّض إليه الأمر مطلقاً فلا إشكال.
(ومنها
: الطرق).
(وفائدتها) في الأصل (الاستطراق
والناس فيها شَرَع ) بالنسبة إلى المنفعة المأذون فيها (ويمنع من الانتفاع بها في غير ذلك) المذكور وهو الاستطراق (ممّا
يفوت به منفعة المارّة) لا مطلقاً (فلا يجوز الجلوس) بها
(للبيع
والشراء) وغيرهما من الأعمال والأكوان (إلّامع السعة حيث لا
ضرر) على المارّة لو مرّوا في الطريق بغير موضعه. وليس لهم
حينئذٍ تخصيص الممرّ بموضعه إذا كان لهم عنه مندوحة؛ لثبوت الاشتراك على هذا الوجه
وإطباق
__________________
الناس على ذلك في جميع الأصقاع. ولا فرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم؛ لأنّ
لأهل الذمّة منه ما للمسلمين في الجملة.
(فإذا
فارق) المكان الذي جلس فيه للبيع وغيره (بطل حقّه) مطلقاً؛ لأ نّه كان متعلّقاً بكونه فيه وقد زال وإن كان رحله باقياً؛
لاختصاص ذلك بالمسجد ، وأطلق المصنّف في الدروس
وجماعة
بقاءَ حقّه مع
بقاء رحله؛ لقول أمير المؤمنين عليه السلام : «سوق
المسلمين كمسجدهم»
والطريق على
هذا الوجه بمنزلة السوق. ولا فرق مع سقوط حقّه على التقديرين بين تضرّره بتفرّق
معامليه وعدمه.
واحتمل في
الدروس بقاءه مع الضرر؛ لأنّ أظهر المقاصد أن يعرف مكانه ليقصده المعاملون ، إلّامع
طول زمان المفارقة
لاستناد الضرر
حينئذٍ إليه.
وفي التذكرة
قيّد بقاء حقّه مع الرحل ببقاء النهار ، فلو دخل الليل سقط حقّه
محتجّاً بالخبر
السابق حيث قال فيه : «فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى
الليل».
ويشكل بأنّ
الرواية تدلّ بإطلاقها على بقاء الحقّ إلى الليل ، سواء كان له رحل أم لا.
والوجه بقاء
حقّه مع بقاء رحله ما لم يطل الزمان أو يضرّ بالمارّة. ولا فرق
__________________
في ذلك
بين الزائد عن
مقدار الطريق شرعاً وما دونه ، إلّاأن يجوز إحياء الزائد فيجوز الجلوس فيه مطلقاً.
وحيث يجوز له
الجلوس يجوز التظليل عليه بما لا يضرّ بالمارّة ، دون التسقيف وبناء دكّة وغيرها ،
إلّاعلى الوجه المرخّص في الطريق مطلقاً وقد تقدّم. وكذا الحكم في مقاعد الأسواق
المباحة ، ولم يذكرها المصنّف هنا ، وصرّح في الدروس بإلحاقها بما ذكر في حكم
الطريق .
(ومنها
: المياه المباحة)
كمياه العيون
في المباح والآبار المباحة والغيوث. والأنهار الكبار ـ كالفرات ودجلة والنيل ـ والصغار
التي لم يُجرِها مُجرٍ بنيّة التملّك ، فإنّ الناس فيها شَرَع (فمن سبق إلى اغتراف
شيء منها فهو أولى به ، ويملكه مع نيّة التملّك) لأنّ المباح لا يُملَك إلّابالإحراز والنيّة.
ومقتضى العبارة
: أنّ الأولويّة تحصل بدون نيّة التملّك ، بخلاف الملك ، تنزيلاً للفعل قبلَ
النيّة منزلة التحجير. وهو يشكل هنا بأ نّه إن نوى بالإحراز الملك فقد حصل الشرط ،
وإلّا كان كالعابث لا يستفيد أولويّة.
(ومن
أجرى منها) أي من المياه
المباحة (نهراً) بنيّة التملّك (ملك
الماء المُجرى فيه) على أصحّ
القولين
وحُكي عن الشيخ
إفادته الأولويّة خاصّة
__________________
استناداً إلى قوله صلى الله عليه وآله : «الناس
شركاء في ثلاث : النار والماء والكلأ»
وهو محمول على
المباح منه دون المملوك إجماعاً.
(ومن
أجرى عيناً) بأن أخرجها من
الأرض وأجراها على وجهها (فكذلك) يملكها مع نيّة التملّك ، ولا يصحّ لغيره أخذ شيء من مائها إلّابإذنه. ولو
كان المُجري جماعة ملكوه على نسبة عملهم ، لا على نسبة خرجِهم ، إلّاأن يكون الخرج
تابعاً للعمل.
وجوّز في
الدروس الوضوء والغسل وتطهير الثوب منه عملاً بشاهد الحال ، إلّا مع النهي
ولا يجوز ذلك
من المحرز في الإناء ولا ممّا يُظنّ الكراهية فيه مطلقاً.
ولو لم ينته
الحفر في النهر والعين إلى الماء بحيث يجري فيه فهو تحجير يُفيد الأولويّة كما مرّ.
(وكذا) يملك الماء (من
احتقن شيئاً من مياه الغيث أو السيل) لتحقّق الإحراز مع نيّة التملّك كإجراء النهر.
ومثله ما لو
أجرى ماء الغيث في ساقية ونحوها إلى مكان بنيّة التملّك ، سواء أحرزها فيه أم لا ،
حتّى لو أحرزها في ملك الغير وإن كان غاصباً للمحرز فيه ، إلّا إذا أجراها ابتداءً
في ملك الغير ، فإنّه لا يفيد ملكاً. مع احتماله كما لو أحرزها في الآنية المغصوبة
بنيّة التملّك.
(ومن
حفر بئراً ملك الماء) الذي يحصل فيه (بوصوله إليه) أي إلى الماء إذا قصد التملّك (ولو قصد الانتفاع) بالماء (والمفارقة
فهو أولى به ما دام نازلاً عليه) فإذا فارقه بطل حقّه. فلو عاد بعد المفارقة ساوى غيره على
__________________
الأقوى. ولو تجرّد عن قصد التملّك والانتفاع فمقتضى القواعد السابقة عدم
الملك والأولويّة معاً كالعابث.
(ومنها
: المعادن)
وهي قسمان : ظاهرةٌ
وهي التي لا يحتاج تحصيلها إلى طلب كالياقوت والبرام
والقير والنفط
والملح والكبريت وأحجار الرحى وطين الغسل ، وباطنةٌ وهي المتوقّف ظهورها على العمل
، كالذهب والفضّة والحديد والنحاس والرصاص والبلّور والفيروزج (فالظاهرة لا تُملك
بالإحياء) لأنّ إحياء المعدن إظهاره بالعمل ، وهو غير متصوّر في
المعادن الظاهرة لظهورها ، بل التحجير أيضاً؛ لأ نّه الشروع بالإحياء. وإدارة نحو
الحائط إحياء للأرض على وجهٍ لا مطلقاً
بل الناس فيها
شَرَع ، الإمام وغيره.
(ولا) يجوز أن (يقطعها
السلطان) العادل لأحد على الأشهر؛ لاشتراك الناس فيها. وربما قيل
بالجواز
نظراً إلى عموم
ولايته ونظره.
(ومن
سبق إليها فله أخذ حاجته) أي أخذ ما شاء وإن زاد عمّا يحتاج إليه؛ لثبوت الأحقّيّة بالسبق ، سواء طال
زمانه أم قصر.
(فإن
توافيا) عليها دفعة واحدة (وأمكن القسمة) بينهما (وجب) قسمة الحاصل بينهما؛ لتساويهما في سبب الاستحقاق وإمكان الجمع بينهما فيه
__________________
بالقسمة ، وإن لم يمكن الجمع بينهما للأخذ من مكان واحد.
هذا إذا لم يزد
المعدن عن مطلوبهما ، وإلّا اُشكل القول بالقسمة؛ لعدم اختصاصهما به حينئذٍ.
(وإلّا) يمكن القسمة بينهما لقلّة المطلوب ، أو لعدم قبوله لها (اُقرع) لاستوائهما في الأولويّة وعدم إمكان الاشتراك واستحالة الترجيح ، فاُشكل
المستحقّ فعُيّن بالقرعة؛ لأنّها لكلّ أمر مشكل ، فمن أخرجته القرعة أخذه أجمع. ولو
زاد عن حاجتهما ولم يمكن أخذهما دفعة لضيق المكان فالقرعة أيضاً وإن أمكن القسمة ،
وفائدتها تقديم من أخرجته في أخذ حاجته.
ومثله ما لو
ازدحم اثنان على نهر ونحوه ولم يمكن الجمع. ولو تغلّب أحدهما على الآخر أثم وملك
هنا ، بخلاف تغلّبه على أولويّة التحجير والماء الذي لا يفي بغرضهما ، والفرق أنّ
الملك مع الزيادة لا يتحقّق بخلاف ما لو لم يزد.
(و) المعادن (الباطنة
تُملك ببلوغ نيلها) وذلك هو
إحياؤها وما دونه تحجير. ولو كانت على وجه الأرض أو مستورة بتراب يسير لا يصدق معه
الإحياء عرفاً لم يُملك بغير الحيازة كالظاهرة.
هذا كلّه إذا
كان المعدن في أرض مباحة ، فلو كان في أرض مملوكة فهو بحكمها. وكذا لو أحيا أرضاً
مواتاً فظهر فيها معدن ، فإنّه يملكه وإن كان ظاهراً ، إلّا أن يكون ظهوره سابقاً
على إحيائه.
وحيث يُملك
المعدن يُملك حريمه ، وهو منتهى عروقه عادةً ومطرح ترابه وطريقه وما يتوقّف عليه
عمله إن عمله عنده. ولو كان المعدن في الأرض المختصّة بالإمام عليه السلام فهو له
تبعاً لها ، والناس في غيره شَرَع على الأقوى. وقد تقدّم الكلام فيه في باب الخمس .
__________________
كتاب الصيد والذباحة
(كتاب الصيد والذباحة
)
(وفيه
فصول) ثلاثة :
(الأوّل)
في آلة الصيد
(يجوز
الاصطياد) بمعنى إثبات الصيد وتحصيله (بجميع آلاته ) التي يمكن تحصيله بها : من السيف والرمح والسهم والكلب والفهد والبازي
والصقر والعقاب والباشَق والشَرَك والحِبالة والشَبَكة والفَخّ والبُندق
وغيرها.
(و) لكن (لا
يؤكل منها) أي من
الحيوانات المصيدة المدلول عليها
__________________
بالاصطياد (ما
لم يُذكّ) بالذبح بعد إدراكه حيّاً ، فلو أدركه بعد رميه ميّتاً أو
مات قبل تذكيته لم يحلّ (إلّاما
قتله الكلب المعلَّم) دون غيره على
أظهر الأقوال
والأخبار .
ويثبت تعليم
الكلب بكونه (بحيث
يسترسل) أي ينطلق (إذا اُرسل وينزجر) ويقف عن الاسترسال (إذا
زُجر ) عنه (ولا
يعتاد أكلَ ما يمسكه) من الصيد (ويتحقّق ذلك) الوصف وهو الاسترسال والانزجار وعدم الأكل (بالتكرار على هذه الصفات) الثلاث مراراً يصدق بها التعليم عليه
عرفاً. فإذا
تحقّق كونه معلَّماً حلَّ مقتوله وإن خلا عن الأوصاف إلى أن يتكرّر فقدها على وجهٍ
يصدق عليه
زوال التعليم
عرفاً ، ثمّ يحرم مقتوله ولا يعود إلى أن يتكرّر اتّصافه بها كذلك ، وهكذا ...
(ولو
أكل نادراً أو لم يسترسل نادراً لم يقدح) في تحقّق التعليم عرفاً ، ولا في زواله بعد حصوله. كما لا يقدح حصول
الأوصاف له نادراً ، وكذا لا يقدح شربه الدم.
__________________
(ويجب) مع ذلك ـ بمعنى الاشتراط ـ اُمور :
(التسمية) للّٰهتعالى من المرسِل (عند إرساله) الكلبَ المعلَّم ، فلو تركها عمداً حرم ، ولو كان نسياناً حلّ إن لم يذكر
قبل الإصابة ، وإلّا اشترط استدراكها عند الذكر ولو مقارنة لها. ولو تركها جهلاً
بوجوبها ، ففي إلحاقه بالعامد أو الناسي ، وجهان : من أنّه عامد ، ومن أنّ الناس
في سعة ممّا لم يعلموا
وألحقه المصنّف
في بعض فوائده بالناسي .
ولو تعمّد
تركها عند الإرسال ثمّ استدركها قبلَ الإصابة ، ففي الإجزاء قولان
أقربهما الإجزاء؛
لتناول الأدلّة له مثل (وَلاٰ
تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اِسْمُ اَللّٰهِ عَلَيْهِ
فَكُلُوا
مِمّٰا أَمْسَكْنَ
عَلَيْكُمْ وَاُذْكُرُوا اِسْمَ اَللّٰهِ)
وقول الصادق
عليه السلام : «كُل ما قتله الكلب إذا سمّيت»
ولأ نّه أقرب
إلى الفعل المعتبر في الذكاة فكان أولى.
__________________
ووجه المنع : دلالة
بعض الأخبار على أنّ محلّها الإرسال
ولأ نّه
إجماعيٌّ ، وغيره مشكوك فيه.
ولا عبرة
بتسمية غير المرسِل.
ولو اشترك في
قتله كلبان معلَّمان اعتبر تسمية مرسليهما ، فلو تركها أحدهما أو كان أحد الكلبين
غيرَ مُرسَل ، أو غيرَ معلَّم لم يحلّ.
والمعتبر من
التسمية هنا وفي إرسال السهم والذبح والنحر ذكر اللّٰه المقترن بالتعظيم؛
لأنّه المفهوم منه ، كأحد التسبيحات الأربع. وفي «اللّهمّ
اغفر لي وارحمني» أو «صلّ على محمّد وآله» قولان
أقربهما
الإجزاء. دون ذكر اللّٰه مجرّداً. مع احتماله؛ لصدق الذكر ، وبه قطع الفاضل .
وفي اشتراط
وقوعه بالعربيّة قولان
من صدق الذكر ،
وتصريح القرآن باسم (اللّٰه) العربي. والأقوى الإجزاء؛ لأنّ المراد من «اللّٰه
تعالى» في الآية الذات ، لا الاسم. وعليه يتفرّع ذكر
اللّٰه تعالى بأسمائه المختصّة به غير «اللّٰه». فعلى الأوّل يُجزئ؛ لصدق الذكر ، دون الثاني. ولكن هذا ممّا لم ينبّهوا
عليه.
__________________
(وأن
يكون المرسل مسلماً ، أو بحكمه) كولده المميّز غير البالغ ذكراً كان أو اُنثى. فلو أرسله الكافر لم يحلّ
وإن سمّى أو كان ذمّيّاً على الأصحّ
وكذا الناصب من
المسلمين والمجسِّم
أمّا غيرهما من
المخالفين ففي حلّ صيده الخلاف الآتي في الذبيحة.
ولا يحلّ صيد
الصبيّ غير المميّز ، ولا المجنون؛ لاشتراط القصد. وأمّا الأعمى فإن تصوّر فيه قصد
الصيد حلّ صيده ، وإلّا فلا.
(وأن
يرسله للاصطياد) فلو استرسل من
نفسه أو أرسله لا للصيد فصادف صيداً فقتله لم يحلّ وإن زاده إغراءً. نعم ، لو زجره
فوقف ثمّ أرسله حلّ.
(وأن
لا يغيب الصيد) عن المُرسِل (وحياته مستقرّة) بأن يمكن أن
__________________
يعيش ولو نصف يوم ، فلو غاب كذلك لم يحلّ؛ لجواز استناد القتل إلى غير
الكلب ، سواء وجد الكلب واقفاً عليه أم لا ، وسواء وجد فيه أثراً غير عضّة الكلب
أم لا ، وسواء تشاغل عنه أم لا. وأولى منه لو تردّى من جبل ونحوه وإن لم يغب ، فإنّ
الشرط موته بجرح الكلب حتّى لو مات بإتعابه أو غمّه لم يحلّ.
نعم ، لو عُلم
انتفاء سبب خارجي ، أو غاب بعد أن صارت حياته غير مستقرّة وصار في حكم المذبوح أو
تردّى كذلك حلّ.
ويشترط مع ذلك
كون الصيد ممتنعاً ، سواء كان وحشيّاً أم أهليّاً ، فلو قتل غير الممتنع من
الفُروخ أو الأهليّة لم يحلّ.
(ويؤكل
أيضاً) من الصيد (ما قتله السيف والرمح والسهم وكلّ ما
فيه نصل) من حديد ، سواء خرق أم لا ، حتّى لو قطعه بنصفين ـ اختلفا
أم اتّفقا تحرّكا أم لا ـ حلّا ، إلّاأن يكون ما فيه الرأس مستقرّ الحياة فيُذكّى
ويحرم الآخر (والمعراضُ)
ونحوُه من
السهام المحدّدة التي لا نَصْلَ فيها (إذا خرق اللحم) فلو قتل معترضاً لم يحلّ ، دون المُثقَل كالحجر والبندق ، فإنّه لا يحلّ
وإن خرق وكان البُندق من حديد. والظاهر أنّ الدُبّوس
بحكمه إلّاأن
يكون محدّداً بحيث يصلح للخرق وإن لم يخرق.
(كلّ
ذلك مع التسمية) عند الرمي أو
بعده قبل الإصابة ، ولو تركها عمداً أو سهواً أو جهلاً فكما سبق .
(والقصد) إلى الصيد ، فلو وقع السهم من يده فقتله ، أو قصد الرمي لا له
__________________
فقتله ، أو قصد خنزيراً فأصاب ظبياً ، أو ظنّه خنزيراً فبان ظبياً ، لم
يحلّ. نعم ، لا يشترط قصد عينه حتّى لو قصد فأخطأ فقتل صيداً آخر حلّ. ولو قصد
محلَّلاً ومحرَّماً حلّ المحلَّل.
(والإسلام) أي إسلام الرامي أو حكمه كما سلف
وكذا يشترط
موته بالجرح ، وأن لا يغيب عنه وفيه حياة مستقرّة وامتناع المقتول كما مرّ .
(ولو
اشترك فيه آلتا مسلم وكافر) أو قاصد وغيره أو مسمٍّ وغيره ، وبالجملة فآلة جامع للشرائط وغيره (لم يحلّ إلّاأن يعلم
أنّ جرح المسلم) ومن بحكمه (أو كلبه) لو كانت الآلة كلبين فصاعداً (هو القاتل) خاصّة وإن كان الآخر معيناً على إثباته.
(ويحرم
الاصطياد بالآلة المغصوبة) لقبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه (و) لكن (لا
يحرم الصيد) بها ويملكه
الصائد (وعليه
اُجرة الآلة) سواء كانت
كلباً أم سلاحاً.
(ويجب
عليه غَسلُ موضع العضّة) من الكلب جمعاً بين نجاسة الكلب ، وإطلاق الأمر بالأكل. وقال الشيخ : لا
يجب لإطلاق الأمر بالأكل منه
من غير أمر
بالغَسل.
وإنّما يحلّ
المقتول بالآلة مطلقاً إذا أدركه ميّتاً أو في حكمه .
__________________
(ولو
أدرك ذو السهم أو الكلب الصيدَ) مع إسراعه إليه حالَ الإصابة (وحياته مستقرّة ذكّاه ، وإلّا) يُسرع أو لم يذكّه (حرم
إن اتّسع الزمان لذبحه) فلم يفعل حتّى
مات. ولو قصُر الزمان عن ذلك فالمشهور حلّه وإن كانت حياته مستقرّة. ولا منافاة
بين استقرار حياته وقصور الزمان عن تذكيته مع حضور الآلة؛ لأنّ استقرار الحياة
مناطه الإمكان ، وليس كلّ ممكن بواقع. ولو كان عدم إمكان ذكاته لغيبة الآلة التي
تقع بها الذكاة أو فقدِها ، بحيث يفتقر إلى زمان طويل عادةً فاتّفق موته فيه لم
يحلّ قطعاً.
(الفصل الثاني)
(في الذباحة)
غُلِّب العنوان
عليها مع كونها أخصّ ممّا يُبحث عنه في الفصل ـ فإنّ النحر وذكاة السمك ونحوه
خارج عنها ـ تجوّزاً
في بعض الأفراد أو أشهرها ، ولو جعل العنوان (الذكاة) كما صنع في الدروس
كان أجود؛
لشموله الجميع.
(ويشترط
في الذابح الإسلام أو حكمه) وهو طفله المميّز ، فلا تحلّ ذبيحة الكافر مطلقاً ، وثنيّاً كان أم ذمّيّاً
سُمِعت تسميته أم لا على أشهر الأقوال .
وذهب جماعة إلى
حِلّ ذبيحة الذمّي إذا سُمِعت تسميته.
وآخرون إلى حلّ
ذبيحة غير المجوسي مطلقاً
وبه أخبار
__________________
صحيحة
معارضة بمثلها
وحملت على
التقيّة ، أو الضرورة .
(ولا
يشترط الإيمان) على الأصحّ؛
لقول أمير المؤمنين عليه السلام : «من دان بكلمة
الإسلام وصام وصلّى فذبيحته لكم حلال إذا ذكر اسم اللّٰه عليه»
ومفهوم الشرط :
أنّه إذا لم يذكر اسم اللّٰه عليه
لم يحلّ.
وهل يشترط مع
الذكر اعتقاد وجوبه؟ قولان
من صدق ذكر اسم
اللّٰه عليه وأصالة عدم الاشتراط ، ومن اشترطه
اعتبر إيقاعه على وجهه كغيره من العبادات الواجبة. والأوّل أقوى.
وحيث لم يعتبر
الإيمان صحّ مع مطلق الخلاف (إذا
لم يكن بالغاً حدّ النصب) لعداوة أهل البيت عليهم السلام فلا تحلّ حينئذٍ ذبيحته؛ لرواية أبي بصير عن
أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : (ذبيحة الناصب لا تحلّ)
ولارتكاب
الناصب خلاف ما هو المعلوم من دين النبيّ صلى الله عليه وآله ثبوته ضرورةً ، فيكون
كافراً ، فيتناوله ما دلّ على تحريم ذبيحة الكافر. ومثله الخارجيّ والمجسِّم.
__________________
وقصّر جماعة
الحلّ على ما
يذبحه المؤمن؛ لقول الكاظم عليه السلام لزكريّا بن آدم : «إنّي
أنهاك عن ذبيحة من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك ، إلّا في وقت الضرورة إليه»
ويحمل على
الكراهة بقرينة الضرورة ، فإنّها أعمّ من وقت تحلّ فيه الميتة ، ويمكن حمل النهي
الوارد في جميع الباب عليه عليها
جمعاً ، ولعلّه
أولى من الحمل على التقيّة و
الضرورة.
(ويحلّ
ما تذبحه المسلمة والخصيّ) والمجبوب (والصبيّ
المميّز) دون المجنون ، ومن لا تميّز له
لعدم القصد (والجنب) مطلقاً (والحائض) والنفساء؛ لانتفاء المانع مع وجود المقتضي للحلّ.
(والواجب
في الذبيحة اُمور سبعة) :
الأوّل : (أن يكون) فري الأعضاء (بالحديد) مع القدرة عليه؛ لقول الباقر عليه السلام : (لا ذكاة إلّابالحديد)
(فإن
خيف فوت الذبيحة) بالموت وغيره (وتعذّر الحديد جاز
بما يفري الأعضاء من لَيطة) وهي القشر الأعلى
__________________
للقَصَب المتّصل به (أو
مَروة حادّة) وهي حجر يقدح
النار (أو
زجاجة) مخيَّر في ذلك من غير ترجيح ، وكذا ما أشبهها من الآلات
الحادّة غير الحديد؛ لصحيحة زيد الشحّام عن الصادق عليه السلام قال : «اذبح
بالحجر وبالعظم وبالقصبة وبالعود إذا لم تُصِب الحديد ، إذا قُطع الحلقوم وخرج
الدم فلا بأس»
وفي حسنة عبد
الرحمن عن الكاظم عليه السلام قال : «سألته
عن المروة والقَصَبة والعود نذبح بها إذا لم نجد سكّيناً؟ قال : إذا فُري الأوداج
فلا بأس بذلك» .
(وفي
الظُفر والسِنّ) متّصلين
ومنفصلين (للضرورة
قول بالجواز)
لظاهر الخبرين
السالفين ، حيث اعتبر فيهما قطع الحلقوم ، وفري الأوداج ، ولم يعتبر خصوصيّة
القاطع ، وهو موجود فيهما.
ومنعه الشيخ في
الخلاف
محتجّاً
بالإجماع ورواية رافع بن خديج «أنّ النبيّ صلى الله
عليه وآله قال : ما اُنهر
الدم وذُكر اسم اللّٰه عليه فكلوا إلّاما كان من سنّ أو ظفر وساُحدّثكم عن
ذلك ، أمّا السنّ فعظم ، وأمّا الظفر فمُدى الحبشة»
والرواية
عامّيّة ، والإجماع ممنوع.
نعم ، يمكن أن
يقال مع اتّصالهما : إنّه يخرج عن مسمّى الذبح ، بل هو أشبه
__________________
بالأكل والتقطيع. واستقرب المصنّف في الشرح المنع منهما مطلقاً .
وعلى تقدير
الجواز هل يساويان غيرهما ممّا يفري غير الحديد ، أو يترتّبان على غيرهما مطلقاً ؟ مقتضى استدلال المجوّز بالحديثين ، الأوّل. وفي الدروس استقرب الجواز بهما
مطلقاً مع عدم غيرهما
وهو الظاهر من
تعليقه الجواز بهما هنا على الضرورة؛ إذ لا ضرورة مع وجود غيرهما. وهذا هو الأولى.
(الثاني
: استقبال القبلة) بالمذبوح ، لا استقبال الذابح. والمفهوم من استقبال المذبوح الاستقبال
بمقاديم بدنه ، ومنه مذبحه.
وربما قيل
بالاكتفاء باستقبال المذبح خاصّة
وصحيحة محمّد
بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال :
«سألته عن الذبيحة ، فقال : استقبل بذبيحتك القبلة» الحديث
تدلّ على
الأوّل.
هذا (مع الإمكان) ومع التعذّر لاشتباه الجهة أو الاضطرار ـ لتردّي الحيوان أو استعصائه أو
نحوه ـ يسقط (ولو
تركها ناسياً فلا بأس) للأخبار
الكثيرة .
وفي الجاهل
وجهان ، وإلحاقه بالناسي حسن. وفي حسنة محمّد بن مسلم ،
__________________
قال : «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل ذبح
ذبيحة فجهل أن يوجّهها إلى القبلة ، قال : كُلْ منها» .
(الثالث
: التسمية) عند الذبح (وهي
أن يذكر اسم اللّٰه تعالى) كما سبق
فلو تركها
عمداً فهي ميتة إذا كان معتقداً لوجوبها. وفي غير المعتقد وجهان ، وظاهر الأصحاب
التحريم لقطعهم؛ باشتراطها من غير تفصيل.
واستشكل
المصنّف ذلك ، لحكمهم بحلّ ذبيحة المخالف على الإطلاق ما لم يكن ناصباً ، ولا ريب
أنّ بعضهم لا يعتقد وجوبها .
ويمكن دفعه
بأنّ حكمهم بحلّ ذبيحته من حيث هو مخالف ، وذلك لا ينافي تحريمها من حيث الإخلال
بشرط آخر.
نعم ، يمكن أن
يقال : بحلّها منه عند اشتباه الحال ، عملاً بأصالة الصحّة وإطلاق الأدلّة ، وترجيحاً
للظاهر من حيث رجحانها عند من لا يوجبها ، وعدم اشتراط اعتقاد الوجوب ، بل المعتبر
فعلها كما مرّ
وإنّما يحكم
بالتحريم مع العلم بعدم تسميته. وهذا حسن. ومثله القول في الاستقبال.
(ولو
تركها ناسياً حلّ) للنصّ
وفي الجاهل
الوجهان. ويمكن إلحاق
__________________
المخالف الذي لا يعتقد وجوبها بالجاهل؛ لمشاركته له في المعنى ، خصوصاً
المقلّد منهم.
(الرابع
: اختصاص الإبل بالنحر) وذكره في باب شرائط الذبح استطراد أو تغليب لاسم الذبح
على ما يشمله (وما
عداها) من الحيوان القابل للتذكية غير ما يستثنى (بالذبح ، فلو عكس) فذبح الإبل ، أو جمع بين الأمرين ، أو نحر ما عداها مختاراً (حرم) ومع الضرورة كالمستعصي يحلّ كما يحلّ طعنه كيف اتّفق ، ولو استدرك الذبح
بعد النحر أو بالعكس احتمل التحريم؛ لاستناد موته إليهما ، وإن كان كلّ منهما
كافياً في الإزهاق لو انفرد.
وقد حكم
المصنّف
وغيره
باشتراط استناد
موته إلى الذكاة خاصّة ، وفرّعوا عليه أنّه لو شرع في الذبح فنزع آخَرُ حشوتَه
معاً فميتة. وكذا
كلّ فعل لا تستقرّ معه الحياة وهذا منه. والاكتفاء
بالحركة بعد
الفعل المعتبر أو خروج الدم المعتدل ، كما سيأتي.
(الخامس
: قطع الأعضاء الأربعة) في المذبوح (وهي المريء) بفتح الميم والهمز آخره (وهو
مجرى الطعام) والشراب
المتّصل بالحلقوم
__________________
(والحلقوم) بضمّ الحاء (وهو
للنَفَس) أي المعدّ لجريه فيه (والوَدَجان وهما عرقان يكتنفان الحلقوم) فلو قطع بعض هذه لم يحلّ وإن بقي يسير.
وقيل : يكفي
قطع الحلقوم
لصحيحة زيد
الشحّام عن الصادق عليه السلام : «إذا قطع الحلقوم
وجرى الدم فلا بأس»
وحُملت على
الضرورة؛ لأنّها وردت في سياقها مع معارضتها بغيرها .
ومحلّ الذبح
الحلق تحت اللحيين ، ومحلّ النحر وهدة اللَبّة (و) لا يعتبر فيه قطع الأعضاء ، بل (يكفي في المنحور طعنة في وهدة اللَبّة) وهي ثغرة النحر بين الترقوتين ، وأصل الوهدة : المكان المطمئنّ ، وهو
المنخفض ، واللَبّة ـ بفتح اللام وتشديد الباء ـ المنحر. ولا حدّ للطعنة طولاً ولا
عرضاً ، بل المعتبر موته بها خاصّة.
(السادس
: الحركة بعد الذبح) أو النحر ، ويكفي مسمّاها في بعض الأعضاء كالذَنَب والاُذن ، دون التقلّص
والاختلاج ، فإنّه قد يحصل في اللحم المسلوخ (أو خروج الدم المعتدل) وهو الخارج بدفع لا المتثاقل. فلو انتفيا حرم؛ لصحيحة الحلبي
على الأوّل
ورواية الحسين بن مسلم
على الثاني.
__________________
واعتبر جماعة
اجتماعهما
وآخرون الحركة
وحدها لصحّة روايتها وجهالة الاُخرى بالحسين. وهو الأقوى. وصحيحة
الحلبي وغيرها
مصرّحة
بالاكتفاء في الحركة بطرف العين ، أو تحريك الذَنَب أو الاُذُن ، من غير اعتبار
أمر آخر.
ولكنّ المصنّف
هنا وغيره من المتأخّرين
اشترطوا مع ذلك
أمراً آخر كما نبّه عليه بقوله : (ولو علم عدم استقرار الحياة حرم) ولم نقف لهم فيه على مستند ، وظاهر القدماء كالأخبار الاكتفاء بأحد الأمرين
أو بهما من غير اعتبار استقرار الحياة. وفي الآية إيماء إليه وهي قوله تعالى : (حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةُ وَاَلدَّمُ) إلى قوله : (إِلاّٰ
مٰا ذَكَّيْتُمْ)
ففي صحيحة
زرارة عن الباقر عليه السلام في تفسيرها : «إن أدركت شيئاً منها عين تطرف أو قائمة
تركض ، أو ذَ نَب يمصع فقد
__________________
أدركت ذكاته ، فكله)
ومثلها أخبار
كثيرة .
قال المصنّف في
الدروس : وعن يحيى
أنّ اعتبار
استقرار الحياة ليس من المذهب ، ونعم ما قال
وهذا خلاف ما
حكم به هنا. وهو الأقوى.
فعلى هذا يعتبر
في المشرف على الموت وأكيل السبع وغيره ، الحركة بعد الذبح وإن لم يكن مستقرّ
الحياة. ولو اعتبر معها خروج الدم المعتدل كان أولى.
(السابع
: متابعة الذبح حتّى يستوفي) قطع الأعضاء ، فلو قطع البعض وأرسله ثمّ تمّمه أو تثاقل
بقطع البعض حرم إن لم يكن في الحياة استقرار؛ لعدم صدق الذبح مع التفرقة كثيراً؛
لأنّ الأوّل غير محلِّل ، والثاني يجري مجرى التجهيز على الميّت.
ويشكل مع صدق
اسم الذبح عرفاً
ويمكن استناد
الإباحة إلى
الجميع ، ولولاه لورد مثله مع التوالي. واعتبار استقرار الحياة ممنوع ، والحركة
اليسيرة الكافية مصحّحة فيهما
مع أصالة
الإباحة إذا صدق اسم الذبح. وهو الأقوى.
__________________
(و) على القولين
(لا
تضرّ التفرقة اليسيرة) التي لا تخرج
عن المتابعة عادة.
(ويستحبّ
نحر الإبل قد رُبطت أخفافها) أي أخفاف يديها (إلى
آباطها) بأن يربطهما معاً مجتمعين من الخفّ إلى الآباط. ورُوي أنّه
يعقل يدها اليسرى من الخفّ إلى الرُكبة ويوقفها على
اليمنى
وكلاهما حسن (واُطلقت أرجُلها
والبقر تُعقل يداه ورجلاه ويطلق ذنبه. والغنم تُربط يداه ورجل واحدة) وتطلق الاُخرى (ويُمسك
صوفه وشعره ووَبرَه حتّى يبرد) وفي رواية حمران ابن أعين (إن كان من الغنم فأمسك صوفه أو شعره
ولا تمسكن يداً ولا رجلاً)
والأشهر الأوّل
(والطير
يذبح ويرسل) ولا يُمسك ولا
يُكتف.
(ويُكره
أن تنخع الذبيحة) وهو أن يقطع
نخاعها قبل موتها ، وهو الخيط الأبيض الذي وسط الفقار ـ بالفتح ـ ممتدّاً من
الرقبة إلى عَجْب الذنب ـ بفتح العين وسكون الجيم ـ وهو أصله.
وقيل : يحرم
لصحيحة الحلبي
قال : قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام : «لا
تنخع الذبيحة حتّى تموت فإذا ماتت فانخعها»
والأصل في
النهي التحريم. وهو
__________________
الأقوى ، واختاره في الدروس
نعم لا تحرم
الذبيحة على القولين.
(وأن
يقلب السكّين) بأن يُدخِلها
تحت الحلقوم وباقي الأعضاء (فيذبح
إلى فوق) لنهي الصادق عليه السلام عنه في رواية حمران بن أعين ، ومن
ثَمّ قيل بالتحريم
حملاً للنهي
عليه.
وفي السند من
لا تثبت عدالته
فالقول
بالكراهة أجود.
(والسلخ
قبل البرد) لمرفوعة محمّد
بن يحيى عن الرضا عليه السلام : (إذا
ذُبِحت وسُلخت ، أو سُلخ شيء منها قبل أن تموت فليس يحلّ أكلها) .
وذهب جماعة
ـ منهم المصنّف
في الدروس والشرح
ـ إلى تحريم
__________________
الفعل ، استناداً إلى تلازم تحريم الأكل وتحريم الفعل. ولا يخفى منعه ، بل
عدم دلالته على التحريم والكراهة.
نعم ، يمكن
الكراهة من حيث اشتماله على تعذيب الحيوان على تقدير شعوره ، مع أنّ سلخه قبل برده
لا يستلزمه؛ لأنّه أعمّ من قبليّة الموت ، وظاهرهم أنّهما متلازمان. وهو ممنوع ، ومن
ثَمّ جاز تغسيل ميّت الإنسان قبل برده ، فالأولى تخصيص الكراهة بسلخه قبل موته.
(وإبانة
الرأس عمداً) حالةَ الذبح؛
للنهي عنه في صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام : (لا تنخع ، ولاتقطع
الرقبة بعدما تذبح) .
(وقيل) والقائل الشيخ في النهاية
وجماعة
(بالتحريم) لاقتضاء النهي له مع صحّة الخبر. وهو الأقوى. وعليه هل تحرم الذبيحة؟ قيل :
نعم لأنّ الزائد عن قطع الأعضاء يخرجه عن كونه ذبحاً شرعيّاً
، فلا يكون مبيحاً.
ويُضعّف بأنّ
المعتبر في الذبح قد حصل ، فلا اعتبار بالزائد. وقد روى الحلبي في الصحيح عن
الصادق عليه السلام حيث سئل عن ذبح طير قطع رأسه أيؤكل منه؟ قال : «نعم
ولكن لا يتعمّد قطع رأسه»
وهو نصّ ، ولعموم
قوله تعالى :
__________________
(فَكُلُوا
مِمّٰا ذُكِرَ اِسْمُ اَللّٰهِ عَلَيْهِ)
فالمتّجه تحريم
الفعل ، دون الذبيحة فيه ، وفي كلّ ما حُرّم سابقاً.
ويمكن أن يكون
القول المحكيّ بالتحريم متعلّقاً بجميع ما ذُكر مكروهاً؛ لوقوع الخلاف فيها أجمع ،
بل قد حرّمها المصنّف في الدروس إلّا «قلب
السكّين» فلم يحكم فيه بتحريم ولا غيره ، بل اقتصر على نقل الخلاف
.
(وإنّما
تقع الذكاة على حيوان طاهر العين ، غير آدمي ولا حِشار) وهي ما سكن الأرض من الحيوان
كالفأر والضبّ
وابن عرس
(ولا
تقع على الكلب والخنزير) إجماعاً (ولا
على الآدمي وإن كان كافراً) إجماعاً (ولا
على الحشرات) على الأظهر؛
للأصل؛ إذ لم يرد بها نصّ (وقيل
: تقع)
وهو شاذّ.
(والظاهر
وقوعها على المسوخ والسباع) لرواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام :
«أنّه سئل عن سباع الطير والوحش حتّى ذكر القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل
، فقال : ليس الحرام إلّاما حرّمه اللّٰه في كتابه»
وليس المراد
نفي تحريم الأكل؛ للروايات الدالّة على تحريمه
فيبقى عدم
تحريم
__________________
الذكاة. وروى حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : «كان
رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله عزوف النفس
وكان يكره الشيء ولا يحرّمه ، فاُتي بالأرنب فكرهها ولم يحرّمها»
وهو محمول
أيضاً على عدم تحريم ذكاتها وجلودها ، جمعاً بين الأخبار
والأرنب من
جملة المسوخ ، ولا قائل بالفرق بينها.
وروى سماعة قال
: «سألته عن لحوم السباع
وجلودها؟ فقال : أمّا اللحوم فدعها ، وأمّا الجلود فاركبوا عليها ، ولا تصلّوا
فيها»
والظاهر أنّ
المسؤول الإمام. ولا يخفى بُعد هذه الأدلّة.
نعم قال
المصنّف في الشرح : إنّ القول الآخر في السباع لا نعرفه لأحد منّا
والقائلون بعدم
وقوع الذكاة على المسوخ أكثرهم علّلوه بنجاستها
وحيث ثبت
طهارتها في محلّه توجّه القول بوقوع الذكاة عليها إن تمّ ما سبق .
ويستثنى من المسوخ
الخنازير؛ لنجاستها ، والضبّ والفأر والوزغ؛ لأنّها
__________________
من الحِشار ، وكذا ما في معناها .
وروى الصدوق
بإسناده إلى أبي عبد اللّٰه عليه السلام «أنّ
المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفاً : القردة والخنازير والخفّاش والذئب والدبّ
والفيل والدعموص والجريث والعقرب وسهيل والزهرة والعنكبوت والقنفذ». قال الصدوق رحمه الله : والزهرة وسهيل دابّتان وليستا
نجمين ، ولكن سُمّي بهما النجمان ، كالحمل والثور. قال : والمسوخ جميعها لم تبق
أكثر من ثلاثة أيّام ثمّ ماتت ، وهذه الحيوانات على صورها سُمّيت مسوخاً استعارة .
ورُوي عن الرضا
عليه السلام زيادة الأرنب والفأرة والوزغ والزنبور
ورُوي إضافة
الطاووس .
والمراد
بالسباع : الحيوان المفترس ، كالأسد والنمر والفهد والثعلب والهرّ.
__________________
(الثالث)
(في اللواحق)
(وفيه مسائل)
الاُولى :
(ذكاة
السمك) المأكول (إخراجه من الماء
حيّاً) بل إثبات اليد عليه خارج الماء حيّاً وإن لم يخرجه منه ،
كما نبّه عليه قوله : (ولو
وثب فأخرجه حيّاً ، أو صار خارج الماء) بنفسه (فأخذه
حيّاً حلّ ، ولا يكفي) في حِلّه (نظره) قد خرج من الماء حيّاً ثمّ مات على أصحّ القولين
لقول أبي عبد
اللّٰه عليه السلام في حسنة الحلبي : «إنّما
صيد الحيتان أخذه»
وهي للحصر. وروى
عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام قال : «سألته عن سمكة وثبت من نهر فوقعت
على الجُدّ
__________________
من النهر فماتت أيصلح أكلها؟ قال : إن أخذتها قبل أن تموت ثمّ ماتت فكلها ،
وإن ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها» .
وقيل : يكفي في
حلّه خروجه من الماء وموته خارجه ، وإنّما يحرم بموته في الماء
لرواية سَلَمة
أبي حفص عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «أنّ
عليّاً صلوات اللّٰه عليه كان يقول في الصيد والسمك : إذا أدركها وهي تضطرب
وتضرب بيديها ، وتُحرّك ذَنَبها ، وتطرف بعينها فهي ذكاته»
وروى زرارة قال
: قلت : «السمكة تثب من الماء فتقع على الشطّ
فتضطرب حتّى تموت؟ فقال : كُلها» .
ولحلِّه
بصيد المجوسي
مع مشاهدة المسلم له كذلك ، وصيده لا اعتبار به وإنّما الاعتبار بنظر المسلم.
ويضعَّف بأنّ
سَلَمة مجهول أو ضعيف. ورواية زرارة مقطوعة مرسلة. والقياس على صيد المجوس فاسد؛
لجواز كون سبب الحِلّ أخذ المسلم أو نظره مع كونه تحت يدٍ؛ إذ لا يدلّ الحكم على
أزيد من ذلك. وأصالة عدم التذكية مع ما سلف تقتضي العدم.
(ولا
يشترط في مُخرجه الإسلام) على الأظهر (لكن
يشترط حضور مسلم عنده) يشاهده قد
اُخرج حيّاً ومات خارج الماء (في
حِلّ أكله) للأخبار
الكثيرة الدالّة عليه :
منها : صحيحة
الحلبي قال : «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام
عن صيد الحيتان وإن
__________________
لم يُسمَّ ، فقال :
لا بأس به ، وسألته عن صيد المجوس السمك ، آكله؟ فقال : ما كنت لآكله حتّى أنظر
إليه» .
وفي رواية
اُخرى له عنه عليه السلام «أنّه سُئل عن صيد
المجوس حين يضربون بالشباك ويسمّون بالشرك ، فقال : لا بأس بصيدهم إنّما صيد
الحيتان أخذه» . ومطلق الثاني
محمول على
مشاهدة المسلم له جمعاً.
ويظهر من الشيخ
في الاستبصار المنع منه إلّاأن يأخذه المسلم منه حيّاً
لأ نّه حمل
الأخبار على ذلك. ومن المفيد
وابن زهرة
المنع من صيد
غير المسلم له مطلقاً ، إمّا لاشتراط الإسلام في التذكية ، وهذا منه ، أو لما في
بعض الأخبار من اشتراط أخذ المسلم له منهم حيّاً
فيكون إخراجهم
له بمنزلة وُثوبه من الماء بنفسه إذا أخذه المسلم.
والمذهب هو
الأوّل ، والقول في اعتبار استقرار الحياة بعد إخراجه كما سبق
والمصنّف في
الدروس مع ميله إلى عدم اعتباره ثَمَّ
جزم باشتراطه
هنا.
__________________
(ويجوز
أكله حيّاً) لكونه مذكّى
بإخراجه من غير اعتبار موته بعد ذلك. بخلاف غيره من الحيوان ، فإنّ تذكيته مشروطة
بموته بالذبح أو النحر ، أو ما في حكمهما .
وقيل : لا يباح
أكله حتّى يموت كباقي ما يُذكّى
ومن ثَمَّ لو
رجع إلى الماء بعد إخراجه فمات فيه لم يحلّ ، فلو كان مجرّد إخراجه كافياً لما حرم
بعده. ويمكن خروج هذا الفرد بالنصّ عليه ، وقد عُلّل فيه بأ نّه مات فيما فيه
حياته فيبقى ما دلّ على أنّ ذكاته إخراجه خالياً عن المعارض.
(ولو
اشتبه الميّت) منه (بالحيّ في الشبكة
وغيرها حرم الجميع) على الأظهر؛
لوجوب اجتناب الميّت المحصور الموقوف على اجتناب الجميع ، ولعموم قول الصادق عليه
السلام : «ما مات في الماء فلا تأكله ، فإنّه مات
فيما فيه حياته» .
وقيل : يحلّ
الجميع إذا كان في الشبكة أو الحظيرة مع عدم تميّز الميّت؛ لصحيحة الحلبي
وغيرها
الدالّة على
حلّه مطلقاً ، بحمله على الاشتباه جمعاً.
وقيل : يحلّ
الميّت في الشبكة والحظيرة وإن تميّز
للتعليل في
النصّ
__________________
بأ نّهما لمّا عُملا للاصطياد جرى ما فيهما مجرى المقبوض باليد .
(الثانية) :
(ذكاة
الجراد أخذه) حيّاً باليد أو الآلة (ولو
كان الآخذ) له (كافراً) إذا شاهده المسلم كالسمك. وقول ابن زهرة هنا كقوله في السمك .
هذا (إذا استقلّ بالطيران) وإلّا لم يحلّ ، وحيث اعتبر في تذكيته أخذه حيّاً (فلو أحرقه قبل أخذه
حرم) وكذا لو مات في الصحراء أو في الماء قبل أخذه وإن أدركه
بنظره ، ويباح أكله حيّاً وبما فيه كالسمك (ولا يحلّ الدَبا) ـ بفتح الدال مقصوراً ـ وهو الجراد قبل أن يطير وإن ظهر
جناحه ، جمع (دَباة) بالفتح أيضاً.
(الثالثة) :
(ذكاةُ
الجنين ذكاةُ اُمّه) هذا لفظ الحديث النبويّ
وعن أهل البيت
عليهم السلام مثله .
والصحيح روايةً
وفتوىً أنّ «ذكاة» الثانية مرفوعةٌ خبراً عن الاُولى ، فتنحصر ذكاته في ذكاتها؛ لوجوب انحصار
المبتدأ في خبره ، فإنّه إمّا مساوٍ أو أعمّ وكلاهما يقتضي الحصر. والمراد بالذكاة
هنا السبب المحلِّل للحيوان كذكاة السمك والجراد. وامتناع «ذكّيت
الجنين» إن صحّ فهو
محمول على
__________________
المعنى الظاهر ، وهو فري الأعضاء المخصوصة. أو يقال : إنّ إضافة المصادر
تخالف إضافة الأفعال؛ للاكتفاء فيها بأدنى ملابسة ، ولهذا صحّ «وللّٰه
على الناسِ حِجُّ البيت» و «صومُ رمضان» ولم يصحّ «حَجّ البيتُ» و «صام رمضانُ» بجعلهما فاعلين.
وربما أعربها
بعضهم بالنصب على المصدر ، أي ذكاته كذكاة اُمّه ، فحُذف
الجارّ ونُصب مفعولاً. وحينئذٍ فتجب تذكيته كتذكيتها.
وفيه مع
التعسّف ، مخالفته لرواية الرفع ، دون العكس؛ لإمكان كون الجارّ المحذوف «في) أي داخلة في ذكاة اُمّه جمعاً بين الروايتين ، مع أنّه الموافق لرواية أهل
البيت عليهم السلام وهم أدرى بما في البيت ، وهو في أخبارهم كثير صريح فيه. ومنه
قول الصادق عليه السلام وقد سُئل عن الحُوار
تُذكّى اُمّه
أيؤكل بذكاتها؟ فقال : «إذا كان تامّاً ونبت
عليه الشعر فكل»
وعن الباقر
عليه السلام أنّه قال في الذبيحة تذبح وفي بطنها ولد ، قال : «إن
كان تامّاً فكله فإنّ ذكاته ذكاة اُمّه ، وإن لم يكن تامّاً فلا تأكله» .
وإنّما يجوز
أكله بذكاتها (إذا
تمّت خلقته) وتكاملت أعضاؤه
وأشعر أو أوبر ، كما دلّت عليه الأخبار
(سواء
ولجته الروح أو لا ، وسواء اُخرج ميّتاً
__________________
أو) اُخرج (حيّاً
غير مستقرّ الحياة) لأنّ غير
مستقرّها بمنزلة الميّت ، ولإطلاق النصوص بحِلّه إذا كان تامّاً .
(ولو
كانت) حياته (مستقرّة
ذُكّي) لأنّه حيوان حيّ فيتوقّف حِلّه على التذكية ، عملاً
بعموم النصوص الدالّة عليها إلّاما أخرجه الدليل الخاصّ. وينبغي في غير المستقرّ
ذلك؛ لما تقدّم من عدم اعتبارها
في حلّ المذبوح.
هذا إذا اتّسع
الزمان لتذكيته. أمّا لو ضاق عنها ففي حلّه وجهان : من إطلاق الأصحاب وجوب تذكية
ما خرج مستقرّ الحياة
ومن تنزيله
منزلة غير مستقرّها؛ لقصور زمان حياته ودخوله في عموم الأخبار الدالّة على حلّه
بتذكية اُمّه إن لم يدخل مطلق الحيّ.
ولو لم تتمّ
خلقته فهو حرام. واشترط جماعة مع تمام خلقته أن لا تلجه الروح
وإلّا افتقر
إلى تذكيته مطلقاً ، والأخبار مطلقة ، والفرض بعيد؛ لأنّ الروح لا تنفكّ عن تمام
الخلقة عادّة.
وهل تجب
المبادرة إلى إخراجه بعد موت المذبوح ، أم يكفي إخراجه المعتاد بعد كشط جلده عادة؟
إطلاق الأخبار والفتوى يقتضي العدم. والأوّل أولى.
__________________
(الرابعة) :
(ما
يثبت في آلة الصيّاد)
من الصيود
المقصودة بالصيد يملكه لتحقّق الحيازة والنيّة. هذا إذا نصبها بقصد الصيد ـ كما هو
الظاهر ـ ليتحقّق قصد التملّك.
وحيث (يملكه) يبقى ملكه عليه (ولو
انفلت بعد) ذلك؛ لثبوت
ملكه فلا يزول بتعذّر قبضه ، كإباق العبد وشرود الدابّة. ولو كان انفلاته باختياره
ناوياً قطع ملكه عنه ، ففي خروجه عن ملكه قولان
من الشكّ في
كون ذلك مخرجاً عن الملك مع تحقّقه فيستصحب ، ومن كونه بمنزلة الشيء الحقير من
ماله إذا رماه مهملاً له.
ويضعَّف بمنع
خروج الحقير عن ملكه بذلك وإن كان ذلك إباحة لتناول غيره ، فيجوز الرجوع فيه ما
دام باقياً.
وربما قيل
بتحريم أخذ الصيد المذكور مطلقاً
وإن جاز أخذ
اليسير من المال؛ لعدم الإذن شرعاً في إتلاف المال مطلقاً إلّاأن تكون قيمته يسيرة.
(ولا
يملك ما عشّش في داره ، أو وقع في موحلته أو وثب إلى سفينته) لأنّ ذلك لا يعدّ آلة للاصطياد ، ولا إثباتاً لليد.
__________________
نعم ، يصير
أولى به من غيره ، فلو تخطّى الغير إليه فعل حراماً ، وفي ملكه له بالأخذ قولان
من أنّ
الأولويّة لا تفيد الملك فيمكن تملّكه بالاستيلاء ، ومن تحريم الفعل فلا يترتّب
عليه حكم الملك شرعاً. وقد تقدّم مثله في أولويّة التحجير وأنّ المتخطّي لا يملك
وفيه نظر. ولو
قصد ببناء الدار احتباس الصيد أو تعشيشه ، وبالسفينة وثوب السمك ، وبالموحلة
توحّله ، ففي الملك به وجهان : من انتفاء كون ذلك آلة للاصطياد عادة ، وكونه مع
القصد بمعناه. وهو الأقوى. ويملك الصيد بإثباته ، بحيث يسهل تناوله وإن لم يقبضه
بيده أو بآلته.
(ولو
أمكن الصيد التحامل) بعد إصابته (عَدْواً أو طيراناً
بحيث لا يدركه إلّابسرعة شديدة فهو باقٍ على الإباحة) لعدم تحقّق إثبات اليد عليه ببقائه على الامتناع وإن ضعفت قوّته ، وكذا لو
كان له قوّة على الامتناع بالطيران والعَدْو فأبطل أحدهما خاصّة؛ لبقاء الامتناع
في الجملة المنافي لليد.
(الخامسة) :
(لا
يُملك الصيد المقصوص أو ما عليه أثر الملك) لدلالة القصّ والأثر على مالك سابق ، والأصل بقاؤه.
ويشكل بأنّ مطلق
الأثر إنّما يدلّ على المؤثّر ، أمّا المالك فلا؛ لجواز وقوعه من غير مالك ، أو
ممّن لا يصلح للتملّك ، أو ممّن لا يحترم ماله ، فكيف يحكم
__________________
بمجرّد الأثر لمالك
محترم؟ مع أنّه
أعمّ والعامّ لا يدلّ على الخاصّ.
وعلى المشهور
يكون مع الأثر لقطة ، ومع عدم الأثر فهو لصائده وإن كان أهليّاً كالحمام؛ للأصل ، إلّاأن
يعرف مالكه فيدفعه إليه.
__________________
كتاب الأطعمة والأشربة
(كتاب الأطعمة
والأشربة)
(إنّما
يحلّ من حيوان البحر سمك له فَلْس وإن زال عنه) في بعض الأحيان (كالكنعت) ويقال : الكنعد ـ بالدال المهملة ـ ضرب من السمك له فَلْس ضعيف يحتكّ
بالرمل فيذهب عنه ثمّ يعود (ولا
يحلّ الجرّي ) ـ بالجيم المكسورة فالراء المهملة المشدّدة المكسورة ـ ويقال
: الجرّيث بالضبط الأوّل مختوماً بالثاء المثلّثة (والمارماهي) ـ بفتح الراء ـ فارسي معرَّب وأصلها حيّة السمك (والزهو ) بالزاي المعجمة فالهاء الساكنة (على قول) الأكثر
__________________
وبه أخبار
لا تبلغ حدّ
الصحّة ، وبحلّها أخبار صحيحة
حملت على
التقيّة .
ويمكن حمل
النهي على الكراهة ، كما فعل الشيخ في موضع من النهاية
إلّا أنّه رجع
في موضع آخر وحكم بقتل مستحلّها
وحكايته قولاً
مشعرة بتوقّفه ، مع أنّه رجّح في الدروس التحريم
وهو الأشهر.
(ولا
السلحفاة) بضمّ السين المهملة وفتح اللام فالحاء المهملة الساكنة
فالفاء المفتوحة والهاء بعد الألف (والضفدع) ـ بكسر الضاد والدال المهملة ـ مثال خِنصِر (والصرطان) ـ بفتح الصاد والراء ـ وغيرها من حيوان البحر وإن كان
جنسه في البرّ حلالاً سوى السمك المخصوص (ولا الجلّال من السمك) وهو الذي اغتذى العذرة محضاً حتّى نما بها كغيره (حتّى يُستبرأ بأن
يُطعم علفاً طاهراً) مطلقاً
على الأقوى (في الماء) الطاهر (يوماً
وليلة) رُوي ذلك عن الرضا عليه السلام بسند ضعيف
وفي الدروس : أنّه
يستبرأ يوماً إلى الليل
ثمّ نقل
__________________
الرواية وجعلها أولى.
ومستند اليوم
رواية القاسم بن محمّد الجوهري
وهو ضعيف أيضاً
. إلّاأنّ الأشهر الأوّل ، وهو المناسب ليقين البراءة واستصحاب حكم التحريم
إلى أن يعلم المزيل.
ولولا الإجماع
على عدم اعتبار أمر آخر في تحليله ، لما كان ذلك قاطعاً للتحريم؛ لضعفه.
(والبيض
تابع) للسمك في الحلّ والحرمة (ولو اشتبه) بيض المحلَّل بالمحرَّم (اُكِل
الخشن دون الأملس) وأطلق كثير ذلك
من غير اعتبار التبعيّة.
(ويؤكل
من حيوان البرّ الأنعام الثلاثة) الإبل والبقر والغنم. ومن نسب إلينا تحريم الإبل فقد بهت. نعم ، هو مذهب
الخطّابيّة
لعنهم
اللّٰه (وبقر
الوحش وحماره وكبش الجبل) ذو القرن الطويل (والظبي
واليحمور ).
__________________
(ويكره
الخيل والبغال والحمير الأهليّة) في الأشهر (وآكدها) كراهةً (البغل) لتركّبه من الفرس والحمار ، وهما مكروهان ، فجمع الكراهتين (ثمّ الحمار).
(وقيل) والقائل القاضي
(بالعكس) آكدها كراهة الحمار ثمّ البغل؛ لأنّ المتولّد من قويّ الكراهة وضعيفها أخفّ
كراهة من المتولّد من قويّها خاصّة.
وقيل بتحريم
البغل وفي صحيحة ابن مسكان النهي عن الثلاثة إلّالضرورة
وحملت
على الكراهة
جمعاً.
(ويحرم
الكلب والخنزير والسِنَّور) بكسر السين وفتح النون (وإن
كان) السِنَّور (وحشيّاً ، والأسد والنَمر) بفتح النون وكسر الميم (والفهد
والثعلب والأرنب والضَبُع) بفتح الضاد وضمّ الباء (وابن
آوى والضَبّ والحشرات كلّها ، كالحيّة
والفأرة والعقرب والخنافس والصراصر وبنات
__________________
وَردان
) بفتح الواو مبنيّاً على الفتح (والبراغيث والقُمَّل واليربوع والقنفذ والوبْر) ـ بسكون الباء ـ جمع وبرة ـ بالسكون ـ قال الجوهري : هي
دويبة أصغر من السنّور طحلاء اللون لا ذَ نَب لها ترجن
في البيوت .
(والخزّ)
وقد تقدّم في
باب الصلاة
أنّه دويبة
بحريّة ذات أربع تشبه الثعلب ، وكأ نّها اليوم مجهولة ، أو مغيَّرة الاسم أو
موهومته ، وقد كانت في مبدأ الإسلام إلى وسطه كثيرة جدّاً (والفَنَك) بفتح الفاء والنون : دابّة يتّخذ منها الفرو
(والسَمّور) بفتح السين وضمّ الميم المشدّدة (والسنجاب والعظاءة) بالظاء المشالة ممدودة مهموزة ، وقد تقلب الهمزة ياء ، قال في الصحاح : هي
دويبة أكبر من الوزغة والجمع العظاء ممدودة
(واللُحَكة)
__________________
ـ بضمّ اللام ففتح الحاء ـ نقل الجوهري عن ابن السكّيت : أنّها دويبة شبيهة
بالعظاءة تبرق زرقاء ، وليس لها ذَ نَب طويل مثل ذَنَب العظاءة ، وقوائمها خفيّة .
(و) يحرم (من
الطير ما له مخلاب) بكسر الميم (كالبازي والعقاب) بضمّ العين (والصقر) بالصاد ، وتقلب سيناً ، قاعدة في كلمة فيها قاف أو طاء أو راء أو غين أو
خاء ، كالبصاق والصراط والصدغ والصماخ (والشاهين والنسر) بفتح أوّله (والرُخم
والبَغاث) ـ بفتح الموحّدة وبالمعجمة والمثلّثة ـ جمع بغاثة كذلك
، طائر أبيض بطيء الطيران أصغر من الحدأة ـ بكسر الحاء والهمز ـ.
وفي الدروس : أنّ
البَغاث ما عظم من الطير وليس له مخلال معقَّف ، قال : وربما جُعل النسر من البغاث
ـ وهو مثلَّث الباء ـ وقال الفرّاء : بغاث الطير : شرارها ، وما لا يصيد منها .
(والغراب
الكبير) الأسود الذي يسكن الجبال والخربان ويأكل الجيف. (والأبقع) أي المشتمل على بياض وسواد ، مثل الأبلق في الحيوان.
والمشهور أنّه
صنف واحد ، وهو المعروف ب «العقعق» ـ بفتح عينيه ـ. وفي المهذّب جعله صنفين
: أحدهما
المشهور ، والآخر أكبر منه حجماً وأصغر ذَ نَباً.
ومستند التحريم
فيهما صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام
__________________
بتحريم الغراب مطلقاً
ورواية أبي
يحيى الواسطي أنّه سأل الرضا عليه السلام عن الغراب الأبقع ، فقال : «لا
يؤكل ، ومَن أحلّ لك الأسود؟» .
(ويحلّ
غراب الزرع) المعروف بالزاغ
(في
المشهور و) كذا الغُداف و
(هو
أصغر منه ، إلى الغبرة ما هو) أي يميل يسيراً ، ويُعرف بالرمادي لذلك. ونَسَب القول بحلّ الأوّل إلى
الشهرة؛ لعدم دليل صريح يخصّصه ، بل الأخبار منها مطلق في تحريم الغراب بجميع
أصنافه ، كصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام أنّه قال :
«لا يحلّ شيء من الغربان زاغ ولا غيره»
وهو نصّ. أو
مطلق في الإباحة ، كرواية زرارة عن أحدهما : أنّه قال : «كلّ
الغراب ليس بحرام إنّما الحرام ما حرّم
اللّٰه في كتابه»
لكن ليس في
الباب حديث صحيح غير ما دلّ على التحريم. فالقول به متعيّن. ولعلّ المخصّص استند
إلى مفهوم حديث أبي يحيى لكنّه ضعيف .
ويُفهم من
المصنّف القطع بحلّ الغُداف الأغبر؛ لأنّه أخّره عن حكاية المشهور. ومستنده غير
واضح مع الاتّفاق على أنّه من أقسام الغراب.
(ويحرم) من الطير (ما
كان صفيفه) حال طيرانه ـ وهو
أن يطير
__________________
مبسوط الجناحين من غير أن يحرّكهما ـ (أكثر من دفيفه) بأن يحرّكهما حالته (دون
ما انعكس ، أو تساويا فيه) أي في الصفيف والدفيف ، والمنصوص تحريماً وتحليلاً داخل فيه ، إلّاالخُطّاف
فقد قيل بتحريمه
مع أنّه يدفّ ،
فلذلك ضعف القول بتحريمه.
(و) كذا (يحرم
ما ليس له قانصة) وهي للطير
بمنزلة المَصارين لغيرها (ولا
حوصلة) بالتشديد والتخفيف ، وهي ما يجمع فيها الحبّ وغيره من
المأكول عند الحلق (ولا
صيصية) ـ بكسر أوّله
وثالثه مخفّفاً ـ وهي الشوكة التي في رجله موضع العقب ، وأصلها شوكة الحائك التي
يُسوّي بها السداة واللُحمة.
والظاهر أنّ
العلامات متلازمة فيكتفى بظهور أحدها. وفي صحيحة عبد اللّٰه ابن سنان قال : «سأل
أبي أبا عبد اللّٰه عليه السلام وأنا أسمع : ما تقول فى الحبارى؟ قال : إن
كانت له قانصة فكل ، قال : وسألته عن طير الماء ، فقال مثل ذلك» .
وفي رواية
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كُل
ما دفّ ، ولا تأكل ما صفّ»
فلم يعتبر
أحدهما الجميع.
وفي رواية
سماعة عن الرضا عليه السلام «كُل من طير البرّ ما كان له حوصلة ، ومن طير الماء ما
كانت له قانصة كقانصة الحمام ، لا معدة كمعدة الإنسان ، وكلّ ما صفّ فهو ذو مخلب
وهو حرام ، وكلّ ما دفّ فهو حلال ، والقانصة والحوصلة
__________________
يُمتحن بها
من الطير ما لا
يُعرف طيرانه وكلّ طير مجهول» .
وفي هذه
الرواية أيضاً دلالة على عدم اعتبار الجميع ، وعلى أنّ العلامة لغير المنصوص على
تحريمه وتحليله.
(والخشّاف) ويقال له
: الخفّاش
والوطواط (والطاووس).
(ويكره
الهُدهُد) لقول الرضا عليه السلام :
«نهى رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله عن قتل الهُدهُد والصُرَد والصُوّام والنحلة»
وروى عليّ بن
جعفر قال : «سألت أخي موسى عليه السلام عن الهُدهُد
فقال : لا يُؤذى ولا يُذبح ، فنعم الطير هو»
وعن الرضا عليه
السلام قال : «في كلّ جناح هُدهُد مكتوب بالسريانيّة
آل محمّد خير البريّة» .
(والخُطّاف) ـ بضمّ الخاء وتشديد الطاء ـ وهو الصنونو (أشدّ كراهية) من الهُدهُد؛ لما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وآله :
«استوصوا بالصنينات خيراً ، يعني الخُطّاف فإنّهنّ آنس طير بالناس» .
__________________
بل قيل بتحريمه
لرواية داود الرقّي قال : (بينا
نحن قعود عند أبي عبد اللّٰه عليه السلام؛ إذ مرّ رجل بيده خُطّاف مذبوح
فوثب إليه أبو عبد اللّٰه عليه السلام ، حتّى أخذه من يده ثمّ دحا به الأرض
، ثمّ قال عليه السلام : أعالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟! أخبرني أبي عن جدّي أنّ
رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله نهى عن قتل الستّة ، منها الخُطّاف)
وفيه :
«أنّ تسبيحه قراءة الحمد للّٰهربّ العالمين ، ألا ترونه يقول : ولا
الضالّين» والخبر مع سلامة سنده لا يدلّ على تحريم لحمه.
ووجه الحكم
بحلّه حينئذٍ أنّه يدفّ ، فيدخل في العموم ، وقد رُوي حِلّه أيضاً بطريق ضعيف .
(ويكره
الفاختة والقُبّرة ) بضمّ القاف وتشديد الباء مفتوحة من غير نون بينهما ، فإنّه لحن من كلام
العامّة. ويقال : القنبراء ـ بالنون ـ لكن مع الألف بعد الراء ممدودة ، وهي في بعض
نسخ الكتاب. وكراهة القبّرة منضمّة إلى بركة ، بخلاف الفاختة.
روى سليمان
الجعفري عن الرضا عليه السلام قال : «لا تأكلوا القُبّرة ولا تسبّوها ولا تعطوها
الصبيان يلعبون بها ، فإنّها كثيرة التسبيح ، وتسبيحها : لعن اللّٰه مبغضي
__________________
آل محمّد»
وقال : «إنّ
القُنْزَعَة التي على رأس القُبّرة من مسحة سليمان بن داود» في خبر طويل
وروى أبو بصير
أنّ أبا عبد اللّٰه عليه السلام قال لابنه إسماعيل ـ وقد رأى في بيته فاختة
في قفص تصيح ـ : «يا بُنيَّ ما يدعوك إلى إمساك هذه
الفاختة؟ أما علمت أنّها مشومة؟ وما تدري ما تقول ، إنّما تدعو على أربابها ،
فتقول : فقدتكم فقدتكم» .
(والحُبارى
ـ بضمّ الحاء وفتح الراء ـ وهو اسم يقع على الذكر
والاُنثى ، واحدها وجمعها (أشدّ
كراهية) منهما.
ووجه الأشدّيّة
غير واضح ، والمشهور في عبارة المصنّف
وغيره
أصل الاشتراك
فيها ، وقد روى المسمعي قال : سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الحُبارى
، قال : فوددت أنّ عندي منه فآكل حتّى أتملّأ .
(و) يكره أيضاً (الصُرَد) بضمّ الصاد وفتح الراء (والصُوّام)
__________________
بضمّ الصاد وتشديد الواو. قال في التحرير : إنّه طائر أغبر اللون ، طويل
الرقبة ، أكثر ما يبيت في النخل
وفي الأخبار
النهي عن قتلهما في جملة ستّة
وقد تقدّم
بعضها .
(والشَقِرّاق) ـ بفتح الشين وكسر القاف وتشديد الراء ، وبكسر الشين أيضاً ـ ويقال : الشِقْراق
كقرطاس ، والشرقراق ـ بالفتح والكسر ـ والشرقرق كسفرجل : طائر مرقَّط بخضرة وحمرة
وبياض ، ذكر ذلك كلّه في القاموس .
وعن أبي عبد
اللّٰه عليه السلام تعليل كراهته بقتله الحيّات ، قال :
«وكان رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله يوماً يمشي فإذا شِقراق قد انقضّ
فاستخرج من خفّه حيّة» .
(ويحلّ
الحمام كلّه كالقَماري) ـ بفتح القاف ـ وهو الحمام الأزرق جمع قُمري ـ بضمّه ـ منسوب إلى طير قُمر
(والدُباسي) ـ بضمّ الدال ـ جمع دُبسي بالضمّ منسوب إلى طير دُبس
بضمّها. وقيل :
إلى دِبس الرُطب
__________________
ـ بكسرها
ـ وإنّما ضُمّت
الدال مع كسرها في المنسوب إليه في الثاني؛ لأنّهم يُغيّرون في النسب كالدُهري
بالضمّ مع نسبته إلى الدَهر بالفتح. وعن المصنّف : أنّه الحمام الأحمر .
(والوَرَشان
) بفتح الواو والراء وعن المصنّف : أنّه الحمام الأبيض .
(ويحلّ
الحَجَل والدُرّاج) بضمّ الدال وتشديد الراء.
(والقَطا
) ـ بالقصر ـ جمع قطاة (والطيهوج) وهو طائر طويل الرجلين والرقبة من طيور الماء
(والدجاج) مثلّث الدال ، والفتح أشهر (والكَرَوَان ) بفتح حروفه الاُوَل (والكُركي
) ـ بضمّ الكاف ـ واحد الكراكي (والصَعْو ) ـ بفتح الصاد وسكون العين ـ جمع صعوة بهما (والعصفور الأهلي) الذي يسكن الدور.
(ويعتبر
في طير الماء) وهو الذي يبيض
ويفرخ فيه (ما
يعتبر في البرّي :
__________________
من
الصفيف والدفيف والقانصة والحوصلة والصيصية) وقد تقدّم ما يدلّ عليه .
(والبيض
تابع) للطير (في
الحلّ والحرمة) فكلّ طائر يحلّ
أكله يؤكل بيضه ، وما لا فلا. فإن اشتبه اُكل ما اختلف طرفاه واجتنب ما اتّفق.
(وتحرم
الزنابير) جمع زنبور ـ بضمّ الزاء ـ بنوعيه : الأحمر والأصفر (والبقّ والذُباب) ـ بضمّ الذال ـ واحده ذبابة ـ بالضمّ أيضاً ـ والكثير (ذِبان) بكسر الذال والنون أخيراً.
(والمجثِّمة) بتشديد المثلّثة مكسورة (وهي
التي تجعل غرضاً) للرمي (وتُرمى بالنُشّاب
حتّى تموت. والمصبورة وهي التي تُجرَح وتُحبس حتّى تموت) صبراً ، وتحريمهما واضح؛ لعدم التذكية مع إمكانها. وكلاهما فعل الجاهليّة
وقد ورد النهي عن الفعلين مع تحريم اللحم .
(والجلّال
وهو الذي يغتذي عذرة الإنسان محضاً) لا يخلط غيرها إلى أن ينبت عليها لحمه ويشتدّ عظمه عرفاً (حرام حتّى يستبرأ
على الأقوى) لحسنة هشام بن
سالم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : «لا
تأكلوا لحوم الجلّالة ، وهي التي تأكل العذرة ، فإن أصابك من عَرَقها فاغسله»
وقريب منها
حسنة
__________________
حفص
وفي معناهما
روايات اُخر
ضعيفة.
(وقيل) والقائل ابن الجنيد : (يكره) لحمها وألبانها خاصّة
استضعافاً
للمستند أو حملاً لها على الكراهة. جمعاً بينها وبين ما ظاهره الحلّ.
وعلى القولين (فتستبرأ الناقة
بأربعين يوماً ، والبقرة بعشرين) وقيل : كالناقة
(والشاة
بعشرة) وقيل : بسبعة .
ومستند هذه
التقديرات
كلّها ضعيف ، والمشهور
منها ما ذكره المصنّف. وينبغي القول بوجوب الأكثر؛ للإجماع على عدم اعتبار أزيد
منه فلا تجب الزيادة ، والشكّ فيما دونه فلا يتيقّن زوال التحريم ، مع أصالة بقائه
حيث ضعف المستند ، فيكون ما ذكرناه طريقاً للحكم.
وكيفيّة
الاستبراء (بأن
يُربَط) الحيوان ، والمراد أن يضبط على وجه يؤمن أكله النجس (ويُطعَم علفاً
طاهراً) من النجاسة الأصليّة والعرضيّة طول المدّة.
(وتستبرأ
البطّة ونحوها) من طيور الماء (بخمسة أيّام ،
والدجاجة وشبهها) ممّا في حجمها (بثلاثة) أيّام.
والمستند ضعيف
كما تقدّم ، ومع ذلك فهو خالٍ عن ذكر الشبيه لهما.
(وما
عدا ذلك) من الحيوان الجلّال (يستبرأ بما يغلب على الظنّ)
__________________
زوال الجلل به عرفاً؛ لعدم ورود مقدّرٍ له شرعاً. ولو طرحنا تلك التقديرات
لضعف مستندها كان حكم الجميع كذلك.
(ولو
شرب) الحيوان (المحلَّل لبن خنزيرة واشتدّ) بأن زادت قوّته وقوي عظمه ونبت لحمه بسببه (حرم) لحمه ولحم (نسله) ذكراً كان أم اُنثى (وإن
لم يشتدّ كره).
هذا هو المشهور
، ولا نعلم فيه مخالفاً. والمستند أخبار كثيرة
لا تخلو من ضعف.
ولا يتعدّى
الحكم إلى غير الخنزير ، عملاً بالأصل وإن ساواه في الحكم ، كالكلب ، مع احتماله. ورُويَ
أنّه : (إذا
شرب لبن آدميّة حتّى اشتدّ كره لحمه) .
(ويستحبّ
استبراؤه) على تقدير كراهته (بسبعة أيّام) إمّا بعلف إن كان يأكله ، أو بشرب لبن طاهر.
(ويحرم) من الحيوان ذوات الأربع وغيرها على الأقوى الذكور والاُناث (موطوء الإنسان ونسله) المتجدّد بعد الوطء؛ لقول الصادق عليه السلام : «إنّ
أمير المؤمنين عليه السلام سُئل عن البهيمة التي تُنكح قال : حرام لحمها ولبنها»
وخصّه العلّامة
بذوات الأربع
اقتصاراً فيما
خالف الأصل على المتيقّن. (ويجب
ذبحه وإحراقه بالنار) إن لم يكن
المقصود منه ظهره. وشمل إطلاق (الإنسان) الكبير والصغير والعاقل والمجنون. وإطلاق النصّ يتناوله أيضاً.
__________________
أمّا بقيّة
الأحكام غير التحريم ، فيختصّ البالغ العاقل كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى
مع بقيّة الأحكام في الحدود.
ويستثنى من
الإنسان : الخنثى فلا يحرم موطوؤه
لاحتمال
الزيادة.
(ولو
اشتبه) بمحصور (قُسِّم) نصفين (واُقرع) بينهما ، بأن تكتب رقعتان في كلّ واحدة اسم نصف منهما ، ثمّ يخرج على ما
فيه المحرَّم ، فإذا خرج في أحد النصفين قُسّم كذلك واُقرع وهكذا (حتّى تبقى واحدة) فيُعمل بها ما عمل بالمعلومة ابتداءً. والرواية تضمّنت قسمتها نصفين أبداً
كما ذكرنا ، وأكثر
العبارات خالية منه حتّى عبارة المصنّف هنا وفي الدروس
وفي القواعد : قسّم
قسمين وهو مع الإطلاق أعمّ من التنصيف.
ويشكل التنصيف
أيضاً لو كان العدد فرداً. وعلى الرواية يجب التنصيف ما أمكن ، والمعتبر منه العدد
، لا القيمة. فإذا كان فرداً جعلت الزائدة مع أحد القسمين.
(ولو
شرب المحلَّل خمراً) ثمّ ذبح عقيبه (لم يُؤكل ما في جوفه) من الأمعاء والقلب والكبد (ويجب غسل باقيه) وهو اللحم على المشهور. والمستند ضعيف
ومن ثمّ كرّهه
ابن إدريس خاصّة
وقيّدنا ذبحه
بكونه عقيب
__________________
الشرب تبعاً للرواية وعبارات الأصحاب
مطلقة.
(ولو
شرب بولاً غُسل ما في بطنه واُكل) من غير تحريم. والمستند مرسل
ولكن لا رادّ
له ، وإلّا لأمكن القول بالطهارة فيهما نظراً إلى الانتقال كغيرهما من النجاسات.
وفُرّق ـ مع
النصّ ـ بين الخمر والبول بأنّ الخمر لطيف تشربه الأمعاء فلا يطهر بالغَسل وتحرم ،
بخلاف البول فإنّه لا يصلح للغذاء ولا تقبله الطبيعة .
وفيه : أنّ
غَسل اللحم إن كان لنفوذ الخمر فيه ـ كما هو الظاهر ـ لم يتمّ الفرق بينه وبين ما
في الجوف ، وإن لم تصل إليه لم يجب تطهيره ، مع أنّ ظاهر الحكم غَسلُ ظاهر اللحم
الملاصق للجلد ، وباطِنه المجاور للأمعاء. والرواية خالية عن غَسل اللحم.
(وهنا مسائل)
الاُولى
:
(تحرم
الميتة) أكلاً
واستعمالاً (إجماعاً
، وتحلّ منها) عشرة أشياء
متَّفقٍ عليها ، وحادي عشر مختلفٍ فيه وهي (الصوف والشعر والوبر والريش ، فإن) جُزّ فهو طاهر ، وإن (قُلع
غُسِل أصله) المتّصل
بالميتة؛ لاتّصاله برطوبتها
__________________
(والقَرَن
والظِلف والسنّ) والعظم ، ولم يذكره المصنّف ولا بدّ منه ، ولو أبدله بالسنّ كان أولى؛
لأنّه أعمّ منه إن لم يُجمع بينهما كغيره .
وهذه مستثناة
من جهة الاستعمال. أمّا الأكل : فالظاهر جواز ما لا يضرّ منها بالبدن؛ للأصل. ويمكن
دلالة إطلاق العبارة عليه ، وبقرينة قوله : (والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى) الصَلِب ، وإلّا كان بحكمها.
(والإنفَحَة) ـ بكسر الهمزة وفتح الفاء والحاء المهملة ، وقد تكسر الفاء ـ قال في
القاموس : هي شيء يُستخرج من بطن الجدي الراضع ، أصفر ، فيُعصَر في صوفة فيغلظ
كالجُبن ، فإذا أكل الجدي فهو كَرِش
وظاهر أوّل
التفسير يقتضي كون الإنفَحَة هي اللبن المستحيل في جوف السخلة ، فتكون من جملة ما
لا تحلّه الحياة.
وفي الصحاح : الإنفحة
كَرِش الحِمَل أو الجدي ما لم يأكل ، فإذا أكل فهي كرش
وقريب منه ما
في الجمهرة
وعلى هذا فهي
مستثناة ممّا تحلّه الحياة. وعلى الأوّل فهو طاهر وإن لاصق الجلد الميّت؛ للنصّ
وعلى الثاني
فما في داخله طاهر قطعاً ، وكذا ظاهره بالأصالة ، وهل ينجس بالعرض بملاصقة
__________________
الميّت؟ وجهٌ. وفي الذكرى : الأولى تطهير ظاهرها
وإطلاق النصّ
يقتضي الطهارة مطلقاً.
نعم ، يبقى الشكّ في كون الإنفَحَة المستثناة هل هي اللبن
المستحيل أم الكَرِش؟ بسبب اختلاف أهل اللغة ، والمتيقّن منه ما في داخله؛ لأنّه
متّفق عليه.
(واللبن) في ضرع الميتة (على
قول مشهور) بين الأصحاب
ومستنده روايات:
منها : صحيحة
زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : «سألته
عن الإنفَحَة تُخرَج من الجدي الميّت ، قال : لا بأس به. قلت : اللبن يكون في ضرع
الشاة وقد ماتت؟ قال : لا بأس» .
وقد رُوي
نجاسته صريحاً في خبر آخر
لكنّه ضعيف
السند إلّاأ نّه موافق للأصل من نجاسة المائع بملاقاة النجاسة
، وكلّ نجس حرام. ونسبة القول بالحلّ إلى الشهرة تشعر بتوقّفه فيه. وفي الدروس
جعله أصحّ وضعّف رواية
__________________
التحريم ، وجعل القائل بها
نادراً ، وحملها
على التقيّة .
(ولو
اختلط الذكيّ) من اللحم وشبهه
(بالميّت) ولا سبيل إلى تمييزه (اجتنب
الجميع) لوجوب اجتناب الميّت ولا يتمّ إلّابه ، فيجب.
وفي جواز بيعه
على مستحلّ الميتة قول
مستنده صحيحة
الحلبي وحسنته عن الصادق عليه السلام
وردّه قوم
نظراً إلى
إطلاق النصوص بتحريم بيع الميتة وتحريم ثمنها
واعتذر
العلّامة عنه بأ نّه ليس ببيع في الحقيقة وإنّما هو استنقاذ مال الكافر برضاه
ويُشكل بأنّ
مِن مستحلّه من الكفّار من لا يحلّ مالُه كالذمّي.
__________________
وحسّنه المحقّق مع قصد بيع الذكيّ حسبُ
وتبعه العلّامة
أيضاً ويشكل بجهالته وعدم إمكان تسليمه متميّزاً ، فإمّا أن
يعمل بالرواية
لصحّتها من غير
تعليل ، أو يحكم بالبطلان.
(وما
اُبين من حيّ يحرم أكله واستعماله كأليات الغنم) لأنّها بحكم الميتة (ولا
يجوز الاستصباح بها تحت السماء) لتحريم الانتفاع بالميتة مطلقاً ، وإنّما يجوز الاستصباح بما عرض له
النجاسة من الأدهان ، لا بما نجاسته ذاتيّة.
(الثانية) : (تحرم
من الذبيحة خمسةَ عشر) شيئاً : (الدم والطِحال) بكسر الطاء (والقضيب) وهو الذكر (والاُنثيان) وهما البيضتان (والفرث) وهو الروث في جوفها (والمَثانة) ـ بفتح الميم ـ وهو مجمع البول (والمرارة) ـ بفتح الميم ـ التي تجمع المِرّة الصفراء ـ بكسرها ـ معلّقةً
مع الكبد كالكيس (والمشيمة) ـ بفتح الميم ـ بيت الولد وتسمّى الغِرْس ـ بكسر الغين
المعجمة ـ وأصلها مَفعِلة فسكنت الياء (والفرج) الحياء ، ظاهره وباطنه (والعِلْباء) ـ بالمهملة المكسورة فاللام الساكنة فالباء الموحّدة
فالألف ممدودةً ـ عصبتان عريضتان ممدودتان من الرقبة إلى عَجْب الذَ نَب (والنخاع) ـ مُثلَّث النون ـ الخيط الأبيض في وسط الظهر ينظّم
خَرَز السلسلة
في وسطها ، وهو الوتين الذي لا قوام للحيوان بدونه (والغُدد) ـ بضمّ الغين المعجمة ـ التي في اللحم
__________________
وتكثر في الشحم (وذات
الأشاجع) وهي اُصول الأصابع التي يتّصل بعَصَب ظاهر الكفّ ، وفي
الصحاح جعلها (الأشاجع)
بغير مضاف
والواحد أشجع (وخرزة
الدماغ) ـ بكسر الدال
ـ وهي المُخّ الكائن في وسط الدماغ شبه الدودة بقدر الحِمِّصة تقريباً يخالف
لونُها لونَه ، وهي تميل إلى الغبرة (والحدق) يعني حبّة الحدقة وهو الناظر من العين لا جسم العين كلّه.
وتحريم هذه
الأشياء أجمع ذكره الشيخ غير المثانة
فزادها ابن
إدريس وتبعه جماعة منهم المصنّف
ومستند الجميع
غير واضح؛ لأنّه روايات
يتلفّق من
جميعها ذلك ، بعض رجالها ضعيف وبعضها مجهول.
والمتيقّن منها
تحريم ما دلّ عليه دليل خارج كالدم. وفي معناه الطِحال ، وتحريمهما ظاهر من الآية
وكذا ما استخبث
منها ، كالفرث والفرج والقضيب والاُنثيين والمثانة والمِرارة والمشيمة. وتحريم
الباقي يحتاج إلى دليل ، والأصل يقتضي عدمه. والروايات يمكن الاستدلال بها على
الكراهة؛ لسهولة خطبها ، إلّا أن يدّعى استخباث الجميع .
__________________
وهذا
مختار العلّامة
في المختلف
وابن الجنيد
أطلق كراهية بعض هذه المذكورات ولم ينصّ على تحريم شيء
نظراً إلى ما
ذكرناه.
واحترز بقوله :
(من
الذبيحة) عن نحو السمك والجراد ، فلا يحرم منه شيء من المذكورات؛
للأصل. وشمل ذلك كبير الحيوان المذبوح كالجزور ، وصغيره كالعصفور.
ويشكل الحكم
بتحريم جميع ما ذكر مع عدم تمييزه
لاستلزامه
تحريم جميعه أو أكثره؛ للاشتباه.
والأجود اختصاص
الحكم بالنَعَم ونحوها من الحيوان الوحشي ، دون العصفور وما أشبهه.
(ويكره) أكل (الكُلى) ـ بضمّ الكاف وقصر الألف ـ جمع كُلية وكُلوة بالضمّ
فيهما ، والكسر لحن عن ابن السكّيت
(واُذنا
القلب والعروق ولو ثُقِب الطِحال مع اللحم وشُوي حرم ما تحته) من لحم وغيره ، دون ما فوقه أو مساويه (ولو لم يكن مثقوباً لم يحرم) ما معه مطلقاً
هذا هو المشهور
، ومستنده رواية عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام
وعُلّل فيها بأ
نّه مع الثقب يسيل الدم من الطحال إلى ما تحته فيحرم ، بخلاف غير المثقوب؛ لأنّه
في حجاب لا يسيل منه.
__________________
(الثالثة) :
(يحرم
تناول الأعيان النجسة) بالأصالة كالنجاسات ، وأمّا بالعرض فإنّه وإن كان كذلك إلّاأ نّه يأتي (و) كذا يحرم (المسكر
) مائعاً كان أم جامداً وإن اختصّت النجاسة بالمائع بالأصالة. ويمكن أن يريد
هنا بالمسكر المائع بقرينة الأمثلة. والتعرّضُ في هذه المسألة للنجاسات وذكرُه
تخصيص بعد تعميم (كالخمر) المتّخذ من العنب (والنبيذ) المسكر من التمر (والبِتع) ـ بكسر الباء وسكون التاء المثنّاة أو فتحها ـ نبيذ
العسل (والفضيخ) ـ بالمعجمتين ـ من التمر والبسر (والنقيع) من الزبيب (والمِزْر) ـ بكسر الميم فالزاء المعجمة الساكنة فالمهملة ـ نبيذ
الذُرة (والجِعة) ـ بكسر الجيم وفتح العين المهملة ـ نبيذ الشعير. ولا
يختصّ التحريم في هذه بما أسكر ، بل يحرم (وإن قلّ).
(وكذا) يحرم (العصير
العنبي إذا غلى) بالنار وغيرها
بأن صار أعلاه أسفله ، ويستمرّ تحريمه (حتّى يذهب ثلثاه أو ينقلب خلّاً) ولا خلاف في تحريمه ، والنصوص متظافرة به
وإنّما الكلام
في نجاسته فإنّ النصوص خالية منها ، لكنّها مشهورة بين المتأخّرين
(ولا
يحرم) العصير (من الزبيب وإن غلى على الأقوى) لخروجه عن مسمّى العنب ، وأصالة الحلّ واستصحابه ، خرج منه عصير العنب إذا
غلى بالنصّ ، فيبقى غيره على الأصل.
__________________
وذهب بعض
الأصحاب إلى تحريمه
لمفهوم رواية
عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام حيث سأله (عن الزبيب يؤخذ ماؤه فيُطبخ حتّى يذهب
ثلثاه ، فقال : لا بأس)
فإنّ مفهومه
التحريم قبل ذهاب الثلثين. وسند الرواية والمفهوم ضعيفان
فالقول
بالتحريم أضعف. أمّا النجاسة فلا شبهة في نفيها.
(ويحرم
الفقّاع ) وهو ما اتّخذ من الزبيب أو الشعير حتّى وُجد فيه النشيش والحركة ، أو اُطلق
عليه عرفاً ، ما لم يُعلم انتفاء خاصيّته. ولو وجد في الأسواق ما يُسمّى فُقّاعاً
حكم بتحريمه وإن جُهل أصله ، نظراً إلى الاسم ، وقد روى عليّ بن يقطين في الصحيح
عن الكاظم عليه السلام قال : (سألته
عن شرب الفقّاع الذي يُعمل في السوق ويباع ولا أدري كيف عُمل ، ولا متى عُمل ،
أيحلّ أن أشربه؟ قال : لا اُحبّه)
وأمّا ما ورد
في الفقّاع بقول مطلق وأ نّه بمنزلة الخمر فكثير
لا يُحصى.
(والعذرات) بفتح المهملة فكسر المعجمة (والأبوال النجسة) صفة للعذرات والأبوال. ولا شبهة في تحريمها نجسة كمطلق النجس ، لكن مفهوم
العبارة عدم تحريم الطاهر منها كعذرة وبول ما يؤكل لحمه ، وقد نقل في الدروس تحليل
__________________
بول المحلَّل عن ابن الجنيد وظاهر ابن إدريس ، ثمّ قوّى التحريم للاستخباث .
والأقوى جواز
ما تدعو الحاجة إليه منه إن فُرض له نفع.
وربما قيل : إنّ
تحليل بول الإبل للاستشفاء إجماعيّ
وقد تقدّم حكمه
بتحريم الفرث من المحلَّل
والنقل عن ابن
الجنيد الكراهية
كغيره من
المذكورات. ويمكن أن تكون النجسة صفة للأبوال خاصّة ، حملاً للعذرة المطلقة على
المعروف منها لغةً وعرفاً ، وهي عذرة الإنسان ، فيزول الإشكال عنها ويبقى الكلام
في البول.
