

بسم الله الرّحمن
الرّحيم
تبويب الكتاب
الجزء الأول
تمّ تبويب الجزء
الأول من الموسوعة وفق الأبواب التالية :
(١) ـ الباب الأول : (مقدمات)
ويشمل مقدمة في
مصادر الموسوعة ، ثم استعراض لأنساب آل أبي طالب ، ثم توطئة في أهل البيت عليهمالسلام وفضائلهم ، ثم فصل عن الإمام الحسين عليهالسلام وجملة من مناقبه وفضائله ، ثم أنباء باستشهاد الحسين عليهالسلام قبل وقوعه ، وإقامة المآتم الحسينية ، ثم فلسفة النهضة
الحسينية وأهدافها.
(٢) ـ الباب الثاني :
(الأوضاع السابقة للنهضة)
ويشمل العداوة بين
بني أمية وبني هاشم ، ثم خلافة الإمام الحسن عليهالسلام وصلحه مع معاوية ، وحكم معاوية وبعض هناته ، ومنها توليته
ليزيد.
(٣) ـ الباب الثالث :
(الإعداد للنهضة)
ويشمل حكم يزيد ،
ونهضة الإمام الحسين عليهالسلام في المدينة ، ثم في مكة ، حتّى خروجه منها في ٨ ذي الحجة
سنة ٦٠ ه. ويتضمن هذا الباب مكاتبات البصريين والكوفيين للحسين عليهالسلام ، ومسير مسلم بن عقيل عليهالسلام ، ونصائح المشفقين والمندّدين.
(٤) ـ الباب الرابع :
(مسير الحسين عليهالسلام
إلى العراق)
ويشمل تهيّؤ
الحسين عليهالسلام للسفر ، ثم مسيره من مكة إلى كربلاء. ويتضمن هذا الباب
تحقيقا بعدد الهاشميين الذين خرجوا مع الحسين عليهالسلام ، وتحقيقا بالمواضع التي مرّبها.
(٥) ـ الباب الخامس :
(في كربلاء)
ويشمل هذا الباب
كل ما حدث للحسين عليهالسلام منذ حلّ في كربلاء في ٢ محرم ، وحتى بدء القتال يوم العاشر
من المحرم سنة ٦١ ه.
الجزء الثاني
كما تمّ تبويب
الجزء الثاني من الموسوعة وفق الأبواب الأربعة التالية :
(٦) ـ الباب السادس :
(معركة كربلاء)
ويشمل أسماء
المستشهدين من أنصار الحسين عليهالسلام ، ومعركة كربلاء ، واستشهاد جميع الصحب والآل ، حتّى مصرع
الإمام الحسين عليهالسلام.
(٧) ـ الباب السابع :
(حوادث بعد الشهادة)
ويشمل اشتراك
الطبيعة في الحزن والبكاء على الحسين عليهالسلام ، وأهوال يوم العاشر من المحرم. ثم نهب الخيام وتحريقها
وسلب حرائر النبوة. ثم مسير الرؤوس والسبايا إلى الكوفة ، وإقامتهم فيها حتّى ١٩
محرم.
(٨) ـ الباب الثامن :
(مسير الرؤوس والسبايا إلى الشام)
ويشمل مسير الرؤوس
والسبايا إلى دمشق ، وشماتة يزيد بقتل الحسين عليهالسلام.
ثم ردّ نسائه إلى
المدينة المنورة. ووصف لمرقد الحسين عليهالسلام ، والمشاهد المشرّفة لأهل البيت عليهمالسلام في دمشق والقاهرة. ويختم هذا الباب ببيان عقوبة قاتلي
الحسين عليهالسلام.
(٩) ـ الباب التاسع :
(جرائم يزيد بعد حادثة كربلاء)
ويشمل هجوم جيش
يزيد على المدينة المنورة واستباحتها ثلاثة أيام ، ثم تطويق الكعبة المشرّفة
وضربها بالمنجنيق وحرق أستارها. وينتهي هذا الباب بتقويم يزيد وبيان فسقه وكفره ،
وأنه من أكبر الأسباب التي عملت على انقسام المسلمين واختلافهم وضياعهم.
ترجمة المؤلف
لبيب بيضون
ولد بدمشق عام
١٩٣٨ م.
أتم دراسته
المتوسطة في المدرسة المحسنية ، ثم حصل على الشهادة الثانوية من ثانوية ابن خلدون
ـ فرع الرياضيات والفيزياء. تابع تحصيله الجامعي في جامعة دمشق حيث حصل على شهادة
البكالوريوس في العلوم الفيزيائية ، ثم على الدبلوم في التربية عام ١٩٦٢ م.
عيّن بعد ذلك
مدرّسا في الثانويات الرسمية لمدة سنتين.
ثم اجتاز مسابقة
لانتقاء المعيدين في كلية العلوم بجامعة دمشق ، فعيّن معيدا في قسم الفيزياء. وبعد
عدة سنوات نقل إلى الهيئة الفنية.
وفي عام ١٩٧٦ أوفد
بمنحة كوبرنيك إلى بولونيا ، فنال الماجستير في الفيزياء من جامعة غداينسك.
ثم ترفع إلى مدير
أعمال في الهيئة الفنية في القسم المذكور. وفي نيسان ١٩٩٨ أحيل على التقاعد.
إضافة لميله
العلمي ، فهو كاتب ومؤلف بارع ، استطاع بأسلوبه الرصين أن يقدّم للأمة العربية
والاسلامية العديد من المؤلفات القيّمة ، التي اتسمت بالطابع العلمي والأدبي معا ،
إضافة إلى التوجيه الاجتماعي.
وفي عام ١٩٩٨ م
نال الدكتوراة الإبداعية من الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية الّذي مركزه
في باريس ، وذلك لتأليفه كتاب خطب الإمام الحسين عليهالسلام على طريق الشهادة ، وكتاب تصنيف نهج البلاغة الّذي طبع عدة
مرات.
أصدر من مؤلفاته :
١ ـ مختارات علمية
في الفيزياء النووية والالكترونية ، صدر في طبعته الثانية عام ١٩٧٢.
٢ ـ مظاهر من
العظمة والابداع في خلق الانسان ، جزآن : صدرا عام ١٩٧٠ و ١٩٧١.
٣ ـ الكحول
والمسكرات والمخدرات ، صدر عام ١٩٧١.
٤ ـ خطب الإمام
الحسين عليهالسلام على طريق الشهادة ، صدر عام ١٩٧٤.
٥ ـ تصنيف نهج
البلاغة ، صدرت الطبعة الأولى في دمشق عام ١٩٧٨ ، والثانية في قم عام ١٩٨٤.
٦ ـ صراع مع الذات
، وهو عن مذكراته في بولونيا ، جزآن : صدرا عام ١٩٨٠ و ١٩٨١.
٧ ـ علماء وأعلام
، جزآن : صدرا عام ١٩٨٠ و ١٩٨٢.
٨ ـ مختارات شعرية
، جزآن : صدرا عام ١٩٨٠.
٩ ـ إيمان أبي
طالب عليهالسلام ، صدر عام ١٩٨٠.
١٠ ـ بهلول الكوفي
، صدر عام ١٩٨٢.
١١ ـ علوم الطبيعة
في نهج البلاغة ، طبع في طهران عام ١٩٨٢.
١٢ ـ أضواء على
المهرجان الألفي لنهج البلاغة ، صدر في دمشق عام ١٩٨٢
١٣ ـ ذكرى المؤتمر
الثالث لنهج البلاغة ـ المرأة في الإسلام ومن خلال نهج البلاغة ـ الفقر ، أسبابه
وعلاجه. صدرت في طهران عام ١٩٨٤ ضمن كتاب (نهج البلاغة نبراس السياسة ومنهل التربية).
١٤ ـ الفيزياء
العملية لطلاب السنوات الأولى في كلية العلوم ، بالاشتراك مع الأستاذين عماد قدسي
وعمر طه ، صدر عام ١٩٨٣.
١٥ ـ قصة الغدير
وقصة المباهلة (مترجمتان) ، صدرتا عام ١٩٨٥.
١٦ ـ الكلمات
الفارسية في اللغة العربية ، صدر عام ١٩٨٥.
١٧ ـ غدير الأنوار
في علوم الأخيار ، صدر عام ١٩٩١.
١٨ ـ دوحة آل
بيضون ، صدر عام ١٩٩١.
١٩ ـ الشيعة في
العالم.
٢٠ ـ قصة كربلاء ،
صدر عام ١٩٩٥.
٢١ ـ قواعد اللغة
الفارسية ، صدرت الطبعة الثانية عام ١٩٩٥.
٢٢ ـ طب المعصومين
، صدر عام ١٩٩٨.
٢٣ ـ قصص ومواعظ ،
صدر عام ١٩٩٩.
٢٤ ـ ديوان شعر (نجوى
القلب) صدر عام ٢٠٠٠.
٢٥ ـ مواعظ وحكم ،
صدر عام ٢٠٠٠.
٢٦ ـ حجر بن عدي ،
صدر عام ٢٠٠٠.
٢٧ ـ فرائد
الأشعار ، صدر عام ٢٠٠٠.
٢٨ ـ معارج التقوى
، صدر عام ٢٠٠١.
٢٩ ـ نهج العارفين
(أدعية) ، صدر عام ٢٠٠١.
٣٠ ـ أنساب العترة
الطاهرة ، صدر عام ٢٠٠١.
٣١ ـ القرآن ..
وإعجازه ، صدر عام ٢٠٠٢.
٣٢ ـ صفحات من
حياتي ، صدر عام ٢٠٠٢.
٣٣ ـ الله
والإعجاز العلمي في القرآن ، صدر عام ٢٠٠٢.
٣٤ ـ الشهيد محمّد
بن أبي بكر ، صدر عام ٢٠٠٢.
٣٥ ـ مدخل إلى نهج
البلاغة [العقائد] ، صدر عام ٢٠٠٣.
٣٦ ـ معالم العلوم
في تراث الإمام علي عليهالسلام ، صدر عام ٢٠٠٣.
٣٧ ـ تبسيط
المسائل الفقهية (النجاسات والمطهرات) ، صدر عام ٢٠٠٤.
٣٨ ـ قصة طوفان
نوح عليهالسلام ، صدر عام ٢٠٠٤.
٣٩ ـ قصة سلمان
المحمدي (الفارسي) ، صدر عام ٢٠٠٤.
٤٠ ـ قصة يوسف عليهالسلام ، صدر عام ٢٠٠٤.
٤١ ـ التفسير
المبين لجزء (عمّ) ، صدر عام ٢٠٠٥.
٤٢ ـ نفحات من شذى
إقبال ، صدر عام ٢٠٠٥.
٤٣ ـ دمشق القديمة
وأهل البيت عليهمالسلام ، صدر عام ٢٠٠٥.
٤٤ ـ أوليات
المعرفة [العقائد] ، صدر عام ٢٠٠٥.
٤٥ ـ الشهيدان
أويس القرني ومحمد بن أبي حذيفة ، صدر عام ٢٠٠٥.
الإهداء
إلى النفوس الأبية
التي رفضت كل ذلّ وعار
وإلى الصدور
العامرة التي لم تستكن يوما إلى صغار
وإلى الأرواح
القدسية التي هفت إلى منازل الأبرار
إلى الرجال
المؤمنين الذين استهانوا بالحياة والأعمار
وإلى الأبطال
المكافحين لحماية الرسالة والفضيلة والذّمار
وإلى الأشبال
الذين أحدقوا بالبدر ساعة البلاء والإحصار
إلى المخلصين
الصادقين ، المقاتلين في كربلاء ، وقد عزّت الأنصار وإلى الذين لم ترهبهم جيوش
البغاة وقد ازدلفت اليهم من شتيت الأمصار
وإلى الذين قدّموا
نفوسهم للموت ، وبريق السيوف يخطف بالأبصار
إلى التائهين
الذين انقلبوا إلى الحق بعد طول الضلال والاغترار وإلى المخطئين الذين أيقنوا أن
الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الأوزار
وإلى التائبين
الذين انقلبوا عن غيّهم في اللحظات الحاسمة قبل ساعة الاحتضار.
إلى النجوم
الزواهر من بني هاشم وآل أبي طالب الأخيار
وإلى حبّات قلب
فاطمة البتول زوجة الوصيّ وبنت محمّد المختار وإلى أعلام الهداية وقرابين الرسالة
السادة الميامين الأطهار
إلى عبد الرحمن
وجعفر وعبد الله أبناء عقيل ومسلم المغوار
وإلى القاسم
الغلام وعبد الله الرضيع وأبي الفضل العباس قمر الأقمار وإلى محمّد وجعفر وعثمان
وعمر وعبد الله أبناء حيدرة الكرار
إلى الحق المشرق
الّذي لا يخبر رغم الكسوف والزلازل والإعصار وإلى الحرية والفضيلة والإباء التي
تأبى الضياع والغروب والانحدار وإلى المبدأ القويم الّذي لا تتفتّح أزاهره إلا بدم
الشهادة المدرار
إلى سيد الشهداء (أبي
عبد الله الحسين) سيد الأشراف والأحرار وإلى أمير ركب الهدى وقد سار على درب
الشهادة والفخار
وإلى أسد العرين
وقد حلّ في كربلاء تترصده المنايا والأخطار
إلى سيد البطولة
الّذي لم يعبا بزحف الأشرار والكفار
وإلى إمام التضحية
الّذي لم يضنّ بنفس أو بأهل أو بأولاد صغار وإلى مشعل الإباء الّذي اختار المنية
دون الدنيّة ..
والشهادة دون النار والعار.
د. لبيب بيضون
المقدمة
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بعد ليل دامس طويل
من الجهالة والظلام ، انشقّ الوجود عن فجر صادق مبين ، وصبح أبلج منير ، يؤذن
بولادة خير البرية والأنام ، حاملا مبادئ الحرية والعدالة والإسلام.
وظل الفجر الجديد
يطارد ذيول الليل المنحسر ، حتّى شعشع نوره الأرجاء ، وملأ بلألائه آفاق الأرض
والسماء.
وما أن أفلت شمس
ذلك اليوم البشير ، حتّى أشرق القمر المنير ، تحفّه النجوم المتلألئة كالأزاهير.
ولم يطل الأمر حتّى بدأت بقايا الليل المختبئة في الكهوف والأخاديد ، تلملم بعضها
بعضا من جديد ، وتشحن الفضاء بظلامها المديد. إلى أن طوّقت البدر بسوادها ، ولفّعت
القمر ببرقعها ، معلنة مقتل الإمام أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليهالسلام.
وحزنت النجوم
الزهر على المصاب الكبير ، وانقضّ أحدها ليأخذ بثأرها المستطير ، فاغتاله الظلام
وواراه عن الأنظار ، بين غدر الغادرين وخذلان المترددين. فإذا قد قضى نجل المرتضى
وفاطمة الزهرا ، وسبط النبي المصطفى ، الإمام الحسن المجتبى عليهالسلام.
وفي غضبة النور
على الظلام ، توقّد نجم في الجوزاء ، حتّى غدا كوكبا درّيّا يفيض بالضياء ، فجازت أشعته
الهادية كل قلب من الأحياء ، وتنوّرت منه الدّنيا بالضوء والسناء. وما زال متّقدا
في أعالي السماء ، حتّى كوّرت شعلته الحمراء ، وبدأت غرّته تقطر بالدماء ، لتسقي
الحجر الأصم في الصحراء ، وتنبت في القفر أزهار الولاء والفداء. إنه الإمام الحسين
عليهالسلام سيد الشهداء.
ويمتزج الألم
بالدموع ، والحزن بالخشوع ، والدم يكتب الخلود بالنجيع ، ويعيد كل فصل من فصول
التاريخ إلى ربيع .. هناك حيث انتصر الدم على السيف ،
وتغلبّ الحق على
الزيف .. في أرض كربلاء ، في هجير الصحراء ، وقد منعوا حتّى الطفل الرضيع من شربة
الماء!.
لقد علّمنا الحسين
عليهالسلام كيف أن الموت الهادف يصنع الحياة ، وأن الألم الواعي يهب
الحرية والإباء ، وأن حياة الذل والهوان لا تجتمع مع العقيدة والإيمان.
ولقد عملت على وضع
هذه الموسوعة السنية ، وعمدت إلى جعلها حفيّة وفيّة ، لتكون لقلب كل حرّ روضة
غنيّة ، يقطف من دوحتها ثمارا جنيّة ، وقطوفا حسنة وحسينية ، وينهل من نبعها
الطامي كأسا فاطمية وعلوية ، فتعود مهجته بها زاكية أبيّة ، وترجع نفسه بولائها
راضية مرضيّة.
إن دروس الحسين عليهالسلام دروس عميقة بالغة الأثر والتأثير ، تعلمنا ـ إضافة لدروس
التضحية والبطولة والفداء ـ أن ننظر إلى الأمور نظرة بعيدة مديدة ، عميقة محيطة
مترامية ، فيكون جهادنا وفداؤنا قربانا للأجيال المتحدّرة والأحقاب المتلاحقة ، لا
أن يكون قربانا عابرا ، يستهدف اللحظة الراهنة.
ثم تعلمنا
بالاضافة لذلك أن لا يكون إيماننا مجرد إيمان فكريّ نظري لا يستند إلى واقع عملي ،
وإنما أن يكون واقعا وتطبيقا ودفاعا وتضحية في سبيل المثل الأعلى ..
ثم تعلمنا أن
نستهين بالمصاعب والمصائب مهما عظمت ، ونمحو من خلدنا فكرة المستحيلات ، بما نتسلح
به من إرادة قوية مؤمنة وتصميم حازم أكيد.
وما أظن أن إنسانا
في مسرح التاريخ والبطولة ، استطاع أو يستطيع أن تكون له مثل هذه الكفاءات العالية
، والمواهب الفريدة النادرة ـ غير الإمام الحسين عليهالسلام ـ ليمثل هذا الدور الجوهري الخطير في قيادة حركة الإيمان
وإحياء دعوة الإسلام ، فيصدّع مسيرة الكفر المتقدمة ، ويسحق زحوف النفاق المتفجرة
، ويعيد للرسالة المحمدية قدسيتها المفقودة وهيبتها المنهوبة ، وقد أوشكت على
الإنطفاء شعلتها ، وعلى الغروب مقلتها. فأيقظ النفوس وأهاج الأرواح ، لتستبصر واقع
أمرها ، وتضطلع بالمسؤوليات المترتبة عليها ، فتسترخص بالنفس والنفيس في سبيل الحق
، وتحمي صرح الكرامة مهما كلّفها ذلك من تضحيات ، وتروّي نبتة الفضيلة بدمائها غير
عابئة بالموت.
إنه الإمام الحسين
عليهالسلام ، الّذي عقد كل هذه الآمال العريضة الجسيمة ، على مصرع
شخصه الكريم ومصرع كل أهله وأنصاره ، إذ لم يجد أمضى من ذلك سلاحا ، ولا أقوم من
ذلك سبيلا ، لبلوغ غرضه الشريف. فهزّت شهادته أركان العروبة والإسلام ، وقلبت
مفاهيم الخوف والخنوع والاستسلام ، إلى مبادئ الثورة والعزّة والإقدام ، فكان منها
ما كان من المستحيلات والفتوح ، الّتي أحيت معالم الإسلام الخالد ، ودفعت مسيرته
الهادرة إلى يومنا الحاضر ، وأرست دعائمه ثابتة كالجبال ، ونصبت راياته خفاقة مدى
الأجيال.
دمشق في ١ محرم
الحرام ١٤١٠ ه
الموافق ٣ آب ١٩٨٩ م
د. لبيب وجيه بيضون
من وحي الشّهادة
(آيات من سورة آل عمران)
(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١٣) قَدْ كانَ لَكُمْ
آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى
كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ
بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ إِنَّ
الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ
بِعَذابٍ أَلِيمٍ إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ
عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ
وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) صدق الله العظيم
من الأثر النبوي الشريف
أخرج الثعالبي في
تفسيره الكبير عن جرير بن عبد الله البجلي (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«ألا ومن مات على
حبّ آل محمّد مات شهيدا.
ألا ومن مات على
حبّ آل محمّد مات مغفورا له.
ألا ومن مات على
حبّ آل محمّد مات تائبا.
ألا ومن مات على
حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان. ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك
الموت بالجنة ، ثم منكر ونكير. ألا ومن مات على حبّ آل محمّد يزفّ إلى الجنّة كما
تزفّ العروس إلى بيت زوجها.
ألا ومن مات على
حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة. ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل
الله قبره مزار ملائكة الرحمة. ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة
والجماعة .. ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافرا. ألا ومن مات على بغض آل
محمّد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه : آيس من رحمة الله».
نداء إلى الشبيبة
المؤمنة للاقتداء بالحسين عليهالسلام
دم ودموع ، وسموّ واستعلاء ...
وألم يفري الضلوع ، وعزّة للنفس وإباء
...
تلك ذكرى أبي الشهداء الحسين عليهالسلام
...
ما العبرة في ذكرى
أبي الشهداء؟.
هي عبرة العقيدة
الّتي لا تضعف ، والإيمان الّذي لا يهن ، والعزّة الّتي لا تستخذي ، والإباء الّذي
لا يقهر ، والقلب الشجاع الّذي لا تردعه الأهوال.
وهي في الجانب
الآخر : عبرة النفس الإنسانية حين تمسخ ، والطبع البشري حين ينتكس ، والشرّ اللئيم
الخسيس حين تسعفه القوة المادية ، والنذالة القذرة المنتنة حين تواتيها الظروف.
وما الّذي صنعته
الأيام والدهور ، بهذا وذاك؟.
لقد خلدّت العقيدة
والإيمان والعزة والإباء والقلب الشجاع ، خلّدتها في القلوب نورا وإيمانا وعقيدة
تذكيها القرون والأجيال ...
ولقد دفنت الطبع
المنتكس والشّر اللئيم والنذالة القذرة. وعفّت على هذه الصور البشعة ، إلا أن
تذكرها بالمقت والازدراء.
ألا فلينظر الشباب
أي الطريقين يسلك اليوم بعد ألف وثلاثمائة عام.
لينظر أيسلك طريق
الخلود الكريم ، أم طريق الفناء المهين؟.
سيد قطب
أشهر المستشهدين من أصحاب الحسين عليهالسلام

دروس من سيرة الحسين عليهالسلام واستشهاده
يعلمنا هذا الكتاب
دروسا كثيرة من خلال سيرة الإمام الحسين عليهالسلام واستشهاده.
يعلمنا أن المؤمن
الصحيح :
يؤمن بالمسؤولية ،
فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
لا يكتفي بالأفكار
، بل يعمل على تحقيق أفكاره وتطبيقها عمليا.
لا يعتقد فحسب ،
بل يعتقد ويعمل.
يقول كلمة الحق ،
حتّى أمام السلطان الجائر.
لا يعصي ربه ليرضي
الناس [لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق].
المؤمن عزيز النفس
، يتحلى بالإباء والتضحية والفداء.
يأبى الذل والظلم
والاستعباد.
حرّ متحرر ، تنبع
أعماله من إرادته وتفكيره.
صادق فيما عاهد
الله عليه ، لا يغيّر ولا يبدّل.
مستقيم ، لا يساوم
ولا ينحرف ، ولا تطغيه الشهوات.
يطبّق مبدأه على
نفسه أولا ، ثم على الآخرين.
جريء صريح ، يقاوم
الباطل بلا هوادة ولا مهادنة.
شجاع حازم ، لا
ترهبه كثرة الأعداء.
صامد لا يتراجع ،
وثابت لا تردعه الأهوال.
جسور يذلل المصاعب
، ويستهين بالمستحيلات.
لا يبدأ أحدا
بقتال ، حتّى يقيم الحجة عليه.
يقدّم نفسه قربانا
للعقيدة والأجيال.
يفكر في الآخرين ،
قبل أن يفكر في نفسه.
يفكّر بآخرته ،
قبل أن يفكر بدنياه.
بعيد النظر عميق
الفكر ، يتجاوز الحاضر إلى المستقبل ، ويعمل للأجيال.
كما يعلمنا أنّ :
ـ الصلاة عمود
الدين.
ـ جولة الباطل
ساعة ، وجولة الحق إلى الساعة.
ـ الرجوع عن الخطأ
خير من التمادي في الباطل (مثال الحر بن يزيد)
ـ إذا حمّ القضاء
، وقع البلاء.
ـ المسلم أخو
المسلم ، ما لم يقع بينهما السيف.
ـ على الباغي تدور
الدوائر (مثال عمر بن سعد).
ـ بشّر القاتل
بالقتل ولو بعد حين
(مثال عبيد الله
بن زياد ، وكل من شرك في دم الحسين عليهالسلام).
ـ من قاتل لتكون
كلمة الله هي العليا ، فهو في سبيل الله.
ـ كل قتيل في جنب
الله شهيد.
ـ الشهيد حيّ بقدر
ما يمثل من آمال وأمنيات.
ـ الحق يؤخذ ولا
يعطى.
ـ وإذا لم يكن من
الموت بدّ فمن العجز أن تموت جبانا
ـ المنية ولا
الدنية ، والموت ولا العار.
ـ لا سعادة إلا
بالشهادة ، ولا خلود إلا بالفداء.
ـ الجهاد باب من
أبواب الجنة.
ـ الجنّة تحت ظلال
السيوف.
ـ الناس عبيد
الدّنيا ، والدين لعق على ألسنتهم.
ـ حبّ الدّنيا رأس
كل خطيئة (مثال عمر بن سعد).
مقدمة في موضوع الموسوعة
لا يخفى ما لحياة
سيد الشهداء الإمام الحسين عليهالسلام من قيمة مميّزة ومنزلة مرموقة ، في التاريخ العربي
والإسلامي ، إذ وجّهت الفكر الإنساني وأيقظت الضمير الإسلامي ، للتمسك بالدين
الحنيف ، والانقياد لتعاليم السماء.
لذلك كانت سيرة
الحسين عليهالسلام وكلماته أثناء مسيره إلى الشهادة ، النبراس الحيّ لكل مؤمن
حرّ ، ولكل شاب مثقّف ، ينهل منها أصول العقائد والأمر بالمعروف ، ومبادئ التحرر
والجهاد ، وفنون الأخلاق والهداية ، عدا عما تحتويه من المعلومات الأدبية والشعرية
والتاريخية والسياسية والحربية.
وقد انصبّ
الاهتمام في هذه (الموسوعة) على الفترة الزمنية من حياة الحسين عليهالسلام الممتدة من هلاك معاوية في رجب سنة ٦٠ ه وتولي يزيد الحكم
ـ حيث قرر الحسين عليهالسلام القيام بنهضته الشريفة ـ وحتى رجوع سبايا أهل البيت عليهمالسلام من دمشق إلى المدينة المنورة مع الإمام زين العابدين عليهالسلام ، في صفر سنة ٦١ ه ، وهي فترة لا تزيد عن ثمانية أشهر من
نهاية عمر الإمام الحسين عليهالسلام التي ختمت بالشهادة ، التي هي أعلى مراقي السعادة.
وقد قسّمت هذه
المدة إلى أقسام توافق الأمكنة التي تنقّل فيها الحسين عليهالسلام ؛ من إقامته في المدينة إلى خروجه إلى مكة ، إلى مسيره
واستشهاده ، في كربلاء ، ثم مسير رأسه الشريف والسبايا إلى الكوفة ، ثم إلى دمشق ،
ثم رجوع الركب الحسيني إلى المدينة المنورة (أنظر المخطط التالي).

(الشكل ـ ١)
المخطط العام لمسير
الحسين عليهالسلام
من المدينة إلى مكة إلى العراق
ونهضة مسلم بن عقيل
في الكوفة واستشهاده
ثم استشهاد الحسين عليهالسلام
في كربلاء ومسيرة الرؤوس والسبايا
وكان لا بدّ قبل
الدخول في صلب الموضوع من إعطاء فكرة سريعة عن الخلفية السابقة لنهضة الحسين عليهالسلام ، وكيف نقض معاوية صلحه مع الإمام الحسن عليهالسلام ، ثم عمل على أخذ البيعة لابنه يزيد. كما كان لزوما لإتمام
الفائدة إطلاع القارئ على بعض أعمال يزيد بعد كربلاء ، في مدة خلافته الممسوخة ،
والتي قصّرها الله إلى ثلاث سنين وثمانية أشهر لا أكثر.
وختمت الموسوعة
بمقارنة بين شخصية الحسين عليهالسلام وشخصية يزيد ، لأظهر أن هذه الأمة الحائرة لم تكن خير أمة
أخرجت للناس ، حين ضنّت بالنور المبين المتمثل بالحسين عليهالسلام ، واستبدلت به رمز الباطل والغواية المبين ، المتمثل بيزيد
بن معاوية اللعين ، فكانت عقوبتها العادلة أن تظل متفرقة متخاصمة إلى يوم الدين.
وقد حاولت في هذه
الموسوعة المبينة ، استقصاء كل الأحداث والوقائع المتصلة بالحسين عليهالسلام وأصحابه وأعدائه ، مأخوذة من أشهر كتب التاريخ والمقاتل ،
وكتب الأعلام والتراجم ؛ بدءا من أقدم المؤرخين أبي مخنف (لوط بن يحيى) المتوفى
سنة ١٥٧ ه ، وحتى نهاية القرن الحادي عشر الهجري ، الموافق لوفاة العلامة المجلسي
صاحب (البحار) سنة ١١١١ ه.
وكان من أكبر
أهداف هذه الموسوعة ، عرض الأحداث وفق تسلسلها الزمني وترابطها المرحلي ، فراعيت
التسلسل الزمني والتاريخي لهذه الأحداث قدر الإمكان.
هذا وقد نهجت على
تقسيم مواد الموسوعة إلى فقرات ، ووضعت لكل فقرة رقما وعنوانا ، متبوعا بين قوسين
بذكر الكتاب الّذي نقلت منه ، مقرونا باسم المؤلف ورقم الصفحة والجزء والطبعة.
وذكرت في الحاشية المراجع والمصادر التي أخذ منها ذلك الكتاب.
ولم آل جهدا في
شرح بعض المفردات الصعبة والعبارات الغامضة حسب مقتضى الحال ، إضافة إلى بعض
التعليقات الضرورية والإيضاحات الهامة.
ويجد القارئ في
الفصل التالي مقدمة شاملة عن مصادر الكتاب المعتمدة.
والله أسأل أن
يوفقنا لما فيه الخير والسداد ، ويلهمنا الهداية والرشاد ، إنه سميع مجيب.
لبيب
الباب الأول
مقدّمات
الفصل ١ ـ مقدمة
في مصادر الموسوعة
الفصل ٢ ـ أنساب
آل أبي طالب عليهمالسلام وتراجمهم
الفصل ٣ ـ توطئة
في أهل البيت عليهمالسلام وفضائلهم :
ـ من هم أهل البيت
عليهمالسلام؟
ـ أهل البيت عليهمالسلام هم الأئمة الاثنا عشر
ـ أهل البيت عليهمالسلام هم الخمسة أصحاب الكساء
ـ فضائل أهل البيت
عليهمالسلام
ـ محبة أهل البيت عليهمالسلام ومودتهم
الفصل ٤ ـ الإمام
الحسين عليهالسلام : جملة من مناقبه وفضائله
الفصل ٥ ـ أنباء
باستشهاد الإمام الحسين عليهالسلام قبل وقوعه
الفصل ٦ ـ الحزن
والبكاء وإقامة المآتم على الحسين عليهالسلام
ـ إقامة العزاء
على الحسين عليهالسلام يوم عاشوراء
الفصل ٧ ـ فلسفة
النهضة الحسينية وأهدافها
ـ فلسفة الإبتلاء
الفصل الأول
مقدمة في مصادر الموسوعة
١ ـ جولة في
المراجع القديمة
٢ ـ رواة الطبري
وأبي مخنف
٣ ـ أهم المراجع
والمصادر المعتمدة
٤ ـ التعريف
بالكتب السابقة
٥ ـ تلاحم مصادر
الشيعة والسنة في روايات مقتل الحسين عليهالسلام
٦ ـ ترجمة أصحاب
المصادر
٧ ـ فهرس عام
للمصادر التاريخية التي اعتمدنا عليها
٨ ـ فهرس لمصادر
التراجم والأنساب
٩ ـ مصادر تاريخية
(درجة ثانية)
١٠ ـ الكتب
التاريخية الحديثة والمعاصرة
١١ ـ كتب الجغرافيا
والبلدان.
الفصل الأول :
مقدمة في مصادر
الموسوعة
١ ـ جولة في المراجع القديمة
(نقصد بالمراجع :
الكتب الأصلية التي أثبت مؤلفوها فيها الروايات والأخبار مباشرة دون الرجوع إلى
غيرهم. أما المصادر : فهي الكتب التي ألّفها أصحابها معتمدين على المراجع الأصلية).
ولقد كان من أهداف
هذه الموسوعة الأساسية الاعتماد على المراجع الأصلية والمصادر القديمة ، وبيان
قيمة هذه المراجع ومدى وثاقة أصحابها ، دون تفريق في ذلك بين كتب السنّة وكتب
الشيعة ، لأنها لا تتعارض مع بعضها من جهة ، ولأنها تؤلف وحدة متكاملة حول الموضوع
من جهة أخرى. ذلك أن الحسين عليهالسلام ونهضته المباركة وشهادته في كربلاء ، ليست ملك مذهب معين
ولا دين معيّن ؛ فالحسين عليهالسلام استشهد من أجل الإسلام والإيمان ، ومن أجل الحق أينما كان.
مراجع صدر الإسلام
الأول :
خلافا لما يظن
البعض ، فقد اهتم أجدادنا بتدوين التاريخ ، وخاصة منذ صدر الإسلام الأول وعصر
الخلفاء الأربعة. فهذا هو المؤرخ الكبير أبو مخنف (الكوفي) يخصص كتابا لكل وقعة من المواقع الهامة في صدر الإسلام ،
حتّى عدّوا له أكثر من ثلاثين مؤلفا ، منها : (فتوح الشام) ـ
(الرّدة) ـ (فتوح
العراق) ـ (وقعة الجمل) ـ (وقعة صفين) ـ (وقعة النهروان) ـ
__________________
(الأزارقة) ـ (الخوارج
والمهلب) ـ (مقتل الإمام عليّ عليهالسلام) ـ (الشورى) ـ (مقتل عثمان) ـ (مصعب بن الزبير والعراق) ـ
(ثورة المختار والأخذ بالثار).
وجاء في دائرة
المعارف الإسلامية (المترجمة عن الانكليزية) أن أبا مخنف صنّف ٣٢ رسالة في التاريخ
، عن حوادث مختلفة وقعت إبّان القرن الأول للهجرة.
اندثار كتب
المراجع القديمة :
وللأسف فإن كل هذه
المراجع الثمينة لأبي مخنف قد اندثرت ولم يصل إلينا منها إلا القليل ، ولم يبق لنا
منها إلا بعض ما رواه الآخرون في تواريخهم ، مثل الطبري الّذي جاء بعد نحو ١٥٠
عاما من أبي مخنف.
كتاب مقتل الحسين عليهالسلام لأبي مخنف :
ومن أشهر كتب أبي
مخنف «مقتل الحسين عليهالسلام» الّذي نقل عنه أعظم العلماء المتقدمين واعتمدوا عليه.
ولكن للأسف أنه فقد ، ولا توجد منه نسخة اليوم. وأما المقتل الّذي بأيدينا
والمنسوب إليه ، فهو ليس له ، بل ولا لأحد من المؤرخين المعتمدين. ومن أراد تصديق
ذلك فليقابل بين ما في هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره.
يقول الشيخ محمّد
السماوي في تقديمه لكتاب مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي (ج ١ صفحة ه) : فإن المقاتل القديمة المفصّلة ،
كمقتل أبي مخنف ، لم يبق منها شيء إلا ما نقله الطبري والجزري وأمثالهما ، في ضمن
كتبهم ، فأما أعيانها فلم يبق منها شيء ، لأن (مقتل أبي مخنف) لم يوجد منذ خمسة أو
ستة قرون ، وكذلك أمثاله.
وقد أورد بروكلمان
في كتابه (تاريخ الأدب العربي) ج ١ ص ٢٥٣ ، أن مخطوطة كتاب مقتل الحسين عليهالسلام المنسوب لأبي مخنف موجودة في امبروزيانا ، وأنها طبعت في
بومباي عام ١٣١١ ه.
ويقول العلامة
المرحوم آغا بزرك الطهراني في (الذريعة) :
«مقتل الحسين عليهالسلام لأبي مخنف ، طبع مع المجلد العاشر من البحار في بومباي عام
١٢٨٧ ه. ونسبته إليه مشهورة ، لكن الظاهر أن فيه بعض الموضوعات. وقد حقّقه شيخنا
النوري في كتابه (اللؤلؤ والمرجان)».
وقد أورد سليمان
القندوزي في (ينابيع المودة) ج ٢ ص ١٥٨ ، مقتلا منسوبا إلى أبي مخنف ، وهو يشبه
إلى حدّ ما المقتل المتداول ، ولكنه يختلف اختلافا بيّنا ، حتّى في الأشعار.
مقتل الحسين لأبي
مخنف (المقتبس) من الطبري :
وبما أن أغلب
روايات الطبري المتعلقة بمقتل الحسين عليهالسلام هي من رواية أبي مخنف ، فقد قام أحد علمائنا الأفاضل وهو
الحاج ميرزا حسن الغفاري بإنجاز مفيد ، فنخب روايات أبي مخنف التي وردت في تاريخ
الطبري ، وجمعها في كتاب سمّاه «مقتل الحسين (المقتبس) من الطبري». وهو من منشورات
المكتبة العامة لآية الله المرعشي النجفي ، طبع قم عام ١٣٩٨ ه ، وفيه تعليقات
هامة ومفيدة.
مقتل أبي مخنف
الصغير والكبير :
ولدى مطالعة كتاب (أسرار
الشهادة) للفاضل الدربندي ، تبيّن أنه ينقل عن كتابين باسم (مقتل الحسين لأبي مخنف)
، أحدهما صغير والآخر كبير ، والظاهر أن المتداول بأيدينا هو الصغير ، وقد قابلته
مع المقتل المتداول فوجدت بينهما شبها كبيرا ، ولكنهما ليسا متطابقين.
مخطوطة نادرة
لمقتل أبي مخنف (في مكتبة الأسد):
هذا وقد لفت نظري
وجود مخطوطة لمقتل الحسين عليهالسلام لأبي مخنف في مكتبة الأسد العامرة بدمشق ، برقم (عامّ ٤٣٠٣).
أولها : «هذا مصرع
الحسين عليهالسلام وما جرى له ولأهل بيته من قتلهم وسفك دمائهم وسبي حريمهم
..». وهذه المخطوطة مصرع كامل قديم لمؤلف مجهول وبدون تاريخ.
النسخة مخرومة
الأول ، ومهترئة ، والكلام فيها على شاكلة القصص. ويدخل في مجرى القصة قوله : قال
أبو مخنف يقصد لوط بن يحيى الأزدي. والمظنون أن هذه القصة منسوبة لأبي مخنف. وإذا
صحّ أن جامعها نسبها إليه ، تبيّن الوضع فيها ، من أن لغتها غير لغة عصره ، ومن
بعض أغلاط النحو فيها.
وزيد في آخرها فصل
ليس في الكتاب الأصلي ، وهو (شرح زيارة أبي عبد الله عليهالسلام في يوم عاشوراء من قرب أو بعد).
وتقع المخطوطة في
٧١ ورقة ، أصابتها الرطوبة بما لم يؤثّر ، حجم ١٨ ١٤ سم ، ١٥ سطرا ، ٣ سم حاشية.
خط تعليق ـ القرن التاسع ، بقايا جلد مطبوع.
الثقات الذين
حفظوا لنا التاريخ :
كان محمّد بن جرير
الطبري [توفي عام ٣١٠ ه] مسلما تقيّا ورعا ، ومن أشهر المؤرخين عند السنة. وكان
يحترم أهل البيت عليهمالسلام ويجلّهم باعتبارهم جزءا لا ينفصل عن الإسلام ، وامتدادا
عقائديا لجدّهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. ومن مظاهر هذا الإجلال أنه لم يكن يذكر أحدا من أهل البيت
إلا وقرنه بكلمة عليهالسلام ، وهي عبارة تسالم على ذكرها الشيعة دون السنة. إذن
فالطبري مؤرّخ سنّي موثوق وغير متعصب.
أما أبو مخنف لوط
بن يحيى [ت ١٥٧ ه] فقد كان مسلما تقيّا ملتزما ، وهو من أشهر المؤرخين عند
الشيعة. ويدل على صدقه وتقواه أن رواياته كانت منقولة عن رجال موثوقين رأوا
الحوادث بأمّ أعينهم ، وسمعوا الحوار بآذانهم ، وهو بعد ذلك يذكر الرواية كما هي
بحرفيتها ، دون أن يدخل رأيه الشخصي ، حتّى لا يحرّفها عن منطوقها الأصلي. إذن
فأبو مخنف مؤرّخ شيعي موثوق وغير متعصب.
وكان من التقاء
هذين البحرين الكبيرين ، أكبر نعمة حصلنا عليها ، وهي حفظ الروايات التاريخية
الإسلامية ، ومنها ما يختص بمعركة كربلاء والإمام الحسين عليهالسلام. والذي يدل على وثاقة أبي مخنف من طرف غير مباشر ، اعتماد
الطبري على رواياته بشكل مطلق ، حتّى أن تاريخ الطبري فيما يتعلق بكربلاء كأنه
تاريخ لأبي مخنف. كل ذلك بفضل التقوى والموضوعية وعدم التعصب ، التي امتاز بها
أغلب مؤرخينا من سنّة وشيعة ، لأن الكذب والغش مما لا يقرّه أي مذهب من المذاهب.
جناية التعصب
المقيت :
هذا التواشج
والتلاحم بين الفريقين في حفظ التاريخ وغيره من التراث الإسلامي ، وهو مما يفتخر
به كل مسلم ، لم يرق لبعض العلماء والمؤرخين ، من الذين أعماهم التعصب ، فعملوا
على التشكيك بكل المؤرخين ، ليتسنى لهم التشكيك بكل التراث. وقد دفعهم هذا التعصب
إلى أن يوثّقوا في الرواية كلّ سنيّ ، حتّى ولو كان قاتل الحسين وحارق أستار
الكعبة ، في مقابل أن يوهّنوا في رواية أي
شخص شيعي مهما كان
صادقا وورعا. وهم ينسون أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن له مذهب ، وإنما كان مسلما فحسب. وكذا الخلفاء
الأربعة الذين جاؤوا من بعده ، فقد كان مذهبهم الإسلام ليس إلا.
ومن هذا القبيل ما
قرأت في أحد كتب التاريخ المعتبرة وقد فاتني اسمه ، أن الحصين بن نمير أو غيره ،
لا يجوز لعنه ، والسبب في ذلك أنه ولد قبل وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأسبوع ، فاحتراما للصحبة لا يجوز لعنه.
(أقول) : ما ذا
بقي من أثر الصحبة لمثل هذا الرجل الّذي اشترك في قتل الحسين عليهالسلام وضرب الكعبة بالمنجنيق بأمر من يزيد الفاجر ، لا بل ما ذا
بقي فيه من الإسلام؟. وكيف نثق به على رواية يرويها ، ونحن لم نثق به على قتل
الحسين وأهل البيت عليهمالسلام وهدم الكعبة وحرقها؟!.
وكيف لا يأسف
الإنسان أن يقع في مثل هذا التعصب المقيت حتّى أكابر العلماء ، أمثال ابن كثير [ت
٧٧٤ ه] صاحب التفسير الكبير والمؤلفات الشهيرة ، مثل (البداية والنهاية) وغيره.
فهو بعد أن وصم الشيعة بأحاديث لم أعثر على ذكرها في أي كتاب من كتبهم ، فإنه حاول
الإيقاع بين السنة والشيعة والتشكيك بمؤرخيهم ، حتّى بأبي مخنف.
يقول ابن كثير في (البداية
والنهاية) ج ٨ ص ١٨٦ ، في أول حديثه عن مقتل الحسين عليهالسلام : «صفة مقتله عليهالسلام مأخوذ من كلام أئمة هذا الشان ، لا كما يزعمه أهل التشيع
من الكذب الصريح والبهتان».
ثم يقول في (البداية
والنهاية) ج ٨ ص ٢١٣ ، بعد ذكر تسيير سبايا أهل البيت عليهمالسلام إلى يزيد : «وهذا يردّ قول الرافضة ، أنهم حملوا على نجائب
الإبل سبايا عرايا ، حتّى كذب من زعم منهم أن الإبل البخاتي ، إنما نبتت لها
الأسنمة من ذلك اليوم ، لتستر عوراتهم من قبلهن ودبرهن». يقصد بالإبل البخاتي ذات
السنامين.
ولا أدري ماذا عنى
بالرافضة هنا ، هل الشيعة الإمامية أم غيرهم؟.
إلى أن يقول في (البداية
والنهاية) ج ٨ ص ٢١٨ ، علما بأن كل الروايات التي أوردها ابن كثير هي مروية عن
الطبري عن أبي مخنف ، يقول :
«وللشيعة والرافضة
في صفة مصرع الحسين عليهالسلام كذب كثير وأخبار باطلة ،
وفيما ذكرنا كفاية
، وفي بعض ما أوردناه نظر. ولو لا أن ابن جرير الطبري وغيره من الحفّاظ والأئمة
ذكروه ما سقته ، وأكثره من رواية أبي مخنف (لوط بن يحيى) وقد كان شيعيا ، وهو ضعيف
الحديث عند الأئمة ، ولكنه إخباري حافظ ، وعنده من هذه الأشياء ما ليس عند غيره ،
ولهذا يترامى عليه كثير من المصنفين في هذا الشأن ممن بعده. والله أعلم».
وظاهر تناقضه فيما
ذكر ، فإذا كان أبو مخنف ضعيفا عند أئمة السنة ، فلما ذا روى عنه أغلب رواياته ،
ولما ذا رووا هم عنه؟ ولما ذا لم يذكر أسباب ضعفه وعدم ثقته ، الله م إلا أن يكون
سبب ذلك لكونه شيعيا ، لا سيما أنه ذكر أنه «كان شيعيا «قبل أن يصمه بالضعف ، مما
يوحي بالعلاقة بينهما. ومن الغريب أن يكون ميزان الوثاقة عند ابن كثير وغيره مثل
هذا الميزان ، علما بأن الشيعي هو بالتعريف كلّ من التزم بمنهج الإمام عليّ عليهالسلام لا يحيد عنه ، ذلك الإمام الّذي نشأ على الإسلام وتربّى
على الإسلام وكان ديدنه الإسلام ، وكان صلبا في ذات الله ، لا تأخذه في الله لومة
لائم.
٢ ـ رواة الطبري وأبي مخنف
بحث قيّم للمؤرخ
فلهوزن حول رواة الطبري وأبي مخنف :
كتب المؤرخ
الألماني يوليوس فلهوزن عدة كتب حول صدر الإسلام ، منها كتاب (الخوارج والشيعة)
وتطرق فيه إلى ذكر وقعة كربلاء ، ومنها كتاب (تاريخ الدولة العربية) وتطرق فيه إلى
خلافة الإمام عليّ عليهالسلام وانشقاق معاوية وتأسيس الدولة الأموية. وموضوع هذا الكتاب
لا علاقة له بموضوعنا ، إلا أن فلهوزن قد ذكر في مقدمته بحثا قيّما عن الطبري ،
وعن الرواة الذين اعتمد عليهم ، نثبته فيما يلي :
الطبري يحفظ لنا
تراث أبي مخنف :
قال فلهوزن في (تاريخ
الدولة العربية) صفحة (ق) :
إن الروايات
القديمة المتعلقة بعصر بني أمية توجد حتّى اليوم على أوثق ما تكون عليه عند الطبري
، لأنها لم تختلط ولم تتناولها يد التوفيق والتنسيق.
والطبري حفظ لنا
خصوصا قطعا كبيرة جدا من روايات أبي مخنف ، الراوية المحقق ، فحفظ لنا بذلك أقدم
وأحسن ما كتبه ناثر عربي نعرفه.
من هو أبو مخنف؟ :
(حوالي ٥٧ ـ ١٥٧ ه)
وكان أبو مخنف لوط
بن يحيى بن سعيد بن مخنف ، من (أزد) الكوفة. ويدل نسبه الطويل على أنه كان من حيث
نسب أبيه ، من أصل نابه. والأغلب أن مخنف بن سليم ـ رئيس الأزد في موقعة صفين ـ كان
جدّه.
ونحن لا نعلم متى
ولد أبو مخنف ، ولكنه لما قامت ثورة ابن الأشعث في سنة ٨٢ ه كان في سن الرجال .
__________________
وكان أبو مخنف
صديقا لمحمد بن السائب الكلبي. ويرجع لهشام الكلبي المؤرخ المشهور [ت ٢٠٦ ه] ـ وهو
ابن محمّد بن السائب ـ الفضل الأكبر في حفظ كتب أبي مخنف وروايتها وتوريثها
للأجيال. والطبري في العادة يذكر روايات أبي مخنف بحسب رواية ابن الكلبي لها. وقد
عاش أبو مخنف حتّى شهد سقوط خلافة بني أمية في دمشق. وآخر الروايات المأثورة عنه
تتعلق بحوادث سنة ١٣٢ ه.
على أن أبا مخنف
يذكر في بعض الأحيان رواة آخرين أقدم منه أو معاصرين له ويعتمد على رواياتهم ، مثل
عامر الشعبي وأبي المخارق الراسبي ومجالد بن سعيد ومحمد بن السائب الكلبي. أما في
الأغلب فإنه لم يأخذ ما رواه عن أقرانه من الرواة المتقدمين ، بل هو جمع رواياته
من سماعه لها بنفسه ، ومن السؤال عنها في مختلف مظانّها ، وعند كل من استقاها من
مصادرها أو حضرها بنفسه من الناس. وعلى هذا فإن سلسلة الرواة الذين يذكرهم هي
دائما قصيرة جدا.
وكل الروايات تذكر
في صورة حديث بين الأشخاص الذين كانت تدور حولهم الحوادث ، وكل الروايات وصف لمسرح
هذه الحوادث.
(وقد أثبتّ بعد
هذا البحث القيّم استقصاء للرواة الذين اعتمد عليهم أبو مخنف والطبري ، لما لذلك
من قيمة تاريخية وتوثيقية).
ميزة أبي مخنف أنه
يروي أخبارا متنوعة في الموضوع الواحد :
وتابع فلهوزن
حديثه قائلا : وأعظم ما صنع أبو مخنف من حيث تقدير قيمة الروايات ، هو أنه جمع
طائفة كبيرة من روايات متنوعة ومن أخبار عن الشيء الواحد مختلفة في مصادرها ، بحيث
يستطيع الإنسان أن يوازن بينها ويعرف الصحيح المؤكد منها من غيره. وأبو مخنف قد
توصّل بذلك إلى أن صارت الأشياء الثانوية تتوارى ، لأنها لا تظهر إلا مرة واحدة ،
كما صارت الأشياء الأساسية لا تزال تزداد بروزا ، لأنها تتكرر في جميع الروايات.
أبو مخنف لم يراع
الترتيب الزمني للحوادث :
ومع ذلك فإن أبا
مخنف لا يتناول برواياته فترة كبيرة من الزمان ، وهو لا يربط بين أجزائها ربطا
يراعي الوقائع كما هي ، ويراعي ترتيبها التاريخي ، ويعوزه ترتيب الحوادث ترتيبا
مطّردا ، فهو لا يذكر إلا تواريخ متفرقة.
ميزة أخرى لأبي
مخنف ورواياته :
ومما يتميز به أبو
مخنف أن رواياته تبدأ بعصر الفتوحات ، وأنه يخبرنا في الأغلب عن فترة كان هو نفسه
يعيش فيها ، وهي تبدأ بوقعة صفين ، ويرجع ذلك إلى أن اهتمامه اقتصر على المكان
الّذي كان يعيش هو فيه ، أعني على العراق وعاصمته الكوفة. والموضوعات التي
يتناولها بشغف خاص هي ثورات الخوارج والشيعة ، التي كان على رأسها ... (مثل) حجر
بن عدي والحسين بن عليّ عليهالسلام وسليمان بن صرد والمختار الثقفي ...
أبو مخنف كان
موضوعيا رغم أن ميله شيعي :
فأبو مخنف يمثّل
الروايات العراقية ، وهواه في جانب أهل العراق على أهل الشام ، وفي جانب عليّ عليهالسلام على بني أمية. ومع ذلك فإن الإنسان لا يلاحظ عند أبي مخنف
شيئا من الأغراض يستحق الذكر.
المؤرخون الذين
جاؤوا بعده :
وعند الحديث عن
الدولة الأموية وأحزاب المعارضة ، لا يقدّم أبو مخنف المادة الغزيرة ، لذلك فإن
أصدق مرجع لها هو الروايات المدنية (نسبة إلى المدينة المنوّرة) ، فهي أهم
الروايات القديمة ، وهي من حيث أصولها أقدم من الروايات الكوفية. غير أن أصحابها
الذين وصلت إلينا عنهم روايات كافية ، أحدث عهدا من أبي مخنف. وأهم حملة هذه
الروايات المدنية هم خصوصا : ابن اسحق ، وأبو معشر ، والواقدي [ت ٢٠٧ ه]. وهم لم
يكونوا يجمعون مادة الروايات من مصادرها الأصلية ، كما فعل الرواة قبلهم ، بل إنما
وصلت إليهم الروايات من حفظ رواية العلماء لها. وهؤلاء نظروا فيها ونخلوها ،
وكتبوها من جديد ومزجوا بينها ، ولكنهم خصوصا ربطوا بينها ربطا أوسع وأدقّ مما كان
قبلهم. وهم في الوقت نفسه رتّبوها ترتيبا زمنيا مطّردا ، بحيث خرج على أيديهم من
الروايات المفككة لأخبار الأحداث الكبرى المتفرقة ، تاريخ متصل.
ويمكن أن يعتبر
ابن اسحق مؤسس هذا التاريخ ، وهو يتميز ـ هو ومن جاء بعده ـ بكتابة التاريخ في
صورة ذكر الأحداث التي وقعت في كل عام ، وهي الصورة التي أصبحت متّبعة.
هذا ولم يكن في
المدينة ميل لبني أمية ولا لأهل الشام ، فلا يستطيع الإنسان أن ينتظر منهم أكثر من
الحكاية الموضوعية.
روايات أهل الشام
ضاعت :
ولا شك أنه قد كان
هناك عند أهل الشام أيضا ، مأثور من الروايات ، ولكن هذا المأثور ضاع ولم يصل
إلينا. ويجد الإنسان آثارا له عند البلاذري [ت ٢٧٩ ه] وربما وجدها أيضا عند عوانة
الكلبي [ت ١٤٧ ه]. ويذكر الطبري في كثير من الأحيان عند روايته لأخبار الشام :
وذلك بحسب رواية ابن الكلبي عادة.
أما المدائني [ت
٢٢٥ ه] فهو يتبوّأ ما يشبه أن يكون مكانا وسطا بين أبي مخنف وبين مؤرخي المدينة.
فهو مؤرخ عالم ، لكنه يسهب في الرواية ، وله اهتمام إقليمي ظاهر فيما يتعلق
بالبصرة وخراسان. وتكاد كل الروايات المتعلقة بهما تكون مأخوذة عنه. هذا إلى أنه
يمثل وجهة النظر العباسية تماما ، وهو يروي سقوط بني أمية وقيام الأسرة (المباركة)
، رواية تتمشى مع ذلك.
وإنني أكتفي بهذا
القدر من الكلام في بيان ما يختص به هؤلاء الرواة الكبار عند الطبري.
(انتهى ما أورده فلهوزن حتّى الصفحة ذ)
الرواة الذين
اعتمد عليهم الطبري في رواياته عن مقتل الحسين عليهالسلام :
إن (محمد بن جرير
الطبري) من المؤرخين المتقدمين كما اسلفنا ، إذ كانت مدة حياته بين ٢٢٤ ـ ٣١٠ ه (الموافق
٨٣٩ ـ ٩٢٣ م). ومن الملاحظ أن كل رواياته التي وردت في تاريخه ، والمتعلقة بمقتل
الحسين عليهالسلام كانت منقولة عن ابي مخنف ، الذي توفي سنة ١٥٧ ه. وهي
منقولة مباشرة عن أبي مخنف باستثناء روايتين رواهما عن (هشام بن محمد الكلبي عن
أبي مخنف).
وقد استقصيت كل
هذه الروايات وجمعت أسانيدها ، لما لها من الأهمية التاريخية البالغة ، أوردها
فيما يلي :
__________________
(قال هشام بن محمد)
حدثني أبو مخنف عن يحيى بن هانئ بن عروة.
(قال هشام بن محمد)
حدثني أبو مخنف عن النضر بن صالح بن حبيب بن زهير العبسي عن حسان بن فائد بن بكر
العبسي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني النضر بن صالح بن زهير العبسي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني الحجاج بن علي عن محمد بن بشير الهمداني.
(قال أبو مخنف) :
حدثني يوسف بن يزيد عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس.
(قال أبو مخنف) :
حدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله بن حازم.
(قال أبو مخنف) :
حدثني سليمان بن أبي راشد عن عبد الله بن حازم الكبري.
(قال أبو مخنف) :
حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم الأزدي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني الصقعب بن زهير عن حميد بن مسلم.
(قال أبو مخنف) :
حدثني يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن عباس الجدلي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني المجالد بن سعيد الهمداني عن عامر الشعبي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة الثقفي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني جعفر بن حذيفة الطائي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني سعيد بن مدرك بن عمارة.
(قال أبو مخنف) :
حدثني عبد الرحمن بن جندب عن عقبة بن سمعان.
(قال أبو مخنف) :
حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان.
(قال أبو مخنف) :
حدثني حدثتني دلهم بنت عمرو زوجة زهير بن القين.
(قال أبو مخنف) :
حدثني أبو جناب يحيى بن أبي حية الكلبي عن عدى بن حرملة ابن كاهل الأسدي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن زين العابدين عليهالسلام.
(قال أبو مخنف) :
حدثني أبو جناب عن هانئ بن ثبيت الحضرمي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني أبو سعيد عقيصي عن بعض أصحابه.
(قال أبو مخنف) :
حدثني هشام بن الوليد عمن شهد ذلك.
(قال أبو مخنف) :
حدثني السدي عن رجل من بني فزارة.
(قال أبو مخنف) :
حدثني الصقعب بن زهير عن عوف بن أبي جحيفة.
(قال أبو مخنف) :
حدثني عمر بن خالد عن زيد بن علي بن الحسين عليهالسلام عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس.
(قال أبو مخنف) :
حدثني حدثني أبو علي الأنصاري عن بكر بن مصعب المزني.
(قال أبو مخنف) :
حدثني لوذان أحد بني عكرمة عن أحد بني عمومته.
(قال أبو مخنف) :
حدثني عقبة بن أبي العيزار.
(قال أبو مخنف) :
حدثني الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن شريك العامري.
(قال أبو مخنف) :
حدثني عبد الله بن عاصم الفائشي عن الضحاك بن عبد الله المشرقي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني فضيل بن خديج الكندي من محمد بن بشر عن عمرو الحضرمي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني عمرو بن مرة الجملي عن أبي صالح الحنفي عن غلام لعبد الرحمن الأنصاري.
(قال أبو مخنف) :
حدثني علي بن حنظلة بن أسعد الشامي عن رجل من قومه.
(قال أبو مخنف) :
حدثني حسين أبو جعفر. (قال) حدثني محمد بن قيس.
(قال أبو مخنف) :
حدثني سويد بن حية. (قال) حدثني ثابت بن هبيرة.
(قال أبو مخنف) :
حدثني جعفر بن محمد بن علي عليهالسلام.
(قال أبو مخنف) :
حدثني عطاء بن السائب عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي عن أخيه مسروق بن وائل.
(قال أبو مخنف) :
حدثني الحسين بن عقبة المرادي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني نمر بن وعلة عن أيوب بن مشرح الخيواني.
(قال أبو مخنف) :
حدثني زهير بن عبد الرحمن بن زهير الخثعمي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني الحجاج بن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث البارقي.
(قال أبو مخنف) :
حدثني جميل بن مرثد من بني معن عن الطرماح بن عدي.
٣ ـ أهم المراجع والمصادر المعتمدة
مصادر كربلاء :
يمكن تقسيم
المصادر المتعلقة بشهادة الحسين عليهالسلام ومعركة كربلاء ، إلى الأنواع التالية:
١) ـ كتب المقاتل
: وهي كتب مختصة بالحديث عن مقتل الحسين عليهالسلام. مثل : مقتل الحسين عليهالسلام المنسوب لأبي مخنف [توفي ١٥٧ ه] ، ومقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي [ت ٥٦٨ ه] ، ومثير الأحزان لابن نما الحلي [ت
٦٤٥ ه] ، واللهوف على قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس [ت ٦٦٤ ه].
٢) ـ كتب التاريخ
: وهي تتكلم عن التاريخ بشكل عام ، ومن جملته تاريخ الحسين عليهالسلام. مثل : الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري [ت ٢٨٢ ه] ،
وتاريخ اليعقوبي [ت ٢٩٢ ه] ، وتاريخ الطبري [ت ٣١٠ ه] ، وكتاب الفتوح لابن أعثم [ت
٣١٤ ه] ، ومروج الذهب للمسعودي [ت ٣٤٦ ه] ، والكامل لابن الأثير [ت ٦٣٠ ه].
٣) ـ المجالس
الحسينية : وهي غير منتظمة في مقتل كامل ، وإنما أوردت بعض المعلومات عن شهادة
الحسين عليهالسلام بشكل مجالس منفصلة. مثل : روضة الواعظين لابن الفتال
النيسابوري [ت ٥٠٨ ه] ، والمنتخب للطريحي [ت ١٠٨٥ ه].
٤) ـ كتب المناقب
: وفيها يتحدث المؤلف عن مناقب أهل البيت عليهمالسلام ومنهم الحسين عليهالسلام. ويغلب عليها ذكر المناقب ، وليس ذكر المقتل الشريف. منها
: مناقب آل أبي طالب عليهمالسلام لابن شهراشوب [ت ٥٨٨ ه] ، وتذكرة خواص الأمة في ذكر خصائص
الأئمة لسبط ابن الجوزي [ت ٦٥٤ ه] ، وكشف الغمّة في معرفة الأئمة عليهمالسلام للإربلي [ت ٦٩٣ ه].
٥) ـ كتب التراجم
والأنساب : بعضها مختص بالخلفاء والملوك ، مثل كتاب الإمامة والسياسة (تاريخ
الخلفاء) لابن قتيبة الدينوري [ت ٢٧٦ ه]. ومنها يعطي
تاريخ الأئمة
الإثني عشر عليهمالسلام ، مثل كتاب الارشاد للشيخ المفيد [ت ٤١٣ ه]. ومنها يعطي
تراجم للأشخاص مرتبة حسب القبائل والأنساب ، مثل نسب قريش لمصعب الزبيري [ت ٢٣٦ ه].
ومنها ما يكون مرتبا على الحروف الهجائية ، مثل تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني [ت
٨٥٢ ه].
وهذه الكتب تعطي
غالبا معلومات موجزة.
أهمّ المراجع
والمصادر المعتمدة :
وقد اعتمدت في
دراستي لهذه الموسوعة على أجمع المصادر وأقدمها وأوثقها. أعدد أهمها فيما يلي (مرتبة
حسب قدم التأليف) :
(١) ـ مقتل الحسين
عليهالسلام المشتهر بمقتل أبي مخنف [توفي عام ١٥٧ ه] ، طبع المطبعة
الحيدرية في النجف الأشرف عام ١٩٢٩ م.
(٢) ـ الإمامة
والسياسة لابن قتيبة الدينوري [ت ٢٧٦ ه] ، ج ١ وج ٢ ، طبع مصر ، تحقيق الدكتور طه
محمّد الزيني الأستاذ بالأزهر.
(٣) ـ الأخبار
الطوال لأبي حنيفة الدينوري [ت ٢٨٢ ه] ، طبع القاهرة عام ١٩٦٠.
(٤) ـ تاريخ
اليعقوبي [ت ٢٩٢ ه] ، ج ٢ طبع بيروت ، دار صادر.
(٥) ـ تاريخ الأمم
والملوك للطبري [ت ٣١٠ ه] ، ج ٦ (طبعة أولى مصر) ، طبع المطبعة الحسينية عام
١٩١٨.
(٦) ـ كتاب الفتوح
لابن أعثم [ت ٣١٤ ه] ، ج ٥ طبع بيروت.
(٧) ـ العقد
الفريد لابن عبد ربه [ت ٣٢٨ ه] ، ج ٤ طبعة قديمة.
(٨) ـ مروج الذهب
ومعادن الجوهر للمسعودي [ت ٣٤٦ ه] ، ج ٣ تحقيق محمّد محي الدين عبد الحميد.
(٩) ـ مقاتل
الطالبيين لأبي الفرج الإصفهاني [ت ٣٤٦ ه] ، ج ٧ ط ٢ في النجف الأشرف.
(١٠) ـ الإرشاد
للشيخ المفيد [ت ٤١٣ ه] ، طبع النجف عام ١٩٦٢.
(١١) ـ مقتل
الحسين عليهالسلام للخوارزمي [ت ٥٦٨ ه] ، ج ١ وج ٢ ، طبع مطبعة الزهراء في
النجف عام ١٩٤٨.
(١٢) ـ تاريخ
مدينة دمشق لابن عساكر [ت ٥٧١ ه] ، الجزء الخاص بالحسينعليهالسلام ، حققه وعلق عليه الشيخ محمّد باقر المحمودي.
(١٣) ـ مناقب آل
أبي طالب عليهمالسلام لابن شهراشوب [ت ٥٨٨ ه] ، ج ٣ طبع المطبعة الحيدرية في
النجف عام ١٩٥٦.
(١٤) ـ الكامل في
التاريخ لابن الأثير [ت ٦٣٠ ه] ، ج ٣ طبع بيروت عام ١٩٥٥.
(١٥) ـ مثير
الأحزان لابن نما الحلي [ت ٦٤٥ ه] ، طبع المطبعة الحيدرية في النجف عام ١٩٥٠.
(١٦) ـ تذكرة خواص
الأمة في ذكر خصائص الأئمة لسبط ابن الجوزي [ت ٦٥٤ ه] ، ط ٢ نجف عام ١٣٦٩ ه.
(١٧) ـ مطالب
السّؤول في مناقب آل الرسول لمحمد بن طلحة الشافعي [ت ٦٥٣ ه] مطبوع مع الكتاب
السابق (طبع حجر إيران) ، موجود في مكتبة الأسد برقم عامّ ٤٣٠٣ (نادر).
(١٨) ـ الله وف
على قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس [ت ٦٦٤ ه] ، ط ٢ طبع مطبعة العرفان بصيدا عام
١٩٢٩ م.
(١٩) ـ البداية
والنهاية لابن كثير [ت ٧٧٤ ه] ، ج ٦ وج ٨.
(٢٠) ـ إحياء
الميت بفضائل أهل البيت عليهمالسلام للسيوطي [ت ٩١١ ه] ، بهامش الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي
، طبع مصر عام ١٣١٦ ه
(٢١) ـ أخبار
الدول وآثار الأول للقرماني [ت ١٠١٩ ه] طبع بيروت.
(٢٢) ـ المنتخب في
المراثي والخطب لفخر الدين الطريحي [ت ١٠٨٥ ه] ، ط ٢ في قم.
(٢٣) ـ بحار
الأنوار للمجلسي [ت ١١١١ ه] ، ج ٤٤ و ٤٥ ، ومزار البحار ، ج ٩٨ ط ٣ بيروت عام
١٩٨٢.
(٢٤) ـ مقدمة مرآة
العقول في شرح أخبار آل الرسول للعلامة المجلسي ، (المقدمة ٣ مجلدات للسيد مرتضى
العسكري) ، ج ٢ طبع قم عام ١٣٦٣ ه.
(٢٥) ـ مقتل
العوالم (فيما يختص بالإمام الحسين) للشيخ عبد الله البحراني الإصفهاني [ت بعيد
١١١١ ه] ، ج ١٧ طبع قم عام ١٤٠٧ ه.
أما الكتب التي
ألّفت بعد هذا التاريخ [١١١١ ه] فقد اعتبرناها حديثة ، وسوف تأتي قائمة بها فيما
بعد ، تحت عنوان (الكتب الحديثة).
٤ ـ التعريف بالكتب السابقة
(١) ـ مقتل الحسين
المشتهر بمقتل أبي مخنف : (٠٠٠ ـ ١٥٧ ه)
وهو كتاب صغير
الحجم يتألف من ١٤٤ صفحة. وهو مختص بمقتل الحسينعليهالسلام. وإن كانت له قيمة فتبعا لقيمة مؤلفه وهو أبو مخنف ، الّذي
يعتبر أول من ألفّ وأرّخ عن وقعة كربلاء ، وذلك لأنه كان معاصرا لزمن الوقعة (توفي
سنة ١٥٧ ه ولم يعرف تاريخ مولده).
هذا ومما يجدر
ذكره وجود روايات غريبة في هذا الكتاب ، لم ترد في أي كتاب آخر من كتب المقاتل.
ولقد علّقت على هذه الروايات في حينها. وأغلب الظن أن الكتاب الأصلي قد فقد ، وأن
الكتاب الّذي بين أيدينا منسوب لأبي مخنف وليس له ، ومما يؤكد ذلك تعارض أخباره
كليا مع الكتب التي نقلت عنه ، كتاريخ الطبري.
وقد تكلمنا سابقا
عن هذا الكتاب ومؤلفه بالتفصيل وعن علاقته بالطبري ، كما تكلمنا عن مخطوطة لهذا
الكتاب موجودة في مكتبة الأسد ، فراجع.
(٢) ـ الإمامة
والسياسة لابن قتيبة الدينوري : (٢١٣ ـ ٢٧٦ ه)
(تحقيق الدكتور طه
محمّد الزيني الأستاذ بالأزهر) جزآن.
خصصه المؤلف لسرد
تاريخ الخلفاء ، ويقصد بهم الخلفاء الراشدين ، ثم خلفاء بني أمية وبني العباس حتّى
المأمون. فيبدأ بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، ثم يذكر خلافة الإمام عليّ عليهالسلام وحروبه ، وما كان بينه وبين معاوية.
وفي الجزء الثاني
يبدأ بذكر أخبار حكم يزيد وما فعله بالحسين عليهالسلام.
ومعلوماته مقتضبة
، وكل ما يتعلق بالحسين عليهالسلام هو ٣ صفحات من آخر الجزء الأول ، و ٦ صفحات من أول الجزء
الثاني.
(٣) ـ أنساب الأشراف
للبلاذري : (٠٠٠ ـ ٢٧٧ ه)
إن حظ الكتب
الضخمة لم يكن كبيرا في قديم الزمان ، وبخاصة قبل إنشاء المطابع. فيقال إن كتاب (أنساب
الأشراف) للبلاذري لم تكن توجد له نسخة كاملة في جميع العراق ـ محل تأليفه ـ في
القرن الخامس للهجرة ، حتّى عثر محمّد بن
أحمد البخاري [ت
٤٨٣ ه] على نسخة منه في عشرين مجلدا في مصر. أما في عصرنا هذا ، فلم نقف إلا على
نسخة في استانبول.
يبدأ الكتاب بذكر
نسب نوح عليهالسلام. ثم يتكلم عن العرب ، وينزل إلى عدنان الّذي هو رأس عمود
نسب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. ويظل ينزل إلى أجداد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واحدا واحدا ، ذاكرا ما يتصل بكل جدّ على حدة ، ذاكرا
أبناءه باختصار ، حتّى يصل إلى مولد الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم. ثم يتكلم عن السقيفة. وهو يهتم كثيرا بذكر الخوارج في عهد
كل ملك أموي.
والكتاب يختلف عن
كتب التاريخ ، فهو لا يسوق الحوادث على تسلسل الأعوام ولا يتتبع تسلسل الحكام ، بل
هو صاحب طريقة خاصة ، فهو يجمع بين التاريخ والتراجم والأدب وتشابك الأنساب.
وقد طبع أخيرا
طبعة في دمشق بإشراف محمود الفردوس العظم ؛ الجزء الأول (السيرة النبوية) ، والجزء
الثاني (علي وبنوه) ، والجزء الثالث (العباس وبنوه) ، والجزء الرابع (أبو سفيان
والعنابس : معاوية ويزيد وزياد) ...
(٤) ـ الأخبار الطوال
لأبي حنيفة الدينوري : (٠٠٠ ـ ٢٨٢ ه)
(تحقيق عبد المنعم
عامر ، طبع القاهرة عام ١٩٦٠.
كتاب في التاريخ ،
يبدأ من آدم ونوح عليهالسلام ، ثم ملوك الفرس والروم ، ثم الفتوحات الإسلامية ، وبيعة
الإمام عليّ عليهالسلام ووقعاته. ثم صلح الحسن عليهالسلام ووفاته. ثم أخبار وقعة كربلاء ، وتقع في ٣٥ صفحة من القطع
الكبير. وينتهي الكتاب بولاية المعتصم.
والذي أعجبني في
هذا الكتاب أن صيغته تقرب من الأسلوب القصصي اللطيف.
(٥) ـ تاريخ اليعقوبي
: (٠٠٠ ـ ٢٩٢ ه)
(طبع دار صادر في
بيروت عام ١٩٦٠) ، جزآن.
يبدأ الجزء الأول
من أول الخليقة إلى آخر أيام العرب. بينما يبدأ الجزء الثاني بمولد الهادي البشير
محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. وفي نصفه الثاني يتكلم عن استشهاد الإمام الحسين عليهالسلام في نحو ست صفحات فقط ، وهو تاريخ مختصر.
وينتهي الجزء
الثاني بأيام المعتمد على الله العباسي حفيد المتوكل سنة ٢٥٦ ه.
(٦) ـ تاريخ الأمم
والملوك لابن جرير الطبري : (٢٢٤ ـ ٣١٠ ه)
كتاب من أعاظم كتب
التاريخ وأقدمها وأضبطها ، مرتب حسب السنين. وهو يضم التاريخ القديم بشكل مسهب ،
ويحتوي فيما يحتوي على وقعة كربلاء ، وذلك في نهاية سنة ٦٠ ه وبداية سنة ٦١ ه.
وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات ، أولاها طبعة مشكّلة طبعت في مطبعة بريل في مدينة
ليدن بهولندا ، وهي أجود طبعة ظهرت. ثم طبع عدة طبعات في مصر نقلا عن طبعة ليدن.
وقد اعتمدنا في كتابنا على أول طبعة طبعت في مصر سنة ١٣٣٦ ه ، وتدعى (طبعة أولى
مصر) وهي التي اعتمد عليها السيد عبد الرزاق المقرّم في مقتله. ويقع مصرع الحسين عليهالسلام في هذه الطبعة لتاريخ الطبري في الجزء السادس من ص ١٨٨ ـ ٢٦٠
أي ما يقرب من ٧٢ صفحة.
كما اعتمدنا على
طبعة حديثة منه (تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ، طبع مصر عام ١٩٦٠). ويقع الكتاب
في هذه الطبعة في عشرة مجلدات.
يبدأ الجزء الأول
من بداية خلق العالم إلى وفاة المسيح عليهالسلام.
ويبدأ الجزء
الثاني من ملوك الفرس إلى وقعة ذي قار ، ثم ولادة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ونسب أجداده الكرام ، إلى هجرته وغزواته.
ويبدأ الجزء
الثالث بغزوة خيبر وفتح مكة وسرايا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. ثم خلافة أبي بكر وخلافة عمر بن الخطاب.
ويبدأ الجزء
الرابع بالفتوحات الإسلامية ، ثم خلافة عثمان بن عفان ، وخلافة الإمام عليّ عليهالسلام إلى حرب صفين.
ويضم الجزء الخامس
ما يتعلق بصلح الحسن عليهالسلام مع معاوية ، ثم أحداث موقعة كربلاء ، إلى هلاك يزيد.
وينتهي الجزء
العاشر والأخير سنة ٣٠٢ ه بخلافة المقتدر بالله العباسي ومبايعة عبد الله بن
المعتز.
يقول الشيخ محمّد
مهدي شمس الدين عن ميزات تاريخ الطبري :
«إنه يتيح للباحث
فرصة معرفة سند الرواية ، والتأكد من أنها رواية شاهد عيان ، كما يتيح للباحث فرصة
المقارنة والترجيح ، لما يغلب فيه من نقل عدة روايات للحادثة الواحدة».
وقد تكلمنا في أول
هذا الفصل بإسهاب عن الطبري وتاريخه ووثاقته وقيمته ، وعلاقته بأبي مخنف ،
فليراجع.
(٧) ـ كتاب الفتوح
لابن أعثم : (٠٠٠ ـ نحو ٣١٤ ه)
مؤلفه أحمد بن
أعثم ، مؤرّخ من أهل الكوفة. من كتبه (الفتوح) انتهى فيه إلى أيام الرشيد العباسي
، و (التاريخ) من أيام المأمون إلى أيام المقتدر ، وكأن الكتاب الثاني تتمة للكتاب
الأول. قال ياقوت الحموي : رأيت الكتابين.
وقد ترجم قسم من
كتاب الفتوح إلى الفارسية وسمي (فتوح أعثم) وطبع فيها. وترجمت نسخته الفارسية إلى
لغة الأوردو ، وسمي بها (تاريخ أعثم).
والموجود من ترجمة
(الفتوح) الفارسية المطبوع في بومباي سنة ١٣٠٥ ه ليس فيه إلا من بدء وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى رجوع أهل البيت من كربلاء إلى المدينة ، وهو الّذي
ترجم إلى لغة أوردو الباكستانية.
وقد طبع هذا
الكتاب في ٨ مجلدات في دار الندوة الجديدة ببيروت ، تحت اسم (طبعة بيضون) ، ثم طبع
طبعة جديدة في دار الأضواء ببيروت سنة ١٩٩١ م في ٨ أجزاء وجزء فهارس ، تحقيق عليّ
شيري.
(٨) ـ مروج الذهب
ومعادن الجوهر للمسعودي : (ت ٣٤٦ ه)
عني المستشرق (بارييه
دي مينا) بترجمة هذا الكتاب إلى الفرنسية عام ١٨٧٢ في تسعة أجزاء. كما ترجمه إلى
الإنكليزية المستشرق (سبرنجر).
طبع بالعربية عدة
مرات في جزأين. وطبع أخيرا في أربعة أجزاء بإشراف الأستاذ محمّد محي الدين عبد
الحميد ، طبع بيروت عام ١٩٨٢.
يبدأ الجزء الأول
بمبدأ الخليقة آدم عليهالسلام إلى فرعون.
ويبدأ الجزء
الثاني بذكر السودان والزنج والصقالبة ، ثم النبي إبراهيم عليهالسلام وأولاده ، ثم مكة ورحلة الشتاء والصيف ، ثم أخبار العرب
إلى ولادة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم خلافة الأربعة الراشيدين إلى آخر حياة الإمام عليّ عليهالسلام.
ويبدأ الجزء
الثالث بخلافة الإمام الحسن عليهالسلام ثم الحسين عليهالسلام. ويقع ما يخص معركة كربلاء في نحو عشرين صفحة. وينتهي هذا
الجزء بحكم هرون الرشيد. وينتهي الجزء الرابع بخلافة المطيع العباسي.
(٨) ـ التنبيه
والإشراف للمسعودي
طبع هذا الكتاب
أول مرة في ليدن بهولندا سنة ١٨٩٤ م ، وهو الجزء الثامن من المكتبة الجغرافية التي
عني بنشرها لا مستشرق (دي جوجي) ، وقد علّق عليها وذيّلها بملاحظات كثيرة. وهو
يذكر في مقدمته أن المستشرق (ساكي) كان قد علّق عليها قبل ذلك عام ١٨١٠ م.
وهذا الكتاب يحوي
في أوله لمعا من ذكر الأفلاك وهيئاتها وأقسام الأزمنة والأرض ومساحتها ، وذكر
الأمم السبع القديمة ولغاتها ومساكنها. ثم ملوك الفرس على طبقاتهم والروم وأخبارهم
، وجوامع تاريخ العالم والأنبياء. وسيرة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وغزواته ، وسير الخلفاء من بعده ، والعصر الأموي والعباسي
، حتّى وفاة المؤلف سنة ٣٤٦ ه في خلافة المطيع.
(٩) ـ مقاتل
الطالبيين لأبي الفرج الإصفهاني : (٢٨٤ ـ ٣٥٦ ه)
(تحقيق أحمد صقر ،
طبع القاهرة عام ١٩٤٩).
كتاب فريد من نوعه
، موضوعه ذكر أخبار من قتل من آل أبي طالب عليهالسلام أول قتيل من آل أبي طالب في الإسلام ، الّذي استشهد في
غزوة مؤتة ، ولقّبه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بجعفر الطيار. ثم بشهادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام. ثم بشهادة الحسن عليهالسلام الّذي مات بالسم. ثم بشهادة الحسين عليهالسلام ومقتله في كربلاء ومقتل آله الكرام. ويقع هذا المقتل في
نحو خمسين صفحة.
(١٠) ـ الإرشاد للشيخ
المفيد : (٣٣٨ ـ ٤١٣ ه)
الاسم الكامل للكتاب
هو : (الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد). وهو يتضمن تواريخ الأئمة الإثني عشر
الطّاهرين عليهالسلام والنصوص عليهم ومعجزاتهم ، وطرف من أخبارهم ، مع ولاداتهم
ووفياتهم ومدة أعمارهم ، وعدة من خواص أصحابهم وغير ذلك. ويقع ما يتعلق بنهضة
الحسين عليهالسلام في ٥٠ صفحة.
(١١) ـ مقتل الحسين عليهالسلام
للخوارزمي : (٤٨٤ ـ ٥٦٨ ه)
وهو كتاب خاص
بمقتل الحسين عليهالسلام ، يقع في جزأين.
يبتدىء الجزء
الأول بذكر مناقب أهل البيت عليهمالسلام ، ثم بمسير الحسين عليهالسلام إلى كربلاء. بينما يبتدىء الجزء الثاني ببدء القتال حتّى
المصرع الشريف ، ثم حوادث ما
بعد المصرع ثم
الأخذ بالثأر. وهو يعتبر من أغزر كتب المقاتل مادة ، وقد أخذت منه كثيرا من
الروايات. ويقع ما يتعلق بمصرع الحسين عليهالسلام من صفحة ١٧١ ـ ٢٥٤ نهاية الجزء الأول ، ومن ص ١ ـ ٨٢ من
أول الجزء الثاني ، أي ما يقرب من ١٦٥ صفحة.
يقول الشيخ محمد
السماوي في تقديمه للكتاب (صفحة ج) : فأما مقتل الحسينعليهالسلام للخوارزمي فهو المقتل القديم المفصل المروي بالإسناد
المعنعن ، عن الأفضل فالأفضل ، فلم يوجد بالأيدي مثله.
ويقول الشيخ محمّد
مهدي شمس الدين في كتابه (أنصار الحسين ، ط ٢ بيروت ص ٢٦) : والخوارزمي في مقتله
غالبا يروي روايات من تاريخ أبي محمد أحمد بن أعثم [ت ٣١٤ ه]. وأخباره تتسم
بالموضوعية واللغة الدقيقة غالبا ، كما أنها ذات محتوى عاطفي معتدل.
(١٢) ـ تاريخ مدينة
دمشق لابن عساكر : (٤٩٩ ـ ٥٧١)
ألّف الحافظ ابن
عساكر الدمشقي الشافعي موسوعة ضخمة في التاريخ سمّاها (تاريخ مدينة دمشق) ، ويقع
هذا التاريخ في ثمانين مجلدا مخطوطا ، لم يطبع منه حتّى الآن غير أجزاء معدودة.
وترجم الحافظ ابن
عساكر في تاريخه ترجمة مطولة ، واسعة وافية ، للإمام عليّ عليهالسلام والإمام الحسن عليهالسلام والإمام الحسين عليهالسلام وبقية الأئمة عليهمالسلام والإمام المهدي عليهالسلام ، رواها بطرق كثيرة ووجوه شتى ، وحفظ لنا مادة خصبة مما
رواه الأقدمون ، ولولاه لربما ضاع أكثرها ، فجزاه الله عن الإسلام وأهل بيت نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم خيرا.
وترجمة الحسين عليهالسلام تستغرق مجلدا من تاريخه الكبير ، فأفردها المحقق الشيخ
محمّد باقر المحمودي ، وحققها وخرّج أحاديثها وعلّق عليها تعاليق قيّمة ، وطبعها
في بيروت عام ١٣٩٨ ه في ٣٤٠ صفحة من القطع الكبير ، تحت عنوان «تاريخ ابن عساكر ـ
الجزء الخاص بالحسين عليهالسلام». وقد اعتمدنا على هذا الكتاب.
كما أفرد مجلدين
من تاريخ ابن عساكر للإمام عليّ عليهالسلام ، ومجلدا للإمام الحسين عليهالسلام ، ومجلدا للإمام المهدي عليهالسلام ، وكلها من القطع الكبير ، المحقق تحقيقا لائقا. جزاه الله
عن الإسلام وأهله خير الجزاء.
(١٣) ـ مناقب آل أبي
طالب لابن شهراشوب : (٤٨٨ ـ ٥٨٨ ه)
وهو من الكتب
القيمة جدا ، جمع فيه ابن شهراشوب كل الروايات المتعلقة بفضائل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل البيت عليهمالسلام. وقد ضمّ هذا الكتاب مقتل الحسين عليهالسلام بشكل مختصر ، لأن الكتاب لم يوضع في الأصل لهدف المصرع
بالذات. وتوجد للكتاب طبعتان ؛ إحداهما نجفية ، والأخرى مطبوعة في إيران. وقد
اعتمد السيد المقرّم على طبعة إيران ، بينما اعتمدت على طبعة النجف لعدم توفّر تلك
الطبعة في بلدنا. وقد أشرت على طبعة النجف في كل النصوص التي أخذتها منها. ويقع ما
يتعلق بمصرع الحسين عليهالسلام في طبعة النجف في الجزء الثالث ، من ص ٢٣٦ ـ ٢٦٠ ، أي
بحدود ٢٤ صفحة.
(١٤) ـ الكامل في
التاريخ لابن الأثير : (٥٥٥ ـ ٦٣٠ ه)
(طبع دار صادر في
بيروت عام ١٩٦٥).
كتاب هام في
التاريخ ، يقع في اثني عشر مجلدا ، مرتب حسب السنين.
يبدأ الجزء الأول
من خلق آدم إلى شيث إلى إدريس إلى نوح عليهمالسلام إلى إبراهيم ولوط إلى موسى عليهمالسلام وداود وسليمان عليهمالسلام ، إلى زكريا والمسيح عليهمالسلام. ثم ملوك الفرس إلى أنوشروان ، ثم موقعة ذي قار ، ثم أيام
العرب وحروبها.
ويبدأ الجزء
الثاني من أجداد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واحدا واحدا ، إلى ولادته صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعثته ثم هجرته وغزواته. ثم خلافة الخلفاء والفتوحات.
ويبدأ الجزء
الثالث بتتمة خلافة عمر بن الخطاب وخلافة عثمان وخلافة الإمام عليّ عليهالسلام وحروبه. ثم صلح الحسن عليهالسلام ، ثم أخذ البيعة ليزيد إلى نهاية سنة ٥٩ ه.
وتقع في أول الجزء
الرابع ولاية يزيد ، وكل ما يتعلق بنهضة الحسين عليهالسلام واستشهاده في كربلاء ، ثم وقعة الحرّة وضرب الكعبة. وفيه
نحو ٦٠ صفحة تتعلق بالحسين عليهالسلام.
وينتهي الجزء
الأخير سنة ٦٢٨ ه بملك التتر ووصولهم إلى بلاد الشام.
هذا وقد ألّف أبو
الفداء [ت ٧٣٢ ه] تاريخه (المختصر في أخبار البشر) ، اعتمادا على هذا التاريخ ،
فهو نسخة موجزة عن الكامل لابن الأثير.
(١٥) ـ مثير الأحزان
لابن نما الحلي : (٥٦٧ ـ ٦٤٥ ه)
وهو كتاب خاص
بمقتل الحسين عليهالسلام ، وقد رتّبه مؤلفه وفق ثلاثة مقاصد هي :
١ ـ الأحوال
السابقة على القتال.
٢ ـ وصف موقف
النزال وما يقرب من تلك الحال.
٣ ـ الأمور
اللاحقة لقتله عليهالسلام وشرح سبي ذريته وأهله عليهالسلام.
وهو مقتل مختصر لم
يورد إلا الحوادث البارزة. وقد اعتمدت على طبعة النجف سنة ١٩٥٠ م ، ويقع ما يخص
بحثنا في ٩٥ صفحة ، يليها كتاب (قرة العين في أخذ ثأر الحسين) برواية عبد الله بن
محمد.
(١٦) ـ مطالب السّؤول
في مناقب آل الرسول : (٥٨٢ ـ ٦٥٣ ه)
طبع هذا الكتاب
لأول مرة في طهران طبعة حجرية سنة ١٢٨٥ ه ، بأمر من فرهاد ميرزا معتمد الدولة
القاجاري ، وهي أصح طبعاته. ثم طبع طبعة حجرية في ذيل كتاب (تذكرة الخواص) سنة
١٢٨٧ ه. وستصدر له طبعة جديدة في بيروت ، من منشورات مؤسسة البلاغ. وقد قابله
المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي مع نسخة مخطوطة موجودة في مكتبة السيد المرعشي
النجفي العامة في قم.
مؤلفه كمال الدين
محمّد بن طلحة الشافعي الدمشقي ، العالم الرباني والباحث العرفاني.
يقول ابن طلحة في
سبب تأليف هذا الكتاب : وكنت في شبابي ألّفت كتابا باسم (زبدة المقال في فضائل
الآل) ثم وسّعته ، وألفت كتاب (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول). وتظهر فيه
محبته العميقة لأهل البيت عليهمالسلام. وبعد المقدمة الفريدة في معنى أهل البيت وما اختصوا به من
الإمامة ، يشرع في ذكر مناقبهم واحدا واحدا حتى الإمام الثاني عشر عليهالسلام. وهو كتاب ثمين من النوادر.
(١٧) ـ تذكرة الخواص
لسبط ابن الجوزي : (٥٨١ ـ ٦٥٤ ه)
طبع هذا الكتاب
على الحجر في إيران عام ١٢٨٥ ه. ثم طبع مع (مطالب السّؤول لابن طلحة الشافعي) في
إيران طبعة حجرية عام ١٢٨٧ ه كما أسلفنا. ويوجد من هذه الطبعة نسخة في مكتبة
الأسد العامرة. ثم طبع في النجف الأشرف على الحروف في المطبعة الحيدرية سنة ١٣٦٩ ه
، وأخرى فيها عام ١٣٨٣ ه.
وأعيد طبعه بالأوفست
في طهران. وطبع طبعة جيدة في بيروت (راجع مجلة تراثنا ـ العدد ٢ عام ١٤٠٦ ه).
مؤلفه العالم
الدمشقي الكبير سبط ابن الجوزي ، وهو سبط عالم دمشق الشهير عبد الرحمن ابن الجوزي.
وقد كان سبط ابن الجوزي مهتديا إلى محبة أهل البيت عليهمالسلام ، ولا أدلّ على ذلك من تأليفه لهذا الكتاب النفيس.
اسم الكتاب الكامل
(تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة الاثني عشر) لسبط ابن الجوزي ، فهو يعتبر
الأئمة الاثني عشر خواص الأمة ، وقد خصص هذا الكتاب لشرح حياة الأئمة عليهمالسلام وأبنائهم وأحفادهم من بني هاشم.
يستغرق النصف
الأول من الكتاب حياة الإمام علي عليهالسلام وفضائله. والنصف الثاني حياة أخيه جعفر الطيار عليهالسلام وأولاده ، ثم الإمام الحسن عليهالسلام. ويقع ما يخص الإمام الحسين عليهالسلام في ٥٠ صفحة. ثم يتحدث عن محمّد بن الحنفية. ثم عن حياة
السيدة خديجة وفاطمة الزهراء عليهمالسلام. ثم حياة بقية الأئمة الاثني عشر عليهمالسلام. وهو من محاسن الكتب.
(١٨) ـ اللهوف على
قتلى الطفوف لابن طاووس : (٥٨٩ ـ ٦٦٤ ه)
يقع الكتاب في ١٢٥
صفحة من القطع الصغير ، ويختص بمقتل الحسين عليهالسلام. وقد رتّبه مؤلفه على نمط كتاب أستاذه ابن نما ، وفق ثلاثة
مسالك هي :
١ ـ الأحوال
السابقة على القتال.
٢ ـ وصف حال
القتال وما يقرب من تلك الحال.
٣ ـ الأمور
اللاحقة لقتله عليهالسلام ومنها سبي ذريته وأهله عليهمالسلام.
وهو مقتل مختصر ،
يمتاز على مثير ابن نما ببعض الترتيب وبعض التعليقات.
ويقع ما يخص موضوع
بحثنا في ٨٨ صفحة. يليها (قصة المختار في أخذ الثار) برواية أبي مخنف.
(١٩) ـ بحار الأنوار
للعلامة المجلسي : (١٠٣٧ ـ ١١١١ ه)
اسم الكتاب الكامل
(بحار الأنوار ، الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار).
هو كتاب جامع
لعلوم آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم مأخوذة من الكتب المعتمدة والأصول المعتبرة. لم يكتب قبله
ولا بعده جامع مثله ، لاشتماله مع جمع الأخبار على
تحقيقات دقيقة
وبيانات وشروح جليلة ، غالبا لا توجد في غيره. وقد قضى العلامة المجلسي في تأليفه
أربعين سنة.
الطبعة الأولى منه
تمّت بمساعي الحاج محمّد حسن كمباني أمين دار الضرب بطهران ، ثم ولده الحاج حسين
آغا ، وهي طبعة حجرية تقع في ٢٥ مجلدا كبيرا.
يبدأ المجلد الأول
في العقل والعلم وإبطال القياس.
ثم يبدأ بأصول
الدين : مجلد في التوحيد ، ومجلد في العدل ، ومجلد في الاحتجاجات والمناظرات ،
ومجلد في النبوة ، ومجلد في الإمامة. ثم مجلد في الفتن بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم مجلد في حياة أمير المؤمنين عليهالسلام ، ومجلد في حياة فاطمة والحسينين عليهمالسلام ، ثم مجلد في حياة الأئمة الأربعة بعد الحسين عليهمالسلام ، ثم مجلد في باقي الأئمة عليهمالسلام ، ثم مجلد في الحجة المنتظر (عج). ثم مجلد في السماء
والعالم والفلكيات. ثم مجلد في الإيمان والكفر. ثم مجلد في العشرة وحقوق الوالدين
والأرحام والإخوان. ثم مجلد في الآداب والسنن والنواهي والكبائر. ثم مجلد في
المواعظ والحكم. ثم مجلد في الطهارة والصلاة والأدعية. ثم مجلد في القرآن وفضائله
وآداب تلاوته. ثم مجلد في الزكاة والصدقة والخمس والصوم. ثم مجلد في الحج والعمرة
والجهاد والأمر بالمعروف. ثم مجلد في الزيارات اسمه (مزار البحار). ثم مجلد في
العقود والإيقاعات. ثم مجلد في الأحكام الشرعية وينتهي بالديات. والمجلد الأخير في
الإجازات ، وبه تمام الكتاب.
