


كتاب الإجارة
بسم اللّٰه الرحمن الرحيم
وبه نستعين
كتاب الإجارة
(وهي
العقد على تملّك المنفعة المعلومة بعوض معلوم) فالعقد بمنزلة الجنس يشمل سائر العقود ، وخرج بتعلّقه
بالمنفعة البيع والصلح المتعلّق بالأعيان ، وبالعوض الوصيّة بالمنفعة ، وبالمعلوم
إصداقها؛ إذ ليس في مقابلها عوض معلوم وإنّما هو البُضع.
ولكن ينتقض في
طرده بالصلح على المنفعة بعوض معلوم ، فإنّه ليس إجارة بناءً على جعله أصلاً.
(وإيجابها
آجرتك ، أو * أكريتك ، أو ملّكتك
منفعتها سنة) قيّد التمليك بالمنفعة ، ليحترز عمّا لو عبّر بلفظ الإيجار والإكراء ، فإنّه
لا يصحّ تعلّقه إلّابالعين ، فلو أوردهما على المنفعة فقال : آجرتك منفعة هذه
الدار ـ مثلاً ـ لم يصحّ. بخلاف التمليك؛ لأنّه يفيد نقل ما تعلّق به ، فإن ورد
على الأعيان أفاد ملكها و
ليس ذلك مورد
الإجارة؛ لأنّ العين تبقى على ملك المؤجر ، فيتعيّن فيها إضافته إلى المنفعة ليفيد
نقلها إلى المستأجر حيث يعبَّر بالتمليك.
__________________
(ولو)
عبّر بالبيع و (نوى بالبيع الإجارة ،
فإن أورده على العين) فقال : بعتك هذه
الدار شهراً ـ مثلاً ـ بكذا (بطل)
لإفادته نقلَ العين وهو منافٍ للإجارة (وإن قال : بعتك
سكناها) سنة (مثلاً ، ففي الصحّة وجهان) مأخذهما
: أنّ البيع موضوع لنقل الأعيان والمنافع تابعة لها ، فلا يثمر الملك لو تجوّز به
في نقل المنافع منفردة وإن نوى به الإجارة. وأ نّه يفيد نقل المنفعة أيضاً في
الجملة ـ ولو بالتبع ـ فيقوم مقام الإجارة مع قصدها. والأصحّ المنع.
(وهي
لازمة من الطرفين) لا تبطل إلّابالتقايل ، أو بأحد الأسباب المقتضية للفسخ ، وسيأتي بعضها (ولو تعقّبها البيع
لم تبطل) لعدم المنافاة
، فإنّ الإجارة تتعلّق بالمنافع ، والبيع بالعين وإن تبعتها المنافع حيث يمكن (سواء كان المشتري هو
المستأجر أو غيره) فإن كان هو المستأجر لم تبطل الإجارة على الأقوى ، بل يجتمع عليه الاُجرة
والثمن. وإن كان غيره وهو عالم بها صبر إلى انقضاء المدّة ، ولم يمنع ذلك من تعجيل
الثمن. وإن كان جاهلاً بها تخيّر بين فسخ البيع وإمضائه مجّاناً مسلوب المنفعة إلى
انقضاء المدّة. ثمّ لو تجدّد فسخ الإجارة عادت المنفعة إلى البائع ، لا إلى
المشتري.
(وعذر
المستأجر لا يبطلها) وإن بلغ حدّاً يتعذّر عليه الانتفاع بها (كما لو استأجر حانوتاً فسرق متاعه) ولا يقدر على إبداله؛ لأنّ العين تامّة صالحة للانتفاع
بها فيستصحب اللزوم (أمّا
لو عمّ العذر كالثلج المانع من قطع الطريق) الذي استأجر الدابّة لسلوكه ـ مثلاً ـ (فالأقرب جواز الفسخ
لكلٍّ منهما) لتعذّر استيفاء المنفعة المقصودة حسّاً ، فلو لم يُجبر بالخيار لزم الضرر
المنفيّ
ومثله
__________________
ما لو عرض مانع شرعي
كخوف الطريق؛ لتحريم السفر حينئذٍ ، أو استئجار امرأة لكنس المسجد فحاضت والزمان
معيّن ينقضي مدّة العذر. ويحتمل انفساخ العقد في ذلك كلّه ، تنزيلاً للتعذّر منزلة
تلف العين.
(ولا
تبطل) الإجارة (بالموت) كما يقتضيه لزوم العقد ، سواء في ذلك موت المؤجر
والمستأجر (إلّاأن
تكون العين موقوفة) على المؤجر وعلى مَن بعده من البطون فيؤجرها مدّة ويتّفق موته قبل انقضائها
فتبطل؛ لانتقال الحقّ إلى غيره ، وليس له التصرّف فيها إلّازمن استحقاقه ، ولهذا
لا يملك نقلها ولا إتلافها.
نعم لو كان
ناظراً وآجرها لمصلحة البطون لم تبطل بموته ، لكن الصحّة حينئذٍ ليست من حيث إنّه
موقوف عليه ، بل من حيث إنّه ناظر.
ومثله الموصى
له بمنفعتها مدّة حياته فيؤجرها كذلك
ولو شرط على
المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه بطلت بموته أيضاً.
(وكلّ
ما يصحّ الانتفاع به مع بقاء عينه تصحّ إعارته وإجارته) وينعكس في الإجارة كلّيّاً
دون الإعارة؛
لجواز إعارة
__________________
المِنْحة
مع أنّ المقصود
منها وهو اللبن لا تبقى عينه ، ولا تصحّ إجارتها لذلك (منفرداً كان) ما يؤجر (أو مشاعاً) إذ لا مانع من المشاع باعتبار عدم القسمة؛ لإمكان
استيفاء المنفعة بموافقة الشريك ولا فرق بين أن يؤجره من شريكه و
غيره عندنا.
(ولا
يضمن المستأجر العين إلّابالتعدّي) فيها (أو
التفريط) لأنّها مقبوضة
بإذن المالك لحقّ القابض. ولا فرق في ذلك بين مدّة الإجارة وبعدها قبل طلب المالك
وبعده إذا لم يؤخّر مع طلبها اختياراً (ولو شرط) في عقد الإجارة (ضمانها) بدونهما (فسد العقد) لفساد الشرط من حيث مخالفته للمشروع ومقتضى الإجارة.
(ويجوز
اشتراط الخيار لهما ولأحدهما) مدّة مضبوطة؛ لعموم «المؤمنون
عند شروطهم»
ولا فرق بين
المعيّنة والمطلقة عندنا .
__________________
(نعم
ليس للوكيل والوصيّ فعل ذلك) وهو
اشتراط الخيار للمستأجر أو للأعمّ بحيث يفسخ إذا أراد (إلّامع الإذن ، أو
ظهور الغبطة) في الفسخ فيفسخ حيث
يشترطها لنفسه ، لا بدون الإذن في الوكيل ، ولا الغبطة في الوصيّ؛ لعدم اقتضاء
إطلاق التوكيل فيها إضافةَ الخيار المقتضي للتسلّط على إبطالها ، وكذا الوصاية ، فإنّ
فعل الوصيّ منوط بالمصلحة.
(ولا
بدّ من كمال المتعاقدين ، وجواز تصرّفهما) فلا تصحّ إجارة الصبيّ وإن كان مميّزاً أو أذن له الوليّ
، ولا المجنون مطلقاً ، ولا المحجور بدون إذن الوليّ ، أو من في حكمه (ومن كون المنفعة) المقصودة من العين (والاُجرة معلومتين).
ويتحقّق العلم
بالمنفعة بمشاهدة العين المستأجرة التي هي متعلّقة المنفعة ، أو وصفِها بما يرفع
الجهالة ، وتعيينِ المنفعة إن كانت متعدّدة في العين ولم يرد الجميع. وفي الاُجرة
بكيلها أو وزنها أو عدّها إن كانت ممّا يعتبر بها في البيع ، أو مشاهدتها إن لم
تكن كذلك.
(والأقرب
أنّه لا تكفي المشاهدة في الاُجرة عن اعتبارها) بأحد الاُمور الثلاثة إن كانت ممّا يعتبر بها؛ لأنّ
الإجارة معاوضة لازمة مبنيّة على المغابنة فلا بدّ فيها من انتفاء الغرر عن العوضين.
أمّا لو كانت الاُجرة ممّا يكفي في بيعها المشاهدة كالعقار كفت فيها هنا قطعاً ، وهو
خارج بقرينة الاعتبار.
(وتُملك)
الاُجرة (بالعقد) لاقتضاء صحّة المعاوضة انتقالَ كلٍّ من العوضين إلى
الآخر ، لكن لا يجب تسليمها قبل العمل. وإنّما تظهر الفائدة في ثبوت أصل الملك ، فيتبعها
النماء متّصلاً ومنفصلاً.
(ويجب
تسليمها بتسليم العين) المؤجرة (وإن
كانت على عملٍ فبعده) لا قبلَ ذلك ، حتّى لو كان المستأجر وصيّاً أو وكيلاً لم يجز له التسليم
قبلَه ، إلّامع الإذن صريحاً أو بشاهد الحال. ولو فرض توقّف الفعل على
الاُجرة كالحجّ وامتنع المستأجر من التسليم تسلّط الأجير على الفسخ.
(ولو
ظهر فيها) أي في الاُجرة (عيب
فللأجير الفسخ أو الأرش مع التعيين) للاُجرة في متن العقد؛ لاقتضاء الإطلاق السليم وتعيينه
مانع من البدل كالبيع ، فيُجبر العيب بالخيار (ومع عدمه) أي عدم التعيين (يُطالَب بالبدل) لعدم تعيين المعيب اُجرة ، فإن اُجيب إليه وإلّا جاز له
الفسخ والرضا بالمعيب فيطالِب بالأرش؛ لتعيين المدفوع عوضاً بتعذّر غيره.
(وقيل
: له الفسخ) في المطلقة مطلقاً
(وهو
قريب إن تعذّر الإبدال) كما ذكرناه ، لا مع بدله؛ لعدم انحصار حقّه في المعيب.
(ولو
جعل اُجرتين على تقديرين ـ كنقل المتاع في يوم بعينه باُجرة وفي) يوم (آخر
ب) اُجرة (اُخرى ، أو) جعل اُجرتين : إحداهما (في الخياطة الروميّة وهي التي بدرزين ،
و) الاُخرى على
الخياطة (الفارسيّة
وهي التي بواحد ، فالأقرب الصحّة) لأنّ كلا الفعلين معلوم ، واُجرته معلومة والواقع لا
يخلو منهما ، ولأصالة الجواز.
ويشكل بمنع
معلوميّته؛ إذ ليس المستأجَر عليه المجموع ، ولا كلّ واحد وإلّا لوجبا ، فيكون
واحداً غير معيّن ، وذلك غرر مبطل لها كالبيع بثمنين على تقديرين. ولو تُحمّل مثلُ
هذا الغرر لزم مثله في البيع بثمنين؛ لاشتراكهما في العقد اللازم المشتمل على
المعاوضة. نعم لو وقع ذلك جعالة توجّهت الصحّة؛ لاحتمالها من الجهالة ما لا تحتمله
الإجارة.
__________________
(ولو
شرط عدم الاُجرة على التقدير الآخر لم تصحّ في مسألة النقل) في اليومين ، وتثبت اُجرة المثل على المشهور.
ومستند الحكمين
خبران : أحدهما صحيح
وليس بصريح في
المطلوب ، والآخر ضعيف أو موثّق
فالرجوع فيهما
إلى الاُصول الشرعيّة أولى.
__________________
وللمصنّف رحمه
الله في الحكم الثاني بحث نبّه عليه بقوله : (وفي ذلك نظر؛ لأنّ قضيّة كلّ إجارة
المنع من نقيضها) فيمكن أن يجعل مورد الإجارة هنا القسم الذي فُرض فيه اُجرة ، والتعرّض
للقسم الآخر الخالي عنها تعرّضاً في العقد لحكم يقتضيه
فإنّ قضيّة
الإجارة بالاُجرة المخصوصة في الزمن المعيّن حيث يُطلق عدم استحقاق شيء لو لم ينقل
أو نقل في غيره (فيكون)
على تقدير
اشتراط عدم الاُجرة لو نقله في غير المعيّن (قد شرط قضيّةَ العقد ، فلم تبطل) الإجارة (في مسألة النقل أو في غيرها) ممّا شاركها في هذا المعنى ، وهو اشتراط عدم الاُجرة على
تقدير مخالفة مقتضى الإجارة الخاصّة (غاية ما في الباب أنّه إذا أخلّ
بالمشروط) وهو نقله في اليوم المعيّن (يكون البطلان منسوباً إلى الأجير) حيث فوّت الزمان المعيّن ، ولم يفعل فيه ما شرط عليه ، فلا
يستحقّ شيئاً؛ لأنّه لم يفعل ما استؤجر عليه. (ولا يكون) البطلان (حاصلاً من جهة العقد) فلا وجه للحكم ببطلان الإجارة على هذا التقدير وإثبات
اُجرة المثل ، بل اللازم عدم ثبوت شيء وإن نقل المتاع إلى المكان المعيَّن في غير
الزمان؛ لأنّه فعل ما لم يؤمَر به ولا استؤجر عليه.
__________________
وهذا النظر ممّا لم يتعرّض له أحد من
الأصحاب ، ولا ذكره المصنّف في غير هذا الكتاب. وهو نظر موجَّه ، إلّاأ نّه لا
يتمّ إلّاإذا فرض كون مورد الإجارة هو الفعل في الزمن المعيّن ، وما خرج عنه خارج
عنها ، وظاهر الرواية وكلام الأصحاب أنّ مورد الإجارة كلا القسمين ، ومن ثَمّ
حكموا بصحّتها مع إثبات الاُجرة على التقديرين ، نظراً إلى حصول المقتضي وهو
الإجارة المعيّنة المشتملة على الاُجرة المعيّنة وإن تعدّدت واختلفت؛ لانحصارها
وتعيّنها
كما تقدّم ، وبطلانها على التقدير الآخر. ولو فُرض كون مورد الإجارة هو القسم
الأوّل خاصّة ـ وهو النقل في الزمن المعيَّن ـ لكان الحكم بالبطلان على تقدير فرض
اُجرة مع نقله في غيره أولى؛ لأنّه خلاف قضيّة الإجارة وخلاف ما تعلّقت به ، فكان
أولى بثبوت اُجرة المثل.
وجعلُ القسمين
متعلّقها على تقدير ذكر الاُجرة ، والأوّلَ خاصّةً على تقدير عدمه في الثاني مع
كونه خلاف الظاهر موجب لاختلاف الفرض بغير دليل.
ويمكن الفرق
بكون تعيين الاُجرة على التقديرين قرينة جعلهما موردَ الإجارة حيث أتى بلازمها ، وهو
الاُجرة فيهما ، وإسقاطها في التقدير الآخر قرينة عدم جعله مورداً من حيث نفي
اللازم الدالّ على نفي الملزوم ، وحينئذٍ فتنزيله على شرط قضيّة العقد أولى من
جعله أجنبيّاً مفسداً للعقد بتخلّله بين الإيجاب والقبول.
(ولا
بدّ) في صحّة
الإجارة على وجه اللزوم (من
كون المنفعة مملوكة له) أي للمؤجر (أو لمولّاه *) وهو من يدخل تحت ولايته ببنوّة ، أو وصاية
__________________
أو حكم (سواء
كانت مملوكة) له (بالأصالة)
كما لو استأجر
العين فملك منفعتها بالأصالة لا بالتبعيّة للعين ثمّ آجرها ، أو اُوصي له بها (أو بالتبعيّة) لملكه للعين.
(وللمستأجر
* أن يؤجر) العين التي استأجرها (إلّامع شرط) المؤجر الأوّل عليه (استيفاء المنفعة بنفسه) فلا يصحّ له حينئذٍ أن يؤجر ، إلّاأن يشترط المستأجر
الأوّل على الثاني استيفاء المنفعة له بنفسه ، فيصحّ أن يؤجر أيضاً؛ لعدم منافاتها
لشرط المؤجر الأوّل ، فإنّ استيفاءه المنفعة بنفسه أعمّ من استيفائها لنفسه.
وعلى تقدير
جواز إيجاره لغيره هل يتوقّف تسليم العين على إذن مالكها؟ قيل : نعم
إذ لا يلزم من
استحقاقه استيفاء المنفعة والإذن له في التسلّم جوازُ تسليمها لغيره ، فيضمن لو
سلّمها بغير إذن.
وقيل : يجوز
تسليمها من غير ضمان
لأنّ القبض من
ضرورات الإجارة للعين وقد حكم بجوازها ، والإذن في الشيء إذن في لوازمه.
وهذا هو الذي
رجّحه المصنّف في بعض حواشيه
وفيه قوّة.
ويؤيّده صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه عليهما السلام في عدم ضمان الدابّة المستأجرة
بالتسليم
__________________
إلى الغير
وغيرها أولى.
(ولو
آجر الفضولي فالأقرب الوقوف على الإجازة) كما يقف غيرها من العقود. وخصّها بالخلاف؛ لعدم النصّ
فيها بخصوصه. بخلاف البيع ، فإنّ قصّة عروة البارقي مع النبيّ صلى الله عليه وآله
في شراء الشاة تدلّ على جواز بيع الفضولي وشرائه. فقد يقال باختصاص الجواز بمورد
النصّ والأشهر توقّفه على الإجازة مطلقاً.
(ولا
بدّ من كونها) أي المنفعة (معلومة
إمّا بالزمان) فيما لا يمكن ضبطه إلّا به (كالسكنى) والإرضاع (وإمّا به أو بالمسافة) فيما يمكن ضبطه بهما (كالركوب) فإنّه يمكن ضبطه بالزمان كركوب شهر ، وبالمسافة كالركوب
إلى البلد المعيّن (وإمّا
به أو بالعمل) كاستئجار الآدمي لعمل (كالخياطة)
فإنّه يمكن
ضبطه بالزمان كخياطة شهر ، وبالعمل كخياطة هذا الثوب.
(ولو
جمع بين المدّة والعمل) كخياطة هذا
الثوب في هذا
اليوم (فالأقرب
البطلان إن قصد التطبيق) بين العمل والزمان بحيث يبتدئ بابتدائه وينتهي بانتهائه؛
لأنّ ذلك ممّا لا يتّفق غالباً ، بل يمكن انتهاء الزمان قبل انتهاء العمل وبالعكس
، فإن أمر بالإكمال في الأوّل لزم العمل في غير المدّة المشروطة وإلّا كان تاركاً
للعمل الذي وقع عليه العقد ، وإن أمر في الثاني بالعمل إلى أن تنتهي المدّة لزم
الزيادة على ما وقع عليه العقد ، وإن لم يعمل كان تاركاً للعمل في المدّة
المشروطة.
ولو قصد مجرّد
وقوع الفعل في ذلك الزمان صحّ مع إمكان وقوعه فيه. ثمّ
__________________
إن وقع فيه مَلِك الاُجرة؛ لحصول الغرض. وإن خرجت المدّة قبله ، فإن كان
قبلَ الشروع فيه بطلت ، وإن خرجت في أثنائه استحقّ المسمّى لما فعل. وفي بطلانها
في الباقي ، أو تخيّر المستأجر بين الفسخ في الباقي أو الإجازة ، فيكمل خارجَه
ويستحقّ المسمّى ، وجهان. وقيل : يستحقّ مع الفسخ اُجرةَ مثلِ ما عمل
لا المسمّى
والأوسط أجود.
(ولا
يعمل الأجير الخاصّ) وهو الذي يستأجره للعمل بنفسه مدّة معيّنة حقيقة أو حكماً ـ كما إذا
استُؤجر لعملٍ معيّن أوّل زمانه اليوم المعيّن بحيث لا يتوانى فيه بعدَه ـ (لغير المستأجر) إلّابإذنه؛ لانحصار منفعته فيه بالنسبة إلى الوقت الذي
جرت عادته بالعمل فيه كالنهار. أمّا غيره كالليل فيجوز العمل فيه لغيره إذا لم
يؤدّ إلى ضعف في العمل المستأجَر عليه.
وفي جواز عمله
لغيره في المعيّن عملاً لا ينافي حقَّه ـ كإيقاع عقد في حال اشتغاله بحقّه ـ وجهان
، من التصرّف في حقّ الغير ، وشهادة الحال. ومثله عملُ مملوكِ غيرِه كذلك.
وباعتبار هذا
الانحصار سُمّي خاصّاً؛ إذ لا يمكنه أن يشرّك غيرَ من استأجره في العمل في الزمان
المعهود.
فإن عمل لغيره
في الوقت المختصّ ، فلا يخلو إمّا أن يكون بعقد إجارة ، أو جُعالة ، أو تبرّعاً.
ففي الأوّل : يتخيّر
المستأجر بين فسخ عقد نفسه لفوات المنافع التي وقع عليها العقد أو بعضها ، وبين
إبقائه ، فإن اختار الفسخ وكان ذلك قبلَ أن يعمل الأجير شيئاً فلا شيء عليه ، وإن
كان بعدَه تبعّضت الإجارة ولزمه من المسمّى
__________________
بالنسبة. وإن بقي على الإجارة تخيّر في فسخ العقد الطارئ وإجازته؛ إذ
المنفعة مملوكة له فالعاقد عليها فضوليّ ، فإن فسخه رجع إلى اُجرة المثل عن المدّة
الفائتة؛ لأنّها قيمة العمل المستحقّ له بعقد الإجارة وقد أتلف عليه.
ويتخيّر في
الرجوع بها على الأجير؛ لأنّه المباشر للإتلاف ، أو المستأجر؛ لأ نّه المستوفي.
وإن أجازه ثبت له المسمّى فيه ، فإن كان
قبلَ قبض
الأجير له فالمطالَب به المستأجر؛ لأنّ الأجير هنا بمنزلة فضوليّ باع ملكَ غيره
فأجاز المالك ، فإنّ الفضولي لا يُطالَب بالثمن. وإن كان بعدَ القبض وكانت الاُجرة
معيّنة فالمطالَب بها من هي في يده ، وإن كانت مطلقة ، فإن أجاز القبض أيضاً
فالمطالَب الأجير ، وإلّا المستأجر. ثمّ المستأجر يرجع على الأجير بما قبض مع جهله
أو علمه وبقاء العين.
وإن كان عمله
بجعالة تخيّر مع عدم فسخ إجارته بين إجازته فيأخذ المسمّى ، وعدمه فيرجع باُجرة
المثل.
وإن عمل
تبرّعاً وكان العمل ممّا له اُجرة في العادة تخيّر مع عدم فسخ عقده بين مطالبة من
شاء منهما باُجرة المثل ، وإلّا فلا شيء ، وفي معناه عمله لنفسه.
ولو حاز شيئاً
من المباحات بنيّة التملّك ملكه ، وكان حكم الزمان المصروف في ذلك ما ذكرناه.
(ويجوز
للمطلق) وهو الذي
يُستأجر لعمل مجرّد عن المباشرة مع تعيين المدّة كتحصيل الخياطة يوماً ، أو عن
المدّة مع تعيين المباشرة كأن يخيط له ثوباً بنفسه من غير تعرّض إلى وقت ، أو
مجرّد عنهما كخياطة ثوب مجرّد عن تعيين الزمان. وسُمّي مطلقاً؛ لعدم انحصار منفعته
في شخص معيّن ، فمن ثَمّ جاز له أن
__________________
يعمل لنفسه وغيره. وتسميته بذلك أولى من تسميته (مشتركاً) كما صنع غيره
لأ نّه في
مقابلة المقيّد وهو الخاصّ ، ويباين هذا الخاصَّ باعتباراته الثلاثة؛ إذ الأوّل مطلق
بالنسبة إلى المباشر
والثاني
بالنسبة إلى المدّة ، والثالث فيهما معاً.
وللمصنّف رحمه
الله قول بأنّ الإطلاق في كلّ الإجارات يقتضي التعجيل وأ نّه يجب المبادرة إلى ذلك
الفعل فإن كان مجرّداً عن المدّة خاصّة فبنفسه ، وإلّا تخيّر
بينه وبين غيره ، وحينئذٍ فيقع التنافي بينه وبين عملٍ آخر في صورة المباشرة.
وفرّع عليه عدم صحّة الإجارة الثانية في صورة التجرّد عن المدّة مع تعيين
المباشرة كما
مُنع الأجير الخاصّ. ويرشد إليه ما تقدّم في الحجّ من عدم صحّة الإجارة الثانية مع
اتّحاد زمان الإيقاع نصّاً أو حكماً
كما لو اُطلق
فيهما ، أو عُيّن في إحداهما بالسنة الاُولى واُطلق في الاُخرى.
وما ذكره أحوط
، لكن لا دليل عليه إن لم نقل باقتضاء مطلق الأمر الفور.
(وإذا
تسلّم) المستأجر (العين ومضت مدّة
يمكن فيها الانتفاع) بها فيما استأجرها له (استقرّت
الاُجرة) وإن لم يستعملها.
وفي حكم التسليم ما لو بذل المؤجر العين فلم يأخذها المستأجر حتّى انقضت المدّة ، أو
مضت مدّة يمكنه الاستيفاء فتستقرّ الاُجرة.
(ولا
بدّ من كونها) أي المنفعة (مباحة
، فلو استأجره لتعليم كفر أو
__________________
غناء)
ونحوه من
المعلومات الباطلة (أو
حمل مسكر بطل) العقد. ويُستثنى من حمل المسكر الخمر بقصد الإراقة أو التخليل ، فإنّ
الإجارة لهما جائزة.
(وأن
يكون مقدوراً على تسليمها ، فلا تصحّ إجارة الآبق) لاشتمالها فيه على الغرر (وإن ضمّ إليه) شيئاً متموّلاً (أمكن الجواز) كما يجوز في البيع ، لا بالقياس ، بل لدخولها في الحكم
بطريق أولى؛ لاحتمالها من الغرر ما لا يحتمله. وبهذا الإمكان أفتى المصنّف في بعض
فوائده .
ووجه المنع : فقد
النصّ المجوّز هنا فيقتصر فيه على مورده وهو البيع ، ومنع الأولويّة.
وعلى الجواز هل
يعتبر في الضميمة إمكان إفرادها بالإجارة أم بالبيع ، أم يكفي كلّ واحد منهما في
كلّ واحد منهما؟ أوجهٌ : من حصول المعنى في كلّ منهما ، ومن أنّ الظاهر ضميمة كلّ
شيء إلى جنسه ، وقوّى المصنّف الثاني .
ولو آجره ممّن
يقدر على تحصيله صحّ من غير ضميمة. ومثله المغصوب لو آجره الغاصبَ أو من يتمكّن من
قبضه.
(ولو
طرأ المنع) من الانتفاع بالعين المؤجرة فيما اُوجرت له (فإن كان) المنع (قبلَ
القبض فله الفسخ) لأنّ العين قبل القبض مضمونة على المؤجر ، فللمستأجر الفسخ عند تعذّرها
ومطالبة المؤجر بالمسمّى لفوات المنفعة ، وله الرضا بها وانتظار زوال المانع ، أو
مطالبة المانع باُجرة المثل لو كان غاصباً بل يحتمل مطالبة المؤجر بها أيضاً؛ لكون
العين مضمونة عليه حتّى يقبض. ولا يسقط
__________________
التخيير بزوال المانع في أثناء المدّة؛ لأصالة بقائه.
(وإن
كان) المنع (بعدَه) أي بعد القبض (فإن كان تلفاً *
بطلت)
الإجارة؛
لتعذّر تحصيل المنفعة المستأجَر عليها (وإن كان غصباً) لم تبطل؛ لاستقرار العقد بالقبض وبراءة المؤجر ، والحال
أنّ العين موجودة يمكن تحصيل المنفعة منها ، وإنّما المانع عارض و (رجع المستأجر على الغاصب)
باُجرة مثل
المنفعة الفائتة في يده ، ولا فرق حينئذٍ بين وقوع الغصب في ابتداء المدّة
وخلالها. والظاهر عدم الفرق بين كون الغاصب المؤجر وغيره.
(ولو
ظهر في المنفعة عيب فله الفسخ) لفوات بعض الماليّة بسببه فيجبر بالخيار ، ولأنّ الصبر
على العيب ضرر منفيّ (وفي
الأرش) لو اختار
البقاء على الإجارة (نظر)
من وقوع العقد
على هذا المجموع وهو باقٍ فإمّا أن يفسخ أو يرضى بالجميع ، ومن كون الجزء الفائت
أو الوصف مقصوداً للمستأجر ولم يحصل ، وهو يستلزم نقص المنفعة التي هي أحد العوضين
فيجبر بالأرش. وهو حسن.
وطريق معرفته :
أن ينظر إلى اُجرة مثل العين سليمةً ومعيبةً ويرجع من المسمّى بمثل نسبة المعيبة
إلى الصحيحة.
وإن اختار
الفسخ وكان قبل مضيّ شيء من المدّة فلا شيء عليه ، وإلّا فعليه من المسمّى بنسبة
ما مضى إلى المجموع.
(ولو
طرأ) العيب (بعد العقد فكذلك ، كانهدام
المسكن) وإن كان بعد
استيفاء شيءٍ من المنفعة. ولا يمنع من ذلك كون التصرّف مسقطاً للخيار؛ لأنّ
المعتبر منه ما وقع في العوض المعيب الذي تعلّقت به المعاوضة وهو هنا المنفعة
__________________
وهي تتجدّد شيئاً فشيئاً ، وما لم يستوفه منها لا يتحقّق فيه
التصرّف.
وإنّما يتخيّر مع انهدام المسكن إذا أمكن الانتفاع به وإن قلّ أو أمكن إزالة
المانع ، وإلّا بطلت. ولو أعاده المؤجر بسرعةٍ بحيث لا يفوت عليه شيء معتدّ به ، ففي
زوال الخيار نظر ، من زوال المانع ، وثبوت الخيار بالانهدام فيُستصحب. وهو أقوى.
(ويستحبّ
أن يقاطع من يستعمله على الاُجرة أوّلاً) للأمر به في الأخبار ، فعن الصادق عليه السلام «من
كان يؤمن باللّٰه واليوم الآخر فلا يستعملنّ أجيراً حتّى يُعلمه ما أجره»
وعن الرضا عليه
السلام أنّه ضرب غلمانه حيث استعملوا رجلاً بغير مقاطعة ، وقال :
«إنّه ما من أحد يعمل لك شيئاً بغير مقاطعة ثمّ زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعاف على
اُجرته إلّاظنّ أنّك قد نقصته اُجرته ، وإذا قاطعته ثمّ أعطيته اُجرته حمدك على
الوفاء ، فإن زدته حبّةً عرف ذلك لك ، ورأى أنّك قد زدته» .
(وأن
يوفّيه) اُجرته (عقيب فراغه) من العمل ، قال الصادق عليه السلام في الحمّال والأجير :
«لا يجفّ عرقه حتّى تعطيه اُجرته»
وعن حنان بن
شعيب قال : تكارينا لأبي عبد اللّٰه عليه السلام قوماً يعملون في بستان له
وكان أجلهم إلى العصر ، فلمّا فرغوا قال لمعتِّب :
«أعطهم اُجورهم قبل أن يجفّ عرقهم» .
(ويكره
أن يُضمَّن) ـ أي يُغرَّم ـ عوضَ ما تلف بيده بناءً على ضمان الصانع ما يتلف بيده ، أو
مع قيام البيّنة على تفريطه ، أو مع نكوله عن اليمين حيث يتوجّه عليه لو قضينا
بالنكول (إلّامع
التهمة) له بتقصيره على
وجهٍ يوجب الضمان.
__________________
(مسائل)
(الاُولى)
:
(من
تقبّل عملاً فله تقبيله غيره *
بأقلّ)
ممّا تقبّله به
(على
الأقرب) لأصالة الجواز
، وما ورد من الأخبار دالّاً على النهي عنه
يحمل على
الكراهة جمعاً بينها وبين ما يدلّ على الجواز
هذا إذا لم
يشترط عليه العمل بنفسه وإلّا فلا إشكال في المنع ، وإذا لم يحدث فيه حدثاً وإن
قلّ (ولو
أحدث فيه حدثاً فلا بحث) في الجواز؛ للاتّفاق عليه حينئذٍ. وعلى تقدير الجواز
فالمشهور اشتراط إذن المالك في تسليم العين للمتقبّل؛ لأنّها مال الغير فلا يصحّ
تسليمه لغيره بغير إذنه. وجواز إجارته لا ينافيه ، فيستأذن المالك فيه ، فإن امتنع
رفع أمره إلى الحاكم. فإن تعذّر ، ففي جوازه بغير إذنه ، أو تسلّطه على الفسخ
وجهان. وجواز التسليم بغير إذنه مطلقاً ـ خصوصاً إذا كان المتقبّل ثقة ـ قويّ.
(الثانية)
:
(لو
استأجر عيناً فله إجارتها بأكثر ممّا استأجرها به) للأصل ، وعموم الأمر بالوفاء بالعقود .
(وقيل
بالمنع إلّاأن تكون) إجارتها (بغير
جنس الاُجرة ، أو يحدث
__________________
فيها
صفة كمال)
استناداً إلى
روايتين
ظاهرتين في
الكراهة وإلى استلزامه الربا. وهو ضعيف؛ إذ لا معاوضة على الجنس الواحد.
(الثالثة)
:
(إذا
فرّط في العين) المستأجرة (ضمن
قيمتها يومَ التفريط) لأنّه يوم تعلِّقها بذمّته ، كما أنّ الغاصب يضمن القيمة يوم الغصب. هذا
قول الأكثر
(والأقرب)
ضمان قيمتها (يومَ التلف) لأنّه يوم الانتقال إلى القيمة ، لا قبله وإن حكم
بالضمان؛ لأنّ المفروض بقاء العين فلا ينتقل إلى القيمة. وموضع الخلاف ما إذا كان
الاختلاف بتفاوت القيمة. أمّا لو كان بسبب نقص في العين فلا شبهة في ضمانه.
(ولو
اختلفا في القيمة حلف الغارم) لأصالة عدم الزيادة ولأ نّه منكر. وقيل : قول المالك إن
كانت دابّة
وهو ضعيف.
(الرابعة)
:
(مؤونة
العبد أو الدابّة على المالك) لا المستأجر؛ لأنّها تابعة للملك ، وأصالة عدم وجوبها
على غير المالك. وقيل : على المستأجر مطلقاً
وهو ضعيف.
__________________
ثمّ إن كان
المالك حاضراً عندها أنفق ، وإلّا استأذنه المستأجر في الإنفاق ورجع عليه (ولو أنفق عليه
المستأجر بنيّة الرجوع) على المالك (صحّ مع تعذّر إذن المالك أو الحاكم) وإن لم يُشهد على الأقوى. ولو أهمل مع غيبة المالك ضمن؛
لتفريطه ، إلّاأن ينهاه المالك.
(ولو
استأجر أجيراً لينفذه في حوائجه فنفقته على المستأجر في المشهور) استناداً إلى رواية سليمان بن سالم عن الرضا عليه السلام
ولاستحقاق منافعه المانع من ثبوت النفقة عليه.
والأقوى أنّه
كغيره لا تجب نفقته إلّامع الشرط ، وتحمل الرواية ـ مع سلامة سندها
ـ عليه ، واستحقاق
منافعه لا يمنع من وجوب النفقة في ماله الذي من جملته الاُجرة.
وحيث يشترط فيه
وفي غيره من الحيوان على المستأجر يعتبر بيان قدرها ووصفها ، بخلاف ما لو قيل
بوجوبها عليه ابتداءً ، فإنّه يكفي القيام بعادة أمثاله.
(الخامسة)
:
(لا
يجوز إسقاط المنفعة المعيّنة) أي الإبراء منها ، سواء كان بلفظ الإسقاط أم الإبراء أم
غيرهما من الألفاظ الدالّة عليه؛ لأنّه عبارة عن إسقاط ما في الذمّة فلا يتعلّق
بالأعيان ولا بالمنافع المتعلّقة بها (ويجوز إسقاط) المنفعة (المطلقة) المتعلّقة بالذمّة وإن لم يستحقّ المطالبة بها (و) كذا (الاُجرة)
يصحّ إسقاطها
إن تعلّقت بالذمّة ، لا إن كانت عيناً.
__________________
(وإذا
تسلّم) أجيراً ليعمل
له عملاً (فتلف
لم يضمن) صغيراً كان أم
كبيراً ، حرّاً كان أم عبداً؛ لأنّه قبضه لاستيفاء منفعة مستحقّة لا يمكن تحصيلها
إلّا بإثبات اليد عليه ، فكان أمانة في يده. ولا فرق بين تلفه مدّة الإجارة وبعدها
، إلّا أن يحبسه مع الطلب بعد انقضاء المدّة فيصير بمنزلة المغصوب ، وسيأتي ـ إن
شاء اللّٰه ـ أنّ الحرّ البالغ لا يُضمن مطلقاً
وما عليه من
الثياب تابع له ، ولو كان صغيراً أو عبداً ضمنه.
(السادسة)
:
(كلّ
ما يتوقّف عليه توفية المنفعة فعلى المؤجر ، كالقَتَب
والزِمام
والحِزام) والسرج والبَرْذَعَة ورفع المحمل والأحمال وشدّها وحطّها والقائِد والسائق
إن شرط مصاحبته (والمداد
في النسخ) لتوقّف إيفاء المنفعة الواجبة عليه بالعقد اللازم ، فيجب من باب المقدّمة.
والأقوى الرجوع
فيه إلى العرف ، فإن انتفى أو اضطرب فعلى المستأجر؛ لأنّ الواجب على المؤجر إنّما
هو العمل؛ لأنّ ذلك هو المقصود من إجارة العين ، أمّا الأعيان فلا تدخل في مفهوم
الإجارة على وجهٍ يجب إذهابها لأجلها ، إلّافي مواضع نادرة تثبت على خلاف الأصل
كالرضاع والاستحمام. ومثله الخيوط للخياطة ، والصبغ للصباغة ، والكُشّ
للتلقيح.
(و)
كذا يجب على
المؤجر (المفتاح
في الدار) لأنّه تابع للغَلَق المثبت الذي يدخل في الإجارة ، بل هو كالجزء منه وإن
كان منقولاً ، ومن شأن
__________________
المنقول أن لا يدخل في إجارة العقار الثابت. وأمّا مفتاح القُفل فلا يجب
تسليمه كما لا يجب تسليم القُفل؛ لانتفاء التبعيّة عرفاً.
(السابعة)
:
(لو
اختلفا في عقد الإجارة حلف المنكر) لها ، سواء كان هو المالك أم غيره؛ لأصالة عدمها.
ثمّ إن كان
النزاع قبل استيفاء شيء من المنافع رجع كلّ مال إلى صاحبه. وإن كان بعد استيفاء
شيءٍ منها أو الجميع ـ الذي يزعم من يدّعي وقوع الإجارة أنّه متعلّق العقد ـ وكان
المنكر المالك ، فإن أنكر مع ذلك الإذن في التصرّف وحلف استحقّ اُجرة المثل وإن
زادت عن المسمّى بزعم الآخر. ولو كان المتصرّف يزعم تعيّنها في مال مخصوص وكان من
جنس النقد الغالب لزم المالك قبضه عن اُجرة المثل ، فإن ساواها أخذه ، وإن نقص وجب
على المتصرّف الإكمال ، وإن زاد صار الباقي مجهول المالك؛ لزعم المتصرّف استحقاق
المالك وهو ينكر ، وإن كان مغايراً له ولم يرض المالك به وجب عليه الدفع من الغالب
، وبقي ذلك بأجمعه مجهولاً. ويضمن العين بإنكار الإذن ، ولو اعترف به فلا ضمان.
وإن كان المنكر
المتصرّف وحلف وجب عليه اُجرة المثل ، فإن كانت أزيد من المسمّى بزعم المالك لم
يكن له المطالبة به إن كان دفعه؛ لاعترافه باستحقاق المالك له ، ووجب عليه دفعه إن
لم يكن دفعه ، وليس للمالك قبضه؛ لاعترافه بأ نّه لا يستحقّ أزيد من المسمّى. وإن
زاد المسمّى عن اُجرة المثل كان للمنكر المطالبة بالزائد إن كان دفعه ، وسقط إن لم
يكن. والعين ليست مضمونة عليه هنا؛ لاعتراف المالك بكونها أمانة بالإجارة.
(و)
لو اختلفا (في قدر الشيء
المستأجَر) ـ بفتح الجيم ـ وهو العين
المستأجرة ، بأن قال : آجرتك البيت بمئة ، فقال : بل الدار أجمع بها (حلف النافي) لأصالة عدم وقوع الإجارة على ما زاد عمّا اتّفقا عليه. وقيل : يتحالفان
وتبطل الإجارة؛
لأنّ كلّاً منهما مدّعٍ ومنكر.
(وفي
ردّ العين حلف المالك) لأصالة عدمه ، والمستأجر قبض لمصلحة نفسه فلا يقبل قوله فيه ، مع مخالفته
للأصل.
(وفي
هلاك المتاع المستأجر عليه حلف الأجير) لأنّه أمين ، ولإمكان صدقه فيه ، فلو لم يقبل قوله فيه
لزم تخليده الحبسَ ولا فرق بين دعواه تلفه بأمر ظاهر كالغَرَق ، أو خفيّ كالسَرَق.
(وفي
كيفيّة الإذن) في الفعل (كالقباء
والقميص) بأن قطعه
الخيّاط قباءً فقال المالك : أمرتك بقطعه قميصاً (حلف المالك) لأنّه منكر لما يدّعيه الخيّاط من التصرّف في ماله ، والأصل
عدم ما يدّعيه الخيّاط من الإذن ، ولقبول قول المالك في أصل الإذن وكذا في صفته؛
لأنّ مرجع هذا النزاع إلى الإذن على وجهٍ مخصوص. وقيل : يحلف الخيّاط؛ لدعوى المالك
عليه ما يوجب الأرش ، والأصل عدمه .
وعلى المختار
إذا حلف المالك ثبت على الخيّاط أرش الثوب ما بين كونه مقطوعاً قميصاً وقباءً ، ولا
اُجرة له على عمله. وليس له فتقه ليرفع ما أحدثه من العمل إن كانت الخيوط للمالك؛
إذ لا عين له ينزعها ، والعمل ليس بعين وقد صدر عدواناً ظاهراً.
__________________
ولو كانت
الخيوط للخيّاط ، فالأقوى أنّ له نزعها كالمغصوب. ووجه المنع : استلزامه التصرّف
في مال الغير ، ولو طلب المالك أن يشدّ في طرف كلّ خيط منها خيطاً لتصير خيوطه في
موضع خيوط الخيّاط إذا سلّها لم يجب إجابته؛ لأنّه تصرّف في مال الغير يتوقّف على
إذنه ، كما لا يجب عليه القبول لو بذل له المالك قيمة الخيوط.
(وفي
قدر الاُجرة حلف المستأجر) لأصالة عدم الزائد. وقيل : يتحالفان
كما لو اختلفا
في قدر المستأجَر؛ لأنّ كلّاً منهما مدّعٍ ومنكر. وهو ضعيف؛ لاتّفاقهما على وقوع
العقد ومقدار العين والمدّة ، وإنّما تخالفا على القدر الزائد عمّا يتّفقان عليه ،
فيحلف منكره.
__________________
كتاب الوكالة
(كتاب الوكالة)
بفتح الواو
وكسرها (وهي
استنابة في التصرّف) بالذات؛ لئلّا يرد الاستنابة في نحو القراض والمزارعة والمساقاة. وخرج بقيد
«الاستنابة «الوصيّة بالتصرّف ، فإنّها
إحداث ولاية ، لا استنابة وب «التصرّف» الوديعة ، فإنّها استنابة في الحفظ خاصّة. وتفتقر إلى إيجاب
وقبول؛ لأنّها من جملة العقود وإن كانت جائزة.
(وإيجابها
: وكّلتك ، أو استنبتك) أو ما شاكله من الألفاظ الدالّة على الاستنابة في
التصرّف ، وإن لم تكن على نهج الألفاظ المعتبرة في العقود (أو الاستيجاب
والإيجاب) كقوله : وكّلني في كذا ، فيقول : وكّلتك (أو الأمر بالبيع والشراء) كما دلّ عليه قول النبيّ صلى الله عليه وآله لعروة البارقي
: «اشتر لنا شاةً «.
(وقبولها
قوليٌّ) كقبلت ورضيت ، وما
أشبهه (وفعليٌّ)
كفعله ما أمره
بفعله (ولا
يشترط فيه) أي في القبول (الفوريّة)
بل يجوز تراخيه
عن الإيجاب وإن طالت المدّة (فإنّ
الغائب يوكَّل) والقبول متأخّر. وكأنّ جواز توكيل الغائب موضع وفاق ، فلذا جعله شاهداً على
الجواز ، وإلّا فهو فرع المدّعى.
(ويشترط
فيها التنجيز) فلو عُلّقت على شرط متوقَّع كقدوم المسافر ، أو صفة مترقّبة كطلوع الشمس ، لم
يصحّ.
وفي صحّة
التصرّف بعد حصول الشرط أو الصفة بالإذن الضمني قولان
منشؤهما : كون
الفاسد بمثل ذلك إنّما هو العقد ، أمّا الإذن الذي هو مجرّد إباحة تصرّف فلا ، كما
لو شرط في الوكالة عوضاً مجهولاً فقال : «بع كذا على
أنّ لك العشر من ثمنه» فتفسد الوكالة دون الإذن ، ولأنّ الوكالة أخصّ من مطلق الإذن ، وعدم الأخصّ
أعمّ من عدم الأعمّ. وأنّ
الوكالة ليست
أمراً زائداً على الإذن ، وما يزيد عنه من مثل الجعل أمر زائد عليها؛ لصحّتها
بدونه ، فلا يعقل فسادها مع صحّته.
(ويصحّ
تعليق التصرّف) مع تنجيز الوكالة ، بأن يقول : «وكّلتك
في كذا ، ولا تتصرّف إلّابعد شهر» ؛ لأنّه بمعنى اشتراط أمر سائغ زائد على أصلها الجامع لشرائطه
التي من جملتها
التنجيز وإن كان في معنى التعليق؛ لأنّ العقود المتلقّاة من الشارع منوطة بضوابط ،
فلا تقع بدونها وإن أفاد فائدتها.
(وهي
جائزة من الطرفين) فلكلٍّ منهما إبطالها في حضور الآخر وغيبته. لكن إن عزل الوكيل نفسَه بطلت
مطلقاً (ولو
عزله) الموكّل (اشترط علمه) بالعزل ، فلا ينعزل بدونه في أصحّ الأقوال .
__________________
والمراد بالعلم
هنا بلوغه الخبر بقول من يُقبل خبره وإن كان عدلاً واحداً؛ لصحيحة هشام بن سالم عن
الصادق عليه السلام
ولا عبرة بخبر
غيره وإن تعدّد ما لم يحصل به العلم أو الظنّ المتاخم له.
(ولا
يكفي) في انعزاله (الإشهاد) من الموكّل على عزله على الأقوى؛ للخبر السابق ، خلافاً
للشيخ وجماعة.
(و)
حيث كانت جائزة
(تبطل
بالموت والجنون والإغماء) من كلّ واحد منهما ، سواء طال زمان الإغماء أم قصر ، وسواء
أطبق الجنون أم كان أدواراً ، وسواء علم الموكّل بعروض المبطل أم لم يعلم (وبالحَجر على
الموكِّل فيما وكَّل فيه) بالسفه والفلس؛ لأنّ منعه من مباشرة الفعل يقتضي منعه من
التوكيل فيه.
وفي حكم الحَجر
طروّ الرقّ على الموكّل بأن كان حربيّاً فاسترقّ ، ولو كان وكيلاً صار بمنزلة
توكيل عبد الغير.
و (لا) تبطل (بالنوم
وإن تطاول) لبقاء أهليّة التصرّف (ما
لم يؤدّ إلى الإغماء) فتبطل من حيث الإغماء ، لا من حيث النوم. ومثله السكر ، إلّاأن يشترط
عدالته كوكيل الوكيل والوليّ (وتبطل
بفعل الموكّل ما تعلّقت به الوكالة) كما لو وكّله في بيع عبد ثمّ باعه. وفي حكمه فعله ما
ينافيها كعتقه.
__________________
(وإطلاق
الوكالة في البيع يقتضي البيع بثمن المثل) إلّابنقصان عنه يتسامح بمثله عادة كدرهم في مئة ، وإلّا
مع وجود باذل لأزيد منه فلا يجوز الاقتصار عليه ، حتّى لو باع بخيارٍ لنفسه فوجد
في مدّة الخيار باذلاً للزيادة وجب عليه الفسخ إن تناولت وكالته له ، إلّاأن يعيّن
له قدراً فلا يجب تحصيل الزائد وإن بُذل (حالّاً) فلا يجوز بالمؤجّل مطلقاً
(بنقد
البلد) فإن اتّحد
تعيّن ، وإن تعدّد باع بالأغلب ، فإن تساوت النقود باع بالأنفع للموكّل ، فإن
استوت نفعاً تخيّر.
(وكذا)
التوكيل (في الشراء) يقتضيه بثمن المثل حالّاً بنقد البلد (ولو خالف) ما اقتضاه الإطلاق أو التنصيص (ففضوليٌّ) يتوقّف بيعه وشراؤه على إجازة المالك.
(وإنّما
تصحّ الوكالة فيما لا يتعلّق غرض الشارع بإيقاعه من مباشر بعينه كالعتق) فإنّ غرضه فيه فكّ الرقبة سواء أحدثه المالك أم غيره (والطلاق) فإنّ غرضه منه رفع الزوجيّة كذلك. ومثله النكاح (والبيع) وغيرهما من العقود والإيقاعات (لا فيما يتعلّق) غرضه بإيقاعه من مباشر بعينه.
ومرجع معرفة
غرضه في ذلك وعدمه إلى النقل ، ولا قاعدة له لا تنخرم. وقد عُلم تعلّق غرضه بجملة
من العبادات؛ لأنّ الغرض منها امتثال المكلَّف ما اُمر به وانقياده وتذلّله بفعل
المأمور به ولا يحصل ذلك بدون المباشرة (كالطهارة) فليس له الاستنابة فيها أجمع ، وإن جاز في غسل الأعضاء
ومسحها حيث يعجز عن مباشرتها مع تولّيه النيّة ، ومثل هذا لا يعدّ توكيلاً
حقيقيّاً ، ومن ثَمّ يقع ممّن لا يجوز توكيله كالمجنون ، بل استعانة على إيصال
المطهّر إلى العضو كيف اتّفق (والصلاة
الواجبة في) حال (الحياة)
فلا يستناب
فيها
__________________
مطلقاً إلّاركعتا الطواف ، حيث يجوز استنابة الحيّ في الحجّ الواجب ، أو
فيها خاصّة على بعض الوجوه.
واحترز
بالواجبة عن المندوبة ، فيصحّ الاستنابة فيها في الجملة ، كصلاة الطواف المندوب ، أو
في الحجّ المندوب وإن وجب ، وصلاة الزيارة. وفي جواز الاستنابة في مطلق النوافل وجه.
وبالجملة ، فضبط
متعلّق غرض الشارع في العبادات وغيرها يحتاج إلى تفصيلٍ ومستندٍ نقليٍّ.
(ولا
بدّ من كمال المتعاقدين) بالبلوغ والعقل ، فلا يُوكَّل ولا يتوكّل الصبيّ
والمجنون مطلقاً (وجواز
تصرّف الموكّل) فلا يوكّل المحجور عليه فيما ليس له مباشرته. وخصّ الموكِّل؛ لجواز كون
المحجور في الجملة وكيلاً لغيره فيما حجر عليه فيه من التصرّف ، كالسفيه والمفلَّس
مطلقاً والعبد بإذن سيّده.
(وتجوز
الوكالة في الطلاق للحاضر) في مجلسه (كالغائب) على أصحّ القولين
لأنّ الطلاق
قابل للنيابة ، وإلّا لما صحّ توكيل الغائب. ومنع الشيخ من توكيل الحاضر فيه
استناداً إلى
رواية ضعيفة السند قاصرة الدلالة .
__________________
(ولا
يجوز للوكيل أن يوكّل إلّامع الإذن صريحاً) ولو بالتعميم ك «اصنع
ما شئت «(أو
فحوىً ، كاتّساع متعلّقها) بحيث تدلّ القرائن على الإذن له فيه ، كالزراعة في أماكن
متباعدة لا تقوم إلّابمساعد. ومثله عجزه عن مباشرته وإن لم يكن متّسعاً مع علم
الموكّل به (وترفع
الوكيل عمّا وُكّل فيه عادة) فإنّ توكيله حينئذٍ يدلّ بفحواه على الإذن له فيه مع علم
الموكِّل بترفّعه عن مثله ، وإلّا لم يجز؛ لأنّه مستفاد من القرائن ، ومع جهل
الموكِّل بحاله ينتفي.
وحيث أذن له في
التوكيل ، فإن صرّح له بكون وكيله وكيلاً عنه أو عن الموكِّل لزمه حكم من وكّله ، فينعزل
في الأوّل بانعزاله ـ لأنّه فرعه ـ وبعزل كلّ منهما له ، وفي الثاني لا ينعزل
إلّابعزل الموكّل أو بما أبطل توكيله.
وإن أطلق ، ففي
كونه وكيلاً عنه أو عن الموكّل أو تخيّر الوكيل في توكيله عن أيّهما شاء ، أوجه.
وكذا مع استفادته من الفحوى ، إلّاأنّ كونه هنا وكيلاً عن الوكيل أوجه.
(ويستحبّ
أن يكون الوكيل تامّ البصيرة) فيما وُكّل فيه ، ليكون مليّاً بتحقيق مراد الموكّل (عارفاً باللغة التي
يُحاور بها) فيما وُكّل فيه ، ليحصل الغرض من توكيله. وقيل : إنّ ذلك واجب
وهو مناسب
لمعنى الشرط بالنسبة إلى الأخير .
(ويستحبّ
لذوي المروءات) وهم أهل الشرف والرفعة والمروءة (التوكيل في المنازعات) ويُكره أن يتولّوها بأنفسهم لما يتضمّن من الامتهان
__________________
والوقوع فيما يُكره ، رُوي «أنّ
عليّاً عليه السلام وكّل عقيلاً في خصومة ، وقال : إنّ للخصومة قُحماً ، وإنّ
الشيطان ليحضرها ، وإنّي لأكره أن أحضرها «
والقُحم ـ بالضمّ
ـ المهلكة ، والمراد هنا أنّها تُقحم بصاحبها إلى ما لا يريده.
(ولا
تبطل الوكالة بارتداد الوكيل) من حيث إنّه ارتداد ، وإن كانت قد تبطل من جهة اُخرى في
بعض الموارد ، ككونه وكيلاً على مسلم ، فإنّه في ذلك بحكم الكافر. ولا فرق بين
الفطري وغيره وإن حكم ببطلان تصرّفاته لنفسه (ولا يتوكّل المسلم للذمّي على المسلم
على قول) الشيخ
والأقوى الجواز
على كراهية؛ للأصل (ولا
الذمّي على المسلم لمسلم ، ولا لذمّي قطعاً) فيهما؛ لاستلزامهما إثبات السبيل للكافر على المسلم
المنفيّ بالآية
(وباقي
الصور جائزة ، وهي ثمان) بإضافة الصور الثلاث المتقدّمة إلى باقيها. وتفصيلها : أنّ
كلّاً من الموكِّل والوكيل والموكَّل عليه إمّا مسلم أو كافر ، ومنه تتشعّب الثمان
بضرب قسمي الوكيل في قسمي الموكّل ، ثمّ المجتمع في قسمي الموكَّل عليه. ولا فرق
في الكافر بين الذمّي وغيره ، كما يقتضيه التعليل.
(ولا
يتجاوز الوكيل ما حُدّ له) في طرف
الزيادة
والنقصان (إلّاأن
تشهد العادة بدخوله) ـ أي دخول ما تجاوز ـ في الإذن (كالزيادة في ثمن ما وُكّل في بيعه) بثمن معيّن إن لم يعلم منه الغرض في التخصيص به (والنقيصة
__________________
في
ثمن ما وكّل في شرائه) بثمن معيّن؛ لشهادة الحال غالباً بالرضا بذلك فيهما. لكن قد يتخلّف بأن لا
يريد الإشطاط
في البيع ، أو
غيره من الأغراض.
(وتثبت
الوكالة بعدلين) كما يثبت بهما غيرها من الحقوق الماليّة وغيرها (ولا تُقبل فيها
شهادة النساء منفردات) لاختصاصها بما يعسر اطّلاع الرجال عليه والوصيّة كما سلف في بابه
(ولا
منضمّات) إلى الرجال؛
لاختصاصها حينئذٍ بالمال وما في حكمه
والوكالة ولاية
على التصرّف وإن ترتّب عليها المال ، لكنّه غير مقصود.
(ولا
تثبت بشاهد ويمين) لما ذكر ، إلّاأن يشتمل على جهتين كما لو ادّعى شخص على آخر وكالة بجُعلٍ
وأقام شاهداً وامرأتين ، أو شاهداً وحلف معه ، فالأقوى ثبوت المال ، لا الوكالة
وإن تبعّضت الشهادة ، كما لو أقام ذلك بالسرقة يثبت المال لا القطع. نعم ، لو كان
ذلك قبل العمل لم يثبت شيء (ولا
بتصديق الغريم) لمدّعي الوكالة عليها في أخذ حقٍّ منه لغيره؛ لأنّه تصديق في حقّ غيره.
هذا إذا كان
الحقّ الذي يدّعي الوكالة فيه عيناً. أمّا لو كان ديناً ففي وجوب دفعه إليه
بتصديقه قولان
أجودهما ذلك؛
لأنّه إقرار في حقّ نفسه خاصّة؛ إذ الحقّ لا يتعيّن إلّابقبض مالكه أو وكيله ، فإذا
حضر وأنكر بقي دينه في ذمّة
__________________
الغريم ، فلا ضرر عليه في ذلك ، وإنّما اُلزم الغريم بالدفع؛ لاعترافه
بلزومه له. وبهذا يظهر الفرق بينه وبين العين؛ لأنّها حقّ محض لغيره وفائتها لا
يُستدرك.
نعم ، يجوز له
تسليمها إليه مع تصديقه له؛ إذ لا منازع له الآن ويبقى المالك على حجّته ، فإذا
حضر وصدّق الوكيل بَرِئ الدافع. وإن كذّبه فالقول قوله مع يمينه ، فإن كانت العين
موجودة أخذها ، وله مطالبة من شاء منهما بردّها؛ لترتّب أيديهما على ماله. وللدافع
مطالبة الوكيل بإحضارها لو طولب به ، دون العكس. وإن تعذّر ردّها بتلف وغيره تخيّر
في الرجوع على من شاء منهما ، فإن رجع على الوكيل لم يرجع على الغريم مطلقاً؛
لاعترافه ببراءته بدفعها إليه. وإن رجع على الغريم لم يرجع على الوكيل مع تلفها في
يده بغير تفريط؛ لأنّه بتصديقه له أمين عنده ، وإلّا رجع عليه.
(والوكيل
أمين لا يضمن إلّابالتعدّي أو التفريط) وهو وفاقٌ .
(ويجب
عليه تسليم ما في يده إلى الموكّل إذا طولب به) سواء في ذلك المالُ الذي وُكّل في بيعه وثمنُه والمبيعُ
الذي اشتراه وثمنُه ، قبلَ الشراء وغيرها. ونبّه بقوله : (إذا طولب) على أنّه لا يجب عليه دفعه إليه قبل طلبه بل معه ، ومع
إمكان الدفع شرعاً وعرفاً كالوديعة (فلو أخّر مع الإمكان) أي إمكان الدفع شرعاً ، بأن لا يكون في صلاة واجبة
مطلقاً ولا مريداً لها مع تضيّق وقتها ، ونحو ذلك من الواجبات المنافية. أو عرفاً
، بأن لا يكون على حاجةٍ يريد قضاءها ، ولا في حمّام أو أكل طعام ، ونحوها من
الأعذار العرفيّة (ضمن.
وله أن يمتنع) من التسليم (حتّى
يُشهد) على الموكّل
بقبض حقّه ، حذراً من إنكاره فيضمن له ثانياً أو يلزمه اليمين.
__________________
(وكذا)
حكم (كلّ من عليه حقّ وإن
كان وديعة) يُقبل قوله في ردّها؛ لافتقاره إلى اليمين ، فله دفعها بالإشهاد وإن كان
صادقاً.
ولا فرق في ذلك
بين من يكون له على الحقّ بيّنة وغيره؛ لما ذكرناه من الوجه
هذا هو أجود
الأقوال في المسألة.
وفرّق بعضهم
بين من يُقبل قوله في الردّ وغيره
وآخرون بين من
عليه بقبض الحقّ بيّنة وغيره. ودفعُ ضرر اليمين يدفع ذلك كلَّه ، خصوصاً في بعض
الناس ، فإنّ ضرر الغرامة عليهم أسهل من اليمين.
(والوكيل
في الوديعة) لمال شخص عند آخر (لا
يجب عليه الإشهاد) على المستودع (بخلاف
الوكيل في قضاء الدين وتسليم المبيع) فليس له ذلك حتّى يُشهد. والفرق : أنّ الوديعة مبنيّة
على الإخفاء بخلاف غيرها ، ولأنّ الإشهاد على الوَدَعيّ لا يفيد ضمانه؛ لقبول قوله
في الردّ بخلاف غيره (فلو
لم يُشهِد) على غير الوديعة (ضمن)
لتفريطه إذا لم
يكن الأداء بحضرة الموكّل ، وإلّا انتفى الضمان؛ لأنّ التفريط حينئذٍ مستند إليه.
(ويجوز
للوكيل تولّي طرفي العقد بإذن الموكّل) لانتفاء المانع حينئذٍ. ومغايرة الموجب للقابل يكفي فيها
الاعتبار. ولو أطلق له الإذن ، ففي جواز تولّيهما لنفسه قولان
منشؤهما : دخوله
في الإطلاق ، ومن ظاهر الروايات الدالّة
__________________
على المنع
وهو أولى.
واعلم أنّ
تولّيه طرفي العقد أعمّ من كون البيع أو الشراء لنفسه. وموضع الخلاف مع عدم الإذن
تولّيه لنفسه. أمّا لغيره بأن يكون وكيلاً لهما فلا إشكال إلّا على القول بمنع
كونه موجباً قابلاً
وذلك لا يفرق
فيه بين إذن الموكّل وعدمه.
(ولو
اختلفا في أصل الوكالة حلف المنكر) لأصالة عدمها ، سواء كان منكرها الموكّل أم الوكيل.
وتظهر فائدة
إنكار الوكيل فيما لو كانت الوكالة مشروطة في عقد لازم لأمر لا يتلافى حين النزاع
، فيدّعي الموكّل حصولها ليتمّ له العقد ، وينكرها الوكيل ليتزلزل ويتسلّط على
الفسخ.
(و)
لو اختلفا (في الردّ حلف
الموكّل) لأصالة عدمه ، سواء
كانت الوكالة بجُعل أم لا.
(وقيل)
: يحلف (الوكيل ، إلّاأن
تكون بجُعل) فالموكّل
أمّا الأوّل : فلأ
نّه أمين وقد قبض المال لمصلحة المالك فكان محسناً محضاً كالوَدَعيّ. وأمّا الثاني
: فلما مرّ
ولأ نّه قبض
لمصلحة نفسه كعامل القراض والمستأجر.
__________________
ويُضعّف بأنّ الأمانة لا تستلزم القبول كما لا يستلزمه في الثاني مع
اشتراكهما في الأمانة ، وكذلك الإحسان ، والسبيل المنفيّ
مخصوص ، فإنّ
اليمين سبيل.
(و)
لو اختلفا (في التلف) أي تلف المال الذي بيد الوكيل كالعين الموكَّل في بيعها
وشرائها أو الثمن أو غيره (حلف
الوكيل) لأنّه أمين ، وقد
يتعذّر إقامة البيّنة على التلف فاقتُنع بقوله وإن كان مخالفاً للأصل. ولا فرق بين
دعواه التلف بأمر ظاهر وخفيّ (وكذا)
يحلف لو اختلفا
(في
التفريط) والمراد به ما
يشمل التعدّي؛ لأنّه منكر (و)
كذا يحلف لو
اختلفا في (القيمة)
على تقدير ثبوت
الضمان؛ لأصالة عدم الزائد.
(ولو
زوّجه امرأة بدعوى الوكالة) منه (فأنكر
الزوج) الوكالة (حلف) لأصالة عدمها (وعلى الوكيل نصف المهر) لرواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام
ولأ نّه فسخ
قبلَ الدخول فيجب معه نصف المهر كالطلاق (ولها التزويج) بغيره لبطلان نكاحه بإنكاره الوكالة (ويجب على الزوج) فيما بينه وبين اللّٰه تعالى (الطلاق إن كان وكَّل)
في التزويج؛
لأنّها حينئذٍ
__________________
زوجته فإنكارها وتعريضها للتزويج بغيره محرّم (ويسوق نصف المهر إلى الوكيل) للزومه بالطلاق ، وغرم الوكيل له بسببه.
(وقيل
: يبطل) العقد (ظاهراً
ولا
غُرم على الوكيل) لعدم ثبوت عقد حتّى يحكم بالمهر أو نصفه ، ولأ نّه على تقدير ثبوته إنّما
يلزم الزوج؛ لأنّه عوض البُضع والوكيل ليس بزوج ، والحديث ضعيف السند ، وإلّا لما
كان عنه عدول مع عمل الأكثر بمضمونه ، والتعليل بالفسخ فاسد. فالقول الأخير قويّ.
نعم ، لو ضمن الوكيل المهر كلَّه أو نصفَه لزمه حسب ما ضمن.
وإنّما يجوز
للمرأة التزويج إذا لم تصدّق الوكيلَ عليها ، وإلّا لم يجز لها التزويج قبلَ
الطلاق؛ لأنّها بزعمها زوجة ، بخلاف ما إذا لم تكن عالمةً بالحال. ولو امتنع من
الطلاق حينئذٍ لم يُجبر عليه؛ لانتفاء النكاح ظاهراً. وحينئذٍ ففي تسلّطها على
الفسخ دفعاً للضرر ، أو تسلّط الحاكم عليه أو على الطلاق ، أو بقائه كذلك حتّى
يطلّق أو يموت؟ أوجه.
ولو أوقع
الطلاق معلّقاً على الشرط ك (إن
كانت زوجتي فهي طالق) صحّ ولم يكن إقراراً ولا تعليقاً مانعاً؛ لأنّه أمر يَعلم حالَه ، وكذا في
نظائره كقول من يعلم أنّ اليوم الجمعة : «إن
كان اليوم الجمعة فقد بعتك كذا»
أو غيره من
العقود.
(ولو
اختلفا في تصرّف الوكيل) بأن قال : بعت ، أو قبضت ، أو اشتريت (حلف) الوكيل؛ لأنّه أمين وقادر على الإنشاء ، والتصرّف إليه
ومرجع الاختلاف إلى فعله ، وهو أعلم به.
(وقيل)
: يحلف (الموكّل) لأصالة عدم التصرّف وبقاءِ الملك على
__________________
مالكه
والأقوى
الأوّل.
ولا فرق بين
قوله في دعوى التصرّف : (بعت)
و (قبضت الثمن) و (تلف
في يدي) وغيره؛ لاشتراك
الجميع في المعنى ، ودعوى التلف أمر آخر.
(وكذا
الخلاف لو تنازعا في قدر الثمن الذي اشتريت به السلعة) كأن قال الوكيل : «اشتريته
بمئة»
والحال أنّه
يساوي مئة ، ليمكن صحّة البيع ، فقال الموكّل : «بل
بثمانين» فقيل : يقدّم قول الوكيل؛ لأنّه أمين
والاختلاف في
فعله ودلالة الظاهر على كون الشيء إنّما يباع بقيمته وهو الأقوى.
وقيل : قول
الموكِّل
لأصالة براءته
من الزائد ، ولأنّ في ذلك إثبات حقّ للبائع عليه فلا يُسمع.
__________________
كتاب الشفعة
(كتاب الشفعة)
(وهي)
فُعلة من قولك
: شفعتُ كذا بكذا ، إذا جعلته شَفْعاً به أي زوجاً ، كأنّ الشفيع يجعل نصيبه شفعاً
بنصيب شريكه. وأصلُها التقوية والإعانة ، ومنه الشفاعة والشفع. وشرعاً (استحقاق الشريك
الحصّةَ المبيعة في شركته) ولا يحتاج إلى قيد الاتّحاد وغيره ممّا يعتبر في الاستحقاق؛
لاستلزام (الاستحقاق)
له وإنّما
يفتقر إلى ذكرها في الأحكام.
ولا يرد النقض
في طرده
بشراء الشريك
حصّة شريكه ، فإنّه بعد البيع يصدق (استحقاق الشريك الحصّة المبيعة في
شركته) إذ ليس في
التعريف أنّها مبيعة لغيره أو له ، وكما يصدق
«الاستحقاق»
بالأخذ يصدق
بنفس الملك.
ووجه دفعه : أنّ
الاستحقاق المذكور هنا للشريك المقتضي لكونه شريكاً حالَ شركته ، والأمر في البيع
ليس كذلك؛ لأنّه حال الشركة غير مستحقّ ، وبعد الاستحقاق ليس بشريك؛ إذ المراد
بالشريك هنا الشريك بالفعل؛ لأنّه المعتبر شرعاً ، لا ما كان فيه شريكاً مع ارتفاع
الشركة ، نظراً إلى عدم اشتراط بقاء المعنى المشتقّ منه في المشتقّ. نعم ، يمكن
ورود ذلك مع تعدّد الشركاء إذا اشترى أحدهم نصيب بعضهم مع بقاء الشركة في غير
الحصّة المبيعة.
__________________
ولو قيّد
المبيع بكونه لغير المستحقّ ، أو علّق الاستحقاق بتملّك الحصّة فقال : «استحقاق
الشريك تملّك الحصّة المبيعة ...» سَلِم من ذلك؛ لأنّ استحقاق التملّك غير استحقاق الملك.
(ولا
تثبت لغير) الشريك (الواحد)
على أشهر
القولين
وصحيح الأخبار
يدلّ عليه.
وذهب بعض الأصحاب إلى ثبوتها مع الكثرة
استناداً إلى
روايات
معارَضة بأقوى
منها.
(وموضوعها)
وهو المال الذي
تثبت فيه على تقدير بيعه (ما
لا ينقل ، كالأرض والشجر) إذا بيع منضمّاً إلى مغرسه ، لا منفرداً. ومثله البناء ،
فلو اشتركت غرفة بين اثنين دون قرارها فلا شفعة فيها ، وإن ضُمّت إلى أرض غيره ، كالشجر
إذا ضُمّ إلى غير مغرسه.
(وفي
اشتراط إمكان قسمته قولان)
أجودهما
اشتراطه؛ لأصالة
__________________
عدم ثبوتها في محلّ النزاع ، وعليه شواهد من الأخبار
لكن في طريقها
ضعف ومن لم يشترط نظر إلى عموم أدلّة ثبوتها ، مع ضعف
المخصّص. وعلى الأوّل فلا شفعة في الحمّام الصغير ، والعضائد الضيّقة ، والنهر
والطريق الضيّقين ، والرحى حيث لا يمكن قسمة أحجارها وبيتها. وفي حكم الضيّق قلّة
النصيب بحيث يتضرّر صاحب القليل بالقسمة.
(ولا
تثبت) الشفعة (في المقسوم) بل غير المشترك مطلقاً (إلّا مع الشركة في المجاز) وهو الطريق (والشِرْب ) إذا ضمّهما في البيع إلى المقسوم.
وهل يشترط
قبولهما القسمة كالأصل؟ إطلاق العبارة يقتضي عدمه ، وفي الدروس اشترطه
والأقوى
الاكتفاء بقبول المقسوم القسمةَ. نعم ، لو بيعا منفردين اعتبر قبولهما كالأصل.
(ويشترط
قدرة الشفيع على الثمن) وبذله للمشتري ، فلا شفعة للعاجز ، ولا للممتنع مع قدرته
، والمماطل. ويرجع في العجز إلى اعترافه ، لا إلى حاله؛ لإمكان استدانته. ولا يجب
على المشتري قبول الرهن والضامن والعوض.
__________________
(وإسلامه
إذا كان المشتري مسلماً) فلا شفعة لكافر مطلقاً على مسلم.
(ولو
ادّعى غيبة الثمن اُجِّل ثلاثة أيّام) ولو ملفّقةً ، وفي دخول الليالي وجهان. نعم ، لو كان
الأخذ عشيّة دخلت الليلة تبعاً ، ولا إشكال في دخول الليلتين المتوسّطتين
كالاعتكاف. ولو ادّعى أنّه في بلد آخر اُجِّل زماناً يسع ذهابه وإيابه ، وثلاثةً (ما لم يتضرّر المشتري)
لبُعد البلد
عادةً كالعراق من الشام.
وفي العبارة : أنّ
تضرّر المشتري يُسقِط الإمهال ثلاثةً مطلقاً ، والموجود في كلامه في الدروس
وكلام غيره
اعتباره في
البلد النائي خاصّة.
(وتثبت)
الشفعة (للغائب) وإن طالت غيبته (فإذا قدم) من سفره (أخذ) إن لم يتمكّن من الأخذ في الغيبة بنفسه أو وكيله ، ولا
عبرة بتمكّنه من الإشهاد. وفي حكمه المريض والمحبوس ظلماً أو بحقّ يعجز عنه ، ولو
قدر عليه ولم يطالب بعد مضيّ زمانٍ يتمكّن من التخلّص والمطالبة بطلت.
(و)
كذا تثبت (للصبيّ والمجنون
والسفيه ، ويتولّى الأخذ) لهم (الوليّ
مع الغبطة) لهم في الأخذ كسائر التصرّفات. ولا فرق بين كون الشريك البائع هو الوليّ
وغيره ، وكما يأخذ لهم يأخذ منهم لو باع عنهم ما هو بشركته ، وكذا يأخذ لأحد
المولَّيين نصيب الآخر لو باعه بشركته (فإن ترك) في موضع الثبوت (فلهم عند الكمال الأخذ) لا إن ترك لعدم المصلحة. ولو جهل الحال ففي استحقاقهم
الأخذ نظراً إلى وجود السبب فيستصحب ، أم لا التفاتاً إلى أنّه
__________________
مقيّد بالمصلحة ولم تُعلم ، وجهان ، أوجههما الثاني.
أمّا المفلَّس
فتثبت له أيضاً ، لكن لا يجب على الغرماء تمكينه من الثمن ، فإن بذلوه أو رضي
المشتري بذمّته فأخذ تعلّق بالشِقص حقّ الغرماء. ولا يجب عليه الأخذ ولو طلبوه منه
مطلقاً.
(ويستحقّ)
الأخذ بالشفعة (بنفس العقد وإن كان
فيه خيار) بناءً على انتقال المبيع إلى ملك المشتري به ، فلو أوقفناه على انقضاء
الخيار ـ كالشيخ
ـ توقّف على
انقضائه.
(و)
على المشهور (لا يمنع) الأخذ (من
التخاير) لأصالة بقاء
الخيار (فإن
اختار المشتري أو البائع الفسخ بطلت) الشفعة وإلّا استقرّ الأخذ.
وجعل بعض
الأصحاب الأخذ بعد انقضاء الخيار مع حكمه بملكه بالعقد
نظراً إلى عدم
الفائدة به قبله؛ إذ ليس له انتزاع العين قبل مضيّ مدّة الخيار؛ لعدم استقرار
ملكه. والظاهر أنّ ذلك جائز ، لا لازم ، بل يجوز قبلَه وإن منع من العين. والفائدة
تظهر في النماء وغيره.
واحتمل المصنّف
في الدروس بطلان خيار المشتري بالأخذ
لانتفاء
فائدته؛ إذ الغرض الثمن وقد حصل من الشفيع ، كما لو أراد الردّ بالعيب فأخذ
الشفيع.
ويضعَّف بأنّ
الفائدة ليست منحصرة في الثمن ، فجاز أن يريد دفع الدرك عنه.
__________________
(وليس
للشفيع أخذ البعض ، بل يأخذ الجميع ، أو يدع) لئلّا يتضرّر المشتري بتبعيض الصفقة؛ ولأنّ حقّه في
المجموع من حيث هو مجموع كالخيار ، حتّى لو قال : أخذت نصفه ـ مثلاً ـ بطلت
الشفعة؛ لمنافاته الفوريّة ، حيث تعتبر.
(ويأخذ
بالثمن الذي وقع عليه العقد) أي بمثله؛ لعدم إمكان الأخذ بعينه ، إلّاأن يتملّكه ، وليس
بلازم (ولا
يلزمه غيره من دلالة أو وكالة) واُجرة نقد ووزن ، وغيرها؛ لأنّها ليست من الثمن وإن
كانت من توابعه.
(ثمّ
إن كان) الثمن (مثليّاً فعليه مثله
، وإن كان قيميّاً فقيمته).
وقيل : لا شفعة
هنا لتعذّر الأخذ بالثمن ، وعملاً بروايةٍ
لا تخلو من
ضعفٍ وقصورٍ عن الدلالة.
وعلى الأوّل
يعتبر قيمته (يومَ
العقد) لأنّه وقت
استحقاق الثمن ، فحيث لا يمكن الأخذ به تعتبر قيمته حينئذٍ. وقيل : أعلى القيم من
حينه إلى حين دفعها
__________________
كالغاصب. وهو ضعيف.
(وهي
على الفور) في أشهر القولين
اقتصاراً فيما
خالف الأصل على محلّ الوفاق ، ولما رُوي أنّها كحَلّ العقال
ولأ نّها
شُرّعت لدفع الضرر. وربما جاء من التراخي على المشتري ضرر أقوى؛ لأنّه إن تصرّف
كان معرضاً للنقص ، وإن أهمل انتفت فائدة الملك.
وقيل : على
التراخي
استصحاباً لما
ثبت ، وأصالة عدم الفوريّة وهو مخرج عن الأصل ، والرواية عامّيّة. نعم ، روى عليّ
بن مهزيار عن الجواد عليه السلام : إنظاره بالثمن ثلاثة أيّام
وهو يؤذن بعدم
التراخي مطلقاً
ولا قائل
بالفرق
وهذا حسن.
وعليه (فإذا علم وأهمل) عالماً مختاراً (بطلت) ويعذَّر جاهل الفوريّة كجاهل الشفعة وناسيهما. وتُقبل
دعوى الجهل ممّن يمكن في حقّه عادة.
وكذا يعذَّر
مؤخِّر الطلب إلى الصبح لو بلغه ليلاً ، وإلى الطهارة والصلاة ولو بالأذان
والإقامة والسنن المعهودة ، وانتظار الجماعة لها ، والأكل والشرب ،
__________________
والخروج من الحمّام بعد قضاء وطره منه ، وتشييع المسافر ، وشهود الجنازة ، وقضاء
حاجة طالبها ، وعيادة المريض ، ونحو ذلك؛ لشهادة العرف به ، إلّاأن يكون المشتري
حاضراً عنده بحيث لا يمنعه من شغله.
ولا بدّ من
ثبوت البيع عنده بشهادة عدلين أو الشياع ، فلا عبرة بخبر الفاسق والمجهول والصبيّ
والمرأة مطلقاً ، وفي شهادة العدل الواحد وجه ، واكتفى به المصنّف في الدروس مع
القرينة
نعم لو صدّق
المخبرَ كان كثبوته في حقّه. وكذا لو علم صدقه بأمر خارج.
(ولا
تسقط الشفعة بالفسخ المتعقّب للبيع بتقايل ، أو فسخ بعيب) أمّا مع التقايل فظاهر؛ لأنّه لاحِقٌ للعقد ، والشفعة
تثبت به فتقدّم. وأمّا [مع]
العيب ، فلأنّ
استحقاق الفسخ به فرع دخول المعيب في ملكه؛ إذ لا يعقل ردّ ما كان ملكاً للغير ، ودخوله
في ملكه إنّما يتحقّق بوقوع العقد صحيحاً ، وفي هذا الوقت تثبت الشفعة فيقترنان
ويقدّم حقّ الشفيع؛ لعموم أدلّة الشفعة للشريك واستصحاب الحال ، ولأنّ فيه جمعاً
بين الحقّين؛ لأنّ العيب إن كان في الثمن المعيّن فالبائع يرجع إلى قيمة الشقص ، وإن
كان في الشقص فالمشتري يطلب الثمن ، وهو حاصل له من الشفيع. بخلاف ما إذا قدّمنا
البائع في الأوّل ، فإنّه يقتضي سقوط حقّ الشفيع من الشقص عيناً وقيمة ، وكذا لو
قدّمنا المشتري.
وربما فُرّق
بين أخذ الشفيع قبل الفسخ وبعده؛ لتساويهما في الثبوت ، فيقدَّم السابق في الأخذ.
ويضعَّف بما ذكرناه .
__________________
وقيل بتقديم
حقّ المتبايعين
لاستناد الفسخ
إلى العيب المقارن للعقد ، والشفعة تثبت بعده ، فيكون العيب أسبق.
وفيه نظر؛ لأنّ
مجرّد وجودِ العيب غير كافٍ في السببيّة بل هو مع العقد ، كما أنّ الشركة غير
كافية في سببيّة الشفعة بل هي مع العقد ، فهما متساويان من هذا الوجه ، وإن كان
جانب العيب لا يخلو من قوّة ، إلّاأ نّها لا توجب التقديم ، فالعمل على ما اختاره
المصنّف أولى.
ولو اختار
البائع أخذ أرش الثمن المعيب من المشتري رجع المشتري به على الشفيع إن كان أخذ
بقيمة المعيب أو بمعيب مثله ، وإلّا فلا. ولو ترك البائع الردّ والأرش معاً مع أخذ
الشفيع له بقيمة المعيب أو مثله ، فلا رجوع له بشيء؛ لأنّه كإسقاط بعض الثمن.
وكذا لو اختار
المشتري أخذ أرش الشقص قبل أخذ الشفيع أخَذَه الشفيع بما بعد الأرش؛ لأنّه كجزءٍ
من الثمن. ولو أخذه بعد أخذ الشفيع رجع الشفيع به.
ويُفهم من
تقييد الفسخ بالعيب أنّه لو كان بغيره بطلت ، وقد تقدّم ذلك في الفسخ بالخيار.
وبقي تجدّد
الفسخ بذاته ـ كما لو تلف الثمن المعيّن قبل القبض ـ وفي بطلانها به قول
من حيث إنّه
يوجب بطلان العقد. وآخر بعدمه
لأنّ البطلان
من
__________________
حين التلف لا من أصله ، فلا يزيل ما سبق من استحقاقها. وثالث بالفرق بين
أخذ الشفيع قبل التلف فتثبت وبعده فتبطل
والأوسط أوسط.
(و)
كذا (لا) تسقط الشفعة (بالعقود اللاحقة) للبيع (كما
لو باع) المشتري الشقص (أو وهب أو وقف) لسبق حقّ الشفيع على ما تأخّر من العقود (بل للشفيع إبطال ذلك
كلّه) والأخذ بالبيع
الأوّل (وله
أن) يجيز البيع و (يأخذ بالبيع الثاني) لأنّ كلّاً من البيعين سبب تامّ في ثبوت الشفعة ، والثاني
صحيح وإن توقّف على إجازة الشفيع ، فالتعيين إلى اختياره.
وكذا لو تعدّدت
العقود ، فإن أخذ من الأخير صحّت العقود السابقة ، وإن أخذ من الأوّل بطلت اللاحقة
، وإن أخذ من المتوسّط صحّ ما قبله وبطل ما بعده.
ولا فرق في
بطلان الهبة لو اختاره الشفيع بين اللازمة وغيرها ، ولا بين المعوّض عنها وغيرها ،
فيأخذ الواهب الثمن ويرجع العوض إلى باذله.
(والشفيع
يأخذ من المشتري) لا من البائع؛ لأنّه المالك الآن (ودركه) أي درك الشقص لو ظهر مستحقّاً (عليه) فيرجع عليه بالثمن وبما اغترمه لو أخذه المالك. ولا فرق
في ذلك بين كونه في يد المشتري ويد البائع بأن لم يكن أقبضه ، لكن هنا لا يكلّف
المشتري قبضه منه ، بل يكلَّف الشفيع الأخذ منه أو الترك؛ لأنّ الشقص هو حقّ
الشفيع ، فحيثما وجده أخذه ، ويكون قبضه كقبض المشتري ، والدرك عليه على
التقديرين.
(والشفعة
تورث) عن الشفيع كما
يورث الخيار وحدّ القذف والقصاص
__________________
في أصحّ القولين
لعموم أدلّة
الإرث. وقيل : لا تورث
استناداً إلى
رواية ضعيفة السند
وعلى المختار
فهي (كالمال)
فتُقسَّم (بين الورثة) على نسبة سهامهم ، لا على رؤوسهم. فللزوجة معَ الولد
الثُمن ، فلو عفى أحد الورّاث عن نصيبه لم تسقط؛ لأنّ الحقّ للجميع ، فلا يسقط حقّ
واحد بترك غيره (فلو
عفوا إلّاواحداً أخذ الجميع ، أو تُرك) حذراً من تبعّض الصفقة على المشتري. ولا يقدح هنا تكثّر
المستحقّ وإن كانوا شركاء؛ لأنّ أصل الشريك متّحد ، والاعتبار بالوحدة عند البيع ،
لا الأخذ.
(ويجب
تسليم الثمن أوّلاً) جبراً لقهر المشتري (ثمّ
الأخذ) أي تسلّم
المبيع ، لا الأخذ بالشفعة القولي ، فإنّه متقدّم على تسليم الثمن مراعاة للفوريّة
(إلّاأن
يرضى الشفيع بكونه) أي الثمن (في
ذمّته) فله أن يتسلّم
المبيع أوّلاً؛ لأنّ الحقّ في ذلك للمشتري ، فإذا أسقطه برضاه بتأخير الثمن في
ذمّة الشفيع فله ذلك.
والمراد بالشفيع
هنا المشتري؛ لما ذكرناه إمّا تجوّزاً؛ لكونه سبباً في إثبات الشفيع ، أو وقع
سهواً.
__________________
(ولا
يصحّ الأخذ إلّابعد العلم بقدره وجنسه) ووصفه؛ لأنّه معاوضة تفتقر إلى العلم بالعوضين (فلو أخذ قبله لغى
ولو قال : أخذته بمهما كان) للغرر ، ولا تبطل بذلك شفعته. ويُغتفر بعد اجتماعه
بالمشتري السؤال عن كمّيّة الثمن والشقص بعد السلام والكلام المعتاد.
(ولو
انتقل الشقص بهبة أو صلح أو صداق فلا شفعة) لما تقدّم في تعريفها من اختصاصها بالبيع ، وما ذكر ليس
بيعاً حتّى الصلح بناءً على أصالته.
(ولو
اشتراه بثمن كثير ثمّ عوّضه عنه بيسير أو أبرأه من الأكثر) ولو حيلةً على تركها (أخذ الشفيع بالجميع) إن شاء؛ لأنّه الثمن والباقي معاوضة جديدة أو إسقاط لما
ثبت ، ومقتضى ذلك : أنّ الثمن الذي وقع عليه العقد لازم للمشتري وجائز للبائع أخذه
وإن كان بينهما مواطاة على ذلك؛ إذ لا يستحقّ المشتري أن يأخذ من الشفيع إلّاما
ثبت في ذمّته ، ولا يثبت في ذمّته إلّا ما يستحقّ البائع المطالبة به.
وقال في
التحرير : لو خالف أحدهما ما تواطآ عليه فطالب صاحبه بما أظهر له لزمه في ظاهر
الحكم ويحرم عليه في الباطن؛ لأنّ صاحبه إنّما رضي بالعقد للتواطؤ .
(أو
ترك) الشفيع الأخذ؛
لما يلزمه من الغُرم.
(ولو
اختلف الشفيع والمشتري في) مقدار (الثمن
حلف المشتري) على المشهور؛ لأنّه أعرف بالعقد ، ولأ نّه المالك فلا يزال مُلكه إلّابما
يدّعيه.
ويشكل بمنع كون
حكم المالك كذلك مطلقاً ، وقد تقدّم قبول قول المنكر في
__________________
كثير
خصوصاً مع تلف
العين ، وعموم «اليمين على من أنكر» وارد هنا ، ومن ثَمّ ذهب ابن الجنيد إلى تقديم قول
الشفيع؛ لأنّه منكر .
والاعتذار
للأوّل بأنّ المشتري لا دعوى له على الشفيع؛ إذ لا يدّعي شيئاً في ذمّته ولا تحت
يده ، وإنّما الشفيع يدّعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يدّعيه ، والمشتري
ينكره ولا يلزم من قوله : «اشتريته بالأكثر» أن يكون مدّعياً عليه وإن كان خلاف الأصل؛ لأنّه لا يدّعي
استحقاقه إيّاه عليه ولا يطلب تغريمه إيّاه ، إنّما يتمّ
قبل الأخذ
بالشفعة. أمّا بعده فالمشتري يدّعي الثمن في ذمّة الشفيع ويأتي فيه جميع ما سبق.
لا يقال : إنّه
لا يأخذ حتّى يستقرّ أمر الثمن؛ لما تقدّم من اشتراط العلم بقدره ، فما داما
متنازعين لا يأخذ ويتّجه الاعتذار.
لأنّا نقول : المعتبر
في أخذه علمه بالقدر بحسب ما عنده ، لا على وجه يرفع الاختلاف ، فإذا زعم العلم
بقدره جاز له الأخذ ووقع النزاع فيه بعد تملّكه للشقص ، فيكون المشتري هو المدّعي.
ويمكن أيضاً أن يتملّك الشقص برضاء المشتري قبل دفع الثمن ثمّ يقع التنازع بعدُ
فيصير المشتري
مدّعياً.
وتظهر الفائدة
لو أقاما بيّنة فالحكم لبيّنة الشفيع على المشهور ، وبيّنة
__________________
المشتري على الثاني.
(ولو
ادّعى أنّ شريكه اشترى بعده) وأ نّه يستحقّ عليه الشفعة فأنكر الشريك التأخّر (حلف الشريك) لأنّه منكر والأصل عدم الاستحقاق (ويكفيه الحلف على
نفي الشفعة) وإن أجاب بنفي التأخّر؛ لأنّ الغرض هو الاستحقاق ويكفي اليمين لنفيه ، وربما
كان صادقاً في نفي الاستحقاق وإن كان الشراء متأخّراً لسبب من الأسباب المسقطة
للشفعة ، فلا يكلّف الحلف على نفيه. ويحتمل لزوم حلفه على نفي التأخّر على تقدير
الجواب به؛ لأنّه ما أجاب به إلّا ويمكنه الحلف عليه ، وقد تقدّم مثله في القضاء .
(ولو
تداعيا السبق تحالفا) لأنّ كلّ واحد منهما مدّعٍ ومدّعى عليه ، فإذا تحالفا استقرّ ملكهما؛
لاندفاع دعوى كلٍّ منهما بيمين الآخر (ولا شفعة) لانتفاء السبق.
__________________
كتاب السبق والرماية
(كتاب السبق والرماية)
وهو عقد شُرّع
لفائدة التمرّن على مباشرة النِضال والاستعداد لممارسة القتال. والأصل فيه قوله
صلى الله عليه وآله : «لا سبق إلّافي نصل أو خفّ ، أو
حافر»
وقوله صلى الله
عليه وآله : «إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن
صاحبه ما خلا الحافر والخفّ والريش والنصل» .
و (إنّما ينعقد السبق) بسكون الباء (من الكاملين) بالبلوغ والعقل (الخاليين من الحَجر) لأنّه يقتضي تصرّفاً في المال (على الخيل والبغال
والحمير) وهي داخلة
في «الحافر» المثبت في الخبر (والإبل والفيلة) وهما داخلان في الخفّ (وعلى السيف والسهم والحراب ) وهي داخلة في «النصل» ويدخل السهم في «الريش» على الرواية الثانية إذا اشتمل عليه ، تسميةً للشيء باسم
جزئه. واُطلق السبق على ما يعمّ الرمي ، تبعاً للنصّ وتغليباً للاسم.
__________________
(لا
بالمصارعة والسُفُن والطيور ، والعَدْو) ورفع الأحجار ورميها ، ونحو ذلك؛ لدلالة الحديث السابق
على نفي مشروعيّة ما خرج عن الثلاثة.
هذا إذا تضمّن
السبق بذلك العوض. أمّا لو تجرّد عنه ففي تحريمه نظر ، من دلالة النصّ على عدم
مشروعيّته إن رُوي السبق بسكون الباء ليفيد نفي المصدر ، وإن رُوي بفتحها ـ كما
قيل إنّه الصحيح رواية ـ كان المنفي مشروعيّة العوض عليها ، فيبقى
الفعل على أصل الإباحة؛ إذ لم يرد شرعاً ما يدلّ على تحريم هذه الأشياء ، خصوصاً
مع تعلّق غرضٍ صحيحٍ بها. ولو قيل بعدم ثبوت رواية الفتح فاحتمال الأمرين يُسقط
دلالته على المنع.
(ولا
بدّ فيها * من إيجاب وقبول على الأقرب) لعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ)
«والمؤمنون عند شروطهم»
وكلّ من جعله
لازماً حكم بافتقاره إلى إيجاب وقبول.
وقيل : هو
جُعالة
لوجود بعض
خواصّها فيه وهي : أنّ بذل العوض فيه على ما لا يوثق بحصوله وعدم تعيين العامل
، فإنّ قوله : «من سبق فله كذا» غير متعيّن عند العقد ، ولأصالة عدم اللزوم وعدم اشتراط
القبول ، والأمر بالوفاء بالعقد مشروط بتحقّقه وهو موضع النزاع؛ سلّمنا لكنّ
الوفاء به هو العمل بمقتضاه لزوماً وجوازاً ، وإلّا لوجب الوفاء بالعقود الجائزة.
__________________
وفيه نظر؛ لأنّ
وجود بعض الخواصّ لا يقتضي الاتّحاد في الحكم مطلقاً ، وأصالة عدم اللزوم ارتفعت
بما دلّ عليه والأصل في الوفاء العمل بمقتضاه دائماً وخروج العقد الجائز تخصيص
للعامّ فيبقى حجّة في الباقي. نعم بقي الشكّ في كونه عقداً.
(وتعيين
العوض) وهو المال الذي
يبذل للسابق منهما قدراً وجنساً ووصفاً.
وظاهر العبارة
ككثير : أنّه شرط في صحّة العقد ، وفي التذكرة أنّه ليس بشرط ، وإنّما يعتبر
تعيينه لو شرط
وهو حسن.
(ويجوز
كونه منهما) معاً ومن أحدهما ، وفائدته حينئذٍ أنّ الباذل إن كان هو السابق أحرز ماله ،
وإن كان غيره أحرزه (ومن
بيت المال) لأنّه معدّ للمصالح وهذا منها؛ لما فيه من البعث على التمرّن على العمل
المترتّب عليه إقامة نظام الجهاد (ومن أجنبيّ) سواء كان الإمام أم غيره. وعلى كلّ تقدير فيجوز كونه
عيناً وديناً ، حالّاً ومؤجّلاً.
(ولا
يشترط المحلّل) وهو الذي يدخل بين المتراهنين
بالشرط في عقده
فيسابق معهما من غير عوض يبذله ليعتبر السابق منهما. ثمّ إن سَبَق أخذ العوض وإن
سُبق لم يغرم ، وهو بينهما كالأمين ، وإنّما لم يشترط؛ للأصل وتناولِ ما دلّ على
الجواز للعقد الخالي منه. وعند
بعض العامّة
وبعض أصحابنا
__________________
هو شرط ، وبه سُمّي محلّلاً؛ لتحريم العقد بدونه عندهم. وحيث شرط لزم ، فيُجري
دابّته بينهما أو إلى أحد الجانبين مع الإطلاق ، وإلى
ما شرط مع
التعيين؛ لأنّهما بإخراج السَبَق متنافران ، فيدخل بينهما ، لقطع تنافرهما.
(ويشترط
في السبق تقديرُ المسافة) التي يستبقان فيها (ابتداءً وغايةً) لئلّا يؤدّي إلى التنازع ، ولاختلاف الأغراض في ذلك
اختلافاً ظاهراً؛ لأنّ من الخيل ما يكون سريعاً في أوّل عَدْوه دون آخره ، فصاحبه
يطلب قصر المسافة ، ومنها ما هو بالعكس ، فينعكس الحكم.
(و)
تقديرُ (الخطر) وهو العوض إن شرطاه ، أو مطلقاً.
(وتعيين
ما يُسابق عليه) بالمشاهدة ولا يكفي الإطلاق ، ولا التعيين بالوصف؛ لاختلاف الأغراض بذلك
كثيراً (واحتمال
السبق في المعيَّنين) بمعنى احتمال كون كلّ واحد يسبق صاحبَه (فلو عُلم قصور أحدهما بطل) لانتفاء الفائدة حينئذٍ؛ لأنّ الغرض منه استعلام السابق.
ولا يقدح رجحان سبق أحدهما إذا أمكن سبق الآخر؛ لحصول الغرض معه.
(وأن
يجعل السبق) بفتح الباء وهو العوض (لأحدهما)
وهو السابق
منهما ، لا مطلقاً (أو
للمحلّل إن سبق ، لا لأجنبيّ) ولا للمسبوق منهما ومن المحلّل ، ولا جعل القسط الأوفر
للمتأخّر أو للمُصلّي والأقلّ للسابق؛ لمنافاة ذلك كلّه للغرض الأقصى من شرعيّته
وهو الحثّ على السبق والتمرّن عليه.
(ولا
يشترط التساوي في الموقف) للأصل ، وحصولِ الغرض مع تعيين المبدأ والغاية.
وقيل : يشترط؛
لانتفاء معرفة جودة عَدْو الفرس وفروسيّة الفارس مع عدم
__________________
التساوي
لأنّ عدم السبق
قد يكون مستنداً إليه ، فيخلّ بمقصوده. ومثله إرسال إحدى الدابّتين قبلَ الاُخرى.
(والسابق
هو الذي يتقدّم) على الآخر (بالعنق)
ظاهره اعتبار
التقدّم بجميعه. وقيل : يكفي بعضه
وهو حسن. ثمّ
إن اتّفقا في طول العنق أو قصره وسبق الأقصرُ عنقاً ببعضه فواضح ، وإلّا اعتبر سبق
الطويل بأكثر من قدر الزائد ، ولو سبق بأقلّ من قدر الزائد فالقصير هو السابق.
وفي عبارة كثير
أنّ السبق يحصل بالعنق والكَتَد معاً
وهو ـ بفتح
الفوقانيّة أشهر من كسرها ـ مجمع الكتفين بين أصل العنق والظهر ، وعليه يسقط
اعتبار بعضِ العنق. وقد يتّفق السبق بالكَتِد وحدَه ، كما لو قصر عنق السابق به أو
رفع أحد الفرسين عنقَه بحيث لم يمكن اعتباره به ، وبالقوائم فالمتقدّم بيديه عند
الغاية سابق؛ لأنّ السبق يحصل بهما والجري عليهما.
والأولى حينئذٍ
تعيين السبق بأحد الأربعة ومع الإطلاق يتّجه الاكتفاء بأحدها؛ لدلالة العرف عليه.
ويطلق على
السابق «المُجلّي».
(والمُصلّي
هو الذي يحاذي رأسه صَلْوَي السابق وهما : العظمان الناتئان عن يمين الذَنَب
وشماله) والتالي هو
الثالث. والبارع الرابع. والمرتاح الخامس. والحظيّ السادس. والعاطف السابع.
والمؤمِّل ـ مبنيّاً للفاعل ـ الثامن. واللطيم
__________________
ـ بفتح أوّله وكسر ثانيه ـ التاسع. والسُكيت ـ بضمّ السين ففتح الكاف ـ العاشر.
والفِسْكِل ـ بكسر الفاء فسكون السين فكسر الكاف ، أو بضمّهما كقُنْفُذ ـ الأخير.
وتظهر الفائدة
فيما لو شرط للمجلّي مالاً ، وللمصلّي أقلّ منه ، وهكذا ... إلى العاشر.
(ويشترط
في الرمي معرفة الرِشْق) بكسر الراء ، وهو عدد الرمي الذي يتّفقان عليه (كعشرين ، وعدد
الإصابة) كعشرة منها (وصفتها من المارق) وهو الذي يخرج من الغرض نافذاً ويقع من ورائه (والخاسق) بالمعجمة والمهملة
وهو الذي يثقب
الغرض ويقف فيه (والخازق)
بالمعجمة
والزاي ، وهو ما خدشه ولم يثقبه. وقيل : ثقبه ولم يثبت فيه
(والخاصل)
بالخاء المعجمة
والصاد المهملة ، وهو يطلق على القارع وهو ما أصاب الغرض ولم يؤثّر فيه ، وعلى
الخازق وعلى الخاسق ـ وقد عرفتهما ـ وعلى المصيب له كيف كان (وغيرها) من الأوصاف ، كالخاصر وهو ما أصاب أحد جانبيه. والخارم
وهو الذي يخرم حاشيته. والحابي وهو الواقع دونه ثمّ يحبو إليه مأخوذ من حَبْو
الصبيّ
ويقال على ما
وقع بين يدي الغرض ثمّ وثب إليه فأصابه وهو المزدلِف. والقارع وهو الذي يصيبه بلا
خدش.
ومقتضى اشتراطه
تعيينَ الصفة بطلانُ العقد بدونه ـ وهو أحد القولين
ـ
__________________
لاختلاف النوع الموجِب للغرر.
وقيل : يحمل
على أخير ما ذكره بمعناه الأخير
وهو الأقوى؛ لأنّه
القدر المشترك بين الجميع ، فيحمل الإطلاق عليه ، ولأصالة البراءة من وجوب التعيين
، ولأنّ اسم الإصابة واقع على الجميع ، فيكفي اشتراطه ، ولا غرر حيث يُعلم من
الإطلاق الدلالة على المشترك.
(وقدر
المسافة) إمّا بالمشاهدة
، أو بالتقدير كمئة ذراع؛ لاختلاف الإصابة بالقرب والبُعد (و) قدر (الغرض)
وهو ما يقصد
إصابته من قرطاس أو جلد أو غيرهما؛ لاختلافه بالسعة والضيق. ويشترط العلم بوضعه من
الهدف وهو ما يجعل فيه الغرض من تراب وغيره؛ لاختلافه في الرفعة والانحطاط الموجب
لاختلاف الإصابة.
(والسَبَق)
وهو العوض (وتماثل جنس الآلة) أي نوعها الخاصّ كالقوس العربي ، أو المنسوب إلى وضع
خاصّ؛ لاختلاف الرمي باختلافها (لا
شخصها) لعدم الفائدة
بعد تعيين النوع ، ولأدائه إلى التضييق بعروض مانع من المعيَّن يحوج إلى إبداله ، بل
قيل : إنّه لو عيّنه لم يتعيّن وجاز الإبدال وفسد الشرط .
وشمل إطلاق
«الآلة»
القوسَ والسهمَ
وغيرَهما. وقد ذكر جماعة أنّه لا يشترط تعيين السهم
لعدم الاختلاف
الفاحش الموجب لاختلاف الرمي ،
__________________
بخلاف القوس. وأ نّه لو لم يعيّن جنس الآلة انصرف إلى الأغلب عادة؛ لأنّه
جارٍ مجرى التقييد لفظاً ، فإن اضطربت فسد العقد؛ للغرر.
(ولا
يشترط) تعيين (المبادرة) وهي اشتراط استحقاق العوض لمن بدر إلى إصابة عددٍ معيَّن
من مقدار رِشق معيَّن مع تساويهما في الرِشق ، كخمسة من عشرين (ولا المحاطّة) وهي اشتراط استحقاقه لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم
بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الآخر وطرح ما اشتركا فيه.
(ويحمل
المطلق على المحاطّة) لأنّ اشتراط السَبَق إنّما يكون لإصابة معيّنة من أصل العدد المشترط في
العقد ، وذلك يقتضي إكمال العدد كلّه لتكون الإصابة المعيّنة منه ، وبالمبادرة قد
لا يفتقر إلى الإكمال ، فإنّهما إذا اشترطا رِشق عشرين وإصابة خمسة فرمى كلّ واحد
عشرة فأصاب أحدهما خمسة ، والآخر أربعة ـ مثلاً ـ فقد نضله
صاحب الخمسة ، ولا
يجب عليه الإكمال. بخلاف ما لو شرطا المحاطّة ، فإنّهما يتحاطّان أربعة بأربعة
ويبقى لصاحب الخمسة واحد ، ويجب الإكمال؛ لاحتمال اختصاص كلّ واحد بإصابة خمسة
فيما يبقى.
وقيل : يحمل
على المبادرة
لأنّه المتبادر
من إطلاق السبق لمن أصاب عدداً معيّناً ، وعدم وجوب الإكمال مشترك بينهما ، فإنّه
قد لا يجب الإكمال في المحاطّة على بعض الوجوه ، كما إذا انتفت فائدته؛ للعلم
باختصاص المصيب بالمشروط على كلّ تقدير ، بأن رمى أحدهما في المثال خمسة عشر
فأصابها ورماها الآخر فأصاب خمسة ، فإذا تحاطّا خمسة بخمسة بقي للآخر عشرة ،
__________________
وغاية ما يتّفق مع الإكمال أن يخطئ صاحب العشرة الخمسة ويصيبها الآخر ، فيبقى
له فضل خمسة ، وهي الشرط.
وما اختاره
المصنّف أقوى؛ لأنّه المتبادر وما ادّعي منه في المبادرة غير متبادر ، ووجوب
الإكمال فيها أغلب ، فتكثر الفائدة التي بسببها شرّعت المعاملة. ولو عيّنا إحداهما
كان أولى.
(فإذا
تمّ النضال) وهو المراماة ، وتمامه بتحقّق الإصابة المشروطة لأحدهما ، سواء أتمّ العدد
أجمع أم لا (ملك
الناضل) وهو الذي غلب
الآخر (العوض)
سواء جعلناه
لازماً كالإجارة ، أم جعالة. أمّا الأوّل : فلأنّ العوض في الإجارة وإن كان يُملك
بالعقد ، إلّاأ نّه هنا لمّا كان للغالب وهو غير معلوم بل يمكن عدمه أصلاً
توقّف الملك
على ظهوره. وجاز كونه لازماً برأسه يخالف الإجارة في هذا المعنى. وأمّا على
الجعالة : فلأنّ المال إنّما يملك فيها بتمام العمل ، وجواز الرهن عليه قبل ذلك
وضمانه نظراً إلى وجود السبب المملّك ، وهو العقد. وهذا يتمّ في الرهن. أمّا في
الضمان فيشكل بأنّ مجرّد السبب غير كافٍ ، كيف! ويمكن تخلّفه بعدم الإصابة فليس
بتامّ. وهذا ممّا يرجّح كونه جعالة.
(وإذا
فضل أحدُهما صاحبَه) بشيءٍ (فصالحه
على ترك الفضل لم يصحّ) لأنّه مفوِّت للغرض من المناضلة أو مخالف لوضعها.
(ولو
ظهر استحقاق العوض) المعيّن في العقد (وجب
على الباذل مثله أو قيمته) لأنّهما أقرب إلى ما وقع التراضي عليه من العوض الفاسد ،
كالصداق إذا ظهر فساده.
__________________
ويشكل بأنّ
استحقاق العوض المعيّن يقتضي فساد المعاملة كنظائره ، وذلك يوجب الرجوع إلى اُجرة
المثل للعوض الآخر. نعم ، لو زادت اُجرة المثل عن مثل المعيّن أو قيمته اتّجه سقوط
الزائد؛ لدخوله على عدمه. وهذا هو الأقوى. والمراد باُجرة المثل هنا ما يبذل لذلك
العمل الواقع من المستحقّ له عادة. فإن لم تستقرّ العادة على شيءٍ رجع إلى الصلح.
وربما قيل بأ
نّه اُجرة مثل الزمان الذي وقع العمل فيه ، نظراً إلى أنّ ذلك اُجرة مثل الحرّ لو
غصب تلك المدّة
والأجود
الأوّل.
__________________
كتاب الجعالة
(كتاب الجعالة)
(وهي)
لغةً مال يجعل
على فعل ، وشرعاً (صيغة
ثمرتها تحصيل المنفعة بعوض مع عدم اشتراط العلم فيهما) في العمل والعوض ، ك (من ردّ عبدي فله نصفه) مع الجهالة به وبمكانه ، وبهذا تتميّز عن الإجارة على
تحصيل منفعة معيّنة؛ لأنّ التعيين شرط في الإجارة ، وكذا عوضها. أمّا عدم اشتراط
العلم بالعمل هنا فموضع وفاق ، وأمّا العوض ففيه خلاف يأتي تحقيقه.
(ويجوز
على كلّ عمل محلَّل مقصود) للعقلاء غير واجب على العامل ، فلا يصحّ على الأعمال
المحرّمة كالزنا ، ولا على ما لا غاية له معتدّ بها عقلاً ، كنزف ماء البئر
والذهاب ليلاً إلى بعض المواضع الخطيرة ، ونحوهما ممّا يقصده العابثون. نعم ، لو
كان الغرض به التمرّن على الشجاعة وإضعاف الوهم ونحوه من الأغراض المقصودة للعقلاء
صحّ ، وكذا لا يصحّ على الواجب عليه كالصلاة.