(وكذا) يحرم (ما
يقع فيه هذه) النجاسات (من المائعات) لنجاستها بقليلها وإن كثرت (أو الجامدات ، إلّابعد الطهارة) استثناء من الجامدات ، نظراً إلى أنّ المائعات لا تقبل التطهير كما سيأتي.
(وكذا) يحرم (ما
باشره الكفّار) من المائعات أو
الجامدات برطوبة وإن كانوا ذِمّة .
(الرابعة) :
(يحرم
الطين) بجميع أصنافه ، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله : (من أكل الطين فماتفقد
أعان على نفسه)
وقال الكاظم
عليه السلام : “ أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير إلّاطين قبر الحسين
عليه السلام فإنّ فيه شفاءً من كلّ داء وأمناً من كلّ
__________________
خوف)
فلذا قال
المصنّف : (إلّاطين
قبر الحسين عليه السلام فيجوز الاستشفاء) منه لدفع الأمراض الحاصلة (بقدر الحمّصة) المعهودة المتوسّطة (فما
دون) ولا يشترط في جواز تناولها أخذها بالدعاء وتناولها به؛
لإطلاق النصوص
وإن كان أفضل.
والمراد بطين
القبر الشريف تربة ما جاوره من الأرض عرفاً ، ورُوي إلى أربعة فراسخ
ورُوي ثمانية
وكلّما قرب منه
كان أفضل. وليس كذلك التربة المحترمة منها ، فإنّها مشروطة بأخذها من الضريح
المقدّس أو خارجه كما مرّ مع وضعها عليه ، أو أخذها بالدعاء. ولو وجد تربة منسوبة
إليه عليه السلام حُكِم باحترامها حملاً على المعهود.
(وكذا) يجوز تناول الطين (الأرمني) لدفع الأمراض المقرّر عند الأطبّاء نفعه منها مقتصراً منه على ما تدعو
الحاجة إليه بحسب قولهم المفيد للظنّ؛ لما فيه من دفع الضرر المظنون ، وبه رواية
حسنة و (الأرمني) طين معروف يُجلب من إرمينيّة يضرب لونه إلى الصفرة ، ينسحق بسهولة ، يحبس
الطبع والدم ، وينفع البثور والطواعين شرباً وطَلاءً ، وينفع في الوباء إذا بُلّ
بالخَلّ واستنشق رائحته ، وغير ذلك من منافعه المعروفة في كتب الطبّ.
__________________
(الخامسة) :
(يحرم
السُمّ) بضمّ السين (كلّه) بجميع أصنافه جامداً كان أم مائعاً إن كان يقتل قليله وكثيره (ولو كان كثيره يقتل) دون قليله كالأفيون والسَقْمونيا (حَرُم) الكثير القاتل أو الضارّ (دون
القليل ) هذا إذا اُخذ منفرداً ، أمّا لو اُضيف إلى غيره فقد لا يضرّ منه الكثير ، كما
هو معروف عند الأطبّاء. وضابط المحرّم ما يحصل به الضرر على البدن وإفساد المزاج.
(السادسة) :
.(يحرم الدم المسفوح) أي المُنصبّ من عِرق بكثرة ، من سفحت الماء إذا أهرقته (وغيره كدم القُراد وإن لم يكن) الدم (نجساً) لعموم : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةُ وَاَلدَّمُ)
ولاستخباثه (أمّا ما يتخلّف في
اللحم) ممّا لا يقذفه المذبوح (فطاهر من المذبوح) حلال ، وكان عليه أن يذكر الحلّ؛ لأنّ البحث إنّما هو فيه ، ويلزمه الطهارة
إن لم يذكرها معه.
واحترز
بالمتخلّف في اللحم عمّا يجذبه النَفَس إلى باطن الذبيحة ، فإنّه حرام نجس. وما
يتخلّف في الكبد والقلب طاهر أيضاً ، وهل هو حلال كالمتخلّف في اللحم؟ وجه. ولو
قيل بتحريمه كان حسناً؛ للعموم.
ولا فرق في
طهارة المتخلّف في اللحم بين كون رأس الذبيحة منخفضاً عن جسدها وعدمه؛ للعموم
خصوصاً بعد استثناء ما يتخلّف في باطنها في غير اللحم.
__________________
(السابعة) :
(الظاهر
أنّ المائعات النجسة غير الماء)كالدِبس وعصيره واللبن والأدهان وغيرها (لا تطهر) بالماء وإن كان كثيراً (ما
دامت كذلك) أي باقية على
حقيقتها بحيث لا تصير باختلاطها بالماء الكثير ماءً مطلقاً؛ لأنّ الذي يطهر بالماء
شرطه وصول الماء إلى كلّ جزء من النجس ، وما دامت متميّزة كلّها
أو بعضها لا يتصوّر
وصول الماء إلى كلّ جزء نجس ، وإلّا لما بقيت كذلك.
هذا إذا وضعت
في الماء الكثير ، أمّا لو وصل الماء بها وهي في محلّها ، فأظهر في عدم الطهارة
قبل أن يستولي عليها أجمع؛ لأنّ أقلّ ما هناك أنّ محلّها نجس؛ لعدم إصابة الماء المطلق
له أجمع ، فينجس ما اتّصل به منها وإن كثر؛ لأنّ شأنها أن تنجس بإصابة النجاسة
لها مطلقاً.
وتوهّم طهارة
محلّها وما لا يصيبه الماء منها بسبب إصابته لبعضها في غاية البُعد. والعلّامة في
أحد قوليه أطلق الحكم بطهارتها؛ لممازجتها المطلق وإن خرج عن إطلاقه أو بقي اسمها
وله قول آخر
بطهارة الدهن خاصّة إذا صُبّ في الكثير وضُرِب فيه حتّى اختلطت أجزاؤه به
وإن اجتمعت بعد
ذلك على وجهه.
وهذا القول
متّجه على تقدير فرض اختلاط جميع أجزائه بالضرب ولم يخرج الماء المطلق عن إطلاقه.
وأمّا الماء
فإنّه يطهر باتّصاله بالكثير ممازجاً له عند المصنّف
أو غير
__________________
ممازج على الظاهر سواء صُبّ في الكثير ، أو وصل الكثير به ولو في آنية
ضيّقة الرأس مع اتّحادهما عرفاً ، أو عُلوّ الكثير.
(وتُلقى
النجاسة وما يكتنفها) ويلاصقها (من الجامد) كالسمن ، والدبس في بعض الأحوال ، والعجين ، والباقي طاهر على الأصل. ولو
اختلفت أحوال المائع كالسمن في الصيف والشتاء فلكلّ حالةٍ حكمها. والمرجع في
الجمود والميعان إلى العرف؛ لعدم تحديده شرعاً.
(الثامنة) :
(تحرم
ألبان الحيوان المحرَّم لحمه)كالهرّة والذئبة واللبوة
(ويُكره
لبن المكروه لحمه كالاُتُن) ـ بضمّ الهمزة والتاء وبسكونها ـ جمع أتان ـ بالفتح ـ الحمارة
ذكراً أو اُنثى ، ولا يقال في الاُنثى : أتانة.
(التاسعة) :
(المشهور)بين الأصحاب بل قال في الدروس : إنّه كاد أن يكون
إجماعاً
لوجدانه
مطروحاً (بانقباضه
بالنار) عند طرحه فيها (فيكون مذكّى ، وإلّا) ينقبض بل انبسط واتّسع وبقي على حاله (فميتة) والمستند رواية شعيب عن الصادق عليه السلام (في رجل دخل قرية فأصاب بها لحماً لم
يدرِ أذكيّ هو أم ميّت؟ قال : فاطرحه على النار فكلّما انقبض فهو ذكيّ ، وكلّما
انبسط فهو ميت)
وعمل بمضمونها
المصنّف في
__________________
الدروس
وردّها
العلّامة
والمحقّق في
أحد قوليه
لمخالفتها
للأصل ، وهو عدم التذكية ، مع أنّ في طريق الرواية ضعفاً .
والأقوى تحريمه
مطلقاً ، قال في الدروس تفريعاً على الرواية : ويمكن اعتبار المختلط بذلك ، إلّاأنّ
الأصحاب والأخبار أهملت ذلك
وهذا الاحتمال
ضعيف؛ لأنّ المختلط يُعلم أنّ فيه ميتاً يقيناً مع كونه محصوراً ، فاجتناب الجميع
متعيّن. بخلاف ما يحتمل كونه بأجمعه مذكّى ، فلا يصحّ حمله عليه مع وجود الفارق.
وعلى المشهور
لو كان اللحم قِطَعاً متعدّدة ، فلا بدّ من اعتبار كلّ قطعة على حدة لإمكان كونه
من حيوان متعدّد. ولو فرض العلم بكونه متّحداً جاز اختلاف حكمه ، بأن يكون قد قطع
بعضه منه قبلَ التذكية.
ولا فرق على
القولين بين وجود محلّ التذكية ورؤيته مذبوحاً أو منحوراً ، وعدمه؛ لأنّ الذبح
والنحر بمجرّدهما لا يستلزمان الحلّ؛ لجواز تخلّف بعض الشروط ، وكذا لو وُجِد
الحيوان غير مذبوح ولا منحور. لكنّه مضروب بالحديد في بعض جسده؛ لجواز كونه قد
استعصى فذُكِّي كيف اتّفق حيث يجوز في حقّه ذلك ، وبالجملة فالشرط إمكان كونه
مذكّى على وجه يبيح لحمه.
__________________
(العاشرة) :
(لا
يجوز استعمال شعر الخنزير)كغيره من أجزائه مطلقاً وإن حلّت من الميتة غيره ، ومثله
الكلب (فإن
اضطرّ إلى استعمال شعر الخنزير استعمل ما لا دَسَم فيه وغسل يده) بعد الاستعمال ، ويزول عنه الدَسَم بأن يُلقى في فخّار
ويجعل في النار
حتّى يذهب دسمه. رواه بُرد الإسكاف عن الصادق عليه السلام .
وقيل
: يجوز
استعماله مطلقاً
لإطلاق رواية
سليمان الإسكاف ، لكن فيها : (أنّه
يغسل يده إذا أراد أن يصلّي)
والإسكافان
مجهولان ، فالقول بالجواز مع الضرورة حسن وبدونها ممتنع؛ لإطلاق تحريم الخنزير
الشامل لموضع النزاع ، وإنّما يجب غَسل يده مع مباشرته برطوبة كغيره من النجاسات.
(الحادية
عشرة) :
(لا
يجوز) لأحد (الأكل
من مال غيره) ممّن يُحترم مالُه وإن كان كافراً أو ناصبيّاً ، أو غيره
من الفرق بغير إذنه؛ لقبح التصرّف في مال الغير كذلك ، ولأ نّه أكل مال بالباطل ، ولقوله
صلى الله عليه وآله وسلم : (المسلم
على المسلم حرام دمه وماله وعِرضه)
(إلّا
من بيوت من تضمّنته الآية) وهي قوله تعالى : (وَلاٰ عَلَى
__________________
أَنْفُسِكُمْ أَنْ
تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ
أُمَّهٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوٰاتِكُمْ
أَوْ بُيُوتِ أَعْمٰامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ
أَخْوٰالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خٰالاٰتِكُمْ أَوْ مٰا
مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ)
فيجوز الأكل من
بيوت المذكورين مع حضورهم وغيبتهم (إلّامع علم الكراهة ) ولو بالقرائن الحاليّة بحيث تثمر الظنّ الغالب بالكراهة ، فإنّ ذلك كافٍ في
هذا ونظائره ، ويطلق عليه العلم كثيراً.
ولا فرق بين ما
يُخشى فساده في هذه البيوت وغيره ، ولا بين دخوله بإذنه وعدمه ، عملاً بإطلاق
الآية. خلافاً لابن إدريس فيهما .
ويجب الاقتصار
على مجرّد الأكل ، فلا يجوز الحمل ، ولا إطعام الغير ، ولا الإفساد ، بشهادة الحال.
ولا يتعدّى الحكم إلى غير البيوت من أموالهم ، اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورده
، ولا إلى تناول غير المأكول ، إلّاأن يدلّ عليه الأكل بمفهوم الموافقة كالشرب من
مائه والوضوء به ، أو يدلّ عليه بالالتزام كالكون بها حالتَه.
وهل يجوز
دخولها لغيره ، أو الكون بها بعده وقبله؟ نظر : من تحريم التصرّف في مال الغير
إلّاما استثني ، ومن دلالة القرائن على تجويز مثل ذلك من المنافع التي لا يذهب من
المال بسببها شيء حيث جاز إتلافه بما ذكر.
والمراد ب (بُيُوتِكُمْ)
ما يملكه الآكل؛ لأنّه حقيقة فيه. ويمكن أن تكون
__________________
النكتة فيه ـ مع ظهور إباحته ـ الإشارة إلى مساواة ما ذكر له في الإباحة ، والتنبيه
على أنّ الأقارب المذكورين والصديق ينبغي جعلهم كالنفس في أن يحبّ لهم ما يحبّ لها
، ويكره لهم ما يكره لها ، كما جعل بيوتهم كبيته.
وقيل : هو بيت
الأزواج والعيال .
وقيل : بيت
الأولاد
لأنّهم لم
يُذكروا في الأقارب مع أنّهم أولى منهم بالمودّة والموافقة ، ولأنّ ولد الرجل بعضه
وحكمه حكم نفسه وهو وماله لأبيه
فجاز نسبة بيته
إليه. وفي الحديث (إنّ
أطيب ما يأكل الرجل من كسبه ، وإنّ ولده من كسبه) .
والمراد ب (مٰا مَلَكْتُمْ
مَفٰاتِحَهُ) ما يكون عليها وكيلاً أو قيّماً يحفظها. واُطلق على ذلك ملك المفاتح؛
لكونها في يده وحفظه ، روى ذلك ابن أبي عمير مرسلاً عن الصادق عليه السلام
وقيل : هو بيت
المملوك .
والمعنيّ في
قوله : (أَوْ
صَدِيقِكُمْ) بيوت صديقكم على حذف المضاف ، والصديق يكون واحداً وجمعاً ، فلذلك جمع
البيوت. ومثله الخليط.
__________________
والمرجع في «الصديق» إلى العرف؛ لعدم تحديده شرعاً ، وفي صحيحة الحلبي قال : «سألت
أبا عبد اللّٰه عليه السلام قلت : ما يعني بقوله : أو صديقكم؟ قال : هو
واللّٰه الرجل يدخل بيت صديقه فيأكل بغير إذنه»
وعنه عليه
السلام : «من عِظَم حرمة الصديق أن جُعل له من
الاُنس والتفقّد والانبساط وطرح الحِشمة بمنزلة النفس والأب والأخ والابن»
.
والمتبادر من
المذكورين كونهم كذلك بالنسب. وفي إلحاق من كان منهم كذلك بالرضاع وجه : من حيث
إنّ «الرضاع
لُحمة كلُحمة النسب»
ولمساواته له
في كثير من الأحكام. ووجه العدم : كون المتبادر النَسَبي منهم. ولم أقف فيه على
شيء نفياً وإثباتاً ، والاحتياط التمسّك بأصالة الحرمة في موضع الشكّ.
وألحق بعض
الأصحاب الشريك في الشجر والزرع والمباطخ
فإنّ له الأكل من
المشترك بدون إذن شريكه مع عدم علم الكراهة ، محتجّاً بقوله تعالى : (إِلاّٰ
أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ) .
وفيه نظر؛ لمنع
تحقّق التراضي مطلقاً ، وجعلها صفة للتجارة يقتضي جواز الأكل من كلّ تجارة وقع
فيها التراضي بينهما ، وهو معلوم البطلان.
__________________
وألحق المصنّف
وغيره
الشرب من
القناة المملوكة والدالية والدولاب والوضوء والغسل ، عملاً بشاهد الحال. وهو حسن
إلّاأن يغلب على الظنّ الكراهة.
(الثانية
عشرة) :
(إذا
انقلب الخمر خَلّاً حَلّ)لزوال المعنى المحرّم وللنصّ
(سواء
كان) انقلابه (بعلاج أو من قبل نفسه) وسواء كانت عين المعالج به باقية فيه أم لا؛ لإطلاق النصّ
والفتوى
بجواز علاجه
بغيره. وبطهره يطهر ما فيه من الأعيان وآلته.
لكن يكره علاجه
بغيره للنهي عنه في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه
عليه السلام
ولا أعلم
لأصحابنا خلافاً في ذلك
في الجملة وإن
اختلفوا في بعض أفراده
ولولا ذلك أمكن
استفادة عدم طهارته بالعلاج من بعض النصوص
__________________
كما يقوله بعض العامّة .
وإنّما تطهر
النجاسة الخمريّة ، فلو كان نجساً بغيرها ولو بعلاجه بنجس كمباشرة الكافر له لم
يطهر بالخَلّيّة ، وكذا لو اُلقي في الخلّ خمر حتّى استهلكه الخلّ ، أو بالعكس على
الأشهر.
(لا
يحرم شرب الربوبات وإن شُمّ منها ريح المسكر كربّ التُفّاح)
ورُبّ السفرجل
والاُتُرج والسكنجبين (وشبهه؛
لعدم إسكاره) قليله وكثيره (وأصالة حلّه) وقد روى الشيخ وغيره عن جعفر بن أحمد المكفوف قال : «كتبت
إليه ـ يعني أبا الحسن الأوّل عليه السلام ـ أسأله عن السكنجبين والجلّاب ورُبّ
التوت ورُبّ التُفّاح ورُبّ الرُمّان؟ فكتب : حلال» .
(الرابعة
عشرة) :
(يجوز
عند الاضطرار تناول المحرَّم) من الميتة والخمر وغيرهما (عند خوف التلف) بدون التناول (أو) حدوث (المرض) أو زيادته (أو
الضعف المؤدّي إلى التخلّف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب) على تقدير التخلّف.
ومقتضى هذا
الإطلاق عدم الفرق بين الخمر وغيره من المحرَّمات في جواز تناولها عند الاضطرار. وهو
في غير الخمر موضع وفاق ، أمّا فيها فقد قيل
__________________
بالمنع مطلقاً
وبالجواز مع
عدم قيام غيرها مقامها .
وظاهر العبارة
ومصرَّح الدروس
جواز استعمالها
للضرورة مطلقاً حتّى للدواء كالترياق ، والاكتحال؛ لعموم الآية
الدالّة على
جواز تناول المضطرّ إليه.
والأخبار كثيرة
في المنع من استعمالها مطلقاً
حتّى الاكتحال
، وفي بعضها : «إنّ اللّٰه تعالى لم يجعل في شيء
ممّا حرّم دواء ولا شفاء)
و «إنّ
من اكتحل بميل من مسكر كحّله اللّٰه بميل من نار)
والمصنّف حملها
على الاختيار
والعلّامة على
طلب الصحّة لا طلب السلامة من التلف
وعلى ما سيأتي
من وجوب الاقتصار على حفظ الرمق هما متساويان. ولو قام غيرها مقامها وإن كان
محرّماً قُدّم عليها؛ لإطلاق النهي الكثير عنها في الأخبار .
(ولا يُرخَّص الباغي ،
وهو الخارج على الإمام العادل ، وقيل : الذي يبغي
__________________
الميتة ) أي يرغب في أكلها. والأوّل أظهر؛ لأنّه معناه شرعاً (ولا العادي وهو قاطع
الطريق ، وقيل : الذي يعدو شبَعَه ) أي يتجاوزه. والأوّل هو الأشهر والمرويّ ، لكن بطريق ضعيف مرسل .
ويمكن ترجيحه على
الثاني
بأنّ تخصيص آية
الاضطرار على خلاف الأصل ، فيُقتصر فيه على موضع اليقين ، وقاطع الطريق عادٍ في
المعصية في الجملة ، فيختصّ به.
ونقل الطبرسي أنّه
باغي اللذّة وعادي سدّ الجوعة ، أو عادٍ بالمعصية ، أو باغٍ في الإفراط وعادٍ في
التقصير .
(وإنّما
يجوز) مِن تناول المحرَّم (ما يحفظ الرَمَق) وهو بقيّة الروح ، والمراد وجوب الاقتصار على حفظ النفس من التلف ، ولا
يجوز التجاوز إلى الشَبَع مع الغنى عنه. ولو احتاج إليه للمشي أو العَدْو أو إلى
التزوّد منه لوقت آخر جاز ، وهو حينئذٍ من جملة ما يسدّ الرمق.
وعلى هذا
فيختصّ خوف المرض السابق
بما يؤدّي إلى
التلف ولو ظنّاً ،
__________________
لا مطلق المرض ، أو يخصّ هذا بتناوله للغذاء الضروري ، لا للمرض. وهو أولى.
(ولو
وجد ميتة وطعامَ الغير ، فطعام الغير أولى إن بذله) مالكه (بغير
عوض أو بعوض هو) أي المضطرّ (قادر عليه) في الحال أو في وقت طلبه ، سواء كان بقدر ثمن مثله أم أزيد على ما يقتضيه
الإطلاق ، وهو أحد القولين .
وقيل : لا يجب
بذل الزائد عن ثمن مثله
وإن اشتراه به
كراهةً للفتنة ، ولأ نّه كالمكرَه على الشراء بل له قتاله لو امتنع من بذله ، ولو
قُتل اُهدر دمه ، وكذا لو تعذّر عليه الثمن.
والأقوى وجوب
دفع الزائد مع القدرة؛ لأنّه غير مضطرّ حينئذٍ والناس مسلَّطون على أموالهم (وإلّا) يكن كذلك بأن لم يبذله مالكه أصلاً ، أو بذله بعوض يعجز عنه (أكل الميتة) إن وجدها.
وهل هو على
سبيل الحتم أو التخيير بينه وبين أكل طعام الغير على تقدير قدرته على قهره عليه؟ ظاهر
العبارة الأوّل.
وقيل بالثاني
لاشتراكهما
حينئذٍ في التحريم. وفي الدروس إنّه مع قدرته على قهر الغير على طعامه بالثمن أو
بدونه مع تعذّره لا يجوز له أكل الميتة ، بل يأكل الطعام ويضمنه لمالكه ، فإن
تعذّر عليه قهره أكل الميتة
وهو حسن؛ لأنّ
تحريم مال الغير عرضيّ ، بخلاف الميتة وقد زال بالاضطرار
__________________
فيكون أولى من الميتة.
وقيل : إنّه
حينئذٍ لا يضمن الطعام
للإذن في
تناوله شرعاً بغير عوض.
والأوّل أقوى
جمعاً بين الحقّين ، وحينئذٍ فاللازم مثله أو قيمته ، وإن كان يجب بذل أزيد لو سمح
به المالك . والفرق أنّ ذلك
كان على وجه
المعاوضة الاختياريّة ، وهذا
على وجه إتلاف
مال الغير بغير إذنه ، وموجبه شرعاً هو المثل أو القيمة.
وحيث تباح له
الميتة فميتة المأكول أولى من غيره ، ومذبوح ما يقع عليه الذكاة أولى منهما ، ومذبوح
الكافر والناصب أولى من الجميع.
(الخامسة
عشرة) :
(يستحبّ
غسل اليدين )معاً وإن كان الأكل بإحداهما (قبل الطعام وبعده) فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : (أوّله ينفي الفقر
وآخره ينفي الهمّ)
وقال عليّ عليه
السلام : «غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في
العمر ، وإماطة للغَمَر عن الثياب ، ويجلو في البصر»
وقال الصادق عليه
السلام : «من غسل يده قبل الطعام وبعده عاش في
سعة ، وعُوفي من بلوى جسده»
(ومسحُهما
بالمنديل)
__________________
ونحوه (في
الغَسل الثاني) وهو ما بعد
الطعام (دون
الأوّل) فإنّه لا تزال البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد
.
(والتسمية
عند الشروع) في الأكل ، فعن
النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال : «إذا
وضعت المائدة حفّها أربعة آلاف ملك ، فإذا قال العبد : بسم اللّٰه ، قالت
الملائكة : بارك اللّٰه عليكم في طعامكم ، ثمّ يقولون للشيطان : اخرج يا
فاسق لا سلطان لك عليهم ، فإذا فرغوا فقالوا : الحمد للّٰه ، قالت الملائكة
: قوم أنعم اللّٰه عليهم فأدّوا شكر ربّهم. وإذا لم يسمّ
قالت الملائكة للشيطان : ادْنُ يا فاسق فكل معهم. فإذا رفعت المائدة ولم يذكروا
اللّٰه قالت الملائكة : قوم أنعم اللّٰه عليهم فنسوا ربّهم» .
(و) لو تعدّدت ألوان المائدة سمّى (على كلّ لون) منها ، رُوي ذلك عن عليّ عليه السلام وواقعته مع ابن الكوّاء مشهورة
ورُوي التسمية
على كلّ إناء
على المائدة
وإن اتّحدت الألوان (ولو
نسيها) أي التسمية في الابتداء (تداركها في الأثناء) عند ذكرها ، ورُوي أنّ الناسي يقول : بسم اللّٰه على
أوّله وآخره .
(ولو
قال) في الابتداء مع تعدّد الألوان والأواني : (بسم اللّٰه
على أوّله وآخره أجزأ) عن التسمية على
كلّ لون وآنية. ورُوي إجزاء تسمية واحدٍ من
__________________
الحاضرين على المائدة عن الباقين عن الصادق عليه السلام رخصةً .
(ويستحبّ
الأكل باليمين اختياراً) ولا بأس باليسرى مع الاضطرار ، فعن الصادق عليه السلام : (لا تأكل باليسرى
وأنت تستطيع)
وفي رواية
اُخرى : (لا
يأكل بشماله ولا يشرب بها ولا يتناول بها شيئاً) .
(وبدأة
صاحب الطعام) بالأكل لو كان
معه غيره (وأن
يكون آخِرَ من يأكل) ليأنس القوم
ويأكلوا ، رُوي ذلك من فعل النبيّ صلى الله عليه وآله معلّلاً بذلك .
(ويبدأ) صاحب الطعام إذا أراد غسل أيديهم (في الغسل) الأوّل بنفسه ثمّ (بمن
على يمينه) دوراً إلى
الآخِر. وفي الغَسل الثاني بعد رفع الطعام يبدأ بمن على يساره ، ثمّ يغسل هو
أخيراً ، رُوي ذلك عن الصادق عليه السلام معلّلاً ابتداءه أوّلاً (لئلّا
يحتشمه أحد) وتأخيرَه آخراً ب (أنّه
أولى بالصبر على الغَمَر)
وهو ـ بالتحريك
ـ ما على اليد من سهك
الطعام وزُهمته
وفي روايةٍ : (أنّه
يبدأ بعد الفراغ بمن على يمين الباب حرّاً كان أو عبداً) .
(ويجمع
غسالة الأيدي في إناء واحد) لأنّه يورث حسن أخلاق الغاسلين ، والمروي عن الصادق عليه السلام : «اغسلوا
أيديكم في إناء واحد تحسن
__________________
أخلاقكم»
ويمكن أن يدلّ
على ما هو أعمّ من جمع الغسالة فيه.
(وأن
يستلقي بعد الأكل) على ظهره (ويجعل رجلَه اليمنى
على رجلِه اليسرى) رواه البزنطي
عن الرضا عليه السلام
ورواية العامّة
بخلافه من الخلاف .
(ويكره
الأكل متّكئاً ولو على كفّه) لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يأكل متّكئاً منذ بعثه اللّٰه
تعالى إلى أن قبضه ، رُوي ذلك عن الصادق عليه السلام
(وروى) الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام (عدم كراهة الاتّكاء على اليد) في حديث طويل آخره : (لا
واللّٰه ما نهى رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله عن هذا قطّ)
ـ يعني
الاتّكاء على اليد حالةَ الأكل ـ وحُمل على أنّه لم ينه عنه لفظاً
وإلّا فقد رُوي
عنه عليه السلام أنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله لم يفعله كما سلف. وحُمل
فعل الصادق عليه السلام على بيان جوازه .
وكذا يكره
التربّع حالَتَه بل في جميع الأحوال ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إذا
جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد ، ولا يضعنّ أحدكم إحدى رجليه على الاُخرى
ويتربّع ، فإنّها جلسة يبغضها اللّٰه ويمقت صاحبها) .
__________________
(و) كذا يكره (التملّي
من المأكل) قال الصادق
عليه السلام : (إنّ
البطن ليطغى من أكلة ، وأقرب ما يكون العبد من اللّٰه تعالى إذا خفّ بطنه ،
وأبغض ما يكون العبد من
اللّٰه إذا امتلأ بطنه)
(وربما
كان الإفراط) في التملّي (حراماً) إذا أدّى إلى الضرر ، فإنّ الأكل على الشَبَع يورث البرص ، وامتلاءُ المعدة
رأس الداء (والأكل
على الشبع وباليسار) اختياراً (مكروهان) وقد تقدّم. والجمع بين كراهة الامتلاء والشَبَع تأكيد للنهي عن كلٍّ منهما
بخصوصه في الأخبار
أو يكون
الامتلاء أقوى ، ومن ثَمّ أردفه بالتحريم على وجه ، دون الشَبَع. ويمكن أن يكون
بينهما عموم وخصوص من وجه بتحقّق الشبع خاصّة بانصراف نفسه وشهوته عن الأكل وإن لم
يمتلئ بطنه من الطعام ، والامتلاء دونه بأن يمتلئ بطنه ويبقى له شهوة إليه ، ويجتمعان
فيما إذا امتلأ وانصرفت شهوته عن الطعام حينئذٍ.
هذا إذا كان
الآكل صحيحاً ، أمّا المريض ونحوه ، فيمكن انصراف شهوته عن الطعام ولا يصدق عليه أنّه
حينئذٍ شبعان ، كما لا يخفى. ويؤيّد ما ذكرناه من الفرق ما يروى
من قوله صلى
الله عليه وآله وسلم عن معاوية : (لا
أشبع اللّٰه له بطناً)
مع أنّ
__________________
امتلاءه ممكن. وما رُوي عنه أنّه كان
يأكل بعد ذلك
ما يأكل ثمّ يقول : ما شبعت ولكن عييت .
(ويحرم
الأكل على مائدة يُشرب عليها شيء من المسكرات) خمراً وغيره (أو
الفقّاع) لقول النبيّ صلى الله عليه وآله : (ملعون من جلس على
مائدة يُشرَب عليها الخمر)
وفي خبر آخر (طائعاً)
وباقي المسكرات
بحكمه ، وفي بعض الأخبار تسميتها خمراً
وكذا الفقّاع
(وباقي
المحرّمات) حتّى غيبة مؤمن
على المائدة ونحوها (يمكن
إلحاقها بها) كما ذهب إليه
العلّامة
لمشاركتها لها
في معصية اللّٰه تعالى ، ولما في القيام عنها من النهي عن المنكر ، فإنّه
يقتضي الإعراض عن فاعله ، وهو ضرب من النهي الواجب. وحرّم ابن إدريس الأكل من طعام
يُعصى اللّٰه به أو عليه
ولا ريب أنّه
أحوط.
وأمّا النهي
بالقيام فإنّما يتمّ مع تجويزه التأثير به واجتماع باقي الشروط .
ووجوبه حينئذٍ
من هذه الحيثيّة حسن ، إلّاأنّ إثبات الحكم مطلقاً مشكل؛ إذ لا يتمّ وجوب الإنكار
مطلقاً فلا يحرم الأكل مطلقاً. وإلحاق غير المنصوص به قياس.
__________________
ولا فرق بين
وضع المحرَّم أو فعله على المائدة في ابتدائها واستدامتها ، فمتى عرض المحرَّم في
الأثناء وجب القيام حينئذٍ كما أنّه لو كان ابتداءً حَرُم الجلوس عليها وابتداء
الأكل منها.
والأقوى : أنّ
كلّ واحد من الأكل منها والجلوس عليها محرَّم برأسه وإن انفكّ عن الآخر.
كتاب الميراث
(كتاب الميراث)
وهو مِفْعال من
الإرث وياؤه منقلبة عن الواو
أو من الموروث .
وهو على الأوّل
«استحقاق إنسان بموت آخر بنسب أو سبب
شيئاً بالأصالة».
وعلى الثاني «ما
يستحقّه إنسان ...» إلى آخره ، بحذف «الشيء» .
وهو أعمّ من «الفرائض» مطلقاً إن اُريد بها : المفروض بالتفصيل. وإن اُريد بها ما يعمّ الإجمال
كإرث اُولي الأرحام ، فهو بمعناه
ومن ثَمَّ كان
التعبير بالميراث أولى.
__________________
(وفيه
فصول) :
(الأوّل)
البحث في (الموجبات) للإرث (والموانع) منه.
(يوجب
الإرث) أي يثبته شيئان : (النسب والسبب ، فالنسب) هو الاتّصال بالولادة بانتهاء أحدهما إلى الآخر ، كالأب والابن ، أو
بانتهائهما إلى ثالثٍ مع صدق اسم النسب عرفاً ، على الوجه الشرعي .
وهو ثلاث مراتب
، لا يرث أحدٌ من المرتبة التالية مع وجود واحدٍ من المرتبة السابقة خالٍ من
الموانع.
فالاُولى : (الآباء) دون آبائهم (والأولاد) وإن نزلوا.
(ثمّ) الثانية : (الإخوة) والمراد بهم : ما يشمل الأخوات للأبوين أو أحدهما (والأجداد) والمراد بهم : ما يشمل الجدّات (فصاعداً ، وأولاد الإخوة) والأخوات (فنازلاً) ذكوراً وإناثاً.
وأفردهم عن (الإخوة) لعدم إطلاق اسم الإخوة عليهم ، فلا يدخلون ولو قيل : (وإن نزلوا) ونحوه. بخلاف الأجداد والأولاد.
(ثمّ) الثالثة : (الأعمام
والأخوال) للأبوين أو أحدهما وإن علوا
__________________
كأعمام الأب والاُمّ وأعمام الأجداد ، وأولادهم فنازلاً ذكوراً وإناثاً.
(والسبب)هو الاتّصال بالزوجيّة ، أو الولاء. وجملته (أربعة : الزوجيّة) من الجانبين مع دوام العقد ، أو شرط الإرث على الخلاف
(و) ولاء (الإعتاق
و) ولاء (ضمان
الجريرة و) ولاء (الإمامة).
والزوجيّة من
هذه الأسباب تجامع جميع الوُرّاث ، والإعتاق لا يجامع النسب ، ويقدّم على ضمان
الجريرة المقدَّم على ولاء الإمامة. فهذه اُصول موجبات الإرث.
وأمّا
الموانع :فكثيرة قد
سبق بعضها ويذكر بعضها في تضاعيف الكتاب ، وغيره
وقد جمعها
المصنّف في
الدروس إلى
عشرين
وذكر هنا ستّة
:
__________________
أحدها : الكفر (ويمنع الإرثَ) للمسلم (الكفرُ) بجميع أصنافه ، وإن انتحل معه الإسلام (فلا يرث الكافر) حربيّاً كان أم ذمّياً أم
خارجيّاً
أم ناصبيّاً أم
غالياً (المسلمَ) وإن لم يكن مؤمناً.
(والمسلمُ
يرث الكافرَ) ويمنع ورثتَه
الكُفّارَ وإن قربوا وبَعُد. وكذا يرث المبتدعُ من المسلمين لأهل الحقّ ولمثله ، ويرثونه
على الأشهر. وقيل : يرثه المحقُّ دون العكس .
(ولو
لم يُخلّف المسلمُ قريباً مسلماً كان ميراثُه للمعتِق ، ثمّ ضامِن الجريرة ، ثمّ
الإمام. ولا يرثه الكافرُ بحالٍ) بخلاف الكافر ، فإنّ الكفّار يرثونه مع فقد الوارثِ المسلِم ، وإن بعد كضامن
الجريرة ويُقدَّمون على الإمام.
(وإذا
أسلم الكافرُ على ميراثٍ قبلَ قسمته) بين الورثة حيث يكونون متعدّدين (شارَك) في الإرث بحسب حاله (إن
كان مساوياً) لهم في المرتبة
كما لو كان الكافر ابناً والورثةُ إخوته (والفرد) بالإرث (إن
كان أولى) منهم كما لو كانوا إخوة. مسلماً كان الموروث
أم كافراً ، ونماء
التركة كالأصل.
(ولو) أسلم بعد القسمة أو (كان
الوارث واحداً فلا مشاركة) ولو كان الوارثُ الإمامَ حيث يكون الموروث
مسلماً ، ففي
تنزيله منزلة الوارث
__________________
الواحد
أو اعتبار نقل
التركة إلى بيت المال
أو توريث
المسلم مطلقاً
أقوال.
ووجه الأوّل
واضح ، دون الثاني ، والأخير مرويّ .
ولو كان
الوارثُ أحدَ الزوجين ، فالأقوى : أنّ الزوج كالوارث المتّحد والزوجة كالمتعدّد؛
لمشاركة الإمام لها دونه وإن كان غائباً.
ولو كان
الإسلام بعد قسمة البعض ، ففي مشاركته في الجميع أو في الباقي أو المنع منهما ، أوجُهٌ
أوسطها
الوسط.
(والمرتدّ
عن فطرة) وهو الذي انعقد وأحدُ أبويه مسلم لا تقبل توبته ظاهراً
وإن قُبلت باطناً على الأقوى و (تقسَّم
تركته) بين ورثته بعد قضاء ديونه منها إن كان عليه دين (وإن لم يُقتل) بأن فات السلطان أو لم تكن يد المستوفي مبسوطة (ويرثه المسلمون لا
غير) لتنزيله منزلة المسلم في كثير من الأحكام كقضاء عبادته
الفائتة زمن الردّة.
(و) المرتدّ (عن
غير فطرة) وهو الذي انعقد ولم يكن أحد أبويه مسلماً لا يُقتل
معجَّلاً ، بل (يستتاب) عن الذنب الذي ارتدّ بسببه (فإن تاب ،
__________________
وإلّا
قُتل) : ولا يُقسَّم
مالُه حتّى يُقتل أو يموت ، وسيأتي بقيّة حكمه في باب الحدود إن شاء اللّٰه
تعالى.
(والمرأة
لا تُقتل بالارتداد) لقصور عقلها (ولكن تُحبس وتُضرب
أوقات الصلوات حتّى تتوب أو تموت ، وكذلك الخنثى)
للشكّ في
ذكوريّته المسلِّطة على قتله.
ويُحتمل
أن يلحقه حكم
الرجل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (من بدّل دينه فاقتلوه)
خرج منه المرأة
فيبقى الباقي داخلاً في العموم؛ إذ لا نصّ على الخنثى بخصوصه. وهذا متّجه لولا أنّ
الحدود تُدرأ بالشبهات .
(و) ثانيها : (القتل) أي قتلُ الوارثِ لولاه
المورِّثَ
وهو (مانع) من الإرث (إذا
كان عمداً ظلماً) إجماعاً ، مقابلةً
له بنقيض مقصوده ، ولقوله صلى الله عليه وآله : (لا ميراث للقاتل)
واحترزنا
بالظلم عمّا لو قتله حدّاً أو قصاصاً ونحوهما من القتل بحقّ ، فإنّه لا يمنع.
(ولو
كان) قتله (خطأً) محضاً (مُنع
من الدية خاصّة) على أظهر
__________________
الأقوال
لأنّه جامع بين
النصّين
ولأنّ الدية
يجب عليه دفعها إلى الوارث؛ للآية
ولا شيء من
الموروث
للقاتل يُدفع
إليه ، والدفع إلى نفسه لا يعقل
وبه صريحاً
رواية عامّيّة .
وقيل : يُمنَع
مطلقاً
لرواية الفضيل
بن يسار عن الصادق عليه السلام : «لا يرث الرجلُ
الرجلَ إذا قتله ، وإن كان خطأً» .
وقيل : يرث
مطلقاً
لصحيحة عبد
اللّٰه بن سنان عنه عليه السلام «في
رجل قتل اُمّه أيرثها؟ قال : إن كان خطأ وَرِثها ، وإن كان عمداً لم يرثها»
وترك الاستفصال
دليل العموم فيما تركته مطلقاً ، ومنه الدية. ورواية الفضيل مرسلة فلا تعارض
الصحيح.
__________________
وفي إلحاق شبيه
العمد به أو بالخطأ قولان
أجودهما
الأوّل؛ لأنّه عامد في الجملة.
ووجه العدم : كونه
خاطئاً كذلك؛ ولأنّ التعليل بمقابلته بنقيض مقصوده لا يجري فيه.
ولا فرق بين
الصبيّ والمجنون وغيرهما ، لكن في إلحاقهما بالخاطئ أو العامد نظر. ولعلّ الأوّل
أوجَه. ولا بين المباشر والسبب في ظاهر المذهب؛ للعموم .
(ويرث
الديةَ) ديةَ المقتول سواءٌ وجبت أصالة كالخطأ وشبهه ، أم صلحاً
كالعمد (كلُّ
مناسبٍ) للمقتول (ومساببٍ) له كغيرها من أمواله؛ لعموم آية أُولُوا اَلْأَرْحٰامِ
فإنّهم جمع
مضاف.
(وفي) إرث (المتقرّب
بالاُمّ) لها (قولان)
مأخذهما : ما
سلف ، ودلالة رواية محمّد بن قيس
وعبد
اللّٰه بن سنان ) وعبيد بن زرارة
عن الباقر
والصادق عليهما السلام بحرمان الإخوة من الاُمّ ، واُلحِق غيرُهم من المتقرّب بها
__________________
بهم؛ لمفهوم الموافقة ، واستقربه المصنّف في الدروس
بعد حكمه بقصر
المنع على موضع النصّ.
(ويرثها
الزوجُ والزوجةُ) في الأشهر. ورواية
السكوني بمنعهما
ضعيفة ، أو
محمولة على التقيّة (ولا
يرثان القصاص) اتّفاقاً (و) لكن (لو
صُولح على الدية) في العمد (ورثا منها) كغيرها من الأموال وغيرهما من الورّاث؛ للعموم.
(و) ثالثها : (الرقّ) وهو (مانع) من الإرث (في
الوارث) وإن كان الموروثُ مثلَه ، بل يرثه الحرّ وإن كان ضامنَ
جريرة دون الرقّ وإن كان ولداً (و) في (الموروث) فلا يرث الرقَّ قريبُه الحرّ وإن قلنا بملكه ، بل ماله لمولاه بحقّ الملك
لا بالإرث ، مطلقاً .
(ولو
كان للرقيق) ولدِ الميّت (ولدٌ) حرّ (ورث
جدَّه ، دون الأب) لوجود المانع
فيه دونه ، ولا يُمنع برقّ أبيه (وكذا
الكافر والقاتل لا يَمنعان) من الإرث (من
يتقرّب بهما) لانتفاء المانع
منه دونهما.
(والمبعَّض) أي من تحرّر بعضُه وبقي بعضُه رقّاً (يرث بقَدَر ما فيه من الحرّيّة ،
ويُمنع) من الإرث (بقدر الرقّيّة) فلو كان للميّت ولدٌ نصفه حرّ وأخٌ حرٌّ فالمال بينهما نصفان ، ولو كان نصف
الآخر حرّاً أيضاً فللابن النصف ، وللأخ الربع. والباقي للعمّ الحرّ إن كان ، فلو
كان نصفه حرّاً فله الثمن والباقي
__________________
لغيره من المراتب المتأخّرة عنه. وهكذا (ويُورَث) المبعَّض (كذلك) فإذا كان نصفه حرّاً فلمولاه نصف تركته ، ولوارثه الحرّ النصف ، وهكذا ...
(وإذا
اُعتق) الرقّ (على
ميراث قبل قسمته فكالإسلام) قبل القسمة يرث إن كان الوارث متعدّداً ولم يقتسموا التركة ، ويُمنع مع
اتّحاده أو سبق القسمة على عتقه ، إلى آخر ما ذكر .
(وإذا
لم يكن للميّت وارث سوى المملوك اشتري من التركة) ولو قهراً على مولاه ، والمتولّي له الحاكم الشرعي ، فإن تعذّر تولّاه غيره
كفاية (واُعتق
وورث) باقي التركة (أباً كان) الرقّ للميّت (أو
ولداً أو غيرهما) من الأنساب على
الأشهر. أمّا الأبوان والأولاد فموضع وفاق ، وبه نصوص كثيرة .
وربما قيل بعدم
فكّ الأولاد
والأوّل هو
المذهب.
وأمّا غيرهما
من الأرحام فببعضه نصوص غير نقيّة السند
ولم يفرّق أحد
بينهم. فحكم الأكثر بفكّ الجميع ، وتوقّف العلّامة في المختلف
لذلك. وله وجه.
وفي شراء
الزوجة رواية صحيحة
وحُمل عليها
الزوج بطريق أولى.
__________________
ولو قصر المال
عن قيمته ففي فكّه قولان
أشهرهما : العدم
، وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع الوفاق. وهذا يتّجه في غير من اتّفق على فكّه ،
وفيه يتّجه شراء الجزء وإن قَلّ ، عملاً بمقتضى الأمر بحسب الإمكان ، ولحصول الغرض
به في الجملة.
وعلى المشهور
لو تعدّد الرقيق وقصُر المال عن فكّ الجميع وأمكن أن يُفكّ به البعض ففي فكّه
بالقرعة ، أو التخيير ، أو عدمه ، أوجُهٌ.
وكذا الإشكال
لو وفت حصّة بعضهم بقيمته وقصر البعض. لكن فكّ الموفي هنا أوجَه.
وظاهر النصوص
توقّف عتقه بعد الشراء على الإعتاق كما يظهر من العبارة ، فيتولّاه من يتولّى
الشراء.
(ولا
فرق بين اُمّ الولد والمدبَّر والمكاتب المشروط والمطلَق الذي لم يؤدّ) شيئاً من مال الكتابة (وبين
القنّ) لاشتراك الجميع في أصل الرقّيّة ، وإن تشبَّث بعضهم
بالحرّية. والنهي عن بيع اُمّ الولد مخصوص بغير ما فيه تعجيل لعتقها؛ لأنّه زيادة
في مصلحتها التي نشأ منها المنع ، فيصحّ بطريق أولى.
ولو كان
المُطلَق قد أدّى شيئاً وعُتِق منه بحسابه فُكَّ الباقي وإن كان يرث بجزئه الحرّ؛
لأنّ ما قابل جزءَه الرقّ من الإرث بمنزلة من
لا وارث له.
__________________
(و) رابعها : (اللعان) وهو (مانع
من الإرث) بين الزوجين وبين الزوج والولد المنفيّ به من جانب الأب
والولد (إلّاأن
يكذّب) الأبُ (نفسَه) في نفيه (فيرثه
الولد من غير عكس). وهل يرثه حينئذٍ أقاربُ الأب مع اعترافهم به ، أو مطلقاً ، أو عدمه
مطلقاً ، أوجُهٌ ، أشهرها : الأخير؛ لحكم الشرع بانقطاع النسب فلا يعود ، وإنّما
ورثه الولدُ بالتكذيب بدليل خارج.
ولو اتّفق
للولد قَرابة من الأبوين ، واُخرى من الاُمّ كالإخوة اقتسموا بالسويّة؛ لسقوط نسب
الأب. ولو كان المنفيّ توأمين توارثا بالاُمومة.
(و) خامسها : (الحمل) وهو (مانع
من الإرث ، إلّاأن ينفصل حيّاً) فلو سقط ميّتاً لم يرث؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (السقط لا يرث ولا
يُورث)
ولا تشترط
حياته عند موت المورث
بل لو كان نطفة
ورث إذا انفصل حيّاً ، ولا يشترط استقرار حياته بعد انفصاله ولا استهلاله
لجواز كونه
أخرس ، بل مطلق الحياة المعتبرة بالحركة البيّنة ، لا بنحو التقلّص الطبيعي كما لو
خرج بعضه حيّاً وبعضه ميتّاً.
وكما يُحَجب
الحمل عن الإرث إلى أن ينفصل حيّاً يَحجُب غيرَه ممّن هو دونه ليستبين أمرُه. كما
لو كان للميّت امرأة أو أمة حامل وله إخوة فيُترك الإرث حتّى تضع.
__________________
نعم ، لو طلبت
الزوجة الإرث اُعطيت حصّةَ ذات الولد؛ لأنّه المتيقّن ، بخلاف الإخوة.
ولو كان هناك
أبوان اُعطيا السدسين ، أو أولاد اُرجئ سهم ذكرين؛ لندور الزائد ، فإن انكشف الحال
بخلافه استُدرك زيادة ونقصاناً.
ويُعلم وجود
الحمل حال موت المورث بأن يُوضَع حيّاً لدون ستّة أشهر منذ موته ، أو لأقصى الحمل
إن لم توطأ الاُمّ وطأً يصلح استناده إليه ، فلو وطئت ـ ولو بشبهة ـ لم يرث؛
لاحتمال تجدّده مع أصالة عدم تقدّمه.
وسادسها : الغيبة المنقطعة وهي مانعة من نفوذ الإرث ظاهراً حتّى
يثبت الموت شرعاً. وقد نبّه عليه بقوله : (والغائب غيبة منقطعة) بحيث لا يُعلم خبره (لا
يُورث حتّى تمضي) له من حين
ولادته (مدّةً
لا يعيش مثلُه إليها عادةً) ولا عبرة بالنادر ، وهي في زماننا مئة وعشرون سنة ، ولا يبعد الآن الاكتفاء
بالمئة؛ لندور التعمير إليها في هذه البلاد.
فإذا مضت
للغائب المدّةُ المعتبرة حُكم بتوريث من هو موجود حالَ الحكم. ولو مات له قريب في
تلك المدّة عُزِل له نصيبه منه وكان بحكم ماله.
والحكم
بالتربّص بميراث الغائب المدّةَ المذكورة هو المشهور بين الأصحاب ، وهو مناسب
للأصل. لكن ليس به رواية صريحة ، وما ادّعي له من النصوص
ليس دالّاً
عليه.
وفي المسألة
أقوال اُخر مستندة إلى روايات بعضها صحيح.
منها : أن
يُطلب أربع سنين في الأرض ، فإن لم يُوجد قُسّم ماله بين ورثته ،
__________________
ذهب إليه المرتضى
والصدوق
وقوّاه المصنّف
في الدروس
وجنح إليه
العلّامة
وهو قويّ مرويّ
ويؤيّده الحكم السابق باعتداد زوجته عدّة الوفاة وجواز
تزويجها بعدها
ولو لم يُطلب
كذلك فالعمل على القول المشهور.
وقيل : يكفي
انتظاره عشرَ سنين من غير طلب
وهو مرويّ
أيضاً .
(ويلحق
بذلك الحجب ،(وأمّا الحجب عن اصل الإرث) وهو تارةً عن أصل الإرث كما في حَجْب القريب» في كلّ
مرتبة (البعيدَ) عنها وإن كان قريباً في الجملة (فالأبوان والأولاد) وهم أهل المرتبة الاُولى (يحجبون
الإخوة والأجداد) أهلَ المرتبة
الثانية (ثمّ
الإخوة) وأولادهم (والأجداد) وإن علوا (يحجبون
الأعمام والأخوال ، ثمّ هم) أي الأعمام والأخوال (يحجبون
أبناءهم) ثمّ أبناؤهم للصلب يحجبون أبناءهم أيضاً ، وهكذا ... وكذا
الأولاد للصلب والإخوة يحجبون أبناءهم. فكان ينبغي التعرّض لهم ، لكن ما ذكره على
وجه بيان حكم الحجب لا للحصر.
ولو اُعيد ضمير
«هُم» إلى المذكورين في كلّ مرتبة لدخل الأولاد والإخوة ، وتبيّن أنّهم يحجبون
أولادهم. لكن يشكل بالأجداد ، فإنّه يستلزم أن يحجبوا الآباء ، والجدّ البعيد يحجب
القريبَ ، وهو فاسد ، وإن صحّ حجب الأجداد
__________________
لأولادهم الذين هم الأعمام والأخوال ، إلّاأ نّه مستغنى عنهم بالتصريح
بذكرهم.
والضابط أنّه :
متى اجتمع في المرتبة الواحدة طبقات ورث الأقرب إلى الميّت فيها فالأقرب.
(ثمّ
القريب) مطلقاً
(يحجب
المُعتِقَ ، والمُعتِقُ) ومن قام مقامَه يحجب (ضامِنَ
الجريرة ، والضامنُ) يحجب (الإمامَ ،
والمتقرّبُ) إلى الميّت (بالأبوين) في كلّ مرتبة من مراتب القرابة (يحجب المتقرّب) إليه (بالأب
مع تساوي الدرج) كإخوة من أبويه
مع إخوة من أب ، لا مع اختلاف الدرج كأخ لأب مع ابن أخ لأب واُمّ ، فإنّ الأقرب
أولى من الأبعد وإن مَتّ
الأبعد
بالطرفين ، دونه.
(إلّافي
ابن عمّ للأب والاُمّ ، فإنّه يمنع العمّ للأب) خاصّة (وإن
كان) العمّ (أقرب
منه ، وهي مسألة إجماعيّة) منصوصة
خرجت بذلك عن
حكم القاعدة.
ولا يتغيّر
الحكم بتعدّد أحدهما أو تعدّدهما ، ولا بالزوج والزوجة المجامعين لهما؛ لصدق الفرض
في ذلك كلّه.
وفي تغيّره
بالذكورة والاُنوثة قولان ، أجودهما : ذلك
لكونه خلافَ
الفرضِ المخالف للأصل ، فيقتصر على محلّه. ووجه العدم : اشتراك الذكر والاُنثى
__________________
في الإرث والمرتبة والحجب في الجملة. وهو مذهب الشيخ ، فألحق العمّة بالعمّ
.
وكذا الخلاف في
تغيّره بمجامعة الخال.
فقيل : يتغيّر
فيكون المال بين العمّ والخال
؛ لأنّه أقرب
من ابن العمّ ، ولا مانع له من الإرث بنصّ ولا إجماع ، فيسقط ابن العمّ به رأساً ،
ويبقى في الطبقة عمّ وخال ، فيشتركان؛ لانتفاء مانع العمّ حينئذٍ. ذهب إلى ذلك
عمادُ الدين ابنُ حمزة
ورجّحه المصنّف
في الدروس
وقَبِله
المحقّق في الشرائع .
وقال قطب الدين
الراوندي ومعين الدين المصري : المال للخال وابن العمّ؛ لأنّ الخال لا يمنع العمّ
، فلأن لا يمنع ابن العمّ الذي هو أقرب أولى .
وقال المحقّق
الفاضلُ سديدُ الدين محمود الحمصي : المال للخال؛ لأنّ العمّ محجوب بابن العمّ
وابن العمّ محجوب بالخال .
ولكلّ واحد من
هذه الأقوال وجه وجيه ، وإن كان أقواها الأوّل
وقوفاً فيما
خالف الأصل على موضع النصّ والوفاق ، فيبقى عموم آية أُولُوا اَلْأَرْحٰامِ
التي استدلّ بها الجميع على تقديم الأقرب خالياً عن المعارض.
__________________
وتوقّف
العلّامة في المختلف
لذلك
وقد صنّف هؤلاء
الفضلاء على المسألة رسائل
تشتمل على
مباحث طويلة وفوائد جليلة.
(وأمّا
الحجب عن بعض الإرث)دون بعض (ففي) موضعين :
أحدهما : (الولد) ذكراً واُنثى فإنّه يحصل به (الحجبُ) للزوجين (عن
نصيب الزوجيّة الأعلى) إلى الأدنى (وإن نزل) الولد. (و) كذا (يحجب) الولدُ (الأبوين
عمّا زاد عن السدسين) وأحدَهما عمّا
زاد عن السدس (إلّا) أن يكونا أو أحدهما (مع
البنت) الواحدة (مطلقاً) أي سواء كان معها الأبوان أم أحدهما ، فإنّهما لا يُحجَبان ولا أحدهما عن
الزيادة عن السدس ، بل يشاركانها فيما زاد عن نصفها وسدسيهما بالنسبة (أو البنات) أي البنتين فصاعداً (مع
أحد الأبوين) فإنّهنّ لا
يمنعنه عمّا زاد أيضاً ، بل يُردّ عليهنّ وعليه ما بقي من المفروض بالنسبة كما
سيأتي تفصيله
ولو كان معهنّ
أبوان استغرقت سهامُهم الفريضةَ ، فلا ردّ فمِن ثَمّ أدخلهما في قسم الحَجب.
وفي المسألة
قول نادر بحجب البنتين فصاعداً أحد الأبوين عمّا زاد عن السدس
لرواية أبي
بصير عن الصادق عليه السلام
وهو متروك .
__________________
(و) ثانيهما : (الإخوة
تحجب الاُمّ عن الثلث إلى السدس بشروط ) خمسة :
الأوّل : (وجود الأب) ليوفّروا عليه ما حجبوها عنه وإن لم يحصل لهم منه شيء ، فلو كان معدوماً لم
يحجبوها عن الثلث.
(و) الثاني : (كونهم
رجلين) أي ذكرين (فصاعداً ، أو أربع نساء ، أو رجلاً) أي ذكراً (وامرأتين) أي اُنثيين وإن لم يبلغا ، والخنثى هنا كالاُنثى؛ للشكّ في الذكوريّة
الموجب للشكّ في الحَجب. واستقرب المصنّف في الدروس هنا القرعة .
(و) الثالث (كونهم) إخوة (للأب
، والاُمّ ، أو للأب) أو بالتفريق ، فلا
تحجب كلالةُ الاُمّ.
(و) الرابع : (انتفاء) موانع الإرث من (القتل
والكفر والرقّ عنهم) وكذا اللعان. ويُحجب
الغائبُ ما لم يُقضَ بموته شرعاً.
(و) الخامس : (كونهم
منفصلين بالولادة ، لا حملاً) فلا يحجب الحمل ولو بكونه متمّماً للعدد المعتبر فيه على المشهور ، إمّا
لعدم إطلاق اسم الإخوة عليه حينئذٍ ، أو لكونه لا ينفق عليه الأب وهو علّة التوفير
عليه. وفي الثاني منع ظاهر. والعلّة غير متحقّقة. وفي الدروس جعل عدم حجبه قولاً
مؤذناً بتمريضه.
ويشترط سادس : وهو
كونهم أحياء عند موت الموروث ، فلو كان بعضهم
__________________
ميّتاً أو كلّهم عنده لم يحجب؛ وكذا لو اقترن موتاهما أو اشتبه التقدّم
والتأخّر.
وتوقّف المصنّف
في الدروس لو كانوا غرقى من حيث إنّ فرض موت كلّ واحد منهما يستدعي كون الآخر
حيّاً فيتحقّق الحجب ، ومن عدم القطع بوجوده والإرث حكم شرعيّ ، فلا يلزم منه
اطّراد الحكم بالحياة. قال : ولم أجد في هذا كلاماً لمن سبق .
والأقوى عدم
الحجب؛ للشكّ ، والوقوف في ما خالف الأصل على مورده.
وسابع : وهو
المغايرة بين الحاجب والمحجوب ، فلو كانت الاُمّ اُختاً لأب فلا حَجب كما يتّفق
ذلك في المجوس ، أو الشبهة بوطء الرجل ابنته ، فولدها أخوها لأبيها.
__________________
(الفصل الثاني)
(في) بيان (السهام) المقدّرة (و) بيان (أهلها).
(وهي
في كتاب اللّٰه تعالى) ستّة :
الأوّل : (النصف) وقد ذُكر في ثلاثة مواضع : قال تعالى : (وَإِنْ كٰانَتْ ـ يعني البنت ـ وٰاحِدَةً فَلَهَا اَلنِّصْفُ)
(ولكم نصف ما
ترك أزواجكم
وله اُخت فلها
نصف ما ترك)
(و) الثاني : نصف النصف وهو (الربع) وهو مذكور فيه في موضعين : أحدهما : (فَلَكُمُ اَلرُّبُعُ
مِمّٰا تَرَكْنَ)
وثانيهما : (وَلَهُنَّ
اَلرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ) .
(و) الثالث : نصفه وهو (الثمن) ذكره اللّٰه تعالى مرّة واحدة في قوله تعالى : (فَلَهُنَّ
اَلثُّمُنُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ) .
(و) الرابع : (الثلثان) ذكره اللّٰه تعالى في موضعين :
أحدهما في
البنات ، قال : (فَإِنْ كُنَّ نِسٰاءً فَوْقَ
اِثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثٰا مٰا تَرَكَ)
__________________
وثانيهما : في الأخوات ، قال تعالى : (فَإِنْ
كٰانَتَا اِثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا اَلثُّلُثٰانِ مِمّٰا تَرَكَ) .
(و) الخامس : نصفه وهو (الثلث) وقد ذكره اللّٰه تعالى في موضعين أيضاً ، قال تعالى : (فَلِأُمِّهِ
اَلثُّلُثُ)
وقال : (فَإِنْ
كٰانُوا ـ أي أولاد الاُمّ ـ أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَهُمْ
شُرَكٰاءُ فِي اَلثُّلُثِ)
(و) السادس : نصف نصفه وهو (السدس) وقد ذكره اللّٰه تعالى في ثلاثة مواضع ، فقال : (وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ)
(فَإِنْ كٰانَ لَهُ إِخْوَةٌ
فَلِأُمِّهِ اَلسُّدُسُ)
، وقال في حقّ
أولاد الاُمّ : (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ
وٰاحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ) .
وأمّا أهل هذه السهام فخمسة عشر :
(فالنصف
لأربعة : الزوج مع عدم الولد) للزوجة (وإن
نزل) سواء كان منه أم من غيره (والبنت) الواحدة (والاُخت
للأبوين ، والاُخت للأب) مع فقد اُخت الأبوين إذا لم يكن ذَكَر في الموضعين.
(والربع
لاثنين : الزوج مع الولد) للزوجة وإن نزل (والزوجة) وإن تعدّدت (مع
عدمه) للزوج.
(والثُمن
لقبيل واحد) وهو (الزوجة
وإن تعدّدت مع الولد) وإن نزل.(والثلثان
لثلاثة : البنتين فصاعداً ، والاُختين للأبوين فصاعداً ، والاُختين للأب) ـ مع فقد المتقرّب بالأبوين ـ فصاعداً (كذلك) إذا لم يكن ذَكرٌ في الموضعين.
__________________
(والثلث
لقبيلين : للاُمّ مع عدم من يحجبها) من الولد والإخوة (وللأخوين
أو الاُختين ، أو للأخ والاُخت فصاعداً من جهتها) ولو قال : (للاثنين
فصاعداً من ولد الاُمّ ذكوراً أم إناثاً أم بالتفريق) كان أجمع.
(والسدس
لثلاثة : للأب مع الولد) ذكراً كان أم اُنثى وإن حصل له مع ذلك زيادة بالردّ ، فإنّها بالقرابة لا
بالفرض (وللاُمّ
معه) أي مع الولد ، وكذا مع الحاجب من الإخوة (وللواحد من كلالة
الاُمّ) أي أولادها.
سُمّي الإخوة
كلالة من الكَلّ ـ وهو الثقل ـ لكونها ثقلاً على الرجل؛ لقيامه بمصالحهم مع عدم
التولّد الذي يوجب مزيد الإقبال والخفّة على النفس. أو من الإكليل ، وهو ما
يُزَيَّن بالجوهر
شبه العصابة؛
لإحاطتهم بالرَجُل كإحاطته بالرأس.
هذا حكم السهام
المقدّرة منفردةً. وأمّا منضمّةً بعضها إلى بعض فبعضها يمكن ، وبعضها يمتنع.
وصور اجتماعها
الثنائي مطلقاً
: إحدى وعشرون
، حاصلة من ضرب السهام الستّة في مثلها ثمّ حذف المكرَّر منها
وهو خمسة عشر ،
منها ثمان ممتنعة :
__________________
وهي : واحدة من
صور اجتماع النصف مع غيره ، وهو : اجتماعه مع الثلثين؛ لاستلزامه العول ، وإلّا
فأصله واقع كزوج مع اُختين فصاعداً لأب. لكن يدخل النقص عليهما ، فلم يتحقّق
الاجتماع مطلقاً .
واثنتان من صور
اجتماع الربع مع غيره ، وهما : اجتماعه مع مثله؛ لأنّه سهم الزوج مع الولد والزوجة
لا معه فلا يجتمعان. واجتماعه مع الثمن؛ لأنّه نصيبها مع الولد وعدمه
أو نصيب الزوج
معه.
واثنتان من صور
الثمن مع غيره ، وهما : هو مع مثله؛ لأنّه نصيب الزوجة وإن تعدّدت خاصّة. وهو مع
الثلث؛ لأنّه نصيب الزوجة مع الولد ، والثلث نصيب الاُمّ لا معه ، أو الاثنين من
أولادها لا معهما.
وواحدة من صور
الثُلُثين ، وهي : هما مع مثلهما؛ لعدم اجتماع مستحقّهما متعدّداً في مرتبة واحدة
مع بطلان العول.
واثنتان من صور
الثلث ، وهما : اجتماعه مع مثله ، وإن فرض في البنتين والاُختين حيث إنّ لكلّ
واحدة ثلثاً ، إلّاأنّ السهم هنا هو جملة الثلثين ، لا بعضهما. وهو مع السدس؛
لأنّه نصيب الاُمّ مع عدم الحاجب والسدس نصيبها معه أو مع الولد ، فلا يجامعه.
ويبقى من الصور
ثلاث عشرة ، فرضها واقع صحيح ، قد أشار المصنّف منها إلى تسع بقوله :
(ويجتمع
النصف مع مثله) كزوج واُخت لأب.
(ومع
الربع) كزوجة واُخت كذلك ، وكزوج وبنت. (و) مع (الثمن) كزوجة وبنت. وقد تقدّم أنّه
__________________
لا يجتمع مع الثلثين؛ لاستلزامه العول. (و) يجتمع (مع
الثلث) كزوج واُمّ ، وككلالة الاُمّ المتعدّدة مع اُختٍ لأب. (و) مع (السدس) كزوج وواحد من كلالة الاُمّ ، وكبنت مع اُمّ ، وكاُخت لأب مع واحد من كلالة
الاُمّ.
(ويجتمع
الربعُ والثمن مع الثلثين) فالأوّل كزوج وابنتين وكزوجة واُختين لأب والثاني كزوجة وابنتين.
(ويجتمع
الربعُ مع الثلث) كزوجة واُمّ. وزوجةٍ
مع متعدّد من كلالة الاُمّ. ومع السدس كزوجة وواحد من كلالة الاُمّ ، وكزوج وأحدِ
الأبوين مع ابن.
(ويجتمع
الثمنُ مع السدس) كزوجة وابن
وأحد الأبوين.
ويجتمع الثلثان
مع الثلث ، كإخوة لاُمّ مع اُختين فصاعداً لأب. ومع السدس كبنتين وأحد الأبوين ، وكاُختين
لأب مع واحد من كلالة الاُمّ.
ويجتمع السدس
مع السدس كأبوين مع الولد.
فهذه جملة
الصور التي يمكن اجتماعها بالفرض ثنائيّاً ، وهي ثلاث عشرة.
(وأمّا) صور (الاجتماع
لا بحسب الفرض) بل بالقرابة
اتّفاقاً (فلا
حصر له) لاختلافه باختلاف الوارث كثرةً وقلّةً. ويمكن معه فرض ما
امتنع لغير العول ، فيجتمع الربع مع مثله في بنتين وابن ، ومع الثمن في زوجة وبنت
وثلاث بنين. والثلث مع السدس في زوج وأبوين ، وعلى هذا ...
وإذا خلَّف
الميّت ذا فرض أخذ فرضه ، فإن تعدّد في طبقة
أخذ كلٌّ فرضه
، فإن فضل من التركة شيء عن فروضهم رُدَّ عليهم على نسبة الفروض مع تساويهم في
الوصلة ، عدا الزوج والزوجة والمحجوب عن الزيادة.
(ولا
ميراث) عندنا (للعَصبَة) على تقدير زيادة الفريضة عن السهام
__________________
(إلّامع
عدم القريب) أي الأقرب
منهم؛ لعموم آية (أُولُوا اَلْأَرْحٰامِ) وإجماع أهل البيت عليهم السلام وتواترِ أخبارهم بذلك
(فيُردّ) فاضل الفريضة (على
البنت والبنات ، والاُخت والأخوات للأب والاُمّ) أو للأب مع فقدهم (وعلى
الاُمّ ، وعلى كلالة الاُمّ مع عدم وارث في درجتهم) وإلّا اختصّ غيرهم من الإخوة للأبوين أو للأب بالردّ ، دونهم.
(ولا
يُردّ على الزوج والزوجة إلّامع عدم كلّ وارثٍ عدا الإمام) بل الفاضل عن نصيبهما لغيرهما من الورّاث ولو ضامن الجريرة.
ولو فُقد مَن
عدا الإمام من الوارث ففي الردّ عليهما مطلقاً
أو عدمه مطلقاً
أو عليه مطلقاً دونها مطلقاً
أو عليهما
إلّاحال حضور الإمام عليه السلام فلا يردّ عليها خاصّة
أقوال ، مستندها
: ظواهر أخبار
المختلفة
ظاهراً و
الجمع بينها.
__________________
والمصنّف اختار
هنا القولَ الأخير كما يستفاد من استثنائه من المنفيّ المقتضي لإثبات الردّ عليهما
دون الإمام مع قوله : (والأقرب
إرثه) أي الإمام (مع الزوجة إن كان حاضراً).
أمّا الردّ على
الزوج مطلقاً فهو المشهور ، بل ادّعى جماعة عليه الإجماع
وبه أخبار
كثيرة ، كصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام : أنّه
قرأ عليه
فرائضَ عليّ عليه السلام فإذا فيها : «الزوج
يحوز المال كلّه إذا لم يكن غيره» .
وأمّا التفصيل
في الزوجة : فللجمع بين رواية أبي بصير عن الباقر عليه السلام «أنّه
سأله عن امرأة ماتت وتركت زوجها ولا وارث لها غيره ، قال عليه السلام : إذا لم يكن
غيره فله المال ، والمرأة لها الربع ، وما بقي فللإمام»
ومثلها رواية
محمّد بن مروان عن الباقر عليه السلام
وبين صحيحة أبي
بصير عن الباقر عليه السلام أنّه قال له :
«رجل مات وترك امرأته؟ قال عليه السلام : المال لها»
بحمل هذه على
حالة الغيبة وذينك على حالة
الحضور ، حذراً
من التناقض.
والمصنّف في
الشرح اختار القول الثالث
المشتمل على
عدم الردّ عليها
__________________
مطلقاً محتجّاً بما سبق
فإنّ ترك
الاستفصال دليل العموم ، وللأصل الدالّ على عدم الزيادة على المفروض.
وخبر الردّ
عليها مطلقاً
وإن كان صحيحاً
إلّاأنّ في العمل به مطلقاً إطراحاً لتلك الأخبار ، والقائل به نادر جدّاً
وتخصيصه بحالة
الغيبة بعيد جدّاً؛ لأنّ السؤال فيه للباقر عليه السلام في «رجل
مات» بصيغة الماضي وأمرهم عليهم السلام حينئذٍ ظاهر ، والدفع
إليهم ممكن ، فحمله على حالة الغيبة المتأخّرة عن زمن السؤال عن ميّت بالفعل بأزيد
من مئة وخمسين سنة أبعد ـ كما قال ابن إدريس
ـ ممّا بين
المشرق والمغرب. وربما حُمل على كون المرأة قريبة للزوج
وهو بعيد عن
الإطلاق ، إلّاأ نّه وجه في الجمع.
ومن هذه
الأخبار ظهر وجه القول بالردّ عليهما مطلقاً كما هو ظاهر المفيد
وروى جميل في
الموثّق عن الصادق عليه السلام : «لا يكون الردّ على
زوج ولا زوجة»
وهو دليل القول
الثاني
وأشهرها الثالث
.
__________________
(ولا
عول في الفرائض) أي لا زيادة في
السهام عليها على وجهٍ يحصل النقص على الجميع بالنسبة ، وذلك بدخول الزوج والزوجة (بل) على تقدير الزيادة (يدخل
النقص) عندنا (على
الأب والبنت والبنات ، والأخوات للأب والاُمّ ، أو للأب) خلافاً للجمهور ، حيث جعلوه موزّعاً على الجميع بإلحاق السهم الزائد
للفريضة وقسمتها على الجميع
سُمّي هذا
القسم «عولاً» إمّا من الميل ، ومنه قوله تعالى :(ذٰلِكَ
أَدْنىٰ أَلاّٰ تَعُولُوا)
وسُمّيت
الفريضة عائلة على أهلها؛ لميلها بالجور عليهم بنقصان سهامهم ، أو من عالَ الرجلُ
: إذا كثر عياله؛ لكثرة السهام فيها ، أو من عالَ : إذا غلب؛ لغلبة أهل السهام
بالنقص ، أو من عالت الناقة ذَنبها : إذا رفعته؛ لارتفاع الفرائض على أصلها بزيادة
السهام.
وعلى ما ذكرناه
إجماع أهل البيت عليهم السلام وأخبارهم به متظافرة :
قال الباقر
عليه السلام : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول :
إنّ الذي أحصى رمل عالج
ليعلم أنّ السهام لا تعول على ستّة لو يبصرون وجهها لم تجز ستّة» .
وكان ابن عبّاس
رضى الله عنه يقول : «من شاء باهلته عند
الحجر الأسود ، إنّ اللّٰه لم يذكر في كتابه نصفين وثلثاً» .
وقال أيضاً : «سبحان
اللّٰه العظيم! أترون أنّ الذي أحصى رمل عالج عدداً جعل في مالٍ نصفاً ونصفاً
وثلثاً؟ فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع
__________________
الثلث؟ فقال له زُفَر : يا أبا العبّاس فمن أوّل من أعال الفرائض؟ فقال : عمر
، لمّا التفّت الفرائض عنده ودفع بعضها بعضاً قال : واللّٰه ما أدري أيّكم
قدّم اللّٰه وأ يّكم أخّر! وما أجد شيئاً هو أوسع من أن اُقسّم عليكم هذا
المال بالحصص). ثمّ قال ابن عبّاس : وأيم اللّٰه! لو قدّمتم من قدّم
اللّٰه وأخّرتم من أخّر اللّٰه ما عالت الفريضة. فقال له زُفر : وأ
يّها قُدّم وأ يّها اُخّر؟ فقال : كلّ فريضة لم يُهبِطها اللّٰه إلّا إلى
فريضة فهذا ما قدّم اللّٰه ، وأمّا ما أخّر فكلّ فريضة إذا زالت عن فرضها
ولم يكن لها إلّاما بقي فتلك التي أخّر. فأمّا التي قدّم فالزوج له النصف ، فإذا
دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شيء؛ ومثله الزوجة والاُمّ.
وأمّا التي
أخّر ففريضة البنات والأخوات ، لها النصف والثلثان فإذا أزالتهنّ الفرائض عن ذلك
لم يكن لهنّ إلّاما بقي ، فإذا اجتمع ما قدّم اللّٰه وما أخّر بُدِئ بما
قدّم واُعطي حقّه كاملاً ، فإن بقي شيء كان لمن
أخّر ...» الحديث
.
وإنّما ذكرناه
مع طوله؛ لاشتماله على اُمور مهمّة ، منها : بيان علّة حدوث النقص على من ذُكر.
واعلم أنّ
الوارث مطلقاً :
إمّا أن يرث
بالفرض خاصّة وهو من سمّى اللّٰه تعالى له في كتابه سهماً بخصوصه ، وهو
الاُمّ والإخوة من قِبَلها ، والزوج والزوجة حيث لا ردّ.
أو بالقرابة
خاصّة ، وهو من دخل في الإرث بعموم الكتاب في آية اُولي الأرحام كالأخوال والأعمام.
أو يرث بالفرض
تارةً وبالقرابة اُخرى ، وهو الأب والبنت وإن تعدّدت
__________________
والاُخت للأب كذلك ، فالأب مع الولد يرث بالفرض ، ومع غيره أو منفرداً
بالقرابة. والبنات يرثن مع الولد بالقرابة ، ومع الأبوين بالفرض. والأخوات يرثن مع
الإخوة بالقرابة ، ومع كلالة الاُمّ بالفرض.
أو يرث بالفرض
والقرابة معاً ، وهو ذو الفرض على تقدير الردّ عليه.
ومن هذا
التقسيم يظهر : أنّ ذكر المصنّف الأب مع من يدخل النقص عليهم من ذوي الفروض
ليس بجيّد؛
لأنّه مع الولد لا ينقص عن السدس ومع عدمه ليس من ذوي الفروض ، ومسألة العول
مختصّة بهم. وقد تنبّه
لذلك المصنّف
في الدروس
فترك ذكره ، وقبْلَه
العلّامة في القواعد
وذكره في غيرها
والمحقّق في كتابيه . والصواب تركه.
(مسائل) خمس
(الاُولى) :
(إذا
انفرد كلّ) واحد (من الأبوين) فلم يترك الميّت قريباً في مرتبته سواه (فالمال) كلّه (له
، لكن للاُمّ ثلث) المال (بالتسمية) لأنّه فرضها حينئذٍ (والباقي
بالردّ). أمّا الأب
فإرثه للجميع بالقرابة؛ إذ لا فرض له حينئذٍ
__________________
كما مرّ (ولو
اجتمعا فللاُمّ الثلث مع عدم الحاجب) من الإخوة (والسدس
مع الحاجب ، والباقي) من التركة عن
الثلث أو السدس (للأب).
(الثانية) :
(للابن
المنفرد المال ، وكذا للزائد) عن الواحد من الأبناء (بينهم
بالسويّة. وللبنت المنفردة النصف تسمية والباقي ردّاً. وللبنتين فصاعداً الثلثان
تسمية والباقي ردّاً. ولو اجتمع الذكور والإناث فللذكر مثل حظّ الاُنثيين).
(ولو
اجتمع مع الولد) ذكراً كان أم
اُنثى متّحداً أم متعدّداً (الأبوان
فلكلّ) واحد منهما (السدس ، والباقي) من المال (للابن) إن كان الولد المفروض ابناً (أو البنتين ، أو الذكور والإناث على ما
قلناه) للذكر منهم مثل حظّ الاُنثيين.
(ولهما) أي الأبوين (مع
البنت الواحدة السدسان ولها النصف ، والباقي) وهو السدس (يردّ) على الأبوين والبنت (أخماساً) على نسبة الفريضة ، فيكون جميع التركة بينهم أخماساً ، للبنت ثلاثة أخماس ،
ولكلّ واحد منهما خُمس. والفريضة حينئذٍ من ثلاثين؛ لأنّ أصلها ستّة مخرج النصف
والسدس ، ثمّ يرتقي بالضرب في مخرج الكسر إلى ذلك.
هذا ، إذا لم
يكن للاُمّ حاجب عن الزيادة على السدس (ومع الحاجب يردّ) الفاضل (على
البنت والأب) خاصّة (أرباعاً) والفريضة حينئذٍ من أربعة وعشرين ، للاُمّ سدسها أربعة ، وللبنت اثنا عشر
بالأصل وثلاثة بالردّ ، وللأب أربعة بالأصل وواحد بالردّ.
(ولو
كان بنتان فصاعداً مع الأبوين فلا ردّ) لأنّ الفريضة حينئذٍ بقدر السهام. (و) لو كان البنتان فصاعداً (مع
أحد الأبوين) خاصّة (يردّ
السدس) الفاضل عن سهامهم عليهم جميعاً (أخماساً) على نسبة السهام.
(ولو
كان) مع الأبوين أو أحدهما والبنت أو البنتين فصاعداً (زوج أو زوجة أخذ) كلّ واحد من الزوج والزوجة (نصيبه الأدنى) وهو الربع أو الثمن (وللأبوين
السدسان) إن كانا (ولأحدهما السدس) والباقي للأولاد.
(وحيث
يفضل) من الفريضة شيء ، بأن كان الوارث بنتاً واحدة وأبوين
وزوجة ، أو بنتين وأحد الأبوين وزوجة ، أو بنتاً وأحدهما وزوجاً أو زوجة (يُردّ) على البنت أو البنتين فصاعداً ، وعلى الأبوين أو أحدهما مع عدم الحاجب ، أو
على الأب خاصّة معه (بالنسبة) دون الزوج والزوجة.
(ولو
دخل نقص) بأن كان الوارث أبوين وبنتين مع الزوج أو الزوجة ، أو
بنتاً وأبوين مع الزوج ، أو بنتين وأحد الأبوين معه (كان) النقص (على
البنتين فصاعداً) أو البنت (دون الأبوين والزوج) لما تقدّم .
(ولو
كان مع الأبوين) خاصّة (زوج أو زوجة فله
نصيبه الأعلى) لفقد الولد (وللاُمّ ثلث الأصل) مع عدم الحاجب وسدسه معه (والباقي
للأب) ولا يصدق اسم النقص عليه هنا؛ لأنّه حينئذٍ لا تسمية له
، وهذا هو الذي أوجب إدخال الأب فيمن ينقص عليه كما سلف .
(الثالثة) :
(أولاد
الأولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم) سواء كان الأبوان موجودين أم أحدهما أم لا على أصحّ القولين ، خلافاً
للصدوق حيث شرط في
__________________
توريثهم عدم الأبوين
و (يأخذ كلّ منهم نصيب
من يتقرّب به) فلابن البنت
ثلث ، ولبنت الابن ثلثان؛ وكذا مع التعدّد. هذا هو المشهور بين الأصحاب رواية
وفتوىً .
وقال المرتضى
وجماعة
: يعتبر أولاد
الأولاد بأنفسهم ، فللذكر ضعف الاُنثى وإن كان يتقرّب باُمّه وتتقرّب الاُنثى
بأبيها؛ لأنّهم أولاد حقيقة ، فيدخلون في عموم (يُوصِيكُمُ
اَللّٰهُ فِي أَوْلاٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ)
إذ لا شبهة في
كون أولاد الأولاد ـ وإن كنّ إناثاً ـ أولاداً ، ولهذا حرّمت حلائلُهم بآية (وَحَلاٰئِلُ
أَبْنٰائِكُمُ)
وحُرّمت بنات
الابن والبنت بقوله تعالى : (وَبَنٰاتُكُمْ)
واُحلّ رؤية
زينتهنّ لأبناء أولادهنّ مطلقاً بقوله تعالى : (أَوْ
أَبْنٰائِهِنَّ أَوْ أَبْنٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ)
كذلك ، إلى غير
ذلك من الأدلّة .
__________________
وهذا كلّه حقّ
لولا دلالة الأخبار الصحيحة على خلافه هنا.
كصحيحة عبد
الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام قال : «بنات
البنات يقمن مقام البنت إذا لم يكن للميّت ولد ولا وارث غيرهنّ» .
وصحيحة سعد بن
أبي خلف عن الكاظم عليه السلام قال : «بنات
البنت يقمن مقام البنات إذا لم يكن للميّت بنات ولا وارث غيرهنّ ، وبنات الابن يقمن
مقام الابن إذا لم يكن للميّت ولد ولا وارث غيرهنّ»
وغيرهما
وهذا هو
المخصّص لآية الإرث.
فإن قيل : لا
دلالة للروايات على المشهور؛ لأنّ قيامهنّ مقامهم ثابت على كلّ حال في أصل الإرث ،
ولا يلزم منه القيام في كيفيّته وإن احتمله ، وإذا قام الاحتمال لم يصلح لمعارضة
الآية الدالّة بالقطع على أنّ للذكر مثل حظّ الاُنثيين.
قلنا : الظاهر
من قيام الأولاد مقام الآباء والاُمّهات تنزيلهم منزلتهم لو كانوا موجودين مطلقاً
وذلك يدلّ على
المطلوب؛ مضافاً إلى عمل الأكثر.
ولو تعدّد
أولاد الأولاد في كلّ مرتبة أو في بعضها فسهم كلّ فريق (يقتسمونه بينهم) كما اقتسم آباؤهم (للذكر
مثلُ حظّ الاُنثيين وإن كانوا) أي الأولاد المتعدّدون (أولاد
بنت) على أصحّ القولين
لعموم قوله
تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
اَلْأُنْثَيَيْنِ) * ولا معارض لها هنا.
__________________
وقيل : يقتسم
أولاد البنت بالسويّة كاقتسام من ينتسب إلى الاُمّ كالخالة والإخوة للاُمّ
ويعارض بحكمهم
باقتسام أولاد الاُخت للأب متفاوتين.
(الرابعة
الحبوة) :
(يُحبى) أي يُعطى (الولد
الأكبر) أي أكبر الذكور إن تعدّدوا وإلّا فالذكر (من تركة أبيه) زيادةً على غيره من الورّاث (بثيابه وخاتمه وسيفه ومُصحفه).
وهذا الحباء من
متفرّدات علمائنا ، ومستنده روايات كثيرة عن أئمّة الهدى .
والأظهر : أنّه
على سبيل الاستحقاق. وقيل : على سبيل
الاستحباب
وفي الروايات
ما يدلّ على الأوّل؛ لأنّه جعلها فيها له ب (اللام) المفيدة للملك أو الاختصاص أو الاستحقاق.
والأشهر : اختصاصه
بها مجّاناً؛ لإطلاق النصوص به.
وقيل : بالقيمة
اقتصاراً فيما خالف الأصل ونصّ الكتاب
على موضع
الوفاق.
__________________
والمراد بثيابه
: ما كان يلبسها أو أعدّها للّبس وإن لم يكن لبسها؛ لدلالة العرف على كونها ثيابه
ولباسه. وثياب جلده
على ما ورد في
الأخبار
ولو فُصّلت ولم
تكمل خياطتها ففي دخولها وجهان : من إضافتها إليه بذلك ، ومن عدم صدق كونها ثياباً
بالإضافات المذكورة عرفاً.
والأقوى : أنّ
العمامة منها وإن تعدّدت أو لم تُلبس إذا اتّخذها له؛ وكذا السراويل. وفي دخول شدّ
الوسط نظر.
أمّا الحذاء
ونحوه ممّا يتّخذ للرجل فلا ، وكذا لو كان المتّخذ لشدّ الوسط غير ثوب. وفي بعض
الأخبار إضافة السلاح والدرع والكُتُب والرحل والراحلة . ولكنّ الأصحاب أعرضوا عنه وخصّوها بالأربعة
مع أنّها لم
تذكر في خبر مجتمعة ، وإنّما اجتمعت في أخبار والرواية الجامعة لهذه الأشياء
صحيحة. وظاهر
الصدوق اختيارها؛ لأنّه ذكرها في الفقيه
مع التزامه أن
لا يروي فيه إلّاما يَعمل به. ولم يذكر الأصحاب الدرع ، مع أنّه ذُكر في عدّة
أخبار .
والاقتصار على
ما ذكروه أولى إن لم يناف الأولويّة أمرٌ آخر.
__________________
أمّا غير الدرع
من آلات الحرب كالبيضة فلا يدخل قطعاً؛ لعدم دخوله في مفهوم شيء ممّا ذكر.
وفي دخول
القلنسوة والثوب من اللبد نظر : من عدم دخولهما في مفهوم الثياب ، وتناول الكسوة
المذكورة في بعض الأخبار
لهما. ويمكن
الفرق ودخول الثاني دون الأوّل بمنع
كون القلنسوة
من الكسوة ، ومن ثَمّ لم يُجزِ في كفّارة اليمين المُجزي فيها ما يُعدّ كسوة.
ولو تعدّدت هذه
الأجناس فما كان منها بلفظ الجمع كالثياب تدخل أجمع وما كان بلفظ الوحدة كالسيف
والمصحف يتناول واحداً. ويختصّ ما كان يغلب نسبته إليه ، فإن تساوت تخيّر الوارث
واحداً منها على الأقوى. ويحتمل القرعة.
والعمامة من
جملة الثياب ، فتدخل المتعدّدة.
وفي دخول حلية
السيف وجفنه وسيوره ، وبيت المُصحف وجهان : من تبعيّتها لهما عرفاً ، وانتفائها
عنهما حقيقة. والأقوى دخولها.
ولا يشترط بلوغ
الولد؛ للإطلاق ، وعدم ظهور الملازمة بين الحبوة والقضاء.
وفي اشتراط
انفصاله حال موت أبيه نظر : من عدم صدق الولد الذكر حينئذٍ ، ومن تحقّقه في نفس
الأمر وإن لم يكن ظاهراً ، ومن ثَمّ عُزل له نصيبه من الميراث.
ويمكن الفرق
بين كونه جنيناً تامّاً متحقّق الذكوريّة في الواقع حين الموت ، وبين كونه علقة أو
مضغة أو غيرهما.
والأقوى : الأوّل
وعدم اشتراط انتفاء قصور نصيب كلّ وارث عن قدرها
__________________
وزيادتها عن الثلث؛ للعموم.
وفي اشتراط
خلوّ الميّت عن دين أو عن دين مستغرق للتركة وجهان : من انتفاء الإرث على تقدير
الاستغراق ، وتوزيع الدين على جميع التركة؛ لعدم الترجيح فيخصّها منه شيء وتبطل
بنسبته. ومن إطلاق النصّ والقول بانتقال التركة إلى الوارث وإن لزم المحبوّ ما
قابلها من الدين إن أراد فكّها ، ويلزم على المنع من مقابل الدين إن لم يفكّه
المنعُ من مقابل الوصيّة النافذة إذا لم تكن بعين مخصوصة خارجة عنها ، ومن مقابل
الكفن الواجب وما في معناه ، لعين ما ذكر. ويُبعَّد ذلك بإطلاق النصّ والفتوى
بثبوتها ، مع عدم انفكاك الميّت عن ذلك غالباً ، وعن الكفن حتماً.
والموافق
للاُصول الشرعيّة البطلان في مقابلة ذلك كلّه إن لم يفكّه المحبوّ بما يخصّه؛ لأنّ
الحبوة نوع من الإرث واختصاص فيه ، والدين والوصيّة والكفن ونحوها تخرج من جميع
التركة ، ونسبة الورثة إليه على السواء.
نعم ، لو كانت
الوصيّة بعين من أعيان التركة خارجة عن الحبوة فلا منع كما لو كانت تلك العين
معدومة.
ولو كانت
الوصيّة ببعض الحبوة اعتبرت من الثلث كغيرها من ضروب الإرث ، إلّاأ نّها تتوقّف
على إجازة المحبوّ خاصّة.
ويفهم من
الدروس : أنّ الدين غير المستغرق غير مانع؛ لتخصيصه المنع بالمستغرق ، واستقرب
ثبوتها حينئذٍ لو قضى الورثة الدين من غير التركة
لثبوت الإرث
حينئذٍ ، ويلزم مثله في غير المستغرق بطريق أولى.
وكذا الحكم لو
تبرّع متبرّع بقضاء الدين أو أبرأه المدين ، مع احتمال انتفائها
__________________
حينئذٍ مطلقاً
لبطلانها حين
الوفاة بسبب الدين.
وفيه : أنّه
بطلان مراعى ، لا مطلقاً.
(وعليه) أي على المحبوّ (قضاء
ما فاته) أي فات الميّت (من صلاة وصيام) وقد تقدّم تفصيله وشرائطه في بابه .
(و) المشهور أنّه (يشترط) في المحبوّ (أن
لا يكون سفيهاً ولا فاسد الرأي) أي الاعتقاد بأن يكون مخالفاً للحقّ ، ذكر ذلك ابن إدريس
وابن حمزة
وتبعهما
الجماعة
ولم نقف له على
مستند. وفي الدروس نسب الشرط إلى قائله
مشعراً بتمريضه.