ولهذا الكتاب عدا
عن الطبعة الحجرية السابقة عدة طبعات ، منها طبعة بالحروف ثانية طبع إيران ، وطبعة
بالحروف ثالثة طبع مؤسسة الوفاء في بيروت وهي التي اعتمدنا عليها. وتقع هذه الطبعة
الحديثة من هذا الكتاب الضخم في ١١٠ مجلدا. ويقع ما يتعلق بالإمام الحسين عليهالسلام في الجزأين ٤٤ و ٤٥ و ٤٦٠ صفحة. يضاف إليها ما ورد في
الجزء ٩٨ الخاص بزيارة الحسين عليهالسلام والمسمى بمزار البحار ، ويقع في ٣٧٦ صفحة.
وقد اعتمد المجلسي
في كتابه على عدة روايات للمقتل الشريف ، يقول : بدأت أولا في إيراد تلك القصص
الهائلة ، بإيراد رواية أوردها الشيخ الصدوق. ثم جمعت في إيراد تمام القصة بين
رواية الشيخ المفيد في (الإرشاد) ، ورواية السيد ابن
طاووس في (اللهوف)
، ورواية الشيخ جعفر بن نما في كتاب (مثير الأحزان) ، ورواية أبي الفرج الإصفهاني
في (مقاتل الطالبيين) ، ورواية السيد العالم محمّد بن أبي طالب بن أحمد الحسيني
الحائري من كتاب كبير جمعه في مقتل الحسين عليهالسلام ، ورواية صاحب كتاب (المناقب) الذي ألفه بعض القدماء من
الكتب المعتبرة وذكر أسانيده إليها (ومؤلفه إما من الإمامية أو من الزيدية) وعندي
منه نسخة قديمة مصححة ، ورواية المسعودي في (مروج الذهب) وهو من علمائنا الإمامية
، ورواية ابن شهراشوب في مناقبه ، ورواية صاحب (كشف الغمة) ... وغير ذلك. ثم نختم
الباب بإيراد الأخبار المتفرقة. انتهى.
فالعلامة المجلسي رحمهالله أثبت في بحاره أهم ما ورد في كتب الشيعة عن مقتل الحسينعليهالسلام.
وقد قام باختصار
وفهرسة كتاب (البحار) في مجلدين الشيخ عباس القمي ، تحت اسم (سفينة البحار) طبع
حجر إيران.
(٢٠) ـ أسرار الشهادة
للفاضل الدربندي : (٠٠٠ ـ ١٢٨٦ ه)
مؤلفه هو ملا آغا
بن عابد بن رمضان بن زاهد الشرواني ، الشهير بالفاضل الدربندي. توفي سنة ١٢٨٦ في
إيران.
وهذا الكتاب من
نوادر الكتب ، وقد طبع في إيران طبعة حجرية. وهو كتاب كبير جامع مانع ، يتميز
بتعليقاته القيّمة. ففي كل موضوع يعرض المؤلف الروايات ، ثم يناقشها ويعطي رأيه
فيها ، تحت عنوان (تذييل). ولم أجد مثله كتابا يهتم بتحقيق الأحداث ومقارنة
الروايات وتمحيصها ، ومحاولة اكتشاف التسلسل التاريخي بين الأحداث ، وهو أحد أهداف
موسوعتنا. وفي هذا الكتاب تأمل رقيق واستعمال للفكر دقيق.
والظاهر أن هناك
كتابا لأحد علماء السنة في مناقب أهل البيت عليهمالسلام اسمه (مفتاح النجاة في مناقب أهل الكساء) نقل عنه الدربندي
كثيرا.
وعن مصادر كتاب (أسرار
الشهادة) يقول الفاضل الدربندي :
اعتمدت في تأليف
هذا الكتاب على نوعين من الروايات :
١ ـ المراجع
للمحمدين الثلاثة : الكليني والصدوق والطوسي.
٢ ـ مصادر
المحدثين المتأخرين ، مثل : العلامة المجلسي والحر العاملي وصاحب العوالم.
وهو يعتمد على بعض
المصادر الإساسية كاللهوف والأمالي ومثير الأحزان لابن نما ، ويذكر أنه نقل عن
كتاب أبي مخنف الصغير والكبير.
ويبدو أن المؤلف
عالم رباني ، له كشوفات وشطحات نورية ، يرى خلالها ما لا يراه غيره.
(٢١) ـ الذريعة إلى
تصانيف الشيعة : (١٢٩٢ ـ ١٣٨٩ ه)
للعلامة المحقق
الشيخ آغا بزرك الطهراني.
موسوعة قيّمة في
ثمانية وعشرين مجلدا ، تقصّت النتاج الشيعي من الكتب ، المخطوط والمطبوع ، النادر
والمتوفر ، منذ بدء التاريخ الإسلامي وحتى القرن الأخير. كرّس المؤلف حياته كلها
لتأليفه ، وخصّه بستين عاما من عمره.
طبع الكتاب في
النجف الأشرف وفي إيران ، ثم أعيد طبعه بالأوفست في إيران وفي دار الأضواء ببيروت (راجع
مجلة تراثنا ، العدد ٣ عام ١٤٠٦ ه).
٥ ـ تلاحم مصادر الشيعة والسنة في
روايات مقتل
الإمام الحسين عليهالسلام

لقد وجدت بعد
التحقيق أن هناك علاقة كبيرة بين (أبي مخنف) و (الطبري) ، وكذلك بين (الخوارزمي) و
(ابن أعثم) ، وكذلك بين (محمد بن طلحة الشافعي) و (علي بن عيسى الإربلي).
فأما العلاقة بين
الطبري وأبي مخنف ، فهي أن أغلب روايات الطبري فيما يتعلق بمصرع الحسين عليهالسلام قد نقلها عن أبي مخنف ، كما أثبتنا في الفقرة التالية.
وأبو مخنف هو من أكابر رواة الشيعة في القرن الأول الهجري ، القرن الذي وقعت فيه
حادثة كربلاء. وتجد في ترجمة حياة أبي مخنف فيما بعد سعة علومه ووفرة مؤلفاته التي
فقدت جميعها.
وأما العلاقة بين
الخوارزمي وابن أعثم ، فهي أن أغلب نصوص الخوارزمي التي وردت في مقتله فيما يختص
بمقتل الحسين عليهالسلام مطابقة لما جاء في (كتاب الفتوح) لابن أعثم. وابن أعثم هو
من أقدم مؤرخي الشيعة المعتمد عليهم ، في حين إن الخوارزمي هو من أكابر علماء
السنة في القرن الخامس الهجري.
وأما العلاقة بين
كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي مؤلف كتاب (مطالب السّؤول) وبين معاصره عليّ بن
عيسى الإربلي صاحب (كشف الغمة) والذي جاء بعده ، فواضحة في اعتماد الإربلي كثيرا
على روايات كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي.
(انظر ترجمة حياة
المؤرخين الستة المذكورين بعد عدة صفحات).
نستنتج مما سبق
تلاحم روايات الشيعة وروايات السنة في هذا الخصوص ، مما يجعلنا نطمئن إلى صحة كل
هذه الروايات بالإجمال. لا سيما وأن ابن جرير الطبري والموفق بن أحمد الخوارزمي
ومحمد بن طلحة الشافعي هم من أفاضل الشخصيات عند أهل السنة ، وممن اشتهروا
بالموضوعية والاعتدال.
٦ ـ ترجمة أصحاب المصادر
(١) ـ ترجمة أبي مخنف
: (٠٠٠ ـ ١٥٧ ه)
هو لوط بن يحيى بن
سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي الغامدي ، شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم ، توفي
سنة ١٥٧ ه. يروي عن الإمام الصادق عليهالسلام ، ويروي عنه هشام الكلبي. وكان أبو مخنف من أعاظم مؤرخي
الشيعة ، ورغم اشتهار تشيّعه اعتمد عليه علماء السنة في النقل عنه ، كالطبري وابن
الأثير وغيرهما.
وقد ذكرنا أن لأبي
مخنف كتبا كثيرة في التاريخ والسير .
ومن أشهر كتبه «مقتل
الحسين عليهالسلام» الّذي نقل منه أعاظم العلماء المتقدمين واعتمدوا عليه ،
ولكنه للأسف قد فقد ، ولا توجد منه نسخة. وأما المقتل الّذي بأيدينا وينسب إليه ،
فليس له ، بل ولا لأحد من المؤرخين المعتمدين. ومن أراد تصديق ذلك فليقابل بين ما
في هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره يجد تباينا كبيرا.
وقد ترجم لأبي
مخنف ، كارل بروكلمان في كتابه (تاريخ الأدب العربي) ترجمة الدكتور عبد الحليم
النجار ، طبع دار المعارف بمصر ، قال بروكلمان :
(از) أبو مخنف لوط
بن يحيى الأزدي :
أول من صنّف في
أخبار الفتوح والخوارج وأيام العرب وأحاديث الخلفاء والولاة. وذكر صاحب الفهرست ٣٥
كتابا من مصنفاته. واشتهر في دولة بني العباس.
انظر : (إرشاد
الأريب) لياقوت الحموي ٦ : ٢٢٠ ـ ٢٢٢ [وجعل وفاته سنة ١٥٧ ه / ٧٧٤ م). تاريخ
اليعقوبي ٢ : ٤٨٦ (وجعله من العلماء في زمن المهدي العباسي [١٥٨ ـ ١٦٨ ه / ٧٧٥ ـ ٧٨٥
م]). فوات الوفيات ٢ : ١٤٠.
__________________
ونسب له كتاب «ذكر
مقتل سيدنا ومولانا الحسين بن عليّ عليهالسلام» أو : «المصرع الشين في قتل الحسين عليهالسلام» ، مخطوط في أمبروزيانا ، ص ٢٢٣ ؛ غوتنغن ١٨٢٨ ، ليدن ٢ ،
٩٠٩ ، بطرسبرغ رابع ٧٨ ، بطرسبرغ خامس ١٥١.
ونشره عبد الله بن
موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس الحسيني ، على أساس نسخة أمبروزيانا ، في بومباي
سنة ١٣١١ ه.
وينسب له أيضا
كتاب «أخبار المختار بن أبي عبيد» ، أو «أخذ الثار على يد السادة الأخيار ،
وإبراهيم الثقفي المختار» ، مخطوط في برلين ٩٠٣٩ ، غوتا ٢ ، ١٨٣٨ ، ليدن ٣ ، ٩٠٩.
وطبع أيضا في بومباي الهند سنة ١٣١١ ه.
وله : سيرة إمام
المتقين زيد بن علي عليهالسلام.
وله : كنز الأنساب
وأخبار النسّاب. انتهى كلام بروكلمان.
وفي كتاب (الفهرست)
لابن النديم ، يعدد طائفة من كتبه ، يقول : توفي أبو مخنف ، وله من الكتب :
كتاب الردة ، ـ كتاب
فتوح الشام ، ـ فتوح العراق ، ـ الجمل ، ـ صفين ، ـ أهل النهروان والخوارج ، ـ الغارات
، ـ الحريث بن راشد وبنو ناجية ، ـ مقتل عليّ عليهالسلام ، ـ مقتل حجر بن عدي ، ـ مقتل محمّد بن أبي بكر ، الأشتر
ومحمد ابن أبي حذيفة ، ـ الشورى ومقتل عثمان ، ـ المستورد بن علّفة ، ـ مقتل
الحسين عليهالسلام ، ـ وفاة معاوية وولاية ابنه يزيد ، ـ وقعة الحرة وحصار
ابن الزبير ، ـ المختار بن أبي عبيد ، ـ سليمان بن صرد وعين الوردة ، ـ مرج راهط
وبيعة مروان ومقتل الضحاك بن قيس ، ـ مصعب وولايته العراق ، ـ مقتل عبد الله بن
الزبير ، ـ مقتل سعيد بن العاص ، ـ حديث يا حميرا ، ومقتل ابن الأشعث ، ـ بلال
الخارجي ، ـ نجدة أبي قبيل ، ـ حديث الأزارقة ، ـ حديث روستقباذ ، ـ شبيب الخارجي
وصالح بن مسرح ، ـ مطرّف بن المغيرة ، ـ دير الجماجم وخلع عبد الرحمن بن الأشعث ،
ـ يزيد بن المهلب ومقتله بالعقر ، ـ خالد بن عبد الله القسري ويوسف ابن عمر ، وموت
هشام وولاية الوليد ، ـ يحيى ، ـ كتاب الضحاك الخارجي.
ثم يقول ابن
النديم : قرأت بخط أحمد بن الحارث الخزار ، قال العلماء : «أبو مخنف بأمر العراق
وأخبارها وفتوحها يزيد على غيره ، والمدائني بأمر خراسان والهند وفارس ، والواقدي
بالحجاز والسيرة. وقد اشتركوا في فتوح الشام».
(٢) ـ ترجمة ابن
قتيبة : (٢١٣ ـ ٢٧٦ ه)
هو عبد الله بن
مسلم بن قتيبة الدينوري (أبو محمّد) ، من أئمة الأدب والتاريخ والنحو وغيرها من
العلوم ، وهو من المصنفين المكثرين. ولد ببغداد سنة [٢١٣ ه / ٨٢٨ م] وسكن الكوفة
، ثم ولي قضاء الدينور مدة فنسب إليها. وتوفي ببغداد سنة [٢٧٦ ه / ٨٨٩ م].
ومن كتبه : تأويل
مختلف الحديث ـ أدب الكاتب ، ـ المعارف ، ـ وكتابي المعاني ، ـ عيون الأخبار ، ـ الشعر
والشعراء ، ـ الإمامة والسياسة (ويعرف بتاريخ الخلفاء) ، ـ كتاب الشربة ، ـ الرّد
على الشعوبية ، ـ فضل العرب على العجم ، ـ مشكل القرآن ، ـ الاشتقاق لغريب القرآن
، ـ المسائل والأجوبة ، وغير ذلك.
فهو من علماء
العرب الذين يشار إليهم بالبنان ، الذين أفادوا اللغة العربية وأهلها أيما إفادة.
رحمهالله وجزاه خير الجزاء ، على ما قدمت يداه من خير ، وما حوى
جنانه من علم ، إنه سميع الدعاء.
(٣) ترجمة البلاذري : (٠٠٠ ـ ٢٧٩ ه)
أبو الحسن ، أحمد
بن يحيى بن داود البغدادي الكاتب. سمع بدمشق وبأنطاكية وبالعراق على جماعة ، منهم
أبو عبيد القاسم بن سلام ، وعثمان بن أبي سيبة ، وعلي ابن المديني ، ومحمد بن سعد
كاتب الواقدي.
وكان أديبا راوية ،
له كتب جياد. ومدح المأمون بمدائح ، وجالس المتوكل. وتوفي أيام المعتمد في رجب سنة
٢٧٧ ه فجأة ببغداد ، ودفن بسرّ من رأى.
ومن مؤلفاته :
كتاب البلدان الصغير (فتوح البلدان) ، وكتاب البلدان الكبير ، ولم يتمّه. وكتاب
الأخبار والأنساب ، وهو عند ياقوت الحموي (جمل نسب الأشراف) يعني كتاب (أنساب
الأشراف). ويقصد في كتابه (بالأشراف) عليه القوم والنبلاء والعرب الخلّص ، وليس
أهل البيت عليهالسلام كما هو متعارف.
(٤) ترجمة أبي حنيفة
الدينوري : ٠٠٠ ـ ٢٩٢ ه)
أبو حنيفة ، أحمد
بن داود بن ونند الدينوري. مهندس مؤرخ نباتي ، من نوابغ الدهر.
قال أبو حيان
التوحيدي : جمع بين حكمة الفلاسفة وبيان العرب.
له تصانيف نافعة ،
منها : الأخبار الطوال ، ـ مختصر في التاريخ ، ـ الأنواء ، ـ النبات (وهو من أجلّ
كتبه) ، ـ تفسير القرآن (١٣ مجلدا) ، ـ ما تلحن فيه العامة ، ـ الشعر والشعراء ، ـ
الفصاحة ، ـ البحث في حساب الهند ، ـ الجبر والمقابلة ، ـ البلدان ، ـ إصلاح
المنطق.
وللمؤرخين ثناء
كبير عليه وعلى كتبه.
(٥) ـ ترجمة اليعقوبي
: (٠٠٠ ـ ٢٩٢ ه)
أبو يعقوب ، أحمد
بن إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح ، الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي.
مؤرّخ جغرافي كثير
الأسفار ، شيعي من أهل بغداد.
كان جده من موالي
المنصور العباسي. رحل إلى المغرب وأقام مدة في أرمينيا. ودخل الهند ، وزار الأقطار
العربية.
وصنف كتبا جيدة ،
منها (تاريخ اليعقوبي) انتهى به إلى خلافة المعتمد العباسي. وكتاب البلدان ، ـ وأخبار
الأمم السالفة ، ـ ورسالة مشاكلة الناس لزمانهم.
واختلف المؤرخون
في سنة وفاته ، فقال ياقوت الحموي : سنة ٢٨٤ ه ، ونقل غيره ٢٨٢ ه ، وقيل ٢٧٨ ه
أو بعدها. وترجّح رواية ٢٩٢ ه التي أوردها ناشر الطبعة الثانية من التاريخ ، إذ
وجد في كتاب (البلدان) أبياتا لليعقوبي نظمها سنة ٢٩٢ ه (راجع كتاب الأعلام
للزركلي).
(٦) ترجمة ابن جرير
الطبري : (٢٢٤ ـ ٣١٠ ه)
هو أبو جعفر ،
محمّد بن جرير بن يزيد الطبري ، المحدث الفقيه المؤرخ ، علامة وقته ووحيد زمانه ،
الذي جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره. صاحب المصنفات الكثيرة ،
منها : التفسير الكبير ، ـ والتاريخ الشهير ، ـ وكتاب طرق حديث الغدير المسمى ب (كتاب
الولاية) ، الذي قال فيه الذهبي : إني وقفت عليه فاندهشت لكثرة طرقه.
وعن أبي محمد
الفرغاني أن قوما من تلامذة محمد بن جرير الطبري حسبوا له منذ بلغ الحلم حتى مات ،
ثم قسّموا على تلك المدة أوراق مصنفاته ، فصار لكل يوم أربع عشرة ورقة.
وقال ابن خلكان عن
الطبري : إنه كان ثقة في نقله ، وتاريخه أصح التواريخ وأثبتها. كانت ولادته بآمل
طبرستان سنة ٢٢٤ ه ، وتوفي سنة ٣١٠ ه في بغداد ، وعمره ٨٦ سنة.
(٧) ترجمة ابن أعثم
الكوفي : (٠٠٠ ـ ٣١٤)
أبو محمد ، أحمد
بن علي بن أعثم ، وفي بعض المصادر حرّف الاسم إلى محمّد بن عليّ.
جاء في دائرة
المعارف الإسلامية أنه محمّد بن علي ، والصواب أنه (أبو محمّد) أحمد بن علي
المعروف بأعثم. وما في دائرة المعارف تصحيف ، فجعل محمد مكان (أبي محمد) وأسقط
أحمد. واسم أبيه عليّ ، وأعثم لقبه.
ثم جاء في دائرة
المعارف : أنه ألف تاريخا قصصيا عن الخلفاء الأول وغزواتهم متأثرا بمذهب الشيعة.
ونقل هذا الكتاب إلى اللغة الفارسية محمد بن محمد المستوفي الهروي ، وطبع طبعة
حجرية في بومباي سنة ١٣٠٠ ه (أقول) : والذي يؤكد تشيّعه أمور :
١ ـ أنه كان كوفيا
، وأغلب أهل الكوفة يتشيعون لعلي عليهالسلام.
٢ ـ اهتمامه بفترة
حكم الإمام عليّ عليهالسلام وما جرى على أهل البيت عليهمالسلام في كربلاء ، فتناولها في كتاب (الفتوح) بالتفصيل.
٣ ـ عدم اهتمام
المؤرخين بكتابه (الفتوح) وعدم ذكره في كتب التراجم والأعلام. ففي كتاب (تاريخ
التراث العربي) لفؤاد سزكين ، المجلد ١ ج ١ (التدوين التاريخي) ص ٣٢٩ يقول : «محمد
بن علي بن أعثم الكوفي ، لم تبحث حياته أو مؤلفاته بحثا دقيقا. توفي على وجه
التقريب سنة ٣١٤ ه». فهناك تغطية مقصودة على هذا المؤرخ القديم المعاصر للطبري ،
وعلى كل مؤلفاته ، ولا نرى أي سبب لذلك سوى أنه شيعي.
٤ ـ وصفوه بأنه
ضعيف الحديث. فقد قال ياقوت الحموي المشهور بالتعصب على الشيعة ، في (معجم الأدباء)
ج ٢ :
«أحمد بن أعثم
الكوفي أبو محمّد ، الإخباري المؤرخ. كان شيعيا ، وهو عند أصحاب الحديث ضعيف ، وله
كتاب (الفتوح) معروف ، ذكر فيه إلى أيام الرشيد.
وله كتاب (التاريخ)
إلى أيام المقتدر ، ابتدأه بأيام المأمون ، ويوشك أن يكون ذيلا على الأول. رأيت
الكتابين».
ومن الغريب قول
صاحب (مجالس المؤمنين) أنه كان شافعي المذهب. قال ما تعريبه: «في تاريخ أحمد بن
أعثم الكوفي ، الّذي كان شافعي المذهب ، ومن ثقات المتقدمين من أرباب السير». ثم
حكى خبر محاصرة عثمان. فانظر كيف أن العامة حين عدّوه شيعيا ضعّفوه ، وحين عدّوه
شافعيا وثّقوه ، ونعم الحكم الله.
(٨) ترجمة المسعودي :
أبو الحسن ، عليّ
بن الحسن بن علي المسعودي ، من ذرية عبد الله بن مسعود. مؤرخ رحالة بحاثة ، من أهل
بغداد. أقام بمصر وتوفي فيها.
قال الذهبي : وكان
معتزليا. والصحيح أنه شيعي.
من تصانيفه : مروج
الذهب ـ أخبار الزمان ومن أباده الحدثان (كتاب تاريخ يقع في نحو ثلاثين مجلدا) ـ التنبيه
والإشراف ، ـ أخبار الخوارج ، ـ ذخائر العلوم وما كان في سالف الأعصار ، ـ أخبار
الأمم من العرب والعجم ، ـ خزائن الملوك وسر العالمين ، ـ المقالات في أصول
الديانات ، ـ البيان (في أسماء الأئمة) ، ـ المسائل والعلل في المذاهب والملل ، ـ الاستبصار
(في الإمامة) ، ـ إثبات الوصية ، ـ السياحة المدنية (في السياسة والاجتماع) ...
وغير ذلك.
وهو غير (المسعودي)
الفقيه الشافعي ، وغير شارح المقامات الحريرية.
(٩) ترجمة أبي الفرج
الإصفهاني : (٢٨٤ ـ ٣٥٦ ه)
هو عليّ بن الحسين
بن محمّد الإصبهاني ، ونسبه ينتهي إلى بني أمية ، فهو أموي ، وهو من ولد محمّد بن
مروان بن الحكم.
ولد بإصبهان سنة
٢٨٤ ه ، وتوفي سنة ٣٥٦ ه وعمره ٧٢ عاما. وذكر أنه خولط في عقله قبل أن يموت ،
وأصابة الفالج.
قضى أغلب عمره في
بغداد ، أم البلاد وقرارة العلم والعلماء ، ومثابة الأدب والأدباء. ألّف كتاب (الأغاني)
ولما يبلغ الثلاثين من عمره ، ثم ألّف (مقاتل الطالبيين).
يقول عنه القاضي
التنوخي : من الرواة المتسعين الذين شاهدناهم ، أبو الفرج
الإصبهاني ، فإنه
كان يحفظ الشعر والأغاني والأخبار والآثار والحديث المسند والنسب ، ما لم أر قط من
يحفظ مثله.
من مؤلفاته :
الأغاني الكبير ، ـ مجرد الأغاني ، ـ التعديل والانتصاف في أخبار القبائل وأنسابها
، ـ مقاتل الطالبيين ، ـ الأخبار والنوادر ، ـ كتاب جمهرة النسب ، ـ كتاب المماليك
الشعراء.
مذهبه :
في كتاب (مقاتل
الطالبيين) ظهر ميل أبي الفرج إلى التشيع. وفي كتاب (أنساب بني عبد شمس وبني شيبان
والمهالبة وبني تغلب) ظهر ميله إلى العرب. ولا شك في أن التصانيف التي كان يرسلها
إلى المسؤولين على بلاد المغرب من بني أمية كانت تشتمل على روح أموية.
ففي كتاب (الأغاني)
يروي عن عبيد الله بن زياد أخبارا تصور عقله الراجح ورفقه بالرعية ، وتفصح عن
فضائل أبيه زياد! .. كما يشيد بأخلاق بني أمية!. وخصص بعد التعميم ، فأشار إلى فضل
يزيد بن معاوية (انظر ج ٧ ص ١٨).
وروى أخبارا تتصل
بمحاسن هشام بن عبد الملك. إضافة إلى افترائه على السيدة المصونة سكينة بنت الحسين
عليهاالسلام!.
يقول الدكتور عليّ
الشلق في كتابه (الحسين إمام الشاهدين) ص ١٠٠ :
«وكم لأبي الفرج
من أحدوثات ، قيمتها أنها إطار لما يروي من شعر ، بينما هي في أبعد الأبعاد عن
واقع الحقيقة والتاريخ ، وما أظنها إلا من تلافيق العصر العباسي ، لتبيان فضل فلان
والغمز من قيمة فلان».
وقد نصّ على
تشيّعه بعض مترجميه ، منهم معاصره القاضي التنوخي ، فقال : إنه من المتشيعين الذين
شاهدناهم. وقال ابن شاكر في (عيون التواريخ) : إنه كان ظاهر التشيع. ونصّ على
تشيّعه الحر العاملي في (أمل الآمل) ، والخونساري في (روضات الجنات). وذكر ذلك ابن
الأثير في تاريخه (الكامل).
وذكر العلامة
الحلي أنه شيعي زيدي. والله أعلم.
(المصدر : كتاب «مقتل
الحسن والحسين ٤» لأبي الفرج الإصبهاني ، تحقيق السيد مصطفى مرتضى القزويني).
(١٠) ترجمة الشيخ
المفيد : (٣٣٨ ـ ٤١٣ ه)
أبو عبد الله ،
محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام العكبري الحارثي البغدادي الكرخي ،
المعروف بالشيخ المفيد ، وبابن المعلّم. فقيه أصولي متكلم محقق من شيوخ الإمامية.
انتهت إليه رئاسة الشيعة في وقته ، كثير التصانيف في الأصول والكلام والفقه.
ولد في ١١ ذي
القعدة سنة ٣٣٦ ه في (عكبرا) من أعمال الدجيل شمال بغداد ، وقرأ عليه الشريف
الرضي والمرتضى وغيرهما. وناظر كثيرا من أرباب العقائد ، وكان له نفوذ في الدولة
البويهية. نشأ وتوفي في بغداد في شهر رمضان سنة ٤١٣ ه.
وله نحو مائتا
مصنف كبار وصغار (انظر هدية العارفين) ، منها :
الإعلام فيما
اتفقت الإمامية عليه من الأحكام ، ـ الإرشاد (في تاريخ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والزهراء عليهاالسلام والأئمة) ، ـ الرسالة المقنعة (في الفقه) ، ـ الأمالي (مرتب
على مجالس) ، ـ إيمان أبي طالب ، ـ أصول الفقه ، ـ الكلام في وجوه إعجاز القرآن ،
ـ تاريخ الشريعة ، ـ الإفصاح (في الإمامة) ، ـ الفصول من العيون والمحاسن ، ـ النصرة
لسيد العترة في أحكام البغاة عليه بالبصرة ، ـ كتاب النقض ، على ابن قتيبة.
(١١) ترجمة الخوارزمي
: (٤٨٤ ـ ٥٦٨ ه)
أبو المؤيد ،
الملقب بصدر الأئمة ، وبأخطب خوارزم ، الموفق محمّد بن أحمد المؤيد ابن أبي سعيد
اسحق المؤيد المكي الخوارزمي الحنفي. فقيه محدّث ، خطيب شاعر.
ولد بمكة سنة ٤٨٤
ه وقرأ على أبيه وغيره. وطاف في طلب الحديث في بلاد فارس والعراق والحجاز ومصر
والشام. وتولى الخطابة بجامع خوارزم ، وتتلمذ على يد الزمخشري في العربية ، وتضلّع
فيها فكان يقال له : خليفة الزمخشري.
وللموفق من
المصنفات : كتاب الأربعين ، في أحوال سيد المرسلين ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، ـ مناقب أبي حنيفة (جزآن) ، ـ مقتل الحسين عليهالسلام (جزآن) ، ـ مسانيد
على البخاري ... وغيره.
وله شعر كثير في
أهل البيت عليهمالسلام وغيرهم ، منه قوله في مدح أمير المؤمنين عليهالسلام :
لقد تجمّع في
الهادي أبي حسن
|
|
ما قد تفرّق في
الأصحاب من حسن
|
ولم يكن في جميع
الناس من حسن
|
|
ما كان في
المرتضى الهادي أبي الحسن
|
هل سابق مثله في
السابقين فقد
|
|
جلّى إماما وما
صلّى إلى وثن
|
توفي رحمهالله في (خوارزم) سنة ٥٦٨ ه. وخوارزم اسم لناحية في تركستان
الروسية شمال بحر قزوين ، وهو مركّب من (خوار) بمعنى اللحم باللغة الخوارزمية ، و
(رزم) بمعنى الحطب ، لشيّهم اللحم على الحطب.
(١٢) ترجمة ابن عساكر
:
أبو القاسم ، عليّ
بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين ، ثقة الدين ابن عساكر الدمشقي
الشافعي. محدث حافظ ، فقيه مؤرخ. كان محدث الديار الشامية.
ولد بدمشق سنة ٤٩٩
، وتوفي فيها سنة ٥٧١ ه ، ودفن في الباب الصغير.
ورحل إلى العراق
ومكة والمدينة والكوفة وإصفهان ومرو ونيسابور وهراة وسرخس وأيبورد وطوس والري
وزنجان ، وغيرها من البلدان. وحدّث ببغداد ومكة ونيسابور واصفهان.
له (تاريخ مدينة
دمشق الكبير) المعروف بتاريخ ابن عساكر ، مخطوط في ثمانين مجلدا. وقد اختصر هذا
التاريخ الكبير الشيخ عبد القادر بدران ، بحذف الأسانيد والمكررات ، وسمّى المختصر
(تهذيب تاريخ ابن عساكر) ، طبع من التهذيب سبعة أجزاء فقط. ولم يطبع من التاريخ
الأصلي غير جزء ونصف.
وله كتب كثيرة
أخرى مثل : الإشراف على معرفة الأطراف (في الحديث ، ٣ مجلدات) ، ـ تاريخ المزة ، ـ
معجم الصحابة ، ـ معجم النسوان ، ـ معجم الشيوخ والنبلاء.
(١٣) ترجمة ابن
شهراشوب : (٤٨٨ ـ ٥٨٨ ه)
رشيد الدين أبو
جعفر ، محمّد بن علي بن شهراشوب السروي المازندراني ، فخر الشيعة ومروّج الشريعة ،
محيي آثار المناقب والفضائل ، والبحر المتلاطم الزخّار الذي لا يساجل. شيخ مشايخ
الإمامية ، صاحب كتاب المناقب والمعالم وغيرهما. وكفى في فضله إذعان فحول أعلام
أهل السنة بجلالة قدره وعلو مقامه. حفظ أكثر القرآن وعمره ثماني سنين ، ووعظ على
المنبر أيام المقتفي ببغداد فأعجبه وخلع عليه. توفي سنة ٥٨٨ ه عن عمر يقارب المئة
عام. وقبره خارج حلب على جبل
الجوشن ، عند مشهد
السقط. وكان إمام عصره ووحيد دهره ، أحسن الجمع والتأليف.
من كتبه : الفصول
في النحو ، ـ أسباب نزول القرآن ، ـ تأويل متشابهات القرآن ، ـ مناقب آل أبي طالب عليهالسلام في إثبات ولاية
الأئمة الكرام من طريق الخاص والعام. وغلب عليه علم القرآن والحديث ، وهو عند
الشيعة كالخطيب البغدادي عند السنة.
(١٤) ترجمة ابن
الأثير : (٥٥٥ ـ ٦٣٠ ه)
أبو الحسن ، عليّ
بن محمّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري ، عز الدين ابن الأثير.
المؤرخ الإمام ، من العلماء بالنسب والأدب.
ولد في جزيرة ابن
عمر سنة ٥٥٥ ه ، ثم سكن الموصل. وتجول في البلدان ، وعاد إلى الموصل ، فكان منزله
فيها مجمع الفضلاء والأدباء ، وتوفي بها عام ٦٣٠ ه.
من تصانيفه (الكامل
في التاريخ) اثنا عشر مجلدا ، مرتّب على السنين ، بلغ فيه حتى سنة ٦٢٩ ه. وأكثر
من جاء بعده من المؤرخين عيال على كتابه هذا. و (أسد الغابة في معرفة الصحابة)
خمسة مجلدات كبيرة ، مرتب على حروف الهجاء و (الجامع الكبير) في البلاغة وعلم
البيان ، و (تاريخ الموصل) لم يتمّه ، و (اللباب في تهذيب الأنساب) اختصر به أنساب
السمعاني وزاد عليه.
(١٥) ترجمة ابن نما
الحلي : (٥٦٧ ـ ٦٤٥ ه)
نجيب الدين أبو
إبراهيم ، محمّد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون الحلي.
شيخ الفقهاء في عصره. أحد مشايخ المحقق الحلي والسيد أحمد ورضي الدين بن طاووس.
ولد بالحلة سنة ٥٦٧ ه ، وتوفي بالنجف الأشرف سنة ٦٤٥ ه ، وعمره ٧٨ عاما.
(١٦) ترجمة محمد بن
طلحة الشافعي : (٥٨٢ ـ ٦٥٣ ه)
كمال الدين أبو
سالم ، محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي النصيبي العدوي الشافعي.
وزير من الأدباء
الكتّاب ، محدّث فقيه أصولي ، عارف بعلم الحروف والأوفاق.
ولد بالعمرية (من
قرى نصيبين) ورحل إلى نيسابور. ولي القضاء بنصيبين ، ثم الخطابة بدمشق. وترسّل عن
الملوك وساد وتقدم. وحدّث ببلاد كثيرة ، وقلّد الوزارة فاعتذر وتنصّل ، فلم يقبل
منه ، فتولاها يومين ، ثم انسلّ خفية وترك الأموال وذهب. ثم حجّ وأقام بدمشق قليلا
، ثم سار إلى حلب ، فتوفي بها في رجب سنة ٦٥٣ ه.
ومن آثاره : العقد
الفريد للملك السعيد ، ـ مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ـ الدر المنظّم في السر الأعظم ، ـ الجفر الجامع والنور
اللامع ، ـ مفتاح الفلاح في اعتقاد أهل الصلاح (تصوف) ، ـ نفائس العناصر لمجالس
الملك الناصر.
(١٧) ترجمة سبط ابن
الجوزي : (٥٨١ ـ ٦٥٤ ه)
شمس الدين أبو
المظفر ، يوسف بن قز أوغلي (أي سبط) ابن عبد الله ، سبط أبي الفرج عبد الرحمن ابن
الجوزي. محدث ومؤرخ ، وكاتب وواعظ مشهور ، حنفي المذهب. وله صيت وسمعة في مجالس
وعظه ، وقبول عند الملوك وغيرهم.
ولد ونشأ ببغداد
سنة ٥٨١ ه ، ورباه جده. ثم انتقل إلى دمشق ، فاستوطنها وتوفي فيها.
من كتبه : مرآة
الزمان في تاريخ الأعيان (وهو تاريخ كبير يقع في أربعين مجلدا) ، ـ تذكرة خواص
الأمة بذكر خصائص الأئمة الأثني عشر ، ـ الجليس الصالح (في أخبار موسى بن أبي بكر
بن أيوب صاحب دمشق) ، ـ كنز الملوك في كيفية السلوك (حكايات ومواعظ) ، ـ مقتضى
السياسة في شرح نكت الحماسة ، ـ منتهى السؤول في سيرة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ـ الانتصار والترجيح ، ـ اللوامع (في الحديث) ، ـ كتاب
في تفسير القرآن (٢٩ مجلدا) ، ـ مناقب أبي حنيفة ، ـ شرح الجامع الكبير (في الحديث)
، ـ إيثار الإنصاف في آثار الخلاف (وهو في الفقه على المذاهب الأربعة ، موجود في
خزانة عابدين بدمشق).
وذكره الذهبي في (ميزان
الإعتدال) ، وبعد ثنائه عليه عدّه في الضعفاء ، وذلك لأنه ألّف كتابا في أهل بيت
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال عنه : «ثم ترفّض ، وله مؤلف في ذلك ، نسأل الله
العافية».
وترجم له ابن رافع
السلامي في (تاريخ علماء بغداد) وقال في ص ٢٣٨ :
«ورأيت في النورية
بدمشق أربعة أجزاء حديثة ضخمة في مناقب عليّ بن أبي طالب عليهالسلام من تأليفه ... ورأيت كتابا في فضائل أهل البيت عليهمالسلام يعرف (برياض الأفهام) ولا ندري إن كان هذا الكتاب هو (تذكرة
الخواص) أو كتاب آخر.
توفي بدمشق في ٢١
ذي الحجة سنة ٦٥٤ ه ، ودفن بجبل قاسيون.
(١٨) ترجمة ابن طاووس
: (٥٨٩ ـ ٦٦٤ ه)
وهو رضي الدين أبو
القاسم ، عليّ بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني ، السيد الأجل الأورع الأزهد ،
قدوة العارفين ، صاحب الكرامات المشهورة. وكان من أعبد أهل زمانه.
من كتبه : الأمان
من أخطار الأسفار والأزمان ، وهو أربعة عشر بابا في آداب السفر.
وجاء في آخر (اللهوف)
في ترجمة حياته : أجمع أصحاب كتب التراجم والرجال على فضله وورعه.
وقيل : إنه تتلمذ
على محمد بن نما الحلي (صاحب مثير الأحزان) وتلامذته كثيرون ، وقد تولى نقابة
الطالبيين في بغداد على زمن هولاكو التتري.
ولد في شهر المحرم
سنة ٥٨٩ ه وتوفي رحمهالله يوم الاثنين الخامس من ذي القعدة سنة ٦٦٤ ه ، وعمره ٧٥
عاما.
(١٩) ترجمة العلامة
المجلسي : (١٠٣٧ ـ ١١١١ ه)
محمّد باقر بن
محمّد تقي بن مقصود علي الإصفهاني. علامة إمامي ، ولي مشيخة الإسلام في إصفهان.
له كتاب (بحار
الأنوار) ١١٠ مجلدا في مباحث مختلفة. ومن كتبه : العقل والعلم والجل ، ـ كتاب
التوحيد ، ـ مرآة العقول ، ـ جوامع العلوم ، ـ السيرة النبوية ، ـ الإمامة ، ـ الفتن
والمحن ، ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ـ تاريخ فاطمة والحسنين عليهمالسلام ، ـ وعدة تواريخ للأئمة ، ـ الأحكام ، ـ السماء والعالم (كبير
جدا).
(٢٠) ترجمة الفاضل
الدربندي : (٠٠٠ ـ ١٢٨٦ ه)
آغا بن عابد بن
رمضان بن زاهد الشيرواني الحائري الدربندي. فقيه إمامي.
ولد ونشأ في (دربند)
بإيران ، وأقام مدة في كربلاء ، ثم استقر في طهران إلى أن مات.
من كتبه : خزائن
الأحكام (مجلدان في الأصول وفقه الإمامية) ، ـ دراية الحديث والرجال ، ـ قواميس
الصناعة (في الأخبار والتراجم) ، ـ جوهر الصناعة (في الاصطرلاب) ، ـ إكسير
العبادات.
(٢١) ترجمة آغا بزرك
الطهراني : (١٢٩٢ ـ ١٣٨٩ ه)
أبو محمد ، محسن
بن عليّ بن محمّد رضا الطهراني. عالم بتراجم المصنفين ، مع كثير من التحقيق
والتحري.
وهو من أهل طهران
، ولد بها وانتقل إلى العراق سنة ١٣١٣ ه ، فتفقّه في النجف ، وأجيز بالاجتهاد قبل
سن الأربعين. وقد أصبح شيخ محدثي الشيعة على الإطلاق.
من كتبه المطبوعة
: الذريعة إلى تصانيف الشيعة (٢٨ مجلدا) ، ـ طبقات أعلام الشيعة ، وهو ١١ كتابا في
التراجم ، في وفيات المئة الرابعة الهجرية فما يليها إلى الآن ، وقد أفرد كل كتاب
منه بقرن وباسم.
٧ ـ فهرس عام للمصادر التاريخية التي اعتمدنا عليها
[مع ذكر الاسم الكامل
للمؤلف وسنة الولادة والوفاة ]
(مرتّبة وفق التسلسل
الزمني لتاريخ الوفاة).
|
ولادة وفاة
|
ـ مقتل الحسين لأبي مخنف
وهو لوط بن يحيى
بن سعيد بن مخنف الأزدي
|
٠٠٠ ـ ١٥٧ ه
٠٠٠ ـ ٧٧٤ م
|
ـ الطبقات الكبرى لابن سعد
وهو أبو عبد
الله محمد بن سعد بن منيع البصري
|
١٦٨ ـ ٢٣٠ ه
٧٨٥ ـ ٨٤٥ م
|
ـ الإمامة والسياسة ـ المعارف لابن قتيبة
وهو أبو محمد ،
عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري
|
٢١٣ ـ ٢٧٦ ه
٨٢٨ ـ ٨٨٩ م
|
ـ أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٢
وهو أحمد بن
يحيى بن جابر بن داود البلاذري
|
٠٠٠ ـ ٢٧٩ ه
٠٠٠ ـ ٨٩٥ م
|
ـ الأخبار الطوال للدينوري (ط القاهرة)
وهو أبو حنيفة ،
أحمد بن داود بن ونند الدينوري
|
٠٠٠ ـ ٢٨٢ ه
٠٠٠ ـ ٨٩٥ م
|
ـ تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ (طبع بيروت)
وهو أحمد بن
اسحق بن جعفر بن وهب بن واضح
|
٠٠٠ ـ ٢٩٢ ه
٠٠٠ ـ ٩٠٥ م
|
ـ تاريخ الطبري ، ج ٦ (طبعة أولى مصر)
وهو محمّد بن
جرير بن يزيد الطبري
|
٢٢٤ ـ ٣١٠ ه
٨٣٩ ـ ٩٢٣ م
|
ـ كتاب الفتوح لابن أعثم ، ج ٥
وهو أبو محمد ،
أحمد بن عليّ بن أعثم الكوفي
|
٠٠٠ ـ ٣١٤ ه
٠٠٠ ـ ٩٢٦ م
|
__________________
|
ولادة وفاة
|
ـ العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤
وهو أحمد بن
محمّد بن عبد ربه الأندلسي
|
٢٤٦ ـ ٣٢٨ ه
٨٦٠ ـ ٩٤٠ م
|
ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر ، ج ٣
ـ التنبيه
والاشراف للمسعودي
وهو أبو الحسن ،
عليّ بن الحسين بن عليّ المسعودي
|
٠٠٠ ـ ٣٤٦ ه
٠٠٠ ـ ٩٥٧ م
|
ـ مقاتل الطالبيين (ط ٢ نجف)
ـ الأغاني لأبي
الفرج الإصفهاني ، ج ١٦ و ١٧
وهو عليّ بن
الحسين بن محمّد بن أحمد المرواني
|
٢٨٤ ـ ٣٥٦ ه
٨٩٧ ـ ٩٦٧ م
|
ـ كامل الزيارات لابن قولويه القمي
وهو جعفر بن
محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه القمي
|
٠٠٠ ـ ٣٦٨ ه
٠٠٠ ـ ٩٧٩ م
|
ـ علل الشرائع ـ عقاب الأعمال
ـ الأمالي للشيخ
الصدوق
وهو محمد بن
عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
|
٣٠٥ ـ ٣٨١ ه
٩١٨ ـ ٩٩١ م
|
ـ الإرشاد للشيخ المفيد (ط نجف)
وهو محم بن محمد
بن النعمان بن عبد السلام العكبري
|
٣٣٨ ـ ٤١٣ ه
٩٥٠ ـ ١٠٢٢ م
|
ـ تجارب الأمم لمسكويه ، ج ٢ (ط إيران)
وهو أبو علي ،
أحمد بن محمّد بن يعقوب الرازي
|
٣٢٠ ـ ٤٢١ ه
٩٣٢ ـ ١٠٣٠ م
|
ـ التعجب من أغلاط العامة في مسألة الإمامة
للكراجكي
(طبع حجر في قم)
وهو أبو الفتح ،
محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكي (ملحق بكنز الفوائد)
|
٠٠٠ ـ ٤٤٩ ه
٠٠٠ ـ ١٠٥٧ م
|
ـ مصباح المتهجّد ـ الأمالي للشيخ الطوسي
وهو أبو جعفر ،
محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي
|
٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه
٩٩٥ ـ ١٠٦٧ م
|
|
ولادة وفاة
|
ـ الإستيعاب لابن عبد البرّ
وهو يوسف بن عبد
الله بن محمّد بن عبد البر النمري
(في هامش
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر) ج ١
|
٣٦٣ ـ ٤٦٣ ه
٩٧٣ ـ ١٠٧٠ م
|
ـ إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي وهو أبو
علي ، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي
|
٤٧٢ ـ ٥٤٨ ه
١٠٧٩ ـ ١١٥٣ م
|
ـ مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ وج ٢ (ط نجف)
وهو الموفق
محمّد بن أحمد المكي ، أخطب خوارزم
|
٤٨٤ ـ ٥٦٨ ه
١٠٩١ ـ ١١٧٢ م
|
ـ تاريخ ابن عساكر [الجزء الخاص بالحسين (ع)]
وهو أبو القاسم
، عليّ بن الحسن بن هبة الله الدمشقي
|
٤٩٩ ـ ٥٧١ ه
١١٠٥ ـ ١١٧٦ م
|
ـ الخرايج والجرايح للقطب الراوندي (ط الهند)
وهو قطب الدين ،
سعيد بن هبة الله بن الحسن
|
٠٠٠ ـ ٥٧٣ ه
٠٠٠ ـ ١١٨٧ م
|
ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ج ٣ (ط نجف)
وهو محمّد بن
عليّ بن شهراشوب
|
٤٨٨ ـ ٥٨٨ ه
١٠٩٥ ـ ١١٩٢ م
|
ـ الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ (ط نجف)
وهو عليّ بن
محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الجزري
|
٤٨٨ ـ ٥٨٨ ه
١١٦٠ ـ ١٢٣٣ م
|
ـ مثير الأحزان لابن نما الحلي (ط نجف)
وهو نجم الدين
محمّد بن جعفر بن أبي البقاء بن نما الحلي
|
٥٦٧ ـ ٦٤٥ ه
١١٧٢ ـ ١٢٤٨ م
|
ـ مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول (ط حجر
إيران)
لكمال الدين
محمد بن طلحة الشافعي النصيبي
(ملحق بتذكرة
الخواص لسبط ابن الجوزي
|
٥٨٢ ـ ٦٥٣ ه
١١٨٦ ـ ١٢٥٤ م
|
ـ تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي (ط ٢ نجف)
وهو يوسف قز
أوغلي بن عبد الله بن الجوزي
|
٥٨١ ـ ٦٥٤ ه
١١٨٥ ـ ١٢٥٦ م
|
|
ولادة وفاة
|
ـ اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس (ط نجف)
وهو رضي الدين ،
عليّ بن موسى بن جعفر بن طاووس
|
٥٨٩ ـ ٦٦٤ ه
١١٩٣ ـ ١٢٦٦ م
|
ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة للإربلي ، ج ٢
|
٠٠٠ ـ ٦٩٣ ه
|
وهو بهاء الدين
، عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي
|
٠٠٠ ـ ١٢٩٣ م
|
ـ الفخري في الآداب السلطانية لابن طباطبا
|
٦٦٠ ـ ٧٠٩ ه
|
وهو فخر الدين ،
محمد بن عليّ بن طباطبا بن الطقطقي
|
١٢٦٢ ـ ١٣٠٩ م
|
ـ المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء ، ج ٢ (ط
بيروت)
|
٦٧٢ ـ ٧٣٢ ه
|
وهو الملك
المؤيد عماد الدين إسماعيل بن عليّ
|
١٢٧٣ ـ ١٣٣١ م
|
ـ تاريخ البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٦ وج
٨
|
٧٠١ ـ ٧٧٤ ه
|
وهو إسماعيل بن
عمر بن كثير البصروي الدمشقي
|
١٣٠٢ ـ ١٣٧٣ م
|
ـ الخطط والآثار للمقريزي ، ج ٢
|
٧٦٦ ـ ٨٤٥ ه
|
وهو أحمد بن
عليّ بن عبد القادر الحسيني البعلبكي
|
١٣٦٥ ـ ١٤٤١ م
|
ـ الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة لابن
الصباغ
|
٠٠٠ ـ ٨٥٥ ه
|
وهو عليّ بن
محمّد بن أحمد الصباغ المالكي
|
٠٠٠ ـ ١٤٥١ م
|
ـ المصباح للشيخ الكفعمي
|
٨٤٠ ـ ٩٠٥ ه
|
وهو إبراهيم بن
عليّ بن الحسن الحارثي العاملي الكفعمي
|
١٤٣٦ ـ ١٥٠٠ م
|
ـ إحياء الميت بفضائل أهل البيت (بهامش
الإتحاف بحب الأشراف)
ـ تاريخ الخلفاء
للسيوطي
وهو عبد الرحمن
بن أبي بكر بن محمّد بن سابق الدين
|
٨٤٩ ـ ٩١١ ه
١٤٤٥ ـ ١٥٠٥ م
|
ـ أخبار الدول وآثار الأول للقرماني (ط بيروت)
وهو أحمد بن
يوسف بن أحمد بن سنان القرماني الدمشقي
|
٩٣٩ ـ ١٠١٩ ه
١٥٣٢ ـ ١٦١٠ م
|
|
ولادة وفاة
|
ـ المنتخب في المراثي والخطب للطريحي (ط ٢ قم)
وهو فخر الدين
بن محمّد عليّ بن أحمد بن طريح
|
٩٧٩ ـ ١٠٨٥ ه
١٥٧١ ـ ١٦٧٤ م
|
ـ وسائل الشيعة للحر العاملي
وهو محمّد بن
الحسن بن عليّ العاملي
|
١٠٣٣ ـ ١١٠٤ ه
١٦٢٣ ـ ١٦٩٢ م
|
ـ مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني (ط حجر
طهران)
وهو هاشم بن
سليمان بن إسماعيل الحسيني الكتكتاني
|
٠٠٠ ـ ١١٠٧ ه
٠٠٠ ـ ١٦٩٦ م
|
ـ بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ و ٤٥ (ط ٣
بيروت)
ـ مزار البحار ،
ج ٩٨ ـ مرآة العقول (شرح الكافي)
وهو محمد باقر
بن محمد تقي بن مقصود عليّ الإصفهاني
|
١٠٣٧ ـ ١١١١ ه
١٦٢٧ ـ ١٧٠٠ م
|
ـ مقتل العوالم [فيما يتعلق بالحسين (ع)] ، ج
١٧
لعبد الله بن
نور الله البحراني الإصفهاني
|
٠٠٠ بعد ١١١١ ه
٠٠٠ بعد ١٧٠٠ م
|
ـ الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري ، ج
٢ (ط تبريز)
للسيد نعمة الله
بن عبد الله الموسوي الجزائري
|
١١٠٥٠ ـ ١١١٢ ه
٦٤٠ ـ ١٧٠١ م
|
ـ تظلّم الزهراء من إهراق دماء آل العباء
للقزويني
لرضي الدين بن
نبي القزويني (شرح على الله وف)
|
٠٠٠ بعد ١١٣٤ ه
٠٠٠ بعد ١٧٢٣ م
|
ـ الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي
وهو عبد الله بن
محمّد بن عامر الشبراوي الشافعي
|
١٠٩١ ـ ١١٧١ ه
١٦٨٠ ـ ١٧٥٨ م
|
ـ إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان
(بهامش نور
الأبصار للشبلنجي)
|
٠٠٠ ـ ١٢٠٦ ه
٠٠٠ ـ ١٧٩٢ م
|
ـ رياض المصائب (في آل العباء) ، ٥ أجزاء
للسيد محمّد
مهدي بن محمّد جعفر الموسوي
|
٠٠٠ بعد ١٢٥٠ ه
٠٠٠ بعد ١٨٣٤ م
|
ـ ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٢ (ط ١)
وهو سليمان بن
خوجه إبراهيم قبلان الحسيني الحنفي
|
١٢٢٠ ـ ١٢٧٠ ه
١٨٠٥ ـ ١٨٥٣ م
|
|
ولادة وفاة
|
ـ نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار
للشبلنجي
وهو الشيخ مؤمن
بن السيد حسن مؤمن الشبلنجي
|
١٢٥٢ ـ ١٣٢٢ ه
١٨٣٦ ـ ١٩٠٤ م
|
ـ أسرار الشهادة للفاضل الدربندي (ط إيران)
وهو ملا آغا بن
عابد بن رمضان بن زاهد الشيرواني
|
٠٠٠ ـ ١٢٨٥ ه
٠٠٠ ـ ١٨٦٨ م
|
ـ الدمعة الساكبة في المصيبة الراتبة
لمحمد باقر بن
عبد الكريم الدهدشتي البهبهاني النجفي
|
٠٠٠ ـ ١٢٨٨ ه
٠٠٠ ـ ١٨٧١ م
|
ـ مقتل الحسين (ع) أو واقعة الطف (ط ٢)
للسيد محمّد تقي
آل بحر العلوم
|
١٢١٩ ـ ١٢٨٩ ه
١٨٠٥ ـ ١٨٧٢ م
|
ـ الخصائص الحسينية للتشتري (ط تبريز)
وهو الشيخ جعفر
بن الحسين التستري
|
٠٠٠ ـ ١٣٠٣ ه
٠٠٠ ـ ١٨٨٥ م
|
ـ مثير الأحزان للجواهري
للسيد شريف بن
عبد الحسين بن محمّد حسن الجواهري
|
٠٠٠ ـ ١٣١٤ ه
٠٠٠ ـ ١٨٩٦ م
|
ـ ذخيرة الدارين [فيما يتعلق بالحسين (ع)] ٣
مجلدات
لعبد المجيد بن
محمد رضا الحسيني الشيرازي الحائري
|
٠٠٠ بعد ١٣٤٥ ه
٠٠٠ بعد ١٩٢٦ م
|
ـ نفس المهموم في مصيبة الحسين المظلوم
للشيخ عباس بن
محمّد رضا بن أبي القاسم القمي
|
١٢٩٤ ـ ١٣٥٩ ه
١٨٧٧ ـ ١٩٤٠ م
|
ـ إبصار العين في أنصار الحسين (ع) للسماوي
وهو محمد بن
الشيخ طاهر السماوي
|
١٢٩٣ ـ ١٣٧٠ ه
١٨٧٦ ـ ١٩٥٠ م
|
ـ لواعج الأشجان في مقتل الحسين (ع)
ـ المجالس
السّنية للسيد محسن الأمين الحسيني العاملي
وهو محسن بن عبد
الكريم بن عليّ بن محمّد الأمين
|
١٢٨٢ ـ ١٣٧١ ه
١٨٦٥ ـ ١٩٥٢ م
|
ـ ذكرى الحسين (ع) ، وهو ج ٩ من تاريخ الإسلام
للشيخ حبيب آل
إبراهيم البعلبكي العاملي
|
٠٠٠ نحو ١٣٨٣ ه
٠٠٠ نحو ١٩٦٤ م
|
|
ولادة وفاة
|
ـ معالي السبطين في أحوال السبطين ، ج ١ وج ٢
لمحمد مهدي
المازندراني الحائري
|
نحو ١٣٠٠ ـ ٠٠٠
نحو ١٨٨٣ ـ ٠٠٠
|
ـ نهضة الحسين (ع) للشهرستاني
وهو محمّد علي
هبة الدين الموسوي الشهرستاني
|
١٣٠١ ـ ١٣٨٦ ه
١٨٨٤ ـ ١٩٦٧ م
|
ـ العباس قمر بني هاشم ـ الشهيد مسلم بن عقيل
ـ عليّ الأكبر ـ
السيدة سكينة ـ المختار الثقفي
ـ مقتل الحسين (ع)
أو حديث كربلاء للمقرّم
وهو عبد الرزاق
بن محمّد الموسوي النجفي
|
١٣١٢ ـ ١٣٩١ ه
١٨٩٥ ـ ١٩٧١ م
|
ـ دائرة المعارف ، ج ١٥ وج ٢٣
(المسماة بمقتبس
الأثر ومجدد ما دثر
للشيخ محمّد
حسين بن سليمان الأعلمي
|
١٣٢٠ ـ ٠٠٠ ه
١٩٠٢ ـ ٠٠٠ م
|
ـ الحسين في طريقه إلى الشهادة
للسيد عليّ بن
الحسين الهاشمي
|
١٣٢٨ ـ ٠٠٠ ه
١٩١٠ ـ ٠٠٠ م
|
ـ العيون العبرى في مقتل سيد الشهدا (ع)
ـ للسيد إبراهيم
بن يوسف بن مرتضى الميانجي
|
١٣٣٢ ـ ٠٠٠ ه
١٩١٤ ـ ٠٠٠ م
|
٨ ـ فهرس لمصادر التراجم والأنساب
|
ولادة وفاة
|
ـ نسب قريش لمصعب الزبيري (ط مصر)
وهو أبو عبد
الله ، مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير
|
١٥٦ ـ ٢٣٦ ه
٧٧٣ ـ ٨٥١ م
|
ـ جمهرة نسب قريش وأخبارها للزبير بن بكار
وهو الزبير بن
بكّار بن عبد الله بن مصعب الزبيري
|
٧٨٩ ـ ٨٧٠ م
١٧٢ ـ ٢٥٦ ه
|
ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم
الإصفهاني
وهو الحافظ أحمد
بن عبد الله بن أحمد بن اسحق
|
٣٣٦ ـ ٤٣٠ ه
٩٤٨ ـ ١٠٣٨ م
|
ـ أعلام النبوة للماوردي
وهو أبو الحسن ،
عليّ بن محمّد بن حبيب الماوردي
|
٣٦٤ ـ ٤٥٠ ه
٩٧٤ ـ ١٠٥٨ م
|
ـ جمهرة أنساب العرب لابن حزم
وهو عليّ بن
أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري
|
٣٨٤ ـ ٤٥٦ ه
٩٩٤ ـ ١٠٦٤ م
|
ـ تذكرة الحفّاظ ج ١ ـ سير أعلام النبلاء
للذهبي ج ٣
وهو محمّد بن
أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي
|
٦٧٣ ـ ٧٤٨ ه
١٢٧٤ ـ ١٣٤٨ م
|
ـ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة
وهو أحمد بن
عليّ بن الحسين بن عليّ بن مهنا الحسني
|
٠٠٠ ـ ٨٢٨ ه
٠٠٠ ـ ١٤٢٤ م
|
ـ تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني
وهو أبو الفضل ،
أحمد بن عليّ بن حجر الكناني
|
٧٧٣ ـ ٨٥٢ ه
١٣٧٢ ـ ١٤٤٩ م
|
ـ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة للسيد علي
خان
وهو صدر الدين ،
عليّ خان المدني الشيرازي الحسيني
|
١٠٢٥ ـ ١١٢٠ ه
١٦١٢ ـ ١٧٠٨ م
|
ـ تنقيح المقال (في أحوال الرجال) للمامقاني
وهو عبد الله بن
محمد حسن بن عبد الله المامقاني
|
١٢٩٠ ـ ١٣٥١ ه
١٨٧٣ ـ ١٩٣٢ م
|
|
ولادة وفاة
|
ـ الكنى والألقاب للشيخ عباس القمّي
وهو عباس بن
محمّد رضا بن أبي القاسم القمي
|
١٢٩٤ ـ ١٣٥٩ ه
١٨٧٧ ـ ١٩٤٠ م
|
ـ أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين الحسيني ، ج
٤
وهو محسن بن عبد
الكريم بن عليّ بن محمّد الأمين العاملي
|
١٢٨٢ ـ ١٣٧١ ه
١٨٦٥ ـ ١٩٥٢ م
|
ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة
ـ طبقات أعلام
الشيعة لآغا بزرك الطهراني
وهو محمّد حسن
آغا بزرك بن علي المحسني النجفي
|
١٢٩٣ ـ ١٣٨٩ ه
١٨٧٦ ـ ١٩٦٩ م
|
ـ معجم مؤلفي الشيعة لعلي الفاضل القائيني
النجفي
|
(معاصر)
|
ـ كتاب الأعلام لخير الدين الزركلي
|
(معاصر)
|
ـ معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة
|
(معاصر)
|
٩ ـ مصادر تاريخية (درجة ثانية)
اسم الكتاب
|
المؤلف
|
سنة الوفاة
|
كتاب سليم بن
قيس
|
سليم بن قيس
الكوفي
|
٩٠ ه
|
وقعة صفين (ط ٢
قم)
|
نصر بن مزاحم
|
٢١٢
|
تاريخ خليفة بن
خياط
|
ابن خياط
|
٢٤٩
|
بصائر الدرجات (في
فضائل آل محمد)
|
ابن فروخ الصفار
|
٢٩٠
|
كتاب المحن
|
أبو العرب
التميمي
|
٣٣٣
|
الآثار الباقية (طبع
لا يبزغ)
|
البيروني (عالم
فلكي شيعي)
|
٤٤٠
|
تاريخ بغداد (ط
١ القاهرة)
|
الخطيب البغدادي
|
٤٦٣
|
روضة الواعظين (مجالس)
|
ابن الفتال
النيسابوري
|
٥٠٨
|
الاحتجاج
|
أبو منصور
الطبرسي
|
٦٢٠
|
أسد الغابة في
معرفة الصحابة ، ج ٢
|
ابن الأثير
الجزري
|
٦٣٠
|
مرآة الزمان في
تاريخ الأعيان
|
سبط ابن الجوزي
|
٦٥٤
|
شرح نهج البلاغة
|
ابن أبي الحديد
المعتزلي
|
٦٥٦
|
ذخائر العقبى في
مناقب ذوي القربى
|
محب الدين
الطبري
|
٦٩٤
|
فرائد السمطين
في فضائل السبطين
|
الجويني
|
٧٣٠
|
رأس الحسين (ع) (ط
القاهرة)
|
ابن تيمية
|
٧٣٨
|
دول الإسلام
|
الذهبي
|
٧٤٨
|
المختصر في
أخبار البشر
|
عمر بن الوردي
|
٧٤٩
|
مرآة الجنان
وعبرة اليقظان
|
اليافعي
|
٧٦٨
|
النجوم الزاهرة
في ملوك مصر والقاهرة
|
ابن تغري بردي
|
٨٧٤
|
شذرات الذهب في
أخبار من ذهب
|
ابن عماد
الحنبلي
|
١٠٨٩
|
١٠ ـ الكتب التاريخية الحديثة والمعاصرة
(مرتبة على الحروف
الهجائية لكنية المؤلف)
اسم الكتاب
|
|
اسم المؤلف وكنيته
|
(آ)
سيد الشهداء
الإمام أبو عبد الله الحسين (ع)
الحسين بن علي (ع)
الأئمة الاثنا
عشر (ع)
أيام العرب في
الإسلام
في رحاب سيد
الشهداء (ع)
المفيد في ذكرى
السبط الشهيد
سفينة النجاة :
عبرة كربلاء (مجالس)
الحسين (ع) عند
أهل السنة
الإمام الحسين (ع)
يوم عاشوراء
التاريخ الحسيني
شهيد كربلاء :
الحسين الشهيد الخالد
خطب الحسين (ع)
على طريق الشهادة
المرأة في ثورة
الحسين (ع)
الإمام الحسين (ع)
ثأر الله
|
|
آل اعتماد
الحائري ، مصطفى
أبو علم ، توفيق
الأديب ، عادل
أبو الفضل
إبراهيم ، محمّد
إبراهيم ، السيد
عليّ
إبراهيم ، عبد
الحسين العاملي
(ب)
البلاغي ، محمّد
عبد الرسول
(مؤسسة البلاغ)
الببلاوي ،
محمّد
البوهي ، محمّد
لبيب
بيضون ، د. لبيب
(ج)
جابر ، غادة
جعفر ، عباس
|
__________________
اسم الكتاب
|
|
اسم المؤلف وكنيته
|
مع الحسين (ع)
في نهضته
من وحي الثورة
الحسينية
منتخبات
التواريخ لدمشق
أبناء الرسول (ص)
في كربلاء
مجالس عاشوراء
وقعة كربلاء (دراسة
تحليلية)
غصن الرسول :
الحسين بن عليّ (ع)
الثائر الأول في
الإسلام
المجالس الفاخرة
في مآتم العترة الطاهرة
تمثيلية شعرية
عن موقعة الطف
أنصار الحسين (ع)
: الرجال والدلالات
ثورة الحسين (ع)
في الوجدان الشعبي
ثورة الحسين (ع)
: ظروفها الاجتماعية
وآثارها الإنسانية
تاريخ النياحة
على الإمام الشهيد ، ج ١
|
|
(ح)
حيدر ، أسد
الحسنى ، هاشم
معروف
الحصني ، محمد
أديب
(خ)
خالد ، خالد
محمّد
(د)
دخيل ، محمّد
عليّ
(ر)
الشيخ الركابي
رضا ، فؤاد عليّ
(س)
سرور ، محمّد
عبد الباقي
(ش)
شرف الدين ، عبد
الحسين
شرف الدين ،
محمّد رضا
شمس الدين ،
محمّد مهدي
شمس الدين ،
محمد مهدي
شمس الدين ،
محمّد مهدي
الشهرستاني ،
صالح
|
اسم الكتاب
|
|
اسم المؤلف وكنيته
|
الحسين بن عليّ
: إمام الشاهدين
أدب الطف أو
شعراء الحسين (ع)
الحسين ثائرا ـ الحسين
شهيدا (مسرحيتان)
معالم المدرستين
مختصر تاريخ
العرب
مقتل سيد
الشهداء الحسين بن عليّ (ع)
بطلة كربلاء :
زينب بنت الزهراء (قصة)
أبو الشهداء :
الحسين بن عليّ (ع)
الإمام الحسين :
سمو المعنى في سمو الذات
تاريخ الحسين ـ أيام
الحسين (ع)
الدوافع الذاتية
لأنصار الحسين (ع)
الفن الحربي في
صدر الإسلام
حياة الإمام
الحسين (ع) ، ٣ مجلدات
الوثائق الرسمية
لثورة الإمام الحسين (ع)
مأساة الحسين (ع)
بين السائل والمجيب
ريحانة الرسول (ص)
كتاب عاشوراء ـ الشهيد
والثورة
|
|
شلق ، د. عليّ
شبّر ، جواد
الشرقاوي ، عبد
الرحمن
(ع)
العسكري ، السيد
مرتضى
عليّ ، سيد أمير
عليّ خان ، عبد
الكريم
عبد الرحمن ،
عائشة
العقاد ، عباس
محمود
العلايلي ، عبد
الله
العلايلي ، عبد
الله
عابدين ، محمّد
عليّ
عون ، عبد
الرؤوف
(ق)
القرشي ، باقر
شريف
القزويني ، عبد
الكريم
(ك)
الكاشي ، عبد
الوهاب
(م)
محمّد ، أحمد
فهمي
المدرّسي ، هادي
|
اسم الكتاب
|
|
اسم المؤلف وكنيته
|
بين صلح الحسن (ع)
وثورة الحسين (ع)
المجالس
الحسينية ـ مع بطلة كربلاء
حقيقة النهضة
الحسينية
تاريخ الشيعة
يزيد بن معاوية
: فرع الشجرة الملعونة
وسيلة الدارين
في أنصار الحسين (ع)
الفاجعة العظمى
العيون العبرى
في مقتل سيد الشهداء (ع)
قادتنا : كيف
نعرفهم ، ج ٦
الإمام الحسين (ع)
ملتقى الكرامات
دار السلام (منامات
عن أهل البيت) ج ١
|
|
مغنية ، أحمد
مغنية ، محمّد
جواد
الشهيد مطهري
المظفر ، محمّد
حسين
المكي ، أبو
جعفر أحمد
الموسوي
الزنجاني ، إبراهيم
الموسوي ، عبد
الحسين بن حبيب
الميانجي ،
إبراهيم
الميلاني ،
محمّد هادي
(ن)
النائيني ،
محمّد حسن
النوري
|
١١ ـ كتب الجغرافيا والبلدان
(مرتبة على الحروف
الهجائية لكنية المؤلف)
اسم الكتاب
|
|
اسم المؤلف وكنيته
|
رحلة ابن بطوطة
تاريخ الكوفة
رحلة ابن جبير
جولة أثرية في
بعض البلاد الشامية
(ترجمة أحمد
وصفي زكريا)
معجم البلدان
صورة الأرض
موجز تاريخ
البلدان العراقية
المسالك
والممالك
العراق في
الخوارط القديمة
الجامع الأموي
تقويم البلدان
آثار البلاد
وأخبار العباد
تاريخ كربلاء
وحائر الحسين (ع)
مدينة الحسين (ع)
أو مختصر تاريخ كربلاء
بغية النبلاء في
تاريخ كربلاء
بلدان الخلافة
الشرقية (ترجمة بشير فرنسيس)
خطط الكوفة وشرح
خريطتها
خطط دمشق
أضواء على معالم
محافظة كربلاء
صفة جزيرة العرب
الإشارات إلى
معرفة الزيارات
مفصّل جغرافية
العراق
البلدان
|
|
ابن بطوطة
البراقي النجفي
، حسين
ابن جبير
جلبي ، أوليا
الحموي ، ياقوت
ابن حوقل
النصيبي
الحسني ، عبد
الرزاق
ابن خرداذبه ،
عبيد الله
سوسة ، د. أحمد
الطنطاوي ، عليّ
أبو الفداء
القزويني
الكليدار ، د.
عبد الجواد
آل كليدار ،
محمّد حسن مصطفى
الكليدار آل
طعمة ، عبد الحسين
لسترنغ ، كي
ماسينيون ، لويس
المنجد ، صلاح
الدين
النويني ، محمّد
الهمداني
الهروي ، أبو
الحسن
الهاشمي ، طه
اليعقوبي
|
الفصل الثاني
أنساب آل أبي طالب عليهمالسلام وتراجمهم
١ ـ ترجمة أبي
طالب عليهالسلام
ـ أولاد أبي طالب عليهمالسلام
٢ ـ ترجمة عقيل بن
أبي طالب عليهالسلام
ـ أولاد عقيل عليهمالسلام ـ أحفاد عقيل عليهمالسلام
٣ ـ ترجمة جعفر بن
أبي طالب عليهالسلام
ـ ترجمة عبد الله
بن جعفر عليهالسلام ـ أولاده عليهمالسلام
٤ ـ أعمام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين النصرة والتخاذل
ـ لما ذا لم يشارك
العباسيون في نصرة الحسين عليهالسلام؟
٥ ـ ترجمة النبي
الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم وأولاده
٦ ـ ترجمة الإمام
عليّ عليهالسلام ـ بعض فضائله عليهالسلام
ـ مخطط نسل الإمام
علي عليهالسلام ـ زوجاته وأولاده
٧ ـ أولاد الإمام
الحسن عليهمالسلام وزوجاته
٨ ـ أولاد الإمام
الحسين عليهمالسلام وزوجاته.
ملاحظة هامة :
بعد انتهاء الفصل الأول المتعلق
بالمصادر ، يبدأ من هذا الموضع
من الموسوعة ، ترقيم الفقرات برقم
متسلسل يسبق عنوان الفقرة.
الفصل الثاني :
أنساب آل أبي طالب عليهمالسلام
وتراجمهم
مقدمة الفصل :
نبدأ هذا الفصل
بذكر أنساب أهل البيت عليهمالسلام المتفرعين من سيّد البطحاء وبيضة البلد وأرومة بني هاشم ،
عمّ النبي المكرّم ، وناصره وحاميه المعظّم ، عمه (أبي طالب). مبتدئين بنسب ابنه
الأكبر (عقيل) وأولاده ، ثم بنسب ابنه الأوسط (جعفر الطيار) وأولاده ، ثم بنسب
ابنه الأصغر (عليّ بن أبي طالب) وأولاده عليهمالسلام. ثم بأولاد الحسن عليهمالسلام ، ثم بأولاد الحسين عليهمالسلام وزوجاته.
وذلك لأن هؤلاء هم
الوحيدون من بني هاشم الذين نصروا الإسلام في كربلاء. أما بنو العباس عمّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فلم يحضر أحد منهم في كربلاء.
١ ـ ترجمة أبي طالب وأولاده عليهمالسلام
١ ـ ترجمة أبي
طالب عليهالسلام :
اسمه عبد مناف بن
عبد المطلب بن هاشم ، عمّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وسليل الأسرة الهاشمية الكريمة ، التي سطّر لها التاريخ
ملحمة في كل صورة حسنة ، مادّتها الخير وإطارها الأخلاق.
وفي حين ساد كثير
من الناس قومهم بالمال والثراء ، فإن أبا طالب ساد قومه بالجاه والشرف ، حتّى
سمتّه قريش «سيّد البطحاء».
ولما ولد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يتيما كفله جده عبد المطلب حتّى سن سبع سنين ، ولما توفي
كفله عمه أبو طالب عليهالسلام ، وظل كافله وحاميه مدة ٤٥ عاما ، حتّى فارق الحياة في
الخامسة والثمانين من عمره. وبعد ثلاثة أيام توفيت خديجة المخلصة زوجة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فسمّى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ذاك العام «عام الحزن». وبعد ذلك بعام هاجر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المدينة ، بعد أن سمع جبرئيل يقول له : «اخرج منها
فقد مات ناصرك». (راجع
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٢ ص ٢٩ ط ٢ مصر)
ولقد كان أبو طالب
عليهالسلام من أول المؤمنين بالدعوة الجديدة ، يدلنا على ذلك استمرار
حمايته للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من أن يصل إليه أي أذى من المشركين ، ومقاطعته لكل قريش من
أجل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ودعوته. إلا أن الظروف الخاصة كانت تفرض عليه أن يكتم
إيمانه ، فكان أبو طالب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل (حزقيل) مؤمن آل فرعون ، الّذي كان يكتم إيمانه.
يقول الإمام عليّ عليهالسلام : «كان والله أبو طالب مؤمنا مسلما ، يكتم إيمانه مخافة
على بني هاشم أن تنابذها قريش».
وحين كان المشركون
يسألون أبا طالب عن دينه ، كان يحسن التخلص ويقول لهم : «إنني على ملةّ أبي ، عبد
المطلب». علما بأن عبد المطلّب وهاشم وجميع آباء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأجداده ، كانوا مسلمين موحّدين على دين إبراهيم الخليل عليهالسلام ، وليسوا مشركين كغيرهم من قريش ، إذ هم من الذرية
المختارة التي اصطفاها الله على العالمين في قوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى
آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها
مِنْ بَعْضٍ ...) [آل عمران : ٣٣ ـ ٣].
ولا أدلّ على
إيمان أبي طالب العميق بالدعوة الإسلامية ، من تربيته لأولاده كلهم على مبادئ
الإسلام والشهادة ، حتّى كانوا خير سند للإمام الحسين عليهالسلام حين قام يدافع عن حوزة الإسلام ومبادئه ، التي كادت تداس
وتندثر ، وأظهروا من آيات البطولة ما لم يشهد له مثيل. ولا عجب في ذلك إذا كانوا
من نسل أبي طالب الّذي قال فيه النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : «لله درّ أبي طالب ، لو ولد الناس كلّهم كانوا شجعانا».
ولهذا الموقف
النبيل الّذي لا يعرف الحدود ، أحبّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يردّ لأبي طالب بعض المعروف في كفالته وتربيته ونصرته ،
فعندما حصلت مجاعة في مكة ، وكان أبو طالب فقيرا وكثير العيال ، وكان علي عليهالسلام قد أدرك سن التمييز ، فاجتمع أهل البيت ليخففوا عن أبي
طالب عياله ، فقال لهم : اتركوا لي عقيلا واصنعوا ما شئتم. فأخذ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عليا ، وأخذ حمزة جعفرا ، وأخذ العباس طالبا. فكان علي عليهالسلام ربيب الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم.
٢ ـ أولاد أبي
طالب عليهمالسلام :
(عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة ، ص ٣٠ ط ٢)
وقد كان لأبي طالب
عليهالسلام أربعة بنين هم : طالب وعقيل وجعفر وعلي رضوان الله عليهم
أجمعين. وكان كل واحد منهم أكبر من الّذي يليه بعشر سنين. فيكون طالب أسنّ من علي عليهالسلام بثلاثين سنة ، وبه كان يكنّى أبوه. وكان لأبي طالب من
البنات ثلاث : أم هاني وفاختة وجمانة. وأمهم جميعا فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وهي
أول هاشمية ولدت لهاشمي. وكانت جليلة القدر ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعوها أمي لأنها ربّته. وكانت من السابقات إلى الإسلام.
ولما توفيت عليهاالسلام صلّى عليها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ودخل قبرها وترحم عليها.
٢ ـ ترجمة عقيل وأولاده عليهالسلام
٣ ـ ترجمة عقيل : (المصدر
السابق ص ٣١)
يكنّى أبا يزيد.
وكان أبو طالب عليهالسلام يحبه حبا شديدا. ولذا قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعقيل : «إني لأحبك حبّين : حبا لك ، وحبا لحب أبي طالب».
وكان عقيل نسابة عالما بأنساب العرب وقريش. وخرج إلى بدر مع المشركين فأسره النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفداه عمه العباس بأربعة آلاف درهم.
ويذكر ابن قتيبة
في (المعارف) أن عقيلا أسلم يوم بدر بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويؤيد كونه كان مسلما من قبل ما رواه الطبري في تاريخه (ج
٢ ص ٢٨٢) من قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لأصحابه : «إني قد
عرفت رجالا من بني هاشم قد خرجوا إلى بدر كرها ، فمن لقي منكم أحدا منهم فلا يقتله».
فهذا يفيد إيمان عقيل بالنبوة قبل الهجرة ، غير أن سياسته لقريش اضطرته إلى التستر
والاستخفاء ، كما فعل أبوه أبو طالب من قبل بأمر من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. توفي عقيل سنة ٦٠ ه.
وخرج ولد عقيل مع
الحسين عليهالسلام إلى كربلاء ، فقتل منهم تسعة نفر ، وكان مسلم بن عقيل
أشجعهم. وفي ذلك يقول الشاعر :
عين جودي بعبرة
وعويل
|
|
واندبي إن ندبت
آل الرسول
|
سبعة منهم لصلب
عليّ
|
|
قد أبيدوا وسبعة
لعقيل
|
٤ ـ أولاد عقيل : (نسب
قريش لمصعب الزبيري ، ص ٨٤)
الذكور :
اسم الولد
|
صفته
|
أمه
|
يزيد
سعيد
|
وبه كان يكنّى
|
أمهما : رابطة
بنت عمرو من بني نفيل
|
جعفر الأكبر
أبو سعيد الأحول
|
|
أمهما : من بني
أبي بكر بن كلاب ابن ربيعة
|
مسلم بن عقيل عليهالسلام
عبد الله الأكبر
عليهالسلام
عبد الله الأصغر
|
لا بقية له
قتل بالطف
|
أمهم : أم ولد يقال لها عليّة ، اشتراها عقيل من الشام. وقيل إن أم
مسلم كانت نبطية من آل فرزندا
|
عبد الرحمن عليهالسلام
|
قتل بالطف
|
|
علي الأكبر
|
درج
|
أم ولد
|
جعفر الأصغر
|
درج
|
أم ولد
|
حمزة ، عيسى ،
علي عثمان ، محمّد
|
درجوا
|
أمهات أولاد
شتى.
|
البنات :
أم هانئ (رملة)
،
زينب ، فاطمة ،
زينب الصغرى ،
أم لقمان
|
|
أمهات أولاد شتى
|
__________________
وقد انقرض ولد
عقيل إلا من محمّد بن عقيل ، وكانت عنده زينب الصغرى بنت علي عليهالسلام فولدت له : عبد الله بن محمّد.
٥ ـ أحفاد عقيل : (المعارف
لابن قتيبة ، ص ٨٨ ط ٢)
أما أحفاد عقيل :
فولد مسلم بن عقيل
: عبد الله وعلي ، أمهما رقية بنت علي عليهمالسلام. ومسلم بن مسلم وعبد العزيز.
وولد محمّد بن
عقيل : القاسم وعبد الله وعبد الرحمن ؛ أمهم زينب الصغرى بنت عليعليهالسلام.
وولد عبد الله بن
عقيل : محمّد ورقية وأم كلثوم ؛ أمهم ميمونة بنت علي عليهالسلام.
وولد أبو سعيد بن
عقيل : محمّد
وولد عبد الرحمن
بن عقيل : سعيد ؛ أمه خديجة بنت علي عليهالسلام.
تعليق : يظهر من
هذا أن أغلب أولاد عقيل قد تزوجوا من بنات عمهم بنات الإمام علي عليهالسلام. وهذا يدل على المحبة والالفة التي كانت بين عائلة علي عليهالسلام وعائلة عقيلعليهالسلام. وقد أثر عن الإمام علي عليهالسلام قوله : بناتي لأولاد إخوتي ، وذلك اقتداء بقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عندما نظر يوما إلى أولاد علي وجعفر ، فقال : بناتنا
لبنينا ، وبنونا لبناتنا (عقيلة بني هاشم لعلي بن الحسين الهاشمي ، ص ٢٦).
٣ ـ ترجمة جعفر الطيار وأولاده عليهمالسلام
٦ ـ ترجمة جعفر بن
أبي طالب عليهالسلام : (المصدر السابق ص ٨٩)
جعفر الطيار هو ذو
الهجرتين وذو الجناحين. وكان استشهد يوم مؤتة فقطعت يداه ، فأبدله الله عزوجل بهما جناحين يطير بهما في الجنة. ووجدوا يومئذ في مقدّمه
أربعا وخمسين ضربة سيف [وفي الإصابة : بضعا وتسعين طعنة].
وقدم على رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الحبشة يوم فتح خيبر ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما أدري بأي الأمرين أنا أسرّ ؛ بقدوم جعفر ، أم بفتح
خيبر؟».
وقال أبو هريرة :
ما ركب الكور (أي أقتاب الإبل) ، ولا احتذى النعال ، ولا وطئ التراب أحد بعد رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أفضل من جعفر عليهالسلام.
وكان يكنى أبا عبد
الله. ومن أولاده : عبد الله وعون ومحمد ؛ أمهم أسماء بنت عميس الخثعمية. وكان له
ثمانية ذكور ، لم ينجب منهم غير عبد الله ، وهو أكبرهم.
٧ ـ ترجمة عبد
الله بن جعفر :
(عمدة الطالب في أنساب أبي طالب لابن عنبة ، ص ٣٢ ط ٢)
عبد الله بن جعفر
، أحد أجواد بني هاشم الأربعة ، وهم : الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعبد الله
بن جعفر.
يكنّى أبا جعفر.
أمه أسماء بنت عميس الخثعمية. وهو أول مولود ولد للمسلمين المهاجرين إلى الحبشة.
وهو زوج مولاتنا زينب العقيلة بنت أمير المؤمنين عليهالسلام.
قال السيد علي خان
في (الدرجات الرفيعة) : إن أول من بايع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الصبيان الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر الطيار عليهمالسلام ، ولقد دعا له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : الله م بارك في صفقته.
وقال المسعودي :
سمع عبد الله بن جعفر يوم جمعة يقول : الله م إنك عوّدتني عادة وعوّدتها عبادك ،
فإن قطعتها عني فلا تبقني. فمات في تلك الجمعة في أيام عبد الملك بن مروان ، وصلى
عليه أبان بن عثمان بمكة. وقال كثير من المؤرخين بأنه توفي بالمدينة سنة ٨٠ ه ،
وله من العمر تسعون سنة.
وأعقب عشرين ذكرا
، وقد استشهد منهم مع ابن عمه الحسين عليهالسلام في كربلاء : عون ومحمد الأصغر.
٨ ـ أولاد عبد
الله بن جعفر عليهالسلام :
(نسب قريش لمصعب الزبيري ، ص ٨٢)
اسم الولد
|
صفته
|
أمه
|
جعفر الأكبر
عون الأكبر
علي بن عبد الله
أم كلثوم
|
انقرض
انقرض
فيه البقية من ولده
|
أمهم جميعا :
زينب العقيلة بنت أمير المؤمنين علي عليهالسلام
|
اسم الولد
|
صفته
|
أمه
|
الحسين بن عبد
الله
عون الأصغر عليهالسلام
|
قتل بالطف
|
أمهما : جمانة
بنت المسيب بن نجبة الفزاري
|
أبو بكر ، محمّد
،
عبد الله الأصغر
،
محمّد الأصغر
|
قتل بالطف
|
أمهم : الخوصاء
بنت حصفة ابن ثقيف
|
يحيى ، هرون ،
صالح ، موسى ،
أم أبيها ، أم
محمّد
|
|
أمهم جميعا :
ليلى بنت مسعود ابن خالد النهشلية
|
صالح الأصغر ،
أسماء ، لبابة
|
|
أمهم : آمنة بنت
عبد الله بن كعب
|
حسين الأصغر ،
معمرية ، اسحق
|
|
أمهات أولاد
شتى.
|
٤ ـ أعمام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين النصرة والتخاذل
أعمام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
نزل الوحي على
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يأمره بدعوة عشيرته ليساندوه في دعوته الجديدة ، حيث قال :
(وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢١٤) [الشعراء :
٢١٤]. وكان أكبر سند ينتظره النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو أعمامه الثلاثة : الحمزة والعباس وأبو طالب عليهمالسلام.
موقف أعمام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الدعوة الإسلامية
٩ ـ موقف الحمزة عليهالسلام :
فأما الحمزة فقد
تبنّى الدعوة من أول لحظة ، وظل يساند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويعاضده حتّى استشهد في غزوة أحد ، وسمّاه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أسد الله وأسد رسوله. ومن المؤسف أنه لم يعقب ولدا.
١٠ ـ موقف العباس
بن عبد المطلب :
وأما العباس ، فلم
ينصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مباشرة ، فقد كان في جيش المشركين الّذي جاء يقاتل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم بدر. وقيل إنه أسلم يوم فتح خيبر وكتم إسلامه. وقيل إن
إسلامه كان قبل يوم بدر ، وأنه كان يكتب بأخبار المشركين إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولذلك حزن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عليه حين أسر يوم بدر ، وسعى في فكاكه.
وكان العباس بن
عبد المطلب غنيا ثريا ، وبينه وبين أبي سفيان علاقة جيدة ، لذلك جاء بأبي سفيان
يوم فتح مكة إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليبايع.
١١ ـ موقف أولاد
العباس :
وقد أنجب العباس
عشرة بنين ، هم : الفضل بن العباس وعبد الله وعبيد الله وقثم وعبد الرحمن ومعبد
وكثير وتمّام وعون والحرث.
والغريب أنه لم
يشترك مع الحسين عليهالسلام في كربلاء أحد من هذا النسل.
فأما عبد الله بن
العباس ـ وقد كان تلميذا للإمام علي عليهالسلام ـ فإذا كان لم يشترك في نصرة الحسين عليهالسلام لأنه كان قد كفّ بصره ، فأي عذر للباقين من أولاد العباس
وأولادهم؟.
وفي الواقع فقد
كانت نصرة أعمام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للدعوة مختلفة ؛ فبعضهم نصرها بالسيف وهو الحمزة ، وبعضهم
نصرها بالمال وهو العباس ، وبعضهم نصرها بالحماية والرعاية وهو أبو طالب. وبعضهم
ناصبها العداء حتّى كان من أهل النار وهو أبو لهب.
ومن المخزي حقا أن
يقف بنو العباس هذا الموقف الشائن من ابن عمهم الحسين عليهالسلام ، فيتخلّفوا عن نصرته ويخسروا شرف الفتح الّذي أراده لهم.
في حين لم يتخلف ولا شخص من أحفاد أبي طالب عليهالسلام ، سواء من أبناء عقيل وأحفاده ، أو أحفاد جعفر ، أو أبناء
علي عليهمالسلام وأحفاده ، حتّى الأطفال منهم الذين لم يبلغوا الحلم.
وقد تمادى هذا
الغيّ بأحفاد العباس ، إلى أبعد من هذا. فحين قام أبو مسلم الخراساني بثورته ضد
حكم بني أمية ، داعيا إلى أصحاب الحق الشرعي من أبناء علي عليهمالسلام ، حتّى انتصر على بني أمية وقوّض عرشهم ، لم يكن من
العباسيين إلا أن التفوّا عليه وقتلوه ، واغتصبوا الخلافة وحوّلوها عن أصحابها
الشرعيين. وبدأ
أولهم أبو العباس
السفاح يسفح الدماء من نحور الأمويين والعلويين على حدّ سواء. ثم جاء ثانيهم أبو
جعفر المنصور الدوانيقي ، ينصر أطماعه في الحكم ، ويلا حق العلويين فيبيدهم أينما
ثقفوا. وعلى هواه سار كل من جاء بعده ، حتّى فاق بنو العباس في طغيانهم واضطهادهم
للعلويين والتنكيل بهم ما فعله بنو أمية. وكما قال الشاعر :
تالله ما فعلت
أميّة فيهم
|
|
معشار ما فعلت
بنو العباس
|
١٢ ـ موقف أبي طالب عليهالسلام :
وأما أبو طالب
الّذي كان شقيق عبد الله والد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد كان طالبا للشرف والعلاء ، دون المال والشهوات. فهو
رغم فقره وقلة ذات يده ، أصبح شيخ البطحاء وسيد قريش. وقد كان مثل أبيه عبد المطلب
على دين إبراهيم عليهالسلام. فأوكل الله إليه كفالة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم بعد وفاة عبد المطلب. ولإيمانه بنبوة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم كفله وحماه وجعله كواحد من أبنائه ، بل كان يفضّله عليهم.
وحين قاطع المشركون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ألجأ أبو طالب محمداصلىاللهعليهوآلهوسلم إلى شعبه ثلاث سنين ، خوفا عليه وحماية لدعوته. وقد كانت
الظروف تفرض على أبي طالب أن يلعب دور «التقيّة «تجاه قريش ، ريثما تقف الدعوة على
أقدامها. وإن البيب يدرك أن أعمال الإنسان هي التي تنبئ عن حقيقة إيمانه وعقيدته ،
في حين لا قيمة للتشهد بالشهادتين إذا كان لا ينبع من القلب ، بل يصدر من اللسان
والسيف على العنق.
ومن أعظم الدلائل
على إيمان هذا الرجل العظيم ، الّذي كان محور نجاح الدعوة ، والذي لعب أكبر دور في
فوزها وازدهارها ، أنه لم يمنع أحدا من أولاده عن متابعة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم في دعوته ، بل إنه كان يحضّهم على الصلاة خلفه ، والمحافظة
عليه من بعده. كما سمح لزوجته بالإسلام ، فكانت فاطمة بنت أسد من أوائل المسلمات.
روى ابن الأثير أن
أبا طالب عليهالسلام رأى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلي ، وعليّ عليهالسلام عن يمينه ، ولم تكن الصلاة مشروعة على الناس في ذلك الوقت
، فقال لابنه جعفر : «صل جناح ابن عمك». أي صلّ عن يسار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كما صلى أخوك عن يمينه ، فتصيرا له مثل الجناحين. ولما
انصرفوا أنشأ أبو طالب يقول :
إنّ عليا وجعفرا
ثقتي
|
|
عند ملمّ الخطوب
والنّوب
|
لا تخذلا وانصرا
ابن عمّكما
|
|
أخي لأمي من
بينهم وأبي
|
والله لا أخذل
النبي ولا
|
|
يخذله من بنيّ
ذو حسب
|
وبهذا النّفس
العقائدي الجارف ، الّذي لا يعرف الشك ولا التواني ، قام أحفاد أبو طالب ينصرون
الدعوة يوم كربلاء ، كما نصرها جدهم أبو طالب في مكة والبطحاء. حتّى أن كل الذين
استشهدوا من أهل البيت عليهمالسلام يوم كربلاء وعددهم ١٧ شهيدا ، كانوا كلهم من صلب أبي طالب عليهالسلام.
قال الإمام محمّد
الباقر عليهالسلام : «قتل مع جدي الحسين عليهالسلام سبعة عشر رجلا ، كلهم حملت بهم فاطمة بنت أسد زوجة أبي
طالب عليهالسلام».
انظر (لائحة
المستشهدين مع الحسين عليهالسلام من آل أبي طالب) ، ولاحظ أن كل شهداء أهل البيت عليهمالسلام يوم كربلاء هم من نسل أبي طالب وأولاده الثلاثة : عقيل
وجعفر وعلي عليهمالسلام.
١٣ ـ لماذا لم
يشارك العباسيون في نصرة الحسين عليهالسلام؟ :
(انصار الحسين عليهالسلام لمحمد مهدي شمس الدين ، ص ٢٠٥ ط ٢)
قال الشيخ محمّد
مهدي شمس الدين : لقد فجّر الثورة الهاشميون ما من شك ، ولكن أي الهاشميين هم؟.
إنهم الطالبيون من سلالة أبي طالب عليهالسلام. أما العباسيون أبناء العباس بن عبد المطلب ، فالغريب أنه
لم يشترك منهم فيها أحد. سوى نصيحة عبد الله بن عباس للحسين عليهالسلام التي لم تعد المشافهة. فلماذا يكون هذا؟.
وكل الثورات التي
أشعلتها ثورة الحسين عليهالسلام فيما بعد ، في العراق والحجاز وإيران ، كان قادتها طالبيين
، ولم يكن فيهم عباسيّ واحد على الإطلاق!.
لقد كان العباس
عمّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم غنيا ومترافقا مع أبي سفيان ، ولم يسلما إلا متأخرين. في
حين كان أبو طالب من الفقراء ، وكان أول من آمن بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ونصره وحماه ، وعلى نهجه سار أولاده وأحفاده جميعا عليهمالسلام. فالعباس يمثّل الغنى والمال ، وأخوه أبو طالب يمثل
العقيدة والكمال. ففي حين كان العباسيون بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ينعمون بجوائز الخلفاء وترف العيش ، كان الطالبيون يحترقون
بنار الثورات ضد الظلم والباطل.
المستشهدون مع الحسين من آل أبي طالب عليهالسلام

وإن الألى
بالطفّ من آل هاشم
|
|
تأسّوا فسنّوا
للكرام التاسيا
|
وظل العباسيون
يسايرون الطالبيين والعلويين ، ويستفيدون من جهادهم وسمعتهم ، حتّى استطاعوا أن
يغتصبوا الحق منهم ويقوموا بالدولة العباسية ، عند ذلك أظهروا حقيقتهم تجاه
العلويين ، ولم يترددوا ساعة في إبادتهم واستئصالهم ، فكانوا هم والأمويون على حدّ
سواء ، إذا لم يكن العباسيون أكثر بطشا وألدّ عداوة. وكما قال أبو فراس الحمداني
في قصيدته الشافية :
ما نال منهم بنو
حرب وإن عظمت
|
|
تلك الجرائم إلا
دون نيلكم
|
ـ أساليب تعذيب العباسيين لشيعة أهل البيت عليهمالسلام :
(من وحي الثورة الحسينية لهاشم معروف الحسني ، ص ١٥٩)
روى الرواة عن
أساليب تعذيب أبي جعفر المنصور للعلويين ، أنه كان يضع العلويين في الأسطوانات
ويسمرهم في الحيطان ، وأحيانا يضعهم في سجن مظلم ويتركهم يموتون جوعا ، ويترك
الموتى بين الأحياء ، فتقتلهم الروائح الكريهة ، ثم يهدم السجن على الجميع (كما
جاء في تاريخ اليعقوبي).