(ولا
يفتقر إلى قبول) لفظيّ ، بل يكفي فعل مقتضى الاستدعاء به (ولا إلى مخاطبة شخص معيّن ، فلو قال : من
ردّ عبدي أو خاط ثوبي) بصيغة العموم (فله
كذا صحّ ، أو فله مال ، أو شيء) ونحوهما من العوض المجهول صحّ (إذ العلم بالعوض غير
شرط في تحقّق الجعالة وإنّما هو) شرط (في
تشخّصه وتعيّنه ، فإن أراد ذلك) التعيّن (فليذكر جنسه وقدره ، وإلّا) يذكره أو ذكره
ولم يعيّنه (ثبت
بالردّ اُجرة المثل).
ويشكل بأنّ
ثبوت اُجرة المثل لا تقتضي صحّة العقد ، بل هي ظاهرة في فساده ، وإنّما أوجبها
الأمرُ بعملٍ له اُجرة عادةً ، كما لو استدعاه ولم يعيّن عوضاً. إلّا أن يقال : إنّ
مثل ذلك يُعدّ جعالة أيضاً ، فإنّها لا تنحصر في لفظ ، ويرشد إليه اتّفاقهم على
الحكم من غير تعرّض للبطلان.
وفيه : أنّ
الجعالة مستلزمة لجعل شيءٍ ، فإذا لم يذكره لا يتحقّق مفهومها وإن ترتّب عليها
العوض.
وقيل : إن كانت
الجهالة لا تمنع من التسليم لزم بالعمل العوضُ المعيّن لا اُجرة المثل ك «من
ردّ عبدي فله نصفه»
فردّه من لا
يعرفه. ولا بأس به. وعلى هذا فيصحّ جعله صبرة مشاهدة مجهولة المقدار ، وحصّةً من
نماء شجر على عمله ، وزرع كذلك ، ونحوها.
والفرق بينه وبين
«الشيء» و«المال» مقوليّتهما على القليل والكثير المفضي إلى التنازع والتجاذب فلم يصحّ على هذا الوجه ،
بخلاف ما لا يمنع من التسليم ، فإنّه أمر واحد لا يقبل الاختلاف ، ومسمّاه لتشخّصه
لا يقبل التعدّد ، وقبوله للاختلاف قيمة بالزيادة والنقصان قد قدم عليه العامل كيف
كان ويمكن التبرّع به ، فإذا قدم على العوض الخاصّ انتفى الغرر؛ لأنّه معيَّن في
حدّ ذاته.
(ويشترط
في الجاعل الكمال) بالبلوغ والعقل (وعدم
الحجر) لأنّه باذل
لمالٍ فيعتبر رفع الحجر عنه ، بخلاف العامل ، فإنّه يستحقّ
الجعل وإن كان
__________________
صبيّاً مميّزاً بغير إذن وليّه ، وفي غير المميّز والمجنون وجهان : من وقوع
العمل المبذول عليه ، ومن عدم القصد.
(ولو
عيّن الجعالة لواحد وردّ غيره فهو متبرّع) بالعمل (لا شيء له) للتبرّع ، ولا للمعيّن؛ لعدم الفعل (ولو شارك المعيَّن
فإن قصد التبرّع عليه فالجميع للمعيّن) لوقوع الفعل بأجمعه له (وإلّا) يقصد التبرّع عليه بأن أطلق أو قصد العمل لنفسه أو التبرّع
على المالك (فالنصف)
للمعيّن خاصّة؛
لحصوله بفعلين : أحدهما مجعول له والآخر متبرَّع ، فيستحقّ النصف بناءً على قسمة
العوض على الرؤوس.
والأقوى بسطه
على عملهما ، فيستحقّ المعيّن بنسبة عمله ، قصر عن النصف أم زاد ، وهو خيرة
المصنّف في الدروس
ومثله ما لو عمل
معه المالك (ولا
شيء للمتبرّع).
(وتجوز
الجعالة من الأجنبيّ) فيلزمه المال ، دون المالك إن لم يأمره به ، ولو جعله من مال المالك بغير
إذنه فهو فضوليّ.
(ويجب
عليه) أي على الجاعل
مطلقاً (الجُعل
مع العمل المشروط) حيث يتعيّن ، وإلّا فما ذُكر بدله.
(وهي
جائزة من طرف العامل مطلقاً) قبل التلبّس بالعمل وبعده ، فله الرجوع متى شاء ، ولا
يستحقّ شيئاً لما حصل منه من العمل قبل تمامه مطلقاً.
(وأمّا
الجاعل فجائزة) من طرفه (قبل
التلبّس) بالعمل (وأمّا بعده فجائزة
بالنسبة إلى ما بقي من العمل) فإذا فسخ فيه انتفى عنه بنسبته من العوض (أمّا الماضي
فعليه اُجرته) وهذا في الحقيقة لا يخرج عن كونها جائزة من قبله
__________________
مطلقاً ، فإنّ المراد بالعقد الجائز أو الإيقاع ما يصحّ فسخه لمن جاز من
طرفه. وثبوت العوض لا ينافي جوازَه ، كما أنّها بعد تمام العمل يلزمها جميع العوض
مع أنّها من العقود الجائزة. وكذا الوكالة بجعل بعد تمام العمل ، واستحقاق الجعل
لا يخرجها عن كونها عقداً جائزاً ، فينبغي أن يقال : إنّها جائزة مطلقاً ، لكن إذا
كان الفسخ من المالك ثبت للعامل بنسبة ما سبق من العمل إلى المسمّى على الأقوى.
وقيل : اُجرة مثله .
وربما اُشكل
ذلك فيما لو كانت على ردّ ضالّة مثلاً ثمّ فسخ وقد صارت بيده ، فإنّه لا يكاد
يتحقّق للفسخ معنى حينئذٍ؛ إذ لا يجوز له تركها ، بل يجب تسليمها إلى المالك أو من
يقوم مقامه ، فلا يتحقّق فائدة للفسخ حينئذٍ.
ويمكن دفعه
بأنّ فائدة البطلان عدم سلامة جميع العوض له على هذا التقدير ، بل يستحقّ لما سبق
بنسبته ويبقى له فيما بعد ذلك اُجرة المثل على ما يعمله إلى أن يتسلّمه المالك وهو
حفظه عنده ونحوه؛ إذ لا يجب عليه حينئذٍ ردّه إلى المالك ، بل تمكينه منه إن كان
قد علم بوصوله إلى يده ، وإن لم يعلم وجب إعلامه.
(ولو)
رجع المالك
فيها قبل العمل ، أو في أثنائه و (لم يعلم العامل رجوعَه) حتّى أكمل العمل (فله كمال الاُجرة) ولو علم في الأثناء فله بنسبة ما سلف قبل العلم. وينبغي
أن يراد بالعلم ما يثبت به ذلك شرعاً ليشمل السماع من المالك ، والشياع المفيد
للعلم ، وخبر العدلين ، لا الواحد وإن حُكم به في عزل الوكالة بنصّ خاصّ .
__________________
(ولو
أوقع) المالك (صيغتين) للجعالة مختلفتين في مقدار العوض أو في بعض أوصافها (عمل بالأخيرة إذا
سمعهما العامل) لأنّ الجعالة جائزة ، فالثانية رجوع عن الاُولى ، سواء زادت أم نقصت (وإلّا) يسمعهما (فالمعتبر ما سمع) من الاُولى والأخيرة. ولو سمع الثانية بعد الشروع في
العمل ، فله من الاُولى بنسبة ما عمل إلى الجميع
ومن الثانية
بنسبة الباقي.
(وإنّما
يستحقّ الجُعل على الردّ بتسليم المردود) إلى مالكه مع الإطلاق أو التصريح بالجعل على إيصاله إلى
يده (فلو
جاء به إلى باب منزل المالك فهرب فلا شيء للعامل) لعدم إتمامه العمل الذي هو شرط الاستحقاق. ومثله ما لو
مات قبل وصوله إلى يده وإن كان بداره. مع احتمال الاستحقاق هنا؛ لأنّ المانع من
قبل اللّٰه تعالى ، لا من قبل العامل. ولو كان الجعل على إيصاله إلى البلد
أو إلى منزل المالك استحقّ الجميع بالامتثال.
(ولا
يستحقّ الاُجرة إلّاببذل الجاعل) أي استدعائه الردّ ، سواء كان مع بذل عوض أم لا (فلو ردّ بغيره كان
متبرّعاً) لا عوض له مطلقاً ، وكذا لو ردّ من لم يسمع الجعالة على قصد التبرّع ، أو بقصد يغاير ما
بذله المالك جنساً أو وصفاً.
__________________
ولو ردّ بنيّة
العوض مطلقاً
وكان ممّن يدخل
في عموم الصيغة أو إطلاقها ، ففي استحقاقه قولان
منشؤهما : فعلُه
متعلَّقَ الجعل مطابقاً لصدوره من المالك على وجهٍ يشمله ، وأ نّه عمل محترم لم
يقصد به فاعله التبرّع وقد وقع بإذن الجاعل ، فقد وُجِد المقتضي ، والمانع ليس إلّاعدم
علمه بصدور الجعل ، ومثله يشكّ في مانعيّته؛ لعدم الدليل عليه ، فيعمل المقتضي
عمَلَه. ومن أنّه بالنسبة إلى اعتقاده متبرّع؛ إذ لا عبرة بقصده من دون جَعل
المالك ، وعدمُ سماعه في قوّة عدمه عنده.
وفصّل ثالث
ففرّق بين من ردّ كذلك عالماً بأنّ العمل بدون الجعل تبرّع وإن قصد العامل العوض ،
وبين غيره؛ لأنّ الأوّل متبرّع محضاً ، بخلاف الثاني .
واستقرب
المصنّف الأوّل ، والتفصيل متّجه.
مسائل
(كلّما
لم يُعيَّن جُعل) إمّا لتركه أصلاً ، بأن استدعى الردّ وأطلق ، أو لذكره مبهماً كما سلف (فاُجرة المثل) لمن عمل مقتضاه سامعاً للصيغة غير متبرّع بالعمل ، إلّاأن
يصرّح بالاستدعاء مجّاناً فلا شيء.
وقيل : لا
اُجرة مع إطلاق الاستدعاء
والأوّل أجود.
نعم لو كان العمل ممّا
__________________
لا اُجرة له عادةً لقلّته فلا شيء للعامل ، كمن أمر غيره بعمل من غير أن
يذكر اُجرة.
(إلّافي
ردّ الآبق من المصر) الذي فيه مالكه إليه (فدينار
، و) في ردّه (من غيره) سواء كان من مصر آخر أم لا (أربعة دنانير) في المشهور. ومستنده ضعيف .
ولو قيل بثبوت
اُجرة المثل فيه كغيره كان حسناً. والمراد بالدينار على القول به : الشرعي ، وهو
المثقال الذي كانت قيمته عشرة دراهم.
(والبعير
كذا) أي كالآبق في
الحكم المذكور ، ولا نصّ عليه بخصوصه ، وإنّما ذكره الشيخان
وتبعهما عليه
جماعة ويظهر من المفيد أنّ به رواية؛ لأنّه قال :
«بذلك ثبتت السنّة» وفي إلحاقه على تقدير ثبوت الحكم في الآبق إشكال. ويقوى الإشكال لو قصرت
قيمتهما عن الدينار والأربعة. وينبغي حينئذٍ أن يثبت على المالك أقلّ الأمرين من
قيمته والمقدّر شرعاً. ومبنى الرواية على الغالب من زيادة قيمته عن ذلك كثيراً.
(ولو بذل جُعلاً) لمن ردّه واحداً كان أم أكثر (فردّه جماعة
استحقّوه
__________________
بينهم
بالسويّة) ولو كان العمل غير الردّ من الأعمال التي يمكن وقوعها أجمع من كلّ واحد منهم
كدخول داره مع الغرض الصحيح فلكلٍّ ما عيّن.
(ولو
جعل لكلّ من الثلاثة) جُعلاً (مغايراً)
للآخرينَ ، كأن
جعل لأحدهما ديناراً وللآخر دينارين وللثالث ثلاثة (فردّوه ، فلكلٍّ ثلثُ ما جعل له) ولو ردّه أحدهم فله ما عيّن له أجمع ، ولو ردّه اثنان
منهم فلكلٍّ منهما نصف ما عيّن له (ولو لم يسمّ لبعضهم) جعلاً مخصوصاً (فله ثلث اُجرة المثل) ولكلّ واحد من الآخرين ثلث ما عيّن له. ولو ردّه من لم
يُسمّ له وأحدَهما فله نصف اُجرة مثله ، وللآخر نصف ما سمّى له ، وهكذا ... (ولو كانوا أزيد) من ثلاثة (فبالنسبة) أي لو ردّوه أجمع فلكلّ واحدٍ بنسبة عمله إلى المجموع من
اُجرة المثل أو المسمّى.
(ولو
اختلفا في أصل الجعالة) بأن ادّعى العامل الجعل وأنكره المالك وادّعى التبرّع (حلف المالك) لأصالة عدم الجعل (وكذا) يحلف المالك لو اختلفا (في تعيين الآبق) مع اتّفاقهما على الجعالة ، بأن قال المالك : إنّ
المردود ليس هو المجعول وادّعاه العامل؛ لأصالة براءة ذمّته من المال الذي يدّعي
العامل استحقاقَه.
(ولو
اختلفا في السعي ، بأن قال المالك : حصل في يدك قبل الجعل) ـ بفتح الجيم ـ وقال الرادّ : بل بعده (حلف) المالك أيضاً (للأصل) وهو براءة ذمّته من حقّ الجعالة ، أو عدم تقدّم الجَعل
على حصوله في يده ، وإن كان الأصل أيضاً عدم تقدّم وصوله إلى يده على الجَعل ، إلّاأ
نّه بتعارض الأصلين لا يثبت في ذمّة المالك شيء. ومثله ما لو قال المالك : حصل في
يدك قبل علمك بالجَعل ، أو من غير سعي وإن كان بعد صدوره.
(وفي
قدر الجُعل كذلك) يحلف المالك؛ لأصالة براءته من الزائد ، ولأنّ
العامل مدّعٍ للزائد والمالك منكر (فيثبت للعامل) بيمين المالك (أقلّ الأمرين من اُجرة المثل وممّا
ادّعاه) لأنّ الأقلّ إن
كان الاُجرة فقد انتفى ما يدّعيه العامل بيمين المالك ، وإن كان ما يدّعيه العامل
فلاعترافه بعدم استحقاق الزائد
وبراءة ذمّة
المالك منه ، والحال أنّهما معترفان بأنّ عمله بجعل في الجملة وأ نّه عمل محترم ، فتثبت
له الاُجرة إن لم ينتفِ بعضها بإنكاره (إلّاأن يزيد ما ادّعاه المالك) عن اُجرة المثل فتثبت الزيادة؛ لاعترافه باستحقاق العامل
إيّاها والعامل لا ينكرها.
(وقال)
الشيخ نجيب
الدين (ابن
نما رحمه الله
:
إذا حلف المالك) على نفي ما ادّعاه العامل (ثبت ما ادّعاه) هو؛ لأصالة عدم الزائد واتّفاقِهما على العقد المشخّص
بالعوض المعيَّن وانحصاره في دعواهما ، فإذا حلف المالك على نفي ما ادّعاه العامل
ثبت مدّعاه ، لقضيّة الحصر (وهو
قويّ كمال الإجارة) إذا اختلفا في قدره.
وقيل : يتحالفان
لأنّ كلّاً منهما مدّعٍ ومدّعى عليه ، فلا ترجيح لأحدهما
، فيحلف كلّ منهما على نفي ما يدّعيه الآخر ويثبت الأقلّ كما مرّ.
والتحقيق : أنّ
اختلافهما في القدر إن كان مجرّداً عن التسمية ، بأن قال العامل : إنّي أستحقّ مئة
من جهة الجعل الفلاني ، فأنكر المالك وادّعى أنّه خمسون فالقول قول المالك؛ لأنّه
منكر محض والأصل براءته من الزائد ، كما يقدّم قوله لو أنكر أصل الجَعل. ولا
يتوجّه اليمين هنا من طرف العامل أصلاً.
__________________
وإن قال : جعلت
لي مئة ، فقال : بل خمسين ، ففيه الوجهان الماضيان في الإجارة .
والأقوى تقديم
قول المالك أيضاً؛ لاتّفاقهما على صدور الفعل بعوض واختلافهما في مقداره خاصّة ، فليس
كلّ منهما مدّعياً لما ينفيه الآخر.
وإن كان
اختلافهما في جنس المجعول مع اختلافه بالقيمة ، فادّعى المالك جعل شيء معيّن يساوي
خمسين ، وادّعى العامل جعل غيره ممّا يساوي مئتين ، فالتحالف هنا متعيّن؛ لأنّ
كلّاً منهما يدّعي ما ينكره الآخر ، إلّاأنّ ذلك نشأ من اختلاف الجُعل جنساً أو
وصفاً ، لا من اختلافه قدراً ، وإذا فرض اختلاف الجنس فالقول بالتحالف [أولى]
وإن تساويا
قيمة. وإنّما ذكرنا اختلاف الجنس في هذا القسم؛ لأنّ جماعة ـ كالمحقّق والعلّامة
ـ شرّكوا بينه
وبين الاختلاف قدراً في الحكم. وليس بواضح.
ويبقى في القول
بالتحالف مطلقاً إشكال آخر ، وهو فيما إذا تساوت الاُجرة وما يدّعيه المالك ، أو
زاد ما يدّعيه عنها ، فإنّه لا وجه لتحليف العامل بعد حلف المالك على نفي الزائد
الذي يدّعيه العامل؛ لثبوت ما حكم به من مدّعى المالك زائداً عن الاُجرة أو
مساوياً باعترافه ، فتكليف العامل باليمين حينئذٍ لا وجه له؛ لاعتراف المالك به ، وإنّما
يتوجّه لو زادت اُجرة المثل عمّا يدّعيه المالك ، فيتوقّف إثبات الزائد من الاُجرة
عمّا يدّعيه على يمين المدّعي ، وهو العامل.
__________________
كتاب الوصايا
(كتاب الوصايا)
(وفيه
فصول) :
(الأوّل)
(الوصيّة)
ماخوذه من وصى
يصي ، أو أوصى يوصي ، أو وصّى يوصّي. وأصلها الوصل ، وسمّي هذا التصرّف وصيّة لما
فيه من وُصلة التصرّف في حال الحياة به بعد الوفاة ، أو وُصلة القربة في تلك الحال
بها في الحالة الاُخرى.
وشرعاً : (تمليك عين أو منفعة
أو تسليط على تصرّف بعد الوفاة) فالتمليك بمنزلة الجنس يشمل سائر التصرّفات المملّكة من
البيع والوقف والهبة. وفي ذكر العين والمنفعة تنبيه على متعلّقي الوصيّة. ويندرج
في «العين» الموجود منها بالفعل كالشجرة ، والقوّة كالثمرة المتجدّدة. وفي «المنفعة»
المؤبّدة والمؤقّتة والمطلقة. ويدخل في «التسليط على التصرّف» الوصاية إلى الغير
بإنفاذ الوصيّة ، والولاية على من للموصي عليه ولاية. ويخرج ب «بعديّة الموت» الهبةُ
وغيرها من التصرّفات المنجَّزة في الحياة المتعلّقة بإحداهما والوكالةُ؛ لأنّها تسليط على التصرّف في
الحياة.
وينتقض في عكسه
بالوصيّة بالعتق فإنّه فكّ ملك ، والتدبير فإنّه وصيّة به عند الأكثر
والوصيّة
بإبراء المديون ، وبوقف المسجد فإنّه فكّ ملك أيضاً ، وبالوصيّة بالمضاربة
والمساقاة ، فإنّهما وإن أفادا ملك العامل الحصّة من الربح والثمرة على تقدير
ظهورهما ، إلّاأنّ حقيقتهما ليست كذلك ، وقد لا يحصل ربح ولا ثمرة ، فينتفي التمليك.
(وإيجابها
: أوصيت) لفلان بكذا (أو افعلوا كذا بعد
وفاتي) هذا القيد
يحتاج إليه في الصيغة الثانية خاصّة؛ لأنّها أعمّ ممّا بعد الوفاة. أمّا الاُولى
فمقتضاها كون ذلك بعد الوفاة (أو
لفلان بعد وفاتي) كذا ، ونحو ذلك من الألفاظ الدالّة على المعنى المطلوب.
(والقبول
: الرضا) بما دلّ عليه
الإيجاب ، سواء وقع باللفظ أم بالفعل الدالّ عليه كالأخذ والتصرّف. وإنّما يفتقر
إليه في من يمكن في حقّه كالمحصور ، لا غيره كالفقراء والفقهاء وبني هاشم والمسجد
والقنطرة ، كما سيأتي .
واستفيد من
افتقارها إلى الإيجاب والقبول أنّها من جملة العقود ، ومن جواز رجوع الموصي ما دام
حيّاً والموصى له كذلك ما لم يقبل بعد الوفاة ـ كما سيأتي ـ أنّها من العقود
الجائزة. وقد تلحق باللازمة على بعض الوجوه
كما يعلم ذلك
من القيود.
ولمّا كان
الغالب عليها حكم الجواز لم يشترط فيها القبول اللفظي ، ولا مقارنته للإيجاب ، بل
يجوز مطلقاً سواء (تأخّر)
عن الإيجاب (أو قارن).
__________________
ويمكن أن يريد
بتأخّره تأخّره عن الحياة ومقارنته للوفاة. والأوّل أوفق بمذهب المصنّف؛ لأنّه يرى
جواز تقديم القبول على الوفاة
والثاني
للمشهور .
ومبنى القولين
على أنّ الإيجاب في الوصيّة إنّما يتعلّق بما بعد الوفاة؛ لأنّها تمليك أو ما في
حكمه بعدَ الموت ، فلو قبل قبلَه لم يطابق القبول الإيجاب ، وأنّ المتعلّق بالوفاة
تمام الملك على تقدير القبول والقبض لا إحداث سببه ، فإنّ الإيجاب جزء السبب فجاز
أن يكون القبول كذلك وبالموت يتمّ ، أو يجعل الموت شرطاً لحصول الملك بالعقد ، كالبيع
على بعض الوجوه
وهذا أقوى.
وتعلّق الإيجاب بالتمليك بعد الموت لا ينافي قبوله قبلَه؛ لأنّه قبوله بعدَه
أيضاً.
وإنّما يصحّ
القبول على التقديرين (ما
لم يردّ) الوصيّة قبلَه (فإن ردّ) حينئذٍ لم يؤثّر القبول؛ لبطلان الإيجاب بردّه. نعم لو
ردّ (في
حياة الموصي جاز القبول بعد وفاته) إذ لا اعتبار بردّه السابق ، حيث إنّ الملك لا يمكن
تحقّقه حال الحياة ، والمتأخّر لم يقع بعدُ.
وهذا بمذهب من
يعتبر تأخّر القبول عن الحياة أوفق. أمّا على تقدير جواز تقدّمه
في حال الحياة
فينبغي تأثير الردّ حالتها أيضاً؛ لفوات أحد ركني العقد حال اعتباره. بل يمكن
القول بعدم جواز القبول بعد الردّ مطلقاً
لإبطاله
الإيجاب
__________________
السابق ، ولم يحصل بعد ذلك ما يقتضيها ، كما لو ردّ المتّهب الهبة.
ولو فرّق بأنّ
المانع هنا
انتفاء
المقارنة بين القبول والإيجاب. قلنا : مثله في ردّ الوكيل الوكالة ، فإنّه ليس له
التصرّف بعد ذلك بالإذن السابق وإن جاز تراخي القبول. وفي الدروس نسب الحكم بجواز
القبول حينئذٍ بعد الوفاة إلى المشهور
مؤذناً بتمريضه
، ولعلّ المشهور مبنيّاً
على الحكم
المشهور السابق
.
(وإن
ردّ بعدَ الوفاة قبلَ القبول بطلت وإن قبض) اتّفاقاً؛ إذ لا أثر للقبض من دون القبول (وإن ردّ بعد القبول
لم تبطل وإن لم يقبض) على أجود القولين
لحصول الملك
بالقبول فلا يُبطله الردّ ، كردّ غيره من العقود المملّكة بعد تحقّقه ، فإنّ زوال
الملك بعد ثبوته يتوقّف على وجود السبب الناقل ولم يتحقّق ، والأصل عدمه.
وقيل : يصحّ
الردّ بناءً على أنّ القبض شرط في صحّة الملك كالهبة ، فتبطل بالردّ قبله .
__________________
ويضعّف ببطلان
القياس وثبوت حكمها بأمر خارج لا يقتضي المشاركة بمجرّده وأصالة عدم الزوال بذلك ،
واستصحاب حكم الملك ثابت.
(وينتقل
حقّ القبول إلى الوارث) لو مات الموصىٰ له قبلَه ، سواء مات في حياة
الموصي أم بعدها على المشهور ، ومستنده رواية
تدلّ بإطلاقها
عليه.
وقيل : تبطل
الوصيّة بموته
لظاهر صحيحة
أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الصادق عليه السلام .
وفصّل ثالث
فأبطلها بموته في حياته ، لا بعدها .
والأقوى
البطلان مع تعلّق غرضه بالمورّث ، وإلّا فلا. وهو مختار المصنّف في الدروس
ويمكن الجمع به
بين الأخبار لو وجب .
__________________
ثمّ إن كان
موته قبل موت الموصي لم تدخل العين في ملكه ، وإن كان بعدَه ففي دخولها وجهان
مبنيّان على أنّ القبول هل هو كاشف عن سبق الملك من حين الموت ، أم ناقل له من
حينه ، أم الملك يحصل للموصى له بالوفاة متزلزلاً ويستقرّ بالقبول؟ أوجه تأتي.
وتظهر الفائدة
فيما لو كان الموصىٰ به ينعتق على الموصىٰ له الميّت لو ملكه.
(وتصحّ)
الوصيّة (مطلقة) غير مقيّدة بزمان أو وصف (مثل ما تقدّم) من قوله : «أوصيت»
أو «افعلوا كذا بعد وفاتي» أو «لفلان بعد وفاتي» (ومقيّدة ، مثل) افعلوا (بعد وفاتي في سنة كذا ، أو * في
سفر كذا ، فيتخصّص) بما خصّصه من السَنَة أو السفر ونحوهما ، فلو مات في غيرها أو غيره بطلت
الوصيّة؛ لاختصاصها بمحلّ القيد فلا وصيّة بدونه.
(وتكفي
الإشارة) الدالّة على
المراد قطعاً في إيجاب الوصيّة (مع
تعذّر اللفظ) لخرس ، واعتقال لسانٍ بمرض ونحوه (وكذا) تكفي (الكتابة)
كذلك (مع القرينة) الدالّة قطعاً على قصد الوصيّة بها ، لا مطلقاً؛ لأنّها
أعمّ.
ولا تكفيان مع
الاختيار وإن شوهد كاتباً أو علم خطّه أو عمل الورثة ببعضها ـ خلافاً للشيخ في
الأخير
ـ أو قال : «إنّه
بخطّي وأنا عالم به» أو «هذه وصيّتي فاشهدوا عليّ بها» ونحو ذلك ، بل لا بدّ من
تلفّظه به أو قراءته عليه واعترافه بعد ذلك؛ لأنّ الشهادة مشروطة بالعلم وهو منفيّ هنا. خلافاً لابن
الجنيد حيث اكتفى به مع حفظ الشاهد له عنده .
__________________
والأقوى
الاكتفاء بقراءة الشاهد له مع نفسه مع اعتراف الموصي بمعرفته ما فيه وأ نّه موصى
به. وكذا القول
في المقرّ.
(والوصيّة
للجهة العامّة مثل الفقراء) والفقهاء وبني هاشم (والمساجد والمدارس لا تحتاج إلى القبول)
لتعذّره إن
اُريد من الجميع ، واستلزامه الترجيح من غير مرجّح إن اُريد من البعض. ولا يفتقر
إلى قبول الحاكم أو منصوبه وإن أمكن كالوقف.
وربما قيل فيه
بذلك ولكن لا قائل به هنا. ولعلّ مجال الوصيّة أوسع ، ومن
ثَمّ لم يشترط فيها التنجيز ولا فوريّة القبول ولا صراحة الإيجاب ولا وقوعه بالعربيّة
مع القدرة.
(والظاهر
أنّ القبول كاشف عن سبق الملك) للموصى له (بالموت) لا ناقل له من حينه؛ إذ لولاه لزم بقاء الملك بعد الموت
بغير مالك؛ إذ الميّت لا يملك؛ لخروجه به عن أهليّته كالجمادات وانتقال ماله عنه ،
ولا الوارث ، لظاهر قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ
يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ)
فلو لم ينتقل
إلى الموصى له لزم خلوّه عن المالك؛ إذ لا يصلح لغير من ذكر.
ووجه الثاني
أنّ القبول معتبر في حصول الملك ، فهو إمّا جزء السبب أو شرط ـ كقبول البيع ـ فيمتنع
تقدّم الملك عليه. وكونها من جملة العقود يرشد إلى أنّ القبول جزء السبب الناقل
للملك والآخر الإيجاب ، كما يستفاد من تعريفهم
__________________
العقود بأ نّها «الألفاظ الدالّة على
نقل الملك على الوجه المناسب له»
وهو العين في
البيع والمنفعة في الإجارة ، ونحو ذلك ، فيكون الموت شرطاً في انتقال الملك ، كما
أنّ الملك للعين والعلم بالعوضين شرط فيه. فإن اجتمعت الشرائط قبل تمام العقد بأن
كان مالكاً للمبيع تحقّقت ثمرته به
وإن تخلّف
بعضها ، فقد يحصل منه بطلانه كالعلم بالعوض ، وقد تبقى موقوفة على ذلك الشرط ، فإذا
حصل تحقّق تأثير السبب الناقل وهو العقد ، كإجازة المالك في عقد الفضولي ، والموت
في الوصيّة. فالانتقال حصل بالعقد ، لكنّه موقوف على الشرط المذكور ، فإذا تأخّر
قبول الوصيّة كان الملك موقوفاً عليه ، والشرط ـ وهو الموت ـ حاصل
قبلَه ، فلا
يتحقّق الملك قبلَ القبول.
ويشكل بأنّ هذا
لو تمّ يقتضي أنّ قبول الوصيّة لو تقدّم على الموت حصل الملك به حصولاً متوقّفاً
على الشرط وهو الموت ، فيكون الموت كاشفاً عن حصوله بعد القبول كإجازة المالك بعد
العقد ، والقائل بالنقل لا يقول بحصول الملك قبل الموت مطلقاً .
فتبيّن أنّ
الموت شرط في انتقال الملك ، بل حقيقة الوصيّة التمليك بعده ، كما عُلم من
تعريفها. فإن تقدّم القبول توقّف الملك على الموت ، وإن تأخّر عنه فمقتضى حكم
العقد عدم تحقّقه بدون القبول ، فيكون تمام الملك موقوفاً على الإيجاب والقبول
والموت. وبالجملة فالقول بالكشف متوجّه لولا مخالفة ما عُلم
__________________
من حكم العقد.
(ويشترط
في الموصي الكمال) بالبلوغ والعقل ورفع الحجر. (وفي وصيّة من بلغ عشراً قول مشهور) بين الأصحاب مستند
إلى روايات
متظافرة
بعضها صحيح
إلّاأ نّها
مخالفة لاُصول المذهب وسبيل الاحتياط.
(أمّا
المجنون والسكران ومن جرح نفسه بالمهلك فالوصيّة) من كلّ منهم (باطلة) أمّا الأوّلان فظاهر ، لانتفاء العقل ورفع القلم. وأمّا
الأخير فمستنده صحيحة أبي ولّاد عن الصادق عليه السلام
: «فإن كان أوصى بوصيّة بعدما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيّته
س
ولدلالة هذا
الفعل على سفهه؛ ولأ نّه في حكم الميّت فلا تجري عليه الأحكام الجارية على الحيّ ،
ومن ثمَّ لا تقع عليه الذكاة لو كان قابلاً لها.
وقيل : تصحّ
وصيّته مع ثبات عقله كغيره
وهو حسن ، لولا
معارضة النصّ المشهور
وأمّا دلالة
الفعل على سفهه فغير واضح. وأضعف منه كونه في حكم الميّت ، فإنّه غير مانع من
التصرّف مع تيقّن رشده.
وموضع الخلاف
ما إذا تعمّد الجَرح ، فلو وقع منه سهواً أو خطأً لم تمتنع
__________________
وصيّته إجماعاً.
(و)
يشترط (في الموصى له الوجود)
حالة الوصيّة (وصحّة التملّك ، فلو
أوصى للحمل اعتبر) وجوده حالَ الوصيّة (بوضعه
لدون ستّة أشهر منذ حين *
الوصيّة)
فيعلم بذلك
كونه موجوداً حالتَها (أو
بأقصى) مدّة (الحمل) فما دون (إذا لم يكن هناك زوج ولا مولى) فإن كان أحدهما لم تصحّ؛ لعدم العلم بوجوده عندها ، وأصالة
عدمه؛ لإمكان تجدّده بعدها. وقيام الاحتمال مع عدمهما بإمكان الزنا والشبهة مندفع
بأنّ الأصل عدم إقدام المسلم على الزنا كغيره من المحرّمات وندور الشبهة. ويشكل
الأوّل
لو كانت كافرة
حيث تصحّ الوصيّة لحملها.
وربما قيل على
تقدير وجود الفراش باستحقاقه بين الغايتين
عملاً بالعادة
الغالبة من الوضع لأقصاهما
أو ما قاربها.
وعلى كلّ تقدير
فيشترط انفصاله حيّاً ، فلو وضعته ميّتاً بطلت. ولو مات بعد انفصاله حيّاً كانت
لوارثه. وفي اعتبار قبوله هنا وجه قويّ؛ لإمكانه منه ، بخلاف الحمل. وقيل : يعتبر
قبول وليّه
ثمّ إن اتّحد
فهي له ، وإن تعدّد قُسِّم الموصى به على العدد بالسوية ، وإن اختلفوا بالذكوريّة
والاُنوثيّة.
__________________
(ولو
أوصى للعبد لم يصحّ) سواء كان قنّاً أم مدبَّراً أم اُمَّ ولد ، أجاز مولاه أم لا؛ لأنّ العبد
لا يملك بتمليك سيّده ، فبتمليك غيره أولى ، ولرواية عبد الرحمن ابن الحجّاج عن
أحدهما عليهما السلام قال : «لا وصيّة لمملوك»
ولو كان
مكاتباً مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدّ شيئاً ففي جواز الوصيّة له قولان
من أنّه في حكم
المملوك حيث لم يتحرّر منه شيء ، ولرواية محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام
ومن انقطاع
سلطنة المولى عنه ، ومن ثَمَّ جاز اكتسابه ، وقبول الوصيّة نوع منها. والصحّة
مطلقاً أقوى ، والرواية لا حجّة فيها .
(إلّاأن
يكون) العبد الموصى
له (عبدَه)
أي عبد الموصي (فتُصرف) الوصيّة (إلى عتقه) فإن ساواه عُتق أجمع وإن نقص عُتق بحسابه (وإن زاد المال عن
ثمنه فله) الزائد. ولا فرق في ذلك بين القنّ وغيره ، ولا بين المال المشاع والمعيَّن
على الأقوى. ويحتمل اختصاصه بالأوّل ، لشيوعه في جميع المال وهو من جملته فيكون
كعتق جزء منه ، بخلاف المعيَّن ،
__________________
ولا بين أن تبلغ قيمته ضعف الوصيّة وعدمه. وقيل : تبطل في الأوّل
استناداً إلى
رواية ضعيفة.
(وتصحّ
الوصيّة للمشقَّص) وهو الذي عُتق منه شِقص ـ بكسر الشين ـ وهو الجزء (بالنسبة) أي بنسبة ما فيه من الحرّية. والمراد به مملوك غير
السيّد ، أمّا هو فتصحّ في الجميع بطريق أولى.
(ولاُمّ
الولد) أي اُمّ ولد
الموصي؛ لأنّها في حياته من جملة مماليكه ، وإنّما خصّها ليترتّب
عليها قوله : (فتعتق من نصيبه) أي نصيب ولدها (وتأخذ الوصيّة) لصحيحة أبي عبيدة عن الصادق عليه السلام
ولأنّ التركة
تنتقل من حين الموت إلى الوارث فيستقرّ ملك ولدها على جزءٍ منها فتعتق عليه
وتستحقّ الوصيّة. والوصيّة للمملوك وإن لم تتوقّف على القبول فينتقل إلى ملك
الموصى له بالموت ، إلّاأنّ تنفيذها يتوقّف على معرفة القيمة ووصول التركة إلى
الوارث ، بخلاف ملك الوارث. وقيل : تعتق من الوصيّة ، فإن ضاقت فالباقي من نصيب
ولدها لتأخّر الإرث عن الوصيّة والدين بمقتضى الآية
__________________
ولظاهر الرواية .
(والوصيّة
لجماعة تقتضي التسوية) بينهم فيها ، ذكوراً كانوا أم إناثاً أم مختلفين ، وسواء كانت الوصيّة
لأعمامه وأخواله أم لغيرهم على الأقوى (إلّامع التفضيل) فيتّبع شرطه ، سواء جعل المفضَّل الذكر أم الاُنثى.
(ولو
قال : على كتاب اللّٰه ، فللذكر ضعف الاُنثى) لأنّ ذلك حكم الكتاب في الإرث ، والمتبادر منه هنا ذلك.
(والقرابة
: من عرف بنسبه) عادةً؛ لأنّ المرجع في الأحكام إلى العرف حيث لا نصّ ، وهو دالّ على ذلك.
ولا يكفي مطلق العلم بالنسب كما يتّفق ذلك في الهاشميّين ، ونحوه ممّن يُعرف نسبه
مع بُعده الآن مع انتفاء القرابة عرفاً. ولا فرق بين الوارث وغيره ، ولا بين
الغنيّ والفقير ، ولا بين الصغير والكبير ، ولا بين الذكر والاُنثى.
وقيل : ينصرف
إلى أنسابه الراجعين إلى آخر أب واُمّ له في الإسلام ، لا مطلق الأنساب
استناداً إلى
قوله صلى الله عليه وآله : «قطع الإسلام أرحام
الجاهليّة»
فلا يُرتقى إلى
آباء الشرك وإن عُرفوا بالنسب.
وكذا لا يُعطى
الكافر وإن انتسب إلى مسلم؛ لقوله تعالى عن ابن نوح : (إِنَّهُ
__________________
لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)
ودلالتهما على
ذلك ممنوعة مع تسليم سند الأوّل.
(والجيران
لمن يلي داره إلى أربعين ذراعاً) من كلّ جانب على المشهور. والمستند
ضعيف. وقيل : إلى
أربعين داراً
استناداً إلى
رواية عامّيّة .
والأقوى الرجوع
فيهم إلى العرف. ويستوي [فيه]
مالك الدار
ومستأجرها ومستعيرها ، وغاصبها على الظاهر. ولو انتقل منها إلى غيرها اعتبرت
الثانية. ولو غاب لم يخرج عن الحكم ما لم تطل الغيبة بحيث يخرج عرفاً. ولو تعدّدت
دور الموصي وتساوت في الاسم عرفاً استحقّ جيران كلّ واحدة ، ولو غلب أحدها اختصّ.
ولو تعدّدت دور الجار واختلفت في الحكم اعتبر إطلاق
اسم «الجار» عليه عرفاً
كالمتّحد. ويحتمل اعتبار الأغلب سكنى فيها.
وعلى اعتبار
الأذرع ففي استحقاق ما كان على رأس الغاية وجهان ، أجودهما الدخول. وعلى اعتبار
الدور قيل : يقسَّم على عددها ، لا على عدد
__________________
سكّانها ثمّ تقسَّم حصّة كلّ دار على عدد سكّانها
ويحتمل القسمة
على عدد السكّان مطلقاً
وعلى المختار
فالقسمة على الرؤوس مطلقاً.
(وللمَوالي)
أي موالي
الموصي واللام عوض عن المضاف إليه (تحمل على العتيق) بمعنى المفعول (والمعتِق) بالبناء للفاعل على تقدير وجودهما ، لتناول الاسم لهما
كالإخوة
ولأنّ الجمع
المضاف يفيد العموم فيما يصلح له. (إلّامع القرينة) الدالّة على إرادة أحدهما خاصّة ، فيختصّ به بغير إشكال
، كما أنّه لو دلّت على إرادتهما معاً تناولتهما بغير إشكال ، وكذا لو لم يكن له
مَوالٍ إلّا من إحدى الجهتين .
(وقيل
: تبطل) مع عدم قرينة
تدلّ على إرادتهما أو أحدهما
لأنّه لفظ
مشترك ، وحمله على معنييه مجاز؛ لأنّه موضوع لكلّ منهما على سبيل البدل ، والجمع
تكرير الواحد فلا يتناول غير صنف واحد ، والمعنى المجازي لا يصار إليه عند
الإطلاق؛ وبذلك يحصل الفرق بينه وبين الإخوة؛ لأنّه لفظ متواطئ لا مشترك؛ لأ نّه
موضوع لمعنى يقع على المتقرّب بالأب وبالاُمّ وبهما. وهذا أقوى.
(و)
الوصيّة (للفقراء تنصرف إلى
فقراء ملّة الموصي) لا مطلق الفقراء وإن كان جمعاً معرّفاً مفيداً للعموم ، والمخصِّص شاهد
الحال الدالّ على عدم إرادة فقراء غير ملّته ونحلته (ويدخل فيهم المساكين إن جعلناهم
__________________
مساوين)
لهم في الحال
بأن جعلنا اللفظين بمعنى واحد ، كما ذهب إليه بعضهم
(أو
أسوأ) حالاً كما هو
الأقوى (وإلّا
فلا) يدخلون؛
لاختلاف المعنى ، وعدم دلالة دخول الأضعف على دخول الأعلى ، بخلاف العكس.
وذكر جماعة من
الأصحاب أنّ الخلاف في الأسوأ والتساوي إنّما هو مع اجتماعهما كآية الزكاة ، أمّا
مع انفراد أحدهما خاصّة فيشمل الآخر إجماعاً
وكأنّ المصنّف
لم تثبت عنده هذه الدعوى (وكذا)
القول (في العكس) بأن أوصى للمساكين ، فإنّه يتناول الفقراء على القول
بالتساوي أو كون الفقراء أسوأ حالاً ، وإلّا فلا. وعلى ما نقلناه عنهم يدخل كلّ
منهما في الآخر هنا مطلقاً.
__________________
(الفصل الثاني)
(في متعلّق الوصيّة)
(وهو
كلّ مقصود) للتملّك عادةً (يقبل
النقل) عن الملك من
مالكه إلى غيره ، فلا تصحّ الوصيّة بما ليس بمقصود كذلك ، إمّا لحقارته كفضلة
الإنسان ، أو لقلّته كحبّة الحنطة وقشر الجوزة ، أو لكون جنسه لا يقبل الملك
كالخمر والخنزير ، ولا بما لا يقبل النقل كالوقف واُمّ الولد.
(ولا
يشترط كونه معلوماً) للموصي ولا للموصى له ولا مطلقاً (ولا موجوداً) بالفعل (حال الوصيّة) بل يكفي صلاحيّته للوجود عادة في المستقبل.
(فتصحّ
الوصيّة بالقسط والنصيب وشبهه) كالحظّ والقليل والكثير والجزيل (ويتخيّر الوارث) في تعيين ما شاء إذا لم يعلم من الموصي إرادة قدر معيَّن
أو أزيد ممّا عيّنه الوارث.
(أمّا
الجزء : فالعُشر) لحسنة أبان بن تغلب عن الباقر عليه السلام متمثّلاً بالجبال العشرة التي
جعل على كلّ واحد منها جزءاً من الطيور الأربعة .
__________________
(وقيل
: السُبع )
لصحيحة البزنطي
عن أبي الحسن عليه السلام متمثّلاً بقوله تعالى : (لَهٰا سَبْعَةُ
أَبْوٰابٍ لِكُلِّ بٰابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) ورُجّح
الأوّل بموافقته للأصل. ولو أضافه إلى جزءٍ آخر ـ كالثلث ـ فعُشره؛ لصحيحة عبد
اللّٰه بن سنان عن الصادق عليه السلام وتمثّل أيضاً بالجبال
وهو مرجّح آخر.
(والسهم
: الثُمن) لحسنة صفوان عن الرضا عليه السلام
ومثله روى
السكوني عن الصادق عليه السلام معلّلاً بآية أصناف الزكاة الثمانية
وأنّ النبيّ
صلى الله عليه وآله قسّمها على ثمانية أسهم .
ولا يخفى أنّ
هذه التعليلات لا تصلح للعلّيّة ، وإنّما ذكروها عليهم السلام على وجه التقريب
والتمثيل.
وقيل : السهم
العُشر ، استناداً إلى رواية
ضعيفة.
__________________
وقيل : السُدس؛
لما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه أعطاه لرجل اُوصي له بسهم .
وقيل : إنّ في
كلام العرب أنّ السهم سُدس
ولم يثبت.
(والشيء
: السُدس) ولا نعلم فيه خلافاً.
وقيل : إنّه
إجماع وبه نصوص
غير معلّلة.
(و)
حيث لم يشترط
في الموصى به كونه موجوداً بالفعل (تصحّ الوصيّة بما ستحمله الأمة أو
الشجرة) إمّا دائماً أو
في وقت مخصوص كالسنة المستقبلة (وبالمنفعة)
كسكنى الدار مدّة
معيّنة أو دائماً. ومنفعة العبد كذلك وشبهه وإن استوعبت قيمة العين.
(ولا
تصحّ الوصيّة بما لا يقبل النقل ، كحقّ القصاص وحدّ القذف والشفعة) فإنّ الغرض من الأوّل تشفّي الوارث باستيفائه فلا يتمّ
الغرض بنقله إلى غيره ، ومثله حدّ القذف ، والتعزير للشتم. وأمّا الشفعة فالغرض
منها دفع الضرر عن الشريك بالشركة ولا حظّ للموصى له في ذلك. نعم لو اُوصي له
بالشِقص والخيار معاً لم تبعد الصحّة؛ لأنّ الوصيّة بالمال والخيار تابع ، ونفعه
ظاهر مقصود ، وكذا غيرها من الخيار.
(وتصحّ)
الوصيّة (بأحد الكلاب الأربعة)
والجرْو
القابل
للتعليم؛
__________________
لكونها مالاً مقصوداً (لا
بالخنزير ، وكلب الهراش) لانتفاء الماليّة فيهما. ومثله طبل اللهو الذي لا يقبل
التغيير عن الصفة المحرّمة مع بقاء الماليّة.
(ويشترط
في الزائد عن الثلث إجازة الوارث) وإلّا بطل (وتكفي) الإجازة (حالَ حياة الموصي) وإن لم يكن الوارث مالكاً الآن؛ لتعلّق حقّه بالمال
وإلّا لم يمنع الموصي من التصرّف فيه ، ولصحيحة منصور بن حازم وحسنة محمّد بن مسلم
عن الصادق عليه السلام .
وقيل : لا
تعتبر إلّابعد وفاته؛ لعدم استحقاق الوارث المال حينئذٍ
وقد عرفت
جوابه.
ولا فرق بين
وصيّة الصحيح والمريض في ذلك؛ لاشتراكهما في الحَجر بالنسبة إلى ما بعد الوفاة ، ولو
كان التصرّف منجّزاً افترقا.
ويعتبر في
المجيز جواز التصرّف ، فلا عبرة بإجازة الصبيّ والمجنون والسفيه. أمّا المفلَّس
فإن كانت إجازته حالَ الحياة نفذت؛ إذ لا ملك له حينئذٍ ، وإنّما إجازته تنفيذ
لتصرّف الموصي. ولو كان بعد الموت ففي صحّتها وجهان ، مبناهما على أنّ التركة هل
تنتقل إلى الوارث بالموت وبالإجازة تنتقل عنه إلى الموصى له ، أم تكون الإجازة
كاشفة عن سبق ملكه من حين الموت. فعلى الأوّل لا تنفذ؛ لتعلّق حقّ الغرماء بالتركة
قبل الإجازة. وعلى الثاني يحتمل الأمرين وإن كان النفوذ أوجه.
__________________
(والمعتبر
بالتركة) بالنظر إلى
مقدارها ليعتبر ثلثها (حين
الوفاة) لا حين الوصيّة
ولا ما بينهما؛ لأنّه وقت تعلّق الوصيّة بالمال (فلو قتل فاُخذت ديته حُسبت) الدية (من
تركته) واعتبر ثلثها؛
لثبوتها بالوفاة وإن لم تكن عند الوصيّة.
وهذا إنّما
يتمّ بغير إشكال لو كانت الوصيّة بمقدار معيّن كمئة دينار مثلاً ، أو كانت بجزءٍ
من التركة مشاع ـ كالثلث ـ وكانت التركة حين الوصيّة أزيد منها حين الوفاة. أمّا
لو انعكس أشكل اعتبارها عند الوفاة مع عدم العلم بإرادة الموصي للزيادة المتجدّدة؛
لأصالة عدم التعلّق ، وشهادةِ الحال بأنّ الموصي لا يريد ثلث المتجدّد حيث لا يكون
تجدّده متوقّعاً غالباً ، خصوصاً مع زيادته كثيراً.
وينبغي على ما
ذكر اعتبارها بعد الموت أيضاً؛ إذ قد يتجدّد للميّت مال بعد الموت كالدية إذا ثبتت
صلحاً. وقد يتجدّد تلف بعض التركة قبل قبض الوارث ، فلا يكون محسوباً عليه.
والأقوى اعتبار
أقلّ الأمرين من حين الوفاة إلى حين القبض.
(ولو
أوصى بما يقع اسمه على المحرّم والمحلّل صرف إلى المحلّل) حملاً لتصرّف المسلم على الصحيح (كالعود) وله عود لهو ، وعيدان قِسيّ
وعيدان عِصيّ
وعيدان السقف
والبنيان (والطبل)
وله طبل لهو وطبل
حرب. ثمّ إن اتّحد المحلَّل حُمل عليه ، وإن تعدّد تخيّر الوارث في تعيين ما شاء.
ولو لم يكن له إلّاالمحرّم بطلت الوصيّة إن لم يمكن إزالة الوصف المحرّم مع بقاء
ماليّته ، وإلّا صحّت وحُوّل إلى المحلَّل.
__________________
(ويتخيّر
الوارث في المتواطئ) وهو المقول على معنى يشترك فيه كثير (كالعبد ، وفي المشترك) وهو المقول على معنيين فصاعداً بالوضع الأوّل
من حيث هو كذلك
(كالقوس)
لأنّ الوصيّة
بالمتواطئ وصيّة بالماهيّة الصادقة بكلّ [فرد]
من الأفراد
كالعبد؛ لأنّ مدلول اللفظ فيه هو الماهيّة الكلّية ، وخصوصيّات الأفراد غير مقصودة
إلّاتبعاً ، فيتخيّر الوارث في تعيين أيّ فرد شاء؛ لوجود متعلّق الوصيّة في جميع
الأفراد.
وكذا المشترك؛
لأنّ متعلَّق الوصيّة فيه هو الاسم ، وهو صادق على ما تحته من المعاني حقيقة ، فتحصل
البراءة بكلّ واحدٍ منها.
وربما احتمل
هنا القرعة
لأنّه أمر
مشكل؛ إذ الموصى به ليس كلّ أحد؛ لأنّ اللفظ لا يصلح له ، وإنّما المراد واحد غير
معيَّن ، فيتوصّل إليه بالقرعة.
ويضعَّف بأ
نّها لبيان ما هو معيَّن في نفس الأمر مشكل ظاهراً ، وليس هنا كذلك ، فإنّ الإبهام
حاصل عند الموصي وعندنا وفي نفس الأمر ، فيتخيّر الوارث ، وسيأتي في هذا الإشكال
بحث .
__________________
(والجمع
يُحمل على الثلاثة) جمعُ (قلّة
كان كأعبد ، أو كثرة كالعبيد) لتطابق اللغة والعرف العامّ على اشتراط مطلق الجمع في
إطلاقه على الثلاثة فصاعداً.
والفرق بحمل
جمعالكثرة على ما فوق العشرة اصطلاح خاصّ
لا يستعمله أهل
المحاورات العرفيّة والاستعمالات العامّيّة ، فلا يحمل إطلاقهم عليه.
ولا فرق في ذلك
بين تعيين الموصي قدراً من المال يصلح لعتق العبيد بما يوافق جمع الكثرة لو اقتصر
على الخسيس من ذلك الجنس وعدمه ، فيتخيّر بين شراء النفيس المطابق لأقلّ الجمع
فصاعداً ، وشراء الخسيس الزائد المطابق لجمع الكثرة حيث يعبّر بها.
(ولو
أوصى بمنافع العبد دائماً أو بثمرة البستان دائماً قُوّمت المنفعة على الموصى له ،
والرقبة على الوارث إن فرض لها قيمة) كما يتّفق في العبد؛ لصحّة عتق الوارث له ولو عن
الكفّارة ، وفي البستان بانكسار جذع ونحوه ، فيستحقّه الوارث حطباً أو خشباً؛
لأنّه ليس بثمرة. ولو لم يكن للرقبة نفع البتّة قُوّمت العين أجمع على الموصى له.
وطريق خروجها
من الثلث ـ حيث يعتبر منه ـ يستفاد من ذلك ، فتقوَّم العين بمنافعها مطلقاً ثمّ
تقوَّم مسلوبة المنافع الموصى بها ، فالتفاوت هو الموصى به ، فإن لم يكن تفاوت
فالمخرج من الثلث جميع القيمة. ومنه يعلم حكم ما لو كانت المنفعة مخصوصة بوقت.
__________________
(ولو
أوصى بعتق مملوكه وعليه دين قُدّم الدين) من أصل المال الذي من جملته المملوك (وعتق من الفاضل) عن الدين من جميع التركة (ثلثه) إن لم يزد على المملوك. فلو لم يملك سواه بطل منه فيما
قابل الدين وعُتق ثلث الفاضل إن لم يُجز الوارث.
ولا فرق بين
كون قيمة العبد ضِعفَ الدين وأقلّ على أصحّ القولين .
وقيل : تبطل
الوصيّة مع نقصان قيمته عن ضِعف الدين .
(ولو
نجّز عتقه) في مرضه (فإن
كانت قيمته ضِعف الدين صحّ العتق) فيه أجمع (وسعى في) قيمة (نصفه
للديّان وفي ثلثه) الذي هو ثلثا النصف الباقي عن الدين (للوارث) لأنّ النصف الباقي هو مجموع التركة بعد الدين ، فيعتق
ثلثه ويكون ثلثاه للورثة ، وهو ثلث مجموعه ، وهذا ممّا لا خلاف فيه.
إنّما الخلاف
فيما لو نقصت قيمته عن ضعف الدين ، فقد ذهب الشيخ
وجماعة
إلى بطلان
العتق حينئذٍ استناداً إلى صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام
ويفهم من
المصنّف هنا الميل إليه ، حيث شرط في صحّة العتق
__________________
كون قيمته ضعف الدين ، إلّاأ نّه لم يصرّح بالشقّ الآخر.
والأقوى أنّه
كالأوّل ، فينعتق منه بمقدار ثلث ما يبقى من قيمته فاضلاً عن الدين ، ويسعى
للديّان بمقدار دينهم ، وللورثة بضِعف ما عتق منه مطلقاً ، فإذا أدّاه عتق أجمع.
والرواية المذكورة مع مخالفتها للاُصول معارضة بما يدلّ على المطلوب ، وهو حسنة
الحلبي عنه عليه السلام .
(ولو
أوصى بعتق ثُلث عبيده ، أو عدد منهم) مبهم كثلاثة (استخرج) الثلث والعدد (بالقرعة) لصلاحيّة الحكم لكلّ واحد ، فالقرعة طريق التعيين؛ لأ
نّها لكلّ أمر مشكل؛ ولأنّ العتق حقّ للمعتَق ولا ترجيح لبعضهم؛ لانتفاء التعيين ،
فوجب استخراجه بالقرعة.
وقيل : يتخيّر
الوارث في الثاني
لأنّ متعلّق
الوصيّة متواطئ فيتخيّر في تعيينه الوارث كما سبق
ولأنّ المتبادر
من اللفظ هو الاكتفاء بعتق أيّ عدد كان من الجميع فيحمل عليه. وهو قويّ. وفي الفرق
بينه وبين الثُلث نظر.
(ولو
أوصى باُمور) متعدّدة (فإن
كان فيها واجب قُدّم) على غيره وإن تأخّرت الوصيّة به ، سواء كان الواجب ماليّاً أم غيره ، وبُدئ
بعدَه بالأوّل فالأوّل. ثمّ إن كان الواجب ماليّاً ـ كالدين والحجّ ـ اُخرج من أصل
المال والباقي من الثلث. وإن كان بدنيّاً ـ كالصلاة والصوم ـ قُدّم من الثلث
واُكمل من الباقي مرتّباً للأوّل فالأوّل.
__________________
(وإلّا)
يكن فيها واجب (بُدئ بالأوّل) منها (فالأوّل
حتّى يستوفى الثلث) ويبطل الباقي إن لم يُجز الوارث. والمراد بالأوّل : الذي قدّمه الموصي في
الذكر ولم يعقّبه بما ينافيه ، سواء عطف عليه التالي
بثُمّ أم
بالفاء أم بالواو ، أم قطعه عنه ، بأن قال : «أعطوا
فلاناً مئة ، أعطوا فلاناً خمسين» ولو رتّب ثمّ قال : (ابدؤوا بالأخير) أو بغيره اتُّبع لفظه الأخير (ولو لم يرتّب) بأن ذكر الجميع دفعة فقال :
«أعطوا فلاناً وفلاناً وفلاناً مئة» أو رتّب باللفظ ثمّ نصّ على عدم التقديم (بُسط الثلث على
الجميع) وبطل من كلّ
وصيّة بحسابها. ولو عُلم الترتيب واشتبه الأوّل اُقرع. ولو اشتبه الترتيب
وعدمه فظاهرهم
إطلاق التقديم بالقرعة كالأوّل.
ويشكل باحتمال
كون الواقع عدمه وهي لإخراج المشكل ولم يحصل ، فينبغي الإخراج على الترتيب وعدمه؛
لاحتمال أن يكون غير مرتَّب فتقديم كلّ واحد ظلم.
ولو جامع
الوصايا منجّزاً
يخرج من الثلث
قدّم عليها مطلقاً وأكمل الثلث منها كما ذكر.
(ولو
أجاز الورثة) ما زاد على الثلث (فادّعوا)
بعد الإجازة (ظنّ القلّة) أي قلّة الموصى به وأ نّه ظهر أزيد ممّا ظنّوه (فإن كان الإيصاء
بعين لم يقبل منهم) لأنّ الإجازة وقعت على معلوم لهم فلا تسمع دعواهم أنّهم ظنّوا
__________________
زيادته عن الثلث بيسير مثلاً فظهر أزيد أو ظنّ أنّ المال كثير؛ لأصالة عدم
الزيادة في المال ، فلا تعتبر دعواهم ظنَّ خلافه (وإن كان) الإيصاء (بجزء شائع) في التركة (كالنصف قُبل) قولهم (مع
اليمين) لجواز بنائهم
على أصالة عدم زيادة المال فظهر خلافه ، عكس الأوّل.
وقيل : يُقبل
قولهم في الموضعين
لأنّ الإجازة
في الأوّل وإن وقعت على معلوم إلّاأنّ كونه بمقدار جزءٍ مخصوص من المال كالنصف لا
يعلم إلّابعد العلم بمقدار التركة؛ ولأ نّه كما احتمل ظنّهم قلّة النصف في نفسه
يحتمل ظنّهم قلّة المعيَّن بالإضافة إلى مجموع التركة ظنّاً منهم زيادتها. وأصالة
عدمها لا دخل لها في قبول قولهم وعدمه؛ لإمكان صدق دعواهم وتعذّر إقامة البيّنة
عليها ، ولأنّ الأصل عدم العلم بمقدار التركة على التقديرين ، وهو يقتضي جهالة قدر
المعيَّن من التركة كالمشاع ، ولإمكان ظنّهم أنّه لا دين على الميّت فظهر ، مع أنّ
الأصل عدمه.
وهذا القول
متّجه ، وحيث يحلفون على مدّعاهم يُعطى الموصى له من الوصيّة ثلث المجموع وما
ادّعوا ظنَّه من الزائد.
(ويدخل
في الوصيّة بالسيف جَفْنُه) بفتح أوّله ، وهو غِمْده بكسره. وكذا تدخل حِلْيته؛
لشمول اسمه لها عرفاً وإن اختصّ لغةً بالنصل
ورواية أبي
جميلة بدخولها
شاهد مع العرف (وبالصُندوق أثوابُه)
الموضوعة فيه ،
وكذا غيرها من الأموال المظروفة.
__________________
(وبالسفينة
متاعُها) الموضوع فيها
عند الأكثر
ومستنده رواية
أبي جميلة عن الرضا عليه السلام
وغيرها ممّا لم
يصحّ سنده
والعرف قد يقضي
بخلافه في كثير من الموارد ، وحقيقة الموصى به مخالفة للمظروف ، فعدم الدخول أقوى
، إلّاأن تدلّ قرينة حاليّة أو مقاليّة على دخول الجميع أو بعضِه فيثبت ما دلّت
عليه خاصّة. والمصنّف اختار الدخول (إلّامع القرينة) فلم يعمل بمدلول الرواية مطلقاً
فكان تقييد
الدخول بالقرينة أولى. ويمكن حمل الروايات عليه.
(ولو
عقّب الوصيّة بمضادّها) بأن أوصى بعين مخصوصة لزيد ثمّ أوصى بها لعمرو (عُمل بالأخيرة) لأنّها ناقضة للاُولى ، والوصيّة جائزة من قبله فتبطل
الاُولى.
(ولو
أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب) تحصيل الوصف بحسب الإمكان (فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنَصب) على المشهور. ومستنده رواية عليّ بن
__________________
أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام
والمستند ضعيف
فالأقوى عدم
الإجزاء ، بل يتوقّع المكنة وفاقاً لابن إدريس
(ولو
ظنّها مؤمنة) على وجه يجوز التعويل عليه بإخبارها أو إخبار من يُعتدّ به فأعتقها (كفى وإن ظهر خلافه) لإتيانه بالمأمور به على الوجه المأمور به ، فيخرج عن
العهدة؛ إذ لا يعتبر في ذلك اليقين ، بل ما ذُكر من وجوه الظنّ.
(ولو
أوصى بعتق رقبة بثمن معيَّن وجب) تحصيلها به مع الإمكان (ولو تعذّر إلّابأقلّ * اشتري
وعتق ** ودفع إليه ما بقي) من المال المعيَّن على المشهور بين الأصحاب.
وربما قيل : إنّه
إجماع ومستنده رواية سماعة عن الصادق عليه السلام
ولو لم يوجد
إلّابأزيد تُوقّع المكنة ، فإن يئس من أحد الأمرين ففي وجوب شراء بعض رقبةٍ ، فإن
تعذّر صُرف في وجوه البرّ ، أو بطلان الوصيّة ابتداءً ، أو مع تعذّر بعض الرقبة ، أوجه
أوجهها الأوّل. ويقوى لو كان التعذّر طارئاً على زمن الوصيّة أو على الموت؛ لخروج
القدر عن ملك الورثة فلا يعود إليهم.
__________________
(الفصل الثالث)
(في الأحكام)
(تصحّ
الوصيّة للذمّي وإن كان أجنبيّاً) للأصل والآية
والرواية
(بخلاف
الحربيّ وإن كان رحماً) لا لاستلزامها الموادّة المنهيّ عنها لهم
لمنع الاستلزام
، بل لأنّ صحّة الوصيّة تقتضي ترتيب أثرها الذي من جملته وجوب الوفاء بها وترتّب
العقاب على تبديلها ومنعها ، وصحّتها تقتضي كونها مالاً
للحربي ، وماله
فيء للمسلم في الحقيقة ولا يجب دفعه إليه ، وهو ينافي صحَّتها
__________________
بذلك المعنى ، بخلاف الذمّي.
وهذا المعنى من
الطرفين يشترك فيه الرَحِم وغيره. ويمكن أن تمنع المنافاة ، فإنّ منع الحربي منها
من حيث إنّها ماله غير منافٍ للوفاء بالوصيّة من حيث إنّها وصيّة ، بل منعه من تلك
الحيثيّة مترتّب على صحّة الوصيّة وعدم تبديلها. وفي المسألة أقوال اُخر .
(وكذا
المرتدّ) عطف على
الحربيّ ، فلا تصحّ الوصيّة له؛ لأنّه بحكم الكافر المنهيّ عن موادّته.
ويشكل بما مرّ.
نعم يتمّ ذلك في الفطري بناءً على أنّه لا يملك الكسب المتجدّد. أمّا الملّي
والمرأة مطلقاً فلا مانع من صحّة الوصيّة له ، وهو خيرة المصنّف في الدروس .
(ولو
أوصى في سبيل اللّٰه فلكلّ قربة) لأنّ (السبيل)
هو الطريق
والمراد هنا ما كان طريقاً إلى ثوابه ، فيتناول كلّ قربة جرياً له على عمومه.
__________________
وقيل : يختصّ الغزاة .
(ولو
قال : أعطوا فلاناً كذا ولم يبيّن ما يصنع به ، دفع إليه يصنع به ما شاء) لأنّ الوصيّة بمنزلة التمليك ، فتقتضي تسلّطَ الموصى له
تسلّطَ المالك ، ولو عيّن له المصرف تعيّن.
(وتستحبّ
الوصيّة لذي القرابة ، وارثاً كان أم غيره)
لقوله تعالى : (كُتِبَ
عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً
اَلْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَاَلْأَقْرَبِينَ)
ولأنّ فيه صلة
الرحم وأقلّ مراتبه الاستحباب.
(ولو
أوصى للأقرب) أي أقرب الناس إليه نسباً (نُزّل على مراتب الإرث) لأنّ كلّ مرتبة أقرب إليه من التي بعدَها ، لكن يتساوى
المستحقّ هنا؛ لاستواء نسبتهم إلى سبب الاستحقاق وهو الوصيّة ، والأصل عدم التفاضل
، فللذكر مثل حظّ
الاُنثى.
وللمتقرّب بالأب مثل المتقرّب بالاُمّ. ولا يتقدّم ابن العمّ من الأبوين على العمّ
للأب وإن قُدّم في الميراث. ويتساوى الأخ من الاُمّ والأخ من الأبوين. وفي تقديم
الأخ من الأبوين على الأخ من الأب وجه قويّ؛ لأنّ تقدّمه عليه
في الميراث
يقتضي كونه أقرب شرعاً ، والرجوع
__________________
إلى مراتب الإرث يرشد إليه. ولا يرد مثله في ابن العمّ للأبوين؛ لاعترافهم
بأنّ العمّ أقرب منه ، ولهذا جعلوه مستثنى بالإجماع
ويحتمل تقديمه
هنا؛ لكونه أولى بالميراث.
(ولو
أوصى بمثل نصيب ابنه فالنصف إن كان له ابن واحد ، والثلث إن كان له ابنان ، وعلى
هذا) والضابط : أنّه
يجعل كأحد الورّاث ويزاد في عددهم. ولا فرق بين أن يوصي له بمثل نصيب معيَّن
وغيره.
ثمّ إن زاد
نصيبه على الثلث توقّف الزائد عليه على الإجازة ، فلو كان له ابن وبنت وأوصى
لأجنبيّ بمثل نصيب البنت فللموصى له ربع التركة ، وإن أوصى له بمثل نصيب الابن فقد
أوصى له بخمسي التركة ، فيتوقّف الزائد عن الثلث ـ وهو ثُلثُ خُمس ـ على إجازتهما
، فإن أجازا فالمسألة من خَمسة؛ لأنّ الموصى له بمنزلة ابن آخر وسهام الابنين مع
البنت خمسة. وإن ردّا فمن تسعة؛ لأنّ للموصى له ثُلث التركة ، وما يبقى لهما
أثلاثاً ، فتضرب ثلاثة في ثلاثة. وإن أجاز أحدهما وردّ الآخر ضربت مسألة الإجازة
في مسألة الردّ ، فمن أجاز ضربت نصيبه من مسألة الإجازة في مسألة الردّ ، ومن ردّ
ضربت نصيبه من مسألة الردّ في مسألة الإجازة ، فلها مع إجازتها تسعة من خمسة
وأربعين ، وله عشرون ، وللموصى له ستّة عشر هي ثلث الفريضة وثلث الباقي من النصيب
على تقدير الإجازة. وله مع إجازته ثمانية عشر ، ولها عشرة ، وللموصى له سبعة عشر ،
وعلى هذا القياس ...
(ولو
قال) : أعطوه (مثلَ سهم أحد
وُرّاثي اُعطي مثل سهم الأقلّ(
__________________
لصدق السهم به وأصالة البراءة من الزائد ، فلو ترك ابناً وبنتاً فله الربع
، ولو ترك ابناً وأربع زوجات فله سهم من ثلاثة وثلاثين.
(ولو
أوصى بضِعف نصيب ولده فمثلاه) على المشهور بين الفقهاء
وأهل اللغة
وقيل : مثله
وهو قول بعض
أهل اللغة
والأصحّ
الأوّل.
(وبضعفَيه
ثلاثة أمثاله) لأنّ ضعف الشيء ضمّ مثله إليه ، فإذا قال : (ضعفَيه) فكأ نّه ضمّ مثليه إليه. وقيل : أربعة أمثاله
لأنّ الضِعف
مثلان كما سبق ، فإذا ثنّى كان أربعة. ومثله القول في ضِعف الضِعف.
(ولو
أوصى بثُلثه للفقراء جاز صرف كلّ ثُلث إلى فقراء بلد المال) الذي هو فيه ، وهو الأفضل؛ ليسلم من خطر النقل. وفي حكمه
احتسابه على غائب مع قبض وكيله في البلد (ولو صرف الجميع في فقراء بلد الموصي) أو غيره (جاز) لحصول الغرض من الوصيّة ، وهو صرفه إلى الفقراء.
واستشكل
المصنّف جواز ذلك في بعض الصور : بأ نّه إن نقل المال من البلاد المتفرّقة إلى بلد
الإخراج كان فيه تغرير في المال وتأخير للإخراج ، وإن أخرج
__________________
قدر الثلث من بعض الأموال ففيه خروج عن الوصيّة؛ إذ مقتضاها الإشاعة
والأوسط
منها متوجّه ، فإنّ
تأخير إخراج الوصيّة مع القدرة عليه غير جائز ، إلّاأن يفرض عدم وجوبه ، إمّا لعدم
المستحقّ في ذلك الوقت الذي نقل فيه ، أو تعيين الموصي الإخراج في وقت مترقَّب
بحيث يمكن نقله إلى غير البلد قبلَ حضوره ، ونحو ذلك.
وينبغي جوازه
أيضاً لغرض صحيح ، ككثرة الصلحاء ، وشدّة الفقر ، ووجود من يرجع إليه في أحكام ذلك
، كما يجوز نقل الزكاة للغرض. وأمّا التغرير فغير لازم في جميع أفراد النقل. وأمّا
إخراج الثُلث من بعض الأموال فالظاهر أنّه لا مانع منه؛ إذ ليس الغرض الإخراج من
جميع أعيان التركة ، بل المراد إخراج ثلثها بالقيمة ، إلّاأن يتعلّق غرض الموصي
بذلك ، أو تتفاوت فيه مصلحة الفقراء.
والمعتبر صرفه
إلى الموجودين في البلد ، ولا يجب تتبّع الغائب. ويجب الدفع إلى ثلاثة فصاعداً ، لا
في كلّ بلد ، بل المجموع.
(ولو
اُوصي له بأبيه فقبل وهو مريض ثمّ مات) الموصى له (عُتق) أبوه (من
صلب ماله) لأنّه لم يُتلف على الورثة شيئاً ممّا هو محسوب مالاً له وإنّما يعتبر من
الثُلث ما يخرجه عن ملكه كذلك
وإنّما ملكه
هنا
__________________
بالقبول وانعتق عليه قهراً تبعاً لملكه. ومثله ما لو ملكه بالإرث أو
بالاتّهاب على الأقوى.
أمّا لو ملكه
بالشراء فإنّه ينعتق من الثلث على الأقوى؛ لاستناد العتق إلى حصول الملك الناشئ عن
الشراء وهو مَلِكه في مقابلة عوض ، فهو بشرائه ما لا يبقى في ملكه مضيِّع للثمن
على الوارث ، كما لو اشتري ما يقطع بتلفه. ويحتمل اعتباره من الأصل؛ لأنّه مال
متقوّم بثمن مثله؛ إذ الفرض
ذلك ، والعتق
أمر قهريّ طرأ بسبب القرابة. وضعفه واضح؛ لأنّ بذل الثمن في مقابلة ما قطع بزوال
ماليّته محض التضييع على الوارث.
(ولو
قال : أعطوا زيداً والفقراء ، فلزيد النصف) لأنّ الوصيّة لفريقين فلا يُنظر إلى آحادهما كما لو أوصى
لشخصين أو قبيلتين (وقيل
: الربع) لأنّ أقلّ
الفقراء ثلاثة من حيث الجمع وإن كان جمع كثرة؛ لما تقدّم من دلالة العرف واللغة
على اتّحاد الجمعين
فإذا شرّك بين
زيد وبينهم بالعطف كان كأحدهم .
ويضعَّف بأنّ
التشريك بين زيد والفقراء ، لا بينه وبين آحادهم ، فيكون زيد فريقاً والفقراء
فريقاً آخر.
وفي المسألة
وجه ثالث ، وهو أن يكون زيد كواحد منهم؛ لأنّهم وإن كانوا جمعاً يصدق بالثلاثة ، لكنّه
يقع على ما زاد ، ولا يتعيّن الدفع إلى ثلاثة بل يجوز إلى ما زاد. أو يتعيّن حيث
يوجد في البلد ، ومقتضى التشريك أن يكون كواحد منهم. وهو أمتن من السابق ، وإن كان
الأصحّ الأوّل.
__________________
(ولو
جمع بين) عطيّة (منجّزة) في المرض كهبة ووقف وإبراء (ومؤخّرة) إلى بعد الموت (قدّمت المنجّزة) من الثلث وإن تأخّرت في اللفظ ، فإن بقي من الثلث شيء
بُدئ بالأوّل فالأوّل من المؤخّرة كما مرّ
ولا فرق في
المؤخّرة بين أن يكون فيها واجب يخرج من الثلث وغيره. نعم لو كان ممّا يخرج من
الأصل قُدّم مطلقاً.
واعلم أنّ
المنجّزة تشارك الوصيّة في الخروج من الثلث في أجود القولين
وأنّ خروجها من
الثلث يعتبر حالَ الموت ، وأ نّه يقدّم الأسبق منها فالأسبق لو قصر الثلث عنها.
وتفارقها في تقدّمها
عليها
ولزومها من
قِبل المعطي ، وقبولها كغيرها من العقود ، وشروطها شروطه ، وأ نّه لو برئ من مرضه
لزمت من الأصل ، بخلاف الوصيّة.
(ويصحّ)
للموصي (الرجوع في الوصيّة) ما دام حيّاً (قولاً ، مثل رجعت ، أو نقضت ، أو أبطلت)
أو فسخت
أو «هذا
لوارثي أو ميراثي» ، أو «حرام على الموصى له» (أو لا تفعلوا كذا) ونحو ذلك من الألفاظ الدالّة عليه
__________________
(وفعلاً
، مثل بيع العين الموصى بها) وإن لم يقبضها (أو رهنها) مع الإقباض قطعاً ، وبدونه على الأقوى.
ومثله ما لو
وهبها ، أو أوصى بها لغير من أوصى [بها]
له أوّلاً.
والأقوى أنّ
مجرّد العرض على البيع والتوكيل فيه وإيجابه وإيجاب العقود الجائزة المذكورة كافٍ
في الفسخ؛ لدلالته عليه ، لا تزويج العبد والأمة وإجارتهما وختانهما وتعليمهما ، ووطء
الأمة بدون الإحبال.
(أو)
فعل ما يبطل
الاسم ويدلّ على الرجوع مثل (طحن
الطعام ، أو عجن الدقيق) أو غزل القطن أو نسج مغزوله (أو خلطه بالأجود) بحيث لا يتميّز ، وإنّما قيّد بالأجود لإفادته الزيادة
في الموصى به ، بخلاف المساوي والأردأ. وفي الدروس لم يفرّق بين خلطه بالأجود
وغيره في كونه رجوعاً
وفي التحرير لم
يفرّق كذلك في عدمه
والأنسب عدم
الفرق وتوقّف كونه رجوعاً على القرائن الخارجة ، فإن لم يُحكم بكونه رجوعاً يكون
مع خلطه بالأجود شريكاً بنسبة القيمتين.
__________________
(الفصل الرابع)
(في الوصاية)
بكسر الواو
وفتحها ، وهي استنابة الموصي غيره بعد موته في التصرّف فيما كان له التصرّف فيه ، من
إخراج حقّ أو استيفائه أو ولاية على طفل أو مجنون يملك الولاية عليه بالأصالة أو
بالعرض
(وإنّما
تصحّ الوصيّة على الأطفال بالولاية من الأب والجدّ له) وإن علا (أو الوصيّ) لأحدهما (المأذون له من أحدهما) في الإيصاء لغيره ، فلو نهاه عنه لم تصحّ إجماعاً. ولو
أطلق قيل : جاز
لظاهر مكاتبة
الصفّار
ولأنّ الموصي
أقامه مقام نفسه فيثبت له من الولاية ما ثبت له ، ولأنّ الاستنابة من جملة
التصرّفات المملوكة له بالنصّ.
وفيه : منع
دلالة الرواية ، وإقامته مقامَ نفسه في فعله مباشرة كما هو الظاهر ، ونمنع كون
الاستنابة من جملة التصرّفات ، فإنّ رضاه بنظره مباشرة لا يقتضي رضاه بفعل غيره؛
لاختلاف الأنظار والأغراض في ذلك. والأقوى المنع.
(ويعتبر
في الوصيّ الكمال) بالبلوغ والعقل ، فلا يصحّ إلى صبيّ بحيث
__________________
يتصرّف حال صباه مطلقاً
ولا إلى مجنون
كذلك (والإسلام) فلا تصحّ الوصيّة إلى كافر وإن كان رحماً؛ لأنّه ليس من
أهل الولاية على المسلمين ، ولا من أهل الأمانة ، وللنهي عن الركون إليه
(إلّاأن
يوصي الكافر إلى مثله) إن لم نشترط العدالة في الوصيّ؛ لعدم المانع حينئذٍ. ولو اشترطناها فهل
تكفي عدالته في دينه ، أم تبطل مطلقاً؟ وجهان : من أنّ الكفر أعظم من فسق المسلم ،
ومن أنّ الغرض صيانة مال الطفل وأداء الأمانة ، وهو يحصل بالعدل منهم. والأقوى
المنع بالنظر إلى مذهبنا. ولو اُريد صحّتها عندهم وعدمه فلا غرض لنا في ذلك ، ولو
ترافعوا إلينا فإن رددناهم إلى مذهبهم ، وإلّا فاللازم الحكم ببطلانها بناءً على
اشتراط العدالة؛ إذ لا وثوق بعدالته في دينه ولا ركون إلى أفعاله؛ لمخالفتها لكثير
من أحكام الإسلام.
(والعدالة
في قول قويّ)
لأنّ الوصيّة
استئمان والفاسق ليس أهلاً له؛ لوجوب التثبّت عند خبره ، ولتضمّنها الركون إليه ، والفاسق
ظالم منهيّ عن الركون إليه؛ ولأ نّها استنابة على الغير ، فيشترط في النائب
العدالة كوكيل الوكيل ، بل
__________________
أولى؛ لأنّ تقصير وكيل الوكيل مجبور بنظر الوكيل والموكّل وتفحّصهما على
مصلحتهما ، بخلاف نائب الميّت. ورضاه به غيرَ عدل لا يقدح في ذلك؛ لأنّ مقتضاها
إثبات الولاية بعد الموت ، وحينئذٍ فترتفع أهليّته عن الإذن والولاية ، فيصير
التصرّف متعلّقاً بحقّ غير المستنيب من طفل ومجنون وفقير وغيرهم ، فيكون أولى
باعتبار العدالة من وكيل الوكيل ووكيل الحاكم على مثل هذه المصالح.
وبذلك يظهر ضعف
ما احتجّ به نافي اشتراطها : من أنّها في معنى الوكالة ووكالة الفاسق جائزة
إجماعاً وكذا استيداعه
لما عرفت من
الفرق بينها وبين الوكالة والاستيداع ، فإنّهما متعلّقان بحقّ الموكّل والمودع ، وهو
مسلَّط على إتلاف ماله فضلاً عن تسليط غير العدل عليه. والموصي إنّما سلّطه على
حقّ الغير؛ لخروجه عن ملكه بالموت مطلقاً ، مع أنّا نمنع أنّ مطلق الوكيل
والمستودَع لا يشترط فيهما العدالة.
واعلم أنّ هذا
الشرط إنّما اعتبر ليحصل الوثوق بفعل الوصيّ ويقبل خبره به ، كما يستفاد ذلك من
دليله ، لا في صحّة الفعل في نفسه ، فلو أوصى لمن ظاهره العدالة وهو فاسق في نفسه
ففعل مقتضى الوصيّة فالظاهر نفوذ فعله وخروجه عن العهدة.
ويمكن كون ظاهر
الفسق كذلك لو أوصى إليه فيما بينه وبينه وفعل مقتضاه ، بل لو فعله ظاهراً كذلك لم
تبعد الصحّة وإن حكم ظاهراً بعدم وقوعه وضمانه ما ادّعى فعلَه.
وتظهر الفائدة
لو فعل مقتضى الوصيّة باطّلاع عدلين أو باطّلاع الحاكم.
__________________
إلّا أنّ ظاهر اشتراط العدالة ينافي ذلك كلّه. ومثله يأتي في نيابة الفاسق
عن غيره في الحجّ ونحوه.
وقد ذكر
المصنّف وغيره : أنّ عدالة النائب شرط في صحّة الاستنابة ، لا في صحّة النيابة .
(و)
كذا يشترط في
الوصيّ (الحرّيّة)
فلا تصحّ وصاية
المملوك؛ لاستلزامها التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، كما لا تصحّ وكالته (إلّاأن يأذن المولى)
فتصحّ؛ لزوال
المانع ، وحينئذٍ فليس للمولى الرجوع في الإذن بعد موت الموصي ، ويصحّ قبلَه ، كما
إذا قَبِل الحرّ.
(وتصحّ
الوصيّة إلى الصبيّ منضمّاً إلى كامل) لكن لا يتصرّف الصبيّ حتّى يكمل ، فينفرد الكامل قبله
ثمّ يشتركان فيها مجتمعَين. نعم ، لو شرط عدم تصرّف الكامل إلى أن يبلغ الصبيّ
اتّبع شرطه. وحيث يجوز تصرّف الكامل قبل بلوغه لا يختصّ بالضروري ، بل له كمال
التصرّف ، وإنّما يقع الاشتراك في المتخلّف. ولا اعتراض للصبيّ بعد بلوغه في نقض
ما وقع من فعل الكامل موافقاً للمشروع.
(وإلى
المرأة والخنثى) عندنا مع اجتماع الشرائط؛ لانتفاء المانع. وقياس الوصيّة على القضاء واضح
الفساد.
(ويصحّ
تعدّد الوصيّ فيجتمعان) لو كانا اثنين في التصرّف ، بمعنى صدوره عن رأيهما
ونظرهما وإن باشره أحدهما (إلّاأن
يشترط لهما الانفراد) فيجوز حينئذٍ لكلٍّ منهما التصرّف بمقتضى نظره (فإن تعاسرا) فأراد أحدهما نوعاً من التصرّف ومنعه الآخر (صحّ) تصرّفهما (فيما لا بدّ منه ، كمؤونة
__________________
اليتيم)
والدابّة
وإصلاح العقار ، ووَقَفَ غيرُه على اتّفاقهما. (وللحاكم) الشرعيّ (إجبارهما على الاجتماع) من غير أن يستبدل بهما مع الإمكان؛ إذ لا ولاية له فيما
فيه وصيّ (فإن
تعذّر) عليه جمعهما (استبدل بهما) تنزيلاً لهما بالتعذّر منزلة المعدوم؛ لاشتراكهما في الغاية.
كذا أطلق
الأصحاب ، وهو يتمّ مع عدم اشتراط عدالة الوصيّ ، أمّا معه فلا؛ لأ نّهما بتعاسرهما
يفسقان؛ لوجوب المبادرة إلى إخراج الوصيّة مع الإمكان ، فيخرجان بالفسق عن الوصاية
ويستبدل بهما الحاكم ، فلا يتصوّر إجبارهما على هذا التقدير ، وكذا لو لم نشترطها
وكانا عدلين؛ لبطلانها بالفسق حينئذٍ على المشهور. نعم لو لم نشترطها ولا كانا
عدلين أمكن إجبارهما مع التشاحّ.
(وليس
لهما قسمة المال) لأنّه خلاف مقتضى الوصيّة من الاجتماع في التصرّف.
(ولو
شرط لهما الانفراد ففي جواز الاجتماع نظر) من أنّه خلاف الشرط فلا يصحّ ، ومن أنّ الاتّفاق على
الاجتماع يقتضي صدوره عن رأي كلّ واحد منهما ، وشرط الانفراد اقتضى الرضا برأي كلّ
واحد وهو حاصل إن لم يكن هنا آكد.
والظاهر أنّ
شرط الانفراد رخصة لهما ، لا تضييق. نعم لو حصل لهما في حال الاجتماع نظر مخالف له
حالة الانفراد توجّه المنع؛ لجواز كون المصيب هو حالة الانفراد ولم يرضَ الموصي
إلّابه.
(ولو
نهاهما عن الاجتماع اتّبع) قطعاً ، عملاً بمقتضى الشرط الدالّ صريحاً على النهي عن
الاجتماع ، فيمتنع.
(ولو
جوّز لهما الأمرين) الاجتماع والانفراد (اُمضي)
ما جوّزه
وتصرّف كلّ منهما كيف شاء من الاجتماع والانفراد (فلو اقتسما المال) في
هذه الحالة (جاز)
بالتنصيف
والتفاوت حيث لا يحصل بالقسمة ضرر؛ لأنّ مرجع القسمة حينئذٍ إلى تصرّف كلّ منهما
في البعض وهو جائز بدونها. ثمّ بعد القسمة لكلّ منهما التصرّف في قسمة الآخر وإن
كانت في يد صاحبه؛ لأنّه وصيّ في المجموع ، فلا تزيل القسمةُ ولايتَه فيه.
(ولو
ظهر من الوصيّ) المتّحد والمتعدّد على وجه يفيد الاجتماع (عجز ضمّ الحاكم إليه) معيناً؛ لأنّه بعجزه خرج عن الاستقلال المانع من ولاية
الحاكم ، وبقدرته على المباشرة في الجملة لم يخرج عن الوصاية بحيث يستقلّ الحاكم ،
فيجمع بينهما بالضمّ.
ومثله ما لو
مات أحد الوصيّين على الاجتماع. أمّا المأذون لهما في الانفراد فليس للحاكم الضمّ
إلى أحدهما بعجز الآخر؛ لبقاء وصيّ كامل.
وبقي قسم آخر ،
وهو ما لو شرط لأحدهما الاجتماع وسوّغ للآخر الانفراد ، فيجب اتّباع شرطه ، فيتصرّف
المستقلّ بالاستقلال والآخر مع الاجتماع خاصّة.
وقريب منه ما
لو شرط لهما الاجتماع موجودين وانفراد الباقي بعد موت الآخر أو عجزه ، فيتّبع
شرطه.
وكذا يصحّ شرط
مشرف على أحدهما بحيث لا يكون للمشرف شيء من التصرّفات وإنّما تصدر عن رأيه ، فليس
للوصيّ التصرّف بدون إذنه مع الإمكان ، فإن تعذّر ـ ولو بامتناعه ـ ضمّ الحاكمُ
إلى الوصيّ معيناً كالمشروط له الاجتماع على الأقوى؛ لأنّه في معناه حيث لم يرضَ
الموصي برأيه منفرداً. وكذا يجوز اشتراط تصرّف أحدهما في نوع خاصّ والآخر في
الجميع منفردين ومجتمعين على ما اشتركا فيه.
(ولو
خان) الوصيّ المتّحد
أو أحد المجتمعين
أو فسق بغير
الخيانة (عزله)
الحاكم ، بل
الأجود انعزاله بذلك من غير توقّف على عزل الحاكم؛ لخروجه عن شرط الوصاية (وأقام) الحاكم (مكانه) وصيّاً مستقلّاً إن كان المعزول واحداً ، أو منضمّاً إلى
الباقي إن كان أكثر.
(ويجوز
للوصيّ استيفاء دينه ممّا في يده) من غير توقّف على حكم الحاكم بثبوته ، ولا على حلفه على
بقائه؛ لأنّ ذلك للاستظهار ببقائه؛ لجواز إبراء صاحب الدين أو استيفائه ، والمعلوم
هنا خلافه ، والمكلّف بالاستظهار هو الوصيّ.
(و)
كذا يجوز له (قضاء ديون الميّت
التي يعلم بقاءها) إلى حين القضاء. ويتحقّق العلم بسماعه إقرارَ الموصي بها قبلَ الموت بزمانٍ
لا يمكنه بعده القضاء ويكون المستحقّ [ممّن]
لا يمكن في
حقّه الإسقاط كالطفل والمجنون . أمّا ما كان أربابها مكلّفين يمكنهم إسقاطها فلا بدّ من
إحلافهم على بقائها وإن علم بها سابقاً ، ولا يكفي إحلافه إيّاهم إلّاإذا كان
مستجمعاً لشرائط الحكم. وليس للحاكم أن يأذن له في التحليف استناداً إلى علمه
بالدين ، بل لا بدّ من ثبوته عنده؛ لأنّه تحكيم لا يجوز لغير أهله. نعم ، له بعد
ثبوته عنده بالبيّنة توكيله في الإحلاف.
وله ردّ ما
يعلم كونه وديعة أو عارية أو غصباً ، أو نحو ذلك من الأعيان التي لا يحتمل
انتقالها عن ملك مالكها إلى الموصي ، أو إلى وارثه في ذلك الوقت.
__________________
(ولا
يوصي) الوصيّ إلى
غيره عمّن أوصى إليه (إلّابإذن)
منه له في
الإيصاء على أصحّ القولين
وقد تقدّم
وإنّما أعادها لفائدة التعميم؛ إذ السابقة مختصّة بالوصيّ
على الطفل ومن
بحكمه من أبيه وجدّه ، وهنا شاملة لسائر الأوصياء. وحيث يأذن له فيه فيقتصر على
مدلول الإذن ، فإن خصّه بشخصٍ أو وصفٍ اختصّ ، وإن عمّم أوصى إلى مستجمع الشرائط.
ويتعدّى الحكم إلى وصيّ الوصيّ أبداً مع الإذن فيه ، لا بدونه.
(و)
حيث لا يصرّح
له بالإذن في الإيصاء (يكون
النظر بعده) في وصيّة الأوّل (إلى
الحاكم) لأنّه وصيّ من
لا وصيّ له (وكذا)
حكم كلّ (من مات ولا وصيّ له.
ومع تعذّر الحاكم) لفقده أو بُعده بحيث يشقّ الوصول إليه عادةً يتولّى إنفاذ الوصيّة (بعض عدول المؤمنين) من باب الحسبة والمعاونة على البرّ والتقوى المأمور بها
واشتراط
العدالة يدفع محذور إتلاف مال الطفل وشبهه والتصرّف فيه بدون إذن شرعيّ ، فإنّ ما
ذكرناه هو الإذن.
وينبغي
الاقتصار على القدر الضروري الذي يضطرّ إلى تقديمه قبل مراجعة الحاكم وتأخير غيره إلى
حين التمكّن من إذنه ، ولو لم يمكن لفقده لم يختصّ. وحيث يجوز ذلك يجب؛ لأنّه من
فروض الكفاية.
__________________
وربما منع ذلك
كلّه بعض الأصحاب
لعدم النصّ.
وما ذكر من العمومات
كافٍ في ذلك.
وفي بعض الأخبار ما يرشد إليه .
(والصفات
المعتبرة في الوصيّ) من البلوغ والعقل والإسلام ـ على وجهٍ ـ والحرّيّة والعدالة يشترط حصولها (حال الإيصاء) لأنّه وقت إنشاء العقد ، فإذا لم تكن مجتمعة لم يقع صحيحاً
كغيره من العقود؛ ولأ نّه وقتَ الوصيّة ممنوع من التفويض إلى من ليس بالصفات.
(وقيل)
: يكفي حصولها
حالَ الوفاة ، حتّى لو أوصى إلى من ليس بأهل فاتّفق حصول صفات الأهليّة له قبل
الموت صحّ؛ لأنّ المقصود بالتصرّف هو ما بعد الموت وهو محلّ الولاية ولا حاجة
إليها قبله
ويضعّف بما مرّ
.
وقيل : يعتبر (من حين الإيصاء إلى
حين الوفاة)
جمعاً بين
الدليلين. والأقوى اعتبارها من حيث الإيصاء واستمراره ما دام وصيّاً.
(وللوصيّ
اُجرة المثل عن نظره في مال الموصى عليهم مع الحاجة) وهي الفقر ، كما نبّه عليه تعالى بقوله : (وَمَنْ كٰانَ
فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)
__________________
ولا يجوز مع الغناء؛ لقوله تعالى : (وَمَنْ كٰانَ
غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) .
وقيل : يجوز
أخذ الاُجرة مطلقاً
لأنّها عوض عمل
محترم.
وقيل : يأخذ
قدرَ الكفاية؛ لظاهر قوله تعالى : (فَلْيَأْكُلْ
بِالْمَعْرُوفِ)
فإنّ المعروف
ما لا إسراف فيه ولا تقتير من القوت.
وقيل : أقلّ
الأمرين
لأنّ الأقلّ إن
كان اُجرةَ المثل فلا عوض لعمله شرعاً سواها ، وإن كان الأقلّ الكفاية فلأ نّها هي
القدر المأذون فيه بظاهر الآية.
والأقوى جواز
أخذ أقلّهما مع فقره خاصّة؛ لما ذكر ، ولأنّ حصول قدر الكفاية يوجب الغنا فيجب
الاستعفاف عن الزائد وإن كان من جملة اُجرة المثل.
(ويصحّ)
للوصيّ (الردّ) للوصيّة (ما دام) الموصي (حيّاً) مع بلوغه الردّ (فلو ردّ ولمّا يبلغ) الموصي (الردّ بطل الردّ. ولو لم يعلم بالوصيّة
إلّا بعد وفاة الموصي لزمه القيام بها) وإن لم يكن قد سبق قبول (إلّامع العجز) عن القيام بها ، فيسقط وجوب القيام عن المعجوز عنه
قطعاً؛ للحرج.
وظاهر العبارة أنّه
يسقط غيره أيضاً. وليس بجيّد ، بل يجب القيام بما أمكن منها؛ لعموم الأدلّة.
ومستند هذا الحكم المخالف للأصل من إثبات حقّ على الموصى إليه على وجه قهريّ وتسليط
الموصي على إثبات وصيّته على من شاء أخبار كثيرة
تدلّ بظاهرها
عليه.
__________________
وذهب جماعة ـ منهم
العلّامة في المختلف والتحرير
ـ إلى أنّ له
الردّ ما لم يقبل؛ لما ذكر
ولاستلزامه
الحرج العظيم والضرر في أكثر مواردها ، وهما منفيّان بالآية
والخبر
والأخبار ليست
صريحة الدلالة على المطلوب. ويمكن حملها على شدّة الاستحباب ، وأمّا حملها على سبق
قبول الوصيّة فهو منافٍ لظاهرها.
والمشهور بين
الأصحاب هو الوجوب مطلقاً.
وينبغي أن
يستثنى من ذلك ما يستلزم الضرر والحرج ، دون غيره. وأمّا استثناء المعجوز عنه
فواضح.
* * *
__________________
كتاب النكاح
(كتاب النكاح)
(وفيه
فصول) :
(الأوّل)
(في المقدّمات)
(النكاح
مستحبّ مؤكَّد) لمن يمكنه فعله ولا يخاف بتركه الوقوع في محرَّم ، وإلّا وجب. قال
اللّٰه تعالى : (فَانْكِحُوا
مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّسٰاءِ) . (وَأَنْكِحُوا
اَلْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَاَلصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ
وَإِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اَللّٰهُ
مِنْ فَضْلِهِ وَاَللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ)
وأقلّ مراتب
الأمر الاستحباب. وقال صلى الله عليه وآله : «من
رغب عن سنّتي فليس منّي»
و«إنّ
من سنّتي النكاح» .
(وفضله
مشهور) بين المسلمين (محقَّق) في شرعهم (حتّى أنّ المتزوّج يُحرِز نصفَ دينه) رواه في الكافي بإسناده إلى النبيّ صلى الله عليه وآله
قال : «من
__________________
تزوّج أحرز نصف دينه ، فليتّقِ اللّٰه في النصف الآخر» أو «الباقي»
(ورُوي
«ثلثا دينه»
وهو
من أعظم الفوائد في الإسلام) فقد رُويَ عن النبيّ صلى الله عليه وآله بطريق أهل
البيت عليهم السلام أنّه قال : «ما استفاد امرئ مسلم
فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه
إذا غاب عنها في نفسها وماله»
وقال صلى الله عليه وآله : «قال اللّٰه عزّ وجلّ : إذا أردت أن أجمع للمسلم
خير الدنيا وخير الآخرة جعلت له قلباً خاشعاً ، ولساناً ذاكراً ، وجسداً على
البلاء صابراً ، وزوجة مؤمنة تسرّه إذا نظر إليها ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها
وماله» .
(وليتخيّر
البكر) قال النبيّ صلى
الله عليه وآله : (تزوّجوا
الأبكار ، فإنّهنّ أطيب شيءٍ أفواهاً ، وأنشفه أرحاماً ، وأدرّ شيءٍ أخلافاً ، وأفتح
شيءٍ أرحاماً)
(العفيفةَ)
عن الزنا (الولودَ) أي ما من شأنها ذلك ، بأن لا تكون يائسة ولا صغيرة ولا
عقيماً ، قال صلى الله عليه وآله : «تزوّجوا بكراً وَلوداً ، ولا تزوّجوا حسناء
جميلة عاقراً ، فإنّي اُباهي بكم الاُمم يوم القيامة
حتّى بالسقط ، يظلّ
محبنطئاً
على
__________________
باب الجنّة ، فيقول اللّٰه عزّ وجلّ : ادخل الجنّة ، فيقول : لا حتّى
يدخل أبواي قبلي! فيقول اللّٰه تبارك وتعالى لملك من الملائكة : ائتني
بأبويه فيأمر بهما إلى الجنّة ، فيقول : هذا بفضل رحمتي لك) .
(الكريمةَ
الأصل) بأن يكون
أبواها صالحين مؤمنين ، قال صلى الله عليه وآله : «أنكحوا
الأكفاء وانكحوا فيهم واختاروا لنطفكم» .
(ولا
يقتصر على الجمال أو الثروة) من دون مراعاة الأصل والعفّة. قال صلى الله عليه وآله :
«إيّاكم وخضراء الدِمَن! قيل : يا رسول اللّٰه وما خضراء الدِمَن؟ قال : المرأة
الحسناء في منبت السوء»
وعن أبي عبد
اللّٰه عليه السلام «إذا تزوّج الرجل
المرأة لجمالها ، أو لمالها وُكِل إلى ذلك ، وإذا تزوّجها لدينها رزقه
اللّٰه الجمال والمال»
.
(ويستحبّ)
لمن أراد
التزويج قبلَ تعيين المرأة (صلاةُ
ركعتين والاستخارة) وهو أن يطلب من اللّٰه تعالى الخيرة له في ذلك (والدعاء بعدهما
بالخيرة) بقوله : «اللّهمّ
إنّي اُريدُ أن أتزوّج فقدّر لي من النساء أعفّهنّ فرجاً ، وأحفظهنّ لي في نفسها
ومالي ، وأوسعهنّ رزقاً ، وأعظمهنّ بركة ، وقدّر لي ولداً طيّباً تجعله خلفاً
صالحاً في حياتي وبعد موتي»
أو غيره من
الدعاء (وركعتي
الحاجة) لأنّها من
مهامّ الحوائج (والدعاء)
بعدهما
بالمأثور أو بما سَنَح (والإشهاد)
على العقد (والإعلان) إذا كان دائماً (والخُطبة) بضمّ الخاء (أمامَ العقد) للتأسّي ، وأقلّها «الحمد
للّٰه»
(وإيقاعه ليلاً) قال الرضا عليه السلام :
__________________
من السنّة التزويج بالليل ، لأنّ اللّٰه جعل الليل سكناً ، والنساء
إنّما هنّ سكن .
(وليجتنب
إيقاعه والقمر في) برج (العقرب)
لقول الصادق
عليه السلام : (من
تزوّج والقمر في العقرب لم يرَ الحسنى)
والتزويج حقيقة
في العقد (فإذا
أراد الدخول) بالزوجة (صلّى
ركعتين) قبله (ودعا) بعدهما بعد أن يمجّد
اللّٰه
ويصلّي على النبيّ صلى الله عليه وآله بقوله : «اللهمّ
ارزقني إلفَها ووُدَّها ورضاها ، وأرضني بها ، واجمع بيننا بأحسن اجتماع وآنس
ائتلاف ، فإنّك تحبّ الحلال وتكره الحرام»
أو
غيره من الدعاء
(و)
تفعل (المرأة كذلك) فتصلّي ركعتين بعد الطهارة وتدعو اللّٰه تعالى
بمعنى ما دعا .
(وليكن)
الدخول (ليلاً) كالعقد ، قال الصادق عليه السلام : (زُفّوا نساءكم ليلاً
، وأطعموا ضُحىً)
(ويضع
يده على ناصيتها) وهي ما بين نزعتيها من مقدَّم رأسها عند دخولها عليه ، وليقل : «اللهمّ
على كتابك تزوّجتها ، وفي أمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجَها ، فإن قضيت لي
في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سويّاً ، ولا تجعله شرك شيطان»
(ويسمّي)
اللّٰه
تعالى (عند
الجماع
__________________
دائماً)
عند الدخول بها
وبعده ليتباعد عنه الشيطان ويسلم من شركه .
(ويسأل
اللّٰه الولد الذكر السويّ الصالح) قال عبد الرحمن بن كثير : كنت عند أبي عبد اللّٰه
عليه السلام فذكر شرك الشيطان فعظَّمه حتّى أفزعني ، فقلت : جعلت فداك! فما المخرج
من ذلك؟ فقال : «إذا أردت الجماع فقل : بسم اللّٰه
الرحمن الرحيم الذي لا إله إلّاهو بديع السماوات والأرض ، اللهمّ إن قضيت منّي في
هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً ولا حظّاً ، واجعله
مؤمناً مخلصاً صفيّاً من الشيطان ورجزه ، جلّ ثناؤك» .
(وليُولم)
عند الزفاف (يوماً أو يومين) تأسّياً بالنبيّ صلى الله عليه وآله فقد أولم على جملة
من نسائه ، وقال صلى الله عليه وآله : «إنّ
من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج»
وقال صلى الله
عليه وآله : «الوليمة أوّل يوم حقّ ، والثاني معروف ،
وما زاد رياءٌ وسُمعة» .
(ويدعو
المؤمنين) إليها ، وأفضلهم الفقراء ، ويُكره أن يكونوا كلّهم أغنياء ولا بأس بالشركة.
(ويستحبّ)
لهم (الإجابة) استحباباً مؤكّداً ، ومن كان صائماً ندباً فالأفضل له
الإفطار ، خصوصاً إذا شقّ بصاحب الدعوة صيامه.
(ويجوز
أكل نثار العرس وأخذه بشاهد الحال) أي مع شهادة الحال بالإذن في أخذه؛ لأنّ الحال يشهد
بأخذه دائماً. وعلى تقدير أخذه به فهل يملك بالأخذ ، أم هو مجرّد إباحة؟ قولان
أجودهما
الثاني. وتظهر الفائدة في جواز
__________________
الرجوع فيه ما دامت عينه باقية.
(ويكره
الجماع) مطلقاً (عند الزوال) إلّايوم الخميس ، فقد روي : «أنّ
الشيطان لا يقرب الولد الذي يتولّد حينئذٍ حتّى يشيب»
(و)
بعد (الغروب حتّى يذهب
الشفق) الأحمر ، ومثله
ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ لوروده معه في الخبر
(وعارياً)
للنهي عنه رواه
الصدوق عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام
(وعقيب
الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء) قال صلى الله عليه وآله : «يكره
أن يغشى الرجلُ المرأةَ وقد احتلم حتّى يغتسل من احتلامه الذي رأى ، فإن فعل ذلك
وخرج الولد مجنوناً فلا يلومنّ إلّانفسه»
ولا تكره
معاودة الجماع بغير غسل؛ للأصل.
(والجماع
عند ناظر إليه) بحيث لا يرى العورة ، قال النبيّ صلى الله عليه وآله :
«والذي نفسي بيده! لو أنّ رجلاً غشي امرأته وفي البيت مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما
ونَفَسَهما ما أفلح أبداً ، إن كان غلاماً كان زانياً ، وإن كانت جارية كانت زانية»
وعن الصادق عليه السلام قال : «لا
يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبيّ ، فإنّ ذلك ممّا يورث الزنا» .
وهل يعتبر كونه
مميّزاً؟ وجه يشعر به الخبر الأوّل ، وأمّا الثاني فمطلق.
(والنظر
إلى الفرج حال الجماع) وغيره ، وحال الجماع أشدّ كراهةً ،
__________________
وإلى باطن الفرج أقوى شدّة ، وحرّمه بعض الأصحاب
وقد روي أنّه
يورث العمى في الولد .
(والجماع
مستقبلَ القبلة ومستدبرَها) للنهي عنه .
(والكلام)
مِن كلّ منهما (عند التقاء الختانين
إلّابذكر اللّٰه تعالى) قال الصادق عليه السلام : (اتّقوا الكلام عند ملتقى الختانين
فإنّه يورث الخرس)
ومن الرجل آكد
، ففي وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله : «يا
عليّ ، لا تتكلّم عند الجماع كثيراً ، فإنّه إن قضي بينكما ولد لا يؤمن أن يكون
أخرس» .
(وليلةَ
الخسوف ويومَ الكسوف وعند هبوب الريح الصفراء أو السوداء ، أو الزلزلة) فعن الباقر عليه السلام أنّه قال : (والذي بعث محمّداً
صلى الله عليه وآله بالنبوّة واختصّه بالرسالة واصطفاه بالكرامة ، لا يجامع أحد
منكم في وقت من هذه الأوقات فيرزق ذرّية فيرى فيها قرّة عين) .
(وأوّلَ
ليلة من كلّ شهر إلّاشهر رمضان ، ونصفَه) عطف على (أوّل) لا على المستثنى ، ففي الوصيّة : «يا
عليّ ، لا تجامع امرأتك في أوّل الشهر ووسطه وآخره ، فإنّ الجنون والجذام والخَبَل
يُسرع إليها وإلى ولدها»
وعن الصادق
عليه السلام : «يكره للرجل أن يجامع في أوّل ليلة من الشهر وفي وسطه وفي آخره ، فإنّه
من فعل ذلك خرج الولد مجنوناً ، ألا ترى أنّ المجنون أكثر ما يصرع
__________________
في أوّل الشهر
ووسطه وآخره؟»
وروى الصدوق عن
عليّ عليه السلام أنّه قال : «يستحبّ للرجل أن
يأتي أهله أوّل ليلة من شهر رمضان؛ لقول اللّٰه عزّ وجلّ : (أُحِلَّ لَكُمْ
لَيْلَةَ اَلصِّيٰامِ اَلرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ)» . (وفي
السفر مع عدم الماء) للنهي عنه عن الكاظم عليه السلام
مستثنياً منه
خوفه على نفسه.
(ويجوز
النظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها وإن لم يستأذنها ، بل يستحبّ) له النظر ليرتفع عنه الغرر ، فإنّه مستام
يأخذ بأغلى ثمن
كما ورد في الخبر .
(ويختصّ
الجواز بالوجه والكفّين) : ظاهرِهما وباطِنهما إلى الزندين (وينظرها قائمة
وماشية) وكذا يجوز
للمرأة نظره كذلك (وروى)
عبد
اللّٰه ابن الفضل مرسلاً عن الصادق عليه السلام : (جواز النظر إلى
شعرها ومحاسنها) وهي مواضع الزينة إذا لم يكن متلذّذاً
وهي مردودة بالإرسال
وغيره .
ويشترط العلم
بصلاحيّتها للتزويج ، بخلوّها من البعل والعدّة والتحريم ، وتجويز إجابتها.
ومباشرة المريد بنفسه ، فلا يجوز الاستنابة فيه وإن كان أعمى.
__________________
وأن لا يكون بريبة ولا تلذّذ.
وشرط بعضهم أن
يستفيد بالنظر فائدة ، فلو كان عالماً بحالها قبله لم يصحّ
وهو حسن ، لكنّ
النصّ مطلق. وأن يكون الباعث على النظر إرادة التزويج ، دون العكس
وليس بجيّد؛
لأنّ المعتبر قصد التزويج قبل النظر كيف كان الباعث.