وإطلاق النصوص يدفعه.
ويمكن إثبات
الشرط الثاني خاصّة إلزاماً للمخالف بمعتقده ، كما يُلزم بغيره من الأحكام التي
تثبت عنده لا عندنا ، كأخذ سهم العصبة منه وحِلّ مطلّقته ثلاثاً لنا ، وغيرهما. وهو
حسن.
وفي المختلف
اختار استحباب الحبوة كمذهب ابن الجنيد وجماعة ، ومال إلى قول السيّد باحتسابها
بالقيمة
واختاره في
غيره الاستحقاق مجّاناً .
__________________
(و) كذا يشترط (أن
يخلف الميّت مالاً غيرها) وإن قلّ؛ لئلّا يلزم الإجحاف بالورثة. والنصوص خالية عن هذا القيد ، إلّاأن
يُدّعى أنّ (الحباء) يدلّ بظاهره عليه.
(ولو
كان الأكبر اُنثى اُعطي) الحبوة (أكبر
الذكور) إن تعدّدوا ، وإلّا فالذكر وإن كان أصغر منها. وهو
مصرَّح في صحيحة ربعي عن الصادق عليه السلام .
(الخامسة) :
(لا
يرث الأجداد مع الأبوين) ولا مع أحدهما ، ولا مع من هو في مرتبتهما ، وهو موضع وفاق إلّامن ابن
الجنيد في بعض الموارد
(و) لكن (يستحبّ
لهما الطعمة) لأبويهما (حيث يفضل لأحدهما
سدسٌ فصاعداً فوق السدس) المعيّن لهما على تقدير مجامعتهما للولد ، فيستحبّ لهما إطعام هذا السدس
الزائد.
ولو زاد
نصيبهما عنه فالمستحبّ إطعام السدس خاصّة.
(وربما
قيل) والقائل ابن الجنيد : يستحبّ أن (يطعم حيث يزيد نصيبه
عن السدس) وإن لم تبلغ الزيادة سدساً والأشهر الأوّل.
(وتظهر
الفائدة) بين القولين (في اجتماعهما مع البنت أو أحدهما مع
البنتين ، فإنّ الفاضل) من نصيب أحد
الأبوين (ينقص
عن سدس) الأصل (فيستحبّ) له (الطعمة
على القول الثاني) دون الأوّل؛
لفقد الشرط وهو زيادة نصيبه عن السدس بسدس.
والمشهور أنّ
قدر الطعمة ـ حيث يستحبّ ـ سدس الأصل.
__________________
وقيل : سدس ما
حصل للولد الذي تقرّب به .
وقيل : يستحبّ
مع زيادة النصيب عن السدس إطعام أقلّ الأمرين : من سدس الأصل والزيادة
بناءً على عدم
اشتراط بلوغ الزيادة سدساً. والأخبار
ناطقة باستحباب
طعمة السدس وهي تنافي ذلك.
والاستحباب مختصّ
بمن يزيد نصيبه كذلك لأبويه دون أبوي الآخر ، فلو كانت الاُمّ محجوبة بالإخوة
فالمستحبّ إطعام الأب خاصّة. ولو كان معهما زوج من غير حاجب فالمستحبّ لها خاصّة.
ولو لم يكن
سواهما ولا حاجب استحبّ لهما.
وإنّما يستحبّ
طعمة الأجداد من الأبوين ، فلا يستحبّ للأولاد طعمة الأجداد؛ للأصل. ولو كان أحد
الجدّين مفقوداً فالطعمة للآخر ، فإن وجدا فهي بينهما بالسويّة.
__________________
(القول في ميراث
الأجداد والإخوة)
(وفيه مسائل)
(الاُولى) :
(للجدّ) إذا انفرد (وحدَه
المالُ) كلُّه (لأب) كان (أو
لاُمّ ، وكذا الأخ للأب والاُمّ ، أو للأب) على تقدير انفراده. (ولو
اجتمعا) أي الأخ والجدّ وكانا معاً (للأب فالمال بينهما نصفان وللجدّة المنفردة
لأب) كانت (أو
لاُمّ المالُ).
(ولو
كان جدّاً أو جدّةً أو كليهما لأب مع جدّ) واحد (أو
جدّةٍ أو كليهما لاُمّ ، فللمتقرّب) من الأجداد (بالأب
الثلثان) اتّحد أم تعدّد (للذكر مثل حظّ الاُنثيين) على تقدير التعدّد (وللمتقرّب
بالاُمّ) من الأجداد (الثلث) اتّحد أم تعدّد (بالسويّة) على تقدير التعدّد.
هذا هو المشهور
بين الأصحاب ، وفي المسألة أقوال نادرة :
منها : قول
الصدوق : للجدّ من الاُمّ مع الجدّ للأب أو الأخ للأب السدس ، والباقي للجدّ للأب
أو الأخ .
ومنها : أنّه
لو ترك جدّته (اُمّ اُمّه) واُختَه للأبوين ، فللجدّة السدس .
__________________
ومنها : أنّه
لو ترك جدّته (اُمّ اُمّه) وجدّته (اُمّ أبيه) فلاُمّ الاُمّ السدس ، ولاُمّ الأب
النصف ، والباقي يردّ عليهما بالنسبة .
والأظهر الأوّل.
(الثانية) :
(للاُخت
للأبوين أو للأب منفردة النصف تسمية والباقي ردّاً ، وللاُختين فصاعداً الثلثان) تسمية (والباقي
ردّاً) وقد تقدّم
(وللإخوة
والأخوات من الأبوين أو من الأب) مع عدم المتقرّب بالأبوين (المال) أجمع (للذكر
الضعف) ضعف الاُنثى.
(الثالثة) :
(للواحد
من الإخوة أو الأخوات للاُمّ) على تقدير انفراده (السدس) تسمية (وللأكثر) من واحدٍ (الثلثُ
بالسويّة) ذكوراً كانوا أم إناثاً أم متفرّقين (والباقي) عن السدس في الواحد ، وعن الثلث في الأزيد يُردّ عليهم (ردّاً).
(الرابعة) :
(لو
اجتمع الإخوة من الكلالات) الثلاث (سقط
كلالة الأب وحده) بكلالة الأبوين
(ولكلالة
الاُمّ السدس إن كان واحداً ، والثلث إن كان
أكثر
بالسويّة) كما مرّ (ولكلالة الأبوين الباقي) اتّحدت أم تعدّدت (بالتفاوت)
__________________
للذكر مثل حظّ الاُنثيين على تقدير التعدّد مختلفاً.
(الخامسة) :
(لو
اجتمع اُختٌ للأبوين مع واحدٍ من كلالة الاُمّ أو جماعةٍ أو اُختان للأبوين مع
واحدٍ من) كلالة (الاُمّ
فالمردود) وهو الفاضل عن الفروض (على قرابة الأبوين) وهو الاُخت أو الاُختان على الأشهر. وتفرّد الحسن ابن أبي عقيل
والفضل بن
شاذان بأنّ الباقي يردّ على الجميع بالنسبة أرباعاً أو أخماساً.
(السادسة) :
(الصورة
بحالها) بأن اجتمع كلالة الاُمّ مع الاُخت ، أو الاُختين (لكن كان الاُخت ، أو
الأخوات للأب وحده ، ففي الردّ على قرابة الأب هنا) خاصّة ، أو عليهما (قولان) مشهوران :
أحدهما : قول
الشيخين
وأتباعهما
: يختصّ به
كلالة الأب؛ لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام : «في
ابن اُخت لأب ، وابن اُخت لاُمّ ، قال : لابن الاُخت للاُمّ السدس ، ولابن الاُخت
للأب الباقي»
وهو يستلزم كون
الاُمّ
__________________
كذلك؛ لأنّ الولد إنّما يرث بواسطتها ، ولأنّ النقص يدخل على قرابة الأب
دون الاُخرى ، ومن كان عليه الغُرم فله الغُنم (وثبوته) أي ثبوت الردّ على قرابة الأب خاصّة (قويّ) للرواية والاعتبار.
والثاني : قول
الشيخ أيضاً
وابن إدريس
والمحقّق
وأحد قولي
العلّامة
: يردّ عليهما؛
لتساويهما في المرتبة وفَقد المخصّص ، استضعافاً للرواية
فإنّ في طريقها
عليّ بن فضّال وهو فطحيٌّ ، ومنع اقتضاء دخول النقص الاختصاصَ؛ لتخلّفه في البنت
مع الأبوين.
وأجاب المصنّف
عنهما بأنّ ابن فضّال ثقة وإن كان فاسد العقيدة ، وتخلّف الحكم في البنت لمانعٍ
وهو وجود معارض
يدخل النقص عليه ، أعني الأبوين.
(السابعة) :
(تقوم
كلالة الأب مقام كلالة الأبوين عند عدمهم في كلّ موضع) انفردت أو جامعت كلالة الاُمّ أو الأجداد أو هما ، فلها مع كلالة الاُمّ ما
زاد عن السدس أو الثلث ، ومع الأجداد ما فصّل في كلالة الأبوين من المساواة
والتفضيل والاستحقاق بالقرابة ، إلّاأن تكون إناثاً فتستحقّ النصف ، أو الثلثين
تسميةً. والباقي ردّاً إلى آخر ما ذكر في كلالة الأبوين.
__________________
(الثامنة) :
(لو
اجتمع الإخوة والأجداد ، فلقرابة الاُمّ من الإخوة والأجداد الثلث بينهم بالسويّة) ذكوراً كانوا أم إناثاً ، أم ذكوراً وإناثاً ، متعدّدين في الطرفين أم
متّحدين (ولقرابة
الأب من الإخوة والأجداد الثلثان ، بينهم للذكر ضِعف الاُنثى كذلك) فلو كان المجتمعون فيهما جدّاً وجدّة للاُمّ وأخاً واُختاً لها ، وجدّاً
وجدّة للأب وأخاً واُختاً له فلأقرباء الاُمّ الثلثُ ـ واحد من ثلاثة أصل الفريضة
ـ وسهامهم أربعة ، ولأقرباء الأب اثنان منها ، وسهامهم ستّة ، فيطرح المتداخل
والعددان يتوافقان بالنصف ، فيضرب الوفق وهو اثنان في ستّة ثمّ المرتفع في أصل
الفريضة يبلغ ستّةً وثلاثين ، ثلثها لأقرباء الاُمّ الأربعة لكلٍّ ثلاثة ، وثلثاها
لأقرباء الأب الأربعة بالتفاوت ، فلكلّ اُنثى أربعة ولكلّ ذكر ثمانية.
وكذا الحكم لو
كان من طرف الاُمّ أخ وجدّ ، ومثلهما من طرف الأب وإن اختلفت الفريضة.
ولو كان
المجتمع من طرف الجدودة للاُمّ جدّاً واحداً أو جدّة ، مع الأجداد والإخوة
المتعدّدين من طرف الأب ، فللجدّ أو الجدّة للاُمّ الثلث ، والباقي للإخوة
والأجداد للأب بالسويّة مع تساويهم ذكوريّة واُنوثيّة وبالاختلاف مع الاختلاف.
ولو فُرض جدّة
لاُمّ وجدّ لأب وأخ لأب ، فلكلّ واحد منهم الثلث.
ولو كان بدل
الجدّ للأب جدّة فلها ثلث الثلثين ـ اثنان من تسعة ـ وكذا لو كان بدل الأخ اُختاً
، فلها ثلثهما.
ولو خلّف أخاً
أو اُختاً لاُمّ مع الأجداد مطلقاً
للأب ، فللأخ
أو الاُخت
__________________
السدس ، والباقي للأجداد. ولو تعدّد الإخوة للاُمّ فلهم الثلث. وهذا بخلاف
الجدّ والجدّة للاُمّ فإنّ له الثلث وإن اتّحد.
ولو خلّف
الجدّين للاُمّ أو أحدهما مع الإخوة للاُمّ وجدّاً أو جدّة للأب ، فللمتقرّب
بالاُمّ من الجدودة والإخوة الثلث وللجدّة للأب الثلثان ، وعلى هذا قس ما يرد عليك.
(التاسعة) :
(الجدّ
وإن علا يقاسم الإخوة) ولا يمنع بُعدُ
الجدّ الأعلى بالنسبة إلى الجدّ الأسفل المساوي للإخوة؛ لإطلاق النصوص بتساوي
الإخوة والأجداد
الصادق بذلك (و) كذلك (ابن
الأخ وإن نزل يقاسم الأجداد) الدنيا وإن كانوا مساوين للإخوة المتقدّمين رتبةً على أولادهم؛ لما ذكر .
(وإنّما
يَمنعُ الجدُّ) بالرفع (الأدنى) والجدّةُ وإن كانا للاُمّ (الجدَّ) بالنصب (الأعلى) وإن كان للأب ، دون أولاد الإخوة مطلقاً
وكذا يمنع كلّ
طبقة من الأجداد من فوقَها ولا يمنعهم الإخوة.
(ويمنع
الأخُ) وإن كان للاُمّ ومثله الاُخت (ابنَ الأخ) وإن كان للأبوين؛ لأنّهما جهة واحدة يمنع الأقربُ منها الأبعدَ.
(و) كذا (يمنع
ابنُ الأخ) مطلقاً (ابن ابنه) مطلقاً (وعلى
هذا) القياس يمنع كلّ أقرب بمرتبة وإن كان للاُمّ الأبعدَ وإن
كان للأبوين. خلافاً للفضل
__________________
ابن شاذان من قدمائنا ، حيث جعل للأخ من الاُمّ السدس والباقي لابن الأخ
للأبوين كأبيه ، وكذا الحكم في الأولاد المترتّبين ، محتجّاً باجتماع السببين .
ويُضعّف بتفاوت
الدرجتين المسقط لاعتبار السبب.
(العاشرة) :
(الزوج
والزوجة مع الإخوة) وأولادهم (والأجداد) مطلقاً
(يأخذان
نصيبهما الأعلى) وهو النصف
والربع (ولأجداد
الاُمّ أو الإخوة للاُمّ أو القبيلتين ثلث الأصل ، والباقي لقرابة الأبوين) الأجداد والإخوة (أو) لإخوة
(الأب
مع عدمهم) فلو فرض أنّ قرابة الاُمّ : جدّ وجدّة وأخ واُخت ، وقرابة الأب كذلك مع
الزوج ، فللزوج النصف ـ ثلاثةٌ من ستّة أصلِ الفريضة؛ لأنّها المجتمع من ضرب أحد
مخرجي النصف والثلث في الآخر ـ ولقرابة الاُمّ الثلث ـ اثنان ـ وعددهم أربعة ، ولقرابة
الأب واحد وعددهم ستّة ، ينكسر على الفريقين ويدخل النصيب في السهام وتتوافق فيضرب
وفق أحدهما في الآخر ، ثمّ المجتمع في أصل الفريضة تبلغ اثنين وسبعين.
(الحادية
عشرة) :
(لو
ترك) ثمانية أجداد : (الأجداد الأربعة لأبيه) أي جدّ أبيه وجدّته لأبيه ، وجدّه وجدّته لاُمّه (ومثلهم لاُمّه) وهذه الثمانية أجدادُ الميّت في
__________________
المرتبة الثانية ، فإنّ كلّ مرتبة تزيد عن السابقة بمثلها ، فكما أنّ له في
الاُولى أربعة ، ففي الثانية ثمانية ، وفي الثالثة ستّة عشر ، وهكذا ... (فالمسألة) يعني أصل مسألة
الأجداد
الثمانية (من
ثلاثة أسهم) هي مخرج ما
فيها من الفروض وهو الثلث
وذلك هو ضابط
أصل كلّ مسألة في هذا الباب.
(سهمٌ) من الثلاثة (لأقرباء
الاُمّ) وهو ثلثها (لا ينقسم على) عددهم وهو (أربعة
، وسهمان لأقرباء الأب لا ينقسم على) سهامهم وهي (تسعة) لأنّ ثلثي الثلثين لجدّ أبيه وجدّته لأبيه بينهما أثلاثاً ، وثلثه لجدّ
أبيه وجدّته لاُمّه أثلاثاً أيضاً ، فترتقي سهام الأربعة إلى تسعة ، فقد انكسرت
على الفريقين ، وبين عدد كلّ فريق ونصيبه مباينة ، وكذا بين العددين ، فيطرح
النصيب ويضرب أحد العددين في الآخر (ومضروبهما) أي مضروب الأربعة في التسعة (ستّ وثلاثون) ثمّ يضرب المرتفع في أصل الفريضة وهو الثلاثة (ومضروبها في الأصل مئة وثمانية. ثلثها) ستّ وثلاثون (ينقسم
على) أجداد اُمّه ال (أربعة) بالسويّة ، لكلّ واحد تسعة (وثلثاها) اثنان وسبعون (ينقسم
على تسعة) لكلّ سهم ثمانية ، فلجدّ الأب وجدّته لأبيه ثلثا ذلك : ثمانية وأربعون ، ثلثه
للجدّة : ستّة عشر ، وثلثاه للجدّ : اثنان وثلاثون. ولجدّ الأب وجدّته لاُمّه
أربعة وعشرون ، ثلثا ذلك للجدّ : ستّة عشر ، وثلثه للجدّة : ثمانية.
هذا هو المشهور
بين الأصحاب ، ذهب إليه الشيخ
وتبعه الأكثر.
__________________
وفي المسألة
قولان آخران :
أحدهما للشيخ
معين الدين المصري
: أنّ ثلث
الثلث لأبوي اُمّ الاُمّ بالسويّة وثلثاه لأبوي أبيها بالسويّة أيضاً ، وثلث
الثلثين لأبوي اُمّ الأب بالسويّة وثلثاهما لأبوي أبيه أثلاثاً. فسهام قرابة
الاُمّ ستّة وسهام قرابة الأب ثمانية عشر فيجتزأ بها؛ لدخول الاُخرى فيها ، وتُضرب
في أصل المسألة يبلغ أربعةً وخمسين. ثلثها ثمانية عشر لأجداد الاُمّ ، منها اثنا
عشر لأبوي أبيها بالسويّة ، وستّة لأبوي اُمّها كذلك. وستّة وثلاثون لأجداد الأب ،
منها اثنا عشر لأبوي اُمّه بالسويّة ، وأربعة وعشرون لأبوي أبيه أثلاثاً. وهو ظاهر.
والثاني للشيخ
زين الدين محمّد بن القاسم
البُرْزُهي
: أنّ ثلث
الثلث لأبوي اُمّ الاُمّ بالسويّة ، وثلثيه لأبوي أبيها أثلاثاً ، وقسمة أجداد
الأب كما ذكره الشيخ. وصحّتها أيضاً من أربعة وخمسين ، لكن يختلف وجه الارتفاع ، فإنّ
سهام أقرباء الاُمّ هنا ثمانية عشر وأقرباء الأب تسعة تُداخِلها ، فيُجتزى بضرب
الثمانية عشر في الثلاثة أصل الفريضة.
ومنشأ الاختلاف
: النظرُ إلى أنّ قسمة المنتسب إلى الاُمّ بالسويّة ، فمنهم من لاحظ الاُمومة في
جميع أجداد الاُمّ
ومنهم من لاحظ
الأصل ومنهم من لاحظ الجهتين .
__________________
(الثانية
عشرة) :
(أولاد
الإخوة يقومون مقام آبائهم عند عدمهم ، ويأخذ كلّ) واحد من الأولاد (نصيبَ
من يتقرّب به) فلأولاد
الاُختِ المنفردةِ للأبوين أو الأبِ النصفُ تسميةً والباقي ردّاً وإن كانوا ذكوراً
، ولأولاد الأخِ للأب المنفردِ المالُ وإن كان اُنثى قرابةً ، ولولد الأخ أو الاُخت
للاُمّ السدسُ وإن تعدّد الولد ، ولأولاد الإخوة المتعدّدين لها الثلثُ ، والباقي
لأولاد المتقرّب بالأبوين إن وُجدوا ، وإلّا فللمتقرّب بالأب ، وإلّا رُدّ الباقي على
ولد الأخ للاُمّ ، وعلى هذا القياس باقي الأقسام.
واقتسام
الأولاد مع تعدّدهم واختلافهم ذكوريّة واُنوثيّة كآبائهم (فإن كانوا أولاد
كلالة الاُمّ فبالسويّة) أي الذكر والاُنثى سواء (وإن
كانوا أولاد كلالة الأبوين أو الأب فبالتفاوت) للذكر مثل حظّ الاُنثيين.
(القول في ميراث
الأعمام والأخوال)
وهم اُولوا
الأرحام؛ إذ لم يرد على إرثهم في القرآن نصّ بخصوصهم وإنّما دخلوا في آية أُولُوا
اَلْأَرْحٰامِ
وإنّما يرثون
مع فقد الإخوة وبنيهم ، والأجداد فصاعداً على الأشهر. ونقل عن الفضل أنّه لو خلّف
خالاً وجدّة لاُمّ اقتسما المال نصفين .
(وفيه مسائل)
الاُولى :
(العمّ) المنفرد (يرث
المال) أجمع لأبٍ كان أم لاُمّ (وكذا العمّة) المنفردة.
(وللأعمام
) أي العمّين فصاعداً (المالُ) بينهم (بالسويّة
، وكذا العمّات) مطلقاً
فيهما .
(ولو
اجتمعوا) الأعمام والعمّات (اقتسموه بالسويّة إن كانوا) جميعاً
__________________
أعماماً أو عمّاتٍ (لاُمّ) أي إخوة أب الميّت من اُمّه خاصّة (وإلّا) يكونوا لاُمّ خاصّة ، بل للأبوين أو للأب (فبالتفاوت) للذكر مثل حظّ الاُنثيين.
(والكلام
في قرابة الأب وحده) من الأعمام
والأخوال (كما
سلف في الإخوة) : من أنّها لا ترث إلّامع فقد قرابة الأبوين مع تساويهما في الدرجة ، واستحقاق
الفاضل عن حقّ قرابة الاُمّ من السدس والثلث وغير ذلك.
(الثانية) :
(للعمّ
الواحد للاُمّ أو العمّة) الواحدة لها (مع
قرابة الأب) أي العمّ أو
العمّة للأب الشامل للأبوين وللأب وحده (السدس ، وللزائد) عن الواحد مطلقاً
(الثلث) بالسويّة كما في الإخوة (والباقي) عن السدس والثلث من المال (لقرابة الأب) والاُمّ أو الأب مع فقده
(وإن
كان) قرابةُ الأب (واحداً) ذكراً أو
اُنثى. ثمّ إن
تعدّد واختلف بالذكورة والاُنوثة فللذكر مثل حظّ الاُنثيين كما مرّ.
(الثالثة) :
(للخال
أو الخالة أو هما أو الأخوال) أو الخالات (مع
الانفراد المالُ بالسويّة) لأبٍ كانوا أم لاُمّ أم لهما.
(ولو) اجتمعوا و (تفرّقوا) بأن خلّف خالاً لأبيه أي أخا اُمّه لأبيها ،
__________________
وخالاً لاُمّه أي أخاها لاُمّها خاصّة ، وخالاً لأبويه أي أخاها لأبويها ، أو
خالات كذلك أو مجتمعين (سقط
كلالة الأب) وحدها بكلالة
الأبوين (وكان
لكلالة الاُمّ السدس إن كان واحداً ، والثلث إن كان أكثر بالسويّة) وإن اختلفوا في الذكورة والاُنوثة (ولكلالة الأب الباقي بالسويّة) أيضاً على الأظهر؛ لاشتراك الجميع في التقرّب بالاُمّ. ونقل الشيخ في
الخلاف عن بعض الأصحاب أنّهم يقتسمونه للذكر ضِعف الاُنثى
وهو نادر.
(الرابعة) :
(لو
اجتمع الأعمام والأخوال) أي الجنسان ليشمل الواحد منهما والمتعدّد (فللأخوال الثلث وإن كان واحداً) لاُمّ (على
الأصحّ ، وللأعمام الثلثان وإن كان واحداً) لأنّ الأخوال يرثون نصيب من تقرّبوا به وهو الاُخت ونصيبها الثلث ، والأعمام
يرثون نصيب من يتقرّبون به وهو الأخ ونصيبه الثلثان.
ومنه يظهر عدم
الفرق بين اتّحاد الخال وتعدّده وذكوريّته واُنوثيّته ، والأخبار مع ذلك متظافرة
به.
ففي صحيحة أبي
بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام : «إنّ
في كتاب عليّ عليه السلام رجل مات وترك عمّة وخالة؟ فقال : للعمّة الثلثان وللخالة
الثلث» .
وإنّ فيه
أيضاً : «إنّ
العمّة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الاُمّ ، وبنت الأخ
__________________
بمنزلة الأخ ، وكلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به ، إلّاأن يكون وارثٌ
أقربَ إلى الميّت منه فيحجبه» .
ومقابل الأصحّ
قول ابن أبي عقيل : إنّ للخال المتّحد السدس وللعمّ النصف حيث يجتمع العمّ والخال
، والباقي يردّ عليهما بقَدَر سهامهما ، وكذلك لو ترك عمّة وخالة ، للعمّة النصف
وللخالة السدس والباقي يردّ عليهما بالنسبة
وهو نادر
ومستنده غير واضح.
وقد تقدّم ما
يدلّ على قدر الاستحقاق وكيفيّةِ القسمة لو تعدّدوا
فلو كانوا
متفرّقين فللأخوال من جهة الاُمّ ثلث الثلث ، ومع الاتّحاد سدسه ، والباقي من
الثلث للأخوال من جهة الأب وإن كان واحداً. والثلثان للأعمام ، سدسهما للمتقرّب
منهم بالاُمّ إن كان واحداً ، وثلثهما إن كان أكثر بالسويّة وإن اختلفوا في
الذكوريّة والاُنوثيّة ، والباقي للأعمام المتقرّبين بالأب بالتفاوت.
(الخامسة) :
(للزوج
أو الزوجة مع الأعمام والأخوال نصيبه الأعلى) النصف أو الربع (وللأخوال) وإن اتّحدوا أو كانوا لاُمّ كما مرّ
(الثلث
من الأصل) لا من الباقي (وللأعمام الباقي) وهو السدس على تقدير الزوج ، وهو مع الربع على تقدير الزوجة.
__________________
ولو تفرّق
الأعمام والأخوال مع أحد الزوجين أخذ نصيبَه الأعلى ، وللأخوال الثلث ، سدسُه لمن
تقرّب بالاُمّ منهم إن كان واحداً وثلثه إن كان أكثر ، والباقي من الثلث للأخوال
من قبل الأبوين أو الأب. والباقي بعد نصيب أحد الزوجين والأخوال للأعمام ، سدسُه
للمتقرّب منهم بالاُمّ إن كان واحداً ، وثلثه إن كان أكثر بالسويّة ، والباقي
للمتقرّب منهم بالأبوين أو بالأب بالتفاوت.
ولو اجتمع
الزوجان مع الأعمام خاصّة ، أو الأخوال فلكلّ منهما نصيبُه الأعلى كذلك ، والباقي
للأعمام أو للأخوال وإن اتّحدوا ، ومع التعدّد واتّفاق الجهة ـ كالأعمام من الأب
خاصّة أو من الاُمّ ، أو الأخوال كذلك ـ يقتسمون الباقي كما فُصّل .
ولو اختلفت كما
لو خلّفت زوجاً وخالاً من الاُمّ وخالاً من الأبوين أو الأب ، فللزوج النصف وللخال
من الاُمّ سدسُ الأصل ، كما نقله المصنّف في الدروس عن ظاهر كلام الأصحاب
كما لو لم يكن
هناك زوج؛ لأنّ الزوج لا يزاحم المتقرّب بالاُمّ. وأشار إليه هنا بقوله :
(وقيل
: للخال من الاُمّ مع الخال من الأب والزوج ثلثُ الباقي)
تنزيلاً لخال
الاُمّ منزلة الخؤولة حيث تقرّب بالاُمّ ، وخال الأب منزلة العمومة حيث تقرّب به. وهذا
القول لم يذكره المصنّف في الدروس ، ولا العلّامة حيث
__________________
نقل الخلاف .
(وقيل
: سدسُه) أي سدس الباقي. وهذا القول نقله المصنّف في الدروس
والعلّامة في
القواعد والتحرير
عن بعض الأصحاب
، ولم يعيّنوا قائله.
واختار المصنّف
في الدروس
والعلّامة
وولده السعيد
أنّ له سدسَ
الثلث؛ لأنّ الثلث نصيب الخؤولة ، فللمتقرّب بالاُمّ منهم سدسه مع اتّحاده ، وثلثه
مع تعدّده.
ويشكل بأنّ
الثلث إنّما يكون نصيبهم مع مجامعة الأعمام ، وإلّا فجميع المال لهم ، فإذا زاحمهم
أحد الزوجين زاحم المتقرّبَ منهم بالأب ، وبقيت حصّة المتقرّب بالاُمّ ـ وهو السدس
مع وحدته ، والثلث مع تعدّده ـ خالية عن المعارض.
ولو كان مع أحد
الزوجين أعمامٌ متفرّقون فلمن تقرّب منهم بالاُمّ سدسُ الأصل أو ثلثُه ، بلا خلاف
على ما يظهر منهم
والباقي
للمتقرّب بالأب. ويحتمل على ما ذكروه في الخؤولة أن يكون للعمّ للاُمّ سُدس الباقي
خاصّة أو ثلثه أو
__________________
سدس الثلثين خاصّة أو ثلثهما ، بتقريب ما سبق.
(السادسة) :
(عمومة
الميّت وعمّاته) لأب واُمّ أو
لأحدهما (وخؤولته
وخالاته) كذلك وأولادهم وإن نزلوا عند عدمهم (أولى من عمومة أبيه
وعمّاته وخؤولته وخالاته ، ومن عمومة اُمّه وعمّاتها وخؤولتها وخالاتها) لأنّهم أقرب منهم بدرجة.
(ويقومون) أي عمومة الأب والاُمّ وخؤولتهما (مقامَهم عند عدمهم وعدم أولادهم وإن
نزلوا) ويقدّم الأقرب منهم إلى الميّت وأولاده فالأقرب ، فابن
العمّ مطلقاً أولى من عمّ الأب ، وابن عمّ الأب أولى من عمّ الجدّ ، وعمّ الجدّ
أولى من عمّ أب الجدّ ، وهكذا ... وكذا الخؤولة ، وكذلك الخال للاُمّ أولى من عمّ
الأب.
ويقاسم كلّ
منهم الآخر مع تساويهم في الدرجة ، فلو ترك الميّت عمّ أبيه وعمّته وخالَه وخالتَه
، وعمَّ اُمّه وعمَّتها وخالَها وخالتَها ورثوا جميعاً؛ لاستواء درجتهم ، فالثلث
لقرابة الاُمّ بالسويّة على المشهور ، والثلثان لقرابة الأب عمومةً وخؤولةً ، ثلثهما
للخال والخالة بالسويّة ، وثلثاهما للعمّ والعمّة أثلاثاً.
وصحّتها من مئة
وثمانية كمسألة الأجداد الثمانية ، إلّاأنّ الطريق هنا : أنّ سهام أقرباء الأب
ثمانية عشر توافق سهام أقرباء الاُمّ الأربعة بالنصف ، فيُضرب نصف أحدهما في الآخر
، ثمّ المجتمع في أصل الفريضة وهو ثلاثة.
وقيل : لخال
الاُمّ وخالتها ثلث الثلث بالسويّة ، وثلثاه لعمّها وعمّتها بالسويّة
__________________
فهي كمسألة الأجداد على مذهب معين الدين المصري .
وقيل : للأخوال
الأربعة الثلث بالسويّة ، وللأعمام الثلثان ، ثلثه لعمّ الاُمّ وعمّتها بالسويّة
أيضاً ، وثلثاه لعمّ الأب وعمّته أثلاثاً ، وصحّتها من مئة وثمانية كالأوّل .
(السابعة) :
(أولاد
العمومة والخؤولة يقومون مقام آبائهم) واُمّهاتِهم (عند
عدمهم ، ويأخذ كلّ منهم نصيب من يتقرّب به) فيأخذ ولد العمّة وإن كان اُنثى الثلثين ، وولدُ الخال وإن كان ذكراً
الثلثَ ، وابنُ العمّة مع بنت العمّ الثلثَ كذلك ، ويتساوى ابن الخال وابن الخالة.
ويأخذ أولاد العمّ للاُمّ السدسَ إن كان واحداً والثلث إن كان أكثر ، والباقي
لأولاد العمّ للأبوين أو للأب. وكذا القول في أولاد الخؤولة المتفرّقين.
ولو اجتمعوا
جميعاً ، فلأولاد الخال الواحد أو الخالة للاُمّ سدس الثلث ، ولأولاد الخالين أو
الخالتين أو هما ثلث الثلث ، وباقيه للمتقرّب منهم بالأب ، وكذا القول في أولاد
العمومة المتفرّقين بالنظر إلى الثلثين ، وهكذا ...
(ويقتسم
أولاد العمومة من الأبوين) إذا كانوا إخوة مختلفين بالذكوريّة والاُنوثيّة (بالتفاوت) للذكر مثل حظّ الاُنثيين (وكذا) أولاد العمومة (من
الأب) حيث يرثون مع فقد المتقرّب بالأبوين.
(و) يقتسم (أولاد
العمومة من الاُمّ بالتساوي ، وكذا أولاد الخؤولة).
__________________
ولو جامعهم زوج
أو زوجة فكمجامعته لآبائهم ، فيأخذ النصفَ أو الربعَ ، ومَن تقرّب بالاُمّ نصيبَه
الأصلي من أصل التركة ، والباقي لقرابة الأبوين أو الأب.
(الثامنة) :
(لا
يرث الأبعد مع الأقرب في الأعمام والأخوال) وإن لم يكن من صنفه ، فلا يرث ابن الخال ولو للأبوين مع الخال ولو للاُمّ ،
ولا مع العمّ مطلقاً ولا ابن العمّ مطلقاً مع العمّة كذلك ، ولا مع الخال مطلقاً (و) كذا (أولادهم) لا يرث الأبعد منهم عن الميّت مع الأقرب إليه كابن ابن العمّ مع ابن العمّ
أو ابن الخال.
(إلّافي
مسألة ابن العمّ) للأبوين (والعمّ) للأب فإنّها خارجة من القاعدة بالإجماع وقد تقدّمت
وهذا بخلاف ما
تقدّم في الإخوة والأجداد
فإنّ قريب كلّ
من الصنفين لا يمنع بعيد الآخر.
والفرق : أنّ
ميراث الأعمام والأخوال ثبت بعموم آية أُولُوا اَلْأَرْحٰامِ وقاعدتها تقديم
الأقرب فالأقرب مطلقاً. بخلاف الإخوة والأجداد ، فإنّ كلّ واحد ثبت بخصوصه من غير
اعتبار الآخر ، فيشارك البعيدُ القريبَ ، مضافاً إلى النصوص الدالّة عليه ، فروى
سلمة بن مُحرِز عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال في ابن عمّ وخالّة : «المال
للخالة» وفي ابن عمّ وخال : «المالُ
للخال» .
__________________
وأمّا النصوص
الدالّة على مشاركة الأبعد من أولاد الإخوة للأقرب من الأجداد فكثيرة جدّاً ، ففي
صحيحة محمّد بن مسلم قال : «نظرت
إلى صحيفة ينظر فيها أبو جعفر عليه السلام قال : وقرأت فيها مكتوباً : ابن أخ وجدّ
: المالُ بينهما سواء. فقلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّ مَن عندنا لا يقضي بهذا
القضاء ، لا يجعلون لابن الأخ مع الجدّ شيئاً! فقال أبو جعفر عليه السلام : إنّه
إملاء رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله وخطّ عليّ عليه السلام» .
وعن محمّد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : «حدّثني
جابر عن رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله ـ ولم يكن يكذب جابر ـ أنّ ابن الأخ
يقاسم الجدّ» .
(التاسعة) :
(من
له سببان) أي موجبان للإرث ، أعمّ من السبب السابق
فإنّ هذا يشمل
النسب (يرث
بهما) إذا تساويا في المرتبة (كعمّ هو خالٌ) كما إذا تزوّج أخوه لأبيه اُختَه لاُمّه ، فإنّه يصير عمّاً لولدهما للأب
خالاً للاُمّ ، فيرث نصيبهما لو جامعه غيره كعمّ آخر أو خال. وهذا مثال للنسبين.
أمّا السببان
بالمعنى الأخصّ فيتّفقان كذلك في زوج هو معتِق أو ضامن الجريرة.
(ولو
كان أحدهما) أي السببان بالمعنى الأعمّ (يحجب الآخر ورث)
__________________
مَن جَمَعهما (من
جهة) السبب (الحاجب) خاصّة (كابن
عمّ هو أخ لاُمّ) فيرث بالاُخوّة.
هذا في النسبين. وأمّا في السببين اللذين يحجب أحدهما الآخر كالإمام إذا مات عتيقه
، فإنّه يرث بالعتق لا بالإمامة ، وكمعتق هو ضامن جريرة .
ويمكن فرض
أنساب متعدّدة لا يحجب أحدها الباقي ، كابن ابن عمّ لأب ، هو ابن ابن خال لاُمّ ، هو
ابن بنت عمّة ، هو ابن بنت خالة. وقد يتعدّد كذلك مع حَجب بعضها لبعض ، كأخ لاُمّ
هو ابن عمّ وابن خال.
__________________
(القول في ميراث
الأزواج)
الزوجان (يتوارثان) ويصاحبان جميع الورثة مع خلوّهما من الموانع (وإن لم يدخل) الزوجُ (إلّافي
المريض) الذي يتزوّج في مرضه ، فإنّه لا يرثها ولا ترثه (إلّاأن) يدخل أو (يبرأ) من مرضه فيتوارثان بعده وإن مات قبل الدخول ، ولو كانت المريضة هي الزوجة
توارثا وإن لم يدخل على الأقرب كالصحيحة ، عملاً بالأصل.
وتخلُّفه في
الزوج لدليل خارج
لا يوجب
إلحاقها به؛ لأنّه قياس.
(والطلاق
الرجعي لا يمنع من الإرث) من الطرفين (إذا
مات أحدهما في العدّة) الرجعيّة؛ لأنّ
المطلّقة رجعيّة بحكم الزوجة (بخلاف
البائن) فإنّه لا يقع بعده توارث في عدّته (إلّا) أن يطلّق وهو
(في
المرض ) فإنّها ترثه إلى سنة ، ولا يرثها هو (على ما سلف) في كتاب الطلاق .
ثمّ الزوجة إن
كانت ذات ولد من الزوج ورثت من جميع ما تركه كغيرها من الورثة على المشهور ، خصوصاً
بين المتأخّرين
وكذا يرثها
الزوج مطلقاً.
__________________
(وتُمنع
الزوجة غير ذات الولد من الأرض) مطلقاً (عيناً
وقيمة و) تمنع (من
الآلات) أي آلات البناء من الأخشاب والأبواب (والأبنية) من الأحجار والطوب وغيرها (عيناً لا قيمةً) فيقوَّم البناء والدُور في أرض المتوفّى خالية عن الأرض باقية فيها إلى أن
تفنى بغير عوض على الأظهر ، وتعطى من القيمة الربع أو الثُمن.
ويظهر من
العبارة : أنّها ترث من عين الأشجار المثمرة وغيرها؛ لعدم استثنائها ، فتدخل في
عموم الإرث؛ لأنّ كلّ ما خرج عن المستثنى ترث من عينه كغيرها ، وهو أحد الأقوال في
المسألة
إلّاأنّ
المصنّف لا يُعهد ذلك من مذهبه ، وإنّما المعروف منه ومن المتأخّرين حرمانها من
عين الأشجار كالأبنية دون قيمتها.
ويمكن حمل
الآلات على ما يشمل الأشجار كما حمل هو
وغيره
كلامَ الشيخ في
النهاية
على ذلك ، مع أنّه
لم يتعرّض للأشجار ، وجعلوا كلامه كقول المتأخّرين في حرمانها من عين الأشجار حيث
ذكر الآلات. وهو حمل بعيد على
__________________
خلاف الظاهر. ومع ذلك يبقى فرق بين الآلات هنا وبينها في عبارته في الدروس
وعبارة
المتأخّرين حيث ضمّوا إليها ذكر الأشجار
فإنّ المراد
بالآلات في كلامهم ما هو الظاهر منها ، وهي آلات البناء والدُور. ولو حُمل كلام
المصنّف هنا وكلام الشيخ ومن تبعه على ما يظهر من معنى (الآلات) ويجعل قولاً برأسه ـ في حرمانها من الأرض مطلقاً ، ومن آلات البناء عيناً لا
قيمة ، وإرثها من الشجر كغيره ـ كان أجود ، بل النصوص الصحيحة وغيرها
دالّة عليه
أكثر من دلالتها على القول المشهور بين المتأخّرين.
والظاهر عدم
الفرق في الأبنية بين ما اتّخذ للسكنى وغيرها من المصالح ، كالرحى والحمام ومِعصرة
الزيت والسمسم والعنب والاصطبل والمراح ، وغيرها؛ لشمول «الأبنية» لذلك كلّه وإن لم يدخل في «الرباع» المعبّر به في كثير من الأخبار
لأنّه جمع «رَبْع» وهو الدار.
ولو اجتمع ذات
الولد والخالية عنه فالأقوى اختصاص ذات الولد بثُمن الأرض أجمع وثُمن ما حرمت
الاُخرى من عينه ، واختصاصها بدفع القيمة دون سائر الورثة؛ لأنّ سهم الزوجيّة
منحصر فيهما فإذا حرمت إحداهما من بعضه اختصّ بالاُخرى. وإنّ دفع القيمة على وجه
القهر لا الاختيار ، فهو كالدين لا يفرق فيه بين بذل الوارث العين وعدمه ، ولا بين
امتناعه من القيمة وعدمه ، فيبقى في ذمّته إلى أن يمكن الحاكم إجباره على أدائها ،
أو البيع عليه قهراً كغيره من
__________________
الممتنعين من أداء الحقّ. ولو تعذّر ذلك كلّه بقي في ذمّته إلى أن يمكن للزوجة
تخليصه ولو مقاصّةً ، سواء في ذلك الحصّة
وغيرها.
واعلم أنّ
النصوص مع كثرتها في هذا الباب
خالية عن الفرق
بين الزوجتين ، بل تدلّ على اشتراكهما في الحرمان ، وعليه جماعة من الأصحاب . والتعليل الوارد فيها له
ـ وهو الخوف من
إدخال المرأة على الورثة من يكرهون ـ شامل لهما أيضاً ، وإن كان في الخالية من
الولد أقوى.
ووجهُ فرقِ
المصنّف وغيره بينهما ورودُه في رواية ابن اُذينة
وهي مقطوعة
تقصر عن تخصيص تلك الأخبار الكثيرة ، وفيها الصحيح
والحسن
إلّا أنّ في
الفرق تقليلاً لتخصيص آية إرث الزوجة
مع وقوع الشبهة
بما ذكر في عموم الأخبار ، فلعلّه أولى من تقليل تخصيص الأخبار؛ مضافاً إلى
__________________
ذهاب الأكثر إليه .
وفي المسألة
أقوال اُخر ومباحث طويلة حقّقناها في رسالة مفردة
تشتمل على
فوائد مهمّة ، فمن أراد تحقيق الحال فليقف عليها.
(ولو
طلّق) ذو الأربع (إحدى الأربع وتزوّج) بخامسة (ومات) قبل تعيين المطلَّقة أو بعده (ثمّ اشتبهت المطلَّقة) من الأربع (فللمعلومة) بالزوجيّة وهي التي تزوّج بها أخيراً (ربع النصيب) الثابت للزوجات وهو الربع أو الثمن (وثلاثة أرباعه بين) الأربع (الباقيات) التي اشتبهت المطلّقة فيهنّ بحيث احتمل أن يكون كلّ واحدة هي المطلَّقة (بالسويّة).
هذا هو المشهور
بين الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً غير ابن إدريس
ومستنده
رواية أبي بصير
عن الباقر عليه السلام
ومحصولها ما
ذكرناه. وفي طريق الرواية عليّ بن فضّال ، وحاله مشهور
ومع ذلك في
الحكم مخالفة للأصل من توريث من يُعلَم عدم إرثه؛ للقطع بأنّ إحدى الأربع غير
وارثة.
__________________
(و) من ثَمّ (قيل) والقائل ابن إدريس : (بالقرعة) لأنّها لكلّ أمر مشتبه أو مشتبه في الظاهر مع تعيّنه في نفس الأمر. وهو هنا
كذلك؛ لأنّ إحدى الأربع في نفس الأمر ليست وارثة ، فمن أخرجتها القرعة بالطلاق
مُنعت من الإرث ، وحكم بالنصيب للباقيات بالسويّة ، وسقط عنها الاعتداد أيضاً؛
لأنّ المفروض انقضاء عدّتها قبل الموت من حيث إنّه قد تزوّج بالخامسة.
وعلى المشهور
هل يتعدّى الحكم إلى غير المنصوص ـ كما لو اشتبهت المطلّقة في اثنتين ، أو ثلاث
خاصّة ، أو في جملة الخمس ، أو كان للمطلّق دون أربع زوجات فطلّق واحدة وتزوّج
باُخرى وحصل الاشتباه بواحدة أو بأكثر ، أو لم يتزوّج واشتبهت المطلّقة بالباقيات
أو ببعضهنّ ، أو طلّق أزيد من واحدة وتزوّج كذلك حتّى لو طلّق الأربع وتزوّج بأربع
واشتبهن ، أو فسخ نكاح واحدة لعيب وغيره ، أو أزيد وتزوّج غيرها أو لم يتزوّج ـ؟ وجهان
:
القرعة ـ كما
ذهب إليه ابن إدريس في المنصوص
ـ لأنّه غير
منصوص ، مع عموم أنّها لكلّ أمر مشتبه.
وانسحاب الحكم
السابق في جميع هذه الفروع؛ لمشاركتها للمنصوص في المقتضي وهو اشتباه المطلّقة
بغيرها من الزوجات ، وتساوي الكلّ في الاستحقاق فلا ترجيح؛ ولأ نّه لا خصوصيّة
ظاهرة في قلّة الاشتباه وكثرته ، فالنصّ على عين لا يفيد التخصيص بالحكم ، بل
التنبيه على مأخذ الحكم وإلحاقه بكلّ ما حصل فيه الاشتباه.
فعلى الأوّل : إذا
استخرجت المطلّقة قُسِّم النصيب بين الأربع أو ما اُلحق
__________________
بها بالسويّة.
وعلى الثاني : يُقسَّم
نصيب المشتبهة ـ وهو ربع النصيب إن اشتبهت بواحدة ، ونصفه إن اشتبهت باثنتين ـ بين
الاثنتين أو الثلاث بالسويّة ، ويكون للمعيّنتين نصف النصيب ، وللثلاث ثلاثة
أرباعه ، وهكذا ...
ولا يخفى : أنّ
القول بالقرعة في غير موضع النصّ هو الأقوى ، بل فيه إن لم يحصل الإجماع. والصلح
في الكلّ خير.
(الفصل الثالث)
(في الوَلاء)
بفتح الواو ، وأصله
: القرب والدنوّ ، والمراد هنا : قرب أحد شخصين
فصاعداً إلى
آخَر على وجهٍ يوجب الإرث بغير نسب ولا زوجيّة.
وأقسامه ثلاثة
كما سبق
ولاء العتق ، وضَمان
الجريرة ، والإمامة.
(ويرث
المعتِقُ عتيقَه إذا تبرّع) بعتقه (ولم
يتبرّأ) المعتِق (من ضَمان جريرته) عند العتق مقارناً له ، لا بعده على الأقوى (ولم يُخلِّف العتيقُ) وارثاً له (مناسباً) .
(فالمعتَق
في واجب) كالكفّارة والنذر (سائبة) أي لا عَقْل بينه وبين معتقه ولا ميراث.
قال ابن الأثير
: قد تكرّر في الحديث ذكر السائبة والسوائب ، كان الرجل إذا أعتق عبداً فقال : هو
سائبة ، فلا عَقْلَ بينهما ولا ميراث .
__________________
وفي إلحاق
انعتاق اُمّ الولد بالاستيلاد وانعتاق القرابة وشراء العبد نفسه ـ لو أجزناه ـ بالعتق
الواجب أو التبرّع ، قولان
: أجودهما
الأوّل؛ لعدم تحقّق الإعتاق الذي هو شرط ثبوت الولاء.
(وكذا
لو تبرّأ) المعتِق تبرّعاً (من
ضمان الجريرة) حالةَ الإعتاق (وإن لم يُشهد) على التبرّي شاهدين على أصحّ القولين
للأصل ولأنّ
المراد من الإشهاد الإثبات عند الحاكم ، لا الثبوت في نفسه.
وذهب الشيخ
وجماعة
إلى اشتراطه؛
لصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه السلام : «من
أعتق رجلاً سائبة فليس عليه من جريرته شيء ، وليس له من الميراث شيء ، وليُشهِد
على ذلك»
ولا دلالة لها
على الاشتراط. وفي رواية أبي الربيع عنه عليه السلام
ما يؤذن
بالاشتراط وهو قاصر من حيث السند.
(والمنكَّل
به) من مولاه (أيضاً سائبة) لا ولاء له عليه؛ لأنّه لم يعتقه ، وإنّما أعتقه اللّٰه تعالى قهراً.
ومثله من انعتق بإقعاد أو عمى أو جذام
__________________
أو برص عند القائل به
لاشتراك الجميع
في العلّة ، وهي عدم إعتاق المولى وقد قال صلى الله عليه وآله : «الولاء
لمن أعتق» .
(وللزوج
والزوجة) مع المعتِق ومن بحكمه (نصيبُهما الأعلى) : النصف ، أو الربع والباقي للمنعِم أو من بحكمه (ومع عدم المنعم
فالوَلاء للأولاد) أي أولاد
المنعم (الذكور
والإناث على المشهور بين الأصحاب) لقوله صلى الله عليه وآله : «الوَلاء
لُحمَة كلحمة النسب»
والذكور
والإناث يشتركون في إرث النسب ، فيكون كذلك في الوَلاء ، سواء كان المعتق رجلاً أم
امرأة.
وفي جعل
المصنّف هذا القول هو المشهور نظر. والذي صرّح به هو في شرح الإرشاد : أنّ هذا
قولُ المفيد واستحسنه المحقّقُ وفيهما معاً نظر
والحقّ أنّه
قول الصدوق خاصّة
وكيف كان فليس
بمشهور.
وفي المسألة
أقوال كثيرة أجودها ـ وهو الذي دلّت عليه الروايات الصحيحة
ـ ما اختاره
الشيخ في النهاية
وجماعة
: أنّ المعتِق
إن كان رجلاً
__________________
ورثه أولاده الذكور دون الإناث ، فإن لم يكن له ولد ذكور ورثه عَصبَتُه ، دون
غيرهم ، وإن كان امرأة ورثه عَصبَتُها مطلقاً.
والمصنّف في
الدروس اختار مذهب الشيخ في الخلاف
وهو كقول
النهاية إلّاأ نّه جعل الوارثَ للرجل ذكورَ أولاده وإناثهم ، استناداً في إدخال
الإناث إلى رواية عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام «إنّ
رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله دفع ميراث مولى حمزة إلى ابنته»
وإلى قوله صلى
الله عليه وآله : «الولاء لُحمة كلُحمة النسب» والروايتان ضعيفتا السند ، الاُولى بالحسن بن سماعة ، والثانية بالسكوني ، مع
أنّها عمدة القول الذي اختاره هنا وجعله المشهور.
والعجب من
المصنّف! كيف يجعله هنا مشهوراً وفي الدروس قولَ الصدوق خاصّة ، وفي الشرح قولَ
المفيد. وأعجب منه! أنّ ابن إدريس مع إطراحه خبر الواحد الصحيح تمسّك هنا بخبر
السكوني محتجّاً بالإجماع عليه
مع كثرة الخلاف
، وتباين الأقوال والروايات.
ولو اجتمع مع
الأولاد الوارثين أبٌ شاركهم على الأقوى. وقيل : الابن أولى .
وكذا يشترك
الجدّ للأب والأخُ من قِبَله. أمّا الاُمّ فيُبنى إرثُها على ما سلف. والأقوى أنّها
تشاركهم أيضاً. ولو عدم الأولادُ اختصّ الإرث بالأب.
(ثمّ) مع عدمهم أجمع يرثه (الإخوة
والأخوات) من قِبَل الأب
__________________
والاُمّ ، أو الأب (ولا
يرثه المتقرّب بالاُمّ) من الإخوة
وغيرهم كالأجداد والجدّات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات لها. ومستند ذلك
كلّه رواية السكوني في اللُحمة خصّ بما ذكرناه؛ للأخبار الصحيحة
فيبقى الباقي.
والأقوى أنّ
الإناث منهم في جميع ما ذكر لا يرثن؛ لخبر العَصبَة
وعلى هذا
فيستوي إخوة الأب وإخوة الأبوين؛ لسقوط نسبة الاُمّ ، إذ لا يرث من يتقرّب بها ، وإنّما
المقتضي التقرّب بالأب وهو مشترك.
(فإن
عُدم قرابة المولى) أجمع (فمولى المولى) هو الوارث إن اتّفق (ثمّ) مع عدمه فالوارثُ (قرابةُ
مولى المولى) على ما فصّل. فإن
عُدم فمولى مولى المولى ، ثمّ قرابته.
(وعلى
هذا فإن عُدموا) أجمع (فضامن الجريرة) وهي الجناية (وإنّما
يضمن سائبة) كالمعتَق في
واجب ، وحرّ الأصل حيث لا يُعلم له قريب ، فلو علم له قريبٌ وارثٌ أو كان له معتِق
أو وارثُ معتِقٍ كما فُصّل لم يصحّ ضمانه.
ولا يرث
المضمونُ الضامنَ إلّاأن يشترك الضمان بينهما. ولا يشترط في الضامن عدم الوارث ، بل
في المضمون. ولو كان للمضمون زوج أو زوجة فله نصيبه الأعلى والباقي للضامن.
وصورة عقد ضمان
الجريرة أن يقول المضمون : «عاقدتك على أن
تنصرني وتدفع عنّي وتعقل عنّي ، وترثني» فيقول : «قبلت».
ولو اشترك
العقد بينهما قال أحدهما : «على أن تنصرني
وأنصرك ، وتعقل عنّي وأعقل عنك ، وترثني وأرثك» أو ما أدّى هذا المعنى فيقبل الآخر.
__________________
وهو من العقود
اللازمة ، فيعتبر فيه ما يعتبر فيها. ولا يتعدّى الحكمُ الضامنَ وإن كان له وارث.
ولو تجدّد
للمضمون وارث بعد العقد ففي بطلانه أو مراعاته بموت المضمون كذلك وجهان أجودهما : الأوّل؛
لفقد شرط الصحّة فيقدح طارئاً كما يقدح ابتداءً.
(ثمّ) مع فقد الضامن فالوارث (الإمام
عليه السلام) مع حضوره ، لا
بيتُ المال على الأصحّ ، فيُدفَع إليه يصنع به ما شاء ، ولو اجتمع معه أحد الزوجين
فله نصيبه الأعلى كما سلف.
وما كان يفعله
أمير المؤمنين عليه السلام من قسمته في فقراء بلد الميّت وضعفاء جيرانه
فهو تبرّع منه.
(ومع
غيبته عليه السلام يصرف في الفقراء والمساكين من بلد الميّت) ولا شاهد لهذا التخصيص إلّاما رُوي من فعل أمير المؤمنين عليه السلام. وهو
مع ضعف سنده لا يدلّ على ثبوته في غيبته.
والمرويّ
صحيحاً عن الباقر والصادق عليهما السلام «إنّ
مال من لا وارث له من الأنفال»
وهي لا تختصّ
ببلد المال. فالقولُ بجواز صرفها إلى الفقراء والمساكين من المؤمنين مطلقاً ـ كما
اختاره جماعة
منهم المصنّف
في
__________________
الدروس
ـ أقوى إن لم
نُجِز صرفَه في غيرهم من مصرف الأنفال.
وقيل : يجب
حفظه له كمستحقّه في الخمس
وهو أحوط.
(ولا) يجوز أن (يُدفع
إلى سلطان الجور مع القدرة) على منعه منه؛ لأ نّه غير مستحِقّ له عندنا ، فلو دفعه إليه دافعٌ اختياراً
كان ضامناً له. ولو أمكنه دفعُه عنه ببعضه وجب ، فإن لم يفعل ضمن ما كان يمكنه
منعه منه. ولو أخذه الظالم قهراً فلا ضمان على من كان بيده.
__________________
(الفصل الرابع )
(في التوابع)
(وفيه مسائل)
(الاُولى) :
في ميراث
الخنثى وهو (من
له فرج الرجال والنساء) وحكمه أن (يورث على ما) أي للفرج الذي يبول منه ، فإن بال منهما فعلى الذي (سبق منه البول) بمعنى إلحاقه بلازمه من ذكوريّة واُنوثيّة ، سواء تقارنا في الانقطاع أم
اختلفا ، وسواء كان الخارج من السابق أكثر من الخارج من المتأخّر أم أقلّ على
الأشهر. وقيل : يحكم للأكثر .
(ثمّ) مع الخروج منهما دفعة يورث (على ما ينقطع منه) أخيراً على الأشهر. وقيل : أوّلاً .
__________________
ومع وجود أحد
هذه الأوصاف
يلحقه جميعُ أحكام من لحق به. ويسمّى واضحاً.
(ثمّ) مع التساوي في البول أخذاً وانقطاعاً (يصير مشكلاً) وقد اختلف الأصحاب في حكمه حينئذٍ.
فقيل : تعدّ
أضلاعه ، فإن كانت ثماني عشرة فهو اُنثى ، وإن كانت سبع عشرة ـ من الجانب الأيمن
تسع ومن الأيسر ثمان ـ فهو ذكر ، وكذا لو تساويا وكان في الأيسر ضلع صغير ناقص .
ومستند هذا
القول ما رُوي من قضاء عليّ عليه السلام به معلّلاً بأنّ حوّاء خُلقت من ضلع آدم
عليه السلام
وإن خالفت
في عدد الأضلاع.
وانحصار أمره بالذكورة والاُنوثة ، بمعنى أنّه ليس بطبيعة ثالثة؛ لمفهوم الحصر في
قوله تعالى : (يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ
إِنٰاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ اَلذُّكُورَ) .
وفي الرواية
ضعف وفي الحصر منع ، وجاز خروجه مخرج الأغلب.
وقيل : يورث
بالقرعة
لأنّها لكلّ
أمر مشتبه .
__________________
(والمشهور) بين الأصحاب أنّه حينئذٍ يورث (نصف النصيبين) : نصيب الذكر ونصيب الاُنثى؛ لموثّقة هشام بن سالم عن
الصادق عليه السلام قال : «قضى عليّ عليه
السلام في الخنثى ـ له ما للرجال ، وله ما للنساء ـ قال : يورث من حيث يبول ، فإن
خرج منهما جميعاً فمن حيث سبق ، فإن خرج سواء فمن حيث ينبعث ، فإن كانا سواء ورث
ميراث الرجال والنساء»
وليس المراد
الجمع بين الفريضتين إجماعاً ، فهو نصفهما ، ولأنّ المعهود في الشرع قسمة ما يقع
فيه التنازع بين الخصمين مع تساويهما وهو هنا كذلك ، ولاستحالة الترجيح من غير
مرجّح .
(فله
مع الذكر خمسة من اثني عشر) لأنّ الفريضة على تقدير ذكوريّته من اثنين وعلى تقدير الاُنوثيّة من ثلاثة
وهما متباينان ، فيضرب إحداهما في الاُخرى ، ثمّ يضرب المرتفع في اثنين ، وهو
قاعدة مطّردة في مسألة الخناثى؛ للافتقار إلى تنصيف كلّ نصيب وذلك اثنا عشر ، له
منها على تقدير الذكوريّة ستّة ، وعلى تقدير الاُنوثيّة أربعة فله نصفهما : خمسة ،
والباقي للذكر.
(ومع
الاُنثى سبعة) بتقريب ما سبق
، إلّاأنّ له على تقدير الذكوريّة ثمانية وعلى تقدير الاُنوثيّة ستّة ، ونصفهما
سبعة.
(ومعهما) معاً (ثلاثة
عشر من أربعين سهماً) لأنّ الفريضة
على تقدير الاُنوثيّة من أربعة ، وعلى تقدير الذكوريّة من خمسة ، ومضروب إحداهما
في الاُخرى عشرون ، ومضروب المرتفع في اثنين أربعون ، فله على تقدير فرضه ذكراً
ستّة عشر ، وعلى تقديره اُنثى ، عشرة ، ونصفهما ثلاثة عشر ، والباقي بينالذكر
والاُنثى أثلاثاً.
__________________
(والضابط) في مسألة الخنثى (أنّك
تعمل المسألة تارة اُنوثيّة) أي تفرضه اُنثى (وتارة
ذكوريّة وتُعطي كلَّ وارث) منه وممّن اجتمع معه (نصف
ما اجتمع) له (في
المسألتين) مضافاً إلى ضرب
المرتفع في اثنين كما قرّرناه.
فعلى هذا لو
كان مع الخنثى أحد الأبوين ، فالفريضة على تقدير الذكوريّة ستّة ، وعلى تقدير
الاُنوثيّة أربعة ، وهما متوافقتان بالنصف ، فتضرب ثلاثة في أربعة ثمّ المجتمع في
اثنين يبلغ أربعة وعشرين ، فلأحَدِ الأبوين خمسة ، وللخنثى تسعة عشر.
ولو اجتمع معه
الأبوان ففريضة الذكوريّة ستّة ، وفريضة الاُنوثيّة خمسة ، وهما متباينان فتضرب
إحداهما في الاُخرى ثمّ المرتفع في اثنين تبلغ ستّين ، فللأبوين اثنان وعشرون ، وللخنثى
ثمانية وثلاثون.
ولو اجتمع مع
خنثى واُنثى أحدُ الأبوين ضربتَ خمسة (مسألة الاُنوثيّة) في ثمانية عشر (مسألة
الذكوريّة) لتباينهما ، تبلغ
تسعين ثمّ تضربها في الاثنين ، تبلغ مئة وثمانين ، لأحد الأبوين ثلاثة وثلاثون؛
لأنّ له ستّة وثلاثين تارةً وثلاثين اُخرى فله نصفهما ، وللاُنثى أحد وستّون ، وللخنثى
ستّة وثمانون.
فقد سقط من
سهام أحد الأبوين نصف الردّ؛ لأنّ المردود على تقدير اُنوثيّتها ستّة وهي فاضلة
على تقدير الذكوريّة.
ولو اجتمع معه
في أحد الفروض أحدُ الزوجين ضربتَ مخرج نصيبه في الفريضة ثمّ أخذتَ منها نصيبَه ، وقسّمت
الباقي كما سلف ، إلّاأ نّك هنا تقسّمه على ثلاثة.
ومن استحقّ
بدون أحد الزوجين من الفريضة شيئاً أخذ قَدْرَه ثلاث مرّات إن كان زوجاً ، وسبع
مرّات إن كان زوجة. وعلى هذا قس ما يرد عليك من الفروض.
(الثانية):
(من
ليس له فرجُ) الذكر ولا
الاُنثى إمّا بأن تخرج الفَضلة من دُبره ، أو يفقد الدبر ويكون له ثقبة بين
المخرجين يخرج منه الفَضلتان ، أو البول مع وجود الدبر ، أو بأن يتقيّأ ما يأكله ،
أو بأن يكون له لَحمة رابية
يخرج منها
الفَضلتان ـ كما نُقل ذلك كلّه ـ (يُورَث بالقرعة) على الأشهر ، وعليه شواهد من الأخبار.
منها : صحيحة
الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام فيُكتب «عبد
اللّٰه» على سهمٍ و «أمة اللّٰه» على سهمٍ ، ويُجعل في سهام مبهمة ، ويقول ما رواه الفضيل
: (اللهمّ
أنت اللّٰه لا إله إلّاأنت ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما
كانوا فيه يختلفون ، فبيِّن لنا أمرَ هذا المولود كيف يورَث ما فرضت له في كتابك) ثمّ يجيل السهام ويورث على ما تخرج .
والظاهر أنّ
الدعاء مستحبّ؛ لخلوّ باقي الأخبار منه ، وكذا نظائره ممّا فيه القرعة.
وفي مرسلة عبد
اللّٰه بن بكير : «إذا
لم يكن له إلّاثقب يخرج منه البول فنحّى بوله عند خروجه عن مباله فهو ذَكر ، وإن
كان لا ينحّي بوله بل يبول على مباله فهو اُنثى»
وعمل بها ابن
الجنيد
والأوّل مع
شهرته أصحّ سنداً وأوضحه.
(ومن
له رأسان وبدنان على حَقوٍ) بفتح الحاء فسكون القاف : معقد الإزار عند الخَصر (واحدٍ) سواء كان ما تحت الحقو ذكراً أم غيره؛ لأنّ الكلام هنا في اتّحاد ما فوق
الحقو وتعدّده ، ليترتّب عليه الإرث.
__________________
وحكمه : أن (يورث بحسب الانتباه
، فإذا) كانا نائمين و (نُبّه أحدهما فانتبه الآخر فواحد ،
وإلّا) ينتبه الآخر (فاثنان) كما قضى به عليّ عليه الصلاة والسلام
وعلى التقديرين
يرثان إرث ذي الفرج الموجود ، فيُحكم بكونهما اُنثى واحدة أو اُنثيين ، أو ذكراً
واحداً أو ذكرين. ولو لم يكن له فرج أو كانا معاً حُكِم لهما بما سبق.
هذا من جهة
الإرث. ومثله الشهادة والحَجب لو كان أخاً.
أمّا في جهة العبادة فاثنان مطلقاً
فيجب عليه غَسل
أعضائه كلّها ومسحها ، فيغسل كلّ منهما وجهه ويديه ويمسح رأسه ويمسحان معاً على
الرجلين. ولو لم يتوضّأ أحدهما ففي صحّة صلاة الآخر نظر : من الشكّ في ارتفاع
حدثه؛ لاحتمال الوحدة فيستصحب المانع إلى أن يتطهّر الآخر. ولو أمكن
الآخر إجبار الممتنع أو تولّي طهارته ففي الإجزاء نظر : من الشكّ المذكور المقتضي
لعدم الإجزاء. وكذا القول لو امتنع من الصلاة.
والأقوى أنّ
لكلّ واحد حكم نفسه في ذلك. وكذا القول في الغُسل والتيمّم والصوم.
أمّا في النكاح
فهما واحد من حيث الذكورة والاُنوثة. أمّا من جهة العقد ففي توقّف صحّته على رضاهما
معاً نظر. ويقوى توقّفه ، فلو لم يرضيا معاً لم يقع النكاح ، ولو اكتفينا برضا
الواحد ففي صحّة نكاح الآخر لو كان اُنثى إشكال. وكذا يقع الإشكال في الطلاق.
وأمّا العقود
كالبيع فهما اثنان ، مع احتمال الاتّحاد.
ولو جنى أحدهما
لم يقتصّ منه وإن كان عمداً؛ لما يتضمّن من إيلام
__________________
الآخر أو إتلافه. نعم لو اشتركا في الجناية اقتصّ منهما. وهل يحتسبان بواحد
أو باثنين؟ نظر.
وتظهر الفائدة
في توقّف قتلهما على ردّ ما فضل عن دية واحد.
ولو ارتدّ
أحدهما لم يُقتل ولم يُحبَس ولم يُضرب؛ لأدائه إلى ضرر الآخر. نعم ، يُحكم بنجاسة
العضو المختصّ بالمرتدّ ، دون المختصّ بغيره ، وفي المشترك نظر. وتبين الزوجة
بارتداده مطلقاً
ولو ارتدّا
معاً لزمهما حكمه.
وهذه الفروض
ليس فيها شيء محرّر ، وللتوقّف فيها مجال وإن كان الفرض نادراً.
(الثالثة) :
(الحمل
يورث إذا انفصل حيّاً) مستقرّ الحياة (أو تحرّك) بعد خروجه (حركة
الأحياء ثمّ مات) ولا اعتبار
بالتقلّص الطبيعي ، وكذا لو خرج بعضه ميّتاً. ولا يشترط الاستهلال؛ لأنّه قد يكون
أخرس ، بل تكفي الحركة الدالّة على الحياة. وما رُوي من اشتراط سماع صوته
حُمِل على
التقيّة.
واعلم أنّ
الاحتمالات الممكنة عادةً ـ بأن يُفرض ما لا يزيد عن اثنين ـ عشرة
أكثرها نصيباً
فرضُه ذكرين ، فإذا طلب الولد الوارث نصيبه من التركة اُعطِي منها على ذلك التقدير.
وقد تقدّم الكلام في باقي أحكامه .
__________________
(الرابعة) :
(دية
الجنين) وهو الولد ما دام في البطن ، فإذا جنى عليه جانٍ فأسقطه
، فديته (يرثها
أبواه ومن يتقرّب بهما) مع عدمهما ، كما
لو ماتا معه أو مات أبوه قبله واُمّه معه (أو) من يتقرّب (بالأب
بالنسب) كالإخوة (والسبب) كمعتِق الأب.
ويُفهم من
تخصيص الإرث بالمتقرّب بالأب عدم إرث المتقرّب بالاُمّ مطلقاً
وقد تقدّم
الخلاف فيه
وتوقّف المصنّف
في الحكم.
(الخامسة) :
(ولد
الملاعنة ترثه اُمّه) دون أبيه؛
لانتفائه عنه باللعان حيث كان اللعان لنفيه (و) كذا يرثه (ولده
وزوجته على ما سلف) في موانع الإرث
: من أنّ الأب لا يرثه
أو في باب
اللعان : من انتفائه عنه باللعان ، وعدم إرثه الولد وبالعكس ، إلّاأن يكذّب الأبُ
نفسَه .
أمّا حكم إرث
اُمّه وزوجته وولده فلم يتقدّم التصريح به ، ويمكن أن يكون قوله : «على
ما سلف» إشارة إلى كيفيّة إرث المذكورين ، بمعنى أنّ ميراث اُمّه
وولده وزوجته يكون على حدّ ما فصّل في ميراث أمثالهم من الأمّهات ، والأولاد و
الزوجات.
__________________
(ومع
عدمهم) أي عدم الاُمّ والولد والزوجة (فلقرابة اُمّه) الذكر والاُنثى (بالسويّة) كما في إرث غيرهم من المتقرّب بها كالخؤولة وأولادهم (ويترتّبون) في الإرث على حسب قربهم إلى المورِث فيرثه (الأقرب) إليه منهم (فالأقرب) كغيرهم (ويرث) هو (أيضاً
قرابة اُمّه) لو كان في
مرتبة الوارث دون قرابة أبيه ، إلّاأن يكذّبوا الأبَ في لعانه على قولٍ .
(السادسة) :
(ولد
الزنا) من الطرفين (يرثه ولده وزوجته ، لا أبواه ، ولا من
يتقرّب بهما) لانتفائه عنهما
شرعاً فلا يرثانِه ولا يرثهما. ولو اختصّ الزنا بأحد الطرفين انتفى عنه خاصّة
وورثه الآخر ومن يتقرّب به (ومع
العدم) أي عدم الوارث له من الولد والزوجة ومن بحكمهما على ما
ذكرناه (فالضامن) لجريرته ومع عدمه (فالإمام).
وما روي خلاف
ذلك : من أنّ ولد الزنا ترثه اُمّه وإخوته منها أو عَصَبتها
وذهب إليه
جماعة كالصدوق
والتقيّ
وابن الجنيد
فشاذّ. ونسب
الشيخ الراوي إلى الوهم بأ نّه كولد الملاعنة .
__________________
(السابعة) :
(لا
عبرة بالتبرّي من النسب) عند السلطان في المنع من إرث المتبرّي على الأشهر؛ للأصل ، وعموم القرآن
الدالّ على التوارث
مطلقاً (وفيه
قول شاذّ) للشيخ في النهاية
وابن البرّاج
(إنّه) أي المتبرّى من نسبه (ترثه
عَصبَة اُمّه دون أبيه لو تبرّأ أبوه من نسبه) استناداً إلى رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال : «سألته
عن المخلوع تبرّأ منه أبوه عند السلطان ومن ميراثه وجريرته ، لمن ميراثه؟ فقال :
قال عليّ عليه السلام : هو لأقرب الناس إليه» .
ولا دلالة لهذه
الرواية على ما ذكروه؛ لأنّ أباه أقرب الناس إليه من عصبة اُمّه ، وقد رجع الشيخ
عن هذا القول صريحاً في «المسائل الحائريّة» .
(الثامنة) :
في ميراث
الغرقى والمهدوم عليهم اعلم أنّ من شرط التوارث بين المتوارثين العلم بتأخّر حياة
الوارث عن حياة المورث
وإن قلّ ، فلو
ماتا دفعة أو اشتبه المتقدّم منهما بالمتأخّر أو اشتبه السبق والاقتران فلا إرث ،
سواء كان الموت حتف الأنف أم بسبب ، إلّاأن يكون السبب الغَرق أو الهدم على
الأشهر.
__________________
وفيهما (يتوارث الغرقى
والمهدوم عليهم إذا كان بينهم نسب أو سبب) يوجبان التوارث (وكان
بينهم مال) ليتحقّق به
الإرث ولو من أحد الطرفين (واشتبه
المتقدّم) منهم (والمتأخّر) فلو عُلم اقتران الموت فلا إرث ، أو علم المتقدّم من المتأخّر ورث
المتأخّرُ المتقدّمَ دون العكس (وكان
بينهم توارث) بحيث يكون كلّ
واحد منهم يرث من الآخر ولو بمشاركة غيره. فلو انتفى ـ كما لو غرق أخوان ولكلّ
منهما ولد ، أو
لأحدهما ـ فلا توارث بينهما. ثمّ إن كان لأحدهما
مال دون الآخر
صار المال لمن لا مال له ، ومنه إلى وارثه الحيّ ، ولا شيء لورثة ذي المال.
(ولا
يرث الثاني) المفروضُ موته
ثانياً (ممّا
ورث منه الأوّل) للنصّ
واستلزامه
التسلسل والمحال عادة ، وهو فرض الحياة بعد الموت؛ لأنّ التوريث منه يقتضي فرض
موته فلو ورث ما
انتقل عنه لكان
حيّاً بعد انتقال المال عنه ، وهو ممتنع عادة.
واُورد مثلُه
في إرث الأوّل من الثاني
وردّ بأ نّا
نقطع النظر عمّا فرض أوّلاً ونجعل الأوّل كأ نّه المتأخّر حياةً ، بخلاف ما إذا
ورّثنا
الأوّل من
الثاني
__________________
ممّا كان قد ورثه الثاني منه ، فإنّه يلزم فرض موت الأوّل وحياته في حالة
واحدة. وفيه تكلّف. والمعتمد النصّ ، روى عبد الرحمن بن الحجّاج في الصحيح عن
الصادق عليه السلام في أخوين ماتا ، لأحدهما مئة ألف درهم ، والآخر ليس له شيء ، ركبا
في سفينة فغرقا فلم يُدرَ أيّهما مات أوّلاً؟ قال : «المال
لورثة الذي ليس له شيء» .
وعن عليّ عليه
السلام في قوم غرقوا جميعاً أهل بيت مال قال : «يرث
هؤلاء من هؤلاء ، وهؤلاء من هؤلاء ، ولا يرث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء» .
وهذا
حجّة على
المفيد وسلّار حيث ذهبا إلى توريث كلٍّ ممّا ورث منه أيضاً
استناداً إلى
وجوب تقديم الأضعف في الإرث
ولا فائدة
إلّاالتوريث ممّا ورث منه.
واُجيب بمنع
وجوب تقديمه
بل هو على
الاستحباب (و) لو سلّم فإنّما (يقدّم
الأضعف تعبّداً) لا لعلّة
معقولة ، فإنّ أكثر علل الشرع والمصالح المعتبرة في نظر الشارع خفيّة عنّا تعجز
عقولنا عن إدراكها ، والواجب اتّباع النصّ
__________________
من غير نظر إلى العلّة ، ولتخلّفه مع تساويهما في الاستحقاق كأخوين لأبٍ ، فينتفي
اعتبار التقديم ويصير مال كلّ منهما لورثة
الآخر.
وعلى اعتبار
تقديم الأضعف ـ وجوباً كما يظهر من العبارة وظاهر الأخبار تدلّ عليه ، ومنها صحيحة
محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام
أو استحباباً
على ما اختاره في الدروس
ـ لو غرق الأبُ
وولدُه قُدّم موتُ الابن فيرث الأب نصيبه منه ، ثمّ يُفرض موت الأب فيرث الابن نصيبه
منه ، ويصير مال كلٍّ إلى ورثة الآخر الأحياء ، وإن شاركهما مساوٍ انتقل إلى وارثه
الحيّ ما ورثه. ولو لم يكن لهما وارث صار مالهما للإمام.
وذهب بعض
الأصحاب إلى تعدّي هذا الحكم إلى كلّ سبب يقع معه الاشتباه كالقتيل
والحريق؛ لوجود
العلّة
وهو ضعيف؛ لمنع
التعليل الموجب للتعدّي مع كونه على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع النصّ
والوفاق. ولو كان الموت حتف الأنف فلا توارث مع الاشتباه إجماعاً.
(التاسعة) :
في ميراث (المجوس) إذا ترافعوا إلى حكّام الإسلام ، وقد اختلف الأصحاب فيه :
__________________
فقال يونس بن
عبد الرحمن : إنّهم يتوارثون بالنسب والسبب الصحيحين ، دون الفاسدين
وتبعه التقيّ
وابن إدريس
محتجّاً ببطلان
ما سواه في شرع الإسلام فلا يجوز لحاكمهم أن يرتّب عليه أثراً.
وقال الشيخ
وجماعة : يتوارثون بالصحيحين والفاسدين
لما رواه
السكوني عن عليّ عليه السلام : أنّه كان يورِّث المجوسي إذا تزوّج باُمّه واُخته
وابنته من جهة أنّها اُمّه وأ نّها زوجته
وقول الصادق
عليه السلام لمن سبّ مجوسيّاً وقال : إنّه تزوّج باُمّه : «أما
علمت أنّ ذلك عندهم هو النكاح؟»
بعد أن زبر
السابّ. وقوله عليه السلام : «إنّ
كلّ قوم دانوا بشيء يلزمهم حكمه» .
وقال الفضل بن
شاذان وجماعة
منهم المصنّف
في هذا المختصر
__________________
والشرح
: إنّ المجوس (يتوارثون بالنسب
الصحيح والفاسد ، والسبب الصحيح لا الفاسد).
أمّا الأوّل : فلأنّ
المسلمين يتوارثون بهما حيث تقع الشبهة ، وهي موجودة فيهم.
وأمّا الثاني :
فلقوله تعالى : (وَأَنِ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا
أَنْزَلَ اَللّٰهُ
وَقُلِ
اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ
وَإِنْ
حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ )
ولا شيء من
الفاسد بما أنزل اللّٰه ولا بحقّ ولا بقسط. وهذا هو الأقوى.
وبهذه الحجّة
احتجّ أيضاً
ابن إدريس على نفي الفاسد منهما
وقد عرفت فساده
في فاسد النسب.
وأمّا أخبار
الشيخ فعمدتها خبر السكوني وأمره واضح
والباقي لا
ينهض على مطلوبه.
وعلى ما
اخترناه (فلو
نكح) المجوسي (اُمّه فأولدها ورثته بالاُمومة ، وورثه
(٨) ولدها بالنسب الفاسد ، ولا ترثه الاُمّ بالزوجيّة) لأنّه سبب فاسد.
__________________
(ولو
نكح المسلم بعض محارمه لشبهة وقع التوارث) بينه وبين أولاده (بالنسب
أيضاً) وإن كان فاسداً ، ويتفرّع عليهما فروع كثيرة يظهر حكمها
ممّا تقرّر في قواعد الإرث.
فلو أولد
المجوسي بالنكاح أو المسلم بالشبهة من ابنته ابنتين ورثن ماله بالسويّة. فلو ماتت
إحداهما فقد تركت اُمّها واُختها فالمال لاُمّها. فإن ماتت الاُمّ دونهما ورثها
ابنتاها. فإن ماتت إحداهما ورثتها الاُخرى.
ولو أولدها
بنتاً ثمّ أولد الثانية بنتاً ، فمالُه بينهنّ بالسويّة. فإن ماتت العليا ورثتها
الوسطى دون السفلى. وإن ماتت الوسطى فللعليا نصيب الاُمّ ، وللسفلى نصيب البنت ، والباقي
يردّ أرباعاً. وإن ماتت السفلى ورثتها الوسطى؛ لأنّها اُمّ ، دون العليا؛ لأنّها
جدّة واُخت ، وهما محجوبتان بالاُمّ. وقس على هذا.
(العاشرة) :
(مخارج
الفروض) أقلّ عدد تخرج منه صحيحة وهي (خمسة) للفروض الستّة؛ لدخول مخرج الثلث في مخرج الثلثين. فمخرج (النصف من اثنين ،
والثلث والثلثان من ثلاثة ، والربع من أربعة ، والثمن من ثمانية والسدس من ستّة ) فإذا كان في
الفريضة نصف لا
غير كزوج مع المرتبة الثانية ، فأصل الفريضة اثنان ، فإن انقسمت على جميع الورثة
بغير كسر ، وإلّا عملتَ كما سيأتي إلى أن تصحّحها من عدد ينتهي إليه الحساب. وكذا
لو كان في الفريضة نصفان.
وإن اشتملت على
ثُلث أو ثُلثين أو هما فهي من ثلاثة ، أو على ربع فهي
__________________
من أربعة ، وهكذا ...
ولو اجتمع في
الفريضة فروض متعدّدة فأصلها أقلّ عدد ينقسم على تلك الفروض صحيحاً.
وطريقه : أن
تَنسب بعضها إلى بعض ، فإن تباينت ضربتَ بعضها في بعض ، فالفريضة ما ارتفع من ذلك
، كما إذا اجتمع في الفريضة نصف وثلث فهي من
ستّة.
وإن توافقت ضربتَ الوِفق من أحدهما
في الآخر ، كما لو اتّفق فيها ربع وسدس ، فأصلها اثنا عشر.
وإن تماثلت
اقتصرتَ على أحدهما
كالسدسين.
أو تداخلت فعلى
الأكثر كالنصف والربع ، وهكذا ..
ولو لم يكن في
الورثة ذو فرض فأصل المال عدد رؤوسهم مع التساوي كأربعة أولاد ذكور. وإن اختلفوا
بالذكوريّة والاُنوثيّة فاجعل لكلّ ذكر سهمين ولكلّ اُنثى سهماً ، فما اجتمع فهو
أصل المال.
ولو كان فيهم
ذو فرض وغيره فالعبرة بذي الفرض خاصّة كما سبق ، ويبقى حكم تمامها وانكسارها ، كما
سيأتي.
وحيث توقّف
البحثُ على معرفة النسبة بين العددين بالتساوي والاختلاف وتأتي الحاجة إليه أيضاً
، فلا بدّ من الإشارة إلى معناها :
فالمتماثلان : هما
المتساويان قدراً.
__________________
والمتباينان : هما
المختلفان اللذان إذا اُسقط أقلّهما من الأكثر مرّة أو مراراً بقي واحدٌ ، ولا
يعدُّهما سوى الواحد ، سواء تجاوز أقلّهما نصفَ الأكثر كثلاثة وخمسة ، أم لا
كثلاثة وسبعة.
والمتوافقان : هما
اللذان يعدّهما غيرُ الواحد ويلزمهما
أنّه إذا اُسقط
أقلّهما من الأكثر مرّة أو مراراً بقي أكثر من واحد وتَوافُقُهما بجزء ما يعدّهما.
فإن عدّهما الاثنان خاصّة فهما متوافقان بالنصف ، أو الثلاثة فبالثُلث ، أو
الأربعة فبالربع ، وهكذا ...
ولو تعدّد ما
يعدّهما من الأعداد فالمعتبر أقلّهما جزءاً ، كالأربعة مع الاثنين ، فالمعتبر
الأربعة.
ثمّ إن كان
أقلّهما لا يزيد عن نصف الأكثر ونفى الأكثر ولو مراراً ، كالثلاثة والستّة ، والأربعة
والاثني عشر ، فهما المتوافقان بالمعنى الأعمّ ، والمتداخلان أيضاً.
وإن تجاوزه
فهما المتوافقان بالمعنى الأخصّ ، كالستّة والثمانية يعدّهما الاثنان ، والتسعة
والاثني عشر يعدّهما الثلاثة ، والثمانية والاثني عشر يعدّهما الأربعة.
ولك هنا اعتبار
كلّ من التوافق والتداخل وإن كان اعتبار ما تقلّ معه الفريضة أولى ، ويسمّى
المتوافقان مطلقاً بالمتشاركين؛ لاشتراكهما في جزء الوفق. فيجتزى عند اجتماعهما
بضرب أحدهما في الكسر الذي ذلك العدد المشترك سُمّي له ، كالنصف في الستّة
والثمانية ، والربع في الثمانية والاثني عشر.
وقد يترامى إلى
الجزء من أحد عشر فصاعداً ، فيقتصر عليه ، كأحد عشر مع
__________________
اثنين وعشرين ، واثنين وعشرين مع ثلاثة وثلاثين ، أو ستّة وعشرين مع تسعة
وثلاثين ، فالوفق في الأوّلين جزء من أحد عشر ، وفي الأخير من ثلاثة عشر.
(الحادية
عشرة) :
(الفريضة
إذا كانت بقدر السهام وانقسمت) على مخارج السهام (بغير
كسر فلا بحث ، كزوج واُخت للأبوين أو للأب فالمسألة من سهمين) لأنّ فيها نصفين ومخرجهما اثنان ، وتنقسم على الزوج والاُخت بغير كسر.
وإن لم تنقسم
على السهام بغير كسر مع كونها مساوية لها ، فإمّا أن تنكسر على فريق واحد أو أكثر
، ثمّ إمّا أن يكون بين عدد المنكسر عليه وسهامه وفق بالمعنى الأعمّ أو لا ، فالأقسام
أربعة.
(فإن
انكسرت على فريق واحد ضربت عدده) لا نصيبه (في
أصل الفريضة إن عدم الوفق بين العدد والنصيب ، كأبوين وخمس بنات) أصلُ فريضتهم ستّة؛ لاشتمالها على السدس ومخرجه ستّة و (نصيب الأبوين) منها (اثنان) لا ينكسر عليهما (ونصيب
البنات أربعة) تنكسر عليهنّ
وتباين عددهنّ وهو خمسة؛ لأنّك إذا أسقطتَ أقلّ العددين من الأكثر بقي واحد (فتضرب) عددهنّ وهو (الخمسة
في الستّة : أصل الفريضة) تبلغ ثلاثين ، فكلّ من حصل له شيء من أصل الفريضة أخذه مضروباً في خمسة فهو
نصيبه ، فنصيب البنات منها عشرون ، لكلّ واحدة أربع.
وإن توافق
النصيب والعدد كما لو كنّ ستّاً أو ثماني ، فالتوافق بالنصف في الأوّل والربع
في الثاني ، فتضرب
نصف عددهنّ أو ربعه في أصل الفريضة تبلغ
__________________
ثمانية عشر في الأوّل واثني عشر في الثاني ، فللبنات اثنا عشر ينقسم عليهنّ
بغير كسر ، أو ثمانية كذلك.
(وإن
انكسرت على أكثر) من فريق ، فإمّا
أن يكون بين نصيب
كلّ فريق وعدده
وفق ، أو تباين ، أو بالتفريق.
فإن كان الأوّل
(نسبتَ
الأعداد بالوفق) ورددتَ كلّ
فريق إلى جزء وفقه. وكذا لو كان لبعضهم وفق دون بعض (أو) كان (غيره) أي غير الوفق ، بأن كان بين كلّ فريق وعدده تباين ، أو بين بعضها ، كذلك
جعلتَ كلّ عدد بحاله ثمّ اعتبرت الأعداد :
فإن كانت
متماثلة اقتصرتَ منها على واحد وضربتَه في أصل الفريضة.
وإن كانت
متداخلة اقتصرتَ على ضرب الأكثر.
وإن كانت
متوافقة ضربت وفق أحد المتوافقين في عدد الآخر.
وإن كانت
متباينة ضربت أحدها في الآخر ثمّ المجتمع في الآخر. وهكذا (وضربت ما يحصل منها
في أصل المسألة) :
فالمتباينة (مثل زوج وخمسة إخوة
لاُمّ وسبعة لأب ، فأصلها ستّة) لأنّ فيها نصفاً وثلثاً ومخرجهما ستّة : مضروب اثنين (مخرج النصف) في ثلاثة
(مخرج الثلث) ؛ لتباينهما (للزوج) منها النصف (ثلاثة
، وللإخوة للاُمّ) الثُلث (سهمان) ينكسر عليهم (ولا
وفق) بينهما وبين الخمسة (وللإخوة للأب سهم) واحد وهو ما بقي من الفريضة (ولا وفق) بينه وبين عددهم وهو السبعة ، فاعتبر نسبة عدد الفريقين المنكسر عليهما ـ وهو
الخمسة والسبعة ـ إلى الآخر تجدهما متباينين؛ إذ لا يعدّهما إلّاالواحد ، ولأ نّك
إذا أسقطت أقلّهما من
__________________
الأكثر بقي اثنان ، فإذا أسقطتهما من الخمسة مرّتين بقي واحد.
(فتضرب
الخمسة في السبعة يكون) المرتفع (خمسة وثلاثين تضربها
في ستّة أصل الفريضة يكون) المرتفع (مئتين
وعشرة) ومنها تصحّ.
(فمن
كان له) من أصل الفريضة (سهم أخذه مضروباً في خمسة وثلاثين ،
فللزوج ثلاثة) من الأصل
يأخذها (مضروبة
فيها) أي في الخمسة والثلاثين يكون (مئة وخمسة ، ولقرابة
الاُمّ) الخمسة (سهمان) من أصلها تأخذهما (مضروبين
فيها) أي في الخمسة والثلاثين وذلك (سبعون ، لكلّ) واحد منهم (أربعة
عشر) : خُمس السبعين (ولقرابة الأب سهم) من الأصل ومضروبه فيها (خمسة
وثلاثون لكلّ) واحد منهم (خمسة) : سُبع المجتمع.
وما ذكر مثال
للمنكسر على أكثر من فريق مع التباين ، لكنّه لم ينكسر على الجميع.
ولو أردتَ
مثالاً لانكسارها على الجميع أبدلتَ الزوج بزوجتين ، ويصير أصل الفريضة اثني عشر ـ
مخرج الثلث والربع ـ لأنّها المجتمع من ضرب إحداهما في الاُخرى؛ لتباينهما ، فللزوجتين
الربع : ثلاثة ، وللإخوة للاُمّ الثلث : أربعة ، وللإخوة للأب الباقي وهو خمسة ، ولا
وفق بين نصيب كلٍّ وعدده ، والأعداد أيضاً متباينة ، فتضربُ أيّها شئتَ في الآخر ،
ثمّ المرتفع في الباقي ، ثمّ المجتمع في أصل الفريضة ، فتضرب هنا اثنين في خمسة ، ثمّ
المجتمع في سبعة يكون سبعين ، ثمّ تضرب السبعين في اثني عشر تبلغ ثمانمئة وأربعين.