٥ ـ ترجمة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأولاده
١٤ ـ ترجمة النبي
الأعظم محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وآله الطّاهرين ، ص ٥ ـ ٨٦)
هو محمّد بن عبد
الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ... أمه آمنة بنت وهب بن
عبد مناف بن زهرة بن كلاب.
ولد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمكة عند طلوع الفجر من يوم الاثنين لاثنتي عشرة أو سبع
عشرة ليلة مضت من ربيع الأول عام الفيل. ومات أبوه عبد الله وأمه حامل به. فلما
ولد كفله جده عبد المطلب وسمّاه (محمدا) ، ولم يسمّ بهذا الاسم أحد من قبل. وعقّ
عنه في اليوم السابع من ولادته. ولما بلغ صلىاللهعليهوآلهوسلم ست سنين خرجت به أمه إلى المدينة المنورة لزيارة أخواله من
بني النجار ، فمرضت وهي راجعة به وتوفيت ، ودفنت بالأبواء.
ولما صار عمره
الشريف ثماني سنين مرض جده عبد المطلب مرض الموت ، فأوصى به إلى عمه أبي طالب
لفخامته ، ولكونه شقيق أبيه عبد الله. ولما صار عمره اثنتي عشرة سنة وسافر به عمه
إلى الشام ووصل الركب إلى بصرى ، رأى منه بحيرا
الراهب علامات
النبوة ، فقال لعمه : ارجع بابن أخيك ، واحذر عليه من اليهود ، فرجع.
ولما صار عمره
الشريف خمسا وعشرين سنة ، ذهب بتجارة إلى الشام مع ميسرة غلام خديجة بنت خويلد ،
فربحت التجارة ضعف ما كانت تربح ، ورأى ميسرة منه صفات حميدة لا تحصى ، فأخبر
خديجة بذلك. فأعجبت به وتزوجته صلىاللهعليهوآلهوسلم وهي بنت أربعين سنة. وكانت خديجة عليهاالسلام خير نساء قريش نسبا ، وأكثرهن مالا ، وأوفرهن جمالا ،
وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة وبسيدة قريش. ولم يتزوج صلىاللهعليهوآلهوسلم عليها حتّى ماتت. وهي أول من آمن به على الإطلاق ، حين بعث
بالنبوة ، وعمره أربعون سنة.
ـ أولاد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : (المصدر السابق)
أما أولاده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد ذكر العلماء أنهم سبعة : ثلاثة ذكور وأربعة بنات ،
وكلهم من خديجة عليهاالسلام ما عدا (إبراهيم) من مارية القبطية. فأما الذين من خديجة ،
فأول من ولد منهم (القاسم) وبه كان يكنّى ،
ثم زينب ثم رقية
ثم فاطمة ثم أم كلثوم ، ثم الطاهر. وقد ولد هؤلاء كلهم بمكة. ثم ولد إبراهيم
بالمدينة. وقد مات الذكور الثلاثة صغارا. أما (زينب) فتزوجت من ابن خالتها أبو
العاص بن الربيع ، فولدت له عليا وأمامة ؛ فأما عليّ فمات مراهقا يوم الفتح ، وأما
أمامة فتزوجها الإمام علي عليهالسلام بعد وفاة فاطمة عليهاالسلام بوصية منها. وأما (رقية) فتزوجها عثمان بن عفان ، فولدت له
عبد الله ، فمات وعمره ست سنين. وبعد وفاة رقية تزوج عثمان أختها (أم كلثوم) ،
ولذلك سمّي ذو النورين ، ولم تنجب له ولدا.
وانحصر نسل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بفاطمة الزهراء عليهاالسلام التي حاول كثير من الصحابة خطبتها ، حتّى نزل الأمر الإلهي
بتزويجها من ابن عمها علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ليلتقي النوران المباركان في الحسن والحسين عليهماالسلام ، ويكون من هذه السلالة المختارة الأئمة الأطهارعليهمالسلام.
تزوج الإمام علي عليهالسلام من فاطمة الزهراء عليهاالسلام في السنة الثانية من الهجرة وعمرها عشر سنين ، وعمره عليهالسلام ٢٥ سنة. ولما تزوجت فاطمة عليهاالسلام من
علي عليهالسلام نضح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الماء على رأسها وصدرها ، وقال : «إني أعيذها بك وذرّيتها
من الشيطان الرجيم».
وتوفيت فاطمة عليهاالسلام بعد وفاة أبيها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بثلاثة أشهر ، وقيل ستة أشهر ، ودفنها الإمام علي عليهالسلام ليلا سرا ، وعمرها الشريف على التحقيق ١٨ عاما ، وفي بعض
روايات العامة ٢٨ عاما. ولم يتزوج عليهالسلام غيرها في حياتها.
٦ ـ ترجمة الإمام علي عليهالسلام وأولاده
١٥ ـ ترجمة الإمام
علي عليهالسلام :
هو علي بن أبي
طالب بن عبد المطلب بن هاشم. وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم. ولم يكن في زمانه هاشمي
ولد من هاشمية إلا هو وإخوته.
كنيته : أبو الحسن
، ولقبه : سيد الوصيين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، والإمام ، وأمير المؤمنين ،
والصدّيق الأكبر ، والفاروق الأعظم ، وقسيم الجنة والنار ، والوصي ، وحيدرة ، وأبو
تراب.
وهو أول من أسلم
بعد خديجة عليهاالسلام وعمره اثنا عشر عاما.
هيئته عليهالسلام : (المختصر في أخبار البشر لابن الوردي ، ج ١ ص ٢٥٠)
كان الإمام علي عليهالسلام شديد الأدمة ، عظيم العينين ، بطينا أصلع ، عظيم اللحية ،
كثير شعر الصدر ، مائلا إلى القصر ، حسن الوجه ، لا يغيّر شيبه ، كثير التبسّم.
١٦ ـ شيء من فضائل
الإمام عليهالسلام :
(المصدر السابق ، ص ٢٥١)
فضائل الإمام علي عليهالسلام أكثر من أن تحصى. منها مشاهده مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حروبه كلها ، ومؤاخاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم له عند الهجرة ، وسبق إسلامه ، ومبيته على فراش النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم له يوم خيبر وقد عجزت الأقران عن فتح الحصن : «لأعطينّ
الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله». وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم غدير خم : «من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه». وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى؟». وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أقضاكم علي».
(أقول) : وإذا
كانت مقوّمات الخلافة وقيادة الأمة تتركز في عاملين أساسيين
هما : العلم
والقوة ، فقد اجتمعا فيه عليهالسلام دون غيره. فأما في العلم والحكمة ، فيكفيه قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه : «أنا مدينة العلم وعلي بابها». وأما في القوة
والشجاعة ، فقد كان المجليّ في كل الحروب ، ويكفيه قول جبرئيل في معركة أحد : «لا فتى
إلا علي ، ولا سيف إلا ذو الفقار». وقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
في غزوة الخندق : «ضربة
علي يوم الخندق ، تعدل عمل الثّقلين إلى يوم القيامة».
ولله درّ الشاعر
الإيراني سعدي الشيرازي وهو من السنّة ، حين أراد أن يصوّر فضائل الإمام علي عليهالسلام ، فقال :
كتاب فضل تو را
آب بحر كافى نيست
|
|
كه تر كنند
سرأنكشت وصفحه بشمارند
|
والمعنى : إذا
أردت أن تعدّ صفحات كتاب فضائل علي عليهالسلام فإن ماء البحر لن يكفيك لترطيب رؤوس أصابعك. وقد انتزع
الشاعر هذا المعنى من قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي
الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ
أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان: ٢٧] صدق الله العظيم.
١٧ ـ زوجات الإمام
علي وأولاده عليهمالسلام :
رزق الإمام علي عليهالسلام من الأولاد الذكور ١٤ ، ومن الإناث ١٩ ، على خلاف في ذلك.
وأول أزواج الإمام
علي عليهالسلام فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، لم يتزوج عليها في حياتها ، وولدت له الحسن والحسين (والسقط
محسن) وزينب العقيلة وأم كلثوم.
وبعد وفاة فاطمة عليهالسلام تزوج أم البنين فاطمة بنت حزام الكلابية ، فولدت له أربعة
بنين : العباس وجعفرا وعبد الله وعثمان. وقد قتل الأربعة مع الحسين عليهالسلام يوم الطف ، ولم يعقب منهم غير العباس عليهالسلام.
وتزوج علي عليهالسلام ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلية التميمية ، وولدت له عبيد
الله وأبا بكر ، قتلا مع الحسين عليهالسلام أيضا.
وتزوج عليهالسلام أسماء بنت عميس الخثعمية ، وولدت له محمدا الأصغر ، ويحيى
توفي في حياة أبيه.
وولد له من
الصهباء (أم حبيب) بنت ربيعة التغلبية من سبي خالد بن الوليد بعين
نسل الإمام علي بن أبي طالب


بقية نسل الإمام علي (ع)
[الذكور] :

التمر : عمر
الأطرف ورقية (توأمان). وكان عمر المذكور آخر ولد أبيه ، وعاش خمسا وثمانين سنة ،
وحاز نصف ميراث أبيه عليهالسلام.
وتزوج علي عليهالسلام أيضا أمامة بنت أبي العاص بن الربيع ـ بناء على وصية فاطمة
عليهاالسلام ـ وأمها زينب بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وولدت له محمّد الأوسط ، ولا عقب له.
وولد له عليهالسلام من خولة بنت جعفر الحنيفة : محمّد الأكبر ابن الحنفية ،
وله عقب.
البنات : وكانت له
عليهالسلام بنات من أمهات شتى ، منهن : أم الحسن (أو أم الحسين) ورملة
الكبرى ، من أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي. ومن بناته : أم هانئ وميمونة وزينب
الصغرى ورملة الصغرى وأم كلثوم الصغرى وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرام وأم سلمة
وأم جعفر (جمانة) ونفيسة ، لأمهات أولاد شتى.
وبنوه الذكور لم
يعقب منهم إلا خمسة : الحسن والحسين عليهماالسلام ومحمد ابن الحنفية والعباس وعمر الأطراف رضي الله عنهم. [انظر
مخطط نسل الإمام علي عليهالسلام ص ١١٥].
وتوفي الإمام علي عليهالسلام وخلفّ أربع حرائر : أمامة بنت زينب بنت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وليلى التميمية ، وأسماء بنت عميس ، وفاطمة بنت حزام
الكلابية (أم البنين) ، وثمانية عشر ولدا.
وكانت وفاته عليهالسلام سنة ٤٠ ه وعمره الشريف ٦٣ عاما ، ودفن في الغريّ (النجف).
١٨ ـ زواج أمير
المؤمنين عليهالسلام بأم البنين رضي الله عنها :
(المجالس السّنيّة للسيد محسن الأمين ، ج ١ ص ١٣٣)
قال أمير المؤمنين
عليهالسلام لأخيه عقيل ، وكان نسّابة عالما بأخبار العرب وأنسابهم :
إبغني امرأة قد ولدتها الشجعان من العرب ، لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا. فقال له
عقيل : أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية (وهي المكنّاة أم البنين) فإنه ليس في
العرب أشجع من آبائها ولا أفرس. فتزوجها علي عليهالسلام فولدت له : العباس ثم عبد الله ثم جعفر ثم عثمان. وحضر
هؤلاء الإخوة الأربعة مع أخيهم الحسين عليهالسلام يوم كربلاء ، وأبلوا في نصرته بلاء حسنا ، وجاهدوا أمامه
حتّى قتلوا
جميعهم. وكان
أحسنهم بلاء وأعظمهم جهادا ومواساة لأخيه الحسين عليهالسلام أبو الفضل العباس وهو أكبرهم ، وكان عمره يومئذ أربعا وثلاثين
سنة.
١٩ ـ عقب بنات
الإمام علي عليهالسلام :
(نسب قريش لمصعب الزبيري ص ٤٥)
١ ـ كانت رقية
الصغرى بنت علي عليهالسلام عند مسلم بن عقيل عليهالسلام ، فولدت له : عبد الله قتل يوم الطف ، وعليا ومحمدا. وقد
انقرض ولد مسلم عليهالسلام.
٢ ـ كانت زينب
الصغرى بنت علي عليهالسلام عند محمّد بن عقيل بن أبي طالبعليهالسلام ، فولدت له : عبد الله وعبد الرحمن والقاسم.
٣ ـ كانت أم هانئ
بنت علي عليهالسلام عند عبد الله الأكبر بن عقيل عليهالسلام ، فولدت له : محمدا قتل بالطف ، وعبد الرحمن ومسلما وأم
كلثوم.
٤ ـ وكانت ميمونة
بنت علي عليهالسلام عند عبد الله الأكبر بن عقيل عليهالسلام ، فولدت له عقيلا.
٥ ـ وكانت أم
كلثوم الصغرى (نفيسة) عند عبد الله الأكبر بن عقيل عليهالسلام ، فولدت له : أم عقيل.
٦ ـ وكانت خديجة
بنت علي عليهالسلام عند عبد الرحمن بن عقيل عليهالسلام ، فولدت له : سعيدا وعقيلا.
٧ ـ وكانت فاطمة
بنت علي عليهالسلام عند محمّد بن أبي سعيد بن عقيل عليهالسلام ، فولدت له : حميدة.
٨ ـ وكانت أمامة
بنت علي عليهالسلام عند الصلت بن عبد الله.
٧ ـ أولاد الإمام الحسن عليهالسلام وزوجاته
٢٠ ـ أولاد الإمام
الحسن عليهالسلام :
(إسعاف الراغبين
لمحمد الصبان بهامش نور الأبصار للشبلنجي ص ١٨٣) نقل سبط ابن الجوزي في (تذكرة
الخواص) عن ابن سعد في طبقاته ، أنه كان للحسن عليهالسلام من الأولاد :
محمّد الأصغر ـ جعفر
ـ حمزة ـ محمّد الأكبر ـ زيد ـ الحسن المثنى ـ
إسماعيل ـ يعقوب ـ
القاسم ـ أبو بكر ـ طلحة ـ عبد الله. فاطمة ـ أم الحسن ـ أم الخير ـ أم عبد الرحمن
ـ أم سلمة ـ أم عبد الله.
وعن الأسلمي أنهم
: علي الأكبر ـ علي الأصغر ـ جعفر ـ عبد الله ـ القاسم ـ زيد ـ عبد الرحمن ـ إسماعيل
ـ الحسين الأثرم ـ عقيل ـ الحسن المثنى. فاطمة ـ سكينة ـ أم الحسن.
واقتصر البلاذري
في (أنساب الأشراف) على ذكر :
الحسن المثنى ـ زيد
ـ حسين ـ عبد الله ـ أبي بكر ـ عبد الرحمن ـ القاسم ـ طلحة ـ عمرو.
رواية
أخرى : (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة ص ٥٥)
وفي رواية شيخ
الشرف العبيدلي أنه ولد للحسن عليهالسلام تسعة عشر ولدا : منهم خمس بنات ، وأحد عشر ذكرا ، هم :
زيد ـ الحسن
المثنى ـ الحسين (الأثرم) ـ طلحة ـ إسماعيل ـ عبد الله ـ حمزة ـ يعقوب ـ عبد
الرحمن ـ أبو بكر ـ عمر.
وزاد الموضّح
النسابة : القاسم ، وهي زيادة صحيحة. وقال : عبد الله هو أبو بكر.
وأما البنات فهن :
أم الحسين (أو أم الخير أو رملة) ـ أم الحسن ـ فاطمة ـ أم سلمة ـ أم عبد الله.
وزاد الموضّح : رقية.
وقال أبو نصر
البخاري : أولد الحسن بن علي عليهالسلام ١٣ ذكرا وست بنات. أعقب من ولد الحسن عليهالسلام أربعة : زيد والحسن المثنى والحسين الأثرم وعمر.
إلا أن الحسين
الأثرم وعمر انقرضا سريعا ، وبقي عقب الحسن عليهالسلام من رجلين لا غير : زيد والحسن المثنى ، وزيد هو أكبر أولاد
الحسن عليهالسلام.
٢١ ـ أولاد الحسن عليهالسلام وأمهاتهم :
(نسب قريش لمصعب الزبيري ص ٤٦)
ـ الحسن بن الحسن عليهالسلام : أمه خولة بنت منظور بن زبّان.
ـ زيد بن الحسن عليهالسلام ، أم الخير : أمهما أم بشر بنت أبي مسعود بن عقبة
الأنصاري.
ـ القاسم ، أبو
بكر (عبد الله) : قتلا يوم الطف ، أمهما أم ولد اسمها (نفيلة).
ـ طلحة بن الحسن عليهالسلام درج : أمه أم اسحق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي.
ـ عمرو ، عبد
الرحمن ، الحسين الأثرم : لأمهات أولاد شتى.
ـ أم عبد الله ،
فاطمة ، أم سلمة ، رقية : لأمهات أولاد شتى.
٢٢ ـ عقب بنات
الحسن عليهالسلام :
ـ كانت أم الحسين
عند عبد الله بن الزبير بن العوام.
ـ وكانت أم عبد
الله عند زين العابدين علي بن الحسين عليهالسلام فولدت له الحسن والحسين الأكبر ، ومحمد الباقر عليهالسلام ، وعبيد الله.
ـ وكانت رقية عند
عمرو بن المنذر بن الزبير بن العوام.
ـ وكانت أم سلمة
عند عمر بن زين العابدين عليهالسلام.
٨ ـ أولاد الإمام الحسين عليهالسلام وزوجاته
تمهيد حول تعدد
الأسماء :
يظهر جليّا أن عدد
أولاد الحسين عليهالسلام أقل بشكل ملحوظ من أولاد أخيه الحسن عليهالسلام أو من أولاد أي شخص آخر من الهاشميين ، كأبناء الإمام علي عليهالسلام وأبناء عقيل وأبناء عبد الله بن جعفر. ورغم هذا فقد قدّم
الإمام الحسين عليهالسلام كل أولاده في كربلاء ، ولم يبق منهم إلا زين العابدين عليهالسلام الّذي شاء الله أن تدوم منه ذرية الإمامة.
قيل لعلي بن
الحسين عليهالسلام : ما أقلّ ولد أبيك؟. قال : العجب كيف ولدت له. إنه كان
يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يفرغ للنساء؟!.
وعند تعداد أولاد
الإمام الحسين عليهالسلام نجد ظاهرة غريبة عند أهل البيت عليهمالسلام. فقد كان الواحد منهم يسمّي بنفس الاسم أكثر من ولد من
أولاده. فلسنا نغالي إذا قلنا : إن كل أولاد الحسين عليهالسلام كان اسمهم (علي) ، ومن هنا كانوا يضطرون للتمييز بينهم أن
يقولوا : علي الأكبر ، وعلي الأوسط ، وعلي الأصغر.
في كتاب (النسب)
عن يحيى بن الحسن ، قال يزيد لعلي بن الحسين عليهالسلام : واعجبا لأبيك سمّى عليّا وعليا!. فقال عليهالسلام : إن أبي أحبّ أباه فسمّى باسمه مرارا. (وفي رواية أخرى)
قال زين العابدين عليهالسلام : إنه لو كان للحسين عليهالسلام مائة ولد لسمّى كل واحد منهم عليا ، باسم أبيه عليهالسلام.
وهذا الأمر ينطبق
أيضا على بنات الإمام علي عليهالسلام ، فلقد سمّى الإمام ثلاثة من بناته باسم (زينب) تيمّنا
باسم زينب بنت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولا يخفى كم سبّب هذا من خلط عند الرواة حين يذكرون اسم
زينب بدون تحديد. وهذه الزينبات الثلاث هن : زينب الكبرى وهي العقيلة ، وزينب
الصغرى أم كلثوم ، وكلتاهما من بنات السيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، ثم زينب ثالثة أصغر منهما لأم أخرى. وحصل الالتباس أيضا
من أن زينب العقيلة عليهاالسلام يطلق عليها البعض اسم زينب الصغرى ، تمييزا لها عن خالتها
زينب بنت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم التي اعتبروها الكبرى ، بينما يطلق البعض عليها اسم زينب
الكبرى تمييزا لها عن أختها زينب الصغرى أم كلثوم.
ومن هذا القبيل ما
حصل من خلط كبير بين أبناء الحسين عليهالسلام الثلاثة الذين كانوا معه في كربلاء ، والذين هم باسم واحد (علي)
؛ أيهم الأكبر وأيهم الأوسط وأيهم الأصغر ، وأيهم في ترتيب الكبر زين العابدين عليهالسلام. مما سنناقشه في الفقرة التالية.
٢٣ ـ أولاد الإمام
الحسين عليهالسلام :
أغلب الروايات على
أن عدد أولاد سيدنا الحسين عليهالسلام عشرة ؛ منهم ستة ذكور وأربع بنات ، وإن كان أكثرهم لم
يذكروا اسم البنت الرابعة.
ففي (مطالب
السّؤول) لمحمد بن طلحة الشافعي (ص ٧٠ ط حجر إيران) أنهم :
الذكور : علي
الأكبر ـ علي الأوسط (زين العابدين) ـ علي الأصغر ـ محمّد ـ عبد الله ـ جعفر. وقد
مات محمّد في حياة أبيه ، كما مات جعفر في حياة أبيه صغيرا.
البنات : زينب ـ فاطمة
ـ سكينة (ولم يذكر الرابعة) وهي رقية التي توفيت في دمشق صغيرة.
وذكر أن المقتول
في كربلاء بالسهم هو الطفل علي الأصغر ، وأن عبد الله قتل مع أبيه شهيدا.
وقال : ويذكر
البعض أن زين العابدين عليهالسلام هو الأصغر ، ومنهم
من يزعم أنه الأكبر ، كما سترى!.
٢٤ ـ أيّهم علي
الأكبر؟ :
بالنسبة لأبناء
الحسين عليهالسلام الذكور ، باعتبار أن محمدا وجعفرا توفيّا في حياة أبيهما
الحسين عليهالسلام وكذلك السقط محسن ، فالذين حضروا الطف منهم هم : علي
الأكبر وعلي الأوسط وعلي الأصغر وعبد الله الرضيع.
وقد مال البعض إلى
اعتبار الأكبر هو زين العابدين عليهالسلام ، والأصغر شهيد كربلاء ، ولم يذكر الأوسط مطلقا ، وهذا ما
اعتمده الشيخ المفيد فقط.
كما مال البعض
الآخر إلى تسمية زين العابدين عليهالسلام عليا الأصغر ، وفي هذه الحالة لا يعتبر ولدا ثالثا باسم (علي).
منهم مصعب الزبيري في (نسب قريش) ، واليعقوبي في تاريخه ، وسبط ابن الجوزي في
تذكرته ، والمنّاوي في طبقاته.
إلا أن الأكثرية
على أن زين العابدين عليهالسلام هو علي الأوسط ، وأن أول المستشهدين من أهل البيت عليهمالسلام في كربلاء هو علي الأكبر عليهالسلام. منهم ابن شهراشوب وابن طلحة الشافعي وغيرهما.
يقول العلامة
المجلسي في (البحار ، ج ٤٥ ص ٣٣٢ ، ط ٣) بعد استعراض جملة من الروايات : الصحيح أن
للحسين عليهالسلام ثلاثة أولاد باسم علي ، وزين العابدينعليهالسلام هو علي الأوسط ، كما ذكر ابن طلحة الشافعي.
٢٥ ـ أيهم علي
الأصغر؟ :
الناحية الثانية
في الموضوع ، هي أن الذين اعتبروا الأكبر شهيد كربلاء ، والأوسط زين العابدين عليهالسلام ، اعتبر بعضهم عبد الله الرضيع باسم علي الأصغر عليهالسلام ، وهو الّذي جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه ، والبعض
الآخر اعتبر طفلا آخر باسم علي الأصغر ، أكبر من عبد الله الرضيع ، استشهد مع أبيه
عليهالسلام جاءه سهم فمات. وفي حين اعتبر البعض أن عمر عبد الله
الرضيع عدة أشهر ، اعتبر بعضهم أنه ولد في نفس اليوم الّذي قتل فيه ، أي يوم
عاشوراء (ذكر ذلك صاحب الحدائق الوردية) ، وهي رواية نادرة.
والخلاصة : إنه
كان للإمام الحسين عليهالسلام ثلاثة أبناء باسم (علي) غير عبد الله الرضيع ، كما دلت على
ذلك رواية ابن طلحة الشافعي وروايات أخرى ، وكلهم استشهدوا في كربلاء ما عدا زين
العابدين عليهالسلام ، وهو علي الأوسط.
٢٦ ـ بنات الحسين عليهالسلام :
أما بنات الحسين عليهالسلام فقد ذكر بعضهم أنهن اثنتان : فاطمة وسكينة ، والكبرى
فاطمة. وذكر آخرون أنهن أربعة : زينب وفاطمة وسكينة ، ولم يذكروا الرابعة ، وهي
حتما رقية عليهاالسلام التي ماتت في دمشق ، ودفنت في الخربة قرب دار يزيد.
قال الحمزاوي في
كتاب (النفحات) : وكانت للحسين عليهالسلام بنت تسمى رقية ، وأمها شاه زنان بنت كسرى ، خرجت مع أبيها
الحسين عليهالسلام من المدينة حين خرج ، وكان لها من العمر خمس سنين ، وقيل
سبع سنين ، حتّى جاءت معه إلى كربلاء (المصدر : معالي السبطين ، ص ١٢٨).
ولكن زينب بنت الحسين
عليهاالسلام لم يرد ذكرها في وقعة الطف ، إنما ورد ذكر عمتها زينب
العقيلة بنت الإمام علي عليهاالسلام ، وهي بطلة كربلاء.
وفي بعض الأخبار
أن الحسين عليهالسلام ترك في المدينة ابنة صغيرة له اسمها (فاطمة الصغرى) تركها
عند أم سلمة ، (وفي رواية) عند أسماء بنت عميس ، لأنها كانت مريضة ، وهي التي جاء
الغراب المتمرغ في دمه يوم عاشوراء فوقع بالمدينة على جدار دارها ، مخبرا إياها
بوفاة أبيها ، فهي غير فاطمة بنت الحسين عليهاالسلام السابقة.
٢٧ ـ أولاد الحسين
عليهالسلام وأمهاتهم :
الذكور :
اسم الولد
|
|
اسم أمّه
|
١ ـ علي بن
الحسين الأكبر (شهيد كربلاء)
|
|
أمه ليلى بنت
أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وأمها بنت أبي سفيان ابن حرب
|
٢ ـ علي بن
الحسين الأوسط (زين العابدينعليهالسلام)
|
|
أمه شاه زنان
بنت كسرى يزدجرد بن شهريار بن أبرويز ملك الفرس. وكان الحسين عليهالسلام سمّاها : غزالة (تاريخ اليعقوبي)
|
٣ ـ علي بن
الحسين الأصغر
|
|
أمه سلافة (ابن
قتيبة) ، أو شهربانويه (ابن شهراشوب)
|
٤ ـ عبد الله
الرضيع
|
|
أمه الرباب بنت
امرئ القيس الكلبية
|
٥ ـ جعفر
|
|
أمه السلافة [قضاعية]
من بليّ (تذكرة الخواص)
|
٦ ـ محمّد
|
|
أمه الرباب (ابن
شهراشوب)
|
٧ ـ السقط محسن
|
|
دفن في جبل
الجوشن غربي حلب
|
والمعقب الوحيد من
ولد الحسين عليهالسلام هو زين العابدين علي بن الحسين عليهالسلام ، فلم يكن على وجه الأرض حسيني إلا من نسله.
البنات :
١ ـ زينب (أم
كلثوم)
|
|
لم نعثر على
أحوالها
|
٢ ـ فاطمة (أم
الحسن)
|
|
أمها أم اسحق
بنت طلحة بن عبيد الله التيمية
|
٣ ـ سكينة
|
|
أمها الرباب بنت
امرئ القيس الكلبية ، أم عبد الله الرضيع
|
٤ ـ رقية
|
|
أمها شاه زنان
بنت كسرى يزدجرد ، أم الإمام زين العابدين عليهالسلام (مشارق الأنوار عن درر الأصداف)
|
٥ ـ فاطمة
الصغرى
|
|
لم نعثر على
أحوالها.
|
نسل بنات الحسين عليهالسلام :
١ ـ فاطمة بنت
الحسين عليهاالسلام
|
|
تزوجت بابن عمها
الحسن المثنى ، ثم بعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، فأولدها الديباج.
|
٢ ـ سكينة بنت
الحسين عليهاالسلام
|
|
تزوجت بابن عمها
عبد الله بن الحسن عليهالسلام فقتل عنها يوم كربلاء قبل أن يبني بها ، ثم تزوجها مصعب
بن الزبير قهرا ، ولما قتل تزوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله ، ثم خلف عليها
زيد بن عمرو ابن عثمان بن عفان
|
٢٨ ـ زوجات الإمام
الحسين عليهالسلام :
(أدب الطف لجواد شبّر ، ص ٤٦)
١ ـ شاهزنان (أو
شهربانويه) بنت يزدجرد بن شهريار كسرى : وهي أم زين العابدين عليهالسلام. و (شاه زنان) تعني بالفارسية : ملكة النساء. وسوف تأتي
قصة زواج الإمام عليهالسلام منها.
٢ ـ ليلى بنت أبي
مرة بن عروة الثقفي ، عظيم القريتين الّذي قالت فيه قريش :
(لَوْ لا نُزِّلَ هذَا
الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) وعنوا بالقريتين مكة والطائف. وليلى هي أم علي الأكبر عليهالسلام أول المستشهدين يوم الطف من آل أبي طالبعليهمالسلام.
٣ ـ الرباب بنت
امرئ القيس بن عدي الكلبية : وهي أم عبد الله الرضيع وسكينة.
٤ ـ أم اسحق بنت
طلحة بن عبيد الله التيمية : وهي أم فاطمة (أم الحسن). وكانت أولا عند الإمام
الحسن عليهالسلام. وإنما تزوجها الحسين عليهالسلام بوصية أخيه الحسن عليهالسلام ، إذ قال له عند وفاته : لا أريد أن تخرج هذه المرأة من
بيتكم ، وإني راض عنها.
٥ ـ المرأة
القضاعية (سلافة) : وهي أم جعفر ، وقد مات جعفر في حياة أبيهعليهالسلام.
٢٩ ـ قصة زواج
الحسين عليهالسلام من شاهزنان والدة زين العابدين عليهالسلام :
قال ابن هشام في (السيرة
الحلبية) :
لما جيء ببنات
كسرى أسارى وكنّ ثلاثا ، مع أمواله وذخائره إلى عمر ، وقفن
بين يديه ، وأمر
المنادي أن ينادي عليهن ، وأن يزيل نقابهن عن وجوههن ، ليزيد المسلمون في ثمنهن ،
فامتنعن من كشف نقابهن ، ووكزن المنادي في صدره.
فغضب عمر وأراد أن
يعلوهن بالدرّة وهن يبكين. فقال له الإمام علي عليهالسلام : مهلا يا أمير المؤمنين ، فإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «ارحموا عزيز قوم ذلّ ، وغنيّ قوم افتقر». فسكن
غضبه. فقال له علي عليهالسلام : بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن من بنات السّوقة.
فقال له عمر : كيف الطريق إلى العمل معهن؟. فقال عليهالسلام : يقوّمن ، ومهما بلغ ثمنهن يقوّم به من يختارهن. فقوّمن ،
وأخذهن علي عليهالسلام ؛ فدفع واحدة لعبد الله بن عمر ، فجاء منها بولده سالم ؛
وأخرى لمحمد بن أبي بكر ، فجاء منها بولده القاسم ؛ والثالثة لولده الحسين عليهالسلام ، فجاء منها بولده علي زين العابدين عليهالسلام.
وهؤلاء الأولاد
الثلاثة فاقوا أهل المدينة علما وورعا. وكان أهل المدينة قبل ذلك يرغبون عن التسري
، فلما نشأ هؤلاء الثلاثة منهن رغبوا في اتخاذ الجواري.
(أقول) : إن أسماء
بنات يزدجرد الثلاث :
ـ شاهزنان (وتعني
ملكة النساء) : التي تزوجها الإمام الحسين عليهالسلام.
ـ شهر بانو (وتعني
سيدة البلد) : التي تزوجها عبد الله بن عمر.
ـ كيهان بانو (وتعني
سيدة العصر) : التي تزوجها محمّد بن أبي بكر.
وقد مرّ معي في
إحدى الروايات أن الحسين عليهالسلام بعد أن توفيت شاهزنان تزوج شهربانو أو شهربانويه ، ولذلك
حصل خلط بين الاسمين. وفي رواية أن شاهزنان توفيت وهي تلد زين العابدين عليهالسلام ، وهي رواية شاذة.
٣٠ ـ قصة زواج
الحسين عليهالسلام من الرباب ، ومدى إخلاصها له :
(ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٢ ص ١٤٢)
جاء في (الإصابة)
أن امرأ القيس بن عدي الكلبي ، كان أميرا على قضاعة الشام.
فقال له علي عليهالسلام : هذان ابناي ، وقد رغبنا في صهرك ، فأنكحنا بناتك. فقال
امرؤ القيس : قد أنكحتك يا علي [المحياة] ابنتي ، وأنكحتك يا حسن
[سلمى] ابنتي ،
وأنكحتك يا حسين [الرباب] ابنتي ، وهي أم سكينة عليهاالسلام.
وفي الرباب
وابنتها سكينة يقول الحسين عليهالسلام شعرا يدل على حبه الشديد لها :
لعمرك إنني
لأحبّ دارا
|
|
تحلّ بها سكينة
والرباب
|
والرباب هي التي
أقامت على الروضة المكرمة للحسين عليهالسلام في كربلاء حولا كاملا ، تبكي على الحسين عليهالسلام. ثم أنشدت :
إلى الحول ثم
اسم السلام عليكما
|
|
ومن يبك حولا
كاملا فلقد عذر
|
والمخاطب بالسلام
عليكما في هذا البيت هما : زوجها الحسين عليهالسلام وابنها عبد الله الرضيع عليهالسلام.
الفصل الثالث
توطئة في أهل البيت عليهمالسلام وفضائلهم
١ ـ من هم أهل
البيت عليهمالسلام؟ :
ـ من هم آل الرسول
عليهمالسلام؟
ـ من هم أهل البيت
عليهمالسلام؟
ـ من هم العترة؟
ـ من هم ذوو
القربى؟
٢ ـ أهل البيت عليهمالسلام هم الأئمة الاثنا عشر
٣ ـ أهل البيت عليهمالسلام هم الخمسة أصحاب الكساء :
حديث الكساء ـ آية
المباهلة ـ آية المودة
٤ ـ فضائل أهل
البيت عليهمالسلام :
ـ بعض فضائل
الإمام علي عليهالسلام
ـ جملة من فضائل
فاطمة الزهراء عليهاالسلام
ـ فضائل الخمسة
أصحاب الكساء عليهمالسلام
ـ فضائل الأئمة
الاثني عشر عليهمالسلام
٥ ـ محبة أهل
البيت عليهمالسلام : تفسير آية المودة
ـ عقاب من يبغض
أهل البيت عليهمالسلام
ـ موالاة أهل
البيت عليهمالسلام : حديث الثقلين وحديث الغدير
ـ أشعار في موالاة
أهل البيت عليهمالسلام.
الفصل الثالث :
توطئة في أهل البيت عليهمالسلام
وفضائلهم
مقدمة الفصل :
نبدأ الفصل ببحث
قيّم حول معنى (أهل البيت) والألفاظ المختلفة التي تطلق عليهم ، مثل : آل الرسول ـ
عترة النبي ـ ذوو القربى. فهم بالمعنى الضيّق الخمسة أصحاب الكساء. وبالمعنى
الموسّع المعصومون الأربعة عشر ؛ وهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفاطمة والأئمة الاثنا عشر عليهمالسلام. وبالمعنى الأوسع كل أقرباء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعشيرته الذين حرموا الصدقة من بعده.
ويلجئنا هذا إلى
الحديث حول ثبوت إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهمالسلام الذين أولهم علي عليهالسلام وآخرهم المهدي عليهالسلام.
وبعد هذه المقدمة
نشرع في ذكر فضائل أهل البيت عليهمالسلام مبتدئين بالإمام علي عليهالسلام وزوجته فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، ثم بفضائل الخمسة أصحاب الكساء عليهمالسلام والذين من ضمنهم الفرقدان الحسن والحسين عليهماالسلام ، ثم بفضائل الأئمة الاثني عشر عليهمالسلام. ومن أبرز هذه الفضائل توصية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمحبة أهل البيت عليهمالسلام ومودتهم وموالاتهم ونصرتهم والمحافظة عليهم. والفرق بين
المحبة والمودة ، أن المحبة شيء قلبي ، بينما المودة فشيء تطبيقي ، يقول تعالى على
لسان نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣].
١ ـ من هم أهل البيت عليهمالسلام؟
٣١ ـ من هم أهل
البيت عليهمالسلام؟ :
نستخدم عبارة (أهل
البيت) كثيرا في كتاباتنا وخطبنا. كما نطلق عبارات أخرى على أهل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل (آل الرسول) و (عترة النبي).
و (ذوي القربى).
فلنحدد مدلول هذه العبارات والمصطلحات ، التي يحتلّ الحسين عليهالسلام ذروة سنام المجد منها.
ولم أجد لهذه
الغاية أفضل من فضل عقده محبّ أهل البيت عليهمالسلام كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي في أول كتابه :
(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول)
هذا الكتاب الّذي
فتّشت عنه كثيرا حتّى وجدت نسخة حجرية منه في مكتبة الأسد ، مطبوعة في ذيل كتاب
لسبط ابن الجوزي هو :
(تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة)
وهي طبعة حجرية
قديمة طبعت في إيران سنة ١٢٨٧ ه.
يقول ابن طلحة
الشافعي في سبب تأليفه لكتابه الجليل (مطالب السّؤول) : كنت في شبابي ألّفت كتابا
باسم (زبدة المقال في فضائل الآل) ثم وسّعته وألّفت كتاب (مطالب السّؤول في مناقب
آل الرسول).
وفي مقدمة الكتاب (ص
٣ ـ ٥) يقول رحمهالله :
هناك أربعة ألفاظ
يوصف بها (أهل النبي) وتطلق عليهم ، هي :
١ ـ آل الرسول
|
|
٢ ـ أهل البيت
|
٣ ـ العترة
|
|
٤ ـ ذوو القربى.
|
ثم يشرع في شرح
مضمون هذه الألفاظ ، فيقول :
٣٢ ـ من هم آل
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ :
قد تعددت أقوال
الناس في تفسير (الآل). فذهب قوم إلى أن آل الشخص أهل بيته. وقال آخرون : إن آل
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هم الذين حرّمت عليهم الزكاة ، وعوّضوا عنها خمس الخمس.
وقال آخرون : آل الشخص من دان بدينه وتبعه فيه. فهذه الأقوال الثلاثة أشهر ما قيل.
واستدل من قال
بالقول الأول بما أورده القاضي الحسين بن مسعود البغوي في كتابه الموسوم «بشرح سنة
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من الأحاديث المتفق على صحتها «يرفعه بسنده إلى عبد الرحمن
بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي إليك هدية سمعتها من رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟. فقلت : بلى ، فاهدها إليّ. فقال : سألنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقلنا : يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟. قال :
قولوا : «اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم
؛
وبارك على محمّد
وآل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. إنك حميد مجيد». فالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فسّر أحدهما (أي الأهل والآل) بالآخر ، فالمفسّر والمفسّر
به سواء في المعنى ، فقد بدّل لفظا بلفظ مع اتحاد المعنى ، فيكون آله أهل بيته ،
وأهل بيته آله. فيتحدا به في المعنى على هذا القول. ويكشف حقيقة ذلك أن أصل (آل)
أهل ، فأبدلت الهاء همزة. ويدل عليه أن الهاء ترد في التصغير ، فيقال في تصغير (آل)
أهيل ، والتصغير يردّ الأسماء إلى أصولها.
واستدل من قال
بالتفسير الثاني بما خرّجه الأئمة في أسانيدهم المتفق على صحتها : الإمام مسلم
وأبو داود والنسائي ، يرفعه كل واحد منهم بسنده في صحيحه ، إلى عبد المطلب بن
ربيعة بن الحارث ، قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ ، وإنها لا تحلّ
لمحمد ولا لآل محمّد. وبما نقل إمام دار الهجرة مالك بن أنس في موطئه بسنده إلى
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا تحل الصدقة لآل محمّد ، إنما هي أوساخ الناس.
فجعل حرمة الصدقات من خصائص آله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد قيل لزيد بن أرقم : من آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الذين حرّمت عليهم الصدقات؟ قال : آل علي وآل جعفر وآل
عباس وآل عقيل. وهذا التفسير قريب من الأول.
واستدل من قال
بالتفسير الثالث بقوله تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ
إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) (٥٩) [الحجر : ٥٩].
وأجمع المفسرون على أن المراد ب (آله) من آمن به وتبعه في دينه.
وإذا ظهر ما قيل
في تفسير (الآل) ، فالمعاني كلها مجتمعة فيهم عليهمالسلام : فهم أهل بيته ، وتحرم عليهم الزكاة ، وهم دائنون بدينه
ومتّبعون منهاجه وسبيله ، فإطلاق اسم الآل عليهم حقيقة فيهم بالاتفاق.
٣٣ ـ من هم أهل
البيت عليهمالسلام؟ :
وأما اللفظة
الثانية وهي (أهل البيت) فقد قيل هم من ناسبه إلى جده الأدنى ، وقيل من اجتمع معه
في رحم ، وقيل من اتصل به بنسب أو سبب.
وهذه المعاني كلها
موجودة فيهم عليهمالسلام. فإنهم يرجعون بنسبهم إلى جده عبد المطلب ، ويجتمعون معه
في رحم ، ويتصلون به بنسبهم وسببهم ، فهم أهل بيته حقيقة. فالآل وأهل البيت سواء ،
اتحد معناهما على ما شرح أولا ، واختلف على ما ذكر ثانيا ، فحقيقتهما ثابتة لهم عليهمالسلام.
وقد روى مسلم في
صحيحه بسنده عن زيد بن حيان ، قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى
زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ؛ رأيت
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت خيرا كثيرا.
حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال : يابن أخي لقد كبر سني وقدم عهدي ، ونسيت بعض الّذي
كنت أعي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما أحدثكم فاقبلوه وما لا فلا تكلّفونيه.
ثم قال : قام رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوما خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة ، فحمد الله
وأثنى عليه ، وعظ وذكّر ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس إنما أنا بشر ، يوشك أن
يأتيني رسول ربي (أي ملك الموت) فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثّقلين : أولهما كتاب
الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله
ورغّب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل
بيتي.
فقال له حصين :
ومن أهل بيته يا زيد ، أليس نساؤه بأهل بيته؟. قال : لا ، أهل بيته من حرموا
الصدقة بعده.
٣٤ ـ من هم العترة؟
:
وأما اللفظة
الثالثة وهي (العترة) ، فقد قيل : العترة هي العشيرة ، وقيل العترة هم الذرية ،
وقد وجد الأمران فيهم ؛ فإنهم عترته وذريته. وأما العشيرة فالأهل الأدنون ، وهم
كذلك. وأما الذرية ، فإن أولاد بنت الرجل ذريته. ويدل عليه قوله تعالى عن إبراهيم عليهالسلام : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ
داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا
وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٨٥) [الأنعام :
٨٤ ـ ٨٥]. فجعل الله سبحانه وتعالى هؤلاء المذكورين ، من ذرية إبراهيم ، ومن
جملتهم عيسى عليهالسلام ، ولم يتصل بإبراهيم إلا من جهة أمه مريم عليهاالسلام.
قصة الشعبي مع
الحجاج :
وقد نقل أن الشعبي
كان يميل إلى عترة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكان لا يذكرهم إلا ويقول : هم أبناء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وذريته. فنقل ذلك عنه إلى الحجاج بن يوسف الثقفي وتكرر ذلك
، وكثر نقله عنه إليه ، فأغضبه ذلك منه ونقمه عليه.
فاستدعاه الحجاج
يوما إلى مجلسه ، وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة
والبصرة وعلماؤهما
وقراؤهما. فلما دخل الشعبي عليه وسلّم ، فلم يبشّ به ، ولا وفّاه حقه من الرد
عليه. فلما جلس قال له : يا شعبي ما أمر تبلّغني عنك يشهد عليك بجهلك؟. قال : ما
هو يا أمير؟. قال : ألم تعلم أن أبناء الرجل من ينسبون إليه ، وأن الأنساب لا تكون
إلا للآباء؟ فما بالك تقول عن أبناء علي أنهم أبناء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وذريته ، وهل لهم اتصال برسول الله إلا بأمهم فاطمة عليهاالسلام؟ ، والنسب لا يكون بالبنات ، وإنما يكون بالآباء. فأطرق
الشعبي ساعة ، حتّى بالغ الحجاج في الإنكار عليه ، وقرّع إنكاره مسامع الحاضرين ،
والشعبي ساكت.
فلما رأى الحجاج
سكوته أطمعه ذلك في زيادة تعنيفه. فرفع الشعبي صوته وقال : يا أمير ، ما أراك إلا
متكلما كلام من يجهل كتاب الله وسنة رسوله ، ومن يعرض عنهما. فازداد الحجاج غيظا
منه ، وقال : ألمثلي تقول هذا ، يا ويلك!. قال الشعبي : نعم ، هؤلاء قرّاء المصرين
حملة الكتاب العزيز ، فكلّ منهم يعلم ما أقول. أليس قد قال الله تعالى حين خاطب
عباده بأجمعهم بقوله (يا بَنِي آدَمَ) [وقال (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) [المائدة : ٧٢].
وقال عن إبراهيم : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) [الأنعام : ٨٤]
إلى أن قال : (وَيَحْيى وَعِيسى) [الأنعام : ٨٥] أفترى يا حجاج اتصال عيسى بآدم وباسرائيل
الله.
(أي يعقوب)
وبإبراهيم خليل الله ، بأي آبائه كان؟. أو بأي أجداد أبيه؟ هل كان إلا بأمه مريم عليهاالسلام. وقد صحّ النقل عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال للحسن : «إنّ ابني هذا سيّد ...».
فلما سمع الحجاج
ذلك منه أطرق خجلا. ثم عاد يلطف بالشعبي ، واشتدّ حياؤه من الحاضرين.
وإذا وضح ذلك ،
فالعترة الطاهرة هم ذريته صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبناؤه وعشيرته ، فقد اجتمعت فيهم المعاني بأسرها.
٣٥ ـ من هم ذوو
القربى؟ :
وأما اللفظة
الرابعة وهي (ذوو القربى) فمستندها ما رواه الإمام أبو الحسن علي ابن أحمد الواحدي
في تفسيره ، يرفعه بسنده إلى ابن عباس ، قال :
لما نزل قوله
تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣]
قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم؟. قال : علي
وفاطمة وأبناؤهما عليهمالسلام.
٢ ـ أهل البيت عليهمالسلام هم الأئمة الاثنا عشر
ثم يخصص ابن طلحة
الشافعي القسم الثاني من مقدمته الرائقة (ص ٥) لذكر المعاني التي ذكر اختصاصهم بها
، وهي الإمامة الثابتة لكل واحد منهم ، وكون عددهم منحصرا في اثني عشر إماما.
٣٦ ـ ثبوت الإمامة لأئمة أهل البيت عليهمالسلام :
يقول ابن طلحة
الشافعي في (مطالب السّؤول) ص ٥ :
أما ثبوت الإمامة
لكل واحد منهم ، فإنه حصل ذلك لكل واحد بمن قبله. فحصلت للحسن النقي من أبيه علي
بن أبي طالب عليهالسلام. وحصلت بعده لأخيه الحسين الزكي منه عليهالسلام. وحصلت بعد الحسين لابنه زين العابدين منه عليهالسلام. وحصلت بعد زين العابدين لولده محمّد الباقر منه عليهالسلام. وحصلت بعد الباقر لولده جعفر الصادق منه عليهالسلام. وحصلت بعد الصادق لولده موسى الكاظم منه عليهالسلام. وحصلت بعد الكاظم لولده علي الرضا منه عليهالسلام. وحصلت بعد الرضا لولده محمّد القانع منه عليهالسلام. وحصلت بعد القانع لولده علي المتوكل منه عليهالسلام. وحصلت بعد المتوكل لولده الحسن الخالص منه عليهالسلام. وحصلت بعد الخالص لولده محمّد الحجة المهدي منه عليهالسلام.
وأما ثبوتها لأمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام فمستقصى على أكمل الوجوه في كتب الأصول. انتهى كلامه.
٣٧ ـ الخلفاء بعدي
اثنا عشر :
(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)
أخرج ابن حنبل في
مسنده عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول في حجة الوداع : لا يزال هذا الدين ظاهرا على من
ناواه ، ولا يضرّه مخالف ولا مطارق ، حتّى يمضي من أمتي اثنا عشر أميرا كلهم من
قريش.
وذكر القندوزي
الحنفي في (ينابيع المودة) باب ٧٧ ، عن كتاب (مودة القربى) بسنده عن جابر بن سمرة
، قال : كنت مع أبي عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «بعدي اثنا عشر خليفة». ثم أخفى صوته. فقلت لأبي :
ما الّذي أخفى صوته؟. (قال) قال : «كلهم من بني هاشم».
وروى أيضا في
ينابيعه عن جابر (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنا سيد النبيين ، وعليّ سيد الوصيين ، وإن أوصيائي
بعدي اثنا عشر ، أولهم علي وآخرهم المهدي».
٣٨ ـ من هم الاثنا
عشر خليفة غير أئمة أهل البيت عليهمالسلام؟ :
(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)
وروي عن الشعبي عن
مسروق عن ابن مسعود ، أنه عهد إلينا نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة ، بعدد نقباء بني إسرائيل.
وقال القندوزي في (ينابيع
المودة) أيضا : ذكر يحيى بن الحسن في كتاب
(العمدة) من عشرين
طريقا ، أن الخلفاء بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ؛ في البخاري من ثلاثة طرق ،
وفي مسلم من تسعة طرق ، وفي أبي داود من ثلاثة طرق ...
ثم قال : ذكر بعض
المحققين أن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم اثنا عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة. فبشرح الزمان وتعريف
الكون والمكان ، علم أن مراد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من حديثه هذا ، الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا
يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا
يمكن حمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن
عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «كلهم من بني هاشم». وفي رواية عبد الملك عن جابر ،
وإخفاء صوته صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذا القول ، يرجّح هذه الرواية ، لأنهم لا يحبون خلافة
بني هاشم. ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم عن العدد المذكور ،
ولقلة رعايتهم للقربى.
٣٩ ـ إمامة أهل
البيت عليهمالسلام منصوصة في كتب السنّة :
(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٩)
يقول الفاضل
الدربندي : فيا ليتهم قد تأملوا في الأخبار المتكاثرة المتضافرة المتواترة المفيدة
القطع واليقين ، والمروية عن طرقهم عن سيد المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في باب أن الخلفاء والأئمة من قريش ، بعد تأملهم في قصة
يوم الطف ، وما جرى على آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من يزيد الطاغي الكافر الزنديق وجنوده. فلو كانوا متأملين
في ذلك لعلموا أن إمامة أهل بيت العصمة آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم منصوصة في طرقهم ، بالنصوص المتضافرة المتواترة. فإنكار
قطعيات الشرع وضرورياته كفر ، وحمل
ما في تلك الأخبار
المتضافرة على غير آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كفر وجهل ، واستيقنتها أنفسهم ، وعتوا عتوّا كبيرا.
وبيان ذلك أنه قد
روى البخاري ومسلم والترمذي والنّسائي وابن ماجة وابو داود والسجستاني في صحاحهم
الستة ، ومالك في موطّئه ، وصاحب المصابيح ، وصاحب المشكاة ، وصاحب كتاب الفردوس ،
وأحمد بن حنبل في مسنده ، والفقيه ابن المغازلي في مناقبه ، والحافظ أبو نعيم في
حليته ، وغيرهم من حذقة الحديث من العامة ، بأسانيدهم المصححة عندهم عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أن الخلفاء والأئمة بعده اثنا عشر ، لا يزال الدين بهم
مستقيما إلى أن تقوم الساعة.
ففي صحيح مسلم
مسندا إلى عامر بن سعيد بن أبي العاص ، قال : كتبت إلى ابن سمرة مع غلامي نافع أن
أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فكتب إليّ : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم جمعة ـ عشية رجم الأسلمي ـ يقول : «لا يزال هذا الدين
قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة».
وفي (مصباح البغوي)
عن الصحاح عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم
من قريش».
وأورد شيخ العامة
جلال الدين السيوطي في (جامعه الصغير) في حرف الهمزة : إن عدة الخلفاء بعدي عدد
نقباء موسى عليهالسلام.
ثم يقول الفاضل
الدربندي : ولا يخفى عليك أن علماء العامة لا بدّ أن يتدبروا ويتبصروا ويعطوا
الإنصاف من أنفسهم. لأنهم لو حملوا هذه الأخبار المتضافرة على ما عندهم ، من كون
أول السلسلة في باب الخلافة والإمامة ، الخلفاء الأربعة ... وهكذا ، لزم أن يكون
يزيد الطاغي الكافر الزنديق هو سابع الخلفاء عندهم والأئمة المنصوصين بنصّ النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم. فأي مسلم يرضى من نفسه أن ينسب أبغض خلق الله تعالى إلى
الله وملائكته ورسله ، وأكفر الناس وأشرّهم ، إلى كونه منصوصا بالخلافة والإمامة ،
متّصفا بالأوصاف الحسنة الموجودة في هذه الأخبار.
إذن فما عليه
العامة من حمل هذه الأخبار ، لا يمكن أن يستصحّ بوجه من الوجوه. فإذا وجب بحكم
الضرورة العقلية طرح هذا الحمل ، لزم حملها على ما عليها الإمامية الاثني عشرية ،
مما قد استفاضت به كتب العامة.
٤٠ ـ الأئمة هم
أهل البيت عليهمالسلام :
(المصدر السابق)
ثم يقول الفاضل
الدربندي : ومن أعجب العجاب غفلتهم وذهولهم وطيّهم الكشح عن الأخبار المستفيضة في
طرقهم ، المفسرة لهذه الأخبار ، المذكورة بغاية التفسير والبيان.
فقد روى فخر
خوارزم في مقتله بإسناده (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«فاطمة بهجة قلبي
، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها أمناء ربي ؛ حبل ممدود
بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلفّ عنه هوى».
٤١ ـ رواية حذيفة
بن اليمان :
(المصدر السابق)
ومن رواية حذيفة
بن اليمان ، قال : صلى بنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم أقبل بوجهه الكريم علينا ، فقال : معاشر أصحابي أوصيكم
بتقوى الله ... كأني أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل
بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، من تمسّك بعترتي بعدي كان من الفائزين ،
ومن تخلّف عنهم كان من الهالكين.
فقلت : يا رسول
الله على من تخلّفنا؟. قال : على من خلّف موسى بن عمران قومه. قلت : على وصيّه
يوشع؟. قال : وصيي وخليفتي من بعدي علي ابن أبي طالب ، قائد البررة ، قاتل الكفرة
، منصور من نصره ، مخذول من خذله.
قلت : يا رسول
الله ، كم تكون الأئمة من بعدك؟. قال : عدد نقباء بني إسرائيل (أي اثنا عشر) ،
التسعة من صلب الحسين عليهالسلام ، أعطاهم الله تعالى علمي وفهمي ، خزّان علم الله ومعادن
وحيه. قلت : يا رسول الله ، فما لأولاد الحسن؟ قال : إن الله تبارك وتعالى جعل
الإمامة في عقب الحسين عليهالسلام وذلك قوله عزوجل : (وَجَعَلَها كَلِمَةً
باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [الزخرف : ٢٨].
٤٢ ـ رواية سلمان
الفارسي :
(المصدر السابق ، ص ٣٠)
ومن رواية سلمان
الفارسي ، قال : خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : معاشر الناس ،
إني راحل عن قريب
، ومنطلق إلى الغيب. أوصيكم في عترتي خيرا ، وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ،
والضلالة وأهلها في النار.
معاشر الناس ، من
افتقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، فإذا فقدتم
الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزّهر بعدي.
قال : فلم يزل
حتّى دخل بيت عائشة ، فدخلت إليه. فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، سمعتك تقول
: إذا فقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر ... فما الشمس وما القمر ، وما الفرقدان ، وما
النجوم الزهر؟. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا الشمس ، وعلي القمر ، فإذا فقدتموني فتمسّكوا به
بعدي. وأما الفرقدان فالحسن والحسين عليهماالسلام ، فإذا فقدتم القمر فتمسكوا بهما. وأما النجوم الزاهرة فهم
الأئمة التسعة من صلب الحسين عليهالسلام والتاسع مهديّهم.
ثم يقول الفاضل
الدربندي : وبالجملة فإن روايات التنصيص على الأئمة الاثنا عشر وتسميتهم بأسمائهم
، وذكر أن أولهم علي عليهالسلام وآخرهم المهدي (عج) يصلي خلفه المسيح بن مريم عليهالسلام ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متواترة. وحديث جابر ابن عبد الله الأنصاري في ذلك مستفيض
مشهور ، وكذلك غيره من الأحاديث.
(أقول) : وإليك
رواية أخرى ، ذكرها الخوارزمي في مقتله ، فيها شفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة
للمؤمنين.
٤٣ ـ رؤية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للأئمة الاثني عشر عليهمالسلام حين أسري به :
(مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي ، ج ١ ص ٩٤)
ذكر ابن شاذان ...
عن أبي سلمى ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : ليلة أسري بي إلى السماء ، قال لي الجليل جلّ وعلا
: (آمَنَ الرَّسُولُ
بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) ، قلت : (وَالْمُؤْمِنُونَ) [البقرة : ٢٨٥].
قال : صدقت يا محمّد. ومن خلّفت في أمّتك؟. قلت : خيرها. قال : علي بن أبي طالب؟.
قلت : نعم يا ربّ.
قال : يا محمّد ،
إني اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها ، فشققت لك اسما من أسمائي ، فلا أذكر
في موضع إلا ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. ثم اطّلعت الثانية فاخترت عليا ، وشققت له اسما من أسمائي
، فأنا الأعلى وهو علي عليهالسلام. يا محمّد ، إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن
والحسين والأئمة
من ولده عليهمالسلام من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل الأرض ، فمن
قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمّد ، لو أن
عبدا من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشّنّ (أي الجلد اليابس المتجعد) البالي
، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ، ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.
يا محمّد أتريد أن
تراهم؟. قلت : نعم يا رب. فقال لي : التفت عن يمين العرش ، فالتفتّ فإذا أنا بعلي
وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام وعلي بن الحسين (زين العابدين) ومحمد بن علي (الباقر)
وجعفر بن محمّد (الصادق) وموسى بن جعفر (الكاظم) وعلي بن موسى (الرضا) ومحمد بن
علي (الجواد) وعلي بن محمّد (الهادي) والحسن بن علي (العسكري) والمهدي عليهمالسلام ، في ضحضاح من نور ، قياما يصلّون ، وهو وسطهم (يعني
المهدي) كأنه كوكب درّي. قال : يا محمّد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك. وعزتي
وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من أعدائي.
٤٤ ـ الإمام علي عليهالسلام يؤكد كون الأئمة من بني هاشم :
وجاء علي عليهالسلام يفسر حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويوضح إبهامه في نهج البلاغة ، فقال : إن الأئمة من قريش ،
غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم (نهج
البلاغة ، الخطبة ١٤٢).
٤٥ ـ الإنجيل
يتنبّأ بالأئمة الاثني عشر :
جاء في الإصحاح
الحادي عشر عن تنبؤات يوحنا اللاهوتي ما نصه :
«وظهرت آية عظيمة
في السماء ، امرأة متسربلة بالشمس ، وتحت رجليها القمر ، وعلى رأسها إكليل من اثني
عشر كوكبا».
فكأنه يتكلم عن
مولاتنا فاطمة الزهراء عليهاالسلام وقد تسربلت بالشمس يعني أبيها محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتزوجت بالقمر وهو علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وعلى رأسها إكليل من أبنائها المعصومين الاثني عشر ،
الذين أولهم الحسن والحسين وآخرهم المهدي عليهالسلام. وليس هناك فيما تنبّأ به يوحنا اللاهوتي فيما سيحصل من
أمور ، شيء شبيه بالذي ذكر ، غير فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عليهمالسلام.
٤٦ ـ الحجة المهدي
عليهالسلام هو الإمام الثاني عشر :
(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٤١)
قال الشيخ محمّد
الصبان : يكون ظهور المهدي عليهالسلام في يوم عاشوراء. وقال سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت
والجواهر) : المهدي عليهالسلام من ولد الإمام الحسن العسكري ، ومولده ليلة النصف من شعبان
سنة ٢٥٥ ه ، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليهالسلام.
وقال الشيخ محيي
الدين بن العربي في (الفتوحات المكية) : اعلموا أنه لا بدّ من خروج المهدي عليهالسلام ، لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جورا وظلما ، فيملؤها قسطا
وعدلا. وهو من عترة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من ولد فاطمة عليهاالسلام ، جده الحسين بن علي عليهمالسلام ووالده الإمام حسن العسكري ابن الإمام علي النقي ، ابن
الإمام محمّد التقي ، ابن الإمام علي الرضا ، ابن الإمام جعفر الصادق ... يواطئ
اسمه اسم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. يبايعه المسلمون بين الركن والمقام ، يشبه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الخلق ، وينزل عنه في الخلق ، إذ لا يكون أحد مثل رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في أخلاقه.
٣ ـ أهل البيت عليهمالسلام هم الخمسة أصحاب الكساء
٤٧ ـ من هم أهل
البيت عليهمالسلام المقصودون في آية التطهير؟ :
(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١٠)
يقول الشيخ مؤمن
الشبلنجي : اختلف في المراد من (أهل البيت) فقيل :
١) ـ هم نساء
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنهن في بيته.
٢) ـ هم علي
وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام.
٣) ـ هم من تحرم
عليهم الصدقة بعده ، وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
وقال الفخر الرازي
: والأولى أن يقال : هم أولاده وأزواجه ، والحسن والحسين. وعلي عليهمالسلام منهم ، لأنه كان من أهل بيته ، لمعاشرته فاطمة بنته
وملازمته له.
تعليق المؤلف :
إن تعبير (أهل
البيت) كما شرحنا سابقا يطلق على عدة أشياء ، فيقصد به الخمسة الذين ضمهم الكساء ،
وقد يقصد به الأئمة الاثنا عشر ، وقد يقصد به ذرية النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم وهم السادة الأشراف. وقد يقصد به نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. لكن إذا كنا نبحث بالمقصود بهم في آية التطهير ، وهي قوله
تعالى :
(يُرِيدُ اللهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣) [الأحزاب :
٣٣] فهم حصرا الخمسة أصحاب الكساء ، الذين نزلت فيهم الآية على وجه الخصوص كما
سترى. أما الزوجات فهن مختلفات في الفضل فيما بينهن ، لكنهن لا يرقين إلى درجة
هؤلاء الخمسة الذين طهّرهم الله وعصمهم من كل رجس ، منذ ولادتهم وحتى وفاتهم.
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِنَّما يُرِيدُ
اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ثم يقول الشبلنجي : هذا ويشهد للقول بأن (أهل البيت) هم
علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام عدة آيات ودلالات ، منها : حديث الكساء ، وآية المباهلة ،
وآية المودة.
٤٨ ـ حديث الكساء
:
(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١١)
ثم يقول الشبلنجي
: وروي من طرق عديدة صحيحة أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جاء ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، ثم أخذ كلّ واحد منهما على فخذه ، ثم لفّ عليهم كساء ،
ثم تلا هذه الآية :
(يُرِيدُ اللهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣) وقال : اللهم
هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.
(وفي رواية) :
الله م هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، كما جعلتها على آل
إبراهيم ، إنك حميد مجيد.
(وفي رواية أم
سلمة) قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه صلىاللهعليهوآلهوسلم من يدي. فقلت : وأنا معكم يا رسول الله. فقال : إنك من
أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على خير.
وروى أحمد بن حنبل
والطبراني عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : أنزلت هذه الآية في خمسة : فيّ وفي علي وحسن وحسين
وفاطمة عليهمالسلام.
وروى سبط ابن
الجوزي الحنفي المذهب في كتابه (تذكرة الخواص ، ص ٦٥٤ ط نجف) حديث الكساء بسنده عن
واثلة بن الأسقع قال : أتيت فاطمة أسألها عن علي عليهالسلام فقالت : توجّه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فجلست أنتظره ، فإذا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أقبل ومعه علي والحسن والحسين قد أخذ بيد كل واحد منهم
، حتّى دخل الحجرة ، فأجلس الحسن على فخذه اليمنى ، والحسين على فخذه اليسرى ،
وأجلس عليا وفاطمة بين يديه ، ثم لفّ عليهم كساه (أي ثوبه) ، ثم قرأ : (يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣). ثم قال : «اللهم
هؤلاء أهل بيتي حقا».
وقد أخرج العلامة
الفقيه محب الدين الطبري الشافعي في كتابه (ذخائر العقبى ، ص ٢١ ـ ٢٤) أحاديث
متعددة في قصة الكساء. منها حديث عن عائشة قالت : خرج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات غداة وعليه مرط (كساء) مرجّل من شعر. فجاء الحسن بن
علي فأدخله فيه ، ثم جاء الحسين فأدخله فيه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها فيه ، ثم جاء
علي عليهالسلام فأدخله فيه ، ثم قال :
(يُرِيدُ اللهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣). أخرجه مسلم.
وأخرج أحمد معناه عن واثلة ، وزاد في آخره : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي
أحقّ».
ومنها حديث عن أم
سلمة أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لفاطمة : ائتني بزوجك وابنيك. فجاءت بهم ، وأكفأ عليهم
كساء فدكيا ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال : «اللهم إن هؤلاء آل محمّد ، فاجعل
صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، إنك حميد مجيد».
قالت أم سلمة :
فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : «إنك على خير». (أخرجه الدولابي في كتاب الذرية
الطاهرة).
وروى ابن شيبة
وأحمد والترمذي وحسّنه ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصحّحه ، عن أنس
، أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد نزول هذه الآية (كما في رواية الترمذي) كان يمرّ ببيت
فاطمة عليهاالسلام إذا خرج إلى صلاة الفجر ، ويقول : الصلاة أهل البيت (يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣).
وفي رواية ابن
مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم جاء أربعين صباحا إلى دار فاطمة ، يقول : السلام عليكم أهل
البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة رحمكم الله (يُرِيدُ اللهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣).
وفي رواية له عن
ابن عباس : سبعة أشهر. وفي رواية لابن جرير وابن المنذر والطبراني : ثمانية أشهر.
وذكر ابن الصباغ
المالكي في (الفصول المهمة) آية التطهير ، ثم قال : ذكر الترمذي في صحيحه أن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان من وقت نزول هذه الآية إلى قريب من ستة أشهر إذا خرج
إلى الصلاة يمر بباب فاطمة ، ثم يقول : (يُرِيدُ اللهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣).
وذكر ابن حجر
أحاديث غير ما تقدم ، وقال : وأشار المحب الطبري إلى أن هذا الفعل (أي وضع الكساء
عليهم) تكرر منه صلىاللهعليهوآلهوسلم في بيت أم سلمة وبيت فاطمة وغيرهما. وهذا يفسّر لنا تعدد
الروايات بأشكال مختلفة ، في هيئة اجتماعهم وما جللهم به وما دعا به لهم.
وقال الشيخ كمال
الدين محمّد بن طلحة الشافعي الشامي في كتابه (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول ،
ص ٨ ط إيران) بعد أن ذكر حديث الكساء : فهؤلاء أهل بيته المرتقون بتطهيرهم إلى
ذروة أوج الكمال ، المستحقون لتوقيرهم مراتب الإعظام والإجلال ، الموفّقون
لتأييدهم لانتهاج مناهج الاستقامة والاعتدال ، المستبقون لتسديدهم إلى مدارج
الفضائل والافضال.
٤٩ ـ حديث المباهلة
يؤيد حديث الكساء :
(محمّد وعلي وبنوه الأوصياء للشريف العسكري ، ص ٣٢٣ ـ ٣٢٦)
ومما يؤكد أن أهل
بيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هم الخمسة على وجه التحديد دون غيرهم ، ما وقع من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حين أراد المباهلة مع وفد نجران.
خرّج جماعة من علماء
الجمهور حديث المباهلة بعبارات مختلفة في أحاديث مختلفة. وقصة المباهلة المشهورة
حدثت في السنة العاشرة للهجرة. وهي أن وفدا من آل نجران وهم من النصارى ، جاؤوا
إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يجادلونه في المسيح عليهالسلام ، فلما تعنّتوا في غلوائهم ، دعاهم الرسول إلى المباهلة ،
وهي أن يجتمع فريق من كل طرف ، فيدعو الواحد على الآخر ، فتكون الغلبة لمن يستجيب
الله دعاءه. فطلبوا منه الإنظار إلى صبيحة الغد. فقال لهم الأسقف : انظروا محمدا
في غد ، فإن جاء بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه ، فإنه
على غير شيء. فلما جاء الغد جاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم آخذا بيد علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين بين يديه ،
وفاطمة خلفه. وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم ، فلما رآهم قال الأسقف : يا معشر
النصارى ، إني لأرى وجوها لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ، فلا
تباهلوهم فتهلكوا. فامتنعوا عن المباهلة .. وفي ذلك نزلت الآية : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ
كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ
رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ
فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا
وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ
نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)
(٦١)
[آل عمران : ٥٩ ـ ٦١].
ذكر الشيخ سليمان
القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودة ، ص ٥٢) حديث المباهلة وقال : أخرج صاحب
المناقب عن جعفر الصادق عليهالسلام عن أبيه عن جده علي بن الحسين عليهمالسلام ، أن الحسن بن علي عليهماالسلام قال في خطبته : قال الله تعالى لجدي صلىاللهعليهوآلهوسلم حين جحده كفرة أهل نجران وحاجّوه : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا
وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ
نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (٦١) [آل عمران :
٦١]. فأخرج جدي صلىاللهعليهوآلهوسلم معه من الأنفس أبي ، ومن البنين أنا وأخي ، ومن النساء
فاطمة أمي. فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ، ونحن منه وهو منا.
(وفيه أيضا ، ص ٥٣)
: قال الإمام الرضا رضي الله عنه (في تفسير آية المباهلة) : عنى الله تعالى من (أَنْفُسَنا) نفس علي عليهالسلام. ومما يدل على ذلك قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لوفد ثقيف : «لتنتهنّ بني وليعة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلا
كنفسي «يعني علي بن أبي طالب. فهذه خصوصية لا يلحقه فيها بشر.
(وفي ينابيع
المودة أيضا ، ص ٢٦٦) قال : أخرج الدارقطني بسنده عن واثلة
(قال) قال الإمام
علي عليهالسلام يوم الشورى : والله لأحتجّنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيّهم
ولا عربيّهم ولا عجميّهم ردّه. ثم قال لهم خصالا صدّقوها.
(إلى أن قال عليهالسلام) : أنشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم مني؟. وهل فيكم من جعل الله نفس نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه ، وأبناءه أبناءه ، ونساءه نساءه ، غيري؟. قالوا :
لا. قال : فأنشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت أبو ولدي ، غيري؟. قالوا : لا.
٥٠ ـ آية المودّة
:
ويقول الشبلنجي في
(نور الأبصار) : ما قدّمناه من أن أهل البيت عليهمالسلام هم : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام هو ما جنح إليه الفخر الرازي في تفسيره والزمخشري في
كشافه. وعبارته عند تفسير قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) : روي أنها لما نزلت ، قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء
الذين وجبت علينا مودّتهم؟. قال : علي وفاطمة وابناهما عليهمالسلام. وسوف نتناول تفسير هذه الآية فيما بعد ، عند حديثنا عن
محبة أهل البيت عليهمالسلام ومودتهم.
٥١ ـ آية السلام :
قال الموفق بن
أحمد الحنفي الخوارزمي في مناقبه : ومن الآيات التي نزلت في أهل البيت عليهمالسلام ، آية السلام ، وهي قوله تعالى : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) (١٣٠) [الصافات :
١٣٠]. وقد عدّ ابن حجر في صواعقه هذه الآية من الآيات النازلة بحقهم. ونقل أن
جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس أنه قال : المراد بها السلام على آل محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم. إلى أن قال :
(وذكر الفخر
الرازي) أن أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يساوونه في خمسة أشياء :
في السلام ، قال
تعالى (السلام عليك أيها النبي) ، وقال : (سَلامٌ عَلى إِلْ
ياسِينَ) (١٣٠). وفي الصلاة
عليه وعليهم في التشهد في الصلاة. وفي الطهارة ، قال تعالى (طه) (١) [طه : ١] أي
يا طاهر ، وقال : (وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً) (٣٣). وفي تحريم
الصدقة. وفي المحبّة ، قال تعالى (فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [آل عمران : ٣١] ،
وقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى). ا ه.
٥٢ ـ الصلاة على
محمّد وآل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم :
وقد أخرج البخاري
في كتاب تفسير القرآن ، من الجزء الثالث من صحيحه ، في
تفسير قوله تعالى
: (إِنَّ اللهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥٦) [الأحزاب :
٥٦]. فقال الصحابة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف
الصلاة عليك؟. فقال :
«قولوا : اللهم
صلّ على محمّد وعلى آل محمّد». وقد أخرج هذا الحديث مسلم في باب الصلاة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من كتاب الصلاة ، في الجزء الأول من صحيحه ، وأخرجه سائر
المحدّثين .. فعلم أن الصلاة على آل محمّد جزء من الصلاة المأمور بها في هذه
الآية. ولذا عدّها العلماء من الآيات النازلة بحقهم ، حتّى عدّها ابن حجر في
صواعقه من آياتهم الخاصة عليهمالسلام.
وحسبنا في إيثارهم
على من سواهم ، إيثار الله عزوجل إياهم ، حتّى جعل الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة
على جميع عباده ، فلا تصحّ بدونها صلاة أحد من العالمين أيا كان شأنه. بل لابدّ
لكل من امتثل أمر الله بفرائضه ، أن يمتثل أمره في أثنائها بالصلاة عليهم ، كما
يمتثل أمره بالشهادتين. ولذلك أثر عن جابر أنه كان يقول : لو صلّيت صلاة لم أصلّ
فيها على محمّد وعلى آل محمّد ، ما رأيت أنها تقبل. وهذه منزلة عنت لها وجوه الأمة
، وخشعت أمامها أبصار العلماء الأئمة ، لذلك قال الشافعي إمام المذهب :
يا آل بيت رسول
الله حبّكم
|
|
فرض من الله في
القرآن أنزله
|
كفاكم من عظيم
الفضل أنّكم
|
|
من لا يصلّي
عليكم لا صلاة له
|
٤ ـ فضائل أهل البيت عليهمالسلام
٥٣ ـ منزلة أهل
البيت عليهمالسلام :
(الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٥٨)
قال بعض أهل العلم
: إن آل البيت عليهمالسلام حازوا الفضائل كلها ؛ علما وحلما ، وفصاحة وصباحة ، وذكاء
وبديهة ، وجودا وشجاعة. فعلومهم لا تتوقف على تكرار درس ، ولا يزيد يومهم فيها على
ما كان بالأمس ، بل هي مواهب من مولاهم ، من أنكرها وأراد سترها كان كمن أراد ستر
وجه الشمس. فما سألهم في العلوم مستفيد ووقفوا ، ولا جرى معهم في مضمار الفضل قوم
إلا عجزوا وتخلّفوا.
٥٤ ـ بعض فضائل
أهل البيت عليهمالسلام :
وحسب أئمة العترة
الطاهرة أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب الكريم ، لا
يأتيه الباطل من
بين يديه ولا من خلفه ... فهم أعدال القرآن ، وشجرة النبوة ، وموضع الرسالة ،
ومختلف الملائكة ، ومعدن العلم ، وأهل بيت الوحي.
فيهم نزلت آية
التطهير في قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ
اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣) [الأحزاب :
٣٣] وفيهم نزلت آية الرحمة والبركة في قوله تعالى : (رَحْمَتُ اللهِ
وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (٧٣) [هود : ٧٣].
وفيهم نزلت آية
المباهلة في قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا
نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا
وَأَنْفُسَكُمْ) (٦١) [آل عمران :
٦١]. وفيهم نزلت آية الإطعام في قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ
الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما
نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) (٩) [الإنسان : ٨
ـ ٩]. وفيهم نزلت آية المودة في قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً
نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٣٣) [الشورى : ٢٣].
وفيهم نزلت آية النور في قوله تعالى: (اللهُ نُورُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) (٣٥) [النور : ٣٥].
وفيهم نزلت آية الهداية في قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ
لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٨٢) [طه : ٨٢].
وفيهم نزلت آية الولاية في قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ
اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٥٥) [المائدة :
٥٥]. وفيهم نزلت آية الطاعة في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩].
وفيهم نزلت آية النعمة في قوله جلّ من قائل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ
دِيناً) [المائدة : ٣]. وفيهم نزلت آية الميثاق في قوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ
وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) [المائدة : ٧].
يشير تعالى في هذه الآية إلى حادثة الغدير في حجة الوداع.
بعض فضائل الإمام علي عليهالسلام
٥٥ ـ فضائل الإمام
علي عليهالسلام لا تحصى :
فضائل الإمام علي عليهالسلام جمّة لا تحصى ، فهي بعدد ذرات الثرى. وكما قال ابن أبي
الحديد المعتزلي في مقدمة شرحه لنهج البلاغة (ج ١ ص ١٧ ط مصر ، تحقيق أبي الفضل
إبراهيم) :
وما أقول في رجل
أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ، ولا كتمان فضائله. فقد
علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق
الأرض وغربها ،
واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريض عليه ، ووضع المعائب والمثالب له ،
ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعّدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية
حديث يتضمن له فضيلة ، أو يرفع له ذكرا ، حتّى حظّروا أن يسمى أحد باسمه ، فما
زاده ذلك إلا رفعة وسموا ، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم تضوّع
نشره ، وكالشمس لا تستر بالراح ، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة ، أدركته
عيون كثيرة.
وما أقول في رجل
تعزى إليه كل فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ، وتتجاذبه كل طائفة ؛ فهو رئيس الفضائل
وينبوعها ، وأبو عذرها ، وسابق مضمارها ، ومجليّ حلبتها ، كلّ من بزغ فيها بعده
فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى. اه.
(أقول) : وإنما
أحببت أن أسوق في هذه الموسوعة بعض مناقبه وفضائله عليهالسلام للتبرك بذكره وتعطير الكتاب بأريج عطره.
٥٦ ـ بعض الروايات
في فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٣ ط نجف)
عن الإمام الرضا عليهالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يا علي إن الله قد غفر لك ولأهلك وشيعتك ، ومحبّي
شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر فإنك الأنزع البطين ؛ منزوع من الشرك ، بطين من
العلم.
وعن الإمام جعفر
بن محمّد الصادق عليهماالسلام عن آبائه عن الحسين عليهالسلام قال : سمعت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة
التي وعدني ربي ، فليتولّ علي بن أبي طالب وذريته ، فإنهم لن يخرجوك من باب الهدى
إلى باب الضلالة.
وروى الحمويني في (فرائد
السمطين) عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : من أحبّ أن يتمسّك بديني ، ويركب سفينة النجاة
بعدي ، فليقتد بعلي بن أبي طالب عليهالسلام ، وليعاد عدوّه ، وليوال وليّه ، فإنه وصيي وخليفتي على
أمتي ، في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي. قوله قولي
وأمره أمري ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي.
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليّ سيّد العرب. فقيل : ألست سيد العرب؟. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم: أنا سيد العالمين (فضائل الخمسة ، ج ٢ ص ٩٧).
٥٧ ـ ثلاث فضائل
للإمام عليهالسلام لا تضاهى :
(المنتخب للطريحي ، ص ٢٥٨ ط ٢)
ذكر مسلم أن
معاوية أمر سعدا بالسبّ فأبى. فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟. فقال : ثلاث
قالهن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلن أسبّه ، ولئن تكن لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر
النّعم (أي الحمر الوحشية يضرب بها المثل لقيمتها وندرتها). (١) سمعته يقول لعلي عليهالسلام وقد خلّفه في بعض مغازيه ، فقال له علي عليهالسلام : خلّفتني مع النساء والصبيان!. فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا
نبي بعدي. (٢) وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ،
ويحبّ الله ورسوله. قال : فتطاولنا إليها. فقال : ادعوا إليّ عليا ، فأتاه وبه رمد
، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه. (٣) ولما نزلت (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا
وَأَبْناءَكُمْ) [آل عمران : ٦١]
دعا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فاطمة وعليا والحسن والحسين عليهمالسلام ، فقال : الله م هؤلاء أهلي.
وقال عبد الله بن
عمر : كان لعلي بن أبي طالب ثلاث ، لو كان لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ مما طلعت
عليه الشمس : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية ، وآية النجوى (إذ لم يعمل بها أحد
غيره).
٥٨ ـ أربع مناقب
للإمام علي عليهالسلام :
(النص والاجتهاد)
سئل الحسن البصري
فيما يقوله عن فضل علي عليهالسلام؟
فقال : ما أقول
فيمن جمع الخصال الأربع :
ـ ائتمانه على (براءة).
ـ وقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم له في غزوة تبوك وقد خلّفه على المدينة : يا علي ، أما
ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي.
ـ وقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : الثقلان كتاب الله وعترتي.
ـ وأنه لم يؤمّر
عليه أمير قط ، وقد أمّرت الأمراء على غيره.
٥٩ ـ محبة علي بن
أبي طالب عليهالسلام دليل الإيمان وطهارة المولد :
قال الفاضل
الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٩٧ :
ونقل هذه الأحاديث
سيد حكماء الإسلام المير داماد في كتابه (تصحيح الإيمان وتقويم الأديان) :
في صحيح البخاري
وأبي داود ومسند أحمد بن حنبل وفضائل السمعاني وحلية الحافظ أبي نعيم وغيرها من
كتب العامة ، من طرائق مختلفات وطرق شتى ، أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لعلي عليهالسلام : «لا يحبّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق».
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لو لا أنت لم يعرف حزب الله».
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من زعم أنه آمن بما جئت به وهو يبغض عليا ، فهو كاذب
ليس بمؤمن».
وعن أبي سعيد
الخدري قال : كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ببغضهم عليا.
وعن جابر بن عبد
الله الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : بوروا
(أي اختبروا)
أولادكم بحب علي بن أبي طالب ، فمن أحبه فاعلموا أنه لرشده ، ومن أبغضه فاعلموا
أنه لغيّه».
وروى البيهقي أن
الأنصار كانت تقول : إنا كنا لنعرف الرجل لغير أبيه ، لبغضه علي بن أبي طالب عليهالسلام.
جملة من فضائل فاطمة الزهراء عليهاالسلام
٦٠ ـ فضائل فاطمة عليهاالسلام الخاصة :
(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول لابن طلحة الشافعي)
من حديث رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال لفاطمة عليهاالسلام وهو في مرضه الأخير على مسمع من كل زوجاته : «يا فاطمة ،
أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة؟!.».
(أورده البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي)
وقد ثبت بالأحاديث
الصحيحة والأخبار الصريحة أن فاطمة عليهاالسلام كانت أحبّ إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من غيرها ، وأنها سيدة نساء أهل الجنّة.
٦١ ـ ابن الحنفية
يعترف بفضل الحسين عليهالسلام وفضل أمه الزهراء عليهاالسلام :
(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٦٦)
حدّث الصولي عن
الإمام الصادق عليهالسلام في خبر ، أنه جرى بين الحسين عليهالسلام
وأخيه محمّد بن
الحنفية كلام (أي خصومة). فكتب ابن الحنفية إلى الحسين عليهالسلام : أما بعد يا أخي ، فإن أبي وأباك علي عليهالسلام ، لا تفضلني فيه ولا أفضلك ، وأمك فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو كان ملء الأرض ذهبا ملك أمّي ما وفّت بأمّك. فإذا
قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّى تترضّاني ، فإنك أحقّ بالفضل مني ، والسلام عليك
ورحمة الله وبركاته. ففعل الحسين عليهالسلام ذلك ، فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء.
٦٢ ـ حبّ فاطمة عليهاالسلام وبغضها ـ ويل لمن يظلم ذريتها :
(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)
عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال لسلمان : يا سلمان ، من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في
الجنّة معي ، ومن أبغضها فهو في النار. يا سلمان حبّ فاطمة ينفع مائة موطن من
المواطن ، أيسر تلك المواطن : الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة.
فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ، ومن رضيت عنه رضي الله عنه. ومن غضبت عليه
غضبت عليه ، ومن غضبت عليه غضب الله عليه.
يا سلمان ويل لمن
يظلمها ويظلم بعلها ، وويل لمن يظلم ذريتها.
فضائل الخمسة أصحاب الكساء عليهمالسلام
٦٣ ـ ثواب محبة
الخمسة أصحاب الكساء عليهمالسلام :
أخرج الإمام أحمد
والترمذي عن علي عليهالسلام أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أخذ بيد الحسن والحسين عليهالسلام وقال : «من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في
الجنّة».
٦٤ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعو لفاطمة وعلي عليهماالسلام بالبركة في نسلهما :
روى أبو حاتم عن
أنس أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دخل على فاطمة وعلي عليهماالسلام بعد زواجهما ، فدعا بماء فتوضأ ، ثم أفرغه على علي وفاطمة عليهماالسلام وقال : الله م بارك فيهما وبارك عليهما ، وبارك لهما في
نسلهما. (وفي رواية) : وبارك لهما في شبليهما (الشبل : ولد الأسد). وهو من الإخبار
بالمغيبات ، كما قال جلال الدين السيوطي في (ديوان الحيوان) لأن المراد بالشبلين
الحسن والحسين عليهماالسلام.
٦٥ ـ آدم يسأل
الله بالخمسة أن يتوب عليه :
(المنتخب للطريحي ، ص ٧٧ ط ٢)
روى الفقيه
المغازلي الشافعي ، بإسناده عن ابن عباس قال : سئل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : سأله بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام إلا تبت عليّ ، فتاب عليه.
٦٦ ـ فضيلة الخمسة
عليهمالسلام على هذه الأمة :
(المصدر السابق ص ١١٠)
روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ
قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ
مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) [الرعد : ٧].
وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون وبه تشقون. ألا وإنما الحسين باب من
أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة.
٦٧ ـ اقتدوا
بالشمس والقمر والزهرة والفرقدين :
(شجرة طوبى للمازندراني ، ج ٢ ص ٤٢٦)
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اقتدوا بالشمس ، فإذا غابت الشمس فاقتدوا بالقمر ، فإذا
غاب القمر فاقتدوا بالزّهرة ، فإذا غابت الزهرة فاقتدوا بالفرقدين ، فإذا افتقدتم
الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة.
فقالوا : يا رسول
الله فما الشمس وما القمر ، وما الزّهرة وما الفرقدان؟ ... فقالصلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا الشمس ، وعليّ القمر ، وفاطمة الزّهرة ، والفرقدان :
الحسن والحسين ، وأما النجوم الزاهرة فالأئمة التسعة من صلب الحسين ، والتاسع
مهديّهم.
يقول الشيخ محمّد
مهدي الحائري المازندراني معقبا على هذا الحديث :
أما الشمس التي هي
(النبوة) فغابت بقلب مكمد محزون ، مما قاسى صلىاللهعليهوآلهوسلم من أمته. وأما الزّهرة التي هي (فاطمة الزهراء) فقد أخمدوا
ضوءها وزهرتها باللطم والعصر بين الحائط والباب. وأما القمر وهو (فلك الإمامة) فقد
خسفوه بسيف عبد الرحمن بن ملجم. وأما الفرقدان وهما (الحسن والحسين) فغاب أحدهما
بقلب مسموم وقد تقيّأ كبده ، وغاب الآخر بعد الظهر من يوم عاشوراء ، وانكسفت الشمس
، وأمطرت السماء دما.
٦٨ ـ المكتوب على
باب الجنّة :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤ ط نجف)
عن ابن عباس قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لما عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنّة مكتوبا : لا
إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، علي حبيب الله ، الحسن والحسين صفوة الله ،
فاطمة أمة الله ، على مبغضهم لعنة الله.
فضائل الأئمة الاثني عشر
مدخل :
يقصد بأهل البيت عليهمالسلام أينما ذكروا مقرونين بأنهم الأمان من الضلال ، وأنهم سفينة
نوح ، وأنهم باب حطّة من دخله كان آمنا ... الخ ، يقصد بهم الأئمة الاثنا عشر حصرا
مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفاطمة عليهاالسلام ، أو ما نعبّر عنه
(بالمعصومين
الأربعة عشر) ، لأنهم لولا العصمة لا تنطبق عليهم تلك الأوصاف وتلك المنزلة.
٦٩ ـ أهل البيت عليهمالسلام أمان لأهل الأرض :
(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٣٠)
أخرج أبو عمرو
الغفاري عن إياس بن سلمة عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم: «النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمتي».
وأخرج أحمد بن
حنبل عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء ، وإذا ذهب أهل بيتي
ذهب أهل الأرض».
وفي رواية صحّحها
الحاكم على شرط الشيخين ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأهل
الأرض من الاختلاف».
وقد يشير إلى هذا
المعنى قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال: ٣٣] أقيم أهل بيته مقامه في الأمان ، لأنهم منه
وهو منهم ، كما ورد في بعض الطرق.
٧٠ ـ أهل البيت عليهمالسلام كسفينة نوح وباب حطّة :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٩)
أخرج الطبراني في
الأوسط عن أبي سعيد الخدري ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
يقول : «إنما مثل
أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلفّ عنها غرق. وإنما مثل أهل بيتي
فيكم مثل باب حطةّ في بني إسرائيل ، من دخله غفر له».
٧١ ـ أئمة أهل
البيت عليهمالسلام هم رجال الأعراف :
(المنتخب للطريحي ، ص ٣٠٧ ط ٢)
عن الإمام محمّد
الباقر قال : سأل ابن الكواء أمير المؤمنين عليهالسلام فقال : ما معنى قوله تعالى : (وَعَلَى الْأَعْرافِ
رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) [الأعراف : ٤٦]؟.
فقال عليهالسلام : نحن أصحاب الأعراف ، نعرف أصحابنا بسيماهم. نقف بين
الجنّة والنار فلا يدخل الجنّة إلا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النار إلا من
أنكرنا وأنكرناه.
٧٢ ـ أئمة أهل
البيت عليهمالسلام يحفظون الشريعة :
وأخرج المللا في
سيرته عن عمر بن الخطاب (كما في الصواعق المحرقة لابن حجر ، ص ٩٠) أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «في كل خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن
هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ألا وإن أئمتكم وفدكم
إلى الله عزوجل ، فانظروا من توفدون». صدق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
٥ ـ محبة أهل البيت عليهالسلام
٧٣ ـ محبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فرض :
(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٥)
إن محبة النبي
محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم واجبة على كل مسلم ، مصداقا لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«لا يؤمن أحدكم
حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».
(رواه البخاري عن أنس بن مالك).
وهذا الحديث من
جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد جمع فيه كل أنواع المحبة ، وهي ثلاثة : محبة الإجلال
والإعظام كمحبة الولد للوالد ، ومحبة الشفقة والرحمة كمحبة الوالد لولده ، ومحبة
المشاكلة والاستحسان كمحبة سائر الناس. فجمع صلىاللهعليهوآلهوسلم أصناف المحبة في محبته.
وروى الديلمي
والطبراني وأبو الشيخ ابن حبّان والبيهقي مرفوعا ، أن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون
عترتي أحبّ إليه من عترته ، وأهلي أحبّ إليه من أهله ، وذاتي أحبّ إليه من ذاته».
وروى ابن مسعود : «حب
آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم يوما ، خير من عبادة سنة ، ومن مات عليه دخل الجنّة».
٧٤ ـ أحبّوا أهل
بيتي لحبّي :
(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٢)
أخرج الترمذي
وحسّنه ، والطبراني عن ابن عباس (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبّوني لحب الله
، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي».
٧٥ ـ محبة أهل
النبي جزء من محبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٩)
وكان الصحابة
الكرام يتمنّون لأقرباء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أكثر مما يتمنّونه لأقربائهم ، محبة منهم له وإيثارا له
على أنفسهم.
منها قول أبي بكر
حين أسلم والده أبو قحافة ، قال للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : والذي بعثك بالحق ، لإسلام أبي طالب كان أقرّ لعيني من
إسلام أبي قحافة ، وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقرّ لعينك.
٧٦ ـ فضل محبة آل
محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم : (المصدر السابق)
ومن توقير النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وبرّه ، توقير آله وذريته وأمهات المؤمنين. وقد قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «معرفة آل محمّد براءة من النار ، وحب آل محمّد جواز على
الصراط ، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب».
قال بعضهم :
(معرفتهم) تعني
معرفة منزلتهم منه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيعرف وجوب إكرامهم وحرمتهم بسببهصلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقال أبو بكر :
راقبوا محمدا في آل بيته.
وأتى عبد الله بن
حسن بن الحسين عليهالسلام إلى عمر بن عبد العزيز في حاجة. فقال : يا أبا محمّد ، إذا
كانت لك حاجة فأرسل إليّ أحضر إليك ، فإني أستحي من الله أن يراك على بابي.
ودخلت بنت أسامة
بن زيد مولى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على عمر بن عبد العزيز ، فجعل يدها بين يديه ، ومشى بها
حتّى أجلسها في مجلسه ، وجلس بين يديها ، وما ترك لها حاجة إلا قضاها.
يقول الشبراوي في (الإتحاف)
ص ١٧ : هذا مع بنت مولاه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما بالك بابن بضعته وذريته والمنتمين إلى الزهراء ابنته؟!.
وهذا كله لما وجب
لآل بيته صلىاللهعليهوآلهوسلم من الشرف والمجد لنسبتهم إليه ، وسريان لحمه ودمه الكريمين
فيهم. فهم بعضه ، وبعضه في وجوب الإجلال والتعظيم كجميعه ، وحرمة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ميتا كحرمته حيّا.
٧٧ ـ تفسير آية
المودة :
(المصدر السابق ، ص ١٧)
قال تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً
إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣].
قال ابن عباس : المعنى لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودّوني في نفسي لقرابتي منكم ،
لأنه لم يكن بطن من قريش إلا بينهم وبينه صلىاللهعليهوآلهوسلم قرابة. لكن الأنسب ما قاله غيره في تفسير الآية ، أن
المعنى : قل يا محمّد لأمتك ، لا أطلب منكم على ما جئتكم به من الهدى ، والنجاة من
الردى ، عوضا ولا أجرة ولا جزاء ، إلا أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحبوهم ،
وتعاملوهم بالمعروف والاحسان ، ويكون بينكم وبينهم غاية الودّ والمحبة والصلة.
روايات أخرى :
(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٠٤)
قال الله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً
إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣].
قال في (المواهب) : إن المراد بالقربى من ينتسب إلى جده الأقرب عبد المطلب.
وقال في (الصواعق)
: المراد بأهل البيت والآل وذوي القربى عليهمالسلام في كل ما جاء في فضلهم ، مؤمنو بني هاشم والمطلب.