(ويجوز
النظر إلى وجه الأمة) أمة الغير (ويديها
و) كذا (الذمّيّة) وغيرها من الكفّار بطريق أولى (لا لشهوة) قيدٌ فيهما.
(و)
يجوز (أن ينظر الرجل إلى
مثله) ما عدا
العورتين (وإن
كان) المنظور (شابّاً حسن الصورة ،
لا لريبة) وهو خوف الفتنة (ولا
تلذّذ) وكذا تنظر
المرأة إلى مثلها كذلك (والنظر
إلى جسد الزوجة باطناً وظاهراً) وكذا أمته غير المزوّجة والمعتدّة وبالعكس ، ويُكره إلى
العورة فيهما.
(وإلى
المحارم) وهنّ من يحرم
نكاحهنّ مؤبّداً بنسب أو رضاع أو مصاهرة (خلا العورة) وهي هنا القبل والدبر. وقيل : تختصّ الإباحة بالمحاسن
جمعاً بين قوله
تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ
أَبْصٰارِهِمْ)
وقوله تعالى : (وَلاٰ
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّٰ لِبُعُولَتِهِنَّ) إلى آخره.
(ولا
ينظر) الرجل (إلى) المرأة (الأجنبيّة) وهي غير المحرم
__________________
والزوجة والأمة (إلّامرّة)
واحدة (من غير معاودة) في الوقت الواحد عرفاً (إلّالضرورة كالمعاملة والشهادة) عليها إذا دُعي إليها أو لتحقيق الوطء في الزنا وإن لم
يُدعَ (والعلاج)
من الطبيب
وشبهه (وكذا
يحرم على المرأة أن تنظر إلى الأجنبيّ أو تسمع صوته إلّالضرورة) كالمعاملة والطبّ (وإن كان) الرجل (أعمى)
لتناول النهي
له ، ولقول
النبيّ صلى الله عليه وآله لاُمّ سلمة وميمونة ـ لمّا أمرهما بالاحتجاب من ابن
اُمّ مكتوم ، وقولهما : إنّه أعمى ـ : «أعَمْياوان
أنتما؟ ألستما تبصرانِه؟»
.
(وفي
جواز نظر المرأة إلى الخصيّ المملوك لها أو بالعكس خلاف)
منشؤه ظاهر
قوله تعالى : (أَوْ مٰا مَلَكَتْ
أَيْمٰانُهُنَّ)
المتناول
بعمومه لموضع النزاع ، وما قيل
: من اختصاصه
بالإماء جمعاً بينه وبين الأمر بغضّ البصر وحفظ الفرج مطلقاً ، ولا يرد دخولهن في (نسائهنَّ) لاختصاصهنّ بالمسلمات ، وعموم ملك اليمين للكافرات ، ولا يخفى أنّ هذا كلّه
خلاف ظاهر الآية
__________________
من غير وجه للتخصيص ظاهرٍ.
(ويجوز
استمتاع الزوج بما شاء من الزوجة ، إلّاالقبل في الحيض والنفاس)
وكذا
في الأمة.
(والوطء
في دبرها مكروه كراهةً مغلَّظة) من غير تحريم على أشهر القولين
والروايتين
وظاهر آية
الحرث (وفي رواية) سدير عن الصادق عليه السلام (يحرم) لأنّه روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال :
«محاش النساء على اُمّتي حرام»
وهو مع سلامة
سنده محمول على شدّة الكراهة ، جمعاً بينه وبين صحيحة ابن أبي يعفور
الدالّة على
الجواز صريحاً. و«المحاش» جمع (محشة)
وهو الدبر ، ويقال
أيضاً بالسين المهملة
كُنِّي بالمحاش
عن الأدبار ،
__________________
كما كُنِّي بالحُشوش عن مواضع الغائط ، فإنّ أصلها الحشّ ـ بفتح الحاء
المهملة ـ وهو الكنيف ، وأصله البستان؛ لأنّهم كانوا كثيراً ما يتغوّطون في
البساتين ، كذا في نهاية ابن الأثير .
(ولا
يجوز العزل عن الحرّة بغير شرط) ذلك حال العقد؛ لمنافاته لحكمة النكاح وهي الاستيلاد
فيكون منافياً لغرض الشارع.
والأشهر
الكراهة؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنّه سأله عن العزل ، فقال
: (أمّا
الأمة فلا بأس ، وأمّا الحرّة فإنّي أكره ذلك ، إلّاأن يشترط عليها حين يتزوّجها)
والكراهة ظاهرة
في المرجوح الذي لا يمنع من النقيض ، بل حقيقة فيه ، فلا تصلح حجّة للمنع من حيث
إطلاقها على التحريم في بعض مواردها؛ فإنّ ذلك على وجه المجاز. وعلى تقدير الحقيقة
فاشتراكها يمنع من دلالة التحريم ، فيرجع إلى أصل الإباحة.
وحيث يحكم
بالتحريم (فيجب
دية النطفة لها) أي للمرأة خاصّة (عشرة
دنانير) ولو كرهناه فهي
على الاستحباب. واحترز بالحرّة عن الأمة فلا يحرم العزل عنها إجماعاً وإن كانت
زوجة.
ويشترط في
الحرّة الدوام فلا تحريم في المتعة ، وعدمُ الإذن فلو أذنت انتفى أيضاً.
وكذا يكره لها
العزل بدون إذنه. وهل يحرم لو قلنا به منه؟ مقتضى الدليل الأوّل ذلك ، والأخبار
خالية عنه. ومثله القول في دية النطفة له.
(ولا
يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر) والمعتبر في
__________________
الوجوب مسمّاه وهو الموجب للغسل ، ولا يشترط الإنزال. ولا يكفي الدبر.
(و)
كذا (لا) يجوز (الدخول
قبل) إكمالها (تسع) سنين هلاليّة (فتحرم) عليه مؤبّداً (لو أفضاها) بالوطء ، بأن صيّر مسلك البول والحيض واحداً ، أو مسلك
الحيض والغائط. وهل تخرج بذلك من [حبالته] ؟ قولان
أظهرهما العدم.
وعلى القولين يجب الإنفاق عليها حتّى يموت أحدهما. وعلى ما اخترناه يحرم عليه
اُختها والخامسة. وهل يحرم عليه وطؤها في الدبر والاستمتاع بغير الوطء؟ وجهان
أجودهما ذلك. ويجوز له طلاقها ، ولا تسقط به النفقة وإن كان بائناً. ولو تزوّجت
بغيره ففي سقوطها وجهان ، فإن طلّقها الثاني بائناً عادت. وكذا لو تعذّر إنفاقه عليها
لغيبة أو فقر. مع احتمال وجوبها على المفضي مطلقاً؛ لإطلاق النصّ
ولا فرق في
الحكم بين الدائم والمتمتّع بها.
وهل يثبت الحكم
في الأجنبيّة؟ قولان
أقربهما ذلك في
التحريم المؤبّد ، دون النفقة. وفي الأمة الوجهان وأولى بالتحريم. ويقوى الإشكال
في الإنفاق لو أعتقها.
ولو أفضى
الزوجة بعد التسع ففي تحريمها وجهان ، أجودهما العدم. وأولى
__________________
بالعدم إفضاء الأجنبيّ كذلك.
وفي تعدّي الحكم
إلى الإفضاء بغير الوطء وجهان ، أجودهما العدم وقوفاً فيما خالف الأصل على مورد
النصّ ، وإن وجبت الدية في الجميع.
(ويكره
للمسافر أن يطرق أهله) أي يدخل إليهم من سفره (ليلاً)
وقيّده بعض
بعدم إعلامهم بالحال
وإلّا لم يكره
، والنصّ مطلق.
روى عبد
اللّٰه بن سنان عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «يكره
للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلاً حتّى يصبح» .
وفي تعلّق
الحكم بمجموع الليل أو اختصاصه بما بعد المبيت وغلق الأبواب نظر ، منشؤه دلالة
كلام أهل اللغة على الأمرين ، ففي الصحاح : أتانا فلان طروقاً : إذا جاء بليل
وهو شامل
لجميعه. وفي نهاية ابن الأثير قيل : أصل الطروق من الطَرْق وهو الدقّ ، وسُمّي
الآتي بالليل طارقاً؛ لاحتياجه إلى دقّ الباب
وهو مشعر
بالثاني ، ولعلّه أجود.
والظاهر عدم
الفرق بين كون الأهل زوجة وغيرها عملاً بإطلاق اللفظ وإن كان الحكم فيها آكد ، وهو
بباب النكاح أنسب.
__________________
(الفصل الثاني)
(في العقد)
ويعتبر اشتماله
على الإيجاب والقبول اللفظيّين كغيره من العقود اللازمة
(فالإيجاب
: زوّجتك وأنكحتك ومتّعتك ، لا غير) أمّا الأوّلان فموضع وفاق ، وقد ورد بهما القرآن في قوله
تعالى : (زَوَّجْنٰاكَهٰا
وَلاٰ
تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ اَلنِّسٰاءِ)
وأمّا الأخير
فاكتفى به المصنّف وجماعة
لأنّه من ألفاظ
النكاح؛ لكونه حقيقة في المنقطع وإن توقّف معه على الأجل
، كما لو عبّر بأحدهما فيه وميّزه به ، فأصل اللفظ صالح للنوعين ، فيكون حقيقة في
القدر المشترك بينهما ، ويتميّزان بذكر الأجل وعدمه ، ولحكم الأصحاب ـ تبعاً
للرواية
ـ
__________________
بأ نّه لو تزوّج متعة ونسي ذكر الأجل انقلب دائماً
وذلك فرع
صلاحيّة الصيغة له.
وذهب الأكثر
إلى المنع منه
لأنّه حقيقة في
المنقطع شرعاً فيكون مجازاً في الدائم ، حذراً من الاشتراك. ولا يكفي ما يدلّ
بالمجاز ، حذراً من عدم الانحصار. والقول المحكيّ ممنوع ، والرواية مردودة بما
سيأتي. وهذا أولى.
(والقبول
: قبلت التزويج والنكاح ، أو تزوّجت ، أو قبلت ، مقتصراً) عليه من غير أن يذكر المفعول (كلاهما) أي الإيجاب والقبول (بلفظ المضيّ *) فلا يكفي قوله : (أتزوّجك) بلفظ المستقبل منشئاً على الأقوى ، وقوفاً على موضع
اليقين. وما رُوي من جواز مثله في المتعة
ليس صريحاً فيه
، مع مخالفته للقواعد.
(ولا
يشترط تقديم الإيجاب) على القبول؛ لأنّ العقد هو الإيجاب والقبول. والترتيب كيف اتّفق غير مخلّ
بالمقصود. ويزيد النكاح على غيره من العقود أنّ الإيجاب من المرأة وهي تستحي
غالباً من الابتداء به ، فاغتفر هنا وإن
__________________
خولف في غيره ، ومن ثمّ ادّعى بعضهم
الإجماع على
جواز تقديم القبول هنا ، مع احتمال عدم الصحّة كغيره؛ لأنّ القبول إنّما يكون
للإيجاب ، فمتى وجد قبله لم يكن قبولاً. وحيث يتقدّم يعتبر كونه بغير لفظ (قبلت) كتزوّجت ونكحت ، وهو حينئذٍ في معنى الإيجاب.
(و)
كذا (لا) يشترط (القبول
بلفظه) أي بلفظ
الإيجاب ، بأن يقول : «زوّجتك» فيقول : «قبلت
التزويج» أو «أنكحتك» فيقول : «قبلت النكاح» (فلو قال : «زوّجتك» فقال : «قبلت
النكاح» صحّ) لصراحة اللفظ
واشتراك الجميع في الدلالة على المعنى.
(ولا
يجوز) العقد إيجاباً
وقبولاً (بغير
العربيّة مع القدرة) عليها؛ لأنّ ذلك هو المعهود من صاحب الشرع كغيره من العقود اللازمة ، بل
أولى.
وقيل : إنّ ذلك
مستحبّ لا واجب
لأنّ غير
العربيّة من اللغات من قبيل المترادف ، فيصحّ أن يقام مقامه ، ولأنّ الغرض إيصال
المعاني المقصودة إلى فهم المتعاقدين ، فيتأدّى بأيّ لفظ اتّفق. وهما ممنوعان.
واعتبر ثالث
كونه بالعربيّة الصحيحة
فلا ينعقد
بالملحون والمحرّف مع القدرة على الصحيح ، نظراً إلى الواقع من صاحب الشرع. ولا
ريب أنّه أولى.
ويسقط مع العجز
عنه. والمراد به ما يشمل المشقّة الكثيرة في التعلّم ، أو فوات بعض الأغراض
المقصودة. ولو عجز أحدهما اختصّ بالرخصة ونطق القادر
__________________
بالعربيّة بشرط أن يفهم كلّ منهما كلام الآخر ولو بمترجمين عدلين. وفي
الاكتفاء بالواحد وجه ، ولا يجب على العاجز التوكيل وإن قدر عليه؛ للأصل.
(والأخرس)
يعقد إيجاباً
وقبولاً (بالإشارة)
المفهمة
للمراد.
(ويعتبر
في العاقد الكمال ، فالسكران باطل عقده ولو أجاز بعده) وخصّه بالذكر تنبيهاً على ردّ ما رُوي من «أنّ
السكرى لو زوّجت نفسها ثمّ أفاقت فرضيت ، أو دخل بها فأفاقت وأقرّته كان ماضياً»
والرواية صحيحة
، إلّاأ نّها مخالفة للاُصول الشرعيّة فأطرحها الأصحاب ، إلّاالشيخ في النهاية .
(ويجوز
تولّي المرأة العقد عنها وعن غيرها إيجاباً وقبولاً) بغير خلاف عندنا ، وإنّما نبّه على خلاف بعض العامّة
المانع منه.
(ولا
يشترط الشاهدان) في النكاح الدائم مطلقاً (ولا
الوليّ في نكاح الرشيدة وإن كانا أفضل) على الأشهر. خلافاً لابن أبي عقيل حيث اشترطهما فيه
استناداً إلى
رواية ضعيفة
تصلح سنداً
للاستحباب ، لا للشرطيّة.
(ويشترط
تعيين الزوجة والزوج) بالإشارة أو بالاسم أو الوصف الرافعين للاشتراك (فلو كان له بنات
وزوّجه واحدة ولم يُسمِّها ، فإن أبهم ولم يعيّن شيئاً في نفسه بطل) العقد؛ لامتناع استحقاق الاستمتاع بغير معيّن
__________________
(وإن
عيّن) في نفسه من غير
أن يُسمّيها لفظاً (فاختلفا
في المعقود عليها حلف الأب إن كان الزوج رآهنّ ، وإلّا بطل العقد). ومستند الحكم رواية أبي عبيدة عن الباقر عليه السلام
وفيها على
تقدير قبول قول الأب : أنّ عليه فيما بينه وبين اللّٰه تعالى أن يدفع إلى
الزوج الجارية التي نوى أن يزوّجها إيّاه عند عقدة النكاح.
ويشكل بأ نّه
إذا لم يسمِّ للزوج واحدة منهنّ فالعقد باطل ، سواء رآهنّ أم لا؛ لما تقدّم وأنّ
رؤية الزوجة غير شرط في صحّة النكاح ، فلا مدخل لها في الصحّة والبطلان.
ونزّلها
الفاضلان على أنّ الزوج إذا كان قد رآهنّ فقد رضي بما يعقد عليه الأب منهنّ ووكل
الأمر إليه فكان كوكيله وقد نوى الأب واحدة معيّنة فصرف العقد إليها ، وإن لم يكن
رآهن بطل؛ لعدم رضاء الزوج بما يسمّيه الأب .
ويشكل بأنّ
رؤيته لهنّ أعمّ من تفويض التعيين إلى الأب ، وعدمها أعمّ من عدمه ، والرواية
مطلقة ، والرؤية غير شرط في الصحّة فتخصيصها بما ذكر والحكم به لا دليل عليه.
فالعمل بإطلاق الرواية ـ كما صنع جماعة
ـ أو ردّها
مطلقاً نظراً إلى مخالفتها لاُصول المذهب ـ كما صنع ابن إدريس
وهو الأولى ـ أولى.
ولو فرض تفويضه إليه التعيين ينبغي الحكم بالصحّة وقبول قول الأب مطلقاً نظراً إلى
أنّ الاختلاف في فعله وأنّ نظر الزوجة ليس بشرط في صحّة النكاح. وإن لم يفوّض إليه
التعيين بطل مطلقاً.
__________________
(ولا
ولاية في النكاح لغير الأب والجدّ له) وإن علا (والمولى والحاكم والوصيّ) لأحد الأوّلين (فولاية القرابة) للأوّلين ثابتة (على الصغيرة أو المجنونة أو البالغة
سفيهة ، وكذا الذكر) المتّصف بأحد الأوصاف الثلاثة (لا على) البكر البالغة (الرشيدة في الأصحّ) للآية
والأخبار
والأصل.
وما ورد من
الأخبار الدالّة على أنّها لا تتزوّج إلّابإذن الوليّ
محمولة على
كراهة الاستبداد جمعاً؛ إذ لو عمل بها لزم إطراح ما دلّ على انتفاء الولاية. ومنهم
من جمع بينهما
بالتشريك
بينهما في الولاية
ومنهم من جمع
بحمل إحداهما على المتعة والاُخرى على الدوام
وهو تحكّم.
(ولو
عضلها) الوليّ ، وهو
أن لا يزوّجها بالكفو مع وجوده ورغبتها
__________________
(فلا
بحث في سقوط ولايته) وجواز استقلالها به. ولا فرق حينئذٍ بين كون النكاح بمهر المثل وغيره ، ولو
منع من غير الكفو لم يكن عضلاً.
(وللمولى
تزويج * رقيقه) ذكراً كان أم اُنثى رشيداً كان أم غير رشيد. ولا خيار له
معه. وله إجباره عليه مطلقاً ، ولو تحرّر بعضه لم يملك إجباره حينئذٍ ، كما لا
يصحّ نكاحه إلّابإذنه.
(والحاكم
والوصيّ يزوّجان من بلغ فاسدَ العقل) أو سفيهاً (مع كون النكاح صلاحاً له وخلوِّه من
الأب والجدّ) ولا ولاية لهما على الصغير مطلقاً في المشهور ، ولا على من بلغ رشيداً.
ويزيد الحاكم الولاية على من بلغ ورشد ثمّ تجدّد له الجنون .
وفي ثبوت ولاية
الوصيّ على الصغيرين مع المصلحة مطلقاً ، أو مع تصريحه له في الوصيّة بالنكاح أقوال
اختار المصنّف هنا انتفاءها مطلقاً. وفي شرح الإرشاد اختار الجواز مع التنصيص ، أو
مطلقاً
وقبلَه
العلّامة في المختلف
وهو حسن؛ لأنّ
تصرّفات الوصيّ منوطة بالغبطة وقد تتحقّق في نكاح الصغير ، ولعموم (فَمَنْ
بَدَّلَهُ ...)
ولرواية أبي
بصير عن الصادق عليه السلام قال : «الذي
بيده عقدة النكاح هو الأب والأخ والرجل يُوصى إليه»
وذكر (الأخ) غيرُ
__________________
مناف؛ لإمكان حمله على كونه وصيّاً أيضاً؛ ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك؛
لتعذّر تحصيل الكفو حيث يراد ، خصوصاً مع التصريح بالولاية فيه.
(وهنا مسائل)
[الاُولى]
:
(يصحّ
اشتراط الخيار في الصداق) لأنّ ذكره في العقد غير شرط في صحّته ، فيجوز إخلاؤه عنه
واشتراط عدمه ، فاشتراط الخيار فيه غير منافٍ لمقتضى العقد ، فيندرج في عموم «المؤمنون
عند شروطهم»
فإن فسخه ذو
الخيار ثبت مهر المثل مع الدخول ، ولو اتّفقا على غيره قبلَه صحّ. (ولا يجوز) اشتراطه (في العقد) لأنّه ملحق بضروب العبادات ، لا المعاوضات (فيبطل) العقد باشتراط الخيار فيه؛ لأنّ التراضي إنّما وقع
بالشرط الفاسد ولم يحصل.
وقيل : يبطل
الشرط خاصّة
لأنّ الواقع
شيئان فإذا بطل أحدهما بقي الآخر.
ويضعَّف بأنّ
الواقع شيء واحد وهو العقد على وجه الاشتراط فلا يتبعّض. ويمكن إرادة القول الثاني
من العبارة.
(ويصحّ
توكيل كلّ من الزوجين في النكاح) لأنّه ممّا يقبل النيابة ولا يختصّ غرض الشارع بإيقاعه
من مباشر معيّن (فليقل
الوليّ) وليّ المرأة لوكيل
الزوج : (زوّجت
من موكّلك فلان ، ولا يقل : منك) بخلاف البيع
__________________
ونحوه من العقود.
والفرق أنّ
الزوجين في النكاح ركنان بمثابة الثمن والمثمن في البيع ، ولا بدّ من تسميتهما في
البيع ، فكذا الزوجان في النكاح ، ولأنّ البيع يرد على المال وهو يقبل النقل من
شخص إلى آخر ، فلا يمتنع أن يخاطب به الوكيل وإن لم يذكر الموكّل ، والنكاح يرد
على البُضع وهو لا يقبل النقل أصلاً ، فلا يُخاطَب به الوكيل إلّا مع ذكر المنقول
إليه ابتداءً ، ومن ثَمّ لو قبل النكاح وكالةً عن غيره فأنكر الموكّل الوكالة بطل
ولم يقع للوكيل ، بخلاف البيع فإنّه يقع مع الإنكار للوكيل ، ولأنّ الغرض في
الأموال متعلّق بحصول الأعواض الماليّة ولا نظر غالباً إلى خصوص الأشخاص ، بخلاف
النكاح ، فإنّه متعلّق بالأشخاص فيعتبر التصريح بالزوج ، ولأنّ البيع يتعلّق
بالمخاطب دون من له العقد ، والنكاح بالعكس ، ومن ثَمّ لو قال : «زوّجتها
من زيد» فقبل له وكيله
صحّ ، ولو حلف أن لا ينكح فقبل له وكيله حنث ، ولو حلف أن لا يشتري فاشترى له
وكيله لم يحنث. وفي بعض هذه الوجوه نظر.
(وليقل)
الوكيل : (قبلت لفلان) كما ذكر في الإيجاب ، ولو اقتصر على «قبلت»
ناوياً موكِّله
فالأقوى الصحّة؛ لأنّ القبول عبارة عن الرضا بالإيجاب السابق ، فإذا وقع بعد إيجاب
النكاح للموكّل صريحاً كان القبول الواقع بعده رضاً به فيكون للموكّل.
ووجه عدم الاكتفاء
به : أنّ النكاح نسبة فلا يتحقّق إلّابتخصيصه بمعيّن كالإيجاب. وضعفه يعلم ممّا
سبق ، فإنّه لمّا كان رضاً بالإيجاب السابق اقتضى التخصيص بمن وقع له.
(ولا
يزوّجها الوكيل من نفسه إلّاإذا أذنت) فيه (عموماً)
ك «زوّجني
ممّن شئت» ، أو «ولو
من نفسك» (أو
خصوصاً) فيصحّ حينئذٍ
على الأقوى.
أمّا الأوّل : فلأنّ
المفهوم من إطلاق الإذن تزويجها من غيره؛ لأنّ المتبادر أنّ الوكيل غير الزوجين.
وأمّا الثاني :
فلأنّ العامّ ناصّ على جزئيّاته ، بخلاف المطلق. وفيه نظر.
وأمّا الثالث :
فلانتفاء المانع مع النصّ .
ومنعُ بعض الأصحاب
استناداً إلى رواية عمّار
الدالّة على
المنع وأ نّه يصير موجباً قابلاً ، مردود بضعف الرواية وجواز تولّي الطرفين
اكتفاءً بالمغايرة الاعتباريّة.
وله تزويجها مع
الإطلاق من والده وولده وإن كان مولّى عليه.
(الثانية)
:
(لو
ادّعى زوجيّة امرأة فصدّقته حكم بالعقد ظاهراً) لانحصار الحقّ فيهما ، وعموم إقرار العقلاء على أنفسهم
جائز (وتوارثا)
بالزوجيّة؛
لأنّ ذلك من لوازم ثبوتها ، ولا فرق بين كونهما غريبين أو بلديّين (ولو اعترف أحدهما) خاصّة (قُضي
عليه به دون صاحبه) سواء حلف المنكر أم لا ، فيمنع من التزويج إن كان امرأة ومن اُختها واُمّها
وبنت أخويها
بدون إذنها.
ويثبت عليه ما أقرّ به من المهر ، وليس لها مطالبته به. ويجب عليه التوصّل إلى
تخليص ذمّته إن كان صادقاً. ولا نفقة عليه؛ لعدم التمكين.
__________________
ولو أقام
المدّعي بيّنة أو حلف اليمين المردودة مع نكول الآخر تثبت الزوجيّة ظاهراً ، وعليهما
فيما بينهما وبين اللّٰه تعالى العمل بمقتضى الواقع. ولو انتفت البيّنة ثبت
على المنكر اليمين.
وهل له التزويج
الممتنع على تقدير الاعتراف قبلَ الحلف؟ نظر : من تعلّق حقّ الزوجيّة في الجملة ، وكون
تزويجها يمنع من نفوذ إقرارها به على تقدير رجوعها؛ لأنّه إقرار في حقّ الزوج
الثاني ، ومن عدم ثبوته ، وهو الأقوى. فيتوجّه اليمين متى طلبه المدّعي ، كما يصحّ
تصرّف المنكر في كلّ ما يدّعيه عليه غيره قبل ثبوته ، استصحاباً للحكم السابق
المحكوم به ظاهراً ، ولاستلزام المنع منه الحرج في بعض الموارد كما إذا غاب
المدّعي ، أو أخّر الإحلاف.
ثمّ إن استمرّت
الزوجة على الإنكار فواضح ، وإن رجعت إلى الاعتراف بعد تزويجها بغيره لم يسمع
بالنسبة إلى حقوق الزوجيّة الثابتة عليها ، وفي سماعه بالنسبة إلى حقوقها قوّة؛ إذ
لا مانع منه ، فيدخل في عموم «جواز إقرار العقلاء
على أنفسهم»
وعلى هذا فإن
ادّعت أنّها كانت عالمةً بالعقد حال دخول الثاني بها فلا مهر لها عليه ظاهراً؛
لأنّها بزعمها بغيّ ، وإن ادّعت الذُكر بعده فلها مهر المثل؛ للشبهة ، ويرثها
الزوج ولا ترثه هي.
وفي إرث الأوّل
ممّا يبقى من تركتها بعد نصيب الثاني نظر : من نفوذ الإقرار على نفسها وهو غير
منافٍ ، ومن عدم ثبوته
ظاهراً ، مع أنّه
إقرار في حقّ الوارث.
__________________
(الثالثة)
:
(لو
ادّعى زوجيّة امرأة وادَّعت اُختها عليه الزوجيّة حلف) على نفي زوجيّة المدّعية؛ لأنّه منكر ، ودعواه زوجيّة
الاُخت متعلّق بها وهو أمر آخر. ويشكل تقديم قوله مع دخوله بالمدّعية؛ للنصّ على
أنّ الدخول بها مرجِّح لها
فيما سيأتي.
ويمكن أن يقال : هنا تعارض الأصل والظاهر فيرجّح الأصل ، وخلافه خرج بالنصّ ، وهو
منفيّ هنا.
هذا إذا لم
تُقِم بيّنة (فإن
أقامت بيّنة فالعقد لها ، وإن أقام بيّنة) ولم تُقِم هي (فالعقد) على الاُخت (له).
ويشكل أيضاً مع
معارضة دخوله بالمدّعية؛ لما سيأتي من أنّه مرجَّح على البيّنة ، ومع ذلك فهو
مكذِّب بفعله لبيّنته. إلّاأن يقال ـ كما سبق ـ : إنّ ذلك على خلاف الأصل ويمنع
كونه تكذيباً ، بل هو أعمّ منه ، فيقتصر في ترجيح الظاهر على الأصل على مورد النصّ
(والأقرب
توجّه اليمين على الآخر) وهو ذو البيّنة (في الموضعين) وهما : إقامته البيّنة فيحلف معها ، وإقامتها فتحلف
معها.
ولا يخفى
منافرة لفظ «الآخر» لذلك. وفي بعض النسخ «الآخذ»
بالذال المعجمة
والمراد به آخذ الحقّ المدّعى به ، وهو من حكم له ببيّنة
، وهو قريب من «الآخر» في الغرابة.
وإنّما حكم
باليمين مع البيّنة (لجواز
صدق البيّنة) الشاهدة لها بالعقد (مع
تقدّم عقده على من ادّعاها) والبيّنة لم تطّلع عليه ، فلا بدّ من تحليفها لينتفي
الاحتمال. وليس حلفها على إثبات عقدها تأكيداً للبيّنة؛ لأنّ ذلك لا يدفع
__________________
الاحتمال ، وإنّما حَلْفُها على نفي عقد اُختها.
وهل تحلف على
البتّ أو على نفي العلم به؟ مقتضى التعليل الأوّل؛ لأنّ بدونه لا يزول الاحتمال.
ويشكل بجواز وقوعه مع عدم اطّلاعها ، فلا يمكنها القطع بعدمه ، وبأنّ اليمين هنا
ترجع إلى نفي فعل الغير ، فيكفي فيه حلفها على نفي علمها بوقوع عقد اُختها سابقاً
على عقدها ، عملاً بالقاعدة.
(و)
وجه حلفه مع
بيّنته على نفي عقده على المدّعية جواز (صدق بيّنته) بالعقد على الاُخت (مع تقدّم عقده على من ادّعته) والبيّنة لا تعلم بالحال ، فيحلف على نفيه لرفع
الاحتمال. والحلف هنا على القطع؛ لأنّه حلف على نفي فعله.
واليمين في
هذين الموضعين لم ينبّه عليها أحد من الأصحاب ، والنصّ خالٍ عنها ، فيحتمل عدم
ثبوتها لذلك ، ولئلّا يلزم تأخير البيان عن وقت الخطاب أو الحاجة.
(ولو
أقاما بيّنة) فإمّا أن تكونا مطلقتين أو مؤرّختين أو إحداهما مطلقة والاُخرى مؤرّخة ، وعلى
تقدير كونهما مؤرّختين إمّا أن يتّفق التأريخان أو يتقدّم تأريخ بيّنته أو تأريخ
بيّنتها ، وعلى التقادير الستّة إمّا أن يكون قد دخل بالمدّعية أو لا.
فالصور [اثنتا
عشرة] مضافة إلى ستّة سابقة. وفي جميع هذه الصور [الاثنتي عشرة]
(فالحكم لبيّنته ، إلّاأن
يكون معها) أي مع الاُخت المدّعية (مرجّح)
لبيّنتها (من دخول) بها (أو
تقدّم تأريخ) بيّنتها على تأريخ بيّنته حيث تكونان مؤرّختين ، فيقدّم قولها في سبع صور
من [الاثنتي عشرة] وهي
__________________
الستّة المجامعة للدخول مطلقاً ، وواحدة من الستّة الخالية عنه ، وهي ما لو
تقدّم تأريخها ، وقولُه في الخمسة الباقية.
وهل يفتقر من
قدّمت بيّنته بغير سبق التأريخ إلى اليمين؟ وجهان : منشؤهما الحكم بتساقط
البيّنتين حيث تكونان متّفقتين فيحتاج من قُدّم قوله إلى اليمين ، خصوصاً المرأة؛
لأنّها مدّعية محضة ، وخصوصاً إذا كان المرجّح لها الدخول ، فإنّه بمجرّده لا يدلّ
على الزوجيّة ، بل الاحتمال باقٍ معه. ومن إطلاق النصّ
بتقديم بيّنته
مع عدم الأمرين ، فلو توقّف على اليمين لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.
والأقوى الأوّل
، وإطلاق النصّ غير منافٍ لثبوت اليمين بدليل آخر ، خصوصاً مع جريان الحكم على
خلاف الأصل في موضعين : أحدهما تقديم بيّنته مع أنّه مدّعٍ ، والثاني ترجيحها
بالدخول وهو غير مرجِّح.
ومورد النصّ الاُختان
كما ذكر
وفي تعدّيه
إلى مثل الاُمّ
والبنت وجهان : من عدم النصّ وكونه خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورده. ومن اشتراك
المقتضي.
والأوّل أقوى ،
فتقدَّم بيّنتها مع انفرادها أو إطلاقهما أو سبق تأريخها. ومع عدمها يحلف هو؛
لأنّه منكر.
(الرابعة)
:
(لو
اشترى العبد زوجته لسيّده فالنكاح باقٍ) فإنّ شراءها لسيّده
__________________
ليس مانعاً منه (وإن
اشتراها) العبد (لنفسه بإذنه أو
ملَّكه إيّاها) بعد شرائها له (فإن
قلنا بعدم ملكه فكالأوّل) لبطلان الشراء والتمليك ، فبقيت كما كانت أوّلاً على ملك
البائع أو السيّد (وإن
حكمنا بملكه بطل العقد) كما لو اشترى الحرّ زوجته الأمة واستباح بضعها بالملك.
(أمّا
المبعَّض فإنّه) بشرائه لنفسه أو تملّكه (يبطل
العقد قطعاً) لأنّه بجزئه الحرّ قابل للتملّك
ومتى ملك ولو
بعضها بطل العقد.
(الخامسة)
:
(لا
يزوّج الوليّ ولا الوكيل بدون مهر المثل *
ولا
بالمجنون ولا بالخصيّ) ولا بغيره ممّن به أحد العيوب المجوّزة للفسخ. (و) كذا (لا
يزوّج) الوليّ (الطفل بذات العيب
فيتخيّر) كلّ منهما (بعد الكمال)
لو زوّج بمن لا
يقتضيه الإذن الشرعي. لكن في الأوّل إن وقع العقد بدون مهر المثل على خلاف المصلحة
تخيّرت في المهر على أصحّ القولين .
وفي تخيّرها في
أصل العقد قولان : أحدهما التخيير
لأنّ العقد
الذي جرى عليه التراضي هو المشتمل على المسمّى ، فمتى لم يكن ماضياً كان لها
__________________
فسخه من أصله. والثاني عدمه
لعدم مدخليّة
المهر في صحّة العقد وفساده.
وقيل : ليس لها
مطلقاً
لأنّ ما دون
مهر المثل أولى من العفو ، وهو جائز للذي بيده عقدة النكاح ، وإذا لم يكن لها خيار
في المهر ففي العقد أولى.
وعلى القول
بتخيّرها في المهر يثبت لها مهر المثل. وفي توقّف ثبوته على الدخول أم يثبت بمجرّد
العقد قولان .
وفي تخيّر
الزوج لو فسخت المسمّى وجهان : من التزامه بحكم العقد وهذا من جملة أحكامه. ومن
دخوله على المهر القليل فلا يلزم منه الرضا بالزائد جبراً.
ولو كان العقد
عليها بدون مهر المثل على وجه المصلحة ـ بأن كان هذا الزوج بهذا القدر أصلح وأكمل
من غيره بأضعافه ، أو لاضطرارها إلى الزوج ولم يوجد إلّاهذا بهذا القدر ، أو غير
ذلك ـ ففي تخيّرها قولان
والمتّجه هنا
عدم الخيار ، كما أنّ المتّجه هناك ثبوته.
وأمّا تزويجها
بغير الكفو أو المعيب ، فلا شبهة في ثبوت خيارها في أصل العقد. وكذا القول في جانب
الطفل ، ولو اشتمل على الأمرين ثبت الخيار فيهما. وعبارة الكتاب في إثبات أصل
التخيير [فيهما]
مجملة تجري على
جميع الأقوال.
__________________
(السادسة)
:
(عقد
النكاح لو وقع فضولاً) من أحد الجانبين أو منهما (يقف على الإجازة من المعقود عليه) إن كان كاملاً (أو وليّه) الذي له مباشرة العقد إن لم يكن (ولا يبطل) من أصله (على الأقرب) لما رُوي من أنّ جارية بكراً أتت النبيّ صلى الله عليه وآله
فذكرت أنّ أباها زوّجها وهي كارهة فخيّرها النبيّ صلى الله عليه وآله
وروى محمّد بن
مسلم أنّه سأل الباقر عليه السلام عن رجل زوّجته اُمّه وهو غائب قال : «النكاح
جائز ، إن شاء الزوج قَبِل ، وإن شاء ترك»
وحملُ القبول
على تجديد العقد خلاف الظاهر. وروى أبو عبيدة الحذّاء في الصحيح أنّه سأل الباقر
عليه السلام عن غلام وجارية زوّجهما وليّان لهما وهما غير مدركين ، فقال : «النكاح
جائز ، وأ يّهما أدرك كان له الخيار»
وحُمل الوليّ
هنا على غير الأب والجدّ بقرينة التخيير
وغيرها من
الأخبار
وهي دالّة على
صحّة النكاح موقوفاً وإن لم نقل به في غيره من العقود. ويدلّ على جواز البيع أيضاً
حديث عروة البارقي في شراء الشاة
ولا قائل
باختصاص الحكم بهما ، فإذا ثبت فيهما ثبت في سائر العقود.
__________________
نعم ، قيل
باختصاصه بالنكاح
وله وجه لو
نوقش في حديث عروة.
وقيل ببطلان
عقد الفضولي مطلقاً
استناداً إلى
أنّ العقد سبب الإباحة
فلا يصحّ صدوره
من غير معقود عنه أو وليّه؛ لئلّا يلزم من صحّته عدم سببيّته بنفسه ، وأنّ رضا
المعقود عنه أو وليّه شرط والشرط متقدّم ، وما رُوي من بطلان النكاح بدون إذن
الوليّ
وأنّ العقود
الشرعيّة تحتاج إلى الأدلّة وهي منفيّة.
والأوّل عين
المتنازع فيه ، والثاني ممنوع ، والرواية عامّيّة ، والدليل موجود.
(السابعة)
:
(لا
يجوز نكاح الأمة إلّابإذن مالكها وإن كان) المالك (امرأة في الدائم والمتعة) لقبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، ولقوله تعالى : (فَانْكِحُوهُنَّ
بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)
(ورواية
سيف) بن عميرة عن
عليّ بن المغيرة قال : «سألت أبا عبد
اللّٰه عليه السلام عن الرجل يتمتّع بأمة المرأة من غير إذنها فقال : لا بأس»
(منافية للأصل) وهو تحريم التصرّف في مال الغير بغير إذنه عقلاً وشرعاً
،
__________________
فلا يعمل بها وإن كانت صحيحة ، فلذلك أطرحها الأصحاب غير الشيخ في النهاية
جرياً على
قاعدته .
وإذا أذن
المولى لعبده في التزويج فإن عيّن له مهراً تعيّن وليس له تخطّيه ، وإن أطلق انصرف
إلى مهر المثل (ولو
زاد العبد المأذون) في المعيّن في الأوّل و (على
مهر المثل) في الثاني (صحّ)
للإذن في أصل
النكاح ، وهو يقتضي مهر المثل على المولى أو ما عيّنه (وكان الزائد في
ذمّته يتبع به بعد عتقه ، ومهر المثل) أو المعيّن (على المولى) وكذا النفقة. وقيل : يجب ذلك في كسبه .
والأقوى
الأوّل؛ لأنّ الإذن في النكاح يقتضي الإذن في توابعه والمهر والنفقة من جملتها ، والعبد
لا يملك شيئاً فلا يجب عليه شيء؛ لامتناع التكليف بما لا يطاق ، فيكون على المولى
كسائر ديونه.
وأمّا الزوجة :
فإن أطلقها تخيّر ما يليق به ، وإن عيّن تعيّنت ، فلو تخطّاها كان فضوليّاً يقف
على إجازة المولى.
(ومن
تحرّر بعضه ليس للمولى إجباره على النكاح) مراعاةً لجانب الحرّيّة (ولا للمبعَّض الاستقلال) مراعاةً لجانب الرقّيّة ، بل يتوقّف نكاحه على رضاه وإذن
المولى جمعاً بين الحقّين.
(الثامنة)
:
(لو
زوّج الفضولي الصغيرين فبلغ أحدهما وأجاز) العقد لزم من جهته ، وبقي لزومه من جهة الآخر موقوفاً
على بلوغه وإجازته ، فلو أجاز الأوّل (ثمّ
__________________
مات)
قبل بلوغ الآخر
عُزل للصغير قسطه من ميراثه على تقدير إجازته (و) إذا (بلغ
الآخر) بعد ذلك وفسخ
فلا مهر ولا ميراث؛ لبطلان العقد بالردّ (و) إن (أجاز
حلف على عدم سببيّة الإرث في الإجازة) بمعنى أنّ الباعث على الإجازة ليس هو الإرث ، بل لو كان
حيّاً لرضي بتزويجه (وورث)
حين يحلف كذلك.
ومستند هذا
التفصيل صحيحة أبي عبيدة الحذّاء عن الباقر عليه السلام
وموردها
الصغيران كما ذكر .
ولو زوّج أحدَ
الصغيرين الوليُّ أو كان أحدهما بالغاً رشيداً وزوّج الآخرَ الفضوليُّ فمات الأوّل
عزل للثاني نصيبه واُحلف بعد بلوغه كذلك ، وإن مات قبل ذلك بطل العقد. وهذا الحكم
وإن لم يكن مورد النصّ ، إلّاأ نّه ثابت فيه بطريق أولى؛ للزوم العقد هنا من الطرف
الآخر ، فهو أقرب إلى الثبوت ممّا هو جائز من الطرفين.
نعم لو كانا
كبيرين وزوّجهما الفضولي ، ففي تعدّي الحكم إليهما نظر : من مساواته للمنصوص في
كونه فضوليّاً من الجانبين ولا مدخل للصغر والكبر في ذلك ، ومن ثبوت الحكم في
الصغيرين على خلاف الأصل من حيث توقّف الإرث على اليمين وظهور التهمة في الإجازة ،
فيحكم فيما خرج عن المنصوص ببطلان العقد متى مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته
وقبل إجازة الآخر.
ويمكن إثبات
الأولويّة في البالغين بوجه آخر ، وهو أنّ عقد الفضولي متى كان له مجيز في الحال
فلا إشكال عند القائل بصحّته في صحّته. بخلاف ما إذا
__________________
لم يكن له مجيز كذلك ، فإنّ فيه خلافاً عند من يجوّز عقد الفضولي
فإذا ثبت الحكم
في العقد الضعيف الذي لا مجيز له في الحال وهو عقد الصغيرين ، فتعدّيه إلى الأقوى
أولى.
ولو عرض للمجيز
الثاني مانع عن اليمين كالجنون والسفر الضروري عُزل نصيبه إلى أن يحلف ، ولو نكل
عن اليمين فالأقوى أنّه لا يرث؛ لأنّ ثبوته بالنصّ والفتوى موقوف على الإجازة
واليمين معاً ، فينتفي بدون أحدهما.
وهل يثبت عليه
المهر لو كان هو الزوج بمجرّد الإجازة من دون اليمين؟ وجهان : من أنّه مترتّب على
ثبوت النكاح ولم يثبت بدونها ، ومن أنّ إجازته كالإقرار في حقّ نفسه بالنسبة إلى
ما يتعلّق به كالمهر ، وإنّما يتوقّف الإرث على اليمين لقيام التهمة وعود النفع
إليه محضاً ، فيثبت ما يعود عليه دون ما لَه ، ولا بُعد في تبعّض الحكم وإن تنافى
الأصلان ، وله نظائر كثيرة ، وقد تقدّم منه
ما لو اختلفا
في حصول النكاح ، فإنّ مدّعيه يُحكم عليه بلوازم الزوجيّة دون المنكر ولا يثبت
النكاح ظاهراً. وإطلاق النصّ
بتوقّف الإرث
على حلفه لا ينافي ثبوت المهر عليه بدليل آخر. وهذا متّجه.
واعلم أنّ
التهمة بطمعه في الميراث لا تأتي في جميع الموارد؛ إذ لو كان المتأخّر هو الزوج
والمهر بقدر الميراث أو أزيد انتفت التهمة ، وينبغي هنا عدم اليمين إن لم يتعلّق
غرض بإثبات أعيان التركة بحيث يترجّح على ما يثبت عليه
__________________
من الدين ، أو يخاف امتناعه من أدائه أو هربه ونحو ذلك ممّا يوجب التهمة.
ومع ذلك فالموجود في الرواية
: موت الزوج
وإجازة الزوجة وأ نّها تحلف باللّٰه «ما
دعاها إلى أخذ الميراث إلّاالرضا بالتزويج» فهي غير منافية لما ذكرناه
ولكن فتوى
الأصحاب مطلقة في إثبات اليمين.
(التاسعة)
:
(لو
زوّجها الأبوان) الأب والجدّ (برجلين
واقترنا) في العقد بأن
اتّحد زمان القبول (قُدّم
عقد الجدّ) لا نعلم فيه خلافاً ، وتدلّ عليه من الأخبار رواية عبيد بن زرارة قال : «قلت
لأبي عبد اللّٰه عليه السلام : الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل ويريد
جدّها أن يزوّجها من رجل؟ فقال : الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّاً إن لم يكن
الأب زوّجها قبله»
وعلّل مع ذلك
بأنّ ولاية الجدّ أقوى؛ لثبوت ولايته على الأب على تقدير نقصه بجنون ونحوه ، بخلاف
العكس .
وهذه العلّة لو
تمّت لزم تعدّي الحكم إلى غير النكاح ولا يقولون به. والأجود قصره على محلّ
الوفاق؛ لأنّه على خلاف الأصل حيث إنّهما مشتركان في الولاية ، ومثل هذه القوّة لا
تصلح مرجّحاً.
__________________
وفي تعدّي
الحكم إلى الجدّ مع جدّ الأب وهكذا صاعداً وجه ، نظراً إلى العلّة. والأقوى العدم؛
لخروجه عن موضع النصّ ، واستوائهما في إطلاق الجدّ حقيقة والأب كذلك ، أو مجازاً (وإن سبق) عقد (أحدهما
صحّ عقده) لما ذكر من الخبر وغيره ، ولأ نّهما مشتركان في الولاية ، فإذا سبق أحدهما
وقع صحيحاً فامتنع الآخر.
(ولو
زوّجها الأخوان برجلين فالعقد للسابق) منهما (إن
كانا) أي الأخوان (وكيلين) لما ذكر في عقد الأبوين
(وإلّا)
يكونا وكيلين (فلتتخيّر) المرأة (ما شاءت) منهما ، كما لو عقد غيرهما فضولاً.
(ويستحبّ)
لها (إجازة عقد) الأخ (الأكبر)
مع تساوي
مختارهما في الكمال أو رجحان مختار الأكبر. ولو انعكس فالأولى ترجيح الأكمل (فإن اقترنا) في العقد قبولاً (بطلا) لاستحالة الترجيح والجمع (إن كان كلّ منهما وكيلاً) والقول بتقديم عقد الأكبر
هنا ضعيف؛ لضعف
مستنده
(وإلّا)
يكونا وكيلين (صحّ عقد الوكيل
منهما) لبطلان عقد
الفضولي بمعارضة العقد الصحيح (ولو
كانا فضوليّين) والحال أنّ عقديهما اقترنا (تخيّرت) في إجازة ما شاءت منهما وإبطال الآخر أو إبطالهما.
__________________
(العاشرة)
:
(لا
ولاية للاُمّ) على الولد مطلقاً (فلو
زوّجته أو زوّجتها اعتبر رضاهما) بعد الكمال كالفضولي (فلو ادّعت الوكالة عن الابن) الكامل (وأنكر) بطل العقد و (غرمت) للزوجة (نصف المهر) لتفويتها عليها البُضع وغرورِها بدعوى الوكالة ، مع أنّ
الفرقة قبل الدخول.
وقيل : يلزمها
جميع المهر
لما ذُكر ، وإنّما
ينتصف بالطلاق ولم يقع ، ولرواية محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام
ويُشكل بأنّ
البضع إنّما يضمن بالاستيفاء على بعض الوجوه
لا مطلقاً ، والعقد
لم يثبت فلم يثبت موجَبُه.
والأقوى أنّه
لا شيء على الوكيل مطلقاً إلّامع الضمان ، فيلزمه ما ضمن. ويمكن حمل الرواية ـ لو
سُلّم سندها ـ عليه. وعلى هذا يتعدّى الحكم إلى غير الاُمّ. وبالَغَ القائل بلزوم
المهر فحكم به على الاُمّ وإن لم تدّعِ الوكالة ، استناداً إلى ظاهر الرواية وهو
بعيد. وقريب منه
حملُها على
دعواها الوكالة ، فإنّ مجرّد ذلك لا يصلح لثبوت المهر في ذمّة الوكيل.
__________________
(الفصل الثالث)
(في المحرّمات) بالنسب
والرضاع
وغيرهما من الأسباب (وتوابعها)
(يحرم)
على الذكر (بالنسب) تسعة أصناف من الإناث : (الاُمّ وإن علت) وهي كلّ امرأة ولّدته أو انته نسبه إليها من العلو
بالولادة لأبٍ كانت أم لاُمٍّ. (والبنت
وبنتها) وإن نزلت (وبنت الابن فنازلاً)
وضابطهما : من
ينتهي إليه نسبه بالتولّد ولو بوسائط.
(والاُخت
وبنتها فنازلاً) وهي كلّ امرأة ولّدها أبواه أو أحدهما ، أو انته نسبها إليهما أو إلى
أحدهما بالتولّد (وبنت
الأخ) وإن نزلت (كذلك) لأبٍ كانت أم لاُمٍّ أم لهما.
(والعمّة)
وهي كلّ اُنثى
هي اُخت ذكر ولّده بواسطة أو غيرها من جهة الأب أو الاُمّ أو منهما (والخالة فصاعداً) فيهما ، وهي كلّ اُنثى هي اُخت اُنثى ولّدته بواسطة أو
بغير واسطة. وقد يكون من جهة الأب كاُخت اُمّ الأب. والمراد بالصاعد فيهما : عمّة
الأب والاُمّ وخالتهما ، وعمّة الجدّ والجدّة وخالتهما ، وهكذا ... لا عمّة العمّة
وخالة الخالة ، فإنّهما قد لا تكونان محرّمتين.
ويحرم على
المرأة ما يحرم على الرجل بالقياس.
وضابط
المحرّمات الجامع لها : أنّه يحرم على الإنسان كلّ قريب عدا أولاد العمومة
والخؤولة.
(ويحرم
بالرضاع ما يحرم بالنسب) فاُمّك من الرضاعة هي كلّ امرأة أرضعتك أو رجع نسب من
أرضعتك أو صاحب اللبن إليها ، أو أرضعت من يرجع نسبك إليه من ذكر أو اُنثى وإن علا
، كمرضعة أحد أبويك أو أجدادك أو جدّاتك. واُختُها خالتك من الرضاعة ، وأخوها خالك
، وأبوها جدّك. كما أنّ ابن مرضعتك أخ ، وبنتها اُخت ، إلى آخر أحكام النسب.
والبنت من
الرضاع : كلّ اُنثى رضعت من لبنك أو لبن من وَلَدْتَه أو أرضعتها امرأة وَلَدْتَها
، وكذا بناتها من النسب والرضاع.
والعمّات
والخالات : أخوات الفحل والمرضعة ، وأخوات من ولدهما من النسب والرضاع؛ وكذا كلّ
امرأة أرضعتها واحدة من جدّاتك ، أو اُرضعت بلبن واحد من أجدادك من النسب والرضاع.
وبنات الأخ
وبنات الاُخت : بنات أولاد المرضعة والفحل من الرضاع والنسب ، وكذا كلّ اُنثى
أرضعتها اُختك وبنت أخيك
وبنات كلّ ذكر
أرضعته اُمّك أو ارتضع بلبن أبيك.
وإنّما يحرِّم
الرضاع (بشرط
كونه عن نكاح) دواماً ومتعة ، وملك يمين ، وشبهةٍ على أصحّ القولين
مع ثبوتها من
الطرفين ، وإلّا ثبت الحكم في حقّ من ثبت له النسب. ولا فرق في اللبن الخالي عن
النكاح بين كونه من صغيرة وكبيرة ، بكر وثيّب ، ذات بعل وخليّة.
__________________
ويعتبر مع صحّة
النكاح صدور اللبن عن ذات حمل أو ولد بالنكاح المذكور ، فلا عبرة بلبن الخالية
منهما وإن كانت منكوحة نكاحاً صحيحاً ، حتّى لو طلّق الزوج وهي حامل منه أو مرضع
فأرضعت ولداً نشر الحرمة ، كما لو كانت في حباله وإن تزوّجت بغيره.
والأقوى اعتبار
حياة المرضعة ، فلو ماتت في أثناء الرضاع فاُكمل النصاب ميتةً لم ينشر وإن تناوله
إطلاق العبارة وصدق عليه اسم «الرضاع» حملاً على المعهود المتعارف وهو إرضاع الحيّة ، ودلالة
الأدلّة اللفظيّة على الإرضاع بالاختيار ، كقوله تعالى : (وَأُمَّهٰاتُكُمُ
اَللاّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ)
واستصحاباً
لبقاء الحلّ.
(وأن
ينبت اللحم أو يشدّ العظم) والمرجع فيهما إلى قول أهل الخبرة. ويشترط العدد
والعدالة ليثبت به حكم التحريم ، بخلاف خبرهم في مثل المرض المبيح للفطر والتيمّم
، فإنّ المرجع في ذلك إلى الظنّ وهو يحصل بالواحد.
والموجود في
النصوص
والفتاوى
اعتبار الوصفين
معاً ، وهنا اكتفى بأحدهما ، ولعلّه للتلازم عادةً. والأقوى اعتبار تحقّقهما معاً.
(أو
يتمّ يوماً وليلة) بحيث ترضع كلّما تقاضاه أو احتاج إليه عادة وإن لم يتمّ العدد ولم يحصل
الوصف السابق. ولا فرق بين اليوم الطويل وغيره؛ لانجباره بالليلة أبداً.
__________________
وهل يكفي
الملفّق منهما لو ابتدأ في أثناء أحدهما؟ نظر ، من الشكّ في صدق الشرط ، وتحقّق
المعنى.
(أو
خمس عشرة رضعة) تامّة متوالية؛ لرواية زياد بن سوقة قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : هل
للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال : «لا يُحرّم الرضاع
أقلّ من يوم وليلة ، أو خمس عشرة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل
[بينها]
برضعة امرأة غيرها»
وفي معناها أخبار
اُخر .
(والأقرب
النشر بالعشر) وعليه المعظم
لعموم قوله
تعالى : (وَأُمَّهٰاتُكُمُ
اَللاّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ)
ونظائره من
العمومات
المخصَّصة بما
دون العشر قطعاً ، فيبقى الباقي ، ولصحيحة الفضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام [قال]
: «لا يحرم من الرضاع
إلّاالمجبور
قال : قلت : وما المجبور
؟ قال : اُمّ تربّي ، أو ظئر
__________________
تُستأجر ، أو أمة تُشترى ، ثمّ ترضع عشر رضعات يروى الصبيّ وينام «
ولأنّ العشر
تنبت اللحم؛ لصحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام إلى أن قال : «قلت
: وما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال : كان يقال : عشر رضعات»
والأخبار
المصرّحة بالخمس عشرة ضعيفة السند أو قريبة منه .
وفيه نظر؛ لمنع
صحّة الخبر الدالّ على العشر فإنّ في طريقه «محمّد
بن سنان» وهو ضعيف على
أصحّ القولين وأشهرهما
وأمّا صحيحة
عبيد فنسب العشر إلى غيره مشعراً بعدم اختياره ، وفي آخره ما يدلّ على ذلك ، فإنّ
السائل لمّا فهم منه عدم إرادته قال له : فهل تحرِّم عشر رضعات؟ فقال : «دع
ذا» وقال : «ما
يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع» فلو كان حكم العشر حقّاً لما نسبه عليه السلام إلى غيره
، بل كان يحكم به من غير نسبة. وإعراضه عليه السلام ثانياً عن الجواب إلى غيره
مشعر بالتقيّة وعدم التحريم بالعشر ، فسقط الاحتجاج من الجانبين.
وبقي صحيحة عبد
اللّٰه بن رئاب عن الصادق عليه السلام قال : «قلت : ما يحرم من
__________________
الرضاع؟ قال : ما أنبت اللحم وشدّ العظم. قلت : فتحرِّم عشر رضعات؟ قال : لا؛
لأ نّها لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات»
فانتفت العشر
بهذا الخبر ، فلم يبقَ إلّاالقول بالخمس عشرة وإن لم يُذكر؛ إذ لا واسطة بينهما.
وبهذا يُخصّ عموم الأدلّة أيضاً ، ويضعّف قول ابن الجنيد بالاكتفاء بما وقع عليه
اسم الرضعة نظراً إلى العموم حيث أطرح الأخبار من الجانبين
وما أوردناه من
الخبر الصحيح
حجّة عليه.
وتبقى الأخبار المثبتة للخمس عشرة والنافية للعشرة
من غيره
شاهدة وعاضدة
له وهي كثيرة. (وأن يكون المرتضع في الحولين) فلا عبرة برضاعه بعدهما وإن كان جائزاً كالشهر والشهرين معهما. والحولان
معتبران في المرتضع دون ولد المرضعة ، فلو كَمل حولاً ولدها ثمّ أرضعت بلبنه غيره
نشر في أصحّ القولين
ولا فرق بين أن
يفطم المرتضع قبل الرضاع في الحولين وعدمه.
والمعتبر في
الحولين الهلاليّة ، ولو انكسر الشهر الأوّل اُكمل بعد الأخير ثلاثين كغيره من
الآجال.
(وأن
لا يفصل) بين الرضعات في
الأحوال الثلاثة (برضاع
اُخرى(
__________________
وإن لم يكن رضعة كاملة.
ولا عبرة
بتخلّل غير الرضاع من المأكول والمشروب وشرب اللبن من غير الثدي ونحوه ، وإنّما
يقطع اتّصالَ الرضعات إرضاعُ غيرها من الثدي. وصرّح العلّامة في القواعد بالاكتفاء
في الفصل
بأقلّ من رضعة
كاملة من غير تردّد ، وفي التذكرة بأنّ الفصل لا يتحقّق
إلّابرضعة تامّة وأنّ الناقصة بحكم المأكول وغيره
والرواية مطلقة
في اعتبار كونها من امرأة واحدة ، قال الباقر عليه السلام :
«لا يحرِّم الرضاع أقلّ من رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة
واحدة من لبن فحل واحد»
ولعلّ دلالتها
على الاكتفاء بفصل مسمّى الرضاع أكثر.
(وأن
يكون اللبن لفحل واحد ، فلو أرضعت المرأة جماعة) ذكوراً وإناثاً (بلبن فحلين) فصاعداً بحيث لم يجتمع ذكر واُنثى منهم على رضاع لبن فحل
واحد ، بأن أرضعت جماعة ذكوراً بلبن واحدٍ ثمّ جماعة إناثاً بلبن فحل آخر ، أو
أرضعت صبيّاً بلبن فحل ثمّ اُنثى بلبن فحل آخر ثمّ ذكراً بلبن ثالث ثمّ اُنثى بلبن
رابع ، وهكذا ... (لم
يحرم بعضهم على بعض) ولو اتّحد فحل اثنين منهم تحقّق التحريم فيهما دون الباقين ، كما لو أرضعت
ذكراً واُنثى بلبن فحل ثمّ ذكراً آخر واُنثى بلبن فحل آخر ، وهكذا ... فإنّه يحرم
كلّ اُنثى رضعت مع ذكرها من لبن فحل واحد عليه ، ولا يحرم على الذكر الآخر.
والعبارة لا تفي بذلك ، ولكنّ المراد منها حاصل.
ولا فرق مع
اتّحاد الفحل بين أن تتّحد المرضعة ـ كما ذُكر ـ أو تتعدّد بحيث
__________________
يرتضع أحدهما من إحداهما كمالَ النصاب والآخر من الاُخرى كذلك وإن تعدّدن
فبلغن مئة كالمنكوحات بالمتعة أو بملك اليمين.
وعلى اعتبار
اتّحاد الفحل معظم الأصحاب
وجملة من
الأخبار ، وقد تقدّم بعضها.
(وقال)
أبو عليّ (الطبرسي صاحب
التفسير رحمة اللّٰه عليه) فيه : لا يشترط اتّحاد الفحل بل يكفي اتّحاد المرضعة؛
لأنّه (يكون
بينهم) مع اتّحادها (اُخوّة الاُمّ) وإن تعدّد الفحل (وهي تحرّم التناكح) بالنسب ، والرضاع يحرم منه ما يحرم بالنسب
وهو متّجه لولا
ورود النصوص عن أهل البيت عليهم السلام بخلافه
وهي مخصّصة لما
دلّ بعمومه على اتّحاد الرضاع والنسب في حكم التحريم.
(ويستحبّ)
في الاسترضاع (اختيار) المرضعة (العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة) الحسنة (للرضاع) لأنّ الرضاع مؤثّر في الطباع والأخلاق والصُوَر ، قال
النبيّ صلى الله عليه وآله : «أنا أفصح العرب ، بيدَ
أنّي من قريش ونشأت في بني سعد وارتضعت من بني زهرة»
وكانت هذه القبائل
أفصح العرب ، فافتخر صلى الله عليه وآله
__________________
بالرضاع كما افتخر بالنسب. وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «اُنظروا
من يُرضع أولادكم ، فإنّ اللبن يشبّ عليه»
وقال الباقر
عليه السلام : «عليكم بالوضاء من الظؤرة فإنّ اللبن
يُعدي»
وقال عليه
السلام لمحمّد بن مروان : «استرضع لولدك بلبن
الحِسان ، وإيّاك والقِباح ، فإنّ اللبن قد يُعدي» .
(ويجوز
استرضاع الذمّيّة عند الضرورة) من غير كراهة ، ويكره بدونها. ويظهر من العبارة ـ كعبارة
كثير ـ التحريم من دونها. والأخبار
دالّة على
الأوّل.
(ويمنعها)
زمن الرضاعة (من أكل الخنزير وشرب
الخمر) على وجه
الاستحقاق إن كانت أمته أو مستأجرته وشرط عليها ذلك ، وإلّا توصّل إليه بالرفق (ويكره تسليم الولد
إليها لتحمله إلى منزلها) لأنّها ليست مأمونة عليه (والمجوسيّة أشدّ كراهة) أن تُسترضع؛ للنهي عنها في بعض الأخبار المحمول على
الكراهة جمعاً ، قال عبد اللّٰه بن هلال : «سألت
أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن مظائرة المجوس ، فقال : لا ، ولكن أهل الكتاب»
.
(ويكره
أن تُسترضع مَن ولادتها) التي يصدر عنها اللبن (عن زنا) قال الباقر عليه السلام : «لبن
اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة أحبّ إليّ من ولد الزنا» والمراد به ما ذكرناه؛ لأنّه قال بعد ذلك :
«وكان لا يرى بأساً بولد الزنا إذا جعل مولى الجارية الذي فجر بالمرأة في حلّ» .
__________________
وكذا يكره
استرضاع ذات البدعة في دينها والتشويه في خَلقها والحمقاء ، قال النبيّ صلى الله
عليه وآله : «لا تسترضعوا الحمقاء ، فإنّ الولد يُشبّ
عليه» وقال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : «لا
تسترضعوا الحمقاء ، فإنّ اللبن يغلب الطباع» .
(وإذا
كملت الشرائط) المعتبرة في التحريم (صارت
المرضعة اُمّاً) للرضيع (والفحل)
صاحب اللبن (أباً ، وإخوتهما أعماماً
وأخوالاً ، وأولادهما إخوة ، وآباؤهما أجداداً فلا ينكح أبو المرتضع *
في
أولاد صاحب اللبن ولادةً ورضاعاً) لأنّهم صاروا إخوة ولده ، وإخوة الولد محرّمون على الأب
، ولذلك عطف المصنّف التحريم بالفاء ، ليكون تفريعاً على ما ذكر. والأخبار الصحيحة
مصرّحة بالتحريم هنا ، وأ نّهم بمنزلة وُلده .
وقيل : لا
يحرمن عليه مطلقاً؛ لأنّ اُخت الابن النسيب إذا لم تكن بنتاً إنّما حرمت لأنّها
بنت الزوجة المدخول بها ، فتحريمها بسبب الدخول باُمّها وهو منتفٍ هنا؛ ولأنّ
النصّ إنّما ورد بأ نّه «يحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب»
لا «ما
يحرم من المصاهرة» واُخت الولد إذا
لم تكن ولداً إنّما تحرم بالمصاهرة
__________________
وهو حسن لولا معارضة النصوص الصحيحة ، فالقول بالتحريم أحسن.
(و)
كذا (لا) ينكح أبو المرتضع (في أولاد المرضعة ولادة) لصحيحة عبد اللّٰه بن جعفر ، قال : «كتبت
إلى أبي محمّد عليه السلام أنّ امرأة أرضعت ولداً لرجل هل يحلّ لذلك الرجل أن
يتزوّج ابنة هذه [المرضعة]
أم لا؟ فوقّع : لا تحلّ له»
ومثلها صحيحة
أيّوب بن نوح وفيها «لأنّ وُلدها صارت بمنزلة وُلدك»
ويترتّب على
ذلك تحريم زوجة أبي المرتضع عليه لو أرضعته جدّته لاُمّه ، سواء كان بلبن جدّه أم
غيره؛ لأنّ الزوجة حينئذٍ من جملة أولاد صاحب اللبن إن كان جدّاً ، ومن جملة أولاد
المرضعة نسباً إن لم يكن ، فلا يجوز لأبي المرتضع نكاحها لاحقاً كما لا يجوز
سابقاً ، بمعنى أنّه يمنعه سابقاً ويبطله لاحقاً.
وكذا لو أرضعت
الولَدَ بعضُ نساء جدّه لاُمّه بلبنه وإن لم تكن جدّة للرضيع؛ لأنّ زوجة أب الرضيع
حينئذٍ من جملة أولاد صاحب اللبن (و) كذا (لا)
يجوز له نكاح
أولادها (رضاعاً
على قول الطبرسي)
لأنّهم بمنزلة
إخوة أولاده من الاُمّ وقد تقدّم ضعفه
لما عرفت من
أنّ التحريم مشروط باتّحاد الفحل وهو منفيّ هنا.
(وينكح
إخوة المرتضع نسباً في إخوته رضاعاً) إذ لا اُخوّة بينهم وإنّما هم إخوة أخيهم وإخوة الأخ إذا
لم يكونوا إخوة لا يحرمون على إخوته ، كالأخ من الأب إذا كان له اُخت من الاُمّ ،
فإنّها لا تحرم على أخيه؛ لانتفاء القرابة بينهما.
__________________
(وقيل)
والقائل الشيخ (بالمنع)
لدلالة تعليل
التحريم على أب المرتضع في المسألة السابقة ب (أنّهن بمنزلة وُلده) عليه
، ولأنّ اُخت
الأخ من النسب محرّمة ، فكذا من الرضاع.
ويُضعَّف بمنع
وجود العلّة هنا؛ لأنّ كونهنّ بمنزلة أولاد أب المرتضع غير موجود هنا وإن وجد ما
يجري مجراها ، وقد عرفت فساد الأخير.
(ولو
لحق الرضاعُ العقدَ حرّم كالسابق) فلو أرضعت اُمّه أو من يحرم النكاح بإرضاعه كاُخته
وزوجةِ أبيه وابنه وأخيه بلبنهم زوجتَه فسد النكاح. ولو أرضعت كبيرة الزوجتين
صغيرتهما حُرِّمتا أبداً مع الدخول بالكبيرة ، وإلّا الكبيرة ، وينفسخ نكاح الجميع
مطلقاً.
(ولا
تقبل الشهادة به إلّامفصَّلة) فلا تكفي الشهادة بحصول الرضاع المحرِّم مطلقاً؛
للاختلاف في شرائطه كيفيّة وكمّيّة ، وجاز
أن يكون مذهب
الشاهد مخالفاً لمذهب الحاكم فيشهد بتحريم ما لا يُحرِّمه. ولو عُلم موافقة رأي
الشاهد لرأي الحاكم في جميع الشرائط فالمتّجه الاكتفاء بالإطلاق ، إلّاأنّ الأصحاب
أطلقوا القول بعدم صحّتها إلّامفصّلة
فيشهد الشاهدان
بأنّ فلاناً
__________________
ارتضع من فلانة من الثدي من لبن الولادة خمس عشرة رضعة تامّات في الحولين ،
من غير أن يفصل بينها برضاع امرأةٍ اُخرى.
وبالجملة ، فلا
بدّ من التعرّض لجميع الشرائط ، ولا يشترط التعرّض لوصول اللبن إلى الجوف على
الأقوى.
ويشترط في صحّة
شهادته به أن يعرف المرأة في تلك الحال ذات لبن ، وأن يشاهد الولد قد التقم الثدي
، وأن يكون مكشوفاً؛ لئلّا يلتقم غير الحلمة ، وأن يشاهد امتصاصه له وتحريك شفتيه
والتجرّع ، وحركة الحلق على وجهٍ يحصل له القطع به. ولا يكفي حكاية القرائن وإن
كانت هي السبب في علمه ، كأن يقول : رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرّك ... ؛ لأنّ
حكاية ذلك لا تعدّ شهادة وإن كان علمه مترتّباً عليها ، بل لا بدّ من التلفّظ بما
يقتضيه عند الحاكم. ولو كانت الشهادة على الإقرار به قبلت مطلقة؛ لعموم
«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»
وإن أمكن
استناد المقرّ إلى ما لا يحصل به التحريم عند الحاكم ، بخلاف الشهادة على عينه.
(وتحرم
بالمصاهرة) وهي علاقة تحدث بين الزوجين وأقرباءِ كلّ منهما بسبب النكاح توجب الحرمة.
ويلحق بالنكاح : الوطء ، والنظر ، واللمس على وجهٍ مخصوص. وهذا هو المعروف من
معناها لغةً وعرفاً ، فلا يحتاج إلى إضافة وطء الأمة ، والشبهة ، والزنا ونحوه
إليها وإن أوجب حرمة على بعض الوجوه؛ إذ ذاك ليس من حيث المصاهرة ، بل من جهة ذلك
الوطء ، وإن جرت العادة بإلحاقه بها في بابها (زوجةُ كلّ من الأب فصاعداً) كالجدّ وإن علا من الطرفين (والابن فنازلاً) وإن كان للبنت ـ واُطلق عليه الابن مجازاً ـ (على الآخر) وإن لم يدخل بها الزوج؛ لعموم (وَلاٰ
تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ)
وقوله تعالى :
__________________
(وَحَلاٰئِلُ
أَبْنٰائِكُمُ)
والنكاح حقيقة
في العقد على الأقوى ، والحليلة حقيقة في المعقود عليها للابن قطعاً.
(واُمّ
الموطوءة) حلالاً أو حراماً (واُمّ
المعقود عليها) وإن لم يدخل بها (فصاعداً)
وهي جدّتها من
الطرفين وإن علت.
(وابنة
الموطوءة) مطلقاً (فنازلاً)
أي ابنة ابنها
وابنتها وإن لم يطلق عليها «ابنة» حقيقةً (لا ابنة المعقود عليها) من غير دخول ، فلو فارقها قبل الدخول حلّ له تزويج
ابنتها ، وهو موضع وفاق ، والآية الكريمة صريحة في اشتراط الدخول في التحريم.
وأمّا تحريم الاُمّ وإن لم يدخل بالبنت فعليه المعظم ، بل كاد يكون إجماعاً ، وإطلاق
قوله تعالى : (وَأُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ)
يدلّ عليه.
والوصف بعده بقوله تعالى : (مِنْ
نِسٰائِكُمُ اَللاّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ)
لا حجّة فيه ، إمّا
لوجوب عوده إلى الجملة الأخيرة كالاستثناء ، أو لتعذّر حمله عليهما من جهة أنّ «مِن»
تكون مع
الاُولى بيانيّة ، ومع الثانية ابتدائيّة ، والمشترك لا يُستعمل في معنييه معاً.
وبه مع ذلك نصوص
إلّاأ نّها
معارضة بمثلها
ومن ثَمَّ ذهب
ابن أبي عقيل إلى اشتراط الدخول بالبنت في تحريمها
كالعكس.
والمذهب هو الأوّل.
__________________
(أمّا
الاُخت) للزوجة (فتحرم جمعاً) بينها وبينها ، فمتى فارق الاُولى بموت أو فسخ أو طلاق
بائن أو انقضت عدّتها حلّت الاُخرى (لا عيناً والعمّة والخالة) وإن علتا (يجمع بينها *
وبين
ابنة أخيها أو اُختها) وإن نزلتا (برضاء
العمّة والخالة ، لا بدونه) بإجماع أصحابنا ، وأخبارنا متظافرة به .
ثمّ إنّ تقدّم
عقد العمّة والخالة توقّف العقد الثاني على إذنهما ، فإن بادر بدونه ففي بطلانه أو
وقوفه على رضاهما فإن فسختاه بطل أو تخييرهما
فيه وفي عقدهما
، أوجه أوسطها الأوسط. وإن تقدّم عقد بنت الأخ أو الاُخت وعلمت العمّة والخالة
بالحال فرضاهما بعقدهما رضاً بالجمع ، وإلّا ففي تخييرهما
في فسخ عقد
أنفسهما أو فيه وفي عقد السابقة أو بطلان عقدهما ، أوجه أجودها
الأوّل.
وهل يلحق الجمع
بينهما بالوطء في ملك اليمين بذلك؟ وجهان. وكذا لو ملك إحداهما وعقد على الاُخرى.
ويمكن شمول العبارة لاتّحاد الحكم في الجميع.
(وحكم)
وطء (الشبهة والزنا
السابق على العقد حكم الصحيح في المصاهرة) فتحرم الموطوءة بهما على أبيه وابنه ، وعليه اُمّها
وبنتها ، إلى غير ذلك من أحكام المصاهرة.
ولو تأخّر
الوطء فيهما عن العقد أو
الملك لم تحرم
المعقود عليها
__________________
والمملوكة. هذا هو الأصحّ فيهما
وبه يجمع بين
الأخبار الدالّة على المنع مطلقاً
وعلى عدمه كذلك
.
(وتكره
ملموسة الابن ومنظورته) على وجهٍ لا تحلّ لغير مالك الوطء بعقد أو ملك (على الأب. وبالعكس) وهو منظورة الأب وملموسته (تحرم) على ابنه.
أمّا الأوّل : فلأنّ
فيه جمعاً بين الأخبار التي دلّ بعضها على التحريم كصحيحة محمّد بن بزيع
وغيرها
وبعضُها على
الإباحة كموثّقة عليّ بن يقطين عن الكاظم عليه السلام بنفي البأس عن ذلك
بحمل النهي على
الكراهة.
وأمّا الثاني ـ
وهو تحريم منظورة الأب وملموسته على الابن ـ فلصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه
السلام قال : «إذا جرّد الرجل الجارية ووضع يده عليها
فلا تحلّ لابنه»
ومفهومها الحلّ
لأبيه ، فإن عُمل بالمفهوم ، وإلّا فبدلالة الأصل وما سبق
وفيه نظر؛ لأنّ
صحيحة ابن بزيع دلّت على التحريم فيهما ، ورواية ابن يقطين دلّت على نفيه فيهما ، فإن
وجب الجمع بينهما بالكراهة فالحكم في صحيحة محمّد بن مسلم كذلك ـ وهذا هو الذي
اختاره المصنّف في شرح
__________________
الإرشاد
وجماعة
ـ أو يُعمل
بالاُولى ترجيحاً للصحيح على الموثّق حيث يتعارضان أو مطلقاً ، وتكون صحيحة محمّد
بن مسلم مؤيّدة لأحد الطرفين. وهو الأظهر ، فتحرم فيهما ، فالتفصيل غير متوجّه.
وقيّدنا النظر
واللمس بكونهما لا يحلّان لغيره؛ للاحتراز عن نظر مثل الوجه والكفّين بغير شهوة ، فإنّه
لا يُحرِّم اتّفاقاً. وأمّا اللمس فظاهر الأصحاب وصرّح به جماعة
منهم تحريمه
فيهما مطلقاً فيتعلّق به الحكم مطلقاً .
نعم ، يشترط
كونهما بشهوة ، كما ورد في الأخبار
وصرّح به
__________________
الأصحاب
فلا عبرة
بالنظر المتّفق ، ولمس الطبيب ، ونحوهما ، وإن كانت العبارة مطلقة. هذا حكم
المنظورة والملموسة بالنسبة إليهما.
وهل يتعدّى
التحريم إلى اُمّها وابنتها
في حقّ الفاعل؟
قولان مأخذهما : أصالة الحلّ واشتراط تحريم البنت بالدخول
بالاُمّ في الآية . ولا قائل بالفرق ، وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما
عليهما السلام الدالّة على التحريم. ويمكن الجمع بحمل النهي على الكراهة. وهو أولى.
واعلم أنّ
الحكم مختصّ بنظر المملوكة على ذلك الوجه. وما ذكرناه من الروايات دالّ عليها.
وأمّا الحرّة :
فإن كانت زوجة حرمت على الأب والابن بمجرّد العقد ، وإن كانت أجنبيّة ففي تحريمها
قولان ويظهر من العبارة الجزم به؛ لأنّه فرضها مطلقة ، والأدلّة
لا تساعد عليه.
__________________
(مسائل عشرون)
[الاُولى]
:
(لو
تزوّج الاُمّ وابنتها في عقد) واحد (بطلا)
للنهي عن العقد
الجامع بينهما
واستحالةِ
الترجيح؛ لاتّحاد نسبته إليهما (ولو
جمع بين الاُختين فكذلك) لاشتراكهما في ذلك.
(وقيل)
والقائل الشيخ
وجماعة منهم
العلّامة في المختلف
: (يتخيّر) واحدة منهما؛ لمرسلة جميل بن درّاج عن أحدهما عليهما
السلام : «في رجل تزوّج اُختين في عقد واحد ، قال
: هو بالخيار أن يمسك أيّتهما شاء ، ويخلّي سبيل الاُخرى»
وهي مع إرسالها
غير صريحة في ذلك؛ لإمكان إمساك إحداهما بعقد جديد.
ومثله ما لو
جمع بين خمس في عقد أو بين اثنتين وعنده ثلاث ، أو بالعكس ، ونحوه. ويجوز الجمع
بين الاُختين في الملك ، وكذا بين الاُمّ وابنتها فيه ، وإنّما يحرم الجمع بينهما
في النكاح وتوابعه من الاستمتاع.
(ولو
وطئ إحدى الاُختين المملوكتين حرمت الاُخرى حتّى تخرج الاُولى
__________________
عن
ملكه) ببيع أو هبة ، أو
غيرهما.
وهل يكفي مطلق
العقد الناقل للملك أم يشترط لزومه ، فلا يكفي البيع بخيار والهبة التي يجوز
الرجوع فيها؟ وجهان : من إطلاق النصّ اشتراط خروج الاُولى عن ملكه
وهو حاصل
بمطلقه ، ومن أنّها مع تسلّطه على فسخه بحكم المملوكة.
ويُضعّف بأنّ
غاية التحريم إذا علّقت على مطلق الخروج لم يُشترط معها أمر آخر؛ لئلّا يلزم جعل
ما جعله الشارع غاية ليس بغاية. وقدرته على ردّها إلى ملكه لا تصلح للمنع؛ لأنّه
بعد الإخراج اللازم متمكّن منه دائماً على بعض الوجوه بالشراء والاتّهاب ، وغيرهما
من العقود. فالاكتفاء بمطلق الناقل أجود.
وفي الاكتفاء
بفعل ما يقتضي تحريمها عليه ـ كالتزويج والرهن والكتابة ـ وجهان ، منشؤهما : حصول
الغرض وهو تحريم الوطء ، وانتفاء النقل الذي هو مورد النصّ ((
وهو الأقوى.
ولا فرق في
تحريم الثانية بين وطء الاُولى في القبل والدبر. وفي مقدّماته من اللمس والقُبلة
والنظر بشهوة نظر من قيامها مقام الوطء كما سلف ، وعدم صدق الوطء بها.
(فلو
وطئ الثانية فعل حراماً) مع علمه بالتحريم (ولم تحرم الاُولى) لأنّ الحرام لا يُحرّم الحلال ، والتحريم إنّما تعلّق
بوطء الثانية فيستصحب ، ولأصالة الإباحة.
وعلى هذا فمتى
أخرج إحداهما عن ملكه حلّت الاُخرى ، سواء أخرجها
__________________
للعود إليها أم لا ، وإن لم يخرج إحداهما فالثانية محرّمة دون الاُولى.
وقيل : متى وطئ
الثانية عالماً بالتحريم حرمت عليه الاُولى أيضاً إلى أن تموت الثانية أو يُخرجها
عن ملكه لا لغرض العود إلى الاُولى ، فإن اتّفق إخراجها لا لذلك حلّت له الاُولى ،
وإن أخرجها ليرجع إلى الاُولى فالتحريم باقٍ ، وإن وطئ الثانية جاهلاً بالتحريم لم
تحرم عليه الاُولى .
ومستند هذا
التفصيل روايات بعضها صريح فيه وخالية عن المعارض ، فالقول به متعيّن ، وبه ينتفي
ما علّلوه في الأوّل .
ولو ملك اُمّاً
وبنتها ووطئ إحداهما حرمت الاُخرى مؤبّداً ، فإن وطئ المحرّمة عالماً حُدّ ولم
تحرم الاُولى ، وإن كان جاهلاً قيل : حرمت الاُولى أيضاً مؤبّداً .
ويشكل بأ نّه
حينئذٍ لا يخرج عن وطء الشبهة أو الزنا وكلاهما لا يحرِّم لاحقاً كما مرّ
وخروج الاُخت
عن الحكم للنصّ
وإلّا كان
اللازم منه عدم تحريم الاُولى مطلقاً كما اختاره هنا.
__________________
(الثانية)
:
(لو
زوّجها الأبوان) الأب والجدّ (برجلين
واقترنا) وهو موضع وفاق (فلو فعل) بدون إذنها (وقف) العقد (على
إجازتها) ولا يقع
باطلاً؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد
وليس المانع
هنا إلّاعدم رضاها ، وهو مجبور بإيقافه على إجازتها ، كعقد الفضولي ، ولرواية
سماعة عن الصادق عليه السلام .
وقيل : يبطل
لحسنة الحلبي «من
تزوّج أمة على حرّة فنكاحه باطل»
ونحوه روى
حذيفة بن منصور عنه عليه السلام وزاد فيها «أنّه
يُعزّر اثني عشر سوطاً ونصفاً ثمن حدّ الزاني وهو صاغر»
وتأويل البطلان
بأ نّه آئل إليه على تقدير اعتراض الحرّة خلاف ظاهره. ورواية سماعة قاصرة عن معارضته.
وعلى البطلان
يُنزّل عقد الأمة منزلة المعدوم. وعلى إيقافه قيل : للحرّة فسخ عقدها أيضاً
كالعمّة والخالة
وهو ضعف في
ضعف.
__________________
وجواز تزويج
الأمة بإذن الحرّة
المستفاد من
الاستثناء مختصّ بالعبد ، أو بمن يعجز عن وطء الحرّة دون الأمة ويخشى العنت
أو مبنيّ على
القول بجواز تزويج الأمة بدون الشرطين
وإن كان الأقوى
خلافه ، كما نبّه عليه بقوله :
(و)
كذا (لا) يجوز للحرّ (أن يتزوّج الأمة مع قدرته على تزويج *
الحرّة)
بأن يجد الحرّة
ويقدر على مهرها ونفقتها ويمكنه وطؤها ، وهو المعبَّر عنه بالطول (أو مع عجزه إذا لم
يخش العَنَت) وهو لغةً : المشقّة الشديدة
وشرعاً : الضرر
الشديد بتركه بحيث يخاف الوقوع في الزنا؛ لغلبة الشهوة وضعف التقوى.
وينبغي أن يكون
الضرر الشديد وحده كافياً وإن قويت التقوى؛ للحرج أو الضرر المنفيّين وأصالة عدم
النقل.
وعلى اعتبار
الشرطين ظاهر الآية
وبمعناها رواية
محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام
ودلالتهما بمفهوم
الشرط ، وهو حجّة عند المحقّقين .
__________________
(وقيل
: يجوز) العقد على
الأمة مع القدرة على الحرّة على كراهة
للأصل ، وعمومات
الكتاب مثل (إِلاّٰ
عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ
وَلَأَمَةٌ
مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ
وَأُحِلَّ
لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ
وَأَنْكِحُوا
اَلْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَاَلصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ
وَإِمٰائِكُمْ
ولرواية ابن بكير المرسلة عن الصادق عليه السلام «لا
ينبغي»
وهو ظاهر في
الكراهة.
ويضعَّف بأنّ
الاشتراط المذكور مخصِّص لما ذكر من العمومات. والرواية مع إرسالها ضعيفة
وضعف مطلق
المفهوم ممنوع. وتنزيل الشرط على الأغلب خلاف الظاهر.
(وهو)
أي القول
بالجواز (مشهور)
بين الأصحاب ، إلّاأنّ
دليله غير ناهض عليه ، فلذا نسبه إلى الشهرة (فعلى) القول (الأوّل
لا يباح) نكاح الأمة (إلّابعدم الطول) وهو لغةً الزيادة والفضل ، والمراد به هنا الزيادة في
المال وسعته بحيث يتمكّن معها من نكاح الحرّة ، فيقوم بما لا بدّ منه من مهرها
ونفقتها. ويكفي للنفقة وجوده بالقوّة ، كغلّة الملك وكسبِ ذي الحرفة.
(وخوف
العَنَت) بالفتح ، وأصله
انكسار العظم بعد الجبر ، فاستعير لكلّ
__________________
مشقّة وضرر ، ولا ضرر أعظم من مواقعة المأثم ، والصبر عنها مع الشرطين
أفضل؛ لقوله تعالى : (وَأَنْ تَصْبِرُوا
خَيْرٌ لَكُمْ)
(وتكفي
الأمة الواحدة) لاندفاع العنت بها. وهو أحد الشرطين في الجواز.
(وعلى
الثاني) وهو الجواز
مطلقاً (يباح
اثنتان) لا أزيد كما
سيأتي.
(الثالثة)
:
(من
تزوّج امرأة في عدّتها بائنة كانت أو رجعيّة) أو عدّة وفاة أو عدّة شبهة ولعلّه غلب عليهما اسم
البائنة (عالماً
بالعدّة والتحريم بطل العقد وحرمت) عليه (أبداً)
ولا فرق بين
العقد الدائم والمنقطع فيهما؛ لإطلاق النصوص
الشامل لجميع
ما ذكر (وإن
جهل أحدهما) : العدّة أو التحريم (أو
جهلهما حرمت إن دخل) بها قبلاً أو دبراً (وإلّا
فلا) ولو اختصّ
العلم بأحدهما دون الآخر اختصّ به حكمه ، وإن حرم على الآخر التزوّج
به من حيث
المساعدة على الإثم والعدوان.
ويمكن سلامته
من ذلك بجهله التحريم ، أو بأن يخفى عليه عين الشخص المحرَّم مع علم الآخر ، ونحو
ذلك. وفي الحكم بصحّة العقد على هذا التقدير نظر.
ويتعدّى
التحريم على تقدير الدخول إلى أبيه وابنه ، كالموطوءة بشبهة مع الجهل والمزنيّ بها
مع العلم.
وفي إلحاق مدّة
الاستبراء بالعدّة فتحرم بوطئها فيها وجهان ، أجودهما
__________________
العدم؛ للأصل. وكذا الوجهان في العقد عليها مع الوفاة المجهولة ظاهراً قبل
العدّة مع وقوعه بعد الوفاة في نفس الأمر ، أو الدخول
مع الجهل.
والأقوى عدم
التحريم؛ لانتفاء المقتضي له ، وهو كونها معتدّة أو مزوّجة ، سواء كانت المدّة المتخلّلة
بين الوفاة والعدّة بقدرها ، أم أزيد أم أنقص ، وسواء وقع العقد أو الدخول في
المدّة الزائدة عنها أم لا؛ لأنّ العدّة إنّما تكون بعد العلم بالوفاة ، أو ما في
معناه وإن طال الزمان.
وفي إلحاق ذات
البعل بالمعتدّة وجهان : من أنّ علاقة الزوجيّة فيها أقوى ، وانتفاء النصّ.
والأقوى أنّه
مع الجهل وعدم الدخول لا تحرم ، كما أنّه لو دخل بها عالماً حرمت؛ لأنّه زانٍ بذات
البعل ، والإشكال فيها واهٍ ، وإنّما يقع الاشتباه مع الجهل والدخول أو العلم مع
عدمه. ووجه الإشكال : من عدم النصّ عليه بخصوصه ، وكونِ الحكم بالتحريم هنا أولى
للعلاقة. ولعلّه أقوى.
وحيث لا يحكم
بالتحريم يجدّد العقد بعد العدّة إن شاء. ويلحق الولد مع الدخول والجهل بالجاهل
منهما إن وُلد في وقت إمكانه منه. ولها مهر المثل مع جهلها بالتحريم ، وتعتدّ منه
بعد إكمال الاُولى.
(الرابعة)
:
(لا
تحرم المزنيّ بها على الزاني ، إلّاأن تكون ذات بعل) دواماً ومتعة ، والمعتدّة رجعيّةً بحكمها ، دون البائن.
والحكم موضع وفاق.
وفي إلحاق
الموطوءة بالملك بذات البعل وجهان ، مأخذهما : مساواتها لها
__________________
في كثير من الأحكام خصوصاً المصاهرة ، واشتراكهما في المعنى المقتضي
للتحريم وهو صيانة الأنساب عن الاختلاط ، وأنّ ذلك كلّه لا يوجب اللحاق مطلقاً
وهو الأقوى.
(ولا
تحرم الزانية) على الزاني ولا على غيره (ولكن
يكره تزويجها) مطلقاً (على
الأصحّ) خلافاً لجماعة
حيث حرّموه على
الزاني ما لم تظهر منها التوبة.
ووجه الجواز
الأصل ، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : «أيّما رجل
فجر بامرأة ثمّ بدا له أن يتزوّجها حلالاً ، أوّله سفاح وآخره نكاح ، فمثله كمثل
النخلة أصاب الرجل من ثمرها [حراماً]
ثمّ اشتراها فكانت له حلالاً»
ولكن تكره
للنهي عن تزويجها مطلقاً
في عدّة أخبار
المحمول على
الكراهة جمعاً.
واحتجّ المانع
برواية أبي
بصير ، قال : «سألته عن رجل فجر بامرأة ثمّ
__________________
أراد بعدُ أن يتزوّجها ، فقال : إذا تابت حلّ له نكاحها. قلت : كيف يعرف
توبتها؟ قال : يدعوها إلى ما كانت عليه من الحرام ، فإن امتنعت واستغفرت ربّها عرف
توبتها»
وقريب منه ما
روى عمّار عن الصادق عليه السلام
والسند فيهما
ضعيف وفي الاُولى قطع ، ولو صحّتا لوجب حملهما على الكراهة
جمعاً.
(ولو
زنت امرأته لم تحرم) عليه (على
الأصحّ ، وإن أصرّت) على الزنا؛ للأصل والنصّ
خلافاً للمفيد
وسلّار
حيث ذهبا إلى
تحريمها مع الإصرار ، استناداً إلى فوات أعظم فوائد النكاح ـ وهو التناسل ـ معه؛
لاختلاط النسب حينئذٍ ، والغرض من شرعيّة الحدّ والرجم للزاني حفظه عن ذلك.
ويضعَّف بأنّ
الزاني لا نسب له ولا حرمة.
(الخامسة)
:
(من
أوقب غلاماً أو رجلاً) بأن أدخل به بعضَ الحشفة وإن لم يجب الغسل (حرمت على الموقب اُمّ الموطوء) وإن علت (واُخته) دون بناتها (وبنته) وإن نزلت من ذكر واُنثى من النسب اتّفاقاً ، ومن الرضاع
على الأقوى.
ولا فرق في
المفعول بين الحيّ والميّت على الأقوى ، عملاً بالإطلاق .
وإنّما تحرم
المذكورات مع سبقه على العقد عليهنّ (ولو سبق العقد) على
__________________
الفعل (لم
يحرم) للأصل ، ولقولهم
عليهم السلام : (لا
يحرِّم الحرام الحلال) .
والظاهر عدم
الفرق بين مفارقة من سبق عقدها بعد الفعل ، وعدمه ، فيجوز له تجديد نكاحها بعده مع
احتمال عدمه؛ لصدق سبق الفعل بالنسبة إلى العقد الجديد.
ولا فرق فيهما
بين الصغير والكبير على الأقوى؛ للعموم ، فيتعلّق التحريم قبلَ البلوغ بالوليّ
وبعده به.
ولا يحرم على
المفعول بسببه شيء عندنا
للأصل. وربما
نقل عن بعض الأصحاب تعلّق التحريم به كالفاعل
وفي كثير من
الأخبار إطلاق التحريم
بحيث يمكن
تعلّقه بكلّ منهما ، ولكنّ المذهب الأوّل.
(السادسة)
:
(لو
عقد المحرم) بفرض أو نفل بحجّ أو عمرة بعد إفساده وقبله على اُنثى (عالماً بالتحريم
حَرُمت أبداً بالعقد) وإن لم يدخل (وإن
جهل) التحريم (لم تحرم وإن دخل بها)
لكن يقع عقده
فاسداً ، فله العود إليه بعد الإحلال.
__________________
هذا هو المشهور
، ومستنده رواية زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام
الدالّة
بمنطوقها على حكم العلم ، وبمفهومها على غيره ، وهو معتضد بالأصل ، فلا يضرّ ضعف
دلالته. ولا تحرم الزوجة بوطئها في الإحرام مطلقاً.
(السابعة)
:
(لا
يجوز للحرّ أن يجمع زيادة على أربع حرائر ، أو حرّتين وأمتين ، أو ثلاث حرائر وأمة)
بناءً على جواز
نكاح الأمة بالعقد بدون الشرطين ، وإلّا لم تجز الزيادة على الواحدة؛ لانتفاء
العنت معها ، وقد تقدّم من المصنّف اختيار المنع
ويبعد فرض بقاء
الحاجة إلى الزائد عن الواحدة. ولا فرق في الأمة بين القنّة والمدبّرة والمكاتبة
بقسميها حيث لم تؤدّ شيئاً ، واُمّ الولد.
(ولا
للعبد أن يجمع أكثر من أربع إماء أو حرّتين أو حرّة وأمتين ، ولا يباح له ثلاث
إماء وحرّة) والحكم في الجميع إجماعيّ ، والمعتَقُ بعضه كالحرّ في حقّ الإماء وكالعبد
في حقّ الحرائر. والمعتَقُ بعضها كالحرّة في حقّ العبد ، وكالأمة في حقّ الحرّ (كلّ ذلك بالدوام).
(أمّا
المتعة فلا حصر له على الأصحّ) للأصل ، وصحيحة زرارة قال : (قلت : ما يحلّ من
المتعة؟ قال : كم شئت)
وسأل أبو بصير
أبا عبد اللّٰه عليه السلام (عن المتعة أهي من الأربع؟ قال : لا ولا
من السبعين) وعن زرارة عن
__________________
الصادق عليه السلام قال : «ذكر له المتعة أهي
من الأربع؟ قال : تزوّج منهنّ ألفاً ، فإنّهنّ مستأجرات» .
وفيه نظر : لأنّ
الأصل قد عُدل عنه بالدليل الآتي ، والأخبار المذكورة وغيرها في هذا الباب ضعيفة
أو مجهولة السند أو مقطوعة
فإثبات مثل هذا
الحكم المخالف للآية الشريفة
وإجماع باقي
علماء الإسلام مشكل. لكنّه مشهور ، حتّى أنّ كثيراً من الأصحاب لم ينقل فيه خلافاً
، فإن ثبت الإجماع كما ادّعاه ابن إدريس
وإلّا فالأمر
كما ترى.
ونبّه بالأصحّ
على خلاف ابن البرّاج حيث منع في كتابيه
من الزيادة
فيها على أربع ، محتجّاً بعموم الآية وبصحيحة أحمد بن أبي نصر عن أبي الحسن [الرضا]
عليه السلام قال : «سألته عن الرجل تكون عنده المرأة ، أيحلّ
له أن يتزوّج باُختها متعة؟ قال : لا. قلت : حكى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
إنّما هي مثل الإماء
__________________
يتزوّج ما شاء؟ قال : لا ، هي
من الأربع»
و
روى عمّار عن
أبي عبد اللّٰه عليه السلام في المتعة ، قال : «هي
إحدى الأربع» .
واُجيب بأ نّه
محمول على الأفضل والأحوط
جمعاً بينهما
وبين ما سبق ولصحيحة أحمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال :
«قال أبو جعفر عليه السلام : اجعلوهنّ من الأربع ، فقال له صفوان بن يحيى : على
الاحتياط؟ قال : نعم» .
واعلم أنّ هذا
الحمل يحسن لو صحّ شيء من أخبار الجواز لا مع عدمه ، والخبر الأخير ليس بصريح في
جواز مخالفة الاحتياط. وفي المختلف اقتصر من نقل الحكم على مجرّد الشهرة
ولم يصرّح
بالفتوى. ولعلّه لما ذكرناه.
(وكذا)
لا حصر للعدد (بملك اليمين إجماعاً)
والأصل فيه
قوله تعالى : (إِلاّٰ عَلىٰ
أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ) .
هذا في ملك العين ، أمّا ملك المنفعة ـ كالتحليل
ـ ففي إلحاقه به نظر ، من الشكّ في إطلاق اسم «ملك اليمين» عليه ، والشكّ في كونه عقداً أو إباحة. والأقوى إلحاقه به ، وبه
جزم في التحرير .
__________________
(الثامنة)
:
(إذا
طلّق ذو النصاب) الذي لا يجوز تجاوزه واحدةً أو أكثر ، طلاقاً (رجعيّاً لم يجز له التزويج دائماً حتّى
تخرج) المطلّقة من (العدّة) لأنّ المطلّقة رجعيّاً بمنزلة الزوجة ، فالنكاح الدائم
زمن العدّة بمنزلة الجمع زائداً على النصاب (وكذا) لا يجوز له تزويج (الاُخت) أي اُخت المطلّقة رجعيّاً (دائماً ومتعةً) وإن كانت المطلّقة واحدة؛ لأنّه يكون جامعاً بين
الاُختين.
(ولو
كان) الطلاق (بائناً جاز) تزويج الزائدة عن
النصاب
والاُخت؛ لانقطاع العصمة بالبائن وصيرورتِها كالأجنبيّة. لكن (على كراهيّة شديدة) لتحرّمها بحرمة الزوجيّة ، وللنهي عن تزويجها مطلقاً في
صحيحة زرارة عن الصادق عليه السلام قال : (إذا جمع الرجل أربعاً فطلّق إحداهنّ
فلا يتزوّج الخامسة حتّى تنقضي عدّة المرأة التي طُلّقت. وقال : لا يجمع ماءه في
خمس)
وحُمِل
النهي على
الكراهة جمعاً.
(التاسعة)
:
(لا
تحلّ الحرّة على المطلِّق ثلاثاً) يتخلّلها رجعتان ـ أيّ أنواع الطلاق كان ـ (إلّابالمحلّل ، وإن
كان المطلّق عبداً) لأنّ الاعتبار في عدد الطلقات عندنا بالزوجة (ولا تحلّ الأمة المطلّقة اثنتين) كذلك (إلّابالمحلّل
، ولو كان
__________________
المطلّق
حرّاً) للآية والرواية .
(أمّا
المطلَّقة تسعاً للعدّة) والمراد به : أن يطلّقها على الشرائط ثمّ يراجع في
العدّة ويطأ ثمّ يطلّق في طهر آخر ثمّ يراجع في العدّة ويطأ ثمّ يطلّق
الثالثة ، فينكحها
بعد عدّتها زوج آخر ثمّ يفارقها بعد أن يطأها ، فيتزوّجها الأوّل بعد العدّة ويفعل
كما فعل أوّلاً إلى أن يكمل لها تسعاً كذلك (ينكحها رجلان) بعد الثالثة والسادسة (فإنّها تحرم أبداً) وإطلاق التسع للعدّة مجاز؛ لأنّ الثالثة من كلّ ثلاث
ليست للعدّة ، فإطلاقه عليها إمّا إطلاقاً
لاسم الأكثر
على الأقلّ أو باعتبار المجاورة.
وحيث كانت
النصوص والفتاوى مطلقة في اعتبار التسع للعدّة في التحريم المؤبَّد كان أعمّ من
كونها متوالية ومتفرّقة ، فلو اتّفق في كلّ ثلاث واحدة للعدّة اعتبر فيه إكمال
التسع كذلك.
لكن هل يغتفر
منها الثالثة من كلّ ثلاث لاغتفارها لو جامعت الاثنتين
__________________
للعدّة ، فيكفي وقوع ستّ للعدّة ، أو يعتبر إكمال التسع للعدّة حقيقة؟
يحتمل الأوّل؛ لأ نّه المعتبر عند التوالي ، ولأنّ الثالثة لم يتحقّق اعتبار كونها
للعدّة ، وإنّما استفيد من النصّ
التحريم بالستّ
الواقعة لها ، فيستصحب الحكم مع عدم التوالي. والثاني؛ لأنّ اغتفار الثالثة ثبت مع
التوالي على خلاف الأصل ، فإذا لم يحصل اعتبرت الحقيقة ، خصوصاً مع كون طلقة
العدّة هي الاُولى خاصّة ، فإنّ علاقتي المجاز منتفيتان عن الثالثة؛ إذ لا مجاورة
لها للعدّيّة ، ولا أكثريّة لها. بخلاف ما لو كانت العدّية هي الثانية ، فإنّ
علاقة المجاورة موجودة.
والثاني أقوى ،
فإن كانت العدّيّة هي الاُولى تعلّق التحريم بالخامسة والعشرين ، وإن كانت الثانية
فبالسادسة والعشرين.
ويبقى فيه
إشكال آخر ، وهو أنّ طلاق العدّة حينئذٍ لا يتحقّق إلّابالرجعة بعده والوطء ، فإذا
توقّف التحريم على تحقّق التسع كذلك لزم تحريمها بعد الدخول في الأخيرة بغير طلاق
، وهو بعيد. ولو توقّف على طلاق آخر بعده ولم يكن ثالثاً لزم جعل ما ليس بمحرِّم
محرِّماً ، والحكم بالتحريم بدون طلاقٍ موقوفٍ على التحليل ، وكلاهما بعيد. وليس
في المسألة شيء يعتمد عليه ، فللتوقّف فيما خالف النصّ مجال. هذا كلّه حكم الحرّة.
أمّا الأمة فقد
عرفت أنّها تحرم بعد كلّ طلقتين ، فلا يجتمع لها طلاق تسع للعدّة مع نكاح رجلين ، وهما
معتبران في التحريم نصّاً وفتوىً ، فيحتمل تحريمها بستّ؛ لأنّها قائمة مقام التسع
للحرّة وينكحها بينها رجلان. ويحتمل اعتبار التسع كالحرّة ، استصحاباً للحلّ إلى
أن يثبت المحرِّم ، ولا يقدح نكاح أزيد من رجلين؛ لصدقهما مع الزائد.
__________________
وعلى التقديرين
فيحتمل اعتبار العدد كلّه للعدّة اقتصاراً في المجاز على المتحقّق ، والاكتفاء في
كلّ اثنتين بواحدة للعدّة ، وهي الاُولى؛ لقيامها مقام الاثنتين ، ولصدق المجاز في
إطلاق العدّيّة على الجميع بعلاقة المجاورة.
فعلى الأوّل
يعتبر اثنتا عشرة تطليقة إذا وقعت الاُولى من كلّ اثنتين للعدّة ، وعلى التسع
ثماني عشرة ، ويبقى الكلام في الثانية عشرة والثامنة عشرة كما مرّ.
وعلى الثاني
يُكتفى بالستّ أو التسع.
ويحتمل في
الأمة عدم تحريمها مؤبّداً مطلقاً؛ لأنّ ظاهر النصّ أنّ مورده الحرّة بقرينة نكاح
الرجلين من التسع ، فيتمسّك في الأمة بأصالة بقاء الحلّ ، ولعدم اجتماع الشرطين
فيها. وللتوقّف
مجال.
(العاشرة)
:
(تحرم
الملاعنة أبداً) وسيأتي الكلام في تحقيق حكمها وشرائطها
(وكذا)
تحرم (الصمّاء والخرساء
إذا قذفها زوجها بما يوجب اللعان) لولا الآفة ، بأن يرميها بالزنا مع دعوى المشاهدة وعدم
البيّنة ، فلو لم يدّع المشاهدة حُدّ ولم تحرم. ولو أقام بيّنة بما قذفها به سقط
الحدّ عنه والتحريم كما يسقط اللعان؛ لأنّ ذلك هو مقتضى حكم القذف في إيجاب اللعان
وعدمه. ولا يسقط الحدّ بتحريمها عليه ، بل يجمع بينهما إن ثبت القذف عند الحاكم ، وإلّا
حرمت فيما بينه وبين اللّٰه تعالى وبقي الحدّ في ذمّته على ما دلّت عليه
رواية
__________________
أبي بصير
التي هي الأصل
في الحكم ، وإن كان المستند الآن الإجماع عليه كما ادّعاه الشيخ رحمه الله .
ودلّت الرواية
أيضاً على اعتبار الصمم والخرس معاً ، فلو اتّصفت بأحدهما خاصّة ، فمقتضى الرواية
ودليل الأصل عدم التحريم. ولكن أكثر الأصحاب
عطفوا أحد
الوصفين على الآخر ب «أو» المقتضي للاكتفاء بأحدهما ، والمصنّف عطف بالواو وهو
يدلّ عليه أيضاً. ولكن ورد الخرس وحده في روايتين
فالاكتفاء به
وحده حسن. أمّا الصمم وحده ، فلا نصّ عليه بخصوصه يُعتدّ به.
وفي التحرير
استشكل حكم الصمّاء خاصّة بعد أن استقرب التحريم
ولو نفى ولدها
على وجهٍ يثبت اللعان به لو كانت غير مؤفة ، ففي ثبوت اللعان أو تحريمها به كالقذف
وجهان : من مساواته للقذف في التحريم المؤبّد باللعان فيساويه في المعلول الآخر ، ودعوى
الشيخ في الخلاف الإجماع على أنّه لا لعان
__________________
للصمّاء والخرساء
ومن عموم الآية
المتناول لكلّ زوجة ، خرج منه قذفهما بالنصّ
أو الإجماع
فيبقى الباقي داخلاً في عموم الحكم باللعان ، وتوقّف التحريم عليه. ولا يلزم من
مساواة النفي القذف في حكمٍ مساواته في غيره؛ لأنّ الأسباب متوقّفة على النصّ ، والإجماع
إنّما نُقل على عدم لعانهما مع القذف كما صرّح به الشيخ ، فلا يلحق به غيره.
والظاهر أنّه
لا فرق هنا مع القذف بين دخوله بهما وعدمه عملاً بالإطلاق ، أمّا نفي الولد
فاشتراطه حسن. ومتى حرمت قبل الدخول فالأجود ثبوت جميع المهر؛ لثبوته بالعقد
فيستصحب ، وتنصّفه في بعض الموارد لا يوجب التعدّي. وألحق الصدوق في الفقيه
بذلك قذف
المرأة زوجها الأصمّ فحكم بتحريمها عليه مؤبّداً حملاً على قذفه لها. وهو مع
غرابته قياس لا نقول به.
(الحادية
عشرة) :
(تحرم
الكافرة غير الكتابيّة) وهي اليهوديّة و
النصرانيّة ، [و]
المجوسيّة (على المسلم إجماعاً و) تحرم (الكتابيّة)
عليه (دواماً
__________________
لا
متعة وملكَ يمين) على أشهر الأقوال
والقول الآخر
الجواز مطلقاً
والثالث المنع
مطلقاً
وإنّما جعلنا
المجوسيّة من أقسام الكتابيّة مع أنّها مغايرة لها وإن اُلحقت بها في الحكم؛
لدعواه الإجماع على تحريم نكاح من عداها مع وقوع الخلاف في المجوسيّة ، فلولا
تغليبه الاسم عليها لدخلت في المجمع على تحريمه. ووجه إطلاقه عليها أنّ لها شبهة
كتاب صحّ بسببه التجوّز. والمشهور بين المتأخّرين أنّ حكمها حكمها فناسب الإطلاق.
وإنّما يمنع من
نكاح الكتابيّة ابتداءً لا استدامة؛ لما سيأتي من أنّه لو أسلم زوج الكتابيّة
فالنكاح بحاله.
(ولو
ارتدّ أحد الزوجين) عن الإسلام (قبل
الدخول بطل النكاح) سواء كان الارتداد فطريّاً أم ملّيّاً (ويجب) على الزوج (نصف المهر إن
__________________
كان
الارتداد من الزوج) لأنّ الفسخ جاء من جهته فأشبه الطلاق. ثمّ إن كانت التسمية صحيحة فنصف
المسمّى ، وإلّا فنصف مهر المثل. وقيل : يجب جميع المهر؛ لوجوبه بالعقد ولم يثبت
تشطيره إلّابالطلاق
وهو الأقوى .
ولو كان
الارتداد منها فلا مهر لها؛ لأنّ الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول .
(ولو
كان) الارتداد (بعده) أي بعد الدخول (وقف) انفساخ النكاح (على انقضاء العدّة) إن كان الارتداد من الزوجة مطلقاً ، أو من الزوج عن غير
فطرة ، فإن رجع المرتدّ قبل انقضائها ثبت النكاح ، وإلّا انفسخ.
(ولا
يسقط شيء من المهر) لاستقراره بالدخول (ولو
كان) ارتداده (عن فطرة بانت) الزوجة (في الحال) إذ لا تقبل توبته بل يقتل وتخرج عنه أمواله بنفس
الارتداد وتبين منه زوجته وتعتدّ عدّة الوفاة.
(ولو
أسلم زوج الكتابيّة) دونها (فالنكاح
بحاله) قبلَ الدخول
وبعدَه ، دائماً ومنقطعاً ، كتابيّاً كان الزوج أم وثنيّاً ، جوّزنا نكاحها للمسلم
ابتداءً أم لا (ولو
أسلمت دونه) بعد الدخول (وقف)
الفسخ (على) انقضاء (العدّة) وهي عدّة الطلاق من حين إسلامها ، فإن انقضت ولم يسلم
تبيّن أنّها بانت منه حين إسلامها ، وإن أسلم قبل انقضائها تبيّن بقاء النكاح. هذا
هو المشهور بين الأصحاب ، وعليه الفتوى.
__________________
وللشيخ رحمه
الله قول بأنّ النكاح لا ينفسخ بانقضاء العدّة إذا كان الزوج ذمّيّاً ، لكن لا
يمكَّن من الدخول عليها ليلاً ، ولا من الخلوة بها ولا من إخراجها إلى دار الحرب
ما دام قائماً بشرائط الذمّة
استناداً إلى
رواية ضعيفة
مرسلة أو
معارَضة بما هو أقوى منها .
(وإن
كان) الإسلام (قبل الدخول وأسلمت
الزوجة بطل) العقد ولا مهر لها؛ لأنّ الفُرقة جاءت من قبلها ، وإن أسلم الزوج بقي
النكاح كما مرّ.
ولو أسلما معاً
ثبت النكاح؛ لانتفاء المقتضي للفسخ.
(الثانية
عشرة) :
(لو
أسلم أحد) الزوجين (الوثنيّين)
المنسوبين إلى
عبادة الوَثَن ـ وهو الصنم ـ وكذا من بحكمهما من الكفّار غير الفرق الثلاثة ، وكان
الإسلام (قبل
الدخول بطل) النكاح مطلقاً؛ لأنّ المسلم إن كان هو الزوج استحال بقاؤه على نكاح الكافرة
غير الكتابيّة؛ لتحريمه ابتداءً واستدامةً ، وإن كان [هي]
الزوجة فأظهر (ويجب النصف) أي نصف المهر (بإسلام الزوج) وعلى
__________________
ما تقدّم
فالجميع. ويسقط
بإسلامها؛ لما ذكر .
(وبعده)
أي بعد الدخول (يقف) الفسخ (على)
انقضاء (العدّة) فإن انقضت ولم يسلم الآخر تبيّن انفساخه من حين الإسلام
، وإن أسلم فيها استمرّ النكاح ، وعلى الزوج نفقة العدّة مع الدخول إن كانت هي
المسلمة ، وكذا في السابق
ولو كان المسلم
هو فلا نفقة لها عن زمن الكفر مطلقاً
لأنّ المانع
منها مع قدرتها على زواله.
(ولو
أسلما معاً فالنكاح بحاله) لعدم المقتضي للفسخ. والمعتبر في ترتّب الإسلام ومعيّته
بآخر كلمة الإسلام ، لا بأوّلها. ولو كانا صغيرين قد أنكحهما الوليّ فالمعتبر
إسلام أحد الأبوين في إسلام ولده ، ولا اعتبار بمجلس الإسلام عندنا.
(ولو
أسلم الوثنيّ) ومن في حكمه
(أو
الكتابي على أكثر من أربع) نسوة بالعقد الدائم (فأسلمن ، أو كنّ كتابيّات) وإن لم يسلمن (تخيّر أربعاً) منهنّ وفارق سائرهنّ إن كان حرّاً وهنّ حرائر ، وإلّا
اختار ما عيّن له سابقاً من حرّتين وأمتين ، أو ثلاث حرائر وأمة ، والعبد يختار
حرّتين ، أو أربع إماء ، أو حرّة وأمتين ، ثمّ تتخيّر الحرّة في فسخ عقد الأمة
وإجازته كما مرّ .
__________________
ولو شرطنا في
نكاح الأمة الشرطين توجّه انفساخ نكاحها هنا إذا جامعت حرّة؛ لقدرته عليها
المنافية لنكاح الأمة. ولو تعدّدت الحرائر اعتبر رضاهنّ جُمَع ما لم يزدن على أربع
، فيعتبر رضاء من يختارهنّ من النصاب.
ولا فرق في
التخيير بين من ترتّب عقدهنّ واقترن ، ولا بين اختيار الأوائل والأواخر ، ولا بين
من دخل بهنّ وغيرهنّ. ولو أسلم معه أربع وبقي أربع كتابيّات فالأقوى بقاء التخيير.
(الثالثة
عشرة) :
(لا
يحكم بفسخ نكاح العبد بإباقه وإن لم يَعُد في العدّة على الأقوى) لأصالة بقاء الزوجيّة (ورواية عمّار) الساباطي عن الصادق عليه السلام قال : (سألته عن رجل أذن
لعبده في تزويج امرأة فتزوّجها ، ثمّ إنّ العبد أبق؟ فقال : ليس لها على مولاه
نفقة ، وقد بانت عصمتها منه ، فإنّ إباق العبد طلاق امرأته ، وهو بمنزلة المرتدّ
عن الإسلام. قلت : فإن رجع إلى مولاه ترجع امرأته إليه؟ قال : إن كانت قد انقضت عدّتها
ثمّ تزوّجت غيره فلا سبيل له عليها ، وإن لم تتزوّج ولم تنقض العدّة فهي امرأته
على النكاح الأوّل)
(ضعيفة)
السند ، فإنّ
عمّاراً وإن كان ثقةً إلّاأ نّه فطحيٌّ لا يُعتمد على ما ينفرد به. ونبّه بالأقوى
على خلاف الشيخ في النهاية
حيث عمل
بمضمونها ، وتبعه ابن حمزة
إلّاأ نّه خصّ
الحكم بكون العبد زوجاً لأمة غير سيّده ، وقد تزوّجها بإذن السيّدين.
والحقّ المنع
مطلقاً ووجوب النفقة على السيّد ، ولا تبين المرأة إلّابالطلاق.
__________________
(الرابعة
عشرة) :
(الكفاءة)
ـ بالفتح
والمدّة ـ وهي تساوي الزوجين في الإسلام والإيمان ، إلّاأن يكون المؤمن هو الزوج
والزوجة مسلمة من غير الفِرَق المحكوم بكفرها مطلقاً ، أو كتابيّة في غير الدائم.
وقيل : يعتبر
مع ذلك يسار الزوج بالنفقة قوّةً أو فعلاً .
وقيل : يُكتفى
بالإسلام
والأشهر
الأوّل. وكيف فُسّرت فهي (معتبرة
في النكاح ، فلا يجوز للمسلمة) مطلقاً (التزويج * بالكافر)
وهو موضع وفاق.
(ولا
يجوز للناصب التزويج بالمؤمنة) لأنّ الناصبي شرّ
من اليهودي والنصراني
على ما رُوي في أخبار أهل البيت عليهم السلام
وكذا العكس ، سواء
الدائم والمتعة. (ويجوز
للمسلم التزويج متعة أو استدامة) للنكاح على تقدير إسلامه (كما مرّ
بالكافرة)
الكتابيّة
ومنها المجوسيّة ، وكان عليه أن يقيّدها ، ولعلّه اكتفى بالتشبيه بما مرّ.
__________________
(وهل
يجوز للمؤمنة التزويج بالمخالف) من أيّ فِرَق الإسلام كان ولو من الشيعة غير الإماميّة؟ (قولان) :
أحدهما ـ وعليه
المعظم ـ المنع
لقول النبيّ
صلى الله عليه وآله : (المؤمنون
بعضهم أكفاء بعض)
دلّ بمفهومه
على أنّ غير المؤمن لا يكون كفواً للمؤمنة. وقوله صلى الله عليه وآله : (إذا جاءكم من ترضون
خُلقه ودينه فزوّجوه ، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)
والمؤمن لا
يرضى دين غيره. وقول الصادق عليه الصلاة والسلام : (إنّ العارفة لا توضع إلّاعند عارف)
وفي معناها
أخبار كثيرة
واضحة الدلالة
على المنع لو صحّ سندها ، وفي بعضها تعليل ذلك بأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها
ويقهرها على دينه .
والثاني : الجواز
على كراهية ، اختاره المفيد
والمحقّق ابن
سعيد إمّا لأنّ
__________________
الإيمان هو الإسلام ، أو لضعف الدليل الدالّ على اشتراط الإيمان ، فإنّ
الأخبار بين مرسل وضعيف ومجهول
ولا شكّ أنّ
الاحتياط المطلوب في النكاح ـ المترتّب عليه مهامّ الدين مع تظافر الأخبار بالنهي
وذهاب المعظم إليه حتّى ادّعى بعضهم الإجماع عليه
ـ يرجّح القول
الأوّل. واقتصار المصنّف على حكاية القولين مشعر بما نبّهنا عليه .
(أمّا
العكس فجائز) قطعاً (لأنّ
المرأة تأخذ من دين بعلها) فيقودها إلى الإيمان. والإذن فيه من الأخبار
كثير.
(الخامسة
عشرة) :
(ليس
التمكّن من النفقة) قوّةً أو فعلاً (شرطاً
في صحّة العقد) لقوله تعالى : (وَأَنْكِحُوا
اَلْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَاَلصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ
وَإِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اَللّٰهُ
مِنْ فَضْلِهِ)
وللخبرين
السابقين.
__________________
ثمّ إن كانت
عالمة بفقره لزم العقد ، وإلّا ففي تسلّطها على الفسخ إذا علمت قولان
مأخذهما : لزوم
التضرّر ببقائها معه كذلك المنفيّ بالآية
والرواية
وأنّ النكاح
عقد لازم والأصل البقاء ، ولقوله تعالى :(وَإِنْ كٰانَ
ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ)
وهو عامّ. وهو
الأجود. والوجهان آتيان فيما إذا تجدّد عجزه.
وقيل : هو شرط
في صحّة النكاح كالإسلام ، وأنّ الكفاءة مركّبة منهما أو منهما ومن الإيمان .
والأقوى عدم
شرطيّته مطلقاً
(نعم
هو شرط في وجوب الإجابة) منها أو من وليّها؛ لأنّ الصبر على الفقر ضرر عظيم في
الجملة ، فينبغي جبره بعدم وجوب إجابته ، وإن جازت أو رجحت مع تمام خُلْقه وكمال
دينه ، كما أمر به النبيّ صلى الله عليه وآله في إنكاح جويبر
وغيره .
وملاحظة المال
مع تمام الدين ليس محطَّ نظر ذوي الهمم العوالي.
__________________
(السادسة
عشرة) :
(يكره
تزويج الفاسق خصوصاً شارب الخمر) قال الصادق عليه السلام : «من
زوّج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها»
وذهب بعض
العامّة
إلى عدم جواز
تزويج الفاسق مطلقاً
إلّالمثله؛
لقوله تعالى : (أَفَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ
كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ) .
(السابعة
عشرة) :
(لا
يجوز التعريض بالعقد لذات البعل) اتّفاقاً ، ولما فيه من الفساد (ولا للمعتدّة رجعيّة)
لأنّها في حكم
المزوّجة.
والمراد
بالتعريض : الإتيان بلفظٍ يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها مع ظهور إرادتها ، مثل : ربّ
راغب فيك وحريص عليك ، أو إنّي راغب فيك ، أو أنت عليَّ كريمة أو عزيزة ، أو إنّ
اللّٰه لسائق إليك خيراً أو رزقاً ، ونحو ذلك. وإذا حرم التعريض لهما
فالتصريح أولى.
(ويجوز
في المعتدّة بائناً) كالمختلعة (التعريض
من الزوج) وإن لم تحلّ له في الحال (وغيره
، والتصريح منه) وهو الإتيان بلفظٍ لا يحتمل
__________________
غير إرادة النكاح (إن
حلّت له في الحال) بأن تكون على طلقة أو طلقتين ، وإن توقّف الحلّ على رجوعها في البذل (ويحرم) التصريح منه (إن توقّف) حلّها له (على المحلّل. وكذا يحرم التصريح) في العدّة (من غيره مطلقاً) سواء توقّف حلّها للزوج على محلّل أم لا ، وكذا منه بعد
العدّة.
(ويحرم
التعريض للمطلّقة تسعاً) للعدّة (من الزوج) لامتناع نكاحه لها والملاعنة ونحوها من المحرّمات على
التأبيد. (ويجوز)
التعريض لها (من غيره) كغيرها من المطلّقات بائناً.
واعلم أنّ
الإجابة تابعة للخطبة في الجواز والتحريم ، ولو فعل الممنوع تصريحاً أو تعريضاً لم
تحرم بذلك ، فيجوز له بعد انقضاء العدّة تزويجها ، كما لو نظر إليها في وقت تحريمه
ثمّ أراد نكاحها.
(الثامنة
عشرة) :
(تحرم
الخطبة بعد إجابة الغير) منها أو من وكيلها أو وليّها؛ لقوله صلى الله عليه وآله
: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه»
فإنّ النهي
ظاهر في التحريم ، ولما فيه من إيذاء المؤمن وإثارة الشحناء المحرّم ، فيحرم ما
كان وسيلة إليه ، ولو رُدّ لم تحرم إجماعاً. ولو انتفى الأمران
فظاهر الحديث
التحريم أيضاً ، لكن لم نقف على قائل به. (ولو) خالف وخطب و (عقد صحّ) وإن فعل محرَّماً؛ إذ لا منافاة بين تحريم الخطبة وصحّة
العقد.
__________________
(وقيل
: تكره الخطبة) بعد إجابة الغير من غير تحريم
لأصالة الإباحة
وعدم صيرورتها بالإجابة زوجة ، ولعدم ثبوت الحديث ، كحديث النهي عن الدخول في سومه
وهذا أقوى ، وإن كان الاجتناب طريق الاحتياط. هذا كلّه
في الخاطب المسلم.
أمّا الذمّي
إذا خطب الذمّية لم تحرم خطبة المسلم لها قطعاً؛ للأصل وعدم دخوله في النهي؛ لقوله
صلى الله عليه وآله : (على
خطبة أخيه).
(التاسعة
عشرة) :
(يكره
العقد على القابلة المربّية) للنهي عنه في عدّة أخبار
المحمول على
الكراهة جمعاً بينها وبين ما دلّ صريحاً على الحِلّ .
وقيل : تحرم
عملاً بظاهر
النهي. ولو قبلت ولم تربّ ، أو بالعكس لم تحرم ولم تكره قطعاً. والمعتبر في
التربية مسمّاها ، عملاً بالإطلاق.
وكذا يُكره
العقد على بنتها؛ لأنّها بمنزلة اُخته ، كما أنّ القابلة بمنزلة اُمّه؛ لورودها
معها في بعض الأخبار
وكان عليه أن
يذكرها ، إلّاأ نّه لا قائل هنا بالمنع.
__________________
(و)
كذا يُكره (أن يزوّج ابنه بنت
زوجته المولودة بعد مفارقته) لاُمّها. وكذا ابنة أمته كذلك؛ للنهي عنه عن الباقر عليه
السلام معلّلاً بأنّ أباه لها بمنزلة الأب .
وكذا يُكره
تزويج ابنته لابنها كذلك ، والرواية شاملة لهما؛ لأنّه فرضها في تزويج ولده لولدها
، فلو فرضها المصنّف كذلك كان أشمل (أمّا) لو ولدتها (قبل تزويجه فلا كراهة) لعدم النهي وانتفاء العلّة (وأن يتزوّج بضرّة الاُمّ مع غير الأب
لو فارقها الزوج) لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام قال : «ما
اُحبّ للرجل المسلم أن يتزوّج ضرّة كانت لاُمّه مع غير أبيه»
وهو شامل لما
إذا كان تزوّج ذلك الغير قبل أبيه وبعده.
(العشرون)
:
(نكاح
الشغار) بالكسر. وقيل :
بالفتح
أيضاً (باطل) *
إجماعاً (وهو أن يزوّج كلّ من
الوليّين الآخر على أن يكون بُضع كلّ واحدة مهراً للاُخرى) وهو نكاح كان في الجاهليّة ، مأخوذ من الشغر وهو رفع
إحدى الرِجلين ، إمّا لأنّ النكاح يُفضي إلى ذلك ومنه قولهم : «أشغراً
وفخراً؟» أو لأنّه يتضمّن
رفع المهر ، أو من قبيل شغر البلد : إذا خلا من القاضي والسلطان؛ لخلوّه من المهر.
والأصل في تحريمه ما رُوي من النهي عنه عن النبيّ صلى الله عليه وآله .
__________________
ولو خلا المهر
من أحد الجانبين بطل خاصّة ، ولو شرط كلّ منهما تزويج
الاُخرى بمهر
معلوم صحّ العقدان وبطل المسمّى؛ لأنّه شرط معه تزويج وهو غير لازم ، والنكاح لا
يقبل الخيار ، فيثبت مهر المثل. وكذا لو زوّجه بمهر وشرط أن يزوّجه ولم يذكر
مهراً.
__________________
(الفصل الرابع)
(في نكاح المتعة)
وهو النكاح
المنقطع (ولا
خلاف) بين الإماميّة (في شرعيّته) مستمرّاً إلى الآن ، أو
لا خلاف بين
المسلمين قاطبةً في أصل شرعيّته ، وإن اختلفوا بعد ذلك في نسخه (والقرآن) الكريم (مصرِّح به) في قوله تعالى : (فَمَا
اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)
اتّفق جمهور
المفسّرين على أنّ المراد به نكاح المتعة ، وأجمع أهل البيت عليهم السلام على ذلك
، وروي عن جماعة من الصحابة ـ منهم اُبيّ بن كعب وابن عبّاس وابن مسعود ـ (أنّهم
قرأوا فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى).
(ودعوى
نسخه) أي نسخ جوازه
من الجمهور
(لم
تثبت) لتناقض
رواياتهم بنسخه ، فإنّهم رووا عن عليّ عليه السلام أنّ رسول اللّٰه صلى الله
عليه وآله نهى عن متعة النساء
__________________
يوم خيبر
ورووا عن ربيع
بن سبرة عن أبيه أنّه قال : (شكونا
العُزبة في حجّة الوداع فقال : استمتعوا من هذه النساء ، فتزوّجت امرأة ثمّ غدوت
على رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله وهو قائم بين الركن والباب وهو يقول : إنّي
كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع ، ألا وإنّ اللّٰه قد حرّمها إلى يوم القيامة)
.
ومن المعلوم
ضرورةً من مذهب عليّ وأولاده عليهم الصلاة والسلام حلّها وإنكار تحريمها بالغاية ،
فالرواية عن عليّ عليه السلام بخلافه باطلة. ثمّ اللازم من الروايتين أن تكون قد
نسخت مرّتين؛ لأنّ إباحتها في حجّة الوداع أولاً ناسخة لتحريمها يوم خيبر ، ولا
قائل به ، ومع ذلك فيتوجّه إلى خبر سبرة الطعن في سنده واختلاف ألفاظه ومعارضته
لغيره. ورووا عن جماعة من الصحابة منهم جابر بن عبد اللّٰه وعبد
اللّٰه بن عبّاس وابن مسعود وسلمة بن الأكوع وعمران بن حصين وأنس بن مالك : أنّها
لم تُنسخ
وفي صحيح مسلم
بإسناده إلى عطاء قال : «قدم جابر بن عبد
اللّٰه معتمراً فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة ، فقال
: نعم استمتعنا على عهد رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر»
وهو صريح في
بقاء شرعيّتها بعد موت النبيّ صلى الله عليه وآله من غير نسخ.
(وتحريم
بعض الصحابة) وهو عمر (إيّاه
تشريع) من عنده (مردود) عليه؛ لأنّه إن كان بطريق الاجتهاد فهو باطل في مقابلة
النصّ
__________________
إجماعاً ، وإن كان بطريق الرواية فكيف خفي ذلك على الصحابة أجمع في بقيّة
زمن النبيّ وجميع خلافة أبي بكر وبعض خلافة المحرِّم؟
ثمّ يدلّ على
أنّ تحريمه من عنده لا بطريق الرواية قوله في الرواية المشهورة عنه بين الفريقين :
«متعتان كانتا في عهد رسول اللّٰه
صلى الله عليه وآله حلالاً أنا أنهى عنهما واُعاقِب عليهما»
ولو كان النبيّ
صلى الله عليه وآله قد نهى عنهما في وقت من الأوقات لكان إسناده إليه صلى الله
عليه وآله أولى وأدخل في الزجر. وروى شعبة عن الحكم بن عتيبة ـ وهو من أكابرهم ـ قال
: سألته عن هذه الآية (فَمَا
اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ)
أمنسوخة هي؟
قال : لا ، ثمّ قال الحكم : قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام : «لولا
أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّاشقيّ»
وفي صحيح
الترمذي «أنّ رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن
متعة النساء فقال : هي حلال ، فقال : إنّ أباك قد نهى عنها ، فقال ابن عمر : أرأيت
إن كان أبي نهى عنها وصنعها
رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله أتترك السنّة وتتبع قول أبي!» .
وأمّا الأخبار
بشرعيّتها
من طريق أهل
البيت عليهم السلام فبالغة ـ أو كادت أن تبلغ ـ حدَّ التواتر؛ لكثرتها ، حتّى أنّه
مع كثرة اختلاف أخبارنا ـ الذي أكثره بسبب التقيّة ـ وكثرة مخالفينا فيه لم يوجد
خبر واحد منها يدلّ على منعه ، وذلك عجيب!
__________________
(وإيجابه
كالدائم) بأحد الألفاظ
الثلاثة ولا إشكال هنا في (متّعتُكَ)
(وقبوله كذلك. ويزيد) هنا ذكر (الأجل)
المضبوط
المحروس عن الزيادة والنقصان (وذكر
المهر) المضبوط كذلك
بالكيل أو الوزن أو العدد مع المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة ، ولو أخلّ به بطل
العقد ، بخلاف الدائم.
(وحكمه
كالدائم في جميع ما سلف) من الأحكام شرطاً وولايةً ، وتحريماً بنوعيه
(إلّاما
استُثني) من أنّ المتعة
لا تنحصر في عدد
وأ نّها تصحّ
بالكتابيّة ابتداءً.
(ولا
تقدير في المهر قلّة ولا كثرة) ، بل ما تراضيا عليه ممّا يُتموَّل ولو بكفٍّ من بُرٍّ ،
وقدّره الصدوق بدرهم
(وكذا)
لا تقدير في (الأجل) قلّة وكثرة. وشذّ قول بعض الأصحاب بتقديره قلّة بما بين
طلوع الشمس والزوال
(ولو
وهبها المدّة قبل الدخول فعليه نصف المسمّى) كما لو طلّق في الدوام قبلَه. وفي إلحاق هبة بعض المدّة
قبلَه بالجميع نظر ، والأصل يقتضي عدم السقوط. ولو كانت الهبة بعد الدخول للجميع
أو البعض لم يسقط منه شيء قطعاً؛ لاستقراره بالدخول. والظاهر أنّ هذه الهبة إسقاط
بمنزلة الإبراء فلا يفتقر إلى القبول.
(ولو
أخلّت بشيء من المدّة) اختياراً قبل الدخول أو بعده (قاصّها) من المهر بنسبة ما أخلّت به من المدّة بأن يبسط المهر
على جميع المدّة ويسقط منه
__________________
بحسابه ، حتّى لو أخلّت بها أجمع سقط عنه المهر.
ولو كان المنع
لعذر ـ كالحيض والمرض والخوف من ظالم ـ لم يسقط باعتباره شيء. ويحتمل ضعيفاً
السقوط بالنسبة كالاختياري ، نظراً إلى أنّه في مقابلة الاستمتاع بقرينة المنع
الاختياري. وهو مشترك بين الاختياري والاضطراري. وضعفه ظاهر. وفي رواية عمر بن
حنظلة عن الصادق عليه السلام
ما يدلّ على
الحكمين .
وإطلاق
المقاصّة على ذلك الوجه مجاز؛ لأنّ مجرّد إخلالها بالمدّة يوجب سقوط مقابلها من
العوض الآخر ، ومثل هذا لا يُعدّ مقاصّة.
ولو ماتت في
أثناء المدّة أو قبل الدخول فأولى بعدم سقوط شيءٍ كالدائم.
(ولو
أخلّ بالأجل في) متن (العقد
انقلب دائماً ، أو بطل على خلاف) في ذلك ، منشؤه : من صلاحيّة أصل العقد لكلّ منهما ، وإنّما
يتمحّض للمتعة بذكر الأجل وللدوام بعدمه ، فإذا انتفى الأوّل ثبت الثاني؛ لأنّ
الأصل في العقد الصحّة ، وموثّقة ابن بكير عن الصادق عليه السلام قال :
«إن سُمّي الأجل فهو متعة ، وإن لم يُسمَّ الأجل فهو نكاح باقٍ»
وعلى هذا عمل
الشيخ والأكثر
ومنهم المصنّف
__________________
في شرح الإرشاد
ومن أنّ المتعة
شرطها الأجل إجماعاً والمشروط عدمٌ عند عدم شرطه ، ولصحيحة زرارة عنه عليه السلام
: (لا تكون متعة إلّابأمرين : بأجل مسمّى
، وأجرٍ مسمّى)
وأنّ الدوام لم
يُقصد والعقود تابعة للقصود ، وصلاحيّة الإيجاب لهما لا يوجب حمل المشترك على أحد
معنييه مع إرادة المعنى
الآخر المباين
له.
وهذا هو الأقوى
، والرواية ليس فيها تصريح بأ نّهما أرادا المتعة وأخلّا بالأجل ، بل مضمونها : أنّ
النكاح مع الأجل متعة وبدونه دائم ، ولا نزاع فيه.
وأمّا القول
بأنّ العقد إن وقع بلفظ التزويج أو النكاح انقلب دائماً ، أو بلفظ التمتّع بطل
أو بأنّ ترك
الأجل إن كان جهلاً منهما أو من أحدهما أو نسياناً كذلك بطل ، وإن كان عمداً انقلب
دائماً
فقد ظهر ضعفه
ممّا ذكرناه ، فالقول بالبطلان مطلقاً مع قصد التمتّع الذي هو موضع النزاع أوجه.
(ولو
تبيّن فساد العقد) إمّا بظهور زوجٍ أو عدّة ، أو كونها محرَّمة عليه جمعاً أو عيناً أو غير
ذلك من المفسدات (فمهر
المثل مع الدخول) وجهلها حالةَ الوطء؛ لأنّه وطء محترم ، فلا بدّ له من عوض وقد بطل المسمّى
، فيثبت مهر مثلها في المتعة المخصوصة.
__________________
وقيل : تأخذ ما
قبضته ولا يُسلّم الباقي
استناداً إلى
رواية حمْلها على كون المقبوض بقدر مهر المثل أولى من إطلاقها
المخالف للأصل.
وقبل الدخول لا
شيء لها؛ لبطلان العقد المقتضي لبطلان المسمّى ، فإن كانت قد قبضته استعاده ، وإن
تلف في يدها ضمنته مطلقاً ، وكذا لو دخل وهي عالمة بالفساد؛ لأنّها بغيّ ولا مهر
لبغيٍّ.
(ويجوز
العزل عنها وإن لم يشترط) ذلك في متن العقد ، وهو هنا موضع وفاق ، وهو منصوص
بخصوصه
ولأنّ الغرض
الأصلي منه الاستمتاع دون النسل ، بخلاف الدوام. (و) لكن (يلحق
به الولد) على تقدير ولادتها بعد وطئه بحيث يمكن كونه منه (وإن عزل) لأنّها فراش والولد للفراش ، وهو مرويّ أيضاً
لكن لو نفاه
انتفى ظاهراً بغير لعان ، بخلاف ولد الدوام.
(ويجوز
اشتراط السائغ في العقد ، كاشتراط الإتيان ليلاً أو نهاراً) لأنّه شرط لا ينافي مقتضى العقد؛ لجواز تعلّق الغرض
بالاستمتاع في وقت دون آخر ، إمّا طلباً للاستبداد أو توفيراً لما سواه على غيره
من المطالب (أو)
شرط إتيانها (مرّة أو مراراً) مضبوطة (في الزمان المعيّن) لما ذكر. ولو لم يعيّن الوقت بل أطلق المرّة والمرّات
بطل؛ للجهالة.
(ولا
يقع بها طلاق) بل تبين بانقضاء المدّة أو بهبته إيّاها. وفي رواية
__________________
محمّد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام (قلت
: وتبين بغير طلاق؟ قال : نعم) .
(ولا
إيلاء) على أصحّ
القولين
لقوله تعالى في
قصّة الإيلاء : (وَإِنْ عَزَمُوا اَلطَّلاٰقَ)
وليس في المتعة طلاق ، ولأنّ من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء وهو منتفٍ في
المتعة وبانتفاء اللازم ينتفي الملزوم. وللمرتضى رحمه الله قول بوقوعه
بها
لعموم لفظ «النساء»
ودُفع
بقوله تعالى : (وَإِنْ
عَزَمُوا اَلطَّلاٰقَ) فإنّ عود الضمير إلى بعض العامّ يخصّصه.
(ولا لعان إلّافي القذف بالزنا على قول»
المرتضى
والمفيد
استناداً إلى أنّها
زوجة فيقع بها اللعان؛ لعموم قوله تعالى : (وَاَلَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ)
فإنّ الجمع
المضاف يعمّ. واُجيب
بأ نّه مخصوص
بالسنّة؛ لصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه السلام «لا
يلاعن الحرّ الأمة ولا الذمّيّة ، ولا التي يتمتّع بها»
ومثله
__________________
رواية عليّ بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام
ولا قائل
بالفرق بين الحرّ والعبد ، فالقول بعدم وقوعه مطلقاً قويّ. وأمّا لعانها لنفي
الولد فمنفيّ إجماعاً ، ولانتفائه بدونه.
(ولا
توارث) بينهما (إلّامع شرطه) في العقد ، فيثبت على حسب ما يشترطانه. أمّا انتفاؤه
بدون الشرط فللأصل ، ولأنّ الإرث حكم شرعيٌّ فيتوقّف ثبوته على توظيف الشارع ولم
يثبت هنا ، بل الثابت خلافه ، كقول الصادق عليه السلام
: (من
حدودها ـ يعني المتعة ـ : أن لا ترثك ، ولا ترثها»
وأمّا ثبوته
معه فلعموم «المؤمنون عند شروطهم»
وقول الصادق
عليه الصلاة والسلام في صحيحة محمّد بن مسلم : «إن
اشترطت
الميراث فهما على شرطهما»
وقول الرضا
عليه الصلاة والسلام في حسنة البزنطي «إن
اشترطت الميراث كان ، وإن لم تشترط لم يكن» .
وفي المسألة
أقوال اُخر ، مأخذها أخبار أو إطلاق لا تقاوم هذه :
أحدها : التوارث
مطلقاً .
__________________
وثانيها : عدمه
مطلقاً .
وثالثها : ثبوته
مع عدم شرط عدمه .
والأظهر مختار
المصنّف.
ثمّ إن شرطاه
لهما فعلى ما شرطاه ، أو لأحدهما خاصّة احتمل كونه كذلك عملاً بالشرط ، وبطلانه؛
لمخالفته مقتضاه؛ لأنّ الزوجيّة إن اقتضت الإرث وانتفت موانعه ثبت من الجانبين ، وإلّا
انتفى منهما.
(ويقع
بها الظهار) على أصحّ القولين
لعموم الآية
فإنّ المستمتع
بها زوجة ولم تخصّ ، بخلاف ما سبق. وذهب جماعة إلى عدم وقوعه بها
لقول الصادق
عليه الصلاة والسلام : (الظهار
مثل الطلاق)
والمتبادر من
المماثلة أن يكون في جميع الأحكام ، ولأنّ المُظاهِر يُلزم بالفئة أو الطلاق ، وهو
هنا متعذّر ، والإلزام بالفئة وحدها بعيد ، وبهبة المدّة بدل الطلاق أبعد.
__________________
ويضعّف بضعف
الرواية
وإرسالها ، والمماثلة
لا تقتضي العموم والإلزام
بأحد الأمرين
جاز أن يختصّ بالدائم ، ويكون أثر الظهار هنا وجوب اعتزالها كالمملوكة.
(وعدّتها)
مع الدخول إذا
انقضت مدّتها أو وهبها (حيضتان)
إن كانت ممّن
تحيض؛ لرواية محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : «طلاق
الأمة تطليقتان وعدّتها حيضتان»
وروى زرارة في
الصحيح عن الباقر عليه السلام : «أنّ على المتمتّعة ما
على الأمة» .
وقيل : عدّتها
قُرءان
وهما طهران؛
لحسنة زرارة عن الباقر عليه السلام : «إن
كان حرّ تحته أمة فطلاقها تطليقتان وعدّتها قرءان»
[مضافة]
إلى صحيحة
زرارة.
والأوّل أحوط ،
وعليه لو انقضت أيّامها أووهبها في أثناء الحيض لم يُحسب ما بقي منه؛ لأنّ الحيضة
لا تصدق على بعضها ، وإن احتسب ما بقي من الطهر طهراً.
__________________
(ولو
استرابت) بأن لم تحض وهي
في سنّ من تحيض (فخمسة
وأربعون يوماً) وهو موضع وفاق. ولا فرق فيهما بين الحرّة والأمة (و) تعتدّ (من
الوفاة بشهرين وخمسة أيّام إن كانت أمة ، وبضعفها إن كانت حرّة).
ومستند ذلك
الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ عدّة الأمة من وفاة زوجها شهران وخمسة أيّام
والحرّة
ضِعفُها
من غير فرق بين
الدوام والمتعة. وتزيد الأمة هنا بخصوصها مرسلة عليّ بن أبي شعبة الحلبي عن أبي
عبد اللّٰه عليه السلام «في رجل تزوّج امرأة
متعة ثمّ مات عنها ، ما عدّتها؟ قال : خمسة وستّون يوماً»
بحملها على
الأمة جمعاً.
وقيل : إنّ
عدّتها أربعة أشهر وعشراً مطلقاً
لصحيحة زرارة
عن الباقر عليه الصلاة والسلام قال : «سألته
ما عدّة المتمتّعة إذا مات عنها زوجها
قال : أربعة أشهر وعشراً. ثمّ قال : يا زرارة كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى
المرأة حرّةً كانت ، أو أمة وعلى أيّ وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجاً أو ملك
يمين فالعدّة أربعة أشهر وعشراً»
وصحيحة عبد
الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام قال : «سألته عن المرأة يتزوّجها الرجل
متعة ثمّ يتوفّى عنها ، هل عليها العدّة؟ فقال :
__________________
تعتدّ أربعة أشهر وعشرة أيّام) .
ويشكل بأنّ هذه
مطلقة ، فيمكن حملها على الحرّة جمعاً. وصحيحة زرارة تضمّنت أنّ عدّة الأمة في
الدوام كالحرّة ولا قائل به ، ومع ذلك معارضة بمطلق الأخبار الكثيرة الدالّة على
أنّ عدّة الأمة في الوفاة على نصف الحرّة ، وبأنّ كونها على النصف في الدوام يقتضي
أولويّته في المتعة؛ لأنّ عدّتها أضعف في كثير من أفرادها ، ونكاحها أضعف ، فلا
يناسبها أن تكون أقوى. وهذه مخالفة اُخرى في صحيحة زرارة للاُصول ، وإن كان العمل
بها أحوط.
(ولو
كانت حاملاً فبأبعد الأجلين) من أربعة أشهر وعشرة أو شهرين وخمسة ، ومن وضع الحمل (فيهما) أي في الحرّة والأمة. أمّا إذا كانت الأشهر أبعد فظاهرٌ؛
للتحديد بها في الآية
والرواية
وأمّا إذا كان
الوضع أبعد فلامتناع الخروج من العدّة مع بقاء الحمل.
__________________
(الفصل الخامس)
(في نكاح الإماء)
بكسر الهمزة مع
المدّ جمع أمة بفتحها (لا
يجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحاً إلّابإذن المولى) لأنّهما ملك له فلا يتصرّفان في ملكه بغير إذنه؛ لقبحه (أو إجازته) لعقدهما لو وقع بغير إذنه على أشهر القولين
لحسنة زرارة عن
الباقر عليه السلام قال : «سألته عن مملوك تزوّج
بغير إذن سيّده قال : ذاك إلى السيّد إن شاء أجاز ، وإن شاء فرّق بينهما» .
وعلى هذا فتكون
الإجازة كاشفة عن صحّته من حين إيقاعه كغيره من العقود الفضوليّة. وقيل : بل يكون
كالعقد المستأنف
وقيل : يقع
باطلاً إمّا بناءً على بطلان العقد الفضولي مطلقاً
أو بطلان نكاح
الفضولي
__________________
مطلقاً
أو بطلان هذا
بخصوصه ، نظراً إلى أنّه منهيّ عنه
لقبح التصرّف
في ملك الغير فيكون فاسداً ، ولما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وآله : (أيّما
مملوك تزوّج بغير إذن مولاه فنكاحه باطل)
وكلّية الكبرى
والسند ممنوعان.
وقيل : تختصّ
الإجازة بعقد العبد دون الأمة
عملاً بظاهر
النصّ السابق ، ورجوعاً في غيره إلى النهي المفيد للبطلان ، وكلاهما ممنوعان ، فإنّ
المملوك يصلح لهما ، والنهي لا يقتضيه هنا.
وحيث يأذن
المولى أو يجيز عقد العبد فالمهر ونفقة الزوجة عليه ، سواء في ذلك كسب العبد وغيره
من سائر أمواله على أصحّ الأقوال
وله مهر أمته.
(وإذا
كانا) أي الأبوان (رقّاً فالولد رقّ) لأنّه فرعهما وتابع لهما. ويملكه المولى إن اتّحد ، وإن
كان كلّ منهما لمالك (*
يملكه
الموليان إن أذنا لهما) في النكاح (أو لم يأذن أحدهما) أيّ كلّ واحد منهما؛ لأنّه نماء ملكهما ، فلا مزيّة
لأحدهما على الآخر ، والنسب لاحق بهما. بخلاف باقي الحيوانات ، فإنّ
__________________
النسب غير معتبر ، والنموّ والتبعيّة فيه لاحق بالاُمّ خاصّة ، والنصّ
دالّ عليه
أيضاً ، والفرق به أوضح.
(ولو
أذن أحدهما) خاصّة (فالولد
لمن لم يأذن) سواء كان مولى الأب أم مولى الاُمّ. وعُلِّل مع النصّ
بأنّ الآذن قد
أقدم على فوات الولد منه ، فإنّه قد يتزوّج من ليس برقّ فينعقد الولد حرّاً ، بخلاف
من لم يأذن فيكون الولد له خاصّة .
ويُشكل الفرق
فيما لو انحصر إذن الآذن في وطء المملوكة ، فإنّه لم يضيّع الولد حينئذٍ.
ويُشكل الحكم
فيما لو اشترك أحدهما بين اثنين ، فأذن مولى المختصّ وأحد المشتركين دون الآخر ، أو
تعدّد مولى كلّ منهما ، فإنّه خارج عن موضع النصّ والفتوى ، فيحتمل كونه كذلك
فيختصّ الولد بمن لم يأذن اتّحد أم تعدّد ، واشتراكُه
بين الجميع على
الأصل حيث لا نصّ.
(ولو
شرط أحد الموليين انفراده بالولد ، أو بأكثره صحّ الشرط) لعموم (المؤمنون
عند شروطهم)
ولأ نّه شرط لا
ينافي النكاح.
(ولو
كان أحد الزوجين حرّاً فالولد حرّ) للأخبار الكثيرة الدالّة عليه
سواء في ذلك
الأب والاُمّ؛ ولأ نّه نماء الحرّ في الجملة وحقّ الحرّيّة مقدّم؛
__________________
لأ نّها أقوى ، ولهذا بُني العتق على التغليب والسراية. وقول ابن الجنيد : بأ
نّه لسيّد المملوك منهما إلّامع اشتراط حرّيته
ـ تغليباً لحقّ
الآدمي على حقّ اللّٰه تعالى ـ ضعيف.
(ولو
شرط) مولى الرقّ
منهما (رقّيته
جاز) وصار رقّاً (على قول مشهور) بين الأصحاب (ضعيف المأخذ) لأنّه رواية مقطوعة
دلّت على أنّ
ولد الحرّ من مملوكة مملوك ، حملوها على ما إذا شرط المولى الرقّيّة. ومثل هذه
الرواية لا تصلحُ مؤسّسة لهذا الحكم المخالف للأصل ، فإنّ الولد إذا كان مع
الإطلاق ينعقد حرّاً فلا تأثير في رقّيته للشرط؛ لأنّه ليس ملكاً لأبيه حتّى يؤثّر
شرطه ، كما لا يصحّ اشتراط رقّيّة مَن وُلد حرّاً ، سيّما مع ورود الأخبار الكثيرة
بحرّيّة من أحد أبويه حرّ ، وفي بعضها : (لا يُملَك ولد حرٍّ)
.
ثمّ على تقدير
اشتراط رقّيّته في العقد أو التحليل وقلنا بعدم صحّة الشرط ، هل يحكم بفساد العقد؛
لعدم وقوع التراضي بدون الشرط الفاسد كما في غيره من العقود المشتملة على شرط فاسد
، أم يصحّ ويبطل الشرط خاصّة؟
يحتمل الأوّل؛
لأنّ العقد يتبع القصد ولم يحصل إلّابالشرط والشرط لم يحصل. والثاني؛ لأنّ عقد
النكاح كثيراً ما يصحّ بدون الشرط الفاسد وإن لم يصحّ غيره من العقود. وفي الأوّل
قوّة. وصحّته في بعض الموارد لدليل خارج لا يقتضي عمومه في جميع موارده ، وأولى
بعدم الصحّة لو كان تحليلاً؛ لأنّه متردّد بين العقد والإذن ، كما سيأتي. ولا يلزم
من ثبوت الحكم في العقد ثبوته في الإذن
__________________
المجرّد ، بل يبقى على الأصل.
وعلى هذا لو
دخل مع فساد الشرط وحكمنا بفساد العقد كان زانياً مع علمه بالفساد وانعقد الولد
رقّاً كنظائره. نعم ، لو جهل الفساد كان حرّاً؛ للشبهة. وإن قلنا بصحّته لزم
بالشرط ولم يسقط بالإسقاط بعد العقد؛ لأنّ ذلك مقتضى الوفاء به ، مع احتماله
تغليباً للحرّيّة ، كما لو أسقط حقَّ التحجير ونحوه.
(ويُستحبّ
إذا زوّج عبده أمته أن يعطيها شيئاً من ماله) ليكون بصورة المهر جبراً لقلبها ، ورفعاً لمنزلة العبد
عندها ، ولصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال : «سألته
عن الرجل كيف يُنكح عبده أمته؟ قال : يجزيه أن يقول : قد أنكحتك فلانة ويعطيها
شيئاً من قبله أو من قبل مولاه ولو بمدّ من طعام أو درهم ، أو نحو ذلك» .
وقيل : بوجوب
الإعطاء
عملاً بظاهر
الأمر ، ولئلّا يلزم خلوّ النكاح عن المهر في العقد والدخول معاً. ويضعَّف بأنّ
المهر يستحقّه المولى؛ إذ هو عوض البُضع المملوك له ، ولا يُعقل استحقاقه شيئاً
على نفسه وإن كان الدفع من العبد كما تضمّنته الرواية؛ لأنّ ما بيده ملك للمولى.
أمّا الاستحباب فلا حرج فيه؛ لما ذكر وإن لم يخرج عن ملكه. ويكفي فيه كونه إباحة
بعض ماله للأمة تنتفع به بإذنه.
والفرق بين
النفقة اللازمة للمولى والمهر : أنّه في مقابلة شيء هو ملك المولى ، بخلافها
فإنّها مجرّد نفع ، ودفعُ ضرورة لا معاوضة.
__________________
واعلم أنّه
يكفي في إنكاح عبده لأمته مجرّد اللفظ الدالّ على الإذن فيه كما يظهر من الرواية.
ولا يشترط قبول العبد ولا المولى لفظاً. ولا يقدح تسميته فيها نكاحاً وهو متوقّف
على العقد ، وإيجابُه إعطاءَ شيء وهو ينافي الإباحة؛ لأنّ قوله عليه السلام : (يجزيه)
ظاهر في
الاكتفاء بالإيجاب والإعطاء على وجه الاستحباب ، ولأنّ رفعه بيد المولى والنكاح
الحقيقي ليس كذلك ، ولأنّ العبد ليس له أهليّة الملك فلا وجه لقبوله ، والمولى
بيده الإيجاب والجهتان ملكه ، فلا ثمرة لتعليقه ملكاً بملك ، نعم يعتبر رضاه
بالفعل وهو يحصل بالإباحة الحاصلة بالإيجاب المدلول عليه بالرواية . وقيل : يعتبر القبول من العبد
إمّا لأنّه عقد
، أو لأنّ الإباحة منحصرة في العقد أو التمليك ، وكلاهما يتوقّف على القبول.
وربما قيل : يعتبر
قبول المولى؛ لأنّه الوليّ كما يعتبر منه الإيجاب .
(ويجوز
تزويج الأمة بين الشريكين لأجنبيّ باتّفاقهما) لانحصار الحقّ فيهما واتّحاد سبب الحِلّ. ولو عقد أحدهما
وحلّلها الآخر لم يصحّ؛ لتبعّض البُضع مع احتمال الجواز لو جعلنا التحليل عقداً.
ثمّ إن اتّحد
العقد منهما فلا إشكال في الصحّة ، وإن أوقع كلّ منهما عقداً على المجموع صحّ
أيضاً ، وإن أوقعه على ملكه لم يصحّ (ولا يجوز تزويجها لأحدهما) لاستلزامه تبعّض البُضع من حيث استباحته بالملك والعقد
والبُضع لا يتبعّض؛ ولأنّ الحِلّ منحصر في الأزواج وملكِ الأيمان ، والمستباح بهما
خارج عن القسمة؛ لأنّ التفصيل يقطع الاشتراك.
__________________
ودوران الحكم
بين منع الخلوّ ومنع الجمع يوجب الشكّ في الإباحة ، فيرجع إلى أصل المنع .
(ولو
حلّل أحدهما لصاحبه) حصّته (فالوجه
الجواز) لأنّ الإباحة
بمنزلة الملك؛ لأنّها تمليك للمنفعة فيكون حلّ جميعها بالملك ، ولرواية محمّد بن
مسلم عن الباقر عليه السلام (في
جارية بين رجلين دبّراها جميعاً ثمّ أحلَّ أحدهما فرجها لصاحبه ، قال : هي له حلال)
.
وقيل بالمنع
أيضاً بناءً على تبعّض السبب
حيث إنّ بعضها
مستباح بالملك والبعض بالتحليل ، وهو مغاير لملك الرقبة في الجملة ، أو لأنّه عقد
أو إباحة ، والكلّ مغاير لملكه ، كمغايرة الإباحة بالعقد لها بالملك مع اشتراكهما
في أصل الإباحة ، والرواية ضعيفة السند .
__________________
وأمّا تعليل
الجواز بأ نّها قبل التحليل محرَّمة وإنّما حلّت به ، فالسبب واحد. ففيه : أنّه
حينئذٍ يكون تمام السبب ، لا السبب التامّ في الإباحة ، ضرورة أنّ التحليل مختصّ
بحصّة الشريك ، لا بالجميع ، وتحقّق المسبَّب عند تمام السبب لا يوجب كون الجزء
الأخير منه سبباً تامّاً.
(ولو
اُعتقت المملوكة) التي قد زوّجها مولاها قبلَ العتق (فلها الفسخ) لخبر بريرة وغيره
ولما فيه من
حدوث الكمال وزوال الإجبار. ولا فرق بين حدوث العتق قبل الدخول وبعده.
والفسخ (على الفور) اقتصاراً في فسخ العقد اللازم على موضع اليقين ، والضرورة
تندفع به. وتُعذر مع جهلها بالعتق أو فوريّةِ الخيار أو أصلِه على الأقوى (وإن كانت) الأمة (تحت
حرّ) لعموم صحيحة
الكناني عن الصادق عليه السلام : (أيّما امرأة اُعتقت فأمرها بيدها إن
شاءت أقامت وإن شاءت فارقته)
وغيرها .
وقيل : يختصّ
الخيار بزوجة العبد
لما روي من أنّ
بريرة كانت تحت عبد وهو مغيث
ولا دلالة فيه
على التخصيص لو تمّ
(بخلاف
العبد ، فإنّه لا خيار
__________________
له
بالعتق) للأصل ، ولانجبار
كماله بكون الطلاق بيده. وكذا لا خيار لسيّده ولا لزوجته حرّة كانت أم أمة؛ للأصل.
(ويجوز
جعل عتق أمته صداقها) فيقول : تزوّجتك وأعتقتك وجعلت مهرك عتقك (ويقدّم) في اللفظ (ما شاء من العتق والتزويج) لأنّ الصيغة أجمع جملة واحدة لا يتمّ إلّابآخرها ، فلا
فرق بين المتقدّم منها والمتأخّر.
وقيل : يتعيّن
تقديم العتق
لأنّ تزويج
المولى أمته باطل.
ويُضعَّف بما
مرّ وبأ نّه يستلزم عدم جواز جعل العتق مهراً؛ لأنّه لو حكم
بوقوعه بأوّل الصيغة امتنع اعتباره في التزويج المتعقّب.
وقيل : بل
يُقدّم التزويج
لئلّا تعتق فلا
تصلح لجعل عتقها مهراً ، ولأ نّها تملك أمرها فلا يصحّ تزويجها بدون رضاها ، ولرواية
عليّ بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال : «سألته
عن رجل قال لأمته : أعتقتكِ وجعلت مهركِ عتقكِ؟ فقال : عُتقت وهي بالخيار إن شاءت
تزوّجته ، وإن شاءت فلا ، فإن تزوّجته فليعطها شيئاً»
ونحوه رُوي عن
الرضا عليه السلام .
__________________
وفيه نظر؛ لما
ذكر ، ولأنّ المانع في الخبر
عدم التصريح
بلفظ «التزويج» لا تقديم العتق ، وهو غير المتنازع.
والحقّ أنّهما
صيغة واحدة لا يترتّب شيء من مقتضاها إلّابتمامها ، فيقع مدلولها وهو العتق وكونه
مهراً وكونها زوجة.
(ويجب
قبولها على قول)
لاشتمال الصيغة
على عقد النكاح ، وهو مركَّب شرعاً من الإيجاب والقبول. ولا يمنع منه كونها حال
الصيغة رقيقة؛ لأ نّها بمنزلة الحرّة حيث تصير حرّة بتمامه ، فرقّيّتها غير
مستقرّة ، ولولا ذلك امتنع تزويجها.
ووجه عدم
الوجوب : أنّ مستند شرعيّة هذه الصيغة هو النقل المستفيض عن النبيّ صلى الله عليه وآله
والأئمّة عليهم صلوات اللّٰه
وليس في شيء
منه ما يدلّ على اعتبار القبول ، ولو وقع لنقل؛ لأنّه ممّا تعمّ به البلوى ، وأنّ
حِلَّ الوطء مملوك له ، فهو بمنزلة التزويج ، فإذا أعتقها على هذا الوجه كان في
معنى استثناء بقاء الحلّ من مقتضيات العتق ، ولأنّ القبول إنّما يُعتبر من الزوج ،
لا من المرأة ، وإنّما وظيفتها الإيجاب ولم يقع منها. وبذلك يظهر أنّ عدم اعتبار
قبولها أقوى ، وإن كان القول به أحوط. ويظهر أيضاً جواب ما قيل : إنّه كيف يتزوّج
جاريته ، وكيف
__________________
يتحقّق الإيجاب والقبول وهي مملوكة؟ .
وما قيل : من
أنّ المهر يجب أن يكون متحقّقاً قبل العقد ومع تقديم التزويج لا يكون متحقّقاً وأ
نّه يلوح منه الدور ، فإنّ العقد لا يتحقّق إلّابالمهر الذي هو العتق ، والعتق لا
يتحقّق إلّابعد العقد
مندفعٌ بمنع
اعتبار تقدّمه ، بل يكفي مقارنته للعقد وهو هنا كذلك ، وبمنع توقّف العقد على
المهر وإن استلزمه ، وإذا جاز العقد على الأمة وهي صالحة لأن تكون مهراً لغيرها
جاز جعلها أو جعل فكّ ملكها مهراً لنفسها ، مع أنّ ذلك كلّه في مقابلة النصّ الصحيح
المستفيض
فلا يُسمع.
(ولو
بيع أحد الزوجين فللمشتري والبائع الخيار) في فسخ النكاح وإمضائه ، سواء دخل أم لا ، وسواء كان
الآخر حرّاً أم لا ، وسواء كانا لمالكٍ أم كلّ واحد لمالك. وهذا الخيار على الفور
كخيار العتق. ويُعذر جاهله وجاهل الفوريّة على الظاهر.
(وكذا)
يتخيّر كلّ (من انتقل إليه الملك
بأيّ سبب كان) من هبة وصلح وإصداق وغيره. ولو اختلف الموليان في الفسخ والإلزام
قدّم الفاسخ
كغيره من الخيار المشترك (ولو
بيع الزوجان معاً على واحد تخيّر) لقيام المقتضي (ولو بيع كلّ منهما على واحد تخيّرا) لما ذكر. وكذا لو باعهما المالك من اثنين على جهة
الاشتراك.
(وليس
للعبد طلاق أمة سيّده) لو كان متزوّجاً بها بعقد يلزمه جواز
__________________
الطلاق (إلّابرضاه)
كما أنّ تزويجه
بيده. وهو موضع نصّ
وإجماع .
(ويجوز)
للعبد (طلاق غيرها) أي غير أمة سيّده وإن كان قد زوّجه بها مولاه (أمة كانت) الزوجة (أو حرّة ، أذن المولى) في طلاقها (أو لا) على المشهور؛ لعموم قوله عليه السلام : (الطلاق بيد من أخذ
بالساق)
وروى ليث
المرادي عن الصادق عليه السلام وقد سأله عن جواز طلاق العبد ، فقال : «إن
كانت أمتك فلا ، إنّ اللّٰه تعالى يقول : (عَبْداً مَمْلُوكاً لاٰ
يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْءٍ)
وإن كانت أمة
قوم آخرين جاز طلاقه» .
وقيل : ليس له
الاستبداد به كالأوّل
استناداً إلى
أخبار مطلقة
حملُها على كون
الزوجة أمة المولى طريق الجمع.
وفي ثالث
يجوز للسيّد
إجباره على الطلاق كما له إجباره على النكاح ،
__________________
والرواية مطلقة يتعيّن حملها على أمته كما مرّ.
(وللسيّد
أن يفرّق بين رقيقيه *متى شاء بلفظ الطلاق
وبغيره ** من الفسخ والأمر بالاعتزال ، ونحوهما.
هذا إذا
زوّجهما بعقد النكاح. أمّا إذا جعله إباحة فلا طلاق ، إلّاأن يجعل دالّاً على
التفريق من غير أن يلحقه أحكامه. ولو أوقع لفظ الطلاق مع كون السابق عقداً فظاهر
الأصحاب لحوق أحكامه واشتراطه بشرائطه ، عملاً بالعموم مع احتمال العدم بناءً على أنّه
إباحة وإن وقع بعقد.
(وتباح
الأمة) لغير مالكها (بالتحليل) من المالك لمن يجوز له التزويج بها ، وقد تقدّمت
شرائطه التي من
جملتها كونه مؤمناً في المؤمنة ومسلماً في المسلمة ، وكونها كتابيّة لو كانت كافرة
، وغير ذلك من أحكام النسب والمصاهرة وغيرها. وحلّ الأمة بذلك هو المشهور بين الأصحاب
، بل كاد يكون إجماعاً ، وأخبارهم الصحيحة به مستفيضة .
ولا بدّ له من
صيغة دالّة عليه (مثل
: أحللت لك وطأها ، أو جعلتك في حلٍّ من وطئها) وهاتان الصيغتان كافيتان فيه اتّفاقاً.
(وفي)
صحّته بلفظ (الإباحة قولان) : أحدهما إلحاقها به
__________________
لمشاركتها له في المعنى ، فيكون كالمرادف الذي يجوز إقامته مقام رديفه.
والأكثر على منعه
وقوفاً فيما
خالف الأصل على موضع اليقين ، وتمسّكاً بالأصل ، ومراعاةً للاحتياط في الفروج
المبنيّة عليه. وهو الأقوى ، وتمنع المرادفة أوّلاً ، ثمّ الاكتفاء بالمرادف
مطلقاً ، فإنّ كثيراً من أحكام النكاح توقيفيّة وفيه شائبة العبادة ، والاحتياط
فيه مهمّ. فإن جوّزناه بلفظ الإباحة كفى (أذنت) و (سوّغت)
و (ملّكت) و (وهبت) ونحوها.
(والأشبه
أنّه ملك يمين لا عقد) نكاح؛ لانحصار العقد في الدائم والمتعة ، وكلاهما منتفيان عنه؛ لتوقّف رفع
الأوّل على الطلاق في غير الفسخ باُمور محصورة ليس هذا منها ، ولزوم المهر فيه
بالدخول وغير ذلك من لوازمه ، وانتفاء اللازم يدلّ على انتفاء الملزوم. ولتوقّف الثاني
على المهر والأجل وهما منتفيان هنا أيضاً فينتفي ، ولأنّ عقد النكاح لازم ولا شيء
من التحليل بلازم ، وإذا انتفى كونه عقداً ثبت الملك؛ لانحصار حِلّ النكاح فيهما
بمقتضى الآية .
وعلى القولين
لا بدّ من القبول؛ لتوقّف الملك عليه أيضاً.
وقيل : إنّ
الفائدة تظهر فيما لو أباح أمته لعبده ، فإن قلنا : إنّه عقد أو تمليك وأنّ العبد
يملك حلّت ، وإلّا فلا .
__________________
وفيه نظر؛ لأنّ
الملك فيه ليس على حدّ الملك المحض بحيث لا يكون العبد أهلاً له ، بل المراد به
الاستحقاق كما يقال : يملك زيد إحضار مجلس الحكم ونحوه. ومثل هذا يستوي فيه الحرّ
والعبد ، فصحّة التحليل في حقّه على القول [بعدم الملك]
متّجهة.
(ويجب
الاقتصار على ما تناوله اللفظ وما يشهد الحال بدخوله فيه) فإن أحلَّه بعض مقدّمات الوطء كالتقبيل والنظر لم يحلّ
له الآخر ولا الوطء ، وكذا لو أحلَّه بعضَها في عضو مخصوص اختصّ به. وإن أحلَّه
الوطء حلّت المقدّمات بشهادة الحال؛ ولأ نّه لا ينفكّ عنها غالباً ، ولا موقع له
بدونها؛ ولأنّ تحليل الأقوى يدلّ على الأضعف بطريق أولى ، بخلاف المساوي والعكس.
وهل يدخل اللمس
بشهوة في تحليل القُبلة؟ نظر ، من الاستلزام المذكور في الجملة فيدخل ، ومن أنّ
اللازم دخول لمس ما استلزمته القُبلة لا مطلقاً فلا يدخل إلّاما توقّفت عليه خاصّة
، وهو الأقوى.
(والولد)
الحاصل من
الأمة المحلَّلة (حرّ)
مع اشتراط
حرّيّته ، أو الإطلاق ، ولو شرط رقّيّته ففيه ما مرّ
ويظهر من
العبارة عدم صحّة الشرط ، حيث أطلق الحرّيّة وهو الوجه. ولا يخفى أنّ ذلك مبنيّ
على الغالب من حرّيّة الأب ، أو على القول باختصاصه بالحرّ فلو كان مملوكاً
وسوّغناه ـ كما سلف ـ فهو رقّ.
(و)
حيث يحكم
بحرّيّته (لا
قيمة على الأب) مع اشتراط حرّيّته
__________________
إجماعاً ، ومع الإطلاق على أصحّ القولين
وبه أخبار
كثيرة ولأنّ الحرّيّة مبنيّة على التغليب ، ولهذا يسري العتق
بأقلّ جزء يتصوّر. ولا شبهة في كون الولد متكوّناً من نطفة الرجل والمرأة فيغلب
جانب الحرّيّة ، والحرّ لا قيمة له.
وفي قول آخر : إنّه
يكون رقّاً لمولى الجارية ويفكّه أبوه إن كان له مال ، وإلّا استسعى في ثمنه
والأوّل أشهر.
(ولا
بأس بوطء الأمة وفي البيت آخر) مميّز ، أمّا غيره فلا يكره مطلقاً (وأن ينام بين أمتين.
ويكره ذلك) المذكور في الموضعين (في
الحرّة. و) كذا (يُكره
وطء الأمة الفاجرة كالحرّة الفاجرة) لما فيه من العار وخوف اختلاط الماءين (ووطء من وُلدت من
الزنا بالعقد *) ولا بأس به بالملك ، لكن لا يتّخذها اُمّ ولد ، بل يعزل
عنها حذراً من الحمل ، روى ذلك محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام .
__________________
(الفصل السادس)
(في المهر)
(كلّ
ما صحّ أن يُملك وإن قلّ بعد أن يكون متموّلاً عيناً كان أو منفعة) وإن كانت منفعة حرّ ولو أنّه الزوج ، كتعليم صنعة أو
سورة أو علم غير واجب أو شيء من الحِكَم والآداب أو شعر ، أو غيرها من الأعمال
المحلّلة المقصودة (يصحّ
إمهاره) ولا خلاف في
ذلك كلّه سوى العقد على منفعة الزوج ، فقد منع منه الشيخ في أحد قوليه
استناداً إلى
رواية لا تنهض دليلاً متناً وسنداً .
(ولو
عقد الذمّيّان على ما لا يُملك في شرعنا) كالخمر والخنزير (صحّ) لأنّهما يملكانه (فإن أسلما) أو أسلم أحدهما قبل التقابض (انتقل إلى القيمة) عند مستحلّيه؛ لخروجه عن ملك المسلم ، سواء كان عيناً أو
مضموناً؛ لأنّ المسمّى لم يفسد ، ولهذا لو كان قد أقبضها إيّاه قبل الإسلام برئ ،
__________________
وإنّما تعذّر الحكم به فوجب المصير إلى قيمته؛ لأنّها أقرب شيء إليه ، كما
لو جرى العقد على عينٍ وتعذّر تسليمها.
ومثله ما لو
جعلاه ثمناً لمبيع أو عوضاً لصلح أو غيرهما.
وقيل : يجب مهر
المثل تنزيلاً لتعذّر تسليم العين منزلة الفساد ، ولأنّ وجوب
القيمة فرع وجوب دفع العين مع الإمكان ، وهو هنا ممكن ، وإنّما عرض عدم صلاحيّته
للتملّك لهما.
ويضعَّف بمنع
الفساد كما تقدّم
والتعذّر
الشرعي منزَّل منزلة الحسّي أو أقوى ، ومهر المثل قد يكون أزيد من المسمّى فهي
تعترف بعدم استحقاق الزائد ، أو أنقص فيعترف هو باستحقاق الزائد حيث لم يقع
المسمّى فاسداً ، فكيف يرجع إلى غيره بعد استقراره؟ ولو كان الإسلام بعد قبض بعضه
سقط بقدر المقبوض ووجب قيمة الباقي ، وعلى الآخر يجب بنسبته من مهر المثل.
(ولا
تقدير في المهر قلّة) ما لم يقصر عن التقويم كحبّة حِنطة ، (ولا كثرة) على المشهور؛ لقوله تعالى : (وَآتَيْتُمْ
إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً)
وهو المال
العظيم. وفي القاموس : القِنطار ـ بالكسر ـ وزن أربعين اُوقية من ذهب أو فضّة أو
ألف دينار أو ألف ومئتا اُوقية [من ذهب أو فضّة]
أو سبعون ألف
دينار ، أو ثمانون ألف درهم ، أو مئة رطل من ذهب أو فضّة ، أو مِلء مَسك ثور ذهباً
__________________
أو فضّة
وفي صحيحة
الوشّاء عن الرضا عليه السلام : (لو أنّ رجلاً تزوّج
امرأة وجعل مهرها عشرين ألفاً ، ولأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزاً ، والذي جعله
لأبيها فاسداً) .
(ويُكره
أن يتجاوز) مهر (السنّة)
وهو ما أصدقه
النبيّ صلى الله عليه وآله لأزواجه جُمع
(وهو
خمسمئة درهم) قيمتها خمسون ديناراً. ومنع المرتضى من الزيادة عليها وحكم بردّ من زاد
عنها إليها محتجّاً بالإجماع
وبه خبر ضعيف
لا يصلحُ حجّة
، والإجماع ممنوع ، وجميع التفسيرات السابقة للقنطار ترد عليه ، والخبر الصحيح
حجّة بيّنة.
نعم ، يستحبّ الاقتصار عليه؛ لذلك.
(ويكفي
فيه المشاهدة عن اعتباره) بالكيل أو الوزن أو العدد ، كقطعة من ذهب مشاهَدة لا
يُعلم وزنها ، وقُبّةٍ من طعام لا يُعلم كيلها؛ لارتفاع معظم الغرر بالمشاهدة
واغتفار الباقي في النكاح؛ لأنّه ليس معاوضة محضة بحيث ينافيه ما زاد منه. ويُشكل
الحال لو تلف قبل التسليم أو بعده وقد طلّقها قبل الدخول.
ولو لم يشاهد
اعتبر التعيين قدراً ووصفاً إن كان ممّا يُعتبر به ، أو وصفاً
__________________
خاصّة إن اكتُفي به كالعبد (ولو تزوّجها على كتاب اللّٰه
وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم فهو خمسمئة درهم) للنصّ
والإجماع.
وبهما يندفع الإشكال مع جهل الزوجين أو أحدهما بما جرت به السنّة منه وبقبوله
الغرر كما تقرّر.
(ويجوز
جعل تعليم القرآن مهراً) لرواية سهل الساعدي
المشهورة ، فيعتبر
تقديره بسورة معيّنة أو آيات خاصّة. ويجب حينئذٍ أن يُعلِّمها القراءة الجائزة
شرعاً ، ولا يجب تعيين قراءة شخص بعينه وإن تفاوتت في السهولة والصعوبة ، ولو
تشاحّا في التعيين قُدّم مختاره؛ لأنّ الواجب في ذمّته منها أمر كلّي فتعيينه إليه
كالدين.
وحدّ التعليم
أن تستقلّ بالتلاوة ، ولا يكفي تتبّعها نطقَه ، والمرجع في قدر المستقلّ به إلى
العرف ، فلا يكفي الاستقلال بنحو الكلمة والكلمتين. ومتى صدق التعليم عرفاً لا
يقدح فيه نسيانها ما علمته وإن لم تكن قد أكملت جميع ما شُرط؛ لتحقّق البراءة.
ولو تعذَّر
تعلّمها لبلادتها أو موتها أو موت الزوج حيث يشترط
التعليم منه ، أو
تعلّمت من غيره فعليه اُجرة المثل؛ لأنّها عوضه حيث يتعذّر ، ولو افتقرت إلى مشقّة
عظيمة زائدة على عادة أمثالها لم يبعد إلحاقه بالتعذّر؛ وكذا القول في تعليم
الصنعة.
(ويصحّ
العقد الدائم من غير ذكر المهر) وهو المعبّر عنه بتفويض البُضع ،
__________________
بأن تقول : (زوّجتك
نفسي) فيقول : (قبلت) سواء أهملا ذكرَه أم نفياه صريحاً. وحينئذٍ فلا يجب
المهر بمجرّد العقد (فإن
دخل) بها (فمهر المثل) والمراد به ما يُرغَب به في مثلها نسباً وسنّاً وعقلاً
ويساراً وبكارةً ، وأضدادها ، وغيرها ممّا تختلف به الأغراض.
(وإن
طلّق قبل الدخول) وقبل اتّفاقهما على فرض مهر (فلها المتعة) المدلول عليها بقوله تعالى : (لاٰ
جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ اَلنِّسٰاءَ) ... الآية
(حرّة
كانت) الزوجة
المفوّضة (أو
أمة) والمعتبر في
المتعة بحال الزوج في السعة والإقتار (فالغنيّ) يُمتِّع (بالدابّة) وهي الفرس؛ لأنّه الشائع في معناها عرفاً. والمعتبر منها
ما يقع عليه اسمها صغيرة كانت أم كبيرة ، برذوناً كانت أم عتيقاً ، قاربت قيمةَ
الثوب والعشرة
الدنانير أم لا (أو
الثوب المرتفع)
عادةً ، ناسبت
قيمته قسيميه أم لا (أو
عشرة دنانير) وهي المثاقيل الشرعيّة.
(والمتوسّط)
في الفقر
والغناء يُمتِّع (بخمسة
دنانير ، والفقير بدينار أو خاتم) ذهب أو فضّة معتدّ به عادةً (وشبهه) من الأموال المناسبة لما ذُكر في كلّ مرتبة. والمرجع في
الأحوال الثلاثة إلى العرف بحسب زمانه ومكانه وشأنه.
(ولا
متعة لغير هذه) الزوجة وهي المفوِّضة لبُضعها المطلّقة قبل الدخول والفرض ، لكن يستحبّ لو
فارقها بغير الطلاق من لعان وفسخ ، بل قيل بوجوبه
__________________
حينئذٍ؛ لأنّه في معنى الطلاق .
والأوّل أقوى؛
لأنّه مدلول الآية ، وأصالة البراءة في غيره تقتضي العدم. واُلحق بهذه مَنْ فُرض
لها مهر فاسد ، فإنّه في قوّة التفويض ، ومَن فسخت في المهر قبل الدخول بوجهٍ
مجوّز.
(ولو
تراضيا بعد العقد بفرض المهر جاز وصار لازماً) لأنّ الحقّ فيه لهما ، زاد عن مهر المثل أم ساواه أم
قصر. فإن اختلفا قيل : للحاكم فرضه بمهر المثل
كما أنّ له
تعيين النفقة للزوجة على الغائب ومن جرى مجراه. ويحتمل إبقاء
الحال إلى أن يحصل أحد الاُمور الموجبة للقدر أو المسقطة للحقّ؛ لأنّ ذلك لازم
التفويض الذي قد قدما عليه.
(ولو
فوّضا) في العقد (تقدير المهر إلى
أحدهما صحّ) وهو المعبَّر عنه بتفويض المهر ، بأن تقول : زوّجتك
على أن تفرض من
المهر ما شئتَ أو ما شئتُ. وفي جواز تفويضه إلى غيرهما أو إليهما معاً وجهان : من
عدم النصّ ، و[من]
أنّه كالنائب
عنهما والوقوف مع النصّ طريق اليقين (ولزم ما حكم به الزوج ممّا يتموّل) وإن قلّ (وما حكمت به الزوجة إذا لم يتجاوز) مهر (السنّة)
وهو خمسمئة
درهم. وكذا الأجنبيّ لو قيل به؛ لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام ، وعلّله بأ
نّه «إذا حكَّمها لم يكن لها أن تتجاوز ما سنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله
__________________
وتزوّج عليه نساءه ، وإذا حكَّمته فعليها أن تقبل حكمه قليلاً كان أو
كثيراً) .
(ولو
طلّق قبل الدخول فنصف ما يحكم به) الحاكم؛ لأنّ ذلك هو الفرض الذي يتنصّف
بالطلاق ، سواء
وقع الحكم قبل الطلاق أم بعده. وكذا لو طلّقها بعد الدخول لزم الحاكم الفرض
واستقرّ في ذمّة الزوج.
(ولو
مات الحاكم قبل الدخول) والحكم (فالمرويّ) في صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام (في رجل تزوّج امرأة
على حكمها أو حكمه فمات أو ماتت قبل الدخول ، أنّ لها (المتعة) والميراث ، ولا مهر لها»
ويؤيّده أنّ
مهر المثل لا يجب إلّامع الدخول ولم يحصل ، ولا مسمّى ، ولا يجوز إخلاء النكاح عن
مهر ، فتجب المتعة؛ إذ لا رابع.
وقيل : يثبت
لها مهر المثل
لأنّه قيمة
المعوّض حيث لم يتعيّن غيره ، ولأنّ المهر المذكور غايته أنّه مجهول ، فإذا تعذّرت
معرفته وجب الرجوع إلى مهر المثل. وهو غير مسموع في مقابلة النصّ الصحيح.
ولا فرق مع موت
الحاكم بين موت المحكوم عليه معه وعدمه ، عملاً بإطلاق النصّ.
ولو مات
المحكوم عليه وحده فللحاكم الحكم؛ إذ لا يشترط حضور المحكوم عليه عنده ، والتفويض
إليه قد لزم بالعقد فلا يبطل بموت المحكوم عليه ، ولأصالة بقائه ، والنصّ لا
يعارضه.
__________________
وربما قيل بأ
نّه مع موت الحاكم لا شيء
وهو ضعيف.
(ولو
مات أحد الزوجين مع تفويض البُضع قبل الدخول فلا شيء) لرضاهما بغير مهر ، ولصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام
«في المتوفّى عنها زوجها قبل الدخول ، إن كان فرض لها مهراً فلها ، وإن لم يكن فرض
[لها] مهراً فلا مهر لها»
وهذا ممّا لا
خلاف فيه ظاهراً.
لاُولى
:
(الصداق
يُملك) بأجمعه للزوجة (بالعقد) ملكاً متزلزلاً ، ويستقرّ بأحد اُمور أربعة
: الدخول
إجماعاً ، وردّة الزوج عن فطرة ، وموته ، وموتها في الأشهر (ولها التصرّف فيه
قبل القبض) إذ لا مدخليّة للقبض هنا في الملك ، سواء طلّقها قبل الدخول أم لا وإن رجع
إليه نصفه بالطلاق (فلو
نما) بعد العقد (كان) النماء (لها) خاصّة؛ لرواية عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام «في
زوج ساق إلى زوجته غنماً ورقيقاً فولدت عندها وطلّقها قبل أن يدخل ، فقال : إن كنّ
حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها ، وإن كنّ حملن عندها
__________________
فلا شيء له من الأولاد» .
(فإن
تعقّبه طلاق قبل الدخول ملك الزوج النصف حينئذٍ) ولا شيء له في النماء ، ثمّ إن وجده باقياً على ملكها
أجمع أخذ نصفه ، وإن وجده تالفاً أو منتقلاً عن ملكها فنصف مثله أو قيمته.
ثمّ إن اتّفقت
القيمة ، وإلّا فله الأقلّ من حين العقد إلى حين التسليم؛ لأنّ الزيادة حدثت في
ملكها. وإن وجده معيباً رجع في نصف العين مع الأرش ، ولو نقصت القيمة للسوق فله
نصف العين خاصّة. وكذا لو زادت وهي باقية ، ولو زاد زيادةً متّصلةً كالسمن تخيّرت
بين دفع نصف العين الزائدة ونصف القيمة من دونها. وكذا لو تغيّرت في يدها بما أوجب
زيادة القيمة كصياغة الفضّة وخياطة الثوب. ويُجبر على العين لو بذلتها في الأوّل
دون الثاني؛ لقبول الفضّة لما يريده منها ، دون الثوب ، إلّاأن يكون مفصّلاً على
ذلك الوجه قبل دفعه إليها.
(ويُستحبّ
لها العفو عن الجميع) لقوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا
أَقْرَبُ لِلتَّقْوىٰ)
والمراد بالعفو
إسقاط المهر بالهبة إن كان عيناً ، والإبراء وما في معناه من العفو والإسقاط إن
كان ديناً.
وربما قيل
بصحّته بلفظ (العفو)
مطلقاً
عملاً بظاهر
الآية. وردُّه إلى القوانين الشرعيّة أولى ، والآية لا تدلّ على أزيد منه.
__________________
(ولوليّها
الإجباري) الذي بيده عقدة النكاح أصالة وهو الأب والجدّ له بالنسبة إلى الصغيرة (العفو عن البعض) أي بعض النصف الذي تستحقّه بالطلاق قبل الدخول؛ لأنّ عفو
الوليّ مشروط بكون الطلاق قبل الدخول (لا الجميع).
واحترز ب
«الإجباري» عن وكيل
الرشيدة ، فليس له العفو مع الإطلاق في أصحّ القولين
نعم ، لو
وكّلته في العفو جاز قطعاً. وكذا وكيل الزوج في النصف الذي يستحقّه بالطلاق.
(الثانية)
:
(لو
دخل قبل دفع المهر كان ديناً عليه وإن طالت المدّة) للأصل والأخبار
وما رُوي : من
أنّ الدخول يهدم العاجل أو
أنّ طول المدّة
يسقطه شاذٌّ
__________________
لا يُلتفت إليه ، أو مؤوّل بقبول قول الزوج في براءته من المهر لو تنازعا.
(والدخول)
الموجب للمهر
تامّاً (هو
الوطء) المتحقّق
بغيبوبة الحشفة أو قدرها من مقطوعها.
وضابطه : ما
أوجب الغسل (قُبلاً
أو دبراً ، لا مجرّد الخلوة) بالمرأة وإرخاء الستر على وجهٍ ينتفي معه المانع من
الوطء على أصحّ القولين
والأخبار في
ذلك مختلفة ، ففي بعضها : أنّ وجوبه أجمع متوقّف على الدخول
وفي آخر : بالخلوة
والآية
ظاهرة في
الأوّل ، ومعه مع ذلك الشهرةُ بين الأصحاب وكثرة الأخبار.
(الثالثة)
:
(لو
أبرأته من الصداق ثمّ طلّقها قبل الدخول رجع) عليها (بنصفه)
لأنّها حين
الإبراء كانت مالكة لجميع المهر ملكاً تامّاً ، وما يرجع إليه بالطلاق ملك جديد؛
ولهذا كان نماؤه لها ، فإذا طلّقها رجع عليها بنصفه ، كما لو صادفها قد
__________________
أتلفته ، فإنّ تصرّفها فيه بالإبراء بمنزلة الإتلاف ، فيرجع بنصفه. وكذا لو
كان عيناً ووهبته إيّاها ثمّ طلّقها ، فإنّه يرجع عليها بنصف القيمة.
ويحتمل ضعيفاً
عدم الرجوع في صورة الإبراء؛ لأنّها لم تأخذ منه مالاً ولا نقلت إليه الصداق؛ لأنّ
الإبراء إسقاط لا تمليك ، ولا أتلفته عليه ، كما لو رجع الشاهدان بدَين في ذمّة
زيد لعمرو بعد حكم الحاكم عليه وقبل الاستيفاء وكان قد أبرأ المشهود عليه ، فإنّه
لا يرجع على الشاهدين بشيءٍ ، ولو كان الإبراء إتلافاً على من في ذمّته لغرما له.
والفرق واضح ، فإنّ
حقّ المهر ثابت حال الإبراء في ذمّة الزوج ظاهراً وباطناً ، فإسقاط الحقّ بعد
ثبوته متحقّق بخلاف مسألة الشاهد ، فإنّ الحقّ لم يكن ثابتاً كذلك فلم تصادف
البراءة حقّاً يسقط بالإبراء.
(وكذا)
يرجع عليها
بنصفه (لو
خلعها به أجمع) قبل الدخول؛ لاستحقاقه له ببذلها عوضاً مع الطلاق ، فكان انتقاله عنها
سابقاً على استحقاقه النصف بالطلاق ، فينزَّل منزلة المنتقل عنها حين استحقاقه
النصف ، فيرجع عليها بنصفه ديناً أو عيناً.
(الرابعة)
:
(يجوز
اشتراط ما يوافق * الشرع في عقد النكاح)
سواء كان من
مقتضى عقد النكاح كأن تشترط عليه العدل في القَسْم والنفقة ، أو يشترط عليها أن
يتزوّج عليها متى شاء ، أو يتسرّى
أو خارجاً عنه
كشرط تأجيل المهر أو بعضه
__________________
إلى أجل معيّن.
(فلو
شرط ما يخالفه لغا الشرط) وصحّ العقد والمهر (كاشتراط أن لا يتزوّج عليها أو لا
يتسرّى) أو لا يطأ ، أو
يطلّق كما في نكاح المحلِّل.
أمّا فساد
الشرط حينئذٍ فواضح؛ لمخالفته المشروع. وأمّا صحّة العقد فالظاهر إطباق الأصحاب
عليه ، وإلّا كان للنظر فيه مجال كما عُلم من غيره من العقود المشتملة على الشرط
الفاسد .
وربما قيل
بفساد المهر خاصّة
لأنّ الشرط
كالعوض المضاف إلى الصداق ، فهو في حكم المال ، والرجوع إلى قيمته متعذّر للجهالة
، فيجهل
الصداق فيرجع
إلى مهر المثل.
(ولو
شرط إبقاءها في بلدها لزم) لأنّه شرط لا يخالف المشروع ، فإنّ خصوصيّات الوطن أمر
مطلوب للعقلاء بواسطة النشوء والأهل والاُنس وغيرها ، فجاز شرطه توصّلاً إلى الغرض
المباح ، ولصحيحة أبي العبّاس عن الصادق عليه السلام (في الرجل يتزوّج امرأة ويشترط أن لا
يُخرِجها من بلدها ، قال عليه السلام : يفي لها بذلك ، أو قال : يلزمه ذلك)
ولعموم (المؤمنون عند شروطهم)
.
__________________
(وكذا)
لو شرط إبقاءها
(في
منزلها) وإن لم يكن
منصوصاً؛ لاتّحاد الطريق.
وقيل : يبطل
الشرط فيهما
لأنّ الاستمتاع
بالزوجة في الأزمنة والأمكنة حقّ الزوج بأصل الشرع ، وكذا السلطنة له عليها ، فإذا
شرط ما يخالفه كان باطلاً ، وحملوا الرواية على الاستحباب.
ويشكل بأنّ ذلك
وارد في سائر الشروط السائغة التي ليست بمقتضى العقد كتأجيل المهر ، فإنّ
استحقاقها المطالبة به في كلّ زمان ومكان ثابت بأصل الشرع أيضاً ، فالتزام عدم ذلك
في مدّة الأجل يكون مخالفاً ، وكذا القول في كلّ تأجيل ونحوه من الشروط السائغة.
والحقّ أنّ مثل
ذلك لا يمنع ، خصوصاً مع ورود النصّ الصحيح بجوازه. وأمّا حمل الأمر المستفاد من
الخبر الذي بمعناه على الاستحباب فلا ريب أنّه خلاف الحقيقة ، فلا يصار إليه مع
إمكان الحمل عليها ، وهو ممكن. فالقول بالجواز أوجه في مسألة النصّ.
وأمّا المنزل
فيمكن القول بالمنع فيه ، وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع النصّ. وفي التعدّي
إليه قوّة؛ لعموم الأدلّة واتّحاد طريق المسألتين. وحكم المحلّة والموضع المخصوص
حكم المنزل.
ومتى حكمنا
بصحّته لم يصحّ إسقاطه بوجه؛ لأنّه حقّ يتجدّد في كلّ آن ، فلا يُعقل إسقاط ما لم يوجد حكمه وإن وجد سببه.
__________________
(الخامسة)
:
(لو
أصدقها تعليم صناعة ثمّ طلّقها قبل الدخول كان لها نصف اُجرة التعليم) لعدم إمكان تعليمها نصف الصنعة وهو الواجب لها بالطلاق
خاصّة. (ولو
كان قد علّمها) الصنعة (رجع
بنصف الاُجرة) لعدم إمكان ارتجاع نفس الواجب فيرجع إلى عوضه.
(ولو
كان) الصداق (تعليم سورة) ونحوها (فكذلك) لأنّه وإن أمكن تعليم نصفها عقلاً إلّاأ نّه ممتنع
شرعاً؛ لأنّها صارت أجنبيّة (وقيل
: يعلِّمها النصف من وراء حجاب) كما يعلِّمها الواجب
(وهو
قريب) لأنّ تحريم
سماع صوتها مشروط بحالة الاختيار (والسماع هنا من باب الضرورة).
(السادسة
[حكم ما لو اعتاضت عن المهر بدونه او ازيد منه ثم طلقها]) :
(لو
اعتاضت عن المهر بدونه أو أزيد منه) أو بمغايره جنساً أو وصفاً (ثمّ طلّقها رجع بنصف المسمّى) لأنّه الواجب بالطلاق (لا) بنصف (العوض)
لأنّه معاوضة
جديدة لا تعلّق له بها.
(السابعة
[حكم لو وهبته نصف مهرها مشاعا او معينا]) :
(لو
وهبته نصف مهرها مشاعاً قبل الدخول فله الباقي) لأنّه بقدر حقّه فينحصر فيه ، ولأ نّه لا ينتقل مستحقّ
العين إلى بدلها إلّابالتراضي أو تعذّر الرجوع لمانع أو تلف ، والكلّ منتفٍ.
__________________
ويحتمل الرجوع
إلى نصف النصف الموجود وبدل نصف الموهوب؛ لأنّ الهبة وردت على مطلق النصف فيشيع
فيكون حقّه في الباقي والتالف ، فيرجع بنصفه وببدل الذاهب ، ويكون هذا هو المانع ،
وهو أحد الثلاثة المسوّغة للانتقال إلى البدل.
وردّ بأ نّه
يؤدّي إلى الضرر بتبعيض حقّه ، فيلزم ثبوت احتمال آخر ، وهو تخيّره بين أخذ النصف
الموجود وبين التشطير المذكور .
(ولو
كان) الموهوب (معيّناً فله نصف
الباقي ونصف ما وهبته مثلاً أو قيمةً) لأنّ حقّه مشاع في جميع العين وقد ذهب نصفها معيّناً ، فيرجع
إلى بدله ، بخلاف الموهوب على الإشاعة. ونبّه بقوله : (وهبته) على أنّ المهر عين ، فلو كان ديناً وأبرأته من نصفه برئ
من الكلّ وجهاً واحداً (وكذا
لو تزوّجها بعبدين فمات أحدهما أو باعته ، فللزوج نصف الباقي ونصف قيمة التالف) لأنّه تلف على ملكها واستحقاقه لنصفه تجدّد بالطلاق من
غير اعتبار الموجود وغيره. والتقريب ما تقدّم.
(الثامنة)
:
(للزوجة
الامتناع قبل الدخول حتّى تقبض مهرها إن كان) المهر (حالّاً)
موسراً كان
الزوج أم معسراً ، عيناً كان المهر أم منفعة ، متعيّناً كان أم في الذمّة؛ لأنّ
النكاح في معنى المعاوضة وإن لم تكن محضة. ومن حكمها أنّ لكلّ من المتعاوضين
الامتناع من التسليم إلى أن يسلّم إليه الآخر ، فيجبرهما الحاكم على التقابض معاً؛
لعدم الأولويّة ، بوضع الصداق عند عدل إن لم يدفعه إليها ،
__________________
ويأمرها بالتمكين. وهذا الحكم لا يختلف على تلك التقديرات .
وربما قيل بأ
نّه إذا كان معسراً ليس لها الامتناع؛ لمنع مطالبته
ويُضعّف بأنّ
منع المطالبة لا يقتضي وجوب التسليم قبل قبض العوض.
واحترز بالحالّ
عمّا لو كان مؤجَّلاً ، فإنّ تمكينها لا يتوقّف على قبضه؛ إذ لا يجب لها حينئذٍ
شيء ، فيبقى وجوب حقّه عليها بغير معارض.
ولو أقدمت على
فعل المحرَّم وامتنعت إلى أن حلّ الأجل ففي جواز امتناعها حينئذٍ إلى أن تقبضه
تنزيلاً له منزلة الحالّ ابتداءً ، وعدمه بناءً على وجوب تمكينها قبل حلوله
فيستصحب ، ولأ نّها لمّا رضيت بالتأجيل بنت أمرها على أن لا حقّ لها في الامتناع
فلا يثبت بعد ذلك؛ لانتفاء المقتضي ، وجهان أجودهما الثاني. ولو كان بعضه حالّاً
وبعضه مؤجّلاً كان لكلّ منهما حكم مماثله.
وإنّما يجب
تسليمه إذا كانت مهيّأة للاستمتاع ، فلو كانت ممنوعة بعذر وإن كان شرعيّاً
كالإحرام لم يلزم؛ لأنّ الواجب التسليم من الجانبين ، فإذا تعذّر من أحدهما لم يجب
من الآخر.
نعم ، لو كانت
صغيرة يحرم وطؤها فالأقوى وجوب تسليم مهرها إذا طلبه الوليّ؛ لأنّه حقّ ثابت حالّ
طلبه من له حقّ الطلب فيجب دفعه كغيره من الحقوق ، وعدم قبض العوض الآخر جاء من
قِبل الزوج حيث عقد عليها كذلك موجباً على
__________________
نفسه عوضاً حالّاً ، ورضي بتأخير قبض المعوّض إلى محلّه. وهذا بخلاف
النفقة؛ لأنّ سبب وجوبها التمكين التامّ ، دون العقد. ووجه عدم الوجوب قد عُلم
ممّا سلف مع جوابه .
(وليس
لها بعد الدخول الامتناع * في أصحّ القولين
لاستقرار المهر
بالوطء وقد حصل تسليمها نفسها برضاها فانحصر حقّها في المطالبة دون الامتناع ، ولأنّ
النكاح معاوضة ومتى سلّم أحد المتعاوضين العوض الذي من قبله باختياره لم يكن له
بعد ذلك حبسُه ليتسلّم
العوض الآخر ، ولأنّ
منعها قبل الدخول ثابت بالإجماع ولا دليل عليه بعده ، فينتفي بالأصل ، فإنّ
التسليم حقّ عليها والمهر حقّ عليه ، والأصل عدم تعلّق أحدهما بالآخر ، فيتمسّك به
إلى أن يثبت الناقل.
وقيل : لها
الامتناع كقبل الدخول
لأنّ المقصود
بعقد النكاح منافع البُضع ، فيكون المهر في مقابلها ، ويكون تعلّق الوطء الأوّل به
كتعلّق غيره
__________________
والأقوى الأوّل.
هذا كلّه إذا
سلّمت نفسها اختياراً ، فلو دخل بها كرهاً فحقّ الامتناع بحاله؛ لأ نّه قبض فاسد
فلا يترتّب عليه أثر الصحيح ، ولأصالة البقاء إلى أن يثبت المزيل. مع احتمال عدمه؛
لصدق القبض.
(التاسعة)
:
(إذا
زوّج الأب ولده الصغير) الذي لم يبلغ ويرشد (وللولد مال) يفي بالمهر (ففي ماله المهر ، وإلّا) يكن له مال أصلاً (ففي مال الأب) ولو ملك مقدار بعضه فهو في ماله والباقي على الأب. هذا
هو المشهور بين الأصحاب ، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا
وهو يُشعر
بالاتّفاق عليه ، ثمّ اختار أنّ ذلك مع عدم شرطه كونَه على الولد مطلقاً أو كونَه
عليه مطلقاً وإلّا كان على الولد في الأوّل وعليه في الثاني مطلقاً.
(ولو
بلغ) الصبيّ (فطلّق قبل الدخول
كان النصف المستعاد للولد) لا للأب؛ لأنّ دفع الأب له كالهبة للابن ، وملك الابن له
بالطلاق ملك جديد ، لا إبطال لملك المرأة السابق ليرجع إلى مالكه. وكذا لو طلّق
قبل أن يدفع الأب عنه؛ لأنّ المرأة ملكته بالعقد وإن لم تقبضه. وقطع في القواعد
هنا بسقوط النصف عن الأب ، وأنّ الابن لا يستحقّ مطالبته بشيء
والفرق غير
واضح.
ولو دفع الأب
عن الولد الكبير المهر تبرّعاً أو عن أجنبيّ ثمّ طلّق قبل
__________________
الدخول ففي عود النصف إلى الدافع أو الزوج قولان
من ملك المرأة
له كالأوّل فيرجع إلى الزوج ، ومن أنّ الكبير لا يملك بغير اختياره ، وإنّما أسقط
عنه الحقّ ، فإذا
سقط نصفه رجع النصف إلى الدافع. واختلف كلام العلّامة هنا ، ففي التذكرة قطع
برجوعه إلى الزوج كالصغير
وفي التحرير
قوّى عدمه
واستشكل في
القواعد بعد حكمه بإلحاقه بالصغير
والأقوى
الأوّل.
(العاشرة)
:
(لو
اختلفا في التسمية) فادّعاها أحدهما وادّعى الآخر التفويض (حلف المنكر) لها؛ لأصالة عدمها ، فيثبت مقتضى عدمها من المتعة أو مهر
المثل أو غيرهما
(ولو
اختلفا في القدر قُدّم) قول (الزوج)
لأصالة البراءة
من الزائد على ما يعترف به.
واحتمل
العلّامة في القواعد تقديم قول مَن يدّعي مهر المثل
عملاً بالظاهر
من عدم العقد على ما دونه ، وأ نّه الأصل في عوض الوطء المجرّد عنه كالشبهة.
__________________
وفيه : أنّ
الأصل مقدَّم على الظاهر عند التعارض إلّافيما ندر ، وإنّما يكون عوضاً عن وطءٍ
مجرّدٍ
عن العقد ، أو
في مواضع خاصّة. ولو كان النزاع قبل الدخول فلا اشتباه في تقديم قوله.
ولو قيل بقبول
قولها في مهر المثل فما دون مع الدخول؛ لتطابق الأصل والظاهر عليه؛ إذ الأصل عدم
التسمية وهو موجب له حينئذٍ والظاهر تسميته ، وعدمِ قبوله قبلَه لأصالة البراءة
وعدم التسمية ، كان حسناً. نعم ، لو كان اختلافهما في القدر بعد اتّفاقهما على
التسمية قُدّم قول الزوج مطلقاً.
ومثله ما لو
اختلفا في أصل المهر أو ادّعت الزوجة مهراً ولم يمكن الجواب من قِبَل الزوج أو
وارثه؛ لصغر أو غيبة ونحوهما.
(وكذا)
لو اختلفا (في الصفة) كالجيّد والرديء والصحيح والمكسَّر ، فإنّ القول قول
الزوج مع اليمين ، سواء كان النزاع قبل الدخول أم بعده ، وسواء وافق أحدهما مهرَ
المثل أم لا؛ لأنّه الغارم فيقبل قوله فيه كما يقبل في القدر.
(وفي
التسليم يقدَّم قولها) لأصالة عدمه واستصحاب اشتغال ذمّته. هذا هو المشهور. وفي قول للشيخ
إنّه بعد تسليم
نفسها يُقدَّم قوله استناداً إلى رواية
وهو شاذّ.
__________________
(وفي
المواقعة لو أنكرها) ليندفع عنه نصف المهر بالطلاق يُقدَّم (قوله) لأصالة عدمها.
(وقيل
: قولُها مع الخلوة التامّة) التي لا مانع معها من الوطء شرعاً ولا عقلاً ولا عرفاً
(وهو
قريب) عملاً بالظاهر
من حال الصحيح إذا خلا بالحليلة ، وللأخبار الدالّة على وجوب المهر بالخلوة
التامّة بحملها على كونه دخل بشهادة الظاهر. والأشهر الأوّل
ترجيحاً للأصل.
وحكم اختلاف
ورثتهما أو أحدهما مع الآخر حكمه.
__________________
(الفصل السابع)
(في العيوب والتدليس)
(وهي)
أي العيوب
المجوّزة لفسخ النكاح على الوجه الذي يأتي (في الرجل) بل الزوج مطلقاً (خمسة : الجنون والخصاء) بكسر الخاء مع المدّ ، وهو سلّ الاُنثيين وإن أمكن الوطء
(والجَبّ)
وهو قطع مجموع
الذكر ، أو ما لا يبقى معه قدر الحشفة (والعَنَن) وهو مرض يعجز معه عن الإيلاج؛ لضعف الذكر عن الانتشار (والجذام) بضمّ الجيم ، وهو مرض يظهر معه يبس الأعضاء وتناثر اللحم
(على
قول) القاضي
وابن الجنيد
واستحسنه في
المختلف
وقوّاه المحقّق
الشيخ علي
لعموم قول
الصادق عليه السلام في صحيحة الحلبي : (إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام
والجنون والعفل)
فإنّه عامّ في
الرجل والمرأة إلّاما أخرجه الدليل ، ولأدائه إلى الضرر المنفيّ ، فإنّه من
الأمراض المُعدية باتّفاق الأطبّاء ، وقد رُوي أنّه صلى الله عليه وآله قال : «فرّ
من المجذوم فرارَك من
__________________
الأسد)
فلا بدّ من
طريق إلى التخلّص ، ولا طريق للمرأة إلّاالخيار ، والنصّ
والفتوى
الدالّان على
كونه عيباً في المرأة ـ مع وجود وسيلة الرجل إلى الفُرقة بالطلاق ـ قد يقتضيه في
الرجل بطريق أولى.
وذهب الأكثر
إلى عدم ثبوت الخيار لها به تمسّكاً بالأصل ، ولرواية غياث الضُبّي عن أبي عبد
اللّٰه عليه السلام «الرجل لا يُردّ من عيب»
فإنّه يتناول
محلّ النزاع.
ولا يخفى قوّة
القول الأوّل ورجحان روايته؛ لصحّتها وشهرتها مع ما ضمّ إليها وهي ناقلة عن حكم
الأصل.
واعلم أنّ
القائل بكونه عيباً في الرجل ألحق به البرص؛ لوجوده معه في النصّ الصحيح ، ومشاركته
له في الضرر والإضرار والعدوى ، فكان ينبغي ذكره معه.
(ولا
فرق بين الجنون المطبق) المستوعب لجميع أوقاته (وغيره) وهو الذي ينوب أدواراً (ولا) بين الحاصل (قبل العقد وبعده) سواء (وطئ
أو لا) لإطلاق النصّ
بكونه عيباً الصادق لجميع ما ذُكر؛ لأنّ الجنون فنون ، والجامع لها فساد العقل على
أيّ وجه كان.
وفي بعض
الأخبار تصريح بجواز فسخها بالحادث منه بعد العقد
وقيل :
__________________
يشترط فيه كونه بحيث لا يعقل أوقات الصلوات
وليس عليه دليل
واضح.
(وفي
معنى الخصاء الوِجاء) بكسر أوّله والمدّ ، وهو رَضّ الخصيتين بحيث تبطل قوّتهما. بل قيل
: إنّه من
أفراد الخصاء
فيتناوله نصّه
أو يشاركه في العلّة المقتضية للحكم.
(وشرط
الجبّ أن لا يبقى قدر الحشفة) فلو بقي قدرها فلا خيار؛ لإمكان الوطء حينئذٍ.
(وشرط
العُنّة) بالضمّ (أن يعجز عن الوطء في
القُبُل والدُبُر منها ومن غيرها) فلو وطئها في ذلك النكاح ولو مرّة أو وطئ غيرها فليس
بعنّين.
وكذا لو عجز عن
الوطء قُبُلاً وقدر عليه دُ بُراً عند من يجوّزه؛ لتحقّق القدرة المنافية للعُنّة.
ومع تحقّق العجز عن ذلك أجمع فإنّما تفسخ (بعد) رفع أمرها إلى الحاكم (وإنظاره سنة) من حين المرافعة ، فإذا مضت أجمع وهو عاجز عن الوطء في
الفصول الأربعة جاز لها الفسخ حينئذٍ. ولو لم ترفع أمرها إليه وإن كان حياءً فلا
خيار لها.
وإنّما احتيج
إلى مُضيّ السنة هنا دون غيره من العيوب؛ لجواز كون تعذّر الجماع لعارض حرارة
فيزول في الشتاء ، أو برودة فيزول في الصيف ، أو رطوبة فيزول في الخريف ، أو يبوسة
فيزول في الربيع.
(وشرط الجذام
تحقّقه) بظهوره على
البدن أو شهادة عدلين
__________________
أو تصادقهما عليه ، لا مجرّد ظهور أماراته من تعجُّر الوجه
واحمراره أو
اسوداده ، واستدارة العين وكمودتها
إلى حمرة
وضيق النَفَس ،
وبُحّة
الصوت ، ونَتَن
العرق ، وتساقط الشعر ، فإنّ ذلك قد يعرض من غيره.
نعم ، مجموع
هذه العلامات قد يفيد أهل الخبرة به حصوله. والعمدة على تحقّقه كيف كان.
(ولو
تجدّدت) هذه العيوب غير
الجنون (بعد
العقد فلا فسخ) تمسّكاً بأصالة لزوم العقد ، واستصحاباً لحكمه مع عدم دليل صالح على ثبوت
الفسخ.
وقيل : يفسخ
بها مطلقاً
نظراً إلى
إطلاق الأخبار بكونها عيوباً
الشامل لموضع
النزاع. وما ورد منها ممّا يدلّ على عدم الفسخ بعد العقد
غير مقاوم لها
دلالة وسنداً
ولمشاركة ما
بعد العقد لما قبله في الضرر المنفيّ.
__________________
وفصّل آخرون
فحكموا بالفسخ قبل الدخول لا بعده
استناداً إلى
خبرين لا ينهضان حجّة. وتوقّف في المختلف
وله وجه.
(وقيل)
والقائل الشيخ
رحمه الله
(لو
بان) الزوج (خنثى فلها الفسخ) وكذا العكس.
(ويضعَّف
بأ نّه إن كان مشكلاً فالنكاح باطل) لا يحتاج رفعه إلى الفسخ (وإن كان محكوماً بذكوريّته) بإحدى العلامات الموجبة لها (فلا وجه للفسخ؛
لأنّه كزيادة عضو في الرجل) وكذا لو كان هو الزوجة وحُكم باُنوثيّتها؛ لأ نّه حينئذٍ
كالزيادة في المرأة ، وهي غير مجوّزة للفسخ على التقديرين .
وربما قيل
: إنّ موضع
الخلاف ما لو كان محكوماً عليه بأحد القسمين ، ووجه الخيار حينئذٍ أنّ العلامة
الدالّة عليه ظنّيّة لا تدفع النفرة والعار عن الآخر ، وهما ضرران منفيّان.
وفيه : أنّ
مجرّد ذلك غير كافٍ في رفع ما حكم بصحّته واستصحابه من غير
__________________
نصّ. وربما مُنع من الأمرين معاً؛ لأنّ الزائد هنا بمنزلة السِلعة والثُقبة
، وهما لا يوجبان الخيار.
والظاهر أنّ
الشيخ فرضه على تقدير الاشتباه ، لا الوضوح؛ لأنّه حكم في الميراث بأنّ الخنثى
المشكل لو كان زوجاً أو زوجة اُعطي نصف النصيبين
لكنّه ضعيف
جدّاً فالمبنيّ عليه أولى بالضعف.
(وعيوب
المرأة تسعة : الجنون والجذام والبرص والعمى والإقعاد والقرن) بسكون الراء وفتحها (عظماً) كما هو أحد تفسيريه كالسنّ يكون في الفرج يمنع الوطء.
فلو كان لحماً فهو العَفَل ، وقد يطلق عليه القرن أيضاً ، وسيأتي حكمه (والإفضاء) وقد تقدّم تفسيره
(والعَفَل)
بالتحريك ، وهو
شيء يخرج من قُبُل النساء شبيه الاُدرة
للرجل (والرَتَق) بالتحريك وهو أن يكون الفرج ملتحماً ليس فيه مدخل للذكر (على خلاف فيهما) أي في العَفَل والرتق.
ومنشأ الخلاف
من عدم النصّ ، ومساواتهما للقرن المنصوص في المعنى المقتضي لثبوت الخيار وهو
المنع من الوطء ، وفيه قوّة.
وفي بعض كلام
أهل اللغة : أنّ العَفَل هو القرن
فيكون منصوصاً.
وفي كلام آخرين : أنّ الألفاظ الثلاثة مترادفة في كونها لحماً ينبت في الفرج يمنع
الوطء .
__________________
(ولا
خيار) للزوج (لو تجدّدت) هذه العيوب (بعد العقد) وإن كان قبل الوطء في المشهور ، تمسّكاً بأصالة اللزوم ،
واستصحاباً لحكم العقد ، واستضعافاً لدليل الخيار.
وقيل : يفسخ
بالمتجدّد مطلقاً
عملاً بإطلاق
بعض النصوص
وقيّد ثالث
بكونه قبلَ الدخول . والأشهر الأوّل.
(أو
كان يمكن وطء الرتقاء أو القرناء) أو العفلاء؛ لانتفاء الضرر مع إمكانه (أو) كان الوطء غير ممكن لكن كان يمكن (علاجه) بفتق الموضع أو قطع المانع (إلّاأن تمتنع) المرأة من علاجه. ولا يجب عليها الإجابة؛ لما فيها من
تحمّل الضرر والمشقّة ، كما أنّها لو أرادته لم يكن له المنع ، لأنّه تداوٍ لا
تعلّق له به.
(وخيار
العيب على الفور) عندنا اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع الضرورة ، فلو أخّر من إليه الفسخ
مختاراً مع علمه بها
بطل خياره ، سواء
الرجل والمرأة. ولو جهل الخيار أو
الفوريّة
فالأقوى أنّه عذر فيختار بعد العلم
__________________
على الفور وكذا لو نسيهما. ولو مُنع منه بالقبض على فيه أو التهديد على وجه
يُعدّ إكراهاً فالخيار بحاله إلى أن يزول المانع ، ثمّ تعتبر الفوريّة حينئذٍ.
(ولا
يشترط فيه الحاكم) لأنّه حقّ ثبت ، فلا يتوقّف عليه كسائر الحقوق ، خلافاً لابن الجنيد رحمه
الله .
(وليس)
الفسخ (بطلاق) فلا يعتبر فيه ما يعتبر في الطلاق ولا يُعدّ في الثلاث ،
ولا يطّرد معه تنصيف المهر وإن ثبت في بعض موارده.
(ويشترط
الحاكم في ضرب أجل العُنّة) لا في فسخها بعده ، بل تستقلّ به حينئذٍ (ويقدّم قول منكر
العيب مع عدم البيّنة) لأصالة عدمه ، فيكون مدّعيه هو المدّعي ، فعليه البيّنة وعلى منكره اليمين.
ولا يخفى أنّ ذلك فيما لا يمكن الوقوف عليه كالجبّ والخصاء ، وإلّا توصّل الحاكم
إلى معرفته ، ومع قيام البيّنة به إن كان ظاهراً كالعيبين المذكورين كفى في الشاهدين
العدالة ، وإن كان خفيّاً يتوقّف العلم به على الخبرة ، كالجذام والبرص اشترط
فيهما مع ذلك الخبرة بحيث يقطعان بوجوده. وإن كان لا يعلمه غالباً غير صاحبه ولا
يطّلع عليه إلّامن قِبَله كالعنّة فطريق ثبوته إقراره أو البيّنة على إقراره ، أو
اليمين المردودة من المنكر ، أو من الحاكم مع نكول المنكر عن اليمين بناءً على عدم
القضاء بمجرّده.
وأمّا اختبارها
بجلوسه في الماء البارد فإن استرخى ذكره فهو عنّين ، وإن تشنّج فليس به كما ذهب
إليه بعض
فليس بمعتبر في
الأصحّ.
وفي العيوب
الباطنة للنساء بإقرارها ، وشهادةِ أربع منهنّ. ولا تُسمع في عيوب الرجال وإن أمكن اطّلاعهنّ كأربع زوجات طلّقهنّ
بعنّته.
__________________
(و)
حيث يثبت العيب
ويحصل الفسخ (لا
مهر) للزوجة (إن كان الفسخ قبل
الدخول) في جميع العيوب
(إلّافي
العنّة فنصفه) على أصحّ القولين
وإنّما خرجت
العنّة بالنصّ
الموافق للحكمة
من إشرافه عليها وعلى محارمها ، فناسب أن لا يخلو من عوض ، ولم يجب الجميع؛
لانتفاء الدخول. وقيل : يجب جميع المهر وإن لم يولج .
(وإن
كان) الفسخ (بعد الدخول فالمسمّى)
لاستقراره به.
(ويرجع)
الزوج (به على المدلّس) إن كان ، وإلّا فلا رجوع. ولو كانت هي المدلّسة رجع
عليها إلّابأقلّ ما يمكن أن يكون مهراً ، وهو أقلّ متموَّل على المشهور. وفي الفرق
بين تدليسها وتدليس غيرها في ذلك نظر.
ولو تولّى ذلك
جماعة وُزّع عليهم بالسويّة ، ذكوراً كانوا أم إناثاً ، أم بالتفريق.
والمراد
بالتدليس السكوت عن العيب الخارج عن الخلقة مع العلم به ، أو دعوى صفة كمال مع
عدمها.
(ولو
تزوّج امرأة على أنّها حرّة) أي شرط ذلك في متن العقد (فظهرت أمَة) أو مبعّضة (فله الفسخ) وإن دخل؛ لأنّ ذلك فائدة الشرط.
__________________
هذا إذا كان الزوج ممّن يجوز له نكاح الأمة ووقع بإذن مولاها أو مباشرته ، وإلّا
بطل في الأوّل ووقع موقوفاً على إجازته في الثاني على أصحّ القولين .