فكلّ من كان له سهم من اثني عشر أخذه مضروباً في سبعين.
ولا يعتبر هنا
توافق مضروب المخارج مع أصل المسألة ولا عدمه ، فلا يقال : العشرة توافق الاثني
عشر بالنصف ، فتردّها إلى نصفها ولا السبعون توافق الاثني عشر بالنصف أيضاً.
ولو كان إخوة
الاُمّ ثلاثة صحّ الفرض أيضاً ، لكن هنا تضرب اثنين في ثلاثة ثمّ في سبعة تبلغ
اثنين وأربعين ، ثمّ في أصل الفريضة تبلغ خمسمئة وأربعة ، ومن كان له سهم أخذه
مضروباً في اثنين وأربعين. ولا يلتفت إلى توافق الاثني عشر ، والاثنين والأربعين ،
في السدس.
ومثال
المتوافقة مع الانكسار على أكثر من فريق : ستّ زوجات ـ كما يتّفق في المريض يُطلّق
ثمّ يتزوّج ويدخل ثمّ يموت قبل الحول ـ وثمانية من كلالة الاُمّ وعشرة من كلالة
الأب ، فالفريضة اثنا عشر ـ مخرج الربع والثلث ـ للزوجات ثلاثة وتوافق عددهنّ
بالثلث ، ولكلالة الاُمّ أربعة وتوافق عددهنّ بالربع ، ولكلالة الأب خمسة توافق
عددهم بالخمس. فتردّ كلّاً من الزوجات والإخوة من الطرفين إلى اثنين؛ لأنّهما ثلث
الأوّل وربع الثاني وخمس الثالث فتتماثل الأعداد ، فتجتزي باثنين فتضربهما في اثني
عشر تبلغ أربعة وعشرين ، فمن كان له سهم أخذه مضروباً في اثنين ، فللزوجات ستّة ، ولإخوة
الاُمّ ثمانية ، ولإخوة الأب عشرة ، لكلٍّ سهم.
ومثال
المتماثلة : ثلاث إخوة من أب ومثلهم من اُمّ ، أصلُ الفريضة ثلاثة والنسبة بين
النصيب والعدد متباينة ، والعددان متماثلان ، فيُجتزى بضرب أحدهما في أصل الفريضة
تصير تسعة.
ومثال
المتداخلة بين الأعداد
كما ذكر ، إلّاأنّ
إخوة الاُمّ ستّة ، فتجتزي بها وتضربها في أصل الفريضة تبلغ ثمانية عشر.
وقد لا تكون
متداخلة ثمّ تؤول إليه كأربع زوجات وستّة إخوة ، أصلُ الفريضة أربعة ـ مخرج الربع
ـ ينكسر على الفريقين وعدد الإخوة يوافق نصيبهم
__________________
بالثلث فتردّهم إلى اثنين ، وعدد الزوجات تباين نصيبهنّ فتبقيهنّ بحالهنّ ،
فيدخل ما بقي من عدد الإخوة في عددهنّ فتجتزي به وتضربهُ في الأربعة ، يكون ستّة
عشر.
وبما ذكرناه من
الأمثلة يظهر حكم ما لو كان لبعضها وفق دون الباقي ، أو بعضها متماثل أو متداخل
دون بعض.
(الثانية
عشرة) :
(أن
تقصر الفريضة عن السهام) وإنّما تقصر (بدخول
أحد الزوجين) كبنتين وأبوين
مع أحد الزوجين وبنتين وأحد الأبوين مع زوج واُختين لأب واُختين لاُمٍّ مع أحد
الزوجين.
وهذه مسألة
العول (فيدخل
النقص على البنت والبنات) إن اتّفقن (و) على (قرابة
الأب) من الأخوات ، لا على الجميع ، وقد تقدّم .
وهذه العبارة
أجود ممّا سلف ، حيث لم يذكر الأب فيمن يدخل عليه النقص.
(الثالثة
عشرة) :
(أن
تزيد) الفريضة (على السهام) كما لو خلّف بنتاً واحدة ، أو بنات ، أو اُختاً ، أو أخوات ، أو بنتاً
وأبوين أو أحدهما ، أو بنات وأحدهما (فيردّ الزائد على ذوي السهام عدا الزوج
والزوجة والاُمِّ مع الإخوة) أمّا مع عدمهم فيردّ عليها.
(أو
يجتمع ذو سببين) كالاُخت من
الأبوين (مع
ذي سبب واحد)
__________________
كالإخوة من الاُمّ ، فيختصّ الردّ بذي السببين (كما مرّ)
ولا شيء عندنا
للعصبة ، بل في فيه التراب .
(الرابعة
عشرة) :
في المناسخات
وتتحقّق بأن يموت شخص ثمّ يموت أحد وُرّاثه قبل قسمة تركته ، فإنّه يعتبر حينئذٍ
قسمة الفريضتين من أصل واحد لو طلب ذلك ، فإن اتّحد الوارث والاستحقاق كإخوة ستّة
وأخوات ستّ
لميّت ، فمات
بعده أحد الإخوة ثمّ إحدى الأخوات ، وهكذا ... حتّى بقي أخ واُخت ، فمال الجميع
بينهما أثلاثاً إن تقرّبوا بالأب ، وبالسويّة إن تقرّبوا بالاُمّ.
وإن اختلف
الوارث خاصّة ، كما لو ترك الأوّل ابنين ، ثمّ مات أحدهما وترك ابناً ، فإنّ جهة
الاستحقاق في الفريضتين واحدة وهي البنوّة ، لكنّ الوارث مختلف.
أو الاستحقاق
خاصّة ، كما لو مات رجل وترك ثلاثة أولاد ، ثمّ مات أحد الأولاد ولم يترك غير
أخويه. فإنّ الوارث فيهما واحد ، لكن جهة الاستحقاق مختلفة.
أو اختلفا معاً
، فقد تحتاج المسألة إلى عمل آخر غير ما احتاجت إليه الاُولى وقد لا تحتاج.
وتفصيله أن
نقول : (لو
مات بعض الورثة قبل قسمة التركة) الاُولى
__________________
(صحّحنا
الاُولى ، فإن نهض نصيب الميّت الثاني بالقسمة على ورّاثه) من غير كسر (صحّت
المسألتان من المسألة الاُولى) كزوجة ماتت عن ابن وبنت بعد زوجها وخلّف معها ابناً وبنتاً ، فالفريضة
الاُولى أربعة وعشرون ، ونصيب الزوجة منها ثلاثة تصحّ على ولديها. وهنا الوارث والاستحقاق
مختلفٌ. وكزوج مع أربعة إخوةٍ لأب ثمّ يموت الزوج عن ابن وبنتين أو أربعة بنين ، فتصحّ
المسألتان من الاُولى وهي ثمانية.
(وإن
لم ينهض) نصيب الثاني بفريضته فانظر النسبة بين نصيب الميّت
الثاني وسهام ورثته ، فإن كان بينهما وفق (فاضرب الوفق بين نصيبه وسهام ورثته ) من الفريضة لا من النصيب (في
المسألة الاُولى ، فما بلغ صحّت منه) مثل أبوين وابن ثمّ يموت الابن ويترك ابنين وبنتين ، فالفريضة الاُولى ستّة
، ونصيب الابن منها أربعة وسهام ورثته ستّة ، توافق نصيبهم بالنصف ، فتضرب ثلاثة ـ
وفق الفريضة الثانية ـ في ستّة تبلغ ثمانية عشر ، ومنها تصحّ الفريضتان.
وكأخوين من
اُمّ ومثلهما من أب وزوج ، مات الزوج عن ابن وبنتين ، فالفريضة الاُولى اثنا عشر ـ
مخرج النصف والثلث ـ ثمّ مضروبه في اثنين؛ لانكسارها على فريق واحد وهو الأخوان
للأب ، وبين نصيب الزوج منها (وهو ستّة) وفريضته (وهي أربعة) توافقٌ بالنصف ، فتضرب
الوفق من الفريضة ـ وهو اثنان ـ في اثني عشر تبلغ أربعة وعشرين ، ومنها تصحّ
الفريضتان.
(ولو
لم يكن) بين نصيب الثاني وسهامه (وفق ضربت المسألة الثانية في الاُولى) فما ارتفع صحّت منه المسألتان. كما لو كان ورثة الابن في المثال الأوّل
ابنين وبنتاً ، فإنّ سهامهم حينئذٍ خمسة تباين نصيب مورّثهم ، فتضرب
__________________
خمسة في ستّة تبلغ ثلاثين.
وكذا لو كان
ورثة الزوج في الثاني
ابنين وبنتاً ،
فتضرب خمسة في اثني عشر.
(ولو) كانت المناسخات أكثر من فريضتين ، بأن (مات بعض ورثة الميّت الثاني) قبل القسمة أو بعضُ ورثة الأوّل ، فإن انقسم نصيب الثالث
على ورثته
بصحّة وإلّا (عملت
فيه) ك (ما
عملت في المرتبة الاُولى. وهكذا) لو فرض كثرة التناسخ ، فإنّ العمل واحد.
__________________
كتاب الحدود
(كتاب الحدود)
(وفيه فصول) :
(الأوّل) (في) حدّ (الزنا)
بالقصر لغة
حجازيّة ، وبالمدّ تميميّة (وهو) أي الزنا (إيلاج) أي إدخال الذكر (البالغ
العاقل في فرج امرأة) بل مطلق
الاُنثى قبلاً أو دُبراً (محرّمة) عليه (من
غير عقد) نكاح بينهما (ولا ملك) من الفاعل للقابل (ولا
شبهةٍ) موجبة لاعتقاد الحلّ (قدرَ الحشفة) مفعول المصدر المصدَّر به
ويتحقّق قدرها
بإيلاجها نفسها ، أو إيلاج قدرها من مقطوعها ـ وإن كان تناولها للأوّل لا يخلو من
تكلّف ـ في حالة كون المولج (عالماً) بالتحريم (مختاراً) في الفعل.
__________________
فهنا قيود :
أحدها : الإيلاج ، فلا يتحقّق الزنا بدونه ، كالتفخيذ وغيره ،
وإن كان محرّماً يوجب التعزير.
وثانيها : كونه من البالغ ، فلو أولج الصبي اُدِّب خاصّةً.
وثالثها : كونه عاقلاً ، فلا يُحدّ المجنون على الأقوى؛ لارتفاع
القلم عنه. ويستفاد من إطلاقه عدم الفرق بين الحرّ والعبد ، وهو كذلك وإن افترقا
في كمّيّة الحدّ وكيفيّته.
ورابعها : كون الإيلاج في فرجها ، فلا عبرة بإيلاجه في غيره من
المنافذ وإن حصل به الشهوة والإنزال. والمراد بالفرج العورة ، كما نصّ عليه
الجوهري
فيشمل القُبُل
والدُبُر ، وإن كان إطلاقه على القُبُل أغلب.
وخامسها : كونها امرأةً وهي البالغة تسع سنين؛ لأنّها تأنيث «المرء» وهو الرجل. ولا فرق فيها بين العاقلة والمجنونة ، الحرّة والأمة ، الحيّة
والميّتة ، وإن كان
الميّتة أغلظ
كما سيأتي
وخرج بها
إيلاجه في دُبُر الذكر ، فإنّه لا يُعدّ زناً وإن كان أفحش وأغلظ عقوبةً.
وسادسها : كونها محرّمة عليه ، فلو كانت حليلة بزوجيّة أو ملك
لم يتحقّق الزنا. وشملت «المحرّمة» الأجنبيّةَ المحصنةَ ، والخاليةَ من بعل ، ومحارمَه ، وزوجتَه الحائض ، والمظاهَرَة
، والمُولى منها ، والمُحرِمةَ وغيرَها ، وأمته المزوّجة ، والمعتدّة ، والحائض
ونحوَها. وسيخرج بعض هذه المحرَّمات.
__________________
وسابعها : كونها غير معقود عليها ، ولا مملوكة ، ولا مأتيّة
بشبهة. وبه يخرج وطء الزوجة المحرّمة لعارض ممّا ذكر ، وكذا الأمة ، فلا يترتّب
عليه الحدّ وإن حرم ، ولهذا احتيج إلى ذكره بعد «المحرّمة» إذ لولاه لزم كونه زناً يوجب الحدّ وإن كان بالثاني
يستغنى عن
الأوّل
إلّاأنّ بذلك
لا يستدرك القيد ، لتحقّق الفائدة مع سبقه.
والمراد بالعقد
: ما يشمل الدائم والمنقطع. وبالملك : ما يشمل العين والمنفعة كالتحليل. وبالشبهة
: ما أوجب ظنّ الإباحة ، لا ما لولا المحرّميّة لحُلّلت ، كما زعمه بعض العامّة .
وثامنها : كون الإيلاج بقدر الحشفة فما زاد ، فلو أولج دون ذلك
لم يتحقّق الزنا كما لا يتحقّق الوطء؛ لتلازمهما هنا
فإن كانت
الحشفة صحيحة اعتبر مجموعها ، وإن كانت مقطوعة أو بعضها اعتبر إيلاج قدرها ولو
ملفّقاً منها ومن الباقي. وهذا الفرد أظهر في القدريّة منها نفسها.
وتاسعها
: كونه عالماً
بتحريم الفعل ، فلو جهل التحريم ابتداءً لقرب عهده بالدين ، أو لشبهة ـ كما لو
أحلّته نفسَها فتوهّم الحلّ مع إمكانه في حقّه ـ لم يكن زانياً ، ويمكن الغنى عن
هذا القيد بما سبق؛ لأنّ مرجعه إلى طروء شبهة ، وقد تقدّم اعتبار نفيها.
__________________
والفرق بأنّ
الشبهة السابقة تجامع العلم بتحريم الزنا ـ كما لو وجد امرأة على فراشه فاعتقدها
زوجته مع علمه بتحريم وطء الأجنبيّة ـ وهنا لا يعلم أصل تحريم الزنا غير كافٍ في
الجمع بينهما مع إمكان إطلاق «الشبهة» على ما يعمّ الجاهل بالتحريم.
وعاشرها : كونه مختاراً ، فلو اُكره على الزنا لم يحدّ على أصحّ
القولين في الفاعل
وإجماعاً في
القابل. ويتحقّق الإكراه بتوعّد القادر المظنون فِعل ما توعّد به لو لم يفعل بما
يتضرّر به في نفسه أو من يجري مجراه ، كما سبق تحقيقه في باب الطلاق .
فهذه جملة قيود
التعريف. ومع ذلك فيرد عليه اُمور :
الأوّل : أنّه لم يقيّد المُولج بكونه ذكراً ، فيدخل فيه إيلاج
الخنثى قدر حشفته ... ، مع أنّ الزنا لا يتحقّق فيه بذلك؛ لاحتمال زيادته ، كما لا
يتحقّق به الغسل ، فلا بدّ من التقييد بالذكر ليخرج الخنثى.
الثاني : اعتبار بلوغه وعقله إنّما يتمّ في تحقّق زنا الفاعل ،
أمّا في زنا المرأة فلا ، خصوصاً العقل ، ولهذا يجب عليها الحدّ بوطئهما لها وإن
كان في وطء الصبيّ يجب عليها الجلد خاصّة ، لكنّه حدّ في الجملة ، بل هو الحدّ
المنصوص في القرآن الكريم .
الثالث : اعتبار كون الموطوءة امرأة ، وهي كما عرفت مؤنّث
الرجل ،
__________________
وهذا إنّما يعتبر في تحقّق زناها. أمّا زنا الفاعل فيتحقّق بوطء الصغيرة
كالكبيرة وإن لم يجب به الرجم لو كان محصناً ، فإنّ ذلك لا ينافي كونه زناً يوجب
الحدّ كالسابق.
الرابع : إيلاج قدر الحشفة أعمّ من كونه من الذكر وغيره ، لتحقّق
المقدار فيهما ، والمقصود هو الأوّل ، فلا بدّ من ذكر ما يدلّ عليه ، بأن يقول : (قدر الحشفة من الذكر) ونحوه. إلّاأن يُدّعى : أنّ المتبادر هو ذلك. وهو محلّ نظر.
الخامس : الجمع بين العلم وانتفاء الشبهة غير جيّد في التعريف
كما سبق ، إلّا أن يخصّص «العالم» بفرد خاصّ ، كالقاصد ونحوه.
السادس : يخرج زنا المرأة العالمة بغير العالم كما لو جلست على
فراشه متعمّدة قاصدة للزنا مع جهله بالحال ، فإنّه يتحقّق من طرفها وإن انتفى عنه.
ومثله ما لو أكرهته.
ولو قيل : إنّ
التعريف لزنا الفاعل خاصّة سلم من كثير ممّا ذكر ، لكن يبقى فيه الإخلال بما
يتحقّق به زناها.
وحيث اعتبر في
الزنا انتفاء الشبهة (فلو
تزوّج الاُمّ ) أي اُمَّ المتزوّج (أو
المحصنة) المتزوّجة بغيره (ظانّاً الحلّ) لقرب عهده من المجوسيّة ونحوها من الكفر ، أو سكناه في بادية بعيدة عن
أحكام الدين (فلا
حدّ) عليه للشبهة ، والحدود تدرأ بالشبهات .
(ولا
يكفي) في تحقّق الشبهة الدارئة للحدّ (العقد) على المحرَّمة
__________________
(بمجرّده) من غير أن يظنّ الحلّ إجماعاً منّا؛ لانتفاء معنى الشبهة حينئذٍ. ونبّه
بذلك على خلاف أبي حنيفة
حيث اكتفى به
في درء الحدّ ، وهو الموجب لتخصيصه البحث عن قيد الشبهة ، دون غيرها من قيود
التعريف.
(ويتحقّق
الإكراه) على الزنا (في الرجل) على أصحّ القولين
(فيدرأ
الحدّ عنه) به (كما يدرأ عن المرأة
بالإكراه) لها؛ لاشتراكهما في المعنى الموجب لرفع الحكم ، ولاستلزام
عدمه في حقّه التكليف بما لا يطاق.
وربما قيل
بعدم تحقّقه في
حقّه ، بناءً على أنّ الشهوة غير مقدورة وأنّ الخوف يمنع من انتشار العضو وانبعاث
القوّة.
ويضعَّف بأنّ
القدر الموجب للزنا وهو تغيّب
الحشفة غير
متوقّف على ذلك كلّه غالباً لو سلّم توقّفه على الاختيار ، ومنع الخوف منه.
(ويثبت
الزنا) في طرف الرجل والمرأة (بالإقرار) به (أربع
مرّات مع كمال المقرّ) ببلوغه وعقله (واختياره وحرّيّته ،
أو تصديق المولى) له فيما أقرّ
به؛ لأنّ المانع من نفوذه كونه إقراراً في حقّ المولى. وفي حكم تصديقه انعتاقه ، لزوال
المانع من نفوذه.
ولا فرق في
الصبيّ بين المراهق وغيره في نفي الحدّ عنه بالإقرار. نعم يؤدَّب ، لكذبه أو صدور
الفعل عنه؛ لامتناع خلوّه منهما.
ولا في المجنون
بين المطبق ومن يعتوره أدواراً إذا وقع الإقرار حالةَ الجنون. نعم لو أقرّ حالَ
كماله حُكم عليه.
__________________
ولا فرق في
المملوك بين القنّ والمدبَّر والمكاتب بقسميه وإن تحرّر بعضه ، ومطلق المبعّض
واُمّ الولد.
وكذا لا فرق في
غير المختار بين من اُلجئ إليه بالتوعّد ، وبين من ضرب حتّى ارتفع قصده.
ومقتضى إطلاق
اشتراط ذلك : عدم اشتراط تعدّد مجالس الإقرار بحسب تعدّده. وهو أصحّ القولين
للأصل ، وقول
الصادق عليه السلام في خبر جميل : «ولا يرجم الزاني
حتّى يقرّ أربع مرّات»
من غير شرط
التعدّد. فلو اشترط لزم
تأخّر البيان.
وقيل : يعتبر
كونه في أربعة مجالس
لظاهر خبر ماعز
بن مالك الأنصاري ، حيث أتى النبيّ صلى الله عليه وآله في أربعة مواضع والنبيّ صلى
الله عليه وآله يردّده ويوقف عزمه بقوله : «لعلّك
قبّلت ، أو غمزت ، أو نظرت ...» الحديث .
وفيه : أنّه لا
يدلّ على الاشتراط وإنّما وقعت المجالس اتّفاقاً. والغرض من
__________________
تأخيره إتيانه
بالعدد المعتبر.
(ويكفي) في الإقرار به (إشارة
الأخرس) المفهمة يقيناً كغيره ، ويعتبر تعدّدها أربعاً كاللفظ
بطريق أولى. ولو لم يفهمها الحاكم اعتبر المترجم ، ويكفي اثنان؛ لأنّهما شاهدان
على إقرار ، لا على زنا.
(ولو
نسب) المقرّ (الزنا إلى امرأة) معيّنة كأن يقول : زنيت بفلانة (أو نسبته) المرأة المقرّة به (إلى
رجل) معيّن بأن تقول : زنيت بفلان (وجب) على المقرّ (حدّ
القذف) لمن نسبه إليه (بأوّل مرّة) لأنّه قذف صريح ، وإيجابه الحدّ لا يتوقّف على تعدّده.
(ولا
يجب) على المقرّ (حدّ الزنا) الذي أقرّ به (إلّابأربع
مرّات) كما لو لم ينسبه إلى معيّن. وهذا موضع وفاق ، إنّما
الخلاف في الأوّل .
ووجه ثبوته ما
ذكر ، فإنّه قد رمى المحصنة ـ أي غير المشهورة بالزنا ـ لأنّه المفروض. ومن أنّه
إنّما نسبه إلى نفسه بقوله : «زنيت» وزناه ليس مستلزماً لزناها؛ لجواز الاشتباه عليها أو الإكراه ، كما يحتمل
المطاوعة وعدم الشبهة ، والعامّ لا يستلزم الخاصّ.
وهذا هو الذي
اختاره المصنّف في الشرح
وهو متّجه ، إلّاأنّ
الأوّل أقوى.
__________________
إلّا أن يدّعي ما يوجب انتفاءه عنها كالإكراه والشبهة ، عملاً بالعموم .
ومثله القول في
المرأة ، وقد رُوي عن عليّ عليه السلام قال : (إذا
سألت الفاجرة من فجر بك؟ فقالت : فلان ، جلدتها حدّين : حدّاً للفجور ، وحدّاً
لفريتها على الرجل المسلم) . (و) كذا يثبت الزنا (بالبيّنة
كما سلف) في الشهادات من التفصيل .
(ولو
شهد) به (أقلّ
من النصاب) المعتبر فيه
وهو أربعة رجال ، أو ثلاثة وامرأتان أو رجلان وأربع نسوة وإن ثبت بالأخير الجلد
خاصّة (حُدّوا) أي من شهد وإن كان واحداً (للفرية) وهي الكذبة العظيمة؛ لأنّ اللّٰه تعالى سمّى مَن قذف ولم يأتِ بتمام
الشهداء كاذباً
فيلزمه كذب من
نسبه وجزم به من غير أن يكون الشهداء كاملين وإن كان صادقاً في نفس الأمر. والمراد
أنّهم يُحَدّون للقذف.
(ويشترط) في قبول الشهادة به (ذكر
المشاهدة) للإيلاج (كالميل في المُكحُلة) فلا يكفي الشهادة بالزنا مطلقاً ، وقد تقدّم في حديث ماعز ما ينبّه عليه.
وروى أبو بصير
عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : «لا
يُرجم الرجل والمرأة
__________________
حتّى يشهد عليهما
أربعة شهداء على الجماع والإيلاج والإدخال كالميل في المُكحُلة» .
وفي صحيحة
الحلبي عنه قال : «حدّ
الرجم أن يشهد أربعة أنّهم رأوه يُدخل ويُخرج» .
وكذا لا يكفي
دعوى المعاينة حتّى يضمّوا إليها قولهم : «من
غير عقد ولا شبهة» إلى آخر ما يعتبر. نعم ، تكفي شهادتهم به (من غير علم بسبب التحليل) بناءً على أصالة عدمه (فلو
لم يذكروا) في شهادتهم (المعاينة) على الوجه المتقدّم (حُدّوا) للقذف ، دون المشهود عليه ، وكذا لو شهدوا بها ولم يُكملوها بقولهم : ولا
نعلم سبب التحليل ونحوه.
(ولا
بدّ) مع ذلك (من اتّفاقهم على الفعل الواحد في
الزمان الواحد والمكان الواحد ، فلو اختلفوا) في أحدها ، بأن شهد بعضهم على وجه مخصوص والباقون على غيره ، أو شهد بعضهم
بالزنا غدوةً والآخرون عشيّة ، أو بعضهم في زاوية مخصوصة أو بيت والآخرون في غيره (حدّوا للقذف).
وظاهر كلام
المصنّف وغيره
: أنّه لا بدّ
من ذكر الثلاثة في الشهادة والاتّفاق عليها ، فلو أطلقوا أو بعضهم حُدّوا وإن لم
يتحقّق الاختلاف ، مع احتمال الاكتفاء بالإطلاق؛ لإطلاق الأخبار السابقة
وغيرها .
__________________
واشتراط عدم
الاختلاف حيث يقيّدون بأحد الثلاثة.
وكذا يشترط
اجتماعهم حال إقامتها دفعة ، بمعنى أن لا يحصل بين الشهادات تراخٍ عرفاً ، لا
بمعنى تلفّظهم بها دفعة وإن كان جائزاً.
(ولو
أقام بعضهم الشهادة في غيبة الباقي حُدّوا ولم يُرتقب الإتمام) لأنّه لا تأخير في حدٍّ. وقد رُوي عن عليّ عليه السلام في ثلاثة شهدوا على
رجل بالزنا فقال عليّ عليه السلام : «أين
الرابع»؟ فقالوا : الآن يجيء ، فقال عليه السلام : «حُدُّوهم
فليس في الحدود نظر ساعة» .
وهل يشترط
حضورهم في مجلس الحكم دفعة قبل اجتماعهم على الإقامة؟ قولان ، اختار أوّلهما
العلّامة في القواعد
وثانيهما في
التحرير
وهو الأجود؛
لتحقّق الشهادة المتّفقة وعدم ظهور المنافي ، مع الشكّ في اشتراط الحضور دفعةً ، والنصّ
لا يدلّ على أزيد من اعتبار عدم تراخي الشهادات.
ويتفرّع عليهما
ما لو تلاحقوا واتّصلت شهادتهم بحيث لم يحصل التأخير ، فعلى الأوّل يحدّوا
هنا بطريق أولى.
وعلى الثاني يحتمل القبول وعدمه ، نظراً إلى فقد شرط الاجتماع حالة الإقامة دفعةً
، وانتفاء العلّة الموجبة للاجتماع ، وهي تأخير حدّ القاذف فإنّه لم يتحقّق هنا.
وحيث يُحدّ
الشاهد
أوّلاً قبل
حضور أصحابه إمّا مطلقاً أو مع التراخي
__________________
(فإن
جاء الآخرون) بعد ذلك (وشهدوا حُدّوا أيضاً) لفقد شرط القبول في المتأخّر كالسابق.
(ولا
يقدح تقادم الزنا) المشهود به (في صحّة الشهادة) للأصل. وما رُوي في بعض الأخبار : من أنّه (متى زاد عن ستّة أشهر لا يسمع)
شاذّ.
(ولا
يسقط) الحدّ ولا الشهادة (بتصديق الزاني الشهود ولا بتكذيبهم) أمّا مع التصديق فظاهر. وأمّا مع التكذيب؛ فلأنّ تكذيب المشهود عليه لو
أثّر لزم تعطّل الأحكام.
(والتوبة
قبل قيام البيّنة) على الزاني (تسقط الحدّ) عنه جلداً كان أم رجماً على المشهور
لاشتراكهما في
المقتضي للإسقاط (لا) إذا تاب (بعدها) فإنّه لا يسقط على المشهور؛ للأصل. وقيل : يتخيّر الإمام في العفو عنه
والإقامة .
ولو كانت
التوبة قبل الإقرار فأولى بالسقوط ، وبعده يتخيّر الإمام في إقامته. وسيأتي.
(ويسقط) الحدّ (بدعوى
الجهالة) بالتحريم (أو الشبهة) بأن قال : ظننت أنّها حلّت بإجارتها نفسها أو تحليلها ، أو نحو ذلك (مع
__________________
إمكانهما) أي الجهالة والشبهة (في
حقّه). فلو كان ممّن
لا يحتمل جهله بمثل ذلك لم يسمع.
(وإذا
ثبت الزنا على الوجه المذكور وجب الحدّ) على الزاني.
(وهو
أقسام ثمانية)
(أحدها
: القتل)
(وهو
للزاني بالمحرم) النَسَبي من
النساء (كالاُمّ
والاُخت) والعمّة والخالة وبنت الأخ والاُخت. أمّا غيره من
المحارم بالمصاهرة ـ كبنت الزوجة واُمّها ـ فكغيرهنّ من الأجانب على ما يظهر من
الفتاوى. والأخبار
خالية من تخصيص
النسبي ، بل الحكم فيها معلّق على ذات المحرم مطلقاً.
أمّا من حرمت
بالملاعنة والطلاق
واُخت الموقَب
وبنته واُمّه فلا وإن حرمن مؤبَّداً.
وفي إلحاق
المحرَّم للرضاع بالنسب وجه ، مأخذه إلحاقه به في كثير من الأحكام للخبر
لكن لم نقف على
قائل به
والأخبار
تتناوله.
وفي إلحاق زوجة
الأب والابن وموطوءة الأب بالملك بالمحرّم النسبي
__________________
قولان
: من دخولهنّ
في ذات المحرم ، وأصالة العدم.
ولا يخفى أنّ
إلحاقهن بالمحرَم دون غيرهنّ من المحارم بالمصاهرة تحكُّم.
نعم ، يمكن أن
يقال : دلّت النصوص
على ثبوت الحكم
في ذات المَحرم مطلقاً فيتناولهنّ. وخروج غيرهنّ بدليل آخر كالإجماع لا ينفي الحكم
فيهنّ مع ثبوت الخلاف. لكن يبقى الكلام في تحقّق الإجماع في غيرهنّ.
(و) كذا يثبت الحدّ بالقتل (للذمّي
إذا زنا بمسلمة) مطاوعة أو
مُكرَهة عاقداً عليها أم لا. نعم ، لو اعتقده حلالاً بذلك لجهله بحكم الإسلام
احتمل قبول عذره؛ لأنّ الحدّ يُدرأ بالشبهة ، وعدمه؛ للعموم
ولا يسقط عنه
القتل بإسلامه.
(والزاني
مكرهاً للمرأة) والحكم في
الأخبار
والفتوى
معلَّق على
المرأة وهي ـ كما سلف ـ لا تتناول الصغيرة. ففي إلحاقها بها هنا نظر : من فقد
النصّ وأصالة العدم ، ومن أنّ الفعل أفحش والتحريم فيها أقوى.
(ولا
يعتبر الإحصان هنا) في المواضع
الثلاثة؛ لإطلاق النصوص بقتله.
__________________
وكذا لا فرق بين الشيخ والشابّ ، ولا بين المسلم والكافر ، والحرّ والعبد. ولا
تُلحق به المرأة لو أكرهته؛ للأصل مع احتماله.
(ويجمع
له) أي للزاني في هذه الصور (بين الجلد ثمّ القتل على الأقوى) جمعاً بين الأدلّة ، فإنّ الآية دلّت على جلد مطلق الزاني
والروايات دلّت
على قتل من ذُكر ، ولا منافاة بينهما ، فيجب الجمع.
وقال ابن إدريس
: إنّ هؤلاء إن كانوا محصَنين جُلدوا ثمّ رُجموا ، وإن كانوا غير محصَنين جُلدوا
ثمّ قُتِلوا بغير الرجم جمعاً بين الأدلّة .
وفي تحقّق
الجمع بذلك مطلقاً نظر؛ لأنّ النصوص دلّت على قتله بالسيف. والرجم يغايره. إلّاأن
يقال : إنّ الرجم أعظم عقوبة ، والفعل هنا في الثلاثة أفحش ، فإذا ثبت الأقوى
للزاني المحصَن بغير من ذكر ، ففيه أولى ، مع صدق أصل
القتل به. وما
اختاره المصنّف أوضح في الجمع.
(وثانيها
: الرجم) :
(ويجب
على المحصَن) بفتح الصاد (إذا زنى ببالغة
عاقلة) حرّةً كانت أم أمة مسلمة أم كافرة (والإحصان : إصابة
البالغ العاقل الحرّ فرجاً ) أي قُبُلاً (مملوكاً) له (بالعقد
الدائم أو الرقّ) متمكّناً بعد
ذلك منه ، بحيث (يغدو
عليه ويروح) أي يتمكّن منه
أوّل النهار وآخره (إصابة
معلومة) بحيث غابت الحشفة أو قدرها في القبل.
__________________
(فلو
أنكر) من يملك الفرج على الوجه المذكور (وطء زوجته صُدّق) بغير يمين (وإن
كان له منها ولد؛ لأنّ الولد قد يُخلق من استرسال المنيّ) بغير وطء ، فهذه قيود ثمانية :
أحدها : الإصابة ، أي الوطء قُبُلاً على وجه يوجب الغسل ، فلا
يكفي مجرّد العقد ، ولا الخلوة التامّة ، ولا إصابة الدبر ، ولا ما بين الفخذين ، ولا
في القُبُل على وجه لا يوجب الغسل. ولا يُشترط الإنزال ولا سلامة الخصيتين
فيتحقّق من
الخصيّ ونحوه ، لا من المجبوب وإن ساحق.
وثانيها : أن يكون الواطئ بالغاً ، فلو أولج الصبيّ حتّى غيّب
مقدار الحشفة لم يكن محصَناً وإن كان مراهقاً.
وثالثها : أن يكون عاقلاً ، فلو وطئ مجنوناً وإن عقد عاقلاً لم
يتحقّق الإحصان ويتحقّق بوطئه عاقلاً وإن تجدّد جنونه.
ورابعها : الحرّيّة ، فلو وطئ العبد زوجته حرّة وأمة لم يكن
محصَناً وإن عُتِق ما لم يطأ بعده. ولا فرق بين القِنّ والمدبَّر والمكاتب بقسميه
والمبعَّض.
وخامسها : أن يكون الوطء بفرج ، فلا يكفي الدُبُر ، ولا التفخيذ
ونحوه ، كما سلف. وفي دلالة (الفرج) و (الإصابة) على ذلك نظر ، لما تقدّم من أنّ الفرج يُطلق لغةً على ما يشمل الدُبُر وقد
أطلقه عليه
فتخصيصه هنا مع
الإطلاق وإن دلّ عليه العرف ليس بجيّد.
وفي بعض نسخ
الكتاب زيادة قوله : (قُبُلاً) بعد قوله : (فرجاً) وهو تقييد
__________________
لما اُطلق منه ، ومعه يوافق ما سلف .
وسادسها : كونه مملوكاً له بالعقد الدائم أو ملك اليمين ، فلا
يتحقّق بوطء الزنا ولا الشبهة وإن كانت بعقد فاسد ، ولا المتعة.
وفي إلحاق
التحليل بملك اليمين وجه؛ لدخوله فيه من حيث الحلّ ، وإلّا لبطل الحصر المستفاد من
الآية ولم أقف فيه هنا على شيء.
وسابعها : كونه متمكّناً منه غدوّاً ورواحاً ، فلو كان بعيداً
عنه لا يتمكّن منه فيهما وإن تمكّن في أحدهما دون الآخر
أو فيما بينهما
أو محبوساً لا يتمكّن من الوصول إليه لم يكن محصناً وإن كان قد دخل قبل ذلك. ولا
فرق في البعيد بين كونه دون مسافة القصر وأزيد.
وثامنها : كون الإصابة معلومة ، ويتحقّق العلم بإقراره بها أو
بالبيّنة ، لا بالخلوة ولا الولد؛ لأنّهما أعمّ كما ذكر.
واعلم أنّ
الإصابة أعمّ ممّا يعتبر منها ، وكذا الفرج كما ذُكر. فلو قال : (تغيب
قدر حشفة البالغ ... في قُبُلٍ مملوكٍ له ...» كان أوضح. وشمل إطلاق إصابة الفرج
ما لو كانت صغيرة وكبيرة عاقلة ومجنونة. وليس كذلك ، بل يعتبر بلوغ الموطوءة
كالواطئ ولا يتحقّق فيهما بدونه.
(وبذلك) المذكور كلّه (تصير
المرأة محصَنة) أيضاً. ومقتضى
ذلك صيرورة الأمة والصغيرة محصَنة ، لتحقّق إصابة البالغ ... فرجاً مملوكاً. وليس
__________________
كذلك ، بل يعتبر فيها البلوغ والعقل والحرّيّة كالرجل وفي الواطئ البلوغ دون
العقل. فالمحصَنة حينئذٍ : المصابة حرّة بالغة عاقلة من زوج بالغ دائم في القبل
بما يوجب الغسل إصابة معلومة ، فلو أنكرت ذات الولد منه وطأه لم يثبت إحصانها وإن
ادّعاه وثبت
في حقّه ، كعكسه.
وأمّا التمكّن من الوطء فإنّما يعتبر في حقّه خاصّة ، فلا بدّ من مراعاته في
تعريفها أيضاً.
ويمكن أن يريد
بقوله : (وبذلك
تصير المرأة محصنة) أنّ الشروط
المعتبرة فيه تعتبر فيها بحيث تجعل بدله بنوعٍ من التكلّف ، فتخرج الصغيرة
والمجنونة والأمة وإن دخل حينئذٍ ما دخل في تعريفه.
(ولا
يشترط في الإحصان الإسلام) فيثبت في حقّ الكافر والكافرة مطلقاً إذا حصلت الشرائط ، فلو وطئ الذمّي
زوجته الدائمة تحقّق الإحصان ، وكذا لو وطئ المسلم زوجته الذمّيّة حيث تكون دائمة.
(ولا
عدم الطلاق) فلو زنى
المطلِّق أو تزوّجت المطلَّقة عالمة بالتحريم أو زنت رُجِمت (إذا كانت العدّة
رجعيّة) لأنّها في حكم الزوجة وإن لم تتمكّن هي من الرجعة ، كما
لا يعتبر تمكّنها من الوطء (بخلاف
البائن) لانقطاع العصمة به ، فلا بدّ في تحقّق الإحصان بعدَه من
وطء جديد ، سواء تجدّد الدوام بعقد جديد أم برجوعه في الطلاق حيث رجعت في البذل.
وكذا يعتبر وطء
المملوك بعد عتقه وإن كان مكاتباً.
(والأقرب
الجمع بين الجلد والرجم في المحصَن وإن كان شابّاً) جمعاً بين دليل الآية
والرواية .
__________________
وقيل : إنّما
يجمع بينهما على المحصَن إذا كان شيخاً أو شيخة ، وغيرُهما يُقتصر فيه على الرجم .
وربما قيل
بالاقتصار على رجمه مطلقاً .
والأقوى ما
اختاره المصنّف ، لدلالة الأخبار الصحيحة
عليه. وفي كلام
عليّ عليه السلام حين جمع للمرأة بينهما : «حددتُها بكتاب
اللّٰه ، ورجمتها بسنّة رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله»
ومستند التفصيل
رواية تقصر عن ذلك متناً وسنداً .
وحيث يجمع
بينهما (فيُبدأ
بالجلد) أوّلاً وجوباً ليتحقّق فائدته ، ولا يجب الصبر به حتّى
يبرأ جِلده على الأقوى؛ للأصل وإن كان التأخير أقوى في الزجر. وقد رُوي : أنّ
عليّاً عليه السلام جلد المرأة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة .
وكذا القول في
كلّ حدّين اجتمعا ويفوت أحدهما بالآخر ، فإنّه يبدأ بما يمكن معه الجمع. ولو استويا
تخيّر.
__________________
(ثمّ
تدفن المرأة إلى صدرها والرجل إلى حقويه) وظاهره كغيره
أنّ ذلك على
وجه الوجوب. وهو في أصل الدفن حسن ، للتأسّي. أمّا في كيفيّته فالأخبار مطلقة
ويمكن جعل ذلك
على وجه الاستحباب ، لتأدّي الوظيفة المطلقة بما هو أعمّ.
وروى سماعة عن
الصادق عليه السلام قال : «تدفن
المرأة إلى وسطها ، ولا يدفن الرجل إذا رُجِم إلّاإلى حَقويه»
ونفى في
المختلف البأس عن العمل بمضمونها .
وفي دخول
الغايتين في المغيّا وجوباً واستحباباً نظر ، أقربه العدم ، فيخرج الصدر والحَقوان
عن الدفن. وينبغي على الوجوب إدخال جزءٍ منهما من باب المقدّمة.
(فإن
فرّا ) من الحفيرة بعد وضعهما فيها (اُعيدا إن ثبت) الزنا (بالبيّنة
أو لم تصب الحجارة) بدنهما (على قول) الشيخ
وابن البرّاج
والخلاف في
الثاني خاصّة. والمشهور عدم اشتراط الإصابة؛ للإطلاق
ولأنّ
__________________
فراره بمنزلة الرجوع عن الإقرار وهو أعلم بنفسه ، ولأنّ الحدّ مبنيّ على
التخفيف.
وفي هذه الوجوه
نظر.
ومستند التفصيل
رواية الحسين بن خالد عن الكاظم عليه السلام
وهو مجهول (وإلّا) يكن ثبوته بالبيّنة ، بل بإقرارهما وإصابتهما الحجارة على ذلك القول (لم يعادا ) اتّفاقاً.
وفي رواية ماعز
: أنّه لما أمر رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله
برجمه هرب من الحفيرة ، فرماه الزبير بساق بعير فلحقه القوم فقتلوه ، ثمّ أخبروا
رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله بذلك ، فقال : «هلّا
تركتموه إذ هرب يذهب! فإنّما هو الذي أقرّ على نفسه ، وقال صلى الله عليه وآله :
أما لو كان عليٌّ حاضراً لما ضللتم ، ووداه رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله
من بيت المال».
وظاهر الحكم
بعدم إعادته سقوط الحدّ عنه ، فلا يجوز قتله حينئذٍ بذلك الذنب ، فإن قُتِل عمداً
اقتُصّ من القاتل ، وخطأً الدية. وفي الرواية إرشاد إليه. ولعلّ إيداءه من بيت
المال لوقوعه منهم خطأً مع كونه صلى الله عليه وآله قد حكّمهم فيه ، فيكون كخطأ
الحاكم ، ولو فرّ غيره من المحدودين اُعيد مطلقاً.
(و) حيث يثبت الزنا بالبيّنة (يبدأ) برجمه (الشهود) وجوباً.
(وفي) رجم (المقرّ) يبدأ (الإمام
عليه السلام) ويكفي في
البداءة مسمّى الضرب.
(وينبغي) على وجه الاستحباب (إعلام
الناس) بوقت الرجم
__________________
ليحضروا ويعتبروا ، وينزجر من يشاهد
ممّن أتى مثل
ذلك ، أو يريده ، ولقوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ
عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ)
ولا يجب؛ للأصل.
(وقيل) والقائل ابن إدريس
والعلّامة
وجماعة
: (يجب حضور طائفة) عملاً بظاهر الأمر. وهو الأقوى.
(و) اختلف في أقلّ عدد الطائفة التي يجب حضورها أو يستحبّ ، فقال العلّامة
والشيخ في
النهاية
: (أقلّها واحد) لأنّه أقلّ الطائفة لغةً
فيحمل الأمر
المطلق على أقلّه؛ لأصالة البراءة من الزائد.
(وقيل) والقائل ابن إدريس
: أقلّها (ثلاثة) لدلالة العرف عليه فيما إذا قيل : (جئنا في طائفة من الناس) ولظاهر قوله تعالى : (فَلَوْ لاٰ
نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي
اَلدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ)
فإنّ أقلّ
الجمع فيما دلّ عليه الضمير ثلاثة وليتحقّق بهم الإنذار.
__________________
(وقيل) والقائل الشيخ في الخلاف
: (عشرة) ووجهه غير واضح. والأجود الرجوع إلى العرف ، ولعلّ دلالته على الثلاثة
فصاعداً أقوى.
(وينبغي
كون الحجارة صغاراً لئلّا يسرع تَلفُه) بالكبار. وليكن ممّا يُطلق عليه اسم الحجر ، فلا يقتصر على الحصى؛ لئلّا
يطول تعذيبه أيضاً.
(وقيل
: لا يَرجم من للّه في قِبَله حدّ ) للنهي عنه .
وهل هو للتحريم
أو الكراهة؟ وجهان : من أصالة عدم التحريم ، ودلالة ظاهر النهي عليه. وظاهر
العبارة كون القول المحكيّ على وجه التحريم؛ لحكايته قولاً مؤذناً بتمريضه؛ إذ لا
يتّجه توقّفه في الكراهة.
وهل يختصّ
الحكم بالحدّ الذي اُقيم على المحدود ، أو مطلق الحدّ؟ إطلاق العبارة وغيرها يدلّ
على الثاني. وحسنة زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال : «اُتي
أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد أقرّ على نفسه بالفجور ، فقال أمير المؤمنين
عليه السلام لأصحابه : اغدوا غداً عَليَّ متلثّمين ، فغدوا عليه متلثّمين ، فقال :
من فعل مثلَ فعلِه لا يرجمه ولينصرف)
تدلّ على
الأوّل. وفي خبر آخر عنه عليه السلام في رجم امرأة أنّه نادى بأعلى صوته : «يا أيّها
الناس إنّ اللّٰه عهد إلى نبيّه صلى الله عليه وآله عهداً عَهِده
__________________
محمّد صلى الله عليه وآله إليَّ بأ نّه لا يقيم الحدّ مَن للّٰهعليه
حدّ ، فمن كان للّٰهعليه حدّ مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحدّ»
وصدر هذا الخبر
يدلّ بإطلاقه على الثاني ، وآخره يحتملهما ، وهو على الأوّل أدلّ؛ لأنّ ظاهر
المماثلة اتّحادهما صنفاً. مع احتمال إرادة ما هو أعمّ ، فإنّ مطلق الحدود متماثلة
في أصل العقوبة.
وهل يُفرق بين
ما حصلت التوبة منها وغيره؟ ظاهر الأخبار
والفتوى
ذلك؛ لأنّ ما
تاب عنه فاعله سقط حقّ اللّٰه منه ، بناءً على وجوب قبول التوبة فلم يبقَ
للّٰهعليه حدّ.
ويظهر من الخبر
الثاني عدم الفرق؛ لأنّه قال في آخره : «فانصرف
الناس ما خلا أمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام»
ومن البعيد
جدّاً أن يكون جميع أصحابه
لم يتوبوا من
ذنوبهم ذلك الوقت ، إلّاأنّ في طريق الخبر ضعفاً .
(وإذا
فُرغ من رجمه) لموته (دُفِن إن كان قد
صُلّي عليه بعد غُسله وتكفينه) حيّاً أو ميّتاً أو بالتفريق (وإلّا) يكن ذلك (جُهّز) بالغسل والتكفين والصلاة (ثمّ
دفن).
__________________
والذي دلّت
عليه الأخبار
والفتوى
أنّه يؤمر
حيّاً بالاغتسال والتكفين ثمّ يجتزى به بعده ، أمّا الصلاة فبعد الموت. ولو لم
يغتسل غُسل بعد الرجم وكُفّن وصُلّي عليه. والعبارة قد توهم خلاف ذلك ، أو تقصر عن
المقصود منها.
(وثالثها
: الجلد خاصّة)
(وهو
حدّ البالغ المُحصَن إذا زنى بصبيّة) لم تبلغ التسع (أو
مجنونة) وإن كانت بالغة ، شابّاً كان الزاني أم شيخاً (وحدُّ المرأة إذا
زنى بها طفل) لم يبلغ (ولو زنى بها المجنون) البالغ (فعليها
الحدّ تامّاً) وهو الرجم بعد
الجلد إن كانت مُحصَنة لتعليق الحكم برجمها في النصوص
على وطء البالغ
مطلقاً فيشمل المجنون ، ولأنّ الزنا بالنسبة إليها تامّ ، بخلاف زنا العاقل
بالمجنونة ، فإنّ المشهور عدم إيجابه الرجم
للنصّ
وأصالة البراءة.
__________________
وربما قيل
بالمساواة
إطراحاً
للرواية واستناداً إلى العموم
ولا يجب الحدّ
على المجنونة إجماعاً.
(والأقرب
عدم ثبوته على المجنون) لانتفاء
التكليف الذي هو مناط العقوبة الشديدة على المُحرَّم ، وللأصل. ولا فرق فيه بين
المطبق وغيره إذا وقع الفعل منه حالتَه. وهذا هو الأشهر.
وذهب الشيخان
وتبعهما ابن
البرّاج
إلى ثبوت الحدّ
عليه كالعاقل من رجم وجلد؛ لرواية أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام قال : «إذا
زنى المجنون أو المعتوه جُلِد الحدّ ، فإن كان مُحصَناً رُجم. قلت : وما الفرق بين
المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال : المرأة إنّما تُؤتى والرجل يأتي ،
وإنّما يأتي إذا عقل كيف يأتي اللذّةَ ، وإنّ المرأة إنّما تُستكره ويُفعل بها وهي
لا تعقل ما يُفعل بها» .
وهذه الرواية
مع عدم سلامة سندها
مشعرة بكون
المجنون حالة الفعل
__________________
عاقلاً ، إمّا لكون الجنون يعتريه أدواراً أو لغيره ، كما يدلّ عليه
التعليل ، فلا يدلّ على مطلوبهم.
(ويُجلد) الزاني (أشدّ
الجلد) لقوله تعالى : (وَلاٰ
تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ)
ورُوي ضربه
متوسّطاً .
(ويُفرَّق) الضرب (على
جسده ، ويُتّقى رأسه ووجهه وفرجه) قبله ودبره؛ لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام : «يُتّقى
الوجه والمذاكير)
ورُوي عنه عليه
السلام قال : (يُفرَّق
الحدّ على الجسد ويُتّقى الفرج والوجه)
وقد تقدّم
استعمال الفرج فيهما
وأمّا اتّقاء
الرأس فلأ نّه مَخُوف على النفس والعين ، والغرض من الجَلد ليس هو إتلافه. واقتصر
جماعة على الوجه والفرج
تبعاً للنصّ.
(وليكن) الرجل (قائماً) مجرّداً مستور العورة (والمرأة
قاعدة قد رُبطت ثيابُها) عليها لئلّا يبدو جسدها ، فإنّه عورة ، بخلاف الرجل.
ورُوي (ضرب
الزاني على الحال التي يُوجد عليها إن وجد عرياناً ضُرِب عرياناً ، وإن وجد وعليه
ثيابه ضُرب وعليه ثيابه)
سواء في ذلك
الذكر والاُنثى.
__________________
وعمل بمضمونها الشيخ
وجماعة .
والأجود
الأوّل؛ لما ذكرناه من أنّ بدنها عورة ، بخلافه. والرواية ضعيفة السند .
(ورابعها
: الجلد والجزّ) للرأس (والتغريب) :
(ويجب) الثلاثة (على) الزاني (الذكر
الحرّ غير المحصَن وإن لم يملك) أي يتزوّج من غير أن يدخل؛ لإطلاق الحكم على «البكر) وهو شامل للقسمين ، بل هو على غير المتزوّج أظهر ، ولإطلاق قول الصادق عليه
السلام في رواية عبد اللّٰه بن طلحة : (وإذا
زنى الشابّ الحدث السنّ جُلد وحُلِق رأسه ونُفي سنة عن مصره)
وهو عامّ فلا
يتخصّص ، وإلّا لزم تأخير البيان.
(وقيل) والقائل الشيخ
وجماعة
: (يختصّ التغريب بمن
أملك) ولم يدخل؛ لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : «المحصَن
يُجلد مئة
__________________
ويرجم ولا
يُنفى
والتي
قد اُملكت ولم يُدخل بها تُجلد مئة وتُنفى»
ورواية محمّد
بن قيس عنه عليه السلام قال : «قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في البكر والبكرة إذا زنيا جلدَ مئة ونفيَ سنة في غير
مصرهما ، وهما اللذان قد اُملكا ولم يدخل بها» .
وهاتان
الروايتان مع سلامة سندهما يشتملان على نفي المرأة وهو خلاف الإجماع على ما ادّعاه
الشيخ كيف وفي طريق الاُولى
«موسى بن بكر» وفي الثانية «محمّد بن قيس» وهو مشترك بين الثقة وغيره حيث يروي عن
الباقر عليه السلام.
فالقول الأوّل
أجود وإن كان الثاني أحوط من حيث بناء الحدّ على التخفيف.
(والجزّ
: حلق الرأس) أجمع ، دون
غيره كاللحية ، سواء في ذلك المربّي
وغيره وإن
انتفت الفائدة في غيره ظاهراً.
(والتغريب
: نفيه عن مصره) بل مطلق وطنه (إلى آخَر) قريباً كان أم بعيداً بحسب ما يراه الإمام مع صدق اسم الغربة ، فإن كان
غريباً غُرِّب إلى بلد آخر غير وطنه والبلد الذي غُرِّب منه (عاماً) هلاليّاً. فإن رجع إلى
__________________
ما غُرِّب منه قبلَ إكماله اُعيد حتّى يكمل ، بانياً على ما سبق وإن طال
الفصل.
(ولا
جزّ على المرأة ولا تغريب) بل تُجلد مئة لا غير؛ لأصالة البراءة. وادّعى الشيخ عليه الإجماع
وكأ نّه لم
يعتدّ بخلاف ابن أبي عقيل
حيث أثبت
التغريب عليها؛ للأخبار السابقة
والمشهور أولى
بحال المرأة وصيانتها ومنعها من الإتيان بمثل ما فعلت.
(وخامسها
: خمسون جلدة) :
(وهي
حدّ المملوك والمملوكة) البالغين
العاقلين (وإن
كانا متزوّجين. ولا جزّ ولا تغريب على أحدهما) إجماعاً؛ لقوله عليه السلام : «إذا
زنت أمة أحدكم فليجلدها»
وكان هذا كلّ
الواجب ، ولا قائل بالفرق.
وربما استُدلّ
بذلك على نفي التغريب على المرأة؛ لقوله تعالى : (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ
مٰا عَلَى اَلْمُحْصَنٰاتِ مِنَ اَلْعَذٰابِ)
فلو ثبت
التغريب على الحرّة لكان على الأمة نصفها.
(وسادسها
: الحدّ المبعَّض) :
(وهو
حدّ من تحرّر بعضه ، فإنّه يُحدّ من حدّ الأحرار) الذي لا يبلغ القتل (بقدر
ما فيه من الحرّيّة) أي بنسبته إلى
الرقّيّة (ومن
حدّ العبيد بقدر
__________________
العبوديّة) فلو كان نصفه حرّاً حُدّ للزنا خمساً وسبعين جلدة : خمسين لنصيب الحرّيّة ،
وخمساً وعشرين للرقّيّة. ولو اشتمل التقسيط على جزءٍ من سوط كما لو كان ثُلُثه
رقّاً فوجب عليه ثلاثة وثمانون وثلث ، قُبض على ثلثي السوط وضُرب بثلثه ، وعلى هذا
الحساب.
(وسابعها
: الضِغث) :
بالكسر وأصله
الحُزمة من الشيء ، والمراد هنا القبض على جملة من العيدان ونحوها (المشتمل على العدد) المعتبر في الحدّ وضَربه به دفعة واحدة مؤلمة بحيث يمسّه الجميع أو ينكبس
بعضها على بعض فيناله ألمها ، ولو لم تسع اليد العدد أجمع ضُرب به مرّتين فصاعداً
إلى أن يكمل. ولا يشترط وصول كلّ واحد من العدد إلى بدنه (وهو حدّ المريض مع
عدم احتماله الضرب المتكرّر) متتالياً وإن احتمله في الأيّام متفرّقاً (واقتضاء المصلحة التعجيل).
ولو احتمل
سياطاً خفافاً فهي أولى من الضِغث ، ولا يجب إعادته بعد بُرئه مطلقاً. والظاهر
الاجتزاء في الضغث بمسمّى المضروب به مع حصول الألم به في الجملة وإن لم يحصل
بآحاده. وقد رُوي : «أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله فعل ذلك
في مريض زانٍ بعُرجون فيه مئة شمراخ
فضربه ضربة واحدة» .
ولو اقتضت
المصلحة تأخيره إلى أن يبرأ ثمّ يقيم عليه الحدّ تامّاً فعل. وعليه يحمل ما رُوي
من تأخير أمير المؤمنين عليه السلام حدّ مريضٍ إلى أن يبرأ .
__________________
(وثامنها
: الجلد) المقدَّر (و) معه (عقوبة
زائدة) :
(وهو
حدّ الزاني في شهر رمضان ليلاً أو نهاراً) وإن كان النهار أغلظ حرمةً وأقوى في زيادة العقوبة (أو غيره من الأزمنة
الشريفة) كيوم الجمعة وعرفة والعيد (أو في مكان شريف) كالمسجد والحرم والمشاهد المشرَّفة (أو زنى بميّتة).
(ويرجع
في الزيادة إلى) رأي (الحاكم) الذي يقيم الحدّ ، ولا فرق بين أن يكون مع الجلد رجم وغيره. ولو كان الزنا
لا جلد فيه بل القتل عُوقِب قبلَه ـ لمكان المحترم ـ ما يراه. وهذا لا يدخل في
العبارة.
(تتمّة) :
(لو
شهد لها أربع) نساء (بالبكارة بعد شهادة
الأربعة بالزنا) قُبُلاً (فالأقرب درء الحدّ) أي دفعه (عن
الجميع) : المرأة والشهود
بالزنا؛ لتعارض الشهادات ظاهراً ، فإنّه كما يمكن صدق النساء في البكارة يمكن صدق
الرجال في الزنا ، وليس أحدهم أولى من الآخر ، فتحصل الشبهة الدارئة للحدّ عن
المشهود عليه ، وكذا عن الشهود. ولإمكان عود البكارة.
وللشيخ قول
بحدّ شهود الزنا؛ للفرية
وهو بعيد.
نعم ، لو شهدن
أنّ المرأة رتقاء أو ثبت أنّ الرجل مجبوب حُدّ الشهود؛
__________________
للقذف. مع احتمال السقوط في الأوّل للتعارض
ولو لم يقيّدوه
بالقُبُل فلا تعارض.
(ويقيم
الحاكم الحدّ) مطلقاً (بعلمه) سواء الإمام ونائبه ، وسواء علم بموجبه في زمن حكمه أم قبله ، لعموم قوله
تعالى : (اَلزّٰانِيَةُ وَاَلزّٰانِي
فَاجْلِدُوا ) (وَاَلسّٰارِقُ
وَاَلسّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا)
ولأنّ العلم
أقوى دلالة من الظنّ المستند إلى البيّنة ، وإذا جاز الحكم مع الظنّ جاز مع العلم
بطريق أولى.
وخالف في ذلك
ابن الجنيد
وقد سبقه
الإجماع
ولحقه
مع ضعف متمسّكه
بأنّ «حكمه بعلمه تزكية لنفسه ، وتعريض لها
للتهمة وسوء الظنّ به» فإنّ التزكية
حاصلة بتولية الحكم ، والتهمة حاصلة في حكمه بالبيّنة والإقرار وإن اختلفت
بالزيادة والنقصان ، ومثل هذا لا يلتفت إليه.
(وكذا) يحكم بعلمه في (حقوق
الناس) لعين ما ذكر وعدم الفارق (إلّاأ نّه بعد مطالبتهم) به كما في حكمه لهم بالبيّنة والإقرار (حدّاً كان) ما يعلم بسببه (أو
تعزيراً) لاشتراك الجميع في المقتضي.
(ولو
وجد مع زوجته رجلاً يزني بها فله قتلهما) فيما بينه وبين اللّٰه تعالى (ولا إثم) عليه بذلك وإن كان استيفاء الحدّ في غيره منوطاً بالحاكم.
__________________
هذا هو المشهور
بين الأصحاب لا نعلم فيه
مخالفاً. وهو
مرويّ أيضاً
ولا فرق في
الزوجة بين الدائم والمتمتّع بها ، ولا بين المدخول بها وغيرها ، ولا بين الحرّة
والأمة ، ولا في الزاني بين المحصن وغيره؛ لإطلاق الإذن المتناول لجميع ذلك.
والظاهر اشتراط
المعاينة على حدّ ما يعتبر في غيره
ولا يتعدّى إلى
غيرها وإن كان رحماً أو محرماً ، اقتصاراً فيما خالف الأصل على محلّ الوفاق.
وهذا الحكم
بحسب الواقع كما ذكر (ولكن) في الظاهر (يجب) عليه (القود) مع إقراره بقتله أو قيام البيّنة به (إلّامع) إقامته (البيّنة) على دعواه (أو
التصديق) من وليّ المقتول؛ لأصالة عدم استحقاقه القتل وعدم الفعل
المدّعى.
وفي حديث سعد
بن عبادة ـ المشهور ـ لمّا قيل له : لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً؟ قال
: كنت أضربه بالسيف. فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله : «فكيف
بالأربعة الشهود؟ إنّ اللّٰه تعالى جعل لكلّ شيء حدّاً ، وجعل لمن تعدّى ذلك
الحدّ حدّاً» .
(ومن
تزوّج بأمة على حرّة) مسلمة (ووطئها قبل الإذن) من الحرّة
__________________
وإجازتها عقدَ الأمة (فعليه
ثمن حدّ الزاني) : اثنا عشر سوطاً ونصف ، بأن يقبض في النصف على نصفه. وقيل : أن يضربه
ضرباً بين ضربين .
(ومن
اقتضّ بكراً بإصبعه) فأزال بكارتها (لزمه
مهر نسائها) وإن زاد عن مهر
السنّة إن كانت حرّة ، صغيرة كانت أم كبيرة ، مسلمة أم كافرة (ولو كانت أمة فعليه
عشر قيمتها) لمولاها على
الأشهر ، وبه رواية في طريقها طلحة بن زيد
ومن ثمّ قيل
بوجوب الأرش
وهو ما بين
قيمتها بكراً وثيّباً؛ لأ نّه موجَب الجناية على مال الغير. وهذا الحكم
في الباب عرضيّ
، والمناسب فيه الحكم بالتعزير؛ لإقدامه على المحرَّم.
وقد اختلف في
تقديره فأطلقه جماعة
وجعله بعضهم من
ثلاثين إلى ثمانين
وآخرون إلى
تسعة وتسعين
وفي صحيحة ابن
سنان عن الصادق عليه السلام «في امرأة اقتضّت جارية
بيدها قال : عليها المهر وتضرب الحدّ»
وفي
__________________
صحيحته أيضاً : «أنّ أمير المؤمنين
عليه السلام قضى بذلك ، وقال : تُجلد ثمانين) .
(ومن
أقرّ بحدّ ولم يبيّنه ضُرِب حتّى ينهى عن نفسه أو يبلغ المئة) والأصل فيه رواية محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام «إنّ
أمير المؤمنين عليه السلام قضى في رجل أقرّ على نفسه بحدّ ولم يسمّ أيَّ حدّ هو أن
يُجلد حتّى يكون هو الذي ينهى عن نفسه الحدّ»
وبمضمونها عمل
الشيخ وجماعة
وإنّما قيّده
المصنّف بكونه لا يتجاوز المئة؛ لأنّها أكبر
الحدود ، وهو
حدّ الزنا.
وزاد ابن إدريس
قيداً آخر ، وهو أنّه لا ينقص عن ثمانين ، نظراً إلى أنّ أقلّ الحدود حدّ الشرب .
وفيه نظر؛ إذ
حدّ القوّاد خمسة وسبعون. والمصنّف والعلّامة وجماعة لم يحدّوه في جانب القلّة ، كما
اُطلق في الرواية؛ لجواز أن يريد بالحدّ التعزير ولا تقدير له قلّة.
ومع ضعف
المستند
في كلّ واحد من
الأقوال نظر :
__________________
أمّا النقصان
عن أقلّ الحدود : فلأ نّه وإن حُمل على التعزير ، إلّاأنّ تقديره للحاكم لا
للمعزِّر ، فكيف يقتصر على ما يبيّنه؟
ولو حُمل على
تعزير مقدّر وجب تقييده بما لو وقف على أحد المقدّرات منه ، مع أنّ إطلاق
«الحدّ» على «التعزير» خلاف الظاهر ، واللفظ
إنّما يحمل على ظاهره؛ ومع ذلك فلو وقف على عدد لا يكون حدّاً ـ كما بين الثمانين
والمئة ـ اُشكل قبوله منه؛ لأ نّه خلاف المشروع.
وكذا عدم تجاوز
المئة ، فإنّه يمكن زيادة الحدّ عنها ، بأن يكون قد زنى في مكان شريف أو زمان
شريف؛ ومع ذلك فتقدير الزيادة على هذا التقدير إلى الحاكم ، لا إليه.
ثمّ يشكل بلوغ
الثمانين بالإقرار مرّة؛ لتوقّف حدّ الثمانين على الإقرار مرّتين. وأشكل منه بلوغ
المئة بالمرّة والمرّتين.
(وهذا) وهو بلوغ المئة إنّما (يصحّ
إذا تكرّر) الإقرار (أربعاً) كما هو مقتضى الإقرار بالزنا (وإلّا فلا يبلغ المئة).
وبالجملة ، فليس
في المسألة فرض يتمّ مطلقاً؛ لأنّا إن حملنا الحدّ على ما يشمل التعزير لم يتّجه
الرجوع إليه في المقدار ، إلّاأن يخصّه
بمقدار تعزير
من التعزيرات المقدّرة. وحينئذٍ يتّجه أنّه يُقبل بالمرّة ولا يبلغ الخمسة
والخمسين ، وإن أقرّ مرّتين لم يتجاوز الثمانين ، وإن أقرّ أربعاً جاز الوصول إلى
المئة وأمكن القول بالتجاوز؛ لما ذكر .
__________________
مع أنّه في
الجميع كما يمكن حمل المكرّر على التأكيد لحدّ واحد ، يمكن حمله على التأسيس ، فلا
يتعيّن كونه حدَّ زنا أو غيره ، بل يجوز كونه تعزيرات متعدّدة أو حدوداً كذلك
مبهمة ، ومن القواعد المشهورة : أنّ التأسيس أولى من التأكيد. فالحكم مطلقاً
مشكل. والمستند
ضعيف.
ولو قيل بأ نّه
مع الإقرار مرّة لا يبلغ الخمسة والسبعين في طرف الزيادة ، وفي طرف النقيصة يقتصر
الحاكم على ما يراه ، كان حسناً.
(وفي
التقبيل) المحرَّم (والمضاجعة) أي نوم الرجل مع المرأة (في
إزار) أي ثوب (واحد) أو تحت لحاف واحد (التعزير
بما دون الحدّ) لأنّه فعلُ
محرَّمٍ لا يبلغ حدّ الزنا ، والمرجع في كمّيّة التعزير إلى رأي الحاكم.
والظاهر أنّ
المراد بالحدّ الذي لا يبلغه هنا حدّ الزنا ، كما ينبّه عليه في بعض الأخبار : إنّهما
يُضربان مئة سوط غير سوط .
(وروى) الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام
ورواه غيره
أيضاً : أنّهما
يُجلدان كلّ واحد (مئة
جلدة) حدّ الزاني. وحُملت على ما إذا انضاف إلى ذلك وقوع الفعل
، جمعاً بين الأخبار.
(ولو
حملت) المرأة (ولا بعل) لها ولا مولى ولم يُعلم وجهُه (لم تحدّ) لاحتمال كونه بوجه حلال أو شبهة (إلّاأن تقرّ أربعاً بالزنا) فتُحد لذلك ، لا للحمل.
__________________
(وتؤخّر) الزانية الحامل (حتّى
تضع) الحمل ـ وإن كان من الزنا ـ وتسقيه اللِباء ، وترضعه إن
لم يوجد له كافل ثمّ يقيم عليها الحدّ إن كان رجماً ، ولو كان جلداً فبعد أيّام
النفاس إن أمن عليها التلف أو وُجد له مرضع ، وإلّا فبعده. ويكفي في تأخيره عنها
دعواها الحمل ، لا مجرّد الاحتمال.
(ولو
أقرّ) بما يوجب الحدّ (ثمّ أنكر سقط الحدّ إن كان ممّا يوجب
الرجم ، ولا يسقط غيره) وهو الجلد وما
يلحقه .
هذا إذا لم
يجمع في موجب الرجم بينه وبين الجلد ، وإلّا ففي سقوط الحدّ مطلقاً بإنكاره ما
يوجب الرجم نظر : من إطلاق سقوط الحدّ الشامل للأمرين ، ومن أنّ الجلد لا يسقط
بالإنكار لو انفرد فكذا إذا انضمّ ، بل هنا أولى؛ لزيادة الذنب ، فلا يناسبه سقوط
العقوبة مطلقاً مع ثبوت مثلها في الأخفّ.
والأقوى سقوط
الرجم دون غيره.
وفي إلحاق ما
يوجب القتل ـ كالزنا
بذات محرم أو
كُرهاً ـ قولان
: من تشاركهما
في المقتضي وهو الإنكار لما بُني على التخفيف ، ونظرُ الشارع إلى عصمة الدم وأخذه
فيه بالاحتياط ، ومن عدم النصّ عليه ، وبطلانِ القياس.
(ولو
أقرّ بحدّ ثمّ تاب تخيّر الإمام في إقامته) عليه والعفو عنه (رجماً
كان) الحدّ (أو
غيره) على المشهور؛ لاشتراك الجميع في المقتضي ، ولأنّ
__________________
التوبة إذا اُسقطت تحتّم أشدّ العقوبتين ، فإسقاطها لتحتّم الاُخرى أولى.
ونبّه بالتسوية
بينهما على خلاف ابن إدريس حيث خصّ التخيير بما إذا كان الحدّ رجماً ، وحتم
إقامتَه لو كان جلداً ، محتجّاً بأصالة البقاء ، واستلزام التخيير تعطيل الحدّ
المنهيّ عنه في غير موضع الوفاق .
وينبغي على قول
ابن إدريس إلحاق ما يوجب القتل بالرجم؛ لتعليله بأ نّه يوجب تلف النفس ، بخلاف
الجلد.
__________________
(الفصل الثاني)
(في اللواط)
وهو وطء الذكر
، واشتقاقه من فعل قوم لوط (والسَحق) وهو دَلك فرج المرأة
بفرجِ اُخرى (والقيادة) وسيأتي أنّها الجمع بين فاعلي هذه الفواحش.
أمّا الأوّل :
(فمن
أقرّ بإيقاب ذكر) أي إدخال شيء
من الذكر في دُبُره ولو مقدار الحشفة ـ وظاهرهم هنا الاتّفاق على ذلك وإن اكتفوا
ببعضها في تحريم اُمّه واُخته وبنته ـ في حالة كون المقرّ (مختاراً) غير مكرَه على الإقرار (أربع
مرّات) ولو في مجلس واحد (أو شهد عليه أربعة رجال) عدول (بالمعاينة) للفعل كالزنا (وكان) الفاعل المقرّ أو المشهود عليه (حرّاً بالغاً) عاقلاً (قُتل).
واعتبار بلوغه
وعقله واضح؛ إذ لا عبرة بإقرار الصبيّ والمجنون. وكذا لا يُقتَلان لو شُهِدَ
عليهما به؛ لعدم التكليف.
أمّا الحرّيّة
: فإنّما تعتبر في قبول الإقرار؛ لأنّ إقرار العبد به يتعلّق بحقّ
__________________
سيّده فلا يسمع. بخلاف الشهادة عليه ، فإنّه لا فرق فيها بينه وبين الحرّ ،
فيقتل حيث يقتل. وكذا لو اطّلع عليهما
الحاكم. وبالجملة
، فحكمه حكم الحرّ إلّافي الإقرار ، وإن كانت العبارة توهم خلاف ذلك.
ويُقتل الفاعل (محصَناً) كان (أو
لا).
وقتله (إمّا بالسيف ، أو
الإحراق) بالنار (أو الرجم) بالحجارة وإن لم يكن بصفة الزاني المستحقّ للرجم (إو بإلقاء جدار عليه
، أو بإلقائه من شاهق) كجدار رفيع
يقتل مثله.
(ويجوز
الجمع بين اثنين منها) أي من هذه
الخمسة بحيث يكون (أحدهما
الحريق) والآخرُ أحد الأربعة ، بأن يُقتل بالسيف ، أو الرجم أو
الرمي به ، أو عليه ثمّ يحرق زيادة في الردع.
(والمفعول
به) يُقتل (كذلك
إن كان بالغاً عاقلاً مختاراً. ويعزَّر الصبيّ) فاعلاً ومفعولاً.
(ويؤدّب
المجنون) كذلك ، والتأديب في معنى التعزير هنا ، وإن افترقا من
حيث إنّ التعزير يتناول المكلّف وغيرَه ، بخلاف التأديب.
وقد تحرّر من
ذلك : أنّ الفاعل والمفعول إن كانا بالغين قُتلا ، حرّين كانا أم عبدين أم
بالتفريق ، مسلمين كانا أم كافرين أم بالتفريق. وإن كانا صبيّين أو مجنونين أو
بالتفريق اُدّبا. وإن كان أحدهما مكلّفاً والآخر غير مكلَّف قتل المكلّف واُدّب
غيره.
(ولو
أقرّ) به (دون
الأربع لم يُحدّ) كالإقرار
بالزنا (وعُزّر)
__________________
بالإقرار ولو مرّة. ويمكن اعتبار المرّتين كما في موجب كلّ تعزير وسيأتي
وكذا الزنا ، ولم
يذكره ثَمَّ.
(ولو
شهد) عليه به (دون الأربعة) أو اختلّ بعض الشرائط وإن كانوا أربعة (حدّوا للفرية. ويحكم الحاكم فيه بعلمه) كغيره من الحدود؛ لأنّه أقوى من البيّنة.
(ولا
فرق) في الفاعل والمفعول (بين العبد والحرّ هنا) أي في حالة علم الحاكم ، وكذا لا فرق بينهما مع البيّنة كما مرّ. وهذا منه
مؤكّد لما أفهمته عبارته سابقاً من تساوي الإقرار والبيّنة في اعتبار الحرّيّة.
(ولو
ادّعى العبد الإكراه) من مولاه عليه (دُرئ عنه الحدّ) دون المولى؛ لقيام القرينة على ذلك؛ ولأ نّه شبهة محتملة فيُدرأ الحدّ بها.
ولو ادّعى الإكراه من غير مولاه فالظاهر أنّه كغيره
وإن كانت
العبارة تتناوله بإطلاقها.
(ولا
فرق) في ذلك كلّه (بين المسلم والكافر) لشمول الأدلّة لهما.
(وإن
لم يكن) الفعل (إيقاباً
كالتفخيذ أو) جعل الذكر (بين الأليين) بفتح الهمزة واليائين المثنّاتين من تحت من دون تاء بينهما (فحدّه مئة جلدة) للفاعل والمفعول مع البلوغ والعقل والاختيار ، كما مرّ (حرّاً) كان كلّ منهما (أو
عبداً ، مسلماً أو كافراً ، مُحصَناً أو غيره) على الأشهر
لرواية سليمان
بن هلال عن الصادق عليه السلام قال : «إن كان دون الثقب فالحدّ ، وإن كان ثقب
__________________
اُقيم قائماً ثمّ ضُرب بالسيف»
والظاهر أنّ
المراد بالحدّ الجَلد.
(وقيل
: يُرجم المُحصَن) ويُجلد غيره
جمعاً بين
رواية العلاء بن الفضيل عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «حدّ
اللوطيّ مثل حدّ الزاني وقال : إن كان قد اُحصِن رُجم ، وإلّا جُلد»
وقريب منها
رواية حمّاد بن عثمان
وبين ما رُوي
مِن قَتل اللائط مطلقاً
وقيل : يُقتل
مطلقاً
لما ذكر.
والأخبار من
الطرفين غير نقيّة السند
والمتيقّن
المشهور ، والأصل عدم أمر آخر.
(ولو
تكرّر منه الفعل) الذي لا يوجب
القتل ابتداءً (مرّتين
مع تكرار الحدّ) عليه بأن حُدّ
لكلّ مرّة (قُتل
في الثالثة) لأنّه كبيرة ، وأصحاب
الكبائر مطلقاً إذا اُقيم عليهم الحدّ مرّتين قُتلوا في الثالثة؛ لرواية يونس عن
أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : «أصحاب
الكبائر كلّها إذا اُقيم عليهم الحدّ مرّتين قُتلوا في الثالثة» .
__________________
(والأحوط) وهو الذي اختاره المصنّف في الشرح
قتله (في الرابعة) لرواية أبي بصير قال : قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام : (الزاني إذا جُلد
ثلاثاً يُقتل في الرابعة)
ولأنّ الحدّ
مبنيّ على التخفيف ، وللاحتياط في الدماء ، وترجيح هذه الرواية بذلك وبأ نّها
خاصّة وتلك عامّة ، فيجمع بينهما بتخصيص العامّ بما عدا الخاصّ. وهو الأجود.
ولو لم يسبق
حدّه مرّتين لم يجب سوى الجلد مئة.
(ولو
تاب قبل قيام البيّنة سقط الحدّ عنه قتلاً) كان الحدّ أو رجماً (أو
جلداً) على ما فُصّل.
(ولو
تاب بعده لم يسقط) الحدّ؛ وكذا لو
تاب مع الإقرار (ولكن
يتخيّر الإمام في المقرّ) قبل التوبة (بين
العفو والاستيفاء) كالزنا.
(ويعزَّر
من قبَّل غلاماً بشهوة) بما يراه
الحاكم؛ لأنّه من جملة المعاصي ، بل الكبائر المتوعّد عليه بخصوصه بالنار ، فقد
رُوي «أنّ من قبَّل غلاماً بشهوة لعنته
ملائكة السماء وملائكة الأرضين وملائكة
الرحمة وملائكة الغضب ، واُعدّ له جهنّم وساءت مصيراً»
وفي حديث آخر :
«من قَبَّل غلاماً
__________________
بشهوة ألجمه اللّٰه يوم القيامة بلجام من نار» .
(وكذا
يُعزّر) الذَكران (المجتمعان تحت إزار واحد مجرّدين وليس
بينهما رحم) أي قرابة (من ثلاثين سوطاً إلى
تسعة وتسعين) على المشهور.
أمّا تحديده في
جانب الزيادة؛ فلأ نّه ليس بفعل يوجب الحدّ كملاً. فلا يبلغ به ، ولقول الصادق
عليه السلام في المرأتين تنامان في ثوب واحد؟ : «تُضربان» قلت : حدّاً؟ قال : «لا» ، وكذا قال في الرجلين
وفي رواية ابن
سنان عنه عليه السلام : «يُجلدان حدّاً (٤)
غير سوط واحد» .
وأمّا في جانب
النقيصة : فلرواية سليمان بن هلال عنه ، قال : «يُضربان
ثلاثين سوطاً ، ثلاثين سوطاً» .
وطريق الجمع : الرجوع
فيما بين الحدّين إلى رأي الحاكم. والتقييد بنفي الرحم بينهما ذكره المصنّف كغيره
تبعاً للرواية .
ويشكل بأنّ
مطلق الرحم لا يوجب تجويز ذلك. فالأولى ترك القيد ، أو التقليد
بكون الفعل محرّماً.
__________________
(والسحق) :
(يثبت
بشهادة أربعة رجال) عدول ، لا
بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات (أو الإقرار أربعاً) من البالغة الرشيدة الحرّة المختارة كالزنا (وحدّه مئة جلدة حرّة كانت) كلّ واحدة منهما (أو
أمة ، مسلمة أو كافرة ، مُحصَنة أو غير مُحصَنة ، فاعلة أو مفعولة) ولا ينتصف هنا في حقّ الأمة. ويقبل دعواها إكراه مولاتها كالعبد.
كلّ ذلك مع
بلوغها وعقلها ، فلو ساحقت المجنونة أو الصغيرة اُدّبتا خاصّة. ولو ساحقتهما بالغة
حُدّت ، دونهما.
وقيل : تُرجم
مع الإحصان
لقول الصادق
عليه السلام : (حدّها
حدّ الزاني) . ورُدّ بأ نّه أعمّ من الرجم ، فيحمل على الجلد جمعاً .
(وتُقتل) المساحِقة (في
الرابعة لو تكرّر الحدّ ثلاثاً). وظاهرهم هنا عدم الخلاف وإن حكمنا بقتل الزاني واللائط
في الثالثة ، كما اتّفق في عبارة المصنّف .
(ولو
تابت قبل البيّنة سقط الحدّ ، لا) إذا تابت (بعدها
ويتخيّر الإمام لو تابت بعد الإقرار) كالزنا واللواط.
(وتُعزّر
الأجنبيّتان إذا تجرّدتا تحت إزار) بما لا يبلغ الحدّ (فإن
عُزّرتا
__________________
مع
تكرّر الفعل مرّتين حُدّتا في الثالثة) فإن عادتا عُزّرتا مرّتين ثمّ حُدّتا في الثالثة (وعلى هذا) أبداً.
وقيل : تُقتلان
في الثالثة
وقيل : في
الرابعة
والمستند
ضعيف. وقد
تقدّم وجه التقييد بالأجنبيّتين.
(ولو
وطئ زوجته فساحقت بكراً فحملت) البكر (فالولد
للرجل) لأنّه مخلوق من مائه ، ولا موجب لانتفائه عنه ، فلا يقدح
كونها ليست فراشاً له. ولا يلحق بالزوجة قطعاً ، ولا بالبكر على الأقوى (وتُحدّان) المرأتان حدَّ السحق؛ لعدم الفرق فيه بين المحصنة وغيرها (ويلزمها) أي الموطوءة (ضمان
مهر مثل البكر) لأنّها سبب في
إذهاب عُذرتها ، وديتها مهر نسائها. وليست كالزانية المطاوعة؛ لأنّ الزانية أذنت
في الاقتضاض ، بخلاف هذه.
وقيل : ترجم
الموطوءة
استناداً إلى
رواية ضعيفة السند ، مخالفة لما دلّ على عدم رجم المساحقة
مطلقاً من الأخبار الصحيحة .
وابن إدريس نفى
الأحكام الثلاثة
أمّا الرجم ، فلما
ذكرناه. وأمّا إلحاق
__________________
الولد بالرجل ، فلعدم ولادته على فراشه والولد للفراش. وأمّا المهر؛ فلأنّ
البِكر بغيّ بالمطاوعة فلا مهر لها. وقد عرفت جوابه.
(والقيادة) :
(الجمع
بين فاعلي الفاحشة) من الزنا
واللواط والسحق (وتثبت
بالإقرار مرّتين من الكامل) بالبلوغ والعقل والحرّيّة (المختار) غير المكرَه. ولو أقرّ مرّة واحدة عُزّر (أو بشهادة شاهدين) ذكرين عدلين.
(والحدّ) للقيادة (خمس
وسبعون جلدة ، حرّاً كان) القائد (أو
عبداً ، مسلماً) كان (أو كافراً ، رجلاً) كان (أو
امرأة).
(وقيل) والقائل الشيخ : يضاف إلى جَلده أن (يُحلق رأسه ويُشهَّر) في البلد (ويُنفى) عنه إلى غيره من الأمصار
من غير تحديد
لمدّة نفيه (بأوّل
مرّة) لرواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد
اللّٰه عليه السلام
ووافقه المفيد
على ذلك
إلّاأ نّه جعل
النفي في الثانية.
(ولا
جزّ على المرأة ولا شهرة ولا نفي) للأصل ، ومنافاة النفي لما يجب مراعاته من ستر المرأة.
(ولا
كفالة في حدّ) بأن يُكفل لمن ثبت عليه الحدّ إلى وقت متأخّر عن
__________________
وقت ثبوته (ولا
تأخير فيه) بل يُستوفى متى
ثبت ، ومن ثَمّ حُدّ شهود الزنا قبل كمالهم في مجلس الشهادة وإن كان الانتظار يوجب
كمالَ العدد (إلّامع
العذر) المانع من إقامته ذلك الوقت (أو توجّه ضرر) به فتشرع الكفالة والتأخير إلى وقت القدرة (ولا شفاعة في إسقاطه) لأنّه حقّ للّٰهأو مشترك.
ولا شفاعة في
إسقاط حقّ اللّٰه تعالى. قال النبيّ صلى الله عليه وآله : «لا
كفالة في حدّ»
وقال أمير
المؤمنين عليه السلام : «لا يشفعنّ أحد في
حدٍّ»
وقال عليه
السلام : (ليس
في الحدود نظرة ساعة) .
__________________
(الفصل الثالث)
(في القذف)
(وهو) الرمي بالزنا أو اللواط ، مثل (قوله : زنيت) بالفتح (أو
لُطتَ أو أنت زان) أو لائط
(وشبهه) من الألفاظ الدالّة على القذف (مع الصراحة والمعرفة) أي معرفة القاذف (بموضوع
اللفظ بأيّ لغةٍ كان) وإن لم يعرف
المواجَه معناه. ولو كان القائل جاهلاً بمدلوله ، فإن عرف أنّه يفيد فائدة يكرهها
المواجَه عزّر ، وإلّا فلا.
(أو
قال لولده الذي أقرّ به : لستَ ولدي) أو لستَ لأبيك ، أو زنت بك اُمُّك. ولو لم يكن قد أقرّ به لكنّه لاحق به
شرعاً بدون الإقرار ، فكذلك. لكن له دفع الحدّ باللعان ، بخلاف المُقَرّ به فإنّه
لا ينتفي مطلقاً.
(ولو
قال لآخر) غير ولده : (زنى بك أبوك أو يا بن الزاني حُدّ للأب) خاصّة؛ لأنّه قذفٌ له ، دون المواجه؛ لأنّه لم ينسب إليه فعلاً ، لكن يعزّر
له ـ كما سيأتي ـ لتأذّيه به.
ولو قال : زنت
بك اُمّك أو يا بن الزانية حُدّ للاُمّ.
__________________
(ولو
قال : يا بن الزانيين فلهما. ولو قال : وُلِدتَ من الزنا فالظاهر القذف للأبوين) لأنّ تولّده إنّما يتحقّق بهما وقد نسبه إلى الزنا ، فيقوم بهما ويثبت
الحدّ لهما ، ولأ نّه الظاهر عرفاً.
وفي مقابلة
الظاهر كونه قذفاً للاُمّ خاصّة
لاختصاصها
بالولادة ظاهراً.
ويضعَّف بأنّ
نسبته إليهما واحدة ، والاحتمال قائم فيهما بالشبهة ، فلا يختصّ أحدهما به.
وربما قيل
بانتفائه لهما لقيام الاحتمال بالنسبة إلى كلّ واحد وهو دارئ للحدّ؛ إذ هو شبهة.
والأقوى الأوّل
، إلّاأن يدّعي الإكراه أو الشبهة في أحد الجانبين ، فينتفي حدّه.
(ومن
نسب الزنا إلى غير المواجَه) كالأمثلة السابقة (فالحدّ
للمنسوب إليه ، ويعزَّر للمواجه إن تضمّن شتمه وأذاه) كما هو الظاهر في الجميع.
(ولو
قال لامرأة : زنيتُ بكِ احتُمل الإكراه ، فلا يكون قذفاً) لها؛ لأنّ المكرَه غيرُ زانٍ. ومجرّد الاحتمال كافٍ في سقوط الحدّ ، سواء
ادّعاه القاذف أم لا؛ لأنّه شبهة يدرأ بها الحدّ.
(ولا
يثبت الزنا في حقّه إلّابالإقرار أربع) مرّات كما سبق .
ويحتمل كونه
قذفاً؛ لدلالة الظاهر عليه ، ولأنّ الزنا فعل واحد يقع بين
__________________
اثنين ، ونسبة أحدهما إليه بالفاعليّة والآخر بالمفعوليّة.
وفيه : أنّ
اختلاف النسبة يوجب التغاير ، والمتحقّق منه كونه هو الزاني.
والأقوى أنّه
قذف لها؛ لما ذكر ، ولرواية محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام .
(والديّوث
والكشخان والقرنان قد تفيد القذف في
عرف القائل فيجب الحدّ للمنسوب إليه) مدلولُ هذه الألفاظ من الأفعال ، وهو أنّه قوّاد على زوجته أو غيرها من
أرحامه (وإن
لم تفد) ذلك في عرفه نظراً إلى أنّها لغة غير موضوعة لذلك ولم
يستعملها أهل العرف فيه (وأفادت
شتماً) لا يبلغ حدّ النسبة إلى ما يوجب الحدّ (عُزّر) القائل كما في كلّ شاتم بمحرَّم.
والديّوث : الذي
لا غيرة له ، قاله الجوهري
وقيل : الذي
يُدخِل الرجال على امرأته .
قال تغلب : والقرنان
والكشخان : لم أرهما في كلام العرب ، ومعناه عند
__________________
العامّة مثل معنى الديّوث أو قريب منه .
وقيل :
القرنان : من
يُدخل على بناته ، والكشخان : من يُدخل على أخواته .
(ولو
لم يعلم) القائل (فائدتها أصلاً) بأن لم يكن من أهل العرف بوضعها لشيء من ذلك ، ولا اطّلع على معناها لغة (فلا شيء) عليه (وكذا) القول في (كلّ
قذف جرى على لسان من لا يعلم معناه) لعدم قصد شيء من القذف ولا الأذى وإن أفاد في عرف المقول له.
(والتأذّي) أي قول ما يوجب أذى المقول له من الألفاظ الموجبة له مع العلم بكونها مؤذية
وليست موضوعة للقذف عرفاً ولا وضعاً (والتعريض) بالقذف دون التصريح به (يوجب
التعزير) لأنّه محرَّم (لا الحدّ) لعدم القذف الصريح.
(مثل) قوله : (هو
ولد حرام) هذا يصلح مثالاً للأمرين؛ لأنّه يوجب الأذى وفيه تعريض
بكونه ولد زنا لكنّه محتمل لغيره بأن يكون وُلِد بفعل محرَّم وإن كان من
أبويه ، بأن
استولده حالة الحيض أو الإحرام عالماً. ومثله «لست
بولد حلال» وقد يراد به عرفاً أنّه ليس بطاهر الأخلاق ، ولا وفيّ
بالأمانات والوعود ، ونحو ذلك ، فهو أذى على كلّ حال. وقد يكون تعريضاً بالقذف.
__________________
(أو
أنا لستُ بزانٍ) هذا مثال
للتعريض بكون المقول له أو المنبَّه عليه زانياً (ولا اُمّي زانية) تعريض بكون اُمّ المعرَّض به زانية.
(أو
يقول لزوجته : لم أجدك عذراء) أي بكراً ، فإنّه تعريض بكونها زنت قبل تزويجه وذهبت بكارتها به ، مع
احتماله غيره بأن يكون ذهابها بالنزوة
أو الحرقوص
فلا يكون
حراماً ، فمن ثَمّ كان تعريضاً. بل يمكن دخوله فيما يوجب التأذّي مطلقاً.
وروى زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام في رجل قال لامرأته : لم أجدك عذراء ، قال : (ليس عليه شيء؛ لأنّ
العذرة تذهب بغير جماع)
وتحمل على أنّ
المنفيّ الحدّ؛ لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام أنّه قال : (يُضرب) .