وينافي هذا ما روى
الطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ،
قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك الذين نزلت فيهم الآية؟. قال : علي وفاطمة
وابناهما عليهمالسلام.
٧٨ ـ محبة أهل
البيت عليهمالسلام هي أجر الرسالة المحمدية :
(الفصول المهمة في تأليف الأمة للسيد عبد الحسين شرف الدين ص ٤٠)
أخرج الحاكم (كما
في تفسير آية المودة في القربى من مجمع البيان للطبرسي) بالإسناد إلى أبي ثمامة
الباهلي ، (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى ، وخلقت أنا
وعليّ من شجرة واحدة. فأنا أصلها ، وعليّ فرعها ، وفاطمة لقاحها ، والحسن والحسين
ثمارها ، وأشياعنا أوراقها. فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ عنها هوى.
ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام حتّى يصير كالشن (أي
الجلد اليابس) البالي ، ثم لم يدرك محبتنا ، أكبّه الله على منخريه في النار ، ثم
تلا صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢٣) [الشورى : ٢٣].
٧٩ ـ اقتراف الحسنة
هو مودّة آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٣٩)
أخرج ابن أبي حاتم
عن ابن عباس في قوله تعالى (وَمَنْ يَقْتَرِفْ
حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) [الشورى : ٢٣] قال
: المودة لآل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
٨٠ ـ أربع يسأل
عنها المؤمن يوم القيامة :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤٢ ط نجف)
أنبأني أبو المظفر
عبد الملك بن علي الهمداني ... حدّثني أبو برزة الأسلمي ، (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونحن جلوس ذات يوم : والذي نفسي بيده ،
لا تزول قدم عبد
يوم القيامة حتّى يسأله الله تعالى عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما
أبلاه ، وعن ماله مما كسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت.
فقال عمر : فما
آية حبّكم من بعدكم؟. قال : فوضع يده على رأس علي عليهالسلام وهو إلى جانبه ، وقال : إن آية حبّي من بعدي حبّ هذا.
ومثل ذلك ما أخرجه
الطبراني عن ابن عباس.
٨١ ـ من أحبّ أهل
البيت عليهمالسلام فله الشفاعة :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥٩)
أخرج الخطيب في
تاريخه عن علي عليهالسلام (قال) قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«شفاعتي لأمتي من
أحب أهل بيتي».
٨٢ ـ من أحبّ أهل
البيت عليهمالسلام يثبّته الله على الصراط :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦٣)
أخرج الديلمي عن
علي عليهالسلام ، (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيّكم ، وحب أهل
بيته ، وعلى قراءة القرآن ، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله ، مع
أنبيائه وأصفيائه.
٨٣ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يسألنا عن اثنين : القرآن والعترة :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦١)
أخرج الطبراني عن
المطلب بن عبد الله عن أبيه ، قال : خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالجحفة [غدير خم] فقال : ألست أولى بكم من أنفسكم؟. قالوا
: بلى يا رسول الله. قال : فإني سائلكم عن اثنين : عن القرآن وعترتي.
٨٤ ـ لا يدخل
الجنة من لم يعرف حق أهل البيت عليهمالسلام :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٥)
وأخرج الطبراني في
الأوسط ، ونقله السيوطي في (إحياء الميت) والنبهاني في أربعينه وابن حجر في صواعقه
، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «الزموا مودتنا أهل البيت ، فإنه من لقي الله وهو
يودّنا ، دخل الجنة بشفاعتنا. والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمل عمله إلا بمعرفة
حقنا».
٨٥ ـ مودة أهل
البيت عليهمالسلام تطيل العمر :
(قادتنا كيف نعرفهم ، ج ٦)
وروي بإسناده عن
عبد الله بن بدر ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «من أحبّ أن يبارك في أجله ، وأن يمتّع بما خوّله
الله تعالى ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. ومن لم يخلفني فيهم بتّك عمره (أي قطع)
، وورد عليّ يوم القيامة مسودا وجهه».
ـ وفي حديث مشابه : (المنتخب
للطريحي ، ص ١٢ ط ٢)
قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من أحبّ أن ينسّأ في أجله (أي يطول عمره) ، وأن يمتّعه
الله بما خوّله الله ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. فمن لم يخلفني فيهم بتر الله
عمره ، وورد عليّ يوم القيامة مسودّا وجهه».
ومضامين هذه
الأحاديث الشريفة أن أهل البيت عليهمالسلام
(الذين هم الأئمة
الأطهار) هم حجج الله البالغة ، ومناهل شريعته السائغة ، والقائمون مقام رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم من بعده في أمره ونهيه ، والممثّلون له بأجلى مظاهر هديه.
فالمحب لهم بسبب ذلك محبّ لله ولرسوله ، والمدافع عنهم كالمدافع عن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمبغض لهم مبغض لهما.
٨٦ ـ ماذا كان
جواب الأمة على طلب نبيّهم :
لقد طلب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من المسلمين أن يكون أجره على تبليغ الرسالة الإسلامية
مودّة قرباه وذريته المختارة ، فماذا كان جوابهم على هذا الطلب ، وما ذا كان ردّهم
على هذا الإحسان؟.
فمنذ أن أغمض
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عينيه بعد جهاده الكبير ، قام الناس يجرّدون أهل البيت عليهمالسلام من مكانتهم الرفيعة ومنزلتهم السامية ، ويحرمونهم حقوقهم
الدينية والدنيوية ، حتّى بكت فاطمة عليهاالسلام حزنا على فراق أبيها ، وصبر علي عليهالسلام على طول المدة وشدة المحنة.
ولقد كان في علم
الله وعلم رسوله ما ستفعل الأمة بأهله وذريته ، فكان يؤكد الوصيّة بهم ، ولزوم
التمسك بحبلهم ، وأنهم الأمان من الضلال ، والنجاة من الغرق .. وكأن هذه الوصية
بهم كانت وصية عليهم. لأن المسلمين عملوا على نقيضها ، فكانت الحجة على الظالمين
منهم حجة من أبلغ الحجج. ولا سيما ما فعلوه مع الإمام أبي عبد الله الحسين عليهالسلام ورهطه في كربلاء يوم العاشر من المحرّم.
عقاب من يبغض أهل البيت عليهمالسلام
٨٧ ـ مبغض أهل
البيت عليهمالسلام في النار :
(إحياء الميت ، ص ٢٤٢)
أخرج الطبراني
والحاكم عن ابن عباس (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«يا بني عبد
المطلب ، إني سألت الله لكم ثلاثا : أن يثّبت قلوبكم ، وأن يعلّم جاهلكم ، ويهدي
ضالّكم ، وسألته أن يجعلكم جوداء ونجداء ورحماء. فلو أن رجلا صفن (أي صفّ قدميه)
بين الركن والمقام ، فصلّى وصام ، ثم مات وهو مبغض لأهل بيت محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، دخل النار».
٨٨ ـ مبغض أهل
البيت عليهمالسلام منافق : (إحياء الميت ، ص ٢٤٣)
أخرج ابن عدي في (الإكليل)
عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «من أبغضنا أهل البيت ، فهو منافق».
٨٩ ـ مبغض العترة
أحد ثلاث : (إحياء الميت ، ص ٢٤٤)
أخرج ابن عدي
والبيهقي في شعب الإيمان ، عن علي عليهالسلام (قال) قال رسول
اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «من لم يعرف حقّ عترتي والأنصار ، فهو لإحدى ثلاث : إما
منافق ، وإما لدينه ، وإما لغير طهور». يعني حملته أمه على غير طهر.
٩٠ ـ مبغض أهل
البيت عليهمالسلام يحشر يهوديا : (إحياء الميت ، ص ٢٤٥)
أخرج الطبراني في
الأوسط عن جابر بن عبد الله ، قال : خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فسمعته يقول : «أيها الناس ، من أبغضنا أهل البيت ، حشره
الله تعالى يوم القيامة يهوديا».
٩١ ـ غضب الله
شديد على من آذى العترة : (إحياء الميت ص ٢٦٥)
أخرج الديلمي عن
أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اشتدّ غضب الله على من آذاني في عترتي».
٩٢ ـ عقوبة من
يظلم أهل البيت عليهمالسلام أو يسبّهم :
(عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ، ج ٢ ص ٣٤ حديث ٦٥)
عن الإمام علي
الرضا عليهالسلام عن آبائه عن علي عليهالسلام قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «حرّمت الجنة على من ظلم أهل بيتي ، وقاتلهم ، والمعين
عليهم ، ومن سبّهم (لا خَلاقَ لَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٧) [آل عمران :
٧٧].
موالاة أهل البيت عليهمالسلام
(حديث الثّقلين وحديث الغدير)
٩٣ ـ معنى
الموالاة :
ليست الموالاة
لأهل البيت عليهمالسلام مجرد محبتهم والتعاطف معهم ، إنما تعني إضافة لذلك التقيد
بأقوالهم والسير على منهاجهم. وهذه الموالاة واجبة على كل مسلم حسب منطوق حديث
الثقلين ، الّذي ينص على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ترك بعد وفاته للأمة شيئين مهمّين غاليين ، إن تمسكوا بهما
نجوا ، وإن تركوهما ضلوّا وغووا ، هما القرآن (وهو كتاب الله الصامت) وأئمة أهل
البيت (وهم كتاب الله الناطق).
وإذا كانت
الموالاة لأهل البيت عليهمالسلام تعني متابعتهم والتمسك بهم ، فيجب على كل مسلم أن يتعلم
فقه الإمام جعفر الصادق عليهالسلام ويسير عليه ، حتّى يكون مواليا لأهل البيت عليهمالسلام. أما محبة أهل البيت عليهمالسلام باللسان بدون السير على نهجهم ، فهذه لا تنفع شيئا ، عدا
عن أنها نفاق ظاهري. فأهل الكوفة كلهم كانت قلوبهم مع الحسين عليهالسلام ، ولكن أسيافهم كانت عليه. فالمحكّ الحقيقي للولاية هو
نصرة أهل البيت عليهمالسلام بالقول والعمل ، والدفاع عنهم ، والبراءة من أعدائهم.
ومن العجب العجاب
أن بعض المسلمين كانوا يدّعون محبة أهل البيت عليهمالسلام ، ثم كانوا يسبّونهم على المنابر ، لا بل إنهم كانوا يرضون
عن أعمال الذين حاربوا الإمام عليا عليهالسلام والإمام الحسن عليهالسلام والإمام الحسين عليهالسلام ، أمثال معاوية ويزيد وأعوانهم. فما هذا التناقض الغريب ،
وكيف يقبله ذو منطق وعقيدة؟.
وإليك بعض
الأحاديث الشريفة التي تؤكد على لزوم موالاة أهل البيت عليهمالسلام والتمسك بهم ومتابعتهم والسير على مذهبهم دون سواهم.
٩٤ ـ ثواب نصرة
أهل البيت عليهمالسلام ، والذين تنالهم شفاعة جدهمصلىاللهعليهوآلهوسلم :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٥)
روى الناصر للحق
عن آبائه رضوان الله عليهم ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة ، ولو أتوا
بذنوب أهل الأرض : الضارب بسيفه أمام ذريتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم
في حوائجهم ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه».
جعلنا الله من
محبيهم والموالين لهم ، ورزقنا شفاعة جدهم بمنّه وسعة رحمته.
٩٥ ـ ولاية علي عليهالسلام نسوها :
(تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفر ، ص ٩)
قال أبو سعيد
الخدري : أمر الناس بخمس ، فعملوا بأربع وتركوا واحدة. قيل له : وما الأربع؟. قال
: الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج. قيل : فما الواحدة التي تركوها؟. قال :
ولاية علي بن أبي طالب عليهالسلام. قيل له : وإنها لمفروضة معهن؟. قال : نعم هي مفروضة معهن.
٩٦ ـ تمسّكوا
بالأئمة من بعدي :
(المنتخب للطريحي ، ص ٢٤٤ ط ٢)
عن سلمان الفارسي
رضي الله عنه قال : خطب فينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الجمعة خطبة بليغة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
أيها الناس ، إني راحل عن قريب ، ومنطلق للمغيب. وإني أوصيكم في عترتي خيرا ، فلا
تخالفوهم ولا تخاصموهم ولا تنابذوهم. وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة
وأهلها بالنار.
معاشر الناس ، من
افتقد منكم الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، وإن
افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة (يقصد الأئمة الاثني عشر). أقول قولي
هذا وأستغفر الله لي ولكم ، والحمد لله رب العالمين.
إلى أن قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنهم هم الأولياء والأوصياء والخلفاء من بعدي ، أئمة
أبرار وأوصياء أطهار ، وهم بعدد أسباط يعقوب عليهالسلام ، وعدد حواريي عيسى عليهالسلام ، وعدد نقباء بني إسرائيل.
[وقد مرت رواية
مشابهة ، في الفقرة رقم ٤٢ مروية عن سلمان أيضا فراجع]
٩٧ ـ منزلة أهل
البيت عليهمالسلام :
(إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ص ١١١)
وعن أبي ذر رضي
الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان
العينين من الرأس ، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين».
٩٨ ـ موالاة
العترة :
وأخرج الطبراني في
الكبير ، والرافعي في مسنده ، بالإسناد إلى ابن عباس (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن
غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ؛
فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي
، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي». وهذا الحديث بعين لفظه هو الحديث
٣٨١٩ من (كنز العمال) ج ٦ ص ٢١٧.
٩٩ ـ حديث الثقلين
وحديث الغدير :
(المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين ، ص ٥١ ط ٥)
الصحاح الحاكمة
بوجوب التمسك بالثّقلين (وهما القرآن وأهل البيت) متواترة ، وطرقها عن بضع وعشرين
صحابيا متضافرة. وقد صدع بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مواقف له شتى ؛ مرة على منبره في المدينة ، وتارة بعد
انصرافه من الطائف ، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع ، وتارة يوم غدير خم وهو راجع
من حجة الوداع ، وأخرى في حجرته المباركة وهو في مرضه الأخير ، إذ قال : «إني أوشك
أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى
الأرض ، وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتّى يردا
عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما».
[أخرج هذا الحديث
الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري من طريقين : أحدهما في آخر ص ١٧ ، والثاني في
آخر ص ٢٦ من الجزء الثالث من مسنده. وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد
عن أبي سعيد ، وهو الحديث ٩٤٥ من أحاديث (كنز العمال) ج ١ ص ٤٧].
وأخرج جلال الدين
السيوطي في (الدر المنثور) ج ٢ ص ٦٠ أحاديث عديدة ، منها ما خرّجه عن الطبراني عن
زيد بن أرقم (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إني لكم فرط ، وإنكم واردون عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني
في الثّقلين». قيل وما الثقلان يا رسول الله؟ قال :
«الأكبر كتاب الله
عزوجل ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به لن
تزلوّا ولا تضلوا.
والأصغر عترتي ، وإنهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، وسألت لهما ذلك ربي.
فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهما فإنهما أعلم منكم». [وذكره في (التعقبات) ج
١ ص ١٨٣ من حديث الثقلين].
وذكر الموفق بن
أحمد الحنفي الخوارزمي في (المناقب) حديث الغدير بسنده المتصل عن حبيب بن أبي ثابت
عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال : لما رجع رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقمّمن (أي نظّف
ما تحت الشجرات من القمامة). ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كأني قد دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثّقلين ،
أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما ،
فإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». ثم قال : «إن الله عزوجل مولاي ، وأنا وليّ كل مؤمن ومؤمنة». ثم أخذ بيد علي عليهالسلام فقال : «من كنت وليّه فهذا وليّه. الله م وال من والاه ،
وعاد من عاداه».
تعليق : أحاديث
الثقلين وحديث الغدير ، تقرّ بالإمامة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهالسلام نصا لا لبس فيه ، حيث نقل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولايته العامة على المسلمين إلى الإمام علي عليهالسلام حيث قال لهم وهم مجتمعون في غدير خم : «ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم؟». قالوا : بلى ، الله ورسوله أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قال :
«من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ..." إلى آخر الحديث.
هذا وإن في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث الثقلين عن القرآن والعترة : «وإنهما لن يفترقا
حتّى يردا عليّ الحوض». حقيقتين هما :
الأولى : أن أهل
البيت عليهمالسلام والقرآن متلازمان ، فكما أن القرآن لا يأتيه الباطل ، فهم
منزّهون من الباطل ، ومعصومون من الخطأ والدنس.
والثانية : أنهم
مستمرون في ولايتهم إلى يوم القيامة ، وأنهم موجودون دائما ، إما بشكل إمام ظاهر
كالإمام علي عليهالسلام والأئمة من أولاده ، أو بشكل إمام مستتر كالإمام المهدي عليهالسلام ، وهو الإمام الثاني عشر ، الّذي ولد سنة ٢٥٥ ه ، ثم تولى
الإمامة سنة ٢٦٠ ه حين توفي والده عليهالسلام وغاب الغيبة الصغرى. ثم غاب الغيبة الكبرى وعمره ٧٥ عاما.
وهو الآن باعتقادنا حي يرزق ، غائب عن الأنظار ، يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض
قسطا وعدلا ، بعد ما ملئت ظلما وجورا. ومن مهماته أن يقيم دولة القرآن ، وأن يأخذ
بثأر جده الحسين عليهالسلام من أعدائه.
١٠٠ ـ روايات أخرى
لحديث الثقلين :
(إسعاف الراغبين للشيخ محمد الصبان ص ١١٠)
عن زيد بن أرقم (قال)
قام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس ،
إنما أنا بشر مثلكم ، يوشك أن يأتيني رسول ربي عزوجل فأجيبه. وإني تارك فيكم ثقلين : كتاب الله فيه الهدى
والنور ، فتمسّكوا بكتاب الله عزوجل وخذوا به ؛ وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ،
أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي «(أي أحذّركم الله في شأن
أهل بيتي). ورواه مسلم.
وأخرج الترمذي
وحسّنه ، والحاكم عن زيد بن أرقم (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، كتاب
الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي
فيهما».
١٠١ ـ تواتر حديث
الثقلين من طرق السنّة :
(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٠)
وقد ورد حديث
الثقلين بصيغة [كتاب الله وعترتي] أيضا فيما أخرجه عيد بن حميد في مسنده عن زيد بن
ثابت ، وبصيغة [الثقلين : كتاب الله وعترتي] فيما أخرجه أحمد وأبو يعلى عن أبي
سعيد الخدري ، وبنفس الصيغة ما أخرجه الترمذي عن جابر. وبصيغة : [الثقلين : كتاب
الله وعترتي أهل بيتي] ، فيما أخرجه البزاز عن علي عليهالسلام. وبصيغة [كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ، وبصيغة [خليفتين :
كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ما أخرجه أحمد والطبراني عن زيد بن ثابت ، وما أخرجه
البارودي عن أبي سعيد الخدري.
١٠٢ ـ ما معنى
الثّقلين؟ :
قال ابن حجر في (الصواعق)
بعد ذكره لحديث الثقلين : سمّى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم القرآن والعترة : ثقلين ، لأن الثّقل كل شيء نفيس خطير ،
وهذان كذلك ، إذ كل واحد منهما معدن للعلوم الدينية والأسرار العقلية الشرعية ،
ولهذا حثّ على الاقتداء والتمسك بهما. وقيل : سمّيا (ثقلين) لثقل وجوب رعاية
حقوقهما.
١٠٣ ـ أحاديث في
ولاية أهل البيت عليهمالسلام :
جاء في (الصواعق
المحرقة) لابن حجر في ولاية الإمام علي عليهالسلام وأهل البيت عليهمالسلام ووجوب الاقتداء بهم :
ـ في الصفحة ١٤
تفسير الآية : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ
لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٨٢) [طه : ٨٢].
قال ثابت البناني : (ثُمَّ اهْتَدى) [طه : ٨٢] يعني
إلى ولاية أهل البيت عليهمالسلام.
ـ وفي الصفحة ٩١
تفسير الآية : (وَقِفُوهُمْ
إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٢٤) [الصافات :
٢٤]. عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : (وَقِفُوهُمْ
إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٢٤) [الصافات :
٢٤] عن ولاية علي وأهل بيته عليهمالسلام.
ـ وفي الصفحة ٩٩
تفسير الآية : (الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٧) [البينة : ٧].
أخرج الحافظ جمال الدين الذرندي عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام : «هو أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين
مرضيين ، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين».
١٠٤ ـ تفسير سورة
العصر :
(مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للمجلسي ، ج ٣ ص ٢٥٥)
وفي علي عليهالسلام نزلت سورة (العصر) وتفسيرها : (وَالْعَصْرِ) (١) [العصر : ١]
أي أقسم برب عصر القيامة (إِنَّ الْإِنْسانَ
لَفِي خُسْرٍ) (٢) [العصر : ٢]
يقصد أعداء آل محمّد (إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا) [الشعراء : ٢٢٧]
بولايتهم ، (وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ) [الشعراء : ٢٢٧] بمواساة إخوانهم ،
(وَتَواصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر : ٣] في
فترة غيبة قائمهم (عج).
أشعار في موالاة أهل البيت عليهمالسلام
(هامش الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٢٩)
١٠٥ ـ أشعار في
الموالاة :
قال الإمام
الشافعي :
قالوا : ترفّضت
، قلت : كلا
|
|
ما الرفض ديني
ولا اعتقادي
|
لكن تولّيت غير
شكّ
|
|
خير إمام وخير
هاد
|
إن كان حبّ
الوليّ رفضا
|
|
فإنني أرفض
العباد
|
وقال رحمهالله :
يا راكبا قف
بالمحصّب من منى
|
|
واهتف بساكن
خيفها والناهض
|
سحرا إذا فاض
الحجيج إلى منى
|
|
فيضا كملتطم
الفرات الفائض
|
إني أحبّ بني
النبيّ المصطفى
|
|
وأعدّه من
واجبات فرائضي
|
إن كان رفضا حبّ
آل محمّد
|
|
فليشهد الثقلان
أني رافضي
|
وقال عن محبة أهل
البيت عليهمالسلام والصلاة عليهم :
يا آل بيت رسول
الله حبّكم
|
|
فرض من الله في
القرآن أنزله
|
كفاكم من عظيم
الفضل أنّكم
|
|
من لا يصلي
عليكم لا صلاة له
|
ومما ينسب إلى
الشافعي هذه الأبيات تعليقا على حديث النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «تفترق أمّتي ثلاثا وسبعين فرقة ، الناجية منها واحدة».
قال :
ولما رأيت الناس
قد ذهبت بهم
|
|
مذاهبهم في أبحر
الغيّ والجهل
|
ركبت على اسم
الله في سفن النّجا
|
|
وهم آل بيت
المصطفى خاتم الرّسل
|
إذا افترقت في
الدين سبعون فرقة
|
|
ونيف كما قد جاء
في محكم النقل
|
ولم يك ناج منهم
غير فرقة
|
|
فقل لي بها يا
ذا الرجاحة والعقل
|
أفي الفرق
الهلّاك آل محمّد
|
|
أم الفرقة
اللائي نجت منهم قل لي
|
فإن قلت في
الناجين فالقول واحد
|
|
وإن قلت في
الهلّاك حفت عن العدل
|
إذا كان مولى
القوم منهم ، فإنني
|
|
رضيت بهم ، لا
زال في ظلّهم ظلّي
|
فخلّ عليّا لي
إماما ونسله
|
|
وأنت من الباقين
في أوسع الحلّ
|
وله في الولاية
مدائح كثيرة ، منها قوله :
إذا في مجلس
ذكروا عليّا
|
|
وشبليه وفاطمة
الزّكيّة
|
يقال تجاوزوا يا
قوم هذا
|
|
فهذا من حديث
الرافضيّه
|
هربت من المهيمن
من أناس
|
|
يرون الرّفض حبّ
الفاطميّه
|
على آل الرسول
صلاة ربي
|
|
ولعنته لتلك
الجاهليه
|
وقال يرثي الحسين عليهالسلام من قصيدة :
تأوّب همّي
والفؤاد كئيب
|
|
وأرّق نومي
والرقاد غريب
|
ومما نفى همّي
وشيّب لمّتي
|
|
تصاريف أيام ،
لهنّ خطوب
|
فمن مبلغ عني
الحسين رسالة
|
|
وإن كرهتها أنفس
وقلوب
|
يصلىّ على
المبعوث من آل هاشم
|
|
ويغزى بنوه ،
إنّ ذا لعجيب
|
لئن كان ذنبي
حبّ آل محمّد
|
|
فذلك ذنب لست
عنه أتوب
|
هم شفعائي يوم
حشري وموقفي
|
|
إذا ما بدت
للناظرين خطوب
|
وقال رحمهالله :
لقد كتموا آثار
آل محمّد
|
|
محبّيهم خوفا ،
وأعداؤهم بغضا
|
فأبرز من بين
الفريقين نبذة
|
|
بها ملأ الله
السموات والأرضا
|
وقال الشيخ أبو
بكر بن عربي :
رأيت ولائي آل
طه فريضة
|
|
على رغم أهل
البعد يورثني القربا
|
فما طلب المبعوث
أجرا على الهدى
|
|
بتبليغه ، إلا
المودة في القربى
|
وقال أحدهم في
موالاة أهل البيت عليهمالسلام ومعاداة أعدائهم :
يا بني الزهراء
والنور الّذي
|
|
ظنّ موسى أنه
نار قبس
|
لا أوالي الدهر
من عاداكم
|
|
إنه آخر آي من (عبس)
|
يشير بذلك إلى
قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ
الْفَجَرَةُ) (٤٢) [عبس : ٤٢].
الفصل الرابع
الإمام الحسين عليهالسلام ترجمته وفضائله
١ ـ نسب الإمام
الحسين عليهالسلام
٢ ـ مولده ووفاته عليهالسلام وعمره الشريف
٣ ـ ولادة الحسين عليهالسلام وتسميته ورضاعه ـ أولاده عليهالسلام
٤ ـ أوصاف الحسين عليهالسلام وهيئته وجماله
٥ ـ فضائل الحسين عليهالسلام :
ـ فضائل الحسين عليهالسلام الخاصة
ـ الإمام الحسين عليهالسلام والقرآن
ـ جملة من مناقب
الحسين عليهالسلام
٦ ـ الذرية
والإمامة :
ـ قصة الحجاج مع
يحيى بن يعمر
ـ قصيدة لابن
المعتز ، وردّ صفي الدين الحلي عليها.
الفصل الرابع :
الإمام الحسين عليهالسلام
(ترجمته وفضائله)
١٠٦ ـ الإمام
الحسين عليهالسلام :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٣٩)
ثالث أئمة أهل
البيت الطاهر ، وثاني السبطين السعيدين ، سيدي شباب أهل الجنّة ، وريحانتي المصطفى
، وأحد الخمسة أصحاب العبا ، وسيد الشهدا.
الإمام الهمام ،
وقرة باصرة سيد الأنام. سبط الرحمة ، وكاشف الغمة. مهجة الزهرا ، وثمرة فؤاد علي
المرتضى. الّذي حمله ميكائيل ، وناغاه في المهد جبرائيل. الإمام القتيل ، الّذي
اسمه مكتوب على سرادق عرش الجليل : الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة. الشافع في
يوم الجزاء ، سيدنا ومولانا سيد الشهداء ، عليه سلام الله الملك الأعلى. الّذي
بولايته ربيّت ، وبكأسه الأوفى من صغري شربت ورويت.
ريحانة الرسول ،
وقرة عين البتول. وثمرة قلب الوصي ، وشقيق الزكي. أحد الثقلين ، وحبيب خيرة
الثقلين ، أبو عبد الله الحسين عليهالسلام.
١ ـ نسب الإمام الحسين عليهالسلام
١٠٧ ـ نسبه الشريف
:
الإمام الحسين عليهالسلام هو أحد أولاد الإمام علي عليهالسلام من زوجته العصماء فاطمة الزهراء ، بنت الرسول الأعظم محمّد
صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد ولدت خديجة الكبرى أم المؤمنين عليهاالسلام.
للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عدة أولاد ذكور وإناث ، مات أكثرهم صغيرا ، ولم ينجب منهم
ذرية سوى فاطمة عليهاالسلام التي تزوجها الإمام علي عليهالسلام فولدت له الحسن والحسين ، ثم زينب العقيلة (المدفونة في
ضاحية دمشق) وأم كلثوم. ولو لا الحسن
والحسين عليهماالسلام لا نقطعت سلالة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد تربيا في حجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان يحبهما حبا جمّا ، ويعتبرهما بمثابة أولاده. ومن
ألقابهما السبطان وسيدا شباب أهل الجنّة ، وريحانتا رسول الله. وهو الإمام
بعد أخيه الحسن عليهالسلام بنصّ أبيه وجده ، حيث قالصلىاللهعليهوآلهوسلم : «الحسن والحسين
إمامان ، قاما أو
قعدا».
٢ ـ مولد الحسين عليهالسلام ووفاته وعمره الشريف
١٠٨ ـ مولد الحسين
عليهالسلام ووفاته وعمره الشريف :
قال ابن سعد في (الطبقات)
: علقت فاطمة بالحسين عليهالسلام لخمس ليال خلون من ذي القعدة سنة ثلاث من الهجرة ، بعد
مولد الحسن عليهالسلام بخمسين ليلة.
ووضعته في شعبان
لليال خلون منه سنة أربع هجرية.
وقال ابن شهراشوب
في مناقبه (ج ٣ ص ٢٣١ ط نجف) :
ولد الحسين عليهالسلام عام الخندق في المدينة يوم الخميس أو الثلاثاء لخمس خلون
من شعبان سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما. وروي أنه لم يكن
بينه وبين أخيه إلا الحمل ، والحمل ستة أشهر.
وقال مصعب الزبيري
في (نسب قريش ، ص ٤٠) :
ولد الحسين عليهالسلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة ٤ من الهجرة.
وقال العلامة
المجلسي في (بحار الأنوار) :
الأشهر في ولادته عليهالسلام أنه ولد لثلاث خلون من شعبان سنة ٤ ه يوم الخميس. وقيل
ولد في ٥ شعبان سنة ٤ ه ، وهو قول الشيخ المفيد.
وقال السيد محسن
الأمين في (الأعيان) :
وكانت مدة حمله
ستة أشهر. وروي أنه لم يولد لستة أشهر ، إلا عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ،
والحسين بن علي عليهمالسلام.
وروى الإمام جعفر
الصادق عليهالسلام عن أبيه قال : لم تكن بين ولادة الحسن عليهالسلام والحمل بالحسين عليهالسلام إلا طهر واحد.
والعلماء مجمعون
على أن وفاة الحسين عليهالسلام كانت بكربلاء يوم العاشر من
__________________
المحرم سنة ٦١ ه
، والأغلب أنه قتل يوم الجمعة بعد الظهر ، وقيل يوم السبت. ودفن بكربلاء من غربي
الفرات.
فيكون عمره الشريف
سبعا وخمسين سنة ، وبالدقة ستا وخمسين سنة وخمسة أشهرعليهالسلام.
١٠٩ ـ معاصرته
للمعصومين عليهمالسلام :
وقد عاش الحسين عليهالسلام من حياته مع جده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سبع سنين ، ومع أبيه أمير المؤمنين علي عليهالسلام بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه عليهالسلام نحو عشر سنين ، وعاش بعد وفاة أخيه الحسن عليهالسلام إلى حين مقتله الشريف نحو عشر سنين.
وحين توفي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم فاطمة الزهراء عليهاالسلام بعده بقليل ، كان عمر الحسين عليهالسلام سبع سنين ، فعاش وأخوه يتيمين.
٣ ـ ولادة الحسين عليهالسلام وتسميته ورضاعه
١١٠ ـ ولادة
الحسين عليهالسلام وتسميته :
(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)
لما ولد الحسين عليهالسلام جاءت به أمه فاطمة عليهاالسلام إلى جده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فاستبشر به ، وأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ،
وحنّكه بريقه وتفل
في فمه.
فلما كان اليوم
السابع عقّ عنه بكبش (العقيقة : هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم سبوعه عند
حلق شعره) وأعطى القابلة رجل العقيقة. وأمر أمه أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة
، وكان وزنه درهما. وسماه صلىاللهعليهوآلهوسلم حسينا ، وهو مشتق من اسم (حسن) بالتصغير.
١١١ ـ اسمه الشريف
:
يقول محمّد مهدي
المازندراني في (معالي السبطين) ج ١ ص ٤٧ : اسمه الحسين ، وفي التوراة (شبير) ،
وفي الانجيل (طاب).
وحسين مصغّر حسن ،
كما أن شبير مصغّر شبّر ، وهذا التصغير لأجل التعظيم
كما لا يخفى على
البصير. ولم يسمّ أحد بهذا الاسم قبله ، كما أن يحيى عليهالسلام لم يسمّ باسمه أحد قبله. والاسم الكريم (الحسين) صفة
مشبّهة في الاشتقاق ، والصفة المشبهة تعني اللزوم والديمومة.
وقد ذكر ابن
الأعرابي أن الله قد حجب اسم الحسن والحسين عليهماالسلام حتّى سمّى بهما النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سبطيه ، وهما اسمان من أسماء أهل الجنّة ، وما سمّت
الجاهلية بهما.
وفي (مدينة
المعاجز) ص ٢٧٥ ط حجر إيران :
عن زرارة عن عبد
الخالق بن عبد ربه ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : (نَجْعَلْ لَهُ مِنْ
قَبْلُ سَمِيًّا) [مريم : ٧] الحسين
بن علي عليهماالسلام لم يكن له من قبل سميّا ، ويحيى بن زكريا عليهالسلام لم يكن له من قبل سميّا. ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين
صباحا. (قال) قلت : ما بكاؤهما؟. قال : تطلع الشمس حمراء وتغرب حمراء.
١١٢ ـ ألقابه عليهالسلام :
للحسين عليهالسلام ألقاب كثيرة منها : أبو عبد الله ، والسيد ، والسبط ،
والإمام الشهيد ، وسيد شباب أهل الجنّة.
ونقش خاتمه : (لكل
أجل كتاب) أو (حسبي الله) أو (إنّ الله بالغ أمره).
١١٣ ـ ولادة الحسين عليهالسلام
:
(معالي السبطين ، ج ١ ص ٣٧)
قالت صفية بنت عبد
المطلب عمة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لما سقط الحسين عليهالسلام من بطن أمه ، كنت قد وليته. قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا عمة هلمي إليّ بابني. فقلت : يا رسول الله إنا لم
ننظفه بعد. فقال : يا عمة أنت تنظفينه!. إن الله تبارك وتعالى قد نظفّه وطهّره. فدفعته
إليه وهو في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضع لسانه في
فيه ، وأقبل الحسين (على لسان النبي) يمصّه. قالت : فما كنت أحسب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يغذوه إلا لبنا أو عسلا.
قالت صفية :
فقبّله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين عينيه ، ثم دفعه إليّ وهو يبكي ويقول : لعن الله قوما
هم قاتلوك يا بني (يقولها ثلاثا). فقلت : فداك أبي وأمي ، ومن يقتله؟. قال : يقتله
فئة باغية من بني أمية.
(أقول) : لم يسمع
بأن ينعى أحد قبل موته ومنذ يوم ولادته ، وهذا مخصوص بالحسين عليهالسلام ؛ نعاه ناع يوم ولادته ، ونعاه ناع يوم شهادته.
١١٤ ـ رواية أسماء
بنت عميس :
(إعلام الورى في أعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢١٤)
في مسند الإمام
الرضا عليهالسلام عن علي بن الحسين عليهالسلام قال : حدثتني أسماء بنت عميس ، قالت : لما كان بعد الحول
من مولد الحسن عليهالسلام ولد الحسين عليهالسلام. فجاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ،
فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضعه في حجره وبكى. قالت أسماء : فداك
أبي وأمي ممّ بكاؤك؟. قال : من ابني هذا. فقلت : إنه ولد الساعة. قال : يا أسماء
تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي.
ثم قال : يا أسماء
لا تخبري فاطمة عليهاالسلام فإنها حديثة عهد بولادته. ثم قال لعلي عليهالسلام : أي شيء سمّيت ابني هذا؟. قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا
رسول الله ، وقد كنت أحب أن أسميه (حربا). فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما كنت لأسبق باسمه ربي. فأتاه جبرئيل فقال : الجبار
يقرئك السلام ، ويقول : سمّه باسم ابن هرون. فقال : ما اسم ابن هرون؟. قال : شبير.
قال : لسان عربي. قال : سمّه الحسين ، فسماه الحسين عليهالسلام.
ثم عقّ عنه يوم سابعه
بكبش ، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقا ، وطلا رأسه بالخلوق (نوع من الطيب) وقال :
الدم فعل الجاهلية. وأعطى القابلة فخذ الكبش.
١١٥ ـ رواية أم
الفضل :
(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)
روى الحاكم في (المستدرك)
بسنده عن أم الفضل بنت الحارث (زوجة العباس ابن عبد المطلب) أنها دخلت على رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة. قال :
وما هو؟. قالت : إنه شديد. قال : وما هو؟. قالت : رأيت كأن قطعة (وفي رواية : بضعة)
من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : رأيت خيرا ، تلد فاطمة إنشاء الله غلاما ، فيكون في
حجرك. قالت : فولدت فاطمة الحسين عليهالسلام فكان في حجري ، كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فدخلت يوما إلى
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فوضعته في حجره ، فأخذ يلاعبه ساعة. ثم
حانت مني التفاتة
، فإذا عينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تهريقان بالدموع. فقلت : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي مالك؟.
قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا. فقلت : هذا!. فقال : نعم ،
وأتاني بتربة من تربته حمراء.
وقد دمجنا روايتين
بنفس المضمون مع بعضهما.
١١٦ ـ لماذا لم
ترضع فاطمة الحسين عليهالسلام :
(مناقب آل أبي
طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٩ ط نجف) عن أبي المفضل بن خير بإسناده ، أنه اعتلّت
فاطمة عليهاالسلام لما ولدت الحسين عليهالسلام وجف لبنها. فطلب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مرضعا فلم يجد ، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصّها ، ويجعل
الله له في إبهام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رزقا يغذوه.
ويقال : بل كان
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يدخل لسانه في فيه فيغرّه كما يغرّ الطائر فرخه . فجعل الله له في ذلك رزقا. ففعل أربعين يوما وليلة ، فنبت
لحمه من لحم رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم.
تعليق :
يبدو من الروايات
أن فاطمة عليهاالسلام لما ولدت بالحسين عليهالسلام مرضت وجفّ لبنها ، فأرضعته أم الفضل زوجة العباس عم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بلبن ابنها (قثم بن العباس). وهذا معارض لما ورد من أن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو الّذي أرضعه.
والظاهر أن الحسين
عليهالسلام لما لم يرضع من أمه فاطمة عليهاالسلام عرض على غيرها من المرضعات ، فرفض الرضاع. فكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يضع إبهامه في فيه ، فيمصّ ما يكفيه ، فنبت لحم الحسين عليهالسلام من لحم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ودمه ، وهذا مصداق قول النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : «حسين مني ، وأنا من حسين».
ويمكن الجمع بين
الأمرين ، بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أرضع الحسين عليهالسلام أربعين ليلة حتّى نبت لحمه من لحمه ، ثم ردّه إلى أم الفضل
فأرضعته وحضنته.
ولله درّ الشاعر
حيث قال :
لله مرتضع لم
يرتضع أبدا
|
|
من ثدي أنثى ،
ومن طه مراضعه
|
يعطيه إبهامه
آنا وآونة
|
|
لسانه ، فاستوت
منه طبائعه
|
__________________
١١٧ ـ ماذا فعلوا
به؟ :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٦)
نبت لحم الحسين عليهالسلام من لحم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعظمه من عظم رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ودمه من دم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولذا كان يشمّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقبّله ، ويقول : «حسين مني ، وأنا من حسين».
يقول الشيخ محمّد
مهدي المازندراني :
أما اللحم الّذي
تربّى من دم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد وزّعته سيوف أهل الكوفة ورماحهم. وأما الدم الّذي
تربّى من دم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد أراقته سيوف بني أمية. وأما العظم الّذي تربّى من عظم
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد هشّمته الخيل بحوافرها. يقول الشاعر :
ومن ارتبى طفلا
بحجر محمّد
|
|
حتّى اغتذى وحي
الإله رضيعا
|
يغذو غذاء
المرهفات وبعد ذا
|
|
منه ترضّ
الصافنات ضلوعا
|
وقد تربّى الحسين عليهالسلام في حجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يزل في حجره ، فإذا نام صلىاللهعليهوآلهوسلم على ظهره ، يرقى الحسين على صدره ويجلس عليه. وهذا الصدر
الشريف هو الّذي طحنوه يوم عاشوراء. يقول الشاعر :
يومان لم ترني
الأيام مثلهما
|
|
فسرّني ذا وهذا زادني
أرقا
|
يوم الحسين رقى
صدر النبي به
|
|
ويوم شمر على
صدر الحسين رقى
|
١١٨ ـ أولاد الحسين عليهالسلام :
للحسين عليهالسلام ستة ذكور وأربع بنات ، هم :
ـ علي الأكبر :
قاتل بين يدي أبيه حتّى قتل شهيدا في كربلاء.
ـ علي الأوسط :
زين العابدين عليهالسلام وكان مريضا في كربلاء.
ـ علي الأصغر :
أصابه سهم في كربلاء وهو طفل فمات.
ـ عبد الله الرضيع
: قتل بين يدي أبيه وهو يستسقي له الماء.
ـ محمّد وجعفر :
ماتا صغيرين في حياة أبيهما عليهالسلام.
ـ البنات : زينب
وفاطمة وسكينة ورقية عليهمالسلام.
* وقد مرّ ذلك
مفصّلا فيما مضى من الكتاب ، فراجع ص ١٢١.
والذكر المخلّد هو
لزين العابدين عليهالسلام أبي الأئمة ، الّذي منه اتصلت سلالة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد كان مريضا يوم كربلاء على وشك الموت ، ثم شفاه الله
من علته ليكون منه النسل النبوي الشريف.
٤ ـ أوصاف الحسين عليهالسلام وهيئته وجماله
١١٩ ـ أوصاف
الحسين عليهالسلام وهيئته :
(غصن الرسول : الحسين بن علي عليهالسلام لفؤاد علي رضا ، ص ٣٤)
في كتاب (الشفا)
للقاضي عياض من أحاديث عدة ، أن الحسين عليهالسلام كان واسع الجبين ، كثّ اللحية تملأ صدره ، واسع الصدر ،
عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، عبل العضدين والذراعين والأسافل ، رحب الكفين
والقدمين ، أنور المتجرد ، ربعة القد ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد ،
رجل الشعر ، متماسك البدن.
١٢٠ ـ صفة شعره
ولحيته الشريفة وخضابه :
(المصدر السابق ص ٣٥)
روى ابن عساكر عن
... قال : رأيت الحسين عليهالسلام وهو أسود الرأس واللحية إلا من شعرات ههنا في مقدّم لحيته
، فلا أدري بعد ذلك ، هل خضب أم ترك ، أو ما شاب منه غير ذلك.
وروى ابن كثير في (البداية
والنهاية) ، (قال) قال سفيان : قلت لعبيد الله بن زياد: رأيت الحسين؟. قال : نعم ،
أسود الرأس واللحية إلا شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري أخضب وترك ذلك
المكان تشبّها برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو لم يكن شاب منه غير ذلك.
وقال الذهبي في (سير
أعلام النبلاء) ص ٢٩١ : وروى المطلب بن زياد عن السدي قال : رأيت الحسين عليهالسلام وله جمّة خارجة من تحت عمامته (أخرجه الطبراني برقم ٢٧٩٦).
وعن الشعبي قال :
رأيت الحسين عليهالسلام يتختّم في شهر رمضان.
وفي (بحار الأنوار)
للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٨٤ ط ٣ : سأل رجل الحسين عليهالسلام
وهو في قصر بني
مقاتل : يا أبا عبد الله ، هذا الّذي أرى خضاب أو شعرك؟. فقال : خضاب ، والشيب
إلينا بني هاشم يعجل.
وقال المفيد في (الإرشاد)
: كان عليهالسلام يخضب بالحناء والكتم ، وقتل وقد نصل الخضاب من عارضيه .
١٢١ ـ جمال الحسين
عليهالسلام :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٥٩)
كان الحسين عليهالسلام جيد البدن ، حسن القامة ، جميل الوجه ، صبيح المنظر ، نور
جماله يغشى الأبصار ، وله مهابة عظيمة ، ويشرق منه النور بلحية مدوّرة ، قد خالطها
الشيب. أدعج العينين (أي شديد سواد العين وبياضها مع سعة) ، أزجّ الحاجبين ، واضح
الجبين ، أقنى الأنف (أي في أنفه ارتفاع في وسط القصبة مع ضيق في المنخرين).
وكان الحسن عليهالسلام يشبه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من رأسه إلى صدره ، والحسين عليهالسلام يشبه من صدره إلى رجليه.
وقال السيد محسن
الأمين في (الأعيان) ج ٤ ص ٩٧ : ومما يدل على جمال الحسين عليهالسلام ووضاءة وجهه وشبهه برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ما رواه البخاري في صحيحه في باب مناقب الحسن والحسين عليهالسلام بسنده عن أنس بن مالك ، قال : أتى عبيد الله بن زياد برأس
الحسين عليهالسلام فجعل في طشت ، فجعل ينكت الرأس ، وقال في حسنه : ما رأيت
مثل هذا حسنا. فقال أنس بن مالك : كان أشبههم برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. أي أشبه أهل البيت به صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وروى ابن كثير
وابن عساكر عن شهاب بن خراش ، أنه كان في صوت الحسين عليهالسلام غنّة.
١٢٢ ـ نور وجهه عليهالسلام :
في (المنتخب)
للطريحي ، أن الحسين عليهالسلام كان إذا جلس في المكان المظلم
__________________
يهتدي إليه الناس
ببياض جبينه ونحره ، كأن الذهب يجري في تراقيه. وإذا تكلم رؤي النور يخرج من بين
ثناياه. ولم يكن يمرّ في طريق فتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه ، لطيب رائحته.
وإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كثيرا ما [كان] يقبّل الحسين بنحره وجبهته.
٥ ـ فضائل الحسين عليهالسلام
١٢٣ ـ بعض فضائل
الحسين عليهالسلام :
فضائل الإمام
الحسين عليهالسلام لا يحدها عدّ ولا حصر ، بدءا من الحسب والنسب ، وانتهاء
بالسعادة والشهادة. فجده سيد الكائنات محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأمه فاطمة سيدة نساء العالمين ، وهو وأخوه سيدا شباب
أهل الجنّة ، وهما مع جدهما وأبيهما وأمهما أصحاب الكساء ، الذين طهّرهم الله من
كل رجس ، وفضّلهم على كل نفس ، فكانوا سادة الأمجاد ، وحجج الله على العباد.
يقول الشيخ عباس
القمي في (نفس المهموم) : اعلم أن مناقب مولانا الحسين عليهالسلام واضحة الظهور ، وسنا شرفه ومجده مشرق النور ، فله الرتبة
العالية والمكانة السامية في كل الأمور. وكيف لا يكون كذلك ، وقد اكتنفه الشرف من
جميع أكنافه ، وظهرت مخايل السؤدد على شمائله وأعطافه ، وكاد الجمال يقطر من
نواحيه وأطرافه!.
١٢٤ ـ وصف الإمام
الحجة عليهالسلام للحسين عليهالسلام في زيارة الناحية :
قال الحجة المهدي عليهالسلام في زيارة الناحية المقدسة ، معددا بعض مناقب الحسين عليهالسلام : كنت للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ولدا ، وللقرآن سندا ، وللأمة عضدا ، وفي الطاعة مجتهدا.
حافظا للعهد والميثاق ، ناكبا عن سبل الفسّاق. باذلا للمجهود ، طويل الركوع
والسجود. زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ، ناظرا إليها بعين المستوحشين منها.
١٢٥ ـ فضائل
مشتركة للحسين عليهالسلام :
في (مناقب ابن
شهراشوب) وغيره ، قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الولد ريحانة ، وريحانتاي من الدنيا الحسن والحسين عليهالسلام».
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة».
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهما : «ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا».
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهما : «هذان ابناي ، فمن أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما
فقد أبغضني».
وروى محمّد بن أبي
عمير عن رجاله ، عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : قال الحسن عليهالسلام لأصحابه : إن لله مدينتين ، إحداهما في المشرق اسمها (جابلقا)
، والأخرى في المغرب اسمها (جابرسا) ، فيهما خلق لله تعالى لم يهمّوا بمعصية له
قط. والله ما فيهما حجة لله على خلقه غيري وغير أخي الحسين عليهالسلام.
فضائل الحسين عليهالسلام الخاصة
١٢٦ ـ ما علّمه
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ١٤٦)
قيل للحسين عليهالسلام : ما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟. قال سمعته يقول :
«إن الله يحبّ
معالي الأمور ، ويكره سفسافها». وعقلت عنه أنه يكبّر فأكبّر خلفه ، فإذا سمع
تكبيري أعاد التكبير حتّى يكبّر سبعا. وعلّمني (قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ) (١) [الإخلاص : ١]
، وعلّمني الصلوات الخمس.
وسمعته يقول : «من
يطع الله يرفعه ، ومن يعص الله يضعه ، ومن يخلص نيّته لله يزينه ، ومن يثق بما عند
الله يغنه ، ومن يتعزز على الله يذلّه».
١٢٧ ـ حديث سلمان
رضي الله عنه :
(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٢٦ ط نجف)
عن سليم بن قيس
الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : دخلت على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإذا الحسين عليهالسلام على فخذيه ، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ، ويقول : «أنت
سيّد ابن سيد أخو سيد ، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام ، وأنت حجة ابن حجة أخو حجة ،
وأنت أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم».
١٢٨ ـ حديث ابن
عباس رضي الله عنه :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٦)
روى الخوارزمي
بإسناده عن ابن عباس قال : حضرت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند وفاته وهو يجود بنفسه ، وقد ضمّ الحسين عليهالسلام إلى صدره ، وهو يقول :
«هذا من أطائب
أرومتي ، وأبرار عترتي ، وخيار ذرّيتي ؛ لا بارك الله فيمن لم يحفظه من بعدي».
قال ابن عباس : ثم
أغمي على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ساعة ، ثم أفاق فقال :
«يا حسين ، إنّ لي
ولقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربي وخصومة ، وقد طابت نفسي إذ جعلني الله خصما
لمن قاتلك يوم القيامة».
١٢٩ ـ الحسين عليهالسلام سبط من الأسباط :
(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٣)
حدثنا الحسين بن عرفة
... عن يعلى بن مرة (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«حسين مني وأنا من
حسين ، أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط». أي أمّة من الأمم.
١٣٠ ـ حديث البراء
بن عازب :
(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٧)
روى محب الدين
الطبري في (ذخائر العقبى ، ص ١٣٣) بإسناده عن البراء بن عازب (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للحسن أو للحسين عليهماالسلام : «هذا مني وأنا منه ، وهذا يحرم عليه ما يحرم عليّ».
١٣١ ـ حديث جابر
بن عبد الله :
(المصدر السابق)
روى جابر بن عبد
الله الأنصاري قال : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسين
بن علي عليهماالسلام ، فإني سمعت ذلك من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
١٣٢ ـ أحبّ أهل
الأرض إلى أهل السماء :
وفي (القمقام) قال
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من أحبّ أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر
إلى الحسين عليهالسلام. إنما الحسين عليهالسلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة».
فكيف بمن قتله
وسفك دمه وسلب أثوابه وأوطأ الخيل صدره؟!.
١٣٣ ـ الحسين عليهالسلام باب من أبواب الجنّة :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٤٥)
وروى الخوارزمي
بإسناده عن عبد الله (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«بي أنذرتم ، ثم
بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ (إِنَّما أَنْتَ
مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) [الرعد : ٧] ،
وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون ، وبه تشقون.
ألا وإن الحسين عليهالسلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة
الجنّة».
١٣٤ ـ حديث أبي بن
كعب :
في (البحار) عن
أبي بن كعب ، قال : دخل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الحسين عليهالسلام فقال له : مرحبا بك يا أبا عبد الله ، يا زين السموات
والأرضين!. فقال أبّي : وكيف يكون يا رسول الله زين السموات والأرضين أحد غيرك؟.
فقال :
«يا أبيّ ، والذي
بعثني بالحق نبيا ، إن الحسين بن علي عليهماالسلام في السماء أكبر منه في الأرضين ، وإنه لمكتوب على يمين
العرش :
الحسين مصباح الهدى
وسفينة النجاة»
وفي رواية الشيخ
الصدوق :
(مصباح هدى وسفينة
نجاة ، وإمام غير وهن ، وعزّ وفخر ، وعلم وذخر. وإن الله عزوجل مركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية ، خلقت من قبل أن
يكون مخلوق في الأرحام ، أو يجري ماء في الأصلاب ، أو يكون ليل أو نهار).
ثم أخذ بيده ،
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أيها الناس ، هذا الحسين بن علي فاعرفوه وفضّلوه كما
فضّله الله ، فو الذي نفسي بيده إنه لفي الجنّة ، ومحبّيه في الجنّة ، ومحبّي
محبّيه في الجنّة».
١٣٥ ـ عوّض الله
الحسين عليهالسلام عن قتله بأربع خصال :
عن حميد بن مسلم ،
قال : سمعت الباقر والصادق عليهماالسلام يقولان : إن الله تعالى عوّض الحسين عليهالسلام عن قتله ، أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ،
وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعدّ أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره.
وسوف نشرح بعد
قليل الخصلة الأولى (الإمامة من ذريته). أما فيما يتعلق (بفضل تربته) فنرجئ بحثه
إلى آخر الموسوعة.
فضائل الحسين عليهالسلام على لسان الصحابة
١٣٦ ـ كلام عبد
الله بن عمر :
(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ٢٤)
روى ابن حجر
بإسناده عن العيزار بن حرب : بينا عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة ، إذ رأى
الحسين عليهالسلام مقبلا ، فقال : هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.
١٣٧ ـ الحسين عليهالسلام أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٢ ط نجف)
روى ابن الأثير
بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، قال : كنت في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن العاص
، فمرّ بنا الحسين عليهالسلام فسلّم عليه القوم ، فسكت عبد الله بن عمرو ، حتّى إذا
فرغوا رفع عبد الله بن عمرو صوته فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل
على القوم فقال : ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟. قالوا : بلى. قال :
هذا هو المقتفي (يقصد الحسين) ، والله ما كلمني بكلمة من ليالي صفين ، ولأن يرضى
عني أحبّ إليّ من أن تكون لي حمر النّعم.
١٣٨ ـ حكم المحرم
الّذي يقتل الذباب :
(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٢)
روى البخاري من
حديث شعبة ومهدي بن ميمون ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، سمعت ابن أبي نعيم ، قال :
سمعت عبد الله بن عمر ، وقد سأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب؟. فقال
: أهل العراق يسألون عن قتل الذباب ، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«هما ريحانتاي من
الدنيا».
وروى الترمذي عن
عقبة بن مكرم ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، نحوه : أن
رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب (أطاهر هو أم نجس؟). فقال
ابن عمر : انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن بنت محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ... وذكر تمام الحديث ، ثم قال :
حسن صحيح.
١٣٩ ـ حكم دم
البعوض في الصلاة :
(إسعاف الراغبين للصبان ص ١٩٣)
روى البخاري
والترمذي وغيرهما عن ابن عمر ، أنه سأله رجل عن دم البعوض ، طاهر أم لا؟. (وفي
رواية) أنه سأله عن المحرم بالحج يقتل الذباب ، ماذا يلزمه إذا قتله؟. فقال له :
ممن أنت؟. فقال : من أهل العراق. فقال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض (وفي
الرواية الثانية : عن قتل الذباب) مع حقارته ، وقد أفرطوا وقتلوا ابن نبيهم مع
جلالته ، وقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «الحسنان ريحانتاي من الدنيا».
وفي رواية ابن
الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص ١٧٢ ط ٢ : والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «هما سيدا شباب أهل الجنّة».
رواية مشابهة عن
الحسن البصري :
(الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٧٢)
وسأل أهل الكوفة
مرة الحسن البصري عن دم البعوض؟. فقال : تستحلون دم الحسين عليهالسلام وتسألون عن دم البعوض؟. ما رأيت أجهل منكم!.
الإمام الحسين عليهالسلام والقرآن
١٤٠ ـ التشابه بين
الحسين عليهالسلام والقرآن :
(الخصائص الحسينية ، ص ٢٠٣)
ألفّ الشيخ جعفر
التستري كتابا فريدا في موضوعه ، جمع فيه كل الخصال التي اختص بها الحسين عليهالسلام ، وسمّاه (الخصائص الحسينية) نقتطف منه هذه الفقرات.
قال الشيخ جعفر
التستري :
* القرآن فيه
البسملة مائة وأربعة عشر مكانا ، والحسين عليهالسلام في بدنه جروح السيف مثل البسملة مائة وأربعة عشر.
* القرآن يقسّم
إلى أربعة أقسام : طوال ومئين ومثاني ومفصّل ، والحسين عليهالسلام أربعة أقسام : رأس على الرمح مسافر ، وجسد في كربلا مطروح
، ودم على أجنحة الطيور وفي القارورة الخضراء عند الملك ، ومفصّل من صغار أعضاء
أطراف الجسد متفرقة.
* القرآن سمّاه
الله مباركا ، فقال : (هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ) ، وقد سمّى الله الحسين عليهالسلام في تسميته مباركا ، في وحيه للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بلا واسطة ، فيقول :
«بورك من مولود
عليه صلواتي وبركاتي ورحمتي».
* القرآن شفاء
ورحمة للمؤمنين ، والحسين عليهالسلام شفاء للأمراض الباطنة ، وتربته للأمراض الظاهرة ، وهو رحمة
للمؤمنين ، أكثر فوزهم يكون به.
١٤١ ـ في الآيات
النازلة في حق الحسين عليهالسلام في القرآن :
(المصدر السابق ، ص ٢٠٨)
يقول الشيخ جعفر
التستري :
١ ـ في بيان الحمل
به عليهالسلام وولادته ، وهو قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ
كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ
وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ
الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ
وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ) (١٥) [الأحقاف :
١٥].
__________________
ومن الثابت أن
الّذي ولد لستة أشهر ، فكان حمله ورضاعه ثلاثون شهرا ، هو الحسين عليهالسلام ويحيى بن زكريا عليهالسلام.
يقول : فلو قال في
الآية : (وأصلح لي ذريتي) لكانت ذريته كلهم أئمة ، ولكنه قال (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) [الأحقاف : ١٥] أي
بعضهم ، وهم الأئمة الأطهار من نسل الحسين عليهالسلام.
٢ ـ في بيان خروجه
من المدينة ، وهو قوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ)
(٤٠) [الحج : ٣٩ ـ ٤٠].
عن الإمام الصادق عليهالسلام أن هذه الآية نزلت في علي عليهالسلام وجعفر وحمزة ، وجرت في الحسين عليهالسلام أيضا.
٣ ـ في قلة أنصاره
، وهو قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا
الزَّكاةَ) [النساء : ٧٧].
وفي هذا إشارة إلى ما عمل الحسن عليهالسلام حين كفّ يده وصالح. (فَلَمَّا كُتِبَ
عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) [النساء : ٧٧] أي
مع الحسين (إِذا فَرِيقٌ
مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا
رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ
قَرِيبٍ) [النساء : ٧٧].
وهذا إشارة إلى وقت خروج القائمعليهالسلام.
٤ ـ في مجمل بيان
شهادته ومكانه وحالاته عليهالسلام ، وهي قوله تعالى : (كهيعص) (١) [مريم : ١].
وسوف نتناول شرح هذه الآية في الفصل القادم.
٥ ـ فيما نودي من
الله به عند قتله عليهالسلام ، وهي قوله تعالى :
(يا أَيَّتُهَا
النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى
رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي
عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي) (٣٠) [الفجر : ٢٧
ـ ٣٠]. يقول الإمام الصادق عليهالسلام : يعني الحسين عليهالسلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضيّة.
٦ ـ في طلب ثأره
في الرجعة ، وهي قوله تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ
مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ
إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) (٣٣) [الإسراء :
٣٣]. فالحسينعليهالسلام قتل مظلوما ، ووليه الّذي سيأخذ بثأره هو الحجة القائم عليهالسلام. (فَلا يُسْرِفْ فِي) [الإسراء : ٣٣] : أي لا يقتل إلا من شرك في قتله.
٧ ـ في الانتقام
له يوم القيامة ، وهي قوله تعالى : (وَإِذَا
الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ
قُتِلَتْ) (٩) [التكوير : ٨
ـ ٩]. عن الإمام الصادق عليهالسلام أنها نزلت في الحسينعليهالسلام ،
لأن الحسين عليهالسلام وعياله وأطفاله يوم عاشوراء قبل أن يستشهدوا أحاط بهم
الأعداء وعزلوهم عن العالم وضيّقوا عليهم الخناق ، ومنعوهم من كل مقوّمات الحياة ،
فهم كالموؤودة في التراب.
والمقصود (الْمَوْؤُدَةُ) (٨) [التكوير : ٨]
: ولاية أهل البيت عليهمالسلام التي وأدها المسلمون في كربلاء ، بدون ذنب جنته. فيسألون
عنها يوم القيامة ، بأي ذنب قتلوها؟!.
وفي (مناقب ابن
شهراشوب) ج ٣ ص ٢٣٧ ط نجف :
عن الإمام الباقر عليهالسلام في قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ
سُئِلَتْ) (٨) [التكوير : ٨]
يقول : يسألكم عن الموؤودة التي أنزل عليكم فضلها ، مودة ذي القربى ، وحقّنا
الواجب على الناس ، وحبّنا الواجب على الخلق. قتلوا مودتنا ، بأي ذنب قتلونا؟.
جملة من مناقب الإمام الحسين عليهالسلام
سوف نسرد في هذه
الفقرة باقة من مناقب الإمام الحسين عليهالسلام ، وهي تشمل محبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم له ، ثم عبادته وسخاءه ورأفته بالفقراء وإباءه للضيم
وشجاعته.
يقول الشيخ أحمد
فهمي محمّد في كتابه (ريحانة الرسول : الشهيد المظلوم) : وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم شديد الحب للحسين عليهالسلام لشوق فؤاده إلى الذرية من سلالته.
١٤٢ ـ شدة حب
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للحسين عليهالسلام :
(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١٠٠)
قال ابن عباس :
كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحب الحسين عليهالسلام ويحمله على كتفه ويقبّل شفتيه وثناياه.
ومرّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على بيت فاطمة عليهاالسلام فسمع الحسين عليهالسلام يبكي ، فقال : بنيّة سكّتيه ، ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».
(أقول) : لم يستطع
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يسمع بكاء الحسين عليهالسلام من غاية شفقته عليه ، ليت شعري فما حاله ليلة الحادي عشر
من المحرم ، حين وقف عليه فرآه مقطّع الرأس ، ومبضّعا بالسيوف والنبال والرماح ،
وقد قطع الجمّال يديه!.
١٤٣ ـ أيهما أحبّ
إلى النبي : الحسين أم علي؟ :
(معالي السبطين للشيخ محمّد مهدي الحائري ، ج ١ ص ٨٨)
في (تظلّم الزهراء)
عن كتاب (منتخب آثار أمير المؤمنين) : كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
جالسا ذات يوم
وعنده علي بن أبي طالب عليهالسلام ، إذ دخل الحسين عليهالسلام فأخذه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وجعله في حجره ، وقبّل بين عينيه ، وقبّل شفتيه ، وكان
للحسين عليهالسلام ست سنين. فقال علي عليهالسلام : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أتحبّ ولدي الحسين؟. قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : كيف لا أحبه وهو عضو من أعضائي؟!. فقال : يا رسول الله ،
أيّنا أحبّ إليك ، أنا أم الحسين؟. فقال الحسين : يا أبت ، من كان أعلى شرفا ، كان
أحبّ إلى رسول الله وأقرب إليه منزلة. قال علي عليهالسلام : أتفاخرني يا حسين؟. قال : نعم إن شئت يا أبتاه. فقال عليهالسلام : أنا أمير المؤمنين ، أنا لسان الصادقين ، أنا وزير
المصطفى .. حتّى عدّ من مناقبه نيّفا وسبعين منقبة ، ثم سكت. فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للحسين عليهالسلام : أسمعت يا أبا عبد الله ، وهو عشر ما قاله من فضائله ،
ومن ألف ألف فضيلة ، وهو فوق ذلك وأعلى. فقال الحسين عليهالسلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين ،
وعلى جميع المخلوقين. ثم قال : أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين ، فأنت فيه صادق
أمين. فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أذكر أنت فضائلك يا ولدي. فقال الحسين عليهالسلام : أنا الحسين ابن علي بن أبي طالب ، وأمي فاطمة الزهراء
سيدة نساء العالمين ، وجدي محمّد المصطفى سيد بني آدم أجمعين ، لا ريب فيه. يا أبت
أمي أفضل من أمك عند الله وعند الناس أجمعين ، وجدي خير من جدك وأفضل عند الله
وعند الناس أجمعين ، وأبي خير من أبيك عند الله وعند الناس أجمعين ، وأنا في المهد
ناغاني جبرائيل وتلقّاني إسرافيل. يا أبت أنت عند الله أفضل مني ، وأنا أفخر منك
بالآباء والأمهات والأجداد. ثم اعتنق أباه فقبّله ، وعليّ عليهالسلام أيضا يقبّله ، ويقول : زادك الله شرفا وتعظيما وفخرا وعلما
وحلما ، ولعن الله قاتليك يا أبا عبد الله.
١٤٤ ـ قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : دعوا الحسنين يتمتعان بي وأتمتّع بهما :
روي أنه لما ثقل
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مرضه ، والبيت غاصّ بمن فيه ، قال : ادعوا إليّ الحسن
والحسين عليهالسلام. قال : فجعل يلثمهما حتّى أغمي عليه. قال : فجعل علي عليهالسلام يرفعهما عن وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ففتح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عينيه وقال : دعهما يتمتّعان مني وأتمتّع منهما ، فإنهما
سيصيبهما بعدي أثرة».
١٤٥ ـ جبرائيل
يخبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمقتل الحسين عليهالسلام :
(بحار الأنوار ، ج ٤٤ ص ٢٣٨ ط ٣)
في (كامل الزيارة)
ص ٦٧ ، عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : بينا رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في منزل فاطمة عليهاالسلام ، والحسين عليهالسلام في حجره ، إذ بكى وخرّ ساجدا ، ثم قال : يا فاطمة يا بنت
محمّد ، إن العليّ الأعلى تراءى لي في بيتك هذا ، ساعتي هذه ، في أحسن صورة وأهيأ
هيئة ، وقال لي : يا محمّد ، أتحبّ الحسين عليهالسلام؟. فقلت : نعم ، قرة عيني ، وريحانتي ، وثمرة فؤادي ، وجلدة
ما بين عينيّ. فقال لي : يا محمّد ـ ووضع يده على رأس الحسين ـ بورك من مولود عليه
بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني ، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله ،
وناصبه وناواه ونازعه. أما إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين ، في الدنيا
والآخرة ، وسيد شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين. وأبوه أفضل منه وخير ، فأقرئه
السلام وبشّره بأنه راية الهدى ، ومنار أوليائي ، وحفيظي وشهيدي على خلقي ، وخازن
علمي ، وحجتي على أهل السموات وأهل الأرضين ، والثقلين : الجن والإنس.
١٤٦ ـ محبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للحسين عليهالسلام : (معالي السبطين ، ج ١ ص ٥٢)
في (البحار) سئل
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أي أهل بيتك أحب إليك؟. قال : الحسن والحسين ، من أحبهما
أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنّة. ومن أبغضهما أبغضته
، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله خلّده النار.
أيها الناس ، من
أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة».
ولنعم ما قال
القائل :
أخذ النبي يد
الحسين وصنوه
|
|
يوما ، وقال
وصحبه في مجمع
|
من ودّني يا قوم
أو هذين أو
|
|
أبويهما ،
فالخلد مسكنه معي
|
وعن أسامة بن زيد
، قال : أتيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات يوم في بعض الحاجة ، فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء ، ما
أدري ما هو!. فلما فرغت من حاجتي ، قلت : ما هذا الّذي أنت مشتمل عليه؟. فكشف ،
فإذا هو الحسن والحسين عليهماالسلام على وركيه. فقال : هذان ابناي ، وابنا ابني. الله م إني
أحبهما فأحبّهما ، وأحبّ من يحبّهما ، ألا فمن أحبّهما كان معي».
وفي (البحار) عن
جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خرج علينا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم آخذا بيد الحسن والحسين عليهماالسلام ، فقال : إن ابنيّ هذين ، ربّيتهما صغيرين ودعوت لهما
كبيرين ، وسألت الله أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيين ، فأجابني إلى ذلك.
وسألت أن يقيهما
وشيعتهما من النار ، فأعطاني ذلك. وسألت الله أن يجمع الأمة على محبتهما ، فقال :
يا محمّد ، إني قضيت قضاء وقدّرت قدرا ، وإن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في
اليهود والنصارى والمجوس ، وسيخفرون ذمتك في ولدك. وإني أوجبت على نفسي لمن فعل
ذلك أن لا أحلّه محل كرامتي ولا أسكنه جنّتي ، ولا أنظر إليه بعين رحمتي إلى يوم
القيامة.
١٤٧ ـ السيدة
عائشة تستغرب : (البحار للمجلسي ج ٤٤ ص ٢٦٠)
عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : كان الحسين بن علي عليهماالسلام ذات يوم في حجر النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم يلاعبه ويضاحكه. فقالت عائشة : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي؟!. فقال لها : ويلك وكيف لا
أحبه ولا أعجب به ، وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني؟. أما إن أمتي ستقتله ، فمن زاره
بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي».
١٤٨ ـ خبر فداء
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الحسين عليهالسلام بابنه إبراهيم عليهالسلام :
(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٤ ط نجف)
عن تفسير النقاس
بإسناده عن سفيان الثوري ، عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كنت
عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين
بن علي عليهماالسلام ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا ، إذ هبط جبرئيل
بوحي من رب العالمين. فلما سرّي عنه قال : أتاني جبرئيل من ربي فقال : يا محمّد إن
ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول : لست أجمعهما ، فافد أحدهما بصاحبه. فنظر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى إبراهيم فبكى ، وقال : إن إبراهيم أمّه أمة ، ومتى مات
لم يحزن عليه غيري ، وأمّ الحسين فاطمة ، وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي ، ومتى مات
حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا أؤثر حزني على حزنهما. يا جبرئيل
اقبض إبراهيم فديته بالحسين.
قال : فقبض بعد
ثلاث. فكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا رأى الحسين عليهالسلام مقبلا قبّله وضمّه إلى صدره ورشف ثناياه ، وقال : فديت من
فديته با بني إبراهيم.
* وسوف ترد قصة
حبات اللؤلؤ السبع ، وهي التي حكاها رسول ملك الروم ليزيد ، في آخر الجزء الثاني
من الموسوعة ، ضمن الحوادث التي حدثت في مجلس يزيد.
١٤٩ ـ مجلس الحسين
عليهالسلام : (ريحانة الرسول لأحمد فهمي محمّد ، ص ٣٩)
قال أحمد فهمي
محمّد يصف مجلس الحسين عليهالسلام : وكان مجلس الحسين عليهالسلام مجلس وقار وعلم ، والناس من حوله يتحلقون ، يأخذون عنه ما
يلقيه عليهم ، وهم في خشوع كأن على رؤوسهم الطير.
١٥٠ ـ خطابة
الحسين عليهالسلام : (المصدر السابق ، ص ٤٠)
وقد آتاه الله
أعنّة الخطابة ، فكان عليهالسلام طليق اللسان ، مشرق ديباجة البيان ، نديّ الصوت ، خلّاب
المنطق. تتفجّر ينابيع الحكمة على لسانه ، وتتدفق سيول الموعظة حول بيانه. لا
يتلكأ في منطقه ولا يتلجلج. إذا ما عنّ له أمر تدفّق تدفق اليعسوب ، وملأ الأسماع
والقلوب.
١٥١ ـ عبادته عليهالسلام : (المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ١
ص ٢٤)
روى ابن عساكر في (التاريخ
الكبير) عن مصعب بن عبد الله ، قال : حج الحسينعليهالسلام خمسا وعشرين حجة ماشيا ، وإنّ نجائبه تقاد معه.
وفي (تذكرة الخواص)
قال علماء السير : أقام الحسين عليهالسلام بعد وفاة أخيه الحسنعليهالسلام يحج في كل عام من المدينة إلى مكة ماشيا [المسافة نحو ٥٠٠
كم] إلى أن توفي معاوية وقام يزيد سنة ستين.
وروى ابن عبد ربه
في (العقد الفريد) أنه قيل لعلي بن الحسين عليهالسلام : ما كان أقلّ ولد أبيك؟!. قال : العجب كيف ولدت أنا له ،
ولقد كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء؟.
وكان عليهالسلام إذا توضأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله ، فقيل له في ذلك ،
فقال : حقّ لمن وقف بين يدي الجبار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله.
وحسبه عليهالسلام وقوفه للصلاة في يوم عاشوراء ، والسهام تخطر بين يديه ،
وقد وقف أمامه سعيد بن عبد الله الحنفي وزهير بن القين البجلي يقيانه من النبل.
١٥٢ ـ كرم الحسين عليهالسلام وحسن معاملته :
(الحسين إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ٥٢)
قال الدكتور علي
شلق : جاءت جارية تحمل في يدها زهيرات نضرات ، طفح
منها اللون الأخضر
، والعطر الأزهر. فقدّمتها إلى الحسين عليهالسلام بعد أن سلّمت بخفر وحياء. فتناولها عليهالسلام بيده الكريمة ، وقال لها : أنت حرّة لوجه الله تعالى.
عند ذلك تحرك أنس
بن مالك ، وكان في مجلسه قائلا : ألهذا الحدّ يابن الأكرمين؟. تعتق جارية على طاقة
ريحان؟!. فأجاب الحسين عليهالسلام : كذا أدّبنا ربّنا ، ألم تسمع قوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ
فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) [النساء : ٨٦]
وكان أحسن منها عتقها.
وفي (نور الأبصار
للشبلنجي) ص ١٣٨ : قيل كان بين الحسين عليهالسلام وبين أخيه الحسن عليهالسلام كلام ووقفة ، فقيل له : اذهب إلى أخيك الحسن واسترضه وطيّب
خاطره ، فإنه أكبر منك. فقال عليهالسلام : سمعت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : أيّما اثنين بينهما كلام فطلب أحدهما رضا الآخر ،
كان السابق سابقه إلى الجنّة ، وأكره أن أسبق أخي الأكبر إلى الجنّة. فبلغ قوله
الحسن عليهالسلام فأتاه وترضّاه.
١٥٣ ـ سخاؤه
وتواضعه عليهالسلام :
مرّ الحسين عليهالسلام بمساكين وهم يأكلون كسرا على كساء ، فسلّم عليهم. فدعوه
إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال : لو لا أنه صدقة لأكلت معكم. ثم قال : قوموا إلى
منزلي ، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.
١٥٤ ـ رأفته
بالفقراء والمساكين وإحسانه إليهم :
ولقد وجد على ظهر
الحسين عليهالسلام يوم الطف أثر ، فسئل زين العابدين عليهالسلام عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى
منازل الأرامل واليتامى والمساكين.
١٥٥ ـ إباء الحسين
عليهالسلام للضيم : (أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١١٢)
أما إباؤه عليهالسلام للضيم ومقاومته للظلم ، واستهانته القتل في سبيل الحق
والعزّ ، فقد ضربت به الأمثال وسارت به الركبان.
فأول ذلك ما قاله
الحسين عليهالسلام حين دعاه والي المدينة إلى البيعة ليزيد ، وكان مروان بن
الحكم حاضرا ، قال :
«إنا أهل بيت
النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة. بنا فتح الله وبنا ختم
، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا
يبايع مثله».
فقد أبى عليهالسلام أن يبايع يزيد بن معاوية ، السكّير الخمّير ، صاحب القيان
والطنابير ، واللاعب بالقرود والفهود ، والمجاهر بالكفر والإلحاد ، والاستهانة
بالدين. بل قال لمروان : وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.
وحين دعا مروان
الوالي إلى قتل الحسين ، قال عليهالسلام : ويلي عليك يابن الزرقاء ، أتأمر بضرب عنقي ، كذبت والله
ولؤمت. والله لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك.
ولما أحاط القوم
بالحسين عليهالسلام في كربلاء ، وقيل له : انزل على حكم بني عمك. قال : لا
والله! لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد.
وقال عليهالسلام : ألا وإن الدّعيّ ابن الدعي [يقصد عبيد الله بن زياد] قد
ركز بين اثنتين : السّلّة (أي استلال السيوف) أو الذلةّ ، وهيهات منا الذلة ، يأبى
الله ذلك لنا ، ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس
أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
١٥٦ ـ شجاعته عليهالسلام : (المصدر السابق ، ص ١١٥)
أما شجاعة الحسين عليهالسلام فقد أنست شجاعة الشجعان وبطولة الأقران وفروسية الفرسان ،
من مضى ومن سيأتي إلى يوم القيامة. فهو الّذي دعا الناس إلى المبارزة يوم كربلاء ،
فلم يزل يقتل كل من برز إليه ، حتّى قتل مقتلة عظيمة.
وما أصدق وصف أحد
الرواة للحسين عليهالسلام يوم كربلاء ، حيث قال : والله ما رأيت مكثورا قط ، قد قتل
ولده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشا ، ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما منه. والله
ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، وإن كانت الرجّالة لتشدّ عليه ، فيشدّ عليها بسيفه ،
فتنكشف عن يمينه وعن شماله ، انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل
فيهم وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا ، فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر.
١٥٧ ـ شجاعة
موروثة : (معالي السبطين ، ج ١ ص ٦٦)
قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لله درّ أبي طالب ، لو ولد الناس كلهم كانوا شجعانا».
وقد ورث الحسين عليهالسلام الشجاعة من أبيه علي عليهالسلام وجده محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وجده أبو طالب عليهالسلام. وعلي عليهالسلام هو القائل : وأنا من رسول الله كالصّنو من الصنو ، والذراع
من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليّت عنها ، ولو
أمكنت الفرص من
رقابها لسارعت إليها. وهو القائل : جنونان لا أخلاني الله منهما : الشجاعة والكرم.
وقد ظهرت شجاعة
الحسين عليهالسلام يوم عاشوراء في أهل الكوفة ، بحيث ذكّرتهم بشجاعة أبيه
أمير المؤمنين عليهالسلام في غزواته وجولاته.
وما عسى أن يقول
القائل فيمن جده محمّد المصطفى ، وأبوه علي المرتضى ، وأمه فاطمة الزهرا ، وجدته
خديجة الكبرى ، وأخوه الحسن المجتبى ، مع ماله في نفسه من الفضائل التي لا تحصى!.
٦ ـ الذريّة والإمامة
إن من أكبر فضائل
الإمام علي عليهالسلام أن الله جعل ذرية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في صلبه من فاطمة الزهراء عليهاالسلام كما جاء في عدة أحاديث سوف نذكرها. وإن من أكبر الفضائل
التي حباها الله تعالى للحسين عليهالسلام أن جعل الأئمة من ذريته ، أولهم زين العابدين وآخرهم
المهدي عليهالسلام.
قال النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة ، وجعل
ذريتي من صلب علي بن أبي طالب عليهالسلام».
١٥٨ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو عصبة الحسن والحسين عليهماالسلام :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥١)
أخرج الحاكم عن
جابر (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبة ، إلا ولدي فاطمة عليهمالسلام [أي الحسن والحسين]
فأنا وليهما وعصبتهما».
وفي رواية
الخوارزمي في مقتله ، ج ١ ص ٥ : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة ،
فإني أنا أبوهم وعصبتهم».
ثم يقول الخوارزمي
: والأخبار في أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يسمّي الحسن والحسين عليهماالسلام ابنيه ، كالحصى لا تعدّ ولا تحصى.
وأخرج الطبراني عن
فاطمة الزهراء عليهاالسلام قالت : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه ، إلا ولد فاطمة ، فأنا
وليهم وأنا عصبتهم».
وفي (إسعاف
الراغبين لمحمد الصبان ، بهامش نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٣ : وفي رواية صحيحة قال
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة ، فإني
أنا أبوهم وعصبتهم».
تعليق : هذه
الخصوصية هي لأولاد مولاتنا فاطمة بنت محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فقط ، دون أولاد بقية بناته ، فلا يطلق عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه أب لهم ، وأنهم بنوه ، بل يطلق عليهم أنهم من ذريته
ونسله وعقبه. وقد خصّ أولاد فاطمة عليهمالسلام بهذا الفضل دون غيرها من بقية بناته لسببين : لأنها أفضلهن
، ولأنها هي الوحيدة التي أعقبت ذكرا ، فانحصرت فيها ذرية النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام.
١٥٩ ـ الإمامة في
الحسين عليهالسلام وفي صلبه :
(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٦ ط نجف)
روى الأعرج عن أبي
هريرة ، قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن قوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً
باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [الزخرف : ٢٨].
قال : جعل الإمامة في عقب الحسين عليهالسلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ، منهم مهديّ هذه الأمة.
* الاحتجاج على
الحجّاج :
وقد وردت في الكتب
قصة مع الحجّاج فيها استدلال على أن الحسن والحسينعليهماالسلام أبناء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وذريته ، وليس كما حاول الأمويون نفيه ، ومن بعدهم
العباسيون ، وقالوا : إن أبناء البنت ليسوا من ذرية الرجل.
ولهذه القصة
روايتان ؛ إحداهما تذكر أن الاستدلال كان من الشعبي وقد مرّت سابقا في الفقرة رقم
٣٤ ، والثانية أن الاستدلال كان من يحيى بن يعمر بحضور الشعبي ، وإليك الرواية
الثانية بصيغتين.
يقول الخوارزمي في
مقدمة مقتله :
ومن خذلان مبغضيهم
المستحكم القواعد ، وإدبارهم المستحصف المقاعد ، وغوايتهم التي حشرتهم إلى دار
البوار ، وشقاوتهم التي كبّتهم على مناخرهم في دركات النار ، أن حملهم بغض أحبّاء
الله وأحباء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على أن أنكروا أولاد علي عليهمالسلام من فاطمة عليهمالسلام أنهم أولاد رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فمن أولئك الحجّاج
المحجوج ، الحقود اللجوج. ثم ساق هذه القصة.
١٦٠ ـ قصة يحيى بن
يعمر مع الحجّاج :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٥)
قال الخوارزمي :
أخبرنا عاصم بن بهدلة عن يحيى بن يعمر العامري ، قال : بعث
إليّ الحجّاج ،
فقال : يا يحيى أنت الّذي تزعم أن ولد علي من فاطمة ولد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم؟. قلت له : إن أمّنتني تكلمت. قال : فأنت آمن. قلت : أقرأ
عليك كتاب الله عزوجل ، إن الله يقول : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا
آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ
حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣) وَوَهَبْنا لَهُ
إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ
وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا
وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٨٥) [الأنعام :
٨٣ ـ ٨٥].
وعيسى عليهالسلام كلمة الله وروحه ألقاها إلى البتول العذراء ، وقد نسبه
الله تعالى إلى إبراهيم عليهالسلام.
قال الحجاج : ما
دعاك إلى نشر هذا وذكره؟. قال : ما أوجب الله تعالى على أهل العلم في علمهم (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا
تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [آل عمران : ١٨٧]. قال : صدقت ، ولا تعودنّ لذكر هذا ولا
نشره.
ثم قال الخوارزمي
: وقد ابتلي المكابر الحجّاج ، بالمحجاج يحيى بن يعمر ، المؤيّد من الله بالجواب
الصواب ، الّذي أوتي عند سؤاله فصل الخطاب ... لعن الله الحجّاج وكل ملعون من نسله
، وكل من انضوى إلى حفله ، واحتطب في حبله ، من مبغضي أهل البيت عليهمالسلام ، ولعن الله من لم يلعن مبغضيهم ، وقاتليهم وسافكي دمائهم
، والذين أعانوا على قتلهم ، وأشاروا إليه ودلّوا عليه. انتهى كلامه.
١٦١ ـ رواية أخرى
للقصة :
(آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص ٤٢١)
يروى أن الحجاج
أحضر يحيى بن يعمر ، وقال : أنت الّذي تقول : الحسين ابن علي من ذرية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟. قال : نعم. قال : فوالله لتأتينّ بالمخرج عما قلت ، أو
لأضربنّ عنقك!. فقال يحيى : إن جئت بالمخرج فأنا آمن؟. قال : نعم. قال : اقرأ (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها
إِبْراهِيمَ) [الأنعام : ٨٣]
إلى قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ
داوُدَ وَسُلَيْمانَ) [الأنعام : ٨٤]
إلى قوله (وَزَكَرِيَّا
وَيَحْيى وَعِيسى) [الأنعام : ٨٥].
فمن يعدّ عيسى عليهالسلام من ذرية إبراهيم لا يعدّ الحسين عليهالسلام من ذرية محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟!.
فقال الحجاج :
والله كأني ما قرأت هذه الآية قط!. فولاه قضاء المدينة ، وكان قاضيها إلى أن مات.
١٦٢ ـ رواية أشمل
وأوسع للقصة :
(المنتخب للطريحي ج ٢ ص ٤٩١)
حكي عن الشّعبي
الحافظ لكتاب الله تعالى ، أنه قال : استدعاني الحجاج ابن يوسف [الثقفي] في يوم
عيد الضحيّة ، فقال لي : أيها الشيخ أي يوم هذا؟. فقلت : هذا يوم الضّحيّة. قال :
بم يتقرّب الناس في مثل هذا اليوم؟. فقلت : بالأضحية والصدقة وأفعال البرّ
والتقوى. فقال : اعلم أني قد عزمت أن أضحي برجل حسيني.
قال الشعبي :
فبينما هو يخاطبني إذ سمعت خلفي صوت سلسلة وحديد ، فخشيت أن ألتفت فيستخفّني. وإذا
قد مثل بين يديه رجل علوي ، وفي عنقه سلسلة وفي رجليه قيد من حديد.
فقال له الحجاج :
ألست فلان بن فلان العلوي؟. قال : نعم ، أنا ذلك الرجل. فقال له : أنت القائل : إن
الحسن والحسين من ذرية رسول الله؟. قال : ما قلت ولا أقول ، ولكني أقول : إن الحسن
والحسين عليهالسلام ولدا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنهما دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، على رغم أنفك يا
حجّاج!.
قال : وكان الحجاج
متكئا على مسنده ، فاستوى جالسا ، وقد اشتدّ غيظه وغضبه ، وانتفخت أوداجه ، حتّى
تقطّعت أزرار بردته ، فدعا ببردة غيرها فلبسها.
ثم قال للرجل : يا
ويلك إن تأتيني بدليل من القرآن يدلّ أن الحسن والحسين ولدا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، وإلا قتلتك في هذا الحين
أشرّ قتلة. وإن أتيتني بما يدل على ذلك أعطيتك هذه البردة التي بيدي وخلّيت سبيلك!.
قال الشعبي : وكنت
حافظا كتاب الله تعالى كله ، وأعرف وعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، فلم تخطر على
بالي آية تدل على ذلك. فحزنت وقلت في نفسي : يعزّ والله عليّ ذهاب هذا الرجل
العلوي. قال : فابتدأ الرجل يقرأ الآية ، فقال (بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١) [الفاتحة : ١]
، فقطع عليه الحجاج قراءته وقال : لعلك تريد أن تحتجّ عليّ بآية المباهلة ، وهي
قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا
نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا
وَأَنْفُسَكُمْ) [آل عمران : ٦١]؟.
فقال العلوي : هي والله حجّة مؤكدة معتمدة ، ولكني آتيك بغيرها. ثم ابتدأ يقرأ : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ
كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ
وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا
وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٨٥) [الأنعام :
٨٤ ـ ٨٥] وسكت. فقال له الحجاج : فلم لا قلت (وَعِيسى) [الأنعام : ٨٥]
أنسيت عيسى؟. فقال : نعم صدقت يا حجاج. فبأي شيء دخل
عيسى عليهالسلام في صلب نوح عليهالسلام وليس له أب؟. فقال له الحجاج : إنه دخل في صلب نوح من حيث
أمه مريم. فقال العلوي : وكذلك الحسن والحسين عليهالسلام دخلا في صلب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأمهما فاطمة الزهراء عليهالسلام.
قال : فبقي الحجاج
كأنما ألقم حجرا. فقال له الحجاج : ما الدليل على أن الحسن والحسين إمامان؟. فقال
العلوي : يا حجاج لقد ثبتت لهما الإمامة بشهادة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم في حقهما ، لأنه
قال في حقهما : «ولداي هذان إمامان فاضلان ، إن قاما وإن قعدا ، تميل عليهما
الأعداء فيسفكون دمهما ويسبون حرمهما». ولقد شهد النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم لهما بالإمامة أيضا حيث قال : «ابني هذا ـ يعني الحسين ـ إمام
ابن إمام أبو أئمة تسعة».
فقال الحجاج : يا
علوي والله لو لم تأتني بهذا الدليل من القرآن وبصحة إمامتهما ، لأخذت الّذي فيه
عيناك ، ولقد نجّاك الله تعالى مما عزمت عليه من قتلك ، ولكن خذ هذه البردة لا
بارك الله لك فيها. فأخذها العلوي وهو يقول : هذا من عطاء الله وفضله ، لا من
عطائك يا حجّاج!.
وقد عمدنا في هذه
الموسوعة على إدراج ترجمة لمن يرد ذكرهم من الأشخاص المشهورين ، نبدأ منهم بترجمة
الحجّاج.
ترجمة الحجّاج
(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٤ ص ٣٤٣)
قال الذهبي : أهلك
الله الحجاج في شهر رمضان سنة ٩٥ ه كهلا. وكان ظلوما جارا ناصبيا خبيثا سفّاكا للدماء.
وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء ، وفصاحة وبلاغة ، وتعظيم للقرآن.
قد سقت من سوء
سيرته في تاريخي الكبير ، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ، ورميه إياها بالمنجنيق ،
وإذلاله لأهل الحرمين. ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحرب ابن
الأشعث له ، وتأخيره للصلوات ، إلى أن استأصله الله. فنسبّه ولا نحبّه ، بل نبغضه
في الله ، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.
وله حسنات مغمورة
في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله.
وفي (مروج الذهب)
ج ٣ ص ١٧٥ ، قال المسعودي :
ومات الحجاج في
سنة ٩٥ ه وهو ابن ٥٤ سنة بواسط العراق ، وكان
تأمّره على الناس
عشرين سنة. وأحصي من قتله صبرا سوى من قتل في عساكره وحروبه فوجد مائة وعشرين ألفا
، ومات في حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، منهن ستة عشر ألفا مجرّدة.
وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد ، ولم يكن للحبس ستر يستر الناس من الشمس
في الصيف ، ولا من المطر والبرد في الشتاء.
* ملاحظة عامة :
تسالمنا على وضع إطار حول ترجمة الأشخاص ، يختلف حسب نوع الشخص ؛ فإن كان عدوا
للحسين عليهالسلام يكون الإطار متصلا ، وإن كان حياديا يكون الإطار منقطّا ،
وإن كان من أنصار الحسين عليهالسلام يكون الإطار مرقطّا (نقطة شحطة).
* قصيدة حاقدة
ومعارضتها :
والآن نستعرض
قصيدة صفي الدين الحلي الشاعر الشيعي المعروف ، في الردّ على المتعصب اللدود عبد
الله بن المعتز ، الّذي أنكر في قصيدته أن يكون نسل الإمام علي عليهالسلام من فاطمة هم ذرية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وادعى أن العباسيين أقرب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من العلويين. ولم يعد هذا الشاعر في تعصبه جده المتوكل
العباسي الّذي حاول حرث قبر مولانا الحسين عليهالسلام.
١٦٣ ـ قصيدة عبد
الله بن المعتز بن المتوكل العباسي :
قال صاحب (روضات
الجنات) : وكان عبد الله بن المعتز ذا نصب وعداوة شديدة لأهل البيت عليهالسلام. ومن شعره قصيدته التي يهجو بها الطالبيين ويتحامل على
العلويين ، منها :
ألا من لعين
وتسكابها
|
|
تشكّى القذا
وبكاها بها
|
ترامت بنا
حادثات الزمان
|
|
ترامي القسيّ
بنشّابها
|
ويا ربّ ألسنة
كالسيوف
|
|
تقطّع أرقاب
أصحابها
|
ويقول فيها :
ونحن ورثنا ثياب
النّبيّ
|
|
فكم تجذبون
بأهدابها
|
لكم رحم يا بني
بنته
|
|
ولكن بنو العمّ
أولى بها
|
إلى أن يقول :
قتلنا أميّة في
دارها
|
|
ونحن أحقّ
بأسلابها
|
إذا ما دنوتم
تلقّيتم
|
|
زبونا أقرّت بجلّابها
|
١٦٤ ـ قصيدة صفي الدين الحلي في الردّ
عليها :
فردّ الشاعر
الشيعي صفي الدين الحلي (٦٧٧ ـ ٧٥٢ ه) عليه بهذه القصيدة ، وهي من غرر الشعر ،
يقول :
[القصيدة]
ألا قل لشرّ
عبيد الإله
|
|
وطاغي قريش
وكذّابها
|
وباغي العباد
وباغي العناد
|
|
وهاجي الكرام
ومغتابها
|
أأنت تفاخر آل
النّبيّ
|
|
وتجحدها فضل
أحسابها؟
|
بكم باهل
المصطفى أم بهم
|
|
فردّ العداة
بأوصابها؟
|
أعنكم نفي الرجس
أم عنهم
|
|
لطهر النفوس
وألبابها؟
|
أما الرجس
والخمر من دأبكم
|
|
وفرط العبادة من
دأبها؟
|
* * *
وقلت : ورثنا
ثياب النّبيّ
|
|
فكم تجذبون
بأهدابها؟
|
وعندك لا يورث
الأنبياء
|
|
فكيف حظيتم
بأثوابها؟
|
فكذّبت نفسك في
الحالتين
|
|
ولم تعلم الشّهد
من صابها
|
أجدّك يرضى بما قلته؟
|
|
وما كان يوما
بمرتابها
|
وكان بصفين من
حزبهم
|
|
لحرب الطغاة
وأحزابها
|
وقد شمرّ الموت
عن ساقه
|
|
وكشّرت الحرب عن
نابها
|
فأقبل يدعو إلى «حيدر»
|
|
بإرغابها
وبإرهابها
|
وآثر أن ترتضيه
الأنام
|
|
من الحكمين
لأسبابها
|
ليعطي الخلافة
أهلا لها
|
|
فلم يرتضوه
لإيجابها
|
وصليمع الناس
طول الحياة
|
|
وحيدر في صدر
محرابها
|
فهلا تقمّصها
جدّكم
|
|
إذا كان إذ ذاك
أحرى بها؟
|
إذا جعل الأمر
شورى لهم
|
|
فهل كان من بعض
أربابها؟
|
__________________
أخامسهم كان أم
سادسا؟
|
|
وقد جلّيت بين
خطّابها
|
وقولك : أنتم
بنو بنته
|
|
ولكن بنو العم
أولى بها
|
بنو البنت أيضا
بنو عمّه
|
|
وذلك أدنى
لأنسابها
|
فدع في الخلافة
فصل الخلاف
|
|
فليست ذلولا
لركّابها
|
وما أنت والفحص
عن شأنها
|
|
وما قمصّوك
بأثوابها
|
وما ساورتك سوى
ساعة
|
|
فما كنت أهلا
لأسبابها
|
وكيف يخصّوك
يوما بها؟
|
|
ولم تتأدّب
بآدابها
|
* * *
وقلت : بأنكم
القاتلون
|
|
أسود أميّة في
غابها
|
كذبت وأسرفت
فيما ادّعيت
|
|
ولم تنه نفسك عن
عابها
|
فكم حاولتها
سراة لكم
|
|
فردّت على نكص
أعقابها
|
ولو لا سيوف أبي
مسلم
|
|
لعزّت على جهد
طلّابها
|
وذلك عبد لهم لا
لكم
|
|
رعى فيكم قرب
أنسابها
|
وكنتم أسارى
ببطن الحبوس
|
|
وقد شفّكم لثم
أعتابها
|
فأخرجكم وحباكم
بها
|
|
وألبسكم فضل
جلبابها
|
فجازيتموه بشرّ
الجزاء
|
|
لطغوى النفوس
وإعجابها
|
* * *
فدع ذكر قوم
رضوا بالكفاف
|
|
وجاؤوا الخلافة
من بابها
|
هم الزاهدون هم
العابدون
|
|
هم الساجدون
بمحرابها
|
هم الصائمون هم
القائمون
|
|
هم العالمون
بآدابها
|
هم قطب ملّة دين
الإله
|
|
ودور الرحى حول
أقطابها
|
عليك بلهوك
بالغانيات
|
|
وخلّ المعالي
لأصحابها
|
ووصف العذارى
وذات الخمار
|
|
ونعت العقار بألقابها
|
وشعرك في مدح
ترك الصلاة
|
|
وسعي السّقاة
بأكوابها
|
فذلك شأنك لا
شأنهم
|
|
وجري الجياد
بأحسابها
|
(أدب
الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٣١٧)
__________________
الفصل الخامس
أنباء باستشهاد الحسين عليهالسلام قبل وقوعه
١ ـ أنباء شهادة
الحسين عليهالسلام في الكتب السماوية السابقة :
التوراة ـ الإنجيل
ـ كتاب إرميا
ـ إخبار الله
تعالى أنبياءه بشهادة الحسين عليهالسلام
ـ تشابه محنة يحيى
عليهالسلام مع محنة الحسين عليهالسلام
٢ ـ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بما يجري على أهل بيته عليهالسلام من بعده
ـ علم أهل البيت عليهالسلام بالمغيبات :
ـ علوم الجفر
الخاصة بأهل البيت عليهالسلام
ـ الوصية الإلهية
التي نزلت على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
٣ ـ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم باستشهاد الحسين عليهالسلام
ـ روايات الإمام
علي عليهالسلام
ـ روايات أم سلمة
وعائشة
ـ روايات الحسين عليهالسلام والأئمة عليهالسلام
ـ روايات ابن عباس
ـ إخبار الإمام
علي عليهالسلام
ـ إخبار الحسنين عليهالسلام
ـ إخبار سلمان
الفارسي
ـ إخبار أبي ذر
الغفاري
٤ ـ أخبار بمن
يقتل الحسين عليهالسلام
الفصل الخامس :
أنباء باستشهاد
الحسين عليهالسلام
قبل وقوعه
تعريف بالفصل :
قبل وقوع حادثة
كربلاء واستشهاد الحسين عليهالسلام وأصحابه (رض) ، تواترت الأنباء باستشهاد الإمام الحسين عليهالسلام. منها ما كان على لسان جبرائيل عليهالسلام أو على لسان النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم.