ولو لم يشترط
الحرّيّة في نفس العقد بل تزوّجها على أنّها حرّة أو أخبرته بها قبلَه أو أخبره
مخبر ، ففي إلحاقه بما لو شرط نظر ، من ظهور التدليس ، وعدم الاعتبار بما تقدّم من
الشروط على العقد. وعبارة المصنّف والأكثر
محتملة
للأمرين.
(وكذا
تفسخ) هي (لو تزوّجته على أنّه
حرّ فظهر عبداً) بتقريب ما سبق.
(ولا
مهر) في الصورتين (بالفسخ قبل الدخول) لأنّ الفاسخ إن كان هي فقد جاء من قِبَلها ، وهو ضابط عدم
وجوبه لها قبل الدخول ، وإن كان هو فبسببها (ويجب) جميع المهر (بعده) لاستقراره به.
(ولو
شرط كونها بنت مَهيرةٍ) بفتح الميم وكسر الهاء ، فعيلة بمعنى مفعولة ، أي بنت
حرّةٍ تُنكح بمهر وإن كانت معتقة في أظهر الوجهين ، خلافَ الأمة فإنّها قد تُوطأ
بالملك (فظهرت
بنت أمَة فله الفسخ) قضيّةً للشرط (فإن
كان قبل الدخول فلا مهر) لها ، لما تقدّم (وإن كان بعده وجب المهر ويرجع به على
المدلِّس) لغروره ، ولو لم يشترط ذلك بل ذكر قبلَ العقد فلا حكم له مع احتماله كما
سلف (فإن
كانت هي) المدلِّسة (رجع عليها) بالمسمّى (إلّابأقلّ مهر) وهو ما يتموّل؛ لأنّ الوطء المحترم لا يخلو عن مهر ، وحيث
ورد النصّ
__________________
برجوعه على المدلّس
يقتصر فيما
خالف الأصل
على موضع
اليقين وهو ما ذُكر. وفي المسألة وجهان آخران ، أو قولان :
أحدهما : أنّ
المستثنى أقلّ مهر أمثالها؛ لأنّه قد استوفى منفعة البضع فوجب عوض مثله .
والثاني : عدم
استثناء شيء عملاً بظاهر النصوص
والمشهور
الأوّل.
وكذا يرجع
بالمهر على المدلِّس لو ظهرت أمة. ويمكن شمول هذه العبارة له بتكلّف ، وتختصّ
الأمة بأ نّها لو كانت هي المدلِّسة فإنّما يرجع عليها على تقدير عتقها ، ولو كان
المدلِّس مولاها اعتبر عدم تلفّظه بما يقتضي العتق ، وإلّا حُكم بحرّيّتها ظاهراً
وصحّ العقد.
(ولو
شرطها بكراً فظهرت ثيّباً فله الفسخ) بمقتضى الشرط (إذا ثبت سبقه) أي سبق الثيوبة (على العقد) وإلّا فقد يمكن تجدّده بين العقد والدخول بنحو الخطوة
والحُرقوص .
ثمّ إن فسخ قبل
الدخول فلا مهر ، وبعده يجب لها المسمّى ويرجع به على المدلِّس وهو العاقد كذلك
العالم بحالها ، وإلّا فعليها مع استثناء أقلّ ما يكون مهراً كما سبق.
__________________
(وقيل)
والقائل ابن
إدريس : لا فسخ ، ولكن (ينقص مهرها بنسبة ما بين مهر البكر
والثيّب) فإذا كان
المسمّى مئة ومهر مثلها بكراً مئة وثيّباً خمسون ، نقص منه النصف. ولو كان مهرها
بكراً مئتين وثيّباً مئة نقص من المسمّى خمسون؛ لأنّها نسبة ما بينهما ، لا مجموع
تفاوت ما بينهما؛ لئلّا يسقط جميع المسمّى ، كما قرّر في الأرش .
ووجه هذا القول
: أنّ الرضا بالمهر المعيّن إنّما حصل على تقدير اتّصافها بالبكارة ولم تحصل
إلّاخالية عن الوصف ، فيلزم التفاوت كأرش ما بين كون المبيع صحيحاً ومعيباً.
واعلم أنّ
الموجود في الرواية أنّ صداقها ينقص
فحكم الشيخ
رحمه الله بنقص شيء من غير تعيين
لإطلاق الرواية
، فأغرب القطب الراوندي في أنّ الناقص هو السدس
بناءً على أنّ (الشيء) سدس ، كما ورد في الوصيّة به
وهو قياس على
ما لا يطّرد ، مع أنّ (الشيء)
من كلام الشيخ قصداً
للإبهام تبعاً للرواية المتضمّنة للنقص مطلقاً.
وربما قيل : يرجع
إلى نظر الحاكم
لعدم تفسيره
لغةً ولا شرعاً ولا عرفاً.
__________________
(الفصل الثامن)
(في القَسْم)
وهو بفتح القاف
مصدر قسمت الشيء ، أمّا بالكسر فهو الحظّ والنصيب (والنشوز) وهو ارتفاع أحد الزوجين عن طاعة الآخر (والشقاق) وهو خروج كلّ منهما عن طاعته.
أمّا القسم : فهو
حقّ لكلّ منهما؛ لاشتراك ثمرته وهو العِشرة بالمعروف المأمور بها .
(ويجب
للزوجة الواحدة ليلة من أربع) وله ثلاث ليالٍ يبيتها حيث شاء ، وللزوجتين ليلتان من
الأربع وله ليلتان (وعلى
هذا فإذا تمّت الأربع فلا فاضل له) لاستغراقهنّ النصاب. ومقتضى العبارة : أنّ القسمة تجب
ابتداءً وإن لم يبتدئ بها ، وهو أشهر القولين
لورود الأمر
بها مطلقاً
وللشيخ رحمه
الله قول بأ نّها لا تجب
__________________
إلّا إذا ابتدأ بها
واختاره
المحقّق في الشرائع
والعلّامة في
التحرير
وهو متّجه ، والأوامر
المدّعاة لا تنافيه.
ثمّ إن كانت
واحدة فلا قسمة ، وكذا لو كنَّ أكثر وأعرض عنهنّ.
وإن بات عند
واحدة منهنّ ليلة لزمه للباقيات مثلها. وعلى المشهور يجب مطلقاً ، وحينئذٍ فإن
تعدّدن ابتدأ بالقرعة ، ثمّ إن كانتا اثنتين ، وإلّا افتقر إلى قرعة اُخرى للثانية
، وهكذا ... لئلّا يرجّح بغير مرجِّح. وقيل : يتخيّر
وعلى قول الشيخ
يتخيّر من غير قرعة.
ولا تجوز
الزيادة في القسمة على ليلة بدون رضاهنّ ، وهو أحد القولين
لأ نّه الأصل ،
وللتأسّي بالنبيّ صلى الله عليه وآله فقد كان يقسم كذلك
ولئلّا يلحق
بعضَهنّ ضرر مع الزيادة بعروض ما يقطعه عن القسم للمتأخّرة. والآخر جوازها مطلقاً
للأصل.
__________________
ولو قيل
بتقييده بالضرر ـ كما لو كنّ في أماكن متباعدة يشقّ عليه الكون كلّ ليلة مع واحدة
ـ كان حسناً ، وحينئذٍ فيتقيّد بما يندفع به الضرر ويتوقّف ما زاد على رضاهنّ.
وكذا لا يجوز أقلّ من ليلة؛ للضرر.
(ولا
فرق) في وجوب القَسم
(بين
الحرّ والعبد والخصيّ والعنّين ، وغيرهم) لإطلاق الأمر ، وكون الغرض منه الإيناس بالمضاجعة لا
المواقعة.
(وتسقط
القِسمة بالنشوز) إلى أن ترجع إلى الطاعة (والسفر)
أي سفره مطلقاً
مع استصحابه لإحداهنّ ، أو على القول بوجوبه مطلقاً ، فإنّه
لا يقضي للمتخلّفات وإن لم يُقرع للخارجة. وقيل : مع القرعة ، وإلّا قضى .
أمّا سفرها : فإن
كان لواجب أو جائز بإذنه وجب القضاء ، ولو كان لغرضها ففي القضاء قولان للعلّامة
في القواعد والتحرير
والمتّجه
وجوبه. وإن كان في غير واجب بغير إذنه ولا ضرورة إليه فهي ناشز.
(ويختصّ
الوجوب بالليل ، وأمّا النهار فلمعاشه) إن كان له معاش (إلّا في نحو *
الحارس)
ومن لا يتمّ
عمله إلّابالليل (فتنعكس)
قسمته ، فتجب
نهاراً دون الليل.
__________________
وقيل : تجب
الإقامة صبيحة كلّ ليلة مع صاحبتها
لرواية إبراهيم
الكرخي عن الصادق عليه السلام
وهي محمولة ـ مع
تسليم سندها ـ على الاستحباب
والظاهر أنّ
المراد بالصبيحة : أوّل النهار بحيث يُسمّى صبيحة عرفاً ، لا مجموع اليوم.
هذا كلّه في
المقيم. أمّا المسافر الذي معه زوجاته فعماد القسمة في حقّه وقت النزول ، ليلاً
كان أم نهاراً ، كثيراً كان أم قليلاً.
(وللأمة)
المعقود عليها
دواماً حيث يسوغ (نصف
القَسم *) لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : (إذا كانت تحته أمة
مملوكة فتزوّج عليها حرّة قسم للحرّة مثلي ما يقسم للمملوكة)
وحيث لا تكون
القسمة في أقلّ من ليلة فللأمة ليلة من ثمان ، وللحرّة ليلتان ، وله خمس.
ويجب تفريق
ليلتي الحرّة لتقع من كلّ أربع واحدة إن لم ترضَ بغيره. وإنّما تستحقّ الأمة القسم
إذا استحقّت النفقة بأن كانت مُسلِّمة للزوج ليلاً
ونهاراً كالحرّة (وكذا
الكتابيّة الحرّة) حيث يجوز نكاحها دواماً على المشهور ، وعُلِّل بنقصها بسبب الكفر فلا تساوي
المسلمة الحرّة (وللكتابيّة
الأمة ربع القَسم) لئلّا تساوي الأمة المسلمة (فتصير القسمة من ستّ عشرة ليلة) للأمة الكتابيّة منها ليلة ، وللحرّة المسلمة أربع كما
سلف وللأمة المسلمة ليلتان
__________________
لو اتّفقت ، وكذا الكتابيّة.
ومن هنا يتفرّع
باقي صور اجتماع الزوجات المتفرّقات
في القسمة
__________________
وهي أربعون
صورة ، تبلغ مع الصور المتّفقة اثنتين وخمسين تُعرف مع أحكامها بالتأمّل.
وتستحقّ القسم
مريضةٌ ورتقاء وقرناءُ وحائضٌ ونُفساء؛ لأنّ المقصود منه الاُنس لا الوطء.
(ولا
قسمة للصغيرة) التي لم تبلغ التسع (ولا
للمجنونة المطبقة إذا خاف) أذاها مع مضاجعتها؛ لأنّ القسمة مشروطة بالتمكين ، وهو
منتفٍ فيهما. ولو لم يخف من المجنونة وجب ، وكذا غير المطبقة.
(ويقسم
الوليّ بالمجنون) بأن يطوف به على أزواجه بالعدل ، أو يستدعيهنّ إليه أو بالتفريق. ولو خصّ
به بعضهنّ فقد جار ، وعليه القضاء. فإن أفاق المجنون قضى ما جار فيه الوليّ ، وفي
وجوبه عليه نظر؛ لعدم جوره.
(وتختصّ
البكر عند الدخول بسبع) ليالٍ ولاءً ، فلو فرّقه لم يحتسب واستأنف وقضى المفرَّق
للاُخريات. ويحتمل الاحتساب مع الإثم (والثيّب بثلاث) ولاءً. والظاهر أنّ ذلك على وجه الوجوب.
ولا فرق بين
كون الزوجة حرّة وأمة مسلمة وكتابيّة إن جوّزنا تزويجها دواماً ، عملاً بالإطلاق.
واستقرب في التحرير تخصيص الأمة بنصف ما تختصّ به لو كانت حرّة
وفي القواعد
المساواة
وعلى التنصيف
يجب عليه الخروج من
__________________
عندها بعد انتصاف الليل إلى مكان خارج عن الأزواج ، كما يجب ذلك لو بات عند
واحدة نصف ليلة ثمّ مُنع من الإكمال ، فإنّه يبيت عند الباقيات مثلها مع المساواة
أو بحسابه.
(وليس
للزوجة أن تهب ليلتها للضرّة إلّابرضاء الزوج) لأنّ القسم حقّ مشترك بينهما ، أو مختصّ به على القول
بعدم وجوبه ابتداءً ، فإن رضي بالهبة ووهبت لمعيّنة منهنّ بات عندها ليلتيها
كلّ ليلة في
وقتها متّصلتين كانتا أم منفصلتين.
وقيل : يجوز
وصلهما تسهيلاً عليه ، والمقدار لا يختلف .
ويُضعّف بأنّ
فيه تأخير حقّ مَنْ بين ليلتين ، وبأنّ الواهبة قد ترجع بينهما والموالاة تُفوِّت
حقَّ الرجوع. وإن وهبتها لهنّ سوّى بينهنّ فيجعل الواهبة كالمعدومة. ولو وهبتها له
فله تخصيص نوبتها بمن شاء ، ويأتي في الاتّصال والانفصال ما سبق.
(ولها
الرجوع قبل تمام المبيت) لأنّ ذلك بمنزلة البذل ، لا هبة حقيقيّة ، ومن ثمّ لا
يُشترط رضا الموهوبة (لا
بعده) لذهاب حقّها من
الليلة ، فلا يمكن الرجوع فيها ولا يجب قضاؤها لها (ولو رجعت في أثناء الليلة تحوّل إليها)
لبطلان الهبة
لما بقي من الزمان (ولو
رجعت ولمَّا يعلم فلا شيء عليه) لاستحالة تكليف الغافل. ولها أن ترجع في المستقبل دون
الماضي ، ويثبت حقّها من حين علمه به ولو في بعض الليل.
__________________
(ولا
يصحّ الاعتياض عن القسم) بشيء من المال؛ لأنّ المعوَّض (كون الرجل عندها) وهو لا يقابل بالعوض؛ لأنّه ليس بعين ولا منفعة ، كذا
ذكره الشيخ
وتبعه عليه
الجماعة
وفي التحرير
نسب القول إليه
ساكتاً عليه
مشعراً بتوقّفه فيه أو تمريضه. وله وجه؛ لأنّ المعاوضة غير منحصرة فيما ذُكر ، ولقد
كان ينبغي جواز الصلح عليه ، كما يجوز الصلح على حقّ الشفعة والتحجير ونحوهما من
الحقوق.
وحيث لا تجوز
المعاوضة (فيجب)
عليها (ردّ العوض) إن كانت قبضته ، ويجب عليه القضاء لها إن كانت ليلتها قد
فاتت؛ لأنّه لم يسلّم لها العوض.
هذا مع جهلهما
بالفساد ، أو علمهما وبقاء العين ، وإلّا أشكل الرجوع؛ لتسليطه على إتلافه
بغير عوض ، حيث
يعلم أنّه
لا يُسلَّم له.
وقد تقدّم البحث فيه في البيع الفاسد ، وأنّ المصنّف مال إلى الرجوع مطلقاً
كما هنا ، خلافاً
للأكثر.
(ولا
يزور الزوج الضرّة في ليلة ضرّتها) لما فيه من تفويت حقّها زمن الزيارة. وكذا لا يدخل إليها
فيها لغير الزيارة إلّالضرورة ، فإن مكث عندها وجب قضاء زمانه ما لم يقصّر جدّاً
بحيث لا يُعدّ إقامة عرفاً فيأثم خاصّة.
__________________
وقيل : لا يجب
القضاء إلّامع استيعاب الليلة ، والقولان للفاضل في القواعد والتحرير .
(ويجوز
عيادتها في مرضها ، لكن يقضي لو استوعب الليلة عند المزورة) لعدم إيصالها حقّها. وقيل : لا ، كما لو زار أجنبيّاً .
وهل تحسب
الليلة على المزورة؟ الظاهر لا؛ لأنّها ليست حقّها. ولو لم يستوعب الليلة فلا قضاء
هنا.
(والواجب)
في المبيت (المضاجعة) وهي أن ينام معها قريباً منها عادة ، معطياً لها وجهه
دائماً أو أكثريّاً بحيث لا يُعدّ هاجراً وإن لم يتلاصق الجسمان (لا المواقعة) فإنّها لا تجب إلّافي كلّ أربعة أشهر مرّة كما سلف .
(ولو
جارَ في القسمة قضى) واجباً لمن أخلّ بليلتها ، فلو قسم لكلّ واحدة من الأربع عشراً فوفّى من
الزوجات ثلاثاً ثمّ عاد عليهنّ دون الرابعة بعشرٍ ، قضى لها ثلاث عشرة ليلة
وثُلثاً. ولو باتها منفرداً قضى لها عشراً خاصّة.
ولو طلّقها قبل
القضاء أو بعد حضور ليلتها قبل إيفائها بقي حقّها في ذمّته ، فإن تزوّجها أو
راجعها وجب عليه التخلّص منها ، وإلّا استقرّت المظلمة في ذمّته.
وكذا لو فارق
المظلوم بها وجدّد غيرها؛ لأنّ قضاء الظلم يستلزم الظلم للجديدة. ولو كان الظلم
بعض ليلة وجب عليه إيفاؤها قدر حقّها وإكمال باقي الليلة خارجاً عن الزوجات. ولو
شكّ في القدر بنى على المتيقّن.
__________________
(والنشوز)
وأصله الارتفاع
و (هو)
هنا (الخروج عن الطاعة) أي خروج أحد الزوجين عمّا يجب عليه من حقّ الآخر وطاعته؛
لأنّه بالخروج يتعالى عمّا أوجب اللّٰه عليه من الطاعة.
(فإذا
ظهرت أمارته للزوج بتقطيبها
في
وجهه والتبرّم) أي الضجر والسأم (بحوائجه)
التي يجب عليها
فعلها من مقدّمات الاستمتاع ، بأن تمتنع أو تتثاقل إذا دعاها إليه ، لا مطلق
حوائجه؛ إذ لا يجب عليها قضاء حاجته التي لا تتعلّق بالاستمتاع (أو تغيّر عادتها في
أدبها) معه قولاً كأن
تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين أو غير مقبلة بوجهها بعد أن كانت تُقبل ، أو
فعلاً كأن يجد إعراضاً وعبوساً بعد لطف وطلاقة ، ونحو ذلك
(وعظها)
أوّلاً بلا هجر
ولا ضرب ، فلعلّها تُبدي عذراً أو تتوب عمّا جرى منها من غير عذر.
والوعظ كأن
يقول : (اتّقي
اللّٰه في الحقّ الواجب لي عليك ، واحذري العقوبة) ويبيّن لها ما يترتّب على ذلك من عذاب اللّٰه
تعالى في الآخرة ، وسقوط النفقة والقسم في الدنيا.
(ثمّ
حوّل ظهره إليها) في المضجِع ـ بكسر الجيم ـ إن لم ينجع الوعظ (ثمّ اعتزل) ها ناحية في غير (فراشها. ولا يجوز ضربها) إن رجا رجوعها بدونه (فإذا امتنعت من طاعته فيما يجب له) ولم ينجع ذلك كلّه (ضربها مقتصراً على ما يؤمّل به رجوعها)
فلا تجوز
الزيادة عليه مع حصول الغرض به ،
__________________
وإلّا تدرّج إلى الأقوى فالأقوى (ما لم يكن مُدمياً ولا مبرّحاً) أي شديداً كثيراً ، قال تعالى : (وَاَللاّٰتِي
تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاُهْجُرُوهُنَّ فِي
اَلْمَضٰاجِعِ وَاِضْرِبُوهُنَّ) .
والمراد فعظوهن
إذا وجدتم أمارات النشوز ، واهجروهنّ إن نشزن ، واضربوهنّ إن أصررن عليه. وأفهم
قوله تعالى : فِي اَلْمَضٰاجِعِ أنّه لا يهجرها في الكلام. وهذا فيما زاد
على ثلاثة أيّام؛ لقوله صلى الله عليه وآله : «لا
يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه
فوق ثلاث»
ويجوز في الثلاثة
إن رجا به رجوعها. ولو حصل بالضرب تلف أو إدماء ضمن.
(ولو
نشز) الزوج (بمنع حقوقها) الواجبة لها عليه من قَسم ونفقة (فلها المطالبة) بها (وللحاكم
إلزامه) بها ، فإن أساء
خُلقه وآذاها بضربٍ وغيره بلا سبب صحيح نهاه عن ذلك ، فإن عاد إليه عزّره بما
يراه. وإن قال كلّ منهما : إنّ صاحبه متعدٍّ ، تعرّف الحاكم الحال بثقة في جوارهما
[يختبرهما]
ومنع الظالم
منهما.
(ولو
تركت) الزوجة (بعض حقوقها)
من قسمة ونفقة (استمالةً له حلّ) له (قبوله)
وليس له منع
بعض حقوقها لتبذل له مالاً ليخلعها ، فإن فعل فبذلت أثم وصحّ قبوله ولم يكن
إكراهاً. نعم ، لو قهرها عليه بخصوصه لم يحلّ.
__________________
(والشقاق)
هو (أن يكون النشوز
منهما) كأنّ كلّ واحد
منهما قد صار في شقِّ غير الآخر (وتُخشى
الفُرقة) أو الاستمرار
على ذلك (فيبعث
الحاكم الحَكَمين من أهل الزوجين) أي أحدهما من أهله والآخر من أهلها كما تضمّنته الآية
لينظرا في
أمرهما بعد اختلاء حَكَمه به وحَكَمها بها ومعرفة ما عندهما في ذلك. وهل بعثهما
واجب أو مستحبّ؟ وجهان : أوجههما الوجوب عملاً بظاهر الأمر في الآية .
(أو
من غيرهما) لحصول الغرض به ، ولأنّ القرابة غير معتبرة في الحَكَم ولا في التوكيل ، وكونهما
من الأهل في الآية؛ للإرشاد إلى ما هو الأصلح. وقيل : يتعيّن كونهما من أهلهما
عملاً بظاهر
الآية ، ولأنّ الأهل أعرف بالمصلحة من الأجانب. ولو تعذّر الأهل فلا كلام في جواز
الأجانب.
وبعثُهما يكون (تحكيماً) لا توكيلاً؛ لأنّ اللّٰه تعالى خاطب بالبعث
الحكّام وجعلهما حكمين ، ولو كان توكيلاً لخاطب به الزوجين ، ولأ نّهما إن رأيا
الإصلاح فعلاه من غير استئذان ، وإن رأيا التفريق توقّف على الإذن ، ولو كان
توكيلاً لكان تابعاً لما دلّ عليه لفظهما.
وبذلك يُضعّف
قول القاضي بكونه توكيلاً
استناداً إلى
أنّ البضع حقّ
__________________
للزوج والمال حقّ للمرأة ، وليس لأحد التصرّف فيهما إلّابإذنهما ، لعدم
الحجر عليهما؛ لأنّ إذن الشارع قد يجري على غير المحجور كالمماطل.
وحيث كان
تحكيماً (فإن
اتّفقا على الإصلاح) بينهما (فعلاه)
من غير مراجعة (وإن اتّفقا على
التفريق لم يصحّ إلّابإذن الزوج في الطلاق ، و) إذن (الزوجة
في البذل) إن كان خلعاً؛ لأنّ ذلك هو مقتضى التحكيم.
(وكلّ
ما شرطاه) ـ أي الحكمان ـ على الزوجين (يلزم إذا كان سائغاً) شرعاً وإن لم يرضَ به الزوجان ، ولو لم يكن سائغاً ـ كاشتراط
ترك بعض النفقة أو القِسمة أو أن لا يسافر بها ـ لم يلزم الوفاء به.
ويشترط في
الحكمين : البلوغ والعقل والحرّيّة والعدالة والاهتداء إلى ما هو المقصود من
بعثهما ، دون الاجتهاد.
(ويلحق بذلك نظران) :
(الأوّل : الأولاد)
(ويلحق
الولد بالزوج الدائم) نكاحه (بالدخول)
بالزوجة (ومضيّ ستّة أشهر) هلاليّة (من حين الوطء) والمراد ـ على ما يظهر من إطلاقهم وصرّح به المصنّف في
قواعده
ـ غيبوبة
الحشفة قبلاً أو دبراً وإن لم يُنزل. ولا يخلو ذلك من إشكال إن لم يكن مجمعاً
عليه؛ للقطع بانتفاء التولّد عنه عادة في كثير من موارده. ولم أقف على شيءٍ يُنافي
ما نقلناه يُعتمد عليه.
(وعدم
تجاوز أقصى الحمل) وقد اختلف الأصحاب في تحديده فقيل : تسعة أشهر
وقيل : عشرة
(وغاية
ما قيل) فيه (عندنا : سنة
(
__________________
ومستند الكلّ مفهوم الروايات
وعدل المصنّف
رحمه الله عن ترجيح قولٍ؛ لعدم دليل قويّ على الترجيح.
ويمكن حمل
الروايات على اختلاف عادات النساء ، فإنّ بعضهنّ تلد لتسعة ، وبعضهنّ لعشرة ، وقد
يتّفق نادراً بلوغ سنة. واتّفق الأصحاب على أنّه لا يزيد عن السنة ، مع أنّهم رووا
أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله حملت به اُمّه أيّام التشريق
واتّفقوا على أنّه
ولد في شهر ربيع الأوّل
فأقلّ ما يكون
لبثه في بطن اُمّه سنة وثلاثة أشهر ، وما نقل أحد من العلماء أنّ ذلك من خصائصه
صلى الله عليه وآله.
(هذا
في) الولد (التمام *
الذي
ولجته الروح ، وفي غيره) ممّا تسقطه المرأة (يرجع) في إلحاقه بالزوج حيث يحتاج إلى الإلحاق ليجب عليه
تكفينه ومؤونة تجهيزه ونحو ذلك من الأحكام التي لا تترتّب على حياته (إلى المعتاد) لمثله (من
الأيّام والأشهر وإن نقصت عن الستّة الأشهر) فإن أمكن عادةً كونه منه لحقه حكمه
وإن عُلم عادة
انتفاؤه عنه لغيبته عنها مدّة تزيد عن تخلّقه عادة انتفى عنه.
(ولو
فجر بها) أي بالزوجة
الدائمة فاجر (فالولد
للزوج) وللعاهر الحجر (ولا يجوز له نفيه
لذلك) للحكم بلحوقه
بالفراش شرعاً وإن أشبه الزاني خِلقةً (ولو نفاه لم ينتفِ عنه إلّاباللعان) لاُمّه ، فإن لم يلاعن حُدّ به.
__________________
(ولو
اختلفا في الدخول) فادّعته وأنكره هو (أو
في ولادته) بأن أنكر كونها ولدته (حلف
الزوج) لأصالة عدمهما
، ولأنّ النزاع في الأوّل في فعله ، ويمكنها إقامة البيّنة على الولادة في الثاني
، فلا يُقبل قولها فيها بغير بيّنة.
(ولو)
اتّفقا عليهما و
(اختلفا
في المدّة) فادّعى ولادته لدون ستّة [أشهر]
أو لأزيد من
أقصى الحمل (حلفت)
هي تغليباً
للفراش ، ولأصالة عدم زيادة المدّة في الثاني. أمّا الأوّل فالأصل معه فيحتمل قبول
قوله فيه عملاً بالأصل ، ولأنّ مآله إلى النزاع في الدخول ، فإنّه إذا قال : (لم تنقضِ ستّة أشهر
من حين الوطء) فمعناه : أنّه لم يطأ منذ ستّة أشهر ، وإنّما وقع الوطء فيما دونها.
وربما فسّر
بعضهم النزاع في المدّة بالمعنى الثاني خاصّة
ليوافق الأصل.
وليس ببعيد إن تحقّق في ذلك خلاف ، إلّاأنّ كلام الأصحاب مطلق.
(وولد
المملوكة إذا حصلت الشروط) الثلاثة ، وهي : الدخول ، وولادته لستّة أشهر فصاعداً ، ولم
يتجاوز الأقصى (يلحق
به. وكذلك) ولد (المتعة)
ولا يجوز له
نفيه؛ لمكان الشبهة فيهما (لكن
لو نفاه انتفى) ظاهراً (بغير
لعان فيهما وإن فعل حراماً) حيث نفى ما حكم الشارع ظاهراً بلحوقه به. أمّا ولد الأمة
فموضع وفاق ، ولتعليق اللعان على رمي الزوجة في الآية .
وأمّا ولد
المتعة فانتفاؤه بذلك هو المشهور
ومستنده غلبة
إطلاق الزوجة
__________________
على الدائمة ، ومن ثَمّ حُملت عليها في آية الإرث
وغيرِه .
وذهب المرتضى
وجماعة إلى إلحاقها بالدائمة هنا
لأنّها زوجة
حقيقة ، وإلّا لحرمت بقوله تعالى :
(فَمَنِ اِبْتَغىٰ وَرٰاءَ
ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلعٰادُونَ)
(فلو
عاد واعترف به صحّ ولحق به) بخلاف ما لو اعترف به أوّلاً ثمّ نفاه ، فإنّه لا ينتفي
عنه واُلحق به.
(ولا
يجوز نفي الولد) مطلقاً (لمكان
العزل) عن اُمّه؛
لإطلاق النصّ
والفتوى
بلحوق الولد
لفراش الواطئ ، وهو صادق مع العزل ، ويمكن سبق الماء قبلَه.
وعلى ما ذكرناه
سابقاً
لا اعتبار
بالإنزال في إلحاق الولد مطلقاً ، فمع العزل بالماء أولى.
وقيّد العلّامة
هنا الوطء مع العزل بكونه قبلاً
والمصنّف صرّح
في القواعد
__________________
باستواء القبل والدبر في ذلك
وفي باب العِدد
صرّحوا بعدم الفرق بينهما في اعتبار العدّة .
(وولد
الشبهة يلحق بالواطئ بالشروط) الثلاثة (وعدم الزوج الحاضر) الداخل بها بحيث يمكن إلحاقه به. والمولى في ذلك بحكم
الزوج ، لكن لو انتفى عن المولى ولحق بالواطئ اُغرم قيمة الولد يوم سقط حيّاً
لمولاها.
(ويجب)
كفايةً (استبداد النساء) أي انفرادهنّ (بالمرأة عند الولادة أو الزوج ، فإن
تعذّر فالرجال) المحارم ، فإن تعذّروا فغيرهم. وقدّم في القواعد الرجال الأقارب غير
المحارم على الأجانب
وهنا أطلق
الرجال.
هذا جملة ما
ذكروه فيه ، ولا يخلو من نظر ، بل ذلك مقيّد بما يستلزم اطّلاعه على العورة ، أمّا
ما لا يستلزمه من مساعدتها فتحريمه على الرجال غير واضح. وينبغي فيما يستلزم
الاطّلاع على العورة تقديم الزوج مع إمكانه ، ومع عدمه يجوز غيره؛ للضرورة كنظر
الطبيب. وأمّا الفرق بين أقارب الرجال من غير المحارم والأجانب فلا أصل له في
قواعد الشرع.
(ويستحبّ
غسلُ المولود) حين يولد (والأذانُ
في اُذنه اليمنى ، والإقامةُ في اليسرى) وليكن ذلك قبل قطع سرّته ، فلا يصيبه لَمَم ولا تابعة ، ولا
يفزع ، ولا تصيبه اُمّ الصبيان
رُوي ذلك عن
أبي عبد اللّٰه عليه السلام. وعن النبيّ صلى الله عليه وآله : «من
ولد له مولود فليؤذّن في اُذنه اليمنى بأذان الصلاة ، وليقم في اُذنه اليسرى ،
__________________
فإنّها عصمة من
الشيطان الرجيم)
(وتحنيكُه
بتربة الحسين عليه الصلاة والسلام و (
ماءِ
الفرات) وهو النهر
المعروف (أو
ماءٍ فراتٍ) أي عذبٍ (ولو
بخلطه بالتمر أو بالعَسَل) لِيَعذُبَ إن لم يكن عَذْباً.
وظاهر العبارة
التخيير بين الثلاثة. والأجود الترتيب بينها فيقدَّم ماء الفرات مع إمكانها ، ثمّ
الماء الفرات بالأصالة ، ثمّ بإصلاح مالحه بالحلو.
وفي بعض
الأخبار : «حنِّكوا أولادكم بماء الفرات وبتربة
الحسين عليه السلام ، فإن لم يكن فبماء السماء»
والمراد
بالتحنيك : إدخال ذلك إلى حَنَكه ، وهو أعلى داخل الفم.
وكذا يستحبّ
تحنيكه بالتمر ، بأن يمضغ التمرة
ويجعلها في فيه
ويوصلها إلى حنكه بسبّابته حتّى يتحلّل في حلقه ، قال أمير المؤمنين عليه السلام :
«حنّكوا أولادكم بالتمر ، فكذا فعل رسول
اللّٰه صلى الله عليه وآله بالحسن والحسين عليهما السلام»
قال الهروي : يقال
: حنكه وحنَّكه بتخفيف النون وتشديدها .
(وتسميتُه
محمّداً) إن كان ذكراً (إلى اليوم السابع ، فإن
غيّر) بعد ذلك (جاز) قال الصادق عليه السلام : «لا يولد لنا ولد إلّاسمّيناه
محمّداً ، فإذا مضى
__________________
سبعة أيّام ، فإن شئنا غيّرنا ، وإلّا تركنا) .
(وأصدق
الأسماء ما عُبد للّٰه *) أي اشتمل على عبوديّته تعالى ، كعبد اللّٰه وعبد
الرحمن والرحيم ، وغيره من أسمائه تعالى : (وأفضلها) أي الأسماء مطلقاً (اسم محمّد وعليّ ، وأسماء الأنبياء ، والأئمّة
عليهم السلام) قال الباقر عليه السلام : «أصدق الأسماء
ما سُمّي بالعبوديّة وأفضلها أسماء الأنبياء»
وعن الصادق
عليه السلام أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله
قال : «من وُلد له أربعة أولاد ولم يُسمّ أحدَهم باسمي فقد جفاني» (٣) وعنه عليه
السلام : «ليس في الأرض دار فيها اسم محمّد إلّاوهي تقدّس كلّ يوم»
وعن الحسين عليه
الصلاة والسلام في حديث طويل : «لو وُلد لي مئة لأحببت أن لا اُسمّي أحداً منهم
إلّاعليّاً»
وقال الرضا
عليه السلام : «لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد ، أو عليّ أو الحسن أو
الحسين أو جعفر ، أو طالب أو عبد اللّٰه ، أو فاطمة من النساء» .
(وتكنيتُه)
بأبي فلان إن
كان ذكراً ، واُمّ فلان إن كان اُنثى. قال الباقر عليه السلام : (إنّا لنُكنّي
أولادنا في صِغَرهم مخافةَ النبز أن يلحق بهم) .
(ويجوز
اللقب) وهو ما أشعر من
الإعلام بمدح أو ذمّ ، والمراد هنا الأوّل خاصّة.
__________________
(ويكره
الجمع بين كُنيته) بضمّ الكاف (بأبي
القاسم وتسميته محمّداً) قال الصادق عليه السلام : «إنّ
النبيّ صلى الله عليه وآله نهى عن أربع كنى : عن أبي عيسى ، وعن أبي الحكم ، وعن
أبي مالك ، وعن أبي القاسم إذا كان الاسم محمّداً»
(وأن
يسمّي حكماً أو حكيماً أو خالداً أو حارثاً أو ضراراً أو مالكاً) قال الباقر عليه السلام
: «أبغض الأسماء إلى اللّٰه تعالى : حارث ومالك وخالد»
وعن الصادق
عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّٰه صلى الله
عليه وآله دعا بصحيفة حين حضره الموت يريد أن ينهى عن أسماء يُتسمّى بها ، فقُبض
ولم يُسمِّها ، منها : الحكم وحكيم وخالد ومالك. وذكر أنّها ستّة أو سبعة ممّا لا
يجوز أن يُتسمّى بها» .
(وأحكام
الأولاد اُمور) :
منها : العقيقة
والحلق والختان ، وثقب الاُذن» اليمنى في شحمتها واليسرى في أعلاها ، كلّ ذلك (في اليوم السابع) من يوم ولد ولو في آخر جزء من النهار. قال الصادق عليه
السلام : «العقيقة واجبة»
«وكلّ
مولود مُرتَهن بعقيقته»
وعنه عليه
السلام : «عقِّ عنه ، وأحلق رأسه يوم السابع»
وعنه عليه
السلام : «اختنوا أولادكم لسبعة أيّام ، فإنّه
أطهر وأسرع لنبات اللحم ، وأنّ الأرض لتكره بول الأغلف»
وعنه عليه السلام
: «إنّ ثقب اُذن الغلام من السنّة ، وختانه لسبعة أيّام من السنّة»
وفي
__________________
خبر آخر عن النبيّ صلى الله عليه وآله
: (إنّ الأرض تنجس من بول الأغلف أربعين صباحاً)
وفي آخر
: (إنّ الأرض تضجّ إلى اللّٰه تعالى من بول الأغلف) .
(وليكن
الحلق) لرأسه (قبل) ذبح (العقيقة
، ويتصدّق بوزن شعره ذهباً أو فضّة) قال إسحاق بن عمّار للصادق عليه السلام : «بأ
يّها
نبدأ؟ قال : يُحلق رأسه ويُعقّ عنه ، ويُتصدّق بوزن شعره فضّة ، يكون ذلك في مكان
واحد» . وفي خبر آخر : «أو
ذهباً» . (ويُكره
القنازع) وهو أن يحلق من
الرأس موضعاً ويترك موضعاً في أيّ جانب كان ، رُوي ذلك عن أمير المؤمنين عليه
السلام
وفي خبر آخر عن
الصادق عليه السلام «أنّه كره القزع
في رؤوس الصبيان ، وذكر أنّ القزع أن يحلق الرأس إلّاقليلاً وسط الرأس تُسمّى
القزعة»
وعنه عليه
السلام قال : «اُتي النبيّ صلى الله عليه وآله بصبيّ يدعو له وله قنازع ، فأبى أن
يدعو له ، وأمر أن يُحلق رأسُه» .
(ويجب)
على الصبيّ (الختان عند البلوغ) أي بعده بلا فصل لو ترك
__________________
وليّه ختانه.
وهل يجب على
الوليّ ذلك قبله؟ وجهان : من عدم التكليف حينئذٍ ، واستلزام تأخيره إلى البلوغ
تأخير الواجب المضيَّق عن
أوّل وقته. وفي
التحرير : لا يجوز تأخيره إلى البلوغ
وهو دالّ على
الثاني ، ودليله غير واضح.
(ويستحبّ
خفض النساء وإن بلغن) قال الصادق عليه السلام : «خفض النساء
مكرُمة ، وأيّ شيء أفضل من المكرُمة» .
(والعقيقة
شاة) أو جزور (تجتمع فيها شروط
الاُضحيّة) وهي السلامة من العيوب والسمن ، والسنّ على الأفضل ، ويجزئ فيها مطلق الشاة
، قال الصادق عليه السلام : «إنّما هي شاة لحم ليست بمنزلة
الاُضحيّة ، يُجزي منها كلّ شيء»
و«خيرها
أسمنها» .
(ويستحبّ
مساواتُها الولد في الذكورة والاُنوثة) ولو خالفته أجزأت.
(والدعاءُ
عند ذبحها بالمأثور) وهو «بِسمِ
اللّٰهِ وَبِاللّٰهِ ، اللَّهُمَّ [هذهِ]
عَقيقَةٌ عَنْ فُلان ، لَحْمُها بِلَحمِهِ ، وَدَمُها بِدَمِهِ ، وَعَظْمُها
بِعَظمِهِ ، اللَّهُمَّ اجعَلْهُ وِقاءً لآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّٰهُ
عَلَيهِ وَآله ) رواه الكرخي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام .
وعن الباقر
عليه السلام قال : إذا ذبحت فقل : «بِسمِ اللّٰهِ وَبِاللّٰهِ
وَالحَمدُ للّٰهِ وَاللّٰهُ أكبَرُ
__________________
إيماناً بِاللّٰهِ ، وَثَناءً عَلىٰ رَسولِ اللّٰهِ
صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَالعَظَمَةُ لأمرِهِ ، وَالشُّكْرُ
لِرِزْقِهِ ، وَالمَعرِفَةُ بِفَضْلِهِ عَلَينا أهلَ البَيت) فإن كان ذكراً فقل : (اللَّهُمَّ
إنَّكَ وَهَبْتَ لَنا ذَكَراً وَأنتَ أعلَمُ بِما وَهَبْتَ ، وَمِنْكَ ما أعطَيتَ
، وَكُلُّ ما صَنَعنا فَتَقَبَّلْهُ مِنَّا عَلىٰ سُنَّتِكَ وَسُنَّةِ
نَبِيِّكَ وَرَسو لِكَ صَلّى اللّٰهُ عَلَيهِ وَآلِهِ ، واخسأ عَنَّا
الشَّيطانَ الرَّجيمَ [اللَّهُمَّ]
لَكَ سُفِكَتِ الدِّماءُ لا شَريكَ لَكَ وَالحَمدُ للّٰهِ رَبِّ العالَمين) .
وعن الصادق
عليه السلام مثله وزاد فيه : «اللَّهُمَّ لَحمُها
بِلَحمِهِ ، وَدَمُها بِدَمِهِ ، وَعَظْمُها بِعَظمِهِ ، وَشَعرُها بِشَعرِهِ ، وَجِلدُها
بِجِلدِهِ ، اللَّهُمَّ اجعَلها وِقاءً لِفُلان بنِ فُلان» .
وعنه عليه
السلام : إذا أردت أن تذبح العقيقة قلت : «يا
قومِ إنِّي بَريءٌ مِمَّا تُشرِكونَ ، إنِّي وَجَّهتُ وَجهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ
السَّماواتِ وَالأرضَ حَنيفاً مُسلِماً وَما أنا مِنَ المُشرِكينَ ، إنَّ صَلاتي
وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي للّٰهِ رَبِّ العالَمينَ لا شَريكَ لَهُ
وَبِذلِكَ اُمِرتُ وَأنَا مِنَ
المُسلِمينَ ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ بِسمِ اللّٰهِ وَاللّٰهُ
أكبَرُ» وتسمّي المولود
باسمه ثمّ تذبح .
وعنه عليه
السلام : يقال عند العقيقة : «اللَّهُمَّ مِنْكَ
وَلَكَ ما وَهَبتَ وَأنتَ أعطَيتَ ، اللَّهُمَّ فَتَقَبَّلهُ مِنَّا عَلىٰ
سُنَّةِ نَبيِّكَ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَنَستَعيذُ
بِاللّٰهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم» وتسمّي وتذبح وتقول : «لَكَ سُفِكَتِ
الدِّماءُ لا شَريكَ لَكَ ، وَالحَمدُ للّٰهِ رَبِّ العالَمينَ اللَّهُمَّ
اخسأ عَنَّا الشَّيطانَ الرَّجيم»
فهذا جملة ما
وقفت عليه من الدعاء المأثور.
__________________
(وسؤالُ
اللّٰه تعالى أن يجعلها فدية له ، لحماً بلحم وعظماً بعظم وجلداً بجلد) هذا داخل في المأثور فكان يستغني عن تخصيصه ، ولعلّه
لمزيد الاهتمام به أو التنبيه عليه حيث لا يتّفق الدعاء بالمأثور (ولا تكفي الصدقة
بثمنها * وإن تعذّرت ، بل يُنتظر الوجدان ، بخلاف الاُضحيّة.
قيل للصادق
عليه السلام : إنّا طلبنا العقيقة فلم نجدها فما ترى ، نتصدّق بثمنها؟ فقال عليه السلام
: «لا ، إنّ اللّٰه يحبّ إطعام الطعام وإراقة الدماء»
(ولتخصّ
القابلة بالرِجل والوَرِك ) وفي بعض الأخبار : أنّ لها ربع العقيقة
وفي بعضها : ثلثها
) «ولو لم تكن قابلةٌ
تصدّقت به الاُمّ» بمعنى أنّ حصّة القابلة تكون لها وإن كان الذابح الأب ، ثمّ هي تتصدّق بها؛
لأنّه يُكره لها الأكل كما سيأتي. ولا تختصّ صدقتها بالفقراء ، بل تُعطي من شاءت
كما ورد في الخبر .
(ولو
بلغ الولد ولمّا يُعقّ عنه استحبّ له العقيقة عن نفسه ، وإن شكّ) الولد هل عُقّ عنه أم لا (فليعقّ) هو (إذ
الأصل عدم عقيقة أبيه) ولرواية عبد اللّٰه بن سنان عن عمر بن يزيد قال :
«قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام : إنّي واللّٰه ما أدري كان أبي
عَقَّ عنّي أم لا؟ قال : فأمرني أبو عبد اللّٰه عليه السلام فعققت عن نفسي
وأنا شيخ [كبير] »
وقال عمر : سمعت
أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول : «كلّ امرئ
__________________
مرتهن بعقيقته ، والعقيقة أوجب من الاُضحيّة) .
(ولو
مات الصبيّ يوم السابع بعد الزوال لم تسقط ، وقبله تسقط) روى ذلك إدريس بن عبد اللّٰه عن أبي عبد
اللّٰه عليه السلام .
(ويكره
للوالدين أن يأكلا منها شيئاً ، وكذا مَن في عيالهما) وإن كانت القابلة منهم؛ لقول الصادق عليه السلام : «لا
يأكل هو ولا أحد من عياله من العقيقة. وقال : للقابلة ثلث العقيقة ، فإن كانت
القابلة اُمَّ الرجل أو في عياله فليس لها منها شيء»
وتتأكّد
الكراهة في الاُمّ؛ لقوله عليه السلام في هذا الحديث
: «يأكل العقيقة كلّ أحد إلّاالاُمّ» (وأن تكسر عظامها ، بل تفصّل أعضاء) لقوله عليه السلام في هذا الخبر : (ويجعل
أعضاء
ثمّ يطبخها).
(ويستحبّ
أن يُدعى لها المؤمنون ، وأقلّهم عشرة) قال الصادق
عليه السلام : «يطعم منه عشرة من المسلمين ، فإن زاد فهو أفضل»
وفي الخبر
السابق : (لا
يعطيها إلّالأهل الولاية) وأن يُطبخ طبخاً دون أن تفرَّق لحماً أو تُشوى على
النار؛ لما تقدّم من الأمر بطبخها.
والمعتبر
مسمّاه (و)
أقلّه أن (تُطبخ بالماء والملح)
ولو اُضيف
إليهما غيرهما فلا بأس؛ لإطلاق الأمر الصادق به بل ربما كان أكمل ، وما ذكره
المصنّف للتنبيه على أقلّ ما يتأدّى به الطبخ لا للحصر؛ إذ لم يرد نصّ بكون الطبخ
بالماء والملح خاصّة ، بل به مطلقاً.
__________________
(ومنها
: الرضاع).
(فيجب
على الاُمّ إرضاع اللباء) بكسر اللام ، وهو أوّل اللبن في النتاج ، قاله الجوهري
وفي نهاية ابن
الأثير : هو أوّل ما يحلب عند الولادة
ولم أقف على
تحديد مقدار ما يجب منه ، وربما قيّده بعض بثلاثة أيّام
وظاهر ما
نقلناه عن أهل اللغة أنّه حَلبة واحدة.
وإنّما وجب
عليها ذلك؛ لأنّ الولد لا يعيش بدونه ، ومع ذلك لا يجب عليها التبرّع به ، بل (باُجرةٍ على الأب إن
لم يكن للولد مال) وإلّا ففي ماله جمعاً بين الحقّين
ولا منافاة بين
وجوب الفعل واستحقاق عوضه ، كبذل المال في المخمصة للمحتاج. وبذلك يظهر ضعف ما قيل
بعدم استحقاقها الاُجرة عليه؛ لوجوبه عليها
لما علم من عدم
جواز أخذ الاُجرة على العمل الواجب.
والفرق أنّ
الممنوع من أخذ اُجرته هو نفس العمل ، لا عين المال الذي يجب بذله ، واللباء من
قبيل الثاني ، لا الأوّل. نعم ، يجيء على هذا : أنّها لا تستحقّ اُجرة على إيصاله
إلى فمه؛ لأنّه عمل واجب.
وربما مُنع من
كونه لا يعيش بدونه ، فينقدح حينئذٍ عدم الوجوب ، والعلّامة
__________________
قطع في القواعد بكونه لا يعيش بدونه
وقيّده بعضهم
بالغالب
وهو أولى.
(ويستحبّ)
للاُمّ (أن ترضعه طول المدّة)
المعتبرة في
الرضاع ، وهي حولان كاملان لمن أراد أن يتمّ الرضاعة
فإن أراد
الاقتصار على أقلّ المجزي فأحد وعشرون شهراً ، ولا يجوز نقصانه عنها
ويجوز الزيادة
على الحولين شهراً وشهرين خاصّة ، لكن لا تستحقّ المرضعة على الزائد اُجرة.
وإنّما كان
إرضاع الاُمّ مستحبّاً؛ لأنّ لبنها أوفق بمزاجه؛ لتغذّيه به في الرحم دماً.
(والاُجرة
كما قلناه) من كونها في مال الولد إن كان له مال ، وإلّا فعلى الأب وإن علا ـ كما
سيأتي ـ مع يساره ، وإلّا فلا اُجرة لها ، بل يجب عليها ، كما يجب عليها الإنفاق
عليه لو كان الأب معسراً.
(ولها
إرضاعه) حيث يستأجرها
الأب (بنفسها
وبغيرها) إذا لم يشترط
عليها إرضاعه بنفسها ، كما في كلّ أجير مطلق (وهي أولى) بإرضاعه ولو بالاُجرة (إذا قنعت بما يقنع به الغير) أو أنقص أو تبرّعت بطريق أولى فيهما (ولو طلبت زيادة) عن غيرها (جاز للأب انتزاعه) منها (وتسليمه
إلى الغير) الذي يأخذ أنقص أو يتبرّع. ويفهم من قوله : «انتزاعه
وتسليمه» سقوط حضانتها أيضاً
، وهو أحد القولين . ووجهه لزوم الحرج
__________________
بالجمع بين كونه في يدها وتولّي غيرها إرضاعه ،
ولظاهر رواية داود بن الحصين عن الصادق عليه السلام : (إن وجد الأب من يُرضعه
بأربعة دراهم وقالت الاُمّ : لا اُرضعه إلّابخمسة دراهم ، فإنّ له أن ينزعه منها) .
والأقوى بقاء
حقّ الحضانة لها؛ لعدم تلازمهما ، وحينئذٍ فتأتي المرضعة وترضعه عندها مع الإمكان
، فإن تعذّر حمل الصبيّ إلى المرضعة وقت الإرضاع خاصّة ، فإن تعذّر جميع ذلك اتّجه
سقوط حقّها من الحضانة؛ للحرج والضرر.
(وللمولى
إجبار أمته على الإرضاع لولدها وغيره) لأنّ منافعها مملوكة له ، فله التصرّف فيها كيف شاء ، بخلاف
الزوجة حرّةً كانت أم مملوكة لغيره ، معتادة لإرضاع أولادها أم غير معتادة؛ لأنّه
لا يستحقّ بالزوجيّة منافعها وإنّما استحقّ الاستمتاع.
(ومنها
: الحضانة).
بالفتح ، وهي :
ولاية على الطفل والمجنون لفائدة تربيته وما يتعلّق بها من مصلحته : من حفظه وجعله
في سريره ورفعه ، وكحله ودَهْنه ، وتنظيفه وغسل خِرَقه وثيابه ، ونحوه.
وهي بالاُنثى
أليق منها بالرجل (فالاُمّ
أحقّ بالولد مدّةَ الرضاع وإن كان) الولد (ذكراً
إذا كانت) الاُمّ (حرّة
مسلمة) عاقلة (أو كانا) أي الأبوان معاً (رقيقين أو كافرين) فإنّه يسقط اعتبار الحرّيّة في الأوّل والإسلام في
الثاني؛ لعدم الترجيح. ولو كانت الاُمّ خاصّة حرّة مسلمة فهي أحقّ بالولد مطلقاً
من الأب الرقّ أو الكافر إلى أن يبلغ وإن تزوّجت.
__________________
(فإذا
فُصل) عن الرضاع (فالاُمّ أحقّ
بالاُنثى إلى سبع) سنين. وقيل : إلى تسع
وقيل : ما لم
تتزوّج الاُمّ
وقيل : إلى سبع
فيهما والأوّل مع شهرته جامع بين الأخبار المطلقة
(والأب
أحقّ بالذكر) بعد فصاله (إلى
البلوغ ، و) أحقّ (بالاُنثى
بعد السبع) والأقوى أنّ الخنثى المشكل هنا كالاُنثى استصحاباً لولاية الاُمّ الثابتة
عليه ابتداءً إلى أن يثبت المزيل ، ولا ثبوت له قبل السبع؛ لعدم العلم بالذكوريّة
التي هي مناط زوال ولايتها عنه بعد الحولين ، وأصالة عدم استحقاقه الولاية قبلها.
هذا كلّه إذا
كان الأبوان موجودين ، فإن مات أحدهما كان الآخر أحقّ بالولد مطلقاً من جميع
الأقارب إلى أن يبلغ (و)
كذلك (الاُمّ أحقّ من
الوصيّ) أي وصيّ الأب (بالابن) وكذا بالبنت بعد السبع ، كما هي أحقّ من الأقارب وإن
تزوّجت.
(فإن
فُقد الأبوان فالحضانة لأب الأب) لأنّه أب في الجملة ، فيكون أولى من غيره من الأقارب ، ولأ
نّه أولى بالمال فيكون أولى بالحضانة ، وبهذا جزم في القواعد ، فقدّم الجدّ للأب
على غيره من الأقارب
ويشكل بأنّ ذلك
لو كان
__________________
موجباً لتقديمه لاقتضى تقديم اُمّ الاُمّ عليه؛ لأنّها بمنزلة الاُمّ وهي
مقدّمة على الأب على ما فُصّل ، وولاية المال لا مدخل لها في الحضانة ، وإلّا لكان
الأب أولى من الاُمّ وكذا الجدّ له ، وليس كذلك إجماعاً. والنصوص خالية من غير
الأبوين من الأقارب ، وإنّما استفيد حكمهم من آية اُولي الأرحام
وهي لا تدلّ
على تقديمه على غيره من درجته ، وبهذا جزم في المختلف
وهو أجود.
(فإن
فقد) أبو الأب أو لم
نرجّحه (فللأقارب
، الأقرب) منهم إلى الولد (فالأقرب)
على المشهور؛
لآية اُولي الأرحام ، فالجدّة لاُمّ كانت أم لأب وإن علت أولى من العمّة والخالة ،
كما أنّهما أولى من بنات العمومة والخؤولة ، وكذلك الجدّة الدنيا والخالة والعمّة
أولى من العليا منهنّ وكذا ذكور كلّ مرتبة.
ثمّ إن اتّحد
الأقربُ فالحضانة مختصّة به ، وإن تعدّد اُقرع بينهم؛ لما في اشتراكها من الإضرار
بالولد.
ولو اجتمع ذكر
واُنثى ففي تقديم الاُنثى قول
مأخذه : تقديم
الاُمّ على الأب وكونُ الاُنثى أوفق لتربية الولد وأقوم بمصالحه ، سيّما الصغير
والاُنثى. وإطلاق الدليل المستفاد من الآية يقتضي التسوية بينهما ، كما يقتضي
التسوية بين كثير النصيب وقليله ومن يمتّ بالأبوين وبالاُمّ خاصّة؛ لاشتراك الجميع
في الإرث.
وقيل : إنّ
الاُخت من الأبوين أو الأب أولى من الاُخت للاُمّ ، وكذا اُمّ الأب أولى من اُمّ
الاُمّ ، والجدّة أولى من الأخوات
والعمّة أولى
من الخالة ، نظراً إلى
__________________
زيادة القرب أو كثرة النصيب .
وفيه نظر بيّن؛
لأنّ المستند ـ وهو الآية ـ مشترك ، ومجرّد ما ذُكر لا يصلح دليلاً.
وقيل : لا
حضانة لغير الأبوين اقتصاراً على موضع النصّ .
وعموم الآية
يدفعه.
(ولو
تزوّجت الاُمّ) بغير الأب مع وجوده كاملاً
(سقطت
حضانتها) للنصّ
والإجماع (فإن طُلّقت عادت
الحضانة) على المشهور؛
لزوال المانع منها ، وهو تزويجها واشتغالها بحقوق الزوج التي هي أقوى من حقّ
الحضانة.
وقيل : لا
تعود؛ لخروجها عن الاستحقاق بالنكاح فيستصحب ويحتاج عوده إليها إلى دليل آخر ، وهو
مفقود وله وجه وجيه. لكنّ الأشهر الأوّل ، وإنّما تعود بمجرّد
الطلاق إذا كان بائناً ، وإلّا فبعد العدّة إن بقي لها شيء من المدّة. ولو لم يكن
الأب موجوداً لم تسقط حضانتها بالتزويج مطلقاً
كما مرّ.
(وإذا
بلغ الولد رشيداً سقطت الحضانة عنه) لأنّها ولاية ، والبالغ الرشيد لا ولاية عليه لأحد ، سواء
في ذلك الذكر والاُنثى ، البكر والثيّب. لكن يستحبّ له
__________________
أن لا يفارق اُمّه ، خصوصاً الاُنثى إلى أن تتزوّج.
واعلم أنّه لا
شبهة في كون الحضانة حقّاً لمن ذكر. ولكن هل تجب عليه مع ذلك ، أم له إسقاط حقّه
منها؟ الأصل يقتضي ذلك ، وهو الذي صرّح به المصنّف في قواعده ، فقال : لو امتنعت
الاُمّ من الحضانة صار الأب أولى به ، قال : ولو امتنعا معاً فالظاهر إجبار الأب
ونُقل عن بعض
الأصحاب وجوبها
وهو حسن حيث
يستلزم تركُها تضييعَ الولد ، إلّاأنّ حضانته حينئذٍ تجب كفاية كغيره من المضطرّين
، وفي اختصاص الوجوب بذي الحقّ نظر ، وليس في الأخبار ما يدلّ على غير ثبوت أصل
الاستحقاق.
__________________
(النظر الثاني في النفقات)
(وأسبابُها)
ثلاثة : (الزوجيّة ، والقرابة)
البعضيّة
(والملك).
(فالأوّل
: تجب نفقة الزوجة بالعقد الدائم) دون المنقطع سواء في ذلك الحرّة والأمة المسلمة والكافرة
(بشرط
التمكين الكامل) وهو أن تخلّي بينه وبين نفسها قولاً وفعلاً (في كلّ زمان ومكان يسوغ فيه الاستمتاع)
فلو بذلت في
زمان دون زمان أو مكان كذلك يصلحان للاستمتاع ، فلا نفقة لها ، وحيث كان مشروطاً
بالتمكين.
(فلا
نفقة للصغيرة) التي لم تبلغ سنّاً يجوز الاستمتاع بها بالجماع على أشهر القولين
لفقد الشرط وهو
التمكين
من الاستمتاع.
وقال ابن إدريس : تجب النفقة على الصغيرة؛ لعموم وجوبها على الزوجة ، فتخصيصه
بالكبيرة الممكّنة يحتاج إلى دليل
وسيأتي الكلام
على هذا الشرط.
ولو انعكس بأن
كانت كبيرة ممكِّنة والزوجُ صغيراً وجبت النفقة؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع؛
لأنّ الصغر لا يصلح [للمنع]
كما في نفقة
الأقارب ،
__________________
فإنّها تجب على الصغير والكبير ، خلافاً للشيخ رحمه الله
محتجّاً بأصالة
البراءة. وهي مندفعة بما دلّ على وجوب نفقة الزوجة الممكّنة أو مطلقاً .
ولو قيل : إنّ
الوجوب من باب خطاب الشرع المختصّ بالمكلّفين ، أمكن جوابه بكون التكليف هنا
متعلّقاً بالوليّ أن يؤدّي من مال الطفل ، كما يكلَّف بأداء أعواض متلفاته التي لا
خلاف في ضمانها وقضاء ديونه وغراماته.
(ولا
للناشزة *) الخارجة عن طاعة الزوج ولو بالخروج من بيته بلا إذن ومنع
لمسٍ بلا عذر (ولا
للساكتة بعد العقد ما) أي مدّة (لم
تعرض التمكين عليه) بأن تقول : «سلّمت نفسي إليك في أيّ مكان
شئت» ونحوه ، وتعمل بمقتضى قولها حيث يطلب. ومقتضى ذلك أنّ التمكين الفعلي خاصّة غير كافٍ ، وأ نّه
لا فرق في ذلك بين الجاهلة بالحال والعالمة ، ولا بين من طلب منها التمكين وطالبته
بالتسليم وغيره.
وهذا هو
المشهور بين الأصحاب واستدلّوا عليه بأنّ الأصل براءة الذمّة من وجوب النفقة ، خرج
منه حالة التمكين بالإجماع
فيبقى الباقي
على الأصل.
وفيه نظر؛ لأنّ
النصوص عامّة أو مطلقة فهي قاطعة للأصل إلى أن يوجد المخصّص والمقيّد. إلّاأنّ
الخلاف غير متحقّق ، فالقول بما عليه الأصحاب متعيّن.
__________________
وتظهر الفائدة
فيما ذُكر
وفيما إذا
اختلفا في التمكين وفي وجوب
النفقة
الماضية. فعلى المشهور القول قوله في عدمهما ، عملاً بالأصل فيهما ، وعلى الاحتمال
قولها؛ لأنّ الأصل بقاء ما وجب. كما يُقدّم قولها لو
اختلفا في دفعها مع اتّفاقهما على الوجوب.
(والواجب)
على الزوج (القيام بما تحتاج
إليه المرأة) التي تجب نفقتها (من
طعام وإدام وكسوة وإسكان وإخدام وآلة الدَهن) والتنظيف من المشط والدُهن والصابون ، دون الكحل والطيب
والحمّام إلّامع الحاجة إليه؛ لبرد ونحوه (تبعاً لعادة أمثالها من بلدها) المقيمة به
لأنّ اللّٰه
تعالى قال : (وَعٰاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ)
ومن العشرة به
: الإنفاق عليها بما يليق بها عادة (و) لا يتقدّر الإطعام بمدّ ولا بمدّين ولا غيرهما ، بل (المرجع في الإطعام
إلى سدّ الخلّة) بفتح الخاء ، وهي الحاجة.
(ويجب
الخادم إذا كانت من أهله) في بيت أبيها ، دون أن ترتفع بالانتقال إلى بيت زوجها (أو كانت مريضة) أو زَمِنة تحتاج إلى الخادم ، ويتخيّر بين إخدامها بحرّة
أو أمة ولو باُجرة. ولو كان معها خادم تخيّر بين إبقائها وينفق عليها وبين إبدالها
وإن كانت مألوفة لها؛ لأنّ حقّ التعيين له لا لها ، حتّى لو أراد أن يخدمها بنفسه
أجزأ. ولو خدمت نفسها لم يكن لها المطالبة بنفقة الخادم.
__________________
(وجنس
المأدوم والملبوس والمسكن يتبع عادة أمثالها) في بلد السكنى لا في بيت أهلها. ولو تعدّد القوت في
البلد اعتبر الغالب ، فإن اختلف الغالب فيها أو قوتها من غير غالب وجب اللائق به.
(ولها
المنع من مشاركة غير الزوج) في المسكن بأن تنفرد ببيت صالح لها ولو في دار ، لا بدار؛
لما في مشاركة غيره من الضرر.
(ويزيد)
كسوتها (في الشتاء المحشوّة)
بالقطن (لليقظة ، واللحاف
للنوم) إن اعتيد ذلك
في البلد (ولو
كان في بلد يعتاد فيه الفرو للنساء وجب) على الزوج بذله (ويرجع في جنسه) من حرير أو كتّان أو قطن أو في جنس الفرو من غنم وسنجاب
وغيرهما (إلى
عادة أمثالها) في البلد ، ويُعتبر في مراتب الجنسِ المعتادِ حالُه في يساره وغيره. وقيل :
لا تجب الزيادة على القطن؛ لأنّ غيره رعونة
وهو ضعيف؛
لاقتضاء المعاشرة بالمعروف ذلك. (وكذا
لو احتيج إلى تعدّد اللحاف) لشدّة البرد أو لاختلاف الفصول فيه. ولكن هنا لا يجب
إبقاء المستغنى عنه في الوقت الآخر عندها (وتزاد المتجمّلة ثياب التجمّل بحسب
العادة) لأمثالها في
ذلك البلد.
(ولو
دخل بها واستمرّت تأكل معه على العادة فليس لها مطالبته بمدّة مؤاكلته) لحصول الغرض وإطباق الناس عليه في سائر الأعصار. ويحتمل
جواز مطالبتها بالنفقة؛ لأنّه لم يؤدّ عين الواجب وتطوّع بغيره.
واعلم أنّ
المعتبر من المسكن الإمتاع اتّفاقاً ، ومن المؤونة التمليك في صبيحة كلّ يوم لا
أزيد بشرط بقائها ممكِّنة إلى آخره ، فلو نشزت في أثنائه
__________________
استحقّت بالنسبة. وفي الكسوة قولان
أجودهما أنّها
إمتاع ، فليس لها بيعها ولا التصرّف فيها بغير اللبس من أنواع التصرّفات ، ولا
لبسها زيادة على المعتاد كيفيّة وكمّيّة ، فإن فعلت فأبلتها قبل المدّة التي تُبلى
فيها عادة لم يجب عليه إبدالها ، وكذا لو أبقتها زيادة على المدّة. وله إبدالها
بغيرها مطلقاً وتحصيلها بالإعارة والاستئجار وغيرهما. ولو طلّقها أو ماتت أو مات
أو نشزت استحقّ ما يَجِده منها مطلقاً. وما تحتاج إليه من الفرش والآلات في حكم
الكسوة.
(الثاني
: القرابة) البعضيّة دون مطلق النسبة
(وتجب
النفقة على الأبوين فصاعداً) وهم : آباء الأب واُمّهاته وإن علوا ، وآباء الاُمّ
واُمّهاتها وإن علوا (والأولاد
فنازلاً) ذكوراً كانوا
أم إناثاً لابن المنفق أم لبنته.
(ويستحبّ)
النفقة (على باقي الأقارب) من الإخوة والأخوات وأولادهم والأعمام والأخوال ذكوراً
وإناثاً وأولادهم (ويتأكّد)
الاستحباب (في الوارث منهم) في أصحّ القولين .
__________________
وقيل : تجب
النفقة على الوارث
لقوله تعالى
: (وَعَلَى اَلْوٰارِثِ مِثْلُ
ذٰلِكَ)
بعد قوله تعالى : (وَعَلَى اَلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
وإذا وجب على
الوارث ـ والعلّة هي الإرث ـ ثبت من الطرفين؛ لتساويهما فيه. ولا فرق في المنفق
بين الذكر والاُنثى ولا بين الصغير والكبير ، عملاً بالعموم .
(وإنّما
يجب الإنفاق على الفقير العاجز عن التكسّب) فلو كان مالكاً مؤونة سنة أو قادراً على تحصيلها بالكسب
تدريجاً لم يجب الإنفاق عليه. ولا يشترط عدالته ولا إسلامه ، بل يجب (وإن كان فاسقاً أو
كافراً) للعموم
ويجب تقييد
الكافر بكونه محقون الدم ، فلو كان حربيّاً لم يجب؛ لجواز إتلافه ، فترك الإنفاق
لا يزيد عنه.
وأمّا الحرّيّة
فهي شرط؛ لأنّ المملوك نفقته على مولاه. نعم ، لو امتنع منها أو كان معسراً أمكن
وجوبه على القريب عملاً بالعموم
وقيل : لا يجب
مطلقاً ، بل يُلزم ببيعه أو الإنفاق عليه
كما سيأتي . وهو حسن.
(ويُشترط
في المنفق أن يَفضُل مالُه عن قوته وقوت زوجته) ليومه
__________________
الحاضر وليلته ليصرف إلى مَن ذُكر ، فإن لم يَفضُل شيء فلا شيء عليه؛
لأنّها
مواساة وهو ليس
من أهلها.
(والواجب)
منها (قدر الكفاية) للمنفَق عليه (من الإطعام والكسوة والمسكن) بحسب زمانه ومكانه.
(ولا
يجب إعفاف واجب النفقة) أي تزويجه ليصير ذا عفّة وإن كان أباً ، ولا النفقة على
زوجته؛ للأصل. نعم ، يستحبّ تزويج الأب ، وعليه يُحمل ما ورد من الأمر به
وكذا لا يجب
إخدامه ، ولا النفقة على خادمه إلّامع الزَمانة المحوجة إليه.
(وتُقضى
نفقة الزوجة) لأنّها حقّ مالي وجب في مقابلة الاستمتاع ، فكانت كالعوض اللازم في
المعاوضة (لا
نفقة الأقارب) لأنّها وجبت على طريق المواساة وسدّ الخلّة لا التمليك ، فلا تستقرّ في
الذمّة ، وإنّما يأثم بتركها (ولو
قدّرها الحاكم) لأنّ التقدير لا يفيد الاستقرار (نعم ، لو أذِن) الحاكم للقريب (في الاستدانة) لغيبته أو مدافعته بها (أو أمره) الحاكمُ
بالإنفاق (قُضي) لأنّها تصير ديناً في الذمّة بذلك.
(والأب
مقدّم) على الاُمّ
وغيرها (في
الإنفاق) على الولد مع
وجوده ويساره (ومع
عدمه أو فقره فعلى أب الأب فصاعداً)
يُقدّم الأقرب
__________________
منهم فالأقرب (فإن
عدمت الآباء) أو كانوا معسرين (فعلى
الاُمّ) مع وجودها
ويسارها (ثمّ
على أبويها بالسويّة) لا على جهة الإرث ، واُمّ الأب بحكم اُمّ الاُمّ وأبيها ، وكذا اُمّ الجدّ
للأب مع أبوي الجدّ والجدّة للاُمّ ، وهكذا.
(والأقرب)
إلى المنفَق
عليه (في
كلّ مرتبة) من المراتب (مقدّم
على الأبعد) وإنّما ينتقل إلى الأبعد مع عدمه أو فقره ، فالولد مقدّم في الإنفاق على
أبيه واُمّه وإن علوا على ابنه ، وهكذا. ومتى تعدّد من يجب عليه الإنفاق تساووا
فيه وإن اختلفوا في الذكوريّة والاُنوثيّة. وكذا يتساوى الغنيّ فعلاً وقوّة على
الأقوى فيهما.
(وأمّا)
ترتيب (المنفق عليهم : فالأبوان
والأولاد سواء) لأنّ نسبتهم إلى المنفِق واحدة بحسب الدرجة ، وإنّما اختلفت بكونها في
أحدهما عليا وفي الآخر دنيا ، فلو كان له أب وابن أو أبوان وأولاد معهما أو مع
أحدهما وجب قسمة الميسور على الجميع بالسويّة ذكوراً كانوا أم إناثاً أم ذكوراً
وإناثاً.
ثمّ إن كفاهم
أو نفع كلّ واحد نصيبُه نفعاً معتدّاً به اقتسموه ، وإن لم ينتفع به أحدُهم؛
لقلّته وكثرتهم ، فالأجود القرعة؛ لاستحالة الترجيح بغير مرجّحٍ ، والتشريك ينافي
الغرض. ولو كان نصيب بعضهم يكفيه؛ لصغره ونحوه ونصيب الباقين لا ينفعهم منقسماً ، اعتبرت
القرعة في من عدا المنتفع.
(وهم)
يعني الآباء
والأولاد (أولى
من آبائهم وأولادهم) لزيادة القرب (و)
هكذا (كلّ طبقة أولى من
التي بعدها) ويتساوى الأعلى والأدنى مع تساوي الدرجة كالأجداد وأولاد الأولاد ، وهكذا.
كلّ ذلك (مع القصور) أمّا مع سعة ماله للإنفاق على الجميع فيجب التعميم.
(ولو
كان للعاجز أب وابن قادران فعليهما) نفقتُه (بالسويّة) لتساويها في المرتبة بالنسبة إليه ، والبنت كالابن. أمّا
الاُمّ ففي مساواتها للأب في مشاركة
الولد أو تقديمه عليها وجهان ، مأخذهما : اتّحادُ الرتبة ، وكون الولد
مقدّماً على الجدّ المقدّم عليها ، فيكون أولى بالتقديم.
فإن اجتمعوا
فعلى الأب والولدين
خاصّة
بالسويّة؛ لما تقدّم من أنّ الأب مقدّم على الاُمّ ، وأمّا الأولاد فعلى أصل
الوجوب من غير ترجيح ، مع احتمال تقديم الذكور نظراً إلى الخطاب في الأمر بها
بصيغة المذكّر .
(ويجبرُ
الحاكمُ الممتنعَ عن الإنفاق) مع وجوبه عليه (وإن كان له مال) يجب صرفه في الدين (باعه الحاكم) إن شاء (وأنفق منه). وفي كيفيّة بيعه وجهان : أحدهما أن يبيع كلّ يوم جزءاً
بقدر الحاجة. والثاني : [أن]
لا يفعل ذلك؛
لأنّه يشقّ ، ولكن يقترض عليه إلى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له. والأقوى جواز
الأمرين. ولو تعذّرا فلم يوجد راغب في شراء الجزء اليسير ولا مُقرض ولا بيت مال
يقترض منه جاز بيع أقلّ ما يمكن بيعه وإن زاد عن قدر نفقة اليوم؛ لتوقّف الواجب
عليه.
(الثالث
الملك : وتجب النفقة على الرقيق * ذكراً أو اُنثى [وإن كان أعمى وزَمِناً]
(والبهيمة
**) بالعلف والسقي ـ حيث تفتقر إليهما ـ والمكان
__________________
من مُراح
واصطبل يليق
بحالها وإن كانت غير منتفع بها أو مشرفةً على التلف ـ ومنها دود القزّ ـ فيأثم
بالتقصير في إيصاله قدر كفايته ووضعه في مكان يقصر عن صلاحيّته له بحسب الزمان.
ومثله ما تحتاج إليه البهيمة مطلقاً من الآلات حيثُ يستعملها ، أو الجلّ لدفع
البرد وغيره حيث يحتاج إليه.
(ولو
كان للرقيق كسب جاز للمولى أن يَكله إليه فإن كفاه) الكسبُ بجميع ما يحتاج إليه من النفقة اقتصر عليه (وإلّا) يكفه (أتمّ
له) قدرَ كفايته
وجوباً (ويُرجع
في جنس ذلك إلى عادة مماليك أمثال السيّد من) أهل (بلده)
بحسب شرفه
وضعته وإعساره ويساره. ولا يكفي ساتر العورة في اللباس ببلادنا وإن اكتفي به في
بلاد الرقيق. ولا فرق بين كون نفقة السيّد على نفسه دونَ الغالب في نفقة الرقيق
عادةً ـ تقتيراً أو
بخلاً أو رياضة
ـ وفوقَه ، فليس له الاقتصار به على نفسه في الأوّل
ولا عبرة في
الكمّيّة بالغالب بل تجب الكفاية لو كان الغالبُ أقلّ منها ، كما لا يجب الزائد لو
كان فوقها وإنّما تعتبر فيه الكيفيّة.
(ويُجبر)
السيّد (على الإنفاق أو
البيع) مع إمكانهما ، وإلّا
اُجبر على الممكن منهما خاصّة. وفي حكم البيع : الإجارة مع شرط النفقة على
المستأجر والعتق ، فإن لم يفعل باعه الحاكم أو آجره. وهل يبيعه شيئاً فشيئاً أو
يستدين عليه إلى أن يجتمع شيء فيبيع ما يفي به؟ الوجهان.
(ولا
فرق) في الرقيق (بين القِنّ) وأصله : الذي مُلك هو وأبواه ، والمراد هنا : المملوك
الخالص غير المتشبّث بالحرّيّة بتدبير ولا كتابة ولا استيلاد
__________________
(والمدبَّر
، واُمِّ الولد) لاشتراك الجميع في المملوكيّة وإن تشبّث الأخيران بالحرّيّة. وأمّا المكاتب
فنفقته في كسبه وإن كان مشروطاً أو لم يؤدِّ شيئاً.
(وكذا
يجبر على الإنفاق على البهيمة المملوكة ، إلّاأن تجتزي بالرعي) وترد الماء بنفسها ، فيجتزى به ويسقطان عنه ما دام ذلك
ممكناً (فإن
امتنع اُجبر على الإنفاق) عليها (أو
البيع أو الذبح إن كانت) البهيمة (مقصودة بالذبح) وإلّا اُجبر على البيع أو الإنفاق صوناً لها عن التلف.
فإن لم يفعل ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه وتقتضيه الحال ، وإنّما يتخيّر مع
إمكان الأفراد
وإلّا تعيّن
الممكن منها (وإن
كان لها ولد وفّر عليه من لبنها ما يكفيه) وجوباً وحلب ما يفضل عنه خاصّة (إلّاأن يقوم بكفايته)
من غير اللبن
حيث يكتفي به.
وبقي من
المملوك ما لا روح فيه كالزرع والشجر ممّا يتلف بترك العمل ، وقد اختُلف في وجوب
عمله ، ففي التحرير : قرّب الوجوب من حيث إنّه تضييع للمال فلا يُقَرّ عليه
وفي القواعد : قطع
بعدمه؛ لأنّه تنمية للمال فلا تجب كما لا يجب تملّكه
ويشكل بأنّ ترك
التملّك لا يقتضي الإضاعة ، بخلاف التنمية التي يوجب تركها فواته رأساً. أمّا
عمارة العقار فلا تجب ، لكن يُكره تركه إذا أدّى إلى الخراب.
* * *
__________________
كتاب الطلاق
(كتاب الطلاق)
وهو إزالة قيد
النكاح بغير عوض بصيغة «طالق» (وفيه فصول) :
(الأوّل)
(في أركانه)
(وهي)
أربعة (الصيغة والمطلِّق
والمطلَّقة والإشهاد) على الصيغة. (و)
اللفظ (الصريح) من الصيغة (أنتِ أو هذه أو فلانة) ويذكر اسمها أو ما يفيد التعيين (أو زوجتي مثلاً : طالق)
وينحصر عندنا
في هذه اللفظة (فلا
يكفي) أنتِ (طلاق) وإن صحّ إطلاق المصدر على اسم الفاعل وقصده
فصار بمعنى «طالق» وقوفاً على موضع النصّ
والإجماع ، واستصحاباً
للزوجيّة ، ولأنّ المصادر إنّما تُستعمل في غير موضوعها
مجازاً وإن كان
في اسم الفاعل شهيراً ، وهو غير كافٍ في استعمالها في مثل الطلاق.
__________________
(ولا
من المطلَّقات ، ولا مطلَّقة ، ولا طلّقت فلانة على قولٍ) مشهور
لأ نّه ليس
بصريح فيه ، ولأ نّه إخبار ونقله إلى الإنشاء على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على
موضع الوفاق وهو صيغ العقود ، فاطّراده في الطلاق قياس ، والنصّ
دلَّ فيه على (طالق) ولم يدلّ على غيره ، فيقتصر عليه. ومنه يظهر جواب ما
احتجّ به القائل بالوقوع ، وهو الشيخ في أحد قوليه استناداً إلى كون صيغة الماضي
في غيره منقولة إلى الإنشاء
ونسبة المصنّف
البطلان إلى القول مشعر بميله إلى الصحّة.
(ولا
عبرة) عندنا (بالسراح والفراق) وإن عبّر عن الطلاق بهما في القرآن الكريم بقوله :
(أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ)
(فٰارِقُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ)
لأنّهما عند
الإطلاق لا ينطلقان عليه فكانا كناية عنه لا صراحة فيهما ، والتعبير بهما لا يدلّ
على جواز إيقاعه بهما.
__________________
(و)
كذا (الخليّة والبريّة) وغيرهما من الكنايات كالبتّة ، والبتلة
وحرام ، وبائن
، واعتدّي (وإن
قُصد الطلاق) لأصالة بقاء النكاح إلى أن يثبت شرعاً ما يزيله.
(وطلاق
الأخرس بالإشارة) المفهمة له (وإلقاء
القناع) على رأسها
ليكون قرينة على وجوب سترها منه. والموجود في كلام الأصحاب الإشارة خاصّة
وفي الرواية
إلقاء القناع
فجمع المصنّف
رحمه الله بينهما. وهو أقوى دلالةً.
والظاهر أنّ
إلقاء القناع من جملة الإشارات ، ويكفي منها ما دلّ على قصده الطلاق كما يقع غيره
من العقود والإيقاعات والدعاوي والأقارير.
(ولا
يقع) الطلاق (بالكَتب) ـ بفتح الكاف مصدر كتب كالكتابة ـ من دون تلفّظه
ممّن يحسنه (حاضراً كان) الكاتب (أو غائباً) على أشهر القولين
لأصالة بقاء
النكاح ، ولحسنة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام :
«إنّما الطلاق أن يقول : أنتِ طالق) ... الخبر
وحسنة زرارة
عنه عليه السلام «في رجل كتب
__________________
بطلاق امرأته ، قال : ليس ذلك بطلاق) .
وللشيخ رحمه
الله قول بوقوعه به للغائب دون الحاضر
لصحيحة أبي
حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام في الغائب
«لا يكون طلاق حتّى ينطق به بلسانه ، أو يخطّه بيده وهو يريد به الطلاق»
وحُمل على حالة
الاضطرار
جمعاً.
ثمّ على تقدير
وقوعه للضرورة أو مطلقاً على وجهٍ ، يعتبر رؤية الشاهدين لكتابته حالتها؛ لأنّ ذلك
بمنزلة النطق بالطلاق فلا يتمّ إلّابالشاهدين ، وكذا يُعتبر رؤيتهما إشارةَ
العاجز.
(ولا
بالتخيير) للزوجة بين الطلاق والبقاء بقصد الطلاق (وإن اختارت نفسها في الحال) على أصحّ القولين
لما مرّ
وقول الصادق
عليه السلام : «ما للناس والخيار! إنّما هذا شيء خصّ
اللّٰه به رسوله صلى الله عليه وآله»
وذهب ابن
الجنيد إلى وقوعه به
لصحيحة حمران
عن الباقر عليه السلام : «المخيَّرة تبين من ساعتها من غير
__________________
طلاق)
وحُملت على
تخييرها
بسببٍ غير
الطلاق
ـ كتدليس وعيب
ـ جمعاً.
(ولا
معلّقاً على شرط) وهو ما أمكن وقوعه وعدمه ، كقدوم المسافر ودخولها الدار (أو صفة) وهو ما قطع بحصوله عادةً ، كطلوع الشمس وزوالها. وهو
موضع وفاق منّا ، إلّاأن يكون الشرط معلوم الوقوع له حال الصيغة ، كما لو قال : (أنتِ طالق إن كان
الطلاق يقع بك) وهو يعلم وقوعه على الأقوى؛ لأ نّه حينئذٍ غير معلّق ، ومن الشرط تعليقه
على مشيئة اللّٰه تعالى.
(ولو
فسّر الطلقة بأزيد من الواحدة * كقوله : أنتِ طالق ثلاثاً (لغا التفسير) ووقع واحدة؛ لوجود المقتضي وهو قوله
: «أنتِ طالق» وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلّاالضميمة وهي مؤكّدة
لا تنافيه ، ولصحيحة
جميل وغيرها
في الذي يُطلّق
في مجلس ثلاثاً ، قال : «هي واحدة).
وقيل : يبطل
الجميع؛ لأنّه بدعة
لقول الصادق
عليه السلام : «من طلّق ثلاثاً في
__________________
مجلس فليس بشيء ، من خالف كتاب اللّٰه رُدّ إلى كتاب اللّٰه)
وحُمل على
إرادة عدم وقوع الثلاث التي أرادها .
(ويُعتبر
في المطلِّق : البلوغُ) فلا يصحّ طلاق الصبيّ وإن أذن له الوليّ ، أو بلغ عشراً
على أصحّ القولين
(والعقلُ)
فلا يصحّ طلاق
المجنون المطبق مطلقاً ولا غيره حالَ جنونه (ويطلّق الوليّ) وهو الأب والجدّ له مع اتّصال جنونه بصغره ، والحاكمُ
عند عدمهما ، أو مع عدمه (عن
المجنون) المطبق مع
المصلحة (لا
عن الصبيّ) لأنّ له أمداً يُرتقب ويزول نقصه فيه ، وكذا المجنون ذو الأدوار.
ولو بلغ الصبيّ
فاسدَ العقل طلّق عنه الوليّ حينئذٍ.
وأطلق جماعة من
الأصحاب جواز طلاق الوليّ عن المجنون من غير فرق بين المطبق وغيره
وفي بعض
الأخبار
دلالة عليه.
والتفصيل متوجّه ،
__________________
وبه قطع في القواعد .
واعلم أنّ
الأخبار غير صريحة في جوازه من وليّه. ولكن فخر المحقّقين ادّعى الإجماع على جوازه
فكان أقوى في حجّيّته
منها. والعجب
أنّ الشيخ في الخلاف ادّعى الإجماع على عدمه .
(و)
كذا (لا) يطلِّق الوليّ عن (السكران) وكذا المغمى عليه ، وشارب المُرقد كالنائم؛ لأنّ عذرهم
متوقّع الزوال.
(والاختيارُ
، فلا يقع طلاق المكرَه) كما لا يقع شيء من تصرّفاته عدا ما استثني .
ويتحقّق
الإكراه بتوعّده بما يكون مضرّاً به في نفسه ، أو من يجري مجراه بحسب حاله مع قدرة
المتوعِّد على فعل ما تَوعّد به ، والعلم أو الظنّ أنّه يفعله به لو لم يفعل.
ولا فرق بين
كون المتوعّد به قتلاً أو جرحاً أو أخذ مال وإن قلّ ، وشتماً وضرباً
وحبساً. ويستوي
في الثلاثة الاُوَل جميع الناس. أمّا الثلاثة الأخيرة فتختلف باختلاف الناس ، فقد
يؤثّر قليلها في الوجيه الذي ينقّصه ذلك ، وقد يحتمل بعض الناس شيئاً منها لا
يؤثّر في قدره ، والمرجع في ذلك إلى العرف.
__________________
ولو خيّره
المكره بين الطلاق ودفع مال غير مستحقّ فهو إكراه ، بخلاف ما لو خيّره بينه وبين
فعل يستحقّه الآمر من مال وغيره وإن حتَّم أحدهما عليه. كما لا إكراه لو ألزمه
بالطلاق ففعله قاصداً إليه ، أو على طلاق معيّنة فطلّق غيرها ، أو على طلقة فطلّق
أزيد.
ولو أكرهه على
طلاق إحدى الزوجتين فطلّق معيّنة فالأقوى أنّه إكراه؛ إذ لا يتحقّق فعل مقتضى أمره
بدون أحد ، وكذا القول في غيره من العقود والإيقاع
ولا يُشترط
التورية بأن ينوي غيرها وإن أمكنت.
(والقصدُ
فلا عبرة بعبارة الساهي والنائم والغالط). والفرق بين الأوّل والأخير : أنّ الأوّل لا قصد له
مطلقاً ، والثاني له قصد إلى غير من طلّقها فغلط وتلفّظ بها. ومثله ما لو ظنّ
زوجته أجنبيّة بأن كانت في ظلمة ، أو أنكحها له وليّه أو وكيله ولم يعلم. ويُصدَّق
في ظنّه ظاهراً وفي عدم القصد لو ادّعاه ما لم تخرج العدّة الرجعيّة. ولا يقبل في
غيرها إلّامع اتّصال الدعوى بالصيغة. وأطلق جماعة من الأصحاب
قبول قوله في
العدّة من غير تفصيل.
(ويجوز
توكيل الزوجة في طلاق نفسها
وغيرها)
كما يجوز
تولّيها غيره من العقود؛ لأنّها كاملة فلا وجه لسلب عبارتها فيه. ولا يقدح كونها
بمنزلة
__________________
موجبة قابلة
على تقدير طلاق
نفسها؛ لأنّ المغايرة الاعتباريّة كافية. وهو ممّا يقبل النيابة فلا خصوصيّة
للنائب. وقوله صلى الله عليه وآله : (الطلاق
بيد من أخذ بالساق)
لا ينافيه؛
لأنّ يدها مستفادة من يده ، مع أنّ دلالته على الحصر ضعيفة.
(ويُعتبر
في المطلَّقة : الزوجيّةُ) فلا يقع بالأجنبيّة وإن علّقه على النكاح ، ولا بالأمة.
(والدوامُ)
فلا يقع
بالمتمتّع بها.
(والطهرُ
من الحيض والنفاس إذا كانت المطلَّقة مدخولاً بها حائلاً حاضراً زوجها معها) فلو اختلّ أحد الشروط الثلاثة ـ بأن كانت غير مدخول بها
، أو حاملاً إن قلنا بجواز حيضها ، أو زوجها غائب عنها ـ صحّ طلاقها وإن كانت
حائضاً أو نفساء.
لكن ليس مطلق
الغيبة كافياً في صحّة طلاقها ، بل الغيبة على وجه مخصوص. وقد اختلف في حدّ الغيبة
المجوّزة له على أقوال
أجودها مُضيّ
مدّة
__________________
يُعلم أو يُظنّ انتقالها من الطهر الذي واقعها فيه إلى غيره. ويختلف ذلك
باختلاف عادتها ، فمن ثمّ اختلف الأخبار
في تقديرها ، واختلفت
بسببها الأقوال ، فإذا حصل الظنّ بذلك جاز طلاقها وإن اتّفق كونها حائضاً حالَ
الطلاق إذا لم يعلم بحيضها حينئذٍ ولو بخبر من يعتمد على خبره شرعاً ، وإلّا بطل.
وفي حكم علمه بحيضها علمه بكونها في طهر المواقعة على الأقوى.
وفي المسألة
بحث عريض قد حقّقناه في رسالة مفردة
مَن أراد تحقيق
الحال فليقف عليها.
وفي حكم الغائب
من لا يمكنه معرفة حالها لحبسٍ ونحوه مع حضوره ، كما أنّ الغائب الذي يمكنه معرفة
حالها أو قبل انقضاء المدّة المعتبرة في حكم الحاضر.
ويتحقّق ظنّ
انقضاء نفاسها بمضيّ زمانٍ تلد فيه عادة وأكثر النفاس بعدها أو عادتها فيه. ولو لم
يعلم ذلك كلّه ولم يظنّه تربّص ثلاثة أشهر كالمسترابة.
(والتعيينُ)
أي تعيين المطلَّقة
لفظاً أو نيّة ، فلو طلّق إحدى زوجتيه لا بعينها بطل (على الأقوى) لأصالة بقاء النكاح ، فلا يزول إلّابسبب محقَّق السببيّة
، ولأنّ الطلاق أمر معيَّن فلا بدّ له من محلّ معيَّن ، وحيث لا محلّ فلا طلاق ، ولأنّ
الأحكام من قبيل الأعراض فلا بدّ لها من محلّ تقوم [به]
__________________
ولأنّ توابع الطلاق من العدّة وغيرها لا بدّ لها من محلّ معيّن.
وقيل : لا
يشترط ، وتستخرج المطلّقة بالقرعة أو يُعيّن من شاء
لعموم مشروعيّة
الطلاق ، ومحلُّ المبهم جاز أن يكون مبهماً ، ولأنّ إحداهما زوجة وكلّ زوجة يصحّ
طلاقها. وقوّاه المصنّف في الشرح .
ويتفرّع على ذلك
العدّة ، فقيل : ابتداؤها من حين الإيقاع
وقيل : من حين
التعيين
ويتفرّع عليه
أيضاً فروع كثيرة ليس هذا موضع ذكرها.
__________________
(الفصل الثاني)
(في أقسامه)
وهو ينقسم
أربعة أقسام (وهي)
: ما عدا
المباح ـ وهو متساوي الطرفين ـ من الأحكام الخمسة ، فإنّه لا يكون كذلك ، بل إمّا
راجح أو مرجوح مع المنع من النقيض وتعيينه
أم لا.
وتفصيلها : أنّه
(إمّا
حرام ، وهو طلاق الحائض ، لا *
مع
المصحّح له) وهو أحد الاُمور الثلاثة السابقة ، أعني : عدم الدخول أو الحمل أو الغيبة (وكذا النُفَساء ، وفي
طهر جامعها فيه) وهي غير صغيرة ولا يائسة ولا حامل مع علمه بحالها أو مطلقاً؛ نظراً إلى أنّه
لا يُستثنى للغائب إلّاكونها حائضاً ، عملاً بظاهر النصّ .
(والثلاث
من غير رجعة) والتحريم هنا يرجع إلى المجموع من حيث هو مجموع ، وذلك لا ينافي تحليل بعض
أفراده وهو الطلقة الاُولى؛ إذ لا منع منها إذا اجتمعت الشرائط.
__________________
(وكلّه)
أي الطلاق
المحرَّم بجميع أقسامه (لا
يقع) بل يبطل (لكن يقع في) الطلقات (الثلاث) من غير رجعة (واحدة) وهي الاُولى ، أو الثانية على تقدير وقوع خلل في الاُولى
، أو الثالثة على تقدير فساد الاُوليين.
(وإمّا
مكروه ، وهو الطلاق مع التئام الأخلاق) أي أخلاق الزوجين ، فإنّه ما من شيء ممّا أحلّه
اللّٰه تعالى أبغض إليه من الطلاق
وذلك حيث لا
موجب له.
(وإمّا
واجب ، وهو طلاق المُولي والمظاهر) فإنّه يجب عليه أحد الأمرين : الفئة أو الطلاق كما سيأتي
فكلّ واحد منهما يوصف بالوجوب التخييري ، وهو واجب بقولٍ
مطلق.
(وإمّا
سنّة ، وهو الطلاق مع الشقاق) بينهما (وعدم رجاء الاجتماع) والوفاق (والخوف من الوقوع في المعصية) يمكن أن يكون هذا من تتمّة شرائط سُنّيّته على تقدير
الشقاق ، ويمكن كونه فرداً برأسه ، وهو الأظهر ، فإنّ خوف الوقوع في المعصية قد
يجامع اتّفاقهما ، فيُسنّ تخلّصاً من الخوف المذكور إن لم يجب كما وجب النكاح له.
(ويُطلق
الطلاق السنّي) المنسوب إلى السنّة (على
كلّ طلاق جائز شرعاً) والمراد به الجائز بالمعنى الأعمّ «وهو
ما قابل الحرام» ويقال له : «طلاق السنّة بالمعنى الأعمّ). ويقابله «البدعيّ» وهو
الحرام. ويطلق «السنّي» على معنىً أخصّ من الأوّل ، وهو أن يُطلق على الشرائط ثمّ
يتركَها حتّى تخرج من العدّة ويعقد عليها ثانياً ، ويقال له : «طلاق السنّة
بالمعنى الأخصّ» وسيأتي ما يختلف من حكمهما.
__________________
(وهو)
أي الطلاق
السنّي بالمعنى الأعمّ (ثلاثة)
أقسام : (بائن) لا يمكن للمطلّق الرجوع فيه ابتداءً (وهو ستّة : طلاق غير
المدخول بها) دخولاً يوجب الغسل في قُبُل أو دُ بُر (واليائسة) من المحيض ومثلها لا تحيض (والصغيرة) إذ لا عدّة لهذه الثلاث ولا رجوع إلّافي عدّة (و) طلاق (المختلعة
والمباراة ما لم ترجعا في البذل) فإذا رجعتا صار رجعيّاً (والمطلَّقة ثالثة) ثلاثة
(بعد
رجعتين) كلّ واحدة عقيب
طلقة إن كانت حرّة ، وثانية بينها وبين الاُولى رجعة إن كانت أمة.
(ورجعي
وهو ما للمطلِّق فيه الرجعة) سواء (رجع
أو لا) فإطلاق (الرجعي) عليه بسبب جوازها فيه ،
كإطلاق «الكاتب» على مطلق الإنسان
من حيث صلاحيّته لها .
(و)
الثالث : (طلاق العدّة ، وهو
أن يطلّق على الشرائط ، ثمّ يرجع في العدّة ويطأ ، ثمّ يطلّق في طهر آخر) وإطلاق
«العدّي» عليه من حيث الرجوع
فيه في العدّة. وجعله قسيماً للأوّلين يقتضي مغايرته لهما مع أنّه أخصّ من الثاني
، فإنّه من جملة أفراده ، بل أظهرها حيث رجع في العدّة ، فلو جعله قسمين ثمّ قسّم
الرجعي إليه وإلى غيره كان أجود.
(وهذه)
أعني المطلّقة
للعدّة (تحرم
في التاسعة أبداً) إذا كانت حرّة ، وقد تقدّم
أنّها تحرم في
كلّ ثالثة حتّى تنكح [زوجاً]
غيره ،
__________________
وأنّ المعتبر طلاقها للعدّة مرّتين من كلّ ثلاثة؛ لأنّ الثالث لا يكون
عدّيّاً حيث لا رجوع فيها فيه.
(وما
عداه) من أقسام
الطلاق الصحيح ـ وهو ما إذا رجع فيها وتجرّد عن الوطء أو بعدها بعقد جديد وإن وطئ ـ
تحرم المطلَّقة (في
كلّ ثالثة للحرّة) وفي كلّ ثانية للأمة.
وفي إلحاق طلاق
المختلعة إذا رجع في العدّة بعد رجوعها في البذل ، والمعقود عليها في العدّة
الرجعيّة به
قولان
منشؤهما : من
أنّ الأوّل من أقسام البائن ، والعدّي من أقسام الرجعي ، وأنّ شرطه الرجوع في
العدّة ، والعقد الجديد لا يُعدّ رجوعاً؛ ومن أنّ رجوعها في البذل صيّره رجعيّاً ،
وأنّ العقد في الرجعي بمعنى الرجعة.
والأقوى إلحاق
الأوّل به دون الثاني؛ لاختلال الشرط ومنعِ إلحاق المساوي بمثله.
(والأفضل
في الطلاق أن يطلّق على الشرائط) المعتبرة في صحّته (ثمّ يتركها حتّى تخرج من العدّة ، ثمّ
يتزوّجها إن شاء ، وعلى هذا ...) و
هو طلاق السنّة
بالمعنى الأخصّ ، ولا تحرم المطلّقة به مؤبّداً أبداً. وإنّما كان أفضل للأخبار
الدالّة عليه
وإنّما يكون
أفضل حيث تشترك أفراده في أصل الأفضليّة وجوباً
__________________
أو ندباً؛ لاقتضاء أفعل التفضيل الاشتراك في أصل المصدر ، وما يكون مكروهاً
أو حراماً لا فضيلة فيه.
(وقد
قال بعض الأصحاب) وهو عبد اللّٰه بن بكير : (إنّ هذا الطلاق لا يحتاج إلى محلّل بعد
الثلاث) بل استيفاء
العدّة الثالثة يهدم التحريم استناداً إلى رواية أسندها إلى زرارة ، قال : سمعت
أبا جعفر عليه السلام يقول : «الطلاق الذي يحبّه
اللّٰه تعالى والذي يطلّق الفقيه وهو العدل بين المرأة والرجل : أن يطلّقها
في استقبال الطهر ، بشهادة شاهدين وإرادة من القلب ، ثمّ يتركها حتّى تمضي ثلاثة
قروء ، فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالثة ـ وهو آخر القرء؛ لأنّ الأقراء هي
الأطهار ـ فقد بانت منه وهي أملك بنفسها ، فإن شاءت تزوّجته وحلّت له ، فإن فعل
هذا بها مئة مرّة هدم ما قبله وحلّت له بلا زوج)
... الحديث .
وإنّما كان ذلك
قول عبد اللّٰه؛ لأنّه قال حين سئل عنه :
«هذا ممّا رزق اللّٰه من الرأي»
ومع ذلك رواه
بسند صحيح. وقد قال الشيخ : إنّ العصابة أجمعت على تصحيح ما يصحّ عن عبد
اللّٰه بن بكير ، وأقرّوا له بالفقه والثقة .
وفيه نظر؛
لأنّه فطحيّ المذهب ، ولو كان ما رواه حقّاً لما جعله رأياً له. ومع ذلك فقد اختلف
سند الرواية عنه ، فتارة أسندها إلى رفاعة
واُخرى إلى
زرارة ، ومع ذلك نسبه إلى نفسه. والعجب من الشيخ رحمه الله مع دعواه الإجماع
المذكور أنّه قال : إنّ إسناده إلى زرارة وقع نصرة لمذهبه الذي أفتى به ، لما رأى
أنّ أصحابه
__________________
لا يقبلون ما يقوله برأيه. قال : وقد وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب
الحقّ إلى الفطحيّة ما هو معروف ، والغلط في ذلك أعظم من الغلط في إسناد فُتياً
يعتقد صحّته لشبهة دخلت عليه إلى بعض أصحاب الأئمّة عليهم السلام .
(والأصحّ
احتياجه إليه) أي إلى المحلّل؛ للأخبار الصحيحة الدالّة عليه
وعموم القرآن
الكريم
بل لا يكاد
يتحقّق في ذلك خلاف؛ لأنّه لم يذهب إلى القول الأوّل أحد من الأصحاب على ما ذكره
جماعة وعبد اللّٰه بن بكير ليس من أصحابنا الإماميّة ، ونسبة
المصنّف له إلى أصحابنا التفاتاً إلى أنّه من الشيعة في الجملة ، بل من فقهائهم ـ على
ما نقلناه عن الشيخ ـ وإن لم يكن إماميّاً. ولقد كان ترك حكاية قوله في هذا
المختصر أولى.
(ويجوز
طلاق الحامل أزيد من مرّة) مطلقاً
على الأقوى (ويكون طلاق عدّة إن
وطئ) بعد الرجعة ثمّ
طلّق (وإلّا)
يطأ بعدها (فسُنّة بمعناه
الأعمّ) وأمّا طلاق
السنّة بالمعنى الأخصّ فلا يقع بها؛ لأنّه مشروط بانقضاء العدّة ثمّ تزويجها
ثانياً كما سبق
وعدّة الحامل
لا تنقضي إلّابالوضع ،
__________________
وبه تخرج عن كونها حاملاً ، فلا يصدق أنّها طُلّقت طلاقَ السُنّة بالمعنى
الأخصّ ما دامت حاملاً ، إلّاأن يُجعل وضعها قبل الرجعة كاشفاً عن كون طلاقها
السابق طلاق سُنّة بذلك المعنى. والأقوال هنا مختلفة
كالأخبار
والمحصَّل ما
ذكرناه.
(والأولى
تفريق الطَلَقات على الأطهار) بأن يوقع كلّ طلقة في طهر غير طهر الطلقة السابقة (لمن) أراد أن (يُطلّق ويراجع) أزيد من مرّة.
وهذه الأولويّة
بالإضافة إلى ما يأتي بعده ، وإلّا فهو موضع الخلاف وإن
__________________
كان أصحّ الروايتين
صحّته ، وإنّما
الأولى المُخرج من الخلاف أن يراجع ويطأ ثمّ يُطلّق في طهر آخر ، فإنّ الطلاق هنا
يقع إجماعاً.
(ولو
طلّق مرّات في طهر واحد) بأن يُطلّق ويراجع ، ثمّ يطلّق ويراجع ، وهكذا ...
ثلاثاً (فخلاف
أقربه الوقوع مع تخلّل الرجعة) بين كلّ طلاقين؛ لعموم القرآن
والأخبار
الصحيحة
بصحّة الطلاق
لمن أراده في الجملة ، إلّاما أخرجه الدليل. وروى إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن
عليه السلام قال : «قلت له : رجل طلّق امرأته ثمّ راجعها
بشهود ، ثمّ طلّقها بشهود [ثمّ راجعها بشهود ، ثمّ طلّقها بشهود]
تبين منه؟ قال : نعم. قلت : كلّ ذلك في طهر واحد ، قال : تبين منه» .
وهذه الرواية
من الموثّق ، ولا معارض لها إلّارواية عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام
«في الرجل يطلّق امرأته ، له أن يراجعها؟ قال : لا يطلّق الطلقة الاُخرى حتّى
يمسّها»
وهي لا تدلّ
على بطلانه؛ نظراً إلى أنّ
__________________
النهي في غير العبادة لا يفسد.
واعلم أنّ
الرجعة بعد الطلقة تجعلها بمنزلة المعدومة بالنسبة إلى اعتبار حالها قبل الطلاق
وإن بقي لها أثر في الجملة كعدّها من الثلاث ، فيبقى حكم الزوجيّة بعدها كما كان
قبلها ، فإذا كانت مدخولاً بها قبل الطلاق ثمّ طلّقها وراجع ثمّ طلّق ، يكون
طلاقها طلاق مدخول بها ، لا طلاق غير مدخول بها؛ نظراً إلى أنّ الرجعة بمنزلة
التزويج الجديد فيكون طلاقها بعده واقعاً على غير مدخول بها؛ لما عرفت من أنّ
الرجعة أسقطت حكم الطلاق ، ولولا ذلك
لم يمكن الطلاق
ثلاثاً وإن فرّق الطلقات على الأطهار من غير دخول والروايات الصحيحة
ناطقة بصحّتها
حينئذٍ ، وكذا فتوى الأصحاب
إلّامن شذّ
وحينئذٍ فيكون
الطلاق الثاني رجعيّاً لا بائناً ، وإن وقع بغير مدخول بها بالنسبة إلى ما بعد
الرجعة ، فإنّها مدخول بها قبلها ، وهو كافٍ.
(وتحتاج)
المطلّقة
مطلقاً (مع
كمال) الطلقات (الثلاث إلى المحلّل)
للنصّ
والإجماع.
ومخالفة من سبق ذكره
في بعض موارده
__________________
غير قادح فيه بوجه.
(ولا
يلزم الطلاق بالشكّ) فيه لتندفع الشبهة الناشئة من احتمال وقوعه ، بل تبقى على حكم الزوجيّة؛ لأصالة
عدمه وبقاء النكاح.
لكن لا يخفى
الوَرَع في ذلك ، فيراجع إن كان الشكّ في طلاق رجعيّ ليكون على يقينٍ من الحلّ ، أو
في البائن بدون ثلاث جدّد النكاح ، أو بثلاث أمسك عنها وطلّقها ثلاثاً لتحلّ لغيره
يقيناً. وكذا يُبنى على الأقلّ لو شُكّ في عدده ، والوَرَع الأكثر.
(ويكره
للمريض الطلاق) للنهي عنه في
الأخبار
المحمولة على
الكراهة جمعاً بينها وبين ما دلّ على وقوعه صريحاً
(فإن
فعل توارثا في) العدّة (الرجعيّة)
من الجانبين
كغيره (وترثه)
هي (في البائن والرجعي
إلى سنة) من حين الطلاق؛
للنصّ والإجماع. وربما عُلّل بالتُهمَة بإرادة إسقاط إرثها ، فيؤاخذ
بنقيض مطلوبه
وهو لا يتمّ
حيث تسأله الطلاق أو تخالعه أو تبارئه.
والأقوى عموم
الحكم؛ لإطلاق النصوص (ما
لم تتزوّج) بغيره (أو
يبرأ من مرضه) فينتفي إرثها بعد العدّة الرجعيّة وإن مات في أثناء السنة.
وعلى هذا لو طلّق
أربعاً في مرضه ثمّ تزوّج أربعاً ودخل بهنّ ومات في السنة مريضاً قبل أن تتزوّج
المطلّقات ، ورث الثمان الثمن أو الربع بالسويّة.
__________________
ولا يرث أزيد من أربع زوجات اتّفاقاً
إلّاهنا. ولا
يلحق الفسخ في المرض بالطلاق ، عملاً بالأصل.
(والرجعة
تكون بالقول ، مثل رجعت وارتجعت) متّصلاً بضميرها ، فيقول : رجعتك وارتجعتك ، ومثله
راجعتك. وهذه الثلاثة صريحة ، وينبغي إضافة
«إليّ» أو «إلى نكاحي). وفي معناها : رددتك وأمسكتك؛ لورودهما في القرآن
قال تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ
فِي ذٰلِكَ)
(فَإِمْسٰاكٌ
بِمَعْرُوفٍ)
ولا يفتقر إلى
نيّة الرجعة؛ لصراحة الألفاظ.
وقيل : يفتقر
إليها في الأخيرين
لاحتمالهما
غيرها كالإمساك باليد أو في البيت ونحوه. وهو حسن.
(وبالفعل
كالوطء والتقبيل واللمس بشهوة) لدلالته على الرجعة كالقول ، وربما كان أقوى منه. ولا
تتوقّف إباحته على تقدّم رجعة؛ لأنّها زوجة. وينبغي تقييده بقصد الرجوع به أو بعدم
قصد غيره؛ لأنّه أعمّ خصوصاً لو وقع منه سهواً. والأجود اعتبار الأوّل.
(وإنكار
الطلاق رجعةٌ) لدلالته على ارتفاعه في الأزمنة الثلاثة ودلالةِ الرجعة على رفعه في غير
الماضي ، فيكون أقوى ، أو دلالته عليها ضمناً. ولا يقدح فيه كون الرجعة من توابع
الطلاق فتنتفي حيث ينتفي المتبوع؛ لأنّ
__________________
غايتها التزام ثبوت النكاح والإنكار يدلّ عليه ، فيحصل المطلوب منها وإن
أنكر سبب شرعيّتها.