(وكذا
يعزَّر بكلّ ما) أي قول (يكرهه المواجَه) بل المنسوب إليه وإن لم يكن حاضراً؛ لأنّ ضابط التعزير : فعل المحرّم ، وهو
غير مشروط بحضور المشتوم (مثل
الفاسق وشارب الخمر ، وهو مستتر) بفسقه وشربه ، فلو كان متظاهراً بالفسق لم يكن له حرمة.
(وكذا
الخنزير والكلب والحقير والوضيع) والكافر والمرتدّ ، وكلّ كلمة تفيد الأذى عرفاً أو وضعاً مع علمه بها ، فإنّها
توجب التعزير (إلّامع
كون المخاطَب مستحقّاً للاستخفاف) به؛ لتظاهره بالفسق فيصحّ مواجهته بما تكون نسبته إليه حقّاً ، لا بالكذب.
__________________
وهل يشترط مع
ذلك جعله على طريق النهي فيشترط شروطه ، أم يجوز الاستخفاف به مطلقاً؟ ظاهر النصّ
والفتاوى
الثاني. والأوّل
أحوط.
(ويعتبر
في القاذف) الذي يُحدّ (الكمال) بالبلوغ والعقل (فيعزَّر
الصبيّ) خاصّة (ويؤدّب
المجنون) بما يراه الحاكم فيهما. والأدب في معنى التعزير كما سلف .
(وفي
اشتراط الحرّيّة في كمال الحدّ) فيحدّ العبد والأمة أربعين ، أو عدم الاشتراط فيساويان الحرَّ (قولان)
أقواهما
وأشهرهما الثاني ، لعموم (وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنٰاتِ)
ولقول الصادق
عليه السلام في حسنة الحلبي : (إذا
قذف العبدُ الحرَّ جُلِد ثمانين)
وغيرها من
الأخبار .
والقول
بالتنصيف على المملوك للشيخ في المبسوط
لأصالة البراءة
من الزائد ، وقوله تعالى : (فَإِنْ أَتَيْنَ
بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى اَلْمُحْصَنٰاتِ
مِنَ
__________________
اَلْعَذٰابِ)
ولرواية القاسم
بن سليمان عنه عليه السلام .
ويضعَّف بأنّ
الأصل قد عُدل عنه للدليل. والمراد بالفاحشة : الزنا ، كما نقله المفسّرون
ويظهر من
اقترانهنّ بالمحصنات. والرواية مع ضعف سندها
وشذوذها لا
تعارض الأخبار الكثيرة
بل الإجماع ، على
ما ذكره المصنّف
وغيره .
والعجب أنّ
المصنّف في الشرح تعجّب من المحقّق والعلّامة حيث نقلا فيها قولين ولم يرجّحا
أحدهما مع ظهور الترجيح. فإنّ القول بالأربعين نادر جدّاً
، ثمّ تبعهم
على ما تعجّب منه هنا.
(و) يشترط (في
المقذوف الإحصان) وهو يطلق على
التزويج كما في قوله تعالى : (وَاَلْمُحْصَنٰاتُ
مِنَ اَلنِّسٰاءِ)
و (مُحْصَنٰاتٍ
غَيْرَ مُسٰافِحٰاتٍ) .
__________________
وعلى الإسلام ،
ومنه قوله تعالى : (فَإِذٰا
أُحْصِنَّ)
قال ابن مسعود
: «إحصانها إسلامها» .
وعلى الحرّيّة
ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ اَلْمُحْصَنٰاتِ وقوله تعالى : وَاَلْمُحْصَنٰاتُ
مِنَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ وَاَلْمُحْصَنٰاتُ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا
اَلْكِتٰابَ)
وعلى اجتماع
الاُمور الخمسة التي نبّه عليها هنا بقوله : و (أعني) بالإحصان هنا (البلوغ
والعقل والحرّيّة والإسلام والعفّة ، فمن جُمعت فيه) هذه الأوصاف الخمسة (وجب
الحدّ بقذفه ، وإلّا) تجتمع بأن فقدت
جُمَع أو أحدُها ، بأن قذف صبيّاً أو مجنوناً أو مملوكاً أو كافراً أو متظاهراً
بالزنا ، فالواجب (التعزير) كذا أطلقه المصنّف والجماعة
غيرَ فارقين
بين المتظاهر بالزنا وغيره. ووجهه : عموم الأدلّة وقبح القذف مطلقاً؛ بخلاف
مواجَهة المتظاهر به بغيره من أنواع الأذى ، كما مرّ .
وتردّد المصنّف
في بعض تحقيقاته
في التعزير
بقذف المتظاهر به
__________________
ويظهر منه الميل إلى عدمه محتجّاً بإباحته ، استناداً إلى رواية البرقي عن
أبي عبد اللّٰه عليه السلام : «إذا
جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة»
وفي مرفوع
محمّد بن بزيع : «من تمام العبادة الوقيعة في أهل
الريب»
ولو قيل بهذا
لكان حسناً.
(ولو
قال لكافر اُمّه مسلمة : يا بن الزانية ، فالحدّ لها) لاستجماعها لشرائط وجوبه ، دون المواجَه.
(فلو) ماتت أو كانت ميتة و (ورثها
الكافر فلا حدّ) ؛ لأنّ المسلم
لا يُحدّ للكافر
بالأصالة ، فكذا
بالإرث.
ويتصوّر إرث
الكافر للمسلم على تقدير موت المسلم مرتدّاً عند الصدوق
وبعض الأصحاب
أمّا عند
المصنّف فغير واضح ، وقد فرض المسألة كذلك في القواعد لكن بعبارة أقبل من هذه
للتأويل .
__________________
(ولو
تقاذف المحصنان) بما يوجب الحدّ
(عزّرا) ولا حدّ على أحدهما؛ لصحيحة أبي ولّاد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام
قال : (اُتي
أمير المؤمنين عليه السلام برجلين قذف كلّ واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه ، فقال
: يدرأ عنهما الحدّ ، وعزّرهما) .
(ولو
تعدّد المقذوف تعدّد الحدّ ، سواء اتّحد القاذف أو تعدّد) لأنّ كلّ واحد سبب تامّ في وجوب الحدّ فيتعدّد المسبّب.
(نعم
، لو قذف) الواحد (جماعةً بلفظ واحد) بأن قال : أنتم زُناة ، ونحوه (واجتمعوا في المطالبة) له بالحدّ (فحدّ
واحد ، وإن افترقوا) في المطالبة (فلكلّ واحد حدّ) لصحيحة جميل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل افترى على قوم
جماعة قال : (إن
أتوا به مجتمعين ضُرِب حدّاً واحداً ، وإن أتوا به متفرّقين ضرب لكلّ واحد منهم
حدّاً) .
وإنّما حملناه
على ما لو كان القذف بلفظ واحد مع أنّه أعمّ جمعاً بينه وبين صحيحة الحسن العطّار
عنه عليه السلام في رجل قذف قوماً جميعاً قال عليه السلام : «بكلمة
واحدة؟ قلت : نعم ، قال : يُضرب حدّاً واحداً ، فإن فرّق بينهم في القذف ضُرِب
لكلّ واحد منهم حدّاً»
بحمل الاُولى
على ما لو كان القذف بلفظ واحد ، والثانية على ما لو جاؤوا به مجتمعين.
وابن الجنيد
رحمه الله عكس ، فجعل القذف بلفظ واحد موجباً لاتّحاد الحدّ مطلقاً ، وبلفظٍ
متعدّدٍ موجباً للاتّحاد إن جاؤوا مجتمعين ، وللتعدّد إن جاؤوا
__________________
متفرّقين ونفى عنه في المختلف البأس محتجّاً بدلالة الخبر الأوّل
عليه ، وهو أوضح طريقاً .
وفيه نظر؛ لأنّ
تفصيل الأوّل شامل للقذف المتّحد والمتعدّد ، فالعمل به يوجب التفصيل فيهما.
والظاهر أنّ
قوله فيه
: «جماعة» صفة للقوم؛ لأنّه أقرب وأنسب بالجماعة ، لا للقذف. وإنّما يتّجه قوله
لو جُعل صفة
للقذف المدلول عليه بالفعل ، واُريد بالجماعة القذف المتعدّد. وهو بعيد جدّاً.
(وكذا
الكلام في التعزير) فيُعزّر قاذف
الجماعة بما يوجبه بلفظٍ متعدّدٍ متعدّداً مطلقاً ، وبمتّحد إن جاؤوا به متفرّقين
، ومتّحداً إن جاؤوا به
مجتمعين ، ولا
نصّ فيه على الخصوص ، ومن ثمّ أنكره ابن إدريس وأوجب التعزير لكلّ واحد مطلقاً
محتجّاً بأ نّه
قياس ونحن نقول بموجبه ، إلّاأ نّه قياس مقبول؛ لأنّ
__________________
تداخل الأقوى يوجب تداخل الأضعف بطريق أولى. ومع ذلك فقول ابن إدريس لا بأس
به.
وبقي في هذا
الفصل (مسائل) :
(حدّ
القذف ثمانون جلدة) إجماعاً ، ولقوله
تعالى : (وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ
اَلْمُحْصَنٰاتِ)إلى قوله : (فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمٰانِينَ جَلْدَةً)
ولا فرق في
القاذف بين الحرّ والعبد على أصحّ القولين
ومن ثَمَّ أطلق.
ويُجلد القاذف (بثيابه) المعتادة ولا يجرّد كما يجرّد الزاني ، ولا يُضرب ضرباً شديداً ، بل حدّاً (متوسّطاً ، دون ضرب الزنا
، ويُشهَّر) القاذف (ليُجتَنَب شهادته).
(ويثبت) القذف (بشهادة
عدلين) ذكرين ، لا بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات وإن كثرن (والإقرار مرّتين من
مكلّف حرّ مختار) فلا عبرة
بإقرار الصبيّ والمجنون ، والمملوك مطلقاً والمكرَه عليه. ولو انتفت البيّنة
والإقرار فلا حدّ. ولا يمين على المنكر.
(وكذا
ما يوجب التعزير) لا يثبت
إلّابشاهدين ذكرين عدلين ، أو الإقرار من المكلَّف الحرّ المختار.
ومقتضى العبارة
اعتباره مرّتين مطلقاً ، وكذا أطلق غيره
مع أنّه تقدّم
حكمه بتعزير المقرّ باللواط دون الأربع
الشامل للمرّة.
إلّاأن يحمل ذلك على
__________________
المرّتين فصاعداً.
وفي الشرائع
نسب اعتبار الإقرار به مرّتين إلى قولٍ
مشعراً بتمريضه.
ولم نقف على مستند هذا القول.
(وهو) أي حدّ القذف (موروث) لكلّ من يرث المال ـ من ذكر واُنثى ـ لو مات المقذوف قبل استيفائه والعفوِ
عنه (إلّاللزوج
والزوجة).
(وإذا
كان الوارث جماعة) فلكلّ واحد
منهم المطالبة به ، فإن اتّفقوا على استيفائه فلهم حدّ واحد ، وإن تفرّقوا في
المطالبة ـ ولو عفا بعضُهم ـ (لم
يسقط) شيء منه
(بعفو
البعض) بل للباقين استيفاؤه كاملاً على المشهور .
(ويجوز
العفو) من المستحقّ الواحد والمتعدّد (بعدَ الثبوت ، كما
يجوز قبلَه). ولا اعتراض للحاكم؛ لأنّه حقّ آدميّ تتوقّف إقامته على مطالبته ويسقط
بعفوه. ولا فرق في ذلك بين قذف الزوج لزوجته وغيره ، خلافاً للصدوق حيث حتَّم
عليها استيفاءَه
وهو شاذّ.
(ويُقتل) القاذف (في
الرابعة لو تكرّر الحدّ ثلاثاً) على المشهور خلافاً لابن إدريس حيث حكم بقتله في الثالثة
كغيره من أصحاب
الكبائر ،
__________________
وقد تقدّم الكلام فيه
ولا فرق بين
اتّحاد المقذوف وتعدّده هنا.
(ولو
تكرّر القذف) لواحد (قبل الحدّ فواحد) ولو تعدّد المقذوف تعدّد الحدّ مطلقاً إلّامع اتّحاد الصيغة ، كما مرّ .
(ويسقط
الحدّ بتصديق المقذوف) على ما نسبه
إليه من الموجب للحدّ (والبيّنة) على وقوعه منه (والعفو) أي عفو المقذوف عنه (وبلعان
الزوجة) لو كان القذف لها.
وسقوط الحدّ في
الأربعة لا كلام فيه ، لكن هل يسقط مع ذلك التعزير؟ يحتمله ، خصوصاً في الأخيرين؛
لأنّ الواجب هو الحدّ وقد سقط ، والأصل عدم وجوب غيره.
ويحتمل ثبوت
التعزير في الأوّلين؛ لأنّ قيام البيّنة والإقرار بالموجب لا يجوّز القذف؛ لما
تقدّم من تحريمه مطلقاً
وثبوت التعزير
به للمتظاهر بالزنا ، فإذا سقط الحدّ بقي التعزير على فعل المحرَّم. وفي الجميع؛
لأنّ العفو عن الحدّ لا يستلزم العفو عن التعزير ، وكذا اللعان؛ لأنّه بمنزلة
إقامة البيّنة على الزنا.
ولو قُذف
المملوك فالتعزير له ، لا للمولى ، فإن عفا لم يكن لمولاه المطالبة ، كما أنّه لو
طالب فليس لمولاه العفو (و) لكن (يرث
المولى تعزير عبده) وأمته (لو مات) المقذوف (بعد
قذفه) لما تقدّم من أنّ الحدّ يُورَث
والمولى وارث
مملوكه.
__________________
(ولا
يُعزّر الكفّار لو تنابزوا بالألقاب)
أي تداعوا
بألقاب الذمّ (أو
عيّر بعضهم بعضاً بالأمراض) من العَوَر والعَرَج وغيرهما ، وإن كان المسلم يستحقّ بها التعزير (إلّامع خوف) وقوع (الفتنة) بترك تعزيرهم على ذلك ، فيعزّرون حسماً لها بما يراه الحاكم.
(ولا
يزاد في تأديب الصبيّ على عشرة أسواط؛ وكذا المملوك) سواء كان التأديب لقذف أم غيره.
وهل النهي عن
الزائد على وجه التحريم أم الكراهة؟ ظاهره الأوّل. والأقوى الثاني؛ للأصل ، ولأنّ
تقدير التعزير إلى ما يراه الحاكم.
(ويعزَّر
كلّ من ترك واجباً أو فَعَل محرَّماً) قبل أن يتوب (بما
يراه الحاكم ، ففي الحرّ لا يبلغ حدّه) أي مطلق حدّه. فلا يبلغ أقلّه وهو
خمسة وسبعون. نعم
، لو كان المحرَّم من جنس ما يوجب حدّاً مخصوصاً كمقدّمات الزنا فالمعتبر فيه حدّ
الزنا ، وكالقذف بما لا يوجب الحدّ فالمعتبر فيه حدّ القذف. (وفي) تعزير (العبد
لا يبلغ حدّه) كما ذكرناه .
(و سابّ النبيّ صلى الله
عليه وآله أو أحد الأئمّة عليهم السلام يقتل) ويجوز قتله لكلّ من اطّلع عليه (ولو من غير إذن
الإمام) أو الحاكم (ما لم يخف) القاتل (على
نفسه أو ماله أو على مؤمن) نفساً أو مالاً ، فينتفي الجواز؛ للضرر.
قال الصادق
عليه السلام : أخبرني أبي أنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله قال : «الناس
فيَّ
__________________
اُسوة سواء ، من سمع
أحداً يذكرني بسوء
فالواجب عليه أن يقتل من شتمني ولا يرفع إلى السلطان ، والواجب على السلطان إذا
رُفع إليه أن يقتل من نال منّي» .
وسئل عليه
السلام عمّن سمع يشتم عليّاً عليه السلام ويبرأ
منه ، فقال : «هو
واللّٰه حلال الدم! وما ألفُ رجل منهم برجل منكم ، دعه»
وهو إشارة إلى
خوف الضرر على بعض المؤمنين.
وفي إلحاق باقي
الأنبياء عليهم السلام بذلك وجه قويّ؛ لأنّ تعظيمهم وكمالهم قد عُلِمَ من دين
الإسلام ضرورة ، فسبُّهم ارتداد.
وألحق في
التحرير بالنبيّ صلى الله عليه وآله اُمَّه وبنتَه
من غير تخصيص
بفاطمة صلوات اللّٰه عليها. ويمكن اختصاص الحكم بها عليها السلام؛ للإجماع
على طهارتها بآية التطهير .
وينبغي تقييد
الخوف على المال بالكثير المضرّ فوته
فلا يمنع
القليل
__________________
الجواز وإن أمكن منعه الوجوب. وينبغي إلحاق الخوف على العِرض بالشتم ونحوه
ـ على وجه لا يتحمّل عادةً ـ بالمال ، بل هو أولى بالحفظ.
(ويُقتَل
مُدَّعي النبوّة) بعد نبيّنا صلى
الله عليه وآله؛ لثبوت ختمه للأنبياء من الدين ضرورةً ، فيكون دعواها كفراً.
(وكذا) يُقتل (الشاكّ
في نبوّة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله) أو في صدقه (إذا
كان على ظاهر الإسلام) احترز به عن
إنكار الكفّار لها كاليهود والنصارى ، فإنّهم لا يُقتلون بذلك ، وكذا غيرهم من فرق
الكفّار وإن جاز قتلهم بأمر آخر.
(ويُقتل
الساحر) وهو من يعمل بالسحر وإن لم يكن مستحلّاً (إن كان مسلماً.
ويُعزَّر) الساحر (الكافر) قال النبيّ صلى الله عليه وآله : «ساحر
المسلمين يُقتَل ، وساحر الكفّار لا يقتل ، قيل : يا رسول اللّٰه ، ولِمَ لا
يُقتل ساحر الكفّار؟ فقال : لأنّ الكفر أعظم من السحر ، ولأنّ السحر والشرك
مقرونان» .
ولو تاب الساحر
قبل أن يقام عليه الحدّ سقط عنه القتل؛ لرواية إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه
السلام : «إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول : من
تعلّم شيئاً من السحر كان آخر عهده بربّه ، وحدّه القتل إلّاأن يتوب»
وقد تقدّم في
كتاب البيع تحقيق معنى السحر وما يحرم منه .
(وقاذف
اُمّ النبيّ صلى الله عليه وآله) مرتدّ (يُقتل) إن لم يتب (ولو
تاب لم تُقبل) توبته (إذا كان) ارتداده (عن
فطرة) كما لا تُقبل توبته في غيره
__________________
على المشهور. والأقوى قبولها وإن لم يسقط عنه القتل. ولو كان ارتداده عن
ملّة قُبل إجماعاً. وهذا بخلاف سابّ النبيّ صلى الله عليه وآله فإنّ ظاهر النصّ
والفتوى
وجوب قتله وإن
تاب. ومن ثَمَّ قيّده هنا خاصّة. وظاهرهم أنّ سابّ الإمام كذلك.
__________________
(الفصل الرابع)
(في الشُرب)
أي شرب المسكر
ولا يختصّ عندنا بالخمر ، بل يحرم جنس كلّ مسكر. ولا يختصّ التحريم بالقدر المسكر
منه (فما
أسكر جنسه) أي كان الغالب
فيه الإسكار وإن لم يُسكر بعضَ الناس لإدمانه أو قلّة ما تناول منه ، أو خروج
مزاجه عن حدّ الاعتدال ما يحرم شربه من المسكرات(يحرم) تناول (القطرة
منه) فما فوقها.
(وكذا) يحرم (الفُقّاع) وإن لم يُسكر؛ لأنّه عندنا بمنزلة الخمر. وفي بعض الأخبار : «هو
خمر مجهول»
وفي آخر : «هو
خمر استصغره الناس» .
ولا يختصّ
التحريم بتناولهما صرفاً ، بل يحرمان (ولو مُزِجا بغيرهما) وإن استهلكا بالمزج.
(و) كذا يحرم عندنا (العصير) العنبيّ (إذا
غلى) بأن صار أسفله أعلاه (واشتدّ) بأن أخذ في القوام وإن قلّ. ويتحقّق ذلك بمسمّى الغليان إذا كان بالنار.
__________________
واعلم أنّ
النصوص
وفتوى الأصحاب
ومنهم المصنّف
في غير هذه العبارة
مصرّحة بأنّ
تحريم العصير معلَّق على غليانه من غير اشتراط اشتداده. نعم ، من حكم بنجاسته جعل
النجاسة مشروطة بالأمرين.
والمصنّف هنا
جعل التحريم مشروطاً بهما ، ولعلّه بناه
على ما ادّعاه
في الذكرى من تلازم الوصفين
وأنّ الاشتداد
مسبَّب عن مسمّى الغليان ، فيكون قيد الاشتداد هنا مؤكِّداً.
وفيه نظر. والحقّ
أنّ تلازمهما مشروط بكون الغليان بالنار كما ذكرناه. أمّا لو غلى وانقلب بنفسه
فاشتداده بذلك غير واضح.
وكيف كان ، فلا
وجه لاشتراط الاشتداد في التحريم ، لما ذكرناه من إطلاق النصوص بتعليقه على
الغليان. والاشتداد وإن سُلّم ملازمته لا دخل له في سببيّة التحريم.
ويمكن أن تكون
النكتة في ذكر المصنّف له اتّفاق القائل بنجاسته على اشتراطه فيها ، مع أنّه لا
دليل ظاهراً على ذلك مطلقاً كما اعترف به المصنّف في غير هذا الكتاب
إلّاأن يجعلوا
الحكم بتحريمه دليلاً على نجاسته
__________________
كما ينجس
العصير لمّا
صار خمراً وحرم. وحينئذٍ فتكون نجاسته مع الاشتداد يقتضي الحكم بتحريمه معه؛
لأنّها مرتّبة عليه.
وحيث صرّحوا
باعتبار الاشتداد في النجاسة
وأطلقوا القول
بالتحريم بمجرّد الغليان
لزم أحد
الأمرين :
إمّا القول
بعدم ترتّب النجاسة على التحريم ، أو القول بتلازم الاشتداد والغليان. لكن لمّا لم
يظهر للنجاسة دليل سوى التحريم الموجب لظنّ كونه كالخمر وغيره من الربوبات المسكرة
لزم اشتراك التحريم والنجاسة في معنى واحد وهو الغليان مع الاشتداد. ولمّا كانا
متلازمين ـ كما ادّعاه ـ لم ينافِ تعليق التحريم على الغليان تعليقَه على
الاشتداد؛ للتلازم. لكن في التصريح بتعليقه عليهما تنبيه على مأخذ الحكم ، وجمع
بين ما أطلقوه في التحريم وقيّدوه في النجاسة.
وهذا حسن لو
كان صالحاً لدليل النجاسة ، إلّاأنّ عدم دلالته أظهر. ولكن المصنّف في البيان
اعترف بأ نّه
لا دليل على نجاسته إلّاما دلّ على نجاسة المسكر وإن لم يكن مسكراً ، فرتّب بحثَه
عليه.
(و) إنّما يحرم العصير بالغليان إذا (لم يذهب ثلثاه) به (ولا
انقلب خَلّاً) فمتى تحقّق
أحدهما حلّ وتبعته الطهارة أيضاً.
أمّا الأوّل : فهو
منطوق النصوص .
وأمّا الثاني :
فللانقلاب إلى حقيقة اُخرى وهي مُطهِّرة ، كما لو انقلب الخمر
__________________
خلّاً مع قوّة نجاسته بالإضافة إلى العصير. ولو صار دبساً قبل ذهاب الثلثين
ففي طهره وجهان : أجودهما العدم ـ مع أنّه فرض نادر ـ عملاً بالاستصحاب مع الشكّ
في كون مثل ذلك مطهِّراً.
(ويجب
الحدّ ثمانون جَلدة بتناوله) أي تناول شيء ممّا ذكر من المسكر والفقّاع والعصير. وفي إلحاق الحشيشة بها
قول حسن مع بلوغ المتناوِل وعقله واختياره وعلمه (وإن كان كافراً إذا
تظاهر) به. أمّا لو استتر أو كان صبيّاً أو مجنوناً أو مكرَهاً
أو مضطرّاً لحفظ الرمق أو جاهلاً بجنسه أو تحريمه فلا حدّ. وسيأتي التنبيه على بعض
القيود .
ولا فرق في
وجوب الثمانين بين الحرّ والعبد على الأشهر ، لرواية أبي بصير
وبريد بن
معاوية
وزرارة عن
الصادق عليه السلام .
(وفي
العبد قول) للصدوق (بأربعين) جلدة
نصف الحرّ. ونفى
عنه في المختلف البأس
وقوّاه المصنّف
في بعض تحقيقاته
لرواية أبي بكر
الحضرمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام :
__________________
في عبد مملوك
قذف حرّاً ، قال : «يحدّ ثمانين ، هذا من حقوق
المسلمين. فأمّا ما كان من حقوق اللّٰه عزّ وجلّ فإنّه يُضرَب نصف الحدّ» قلت
: الذي من حقوق اللّٰه عزّ وجلّ ما هو؟ قال : «إذا زنى أو شرب الخمر فهذا من
الحقوق التي يُضرَب فيها نصف الحدّ» .
وحمله الشيخ
على التقيّة .
وروى يحيى بن
أبي العلا عنه عليه السلام أنّ (حدّ
المملوك نصف حدّ الحرّ)
من غير تفصيل ،
وخصّه بحدّ الزنا.
والتحقيق : أنّ
الأحاديث من الطرفين غير نقيّة الإسناد وأنّ خبر التنصيف
أوضح ، وأخبار
المساواة أشهر.
(ويُضرب
الشارب) ومن في معناه
(عارياً) مستورَ العورة (على
ظهره وكتفيه) وسائر جسده (ويُتّقى وجهه وفرجه
ومقاتِله ، ويُفرَّق الضرب على جسده) غير ما ذكر.
(ولو
تكرّر الحدّ قتل في الرابعة) لما رواه الصدوق في الفقيه مرسلاً أنّه يقتل في الرابعة
ولأنّ الزنا أعظم
منه ذنباً وفاعله يقتل في الرابعة ، كما مضى
__________________
فهنا أولى. وذهب الأكثر إلى قتله في الثالثة
للأخبار
الكثيرة الصحيحة الصريحة في ذلك بخصوصه
وصحيحة يونس عن
الكاظم عليه السلام : «يُقتل أصحاب الكبائر
كلّهم في الثالثة إذا اُقيم عليهم الحدّ مرّتين»
وهذا أقوى. والمرسل
غير مقبول مطلقاً ، خصوصاً مع معارضة الصحيح. ويُمنع قتل الزاني في الرابعة ، وقد
تقدّم (ولو شرب مراراً) ولم يُحدّ (فواحد) كغيره ممّا يوجب الحدّ.
(ويُقتل
مستحلّ الخمر إذا كان عن فطرة) ولا يستتاب؛ لأنّه مرتدّ من حيث إنكاره ما عُلِم من دين الإسلام ضرورة.
(وقيل) : والقائل الشيخان : (يستتاب) شاربها عن فطرة ، فإن تاب ، وإلّا قتل
والأقوى الأوّل.
نعم ، لو كان
عن ملّة استتيب قطعاً كالارتداد بغيره ، فإن تاب وإلّا قتل. وتستتاب المرأة مطلقاً.
(وكذا
يستتاب) الرجل (لو
استحلّ بيعها ، فإن امتنع) من التوبة (قُتل) كذا أطلقه المصنّف وغيره
من غير فرق بين
الفطري والملّي. ولو باعها غير مستحلّ عُزّر.
__________________
(ولا
يُقتل مستحلّ) شرب (غيرها) أي غير الخمر من المسكرات ، للخلاف فيه بين المسلمين ، وهو كافٍ في عدم كفر
مستحلّه وإن أجمعنا على تحريمه.
وربما قيل
بإلحاقه بالخمر
وهو نادر. وأولى
بالعدم مستحلّ بيعه.
(ولو
تاب الشارب) للمسكر (قبل قيام البيّنة)
عليه (سقط
الحدّ) عنه. (ولا يسقط)
الحدّ لو كانت توبته (بعدها)
أي بعد قيام البيّنة؛ لأصالة البقاء. وقد تقدّم مثله .
(و) لو تاب (بعد
إقراره) بالشرب (يتخيّر الإمام) بين إقامته عليه والعفو؛ لأنّ التوبة إذا أسقطت تحتُّمَ أقوى العقوبتين وهو
القتل ، فإسقاطها لأدناهما أولى.
وقيل : يختصّ
الحكم بما يوجب القتل ، ويتحتّم هنا استيفاؤه
عملاً بالأصل. والأوّل
أشهر.
(ويثبت) هذا الفعل (بشهادة
عدلين ، أو الإقرار مرّتين) مع بلوغ المقرّ وعقله واختياره وحرّيّته (ولو شهد أحدهما بالشرب والآخر
بالقيء قيل : يحدّ لما رُوي عن عليّ
عليه السلام) في حقّ الوليد
لمّا شهد عليه واحد بشربها
__________________
وآخر بقيئها فقال عليه السلام : (ما قاءها إلّاوقد شربها) .
قال المصنّف في
الشرح : عليها
فتوى الأصحاب
ولم أقف فيه على مخالف
لكنّ العلّامة
جمال الدين بن طاووس قال في الملاذ : «لا
أضمن درك طريقه» وهو مشعر بالتوقّف .
وكذلك العلّامة
استشكل الحكم في القواعد من حيث إنّ القيء وإن لم يحتمل إلّاالشرب ، إلّاأنّ مطلق
الشرب لا يوجب الحدّ؛ لجواز الإكراه
ويندفع بأنّ
الإكراه خلاف الأصل ، ولأ نّه لو كان كذلك لادّعاه.
ويلزم من قبول
الشهادة كذلك قبولها لو شهدا معاً بالقيء ، نظراً إلى التعليل المذكور.
وقد يشكل ذلك
بأنّ العمدة في الأوّل الإجماع كما ادّعاه ابن إدريس
وهو منفيّ في
الثاني ، واحتمال الإكراه يوجب الشبهة وهي تدرأ الحدَّ. وقد علم ما فيه. نعم ، يعتبر
إمكان مجامعة القيء للشرب المشهود به ، فلو شهد أحدهما أنّه شربها يوم الجمعة ، وآخر
أنّه قاءها قبل ذلك أو بعده بأيّام لم يحدّ؛ لاختلاف
__________________
الفعل ولم يقم على كلّ فعلٍ شاهدان.
(ولو
ادّعى الإكراه قُبل) لاحتماله ، فيُدرأ
عنه الحدّ؛ لقيام الشبهة (إذا
لم يكذّبه الشاهد) بأن شهد
ابتداءً بكونه مختاراً ، أو أطلق الشهادة بالشرب أو القيء ثمّ كذّبه في الإكراه
لما ادّعاه.
(ويُحدّ
معتقد حِلِّ النبيذ) المتّخذ من
التمر (إذا
شربه) ولا يُعذَر في الشبهة بالنسبة إلى الحدّ وإن أفادته
دَرْءَ القتل؛ لإطلاق النصوص الكثيرة بحدّ شاربه
كالخمر. وأولى
بالحدّ لو شربه محرِّماً له. ولا يقتل أيضاً كالمستحلّ.
(ولا
يُحدّ الجاهل بجنس المشروب) فاتّفق مسكراً (أو
بتحريمه ، لقرب إسلامه) أو نشوئه في
بلاد بعيدة عن المسلمين يستحلّ أهلها الخمر فلم يعلم تحريمه. والضابط إمكانه في
حقّه.
(ولا
من اضطرّه العطش أو اضطرّ إلى إساغة اللقمة بالخمر) بحيث خاف التلف بدونه.
(ومن
استحلّ شيئاً من المحرّمات المجمع عليها) من المسلمين بحيث عُلم تحريمها من الدين ضرورة (كالميتة والدم
والربا ولحم الخنزير) ونكاح المحارم
، وإباحة الخامسة
والمعتدّة ، والمطلّقة
ثلاثاً (قُتل
إن وُلد على الفطرة) لأنّه مرتدّ. وإن
كان ملّيّاً استتيب ، فإن تاب ، وإلّا قُتل. كلّ ذلك إذا لم يدَّعِ شبهةً ممكنةً
في حقّه ، وإلّا قُبل منه.
ويُفهم من
المصنّف وغيره
أنّ الإجماع
كافٍ في ارتداد معتقد خلافه وإن
__________________
لم يكن معلوماً ضرورة. وهو يشكل في كثير من أفراده على كثير من الناس.
(ومن
ارتكبها غير مستحلّ) لها (عُزّر) إن لم يجب الحدّ كالزنا والخمر ، وإلّا دخل التعزير فيه. وأمثلة المصنّف
مستغنية عن القيد
وإن كان العموم
مفتقراً إليه.
(ولو
أنفذ الحاكم إلى حامل لإقامة حدّ فأجهضت) أي أسقطت حملَها خوفاً (فديته) أي دية الجنين (في
بيت المال) لأنّه من خطأ
الحكّام في الأحكام. وهو محلّه.
(وقضى
عليّ عليه السلام في مُجهِضة خوّفها عمر) حيث أرسل إليها ليقيم عليها الحدّ : أنّ دية جنينها (على عاقلته)
أي عاقلة عمر ،
لا في بيت المال (ولا
تنافي بين الفتوى) بكون صدوره عن
إنفاذ الحاكم في بيت المال (والرواية) لأنّ عمر لم يكن حاكماً شرعيّاً وقد تسبّب بالقتل خطأً ، فتكون الدية على
عاقلته ، أو لأنّ عمر لم يُرسل إليها بعد ثبوت ما ذُكر عنها
ولعلّ هذا أولى
بفعل عليّ عليه السلام؛ لأنّه ما كان في وقته يتجاهر بمعنى الأوّل ولا كان يُقبل
ذلك منه ، خصوصاً بعد فتوى جماعة من الصحابة بخلاف قوله عليه السلام ونسبتِه إيّاهم
إلى الجهل أو الغشّ ، وتعليلِه بكونه قد قتله خطأً .
(ومن
قتله الحدّ أو التعزير فهدْر) بالسكون أي لا عوض لنفسه ، سواء
__________________
كانا
للّٰهأم
لآدميّ؛ لأنّه فعل سائغ فلا يتعقّبه الضمان ، ولحسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام
: «أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا
دية له» .
و «أيّ» من صيغ العموم؛ وكذا «الحدّ» عند بعض الاُصوليّين .
(وقيل) : يُضمن (في
بيت المال) وهذا القول
مجمل قائلاً ومحلّاً ومضموناً فيه ، فإنّ المفيد قال : يضمن الإمام دية المحدود
للناس لما رُوي أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول : «من
ضربناه حدّاً من حدود اللّٰه فمات فلا دية له علينا ، ومن ضربناه حدّاً في
شيء من حقوق الناس فمات فإنّ ديته علينا» .
وهذا القول
يدلّ على أنّ الخلاف في حدّ الناس ، وأنّ الضمان في بيت مال الإمام ، لا بيت مال
المسلمين.
وفي الاستبصار
: الدية في بيت المال
جمعاً بين
الأحاديث. ويظهر من المبسوط : أنّ الخلاف في التعزير
وصرّح به غيره
بناءً على أنّ
الحدّ مقدّر ،
__________________
والتعزير اجتهاديّ.
وفيه نظر؛ لأنّ
التعزير ربما كان من إمام معصوم لا يفعل بالاجتهاد الذي يجوز فيه الخطأ. والحقّ
أنّ الخلاف فيهما معاً ، وأنّ عدم الضمان مطلقاً أوجه؛ لضعف متمسّك الضمان.
(ولو
بان فسوق الشهود) بفعل يوجب
القتل (بعد
القتل ففي بيت المال) : مال المسلمين ، ديةُ المقتول (لأنّه من خطأ الحاكم) ولا ضمان على الحاكم ولا على عاقلته.
(الفصل الخامس)
(في السَرِقة)
(ويتعلّق
الحكم) وهو هنا القطع (بسَرِقة البالغ العاقل) المختار (من
الحرز بعد هتكه) وإزالته (بلا شبهة) موهمة للملك عارضة للسارق ، أو للحاكم ـ كما لو ادّعى السارق ملكه مع علمه
باطناً بأ نّه ليس ملكه ـ (رُبعَ
دينار) ذهب خالص مضروب بسكّة المعاملة (أو) مقدار (قيمته) كذلك (سرّاً) من غير شعور المالك به مع كون المال المسروق (من غير مال ولده) أي ولد السارق (ولا) مال (سيّده
، و) كونه (غير
مأكول) في (عام
سَنت) بالتاء الممدودة ، وهو الجدب والمجاعة ، يقال : أسنت
القوم إذا أجدبوا .
فهذه عشرة قيود
قد أشار إلى تفصيلها بقوله :
(فلا
قطع على الصبيّ والمجنون) إذا سرقا كذلك (بل
التأديب) خاصّة وإن تكرّرت منهما السرقة؛ لاشتراط الحدّ بالتكليف.
وقيل : يُعفى
عن الصبيّ أوّل مرّة ، فإن سرق ثانياً اُدّب ، فإن عاد ثالثاً
__________________
حُكّت أناملُه حتّى تُدمى ، فإن سرق رابعاً قُطعت أنامله ، فإن سرق خامساً
قُطِع كما يُقطَع البالغ .
ومستند هذا
القول أخبار كثيرة صحيحة
وعليه الأكثر
ولا بُعد في تعيين الشارع نوعاً خاصّاً من التأديب؛ لكونه لطفاً وإن شارك خطاب
التكليف في بعض أفراده.
ولو سرق
المجنون حال إفاقته لم يسقط عنه الحدّ بعروض الجنون.
واحترزنا
بالاختيار عمّا لو اُكره على السرقة ، فإنّه لا يُقطع.
وشمل إطلاق
الشرطين الذكرَ والاُنثى ، والحرّ والعبد إلّاعلى وجهٍ يأتي . والبصير والأعمى ، والمسلم والكافر ، لمسلم وكافر إذا كان ماله محترماً.
(ولا) قطع (على
من سرق من غير حرز) كالصحراء
والطريق والرَحىٰ والحمّام والمساجد ، ونحوها من المواضع المنتابة
والمأذون في
غشيانها
مع عدم مراعاة
المالك لماله (ولا
من حرز) في الأصل بعد أن (هتكه غيره) بأن فتح قفله أو بابه أو نقب جدارَه فأخذ هو ، فإنّه لا قطع على أحدهما؛
لأنّ المُهتِّك لم يسرق والسارق لم يأخذ من الحرز.
__________________
(ولو
تشاركا في الهتك) بأن نقباه ولو
بالتناوب عليه (فأخرج
أحدهما) المال (قُطع
المُخرِج) خاصّة؛ لصدق هتكه الحرز وسرقته منه ، دون من شاركه في
الهتك كما لو انفرد به. ولو أخرجاه معاً قُطعا إذا بلغ نصيب كلّ واحد نصاباً ، وإلّا
فمن بلغ نصيبه النصاب وإن بلغ المجموع نصابين فصاعداً على الأقوى.
وقيل : يكفي
بلوغ المجموع نصاباً في قطع الجميع
لتحقّق سرقة
النصاب ، وقد صدر عن الجميع فيثبت عليهم القطع وهو ضعيف.
ولو اشتركا في
الهتك ثمّ أخرج أحدهما المال إلى قرب الباب فأدخل الآخر يده فأخرجه قُطع ، دون
الأوّل. وبالعكس لو أخرجه الأوّل إلى خارجه فحمله الآخر.
ولو وضعه في
وسط النقب أو الباب فأخذه الآخر ، ففي قطعهما أو عدمه عنهما وجهان ، أجودهما
الثاني؛ لانتفاء الإخراج من الحرز فيهما. ووجه الأوّل تحقّقه منهما بالشركة كتحقّق
الهتك بها.
(ولا
مع توهّم الملك) أو الحلّ فظهر
غير مِلك
وغير حلال ، كما
لو توهّمه ماله فظهر غيره ، أو سرق من مال المديون الباذل بقدر ماله معتقداً إباحة
الاستقلال بالمقاصّة. وكذا لو توهّم ملكه للحرز ، أو كونهما أو أحدهما لابنه.
(ولو
سرق من المال المشترك ما يظنّه قدر نصيبه) وجواز مباشرته
__________________
القسمة بنفسه (فزاد
نصاباً فلا قطع) للشبهة ، كتوهّم
الملك فظهر عدمه فيه أجمع ، بل هنا أولى. ولو علم عدم جواز تولّي القسمة كذلك قطع
إن بلغ نصيب الشريك نصاباً. ولا فرق بين قبوله القسمة وعدمه على الأقوى.
(وفي
السرقة) أي سرقة بعض الغانمين (من مال الغنيمة) حيث يكون له نصيب منها (نظر) منشؤه اختلاف الروايات :
فروى محمّد بن
قيس عن الباقر عليه السلام عن عليّ عليه الصلاة والسلام في رجل أخذ بيضة من المغنم؟
فقال : «إنّي لا أقطع أحداً له فيما أخذ شركة» .
وروى عبد
الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن الصادق عليه السلام : أنّ أمير المؤمنين عليه
الصلاة والسلام قطع في البيضة التي سرقها رجل من المغنم .
وروى عبد
اللّٰه بن سنان عنه عليه السلام أنّه قال : (يُنظر كَمِ الذي نصيبه؟ فإذا كان الذي
أخذ أقلّ من نصيبه عُزّر ودُفع إليه تمامُ مالِه ، وإن كان الذي أخذ مثل الذي له
فلا شيء عليه ، وإن كان أخذ فضلاً بقدر ربع دينار قطع) .
وهذه الرواية
أوضح سنداً من الاُوليين وأوفق بالاُصول ، فإنّ الأقوى أنّ الغانم يملك نصيبه
بالحيازة فيكون شريكاً ، ويلحقه ما تقدّم من حكم الشريك في توهّمه حلَّ ذلك وعدمه
وتقييد القطع بكون الزائد بقدر النصاب. فلو قلنا بأنّ القسمة كاشفة عن ملكه
بالحيازة
فكذلك. ولو
قلنا : إنّ الملك لا يحصل
__________________
إلّا بالقسمة اتّجه القطع مطلقاً مع بلوغ المجموع نصاباً. والرواية الثانية
تصلح شاهداً له. وفي إلحاق ما للسارق فيه حقّ كبيت المال ومال الزكاة والخمس نظر.
واستقرب
العلّامة عدمَ القطع .
(ولا
فيما نقص عن ربع دينار ذهباً خالصاً مسكوكاً) بسكّة المعاملة عيناً أو قيمة على الأصحّ.
وفي المسألة
أقوال نادرة : اعتبار دينار
وخمسه
ودرهمَين . والأخبار الصحيحة
دلّت على
الأوّل.
ولا فرق فيه
بين عين الذهب
وغيره ، فلو بلغ العين ربع دينار وزناً غير مضروب ولم تبلغ قيمته قيمة
المضروب فلا
قطع. ولو انعكس بأن كان
__________________
سدس دينار
مصوغاً قيمته
ربع دينار
قطع على الأقوى.
وكذا لا فرق
بين علمه بقيمته أو شخصه وعدمه ، فلو ظنّ المسروق فلساً فظهر ديناراً أو سرق ثوباً
قيمته أقلّ من النصاب فظهر مشتملاً على ما يبلغه ولو معه قُطع على الأقوى؛ لتحقّق
الشرط. ولا يقدح عدم القصد إليه؛ لتحقّقه في السرقة إجمالاً وهو كافٍ ، ولشهادة
الحال بأ نّه لو علمه لقصده.
وشمل إطلاق
العبارة إخراج النصاب دفعة ومتعدّداً. وهو كذلك ، إلّامع تراخي الدفعات بحيث لا
يعدّ سرقة واحدة أو
اطّلاع المالك
بينها ، فينفصل ما بعده ، وسيأتي
حكايته لهذا
المفهوم
قولاً مؤذناً
بعدم اختياره.
ويعتبر اتّحاد
الحرز ، فلو أخرج النصاب من حرزين لم يُقطع ، إلّاأن يشملهما ثالثٌ ، فيكونان في
حكم الواحد. وقيل : لا عبرة بذلك
للعموم .
(ولا
في الهاتك) للحرز (قهراً) أي هتكاً ظاهراً؛ لأنّه لا يعدّ سارقاً ، بل غاصباً أو مستلباً.
(وكذا
المستأمَن) بالإيداع
والإعارة والضيافة وغيرها «لو خان لم يُقطع» لعدم تحقّق الهتك.
__________________
(ولا
من سرق من مال ولده) وإن نزل.
(وبالعكس) وهو ما لو سرق الولد من مال والده وإن علا (أو سرقت الاُمّ) مال ولدها (يُقطع) كلّ منهما؛ لعموم الآية ، خرج منه الوالد فيبقى الباقي.
وقال أبو
الصلاح رحمه الله : لا تُقطع الاُمّ بسرقة مال ولدها كالأب؛ لأنّها أحد الوالدين ،
ولاشتراكهما في وجوب الإعظام. ونفى عنه في المختلف البأس . والأصحّ المشهور.
والجدّ للاُمّ
كالاُمّ.
(وكذا) لا يقطع (من
سرق المأكول المذكور) في عام المجاعة
(وإن
استوفى) باقي (الشرائط) لقول الصادق عليه السلام : «لا يُقطع
السارق في عام سَنتٍ»
يعني في عام
مجاعة. وفي خبر آخر : «كان أمير المؤمنين عليه السلام لا
يقطع السارق في أيّام المجاعة»
وعن الصادق
عليه السلام قال : «لا يُقطع السارق في سنة المَحْل
في شيء يُؤكل مثل الخبز واللحم وأشباهه» .
والمطلق في الأوّلين
مقيّد بهذا الخبر ، وفي الطريق ضعف وإرسال
__________________
لكنّ العمل به مشهور لا رادّ له.
وأطلق المصنّف
وغيره الحكم كذلك من غير تقييد بكون السارق مضطرّاً إليه وعدمه
، تبعاً لإطلاق النصّ. وربما قيّده بعضهم بكونه مضطرّاً وإلّا قُطع
إذ لا دخل
للمجاعة مع غناء السارق. ولا بأس به. نعم لو اشتبه حاله اتّجه عدم القطع أيضاً ، عملاً
بالعموم. وبهذا يندفع ما قيل : إنّ المضطرّ يجوز له أخذه قهراً في عام المجاعة
وغيره لأنّ المشتبه حاله لا يدخل في الحكم
مع أنّا نمنع
من جواز أخذ المضطرّ له قهراً مطلقاً ، بل مع عدم إمكان إرضاء مالكه بعوضه كما سبق
. وهنا الثابت الحكم بكونه لا يقطع إذا كان مضطرّاً مطلقاً وإن حرم عليه أخذه.
فالفرق واضح.
والمراد
بالمأكول هنا مطلق المأكول
قوّة أو فعلاً
كما ينبّه عليه المثال في الخبر.
(وكذا) لا يقطع (العبد) لو سرق مال سيّده وإن انتفت عنه الشبهة ، بل يؤدّب. أمّا لو سرق مال غيره
فكالحرّ (ولو
كان العبد من الغنيمة فسرق منها لم يُقطع) لأنّ فيه زيادة إضرار. نعم ، يؤدّب بما يحسم جرأته.
__________________
(وهنا مسائل)
(الاُولى) : (لا
فرق بين إخراج) السارق (المتاع بنفسه أو
بسببه ، مثل أن يشدّه بحبل) ثمّ يجرّ به من خارج الحرز (أو يضعه على دابّة) في الحرز ويخرجها به (أو
يأمر غير مميّز) من صبيّ أو
مجنون (بإخراجه) فإنّ القطع يتوجّه على الآمر ، لا على الصبيّ والمجنون لضعف المباشر في جنب
السبب؛ لأ نّهما كالآلة .
(الثانية )
(يُقطع
الضيف والأجير) إذا سرقا مال
المُضيف أو المستأجر (مع
الإحراز من دونه) أي دون كلّ
منهما على الأشهر.
وقيل : لا
يقطعان مطلقاً
استناداً إلى
أخبار ظاهرة في كون المال غير محرز عنهما. فالتفصيل حسن.
نعم ، لو أضاف
الضيف ضيفاً بغير إذن صاحب المنزل فسرق الثاني قُطِع؛ لأ نّه بمنزلة الخارج.
__________________
(وكذا) يُقطع (الزوجان) أي كلّ منهما بِسرقة مال الآخر مع الإحراز عنه ، وإلّا فلا.
(ولو
ادّعى السارق الهبة أو الإذن) له من المالك في الأخذ (أو
الملك حلف المالك ولا قطع) لتحقّق الشبهة بذلك على الحاكم وإن انتفت عن السارق في نفس الأمر.
(الثالثة) :
(الحرز) لا تحديد له شرعاً ، فيرجع فيه إلى العرف. وضابطه : (ما كان ممنوعاً بغَلَق
أو قُفل) وما في معناه (أو دفن في العمران أو كان مراعى) بالنظر (على
قول ) لقضاء العادة بإحراز كثير من الأموال بذلك. وحكايته قولاً يشعر بتمريضه ، كما
ذهب إليه جماعة
لقول عليّ عليه
السلام : (لا
يُقطع إلّامن نقب نقباً ، أو كسر قفلاً)
وفي طريقه ضعف .
ويمكن أن يقال
: لا يتحقّق الحرز بالمراعاة إلّامع النظر إليه ومع ذلك لا تتحقّق السرقة؛ لما
تقدّم من أنّها لا تكون إلّاسرّاً ، ومع غفلته عنه
__________________
ـ ولو نادراً ـ لا يكون مراعياً له ، فلا يتحقّق إحرازه بها ، فظهر أنّ
السرقة لا تتحقّق مع المراعاة وإن جعلناها حرزاً.
وللشيخ قول
بأنّ الحرز كلّ موضع لم يكن لغير المتصرّف فيه الدخول إليه إلّا بإذنه
وينتقض بالدار
المفتّحة الأبواب في العمران وصاحبها ليس فيها.
وقيل : ما يكون سارقه على خطرٍ خوفاً من
الاطّلاع عليه
وينتقض بذلك أيضاً.
وعلى الأوّل
تخرج المراعاة دون الثاني.
والأولى الرجوع
فيه إلى العرف ، وهو يختلف باختلاف الأموال :
فحرز الأثمان
والجواهر : الصناديق المقفَّلة والأغلاق الوثيقة في العمران.
وحرز الثياب
وما خَفّ من المتاع وآلات النحاس : الدكاكين والبيوت المقفّلة في العمران ، أو
خزانتها
المقفَّلة وإن
كانت هي مفتوحة.
والاصطبل حرز
للدوابّ مع الغلق. وحرز الماشية في المرعى عين الراعي على ما تقرّر. ومثله متاع
البائع في الأسواق والطرقات.
واحترز بالدفن
في العمران عمّا لو وقع خارجه ، فإنّه لا يُعدّ حرزاً وإن كان في داخل بيت مُغلَق؛
لعدم الخطر على سارقه ، وعدم قضاء العرف به.
(والجيب
والكُمّ الباطنان حرز ، لا الظاهران) والمراد بالجَيب الظاهر : ما كان في ظاهر الثوب الأعلى. والباطن ما كان في
باطنه ، أو في ثوب داخل مطلقاً.
__________________
أمّا الكُمّ
الظاهر ، فقيل : المراد به ما كان معقوداً في خارجه؛ لسهولة قطع السارق له فيسقط
ما في داخله ولو في وقت آخر. وبالباطن : ما كان معقوداً من داخل كُمّ الثوب الأعلى
، أو في الثوب الذي تحته مطلقاً .
وقال الشيخ في
الخلاف : المراد بالجيب الباطن : ما كان فوقه قميص آخر ، وكذا الكُمّ سواء شدّه في
الكُمّ من داخل أو من خارج .
وفي المبسوط
اختار في الكُمّ عكس ما ذكرناه ، فنقل عن قوم أنّه إن جعلها
في جوف الكُمّ
وشدّها من خارج فعليه القطع ، وإن جعلها من خارج وشدّها من داخل فلا قطع ، قال : وهو
الذي يقتضيه مذهبنا .
والأخبار في
ذلك مطلقة في اعتبار الثوب الأعلى والأسفل
فيقطع في
الثاني دون الأوّل ، وهو موافق للخلاف
ومال إليه في
المختلف وجعله المشهور .
وهو في الكُمّ
حسن. أمّا في الجَيب ، فلا ينحصر الباطن منه فيما كان فوقه ثوب آخر ، بل يصدق به
وبما كان في باطن الثوب الأعلى كما قلناه.
__________________
(الرابعة) :
(لا
قطع في) سرقة (الثمر
على شجرة ) وإن كان محرزاً بحائط وغَلَق؛ لإطلاق النصوص الكثيرة بعدم القطع بسرقته
مطلقاً.
(وقال
العلّامة) جمال الدين (ابن المطهَّر رحمه الله)
وتبعه ولده فخر
المحقّقين
: (إن كانت الشجرة داخل
حرز فهتكه وسرق الثمرة قُطِع) لعموم الأدلّة الدالّة على قطع من سرق من حرز
فتختصّ روايات
الثمرة بما كان منها في غير حرز ، بناءً على الغالب من كون الأشجار في غير حرز
كالبساتين والصحارى.
وهذا حسن. مع أنّه
يمكن القدح في الأخبار الدالّة على عدم القطع بسرقة الثمر؛ إذ ليس فيها خبر صحيح ،
لكنّها كثيرة والعمل بها مشهور.
وكيف كان ، فهو
غير كافٍ في تخصيص ما عليه الإجماع فضلاً عن النصوص الصريحة الصحيحة.
ولو كانت
مراعاةً بنظر المالك فكالمحرزة إن ألحقناه بالحرز.
(الخامسة) :
(لا
يقطع سارق الحرّ وإن كان صغيراً) ؛ لأنّه لا يعدّ مالاً (فإن
باعه
__________________
قيل) والقائل الشيخ
وتبعه العلّامة
: (قُطِع) كما يقطع السارق ، لكن لا من حيث إنّه سارق ، بل (لفساده في الأرض) وجزاءُ المفسد القطع (لا
حدّاً) بسبب السرقة.
ويشكل بأ نّه
إن كان مفسداً فاللازم تخيّر الحاكم بين قتله وقطع يده ورجله من خلاف إلى غير ذلك
من أحكامه ، لا تعيّن القطع خاصّة.
وما قيل : من
أنّ وجوب القطع في سرقة المال إنّما جاء لحراسته وحراسة النفس أولى فوجوب القطع
فيه أولى
لا يتمّ أيضاً؛
لأنّ الحكم معلّق على مال خاصّ يُسرق على وجه خاصّ ، ومثله لا يتمّ في الحرّ. ومطلق
صيانته غير مقصود في هذا الباب كما يظهر من الشرائط. وحمل النفس عليه مطلقاً
لا يتمّ ، وشرائطه
لا تنتظم في خصوصيّة سرقة الصغير وبيعه دون غيره
من تفويته
وإذهاب أجزائه. فإثبات الحكم بمثل ذلك غير جيّد ، ومن ثَمَّ حكاه المصنّف قولاً.
وعلى القولين
لو لم يبعه لم يُقطع وإن كان عليه ثياب أو حليّ تبلغ النصاب؛ لثبوت يده عليها ، فلم
تتحقّق سرقتها .
نعم ، لو كان
صغيراً على وجهٍ لا تتحقّق له اليد اتّجه القطع بالمال. ومثله سرقة الكبير بمتاعه
وهو نائم أو سكران أو مغمى عليه ، أو مجنون.
__________________
(ويُقطع
سارق المملوك الصغير) حدّاً إذا بلغت
قيمته النصاب ، وإنّما أطلقه كغيره
بناءً على
الغالب.
واحترز بالصغير
عمّا لو كان كبيراً مميّزاً ، فإنّه لا يُقطع بسرقته ، إلّاأن يكون نائماً أو في
حكمه أو أعجميّاً لا يعرف سيّده من غيره؛ لأنّه حينئذٍ كالصغير.
ولا فرق بين
القنّ والمدبَّر واُمّ الولد دون المكاتَب؛ لأنّ ملكه غيرُ تامّ ، إلّا أن يكون
مشروطاً فيتّجه إلحاقه بالقنّ ، بل يحتمل في المطلق أيضاً إذا بقي منه ما يساوي
النصاب؛ لأنّه في حكم المملوك في كثير من الأحكام.
(السادسة) :
(يقطع
سارق الكفن) من الحرز ومنه
القبر بالنسبة إليه؛ لقول أمير المؤمنين عليه السلام : «يقطع
سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء»
وفي صحيحة حفص
بن البُختري عن الصادق عليه السلام : «حدّ
النبّاش حدّ السارق» .
وهل يعتبر بلوغ
قيمة الكفن النصابَ؟ قولان
مأخذهما إطلاق
الأخبار
هنا ، واشتراط
مقدار النصاب في مطلق السرقة
فيُحمل هذا
المطلق عليه ،
__________________
أو يُحمل على إطلاقها تغليظاً عليه؛ لشناعة فعله.
وقوله : (والأولى اشتراط بلوغ
النصاب) يدلّ على ميله إلى عدم الاشتراط؛ لما ذكرناه ، ولظاهر
الخبر الصحيح المتقدّم فإنّه جعل حدّه حدّ السارق ، وهو أعمّ من أخذه النصاب وعدمه
، بل من عدم أخذه شيئاً ، إلّاأ نّه مخصوص بالأخذ إجماعاً ، فيبقى الباقي على
العموم.
وفيه نظر؛ لأنّ
تخصيصه بذلك مراعاةً للجمع يقتضي تخصيصه بالنصاب. والخبر الأوّل أوضح دلالة؛ لأنّه
جعل قطعه كقطعه ، وجعله سارقاً ، فيعتبر فيه شروطه. وكذا قول عليّ عليه الصلاة
والسلام : (إنّا
نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا) .
وقيل : يعتبر
النصاب في المرّة الاُولى خاصّة؛ لأنّه بعدها مفسد
والأظهر
اشتراطه مطلقاً.
(ويُعزّر
النبّاش) سواء أخذ أم لم يأخذ؛ لأنّه فعل محرَّماً فيستحقّ
التعزير (ولو
تكرّر) منه النبش (وفات الحاكم جاز قتله) لمن قدر عليه من حيث إفساده ، وقد رُوي : أنّ عليّاً عليه الصلاة والسلام
أمر بوطء نبّاش بالأرجل حتّى مات .
ولو سرق من
القبر غير الكفن فلا قطع؛ لأنّه ليس بحرز له.
والعمامة من
جملة الكفن المستحبّ ، فتعتبر معه في القيمة على الأقوى ، لا كغيره كما ذهب إليه
العلّامة
استناداً إلى
ما ورد في بعض الأخبار : من أنّها
__________________
ليست من الكفن
لأنّ الظاهر أنّه
يريد أنّها ليست من الكفن الواجب بقرينة ذكر الخرقة الخامسة معها ، مع الإجماع على
أنّها منه.
ثمّ الخصم
للنبّاش : الوارث إن كان الكفن منه ، والأجنبيّ إن كان منه ، ولو كان من بيت المال
فخصمه الحاكم؛ ومن ثمَّ لو ذهب الميّت بسيل ونحوه وبقي الكفن رجع إلى أصله.
(السابعة) :
(تثبت
السرقة بشهادة عدلين) مفصّلين لها
بذكر ما يعتبر في القطع من الشرائط (أو الإقرار مرّتين مع كمال المقرّ) بالبلوغ والعقل ورفعِ الحَجر بالسفه بالنسبة إلى ثبوت المال والفلس بالنسبة
إلى تنجيزه (وحرّيّته
واختياره) فلا ينفذ إقرار الصبيّ وإن كان مراهقاً ، ولا المجنون
مطلقاً
ولا السفيه في
المال ، ولكن يقطع. وكذا المفلَّس لكن يتبع بالمال بعد زوال الحجر.
ولا العبد بدون
موافقة المولى؛ لتعلّقه بمال الغير. أمّا لو صدّقه فالأقرب القطع وثبوت المال ، وبدونه
يتبع بالمال إذا اُعتق وأيسر.
ولا المكره
فيهما.
(ولو
ردّ المكره) على الإقرار (السَرِقة بعينها لم
يُقطع) على الأقوى؛ لأنّ وجود العين في يده لا يدلّ على السرقة
، والإقرار وقع كرهاً فلا يُعتدّ به.
وقيل : يقطع
لأنّ ردّها
قرينة السرقة ، كدلالة قيء الخمر على شربها ،
__________________
ولحسنة سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام : «في
رجل سرق سَرِقة فكابر عنها فضُرِب فجاء بها بعينها هل يجب عليه القطع؟ قال : نعم ،
ولكن إذا اعترف ولم يجئ بالسرقة لم تُقطع يده؛ لأنّه اعترف على العذاب» .
ولا يخفى ضعف
العمل بالقرينة في هذا الباب ، والفرق بين القيء والمجيء بالسرقة ، فإنّ القيء
يستلزم الشرب ، بخلاف المتنازع فيه
فإنّه أعمّ منه.
وأمّا الخبر
فظاهر الدلالة ، إلّاأنّ إثبات الحكم به مجرّداً مشكل.
(ولو
رجع) عن الإقرار بالسرقة اختياراً (بعد الإقرار مرّتين
لم يسقط الحدّ) لثبوته بالإقرار
السابق ، فلا يقدح فيه الإنكار كغيره من الحدود.
(ويكفي
في الغرم) للمال المسروق الإقرار به (مرّة) واحدة؛ لأنّه إقرار بحقّ ماليّ فلا يشترط فيه تعدّد الإقرار؛ لعموم «إقرار
العقلاء على أنفسهم جائز»
وإنّما خرج
الحدّ بدليل خارج كقول الصادق عليه السلام في رواية جميل : «لا
يقطع السارق حتّى يقرّ بالسرقة مرّتين» .
(الثامنة) :
(يجب) على السارق (إعادة
العين) مع وجودها وإمكان إعادتها (أو) ردّ (مثلها) إن كانت مثليّة (أو
قيمتها) إن كانت قيميّة (مع تلفها) أو تعذّر ردّها. ولو عابت ضَمِن أرشَها. ولو كانت ذات اُجرة لزمه مع ذلك
اُجرتها.
__________________
(ولا
يُغني القطع عن إعادتها) لأنّهما حكمان متغايران : الإعادة لأخذ مال الغير عدواناً ، والقطع حدّاً
عقوبة على الذنب.
(التاسعة) :
(لا
قطع) على السارق (إلّابمرافعة الغريم له) وطلب ذلك من الحاكم (ولو
قامت) عليه (البيّنة) بالسرقة أو أقرّ مرّتين (فلو
تركه) المالك (أو وهبه المال سقط) القطع؛ لسقوط موجبه قبل تحتّمه.
(وليس
له العفو) عن القطع (بعد المرافعة) وإن كان قبل حكم الحاكم به؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وآله لصفوان بن
اُميّة حين سُرِقَ رداؤه فقبض السارقَ وقدَّمه إلى النبيّ صلى الله عليه وآله ثمّ
وهبه : «ألا كان ذلك قبل أن تنتهي به إليَّ؟!)
وقال الصادق
عليه السلام : (إنّما
الهبة قبل أن يُرفع إلى الإمام ، وذلك قول اللّٰه عزّ وجلّ : (وَاَلْحٰافِظُونَ
لِحُدُودِ اَللّٰهِ
فإذا
انتهى إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه) .
(وكذا
لو ملك) السارق (المال) المسروق (بعد
المرافعة لم يسقط) القطع (ويسقط بملكه) له (قبله) لما ذكر.
(العاشرة) :
(لو
أحدث) السارق (في النصاب قبل الإخراج) من الحرز (ما
يُنقِص قيمته) عن النصاب بأن
خرق الثوب أو ذبح الشاة (فلا
قطع)
__________________
لعدم تحقّق الشرط وهو إخراج النصاب من الحرز. ولا كذا
لو نقصت قيمته
بعد الإخراج وإن كان قبل المرافعة.
ولو ابتلع
النصاب كالدينار واللؤلؤة قبل الخروج ، فإن تعذَّر إخراجه فلا حدّ؛ لأ نّه كالتالف
وإن اتّفق خروجه بعد ذلك. وإن لم يتعذّر خروجه عادة قُطع؛ لأنّه يجري مجرى إيداعه
في وعاء. ويضمن المال على التقديرين ، وأرش النقصان.
(ولو
أخرجه) أي أخرج النصاب من الحرز الواحد (مراراً) بأن أخرج كلّ مرّة دون النصاب واجتمع من الجميع نصاب (قيل : وجب القطع) ذهب إلى ذلك القاضي ابن البرّاج
والعلّامة في
الإرشاد
لصدق سرقة
النصاب من الحرز ، فيتناوله عموم أدلّة القطع ، ولقوله صلى الله عليه وآله : (من سرق ربع دينار
فعليه القطع)
وهو متحقّق هنا.
وقيل : لا قطع
مطلقاً ما لم يتّحد الأخذ
لأصالة البراءة
، ولأ نّه لمّا هتك الحرز وأخرج أقلّ من النصاب لم يثبت عليه القطع ، فلمّا عاد
ثانياً لم يُخرج من حرز؛ لأنّه كان منبوذاً قبله فلا قطع ، سواء اجتمع منهما معاً
نصاب أم كان الثاني وحده نصاباً من غير ضميمة .
وفرّق العلّامة
في القواعد بين قِصَر زمان العود وعدمه ، فجعل الأوّل بمنزلة
__________________
المتّحد ، دون الثاني
وفصّل في
التحرير ، فأوجب الحدّ إن لم يتخلّل اطّلاع المالك ولم يطل الزمان بحيث لا يسمّى سرقة
واحدة عرفاً. وهذا أقوى؛ لدلالة العرف على اتّحاد السرقة مع
فقد الشرطين وإن تعدّد الإخراج. وتعدّدُها بأحدهما.
(الحادية
عشرة الواجب في القطع) :
(الواجب) في هذا الحدّ أوّل مرّة (قطع
الأصابع الأربع) وهي ما عدا
الإبهام (من
اليد اليمنى ويترك له الراحة والإبهام) هذا إذا كان له خمس أصابع.
أمّا لو كانت
ناقصة اقتصر على الموجود من الأصابع وإن كان واحدة عدا الإبهام؛ لصحيحة الحلبي عن
الصادق عليه السلام قال : (قلت
له : من أين يجب القطع؟ فبسط أصابعه وقال : من ها هنا ، يعني من مفصل الكفّ)
وقوله في رواية
أبي بصير : «القطع
من وسط الكفّ ولا يُقطع الإبهام» .
ولا فرق بين
كون المفقود خلقة وبعارض. ولو كان له إصبع زائدة لم يَجز قطعُها حملاً على المعهود.
فلو توقّف تركها على إبقاء إصبع اُخرى وجب. ولو كان على المعصم كفّان قطعت أصابع
الأصليّة إن تميّزت ، وإلّا فإشكال.
(ولو
سرق ثانياً) بعد قطع يده (قطعت رجله اليسرى من
مفصل القدم وتُرِك العقب ) يعتمد عليه حالة المشي والصلاة؛ لقول الكاظم عليه السلام : (تقطع
يد السارق ويترك إبهامه وصدر راحته وتقطع رجله ويترك عقبه يمشي عليها) .
__________________
والظاهر أنّه
لا التفات إلى زيادة الإصبع هنا؛ لأنّ الحكم مطلق في القطع من المفصل من غير نظر
إلى الأصابع
مع احتماله
ولو كان له
قدمان على ساق واحد فكالكفّ.
(وفي) السرقة (الثالثة) بعد قطع اليد والرجل (يحبس
أبداً) إلى أن يموت ، ولا يُقطع من باقي أعضائه.
(وفي
الرابعة) بأن سرق من الحبس أو من خارجه لو اتّفق خروجه لحاجة أو
هرب به
(يُقتل).
(ولو
ذهبت يمينه بعد السرقة لم يقطع اليسار) لتعلّق الحكم بقطع اليمين
وقد فاتت. أمّا
لو ذهبت اليمين
قبل السرقة
بغيرها ففي قطع اليد اليسرى أو الرجل قولان .
ولو لم يكن له
يسار قطعت رجله اليسرى ، قطع به العلّامة
وقبله الشيخ
كما أنّه لو لم
يكن له رجل حُبس.
ويُحتمل سقوط
قطع غير المنصوص مرتَّباً ، وقوفاً في التجرّي على الدم
__________________
المحترم على موضع اليقين ، ولأ نّه تخطٍّ عن موضع النصّ بغير دليل ، ولظاهر
قول عليّ عليه الصلاة والسلام : «إنّي لأستحي من ربّي
أن لا أدع له يداً يستنجي بها ، أو رجلاً يمشي عليها» .
وسأل عبد
اللّٰه بن هلال أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن علّة قطع يده اليمنى
ورجله اليسرى فقال : «ما
أحسن ما سألت؟ إذا قُطِعت يده اليمنى ورجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر ولم يقدر
على القيام ، فإذا قُطِعت يده اليمنى ورجله اليسرى اعتدل واستوى قائماً» .
(ويستحبّ) بعد قطعه (حسمه
بالزيت المغليّ) إبقاءً له ، وليس بواجب؛ للأصل. ومؤونته عليه إن لم يتبرّع به أحد ، أو
يخرجه الحاكم من بيت المال.
(الثانية
عشرة) :
(لو
تكرّرت السرقة) ولم يُرافَع
بينها (فالقطع واحد) لأنّه حدّ فتتداخل أسبابه لو اجتمعت كالزنا وشرب الخمر.
وهل هو
بالاُولى أو الأخيرة؟ قولان .
__________________
وتظهر الفائدة
فيما لو عفا من حكم بالقطع له. والحقّ أنّه يقطع على كلّ حال حتّى لو عفا الأوّل
قُطِع بالثاني ، وبالعكس. هذا إذا أقرّ بها دفعة ، أو شهدت البيّنات بها كذلك.
«ولو شهدا عليه بسرقة ثمّ شهدا عليه
باُخرى قبل القطع فالأقرب عدم تعدّد القطع» كالسابق؛ لاشتراكهما في الوجه ، وهو كونه حدّاً ، فلا يتكرّر بتكرّر سببه
إلى أن يسرق بعد القطع.
وقيل : تقطع
يده ورجله؛
لأنّ كلّ واحدة توجب القطع فتقطع اليد للاُولى والرجل للثانية ، والأصل عدم
التداخل .
ولو أمسكت
البيّنة الثانية حتّى قطعت يده ثمّ شهدت ففي قطع رجله قولان أيضاً
وأولى بالقطع
هنا لو قيل به ثَمَّ.
والأقوى عدم
القطع أيضاً ، لما ذكر ، وأصالة البراءة ، وقيام الشبهة الموجبة لدرء الحدّ. ومستند
القطع رواية بكير بن أعين عن الباقر عليه السلام
وفي الطريق ضعف
.
__________________
(الفصل السادس)
(في المحاربة)
«وهي تجريد السِلاح برّاً أو بحراً
ليلاً أو نهاراً ، لإخافة الناس في مصر وغيره ، من ذكر أو اُنثى قويّ أو ضعيف» من أهل الريبة
أم لا ، قصد
الإخافة أم لا ، على أصحّ الأقوال
لعموم الآية
المتناول لجميع
من ذُكر.
وخالف ابن
الجنيد فخصّ الحكم بالرجال
بناءً على أنّ
الضمير في الآية للذكور ، ودخول الإناث فيهم مجاز.
وفيه ـ مع
تسليمه ـ أنّ في صحيحة محمّد بن مسلم : «مَن
شهر السلاح»
و (من) عامّة حقيقة للذكور والإناث.
__________________
والشيخان حيث
شرطا كونه من أهل الريبة
وعموم النصّ
يدفعه.
وأخذ «تجريد
السلاح» تبع فيه الخبر
وإلّا فالأجود
عدم اعتباره. فلو اقتصر على الحجر والعصا والأخذ بالقوّة فهو محارب؛ لعموم الآية.
وشمل إطلاقه
كغيره الصغير والكبير؛ لعموم الأدلّة.
ويشكل في
الصغير بأنّ الحدّ مشروط بالتكليف خصوصاً القتل. وشرط ابن الجنيد فيه البلوغ
ورجّحه المصنّف
في الشرح
وهو حسن.
(لا
الطليع) للمحارب ، وهو الذي يرقب له من يمرّ بالطريق فيُعلمه به
، أو يرقب له من يخاف عليه منه فيحذّره منه (والرِدء) بكسر الراء فسكون الدال فالهمز ، وهو المعين له في ما يحتاج إليه من غير أن
يباشر متعلِّق المحاربة ما فيه أذى الناس ، وإلّا كان محارباً.
(ولا
يشترط) في تحقّق المحاربة (أخذ النصاب) ولا الحِرز ، ولا أخذ شيء؛ للعموم.
(وتثبت) المحاربة (بشهادة) ذكرين (عدلين
، وبالإقرار) بها (ولو مرّة) واحدة؛ لعموم (إقرار
العقلاء على أنفسهم جائز)
خرج منه ما
اشترط فيه التكرار بدليل خارج ، فيبقى غيره على العموم؛ مع كمال المقرّ
__________________
وحرّيّته واختياره.
(ولا
تُقبل شهادة بعض المأخوذين لبعض) للتهمة. نعم ، لو شهد اثنان على بعض اللصوص أنّهم أخذوا مال
غيرهما وشهد
ذلك الغير على بعض آخر غير الأوّل أنّه أخذ الشاهدين حُكِم بالجميع؛ لعدم التهمة ،
وكذا لو قال الشاهدان : عرضوا لنا جميعاً وأخذوا هؤلاء خاصّة.
حد المحارب
(والحدّ) للمحارب (القتل
أو الصلب أو قطع يده اليمنى ورجله اليسرى) للآية
الدالّة ب (أو) على التخيير وإن احتملت غيره؛ لما روي صحيحاً أنّ (أو) في القرآن للتخيير حيث وقع
ولحسنة جميل بن
درّاج عن الصادق عليه السلام حيث سأله عن قوله تعالى : (إِنَّمٰا
جَزٰاءُ اَلَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اَللّٰهَ وَرَسُولَهُ) الآية وقال : «أيّ
شيء عليه من هذه الحدود التي سمّى اللّٰه؟ قال عليه السلام : ذلك إلى الإمام
إن شاء قطع ، وإن شاء صَلَب ، وإن شاء نفى ، وإن شاء قتل. قلت : يُنفى إلى أين؟
قال عليه السلام : من مصر إلى آخر. وقال : إنّ عليّاً عليه السلام نفى رجلين من
الكوفة إلى البصرة)
ومثله حسنة
بريد ـ أو صحيحته ـ عنه عليه السلام .
ولم يذكر
المصنّف هنا النفي ، ولا بدّ منه؛ لأنّه أحد أفراد الواجب المخيّر في
__________________
الآية والرواية. وليس
في المسألة قول ثالث يشتمل على تركه ، ولعلّ تركه سهو.
نعم ، لو قتل
المحاربُ تعيّن قتله ولم يُكتَف بغيره من الحدود ، سواء قَتَل مكافئاً أم لا ، وسواء
عفا الوليّ أم لا ، على ما ذكره جماعة من الأصحاب
وفي بعض أفراده
نظر.
(وقيل) والقائل الشيخ
وجماعة
: إنّ ذلك لا
على جهة التخيير ، بل (يُقتل
إن قتل قَوَداً) إن طلب الوليّ
قتله (أو
حدّاً) إن عفا عنه أو لم يطلب.
(وإن
قتل وأخذ المال قُطع مخالفاً ، ثمّ قُتِل وصُلِب) مقتولاً.
(وإن
أخذ المال لا غير) قليلاً كان أم
كثيراً من حرز وغيره (قُطِع
مخالفاً ونُفي) ولا يقتل.
(ولو
جرح ولم يأخذ مالاً) ولا قتل نفساً
ولو بسراية جراحته (اقتصّ
منه) بمقدار الجرح (ونُفي).
(ولو
اقتصر على شهر السلاح والإخافة) فلم يأخذ مالاً ولم يقتل ولم يجرح (نُفي لا غير).
ومستند هذا
التفصيل روايات
لا تخلو من ضعف
في سند وجهالة
__________________
واختلاف في متن ، تقصر بسببه عن إفادة ما يوجب الاعتماد عليه؛ ومع ذلك لم
يجتمع جميع ما ذُكر من الأحكام في رواية منها ، وإنّما يتلفّق كثير منه من الجميع
، وبعضه لم نقف عليه في رواية.
وبسبب ذلك
اختلف كلام الشيخ رحمه الله أيضاً ، ففي النهاية ذكر قريباً ممّا ذكر هنا
وفي الخلاف
أسقط القطع على تقدير قتله وأخذه المال
ولم يذكر حكم
ما لو جَرح. ولكن يمكن استفادة حكمه من خارج ، فإنّ الجارح عمداً يُقتصّ منه
مطلقاً ، فالمحارب أولى ، ومجرّد المحاربة يجوّز النفي ، وهي حاصلة معه .
لكن فيه : أنّ
القصاص حينئذٍ ليس حدّاً ، فلا وجه لإدخاله في بابه ، ولو لوحظ جميع ما يجب عليه
لقيل مع أخذه المال : إنّه يؤخذ منه عينه أو مثله أو قيمته ، مضافاً إلى ما يجب
عليه ، وهو خروج عن الفرض ، أو قصور في الاستيفاء.
وفي هذا
التقسيم مع ذلك تجاوز لما يوجد في الروايات ، وليس بحاصر للأقسام ، فإنّ منها : أن
يجمع بين الاُمور كلّها ، فيقتل ويجرح آخرَ ويأخذ المال ، وحكمه ـ مضافاً إلى ما
سبق ـ أن يقتصّ منه للجرح قبل القتل ، ولو كان في اليد أو الرجل فقبل القطع أيضاً.
ومنها : ما لو أخذ المال وجرح. ومنها : ما لو قتل وجرح ولم يأخذ المال ، وحكمهما
الاقتصاص للجرح والقطع في الاُولى والقتل في الثانية.
(ولو
تاب) المحارب (قبل القدرة عليه سقط الحدّ) من القتل والقطع والنفي (دون
حقّ الآدمي) من القصاص في النفس والجرح والمال (وتوبته
__________________
بعد
الظفر) أي ظفر الحاكم به (لا أثر لها في) إسقاط (حدّ
أو غُرم) لمال (أو
قصاص) في نفس أو طَرَف أو جَرح ، بل يستوفى منه جميع ما تقرّر.
(وصلبه) على تقدير اختياره
أو وجود مرتبته
في حال
كونه (حيّاً أو مقتولاً
على اختلاف القولين) فعلى الأوّل
الأوّل ، وعلى الثاني الثاني.
(ولا
يترك) على خشبته حيّاً أو ميّتاً أو بالتفريق (أزيد من ثلاثة) أيّام من حين صلبه ولو ملفّقة.
والظاهر أنّ
الليالي غير معتبرة. نعم ، تدخل الليلتان المتوسّطتان تبعاً للأيّام؛ لتوقّفها
عليهما ، فلو صُلب أوّل النهار وجب إنزاله عشيّة الثالث؛ مع احتمال اعتبار ثلاث
ليال مع الأيّام بناءً على دخولها في مفهومها.
(ويُنزل) بعد الثلاثة أو قبلها (ويُجهّز) بالغسل والحنوط والتكفين إن صُلب ميّتاً أو اتّفق موته في الثلاثة ، وإلّا
جُهز عليه قبل تجهيزه.
(ولو
تقدّم غسله وكفنه) وحنوطه قبلَ
موته (صُلِّي
عليه) بعد إنزاله (ودُفن).
(ويُنفى) على تقدير اختيار نفيه أو وجود مرتبته (عن بلده) الذي هو بها إلى غيرها
(ويُكتب
إلى كلّ بلد يصل إليه بالمنع من مجالسته ومؤاكلته ومبايعته) وغيرها من المعاملات إلى أن يتوب ، فإن لم يتب استمرّ
__________________
النفي إلى أن يموت.
(ويُمنع
من) دخول (بلاد
الشرك فإن مَكّنوه) من الدخول (قُوتلوا حتّى
يُخرجوه) وإن كانوا أهل ذمّة أو صلح.
(واللُصّ
محارب) بمعنى أنّه بحكم المحارب في أنّه (يجوز دفعه) ولو بالقتال (ولو
لم يندفع إلّابالقتل كان) دمه (هَدْراً) أمّا لو تمكّن الحاكم منه لم يحدّه حدَّ المحارب مطلقاً
وإنّما اُطلق
عليه اسم المحارب تبعاً لإطلاق النصوص
نعم ، لو تظاهر
بذلك فهو محارب مطلقاً وبذلك قيّده المصنّف في الدروس
وهو حسن.
(ولو
طلب) اللُصّ (النفس وجب) على المطلوب نفسه (دفعه
إن أمكن) مقتصراً فيما يندفع به على الأسهل فالأسهل ، فإن لم
يندفع إلّابقتله فَهَدْر (وإلّا) يمكن دفعه (وجب
الهرب) لأنّه أحد أفراد ما يُدفع به عن النفس الواجب حفظها.
وفي حكم طلبه
النفس طلبه الفساد بالحريم في وجوب دفعه مع الإمكان.
ويفهم منه أنّه
لو اقتصر على طلب المال لم يجب دفعه وإن جاز. وسيأتي البحث في ذلك كلّه.
(ولا
يُقطع المختلس) وهو الذي يأخذ
المال خُفية من غير الحرز (ولا
المستلب) وهو الذي يأخذه جهراً ويهرب مع كونه غير محارِب (ولا المحتال على) أخذ (الأموال
بالرسائل الكاذبة) ونحوها (بل
__________________
يُعزّر) كلّ واحد منهم بما يراه الحاكم؛ لأنّه فعل محرّم لم
ينصّ الشارع على حدّه.
وقد روى أبو
بصير عن أحدهما عليهما السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «لا
أقطع في الدغارة المعلنة ـ وهي الخُلْسة ـ ولكن اُعزّره»
وفي حسنة
الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام : قطع من أخذ المال بالرسائل الكاذبة
وإن حملته عليه الحاجة
وحملها الشيخ
على قطعه حدّاً لإفساده ، لا لأنّه سارق
مع أنّ الرواية
صريحة في قطعه للسرقة.
(ولو
بنّج) غيرَه أي أطعمه البنج حتّى ذهب عقله ، عبثاً أو لغرض (أو سقى مُرقِداً
وجنى) على المتناول بسببه (شيئاً ضمن) ما جناه (وعُزِّر) على فعله المحرَّم. ويُستثنى من ذلك ما لو استعمله للدواء ، فإنّه جائز حيث
يتوقّف عليه ، لمكان الضرر ، أو يكون قدراً لا يضرّ بالمزاج.
__________________
(الفصل السابع)
(في عقوبات متفرّقة)
(فمنها
: إتيان البهيمة) :
وهي ذات الأربع
من حيوان البرّ والبحر.
وقال الزجّاج :
هي ذات الروح التي لا تُميّز ، سُمّيت بذلك لذلك
وعلى الأوّل
فالحكم مختصّ بها ، فلا يتعلّق الحكم بالطير والسمك ونحوهما وإن حرم الفعل وعلى
الثاني يدخل. والأصل يقتضي الاقتصار على ما تحقّق دخوله خاصّة ، والعرف يشهد له.
(إذا
وطئ البالغ العاقل بهيمة عُزّر واُغرم ثمنها) وهو قيمتها حين الوطء لمالكها إن لم تكن ملكاً للفاعل (وحرم أكلها إن كانت
مأكولة) أي مقصودة بالأكل عادة كالنِعَم الثلاثة (ونسلُها) المتجدّد بعد الوطء ، لا الموجود حالته وإن كان حملاً على الأقوى. وفي حكمه
ما يتجدّد من الشَعر والصوف واللبن والبيض (ووجب ذبحها وإحراقها) لا لكونه عقوبة لها ، بل
__________________
إمّا لحكمة خفيّة ، أو مبالغة في إخفائها
لتُجنَّب
إذ يحتمل
اشتباه لحمها بغيره لولا الإحراق ، فيحلّ على بعض الوجوه .
(وإن
كانت غير مأكولة) أصلاً أو عادةً
والغرض الأهمّ غيره ـ كالفيل والخيل والبغال والحمير ـ (لم تُذبح) وإن حرم لحمها على الأقوى (بل تُخرج من بلد الواقعة ) إلى غيره قريباً كان أم بعيداً على الفور.
وقيل : يشترط
بُعد البلد بحيث لا يظهر فيه خبرها عادةً
وظاهر التعليل
يدلّ عليه ، ولو
عادت بعد الإخراج إلى بلد الفعل لم يجب إخراجها؛ لتحقّق الامتثال (وتباع) بعد إخراجها أو قبلَه إن لم يناف الفوريّة.
إمّا تعبّداً
أو لئلّا
يُعيَّر فاعلها بها ، أو مالكها.
(وفي
الصدقة به) أي بالثمن الذي
بيعت به ـ المدلول عليه بالبيع ـ عن المالك إن كان هو الفاعل ، وإلّا عن الفاعل (أو إعادته على
الغارم) وهو المالك لكونه غارماً للبهيمة
أو الفاعل
لكونه غارماً للثمن (وجهان)
__________________
بل قولان
:
ووجه الأوّل : كون
ذلك عقوبة على الجناية ، فلو اُعيد إليه الثمن لم تحصل العقوبة ، ولتكون
الصدقة مكفّرة
لذنبه.
وفيه نظر؛ لأنّ
العقوبة بذلك غير متحقّقة ، بل الظاهر خلافها؛ لتعليل بيعها في الأخبار في بلد لا
تعرف فيه كي لا يعيَّر بها
وعقوبة الفاعل
حاصلة بالتعزير ، وتكفير الذنب متوقّف على التوبة وهي كافية.
ووجه الثاني : أصالة
بقاء الملك على مالكه ، والبراءة من وجوب الصدقة ، والأخبار خالية عن تعيين ما
يُصنع به
وكذا عبارة
جماعة من الأصحاب .
ثمّ إن كان
الفاعل هو المالك فالأصل في محلّه ، وإن كان غيره فالظاهر أنّ تغريمه القيمة يوجب
ملكه لها ، وإلّا لبقي الملك بغير مالك ، أو جمع للمالك بين العوض والمعوض وهو غير
جائز.
وفي بعض
الروايات : «ثمنها»
ـ كما عبّر
المصنّف
ـ وهو عوض المثمن
المقتضي لثبوت معاوضته ، وهو السرّ في تخصيص المصنّف لهذه العبارة.
__________________
وفي بعض
الروايات : (قيمتها)
وهي أيضاً عوض.
وهذا هو الأجود.
ثمّ إن كان
بقدر ما غرمه للمالك أو أنقص فالحكم واضح. ولو كان أزيد فمقتضى المعاوضة أنّ
الزيادة له؛ لاستلزامها انتقال الملك إلى الغارم كما يكون النقصان عليه.
ويحتمل دفعها
إلى المالك؛ لأنّ الحيوان ملكه وإنّما اُعطي عوضه للحيلولة ، فإذا زادت قيمته كانت
له لعدم تحقّق الناقل للملك ، ولأنّ إثبات الزيادة للفاعل إكرام ونفع لا يليقان
بحاله.
وفي المسألة
احتمال ثالث ، وهو الصدقة بالزائد عمّا غرم وإن لم نوجبها في الأصل؛ لانتقالها
عن ملك المالك
بأخذ العوض ، وعدم انتقالها
إلى ملك
الفاعل؛ لعدم وجود سبب الانتقال ، وردّ ما غرم إليه لا يقتضي ملك الزيادة ، فتتعيّن
الصدقة.
ويدلّ على عدم
ملكهما عدم اعتبار إذنهما في البيع.
ويُضعَّف
باستلزامه بقاء ملك بلا مالك ، وأصالة عدم انتقاله بعد تحقّقه في الجملة وإن لم
يتعيّن. وعدم استئذانهما بحكم الشارع لا ينافي الملك كما في كثير من موارد
المعاوضات الإجباريّة.
وعلى تقدير
انتقالها إلى الفاعل ففي وقت الانتقال وجهان :
__________________
أحدهما : أنّه
بمجرّد الفعل؛ لأنّه السبب التامّ في الغُرم فيكون هو الناقل ، ولاعتبار قيمتها
عنده.
والثاني : كونه
وقت دفع العوض ليتحقّق به المعاوضة الإجباريّة.
وتظهر الفائدة
فيما لو تلفت قبل دفع العوض ، فعلى الأوّل يكون من مال الفاعل ، وعلى الثاني من
المالك. وفيما لو جُني عليها قبلَه ، فالأرش للفاعل على الأوّل ، وللمالك على
الثاني.
أمّا مؤونتها
بعد دفع العوض إلى زمن البيع في غير البلد وأرشُها ونماؤها فللفاعل إن قلنا بملكه
بدفع العوض
وكذا تلفها قبل
البيع ، فإنّه عليه على كلّ حال.
واحترز بالبالغ
العاقل عن الطفل والمجنون ، فلا يتعلّق بهما جميع هذه الأحكام وإن تعلّق بهما
بعضها.
أمّا التحريم : فالظاهر تعلّقه بمطلق
الذكر ، كما سلف .
وأمّا الحدّ : فينتفي
عن غير المكلّف وإن اُدِّب. ويلزم من تحريمها : وجوب إتلافها؛ لئلّا تشتبه كما هو
الحكمة فيه ، فيستوي فيه الجميع أيضاً.
وبقي بيع ما لا
يقصد لحمه وإخراجه وهو منفيّ في فعل الصغير؛ لأنّ الحكم معلَّق في النصوص على فعل
الرجل وظاهر الفتوى
يوافقه.
وأمّا المجنون
فإنّ (الرجل) يتناوله ، والتقييد بالبالغ العاقل يخرجه. ولعلّ
__________________
اقتران الحكم في النصوص المعبّر فيها بالرجل بالحدّ قرينة إرادة المكلّف ، فيخرج
المجنون. وهذا أجود ، وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع اليقين.
أمّا وطء
الخنثى فلا يتعلّق به حكم ، وهو وارد على تعبير المصنّف ـ فيما سبق
ـ الحكم
بالتحريم على وطء الإنسان.
ولا فرق في
الموطوء بين الذكر والاُنثى ، ولا بين وطء القبل والدبر.
ولو انعكس
الحكم بأن كان الآدمي هو الموطوء فلا تحريم للفاعل ولا غيره من الأحكام؛ للأصل.
وحيث يُحكم
بتحريم موطوء الطفل أو المجنون يلزمهما قيمته؛ لأنّه بمنزلة الإتلاف ، وحكمه غير
مختصّ بالمكلّف ، فإن كان لهما مال ، وإلّا اُتبعا به بعد اليسار.
ولو كان
المقصود منه الظهر فلا شيء عليهما ، إلّاأن يوجب نقص القيمة ، لتحريم لحمه أو
لغيره ، فيلزمهما الأرش.
ولو كان الواطئ
بالغاً وبيع في غير البلد لغير العالم بالحال فعلم احتُمل قويّاً جواز الفسخ مع
استلزامه نقص القيمة بالنسبة إلى العالم؛ لأنّه حينئذٍ عيب.