وهذه الأخبار جاءت
بروايات مختلفة ، بعضها عن الإمام علي أو الأئمة عليهالسلام ومنها على لسان أم سلمة وابن عباس (رض) ، ومنها على لسان
الصحابة (رض).
وكانت متعددة في
الأمكنة ومختلفة في الأزمنة. فبعضها في بيت فاطمة أو أم سلمة أو عائشة ، وبعضها في
المسجد وقد قام النبي خطيبا في أصحابه ، وبعضها في الإسراء. ومرة قبل ولادة الحسين
عليهالسلام ، ومرة عند ولادته ، وعند بلوغه السنة ثم السنتين ...
وهكذا. وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في كل مرة منها يرى حزينا مغموما ويبكي عليه.
وفي بعض هذه
الروايات إخبار مجمل بشهادته عليهالسلام ، وفي بعضها الآخر تفصيل لكيفية شهادته ، ومن الذي يتولى
قتله ، من يزيد الشنار ، أو عمر بن سعد صاحب الخزي والعار. وفي بعضها الآخر تعيين
لمكان استشهاده عليهالسلام في كربلاء أو عمورا أو على شط الفرات.
وثمة روايات معينة
صدرت عن الإمام علي عليهالسلام حين وروده كربلاء في طريقه إلى صفين ، كما صدرت عن عدد
كبير من الأنبياء حين مروا بكربلاء ، وحدثت معهم حوادث غريبة ملفتة للنظر.
وسوف نبدأ الفصل
بأنباء شهادة الحسين عليهالسلام في الكتب السماوية السابقة ، وإخبار الله تعالى أنبياءه
بشهادة الحسين عليهالسلام. ثم إخبار القرآن في مطلع سورة مريم (كهيعص) عن استشهاد
الحسين عليهالسلام كما استشهد يحيى بن زكريا عليهالسلام من قبله ، وإجراء مقارنة بينهما.
ثم إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بما يجري على أهل بيته من بعده ، وأن ذلك كله مكتوب في
الجفر ، الذي توارثه الأئمة عليهمالسلام فكانوا يعلمون بما سيجزي عليهم. ثم إخبار الله تعالى للنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم بشهادة الحسين عليهالسلام. ثم إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لأصحابه باستشهاد الحسين عليهالسلام. ثم إخبار الإمام علي عليهالسلام وأم سلمة والأئمة عليهمالسلام بذلك. ثم إخبار بقية الصحابة كسلمان المحمدي وأبي ذر
الغفاري وغيرهم.
وينتهي الفصل
بالأخبار التي حددت اسم قاتل الحسين عليهالسلام.
١ ـ أنباء شهادة الحسين
عليهالسلام في الكتب السماوية السابقة :
١٦٥ ـ التوراة
تخبر بمقتل الحسين عليهالسلام ومنزلة أصحابه :
(أمالي الصدوق مجلس ٢٩ رقم ٤ ص ٢٢٤)
عن سالم بن أبي
جعدة ، قال : سمعت كعب الأحبار (وكان يهوديا) يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد
محمد رسول الله يقتل ، ولا يجفّ عرق دواب أصحابه حتى يدخل الجنة ، فيعانقوا الحور
العين.
فمر بنا الحسن عليهالسلام فقلنا : هو هذا؟ قال : لا. فمرّ بنا الحسين عليهالسلام فقلنا : هو هذا؟ قال : نعم.
١٦٦ ـ في الإنجيل
خبر مقتل الحسين عليهالسلام :
(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٦)
قال رأس الجالوت (وهو
من النصارى) ذلك الزمان : ما مررت بكربلاء إلا وأنا أركض دابتي ، حتى أخلف المكان
، لأنا كنا نتحدث أن ولد نبي يقتل بذلك المكان ، فكنت أخاف.
فلما قتل الحسين عليهالسلام أمنت ، فكنت أسير ولا أركض.
١٦٧ ـ كتاب إرميا
يخبر بمقتل الحسين عليهالسلام :
(الخصائص الحسينية لجعفر التستري ، ص ١٣٧)
جاء في كتاب إرميا
في (باسوق) من السيمان السادس والأربعين قوله : (كي ذبح لدوناي الوهيم صوا ووث
بارض صافون ال نهر پرات). ويعني : يذبح ويضحى لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال
بشاطىء الفرات.
١٦٨ ـ ما وجد
منقوشا على بعض الأحجار :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٣ ط ٢ نجف)
وقال ابن سيرين :
وجد حجر قبل مبعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بخمسمائة سنة مكتوب عليه بالسريانية ، فنقلوه إلى العربية
، فإذا هو :
أترجو أمة قتلت
حسينا
|
|
شفاعة جده يوم
الحساب
|
وقال سليمان بن
يسار : وجد حجر مكتوب عليه :
لا بد أن ترد
القيامة فاطم
|
|
وقميصها بدم
الحسين ملطخ
|
ويل لمن شفعاؤه
خصماؤه
|
|
والصور في يوم
القيامة ينفخ
|
وسيرد شبيه هذا في
الجزء الثاني من الموسوعة ، أول مسير السبايا والرؤوس من الكوفة إلى الشام.
١٦٩ ـ ما وجد
مكتوبا على جدار إحدى كنائس الروم :
(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٦ ط نجف)
عن مشايخ بني سليم
أنهم غزوا الروم ، فدخلوا بعض كنائسهم فإذا مكتوب هذا البيت :
أترجوا أمة قتلت
حسينا
|
|
شفاعة جده يوم
الحساب!
|
قالوا : فسألنا
منذ كم هذا مكتوب في كنيستكم؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام.
وحدث عبد الرحمن
بن مسلم عن أبيه ، أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من
قسطنطينة ، وعليها شيء مكتوب. فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا
هو مكتوب هذا البيت.
وفي رواية أخرى أن
الروم كانوا يحفرون في بلادهم فوجدوا حجرا ، فقرؤوا عليه البيت السابق. (راجع مقتل
العوالم ص ١١٠).
١٧٠ ـ لوح من ذهب
يشهد بقتل الحسين عليهالسلام :
(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ص ٩٣)
أخرج الحاكم عن
أنس ، أن رجلا من أهل نجران ، حفر حفيرة فوجد لوحا من ذهب مكتوب فيه :
أترجو أمة قتلت
حسينا
|
|
شفاعة جده يوم
الحساب!
|
كتب إبراهيم خليل
الله.
فجاء باللوح إلى
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقرأه ثم بكى ، وقال : من آذاني وعترتي لم تنله شفاعتي.
١٧١ ـ القرآن يصف
قتل الحسين عليهالسلام بالفساد الكبير :
حتى إذا كان في أيام
عمر بن الخطاب وأسلم كعب الأحبار ، وقدم المدينة ، جعل أهل المدينة يسألونه عن
الملاحم التي تكون في آخر الزمان ، وكعب يحدثهم بأنواع الملاحم والفتن.
فقال كعب لهم :
وأعظمها ملحمة هي الملحمة التي لا تنسى أبدا ، وهو الفساد الذي ذكره الله تعالى في
الكتب ، وقد ذكره في كتابكم في قوله (ظهر الفساد في البر والبحر) وإنما فتح بقتل
هابيل ويختم بقتل الحسين بن علي عليهالسلام.
* * *
إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسين عليهالسلام
١٧٣ ـ إخبار الله
تعالى أنبياءه بشهادة الحسين عليهالسلام حين مرّوا بكربلاء :
(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ج ١٧ ص ١٠١)
جاء في الأخبار أن
جملة من الأنبياء عليهمالسلام من آدم إلى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم قد مروا بأرض كربلاء ، وكانت تحدث لهم متاعب ومصاعب ،
فيناجون الله ، فيخبرهم بأن سبب ذلك أن في هذه الأرض سيقتل سبط محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم الحسين بن علي عليهالسلام ويأمرهم بلعن قاتليه.
حصل ذلك لآدم عليهالسلام وهو يبحث عن حواء فمر بكربلاء ، وكذلك حدث لنوحعليهالسلام حين مرت سفينته فوق كربلاء ، وكذلك لابراهيم حين عثر به
فرسه في كربلاء ، وكذلك لإسماعيل حين كان يرعى أغنامه بشط الفرات فحين وصلت إلى
كربلاء امتنعت عن شرب الماء ، وكذلك لموسى عليهالسلام حين انقطع شسع نعله هناك ، وكذلك لعيسى عليهالسلام حين كان سائحا مع الحواريين فمروا بكربلاء حين رأوا أسدا
كاسرا قابعا هناك.
وقد اقتصرنا على
رواية واحدة من هذه الروايات ، سوف ترد في معرض حديث الإمام علي عليهالسلام عند مروره بكربلاء ، عما حدث ويحدث فيها.
١٧٤ ـ معرفة زكريا
عليهالسلام بما سيجري على الإمام الحسين عليهالسلام :
الظاهر أن كل
الأنبياء كانوا على علم بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقد أطلعهم الله تعالى على مجيء خاتم النبيين وأهل بيته عليهمالسلام. فكانوا على علم بالخمسة أصحاب الكساء وأسمائهم ومكانتهم.
ومن ذلك ما وجد على لوح سفينة نوح عليهالسلام فقد وجد مرسوما عليه كف لها خمسة أصابع ، مكتوب عليها :
(محمد ـ إيليا ـ شبّر
ـ شبير ـ فاطما)
وكان كل نبي يتوسل
بهذه الأسماء المباركة إلى الله تعالى في الملمات والأزمات فيفرج الله عنه. فبهذه
الأسماء توسل آدم إلى الله فتاب عليه ، وبها توسل نوح عليهالسلام حين كادت سفينته تغرق فاستوت على الموج ، وبها دعا يوسف عليهالسلام دعاء الفرج وهو في السجن ففرج الله عنه وجعله ملكا.
ولذلك لا نستغرب
معرفة زكريا عليهالسلام للحسين عليهالسلام ولما سيجري عليه. فحين وهبه الله يحيى بعد أن بلغ من الكبر
عتيا ، وقدر له أن يقتل ، واساه بمقتل الحسين عليهالسلام سبط محمد خاتم الأنبياء وأفضلهم ، وقصّ عليه قصته.
١٧٥ ـ حديث مقتل
يحيى بن زكريا عليهالسلام :
(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)
«في حديث مقاتل عن
علي زين العابدين عن أبيه الحسين عليهالسلام قال» :
إن امرأة ملك بني
اسرائيل كبرت وأرادت أن تزوج بنتها منه للملك (أي هيرودس) ،
فاستشار الملك يحيى بن زكريا فنهاه عن ذلك. فعرفت المرأة ذلك ، وزينت بنتها
وبعثتها إلى الملك ، فذهبت ولعبت بين يديه (أي رقصت في مجلس شرابه). فقال لها
الملك : ما حاجتك؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا. فقال الملك :
__________________
يا بنية حاجة غير
هذه. قالت : ما أريد غيره. وكان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملكه (اعتبر الإخلاف
بالوعد هنا كذبا) فخير بين ملكه وبين قتل يحيى ، فقتله. ثم بعث برأسه إليها في طشت
من ذهب ، فأمرت الأرض فأخذتها.
وسلط الله عليهم (بخت
نصر) فجعل يرمي عليهم بالمجانيق ولا تعمل شيئا. فخرجت عليه عجوز من المدينة فقالت
: أيها الملك إن هذه مدينة الأنبياء (أي طبريا) لا تنفتح إلا بما أدلك عليه. قال :
لك ما سألت. قالت : ارمها بالخبث والعذرة ، ففعل فتقطعت فدخلها. فقال : علي
بالعجوز فقال لها : ما حاجتك؟ قالت : في المدينة دم يغلي فاقتل عليه حتى يسكن ،
فقتل عليه سبعين ألفا حتى سكن.
يا ولدي يا علي ،
والله لا يسكن دمي حتى يبعث المهدي فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفا.
١٧٦ ـ الله سيثأر
للحسين عليهالسلام مثلما ثأر ليحيى عليهالسلام :
(أعيان الشيعة للسيد الأمين ج ٤ ص ١٣٦)
روى الحاكم في
المستدرك بعدة أسانيد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس.
قال : أوحى الله
تعالى إلى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : إني قتلت بيحيى بن زكريا (أو على دم يحيى بن زكريا)
سبعين ألفا ، وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.
(وفي مناقب ابن
شهراشوب ج ٣ ص ٢٣٤ ط نجف) :
عن تاريخ بغداد ،
وخراسان ، والإبانة ، والفردوس ، قال ابن عباس : أوحى الله تعالى إلى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وأقتل بابن بنتك
سبعين ألفا وسبعين ألفا.
وعن الصادق عليهالسلام : قتل بالحسين مائة ألف وما طلب بثأره ، وسيطلب بثأره.
١٧٧ ـ مقارنة بين
محنة النبي يحيى ومحنة الإمام الحسين عليهالسلام :
(بقلم المؤلف)
لقد جرت قدرة الله
تعالى على أن يكون الأنبياء محط ابتلائه سبحانه وامتحانه
__________________
واختباره ... فها
هو ابراهيم عليهالسلام يبلغ من الكبر عتيا وقد رزقه الله اسماعيل ، وما كاد يفرح
به وتقرّ به عينه ، حتى أمره سبحانه بذبحه ، فامتثل أمره وامتثل ابنه أمره أيضا ،
وكاد يذبح إسماعيل لو لا أن فداه الله بذبح عظيم. قال تعالى في سورة الصافات : (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي
سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ
الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ
بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ
مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ
ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ
الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَما
وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ أَنْ
يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ
الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هذا لَهُوَ
الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْناهُ
بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)
(١٠٧). والذبح العظيم هو
الحسين عليهالسلام.
وها هو زكريا عليهالسلام يحرم الولد والنسل حتى إذا أدركه الكبر دعا ربه مخلصا ،
فرزقه الله من زوجته العاقر ولدا اسمه (يحيى) تقر به عينه ويرثه من بعده. حتى إذا
شب يافعا اختاره الله إلى جواره مذبوحا مقتولا.
وها هو النبي
الكريم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، يختم حياته بامتحان عظيم وقد
حرمه الله الولد والنسل إلا من ابنته الزهراء عليهاالسلام ، فشاء سبحانه في سابق قضائه وتقديره أن يرى حفيده الحسين
مقتولا مذبوحا في أرض كربلاء ، هو وجميع أهل بيته ما عدا الإمام زين العابدين عليهالسلام ، وأن يرى حرمه ورهطه مشردين وأطفاله صرعى ونساءه سبايا
مقيدات بالأصفاد.
ومن التشابه
العجيب بين محنة يحيى عليهالسلام ومحنة الحسين عليهالسلام أن يحيى قضى مذبوحا وأخذ رأسه فقدم مهرا لبغيّ من بغايا
بني إسرائيل ، تماما كما قضى الحسين عليهالسلام مذبوحا وحمل رأسه لأبغى رجل من آل أبي سفيان وهو يزيد بن
معاوية. وهذا مفاد قول الحسينعليهالسلام: «من هوان الدنيا على الله أن يؤتى برأس يحيى بن زكريا إلى
بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضر ذلك يحيى». يومي
بذلك عليهالسلام إلى ما سيؤول إليه حاله من قتله وقطع رأسه وحمله إلى أشقى
أهل الأرض ، وكيف أن رأسه الشريف سينطق بالحق ويسمع ويجيب ، تماما كما حدث ليحيى
بن زكريا ، وذلك أن رأس الحسين عليهالسلام كان يقرأ وهو على رمح طويل في الكوفة قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ
وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) (٩) [الكهف : ٩].
هذا مع أن محنة
الحسين عليهالسلام لا تقارن في وطأتها مع محنة يحيى عليهالسلام فيحيى قتل وحده ، والحسين قتل معه من أهل بيته سبعة عشر
رجلا ما لهم على وجه الأرض
شبيه. ويحيى لم
تقتل له أطفال ولم تسب له نساء ولا عيال ، والحسين عليهالسلام ذبحت أطفاله وسبيت نساؤه وعياله. ويحيى لم يمنع من شرب
الماء ، بينما الحسين عليهالسلام منع هو وعياله وأطفاله من شرب الماء حتى قضوا عطاشى
ظامئين.
ولعله لهذا
التشابه الكبير بين يحيى والحسين عليهماالسلام وبين زكريا وخاتم النبيين محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، كان من إعجاز القرآن الكريم أن يبتدىء سبحانه قصة يحيى
بن زكريا (التي وردت في مطلع سورة مريم) برموز تشير بشكل خفي إلى ما سيكون من محنة
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بولده الحسين عليهالسلام ، كما كان من محنة زكريا بيحيى عليهالسلام ، فابتدأ سبحانه قصة يحيى عليهالسلام بقوله (كهيعص) (١) [مريم : ١].
١٧٨ ـ معنى (كهيعص) :
هناك روايتان في
هذا الموضوع عن الإمام الحجة عليهالسلام. إحداهما عن إسحق الأحمر (وردت في مناقب آل أبي طالب لابن
شهراشوب ج ٣ ص ٢٣٧ ط نجف) والثانية عن سعد بن عبد الله (وردت في معالي السبطين
لمحمد مهدي المازندراني ج ١ ص ١١٠ ط حجر إيران). وسوف ندمج الروايتين.
عن سعد بن عبد
الله ، قال : قلت لصاحب الأمر (عج) : أخبرني يابن رسول الله عن تفسير (كهيعص)؟.
فقال : «هذه الحروف من أنباء الغيب ، الذي أطلع الله عليه عبده زكريا ، ثم قصّها
على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وذلك أن زكريا عليهالسلام سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة عليهالسلام ، فأهبط عليه جبرئيل وعلمه إياها. فكان زكريا إذا ذكر
محمدا وعليا وفاطمة والحسن عليهمالسلام سرّي عنه همه وانجلى كربه (أو : سرّ وزال عنه غمومه وفرج
عنه همومه وانجلى كربه) ، وإذا ذكر الحسين عليهالسلام غلبته العبرة ووقعت عليه الزفرة (أو : خنقته العبرة ووقعت
عليه الكدورة).
فقال ذات يوم :
إلهي (ما بالي) إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين عليهالسلام تدمع عيني وتثور زفرتي (ويكسر خاطري)؟ فأنبأه الله تبارك
وتعالى عن قصته ووقعته ، فقال :.
(كهيعص)
فالكاف : اسم
كربلاء ، والهاء : هلاك العترة ، والياء : يزيد ، وهو ظالم الحسين عليهالسلام ، والعين : عطشه ، والصاد : صبره.
وما أحسن ما قيل
في ذلك : (معالي السبطين ج ١ ص ١١١)
يا قتيلا صبره
الممدوح من رب العباد
|
|
حيث قال الله
فيه : كاف ها يا عين صاد
|
كربلا الكاف وقد
حلّ بها البلا
|
|
قتلت فيه بيوم
الطف سادات الملا
|
ويزيد ياؤها
المعهود والعين تلا
|
|
عطش السبط وقد
أضرم نارا للفؤاد
|
فلما سمع زكريا
ذلك لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء
والنحيب ويقول : إلهي أتفجع خير خلقك بولده؟ إلهي أتنزل الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس
عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أتحل هذه الفجيعة بساحتهما؟
ثم كان زكريا عليهالسلام يقول : إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر ، واجعله
وارثا رضيا يوازي محله الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبه ، ثم افجعني به كما
تفجع محمدا حبيبك بولده.
فاستجاب الله
دعاءه ، فرزقه يحيى وفجعه به. وكان يوم استجابة دعائه يوم أول المحرم ، وأمر
الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في محرابه : (إن الله يبشّرك بيحيى) «انتهى
كلام الحجة عليهالسلام».
١٧٩ ـ قصة حياة
يحيى بن زكريا من مولده إلى مقتله كما وردت في العهد الجديد بتصرف :
(إنجيل لوقا ، إصحاح ١ ؛ وإنجيل متى ، إصحاح ١٤)
كان في أيام الملك
(هيرودس) حاكم الرومان على فلسطين ، كاهن اسمه زكريا. وكان هو وزوجته (إليصابات)
من الأبرار ، القائمين بكل أحكام الله ووصاياه. وكانت (إليصابات) عاقرا لا تنجب
أولادا ، وكانت متقدمة في السن كزوجها زكريا. فنادى ربه أن يهبه غلاما بارا ...
ويوما كان في المعبد فأصابته القرعة أن يحضر أعمال الهيكل. وبينما هو داخل الهيكل
ظهر له ملاك من عند الله واقفا عن يمين مذبح البخور. فلما رآه زكريا اضطرب وخاف.
فقال له الملاك : لا تخف يا زكريا فإن مناجاتك قد سمعت ، وإن الله يبشّرك بغلام من
امرأتك اليصابات اسمه يحيى (أي يوحنا) وستفرح به ويفرح به كثير من الناس. لأنه
سيكون تقيا ، ولا يشرب
الخمر ولا المسكر.
وسيمتلىء بالروح القدس وهو في بطن أمه ، فيردّ الكثيرين من بني إسرائيل إلى ربهم.
فلم يصدّق زكريا هذه البشرى وقال للملاك : كيف أصدق هذا وأنا شيخ وامرأتي عاقر ،
فقال له الملاك : سوف تبقى صامتا لا تقدر على الكلام حتى ترى وليدك ، لأنك لم
تصدّق كلامي الذي سيتم في حينه .. وكان الناس ينتظرون زكريا وقد أبطأ عن الخروج من
الهيكل. فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم ، ففهموا أنه قد رأى رؤيا في الهيكل ، فكان
يومي إليهم. ولما انتهت مدة خدمته للهيكل مضى إلى بيته .. وبعد تلك الأيام حملت
إليصابات وأنجبت طفلا ، وعندما اختلف الموجودون في تسميته نطق والده قائلا : لا
تختلفوا فقد سماه الله (يحيى). وقص على أهله ما جرى له في الهيكل وكيف بشره الملاك
بولادة يحيى.
كان يحيى يعيش في
البراري ويأكل عسل النحل ، ويلبس نطاقا من جلد على وسطه وثيابا عادية. وكان يدعو
الناس إلى الرجوع لطريق الخير ويحثهم على الأعمال الحسنة ، وكان يقف دائما في وجه
الباطل ولا يسكت عنه ، مما دعا إلى حقد الحكام عليه.
ولما أراد (هيرودس)
أن يتزوج من زوجة أخيه (هيروديا) قام يحيى بوجه هذا العمل لأنه حرام في الشريعة
اليهودية ، وانتقد هيرودس وقال له : لا يحل أن تكون لك. ولما أراد أن يقتله بناء
على نقمة (هيروديا) خاف من الشعب ، لأن يحيى كان عندهم بمنزلة النبي ، فأودعه
السجن.
ثم لما صار يوم
ميلاد هيرودس رقصت ابنة هيروديا في جموع المدعوين ، فسرّت هيرودس. فوعدها بأن
يعطيها ما تطلب وأقسم على ذلك. فقالت وقد لقّنتها أمها شيئا : أريد رأس يوحنا
المعمدان على طبق. فاغتم الملك ، ولكنه وجد نفسه ملزما بالتنفيذ بناء على إلحاح
الموجودين وما أخذ على نفسه من الأقسام ، فأرسل وقطع رأس يحيى في السجن. فأحضر
رأسه على طبق ودفعه إلى الصبية (وهي سالومي) فجاءت به إلى أمها. ثم تقدم تلاميذ
يحيى ورفعوا الجسد ودفنوه ، ثم أتوا إلى المسيح عليهالسلام فأخبروه بما حدث .
__________________
١٨٠ ـ أوجه الشبه
بين يحيى والحسين عليهالسلام :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٩١١١
يقول السيد محمد
مهدي المازندراني الحائري :
ولقد أشبه يحيى
الحسين عليهالسلام من جهات شتى :
١ ـ في مدة الحمل
، فكان حمل يحيى ستة أشهر كالحسين عليهالسلام.
٢ ـ يحيى بشر به
زكريا قبل ولادته ، كما بشّر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بولادة الحسين عليهالسلام.
٣ ـ يحيى لم يسمّ
باسمه أحد قبله ، وكذلك الحسين عليهالسلام.
٤ ـ يحيى لم يرضع
من ثدي أمه وأرضع من السماء ، والحسين عليهالسلام لم يرضع من فاطمة عليهاالسلام بل أرضع من لسان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإبهامه.
٥ ـ يحيى رفع إلى
السماء بعد الولادة ، والحسين عليهالسلام أيضا رفع إلى السماء لتزوره الملائكة يوم السابع من ولادته
، ويوم شهادته.
٦ ـ يحيى كان
يتكلم في بطن أمه ، والحسين عليهالسلام كذلك ، قال : يقول في بطن أمه فاطمة عليهاالسلام : يا أماه أنا العطشان ، يا أماه أنا العريان ، يا أماه
أنا السحقان.
٧ ـ يحيى لم ير
فرحا طول عمره ، وكذلك الحسين عليهالسلام.
٨ ـ يحيى قتل
مظلوما ، والحسين عليهالسلام قتل كذلك.
٩ ـ الذي قتل يحيى
مشكوك في نسبه ، وكذلك قاتل الحسين عليهالسلام.
١٠ ـ يحيى بكت
عليه ملائكة السموات ، والحسين عليهالسلام بكت عليه ملائكة السموات والأرض وجميع الموجودات.
١١ ـ يحيى بقي دمه
يغلي ، فكلما وضعوا عليه التراب ازداد غليانا ، حتى صار تلا عظيما ، فما سكن حتى
سلّط الله على بني إسرائيل بخت نصر ، وقتل سبعين ألفا من بني إسرائيل ، ولكن
الحسين عليهالسلام دمه يغلي حتى يظهر ولده المهدي (عج).
وهو وإن كان قتل
به سبعون ألفا وسبعون ألفا ولكنه ما يسكن دمه حتى يطلب المهدي عليهالسلام بثأره.
١٢ ـ يحيى قطع
رأسه ووضع في طشت من ذهب بين يدي عدوه ونطق بكلمة ، وهي أن قال : اتق الله يا أيها
الملك ، فإنها لا تجوز لك ، أن تباشر ابنتك (أي
ربيبتك). والحسين عليهالسلام لما قتل سمعوا رأسه الشريف يقرأ القرآن على الرمح ، ولما
وضع في الطشت بين يدي يزيد قرأ آية من القرآن ، واللعين يضرب ثناياه بقضيب من
خيزران.
ولكن شتان بين
مصيبة يحيى ومصيبة الحسين عليهالسلام ، فيحيى قتل لوحده ، أما الحسين عليهالسلام فقد قتل هو وكل إخوته وأولاده وأبناء عمومته ، وذبح ابنه
في حجره ، وقتل عطشانا ، ورضّ جسده الشريف ، ثم سبيت حريمه وذريته.
(أقول) : ولأن
مصيبة يحيى عليهالسلام شبيهة بمصيبة الحسين عليهالسلام ، كان الحسين عليهالسلام يذكر يحيى ومصيبته وهو في طريقه إلى الشهادة في كربلاء.
فأول ما ذكره ،
حين أقبل إليه عبد الله بن عمر ونصحه ، فقال له : «يا أبا عبد الرحمن ، إن من هوان
هذه الدنيا على الله أن يؤتى برأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل ،
والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضر ذلك يحيى بن زكريا ، بل ساد الشهداء ، فهو
سيدهم يوم القيامة».
كما ذكره عليهالسلام كثيرا وهو في طريقه إلى العراق. فعن الإمام زين العابدين عليهالسلام قال : خرجنا مع الحسين عليهالسلام فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلا وذكر يحيى بن زكريا عليهالسلام.
٢ ـ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ب
ما يجري على أهل بيته عليهمالسلام من بعده
١٨١ ـ إخبار النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم بشهادة الحسين وما يلاقيه أهل بيته عليهمالسلام :
(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٥١ ط نجف)
روي أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان ذات يوم جالسا ، وحوله علي وفاطمة والحسن والحسينعليهمالسلام ، فقال لهم : كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى (أي
متفرقة)؟ فقال الحسين عليهالسلام : نموت موتا أو نقتل؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : بل تقتل يا بني
ظلما ، ويقتل أخوك ظلما ، وتشرد ذراريكم في الأرض.
فقال الحسين عليهالسلام : ومن يقتلنا يا رسول الله؟ قال : شرار الناس. قال : فهل
يزورنا بعد قتلنا أحد؟ قال : نعم طائفة من أمتي يريدون بزيارتكم برّي وصلتي ، فإذا
كان يوم القيامة
جئتهم إلى الموقف حتى آخذ بأعضادهم ، فأخلهم من أهواله وشدائده.
١٨٢ ـ ما يحصل
لذرية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من بعده :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٦٦ ط نجف)
أخبرنا عين الأئمة
أبو الحسن علي بن أحمد الكرباسي ، حدثنا ... خالد بن نافع مولى ابن عباس ، قال :
سمعت ابن عباس يقول : أخذ بيدي علي عليهالسلام وقال : يا عبد الله بن عباس ، كيف بك إذا قتلنا وولغت
الفتنة في أولادنا ، وسبيت ذرارينا كما تسبى الأعاجم؟ قال : فقلت أعيذك بالله يا
أبا الحسن يا بن عم ، لقد كلمتني بشيء ساءني ، وما ظننت أنه يكون هذا. أما ترى
الإيمان ما أحسنه ، والإسلام ما أزينه ، أتراهم فاعلين ذلك بنا؟ لعلها أمة غير هذه
الأمة. قال عليهالسلام : لا والله ، بل هذه الأمة!
١٨٣ ـ وعيد شديد
لظلمة آل بيت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٦ ط نجف)
عن ميمون بن مهران
، في قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ
اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم : ٤٢]
قال : هذا وعيد من الله لظلمة أهل بيت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وتعزية للمظلوم.
وسوف نستعرض في
هذا الفصل طائفة من الأخبار المستفيضة عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم التي تنبأت باستشهاد الحسين عليهالسلام.
وكما أن هذه
الأخبار هي من كرامات مولانا الحسين عليهالسلام ، فهي من معجزات الحبيب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم في إخباره بالغيب ، وهو مما علمه الله تعالى وأطلعه عليه ،
مصداقا لقوله تعالى : (فَلا يُظْهِرُ عَلى
غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) وهذا الإعلام هو جزء مما أطلع الله عليه نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم من الأمور التي ستحدث على أهل بيته وعلى أمته من بعده. وهو
ما أملاه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على الإمام علي عليهالسلام فكتبه علي عليهالسلام بخط يده ، على جلد خاص ، فسمي فيما بعد (الجفر).
فاسمحوا لي أن
أعرفكم على الجفر وعلومه قبل سرد تلك الروايات.
علوم أهل البيت عليهالسلام بالمغيبات
١٨٤ ـ علم الجفر :
(كتاب الحسين في طريقه إلى الشهادة للسيد علي بن الحسين الهاشمي ص ١٦١)
الجفر لغة : هو
الجلد المشغول ، إذ كان الناس في القديم يعملون جلود الأنعام ويرققونها ليكتبوا
عليها. ثم تقدمت هذه الصناعة حتى صاروا يكتبون على جلد الغزال وأطلقوا عليه اسم (رق
الغزال). وإلى الآن نجد بعض الكتب والحروز مكتوبة على هذا النوع من الجلد. ومن ثم
أطلقت كلمة (الجفر) على (علم الجفر) وهو من العلوم التي اختص بها الإمام علي عليهالسلام بادىء بدء ، كما اختص بغيره من العلوم ، وهو من العلوم
التي علمه إياها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وخصه به دون غيره كعلم المنايا والبلايا. ولقد دوّن الإمام
هذا العلم على جلد الجفر ، وصار يتوارثه من بعده أولاده الميامين. وهو من الأسرار
التي لم يطلّع عليها أحد من الناس حتى أيام الإمام الصادق عليهالسلام حيث أفضى به عليهالسلام إلى بعض خواص أصحابه.
وقد ذكر كمال
الدين محمد بن طلحة الشافعي في (الدر المنظم في السر الأعظم) قال : جفر الإمام علي
عليهالسلام ألف وسبعمائة مصدر من مفاتيح العلوم ومصابيح النجوم
المعروف عند علماء الحروف (بالجفر الجامع والنور اللامع) وهو عبارة عن لوح القضاء
والقدر عند الصوفية. وقيل العلم المكنون والسر المصون. وقيل باللغة الخفية عند
السادة الحرفية ، وهو عبارة عن أسرار الغيوب. وقيل مفتاح اللوح والقلم. وقال أهل
الملاحم هو عبارة عن سر حوادث الكون ، وقيل مفتاح العلم اللدني.
والجفر عبارة عن
كتابين : أحدهما ذكره الإمام علي عليهالسلام على المنبر وهو قائم يخطب بالكوفة ، والآخر أمره رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم بكتابته في هذا العلم المكنون ، وهو المشار إليه بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها. فكتبه الإمام علي عليهالسلام حروفا مفرقة على طريقة سفر آدم عليهالسلام. وفي ذلك قال الشاعر :
(دائرة المعارف ج ١ ص ٢)
وقد عجبوا لأهل
البيت لما
|
|
أتاهم علمهم في
مسك جفر
|
ومرآة المنجم
وهي صغرى
|
|
أرته كلّ عامرة
وقفر
|
وتوجد في مخازن
الكتب نوادر مخطوطة في هذا العلم. فإن في دار الكتب
المصرية كتاب
مخطوط اسمه (الجفر الجامع والنور الساطع) للإمام الأعظم علي بن أبي طالب عليهالسلام يقع في مجلدين ضخمين. وقد ضمت مكتبة الدكتور حسين علي
محفوظ على كتاب مخطوط اسمه (الدر المنظم في السر الأعظم في الجفر الجامع والنور
اللامع) لمؤلفه كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة النصيبي الشافعي المتوفى سنة ٦٥٢
ه وتاريخ كتابة النسخة عام ١٢٧٣ ه. وفي مكتبة السيد علي بن الحسين الهاشمي
النجفي نسخة خطية عنوانها (الجفر الجامع : جفر علي وجفر جعفر الصادق) لمؤلفه محي
الدين بن العربي.
١٨٥ ـ علوم أهل
البيت ٣ : (المجالس السنية ، ج ٥ ص ٣١٠)
قال الشيخ المفيد
وغيره : كان الإمام الصادق عليهالسلام يقول : علمنا غابر ومزبور ، ونكت في القلوب ، ونقر في
الأسماع. وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة عليهاالسلام ، وإن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج إليه الناس.
فسئل عن تفسير ذلك
، فقال : (أما الغابر) فالعلم بما يكون ، (وأما المزبور) فالعلم بما كان ، (وأما
النكت في القلوب) فهو الإلهام ، (والنقر في الأسماع) حديث الملائكة ، يسمع كلامهم
ولا ترى أشخاصهم. وأما (الجفر الأحمر) فوعاء فيه سلاح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولن يظهر حتى يقوم قائمنا أهل البيت. وأما (الجفر الأبيض)
فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الأولى. وأما (مصحف فاطمة)
ففيه ما يكون من حادث وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة. وأما (الجامعة) فهي كتاب
طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وخط علي بن أبي طالب بيده ، فيه والله جميع ما يحتاج الناس
إليه إلى يوم القيامة ، حتى أن فيه أرش الخدش ، والجلدة ونصف الجلدة.
شرح : الأرش : هو
الدية أو الغرامة ، والمعنى أن هذا الكتاب فيه كل الأحكام الشرعية ، حتى غرامة من
يخدش جلد غيره.
١٨٦ ـ لكل إمام
صحيفة يعرف منها كل ما يجري عليه :
(مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ، ص ٢٨٨ ط حجر)
عن أبي عبد الله
البزاز عن حريز ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليهالسلام : جعلت فداك ، ما أقل بقاءكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها
من بعض ، مع حاجة الناس إليكم؟ فقال : إن لكل واحد منا صحيفة ، فيها ما يحتاج إليه
أن يعمل في
مدته ، فإذا انقضى
ما فيها مما أمر به ، عرف أن أجله قد حضر. فأتاه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ينعى بنعي إليه نفسه ، وأخبره بما له عند الله. وإن الحسين
عليهالسلام قرأ صحيفته التي أعطيها وفسّر له ما يأتي ، بنعي ينعى.
وبقي فيها أشياء لم تقض ، فخرج للقتال ، وكانت تلك الأمور التي بقيت.
١٨٧ ـ صحيفة
بإملاء علي عليهالسلام فيها كل شيء :
(كتاب سليم بن قيس الكوفي ، ص ٢٧)
عن سليم بن قيس
أنه قال : لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب عليهالسلام بكى ابن عباس بكاء شديدا. ثم قال ما لقيت هذه الأمة بعد
نبيها! ... ولقد دلت على ابن عم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بذي قار ، فأخرج صحيفة وقال لي : يا بن عباس هذه صحيفة
أملاها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وخطي بيدي. قال : فأخرج لي الصحيفة ، فقلت : يا أمير
المؤمنين اقرأها علي ، فقرأها. وإذا فيها كل شيء منذ قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكيف يقتل الحسين عليهالسلام ومن يقتله ، ومن ينصره ومن يستشهد معه. وبكى بكاء شديدا
وأبكاني. وان فيما قرأه : كيف يصنع به ، وكيف تستشهد فاطمة عليهاالسلام وكيف يستشهد الحسن عليهالسلام وكيف تغدر به الأمة. فلما قرأ مقتل الحسين عليهالسلام ومن يقتله ، أكثر البكاء. ثم أدرج الصحيفة ، وفيه ما كان
ويكون إلى يوم القيامة.
١٨٨ ـ لوح عند
فاطمة عليهاالسلام رآه جابر الأنصاري ، وفيه ذكر الأئمة عليهمالسلام :
(المنتخب لفخر الدين الطريحي ، ص ٠٩٣)
روي عن الإمام
الصادق عليهالسلام أنه قال : دخل جابر الأنصاري إلى أبي في مدينة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال له : يا جابر ، بحق جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا أخبرتني عن اللوح ، أرأيته عند أمي فاطمة الزهراء عليهاالسلام. فقال جابر : أشهد بالله العظيم ورسوله الكريم ، لقد أتيت
إلى فاطمة الزهراء عليهاالسلام في بعض الأيام لأهنّئها بولدها الحسين عليهالسلام بعد ما وضعته بستة أيام ، فإذا هي جالسة وبيدها لوح أخضر
من زمردة خضراء ، وفيه كتابة أنور من الشمس ، وله رائحة أطيب من المسك (الأذفر). فقلت
له : ما هذا اللوح يا بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فقالت : هذا اللوح أهداه الله إلى أبي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيه اسم محمد المصطفى واسم علي المرتضى واسم ولديّ الحسن
والحسين ، وأسماء الأئمة الباقين من ولدي. فسألتها أن تدفعه إلي لأنظر ما
فيه ، فدفعته إلي
فسررت به سرورا عظيما فقلت لها : يا ست النساء ، هل تأذنين لي أن أكتب نسخته؟
فقالت : افعل. فأخذته ونسخته عندي.
فقال له الباقر عليهالسلام : هل لك أن تريني نسخته بعينها الآن؟ فمضى جابر إلى منزله
، فأتى بصحيفة من كاغذ (أي ورق) مكتوب فيها :
(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). هذا كتاب من (العزيز) العليم ، أنزله الروح الأمين ، على
خاتم النبيين أجمعين. أما بعد ، يا محمد عظّم أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي
، ولا ترج سوائي ولا تخش غيري ، فإنه من يرجو سوائي ويخش غيري ، أعذبه عذابا لا
أعذب به أحدا من العالمين.
يا محمد ، إني
اصطفيتك على سائر الأنبياء ، وفضلت وصيك عليا على سائر الأوصياء. وجعلت ولدك الحسن
عليهالسلام عيبة علمي بعد انقضاء مدة أبيه. وجعلت الحسين عليهالسلام خير أولاد الأولين والآخرين ، ومن نسله الأئمة المعصومين ،
وعليه تشب فتنة صماء ، فالويل كل الويل لمن حاربه وغصبه حقه. ومنه يعقب زين
العابدين ، وبعده محمد الباقر لعلمي ، والدايع إلى سبيلي على منهاج الحق. ومن بعده
جعفر الصادق القول والعمل. ومن بعده الإمام المطهر موسى بن جعفر. ومن بعده علي بن
موسى الرضا ، يقتله كافر عنيد ، ذو بأس شديد. ومن بعده محمد الجواد يقتل مسموما.
ومن بعده علي الهادي يقتل بالسم. ومن بعده الحسن العسكري يقتل بالسم. ومن بعده
القائم المهدي عليهالسلام وهو الذي يقيم اعوجاج الدين ، ويأخذ ثأر الأئمة الطاهرين ،
صلوات الله عليهم أجمعين ، وهو رحمة للعالمين ، وسوط عذاب على الظالمين. وسألقي
عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب عليهالسلام ، فتذل أوليائي قبل ظهوره ، وتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس
الترك والديلم ، فيظهر حجتي منهم ، فيقتلون ويحرقون وتصبغ الأرض من دمائهم ، ويفشو
الويل والرنة في نسائهم. أولئك أوليائي حقا ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندسية ،
وبهم أكشف الزلازل وأدفع الأصفاد والأغلال. أولئك عليم صلوات من ربهم ورحمة ،
وأولئك هم المهتدون.
فقال بعض أصحاب
الصادق عليهالسلام : يا مولانا لو لم نسمع في دهرنا إلا فضل هذا الحديث
لكفانا فضله.
وقال عليهالسلام : ولكن فصنه إلا عن أهله.
١٨٩ ـ نزول الوصية
الإلهية على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بصورة كتاب مختوم يفكه الأئمة عليهمالسلام ويعملون بمقتضاه : (أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠)
في رواية معاذ بن
كثير عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام قال : إن الوصية نزلت من الله تعالى على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم كتابا لم ينزل على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم كتاب مختوم إلا الوصية. فقال جبرئيل : يا محمد هذه وصيتك
إلى أمتك عند أهل بيتك. وكان كلما استلم إمام فض خاتما منها وعمل بما فيه.
وقد ورد هذا
الحديث في الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى. فقد وردت تلك الأخبار بأسانيد
معتبرة ومتون متقاربة.
وقد ورد في بعض
منها : ثم دفعه إلى الحسين عليهالسلام ففك خاتما ، فوجد فيه : أن قاتل وتقتل ، واخرج بقوم إلى
الشهادة ، فلا شهادة لهم إلا معك ، واشر نفسك لله عزوجل ، ففعل. ثم دفعه إلى علي بن الحسين عليهالسلام ففك خاتما ، فوجد فيه : أن اطرق واصمت والزم منزلك ، واعبد
ربك حتى يأتيك اليقين ، ففعل.
ثم دفعه إلى محمد
بن علي (الباقر) ففك خاتما ، فوجد فيه : فسّر كتاب الله وصدّقه آباءك وورّث ابنك
واصطنع الأمة وقم بحق الله ، وقل الحق في الخوف ، ولا تخافنّ إلا الله عزوجل ، فإنه لا سبيل لأحد عليك. ثم دفعه إلى ابنه جعفر (الصادق)
ففك خاتما ، فوجد فيه : أن حدّث الناس وافتهم ، وانشر علوم أهل بيتك ، وصدّق آباءك
الصالحين ، ولا تخافن إلا الله عزوجل وأنت في حرز وأمان ، ففعل. ثم دفعه إلى ابنه موسى (الكاظم)
، وكذلك دفعه موسى إلى الذي بعده ، ثم كذلك إلى العلم المهدي عليهالسلام.
٣ ـ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم باستشهاد الحسين عليهالسلام
* راجع الفقرات
رقم ١١٣ و ١١٤ و ١١٥ و ١٢٨ و ١٤٥ و ١٤٦ و ١٤٧.
١٩٠ ـ إخبار النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم بقتل الحسين عليهالسلام ودعوته إلى مودة أهل البيتعليهمالسلام : (مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٦٣)
ولما أنت على
الحسين عليهالسلام من مولده سنتان كاملتان ، خرج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في سفر ، فلما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه.
فسئل عن ذلك؟ فقال : هذا جبريل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها كربلاء ، يقتل
فيها
ولدي الحسين بن
فاطمة عليهالسلام. فقيل : من يقتله يا رسول الله؟ فقال : رجل يقال له يزيد ،
لا بارك الله في نفسه. وكأني أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه ، وكأني أنظر إلى
السبايا على أقتاب المطايا ، ويهدى رأسه إلى يزيد.
ثم صعد المنبر
مغموما مهموما ، حزينا كئيبا باكيا ، وأصعد معه الحسن والحسينعليهماالسلام ، ووضع يده اليمنى على رأس الحسن عليهالسلام واليسرى على رأس الحسين عليهالسلام وقال : «اللهم إن محمدا عبدك ورسولك ، وهذان أطائب عترتي
وخيار أرومتي وأفضل ذريتي ومن أخلفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرئيل أن ولدي هذا
مخذول مقتول بالسم ، والآخر شهيد مضرج بالدم. اللهم فبارك له في قتله واجعله من
سادات الشهداء. اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله ، وأصله حرّ نارك ، واحشره في
أسفل درك الجحيم». قال : فضج الناس بالبكاء والعويل فقال لهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أتبكون ولا تنصرونه؟ اللهم فكن أنت له وليا وناصرا».
وقال ابن عباس :
خرج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل موته بأيام يسيرة إلى سفر له ثم رجعصلىاللهعليهوآلهوسلم وهو متغير اللون محمر الوجه فخطب خطبة أخرى موجزة وعيناه
تهملان دموعا . ثم قال : «يا قوم إني مخلف فيكم الثّقلين : كتاب الله ،
وعترتي وأرومتي ومزاج مائي وثمرة فؤادي ومهجتي ، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.
ألا وإنني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي (أسئلكم عن الموؤدة في القربى)
واحذروا أن تلقوني على الحوض غدا وقد آذيتم عترتي وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم».
والآن نذكر ما ورد
عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بنحو التواتر ، في إخباره عن شهادة الحسينعليهالسلام بكربلاء وبكائه عليه قبل وقوع الحادثة. نبدأ بروايات أمير
المؤمنين عليهالسلام.
١٩١ ـ مرور أمير
المؤمنين عليهالسلام على كربلاء :
(تاريخ ابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين عليهالسلام ص ٩١٦٥
عن عبد الله بن
نجيّ عن أبيه ، أنه سافر مع علي بن أبي طالب عليهالسلام وكان صاحب مطهرته ، فلما حاذوا نينوى ، وهو منطلق إلى صفين
، نادى علي عليهالسلام : صبرا أبا عبد الله ، صبرا أبا عبد الله بشط الفرات. قلت
: من ذا أبو عبد الله؟ قال : دخلت على رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وعيناه تفيضان. فقلت : يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما
__________________
شأن عينيك تفيضان؟
قال : ما أغضبني أحد ، بل قام من عندي جبرئيل قبل ، فحدثني أن الحسين عليهالسلام يقتل بشط الفرات. وقال : هل لك إلى أن أشمك من تربته؟ قال
: قلت نعم. فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا.
١٩٢ ـ رواية
مشابهة :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص ٢٦١)
وذكر ابن سعد أيضا
عن الشعبي ، قال : لما مرّ علي عليهالسلام بكربلاء في مسيره إلى صفين وحاذى نينوى (قرية على الفرات)
، وقف ونادى صاحب مطهرته (أي وضوئه) : أخبر أبا عبد الله ما يقال لهذه الأرض. فقال
: كربلاء.
فبكى حتى بلّ
الأرض من دموعه. ثم قال : دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يبكي ، فقلت له : ما يبكيك؟ فقال : كان عندي جبرئيل
آنفا ، وأخبرني أن ولدي الحسين عليهالسلام يقتل بشط الفرات بموضع يقال له كربلا. ثم قبض جبرئيل قبضة
من تراب ، فشمني إياها ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا.
١٩٣ ـ روايات أم
سلمة (رض): (تاريخ بغداد ، ج ١ ص ١٤٢ ط ١)
عن أبي جعفر عليهالسلام عن أم سلمة ، قالت : قال رسول الله عليهالسلام : يقتل حسين على رأس ستين من مهاجري. وفي معجم الطبراني ،
عن أم سلمة ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : يقتل الحسين عليهالسلام حين يعلوه القتير (أي بوادر الشيب).
١٩٤ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يرى مقتل الحسين عليهالسلام في كربلاء :
(إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢١٧ ط بيروت)
عن أم سلمة أن
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج من عندنا ذات ليلة ، فغاب عنا طويلا ، ثم جاءنا وهو
أشعث أغبر ، ويده مضمومة. فقلت له : يا رسول الله ، مالي أراك أشعث أغبر؟ فقال :
أسري بي في هذه الليلة إلى موضع من العراق ، يقال له : كربلاء ، فرأيت فيه مصرع الحسين
عليهالسلام وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألتقط دماءهم فيها في
يدي ، وبسطها فقال : خذيه واحتفظي (به) فأخذته فإذا هي شبه تراب أحمر. فوضعته في
قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها.
فلما خرج الحسين عليهالسلام متوجها نحو أهل العراق ، كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم
وليلة ، فأشمها وأنظر إليها ، ثم أبكي لمصابها. فلما كان يوم العاشر من المحرم ـ وهو
اليوم الذي قتل فيه ـ أخرجتها في أول النهار وهي بحالها ، ثم عدت
إليها آخر النهار
، فإذا هي دم عبيط (أي طري طازج). فضججت في بيتي وكظمت غيظي ، مخافة أن يسمع
أعداءهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة. فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي
ينعاه ، فحقق ما رأيت.
١٩٥ ـ حديث أم
سلمة (خبر القارورة): (تاريخ ابن عساكر ، ص ١٧٥)
عن الأعمش عن أبي
وائل شقيق بن سلمة :
عن أم سلمة زوج
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قالت : كان الحسن والحسين عليهماالسلام يلعبان بين يدي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في بيتي ، فنزل جبرئيل فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك
هذا من بعدك! وأومأ بيده إلى الحسين عليهالسلام. فبكى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وضمه إلى صدره ، ثم قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أم سلمة ، وديعة عندك هذه التربة. قالت : فشمها رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : ريح كرب وبلاء. قالت : وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أم سلمة ، إذا تحولت هذه التربة دما فأعلمي أن ابني
قد قتل.
قال : فجعلتها أم
سلمة في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول : إن يوما تحوّلين دما ليوم
عظيم.
١٩٦ ـ الحسين عليهالسلام يري أم سلمة مضجعه في كربلاء :
(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٨٩ ط ٣)
جاء في (الخرايج
والجرايح) للقطب الراوندي :
من معجزات الحسين عليهالسلام أنه لما أراد العراق ، قالت له أم سلمة : لا تخرج إلى
العراق ، فقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : يقتل ابني الحسين بأرض العراق ، وعندي تربة دفعها
إلي في قارورة. فقال الحسين عليهالسلام : إني والله مقتول كذلك ، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني
أيضا. وإن أحببت أن أريك مضجعي ومصرع أصحابي. ثم مسح بيده عليهالسلام على وجهها ، ففسح الله عن بصرها ، حتى رأيا ذلك كله ، وأخذ
تربة فأعطاها من تلك التربة أيضا في قارورة أخرى ، وقال عليهالسلام : إذا فاضت دما فاعلمي أني قتلت.
فقالت أم سلمة :
فلما كان يوم عاشوراء ، نظرت إلى القارورتين بعد الظهر ، فإذا هما قد فاضتا دما ؛
فصاحت.
١٩٧ ـ إخبار النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم بمقتل الحسين عليهالسلام :
(ينابيع المودة لسليمان القندوزي ج ٢ ص ١٤٣)
أخرج ابن سعد
والطبراني عن أم المؤمنين عائشة (رض) رفعته ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ،
وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني أن فيها مضجعه.
١٩٨ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يخبر عائشة بمقتل الحسين عليهالسلام :
(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٨)
عن أبي الفرج
الجوزي عن رجاله ، عن عائشة قالت : دخل الحسين على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو غلام يدرج ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أي عائشة ألا أعجبك ، لقد دخل علي آنفا ملك ما دخل علي
مثله (وفي رواية : ملك المطر أو ملك القطر). فقال : إن ابنك هذا مقتول ، وإن شئت
أريتك من تربته التي يقتل بها ، فتناول ترابا أحمر ، فأخذته أم سلمة فخزنته في
قارورة. فأخرجته يوم قتله وهو دم.
١٩٩ ـ رواية أنس
بن مالك الأنصاري :
(تاريخ ابن عساكر ص ١٦٩)
عن أنس بن مالك
قال : استأذن ملك القطر على ربه عزوجل أن يزور النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فأذن له ، فجاءه وهو في بيت أم سلمة. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد. فبينا
هي على الباب إذ جاء الحسين عليهالسلام ففتح الباب ، فجعل يتقفز على ظهر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والنبي يلثمه ويقبله. فقال له الملك : أتحبه يا محمد؟ قال
: نعم. قال: أما إن أمتك ستقتله! وإن شئت أن أريك من تربته المكان الذي يقتل فيها!
(فأراه إياه). قال : فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه ، فأتاه بسهلة حمراء (أو
تراب أحمر). فأخذتها أم سلمة فجعلتها في ثوبها. قال ثابت : كنا نقول إنها كربلاء.
٢٠٠ ـ رواية أبي
أمامة :
(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ص ١٧١)
في تاريخ ابن
عساكر ، والذهبي ، ومجمع الزوائد للهيثمي وغيرها ، عن أبي أمامة (قال) قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لنسائه : لا تبكوا هذا الصبي «يعني حسينا».
قال : وكان يوم أم
سلمة ، فنزل جبرئيل ، فدخل على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الداخل ، وقال لأم سلمة : لا تدعي أحدا أن يدخل علي.
فجاء الحسين عليهالسلام فلما نظر إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في البيت أراد أن يدخل ، فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت
تناغيه وتسكته. فلما اشتد في البكاء خلت عنه. فدخل حتى جلس في حجر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال جبرئيل للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن أمتك ستقتل ابنك هذا. فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : يقتلونه وهم مؤمنون بي؟ قال : نعم يقتلونه. فتناول
جبرئيل تربته فقال: مكان كذا وكذا.
فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد احتضن حسينا ، كاسف البال مهموما. فظنت أم سلمة أنه
غضب من دخول الصبي عليه. فقالت : يا نبي الله ، جعلت لك الفداء ، إنك قلت لنا : لا
تبكوا هذا الصبي ، وأمرتني أن لا أدع أحدا يدخل عليك ، فجاء فخليت عنه. فلم يرد
عليها.
فخرج إلى أصحابه
وهم جلوس ، فقال لهم : «إن أمتي يقتلون هذا» وفي القوم أبو بكر وعمر ، وكانا أجرأ
القوم عليه. فقالا : يا نبي الله ، يقتلونه وهم مؤمنون؟!. قال : نعم. هذه تربته ،
فأراهم إياها.
٢٠١ ـ إخبار النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم بمقتل الحسين عليهالسلام وأصحابه في عمورا :
(بحار الأنوار للمجلسي ج ٤٥ ص ... ط ٣)
عن جابر عن الإمام
الباقر عليهالسلام قال : قال الحسين عليهالسلام لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله قال لي : «يا بني إنك
ستساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين ، وهي أرض تدعى (عمورا).
وانك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك ، لا يجدون ألم مس الحديد. وتلا : (قلنا
: (قُلْنا يا نارُ
كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) [الأنبياء : ٦٩].
يكون الحرب بردا وسلاما عليك وعليهم». فأبشروا فو الله لئن قتلونا فإنا نرد على
نبينا.
٢٠٢ ـ الإخبار
بقتل الحسين عليهالسلام قبل ولادته :
(دائرة المعارف لمحمد حسين الأعلمي ج ١٥ ص ١٨٠)
في الكافي ومرآة
العقول (ج ١ ص ٢٩٣) عن الصادق عليهالسلام أن جبرئيل نزل على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال له : يا محمد إن الله (يقرئك السلام) ويبشرك بمولود
يولد من فاطمةعليهاالسلام تقتله أمتك من بعدك. فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربي السلام ،
لا حاجة
لي في مولود يولد
من فاطمة تقتله أمتي من بعدي ... ثم عرج إلى السماء ثم هبط ، فقال : يا محمد إن
ربك يقرئك السلام ، ويبشرك بأنه جاعل في ذريته الإمامة والوصية. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : قد رضيت.
٢٠٣ ـ روايات ابن
عباس (رض): (مثير الأحزان لابن نما ص ١٢)
عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس (رض) أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جمع الحسن والحسين وفاطمة وعلي عليهماالسلام ، فلما نظر إليهم بكى. فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما
ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت ، أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟ فقال : والذي بعثني
بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ، ما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم. وإنما
بكيت لما يحل بهم من بعدي ، وذكرت ما يصنع بهذا ولدي الحسين. كأني به وقد استجار
بحرمي وقبري فلا يجار ، ويرتحل إلى أرض مقتله ومصرعه ، أرض كرب وبلاء. تنصره عصابة
من المسلمين ، أولئك سادة شهداء أمتي يوم القيامة ، فكأني أنظر إليه وقد رمي بسهم
فخر عن فرسه صريعا. ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما.
ثم انتحب صلىاللهعليهوآلهوسلم وبكى وأبكى من حوله ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج. ثم قام وهو
يقول : اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي.
٢٠٤ ـ رواية أخرى : (البداية والنهاية لابن كثير ج ٦ ص ٢١٦)
قال أبو الحافظ
أبو بكر البزاز في مسنده عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : كان الحسين عليهالسلام جالسا في حجر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال جبرئيل : أتحبه؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : وكيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي؟ فقال : أما إن أمتك ستقتله
، ألا أريك من موضع قبره؟ فقبض قبضة ، فإذا تربة حمراء.
إخبار الإمام علي عليهالسلام
٢٠٤ ـ رواية ميثم
التمار : (أمالي الصدوق ، ص ١١٠)
حدثنا الشيخ
الصدوق ، قال : حدثنا ... عن جبلة المكية ، قالت : سمعت ميثم التمار يقول : والله
لتقتلن هذه الأمة ابن نبيها في المحرم ، لعشر مضين منه ، وليتخذن أعداء الله ذلك
اليوم يوم بركة. وان ذلك لكائن ، قد سبق في علم الله تعالى ذكره. أعلم ذلك بعهد
عهده إلي مولاي أمير المؤمنين عليهالسلام ...
٢٠٥ ـ رواية الحسن
بن كثير :
وقد روى الحسن بن
كثير وعبد خير ، قالا : لما وصل علي عليهالسلام إلى كربلا وقف وبكى ، وقال : بأبي أغيلمة يقتلون ههنا. هذا
مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجل.
ـ رواية أخرى : (شرح
نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٧١)
عن الحسن بن كثير
، عن أبيه ، أن عليا عليهالسلام أتى كربلاء ، فوقف بها ، فقيل له :
يا أمير المؤمنين
، هذه كربلاء. فقال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى المكان ، فقال : ههنا موضع
رحالهم ومناخ ركابهم.
ثم أومأ بيده إلى
مكان آخر ، فقال : ههنا مهراق دمائهم. ثم مضى إلى ساباط.
٢٠٦ ـ شهداء كربلاء
مثل شهداء بدر (رض):
(أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ، ج ٤ ص ١٤٣)
في منتخب كنز
العمال عن الطبراني في الكبير ما لفظه عن شيبان بن محرم ، قال : إني لمع علي عليهالسلام إذ أتى كربلاء ، فقال : يقتل في هذا الموضع شهداء ليس
مثلهم إلا شهداء بدر.
ـ شهداء كربلاء لا
يسبقهم سابق : (المنتخب للطريحي ، ص ٨٧)
عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : مر أمير المؤمنين عليهالسلام بكربلاء ، فبكى حتى اغرورقت عيناه بالدموع ، وقال : هذا
مناخ ركابهم ، هذا ملقى رحالهم ، ههنا تراق دماؤهم. طوبى لك من تربة عليها يراق دم
الأحبة. مناخ ركاب ومنازل شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان
بعدهم.
٢٠٧ ـ إخبار علي عليهالسلام أن الحسين عليهالسلام يقتل وموضع ذلك ، وما في ذلك من معجزات : (مدينة المعاجز
لهاشم البحراني ، ص ١٢٠)
روى الشيخ الصدوق
بسنده عن ابن عباس ، قال : كنت مع علي عليهالسلام في خروجه من صفين. فلما نزلنا نينوى ـ وهي بشط الفرات ـ قال
بأعلى صوته : يابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت : لا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال
علي عليهالسلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي لبكائي. قال
فبكى عليهالسلام طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معه
، وهو يقول : أوه أوه ، مالي
ولآل أبي سفيان
مالي ولآل حزب الشيطان وأولياء الكفر. صبرا صبرا يا أبا عبد الله ، فقد لقي أبوك
مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة ، فصلى ما شاء الله أن يصلي.
وذكر نحو كلامه ،
إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال : يابن عباس. قلت : ها
أنذا. فقال : ألا أحدثك عما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ فقلت : نامت عينك ورأيت
خيرا يا أمير المؤمنين. قال عليهالسلام : رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء ، معهم أعلام بيض ،
قد تقلدوا سيوفهم ، وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطة. ثم رأيت كأن
النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض ، تضرب بدم عبيط (أي طري) ، وكأني بالحسين سخلي
وفرخي ومضغتي ومخي ، قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث. وكأن الرجال البيض (الذين)
نزلوا من السماء ، ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول ، فإنكم تقتلون على يدي شرار
الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله مشتاقة إليك. ثم يعزّونني ويقولون : يا أبا
الحسن أبشروا فقد أقرّ الله عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا.
والذي نفس علي
بيده ، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسم صلىاللهعليهوآلهوسلم أني سأمر بها في خروجي إلى أهل البغي علينا. وهي أرض كرب
وبلاء ، يدفن فيها الحسين عليهالسلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمة عليهاالسلام. وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر
بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس. ثم قال : يا بن عباس ، اطلب حولها بعر الظباء ، فو
الله ما كذبت ولا كذبت ، وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران. فطلبتها فوجدتها مجتمعة.
فناديته : يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي. فقال علي عليهالسلام : صدق الله ورسوله.
ـ قصة مرور عيسى عليهالسلام بكربلاء :
ثم قام علي عليهالسلام يهرول حتى جاء إليها فحملها وشمها ، وقال : هي هي ، أتعلم
يابن عباس ما هذه الأبعار؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم ، وذلك أنه مرّ بها ومعه
الحواريون ، فرأى ههنا ظباء مجتمعة وهي تبكي ، فجلس عيسى عليهالسلام وجلس الحواريون. فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم
جلس ولم بكى. فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ،
هذه أرض من يقتل فيها
فرخ رسول الله
أحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها أطيب
من المسك ، لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد
الأنبياء. فهذه الظباء تكلمني وتقول : انها ترعى هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ
المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض.
ثم ضرب بيده
البعيرات فشمها ، وقال : هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها. اللهم فأبقها
أبدا حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة. فبقيت إلى يومنا هذا وقد اصفرت لطول
زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء.
ثم قال بأعلى صوته
: يا رب عيسى بن مريم ، لا تبارك في قتلته والمعين لهم والخاذل له. ثم بكى طويلا
وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا. ثم أفاق فأخذ البعر فصّره في ردائه
وأمرني أن أصرها كذلك.
ثم قال : يابن
عباس ، إذا رأيتها تتفجر دماء عبيطا ويسيل منها دم عبيط ، فاعلم أن أبا عبد الله عليهالسلام قد قتل بها ودفن.
قال ابن عباس :
فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لما افترض الله عزوجل علي ، وأنا لا أحلها من طرف كمي. فبينا أنا نائم في البيت
فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وان كمي قد امتلأ دما عبيطا. فجلست وأنا باك ، وقلت :
قتل والله الحسين ، والله ما كذبني قط في حديث ، ولا أخبر بشيء أن يكون إلا كان
كذلك ، لأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند
الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين. ثم طلعت الشمس
فرأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط. فجلست وأنا باك ،
وقلت قتل والله الحسين عليهالسلام.
وسمعت صوتا من
ناحية البيت ، وهو يقول : اصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول ، نزل الروح الأمين
ببكاء وعويل. ثم بكى بأعلى صوته وبكيت. فأثبتّ عندي تلك الساعة ، وكان شهر محرم
يوم عاشور لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره ، وتاريخه كذلك. فحدثت
بهذا الحديث الذين كانوا معه فقالوا : والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ،
ولا ندري ما هو. قلت : أترى أنه الخضر عليهالسلام.
٢٠٨ ـ إخبار
الإمام علي عليهالسلام حين مر بكربلاء وهو سائر إلى صفين :
(وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١٤٠ ط ٢)
قال نصر بن مزاحم
: حدثني مصعب بن سلام ... عن هرثمة بن سليم ، قال : غزونا مع علي بن أبي طالب عليهالسلام غزوة صفين. فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة
فصلى إليها ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة
، ليحشرن منك (وفي رواية : ليقتلن بك) قوم يدخلون الجنة بغير حساب.
فلما رجع هرثمة من
غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعليعليهالسلام ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجّبك من صديقك أبي الحسن؟
لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها ، وقال : «واها لك يا تربة ، ليحشرن منك
قوم يدخلون الجنة بغير حساب». وما علمه بالغيب؟! فقالت : دعنا منك أيها الرجل ،
فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.
فلما بعث عبيد
الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن علي عليهالسلام وأصحابه ، قال هرثمة : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ،
فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه ، نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث وعرفت
المنزل الذي نزلنا فيه مع علي عليهالسلام ، والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ،
فكرهت مسيري. فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين عليهالسلام ، فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.
فقال الحسين عليهالسلام : فأنت معنا أم علينا؟ فقلت : يابن رسول الله لا معك ولا
عليك. تركت أهلي وولدي وعيالي ، أخاف عليهم من ابن زياد.
فقال الحسين عليهالسلام : فولّ في الأرض هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس
محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال هرثمة : فأقبلت
في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله.
ملاحظة : هذه
الفقرة هي جمع عدة روايات مع بعض ، إحداها وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي
الحديد ، ج ٣ ص ١٦٩ ط مصر ـ تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.
٢٠٩ ـ إخبار
الإمام علي عليهالسلام بما سيحدث في كربلاء :
(المصدر السابق ، ص ١٤١)
حدّث نصر بن مزاحم
عن مصعب بن سلام ... عن سعيد بن وهب ، قال : بعثني
مخنف بن سليم إلى
علي عليهالسلام عند توجهه إلى صفين. فأتيته بكربلاء ، فوجدته يشير بيده
ويقول : ههنا! فقال له رجل : وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ينزل ههنا ، فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم!.
فقال له الرجل :
ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال (ويل لهم منكم) تقتلونهم ، (وويل لكم
منهم) يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.
٢١٠ ـ حديث الإمام
الحسن عليهالسلام عن مصرع أخيه الحسين عليهالسلام :
(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)
روى الإمام الصادق
عن آبائه عليهمالسلام قال : دخل الحسين على أخيه الحسن عليهماالسلام يوما ، فلما نظر إليه بكى. فقال له الحسن عليهالسلام : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال : أبكي لما يصنع بك. فقال
له الحسن عليهالسلام : إن الذي يؤتى إليّ سم يدس إلي فأقتل به ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله. يزدلف إليك ثلاثون ألف
رجل يدّعون أنهم من أمة جدك محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وينتحلون بك الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ،
وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة
، وتمطر السماء دما ورمادا ، ويبكي عليك كل شيء ، حتى الوحوش في الفلوات ،
والحيتان في البحار.
٢١١ ـ إخبار
الحسين عليهالسلام بمقتله :
عن معاوية بن قرة
قال : قال الحسين عليهالسلام : والله ليعتدن عليّ كما اعتدت بنو اسرائيل في السبت.
قال : وأنبأنا علي
بن محمد ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، (قال) قال الحسينعليهالسلام : والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا
فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.
__________________
أخبار أخرى
٢١٢ ـ ورود سلمان (رض)
كربلاء :
(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ٧١)
في الخبر عن
المسيب بن نجبة الفزاري ، قال : خرجت أستقبل سلمان الفارسي حين أقبل من المدينة
إلى المدائن. فلما وصل إلى كربلاء تغير حاله وبكى ، وقال : هذه مصارع إخواني. هذا
موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم. يقتل بها خير الأولين وابن
خير الآخرين.
٢١٣ ـ إخبار أبي
ذر الغفاري بمقتل الحسين عليهالسلام ونتائج ذلك :
(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٣٦)
في (كامل الزيارة)
عن عروة بن الزبير ، قال : سمعت أبا ذر ، وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ،
فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر ، فهذا قليل في الله. فقال ما أيسر هذا ، ولكن كيف
أنتم إذا قتل الحسين بن علي عليهالسلام قتلا (أو قال : ذبح ذبحا)؟. والله لا يكون في الإسلام بعد
قتل الخليفة (يعني علي بن أبي طالب) أعظم قتيلا منه. وإن الله سيسل سيفه على هذه
الأمة لا يغمده أبدا. ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس. وإنكم لو تعلمون ما
يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله ،
لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم. وما من سماء يمر بها روح الحسين عليهالسلام إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى
يوم القيامة. وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله. وما من يوم إلا وتعرض
روحه على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيلتقيان.
٢١٤ ـ ملازمة رجل
من بني أسد أرض كربلاء :
(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)
قال العريان بن
الهيثم : كان أبي يتبدى فينزل قريبا من الموضع الذي كانت فيه معركة الحسين عليهالسلام. فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له
أبي : أراك ملازما هذا المكان!. قال : بلغني أن حسينا عليهالسلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل
معه.
قال ابن الهيثم :
فلما قتل الحسين عليهالسلام قال أبي : انطلقوا بنا ننظر ، هل الأسدي فيمن قتل مع
الحسين عليهالسلام. فأتينا المعركة وطوّقنا ، فإذا الأسدي مقتول.
(أقول) لعل هذا
الشهيد هو أنس بن الحرث رحمهالله. وهذا درس يعلمنا أن المؤمن النبيه يسعى نحو الحق حتى
يدركه ، فينال أعلى درجات السعادة والكرامة ، كما فعل أنس بن الحرث الأسدي.
٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسين عليهالسلام
٢١٥ ـ الحسين عليهالسلام يخبر بأن عمر بن سعد سيقتله :
(كشف الغمة ٢ / ٩ وإرشاد المفيد ص ٢٨٢ والبحار ٤٤ / ٢٦٣)
روى سالم بن أبي
حفصة ، (قال) قال عمر بن سعد للحسين عليهالسلام : يا أبا عبد الله ، إن قبلنا أناسا سفهاء يزعمون أني
أقتلك. فقال له الحسين عليهالسلام : إنهم ليسوا سفهاء ، ولكنهم حلماء. أما إنه يقر عيني أن
لا تأكل من برّ العراق بعدي إلا قليلا.
٢١٦ ـ إخبار
الإمام علي عليهالسلام بأن عمر بن سعد يقتل ابنه الحسين عليهالسلام :
عن الأصبغ بن
نباتة ، قال : بينا أمير المؤمنين عليهالسلام يخطب الناس ، وهو يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله
لا تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلا أنبأتكم به. فقام إليه سعد بن أبي وقاص ،
فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة. فقال : أما والله
لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنك ستسألني عنها. وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي
أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابني الحسين عليهالسلام. وكان عمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه.
(أقول) : فلما كان
من أمر الحسين عليهالسلام ما كان ، تولى عمر بن سعد قتل الحسين عليهالسلام ، وكان الأمر كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام.
وفي رواية (الإرشاد)
للمفيد ص ٢٠ قال له علي عليهالسلام :
وآية ذلك مصداق ما
خبّرتك به. ولو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكن آية ذلك ما
أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون.
قال ابن سيرين :
وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالب عليهالسلام في هذا ، فإنه لقي قاتل الحسين عليهالسلام وهو شاب ، فقال : ويحك ، كيف بك إذا قمت مقاما تخير فيه
بين الجنة والنار ، فتختار النار؟
وسيرد هذا الخبر
عند الحديث عن عمر بن سعد ، الذي تولى قيادة الجيش لقتال
الحسين عليهالسلام ، وقد نصحه الحسين عليهالسلام كثيرا ، ولكن حب الدنيا أعمى قلبه.
تنبيه حول السائل : ذكر فخر الدين الطريحي في (المنتخب) ص ١٦٦ : أن الذي سأل
الإمام عليهالسلام : كم شعرة في رأسي ، هو يزيد والد خولي بن يزيد الأصبحي. ولعل
بعض الروايات تشير إلى أنه سنان بن أنس ، والله أعلم.
يقول العلامة
المجلسي في البحار ، ج ٤٤ ص ٢٥٧ : لا يخفى ما في الحديث من تسمية الرجل السائل
المتعنت بأنه سعد بن أبي وقاص ، حيث أن سعد بن أبي وقاص اعتزل عن الجماعة وامتنع
عن بيعة أمير المؤمنين عليهالسلام ، فاشترى أرضا واشتغل بها ، فلم يكن ليجيء إلى الكوفة
ويجلس إلى خطبة الإمام علي عليهالسلام. ومن جهة أخرى إن عمر بن سعد قد ولد في السنة التي مات
فيها عمر بن الخطاب وهي سنة ٢٣ ه فكان عمره حين خطب الإمام عليهالسلام هذه الخطبة بالكوفة غلاما بالغا أشرف على العشرين ، لا أنه
سخل في بيته.
ولما كان أصل
القصة مسلمة مشهورة ، عدل الشيخ المفيد في (الإرشاد) عن تسمية الرجل ، وتبعه
الطبرسي في (إعلام الورى) ص ١٨٦. ولعل الصحيح ما ذكره ابن أبي الحديد ، حيث ذكر
الخطبة في شرحه على النهج ، ج ١ ص ٢٥٣ عن كتاب (الغارات) لابن هلال الثقفي عن
زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد الباقر عليهالسلام وقال في آخره : والرجل هو سنان بن أنس النخعي.
٢١٧ ـ إخبار النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يزيد هو قاتل الحسين عليهالسلام :
أخرج الطبراني عن
معاذ بن جبل ، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. نعي إليّ الحسين عليهالسلام وأتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل
بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم
شرارهم وألبسهم شيعا (أي جماعات متفرقين).
وأخرجه ابن عساكر
عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ : يزيد ، لا بارك الله في يزيد ،
الطّعان اللعّان ، أما إنه نعي إلي حبيبي وسخلي حسين ، أتيت بتربته ورأيت قاتله.
أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه ، إلا عمّهم الله بعقاب.
وأخرج أبو يعلى عن
أبي عبيدة (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه
رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد.
وأخرج ابن أبي
شيبة وأبو يعلى والروياني والحافظ أبوبكر محمد بن اسحق ابن
خزيمة السلمي
النيسابوري والبيهقي وابن عساكر والضياء ، عن أبي ذر ، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية. وزاد الروياني :
يقال له يزيد.
٢١٨ ـ رواية أخرى
:
(معجم الطبراني ص ١٣٠ ومقتل الخوارزمي ص ١٦٠ وكنز العمال ١٣ / ١١٣ وأمالي
الشجري ص ١٦٩)
في معجم الطبراني
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أخبره قال : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أوتيت فواتح الكلام وخواتمه ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم
، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله عزوجل ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، (فإذا) أتتكم الموتة أتتكم
بالروح والراحة. كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب
رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا. رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما
دخلها.
أمسك يا معاذ واحص!.
قال : فلما بلغت خمسة ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. ثم ذرفت عيناه. ثم قال :
نعي إلي حسين ، وأوتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين
ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم
وألبسهم شيعا.
ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : واها لفراخ آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف.
أمسك يا معاذ.
فلما بلغت عشرة ، قال : الوليد اسم فرعون ، هادم شرائع الاسلام ، يبوء بدمه رجل من أهل
بيته ، يسل الله سيفه فلا غماد له ، ويختلف الناس فكانوا هكذا ، وشبك بين أصابعه.
ثم قال : وبعد
العشرين والمائة موت سريع وقتل ذريع ، فيه هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العباس.
__________________
الفصل السادس
المآتم الحسينيّة
١ ـ إقامة ذكرى
الحسين عليهالسلام والحزن عليه
ـ إقامة العزاء
على الحسين عليهالسلام
٢ ـ فضل البكاء
والحزن على الحسين عليهالسلام
٣ ـ إقامة ذكرى
الحسين عليهالسلام ومراسم الحزن يوم عاشوراء
ـ اتخاذ بني أمية
يوم عاشوراء يوم عيد وفرح
ـ أحاديث موضوعة
في فضل يوم عاشوراء وأنه عيد
ـ هل يجوز صيام
يوم عاشوراء؟
٤ ـ فلسفة المآتم
الحسينية
الفصل السادس
المآتم الحسينيّة
* مقدمة الفصل :
لا يخفى أن مصيبة
الحسين عليهالسلام الكبيرة قد أقضّت مضجع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واستحوذت عليه كل اهتمامه. فلا عجب إذا رأيناه يقيم المأتم
على الحسين عليهالسلام منذ مولده ، وفي عدة مناسبات من حياته. وعلى ذلك سار
الأئمة الأطهار ودعوا كل من شايع الحسين عليهالسلام إلى إقامة الحزن والعزاء عليه في كل مكان وزمان ، ولا سيما
يوم العاشر من المحرم ، حتّى صار شعارهم :
«كل أرض كربلا ،
وكل يوم عاشورا»
في حين كان بعض
المسلمين عمدا أو جهلا يقيمون الفرح في ذلك اليوم ، جريا على السنّة التي اختطها
لهم بنو أمية من غابر الزمان.
وسوف نتكلم في هذا
الفصل حول إقامة المآتم الحسينية ، ثم فضل الحزن والبكاء على الحسين عليهالسلام ، ثم إقامة مراسم العزاء والحزن والحداد يوم العاشر من
المحرم كل عام. ونتعرض إلى بعض خصوصيات يوم عاشوراء ، والمحاولات المغرضة لتغيير
مفهومه وصرفه عن حقيقته. ثم ننهي الفصل بفلسفة المآتم الحسينية ، وتتضمن أهداف
ذكرى الحسين عليهالسلام والفوائد التي تحققها المجالس الحسينية ، وأن هدفها ليس
فقط الحزن والبكاء ، وإنما العظة واليقظة والاعتبار ، وتبديل السلوك وتعديل المسار
، والخروج من مستنقع الخطايا والأوزار ، إلى رياض الأخيار وجنان الأبرار.
١ ـ مآتم الحسين عليهالسلام
مرت في الفصل
السابق روايات مستفيضة حول إخبار جبرئيل للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بنبأ استشهاد الحسين عليهالسلام ، ثم إخبار محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أهله وأصحابه بذلك. وكان في
تلك الأحوال يضع
الحسين الطفل في حضنه ، ويبكي بكاء شديدا ، ويقبّله من فمه ونحره ، ويشمّه ويضمه
إلى صدره ، فكانت تلك المشاهد أول المآتم المقامة على الحسين عليهالسلام في حياته وقبل مماته. وعلى هذا الهدي المحمدي سار شيعة
الحسين عليهالسلام من بعده ، يقيمون المآتم والعزاء عليه ، بعد موته
واستشهاده ، اقتداء بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومشاركة له في محنته ومصيبته.
٢١٩ ـ مأتم الحسين
عليهالسلام في دار فاطمة عليهاالسلام :
(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٢٠)
روى الخوارزمي عن
علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : زارنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فعملنا له حريرة ، وأهدت لنا أم أيمن قعبا من لبن وزبدا
وصفحة من تمر. فأكل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأكلنا معه. ثم وضّأت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقام فاستقبل القبلة ، فدعا الله ما شاء. ثم أكبّ على
الأرض بدموع غزيرة مثل المطر. فهبنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن نسأله!.
فوثب الحسين عليهالسلام فقال : يا أبتي رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله!. فقالصلىاللهعليهوآلهوسلم : يا بني إني سررت بكم اليوم سرورا لم أسرّ بكم مثله. وإن
حبيبي جبرئيل أتاني فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فدعوت الله لكم ،
وأحزنني ذلك.
فقال الحسين عليهالسلام : يا رسول الله ، فمن يزورنا على تشتّتنا ، ويتعاهد قبورنا؟.
قال : طائفة من أمتي ، يريدون برّي وصلتي. فإذا كان يوم القيامة شهدتها بالموقف ،
وأخذت بأعضادها ، فأنجيتها والله من أهواله وشدائده.
٢٢٠ ـ في دار أم
سلمة :
(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٧٦)
وروى ابن عساكر
بإسناده عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه (قال) قالت أم سلمة : كان النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم نائما في بيتي ، فجاء الحسين عليهالسلام. قالت : فقصد الباب ، فسبقته على الباب مخافة أن يدخل
فيوقظه. قالت : ثم غفلت في شيء ، فدبّ فدخل ، فقعد على بطنه.
قالت : فسمعت نحيب
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فجئت فقلت : يا رسول الله ، والله ما علمت به. فقال :
إنما جاءني جبرئيل عليهالسلام وهو على بطني قاعد ، فقال لي :
أتحبّه؟. فقلت :
نعم. قال : إن أمتك ستقتله. ألا أريك التربة التي يقتل بها؟. (قال) فقلت : بلى.
قال : فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة. قالت : فإذا في يده تربة حمراء ، وهو يبكي
ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟!.
وفي رواية أخرى
للخوارزمي : (قادتنا ـ ج ٦ ص ١٢٦)
قال : ثم أخذ
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تلك القبضة التي أتاه بها الملك ، فجعل يشمّها ويبكي ،
ويقول في بكائه : الله م لا تبارك في قاتل ولدي ، وأصله نار جهنم.
ثم دفع تلك القبضة
إلى أم سلمة ، وأخبرها بقتل الحسين عليهالسلام بشاطئ الفرات ، وقال : يا أم سلمة خذي هذه التربة إليك ،
فإنها إذا تغيرت وتحولت دما عبيطا ، فعند ذلك يقتل ولدي الحسين عليهالسلام.
إقامة العزاء على الحسين عليهالسلام
٢٢١ ـ إقامة
العزاء على الحسين عليهالسلام :
(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٣)
يقول الفاضل
الدربندي : اعلم أن من تأمل في الأخبار المروية من طرق العامة في فضل الحسن
والحسين عليهالسلام ومناقبهما ، علم أن البكاء على الحسين عليهالسلام وإقامة تعزيته في كل سنة ، بل في كل شهر ، بل في كل أسبوع
، بل في كل ليلة ، من أفضل العبادات وأشرف الطاعات والقربات. فلعنة الله على كل
متعصب من المخالفين ، الذين يأخذون يوم عاشوراء عيدا ، ويسمّون الاجتماع للعزاء
والبكاء على سيد الشهداء بدعة ، وذلك كابن حجر العسقلاني ومن مثله.
٢٢٢ ـ ثواب إقامة
العزاء على الحسين عليهالسلام :
(المنتخب للطريحي ، ص ٢٨ ط ٢)
روي أنه لما أخبر
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين عليهالسلام وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمة عليهالسلام بكاء شديدا ، وقالت : يا أبتي متى يكون ذلك؟. قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : في زمان خال مني ومنك ومن علي عليهالسلام. فاشتد بكاؤها ، وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه؟. ومن يلتزم
بإقامة العزاء له؟. فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ،
ورجالهم يبكون على رجال
أهل بيتي ،
ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة. فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء ،
وأنا أشفع للرجال. وكل من بكى على مصاب الحسين عليهالسلام أخذنا بيده وأدخلناه الجنة.
يا فاطمة ، كل عين
باكية يوم القيامة ، إلا عين بكت على مصاب الحسين عليهالسلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة.
٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسين عليهالسلام
٢٢٣ ـ البكاء على
أمناء الرحمن :
(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)
يقول فخر الدين
الطريحي : فيا إخواني ، كيف لا نبكي على أمناء الرحمن ، وسادات أهل الزمان؟. وكيف
لا نجدد النوح والأحزان ، في كل آن ومكان؟. على الشهيد العطشان ، النائي عن الأهل
والأوطان ، المدفون بلا غسل ولا أكفان؟. فعلى الأطائب من أهل بيت الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم تذرف
الدموع من العيون.
٢٢٤ ـ فضيلة
البكاء من خشية الله :
(أخبار الدول للقرماني ص ١١١)
قال الإمام محمّد
الباقر عليهالسلام : ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله ، إلا وحرّم الله عزوجل وجه صاحبها على النار. فإن سالت على الخدين دموعه ، لم
يرهق وجهه قتر ولا ذلّة. وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة ، فإن الله تعالى
يكفّر بها بحور الخطايا. ولو أن باكيا بكى في أمة ، لحرّم الله تلك الأمّة على
النار.
(أقول) : ومن هذا
القبيل بكاء المؤمن على الإمام الحسين عليهالسلام.
٢٢٥ ـ البكاء من
خوف الله وخشيته :
(أسرار الشهادة ، ص ٤٨)
يقول الفاضل
الدربندي : ومنها أن البيت المبني من الطين إذا انهدم أمكن إصلاحه بقرب من الماء ،
فكذلك الإنسان المخلوق أصله من الطين ، إذا فسد أمره بارتكاب المعصية ، أمكنه
تداركه بإرسال العبرات على الحسرات. كما قال أمير
المؤمنين ، وسيد
الموحدين ، وتاج رؤوس البكّائين عليهالسلام : أمحوا المثبّتات من العثرات بالمرسلات من العبرات.
٢٢٦ ـ البكاء على
الحسين عليهالسلام هو من خشية الله :
(المصدر السابق ، ص ٤٩)
ويقول الفاضل
الدربندي : واعلم أن البكاء على مصاب أهل بيت الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا سيما على مصاب سيد الشهداء روحي له الفداء ، ليس أمرا
مغايرا للبكاء من خوف الله تعالى. حتّى يتمشّى سؤال : أهل البكاء من خوف الله
تعالى أفضل ، أم البكاء على سيد الشهداء عليهالسلام؟. بل إن البكاء عليه هو البكاء في محبة الله ، والبكاء
المنبعث عن التقرب إلى الله.
٢٢٧ ـ البكاء من
خوف الله قسمان :
(المصدر السابق)
ثم يقول الفاضل
الدربندي : فإن شئت أن توضّح المطلب في غاية الإيضاح فقل : إن البكاء من خوف الله
تعالى ينحلّ إلى نوعين وينقسم إلى قسمين :
الأول : أن يكون
منشأ البكاء معاصي الإنسان ، وتذكّره لحالة الاحتضار وأهوال البرزخ والمحشر
والعقوبات التي يستحقها. فهذا البكاء وإن كان يطلق عليه أيضا أنه بكاء من خوف الله
وقسم منه ، إلا أنه في الحقيقة يرجع إلى بكائه على نفسه وعلى ذنبه.
الثاني : أن يكون
ذلك البكاء في مقام محبة الله تعالى ، وملاحظة عظمة صفاته وكبريائه وجبروته ، وفي
مقام التفكر في التقصير في عبادته. وهذا في مقام ذوق حلاوة مناجاته ومحبته التي
انبعثت عنها المحبة والموالاة لأوليائه وحججه ، فلا يلاحظ في هذا القسم أصلا رجاء
الثواب ولا الخوف من العقاب. فلا شك أن هذا القسم من البكاء هو أفضل من القسم
الأول. ومما لا شك فيه أن البكاء على مصاب آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من هذا القسم ، إذ قد عرفت أن المحبة والموالاة لهم مما
يرجع إلى محبة الله وموالاته. ويتضح هذا المطلب عند الفطن المتدبر ، إذا لا حظ عوم
الأئمة الطاهرين ، وسباحة حجج الله المعصومين ، في بحار البلايا وقواميس المصائب ،
لأجل محبة الله تعالى.
شرح : القواميس :
جمع قاموس ، وهو البحر العظيم.
٢٢٨ ـ ثواب البكاء
عامة على الحسين ومصيبة سائر الأئمة عليهالسلام :
(الخصال الأربعمائة ٢ / ٦٣٥ والبحار ٤٤ / ٢٨٧)
قال أمير المؤمنين
عليهالسلام : إن الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار
لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم
فينا ، أولئك منا وإلينا.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كل عين باكية إلا عين بكت على مصاب الحسين عليهالسلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة».
وقال الإمام الرضا
عليهالسلام للريان بن شبيب : إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى
من الجنان ، فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا. فلو أن رجلا تولّى
حجرا حشره الله معه يوم القيامة.
وقال الإمام علي عليهالسلام : كل عين يوم القيامة باكية ، وكل عين يوم القيامة ساهرة ،
إلا عين من اختصه الله بكرامته ، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. (راجع مقتل العوالم ص ٥٢٥).
٢٢٩ ـ من قطرت
عينه قطرة على الحسين عليهالسلام :
(مجالس المفيد ، ص ٣٤٠ وأمالي الطوسي ١ / ١١٦ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)
عن الإمام الحسين عليهالسلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة ، أو دمعت عيناه
فينا دمعة ، إلا بوّأه الله تعالى بها في الجنة (غرفا يسكنها) حقبا. (وفي رواية) :
أحقابا أحقابا.
شرح : الحقبة من
الدهر : مدة لا وقت لها ، جمعها : حقب. وهي كناية عن الدوام.
٢٣٠ ـ فضيلة
البكاء على الحسين عليهالسلام :
(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٥٢٦)
في (تفسير علي بن
إبراهيم) عن الإمام محمّد الباقر عليهالسلام قال : كان علي ابن الحسين عليهالسلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهالسلام دمعة ، حتّى تسيل على خده ، بوّأه الله بها في الجنة غرفا
يسكنها أحقابا. وأيما مؤمن دمعت عيناه (دمعا) حتّى يسيل دمعه على خده ، لأذى مسّنا
من عدونا في الدنيا ، بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنة. وأيما مؤمن مسّه أذى فينا ،
فدمعت عيناه حتّى يسيل
دمعه على خديه ،
من مضاضة ما أوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه
والنار.
٢٣١ ـ البكاء على
الحسين عليهالسلام يحطّ الذنوب :
(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٨٢)
عن أبي عبد الله
الصادق عليهالسلام قال لفضيل : تجلسون وتتحدثون؟. قال : نعم جعلت فداك. قال :
إن تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا يا فضيل ، فرحم الله من أحيا أمرنا.
يا فضيل ، من
ذكرنا أو ذكرنا عنده ، فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه ، ولو
كانت أكثر من زبد البحر.
٢٣٢ ـ حديث : نفس
المهموم لظلمنا تسبيح :
(مجالس المفيد ، ص ٣٣٨ وأمالي الطوسي ١ / ١١٥ والبحار ٤٤ / ٢٧٨)
عن أبان بن تغلب ،
عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمهّ لنا عبادة ،
وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله.
ثم قال عليهالسلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.
٢٣٣ ـ حديث : من
دمعت عينه فينا دمعة :
(مجالس المفيد ، ص ١٧٤ وأمالي الطوسي ١ / ٩٧ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)
عن محمّد بن أبي
عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمّد عليهالسلام يقول : من دمعت عينه فينا دمعة ، لدم سفك لنا ، أو حقّ لنا
أنقصناه ، أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا ، بوّأه الله تعالى بها في الجنة
حقبا.
٢٣٤ ـ حديث : من
ذكرنا عنده :
(كامل الزيارات ، ص ١٠٤ والبحار ٤٤ / ٢٨٥)
عن فضيل بن فضالة
، عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ، حرّم الله وجهه على
النار.
وروي عن الصادق عليهالسلام قال : لكل سرّ ثواب ، إلا الدمعة فينا.
٢٣٥ ـ حديث الإمام
الصادق عليهالسلام لمسمع كردين :
(كامل الزيارات ، ص ١٠١ والبحار ٤٤ / ٢٨٩)
سأل الإمام الصادق
عليهالسلام مسمع كردين ، وهو من أهل العراق : هل يبكي على الحسين عليهالسلام؟ فقال : بلى ...
قال : ثم استعبر
واستعبرت معه. فقال عليهالسلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصّنا أهل
البيت بالرحمة.
يا مسمع ، إن
الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا. وما بكى لنا من الملائكة
أكثر. وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا. وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا ، إلا رحمهالله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه. فإذا سالت دموعه على خده غفر
الله ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر. فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم ، لأطفأت
حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ. وإن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته ، فرحة
لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض. وإن الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا
ورد عليه ، حتّى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.