(ولو
طلّق الذمّيّة جاز مراجعتها ولو منعنا من ابتداء نكاحها دواماً) لما تقدّم : من أنّ الرجعة ترفع حكم الطلاق ويستصحب حكم
الزوجيّة السابقة
لا أنّها تحدث
حكم نكاح جديد ، ومن ثَمّ أمكن طلاقها ثلاثاً قبل الدخول بعدها استصحاباً لحكم
الدخول السابق ، ولأنّ الرجعيّة زوجة ، ولهذا يثبت لها أحكام الزوجيّة ، ولجواز
وطئه ابتداءً من غير تلفّظ بشيء.
وربما يُخيّل
المنع هنا من حيث إنّ الطلاق أزال قيد النكاح والرجعة تقتضي ثبوته ، فإمّا أن يثبت
بالرجعة عين النكاح الأوّل أو غيره ، والأوّل محال؛ لاستحالة إعادة المعدوم ، والثاني
يكون ابتداءً لا استدامة.
ويُضعَّف بمنع
زوال النكاح أصلاً ، بل إنّما يزول بالطلاق وانقضاء العدّة ، ولم يحصل.
(ولو
أنكرت الدخول عقيب الطلاق) لتمنعه من الرجعة قُدّم قولها و (حلفت) لأصالة عدم الدخول ، كما يُقدّم قوله لو أنكره ليُسقط
عنه نصف المهر.
ثمّ مع دعواه
الدخول يكون مُقرّاً بالمهر وهي مقرّة على نفسها بسقوط نصفه ، فإن كانت قبضته فلا
رجوع له بشيء عملاً بإقراره ، وإلّا فلا تطالبه إلّابنصفه عملاً بإنكارها. ولو
رجعت إلى الإقرار بالدخول لتأخذ النصف ، ففي ثبوته لها أو توقّفه على إقرار جديد
منه ، وجهان ، وأولى بالعدم لو كان رجوعها بعد انقضاء العدّة على تقدير الدخول.
(ورجعة
الأخرس بالإشارة) المفهمة لها (وأخذ
القناع) عن رأسها؛
__________________
لما تقدّم من أنّ وضعه عليه إشارة
الطلاق
وضدّ العلامة
علامة الضدّ. ولا نصّ هنا عليه بخصوصه فلا يجب الجمع بينهما ، بل يكفي الإشارة
مطلقاً.
(ويُقبل
قولها في انقضاء العدّة في الزمان المحتمل) لانقضائها فيه (وأقلّه ستّة وعشرون يوماً ولحظتان) إن كانت معتدّة بالأقراء ، وذلك بأن يطلّق وقد بقي من
الطهر لحظة ، ثمّ تحيض أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ، ثمّ تطهر أقلّ الطهر عشرة ، ثمّ
تحيض وتطهر كذلك ، ثمّ تطعن في الحيض
لحظة.
(و)
هذه اللحظة (الأخيرة دلالة على
الخروج) من العدّة أو
من الطهر الثالث؛ لاستبانته بها (لا
جزء) من العدّة؛
لأنّها ثلاثة قروء وقد انقضت قبلها
فلا تصحّ
الرجعة فيها ويصحّ العقد.
وقيل : هي
منها؛ لأنّ الحكم بانقضائها موقوف على تحقّقها
وهو لا يدلّ
على المدّعى.
هذا إذا كانت
حرّة. ولو كانت أمة فأقلّ عدّتها ثلاثة عشر يوماً ولحظتان. وقد يتّفق نادراً
انقضاؤها في الحرّة بثلاثة وعشرين يوماً وثلاث لحظات ، وفي الأمة بعشرة وثلاث ، بأن
يطلّقها بعد الوضع وقبل رؤية دم النفاس بلحظة ، ثمّ تراه لحظة ، ثمّ تطهر عشرة ، ثمّ
تحيض ثلاثة ، ثمّ تطهر عشرة ، ثمّ ترى الحيض لحظة ، والنفاس معدود بحيضة. ومنه
يُعلم حكم الأمة.
__________________
ولو ادّعت
ولادةَ تامٍّ فإمكانه بستّة أشهر ولحظتين من وقت النكاح : لحظة للوطء ولحظة
للولادة وإن ادّعتها بعد الطلاق بلحظة. ولو ادّعت ولادةَ سقطٍ مصوّر أو مُضغةٍ أو
علقةٍ اعتبر إمكانه عادةً.
وربما قيل : إنّه
مئة وعشرون يوماً ولحظتان في الأوّل ، وثمانون يوماً ولحظتان في الثاني ، وأربعون
كذلك في الثالث
ولا بأس به.
(وظاهر
الروايات أنّه لا يُقبل منها غير المعتاد إلّابشهادة *
أربع
من النساء المطّلعات على باطن أمرها
وهو
قريب) عملاً بالأصل
والظاهر ، واستصحاباً لحكم العدّة ، ولإمكان إقامتها البيّنة عليه.
ووجه المشهور :
أنّ النساء مؤتمنات على أرحامهنّ ولا يُعرف إلّا من جهتهنّ غالباً ، وإقامة
البيّنة عَسِرة على ذلك غالباً ، وروى زرارة
في الحسن عن الباقر عليه السلام. قال : «العدّة والحيض للنساء ، إذا ادّعت صُدّقت»
والأقوى المشهور.
__________________
(الفصل الثالث)
(في العِدد)
جمع عدّة ، وهي
مدّة تتربّص فيها المرأة لتعرف براءة رحمها من الحمل ، أو تعبّداً
و
من الطلاق
والفسخ (إلّافي
الوفاة ، فيجب) على الزوجة مطلقاً الاعتداد (أربعة أشهر وعشرة أيّام إن كانت حرّة) وإن كان زوجها عبداً (ونصفها) شهران وخمسة أيّام (إن كانت أمة) وإن كان زوجها حرّاً على المشهور
ومستنده صحيحة
محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال : «الأمة
إذا توفّي عنها زوجها فعدّتها شهران وخمسة أيّام» .
وقيل : كالحرّة
استناداً إلى عموم الآية
وبعض الروايات
وتخصيصهما
__________________
بغيرها طريق الجمع سواء (دخل
بها أو لا) صغيرة كانت أم كبيرة ولو يائسة ، دائماً كان النكاح أم منقطعاً.
(وفي
باقي الأسباب) الموجبة للفُرقة (تعتدّ
ذات الأقراء) جمع قرء ـ بالفتح والضمّ ـ وهو الطهر أو الحيض (المستقيمة الحيض) بأن يكون لها فيه عادة مضبوطة وقتاً ، سواء انضبط عدداً
أم لا (مع
الدخول) بها المتحقّق
بإيلاج الحشفة ـ أو قدرها من مقطوعها ـ قُبلاً ودبراً على المشهور وإن لم يُنزل (بثلاثة أطهار) أحدها ما بقي من طهر الطلاق بعده وإن قلّ. وغيرُ مستقيمة
الحيض ترجع إلى التمييز ، ثمّ إلى عادة نسائها إن كانت مبتدأة ، ثمّ تعتدّ
بالشهور.
(وذات
الشهور وهي التي لا يحصل لها الحيض المعتاد وهي في سنّ الحيض) سواء كانت مسترابة كما عبّر به كثير
أم انقطع عنها
الحيض لعارض من مرض وحمل ورضاع وغيرها ، تعتدّ (بثلاثة أشهر) هلاليّة إن طلّقها عند الهلال ، وإلّا أكملت المنكسر
ثلاثين بعد الهلالين على الأقوى.
(والأمة)
تعتدّ (بطهرين) إن كانت مستقيمة الحيض (أو خمسة وأربعين يوماً) إن لم تكن.
(ولو
رأت) الحرّة (الدم في الأشهر) الثلاثة (مرّة أو مرّتين) ثمّ احتبس إلى أن انقضت الأشهر (انتظرت تمام الأقراء)
لأنّها قد
استرابت بالحمل غالباً (فإن
تمّت) الأقراء قبل
أقصى الحمل انقضت عدّتها (وإلّإ
__________________
صبرت
تسعة أشهر)
على أشهر
القولين
(أو
سنة) على قول
(فإن
وضعت ولداً أو اجتمعت الأقراء) الثلاثة (فذاك) هو المطلوب في انقضاء العدّة (وإلّا) يتّفق أحد الأمرين (اعتدّت بعدها) أي بعد التسعة أو السنة (بثلاثة أشهر ، إلّاأن يتمّ الأقراء
قبلها) فتكتفي بها.
__________________
وقيل : لا بدّ
من وقوع الثلاثة الأقراء بعد أقصى الحمل كالثلاثة الأشهر .
والأوّل أقوى ،
وإطلاق النصّ
والفتوى يقتضي
عدم الفرق بين استرابتها بالحمل وعدمه في وجوب التربّص تسعة أو سنة ثمّ الاعتداد
بعدها ، حتّى لو كان زوجها غائباً عنها فحكمها كذلك ، وإن كان ظاهر الحكمة يقتضي اختصاصه
بالمسترابة.
واحتمل المصنّف
رحمه الله في بعض تحقيقاته
الاكتفاء
بالتسعة لزوجة الغائب محتجّاً بحصول مسمّى العدّة والدليل في محلّ النزاع ، وهذه
أطول عدّة تُفرض.
والضابط : أنّ
المعتدّة المذكورة إن مضى لها ثلاثة أقراء قبل ثلاثة أشهر انقضت عدّتها بها ، وإن
مضى عليها ثلاثة أشهر لم ترَ فيها دم حيض انقضت عدّتها بها وإن كان لها عادة
مستقيمة فيما زاد عليها بأن كانت ترى الدم في كلّ أربعة أشهر مرّة ، أو ما زاد ، أو
ما نقص بحيث يزيد عن ثلاثة ولو بلحظة. ومتى رأت في الثلاثة دماً ولو قبل انقضائها
بلحظة فحكمها ما فصّل سابقاً من انتظار أقرب الأمرين : من تمام الأقراء ووضع الولد
، فإن انتفيا اعتدّت بعد تسعة أشهر بثلاثة أشهر ، إلّاأن يتمّ لها ثلاثة أقراء
قبلها ولو مبنيّة على ما سبق. ولا فرق بين أن يتجدّد لها دم آخر في الثلاثة أو
قبلها وعدمه.
(وعدّة
الحامل وضع الحمل) أجمع كيف وقع إذا علم أنّه نشوء آدميّ (وإن كان علقة) ووضعته بعد الطلاق بلحظة ، ولا عبرة بالنطفة (في غير
__________________
الوفاة
، وفيها بأبعد الأجلين : من وضعه ومن الأشهر) الأربعة والعشرة الأيّام في الحرّة ، والشهرين والخمسة الأيّام في الأمة.
(ويجب
الحداد على) الزوجة (المتوفّى
عنها) زوجها في جميع
مدّة العدّة (وهو
ترك الزينة : من الثياب والأدهان والطيب والكحل الأسود) والحنّاء ، وخضب الحاجبين بالسواد ، واستعمال الاسفيداج
في الوجه ، وغير
ذلك ممّا يُعدّ زينة عرفاً. ولا يختصّ المنع بلون خاصّ من الثياب ، بل تختلف ذلك
باختلاف البلاد والأزمان والعادات ، فكلّ لونٍ يُعدّ زينة عرفاً يحرم لبس الثوب
المصبوغ به. ولو احتاجت إلى الاكتحال بالسواد لعلّةٍ جاز ، فإن تأدّت الضرورة
باستعماله ليلاً ومسحه نهاراً وجب ، وإلّا اقتصرت على ما تتأدّى به الضرورة. ولا
يحرم عليها التنظيف ولا دخول الحمّام ولا تسريح الشعر ولا السواك ولا قلم الأظفار
ولا السكنى في المساكن العالية ولا استعمال الفُرُش الفاخرة ولا تزيين أولادها
وخدمها. ولا فرق بين الزوجة الكبيرة والصغيرة ، الحامل والحائل إذا كانت حرّة.
(وفي
الأمة قولان
المرويّ)
صحيحاً عن
الباقر عليه السلام (أنّها
لا تحدّ) لأنّه قال :
«إنّ الحرّة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدّة ، إلّاأنّ الحرّة
تحدّ والأمة لا تحدّ»
وهذا هو
الأقوى.
__________________
وذهب الشيخ في
أحد قوليه
وجماعة
إلى وجوب
الحداد عليها؛ لعموم قول النبيّ صلى الله عليه وآله
: «لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّٰه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث
ليال إلّاعلى زوج أربعة أشهر وعشراً»
وفيه مع سلامة
السند : أنّه عامّ وذاك خاصّ ، فيجب التوفيق بينهما بتخصيص العامّ.
ولا حداد على
غير الزوج مطلقاً ، وفي الحديث دلالة عليه ، بل مقتضاه أنّه محرَّم.
والأولى حمله
على المبالغة في النفي أو الكراهة.
(والمفقود
إذا جهل خبره) وكان لزوجته من ينفق عليها وجب عليها التربّص إلى أن يحضر ، أو تثبت وفاته
أو ما يقوم مقامها
(و)
إن (لم يكن له وليّ ينفق
عليها) ولا متبرّع ، فإن
صبرت فلا كلام ، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم بحث عن أمره (وطلب أربع سنين) من حين رفع أمرها إليه في الجهة التي فقد فيها إن كانت
معيَّنة ، وإلّا ففي الجهات الأربع حيث يحتمل الأربع (ثمّ يطلّقها الحاكم) بنفسه أو يأمر الوليّ به. والأجود تقديم أمر الوليّ به ،
فإن امتنع طلّق الحاكم؛ لأنّه مدلول الأخبار الصحيحة
(بعدها)
أي بعد المدّة
ورجوع الرسل أو ما في حكمه (وتعتدّ)
بعده.
__________________
(والمشهور)
بين الأصحاب (أنّها تعتدّ عدّة
الوفاة) وفي خبر سماعة
دلالة عليه؛ لأنّه لم يذكر الطلاق وقال : «بعد مضيّ
أربع سنين أمرها أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً»
وباقي الأخبار
مطلقة ، إلّاأنّ
ظاهرها أنّ العدّة عدّة الطلاق حيث حكم فيها بأ نّه يطلّقها ثمّ تعتدّ. وفي حسنة
بريد دلالة عليه؛ لأنّه قال فيها : «فإن جاء
زوجها قبل أن تنقضي عدّتها فبدا له أن يراجعها فهي امرأته ، وهي عنده على تطليقتين
، وإن انقضت العدّة قبل أن يجيء أو يراجع فقد حلّت للأزواج ولا سبيل للأوّل عليها»
.
وفي الرواية
دلالة على أنّه إذا جاء في العدّة لا يصير أحقّ بها إلّامع الرجعة ، فلو لم يرجع
بانت منه. ووجهه : أنّ ذلك لازم حكم الطلاق الصحيح.
وإنّما نسب المصنّف
القول إلى الشهرة؛ لضعف مستنده
وتظهر الفائدة
في المقدار والحداد والنفقة.
(وتباح)
بعد العدّة (للأزواج) لدلالة الأخبار عليه
ولأنّ ذلك هو
فائدة الطلاق (فإن
جاء) المفقود (في العدّة فهو أملك
بها) وإن حكم بكونها
عدّة وفاة بائنة؛ للنصّ
(وإلّا)
يجئ في العدّة (فلا سبيل له عليها) سواء وجدها قد (تزوّجت) بغيره (أو
لا) أمّا مع
تزويجها فموضع وفاق ، وأمّا
__________________
بدونه فهو أصحّ القولين
وفي الرواية
السابقة
دلالة عليه ، ولأنّ
حكم الشارع بالبينونة بمنزلة الطلاق ، فكيف مع الطلاق! والحكم بالتسلّط بعد قطع
السلطنة يحتاج إلى دليل ، وهو منفيّ.
ووجه الجواز : بطلان
ظنّ وفاته ، فيبطل ما ترتّب عليه. وهو متّجه إن لم نوجب طلاقها بعد البحث ، أمّا
معه فلا.
(وعلى
الإمام أن ينفق عليها من بيت المال طول المدّة) أي مدّة الغيبة إن صبرت ، ومدّة البحث إن لم تصبر. هذا
إذا لم يكن له مال ، وإلّا أنفق الحاكم منه مقدّماً على بيت المال.
(ولو
اُعتقت الأمة في أثناء العدّة أكملت عدّة الحرّة إن كان الطلاق رجعيّاً ، أو عدّة
وفاة) أمّا الأوّل
فلأ نّها في حكم الزوجة وقد اُعتقت. وأمّا الثاني فلرواية أبي بصير عن أبي عبد
اللّٰه عليه السلام
ولو كان بائناً
أتمّت عدّة الأمة؛ للحكم بها ابتداءً ، وصيرورتها بعد العتق
أجنبيّة منه ، فلا
يقدح عتقها في العدّة.
__________________
(والذمّيّة
كالحرّة في الطلاق والوفاة على الأشهر) بل لا نعلم القائل بخلافه. نعم ، روى زرارة في الصحيح عن
الباقر عليه السلام قال : «سألته عن نصرانيّة
كانت تحت نصرانيّ فطلّقها ، هل عليها عدّة مثل عدّة المسلمة؟ فقال : لا ـ إلى قوله
ـ : قلت : فما عدّتها إن أراد المسلم أن يتزوّجها؟ قال : عدّتها عدّة الأمة ، حيضتان
أو خمسة وأربعون يوماً ...» الحديث
والعمل على
المشهور. و
تظهر فائدة
الخلاف لو جعلنا عدّة الأمة في الوفاة نصف عدّة الحرّة كما سلف
ولو جعلناها
كالحرّة فلا إشكال هنا في عدّة الوفاة للذمّيّة ، ويبقى الكلام مع الطلاق.
(وتعتدّ
اُمّ الولد من وفاة زوجها) لو كان مولاها قد زوّجها من غيره بعد أن صارت اُمّ ولده (أو) من وفاة (سيّدها) لو لم يكن حين وفاته مزوّجاً لها (عدّة الحرّة) لرواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السلام في الأمة
يموت سيّدها ، قال : «تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها»
.
وقيل : لا عدّة
عليها من وفاة سيّدها؛ لأنّها ليست زوجة كغيرها من إمائه الموطوءات من غير ولد ، فإنّ
عدّتهنّ من وفاة المولى الواطئ قرء واحد .
وهذا القول
ليس ببعيد لمن
لم يعمل بالخبر الموثَّق ، فإنّ خبر إسحاق
__________________
كذلك. والأجود الأوّل.
ولو مات سيّدها
وهي مزوّجة من غيره فلا عدّة عليها قطعاً ولا استبراء ، وكذا لو مات سيّدها قبل
انقضاء عدّتها. أمّا لو مات بعدها وقبل دخوله ففي اعتدادها منه أو استبرائها نظر :
من إطلاق النصّ
باعتداد اُمّ
الولد من سيّدها ، وانتفاء حكمة العدّة والاستبراء ، لعدم الدخول ، وسقوط حكم
السابق
بتوسّط التزويج
(ولو
أعتق السيّد أمته) الموطوءة سواء كانت اُمّ ولد أم لا (فثلاثة *
أقراء)
لوطئه إن كانت
من ذوات الحيض ، وإلّا فثلاثة أشهر.
(ويجب
الاستبراء) للأمة (بحدوث
الملك) على المتملّك ،
(وزواله)
على الناقل
بأيّ وجه كان من وجوه الملك إن كان قد وطئ (بحيضة) واحدة (إن
كانت تحيض ، أو بخمسة وأربعين يوماً إذا كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض **
).
والمراد
بالاستبراء ترك وطئها قبلاً ودبراً في المدّة المذكورة ، دون غيره من وجوه
الاستمتاع ، وقد تقدّم البحث في ذلك مستوفى
وما يسقط معه
الاستبراء في باب البيع ، فلا حاجة إلى الإعادة في الإفادة.
__________________
(الفصل الرابع)
(في الأحكام)
(يجب
الإنفاق) على الزوجة (في العدّة الرجعيّة
كما
كان في صُلب النكاح) شروطاً وكمّيّةً وكيفيّةً (ويحرم عليها الخروج من منزل الطلاق) وهو المنزل الذي طلّقت وهي فيه إذا كان مسكن أمثالها وإن
لم يكن مسكنها الأوّل ، فإن كان دون حقّها فلها طلب المناسب ، أو فوقه فله ذلك.
وإنّما يحرم الخروج مع الاختيار.
ولا فرق بين
منزل الحضريّة والبدويّة والبرّيّة والبحريّة ، ولو اضطرّت إليه لحاجة خرجت بعد
انتصاف الليل وعادت قبل الفجر مع تأدّيها بذلك ، وإلّا خرجت بحسب الضرورة. ولا فرق
في تحريم الخروج بين اتّفاقهما عليه وعدمه على الأقوى؛ لأنّ ذلك حقّ اللّٰه
تعالى وقد قال تعالى : (لاٰ
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاٰ يَخْرُجْنَ)
بخلاف زمن
الزوجيّة ، فإنّ الحقّ لهما. واستقرب في التحرير جوازه بإذنه
وهو بعيد.
__________________
ولو لم تكن
حالَ الطلاق في مسكن وجب العود إليه على الفور ، إلّاأن تكون في واجب كحجّ فتتمّه
كما يجوز لها ابتداؤه. ولو كانت في سفر مباح أو مندوب ، ففي وجوب العود إن أمكن
إدراكها جزءاً من العدّة ، أو مطلقاً أو تتخيّر بينه وبين الاعتداد في السفر ، أوجه
: من إطلاق النهي عن الخروج من بيتها فيجب عليها تحصيل الكون به ، ومن عدم صدق
النهي هنا لأنّها غير مستوطنة ، وللمشقّة في العود وانتفاء الفائدة حيث لا تدرك
جزءاً من العدّة. كلّ ذلك مع إمكان الرجوع وعدم الضرورة إلى عدمه.
(و)
كما يحرم عليها
الخروج (يحرم
عليه الإخراج) لتعلّق النهي بهما في الآية (إِلاّٰ أَنْ يَأْتِينَ
بِفٰاحِشَةٍ) مبيّنة (يجب
بها الحدّ ، أو تؤذي أهله) بالقول أو الفعل ، فتُخرج في الأوّل لإقامته ثمّ تردّ
إليه عاجلاً ، وفي الثاني تخرج إلى مسكن آخر يناسب حالها من غير عود إن لم تتب ، وإلّا
فوجهان ، أجودهما جواز إبقائها في الثاني؛ للإذن في الإخراج معها مطلقاً ، ولعدم
الوثوق بتوبتها؛ لنقصان عقلها ودينها. نعم يجوز الردّ ، فإن استمرّت عليها وإلّا
اُخرجت ، وهكذا ...
واعلم أنّ
تفسير الفاحشة في العبارة بالأوّل هو ظاهر الآية
ومدلولها لغة [مع]
ما هو أعمّ منه. وأمّا الثاني ففيه روايتان مرسلتان
والآية غير
ظاهرة
__________________
فيه ، لكنّه مشهور بين الأصحاب. وتردّد في المختلف
لما ذكرناه ، وله
وجه.
(ويجب
الإنفاق في) العدّة (الرجعيّة
على الأمة) كما يجب على الحرّة (إذا
أرسلها مولاها ليلاً ونهاراً) ليتحقّق به تمام التمكين ، كما يشترط ذلك في وجوب
الإنفاق عليها قبل الطلاق. فلو منعها ليلاً أو نهاراً أو بعض واحد منهما فلا نفقة
لها ولا سكنى ، لكن لا يحرم عليه إمساكها نهاراً للخدمة وإن توقّفت عليه النفقة ، وإنّما
يجب عليه إرسالها ليلاً ، وكذا الحكم قبل الطلاق.
(ولا
نفقة للبائن) طلاقها (إلّاأن
تكون حاملاً) فتجب لها النفقة والسُكنى حتّى تضع؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ
كُنَّ أُولاٰتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ)
ولا شبهة في
كون النفقة بسبب الحمل ، لكن هل هي له أو لها؟ قولان أشهرهما الأوّل
للدوران وجوداً
وعدماً كالزوجيّة.
ووجه الثاني أنّها
لو كانت للولد لسقطت عن الأب بيساره كما لو ورث أخاه لأبيه وأبوه قاتل لا يرث ولا
وارث غير الحمل ، ولوجبت على الجدّ مع فقر الأب ، لكن التالي فيهما باطل فالمقدّم
مثله. واُجيب بمنع بطلانه فيهما .
وتظهر فائدة
القولين في مواضع :
منها : إذا
تزوّج الحرّ أمةً شرط مولاها رقّ الولد وجوّزناه. وفي العبد إذا
__________________
تزوّج أمة أو حرّة وشرط مولاه الانفراد برقّ الولد ، فإن جعلناها للحمل فلا
نفقة على الزوج. أمّا في الأوّل فلأ نّه ملك لغيره ، وأمّا في الثاني فلأنّ العبد
لا يجب عليه نفقة أقاربه. وإن جعلناها للحامل وجبت ، وهو في الأوّل ظاهر ، وفي
الآخر في كسب العبد أو ذمّة مولاه ، على الخلاف.
وتظهر الفائدة
أيضاً فيما لو كان النكاح فاسداً والزوج حرّاً ، فمن جعل النفقة لها نفاها هنا؛ إذ
لا نفقة للمعتدّة عن غير نكاح له حرمة ، ومن جعلها للحمل فعليه؛ لأنّها نفقة ولده.
(ولو
انهدم المسكن) الذي طلّقت فيه (أو
كان مستعاراً ، فرجع مالكه) في العارية (أو مستأجراً انقضت مدّته ، أخرجها إلى
مسكن يناسبها) ويجب تحرّي الأقرب إلى المنتقل عنه فالأقرب ، اقتصاراً على موضع الضرورة.
وظاهره
كغيره
أنّه لا يجب
تجديد استئجاره ثانياً وإن أمكن. وليس ببعيد وجوبه مع إمكانه ، تحصيلاً للواجب
بحسب الإمكان. وقد قطع في التحرير بوجوب تحرّي الأقرب
وهو الظاهر ، فتحصيل
نفسه أولى.
(وكذا
لو طلّقت في مسكن لا يناسبها أخرجها إلى مسكن مناسب) متحرّياً للأقرب فالأقرب ، كما ذكر
(ولو
مات فورث المسكن جماعة لم يكن
__________________
لهم
قسمته) حيث ينافي
القسمة سكناها؛ لسبق حقّها إلّامع انقضاء عدّتها.
هذا (إذا كانت حاملاً
وقلنا : لها السكنى) مع موته كما هو أحد القولين في المسألة . وأشهر الروايتين
أنّه لا نفقة
للمتوفّى عنها ولا سكنى مطلقاً ، فيبطل حقّها من المسكن. وجمع في المختلف بين
الأخبار بوجوب نفقتها من مال الولد لا من مال المتوفّى
(وإلّا)
تكن حاملاً أو
قلنا : لا سكنى للحامل المتوفّى عنها (جازت القسمة) لعدم المانع منها حينئذٍ.
(وتعتدّ
زوجة الحاضر من حين السبب) الموجب للعدّة من طلاق أو فسخ وإن لم تعلم به (وزوجة الغائب في
الوفاة من حين بلوغ الخبر) بموته وإن لم يثبت شرعاً ، لكن لا يجوز لها التزويج
إلّابعد ثبوته (وفي
الطلاق من حين الطلاق) والفرق مع النصّ
ثبوت الحداد
على المتوفّى عنها ، ولا يتمّ إلّامع بلوغها الخبر بموته ، بخلاف الطلاق ، فعلى
هذا لو لم يبلغها الطلاق إلّابعد مضيّ مقدار العدّة جاز لها التزويج بعد ثبوته ، بخلاف
المتوفّى عنها.
__________________
وقيل : تشتركان
في الاعتداد من حين بلوغ الخبر
وبه روايات
والأشهر الأوّل
، ولو لم نوجب الحداد على الأمة فهي كالمطلّقة ، عملاً بالعلّة المنصوصة .
* * *
__________________
كتاب الخلع والمبارة
(كتاب الخلع
والمباراة)
وهو طلاق بعوض
مقصود ، لازم لجهة الزوج ، ويفترقان باُمورٍ تأتي. والخلع بالضمّ اسم لذلك مأخوذ
منه بالفتح ، استعارة من خلع الثوب وهو نزعه؛ لقوله تعالى : (هُنَّ
لِبٰاسٌ لَكُمْ) .
(وصيغة
الخلع أن يقول) الزوج : (خلعتكِ
* على كذا ، أو أنت مختلعة) على كذا أو خلعت فلانة أو هي مختلعة على كذا (ثمّ يتبعه بالطلاق) على الفور ويقول
بعد ذلك : فأنت
طالق (في
القول الأقوى
لرواية موسى
ابن بكر
عن الكاظم عليه
السلام قال : «المختلعة يتبعها بالطلاق ما دامت
في عدّتها» .
__________________
وقيل : يقع
بمجرّده من غير إتباعه به ، ذهب إليه المرتضى
وابن الجنيد
وتبعهما
العلّامة في المختلف والتحرير
والمصنّف في
شرح الإرشاد
لصحيحة محمّد
بن إسماعيل
بن بزيع أنّه
قال للرضا عليه السلام في حديث : «قد روي أنّها لا
تبين حتّى يتبعها بالطلاق؛ قال : ليس ذلك إذن خلع
فقلت : تبين منه؟ قال : نعم»
وغيرها من
الأخبار
والخبر السابق
ضعيف السند
مع إمكان حمله
على الأفضليّة. ومخالفته لمذهب العامّة فيكون أبعد عن التقيّة ـ مع تسليمه ـ لا
يكفي في المصير إليه وترك الأخبار الصحيحة وهو على ما وصفناه ، فالقول الثاني
أصحّ.
__________________
ثمّ إن اعتبرنا
إتباعه بالطلاق فلا شبهة في عدّه طلاقاً ، وعلى القول الآخر هل يكون فسخاً ، أو
طلاقاً؟ قولان أصحّهما الثاني
لدلالة الأخبار
الكثيرة
عليه ، فيُعدّ
فيها ويفتقر إلى المحلِّل بعد الثلاث
وعلى القولين
لا بدّ من قبول المرأة عقيبه بلا فصل معتدّ به ، أو تقدّم سؤالها له قبله كذلك.
(ولو
أتى بالطلاق مع العوض) فقال : «أنتِ طالق على كذا» مع سبق سؤالها له أو مع قبولها بعده كذلك (اُغني عن لفظ الخلع)
وأفاد فائدته
ولم يفتقر إلى ما يفتقر إليه الخلع من كراهتها له خاصّة؛ لأنّه طلاق بعوض لا خلع.
(وكلّ
ما صحّ أن يكون مهراً) من المال المعلوم والمنفعة والتعليم وغيرها
(صحّ
أن يكون فدية) في الخلع (ولا
تقدير فيه) أي في المجعول فدية في طرف الزيادة والنقصان بعد أن يكون متموّلاً (فيجوز على أزيد ممّا
وصل إليها منه) من مهر وغيره؛ لأنّ الكراهة منها ، فلا يتقدّر عليها في جانب الزيادة.
(ويصحّ
بذل الفدية منها ومن وكيلها) الباذل له من مالها (وممّن يضمنه) في ذمّته (بإذنها) فيقول للزوج : طلّق زوجتك على مئة وعليَّ ضمانها. والفرق
بينه وبين الوكيل : أنّ الوكيل يبذل من مالها بإذنها ، وهذا من ماله بإذنها.
وقد يشكل هذا
بأ نّه ضمان ما لم يجب. لكن قد وقع مثله صحيحاً فيما لو قال راكب البحر لذي المتاع
: «ألقِ متاعك في البحر وعليَّ ضمانه» وفي
__________________
ضمان ما يُحدثه المشتري من بناء أو غرس على قول
وفي أخذ الطبيب
البراءة قبل الفعل.
(وفي)
صحّته من (المتبرّع) بالبذل من ماله (قولان أقربهما المنع ) لأنّ الخلع من عقود المعاوضات فلا يجوز لزوم العوض لغير
صاحب المعوَّض كالبيع؛ ولأ نّه تعالى أضاف الفدية إليها في قوله : (فَلاٰ
جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا اِفْتَدَتْ بِهِ)
وبذل الوكيل
والضامن بإذنها كبذلها ، فيبقى المتبرّع على أصل المنع ، ولأصالة بقاء النكاح إلى
أن يثبت المزيل ، ولو قلنا بمفهوم الخطاب فالمنع أوضح ، وحينئذٍ فلا يملك الزوج
البذل ، ولا يقع الطلاق إن لم يتبع به ، فإن اُتبع به كان رجعيّاً.
ووجه الصحّة : أنّه
افتداء وهو جائز من الأجنبيّ ، كما تقع الجعالة منه على الفعل لغيره وإن كان
طلاقاً.
والفرق بين
الجعالة والبذل تبرّعاً : أنّ المقصود من البذل جعل الواقع خلعاً ليترتّب عليه
أحكامه المخصوصة ، لا مجرّد بذل المال في مقابلة الفعل ، بخلاف الجعالة ، فإنّ
غرضه وقوع الطلاق بأن يقول : «طلّقها وعليَّ ألف» ولا مانع من
__________________
صحّته حتّى لا يشترط في إجابته الفوريّة والمقارنة لسؤاله ، بخلاف الخلع.
ولو قلنا بصحّته من الأجنبيّ فهو خلع لفظاً وحكماً ، فللأجنبيّ أن يرجع في البذل
ما دامت في العدّة فللزوج حينئذٍ أن يرجع في الطلاق ، وليس للزوجة هنا رجوع في
البذل؛ لأنّها لا تملكه ، فلا معنى لرجوعها فيه. ويحتمل عدم جواز الرجوع هنا
مطلقاً
اقتصاراً فيما
خالف الأصل على موضع اليقين ، وهو رجوع الزوجة فيما بذلته خاصّة.
وفي معنى
التبرّع ما لو قال : طلّقها على ألف من مالها وعليَّ ضمانها ، أو على عبدها هذا
كذلك ، فلا يقع الخلع ولا يضمن؛ لأنّه ضمان ما لم يجب وإن جاز (ألقِ متاعك في البحر
وعليَّ ضمانه) لمسيس الحاجة بحفظ النفس ثَمَّ دون هذا ، أو للاتّفاق على ذاك على خلاف الأصل
، فيقتصر عليه.
(ولو
تلف العوض) المعيّن المبذول (قبل
القبض فعليها ضمانه ، مثلاً) أي بمثله إن كان مثليّاً (أو قيمةً) إن كان قيميّاً ، سواء أتلفته باختيارها أم تلف بآفة من
اللّٰه تعالى أم أتلفه أجنبيّ ، لكن في الثالث يتخيّر الزوج بين الرجوع
عليها وعلى الأجنبيّ ، وترجع هي على الأجنبيّ لو رجع عليها إن أتلفه بغير إذنها ، ولو
عاب فله أرشه (وكذا)
تضمن مثله أو
قيمته (لو
ظهر استحقاقه) لغيرها ولا يبطل الخلع؛ لأصالة الصحّة ، والمعاوضة هنا ليست حقيقيّة كما في
البيع ، فلا يؤثّر بطلان العوض المعيّن في بطلانه ، بل ينجبر بضمانها المثل أو
القيمة.
ويشكل مع علمه
باستحقاقه حالة الخلع؛ لقدومه على معاوضة فاسدة إن لم يُتبعه بالطلاق ، ومطلقاً من
حيث إنّ العوض لازم لماهيّته ، وبطلان اللازم يستلزم بطلان الملزوم. والمتّجه
البطلان مطلقاً إن لم يتبعه بالطلاق ، وإلّا وقع رجعيّاً.
__________________
(ويصحّ
البذل من الأمة بإذن المولى) فإن أذن في عين من أعيان ماله تعيّنت ، فإن زادت عنها
شيئاً من ماله وقف على إجازته ، فإن ردّ بطل فيه. وفي صحّة الخلع ـ ويلزمها مثله
أو قيمته تتبع به بعد العتق ـ أو بطلانه الوجهان. وكذا لو بذلت شيئاً من ماله ولم
يُجزه ، ولو أجاز فكالإذن المبتدأ.
وإن أذن في
بذلها في الذمّة أو من ماله من غير تعيين (فإن عيّن قدراً) تعيّن وكان الحكم مع تخطّيه ما سبق (وإلّا) يُعيّن قدراً (انصرف) إطلاق الإذن (إلى) بذل (مهر
المثل) كما ينصرف
الإذن في البيع إلى ثمن المثل ، نظراً إلى أنّه في معنى المعاوضة وإن لم تكن
حقيقيّة ، ومهر المثل عوض البُضع فيحمل الإطلاق عليه (ولو لم يأذن) لها في البذل مطلقاً (صحّ) الخلع في ذمّتها دون كسبها و (تبعت به بعد العتق) كما لو عاملها بإقراض وغيره. ولا إشكال هنا وإن علم
بالحال؛ لأنّ العوض صحيح متعلّق بذمّتها وإن امتنع قبضه حالّاً خصوصاً مع علمه
بالحكم؛ لقدومه عليه ، وثبوت العوض في الجملة. بخلاف بذل العين حيث لا يصحّ؛ لخلوّ
الخلع عن العوض. ولو بذلت مع الإطلاق أزيد من مهر المثل فالزائد كالمبتدأ بغير
إذن.
(والمكاتبة
المشروطة كالقنّ) فيتعلّق البذل بما في يدها مع الإذن ، وبذمّتها مع عدمه إن كان مطلقاً ، وإن
كان معيّناً ولم يُجز المولى بطل. وفي صحّة الخلع ولزوم المثل أو القيمة تتبع به
الوجهان (أمّا)
المكاتبة (المطلقة فلا اعتراض
عليها) للمولى مطلقاً
، هكذا أطلق الأصحاب
تبعاً للشيخ
رحمه الله .
وفي الفرق نظر؛
لما اتّفقوا عليه في باب الكتابة : من أنّ المكاتب مطلقاً
__________________
ممنوع من التصرّف المنافي للاكتساب ومسوَّغ فيه من غير فرق بينهما ، فالفدية
إن كانت غير اكتساب ـ كما هو الظاهر؛ لأنّ العائد إليها البضع وهو غير مال ـ لم
يصحّ فيهما ، وإن اعتبر كونه معاوضة وأ نّه كالمال من وجه وجب الحكم بالصحّة فيهما
، والأصحاب لم ينقلوا في ذلك خلافاً. لكن الشيخ رحمه الله في المبسوط حكى في
المسألة أقوالاً : الصحّة مطلقاً ، والمنع مطلقاً ، واختار التفصيل وجعله الموافق
لاُصولنا وتبعه الجماعة.
والظاهر أنّ
الأقوال التي نقلها للعامّة ، كما هي عادته. فإن لم تكن المسألة إجماعيّة فالمتّجه
عدم الصحّة فيهما إلّابإذن المولى.
(ولا
يصحّ الخلع إلّامع كراهتها *) له (فلو)
طلّقها
والأخلاق ملتئمة و (لم
تكره بطل البذل ووقع الطلاق رجعيّاً) من حيث البذل ، وقد يكون بائناً من جهة اُخرى ، ككونها
غير مدخول بها ، أو كون الطلقة ثالثة (ولو أكرهها على الفدية فعل حراماً) للإكراه بغير حقّ (ولم يملكها بالبذل) لبطلان تصرّف المكرَه إلّاما استثني
(وطلاقها
رجعيّ) من هذه الجهة؛
لبطلان الفدية ، فلا ينافي كونه بائناً من جهة اُخرى إن اتّفقت.
(نعم
لو أتت بفاحشة) مبيّنة ، وهي الزنا ، وقيل : ما يوجب الحدّ مطلقاً
وقيل : كلّ
معصية (جاز عَضْلُها) وهو منعها بعض حقوقها أو جميعها من غير
__________________
أن يفارقها (لتفتدي
نفسها) لقوله تعالى
: (وَلاٰ تَعْضُلُوهُنَّ
لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مٰا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّٰ أَنْ يَأْتِينَ
بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)
والاستثناء من
النهي إباحة؛ ولأ نّها إذا زنت لم يؤمن أن تلحق به ولداً من غيره وتفسد فراشه ، فلا
تقيم حدود اللّٰه تعالى في حقّه فتدخل في قول اللّٰه تعالى : (فَإِنْ
خِفْتُمْ أَلاّٰ يُقِيمٰا حُدُودَ اَللّٰهِ فَلاٰ
جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا اِفْتَدَتْ بِهِ) .
وقيل : لا يصحّ
ذلك ولا يستبيح المبذول مع العضل؛ لأنّه في معنى الإكراه ، ولقوله تعالى : (فَإِنْ
طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)
والمشروط عدم
عند عدم شرطه .
وقيل
: إنّ الآية
الاُولى
منسوخة بآية
الحدّ ولم يثبت؛ إذ لا منافاة بينهما ، والأصل عدم النسخ. وعلى
الأوّل هل يتقيّد جواز العضل ببذل ما وصل إليها منه من مهر وغيره فلا يجوز الزيادة
عليه ، أم لا يتقيّد إلّابرضاه؟ اختار المصنّف الأوّل
حذراً من الضرر
العظيم ، واستناداً إلى قول النبيّ صلى الله عليه وآله لجميلة بنت
__________________
عبد اللّٰه بن اُبيّ لمّا كرهت زوجها ثابتَ بن قيس وقال
لها : (أتردّين عليه حديقته؟) قالت : وأزيده : (لا ، حديقته فقط)
.
ووجه الثاني
إطلاق الاستثناء
الشامل للزائد
، وعدّ الأصحاب
مثل هذا خلعاً
، وهو غير مقيّد.
وفيه نظر؛ لأنّ
المستثنى منه إذهاب بعض ما أعطاها ، فالمستثنى هو ذلك البعض ، فيبقى المساوي
والزائد على أصل المنع ، فإن خرج المساوي بدليل آخر بقي الزائد. وإطلاق الخلع عليه
محلّ نظر؛ لأنّها ليست كارهة أو
الكراهة غير
مختصّة بها بحسب الظاهر. وذكرها في باب الخلع لا يدلّ على كونها منه.
(وإذا
تمّ الخلع فلا رجعة للزوج) قبل رجوعها في البذل (وللزوجة الرجوع
* في
البذل ما دامت في العدّة) إن كانت ذات عدّة ، فلو خرجت عدّتها أو لم يكن لها عدّة
ـ كغير المدخول بها والصغيرة واليائسة ـ فلا رجوع لها مطلقاً (فإذا رجعت) هي حيث يجوز لها الرجوع صار الطلاق رجعيّاً يترتّب عليه
أحكامه من النفقة وتحريم الاُخت والرابعة و (رجع هو إن شاء) ما دامت العدّة
__________________
باقية ولم يمنع من رجوعه مانع كما لو تزوّج باُختها ، أو رابعة قبل رجوعها
إن جوّزناه. نعم لو طلّقها
بائناً في
العدّة جاز له الرجوع حينئذٍ فيها؛ لزوال المانع.
ولو كان الطلاق
بائناً مع وجود العدّة ـ كالطلقة الثالثة ـ ففي جواز رجوعها في العدّة وجهان : من
إطلاق الإذن فيه المتناول له ، ومن أنّ جواز رجوعها في البذل مشروط بإمكان رجوعه
في النكاح بالنظر إلى الخلع ، لا بسبب أمر خارجي يمكن زواله كتزويجه باُختها؛ ولأ
نّه برجوعها يصير الطلاق رجعيّاً ، وهذا لا يمكن أن يكون رجعيّاً.
ولا يخفى أنّ
هذين مصادرة على المطلوب. لكنّ المشهور المنع.
والوجهان آتيان
فيما لو رجعت ولمّا يعلم حتّى خرجت العدّة حيث يمكنه الرجوع لو علم ، من إطلاق
الإذن لها في الرجوع ، ولزوم الإضرار به.
والأقوى الجواز
هنا؛ للإطلاق ، ولأنّ جواز رجوعه مشروط بتقدّم رجوعها ، فلا يكون شرطاً فيه ، وإلّا
دار والإضرار حصل باختياره حيث أقدم على ذلك ، مع أنّ له
طريقاً إلى الرجعة في الأوقات المحتملة إلى آخر جزءٍ من العدّة.
(ولو
تنازعا في القدر) أي قدر الفدية (حلفت)
لأصالة عدم
زيادتها عمّا تعترف به منها (وكذا)
يقدّم قولها مع
اليمين (لو
تنازعا في الجنس) مع
__________________
اتّفاقهما على القدر ، بأن اتّفقا على أنّها مئة لكن ادّعى أنّها دنانير
وادّعت أنّها دراهم؛ لأصالة عدم استحقاق ما يدّعيه ، ولأ نّه مدّعٍ فعليه البيّنة
، فتحلف يميناً جامعة بين نفي ما يدّعيه وإثبات ما تدّعيه فينتفي مدّعاه. وليس له
أخذ ما تدّعيه؛ لاعترافه بأ نّه لا يستحقّه. وينبغي جواز أخذه مقاصّة ، لا أصلاً.
ويحتمل
تحالفهما؛ لأنّ كلّاً منهما منكر لما يدّعيه صاحبه ، وهي قاعدة التحالف
وحينئذٍ فيسقط
ما تداعياه بالفسخ أو الانفساخ ، ويثبت مهر المثل ، إلّاأنّ أصحابنا أعرضوا عن هذا
الاحتمال رأساً ، ومخالفونا جزموا به .
(أو
الإرادة) مع اتّفاقهما
عليها بأن اتّفقا على ذكر القدر وعدم ذكر الجنس لفظاً ، وعلى إرادة جنس معيّن ، لكن
اختلفا في الجنس المراد. وإنّما كان القول قولها فيها؛ لأنّ الاختلاف في إرادتها
ولا يُطّلع عليها إلّامن قبلها ، فيقدّم قولها فيها.
ويُشكل بأنّ
المعبتر إرادتهما معاً للجنس المعيّن ، ولا تكفي إرادتها خاصّة ، وإرادة كلّ منهما
لا يُطّلع عليها إلّامن قبله. ولو عُلّل بأنّ الإرادة إذا كانت كافية عن ذكر الجنس
المعيّن كان الاختلاف فيها اختلافاً في الجنس المعيّن ، فتقديم قولها من هذه
الحيثيّة ، لا من جهة تخصيص الإرادة.
وقال الشيخ : يبطل
الخلع هنا
مع موافقته على
السابق. وللقول بالتحالف هنا وجه كالسابق.
__________________
ولو كان
اختلافهما في أصل الإرادة مع اتّفاقهما على عدم ذكر الجنس ، فقال أحدهما : أردنا
جنساً معيّناً ، وقال الآخر : إنّا لم نرد بل أطلقنا ، رجع النزاع إلى دعوى الصحّة
والفساد. ومقتضى القاعدة تقديم مدّعيها منهما مع يمينه.
ويحتمل تقديم
منكرها والبطلان؛ لأصالة عدمها
وهو ظاهر
القواعد
وتقديمُ قول
المرأة؛ لرجوع النزاع إلى إرادتها كما مرّ
وهو ظاهر
التحرير
وفيه ما ذكر .
(ولو
قال : خلعتكِ على ألف في ذمّتكِ ، فقالت : بل في ذمّة زيد ، حلفت على الأقوى) لأنّه مدّعٍ وهي منكرة لثبوت شيءٍ في ذمّتها فكانت
اليمين عليها. وقال ابن البرّاج : عليه اليمين
لأنّ الأصل في
مال الخلع أن يكون في ذمّتها ، فإذا ادّعت كونه في ذمّة غيرها لم تُسمع؛ لأصالة
عدم انتقاله عن ذمّتها. وعلى الأوّل لا عوض عليها ولا على زيد إلّاباعترافه ، وتبين
منه بمقتضى دعواه.
ومثله ما لو قالت
: «بل خالعك فلان والعوض عليه» ، لرجوعه إلى إنكارها الخلع من قِبَلها. أمّا لو
قالت : «خالعتك على ألف ضَمِنها فلان عنّي» أو «دفعتها» أو «أبرأتني» ونحو ذلك
فعليها المال مع عدم البيّنة.
__________________
(والمباراة)
وأصلها
المفارقة ، قال الجوهري : تقول : بارأت شريكي إذا فارقته ، وبارأ الرجل امرأته
وهي (كالخلع) في الشرائط والأحكام (إلّاأ نّها) تفارقه في اُمور :
منها : أنّها (تترتّب على كراهية) كلّ من (الزوجين) لصاحبه ، فلو كانت الكراهة من أحدهما خاصّة أو خالية
عنهما لم تصحّ بلفظ المباراة. وحيث كانت الكراهة منهما (فلا تجوز الزيادة) في الفدية (على ما أعطاها) من المهر ، بخلاف الخلع حيث كانت الكراهة منها فجازت
الزيادة. ونبّه بالفاء على كون هذا الحكم مترتّباً
على الكراهة
منهما وإن كان حكماً آخر يحصل به الفرق بينها وبين الخلع.
(و)
منها : أنّه (لا بدّ فيها من
الإتباع بالطلاق) على المشهور ، بل لا نعلم فيه مخالفاً ، وادّعى جماعة أنّه إجماع
(ولو
قلنا في الخلع : لا يجب(
__________________
إتباعه بالطلاق. وروي أنّها لا تفتقر أيضاً إلى الإتباع
وربما كان به
قائل؛ لأنّ الشيخ رحمه الله نسب في كتابي الحديث القول بلزوم إتباعها بالطلاق إلى
المحصّلين من أصحابنا
وهو يدلّ
بمفهومه على مخالف منهم غير محصِّل. والمحقّق في النافع نسبه إلى الشهرة
وكيف كان
فالعمل به متعيّن.
وصيغتها : بارأتك
ـ بالهمزة ـ على كذا فأنت طالق.
ومنها : أنّ
صيغتها لا تنحصر في لفظها ، بل تقع بالكنايات الدالّة عليها ، كفاسختكِ على كذا ، وأبنتكِ
، وبتتّكِ؛ لأنّ البينونة تحصل بالطلاق وهو صريح ، بخلاف الخلع على القول المختار
فيه وينبغي على القول بافتقاره إلى الطلاق أن يكون
كالمباراة.
(ويشترط
في الخلع والمباراة شروط الطلاق) من كمال الزوج ، وقصده واختياره ، وكون المرأة طاهراً
طهراً لم يقربها فيه بجماع إن كانت مدخولاً بها حائلاً غير يائسة والزوج حاضر أو
في حكمه ، وغيرها من الشروط.
* * *
__________________
كتاب الظهار
(كتاب الظهار)
وهو فِعال من
الظهر ، اختصّ به الاشتقاق؛ لأنّه محلّ الركوب في المركوب. والمراد به هنا تشبيه
المكلَّف من يملك نكاحها بظهرِ محرّمة عليه أبداً بنسب أو رضاع ، قيل : أو مصاهرة .
وهو محرَّم وإن
ترتّبت عليه الأحكام؛ لقوله تعالى : (وَإِنَّهُمْ
لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ اَلْقَوْلِ وَزُوراً) .
لكن قيل : إنّه
لا عقاب فيه
لتعقّبه بالعفو
ويضعَّف بأ نّه وصف مطلق ، فلا يتعيّن كونه عن هذا الذنب
المعيّن.
(وصيغته
: هي) أو أنتِ أو هذه
أو فلانة عليَّ ونحوه أو محذوف الصلة
(كظهر
اُمّي أو اُختي أو ابنتي) أو غيرهنّ من المحرّمات (ولو من
__________________
الرضاع
على الأشهر) في الأمرين ، وهما : وقوعه بتعليقه بغير الاُمّ من المحارم النسبيّات ، ومحرّمات
الرضاع مطلقاً.
ومستند عموم
الحكم في الأوّل
ـ مع أنّ ظاهر
الآية وسبب الحكم
تعلّقه بالاُمّ
ـ صحيحتا زرارة وجميل
عن الباقر
والصادق عليهما السلام الدالّتان عليه صريحاً ، ولا شاهد للمخصّص بالاُمّ النسبيّة
في قوله تعالى : (مٰا هُنَّ أُمَّهٰاتِهِمْ)
لأنّه لا ينفي
غير الاُمّ ونحن نُثبت غيرها بالأخبار الصحيحة لا بالآية ، ولا في صحيحة
سيف
التمّار عن
الصادق عليه السلام «قال : قلت له : الرجل يقول
لامرأته : أنتِ عليَّ كظهر اُختي أو عمّتي أو خالتي ، فقال : إنّما ذكر
اللّٰه تعالى الاُمّهات وإنّ هذا لحرام»
لأنّ عدم ذكره
لغيرهنّ لا يدلّ على الاختصاص. ولا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة أو الخطاب؛
لأنّه أجاب بالتحريم. ولعلّ السائل استفاد مقصوده منه؛ إذ ليس في السؤال ما يدلّ
على موضع حاجته.
ومستند عمومه
في الثاني
قوله صلى الله
عليه وآله : «يحرم من الرضاع ما يحرم
__________________
من النسب «
وقول الباقر
عليه السلام في صحيحة زرارة : (هو من كلّ
ذي محرم : اُمّاً أو اُختاً
أو عمّة أو خالة) ... الحديث
و (كلّ) من ألفاظ العموم
يشمل المحرَّمة
رضاعاً ، و (من) في الخبر
تعليليّة ، مثلها
في قوله تعالى : (مِمّٰا خَطِيئٰاتِهِمْ
أُغْرِقُوا)
وقوله :
«ويُغضىٰ من مهابته»
أو بمعنى الباء
، مثلها في قوله تعالى : (يَنْظُرُونَ مِنْ
طَرْفٍ خَفِيٍّ)
والتقدير : يحرم
لأجل الرضاع أو بسببه ما يحرم لأجل النسب أو بسببه ، والتحريم في الظهار بسبب
النسب ثابت في الجملة إجماعاً ، فيثبت بسبب الرضاع كذلك. وحينئذٍ فيندفع ما قيل : من
أنّ الظهار سببه التشبيه بالنسب لا نفس النسب ، فلا يلزم من كون التشبيه بالنسب
سبباً في التحريم كونُ التشبيه بالرضاع سبباً فيه
__________________
لما قد عرفت من الملازمة .
ويمكن أن ينبّه
بالأشهر على ثالث وهو اختصاص التشبيه بمن ذكر ، وهو محرّمات النسب والرضاع ، دون
غيرهنّ
لتخرج
المحرّمات مؤبّداً بالمصاهرة ، فقد قيل بوقوعه بالتشبيه بهنّ للاشتراك في العلّة
وهي التحريم
المؤبَّد ، ولعموم قوله عليه السلام : «هو من كلّ
ذي محرم»
ولا ينافيه
قوله بعد ذلك : «اُمّاً أو اُختاً أو عمّة» لأنّ ذكرهنّ للمثال لا للحصر؛ إذ المحرم النسبي أيضاً غير
منحصر فيهنّ ، ولم يقل أحد باختصاص الحكم بالثلاثة. لكن المشهور عدم وقوعه
متعلّقاً بهنّ .
(ولا
اعتبار بغير لفظ الظهر) من أجزاء البدن ، كقوله : أنت عليَّ كبطن اُمّي أو يدها
أو رِجلها أو فرجها؛ لأصالة الإباحة وعدم التحريم بشيءٍ من الأقوال إلّا ما أخرجه
الدليل ، ولدلالة الآية
والرواية
على الظَهر ، ولأ
نّه مشتقّ منه فلا يصدق بدونه.
__________________
وقيل : يقع
بجميع ذلك
استناداً إلى
رواية ضعيفة .
ولو علّقه بما
يشمل الظهر ـ كالبدن والجسم ـ فالوجهان وأولى بالوقوع.
[شروطه واحكامه]
(ولا
التشبيه * بالأب) وإن عيّن ظهره (أو الأجنبيّة) وإن شاركا في التحريم (أو اُخت الزوجة) لأنّ تحريمها غير مؤبّد. ويفهم من تخصيصها بالذكر من بين
المحرّمات بالمصاهرة الميل إلى التحريم بهنّ ، وإلّا لكان التمثيل بمن حرم منهنّ
مؤبّداً أولى (أو
مظاهرتها منه) لأصالة عدم التحريم في ذلك كلّه وكون التحريم حكماً شرعيّاً يقف على مورده.
(ولا
يقع إلّامنجّزاً) غير معلّق على شرط ولا صفة ، كقدوم زيد وطلوع الشمس ، كما لا يقع الطلاق
معلّقاً إجماعاً ، وإنّما كان مثله لقول الصادق
عليه السلام : «لا يكون الظهار إلّاعلى مثل موقع الطلاق»
ولرواية القاسم
بن محمّد قال : «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : إنّي ظاهرت من امرأتي ، فقال
لي : كيف قلت؟ قال : قلت : أنتِ عليَّ كظهر اُمّي إن فعلت كذا وكذا. فقال : لا شيء
عليك
__________________
ولا تعد)
ومثله روى ابن
بكير عن أبي الحسن عليه السلام .
(وقيل)
والقائل الشيخ
وجماعة
: (يصحّ تعليقه على
الشرط) وهو ما يجوز
وقوعه في الحال وعدمه كدخول الدار (لا) على (الصفة)
وهي ما لا يقع
في الحال قطعاً ، بل في المستقبل كانقضاء الشهر (وهو قويّ) لصحيحة حريز عن الصادق عليه السلام قال : «الظهار
ظهاران : فأحدهما أن يقول : أنت عليَّ كظهر اُمّي ثمّ يسكت ، فذلك الذي يكفّر قبل
أن يواقع ، فإذا قال : أنت عليّ كظهر اُمّي إن فعلتُ كذا وكذا ففعل ، وجبت عليه
الكفّارة حين يحنث»
وقريب منها
صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عنه عليه السلام
أيضاً
فخرج الشرط عن
المنع بهما وبقي غيره على أصل المنع.
وأمّا أخبار
المنع من التعليق مطلقاً فضعيفة جدّاً
لا تعارض
الصحيح ، مع
__________________
إمكان حملها على اختلال بعض الشروط غير الصيغة كسماع الشاهدين
فإنّه لو لم يكن
ظاهراً لوجب جمعاً بينها
لو اعتبرت.
(والأقرب
صحّة توقيته) بمدّة كأن يقول : أنت عليّ كظهر اُمّي إلى شهر أو سنة مثلاً؛ لعموم الآيات
والروايات
ولأنّ الظهار
كاليمين القابلة للاقتران بالمدّة ، وللأصل ، ولحديث سلمة بن صخر : أنّه ظاهر من
امرأته إلى سلخ رمضان وأقرّه النبيّ صلى الله عليه وآله وأمره بالتكفير للمواقعة
قبله وإقراره حجّة كفعله وقوله صلى الله عليه وآله.
وقيل : لا يقع
مطلقاً
لأنّ
اللّٰه تعالى علّق حِلّ الوطء في كلّ المظاهرين بالتكفير ، ولو وقع مؤقّتاً
أفضى إلى الحِلّ بغيره ، واللازم كالملزوم في البطلان.
وربما فُرّق
بين المدّة الزائدة على ثلاثة أشهر وغيرها؛ لعدم المطالبة بالوطء قبلها وهي من
لوازم وقوعه
وهو غير كافٍ
في تخصيص العموم.
(ولا
بدّ من حضور عدلين) يسمعان الصيغة كالطلاق ، فلو ظاهر ولم يسمعه الشاهدان وقع لاغياً (وكونها طاهراً من
الحيض والنفاس(
__________________
مع حضور الزوج أو حكمه وعدمِ الحَبَل كالطلاق ، وكان عليه أن ينبّه عليه ، ولعلّه
أهمله لظهور أنّ هذه شرائط الطلاق (وأن لا يكون قد قربها في ذلك الطهر) مع حضوره أيضاً كما سبق
فلو غاب وظنّ
انتقالها منه إلى غيره وقع [منه]
مطلقاً
(وأن
يكون المظاهر كاملاً) بالبلوغ والعقل (قاصداً)
فلا يقع ظهار
الصبيّ والمجنون وفاقد القصد بالإكراه والسكر والإغماء والغضب إن اتّفق.
(ويصحّ
من الكافر) على أصحّ القولين
للأصل والعموم
وعدم المانع؛
إذ ليس عبادة يمتنع وقوعها منه. ومنعه الشيخ؛ لأنّه لا يقرّ بالشرع ، والظهار حكم
شرعيٌّ ، ولأ نّه لا تصحّ منه الكفّارة لاشتراط نيّة القربة فيها فيمتنع منه الفئة
، وهي من لوازم وقوعه.
ويضعَّف بأ نّه
من قبيل الأسباب وهي لا تتوقّف على اعتقادها ، والتمكّن من التكفير متحقّق بتقديمه
الإسلام؛ لأنّه قادر عليه ، ولو لم يقدر على العبادات لامتنع تكليفه بها عندنا ، وإنّما
تقع منه باطلة لفقد شرطٍ مقدور.
(والأقرب
صحّته بملك اليمين) ولو مدبَّرة أو اُمّ ولد؛ لدخولها في عموم
__________________
(وَاَلَّذِينَ
يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ)
كدخولها في قوله
تعالى : (وَأُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ)
فحرمت اُمّ الموطوءة
بالملك ، ولصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : «وسألته عن الظهار
على الحرّة والأمة؟ فقال : نعم»
وهي تشمل
الموطوءة بالملك والزوجيّة.
وذهب جماعة
إلى عدم وقوعه
على ما لا يقع عليه الطلاق؛ لأنّ المفهوم من النساء : الزوجة ، ولورود السبب
فيها ، ولرواية
حمزة بن حمران عن الصادق عليه السلام في من يظاهر من أمته ، قال
: «يأتيها وليس عليه شيء»
ولأنّ الظهار
كان في الجاهليّة طلاقاً وهو لا يقع بها ، وللأصل.
ويُضعَّف بمنع
الحمل على الزوجة ، وقد سلف ، والسبب لا يخصِّص وقد حُقّق في الاُصول
والرواية ضعيفة
السند وفعل الجاهليّة لا حجّة فيه ، وقد نقل أنّهم كانوا
يُظاهرون من الأمة أيضاً
والأصل قد
اندفع بالدليل.
__________________
وهل يشترط
كونها مدخولاً بها؟ قيل : لا
للأصل والعموم .
(والمرويّ)
صحيحاً (اشتراط الدخول) فروى محمّد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام
قال : «لا يكون ظهاراً
ولا إيلاء حتّى يدخل بها»
وفي صحيحة
الفضل بن يسار أنّ الصادق عليه السلام قال :
«لا يكون ظهاراً
ولا إيلاء حتّى يدخل بها»
وهذا هو الأصحّ
، وهو مخصّص للعموم بناءً على أنّ خبر الواحد حجّة ويخصّص عموم الكتاب (ويكفي الدُبر) لصدق الوطء به كالقبل.
(ويقع
الظهار بالرتقاء والقرناء والمريضة التي لا توطأ) كذا ذكره المصنّف وجماعة
وهو يتمّ على
عدم اشتراط الدخول ، أمّا عليه فلا؛ لإطلاق النصّ
باشتراطه من
غير فرق بين من يمكن ذلك في حقّه بالنظر إليه وإليها
__________________
وغيره ، ولكن ذكر ذلك من اشترط الدخول كالمصنّف ، ومن توقّف كالعلّامة
والمحقّق
ويمكن أن يكون
قول المصنّف هنا من هذا القبيل
وكيف كان فبناء
الحكم على اشتراط الدخول غير واضح. والقول بأ نّه إنّما يشترط حيث يمكن تحكّم ، ومثله
حكمهم بوقوعه من الخصيّ والمجبوب حيث يمتنع الوطء منهما.
(وتجب
الكفّارة بالعود ، وهي *) أنَّث الضمير لتوسّطه بين مذكّر ومؤنّث أحدهما مفسّر
للآخر قاعدة مطّردة ، أي المراد من العود (إرادة الوطء) لا بمعنى وجوبها مستقرّاً بإرادته ، بل (بمعنى تحريم وطئها
حتّى يكفّر) فلو عزم ولم يفعل ولم يكفّر ثمّ بدا له في ذلك فطلّقها سقطت عنه الكفّارة.
ورجّح في التحرير
استقرارها به
محتجّاً بدلالة الآية وهي قوله تعالى : (ثُمَّ يَعُودُونَ
لِمٰا قٰالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)
عليه. وفي
الدلالة عليه نظر ، وإنّما ظاهرها وجوبها بالعود قبل أن يتماسّا ، لا مطلقاً.
وإنّما يحرم
الوطء عليه به لا عليها ، إلّاأن تكون معاونة له على الإثم فيحرم لذلك ، لا للظهار
، فلو تشبّهت عليه على وجه لا يحرم عليه ، أو استدخلته
__________________
وهو نائم لم يحرم عليها؛ لثبوت الحلّ لها قبله والأصل بقاؤه.
ويفهم من قوله
: (بمعنى
تحريم وطئها حتّى يكفّر) أنّ غير الوطء من ضروب الاستمتاع لا يحرم عليه ، وهو أحد
القولين في المسألة
لظاهر قوله
تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا)
إذ الظاهر منها
الوطء كما في قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ)
وإن كان بحسب اللغة أعمّ منه ، حذراً من الاشتراك. ولا
يرد استلزامه النقل ، والاشتراك خير منه؛ لأنّا نجعله متواطئاً على معنى يشترك فيه
كثير وهو تلاقي الأبدان مطلقاً ، وإطلاقه على الوطء استعمال اللفظ في بعض أفراده.
وهو أولى منهما ومن المجاز أيضاً. ومنه يظهر جواب ما احتجّ به الشيخ على تحريم
الجميع استناداً إلى إطلاق المسيس .
وأمّا الاستناد
إلى تنزيلها منزلة المحرّمة مؤبّداً
فهو مصادرة.
هذا كلّه إذا
كان الظهار مطلقاً. وأمّا لو كان مشروطاً لم يحرم حتّى يقع الشرط ، سواء كان الشرط
الوطء أم غيره.
ثمّ إن كان هو
الوطء تحقّق بالنزع ، فتحرم المعاودة قبلها ولا تجب قبله وإن
__________________
طالت مدّته على أصحّ القولين
حملاً على
المتعارف.
(ولو
وطئ قبل التكفير) عامداً حيث يتحقّق التحريم (فكفّارتان) إحداهما للوطء ، والاُخرى للظهار ، وهي الواجبة بالعزم.
ولا شيء على الناسي. وفي الجاهل وجهان : من أنّه عامد ، وعذره في كثير من نظائره.
(ولو
كرّر) الوطء قبل
التكفير عن الظهار وإن كان قد كفّر عن الأوّل (تكرّرت الواحدة) وهي التي وجبت للوطء ، دون كفّارة الظهار ، فيجب عليه
ثلاث للوطء الثاني ، وأربع للثالث ، وهكذا ... ويتحقّق تكراره بالعود بعد النزع
التامّ (وكفّارة
الظهار بحالها) لا تتكرّر بتكرّر الوطء.
(ولو
طلّقها) طلاقاً (بائناً أو رجعيّاً
وانقضت العدّة حلّت له من غير تكفير) لرواية بريد العجلي
وغيره
ولصيرورته بذلك
كالأجنبيّ ، واستباحة الوطء ليس بالعقد الذي لحقه التحريم. ورُوي أنّ ذلك لا
يسقطها
وحملت على
الاستحباب
ولو راجع في
الرجعيّة عاد التحريم قطعاً (وكذا
لو ظاهر من أمة) هي زوجته (ثمّ
اشتراها) من مولاها؛
لاستباحتها حينئذٍ بالملك وبطلان
__________________
حكم العقد كما بطل حكم السابق في السابق
وكذا يسقط حكم
الظهار لو اشتراها غيره وفسخ العقد ثمّ تزوّجها المظاهر بعقد جديد.
(ويجب
تقديم الكفّارة على المسيس) لقوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَتَمَاسّٰا)
(ولو
ماطل) بالعود أو
التكفير (رافعته
إلى الحاكم فيُنظِره ثلاثة أشهر) من حين المرافعة (حتّى يُكفّر ويفيء) أي يرجع عن الظهار مقدّماً للرجعة على الكفّارة كما مرّ
(أو
يطلّق ويُجبره على ذلك بعدها) أي بعد المدّة (لو امتنع) فإن لم يختر أحدهما ضيّق عليه في المطعم والمشرب حتّى
يختار أحدهما ، ولا يجبره على أحدهما عيناً. ولا يطلّق عنه ، كما لا يعترضه لو
صبرت.
* * *
__________________
كتاب الإيلاء
(كتاب الإيلاء)
(و)
هو مصدر آلى
يولي إذا حلف مطلقاً ، وشرعاً (هو
الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة) المدخول بها قُبُلاً أو مطلقاً (أبداً أو مطلقاً) من غير تقييد بزمان (أو زيادة على أربعة أشهر؛ للإضرار بها *) فهو جزئيّ من جزئيّات الإيلاء الكلّي اُطلق عليه.
والحلف فيه
كالجنس يشمل الإيلاء الشرعيّ وغيره ، والمراد الحلف باللّٰه تعالى ، كما
سيأتي. وتقييده بترك وطء الزوجة يُخرج اليمين على غيره ، فإنّه لا يلحقه أحكام
الإيلاء الخاصّة به ، بل
حكم مطلق
اليمين. وإطلاق «الزوجة» يشمل الحرّة والأمة المسلمة والكافرة ، وخرج بها الحلف على
ترك وطء الأمة الموطوءة بالملك ، وبتقييدها بالدائمة المتمتّع بها فإنّ الحلف على
ترك وطئها
لا يُعدّ
إيلاءً ، بل يميناً مطلقاً ، فيتبع الأولى في الدين أو الدنيا ، فإن تساويا انعقد
يميناً يلزمه حكمه. وكذا الحلف على ترك وطء الدائمة مدّة لا تزيد عن
__________________
أربعة أشهر.
وزدنا في
التعريف قيد (المدخول
بها)
لما هو المشهور
بين الأصحاب من اشتراطه
من غير نقل
خلاف فيه. وقد اعترف المصنّف في بعض تحقيقاته
بعدم وقوفه على
خلاف فيه ، والأخبار الصحيحة مصرّحة باشتراطه فيه وفي الظهار
وقد تقدّم
بعضها وقيد «القبل أو مطلقاً» احترازاً
عمّا لو حلف على ترك
وطئها دبراً ، فإنّه لا ينعقد إيلاءً كما لا تحصل الفئة به.
واعلم أنّ كلّ
موضع لا ينعقد إيلاءً مع اجتماع شرائط اليمين يكون يميناً. والفرق بين اليمين
والإيلاء ـ مع اشتراكهما في أصل الحلف والكفّارة الخاصّة ـ : جوازُ مخالفة اليمين
في الإيلاء ، بل وجوبها على وجه مع الكفّارة ، دون اليمين المطلقة ، وعدمُ اشتراط
انعقاده مع تعلّقه بالمباح بأولويّته ديناً أو دنياً أو تساوي طرفيه ، بخلاف
اليمين؛ واشتراطُه بالإضرار بالزوجة كما عُلم من تعريفه ، فلو حلف على ترك وطئها
لمصلحتها ـ كإصلاح لبنها أو كونها مريضة ـ كان يميناً لا إيلاءً ، واشتراطُه بدوام
عقد الزوجة ، دون مطلق اليمين ، وانحلالُ اليمين على ترك وطئها بالوطء دبراً مع
الكفّارة ، دون الإيلاء. إلى غير ذلك من الأحكام
__________________
المختصّة بالإيلاء المذكورة في بابه.
(ولا
ينعقد) الإيلاء كمطلق
اليمين (إلّاباسم
اللّٰه تعالى) المختصّ به أو الغالب كما سبق تحقيقه في اليمين
لا بغيره من
الأسماء وإن كانت معظّمة؛ لأ نّه حلف خاصّ ، وقد قال صلى الله عليه وآله
: «من كان حالفاً فليحلف باللّٰه ، أو فليصمت»
ولا تكفي نيّته
، بل يعتبر كونه (متلفّظاً
به) ولا يختصّ بلغة
، بل ينعقد (بالعربيّة
وغيرها) لصدقه عرفاً
بأيّ لسان اتّفق.
(ولا
بدّ) في المحلوف
عليه ـ وهو الجماع في القبل ـ (من)
اللفظ (الصريح) الدالّ عليه (كإدخال الفرج في الفرج) أو تغييب الحشفة فيه (أو اللفظة المختصّة بذلك) لغةً وعرفاً ، وهي مشهورة.
(ولو
تلفّظ بالجماع والوطء وأراد الإيلاء صحّ) وإلّا فلا؛ لاحتمالهما إرادة غيره ، فإنّهما وُضعا لغةً
لغيره وإنّما كُنّي بهما عنه
عدولاً عمّا
يُستهجن إلى بعض لوازمه ثمّ اشتهر فيه عرفاً فوقع به مع قصده.
والتحقيق : أنّ
القصد معتبر في جميع الألفاظ وإن كانت صريحة ، فلا وجه لتخصيص اللفظين به.
واشتراكهما أو إطلاقهما لغة على غيره لا يضرّ مع إطباق العرف على انصرافهما إليه.
وقد روى أبو بصير في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال : (سألته عن الإيلاء ما
هو؟ فقال : هو أن يقول الرجل لامرأته : واللّٰه لا اُجامعك كذا وكذا) ... الحديث
ولم يقيّده
بالقصد فإنّه معتبر مطلقاً ، بل أجاب
__________________
به في جواب (ما هو) المحمول على نفس الماهيّة ، فيكون حقيقةَ الإيلاء ، ودخول غيره من
الألفاظ الصريحة حينئذٍ بطريق أولى ، فلا ينافيه خروجها عن الماهيّة المجاب بها.
نعم يستفاد منه
أنّه لا يقع بمثل المباضعة والملامسة والمباشرة التي يعبّر بها عنه كثيراً وإن
قصده؛ لاشتهار اشتراكها. خلافاً لجماعة
حيث حكموا
بوقوعه بها. نعم لو تحقّق في العرف انصرافها أو بعضها إليه وقع به.
ويمكن أن تكون
فائدة تقييده بالإرادة أنّه لا يقع عليه ظاهراً بمجرّد سماعه موقعاً للصيغة بهما
بل يُرجع إليه في قصده ، فإن اعترف بإرادته حكم عليه به ، وإن ادّعى عدمه قُبل.
بخلاف ما لو سُمع منه الصيغة الصريحة ، فإنّه لا يُقبل منه دعوى عدم القصد ، عملاً
بالظاهر من حال العاقل المختار. وأمّا فيما بينه وبين اللّٰه تعالى فيرجع
إلى نيّته.
(ولو
كنّى بقوله : لا جَمَع رأسي ورأسك مخَدَّة أو *
لا
ساقفتكِ) بمعنى جمعني
وإيّاك سقف (وقصد
الإيلاء) أي الحلف على
ترك وطئها (حكم
الشيخ)
والعلّامة في
المختلف
(بالوقوع)
لأنّه لفظ استعمل
عرفاً فيما
__________________
نواه فيحمل عليه كغيره من الألفاظ ، ولدلالة ظاهر الأخبار عليه حيث دلّت
على وقوعه بقوله : لأغيظنّك
فهذه أولى. وفي
حسنة بريد عن الصادق عليه السلام أنّه قال : (إذا آلى
أن لا يقرب امرأته ولا يمسّها ولا يجمع رأسه ورأسها ، فهو في سعة ما لم تمضِ أربعة
أشهر) .
والأشهر عدم
الوقوع؛ لأصالة الحلّ واحتمال الألفاظ لغيره احتمالاً ظاهراً ، فلا يزول الحِلّ
المتحقّق بالمحتمل ، والروايات
ليست صريحة
فيه.
ويمكن كون «الواو» في الأخيرة
للجمع فيتعلّق
الإيلاء بالجميع ، ولا يلزم تعلّقه بكلّ واحد.
واعلم أنّ
اليمين في جميع هذه المواضع تقع على وفق ما قصده من مدلولاتها؛ لأنّ اليمين تتعيّن
بالنيّة حيث تقع الألفاظ محتملة ، فإن قصد بقوله
: «لا جمع رأسي ورأسك مخَدّة» نومهما مجتمعين عليها انعقدت كذلك حيث لا أولويّة في خلافها ، وإن قصد
به الجماع انعقدت
كذلك ، وكذا
غيره من الألفاظ حيث لا يقع الإيلاء به.
(ولا
بدّ من تجريده عن الشرط والصفة) على أشهر القولين
لأصالة
__________________
عدم الوقوع في غير المتّفق عليه ، وهو المجرّد عنهما.
وقال الشيخ في
المبسوط
والعلّامة في
المختلف
: يقع معلّقاً
عليهما؛ لعموم القرآن
السالم عن
المعارض ، والسلامة عزيزة.
(ولا
يقع لو جعله يميناً) كأن يقول : «إن فعلتِ كذا فواللّٰه لا
جامعتكِ» قاصداً تحقيق
الفعل على تقدير المخالفة زجراً لها عمّا علّقه عليه. وبهذا يمتاز عن الشرط مع
اشتراكهما في مطلق التعليق ، فإنّه لا يريد من الشرط إلّامجرّد التعليق ، لا
الالتزام في المعلَّق عليه. ويتميّزان أيضاً بأنّ الشرط أعمّ من فعلهما ، واليمين
لا تكون متعلّقة إلّابفعلها أو فعله. وعدمُ وقوعه يميناً بعد اعتبار تجريده عن
الشرط واختصاصُ الحلف باللّٰه تعالى واضحٌ.
(أو
حلف بالطلاق أو العتاق) بأن قال : إن وطأتك ففلانة ـ إحدى زوجاته ـ طالق أو عبده
حرّ؛ لأنّه يمين بغير اللّٰه تعالى.
(ويشترط
في المؤلي الكمال) بالبلوغ والعقل (والاختيار
والقصد) إلى مدلول لفظه
، فلا يقع من الصبيّ والمجنون والمكرَه والساهي والعابث ونحوهم ممّن لا يقصد
الإيلاء (ويجوز
من العبد) بدون إذن مولاه اتّفاقاً حرّة كانت زوجته أم أمة؛ إذ لا حقّ لسيّده في وطئه
[لها] بل له الامتناع منه
__________________
وإن أمره به (و)
من الكافر (الذمّي) لإمكان وقوعه منه حيث يقرّ باللّٰه تعالى. ولا
ينافيه وجوب الكفّارة المتعذّرة منه حالَ كفره؛ لإمكانها في الجملة كما تقدّم في
الظهار
وكان ينبغي أن
يكون فيه خلاف مثله؛ للاشتراك في العلّة ، لكن لم ينقل هنا. ولا وجه للتقييد بالذمّي
، بل الضابط الكافر المقرّ باللّٰه تعالى ليمكن حلفه به.
(وإذا
تمّ الإيلاء) بشرائطه (فللزوجة
المرافعة) إلى الحاكم (مع
امتناعه عن الوطء ، فيُنظره الحاكم أربعة أشهر ثمّ يُجبره بعدها على الفئة) وهي وطؤها قبلاً ولو بمسمّاه بأن تغيب الحشفة وإن لم
يُنزل مع القدرة ، أو إظهار العزم عليه أوّل أوقات الإمكان مع العجز (أو الطلاق) فإن فعل أحدهما ـ وإن كان الطلاق رجعيّاً ـ خرج من حقّها
وإن امتنع منهما ضيّق عليه في المطعم والمشرب ولو بالحبس حتّى يفعل أحدهما. وروي :
أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يحبسه في حظيرة من قصب ويعطيه ربع قوته حتّى
يطلّق (ولا يجبره) الحاكم (على أحدهما عيناً) ولا يطلّق عنه بل يخيّره بينهما.
(ولو
آلى مدّة معيّنة) تزيد عن الأربعة (ودافع)
فلم يفعل أحد
الأمرين (حتّى
انقضت) المدّة (سقط حكم الإيلاء) لانحلال اليمين بانقضاء مدّته ولم تلزمه الكفّارة مع
الوطء وإن أثم بالمدافعة.
(ولو
اختلفا في انقضاء المدّة) المضروبة (قُدّم قول مدّعي البقاء) مع يمينه؛ لأصالة عدم الانقضاء «ولو اختلفا في زمان
إيقاع الإيلاء حلف من يدّعي
__________________
تأخّره) لأصالة عدم التقدّم. والمدّعي للانقضاء في الأوّل هو الزوجة؛
لتطالبه بأحد الأمرين ، ولا يتوجّه كونها منه. أمّا الثاني
فيمكن وقوعها
من كلّ منهما ، فتدّعي هي تأخّر زمانه إذا كان مقدّراً بمدّة لم تمضِ قبل المدّة
المضروبة فترافعه ليُلزَم بأحدهما ، ويدّعي تقدّمه على وجه تنقضي مدّته قبل المدّة
المضروبة ليسلم من الإلزام بأحدهما. وقد يدّعي تأخّره على وجه لا تتمّ الأربعة
المضروبة لئلّا يُلزَم إذا جعلنا مبدأها من حين الإيلاء ، وتدّعي هي تقدّمه لتتمّ.
(ويصحّ
الإيلاء من الخصيّ والمجبوب) إذا بقي منه قدر يمكن معه الوطء إجماعاً ، ولو لم يبقَ
ذلك فكذلك عند المصنّف وجماعة
لعموم الآيات
وإطلاق الروايات
.
والأقوى عدم
الوقوع؛ لأنّ متعلّق اليمين ممتنع ، كما لو حلف أن لا يصعد إلى السماء ، ولأنّ
شرطه الإضرار بها وهو غير متصوّر هنا.
(وفئته)
على تقدير
وقوعه منه (العزم
على الوطء مظهراً له) أي للعزم عليه (معتذراً
من عجزه ، وكذا) فئة الصحيح (لو
انقضت المدّة وله مانع من الوطء) عقليّ كالمرض ، أو شرعيّ كالحيض ، أو عاديّ كالتعب
والجوع والشبع.
(ومتى
وطئ) المُؤلي (لزمته الكفّارة ، سواء
كان في مدّة التربّص) أو قبلها لو جعلناها من حين المرافعة (أو بعدها) لتحقّق الحنث في الجميع ،
__________________
وهو في غير الأجير موضع وفاق ، ونفاها فيه الشيخ في المبسوط
لأصالة البراءة
، وأمره به المنافي للتحريم الموجب للكفّارة. والأصحّ أنّه
كغيره؛ لما ذُكر ولقوله تعالى : (ذٰلِكَ
كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ)
ولم يفصّل ، ولقول الصادق عليه السلام في من آلى من امرأته فمضت أربعة أشهر : «يوُقف
فإن عزم الطلاق بانت منه ، وإلّا كفّر [عن]
يمينه وأمسكها» .
(ومدّة
الإيلاء من حين الترافع) في المشهور كالظهار؛ لأنّ ضرب المدّة إلى الحاكم فلا
يُحكم بها قبلها ، ولأ نّه حقّها فيتوقّف على مطالبتها ، ولأصالة عدم التسلّط على
الزوج بحبس وغيره قبل تحقّق السبب.
وقيل من حين
الإيلاء
عملاً بظاهر
الآية حيث رتّب التربّص عليه من غير تعرّض للمرافعة ، وكذا الأخبار
وقد تقدّم في
الخبر السابق ما يدلّ عليه. وفي حسنة بريد عن الصادق عليه السلام قال :
«لا يكون إيلاء ما لم يمض أربعة أشهر ، فإذا مضت وُقِفَ ، فإمّا أن يفيء ، وإمّا
أن يعزم على الطلاق»
فعلى هذا لو لم
ترافعه
__________________
حتّى انقضت المدّة أمره بأحد الأمرين منجّزاً.
(ويزول
حكم الإيلاء بالطلاق البائن) لخروجها عن حكم الزوجيّة. والظاهر أنّ هذا الحكم ثابت
وإن عقد عليها ثانياً في العدّة؛ لأنّ العقد لم يرفع حكم الطلاق ، بل أحدث نكاحاً
جديداً كما لو وقع بعد العدّة ، بخلاف الرجعة في الرجعي.
ولو كان الطلاق
رجعيّاً خرج من حقّها ، لكن لا يزول حكم الإيلاء إلّا بانقضاء العدّة ، فلو راجع
فيها بقي التحريم. وهل يُلزم حينئذٍ بأحد الأمرين بناءً على المدّة السابقة أم
يضرب له مدّة ثانية ثمّ يوقف بعد انقضائها؟ وجهان : من بطلان حكم الطلاق وعود
النكاح الأوّل بعينه ومن ثَمَّ جاز طلاقها قبل الدخول وكان الطلاق رجعيّاً ، بناءً
على عود النكاح الأوّل وأ نّها في حكم الزوجة ، ومن سقوط الحكم عنه بالطلاق فيفتقر
إلى حكم جديد ، استصحاباً لما قد ثبت. وبهذا جزم في التحرير .
ثمّ إن طلّق
وَفى وإن راجع ضربت له مدّة اُخرى ، وهكذا ...
(و)
كذا [يزول]
حكم الإيلاء (بشراء
الأمة
ثمّ عتقها) وتزويجها بعده
لبطلان العقد
الأوّل بشرائها ، وتزويجها بعد العتق حكم جديد كتزويجها بعد الطلاق البائن ، بل
أبعد.
ولا فرق بين
تزويجها بعد العتق وتزويجها به جاعلاً له مهراً؛ لاتّحاد العلّة.
__________________
وهل يزول بمجرّد شرائها من غير عتق؟ الظاهر ذلك؛ لبطلان العقد بالشراء
واستباحتها حينئذٍ بالملك ، وهو حكم جديد غير الأوّل ، لكنّ الأصحاب فرضوا المسألة
كما هنا.
نعم لو انعكس
الفرض بأن كان المؤلي عبداً فاشترته الزوجة توقّف حلّها له على عتقه ، وتزويجه
ثانياً. والظاهر بطلان الإيلاء هنا أيضاً بالشراء وإن توقّف حلّها له على الأمرين
كما بطل بالطلاق البائن وإن لم يتزوّجها.
وتظهر الفائدة
فيما لو وطئها بعد ذلك بشبهة أو حراماً ، فإنّه لا كفّارة إن أبطلناه بمجرّد الملك
والطلاق.
(ولا
تتكرّر الكفّارة بتكرّر اليمين) سواء (قصد
التأكيد) وهو تقوية
الحكم السابق (أو
التأسيس) وهو إحداث حكم
آخر ، أو أطلق (إلّامع
تغاير الزمان) أي زمان الإيلاء وهو الوقت المحلوف على ترك الوطء فيه ، لا زمان الصيغة ، بأن
يقول : «واللّٰه لا وطئتك ستّة
أشهر ، فإذا انقضت فواللّٰه لا وطئتك سنة» فيتعدّد الإيلاء إن قلنا بوقوعه معلّقاً على الصفة. وحينئذٍ فلها
المرافعة لكلّ منهما ، فلو ماطل في الأوّل حتّى انقضت مدّته انحلّ ودخل الآخر.
وعلى ما اختاره المصنّف سابقاً من اشتراط تجريده عن الشرط والصفة
يبطل الثاني ، ولا
يتحقّق تعدّد الكفّارة بتعدّده ولا يقع الاستثناء موقعه.
(وفي
الظهار خلاف أقربه التكرار) بتكرّر الصيغة ، سواء فرّق الظهار أم تابعه في مجلس واحد
، وسواء قصد التأسيس أم لم يقصد ما لم يقصد التأكيد؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن
الصادق عليه السلام قال : «سألته عن رجل ظاهر من
__________________
امرأته خمس مرّات ، أو أكثر؟ قال عليه السلام : قال عليّ عليه السلام : مكان
كلّ مرّة كفّارة)
وغيرها من
الأخبار .
وقال ابن
الجنيد : لا تتكرّر إلّامع تغاير المشبّه بها ، أو تخلّل التكفير
استناداً إلى
خبر لا دلالة فيه على مطلوبه.
(وإذا
وطئ المؤلي ساهياً أو مجنوناً أو لشبهة) لم تلزمه كفّارة؛ لعدم الحنث و (بطل حكم الإيلاء عند
الشيخ ) لتحقّق الإصابة ومخالفة مقتضى اليمين ، كما يبطل لو وطئ
متعمّداً؛ لذلك ، وإن وجبت الكفّارة ، وتبعه على هذا القول جماعة
ونسبة المصنّف
القول إليه يشعر بتمريضه ، ووجهه أصالة البقاء ، واغتفار الفعل بالأعذار ، وكون
الإيلاء يميناً ، وهي في النفي تقتضي الدوام ، والنسيان والجهل لم يدخلا تحت
مقتضاها؛ لأنّ الغرض من البعث والزجر في اليمين إنّما يكون عند ذكرها وذكر المحلوف
عليه حتّى يكون تركه لأجل اليمين.
__________________
مع أنّه
في قواعده
استقرب انحلال اليمين مطلقاً بمخالفة مقتضاها نسياناً وجهلاً وإكراهاً مع عدم
الحنث محتجّاً بأنّ المخالفة قد حصلت وهي لا تتكرّر ، وبحكم الأصحاب ببطلان
الإيلاء بالوطء ساهياً مع أنّها يمين
فنسب الحكم
المذكور هنا إلى الأصحاب ، لا إلى الشيخ وحده. وللتوقّف وجه.
(ولو
ترافع الذمّيّان إلينا) في حكم الإيلاء (تخيّر الإمام) أو الحاكم المترافع إليه (بين الحكم بينهم بما يحكم على المؤلي
المسلم * وبين ردّهم إلى أهل ملّتهم **) جمع الضمير للاسم المثنّى تجوّزاً ، أو بناءً على وقوع
الجمع عليه حقيقة كما هو أحد القولين .
(ولو
آلى ثمّ ارتدّ) عن ملّة (حُسب
عليه من المدّة) التي تُضرب له (زمان
الردّة على الأقوى) لتمكّنه من الوطء بالرجوع عن الردّة ، فلا تكون عذراً؛ لانتفاء معناه.
وقال الشيخ : لا
يُحتسب عليه مدّة الردّة؛ لأنّ المنع بسبب الارتداد ، لا بسبب الإيلاء ، كما لا
يُحتسب مدّة الطلاق منها لو راجع وإن كان يمكنه
__________________
المراجعة في كلّ وقت .
واُجيب بالفرق
بينهما
فإنّ المرتدّ
إذا عاد إلى الإسلام تبيّن أنّ النكاح لم يرتفع ، بخلاف الطلاق ، فإنّه لا ينهدم
بالرجعة وإن عاد حكم النكاح السابق كما سبق
ولهذا لو راجع
المطلّقة تبقى معه على طلقتين.
ولو كان
ارتداده عن فطرة فهو بمنزلة الموت يبطل معها
التربّص ، وإنّما
أطلقه؛ لظهور حكم الارتدادين.
* * *
__________________
كتاب اللعان
(كتاب اللعان)
وهو لغةً : المباهلة
المطلقة أو فِعال من اللعن ، أو جمع له وهو الطرد والإبعاد من الخير ، والاسم
اللعنة . وشرعاً : المباهلة بين الزوجين في إزالة حدّ أو نفي ولد
، بلفظ مخصوص عند الحاكم.
(وله
سببان) :
(أحدهما
: رمي الزوجة المحصنة) بفتح الصاد وكسرها (المدخول
بها) دخولاً يوجب
تمام المهر ، وسيأتي الخلاف في اشتراطه
(بالزنا
قُبلاً أو دُبُراً مع دعوى المشاهدة) للزنا ، وسلامتها من الصَمَم والخَرَس. ولو انتفى أحد
الشرائط ثبت الحدّ من غير لعان ، إلّامع عدم الإحصان فالتعزير ، كما سيأتي
والمطلّقة
رجعيّةً زوجة ، بخلاف البائن.
وشمل إطلاق
رميها ما إذا ادّعى وقوعه زمن الزوجيّة وقبله ، وهو في الأوّل
__________________
موضع وفاق ، وفي الثاني قولان
أجودهما ذلك
اعتباراً بحال القذف.
و (قيل) والقائل الشيخ
والمحقّق
والعلّامة
وجماعة
: (و) يشترط زيادة على ما تقدّم (عدم البيّنة) على الزنا على وجه يثبت بها ، فلو كان له بيّنة لم يُشرع
اللعان؛ لاشتراطه في الآية
بعدم الشهداء
والمشروط عدمٌ عند عدم شرطه ولأنّ اللعان حجّة ضعيفة؛ لأنّه إمّا شهادة لنفسه أو
يمين ، فلا يُعمل به مع الحجّة القويّة وهي البيّنة ، ولأنّ حدّ الزنا مبنيّ على
التخفيف
فناسب نفي
__________________
اليمين فيه ونسبته إلى القول يؤذن بتوقّفه فيه.
ووجهه
أصالة عدم
الاشتراط ، والحكم في الآية وقع مقيّداً بالوصف وهو لا يدلّ على نفيه عمّا عداه
وجاز خروجه مخرج الأغلب ، وقد روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لاعَنَ بين عويمر
العجلاني وزوجته ولم يسألهما عن البيّنة .
(والمعنيّ
بالمحصنة : العفيفة) عن وطءٍ محرَّم لا يصادف ملكاً وإن اشتمل على عقد ، لا ما صادفه وإن حرم
كوقت الحيض والإحرام والظهار ، فلا تخرج به عن الإحصان ، وكذا وطء الشبهة ومقدّمات
الوطء مطلقاً (فلو
رمى المشهورة بالزنا) ولو مرّةً (فلا
حدّ ولا لعان) بل يعزّر.
(ولا
يجوز القذف إلّامع المعايَنة) للزنا (كالميل
في المُكْحُلة) ليترتّب عليه اللعان؛ إذ هو شهادة أو في معناها (لا بالشياع ، أو
غلبة الظنّ) بالفعل ، فإنّ ذلك لا يجوز الاعتماد عليه في ثبوت الزنا.
هذا إذا لم
يُشترط في الشياع حصول العلم بالخبر ، فإنّه حينئذٍ يكون كالبيّنة وهي لا تجوّز
القذف أيضاً ، أمّا لو اشترطنا فيه العلم لم يبعد الجواز به؛ لأنّه حينئذٍ
كالمشاهدة.
(الثاني
: إنكار من ولد على فراشه بالشرائط السابقة) المعتبرة في إلحاق الولد به ، وهي وضعه لستّة أشهر
فصاعداً من حين وطئه ، ولم يتجاوز حملها أقصى مدّته ، وكونها موطوءة بالعقد الدائم
(وإن
سكت حال الولادة) فلم
ينفه
__________________
(على
الأقوى) لأنّ السكوت
أعمّ من الاعتراف به ، فلا يدلّ عليه.
وقال الشيخ : ليس
له إنكاره حينئذٍ؛ لحكم الشارع بإلحاقه به بمجرّد الولادة العاري عن النفي
إذ اللحوق لا
يحتاج إلى غير الفراش فيمتنع أن يزيل إنكاره حكم الشارع ، ولأدائه إلى عدم استقرار
الأنساب.
وفيه : أنّ حكم
الشارع بالالتحاق
مبنيّ على
أصالة عدم النفي ، أو على الظاهر وقد ظهر خلافه. ولو لم يمكنه النفي حالة الولادة
إمّا لعدم قدرته عليه لمرض أو حبس أو اشتغال بحفظ ماله من حرق أو غرق أو لُصٍّ ولم
يمكنه الإشهاد ونحو ذلك ، أو لعدم علمه بأنّ له النفي ـ لقرب عهده بالإسلام أو
بُعده عن الأحكام ـ فلا إشكال في قبوله عند زوال المانع ، ولو ادّعى عدم العلم
قُبل مع إمكانه
في حقّه.
وإنّما يجوز له
نفيه باللعان على أيّ وجهٍ كان (ما
لم يسبق الاعتراف) منه (به
صريحاً أو فحوىً) فالأوّل ظاهر ، والثاني أن يجيب المبشّر بما يدلّ على الرضا به والاعتراف (مثل أن يقال له : بارك
اللّٰه لك في هذا الولد ، فيؤمِّن ، أو يقول : إن شاء اللّٰه. بخلاف) قوله في الجواب (بارك اللّٰه فيك وشبهه) ك (أحسن
اللّٰه إليك) و (رزقك
اللّٰه مثلَه) فإنّه لا يقتضي الإقرار؛ لاحتماله غيره احتمالاً ظاهراً.
(ولو
قذفها بالزنا ونفي الولد وأقام بيّنة) بزناها (سقط الحدّ) عنه لأجل القذف بالبيّنة (ولم ينتفِ عنه الولد إلّاباللعان) لأنّه لاحق بالفراش
__________________
وإن زنت اُمّه كما مرّ
ولو لم يُقم
بيّنة كان له اللعان للأمرين معاً ، وهل يُكتفى بلعان واحد أم يتعدّد؟ وجهان : من أنّه
كالشهادة أو اليمين ، وهما كافيان على ما سبق عليهما من الدعوى. ومن تعدّد السبب
الموجب لتعدّد المسبّب إلّا ما أخرجه الدليل.
(ولا
بدّ من كون الملاعن كاملاً) بالبلوغ والعقل. ولا يشترط العدالة ، ولا الحرّيّة ، ولا
انتفاء الحدّ عن قذف ، ولا الإسلام ، بل يلاعن (ولو كان كافراً) أو مملوكاً أو فاسقاً؛ لعموم الآية
ودلالة
الروايات
عليه.
وقيل : لا
يلاعن الكافر ولا المملوك
بناءً على أنّه
شهادات كما يظهر من قوله تعالى : (فَشَهٰادَةُ
أَحَدِهِمْ)
وهما ليسا من أهلها. وهو ممنوع؛ لجواز كونه أيماناً؛ لافتقاره إلى ذكر اسم
اللّٰه تعالى ، واليمين يستوي فيه العدل والفاسق والحرّ والعبد والمسلم
والكافر والذكر والاُنثى. وما ذكروه معارض بوقوعه من الفاسق إجماعاً.
(ويصحّ
لعان الأخرس بالإشارة المعقولة إن أمكن معرفته) اللعان ،
__________________
كما يصحّ منه إقامة الشهادة والأيمان والإقرار وغيرها من الأحكام ، ولعموم
الآية.
وقيل بالمنع
والفرق؛ لأنّه
مشروط بالألفاظ
الخاصّة ، دون الإقرار والشهادة فإنّهما يقعان بأيّ عبارة اتّفقت ، ولأصالة عدم
ثبوته إلّامع تيقّنه ، وهو منتفٍ هنا.
واُجيب بأنّ
الألفاظ الخاصّة إنّما تعتبر مع الإمكان وإشارته قائمة مقامها ، كما قامت في
الطلاق وغيره من الأحكام المعتبرة بألفاظ خاصّة. نعم استبعاد فهمه له موجَّه ، لكنّه
غير مانع؛ لأنّ الحكم مبنيّ عليه .
(ويجب)
على ذي الفراش
مطلقاً
(نفي
الولد) المولود على
فراشه (إذا
عرف اختلال شروط الإلحاق) فيلاعن وجوباً؛ لأنّه لا ينتفي بدونه (ويحرم) عليه نفيه (بدونه) أي بدون علمه باختلال شروط الإلحاق (وإن ظنّ انتفاءه عنه)
بزنا اُمّه أو
غيره (أو
خالفت صفاتُه صفاتَه) لأنّ ذلك لا مدخل له في الإلحاق ، والخالق على كلّ شيءٍ قدير ، والحكم
مبنيّ على الظاهر.
ويلحق الولد
بالفراش دون غيره ، ولو لم يجد مَن عَلِم انتفاءه مَن يلاعن بينهما لم يفده نفيه
مطلقاً .
__________________
وفي جواز
التصريح به نظر؛ لانتفاء الفائدة مع التعريض بالقذف ، وإن
لم يحصل
التصريح.
(ويعتبر
في الملاعنة الكمال والسلامة من الصمم والخرس) فلو قذف الصغيرة فلا لعان ، بل يُحدّ إن كانت في محلّ
الوطء كبنت الثماني ، وإلّا عُزّر خاصّة للسبّ؛ لتيقّن
كذبه.
ولو قذف
المجنونة بزنا أضافه إلى حالة الجنون عُزّر ، أو حالة الصحّة فالحدّ ، وله إسقاطه
باللعان بعد إفاقتها. وكذا لو نفى ولدها.
ولو قذف
الصمّاء والخرساء حرمتا عليه أبداً ولا لعان. وفي لعانهما لنفي الولد وجهان : من
عدم النصّ فيرجع إلى الأصل ، ومساواته للقذف في الحكم. والأوجه الأوّل؛ لعموم
النصّ ومنع المساواة مطلقاً ، وقد تقدّم البحث في ذلك.
(والدوام)
فلا يقع
بالمتمتّع بها
لأنّ ولدها
ينتفي بنفيه من غير لعان (إلّاأن
يكون اللعان لنفي الحدّ) بسبب القذف فيثبت؛ لعدم المانع مع عموم النصّ وهذا جزمٌ
من المصنّف بعد التردّد؛ لأنّه فيما سلف نسب الحكم به إلى قول
وقد
تقدّم أنّ
الأقوى عدم ثبوت اللعان بالمتمتّع بها مطلقاً
وأنّ المخصّص
للآية صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه السلام .
__________________
(وفي)
اشتراط (الدخول) بالزوجة في لعانها (قولان)
مأخذهما عموم
الآية ، فإنّ لِأَزْوٰاجِهِمْ فيها جمع مضاف ، فيعمّ المدخول بها وغيرها ، وتخصيصها
برواية محمّد بن مصادف قال : (قلت
لأبي عبد اللّٰه عليه السلام : ما تقول في رجل لاعن امرأته قبل أن يدخل بها؟
قال : لا يكون ملاعناً حتّى يدخل بها ، يُضرب حدّاً وهي امرأته»
والمستند إليه
ضعيف أو متوقّف
فيه ، فالتخصيص غير متحقّق. ولكن يشكل ثبوته مطلقاً
لأنّ ولد غير
المدخول بها لا يُلحق بالزوج ، فكيف يتوقّف نفيه على اللعان؟ نعم يتمّ ذلك في
القذف بالزنا.
فالتفصيل كما
ذهب إليه ابن إدريس
حسن ، لكنّه
حمل اختلاف الأصحاب عليه. وهو صلح من غير تراضي الخصمين؛ لأنّ النزاع معنويّ ، لا
لفظيّ بين الفريقين ، بل النزاع لا يتحقّق إلّافي القذف؛ للإجماع على انتفاء الولد
عند عدم اجتماع شروط اللحوق بغير لعان ، وإن كان كلامهم هنا مطلقاً.
(ويثبت)
اللعان (بين الحرّ و) زوجته (المملوكة
لنفي الولد أو) نفي (التعزير)
بقذفها؛ للعموم
وصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال :
__________________
(سألته عن الحرّ يُلاعن المملوكة ، قال
: نعم إذا كان مولاها زوّجه إيّاها لاعَنَها»
وغيره .
وقيل : لا لعان
بينهما مطلقاً
استناداً إلى
أخبار دلّت على نفيه بين الحرّ والمملوكة
وحملها على
كونها مملوكة للقاذف طريق الجمع بينها وبين ما ذكرناه من وقوعه بالزوجة المملوكة
صريحاً.
وفصلُ ابن
إدريس هنا غيرُ جيّد ، فأثبته مع نفي الولد ، دون القذف ، نظراً إلى عدم الحدّ به
لها. ولكن دفع التعزير به كافٍ ، مضافاً إلى ما دلّ عليه مطلقاً. ووافقه عليه فخر
المحقّقين محتجّاً بأ نّه جامع بين الأخبار
والجمع بينهما
بما ذكرناه أولى.
(ولا
يلحق ولد المملوكة) بمالكها (إلّابالإقرار)
به على أشهر
القولين
__________________
والروايتين
(ولو
اعترف بوطئها ، ولو نفاه انتفى بغير لعان) إجماعاً. وإنّما الخلاف في أنّه هل يلحق به بمجرّد إمكان
كونه منه وإن لم يُقِرّ به ، أم لا بدّ من العلم بوطئه وإمكان لحوقه به ، أو
إقراره به؟ فعلى ما اختاره المصنّف والأكثر لا يُلحق به إلّابإقراره ووطئه وإمكان
لحوقه به ، وعلى القول الآخر لا ينتفي إلّابنفيه ، أو العلم بانتفائه عنه.
ويظهر من
العبارة وغيرها من عبارات المحقّق والعلّامة : أنّه لا يلحق به إلّا بإقراره
فلو سكت ولم
ينفه ولم يقرّ به لم يلحق به ، وجعلوا ذلك فائدة عدم كون الأمة فراشاً بالوطء.
والذي حقّقه
جماعة أنّه يلحق به بإقراره ، أو العلم بوطئه وإمكان لحوقه به وإن لم يقرّ به
وجعلوا الفرق
بين الفراش وغيره : أنّ الفراش يلحق به الولد وإن لم يُعلم وطؤه مع إمكانه إلّامع
النفي واللعان ، وغيره من الأمة والمتمتّع بها يُلحق به الولد إلّامع النفي ، وحملوا
عدم لحوقه إلّابالإقرار على اللحوق اللازم؛ لأنّه
__________________
بدون الإقرار ينتفي بنفيه من غير لعان ، ولو أقرّ به استقرّ ولم يكن له
نفيه بعدَه. وهذا هو الظاهر ، وقد سبق في أحكام الأولاد ما ينبّه عليه
ولولا هذا
المعنى لنافى ما ذكروه هنا ما حكموا به فيما سبق من لحوقه به بشرطه.
__________________
(القول في كيفيّة
اللعان وأحكامه)
(يجب
كونه عند الحاكم) وهو هنا الإمام عليه السلام (أو مَن نصبه) للحكم أو اللعان بخصوصه (ويجوز التحكيم فيه) من الزوجين (للعالم المجتهد) وإن كان الإمام ومن نصبه موجودين ، كما يجوز التحكيم في
غيره من الأحكام.
وربما أطلق بعض
الأصحاب على المحكَّم هنا كونه عامّيّاً
نظراً إلى أنّه
غير منصوب بخصوصه ، فعامّيّته إضافيّة ، لا أنّ المسألة خلافيّة ، بل الإجماع على
اشتراط اجتهاد الحاكم مطلقاً ، نعم منع بعض الأصحاب من التحكيم هنا
لأنّ أحكام
اللعان لا تختصّ بالمتلاعنين فإنّ نفي الولد يتعلّق بحقّه ، ومن ثَمّ لو تصادقا
على نفيه لم ينتفِ بدون اللعان ، خصوصاً عند من يشترط تراضيهما بحكمه بعده
والأشهر
الأوّل.
هذا كلّه في
حال حضور الإمام عليه السلام لما تقدّم في باب القضاء : من أنّ قاضي التحكيم لا
يتحقّق إلّامع حضوره
أمّا مع غيبته
فيتولّى ذلك الفقيه المجتهد؛ لأنّه منصوب من قِبل الإمام عموماً كما يتولّى غيره
من الأحكام ولا يتوقّف على تراضيهما بعده بحكمه؛ لاختصاص ذلك على القول به بقاضي
__________________
التحكيم. والأقوى عدم اعتباره مطلقاً .
وإذا حضرا بين
يدي الحاكم فليبدأ الرجل بعد تلقين الحاكم له الشهادة
(فيشهد
الرجل أربع مرّات) باللّٰه (أنّه
لمن الصادقين فيما رماها به) متلفّظاً بما رمى به فيقول له ، قل :
«أشهد باللّٰه أنّي
لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا» فيتبعه فيه؛ لأنّ اللعان يمين فلا يعتدّ بها قبل استحلاف
الحاكم ، وإن كان فيها شائبة الشهادة ، أو شهادة فهي لا تؤدّى إلّابإذنه أيضاً.
وإن نفى الولد زاد
«وأنّ هذا الولد من زنا وليس منّي» كذا عبّر في التحرير ، وزاد أنّه لو اقتصر على أحدهما لم
يجز ويشكل فيما لو كان اللعان لنفي الولد خاصّة من غير قذف ،
فإنّه لا يلزم [إسناده]
إلى الزنا؛
لجواز الشبهة ، فينبغي أن يكتفي بقوله : (إنّه لمن الصادقين) في نفي الولد المعيَّن (ثمّ يقول) بعد شهادته أربعاً كذلك : (أنّ لعنة اللّٰه عليه) جاعلاً المجرور ب (على) ياء المتكلّم (إن كان من الكاذبين) فيما رماها به من الزنا أو نفي الولد ، كما ذُكر في
الشهادات.
(ثمّ
تشهد المرأة) بعد فراغه من الشهادة واللعنة (أربع شهادات) باللّٰه (أنّه لمن الكاذبين فيما رماها به) فتقول : أشهد باللّٰه أنّه لمن الكاذبين فيما
رماني به من الزنا (ثمّ
تقول : إنّ غضب اللّٰه عليها إن كان من الصادقين) فيه ، مقتصرة على ذلك فيهما .
__________________
(ولا
بدّ من التلفّظ بالشهادة على الوجه المذكور) فلو أبدلها بمعناها كاُقسم ، أو أحلف ، أو شهدت ، أو
أبدل الجلالة بغيرها من أسمائه تعالى ، أو أبدل اللعن والغضب والصدق والكذب
بمرادفها ، أو حذف لام التأكيد ، أو علّقه على
غير «مِن» كقوله : «إنّي لصادق» ونحو ذلك من التعبيرات لم يصحّ.
(وأن
يكون الرجل قائماً عند إيراده) الشهادة واللعن وإن كانت المرأة حينئذٍ جالسة (وكذا) تكون (المرأة)
قائمة عند
إيرادها الشهادة والغضب وإن كان الرجل حينئذٍ جالساً.