(والتعزير) الثابت على الفاعل (موكول
إلى) نظر (الإمام
عليه السلام) أو من قام
مقامه كما في كلّ تعزير لا تقدير له شرعاً. وقد ورد مطلقاً في كثير من الأخبار .
__________________
(وقيل) والقائل الشيخ : إنّ قدره (خمسة وعشرون سوطاً)
لحسنة عبد
اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام
ورواية إسحاق
بن عمّار عن الكاظم عليه السلام
والحسن بن خالد
عن الرضا عليه السلام .
(وقيل) : يُحدّ (كمال
الحدّ) مئة جلدة حدَّ الزاني
لصحيحة أبي
بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل أتى بهيمة فأولج ، قال : (عليه الحدّ)
وفي اُخرى (حدّ الزاني) .
(وقيل
: القتل)
لصحيحة جميل بن
درّاج «عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام
في رجل أتى بهيمة؟ قال : يقتل» .
وجمع الشيخ في
الاستبصار بين هذه الأخبار بحمل التعزير على ما إذا كان الفعل دون الإيلاج ، والحد
إذا أولج حدّ الزاني وهو الرجم أو القتل إن كان محصناً والجلد إذا لم يكن محصناً ،
وبحمل أخبار القتل على ما إذا تكرّر منه الفعل ثلاثاً مع تخلّل التعزير؛ لما رُوي
من قتل أصحاب الكبائر مطلقاً إذا اُقيم عليهم الحدّ
__________________
مرّتين
والتعزير يُطلق
عليه الحدّ
لكن يبقى على
الثاني
خبر الحدّ
منافياً للتعزير بما دونه.
(ويثبت) هذا الفعل (بشهادة
عدلين ، وبالإقرار مرّة) في جميع الأحكام (إن
كانت الدابّة له) لعموم «إقرار
العقلاء على أنفسهم جائز»
خرج منه ما
افتقر إلى التعدّد بنصّ خاصّ
فيبقى غيره.
(وإلّا) تكن الدابّة له (ف) الثابت بالإقرار مطلقاً (التعزير) خاصّة دون غيره من الأحكام المذكورة؛ لأنّه إقرار في حقّ الغير فلا يُسمع (إلّا أن يصدّقه
المالك) فتثبت باقي الأحكام؛ لزوال المانع من نفوذه حينئذٍ. هذا
بحسب الظاهر.
أمّا في نفس
الأمر فإن كانت له ، هل يجب عليه فعل ما ذكر من الذبح والإحراق؟ الظاهر ذلك؛
لقولهم عليهم السلام في الرواية السابقة : «إن
كانت البهيمة للفاعل ذُبِحت ، فإذا ماتت اُحرِقت بالنار ولم يُنتفع بها» .
ولو لم تكن
مأكولة ففي وجوب بيعها خارجَ البلد وجهان : أجودهما العدم؛
__________________
للأصل ، وعدم دلالة النصوص عليه ، وللتعليل بأنّ بيعها خارجه ليخفى خبرها
وهو مخفيّ هنا.
ولو كانت لغيره
، فهل يثبت عليه الغرم ويجب عليه التوصّل إلى إتلاف المأكولة بإذن المالك ولو بالشراء
منه؟ الظاهر العدم.
نعم ، لو صارت
ملكه بوجه من الوجوه وجب عليه إتلاف المأكولة؛ لتحريمها في نفس الأمر. وفي وجوب
كونه بالذبح ثمّ الإحراق وجه قويّ. ولو لم تنتقل إلى ملكه لكن ذبحها المالك أو
غيره لم يحلّ للفاعل الأكل من لحمها لعلمه بتحريمه. وكذا القول في نسلها ولبنها
ونحوه.
(ومنها
: وطء الأموات) زناً ولواطاً :
(وحكمه
حكم الأحياء) في الحدّ
والشرائط (و) يزيد هنا أنّه (تغلظ) عليه (العقوبة) بما يراه الحاكم (إلّاأن
تكون) الموطوءة (زوجته) أو أمته المحلّلة له
(فيعزّر) خاصّة ، لتحريم وطئها ، ولا يُحدّ؛ لعدم الزنا ، إذ لم تخرج بالموت عن
الزوجيّة ، ومن ثَمّ جاز له تغسيلها.
(ويثبت) هذا الفعل (بأربعة) شهود ذكور (على
الأقوى) كالزنا واللواط؛ لأنّه زنا ولواط في الجملة ، بل أفحش ، فيتناوله
عموم أدلّة توقّف ثبوته على الأربعة .
__________________
وقيل : يثبت
بشهادة عدلين؛ لأنّه شهادة على فعل واحد يوجب حدّاً واحداً كوطء البهيمة ، بخلاف
الزنا واللواط بالحيّ ، فإنّه يوجب حدّين فاعتُبر فيه الأربعة؛ لأنّها شهادة على
اثنين .
وفيه نظر؛
لانتقاضه بالوطء الإكراهي والزنا بالمجنونة ، فإنّه كذلك مع اشتراط الأربعة
إجماعاً. والمتحقّق اعتبار الأربعة من غير تعليل ، بل في كثير من النصوص
ما ينافي
تعليله ، وإنّ توقّف الزنا على الأربعة والقتل على الاثنين ـ مع أنّه أعظم ـ دليلٌ
على بطلان القياس.
والإقرار فرع
الشهادة ، فحيث اعتبرنا الأربعة يثبت بها (أو إقراره أربع) مرّات بشرائطها السابقة. ومن اكتفى بالشاهدين اكتفى بالإقرار مرّتين.
وحيث ألحقنا
الميّت بالحيّ ، فما يثبت بشهادة النساء في الزنا بالحيّة يثبت هنا على الأقوى؛
للعموم
مع احتمال
العدم؛ لقيام الشبهة الدارئة للحدّ ، وما تقدّم .
(ومنها
: الاستمناء) :
وهو استدعاء
إخراج المنيّ (باليد) أي يد المستمني (وهو) حرام
__________________
(يوجب
التعزير) بما يراه الحاكم ، لقوله تعالى :(وَاَلَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ * إِلاّٰ عَلىٰ
أَزْوٰاجِهِمْ) إلى قوله : (فَمَنِ
اِبْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ
اَلعٰادُونَ ) وهذا الفعل ممّا وراء ذلك. وعن النبيّ صلى الله عليه وآله
أنّه لعن الناكح كفَّه
وفي معنى اليد
إخراجه بغيرها من جوارحه وغيرها ممّا عدا الزوجة والمملوكة.
وفي تحريمه بيد
زوجته ومملوكته المحلَّلة له وجهان : من وجود المقتضي للتحريم وهو إخراج المنيّ
وتضييعه بغير الجماع وبه قطع العلّامة في التذكرة
ومن منع كون
ذلك هو المقتضي ، وعدم تناول الآية والخبر له؛ إذ لم يخصّ حفظ الفرج في الزوجة
وملك اليمين بالجماع ، فيتناول محلّ النزاع.
وفي تعدّي
التحريم إلى غير أيديهما من بدنهما غير الجماع احتمال. وأولى بالجواز هنا لو قيل
به ثَمَّ؛ لأنّه ضرب من الاستمتاع.
(ورُوي) بسند ضعيف
عن أبي جعفر
وأبي عبد اللّٰه عليهما السلام (أنّ عليّاً عليه السلام ضرب يده)
أي يد رجل
استمنى بيده. وفي الاُخرى : عبث بذكره إلى أن أنزل (حتّى احمرّت) يده من الضرب (وزوَّجه
من بيت المال)
__________________
وهو ـ مع ما في سنده ـ حكم في واقعة مخصوصة بما رآه ، لا أنّ ذلك تعزيره
مطلقاً.
(ويثبت) ذلك (بشهادة
عدلين والإقرار مرّة) واحدة؛ لعموم
الخبر إلّا ما أخرجه الدليل من اعتبار العدد ، وهو هنا منفيّ. وقال
ابن إدريس : يثبت بالإقرار مرّتين
وظاهره أنّه لا
يثبت بدونه ، فإن أراد ذلك فهو ضعيف؛ لما ذكرناه.
(ومنها
: الارتداد) :
(وهو
الكفر بعد الإسلام ، أعاذنا اللّٰه ممّا يوبق الأديان) والكفر يكون بنيّةٍ
وبقولٍ كفرٍ ، وفعلٍ
مُكفِّر.
فالأوّل : العزم
على الكفر ولو في وقت مترقَّب. وفي حكمه التردّد فيه.
والثاني : كنفي
الصانع لفظاً ، أو الرُسُل ، وتكذيب رسولٍ ، وتحليل محرّم بالإجماع كالزنا ، وعكسه
كالنكاح ، ونفي وجوب مجمع عليه كركعة من الصلوات الخمس ، وعكسه كوجوب صلاة سادسة
يوميّة.
والضابط : إنكار
ما علم من الدين ضرورة. ولا فرق في القول بين وقوعه عناداً أو اعتقاداً أو
استهزاءً ، حملاً على الظاهر. ويمكن ردّ هذه الأمثلة إلى الأوّل حيث يعتقدها من
غير لفظ.
والثالث : ما
تعمّده استهزاءً صريحاً بالدين ، أو جحوداً له ، كإلقاء مصحف
__________________
أو بعضه بقاذورة قصداً ، وسجودٍ لصنم.
ويعتبر فيما
خالف الإجماع : كونه ممّا ثبت حكمه في دين الإسلام ضرورةً كما ذكر لخفاء كثير من
الإجماعيّات على الآحاد ، وكون الإجماع من أهل الحلّ والعقد من المسلمين ، فلا
يكفر المخالف في مسألة خلافيّة وإن كان نادراً.
وقد اختلف
عبارات الأصحاب وغيرهم
في هذا الشرط ،
فاقتصر بعضهم على اعتبار مطلق الإجماع
وآخرون على
إضافة ما ذكرناه
وهو الأجود. وقد
يتّفق للشيخ رحمه الله الحكم بكفر مستحلّ ما خالف إجماعنا خاصّة كما تقدّم نقله
عنه في باب الأطعمة
وهو نادر.
وفي حكم الصنم
ما يُقصد به العبادة للمسجود له ، فلو كان مجرّد التعظيم مع اعتقاد عدم استحقاقه
للعبادة لم يكن كفراً ، بل بدعة قبيحة وإن استحقّ التعظيم بغير هذا النوع؛ لأنّ
اللّٰه تعالى لم ينصب السجود تعظيماً لغيره.
(ويقتل) المرتدّ (إن
كان) ارتداده (عن فطرة) الإسلام؛ لقوله صلى الله عليه وآله : «من
بدّل دينه فاقتلوه» .
وصحيحة محمّد
بن مسلم عن الباقر عليه السلام : «من رغب عن الإسلام وكفر
__________________
بما اُنزل على محمّد صلى الله عليه وآله بعد إسلامه فلا توبة له ، وقد وجب
قتله وبانت منه امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده» .
وروى عمّار عن
الصادق عليه السلام قال : «كلّ
مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام وجحد محمّداً صلى الله عليه وآله نبوّته وكذّبه
، فإنّ دمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتدّ فلا تقربه ،
ويُقسم ماله على ورثته ، وتعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وعلى الإمام أن
يقتله ولا يستتيبه» .
(ولا
تقبل توبته) ظاهراً؛ لما
ذكرناه وللإجماع ، فيتعيّن قتله مطلقاً. وفي قبولها باطناً قول قويّ
حذراً من تكليف
ما لا يطاق لو كان مكلَّفاً بالإسلام ، أو خروجه عن التكليف ما دام حيّاً كاملَ
العقل ، وهو باطل بالإجماع. وحينئذٍ فلو لم يطّلع عليه أحد أو لم يُقدَر على قتله
أو تأخّر قتله بوجهٍ وتاب قُبلت توبته فيما بينه وبين اللّٰه تعالى ، وصحّت
عباداته ومعاملاته ، وطهر بدنه ، ولا يعود ماله وزوجته إليه بذلك ، عملاً
بالاستصحاب. ولكن يصحّ له تجديد العقد عليها بعد العدّة. وفي جوازه فيها وجه ، كما
يجوز للزوج العقد على المعتدّة منه بائناً.
وبالجملة ، فيُقتصر
من الأحكام بعد توبته على الاُمور الثلاثة
في حقّه وحقّ
غيره ، وهذا أمر آخر وراء القبول باطناً.
__________________
(وتبين
منه زوجته ، وتعتدّ للوفاة) وإن لم يدخل على الأصحّ؛ لما تقدّم
(وتورث
أمواله) الموجودة حالة الردّة (بعد قضاء ديونه) السابقة عليها (وإن
كان) حيّاً (باقياً) لأنّه في حكم الميّت في ذلك.
وهل يلحقه باقي
أحكامه : من إنفاذ وصاياه السابقة على الردّة ، وعدم قبوله التملّك بعدها؟ نظر من
مساواته له في الأحكام ، وكونه حيّاً ولا يلزم من مساواته الميّت في جملة من
الأحكام إلحاقه به مطلقاً. ولو أدخلنا المتجدّد في ملكه ـ كالاحتطاب والاحتشاش ـ صار
إرثاً؛ وعلى هذا لا ينقطع إرثه ما دام حيّاً ، وهو بعيد. ومعه ففي اختصاص وارثه
عند ارتداده به أو عند التكسّب؟ وجهان .
ويعتبر في
تحقّق الارتداد البلوغ والعقل والاختيار. (ولا حكم لارتداد الصبيّ ، والمجنون ،
والمكرَه) لكن يؤدَّب الأوّلان.
والسكران في
حكم المجنون ، فلا يرتدّ بتلفّظه حالته بكلمة الكفر ، أو فعله ما يوجبه. كما لا
يُحكم بإسلامه بكلمة الإسلام لو كان كافراً. وإلحاقه بالصاحي في وجوب قضاء
العبادات لا يوجب إلحاقه به مطلقاً مع العلم بزوال عقله الرافع للخطاب.
__________________
وكذا لا حكم
لردّة الغالط والغافل والساهي والنائم ، ومن رفع الغضبُ قصدَه ،. وتقبل دعوى ذلك
كلّه ، وكذا الإكراه مع القرينة كالأسر.
وفي قبول دعوى
عدم القصد إلى مدلول اللفظ مع تحقّق الكمال نظر ، من الشبهة الدارئة للحدّ ، وكونه
خلاف الظاهر.
(ويستتاب) المرتدّ (إن
كان) ارتداده (عن كفر) أصليّ (فإن
تاب ، وإلّا قُتل. ومدّة الاستتابة ثلاثة أيّام في المرويّ) عن الصادق عليه السلام
بطريق ضعيف
والأقوى
تحديدها بما يؤمَّل معه عوده. ويُقتل بعد اليأس منه وإن كان من ساعته.
ولعلّ الصبر
عليه ثلاثة أيّام أولى رجاءً لعوده ، وحملاً للخبر على الاستحباب.
(و) المرتدّ عن ملّة (لا
يزول ملكه عن أمواله إلّابموته) ولو بقتله ، لكن يُحجر عليه بنفس الردّة عن التصرّف فيها ويدخل في ملكه ما
يتجدّد ، ويتعلّق به الحجر ، ويُنفَق عليه منه ما دام حيّاً (و) كذا (لا) تزول (عصمة
نكاحه إلّاببقائه على الكفر بعد خروج العدّة) التي تعتدّها زوجته من حين ردّته (وهي عدّة الطلاق) فإن خرجت ولمّا يرجع بانت منه (وتؤدّي نفقة واجب النفقة) عليه : من والد وولد وزوجة ومملوك (من ماله) إلى أن يموت.
__________________
(ووارثهما) أي المرتدّين فطريّاً وملّيّاً ورثتهما (المسلمون ، لا بيت المال) عندنا؛ لما تقدّم
(ولو
لم يكن) لهما (وارث) مسلم (فللإمام
) ولا يرثهما الكافر مطلقاً؛ لأنّهما مرتبةً فوق الكافر ودون المسلم.
(والمرأة
لا تُقتل وإن كانت) ردّتها (عن فطرة ، بل تُحبس
دائماً ، وتُضرب أوقات الصلوات) بحسب ما يراه الحاكم (وتُستعمل) في الحبس (في
أسوأ الأعمال ، وتُلبس أخشن الثياب) المتّخذة للبس عادة (وتُطعم
أجشب الطعام) وهو ما غلظ منه وخشن قاله ابن الأثير
ويعتبر فيه
عادتها ، فقد يكون الجشب حقيقة في عادتها صالحاً وبالعكس. يفعل بها ذلك كلّه (إلى أن تتوب ، أو
تموت) لصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام
وغيرها في المرتدّة عن الإسلام قال عليه السلام : «لا
تُقتل ، وتُستَخدم خدمة شديدة ، وتُمنع من الطعام والشراب إلّاما يُمسِك نفسَها ، وتُلبَس
خشن الثياب ، وتُضرب على الصلوات» .
وفي خبر آخر
عنه عليه السلام : «المرأة تُستتاب فإن تابت ، وإلّا حُبست
في السجن واُضِرّ بها» .
__________________
ولا فرق فيها
بين الفطريّة والملّيّة.
وفي إلحاق
الخنثى بالرجل أو المرأة وجهان ، تقدّما في الإرث
وأنّ الأظهر
إلحاقه بالمرأة.
(ولو
تكرّر الارتداد) والاستتابة من
الملّي (قُتِل
في الرابعة) أو الثالثة على
الخلاف السابق
لأنّ الكفر
باللّٰه تعالى أكبر الكبائر ، وقد عرفت أنّ أصحاب الكبائر يُقتلون في
الثالثة
ولا نصّ هنا
بالخصوص. والاحتياط في الدماء يقتضي قتله في الرابعة.
(وتوبته
الإقرار بما أنكره) فإن كان
الإنكار للّٰهأو
للرسول فإسلامه
بالشهادتين. ولا يُشترط التبرّي من غير الإسلام وإن كان آكد. وإن كان مقرّاً بهما
منكراً عموم نبوّته صلى الله عليه وآله لم تكفِ الشهادتان ، بل لا بدّ من الإقرار
بعمومها. وإن كان بجحد فريضة عُلم ثبوتها من الدين ضرورة فتوبته الإقرار بثبوتها
على وجهها. ولو كان باستحلال محرَّم فاعتقاد تحريمه مع إظهاره إن كان أظهر
الاستحلال ، وهكذا ...
(ولا
تكفي الصلاة) في إسلام
الكافر مطلقاً وإن كان يجحدها؛ لأنّ فعلها أعمّ من اعتقاد وجوبها ، فلا يدلّ عليه
وإن كان كفره بجحد الإلهيّة أو الرسالة وسُمِع تشهّده فيها؛ لأنّه لم يوضع شرعاً
ثَمَّ للإسلام ، بل ليكون جزءاً من الصلاة ، وهي لا توجبه ، فكذا جزؤها. بخلاف
قولها منفردة؛ لأنّها موضوعة شرعاً له.
__________________
(ولو
جُنّ بعد ردّته) عن ملّة (لم يُقتل) ما دام مجنوناً؛ لأنّ قتله مشروط بامتناعه من التوبة ولا حكم لامتناع
المجنون. أمّا لو كان عن فطرة قُتل مطلقاً .
(ولا
يصحّ له تزويج ابنته) المولّى عليها
، بل مطلق ولده؛ لأنّه محجور عليه في نفسه فلا تثبت ولايته على غيره ، ولأ نّه
كافر وولاية الكافر مسلوبة عن المسلم.
(قيل
: ولا أمته)
مسلمة كانت
الأمة أم كافرة؛ لما ذُكر في البنت. واستقرب في التحرير بقاء ولايته عليها مطلقاً
مع جزمه في
القواعد بزوالها كالولد
وحكايته هنا
قولاً يشعر بتمريضه ، نظراً إلى الأصل
وقوّة الولاية
المالكيّة مع الشكّ في المزيل. وثبوت الحجر يرفع ذلك كلّه.
(ومنها
الدفاع عن النفس والمال والحريم ) :
وهو جائز في
الجميع مع عدم ظنّ العطب ، وواجب في الأوّل والأخير (بحسب القدرة) ومع العجز يجب الهرب مع الإمكان. أمّا الدفاع عن المال فلا يجب إلّامع
اضطراره إليه. وكذا يجوز الدفع عن غير من ذُكِر مع القدرة.
__________________
والأقرب وجوبه مع أمن الضرر وظنّ السلامة (معتمداً) في الدفاع مطلقاً (على
الأسهل) فالأسهل كالصياح ، ثمّ الخصام ، ثمّ الضرب ، ثمّ الجرح ،
ثمّ التعطيل
ثمّ التدفيف .
ودم المدفوع
هَدْر حيث يتوقّف الدفاع على قتله ، وكذا ما يُتلف من ماله إذا لم يمكن بدونه.
(ولو
قُتِل) الدافع (كان كالشهيد) في الأجر. أمّا في باقي الأحكام ـ من التغسيل والتكفين ـ فكغيره ، ولا
يبدؤه إلّامع العلم أو الظنّ بقصده. ولو كَفَّ كَفَّ عنه ، فإن عاد عاد ، فلو قطع
يده مقبلاً ورِجله مدبراً ضمن الرِجل فإن سَرَتا ضمن النصف قصاصاً أو دية. ولو
أقبل بعد ذلك فقطع عضواً ثالثاً رجع الضمان إلى الثلث.
(ولو
وجد مع زوجته ، أو مملوكته أو غلامه) أو ولده (من
ينال دون الجماع فله دفعه) بما يرجو معه الاندفاع كما مرّ
(فإن
أتى الدفع عليه وأفضى إلى قتله) حيث لم يمكن دفعه بدونه (فهو
هَدْر).
(ولو
قتله في منزله فادّعى) القاتل (إرادة) المقتول (نفسَه
أو مالَه) أو ما يجوز مدافعته عنه وأ نّه لم يندفع إلّابالقتل (فعليه البيّنة أنّ
الداخل كان معه سيف مشهور مقبلاً على ربّ المنزل) وإن لم تشهد بقصده القتل؛ لتعذّر العلم به ، فيكتفى بذلك؛ لدلالة القرائن
عليه المرجّحة لصدق المدّعي.
__________________
(ولو
اطّلع على عورة قوم) ولو على
وجه امرأة ليست
بمحرم للمطّلع (فلهم
زجره ، فإن امتنع) وأصرّ على
النظر جاز لهم رميه بما يندفع به ، فإن فعلوا (فرموه بحصاة ونحوها فجُني عليه كان
هَدْراً) ولو بَدَروه من غير زجر ضمنوه (والرحم) الذي يجوز نظره للمطَّلع عليهم (يُزجر لا غير ، إلّاأن يكون ) المنظور امرأة (مجرّدة
، فيجوز رميه بعد زجره) كالأجنبيّ؛
لمساواته له في تحريم نظر العورة.
ويجب التدرّج
في المرميّ به
من الأسهل إلى الأقوى على وجه ينزجر به ، فإن لم يندفع إلّابرميه بما يقتله فهَدْر.
ولا فرق بين
المطّلع من ملك المنظور وغيره حتّى الطريق وملك الناظر. ولو كان المنظور في الطريق
لم يكن له رمي من ينظر إليه؛ لتفريطه. نعم له زجره؛ لتحريم نظره مطلقاً.
(ويجوز
دفع الدابّة الصائلة عن نفسه ، فلو تلفت بالدفع) حيث يتوقّف عليه (فلا
ضمان) ولو لم تندفع إلّابالقتل جاز قتلها ابتداءً ، ولا ضمان.
(ولو
أدّب الصبيّ) بل مطلق الولد
الصغير (وليُّه
أو الزوجةَ زوجُها فماتا ضمن ديتهما في ماله على قول) جزم به في الدروس
لاشتراط
التأديب بالسلامة.
__________________
ويحتمل عدم
الضمان؛ للإذن فيه فلا يتعقّبه ضمان حيث لا تفريط كتأديب الحاكم ، وكذا معلّم
الصبْية.
(ولو
عضّ على يد غيره فانتزعها فندرت أسنانه) بالنون أي سقطت (فهَدْر) لتعدّيه (وله) أي للمعضوض (التخلّص) منه (باللكم
والجرح ، ثمّ السكّين والخنجر) ونحوها (متدرّجاً) في دفعه (إلى
الأيسر فالأيسر) فإن انتقل إلى
الصعب مع إمكان ما دونه ضمن. ولو لم يندفع إلّابالقتل فعل ولا ضمان.
كتاب القصاص
(كتاب القصاص)
بالكسر ، وهو
اسم لاستيفاء مثل الجناية : من قتل أو قطع أو ضرب أو جرح. وأصله اقتفاء الأثر ، يقال
: قصَّ أثرَه إذا تبعه ، فكأنّ المقتصّ يتبع أثر الجاني فيفعل مثل فعله.
(وفيه
فصول) :
(الأوّل)
(في قصاص النفس)
(وموجبه
: إزهاق النفس) أي إخراجها. قال
الجوهري : زهقت نفسه زهوقاً : أي خرجت
وهو هنا مجاز
في إخراجها عن التعلّق بالبدن؛ إذ ليست داخلة فيه حقيقة كما حقّق في محلّه
(المعصومة) التي لا يجوز إتلافها
__________________
مأخوذ من العَصْم وهو المنع (المكافئة) لنفس المزهق لها في الإسلام والحرّيّة ، وغيرهما من الاعتبارات الآتية (عمداً) قيد في الإزهاق أي إزهاقها في حالة العمد ، وسيأتي تفسيره (عدواناً) احترز به عن نحو المقتول قصاصاً ، فإنّه يصدق عليه التعريف. لكن لا عدوان
فيه ، فخرج به. ويمكن إخراجه بقيد (المعصومة) فإنّ غير المعصوم أعمّ من كونه بالأصل كالحربي ، والعارض كالقاتل على وجهٍ
يوجب القصاص.
ولكنّه أراد ب
(المعصومة) : ما لا يباح إزهاقها للكلّ ، وبالقيد الأخير إخراج ما
يباح قتله بالنسبة إلى شخص دون آخر ، فإنّ القاتل معصوم بالنسبة إلى غير وليّ
القصاص.
ويمكن أن يريد
بالعدوان : إخراج فعل الصبيّ والمجنون ، فإنّ قتلهما للنفس المعصومة المكافئة لا
يوجب عليهما القصاص؛ لأنّه لا يُعدّ عدواناً ، لعدم التكليف وإن استحقّا التأديب
حسماً للجرأة ، فإنّ العدوان هنا بمعنى الظلم المحرَّم وهو منفيّ عنهما.
ومن لاحظ في
العدوان المعنى السابق احتاج في إخراجهما إلى قيد آخر فقال : هو إزهاق البالغ
العاقل النفس المعصومة ....
ويمكن إخراجهما
بقيد العمد ، لما سيأتي من تفسيره بأ نّه قصد البالغ ... وهو أوفق بالعبارة.
(فلا
قَوَد بقتل المرتدّ) ونحوه من
الكفّار الذين لا عصمة لنفوسهم. والقود ـ بفتح الواو ـ : القصاص سُمّي قوداً؛
لأنّهم يقودون الجاني بحبل وغيره ، قاله الأزهري
(ولا
بقتل غير المكافئ) كالعبد بالنسبة
إلى الحرّ.
__________________
وإزهاق نفس
الدابّة المحترمة بغير إذن المالك وإن كان محرَّماً ، إلّاأ نّه يمكن إخراجه
بالمعصومة حيث يراد بها : ما لا يجوز إتلافه مطلقاً ، ولو اُريد بها : ما لا يجوز
إتلافه لشخص دون آخر ـ كما تقدّم ـ خرجت بالمكافئة.
وخرج بقيد (العمد) القتل خطأً وشبهه فإنّه لا قصاص فيهما.
(والعمد
يحصل بقصد البالغ إلى القتل بما يقتل غالباً) وينبغي قيد (العاقل) أيضاً؛ لأنّ عمد المجنون خطأ كالصبيّ ، بل هو أولى بعدم القصد من الصبي
المميّز. وبعض الأصحاب جعل العمد هو القصد إلى القتل ...
من غير اعتبار
القيدين نظراً إلى إمكان قصدهما الفعل ، فاحتاج إلى تقييد ما يوجب القصاص بإزهاق
البالغ العاقل ، كما مرّ.
(قيل
: أو) يقتل (نادراً)
إذا اتّفق به
القتل ، نظراً إلى أنّ العمد يتحقّق بقصد القتل من غير نظر إلى الآلة ، فيدخل في
عموم أدلّة العمد
وهذا أقوى.
(وإذا
لم يقصد القتل بالنادر) أي بما يقع
القتل به نادراً (فلا
قَوَد وإن اتّفق الموت كالضرب بالعود الخفيف أو العصا) الخفيفة في غير مقتل بغير قصد القتل؛ لانتفاء القصد إلى القتل وانتفاء
القتل بذلك عادة ، فيكون القتل شبيه الخطأ.
__________________
وللشيخ قول بأ
نّه هنا عمدٌ
استناداً إلى
روايات ضعيفة أو مرسلة
لا تُعتَمد في
الدماء المعصومة.
(أمّا
لو كرّر ضربه بما لا يحتمله مثله بالنسبة إلى
بدنه) لصغره أو مرضه (وزمانه) لشدّة الحرّ أو البرد (فهو
عمد) لأنّه حينئذٍ يكون الضرب بحسب العوارض بما يقتل غالباً.
(وكذا
لو ضربه دون ذلك) من غير أن يقصد
قتله (فأعقبه
مرضاً ومات) لأنّ الضرب مع
المرض ممّا يحصل معه التلف ، والمرض مسبَّب عنه وإن كان لا يوجبه منفرداً.
ويشكل بتخلّف
الأمرين معاً ، وهما : القصد إلى القتل وكون الفعل ممّا يَقتُل غالباً ، والسببيّة
غير كافية في العمديّة ، كما إذا اتّفق الموت بالضرب بالعود الخفيف. ولو اعتبر هنا
القصد لم يشترط أن يتعقّبه المرض.
(أو
رماه بسهم أو بحجر غامز) أي كابس
على البدن
لثقله (أو
خنقه بحبل ولم يُرخِ عنه حتّى مات ، أو بقي المخنوق ضَمِناً) بفتح الضاد وكسر الميم ، أي مزمناً (ومات) بذلك (أو
طرحه في النار) فمات منها (إلّاأن يُعلم قدرته
على الخروج) لقلّتها ، أو
كونه في طرفها يمكنه الخروج بأدنى حركة
__________________
فيترك؛ لأنّه حينئذٍ قاتل نفسه.
(أو) طرحه (في
اللُجّة) فمات منها ولم يقدر على الخروج أيضاً ....
وربما فُرّق
بينهما واُوجب ضمان الدية في الأوّل دون الثاني
لأنّ الماء لا
يحدث به ضرر بمجرّد دخوله ، بخلاف النار. ويتّجه وجوبها مع عدم العلم باستناد
الترك إلى تقصيره؛ لأنّ النار قد تدهشه وتُشنّج أعضاءه بالملاقاة فلا يظفر بوجه
المخلص.
ولو لم يمكنه
الخروج من الماء إلّاإلى مغرق آخر فكعدمه ، وكذا من أحدهما
إلى الآخر أو
ما في حكمه. ويرجع في القدرة وعدمها إلى إقراره بها ، أو قرائن الأحوال.
(أو
جرحه عمداً فسرى) الجرح عليه (ومات) وإن أمكنه المداواة؛ لأنّ السراية مع تركها من الجرح المضمون ، بخلاف
المُلقى في النار مع القدرة على الخروج فتَرَكه تخاذلاً؛ لأنّ التلف حينئذٍ مستند
إلى الاحتراق المتجدّد ، ولولا المكث لما حصل.
وأولى منه ما
لو غرق بالماء. ومثله ما لو فصده فترك المفصودُ شدَّه؛ لأنّ خروج الدم هو المهلك
والفاصد سببه
ويحتمل كونه
كالنار؛ لأنّ التلف مستند إلى خروج الدم المتجدّد الممكن قطعه بالشدّ.
(أو
ألقى نفسه من علوٍ على إنسان) فقتله قصداً ، أو كان مثله يَقتُل
__________________
غالباً. ولو كان المُلقي له غيره بقصد قتل الأسفل قيدَ به مطلقاً وبالواقع
إن كان الوقوع ممّا يقتل غالباً ، وإلّا ضمن ديته. ولو انعكس انعكس.
(أو
ألقاه من مكان شاهق) يقتل غالباً ، أو
مع قصد قتله (أو
قدّم إليه طعاماً مسموماً) يقتُل مثلُه كمّيّةً وكيفيّةً (ولم يُعلمه) بحاله (أو
جعله) أي الطعامَ المسمومَ (في منزله ولم يُعلِمه) به.
ولو كان السمّ
ممّا يقتل كثيره خاصّة فقدّم إليه قليلَه بقصد القتل فكالكثير ، وإلّا فلا ، ويختلف
باختلاف الأمزجة والخليط. أمّا لو وضعه في طعام نفسه أو في ملكه ، فأكله غيره بغير
إذنه فلا ضَمان ، سواء قصد بوضعه قتل الآكل كما لو علم دخول الغير داره ـ كاللصّ ـ
أم لا ، وكذا لو دخل بإذنه وأكله بغير إذنه.
(أو
حفر بئراً بعيدة القعر في طريق) أو في بيته بحيث يقتل وقوعها غالباً ، أو قصَدَه (ودعا غيرَه) إلى المرور عليها (مع
جهالته) بها (فوقع
فمات) أمّا لو دخل بغير إذنه فوقع فيها فلا ضمان وإن وضعها
لأجل وقوعه ، كما لو وضعها للّص.
(أو
ألقاه في البحر فالتقمه الحوت إذا قصد إلقامَ الحوت) أو كان وجوده والتقامه غالباً في ذلك الماء (وإن لم يقصد) إلقامَه ولا كان غالباً فاتّفق ذلك ضمنه أيضاً (على قولٍ ) لأنّ الإلقاء كافٍ في الضمان ، وفعل الحوت أمر زائد عليه ، كنصل منصوب في
عُمق البئر الذي يقتل غالباً ، ولأنّ البحر مظنّة الحوت ، فيكون قصد إلقائه في
البحر كقصد إلقامه الحوت.
__________________
ووجه العدم : أنّ
السبب الذي قصده لم يُقتَل به والذي قُتِل به غير مقصود ، فلا يكون عمداً وإن أوجب
الدية.
وحكايةُ
المصنّف له قولاً يُشعر بتمريضه. وقد قطع به العلّامة
وهو حسن؛ لأنّ
الفرض كون الإلقاء موجباً للضمان كما ظهر من التعليل.
وكذا الخلاف لو التقمه الحوت قبل وصوله
إلى الماء
من حيث إنّ الإلقاء في البحر إتلاف في العادة
وعدم قصد إتلافه بهذا النوع. والأوّل أقوى.
(أو
أغرى به كلباً عقوراً فقتله ولا يمكنه التخلّص) منه. فلو أمكن بالهرب أو قتلِه أو الصياح به ونحوه فلا قَوَد؛ لأنّه أعان
على نفسه بالتفريط. ثمّ إن كان التخلّص الممكن من مطلق أذاه فكإلقائه في الماء
فيموت مع قدرته على الخروج ، وإن لم يمكن إلّابعد عضّةٍ لا يقتُل مثلُها فكإلقائه
في النار كذلك ، فيضمن جناية لا يمكن دفعها.
(أو
ألقاه إلى أسد بحيث لا يمكنه الفرارُ) منه فقتله ، سواء كان في مضيق أم بريّة (أو أنهشه حيّةً قاتلة) فمات (أو
طرحها عليه فنهشته) فهلك أو جمع
بينه وبينها في مضيق؛ لأنّه ممّا يقتُل غالباً.
(أو
دفعه في بئر حفرها الغير) متعدّياً بحفرها أم غير متعدٍّ في حالة كون الدافع (عالماً بالبئر) لأنّه مباشر للقتل فيُقدَّم على السبب لو كان
__________________
(ولو
جهل) الدافع بالبئر (فلا قصاص عليه) لعدم القصد إلى القتل حينئذٍ
لكن عليه
الدية؛ لأنّه شبيه عمد .
(أو
شهد عليه زوراً بموجب القصاص فاقتُصّ منه) لضعف المباشر بإباحة الفعل بالنسبة إليه فيرجَّح السبب (إلّاأن يعلم الوليّ
التزوير ويباشر) القتل (فالقصاص عليه) لأنّه حينئذٍ قاتل عمداً بغير حقّ.
(وهنا مسائل)
(الاُولى) :
(لو
أكرهه على القتل فالقصاص على المباشر) لأنّه القاتل عمداً ظلماً؛ إذ لا يتحقّق حكم الإكراه في القتل عندنا. ولو
وجبت الدية ـ كما لو كان المقتول غير مكافئ ـ فالدية على المباشر أيضاً (دون الآمر) فلا قصاص عليه ولا دية (و) لكن (يحبس
الآمر) دائماً (حتّى يموت).
ويدلّ عليه مع
الإجماع صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام في رجل أمر رجلاً بقتل رجل ، فقتله؟ فقال
: «يُقتل به الذي قتله ، ويُحبس الآمر
بقتله في الحبس حتّى يموت»
هذا إذا كان
المقهور بالغاً عاقلاً.
(ولو
أكره الصبيّ غيرَ المميّز أو المجنون فالقصاص على مُكرههما) لأنّ المباشر حينئذٍ كالآلة. ولا فرق في ذلك بين الحرّ والعبد.
__________________
(ويمكن
الإكراه فيما دون النفس) عملاً بالأصل في غير موضع النصّ ، كالجَرح وقطع اليد ، فيسقط القصاص عن
المباشر (ويكون
القصاص على المكرِه) بالكسر على
الأقوى؛ لقوّة السبب بضعف المباشر
بالإكراه ، خصوصاً
لو بلغ الإكراه حدّ الإلجاء.
ويحتمل عدم
الاقتصاص منه؛ لعدم المباشرة فتجب الدية.
ويضعَّف بأنّ
المباشرة أخصّ من سببيّة القصاص ، فعدمها أعمّ من عدمه.
(الثانية) :
(لو
اشترك في قتله جماعة) بأنّ ألقوه من
شاهق أو في بحر أو جرحوه جراحات مجتمعة أو متفرّقة ولو مختلفة كمّيّة وكيفيّة فمات
بها (قُتلوا
به) جميعاً إن شاء الوليّ (بعد أن يردّ عليهم ما فضل عن ديته) فيأخذ كلّ واحد ما فضل من
ديته عن جنايته
(وله
قتل البعض ، فيردّ الباقون) من الدية (بحسب
جنايتهم ، فإن فضل للمقتولين فضل) عمّا ردّه شركاؤهم (قام
به الوليّ) فلو اشترك
ثلاثة في قتل واحد واختار وليّه قتلهم أدّى إليهم ديتين يقتسمونها بينهم بالسويّة
، فنصيب كلّ واحد منهم ثلثا دية ويسقط ما يخصّه من الجناية ، وهو الثلث الباقي.
ولو قتل اثنين
أدّى الثالثُ ثلث الدية عوض ما يخصّه من الجناية ويضيف الوليّ إليه دية كاملة؛
ليصير لكلّ واحد من المقتولَين ثلثا دية ، وهو فاضل ديته عن جنايته ، ولأنّ الوليّ
استوفى نفسين بنفس فيردّ دية نفس.
__________________
ولو قتل واحداً
أدّى الباقيان إلى ورثته ثلثي الدية ولا شيء على الوليّ.
ولو طلب الدية
كانت عليهم بالسويّة إن اتّفقوا على أدائها ، وإلّا فالواجب تسليم نفس القاتل.
هذا كلّه مع
اتّحاد وليّ المقتول ، أو اتّفاق المتعدّد على الفعل الواحد. ولو اختلفوا فطلب
بعضهم القصاص وبعض الدية قدّم مختار القصاص بعد ردّ نصيب طالب الدية منها. وكذا لو
عفا البعض ، إلّاأنّ الردّ هنا على القاتل. وستأتي الإشارة إليه .
(الثالثة) :
(لو
اشترك في قتله) أي قتل الذكر (امرأتان قُتِلتا به
ولا ردّ) إذ لا فاضل لهما عن ديته ، وله قتل واحدة وتردّ الاُخرى
ما قابل جنايتها وهو ديتها على الوليّ ولا شيء للمقتولة.
(ولو
اشترك) في قتله (خنثيان) مشكلان (قُتِلا) به إن شاء الوليّ كما يُقتل الرجلان والمرأتان المشتركتان (ويردّ عليهما نصف
دية الرجل بينهما نصفان) لأنّ دية كلّ واحد نصف دية رجل ونصف دية امرأة ، وذلك ثلاثة أرباع دية
الرجل ، فالفاضل لكلّ واحد من نفسه عن جنايته ربع دية الرجل. ولو اختار قتل أحدهما
ردّ عليه ربع ديةٍ هو
ثلث ديته ودفع
الباقي
نصف دية الرجل
، فيفضل للوليّ ربع ديته.
__________________
(ولو
اشترك) في قتل الرجل (نساء قُتلن) جُمَعَ إن شاء الوليّ (ورُدّ
عليهنّ ما فضل عن ديته) فلو كنّ ثلاثاً
فقتلهنّ رُدّ عليهنّ دية امرأة بينهنّ بالسويّة ، أو أربعاً فدية امرأتين كذلك ، وهكذا
... ولو اختار في الثلاث قتل اثنتين ردّت الباقية ثلث ديته بين المقتولتين
بالسويّة؛ لأنّ ذلك هو الفاضل لهما عن جنايتهما ، وهو ثلث ديتهما ، أو قَتل واحدة
ردّت الباقيتان على المقتولة ثلث ديتها ، وعلى الوليّ نصف دية الرجل ، وكذا قياس
الباقي.
(ولو
اشترك) في قتل الرجل (رجلٌ وامرأةٌ) واختار الوليّ قتلَهما (فلا
ردّ للمرأة) إذ لا فاضل لها
من ديتها عمّا يخصّ جنايتها (ويردّ
على الرجل نصفَ ديته) لأنّه الفاضل
من ديته عن جنايته ، والردّ (من
الوليّ إن قتلهما) أو من المرأة لو
لم تُقتل؛ لأنّه مقدار جنايتها.
(ولو
قُتلت المرأة) خاصّة فلا شيء
لها و (ردّ
الرجل على الوليّ نصفَ الدية) مقابل جنايته. هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وعليه العمل.
وللمفيد رحمه
الله قول بأنّ المردود على تقدير قتلهما يُقسَّم بينهما أثلاثاً : للمرأة ثلثه
بناءً على أنّ جناية الرجل ضِعف جناية المرأة؛ لأنّ الجاني نفس ونصفُ نفسٍ جنت على
نفس ، فتكون الجناية بينهما أثلاثاً بحسب ذلك .
وضعفه ظاهر ، وإنّما
هما نفسان جنتا على نفس ، فكان على كلّ واحدة نصف ، ومع قتلهما فالفاضل للرجل
خاصّة؛ لأنّ القدرَ المستوفى منه أكثر قيمة من جنايته بقدر ضِعفه ، والمستوفى من
المرأة بقدر جنايتها فلا شيء لها كما مرّ. وكذا على تقدير قتله خاصّة.
__________________
(الرابعة) :
(لو
اشترك عبيدٌ في قتله) أي قتل الذكر
الحرّ ، فللوليّ قتل الجميع والبعض ، فإن قَتَلهم أجمع (ردّ عليهم ما فَضُل
من قيمتهم عن ديته إن كان) هناك فضل.
(ثمّ) على تقدير الفضل لا يردّ على الجميع كيف كان ، بل (كلّ عبد نقصت قيمته
عن جنايته أو ساوت) قيمته جنايته (فلا ردّ له ، وإنّما
الردّ لمن زادت قيمته عن جنايته) ما لم تتجاوز دية الحرّ فتردّ إليها. فلو كان العبيد ثلاثة قيمتهم عشرة
آلاف درهم فما دون بالسويّة وقتلهم الوليّ فلا ردّ. وإن زادت قيمتهم عن ذلك ، فعلى
كلّ واحد ثلث دية الحرّ ، فمن زادت قيمته عن الثلث رُدَّ على مولاه الزائد ، ومن
لا فلا.
(الخامسة) :
(لو
اشترك حرّ وعبد في قتله ، فله) أي لوليّه (قتلُهما) معاً (ويردّ
على الحرّ نصف ديته) لأنّها الفاضل
عن جنايته (وعلى
مولى العبد ما فضل من قيمته عن نصف الدية إن كان له فضل) ما لم تتجاوز ديةَ الحرّ فتُردّ إليها (وإن قتل أحدهما فالردّ على الحرّ من
مولى العبد أقلّ الأمرين من جنايته وقيمة عبده) إن اختار قتل الحرّ؛ لأنّ الأقلّ إن كان هو الجناية وهي نصف دية المقتول
فلا يلزم الجاني سواها ، وإن كان هو قيمة العبد فلا يجني الجاني على أكثر من نفسه
، ولا يلزم مولاه الزائد. ثمّ إن كان الأقلّ هو قيمة العبد فعلى الوليّ إكمال نصف
الدية لأولياء الحرّ.
(والردّ
على مولى العبد من) شريكه (الحرّ) إن اختار الوليّ قتل العبد (وكان له فاضل) من قيمته عن جنايته ، بأن تجاوزت قيمته نصف دية الحرّ. ثمّ إن استوعبت
قيمته الدية فله جميع المردود من الحرّ ، وإن كانت أقلّ فالزائد من المردود عن
قيمته بعد حطّ مقابل جنايته لوليّ المقتول.
(وإلّا) يكن له فضل بأن كانت قيمة العبد نصف دية الحرّ أو أنقص (ردّ) الحرّ عوض جنايته وهو نصف الدية (على الوليّ ) إن شاء.
هذا هو المحصّل
في المسألة ، وفيها أقوال اُخر
مدخولة.
(ومنه
يعرف حكم اشتراك العبد والمرأة) في قتل الحرّ (وغير
ذلك) من الفروض كاشتراك كلّ من الحرّ والعبد والمرأة مع
الخنثى واجتماع الثلاثة وغيرها.
وضابطه : اعتبار
دية المقتول إن كان حرّاً ، فإن زادت عن جنايته دفع إليه الزائد ، وإن ساوت أو
نقصت اقتصر على قتله. وقيمة العبد كذلك ما لم تزد عن دية الحرّ وردّ الشريكُ الذي
لا يُقتل ما قابل جنايته من دية المقتول على الشريك إن استوعب فاضل ديته أو قيمته
للمردود ، وإلّا ردّ الفاضل إلى الوليّ. وكذا القول لو كان الاشتراك في قتل امرأة
أو خنثى. ويجب تقديم الردّ على الاستيفاء في جميع الفروض.
__________________
(القول في شرائط
القصاص)
وهي خمسة :
(فمنها
: التساوي في الحرّيّة أو الرقّ) :
(فيقتل
الحرّ بالحرّ) سواء كان
القاتل ناقص الأطراف عادم الحواسّ والمقتول صحيح ، أم بالعكس؛ لعموم الآية
سواء تساويا في
العلم والشرف والغنى والفقر والصحّة والمرض والقوّة والضعف والكبر والصغر ، أم
تفاوتا وإن أشرف المريض على الهلاك ، أو كان الطفل مولوداً في الحال.
(و) الحرّ (بالحرّة
مع ردّ) وليّها عليه (نصف ديته) لأنّ ديته ضِعفُ ديتها ، وبالخنثى مع ردّ ربع الدية ، والخنثى بالمرأة مع
ردّ الربع عليه كذلك.
(والحرّة
بالحرّة) ولا ردّ إجماعاً (والحرّ ، ولا يردّ) أولياؤها على الحرّ (شيئاً
على الأقوى) لعموم (النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ)
وخصوص صحيحتي
الحلبي وعبد اللّٰه بن سنان عن الصادق عليه السلام
الدالّتين على
ذلك صريحاً ، وأنّ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه.
ومقابل الأقوى
رواية أبي مريم الأنصاري عن الباقر عليه السلام في امرأة قتلت رجلاً؟ قال : «تُقتل
ويؤدي وليّها بقيّة المال»
وهي مع شذوذها
لا قائل
__________________
بمضمونها من الأصحاب. قال المصنّف في الشرح : وليس ببعيد دعوى الإجماع على
هذه المسألة .
وأولى منه قتل
المرأة بالخنثى ، ولا ردّ. وقتل الخنثى بالرجل كذلك.
(ويقتصّ
للمرأة من الرجل في الطرف من غير ردٍّ حتّى تبلغ) ديةُ الطرف (ثلثَ
ديةِ الحرّ) فصاعداً (فتصير على النصف) وكذا البحث في الجراح يتساويان فيها ديةً وقصاصاً ما لم تبلغ ثلث الدية ، فإذا
بلغته رُدّت المرأة إلى النصف.
ومستند التفصيل
أخبار كثيرة :
منها : صحيحة
أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «قال
: قلت له : ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة كم فيها؟ قال : عشر من
الإبل. قلت : قطع اثنتين؟ قال : عشرون. قلت : قطع ثلاثاً؟ قال : ثلاثون. قلت : قطع
أربعاً؟ قال : عشرون. قلت : سبحان اللّٰه! يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ،
ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون! إنّ هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق ، فنبرأ ممّن
قاله ، ونقول : الذي جاء به شيطان! فقال عليه السلام : مهلاً يا أبان! هذا حكم
رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله ، إنّ المرأة تعاقل الرجلَ إلى ثلث الدية ،
فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف. يا أبان إنّك أخذتني بالقياس ، والسنّة إذا قيست
مُحق الدين» .
وروى تفصيل
الجراح جميلُ بن درّاج عنه عليه السلام قال : سألت أبا عبد اللّٰه عليه
السلام عن المرأة
بينها وبين
الرجل قصاص في الجراحات حتّى تبلغ الثلث سواء ،
__________________
فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل وسفلت المرأة» .
وقال الشيخ
رحمه الله : ما لم تتجاوز الثلث
والأخبار
الصحيحة
حجّة المشهور .
إذا تقرّر ذلك
، فلو قطع منها ثلاث أصابع استوفت مثلها منه قصاصاً من غير ردٍّ. ولو قطع أربعاً
لم تقطع منه الأربع إلّابعد ردّ دية إصبعين.
وهل لها القصاص
في إصبعين من دون ردّ؟ وجهان : منشؤهما وجود المقتضي لجوازه كذلك وانتفاء المانع ،
أمّا الأوّل فلأنّ قطع إصبعين منها يوجب ذلك فالزائد أولى ، وأمّا الثاني فلأنّ
قطع الزائد زيادة في الجناية ، فلا يكون سبباً في منع ما ثبت أوّلاً. ومن النصّ
الدالّ على أنّه
ليس لها الاقتصاص في الجناية الخاصّة إلّابعد الردّ.
ويقوى الإشكال
لو طلبت القصاص في ثلاث والعفو في الرابعة. وعدم إجابتها هنا أقوى.
وعلى الأوّل
تتخيّر بين قطع إصبعين من غير ردّ وبين قطع أربع مع ردّ دية إصبعين. ولو طلبت
الدية فليس لها أكثر من دية إصبعين.
هذا إذا كان
القطع بضربة واحدة ، ولو كان بأزيد ثبتت لها دية الأربع أو القصاص في الجميع من غير
ردّ؛ لثبوت حكم السابق فيستصحب ، وكذا
__________________
حكم الباقي.
(ويُقتل
العبد بالحرّ والحرّة) وإن زادت قيمته
عن الدية. ولا يردّ على مولاه الزائد لو فرض ، كما لا يلزمه الإكمال لو نقص (وبالعبد وبالأمة) سواء كانا لمالك واحد أم مالكين ، وسواء تساوت قيمتهما أم اختلفت.
(و) تُقتل (الأمة
بالحرّ والحرّة وبالعبد والأمة) مطلقاً (وفي
اعتبار القيمة هنا) أي في قتل
المملوك مثلَه (قولٌ
) فلا يُقتَل الكامل بالناقص إلّا مع ردّ التفاوت على سيّد الكامل؛ لأنّ ضمان
المملوك يراعى فيه الماليّة ، فلا يستوفى الزائد بالناقص بل بالمساوي.
ويحتمل جواز
القصاص مطلقاً من غير ردّ؛ لقوله تعالى : (اَلنَّفْسَ
بِالنَّفْسِ)
وقوله : (اَلْحُرُّ
بِالْحُرِّ وَاَلْعَبْدُ بِالْعَبْدِ)
أمّا قتل
الناقص بالكامل فلا شبهة فيه ، ولا يلزم مولاه الزائد عن نفسه مطلقاً.
(ولا
يقتل الحرّ بالعبد) إجماعاً وعملاً
بظاهر الآية وصحيحة الحلبي وغيره عن الصادق عليه السلام : «لا
يقتل الحرّ بالعبد»
ورواه العامّة
عن النبيّ صلى الله عليه وآله
وادّعى في
الخلاف إجماع الصحابة عليه .
وهذا الحكم
ثابت وإن اعتاد قتلَ العبيد عملاً بعموم الأدلّة وإطلاقها.
__________________
(وقيل) والقائل الشيخ
وجماعة
: (إن اعتاد قتلَهم
قُتل حسماً) لجرأته وفساده
، واستناداً إلى روايات
لا تنهض في
مخالفة ظاهر الكتاب وصحيح الأخبار ، وفتوى أكثر الأصحاب. وعلى هذا القول فالمرجع
في الاعتياد إلى العرف.
وهل يردّ على
أولياء الحرّ ما فضل من ديته عن قيمة المقتول الذي تحقّقت به العادة؟ قيل : نعم
نظراً إلى
زيادته عنه ، كما لو قتل امرأةً. والأخبار خالية من ذلك. والتعليل بقتله لإفساده
لا يقتضيه.
(ولو
قتل المولى عبدَه) أو أمته (كفّر) كفّارة القتل (وعُزّر) ولا يلزمه شيء غير ذلك على الأقوى. وقيل : تجب الصدقة بقيمته
استناداً إلى
رواية ضعيفة
ويمكن حملها
على الاستحباب.
__________________
(وقيل
: إن اعتاد ذلك قُتل)
كما لو اعتاد
قتلَ غير مملوكه؛ للأخبار السابقة
وهي مدخولة
السند فالقول بعدم قتله مطلقاً أقوى.
(وإذا
غرم الحرّ قيمة العبد) أو الأمة بأن
كانا لغيره (لم
يتجاوز بقيمة العبد دية الحرّ ولا بقيمة
المملوكة دية الحرّة) لرواية الحلبي
عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : «إذا
قتل الحرّ العبد غرم قيمته واُدّب. قيل : فإن كانت قيمته عشرين ألف درهم؟ قال : لا
يجاوز بقيمة عبد دية الأحرار» .
(ولا
يضمن المولى جناية عبده) على غيره؛ لأنّ المولى لا يعقل عبداً (وله الخيار إن كانت الجناية) صدرت عن المملوك (خطأً
بين فكّه بأقلّ الأمرين : من أرش الجناية وقيمته) لأنّ الأقلّ إن كان هو الأرش فظاهر ، وإن كانت القيمةَ فهي بدل من العين
فيقوم مقامها وإلّا لم تكن بدلاً ، ولا سبيل إلى الزائد؛ لعدم عَقْل
المولى ـ وقيل
: بأرش الجناية مطلقاً
والأوّل أقوى ـ
(وبين
تسليمه) إلى المجنيّ عليه أو وليّه ليسترقّه أو يسترقّ منه ما
قابل جنايته.
(وفي
العمد التخيّر ) في الاقتصاص منه أو استرقاقه (للمجنيّ عليه ، أو وليّه).
__________________
(والمدبَّر) في جميع ذلك (كالقنّ) فيُقتل إن قَتَل عمداً حرّاً أو عبداً ، أو يُدفع إلى وليّ المقتول يسترقّه
، أو يفديه مولاه بالأقلّ كما مرّ.
ثمّ إن فداه أو
بقي منه شيء بعد أرش الجناية بقي على تدبيره وإلّا بطل.
ولو مات مولاه
قبل استرقاقه وفكّه فالأقوى انعتاقه؛ لأنّه لا يخرج عن ملكه بالجناية فعلاً ، وحينئذٍ
فيسعى في فكّ رقبته من الجناية إن لم توجب قتلَه حرّاً.
(وكذا
المكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤدّ شيئاً) ولو أدّى شيئاً منها تحرّر منه بحسابه ، فإذا قتل حرّاً عمداً قُتل به. وإن
قتل مملوكاً فلا قَوَد وتعلّقت الجناية بما فيه من الرقّيّة مبعَّضة ، فيسعى في
نصيب الحرّيّة ، ويُستوفى الباقي منه ، أو يُباع فيه.
ولو كان القتل
خطأً فعلى الإمام بقدر ما فيه من الحرّيّة ، والمولى بالخيار في الباقي كما مرّ ، سواء
أدّى نصف ما عليه فصاعداً أم لا
وكذا القول في
كلّ مبعَّض.
ولا يقتل المبعَّض مطلقاً
بمن انعتق منه أقلّ ممّا انعتق من الجاني كما لا يقتل بالقنّ. ويقتل بمن تحرّر منه
مثله أو أزيد ، كما يقتل بالحرّ.
(ولو
قتل حرٌّ حرّين فصاعداً فليس لهم) أي لأوليائهم (إلّاقتله) لقوله صلى الله عليه وآله : «لا
يجني الجاني على أكثر من نفسه»
ولا فرق بين
قتله لهم جميعاً ومرتَّباً. ولو عفا بعضهم فللباقي القصاص.
__________________
وهل لبعضهم
المطالبة بالدية ، ولبعضٍ القصاص؟ وجهان : من ظاهر الخبر ، وتعدّد المستحقّ. وكذا
في جواز قتله بواحد ـ إمّا الأوّل أو بالقرعة أو تخييراً ـ وأخذ الدية من ماله
للباقين. نعم ، لو بدر واحد منهم فقتله عن حقّه استوفاه ، وكان للباقين الدية؛
لفوات محلّ القصاص إن قلنا بوجوبها حيث يفوت وسيأتي
وظاهر العبارة
منع ذلك كلّه ، لتخصيصه حقَّهم بقتله.
(ولو
قطع) الحرّ (يمين
اثنين) حرّين (قطعت
يمينه بالأوّل ويسراه بالثاني) لتساوي اليدين في الحقيقة وإن تغايرا من وجهٍ يغتفر عند تعذّر المماثلة من
كلّ وجه ، ولصحيحة حبيب السجستاني عن أبي جعفر عليه السلام في رجل قطع يدين لرجلين
اليمينين ، فقال عليه السلام : «يقطع
يمينه للرجل الذي قطع يمينه أوّلاً ويقطع يساره للرجل الذي قطع يمينه أخيراً؛
لأنّه إنّما قطع يد الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأوّل» .
ولو قطع يد
ثالثٍ قيل : قطعت رجله
لقوله عليه
السلام في هذه الرواية : «والرجل
باليد إذا لم يكن للقاطع يدان» فقلت له : أما توجب له الدية وتترك رجله؟ فقال : «إنّما
توجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان ، فثَمَّ توجب عليه
الدية؛ لأنّه ليس له جارحة فيقاصّ منها» ولأنّ المساواة الحقيقيّة لو اعتبرت لم يجز التخطّي من اليمنى إلى اليسرى.
__________________
وقيل : ينتقل
هنا إلى الدية
لفقد المماثل
الذي يدلّ قوله تعالى : (أَنَّ اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ ...)
عليه. والخبر
يدفع فقد التماثل
ويدلّ على
مماثلة الرِجل لليد شرعاً وإن انتفت لغةً وعرفاً. نعم ، يبقى الكلام في صحّته ، فإنّ
الأصحاب وصفوه بالصحّة
مع أنّهم لم ينصّوا
على توثيق (حبيب). ولعلّهم أرادوا بصحّته فيما عداه ، فإنّهم كثيراً ما
يطلقون ذلك. وحينئذٍ فوجوب الدية للرجل أجود. وأولى منه لو قطع يد رابع وبعدها
فالدية قطعاً.
(ولو
قتل العبد حرّين فهو لأولياء الثاني إن كان القتل) أي قتله للثاني (بعد
الحكم به للأوّل) بأن اختار
الأوّل استرقاقه قبل جنايته على الثاني
وإن لم يحكم به
حاكمٌ لبراءته من الجناية الاُولى باسترقاقه لها (وإلّا) تكن جنايته على الثاني بعد الحكم به للأوّل (فهو بينهما) لتعلّق حقّهما معاً به وهو على ملك مالكه ، ولصحيحة زرارة عن الباقر عليه
السلام «في
عبد جرح رجلين ، قال : هو بينهما إن كانت الجناية محيطة بقيمته. قيل له : فإن جرح
رجلاً في أوّل النهار وجرح آخر في آخر النهار ، قال : هو بينهما ما لم يحكم الوالي
في المجروح الأوّل ، قال : فإن جنى بعد ذلك جناية فإنّ جنايته على الأخير» .
__________________
وقيل : يكون
للثاني
لصيرورته
لأولياء الأوّل بالجناية الاُولى ، فإذا قتل الثاني انتقل إلى أوليائه ، ولرواية
عليّ بن عقبة عن الصادق عليه السلام (في
عبد قتل أربعة أحرار واحداً بعد واحد ، قال : هو لأهل الأخير من القتلى ، إن شاؤوا
قتلوه وإن شاؤوا استرقّوه؛ لأنّه إذا قتل الأوّل استحقّه أولياؤه ، فإذا قتل
الثاني استحقّ من أولياء الأوّل فصار لأولياء الثاني) وهكذا ...
وهذا الخبر مع
ضعف سنده
يمكن حمله على
ما لو اختار أولياء السابق استرقاقه قبل جنايته على اللاحق ، جمعاً بينه وبين ما
سبق. وكذا الحكم لو تعدّد مقتوله.
(وكذا
لو قتل عبدين) لمالكين يستوعب
كلٌّ منهما قيمتَه (أو) قتل (حرّاً
وعبداً) كذلك ، فإنّ موليي العبدين يشتركان فيه ما لم يسبق مولى
الأوّل إلى استرقاقه قبل جنايته على الثاني ، فيكون لمولى الثاني ، وكذا وليّ
الحرّ ومولى العبد. ولو اختار الأوّل المال ورضي به المولى تعلّق حقّ الثاني
برقبته.
وقيل : يقدّم
الأوّل
لأنّ حقّه أسبق
، ويسقط الثاني؛ لفوات محلّ استحقاقه. والأوّل أقوى.
(ومنها
: التساوي في الدين) :
(فلا
يقتل مسلم بكافر) حربيّاً كان
الكافر أم ذمّيّاً ، ومعاهداً كان الحربي أم لا (ولكن يعزَّر) القاتل (بقتل الذمّي والمعاهد) لتحريم قتلهما (ويغرم
__________________
دية
الذمّيّ) ويستفاد من ذلك جواز قتل الحربيّ بغير إذن الإمام وإن
توقّف جواز جهاده عليه ، ويفرق بين قتله وقتاله جهاداً. وهو كذلك؛ لأنّ الجهاد من
وظائف الإمام. وهذا يتمّ في أهل الكتاب؛ لأنّ جهادهم يترتّب عليه أحكامٌ غيرُ
القتل تتوقّف على الحاكم ، أمّا غيرهم فليس في جهاده إلّاالقتل أو الإسلام ، وكلاهما
لا يتوقّف تحقيقه
على الحاكم ، لكن
قد يترتّب على القتل أحكام اُخر مثل أحكام ما يُغنَم منهم ونحوه ، وتلك وظيفة
الإمام أيضاً.
(وقيل) والقائل جماعات من الأصحاب ـ منهم الشيخان
والمرتضى
والمحقّق
والعلّامة في
أحد قوليه
والمصنّف في
الشرح مدّعياً الإجماع ، فإنّ المخالف ابن إدريس
وقد سبقه
الإجماع ـ : إنّه (إن
اعتاد قتل أهل الذمّة اقتُصّ منه بعد ردّ فاضل ديته).
ومستند هذا
القول مع الإجماع المذكور :
روايةُ إسماعيل
بن الفضل عن الصادق عليه السلام قال : «سألته عن دماء النصارى واليهود والمجوس : هل
عليهم وعلى من قتلهم شيء إذا غشّوا المسلمين وأظهروا العداوة لهم والغشّ؟ قال : لا
، إلّاأن يكون متعوّداً لقتلهم. قال : وسألته عن المسلم : هل يُقتل بأهل الذمّة
وأهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال : لا ، إلّاأن يكون
__________________
معتاداً لذلك لا يدع قتلهم ، فيقتل وهو صاغر» .
وأ نّه مفسد في
الأرض بارتكابه قتلَ من حرّم اللّٰه قتله.
والعجب أنّ ابن
إدريس احتجّ على مذهبه بالإجماع على عدم قتل المسلم بالكافر ، وهو استدلال في
مقابلة الإجماع. قال المصنّف في الشرح : والحقّ أنّ هذه المسألة إجماعيّة ، فإنّه
لم يخالف فيها أحد سوى ابن إدريس وقد سبقه الإجماع ، ولو كان هذا الخلاف مؤثّراً
في الإجماع لم يوجد إجماع أصلاً
والإجماع على
عدم قتل المسلم بالكافر يختصّ بغير المعتاد.
وأعجب من ذلك
نقل المصنّف ذلك قولاً مشعراً بضعفه ، بعد ما قرّره من الإجماع عليه
مع أنّ تصنيفه
لهذا الكتاب بعد الشرح.
واحتجّ في
المختلف لابن إدريس برواية محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام قال : «لا
يُقاد مسلم بذمّيّ»
وأجاب بأ نّه
مطلق فيحمل على المفصِّل .
وفيه : أنّه
نكرة في سياق النفي فيعمّ ، ومعه يخصّ العامّ بالمخصّص المفصِّل ، والمناقشة
لفظيّة. والأقوى المشهور.
ثمّ اختلف
القائلون بقتله ، فمنهم من جعله قَوَداً كالشيخ
ومن تبعه
فأوجبوا ردّ
الفاضل من ديته.
__________________
ومنهم من جعله
حدّاً؛ لفساده ، وهو العلّامة في المختلف
وقبله ابن
الجنيد
وأبو الصلاح .
ويمكن الجمع
بين الحكمين فيقتل؛ لقتله وإفساده ، ويردّ الورثة الفاضل.
وتظهر فائدة
القولين في سقوط القَوَد بعفو الوليّ ، وتوقّفه على طلبه على الأوّل دون الثاني.
وعلى الأوّل
ففي توقّفه على طلب جميع أولياء المقتولين أو الأخير خاصّة وجهان ، منشؤهما : كون
قتل الأوّل جزءاً من السبب أو شرطاً فيه ، فعلى الأوّل الأوّل ، وعلى الثاني
الثاني. ولعلّه أقوى.
ويتفرّع عليه :
أنّ المردود عليه هو الفاضل عن ديات جميع المقتولين أو عن دية الأخير ، فعلى
الأوّل الأوّل أيضاً ، وعلى الثاني الثاني.
والمرجع في
الاعتياد إلى العرف وربما تحقّق بالثانية؛ لأنّه مشتقّ من العود فيقتل فيها ، أو
في الثالثة. وهو الأجود؛ لأنّ الاعتياد شرط في القصاص ، فلا بدّ من تقدّمه على
استحقاقه.
(ويُقتل
الذمّي بالذمّي) وإن اختلفت
ملّتهما كاليهودي والنصراني (وبالذمّيّة
مع الردّ) أي ردّ أوليائها عليه فاضل ديته عن دية الذمّيّة وهو نصف
ديته (وبالعكس) تقتل الذمّيّة بالذمّيّ مطلقاً (وليس عليها غرم) كالمسلمة إذا قُتلت بالمسلم؛ لأنّ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه.
(ويُقتل
الذمّيّ بالمسلم ويُدفع ماله) الموجود على ملكه حالةَ القتل
__________________
(ووُلده
الصغار) غير المكلّفين (إلى أولياء المسلم) على وجه الملك (على
قول) الشيخ المفيد
وجماعة
وربما نُسب إلى
الشيخ أيضاً
ولكن قال
المصنّف في الشرح : إنّه لم يجده في كتبه .
وإنّما نسب
الحكم إلى قول
لعدم ظهور
دلالة عليه ، فإنّ رواية ضريس
التي هي مستند
الحكم خالية عن حكم أولاده ، وأصالة حرّيّتهم لانعقادهم عليها ، وعموم : (لاٰ
تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ)
ينفيه. ومن
ثَمّ ردّه ابن إدريس
وجماعة .
ووُجّه القول بأنّ الطفل يتبع أباه ، فإذا ثبت له الاسترقاق شاركه فيه
، وبأنّ المقتضي لحقن دمه واحترام ماله ووُلده هو : التزامه بالذمّة وقد خرقها
بالقتل ، فيجري عليه أحكام أهل الحرب.
__________________
وفيه : أنّ ذلك
يوجب اشتراك المسلمين فيهم؛ لأنّهم فيء ، أو اختصاص الإمام عليه السلام بهم ، لا
اختصاص أولياء المقتول.
والأجود : الاقتصار
على ما اتّفق عليه الأصحاب ووردت به النصوص من جواز قتله ، والعفو ، والاسترقاق له
، وأخذ ماله.
(وللوليّ
استرقاقه إلّاأن يُسلم) قبله (فالقتل لا غير) لامتناع استرقاق المسلم ابتداءً ، وأخذُ ماله باقٍ على التقديرين.
(ولو
قتل الكافرُ مثلَه ثمّ أسلم القاتل فالدية) عليه (لا
غير إن كان المقتول ذمّيّاً) لامتناع قتل المسلم بالكافر في غير ما استثني. ولو كان المقتول الكافر غير
ذمّيّ فلا قتل على قاتله مطلقاً ولا دية.
(وولد
الزنا إذا بلغ وعقل وأظهر الإسلام مسلم ، يُقتل به ولد الرشدة) ـ بفتح الراء وكسرها ـ خلاف ولد الزنا وإن كان لشبهة؛
لتساويهما في الإسلام. ولو قتله قبل البلوغ لم يُقتل به ، وكذا لا يُقتل به المسلم
مطلقاً عند من يرى أنّه كافر وإن أظهر الإسلام .
(ويُقتل
الذمّي بالمرتدّ) فطريّاً كان أم
ملّيّاً؛ لأنّه محقون الدم بالنسبة إليه ، لبقاء عُلقة الإسلام. وكذا العكس على
الأقوى؛ لتساويهما في أصل الكفر ، كما يُقتل اليهودي بالنصراني. أمّا لو رجع
الملّي إلى الإسلام فلا قود ، وعليه دية الذمّيّ.
(ولا
يُقتل به المسلمُ) وإن أساء
بقتله؛ لأنّ أمره إلى الإمام عليه السلام (والأقرب : أن لا دية) للمرتدّ مطلقاً بقتل المسلم له (أيضاً) لأنّه بمنزلة
__________________
الكافر الذي لا دية له ، وإن كان قبل استتابة الملّيّ؛ لأنّ مفارقته للكافر
بذلك لا يخرجه عن الكفر ، ولأنّ الدية مقدّر شرعيّ فيقف ثبوتها على الدليل الشرعيّ
، وهو منتفٍ.
ويُحتمل وجوب
دية الذمّيّ؛ لأنّه
أقرب منه إلى
الإسلام ، فلا أقلّ من كون ديته كديته ، مع أصالة البراءة من الزائد. وهو ضعيف.
(ومنها
: انتفاء الاُبوّة) :
(فلا
يُقتل الوالد وإن علا بابنه) وإن نزل لقوله صلى الله عليه وآله : (لا يقاد للابن من أبيه) .
والبنت كالابن
إجماعاً ، أو بطريق أولى. وفي بعض الأخبار عن الصادق عليه السلام (لا يُقتل والد بولده
ويُقتل الولد بوالده)
وهو شامل
للاُنثى. وعُلّل أيضاً بأنّ الأب كان سبباً في وجود الولد ، فلا يكون الولد سبباً
في عدمه
وهو لا يتمّ في
الاُمّ.
(ويُعزَّر) الوالد بقتل الولد (ويكفّر.
وتجب الدية) لغيره من
الورّاث.
(ويُقتل
باقي الأقارب بعضهم ببعض ، كالولد بوالده والاُمّ بابنها) والأجداد من قِبَلها ، وإن كانت لأب ، والجدّات مطلقاً ، والإخوة والأعمام
، والأخوال ، وغيرهم.
ولا فرق في الوالد
بين المساوي لولده في الدين والحرّيّة والمخالف ،
__________________
فلا يُقتل الأب الكافر بولده المسلم ، ولا الأب العبد بولده الحرّ؛ للعموم
، ولأنّ المانع شرف الاُبوّة. نعم ، لا يقتل الولد المسلم بالأب الكافر ، ولا
الحرّ بالعبد؛ لعدم التكافؤ.
(ومنها
: كمال العقل) :
(فلا
يُقتل المجنونُ بعاقلٍ ولا مجنون) سواء كان الجنون دائماً أم أدواراً إذا قتله حال جنونه (والدية) ثابتة (على
عاقلته) لعدم قصده القتلَ فيكون كخطأ العاقل ، ولصحيحة محمّد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان
أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأً كان أو
عمداً» .
وكما يعتبر
العقل في طرف القاتل كذا يعتبر في طرف المقتول ، فلو قتل العاقلُ مجنوناً لم يُقتل
به ، بل الدية إن كان القتل عمداً أو شبهه ، وإلّا فعلى العاقلة. نعم ، لو صال
المجنون عليه ولم يمكنه دفعه إلّابقتله فهدر.
(ولا
يقتل الصبيّ ببالغ ولا صبيّ) بل تثبت الدية على عاقلته بجعل عمده خطأً محضاً إلى أن يبلغ وإن ميّز؛
لصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : (عمد
الصبيّ وخطؤه واحد)
وعنه أنّ
عليّاً عليه السلام كان يقول : (عمد
الصبيان خطأ
نحمله على العاقلة)
واعتبر في
التحرير مع البلوغ الرشد
وليس بواضح.
__________________
(ويقتل
البالغ بالصبيّ) على أصحّ
القولين؛ لعموم (اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ)
وأوجب أبو
الصلاح في قتل البالغ له
الدية كالمجنون
لاشتراكهما في نقصان العقل. ويضعَّف بأنّ المجنون خرج
بدليل خارج وإلّا كانت الآية متناولة له
بخلاف الصبيّ
مع أنّ الفرق بينهما متحقّق.
(ولو
قتل العاقل) من يثبت عليه
بقتله القصاص (ثمّ
جُنَّ اقتُصّ منه) ولو حالةَ
الجنون؛ لثبوت الحقّ في ذمّته عاقلاً ، فيستصحب كغيره من الحقوق.
(ومنها
: أن يكون المقتول محقون الدم) :
أي غير مباح
القتل شرعاً (فمن
أباح الشرعُ قتلَه) لزناء أو لواط
أو كفر (لم
يُقتَل به) قاتلُه وإن كان
بغير إذن الإمام؛ لأنّه مباح الدم في الجملة وإن توقّفت المباشرة على إذن الحاكم ،
فيأثم بدونه خاصّة.
والظاهر عدم
الفرق بين استيفائه بنوع القتل الذي عيّنه الشارع ـ كالرجم والسيف ـ وغيره؛
لاشتراك الجميع في الأمر المطلوب شرعاً وهو إزهاق الروح.
(ولو
قتل من وجب عليه قصاصٌ غيرُ الوليّ قُتل به) لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى غيره.
__________________
(القول في ما يثبت به
القتل)
(وهو
ثلاثة : الإقرار) به (والبيّنة) عليه (والقَسامة) بفتح القاف وهي الأيمان يُقسَّم على أولياء الدم ، قاله الجوهري .
ـ الاقرار
وقيل : تعتبر
المرّتان
وهو ضعيف.
(ويشترط) فيه (أهليّة
المقرّ) بالبلوغ والعقل (واختياره وحرّيّته) فلا عبرة بإقرار الصبيّ والمجنون والمكره والعبد ما دام رقّاً ولو بعضه ، إلّاأن
يُصدّقه مولاه ، فالأقرب القبول؛ لأنّ سلب عبارته هنا إنّما كان لحقّ المولى حيث
كان له نصيب في نفسه ، فإذا وافقه زال المانع مع وجود المقتضي ، وهو : قبول إقرار
العقلاء على أنفسهم.
ووجه عدم
القبول مطلقاً كونه مسلوب أهليّة الإقرار كالصبيّ والمجنون؛ لأنّ العبوديّة صفة
مانعة منه كالصِبا
ولأنّ المولى
ليس له تعلّق بدم العبد ، وليس له جرحه ، ولا قطع شيء من أعضائه فلا يقبل مطلقاً.
__________________
ولا فرق في ذلك
بين القنّ والمدبَّر واُمّ الولد والمكاتب وإن انعتق بعضه كمطلق المبعَّض. نعم ، لو
أقرّ بقتل يوجب عليه الدية لزمه منها بنسبة ما فيه من الحرّيّة. ولو أقرّ بالعمد
ثمّ كمل عتقه اقتُصّ منه؛ لزوال المانع.
(ويُقبل
إقرار السفيه والمفلَّس بالعمد) لأنّ موجَبَه القَوَد وإنّما حُجر عليهما في المال ، فيستوفى منهما القصاص
في الحال.
ولو أقرّا
بالخطأ الموجب للمال على الجاني
لم يقبل من
السفيه مطلقاً ، ويُقبل من المفلَّس لكن لا يشارك المقرَّ له الغرماء على الأقوى ،
وقد تقدّم في بابه .
(ولو
أقرّ واحدٌ بقتله عمداً ، وآخرُ) بقتله (خطأً
تخيّر الوليّ) في تصديق من
شاء منهما وإلزامه بموجب جنايته؛ لأنّ كلّ واحد من الإقرارين سبب مستقلّ في إيجاب
مقتضاه على المقرِّ به ، ولمّا لم يمكن الجمع تخيّر الوليّ وإن جهل الحال كغيره ، وليس
له على الآخر سبيل.
(ولو
أقرّ بقتله عمداً فأقرّ آخر ببراءة المقرّ) ممّا أقرّ به من قتله (وأ
نّه هو القاتل ورجع الأوّل) عن إقراره (وُدي
المقتول من بيت المال) إن كان موجوداً
(ودرئ) أي رفع (عنهما
القصاص كما قضى به الحسن عليه السلام في حياة أبيه) عليّ عليه السلام معلّلاً بأنّ الثاني إن كان ذبح ذاك فقد أحيا هذا ، وقد
قال اللّٰه عزّ وجلّ : (وَمَنْ
أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا اَلنّٰاسَ جَمِيعاً)
وقد عمل
بالرواية أكثر
__________________
الأصحاب مع أنّها مرسلة مخالفة للأصل
والأقوى تخيير
الوليّ في تصديق أيّهما شاء والاستيفاء منه كما سبق.
وعلى المشهور
لو لم يكن بيت مال كهذا الزمان أشكل درء القصاص عنهما وإذهاب حقّ المُقَرّ له مع
أنّ مقتضى التعليل ذلك.
ولو لم يرجع
الأوّل عن إقراره فمقتضى التعليل بقاء الحكم أيضاً. والمختار التخيير مطلقاً.
(وأمّا
البيّنة : فعدلان ذكران) ولا عبرة بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات ولا بالواحد مع اليمين؛ لأنّ
متعلّقهما المال وإن عفا المستحقّ على مال. وقيل : يثبت بالشاهد والمرأتين الدية
وهو شاذّ .
(ولتكن
الشهادة صافيةً عن الاحتمال ، فلو قال : جَرَحه لم يكف حتّى يقول : مات من جرحه) لأنّ الجرح لا يستلزم الموت مطلقاً.
(ولو
قال : أسالَ دمه ، تثبت الدامية ) خاصّة؛ لأنّها المتيقّن من إطلاق اللفظ. ثمّ يبقى الكلام في تعيين الدامية
، فإنّ استيفاءها مشروط بتعيين محلّها ، فلا يصحّ بدونه.
__________________
(ولا
بدّ من توافقهما على الوصف الواحد) الموجب لاتّحاد الفعل (فلو
اختلفا زماناً) بأن شهد أحدهما
أنّه قتله غُدوةً والآخر عَشيّة (أو
مكاناً) بأن شهد أحدهما أنّه قتله في الدار والآخر في السوق (أو آلةً) بأن شهد أحدهما أنّه قتله بالسكّين والآخر بالسيف (بطلت الشهادة) لأنّها شهادة على فعلين ، ولم يقم على كلّ واحد إلّاشاهدٌ واحدٌ. ولا يثبت
بذلك لوث على الأقوى؛ للتكاذب. نعم ، لو شهد أحدهما بإقراره والآخر بالمشاهدة لم
يثبت وكان لوثاً؛ لإمكان صدقهما وتحقّق الظنّ به.
(وأمّا
القسامة : فتثبت مع اللوث. ومع عدمه : يحلف المنكر يميناً واحدة) على نفي الفعل (فإن
نكل) عن اليمين (حلف المدّعي يميناً واحدة) بناءً على عدم القضاء بالنكول (ويثبت الحقّ) على المنكر بيمين المدّعي. ولو قضينا بالنكول قُضي عليه به
بمجرّده.
(واللوث
أمارة يُظنّ بها صدق المدّعي) فيما ادّعاه من القتل (كوجود
ذي سلاح ملطَّخ بالدم عند قتيل في دمه) أمّا لو لم يوجد القتيل مُهرَق الدم لم يكن وجود الدم مع ذي السلاح لوثاً (أو) وجد القتيل (في
دار قوم أو قريتهم) حيث لا يطرقها
غيرُهم (أو
بين قريتين) لا يطرقهما غير
أهلهما (وقربهما) إليه (سواء) ولو كان إلى إحداهما أقرب اختصّت باللوث. ولو طرق القرية غير أهلها اعتبر
في ثبوت اللوث مع ذلك ثبوت العداوة بينهم وبينه (وكشهادة العدل) الواحد بقتل المدّعى عليه به (لا الصبيّ ولا الفاسق) والكافر وإن كان مأموناً في مذهبه.
__________________
(أمّا
جماعة النساء والفُسّاق فتفيد اللوث مع الظنّ) بصدقهم
ويُفهم منه أنّ
جماعة الصبيان لا يثبت بهم اللوث. وهو كذلك ، إلّاأن يبلغوا حدّ التواتر ، وكذا
الكفّار ، والمشهور
حينئذٍ ثبوته
بهم. ويُشكل بأنّ التواتر يُثبت القتلَ؛ لأنّه أقوى من البيّنة ، واللوث يكفي فيه
الظنّ ، وهو قد يحصل بدون تواترهم.
(ومن
وُجد قتيلاً في جامع عظيم أو شارع) يطرقه غيرُ منحصر (أو) في (فلاة
أو في زُحام على قنطرة أو جسر أو بئر أو مصنع) غير مختصّ بمنحصر (فديته
على بيت المال).
(وقدرها) أي قدر القسامة (خمسون
يميناً) باللّٰه تعالى (في العمد) إجماعاً (والخطأ) على الأشهر. وقيل : خمسة وعشرون
لصحيحة عبد
اللّٰه بن سنان عن الصادق عليه السلام
والأوّل أحوط
وأنسب بمراعاة النفس .
يحلفها المدّعي
مع اللوث إن لم يكن له قوم (فإن
كان للمدّعي قوم) والمراد بهم
هنا أقاربه وإن لم يكونوا وارثين (حلف كلّ واحد) منهم (يميناً) إن كانوا خمسين. ولو زادوا عنها اقتصر على حلف خمسين والمدّعي من
__________________
جملتهم ، ويتخيّرون في تعيين الحالف منهم.
(ولو
نقصوا عن الخمسين كرّرت عليهم) أو على بعضهم حسبما يقتضيه العدد إلى أن يبلغ الخمسين
وكذا لو امتنع
بعضهم كرّرت على الباذل متساوياً ومتفاوتاً ، وكذا لو امتنع البعض من تكرير اليمين.
(وتثبت
القَسامة في الأعضاء بالنسبة) أي بنسبتها إلى النفس في الدية ، فما فيه منها الدية فقسامته خمسون كالنفس
، وما فيه النصف فنصفها ، وهكذا ...
وقيل : قَسامة
الأعضاء الموجبة للدية ستّ أيمان ، وما نقص عنها فبالنسبة
والأقوى الأوّل.
(ولو
لم يكن له قَسامة) أي قوم يقسمون
ـ فإنّ القَسامة تُطلق على الأيمان وعلى المُقْسِم ـ وعدم القسامة إمّا لعدم القوم
، أو وجودهم مع عدم علمهم بالواقعة ، فإنّ الحلف لا يصحّ إلّامع علمهم بالحال ، أو
لامتناعهم عنها تشهّياً ، فإنّ ذلك غير واجب عليهم مطلقاً (أو امتنع) المدّعي (من
اليمين) وإن بذلها قومُه أو بعضُهم (اُحلف المنكر وقومه خمسين يميناً) ببراءته (فإن
امتنع) المنكر من الحلف أو بعضه (اُلزم الدعوى) وإن بذلها قومه ـ بناءً على القضاء بالنكول ، أو لخصوص
هذه المادّة من
حيث إنّ أصل اليمين هنا على المدّعي وإنّما انتقلت إلى المنكر بنكوله ـ فلا تعود
إليه ، كما لا تعود من المدّعي إلى المنكر بعد ردّها عليه.
__________________
(وقيل
:) والقائل الشيخ في المبسوط (له ردُّ اليمين على المدّعي) كغيره من المنكرين (فيكفي) حينئذٍ اليمين (الواحدة) كغيره
وهو ضعيف؛ لما
ذكر .
(ويستحبّ
للحاكم العظة) للحالف (قبل الأيمان) كغيره بل هنا أولى (وروى
السكوني عن أبي عبد اللّٰه : أنّ النبيّ كان يحبس في تهمة الدم ستّة أيّام ،
فإن جاء الأولياء ببيّنة وإلّا خلّى سبيله ) وعمل بمضمونها الشيخ
والرواية ضعيفة
والحبس تعجيل عقوبة لم يثبت موجبها ، فعدم جوازه أجود.
__________________
(الفصل الثاني)
(في قصاص الطرف)
والمراد به ما
دون النفس وإن لم يتعلّق بالأطراف المشهورة.
(وموجبه)بكسر الجيم أي سببه (إتلاف العضو) وما في حكمه (بالمتلف
غالباً) وإن لم يقصد الإتلاف (أو بغيره) أي غير المتلف غالباً (مع
القصد إلى الإتلاف) كالجناية على
النفس.
(وشروطه
: شروط قصاص النفس) من التساوي في
الإسلام والحرّيّة ، أو كون المقتصّ منه أخفض ، وانتفاء الاُبوّة ، إلى آخر ما
فُصّل سابقاً
(و) يزيد هنا على شروط النفس اشتراط (التساوي) أي تساوي العضوين المقتصّ به ومنه (في السلامة) أو
عدمها أو كون
المقتصّ منه أخفض (فلا
تقطع اليد الصحيحة بالشلّاء) وهي الفاسدة (ولو
بذلها) أي بذل اليدَ الصحيحة (الجاني) لأنّ بذله لا يسوّغ قطع ما منع الشارع من قطعه ، كما لو بذل قطعَها بغير
قصاص.
(وتقطع) اليد (الشلّاء
بالصحيحة) لأنّها دون حقّ المستوفى
__________________
(إلّا
إذا خيف) من قطعها (السراية) إلى النفس؛ لعدم انحسامها
فتثبت الدية
حينئذٍ.
وحيث يقطع
الشلّاء يقتصر عليها ، ولا يضمّ إليها أرش التفاوت.
(وتُقطع
اليمين باليمين) لا باليُسرى ، ولا
بالعكس ، كما لا تقطع السبّابة بالوسطى ونحوها ، ولا بالعكس.
(فإن
لم تكن له ) أي لقاطع اليمين (يمين
فاليسرى ، فإن لم تكن) له يسرى (فالرجل) اليمنى ، فإن فقدت فاليسرى (على الرواية) التي رواها حبيب السجستاني عن الباقر عليه السلام .
وإنّما أسند
الحكم إليها لمخالفته للأصل من حيث عدم المماثلة بين الأطراف ، خصوصاً بين الرِجل
واليد ، إلّاأنّ الأصحاب تلقّوها بالقبول ، وكثير منهم لم يتوقّف في حكمها هنا. وما
ذكرناه من ترتّب
الرِجلين مشهور
، والرواية خالية عنه ، بل مطلقة في قطع الرجل لليد حيث لا يكون للجاني يد.
وعلى الرواية
لو قَطع أيدي جماعة قُطعت يداه ورجلاه للأوّل فالأوّل ، ثمّ تؤخذ الدية للمتخلّف.
ولا يتعدّى هذا
الحكم إلى غير اليدين ممّا له يمين ويسار كالعينين والاُذنين ، وقوفاً فيما خالف
الأصل على موضع اليقين وهو الأخذ بالمماثل. وكذا ما ينقسم إلى أعلى وأسفل كالجفنين
والشفتين ، لا يؤخذ الأعلى بالأسفل ، ولا بالعكس.
__________________
(ويثبت) القصاص (في
الحارصة) من الشجاج
(والباضعة
والسمحاق والموضحة) وسيأتي تفسيرها
.
(ويراعى) في الاستيفاء (الشجّة) العادية (طولاً
وعرضاً) فيستوفى بقدرها في البُعدين.
(ولا
يُعتبر قدر النزول مع صدق الاسم) أي اسم الشجّة المخصوصة ـ من حارصة وباضعة وغيرها ـ لتفاوت الأعضاء بالسمن
والهزال. ولا عبرة باستلزام مراعاة الطول والعرض استيعاب رأس الجاني لصغره دون
المجنيّ عليه ، وبالعكس. نعم ، لا يكمل الزائد عنه من القفا ولا من الجبهة؛ لخروجهما
عن موضع الاستيفاء ، بل يقتصر على ما يحتمله العضو ويؤخذ للزائد بنسبة المتخلّف
إلى أصل الجرح من الدية ، فيستوفى بقدر ما يحتمله الرأس من الشجّة وينسب الباقي
إلى الجميع ، ويؤخذ للفائت بنسبته ، فإن كان الباقي ثلثاً فله ثلث دية تلك الشجّة
، وهكذا ...
(ولا
يثبت) القصاص (في الهاشمة ) للعظم (والمنقّلة
) له (ولا
في كسر العظام لتحقّق التغرير) بنفس المقتصّ منه ، ولعدم إمكان استيفاء نحو الهاشمة والمنقّلة من غير
زيادة ولا نقصان.
(ويجوز) القصاص (قبل
الاندمال) أي اندمال جناية الجاني؛ لثبوت أصل الاستحقاق (وإن كان الصبر) إلى الاندمال (أولى) حذراً من السراية الموجبة لتغيّر الحكم.
__________________
وقيل : لا
يجوز؛ لجواز السراية الموجبة للدخول
(ولا
قصاص إلّابالحديد) لقوله صلى الله
عليه وآله : (لا
قَوَد إلّابحديد)
(فيقاس
الجرح) طولاً وعرضاً بخيط وشبهه (ويعلَّم طرفاه) في موضع الاقتصاص (ثمّ
يشقّ من إحدى العلامتين إلى الاُخرى) ولا تجوز الزيادة ، فإن اتّفقت عمداً اقتصّ من المستوفي ، أو خطأً فالدية
ويرجع إلى قوله فيهما بيمينه ، أو لاضطراب المستوفى منه فلا شيء؛ لاستنادها إلى
تفريطه. وينبغي ربطه على خشبة ونحوها لئلّا يضطرب حالة الاستيفاء.