٢٣٦ ـ حديث : من
تذكر مصابنا وبكى :
(أمالي الصدوق ، ص ٦٨ وبحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨)
قال الإمام الرضا عليهالسلام : من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منا ، كان معنا في
درجاتنا يوم القيامة. ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون.
ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
٢٣٧ ـ الحسين عليهالسلام قتيل العبرة :
(أمالي الطوسي ، ص ١٢١)
عن الإمام الصادق عليهالسلام (قال) قال الحسين
بن علي عليهالسلام : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا
يأتيني مكروب قط ، إلا ردّه الله وأقلبه إلى أهله مسرورا.
وعن الحسين عليهالسلام قال : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.
٢٣٨ ـ البكاء على
الحسين عليهالسلام :
(ثورة الحسين في الوجدان الشعبي لمحمد مهدي شمس الدين ص ٣١٩)
روى أبو حمزة
الثّمالي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنه قال : إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ، ما
خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهالسلام فإنه فيه مأجور.
ويبدو أن السرّ في
مشروعية هذا البكاء وهذا الجزع ، مع كراهة ما عداه وتحريم بعض أفراده ، هو أن هذا
البكاء والجزع ليس أمرا شخصيا يتعلق بعاطفة بشرية تتفجر بالأسف على ما فات ، وإنما
هو حزن على قضية دينية عامة ، تتمثل بالإمام الحسين عليهالسلام وثورته. فالحزن هنا ليس موقفا عاطفيا ، وإنما هو موقف
مبدئي يعبّر المؤمن فيه عن التحامه به واعتناقه له ، بهذا التعبير العاطفي.
ولنعم من قال :
تبكيك عيني لا
لأجل مثوبة
|
|
لكنما عيني
لأجلك باكيه
|
تبتلّ منكم
كربلا بدم ولا
|
|
تبتلّ مني
بالدموع الجاريه
|
أنست رزيّتكم
رزايانا التي
|
|
سلفت وهوّنت
الرزايا الآتيه
|
وفجائع الأيام
تبقى مدة
|
|
وتزول ، وهي إلى
القيامة باقيه
|
٣ ـ إقامة ذكرى الحسين عليهالسلام ومراسم الحزن
يوم عاشوراء
٢٣٩ ـ إقامة ذكرى
الحسين عليهالسلام والحزن عليه :
(المجالس السنيّة للسيد محسن الأمين ، ج ١ ص ٣ و ٤ ط ٣)
يقول العلامة
المجتهد السيد محسن الأمين عليه الرحمة والرضوان :
لا يخفى أنه قد
قضى العقل والدين باحترام عظماء الرجال أحياء وأمواتا ، وتجديد الذكرى لمن بذل
نفسه في أسمى المقاصد وأنفع الغايات. وجرت على ذلك جميع الأمم في كل عصر وزمان.
وإن سيدنا ومولانا
الإمام ابن الإمام أخا الإمام أبا الأئمة ، الحسين الشيهد ابن أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب عليهالسلام ، أحد ريحانتي الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وسبطيه وخليفته في أمته ، من أعاظم رجال الإسلام ، بل من
أعاظم رجال الكون. فقد جمع
إلى شريف نسبه
وكريم عنصره ، وبنوّته لسيد الأنبياء ولسيد الأوصياء وللبضعة الزهراء سيدة النساء
صلوات الله عليهم ، أكرم الصفات وأحسن الأخلاق وأعظم الأفعال وأجلّ الفضائل
والمناقب ، وقام بما لم يسمع بمثله قبله ولا بعده ، من بذل نفسه وماله وآله في
سبيل إحياء الدين وإظهار فضائح المنافقين. وأظهر من إباء الضيم وعزة النفس
والشجاعة والبسالة والصبر والثبات ما بهر العقول.
ومصيبته وكيفية
شهادته عليهالسلام من أفظع ما صدر في الكون ، مع أنه ابن بنت النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي لم يكن على وجه الأرض ابن بنت غيره.
وقد حزن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وبكى لتلك المصيبة قبل وقوعها ، وكذلك آله الأئمة الأطهار عليهمالسلام كانت سيرتهم تجديد الأحزان لذكرى تلك الفاجعة الأليمة ،
حتّى قال الإمام الرضا عليهالسلام : كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا ، وكانت الكآبة
تغلب عليه ، حتّى تمضي عشرة أيام منه ، فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم
مصيبته وحزنه.
وقد ندبوا عليهمالسلام إلى ما ندب إليه العقل ، في حق كل محبّ مع حبيبه ، من
الفرح لفرحهم والحزن لحزنهم. واقتدى بهم في ذلك شيعتهم وأولياؤهم ، فجدّدوا ذكرى
مصيبة الحسين عليهالسلام وكيفية شهادته ، التي تكاد أن تفتّت الصخور ، فضلا عن
الأكباد والقلوب ، لا سيما في عشرة المحرم التي وقعت فيها تلك المصائب الفادحة.
٢٤٠ ـ حرمة الجرح
واللطم المؤذي :
(المصدر السابق)
إلى أن يقول رحمهالله : كما أن ما يفعله جملة من الناس ، من جرح أنفسهم بالسيوف
أو اللطم المؤدي إلى إيذاء البدن ، إنما هو من تسويلات الشيطان وتزيينه بسوء
الأفعال ، فذلك مما يغضب الحسين عليهالسلام ويبعد عنه ، لا
مما يقرّب إليه.
فهو عليهالسلام قد قتل في سبيل الإحياء لدين جده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذه الأعمال مما نهى عنها دين جده ، فكيف يرضى بها ،
وتكون مقرّبة إليه تعالى ، والله تعالى لا يطاع من حيث يعصى ...
وهكذا ما يجري من
التمثيل والتشبيه للوقعة ، فإنه في نفسه مشتمل على كثير من المحرّمات ، وموجب لهتك
الحرمة ، وفتح باب القدح للذين يحاولونه بما استطاعوا ، فيكون منهيّا عنه بقوله :
ولا تكونوا شينا علينا.
٢٤١ ـ إظهار الحزن
والمصيبة يوم العاشر من المحرم :
(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٣٩)
عن المفيد في (مسارّ
الشيعة) قال : وفي العاشر من المحرم قتل الحسين عليهالسلام ، وجاءت الرواية عن الإمام الصادق عليهالسلام باجتناب الملاذّ فيه ، وإقامة سنن المصائب ، والإمساك عن
الطعام والشراب إلى أن تزول الشمس ، والتغدّي بعد ذلك بما يتغدّى به أصحاب المصائب
كالألبان وما أشبهها ، دون اللذيذ من الطعام والشراب.
٢٤٢ ـ إقامة
الذكرى والحزن على الحسين عليهالسلام :
(الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٨)
روى الصدوق مسندا
إلى الرضا عليهالسلام قال : كان أبي صلوات الله عليه وآله ، إذا دخل شهر المحرم
لا يرى ضاحكا ، وكانت الكآبة تغلبه حتّى تمضي منه عشرة أيام. فإذا كان يوم العاشر
، كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، وكان يقول هذا اليوم الّذي قتل فيه الحسين
عليهالسلام.
يقول السيد نعمة
الله الجزائري : يظهر من هذا الخبر ومما روي بمعناه ، أن ما يفعله عوامنا في عشرة
أيام المحرم ، من اجتناب أكثر الملاذّ والتشبه بأهل المصيبة ، في المأكل والملبس
ودخول الحمام ، وترك حلق الرأس وغير ذلك ، ليس هو بدعة ، بل هو ثواب جزيل ،
واشتراك لأهل البيت عليهالسلام في مصابهم.
٢٤٣ ـ حديث الإمام
الرضا عليهالسلام لابن شبيب عن يوم العاشر من المحرّم :
(أمالي الصدوق ، ص ١١٢ ط بيروت)
عن الريان بن شبيب
، قال : دخلت على الإمام الرضا عليهالسلام في أول يوم من المحرم ، فقال لي : يابن شبيب أصائم أنت؟.
فقلت : لا. فقال : إن هذا اليوم هو اليوم الّذي دعا فيه زكريا عليهالسلام ربه عزوجل ، فقال : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (٣٨) [آل عمران :
٣٨] فاستجاب الله له ، وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في المحراب (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) [آل عمران : ٣٩].
فمن صام هذا اليوم ، ثم دعا الله عزوجل ، استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليهالسلام.
ـ حرمة شهر المحرم
:
ثم قال عليهالسلام : يابن شبيب ، إن المحرّم هو الشّهر الّذي كان أهل
الجاهلية فيما
مضى يحرّمون فيه
الظلم والقتال لحرمته ، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ، ولا حرمة نبيّها صلىاللهعليهوآلهوسلم. لقد قتلوا في هذا الشّهر ذريته ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا
ثقله ، فلا غفر الله لهم ذلك أبدا.
يابن شبيب ، إن
كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فإنه ذبح كما يذبح الكبش ، وقتل معه من أهل بيته ثمانية
عشر رجلا ، ما لهم في الأرض شبيهون. ولقد بكت السموات السبع والأرضون لقتله. ولقد
نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره ، فوجدوه قد قتل ، فهم عند قبره شعث
غبر إلى أن يقوم القائم ، فيكونون من أنصاره ، وشعارهم : يا لثارات الحسين عليهالسلام.
يابن شبيب ، لقد
حدثني أبي عن أبيه عن جده عليهالسلام أنه لما قتل جدي الحسين عليهالسلام مطرت السماء دما وترابا أحمر.
يابن شبيب ، إن
بكيت على الحسين عليهالسلام حتّى تصير دموعك على خديك ، غفر الله كل ذنب أذنبته ،
صغيرا كان أو كبيرا ، قليلا كان أو كثيرا.
يابن شبيب ، إن
سرّك أن تلقى الله عزوجل ولا ذنب عليك ، فزر الحسين عليهالسلام.
يابن شبيب ، إن
سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وآله ، فالعن قتلة الحسين عليهالسلام.
يابن شبيب ، إن
سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسينعليهالسلام فقل متى ما ذكرته : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.
يابن شبيب ، إن
سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان ، فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا ،
وعليك بولايتنا ، فلو أن رجلا تولّى حجرا لحشره الله معه يوم القيامة.
٢٤٤ ـ حرمة الشهر
الحرام ، واستحلال دماء أهل البيت عليهمالسلام فيه :
(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)
عن الإمام علي
الرضا عليهالسلام قال : إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون القتال فيه
، فاستحلت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبيت فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت
النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا
... إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذلّ عزيزنا. أرض كرب
وبلاء ، أورثتنا
الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء .. فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء
عليه يحطّ الذنوب العظام.
٢٤٥ ـ الحزن يوم
عاشوراء سنّة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١٥٠)
من السنّة النبوية
إظهار الحزن يوم عاشوراء والبكاء فيه لمصرع أبي عبد الله الحسينعليهالسلام ، وذلك لأمرين :
أولا : لأن في ذلك
مواساة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي لو كان حيا لتقبّل من المؤمنين التعازي لمقتل سبطه
وريحانته من الدنيا الحسين بن فاطمة عليهالسلام. وكما قال الشريف الرضي :
لو رسول الله
يحيا بعده
|
|
جلس اليوم لديه
للعزا
|
بل لو بعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلي وفاطمة والحسن عليهمالسلام ، لقعدوا لعزائه والحزن عليه ، وبكوه باللوعة والأسى
والدموع والحسرات :
ميّت تبكي له
فاطمة
|
|
وأبوها وعليّ ذو
العلا
|
ولقد ثبت أن النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم لما أخبره جبرئيل بمقتل الحسين عليهالسلام حزن عليه وجزع ، وأقام المأتم من أجله في مجمع أصحابه ،
وبكى عليه الصحابة.
ثانيا : وقد ثبت
عن أئمة أهل البيت النبوي ، وهم قدوة المسلمين وأسوتهم ، أنهم أقاموا المآتم في
مثل هذا اليوم ، بل في كل وقت. وحزنوا وبكوا لهذه الفاجعة ، وحثّوا أتباعهم على
ذلك.
فحري بنا الاقتداء
بهم والسير على منوالهم ، لأنهم سفينة نوح من ركبها نجا ، وباب حطّة من دخله كان
آمنا ، وأحد الثّقلين من تمسّك بهم لم يضل أبدا.
وكيف لا يحزن
المؤمن على إمام الدين وعلم اليقين وقدوة المسلمين ، الّذي قدّم نفسه قربانا للدين
، ودفاعا عن الإسلام والمسلمين ، وحفاظا على الفضيلة واليقين. إذ لو لا تضحية
الحسين عليهالسلام لا نمحت آثار الدين ، وتقوّضت أعمدة اليقين ، واندثرت
معالم الإسلام المبين. فكل مسلم اليوم مدين له بالحق والإكرام ، إذ لولاه ما بقي
مسلم ولا إسلام.
اتخاذ بني أميّة يوم عاشوراء يوم عيد وفرح
٢٤٦ ـ اتخاذ يوم
عاشوراء يوم عيد وفرح سنّة أموية :
(المصدر السابق ، ص ١٥١)
يقول العلامة
الأكبر السيد محسن الأمين :
أما اتخاذ يوم
عاشوراء يوم عيد وفرح وسرور ، وإجراء مراسم الأعياد فيه ، من طبخ الحبوب وشراء
الألبان ، والاكتحال والزينة ، والتوسعة على العيال ، فهي سنّة أموية حجّاجية ، لا
يرضاها الله ولا رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وهي من أقبح البدع وأشنعها.
وقد اختلق بعض
علماء السوء وأعوان الظلمة شيئا من الأحاديث في فضل يوم عاشوراء ، وذلك في عهد
الملك العضوض ، عداوة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته ، ومراغمة لشيعتهم ومحبيهم ، وتبعهم من تبعهم
غفلة عن حقيقة الحال. وكيف يرضى المسلم لنفسه أن يفرح في يوم قتل فيه ابن بنت نبيه
، وفي يوم يحزن فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته.
ولم يكن جعل يوم
عاشوراء عيدا معروفا في الديار المصرية إلا بدعة باطلة ، أول من أدخلها صلاح الدين
الأيوبي ، كما حكاه المقريزي في خططه. والظاهر أن الباعث عليه كان أمرا سياسيا ،
وهو مراغمة العلويين الذين سلبهم صلاح الدين ملكهم ، فقصد إلى محو كل أثر لهم.
٢٤٧ ـ احتفال بني
أمية بالأفراح يوم عاشوراء :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٢٦)
في (نفس المهموم)
عن أبي الريحان البيروني في (الآثار الباقية) قال : وكانوا يعظّمون هذا اليوم (أي
يوم عاشوراء) إلى أن اتفق فيه قتل الحسين بن علي عليهالسلام وفعل به وبهم ما لم يفعل في جميع الأمم بأشرار الخلق ؛ من
القتل بالعطش والسيف والاحراق وصلب الرؤوس وإجراء الخيول على الأجساد ، فتشاءموا
به. فأما بنو أمية فقد لبسوا فيه ما تجددوا وتزينوا واكتحلوا وعيّدوا ، وأقاموا
الولائم والضيافات وطعموا الحلاوات. وجرى الرسم في العامة على ذلك ، في أيام ملكهم
، وبقي فيهم بعد زواله عنهم.
وأما الشيعة فإنهم
ينوحون ويبكون أسفا لقتل سيد الشهداء عليهالسلام فيه ، ويظهرون ذلك بمدينة السلام (أي بغداد) وأمثالها من
المدن والبلاد ، ويزورون فيه التربة المسعودة بكربلاء. ولذلك كره فيه الشيعة تجديد
الأواني والأثاث.
٢٤٨ ـ المحبة
الزائفة والتناقض العجيب ، صفة متعصّبي السنة :
(كتاب «التعجب» بذيل كنز الفوائد للكراجكي ، ص ٣٤٨)
يقول الكراجكي :
ومن عجيب أمرهم دعواهم محبة أهل البيت عليهمالسلام مع ما يفعلون يوم المصاب بالحسين عليهالسلام من المواظبة على البر والصدقة والمحافظة على البذل والنفقة
، والتبرك بشراء ملح السنة ، والتفاخر بالملابس المنتخبة ، والمظاهرة بتطيّب
الأبدان ، والمجاهرة بمصافحة الإخوان ، والتوفر على المزاورة والدعوات. واعتذارهم
بأنه يوم ليس كالأيام ، وأنه مخصوص بالمناقب العظام. ويدّعون أن الله عزوجل تاب فيه على آدم عليهالسلام ، فكيف وجب أن يقضى فيه حق آدم فيتخذ عيدا ، ولم يجز أن
يقضى حق سيد الأولين والآخرين محمّد خاتم النبيين صلىاللهعليهوآلهوسلم في مصابه بسبطه وولده وريحانته وقرة عينه ، وبأهله الذين
أصيبوا ، وحريمه الذين سبوا وهتكوا!.
ويحكى أن رجلا قال
للإمام زين العابدين عليهالسلام : إنا لنحبّكم أهل البيت. فقالعليهالسلام : أنتم تحبّون حبّ السّنّورة (أي القطة) ، من شدة حبّها
لولدها تأكله!.
٢٤٩ ـ أهل الشام
يطبخون الحبوب ويتخذون يوم عاشوراء عيدا لهم :
(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢١٩)
يقول ابن كثير :
وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء ، النواصب من أهل الشام ، فكانوا إلى يوم
عاشوراء يطبخون الحبوب ، ويغتسلون ويتطيّبون ويلبسون أفخر ثيابهم ، ويتخذون ذلك
اليوم عيدا ، يصنعون فيه أنواع الأطعمة ، ويظهرون السرور والفرح ، يريدون بذلك
عناد الروافض ومعاكستهم.
(أقول) : وبعد أن
يعترف ابن كثير بما سبق ، يردّ ردّا شديدا على الذين يقيمون ذكرى مقتل الحسين عليهالسلام ، وذلك لتعصبه الشديد الّذي فاق تعصّب أهل الشام. ويحضرني
في هذا المقام أن أذكر أبيات مهذب الدين أحمد بن منير الطرابلسي في قصيدته (التترية)
حيث يقول :
وحلقت في عشر
المحرّ
|
|
م ما استطال من
الشّعر
|
ونويت صوم نهاره
|
|
وصيام أيام أخر
|
ولبست فيه أجلّ
ثو
|
|
ب للملابس يدّخر
|
وسهرت في طبخ
الحبو
|
|
ب من العشاء إلى
السّحر
|
وغدوت مكتحلا
أصا
|
|
فح من لقيت من
البشر
|
ووقفت في وسط
الطري
|
|
ق أقصّ شارب من
عبر
|
٢٤٩ ـ الاكتحال على الحسين عليهالسلام : (ذيل الروضتين لابي شامة ، ص ١١)
في سنة ٥٩٣ ه
توفي أحمد بن عيسى الهاشمي والد الواثق بالله ، ويعرف بابن الغريق. وكان شاعرا
فاضلا ، فمن شعره ما اعتذر به عن الاكتحال يوم عاشوراء ، قال :
لم أكتحل في
صباح يوم
|
|
أريق فيه دم
الحسين
|
إلا لحزني وذاك
أني
|
|
سوّدت حتّى بياض
عيني
|
٢٥٠ ـ تحويل بني أمية يوم عاشوراء إلى
يوم بركة :
(علل الشرائع للشيخ الصدوق ، ج ١ ص ٢٢٦)
قال عبد الله بن
الفضل الهاشمي : فقلت للصادق عليهالسلام : يابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فكيف سمّت العامة يوم عاشوراء يوم بركة؟. فبكى عليهالسلام ثم قال : لما قتل الحسين عليهالسلام تقرّب الناس بالشام إلى يزيد ، فوضعوا له الأخبار وأخذوا
عليه الجوائز من الأموال. فكان مما وضعوا له أمر هذا اليوم ، وأنه يوم بركة ،
ليعدل الناس فيه من الجزع والبكاء والمصيبة والحزن إلى الفرح والسرور والتبرك والاستعداد
فيه. حكم الله فيما بيننا وبينهم.
أحاديث موضوعة في فضل يوم عاشوراء
٢٥١ ـ جملة من
الأحاديث الموضوعة في فضل يوم عاشوراء :
روى الخوارزمي في
مقتله (ج ٢ ص ١ ـ ٤ ط نجف) جملة من الأحاديث التي لا يبعد أن يكون الأمويون قد
وضعوها حسب مخططهم في تزييف الحقائق وصرف الناس عن جريمتهم المنكرة في كربلاء.
ونحن نسوقها مع تعليق الرواة عليها.
ـ فضائل يوم
عاشوراء : (مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١ و ٢ ط نجف)
روى شيخ السنّة
أبوبكر أحمد بن الحسين البيهقي ، عن ابن عباس (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من صام يوم عاشوراء كتبت له عبادة ستين سنة بصيامها
وقيامها. ومن صام يوم عاشوراء كتب له أجر سبع سموات ، ومن أفطر عنده مؤمنا يوم
عاشوراء فكأنما أفطر عنده جميع أمة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومن أشبع جائعا يوم عاشوراء رفعت له بكل شعرة من رأسه
درجة في الجنة. فقال عمر : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لقد فضّلنا الله عزوجل في يوم عاشوراء؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : نعم ، خلق الله السموات في يوم عاشوراء ، وخلق الكرسي
فيه ، وخلق الجبال فيه ، والنجوم كمثله ، وخلق القلم فيه ، واللوح كمثله ، وخلق
جبرئيلعليهالسلام فيه ، وخلق الملائكة كمثله ، وخلق آدم فيه ، وحواء كمثله ،
وخلق الجنة فيه ، وأسكن آدم الجنة فيه ، وولد إبراهيم خليل الرحمن في يوم عاشوراء
، ونجّاه الله من النار فيه ، وفداه فيه ، وأغرق فرعون فيه ، ورفع إدريس فيه ،
وكشف الله الكرب عن أيوب فيه ، ورفع عيسى بن مريم فيه ، وولد فيه ، وتاب الله على
آدم فيه ، وغفر ذنب داود فيه ، وأعطي سليمان ملكه فيه ، وولد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه ، واستوى الرب على العرش فيه ، وتقوم القيامة في يوم
عاشوراء.
قال شيخ السنة
أبوبكر البيهقي : هذا حديث منكر ، وإسناده ضعيف ، وفي متنه ما لا يستقيم ، وهو ما
روي فيه من خلق السموات والأرضين والجبال كلها في يوم عاشوراء ، والله يقول : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ٥٤]. ومن المحال أن تكون هذه الستة كلها في يوم
عاشوراء. فدل ذلك على ضعف هذا الخبر ، والله أعلم.
(أقول) : وقد روي
فيه ولادة نبينا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم عاشوراء ، وهذا لم يثبت أبدا ، إذ المجمع عليه ولادته صلىاللهعليهوآلهوسلم في ربيع الأول.
ولا يبعد أن يكون
بنو أمية قد وضعوا مثل هذه الأحاديث ، ليصرفوا الناس عن الحزن في يوم عاشوراء
لمصاب الحسين عليهالسلام. أما ما جاء في أول الحديث من استحباب الصوم فيه ، فإن
الصوم عندنا في يوم العاشر غير مستحب ، لكن يستحب الإمساك فيه إلى الظهر تأسّيا
بجوع الحسين عليهالسلام وعطشه ، ثم الإفطار على زاد الحسين عليهالسلام كما سترى.
ـ عدم صحة أحاديث
فضل يوم عاشوراء :
(أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب لحوت البيروتي ، ص ٢٧٧)
وأما غير ذلك مما
اشتهر فعله في يوم عاشوراء ، كالاكتحال والتزيّن باللباس وغيره ، وزيارة العلماء
والإخوان ونحو ذلك من الأمور الحسنة ، فلم يصحّ منها شيء ، بل هي من وضع قتلة
الحسين عليهالسلام اتخذوه عيدا ، كما اتخذه الروافض يوم حزن.
وكذا ما يذكر في
كتب الترغيب ، أن آدم تاب الله عليه يوم عاشوراء ، ونوحا نجّاه الله يوم عاشوراء ،
وإبراهيم نجاه الله من النار يوم عاشوراء ، وأيوب عافاه الله يوم عاشوراء ، ويونس
أخرجه الله من بطن الحوت يوم عاشوراء ، ويعقوب اجتمع بيوسف يوم عاشوراء ، والتوراة
نزلت يوم عاشوراء ، وما أشبه ذلك من الأخلاط ؛ فكله كذب لا أصل له.
٢٥٢ ـ إخبار ميثم
التمّار بشهادة الحسين عليهالسلام في عشر المحرم ، ومن يتخذه يوم بركة :
(أمالي الصدوق ، ص ١١٠ ط بيروت)
حدثنا الشيخ
الفقيه أبو جعفر الصدوق ، قال : حدثنا ... عن جبلة المكية ، قالت : سمعت الميثم
التمار يقول : والله لتقتلنّ هذه الأمة ابن نبيّها في المحرم ، لعشر مضين منه ،
وليتخذنّ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة. وإن ذلك لكائن ، قد سبق في علم الله
تعالى ذكره. أعلم ذلك بعهد عهده إليّ مولاي أمير المؤمنين عليهالسلام. ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كل شيء ، حتّى الوحوش في
الفلوات ، والحيتان في البحار ، والطير في جوّ السماء. وتبكي عليه الشمس والقمر
والنجوم والسماء والأرض ، ومؤمنو الإنس والجن ، وجميع ملائكة السموات ، ورضوان
ومالك وحملة العرش. وتمطر السماء دما ورمادا.
ثم قال عليهالسلام : وجبت لعنة الله على قتلة الحسين عليهالسلام كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر ،
وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس.
ـ أخبار مكذوبة :
قالت جبلة : فقلت
له : يا ميثم ، وكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الّذي يقتل فيه
الحسين بن علي عليهماالسلام يوم بركة؟. فبكى ميثم ، ثم قال : سيزعمون بحديث يضعونه أنه
اليوم الذي تاب الله فيه على آدم عليهالسلام ، وإنما تاب الله على آدم في ذي الحجة. ويزعمون أنه اليوم
الّذي قبل الله فيه توبة داود عليهالسلام ، وإنما قبل الله توبته في ذي الحجة. ويزعمون أنه اليوم
الّذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت ، وإنما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي
القعدة. ويزعمون أنه اليوم الّذي استوت فيه سفينة نوح عليهالسلام على الجوديّ ، وإنما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من
ذي الحجة. ويزعمون أنه اليوم الّذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل ، وإنما كان
ذلك في شهر ربيع الأول.
ثم قال ميثم : يا
جبلة ، اعلمي أن الحسين بن علي عليهماالسلام سيد الشهداء يوم القيامة ، ولأصحابه على سائر الشهداء
درجة.
يا جبلة ، إذا
نظرت إلى الشمس حمراء كأنها دم عبيط ، فاعلمي أن سيدك الحسينعليهالسلام قد قتل.
قالت جبلة : فخرجت
ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة ، فصحت حينئذ وبكيت ،
وقلت : قد والله قتل سيدنا الحسين بن عليعليهماالسلام.
صيام يوم عاشوراء
٢٥٣ ـ هل يجوز
صيام يوم عاشوراء؟ :
(البحار ، ج ٤٥ ص ٩٤ ط ٣)
في (الكافي)
للكليني حدثنا جعفر بن عيسى ، قال : سألت الرضا عليهالسلام عن صوم عاشورا ، وما يقول الناس فيه؟ فقال : عن صوم ابن
مرجانة تسألني؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليهالسلام. وهو يوم يتشاءم به آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ويتشاءم به أهل الإسلام. واليوم الّذي يتشاءم به أهل
الإسلام لا يصام ولا يتبرك به.
٢٥٤ ـ هل يصام يوم
تاسوعاء ويوم عاشوراء؟ :
(الكافي للكليني : باب صوم عرفة وعاشوراء)
عن أبان عن عبد
الملك ، قال : سألت الإمام الصادق عليهالسلام عن صوم تاسوعا
وعاشورا من شهر
المحرم؟ فقال : تاسوعا يوم حوصر فيه الحسين عليهالسلام وأصحابه بكربلا ...
ثم قال عليهالسلام : وأما يوم عاشورا فيوم أصيب فيه الحسين عليهالسلام صريعا بين أصحابه ، وأصحابه حوله صرعى عراة. أفصوم يكون في
ذلك اليوم؟. كلا ورب البيت ما هو يوم صوم ، وما هو إلا يوم حزن ومصيبة ، دخلت على
أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين. ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل
الشام ، غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم (يقصد الذين يقلدونهم في ذلك الفرح أو
يوافقونهم على عملهم ولا يستنكرونه). وذلك يوم بكت [فيه] جميع بقاع الأرض خلا بقعة
الشام. فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ، ممسوخ القلب مسخوطا عليه. ومن
ادّخر إلى منزله ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقا في قلبه إلى يوم يلقاه ، وانتزع
البركة عنه وعن أهل بيته وولده ، وشاركه الشيطان في جميع ذلك.
٢٥٥ ـ الصيام
والتبرك في يوم عاشوراء سنّة باطلة :
(أمالي الشيخ الطوسي ، ص ٦١)
عن صفوان ، عن
الحسين بن أبي غندر ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام قال : سألته عن صوم يوم عاشورا؟. فقال عليهالسلام : ذاك يوم قتل الحسين عليهالسلام ، فإن كنت شامتا فصم.
ثم قال عليهالسلام : إن آل أمية ومن أعانهم على قتل الحسين عليهالسلام من أهل الشام ، نذروا نذرا إن قتل الحسين عليهالسلام وسلم من خرج إلى الحسين عليهالسلام وصارت الخلافة في آل أبي سفيان ، أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا
لهم ، يصومون فيه شكرا. فصارت في آل سفيان سنّة إلى اليوم في الناس ، واقتدى بهم
الناس جميعا لذلك. فلذلك يصومونه ، ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح في ذلك
اليوم.
٢٥٦ ـ صوم يوم
عاشوراء :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٨٧)
قال ابن وهب
للصادق عليهالسلام : فما قولك في صومه من غير تبييت؟. فقالعليهالسلام : لا تجعله صوم
يوم كامل ، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من الماء ، فإنه في ذلك الوقت
انجلت الهيجاء عن آل الرسول عليهمالسلام وانكشفت الغمة عنهم. ومنهم ثلاثون قتيلا ، من مواليهم ومن
أهل البيت عليهمالسلام.
يقول السيد محمّد حسين الطباطبائي في (تفسير
الميزان) ج ٢ ص ٩ :
على أن لحوق يوم
عاشوراء في وجوب الصوم أو استحبابه ، ككونه عيدا من الأعياد الإسلامية ، مما
ابتدعه بنو أمية ، حيث أبادوا فيه ذرية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام ، بقتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم ونهب أموالهم في وقعة
الطف ، ثم تبرّكوا باليوم فاتخذوه عيدا وشرّعوا صومه تبركا به ، ووضعوا له فضائل
وبركات ، ودسّوا أحاديث تدل على أنه كان عيدا إسلاميا ، بل من الأعياد العامة التي
كانت تعرفه عرب الجاهلية واليهود والنصارى منذ بعث موسى وعيسى عليهماالسلام ؛ وكل ذلك لم يكن.
٢٥٧ ـ ما يستحب
يوم عاشوراء : (أعيان الشيعة ، ج ٤ ص ١٥٢)
يقول السيد محسن
الأمين رحمهالله :
ومن السّنّة يوم
عاشوراء ترك السعي في الحوائج ، وترك ادخار شيء فيه.
روى الصدوق في (الأمالي)
بسنده عن الإمام الرضا عليهالسلام قال : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء ، قضى الله له
حوائج الدنيا والآخرة. ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، جعل الله عزوجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره ، وقرّت بنا في الجنان عينه.
ومن سمّى يوم عاشورا يوم بركة ، وادّخر فيه لمنزله شيئا ، لم يبارك له فيما ادخر ،
وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد ، إلى أسفل درك من
النار.
٤ ـ فلسفة المآتم الحسينية
٢٥٨ ـ فلسفة
المآتم الحسينية للفيلسوف الألماني [ماربين] في كتابه (السياسة الإسلامية):
(المجالس الفاخرة للسيد عبد الحسين شرف الدين ، ص ٣٧)
هذا مقتطف من
الكلمة المترجمة للمسيو ماربين الألماني ، وقد نشرتها جريدة (حبل المتين) الفارسية
في العدد ٨٢ من أعداد سنة ١٧ ، وعرّبها السيد صدر الدين بن السيد إسماعيل الصدر
الموسوي ، وقد أخذناها من كتاب السيد عبد الحسين شرف الدين : (المجالس الفاخرة في
مآتم العترة الطاهرة) طبع مطبعة العرفان بصيدا ، عام ١٣٣٢ ه :
(قال) : إن عدم
معرفة بعض مؤرخينا بحقيقة الحال ، أوجب أن ينسبوا في كتبهم طريقة إقامة الشيعة
لعزاء الحسين إلى الجنون. ولكن جهلوا مقدار تغيير هذه المسألة وتبديلها في الإسلام
، فإنا لم نر في سائر الأقوام ما نراه في شيعة الحسين من الحسّيات السياسية
والثورات المذهبية ، بسبب إقامة عزاء الحسين. وكل من أمعن النظر في رقي شيعة علي
الذين جعلوا إقامة عزاء الحسين شعارهم في مدة مئة سنة ، يذعن أنهم فازوا بأعظم
الرقي ، فإنه لم يكن قبل مئة سنة من شيعة علي والحسين في الهند إلا ما يعدّ على
الأصابع ، واليوم هم في الدرجة الثالثة من حيث الجمعية إذا قيسوا بغيرهم ، وكذلك
هم في سائر نقاط الأرض. وإذا قسنا دعاتنا مع تلك المصاريف الباهظة والقوة الهائلة
، والشيعة ترى دعاتنا لم يحظوا بعشر ترقّيات هذه الفرقة ، وإن كان قسسنا يحزّنون
القلوب بذكر مصائب المسيح ، ولكن لا بذلك الشكل والأسلوب المتداول بين شيعة الحسين
، ويغلب على الظن أن سبب ذلك هو أن مصائب الحسين أشد حزنا وأعظم تأثيرا من مصائب
المسيح. فعلى مؤرخينا أن يعرفوا حقيقة رسوم الأغيار وعاداتهم ولا ينسبوها إلى
الجنون. وإني أعتقد بأن بقاء القانون الإسلامي وظهور الديانة الإسلامية وترقي
المسلمين هو مسبّب عن قتل الحسين ، وحدوث تلك الوقائع المحزنة. وهكذا ما تراه
اليوم بين المسلمين من حسن السياسة وإباء الضيم ، ما هو إلا بواسطة عزاء الحسين.
وما دامت في المسلمين هذه الملكة والصفة ، لا يقبلون ذلا ولا يدخلون في أسر أحد.
ينبغي لنا أن ندقق
النظر فيما يذكر من النكات الدقيقة الحيوية في مجالس إقامة عزاء الحسين ، ولقد
حضرت دفعات في المجالس التي يذكر فيها عزاء الحسين في (إسلامبول) مع مترجم ،
وسمعتهم يقولون : الحسين الّذي كان إمامنا ومقتدانا ومن تجب طاعته ومتابعته علينا
، لم يتحمل الضيم ولم يدخل في طاعة يزيد ، وجاد بنفسه وعياله وأولاده وأمواله في
سبيل حفظ شرفه وعلو حسبه ومقامه ، وفاز في مقابل ذلك بحسن الذكر والصيت في الدنيا
والشفاعة يوم القيامة والقرب من الله ، وأعداؤه قد خسروا الدنيا والآخرة. فرأيت
بعد ذلك وعلمت أنهم في الحقيقة يدرّس بعضهم علنا ، بأنكم إن كنتم من شيعة الحسين
وأصحاب شرف ، إن كنتم تطلبون السيادة والفخر ، فلا تدخلوا في طاعة أمثال يزيد ،
ولا تتحملوا الذل ، بل اختاروا الموت بعزّة على الحياة بذلة ، حتّى تفوزوا بحسن
الذكر في الدنيا والآخرة وتحظوا بالفلاح.
من المعلوم حال
الأمة التي تلقى عليها أمثال هذه التعاليم من المهد إلى اللحد ، في أي درجة تكون
في الملكات العظيمة والسجايا العالية. إنها تحوي كل نوع من أنواع السعادة والشرف ،
ويكون جميع أفرادها جندا مدافعين عن عزهم وشرفهم. هذا هو التمدن الحقيقي اليوم ..
هذا هو طريق تعليم الحقوق .. هذا هو معنى تدريس أصول السياسة.
٢٥٩ ـ الخواطر
التي تبعثها فينا ذكرى الحسين عليهالسلام وشهادته :
(الحسين إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ٧٣)
يقول الدكتور علي
الشلق : خلافة الحسين بن علي عليهماالسلام التي دخلت في التاريخ العربي الاسلامي ، وأصبحت نقطة هامة
في مجرى التاريخ الانساني العام ، تثير في ذهن المطّلع احتداما من نوع خاص ، مشوبا
بالألم واليأس والاشمئزاز والكبرياء والثورة.
الألم : مشاركة
لأولئك الذين يذكرونه ، ويألمون من أعماق الوجدان لألمه ، وألم ذويه.
واليأس : من هذا
الانسان في خداعه وزوره وخيانته وهمجيته ، كائنا من كان ، والوصول إلى درجة
الانهيار ، قنوطا من أمل في صلاح البشرية.
والاشمئزاز : من
إنسان تافه حقير ، يؤازره فريق من صنفه ، فيلطخ جبين الانسانية والشرف ، بالخزي
والعار.
والكبرياء : تلك
الصفة التي تشمخ على أنوف الأعزاء الأبطال من الناس ، فيتعالون فوق الجرائم ،
ويهدفون إلى الأسمى.
والثورة : هذه
الوسيلة النبيلة البطولية والطريقة الانسانية الإلهية ، للاندفاع كالبراكين في وجه
كل ظالم مهين ، وتحطيم كل حاجز يمنع الإنسان الفرد ، من أن يعيش بكرامة وحرية ،
ونظام شريف ، ويمنع الانسانية من أن تتقدم وتستعلي.
٢٦٠ ـ إقامة
الذكرى لمقتل الحسين عليهالسلام والبكاء عليه كل عام :
(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١٢٧ ـ ١٣٠)
يقول العلامة
الأكبر السيد محسن الأمين الحسيني العاملي رحمهالله :
قد قضى العقل
والدين باحترام عظماء الرجال أحياء وأمواتا ، وتجديد الذكرى لوفاتهم وشهادتهم ،
وإظهار الحزن عليهم ، لا سيما من بذل نفسه وجاهد حتّى قتل ، لمقصد سام وغاية
نبيلة. وقد جرت على ذلك الأمم في كل عصر وزمان ، وجعلته من أفضل أعمالها وأسنى
مفاخرها.
فحقيق بالمسلمين
بل جميع الأمم ، أن يقيموا الذكرى في كل عام للحسين ابن علي بن أبي طالب عليهمالسلام ، فإنه من عظماء الرجال وأعاظمهم في نفسه ، ومن الطراز
الأول. جمع أكرم الصفات وأحسن الأخلاق وأعظم الأفعال وأجلّ الفضائل والمناقب ؛
علما وفضلا ، وزهادة وعبادة ، وشجاعة وسخاء ، وسماحة وفصاحة ، ومكارم أخلاق ،
وإباء للضيم ، ومقاومة للظلم. وقد جمع إلى كرم الحسب شرف العنصر والنسب ، فهو أشرف
الناس أبا وأمّا وجدا وجدة وعمّا وعمة وخالا وخالة ... وقد جاهد لنيل أسمى المقاصد
وأنبل الغايات ، وقام بما لم يقم بمثله أحد قبله ولا بعده ، فبذل نفسه وماله وآله
في سبيل إحياء الدين ، وإظهار فضائح المنافقين ، واختار المنية على الدنيّة ،
وميتة العزّ على حياة الذل ، ومصارع الكرام على طاعة اللئام. وأظهر من إباء الضيم
وعزّة النفس ، والشجاعة والبسالة ، والصبر والثبات ، ما بهر العقول وحيّر الألباب.
واقتدى به في ذلك كل من جاء بعده ، حتّى قال القائل :
وإن الألى بالطف
من آل هاشم
|
|
تأسّوا فسنّوا
للكرام التأسّيا
|
وحقيق بمن كان
كذلك ، أن تقام له الذكرى في كل عام ، وتبكي له العيون دما بدل الدموع. وأي رجل في
الكون قام بما قام به الحسين عليهالسلام؟.
ـ هل يوم عاشوراء
يوم فرح أم يوم ترح؟ : (المصدر السابق ص ١٣٩)
وليس أعجب ممن يتخذ
يوم عاشوراء يوم فرح وسرور واكتحال ، وتوسعة على العيال ، لأخبار وضعت في زمن
الملك العضوض ، اعترف بوضعها النقّاد ، وسنّة سنّها الحجاج بن يوسف ، عدوّ الله
وعدو رسوله. وأي مسلم تطاوعه نفسه أو يساعده قلبه على الفرح في يوم قتل ابن بنت
نبيّه؟!. وريحانته وابن وصيه؟. وبما ذا يواجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبماذا يعتذر إليه؟. وهو مع ذلك يدّعي محبة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وآله!. ومن شروط المحبة ، الفرح لفرح المحبوب ، والحزن
لحزنه!.
أضف إلى ذلك ما
يرجوه المسلم الموحّد المقتدي بنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم من الأجر والثواب يوم الحساب ، على الحزن والبكاء لقتل
الحسين عليهالسلام. فقد نعاه جده صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أصحابه ، وبكى لقتله قبل وقوعه ، وبكى له أصحابه رضوان
الله عليهم وفيهم أبو بكر وعمر ، فيما رواه الماوردي الشافعي في (أعلام النبوة) ،
وروته أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، وروي عنهم بالأسانيد الصحيحة. وأخبر بذلك أمير المؤمنين عليهالسلام في خروجه إلى صفين ، وبكى وأبكى. وبكى زين العابدين عليهالسلام على مصيبة أبيه الحسين عليهالسلام أربعين سنة.
وكان الإمام
الصادق عليهالسلام يبكي لتذكّر مصيبة الحسين عليهالسلام ويستنشد الشعر في رثائه ويبكي. وكان عليهالسلام إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا ، وكانت الكآبة تغلب عليه
حتّى تمضي عشرة أيام منه ، فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه.
وقال الإمام الرضا
عليهالسلام : إن يوم الحسين عليهالسلام أقرح جفوننا وأسال دموعنا ، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم
الانقضاء.
وقد حثّوا عليهمالسلام شيعتهم وأتباعهم على البكاء وإقامة الذكرى لهذه الفاجعة
الأليمة في كل عام. وهم نعم القدوة وخير من اتّبع ، وأفضل من اقتفي أثره ، وأخذت
منه سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فهم أحد الثّقلين اللذين أمرنا باتباعهما والتمسك بهما ،
ومثل باب حطّة الّذي من دخله كان آمنا ، ومفاتيح باب مدينة العلم الّذي لا تؤتى
إلا منه.
٢٦١ ـ كلام السيد
علي جلال الحسيني المصري :
(المصدر السابق ، ص ١٣٠)
وقال السيد علي
جلال الحسيني المصري المعاصر ، في كلام له في مقدمة (كتاب الحسين) التقطنا منه هذه
الكلمات ، وفيها جملة من صفات الحسين عليهالسلام واستحسان إقامة الذكرى له ، قال :
إن الأمة التي
تعنى بسير عظمائها ، ومن امتاز منها بأمر في الدين ، أو تفرّد بعمل من أعمال
الدنيا ، وتعرف أخبارهم ؛ تحفظ تاريخ حياتها وتستفيد منه. والسيد الإمام أبو عبد
الله الحسين عليهالسلام ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وريحانته ، وابن أمير المؤمنين علي عليهالسلام ، ونشأة بيت النبوة ، له أشرف نسب وأكمل نفس ، جمع
الفضائل ومكارم
الأخلاق ومحاسن الأعمال ؛ من علوّ الهمة ومنتهى الشجاعة وأقصى غاية الجود ، وأسرار
العلم وفصاحة اللسان ، ونصرة الحق والنهي عن المنكر وجهاد الظلم ، والتواضع عن عزّ
، والعدل والصبر والحلم ، والعفاف والمروءة والورع ... وغيرها. واختصّ بسلامة
الفطرة وجمال الخلقة ، ورجاحة العقل وقوة الجسم. وأضاف إلى هذه المحامد ، كثرة
العبادة وأفعال الخير ، كالصلاة والصوم والحج والجهاد في سبيل الله والإحسان. وكان
إذا أقام بالمدينة أو غيرها ، مفيدا بعلمه ، مرشدا بعمله ، مهذّبا بكريم أخلاقه ،
مؤدّبا ببليغ بيانه ، سخيّا بماله ، متواضعا للفقراء ، معظّما عند الخلفاء ،
مواصلا للصدقة على الأيتام والمساكين ، منتصفا للمظلومين ، مستقلا بعبادته.
مشى من المدينة
على قدميه إلى مكة حاجّا خمسا وعشرين مرة [المسافة نحو ٥٠٠ كم]. وعاش مدة يقاتل مع
أبيه أصحاب الجمل ، فجنود معاوية ، فالخوارج. فكان الحسين عليهالسلام في وقته علم المهتدين ونور الأرض ، فأخبار حياته فيها هدى
للمسترشدين بأنوار محاسنه ، المقتفين آثار فضله.
ولا شك أن الأمة
تنفعها ذكرى ما أصابها من الشدائد في زمن بؤسها ، كما يفيدها تذكّر ما كسبته من
المآثر أيام عزها. ومقتل الحسين عليهالسلام من الحوادث العظيمة ، وذكراه نافعة ، وإن كان حديثه يحزن
كل مسلم ، ويسخط كل عاقل.
٢٦٢ ـ من الّذي
قتل الحسين عليهالسلام؟ : (المصدر السابق ، ص ١٣٢)
ثم قال السيد علي
جلال الحسيني غفر الله له :
ومن عجيب أمره عليهالسلام أن يقتله شيعته ، ثم يجدّدون الحزن عليه في كل بلاد
المسلمين كل عام ، من يوم قتله إلى الآن.
فيردّ عليه
العلامة الأمين ردّا ساحقا ، فيقول :
حاش لله أن يكون
الذين قتلوا الحسين عليهالسلام هم شيعته ، بل الذين قتلوه ؛ بعضهم خوارج ، وبعضهم أهل طمع
لا يرجعون إلى دين ، وبعضهم أجلاف أشرار ، وبعضهم اتّبعوا رؤساءهم ، الذين قادهم
حبّ الدنيا إلى قتاله. ولم يكن فيهم من شيعته ومحبيه أحد.
أما شيعته
المخلصون ، فكانوا له أنصارا ، وما برحوا حتّى قتلوا دونه ، ونصروه بكل ما في
جهدهم إلى آخر ساعة من حياتهم. وكثير منهم لم يتمكن من نصره ، أو لم
يكن عالما بأن
الأمر سينتهي إلى ما انتهى إليه. أما أن أحدا من شيعته ومحبيه قاتله ، فذلك لم
يكن.
وهذه هفوة من هذا
السيد الّذي أجاد في أكثر ما كتبه عن الحسين عليهالسلام في كتابه المذكور ، لكنه تبع في هذا الكلام عن سلامة نيّة
، من يريد عيب الشيعة بكل وسيلة ، ويستنكر تجديد الحزن على الحسين عليهالسلام في كل عام.
٢٦٣ ـ مصرع الحسين
عليهالسلام عظة وقدوة : (المصدر السابق)
ثم قال السيد علي
جلال الحسيني ، ولنعم ما قال :
وكما أن حياة
الحسين عليهالسلام منار المهتدين ، فمصرعه عظة المعتبرين وقدوة المستبسلين.
ألم تر كيف اضطره نكد الدنيا إلى إيثار الموت على الحياة ، وهو أعظم رجل في وقته ،
ولا نظير له في شرقها ولا في غربها. وأبت نفسه الكريمة الضيم ، واختار السّلّة على
الذلة ، فكان كما قال فيه أبو نصر بن نباتة :
والحسين الّذي
رأى الموت في العزّ
|
|
حياة ، والعيش
في الذل قتلا
|
ومع التفاوت الّذي
بلغ أقصى ما يتصور بين فئته القليلة وجيش ابن زياد ، في العدد والعدد والمدد ، فقد
كان ثباته ورباطة جأشه وشجاعته ، تحيّر الألباب ، ولا عهد للبشر بمثلها. كما كانت
دناءة أخصامه لا شبيه لها.
وما سمع منذ خلق
الله العالم ولن يسمع حتّى يفنى ، أفظع من ضرب ابن مرجانة من ابن سميّة ، بقضيب
ثغر ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ورأسه بين يديه ، بعد أن كان سيد الخلق صلىاللهعليهوآلهوسلم يلثمه.
٢٦٤ ـ العدل
الإلهي في مصير الحسين عليهالسلام ومصير أعدائه :
(المصدر السابق ، ص ١٣٣)
ومن آثار العدل
الإلهي ، قتل عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء ، كما قتل الحسين عليهالسلام يوم عاشوراء ، وأن يبعث برأسه إلى علي بن الحسين عليهالسلام ، كما بعث برأس الحسين عليهالسلام إلى ابن زياد.
وهل أمهل يزيد بن
معاوية بعد الحسين عليهالسلام إلا ثلاث سنين أو أقل؟. وأي موعظة أبلغ من أن كل من اشترك
في دم الحسين عليهالسلام اقتصّ الله تعالى منه ، فقتل أو نكب؟. وأي عبرة لأولي
الأبصار أعظم من كون ضريح الحسين عليهالسلام حرما معظما ، وقبر يزيد بن معاوية مزبلة؟!.
٢٦٥ ـ العناية
الإلهية بأهل البيت عليهمالسلام : (المصدر السابق ، ص ١٣٤)
وتأمّل عناية الله
في البيت النبوي الكريم ، يقتل أبناء الحسين عليهمالسلام ولا يترك منهم إلا صبي مريض ، أشفى على الهلاك ؛ فيبارك
الله في أولاده ، فيكثر عددهم ويعظم شأنهم. والذين قتلوا مع الحسين عليهالسلام من أهل بيته رجال ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبه.
٢٦٦ ـ شتان ما بين
الذهب والرغام! : (المصدر السابق)
ثم يقول : وشتان
ما السبط الزكي ، والظالم السكّير ، يزيد القرود والطنابير!. وهل يستوي الفاسق
الفاجر والعادل الإمام ، وأين الذهب من الرغام؟. لكن اقتضت الحكمة الإلهية سير
الحوادث بخلاف ذلك ، وإذا أراد الله أمرا فلا مردّ له. واقتضت أيضا أن يبقى أثر
جهاد الحسين عليهالسلام على مرّ الدهور ، كلما أرهق الناس الظلم ، تذكّره من ندب
نفسه لخدمة الأمة ، فلم يحجم عن بذل حياته متى كانت فيه مصلحة لها.
٢٦٧ ـ من الّذي
خذل الحسين عليهالسلام حيّا وميّتا؟ :
(المصدر السابق ، ص ١٣٥)
ثم قال السيد علي
جلال الحسيني :
ومن غريب أمر شيعة
الحسين عليهالسلام أنهم خذلوه حيا ونصروه ميّتا ، فإنهم بعد قتله ندموا على
ما فرّطوا في حقه ، وسمّوا أنفسهم (التوابين) ، وقاموا لأخذ ثأره ، فلم يستبينوا
الرشد إلا ضحى الغد!.
فردّ عليه العلامة
الأمين رحمهالله ، قائلا :
وأعجب منهم عموم
أمة جده صلىاللهعليهوآلهوسلم الذين خذلوه حيا وميّتا ، ولم ينصروه ، ولم يستبينوا الرشد
، لا في ضحى الغد ، ولا في غيره!. فمن خذله حيا ثم ندم وتاب وطلب بثأره ، أحسن
حالا ممن خذله وبقي مصرّا على ذنبه ، ولم يتب ولم يندم ، وأقام على طاعة أعداء
الله. على أن هؤلاء التوابين أكثرهم لم يكن مخلىّ السّرب (أي حرا طليقا) لينصره ،
بل كان محجورا عليه من قبل ابن زياد وأتباعه ، وكان لا يمكنه الوصول إليه إلا
بشدة.
الفصل السابع
فلسفة النهضة الحسينيّة وأهدافها
١ ـ أسباب ضة
الحسين عليهالسلام
٢ ـ مبررات النهضة
٣ ـ متى يجب
القيام؟
٤ ـ لماذا خرج
الحسين عليهالسلام بعياله؟
٥ ـ هل ألقى
الحسين عليهالسلام بيده إلى التهلكة؟
ـ بين هجرة الرسول
صلىاللهعليهوآلهوسلم وهجرة السبط عليهالسلام
٦ ـ معالم النهضة
المقدّسة
٧ ـ أهداف ضة
الحسين عليهالسلام
٨ ـ ثمرات النهضة
الحسينية
ـ فلسفة الابتلاء.
نهضة الإمام الحسين (ع)
قال الامام الحسين
(ع) في وصيته لاخيه محمد بن الحنفية :
إني لم أخرج أشرا
ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وانما خرجت أطلب الاصلاح في أمة جدي محمد (ص).
أريد أن آمر
بالمعروف وانهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمد (ص) وسيرة أبي علي بن أبي طالب (ع).
وقال الشاعر على
لسان الامام الحسين (ع) :
إن كان دين محمد
لم يستقم
|
|
الا بقتلي ، يا
سيوف خذيني
|
الفصل السابع
فلسفة النهضة
الحسينيّة وأهدافها
* تعريف بالفصل :
قبل الدخول في
النهضة الحسينية وأحداثها المختلفة ، لا بدّ لنا من معرفة أسبابها وأهدافها
ونتائجها. وهو ما سنعالجه في هذا الفصل.
نبدأ الفصل
بالتفريق بين معنى (النهضة) ومعنى الثورة ، ثم نبيّن أسباب النهضة التي واكبت موت
معاوية ومجيء يزيد ، وقد تغيرت الأوضاع ومستوى الانحراف عما كانت عليه في عهد
الإمام الحسن عليهالسلام ، وأصبح الإسلام على عتبة الزوال والاضمحلال. فكان لا بدّ
لقائد الأمة وهو الحسين عليهالسلام من القيام بمسؤوليته في التصحيح والأمر بالمعروف. لقد كان
تصميم بني أمية من خلال معاوية على تقويض الإسلام ، وفق المستوى النظري والعملي ،
فحاولوا الإبقاء على المظهر الخارجي للإسلام كغطاء ، للإجهاض على معانيه وجوهره
الداخلي. ومن أهم مظاهر ذلك التغيير إحباط نظام الشورى ، وجبر المسلمين على نظام
الملكية الوراثية ، الّذي يحاربه الإسلام ولا يرضى به. فاستلم معاوية الحكم قهرا
عن المسلمين ، بالخديعة والمكر والنزاع والخروج على إمام زمانه ، وهو يعلم أنه من
الطلقاء الذين ناهضوا هم وآباؤهم الدعوة الإسلامية منذ بزوغها ، والذين لا تجوز
لهم الخلافة قطعا ، مصداقا لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان ، الطلقاء وأبناء
الطّلقاء».
وقد استخدم معاوية
وبنو أمية في حربهم للإسلام ، ولنشر المبادئ المعاكسة للإسلام ، كلّ وسيلة من
وسائل الإرهاب والتجويع والتهجير والتفريق للتسلط على المسلمين. وبما أن المسلمين
كانوا قد وصلوا إلى وضع معنوي مائع مهلهل ، فقد عملت أساليب بني أمية فعلها فيهم ،
واستعبدتهم لأنهم كانوا عبيدا للدنيا ، وكان الدين لعقا على ألسنتهم ، يحوطونه ما
درّت معايشهم. لكن أهداف هذه الردّة
الجديدة ضد
الإسلام ، بعد ردّة مسيلمة الكذاب ، لم تدم كثيرا بفضل نهضة الحسين عليهالسلام وإيقاظه ضمائر المسلمين للدفاع عن دينهم وشريعتهم ، ونبذ
أعداء الإسلام المتبرقعين بلباسه ورسمه. فكانت ثورة كربلاء نقطة الانطلاق إلى
ثورات مستمرة لم تسكن حتّى قوّضت عرش الأمويين عام ١٣٢ ه. وكما يقول الفيلسوف
الألماني (ماربين) : «إن الحسين قد أدى الغاية الأساسية من نهضته بأسلوبه الفذّ
العبقري ، حتّى أن استشهاده قد قصم عمر تلك الدولة العنصرية إلى أقل من مائة عام ،
بينما كان يتوقع لها أن تعيش أضعاف تلك المدة».
وبعد مناقشة أسباب
النهضة ومراميها ، نردّ على من زعم أن الحسين عليهالسلام كان مخطئا في خروجه على يزيد ، وأنه بخروجه شقّ عصا
المسلمين ، وهؤلاء نفسهم لم ينسبوا إلى معاوية هذا الحكم حين شقّ عصا الطاعة فعلا
وخرج على إمام زمانه أمير المؤمنين علي عليهالسلام وحاربه ، وسبّب بذلك تشتت المسلمين وتنازعهم ، وبالتالي
أضعف الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين.
ثم نردّ على من
ادّعى أن الحسين عليهالسلام قد ألقى بنفسه إلى التهلكة ، إذ لم يكترث بالنصائح العديدة
التي وجّهت إليه. كما نردّ على الذين أنكروا عليه حمله نساءه وأطفاله معه إلى
كربلاء.
وكما قال بعضهم :
لو قدّر هؤلاء الناصحون الأخطار المحيطة بالإسلام في ذلك المنعطف التاريخي الحاسم
، كما قدّرها الحسين عليهالسلام ، لكان الأولى بهم نصرته بالسيف والسنان ، عن تقديم
النصيحة له بالقول واللسان.
وننهي الفصل بلمحة
عن «فلسفة الابتلاء». وكيف أن الله يبتلي المؤمنين أكثر من الفاسقين والكافرين ،
ليعلي من منزلتهم ويجعلهم قدوة ومنارا للآخرين.
ـ الفرق بين
الثورة والنهضة :
المقصود من كلمة (النهضة)
في هذا الفصل ، تلك الحركة المدروسة المخططة التي قام بها الإمام الحسين عليهالسلام ، والتي كان عارفا بمقاصدها ومصمما على خوضها ، مهما كلفّه
ذلك من إيثار وبذل وتضحيات.
ولم تكن تلك
الحركة وليدة الصدفة والاتفاقات ، ولا نتيجة ردود فعل ولا أحقاد ، بل كانت خطة
مقررة ، تسير على خط مرسوم ، من أول حركتها إلى آخر أحداثها ، تنهج على مبدأ راسخ
ورسالة ثابتة. خطة رسمها الإمام العظيم ، ذو العقل
الكبير والقلب
الجريء ، لا يبغي من ورائها النتائج الوقتية الآنيّة ، بقدر ما يرمي إلى نتائجها
الجسيمة البعيدة المدى.
وبحق لقد كانت
شهادة الحسين عليهالسلام في كربلاء يوم عاشوراء ، المشعل الّذي ألهب الثورة في قلوب
المسلمين للحفاظ على عقيدتهم والدفاع عن شريعتهم ، بعد ما أظهر عليهالسلام حقيقة منتحلي الإسلام ، من الأعوان والحكام. فما لبثت
الثورات أن تعاقبت تباعا بعد استشهاد الحسين عليهالسلام ، حتّى تقوّض عرش بني أمية في قرن من الزمن ، وقد كان
مقدّرا له أن يدوم عدة قرون.
١ ـ أسباب نهضة الحسين عليهالسلام
* مدخل :
لم تكن معركة الحق
مع الباطل سهلة بسيطة ، بل كانت متشابكة المعالم. وحين استلم عثمان الخلافة طأطأ
بنو أمية فرحا ، وعلموا أن الأمر قد توطّد لهم. وفعلا فإن عثمان ـ وهو من وجوه بني
أمية ـ قد فعل ما حذّره منه سلفه عمر بن الخطاب ، فعزل الولاة الأكفاء ، واستبدل
بهم ولاة من بني أمية ، حتّى صار مروان بن الحكم طريد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم أمين سرّ الخليفة ، يسرح ويمرح.
ولما تولى الخلافة
الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام أصيب بنو أمية بنكسة عارمة ، وخافوا أن يفلت الأمر من
أيديهم إلى الأبد ، فقاموا بقيادة زعيمهم معاوية ، الّذي تمركز في الشام ، قاموا
بإعلان الحرب على الإمام وخلع الطاعة عن خليفة الإسلام. وبما أنه ليس لهم أي سهم
وقدم في الإسلام أمام علي عليهالسلام. فحاولوا إيهام الرأي العام بأن عليا عليهالسلام له ضلع في مقتل عثمان ، أو أنه متواطئ مع قتلته لأنه لم
يقبض عليهم ويحاكمهم.
وفي الواقع إن
الّذي قتل عثمان هو معاوية ، لأنه منّاه بالمساعدة العسكرية سرّا ، حتّى إذا أحيط
به أسلمه وتخلّى عنه. أما قتلة عثمان ، فإن الأمر لما صار بيد معاوية لم يحاكمهم
ولم يقبض عليهم ، فما عدا مما بدا!.
وتنفس بنو أمية
الصعداء حين اغتيل علي عليهالسلام ، فتنادوا لحرب الإمام الحسنعليهالسلام ، بعد أن فتنوا أصحابه بالأموال ، وأفسدوا ضمائرهم
بالآمال.
فكانت حكمة الحسن عليهالسلام أن يلوذ بالصلح حقنا للدماء. لكن الحسين عليهالسلام وإن رضي بالصلح طاعة لأخيه الحسن عليهالسلام ، إلا أنه كان كمن يجدع أنفه بالمقراض ويضرب بالسياط. وظل
محترما لعهد الصلح الّذي أمضاه أخوه رغم تخلّي معاوية عنه ، فلم يجد بعد وفاة أخيه
أية مصلحة في التحرك ، مادام معاوية حيا.
لكن ما أن هلك معاوية
سنة ٦٠ ه حتّى صمم الحسين عليهالسلام على إعلان النهضة المقدسة ، لتوفّر ظروفها وأسبابها. ومن
هذه الظروف تكشير يزيد عن أنيابه للإجهاز على آخر رمق من الإسلام ، ثم تنادي
العراقيين لعقد رايتهم تحت لواء الحسين عليهالسلام. وقد صرّح الحسين عليهالسلام بأنه لم يبايع معاوية ولن يبايع يزيد ، وأنه يرفض كل حلّ
سلمي أو وسط. وحتى لو كان بعض أهل العراق قد شبّ على الشقاق والنفاق والغدر
والخيانة ، فكان لا بدّ له كمسؤول عن الدين والإسلام ، من متابعة المسيرة معهم إلى
آخر الطريق. لأن من واجبه إقامة الحجة عليهم ، واستيعابهم وعدم التخلي عنهم.
ولم يكن من رأيه عليهالسلام البقاء في الحجاز ، لأن أهلها لم يكونوا من المتعاطفين معه
، ولا أن يسير إلى اليمن لأنهم لم يثبتوا صلابتهم سابقا. فكان العراق ملجأه
الوحيد.
وحتى مع علم
الحسين عليهالسلام بغدر أهل العراق وسرعة تقلّبهم ، وبأن مصيره القتل المعلوم
، إلا أن ذلك لا يسوّغ له شرعا إلا أن يعاملهم على الظاهر ، وينهد إليهم عند
الطلب. فكان هو كبش الفداء ، الّذي قدّم نفسه عامدا متعمدا ، قربانا لإحياء دين
جده ، إن لم يكن ذلك عاجلا فآجلا.
وكان كلما نصحه
أحد من أصحابه ، كأخيه محمّد بن الحنفية أو ابن عمه عبد الله بن عباس أو ابن عمه
عبد الله بن جعفر أو غيرهم ، بالبقاء أو المسير إلى جهة أخرى ، كان يشكرهم على
نصيحتهم ، ويعتذر لهم بأن ما قضى الله فهو كائن ، وأن مسيره إلى مصرعه ليس بأمره.
وحين قال له ابن
الحنفية : فما سبب حملك هذه النسوة معك؟ أجاب عليهالسلام : «قد شاء الله تعالى أن يراهنّ سبايا».
٢٦٨ ـ الدوافع إلى
النهضة :
(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ص ٧٤)
إن جملة من
العوامل دفعت الإمام الحسين عليهالسلام إلى إعلان نهضته إثر حكم
يزيد ، منها نقض
معاوية لبنود الصلح بتولية يزيد ، ومنها مكاتبة أهل العراق للحسينعليهالسلام يطلبون منه النهوض.
والسؤال الّذي
يطرح نفسه بإلحاح ، هو مدى تأثير دعوة أهل الكوفة للإمام عليهالسلام للثورة ، وهل إن هذا العامل يعتبر سرّ التحرك الحسيني؟.
وما هي الدوافع الحقيقية من تحرك الإمام عليهالسلام؟. أهي للشهادة كما صوّرها البعض ، باعتبار أنه يعلم مصيره
المحتوم؟ أم لإقامة حكومة إسلامية؟.
وللإجابة على هذا
السؤال نقول : إن حركة الإمام الحسين عليهالسلام هي حركة روحية ، وحاجة نفسية ، كحاجة الإنسان إلى الماء
والغذاء. فلو أن الحسين عليهالسلام لم يكن عالما بمصيره ، لم يكن تحرّكه المندفع من الشعور
الذاتي ليتغير عما فعل.
٢٦٩ ـ الأسباب
المباشرة وغير المباشرة لنهضة الحسين عليهالسلام وما هو تكليفه الواقعي والظاهري :
(مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم ص ١٩٧)
قال السيد عبد
الرزاق المقرّم بعد عرضه لنصائح الأصحاب :
هذه غاية ما وصل
إليه إدراك من رغب في تريّثه عليهالسلام عن السفر إلى العراق. وأبو عبد الله الحسين عليهالسلام لم تخف عليه نفسيات الكوفيين وما شيبت من الغدر والنفاق ،
ولكن ماذا يصنع بعد إظهارهم الولاء والانقياد له والطاعة لأمره ، وهل يعذر أمام
الأمة في ترك ما يطلبونه من الإرشاد والانقاذ من مخالب الضلال ، وتوجيههم إلى
الأصلح الّذي يرضي الله رب العالمين ، مع أنه لم يظهر منهم الشقاق والخلاف.
واعتذاره عليهالسلام عن المصير إليهم بما جبلوا عليه من الخيانة كما فعلوا مع
أبيه وأخيه ، يسبب إثارة اللوم من كل من يبصر ظواهر الأشياء. والإمام المقيّض
لهداية البشر أجلّ من أن يعمل عملا يكون للأمة الحجة عليه. والبلاد التي أشاربها
ابن عباس وغيره لا منعة فيها ، وما أجرى بسر بن أرطاة مع أهل اليمن يؤكد وهنهم في
المقاومة والضعف عن ردّ الباغي.
وبهذا يصرّح الشيخ
التستري أعلى الله مقامه ، فإنه يقول : كان للحسين عليهالسلام تكليفان : واقعي وظاهري.
أما [التكليف
الواقعي] الّذي دعاه للإقدام على الموت وتعريض عياله للأسر وأطفاله للذبح مع علمه
بذلك ، فالوجه فيه أن عتاة بني أمية قد اعتقدوا أنهم على
الحق ، وأن عليا
وأولاده وشيعتهم على الباطل ، حتّى جعلوا سبّه من أجزاء صلاة الجمعة ، وبلغ الحال
ببعضهم أنه نسي اللعن في خطبة الجمعة ، فذكره وهو في السفر فقضاه. وبنوا مسجدا
سمّوه (مسجد الذكر) ... فلو بايع الحسين يزيد وسلّم الأمر إليه لم يبق من الحق أثر
، فإن كثيرا من الناس يعتقد بأن المحالفة لبني أمية دليل استصواب رأيهم وحسن
سيرتهم. وأما بعد محاربة الحسين لهم وتعريض نفسه المقدسة وعياله وأطفاله للفوادح
التي جرت عليهم ، فقد تبيّن لأهل زمانه والأجيال المتعاقبة أحقيته بالأمر وضلال من
بغى عليه.
وأما [التكليف
الظاهري] فلأنه عليهالسلام سعى في حفظ نفسه وعياله بكل وجه ، فلم يتيسّر له وقد
ضيّقوا عليه الأقطار ، حتّى كتب يزيد إلى عامله على المدينة أن يقتله فيها ، فخرج
منها خائفا يترقّب ، فلاذ بحرم الله الّذي هو أمن الخائف وكهف المستجير ، فجدّوا
في إلقاء القبض عليه أو قتله غيلة ولو وجد متعلقا بأستار الكعبة ، فالتزم بأن يجعل
إحرامه عمرة مفردة وترك التمتع بالحج ، فتوجه إلى الكوفة لأنهم كاتبوه وبايعوه
وأكدوا المصير إليهم لإنقاذهم من شرور الأمويين ، فألزمه التكليف بحسب ظاهر الحال
إلى موافقتهم إتماما للحجة عليهم ، لئلا يعتذروا يوم الحساب بأنهم لجؤوا إليه
واستغاثوا به من ظلم الجائرين ، فاتّهمهم بالشقاق ولم يغثهم. مع أنه لو لم يرجع
إليهم ، إلى أين يتوجه وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت؟!. وهو معنى قوله عليهالسلام لعبد الله بن جعفر :
«لو كنت في حجر
هامّة من هذه الهوام ، لاستخرجوني حتّى يقتلوني».
٢٧٠ ـ من أسباب
نهضة الحسين عليهالسلام لأحد علماء الأزهر :
(الحسين في طريقه إلى الشهادة للسيد علي بن الحسين الهاشمي ص ١٢)
قال الأستاذ محمّد
عبد الباقي سرور ، أحد علماء الأزهر ، في كتابه (الثائر الأول في الإسلام) ص ٧٩ ط
مصر :
فلو بايع الحسين
يزيد الفاسق المستهتر ، والذي أباح الخمر والزنا ، وحطّ بكرامة الخلافة إلى مجالسة
الغانيات وعقد حلقات الشراب في مجلس الحكم ، والذي ألبس الكلاب والقرود جلاجل من
ذهب ، ومئات الألوف من المسلمين صرعى الجوع والحرمان. لو بايع الحسين يزيد أن يكون
خليفة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على هذا الوضع ، لكانت فتيا من الحسين بإباحة هذا
للمسلمين. وكان سكوته هذا أيضا على
هذا رضى ، والرضى
عن ارتكاب المنكرات ولو بالسكوت إثم وجريمة في حكم الشريعة الاسلامية. والحسين
بوضعه الراهن في عهد يزيد هو الشخصية الأولى المسؤولة في الجزيرة العربية بل في
البلاد الاسلامية كافة ، عن حماية التراث الإسلامي ، لمكانته في المسلمين ولقرابته
من رسول رب العالمين ، ولكونه بعد موت كبار المسلمين أعظم المسلمين في ذلك الوقت
علما وزهدا وحسبا ومكانة. فعلى هذا الوضع أحسّ بالمسؤولية تناديه وتطلبه لإيقاف
المنكرات عند حدها ، ولا سيما أن الّذي يرتكب هذه المنكرات ويشجع عليها هو الجالس
في مقعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
هذا أولا ، وثانيا
: إنه عليهالسلام جاءته المبايعات بالخلافة من جزيرة العرب ، وجاءه ثلاثون
ألفا من الخطابات من ثلاثين ألفا من العراقيين من سكان البصرة والكوفة ، يطلبون
فيها منه الشخوص لمشاركتهم في محاربة العربيد (يزيد بن معاوية). وألحّوا في تكرار
هذه الخطابات ، حتّى قال رئيسهم عبد الله بن أبي الحصين الأزدي : يا حسين سنشكوك
إلى الله تعالى يوم القيامة إذا لم تلبّ طلبنا وتقوم لنجدة الإسلام. وكيف والحسين
ذو حمية دينية ونخوة إسلامية ، والمفاسد تترى أمام عينيه ، كيف لا يقوم بتلبية
النداء!. وعلى هذا الوضع لبّى عليهالسلام النداء كما تأمر به الشريعة الإسلامية ، فنحا نحو العراق.
(أقول) : ولقد فات
الأستاذ سرور أن يكمل كلامه المنصف فيقول : وبالحق لو لم يقم الحسين عليهالسلام بثورته هذه ، لما كانت تقوم للإسلام قائمة من بعده ،
لطغيان الباطل وانطفاء شعلة الإسلام.
٢ ـ مبررات النهضة
* مدخل :
يتساءل الكثيرون :
لماذا قام الحسين عليهالسلام بنهضته المباركة ، في حين لزم الحسين عليهالسلام جانب الصمت؟. والواقع أن الظروف التي صارت في عصر يزيد
تختلف كثيرا عن الظروف التي كانت في عهد معاوية. فحين صالح الإمام الحسن عليهالسلام مكرها ، ثم داس معاوية على وثيقة الصلح ، انكشفت حقيقته
لأتباع الحسن عليهالسلام وقد كانوا مغرورين به ، فأصبحوا مهيئين للثورة ضده أكثر من
ذي قبل.
هذا من ناحية
المحكومين ، أما من ناحية الحاكم ، فإن يزيد كان معلنا بالفسق ، بينما معاوية فقد
كان متسترا به ، وإن موت معاوية جعل الحسين عليهالسلام في حلّ من عقد الصلح .. كل هذا دفع الحسين عليهالسلام إلى إعلان النهضة المقدسة في وجه الباطل.
يقول أحدهم في هذا
المعنى : (مجموعة نفيسة ، ص ٤٤٨ ط إيران)
لما مات معاوية
وانقضت مدة الهدنة التي كانت تمنع الحسين عليهالسلام من الدعوة إلى نفسه ، أظهر أمره بحسب الإمكان ، وأبان عن
حقه للجاهلين به ، حالا بعد حال ، إلى أن اجتمع له في الظاهر الأنصار. فدعا إلى
الجهاد وشمّر للقتال ، وتوجّه بولده وأهل بيته من حرم الله وحرم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نحو العراق ، للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء.
وقد اقتطعت هذه
الفقرات من كتاب (الأئمة الاثنا عشر ـ دراسة تحليلية) للأستاذ عادل الأديب ، من ص
١٠٥ ـ ١٢٣ :
٢٧١ ـ تغير
الأوضاع بين عصر الحسن عليهالسلام وعصر الحسين عليهالسلام :
إن دور الإمام
الحسن عليهالسلام يختلف عن دور الإمام الحسين عليهالسلام. ففي مرحلة الإمام الحسين عليهالسلام ارتفع الشك عن المسلمين في صحة المعركة وشرعيتها ، وأصبح
المسلمون في هذه المرحلة يعيشون تجربة الإمام علي عليهالسلام كمثل أعلى للحكم الإسلامي العادل. وأدركوا أن انتصار بني
أمية هو انتصار للإرستقراطية الجاهلية التي ناصبت الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه العداء ، والتي جاهدها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى قضى عليها ، وأقاموا على أنقاضها دعائم الإسلام.
ولا ندهش إذا كره
المسلمون بني أمية وغطرستهم وكبريائهم وإثارتهم للأحقاد القديمة ونزوعهم للروح
الجاهلية ، والأمويون لم يعتنقوا الإسلام إلا سعيا وراء مصالحهم الشخصية . وهم أول من ابتدع وبشكل سافر في التاريخ الإسلامي نظما
وتقاليد بعيدة عن الإسلام ، محاولة منهم التشبّه بملوك الفرس والبيزنطيين ،
وحوّلوا الخلافة إلى ملك كسروي وعصب قيصري .
__________________
٢٧٢ ـ الإسلام على
شفا جرف هار : (المصدر السابق ص ١٠٦)
أما بالنسبة لواقع
المجتمع الإسلامي ووعيه لقضية الإسلام ، فقد تلخصت نظرة الحسين عليهالسلام له بالحقيقة التالية : وذلك أن الأمة بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم تكن تملك وعيا عقائديا ، وأن أقصى ما أفادته منه عاطفة
رسالية ، أخذت تتضاءل بعد وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم نتيجة للأخطاء والتقصيرات المتراكمة والمتلاحقة ، التي
مارسوها عبر حياتهم العلمية والعملية ، هذه التقصيرات والأخطاء التي قد لا يحسّ
بكل واحد منها على حدة ، ولكنها حين تتراكم تتحول إلى واقع فاسد ، والواقع الفاسد
يتحول إلى فتنة ، كما حدث للحسين عليهالسلام في زمن يزيد.
٢٧٣ ـ الحسين عليهالسلام أمام مسؤولية الثورة : (المصدر السابق)
هذه الحقائق هي
التي دفعت بالحسين عليهالسلام لأن يخوض غمار معركة يائسة ، حتّى ولو كان لا يرجى منها
النصر العسكري الآني. فالمعركة خاسرة لا محالة في حسابها العاجل ، ولكنه استهدف
بعمله هذا أن يهزّ ضمير الأمة ، وأن يعيد للإنسان المسلم همّه الرسالي الكبير ،
بعد أن غرق حتّى أذنيه بهموم مصلحية صغيرة. فرأى الحسين عليهالسلام أن يشقّ طريقه في وسط الأمة ، وأن يبذل وجوده ، ووجود
أصحابه وأهله وذويه ، بعمل فدائي لاهب ، وأن لا يبخل على مسيرته بما تحتاجه من
وقود ، إن من دماء الأمة وآلامها ، وإن من قلبه ودمه.
إلا أن الحسين عليهالسلام بكل ما حفل به من صفات وظروف مواتية ، أدرك أن تحريك الأمة
وهزّها ، لا يمكن أن تجدي له الكلمات والخطب الحماسية ، بل لا بدّ من تحريك
إرادتها المهزومة بفدية تتوهج بالدم ، مبرهنا على صدق رؤيته للحاضر والمستقبل ،
بتضحيته الفريدة.
٢٧٤ ـ بين فقدان
الثقة وفقدان الإرادة : (المصدر السابق ، ص ١٠٨)
لقد أسرع الحسين عليهالسلام بأخذ زمام المبادرة بعد أن أدرك بأن المجتمع في ظرفه
الحالي وتأثره الشديد بالتخدير الديني للأفكار المضللة التي روّج لها بنو أمية ،
وخوفه من القمع المادي ، وخضوعه الطويل للحكام المستبدين ؛ لا يمكن أن تنبعث فيه
مفاهيم الرسالة ، بطريق الحوار الفكري والإقناع ، فهو آخر شيء يمكن أن يؤثر
__________________
فيه. ولأن الأمة
كما ذكرنا في عصر الإمام الحسن عليهالسلام قد ابتليت بظاهرة الشك في القيادة ، فكان الصلح أسلوبا
تسترجع معه الثقة ؛ أما الأمة في عصر الحسين عليهالسلام فقد ابتليت بفقدان الإرادة ، وتميّعت فيها إرادة النضال ،
وأصبح المسلمون أذلاء مستضعفين ، فهم يدركون بعد الخليفة الأموي عن الإسلام ، وأن
الحسين عليهالسلام هو القائد الحق ، ولكن إرادتهم كانت ضعيفة إزاء نصرة
الحسين عليهالسلام ، وكما قيل : «قلوبهم مع الحسين ، وسيوفهم عليه».
هذا القول الأخير
هو تصوير دقيق ومعبّر للمجتمع الّذي وصل إليه الوضع الأموي ، بكل ما ملك من أسباب
القوة والتشريد والتقتيل ، فكانت بوادر الخنوع والرضا بالوضع القائم ، لإيجاد
مختلف الوسائل والمبررات على القعود والاستكانة .
فالحسين عليهالسلام أراد باستشهاده الفاجع إيقاظ الإرادة المخدّرة بفعل
المذاهب الدينية المفتعلة ، ولكي تكون سوطا لاهبا يدمي ظهور الحكام ، وموقظا بها
تلك النفوس الغافلة لتقوم بمحاكمة واعية لذاتها إزاء نظرة الرسالة ، ويعينها في
تحرير إرادتها من ظاهرة القلق والتردد الفكري ، وتفاقم شكّها في القيادة الحكيمة ،
وهو بهذا يخرجها إلى مواقف ثابتة ، تأخذ أبعادها بوعي من تحديات الشريعة الإسلامية
وموقفها الصارم من الإنحراف.
٢٧٥ ـ الحسين عليهالسلام لا يعبأ بالنصائح والتحذيرات :
وإزاء إصرار
الإمام عليهالسلام على خطة الثورة ، نشطت محاولات كثيرة تنصح الحسين عليهالسلام بعدم القيام بأي عمل من شأنه أن يشعل فتيل المواجهة مع
يزيد ، بحجة الفشل المحتم لنتائج المواجهة العسكرية المحتملة ، ولكن الإمام عليهالسلام كان يعرف هدفه جيدا ببصيرته المعصومة ، بأنه سوف ينتصر
باستشهاده الفاجع ، ولا يفكر بنتائج الربح العسكري الآني ، مع علمه بقلة العدد
وخذلان الناصر : «ألا وإني زاحف بهذه الأسرة ، على قلة العدد وخذلان الناصر».
ولمن يريد أن يفهم
الحسين عليهالسلام في ثورته ، عليه أن يبحث عن أهدافه ونتائج
__________________
ثورته ، في غير
النصر الآنيّ الحاسم ، وفي غير الاستيلاء على مقاليد الحكم والسلطان.
فالنصوص المتوفرة
لدينا تدلّ بصراحة على أن الحسين عليهالسلام كان عالما بالمصير الّذي كان ينتظره. ولقد كان يجيب من
ينصحه بالمهادنة والسكوت ، ومن يخوفونه بالموت :
«لقد غسلت يدي من
الحياة ، وعزمت على تنفيذ أمر الله» .
٢٧٦ ـ محاولة
معاوية حرف مبادئ الإسلام على المستويين النظري والعملي :
(المصدر السابق ، ص ١١٧)
لقد مال الإمام
الحسن عليهالسلام من خلال صلحه مع معاوية إلى إيقاف العمل السياسي والعسكري
الظاهر ولو مؤقتا ، لكي يسترجع الإمام عليهالسلام قيادته ، وثقة الجماهير به ، بعد أن ينكشف معاوية أمام
الجماهير ، وتتضح معالم أطروحته الجاهلية لها. فمعاوية في أواخر حياته فقد كل
رصيده الروحي ، وكل تلك المبررات التي اصطنعها لنفسه ، محاولا تزييفها في نفوس
المسلمين.
وحين سيطر معاوية
على الحكم نتيجة للهدنة مع الحسن عليهالسلام بدأ يعمل بدأب من أجل تهديم الإسلام وحرفه ، ومن أجل تثبيت
أطروحته وقيادته الجاهلية ، سواء على المستوى النظري أو المستوى العملي.
٢٧٧ ـ تغيير
مفاهيم الإسلام :
(المصدر السابق)
أخذ معاوية يعمل
على طمس وتشويه النظرية الإسلامية ومحاولة تزييفها ، ولعل أخطر ما توصل إليه
الأمويون من طرق التغلب على الشعور الإسلامي الثائر ، وتحطيم ما لأهل البيت عليهمالسلام من سلطان روحي على المسلمين ؛ وذلك بتخدير شعورهم الديني ،
وإيجاد تبرير ديني لسلطان بني أمية ، أو على الأقل لكبح الجماهير عن الثورة ،
برادع داخلي هو الدين نفسه.
وتمثلت أساليبه في
طمس النظرية الإسلامية وتزييفها بالخطين التاليين :
١) ـ اختلاق
الأحاديث وشراء الأحاديث من بعض الذين كان لهم من
__________________
الاستعداد في ذم
علي عليهالسلام والبراءة منه ،
والكذب على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في مقابل عطاء كبير. أما بالنسبة للذين أبوا الانصياع
لأوامره في الدس والكذب على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد نعتهم بالروافض ، لأنهم رفضوا مسايرته وتنفيذ خططه
الجاهلية ، وحاول الضغط عليهم وإرهابهم بشتى الوسائل.
فقد كتب معاوية
إلى ولاته بعد «عام الجماعة «أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل
بيته. فقام الخطباء المنافقون في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه.
وكان أشد الناس بلاء على حكمه حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة الإمام عليهالسلام ، فاستعمل عليها زياد بن سمية وضم إليه البصرة ، فكان
يتتبع الشيعة فيقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ،
وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم عن العراق .
وقد عملت أحاديث
عمرو بن العاص وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وعمرو ابن الزبير عملها السام ، وأعطت
ثمارها الخبيثة ، في صورة تسليم تام وخضوع أعمى للحكم الأموي.
٢) ـ اختلاق الفرق
الدينية ذات الأغراض السياسية باسم الإسلام ، لتبرير حكم بني أمية ، بعد أن توضع
لها التفسيرات الدينية المضللة ، وتصاغ بأطر إسلامية مزيفة ، تتّخذ اسم (المرجئة)
تارة (والجبرية) أخرى ، هادفين من وراء هذا العمل الدنيء لفت أنظار المسلمين عن
الثورة.
فمعاوية أول من
قال بالفكرة الجبرية ودافع عنها ، وأوهم الناس أنه طالما كل شيء يجري بقضاء الله ،
فإن تولّيه الحكم هو بأمر الله ومشيئته ، وهو يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك
ممن يشاء. فاعتلاؤه إلى السلطة هو عطاء إلهي ومشروع.
أما المرجئة
فكانوا عونا وسندا لحكم معاوية ، جاءت آراؤهم ومعتقداتهم تبريرا لخلافته ، وإقناعا
للمسلمين بوجوب طاعته. وتتلخص فكرتهم في توقّف الحكم
__________________
على فاعل الكبيرة
، وإرجاء أمره إلى الله ، فهو يحاسبه وليس نحن. ويقولون بأن الإيمان تصديق بالقول
وليس بالعمل.
ولا غرو فقد تحول
معظم المسلمين إلى «الإرجاء «وعنوا بأمورهم الداخلية ، دون النظر إلى نوعية السلطة
الحاكمة ، وخاصة عند حدوث الفتن.
ويستند المرجئة
لترويج مذهبهم بحديث ينقلونه عن لسان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول :
«ستكون فتن ،
القاعد فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ...».
وفعلا نرى أن
ظاهرة التخدير الديني أخذت تتمكن من النفوس وتتجاوب معها ، وأخذ الوعي الإسلامي
بالانحسار ، حتّى أصبح الإسلام مهددا في وجوده كرسالة للحياة.
٢٧٨ ـ استخدام
أساليب الإرهاب والتجويع والتهجير والتفريق ، للتسلط على المسلمين :
(المصدر السابق ، ص ١٢١)
أما على مستوى
الأمة التطبيقي ، فقد مارس معاوية ألوانا كثيرة من الإذلال ، ومحاولات دؤوبة
لتمييع شخصية الأمة ، وإثارة الضغائن والأحقاد القومية والإقليمية والطبقية داخل
المجتمع الإسلامي.
حتّى أننا نشاهد
ذلك الإنسان المسلم الّذي حارب بالأمس طاغوت كسرى ، ووقف أمامه متحديا بكل إباء ،
وعاش هموم المظلومين والمحرومين في كل أرجاء الأرض ، ينقلب فجأة إلى فرد لا يهمه
إلا عطاؤه وطعامه ومصالحه الشخصية الحقيرة.
فبنو أمية
استعانوا بكل وسائل القمع والقهر لتبديد قوة الخصوم ، وسحق الجماعات المعارضة لهم
بالأساليب التالية :
١
ـ الإرهاب : وكان الرجل ـ على
عكس مبدأ الإسلام ـ يؤخذ بمجرد الشبهة ، ويجرى القصاص مع أهل بيته إذا لم يمكن
مسكه. وسيرة زياد بن أبيه لم تنس بعد ، فقد خطب في أهل العراق مهددا بأنه سيأخذ
البريء بالمسيء. حتّى إذا ردّه حجر بن عديّ في هذا وذكّره بقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤]
صنع معه ما صنع ، حتّى كانت حادثة قتل حجر وأصحابه رضي الله عنهم.
٢
ـ التجويع : فكانت سياسة
معاوية تخفيض جرايات أهل العراق وزيادة جرايات أهل الشام ، مبررا عمله هذا بقوله :
الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما آخذ من مال الله فهو لي ، وما تركته كان جائزا
لي.
٣
ـ الطرد الجماعي والتهجير : فقد حمل زياد بن أبيه والي العراق في زمن معاوية خمسين
ألفا من الكوفيين وأجبرهم على النزوح من الكوفة إلى خراسان ، وبذلك حطّم المعارضة
في الكوفة وخراسان معا.
٤
ـ إحياء النزعة القبلية والعنصرية : كان يثيرها معاوية لسببين :
الأول
: لضمان ولاء
القبائل له.
الثاني
: لضرب بعضهم ببعض.
ولقد أثار معاوية
العصبية العنصرية عند العرب عموما ضد المسلمين غير العرب.
٢٧٩ ـ نهضة الحسين
عليهالسلام : (المصدر السابق ، ص ١٢٣)
ومن هنا رأى
الحسين عليهالسلام أن كل شيء جاهز ، ليطلق الإسلام صيحته في حسم هذا الركام
الّذي يغطّ في نوم عميق ، لعلها تشقّ سمعه ولو بعد حين. وكان الحسين عليهالسلام أول من شقّ طريقه في وسط الأمة ، ورمى بثقله في إصلاح
كيانها من الداخل ، ولم يبخل على مسيرته بما تحتاجه من وقود ، من نفسه ومن دماء
أصحابه.
٣ ـ متى يجب القيام؟
* مدخل :
كانت دعوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أول أمرها سرّية ، حتّى اجتمعت له مقوّمات معينة
لإعلانها على الملأ. ومن أهم هذه المقوّمات وجود الأنصار الصادقين. ولذلك قال
الإمام علي عليهالسلام : «لو تمكّنت من أربعين رجلا ...». وحين اجتمع له الأنصار
بعد عثمان قام بالأمر ، وقال في آخر خطبته الشّقشقيّة : «أما والذي فلق الحبة وبرأ
النسمة (أي خلق الناس) ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ
الله على العلماء في أن لا يقارّوا على كظةّ ظالم ولا سغب مظلوم ؛ لألقيت حبلها
على غاربها ..». أي لو لا هذه الأشياء لأقلعت عن الخلافة وتركتها.
من هذه الوثيقة
المقدسة ، نتعرّف على أسباب النهضة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ، وهي :
١ ـ وجود الأنصار
الملتزمين ، الذين لا يسلمون رئيسهم عند الوثبة.
٢ ـ أن النهضة
تكون أكثر تعيّنا على العلماء وهم قادة الحق والدين ، فالله قد أخذ ميثاقهم على
إنكار كل ظلم وحيف ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان في ذلك فائدة
تحصل ، آنيّة أو مستقبلية.
ومن هذا المنطلق
وجد الحسين عليهالسلام أن الانحراف عن الدين استشرى ، وأنه قد تسلّط على الخلافة
أعتى وجوه القوم. فحين آنس من الأنصار القيام ،
لم يتلكأ ساعة عن
إعلان النهضة. إنها المسؤولية الشرعية الكبرى التي تقع على كل مسلم ، وعلى كل عالم
، فكيف على إمام الأمة وممثل الإسلام؟!.
وفي مقابل هذه
النهضة المبينة ، بدأ الإعلام الأموي يفعل فعله.
٢٨٠ ـ الإعلام
الأموي المضاد للثورة :
(ثورة الحسين في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ص ٢٨ ـ ٣١)
قال الشيخ محمّد
مهدي شمس الدين :
لقد تمثلت جهود
الأمويين في سبيل تعطيل فعل الثورة في الأمة باتجاهات ثلاثة :
ـ الاتجاه الأول :
رفع مسؤولية يزيد عما حدث ، وإلقاء المسؤولية على ابن زياد. تماما كما فعل في
كتابه الصغير الّذي وصفه المؤرخون بأنه (أذن فأرة) وقد أرفقه يزيد مع كتابه الكبير
إلى الوليد بن عتبة واليه على المدينة ، بأخذ البيعة من أهلها. وجاء في كتابه
الصغير : خذ البيعة من الحسين عليهالسلام ، فإن أبى فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه. أراد بهذا
الكتاب الصغير أيضا تعمية الأمر على الناس وخداعهم وإضاعة المسؤولية.
ـ الاتجاه الثاني
: تشويه الثورة ، ومنه إيهام الناس بأن الحسين عليهالسلام عرض على يزيد أن يضع يده في يده. وهذا محال ينفيه تصريح
عقبة بن سمعان. ثم إيهام الناس أن الثورة هي من صنع الخوارج والحرورية.
ـ الاتجاه الثالث
: نزع صفة الشرعية عن الثورة الحسينية ، وأن الحسين عليهالسلام كان مخطئا في قيامه على يزيد.
وقد صوّب أكثر
علماء السنة قيام الحسين عليهالسلام على الظلم والفساد ، نعطي أمثلة منهم.
٢٨١ ـ تصويب
الخارجين على الظلم :
(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٨)
يقول ابن عماد :
والعلماء مجمعون على تصويب قتال علي عليهالسلام لمخالفيه ، لأنه الإمام الحق. ونقل الاتفاق أيضا على تحسين
خروج الحسين عليهالسلام على يزيد ، وخروج ابن الزبير وأهل الحرمين على بني أمية ،
وخروج ابن الأشعث ومن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجاج. ثم الجمهور
رأوا جواز الخروج على من كان مثل يزيد والحجاج ، ومنهم من جوّز الخروج على
كل ظالم.
وعدّ ابن حزم خروم
الإسلام أربعة : قتل عثمان ، وقتل الحسين عليهالسلام ، ويوم الحرّة ، وقتل ابن الزبير.
٢٨٢ ـ قول ابن
الجوزي :
(ثورة الحسين في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ، ص ٣٢)
قال ابن الجوزي في
(السرّ المصون) :
من الاعتقادات
العامية التي غلبت على جماعة من المنتسبين إلى السنة أنهم قالوا : كان يزيد على
الصواب ، والحسين عليهالسلام مخطئ في الخروج عليه ... وإنما يميل إلى هذا جاهل بالسيرة
، عاميّ المذهب ، يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة.
٢٨٣ ـ قول
الشوكاني :
(نيل الأوطار للشوكاني ، ج ٧ ص ١٤٧)
وقال الشوكاني :
لقد أفرط بعض أهل العلم ، فحكموا بأن الحسين السبط رضي الله عنه وأرضاه ، باغ على
الخمّير السّكّير الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله.
فياللعجب من مقالات تقشعر منها الجلود ، ويتصدّع من سماعها كل جلمود.
٢٨٤ ـ تأييد نهضة
الحسين عليهالسلام للشيخ محمّد عبده :
(مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٣)
قال الشيخ محمّد
عبده رحمهالله : إذا وجدت في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع ، وحكومة
جائرة تعطله ، وجب على كل مسلم نصر الأولى وخذل الثانية.
ثم قال : ومن هذا
الباب ، خروج الإمام الحسين عليهالسلام سبط الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على إمام الجور والبغي ، الّذي ولي أمر المسلمين بالقوة
والمكر يزيد بن معاوية ، خذله الله ، وخذل من انتصر له من الكرامية والنواصب . قال تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ
إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى
أَمْرِ اللهِ) (٩) [الحجرات : ٩].
٢٨٥ ـ من الّذي
خرج على إمام زمانه؟ :
(أقول) : ولقد دفع
التعصب المقيت بعض المؤرخين حتّى إلى تخطئة الإمام الحسينعليهالسلام في نهضته ، وقالوا : إنه كان يجب عليه أن لا يخرج على إمام
زمانه!. سمعت هذا بأذني من إذاعة دمشق في الخمسينات ، في حديث للأستاذ الشهير علي
الطنطاوي قبل ارتحاله إلى السعودية. فلقد قال : إن يزيد هو الإمام الواجب الطاعة ،
وإن الحسين مخطئ لأنه خرج على إمام زمانه!.