(وقيل
: يكونان معاً قائمين في الإيرادين)
ومنشأ القولين
اختلاف الروايات
وأشهرها
وأصحّها ما دلّ على الثاني.
(وأن
يتقدّم الرجل أوّلاً) فلو تقدّمت المرأة لم يصحّ عملاً بالمنقول من فعل النبيّ صلى الله عليه وآله
وظاهر الآية ، ولأنّ لعانها لإسقاط الحدّ الذي وجب عليها
بلعان الزوج (وأن
يميّز الزوجة من غيرها تمييزاً يمنع المشاركة) إمّا بأن يذكر اسمها ويرفع نسبها بما يميّزها ، أو يصفها
بما يميّزها عن غيرها ، أو يشير إليها إن كانت حاضرة.
(وأن
يكون) الإيراد بجميع
ما ذكر (باللفظ
العربي) الصحيح (إلّإ
__________________
آن
مع التعذّر) فيجتزئ بمقدورهما منه ، فإن تعذّر تلفّظهما بالعربيّة أصلاً أجزأ غيرُها من
اللغات من غير ترجيح (فيفتقر
الحاكم إلى مترجمين عدلين) يلقيان عليهما الصيغة بما يحسنانه من اللغة (إن لم يعرف) الحاكم (تلك اللغة) وإلّا باشرها بنفسه. ولا يكفي أقلّ من عدلين حيث يفتقر
إلى الترجمة ، ولا يحتاج إلى الأزيد.
(وتجب
البدءة) من الرجل (بالشهادة ، ثمّ
اللعن) كما ذُكر (وفي المرأة بالشهادة
ثمّ الغضب) وكما يجب الترتيب المذكور تجب الموالاة بين كلماتهما
فلو تراخى بما
يعدّ فصلاً أو تكلّم خلالَه بغيره بطل.
(ويستحبّ
أن يجلس الحاكم مستدبرَ القبلة) ليكون وجههما إليها. (وأن يقف الرجل عن يمينه والمرأة عن
يمين الرجل وأن يحضر) من الناس (من
يسمع)
اللعان ولو
أربعة ، عددَ شهود الزنا (وأن
يعظه الحاكم قبل كلمة اللعنة) ويخوّفه اللّٰه تعالى ويقول له : إنّ عذاب الآخرة
أشدّ من عذاب الدنيا ، ويقرأ عليه (إِنَّ اَلَّذِينَ
يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اَللّٰهِ وَأَيْمٰانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً ...) الآية
وإنّ لعنه لنفسه يوجب اللعنة إن كان كاذباً ، ونحو ذلك (ويعظها قبل كلمة الغضب) بنحو ذلك.
(وأن
يغلّظ بالقول) وهو تكرار الشهادات أربع مرّات ، وهو واجب ، لكنّه أطلق الاستحباب نظراً
إلى التغليظ بمجموع الاُمور الثلاثة من حيث هو
__________________
مجموع. وبما قرّرناه صرّح في التحرير .
وأمّا حمله على
زيادة لفظ في الشهادة أو الغضب على نحو ما يُذكر في اليمين المطلقة ، ك «أشهد
باللّٰه الطالب الغالب المهلك ...» ونحو ذلك ، فإنّه وإن كان ممكناً لو نُصّ عليه ، إلّاأ
نّه يشكل بإخلاله بالموالاة المعتبرة في اللفظ المنصوص مع عدم الإذن في تخلّل
المذكور بالخصوص.
(والمكان)
بأن يلاعِنَ
بينهما في موضع شريف (كبين
الركن) الذي فيه الحجر
الأسود (والمقام)
مقام إبراهيم ـ
على نبيّنا وآله وعليه السلام ـ وهو المسمّى بالحطيم (بمكّة ، وفي الروضة) وهي ما بين القبر الشريف والمنبر (بالمدينة ، وتحت
الصخرة في) المسجد (الأقصى
وفي
المساجد بالأمصار) ـ غير ما ذُكر ـ عند المنبر (أو المشاهد الشريفة) للأئمّة أو
الأنبياء عليهم
السلام إن اتّفق. ولو كانت المرأة حائضاً فبباب المسجد فيخرج الحاكم إليها أو يبعث
نائباً ، أو كانا ذمّيّين فبيعة أو كنيسة ، أو مجوسيّين
فبيت نار ، لا
بيت صنم
لوثنيّ؛ إذ لا
حرمة له ، واعتقادهم
غير مرعيّ.
(وإذا
لاعَنَ الرجل سقط عنه الحدّ ووجب على المرأة) لأنّ لعانه حجّة كالبيّنة (فإذا أقرّت) بالزنا (أو) لم تقرّ ولكن (نكلت) عن اللعان
__________________
(وجب)
عليها (الحدّ وإن لاعنت سقط)
عنها.
(ويتعلّق
بلعانهما) معاً (أحكام
أربعة) في الجملة ، لا
في كلّ لعان (سقوط
الحدّين عنهما ، وزوال الفراش) وهذان ثابتان في كلّ لعان (ونفي الولد عن الرجل) لا عن المرأة إن كان اللعان لنفيه (والتحريم المؤبّد) وهو ثابت مطلقاً كالأوّلين. ولا يُنتفى عنه الحدّ
إلّابمجموع لعانه ، وكذا المرأة. ولا تثبت الأحكام أجمع إلّابمجموع لعانهما.
(و)
على هذا (لو أكذب نفسه في
أثناء اللعان وجب عليه حدّ القذف) ولم يثبت شيء من الأحكام.
(و)
لو أكذب نفسه (بعد لعانه) وقبل لعانها ففي وجوب الحدّ عليه (قولان)
منشؤهما : من
سقوط الحدّ عنه بلعانه ولم يتجدّد منه قذف بعده فلا وجه لوجوبه ، ومن أنّه قد أكّد
القذف السابق باللعان لتكراره إيّاه فيه ، والسقوط إنّما يكون مع علم صدقه أو
اشتباه حاله ، واعترافه بكذبه ينفيهما ، فيكون لعانه قذفاً محضاً ، فكيف يكون
مسقطاً؟
(وكذا)
القولان
لو أكذب نفسه (بعد لعانهما) لعين ما ذُكر في الجانبين.
__________________
والأقوى ثبوته
فيهما؛ لما ذُكر ، ولرواية محمّد بن الفضيل
عن الكاظم عليه
السلام : «أنّه سأله عن رجل لاعن امرأته وانتفى من
ولدها ثمّ أكذب نفسه هل يردّ عليه ولدها ؟
قال : إذا أكذب نفسه جُلد الحدّ ورُدّ عليه ابنه ، ولا ترجع إليه امرأته أبداً» .
(لكن)
لو كان رجوعه
بعد لعانهما (لا
يعود الحِلّ) للرواية ، وللحكم بالتحريم شرعاً ، واعترافه لا يصلح لإزالته. (ولا يرث الولد) لما ذُكر (وإن ورثه الولد) لأنّ اعترافه إقرار في حقّ نفسه بإرثه منه ، ودعوى
ولادته قد انتفت شرعاً ، فيثبت إقراره على نفسه ولا تثبت دعواه على غيره. وكذا لا
يرث الولدُ أقرباءَ الأب ولا يرثونه إلّامع تصديقهم على نسبه في قول
لأنّ الإقرار
لا يتعدّى المقرّ.
(ولو
أكذبت) المرأة (نفسها بعد لعانها
فكذلك) لا يعود الفراش
ولا يزول التحريم (ولا
حدّ عليها) بمجرّد إكذابها نفسها؛ لأنّه إقرار بالزنا وهو لا يثبت (إلّاأن تقرّ أربعاً)
ـ كما سيأتي إن
شاء اللّٰه تعالى ـ فإذا أقرّت أربعاً حُدّت (على خلاف) في ذلك ، منشؤه ما ذكرناه : من أنّ الإقرار بالزنا
أربعاً من الكامل الحرّ المختار يثبت حدّه ، ومن سقوطه بلعانهما؛ لقوله تعالى : (وَيَدْرَؤُا
عَنْهَا اَلْعَذٰابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهٰادٰاتٍ
بِاللّٰهِ)
الآية
فلا يعود.
__________________
(ولو
قذفها) الزوج (برجل) معيّن (وجب
عليه حدّان) أحدهما لها ، والآخر للرجل؛ لأنّه قذفٌ لاثنين (وله إسقاط حدّها *
باللعان)
دون حدّ الرجل.
(ولو
أقام بيّنة) بذلك (سقط
الحدّان) كما يسقط حدّ
كلّ قذف بإقامة البيّنة بالفعل المقذوف به ، وكذا يسقط الحدّ لو عفى مستحقّه أو
صدّق على الفعل ، لكن إن كانت هي المصدّقة وهناك نسب لم ينتفِ بتصديقها؛ لأنّه
إقرار في حقّ الغير.
وهل له أن
يلاعن لنفيه؟ قولان
من عموم ثبوته
لنفي الولد ، وكونه غير متصوّر هنا؛ إذ لا يمكن الزوجة أن تشهد باللّٰه أنّه
لمن الكاذبين بعد تصديقها إيّاه. نعم ، لو صادقته على أصل الزنا ، دون كون الولد
منه توجّه اللعان منها؛ لإمكان شهادتها بكذبه في نفيه وإن ثبت زناها.
(ولو
قذفها فماتت قبل اللعان سقط اللعان) لتعذّره بموتها (وورثها) لبقاء الزوجيّة (وعليه الحدّ للوارث) بسبب القذف؛ لعدم تقدّم مسقطه (وله أن يلاعن لسقوطه)
وإن لم يكن
بحضور الوارث؛ لأنّه إمّا شهادات أو أيمان ، وكلاهما لا يتوقّف على حياة المشهود
عليه والمحلوف لأجله ، ولعموم الآية. وقد تقدّم : أنّ لعانه يُسقط عنه الحدّ ويوجب
الحدّ عليها ، ولعانهما يوجب الأحكام الأربعة
فإذا انتفى
الثاني بموتها بقي الأوّل خاصّة ، فيسقط الحدّ (ولا ينتفي
__________________
الإرث
بلعانه
بعد الموت) كما لا تنتفي الزوجيّة بلعانه قبلَه (إلّاعلى رواية) أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال : (إن
قام رجل من أهلها فلاعنه فلا ميراث له ، وإن أبى أحد منهم فله الميراث) . ومثله روى عمرو بن خالد عن زيد عن آبائه عليهم السلام
وبمضمونها عمل
جماعة .
والروايتان مع
إرسال الاُولى
وضعف سند
الثانية
مخالفتان للأصل
، من حيث إنّ اللعان شُرّع بين الزوجين فلا يتعدّى ، وإنّ لعان الوارث متعذّر؛
لأنّه إن اُريد مجرّد حضوره فليس بلعان حقيقي ، وإن اُريد إيقاع الصيغ
المعهودة من
الزوجة فبعيد؛ لتعذّر القطع من الوارث على نفي فعل غيره غالباً ، وإيقاعه على نفي
العلم تغيير للصورة المنقولة شرعاً ، ولأنّ الإرث قد استقرّ بالموت ، فلا وجه
لإسقاط اللعان المتجدّد له.
(ولو
كان الزوج أحد الأربعة) الشهود بالزنا (فالأقرب حدّها) لأنّ شهادة الزوج مقبولة على زوجته (إن لم تختلّ الشرائط)
المعتبرة في
الشهادة (بخلاف
ما إذا سبق الزوج بالقذف) فإنّ شهادته تردّ لذلك ، وهو من جملة
__________________
اختلال الشرائط (أو
اختلّ غيره من الشرائط) كاختلاف كلامهم في الشهادة ، أو أدائهم الشهادة مختلفي
المجلس ، أو عداوة أحدهم لها ، أو فسقه ، أو غير ذلك (فإنّها) حينئذٍ (لا تُحدّ) لعدم اجتماع شرائط ثبوت الزنا (ويلاعن الزوج) لإسقاط الحدّ عنه بالقذف (وإلّا) يلاعن (حُدّ)
ويُحدّ باقي
الشهود للفرية.
واعلم أنّ
الأخبار وكلام الأصحاب اختلف في هذه المسألة فروى إبراهيم ابن نعيم عن الصادق عليه
السلام جواز شهادة الأربعة الذين أحدهم الزوج
ولا معنى
للجواز هنا إلّاالصحّة
التي يترتّب
عليها أثرها ، وهو حدّ المرأة. وعمل بها جماعة
ويؤيّدها
قوله تعالى : (وَلَمْ
يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلاّٰ أَنْفُسُهُمْ)
فإنّ ظاهرها أنّه
إذا كان غيره فلا لعان ، وقوله تعالى : (وَاَللاّٰتِي
يَأْتِينَ اَلْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا
عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ)
فإنّ الظاهر
كون الخطاب للحاكم؛ لأنّه المرجع في الشهادة ، فيشمل الزوج وغيره.
وروى زرارة عن
أحدهما عليهما السلام في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم
__________________
زوجها قال : (يُلاعن ويُجلد الآخرون)
وعمل بها
الصدوق
وجماعة
ويؤيّدها قوله
تعالى : (لَوْ لاٰ جٰاؤُ عَلَيْهِ
بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ)
والمختار
القبول.
ويمكن الجمع
بين الروايتين ـ مع تسليم إسنادهما ـ بحمل الثانية على اختلال شرائط الشهادة كسبق
الزوج بالقذف أو غيره ، كما نبّه عليه المصنّف بقوله : (إن لم تختلّ الشرائط
...) إلى آخره.
وأمّا تعليلها بكون الزوج خصماً لها فلا تُقبل شهادته عليها
، فهو في حيّز
المنع.
* * *
__________________
كتاب العتق
(كتاب العتق)
وهو لغةً : الخلوص
ومنه سُمّيت جياد الخيل عتاقاً ، والبيت الشريف عتيقاً.
وشرعاً : خلوص المملوك الآدمي أو بعضه من الرقّ ، وبالنسبة إلى عتق المباشرة
المقصود بالذات من الكتاب تخلّص المملوك الآدمي ، أو بعضه من الرقّ منجزاً بصيغة
مخصوصة.
(وفيه
أجر عظيم) قال النبيّ صلى الله عليه وآله : «من أعتق
مؤمناً أعتق اللّٰه العزيز الجبّار بكلّ عضوٍ عضواً له من النار؛ فإن كان
اُنثى أعتق اللّٰه العزيز الجبّار بكلّ عضوين منها عضواً من النار؛ لأنّ
المرأة نصف الرجل»
وقال صلى الله
عليه وآله : «من أعتق رقبةً مؤمنةً كانت فداه من
النار»
ولما فيه من
تخليص الآدمي من ضرر الرقّ وتملّكه منافعَه ، وتكمُّل أحكامه.
ويحصل العتق
باختيار سببه ، وغيره.
__________________
فالأوّل
بالصيغة المنجَّزة ، والتدبير ، والكتابة ، والاستيلاد ، وشراء الذكر أحد العمودين
أو المحارم من النساء ، والاُنثى أحد العمودين ، وإسلام المملوك في دار الحرب قبل
مولاه مع خروجه منها قبلَه ، وتنكيل المولى به.
والثاني
بالجذام ، والعمى ، والإقعاد ، وموت المورِّث ، وكون أحد الأبوين حرّاً إلّاأن
يُشترطَ رقّه ، على الخلاف.
وهذه الأسباب
منها تامّة في العتق كالإعتاق بالصيغة ، وشراء القريب ، والتنكيل ، والجذام
والإقعاد. ومنها ناقصة تتوقّف على أمر آخر ، كالاستيلاد لتوقّفه على موت المولى
واُمور اُخر ، والكتابة لتوقّفها على أداء المال ، والتدبيرِ لتوقّفه على موت
المولى ونفوذه من ثلث ماله ، وموتِ المورّث لتوقّفه على دفع القيمة إلى مالكه ، وغيره
ممّا يفصّل في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى.
ويفتقر الأوّل
إلى صيغة مخصوصة.
(وعبارته
الصريحة التحرير ، مثل أنت مثلاً) أو هذا أو فلان (حرّ). ووقوعه بلفظ التحرير موضع وفاق ، وصراحته فيه واضحة ، قال
اللّٰه تعالى : (وَمَنْ
قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)
(وفي
قوله : أنت عتيق ، أو معتق خلاف) منشؤه الشكّ في كونه مرادفاً للتحرير فيدلّ عليه صريحاً
، أو كناية عنه فلا يقع به. و (الأقرب
وقوعه) به؛ لغلبة
استعماله فيه في اللغة والحديث والعرف ، وقد تقدّم بعضه واتّفق الأصحاب على صحّته
في قول السيّد لأمته : أعتقتكِ وتزوّجتكِ ... إلى آخره.
(ولا
عبرة بغير ذلك من الألفاظ) التي لم توضع له شرعاً (صريحاً كان) في إزالة الرقّ (مثل أزلت عنك الرقّ أو فككت رقبتك ، أو
كناية) عنه
__________________
تحتمل غير العتق (مثل
أنت) بفتح التاء (سائبة) أو لا ملك لي عليك ، أو لا سلطان ، أو لا سبيل ، أو أنت
مولاي. ويدخل في (غير
ذلك) ما دلّ على
الإعتاق بلفظ الماضي الذي يقع به غيره كأعتقتك ، بل الصريح محضاً كحرّرتك.
وظاهرهم عدم
وقوعه بهما ، ولعلّه لبعد الماضي عن الإنشاء ، وقيامه مقامه في العقود على وجه
النقل خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على محلّه. مع احتمال الوقوع به هنا؛ لظهوره فيه.
(وكذا
لا عبرة بالنداء مثل يا حرُّ) ويا عتيق ويا مُعتَق (وإن قصد التحرير بذلك) المذكور من اللفظ غير المنقول شرعاً ، ومنه الكناية
والنداء (كلِّه)
اقتصاراً في
الحكم بالحرّيّة على موضع اليقين ، ولبعد النداء عن الإنشاء.
وربما احتمل
الوقوع به من حيث إنّ حرف الإشارة إلى المملوك لم يعتبره الشارع بخصوصه ، وإنّما
الاعتبار بالتحرير والإعتاق ، واستعمال «يا»
بمعنى «أنت» أو «فلان» مع القصد جائز.
ويضعَّف بأنّ
غاية ذلك أن يكون كناية لا صريحاً ، فلا يقع به ، ولا يخرج الملك المعلوم عن أصله.
وحيث لا يكون اللفظ مؤثّراً شرعاً في الحكم لا ينفعه ضمّ القصد إليه. ونبّه
بالغاية
على خلاف من
اكتفى بغير الصريح إذا انضمّ إلى النيّة من العامّة .
ويقوى الإشكال
لو كان اسمها «حرّة» فقال : أنتِ حرّة وشكّ في قصده؛
__________________
لمطابقة اللفظ للمتّفق على التحرير به ، واحتمالِ الإخبار بالاسم.
والأقوى عدم
الوقوع. نعم ، لو صرّح بقصد الإنشاء صحّ ، كما أنّه لو صرّح بقصد الإخبار قُبِل
ولم يُعتق.
(وفي
اعتبار التعيين) للمعتَق (نظر)
منشؤه : النظر
إلى عموم الأدلّة الدالّة على وقوعه بالصيغة الخاصّة ، وأصالة عدم التعيين ، وعدم
مانعيّة الإبهام في العتق شرعاً ، من حيث وقع لمريضٍ أعتق عبيداً يزيدون عن ثلث
ماله ولم يُجز الورثة ، والالتفات إلى أنّ العتق أمر معيَّن فلا بدّ له من محلّ
معيَّن.
وقد تقدّم مثله
في الطلاق
والمصنّف رجّح
في شرح الإرشاد الوقوع
وهنا توقّف.
وله وجه إن لم يترجّح اعتباره ، فإن لم يعتبر التعيين فقال
: «أحد عبيدي حرّ» صحّ ، وعيّن من
شاء.
وفي وجوب
الإنفاق عليهم قبلَه ، والمنع من استخدام أحدهم وبيعه ، وجهان : من ثبوت النفقة
قبل العتق ولم يتحقّق بالنسبة
إلى كلّ واحد
فيستصحب ، واشتباه الحرّ منهم بالرقّ مع انحصارهم فيحرم استخدامهم وبيعهم. ومن
استلزام ذلك الإنفاق على الحرّ بسبب الملك والمنع من استعمال المملوك. والأقوى
الأوّل.
واحتمل المصنّف
استخراج المعتَق بالقرعة ، وقطع بها لو مات قبل التعيين
ويشكل كلّ
منهما بأنّ القرعة لاستخراج ما هو معيّن في نفسه غير متعيّن ظاهراً ،
__________________
لا لتحصيل التعيين.
فالأقوى الرجوع
إليه فيه أو إلى وارثه بعدَه.
ولو عدل
المعيّن عن من عيّنه لم يُقبل ولم ينعتق الثاني؛ إذ لم يبقَ للعتق محلّ. بخلاف ما
لو أعتق معيّناً واشتبه ثمّ عدل فإنّهما ينعتقان.
(ويشترط
بلوغ المولى) المعتِق (واختياره
ورشده وقصده) إلى العتق (والتقرّب
به إلى اللّٰه تعالى) لأنّه عبادة ولقولهم عليهم السلام
: «لا عتق إلّا ما اُريد به وجه اللّٰه تعالى»
(وكونُه
غيرَ محجور عليه بفَلَس ، أو مرض فيما زاد على الثُلث) فلا يقع من الصبيّ وإن بلغ عشراً ، ولا من المجنون
المطبق ، ولا غيره في غير وقت كماله ، ولا المكره ، ولا السفيه ، ولا الناسي
والغافل والسكران ، ولا من غير المتقرّب به إلى اللّٰه تعالى ، سواء قصد
الرياء أم لم يقصد شيئاً ، ولا من المفلَّس بعد الحجر عليه أمّا قبلَه فيجوز وإن
استوعب دينُه مالَه ، ولا من المريض إذا استغرق دينُه تركتَه أو زاد المعتَق عن
ثلث ماله بعد الدين إن كان ، إلّامع إجازة الغرماء والورثة.
وفي الاكتفاء
بإجازة الغرماء في الصورة الاُولى وجهان : من أنّ المنع من العتق لحقّهم ، ومن
اختصاص الوارث بعين التركة. والأقوى
التوقّف على
إجازة الجميع.
(والأقرب
صحّة مباشرة الكافر) للعتق؛ لإطلاق الأدلّة
أو عمومها ، ولأنّ
العتق إزالة ملك ، وملك الكافر أضعف من ملك المسلم فهو أولى بقبول
__________________
الزوال. واشتراطه بنيّة القربة لا ينافيه؛ لأنّ ظاهر الخبر السالف أنّ
المراد منها إرادة وجه اللّٰه تعالى ، سواء حصل الثواب أم لم يحصل. وهذا
القدر ممكن ممّن يقرّ باللّٰه تعالى. نعم ، لو كان الكفر بجحد الإلهيّة
مطلقاً توجّه إليه المنع. وكونه عبادة مطلقاً ممنوع ، بل هو عبادة خاصّة يغلب فيها
فكّ الملك ، فلا يمتنع من الكافر مطلقاً.
وقيل : لا يقع
من الكافر مطلقاً
نظراً إلى أنّه
عبادة تتوقّف على القربة ، وأنّ المعتبر من القربة ترتّب أثرها من الثواب ، لا
مطلق طلبها كما ينبّه عليه حكمهم ببطلان صلاته وصومه لتعذّر القربة منه ، فإنّ
القدر المتعذّر هو هذا المعنى ، لا ما ادّعوه أوّلاً ، ولأنّ العتق شرعاً ملزوم
للولاء ولا يثبت ولاء الكافر على المسلم؛ لأنّه سبيل منفيّ عنه ، وانتفاء اللازم
يستلزم انتفاء الملزوم.
وفي الأوّل ما
مرّ. وفي الثاني أنّ الكفر مانع من الإرث كالقتل ، كما هو مانع في النسب.
والحقّ أنّ
اتّفاقهم على بطلان عبادته من الصلاة ونحوها واختلافهم في عتقه وصدقته ووقفه عند
من يعتبر نيّة القربة فيه ، يدلّ على أنّ لهذا النوع من التصرّف المالي حكماً
ناقصاً عن مطلق العبادة
من حيث
الماليّة ، وكونِ الغرض منها نفع الغير فجانب الماليّة فيها أغلب من جانب العبادة
، فمن ثمّ وقع الخلاف فيها دون غيرها من العبادة ((
والقول بصحّة
عتقه متّجه مع تحقّق قصده إلى القربة وإن لم يحصل لازمها.
__________________
(وكونِه» ـ بالجرّ ـ عطفاً على مباشرة
الكافر ، أي والأقرب صحّة كون الكافر «محلّاً» للعتق بأن يكون العبد المعتَق
كافراً ، لكن «بالنذر لا غير» بأن ينذر عتق مملوك بعينه وهو كافر. أمّا المنع من
عتقه مطلقاً ، فلأ نّه خبيث وعتقه إنفاق له في سبيل اللّٰه وقد نهى
اللّٰه تعالى عنه بقوله : (وَلاٰ
تَيَمَّمُوا اَلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ)
ولاشتراط القربة فيه كما مرّ ، ولا قربة في الكافر ، ولرواية سيف بن عميرة عن
الصادق عليه السلام قال : «سألته أيجوز للمسلم أن يُعتِق مملوكاً مشركاً؟ قال : لا»
.
وأمّا جوازه
بالنذر ، فللجمع بين ذلك وبين ما رُوي أنّ عليّاً عليه السلام أعتق عبداً
نصرانيّاً فأسلم حين أعتقه
بحمله على
النذر ، والاُولى على عدمه.
وفيهما معاً
نظر؛ لأنّ ظاهر الآية وقول المفسّرين : أنّ الخبيث هو الرديء من المال يُعطى
الفقير
وربما كانت
الماليّة في الكافر خيراً من العبد المسلم ، والإنفاق؛ لماليّته ، لا لمعتقده
الخبيث؛ ومع ذلك فالنهي مخصوص بالصدقة الواجبة؛ لعدم تحريم الصدقة المندوبة بما قلّ
ورَدُؤَ حتّى بشقّ تمرة إجماعاً. والقربة يمكن تحقّقها في عتق المولى الكافر
المقرّ باللّٰه تعالى الموافق له في الاعتقاد ، فإنّه يقصد به وجه
اللّٰه تعالى كما مرّ وإن لم يحصل الثواب ، وفي المسلم إذا ظنّ القربة
بالإحسان إليه وفكّ رقبته من الرقّ وترغيبه في الإسلام ، كما روي من فعل عليّ عليه
السلام وخبر سيف مع ضعف سنده
أخصّ من
المدّعى ، ولا ضرورة
__________________
إلى الجمع حينئذٍ بما لا يدلّ عليه اللفظ أصلاً ، فالقول بالصحّة مطلقاً مع
تحقّق القربة متّجه ، وهو مختار المصنّف في الشرح .
(ولا
يقف العتق على إجازة) المالك لو وقع من غيره (بل
يبطل عتق الفضولي) من رأسٍ إجماعاً ، ولقوله صلى الله عليه وآله
: «لا عتق إلّافي ملك»
ووقوعه من غيره
بالسراية خروج عن المتنازع ، واستثناؤه إمّا منقطع ، أو نظراً إلى مطلق الانعتاق.
ولو علّق غير المالك العتق بالملك لغا ، إلّاأن يجعله نذراً أو ما
في معناه ، ك «للّٰهعليّ إعتاقه إن ملكته» فيجب عند حصول الشرط ، ويفتقر
إلى صيغة العتق وإن قال : «للّٰهعليَّ أنّه حرّ إن ملكته» على الأقوى.
وربما قيل
بالاكتفاء هنا بالصيغة الاُولى
اكتفاءً بالملك
الضمنيّ ، كملك القريب آناً ثمّ يُعتَق.
(ولا
يجوز تعليقه على شرط) كقوله : «أنت حرّ إن
فعلت كذا» أو «إذا طلعت الشمس» (إلّافي
التدبير فإنّه) يجوز أن (يعلّق
بالموت) كما سيأتي (لا بغيره) وإلّا في النذر حيث لا يفتقر إلى صيغة إن قلنا به.
(نعم
، لو نذر عتق عبده عند شرط) سائغ على ما فُصّل (انعقد) النذر وانعتق مع وجود الشرط إن كانت الصيغة : أنّه إن
كان كذا من الشروط السائغة فعبدي حرّ. ووجب عتقه إن قال
: «فللّه عليَّ أن أعتقه). والمطابق للعبارة ، الأوّل؛ لأنّه العتق المعلّق ، لا الثاني
فإنّه الإعتاق.
__________________
ومثله القول
فيما إذا نذر أن يكون ماله صدقة ، أو لزيد ، أو أن يتصدّق به ، أو يعطيه لزيد ، فإنّه
ينتقل عن ملكه بحصول الشرط في الأوّل ويصير ملكاً لزيد قهريّاً ، بخلاف الأخير
فإنّه لا يزول ملكه به ، وإنّما يجب أن يتصدّق أو يعطي زيداً ، فإن لم يفعل بقي
على ملكه وإن حنث. ويتفرّع على ذلك إبراؤه منه قبل القبض فيصحّ في الأوّل ، دون
الثاني.
(ولو
شرط عليه) في صيغة العتق (خدمة)
مدّة مضبوطة
متّصلة بالعتق أو منفصلة أو متفرّقة مع الضبط (صحّ) الشرط والعتق؛ لعموم
«المؤمنون عند شروطهم»
ولأنّ منافعه
المتجدّدة ورقبته ملك للمولى ، فإذا أعتقه بالشرط فقد فكّ رقبته وغيرَ المشترط من
المنافع وأبقى المشترط على ملكه ، فيبقى استصحاباً للملك ووفاءً بالشرط.
وهل يشترط قبول
العبد؟ الأقوى العدم ، وهو ظاهر إطلاق العبارة؛ لِما ذكرناه.
ووجه اشتراط
قبوله : أنّ الإعتاق يقتضي التحرير والمنافع تابعة ، فلا يصحّ شرط شيء منها
إلّابقبوله.
وهل تجب على
المولى نفقته في المدّة المشترطة؟ قيل : نعم
لقطعه بها عن
التكسّب.
ويشكل بأ نّه
لا يستلزم وجوب النفقة كالأجير والموصى بخدمته. والمناسب للأصل ثبوتها من بيت
المال أو من الصدقات؛ لأنّ أسباب النفقة
__________________
مضبوطة شرعاً وليس هذا منها ، وللأصل. وكما يصحّ اشتراط الخدمة يصحّ اشتراط
شيء معيّن من المال؛ للعموم
لكن الأقوى هنا
اشتراط قبوله؛ لأنّ المولى لا يملك إثبات مال في ذمّة العبد ، ولصحيحة حريز عن
الصادق عليه السلام .
وقيل : لا
يشترط كالخدمة
لاستحقاقه عليه
رقّاً السعي في الكسب كما يستحقّ الخدمة ، فإذا شرط عليه مالاً فقد استثنى من
منافعه بعضها. وضعفه ظاهر.
وحيث يشترط
الخدمة لا يتوقّف انعتاقه على استيفائها ، فإن وفى بها في وقتها ، وإلّا استقرّت
اُجرة مثلها في ذمّته؛ لأنّها مستحقّة عليه وقد فاتت فيرجع إلى اُجرتها ، ولا فرق
بين المعتق ووارثه في ذلك.
(ولو
شرط عوده في الرقّ إن خالف) شرطاً شَرَطه عليه في صيغة العتق (فالأقرب بطلان العتق)
لتضمّن الشرط
عود من تثبت حرّيّته رقّاً وهو غير جائز.
ولا يرد مثله
في المكاتب المشروط؛ لأنّه لم يخرج عن الرقّيّة وإن تشبّث
__________________
بالحرّيّة بوجه ضعيف ، بخلاف المعتَق بشرط. وقول سيّد المكاتَب
: (فأنت ردّ في الرقّ) يريد به الرقّ
المحض ، لا مطلق الرقّ.
وقيل : يصحّ
الشرط ويرجع بالإخلال
للعموم ورواية
إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السلام أنّه سأله
«عن الرجل يُعتق مملوكه ويزوّجه ابنته ويشترط عليه إن أغارها أن يردّه في الرقّ؟
قال : له شرطه»
وطريق الرواية
ضعيف ومتنها منافٍ للاُصول ، فالقول بالبطلان أقوى.
وذهب بعض
الأصحاب
إلى صحّة العتق
وبطلان الشرط لبنائه على التغليب. ويضعَّف بعدم القصد إليه مجرّداً عن الشرط وهو
شرط الصحّة كغيره من الشروط.
(ويستحبّ
عتق) المملوك (المؤمن) ذكراً كان أم اُنثى (إذا أتى عليه) في ملك المولى المندوب إلى عتقه (سبع سنين) لقول الصادق عليه السلام
: «من كان مؤمناً فقد عُتِق بعد سبع سنين ، أعتقه صاحبه أم لم يعتقه ، ولا تحلّ
خدمة من كان مؤمناً بعد سبع سنين»
وهو محمول على
تأكّد استحباب عتقه؛ للإجماع على أنّه لا يُعتق بدون الإعتاق (بل يستحبّ) العتق (مطلقاً(
__________________
خصوصاً للمؤمن.
(ويُكره
عتق العاجز عن الاكتساب *
إلّاأن
يُعينه) بالإنفاق ، قال
الرضا عليه السلام : «من أعتق مملوكاً لا
حيلة له فإنّ عليه أن يعوله حتّى يستغني عنه ، وكذلك كان عليّ عليه السلام يفعل
إذا أعتق الصغار ومن لا حيلة له» .
(و)
كذا يُكره (عتق المخالف) للحقّ في الاعتقاد؛ للنهي عنه في الأخبار ، المحمول على
الكراهة جمعاً. قال الصادق عليه السلام : «ما أغنى
اللّٰه عن عتق أحدكم ، تعتقون اليوم يكون علينا غداً ، لا يجوز لكم أن
تعتقوا إلّاعارفاً» . و (لا)
يُكره عتق (المستضعف) الذي لا يعرف الحقّ ولا يعاند فيه ، ولا يوالي أحداً
بعينه؛ لرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام
: «قال : قلت له : الرقبة تعتق من المستضعفين؟ قال : نعم» .
(ومن خواصّ العتق
السراية)
وهو انعتاق
باقي المملوك إذا اُعتق بعضه بشرائط خاصّة (فمن أعتق شِقصاً) ـ بكسر الشين ـ أي جزءاً (من عبده) أو أمته ـ وإن قلّ الجزء ـ سرى العتق فيه أجمع و (عُتِق كلّه) وإن لم يملك سواه (إلّاأن يكون) المعتِق (مريضاً ولم يبرأ) من مرضه الذي أعتق فيه (ولم يخرج) المملوك (من
__________________
الثلث)
أي ثلث مال
المعتق ، فلا يُعتق حينئذٍ أجمع ، بل ما يسعه الثلث (إلّامع الإجازة) من الوارث فيُعتق أجمع إن أجازه ، وإلّا فبحسب ما أجازه.
هذا هو المشهور
بين الأصحاب وربما كان إجماعاً ، ومستنده من الأخبار
ضعيف
ومن ثَمَّ ذهب
السيّد جمال الدين بن طاووس إلى عدم السراية بعتق البعض مطلقاً
استضعافاً
للدليل المخرج عن حكم الأصل ، ولموافقته لمذهب العامّة
مع أنّه قد روى
حمزة بن حمران عن أحدهما عليهما السلام قال :
«سألته عن الرجل أعتق نصف جاريته ثمّ قذفها بالزنا؟ قال : فقال : أرى أنّ عليه
خمسين جلدة ويستغفر ربّه» الحديث
وفي معناه
خبران آخران
وحملها الشيخ
على أنّه لا يملك نصفها الآخر مع إعساره .
(ولو
كان له فيه) أي في المملوك الذي اُعتق بعضه (شريك قُوّم عليه نصيبه) وعُتق أجمع (مع يساره) أي يسار المعتق بأن يملك حال العتق
__________________
زيادة عمّا يُستثنى في الدين : من داره وخادمه ودابّته ، وثيابه اللائقة بحاله
كمّيّة وكيفيّة ، وقوت يوم له ولعياله ما يسع قيمة نصيب الشريك ، فتدفع إليه
ويُعتق.
ولو كان
مديوناً يستغرق دينه ماله الذي يُصرف فيه ، ففي كونه موسراً أو معسراً قولان
أوجههما
الأوّل؛ لبقاء الملك معه.
وهل تنعتق حصّة
الشريك بعتق المالك حصّته ، أو بأداء قيمتها إليه ، أو بالعتق مراعى بالأداء؟
أقوال وفي الأخبار
ما يدلّ على
الأوّلين ، والأخير طريق الجمع.
وتظهر الفائدة
فيما لو أعتق الشريك حصّته قبل الأداء ، فيصحّ على الثاني ، دون الأوّل. وفي
اعتبار القيمة ، فعلى الأوّل يوم العتق ، وعلى الثاني يوم الأداء ، والظاهر أنّ
الثالث كالأوّل. وفيما لو مات قبل الأداء ، فيموت حرّاً على الأوّل
__________________
ويرثه وارثه ، دون الثاني ، ويعتبر الأداء في ظهور حرّيّته على الثالث.
وفيما لو وجب عليه حدّ قبله ، فكالحرّ على الأوّل ، والمبعَّض على الثاني ، وفي
الحكم على الثالث نظر. وفيما لو أيسر المباشر بعد العتق وقبل الأداء ، فعلى الأوّل
لا يجب عليه الفكّ ، وعلى الثاني يجب ، وفي الثالث نظر وإلحاقه بالأوّل مطلقاً
حسن.
(وسعى
العبد) في باقي قيمته
بجميع سعيه ، لا بنصيب الحرّيّة خاصّة (مع إعساره) عنه أجمع ، فإذا أدّى عُتق كالمكاتب المطلق. ولو أيسر
بالبعض سرى عليه بقدره على الأقوى ، وسعى العبد في الباقي.
ولا فرق في عتق
الشريك بين وقوعه للإضرار بالشريك وعدمه مع تحقّق القربة المشترطة. خلافاً للشيخ
حيث شرط في السراية مع اليسار قصد الإضرار وأبطل العتق بالإعسار معه ، وحكم بسعي
العبد مطلقاً مع قصد القربة
استناداً إلى
أخبار تأويلها بما يدفع المنافاة بينها وبين ما دلّ على
المشهور طريق الجمع.
(ولو
عجز العبد) عن السعي أو امتنع منه ولم يمكن إجباره أو مطلقاً في ظاهر كلامهم (فالمهايأة) بالهمز (في كسبه) بمعنى أنّهما يقتسمان الزمان بحسب ما يتّفقان عليه ، ويكون
كسبه في كلّ وقت لمن ظهر له بالقسمة (وتتناول) المهايأة (المعتاد) من الكسب كالاحتطاب (والنادر) كالالتقاط.
__________________
وربما قيل : لا
يتناول النادر
لأنّها معاوضة
فلو تناولته تجهّلت
والمذهب خلافه
، والأدلّة عامّة
والنفقة
والفطرة عليهما بالنسبة.
ولو ملك بجزئه
الحرّ مالاً كالإرث والوصيّة لم يشاركه المولى فيه وإن اتّفق في نوبته.
ولو امتنعا أو
أحدهما من المهايأة لم يجبر الممتنع ، وكان على المولى نصف اُجرة عمله الذي يأمره
به ، وعلى المبعَّض نصف اُجرة ما يغصبه
من المدّة
ويفوّته اختياراً.
(ولو
اختلفا في القيمة حلف الشريك؛ لأنّه يُنتزع من يده) فلا ينتزع إلّا بما يقوله؛ لأصالة عدم استحقاق ملكه
إلّابعوض يختاره ، كما يحلف المشتري لو نازعه الشفيع فيها؛ للعلّة.
وقيل : يحلف
المعتق؛ لأنّه غارم
وربما بُني
الخلاف على عتقه بالأداء أو الإعتاق ، فعلى الأوّل الأوّل ، وعلى الثاني الثاني ، وعليه
المصنّف في الدروس
لكن قدّم على
الحلف عرضه على المقوّمين مع الإمكان.
__________________
والأقوى تقديم
قول المعتق؛ للأصل ، ولأ نّه متلف فلا يقصر عن الغاصب المتلف.
(وقد
يحصل العتق بالعمى) أي عمى المملوك بحيث لا يبصر أصلاً؛ لقول الصادق عليه السلام في حسنة حمّاد
: «إذا عمي المملوك فقد اُعتق»
وروى السكوني
عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : قال رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله
: «إذا عمي المملوك فلا رقّ عليه ، والعبد
إذا جُذم فلا رقّ عليه»
وفي معناهما
أخبار كثيرة .
(والجذامِ)
وكأ نّه إجماع
ومن ثمّ لم ينكره ابن إدريس
وإلّا فالمستند
ضعيف ، وألحق به ابن حمزة البرص
ولم يثبت.
(والإقعاد)
ذكره الأصحاب
ولم نقف على مستنده ، وفي النافع نسبه إلى الأصحاب
مشعراً بتمريضه
إن لم تكن إشارة إلى أنّه إجماع وكونه المستند.
__________________
(وإسلام
المملوك في دار الحرب سابقاً على مولاه) خارجاً منها قبله على أصحّ القولين
للخبر
ولأنّ إسلام
المملوك لا ينافي ملك الكافر له ، غايته أنّه يُجبر على بيعه. وإنّما يملك نفسه
بالقهر لسيّده ، ولا يتحقّق ثَمَّ إلّابالخروج إلينا قبله. ولو أسلم بعده لم يُعتق
وإن خرج إلينا قبلَه. ومتى ملك نفسه أمكن بعد ذلك أن يسترقّ مولاه إذا قهره ، فتنعكس
المولويّة.
(ودفعِ
قيمة) المملوك (الوارث) إلى سيّده ليُعتق ويرث. ويظهر من العبارة انعتاقه بمجرّد
دفع القيمة ، حيث جعله سبب العتق ، وكذا يظهر منها الاكتفاء في عتقه بدفع القيمة
من غير عقد وسيأتي في الميراث
أنّه يُشترى
ويُعتق. ويمكن أن يُريد كون دفع القيمة من جملة أسباب العتق وإن توقّف على أمر آخر
، كسببيّة التدبير والكتابة والاستيلاد.
(وتنكيلِ
المولى بعبده)
في المشهور ، وبه
روايتان : إحداهما
__________________
مرسلة
وفي بعض سند
الاُخرى جهالة
ومن ثَمَّ
أنكره ابن إدريس .
وأصل التنكيل :
فعل الأمر الفظيع بالغير ، يقال : نكَّل به تنكيلاً إذا جعله نكالاً وعبرة لغيره ،
مثل أن يقطع أنفه أو لسانه أو اُذنيه أو شفتيه. وليس في كلام الأصحاب هنا شيء
محرَّر ، بل اقتصروا على مجرّد اللفظ فيرجع فيه إلى العرف ، فما يُعدّ تنكيلاً
عرفاً يترتّب عليه حكمه والأمة في ذلك كالعبد. ومورد الرواية المملوك ، فلو عبّر
به المصنّف كان أولى.
(و)
قد يحصل العتق (بالملك) فيما إذا ملك الذكر أحد العمودين أو إحدى المحرّمات
نسباً أو رضاعاً ، والمرأة أحد العمودين (وقد سبق) تحقيقه في كتاب البيع .
(ويلحق
بذلك مسائل) :
(لو
قيل لمن أعتق بعض عبيده : أأعتقتهم؟) أي عبيدك بصيغة العموم من غير تخصيص بمن أعتقه (فقال : نعم ، لم
يُعتَق سوى من أعتقه) لأنّ هذه الصيغة لا تكفي في العتق ، وإنّما حُكِم بعتق من أعتقه بالصيغة
السابقة.
هذا بحسب نفس
الأمر. أمّا في الظاهر ، فإنّ قوله : «نعم» عقيب
الاستفهام
__________________
عن عتق عبيده الذي هو جمع مضاف مفيد للعموم عند المحقّقين ، يفيد الإقرار
بعتق جميع عبيده ، من أوقع عليه منهم صيغة وغيره ، عملاً بظاهر إقرار المسلم ، فإنّ
الإقرار وإن كان إخباراً عمّا سبق لا يصدق إلّامع مطابقته لأمر واقع في الخارج
سابق عليه ، إلّاأ نّه لا يشترط العلم بوقوع السبب الخارجي ، بل يكفي إمكانه وهو
هنا حاصل ، فيلزم الحكم عليه ظاهراً بعتق الجميع لكلّ من لم يعلم بفساد ذلك. ولكنّ
الأصحاب أطلقوا القول بأ نّه لا يُعتق إلّامن أعتقه من غير فرق بين الظاهر ونفس
الأمر تبعاً للرواية
وهي ضعيفة
مقطوعة ، وفيها ما ذكر.
ويقوى الإشكال
لوكان من أعتقه سابقاً لا يبلغ الجمع ، فإنّ إقراره ينافيه من حيث الجمع والعموم ،
بل هو في الحقيقة جمع كثرة لا يُطلق حقيقة إلّاعلى ما فوق العشرة ، فكيف يُحمل على
الواحد بحسب مدلول اللفظ لو لم يكن أعتق غيره في نفس الأمر.
نعم ، هذا يتمّ
بحسب ما يعرفه المعتق ويدين به ، لا بحسب إقراره. لكنّ الأمر في جمع الكثرة سهل؛
لأنّ العرف لا يفرّق بينه وبين جمع القلّة وهو المحكَّم في هذا الباب.
واشترط بعضهم
في المحكوم بعتقه ظاهراً الكثرة
نظراً إلى
مدلول لفظ الجمع ، فيلزم عتق ما يصدق عليه الجمع حقيقة ، ويكون في غير من أعتقه
__________________
كالمشتبه. واعتُذر لهم عمّا ذكرناه بأ نّه إذا أعتق ثلاثة من مماليكه
يصدق عليه (هؤلاء مماليكي) حقيقة ، فإذا قيل له : أأعتقت مماليكك؟ فقال : نعم ، وهي تقتضي إعادة السؤال وتقريره
، فيكون إقراراً بعتق المماليك الذين انعتقوا دون غيرهم؛ لأصالة البراءة ، والإقرار
إنّما يحمل على المتيقّن لا على ما فيه احتمال .
وممّا قرّرناه
يُعلم فساد الاعتذار للفرق بين قوله : «أعتقت
مماليكي» المقتضي للعموم ، وبين قوله لثلاثة : «هؤلاء مماليكي» لأنّه حينئذٍ يفيد عموم المذكور دون غيره ، بخلاف المطلق ، فإنّه
يفيده في جميع من يملكه بطريق الحقيقة.
وهذا لا احتمال
فيه من جهة مدلول اللفظ ، فكيف يتخصّص بما لا دليل عليه ظاهراً؟
نعم ، لو كان
الإقرار في محلّ اضطرار
كما لو مرّ
بعاشر فأخبر بعتقهم ليسلم منه اتّجه القول بأ نّه لا يُعتق إلّاما أعتقه عملاً
بقرينة الحال في الإقرار ، وبه وردت الرواية .
(ولو
نذر عتق أوّل ما تلده فولدت توأمين) أي ولدين في بطنٍ ، واحِدُهما توأم ـ على فَوْعل ـ (عُتقا) معاً إن ولدتهما دفعة واحدة؛ لأنّ (ما) من صيغ العموم فيشملهما. ولو ولدتهما متعاقبين عتق
الأوّل خاصّة. والشيخ
__________________
لم يُقيّد بالدفعة
تبعاً للرواية
وتبعه جماعة
منهم المصنّف
هنا ، وحملت على إرادة أوّل حمل.
هذا إن ولدته
حيّاً ، وإلّا عتق الثاني؛ لأنّ الميّت لا يصلح للعتق ، ونذره صحيحاً يدلّ على
حياته التزاماً. وقيل : يبطل لفوات متعلّقه
ولو ولدته
حرّاً أو مستحقّاً للعتق لعارضٍ فوجهان.
(وكذا
لو نذر عتق أوّل ما يملكه فملك جماعة) دفعة واحدة بأن قبل شراءَهم ، أو تملّكهم في عقد واحد ، أو
ورثهم من واحد (عُتِقوا)
أجمع؛ لما
ذكرناه من العموم.
(ولو
قال : أوّل مملوك أملكه فملك جماعة ، أعتق أحدهم بالقرعة) لأنّ مملوكاً نكرة واقعة في الإثبات فلا يعمّ ، بل يصدق
بواحد فلا يتناول غيره؛ لأصالة البراءة (وكذا لو قال : أوّل مولود تلده) فلا فرق حينئذٍ بين نذر ما تلده ويملكه فيهما نظراً إلى
مدلول الصيغة في العموم وعدمه. ومن خصّ إحداهما بإحدى العبارتين والاُخرى بالاُخرى
فقد مثّل . هذا غاية ما بينهما من الفرق.
__________________
وفيه بحث؛ لأنّ
(ما)
هنا تحتمل
المصدريّة والنكرة المثبتة تحتمل الجنسيّة ، فيُلحق الأوّل بالثاني ، والثاني
بالأوّل ، ولا شبهة فيه عند قصده ، إنّما الشكّ مع إطلاقه؛ لأنّه حينئذٍ مشترك فلا
يخصّ بأحد معانيه بدون القرينة ، إلّاأن يُدّعى وجودها فيما
ادّعوه من الأفراد ، وغير بعيد ظهور الفرد المدّعى وإن احتمل خلافه ، وهو مرجّح.
مع أنّ في دلالة الجنسيّة على تقدير إرادتها أو دلالتها على العموم نظراً؛ لأنّه
صالح للقليل والكثير.
ثمّ على تقدير
التعدّد والحمل على الواحد يُستخرج المعتَق بالقرعة كما ذُكر؛ لصحيحة الحلبي عن
الصادق عليه السلام : «في رجل قال : أوّل مملوك
أملكه فهو حرّ ، فورث سبعة جميعاً ، قال : يُقرع بينهم ويُعتق الذي قُرع»
والآخر
محمول عليه؛
لأنّه بمعناه.
وقد يشكل ذلك
في غير مورد النصّ بأنّ القرعة لإخراج ما هو معلوم في نفس الأمر مشتبه ظاهراً ، وهنا
الاشتباه واقع مطلقاً. فلا تتوجّه القرعة في غير موضع
النصّ ، إلّاأن يمنع تخصيصها بما ذُكر نظراً إلى عموم قولهم عليهم السلام : «إنّها
لكلّ أمر مشتبه» لكن خصوصيّة
هذه العبارة لم تصل إلينا مستندة على وجه يُعتمد
وإن كانت
مشهورة.
__________________
وقيل : يتخيّر
في تعيين من شاء
لرواية الحسن
الصيقل عنه عليه السلام
في المسألة
بعينها.
لكنّ الرواية
ضعيفة السند
ولولا ذلك لكان
القول بالتخيير. وحَملُ القرعة على الاستحباب طريق الجمع بين الأخبار ، والمصنّف
في الشرح اختار التخيير
جمعاً مع
اعترافه بضعف الرواية.
وربما قيل
ببطلان النذر
لإفادة الصيغة
وحدة المعتَق ولم توجد.
وربما احتمل
عتق الجميع؛ لوجود الأوّليّة في كلّ واحد ، كما لو قال : «من سبق فله كذا» فسبق جماعة
والفرق واضح.
(ولو
نذر عتق أمته إن وطئها فأخرجها عن ملكه) قبل الوطء (ثمّ أعادها) إلى ملكه (لم تعد اليمين) لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : «سألته
عن الرجل تكون له الأمة ، فيقول : يوم يأتيها فهي حرّة ، ثمّ يبيعها من رجل ، ثمّ
يشتريها بعد ذلك؟ قال : لا بأس بأن يأتيها ، قد خرجت
__________________
عن ملكه) .
وحُمِل
ما اُطلق فيها
من التعليق على النذر ، ليوافق الاُصول ، ويشهد له أيضاً تعليله عليه السلام
الإتيان بخروجها عن ملكه ، ولو لم يكن منذوراً لم يتوقّف ذلك على الخروج ، كما لا
يخفى.
ولو عمّم النذر
بما يشمل الملك العائد فلا إشكال في بقاء الحكم. وفي تعديته إلى غير الوطء من
الأفعال وإلى غير الأمة وجهان : من كونه قياساً ، وإيماء النصّ إلى العلّة ، وهي
مشتركة. والمتّجه التعدّي ، نظراً إلى العلّة. ويتفرّع على ذلك أيضاً جواز التصرّف
في المنذور المعلّق على شرطٍ لم يوجد ، وهي مسألة إشكاليّة.
والعلّامة
اختار في التحرير عتق العبد لو نذر إن فعل كذا فهو حرّ ، فباعه قبل الفعل ثمّ
اشتراه ثمّ فعل
وولده استقرب
عدم جواز التصرّف في المنذور المعلّق على الشرط قبل حصوله
وهذا الخبر
حجّة عليهما.
(ولو
نذر عتق كلّ مملوك قديم انصرف) النذر (إلى
من مضى عليه في ملكه ستّة أشهر) فصاعداً على المشهور. وربما قيل : إنّه إجماع
ومستنده
__________________
رواية
ضعيفة السند
واعتمادهم الآن على الإجماع.
واختلفوا في
تعديته إلى نذر الصدقة بالمال القديم ونحوه ، من حيث إنّ القديم قد صار حقيقة
شرعيّة في ذلك فيتعدّى. ويؤيّده تعليله في الرواية بقوله تعالى
: (حَتّٰى عٰادَ
كَالْعُرْجُونِ اَلْقَدِيمِ)
فإنّه يقتضي
ثبوت القدم بالمدّة المذكورة مطلقاً ، ومن معارضة اللغة والعرف ومنع تحقّقه شرعاً؛
لضعف المستند ، والإجماع إن ثبت اختصّ بمورده.
والأقوى الرجوع
في غير المنصوص إلى العرف ، وفيه لو قصر الكلّ عن ستّة ففي عتق أوّلهم تملّكاً
اتّحد أم تعدّد ، أو بطلان النذر وجهان.
وعلى الأوّل لو
اتّفق ملك الجميع دفعة ففي انعتاق الجميع أو البطلان لفقد الوصف الوجهان. والأقوى
البطلان فيهما؛ لدلالة اللغة والعرف على خلافه وفقد النصّ.
واعلم أنّ ظاهر
العبارة كون موضع الوفاق نذر عتق المملوك ، سواء فيه الذكر والاُنثى. وهو الظاهر؛
لأنّ مستند الحكم عُبّر فيه بالمملوك ، والعلّامة جعل مورده العبد ، واستشكل الحكم
في الأمة كغيرها من المال
واعتذر له ولده
بأنّ مورد الإجماع العبد وإن كان النصّ أعمّ
لضعفه ، وإثبات
موضع الإجماع في
__________________
ذلك لو تمّ لا يخلو من عُسر .
(ولو
اشترى أمة نسيئة وأعتقها وتزوّجها وجعل عتقها مهرها) كما هو مورد الرواية
(أو
تزوّجها) بعد العتق (بمهر) أو مفوّضة لاشتراك الجميع في الوجه (ثمّ مات ولم يخلّف
شيئاً) ليوفي منه
ثمنها (نفذ
العتق) لوقوعه من أصله
صحيحاً (ولا
تعود رقّاً) لأنّ الحرّ لا يطرأ عليه الرقّيّة في غير الكافر (ولا) يعود (ولدها)
منه رقّاً
أيضاً؛ لانعقاده حرّاً كما ذُكر (على
ما تقتضيه الاُصول) الشرعيّة ، فإنّ العتق والنكاح صادفا ملكاً صحيحاً والولد انعقد حرّاً ، فلا
وجه لبطلان ذلك.
(وفي
رواية هشام بن سالم الصحيحة عن أبي بصير
عن
أبي عبد اللّٰه عليه السلام : رقّها ورقّ ولدها لمولاها الأوّل) الذي باعها ولم يقبض ثمنها ، ولفظ الرواية «قال أبو بصير
: سئل أبو عبد اللّٰه عليه السلام وأنا حاضر عن رجل باع من رجل جارية بكراً
إلى سنة ، فلمّا قبضها المشتري أعتقها من الغد وتزوّجها وجعل مهرها
__________________
عتقها ، ثمّ مات بعد ذلك بشهر؟ فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام : إن
كان الذي اشتراها إلى سنة له مال أو عُقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها
، فإنّ عتقه ونكاحه جائز ، وإن لم يملك مالاً أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين
في رقبتها ، فإنّ عتقه ونكاحه باطل؛ لأنّه أعتق ما لا يملك ، وأرى أنّها رقّ
لمولاها الأوّل. قيل له : فإن كانت قد علقت من الذي أعتقها وتزوّجها ما حال ما في
بطنها؟ فقال : الذي في بطنها مع اُمّه كهيئتها) .
وهذه الرواية
منافية للاُصول بظاهرها؛ للإجماع على أنّ المعسر يملك ما اشتراه في الذمّة ويصحّ
عتقه ويصير ولده حرّاً ، فالحكم بكون عتقه ونكاحه باطلين وأ نّه أعتق ما لا يملك
لا يطابق الاُصول ، ومقتضاها أنّه متى قصر ماله عن مجموع ثمنها يكون الحكم كذلك
وإن قلّ.
لكن عمل
بمضمونها الشيخ
وجماعة
لصحّتها وجواز
استثناء هذا الحكم من جميع الاُصول لعلّة غير معقولة.
وعلى هذا لا
فرق بين من جعل عتقها مهرها وغيرها كما نبّه
عليه المصنّف بقوله : «أو تزوّجها بمهر). ولا يتقيّد الأجل بالسنة ، ولا فرق بين
البكر والثيّب ، مع
احتمال اختصاص الحكم بما قُيّد في الرواية. ولو كان بدلها عبداً قد اشتراه نسيئة
ثمّ أعتقه ، ففي إلحاقه بها وجه؛ لاتّحاد الطريق.
وكذا في تعدّي
الحكم إلى الشراء نقداً أو بعضه ولم يدفع المال. ومضمون
__________________
الرواية موته قبل الولادة ، فلو تقدّمت على موته فأقوى إشكالاً في عوده
رقّاً؛ للحكم بحرّيّته حين ولادته ، بخلاف الحمل؛ لإمكان توهّم كون الحكم لتبعيّة
الحمل للحامل.
ومن خالف ظاهر
الرواية ـ وهم الأكثر ـ اختلفوا في تنزيلها ، فحملها العلّامة على كون المشتري
مريضاً وصادف عتقه ونكاحه وشراؤه مرض الوفاة فيكون الحكم ما ذكر فيها
لأنّه حينئذٍ
يكون العتق مراعى ، فإذا مات مُعسراً كذلك ظهر بطلانه.
وردّه المصنّف
بأنّ ذلك لا يتمّ في الولد
لانعقاده حال
الحكم بحرّيّة اُمّه ، والحرّ المسلم لا يصير رقّاً ، وهو لا يقصر عمّن تولّد من
وطء أمة الغير بشبهة أو شراء فاسد مع جهله.
وحملها آخرون
على فساد البيع
وينافيه قوله
في الرواية : (إن
كان له مال فعتقه جائز) وحملت على أنّه فعل ذلك مضارّة والعتق يشترط فيه القربة.
وهذا الحمل نقله المصنّف عن الشيخ طومان بن أحمد العاملي المناري
وردّه بأ نّه
لا يتمّ أيضاً في الولد ، وردّها ابن إدريس لذلك مطلقاً
وهو الأنسب.
(وعتقُ
الحامل لا يتناول الحمل) كما لا يتناوله البيع وغيره؛ للمغايرة ، فلا يدخل أحدهما
في مفهوم الآخر ، سواء استثناه أم لا وسواء علم به أم لا (إلّإ
__________________
على
رواية) السكوني عن أبي عبد اللّٰه عليه
السلام عن أبيه عليه السلام (في رجل أعتق أمة وهي حبلى فاستثنى ما في بطنها ، قال
: الأمة حرّة وما في بطنها حرّ؛ لأنّ ما في بطنها منها)
وعمل بمضمونها الشيخ
وجماعة
وضعف سندها
يمنع من العمل بها ، مع أنّها ظاهرة في التقيّة.
* * *
__________________
كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد
(كتاب التدبير
والمكاتبة والاستيلاد)
(والنظر
في اُمور ثلاثة) :
(الأوّل : التدبير)
(تعليق
عتق) عبده أو أمته (بوفاته) تفعيل من الدبر ، فإنّ الوفاة دبر الحياة (أو تعليقه على وفاة
زوج المملوكة) التي دبّرها فعلّق عتقها على وفاة زوجها (أو) وفاة (مخدوم
العبد) أو الأمة
أيضاً؛ لجواز إعارتها للخدمة ، بل هي المنصوصة كما سيأتي.
وصحّته في
الأوّل إجماعيّ ، وفي الأخيرين (على
قول مشهور)
لأنّ العتق
لمّا قَبِل التأخير كقبوله التنجيز ولا تفاوت بين الأشخاص جاز تعليقه بوفاة غير
المالك ممّن له ملابسة ، كزوجيّة وخدمة ، وللأصل ، ولصحيحة يعقوب بن
__________________
شعيب (أنّه سأل الصادق عليه السلام عن الرجل
يكون له الخادم فيقول : هي لفلان تخدمه ما عاش فإذا مات فهي حرّة ، فتأبق الأمة
قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ستّ سنين ثمّ يجدها ورثته ، ألهم أن يستخدموها بعد
ما أبقت؟ فقال : لا ، إذا مات الرجل فقد عتقت)
وحملت عليه الزوجيّة؛
لشدّة المشابهة ، ولا يتعدّى إلى غيرهما لبُعده عن النصّ.
وربما قيل
بالتعدّي مطلقاً من غير اعتبار الملابسة
لمفهوم الدليل
الأوّل.
وفي مقابلة
المشهور قول ابن إدريس باختصاصه بوفاة المولى
عملاً
بالمتيقّن ، ودعوى أنّه شرعاً كذلك ، ولبطلانه بالإباق ، والرواية تضمّنت خلافه.
والنصّ الصحيح
يدفع الاقتصار ، والثاني مصادرة ، والملازمة بين إباقه من المالك ومن المخدوم
ممنوعة؛ للفرق بمقابلته نعمة السيّد بالكفران فقوبل بنقيضه ، كقاتل العمد في الإرث
، بخلاف الأجنبيّ.
واعلم أنّ
القول المشهور هو تعديته من موت المالك إلى المخدوم كما هو المنصوص ، وأمّا إلحاق
الزوج فليس بمشهور كما اعترف به المصنّف في الشرح
فالشهرة
المحكيّة هنا إن عادت إلى الأخير لزم القطع بالأوّل دونه ، وهو خلاف الظاهر ، بل
ينبغي العكس. وإن عادت إليهما لم تتمّ الشهرة في الزوج إلّاأن يجعل له مع الزوجيّة
الخدمة. والوقوف على موضع النصّ والوفاق حسن.
__________________
(والوفاة)
المعلّق عليها (قد تكون مطلقة) غير مقيّدة بوقت ولا مكان ولا صفة (وقد تكون مقيّدة) بأحدها ، كهذه السنة أو في هذا البلد أو المرض. والتعليق
عليهما جائز فلا يتحرّر في المقيّد بدون القيد (كما تقدّم في الوصيّة)
من جوازها بعد
الوفاة مطلقاً ومقيّداً.
(والصيغة)
في التدبير (أنت حرّ ، أو عتيق ،
أو مُعتَق بعد وفاتي) في المطلق (أو
بعد وفاة فلان) : الزوج أو المخدوم ، أو بعد وفاتي هذه السنة ، أو في هذا المرض ، أو في
سفري هذا ، ونحو ذلك في المقيّد.
ويستفاد من حصر
الصيغة فيما ذكر : أنّه لا ينعقد بقوله : «أنت
مدبَّر» مقتصراً عليه ،
وهو أحد القولين في المسألة
لأنّ التدبير
عتق مُعلّق على الوفاة كما استفيد من تعريفه فينحصر في صيغة تفيده.
ووجه الوقوع
بذلك : أنّ التدبير حقيقة شرعيّة في العتق المخصوص ، فيكون بمنزلة الصيغة الصريحة
فيه. وفي الدروس اقتصر على مجرّد نقل الخلاف
والوجه عدم
الوقوع.
ولا يقع باللفظ
مجرّداً ، بل (مع
القصد إلى ذلك) المدلول ، فلا عبرة بصيغة الغافل والساهي والنائم والمكرَه.
__________________
(ولا
يشترط) في صحّته (نيّة *
التقرّب)
به إلى اللّٰه
تعالى وإن توقّف عليه حصول الثواب على الأقوى؛ للأصل ، ولأ نّه وصيّة لا عتق بصفة.
وقيل : يشترط
بناءً على أنّه
عتق ، وإلّا لافتقر إلى صيغة بعد الوفاة وشرطه القربة. ويتفرّع عليهما صحّة تدبير
الكافر مطلقاً أو مع إنكاره اللّٰهَ تعالى كما سلف .
(وشرطها)
أي شرط صحّة
التدبير (التنجيز)
فلو علّقها
بشرط أو صفة كإن فعلت كذا ، أو طلعت الشمس فأنت حرّ بعد وفاتي ، بطل (وأن يُعلَّق بعد
الوفاة بلا فصل ، فلو قال : أنت حرّ بعد وفاتي بسنة) مثلاً (بطل).
وقيل : يصحّ
فيهما ويكون في الثاني وصيّة بعتقه
وهو شاذّ.
(وشرط
المباشر الكمال) بالبلوغ والعقل (والاختيار
، وجواز التصرّف) فلا يصحّ من الصبيّ وإن بلغ عشراً ، ولا المجنون المطبق مطلقاً ، ولا ذي
الأدوار فيه ، ولا المكرَه ، ولا المحجور عليه لسفهٍ مطلقاً على الأقوى.
وقيل : لا
لانتفاء معنى
الحجر بعد الموت.
ويُضعَّف بأنّ الحجر
عليه حيّاً يمنع العبارة الواقعة حالتها ، فلا تؤثّر بعد الموت. أمّا المحجور عليه
لفلس فلا يمنع منه؛ إذ لا ضرر على الغرماء ، فإنّه إنّما يخرج بعد الموت من ثلث
ماله بعد وفاء الدين. ومثله مطلق وصيّته المتبرّع بها.
__________________
وينبغي التنبيه
على خروجه من اشتراط جواز التصرّف ، إلّاأن يُدّعى أنّ المفلَّس جائز التصرّف
بالنسبة إلى التدبير وإن كان ممنوعاً منه في غيره. لكن لا يخلو من تكلّف.
(ولا
يشترط) في المدبِّر (الإسلام) كما لا يشترط في مطلق الوصيّة (فتصحّ مباشرة الكافر)
التدبير (وإن كان حربيّاً) أو جاحداً للربوبيّة؛ لما تقدّم من عدم اشتراط القربة ، وللأصل
(فإن
دبّر) الحربيّ
حربيّاً (مثله
واستُرق أحدهما) بعد التدبير (أو
كلاهما بطل التدبير).
أمّا مع
استرقاق المملوك فظاهر؛ لبطلان ملك الحربي له المنافي للتدبير.
وأمّا مع
استرقاق المباشر فلخروجه عن أهليّة الملك وهو يقتضي بطلان كلّ عقد وإيقاع جائزين.
(ولو
أسلم) المملوك (المدبَّر) من كافر (بيع على الكافر) قهراً (وبطل
تدبيره) لانتفاء السبيل
له على المسلم بالآية
ولقوله صلى
الله عليه وآله : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»
وطاعة المولى
علوٌّ منه ، والتدبير لم يخرجه عن الاستيلاء عليه بالاستخدام وغيره.
وقيل : يتخيّر
المولى بين الرجوع في التدبير فيباع عليه وبين الحيلولة بينه وبينه وكسبه للمولى ،
وبين استسعائه في قيمته . وهو ضعيف لا دليل عليه.
نعم ، لو مات
المولى قبل البيع عتق من ثلثه ، ولو قصر ولم يُجز الوارث فالباقي رقّ ، فإن كان
الوارث مسلماً فله ، وإلّا بيع عليه من مسلم.
__________________
(ولو
حملت المدبَّرة من مملوك) بزنا أو بشبهة أو عقد على وجه يملكه السيّد (فولدها مدبَّر) كاُمّه.
ويشكل في الزنا
مع علمها؛ لعدم لحوقه بها شرعاً. لكنّ الشيخ وجماعة أطلقوا الحكم
والمصنّف في
الدروس قيّده بكونه من مملوك المدبَّر فلو كان من غيره لم يكن مدبّراً ، واستشكل
حكم الزنا
والأخبار مطلقة
في لحوق أولادها بها في التدبير حيث يكونون أرقّاء.
فالقول بالإطلاق أوجه.
نعم ، اشتراط
إلحاقهم بها في النسب حسن؛ ليتحقّق النسب.
واعلم أنّ
الولد ـ بفتح الواو واللام وبضمّها فسكونها ـ يُطلق على الواحد والجمع ، وقد يكون
الثاني جمعاً لوَلَد كأسَد واُسْد.
ويجوز وطء
المدبَّرة ولا يكون رجوعاً (ولو
حملت من سيّدها صارت اُمّ ولد) ولم يبطل التدبير (فتعتق) بعد موته (من الثلث) بسبب التدبير (فإن فضلت) قيمتها عن الثلث (فمن نصيب الولد) يعتق الباقي.
(ولو
رجع) المولى (في تدبيرها) ولها ولد (لم يكن) رجوعه في تدبيرها (رجوعاً في تدبير ولدها) لعدم الملازمة بينهما وتحقّق الانفكاك ، وعدم دلالته
عليه بإحدى الدلالات (ولو
صرّح بالرجوع في تدبيره) أي تدبير
__________________
الولد (فقولان)
: أحدهما
الجواز
كما يجوز
الرجوع في تدبيرها؛ لكون التدبير جائزاً فيصحّ الرجوع فيه ، والفرع لا يزيد على
أصله. والثاني ـ وهو الذي اختاره الشيخ مدّعياً الإجماع
وجماعة
منهم المصنّف
في الدروس
(و)
هو (المرويّ) صحيحاً عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام
ـ (المنع) ولأ نّه لم يباشر تدبيره وإنّما حكم به شرعاً فلا يباشر
ردّه في الرقّ ، وبهذا يحصل الفرق بين الأصل والفرع.
(ودخول
الحمل في التدبير للاُمّ مرويّ) في الصحيح
عن الحسن بن
عليّ الوشّا عن الرضا عليه السلام قال : «سألته
عن رجل دبّر جاريته وهي حبلى؟ فقال : إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها
، وإن كان لم يعلم فما في بطنها رقّ» .
والرواية كما
ترى دالّة على اشتراط دخوله بالعلم به ، لا مطلقاً فكان على المصنّف أن يقيّده حيث
نسبه إلى الرواية.
__________________
نعم ، ذهب بعض
الأصحاب إلى دخوله في تدبيرها مطلقاً
كما يدخل لو
تجدّد ، إلّاأ نّه غير مرويّ ، وبمضمون الرواية أفتى الشيخ في النهاية
وجماعة
(كعتق
الحامل) فإنّه يتبعها
الحمل على الرواية السالفة.
والأظهر عدم
دخوله فيها مطلقاً وحملت هذه الرواية على ما إذا قصد تدبير الحمل مع الاُمّ واُطلق
العلم على القصد مجازاً؛ لأنّه مسبَّب عنه. وقد روى الشيخ أيضاً في الموثّق عن
الكاظم عليه السلام عدم دخوله مطلقاً
فالحمل طريق
الجمع.
(ويتحرّر
المدبّر) بعد الموت (من الثلث) كالوصيّة (ولو جامع الوصايا) كان كأحدها و (قُدّم الأوّل فالأوّل) إن لم يكن فيها واجب (ولو كان على الميّت دين قُدّم الدين) من الأصل ، سواء كان متقدّماً على التدبير أم متأخّراً ،
ومنه الوصيّة بواجب ماليّ (فإن
فضل) من التركة (شيء) ولم يكن هناك وصيّة تُقدّم عليه (عُتِق من المدبَّر
ثلثُ ما بقي) إن لم يزد عن قيمته كغيره من الوصايا المتبرّع بها ، حتّى لو لم يفضل سواه
عتق ثلثه ، فإن لم يفضل عن الدين شيء بطل التدبير.
ولو تعدّد
المدبّر والتدبير بُدئ بالأوّل فالأوّل ، وبطل ما زاد عن الثلث إن لم يُجز الوارث.
وإن جُهل الترتيب أو دبّرهم بلفظ واحد استخرج الثلث بالقرعة.
__________________
وبالجملة ، فحكمه حكم الوصيّة.
هذا كلّه إذا
كان التدبير متبرّعاً به وعلّق على وفاة المولى ليكون كالوصيّة ، فلو كان واجباً
بنذر وشبهه حال الصحّة أو معلّقاً على وفاة غيره فمات في حياة المولى فهو من
الأصل. ولو مات بعد المولى فهو من الثلث أيضاً.
هذا إذا كان النذر
مثلاً «للّٰهعليَّ عتق عبدي بعد وفاتي» ونحوه. أمّا لو قال :
«للّٰهعليّ أن اُدبّر عبدي» ففي إلحاقه به في خروجه من الأصل نظر؛ لأنّ الواجب بمقتضى الصيغة هو إيقاع التدبير عليه
، فإذا فعله وَفى بنذره وصار التدبير كغيره؛ لدخوله في مطلق التدبير.
ومثله ما لو نذر أن يوصي بشيء ثمّ أوصى
به. أمّا لو نذر جعله صدقة بعد وفاته أو في وجه سائغ فكنذر العتق.
ونقل المصنّف
عن ظاهر كلام الأصحاب تساوي القسمين في الخروج من الأصل؛ لأنّ الغرض التزام
الحرّيّة بعد الوفاة ، لا مجرّد الصيغة ، ونَقَل عن ابن نما رحمه الله الفرق بما
حكيناه
وهو متّجه.
وعلى التقديرين
لا يخرج بالنذر عن الملك ، فيجوز له استخدامه ووطؤه إن كانت جارية. نعم ، لا يجوز
نقله عن ملكه. فلو فعل صحّ ولزمته الكفّارة مع العلم ، ولو نقله عن ملكه ناسياً
فالظاهر الصحّة ولا كفّارة؛ لعدم الحنث. وفي الجاهل وجهان ، وإلحاقه بالناسي قويّ.
ولو وقع النذر في مرض الموت فهو من الثلث مطلقاً.
(ويصحّ
الرجوع في التدبير) المتبرّع به ما دام حيّاً كما يجوز الرجوع في
__________________
الوصيّة. وفي جواز الرجوع في الواجب بنذر وشبهه ما تقدّم من عدم الجواز إن
كانت صيغته (للّٰهعليّ عتقه بعد وفاتي) ومجيء الوجهين لو كان متعلّق النذر هو التدبير ، من خروجه عن
عهدة النذر بإيقاع الصيغة كما حقّقناه ، ومن أنّه تدبير واجب وقد أطلقوا لزومه.
والرجوع يصحّ (قولاً ، مثل رجعت في
تدبيره) وأبطلته ونقضته
ونحوه (وفعلاً
كأن يهب) المدبّر وإن لم
يُقبِض (أو
يبيع ، أو يُوصي) به وإن لم يفسخه قبل ذلك ، أو يقصد به الرجوع على أصحّ القولين .
ولا فرق بين
قبول الموصى له الوصيّة وردّها؛ لأنّ فسخه جاء من قِبل إيجاب المالك ، ولا يعود
التدبير بعوده مطلقاً.
(وإنكاره
ليس برجوع) وإن حلف المولى؛ لعدم الملازمة ، ولاختلاف اللوازم ، فإنّ الرجوع يستلزم
الاعتراف به ، وإنكاره يستلزم عدمه ، واختلاف اللوازم يقتضي اختلاف الملزومات.
ويحتمل كونه
رجوعاً؛ لاستلزامه رفعه مطلقاً ، وهو أبلغ من رفعه في بعض الأزمان. وفي الدروس قطع
بكونه ليس برجوع إن جعلناه عتقاً ، وتوقّف فيما لو جعلناه وصيّة ، ونسب القول
بكونه رجوعاً إلى الشيخ
وقد تقدّم
اختياره أنّ
__________________
إنكار الطلاق رجعة .
والعلّامة حكم
بأنّ إنكار سائر العقود الجائزة ليس برجوع إلّاالطلاق .
والفرق بينه
وبين غيره غير واضح.
(ويبطل
التدبير بالإباق) من مولاه ، سواء في ذلك الذكر والاُنثى ، لا بالإباق من عند مخدومه المعلّق
عتقه على موته ، وقد تقدّم ما يدلّ عليه
(فلو
ولد له حال الإباق) أولاد من أمة لسيّده ، أو غيره حيث يلحق به الولد ، أو حرّة عالمة بتحريم
نكاحه (كانوا
أرقّاء *
مثله (و) أولاده (قبله على التدبير) وإن بطل في حقّه ، استصحاباً للحكم السابق فيهم مع عدم
المعارض.
(ولا
يبطل) التدبير (بارتداد السيّد) عن غير فطرة ، فيعتق لو مات على ردّته. أمّا لو كان عن
فطرة ففي بطلانه نظر ، من انتقال ماله عنه في حياته ، ومن تنزيلها منزلة الموت
فيعتق بها.
والأقوى الأوّل
، ولا يلزم من تنزيلها منزلة الموت في بعض الأحكام ثبوته مطلقاً ، وإطلاق العبارة
يقتضي الثاني. وقد استشكل الحكم في الدروس
لما ذكرناه.
(و)
كذا (لا) يبطل (بارتداد
العبد ، إلّاأن يلحق بدار الحرب) قبل الموت؛ لأنّه إباق ، ولو التحق بعده يتحرّر من
الثلث. والفارق بين الارتداد
__________________
والإباق ـ مع أنّ طاعة اللّٰه أقوى ، فالخروج عنها أبلغ من الإباق ـ النصّ
وقد يُقرَّب بغناء اللّٰه تعالى عن طاعته له بخلاف
المولى ، مع أنّ الإباق يجمع معصية اللّٰه تعالى والمولى بخلاف الارتداد.
فقوّة الارتداد ممنوعة.
(وكسب
المدبّر في الحياة) أي حياة المولى (للمولى؛
لأنّه رقّ) لم يخرج بالتدبير عنها (ولو
استفاده بعد الوفاة فله جميع كسبه إن خرج من الثلث ، وإلّا فبنسبة ما عتق منه ، والباقي)
من كسبه (للوارث).
هذا إذا كان
تدبيره معلَّقاً على وفاة المولى ، فلو كان معلَّقاً على وفاة غيره وتأخّرت عن
وفاة المولى فكسبه بعد وفاة مولاه ككسبه قبلها لبقائه على الرقّيّة. ولو ادّعى بعد
الموت تأخّر الكسب وأنكره الوارث حلف المدبَّر؛ لأصالة عدم التقدّم.
__________________
(النظر الثاني في
الكتابة)
واشتقاقها
من «الكَتْب» وهو الجمع ، لانضمام بعض النجوم إلى بعض ، ومنه «كتبتُ الحروفَ» وهو مبنيّ على الغالب ، أو الأصل من وضعها بآجال متعدّدة
، وإلّا فهو ليس بمعتبر عندنا وإن اشترطنا الأجل.
(وهي
مستحبّة مع الأمانة) وهي الديانة (والتكسّب)
للأمر بها في
الآية مع الخير وأقلّ مراتبه الاستحباب وفُسّر (الخير) بهما
لإطلاقه على
الأوّل في مثل قوله تعالى : (وَمٰا
تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اَللّٰهُ)
و (فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ)
وعلى الثاني في
مثل قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ اَلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)
و (إِنْ
تَرَكَ خَيْراً)
فحمل عليهما ، بناءً
على جواز حمل المشترك على كلا معنييه ، إمّا مطلقاً أو مع القرينة ، وهي موجودة؛
لصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في قول اللّٰه عزّ وجلّ
: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) قال : «إن علمتم لهم دينا ومالا»
ورواه الكليني
بسند صحيح .
__________________
وحينئذٍ يندفع
ما قيل : إنّ استعمال المشترك في معنييه مرجوح ، أو مجاز لا يصار إليه .
نعم ، روى في
التهذيب عن الحلبي صحيحاً عنه عليه السلام في الآية قال : إن علمتم لهم مالا
بغير ذكر
«الدين» والمثبت مقدّم.
(ومتأكّدة)
الاستحباب (بالتماس العبد) مع جمعه للوصفين ، أمّا مع عدمهما أو أحدهما فلا في ظاهر
كلام الأصحاب. وفي النافع : أنّها تتأكّد بسؤال المملوك ولو كان عاجزاً
فجعل الاستحباب
مع عدم سؤاله مشروطاً بالشرطين ، ومعه يكتفي بالأوّل خاصّة (ولو عدم الأمران) الصادق بعدم أحدهما وعدمهما معاً (فهي مباحة) على المشهور. وقيل : مكروهة .
(وهي
معاملة) بين المولى
والمملوك (مستقلّة)
بنفسها على
الأشهر. وتختصّ بوقوعها بين المالك ومملوكه ، وأنّ العوض والمعوّض ملك السيّد ، وأنّ
المكاتَب على درجة بين الاستقلال وعدمه ، وأ نّه يملك من بين العبيد ، ويثبت له
أرش الجناية على سيّده ، وعليه الأرش للسيّد المجنيّ عليه. وتفارق البيعَ باعتبار
الأجل في المشهور ، وسقوط خيار المجلس والحيوان ، وعدم قبولها لخيار الشرط.
(وليست
بيعاً للعبد من نفسه) وإن أشبهته في اعتبار العوض المعلوم
__________________
والأجل المضبوط على تقدير ذكره في البيع؛ لمخالفتها له في الأحكام ، ولبعد
ملك الإنسان نفسَه ، فلو باعه نفسه بثمن مؤجّل لم يصحّ (ولا عتقاً بصفة) وهي شرط عوضٍ معلوم على المملوك في أجلٍ مضبوط. وهو وفاق
، خلافاً لبعض العامّة .
(ويشترط
في المتعاقدين الكمال) بالبلوغ والعقل ، فلا يقع من الصبيّ وإن بلغ عشراً وجوّزنا عتقه ، ولا من
المجنون المطبق ، ولا الدائر جنونه في غير وقت الإفاقة. وهذان مشتركان بين المولى
والمكاتب.
وقد يُتخيّل
عدم اشتراطهما في المكاتب؛ لأنّ المولى وليّه ، فيمكن قبوله عنه ، وكذا الأب
والجدّ والحاكم مع الغبطة. وله وجه وإن استبعده المصنّف في الدروس
غيرَ مبيِّن
وجهَ البُعد.
(وجواز
تصرّف المولى) فلا يقع من السفيه بدون إذن الوليّ ، ولا المفلَّس بدون إذن الغرماء ، ولا
من المريض فيما زاد منه عن الثلث بدون إجازة الوارث وإن كان العوض بقدر قيمته؛
لأنّهما ملك المولى ، فليست معاوضة حقيقيّة ، بل في معنى التبرّع ترجع إلى معاملة
المولى على ماله بماله.
ويستفاد من
تخصيص الشرط بالمولى جوازُ كتابة المملوك السفيه؛ إذ لا مال له يمنع من التصرّف
فيه. نعم يمنع من المعاملة الماليّة ومن قبض المال لو ملكه بعد تحقّق الكتابة.
(ولا
بدّ) في الكتابة (من العقد المشتمل
على الإيجاب ، مثل كاتبتك على أن تؤدّي إليَّ كذا في وقت كذا) إن اتّحد الأجل (أو أوقات كذا) إن تعدّد (فإذا أدّيتَ فأنت حرّ).
__________________
وقيل : لا
يفتقر إلى إضافة قوله : (فإذا
أدّيت ...) بل يكفي قصده؛ لأنّ التحرير غاية الكتابة ، فهي دالّة عليه ، فلا يجب ذكره
كما لا يجب ذكر غاية البيع وغيره ، خصوصاً لو جعلناها بيعاً للعبد من نفسه .
ويضعَّف بأنّ
القصد إليه إذا كان معتبراً لزم اعتبار التلفّظ بما يدلّ عليه؛ لأنّ هذا هو الدليل
الدالّ على اعتبار الإيجاب والقبول اللفظيّين في كلّ عقد ، ولا يكفي قصد مدلوله.
نعم ، لو قيل
بعدم اعتبار قصده أيضاً كما في غيره من غايات العقود اتّجه ، لكن لا يظهر به قائل.
(والقبول
مثل قبلت) ورضيت.
وتوقّف هذه
المعاملة على الإيجاب والقبول يُلحقها بقسم العقود ، فذكرُها في باب الإيقاعات ـ التي
يكفي فيها الصيغة من واحد ـ بالعرض تبعاً للعتق ، ولو فصلوها ووضعوها في باب
العقود كان أجود.
(فإن
قال) المولى في
الإيجاب مضافاً إلى ذلك (فإن
عجزتَ فأنت رَدّ) ـ بفتح الراء وتشديد الدال ـ مصدر بمعنى المفعول أي مردود (في الرقّ فهي مشروطة
، وإلّا) يقل ذلك ، بل
اقتصر على الإيجاب السابق (فهي
مطلقة) ومن القيد يظهر
وجه التسمية.
ويشترك القسمان
في جميع الشرائط وأكثر الأحكام ، ويفترقان في أنّ المكاتَب في المطلقة ينعتق منه
بقدر ما يؤدّي من مال الكتابة ، والمشروط لا ينعتق منه شيء حتّى يؤدّي الجميع.
والإجماع على لزوم المطلقة ، وفي المشروطة
__________________
خلاف ، وسيأتي.
(والأقرب
اشتراط الأجل) في الكتابة مطلقاً بناءً على أنّ العبد لا يملك شيئاً فعجزه حالة العقد عن
العوض حاصل ، ووقت الحصول متوقّع مجهول ، فلا بدّ من تأجيله بوقت يمكن فيه حصوله
عادةً.
وفيه نظر؛
لإمكان التملّك عاجلاً ولو بالاقتراض كشراء من لا يملك شيئاً من الأحرار ، خصوصاً
لو فرض حضور شخص يوعده بدفع المال عنه بوجهٍ في المجلس.
ويندفع ذلك
كلّه بأنّ العجز حالة العقد حاصل وهو المانع.
نعم ، لو كان
بعضه حرّاً وبيده مال فكاتبه على قدره فما دون حالّاً فالمتّجه الصحّة؛ لأنّه
كالسعاية. ولو كان واقفاً على معدن مباح يمكنه تحصيل العوض منه في الحال ، فعلى
التعليل بجهالة وقت الحصول يصحّ ، وبالعجز حالةَ العقد يمتنع.
وقيل : لا
يشترط الأجل مطلقاً
للأصل ، وإطلاقِ
الأمر بها ، خصوصاً على القول بكونها بيعاً ، ويمنع اعتبار القدرة على العوض حالة
العقد ، بل غايته إمكانها بعده ، وهو حاصل هنا.
وحيث يعتبر أو
يراد يشترط ضبطه كأجل النسيئة بما لا يحتمل الزيادة والنقصان. ولا يشترط زيادته عن
أجل عندنا؛ لحصول الغرض ، ولو قصر الأجل بحيث يتعذّر حصول
المال فيه عادة بطل إن عُلّل بالجهالة ، وصحّ إن عُلّل بالعجز.
__________________
وفي اشتراط
اتّصاله بالعقد قولان
أجودهما العدم؛
للأصل.
(وحدّ
العجز) المسوّغ للفسخ
في المشروطة بمخالفة شرطه ، فإن شرط عليه التعجيز عند تأخير نجم عن محلّه ، أو إلى
نجم آخر أو إلى مدّة مضبوطة اتّبع شرطه ، وإن أطلق فحدّه (أن يؤخّر نجماً عن
محلّه) والمراد بالحدّ
هنا : العلامة أو السبب الدالّ على العجز ، لا الحدّ المصطلح ، وبالنجم : المال
المؤدّى في المدّة المخصوصة ، ويطلق على نفس المدّة ، وبتأخيره عن محلّه : عدم
أدائه في أوّل وقت حلوله ، وتحديده بذلك هو الوارد في الأخبار الصحيحة .
وفي المسألة
أقوال اُخر
مستندة إلى
أخبار ضعيفة
أو اعتبار غير
تامّ. وأمّا المطلقة فإذا نفذ بعض النجوم ولم يؤدّ قسطه فُكّ من سهم الرقاب ، فإن
تعذّرَ استرقّ إن لم يكن أدّى شيئاً ، وإلّا فبحسب ما عجز عنه ، فحدّ العجز
المذكور
__________________
يصلح له بوجهه.
(ويُستحبّ)
للمولى (الصبر عليه) عند العجز؛ للأمر بإنظاره سنة وسنتين وثلاثاً
المحمول على
الاستحباب جمعاً.
(والأقرب
لزوم الكتابة من الطرفين) طرف السيّد والمكاتب (في المطلقة والمشروطة) بمعنى أنّه ليس لأحدهما فسخها إلّابالتقايل مع قدرة
المكاتب على الأداء ، ووجوب السعي عليه في أداء المال؛ لعموم الأمر بالوفاء
بالعقود ، والكتابة منها ، والجمع المحلّى مفيد للعموم ، وخروج نحو الوديعة
والعارية بنصّ
يُبقي
الباقي على
الأصل.
وذهب الشيخ
وابن إدريس
إلى جواز
المشروطة من جهة العبد ، بمعنى أنّ له الامتناع من أداء ما عليه فيتخيّر السيّد
بين الفسخ والبقاء ، ولزومها من طرف السيّد إلّاعلى الوجه المذكور.
وذهب ابن حمزة
إلى جواز المشروطة مطلقاً
والمطلقة من
طرف السيّد خاصّة ، وهو غريب! ومن خواصّ العقود اللازمة أنّها لا تبطل بموت
المتعاقدين ، وهو هنا كذلك بالنسبة إلى المولى ، أمّا موت المكاتب فإنّه يبطلها من
حيث العجز عن الاكتساب.
__________________
(ويصحّ
فيها التقايل) كغيرها من عقود المعاوضات.
(ولا
يُشترط الإسلام في السيّد ، ولا في العبد) بناءً على أنّها معاملة مستقلّة ، والأصل يقتضي جوازها
كذلك. ولو جعلناها عتقاً بُني على ما سلف في عتق الكافر فاعلاً وقابلاً.
هذا إذا لم يكن
المولى كافراً والعبد مسلماً ، وإلّا اُشكل جواز المكاتبة من حيث عدم استلزامها
رفع سلطنته عنه خصوصاً المشروطة.
والأقوى عدم
جوازها؛ لعدم الاكتفاء بها في رفع يد الكافر عن المسلم؛ لأ نّها لا ترفع أصل
السبيل وهو بمنزلة الرقّ في كثير من الأحكام بل هو رقّ. ولو كان كفر المولى بالارتداد
، فإن كان عن فطرة فعدم صحّة كتابته واضح؛ لانتقال ماله عنه ، وإن كان عن ملّة ففي
صحّتها مطلقاً أو مراعاةً بعوده إلى الإسلام أو البطلان ، أوجه أوجهها الجواز ما
لم يكن العبد مسلماً ، بتقريب ما سلف.
وقيل : يشترط
إسلام العبد مطلقاً
نظراً إلى أنّ
الدين داخل في مفهوم «الخير» الذي هو شرطها ، ولأنّ المكاتب يؤتى من الزكاة ويتعذّر
هنا.
ويُضعّف بأنّ
«الخير» شرط في الأمر بها ، لا في
أصل شرعيّتها ، والإيتاء من الزكاة مشروط باستحقاقه لها وهو منفيّ مع الكفر كما
ينتفي مع عدم حاجته إليها.
(ويجوز
لوليّ اليتيم أن يكاتب رقيقه مع الغبطة) لليتيم في المكاتبة ، كما يصحّ بيعه وعتقه معها ، ولصحيحة
معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام في مكاتبة جارية الأيتام .
__________________
وقيل بالمنع؛
لأنّ الكتابة شبيهة بالتبرّع من حيث إنّها معاملة على ماله بماله
والخبر حجّة
عليه.
(ويجوز
تنجيمها) نجوماً متعدّدة
بأن يؤدّي في كلّ نجم قدراً من مالها (بشرط العلم بالقدر) في كلّ أجل (والأجل) حذراً من الغرر ، سواء تساوت النجوم أجلاً ومالاً أم
اختلفت؛ للأصل. وهذا هو الأصل فيها ، وليس موضع الاشتباه حتّى يُختَصّ بالذكر ، وإنّما
موضعه النجم الواحد ، ولا يجوز حمل مطلقه عليه؛ للعلم به من اشتراط الأجل.
(ولا
تصحّ) الكتابة (مع جهالة العوض) بل يعتبر ضبطه كالنسيئة ، وإن كان عَرَضاً فكالسلم ، ويمتنع
فيما يمتنع فيه (ولا
على عين) لأنّها إن كانت
للسيّد فلا معاوضة ، وإن كانت لغيره فهي كجَعل ثمن المبيع من مال غير المشتري. ولو
أذن الغير في الكتابة على عين يملكها فهي في قوّة بيع العبد بها ، فإن جعلناها
بيعاً صحّ ، وإلّا فوجهان : من الأصل ، وكونِه خلاف المعهود شرعاً كما عُلم من
اشتراط الأجل.
(ويُستحبّ
أن لا يتجاوز) مال الكتابة (قيمةَ
العبد) يوم المكاتبة (ويجب) على مولاه (الإيتاء) للمكاتَب (من الزكاة إن وجبت) الزكاة (على المولى) للأمر به في قوله تعالى : (وَآتُوهُمْ مِنْ
مٰالِ اَللّٰهِ اَلَّذِي آتٰاكُمْ)
وليكن من سهم
الرقاب إن أوجبنا البسط (وإلّا)
تجب عليه
الزكاة (استحبّ)
له الإيتاء وهو
إعطاؤه شيئاً (ولا
حدّ له) أي للمؤتى
قلّةً ، بل يكفي ما يطلق عليه اسم المال.
__________________
ويكفي الحطّ من
النجوم عنه؛ لأنّه في معناه ، ويجب على العبد القبول إن آتاه من عين مال الكتابة
أو من جنسه ، لا من غيره ، ولو اُعتق قبل الإيتاء ففي وجوب القضاء وكونه ديناً على
المولى وجهٌ رجّحه المصنّف في الدروس وجعله كالدين
ولو دفع إليه
من الزكاة وكان مشروطاً فعجّزه ففي وجوب إخراج الزكاة لغيره أو ردّها إلى دافعها
لو كان غيره قول
ويحتمل ذلك لو
كان من الغير تبرّعاً وعدمه فيهما؛ لملكه له وقت الدفع وبراءة ذمّة الدافع ، وعوده
إلى المولى إحداث لا إبطال ما سلف ، ومن ثَمَّ بقيت المعاملة السابقة بحالها وإن
لم يرضَ بها المولى.
(ولو
مات) المكاتَب (المشروط قبل كمال
الأداء) لمال الكتابة (بطلت) وملك المولى ما وصل إليه من المال وما تركه المكاتب. (ولو مات المطلق ولم
يؤدّ شيئاً فكذلك ، وإن أدّى تحرّر منه بقدر المؤدّى) أي بنسبته من الجميع ، وبطل منه بنسبة المتخلّف (وكان ميراثه بين
السيّد ووارثه بالنسبة) فإن كان الوارث حرّاً فلا شيء عليه (ويؤدّي الوارث
التابع له في الكتابة) كولده من أمته (باقي
مال الكتابة) لأنّه قد تحرّر منه بنسبة أبيه وبقي الباقي لازماً له (وللمولى إجباره على
الأداء) للباقي (كما له إجبار
المورّث) لأنّه دين فكان
له إجباره على أدائه.
وقيل : لا
لعدم وقوع
المعاملة معه ، وفي صحيحة ابن سنان وجميل ابن درّاج عن أبي عبد اللّٰه عليه
السلام : «يقضي مال الكتابة من الأصل ، ويرث وارثه
__________________
ما بقي)
واختاره بعض
الأصحاب
والمشهور
الأوّل.
(وتصحّ
الوصيّة للمكاتب المطلق بحساب ما تحرّر منه) لرواية محمّد ابن قيس عن الباقر عليه السلام
«في مكاتب كان تحته امرأة حرّة فأوصت له عند موتها بوصيّة ، فقضى أنّه يرث بحساب
ما اُعتق منه» .
ولو لم يتحرّر
منه شيء أو كان مشروطاً ، لم تصحّ الوصيّة له مطلقاً على المشهور. واستقرب المصنّف
في الدروس جواز الوصيّة للمكاتب مطلقاً
لأنّ قبولها
نوع اكتساب وهو أهل له. وفيه قوّة .
هذا إذا كان
الموصي غير المولى ، أمّا هو فتصحّ وصيّته مطلقاً ، ويُعتق منه بقدر الوصيّة ، فإن
كانت بقدر النجوم عُتق أجمع ، وإن زادت فالزائد له. ولا فرق بين كون قيمته بقدر
مال الكتابة ، أو أقلّ؛ لأنّ الواجب الآن هو المال ، مع احتمال اعتبار القيمة لو
نقصت من الوصيّة فيعتق من الوصيّة ، وله الزائد وإن لم تفِ بمال الكتابة؛ لأنّ ذلك
حكم القنّ ، والمكاتَب لا يقصر عنه.
(وكلّ
ما يشترط في عقد الكتابة ممّا لا يخالف المشروع لازم) لأنّ الشرط في العقد يصير كالجزء منه ، فالأمر بالوفاء
به يتناوله ، ولقوله صلى الله عليه وآله :
__________________
(المؤمنون عند شروطهم)
ولو خالف
المشروع ـ كشرط أن يطأ المكاتَبة أو أمةَ المكاتَب مطلقاً ، أو يترك التكسّب ، أو
ردّ المطلق في الرقّ حيث شاء ، ونحوه ـ بطل الشرط ، ويتبعه بطلان العقد على
الأقوى.
(وليس
له) أي للمكاتَب
بنوعيه (التصرّف
في ماله ببيعٍ) ينافي الاكتساب كالبيع نسيئة بغير رهن ولا ضمين ، أو محاباةً أو بغبن ، لا
مطلق البيع فإنّ له التصرّف بالبيع والشراء وغيرهما من أنواع التكسّب التي لا خطر
فيها ولا تبرّع (ولا
هبةٍ) لا تستلزم
عوضاً زائداً عن الموهوب ، وإلّا فلا منع؛ للغبطة ، وفي صحّة العوض المساوي وجه؛
إذ لا ضرر حينئذٍ كالبيع بثمن المثل والشراء به (ولا عتقٍ) لأنّه تبرّع محض ، ومنه شراء من ينعتق عليه ، وله قبول
هبته مع عدم الضرر بأن يكون مكتسباً قدر مؤونته فصاعداً (ولا إقراضٍ) مع عدم الغبطة ، فلو كان في طريق خطر يكون الإقراض فيه
أغبط من بقاء المال ، أو خاف تلفه قبل دفعه ، أو بيعه ونحو ذلك ، فالمتّجه الصحّة
، ولكنّهم أطلقوا المنع فيما ذكر
(إلّابإذن
المولى) فلو أذن في ذلك
كلّه جاز؛ لأنّ الحقّ لهما ، وحيث يُعتق بإذنه فالولاء له إن عتق ، وإلّا فللمولى.
ولو اشترى من
ينعتق عليه لم يُعتَق في الحال فإن عُتِق تبعه ، وإلّا استرقّهما المولى. ولو مات
العتيق في زمن الكتابة وقف ميراثه توقّعاً لعتق المكاتَب.
وحيث لا يأذن
المولى فيما لا غبطة فيه ولم يبطله حتّى عتق المكاتب نفذ؛
__________________
لزوال المانع كالفضولي. وقيل : لا؛ لوقوعه على غير الوجه المشروع
وهو ممنوع.
(ولا
يتصرّف المولى في ماله أيضاً) بما ينافي الاكتساب (إلّابما يتعلّق بالاستيفاء) مطلقة كانت أم مشروطة.
(ويحرم
عليه وطء) الأمة (المكاتبة
عقداً وملكاً) بإذنها وغيره ، فلو وطئها فعليه المهر وإن طاوعته؛ لأنّها لم تستقلّ بملكه
ليسقط ببغيها. وفي تكرّر المهر بتكرّر الوطء أوجه ، ثالثها تكرّره مع تخلّل الأداء
بين الوطأين ، وإلّا فلا ، وتصير اُمّ ولد لو ولدت منه. فإن مات وعليها شيء من مال
الكتابة عتق باقيها من نصيب ولدها فإن عجز النصيب بقي الباقي مكاتباً.
(وله
تزويجها) من غيره (بإذنها) والفرق بينه وبين المولى أنّ الملك له غير تامّ؛
لتشبّثها بالحرّيّة ، والعقد كذلك؛ لعدم استقلالها والبُضع لا يتبعّض ، أمّا الأجنبيّ
فلمّا كان الحقّ منحصراً فيهما وعقد له بإذنها فقد أباحه بوجهٍ واحد.
(ويجوز
بيع مال الكتابة) بعد حلوله ونقله بسائر وجوه النقل ، فيجب على المكاتَب تسليمه إلى من صار
إليه. خلافاً للمبسوط
استناداً إلى
النهي عن بيع ما لم يُقبض
وإطلاقه ممنوع
لتقييده
بانتقاله إلى البائع بالبيع (فإذا
أدّاه)
__________________
المكاتب (إلى
المشتري عتق) لأنّ قبضه كقبض المولى.
ولو قيل
بالفساد ، ففي عتقه بقبض المشتري مع إذنه له في القبض وجهان : من أنّه كالوكيل ، ومن
أنّ قبضه لنفسه وهو غير مستحقّ ، ففارق الوكيل بذلك. والوجهان اختارهما العلّامة
في التحرير .
(ولو
اختلفا في قدر مال الكتابة ، أو في) قدر (النجوم)
وهي الآجال
إمّا في قدر كلّ أجل مع اتّفاقهما على عددها ، أو في عددها مع اتّفاقهما على مقدار
كلّ أجل (قُدّم
المنكر) وهو المكاتب في
الأوّل والمولى في الثاني (مع
يمينه) لأصالة البراءة
من الزائد.
وقيل : يُقدّم
قول السيّد مطلقاً
لأصالة عدم
العتق ، إلّابما يتّفقان عليه.
__________________
(النظر الثالث في
الاستيلاد)
للإماء بملك اليمين
ويترتّب عليه
أحكام خاصّة ، كإبطال كلّ تصرّفٍ ناقلٍ للملك عنه إلى غيره غير مستلزم للعتق أو
مستلزم للنقل كالرهن ، وعتقِها بموت المولى قبلَها مع خلوّ ذمّته من ثمن رقبتها أو
وفاء التركة وحياةِ الولد ، وغير ذلك (وهو يحصل بعُلوق أمته منه في ملكه) بما يكون مبدأ نشوء آدميّ ولو مضغةً ، لا بعُلوق الزوجة
الأمةِ ، ولا الموطوءة بشبهة وإن ولدته حرّاً أو ملكهما بعدُ على الأشهر. ولا
يشترط الوطء ، بل يكفي مطلق العُلوق منه ، ولا حلّ الوطء إذا كان التحريم عارضاً
كالصوم والإحرام
والحيض والرهن.
أمّا الأصليّ بتزويج الأمة مع العلم بالتحريم فلا؛ لعدم لحوق النسب.
ويشترط مع ذلك
الحكم بحرّيّة الولد ، فلا يحصل بوطء المكاتَب أمته قبل الحكم بعتقه ، فلو عجز
استرقّ المولى الجميع ، نعم لو عُتق صارت اُمّ ولد. وليس له بيعها قبل عجزه وعتقه؛
لتشبّثها بالحرّيّة. ولا بوطء العبد أمته التي ملّكه إيّاها مولاه لو قلنا بملكه.
(وهي
مملوكة) يجوز استخدامها
ووطؤها بالملك وتزويجها بغير رضاها وإجارتها وعتقها.
(ولا
تتحرّر بموت المولى) أي بمجرّد موته كما يتحرّر المدبَّر لو خرج من ثلث ماله أو أجازه الوارث (بل) تتحرّر (من نصيب ولدها) من ميراثه من أبيه (فإن عجز النصيب) عن قيمتها كما لو لم يخلّف سواها وخلّف وارثاً
__________________
سواه (سعت)
هي (في المتخلّف) من قيمتها عن نصيبه. ولا اعتبار بملك ولدها من غير
الإرث؛ لأنّ عتقها عليه قهريّ ، فلا يسري عليه في المشهور. وقيل : يُقوَّم عليه
الباقي بناءً على السراية بمطلق الملك .
(ولا
يجوز بيعها ما دام ولدها حيّاً ، إلّافيما استثني) في كتاب البيع
فإذا مات أو
ولدته سقطاً زال حكم الاستيلاد رأساً. وفائدة الحكم به بوضع العلقة والمضغة وما
فوقهما إبطال التصرّفات السابقة الواقعة حالة الحمل ، وإن جاز تجديدها حينئذٍ.
(وإذا
جنت) اُمّ الولد
خطأً تعلّقت الجناية برقبتها على المشهور ، و (فكّها) المولى (بأقلّ الأمرين من قيمتها وأرش الجناية)
على الأقوى؛
لأنّ الأقلّ إن كان هو الأرش فظاهر ، وإن كان القيمة فهي بدل من العين فيقوم
مقامها ، وإلّا لم تكن بدلاً. ولا سبيل إلى الزائد؛ لأنّ المولى لا يَعقِلُ
مملوكاً. وهذا الحكم لا يختصّ باُمّ الولد ، بل بكلّ مملوك.
وقيل : بل
يفكّها بأرش الجناية مطلقاً
لتعلّقها
برقبتها.
ولا يتعيّن
عليه ذلك ، بل يفكّها (إن
شاء ، وإلّا) يفكّها (سلّمها)
إلى المجنيّ
عليه ، أو وارثه ليتملّكها فيبطل حكم الاستيلاد. وله حينئذٍ بيعها والتصرّف فيها
كيف شاء إن استغرقت الجناية قيمتها (أو يُسلّم ما قابل الجناية) إن لم تستغرق قيمتها.
__________________
كتاب الإقرار
(كتاب الإقرار)
(وفيه
فصول) :
(الأوّل)
(الصيغة ، وتوابعها)
من شرائط
المُقِرّ ، وجملة من أحكامه المترتّبة على الصيغة ، ويندرج فيه بعض شرائط المُقَرّ
به. وكان عليه أن يدرج شرائط المُقَرّ له أيضاً فيه ، وهي : أهليّته للتملّك وأن
لا يكذّب المُقِرَّ ، وأن يكون ممّن يملك المُقَرّ به ، فلو أقرّ للحائط أو
الدابّة لغا ، ولو أكذبه لم يُعطَ ، ولو لم يصلح لملكه ـ كما لو أقرّ لمسلم بخنزير
أو خمر غير محترمة ـ بطل ، وإنّما أدرجنا ذلك ليتمّ الباب.
(وهي)
أي الصيغة : (له عندي كذا) أو عليَّ (أو هذا) الشيء ـ كهذا البيت أو البستان ـ (له) دون (بيتي)
و (بستاني) في المشهور؛ لامتناع اجتماع مالكين مستوعبين على شيءٍ
واحد ، والإقرار يقتضي سبق ملك المقَرّ له على وقت الإقرار ، فيجتمع النقيضان.
نعم ، لو قال :
بسبب صحيح ـ كالشراء ونحوه ـ صحّ؛ لجواز أن يكون له حقّ
وقد جعل دارَه في مقابلته.
والأقوى الصحّة
مطلقاً
لإمكان تنزيل
الخالي من الضميمة عليها؛ لأنّ الإقرار مطلقاً يُنزّل على السبب الصحيح مع إمكان
غيره ، ولأنّ التناقض إنّما يتحقّق مع ثبوت الملك لهما في نفس الأمر ، أمّا ثبوت
أحدهما ظاهراً والآخر في نفس الأمر فلا ، والحال هنا كذلك ، فإنّ الإخبار بملك
المُقَرّ له يقتضي ثبوت ملكه في الواقع ، ونسبة المُقَرّ به إلى نفسه يحمل على
الظاهر ، فإنّه المطابق لحكم الإقرار؛ إذ لا بدّ فيه من كون المقَرّ به تحت يد
المقِرّ ، وهي تقتضي ظاهراً كونه ملكاً له ، ولأنّ الإضافة يكفي فيهاأدنى ملابسة ،
مثل (لاٰ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ
بُيُوتِهِنَّ)
فإنّ المراد : بيوت
الأزواج واُضيفت إلى الزوجات بملابسة السكنى ، ولو كان ملكاً لهنّ لما جاز
إخراجهنّ عند الفاحشة. وكقول أحد حاملي الخشبة : «خُذ طرفَك» و«كوكب الخرقاء»
و«شهادة اللّٰه» و«دينه).
وهذه الإضافة
لو كانت مجازاً لوجب الحمل عليه ، لوجود القرينة الصارفة عن الحقيقة والمعيّنة له؛
لأنّ الحكم بصحّة إقرار العقلاء مع الإتيان باللام المفيد
__________________
للملك والاستحقاق قرينة على أنّ نسبة المال إلى المقرّ بحسب الظاهر.