(ويؤخَّر
قصاص الطرف) من الحرّ
والبرد (إلى
اعتدال النهار) حذراً من
السراية.
(ويثبت
القصاص في العين) للآية (ولو كان الجاني بعين
واحدة) والمجنيّ عليه باثنتين قلعت عين الجاني وإن استلزم عماه
، فإنّ الحقّ أعماه
ولإطلاق قوله
تعالى : (وَاَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)
ولا ردّ.
(ولو) انعكس بأن (قلع
عينه) أي عين ذي العين الواحدة (صحيحُ العينين) فأذهب بصره (اقتصّ
له بعين واحدة) لأنّ ذلك هو
المماثل للجناية.
__________________
(قيل) والقائل ابن الجنيد
والشيخ في أحد
قوليه وجماعة
: (وله مع القصاص) على ذي العينين (نصف
الدية) لأنّه أذهب بصره أجمع وفيه الدية ، وقد استوفى منه ما
فيه نصف الدية وهو العين الواحدة فيبقى له النصف ، ولرواية محمّد بن قيس عن الباقر
عليه السلام قال : «قضى
أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في رجل أعور اُصيبت عينه الصحيحة ففُقئت : أن
تُفقأ إحدى عيني صاحبه ويعقل له نصف الدية ، وإن شاء أخذ دية كاملة ويعفو عن عين
صاحبه»
ومثلها رواية
عبد اللّٰه بن الحكم عن الصادق عليه السلام .
ونسبة المصنّف
الحكم إلى القيل مشعرة بردّه أو توقّفه. ومنشؤه قوله تعالى : (وَاَلْعَيْنَ
بِالْعَيْنِ) فلو وجب معها شيء آخر لم يتحقّق ذلك ، خصوصاً على القول بأنّ الزيادة على
النصّ نسخ
وأصالة البراءة
من الزائد.
وإليه
ذهب جماعة من
الأصحاب ، منهم المحقّق في الشرائع
والعلّامة
__________________
في التحرير
مع موافقته في
المختلف
للأوّل
وتردّده في
باقي كتبه .
وللتوقّف وجه
وإن كان الأوّل
لا يخلو من
قوّة ، وهو اختيار المصنّف في الشرح .
واُجيب عن
الآية بأنّ «العين» مفرد محلّى فلا يعمّ ، والأصل يُعدل عنه للدليل.
وما قيل : من
أنّ الآية حكاية عن التوراة فلا يلزمنا
مندفع بإقرارها
في شرعنا؛ لرواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام : «إنّها
محكمة»
ولقوله تعالى
بعدها : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا
أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلظّٰالِمُونَ)
و «مَن» للعموم ، والظلم حرام ، فتركه واجب ، وهو لا يتمّ إلّابالحكم بها.
وقد ينقدح الشكّ في الثاني باحتمال كونه معطوفاً على اسم «أنّ»
__________________
فلا يدلّ على بقائه عندنا لولا النصّ على كونها مُحكَمَة.
(ولو
ذهب ضوء العين مع سلامة الحدقة ، قيل ) في طريق الاقتصاص منه بإذهاب بصرها مع بقاء حدقته : (طُرح على الأجفان) أي أجفان الجاني (قطن
مبلول وتُقابل بمرآة محماة مواجهة الشمس ) بأن يفتح عينه ، ويُكلَّف النظر إليها (حتّى يذهب الضوء) من عينه (وتبقى
الحدقة).
والقول
باستيفائه على هذا الوجه هو المشهور بين الأصحاب ومستنده رواية رفاعة عن أبي عبد
اللّٰه عليه السلام : «أنّ عليّاً عليه
السلام فعل ذلك في من لطم عين غيره فأنزل فيها الماء وأذهب بصرها»
وإنّما حكاه
قولاً؛ للتنبيه على عدم دليل يفيد انحصار الاستيفاء فيه ، بل يجوز بما يحصل به
الغرض من إذهاب
البصر وإبقاء الحدقة بأيّ وجه اتّفق
مع أنّ في طريق
الرواية ضعفاً وجهالة
يمنع من تعيين
ما دلّت عليه وإن كان جائزاً.
(ويثبت) القصاص (في
الشَعر إن أمكن) الاستيفاء
المماثل للجناية
__________________
بأن يُستوفى ما ينبت
على وجه ينبت ،
وما لا ينبت
كذلك ، على وجه
لا يتعدّى إلى فساد البشرة ولا الشعر زيادة عن
الجناية. وهذا
أمر بعيد ، ومن ثَمَّ منعه جماعة
وتوقّف آخرون
منهم العلّامة في القواعد .
(ويُقطع
ذكر الشابّ بذكر الشيخ ، و) ذكر (المختون
بالأغلف) والفحل بمسلول الخصيتين؛ لثبوت أصل المماثلة ، وعدم
اعتبار زيادة المنفعة ونقصانها ، كما تُقطع يد القويّ بيد الضعيف ، وعين الصحيح
بالأعشى ، ولسان الفصيح بغيره. نعم ، لا يقطع الصحيح بالعنّين ، ويثبت في العكس.
(وفي
الخصيتين وفي إحداهما القصاص إن لم يُخف) بقطع الواحدة (ذهابُ
منفعة الاُخرى) فإن خيف فالدية.
ولا فرق في جواز الاقتصاص فيهما بين كون الذكر صحيحاً وعدمه؛ لثبوت أصل المماثلة.
(وتقطع
الاُذن الصحيحة بالصمّاء) لأنّ السمع منفعة اُخرى خارجة عن نفس الاُذن ، فليس الأمر كالذَكر الصحيح
والعنّين ، حتّى لو قطع اُذنه فأزال سمعه فهما جنايتان. نعم ، لا تؤخذ الصحيحة
بالمخرومة ، بل يقتصّ إلى حدّ الخرم ويؤخذ حكومةً الباقي. أمّا الثقب فليس بمانع.
(والأنف
الشامّ بالأخشم) بالمعجمتين وهو
الذي لا يشمّ؛ لأنّ منفعة
__________________
الشمّ خارجة عن الأنف ، والخلل حينئذٍ في الدماغ ، لا فيه. وكذا يستوي
الأقنى
والأفطس
والكبير
والصغير.
(وأحد
المنخرين بصاحبه) المماثل له في
اليمين واليسار ، كما يعتبر ذلك في نحوهما من الاُذنين واليدين. وكما يثبت في
جميعه فكذا في بعضه ، لكن ينسب المقطوع إلى أصله ويؤخذ من الجاني بحسابه؛ لئلّا
يستوعب بالبعض أنفَ الصغير ، فالنصف بالنصف ، والثلث بالثلث ، وهكذا ...
(ويُقلع
السنّ بالسنّ) المماثلة
كالثنيّة بالثنيّة ، والرباعيّة بها ، والضِرس
به.
وإنّما يُقتصّ
إذا لم تَعُد المجنيّ عليها ، أو يقضِ أهل الخبرة بعودها (ولو عادت السنّ فلا
قصاص) كما أنّه لو قُضي بعودها اُخّر إلى أن يمضي مدّة القضاء
، فإن لم تَعُد اقتُصّ وإن عادت بعده؛ لأنّها حينئذٍ هبة جديدة ، وعلى هذا فيُقتصّ
وإن عادت على هذا الوجه؛ لأنّها ليست بدلاً عادة ، بخلاف ما تقضي العادة بعودها. ولو
انعكس الفرض بأن عادت سنّ الجاني بخلاف العادة لم يكن للمجنيّ عليه إزالتها؛ لما
ذكر (فإن
عادت) السنّ المقضيّ بعودها عادة (متغيّرة فالحكومة) وهو الأرش؛ لتفاوت ما بينها
صحيحة ومتغيّرة
كما هي.
(وينتظر
بسنّ الصبي) الذي لم تسقط
سنّه وينبت بدلها؛ لقضاء العادة
__________________
بعودها (فإن
لم تعد) على خلاف العادة (ففيها القصاص ، وإلّا فالحكومة) وهو أرش ما بين كونه فاقد السنّ زمن ذهابها وواجدها. ولو عادت متغيّرة أو
مائلة فعليه الحكومة الاُولى ونقص الثانية (ولو مات) الصبيّ (قبل
اليأس من عودها فالأرش).
(ولا
تقلع سنّ بضِرس) ولا ثنيّة
برباعيّة ولا بناب (ولا
بالعكس) وكذا يعتبر العلوّ والسفل واليمين واليسار وغيرها من
الاعتبارات المماثلة.
(ولا
أصليّة بزائدة ، ولا زائدة بزائدة مع تغاير المحلّ) بل الحكومة فيهما. ولو اتّحد المحلّ قُلعت (وكلّ عضو وجب القصاص فيه لو فقد انتقل إلى
الدية) لأنّها قيمة العضو حيث لا يمكن استيفاؤه.
(ولو
قطع إصبع رَجُلٍ ، ويد آخر) مناسبة
لذات الإصبع (اقتصّ لصاحب الإصبع إن
سبق) في الجناية؛ لسبق استحقاقه إصبع الجاني قبل تعلّق حقّ
الثاني باليد المشتملة عليها (ثمّ) يستوفى (لصاحب
اليد) الباقي من اليد ويؤخذ دية الإصبع؛ لعدم استيفاء تمام
حقّه فيدخل فيما تقدّم من القاعدة بوجوب
الدية لكلّ عضو
مفقود (ولو
بدأ) الجاني (بقطع اليد قُطعت يده) للجناية الاُولى (وألزمه
الثاني دية إصبع لفوات محلّ القصاص).
__________________
(الفصل الثالث)
(في اللواحق)
(الواجب
في قتل العمد القصاص ، لا أحد الأمرين : من الدية والقصاص) كما زعمه بعض العامّة
لقوله تعالى : (اَلنَّفْسَ
بِالنَّفْسِ)
وقوله : (كُتِبَ
عَلَيْكُمُ اَلْقِصٰاصُ فِي اَلْقَتْلىٰ اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ) ... الآية
وصحيحة الحلبي
وعبد اللّٰه بن سنان عن الصادق عليه السلام قال : «من
قتل مؤمناً متعمّداً قيد به ، إلّاأن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية ، فإن
رضوا بالدية وأحبّ ذلك القاتل فالدية ...» .
(نعم
، لو اصطلحا على الدية جاز) للخبر ، ولأنّ القصاص حقّ فيجوز الصلح على إسقاطه بمال (ويجوز الزيادة عنها) أي عن الدية (والنقيصة
مع التراضي) أي تراضي
الجاني والوليّ؛ لأنّ الصلح إليهما فلا يتقدّر إلّابرضاهما.
(وفي
وجوبها) أي الدية (على الجاني بطلب الوليّ وجه) بل قول لابن الجنيد
(لوجوب
حفظ نفسه الموقوف على بذل الدية) فيجب مع القدرة ،
__________________
ولرواية الفضيل عن الصادق عليه السلام قال : «والعمد
هو القود ، أو رضا وليّ المقتول»
ولا بأس به. وعلى
التعليل لا يتقدّر بالدية ، بل لو طلب منه أزيد وتمكّن منه وجب.
(ولو
جنى على الطرف ومات واشتبه استناد الموت إلى الجناية فلا قصاص في النفس) للشكّ في سببه ، بل في الطرف خاصّة.
(ويستحبّ
إحضار شاهدين عند الاستيفاء احتياطاً) في إيقاعه على الوجه المعتبر (وللمنع من حصول الاختلاف في الاستيفاء) فينكره الوليّ فيُدفع بالبيّنة.
(وتُعتبر
الآلة) أي تُختبر بوجهٍ يظهر حالها (حذراً من) أن يكون قد وضع المستوفي فيها (السمّ وخصوصاً في الطَرَف) لأنّ البقاء معه مطلوب والسمّ ينافيه غالباً (فلو حصل منها) أي من الآلة المقتصّ بها في الطرف (جناية بالسمّ ضمن المقتصّ) إن علم به ، ولو كان القصاص في النفس أساء واستوفى ولا شيء عليه.
(ولا
يُقتصّ إلّابالسيف ، فيضرب العُنُق لا غير) إن كان الجاني أبانه ، وإلّا ففي جوازه نظر : من صدق استيفاء النفس بالنفس
، وزيادة الاستيفاء وبقاء حرمة الآدمي بعد موته. واستقرب في القواعد المنع .
(ولا
يجوز التمثيل به) أي بالجاني بأن
يقطع بعض أعضائه (ولو
كانت جنايته تمثيلاً أو) وقعت (بالتغريق
والتحريق والمثقَّل) بل يستوفى في
جميع ذلك بالسيف.
__________________
وقال ابن الجنيد : يجوز قتله بمثل القتلة التي قُتل بها
لقوله تعالى :
(بِمِثْلِ مَا اِعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ)
وهو متّجه
لولا الاتّفاق
على خلافه.
(نعم
، قد قيل) والقائل الشيخ في النهاية
وأكثر
المتأخّرين
إنّه مع جمع
الجاني بين التمثيل بقطع شيء من أعضائه وقتله (يقتصّ) الوليّ منه (في
الطرف ، ثمّ يقتصّ في النفس إن كان الجاني فعل ذلك بضربات) متعدّدة؛ لأنّ ذلك بمنزلة جنايات متعدّدة وقد وجب القصاص بالجناية الاُولى
فيستصحب ، ولرواية محمّد بن قيس عن أحدهما عليهما السلام
ولو فعل ذلك
بضربة واحدة لم يكن عليه أكثر من القتل.
وقيل : يدخل
قصاص الطرف في قصاص النفس مطلقاً ، ذهب إليه الشيخ في المبسوط والخلاف
ورواه أبو عبد
اللّٰه عن الباقر عليه السلام
والأقرب الأوّل.
(ولا
يقتصّ بالآلة الكالّة) التي لا تقطع
أو لا تقتل إلّابمبالغة كثيرة؛
__________________
لئلّا يتعذّب المقتصّ منه ، سواء في ذلك النفس والطرف (فيأثم) المقتصّ (لو
فعل) ولا شيء عليه سواه.
(ولا
يضمن المقتصّ سرايةَ القصاص) لأنّه فعل سائغ ، فلا يتعقّبه ضمان ، ولقول الصادق عليه السلام في حسنة
الحلبي : (أيّما
رجل قتله الحدّ والقصاص فلا دية له)
وغيرها.
وقيل : ديته في
بيت المال
استناداً إلى
خبر ضعيف .
(ما
لم يتعدّ) حقَّه ، فيضمن حينئذٍ الزائد قصاصاً أو دية.
(واُجرة
المقتصّ من بيت المال) لأنّه من جملة
المصالح (فإن
فقد) بيت المال (أو كان هناك) ما هو (أهمّ
منه) كسدّ ثغر ودفع عدوٍّ ولم يسع لهما (فعلى الجاني) لأنّ الحقّ لازم له ، فتكون مؤونته عليه.
وقيل : على
المجنيّ عليه؛ لأنّه لمصلحته .
(ويرثه) أي القصاصَ (وارثُ
المال) مطلقاً (إلّاالزوجين) لعموم آية اُولي الأرحام
خرج منه
الزوجان بالإجماع ، فيبقى الباقي.
__________________
(وقيل) : ترثه (العصبة)
وهم الأب ومن
تقرّب به (لا
غير) دون الإخوة والأخوات من الاُمّ ومن يتقرّب بها من
الخؤولة وأولادهم. وفي ثالثٍ يختصّ المنع بالنساء
لرواية أبي
العبّاس عن الصادق عليه السلام
والأوّل أقوى.
(ويجوز
للوليّ الواحد المبادرة) إلى الاقتصاص من الجاني (من
غير إذن الإمام) لقوله تعالى : (فَقَدْ
جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً)
لأنّه حقّه ، والأصل
براءة الذمّة من توقّف استيفاء الحقّ على استئذان غير المستحقّ (وإن كان استيذانه
أولى) لخطره واحتياجه إلى النظر (وخصوصاً في قصاص الطرف) لأنّ الغرض معه بقاء النفس ، ولموضع الاستيفاء حدود لا يؤمَن من تخطّيها
لغيره . وذهب جماعة إلى وجوب استيذانه مطلقاً
فيعزَّر
لو استقلّ ، واعتدّ
به.
(وإن
كانوا جماعة توقّف) الاستيفاء (على
إذنهم أجمع) سواء كانوا
__________________
حاضرين أم لا؛ لتساويهم في السلطان ، ولاشتراك الحقّ فلا يستوفيه بعضهم ، ولأنّ
القصاص موضوع للتشفّي ولا يحصل بفعل البعض.
(وقيل) والقائل به جماعة ـ منهم الشيخ
والمرتضى
مدّعيين
الإجماع ـ : (للحاضر) من الأولياء (الاستيفاء) من غير ارتقاب حضور الغائب ولا استيذانه (ويضمن) المستوفي (حصص
الباقين من الدية) لتحقّق الولاية
للحاضر ، فيتناوله العموم
ولبناء القصاص
على التغليب ، ومن ثَمَّ لا يسقط بعفو البعض على مال أو مطلقاً ، بل للباقين
الاقتصاص مع أنّ القاتل قد أحرز بعض نفسه ، فهنا أولى.
وتظهر الفائدة
في تعزير المبادر إليه وعدمه. أمّا قتله فلا؛ لأنّه مَهْدَر
بالنسبة إليه.
(ولو
كان الوليّ صغيراً وله أب أو جدّ لم يكن له) أي لوليّه من الأب والجدّ (الاستيفاء إلى بلوغه) لأنّ الحقّ له ولا يعلم ما يريده حينئذٍ ، ولأنّ الغرض التشفّي ولا يتحقّق
بتعجيله قبلَه ، وحينئذٍ فيُحبس القاتل حتّى يبلغ.
(وقيل) والقائل الشيخ وأكثر المتأخّرين
(تراعى
المصلحة) فإن اقتضت تعجيله جاز؛ لأنّ مصالح الطفل منوطة بنظر
الوليّ ، ولأنّ التأخير ربما استلزم تفويت القصاص. وهو أجود.
__________________
وفي حكمه
المجنون.
(ولو
صالحه بعض) الأولياء (على الدية لم يسقط
القَوَد عنه للباقين على الأشهر) بل لا نعلم فيه خلافاً ، وقد تقدّم ما يدلّ عليه ، ورواه الحسنُ بن محبوب
عن أبي ولّاد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «في
رجل قُتل وله أبٌ واُمّ وابنٌ ، فقال الابن : أنا اُريد أن أقتل قاتل أبي ، وقال
الأب : أنا أعفو ، وقالت الاُمّ : أنا آخذ بالدية. قال : فليعط الابن لاُمّ
المقتول السدسَ من الدية ، ويُعطي ورثةَ القاتل السدسَ الآخر حقَّ الأب الذي عفا ،
وليقتله)
وكثير من
الأصحاب لم يتوقّف في الحكم.
وإنّما نسبه
المصنّف إلى الشهرة لورود روايات بسقوط القَوَد وثبوت الدية ، كرواية زرارة عن
الباقر عليه السلام .
(و) على المشهور (يردّون) أي من يريد القود (عليه) أي على المقتول (نصيبَ
المُصالح) من الدية وإن كان قد صالح على أقلّ من نصيبه؛ لأ نّه قد
ملك من نفسه بمقدار النصيب ، فيستحقّ ديته.
(ولو
اشترك الأب والأجنبيّ في قتل الولد اقتُصّ من الأجنبيّ وردّ الأبُ نصفَ الدية عليه) وكذا لو اشترك المسلم والكافر في قتل الذمّي ، فيقتل الكافر إن شاء الوليّ
ويردّ المسلم نصف ديته (وكذا
الكلام في) اشتراك (العامد والخاطئ) فإنّه يجوز قتل العامد بعد أن يردّ عليه نصف ديته (والرادّ هنا العاقلة) عاقلة الخاطئ لو كان الخطأ محضاً ، ولو كان شبيه عمد فالخاطئ.
(ويجوز
للمحجور عليه) للسفه والفلس (استيفاء القصاص إذا
كان
__________________
بالغاً
عاقلاً) لأنّ القصاص
ليس بمال ، فلا يتعلّق به الحجر فيهما ولأ نّه موضوع للتشفّي وهو أهل له. ويجوز له
العفو أيضاً عنه والصلح على مال ، لكن لا يدفع إليه.
(وفي
جواز استيفاء) وليّ المقتول
مديوناً (القصاصَ
من دون ضمان الدين على الميّت قولان) أصحّهما الجواز
لأنّ موجَب
العمد القصاص ، وأخذ الدية اكتساب ، وهو غير واجب على الوارث في دين مورّثه ، ولعموم
الآية .
وذهب الشيخ
وجماعة
إلى المنع
استناداً إلى روايات
مع سلامة سندها
لا تدلّ على مطلوبهم.
(ويجوز
التوكيل في استيفائه) لأنّه من
الأفعال التي تدخلها النيابة؛ إذ لا تعلّق لغرض الشارع فيه بشخص
معيَّن (فلو عزله) الموكّل (واقتصّ) الوكيل (ولمّا
يعلم) بالعزل (فلا شيء) عليه من قصاص ولا دية؛ لأنّ الوكيل لا ينعزل إلّامع علمه بالعزل كما تقدّم
فوقع استيفاؤه
موقعه.
__________________
أمّا لو عفا
الموكّل فاستوفى الوكيل بعدَه قبل العلم فلا قصاص أيضاً ، لكن عليه الدية؛
لمباشرته وبطلان وكالته بالعفو ، كما لو اتّفق الاستيفاء بعد موت الموكّل أو خروجه
عن أهليّة الوكالة. ويرجع بها على الموكّل؛ لغروره بعدم إعلامه بالعفو. وهذا يتمّ
مع تمكّنه من الإعلام ، وإلّا فلا غرور. ويحتمل حينئذٍ عدم وجوبها على الوكيل؛
لحصول العفو بعد وجود سبب الهلاك ، كما لو عفا بعد رمي السهم.
(ولا
يقتصّ من الحامل حتّى تضع) وترضعه اللباء مراعاةً لحقّ الولد (ويُقبل قولها في الحمل وإن لم تشهد
القوابل) به؛ لأنّ له أمارات قد تخفى على غيرها وتجدها من نفسها ،
فتنتظر المخيّلة
إلى أن تستبين
الحال.
وقيل : لا يقبل
قولها مع عدم شهادتهنّ
لأصالة عدمه ، ولأنّ
فيه دفعاً للوليّ عن السلطان الثابت له بمجرّد الاحتمال. والأوّل أجود.
ولا يجب الصبر
بعد ذلك إلّاأن تتوقّف حياة الولد على إرضاعها ، فينتظر مقدار ما تندفع حاجته.
(ولو
هلك قاتل العمد ، فالمرويّ) عن الباقر والصادق عليهما السلام
(أخذُ
الدية من ماله ، وإلّا) يكن له مال (فمن الأقرب) إليه (فالأقرب) وإنّما نسب الحكم إلى الرواية؛ لقصورها عنه من حيث السند ، فإنّهما روايتان
في إحداهما ضعف
__________________
وفي الاُخرى إرسال
لكن عمل بهما
جماعة بل قيل : إنّه إجماع
ويؤيّده قوله
صلى الله عليه وآله : (لا
يطلّ دم امرء مسلم)
وذهب ابن إدريس
إلى سقوط القصاص لا إلى بدل؛ لفوات محلّه بل ادّعى عليه الإجماع
وهو غريب.
واعلم أنّ
الروايتين دلّتا على وجوب الدية على تقدير هرب القاتل إلى أن مات ، والمصنّف جعل
متعلّق المرويّ هلاكه مطلقاً ، وليس كذلك ، مع أنّه في الشرح أجاب عن حجّة المختلف
ـ بوجوب الدية من حيث إنّه فوّت العوض مع مباشرة إتلاف المعوَّض فيضمن البدل ـ بأ
نّه لو مات فجأة أو لم يمتنع من القصاص ولم يهرب حتّى مات لم يتحقّق منه تفويت. قال
: اللهمّ إلّاأن تخصّص الدعوى بالهارب فيموت ، وبه نطقت الروايات وأكثرُ كلام
الأصحاب
وهذا مخالف لما
أطلقه هنا كما لا يخفى.
__________________
كتاب الديات
(كتاب الديات)
جمع دية ، والهاء
عوض من (واو) فاء الكلمة ، يقال : وديت القتيل : أعطيت ديته.
(وفيه
فصول) أربعة :
الفصل
(الأوّل)
(في مورد الدية)
بفتح الميم ، وهو
موضع ورودها مجازاً ، والمراد بيان ما تجب فيه الدية من أنواع القتل (إنّما تثبت الدية
بالأصالة في الخطأ) المحض (وشبهه) وهو العمد الذي يُشبه الخطأ. واحترز بالأصالة عمّا لو وجبت صلحاً ، فإنّها
تقع حينئذٍ عن العمد.
(فالأوّل) وهو الخطأ المحض «مثل أن يرمي حيواناً فيصيب إنساناً ،
__________________
أو إنساناً معيَّناً فيصيب غيره) ومرجعه إلى عدم قصد الإنسان أو الشخص. والثاني
لازم للأوّل.
(والثاني) وهو الخطأ الشبيه بالعمد وبالعكس : أن يقصدهما بما لا يقتل غالباً وإن لم
يكن عدواناً (مثل
أن يضرب للتأديب) ضرباً لا يقتل
عادة (فيموت) المضروب.
(والضابط) في العمد وقسيميه : (أنّ
العمد) هو (أن
يتعمّد الفعل والقصد) بمعنى أن يقصد
قتل الشخص المعيّن. وفي حكمه تعمّد الفعل دون القصد إذا كان الفعل ممّا يقتل
غالباً كما سبق .
(والخطأ
المحض أن لا يتعمّد فعلاً ولا قصداً) بالمجنيّ عليه وإن قصد الفعل في غيره.
(و) الخطأ (الشبيه) بالعمد (أن
يتعمّد الفعل) ويقصد إيقاعه
بالشخص المعيّن (ويُخطئ
في القصد) إلى القتل أي لا يقصده مع أنّ الفعل لا يقتل غالباً
(فالطبيب
يضمن في ماله ما يتلف بعلاجه) نفساً وطرفاً؛ لحصول التلف المستند إلى فعله و «لا
يطلّ دمُ امرئ مسلم»
ولأ نّه قاصد
إلى الفعل مخطئ في القصد ، فكان فعله شبيه عمد (وإن احتاط واجتهد وأذِن المريضُ) لأنّ ذلك لا دخل له في عدم الضمان هنا؛ لتحقّق الضمان مع الخطأ المحض ، فهنا
أولى وإن اختلف الضامن .
__________________
وقال ابن إدريس
: لا يضمن مع العلم والاجتهاد؛ للأصل ، ولسقوطه بإذنه ، ولأ نّه فعل سائغ شرعاً
فلا يستعقب ضماناً .
وفيه : أنّ
أصالة البراءة تنقطع بدليل الشغل ، والإذن في العلاج لا في الإتلاف ، ولا منافاة
بين الجواز والضمان ، كالضارب للتأديب ، وقد رُوي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام
ضمَّن ختّاناً قطع حشفة غلام
والأولى
الاعتماد على الإجماع ، فقد نقله المصنّف في الشرح
وجماعة
لا على
الرواية؛ لضعف سندها بالسكوني.
(ولو
أبرأه) المعالَجُ من الجناية قبل وقوعها (فالأقرب الصحّة) لمسيس الحاجة إلى مثل ذلك؛ إذ لا غنى عن العلاج ، وإذا عرف الطبيب أنّه لا
مخلص له عن الضمان توقّف عن العمل مع الضرورة إليه ، فوجب في الحكمة شرع الإبراء
دفعاً للضرورة. ولرواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليه السلام : من تطبَّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه وإلّا
فهو ضامن»
وإنّما ذكر
الوليّ؛ لأنّه هو المطالب على تقدير التلف ، فلمّا شُرع الإبراء قبل الاستقرار
صُرف إلى من يتولّى المطالبة. وظاهر العبارة أنّ المبرئ المريضُ. وحكمه كذلك؛
للعلّة الاُولى. ويمكن تكلّف إدخاله في الوليّ
__________________
و
لأنّ المجنيّ
عليه إذا أذن في الجناية سقط ضمانها ، فكيف بإذنه في المباح المأذون في فعله؟
ولا يخفى عليك
: ضعف هذه الأدلّة ، فإنّ الحاجة لا تكفي في شرعيّة الحكم بمجرّدها مع قيام
الأدلّة على خلافه. والخبر سكونيّ
مع أنّ البراءة
حقيقة لا تكون إلّابعد ثبوت الحقّ؛ لأنّها إسقاط ما في الذمّة من الحقّ. وينبّه
عليه أيضاً أخذها من الوليّ؛ إذ لا حقّ له قبل الجناية. وقد لا يصار
إليه بتقدير
عدم بلوغها القتل إذا أدّت إلى الأذى. ومن ثَمَّ ذهب ابن إدريس إلى عدم صحّتها
قبلَه وهو حسن.
(والنائم
يضمن) ما يجنيه (في مال العاقلة) لأنّه مخطئ في فعله وقصده ، فيكون خطأً محضاً.
(وقيل) والقائل الشيخ رحمه الله : إنّه يضمنه (في ماله)
جعلاً له من
باب الأسباب ، لا الجنايات. والأقوى الأوّل ، اطّراداً للقاعدة.
(وحامل
المتاع يضمن لو أصاب به إنساناً في ماله) أمّا أصل الضمان فلاستناد تلفه إلى فعله. وأمّا كونه في ماله فلقصده الفعل
الذي هو سبب الجناية.
__________________
ويشكل إذا لم
يقصد الفعل بالمجنيّ عليه ، فإنّه حينئذٍ يكون خطأً محضاً كما مرّ
إلّاأ نّهم
أطلقوا الحكم
هنا.
(وكذا) يضمن (المُعنِّف
بزوجته جماعاً) قبلاً أو دبراً
(أو
ضمّاً فيجني) عليها في ماله
أيضاً. وهو واضح؛ لقصده الفعل ، وإنّما أخطأ في القصد. وكذا القول في الزوجة لو
أعنفت به.
وللشيخ قول بأ
نّهما إن كانا مأمونين فلا شيء عليهما ، وإن كانا متّهمين فالدية
استناداً إلى
رواية مرسلة
والأقوى
الأوّل؛ لرواية سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام
ولتحقّق
الجناية وليست بخطأ محض. ونفي التهمة ينفي العمد ، لا أصل القتل.
(والصائح
بالطفل أو المجنون أو المريض) مطلقاً (أو
الصحيح على حين غفلة) يضمن في ماله
أيضاً؛ لأنّه خطأ مقصود.
(وقيل) والقائل الشيخ في المبسوط
: إنّ الضامن (عاقلته)
__________________
جعلاً له من قبيل الأسباب. وهو ضعيف
ولأنّ ضمان
الغير جناية غيره على خلاف الأصل ، فلا يصار إليه بمثل ذلك.
ولو كان الصياح
بالصحيح الكامل على غير غفلة فلا ضمان؛ لأنّه ليس من أسباب الإتلاف ، بل هو
اتّفاقي لا بسبب الصيحة ، إلّاأن يعلم استناده إليها ، فالدية.
(والصادم) لغيره (يضمن
في ماله دية المصدوم) لاستناد التلف
إليه مع قصد الفعل (ولو
مات الصادم فهدر) لموته بفعل
نفسه إن كان المصدوم في ملكه أو مباح أو طريق واسع.
(ولو
وقف المصدوم في موضع ليس له الوقوف) فيه فمات الصادم بصدمه (ضمن) المصدومُ (الصادمَ) لتعدّيه بالوقوف فيما ليس له الوقوف فيه (إذا لم يكن له) أي
للصادم (مندوحة) في العدول عنه كالطريق الضيّق.
(ولو
تصادم حرّان فماتا فلورثة كلّ) واحد منهما (نصف
ديته ، ويسقط النصف) لاستناد موت
كلّ منهما إلى سببين : أحدهما من فعله والآخر من غيره ، فيسقط ما قابل فعله ، وهو
النصف.
(ولو
كانا فارسين) بل مطلق
الراكبين (كان
على كلّ منهما) مضافاً إلى نصف
الدية (نصف
قيمة فرس الآخر) إن تلفت
بالتصادم (ويقع
__________________
التقاصّ) في الدية والقيمة ، ويرجع صاحب الفضل.
هذا إذا استند
الصدم إلى اختيارهما. أمّا لو غلبتهما الدابّتان احتمل كونه كذلك ، إحالةً على
ركوبهما مختارين فكان السبب من فعلهما ، وإهدار الهالك إحالةً على فعل الدابّتين.
ولو كان أحدهما
فارساً والآخر راجلاً ، ضمن الراجل نصف دية الفارس ونصف قيمة فرسه ، والفارس نصف
دية الراجل.
ولو كانا
صبيّين والركوب منهما فنصف دية كلّ على عاقلة الآخر؛ لأنّ فعلهما خطأ مطلقاً ، وكذا
لو أركبهما وليّهما. ولو أركبهما أجنبيّ ضمن ديتهما معاً.
(ولو
كانا عبدين بالغين فهدر) لأنّ نصيب كلّ منهما هدر ، وما على صاحبه فات بموته لا يضمنه المولى. ولو
مات أحدهما خاصّة تعلّقت قيمته برقبة الحيّ. فإن هلك قبل استيفائها منه فاتت؛
لفوات محلّها. ولو كان أحدهما حرّاً والآخر عبداً فماتا ، تعلّقت نصف دية الحرّ
برقبة العبد ، وتعلّقت نصف قيمة العبد بتركة الحرّ فيتقاصّان. ولو مات أحدهما
خاصّة تعلّقت جنايته بالآخر ، كما مرّ.
(ولو
قال الرامي حَذارِ) ـ بفتح الحاء وكسر آخره مبنيّاً عليه ـ هذا هو الأصل في الكلمة ، لكن
ينبغي أن يراد هنا ما دلّ على معناها (فلا ضمان) مع سماع المجنيّ عليه؛ لما روي من حكم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام
فيه وقال : «قد أعذَرَ من حذّر»
ولو لم يقل : «حَذارِ»
__________________
أو قالها في وقت لا يتمكّن المرميّ من الحذر ، أو لم يسمع ، فالدية على
عاقلة الرامي.
(ولو
وقع من عِلْوٍ على غيره) قاصداً للوقوع عليه (ولم
يقصد القتل فقتل فهو شبيه عمد) يلزمه الدية في ماله (إذا
كان الوقوع لا يقتل غالباً) وإلّا فهو عامد (وإن
وقع مضطرّاً) إلى الوقوع (أو قصد الوقوع على
غيره) أو لغير ذلك (فعلى العاقلة) دية جنايته؛ لأنّه خطأ محض ، حيث لم يقصد الفعل الخاصّ المتعلّق بالمجنيّ
عليه وإن قصد غيره.
(أمّا
لو ألقته الريح أو زلق) فوقع بغير
اختياره (فهدر
جنايته) على غيره (ونفسه) وقيل : تؤخذ دية المجنيّ عليه من بيت المال .
(ولو
دفع) الواقع من إنسان غيره
(ضمنه
الدافع وما يجنيه) لكونه سبباً في
الجنايتين .
وقيل : دية
الأسفل على الواقع ويرجع بها على الدافع
لصحيحة عبد اللّٰه
بن سنان عن الصادق عليه السلام
والأوّل أشهر.
__________________
(وهنا مسائل)
(الاُولى) :
(من
دعا غيره ليلاً فأخرجه من منزله)
بغير سؤاله (فهو ضامن له إن وُجد
مقتولاً ، بالدية على الأقرب).
أمّا ضمانه في
الجملة : فهو موضع وفاق ، ورواه عبد اللّٰه بن ميمون عن الصادق عليه السلام
قال : (إذا
دعا الرجل أخاه بالليل فهو ضامن له حتّى يرجع إلى بيته)
ورواه عبد
اللّٰه بن المقدام
عنه عليه
السلام في حديث طويل ، وفيه قال : «قال رسول
اللّٰه صلى الله عليه وآله : كلّ من طرق رجلاً آناء الليل فأخرجه من منزله ،
فهو له ضامن ، إلّا أن يقيم البيّنة أنّه ردّه إلى منزله» .
وأمّا ضمانه
بالدية : فللشكّ في موجب القصاص فينتفي؛ للشبهة. والضمان المذكور في الأخبار
يتحقّق بضمان الدية؛ لأنّها بدل النفس.
وأمّا تخصيصه
الضمانَ بما لو وُجِد مقتولاً ، فلأصالة البراءة من الضمان دية ونفساً حتّى يتحقّق
سببه ، وهو في غير حالة القتل مشكوك فيه.
(ولو
وُجد ميتاً ففي الضمان نظر) من إطلاق الأخبار وفتوى الأصحاب
ضمانَه الشامل
لحالة الموت بل للشكّ فيه ، ومن أصالة البراءة
__________________
والاقتصار في الحكم المخالف للأصل على موضع اليقين وهو القتل ، ولأ نّه مع
الموت لم يوجد أثر القتل ولا لوث ولا تهمة ، وعلى تقديرها فحكمه حكم اللوث ، لا أنّه
يوجب الضمان مطلقاً. وإلى الضمان ذهب الأكثر ، بل حكموا به مع اشتباه حاله.
ثمّ اختلفوا في
أنّ ضمانه مطلقاً هل هو بالقَوَد ، أو بالدية؟ فذهب الشيخ
وجماعة
إلى ضمانه
بالقَوَد إن وُجد مقتولاً إلّاأن يقيم البيّنة على قتل غيره له ، والدية إن لم
يُعلم قتله.
واختلف كلام
المحقّق فحكم في الشرائع بضمانه بالدية إن وُجِد مقتولاً وعدم الضمان لو وُجد
ميّتاً
وفي النافع
بضمانه بالدية فيهما
وكذلك العلّامة
فحكم في التحرير بضمان الدية مع فقده أو قتله حيث لا يُقيم البيّنة به على غيره ، وبعدمها
لو وُجد ميّتاً
وفي المختلف بالدية
مع فقده ، وبالقَوَد إن وُجِد مقتولاً مع التهمة والقسامة ، إلّاأن يقيم البيّنة
على غيره ، وبالدية إن وُجِد ميّتاً مع دعواه موته حتف أنفه ووجود اللوث وقَسامةِ
الوارث
وتوقّف في
القواعد والإرشاد
__________________
في الضمان مع الموت.
والأجود في هذه
المسألة : الاقتصار بالضمان على موضع الوفاق
لضعف أدلّته ، فإنّ
في سند الخبرين من لا تثبت عدالته
والمشترك بين
الضعيف والثقة
وأصالةُ
البراءة تدلّ على عدم الضمان في موضع الشكّ ، مع مخالفة حكم المسألة للأصل من ضمان
الحرّ بإثبات اليد عليه.
واللازم من ذلك
: ضمانُه بالدية إن وُجد مقتولاً ولا لوث هناك ، وإلّا فبموجب ما اُقسم عليه
الوليّ من عمد أو خطأ ، ومع عدم قَسامته يقسم المُخرج. وعدمُ ضمانه إن وجد ميّتاً؛
للشكّ مع احتمال موته حتف أنفه. ومن يعتمد الأخبار يلزمه الحكم بضمانه مطلقاً إلى
أن يرجع؛ لدلالتها على ذلك.
ثمّ يحتمل كونه
القَوَد مطلقاً
لظاهر الرواية
والدية؛ لما
مرّ والتفصيل .
ولا فرق في
الداعي بين الذكر والاُنثى والكبير والصغير والحرّ والعبد؛ للعموم أو الإطلاق
ولا بين أن
يُعلم سبب الدعاء وعدمه ، ولا بين أن يقتل بسبب
__________________
الدعاء وعدمه ، ولا في المنزل بين البيت وغيره.
ويختصّ الحكم
بالليل ، فلا يضمن المخرج نهاراً. وغاية الضمان وصوله إلى منزله وإن خرج بعد ذلك.
ولو ناداه وعرض
عليه الخروج مخيّراً له من غير دعاء ، ففي إلحاقه بالإخراج نظر ، وأصالة البراءة
تقتضي العدم ، مع أنّ الإخراج والدعاء لا يتحقّق بمثل ذلك.
(ولو
كان إخراجه بالتماسه الدعاء فلا ضمان) لزوال التهمة حينئذٍ وأصالة البراءة. ويحتمل الضمان؛ لعموم النصّ والفتوى
وتوقّف
المصنّفُ في الشرح هنا وجعل السقوط احتمالاً
وللتوقّف مجال
حيث يُعمل بالنصّ وإلّا فعدم الضمان أقوى. نعم ، لا ينسحب الحكم لو دعا غيرَه فخرج
هو قطعاً؛ لعدم تناول النصّ والفتوى له.
ولو تعدّد
الداعي اشتركوا في الضمان حيث يثبت قصاصاً وديةً ، كما لو اشتركوا في الجناية. ولو
كان المدعوّ جماعة ضمن الداعي مطلقاً كلَّ واحد منهم باستقلاله ، على الوجه الذي
فصّل .
(الثانية) :
(لو
انقلبت الظئر)ـ بكسر الظاء المُشالة فالهمز ساكناً ـ المرضعة غيرَ ولدها (فقتلت الولدَ) بانقلابها نائمة (ضمنته في مالها إن كان) فعلها
__________________
المظاءرة وقع (للفخر) به (وإن
كان للحاجة) والضرورة إلى
الاُجرة والبرّ (فهو) أي الضمان لديته (على
عاقلتها).
ومستند التفصيل
: رواية عبد الرحمن بن سالم عن الباقر عليه السلام قال : (أيّما ظِئرُ قوم
قتلت صبيّاً لهم وهي نائمة فانقلبت عليه فقتلته ، فإنّما عليها الدية في مالها
خاصّة إن كانت إنّما ظاءرت طلبَ العزّ والفخر ، وإن كانت إنّما ظاءرت من الفقر
فإنّ الدية على عاقلتها)
وفي سند
الرواية ضعف أو جهالة
تمنع من العمل
بها وإن كانت مشهورة ، مع مخالفتها للأصل
من أنّ قتل
النائم خطأً على العاقلة أو في ماله على ما تقدّم
والأقوى أنّ
ديته على العاقلة مطلقاً.
(ولو
أعادت الولد فأنكره أهله صُدّقت) لصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام
ولأ نّها أمينة
(إلّامع
كذبها) يقيناً (فيلزمها الدية حتّى تحضره أو من يحتمله) لأنّها لا تدّعي موته وقد تسلّمته فيكون في ضمانها. ولو ادّعت الموت فلا
ضمان. وحيث تُحضِر من يحتمله يُقبل وإن كَذِبت سابقاً؛ لأ نّها أمينة لم يُعلم
كذبها ثانياً.
__________________
(الثالثة) :
(لو
ركبت جاريةٌ اُخرى فنخستها ثالثةٌ فقمصت المركوبة)
أي نفرت ورفعت
يديها وطرحتها
(فصرعت
الراكبة فماتت فالمرويّ) عن أمير المؤمنين عليه السلام بطريق ضعيف
(وجوب
ديتها على الناخسة والقامصة نصفين) وعمل بمضمونها الشيخ
وجماعة
وضعفُ سندها
يمنعه.
(وقيل) وقائله المفيد
ونسبه إلى
الرواية
وتبعه جماعة
منهم المحقّق
والعلّامة في أحد قوليهما : (عليهما) أي الناخسة والقامصة (الثلثان) ويسقط ثلث الدية؛ لركوبها عبثاً ، وكون القتل مستنداً إلى فعل الثلاثة. وخرَّج
ابن إدريس ثالثاً
وهو وجوب الدية
بأجمعها على الناخسة إن
__________________
كانت ملجئة للمركوبة إلى القموص ، وإلّا فعلى القامصة.
أمّا الأوّل : فلأنّ
فعل المكرَه مستند إلى مكرِهه ، فيكون توسّط المكرَه كالآلة ، فيتعلّق
الحكم بالمكرِه.
وأمّا الثاني :
فلاستناد القتل إلى القامصة وحدها حيث فعلت ذلك مختارة. وهذا هو الأقوى.
ولا يشكل بما
أورده المصنّف في الشرح : من أنّ الإكراه على القتل لا يُسقِط الضمان
وأنّ القمص في
الحالة الثانية ربما كان يقتل غالباً فيجب القصاص؛ لأنّ الإكراه الذي لا يُسقِط
الضمان ما كان معه قصد المكرَه إلى الفعل ، وبالإلجاء يسقط ذلك ، فيكون كالآلة ، ومن
ثمّ وجب القصاص على الدافع دون الواقع حيث يبلغ الإلجاء. والقمص لا يستلزم الوقوع
بحسب ذاته فضلاً عن كونه ممّا يقتل غالباً ، فيكون من باب الأسباب ، لا الجنايات. نعم
، لو فرض استلزامه له قطعاً وقصدته
توجّه القصاص ،
إلّاأ نّه خلاف الظاهر.
(الرابعة) :
(روى
عبد اللّٰه بن طلحة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في لُصّ جمع ثياباً
، ووطئ امرأة ، وقتل ولدها ،
فقتلته) المرأة : (أنّه هدر) أي دمه باطل لا عوض له (وفيماله
أربعة آلاف درهم ) عوضاً عن البُضع (ويضمن
مواليه) وورثته
__________________
(دية
الغلام)
الذي قتله.
ووجه الأوّل : أنّه
محارِب يُقتل إذا لم يندفع إلّابه. ويحمل المقدّر من الدراهم على أنّه مهر أمثالها
، بناءً على أنّه لا يتقدّر بالسنّة؛ لأنّه جناية يغلب فيها جانب الماليّة ، كما
يضمن الغاصب قيمة العبد المغصوب وإن تجاوزت ديةَ الحرّ.
ووجه ضمان دية
الغلام مع أنّه مقتول عمداً : فوات محلّ القصاص ، وقد تقدّم
وبهذا التنزيل
لا تنافي الرواية الاُصولَ ، لكن لا يتعيّن ما قدّر فيها من عوض البُضع. ولو فُرض
قتل المرأة له قصاصاً عن ولدها ، سقط غُرم الأولياء أو أسقطنا الحقّ بفوات محلّ
القصاص ، فلا دية. وإن قتلته دفاعاً ، أو قتلته لا لذلك قيدت به.
(وعنه
عليه السلام) بالطريق السابق
(في صديق عروس قتله
الزوج) لمّا وجده عندها في الحجلة ليلة العرس (فقتلت) المرأة (الزوج) : أنّها (تُقتل به) أي بالزوج (وتضمن) دية (الصديق) بناءً على أنّها سبب تلفه ، بغرورها إيّاه.
(والأقرب
أنّه) أي الصديق (هَدر إن علم) بالحال؛ لأنّ للزوج قتلَ من يجد في داره للزنا ، فسقط القَوَد عن الزوج.
ويشكل بأنّ
دخوله أعمّ من قصد الزنا. ولو سُلّم منعنا الحكم بجواز قتل
__________________
مريده مطلقاً ، والحكم المذكور في الرواية ـ مع ضعف سندها
ـ في واقعة
مخالفاً للاُصول ، فلا يتعدّى. فلعلّه عليه السلام علم بموجب ذلك.
(وروى
محمّد بن قيس) عن أبي جعفر
عليه السلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام (في أربعة سكارى
فجُرح اثنان) منهم (وقُتِل اثنان) ولم يُعلم القاتل والجارح : (يضمنهما الجارحان بعد وضع جراحاتهما) من الدية .
وفي الرواية ـ مع
اشتراك «محمّد
بن قيس» الذي يروي عن الباقر عليه السلام بين الثقة وغيره ـ عدم استلزام الاجتماع
المذكور والاقتتال كونَ القاتل هو المجروح وبالعكس ، فيختصّ حكمها بواقعتها؛ لجواز
علمه عليه السلام بما أوجبه. نعم ، يمكن الحكم بكون ذلك لوثاً يثبُت الفعل بالقَسامة
من عمد أو خطأ ، وقتل وجرح.
وأمّا ما
استشكله المصنّف في الشرح على الرواية : من أنّه إذا حُكِم بأنّ المجروحَين قاتلان
فلِمَ لا يُستعدى منهما؟ وأنّ إطلاق الحكم بأخذ دية الجُرح وإهدار الدية لو ماتا
لا يتمّ أيضاً ، وكذا الحكم بوجوب الدية في جراحتهما؛ لأنّ موجب العمد القصاص
فيمكن دفعه بكون
القتل وقع منهما حالةَ السكر
__________________
فلا يوجب إلّاالدية على أصحّ القولين
وفرض الجُرح
غير قاتل كما هو ظاهر الرواية ، ووجوبِ
دية الجرح
لوقوعه أيضاً من السكران كالقتل ، أو لفوات محلّ القصاص.
والحقّ
الاقتصار على الحكم باللوث وإثبات ما يوجبه فيهما .
(وعن
أبي جعفر الباقر عن عليّ عليهما السلام في ستّة غلمان بالفرات فغرق) منهم (واحد) وبقي خمسة (فشهد
اثنان) منهم (على
ثلاثة) أنّهم غرّقوه (وبالعكس) شهد الثلاثة على الاثنين أنّهما
غرّقوه
فحكم (أنّ الدية أخماس) على كلّ واحد منهم خمس (بنسبة
الشهادة) .
(وهي) أيضاً مع ضعف سندها
(قضيّة
في واقعة) مخالفة لاُصول
__________________
المذهب فلا يتعدّى. والموافق لها من الحكم : أنّ شهادة السابقين إن كانت مع
استدعاء الوليّ وعدالتهم قُبلت ثمّ لا تقبل شهادة الآخرين؛ للتهمة. وإن كانت
الدعوى على الجميع أو حصلت التهمة عليهم لم تُقبل شهادة أحدهم مطلقاً
ويكون ذلك
لوثاً يمكن إثباته بالقَسامة.
واعلم أنّ عادة
الأصحاب جرت بحكاية هذه الأحكام هنا بلفظ الرواية ، نظراً إلى مخالفتها للأصل ، واحتياجها
ـ أو بعضها ـ في ردّها إليه إلى التأويل أو التقييد ، أو
للتنبيه على
مأخذ الحكم المخالف للأصل
وقد يزيد بعضهم
التنبيه على ضعف المستند
تحقيقاً لعذر
إطراحها.
(الخامسة) :
(يَضمَن
معلّم السباحة) المتعلّم (الصغير)
غير البالغ لو
جنى عليه بها (في
ماله) لأنّه شبيه عمد ، سواء فرّط أم لا على ما يقتضيه إطلاق
العبارة. ويؤيّده ما رُوي من ضمان الصانع وإن اجتهد .
وفي القواعد
علّل الضمان بالتفريط
ومقتضاه : أنّه
لو لم يفرّط فلا ضمان.
__________________
وتوقّف في التحرير في الضمان على تقدير عدمه .
هذا إذا كان قد
دفعه إليه وليّه ومن بحكمه ، وإلّا ضمن الصغير مطلقاً قطعاً. وفي حكمه المجنون.
(بخلاف
البالغ الرشيد) فإنّه لا يضمنه
وإن فرَّط؛ لأنّه في يد نفسه.
(ولو
بنى مسجداً في الطريق ضمن) للعدوان بوضعه فيما لا يصحّ الانتفاع فيه بما ينافي الاستطراق (إلّاأن يكون) الطريق (واسعاً) زائداً عن القدر المحتاج إليه للاستطراق كزاوية في الطريق ، أو كونه زائداً
عن المقدّر شرعاً ـ واعلم أنّ الطريق مؤنّث سماعي ، فكان ينبغي إلحاق التاء في
خبره ـ (ويأذن
الإمام) له في عمارته فلا ضمان حينئذٍ. وهذا يدلّ على عدم جواز
إحياء الزائد من الطريق عن المقدّر بدون إذن الإمام. وفي الدروس أطلق جواز إحياء
الزائد وغرسه والبناء فيه
وكذا أطلق في
التحرير جواز وضع المسجد في القدر الزائد
وهو حسن مع عدم
الحاجة إليه بحسب العادة في تلك الطريق ، وإلّا فالمنع أحسن.
(ويضمن
واضع الحجر في ملك غيره) مطلقاً إذا حصل بسببه جناية (أو طريق مباح) عبثاً ، أو لمصلحة نفسه ، أو ليتضرّر به المارّة. أمّا لو وضعه لمصلحة
عامّة ، كوضعه في الطين ليطأ الناس عليه ، أو سقَّف به ساقية فيها ونحوه فلا ضمان؛
لأنّه محسن. وبه قطع في التحرير .
__________________
(السادسة) :
(لو
وقع حائطه) المائل (بعد علمه بميله) إلى الطريق أو ملك الغير (وتمكّنه
من إصلاحه) بعد العلم وقبل
الوقوع (أو
بناه مائلاً إلى الطريق) ابتداءً. ومثله ما لو بناه على غير أساس مثله (ضمن) ما يتلف بسببه من نفس ومال (وإلّا) يتّفق ذلك بقيوده أجمع ، بأن لم يعلم بفساده حتّى وقع مع كونه مؤسّساً على
الوجه المعتبر في مثله ، أو علم ولكن لم يتمكّن من إصلاحه حتّى وقع ، أو كان ميله
إلى ملكه أو ملكٍ اُذِنَ فيه ولو بعد الميل (فلا) ضمان؛ لعدم العدوان ، إلّاأن يعلم على تقدير علمه بفساده ـ كميله إلى ملكه
ـ بوقوع أطراف الخشب والآلات إلى الطريق ، فيكون كميله إلى الطريق. ولو كان الحائط
لمولّى عليه فإصلاحه وضمان حَدَثه متعلّق بالوليّ.
(ولو
وضع عليه إناء) ونحوه (فسقط فأتلف فلا ضمان
إذا كان) الموضوع (مستقرّاً) على الحائط (على
العادة) لأنّ له التصرّف في ملكه كيف شاء ، فلا يكون عادياً. ولو
لم يكن مستقرّاً استقرار مثله ضمن؛ للعدوان بتعريضه للوقوع على المارّة والجارّ. ومثله
ما لو وضعه على سطحه أو شجرته الموضوعة في ملكه ، أو مباح.
(ولو
وقع الميزاب) المنصوب إلى
الطريق (ولا
تفريط) بأن كان مثبتاً على عادة أمثاله (فالأقرب عدم الضمان) للإذن في وضع الميازيب شرعاً كذلك ، فلا يتعقّبه الضمان ، ولأصالة البراءة.
وقيل : يضمن
وإن جاز وضعه
لأنّه سبب
الإتلاف وإن اُبيح السبب
__________________
كالطبيب والبيطار والمؤدِّب ، ولصحيحة أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه
السلام قال : «من أضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له
ضامن»
ولرواية
السكوني عن الصادق عليه السلام : «إنّ رسول
اللّٰه صلى الله عليه وآله قال : من أخرج ميزاباً أو كنيفاً أو وتداً ، أو
أوثق دابّة ، أو حفر بئراً في طريق المسلمين فأصاب شيئاً فعطب فهو له ضامن»
وهو نصّ في
الباب لو صحّ طريقه.
وفصّل آخرون
فحكموا بالضمان مطلقاً
إن كان الساقط
الخارج منه عن
الحائط؛ لأنّ
وضعه في الطريق مشروط بعدم الإضرار كالروشن والساباط ، وبضمان النصف إن كان الساقط
الجميع
لحصول التلف
بأمرين : أحدهما غير مضمون؛ لأنّ ما في الحائط منه بمنزلة أجزاء الحائط ، وقد
تقدّم أنّها لا توجب ضماناً حيث لا تقصير في حفظها.
(وكذا) القول في (الجناح
والروشن) لا يضمن ما يتلف بسببهما إلّا مع التفريط؛ لما ذكر. وعلى
التفصيل لو كانت خشبة موضوعة في حائطه
ضمن النصف إن
سقطت أجمع ، وإن انتصفت وسقط الخارج عنه أو كانت موضوعة
__________________
على غير ملكه ضمن الجميع.
هذا كلّه في
الطريق النافذة. أمّا المرفوعة : فلا يجوز فعل ذلك فيها إلّابإذن أربابها أجمع؛
لأنّها ملك لهم. وإن كان الواضع أحدَهم ، فبدون الإذن يضمن مطلقاً إلّا القدر
الداخل في ملكه؛ لأنّه سائغ لا يتعقّبه ضمان.
(السابعة) : (لو
أجَّج ناراً في ملكه)
ولو للمنفعة (في ريح معتدلة أو
ساكنة ولم تزد) النار (عن قدر الحاجة) التي أضرمها لأجلها (فلا
ضمان) لأنّ له التصرّف في ملكه كيف شاء (وإن عصفت) الريح بعد إضرامها (بغتةً) لعدم التفريط (وإلّا) يفعل كذلك ، بأن كانت الريح عاصفة حالة الإضرام على وجهٍ يوجب ظنّ التعدّي
إلى ملك الغير ، أو زاد عن قَدْر الحاجة وإن كانت ساكنة (ضمن) سرايتها إلى ملك غيره ، فالضمان على هذا مشروط بأحد الأمرين : الزيادة ، أو
عصف الريح.
وقيل : يشترط
اجتماعهما معاً .
وقيل : يكفي
ظنّ التعدّي إلى ملك الغير مطلقاً
ومثله القول في
إرسال الماء ، وقد تقدّم الكلام في ذلك كلّه في باب الغصب
فلا وجه لذكرها
في هذا المختصر مرّتين.
(ولو
أجّج في موضع ليس له ذلك فيه) كملك غيره (ضمن
الأنفس
__________________
والأموال» مع تعذّر التخلّص في ماله. ولو قصد الإتلاف فهو عامد
يقاد في النفس مع ضمان المال. ولو أجّجها في المباح فالظاهر أنّه كالملك؛ لجواز
التصرّف فيه.
(الثامنة) : (لو
فرّط في) حفظ (دابّته
فدخلت على اُخرى فجنت)
عليها (ضمن) جنايتها؛ لتفريطه (ولو
جُني عليها) أي جنت المدخول
عليها على دابّته (فهدر) ولو لم يفرّط في حفظ دابّته بأن انفلتت من الإصطبل الموثَق أو حلّها غيره
فلا ضمان؛ لأصالة البراءة.
وأطلق الشيخ
وجماعة
ضمان صاحب
الداخلة ما تجنيه؛ لقضيّة عليّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ في زمن النبيّ صلى الله
عليه وآله
والرواية ضعيفة
السند فاعتبار التفريط وعدمه متّجه.
(ويجب
حفظ البعير المغتلم) أي الهائج
لشهوة الضراب (والكلب
العقور) وشبههما على مالكه (فيضمن) ما يجنيه (بدونه
إذا علم) بحاله وأهمل حفظه. ولو جهل حاله أو علم ولم يفرّط فلا
ضمان.
__________________
وفي إلحاق
الهرّة الضارية بهما قولان
من استناد
التلف إلى تفريطه في حفظها ، وعدمِ جريان العادة بربطها. والأجود الأوّل. نعم يجوز
قتلها (ولو
دافعها عنه إنسان فأدّى الدفع إلى تلفها ، أو تعيّبها فلا ضمان) لجواز دفعها عن نفسه فلا يتعقّبه ضمان. لكن يجب الاقتصار على ما يندفع به ،
فإن زاد عنه ضمن ، وكذا لو جنى عليها لا للدفع.
(وإذا
أذن له قوم في دخول دار فعقره كلبها ضمنوه) وإن لم يعلموا أنّ الكلب فيها حين دخوله أو دخل بعده؛ لإطلاق النصّ
والفتوى
وإن دخلها بغير
إذن المالك لم يضمن.
ولو أذن بعض من
في الدار دون بعض ، فإن كان ممّن يجوز الدخول مع إذنه اختصّ الضمان به وإلّا فكما
لو لم يأذن. ولو اختلفا في الإذن قُدّم المنكر.
(التاسعة) :
(يضمن
راكب الدابّة ما تجنيه بيديها ورأسها)
دون رجليها (والقائد) لها (كذلك) يضمن جناية يديها ورأسها خاصّة (والسائق يضمنها مطلقاً. وكذا) يضمن جنايتها مطلقاً (لو
وقف بها الراكب أو القائد).
__________________
ومستند التفصيل
أخبار كثيرة
نبّه في بعضها
على الفرق بأنّ
الراكب والقائد يملكان يديها ورأسها ويوجّهانها كيف شاءا ولا يملكان رجليها؛
لأنّهما خلفهما ، والسائق يملك الجميع.
(ولو
ركبها اثنان تساويا) في الضمان؛
لاشتراكهما في اليد والسببيّة إلّا أن يكون أحدهما ضعيفاً لصغر أو مرض ، فيختصّ
الضمان بالآخر؛ لأنّه المتولّي أمرها.
(ولو
كان صاحبها معها) مراعياً لها (فلا ضمان على الراكب) ويبقى في المالك ما سبق من التفصيل باعتبار كونه سائقاً أو قائداً. ولو لم
يكن المالك مراعياً لها بل تولّى أمرها الراكب ضمن ، دون المالك.
(ويضمنه
مالكها) الراكب أيضاً (لو نفّرها فألقته) لا إن ألقته بغير سببه. ولو اجتمع للدابّة سائق وقائد ، أو أحدُهما وراكب ،
أو الثلاثة اشتركوا في ضمان المشترك واختصّ السائق بجناية الرِجلين.
ولو كان
المَقُود أو المَسُوق قطاراً ففي إلحاق الجميع بالواحد حكماً وجهان : من صدق السوق
والقود للجميع ، ومن فقد علّة الضمان وهي القدرة على حفظ ما ضمن جنايته ، فإنّ
القائد لا يقدر على حفظ يدي ما تأخّر عن الأوّل غالباً ، وكذا السائق بالنسبة إلى
غير المتأخّر. وهذا أقوى. نعم ، لو ركب واحداً وقاد الباقي تعلّق به حكم المركوب ،
وأوّلِ المقطور ، وكذا لو ساق مع ذلك واحداً أو أكثر.
__________________
(العاشرة) :
(يضمن
المباشر لو جامعه السبب)
دونه؛ لأنّه
أقوى وأقرب. هذا مع علم المباشر بالسبب (ولو جهل المباشر ضمن السبب) فالسبب (كالحافر) للبئر في غير ملكه (و) المباشر (كالدافع) فيها ، فالضمان على الدافع دون الحافر ، إلّاأن تكون البئر مغطّاة ولا يعلم
بها الدافع فالضمان على الحافر؛ لضعف المباشرة
بالجهل (ويضمن أسبق السببين) لو اجتمعا (كواضع
الحجر وحافر البئر فيعثر بالحجر فيقع في البئر ، فيضمن واضع الحجر) لأنّه أسبق السببين فعلاً وإن تأخّر الوضع عن الحفر. ولو تقدّم الحافر ـ كما
لو نصب إنسان سكّيناً في قعر البئر فوقع فيها إنسان من غير عثار فأصابته السكّين فمات
ـ فالضمان على الحافر.
هذا إذا كانا
متعدّيين (فلو
كان فعل أحدهما في ملكه فالضمان على الآخر) لاختصاصه بالعدوان.
(الحادية
عشرة) :
(لو
وقع واحد في الزُبية)ـ بضمّ الزاي المعجمة ـ وهي الحفرة تحفر للأسد ، سُمّيت بذلك؛ لأنّهم كانوا
يحفرونها في موضع عال ، وأصلها : الزابية التي لا يعلوها الماء ، وفي المثل : (بلغ السيل الزبى)
(فتعلّق) الواقع (بثانٍ
، والثاني بثالث ، والثالث برابع) فوقعوا جميعاً (فافترسهم
الأسد ، ففي رواية
__________________
محمّد بن قيس عن الباقر عن عليّ عليهما السلام) أنّه قضى في ذلك : أنّ (الأوّل فريسة الأسد) لا يلزم أحداً (ويَغْرَم
أهله ثلث الدية للثاني ، ويَغرم الثاني للثالث ثلثي الدية ، ويغرم الثالث للرابع
الدية كاملة)
وعمل بها أكثر
الأصحاب .
لكن توجيهها
على الاُصول مشكل ، و (محمّد
بن قيس) كما عرفت
مشترك ، وتخصيص
حكمها بواقعتها ممكن ، فترك العمل بمضمونها مطلقاً متوجّه.
وتوجيهها ـ بأنّ
الأوّل لم يقتله أحد ، والثاني قتله الأوّل وقتل هو الثالث والرابع فقُسّطت الدية
على الثلاثة فاستحقّ منها بحسب ما جُنِي عليه ، والثالث قتله اثنان وقتل هو واحداً
فاستحقّ ثلثين كذلك ، والرابع قتله الثلاثة فاستحقّ تمام الدية ـ تعليل بموضع
النزاع؛ إذ لا يلزم من قتله لغيره سقوط شيء من ديته عن قاتله.
وربما قيل بأنّ
دية الرابع على الثلاثة بالسويّة؛ لاشتراكهم جميعاً في سببيّة قتله
وإنّما نسبها
إلى الثالث
لأنّ الثاني استحقّ على الأوّل ثلث الدية فيضيف إليه ثلثاً آخر ويدفعه إلى الثالث
، فيضيف إلى ذلك ثلثاً آخر ويدفعه إلى الرابع.
وهذا ـ مع
مخالفته لظاهر الرواية ـ لا يتمّ في الآخرين؛ لاستلزامه كون دية
__________________
الثالث على الأوّلين ودية الثاني على الأوّل؛ إذ لا مدخل لقتله مَن بعده في
إسقاط حقّه كما مرّ ، إلّاأن يفرض كون الواقع عليه سبباً في افتراس الأسد له فيقرب
، إلّا أنّه خلاف الظاهر.
(وفي
رواية اُخرى) رواها سهل بن
زياد ، عن ابن شمّون ، عن عبد اللّٰه الأصمّ ، عن مسمع ، عن أبي عبد
اللّٰه عليه السلام (إنّ
عليّاً عليه السلام قال : (للأوّل ربع الدية ، وللثاني ثلث وللثالث نصف وللرابع الدية) كاملة (و) جعل ذلك (كلّه
على عاقلة المزدحمين)) .
ووُجّهت
بكون البئر
حفرت عدواناً والافتراس مستنداً
إلى الازدحام
المانع من التخلّص ، فالأوّل مات بسبب الوقوع في البئر ووقوع الثلاثة فوقَه ، إلّا
أنّه بسببه ـ وهو ثلاثة أرباع السبب ـ فيبقى الربع على الحافر. والثاني مات بسبب
جذب الأوّل ـ وهو ثلث السبب ـ ووقوع الباقين فوقَه ـ وهو ثلثاه ـ ووقوعهما عليه من
فعله فيبقى له ثلث. والثالث مات من جذب الثاني ووقوعِ الرابع ، وكلّ منهما نصف
السبب ، لكن الرابع من فعله فيبقى له نصف. والرابع موته بسبب جذب الثالث فله كمال
الدية.
والحقّ أنّ ضعف
سندها يمنع من تكلّف تنزيلها ، فإنّ سهلاً عامّي وابن شمّون غالٍ والأصمّ ضعيف ، فردّها
مطلقاً متّجه.
__________________
وردّها المصنّف
أيضاً بأنّ الجناية إمّا عمد أو شبيهه
وكلاهما يمنع
تعلّق العاقلة به وأنّ في الرواية «فازدحم الناس عليها
ينظرون إلى الأسد» وذلك ينافي ضمان حافر البئر .
وحيث يطرح
الخبران
فالمتّجه ضمان
كلٍّ ديةَ من أمسكه أجمع؛ لاستقلاله بإتلافه ، وهو خيرة العلّامة في التحرير .
__________________
(الفصل الثاني)
(في التقديرات)
(الاُولى) :
(في
النفس : دية العمد أحد اُمور ستّة) يتخيّر الجاني في دفع ما شاء منها ، وهي :
(مئة
من مسانّ الإبل) وهي الثنايا
فصاعداً. وفي بعض كلام المصنّف
: أنّ المُسنّة
من الثنيّة
إلى بازل
عامها.
(أو
مئتا بقرة) وهي ما يُطلق
عليه اسمها.
(أو
مئتا حُلّة) بالضمّ (كلّ حُلّة ثوبان من
برود اليمن) هذا القيد
للتوضيح ، فإنّ الحُلّة لا تكون أقلّ من ثوبين ، قال
الجوهري : الحُلّة
إزار ورداء
__________________
لا تسمّى حلّة حتّى تكون ثوبين
والمعتبر اسم
الثوب.
(أو
ألف شاة) وهي ما يطلق عليها اسمها.
(أو
ألف دينار) أي مثقال ذهب
خالص.
(أو
عشرة آلاف درهم).
(وتُستأدى) دية العمد (في
سنة واحدة) لا يجوز
تأخيرها عنها بغير رضى المستحقّ. ولا يجب عليه المبادرة إلى أدائها قبل تمام السنة.
وهي (من
مال الجاني) حيث يطلبها
الوليّ.
(ودية
الشبيه) للعمد مئة من الإبل أيضاً ، إلّاأ نّها دونها
في السنّ؛ لأ
نّها (أربع
وثلاثون ثنيّة) سنّها خمس سنين
فصاعداً (طروقةَ
الفحل) حوامل (وثلاث
وثلاثون بنت لبون) سنّها سنتان
فصاعداً (وثلاث
وثلاثون حِقّة) سنّها ثلاث
سنين فصاعداً (أو
أحد الاُمور الخمسة) المتقدّمة.
(وتستأدى
في سنتين) يجب آخر كلّ حول نصفها (من مال الجاني) أيضاً.
وتحديد أسنان
المئة بما ذكر أحد الأقوال في المسألة
ومستنده روايتا
__________________
أبي بصير
والعلاء بن
الفضيل
عن الصادق عليه
السلام. واشتملت الاُولى على كون الثنيّة طروقةَ الفحل ، والثانية على كونها
خَلِفة ـ بفتح الخاء فكسر اللام ـ وهي الحامل ، فمن ثَمّ فسّرناها بها
وإن كانت بحسب
اللفظ أعمّ. لكن في سند الروايتين ضعف .
وأمّا تأديتها
في سنتين : فذكره المفيد
وتبعه الجماعة
ولم نقف على
مستنده وإنّما الموجود في رواية أبي ولّاد : «تُستأدى
دية الخطأ في ثلاث سنين وتستأدى دية العمد في سنة) .
__________________
(وفيها) أي في دية شبيه العمد (رواية
اُخرى) وهي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال : «سمعت
أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول : قال أمير المؤمنين عليه السلام : في
الخطأ شبيه العمد أن يُقتل بالسوط أو العصا أو الحجر ، إنّ دية ذلك تغلظ وهي مئة
من الإبل ، منها أربعون خَلِفة من ثنيّة إلى بازل عامها ، وثلاثون حِقّة ، وثلاثون
بنت لبون» .
وهذه هي
المعتمد؛ لصحّة طريقها ، وعليها العلّامة في المختلف
والتحرير
وهو في غيرهما
على الأوّل.
والمراد ببازل
عامها ، ما فَطَر نابُها أي انشقّ في سنته ، وذلك في السنة التاسعة ، وربما بزل في
الثامنة. ولمّا كانت الثنيّة ما دخلت في السنة السادسة كان المعتبر من الخَلِفة ما
بين ذلك. ويُرجع في معرفة الحامل إلى أهل الخبرة ، فإن ظهر الغلط وجب البدل. وكذا
لو أسقطت قبل التسليم وإن أحضرها قبلَه.
(ودية
الخطأ) المحض (عشرون
بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حِقّة) وعلى ذلك دلّت صحيحة ابن سنان السابقة.
(وفيه
رواية اُخرى) وهي رواية
العلاء بن الفضيل عنه عليه السلام قال : «في
قتل الخطأ مئة من الإبل : خمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس
وعشرون حِقّة ، وخمس وعشرون جَذَعة»
وقد عرفت أنّ
__________________
الاُولى صحيحة الطريق ، دون الثانية. وليتَه رحمه الله عمل بالصحيحة في
الموضعين
مع أنّها أشهر
روايةً وفتوىً.
(وتستأدى)
دية الخطأ (في
ثلاث سنين) كلّ سنة ثلث؛ لما
تقدّم .
ومبدأ السنة من
حين وجوبها ، لا من حين حكم الحاكم (من مال العاقلة أو أحد الاُمور الخمسة)
ولا يشترط
تساويها قيمة ، بل يجوز دفع أقلّها على الأقوى. وكذا لا يعتبر قيمة الإبل ، بل ما
صدق عليه الوصف.
وما رُوي من
اعتبار قيمة كلّ بعير بمئة وعشرين درهماً
محمول على
الأغلب أو الأفضل. وكذا القول في البقر والغنم والحُلَل.
(ولو
قتل في الشهر الحرام) وهو أحد
الأربعة : ذو القعدة ، وذو الحجّة ، والمحرّم ، ورجب (أو في الحرم) الشريف المكّي (زيد
عليه ثلث دية) من أيّ الأجناس
كان لمستحقّ الأصل (تغليظاً) عليه؛ لانتهاكه
حرمتهما.
أمّا تغليظها
بالقتل في أشهر الحرم فإجماعيّ ، وبه نصوص كثيرة
__________________
وأمّا الحرم فألحقه الشيخان
وتبعهما جماعة
لاشتراكهما في
الحرمة وتغليظ قتل الصيد فيه المناسبِ لتغليظ غيره. وفيه نظر بيِّن.
وألحق به بعضهم
ما لو رمى في الحِلّ فأصاب في الحرم أو بالعكس
وهو ضعف في ضعف.
والتغليظ مختصّ بدية النفس ، فلا يثبت في الطَرَف وإن أوجب الدية؛ للأصل.
(والخيار
إلى الجاني في الستّة في العمد والشبيه) لا إلى وليّ الدم. وهو ظاهر في الشبيه؛ لأنّ لازمه الدية. أمّا في العمد : فلمّا
كان الواجب القصاص وإنّما تثبت الدية برضاه كما مرّ
لم يتقيّد
الحكم بالستّة ، بل لو رضي بالأقلّ أو طلب الأكثر وجب الدفع مع القدرة؛ لما ذكر من
العلّة
فلا يتحقّق
التخيير حينئذٍ ، وإنّما يتحقّق على تقدير تعيّنها عليه مطلقة .
ويمكن فرضه
فيما لو صالحه
على الدية وأطلق ، أو عفا عليها ، أو مات القاتل ، أو هرب فلم يُقدر عليه وقلنا
بأخذ الدية من ماله ، أو بادر بعض الشركاء إلى الاقتصاص بغير إذن الباقين ، أو قتل
في الشهر الحرام وما في حكمه فإنّه
__________________
يلزمه ثلث دية زيادةً على القصاص ، أو قتل الأبُ ولدَه ، أو قتل العاقل
مجنوناً ، أو جماعة على التعاقب فقتله الأوّل وقلنا بوجوب الدية حيث يفوت المحلّ.
(و) التخيير
بين الستّة (إلى العاقلة في
الخطأ) وثبوت التخيير في الموضعين هو المشهور وظاهر النصوص
يدلّ عليه.
وربما قيل
بعدمه بل يتعيّن الذهب والفضّة على أهلهما ، والأنعام على أهلها ، والحُلل على أهل
البزّ والأقوى الأوّل.
(ودية
المرأة النصف من ذلك كلّه. والخنثى) المشكل (ثلاثة
أرباعه) في الأحوال الثلاثة ، وكذا الجراحات والأطراف على النصف
ما لم يقصر عن ثلث الدية ، فيتساويان.
وفي إلحاق
الحكم بالخنثى نظر. والمتّجه العدم؛ للأصل.
(و) دية (الذمّي) يهوديّاً كان أم نصرانيّاً أو مجوسيّاً (ثمانمئة درهم) على الأشهر روايةً
وفتوىً
ورُوي صحيحاً
أنّ ديته كدية المسلم
وأ نّها أربعة
آلاف درهم
والعمل بهما
نادر ، وحملهما الشيخ على من يعتاد
__________________
قتلهم
فللإمام أن
يكلّفه ما شاء منهما ، كما لَه قتلُه.
(و) دية (الذمّيّة
نصفها) أربعمئة درهم. ودية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما كدية
أعضاء المسلم وجراحاته من ديته. وفي التغليظ بما يغلظ به على المسلم نظر : من عموم
الأخبار ، وكون التغليظ على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق. ولعلّ
الأوّل أقوى. وكذا تتساوى دية الرجل منهم والمرأة إلى أن تبلغ ثلث الدية فتنتصف
كالمسلم . ولا دية لغير الثلاثة من أصناف الكفّار مطلقاً .
(و) دية (العبد
قيمته ما لم تتجاوز دية الحرّ ، فتردّ إليها) إن تجاوزتها ، وتؤخذ من الجاني إن كان عمداً أو شبه عمد ، ومن عاقلته إن
كان خطأً. ودية الأمة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرّة.
ثمّ الاعتبار
بدية الحرّ المسلم إن كان المملوك مسلماً وإن كان مولاه ذمّيّاً على الأقوى ، وبدية
الذمّي إن كان المملوك ذمّيّاً وإن كان مولاه مسلماً.
ويُستثنى من
ذلك ما لو كان الجاني هو الغاصب ، فيلزمه القيمة وإن زادت عن دية الحرّ.
(ودية
أعضائه وجراحاته بنسبة دية الحرّ) فيما له مقدّر منها (والحرّ
أصل له في المقدَّر) ففي قطع يده
نصف قيمته ، وهكذا ... (وينعكس
في غيره) فيصير العبد أصلاً للحرّ فيما لا تقدير لديته من الحرّ ،
فيُفرض الحرّ عبداً
__________________
سليماً من الجناية ، ويُنظر كم قيمته حينئذٍ ، ويُفرض عبداً فيه تلك
الجناية وينظر قيمته ، وتنسب إحدى القيمتين إلى الاُخرى ويؤخذ له من الدية بتلك
النسبة.
(ولو
جُني عليه) أي على المملوك
(بما
فيه قيمته) كقطع اللسان
والأنف والذكر (تخيّر
مولاه في أخذ قيمته ودفعه إلى الجاني وبين الرضا به) بغير عوض؛ لئلّا يجمع بين العوض والمعوَّض.
هذا إذا كانت
الجناية عمداً أو شبهه ، فلو كانت خطأً لم يدفع إلى الجاني؛ لأ نّه لم يغرم شيئاً
، بل إلى عاقلته على الظاهر إن قلنا : إنّ العاقلة تعقله.
ويستثنى من ذلك
أيضاً الغاصب لو جنى على المغصوب بما فيه قيمته ، فإنّه يؤخذ منه القيمة والمملوك
على أصحّ القولين
لأنّ جانب
الماليّة فيه ملحوظ ، والجمع بين العوض والمعوض مندفع مطلقاً؛ لأنّ القيمة عوض
الجزء الفائت ، لا الباقي. ولولا الاتّفاق عليه هنا اتّجه الجمع مطلقاً فيقتصر في
دفعه على محلّ الوفاق.
(الثانية) :
(في
شعر الرأس) أجمع (الدية)
إن لم ينبت ، لرجل كان أم لغيره؛ لرواية سليمان بن خالد
وغيرها
(وكذا
في شعر اللحية) للرجل. أمّا لحية
__________________
المرأة ففيها الأرش مطلقاً
وكذا الخنثى
المشكل (ولو
نبتا) ـ شعر الرأس
واللحية ـ بعد الجناية عليهما (فالأرش) إن لم يكن شعر الرأس لامرأة (ولو نبت شعر رأس المرأة ففيه مهر
نسائها) وفي الشعرين أقوال
هذا أجودها.
(وفي
شعر الحاجبين خمسمئة دينار) هي نصف الدية ، وفي كلّ واحد منهما نصف ذلك. هذا هو المشهور ، بل قيل : إنّه
إجماع .
وقيل : فيهما
الدية كغيرهما ممّا في الإنسان منه اثنان.
ولو عاد شعرهما
فالأرش على الأظهر.
(وفي
بعضه) أي بعض كلّ واحد من الشعور المذكورة (بالحساب) أي يثبت فيه من الدية المذكورة بنسبة مساحة محلّ الشعر المجنيّ عليه إلى
محلّ الجميع وإن اختلف كثافةً وخفّةً.
والمرجع في
نبات الشعر وعدمه إلى أهل الخبرة. فإن اشتبه فالمرويّ أنّه ينتظر سنة ثمّ تؤخذ
الدية إن لم يَعُد
ولو طلب الأرش
قبلَها دُفع إليه؛ لأنّه إمّا
__________________
الحقّ أو بعضه ، فإن مضت ولم يعد اُكمِل له على الدية.
(وفي
الأهداب) بالمعجمة والمهملة جمع هُدْب ـ بضمّ الهاء فسكون الدال ـ
وهو شعر الأجفان (الأرش
على قول) ابن إدريس
والعلّامة في
أكثر كتبه
كشعر الساعدين
وغيره؛ لأصالة البراءة من الزائد حيث لا يثبت له مقدّر (والدية على قول آخر) للشيخ
والأكثر منهم
العلّامة في القواعد
للحديث العامّ
الدالّ على أنّ (كلّ
ما في البدن منه واحد ففيه الدية ، أو اثنان ففيهما الدية ) وفيها قول ثالث للقاضي : أنّ فيهما نصف الدية كالحاجبين
والأوّل أقوى.
(الثالثة) :
(في
العينين الدية ، وفي كلّ واحدة النصف ، صحيحةً) كانت العين (أو
حولاء أو عمشاء) وهي ضعيفة
البصر مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها (أو جاحظة) وهي عظيمة المُقْلَة
أو غير ذلك
كالجهراء
والرمدى ... وغيرها.
__________________
أمّا لو كان
عليها بياض ، فإن بقي البصر معه تامّاً فكذلك. ولو نقص نقص من الدية بحسبه ، ويرجع
فيه إلى رأي الحاكم.
(وفي
الأجفان) الأربعة (الدية ، وفي كلّ واحد الربع) للخبر العامّ.
وقيل : في
الأعلى ثلثا الدية ، وفي الأسفل الثلث .
وقيل : في
الأعلى الثلث ، وفي الأسفل النصف
فينقص دية
المجموع بسدس
الدية ، استناداً
إلى خبر ظريف
وعليه الأكثر ،
لكن في طريقه ضعف وجهالة .
وربما قيل بأنّ
هذا النقص إنّما هو على تقدير كون الجناية من اثنين ، أو من واحد بعد دفع أرش
الجناية الاُولى ، وإلّا وجب دية كاملة إجماعاً
وهذا هو الظاهر
من الرواية
لكن فتوى
الأصحاب مطلقة. ولا فرق بين أجفان صحيح العين وغيره حتّى الأعمى ، ولا بين ما عليه
هُدب وغيره.
(ولا
تتداخل) دية الأجفان (مع العينين) لو قلعهما معاً ، بل تجب
__________________
عليه الديتان؛ لأصالة عدم التداخل.
(وفي
عين ذي الواحدة كمال الدية إذا كان) العور (خلقة
أو بآفة من اللّٰه سبحانه) أو من غيره حيث لا يستحقّ عليه أرشاً ، كما لو جنى عليه حيوان غير مضمون (ولو استحقّ ديتها) وإن لم يأخذها أو ذهبت في قصاص (فالنصف في الصحيحة).
أمّا الأوّل : فهو
موضع وفاقٍ ، على ما ذكره جماعة .
وأمّا الثاني :
فهو مقتضى الأصل في دية العين الواحدة. وذهب ابن إدريس إلى أنّ فيها هنا ثلث الدية
خاصّة ، وجعله الأظهر في المذهب
وهو وهم.
(وفي
خسف) العين (العوراء) وهي هنا
الفاسدة (ثلث ديتها) حالَ كونها (صحيحة) على الأشهر. ورُوي ربعها
والأوّل أصحّ
طريقاً ، سواء كان العور من اللّٰه تعالى أم من جناية جانٍ ، وسواء أخذ
الأرش أم لا. ووهم ابن إدريس هنا ففرّق هنا أيضاً كالسابق وجعل في الأوّل النصف ، وفي
الثاني الثلث .
__________________
(الرابعة) :
(في
الاُذنين الدية ، وفي كلّ واحدة النصف) سميعة كانت أم صمّاء؛ لأنّ الصمم عيب في غيرها (وفي) قطع (البعض) منهما (بحسابه) بأن تعتبر مساحة المجموع من أصل الاُذن وينسب المقطوع إليه ويؤخذ له من
الدية بنسبته إليه ، فإن كان المقطوع النصف فالنصف ، أو الثلث فالثلث ، وهكذا ... وتعتبر
الشحمة في مساحتها حيث لا تكون هي المقطوعة (وفي شحمتها ثلث ديتها) على المشهور وبه رواية ضعيفة
(وفي
خَرْمها ثلث ديتها) على ما ذكره
الشيخ وتبعه عليه جماعة
وفسّره ابن
إدريس بخرم الشَحمة وثلث دية الشحمة
مع احتمال
إرادة الاُذُن
أو ما هو أعمّ. ولا سند لذلك يُرجع إليه.
(الخامسة) :
(في
الأنف الدية) سواء قطع (مستأصلاً أو) قطع (مارنه) خاصّة ، وهو ما لان منه في طرفه الأسفل يشتمل على طرفين وحاجز.
وقيل : إنّ
الدية في مارنه خاصّة ، دون القصبة حتّى لو قطع المارن والقصبة
__________________
معاً فعليه دية وحكومة للزائد
وهو أقوى. ولو
قطع بعضه فبحسابه من المارن.
(وكذا
لو كسر ففسد. ولو جُبر على صحّة فمئة دينار) وعلى غير صحّة مئة وزيادة حكومة (وفي شلله) وهو فساده (ثلثا
ديته) صحيحاً. وفي قطعه أشلّ الثلث (وفي روثته) ـ بفتح الراء ـ وهي الحاجز بين المنخرين
(الثلث.
وفي كلّ منخر : ثلث الدية) على الأشهر؛ لأنّ الأنف الموجب للدية يشتمل على حاجز ومنخرين ، ولرواية
غياث عن الصادق عليه السلام : (أنّ
عليّاً عليه السلام قضى به) .
وقيل : النصف؛
لأنّه ذهب بنصف المنفعة ونصف الجمال
واستضعافاً
لرواية غياث به
لكنّه أشهر
موافقاً لأصالة البراءة من الزائد.
(السادسة) :
(في
كلّ من الشفتين نصف الدية) للخبر العامّ
وهو صحيح ، لكنّه
__________________
مقطوع
وتعضده رواية
سماعة عن الصادق عليه السلام قال : (الشفتان العليا والسفلى سواء في الدية) .
(وقيل
في السفلى الثلثان) لإمساكها
الطعام والشراب
وردّها اللعاب
، وحينئذٍ ففي العليا الثلث. وقيل : النصف
وفيه ـ مع
ندوره ـ اشتماله على زيادة لا معنى لها.
وفيهما قول
رابع ذهب إليه جماعة
منهم العلّامة
في المختلف
وهو : أنّ في
العليا : أربعمئة دينار ، وفي السفلى : ستمئة؛ لما ذكر ولرواية أبان بن تغلب عن
الصادق عليه السلام
وفي طريقها ضعف
.
(وفي
بعضها بالنسبة مساحةً) ففي نصفها النصف ، وفي ثلثها الثلث ، وهكذا ...
وحدّ الشفة
السفلى ما تجافى عن اللثّة مع طول الفمّ. والعليا كذلك متّصلاً
__________________
بالمنخرين مع طول الفم ، دون حاشية الشِدقين
(ولو
استرختا فثلثا الدية) لأنّ ذلك
بمنزلة الشَلَل فلو قطعتا بعد ذلك فالثلث (ولو تقلّصتا) أي انزوتا على وجهٍ لا ينطبقان على الأسنان ضدّ الاسترخاء (فالحكومة) لعدم ثبوت مقدّرٍ لذلك ، فيُرجع إليها.
وقيل : الدية؛
لزوال المنفعة المخلوقة لأجلها والجمال
فيجري وجودها
مجرى عدمها.
ويضعَّف بأنّ
ذلك لا يزيد على الشَلَل وهو لا يوجب زيادة على الثلثين ، مع أصالة البراءة من
الزائد على الحكومة.
(السابعة) :
(في
استئصال اللسان) بالقطع ، بأن
لا يبقى شيء منه (الدية.
وكذا فيما) أي في قطع ما (يذهب به الحروف) أجمع وهي ثمانية وعشرون حرفاً (وفي) إذهاب (البعض
بحساب) الذاهب من (الحروف) بأن تُبسط الدية عليها أجمع ، فيؤخذ للذاهب من الدية بحسابه. ويستوي في ذلك
اللَسَنيّة
وغيرها ، والخفيفة
والثقيلة
لإطلاق النصّ
__________________
ولا اعتبار هنا بمساحة اللسان ، فلو قطع نصفه فذهب ربع الحروف فربع الدية
خاصّة ، وبالعكس.
وقيل : يعتبر
هنا أكثر الأمرين من الذاهب من اللسان ومن الحروف
لأنّ اللسان
عضو متّحد في الإنسان ففيه الدية وفي بعضه بحسابه ، والنطق منفعة توجب الدية كذلك.
وهذا أقوى.
(وفي
لسان الأخرس ثلث الدية) تنزيلاً له
منزلة الأشلّ؛ لاشتراكهما في فساد العضو المؤدّي إلى زوال المنفعة المقصودة منه (وفي بعضه بحسابه) مساحةً.
(ولو
ادّعى الصحيح ذهاب نطقه بالجناية) التي يحتمل ذهابه بها (صُدِّق
بالقَسامة) خمسين يميناً
بالإشارة؛ لتعذّر إقامة البيّنة على ذلك وحصول الظنّ المستند إلى الأمارة بصدقه ، فيكون
لوثاً.
(وقيل
: يُضرب لسانه بإبرة فإن خرج الدم أسود صُدّق) من غير يمين ، على ما يظهر من الرواية (وإن خرج أحمر كُذِّب ) والمستند رواية الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام
وفي طريقها ضعف
وإرسال .
__________________
(الثامنة) :
(في
الأسنان) بفتح الهمزة (الدية ، وهي ثمان وعشرون) سنّاً ، توزّع الدية عليها متفاوتة ، كما يذكر :
منها (في المقاديم الاثني
عشر) وهي الثنيّتان والرباعيّتان والنابان من أعلى ، ومثلها
من أسفل (ستمئة
دينار) في كلّ واحدة خمسون.
(وفي
المآخير) الستّة عشر ، أربعة من كلّ جانب من الجوانب الأربعة : ضاحك
وثلاثة أضراس (أربعمئة) في كلّ واحد خمسة وعشرون.
(ويستوي) في ذلك (البيضاء
والسوداء والصفراء خلقةً) بأن كانت قبل أن يُثغِر
متغيّرة ثمّ
نبتت كذلك. أمّا لو كانت بيضاء قبل أن يثغر ثمّ نبتت سوداء رُجِع إلى العارفين ، فإن
حكموا بكونه لعلّة فالحكومة ، وإلّا فالدية.
وتثبت دية
السنّ بقلعها مع سنخها
إجماعاً ، وبدونه
مع استيعاب ما برز من اللثّة على الأقوى.