(أقول) : ومتى كان
يزيد إمام زمان الحسين عليهالسلام؟. ومن الّذي وضعه إماما عليهم ، سواء من أهل الحل والعقد ،
أو من أجلّاء الصحابة والتابعين ، من الأنصار والمهاجرين؟. لا بل إن أبناء الصحابة
المشهورين كلهم لم يبايعوا يزيد رغم الإنذار والوعيد ؛ أمثال : عبد الرحمن بن أبي
بكر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير. وإذا كان لا يجوز القيام ضدّ
الفاجر المتسلط يزيد لأنه إمام زمانهم ، فلما ذا قام أهل المدينة بثورتهم ضد يزيد
وأخرجوا عامله منها؟ وكانت لهم معه وقعة الحرّة في المدينة ، التي قتل فيها أجلّاء
الصحابة والتابعين!. أفهؤلاء كلهم كانوا على خطأ ، ويزيد هو الوحيد الّذي كان على
حق ، يا شيخ علي؟!.
__________________
٤ ـ لماذا خرج الحسين عليهالسلام بعياله؟
٢٨٦ ـ ما العذر في
خروج الحسين عليهالسلام من مكة بأهله وعياله؟ :
(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٢٥)
قال السيد المرتضى
في كتاب (تنزيه الأنبياء) :
فإن قيل : ما
العذر في خروج سيد الشهداء عليهالسلام من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة ، والمستولي عليها أعداؤه
والمتأمّر فيها من قبل يزيد اللعين بتسلط الأمر والنهي ، وقد رأى صنع أهل الكوفة
بأبيه وأخيه عليهمالسلام ، وأنهم غادرون خوّانون؟ وكيف خالف ظنّه ظنّ جميع نصحائه
في الخروج ، وابن عباس يشير عليه بالعدول عن الخروج ويقطع على العطب فيه ، وابن
عمر لما ودّعه يقول له : أستودعك الله من قتيل ... إلى غير ذلك ممن تكلم في هذا
الباب. ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل وقد أنفذه رائدا له ، كيف لم يرجع ، ويعلم
الغرور من القوم ويفطن بالحيلة والمكيدة؟ ثم كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل لجموع
عظيمة خلفها موادّ لها كثيرة؟ ثم لما عرض عليه ابن زياد الأمان وأن يبايع يزيد ،
كيف لم يستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهل بيته وشيعته ومواليه ، ولم ألقى بيده
إلى التهلكة؟. وبدون هذا الخوف سلّم أخوه الحسن عليهالسلام الأمر إلى معاوية ، فكيف يجمع بين فعليهما في الصحة؟.
يقول السيد محسن
الأمين في (لواعج الأشجان) ص ٢١٩ ط نجف :
وقد أجاب السيد
المرتضى عن هذا السؤال بما حاصله : إن الحسين عليهالسلام غلب على ظنه بمقتضى ما جرى من الأمور ، أنه يصل إلى حقه
بالمسير ، فوجب عليه ، وذلك بمكاتبة وجوه الكوفة وأشرافها وقرائها ، مع تقدّم ذلك
منهم في أيام الحسن عليهالسلام وبعد وفاته ، وإعطائهم العهود والمواثيق طائعين مبتدئين
مكررين للطلب ، مع تسلطهم على واليهم في ذلك الوقت وقوتهم عليه وضعفه عنهم ... ثم
يقول السيد المرتضى عليه الرحمة : وأما الجمع بين فعله وفعل أخيه الحسن عليهالسلام فواضح صحيح ، لأن أخاه سلّم (الأمر) كفّا للفتنة وخوفا على
نفسه وأهله وشيعته ، وإحساسا بالغدر من أصحابه ، وهذا (أي الحسين) لمّا قوي في ظنه
النصرة ممن كاتبه ووثق له ، ورأى من أسباب قوة نصّار الحق وضعف نصّار الباطل ،
ما وجب معه عليه
الطلب والخروج. فلما انعكس ذلك وظهرت أمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق ، رام الرجوع
والمكافّة والتسليم كما فعل أخوه ، فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه. فالحالان متفقان
، إلا أن التسليم والمكافّة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه ، ولم يجب إلى
الموادعة ، وطلبت نفسه فمنع منها بجهده ، حتّى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه ،
وهذا واضح لمتأمله (انتهيكلام السيد المرتضى).
٢٨٧ ـ تعليق
العلامة المجلسي : (أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٢٦)
قال المحقق المحدث
المجلسي بعد نقل كلام السيد المرتضى :
وقد مضى في كتابه (الإمامة)
وكتاب (الفتن) أخبار كثيرة دالة على أن كلا منهمعليهالسلام كان مأمورا بأمور خاصة ، مكتوبة في الصحف السماوية النازلة
على الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهم كانوا يعملون بها. ولا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة
بهم على أحكامنا. وبعد الاطلاع على أحوال الأنبياء عليهمالسلام وأن كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادى في ألوف من الكفرة ،
ويسبّون آلهتهم ويدعونهم إلى دينهم ، ولا يبالون بما ينالهم من المكاره والضرب
والحبس والقتل والإلقاء في النار ، ولا ينبغي الاعتراض على أئمة الدين في أمثال
ذلك ، مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين والنصوص المتواترة ، لا مجال للاعتراض
عليهم ، بل يجب التسليم لهم في كل ما صدر عنهم.
على أنك لو تأملت
حق التأمل علمت أنه عليهالسلام فدى بنفسه المقدسة دين جدهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم تنزلزل أركان دولة بني أمية إلا بعد شهادته ، ولم
يظهر للناس كفرهم وضلالتهم إلا عند فوزه بسعادته. ولو كان يسالمهم ويوادعهم كان
يقوى سلطانهم ويشتبه على الناس أمرهم ، فتعود بعد حين أعلام الدين طامسة وآثار
الهداية مندرسة. مع أنه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنه عليهالسلام هرب من المدينة خوفا من القتل.
إلى مكة ، وكذا
خرج من مكة بعد ما غلب على ظنه أنهم يريدون غيلته وقتله ، حتّى لم يتيسّر له أن
يتمّ حجّه ، فتحلل وخرج منها خائفا يترقب. وقد كانوا ضيّقوا عليه جميع الأقطار ولم
يتركوا له موضعا للفرار.
ولقد رأيت في بعض
الكتب المعتبرة أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم ، وولاه أمر
الموسم ، وأمّره على الحاج كلهم ، وكان قد أوصاه بقبض
الحسين عليهالسلام سرا ، وإن لم يتمكن منه بقتله غيلة. ثم إنه دسّ مع الحاج
في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية ، وأمرهم بقتل الحسين عليهالسلام على أي حال اتفق. فلما علم الحسين عليهالسلام بذلك حلّ من إحرام الحج وجعلها عمرة مفردة.
وقد روي بأسانيد
معتبرة ، أنه عليهالسلام لما منعه محمّد بن الحنفية عن الخروج
إلى الكوفة ، قال
: «والله يا أخي لو كنت في جحر هامّة من هوام الأرض ، لاستخرجوني منه حتّى
يقتلونني». بل الظاهر أنه لو كان يسالمهم ويبايعهم لا يتركونه ، لشدة عداوتهم
وكثرة وقاحتهم ، بل كانوا يغتالونه بكل حيلة ويدفعونه بكل وسيلة. وإنما كانوا
يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك. ألا ترى مروان ابن الحكم
كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه؟. وكان عبيد الله بن
زياد يقول : اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا ، ثم نرى فيه رأينا؟.
ألا ترى كيف
أمنّوا مسلم بن عقيل ، ثم قتلوه؟!.
فأما معاوية فإنه
مع شدة عداوته وبغضه لأهل البيت عليهمالسلام كان ذا دهاء ونكراء وحزم ، وكان يعلم أن قتلهم علانية يوجب
رجوع الناس عنه وذهاب ملكه وخروج الناس عليه ، فكان يداريهم ظاهرا على كل حال.
ولذا صالحه الحسن عليهالسلام ولم يتعرض له الحسينعليهالسلام. ولذا كان معاوية يوصي ولده اللعين بعدم التعرض للحسين عليهالسلام لأنه كان يعلم أن ذلك يصير سببا لذهاب دولته (انتهى كلام
العلامة المجلسي).
٢٨٨ ـ لماذا خرج
الحسين عليهالسلام بعياله إلى العراق؟ : (مقتل المقرم ص ١٢٥)
ان الكلمة السديدة
الناضجة في وجه حمل الحسين عياله إلى العراق مع علمه بما يقدم عليه ومن معه على
القتل ، هو أنه عليهالسلام لما علم بأن قتلته سوف تذهب ضياعا لو لم يتعقبها لسان ذرب وجنان ثابت ، يعرّفان الأمة ضلال ابن ميسون (يزيد) وطغيان
ابن مرجانة (ابن زياد) ، باعتدائهما على الذرية الطاهرة الثائرة في وجه المنكر ،
ودحض ما ابتدعاه في الشريعة المقدسة.
وعرف سيد الشهداء عليهالسلام من حرائر الرسالة عليهالسلام الصبر على المكاره وملاقاة
__________________
الخطوب والدواهي
بقلوب أرسى من الجبال ، فلا يفوتهن تعريف الملأ المغمور بالترّهات والأضاليل ،
نتائج أعمال هؤلاء المضلين ، وما يقصدونه من هدم الدين ، وأن الشهداء أرادوا
بنهضتهم مع إمامهم إحياء شريعة جده محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وفي الحقيقة لقد
أدت عقائل الوحي هذه الرسالة الجوهرية الخطيرة ، بجرأة وإخلاص ، وثبات ورباطة جأش
، رغم تفاقم الخطب وعظم المصيبة وقساوة المحنة .. فهاهي عقيلة الوحي زينب عليهاالسلام أخت الحسين عليهالسلام تقف بجرأة وحزم أمام ابن زياد الجبار المتهور ، تفرغ عن
لسان أبيها ، تقول له بكلام أنفذ من السهم ، وتلقمه حجرا وهي تقول :
«هؤلاء قوم كتب
الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم ،
فانظر لمن الفلج (أي الفوز) ثكلتك أمك يابن مرجانة». ثم لا ننسى خطبها في الكوفة
ومواقفها في الشام عليهاالسلام.
وها هي فاطمة بنت
الحسين وأم كلثوم وسكينة عليهمالسلام يتحدثن بمثل ما تحدثت به عمتهن زينب عليهاالسلام ، في ذلك الموقف الرهيب المحفوف بسيوف الخسف والغدر والجور
، فما يستطيع أحد أن يتفوه بكلمة واحدة مهما أوتي من الجرأة والثبات والصمود ،
ومهما بلغ من القوة والمنعة والمنزلة ، فكيف بهنّ وقد أعلنّ للملأ أجمع عن كل
موبقات ابن ميسون وابن مرجانة.
هذا على أنه وإن
وضع الله الجهاد ومكافحة الأعداء عن المرأة وأمرها بلزوم بيتها ، فذاك فيما إذا
قام بتلك المكافحة غيرها من الرجال ، وأما إذا توقف إقامة الحق عليها فقط ، بحيث
لولا قيامها لدرست أسس الشريعة وذهبت الغاية من تضحية الصفوة ، كان الواجب القيام
به.
ينتج من هذا أن
جهاد العقيلات في معركة كربلاء كان في طرف موازنة مع جهاد الشهداء.
وجاء في (اللهوف)
ص ٤٧ : ومما يمكن أن يكون سببا لحمل الحسين عليهالسلام عياله ، أنه إن تركها بالحجاز أو غيرها من البلاد ، كان
يزيد بن معاوية قد أنفذ ليأخذهن إليه ، وصنع بهن من الاستئصال وسيّئ الأعمال ، ما
يمنع الحسين من الجهاد والشهادة.
٥ ـ هل ألقى الحسين عليهالسلام بيده إلى التهلكة؟
٢٨٩ ـ هل عرّض
الحسين عليهالسلام نفسه للتهلكة؟ :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩)
يقول السيد عبد
الرزاق المقرّم عن استشهاد الأئمة عليهمالسلام :
وليس في إقدامهم
على الشهادة إعانة على إزهاق نفوسهم القدسية وإلقائها في التهلكة الممنوع منه بنص
الذكر المجيد ، فإن الإبقاء على النفس والحذر من إيرادها مورد الهلكة إنما يجب إذا
كان مقدورا لصاحبها أو لم يقابل بمصلحة أهمّ من حفظها. وأما إذا وجدت هنا لك مصلحة
تكافىء تعريض النفس للهلاك ، كما في الجهاد والدفاع عن النفس ، مع العلم بتسرب
القتل إلى فئة من المجاهدين ، فيجب عندها بذل النفس والتضحية بها. ولقد أمر الله
الأنبياء والمرسلين والمؤمنين فمشوا إليه قدما موطّنين أنفسهم على القتل وكم فيهم
سعداء ، وكم من نبي قتل في سبيل دعوته ولم يبارح قوله دعوته حتّى أزهقت نفسه
الطاهرة!. وقد تعبّد الله طائفة من بني إسرائيل بقتل أنفسهم فقال : (إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ) [البقرة : ٥٤].
وقد أثنى سبحانه
على المؤمنين في إقدامهم على القتل والمجاهدة في سبيل تأييد الدعوة الإلهية ، فقال
تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ
يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [التوبة : ١١١]
وقال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) [البقرة : ٢٠٧]
وقال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ) (١٦٩) [آل عمران :
١٦٩].
٢٩٠ ـ التعبّد
بالقتل أسمى درجات السعادة ، وليس هو إلقاء إلى التهلكة :
(اللهوف للسيد ابن طاووس ، ص ١٢)
يقول السيد ابن
طاووس : ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة ، يعتقد أن الله لا
يتعبّد بمثل هذه الحالة. أما سمع في القرآن الصادق المقال ، أنه تعبّد قوما بقتل
أنفسهم ، فقال تعالى : (إِلى بارِئِكُمْ
فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) [البقرة : ٥٤] أنه هو القتل ، وليس الأمر كذلك ، وإنما
التعبد به من أبلغ درجات السعادة.
ثم يعرض تفسير آية
التهلكة بما ذكره الإمام الصادق عليهالسلام ، وهو أن بعض الصحابة تخلّفوا عن نصرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأقاموا في بيوتهم
لإصلاح أحوالهم ، فنزلت الآية : (وَلا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥]
ومعناه : إن تخلّفتم عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة وسخط الله
عليكم فهلكتم. وليست هذه الآية في رجل يحرّض على العدو أو يطلب الشهادة بالجهاد في
سبيل الله رجاء الثواب والآخرة.
٢٩١ ـ دفع شبهة :
هل ألقى الحسين عليهالسلام بنفسه إلى التهلكة؟ :
(الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)
يقول السيد نعمة
الله الجزائري :
واعلم أن جماعة من
مخالفينا أورد واهنا شبهة ، بل وربما قاله بعض الجهال فينا ، وهو أن الحسين عليهالسلام كان عالما بأن يجري عليه ما جرى قبل مسيره إلى العراق ،
فلم سار إليها حتّى صار كالمعين على نفسه؟. وهذه شبهة ركيكة ، والجواب عنها من
وجوه :
الوجه الأول : أن
الإمام إذا وجد الأعوان وجب عليه القيام بأمر الجهاد ، ولا يجوز له التقاعد عنه
لظنه بهم الخذلان له ، كما لم يجز للأنبياء عليهمالسلام ترك الجهاد لهذه المظنّة ، بل قاموا بالدعوة حتّى أصيبوا
من الأمة بالمصائب العظام ، كما وقع لأولي العزم وغيرهم ، استتماما لحجة الله
تعالى على الخلائق.
الوجه الثاني :
أنه عليهالسلام لو لم يسر إلى العراق لما تركوه ، ولو ذهب إلى المكان
البعيد ، مصداقا لقوله عليهالسلام لأخيه محمّد بن الحنفية ، حين نصحه بأن يلحق بالرمال من
اليمن حتّى ينظر بواطن أهل العراق ، فقال له : يا أخي نعم ما رأيت من الصلاح ،
ولكن هؤلاء القوم ما يسكتون عن طلبي أينما ذهبت حتّى يسفكوا دمي ، فعند ذلك يلبسهم
الله ذلّ الدنيا والآخرة.
الوجه الثالث : أن
الأنبياء والأئمة عليهمالسلام قد خصّهم الله تعالى بأنواع من التكاليف ، فلعل هذا ـ وهو
الإلقاء إلى التهلكة ـ منها ، نظرا إلى الحكم والمصالح الإلهية.
فإن قلت : كيف لم
يبايع ليزيد حتّى لا يصل إليه الضرر ، كما بايع أخوه الحسنعليهالسلام؟ قلت : هذا مجرد كلام ، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
وذلك
أنه عليهالسلام رأى أخاه الحسن عليهالسلام لما سالم معاوية ، وكيف فعل به أولا ، وكيف غدر به آخرا ،
حتّى قتله مسموما. فما كان يصنع ابنه يزيد مع الحسين عليهالسلام إلا أسوأ من هذا ، لأن معاوية كان فيه الدهاء ، وما كان
يتجرأ على قتل الحسين عليهالسلام ظاهرا ، ولهذا أوصى عند موته ليزيد ، أنك [إن] تظفر
بالحسين عليهالسلام فلا تقتله ، واذكر فيه القرابة من رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم.
٢٩٢ ـ بين هجرة
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وهجرة السبط عليهالسلام :
(من وحي الثورة الحسينية لهاشم معروف الحسني ، ص ٣١)
يقول السيد هاشم
معروف الحسني :
هناك هجرتان من
أجل الإسلام ورسالة الإسلام :
الأولى منهما :
كانت فرارا من الموت الّذي استهدف رسالة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بشخصه ، وقد نفّذها الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم بأمر من ربه ، ليتابع رسالته وينقذها من مشركي مكة وجبابرة
قريش وعلى رأسهم أبو سفيان.
والثانية : قام
بها سبطه الزكي الحسين بن علي عليهالسلام ولكنها كانت للشهادة ، بعد أن أدرك أن الأخطار المحدقة
برسالة جده ، لا يمكن تفاديها وتجاوزها إلا بشهادته.
لقد هاجر رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من مكة إلى المدينة لأجل رسالته ، بعد أن تآمرت قريش على
قتله لتتخلص منها ، لأن بقاءها وانتشارها مرهون بحياته ، وبعد أن وجدت أن جميع
وسائل العنف التي استعملتها معه خلال ثلاثة عشر عاما لم تغير من موقفه شيئا ، كما
لم تجدها جميع الاغراءات والعروض السخية. وكان ردّه الأخير على عروض أبي سفيان
وأبي جهل ومغرياتهما أن قال : «والله لو وضعتم الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ،
على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتّى يحكم الله أو أهلك دونه».
وظل الحزب الأموي
بقيادة أبي سفيان وأبنائه يتحيّن الفرص ويستغل المناسبات ليجهض على الإسلام وعلى
قادة الإسلام ، بعد أن عملوا بكل جهدهم لإفراغ الإسلام من مضمونه الحقيقي واتخاذه
أداة ظاهرية للوصول إلى الحكم.
وحين عادت
الجاهلية تعصف برياحها على بلاد الإسلام ، وتلقي بظلها على المسلمين ، سطع ضوء في
الظلام ومن بين ركام الإسلام المتداعي ، وأضاءت للملأ
ملامح أمل جديد في
دياجي ذلك الظلام المطبق ، وبدا للعالم إنسان يخطّ على التراب بدمه هذه الكلمات :
«ألا وإني لا أرى
الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما».
إنه الحسين ، ابن
علي وفاطمة الزهراء عليهمالسلام سبط ذلك الرسول الّذي هاجر [الهجرة الأولى] من مكة إلى
المدينة ، لأجل رسالته ولا نقاذها من الشرك والوثنية. جاء يهاجر [الهجرة الثانية]
لأجل نفس الرسالة ولانقاذها من الشذوذ والانحراف والجور والفساد. خرج من مدينة جده
محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى عاصمة أبيه الكوفة ، خرج مهاجرا لإحياء دين جده
ورسالته ، وإيقاظ الآمال في نفوس الفقراء والمستضعفين ، الذين باتوا يساقون
كالأنعام بيد الولاة والحكام.
ولقد رضي الحسين عليهالسلام أن يقدّم نفسه وأهله قربانا لهذه الرسالة ، حين رأى الموت
والشهادة أحلى إلى قلبه من العقد الّذي يزيّن جيد الفتاة ، وحين أدرك أن لا عزّة
ولا كرامة إلا بالجهاد والفداء.
لقد هاجر الحسين عليهالسلام من مدينة جده صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أرض الشهادة والخلود ، ليقدّم دمه الزكي ودماء إخوته
وأنصاره ثمنا لإحياء شريعة جده محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وإنقاذها من الضياع والاندثار.
وهكذا كانت نهضة
الحسين عليهالسلام الامتداد الطبيعي لرسالة جده محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وجهاد الحسين عليهالسلام امتدادا لجهاد جده وأبيه عليهالسلام ، مصداقا لقول النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم :
«حسين مني وأنا من
حسين». فعقيدة الحسين هي من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ورسالة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تحيى وتبقى بالحسين عليهالسلام.
٦ ـ معالم النهضة المقدسة
٢٩٣ ـ ثلاثة مشاعل
من رسالة الحسين عليهالسلام :
(مجلة الإسلام في معارفه وفنونه للشيخ حبيب آل إبراهيم ، بعلبك ،
السنة العاشرة ، العدد الأول ، نيسان ١٩٦٨)
ماهي رسالة الحسين
عليهالسلام؟ ...
تعال نسأل عنها
الإمام الحسين نفسه ...
في يوم شهادته
بالذات رفع الشهيد شعارات ثلاثة ،
كانت خير عنوان
للرسالة التي خرج يؤديها بدمه ،
ودم الشهداء الذين
معه.
هذه الشعارات هي :
المسؤولية ـ التصميم ـ العزّة.
١ ـ المسؤولية :
قال الإمام الحسين
عليهالسلام : «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ،
وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ... فمن قبلني
بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يحكم الله وهو خير
الحاكمين».
هذه الكلمات مشاعل
، تضيء الطريق للسالكين ، بها يحدد سيد الشهداء أغراض نهضته : إنه لم يخرج طمعا
بمنصب ولا عن انحراف ، إنما خرج يطلب الإصلاح في دين جده خاتم الرسل صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يريد أمرا بمعروف ونهيا عن منكر.
ها هنا مشعل!. الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر. إنه المسؤولية ؛ مسؤولية المسلم عن عقيدته وممارستها.
ولقد كان أبو عبد
الله الحسين عليهالسلام حيثما سار وثار ، نموذجا مثاليا للمسلم حين تحيق بعقيدته
الآفات والأخطار.
ثم قال الحسين عليهالسلام : «فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن ردّ
عليّ هذا أصبر ، حتّى يحكم الله ، وهو خير الحاكمين».
إنه ينادي : أيها
الناس لا يكن ميزان قبولكم إياي شخصي ، إنما اقبلوني لأني أمثّل حقا. فمن قبلني
فإنما يقبل الحق ، ومن ردّ عليّ فإنما يردّ على الحق ... هكذا ترتفع المبادئ فوق
الأشخاص. وحينذاك تضيع النفوس وحاجاتها ، ويبقى المبدأ هو القائم البارز. ونعم ،
يبقى الشخص بمقدار ما يمثّل من مبدأ.
٢ ـ التصميم :
وقال عليهالسلام : «ألا وإن الدعيّ ابن الدعيّ ، قد ركز بين اثنتين : بين
السّلةّ والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود
طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع
الكرام».
ها هو الحسين عليهالسلام يعلن تصميمه على أداء رسالته ، وأنه لن يتراجع. وأنه يؤثر
أن يموت ميتة الكرام في سبيل الرسالة ، على أن يطيع اللئام .. ولكن لماذا؟. من أين
ينبع هذا التصميم؟.
من الله ورسوله ،
ومن تربيته ، ومن نفسه. فلا الله يرضى له التراجع ولا رسوله ، ولا حقّ من ربّوه ،
ولا نفسه.
مزيج من الدوافع ،
لا أشمل ولا أكمل : الدين والتربية والنفسية. كلها تدفعه لأن يعلنها صريحة مدوّية
: أنه لن يتراجع عن أداء رسالته ، ولو كلّفه ذلك مصرعه ... والدين في المقدمة.
وهذا مشعل!. الدين حافز لا يرضى التراجع
، ولا يقبل بأنصاف الحلول.
٣ ـ العزّة :
ثم قال عليهالسلام : «لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ
إقرار العبيد».
كلمات تنضح بالعزة
...
إنه لن يسكت ذليلا
، ولن يسكت عبدا ... والمنحرفون يريدونه ذليلا وعبدا معا. ولو أنه ذل واستعبد
لربما أنالوه ما يرضيه ؛ ولكنه عزّ ، وإذ عزّ ثار ... ولكم تكلّف.
العزة غاليا ... (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون : ٨].
وهذا مشعل!. الإيمان عزّ ، ولا ذلّ مع
الإيمان.
٧ ـ أهداف نهضة الحسين عليهالسلام
* مدخل :
قبل أن يسير
الحسين عليهالسلام من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، دعا بدواة وبياض
وكتب وصية تاريخية لأخيه محمّد بن الحنفية. وهذه الوصية هي أفضل وثيقة صادرة عن
صاحب النهضة ، يوضح فيها بجلاء أهداف نهضته المباركة ، يقول فيها :
«إني لم أخرج أشرا
(أي فرحا) ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي
محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن
المنكر ، وأسير
بسيرة جدي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وسيرة أبي علي بن أبي طالب عليهالسلام. فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ
هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم وهو خير
الحاكمين».
ففي هذه الوثيقة
يبيّن الحسين عليهالسلام ما يلي :
١ ـ أن نهضته ليس
غرضها السلطان والدنيا وما يلازمها من الفرح والبطر ، ولا الإفساد والظلم.
٢ ـ أن نهضته
تنطلق من مبدأ وجوب الإصلاح لكل فاسد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
٣ ـ أن غايته
الأولى والأخيرة إحقاق الحق الّذي أبطله المتحكمون والمبطلون ، المتمثل بسيرة جده
محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبيه علي عليهالسلام.
٤ ـ أنه سوف يعمل
جاهدا لتطبيق مبادئه السامية مستعينا بأنصار الحق ، وسوف يبذل في سبيل ذلك كل غال
ورخيص ، ويصبر على تنفيذ ذلك ولو ضحّى بنفسه وما يملك.
والحسين عليهالسلام رغم علمه بمصيره وشهادته ، التي وصلت حدّ الاشتهار ، إلا
أنه كان يعمل وفق تكليفه الشرعي المبني على ظواهر الأمور.
٢٩٤ ـ هدفان
رئيسيان للنهضة :
(الوثائق الرسمية لثورة الحسين لعبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٢)
لو تصفحنا الوثائق
الأولى لقائد هذه الثورة ـ الحسين عليهالسلام ـ لرأيناها تحمل الهدفين التاليين :
١ ـ الثورة على
حكم يزيد ، أي تغيير الجهاز الحاكم.
٢ ـ إقامة الشريعة
الاسلامية وتطبيقها ، في مقابل المخالفات التي أشاعها الحكام آنذاك.
٢٩٥ ـ الحسين عليهالسلام فاتح وليس مغامرا : (مقتل الحسين للمقرم ، ص ٥٦)
كان الحسين عليهالسلام يعتقد في نهضته أنه فاتح منصور ، لما في شهادته من إحياء
دين الرسول وإماتة البدعة وتفظيع أعمال المناوئين وتفهيم الأمة أنه أحق بالخلافة
من غيره ، وإليه يشير في كتابه إلى بني هاشم :
«من لحق بي منكم
استشهد ، ومن تخلفّ لم يبلغ الفتح» .
فإنه عليهالسلام لم يرد بالفتح إلا ما يترتب على نهضته وتضحيته من نقض
دعائم الضلال وكسح أشواك الباطل عن الشريعة المطهرة ، وإقامة أركان العدل والتوحيد
، وأن الواجب على الأمة القيام في وجه المنكر.
وهذا معنى كلمة
الإمام زين العابدين عليهالسلام لإبراهيم بن طلحة بن عبيد الله
لما سأله حين
رجوعه إلى المدينة : «من الغالب؟». فقال السجّاد عليهالسلام : إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم ، تعرف الغالب! .
فإنه يشير إلى
تحقّق الغاية التي ضحّى سيد الشهداء بنفسه القدسية من أجلها ، وفشل يزيد بما سعى
له من إطفاء نور الله تعالى ومحو ذكر أهل البيت عليهمالسلام ، وما أراده أبوه من نقض مساعي الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وإمائة الشهادة له بالرسالة ، بعد أن كان الواجب على الأمة
في أوقات الصلوات الخمس الإعلان بالشهادة لنبي الإسلام ، ذلك الّذي هدم صروح الشرك
وأبطل عبادة الأوثان. كما وجب على الأمة الصلاة على النبي وعلى آله الطاهرين في
التشهدين ، وأن الصلاة عليه بدون الصلاة على آله : بتراء .
كما أن العقيلة
زينب عليهاالسلام أشارت إلى هذا الفتح بقولها ليزيد : «فكد كيدك ، واسع سعيك
، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا
يرحض عنك عارها وشنارها».
تصريحات الفيلسوف الألماني ماربين
٢٩٦ ـ أسرار شهادة
الحسين عليهالسلام للفيلسوف الألماني (ماربين):
(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ٥٢)
قال الحكيم
الألماني ماربين في كتابه (السياسة الإسلامية) من جملة كلام طويل :
لا يشك صاحب
الوجدان إذا دقّق النظر في أوضاع ذاك العصر ، وكيفية نجاح بني
__________________
أمية في مقاصدهم
واستيلائهم على جميع طبقات الناس وتزلزل المسلمين ، أن الحسين قد أحيا بقتله دين
جده وقوانين الإسلام. ولو لم تقع تلك الواقعة ، ولم تظهر تلك الحسّيات الصادقة بين
المسلمين لأجل قتل الحسين ، لم يكن الإسلام على ماهو عليه الآن قطعا ، بل كان من
الممكن ضياع رسومه وقوانينه حيث كان يومئذ حديث العهد.
عزم الحسين عليهالسلام على إنجاح هذا المقصد وإعلان الثورة ضد بني أمية من يوم
توفي والده ، فلما قام يزيد مقام معاوية خرج الحسين عليهالسلام من المدينة ، وكان يظهر مقصده العالي ، ويبث روح الثورة في
المراكز الإسلامية المهمة كمكة والعراق وأينما حل ، فازدادت نفرة قلوب المسلمين ،
التي هي مقدمة الثورة على بني أمية ، ولم يكن يجهل يزيد مقاصد الحسين عليهالسلام ، وكان يعلم أن الثورة إذا أعلنت في جهة والحسين قائدها مع
تنفر المسلمين عموما من حكومة بني أمية وميل القلوب وتوجه الانظار إلى الحسين عليهالسلام ، عمّت جميع البلدان ، وفي ذلك زوال ملكهم وسلطانهم ، فعزم
يزيد قبل كل شيء من يوم بويع على قتل الحسين عليهالسلام. ولقد كان هذا أعظم خطأ سياسي صدر من بني أمية ، فجعلهم
نسيا منسيا ولم يبق منهم أثر ولا خبر.
وأعظم الأدلة على
أن الحسين عليهالسلام أقدم على قتل نفسه ولم تكن من غرضه سلطنة ولا رئاسة ، هو
أنه مضافا إلى ما كان عليه من العلم والسياسة والتجربة التي وقف عليها زمن أبيه
وأخيه في قتال بني أمية ، كان يعلم أنه مع عدم تهيئة الأسباب له واقتدار يزيد ، لا
يمكنه المقاومة والغلبة.
وكان يقول من يوم
توفي والده إنه يقتل وأعلن يوم خروجه من المدينة أنه يمضي إلى القتل ، وأظهر ذلك
لأصحابه والذين أتبعوه من باب إتمام الحجة ، حتى يتفرق الذين التفوا حوله طمعا
بالدنيا ، وطالما كان يقول «وخير لي مصرع أنا لاقيه». ولو لم يكن قصده ذلك ولم يكن
عالما عامدا ، لجمع الجنود ولسعى في تكثير أصحابه وزيادة استعداده ، لا أن يفرق
الذين كانوا معه. ولكن لما لم يكن له قصد إلا القتل مقدمة لذلك المقصد العالي ،
وإعلان الثورة المقدسة ضد يزيد ، رأى أن خير الوسائل إلى ذلك (الانفراد والمظلومية)
، فإنّ أثر هذه المصائب أشد وأكثر في القلوب.
من الظاهر أن
الحسين عليهالسلام مع ما كانت له من المحبوبية في قلوب المسلمين
في ذلك الزمان ،
لو كان يطلب قوة واستعدادا لأمكنه أن يخرج إلى حرب يزيد جيشا جرارا ، ولكنه لو صنع
ذلك لكان قتله في سبيل السلطة والإمارة ، ولم يفز (بالمظلومية) التي انتجت تلك
الثورة العظيمة. هذا هو الذي جعله لا يبقي معه إلا الذين لا يمكن انفكاكهم عنه ،
كأولاده وإخوانه وبني أخوته وبني أعمامه وجماعة من خواص أصحابه ، حتى أنه أمر
هؤلاء أيضا بمفارقته ، ولكنهم أبوا عليه ذلك ، وهؤلاء أيضا كانوا من المعروفين بين
المسلمين بجلالة القدر وعظم المنزلة وقتلهم معه مما يزيد في عظم المصيبة وأثر
الوقعة. نعم إن الحسين عليهالسلام بمبلغ علمه وحسن سياسته بذل كمال جهده في إفشاء ظلم بني
أمية وإظهار عداوتهم لبني هاشم وسلك في ذلك كل طريق.
ولما كان يعلم
الحسين عليهالسلام عداوة بني أمية له ولبني هاشم ، ويعرف أنهم بعد قتله
يأسرون عياله وأطفاله ـ وذلك يؤيد مقصده ويكون له أثر عظيم في قلوب المسلمين سيما
العرب كما قد وقع ـ حملهم معه وجاء بهم من المدينة.
نعم إن ظلم بني
أمية وقساوة قلوبهم في معاملاتهم مع حرم محمد وصباياه أثّر في قلوب المسلمين
تأثيرا عظيما لا ينقص عن أثر قتله وأصحابه. ولقد أظهر في عمله هذا عقيدة بني أمية
في الإسلام وسلوكهم مع المسلمين سيما ذراري نبيهم. لهذا كان الحسين يقول في جواب
أصحابه والذين كانوا يمنعونه عن هذا السفر : «إني أمضي إلى القتل» ولما كانت أفكار
المانعين محدودة وأنظارهم قاصرة لا يدركون مقاصد الحسين عليهالسلام العالية ، لم يألوا جهدهم في منعه ، وآخر ما أجابهم به أن
قال لهم «شاء الله ذلك وجدي أمرني به». فقالوا إن كنت تمضي إلى القتل فما وجه حملك
النسوة والأطفال ، فقال : «إن الله شاء أن يراهن سبايا». ولما كان الحسين بينهم
رئيسا روحانيا لم يكن لهم بدّ من السكوت.
ومما يدل على أنه
لم يكن له غرض إلا ذلك المقصد العالي الذي كان في نفسه ، ولم يتحمل تلك المصائب
لسلطنة وإمارة ولم يقدم على هذا الخطر من غير علم ودارية ـ كما تصوره بعض المؤرخين
منا ـ أنه قال لبعض ذوي النباهة قبل الواقعة بأعوام كثيرة ، على سبيل السلوة : إنه
بعد قتلي وظهور تلك المصائب المحزنة ، يبعث الله رجالا يعرفون الحق من الباطل ،
يزورون قبورنا ، ويبكون على مصابنا ، ويأخذون بثأرنا من أعدائنا ، أولئك جماعة
ينشرون دين الله وشريعة جدي ، وأنا وجدي نحبهم وهو يحشرون معنا يوم القيامة.
وليتأمل المتأمل في كلام
الحسين عليهالسلام وحركاته يرى أنه لم يترك طريقا من السياسة إلا سلكه في
إظهار شنائع بني أمية وعداوتهم القلبية لبني هاشم ومظلومية نفسه ، وهذا مما يدل
على حسن سياسته وقوة قلبه وتضحية نفسه ، في طريق الوصول إلى المقصد الذي كان في
نظره ، حتى أنه في آخر ساعات حياته عمل عملا حير عقول الفلاسفة ، ولم يصرف نظره عن
ذلك المقصد العالي مع تلك المصائب المحزنة والهموم المتراكمة وكثرة العطش
والجراحات ، وهو قصة (عبد الله الرضيع). فلما كان الحسين عليهالسلام يعلم أن بني أمية لا يرحمون له صغيرا رفع طفله الصغير
تعظيما للمصيبة على يده أمام القوم وطلب منهم أن يأتوه بشربة من الماء فلم يجيبوه
إلا بالسهم.
ويغلب على الظن أن
غرض الحسين عليهالسلام من هذا العمل تفهيم العالم بشدة عداوة بني أمية لبني هاشم
وأنها إلى أي درجة بلغت. ولا يظن أحد أن يزيد كان مجبورا على تلك الأعمال المفجعة
لأجل الدفاع عن نفسه ، لأن قتل الطفل الرضيع في تلك الحال بتلك الكيفية ، ليس هو
إلا توحش وعداوة سبعية ، منافية لقواعد كل دين وشريعة ، ويمكن أن تكون هذه الفاجعة
كافية لافتضاح بني أمية ورفع الستار عن قبائح أعمالهم ونياتهم السيئة بين العالم ،
سيما المسلمين ، وأنهم يخالفون الإسلام في حركاتهم بل يسعون بعصبية جاهلية إلى
إبادة آل محمد وجعلهم أيدي سبأ.
ونظرا لتلك
المقاصد العالية التي كانت في نظر الحسين عليهالسلام مضافا إلى وفور علمه وسياسته التي كان لا يشك فيها اثنان
لم يرتكب أمرا يوجب إجبار بني أمية للدفاع عن أنفسهم ، حتى أنه مع ذلك النفوذ
والاقتدار الذي كان له في ذلك العصر لم يسع في تسخير البلاد الإسلامية وضمها إليه
ولا هاجم ولاية من ولايات يزيد إلى أن حاصروه في واد غير ذي زرع ، قبل أن تبدو منه
أقل حركة عدائية أو تظهر منه ثورة ضد بني أمية ... لم يقل الحسين عليهالسلام سأكون ملكا أو سلطانا أو أصبح صاحب سلطة. نعم كان يبث روح
الثورة في المسلمين بنشره شنائع بني أمية واضمحلال الدين إن دام ذلك الحال ، وكان
يخبر بقتله ومظلوميته وهو مسرور. ولما حوصر في تلك الأرض القفراء أظهر لهم من باب
إتمام الحجة بأنهم لو تركوه لرحل بعياله وأطفاله وخرج من سلطة يزيد ، ولقد كان
لهذا الإظهار الدال على سلامة نفس الحسين عليهالسلام في قلوب المسلمين غاية التأثير.
لقد قتل قبل
الحسين عليهالسلام ظلما وعدوانا كثير من الرؤساء الروحانيين وأرباب
الديانات وقامت
الثورة بعد قتلهم بين تابعيهم ضد الأعداء ، كما وقع مكررا في بني إسرائيل ، وقصة
يحيى من أعظم الحوادث التاريخية ، ومعاملة اليهود مع المسيح لم ير نظيرها إلى ذلك
العهد ، ولكن واقعة الحسين عليهالسلام فاقت الجميع ... لم يرشدنا التاريخ إلى أحد من الروحانيين
وأرباب الديانات أنه أقدم على قتل نفسه عالما عامدا لمقاصد عالية لا تنجح إلا
بقتله ، فإن كل واحد من أرباب الديانات الذين قتلوا ، ثار عليهم أعداؤهم وقتلوهم
ظلما ، وبمقدار مظلوميتهم قامت الثورة بعدهم ، ومقاصد الحسين عليهالسلام كانت على علم وحكمة وسياسة وليس لها نظير في التاريخ ،
فإنه لم يزل يوالي السعي في تهيئة أسباب قتله نظرا لذلك المقصد العالي ، ولم نجد
في التاريخ رجلا ضحّى بحياته عالما عامدا لترويج ديانته من بعده إلا الحسين عليهالسلام.
المصائب التي
تحمّلها الحسين عليهالسلام في طريق إحياء دين جده تفوق على مصائب أرباب الديانات
السابقين ، ولم ترد على أحد منهم. نعم إن هناك رجالا قتلوا في طريق إحياء الدين
ولكنهم لم يكونوا كالحسين ، فإنه ضحّى بنفسه العزيزة في طريق إحياء دين جده وفداه
بأولاده وإخوانه وأقربائه وأحبابه وأمواله وعياله ، ولم تقع هذه المصائب دفعة
واحدة حتى تكون في حكم مصيبة واحدة ، بل وقعت متوالية واحدة بعد أخرى ، ويختص
الحسين عليهالسلام دون غيره بتواتر أمثال هذه المصائب كما يشهد له التاريخ.
لم تنته المصائب
التي وردت على الحسين عليهالسلام من قتله وقتل أصحابه وتسيير نسائه وبناته ، إلا وانكشف
الغطاء عن سرائر بني أمية وقبائح أعمالهم ، وظهرت بين المسلمين الحسيات السياسية ،
وتوطدت أسباب الثورة ضد سلطنة يزيد وبني أمية ، وعلم الجميع أن بني أمية مخربو
الإسلام ، وصار الجميع يرفض بدعهم وتقولاتهم ، وعرفوا بالظلم والغصب ، بالعكس من
بني هاشم فإنهم عرفوا بالمظلومية وأن لهم الرئاسة الروحانية بالاستحقاق ، وإليهم
تنمى الحقيقة الروحانية.
كأن المسلمين بعد
قتل الحسين عليهالسلام قد دخلوا في دور جديد وظهرت الروحانية الإسلامية بأجلى
مظاهرها وتجددت بعد أن كانت مندرسة غائبة عن أذهان المسلمين ... وكما أنه لا يشك
اثنان في تفوق مصائب الحسين عليهالسلام على جميع مصائب روحاني السلف ، فكذلك لا يشك في الثورة
التي حدثت بعده بأنها فاقت جميع الثورات السالفة وأن امتدادها وأثرها أكثر ، وأن
بها ظهرت للعالم (مظلومية
آل محمد) .. فكانت
أولى نتائج هذه الثورة اختصاص الرئاسة الروحانية التي لها أهمية عظمى في عالم
السياسة ببني هاشم ، وخصوصا في أولاد الحسين عليهالسلام (فكان منهم أئمة
الشيعة) ونظرة عموم المسلمين إلى بني هاشم سيما أولاد الحسين نظرهم إلى
الروحانيين. ولم يطل العهد حتى نزعت تلك السلطة من بني أمية وزالت السلطة والقدرة
من آل يزيد في أقل من قرن ، واندرست آثارهم على وجه لم يبق منهم عين ولا أثر.
وأينما ذكرت أسماؤهم في متون الكتب قرنها المسلمون بكلمة الشماتة ، وكل ذلك نتيجة
سياسة الحسين الذي يمكن أن يقال إنه لم يأت في أرباب الديانات والروحانيين رجل عرف
عواقب الأمور مع بعد نظر وحسن سياسة كالحسين عليهالسلام.
قبل أن تصل سبايا
الحسين إلى الشام قامت الثورة ضد يزيد وظهرت بمظلومية الحسين سرائر بني أمية ،
وكشف الغطاء عن نياتهم وتوجه اللوم على يزيد حتى من أهل بيته وحرمه . وصار يزيد يسمع تقديس الحسين عليهالسلام وأولاد علي وعظمتهم ومظلوميتهم بعد أن لم يكن يمكن ذكرهم
عنده بخير. وكان يصعب عليه ذلك إلا أنه لم يكن له بدّ غير السكوت ، ولما أراد
تبرئة نفسه من تلك الأعمال ألقى المسؤولية على عماله ولم يزل يسمع محامد الحسينعليهالسلام. قال يزيد ذات يوم : إن سلطنة الحسين كانت أهون عليّ من
هذا المقام العالي الذي فاز به آل علي وبنو هاشم.
وأخيرا فشيعة
الحسين عليهالسلام لم يزالوا يستفيدون من هذه الثورات ، وتزيد قوة بني هاشم
وعظمتهم حتى لم يمض أقل من قرن إلا وصارت السلطنة الإسلامية الوسيعة في بني هاشم
من دون مزاحم ، وأبادوا بني أمية على وجه لم يبق منهم اسم ولا رسم. (انتهى كلام
ماربين).
__________________
إنها لكلمات حرة
صادقة جاءت على لسان رجل غربي مدقق مطّلع. ومن المؤسف أن نرى أمثال هذا الفيلسوف
من الغربيين أشد إنصافا ودفاعا عن الحق ، حتى من علماء العرب أنفسهم (وإن تتولّوا
يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) صدق الله العظيم.
٢٩٧ ـ مختصر ما
حصل للحسين عليهالسلام حتّى مقتله :
(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٧)
يقول السيوطي :
فأما ابن الزبير فلم يبايع ، ولا دعا إلى نفسه.
وأما الحسين عليهالسلام فكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم زمن
معاوية ، وهو يأبى. فلما بويع يزيد أقام على ما هو مهموما ، يجمع الإقامة مرة ،
ويريد المسير إليهم أخرى. فأشار عليه ابن الزبير بالخروج.
وكان ابن عباس
يقول له : لا تفعل.
وقال له ابن عمر :
«لا تخرج ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة. وإنك بضعة
منه ، ولا تنالها (أي الدنيا).
(وفي رواية تهذيب
التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ج ٢ ص ٣٥٧) : «لا ينالها أحد منكم ، وما صرفها الله
عنكم إلا للذي هو خير ، فأبى».
واعتنقه [ابن عمر]
وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل!. فكان ابن عمر يقول : غلبنا حسين بالخروج ،
ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة.
وكلّمه في ذلك
أيضا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأبو واقد الليثي وغيرهم ، فلم
يطع أحدا منهم.
وصمم على المسير
إلى العراق. فقال له ابن عباس : والله إني لأظنك ستقتل بين نسائك وبناتك كما قتل
عثمان ، فلم يقبل منه. فبكى ابن عباس وقال : أقررت عين ابن الزبير.
وبعث أهل العراق
إلى الحسين عليهالسلام الرسل والكتب يدعونه إليهم ، فخرج من مكة إلى العراق في
عشر ذي الحجة ، ومعه طائفة من آل بيته ، رجالا ونساء وصبيانا.
فكتب يزيد إلى
واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله ، فوجّه إليه جيشا من أربعة آلاف ، عليهم
عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فخذله أهل الكوفة ، كما هو شأنهم مع
أبيه من قبله.
فلما رهقه السلاح عرض عليهم الاستسلام والرجوع ، والمضي إلى يزيد فيضع يده في يده [هذه
الدعوى مغلوطة من وضع الإعلام الأموي] فأبوا إلا قتله!. فقتل وجيء برأسه في طست ،
حتّى وضع بين يدي ابن زياد ؛ لعن الله قاتله ، وابن زياد معه ويزيد أيضا.
ويتابع السيوطي
حديثه فيقول : وكان قتله بكربلاء. وفي قتله قصة فيها طول ، لا يحتمل القلب ذكرها ،
فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقتل معه ستة عشر رجلا من أهل بيته ...
ولما قتل الحسين عليهالسلام وبنو أمية ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسرّ بقتلهم
أولا ، ثم ندم لمّا مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه الناس ، وحقّ لهم أن يبغضوه.
اه
٨ ـ ثمرات النهضة الحسينية
٢٩٨ ـ نهضة الحسين
عليهالسلام تحقق أهدافها القريبة والبعيدة ، ثمرات نهضة الحسينعليهالسلام :
(الأئمة الاثنا عشر لعادل الأديب ، ص ١٣٦)
لقد استطاعت ثورة
الحسين عليهالسلام أن تحقق من قيامها الثمرات التالية :
١ ـ وضع الحدّ
الفاصل أمام الجماهير ، بين الإسلام الصحيح والحكم الأموي الخادع ، وتحطيم الإطار
الديني المزيّف الّذي كان الأمويون يحيطون به سلطانهم ، وبيان مدى بعده عن الدين.
٢ ـ الشعور بالإثم
: ولّد استشهاد الحسين عليهالسلام المفجع في كربلاء في ضمير كل مسلم استطاع أن ينصره فلم
ينصره ، بعد أن عاهده على الثورة .. ولّد فيهم الشعور بالإثم ، ولزوم التكفير عن
ذلك التقصير.
ولقد قدّر لهذا
الشعور بالإثم أن يظل دائم الأوار ، حافزا دائما إلى الثورة والانتقام ، من رؤوس
الفتنة والانحراف ، وقدّر له أن يدفع الناس إلى الثورات على الأمويين والظالمين
كلما سنحت الفرصة.
٣ ـ تنمية الروح
النضالية في الإنسان المسلم ، وتحطيم كل الحواجز النفسية والاجتماعية التي حالت
دون الثورة.
ولكي نخرج بفكرة
واضحة عن مدى تأثير ثورة الحسين عليهالسلام في بعث روح الثورة والنضال في المجتمع الإسلامي ، يحسن بنا
أن نلاحظ أن هذا المجتمع خلال عشرين عاما من مقتل الإمام علي عليهالسلام وحتى ثورة الحسين عليهالسلام أخلد إلى السكون ولم يقم بأي ثورة أو احتجاج جدّي جماعي
على ألوان الاضطهاد والظلم والقتل وسرقة أموال الأمة ، التي كان يقوم بها الأمويون
وأعوانهم ، بل خلد إلى الخنوع والنوم والتسليم.
أما بعد ثورة
الحسين عليهالسلام واستشهاده ، فقد اندلعت الثورات على يد الجماهير وتوثّبت
الروح النضالية فيهم ، وبدؤوا يبحثون عن زعيم يقودهم لنزع قيد الخنوع والاستسلام ،
وإرجاع الحياة والحركة للإسلام. ونلاحظ هذه الروح الثورية في كل الثورات التي حملت
شعار الثأر لدم الحسين عليهالسلام والتي هي في واقعها تثأر لكرامة الإسلام والمسلمين.
٢٩٩ ـ ثورات على
خطّ الحسين عليهالسلام : (المصدر السابق ، ص ١٣٩)
ونجمل هنا ذكر بعض
هذه الثورات :
١
ـ ثورة التوابين : التي اندلعت في الكوفة بقيادة الصحابي سليمان بن صرد
الخزاعي ، وكانت ردّ فعل مباشر لمقتل الحسين عليهالسلام ، وانطلقت من مبدأ الشعور بالإثم والتقصير في نصرة الحسين عليهالسلام. وكانت سنة ٦٥ ه.
٢
ـ ثورة أهل المدينة : وكانت تهدف إلى تقويض سلطان الأمويين الظالم اللاإسلامي ،
وقد بدأت هذه الثورة بطرد حاكم يزيد من المدينة ، ومعه كل الأمويين وعددهم ألف
شخص. فكان من نتيجة ذلك أن بعث يزيد بالمجرم السفّاك مسلم بن عقبة المرّي ، الّذي
اشتهر باسم (مسرف) من شدة ما أسرف في قتل أهل المدينة من أبناء الصحابة والتابعين.
وقد سبى المدينة ثلاثة أيام ، حتّى أن جيشه افتضّ ألف فتاة عذراء من بنات الصحابة
الأجلاء.
٣
ـ ثورة المختار الثقفي :
الّذي خرج من
العراق طالبا الأخذ بالثأر من قتلة الحسين عليهالسلام ، وذلك سنة ٦٦ ه. فتتبّع المختار قتلة الحسين عليهالسلام وآله ، وقتلهم ومثّل بهم. فقتل منهم في يوم واحد مائتين
وثمانين رجلا ، حتّى قتل منهم الآلاف. ولم ينج منه أحد ، حتّى عبيد الله بن زياد
وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وأضرابهم.
٤
ـ ثورة ابن الأشعث : وفي سنة ٨١ ه ثار عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث على
الحجاج في العراق ، وخلع عبد الملك بن مروان. وقد استمرت ثورته إلى سنة ٨٣ ه ،
وأحرزت انتصارات عسكرية ، ثم قضى عليها الحجاج بمساعدة جيوش شامية.
٥
ـ ثورة الشهيد زيد بن علي :
وفي سنة ١٢٢ ه
ثار في الكوفة على طغيان الأمويين زيد بن علي ، وهو ابن الإمام زين العابدين عليهالسلام. ولكن سرعان ما أخمدت ثورته ، وقتل وصلب رحمهالله.
وكان من نتيجة هذه
الثورات تقويض ملك بني أمية خلال تسعين سنة ، وقد كان يتوقع له أن يستمر مئات
السنين.
فلسفة الابتلاء
٣٠٠ ـ الدنيا دار
ابتلاء :
(الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)
يقول السيد نعمة
الله الجزائري : اعلم أيّدك الله أن البلاء إنما كتب على المؤمن ، وأن الدنيا ليست
بدار ثواب ولا بدار عقاب ، لم يرض سبحانه بأن يجعل ثواب المؤمن فيها ولا عقاب
الكافر فيها ، وذلك لقلة أيامها ونقصان الأعمار فيها ، ومن ثم بعث الدواهي
والمصائب فيها إلى أحبابه وأقاربه.
ولا مصيبة مثل
مصيبة مولانا الحسين عليهالسلام ، فإنها هدّت أركان الدين وصدّعت قواعد الشرع المبين ،
وأبكت الأجفان وأقرحت القلوب. ولعمري إنها المصيبة التي يتسلى بها المؤمن عن كل
مصاب ، والداهية المنسية له مفارقة الخلان والأحباب.
٣٠١ ـ المؤمن أشدّ
ابتلاء :
(المنتخب للطريحي ، ص ١٦٨)
روي أن رجلا جاء
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فوقف بين يديه ، فقال : يا رسول الله إني أحب الله عزوجل ، فقال : استعدّ للبلاء!. فقال : يا رسول الله وإني أحبك ،
فقال له : استعدّ للفقر!. فقال : وإني أحبّ علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فقال : استعدّ لكثرة الأعداء!.
يقول فخر الدين
الطريحي : ولما كان الإمام الحسين عليهالسلام حبيب الملك الديّان ، وولي الواحد المنّان ، وحجة الله على
العباد ، لا جرم ابتلاه الله بأهل العناد والفساد.
٣٠٢ ـ كيف يترك
الله أولياءه يقتلون ويغلبون! :
(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٧٦ ط ٣ بيروت)
قال حمران للإمام
الباقر عليهالسلام : جعلت فداك يا أبا جعفر ، أرأيت ما كان من أمر قيام علي
بن أبي طالب والحسن والحسين عليهمالسلام وخروجهم وقيامهم بدين الله ، وما أصيبوا من قتل الطواغيت
إياهم والظفر بهم ، حتّى قتلوا أو غلبوا؟.
فقال عليهالسلام : يا حمران ، إن الله تبارك وتعالى قدّر ذلك عليهم ، وقضاه
وأمضاه وحتمه ، ثم أجراه. فبتقدّم علم من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إليهم في ذلك ، قام علي والحسن والحسين عليهمالسلام ، وبعلّم صمت من صمت منا.
ولو أنهم يا حمران
حين نزل بهم ما نزل من أمر الله وإظهار الطواغيت عليهم ، سألوا الله دفع ذلك عنهم
، وألحّوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت ، إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثم كان
انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد. وما كان الّذي
أصابهم من ذلك يا حمران لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ، ولكن
لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبنّ فيهم المذاهب!.
٣٠٣ ـ لماذا غلب
الأئمة عليهالسلام ولم ينصروا ، وأن ذلك ابتلاء :
(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ، ج ١٧ ص ٥١٩)
قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أعظم الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل».
ـ ابتلاء أيوب عليهالسلام : (الخصال ٢ / ٣٩٩ ؛ والبحار ٤٤ / ٢٧٥)
عن الإمام جعفر
الصادق عن أبيه عليهماالسلام قال : إن أيوب ابتلي سبع سنين من غير ذنب. وإن الأنبياء لا
يذنبون ، لأنهم معصومون مطهرون ، لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا
كبيرا.
وإنما ابتلاه الله
عزوجل بالبلاء العظيم (وهو المرض) الّذي يهون معه على
جميع الناس ، لئلا
يدّعوا له الربوبية ، إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه ، من عظائم نعمه
تعالى متى شاهدوه ، ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره ، على ضربين :
استحقاق واختصاص ؛ ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ، ولا فقيرا لفقره ، ولا مريضا
لمرضه. وليعلموا أنه يسقم من يشاء ، ويشفي من يشاء ، متى شاء كيف شاء ، بأي سبب
شاء. ويجعل ذلك عبرة لمن شاء ، وشقاوة لمن شاء ، وسعادة لمن شاء. وهو عزوجل في جميع ذلك عدل في قضائه ، وحكيم في أفعاله. لا يفعل
بعباده إلا الأصلح لهم ، ولا قوة لهم إلا به.
٣٠٤ ـ ابتلاء
الأنبياء والأئمة عليهمالسلام لإعلاء منزلتهم عند الله
(معاني الأخبار ، ص ٣٨٣ ؛ والكافي ٣ / ٤٥٠ ؛ والبحار ، ٤٤ / ٢٧٦)
عن ابن رئاب ، قال
: سألت أبا عبد الله الصادق عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ
مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٣٠) [الشورى : ٣٠]؟
أرأيت ما أصاب عليا عليهالسلام وأهل بيته ، هو بما كسبت أيديهم؟. وهم أهل بيت طهارة معصومون؟.
فقال عليهالسلام : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يتوب إلى الله عزوجل ويستغفره في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب. إن الله عزوجل يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب.
توضيح : يقول صاحب
(مقتل العوالم) : أي كما أن الاستغفار يكون في غالب الناس لحطّ الذنوب وفي
الأنبياء لرفع الدرجات ، فكذلك المصائب.
٣٠٥ ـ كيف يسلّط
الله أعداءه على أوليائه؟ :
(البحار ٤٤ / ٢٧٣ ؛ وإكمال الدين ٢ / ٥٠٧ ؛ وعلل الشرائع ١ / ٢٤١ ، والاحتجاج
٢ / ٢٨٧)
عن محمّد بن
إبراهيم بن اسحق الطالقاني ، قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، وهو
أحد سفراء المهدي عليهالسلام الأربعة ، فقام إليه رجل فقال له : أريد أن أسألك عن شيء.
فقال له : سل عما بدا لك. فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن علي عليهالسلام أهو ولي الله؟. قال : نعم. قال : أخبرني عن قاتله لعنه
الله ، أهو عدوّ الله؟. قال : نعم. قال الرجل : فهل يجوز أن يسلّط الله عدوه على
وليه؟.
فأجابه الحسين بن
روح ، بأن الله سبحانه بعث الأنبياء من نفس أجناسهم بشرا مثلهم يستأنسوا بهم ،
ولما كانوا من جنسهم لم يؤمنوا بهم حتّى يؤتوهم المعجزات ، فكل نبي قدّم لقومه
المعجزات.
ثم قال الحسين بن
روح : فلما أتوا بمثل هذه المعجزات ، وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان
من تقدير الله عزوجل ، ولطفه بعباده وحكمته ، أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات ،
في حال غالبين ، وفي أخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين ، وفي حال مقهورين. ولو جعلهم عزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم
، لا تخذهم الناس آلهة من دون الله عزوجل ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار.
قال محمّد بن
إبراهيم بن اسحق : فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح من الغد وأنا أقول في
نفسي : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟. فقال لي : يا محمّد بن إبراهيم
، بل ذلك من الأصل ، ومسموع من الحجة صلوات الله عليه.
٣٠٦ ـ الشهادة
أعلى درجات الكرامة :
(رأس الحسين عليهالسلام لابن تيمية ، ص ٢٠ و ٢١)
ووقع القتل في
كربلاء ، حتّى أكرم الله الحسين عليهالسلام ومن أكرمه من أهل بيته بالشهادة ، رضي الله عنهم وأرضاهم.
وأهان بالبغي والظلم والعدوان من أهانه ، بما انتهكه من حرمتهم ، واستحله من
دمائهم. وكان ذلك من نعمة الله على الحسين عليهالسلام وكرامته له ، لينال منازل الشهداء. حيث لم يحصل له من أول
الإسلام من الابتلاء والامتحان ما حصل لسائر أهل بيته ، كجده صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبيه وعمه وعم أبيه.
وفي صحيح مسلم عنه
أنه قال صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم غدير خم : أذكّركم الله في أهل بيتي ، أعادها ثلاثا.
وإذا كانوا أفضل
الخلق ، فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال.
ولما كان الحسن
والحسين عليهالسلام سيدي شباب أهل الجنة ، وكانا قد ولدا بعد الهجرة في عزّ
الإسلام ، ولم ينلهما من الأذى والبلاء ما نال سلفهما الطيب ، فأكرمهما الله بما
أكرمهما به من الابتلاء ، ليرفع درجاتهما ، وذلك من كرامتهما عليه ، لا من هوانهما
عنده.
وفي المسند وغيره
، عن فاطمة بنت الحسين عليهاالسلام عن أبيها الحسين عليهالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته ، وإن
قدمت ،
فيحدث لها
استرجاعا ، إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها». فهذا الحديث رواه
الحسين عليهالسلام وعنه بنته فاطمة عليهاالسلام التي شهدت مصرعه. وقد علم الله أن مصيبة الحسين عليهالسلام تذكر على طول الزمان.
* * *
الباب الثاني
الأوضاع السابقة للنهضة
الفصل ٨ ـ الصراع
بين الحق والباطل :
ـ العداوة بين بني
أمية وبني هاشم
ـ خروج معاوية على
إمام زمانه
الفصل ٩ ـ خلافة
الإمام الحسن عليهالسلام
ـ صلح الإمام
الحسن عليهالسلام مع معاوية
الفصل ١٠ ـ حكم
معاوية بن أبي سفيان
ـ سبّ معاوية
للإمام علي عليهالسلام
ـ الحكم الأموي
وسماته
ـ هنات معاوية
الأربع
ـ وصية الإمام
الحسن عليهالسلام ووفاته
ـ قتل حجر بن عدي
وعمرو بن الحمق
ـ استخلاف معاوية
ليزيد
ـ قصة أرينب بنت
اسحق
ـ مرض معاوية
ووفاته
الفصل ١١ ـ حكم
يزيد بن معاوية
الباب الثاني
الأوضاع السابقة
للنهضة
قال تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ
وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (٧٣) [الأنبياء :
٧٣]
* مقدمة الباب :
يتضمن هذا الباب
من الموسوعة إعطاء فكرة عامة عن الأوضاع التي سبقت نهضة الحسين عليهالسلام وواقعة كربلاء ، والتي لها علاقة ماسّة بها ، وهي الفترة
التي واكبت خلافة الإمام الحسن عليهالسلام ثم توقيعه الصلح مع معاوية ، ثم وفاة الحسن عليهالسلام واستلام الحسين عليهالسلام مقاليد الإمامة ، ثم هلاك معاوية وتولي يزيد السلطة.
ولا بأس أن ننوه
أنه في هذه الفترة وفي كل فترة كان هناك للمسلمين إمامان :
إمام للجسم والجسد
يتولى الحكم في الأشياء المادية والدنيوية ، مثل معاوية ويزيد ، ثم ملوك بني أمية
وبني العباس. وإمام للنفوس والقلوب يتولى الشؤون الروحية والدينية ، وهو الحسن
والحسين عليهماالسلام ثم أئمة أهل البيت عليهمالسلام.
وسواء تولى الأئمة
عليهمالسلام المسؤولية الأولى أم لم يتولوها ، فإنهم يتولون دائما
المسؤولية الثانية ، وهي الإمامة الدينية. وهذا فحوى قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للسبطين :
«الحسن والحسين
إمامان ، قاما أو قعدا».
أي قاما بالخلافة
الدنيوية أو لم يقوما بها.
لذلك لما قال
الرشيد للإمام موسى الكاظم عليهالسلام وقد لقيه عند الكعبة المشرفة :
أنت الّذي تبايعك
الناس سرا؟. أجابه الإمام عليهالسلام :
«أنا إمام القلوب
، وأنت إمام الجسوم!».
(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٥٠)
الفصل الثامن
الصراع بين الحق والباطل
٣٠٧ ـ صراع الحق
والباطل :
اقتضت إرادة الله
أن تكون الأرض مسرحا للصراع بين الحق والباطل ، ليميز الله الخبيث من الطيب (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ
فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) [البقرة : ٣٠].
وكان الشيطان وأعوانه من الإنس والجن يمثلون الباطل والشر ، وكان الأنبياء
وأعوانهم من الصدّيقين والشهداء يمثلون الحق والخير. وقتل قابيل هابيل معلنا بداية
الصراع بين خط الخير ومنعرج الباطل. وكانت قوة أهل الباطل بكثرة الأعوان ، بينما
قوة أهل الحق بما تسلحوا من الإيمان. وجال الباطل جولته والحق جولاته في ملحمة لا
تفتر ولا تنتهي ، مصداقا لقول النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : «جولة الباطل ساعة ، وجولة الحق إلى الساعة».
وإن أنس لا أنس
صراع الجبابرة المترفين في وجه الأنبياء والمرسلين ، في كل فترة من الزمن ، وكل
حقبة من السنين. وكان لا بدّ لقيام الحجة من مواجهة دموية في كل حين ، ينتصر فيها
الإيمان تارة ليظهر فضل الله على المؤمنين ، أو يتغلب الباطل فترة ليمحّص الله
المؤمنين من الكافرين ، ويعلم الشاكرين والصابرين.
وكانت المحنة
الكبرى للناس أجمعين ، حين بادت البشرية إلا من ثمانين ، وانتصر أهل السفينة على
الباغين أجمعين ... ثم نجا إبراهيم من نار النمرود وسافر إلى فلسطين ، كما نجا من
بعده موسى في طور سينين ، وكما رفع عيسى إلى السماء من أيدي المجرمين ، وكما تغلّب
خاتم الرسل على المشركين ، فاتحا ومطهّرا للبلد الأمين ، فدخل الناس أفواجا في
الدين المبين.
تلك قصة النصر
التي اشتبكت لحمتها بقصة المعاناة والمآسي على مدى السنين ، منذ قدّم إبراهيم كبشه
السمين ، فداء عن ابنه الأمين ، إلى ذبح يحيى الّذي أخلص للحق اليقين ، ثم إلى ذبح
الحسين فداء للدين ، وقربانا لرب العالمين. وكما قال الفيلسوف إقبال :
في الكعبة
العليا وقصّتها
|
|
نبأ يفيض دما
على الحجر
|
بدأت بإسماعيل
عبرتها
|
|
ودم الحسين
نهاية العبر
|
٣٠٨ ـ العداوة بين بني أمية وبني هاشم
:
ولتتم إرادة الله
في الاختبار والامتحان ، كان في كل زمان ومكان ، هابيل وقابيل ، مؤمن وكافر ،
ومصدّق ومكذّب.
وغمرت الجاهلية
الجهلاء كل العرب في الروابي والبيداء ، حتّى تنازعوا وتحاربوا وكادوا يصيرون إلى
الفناء. وكان مرتكز نزاعهم على التفاضل والتكاثر ، والأثرة والتفاخر. وظهر ذلك
أوضح ما يكون بين بني أمية وبني هاشم. ذلك أن بني هاشم اشتهروا بالتوحيد والعفة
والأخلاق ، بينما مال بنو أمية إلى الشرك والمال والفساد. ومنذ اللحظة التي ولد
فيها هاشم وعبد شمس توأمين في بطن واحد من عبد مناف ، دقّ بينهما الشقاق والعداء ،
وسالت الجراحة بالدماء. فقد ولد هاشم ملتصقا إبهام رجله بجبهة عبد شمس (والد أمية)
، وكان لا بدّ من سفح دم لفصلهما عن بعضهما ، فكان هذا مؤذنا بالدم بينهما في كل
جيل ؛ من أمية وهاشم ، إلى حرب وعبد المطلب ، إلى أبي سفيان ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إلى معاوية وعلي عليهالسلام ، إلى يزيد والحسين عليهالسلام. وهذا الواقع الأليم حقيقة لا مفرّ منها. ولقد أحسن من
صوّر هذا الحال ، وبيّن هذا المآل ، حيث أو جز فقال :
عبد شمس قد
أضرمت لبني ها
|
|
شم حربا يشيب
منها الوليد
|
فابن حرب
للمصطفى وابن هند
|
|
لعليّ ، وللحسين
يزيد
|
ويحكى أنه لما
اختلف أمية مع عمه هاشم ، وادّعى أنه أفضل من هاشم ، احتكما فحكم الكاهن الخزاعي
بأفضلية هاشم ، وكان جزاء أمية النفي من مكة عشر سنين. فاختار الشام وسار إليها.
وظلت هذه الروح العدائية في ابنه حرب ثم صخر (وهو أبو سفيان) في الجاهلية ، ثم في
معاوية ويزيد ومروان بن الحكم بعد الإسلام.
ولا نستغرب لذلك
أن يكون أبو سفيان رئيس جيوش الكفر التي قامت تحارب نبي الإيمان ، وتحاول وأد
رسالة الدين والإسلام. في حين قام مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أهله يؤمنون بتعاليم السماء ، ويبذلون لها النفوس والدماء.
__________________
٣٠٩ ـ عداء مستحكم
زاد مع الأيام :
وظل هذا العداء
والحقد والضغن مستحكما في قلوب بني أمية حتّى كانت معركة بدر الكبرى ، التي كسرت
شوكة الكفر والطغيان ، ورفعت راية الحق والإيمان ، خفّاقة بكل مكان. عندها هاجت
الأحقاد واستحكم أوارها ، وكادت تميت المشركين غيظا ، وخاصة أبا سفيان ، الّذي قتل
له فيها العديد من أقربائه وذويه ... وكلما اشتدت الدعوة الإسلامية انتشارا ، كلما
زاد تصدّي بني أمية لها ، بكل نفس ونفيس ، وزاد معه عداؤهم للدين الجديد ، ولبني
هاشم على وجه التحديد.
والذي يظهر هذه
الحقيقة المرّة البالغة ، أن أبا سفيان وزوجته هند بنت عتبة عملا حثيثا على قتل
الحمزة بن عبد المطلب عم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأسد الله وأسد رسوله. فلما كانت غزوة أحد بعثا العبد (وحشي)
وأغروه بالمال ليقتل عليا أو الحمزة عليهماالسلام. فاعتذر عن عليعليهالسلام ، وظل يترصد حمزة حتّى رماه برمح فوقع في ظهره ، فهدّ
مصرعه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وبعد أن نالت هند حملها في قتل الحمزة ، لم تكتف بقتله ،
حتّى جاءت إلى القتلى تبحث عن جثته ، حتّى إذا وجدتها ، شقّت صدره وأخرجت كبده ،
وأرادت أن تمضغها فلم تقدر فلفظتها ، وقالت ما قالت ، فسمّيت : «آكلة الأكباد».
وكيف لا يعادي بنو
أمية بني هاشم ، وبنو هاشم هم الذين قتلوا يوم بدر في سبيل الله : عتبة بن ربيعة
وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة؟!. وكيف لا يعادي معاوية عليا وقد قتل خاله
الوليد بن عتبة ، وأخاه حنظلة بن أبي سفيان ، وشارك في قتل عمه شيبة ، وقتل غيرهم
من بني عبد شمس ، مثل العاص بن سعيد بن العاص بن أمية.
وبعد كل هذا يظهر
الله دينه على الجزيرة العربية كلها ، فيخسأ أبو سفيان ومن معه ، ويتحقق أبو سفيان
من الأسر أو القتل ، حين دخل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مكة فاتحا. فذهب العباس عم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ينصح أبا سفيان بأن يعلن إسلامه ولو ظاهرا ، فيسلم أبو
سفيان خوفا من الموت. عند ذلك يقول النبي الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم بسماحته المعهودة : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ...».
ولما عرض عليه أبو سفيان ومعاوية ومروان وطغمتهم الحاقدة ، قال لهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اذهبوا فأنتم الطلقاء». فأطلق سراحهم وأجلاهم عن مكة ،
وأراد أن لا يرى وجوههم في حياته ، فسمّوا لذلك «الطّلقاء». وأصبح بنو أمية مسلمين
بالأمر الواقع ، ولكن القلوب عليلة والنفوس مريضة ، ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم!.
٣١٠ ـ معاوية في
عهد الخلفاء الأربعة :
(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ١٠٣)
قال أبو الفداء :
أسلم معاوية مع أبيه عام الفتح ، واستكتبه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(أقول) : هذا
الكلام لا يوحي بأن معاوية كان كاتبا للوحي. والصحيح أن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم استخدمه لكتابة بعض الرسائل التي بعثها للملوك فقط. اه.
واستعمله عمر على
الشام أربع سنين من خلافته. وأقرّه عثمان مدة خلافته نحو اثنتي عشرة سنة. وتغلّب
على الشام محاربا ضد الإمام علي عليهالسلام أربع سنين.
فكان أميرا وملكا
على الشام نحو أربعين سنة.
وكان حليما حازما
داهية ، عالما بسياسة الملك.
٣١١ ـ معاوية في
زمن عمر :
كانت علاقات بني
أمية مع بلاد الشام جيدة ، منذ نفي أمية إليها في الجاهلية. وكان يقوّي ذلك
تجاراتهم إلى الشام في الصيف. ولعل هذا هو الّذي حدا بعمر بن الخطاب على تعيين
معاوية واليا على الشام ، ولكنه لو كان يتفرّس في أحلامه ما وضعه عليها.
وكان أبو سفيان
وبنو أمية لا يرغبون في الظاهر في خلافة أبي بكر ، فحاولوا تأييد بني هاشم عن طريق
العباس. والحقيقة أن هدفهم لم يكن حبّ بني هاشم ، وإنما إلقاح الفتنة بين المسلمين
ليصفو الجوّ لهم ، فيصيدوا صيدهم في الماء العكر. لكن الإمام عليا عليهالسلام أنكر عليهم تأييدهم له وشكرهم.
ولما أصبح معاوية
واليا على الشام ، بدأ يقلّد الإفرنج في مظاهر الحكم ، فلا يخرج من قصره إلا بموكب
ولا يعود إلا بموكب ، وأكثر من لبس الحرير والديباج والثياب المنمّقة ، فأنكر عمر
عليه ذلك.
يروى أنه لما عيّن
عمر بن الخطاب معاوية على الشام ، زاره يوما فرأى منه أشياء لا تعجبه ، فاستنكر
عليه ما وصلت إليه حاله من البذخ والبهرجة والإسراف ، مما لا يجوز في الإسلام.
فأجابه معاوية بدهائه ، أنه إنما يفعل ذلك مجاراة لجيرانه الروم. فقال له عمر قوله
المشهور : إن كان ما تقوله حقا فهو رأي مصيب ، وإن كان كذبا فهو خدعة أريب.
ـ محاورة عمر
لمعاوية حين زاره بالشام :
(أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٤ ص ١٦٨ ط دمشق)
قال البلاذري :
وحدثني هشام بن عمار قال : بلغنا أن عمر بن الخطاب لما أتى الشام رأى معاوية في
موكب يغدو ويروح فيه. فقال له : يا معاوية تروح في موكب وتغدو في مثله ، وبلغني
أنك تصبح في منزلك وذوو الحاجات ببابك!. فقال : يا أمير المؤمنين
إنا بأرض عدوّنا
قريب منها ، وله علينا عيون ذاكية ، فأردت أن يروا للإسلام عزا.
فقال عمر : إنّ
هذا لكيد لبيب أو خدعة أريب. فقال معاوية : يا أمير المؤمنين فأمرني بما شئت أنته
إليه. فقال : ويحك ما ناظرتك في أمر أعتب فيه عليك إلا تركتني منه في أضيق سبلي ،
حتّى ما أدري أآمرك أم أنهاك! ..
٣١٢ ـ معاوية في
زمن عثمان :
ولما تولى عثمان
الخلافة في تمثيلية الستة أصحاب الشورى ، وهو من بني أمية ، أبقى بالطبع معاوية في
ولايته على الشام. فخلا له الجو ليسرح ويمرح ، ويقوّي مركزه في الشام ، غير آبه
بعثمان ومن ورائه مروان. ويؤثر عنه أنه كان يهيّج الناس ضد عثمان طمعا في التخلص
منه ، والتوسع في السلطة.
لكن الشعب المسلم
المسكين الّذي عانى من ارستقراطية بني أمية في عهد عثمان ، رجع إلى وعيه ، وظهر له
التبر من الرغام ، وتحقق أن عدالته المنهوبة لن يرجعها له غير الإمام الهمام علي
بن أبي طالب عليهالسلام. فأقبلت زحوف المسلمين بعد مقتل عثمان على الإمام علي عليهالسلام تبايعه بالخلافة ، بل تطالبه بالقيام بأمرها. فقام بالأمر
ليصلح ما فسد ، بعد أن انحلت عرى الحق عروة عروة. وأصابت بني أمية الفجأة بخلافة
سيف الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام.
٣١٣ ـ أخبار ملفقة
وتعصب مفضوح :
(المنتخب للطريحي ، ص ١٤)
قال الشيخ فخر
الدين الطريحي : وسمّوا معاوية خال المؤمنين ، لأن أخته أم حبيبة بنت أبي سفيان أم
المؤمنين ، ولم يسمّوا محمّد بن أبي بكر خال المؤمنين من
جهة أخته عائشة.
مع أن معاوية كان من المؤلفة قلوبهم ، بينما كان محمّد بن أبي بكر اليد اليمنى
للإمام علي عليهالسلام. ومع أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال في معاوية : «لعن الله معاوية الطليق ابن الطليق». لأن
معاوية وأباه أبا سفيان وأمه هند بنت عتبة كانوا من الطلقاء. وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«إذا رأيتم معاوية
على منبري فاقتلوه». وسمّوا معاوية كاتب الوحي ، ولم يكتب كلمة واحدة منه ، وإنما
نقل أنه كان من كتّاب الرسائل فقط. وظل معاوية مشركا متحديا للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى فتح مكة في شهر رمضان لثمان سنين من الهجرة. فلما لم
يجد له مأوى صار إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مضطرا وأظهر الإسلام. وكان إسلامه قبل وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بخمسة أشهر. وطرح نفسه على العباس عم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فتشفّع فيه ، فعفى النبي عنه. ثم إن العباس تشفّع لمعاوية
عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجعله من جملة كتّاب الرسائل ، فأجابه إلى ذلك.
(أقول) : وكيف
يأمن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على شخص من المؤلفة قلوبهم ومن الطلقاء ومن أكبر أعدائه ،
أن يكتب له الوحي؟!. ويترك الصحابة الموثوقين!. هذا محال.
٣١٤ ـ كتّاب رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
يقول المسعودي :
وكتب له معاوية قبل وفاته بأشهر.
ويقول : وكتب له
عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ثم لحق بالمشركين بمكة مرتدا. (أقول) : هؤلاء
الكتّاب ليسوا كتّابا للقرآن ، وإنما كانوا يكتبون بين يدي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سائر ما يعرض من أموره وحوائجه ، أو يكتبون رسائله إلى
الملوك ، أو عهوده وعقوده وما يتعلق بالمعاملات وأموال الصدقات. وبعضهم كان يكتب
مغانم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبعضهم كان يترجم له رسائل الملوك.
٣١٥ ـ خروج معاوية
على الإمام علي عليهالسلام :
بعد هذا كله لا
نستغرب أن يقوم مثل معاوية في وجه إمام زمانه ، ومن تجب طاعته في عنقه ، وهو
الخليفة الرابع علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ويقوم بأول خروج معلن على الدولة الإسلامية ، محاولا
الانفصال عنها أو تصفيتها لصالح مصالحه الملكية ونزعاته التسلطية ، النابعة من
مبدأ هدم الدين لتحصيل الدنيا. وماذا يتوقع أن يعمل ابن رئيس الشرك أبي سفيان ،
الطليق ابن الطليق ، غير هذا؟ إذا ما قورن بالصحابة الكرام والمجاهدين في سبيل
الإسلام!.
يقول ابن أبي
الحديد في شرح نهج البلاغة ، تحقيق محمّد أبوالفضل إبراهيم ، ج ١ ص ٣٤٠ :
ومعاوية مطعون في
دينه عند شيوخنا (يقصد المعتزلة ، وهم فرقة من السنة) ، يرمى بالزندقة. وقد ذكرنا
في نقض (السفيانية) على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ، ما رواه أصحابنا في كتبهم
الكلامية عنه من الإلحاد والتعرض لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وما تظاهر به من الجبر والإرجاء. ولو لم يكن شيء من ذلك
، لكان في محاربته الإمام عليهالسلام ما يكفي في فساد حاله ، لا سيما على قواعد أصحابنا ،
وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها ، إن لم
تكفّرها التوبة.
لقد اجتمع في
معاوية على الإمام علي عليهالسلام ضغنان : ضغن عصبي منشؤه جاهلي ، وضغن ديني منشؤه عدم
الإيمان بالإسلام.
ولقد اتبع معاوية
للوصول إلى الحكم خطين :
الأول : التردّي
برداء الإسلام بقدر ما يخدم ذلك مصالحه ويوصله إلى مآربه في الملك.
الثاني : بما أنه
لا يقارن بالإمام علي عليهالسلام بشيء من الأشياء ، وليس هو ممن تجوز له الخلافة بحال من
الأحوال ، فقد اتّبع الأسلوب المعاكس (أو ما نسميه بالإعلام المضاد) في خلق
الدعايات المضللة ضد الإمام علي عليهالسلام ليحط من قيمة الإمام في نظر الناس ، فيرتفع هو على حساب
ذلك. وكان من ذلك أنه ادّعى على الإمام علي عليهالسلام أنه قتل عثمان أو شرك في دمه ، فكان لا بدّ له ـ وهو من
بني أمية ـ أن يأخذ بثأره ، وبهذه الحيلة يصل إلى الحكم. وليس من الغريب على من لا
يفرّقون بين الناقة والجمل ، أن يقنعهم معاوية أن مثل علي بن أبي طالب يجب لعنه
وسبّه حتّى على منابر الإسلام ، فبدأ بسبّه هو ومن بعده يزيد البارّ به وبنو أمية
ألف شهر ، وهي مدة حكمهم البالغة نحو ثلاث وثمانين سنة.
٣١٦ ـ من المسؤول
الحقيقي عن دم عثمان؟ تلكّؤ معاوية عن نصرة عثمان حتّى قتل :
(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٣٦)
يقول الأستاذ
محمّد كرد علي : واختلفت الآراء في تبعة معاوية من مقتل عثمان ، فقال فريق : إن
عثمان كتب إلى معاوية : «إن أهل المدينة قد كفروا وخلعوا الطاعة
ونكثوا البيعة ،
فابعث إليّ من قبلك من مقاتلة الشام على كل صعب وذلول». فتربص به معاوية وكره
إظهار مخالفة أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد علم اجتماعهم ، فأبطأ أمره على عثمان ، حتّى كان ما
كان من مقتله.
أما الإمام علي بن
أبي طالب عليهالسلام فقد ثبت أنه قرّع عثمان على التفريط وأنذره بأن عاقبته
تكون القتل ، بقوله «أحذّرك أن تكون إمام هذه الأمة الّذي يقتل ، فيفتح عليها
القتل والقتال إلى يوم القيامة».
ـ معاوية قتل
عثمان :
(أنساب الأشراف للبلاذري ، تحقيق د. إحسان عباس ، قسم ٤ ج ١ ص ٣٦)
قال البلاذري :
ادّعى معاوية على عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنه شرك في دم عثمان ، فقال
لمعاوية : إني كنت أنهى عثمان عما قيل فيه ، وكنت تأمره به ، فلما اشتدّ الأمر
والتقت حلقتا البطان ، كتب إليك يستنصرك ، فأبطأت عنه حتّى قتل.
٣١٧ ـ اعتراف دامغ
للغزالي بانحراف معاوية ويزيد عن الإسلام :
(مقتل سيد الشهداء للسيد عبد الكريم خان ، ص ٢٤)
قال حجة الإسلام
الحافظ أبو حامد الغزالي الشافعي (ت ٥٠٥ ه) في كتابه (سرّ العالمين وكشف ما في
الدارين) وهو ما نقله عنه الحافظ سبط ابن الجوزي الحنفي في كتابه (تذكرة الخواص ،
ص ٣٧) حيث قال الغزالي :
ثم العجب من
منازعة معاوية لعلي الخلافة ، وقد قطع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم طمع من طمع فيها بقوله : «إذا ولي خليفتان ، فاقتلوا
الأخير منهما». والعجب من حقّ واحد كيف ينقسم بين اثنين ، والخلافة ليست بجسم ولا
عرض فينجز.
إلى أن قال : أول
حكومة [أي محاكمة] تجري بين العباد في المعاد ، هي المحاكمة بين علي ومعاوية ،
فيحكم الله لعلي على معاوية ، والباقون تحت المشيئة.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم لعمار : «تقتلك الفئة الباغية «وقد قتلته فئة معاوية يوم
صفين. ولا ينبغي للإمام أن يكون باغيا ، ولأن الإمامة تضيق عن شخصين كما أن
الربوبية لا تليق بإلهين اثنين.
٣١٨ ـ أما يكفي
لمعاوية محاربته لإمام زمانه وسبّه؟ :
(المنتخب للطريحي ، ص ١٥ ط ٢)
وقد قاتل معاوية
عليا عليهالسلام وهو رابع الخلفاء الراشدين ، وهو إمام حق ، وكل من حارب
إماما حقا فهو باغ وطاغ. وقد بالغ في محاربة الإمام علي عليهالسلام بعد وفاة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم وقتل جمعا كثيرا من خيار الصحابة ، وطال حربه معه حتّى هلك
عالم كثير.
(أقول) : قتل في
معركة صفين من عسكر معاوية ٤٥ ألفا ، ومن عسكر الإمام علي عليهالسلام ٢٥ ألفا. ا ه
ثم انه استمر مع
قومه على سبّ علي عليهالسلام على منابر الإسلام ثمانين سنة. ولم يكفه ذلك حتّى سمّ
الحسن الزكي عليهالسلام عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث.
٣١٩ ـ حقيقة
معاوية وحقيقة علي عليهالسلام :
(محاضرة قيّمة للأستاذ سعيد عاشور المصري ، ص ٢٠)
يقول المستشرق (نيكولسن)
في كتابه (تاريخ المسلمين) عن سبب انتصار معاوية على الإمام علي عليهالسلام :
على الرغم مما
امتاز به علي من فضائل كثيرة ، أهمها النشاط والذكاء ، وبعد النظر والحكمة والوفاء
، والبلاغة والفصاحة والشجاعة ، إلا أنه كانت تنقصه صفة هامة لا بدّ منها لنجاح
السياسة [يقصد بالسياسة هنا التلون والقدرة على الخداع ، وهذا مما لا يمكن أن
يتطبّع به الإمام علي عليهالسلام ، وهو القائل : لو لا التقى لكنت أدهى العرب] ، ولذا تغلّب
عليه منافسوه الذين عرفوا من أول الأمر أن الحرب خدعة ، والذين كانوا لا يتورعون
عن ارتكاب أي جرم ، يبلغ بهم الغاية.
ثم يقول الأستاذ
سعيد عاشور رئيس قسم التاريخ في جامعة القاهرة ، عند كلامه حول لزوم إعادة كتابة
التاريخ الإسلامي : هذا ما يقوله مؤرخ مسيحي غير مسلم ، مستشرق كبير ، درس وتمعّن.
بينما نحن في كتبنا التي تدرّس لأولادنا لا نقول مثل هذه الحقيقة ، بل نمرّ بها
مرور الكرام ، ونتغاضى عن تحديد الأحداث.
فإذا أردنا أن
نعيد كتابة التاريخ ، علينا أن نقف وقفة ووقفات أمام هذه الأمور.
ـ دهاء ومكر
معاوية : (المحاضرة السابقة ، ص ١٧)
قامت الخلافة
الأموية ونجح معاوية فيما ذهب إليه ، ولكن عن أي طريق؟.
طريق بعيد عن
الأخلاق ، طريق يتّسم بالمكر والدهاء ، والبعد عن قواعد الشرف. ونحن نعلم جميعا
أنه في الإسلام وفي نظام الإسلام ، نجد أن الدين والسياسة مرتبطان ارتباطا كبيرا.
نعم السياسة تحتاج
في كثير من الأحيان إلى قدر من الخداع ، ولكن الرجل المستقيم الّذي لا يعرف كيف
يخادع ، ولا يعرف كيف ينافق ، ولا يعرف كيف يسير بوجهين ، هذا الرجل عادة لا
يستطيع أن يصيب حظا في السياسة ، أو الاشتغال بالسياسة.
إن قيام معاوية بن
أبي سفيان في الخلافة اعتمد إلى حد كبير على الخديعة. والدولة الأموية أسست على
غير تقوى ، أسست على قدر من الخداع ومن النفاق. ولعل في اتجاه الأمويين بعد ذلك
بعيدا عن روح الإسلام الأولى ، وفي تحويل الخلافة إلى نظام قيصري أقرب إلى أسلوب
أباطرة الرومان منه إلى بساطة الإسلام وروح الإسلام ؛ لعل في هذا ما يكفي.
ـ جريمة سبّ الإمام
علي عليهالسلام : (المصدر السابق ، ص ١٨)
ويتابع الأستاذ
عاشور كلامه قائلا :
ولكن الشيء الّذي
كان لا ينبغي أن يحدث في الإسلام ، والذي يجرح شعور كل مسلم ، هو أن معاوية بن أبي
سفيان ، وولاة معاوية في كثير من الأمصار ، وخاصة حيث كان يكثر أنصار علي بن أبي
طالب عليهالسلام ، مثل الكوفة ؛ نجد أنهم دأبوا على سبّ آل البيت عليهمالسلام وعلى سبّ علي بن أبي طالب عليهالسلام نفسه. وكلنا نعلم ماذا كان يقول زياد ابن أبيه وغير زياد ،
من سباب ، هو في حقيقة الأمر ليس موجها إلى علي عليهالسلام بقدر ما هو موجه إلى المسلمين كافة وإلى نبي المسلمين ،
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
هذه كلها أشياء ،
كان ينبغي أن تكون صفحة الإسلام خالية منها ، الصفحة المشرقة المضيئة. كان ينبغي
أن تكون هذه البقعة السوداء غير موجودة في تاريخ الإسلام ، وفي تاريخ المسلمين.
ـ مثلث الشرّ : (أسرار
الشهادة للدربندي ، ص ٤٩٩)
قال الفاضل
الدربندي : بنو أمية هم الشجرة الملعونة ، وأشدهم كفرا مروان
ومعاوية ويزيد ،
ولكن يزيد أشدهم كفرا ونفاقا وطغيانا ، وإلى هذا المعنى تشير الآية الشريفة بنحو
من التورية ، وهي قوله تعالى : (وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً
كَبِيراً) (٦٠) [الإسراء :
٦٠].
وقال صفحة ٢٠٩ :
اعلم أن أطغى بني أمية بعد يزيد ، وأشدهم كفرا ونفاقا ، وأبغضهم إلى الله تعالى
ورسوله وآله المعصومين ، هو مروان بن الحكم. ولم ينج منهم إلا النادر ، مثل :
ـ معاوية الثاني :
المؤمن العابد.
ـ عمر بن عبد
العزيز : الناجي الوحيد من نسل مروان.
ـ خالد بن سعيد بن
العاص : مؤمن بني أمية.
الفصل التاسع
خلافة الإمام الحسن عليهالسلام
٣٢٠ ـ ترجمة
الإمام الحسن عليهالسلام :
(أمالي الصدوق ، ج ٣ ص ١١٠)
ولد الإمام الحسن
بن علي عليهماالسلام في السنة الثالثة للهجرة. ولقد سمّاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بوحي من السماء على لسان جبرئيل الحسن ، كما سمّى أخاه
الحسين ، على اسم ابني هرون ، وهما شبّر وشبير ، وتعني هاتان الكلمتان في العبرية
الحسن والحسين.
وتوفي عليهالسلام شهيدا بالسم سنة ٥٠ من الهجرة لسبع مضين من صفر ، وعمره
الشريف ٤٧ سنة. وكانت مدة إمامته ٩ سنوات و ٤ شهور. وقد دسّ له معاوية السم بعد
خلاف سياسي طويل بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث. وقد دفن عند جدته فاطمة بنت أسد في
البقيع.
ومما أثر عن جده صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله فيه : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا». وقوله : «هذا
سيد ، وأرجو أن يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين في آخر الزمان».
٣٢١ ـ خلافة الحسن
عليهالسلام وصلحه ووفاته :
(التنبيه والإشراف للمسعودي ، ص ٢٦٠)
قال المسعودي :
بويع الحسن عليهالسلام بعد وفاة أبيه بيومين ، وذلك لسبع بقين من شهر رمضان سنة
٤٠ ه. ثم صالح معاوية في شهر ربيع الأول سنة ٤١ ه. وقد رأى قوم أن ذلك كان في
جمادى الآخرة أو الأولى من هذه السنة. والأول أشهر وأصح عندنا من مدة أيامه. وكانت
خلافته إلى أن صالح ، ستة أشهر وثلاثة أيام. وتوفي بالمدينة مسموما فيما ذكر ، في
شهر ربيع الأول سنة ٤٩ ه ، وله ست وأربعون سنة ، ودفن ببقيع الغرقد مع أمه فاطمة عليهماالسلام.
٣٢٢ ـ أين الثرى
من الثريا؟ :
(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٣٦)
وروي أنه لما قدم
معاوية المدينة ، قبل أن تشتعل نار الحرب ، صعد معاوية المنبر ، فقال : ومن علي؟.
فقام الحسن عليهالسلام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
إن الله لم يبعث
نبيا إلا جعل له عدوا من المسلمين ، قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا
لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) [الفرقان : ٣١].
وأنا ابن علي وأنت ابن صخر ، وأمك هند وأمي فاطمة ، وجدتك قيلة وجدتي خديجة. فلعن
الله ألأمنا حسبا وأخملنا ذكرا ، وأعظمنا كفرا وأشدنا نفاقا. فصاح أهل المسجد :
آمين ، ثلاثا. فقطع معاوية خطبته وفرّ إلى منزله.
٣٢٣ ـ معاوية يعلن
الحرب على الإمام الحسن عليهالسلام :
(المعارف لابن قتيبة ، ص ٩٢ ط ٢)
لما قتل الإمام
علي عليهالسلام بويع للحسن عليهالسلام بالكوفة ، وبويع لمعاوية بالشام. فسار معاوية يريد الكوفة
، وسار الحسن عليهالسلام يريده ، فالتقوا ب (مسكن) من أرض الكوفة
[تقع مسكن على بعد
٥٠ كم شمال بغداد]. فصالح الحسن عليهالسلام معاوية لحقن الدماء وبايع له ، ودخل معه الكوفة. ثم انصرف
معاوية إلى الشام. واستعمل على الكوفة المغيرة ابن شعبة ، وعلى البصرة عبد الله بن
عامر ، ثم جمعهما لزياد بن أبيه. وانصرف الحسن عليهالسلام إلى المدينة ، فمات بها. وكانت وفاته لخمس ليال خلون من
شهر ربيع الأول سنة خمسين ، وهو ابن سبع وأربعين سنة. ويذكر أن زوجته جعدة بنت
الأشعث هي التي سمّته بحيلة من معاوية.
٣٢٤ ـ تخاذل أصحاب
الحسن عليهالسلام عنه :
(أمالي الصدوق ، ج ٣ ص ١١٠)
لما توفي أمير
المؤمنين علي عليهالسلام سنة ٤٠ ه تولى الخلافة من بعده ابنه الحسنعليهالسلام وبايعه أصحابه. وبدأ معاوية الانفصالي يحيك له الفتن ،
ويبعث الأعيان لاغتياله ، فلم يفلح.