وفرّق المصنّف
بين قوله : «ملكي لفلان» و«داري» فحكم بالبطلان في الأوّل وتوقّف في الثاني
والأقوى عدم
الفرق.
وليس منه
ما لو قال
: «مسكني له» فإنّه يقتضي الإقرار
قطعاً؛ لأنّ إضافة السكنى لا تقتضي ملكيّة العين؛ لجواز أن يسكن [ملك]
غيره.
(أو
له في ذمّتي) كذا (وشبهه)
كقوله : (له قِبَلي كذا).
(ولو
علّقه بالمشيئة) كقوله : «إن شئت» أو «إن شاء زيد» أو «إن شاء
اللّٰه» (بطل)
الإقرار (إن اتّصل) الشرط؛ لأنّ الإقرار إخبار جازم عن حقّ لازم سابق على
وقت الصيغة ، فالتعليق ينافيه؛ لانتفاء الجزم في المعلّق ، إلّاأن يُقصد في
التعليق على مشيئة اللّٰه : التبرّك ، فلا يضرّ.
وقد يشكل
البطلان في الأوّل بأنّ الصيغة قبل التعليق تامّة الإفادة لمقصود الإقرار ، فيكون
التعليق بعدها كتعقيبه بما ينافيه ، فينبغي أن يلغو المنافي ، لا أن يبطل الإقرار.
والاعتذار بكون
الكلام كالجملة الواحدة لا يتمّ إلّابآخره ، واردٌ في تعقيبه بالمنافي مع حكمهم
بصحّته.
وقد يُفرَّق
بين المقامين بأنّ المراد بالمنافي الذي لا يسمع : ما وقع بعد تمام صيغة جامعة
لشرائط الصحّة ، وهنا ليس كذلك؛ لأنّ من جملة الشرائط التنجيز وهو غير متحقّق
بالتعليق فتلغو الصيغة.
__________________
(ويصحّ)
الإقرار (بالعربيّة وغيرها) لاشتراك اللغات في التعبير عمّا في الضمير ، والدلالة
على المعاني الذهنيّة بحسب المواضعة ، لكن يشترط في تحقيق اللزوم علم اللافظ
بالوضع ، فلو أقرّ عربيٌّ بالعجميّة أو بالعكس وهو لا يعلم مؤدّى اللفظ لم يقع.
ويُقبل قوله في عدم العلم إن أمكن في حقّه ، أو صدَّقه المُقَرّ له ، عملاً
بالظاهر والأصلِ من عدم تجدّد العلم بغير لغته. والمعتبر في الألفاظ الدالّة على
الإقرار إفادتها له عرفاً وإن لم يقع على القانون العربيّ وقلنا باعتباره في غيره
من العقود والإيقاعات اللازمة لتوقّف تلك على النقل ، ومن ثَمَّ لم تصحّ
بغير العربيّة
مع إمكانها.
(ولو
علّقه بشهادة الغير) فقال : «إن شهد لك فلان عليَّ بكذا فهو لك في
ذمّتي» أو «لك عليَّ كذا إن شهد لك به فلان» (أو قال : إن شهد) لك (فلان)
عليَّ بكذا (فهو صادق) أو فهو صِدق ، أو حقّ ، أو لازم لذمّتي ، ونحوه (فالأقرب البطلان) وإن كان قد علّق ثبوت الحقّ على الشهادة ، وذلك لا يصدق
إلّا إذا كان ثابتاً في ذمّته الآن وحكم بصدقه على تقدير شهادته ، ولا يكون صادقاً
إلّا إذا كان المشهود به في ذمّته؛ لوجوب مطابقة الخبر الصادق لمُخبَره بحسب
الواقع؛ إذ ليس للشهادة أثر في ثبوت الصدق ولا عدمه ، فلولا حصول الصدق عند
المُقرّ لما علّقه على الشهادة؛ لاستحالة أن تجعله الشهادة صادقاً وليس بصادق ، وإذا
لم يكن للشهادة تأثير في حصول الصدق عند المُقرّ
وقد حكم به ، وجب
أن يلزمه المال وإن أنكر الشهادة ، فضلاً عن شهادته أو عدم شهادته.
وإنّما لم
يؤثّر هذا كلّه (لجواز
أن يعتقد استحالة صدقه؛ لاستحالة شهادته
__________________
عنده)
ومثله في
محاورات العوام كثير ، يقول أحدهم : (إن شهد فلان أنّي لست لأبي فهو صادق) ولا يريد إلّاأ نّه لا تصدر عنه الشهادة؛ للقطع بعدم
تصديقه إيّاه على كونه ليس لأبيه ، وغايته قيام الاحتمال ، وهو كافٍ في عدم اللزوم
وعدم صراحة الصيغة في المطلوب ، معتضداً بأصالة براءة الذمّة ، مع أنّ ما
ذكر في توجيه اللزوم معارَض بالإقرار المعلَّق على شرط بتقريب ما ذكر (١) وكذا
قولهم : إنّه يصدق (كلّما لم يكن المال ثابتاً في ذمّته لم يكن صادقاً على تقدير
الشهادة) وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا : (كلّما كان صادقاً على تقدير الشهادة كان
ثابتاً في ذمّته وإن لم يشهد) لكن المقدَّم حقّ؛ لعموم (إقرار العقلاء على أنفسهم
جائز) وقد أقرّ بصدقه على تقدير الشهادة ، فالتالي ـ وهو ثبوت
المال في ذمّته ـ مثلُه ، فإنّه معارَض بالمعلَّق ومنقوض بالاحتمال الظاهر .
(ولا
بدّ من كون المقرّ كاملاً) بالبلوغ والعقل (خالياً من الحجر للسَفَه) أمّا الحجر للفَلَس فقد تقدّم في باب الدين
اختيار المصنّف
أنّه مانع من الإقرار بالعين دون الدين؛ فلذا لم يذكره هنا. ويعتبر مع ذلك القصدُ
والاختيار.
فلا عبرة
بإقرار الصبيّ وإن بلغ عشراً إن لم نُجز وصيّتَه ووقفَه وصدقتَه ، وإلّا قُبل
إقراره بها؛ لأنّ من ملك شيئاً ملك الإقرار به.
ولو أقرّ
بالبلوغ استُفسِر فإن فَسَّره بالإمناء قُبل مع إمكانه ، ولا يمين عليه حذراً من
الدور.
__________________
ودفعُ المصنّف
له ـ في الدروس ـ بأنّ يمينه موقوفة على إمكان بلوغه ، والموقوف على يمينه هو وقوع
بلوغه فتغايرت الجهة
مندفعٌ بأنّ
إمكان البلوغ غير كافٍ شرعاً في اعتبار أفعال الصبيّ وأقواله التي منها يمينه.
ومثله إقرار الصبيّة به أو بالحيض.
وإن ادّعاه
بالسنّ كُلِّف البيّنة ، سواء في ذلك الغريب والخامل وغيرهما ، خلافاً للتذكرة حيث
ألحقهما فيه بمدّعي الاحتلام
لتعذّر إقامة
البيّنة عليهما غالباً. أو بالإنبات اعتبر؛ فإنّ محلّه ليس من العورة ، ولو فرض أنّه
منها فهو موضع حاجة.
ولا بإقرار
المجنون إلّامن ذي الدور وقتَ الوثوق بعقله. ولا بإقرار غير القاصد ، كالنائم
والهازل والساهي والغالط.
ولو ادّعى
المقرّ أحد هذه
ففي تقديم قوله
عملاً بالأصل ، أو قول الآخر عملاً بالظاهر وجهان.
ومثله دعواه
بعد البلوغ وقوعه حالة الصِبا ، والمجنونُ حالتَه مع العلم به ، فلو لم يُعلم له
حالة جنون حلف نافيه. والأقوى عدم القبول في الجميع.
ولا بإقرار
المكرَه فيما اُكره على الإقرار به ، إلّامع ظهور أمارة اختياره ، كأن يكره على
أمر فيقرّ بأزيد منه.
وأمّا الخلوّ
من السَفَه : فهو شرط في الإقرار المالي ، فلو أقرّ بغيره كجناية توجب القصاص
ونكاحٍ وطلاقٍ قُبل ، ولو اجتمعا قُبل في غير المال كالسرقة بالنسبة إلى القطع ، ولا
يلزم بعد زوال حجره ما بطل قبلَه ، وكذا يُقبل إقرار المفلَّس
__________________
في غير المال مطلقاً.
(وإقرار
المريض من الثلث مع التهمة) وهي : الظنّ الغالب بأ نّه إنّما يريد بالإقرار تخصيصَ
المُقَرّ له بالمُقَرّ به ، وأ نّه في نفس الأمر كاذب.
ولو اختلف
المقَرُّ له والوارثُ فيها فعلى المدّعي لها البيّنة؛ لأصالة عدمها ، وعلى منكرها
اليمين. ويكفي في يمين المُقَرّ له أنّه لا يعلم التهمة ، لا أنّها ليست حاصلة في
نفس الأمر؛ لابتناء الإقرار على الظاهر. ولا يكلّف الحلف على استحقاق المقَرّ به
من حيث إنّه يعلم بوجه استحقاقه؛ لأنّ ذلك غير شرط في استباحة المُقَرّ به ، بل له
أخذه ما لم يعلم فساد السبب.
هذا كلّه مع
موت المُقِرّ في مرضه ، فلو برئ [من مرضه]
نفذ من الأصل
مطلقاً. ولا فرق في ذلك بين الوارث والأجنبي.
(وإلّا)
يكن هناك تهمة
ظاهرة (فمن
الأصل) مطلقاً على
أصحّ الأقوال .
__________________
(وإطلاق
الكيل أو الوزن) في الإقرار كأن قال : له عندي كيل حنطة أو رطل سمن (يُحمل على) الكيل والوزن (المتعارف في البلد) أي بلد المُقِرّ وإن خالف بلد المقَرّ له (فإن تعدّد) المكيال والميزان في بلده (عيّن المُقرّ) ما شاء منها (ما لم يغلب) أحدها في الاستعمال على الباقي (فيُحمل على الغالب) ولو تعذّر استفساره فالمتيقّن هو الأقلّ
وكذا القول في
النقد.
(ولو
أقرّ بلفظ مبهم صحّ) إقراره (واُلزم
تفسيره) واللفظ المبهم (كالمال والشيء
والجزيل والعظيم والحقير) والنفيس ، ومال أيّ مال. ويُقبل تفسيره بما قلّ؛ لأنّ
كلّ مال عظيم خطره شرعاً كما ينبّه عليه كفر مستحلّه
فيُقبل [في]
هذه الأوصاف.
(و)
لكن (لا بدّ من كونه ممّا
يتموَّل) أي يُعدّ مالاً
عرفاً (لا
كقشر جوزة ، أو حبّة دُخن) أو حِنطة؛ إذ لا قيمة لذلك عادة.
وقيل : يُقبل
بذلك؛ لأنّه مملوك شرعاً ، والحقيقة الشرعيّة مقدّمة على العرفيّة ، ولتحريم أخذه
بغير إذن مالكه ووجوب ردِّه .
ويشكل بأنّ
الملك لا يستلزم إطلاق اسم المال شرعاً ، والعرف يأباه. نعم ، يتَّجه ذلك تفسيراً
للشيء ، وإن وصفه بالأوصاف العظيمة؛ لما ذُكر
ويقرب منه
__________________
ما لو قال : له عليَّ حقّ.
وفي قبول
تفسيرهما
بردّ السلام
والعيادة وتسميت العطاس
وجهان : من
إطلاق «الحقّ» عليها في الأخبار
فيُطلَق «الشيء»
لأنّه أعمّ ، ومن أنّه
خلاف المتعارف وبُعدُهما عن الفهم في معرض الإقرار وهو الأشهر.
ولو امتنع من
التفسير حُبس وعُوقب عليه حتّى يفسِّر؛ لوجوبه عليه.
ولو مات قبله
طولب الوارث به إن علمه وخلَّف تركة ، فإن أنكر العلم وادّعاه عليه المُقَرُّ له
حلف على عدمه.
(ولا
فرق) في الإبهام
والرجوع إليه في التفسير (بين
قوله : عظيم أو كثير *
لاشتراكهما في
الاحتمال.
(وقيل)
والقائل الشيخ
وجماعة
بالفرق وإنّ (الكثير ثمانون) كالنذر؛ للرواية الواردة به فيه
والاستشهاد
بقوله تعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اَللّٰهُ فِي
مَوٰاطِنَ كَثِيرَةٍ)
ويضعّف مع
تسليمه ببطلان القياس ، ولاستعمال الكثير في القرآن
__________________
لغير ذلك مثل (فِئَةً كَثِيرَةً)
و (ذِكْراً
كَثِيراً)
ودعوى أنّه عرف
شرعيّ فلا قياس ، خلاف الظاهر. وإلحاق (العظيم) به غريب .
(ولو
قال : له عليَّ أكثر من مال فلان) لزمه بقدره وزيادة (و) لو (فسّره
بدونه وادّعى ظنَّ القلّة حلف) لأصالة عدم علمه به مع ظهور أنّ المال من شأنه أن يخفى ،
وفسَّر
بما ظنّه وزاد
عليه زيادة. وينبغي تقييده بإمكان الجهل به في حقّه. ولا فرق في ذلك بين قوله قبل
ذلك : (إنّي
أعلم مال فلان) وعدمه.
نعم ، لو كان
قد أقرّ بأ نّه قدرٌ يزيد عمّا ادّعى ظنَّه ، لم يقبل إنكاره ثانياً ، ولو تأوّل
بأنّ «مال فلان حرام أو
شبهة أو عين ، وما أقررت به حلال أو دين ، والحلال والدين أكثر نفعاً أو بقاءً» ففي قبوله قولان
: من أنّ
المتبادر كثرة المقدار فيكون حقيقة فيها وهي مقدّمة على المجاز مع عدم القرينة
الصارفة ، ومن إمكان إرادة المجاز ولا يُعلم قصده إلّامن لفظه فيرجع إليه فيه. ولا
يخفى قوّة الأوّل. نعم لو اتّصل التفسير بالإقرار لم يبعد القبول.
(ولو
قال : له عليَّ كذا دراهم ، بالحركات الثلاث) : الرفع والنصب والجرّ (والوقف) بالسكون ، وما في معناه (فواحد) لاشتراكه بين الواحد
__________________
فما زاد وضعاً ، فيحمل على الأقلّ؛ لأنّه المتيقّن إذا لم يفسّره بأزيد ، فإنّ
(كذا) كناية عن (الشيء).
فمع الرفع يكون
الدرهم بدلاً منه ، والتقدير : «شيءٌ درهمٌ).
ومع النصب يكون
تمييزاً له. وأجاز بعض أهل العربيّة نصبَه على القطع
كأ نّه قطع ما
ابتدأ به وأقرّ بدرهم.
ومع الجرّ
تُقدّر الإضافة بيانيّة ك (حَبّ
الحصيد) والتقدير شيء
هو درهم.
ويشكل بأنّ ذلك
وإن صحّ ، إلّاأ نّه يمكن تقدير ما هو أقلّ منه بجعل (الشيء) جزءاً من الدرهم اُضيف إليه ، فيلزمه جزء يرجع في تفسيره
إليه؛ لأنّه المتيقّن ، ولأصالة البراءة من الزائد ، ومن ثَمّ حُمل الرفع والنصب
على الدرهم مع احتمالهما أزيد منه. وقيل : إنّ الجرّ لحنٌ يحمل على أخويه فيلزمه
حكمهما .
وأمّا مع الوقف
فيحتمل الرفع والجرّ لو اُعرب ، لا النصب؛ لوجوب إثبات الألِف فيه وقفاً ، فيحمل
على مدلول ما احتمله.
فعلى ما اختاره
يشتركان في احتمال الدرهم فيحمل عليه. وعلى ما حقّقناه يلزمه جزء درهم خاصّة؛
لأنّه باحتماله الرفع والجرّ حصل الشكّ فيما زاد على الجزء فيحمل على المتيقّن ، وهو
ما دلّت عليه الإضافة.
(وكذا
كذا درهماً ، وكذا وكذا درهماً كذلك) في حمله على الدرهم مع الحركات الثلاث والوقف؛ لاحتمال
كون «كذا» الثاني تأكيداً
للأوّل في الأوّل ، والحكم في الإعراب ما سلف ، وفي الوقف يُنزَّل على أقلّ
الاحتمالات. وكون «كذا» شيئاً مبهماً والثاني معطوفاً عليه في الثاني ، ومُيّزا بدرهم
على تقدير
__________________
النصب ، واُبدلا منه على تقدير الرفع ، وبُيّنا معاً بالدرهم مع الجرّ ، ونُزّل
على أحدهما مع الوقف ، أو اُضيف الجزء إلى جزء الدرهم في الجرّ على ما اخترناه ، وحُمل
الوقف عليه أيضاً.
(ولو
فسّر في) حالة (الجرّ) من الأقسام الثلاثة (ببعض درهم جاز) لإمكانه وضعاً بجعل الشيء المراد
من «كذا»
وما اُلحق به
كنايةً عن الجزء.
وفيه : أنّ
قبول تفسيره به يقتضي صحّته بحسب الوضع ، فكيف يحمل مع الإطلاق على ما هو أكثر منه
مع إمكان الأقلّ؟ فالحمل عليه مطلقاً أقوى.
(وقيل)
والقائل به
الشيخ وجماعة
: «يتبع
في ذلك» المذكور من قوله : «كذا» و«كذا كذا» و«كذا وكذا»
بالحركات
الثلاث والوقف وذلك اثنتا عشرة صورةً : (موازنه من الأعداد) جعلاً لكذا كنايةً عن العدد ، لا عن الشيء ، فيكون
الدرهم في جميع أحواله تمييزاً لذلك العدد ، فيُنظر إلى ما يناسبه بحسب ما تقتضيه
قواعد العربيّة من إعراب المميِّز للعدد ويُحمل عليه.
فيلزمه مع
إفراد المبهم ورفع الدرهم : درهمٌ؛ لأنّ المميّز لا يكون مرفوعاً ، فيجعل بدلاً
كما مرّ. ومع النصب : عشرون درهماً؛ لأنّه أقلّ عدد مفرد ينصب مُميّزه؛ إذ فوقه
ثلاثون إلى تسعين ، فيحمل على الأقلّ. ومع الجرّ : مئة درهمٌ؛ لأنّه أقلّ عدد مفرد
فُسّر بمفرد مجرور؛ إذ فوقه الألف. ومع الوقف : درهمٌ؛ لاحتماله
__________________
الرفع والجرّ ، فيحمل على الأقلّ .
ومع تكريره
بغير عطف ورفع الدرهم : درهمٌ؛ لما ذكر
في الإفراد مع
كون الثاني تأكيداً للأوّل. ومع نصبه : أحد عشر؛ لأنّه أقلّ عدد مركَّب مع غيره
يُنصب بعده مميّزه؛ إذ فوقه اثنا عشر إلى تسعة عشر ، فيحمل على المتيقّن. ومع جرّه
: ثلاثمئة درهم؛ لأنّه أقلّ عدد اُضيف إلى آخر ومُيِّز بمفرد مجرور؛ إذ فوقه أربعمئة
إلى تسعمئة ، ثمّ مئة مئة ، ثمّ مئة ألف ، ثمّ ألف ألف ، فيحمل على المتيقّن
والتركيب هنا لا يأتي
لأنّ مميّز
المركّب لم يرد مجروراً ، وهذا القسم لم يصرّح به صاحب القول
ولكنّه لازم
له. ومع الوقف : يحتمل الرفع والجرّ ، فيحمل على الأقلّ منهما وهو الرفع.
ومع تكريره
معطوفاً ورفع الدرهم : يلزمه درهم؛ لما ذكر في الإفراد بجعل الدرهم بدلاً من مجموع
المعطوف والمعطوف عليه. ويحتمل أن يلزمه درهم وزيادة؛ لأنّه ذكر شيئين متغايرين
بالعطف ، فيجعل الدرهم تفسيراً للقريب منهما وهو المعطوف ، فيبقى المعطوف عليه على
إبهامه فيرجع إليه في تفسيره. وأصالة البراءة تدفعه.
ومع نصب الدرهم
: يلزمه أحد وعشرون درهماً ، لأنّه أقلّ عددين عُطف أحدهما على الآخر وانتصب
المميّز بعدهما؛ إذ فوقه اثنان وعشرون إلى تسعة وتسعين فيحمل على الأقلّ.
__________________
ومع جرّ الدرهم
: يلزمه ألف ومئة؛ لأنّه أقلّ عددين عُطف أحدهما على الآخر ومُيِّز بمفرد مجرور؛
إذ فوقه من الأعداد المعطوف عليها المئة والألف ما لا نهاية له. ويحتمل جعل الدرهم
مميّزاً للمعطوف فيكون مئة ويبقى المعطوف عليه مبهماً فيرجع إليه في تفسيره ، وجعله
درهماً لمناسبة الأعداد المميّزة ، فيكون التقدير درهم ومئة درهم؛ لأصالة البراءة
من الزائد. وهذا القسم أيضاً لم يصرّحوا بحكمه ، ولكنّه لازم للقاعدة.
ومع الوقف عليه
: يحتمل الرفع والجرّ ، فيحمل على الأقلّ وهو الرفع.
وإنّما حملنا
العبارة على جميع هذه الأقسام مع احتمال أن يريد بقوله
: «وكذا كذا درهماً وكذا وكذا درهماً كذلك» حكمهما في حالة النصب؛ لأنّه الملفوظ ، ويكون حكمهما في
غير حالة النصب مسكوتاً عنه؛ لأنّه
عقّبه بقوله
: «ولو فسّر في الجرّ ببعض درهم جاز» وذلك يقتضي كون ما سبق شاملاً لحالة الجرّ؛
إذ يبعد كون قوله : «ولو فسّر في الجرّ» تتميماً لحكم «كذا» المفرد؛ لبُعده.
وعلى التقديرين
يترتّب قولُه : «وقيل : يتبع
في ذلك موازنه» فعلى ما ذكرناه
تتشعّب الصور إلى اثني
عشرة ، وهي : الحاصلة
من ضرب أقسام الإعراب الأربعة في المسائل الثلاث ،
وهي : «كذا» المفرد ، والمكرّر
بغير عطف ، ومع العطف. وعلى الاحتمال
يسقط من
القسمين الأخيرين ما زاد على نصب المميّز ، فتنتصف الصور.
__________________
وكيف كان : فهذا
القول ضعيف ، فإنّ هذه الألفاظ لم توضع لهذه المعاني لغةً ولا
اصطلاحاً ، ومناسبتها على الوجه المذكور لا يوجب اشتغال الذمّة بمقتضاها ، مع
أصالة البراءة واحتمالها لغيرها على الوجه الذي بُيّن. ولا فرق في ذلك بين كون
المقرّ من أهل العربيّة وغيرهم؛ لاستعمالها على الوجه المناسب للعربيّة في غير ما
ادّعوه استعمالاً شهيراً. خلافاً للعلّامة حيث فرّق ، فحكم بما ادّعاه الشيخ على
المقرّ إذا كان من أهل اللسان
وقد ظهر ضعفه.
(و)
إنّما (يمكن هذا) القول (مع
الاطّلاع على القصد) أي على قصد المقرّ وأ نّه أراد ما ادّعاه القائل ، ومع الاّطلاع لا إشكال.
(ولو
قال : لي عليك ألف ، فقال : نعم أو أجل أو بلى أو أنا مقرّ به ، لزمه) الألف.
أمّا جوابه ب «نعم»
فظاهر؛ لأنّ قول المجاب إن كان خبراً فهي بعده حرف تصديق ، وإن كان استفهاماً
محذوف الهمزة فهي بعده للإثبات والإعلام؛ لأنّ الاستفهام عن الماضي إثباته ب «نعم»
ونفيه ب «لا).
و«أجل» مثله.
وأمّا «بلى» فإنّها وإن كانت لإبطال النفي ، إلّاأنّ الاستعمال العرفي جوّز
وقوعها في جواب الخبر المثبت كنعم ، والإقرارُ جارٍ عليه لا على دقائق اللغة. ولو
قدّر كون القول استفهاماً فقد وقع استعمالها في جوابه لغة وإن قلّ ، ومنه قول
النبيّ صلى الله عليه وآله لأصحابه :
«أترضون أن تكونوا من أرفع أهل الجنّة؟ قالوا : بلى»
__________________
والعرف قاضٍ به.
وأمّا قوله : (أنا مقرّ به) فإنّه وإن احتمل كونه مقرّاً به لغيره ، وكونه وعداً
بالإقرار ، من حيث إنّ «مقرّاً» اسم فاعل يحتمل الاستقبال
، إلّاأنّ المتبادر منه كون ضمير «به» عائداً إلى ما ذكره المقرّ له وكونه إقراراً بالفعل عرفاً ، والمرجع فيه إليه.
وقوّى المصنّف
في الدروس أنّه ليس بإقرار حتّى يقول : «لك»
وفيه : مع ما
ذُكر أنّه لا يدفع
لولا دلالة
العرف ، وهي واردة على الأمرين .
ومثله «أنا مقرّ بدعواك» أو «بما ادّعيت»
أو «لستُ منكراً له» لدلالة العرف ، مع احتمال أن لا يكون الأخير إقراراً؛ لأنّه أعمّ.
(ولو
قال : زِنه ، أو انتقده ، أو أنا مقرّ) ولم يقل : «به»
(لم
يكن شيئاً) أمّا الأوّلان : فلانتفاء دلالتهما على الإقرار؛ لإمكان خروجهما مخرج
الاستهزاء ، فإنّه استعمال شائع في العرف. وأمّا الأخير : فلأ نّه مع انتفاء
احتماله الوعد يحتمل كون المقرّ به المدّعى وغيرَه ، فإنّه لو وصل به قوله :
«بالشهادتين» أو «ببطلان دعواك» لم يختلّ اللفظ؛ لأنّ المقرّ به غير مذكور ، فجاز تقديره بما يطابق المدّعى
وغيرَه معتضداً بأصالة البراءة.
ويحتمل عدّه
إقراراً؛ لأنّ صدوره عقيب الدعوى قرينة صرفه إليها وقد استعمل لغةً كذلك ، كما في
قوله تعالى : (أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ
عَلىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قٰالُوا أَقْرَرْنٰا)
وقوله تعالى : (قٰالَ فَاشْهَدُوا)
ولأ نّه لولاه
لكان هذراً.
__________________
وفيه : منع
القرينة؛ لوقوعه كثيراً على خلاف ذلك ، واحتمال الاستهزاء مندفع عن الآية. ودعوى
الهذريّة إنّما يتمّ لو لم يكن الجواب بذلك مفيداً ولو بطريق الاستهزاء ، ولا شبهة
في كونه من الاُمور المقصودة للعقلاء عرفاً المستعمل لغةً ، وقيام الاحتمال يمنع
لزوم الإقرار بذلك.
(ولو
قال : أليس لي عليك كذا؟ فقال : بلى كان إقراراً) لأنّ (بلى)
حرف يقتضي
إبطال النفي ، سواء كان مجرّداً نحو (زَعَمَ اَلَّذِينَ
كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلىٰ وَرَبِّي)
أم مقروناً
بالاستفهام الحقيقي كالمثال ، أم التقريري ، نحو (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ
* قٰالُوا
بَلىٰ
أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ)
ولأنّ أصل «بلى»
: «بل» زيدت عليها الألِف
، فقوله : (بلى)
ردٌّ لقوله
: «ليس عليك كذا» فإنّه الذي دخل عليه حرف الاستفهام ونفي له ، ونفي النفي إثبات فيكون إقراراً.
(وكذا)
لو قال : (نعم ، على الأقوى) لقيامها مقام (بلى) لغةً وعرفاً ، أمّا العرف فظاهر ، وأمّا اللغة فمنها قول
النبيّ صلى الله عليه وآله للأنصار : «ألستم
ترون لهم ذلك؟ فقالوا : نعم»
وقول بعضهم :
أليس الليل
يجمع اُمّ عمرو
|
|
وإيّانا،
فذاك بنا تداني
|
نعم، وأرى
الهلال كما تراه
|
|
ويعلوها
النهار كما علاني
|
ونقل في المغنى
عن سيبويه وقوع «نعم» في جواب «ألست» وحكى عن
__________________
جماعة من المتقدّمين والمتأخّرين جوازه .
والقول الآخر :
أنّه لا يكون إقراراً؛ لأنّ «نعم» حرف تصديق كما مرّ ، فإذا ورد على النفي الداخل عليه الاستفهام
كان تصديقاً له فينافي الإقرار ، ولهذا قيل ـ ونسب إلى ابن عبّاس
ـ : إنّ
المخاطبين بقوله تعالى : (أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ)
لو قالوا : نعم
كفروا ، فيكون التقدير حينئذٍ : ليس لك عليّ ، فيكون إنكاراً لا إقراراً.
وجوابه : أنّا
لا ننازع في إطلاقها كذلك ، لكن قد استعملت في المعنى الآخر لغةً كما اعترف به
جماعة والمثبت مقدّم واشتهرت فيه عرفاً. ورُدّ المحكيّ عن ابن
عبّاس وجُوّز الجواب بنعم. وحمله في المغني على أنّه لم يكن
إقراراً كافياً؛ لاحتماله
وحيث ظهر ذلك
عرفاً ووافقته اللغة رجح هذا المعنى وقوي كونه إقراراً.
_________________
(الفصل * الثاني)
(في تعقيب الإقرار
بما ينافيه)
وهو قسمان : مقبول
ومردود (والمقبول
منه الاستثناء إذا لم يستوعب) المستثنى منه ، سواء بقي أقلّ ممّا اُخرج أم أكثر أم
مساوٍ؛ لأنّ المستثنى والمستثنى منه كالشيء الواحد فلا يتفاوت الحال بكثرته وقلّته
، ولوقوعه في القرآن
وغيره من اللفظ
الفصيح العربي.
(و)
إنّما يصحّ
الاستثناء إذا (اتّصل)
بالمستثنى منه (بما جرت به العادة) فيغتفر التنفّس بينهما والسعال وغيرهما ممّا لا يعدّ
منفصلاً عرفاً.
ولمّا كان
الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل في اللفظ كان المستثنى والمستثنى منه متناقضين (فمن الإثبات نفي ، ومن
النفي إثبات) أمّا الأوّل : فعليه إجماع العلماء
وأمّا الثاني :
فلأ نّه لولاه لم يكن (لا
إله إلّااللّٰه) يتمّ به
__________________
التوحيد؛ لأنّه لا يتمّ إلّابإثبات الإلهيّة [للّٰهتعالى]
ونفيها عمّا
عداه تعالى ، والنفي هنا حاصل ، فلو لم يحصل الإثبات لم يتمّ التوحيد.
وعلى ما ذكر من
القواعد (فلو
قال : له عليّ مئة إلّاتسعين فهو إقرار بعشرة) لأنّ المستثنى منه إثبات للمئة ، والمستثنى نفي للتسعين
منها ، فبقي عشرة.
(ولو
قال : إلّاتسعون) بالرفع (فهو
إقرار بمئة) لأنّه لم يستثن منها شيئاً؛ لأنّ الاستثناء من الموجب التامّ لا يكون
إلّامنصوباً ، فلمّا رفعه لم يكن استثناءً وإنّما
«إلّا» فيه بمنزلة
«غير» يوصف بها وبتاليها
ما قبلها ، ولمّا كانت المئة مرفوعة بالابتداء كانت التسعون مرفوعة صفة للمرفوع ، والمعنى
: له [عليّ]
مئة موصوفة بأ
نّها غير تسعين ، فقد وصف المُقَرّ به ولم يستثن منه شيئاً ، وهذه الصفة مؤكّدة
صالحة للإسقاط؛ إذ كلّ مئة فهي موصوفة بذلك ، مثلها في (نفخة واحدة).
واعلم أنّ
المشهور بين النحاة في «إلّاالوصفيّة» كونها وصفاً لجمع منكّر كقوله تعالى : (لَوْ
كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلاَّ اَللّٰهُ لَفَسَدَتٰا)
والمئة ليست من
هذا الباب. لكن الذي اختاره جماعة من المتأخّرين عدم اشتراط ذلك
ونقل
في المغني عن سيبويه جواز «لو كان معنا رجل إلّازيد لغلبنا»
أي غير زيد.
(ولو
قال : ليس له عليَّ مئة إلّاتسعون فهو إقرار بتسعين) لأنّ
__________________
المستثنى من المنفيّ
التامّ يكون
مرفوعاً ، فلمّا رفع التسعين عُلم أنّه استثناء من المنفيّ
فيكون إثباتاً
للتسعين بعد نفي المئة (ولو
قال : إلّاتسعين) بالياء (فليس
مقرّاً) لأنّ نصب
المستثنى دليل على كون المستثنى منه موجباً ، ولمّا كان ظاهره النفي حمل على أنّ حرف
النفي داخل على الجملة المثبتة المشتملة على الاستثناء أعني مجموع المستثنى
والمستثنى منه وهي
(له [عليّ]
مئة إلّاتسعين) فكأ نّه قال :
(المقدار الذي هو مئة إلّاتسعين ليس له عليّ) أعني
العشرة الباقية
بعد الاستثناء. كذا قرّره المصنّف في شرح الإرشاد على نظير العبارة
وغيرُه .
وفيه نظر؛ لأنّ
ذلك لا يتمّ إلّامع امتناع النصب على تقدير كون المستثنى منه منفيّاً تامّاً ، لكن
النصب جائز حينئذٍ اتّفاقاً وإن لم يبلغ رتبة الرفع. قال ابن هشام : النصب عربيّ
جيّد وقد قُرئ به في السبع
(مٰا فَعَلُوهُ إِلاّٰ
قَلِيلٌ)
__________________
(وَلاٰ
يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ اِمْرَأَتَكَ) .
فالأولى في توجيه عدم لزوم شيء في
المسألة أن يقال على تقدير النصب : يُحتمل كونُه على الاستثناء من المنفيّ ، فيكون
إقراراً بتسعين. وكونُه من المثبت ، والنفي موجَّه إلى مجموع الجملة ، فلا يكون
إقراراً بشيء فلا يلزمه شيء؛ لقيام الاحتمال واشتراك مدلول اللفظ لغة. مع أنّ حمله
على المعنى الثاني مع جواز الأوّل خلاف الظاهر ، والمتبادر من صيغ الاستثناء هو
الأوّل وخلافه يحتاج إلى تكلّف لا يتبادر من الإطلاق ، وهو قرينة ترجيح أحد
المعنيين المشتركين ، إلّا أنّ فتواهم المنضمّ إلى أصالة البراءة وقيام الاحتمال
في الجملة يعيّن المصير إلى ما قالوه.
(ولو
تعدّد الاستثناء وكان بعاطف) كقوله : «له عليَّ عشرة
إلّاأربعة وإلّا ثلاثة» «أو كان» الاستثناء (الثاني
أزيد من الأوّل) كقوله : «له عليَّ عشرة إلّا أربعة إلّاخمسة» (أو مساوياً له) كقوله
في المثال : «إلّاأربعة
إلّاأربعة» (رجعا
جميعاً إلى المستثنى منه).
أمّا مع العطف
: فلوجوب اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم ، فهما كالجملة الواحدة ، ولا فرق
بين تكرّر حرف الاستثناء وعدمه ، ولا بين زيادة الثاني على الأوّل ومساواته له
ونقصانه عنه.
وأمّا مع زيادة
الثاني على الأوّل أو
مساواته : فلاستلزام
عوده إلى الأقرب الاستغراق وهو باطل ، فيصان كلامه عن الهذر بعودهما معاً إلى
المستثنى منه.
__________________
واعلم أنّه لا
يلزم من عودهما معاً إليه صحّتهما ، بل إن لم يستغرق الجميع المستثنى منه صحّ
كالمثالين ، وإلّا فلا ، لكن إن لزم الاستغراق من الثاني خاصّة كما لو قال
: «له عليَّ
عشرة إلّاخمسة إلّاخمسة» لغا الثاني خاصّة؛ لأنّه هو الذي أوجب الفساد. وكذا مع العطف ، سواء كان
الثاني مساوياً للأوّل كما ذُكر ، أم أزيد ك «له
عشرة إلّاثلاثة وإلّا سبعة» أم أنقص كما لو قدّم السبعة على الثلاثة.
(وإلّا)
يكن بعاطف ولا
مساوياً للأوّل ولا أزيد منه ، بل كان أنقص بغير عطف ، كقوله
: «له عليَّ عشرة إلّاتسعة إلّاثمانية» (رجع التالي إلى متلوّه) لقربه؛ إذ لو عاد إلى البعيد لزم ترجيحه على الأقرب بغير
مرجّح ، وعوده إليهما يوجب التناقض؛ إذ المستثنى والمستثنى منه متخالفان نفياً
وإثباتاً كما مرّ
فيلزمه في
المثال تسعة؛ لأنّ قوله الأوّل إقرار بعشرة ، حيث إنّه إثبات والاستثناء الأوّل
نفي للتسعة منها؛ لأنّه وارد على إثبات ، فيبقى واحد ، واستثناؤه الثاني إثبات
للثمانية؛ لأنّه استثناء من المنفيّ فيكون مثبتاً ، فيضمّ ما أثبته وهو الثمانية
إلى ما بقي وهو الواحد ، وذلك تسعة.
ولو أنّه ضمّ
إلى ذلك قوله : (إلّاسبعة»
«إلّاستّة» حتّى وصل إلى الواحد
لزمه خمسة؛ لأنّه بالاستثناء الثالث نفى سبعة ممّا اجتمع وهو تسعة فبقي اثنان ، وبالرابع
أثبت ستّة فبقي ثمانية ، وبالخامس يصير ثلاثة ، وبالسادس يصير سبعة ، وبالسابع
أربعة ، وبالثامن ستّة ، وبالتاسع وهو الواحد ينتفي منها واحد فيبقى خمسة.
والضابط : أن
تجمع الأعداد المثبتة وهي الأزواج على حدة ، والمنفيّة وهي
__________________
الأفراد كذلك ، وتسقط جملة المنفيّ من جملة المثبت ، فالمثبت ثلاثون ، والمنفيّ
خمسة وعشرون ، والباقي بعد الإسقاط خمسة.
ولو أنّه لمّا
وصل إلى الواحد قال : إلّااثنين ، إلّاثلاثة إلى أن وصل إلى التسعة ، لزمه واحد.
ولو بدأ باستثناء الواحد وختم به لزمه خمسة. ولو عكس القسمَ الأوّل فبدأ باستثناء
الواحد وختم بالتسعة ، لزمه واحد. وهو واضح بعد الإحاطة بما تقدّم من القواعد
ورتّب عليه ما شئت من التفريع.
(ولو
استثنى من غير الجنس صحّ) وإن كان مجازاً؛ لتصريحه بإرادته ، ولإمكان تأويله
بالمتّصل بأن يضمر قيمة المستثنى ونحوها ممّا يطابق المستثنى منه (وأسقط) المستثنى باعتبار قيمته (من المستثنى منه فإذا بقي) منه (بقيّة)
وإن قلّت (لزمت ، وإلّا بطل) الاستثناء؛ للاستغراق (كما لو قال : له عليَّ مئة إلّاثوباً) هذا مثال الاستثناء من غير الجنس مطلقاً ، فيصحّ ويطالب
بتفسير الثوب ، فإن بقي من قيمته بقيّة من المئة بعد إخراج القيمة قُبل ، وإن
استغرقتها
بطل الاستثناء
على الأقوى واُلزم بالمئة. وقيل : يبطل التفسير خاصّة فيطالب بغيره .
(و)
الاستثناء (المستغرق باطل) اتّفاقاً (كما لو قال : له عليَّ مئة إلّا مئة) ولا يحمل على الغلط ، ولو ادّعاه لم يُسمع منه. هذا إذا
لم يتعقّبه استثناء آخر يزيل استغراقه ، كما لو عقَّب ذلك بقوله : «إلّاتسعين»
فيصحّ الاستثناءان
ويلزمه تسعون؛ لأنّ الكلام جملة واحدة لا يتمّ إلّابآخره وآخره يصيّر الأوّل غير
مستوعب ، فإنّ المئة المستثناة منفيّة؛ لأنّها استثناء من مثبت ، والتسعين
__________________
مثبتة؛ لأنّها استثناء من منفيّ ، فيصير جملة الكلام في قوّة (له تسعون) وكأ نّه استثنى من أوّل الأمر عشرة.
(وكذا)
يُبطل (الإضراب) عن الكلام الأوّل ب
«بل» (مثل) له عليّ (مئة ، بل تسعون ، فيلزمه في الموضعين) وهما الاستثناء المستغرق ومع الإضراب (مئة) لبطلان المتعقّب في الأوّل للاستغراق ، وفي الثاني
للإضراب الموجب لإنكار ما قد أقرّ به ، فلا يلتفت إليه ، وليس ذلك كالاستثناء؛ لأ
نّه من متمّمات الكلام لغةً ، والمحكوم بثبوته فيه هو الباقي من المستثنى منه
بعده. بخلاف الإضراب ، فإنّه بعد الإيجاب يجعل ما قبل (بل) كالمسكوت عنه بعد الإقرار به فلا يسمع ، والفارق بينهما
اللغة.
(ولو
قال : له عليّ عشرة من ثمن مبيع لم أقبضه اُلزم بالعشرة) ولم يُلتفت إلى دعواه عدم قبض المبيع؛ للتنافي بين قوله :
«عليَّ» وكونه (لم يقبض المبيع) لأنّ مقتضاه عدم استحقاق المطالبة بثمنه مع ثبوته في
الذمّة ، فإنّ البائع لا يستحقّ المطالبة بالثمن إلّامع تسليم المبيع.
وفيه نظر؛ إذ
لا منافاة بين ثبوته في الذمّة وعدم قبض المبيع ، إنّما التنافي بين استحقاق
المطالبة به مع عدم القبض وهو أمر آخر ، ومن ثَمّ ذهب الشيخ إلى قبول هذا الإقرار
لإمكان
أن يكون عليه
العشرة ثمناً ولا يجب التسليم قبل القبض ، ولأصالة عدم القبض وبراءةِ الذمّة من
المطالبة به ، ولأنّ للإنسان أن يخبر بما في ذمّته ، وقد يشتري شيئاً ولا يقبضه
فيخبر بالواقع ، فلو اُلزم بغير ما أقرّ به
__________________
كان ذريعة إلى سدّ باب الإقرار ، وهو منافٍ للحكمة.
والتحقيق أنّ
هذا ليس من باب تعقيب الإقرار بالمنافي ، بل هو إقرار بالعشرة؛ لثبوتها في الذمّة
، وإن سلم كلامه فهو إقرار منضمّ إلى دعوى عين من أعيان مال المُقَرّ له ، أو شيء
في ذمّته ، فيسمع الإقرار ولا تُسمع الدعوى. وذكره في هذا الباب لمناسبة مّا.
(وكذا)
يُلزم بالعشرة
لو أقرّ بها ثمّ عقّبه بكونها (من
ثمن خمر أو خنزير) لتعقيبه الإقرار بما يقتضي سقوطه؛ لعدم صلاحيّة الخمر والخنزير مبيعاً
يستحقّ به الثمن في شرع الإسلام.
نعم ، لو قال
المقرّ : «كان ذلك من ثمن خمر أو خنزير فظننته
لازماً لي» وأمكن الجهل
بذلك في حقّه توجّهت دعواه وكان له تحليف المقرّ له على نفيه إن ادّعى العلم
بالاستحقاق ، ولو قال : «لا أعلم الحال» حلف على عدم العلم بالفساد ، ولو لم يمكن الجهل بذلك في حقّ
المقرّ لم يُلتفت إلى دعواه.
(ولو
قال : له) عليَّ (قفيز
حنطة ، بل قفيز شعير لزماه) قفيز الحنطة والشعير؛ لثبوت الأوّل بإقراره والثاني
بالإضراب.
(ولو
قال) : له عليَّ (قفيز حنطة ، بل
قفيزان حنطة ، فعليه قفيزان) وهما الأكثر خاصّة.
(ولو
قال : له هذا الدرهم ، بل هذا الدرهم ، فعليه الدرهمان) لاعترافه في الإضراب بدرهم آخر مع عدم سماع العدول.
(ولو
قال : له هذا الدرهم ، بل درهم ، فواحد) لعدم تحقّق المغايرة بين المعيّن والمطلق؛ لإمكان حمله
عليه.
وحاصل الفرق
بين هذه الصور يرجع إلى تحقيق معنى (بل) وخلاصته :
أنّها حرف إضراب ، ثمّ إن تقدّمها إيجاب وتلاها مفرد جعلت ما قبلها
كالمسكوت عنه ، فلا يحكم عليه بشيء وأثبتت الحكم لما بعدها ، وحيث كان الأوّل إقراراً
صحيحاً استقرّ حكمه بالإضراب عنه. وإن تقدّمها نفيٌ فهي لتقرير ما قبلها على حكمه
وجعل ضدّه لما بعدها.
ثمّ إن كانا مع
الإيجاب مختلفين أو معيّنين لم يقبل إضرابه؛ لأنّه إنكار للإقرار الأوّل ، وهو غير
مسموع. فالأوّل ك «له قفيز حنطة ، بل قفيز
شعير). والثاني ك «له هذا الدرهم ، بل هذا الدرهم). فيلزمه القفيزان والدرهمان؛ لأنّ أحد المختلفين وأحد الشخصين
غير داخل في الآخر.
وإن كانا مطلقين أو أحدهما لزمه واحد إن
اتّحد مقدار ما قبل «بل» وما بعدها ك «له درهم ، بل درهم» أو «هذا الدرهم بل درهم»
أو «درهم ، بل هذا الدرهم» لكن يلزمه مع تعيين أحدهما المعيّن. وإن اختلفا كمّيّة
ك «له قفيز ، بل قفيزان» أو «هذا القفيز ، بل قفيزان» أو بالعكس ، لزمه الأكثر ، لكن
إن كان المعيّن هو الأقلّ تعيّن ووجب الإكمال.
(ولو قال : هذه الدار لزيد ، بل لعمروٍ
، دُفعت إلى زيد» عملاً بمقتضى إقراره الأوّل «وغرم لعمرو قيمتَها» لأنّه قد حال
بينه وبين المقَرّ به بإقراره الأوّل فيغرم له؛ للحيلولة الموجبة للغُرم «إلّاأن
يصدّقه زيد» في أنّها لعمرو فتدفع إلى عمرو من غير غُرم.
(ولو
أشهد) شاهدي عدل (بالبيع) لزيد (وقبض
الثمن) منه (ثمّ ادّعى المواطاة)
بينه وبين
المقرّ له على الإشهاد من غير أن يقع بينهما بيع ولا قبض سُمعت دعواه؛ لجريان
العادة بذلك و (اُحلف
المقرّ له) على الإقباض أو على عدم المواطاة.
ويحتمل عدم
السماع فلا يتوجّه اليمين؛ لأنّه مكذِّب لإقراره.
ويضعَّف بأنّ
ذلك واقع ، تعمّ البلوى به فعدم سماعها يفضي إلى الضرر المنفيّ
هذا إذا شهدت
البيّنة على إقراره بهما
أمّا لو شهدت
بالقبض لم يلتفت إليه؛ لأنّه مكذّب لها طاعن فيها فلا يتوجّه بدعواه يمين.
__________________
(الفصل الثالث)
(في الإقرار بالنسب)
(ويشترط
فيه أهليّة المقرّ) للإقرار ، ببلوغه وعقله (وإمكان
إلحاق المُقَرّ به) بالمقرّ شرعاً (فلو
أقرّ ببنوّة المعروف نسبه) أو اُخوّته أو غيرهما ممّا يغاير ذلك النسب الشرعي (أو) أقرّ (ببنوّة
من هو أعلى سنّاً) من المقرّ (أو
مساوٍ *)
له (أو أنقص) منه (بما
لم تجرِ العادة بتولّده منه بطل) الإقرار ، وكذا المنفيّ عنه شرعاً كولد الزنا وإن كان
على فراشه ، وولد اللعان وإن كان الإبن يرثه.
(ويشترط
التصديق) أي تصديق
المُقَرّ به للمُقِرّ في دعواه النسب (فيما عدا الولد الصغير) ذكراً كان أم اُنثى (والمجنون) كذلك (والميّت)
وإن كان بالغاً
عاقلاً ولم يكن ولداً
أمّا الثلاثة
فلا يُعتبر تصديقهم ، بل يثبت نسبهم بالنسبة إلى المقرّ بمجرّد إقراره؛ لأنّ التصديق
إنّما يعتبر مع إمكانه وهو ممتنع منهما ، وكذا الميّت مطلقاً.
__________________
وربما أشكل
حكمه كبيراً ، ممّا تقدّم ، ومن إطلاق اشتراط تصديق البالغ العاقل في لحوقه ، ولأنّ
تأخير الاستلحاق إلى الموت يوشك أن يكون خوفاً من إنكاره ، إلّاأنّ فتوى الأصحاب على
القبول ، ولا يقدح فيه التهمةُ باستيثاق مال الناقص
وإرث الميّت.
والمراد بالولد
هنا الولد للصلب فلو أقرّ ببنوّة ولد ولده فنازلاً اعتبر التصديق كغيره من الأقارب
، نصّ عليه المصنّف
وغيره .
وإطلاق «الولد» يقتضي عدم الفرق بين دعوى الأب والاُمّ ، وهو أحد القولين في
المسألة
وأصحّهما ـ وهو
الذي اختاره المصنّف في الدروس
ـ الفرق وأنّ
ذلك مخصوص بدعوى الأب ، أمّا الاُمّ فيعتبر التصديق لها؛ لورود النصّ على الرجل
فلا يتناول
المرأة. واتّحاد طريقهما ممنوع؛ لإمكان إقامتها البيّنة على الولادة ، دونه ، ولأنّ
ثبوت نسب غير معلوم على خلاف الأصل يُقتصر فيه على موضع اليقين.
(و)
يشترط أيضاً في
نفوذ الإقرار مطلقاً (عدم
المنازع) له في نسب
المُقَرّ به (فلو
تنازعا) فيه (اعتبرت البيّنة) وحكم لمن شهدت له ،
__________________
فإن فقدت فالقرعة؛ لأنّها لكلّ أمر مشكل ، أو معيّن عند اللّٰه مبهم
عندنا وهو هنا كذلك.
هذا إذا اشتركا
في الفراش على تقدير دعوى البنوّة ، أو انتفى عنهما كواطئ خاليةٍ عن فراش لشبهة ، فلو
كانت فراشاً لأحدهما حكم له به خاصّة دون الآخر وإن صادقه الزوجان ، ولو كانا
زانيين انتفى عنهما ، أو أحدهما فعنه. ولا عبرة في ذلك كلّه بتصديق الاُمّ.
(ولو
تصادق اثنان) فصاعداً (على
نسب غير التولّد) كالاُخوّة (صحّ)
تصادقهما (وتوارثا) لأنّ الحقّ لهما (ولم يتعدّهما التوارث) إلى ورثتهما؛ لأنّ حكم النسب إنّما ثبت بالإقرار
والتصديق ، فيقتصر فيه على المتصادقين إلّامع تصادق ورثتهما أيضاً.
ومقتضى قولهم
: «غير التولّد» أنّ التصادق في التولّد يتعدّى ، مضافاً إلى ما سبق من الحكم بثبوت النسب في إلحاق
الصغير مطلقاً والكبير مع التصادق. والفرق بينه وبين غيره من الأنساب مع اشتراكهما
في اعتبار التصادق غير بيِّن.
(ولا
عبرة بإنكار الصغير بعد بلوغه) نسبَ المعترف به صغيراً ، وكذا المجنون بعد كماله؛ لثبوت
النسب قبلَه فلا يزول بالإنكار اللاحق. وليس له إحلاف المقرّ أيضاً؛ لأنّ غايته
استخراج رجوعه أو نكوله وكلاهما الآن غير مسموع ، كما لا يسمع لو نفى النسب حينئذٍ
صريحاً.
(ولو
أقرّ العمّ) المحكوم بكونه وارثاً ظاهراً (بأخٍ) للميّت وارثٍ (دفع إليه المال) لاعترافه بكونه أولى منه بالإرث (فلو أقرّ العمّ بعد
ذلك بولدٍ) للميّت وارثٍ (وصدّقه
الأخ دفع إليه) المال؛ لاعترافهما بكونه أولى منهما. (وإن أكذبه) أي أكذب الأخُ العمَّ في كون المُقَرّ به ثانياً ولداً
للميّت
(لم
يدفع إليه) لاستحقاقه المالَ باعتراف ذي اليد له ، وهو العمّ ، ولم تعلم أولويّة
الثاني؛ لأنّ العمّ حينئذٍ خارج فلا يقبل إقراره في حقّ الأخ (وغرم العمّ له) أي لمن اعترف بكونه ولداً (ما دفع إلى الأخ) من المال؛ لإتلافه له بإقراره الأوّل مع مباشرته لدفع
المال.
ونبّه بقوله
: «غرم ما دفع» على أنّه لو لم يدفع إليه لم يغرم بمجرّد إقراره بكونه أخاً؛
لأنّ ذلك لا يستلزم كونه وارثاً بل هو أعمّ ، وإنّما يضمن لو دفع إليه المال
لمباشرته إتلافَه حينئذٍ.
وفي معناه ما
لو أقرَّ بانحصار الإرث فيه؛ لأنّه بإقراره بالولد بعد ذلك يكون رجوعاً عن إقراره
الأوّل فلا يسمع ، ويغرم للولد لحيلولته بينه وبين التركة بالإقرار الأوّل ، كما
لو أقرّ بمال لواحد ثمّ أقرّ به لآخر. ولا فرق في الحكم بضمانه حينئذٍ بين حكم
الحاكم عليه بالدفع إلى الأخ وعدمه؛ لأنّه مع اعترافه بإرثه مفوِّت بدون الحكم.
نعم ، لو كان
دفعه في صورة عدم اعترافه بكونه الوارث بحكم الحاكم اتّجه عدم الضمان؛ لعدم
اختياره في الدفع ، وكذا الحكم في كلّ من أقرَّ بوارثٍ أولى منه ، ثمّ أقرَّ بأولى
منهما. وتخصيص الأخ والولد مثال. ولو كان الإقرار
الأوّل بمساوٍ
للثاني كأخ آخر ، فإن صدّقه تشاركا وإلّا غرم للثاني نصفَ التركة على الوجه الذي
قرّرناه.
(ولو
أقرّت الزوجة بولد) للزوج المتوفّى ووارثه ظاهراً إخوته (فصدّقها الإخوة) على الولد (أخذ) الولد (المالَ)
الذي بيد
الإخوة
__________________
أجمع ونصفَ ما في يدها؛ لاعترافهم باستحقاقه ذلك.
(وإن
أكذبوها دفعت إليه) ما بيدها زائداً عن نصيبها على تقدير الولد
وهو (الثُمن) لأنّ بيدها ربعاً نصيبَها على تقدير عدم الولد ، فتدفع
إلى الولد نصفَه. ويحتمل أن تدفع إليه سبعة أثمان ما في يدها ، تنزيلاً للإقرار
على الإشاعة ، فيستحقّ في كلّ شيءٍ سبعة أثمانه بمقتضى إقرارها.
(ولو
انعكس) الفرض ، بأن
اعترف الإخوة بالولد دونها (دفعوا
إليه) جميع ما
بأيديهم وهو (ثلاثة
الأرباع. ولو أقرّ الولد بآخر دفع إليه النصف) لأنّ ذلك هو لازم إرث الولدين المتساويين ذكوريّةً
واُنوثيّةً (فإن
أقرّا) معاً (بثالث دفعا إليه
الثلث) أي دفع كلّ
واحد منهما ثلثَ ما بيده. وعلى هذا لو أقرّ الثلاثة برابع دفع إليه كلّ منهم ربعَ
ما بيده.
(ومع
عدالة اثنين) من الورثة المقرّين (يثبت
النسب والميراث) لأنّ النسب ممّا يثبت بشاهدين عدلين ، والميراث لازمه (وإلّا) يكن في المعترفين عدلان (فالميراث حسبُ) لأنّه لا يتوقّف على العدالة بل الاعتراف كما مرّ .
(ولو
أقرّ بزوجٍ للميّتة أعطاه النصف) أي نصف ما في يده (إن كان المقرّ) بالزوج (غير ولدها) لأنّ نصيب الزوج مع عدم الولد النصف (وإلّا) يكن كذلك بأن كان المقرّ ولدها (فالربع) لأنّه نصيب الزوج معه.
والضابط : أنّ
المقرّ يدفع الفاضل ممّا في يده عن نصيبه على تقدير
__________________
وجود المُقَرّ به ، فإن كان أخاً للميّتة ولا ولد لها دفع النصف ، وإن كان
ولداً دفع الربع.
وفي العبارة
قصور عن تأدية هذا المعنى؛ لأنّ قوله : «أعطاه
النصف إن كان المقرّ غير ولدها» يشمل إقرار بعض الورثة المجامعين للولد كالأبوين ،
فإنّ أحدهما لو أقرّ بالزوج مع وجود ولد ، يصدق أنّ المقرّ غير ولدها ، مع أنّه لا
يدفع النصف ، بل قد
يدفع ما دونه ، وقد لا يدفع شيئاً ، فإنّ الولد إن كان ذكراً والمقرّ أحد الأبوين
لا يدفع شيئاً مطلقاً؛ لأنّ نصيبه لا يزاد على السدس على تقدير وجود الزوج وعدمه ،
وإنّما حصّة الزوج مع الابن ، وإن كان اُنثى والمقرّ الأب يدفع الفاضل ممّا في يده
عن السدس ، وكذا إن كان الاُمّ وليس لها حاجب ، ومع الحاجب لا تدفع شيئاً؛ لعدم
زيادة ما في يدها عن نصيبها.
ولو كان المقرّ
أحدَ الأبوين مع عدم وجود الولد ـ الذي هو أحد ما تناولته العبارة ـ فقد يدفع نصف
ما في يده ، كما لو لم يكن وارثاً غيرُه أو هو الأب مطلقاً
وقد لا يدفع
شيئاً كما لو كان هو الاُمّ مع الحاجب.
وتنزيل ذلك على
الإشاعة يصحّح المسألة ، لكن يفسد ما سبق من الفروع؛ لأ نّها لم تنزّل عليها.
ولقد قصر كثير
من الأصحاب في تعبير هذا الفرع ، فتأمّله في كلامهم.
(وإن
أقرّ) ذلك المقرّ
بالزوج ولداً كان أم غيره (بآخر
وأكذب نفسه في) الزوج (الأوّل
اُغرم له) أي للآخر الذي اعترف به ثانياً؛ لإتلافه نصيبه بإقراره الأوّل (وإلّا) يكذب نفسه (فلا شيء عليه) في المشهور؛ لأنّ
__________________
الإقرار بزوج ثان إقرار بأمر ممتنع شرعاً ، فلا يترتّب عليه أثر.
والأقوى أنّه
يغرم للثاني مطلقاً لأصالة «صحّة إقرار العقلاء على
أنفسهم» مع إمكان كونه هو الزوج ، وأ نّه ظنّه الأوّلَ فأقرّ به ثمّ تبيّن خلافه ،
وإلغاء الإقرار
في حقّ المقرّ مع إمكان صحّته منافٍ للقواعد الشرعيّة. نعم ، لو أظهر لكلامه
تأويلاً ممكناً في حقّه كتزوّجه إيّاها في عدّة الأوّل فظنّ أنّه يرثها زوجان ، فقد
استقرب المصنّف في الدروس القبول
وهو متّجه.
(ولو
أقرّ بزوجة للميّت فالربع) إن كان المقرّ غيرَ الولد (أو الثمن) إن كان المقرّ الولدَ. هذا على تنزيله في الزوج. وعلى ما
حقّقناه يتمّ في الولد خاصّة ، وغيرُه يدفع إليها الفاضل [ممّا]
في يده عن
نصيبه على تقديرها. ولو كان بيده أكثر من نصيب الزوجة اقتصر على دفع نصيبها.
فالحاصل : أنّ
غير الولد يدفع أقلّ الأمرين من نصيب الزوجة وما زاد عن نصيبه على تقديرها إن كان
معه زيادة ، فأحد الأبوين مع الذكر لا يدفع شيئاً ، ومع الاُنثى يدفع الأقلّ ، والأخ
يدفع الربع ، والولد الثمن كما ذكر.
(فإن
أقرّ باُخرى وصدّقته) الزوجة (الاُولى
اقتسماه) الربع أو الثمن
، أو ما حصل (وإن
أكذبتها غرم) المقرّ (لها
نصيبها) وهو نصف ما غرم
للاُولى إن كان باشر تسليمها كما مرّ
وإلّا فلا.
(وهكذا)
لو أقرّ بثالثة
ورابعة ، فيغرم للثالثة مع تكذيب الاُوليين ثلث
__________________
ما لزمه دفعه ، وللرابعة مع تكذيب الثلاث ربعه.
ولو أقرّ
بخامسة فكالإقرار بزوجٍ ثانٍ ، فيغرم لها مع إكذاب نفسه ، أو مطلقاً على ما سبق
بل هنا أولى؛
لإمكان الخامسة الوارثة في المريض إذا تزوّج بعد الطلاق وانقضاء العدّة ودخل ومات
في سنته كما تقدّم
ويمكن فيه
استرسال الإقرار ، ولا يقف عند حدّ إذا مات في سنته مريضاً.
* * *
__________________
كتاب الغصب
كتاب الغصب
(وهو
الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدواناً) والمراد بالاستقلال : الإقلال ، وهو الاستبداد به ، لا
طلبه كما هو الغالب في باب الاستفعال.
وخرج به ما لا
إثبات معه أصلاً كمنعه من ماله حتّى تلف ، وما لا استقلال معه كوضع يده على ثوبه
الذي هو لابسه ، فإنّ ذلك لا يسمّى غصباً.
وخرج بالمال
الاستقلال باليد على الحرّ ، فإنّه لا تتحقّق فيه الغصبيّة فلا يضمن.
وبإضافة المال
إلى الغير ما لو استقلّ بإثبات يده على مال نفسه عدواناً كالمرهون في يد المرتهن ،
والوارث على التركة مع الدين فليس بغاصب وإن أثم وضمن.
وبالعدوان
إثبات المرتهن والوليّ والوكيل والمستأجر والمستعير أيديهم على مال الراهن
والمولّى عليه والموكّل والمؤجر والمعير.
ومع ذلك فينتقض
التعريف في عكسه بما لو اشترك اثنان فصاعداً في غصب بحيث لم يستقلّ كلّ منهما
باليد ، فلو أبدل «الاستقلال» ب «الاستيلاء» لشمله؛ لصدق الاستيلاء مع المشاركة.
وبالاستقلال
بإثبات اليد على حقّ الغير كالتحجير وحقّ المسجد والمدرسة والرباط ونحوه ممّا لا
يُعدّ مالاً ، فإنّ الغصب متحقّق ، وكذا غصب ما لا يتموَّل عرفاً كحبّة الحنطة ، فإنّه
يتحقّق به أيضاً على ما اختاره المصنّف ويجب ردّه على مالكه مع عدم الماليّة ، إلّاأن
يراد هنا جنس المال ، أو يُدّعى إطلاق «المال» عليه ،
ويفرّق بينه وبين «المتموَّل» وهو بعيد.
وعلى الحرّ
الصغير والمجنون إذا تلف تحت يده بسبب ، كلدغ الحيّة ووقوع الحائط ، فإنّه يضمن
عند المصنّف وجماعة
كما اختاره في
الدروس
فلو أبدل
«المال» ب «الحقّ» لشمل جميع ذلك.
وأمّا من
ترتّبت يده على يد الغاصب جاهلاً به ، ومن سكن دار غيره غلطاً أو لبس ثوبه خطأً ، فإنّهم
ضامنون وإن لم يكونوا غاصبين؛ لأنّ الغصب من الأفعال المحرَّمة في الكتاب
والسنّة
بل الإجماع
ودليل العقل ، فلا يتناول غير العالم وإن شاركه في بعض الأحكام .
وإبدال «العدوان» ب «غير حقّ» ليتناولهم من حيث إنّهم ضامنون ، ليس بجيّد؛ لما ذكرناه
وكذا الاعتذار
بكونه بمعناه ، أو دعوى الاستغناء عن القيد
__________________
أصلاً ليشملهم ، بل الأجود الافتقار إلى قيد
(العدوان) الدالّ على الظلم.
وقد تلخّص أنّ
الأجود في تعريفه : أنّه الاستيلاء على حقّ الغير عدواناً ، وأنّ أسباب الضمان غير
منحصرة فيه.
وحيث اعتبر في
الضمان الاستقلال والاستيلاء (فلو
منعه من سكنى داره) ولم يثبت المانع يده عليها (أو) منعه من (إمساك دابّته المرسلة) كذلك (فليس
بغاصب لهما) فلا يضمن العين لو تلفت ، ولا الاُجرة زَمَن المنع؛ لعدم إثبات اليد الذي
هو جزء مفهوم الغصب.
ويشكل بأ نّه
لا يلزم من عدم الغصب عدم الضمان؛ لعدم انحصار السبب فيه ، بل ينبغي أن يختصّ ذلك
بما لا يكون المانع سبباً في تلف العين بذلك بأن اتّفق تلفها مع كون السكنى غير
معتبرة في حفظها ، والمالك غير معتبر في مراعاة الدابّة كما يتّفق لكثير من الدور
والدوابّ. أمّا لو كان حفظه متوقّفاً على سكنى الدار ومراعاة الدابّة لضعفها و
كون أرضها
مسبعة مثلاً ، فإنّ المتّجه الضمان نظراً إلى كونه سبباً قويّاً مع ضعف المباشر.
ومثله ما لو
منعه من الجلوس على بساطه فتلف أو سرق ، أو غصب
الاُمّ فمات
ولدها جوعاً. وهذا هو الذي اختاره المصنّف في بعض فوائده
وإن اتّبع هنا
وفي الدروس
المشهور.
أمّا لو منعه
من بيع متاعه فنقصت قيمته السوقيّة مع بقاء العين وصفاتها
__________________
لم يضمن قطعاً؛ لأنّ الفائت ليس مالاً بل اكتسابه.
(ولو
سكن معه قهراً) في داره (فهو
غاصب للنصف) عيناً وقيمة؛ لاستقلاله به ، بخلاف النصف الذي بيد المالك. هذا إذا شاركه
في سكنى البيت على الإشاعة من غير اختصاص بموضع معيّن ، أمّا لو اختصّ بمعيّن
اختصّ بضمانه ، كما لو اختصّ ببيتٍ من الدار وموضعٍ خاصٍّ من البيت الواحد. ولو
كان قويّاً مستولياً وصاحب الدار ضعيفاً بحيث اضمحلّت يده معه احتمل قويّاً ضمان
الجميع.
(ولو
انعكس) الفرض بأن (ضعف الساكن) الداخل على المالك عن مقاومته ولكن لم يمنعه المالك مع
قدرته (ضمن)
الساكن (اُجرة ما سكن) لاستيفائه منفعته بغير إذن مالكه.
(قيل)
والقائل المحقّق
والعلّامة
وجماعة
: (ولا يضمن) الساكن (العين) لعدم تحقّق الاستقلال باليد على العين الذي لا يتحقّق
الغصب بدونه.
ونسبته إلى
القول يشعر بتوقّفه فيه. ووجهه ظهور استيلائه على العين التي انتفع بسكناها. وقدرة
المالك على دفعه لا ترفع الغصب مع تحقّق العدوان.
__________________
نعم ، لو كان
المالك القوي نائياً فلا شبهة في الضمان؛ لتحقّق الاستيلاء.
(ومدّ
مِقود الدابّة) ـ بكسر الميم ـ وهو الحبل الذي يشدّ بزمامها أو لجامها (غصبٌ) للدابّة وما يصحبها؛ للاستيلاء عليها عدواناً (إلّاأن يكون صاحبها
راكباً) عليها (قويّاً) على دفع القائد (مستيقظاً) حالةَ القود غير نائم ، فلا يتحقّق الغصب حينئذٍ؛ لعدم
الاستيلاء.
نعم لو اتّفق
تلفها بذلك ضمنها؛ لأنّه جانٍ عليها.
ولو لم تتلف هل
يضمن منفعتها زمن القود؟ يحتمل قويّاً ذلك؛ لتفويتها بمباشرته وإن لم يكن غاصباً
كالضعيف الساكن. ولو كان الراكب ضعيفاً عن مقاومته أو نائماً فلا ريب في الضمان؛
للاستيلاء. ولو ساقها قدّامه بحيث صار مستولياً عليها لكونها تحت يده ولا جماح
لها فهو غاصب؛
لتحقّق معناه ، ولو تردّت
بالجماح حينئذٍ
أو غيره فتلفت أو عابت ضمن؛ للسببيّة.
(وغصب
الحامل غصب للحمل) لأنّه مغصوب كالحامل ، والاستقلال باليد عليه حاصل بالتبعيّة لاُمّه. وليس
كذلك حمل المبيع فاسداً حيث لا يدخل في البيع؛ لأنّه ليس مبيعاً ، فيكون أمانة في
يد المشتري؛ لأصالة عدم الضمان ، ولأنّ تسلّمه بإذن البائع. مع احتماله؛ لعموم (على اليد ما أخذت حتّى
تؤدّي)
وبه قطع
المحقّق في الشرائع
(ولو
تبعها الولد) حين غصبها (ففي
__________________
الضمان)
للولد (قولان)
مأخذهما : عدم
إثبات اليد عليه ، وأ نّه سبب قويّ.
والأقوى الضمان وهو الذي قرّبه في الدروس .
(والأيدي
المتعاقبة على المغصوب أيدي ضمان) سواء علموا جميعاً بالغصب أم جهلوا أم بالتفريق؛ لتحقّق
التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، فيدخل في عموم (على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي) وإن انتفى الإثم عن الجاهل بالغصب.
(فيتخيّر
المالك في تضمين من شاء) منهم العين والمنفعة (أو) تضمين (الجميع)
بدلاً واحداً
بالتقسيط وإن لم يكن متساوياً؛ لأنّ جواز الرجوع على كلّ واحد بالجميع يستلزم جواز
الرجوع بالبعض ، وكذا له تقسيط ما يرجع به على أزيد من واحد وترك الباقين؛ لما
ذكر.
(ويرجع
الجاهل منهم بالغصب) إذا رجع عليه (على
من غرّه) فسلّطه على
العين أو المنفعة ولم يُعلِمه بالحال ، وهكذا الآخر ... إلى أن يستقرّ الضمان على
الغاصب العالم وإن لم تتلف العين في يده.
هذا إذا لم تكن
يد من تلفت في يده يدَ ضمان كالعارية المضمونة ، وإلّا لم يرجع على غيره. ولو كانت
أيدي الجميع عارية تخيَّر المالك كذلك واستقرّ الضمان على من تلفت العين في يده ، فيرجع
غيره عليه لو رجع عليه دونه. وكذا يستقرّ ضمان المنفعة على من استوفاها عالماً.
__________________
(والحرّ
لا يضمن بالغصب) عيناً ومنفعة؛ لأنّه ليس مالاً فلا يدخل تحت اليد.
هذا إذا كان
كبيراً عاقلاً إجماعاً ، أو صغيراً فمات من قبل اللّٰه تعالى. ولو مات بسببٍ
كلدغ الحيّة ووقوع الحائط ، ففي ضمانه قولان للشيخ
واختار المصنّف
في الدروس الضمان
لأنّه سبّب
الإتلاف ، ولأنّ الصغير لا يستطيع دفع المهلِكات عن نفسه ، وعروضها أكثريّ ، فمن
ثَمّ رجّح السبب.
والظاهر أنّ حدّ
«الصِغَر»
العجز عن دفع
ذلك عن نفسه حيث يمكن الكبير دفعها عادةً ، لا عدم التمييز. واُلحق به المجنون ، ولو
كان بالكبير خَبَل
أو بلغ [مرتبة]
الصغير لكبر أو مرض ، ففي إلحاقه به وجهان.
(ويُضمن
الرقيق) بالغصب؛ لأنّه
مال (ولو
حُبس الحرّ) مدّة لها اُجرة بالعادة
(لم
يضمن اُجرته إذا لم يستعمله) لأنّ منافع الحرّ لا تدخل تحت اليد تبعاً له ، سواء كان
قد استأجره لعمل فاعتقله ولم يستعمله أم لا.
نعم ، لو كان
قد استأجره مدّة معيّنة فمضت زمنَ اعتقاله وهو باذل نفسه للعمل استقرّت الاُجرة
لذلك ، لا للغصب (بخلاف
الرقيق) لأنّه مال محض
__________________
ومنافعه كذلك.
(وخمر
الكافر المستتر) بها (محترم
يُضمن بالغصب) مسلماً كان الغاصب أم كافراً؛ لأنّها مال بالإضافة إليه وقد اُقرّ عليه ولم
تجز مزاحمته فيه.
وكان عليه
تأنيث ضمائر (الخمر)
؛ لأنّها مؤنّث
سماعيّ.
ولو غصبها من
مسلم أو كافر متظاهر فلا ضمان وإن كان قد اتّخذها للتخليل؛ إذ لا قيمة لها في شرع
الإسلام ، لكن هنا يأثم الغاصب.
وحيث يضمن
الخمر يعتبر (بقيمته
عند مستحلّيه) لا بمثله وإن كان بحسب القاعدة مثليّاً؛ لتعذّر الحكم باستحقاق الخمر في
شرعنا وإن كنّا لا نعترضهم إذا لم يتظاهروا بها. ولا فرق في ذلك بين كون المتلف
مسلماً وكافراً على الأقوى.
وقيل : يضمن
الكافرُ المثلَ لإمكانه في حقّه ، من حيث إنّه مثليٌّ مملوك له يمكنه دفعه سرّاً .
ورُدّ بأنّ
استحقاقه كذلك يؤدّي إلى إظهاره؛ لأنّ حكم المستحقّ أن يَحبس غريمَه لو امتنع من
أدائه وإلزامه بحقّه ، وذلك ينافي الاستتار.
(وكذا)
الحكم في (الخنزير) إلّاأنّ ضمان قيمة الخنزير واضح؛ لأنّه قيمي حيث يُملك.
(ولو
اجتمع المباشر) وهو موجد علّة التلف ـ كالأكل والإحراق والقتل والإتلاف ـ (والسبب) وهو فاعل ملزوم العلّة كحافر البئر (ضمن المباشر) لأنّه أقوى (إلّامع الإكراه أو الغرور) للمباشر (فيستقرّ الضمان في الغرور على الغارّ) وفي الإكراه على المكرِه لضعف المباشر بهما ، فكان السبب
أقوى ،
__________________
كمن قدّم طعاماً إلى المغرور فأكله ، فقرار الضمان على الغارّ فيرجع
المغرور عليه لو ضمن.
هذا في المال.
أمّا النفس فيتعلّق بالمباشر مطلقاً ، لكن هنا يحبس الآمر حتّى يموت.
(ولو
أرسل ماءً في ملكه ، أو أجّج ناراً فسرى إلى الغير) فأفسد (فلا
ضمان) على الفاعل (إذا لم يزد) في الماء والنار (عن قَدر الحاجة ولم تكن الريح) في صورة الإحراق (عاصفة) بحيث علم أو ظنّ التعدّي الموجب للضرر؛ لأنّ الناس
مسلّطون على أموالهم ، ولهم الانتفاع بها كيف شاؤوا.
نعم ، لو زاد
عن قدر حاجته فالزائد مشروط بعدم ضرر بالغير ولو بالظنّ؛ لأ نّه مناط أمثال ذلك ، جمعاً
بين الحقّين ودفعاً للإضرار المنفي
(وإلّا
ضمن).
وظاهر العبارة
: أنّ الزائد عن قدر الحاجة يضمن به وإن لم يقترن بظنّ التعدّي.
وكذا مع عصف
الريح وإن اقتصر على قدر
حاجته؛ لكونه
مظنّة للتعدّي ، فعدم الضمان على هذا مشروط بأمرين : عدم الزيادة عن الحاجة ، وعدم
ظهور سبب التعدّي كالريح ، فمتى انتفى أحدهما ضمن.
ومثله في
الدروس
إلّاأ نّه
اعتبر علم التعدّي ولم يكتف بالظنّ ولم يعتبر الهواء ، فمتى علمه وإن لم يكن هواء
ضمن وإن لم يزد عن حاجته ، فبينهما مغايرة. وفي بعض فتاويه اعتبر في الضمان أحد
الاُمور الثلاثة : مجاوزة الحاجة ،
__________________
أو عصف الهواء ، أو غلبة الظنّ بالتعدّي .
واعتبر جماعة ـ
منهم الفاضلان
ـ في الضمان
اجتماع الأمرين معاً ، وهما : مجاوزة الحاجة ، وظنّ التعدّي أو العلم به ، فمتى
انتفى أحدهما فلا ضمان.
وهذا قوي وإن
كان الأوّل أحوط.
(ويجب
ردّ المغصوب) على مالكه وجوباً فوريّاً إجماعاً ، ولقوله صلى الله عليه وآله : «على
اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»
(ما
دامت العين باقية) يمكنه ردّها ، سواء كانت على هيئتها يوم غصبها أم زائدة أم ناقصة (ولو أدّى ردّه إلى) عسر و (ذهاب مال الغاصب) كالخشبة في بنائه واللوح في سفينته؛ لأنّ البناء على
المغصوب لا حرمة له ، وكذا مال الغاصب في السفينة حيث يُخشى تلفُه أو غرقُ السفينة
على الأقوى.
نعم ، لو خيف
غرقُه أو غرقُ حيوان محترم أو مالٌ لغيره لم يُنزع إلى أن تصل
الساحل.
(فإن
تعذّر) ردّ العين لتلف
ونحوه (ضمنه)
الغاصب (بالمثل إن كان) المغصوب (مثليّاً) وهو المتساوي الأجزاء والمنفعة المتقارب الصفات ، كالحنطة
والشعير ، وغيرهما من الحبوب والأدهان (وإلّا) يكن مثليّاً (فالقيمة العُليا من حين الغصب إلى حين
التلف) لأنّ كلّ حالة
زائدة من حالاته في ذلك الوقت مضمونة كما يرشد إليه : أنّه لو تلف حينئذٍ ضمنها ، فكذا
إذا
__________________
تلف بعدها.
(وقيل)
والقائل به
المحقّق في أحد قوليه ـ على ما نقله المصنّف عنه
ـ يضمن الأعلى
من حين الغصب (إلى
حين الردّ) أي ردّ الواجب وهو القيمة.
وهذا القول
مبنيّ على أنّ القيمي يُضمن بمثله كالمثلي ، وإنّما ينتقل إلى القيمة عند دفعها
لتعذّر المثل ، فيجب أعلى القيم إلى حين دفع القيمة؛ لأنّ الزائد في كلّ آنٍ سابق
من حين الغصب مضمون تحت يده ، ولهذا لو دفع العين حالة الزيادة كانت للمالك ، فإذا
تلفت في يده ضمنها.
وعلى القول
المشهور من ضمان القيمي بقيمته ابتداءً لا وجه لهذا القول.
(وقيل)
والقائل به
الأكثر ـ على ما نقله المصنّف في الدروس
ـ : إنّما يضمن
(بالقيمة
يوم التلف لا غير) لأنّ الواجب زمنَ بقائها إنّما هو ردّ العين ، والغاصب مخاطَب بردّها
حينئذٍ زائدة كانت أم ناقصة من غير ضمان شيء من النقص إجماعاً ، فإذا تلفت وجبت
قيمة العين وقتَ التلف؛ لانتقال الحقّ إليها حينئذٍ؛ لتعذّر البدل.
ونقل المحقّق
في الشرائع عن الأكثر : أنّ المعتبر القيمة يوم الغصب
بناءً على أنّه
أوّل وقت ضمان العين.
ويُضعّف بأنّ
ضمانها حينئذٍ إنّما يراد به كونها : لو تلفت لوجب بدلها ، لا وجوب قيمتها؛ إذ
الواجب مع وجود العين منحصر في ردّها.
وفي صحيح أبي
ولّاد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في اكتراء البغل ومخالفة
__________________
الشرط
ما يدلّ على
هذا القول.
ويمكن أن
يستفاد منه اعتبار الأكثر
منه إلى يوم
التلف.
وهو قويّ عملاً
بالخبر الصحيح
وإلّا لكان
القول بقيمة يوم التلف مطلقاً
أقوى.
وموضع الخلاف
ما إذا كان الاختلاف بسبب اختلاف القيمة السوقيّة. أمّا لو كان لنقص العين أو
لتعيّبها ، فلا إشكال في ضمان ذلك النقص.
(وإن
عاب) المغصوب ولم
تذهب عينه (ضمن
أرشه) إجماعاً؛ لأ
نّه عوض عن أجزاء ناقصة أو أوصاف ، وكلاهما مضمون ، سواء كان النقص من الغاصب أم
من غيره ولو من قِبل اللّٰه تعالى. ولو كان العيب غير مستقرّ ، بل يزيد على
التدريج ، فإن لم يمكن المالك بعد قبض العين قطعه أو التصرّف
فيه ، فعلى
الغاصب ضمان ما يتجدّد أيضاً. وإن أمكن ففي زوال الضمان وجهان : من استناده إلى
الغاصب ، وتفريطِ المالك. واستقرب المصنّف في الدروس عدم الضمان .
__________________
(ويضمن)
أيضاً (اُجرته إن كان له
اُجرة ، لطول المدّة) التي غصبه فيها ، سواء (استعمله
أو لا) لأنّ منافعه
أموال تحت اليد فتضمن بالفوات والتفويت. ولو تعدّدت المنافع فإن أمكن فعلها جملة
أو فعل أكثر من واحدة وجب اُجرة ما أمكن ، وإلّا ـ كالخياطة والحياكة والكتابة ـ فأعلاها
اُجرةً. ولو كانت الواحدة أعلى منفردة عن منافع متعدّدة يمكن جمعها ، ضَمِن
الأعلى.
(ولا
فرق بين بهيمة القاضي والشوكي
في
ضمان الأرش) إجماعاً؛ لعموم الأدلّة ، وخالف في ذلك بعض العامّة
فحكم في
الجناية على بهيمة القاضي بالقيمة ويأخذ الجاني العين ، نظراً إلى أنّ المعيب لا
يليق بمقام القاضي.
(ولو
جنى على العبد المغصوب) جانٍ غير الغاصب (فعلى الجاني أرش الجناية) المقرّر في باب الديات (وعلى الغاصب ما زاد عن أرشها من النقص
إن اتّفق) زيادة ، فلو كانت الجناية ممّا له مقدّر كقطع يده الموجب لنصف قيمته شرعاً
فنقص بسببه ثلثا قيمته ، فعلى الجاني النصف وعلى الغاصب السدس الزائد من النقص ، ولو
لم يحصل زيادة فلا شيء على الغاصب بل يستقرّ الضمان على الجاني.
والفرق : أنّ
ضمان الغاصب من جهة الماليّة ، فيضمن ما فات منها مطلقاً
وضمان الجاني
منصوص ، فيقف عليه حتّى لو كان الجاني هو الغاصب فيما له مقدّر شرعي فالواجب عليه
أكثر الأمرين : من المقدّر الشرعي والأرش؛ لأنّ
__________________
الأكثر إن كان هو المقدّر فهو جانٍ ، وإن كان هو الأرش فهو مال فوّته تحت
يده كغيره من الأموال؛ لعموم (على
اليد ما أخذت حتّى تؤدّي) ، ولأنّ الجاني لم تثبت يده على العبد فيتعلّق به ضمان
الماليّة ، بخلاف الغاصب.
والأقوى عدم
الفرق بين استغراق أرش الجناية القيمة وعدمه ، فيجتمع عليه ردّ العين والقيمة فما
زاد.
(ولو
مثّل به) الغاصب (انعتق) لقول الصادق عليه السلام :
«كلّ عبد مُثّلَ به فهو حرّ»
(وغرم
قيمته للمالك).
وقيل : لا يعتق
بذلك اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع الوفاق وهو تمثيل
المولى ، والرواية العامّة ضعيفة السند .
وأمّا بناء
الحكم على الحكمة في عتقه ـ هل هي عقوبة للمولى أو جبر للمملوك؟ فيعتق هنا على
الثاني دون الأوّل ـ فهو ردّ للحكم إلى حكمة مجهولة لم يرد بها نصّ. والأقوى عدم
الانعتاق.
نعم ، لو اُقعد
أو عمي عُتق وضمن الغاصب؛ لأنّ هذا السبب غير مختصّ بالمولى إجماعاً.
(ولو
غصب) ما ينقصه
التفريق مثل (الخفّين
أو المصراعين أو الكتاب سفرين فتلف أحدهما) قبل الردّ (ضمن قيمته) أي قيمة التالف (مجتمعاً)
__________________
مع الآخر ونَقص الآخر
فلو كان قيمة
الجميع عشرة وقيمة كلّ واحد مجتمعاً خمسة ومنفرداً ثلاثة ضمن سبعة؛ لأنّ النقصان
الحاصل في يده مستند إلى تلف عين مضمونة عليه ، وما نقص من قيمة الباقي في مقابلة
الاجتماع فهو بفوات صفة الاجتماع في يده. أمّا لو لم تثبت يده على الباقي ، بل غصب
أحدهما ثمّ تلف في يده أو أتلفه ابتداءً ، ففي ضمانه قيمة التالف مجتمعاً أو
منفرداً أو منضمّاً إلى نقص الباقي كالأوّل أوجه ، أجودها الأخير؛ لاستناد الزائد
إلى فقد صفة ، وهي كونه مجتمعاً حصل منه.
(ولو
زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب فلا شيء عليه) لعدم النقصان (ولا له) لأنّ الزيادة حصلت في مال غيره (إلّاأن تكون) الزيادة (عيناً) من مال الغاصب (كالصبغ ، فله قلعه) لأنّه ماله (إن قبل الفصل) ولو بنقص قيمة الثوب ، جمعاً بين الحقّين.
(و)
نقصُ الثوب
ينجبر بأنّ الغاصب (يضمن
أرش الثوب) ولا يرد أنّ قلعه يستلزم التصرّف في مال الغير بغير إذن وهو ممتنع ، بخلاف
تصرّف مالك الثوب في الصِبغ؛ لأنّه وقع عدواناً؛ لأنّ وقوعه عدواناً لا يقتضي
إسقاط ماليّته ، فإنّ ذلك عدوان آخر ، بل غايته أن يُنزع ولا يلتفت إلى نقص قيمته
أو اضمحلاله؛ للعدوان بوضعه.
ولو طلب أحدهما
ما لصاحبه بالقيمة لم تجب إجابته ، كما لا يجب قبول
__________________
هبته. نعم ، لو طلب مالك الثوب بيعهما ليأخذ كلّ واحد حقّه لزم الغاصب
إجابته ، دون العكس.
(ولو
بيع مصبوغاً بقيمته مغصوباً) بغير صبغ (فلا شيء للغاصب) لعدم الزيادة بسبب ماله.
هذا إذا بقيت
قيمة الثوب بحالها. أمّا لو تجدّد نقصانه للسوق فالزائد للغاصب؛ لأنّ نقصان السوق
مع بقاء العين غير مضمون.
نعم ، لو زاد
الباقي عن قيمة الصبغ كان الزائد بينهما على نسبة المالين ، كما لو زادت القيمة عن
قيمتهما من غير نقصان. ولو اختلفت قيمتهما بالزيادة والنقصان للسوق ، فالحكم
للقيمة الآن؛ لأنّ النقص غير مضمون في المغصوب للسوق وفي الصبغ مطلقاً
فلو كان قيمة
كلّ واحد خمسة وبيع بعشرة ، إلّاأنّ قيمة الثوب ارتفعت إلى سبعة وقيمة الصبغ
انحطّت إلى ثلاثة ، فلصاحب الثوب سبعة وللغاصب ثلاثة ، وبالعكس.
(ولو
غصب شاة فأطعمها المالكَ جاهلاً) بكونها شاته (ضمنها الغاصب) له؛ لضعف المباشر بالغرور ، فيرجع على السبب. وتسليطُه
المالك على ماله وصيرورته بيده على هذا الوجه لا يوجب البراءة؛ لأنّ التسليم غير
تامّ ، فإنّ التسليم التامّ تسليمه على أنّه ملكه يتصرّف فيه كتصرّف الملّاك ، وهنا
ليس كذلك ، بل اعتقد أنّه للغاصب وأ نّه أباحه إتلافه بالضيافة ، وقد يتصرّف بعض
الناس فيها بما لا يتصرّفون في أموالهم ، كما لا يخفى. وكذا الحكم في غير الشاة من
الأطعمة والأعيان المنتفع بها كاللباس.
(ولو
أطعمها غير صاحبها) في حالة كون الآكل (جاهلاً
ضمن
__________________
المالكُ)
قيمتها (من شاء) من الآكل والغاصب؛ لترتّب الأيدي كما سلف
(والقرار)
أي قرار الضمان
(على
الغاصب) لغروره للآكل
بإباحته الطعامَ مجّاناً مع أنّ يده ظاهرة في الملك وقد ظهر خلافه.
(ولو
مزج) الغاصب (المغصوب) بغيره أو امتزج في يده بغير اختياره (كُلّف قسمته *
بتمييزه (إن أمكن) التمييز (وإن شقّ) كما لو خلط الحنطةَ بالشعير أو الحمراء بالصفراء؛ لوجوب
ردّ العين حيث يمكن (ولو
لم يمكن) التمييز كما لو
خلط الزيت بمثله أو الحنطة بمثلها وصفاً (ضمن المثل إن مزجه بالأردى) لتعذّر ردّ العين كاملة؛ لأنّ المزج في حكم الاستهلاك من
حيث اختلاط كلّ جزءٍ من مال المالك بجزءٍ من مال الغاصب وهو أدون من الحقّ فلا يجب
قبوله ، بل ينتقل إلى المثل. وهذا مبنيّ على الغالب من عدم رضاه بالشركة ، أو قول
في المسألة .
والأقوى تخييره
بين المثل والشِركة مع الأرش؛ لأنّ حقّه في العين لم يسقط ، لبقائها كما لو مزجها
بالأجود ، والنقص بالخلط يمكن جبره بالأرش.
(وإلّا)
يمزجه بالأردى
، بل بالمساوي أو الأجود (كان
شريكاً) بمقدار عين
ماله ، لا قيمته؛ لأنّ الزيادة الحاصلة صفة حصلت بفعل الغاصب عدواناً ، فلا يسقط
حقّ المالك مع بقاء عين ماله ، كما لو صاغ النقرةَ وعلف الدابّة فسمنت.
__________________
وقيل : يسقط
حقّه من العين للاستهلاك ، فيتخيّر الغاصب بين الدفع من العين؛ لأنّه متطوّع
بالزائد ، ودفع المثل
والأقوى
الأوّل.
(ومؤونة
القسمة على الغاصب) لوقوع الشركة بفعله تعدّياً.
هذا كلّه إذا
مزجه بجنسه ، فلو مزجه بغيره كالزيت بالشيرج فهو إتلاف؛ لبطلان فائدته وخاصّيته.
وقيل : تثبت
الشركة هنا أيضاً كما لو مزجاه بالتراضي أو امتزجا بأنفسهما؛ لوجود العين .
ويشكل بأنّ جبر
المالك على أخذه بالأرش أو بدونه إلزام بغير الجنس في المثلي ، وهو خلاف القاعدة.
وجبر الغاصب إثبات لغير المثل عليه بغير رضاه ، فالعدول إلى المثل أجود. ووجود
العين غير متميّزة من غير جنسها كالتالفة.
(ولو
زرع) الغاصب (الحبّ) فنبت (أو
أحضن البيض) فأفرخ (فالزرع
والفرخ للمالك) على أصحّ القولين
لأنّه عين مال
المالك وإنّما حدث بالتغيّر اختلاف الصور ، ونماء الملك للمالك وإن كان بفعل
الغاصب.
وللشيخ قول بأ
نّه للغاصب تنزيلاً لذلك منزلة الإتلاف ، ولأنّ النماء بفعل الغاصب
وضعفهما ظاهر.
(ولو
نقله إلى غير بلد المالك وجب عليه نقله) إلى بلد المالك (ومؤونة
__________________
نقله)
وإن استوعبت
أضعاف قيمته؛ لأنّه عادٍ بنقله ، فيجب عليه الردّ مطلقاً. ولا يجب إجابة المالك
إلى اُجرة الردّ مع إبقائه فيما انتقل إليه؛ لأنّ حقّه الردّ ، دون الاُجرة (ولو رضي المالك بذلك
المكان) الذي نقله إليه
(لم
يجب) الردّ على
الغاصب؛ لإسقاط المالك حقّه منه ، فلو ردّه حينئذٍ كان له إلزامه بردّه إليه.
(ولو
اختلفا في القيمة حلف الغاصب) لأصالة البراءة من الزائد ، ولأ نّه منكر ما لم يدّع ما
يُعلم كذبه ، كالدرهم قيمةً للعبد ، فيكلّف بدعوى قدر يمكن ، مع احتمال تقديم قول
المالك حينئذٍ.
وقيل : يحلف
المالك
وهو ضعيف.
(وكذا)
يحلف الغاصب (لو ادّعى) المالك إثبات (صناعة يزيد بها الثمن) لأصالة عدمها. وكذا لو كان الاختلاف في تقدّمها لتكثّر
الاُجرة؛ لأصالة عدمه.
(وكذا)
يحلف الغاصب (لو ادّعى التلف) وإن كان خلاف الأصل؛ لإمكان صدقه ، فلو لم يُقبل قوله
لزم تخليده الحبس لو فرض التلف. ولا يرد مثله لو
أقام المالك
بيّنة ببقائه مع إمكان كذب البيّنة؛ لأنّ ثبوت البقاء شرعاً مجوِّز للإهانة والضرب
إلى أن يُعلم خلافه ، ومتى حلف على التلف طولب بالبدل وإن كانت العين باقية بزعم
المالك؛ للعجز عنها بالحلف ، كما يستحقّ البدل مع العجز عنها وإن قطع بوجودها ، بل
هنا أولى (أو
ادّعى) الغاصب (تملّك ما على العبد
من الثياب) ونحوها؛ لأنّ العبد بيده ، ولهذا يضمنه ومنافعَه ، فيكون ما معه
__________________
في يده ، فيقدَّم قوله في ملكه.
(ولو
اختلفا في الردّ حلف المالك) لأصالة عدمه ، وكذا لو ادّعى ردّ بدله مِثلاً أو قيمةً ،
أو تقدّم ردّه على موته وادّعى المالك موته قبله؛ لأصالة عدم التقدّم. ولا يلزم
هنا ما لزم في دعوى التلف؛ للانتقال إلى البدل حيث يتعذّر
تخليص العين منه.
لكن هل ينتقل
إليه ابتداءً ، أو بعد الحبس والعذاب إلى أن تظهر أمارة عدم إمكان العين؟ نظر.
ولعلّ الثاني أوجه؛ لأنّ الانتقال إلى البدل ابتداءً يوجب الرجوع إلى قوله ، وتكليفه
بالعين مطلقاً قد يوجب خلود حبسه كالأوّل ، فالوسط
متّجه. وكلامهم
هنا غير منقَّح.
__________________
فهرس المحتويات
كتاب الإجارة................................................................... ٧
تعريفها وصيغتها................................................................. ٩
أحكامها...................................................................... ١٠
شروط المتعاقدين............................................................. ١٣
شروط الاُجرة................................................................. ١٣
شروط المنفعة................................................................. ١٧
مسائل....................................................................... ٢٦
الاُولى ـ مَن تقبّل عملاً فله تقبيله
لغيره بأقلّ...................................... ٢٦
الثانية ـ لو استأجر عيناً فله إجارتها
بأكثر ممّا استأجرها به......................... ٢٦
الثالثة ـ حكم التفريط في العين
المستأجرة........................................ ٢٧
الرابعة ـ مؤونة العبد أو الدابّة على
المالك........................................ ٢٧
الخامسة ـ حكم إسقاط المنفعة................................................. ٢٨
السادسة ـ كلّ ما يتوقّف عليه توفية
المنفعة فعلى المؤجر............................ ٢٩
السابعة ـ حكم اختلاف المؤجر والمستأجر....................................... ٣٠
كتاب الوكالة.................................................................. ٣٣
تعريفها وصيغتها............................................................... ٣٥
شرطيّة التنجيز فيها............................................................ ٣٥
جواز عقد الوكالة.............................................................. ٣٦
ما تصحّ فيه الوكالة............................................................ ٣٨
شروط المتعاقدين............................................................. ٣٩
أحكام الوكالة................................................................. ٣٩
ما تثبت به الوكالة............................................................. ٤٢
التنازع في الوكالة.............................................................. ٤٥
كتاب الشفعة................................................................. ٤٩
تعريفها....................................................................... ٥١
ما تثبت وما لا تثبت فيه الشفعة................................................ ٥٢
في الشفيع................................................................... ٥٣
في الأخذ بالشفعة............................................................. ٥٥
اختلاف الشفيع والمشتري..................................................... ٦٢
كتاب السبق والرماية.......................................................... ٦٥
شروط انعقاد السبق........................................................... ٦٧
شروط الرمي وأحكامه.......................................................... ٧٢
كتاب الجعالة................................................................. ٧٧
صيغة الجعالة................................................................. ٧٩
شروط الجاعل................................................................ ٨٠
الجعالة جائزة................................................................. ٨١
الكلام في استحقاق الجُعل.................................................... ٨٣
مسائل في أحكام الجعالة...................................................... ٨٤
كتاب الوصايا................................................................. ٨٩
الفصل الأوّل ـ الوصيّة......................................................... ٩١
تعريفها ٩١
الإيجاب والقبول............................................................. ٩٢
شروط الموصي............................................................... ٩٩
من تصحّ له الوصيّة........................................................ ١٠١
الفصل الثاني ـ في متعلّق الوصيّة.............................................. ١٠٧
الفصل الثالث ـ في الأحكام.................................................. ١٢١
الفصل الرابع ـ في الوصاية................................................... ١٣١
شروط الوصي............................................................. ١٣١
كتاب النكاح............................................................... ١٤٣
الفصل الأوّل ـ في المقدّمات................................................. ١٤٥
فضله ١٤٥
آدابه ١٤٧
أحكام النظر.............................................................. ١٥٢
بعض أحكام الاستمتاع..................................................... ١٥٥
الفصل الثاني ـ في العقد..................................................... ١٥٩
الإيجاب والقبول............................................................ ١٥٩
أحكام العقد.............................................................. ١٦٢
الولاية في النكاح........................................................... ١٦٤
مسائل...................................................................... ١٦٦
الاُولى ـ صحّة اشتراط الخيار في
الصداق....................................... ١٦٦
صحّة توكيل كلّ من الزوجين في النكاح..................................... ١٦٦
الثانية ـ لو ادّعى زوجيّة امرأة
فصدّقته.......................................... ١٦٨
الثالثة ـ لو ادّعى زوجيّة امرأة
وادّعت اُختها عليه الزوجيّة......................... ١٧٠
الرابعة ـ لو اشترى العبد زوجته لسيّده.......................................... ١٧٢
الخامسة ـ لا يزوّج الوليّ ولا الوكيل
بدون مهر المثل ولا بالمجنون و................... ١٧٣
السادسة ـ نكاح الفضولي.................................................... ١٧٥
السابعة ـ لا يجوز نكاح الأمة إلّابإذن
مالكها................................... ١٧٦
الثامنة ـ لو زوّج الفضولي الصغيرين............................................ ١٧٧
التاسعة ـ لو زوّجها الأبوان أو
الأخوان برجلين.................................. ١٨٠
العاشرة ـ عدم ولاية الاُمّ على الولد............................................ ١٨٢
الفصل الثالث ـ في المحرّمات بالنسب والرضاع وغيرهما من الأسباب وتوابعها... ١٨٣
أسباب التحريم.............................................................. ١٨٣
١ ـ النسب............................................................. ١٨٣
٢ ـ الرضا ١٨٤
شروط تحريم الرضاع........................................................ ١٨٤
أحكام الرضاع............................................................... ١٩٠
٣ ـ المصاهرة............................................................ ١٩٥
حكم ملموسة الابن أو الأب ومنظورتهما...................................... ١٩٨
مسائل عشرون.............................................................. ٢٠١
الاُولى ـ بطلان تزويج الاُمّ وابنتها
أو الاُختين في عقد واحد.................... ٢٠١
حكم وطء إحدى الاُختين المملوكتين.................................... ٢٠١
الثانية ـ لا يجوز نكاح الأمة على
الحرّة إلّابإذنها............................... ٢٠٤
لا يجوز للحرّ نكاح الأمة مع القدرة على تجويز الحرّة.......................... ٢٠٥
الثالثة ـ حكم زواج المرأة في عدّتها............................................. ٢٠٧
الرابعة ـ نكاح الزاني أو الزانية................................................. ٢٠٨
الخامسة ـ من أوقب غلاماً أو رجلاً
حرمت عليه اُمّ الموطوء واُخته.................. ٢١٠
السادسة ـ عقد المُحْرم....................................................... ٢١١
السابعة ـ لا يجوز للحرّ أن يجمع زيادة
على أربع................................ ٢١٢
الثامنة ـ إذا طلّق ذو النصاب رجعيّاً
لم يجز له التزويج دائماً حتّى تخرج العدّة........ ٢١٥
التاسعة ـ حكم المطلّقة ثلاثاً أو
تسعاً.......................................... ٢١٥
العاشرة ـ حرمة الملاعنة أبداً.................................................. ٢١٨
الحادية عشرة ـ حرمة نكاح غير
الكتابيّة وكذا الكتابيّة دواماً....................... ٢٢٠
حكم ارتداد أحد الزوجين........................................... ٢٢٠
لو أسلم الزوج أو الزوجة الكتابيّين.................................... ٢٢١
الثانية عشرة ـ لو أسلم أحد الزوجين
الوثنيّين أو أسلما معاً....................... ٢٢٣
الثالثة عشرة ـ لا يحكم بفسخ نكاح
العبد بإباقه................................ ٢٢٥
الرابعة عشرة ـ الكفاءة معتبرة في
النكاح........................................ ٢٢٦
الخامسة عشرة ـ عدم شرطيّة التمكّن من
النفقة في صحّة العقد.................... ٢٢٨
السادسة عشرة ـ كراهية تزويج الفاسق......................................... ٢٣٠
السابعة عشرة ـ حكم التعريض بالعقد......................................... ٢٣٠
الثامنة عشرة ـ الكلام في حكم الخطبة
بعد إجابة الغير........................... ٢٣١
التاسعة عشرة ـ كراهية العقد على
القابلة المربّية وبنتها............................ ٢٣٢
العشرون ـ بطلان نكاح الشغار............................................... ٢٣٣
الفصل الرابع ـ في نكاح المتعة............................................... ٢٣٥
شرعيّة نكاح المتعة.......................................................... ٢٣٥
أحكامه ٢٣٨
الفصل الخامس ـ في نكاح الإماء............................................. ٢٤٩
الفصل السادس ـ في المهر................................................... ٢٦٥
ما يصحّ إمهاره............................................................. ٢٦٥
أحكام المهر............................................................... ٢٦٦
مسائل عشر............................................................... ٢٧٢
الاُولى ـ الصداق يُملك بالعقد.............................................. ٢٧٢
الثانية ـ لو دخل قبل دفع المهر كان
ديناً عليه................................ ٢٧٤
الثالثة ـ لو أبرأته من الصداق ثمّ
طلّقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه.......... ٢٧٥
الرابعة ـ جواز اشتراط ما يوافق الشرع
في عقد النكاح.......................... ٢٧٦
الخامسة ـ حكم ما لو أصدقها تعليم صناعة
ثمّ طلّقها قبل الدخول.............. ٢٧٩
السادسة ـ حكم ما لو اعتاضت عن المهر
بدونه أو أزيد منه ثمّ طلّقها........... ٢٧٩
السابعة ـ حكم ما لو وهبته نصف مهرها
مشاعاً أو معيّناً...................... ٢٧٩
الثامنة ـ للزوجة الامتناع قبل الدخول
حتّى تقبض مهرها إن كان حالّاً........... ٢٨٠
التاسعة ـ حكم المهر في ما إذا زوّج
الأب ولده الصغير........................ ٢٨٣
العاشرة ـ حكم الاختلاف في المهر......................................... ٢٨٤
الفصل السابع ـ في العيوب والتدليس......................................... ٢٨٧
عيوب الرجل.............................................................. ٢٨٧
عيوب المرأة................................................................ ٢٩٢
أحكام العيوب............................................................. ٢٩٣
الفصل الثامن ـ في القَسْم والنشوز والشقاق................................... ٢٩٩
القسم ٢٩٩
النشوز ٣٠٨
الشقاق ٣١٠
وليحق بذلك نظران........................................................ ٣١٠
الأوّل ـ الأولاد........................................................... ٣١٢
أحكام لحوق الأولاد................................................... ٣١٢
أحكام الولادة وآداب المولود............................................ ٣١٦
أحكام الأولاد........................................................ ٣١٩
العقيقة و.......................................................... ٣١٩
الرضاع............................................................ ٣٢٥
الحضانة........................................................... ٣٢٧
الثاني ـ في النفقات.................................................... ٣٣٢
أسبابها ٣٣٢
٣ ـ الزوجيّة........................................................ ٣٣٢
٢ ـ القرابة......................................................... ٣٣٦
٣ ـ الملك.......................................................... ٣٤٠
كتاب الطلاق............................................................... ٣٤٣
الفصل الأوّل ـ في أركانه..................................................... ٣٤٥
الصيغة..................................................................... ٣٤٥
المطلِّق وشروطه............................................................. ٣٥٠
المطلَّقة وشروطها............................................................ ٣٥٣
الفصل الثاني ـ في أقسامه.................................................... ٣٥٧
المحرَّم ٣٥٧
المكروه ٣٥٨
الواجب ٣٥٨
المستحبّ................................................................. ٣٥٨
طلاق البائن............................................................... ٣٥٩
طلاق الرجعي............................................................. ٣٥٩
طلاق العدَّة............................................................... ٣٥٩
حكم المطلّقة تسعاً......................................................... ٣٥٩
حكم المطلّقة ثلاثاً.......................................................... ٣٦٠
حكم طلاق المريض........................................................ ٣٦٦
الرجعة ٣٦٧
الفصل الثالث ـ في العِدد.................................................... ٣٧١
لا عدّة على من لم يدخل بها إلّافي
الوفاة...................................... ٣٧١
عدّة ذات الدم............................................................. ٣٧٢
عدّة الحامل................................................................ ٣٧٤
الحداد ٣٧٥
حكم المرأة المفقود زوجها.................................................... ٣٧٦
عدّة الذمّيّة واُمّ الولد........................................................ ٣٧٩
الفصل الرابع ـ في الأحكام................................................... ٣٨١
كتاب الخلع والمباراة........................................................ ٣٨٧
صيغة الخلع................................................................ ٣٨٩
الفدية وأحكامها............................................................. ٣٩١
أحكام الخلع............................................................... ٣٩٥
في التنازع.................................................................. ٣٩٨
المباراة..................................................................... ٤٠١
كتاب الظهار................................................................ ٤٠٣
صيغته...................................................................... ٤٠٥
شروطه وأحكامه............................................................. ٤٠٩
كتاب الإيلاء............................................................... ٤١٩
تعريفه وصيغته............................................................... ٤٢١
شروط المولي............................................................... ٤٢٦
أحكام الإيلاء............................................................... ٤٢٧
كتاب اللعان................................................................ ٤٣٥
أسبابه...................................................................... ٤٣٧
١ ـ القذف................................................................ ٤٣٧
٢ ـ إنكار الولد............................................................ ٤٣٩
شروط الملاعن.............................................................. ٤٤١
ما يعتبر في الملاعنة......................................................... ٤٤٣
القول في كيفيّة اللعان وأحكامه............................................... ٤٤٨
كتاب العتق................................................................. ٤٥٩
صيغته...................................................................... ٤٦٢
شروط المولى............................................................... ٤٦٥
أحكام العتق................................................................ ٤٦٨
السراية..................................................................... ٤٧٢
ما يحصل به العتق........................................................... ٤٧٧
مسائل...................................................................... ٤٧٩
كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد............................................ ٤٩١
النظر الأوّل ـ التدبير......................................................... ٤٩٣
تعريفه ٤٩٣
صيغته ٤٩٥
شروط المدبِّر............................................................... ٤٩٦
أحكام التدبير............................................................. ٤٩٨
النظر الثاني ـ في الكتابة...................................................... ٥٠٥
استحبابها................................................................. ٥٠٥
شروط المتعاقدين........................................................... ٥٠٧
الإيجاب والقبول............................................................ ٥٠٧
أحكام المكاتبة............................................................. ٥٠٩
النظر الثالث ـ في الاستيلاد للإماء بملك اليمين................................ ٥١٩
كتاب الإقرار............................................................... ٥٢١
الفصل الأوّل ـ الصيغة ، وتوابعها.............................................. ٥٢٣
شروط المقرّ................................................................ ٥٢٧
حكم الإقرار باللفظ المبهم................................................... ٥٣٠
الإقرار المستفاد من الجواب................................................... ٥٣٧
الفصل الثاني ـ في تعقيب الإقرار بما ينافيه.................................... ٥٤١
الفصل الثالث ـ في الإقرار بالنسب........................................... ٥٥١
شروطه وأحكامه........................................................... ٥٥١
كتاب الغصب.............................................................. ٥٥٩
تعريفه...................................................................... ٥٦١
أحكامه..................................................................... ٥٦٣
فهرس المحتويات........................................................... ٥٨١
|