(وفي
الزائدة) عن العدد المذكور (ثلث الأصليّة) بحسب ما تقرّر لها ، بمعنى أنّها إن كانت في الأضراس فثلث الخمسة والعشرين
، وفي المقاديم فثلث الخمسين. هذا (إن قلعت منفردة) عن الأصليّة المتّصلة بها (ولا شيء فيها) لو قلعت (منضمّة) إليها كما لو قطع العضو المقدّر ديته المشتمل على غيره. وقيل : فيها حكومة
لو انقلعت منفردة ، بناءً على أنّه لا تقدير لها شرعاً
والأشهر الأوّل.
__________________
(ولو
اسودّت السنّ بالجناية ولمّا تسقط فثلثا ديتها) لدلالته على فسادها (وكذا) يجب الثلثان (في
انصداعها) وهو تقلقلها؛ لأنّه في حكم الشلل ، وللرواية
لكنّها ضعيفة.
(وقيل) في انصداعها (الحكومة)
لعدم دليل صالح
على التقدير. وإلحاقه بالشلل بعيد؛ لبقاء القوّة في الجملة. والمشهور الأوّل. ولو
قلعها قالع بعد الاسوداد أو الانصداع فثلث ديتها.
(وسنّ
الصبيّ) الذي لم تبدّل أسنانه (ينتظر بها) مدّة يمكن أن تعود فيها عادة (فإن نبتت فالأرش) لمدّة ذهابه (وإلّا) تَعُد (فدية
المتّغر) بالتاء المشدّدة ، مثنّاة ومثلّثة ، والأصل (المثتغر) بهما
فقُلبت الثاء
تاءً ثمّ اُدغمت. ويقال : المُثغَر ـ بسكون المثلّثة وفتح الثالثة المعجمة ـ وهو
الذي سقطت أسنانه الرواضع التي من شأنها السقوط ونَبْتُ بدلها. ودية سنّ المُثغَر
ما تقدّم من التفصيل في مطلق السنّ .
(وقيل) والقائل الشيخ
وجماعة
منهم العلّامة
في المختلف
:
__________________
(فيها
بعير) مطلقاً؛ لما رُوي من أنّ أمير المؤمنين عليه الصلاة
والسلام قضى بذلك
والطريق ضعيف
فالقول به كذلك.
(التاسعة) :
(في
اللحيين) بفتح اللام ـ وهما : العظمان اللذان ينبت على بشرتهما
اللِحية ، ويقال لملتقاهما : (الذَقَن) بالتحريك المفتوح ، ويتّصل كلّ واحد منهما بالاُذُن ، وعليهما نبات الأسنان
السفلى ـ إذا قُلعا منفردين عن الأسنان كلحيي الطفل والشيخ الذي تساقطت أسنانه (الدية ، و) فيهما (مع
الأسنان ديتان) وفي كلّ واحد
منهما نصف الدية منفرداً ، ومع الأسنان بحسابها.
(العاشرة) :
(في
العنق إذا كُسر فصار أصورَ) أي مائلاً (الدية
، وكذا لو منع الازدراد. ولو زال) الفساد ورجع إلى الصلاح (فالأرش) لما بين المدّتين. ولو لم يبلغ الأذى ذلك ، بل صار الازدراد أو الالتفات
عليه عَسِراً فالحكومة.
(الحادية
عشرة) :
(في
كلّ من اليدين نصف الدية) سواء اليمين والشمال (وحدّها
المِعصَم» ـ بكسر الميم
فسكون العين ففتح الصاد ـ وهو المَفصِل الذي بين الكفّ
__________________
والذراع. وتدخل دية الأصابع في ديتها حيث يجتمعان.
(وفي
الأصابع) حيث تُقطع (وَحْدَها ديتها) وهي دية اليد. فلو قَطَع آخَرُ بقيّةَ اليد فالحكومة خاصّة (ولو قُطِع معها) أي مع اليد (شيء
من الزَند) ـ بفتح الزاي ـ والمراد شيء من الذراع؛ لأنّ الزند على ما ذكره الجوهري : هو
مَوصِل طرف الذراع بالكفّ
(فحكومة
زائدة) على دية اليد لِما قُطِع من الزند ، أمّا لو قطعت من
المرفق أو المنكب فدية اليد خاصّة. والفرق : تناول اليد لذلك حقيقة وانفصاله بمفصل
محسوس كأصل اليد ، بخلاف ما إذا قُطع شيء من الزند ، فإنّ اليد إنّما صدقت عليها
من الزند ، والزند من جناية لا تقدير فيها ، فيكون فيها الحكومة ، كذا فرّق
المصنّف وغيره .
وفيه نظر. ومثله
ما لو قطعت من بعض العضد.
(وفي
العضدين : الدية) للخبر العامّ
بثبوتها
للاثنين فيما في البدن منه اثنان (وكذا في الذراعين).
هذا إذا قطعا
منفردين عن اليد وأحدهما عن الآخر ، أمّا لو قطعت اليد من المرفق أو الكتف
فالمشهور أنّ فيه دية اليد ، كما تقدّم.
ويحتمل أن يريد
ما هو أعمّ من ذلك ، حتّى لو قطعها من الكتف وجب ثلاث ديات؛ لعموم الخبر فإنّه قول
في المسألة
ووجوبَ دية
اليد وحكومة في الزائد ،
__________________
فإنّه قول ثالث
وكلام الأصحاب
هنا لا يخلو من إجمال أو اختلاف أو إخلال ، وكذلك الحكم لا يخلو من إشكال.
(وفي
اليد الزائدة الحكومة) وتتميّز عن
الأصليّة بفقد البطش أو ضعفه وميلها عن السمت الطبيعي ونقصان خلقتها ولو في إصبع. ولو
تساوتا فيها فإحداهما زائدة لا بعينها ، ففيهما جميعاً دية وحكومة.
وقيل : في
الزائدة ثلث دية الأصليّة
ففيهما هنا دية
وثلث.
ولو قطعت
إحداهما خاصّة احتمل ثبوت نصفِ ديةِ يدٍ وحكومةٍ؛ لأنّها نصف المجموع ، وحكومة
خاصّة للأصل.
(وفي
الإصبع) مثلّث الهمزة والباء (عشر الدية) ليد كانت أم لِرجلٍ ، إبهاماً كانت أم غيرها على الأقوى؛ لصحيحة عبد
اللّٰه بن سنان
وغيرها .
وقيل في
الإبهام : ثلث دية العضو
وباقي الثلثين
يُقسم على سائر الأصابع.
(وفي
الإصبِع الزائدة ثلث دية الأصليّة. وفي شللها) أي شلل الاصبع مطلقاً (ثلثا
ديتها. وفي) قطع (الشلّاء الثلث) الباقي من ديتها ، سواء كان الشلل خلقة أم بجناية جانٍ.
__________________
(وفي
الظُفُر) بضمّ الظاء المُشالة والفاء (إذا لم ينبت أو نبت
أسودَ عشرة دنانير ، ولو نبت أبيضَ فخمسة) دنانير على المشهور. والمستند رواية ضعيفة
وفي صحيحة عبد
اللّٰه بن سنان : (في
الظفر خمسة دنانير)
وحُملت على ما
لو عاد أبيض
جمعاً ، وهو
غريب!
وفي المسألة
قول آخر وهو : وجوب عشرة دنانير متى قُلِع ولم يخرج ، ومتى خرج أسودَ فثلثا ديته
لأنّه في معنى
الشلل ، ولأصالة براءة الذمّة من وجوب الزائد مع ضعف المأخذ ، وبُعد مساواة عوده
لعدمه أصلاً. وهو حسن.
(الثانية
عشرة) :
(في
الظهر إذا كُسر الدية) لصحيحة الحلبي
عن الصادق عليه السلام : (في
الرجل يُكسر ظهره ، فقال : فيه الدية كاملة)
(وكذا
لو احدودب) أو صار بحيث لا
يقدر على القعود (ولو
صَلُح فثلث الدية) هذا هو المشهور.
وفي رواية ظريف
: «إذا كُسِر الصلب فجُبِر على غير عيب فمئة دينار ،
__________________
وإن عَثَم
فألف دينار» .
(ولو
كُسِر فشلّت الرجلان فدية له) أي لكسره (وثلثا
دية للرجلين) لأنّهما دية
شلل كلّ عضو بحسبه.
(ولو
كُسِر الصلب) وهو الظهر (فذهب مشيه وجماعه
فديتان) إحداهما للكسر ، والاُخرى لفوات منفعة الجماع ، ذكر ذلك
الشيخ في الخلاف
وتبعه عليه
الجماعة
واقتصر المحقّق
والعلّامة في الشرائع
والتحرير
على حكايته عنه
قولاً ، إشعاراً بتمريضه. وعليه لو عادت
إحدى المنفعتين
وجبت دية واحدة ، ولو عادت ناقصة فدية وحكومة عن نقص العائدة ، إلّاأن يكون العود
بصلاح الصُلب ، فالثلث كما مرّ مضافاً إلى ذلك .
__________________
(الثالثة
عشرة في النخاع)
(في
النخاع) وهو الخيط الأبيض في وسط فقر الظهر إذا قطع (الدية) كاملة؛ لأنّه واحد في الإنسان ، ومع ذلك لا قوام له بدونه.
(الرابعة
عشرة) :
(الثديان) وهما للرجل
والمرأة ، ولكن
ذكر هنا حكمهما لها خاصّة ، وهو أنّ (في كلّ واحد) منهما (نصف
دية المرأة) سواء اليمين
واليسار. وهو موضع وفاق (وفي
انقطاع اللبن) عنهما (الحكومة. وكذا لو
تعذّر نزوله) لأنّه حينئذٍ
بمنزلة المنقطع.
(وفي
الحَلَمتين) وهما اللتان في
رأسهما كالزرّ يلتقمهما الطفل (الدية) لو قطعتا منفردتين
(عند
الشيخ)
لأنّهما ممّا
في الإنسان منه اثنان ، فيدخلان في الخبر العامّ
ونسبه إلى
الشيخ مؤذناً بردّه؛ لأنّهما كالجزء من الثديين اللذين فيهما جميعاً الدية ، ففيهما
الحكومة خاصّة؛ لأصالة البراءة من الزائد (وكذا حَلَمتا الرجل) فيهما : الدية عند الشيخ في المبسوط
والخلاف
لما ذكر.
__________________
(وقيل) والقائل ابن بابويه
وابن حمزة
: (في حَلَمتي الرجل
الربع) ربع الدية (وفي كلّ واحدة الثمن) استناداً إلى كتاب ظريف .
وقيل : فيهما
الحكومة خاصّة
للأصل ، واستضعافاً
لمستند غيرها.
(الخامسة
عشرة) :
(في
الذكر مستأصلاً ، أو الحشفة) فما زاد (الدية) لشيخٍ كان أم لشابٍّ أم لطفل صغير ، قادرٍ على الجماع أم عاجز (ولو كان مسلول
الخصيتين) لأنّه ممّا في الإنسان منه واحد ، فتثبت فيه الدية
مطلقاً (وفي
بعض الحشفة بحسابه) أي حساب ذلك
البعض منسوباً إلى مجموعها خاصّة.
(وفي) ذكر (العنّين
ثلث الدية) لأنّه عضو أشلّ
، وديته ذلك ، كما أنّ في الجناية عليه صحيحاً حتّى صار أشلّ ثلثي ديته.
ولو قُطِع بعض
ذكر العنّين اعتبر بحسابه من المجموع ، لا من الحشفة. والفرق بينه وبين الصحيح : أنّ
الحشفة في الصحيح هي الركن الأعظم في لذّة الجماع ، بخلافها في العنّين؛ لاستواء
الجميع في عدم المنفعة مع كونه عضواً واحداً ، فينسب بعضه إلى مجموعه ، على الأصل .
__________________
(السادسة
عشرة) :
(في
الخصيتين) معاً (الدية
، وفي كلّ) واحدة (نصف) للخبر العامّ .
(وقيل) والقائل به جماعة ، منهم الشيخ في الخلاف
وأتباعه
والعلّامة في
المختلف
: (في اليسرى الثلثان) وفي اليمنى الثلث؛ لحسنة عبد اللّٰه بن سنان عن الصادق عليه السلام
وغيرها
ولما رُوي من
أنّ الولد يكون من اليسرى
ولتفاوتهما في
المنفعة المناسب لتفاوت الدية.
ويُعارَض باليد
القويّة الباطشة والضعيفة ، والعين كذلك. وتخلّق الولد منها لم يثبت ، وخبره مرسل
وقد أنكره بعض
الأطبّاء .
(وفي اُدرتهما) ـ بضمّ الهمزة فسكون الدال ففتح الراء ـ وهي انتفاخهما
__________________
(أربعمئة
دينار. فإن فحج) ـ بفتح الفاء فالحاء المهملة فالجيم ـ أي تباعدت رجلاه أعقاباً مع تقارب
صدور قدميه (فلم
يقدر على المشي) قيد زائد على
الفحج؛ لأنّ مطلقه يمكن معه المشي. قال الجوهري : الفحج ـ بالتسكين ـ مِشية الأفحج
، وتفحّج في مِشيته مثله
وفي حكمه ما
إذا مشى مشياً لا ينتفع به (فثمانمئة
دينار) على المشهور. ومستنده كتاب ظريف .
(السابعة
عشرة) :
(في
الشُفْرين) ـ بضمّ الشين ـ وهما : اللحم المحيط بالفرج إحاطةَ الشفتين بالفم (الدية) وفي كلّ واحد النصف (من
السليمة والرتقاء) والبكر والثيّب
، والكبيرة والصغيرة (وفي
الرَكَب) ـ بالفتح
محرّكاً ـ وهو من المرأة مثل موضع العانة من الرجل (الحكومة).
(الثامنة
عشرة) :
(في
الإفضاء الدية ، وهو تصيير مسلك البول والحيض واحداً) وقيل : مسلك الحيض والغائط
وهو أقوى في
تحقّقه ، فتجب الدية بأ يّهما كان؛ لذهاب منفعة الجماع معهما.
ولا فرق بين
الزوج وغيره إذا كان قبل بلوغها ، وتختصّ بغيره بعده (وتسقط عن الزوج إذا كان بعد البلوغ) لأنّه فعل مأذون فيه شرعاً إذا لم يكن
__________________
بتفريط ، وإلّا فالمتّجه ضمان الدية ، كالضعيفة التي يغلب الظنّ بإفضائها (ولو كان قبله ضمن مع
المهر ديتها) إن وقع
بالجماع؛ لتحقّق الدخول الموجب لاستقراره ، ولو وقع بغيره بُني استقراره على عدم
عروض موجب التنصيف (وأنفق) الزوج (عليها
حتّى يموت أحدهما) وقد تقدّم في
النكاح أنّها تحرم عليه مؤبَّداً مضافاً إلى ذلك وإن لم تخرج عن حباله بدون الطلاق
وكذا لا تسقط عنه النفقة وإن طلّقها؛ لصحيحة الحلبي عن
أبي عبد اللّٰه عليه السلام : (عليه الإجراء عليها ما دامت حيّة) .
وفي سقوطها
بتزويجها بغيره وجهان : من إطلاق النصّ بثبوتها إلى أن يموت أحدهما ، ومن حصول
الغرض بوجوبها على غيره ، وزوال الموجب لها ، وأنّ العلّة عدم صلاحيّتها لغيره
بذلك وتعطّلها عن الأزواج وقد زال فيزول الحكم.
وفيه : منع
انحصار الغرض في ذلك ، ومنع العلّيّة المؤثّرة. وزوالُ الزوجيّة لو كان كافياً
لسقطت بدون التزويج ، وهو باطل اتّفاقاً.
(التاسعة
عشرة) :
(في
الأليين) وهما اللحم الناتئ بين الظَهر والفخذين (الدية وفي كلّ) واحدة (النصف) إذا اُخِذت إلى العظم الذي تحتها. وفي ذهاب بعضهما بقدره ، فإن جُهِل
المقدار قال في التحرير : وجبت حكومةً .
__________________
ويشكل بما لو
قطع بزيادة مقداره عن الحكومة أو نقصانها
مع الجهل
بمجموع المقدار ، فينبغي الحكم بثبوت المحقَّق منه كيف كان.
(العشرون) :
(الرِجلان) فيهما الدية (وفي
كلّ واحدة النصف. وحدُّها مَفصل الساق) وإن اشتملت على الأصابع (وفي
الأصابع منفردةً الدية ، وفي كلّ واحدة عُشر) سواء الإبهام وغيره. والخلاف هنا كما سبق
(ودية
كلّ إصبَع مقسومة على ثلاث أنامل) بالسويّة (و) دية (الإبهام) مقسومة (على
اثنين) بالسويّة أيضاً.
(وفي
الساقين) وحدّها
الركبة (الدية. وكذا في
الفخذين) لأنّ كلّ واحد منهما ممّا في الإنسان منه اثنان.
هذا إذا قُطعا
منفردين عن الرِجل ، وقُطع الفخذ منفرداً عن الساق. أمّا لو جمع بينهما أو بينها
ففيه ما مرّ في
اليدين : من احتمال دية واحدة إذا قطع من المفصل ، ودية وحكومة. وتعدّد الدية
بتعدّد موجبه. والكلام في الإصبع الزائدة والرِجل ما تقدّم .
__________________
(الحادية
والعشرون) :
(في
التَرقُوة) ـ بفتح التاء فسكون الراء فضمّ القاف ـ وهي العظم الذي بين ثُغرة النحر
والعاتق (إذا
كُسِرت فجُبرت على غير عيب أربعون ديناراً) رُوي ذلك في كتاب ظريف
ولو جُبِرت على
عيب احتُمل استصحاب الدية كما لو لم تُجبر ، والحكومة رجوعاً إلى القاعدة.
ويشكل لو نقصت
عن الأربعين؛ لوجوبها فيما لو عدم العيب فكيف لا تجب معه؟ ولو قيل بوجوب أكثر
الأمرين كان حسناً. وتَرقُوة المرأة كالرجل في وجوب الأربعين ، عملاً بالعموم
ولو كان
ذمّيّاً فنسبتها إلى دية المسلم من ديته.
(وفي
كسر عظمٍ من عضوٍ خُمس دية) ذلك (العضو
، فإن صلح على صحّةٍ فأربعة أخماس دية كسره ، وفي موضحته ربع دية كسره وفي رضّه
ثلث دية) ذلك (العضو) وفي نسخ
الكتاب ثلثا ديته) بألف التثنية. والظاهر أنّه سهو؛ لأنّ الثلث هو المشهور والمرويّ
«فإن صلح» المرضوض (على صحّةٍ فأربعةُ أخماس ديةِ رضّه) ولو صلح بغير صحّة فالظاهر استصحاب ديته.
(وفي فكّه بحيث
يتعطّل العضو ثلثا ديته) لأنّ ذلك بمنزلة الشَلَل (فإن
__________________
صلح
على صحّة فأربعة أخماس دية فكّه) ولو لم يتعطّل فالحكومة. هذا هو المشهور. والأكثر لم يتوقّفوا في حكمه
إلّاالمحقّق في النافع فنسبه إلى الشيخين
والمستند كتاب
ظريف مع اختلاف يسير ، فلعلّه نسبه إليهما لذلك .
(الثانية
والعشرون) :
(في
كلّ ضلع ممّا يلي القلب) أي من الجانب الذي فيه القلب (إذا كُسِرت خمسة وعشرون ديناراً ، وإذا
كُسِرت) تلك الضلع (ممّا يلي العضد عشرة دنانير) ويستوي في ذلك جميع الأضلاع والمستند كتاب ظريف .
(ولو
كُسِر عُصعُصه) ـ بضمّ عينيه ـ وهو عَجْب الذَ نَب ـ بفتح عينه ـ وهو عظمه ، يقال : إنّه
أوّل ما يُخلق وآخر ما يَبلى (فلم
يملك) حيث كسر (غائطَه) ولم يقدر على إمساكه (ففيه
الدية) لصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه عليه
السلام : «في رجل كُسِر بُعصوصه فلم يملك أسته ، فقال
: فيه الدية كاملة»
والبُعصوص هو
العُصعُص ، لكن لم يذكره أهل اللغة ، فمن ثمّ عدل المصنّف عنه إلى العُصعُص
المعروف لغة. وقال الراوندي : البُعصُوص عظم رقيق حول الدبر .
__________________
(ولو
ضُرِب عِجانه) ـ بكسر العين ـ وهو ما بين الخصية والفَقْحَة
(فلم
يملك غائطه ولا بوله ففيه الدية) أيضاً (في
رواية) إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام
ونسبه إلى
الرواية؛ لأنّ إسحاق فطحيّ وإن كان ثقة ، والعمل بروايته مشهور كالسابق وكثير من
الأصحاب لم يذكر فيه خلافاً.
(ومن
اقتضّ بكراً بإصبعه فخرق مثانتها) ـ بفتح الميم ـ وهو مجمع البول (فلم تملك بولها
فديتها) لخرق المثانة (ومهر مثل نسائها) للاقتضاض على الأشهر؛ لتفويت تلك المنفعة الواحدة في البدن ، ولرواية هشام
بن إبراهيم عن أبي الحسن عليه السلام
لكنّ الطريق
ضعيف.
(وقيل
: ثلث ديتها)
لرواية ظريف (أنّ عليّاً عليه
الصلاة والسلام قضى بذلك)
وهي أشهر. لكنّ
الاُولى أولى؛ لما ذكرناه
وإن اشتركتا في
عدم صحّة السند .
(ومن
داس بطن إنسان حتّى أحدث) بريح أو بول أو غائط (ديس
__________________
بطنه) حتّى يحدث كذلك (أو يفتدي) ذلك (بثلث
الدية على رواية) السكوني عن أبي
عبد اللّٰه عليه السلام «أنّ أمير المؤمنين
عليه السلام قضى بذلك»
وعمل بمضمونها
الأكثر ، ونسبه المصنّف إلى الرواية لضعفها
ومن ثمّ أوجب
جماعة الحكومة
لأنّه المتيقّن.
وهو قويّ.
__________________
(القول في دية
المنافع)
(وهي
ثمانية) أشياء :
(الأوّل
: العقل في) ذهاب (العقل الدية) كاملة (وفي) ذهاب (بعضه
بحسابه) أي حساب الذاهب من المجموع (بحسب نظر الحاكم) إذ لا يمكن ضبط الناقص على اليقين.
وقيل : يقدَّر
بالزمان
فإن جُنّ يوماً
وأفاق يوماً فالذاهب النصف ، أو جُنّ
يوماً وأفاق
يومين فالثلث ، وهكذا ... (ولو
شجّه فذهب عقله لم تتداخل) دية الشجّة ودية العقل ، بل تجب الديتان وإن كان بضربة واحدة. وكذا لو قطع
له عضواً غير الشجّة فذهب عقله.
(ولو
عاد العقل بعد ذهابه) وأخذ ديته (لم تُستعد الدية) لأنّه هبة من اللّٰه تعالى مجدَّدة (إن حكم أهل الخبرة بذهابه بالكلّيّة) أمّا مع الشكّ في ذهابه فالحكومة.
(الثاني
: في السمع السمع ، وفيه الدية) إذا ذهب من الاُذنين معاً (مع اليأس) من عوده (ولو
رُجي) عودُه من أهل الخبرة ولو بعد مدّة (انتُظر ، فإن لم
يَعُد فالدية) كاملة (وإن عاد فالأرش) لنقصه زمن فواته (ولو
تنازعا في ذهابه) فادّعاه
المجنيّ عليه وأنكره الجاني ، أو قال : (لا أعلم صدقه) وحصل
__________________
الشكّ في ذهابه (اعتبر
حاله عند الصوت العظيم والرعد القويّ والصيحة عند غفلته ، فإن تحقّق) الأمر بالذهاب وعدمه حكم بموجبه (وإلّا حلف القسامة) وحكم له. والكلام في ذهابه بشجّة وقطع اُذن كما تقدّم من عدم التداخل .
(وفي) ذهاب (سمع
إحدى الاُذنين) أجمع (النصف) نصف الدية (ولو
نقص سمعها) من غير أن يذهب
أجمع (قيس
إلى الاُخرى) بأن تُسدّ
الناقصة وتطلق الصحيحة ثمّ يصاح به بصوت لا يختلف كمّيّة كصوت الجرس حتّى يقول : (لا أسمع) ثمّ يعاد عليه ثانياً من جهة اُخرى ، فإن تساوت المسافتان صُدّق ـ ولو فعل
به كذلك في الجهات الأربع كان أولى ـ ثمّ تُسدّ الصحيحة وتُطلق الناقصة وتعتبر
بالصوت كذلك حتّى يقول : (لا
أسمع) ثمّ يكرّر عليه الاعتبار كما مرّ ، وينظر التفاوت بين
الصحيح والناقص ويؤخذ من الدية بحسابه. وليكن القياس في وقت سكون الهواء في موضع
معتدل.
(ولو
نقصا) معاً (قيس
إلى أبناء سنّه) من الجهات
المختلفة بأن يجلس قِرْنُه بجنبه ويصاح بهما بالصوت المنضبط من مسافة بعيدة لا
يسمعه واحد منهما ، ثمّ يقرب المنادي شيئاً فشيئاً إلى أن يقول القرن : (سمعت) فيُعرف الموضع ، ثمّ يدام الصوت ويُقرّب إلى أن يقول المجنيّ عليه : (سمعت) فيُضبط ما بينهما من التفاوت ، ويكرّر كذلك ويؤخذ بنسبته من الدية حيث لا
يختلف. ويجوز الابتداء من قرب كما ذكر.
(الثالث
: في ذهاب الإبصار في ذهاب الإبصار) من العينين معاً (الدية) وفي ضوء كلّ عين نصفها ، سواء فقأ الحدقة أم أبقاها ـ بخلاف إزالة الاُذُن
وإبطال السمع منها ـ
__________________
وسواء صحيح البصر والأعمش
والأخفش
ومن في حدقته
بياض لا يمنع أصل البصر.
وإنّما يحكم
بذهابه (إذا
شهد به شاهدان) عدلان (أو صدّقه الجاني.
ويكفي) في إثباته (شاهد وامرأتان إن كان) ذهابه عن (غير
عمد) لأنّه حينئذٍ يوجب المال وشهادتهما مقبولة فيه. هذا كلّه
مع بقاء الحدقة وإلّا لم يفتقر إلى ذلك.
(ولو
عدم الشهود) حيث يفتقر
إليهما
وكان الضرب
ممّا يحتمل زوال النظر معه (حلف) المجنيّ عليه (القسامة
إذا كانت العين قائمة) وقضي له.
وقيل : يقابل
بالشمس ، فإن بقيتا مفتوحتين صدق ، وإلّا كذب
لرواية الأصبغ
عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام
وفي الطريق ضعف
.
(ولو
ادّعى نقصان) بصر (إحداهما قيست إلى
الاُخرى) كما ذكر في السمع. وأجود ما يعتبر به ما روي صحيحاً عن
الصادق عليه السلام أن تربط عينه الصحيحة ويأخذ رجلٌ بيضة ويبعد حتّى يقول المجنيّ
عليه : (ما
بقيت اُبصرها) فيُعلم
عنده ، ثمّ
تشدّ المصابة وتطلق الصحيحة وتعتبر كذلك ، ثمّ تعتبر في جهة
__________________
اُخرى أو في الجهات الأربع ، فإن تساوت صُدّق وإلّا كُذّب ، ثمّ ينظر مع
صدقه ما بين المسافتين ويؤخذ من الدية بنسبة النقصان
أ(و) ادّعى (نقصانهما
قيستا إلى أبناء سنّه) بأن يوقف معه
وينظر ما يبلغه نظره ثمّ يعتبر ما يبلغه نظر المجنيّ عليه ، ويعلم نسبة ما بينهما (فإن استوت المسافات
الأربع صُدّق ، وإلّا كُذّب) وحينئذٍ فيحلف الجاني على عدم النقصان إن ادّعاه
وإن قال : (لا أدري) لم يتوجّه عليه يمين. ولا يقاس النظر في يوم غيم ولا في أرض مختلفة الجهات؛
لئلّا يحصل الاختلاف بالعارض.
(الرابع
: في إبطال الشم(من المنخرين معاً (الدية) ومن أحدهما خاصّة نصفها (ولو
ادّعى ذهابه) وكذّبه الجاني
عقيب جناية يمكن زواله بها (اعتبر
بالروائح الطيّبة والخبيثة) والروائح الحادّة. فإن تبيّن حاله حكم به (ثمّ) اُحلف (القسامة) ـ إن لم يظهر بالامتحان ـ وقضي له (وروي) عن أمير المؤمنين عليه السلام بالطريق السابق
في البصر (تقريب الحُراق) بضمّ الحاء وتخفيف الراء ، وتشديده من لحن العامّة ، قاله الجوهري ، وهو ما
يقع فيه النار عند القدح
أي يقرَّب بعد
علوق النار به (منه
، فإن دمعت عيناه ونحّى أنفه فكاذب ، وإلّا فصادق) وضعف طريق الرواية بمحمّد بن الفرات يمنع من العمل بها وإثبات الدية بذلك ،
مع أصالة البراءة.
__________________
(ولو
ادّعى نقصه قيل : يحلف ويوجب له الحاكم شيئاً بحسب اجتهاده) إذ لا طريق إلى البيّنة ولا إلى الامتحان
وإنّما نسبه
إلى القول؛ لعدم دليل عليه ، مع أصالة البراءة وكون حلف المدّعي خلاف الأصل ، وإنّما
مقتضاه حلف المدّعى عليه على البراءة.
(ولو
قطع الأنف فذهب الشمّ فديتان) إحداهما للأنف والاُخرى للشمّ؛ لأنّ الأنف ليس محلّ القوّة الشامّة ، فإنّها
منبثّة في زائدتي مقدّم الدماغ المشبهتين بحَلَمتي الثدي تدرك ما يلاقيها من
الروائح ، والأنف طريق للهواء الواصل إليها.
ومثله قوّة
السمع ، فإنّها مودَعة في العصب المفروش في مقعّر الصِماخ
يدرك ما يؤدّي
إليها الهواء ، فلا تدخل دية إحداهما في الاُخرى.
(الخامس
: الذوق قيل) والقائل العلّامة قاطعاً به
وجماعة
: (فيه الدية) كغيره من الحواسّ ، ولدخوله في عموم قولهم عليهم السلام : (كلّ ما في الإنسان
منه واحد ففيه الدية)
ونسبه إلى
القيل؛ لعدم دليل عليه بخصوصه والشكّ في الدليل العامّ ، فإنّه كما تقدّم
مقطوع (ويرجع فيه عقيب
الجناية) التي يحتمل
__________________
إتلافها له (إلى
دعواه مع الأيمان) البالغة مقدارَ
القسامة؛ لتعذّر إقامة البيّنة عليه وامتحانه. وفي التحرير : يجرَّب بالأشياء
المرّة المُفِزّة
ثمّ يرجع مع
الاشتباه إلى الأيمان. ومع دعواه النقصان يقضي الحاكم بعد تحليفه بما يراه من
الحكومة تقريباً
على القول السابق.
(السادس
: في تعذّر الإنزال للمنيّ) حالةَ الجماع (الدية) لفوات الماء المقصود للنسل. وفي معناه : تعذّر الإحبال والحَبَل وإن نزل
المنيّ؛ لفوات النسل. لكن في تعذّر الحَبَل دية المرأة إذا ثبت استناد ذلك إلى الجناية.
واُلحق به إبطال الالتذاذ بالجماع
لو فُرض مع
بقاء الإمناء والإحبال. وهو بعيد. ولو فُرض فالمرجع إليه
فيه مع وقوع
جناية تحتمله مع القسامة؛ لتعذّر الاطّلاع عليه من غيره.
(السابع
: في سلس البول) وهو نزوله مترشّحاً لضعف القوّة الماسكة (الدية) على المشهور. والمستند رواية غياث بن إبراهيم
وهو
ضعيف ، لكنّها
مناسبة لما يستلزمه من فوات المنفعة المتّحدة. ولو انقطع فالحكومة.
__________________
(وقيل
: إن دام إلى الليل ففيه الدية ، و) إن دام (إلى
الزوال) ففيه (الثلثان
، وإلى ارتفاع النهار) ففيه (ثلث) الدية
ومستند التفصيل
: رواية إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السلام
معلّلاً الأوّل
بمنعه المعيشة وهو يؤذن بأنّ المراد معاودته كذلك في كلّ يوم كما فهمه منه
العلّامة
لكن في الطريق
إسحاق وهو فطحيّ ، وصالح بن عقبة وهو كذّاب غالٍ فلا التفات إلى التفصيل. نعم ، يثبت
الأرش في جميع الصور حيث لا دوام.
(الثامن
: في) إذهاب (الصوت) مع بقاء اللسان على اعتداله وتمكّنه من التقطيع والترديد (الدية) لأنّه من المنافع المتّحدة في الإنسان. ولو أذهب معه حركة اللسان فدية
وثلثان؛ لأنّه في معنى شلله. وتدخل دية النطق بالحروف في الصوت؛ لأنّ منفعة الصوت
أهمّها النطق. مع احتمال عدمه؛ للمغايرة.
__________________
(الفصل الثالث)
(في الشجاج)
بكسر الشين جمع
شجّة بفتحها ، وهي الجرح المختصّ بالرأس والوجه ، ويسمّى في غيرهما جرحاً بقول
مطلق (وتوابعها) ممّا خرج عن الأقسام الثمانية من الأحكام (وهي) أي الشجاج (ثمان) :
(الحارصة
: وهي القاشرة للجلد وفيها بعير).
(والدامية
: وهي التي) تقطع الجلد و (تأخذ في اللحم يسيراً
، وفيها : بعيران).
(والباضعة
: وهي الآخذة كثيراً في اللحم) ولا يبلغ سمحاق العظم (وفيها
: ثلاثة) أبعرة (وهي
المتلاحمة) على الأشهر.
وقيل : إنّ
الدامية هي الحارصة ، وإنّ الباضعة مغايرة للمتلاحمة
فتكون الباضعة
هي الدامية بالمعنى السابق. واتّفق القائلان على أنّ الأربعة الألفاظ موضوعة
لثلاثة معان ، وأنّ واحداً منها مرادف. والأخبار مختلفة أيضاً.
__________________
ففي رواية
منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام : «في الحارصة ـ وهي
الخدش ـ بعير ، وفي الدامية بعيران «
وفي رواية مسمع
عنه عليه السلام «في
الدامية بعير ، وفي الباضعة بعيران ، وفي المتلاحمة ثلاثة»
والاُولى تدلّ
على الأوّل ، والثانية على الثاني. والنزاع لفظيٌّ.
(والسمحاق) بكسر السين المهملة وإسكان الميم (وهي التي تبلغ) السِمحاقة وهي (الجلدة) الرقيقة (المغشيّة
للعظم) ولا تقشرها (وفيها أربعة أبعرة).
(والموضحة
: وهي التي تكشف عن) وضح (العظم) وهو بياضه وتقشر السمحاقة (وفيها خمسة) أبعرة.
(والهاشمة
: وهي التي تهشم العظم) أي تكسره وإن
لم يسبق بجرح (وفيها
عشرة أبعرة أرباعاً) على نسبة ما
يوزَّع في الدية الكاملة : من بنات المخاض واللبون ، والحِقق
وأولاد اللبون
، فالعشرة هنا بنتا مخاض وابنا لبون وثلاث بنات لبون وثلاث حِقَق (إن كان خطأً ،
وأثلاثاً) على نسبة ما يوزّع في الدية الكاملة (إن كان شبيهاً) بالخطأ ، فيكون ثلاث حِقَق ، وثلاث بنات لبون ، وأربع خِلَف
حوامل ، بناءً
على ما دلّت عليه صحيحة ابن سنان
__________________
من التوزيع.
وأمّا على ما
اختاره المصنّف
فلا يتحقّق
بالتحرير
ولكن ما ذكرناه
منه مبرئ أيضاً؛ لأنّه أزيد سنّاً في بعضه .
(والمنقِّلة) بتشديد القاف مكسورة (وهي
التي تحوج إلى نقل العظم) إمّا بأن ينتقل عن محلّه إلى آخر أو يسقط.
قال المبرّد : المنقِّلة
ما يخرج منها عظام صغار
وأخذه من (النَقَل) ـ بالتحريك ـ وهي الحجارة الصغار. وقال الجوهري : هي
التي تنقِّل العظم ـ أي تكسره ـ حتّى يخرج منها فَراش العظام ـ بفتح الفاء ـ قال :
وهي عظام رقاق تلي القِحْف
(وفيها
خمسة عشر بعيراً).
(والمأمومة
: وهي التي تبلغ اُمّ الرأس ـ أعني الخريطة التي تجمع الدِماغ) ـ بكسر الدال ـ ولا تفتقها (وفيها ثلاثة وثلاثون
بعيراً) على ما دلّت عليه صحيحة الحلبي
وغيره .
__________________
وفي كثير من
الأخبار
ـ ومنها صحيحة
معاوية بن وهب
ـ : فيها ثلث
الدية فيزيد ثلث بعير. وربما جُمع
بينها
بأنّ المراد
بالثلث ما اُسقط منه الثلث. ولو دفعها من غير الإبل لزمه إكمال الثلث محرَّراً. والأقوى
وجوب الثلث.
(وأمّا
الدامغة : وهي التي تفتق الخريطة) الجامعة للدماغ (وتبعُد
معها السلامة) من الموت (فإن مات) بها (فالدية.
وإن فُرض) أنّه سلم (قيل
: زيدت حكومة على المأمومة ) لوجوب الثلث بالاُمة
فلا بدّ لقطع
الخريطة من حقّ آخر وهو غير مقدّر فالحكومة. وهو حسن.
فهذه جملة
الجراحات الثمانية المختصّة بالرأس المشتملة على تسعة أسماء.
__________________
(و) من التوابع :
(الجائفة
وهي الواصلة إلى الجوف) من أيّ الجهات
كان (ولو
من ثُغرة النحر وفيها ثلث الدية) بإضافة ثلث البعير هنا اتّفاقاً.
(وفي
النافذة في الأنف) بحيث تثقب
المنخرين معاً ولا تنسدّ (ثلث
الدية ، فإن صلحت) وانسدّت (فخمس الدية).
(وفي) النافذة في (أحد
المنخرين) خاصّة (عشر
الدية) إن صلحت وإلّا فسدس الدية؛ لأنّها على النصف فيهما
والمستند كتاب
ظريف لكنّه أطلق العشر في أحدهما كما هنا. والتفصيل فيه ـ كالسابق
ـ للعلّامة .
(وفي
شقّ الشفتين حتّى تبدو الأسنان ثلث ديتهما) سواء استوعبهما الشقّ أم لا (ولو برأت) الجراحة (فخمس
ديتهما).
وفي شقّ
إحداهما ثلث ديتها
إن لم تبرأ ، فإن
برأت فخمسها
استناداً إلى
كتاب ظريف .
(وفي
احمرار الوجه بالجناية) من لطمة وشبهها
(دينار
ونصف ، وفي اخضراره ثلاثة دنانير ، وفي اسوداده ستّة) لرواية إسحاق بن عمّار .
__________________
(و) المشهور أنّ هذه الجنايات الثلاث (في البدن على النصف ) والرواية خالية عنه
وظاهرها أنّ
ذلك يثبت بوجود أثر اللطمة ونحوها في الوجه وإن لم يستوعبه ولم يدم فيه .
وربما قيل
باشتراط الدوام ، وإلّا فالأرش
ولو قيل بالأرش
مطلقاً لضعف المستند
ـ إن لم يكن
إجماع ـ كان حسناً.
وفي تعدّي حكم
المرويّ إلى غيره من الأعضاء التي ديته أقلّ ـ كاليد والرجل بل الإصبع
ـ وجهان. وعلى
تقديره فهل يجب فيه بنسبة ديته إلى دية الوجه أم بنسبة ما وجب في البدن إلى الوجه؟
وجهان.
ولمّا ضعف مأخذ
الأصل كان إثبات مثل هذه الأحكام أضعف. وإطلاق الحكم يشمل الذكر والاُنثى ، فيتساويان
في ذلك. وسيأتي التنبيه عليه أيضاً.
(ودية
الشجاج) المتقدّمة (في الوجه والرأس سواء) لما تقرّر من أنّها لا تطلق إلّاعليها.
(وفي
البدن بنسبة دية العضو إلى الرأس) ففي حارصة اليد نصف بعير ، وفيها في أنملة إبهامها نصف عشرة ، وهكذا ...
__________________
(وفي
النافذة في شيء من أطراف الرَجُل مئة دينار) على قول الشيخ
وجماعة
ولم نقف على
مستنده
وهو مع ذلك
يشكل بما لو كانت دية الطرف تقصر عن المئة كالأنملة؛ إذ يلزم زيادة دية النافذة
فيها على ديتها ، بل على دية أنملتين حيث يشتمل الإصبع على ثلاث.
وربما خصّها
بعضهم بعضو فيه كمال الدية
ولا بأس به إن
تعيّن العمل بأصله. ويعضده أنّ الموجود في كتاب ظريف ليس مطلقاً كما ذكروه ، بل
قال : (إنّ
في الخدّ إذا كانت فيه نافذة ويُرى منها جوف الفم فديتها مئة دينار) .
وتخصيصهم الحكم
بالرجل يقتضي أنّ المرأة ليست كذلك ، فيحتمل الرجوع فيها إلى الأصل من الأرش أو
حكم الشجاج بالنسبة وثبوت خمسين ديناراً على النصف كالدية. وفي بعض فتاوى المصنّف
: أنّ الاُنثى كالذكر في ذلك
ففي نافذتها
مئة دينار أيضاً.
(وكلّ
ما ذكر من الدينار فهو منسوب إلى صاحب الدية التامّة والمرأة الكاملة ، وفي العبد
والذمّي بنسبتها إلى النفس).
كتب المصنّف
على الكتاب في تفسير ذلك : أنّ ما ذكر فيه لفظ (الدينار)
__________________
من الأبعاض ـ كالنافذة والاحمرار والاخضرار ـ فهو واجب للرجل الكامل ، والمرأة
الكاملة ، فإذا اتّفق في ذمّي أو عبد اُخذ بالنسبة ، مثلاً النافذة فيها مئة دينار
، ففي الذمّي ثمانية دنانير ، وفي العبد عشر قيمته ، وكذا الباقي.
(ومعنى
الحكومة والأرش) فيما لا تقدير
لديته واحد وهو (أن
يُقوَّم) المجنيّ عليه (مملوكاً) وإن كان حرّاً (تقديراً
صحيحاً) على الوصف المشتمل عليه حالة الجناية (وبالجناية) وتنسب إحدى القيمتين إلى الاُخرى (ويؤخذ من الدية) أي دية المجنيّ عليه كيف اتّفقت (بنسبته).
فلو قوّم عبداً
صحيحاً بعشرة ومعيباً بتسعة وجب للجناية عشر دية الحرّ. ويجعل العبد أصلاً للحرّ
في ذلك ، كما أنّ الحرّ أصل له في المقدّر ، ولو كان المجنيّ عليه مملوكاً استحقّ
مولاه التفاوت بين القيمتين.
ولو لم ينقص
بالجناية كقطع السِلَع
والذكر
ولحية المرأة
فلا شيء ، إلّاأن ينقص حين الجناية بسبب الألم فيجب ما لم يستوعب القيمة ففيه ما
مرّ .
ولو كان
المجنيّ عليه قتلاً أو جرحاً خنثى مشكلاً ، ففيه نصف دية ذكر ونصف دية اُنثى. ويحتمل
دية اُنثى؛ لأنّه المتيقّن. وجرحه فيما لا يبلغ ثلث الدية كجرح الذكر كالاُنثى ، وفيما
بلغه ثلاثة أرباع دية الذكر بحسبه.
(ومن
لا وليّ له فالحاكم وليّه يقتصّ) له (من
المتعمّد) ويأخذ الدية في الخطأ والشبيه.
__________________
(وقيل) والقائل الشيخ
وأتباعه
والمحقّق
والعلّامة
بل كاد يكون
إجماعاً : (ليس
له العفو عن القصاص ولا الدية) لصحيحة أبي ولّاد عن الصادق عليه السلام في الرجل يقتل وليس له وليّ
إلّاالإمام : «أنّه ليس للإمام أن يعفو ، وله أن يقتل
ويأخذ الدية»
وهو يتناول
العمد والخطأ.
وذهب ابن إدريس
إلى جواز عفوه عن القصاص والدية
كغيره من
الأولياء ، بل هو أولى بالحكم. ويظهر من المصنّف الميل إليه حيث جعل المنع قولاً. وحيث
كانت الرواية صحيحة وقد عمل بها الأكثر فلا وجه للعدول عنها.
__________________
(الفصل الرابع)
(في التوابع)
(وهي أربعة) :
(الأوّل : في دية
الجنين)
وهو الحمل في
بطن اُمّه ، سمّي به لاستتاره فيه ، من الاجتنان وهو الستر ، فهو بمعنى المفعول.
(في
النطفة إذا استقرّت في الرحم) واستعدّت للنشوء (عشرون
ديناراً. ويكفي) في ثبوت
العشرين (مجرّد
الإلقاء في الرحم) مع تحقّق
الاستقرار (ولو
أفزعه) أي أفزع المجامع ـ المدلول عليه بالمقام ـ مفزع وإن كان
هو المرأة (فعزل
فعشرة دنانير) بين الزوجين
أثلاثاً.
ولو كان
المُفزع المرأة فلا شيء لها. ولو انعكس ، انعكس إن قلنا بوجوب الدية عليه مع العزل
اختياراً. لكنّ الأقوى عدمه وجواز الفعل ، وقد تقدّم .
__________________
(وفي
العَلَقة) وهي القطعة من الدم تتحوّل إليها النطفة (أربعون ديناراً).
(وفي
المُضغة) وهي القطعة من اللحم بقدر ما يمضغ (ستّون) ديناراً.
(وفي
العظم) أي ابتداء تخلّقه من المضغة (ثمانون) ديناراً.
(وفي
التامّ الخلقة قبل ولوج الروح فيه مئة دينار ، ذكراً كان) الجنين (أو
اُنثى).
ومستند التفصيل أخبار كثيرة
: منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام .
وقيل : متى لم
تتمّ خلقته ففيه غرّة عبد أو أمة صحيحاً لا يبلغ الشيخوخة ، ولا ينقص سنّه عن سبع
سنين لرواية أبي بصير
وغيره
عن أبي عبد
اللّٰه عليه السلام. والأوّل أشهر فتوىً ، وأصحّ روايةً.
(ولو
كان) الجنين (ذمّيّاً) أي متولّداً عن ذمّيّ ملحقاً به
(فثمانون
درهماً) عشر دية أبيه. كما أنّ المئة عُشر دية المسلم. وروي
ضعيفاً
عشر دية اُمّه.
__________________
(ولو
كان مملوكاً فعشر قيمة الاُمّ المملوكة) ذكراً كان أم اُنثى مسلماً كان أم كافراً اعتباراً بالماليّة. ولو تعدّد
ففي كلّ واحد عشر قيمتها كما تتعدّد ديته لو كان حرّاً.
(ولا
كفّارة هنا) أي في قتل
الجنين في جميع أحواله؛ لأنّ وجوبها مشروط بحياة القتيل.
(ولو
ولجته الروح فدية كاملة للذكر ، ونصف للاُنثى) وإن خرج ميّتاً مع تيقّن حياته في بطنها ، فلو احتمل كون الحركة لريح وشبهه
لم يُحكم بها.
(ومع
الاشتباه) أي اشتباه حاله هل هو ذكر أو اُنثى فعلى الجاني (نصف الديتين) : دية الذكر ودية الاُنثى؛ لصحيحة عبد اللّٰه بن
سنان وغيرها .
وقيل : يقرع
لأنّها لكلّ
أمر مشكل.
ويضعَّف بأ نّه
لا إشكال مع ورود النصّ الصحيح بذلك وعمل الأصحاب حتّى قيل : إنّه إجماع .
ويتحقّق
الاشتباه (بأن
تموت المرأة ويموت) الولد (معها) ولم يخرج (مع
العلم بسبق الحياة) أي حياة الجنين
على موته. أمّا سبق موته على موت اُمّه وعدمه فلا أثر له.
__________________
(وتجب
الكفّارة) بقتل الجنين حيث تلجه الروح كالمولود. وقيل : مطلقاً
(مع
المباشرة) لقتله ، لا مع التسبيب كغيره.
(وفي
أعضائه وجراحاته بالنسبة) إلى ديته ، ففي قطع يده خمسون ديناراً ، وفي حارصته دينار ، وهكذا ... ولو
لم يكن للجناية مقدّر فالأرش ، وهو تفاوت ما بين قيمته صحيحاً ومجنيّاً عليه بتلك
الجناية من ديته.
(وتعتبر
قيمة الاُمّ) لو كانت أمة (عند الجناية) لأنّها وقت تعلّق الضمان (لا) وقت (الإجهاض) وهو الإسقاط.
(وهي) أي دية الجنين (في
مال الجاني إن كان) القتل (عمداً) حيث لا يقتل به (أو
شبيهاً) بالعمد (وإلّا ففي مال العاقلة) كالمولود.
وحكمها في
التقسيط والتأجيل كغيره.
(وفي
قطع رأس الميّت المسلم الحرّ مئة دينار) سواء في ذلك الرجل والمرأة والصغير والكبير؛ للإطلاق ، والمستند أخبار
كثيرة منها : حسنة سليمان بن خالد عن أبي الحسن عليه السلام
وفيها أنّ «ديته دية الجنين في بطن اُمّه قبل أن
تنشأ فيه الروح»
وقد عرفت أنّ
الذكر والاُنثى فيه سواء.
وفي خبر آخر
رواه الكليني مرسلاً عن الصادق عليه السلام أنّه أفتى بذلك للمنصور حيث قطع بعض
مواليه رأس آخر بعد موته. وعَلّل وجوب المئة بأنّ
__________________
(في
النطفة عشرين ديناراً ، وفي العلقة عشرين ، وفي المضغة عشرين ، وفي العظم عشرين ،
قال : (ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً
آخَرَ) وهذا
هو ميّت بمنزلته قبل أن تنفخ فيه الروح في بطن اُمّه جنيناً) .
(وفي
شجاجه وجراحه بنسبته) ففي قطع يده
خمسون ديناراً ، وفي قطع إصبعه عشرة دنانير ، وفي حارصته دينار ، وهكذا ...
وهذه الدية
ليست لورثته ، بل (تصرف
في وجوه القُرب) عن الميّت؛
للأخبار المذكورة ، فارقاً فيها بينه وبين الجنين ـ حيث تكون ديته لورثته ـ بأنّ
الجنين مستقبل مرجوّ نفعه قابل للحياة عادةً ، بخلاف الميّت ، فإنّه قد مضى وذهبت
منفعته ، فلمّا مُثّل به بعد موته صارت ديته بتلك المثلة له لا لغيره يحجّ بها عنه
ويفعل بها أبواب البرّ والخير من الصدقة وغيرها .
وقال المرتضى :
تكون لبيت المال
والعمل على ما
دلّت عليه الأخبار.
ولو لم يكن
للجناية مقدّر أخذ الأرش لو كان حيّاً منسوباً إلى الدية. ولو لم يبن الرأس بل قطع
ما لو كان حيّاً لم يعش مثله ، فالظاهر وجوب مئة دينار أيضاً ، عملاً بظاهر
الأخبار.
وهل يفرق هنا
بين العمد والخطأ كغيره حتّى الجنين؟ يحتمله؛ لإطلاق التفصيل في الجناية على
الآدمي وإن لم يكن حيّاً كالجنين. وعدمه بل يجب على الجاني مطلقاً وقوفاً فيما
خالف الأصل على موضع اليقين ، مؤيّداً بإطلاق الأخبار
__________________
والفتوى بأنّ الدية على الجاني مع ترك الاستفصال في واقعة الحال
السابقة الدالّ
على العموم.
وهل يجوز قضاء
دينه من هذه الدية؟ وجهان : من عدم دخوله في إطلاق الصدقة ووجوه البرّ ، وكون قضاء
الدين ملازماً للإرث؛ لظاهر الآية
ومن أنّ نفعه
بقضاء دينه أقوى ، ويمنع عدم دخوله في البرّ بل هو من أعظمها ، ولأنّ من جملتها
قضاء دين الغارم وهو من جملة أفراده. وهذا أقوى.
ولو كان الميّت
ذمّيّاً فعشر ديته ، أو عبداً فعشر قيمته ويتصدّق بها عنه كالحرّ؛ للعموم .
__________________
(الثاني : في العاقلة)
التي تحمل دية
الخطأ ، سُمّيت بذلك إمّا من العقل وهو الشدّ ، ومنه سُمّي الحبل عقالاً؛ لأنّها
تعقل الإبل بفناء وليّ المقتول المستحقّ للدية. أو لتحمّلهم العقل وهو الدية ، وسمّيت
الدية بذلك؛ لأنّها تعقل لسان وليّ المقتول. أو من العقل وهو المنع؛ لأنّ العشيرة
كانت تمنع القاتل بالسيف في الجاهليّة ثمّ منعت عنه في الإسلام بالمال.
(وهم
: من تقرّب) إلى القاتل (بالأب) كالإخوة والأعمام وأولادهما (وإن لم يكونوا وارثين في الحال).
وقيل : من يرث
دية القاتل لو قُتل ولا يلزم من لا يرث شيئاً مطلقاً .
وقيل : هم
المستحقّون لميراث القاتل من الرجال العقلاء من قبل أبيه واُمّه فإن تساوت
القرابتان كإخوة الأب وإخوة الاُمّ كان على إخوة الأب الثلثان وعلى إخوة الاُمّ
الثلث .
وما اختاره
المصنّف هو الأشهر بين المتأخّرين. ومستند الأقوال غير نقيّ.
(ولا
تعقل المرأة والصبيّ والمجنون والفقير عند) استحقاق (المطالبة) وهو حلول أجل الدية وإن كان غنيّاً أو عاقلاً وقت الجناية ، وإن ورثوا
جميعاً من الدية.
(ويدخل) في العقل (العمودان) : الآباء والأولاد وإن علوا أو سفلوا؛ لأ نّهم أخصّ
القوم وأقربهم ، ولرواية سلمة بن كهيل عن أمير المؤمنين عليه السلام في
__________________
القاتل الموصلي حيث كتب إلى عامله يسأل عن قرابة فلان من المسلمين «فإن
كان ثَمَّ رجل يرثه بسهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية
في ثلاث سنين ... الحديث»
وفي «سلمة» ضعف
والأولويّة هنا
ممنوعة؛ لأ نّه حكم مخالف للأصل. والمشهور عدم دخولهم فيه؛ لأصالة البراءة ، وقد
روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله فرض دية امرأة قتلتها اُخرى على عاقلتها وبرّأ
الزوج والولد .
(ومع
عدم القرابة) الذي يُحكم
بدخوله (فالمعتق) للجاني ، فإن لم يكن فعصابته
ثمّ معتق
المعتق ثمّ عصابته
ثمّ معتق أبي
المعتق ثمّ عصابته
كترتيب الميراث.
ولا يدخل ابن المعتق وأبوه وإن علا أو سفل على الخلاف
ولو تعدّد
المعتق اشتركوا في العقل كالإرث.
(ثمّ) مع عدمهم أجمع فعلى (ضامن
الجريرة) إن كان هناك ضامن (ثمّ) مع عدمه أو فقره فالضامن (الإمام) من بيت المال.
(ولا
تعقل العاقلة عمداً) محضاً ولا
شبيهاً به ، وإنّما تعقل الخطأ المحض.
(و) كذا (لا) تعقل (بهيمة) إذا جنت على إنسان
وإن كانت
جنايتها مضمونة على المالك على تقدير تفريطه.
وكذا لا تعقل
العصبة قتل البهيمة ، بل هي كسائر ما يتلفه من الأموال.
(ولا
جناية العبد) بمعنى أنّ
العبد لو قتل إنساناً خطأً أو جنى عليه
__________________
لا تعقل عاقلته جنايته ، بل تتعلّق برقبته كما سلف .
(وتعقل
الجناية عليه) أي تعقل عاقلةُ
الحرّ الجاني على العبد خطأً جنايتَه عليه. كما تعقل جنايتَه على الحرّ؛ لعموم
ضمان العاقلة الجناية على الآدمي.
وقيل : لا تضمن
العاقلة الجناية عليه أيضاً ، بل إنّما تعقل الديات والمأخوذ عن العبد قيمة لا دية
كسائر قِيَم الأموال المتلفة
وبه قطع في
التحرير في باب العاقلة
وجعله تفسيراً
لقوله صلى الله عليه وآله : (لا
تعقل العاقلة عبداً)
والأجود الأوّل
وعليه نُزّل الحديث وبه جزم في أوّل الديات منه
أيضاً كغيره من
كتبه .
وبالجملة ، فإنّما
تعقل العاقلة إتلاف الحرّ الآدمي مطلقاً إن كان المتلِف صغيراً أو مجنوناً ، أو
خطأً إن كان مكلّفاً ، لا غيره من الأموال وإن كان حيواناً.
وشمل إطلاق
المصنّف ضمانَ العاقلة ديةَ الموضحة فما فوقها وما دونها. وهو في الأوّل محلّ وفاق
، وفي الثاني خلاف ، منشؤه : عمومُ الأدلّة على تحمّلها للدية من غير تفصيل
وخصوصُ قول
الباقر عليه السلام في موثَّقة أبي مريم الأنصاري قال : «قضى أمير المؤمنين عليه
السلام : أنّه لا يحمل على العاقلة إلّاالموضحة
__________________
فصاعداً»
مؤيَّداً
بأصالة البراءة من الحكم المخالف للأصل. وهذا هو الأشهر.
(وعاقلة
الذمّي نفسه) دون عصبته وإن
كانوا كفّاراً (ومع
عجزه) عن الدية (فالإمام) عاقلته؛ لأنّه يؤدّي الجزية إليه كما يؤدّي المملوك الضريبة إلى مولاه ، فكان
بمنزلته وإن خالفه في كون مولى العبد لا يعقل جنايته؛ لأنّه ليس مملوكاً محضاً ، كذا
علّلوه
وفيه نظر.
(وتُقسَّط) الدية على العاقلة (بحسب
ما يراه الإمام) من حالتهم في
الغنا والفقر؛ لعدم ثبوت تقديره شرعاً فيرجع إلى نظره.
(وقيل) والقائل الشيخ في أحد قوليه
وجماعة
: (على الغنيّ نصف
دينار ، وعلى الفقير ربعه) لأصالة براءة الذمّة من الزائد على ذلك.
والمرجع فيهما
إلى العرف؛ لعدم تحديدهما شرعاً. والأوّل أجود.
(والأقرب
الترتيب في التوزيع) فيأخذ من أقرب
الطبقات أوّلاً ، فإن لم يحتمل تخطّى إلى البعيدة ، ثمّ الأبعد ، وهكذا ينتقل مع
الحاجة إلى المولى ، ثمّ إلى عصبته ، ثمّ إلى مولى المولى ، ثمّ إلى الإمام.
__________________
ويحتمل بسطها
على العاقلة أجمع من غير اختصاص بالقريب؛ لعموم الأدلّة .
وعلى القول
بالتقدير لو لم تسع الطبقة القريبة الدية بالنصف والربع انتقل إلى الثانية. وهكذا
إلى الإمام حتّى لو لم يكن له إلّاأخ غنيّ اُخذ منه نصف دينار والباقي على الإمام.
(ولو
قتل الأب ولده عمداً فالدية لوارث الابن) إن اتّفق ولا نصيب للأب منها (فإن لم يكن) له وارث (سوى
الأب فالإمام ، ولو قتله خطأ فالدية على العاقلة ، ولا يرث الأب منها شيئاً) على الأقوى؛ لأنّ العاقلة تتحمّل عنه جنايته فلا يعقل تحمّلها له ، ولقبح
أن يطالب الجاني غيرَه بجناية جناها ، ولولا الإجماع على ثبوتها على العاقلة لغيره
لكان العقل يأبى ثبوتها عليهم مطلقاً.
وقيل : يرث
منها نصيبه
إن قلنا بإرث
القاتل خطأً هنا؛ لعموم وجوب الدية على العاقلة وانتقالها إلى الوارث ، وحيث لا
يمنع هذا النوع من القتل الإرث يرث الأب لها أجمع أو نصيبه عملاً بالعموم
ولو قلنا : إنّ
القاتل خطأً لا يرث مطلقاً
أو من الدية
فلا بحث.
وكذا القول لو
قتل الابن أباه خطأً.
__________________
(الثالث : في
الكفّارة)
اللازمة للقاتل
بسبب القتل مطلقاً (وقد
تقدّمت) في كتابها
وأ نّها كبيرة
مرتّبة في الخطأ وشبهه ، وكفّارة جمع في العمد.
(ولا
تجب مع التسبيب كمن طرح حجراً) فعثر به إنسان فمات (أو
نصب سكّيناً في غير ملكه فهلك بها آدمي) وإن وجبت الدية. وإنّما تجب مع المباشرة.
(وتجب
بقتل الصبيّ والمجنون) ممّن هو بحكم
المسلم كما تجب بقتل المكلّف ، ويستوي فيها
الذكر والاُنثى
، والحرّ والعبد ، مملوكاً للقاتل ولغيره (لا بقتل الكافر) وإن كان ذمّيّاً أو معاهداً.
(وعلى
المشتركين) في القتل وإن
كثروا (كلّ
واحد كفّارة) كَمَلاً.
(ولو
قُتل) القاتل (قبلَ التكفير في العمد) أو مات قبل التكفير (اُخرجت
الكفّارات الثلاث من) أصل (ماله
إن كان) له مال؛ لأنّه حقّ ماليّ فيخرج من الأصل وإن لم يوص به
كالدين. وكذا كلّ من عليه كفّارة ماليّة فمات قبل إخراجها. وغلّبوا عليها هنا جانب
الماليّة وإن كان بعضها بدنيّاً كالصوم؛ لأ نّها في معنى عبادة واحدة فيرجَّح فيها
حكم المال كالحجّ. وإنّما قيّد
بالعمد؛ لأنّ
كفّارة الخطأ وشبهه مرتّبة.
__________________
والواجب قد
يكون ماليّاً كالعتق والإطعام ، وبدنيّاً كالصيام ، والحقوق البدنيّة لا تخرج من
المال إلّامع الوصيّة بها. ومع ذلك تخرج من الثلث كالصلاة. وحينئذٍ فالقاتل خطأً
إن كان قادراً على العتق أو عاجزاً عنه وعن الصوم اُخرجت الكفّارة من ماله كالعامد.
وإن كان فرضه الصوم لم تخرج إلّامع الوصيّة ، فلذا قيّد؛ لافتقار غير العمد إلى
التفصيل.
(الرابع : في الجناية
على الحيوان)
(من
أتلف ما تقع عليه الذكاة) سواء كان مأكولاً كالإبل والبقر والغنم أم لا كالأسد والنمر والفهد (بها) أي بالتذكية بغير إذن مالكه (فعليه أرشه) وهو تفاوت ما بين قيمته حيّاً ومذكّى مع تحقّق النقصان ، لا قيمته؛ لأنّ
تذكيته لا تُعدّ إتلافاً محضاً؛ لبقاء الماليّة غالباً. ولو فرض عدم القيمة أصلاً
كذبحه في بريّة لا يرغب أحد في شرائه لزمه القيمة؛ لأنّها حينئذٍ مقدار النقص (وليس للمالك مطالبته
بالقيمة) كَمَلاً (ودفعه إليه على الأقرب) لأصالة براءة ذمّة الجاني ممّا زاد على الأرش ، ولأ نّه باقٍ على ملك مالكه
فلا ينتقل عنه إلّابالتراضي من الجانبين.
وخالف في ذلك
الشيخان
وجماعة
فخيّروا المالك
بين إلزامه بالقيمة يوم الإتلاف وتسليمه إليه ، وبين مطالبته بالأرش نظراً إلى
كونه مفوّتاً لمعظم منافعه فصار كالتالف. وضعفه ظاهر.
(ولو
أتلفه لا بها فعليه قيمته يوم تلفه إن لم يكن غاصباً) لأنّه يوم تفويت ماليّته الموجب للضمان (ويوضع منها ما لَه قيمة من الميتة
كالشعر) والصوف والوبر والريش. وفي الحقيقة ما وجب هنا عين
الأرش ، لكن
لمّا كان
__________________
المضمون أكثر القيمة اعتبرها.
ولو كان المتلف
غاصباً فقيل : هو كذلك
وقيل : يلزمه
أعلى القيم من حين الغصب إلى حين الإتلاف
وهو أقوى وقد
تقدّم فمن ثَمَّ أهمله.
(ولو
تعيّب بفعله) من دون أن يتلف
كأن قطع بعض أعضائه أو جرحه أو كسر شيئاً من عظامه (فلمالكه الأرش) إن كانت حياته مستقرّة ، وإلّا فالقيمة على ما فُصّل وكذا لو تلف بعد ذلك
بالجناية.
(وأمّا) لو أتلف (ما
لا تقع عليه الذكاة ، ففي كلب الصيد أربعون درهماً) على الأشهر روايةً
وفتوىً
(وقيل
: قيمته ) كغيره من الحيوان القيمي إمّا لعدم ثبوت المقدّر
أو لرواية
السكوني عن الصادق عليه السلام إنّ أمير المؤمنين عليه السلام : حكم فيه بالقيمة
وبين التعليلين
بون بعيد
وخصّه الشيخ
بالسلوقي نظراً إلى
__________________
وصفه في الرواية
وهو نسبة إلى
سلوق قرية باليمن أكثر كلابها معلَّمة. والباقون حملوه على المعلَّم
مطلقاً
للمشابهة.
(وفي
كلب الغنم كبش) وهو ما يطلق
عليه اسمه؛ لعدم تحديد سنّه شرعاً ولا لغة؛ لرواية أبي بصير عن أحدهما
(وقيل) والقائل الشيخان
وابن إدريس
وجماعة
: في قتله (عشرون درهماً) لرواية ابن فضّال عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام
وهي ضعيفة
مرسلة والعجب من ابن إدريس المانع من خبر الواحد مطلقاً كيف
يذهب هنا إلى ذلك؟ لكن لعلّه استند إلى ما توهّمه من الإجماع ، لا إلى الرواية.
وفي قول ثالث :
إنّ الواجب فيه القيمة
كما مرّ .
__________________
(وفي
كلب الحائط) وهو البستان
وما في معناه (عشرون
درهماً) على المشهور. ولم نقف على مستنده ، فالقول بالقيمة أجود.
(وفي
كلب الزرع قفيز) من طعام ، وهو
في رواية أبي بصير المتقدّمة
وخصّه بعض
الأصحاب بالحنطة
وهو حسن.
(ولا
تقدير لما عداها ولا ضمان على قاتلها) وشمل إطلاقه كلب الدار وهو أشهر القولين
فيه. وفي رواية
أبي بصير عن أحدهما أنّ في كلب الأهل قفيزاً من تراب واختاره بعض الأصحاب .
(أمّا
الخنزير فيضمن) للذمّي (مع الاستتار) به (بقيمته
عند مستحلّيه) إن أتلفه ، وبأرشه
كذلك إن أعابه (وكذا
لو أتلف المسلم عليه) أي على الذمّي
المستتر ـ وترك التصريح بالذمّي لظهوره ، ولعلّ التصريح كان أظهر ـ (خمراً أو آلة لهو مع
استتاره) بذلك. فلو أظهر شيئاً منها
فلا ضمان على
المتلف مسلماً كان أم كافراً فيهما .
(ويضمن
الغاصب قيمة الكلب السوقيّة) لأنّه مؤاخذ بأشقّ الأحوال وجانب الماليّة معتبر في حقّه مطلقاً
(بخلاف
الجاني) فإنّه لا يضمن
__________________
إلّا المقدّر الشرعي ، وإنّما يضمن الغاصب القيمة (ما لم تنقص عن
المقدّر الشرعي) فيضمن المقدّر.
وبالجملة ، فيضمن الغاصب أكثر الأمرين من القيمة والمقدّر الشرعي.
(ويضمن
صاحب الماشية جنايتها ليلاً ، لا نهاراً)
على المشهور والمستند رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام عن أبيه
قال : «كان عليّ عليه السلام لا يضمن ما أفسدت البهائم نهاراً ويقول على صاحب
الزرع حفظه ، وكان يضمن ما أفسدته ليلاً»
وروي ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وآله .
(ومنهم) وهم جلّة المتأخّرين كابن إدريس
وابن سعيد
والعلّامة
(من
اعتبر التفريط) في الضمان (مطلقاً) ليلاً ونهاراً ، إمّا استضعافاً للرواية
أو حملاً لها
على ذلك.
قال المصنّف : والحقّ
أنّ العمل ليس على هذه الرواية ، بل إجماع الأصحاب ، ولمّا كان الغالب حفظ الدابّة
ليلاً وحفظ الزرع نهاراً خُرّج الحكم عليه ، وليس في حكم المتأخّرين ردّ لقول
القدماء ، فلا ينبغي أن يكون الاختلاف هنا إلّافي مجرّد العبارة عن الضابط ، أمّا
المعنى فلا خلاف فيه
انتهى.
__________________
ولا يخفى ما
فيه. وكيف كان فالأقوى اعتبار التفريط وعدمه.
(وروى) محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (في بعير بين أربعة عقله أحدهم فوقع في بئر
فانكسر : أنّ على الشركاء) ضمان (حصّته؛
لأنّه حَفِظ وضيّعوا ، روى ذلك) أبو جعفر عليه السلام (عن
أمير المؤمنين عليه السلام)
وهو مشكل على
إطلاقه ، فإنّ مجرّد وقوعه أعمّ من تفريطهم فيه ، بل من تفريط العاقل ، ومن ثمّ
أوردها المصنّف كغيره
بلفظ الرواية.
ويمكن حملها
على ما لو عقله وسلّمه إليهم ففرّطوا ، أو نحو ذلك.
والأقوى ضمان
المفرّط منهم دون غيره. والرواية حكاية في واقعة محتملة للتأويل.
(وليكن
هذا آخر اللمعة ، ولم نذكر سوى المهمّ) من الأحكام (وهو
المشهور بين الأصحاب) هذا بحسب
الغالب ، وإلّا فقد عرفت أنّه ذكر أقوالاً نادرة غير مشهورة وفروعاً غير مذكورة.
(والباعث
عليه) أي على المذكور المدلول عليه بالفعل ، أو على تصنيف
الكتاب وإن كان اسمه مؤنّثاً (اقتضاءُ) أي طلب (بعض
الطلّاب) وقد تقدّم بيانه
(نفعه
اللّٰه تعالى وإيّانا به) وجميع المؤمنين ، ونفع بشرحه كما نفع بأصله بحقّ الحقّ وأهله (والحمد للّٰهوحده
وصلواته على سيّدنا محمّد النبيّ ، وعترته
المعصومين ، الذين أذهب اللّٰه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً).
__________________
هذا آخر كلام
المصنّف ـ قدّس اللّٰه روحه ـ ونحن نحمد اللّٰه تعالى على توفيقه
وتسهيله لتأليف هذا التعليق. ونسأله من فضله وكرمه أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم
موجباً لثوابه الجسيم ، وأن يغفر لنا ما قصرنا فيه من اجتهاد ، أو وقع فيه من خلل
في إيراد ، إنّه هو الغفور الرحيم.
وفرغ من تسويده
مؤلّفه الفقير إلى عفو اللّٰه ورحمته (زين
الدين بن عليّ بن أحمد الشامي العاملي) ـ عامله اللّٰه تعالى بفضله ونعمه ، وعفا عن
سيّئاته وزلّاته بجوده وكرمه ـ على ضيق المجال وتراكم الأهوال الموجبة لتشويش
البال خاتمة ليلة السبت وهي الحادية والعشرون من شهر جمادى الاُولى سنة سبع وخمسين
وتسعمئة من الهجرة النبويّة ، حامداً مصلّياً مسلِّماً. اللهمّ صلّ على محمّد وآل
محمّد واختم بخير يا كريم .
__________________
فهرس المحتويات
كتاب اللقطة................................................................. ٧
الفصل الأوّل ـ
في اللقيط....................................................... ٩
التقاط الطفل والمملوك....................................................... ٩
شروط الملتقط............................................................ ١١
أحكام الالتقاط واللقيط.................................................... ١٤
في التنازع................................................................ ١٧
الفصل الثاني ـ في لقطة الحيوان................................................. ١٩
في المأخوذ................................................................ ١٩
في الآخذو شروطه......................................................... ٢٣
الفصل الثالث
ـ في لقطة المال.................................................. ٢٥
لقطة الحرم وأحكامها...................................................... ٢٧
ما يكره التقاطه........................................................... ٣٠
أحكام اللقطة............................................................. ٣٢
كتاب إحياء الموات.......................................................... ٤١
المراد مهن أرض الموات..................................................... ٤٤
حكم الموات.............................................................. ٤٤
ما لا يجوز إحياؤه.......................................................... ٤٤
حكم الأرض المفتوحة عنوة................................................. ٤٨
شروط الإحياء المملّك..................................................... ٤٩
حريم بعض الأملاك....................................................... ٥٢
كيفيّة الإحياء............................................................ ٥٤
القول في المشتركات.......................................................... ٥٧
المسجد.................................................................. ٥٧
المدرسة والرباط............................................................ ٥٩
الطرق................................................................... ٦١
المياه المباحة............................................................... ٦٣
المعادن................................................................... ٦٥
كتاب الصيد والذباحة....................................................... ٦٧
الفصل الأوّل ـ في آلة الصيد................................................... ٦٩
الاصطياد بالكلب المعلّم................................................... ٧٠
شروط المُرسل............................................................. ٧١
الاصكياد................................................................ ٧٥
الفصل الثاني
ـ في الذباحة..................................................... ٧٧
شروط الذابح............................................................. ٧٧
الواجب في الذبيحة........................................................ ٧٩
١ ـ الفري بالحديد...................................................... ٧٩
٢ ـ استقبال القبلة...................................................... ٨١
٣ ـ التسمية............................................................ ٨٢
٤ ـ اختصاص الإبل بالنحر.............................................. ٨٢
٥ ـ قطع الأعضاء الأربعة................................................ ٨٣
٦ ـ الحركة بعد الذبح حتّى استيفاء
القطع................................... ٨٦
٧ ـ متابعة الذبح حتّى استيفاء القطع...................................... ٨٦
مستحبّات الذبح ومكروهاته............................................. ٨٧
مايقبل الذكاة.......................................................... ٩٠
الفصل الثالث ـ في اللواحق.................................................... ٩٣
مسائل................................................................... ٩٣
الاُولى
ـ ذكاة السمك.................................................... ٩٣
الثانية ـ ذكاة الجراد...................................................... ٩٧
الثالثة ـ ذكاة الجنين..................................................... ٩٧
الرابعة ـ ما يثبت في آلة الصيّاد
يملكه.................................... ١٠٠
الحامسة ـ لا يملك الصيد المقصوص
أو ما عليه أثر الملك................... ١٠١
كتاب الأطعمة والأشربة.................................................... ١٠٣
في حيوان البحر......................................................... ١٠٥
في حيوان البرّ........................................................... ١٠٧
في الطير................................................................ ١١٠
في الجلّال واستبراؤه......................................................... ١١٨
مسائل.................................................................... ١٢٢
الاُولى ـ تحل من الميتة عشرة أشياء....................................... ١٢٢
اختلاط الذكيّ بالميّت................................................. ١٢٥
حكم ما اُبين من حيّ................................................. ١٢٦
الثانية ـ تحرم من الذبيحة خمسة عشر
شيئاً................................ ١٢٦
الثالثة ـ تحرم تناول الأعيان النجسة...................................... ١٢٩
الرابعة ـ حرمة أكل الطين............................................... ١٢٩
الخامسة ـ حرمة أكل السُمّ............................................. ١٣٣
السادسة ـ حرمة الدم المسفوح و......................................... ١٣٣
السابعة ـ حكم تطهير المائع أو الجامد
النجسين........................... ١٣٤
الثامنة ـ حرمة ألبان الحيوان المحرّم
لحمه.................................... ١٣٥
التاسعة ـ استبراء اللحم المجهول ذكاته.................................... ١٣٥
العاشرة ـ لا يجوز استعمال شعر الخنزير................................... ١٣٧
الحادية عشرة ـ لا يجوز الاكل من بيوت
من تضمّنته الآية................... ١٣٧
جواز الأطل من بيوت من تضمّنته الآية.................................. ١٣٧
الثانية عشرة ـ إذا انقلب الخمر خلّاً
حَلّ.................................. ١٤١
الثالثة عشرة ـ لا يحرم شرب الربوبات وإن
شُمّ منها ريح المسكر.............. ١٤٢
الرابعة عشرة ـ جواز تناول المحرَّمات
عند الضطرار.......................... ١٤٢
الخامسة عشرة ـ آداب الأكل........................................... ١٤٦
حرمة الأكل على مائده يُشرب عليها شيء
من المسكرات.................. ١٥١
كتاب الميراث.............................................................. ١٥٣
الفصل الأوّل ـ في موجبات الإرث وموانعه...................................... ١٥٧
الموجبات............................................................. ١٥٧
النسب.............................................................. ١٥٧
السبب.............................................................. ١٥٨
الموانع.................................................................. ١٥٨
١
ـ الكفر............................................................ ١٥٩
٢ ـ القتل............................................................ ١٦١
٣ ـ الرقّ............................................................. ١٦٤
٤ ـ اللعان............................................................ ١٦٧
٥ ـ الحمل............................................................ ١٦٧
٦ ـ الغيبة المنقطعة..................................................... ١٦٨
الحجب................................................................ ١٦٩
الحجب
عن أصل الإرث............................................... ١٦٩
الحجب عن بعض
الإرث.............................................. ١٧٢
الفصل الثاني ـ في بيان السهام المقدَّرة وأهلها.................................... ١٧٥
السهام................................................................. ١٧٥
أهل السهام............................................................. ١٧٦
لا ميراث للعصبة........................................................ ١٧٩
لا عول في الفرائض...................................................... ١٨٣
أقسام الوارث........................................................... ١٨٤
مسائل خمس
في ميراث الأبوين والأولاد..................................... ١٨٥
الاُولى ـ حكم إرث الأبوين............................................. ١٨٥
الثانية ـ حكم إرث الأولاد.............................................. ١٨٦
الثالثة ـ حكم إرث أولاد الأولاد......................................... ١٨٧
الرابعة ـ الحبوة......................................................... ١٩٠
الخامسة ـ حكم إرث الأجداد مع الأبوين................................. ١٩٥
القول في ميراث الاجداد والإخوة........................................... ١٩٧
القول في ميراث الأعمام والأخوال وأولادهم................................. ٢٠٧
القول في ميراث الأزواج................................................... ٢١٨
الفصل الثالث
ـ في الولاء.................................................... ٢٢٥
أقسامه................................................................. ٢٢٥
١
ـ ولاء العتق........................................................ ٢٢٥
٢ ـ ولاء ضمان الجريرة................................................. ٢٢٩
٣ ـ ولاء الإمامة....................................................... ٢٣٠
الفصل الرابع في التوابع...................................................... ٢٣٣
وفيه مسائل............................................................. ٢٣٣
الاُلى
ـ في ميراث الخنثى................................................ ٢٣٣
الثانية ـ من ليس له فرج يورث بالقرعة.................................... ٢٣٧
الثالثة ـ الحمل يورث إذا انفصل حيّاً
أو تحرّك بعد خروجه ثمّ مات............ ٢٣٩
الرابعة ـ دير الجنين يرثها أبواه........................................... ٢٤٠
الخامسة ـ ولد الملاعنة ترثه اُمّة.......................................... ٢٤٠
السادسة ـ ولد الزنا من الطرفين يرثه ولده
وزوجته.......................... ٢٤١
السابغة ـ لا عبرة بالتبرّي من النسب..................................... ٢٤٢
الثامنة ـ في ميراث الغرقى والمهدوم
عليهم.................................. ٢٤٢
التاسعة ـ في ميراث المجوس.............................................. ٢٤٥
العاشرة ـ مخارج الفروض................................................ ٢٤٨
الحادية عشرة ـ انكسار الفريضة......................................... ٢٥١
الثانية عشرة ـ قصور الفريضة عن السهام................................. ٢٥٥
الثالثة عشرة ـ زيادة الفريضة على
السهام................................. ٢٥٥
الرابعة عشرة ـ في المناسخات............................................ ٢٥٦
كتاب الحدود.............................................................. ٢٥٩
الفصل الأوّل ـ في حدّ الزنا................................................... ٢٦١
تعريف الزنا وقيوده....................................................... ٢٦١
حكم الإكراه على الزنا................................................... ٢٦٦
ما يثبت به الزنا......................................................... ٢٦٦
الإقرار............................................................... ٢٦٦
البيّنة................................................................ ٢٦٩
ما يسقط به الحدّ........................................................ ٢٧٢
أقسام حدّالزنا........................................................... ٢٧٣
١
ـ القتل............................................................ ٢٧٣
٢ ـ الرجم / الإحصان................................................. ٢٧٥
٣ ـ الحلد خاصّة...................................................... ٢٨٥
٤
ـ الجلد والجزّ والتغريب............................................... ٢٨٨
٥ ـ خمسون جلدة..................................................... ٢٩٠
٦ ـ الحدّ المبعَّض...................................................... ٢٩٠
٧ ـ الضِغث.......................................................... ٢٩١
٨ ـ الجلد المقدَّر ومعه عقوبة
زائدة....................................... ٢٩٢
تتمّة................................................................... ٢٩٢
لو
شهد لها أربع بالبكارة بعد شهادة الأربعة بالزنا.......................... ٢٩٢
يقيم الحاكم الحدّ بعلمه................................................ ٢٩٣
لو وجد مع زوجته رجلاً يزني بها......................................... ٢٩٣
يقيم الحاكم الحدّ بعلمه................................................ ٢٩٣
لو وجدة مع زوجته رجلاً يزني بها........................................ ٢٩٣
من افتضّ بكراً بإصبعه................................................. ٢٩٥
من أقرّ بحدّ ولم يبيّنه................................................... ٢٩٦
حكم التقبيل والمضاجعة المحرّمين......................................... ٢٩٨
لو حملت المرأة ولا بعل لها.............................................. ٢٩٨
لو أقرّ بما يوجب الحدّ ثمّ أنكر.......................................... ٢٩٩
لو أقرّ بما يوجب الحدّ ثمّ تاب........................................... ٢٩٩
الفصل الثاني
ـ في اللواط والسحق والقيادة...................................... ٣٠١
اللواط.................................................................. ٣٠١
حكم التفيخذ........................................................ ٣٠٣
حكم من قبّل
غلاماً بشوة.............................................. ٣٠٥
حكم المجتمعين تحت إزار واحد............................................ ٣٠٦
السحق القيادة.......................................................... ٣٠٩
الفصل الثالث ـ في القذف.................................................. ٣١١
الألفاظ الدالّة على القذف............................................... ٣١١
شروط القاذف.......................................................... ٣١٦
مسائل في حدّ القذف.................................................... ٣٢٢
حكم سابّ النبيّ ومدّعي النبوّة و.......................................... ٣٢٥
الفصل الرابع ـ في الشُرب.................................................... ٣٢٩
ما يحرم شربه من المسكرات................................................ ٣٢٩
حدّ الشرب وأحكامه..................................................... ٣٣٢
حكم من استحلّ شيئاً من المحرَّمات........................................ ٣٣٧
لو انفذ الحاكم إلى حامل لإقامة حدّ فأحهضت............................. ٣٣٨
حكم من قتله الحدّ أو التعزير.............................................. ٣٣٨
الفصل الخامس
ـ السَرِقة..................................................... ٣٤١
شروط وجوب الحدّ على السارق........................................... ٣٤١
مسائل................................................................. ٣٤٩
الاُولى ـ لا فرق بين إخراج السارق المتاع
بنفسه أو بسببه.................... ٣٤٩
الثانية ـ يقطع الضيف والأجير إذا سرقا.................................. ٣٤٩
الثالثة ـ الحرز......................................................... ٣٥٠
الرابعة ـ لا قطع في سرقة الثمر على
الشجرة............................... ٣٥٣
الخامسة ـ حكم سارق الحرّ والمملوك..................................... ٣٥٣
السادسة ـ حكم سارق الكفن والنبّاش................................... ٣٥٥
السابعة
ـ ما تثبت به السرقة............................................ ٣٥٧
الاثمنة ـ يجب على السارق إعادة العين
أو مثلها أو قيمتها.................. ٣٥٨
التاسعة ـ لا قطع إلّا بمرافعة الغريم
له..................................... ٣٥٩
العاشرة ـ لو أحدث في النصاب قبل
الإخراج ما ينقض قيمته................ ٣٥٩
الحادية عشرة ـ الواجب في القطع........................................ ٣٦١
الثانية عشرة ـ تكرّر السرقة............................................. ٣٦٣
الفصل السادس
ـ في المحاربة.................................................. ٣٦٥
المراد من المحاربة.......................................................... ٣٦٥
حدّ المحارب............................................................. ٣٦٧
حكم اللصّ والمختلس والمستلب و......................................... ٣٧١
الفصل السابع
ـ في عقوبات متفرّقة............................................ ٣٧٣
إتيان البهيمة............................................................ ٣٧٣
وطء الأموات........................................................... ٣٨١
الاستمناء............................................................... ٣٨٢
الارتداد................................................................ ٣٨٤
الدفاع عن النفس والمال والحريم............................................ ٣٩١
كتاب القصاص........................................................... ٣٩٥
الفصل الأول ـ في قصاص النفس............................................. ٣٩٧
موجبه.................................................................. ٣٩٧
بعض
صور العمد في القتل............................................. ٤٠٠
مسائل................................................................. ٤٠٤
الاُولى
ـ حكم الإكراه على القتل......................................... ٤٠٤
الثانية ـ حكم الاشتراك في القتل......................................... ٤٠٥
الثالثة ـ حكم اشتراك امرأتين في القتل.................................... ٤٠٦
الرابعة ـ اشتراك العبيد في القتل.......................................... ٤٠٨
الخامسة ـ اشتراك الحرّ والعبد في
القتل.................................... ٤٠٨
القول في شرائط القصاص................................................ ٤١٠
١ ـ التساوي ف الحرّيّة أو الرقّ......................................... ٤١٠
٢ ـ التساوي في الدين................................................. ٤١٩
٣ ـ انتفاء الاُبوّة....................................................... ٤٢٥
٤ ـ كمال العقل...................................................... ٤٢٦
٥ ـ أن يكون المقتول محقون الدم........................................ ٤٢٧
القول في ما يثبت به القتل................................................ ٤٢٨
١ ـ الإقرار........................................................... ٤٢٨
٢ ـ البيّنة............................................................ ٤٣٠
٣ ـ القسامة.......................................................... ٤٣١
الفصل الثاني
ـ في قصاص الطرف............................................. ٤٣٥
موجبه وشروطه....................................................... ٤٣٥
ما يثبت فيه القصاص
وما لا يثبت...................................... ٤٣٧
الفصل الثالث ـ في اللواحق.................................................. ٤٤٥
كتاب الديات............................................................. ٤٥٥
الفصل الأوّل ـ في مورد الدية................................................. ٤٥٧
الضابط
في العمد والخطأ............................................... ٤٥٨
موجبات الضمان..................................................... ٤٥٨
مسائل.................................................................... ٤٦٥
الاُولى ـ من دعا غيره ليلاً فأخرجه من منزله ثمّ وجد مقتولاً..................... ٤٦٥
الثانية ـ لو انقلبت الظئر فقتلت الولد....................................... ٤٦٨
الثالثة ـ وجوب الدية على الناخسة والقامصة................................ ٤٧٠
الرابعة ـ روايات تضمّنت أحكاماً مخالفةً للأصل.............................. ٤٧١
الخامسة ـ بعض صور التسبيب............................................ ٤٧٥
السادسة ـ لو وقع حائطة بعد علمه بميله و.................................. ٤٧٧
السابعة ـ لو اجّج ناراً فسرت إلى ملك غيره.................................. ٤٧٩
الثامنة ـ لو فرّط في حفظ دابّته فجنت...................................... ٤٨٠
التاسعة ـ يضمن راكب الدابّة ما تجنيه...................................... ٤٨١
العاشرة ـ يضمن المباشر لو جامعه السبب................................... ٤٨٣
الحادية عشرة ـ لو وقع واحد في الزُبية فتعلّق بثان
... فافترسهم الأسد........... ٤٨٣
الفصل الثاني ـ في التقديرات.................................................. ٤٨٧
مسائل.................................................................... ٤٨٧
الاُولى ـ في النفس........................................................ ٤٨٧
دية العمد............................................................ ٤٨٧
دية الشبيه للعمد..................................................... ٤٨٨
دية الخطأ المحض...................................................... ٤٩٠
حكم القتل في الشهر الحرام أو الحرم..................................... ٤٩١
دية المرأة والخنثى...................................................... ٤٩٣
دية الذمّي والذمّية.................................................... ٤٩٣
دية العبد............................................................ ٤٩٤
الثانية ـ في شعر الرأس واللحية............................................. ٤٩٥
الثالثة ـ في العينين والأدفان................................................ ٤٩٧
الرابعة ـ في الاُذنين....................................................... ٥٠٠
الخامسة ـ في الأنف...................................................... ٥٠٠
السادسة ـ في الشفتين.................................................... ٥٠١
السابعة ـ في استئصال اللسان............................................. ٥٠٣
الثامنة ـ في الاسنان...................................................... ٥٠٥
التاسعة ـ في اللحيين...................................................... ٥٠٧
العاشرة ـ في العنق........................................................ ٥٠٧
الحادية عشرة ـ في كلّ من اليدين والأصابع.................................. ٥٠٧
الثانية عشرة ـ في كسر الظهر والصلب...................................... ٥١٠
الثالثة عشرة ـ في النخاع.................................................. ٥١٢
الرابعة عشرة ـ في الذكر................................................... ٥١٣
الخامسة عشرة ـ في الذكر................................................. ٥١٣
السادسة عشرة ـ في الخصيبين............................................. ٥١٤
السابعة عشرة ـ في الشُفْرَين................................................ ٥١٥
التاسعة عشرة ـ في الأليين................................................. ٥١٦
العشرون ـ الرِجلان....................................................... ٥١٧
الحادية والعشرون ـ في كسر الترقوة والعظم................................... ٥١٨
الثانية والعشرون ـ في كلّ ضلع ممّا يلي
القلب والعُصْعُص و.................... ٥١٩
القول في دية
المنافع...................................................... ٥٢٢
١ ـ في ذهاب العقل................................................... ٥٢٢
٢ ـ السمع........................................................... ٥٢٢
٣ ـ في ذهاب الإبصار................................................. ٥٢٣
٤ ـ في إبطال الشمّ.................................................... ٥٢٥
٥ ـ الذوق........................................................... ٥٢٦
٦ ـ تعذّر الإنتزال..................................................... ٥٢٧
٧ ـ سلس البول....................................................... ٥٢٧
٨ ـ إذهاب الصوت................................................... ٥٢٨
الفصل الثالث ـ فيالشجاج وتوابعها........................................... ٥٢٩
الفصل الرابع ـ في التوابع..................................................... ٥٣٩
الأوّل ـ في دية الجنين..................................................... ٥٣٩
الثاني ـ في العاقلة......................................................... ٥٤٥
الثالث ـ في الكفّارة....................................................... ٥٥٠
الرابع ـ في الجناية على الحيوان الصامت..................................... ٥٥٢
فهرس المحتويات............................................................ ٥٥٩
|