ولما سمع الحسن عليهالسلام بمسير جيش من الشام لقتاله ، جهّز جيشا خليطا من
الشيعة والخوارج
والمنافقين. ولما وصلوا (ساباط المدائن) أراد الحسن عليهالسلام اختبار جنوده ليكون على بصيرة من أمرهم. فصعد المنبر
وخطبهم ، فانفضّ بعضهم يقول : ما نظنه والله يريد إلا صلح معاوية ، كفر والله
الحسن. فشدّوا على فسطاطه يريدون قتله ونهبوه. ثم بدر إليه الجرّاح بن سنان الأسدي
وقال له : يا حسن ، أشركت كما أشرك أبوك من قبل ، ثم طعنه في فخذه فشقّه حتّى بلغ
العظم ، وضربه الحسن عليهالسلام ، فخرّ كل منهما على الأرض. ثم انقضّ جمع من شيعة الحسن عليهالسلام على الأسدي فقتلوه. وكتب معاوية إلى جماعة رؤساء القبائل
في العراق ، بأنهم إن قتلوا الحسن ولّاهم ولاية في الشام ، وأعطى كل واحد منهم ألف
ألف درهم ، فكتبوا له بالسمع والطاعة سرا.

(الشكل ـ ٢) مخطط
الطريق الّذي سلكه
الحسن عليهالسلام
من الكوفة إلى ساباط إلى مسكن
وبدأ الحسن عليهالسلام ينفذ كتائبه لمحاربة جيش الشام. فكان كلما وصلت كتيبة إليه
أغراها معاوية بالمال ، فانضمت إليه مع قائدها. حتّى أن ممن فعل ذلك عبيد الله ابن
العباس ابن عم الإمام علي عليهالسلام.
وهكذا خذل أصحاب
الحسن عليهالسلام إمامهم وقائدهم ، حتّى لم يبق معه أكثر من مئتي شخص.
ولقد بلغ تخالف
أنصار الحسن عليهالسلام مبلغه ، فلقد بعث معاوية إلى أربعة من حلفاء الحسن عليهالسلام أن يقتلوه لقاء مال وولاية وتزويج إحدى بناته ، فبعثوا إلى
معاوية يسألونه : أيريد الحسن طيّبا أم ميّتا؟. فبعث معاوية رسائلهم إلى الحسن عليهالسلام طالبا منه الصلح.
صلح الإمام الحسن عليهالسلام مع معاوية
٣٢٥ ـ صلح الحسن عليهالسلام : (المصدر السابق)
ولما استيأس الحسن
عليهالسلام من أصحابه وجد أنه لا مناص من الصلح ، فقبل بالصلح على
شروط تكفل بعض حقوق شيعته من أن ينكل بهم [أي معاوية] ، وكان من جملة شروطه أن لا
يولّي معاوية أحدا من بعده. فرضي معاوية بكل شروط الصلح ، ثم ضرب بها عرض الحائط ،
وذلك حين خطب بأهل العراق قائلا : «ألا وإني كنت منّيت الحسن وأعطيته أشياء ،
وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها». وبذلك تخلّى معاوية عن كل شيء من كرامته ،
حتّى من شهامته العربية في حفظ الوعد والوفاء بالعهد.
٣٢٦ ـ كيف تمّ
الصلح : (الإستيعاب لابن حجر العسقلاني ، ج ١ ص ٣٧٠)
لما قتل الإمام علي
عليهالسلام بايع الإمام الحسن عليهالسلام أكثر من أربعين ألفا على الموت. فبقي نحو سبعة أشهر خليفة
بالعراق وما وراءها من خراسان. ثم سار إلى معاوية وسار معاوية إليه ، فلما تراءى
الجمعان في موضع يقال له مسكن (انظر الشكل ـ ٢) من أرض السواد بناحية الأنبار ،
علم أنه لن تغلب إحدى الفئتين حتّى يذهب أكثر الأخرى.
فكتب إلى معاوية
يخبره أنه يصيّر الأمر إليه ، على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة
والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه ، فأجابه معاوية وكاد يطير فرحا.
واشترط عليه الحسن
عليهالسلام أن يكون له الأمر من بعده ، فالتزم ذلك كله. وكان كما قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين».
فقال للحسن عليهالسلام أحد أصحابه : يا عار المؤمنين!. فقال عليهالسلام : العار خير من النار.
ولما جاء الحسن عليهالسلام الكوفة ، قال له أبو عامر سفيان بن أبي ليلى : السلام عليك
يا مذلّ المؤمنين!.
فقال عليهالسلام : لا تقل يا أبا عامر ، فإني لم أذلّ المؤمنين ، ولكن كرهت
أن أقتلهم في طلب الملك.
وكان توقيع الصلح
في النصف من جمادى الأولى سنة ٤١ ه ، فبايع الناس معاوية حينئذ ، ومعاوية ابن ست
وستين إلا شهرين. وسمي ذلك العام عام الجماعة.
٣٢٧ ـ رأي الحسن عليهالسلام في أهل الكوفة :
(التنبيه والإشراف للمسعودي ، ص ٢٦)
قال الإمام الحسن عليهالسلام بعد توقيع الصلح : إني رأيت أهل الكوفة قوما لا يوثق بهم ،
وما اغترّ بهم إلا من ذلّ ، ليس أحد منهم يوافق رأي الآخر ... وأهلها هم الذين
فرّقوا دينهم وكانوا شيعا.
٣٢٨ ـ بنود وثيقة
الصلح :
(الإمام الحسين يوم عاشوراء ، طبع مؤسسة البلاغ ، ص ١٨)
وكان من بنود
وثيقة الصلح بين الإمام الحسن عليهالسلام ومعاوية :
١ ـ هذا ما صالح
عليه الحسن بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على أن يسلّم إليه ولاية
المسلمين ، على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسيرة الخلفاء الراشدين المهتدين. وليس لمعاوية بن أبي
سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهدا.
٢ ـ على أن تكون
الخلافة للحسن عليهالسلام من بعده ، فإن حدث فيه حدث فلأخيه الحسين عليهالسلام.
٣ ـ كتبت الصحيفة
وأقرت من قبل الطرفين.
وما أن انتهى أمر
الإقرار بها حتّى وقف معاوية وسط أصحابه ، ثم قال : ألا وإني كنت قد منّيت الحسن
أشياء ، وأعطيته أشياء ، وجميعها تحت قدمي ، لا أفي بشيء منها له.
٣٢٩ ـ لماذا صالح
الإمام الحسن عليهالسلام؟ صالح لحقن دماء المسلمين :
(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٢٠)
دخل علي بن محمّد
بن بشير الهمداني على الإمام الحسن عليهالسلام فقال له : السلام عليك يا مذلّ المؤمنين!. فقال عليهالسلام : وعليك السلام اجلس ، لست مذلّ المؤمنين ، ولكني معزّهم ،
ما أردت بمصالحتي معاوية إلا أن أدفع عنكم القتل ، عند ما رأيت من تباطؤ أصحابي عن
الحرب ، ونكولهم عن القتال. ووالله لئن سرنا إليهم بالجبال والشجر ما كان بدّ من
إفضاء هذا الأمر إليه.
قال : ثم خرجنا من
عنده ، ودخلنا على الحسين عليهالسلام فأخبرناه بما ردّ علينا ، فقال عليهالسلام : صدق أبو محمد ، فليكن كل رجل منكم حلسا من أحلاس بيته (أي
يظل ساكنا لا يتحرك كالحلس وهو البساط الملقى في بيته) ، مادام هذا الإنسان حيا [يعني
معاوية].
٣٣٠ ـ من كلام
للحسين عليهالسلام في أصحابه بعد إجراء الصلح :
(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٣)
ثم قال الحسين عليهالسلام : الحمد لله كما هو أهله ، إن أمر الله كان مفعولا ، وإن
أمر الله كان قدرا مقدورا ، إنه كان أمرا مقضيا. والله لو اجتمعت الإنس والجن على
الّذي كان أن لا يكون لما استطاعوا. والله لقد كنت طيّب النفس بالموت ، حتّى عزم
عليّ أخي الحسن عليهالسلام وناشدني الله أن لا أنفذ أمرا ولا أحرّك ساكنا ، فأطعته
وكأنما يجدع جادع أنفي بالسكاكين أو يشرح لحمي بالمناشير. فأطعته كرها ، وقد قال
الله تعالى : (وَعَسى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ
شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢١٦) [البقرة :
٢١٦]. والآن كان صلحا وكانت بيعة ، ولننظر مادام هذا الرجل (أي معاوية) حيا ، فإذا
مات نظرنا ونظرتم ، فقلنا : والله يا أبا عبد الله ما نحزن إلا لكم ، أن تضاموا في
حقكم ، ونحن أنصاركم ومحبوكم ، فمتى دعوتمونا أجبناكم ومتى أمرتمونا أطعناكم.
٣٣١ ـ معاوية يطلب
من الإمام الحسن عليهالسلام أن يخطب في الكوفة إبّان الصلح:
(الإستيعاب لابن حجر العسقلاني ، ج ١ ص ٢٧٣)
ثم قدم معاوية
الكوفة بعد الصلح ، فطلب من الحسن عليهالسلام أن يصعد المنبر ويخطب ، وقال له : قم يا حسن فكلّم الناس
بما جرى بيننا.
فقام الحسن عليهالسلام فتشهد وحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال في بديهته : أما بعد
، فإن الله هداكم بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا (ونحن أهل بيت نبيكم ، أذهب الله
عنا الرجس وطهّرنا تطهيرا). وإن لهذا الأمر مدة والدنيا دول ، وإن الله عزوجل يقول : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ
أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩)
إِنَّهُ
يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي
لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (١١١) [الأنبياء :
١٠٩ ـ ١١١].
فضجّ الناس
بالبكاء.
٣٣٢ ـ الإمام
الحسن عليهالسلام يكشف حقيقة معاوية وعمرو بن العاص :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٠٨ ط نجف)
قال أهل السير :
ولما سلّم الحسن عليهالسلام الأمر إلى معاوية ، أقام يتجهز إلى المدينة. فاجتمع إلى
معاوية رهط من شيعته ، منهم عمرو بن العاص والوليد بن عقبة [وهو أخو عثمان بن عفان
لأمه]. وقالوا : نريد أن تحضر الحسن عليهالسلام على سبيل الزيارة ، لتخجله قبل مسيره إلى المدينة. فنهاهم
معاوية ، وقال : إنه ألسن بني هاشم. فألحّوا عليه ، فأرسل إلى الحسن فاستزاره.
فلما حضر عليهالسلام شرعوا فتناولوا عليا عليهالسلام ، والحسن ساكت.
فلما فرغوا ، حمد
الحسن الله وأثنى عليه وصلى على رسوله محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم قال : إن الّذي أشرتم إليه (أي علي عليهالسلام) قد صلّى إلى القبلتين ، وبايع البيعتين ، وأنتم بالجميع
مشركون ، وبما أنزل الله على نبيه كافرون. وإنه حرّم على نفسه الشهوات ، وامتنع عن
الملذات ، حتّى أنزل الله فيه : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا) [المائدة : ٨٧].
وأنت يا معاوية ممن قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حقه : «اللهم لا تشبعه ، أو لا أشبع الله بطنك «(أخرجه
مسلم عن ابن عباس). وبات أمير المؤمنين عليهالسلام يحرس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من المشركين وفداه بنفسه ليلة الهجرة ، حتّى أنزل الله فيه
: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ
مَرْضاتِ) [البقرة : ٢٠٧].
ووصفه الله بالإيمان فقال : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ
اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) [المائدة : ٥٥]
والمراد به أمير المؤمنين. وقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«أنت مني بمنزلة
هرون من موسى ، وأنت أخي في الدنيا والآخرة».
وأنت يا معاوية ،
نظر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إليك يوم الأحزاب ، فرأى أباك على جمل يحرّض الناس على
قتاله ، وأخوك يقود الجمل ، وأنت تسوقه ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لعن الله الراكب والقائد والسائق». وما قابله أبوك في
موطن إلا ولعنه ، وكنت معه.
ولّاك عمر الشام
فخنته ، ثم ولّاك عثمان فتربصت عليه. وأنت الّذي كنت تنهى أباك عن الإسلام ، حتّى
قلت مخاطبا له :
يا صخر لا تسلمن
طوعا فتفضحنا
|
|
بعد الذين ببدر
أصبحوا مزقا
|
لا تركننّ إلى
أمر تقلّدنا
|
|
والراقصات بنعمان
به الحرقا
|
وكنت يوم بدر وأحد
والخندق والمشاهد كلها تقاتل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد علّمت المسلمين الّذي ولدت عليه.
توضيح (١) : قال
الأصمعي وهشام الكلبي في كتابه المسمى (بالمثالب) : إن معاوية كان يقال إنه من
أربعة من قريش : عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، ومسافر بن أبي عمرو ، وأبي
سفيان ، والعباس بن عبد المطلب. وهؤلاء كانوا ندماء أبي سفيان. وكان كل منهم يتّهم
بهند (أم معاوية).
ثم التفت الحسن عليهالسلام إلى عمرو بن العاص وقال : أما أنت يابن النابغة (أمه
النابغة ، كانت أمة فسبيت ، فاشتراها عبد الله بن جدعان ، فكانت بغيّا كما سترى)
فادّعاك خمسة من قريش ، غلب عليك ألأمهم وهو العاص ، وولدت على فراش مشرك ، وفيك
نزل قوله تعالى : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ
الْأَبْتَرُ) (٣) [الكوثر : ٣].
وكنت عدوّ الله وعدوّ رسوله وعدوّ المسلمين ... ثم نفض الحسن عليهالسلام ثوبه وقام.
توضيح (٢) : وذكر
الكلبي أيضا في كتاب (المثالب) قال كانت النابغة أم عمرو بن العاص من البغايا
أصحاب الرايات بمكة ، فوقع عليها العاص بن وائل في عدة من قريش ، منهم أبو لهب ،
وأمية بن خلف ، وهشام بن المغيرة ، وأبو سفيان ، في طهر واحد.
ثم قال الكلبي :
وكان الزناة الذين اشتهروا بمكة جماعة منهم هؤلاء المذكورون ... فلما حملت النابغة
[بعمرو] تكلموا فيه ، فلما وضعته اختصم فيه الخمسة الذين ذكرناهم ، كل واحد يزعم
أنه ولده. وأكبّ عليه العاص بن وائل وأبو سفيان بن حرب ، كل واحد يقول : والله إنه
مني. فحكمّا أمه النابغة ، فاختارت العاص ، فقالت : هو منه. فقيل لها : ما حملك
على هذا ، وأبو سفيان أشرف من العاص؟. فقالت : هو كما قلتم ، إلا أنه رجل شحيح ،
والعاص جواد ينفق على بناتي.
وسيأتي فصل في آخر
الموسوعة عن أنساب هؤلاء الفجّار فالتمسوه في محله ، فهم كلهم من شجرة واحدة ،
اجتثّت من باطن الأرض مالها من قرار.
الفصل العاشر
حكم معاوية بن أبي سفيان
تعريف بالفصل :
نبدأ الفصل بترجمة
لمعاوية ، وبعض أقوال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه ، وتحامل أهل الشام على العلامة النّسائي. ثم ننتقل
إلى بيان حكم بني أمية ، وهو الّذي عبّر عنه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالملك العضوض (أي فيه عسف وظلم يعضّ الناس) وإخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم به ، وكذلك إخبار الإمام علي عليهالسلام به وتبشيره بسرعة زواله. ثم نستعرض بعض سمات الحكم الأموي
الّذي انحرف عن الإسلام بفرضه مبدأ الملكية الوراثية ، وإثارته العصبيات الجاهلية
، وبعض أعمال بني أمية المنكرة ، كمحاولة معاوية نقل منبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الشام ، وكمحاولة عبد الملك بن مروان تحويل المسلمين
عن مكة إلى القدس.
ثم نرجع إلى
معاوية لنفصّل في بعض هناته وموبقاته ؛ مثل توليته للأشرار ، وادّعائه زياد بن
عبيد ، وقتله حجر بن عديّ ، وأمره بسبّ الإمام علي عليهالسلام على منابر الإسلام. وننهي الفصل بأسوأ أعماله ومنكراته ،
وهي سمّه للإمام الحسن عليهالسلام ، ثم توليته يزيد اللعين خليفة على المسلمين. ودور مروان
بن الحكم في مساندة هذا النظام الجائر ، لتهديم صرح الإسلام وإسقاط نظامه وعقائده.
٣٣٣ ـ ترجمة
معاوية :
(التنبيه والإشراف للمسعودي ، ص ٢٦١)
هو معاوية بن أبي
سفيان (صخر) بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
ولد بمكة قبل
الهجرة بخمس عشرة سنة. وفي يوم فتح مكة كان عمره ٢٣ سنة ، وفي ذلك اليوم دخل في
الإسلام مع من أسلم من أهل مكة ، قبل وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بثلاث سنين.
قال المسعودي :
بويع لمعاوية في شهر ربيع الأول سنة ٤١ ه. وتوفي بدمشق في رجب سنة ٦٠ ه وله
ثمانون سنة. ودفن بدمشق في الموضع المعروف بباب الصغير. وقيل : بل في الدار
المعروفة بدمشق (بالخضراء) وهي إلى هذا الوقت في قبلة المسجد الجامع ، وفيها
الشرطة والحبوس. وكان بها ينزل معاوية ومن ولي الأمر بعده من بني أمية. وأن الّذي
في مقبرة باب الصغير هو قبر معاوية بن يزيد. وكانت خلافة معاوية تسع عشرة سنة
وثلاثة أشهر وأياما.
وقال اليافعي في (مرآة
الجنان) ج ١ ص ١٣١ ط ١ : ولي معاوية الشام لعمر وعثمان عشرين سنة ، ثم ولي الملك
بعد علي عليهالسلام عشرين سنة أخرى ، فيكون المجموع أربعين سنة.
٣٣٤ ـ صفة معاوية
:
(النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، ص ١٥٤)
قال الذهبي : وكان
معاوية رجلا طويلا أبيض جميلا مهيلا (أي مخوفا لهيبته). إذا ضحك انقلبت شفته
العليا. وكان يخضب بالصفرة.
وقال المسعودي في (التنبيه
والإشراف) ص ٢٦١ :
وكان طويلا مسمّنا
أبيض ، كبير العجيزة ، قصير الهامة ، جهم الوجه ، جاحظ العينين ، عريض الصدر ،
وافر اللحية ، يخضب بالحناء والكتم.
وكان داهية ذا مكر
، وذا رأي وحزم في أمر دنياه. إذا رأى الفرصة لم يبق ولم يتوقف ، وإذا خاف الأمر
دارى عنه ، وإذا خصم في مقال ناضل عنه ، وقطع الكلام على مناظره.
وكان صاحب أمره
سرجون الرومي ، ومن كتّابه عبد الملك بن مروان.
وقال الشعبي :
دهاة العرب أربعة : معاوية للأناة ، وعمرو بن العاص للمعضلات ، والمغيرة للبديهة ،
وزياد ابن أبيه للصغير والكبير.
وتوفي عمرو بن
العاص سنة ٤٣ ه قبل معاوية ، وله تسعون سنة.
(انتهى كلام المسعودي).
٣٣٥ ـ قصة شريك بن
الأعور ، ومعنى معاوية :
(أسرار البلاغة للشيخ البهائي ، ص ٤٨)
كان شريك بن
الأعور من أصحاب الإمام علي عليهالسلام في البصرة ، أصيبت عينه
في صفين. دخل على
معاوية وهو يختال في مشيته. وكان شجاعا مع دمامة (أي بشاعة الخلقة). فداعبه معاوية
وقال : ويلك ، أنت شريك وما لله شريك ، وأبوك أعور والصحيح خير من الأعور ، وأنت
دميم والوسيم خير من الدميم. فلم سوّدك قومك عليهم؟!.
فقال شريك : وأنت
معاوية ، وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت فسمّيت معاوية ، وأبوك صخر والسهل خير
من الصخر ، وجدك حرب والسلم خير من الحرب ، وإنك ابن أميّة ، وما أمية إلا أمة
صغّرت فسمّيت أميّة. فبم صرت أمير المؤمنين؟!.
فتبسم معاوية غيظا
وقال : أقسمت عليك إلا خرجت عني. فخرج ولم يدخل بعدها إليه.
٣٣٦ ـ جواب سليط :
(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ١٩٩ ط مصر)
وأخرج ابن عساكر
عن عبد الله بن عمير ، قال : قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية. فقال : من أنت؟.
قال : جارية بن قدامة. قال : وما عسيت أن تكون ، هل أنت إلا نحلة؟!. قال : لا تقل
، فقد شبّهتني بها حامية اللسعة ، حلوة البصاق. والله ما معاوية إلا كلبة تعاوي
الكلاب!. وما أميّة إلا تصغير أمة!.
٣٣٧ ـ خبر أروى
بنت الحارث الهاشمية تعدد مثالب معاوية :
(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ٠٠٠)
ومما يحكى عن حلم
معاوية من تاريخ القاضي جمال الدين بن واصل ، أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن
هاشم ، دخلت على معاوية (وقد قدم المدينة) وهي عجوز كبيرة. فقال لها معاوية :
مرحبا بك يا خالة ، كيف أنت؟. فقالت : بخير يابن أختي. لقد كفرت النعمة ، وأسأت
لابن عمك الصحبة ، وتسمّيت بغير اسمك ، وأخذت غير حقك. وكنا أهل البيت أعظم الناس
في هذا الدين البلاء ، حتّى قبض الله نبيّه ، مشكورا سعيه ، مرفوعا منزلته ، فوثبت
علينا بعده تيم وعديّ وأمية ، فابتزّونا حقنا ، وولّيتم علينا ، فكنا فيكم بمنزلة
بني إسرائيل في آل فرعون ، وكان علي بن أبي طالب (فيكم) بعد نبينا بمنزلة هرون من
موسى (غايتنا الجنة وغايتكم النار).
فقال لها عمرو بن
العاص : كفيّ أيتها العجوز الضالة ، واقصري عن قولك مع ذهاب عقلك. فقالت : وأنت
يابن الباغية تتكلم!. وأمك كانت أشهر بغيّ بمكة!. وأرخصهن أجرة!. وادّعاك خمسة من
قريش ، فسئلت أمك عنهم ، فقالت : كلهم أتاني ، فانظروا أشبههم به فألحقوه به ،
فغلب عليك شبه العاص بن وائل ، فألحقوك به.
(وفي المنتخب
للطريحي ، ج ٢ ص ٧٩) : وقال مروان بن الحكم : كفّي أيتها العجوز واقصدي لما جئت
له. فقالت : وأنت يابن الزرقاء تتكلم!. والله أنت ببشير مولى ابن كلدة أشبه منك
بالحكم بن العاص ، وقد رأيت الحكم سبط الشعر مديد القامة ، وما بينكما قرابة إلا
كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرف ، فأسأل عما أخبرتك به أمّك ، فإنها ستخبرك
بذلك.
فقال لها معاوية :
عفا الله عما سلف!.
٣٣٨ ـ أصل معاوية
:
دخل عقيل يوما على
معاوية ، فقال له معاوية : حدّثنا عما سبق ، فإنك نسّابة. فقال عقيل : أتعرف (حمامة)؟.
قال : وما حمامة؟. فهرب عقيل من المجلس دون أن يجيبه .. فبعث معاوية وراءه ، ورجاه
أن يبيّن له من حمامة؟. فقال : هل تعطيني الأمان؟. قال : أعطيتك. قال : إنها جدتك
، وكانت في الجاهلية تنصب راية للعرب ولغير العرب.
أما أم معاوية فهي
هند بنت عتبة ، وقد كانت أيضا صاحبة راية في الجاهلية. ومما يؤكد ذلك أن النساء
لما جئن بعد فتح مكة يعرضن إسلامهن على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في المدينة ، شرط عليهن شروطا ، منها (ولا يزنين). فقالت
هند : أوتزني الحرة يا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم! فضحك عمر بن الخطاب وكان في المجلس. وذلك أنه كانت له
معها حادثة ، هو والعباس ورجلان آخران.
أما (ميسون) أم
يزيد ، فلما تزوج بها معاوية ، كان خادمه قد فضّها قبله بأسبوع ، وبعد حين ولدت له
يزيد. وهي نصرانية من بني كلب.
وسوف نتكلم
بالتفصيل في نسب مثلث الرجس (يزيد ـ ابن زياد ـ عمر بن سعد) في الجزء الثاني من
الموسوعة ، مباشرة بعد فصل استشهاد الإمام الحسين عليهالسلام ، انطلاقا من المبدأ القائل : لا يقتل الحسين عليهالسلام إلا ابن زنا.
٣٣٩ ـ نساء معاوية
: (الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٠)
فمنهن فاختة ابنة
قرظة ، فولدت له عبد الرحمن ، فكنّي به.
ومنهن ميسون بنت
بجدل بن أنيف الكلبية ، أم يزيد.
٣٤٠ ـ أولاد
معاوية :
له من الذكور :
عبد الرحمن ويزيد. ومن الإناث : هند ورملة وصفية وعائشة.
٣٤١ ـ بعض الأحاديث
المأثورة في معاوية :
في (المنتخب)
للطريحي ، ص ١٥ ط ٢ :
حكى عبد الله بن
عمر قال : أتيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو في مسجده ، فسمعته يقول لجلسائه : الآن يطلع عليكم رجل
، يموت على غير سنّتي. فما استتم كلامه ، إذ طلع معاوية وجلس معنا في المسجد. فقام
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يخطب ، فأخذ معاوية بيد [أخيه] يزيد ، وخرج ولم يسمع
الخطبة. فلما رآه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خارجا مع [أخيه] قال : «لعن الله القائد والمقود».
وفي (مجمع الزوائد)
للهيثمي ، ج ٥ ص ٢٤١ :
روى ابن حجر : كما
في (مجمع الزوائد) عن مسند أبي يعلى والبزاز ، وفي (الصواعق المحرقة) ص ١٣٢ عن
مسند الروياني عن أبي الدرداء ، عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «أول من يبدّل سنّتي رجل من بني أمية ، يقال له يزيد».
وفي (تاريخ الطبري)
، ج ١١ ص ٣٥٧ ـ حوادث سنة ٢٨٤ ه ؛ وكتاب (صفين) لنصر بن مزاحم ، ص ٢٤٧ ط مصر ؛ و
(تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ١١٥ ط إيران ؛ أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رأى أبا سفيان على جمل وابنه يزيد يقوده ، ومعاوية يسوقه ،
فقال : «لعن الله الراكب والقائد والسائق».
وفي (تهذيب
التهذيب) لابن حجر ، ج ١ ص ٤٢٨ ؛ و (تاريخ الطبري) ج ١١ ص ٣٥٧ ؛ و (شرح النهج لابن
أبي الحديد) ج ١ ص ٢٤٨ ؛ و (اللآلىء المصنوعة) للسيوطي ، ج ١ ص ٣٢٠ ؛ و (ميزان
الاعتدال) للذهبي ، ج ١ ص ٢٦٨ ط مصر ؛ و (سير أعلام النبلاء) للذهبي ، ج ٣ ص ٩٩ ؛
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه».
وفي (اللهوف) ص ١٣
؛ و (مثير الأحزان) لابن نما ، ص ١٠ : قالصلىاللهعليهوآلهوسلم :
«الخلافة محرّمة
على آل أبي سفيان ، الطلقاء وأبناء الطلقاء ، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا
بطنه».
٣٤٢ ـ كيف توفي
العلامة النّسائي شهيدا في دمشق :
النّسائي هو أبو
عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب ، أحد كبار المحدثين من العامة ، صاحب كتاب (الخصائص)
، وكتاب (السنن) أحد الصحاح الستة عند السنة.
قال الذهبي في (سير
أعلام النبلاء) ج ١٤ ص ١٣٣ :
ولم يكن أحد في
رأس الثلاثمائة أحفظ من النّسائي ، وهو أحذق بالحديث ورجاله من مسلم وأبي داود
والترمذي.
وحين فارق مصر في
آخر عمره وقدم إلى دمشق ، ألّف كتابا في فضائل الإمام علي عليهالسلام سمّاه (خصائص أمير المؤمنين). وبعد أن ألفّه كان يحدّث في
الجامع الأموي عن خصائص علي عليهالسلام. فأنكر عليه قوم تأليفه لهذا الكتاب ، وعدم تأليفه في
فضائل الصحابة والشيخين. فقال : دخلت دمشق سنة ٣٠٢ ه والمنحرف بها عن علي عليهالسلام كثير ، فصنّفت كتاب (الخصائص) ، رجوت أن يهديهم الله تعالى
بهذا الكتاب.
ثم إنه صنّف بعد
ذلك (فضائل الصحابة). فقيل له : ألا تخرّج فضائل معاوية؟. فقال : أي شيء أخرّج؟ حديث
: «اللهم لا تشبع بطنه؟».
وفي (البداية
والنهاية) لابن كثير ، ج ١١ ص ١٢٤ قال : ودخل إلى دمشق فسأله أهلها أن يحدّثهم
بشيء من فضائل معاوية. فقال : أما يكفي معاوية أن يذهب (وفي رواية : أن يروح) رأسا
برأس ، حتّى يروى له فضائل؟. فقاموا إليه (وهو يحدّث) فجعلوا يطعنون في خصيتيه
حتّى أخرجوه من المسجد الجامع.
وفي (وفيات
الأعيان) لابن خلكان ، ج ١ ص ٧٧ قال : فجعلوا يدفعون في خصيتيه وداسوه. ثم حمل إلى
الرملة فمات بها سنة ٣٠٣ ه.
وقال ابن خلكان
أيضا : لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدوس ، وهو مقتول. وكان عمره يقارب التسعين رحمهالله.
والنّسائي : منسوب
إلى (نسا) وهو اسم بلدة بخراسان ، بينها وبين سرخس يومان ، وبينها وبين أبي ورد
يوم. وتقع اليوم شمال مشهد في تركستان الروسية.
(أقول) : فانظر
أيها اللبيب إلى هذا العالم الأريب ، الّذي أدلى بالحق بعد أن أقرّ به ، وألفّ
كتابا كاملا في فضائل الإمام علي عليهالسلام سماه (خصائص أمير المؤمنين) ، ماذا كانت نهايته نتيجة
التعصب الأعمى والجهل المقيت. وليس له ذنب سوى أنه لم يحفظ إلا حديثا واحدا عن
معاوية ، وهو : «لا أشبع الله هذه البطن يا معاوية». وذلك أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان كلما طلب معاوية ، يقولون له : إنه يأكل!.
٣٤٣ ـ الإمام علي عليهالسلام يتنبأ بأعمال معاوية :
(نهج البلاغة ، الخطبة ٥٦)
قال الإمام علي عليهالسلام في (نهج البلاغة) يصف معاوية :
«أما إنه سيظهر
عليكم بعدي رجل رحب البلعوم ، مندحق البطن. يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ،
فاقتلوه ولن تقتلوه. ألا وإنه سيأمركم بسبّي والبراءة مني. فأما السبّ فسبّوني ؛
فإنه لي زكاة ولكم نجاة ، وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني ؛ فإني ولدت على الفطرة ،
وسبقت إلى الإيمان والهجرة».
شرح : مندحق البطن
: أي بارز البطن. سيظهر عليكم : أي سيغلبكم.
٣٤٤ ـ بطنة معاوية
:
ويظن البعض أن
الإمام عليا عليهالسلام عنى بهذا الوصف : زياد ابن أبيه ، أو الحجاج ، أو المغيرة
بن شعبة.
والأقوى أنه عنى
به معاوية. لأن معاوية كان موصوفا بالنهم وكثرة الأكل ، وكان بطينا ، يقعد بطنه
إذا جلس على فخذيه.
وكان معاوية يأكل
فيكثر ، ثم يقول : ارفعوا الطعام ، فو الله ما شبعت ولكن مللت وتعبت. وكثير من
الأكلات الشامية منسوبة إليه.
وقد تظاهرت
الأخبار كما قرأت على أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا على معاوية لما بعث إليه يطلبه فوجده يأكل ، ثم بعث
ثانية فوجده يأكل ، وكلما بعث إليه قالوا : إنه يأكل ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اللهم لا تشبع بطنه».
وفي ذلك قال
الشاعر :
وصاحب لي ، بطنه
كالهاويه
|
|
كأن في أحشائه
معاويه
|
سبّ معاوية للإمام علي عليهالسلام
٣٤٥ ـ سبّ الإمام
علي عليهالسلام :
وأما عن السبّ ،
فإن معاوية أمر الناس بالعراق والشام وغيرهما ، بسبّ علي عليهالسلام والبراءة منه ، وهو يعلم أنه من الذين أذهب الله عنهم
الرجس وطهّرهم تطهيرا. وخطب بذلك على منابر الإسلام. وصار ذلك سنّة في أيام بني
أمية ، إلى أن قام عمر بن عبد العزيز فأبطل ذلك ، كما سترى.
٣٤٦ ـ معاوية يأمر
الناس بسبب علي عليهالسلام :
(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ، ص ٣٠ ؛ وكتاب سليم بن قيس ، ص ٢٠٢)
كان معاوية يركزّ
في سياسته على سبّ الإمام علي عليهالسلام. فقد كتب نسخة واحدة بعد صلحه مع الحسن عليهالسلام إلى كافة عماله : أن برئت الذمّة ممن روى شيئا من فضل أبي
تراب وأهل بيته. فقامت الخطباء في كل كورة وعليكل منبر ، يلعنون عليا ويبرؤون منه
، ويقعون فيه وفي أهل بيته.
وحين سئل مروان بن
الحكم : لماذا سبّ عليا وشتمه؟ قال : لا يستقيم لنا أمر إلا بذلك!. وكان لا يدع
سبّ علي عليهالسلام على المنبر كل جمعة.
٣٤٧ ـ الذين
يسبّون عليا عليهالسلام هم أهل النار :
(المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ٣ ص ١١٩)
عن ابن عباس رضي
الله عنه قال : أشهد على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لسمعته يقول : «من سبّ عليا فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ
الله ، ومن سبّ الله أكبّه الله على منخره في نار جهنم».
٣٤٨ ـ لماذا رفع
عمر بن عبد العزيز مسبّة الإمام علي عليهالسلام؟ :
عن عمر بن عبد
العزيز قال : كنت غلاما أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود ، فمرّ بي يوما
وأنا ألعب مع الصبيان ، ونحن نلعن عليا عليهالسلام. فكره ذلك ، ودخل المسجد. فتركت الصبيان ، وجئت إليه لأدرس
عليه وردي. فلما رآني قام فصلى ، وأطال في الصلاة شبه المعرض عني ، حتّى أحسست منه
ذلك.
فلما انفتل من
صلاته كلح في وجهي ، فقلت له : ما بال الشيخ؟. قال لي : يا بني أنت اللاعن عليا عليهالسلام؟ قلت : نعم.
قال : فمتى علمت
أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟. فقلت : يا أبت ، وهل كان عليّ من أهل
بدر؟.
فقال : ويحك ، وهل
كانت بدر كلها إلا له؟.
فقلت : لا أعود.
فقال : إنك لا تعود؟ قلت : نعم. فلم ألعنه بعدها.
٣٤٩ ـ عمر بن عبد
العزيز وأبوه :
(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٤ ص ٥٨)
قال عمر بن عبد العزيز
: ثم كنت أحضر تحت منبر المدينة وأبي يخطب يوم الجمعة ، وهو يومئذ أمير المدينة.
فكنت أسمع أبي يمرّ في خطبته تهدر شقاشقه ، حتّى يأتي إلى لعن علي عليهالسلام فيجمجم ، ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به.
فكنت أعجب من ذلك.
فقلت له يوما : يا
أبت أنت أفصح الناس وأخطبهم ، فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك ، حتّى إذا مررت
بلعن هذا الرجل صرت ألكن عييّا؟. فقال : يا بني ، إن من ترى تحت منبرنا من أهل
الشام وغيرهم ، لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك ، لم يتبعنا منهم أحد.
فوقرت كلمته في صدري ، مع ما قاله لي معلمي أيام صغري. فأعطيت الله عهدا ، لئن كان
لي في هذا الأمر نصيب لأغيّرنه. فلما منّ الله عليّ بالخلافة أسقطت ذلك ، وجعلت
مكانه : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٩٠) [النحل : ٩٠].
وكتب به إلى الآفاق فصار سنّة. وفي ذلك قال الشريف الرضي مادحا عمر :
يابن عبد العزيز
لو بكت العي
|
|
ن فتى من أميّة
لبكيتك
|
غير أني أقول
إنك قد طب
|
|
ت وإن لم يطب
ولم يزك بيتك
|
أنت نزّهتنا عن
السبّ والقذ
|
|
ف ، فلو أمكن
الجزاء جزيتك
|
ولو اني رأيت
قبرك لاستح
|
|
ييت من أن أرى
وما حيّيتك
|
وقليل أن لو
بذلت دماء ال
|
|
بدن صرفا على
الذرى وسقيتك
|
٣٥٠ ـ عمر بن عبد العزيز يمنع مسبة
الإمام علي عليهالسلام :
(الإمام الحسين يوم عاشوراء ، طبع مؤسسة البلاغ ، ص ٤٣)
وكان عمر بن عبد
العزيز في نهاية النسك والتواضع ، فترك لعن علي عليهالسلام على المنابر ، وجعل مكانه.
وقيل : بل جعل
مكان ذلك : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٩٠) [النحل : ٩٠].
وقيل : بل جعلهما جميعا.
٣٥١ ـ الإمام علي عليهالسلام يأمر أتباعه بعدم سبّ أهل الشام :
(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ، ص ٤٢٤)
روى نصر بن مزاحم
بإسناده عن عبد الله بن شريك ، قال : خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق [في صفين] ،
يظهران البراءة واللعن لأهل الشام. فأرسل إليهما الإمام علي عليهالسلام أن كفّا عما يبلغني عنكما. فأتياه فقالا : يا أمير
المؤمنين ، ألسنا محقّين؟. قال : بلى. قالا : أوليسوا مبطلين؟. قال : بلى. قالا :
فلم منعتنا من شتمهم؟. قال : كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتّامين ، تشهدون وتبرون
، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم : من سيرتهم كذا وكذا ، كان أصوب في القول ،
وأبلغ في العذر. وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم : الله م احقن دماءنا
ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم ، حتّى يعرف الحقّ منهم من
جهله ، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به ؛ كان هذا أحبّ إليّ وخيرا لكم.
فقالا : يا أمير
المؤمنين ، نقبل موعظتك ونتأدب بأدبك.
٣٥٢ ـ ماذا يمثّل
معاوية؟ :
(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ، ص ١٦)
يعلّق أحد
المستشرقين قائلا : إن معاوية يمثّل الروح الفاشستية الاستبدادية ، التي لا تؤمن
بحق ولا تدفع عن أمة ، وإنما هدفها الرئيسي مصلحتها الذاتية.
ثم يقول المستشرق
: إن معاوية إنسان طاغية معتد مفضوح ، صاحب مذابح ومجازر. كان من أخطر أعداء
الدولة الإسلامية ، وكان عامل فناء لكيانها وحضارتها.
الحكم الأموي وسماته
٣٥٣ ـ حكم معاوية
من الملك العضوض :
يروي المسلمون
بالإجماع قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم
تكون ملكا عضوضا».
وهذا الزمن يوافق آخر سنة من حياة الإمام الحسن عليهالسلام ، مما يدل على أن الملك العضوض (أي الظالم الفاسد) يشمل
حكم معاوية ومن بعده ، فهي حكومات غير شرعية.
٣٥٤ ـ الملك
العضوض :
(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٦)
قال القرماني :
وكانت خلافة الحسن عليهالسلام ستة أشهر ، وهي تكملة ما ذكره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من مدة الخلافة ، ثم تكون ملكا عضوضا ، ثم يكون جبروتا
وفسادا في الأرض ، فكان كما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم.
٣٥٥ ـ الخلافة
بعدي ثلاثون سنة :
(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ٩٦)
توفي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سنة ١١ ه ، وانتهت خلافة الحسن عليهالسلام سنة ٤١ ه ، فيكون الفرق ثلاثين سنة.
وروى سفينة أن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا عضوضا».
وكان آخر الثلاثين يوم خلع الحسن عليهالسلام نفسه من الخلافة ، وتصالح مع معاوية.
٣٥٦ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يتنبأ بحكم بني أمية :
(المصدر السابق ، ص ٩٧)
خلفاء بني أمية
أربعة عشر خليفة ، وكانت مدة ملكهم نيّفا وتسعين [الأصح نيّفا وثمانين] سنة ، وهي
ألف شهر تقريبا.
قال ابن الأثير في
تاريخه : إنه لما سار الحسن عليهالسلام من الكوفة ، عرض له رجل فقال : يا مسوّد وجوه المؤمنين!.
فقال عليهالسلام : لا تعذلني ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أري في منامه أن بني أمية ينزون على منبره رجلا فرجلا ،
فساءه ذلك ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ
الْكَوْثَرَ) (١) [الكوثر : ١] و
(إِنَّا أَنْزَلْناهُ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما
لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (٣) [القدر : ١ ـ ٣].
(أقول) : يواسيه
سبحانه بإعطائه الكوثر وليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، أي من ملك بني أمية
الّذي مدته ألف شهر.
٣٥٧ ـ خلافة بني
أمية ألف شهر :
(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٦ ص ٢٧٥)
قال يعقوب بن
سفيان ... عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : رأيت في المنام بني الحكم (أو بني أبي العاص) ينزون (أي
يثبون) على منبري كما تنزو القردة. قال : فما رآني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مستجمعا ضاحكا حتّى توفي.
وقال النوري عن
علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب ، قال : رأى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بني أمية على منابرهم ، فساءه ذلك. فأوحي إليه : إنما هي
دنيا أعطوها ، فقرّ به عينه ، وهي قوله تعالى (وَما جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (٦٠) [الإسراء :
٦٠].
وقال أبو داود
الطيالسي : حدثنا القاسم بن الفضل ، حدثنا يوسف بن مازن الراسبي قال : قام رجل إلى
الحسن بن علي عليهالسلام بعدما بايع معاوية ، فقال : يا مسوّد وجوه المؤمنين. فقال
الحسن عليهالسلام : لا تؤنّبني رحمك الله ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رأى بني أمية يخطبون على منبره رجلا رجلا ، فساءه ذلك ،
فنزلت الآية : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ
الْكَوْثَرَ) (١) [الكوثر : ١]
يعني نهرا في الجنة ، ونزلت الآية : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما
لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (٣) [القدر : ١ ـ ٣]
يملكه بنو أمية.
قال القاسم بن
القاسم بن فضل : فحسبنا ذلك ، فإذا هو ألف شهر لا يزيد يوما ولا ينقص يوما.
٣٥٨ ـ ملوك بني
أمية ومدة حكم كل واحد منهم :
(مروج الذهب
للمسعودي ، ج ٣ ص ٢٤٩ ؛ والمنتخب لفخر الدين الطريحي ، ص ٣٩٨)
نقل أنه كانت
الدولة لبني أمية ألف شهر ، وكانوا لا يزالون يأمرون الخطباء بسبّ علي بن أبي طالب
عليهالسلام على رؤوس المنابر.
فأول من تأمّر
منهم معاوية ، ومدة خلافته عشرون سنة.
ثم تخلّف من بعده
ولده يزيد ، ثلاث سنين وثمانية أشهر وأربعة عشر يوما.
ثم تخلّف من بعده
معاوية بن يزيد ، شهرا واحدا وأحد عشر يوما. وترك الخلافة خوفا من عذاب الله ،
واعترف بظلم آبائه ، وعرّف الناس ذلك وهو قائم على المنبر. حتّى أن أمه لامته على
ذلك ، فقالت له : ليتك كنت حيضة ولم تكن بشرا ، أتعزل
نفسك من منصب
آبائك؟. فقال لها : يا أماه ، وأنا وددت أن أكون حيضة ولا أطأ موطئا لست له بأهل ،
ولا ألقى الله عزوجل بظلم آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ثم تخلّف من بعده
مروان بن الحكم ، ثمانية أشهر وعشرة أيام ومات.
ثم تخلّف من بعده
عبد الملك بن مروان ، إحدى وعشرين سنة وشهرا وعشرين يوما.
ثم تخلّف من بعده
الوليد بن عبد الملك ، تسع سنين وثمانية أشهر ويوما.
ثم تخلّف من بعده
سليمان بن عبد الملك ، سنتين وستة شهور و ١٥ يوما.
ثم تخلّف من بعده
عمر بن عبد العزيز ، سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام.
ثم تخلّف من بعده
يزيد بن عبد الملك ، أربع سنين و ١٣ يوما.
ثم تخلّف هشام بن
عبد الملك ، تسعة عشر سنة وتسعة شهور وتسعة أيام.
ثم تخلّف الوليد
بن يزيد ، سنة وثلاثة شهور ، وهو الّذي مزّق القرآن.
ثم تخلّف يزيد بن
الوليد ، شهرين وعشرة أيام.
ثم تخلف مروان بن
محمّد بن مروان ، خمس سنين وشهرين وعشرة أيام.
ويضاف إلى ذلك
الثمانية أشهر التي كان مروان يقاتل فيها بني العباس إلى أن قتل ، فيصير ملكهم
جميعا إحدى وتسعين سنة وسبعة (أو تسعة) أشهر وثلاثة عشر يوما.
يطرح من ذلك أيام
الإمام الحسن عليهالسلام وهي خمسة أشهر وعشرة أيام ، وتوضع أيام عبد الله بن الزبير
إلى الوقت الّذي قتل فيه ، وهي سبع سنين وعشرة أشهر وثلاثة أيام ، فيصير الباقي
بعد ذلك ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر ، ويكون ذلك ألف شهر.
وقد ذكر قوم أن
تأويل قوله عزوجل : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (٣) [القدر: ٣].
ما ذكرناه من
أيامهم.
وقد روي عن ابن
عباس أنه قال : والله ليملكن بنو العباس ضعف ما ملكته بنو أمية: باليوم يومين ،
وبالشهر شهرين ، وبالسنة سنتين ، وبالخليفة خليفتين.
٣٥٩ ـ إخبار
الإمام علي عليهالسلام بمصير بني أمية :
(ينابيع المودة ، ج ٣ ص ٤)
قال الإمام علي عليهالسلام من خطبة له : «ألا إن لكل دم ثائرا ، ولكل حقّ طالبا.
وإن الثائر في
دمائنا كالحاكم في حق نفسه ، وهو الله الّذي لا يعجزه من طلب ، ولا يفوته من هرب.
فأقسم بالله يا بني أميّة ، عما قليل لتعرفنّها في أيدي غيركم ، وفي دار عدوكم».
سمات الحكم الأموي
٣٦٠ ـ مدخل حول
معنى الخلافة :
في تقديري أن
إطلاق لفظة (خلافة) على ملك بني أمية خطأ شائع ، يتعارض مع معنى الكلمة ، والأخبار
الواردة في ذلك. فالخليفة في مفهوم الإسلام هو الرئيس الّذي ينتخبه المسلمون ، أما
الّذي يفرض نفسه عليهم بغير جدارة ولا حقّ ولا رضا ، فهو ملك من الملوك الذين وصفهم
الله تعالى بقوله : (إِنَّ الْمُلُوكَ
إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها) [النمل : ٣٤]. ثم
إن الخليفة في مفهوم الإسلام هو القدوة للمسلمين ، الّذي يطبّق الإسلام بحذافيره
ويحق حقوق الله. وملوك بني أمية وغيرهم كانوا أبعد ما يكونون عن تعاليم الإسلام
وحدوده ، فهم تشبّهوا بملوك الروم والفرس ، وتسلّطوا على المسلمين وعلى أموالهم
يتصرفون بها كما يشاؤون ، ويحرمون منها أصحابها ، ليصرفوها على أنفسهم وأغراضهم
وتعزيز سلطانهم.
هذا عدا عن خروجهم
عن ربقة الإسلام بحربهم لولي الأمر الواجب الطاعة ، الّذي نصبه الله تعالى ، أو
الّذي ينتخبه السابقون إلى الإسلام من المهاجرين والأنصار. ثم إلقاحهم الفتن
وقتلهم لآلاف المسلمين بدون حق.
فكيف نسمّي من
يفعل هذه الأشياء المنكرة ب (خليفة الإسلام والمسلمين)؟.
وقد وردت أخبار
كثيرة تؤيد هذا المعنى ، نذكر بعضها.
٣٦١ ـ حكم بني
أمية ملكية وليس خلافة :
(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢)
روى البيهقي من
طريق هشيم عن العوام بن حوشب ، عن سليمان بن أبي سليمان ، عن أبيه عن أبي هريرة (قال)
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الخلافة بالمدينة ، والملك بالشام».
وقال نعيم بن حماد
: حدثنا راشد بن سعد ... عن حذيفة بن اليمان ، قال : يكون بعد عثمان اثنا عشر ملكا
من بني أمية. قيل له : خلفاء؟. قال : لا ، بل ملوك.
٣٦٢ ـ حكم معاوية
خلافة أم ملكية؟ :
(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ١٩٩ ط مصر)
أخرج ابن أبي شيبة
في (المصنف) عن سعيد بن جمهان (قال) قلت لسفينة : إن بني أمية يزعمون أن الخلافة
فيهم!. قال : كذب بنو الزرقاء ، بل هم ملوك من أشدّ الملوك ، وأول الملوك معاوية.
٣٦٣ ـ الفرق بين
الخليفة والملك :
(صبح الأعشى في كتابة الإنشا للقلقشندي ، السفر الثالث ، ص ٢٧٥)
قال القلقشندي :
ثم قد كره جماعة من الفقهاء منهم «أحمد بن حنبل «إطلاق اسم الخليفة على ما بعد
خلافة «الحسن بن علي عليهماالسلام» ، فيما حكاه النحاس وغيره ، محتجين بحديث : «الخلافة بعدي
ثلاثون «يعني ثلاثون سنة ، وكان انقضاء الثلاثين بانقضاء خلافة الحسن عليهالسلام. ولما انقضت الخلافة صارت ملكا.
قال المعافى بن
إسماعيل في تفسيره : وقد روي أن عمر بن الخطاب سأل طلحة والزبير وكعبا وسلمان عن
الفرق بين الخليفة والملك؟. فقال طلحة والزبير : لا ندري ، فقال سلمان : الخليفة
الّذي يعدل في الرعية ، ويقسم بينهم بالسوية ، ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله
والوالد على ولده ، ويقضي بينهم بكتاب الله تعالى. فقال كعب : ما كنت أحسب أن في
هذا المجلس من يفرّق بين الخليفة والملك ، ولكن الله ألهم سلمان حكما وعلما.
٣٦٤ ـ حكم معاوية
ويزيد :
(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ص ١٤٠)
يقول محمّد كرد
علي : أخرج معاوية الخلافة من أصولها ، وكانت بالعهد لأفضل الصحابة ، أو بالشورى
بينهم لمن يقع اختيارهم عليه. وجعلها كالملك يورثها الأب لابنه ، أو لمن يراه أهلا
لها من خاصته ، أو كسروية أو قيصرية على سنة كسرى وقيصر كما قالوا. وبذلك نقم على
معاوية بعض الصحابة والتابعين من الأنصار والمهاجرين.
(أقول) : وقد لا
حظت في كتب المسعودي ، أنه حتّى عصر الحسن عليهالسلام يستخدم لفظة (خلافة) ، وبعده يسمّيها (أيام معاوية) و (أيام
يزيد) ... وهكذا. أي ينفي عن ملوك بني أمية صفة الخلافة والشرعية.
٣٦٥ ـ الحكم
الأموي لم يكن حكما إسلاميا ، بل تسوده النزعة الجاهلية :
(ضحى الإسلام لأحمد أمين ، ج ١ ص ٢٧)
يتحدث أحمد أمين
في (ضحى الإسلام) عن الحكم الأموي ، فيقول :
الحق أن الحكم
الأموي لم يكن حكما إسلاميا ، يسوّى فيه بين الناس ، ويكافأ المحسن ، عربيا كان أو
مولى ، ويعاقب المجرم عربيا كان أو مولى ، وإنما الحكم فيه عربي والحكام خدمة
للعرب ، وكانت تسود العرب فيه النزعة الجاهلية ، لا النزعة الإسلامية.
٣٦٦ ـ النزعة
القبلية : (تاريخ الدولة العربية لفلهوزن ، ص ٦٥)
يقول فلهوزن :
الّذي كان يحدث في الغالب أن يستظهر الوالي بقبيلة واحدة على غيرها ، وكان يستظهر
خصوصا بقبيلته هو ، وكان هو الّذي يأتي بها معه أحيانا.
ـ شأن قيس (ثقيف):
ولقد لعبت قيس في
الشام وفي خراسان دورا سياسيا كبيرا ، وكانوا منتشرين في كل مكان. وكانوا بفضل ما
ينتمي إليهم من (ثقيف) يشغلون كثيرا من المناصب العليا. وكانوا أشدّ ما تكون
القبيلة اتحادا. وكانوا أول من كوّن عصبة بالمعنى الحقيقي في جميع أنحاء الدولة.
وقد شقّوا طريقهم إلى الحكم بأشدّ الوسائل خزيا.
وقد اعتمد
الأمويون عليولاة معينين يكفونهم شرّ العراق ، بما فيها الكوفة والبصرة ، حتّى ملأ
ذكرهم التاريخ. فالأخبار تقصّ لنا من أخبار المغيرة بن شعبة وزياد ابن أبيه أكثر
مما تقصّ من أخبار معاوية نفسه. كما أنها تجعل عبد الملك بن مروان متواريا وراء
الحجاج. وكان هؤلاء الولاة الثلاثة المشهورون كلهم ثقفيّين ، ومن الذين أخلصوا
الولاء لبني أمية. وفي عهد يزيد لمع نجم عبيد الله بن زياد ، وهو ثقفي أيضا.
٣٦٦ ـ إثارة
معاوية النعرات القبلية ، وسياسة فرّق تسد :
(كتاب سليم بن قيس الكوفي ، منشورات دار الكتب الإسلامية ، ص ١٧٤)
قال أبان عن سليم
بن قيس ، قال : كان لزياد بن سميّة كاتب يتشيّع ، وكان لي صديقا ، فأقرأني كتابا (سرّيا)
كتبه معاوية إلى زياد ، جواب كتابه إليه ، يقول فيه :
أما بعد ، فإنك
كتبت إليّ تسألني عن العرب ، من أكرم منهم ومن أهين ، ومن أقرب ومن أبعد ، ومن أأمن
منهم ومن أحذر؟. وأنا يا أخي أعلم الناس بالعرب [هذا بعد أن استلحق معاوية زيادا ،
فخاطبه على أنه أخوه].
انظر إلى هذا الحي
من (اليمن) ، فأكرمهم في العلانية وأهنهم في السر ، فإني كذلك أصنع بهم ، أكرمهم
في مجالسهم وأهينهم في الخلاء ، إنهم أسوأ الناس عندي حالا ، ويكون فضلك وعطاؤك
لغيرهم سرا منهم.
وانظر (ربيعة بن
نزار) ، فأكرم أمراءهم وأهن عامتهم ، فإن عامتهم تبع لأشرافهم وساداتهم.
وانظر إلى (مضر) ،
فاضرب بعضها ببعض ، فإن فيهم غلظة وكبرا ونخوة شديدة ، فإنك إذا فعلت ذلك وضربت
بعضهم ببعض ، كفاك بعضهم بعضا. ولا ترض بالقول منهم دون الفعل ، ولا الظن دون
اليقين.
وانظر إلى (الموالي)
ومن أسلم من الأعاجم ، فخذهم بسنة عمر بن الخطاب ، فإن في ذلك خزيهم وذلهم ، أن
تنكح العرب منهم ولا ينكحهم ، وأن يرثهم العرب ولا يرثوا العرب ، وأن تقصر بهم في
عطائهم وأرزاقهم ، وأن يقدّموا في المغازي ، يصلحون الطريق ويقطعون الشجر ، ولا
يؤمّ أحد فيهم العرب في صلاة ، ولا يتقدم أحد منهم في الصف الأول إذا حضرت العرب
إلا أن يتموّا الصف ، ولا تولّ أحدا منهم ثغرا من ثغور المسلمين ولا مصرا من
أمصارهم ، ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين ولا أحكامهم ، فإن هذه سنة عمر فيهم
وسيرته ... ولو لا أن عمر سنّ دية الموالي على النصف من دية العرب وذلك أقرب
للتقوى ، لما كان للعرب فضل على العجم. فإذا جاءك كتابي هذا فأذلّ العجم وأهنهم
وأقصهم ، ولا تستعن بأحد منهم ، ولا تقض لهم حاجة.
(أقول) : أهكذا
علمّهم الإسلام أن يفعلوا بغير العرب ، أم أنهم أرادوا أن يفعلوا عكس ما أمرهم
الله تعالى؟!. حيث قال في صريح كتابه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ
لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ
خَبِيرٌ) (١٣) [الحجرات :
١٣].
٣٦٧ ـ محاولة
معاوية نقل منبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الشام :
(النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، ج ١ ص ١٣٨)
في سنة خمسين
للهجرة أراد معاوية نقل منبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من المدينة ، وأن يحمل إلى الشام ... وحرّك المنبر فكسفت
الشمس حتّى رؤيت النجوم بادية. فأعظم الناس ذلك ، فتركه معاوية.
وفي تاريخ الطبري
: فقال معاوية : لم أرد حمله ، إنما خفت أن يكون قد أرض [أي أكلته الأرضة ، وهي
العث] فنظرت إليه. ثم كساه يومئذ.
٣٦٨ ـ مثال حيّ
على تحريف بني أمية لمبادىء الإسلام ـ اهتمام عبد الملك بن مروان ببناء قبة الصخرة
لأغراض سياسية :
(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٣٠١)
قال الواقدي : قال
صاحب (مرآة الزمان) : وفي هذه السنة ٦٦ ه ابتدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة
على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى. وكملت عمارته في سنة ٧٣ ه. وكان السبب
في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة ، وكان يخطب في أيام منى
وعرفة ، ومقام الناس بمكة ، وينال من عبد الملك ، ويذكر مساوئ بني مروان ، ويقول :
إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعن الحكم [والد مروان] وما نسل ، وأنه طريد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولعينه. وكان يدعو إلى نفسه ، وكان فصيحا ، فمال معظم أهل
الشام إليه.
وبلغ ذلك عبد
الملك فمنع الناس من الحج ، فضجّوا. فبنى القبة على الصخرة والجامع الأقصى ،
ليشغلهم بذلك عن الحج ، ويستعطف قلوبهم. وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها
كما يطوفون حول الكعبة ، وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم.
وقد عملوا في بيت
المقدس من الإشارات والعلامات المكذوبة شيئا كثيرا مما في الآخرة ، فصوّروا فيه
صورة الصراط وباب الجنة ، وقدم رسول الله ووادي جهنم ، وكذلك في أبوابه ومواضع
منه.
وبالجملة إن صخرة
بيت المقدس لما فرغ من بنائها لم يكن لها نظير على وجه الأرض ، بهجة ومنظرا. وقد
كان فيها من الفصوص والجواهر والفسيفساء وغير ذلك شيء كثير وأنواع باهرة.
ولم يكن يومئذ على
وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيت المقدس ، بحيث أن الناس التهوا بها
عن الكعبة والحج.
٣٦٩ ـ محاولات بني
أمية للحط من قيمة أهل البيت عليهمالسلام :
استخدم الأمويون
الذين ساروا على المبدأ (الغاية تبرر الواسطة) كلّ الوسائل للحط من قيمة الإمام
علي عليهالسلام وأهل البيت عليهمالسلام بعد أن أعطاهم الله أعلى مقام محترم في الإسلام ، حتّى
اعتبر مودتهم أجر الرسالة المحمدية.
ومن أبرز هذه
الوسائل استخدام أبي هريرة وغيره من الرواة لوضع الأحاديث في الكيد من أهل البيت عليهمالسلام ونسب فضائل وهميّة لغير أهل البيت عليهمالسلام نكاية بهم.
وغير خاف تقريع
عمر بن الخطاب لأبي هريرة ، وضربه بالدرة لكثرة ما اختلق من الأحاديث ، وقال له :
لقد أكثرت الحديث يا أبا هرة. وقد روى آلاف الأحاديث ، في حين كانت فترة صحبته
للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا تتعدى ثلاث سنوات [أسلم أبو هريرة بعد فتح خيبر في آخر
سنة ٧ ه ، هو وعكرمة بن أبي جهل]. وكان من أهل الصفة.
ونعرض فيما يلي
بعض هذه الأحاديث الموضوعة والمحاولات المفضوحة :
١ ـ يروي المعتزلة
، وهم سنّة معتدلون ، أن معاوية كان يدفع الأموال الطائلة لأبي هريرة ليصطنع
الأحاديث. من ذلك قوله على لسان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن آل أبي طالب ليسوا بأوليائي ، إنما أوليائي هم
الصالحون.
٢ ـ اختلقوا
أحاديث في فضل الشيخين ، ليس غرضها تعظيمهما بقدر ما غرضها التوهين من منزلة علي عليهالسلام وأولاده ، فكل منقبة تفردّ بها الإمام علي عليهالسلام وضعوا في مقابلها حديثا لشخص آخر يشاركه بها ، حتّى لا
يكون هو الوحيد المتصف بها.
فحين قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنا مدينة العلم وعلي بابها». أضافوا إلى الحديث : وأبو
بكر سقفها ، وعمر حيطانها ، وعثمان أرضها ... (حجر وطين ، ج ١ ص ١٧٣).
وحين قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». وضعوا الحديث :
أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة. علما بأنه في الجنة لا يوجد كهول ، بل يحشر كل
المؤمنين شبانا.
وفي اعتقادي أن
هذه الأحاديث كلها من وضع الأمويين للتوهين من أهل البيت
والهاشميين. ولو
أن الشيخين اطّلعوا على هذه الأحاديث الموضوعة في حقهم لأنكروها ولعنوا واضعها ،
لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ستكثر عليّ الكذّابة ، فمن كذب عليّ عامدا متعمدا ،
فليتبوّأ مقعده من النار».
٣ ـ وقالوا : إن
الإمام الحسن عليهالسلام مطلاق ، أي كان يتزوج كثيرا ويطلّق كثيرا. ولعمري من من
الصحابة لم يتزوج عدة نساء وينجب العديد من الأولاد. في حين كان كثير من النساء
يعرضن أنفسهن على الإمام الحسن للزواج ، ليكسبوا شرف مصاهرة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم يطلقهن على شرع الله ورسوله ، ويعطيهن كامل حقوقهن
برضائهن.
٤ ـ ومن ذلك قولهم
على سكينة بنت الحسين عليهماالسلام بهتانا وإثما مبينا ، وهو أنها كانت تعقد مجالس الأدب
وتجلب الشعراء ... الخ. وكل ذلك كذب وافتراء عليها ، فالتي كانت تقوم بذلك هي
سكينة الزبيرية وليست سكينة بنت الحسين عليهماالسلام ، فنسبوا ما كانت تفعله تلك إلى هذه عمدا ، للتوهين من
قدسية أهل البيت عليهمالسلام.
وقد ورد في أخبار
أهل البيت عليهمالسلام أنه لما خطب عبد الله بن الحسن عليهالسلام من عمه الحسين عليهالسلام إحدى بناته ، قال له الحسين عليهالسلام : أما سكينة ، فإنها دائمة الاستغراق مع الله ، ولا تصلح
لرجل. ولكن أزوّجك فاطمة الصغرى ، فإنها أشبه ما تكون بجدتها فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فزوّجه إياها.
٥ ـ في مقابل
سلامة نظرة الغالبية العظمى لعلماء السنة تجاه أهل البيت عليهمالسلام وشيعتهم ، نجد نوادر من الأفراد قد أعماهم التعصب النابع
من منطلق غير ديني ولا إسلامي ، فكانوا يحاولون التشنيع على الشيعة وتصويرهم على
غير حقيقتهم. من هؤلاء ابن حجر العسقلاني الّذي بعد أن ساق الأحاديث المتواترة في
فضائل أهل البيت عليهمالسلام التي لا تحصى ، ولا يمكن لأحد أن ينكرها ، ثم الأحاديث
الصحيحة في نجاة أتباعهم وأنصارهم وشيعتهم ، قال : ولكن إياكم أن تظنوا أن شيعتهم
هم الشيعة ، إنما هم السنة. ولو كان منصفا لقال : إن شيعتهم هم من أحبهم وعمل على
هداهم من الشيعة والسنة. فنحن في غنى عن إثارة الأحقاد وإلقاح الفتن ، التي لا
تفيد الإسلام ، بل تفتّ في عضد المسلمين.
ومن هؤلاء جهبذ العلماء
(ابن كثير) الّذي حاول عمدا الخلط بين الشيعة
والروافض. ونسب
إلى الشيعة ما يقوله الروافض زورا وبهتانا. وهو يقصد بالروافض الذين كانوا يسبّون
الشيخين. مع أن الشيعة لا تسبّ الشيخين ، بل تحترم كل الصحابة الكرام ، وتعطي كل
ذي حق حقه بلا مداهنة ولا إبهام.
٦ ـ وقد دفع ذلك
بعض المتعصبين من الأولين والآخرين ، إلى إنكار كل حديث في فضائل أهل البيت عليهمالسلام لا يروق لمزاجهم. حتّى أن الدكتور أبا اليسر عابدين ألفّ
كتابا سمّاه (أغاليط المؤرخين) زعم فيه أن كثيرا من الأحاديث في فضل أهل البيت عليهمالسلام والتي روتها علماء السنة الأعلام ، أنها ليست صحيحة. ظنا
منه أنه بذلك يخدم الإسلام ، والإسلام يحتاج إلى أمور أهم من ذلك في هذه الأيام ،
سامحه الله.
٧ ـ ومنها ما فعله
الشاعر ابن عبد ربه الأندلسي صاحب كتاب (العقد الفريد) ، الّذي جمع فيه أخبارا من
الأدب. فإنه ألف كتابا نظم فيه أرجوزة تاريخية ، ذكر فيها الخلفاء الراشدين وجعل
معاوية رابعهم ، ولم يذكر عليا عليهالسلام أبدا. وهذا يعني أنه اعتبر معاوية من الخلفاء الراشدين ،
ولم يعتبر عليا عليهالسلام منهم .. ياله من داء عضال ، وضلال ليس بعده ضلال! .. ومثل
هذه الأعمال والأقوال كثير ، وهي من ثمرات الجهل المطبق ، أو التعصب المقيت ،
أعاذنا الله منهما.
٣٦٩ ـ سياسة بني
أمية ومعاوية ويزيد :
(في رحاب دمشق لمحمد أحمد دهمان ، ص ٢٦٤)
يقول الأستاذ
دهمان : كانت سياسة بني أمية تقوم على تقديس رجالاتهم والطعن في خصومهم ، خصوصا
الطالبيين ، وهذا بدهي لا يحتاج إلى سرد نصوص تؤيد ذلك.
فمعاوية وابنه
يزيد ، ومروان بن الحكم وابنه عبد الملك ، والحجاج بن يوسف الثقفي وأضرابهم ، كان
لهم من القدسية والاحترام في العصر الأموي ، وإلى منتصف العصر العباسي ، مثلما لآل
البيت النبوي في عصرنا.
يذكر المقدسي في (أحسن
التقاسيم) ص ٣٩٩ : أنه دخل مدينة إصبهان ، فوصف له رجل معروف بالزهد والتعبد. قال
: فقصدته وتركت القافلة خلفي وبتّ عنده تلك الليلة ، وجعلت أسائله إلى أن قلت :
وما قولك في الصاحب بن عبّاد؟ فجعل يلعنه. ثم قال : إنه أتانا بمذهب لا نعرفه. قلت
: وما هو؟. قال : يقول معاوية لم يكن
مرسلا. قلت : وما
تقول أنت؟. قال : أقول كما قال الله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥].
أبو بكر كان مرسلا ، وعمر كان مرسلا ، حتى ذكر الأربعة ، ثم قال : ومعاوية كان
مرسلا. قلت : لا تفعل ، أما الأربعة فكانوا خلفاء ، ومعاوية كان ملكا ، وقال النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الخلافة بعدي إلى ثلاثين ، ثم تكون ملكا. فجعل الشيخ
يشنّع عليّ ، وأصبح يقول للناس : هذا رجل رافضي ، فلو لم أتدارك القافلة لبطشوا
بي. ولأهل إصفهان في هذا الباب حكايات كثيرة.
ويقول المقدسي في
كتابه ، ص ١٢٦ : وببغداد غالية يفرطون في حب معاوية.
وهناك نصّ يفيد
بأن أهل الكرخ كانوا من جماعة معاوية وأنصاره. فقد سبّ إبراهيم بن رستم معاوية ،
فقال له رجل : لم لا تقول هذا بالكرخ؟. فقال إبراهيم : ولم لا تصلي أنت على محمّد
بالقسطنطينية؟.
ويقول المقدسي في
كتابه ، ص ١٢٦ أيضا : كنت يوما بجامع واسط ، وإذ برجل قد اجتمع عليه الناس ، فدنوت
منه ، فإذا هو يقول :
حدثنا فلان عن
فلان عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن الله يدني معاوية يوم القيامة ، فيجلسه إلى جنبه
ويغلفه بيده ، ثم يجلوه على الخلق كالعروس. فقلت له : بماذا؟ بمحاربته عليا!.
فقال : رضي الله
عن معاوية ، وكذبت أنت يا ضال. فقال : خذوا هذا الرافضي. فأقبل الناس عليّ ،
فعرفني بعض الكتبة ، فكركروهم عني.
مثل هذا الاحترام
والتقديس عند بعض الناس لمعاوية ، انتقل إلى ابنه يزيد ، فكان فيهم من يعتقد مثل
هذا أو قريبا منه في يزيد (وهؤلاء سمّوا اليزيدية ، ولهم أتباع في الجزيرة في
سورية ، وفي دربند على ساحل بحر الخزر ، وفي ميافارقين في تركيا).
ثم يقول الأستاذ
دهمان : وتفيد فتوى ابن تيمية أن بعضا من الناس في عصره كان يعتقد أن يزيد كان
صحابيا ، وبعضا آخر يعتقد أنه كان نبيا. وقد ردّ ابن تيمية على هذين القولين في (سؤال
في يزيد بن معاوية) ، وذكر اعتقاد أهل السنة في يزيد.
(راجع المجلد ٣٨ ص ٤٥٢ من مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق)
هنات معاوية
٣٧٠ ـ مبتدعات
معاوية :
(خطط الشام لمحمد كرد علي ج ١ ص ١٤٣)
قال الأستاذ محمّد
كرد علي : توفي معاوية سنة ٦٠ ه بعد أن وطّأ أكناف الملك ، وابتكر في الدولة
أشياء لم يسبقه أحد إليها. منها أنه أول من وضع الحشم للملوك ، ورفع الحراب بين
أيديهم ، ووضع المقصورة التي يصلي الملك أو الخليفة بها في الجامع منفردا عن الناس
... واستخدم المسيحيين في مصالح الدولة ، فعهد بنظارة المالية إلى منصور وسرجون من
نصارى العرب السوريين.
وقال السيوطي في (تاريخ
الخلفاء) ص ٢٠٠ : معاوية أول من اتخذ الخصيان لخاص خدمته ، وأول من عبثت به رعيته
، وأول من خطب الناس قاعدا ، وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه (أخرجه ابن أبي شيبة).
وقال الزهري : أول
من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية.
وقال سعيد بن
المسيب : أول من أحدث الأذان في العيد معاوية. وقال : أول من أنقص التكبير معاوية.
٣٧١ ـ أربع موبقات
كبيرة لمعاوية :
(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ١٠٠)
روى ابن الجوزي
بإسناده عن الحسن البصري أنه قال : أربع خصال كنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه إلا
واحدة لكانت موبقة ، وهي :
١ ـ أخذه الخلافة
بالسيف من غير مشورة ، وفي الناس بقايا الصحابة وذوو الفضل.
٢ ـ واستخلافه
ابنه يزيد ، وكان سكيّرا خميّرا ، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير.
٣ ـ وادّعاؤه
زيادا ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحج».
٤ ـ وقتله حجر بن
عدي وأصحابه (بعد أن أعطاهم الأمان). فيا ويلا له من حجر وأصحاب حجر!.
وروي عن الشافعي
أنه أسرّ إلى الربيع أنه لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة ، وهم : معاوية وعمرو بن
العاص والمغيرة بن شعبة وزياد ابن أبيه.
رواية أخرى : (المجالس
السنيّة للسيد الأمين ، ج ٣ ص ٨٢)
قال المرزباني :
قال الحسن البصري :
أربع خصال كنّ في
معاوية ، لو لم يكن فيه إلا واحدة منهن كانت موبقة : انتزاؤه على هذه الأمة
بالسفهاء (حتّى ابتزّها أمرها بغير مشورة منهم) وفيها بقايا الصحابة وذوو الفضل.
وادّعاؤه زيادا ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». واستخلافه يزيد من بعده ،
سكيّرا خميرا ، يزوّج بين الدب والذئب والكلب والضبع ، ينظر ما يخرج منهما. وقتله
حجر بن عدي وأصحابه. فيا ويله ثم يا ويله!.
٣٧٢ ـ تولية يزيد
من أكبر أخطاء معاوية :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٩٦ ط ٢ نجف)
ذكر علماء السير
عن الحسن البصري أنه قال :
قد كانت في معاوية
هنات ، لو لقي أهل الأرض ببعضها لكفاهم : وثوبه على هذا الأمر [أي الخلافة] ،
واقتطاعه من غير مشورة من المسلمين ، وادّعاؤه زيادا ، وقتله حجر بن عدي وأصحابه ،
وتوليته يزيد على الناس.
قال : وقد كان
معاوية يقول : لو لا هواي في يزيد لأبصرت رشدي.
تسلّط معاوية على الأمة بالسفهاء
٣٧٣ ـ قصة بسر بن
أبي أرطاة وقتله أولاد عبيد الله بن العباس :
كان عبيد الله بن
العباس أخو المحدث الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه واليا على اليمن من قبل
الإمام علي عليهالسلام. ولما حدثت الهدنة بين الإمام علي عليهالسلام ومعاوية بعد خدعة التحكيم ، بعث معاوية عدة فرق تهجم على
السواحل ، وأمر بسر بن أبي أرطاة بالهجوم على اليمن وقتل أهلها. فأتى بسر صنعاء
حتّى دخل على زوجة عبيد الله بن العباس ، فسألها : أين زوجك؟. فقالت : خرج من
أيام. فقال : إذن أعطني أولادك ، وكانا صغيرين قد لجآ إلى حجر أمهما. فأنشأت تقول
لهما :
اقتربا من عمّكما
وسلّما عليه. فقالا : لا يا أماه!. إنا نخاف منه. فما كان من ابن أبي أرطاة إلا أن
نزع الولدين من حجر أمهما ، وشهر سيفه وذبحهما أمام عينها. فشرد عقلها وجنّت من
ساعتها.
٣٧٤ ـ ما فعله بسر
بن أبي أرطاة بأهل البيت عليهمالسلام في عهد معاوية :
(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٨)
ومثل فعل يزيد ،
فعل بسر بن [أبي] أرطاة العامري أمير معاوية ، في أهل البيتعليهمالسلام من القتل والتشريد ، حتّى خدّ لهم الأخاديد. وكانت له
أخبار شنيعة في علي عليهالسلام ، وقتل ولدي عبيد الله بن العباس وهما صغيران ، على يد
أمهما ، ففقدت عقلها وهامت على وجهها. فدعا عليه علي عليهالسلام أن يطيل عمره ويذهب عقله ، فقال عليهالسلام : الله م لا تمته حتّى تسلبه عقله ، ولا توجب له رحمتك ولا
ساعة من نهار. فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتّى ذهب عقله. وكان يهذي بالسيف ،
ويقول : أعطوني سيفا أقتل به ، لا يزال يردد ذلك ، حتّى اتّخذ له سيف من خشب. وكانوا
يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتّى يغشى عليه ، فلبث كذلك إلى أن مات (انظر
المجالس السنية ، ج ٣ ص ٥٠ ط ٣).
إستلحاق معاوية لزياد ابن أبيه
٣٧٥ ـ استلحاق
معاوية لزياد :
(المختصر في أخبار البشر لابن الوردي ، ج ١ ص ٢٥٣ ط ١)
في سنة ٤٤ ه
استلحق معاوية زياد بن سميّة ، أمة الحارث بن كلدة الثقفي ، وكان زوّجها بعبد رومي
له اسمه (عبيد) فولدت زيادا على فراشه. وكان أبو سفيان في الجاهلية قد وقع عليها
بالطائف ، ووضعت زيادا سنة الهجرة.
٣٧٦ ـ قصة استلحاق
معاوية لزياد ابن أبيه :
(الفخري في الآداب السلطانية لابن الطقطقا ، ص ١٠٩)
كانت سميّة (أم زياد)
بغيّا من بغايا العرب ، ولها زوج اسمه (عبيد). فاتفق أن أبا سفيان (أبا معاوية)
نزل بخمّار يقال له (أبو مريم) ، فطلب منه أبو سفيان بغيّا. فقال له أبو مريم : هل
لك في سميّة!. وكان أبو سفيان يعرفها. فقال : هاتها على طول
ثديها وذفر بطنها.
فأتاه بها ، فوقع أبو سفيان عليها ، فعلقت منه بزياد ، ثم وضعته على فراش زوجها
عبيد.
فلما نشأ زياد
تأدّب وبرع وتقلّب في الأعمال ، فولاه عمر بن الخطاب عملا فأحسن القيام به. فحضر
يوما مجلس عمر وفيه أكابر الصحابة ، وأبو سفيان في جملة القوم. فخطب زياد خطبة
بليغة لم يسمعوا بمثلها. فقال عمرو بن العاص : لله درّ هذا الغلام ، لو كان أبوه
من قريش لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان : والله إني لأعرف أباه الّذي وضعه في
رحم أمه.
(وفي شرح النهج لابن أبي الحديد ، ج ١٦ ص ١٨١ ط مصر) :
روى أحمد بن يحيى
البلاذري قال : تكلم زياد ـ وهو غلام حدث ـ بحضرة عمر كلاما أعجب الحاضرين. فقال
عمرو بن العاص : لله أبوه!. لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان : أما
والله إنه لقرشي ، ولو عرفته لعرفت أنه خير من أهلك. فقال : ومن أبوه؟. قال : أنا
والله وضعته في رحم أمه!. فقال : فهلا تستلحقه؟. قال : أخاف هذا العير الجالس [يقصد
عمر] أن يخرّق عليّ إهابي.
وصية الإمام الحسن عليهالسلام ووفاته
٣٧٧ ـ بعض أخلاق
معاوية وأعماله :
(مختصر تاريخ العرب للسيد مير علي ، ص ٦٢)
يوجز لنا كاتب
إنكليزي محايد هو (أوسبرن) أخلاق معاوية والظروف التي ساعدته على النجاح في قوله :
كان الخليفة الأموي الأول معاوية ذكي الفؤاد ، قاسي القلب ، لا يحجم عن القتل في
سبيل توطيد ملكه ، كذلك كان الاغتيال وسيلته الوحيدة لإزاحة أعدائه. وهو الّذي
حرّض على تسميم ابن بنت الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
٣٧٨ ـ وصية الحسن عليهالسلام بالإمامة إلى الحسين عليهالسلام :
(مخطوطة مصرع الحسين [مكتبة الأسد] ص ١)
لما سقي الحسن عليهالسلام السم وتحقق الموت (وذلك في صفر سنة ٥٠ ه) فوّض الأمر في
الإمامة إلى أخيه الحسين عليهالسلام ، وما كان عنده من الوديعة وتابوت السكينة. وأقامه مقامه
الّذي أقامه الله ورسوله فيه.
٣٧٩ ـ وصية الحسن عليهالسلام لأخيه الحسين عليهالسلام حول الحكم :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦١)
قال الإمام الحسن عليهالسلام وهو يحتضر لأخيه الحسين عليهالسلام : وأبى الله أن يجعل فينا أهل البيت النبوة ، والدنيا أو
الخلافة أو الملك. فإياك وسفهاء أهل الكوفة أن يستخفّوك فيخرجوك ويسلموك ، ولات
حين مناص.
٣٨٠ ـ سمّ الإمام
الحسن عليهالسلام :
(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ، ص ٣٦)
قال أبو الفرج
الإصفهاني : وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد ، فلم يكن شيء أثقل عليه من أمر الحسن
عليهالسلام وسعد بن أبي وقاص ، فدسّ إليهما سمّا ، فماتا فيه.
وقال ابن الجوزي :
مات الحسن عليهالسلام مسموما ، سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث. دسّ إليها يزيد بن
معاوية أن تسمّه ويتزوجها ، ففعلت. فلما مات الحسن عليهالسلام بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها ، فقال : إنّا لم
نكن نرضاك للحسن ، أفنرضاك لأنفسنا؟. فخسرت الدنيا والآخرة.
٣٨١ ـ كيفية وفاة
الإمام الحسن عليهالسلام :
(أمالي الصدوق ، ج ٣ ص ١١١)
ولما أراد معاوية
الباغي تنصيب ابنه يزيد خليفة من بعده على المسلمين ، لم يجد بدّا من قتل الإمام
الحسن عليهالسلام بأية وسيلة ليخلوا له الجو ، فأغرى زوجة الحسن عليهالسلام بسمّه ، وهي جعدة بنت الأشعث ، ووعدها بمال كثير وبزواج
يزيد. فسمّته وتوفي الحسن عليهالسلام شهيد الواجب صريع الجهاد في سبيل الحق (وعمره ٤٧ سنة).
أما جعدة فقد
طالبت معاوية بوعده ، فأعطاها المال ولم يزوّجها يزيد. كما فعل بعبد الله بن سلّام
زوج (أرينب بنت اسحق) الّذي سوف تأتي قصته مفصلة في آخر هذا الفصل.
ـ دفن الإمام
الحسن عليهالسلام :
وقبل أن يدفن
الحسن عليهالسلام في مقبرة البقيع ، أراد الحسين عليهالسلام أن يجدد به عهدا عند قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل دفنه. فجاء بنو أمية بسلاحهم كي يردّوه ، وكان
فيهم مروان ابن
الحكم ، فبادره ابن عباس قائلا : ارجع يا مروان من حيث جئت ، فإنا لا نريد دفن
صاحبنا عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكنّا نريد أن نجدد به عهدا بزيارته ، ثم نرده إلى جدته
فاطمة بنت أسد في البقيع ، فندفنه عندها حسب وصيته بذلك ، ولو كان أوصى بدفنه عند
جده صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلمت أنك أقصر باعا من أن تردّنا عن ذلك ، لكنه كان أعلم
بالله وبرسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدم كما طرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير
إذنه.
وهكذا نرى أن
الصراع بين الفريقين صراع لا ينتهي ، بين الحق وأهله ، والباطل وأهله ؛ فريق هدى
الله ، وفريق حقّت عليه الضلالة (إِنَّ فِي ذلِكَ
لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (١٣) [آل عمران :
١٣].
٣٨٢ ـ عائلة الغدر
:
عن الإمام الصادق عليهالسلام : إن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين عليهالسلام ، وابنته جعدة سمّت الحسن عليهالسلام ، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين عليهالسلام.
٣٨٣ ـ تعريف
بمقبرة البقيع في المدينة :
تقع مقبرة بقيع
الغرقد بجوار مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي فيه قبره الشريف ، من جهة الشرق. وهذه المقبرة خاصة
بأهل بيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأجلاء الصحابة. وقد كان على كل قبر منها قفص منصوب. أما
الآن فقد أزيلت أكثر القبور ودرست ولم يبق لها أثر.
هذا وتضم مقبرة
البقيع أربعة أئمة من أهل البيت عليهمالسلام هم : الإمام الحسن وزين العابدين ومحمد الباقر وجعفر
الصادق عليهمالسلام ولم يبق لقبورهم أي أثر سوى أربعة أحجار سوداء ملقاة على
الأرض (أنظر الشكل ٣). وبجانب هذه القبور قبر العباس عم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقبر فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب ومربية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
كما يوجد في
المقبرة ابن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إبراهيم ، وبناته : زينب ورقية وأم كلثوم عليهمالسلام. ثم طائفة من زوجاته. ويوجد من عماته : عاتكة وصفية ،
إضافة لعقيل وجعفر أخوي الإمام علي عليهمالسلام. وفي إحدى الزوايا يوجد قبر حليمة السعدية مرضعة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد نبت عليه العشب الأخضر. أما من الصحابة فيوجد قبر

(الشكل ـ ٣) : مقبرة
بقيع الغرقد
المقداد بن الأسود
وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وما يربو على ألف من الصحابة والصحابيات ، وفي آخرها
قبر عثمان.
٣٨٤ ـ حجر بن عديّ
يطلب من الحسين النهوض :
(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٢٠)
كان حجر بن عدي قد
لام الإمام الحسن عليهالسلام على قبوله الصلح والبيعة لمعاوية ، وطلب منه النهوض ، فلم
يوافق.
فخرج حجر من عنده
ودخل على الحسين عليهالسلام وحرّضه على النهوض والحرب ، فقال عليهالسلام : إنّا قد بايعنا وعاهدنا ، ولا سبيل إلى نقض بيعتنا.
٣٨٥ ـ مراسلة أهل
الكوفة للحسين عليهالسلام بعد وفاة الإمام الحسن عليهالسلام :
(المصدر السابق ، ص ٢٢١)
وبلغ أهل الكوفة
وفاة الحسن عليهالسلام فاجتمع عظماؤهم فكتبوا إلى الحسين عليهالسلام يعزّونه.
وكتب إليه جعدة بن
هبيرة بن أبي وهب ، وكان أمحضهم حبا ومودة :
أما بعد ، فإن من
قبلنا من شيعتك متطلعة أنفسهم إليك ، لا يعدلون بك أحدا ، وقد كانوا عرفوا رأي
الحسن أخيك في دفع الحرب ، وعرفوك باللين لأوليائك والغلظة على أعدائك ، والشدة في
أمر الله. فإن كنت تحب أن تطلب هذا الأمر فاقدم علينا ، فقد وطّنّا أنفسنا على
الموت معك.
٣٨٦ ـ جواب الحسين
عليهالسلام بالتريّث :
(المصدر السابق ، ص ٢٢٢)
فكتب إليهم الحسين
عليهالسلام : أما أخي فأرجو أن يكون الله قد وفّقه وسدده فيما يأتي.
وأما أنا فليس رأيي اليوم ذلك [أي الحرب] ، فالصقوا رحمكم الله بالأرض ، واكمنوا
في البيوت ، واحترسوا من الظّنّة ، ما دام معاوية حيا ، فلن يحدث الله به حدثا
وأنا حي ، كتبت إليكم برأيي والسّلام.
٣٨٧ ـ وصية الحسين
عليهالسلام لوفد أهل الكوفة بعد وفاة الحسن عليهالسلام :
(أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٢ ص ٤٥٧ ط دمشق)
وقال الحسين عليهالسلام لوفد أهل الكوفة : ليكن كل امرئ منكم حلسا من أحلاس
بيته (أي كالبساط
الساكن في البيت) ما دام هذا الرجل حيا ، فإن يهلك وأنتم أحياء ، رجونا أن يتخيّر
الله لنا ، ويأتينا رشدنا ، ولا يكلنا إلى أنفسنا ، ف (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا
وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (١٢٨) [النحل :
١٢٨].
٣٨٨ ـ طلب أهل
الكوفة من الحسين عليهالسلام الشخوص إليهم في خلافة معاوية :
(تاريخ ابن عساكر ، ص ١٩٧)
قالوا : لما بايع
معاوية بن أبي سفيان ليزيد بن معاوية ، كان حسين بن علي بن أبي طالب عليهالسلام ممن لم يبايع له. وكان أهل الكوفة يكتبون إلى حسين بن علي عليهماالسلام يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية ، وفي كل ذلك
يأبى عليهم الحسين عليهالسلام.
فأقام حسين عليهالسلام على ما هو عليه من الهموم ، مرة يريد أن يسير إليهم ، ومرة
يجمع الإقامة.
٣٨٩ ـ نصيحة أبي
سعيد الخدري :
(المصدر السابق)
فجاءه أبو سعيد الخدري
، فقال : يا أبا عبد الله ، إني لكم ناصح ، وإني عليكم مشفق. وقد بلغني أنه كاتبك
قوم من شيعتكم بالكوفة ، يدعونك إلى الخروج إليهم ، فلا تخرج فإني سمعت أباك يقول
بالكوفة : «والله لقد مللتهم وأبغضتهم ، وملوّني وأبغضوني ، وما بلوت منهم وفاء ،
ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب». والله ما لهم ثبات ولا عزم على أمر ، ولا صبر على
السيف.
٣٩٠ ـ وفاء الإمام
الحسين عليهالسلام :
(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٠٠)
سجّل الشيخ المفيد
الموقف الأخلاقي للحسين عليهالسلام والسلوك الشرعي ، وذلك في التزامه ببنود الصلح وإن نكثها
معاوية. ونقل ما رواه الكلبي والمدائني وغيرهم من أصحاب السير ، قالوا : لما مات
الحسن عليهالسلام تحركت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين عليهالسلام في خلع معاوية والبيعة له ، فامتنع عليهم ، وذكر أن بينه
وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه حتّى تمضي المدة. فإذا مات معاوية نظر في
ذلك.
أما معاوية فلم يف
بشيء من بنود الصلح ، ومن أهمها أن لا يتعرض لأصحاب الحسين عليهالسلام بسوء. فقتل العديد منهم ظلما وعدوانا ، ولا سيما عمرو بن
الحمق وحجر ابن عدي.
قتل عمرو بن الحمق وحجر بن عديّ
٣٩١ ـ استشهاد
عمرو بن الحمق الخزاعي :
ولما توفي الإمام
علي عليهالسلام قام حجر بن عدي في منع بني أمية من سبّ علي عليهالسلام. ولما أمر زياد ابن أبيه بالقبض على حجر هرب عمرو بن الحمق
إلى الموصل واختفى في غار ، فلدغته حيّة به فمات. فلما وصل إليه جماعة زياد
يطلبونه وجدوه ميتا في الغار ، فقطعوا رأسه وذهبوا به إلى زياد ، فبعث به إلى
معاوية. وهو أول رأس حمل من بلد إلى بلد في الإسلام. وصارت سنّة أموية. قتل عمرو
بن الحمق في نفس السنة التي قتل فيها حجر بن عدي رحمهماالله.
ترجمة عمرو بن الحمق
(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ، ص ٤٣١)
هو عمرو بن الحمق
بن كاهل بن حبيب الخزاعي ، صحابي جليل القدر ، من خواص أمير المؤمنين عليهالسلام. شهد معه مشاهده كلها. ودعا له علي عليهالسلام قال : «اللهم نوّر قلبه بالتقى ، واهده إلى صراطك
المستقيم. ليت أن في جندي مائة مثلك».
وقال الفاضل
الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٢١٥ :
كان عمرو بن الحمق
من الحواريين الأربعة لأمير المؤمنين عليهالسلام وهم : عمرو بن الحمق ، وأويس القرني ، وميثم التمار ،
ومحمد بن أبي بكر.
٣٩٢ ـ قتل حجر بن
عدي :
(الدرجات الرفيعة ، ص ٤٢٨)
وأما سبب قتل حجر رحمهالله ، فكان من صدقه وجرأته بالله. فقد كان المغيرة بن شعبة
والي العراق ، لا ينام عن شتم علي عليهالسلام وأصحابه واللعنة بهم ، والترحم على عثمان وأصحابه. وكان
حجر بن عدي إذا سمع ذلك يقول : إنّ من تذمّون أحقّ بالفضل والتقدم ، ومن تمدحون
أولى بالذم. فلما كان في آخر زمان المغيرة ، نال من علي عليهالسلام وقال في عثمان ما كان يقول. فقام حجر بن عدي وصاح به وقال
: إنك لا تدري بمن تولع ، أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ومدح المجرمين. فقام معه نحو ثلاثين ألفا يقولون : صدق حجر
.. فلما خلا المغيرة بقومه شجّعوه على قتل حجر ، فأبى ذلك لاقتراب أجله.
فلما ولىّ معاوية
زياد ابن أبيه الكوفة ، خطب في الناس متوعدا حجرا. وجاءه أمر من معاوية بشدّه
بالحديد وتسييره إلى الشام. فوفد زياد إلى معاوية ومعه حجر بن عدي وتسعة من أهل
الكوفة وأربعة من غيرهم. فلما وصلوا إلى (مرج عذراء) على اثني عشر ميلا من دمشق ،
قال حجر : ما هذه القرية؟. فقيل : عذراء. فقال : الحمد لله ، أما والله إني لأول
مسلم ذكر الله فيها وسجد ، وأول مسلم نبح عليّ كلابها في سبيل الله ، ثم أنا اليوم
أحمل إليها مصفّدا في الحديد!. ثم تقدّم البريد بأخبارهم إلى معاوية. فبعث إليهم
رجلا أعور. فلما وصل إليهم قال لحجر : إن أمير المؤمنين أمرني بقتلك وقتل أصحابك ،
إلا أن توالوا أمير المؤمنين وترجعوا إلى طاعته ، فأبوا.
فلما قدّم حجر
ليقتل قال : دعوني أصلي ركعتين ، فصلى. ثم قال : إن كنت أمرت بقتل ولدي (همّام)
فقدّمه. فقدمه فضربت عنقه. فقيل له : تعجلت الثكل. فقال : خفت أن يرى هول السيف
على عنقي فيرجع عن ولاية علي عليهالسلام ، فلا نجتمع في دار المقامة التي وعدها الله للصابرين.
ثم قدّم حجر
وأصحابه فقتلوا ، وكان عددهم ثمانية. ودفنوا في (عدره) شرق دمشق.
ولما بلغ عائشة
قتلهم قالت لمعاوية : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء».
فقال معاوية : يا أم المؤمنين ، دعيني وحجرا نلتقي عند ربنا.
قال الطبري في
تاريخه : زعموا أن الحسن البصري لما بلغه قتل حجر وأصحابه ، قال: صلّوا عليهم
وكفنّوهم واستقبلوا بهم القبلة؟. قالوا : نعم. قال : حجّوهم وربّ الكعبة.
وذكر كثير من أهل
الأخبار أن معاوية لما حضرته الوفاة ، جعل يغرغر بالموت ، ويقول : إن يومي منك يا
حجر بن عدي لطويل.
(أقول) : ولكن هيهات ينفع الندم.
ترجمة حجر بن عدي
(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ، ص ٤٢٣)
هو حجر بن عديّ بن
معاوية بن جبلة بن الأدبر الكندي. يكنى أبا عبد الرحمن ، ويسمى حجر الخير.
قال ابن عبد البرّ
في (الإستيعاب) : كان حجر من فضلاء الصحابة ، شجاعا من المقدمين.
وقال غيره : كان
من الأبدال ، وكان صاحب راية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وهو بعد من الرؤساء والزهاد. وشهد القادسية ، وهو الّذي
فتح مرج عذراء. ومحبته وإخلاصه لأمير المؤمنين عليهالسلام أشهر من أن تذكر. وكان على كندة يوم صفين ، وعلى الميسرة
يوم النهروان.
وفي (أعلام
الزركلي) : وسكن الكوفة إلى أن قدم زياد ابن أبيه واليا عليها ، فدعا به زياد
فجاءه ، فحذّره من الخروج على بني أمية. فما لبث أن عرفت عنه الدعوة إلى مناوأتهم
والاشتغال في السرّ بالقيام عليهم. فجيء به إلى دمشق ، فأمر معاوية بقتله بعد أن
أعطاه الأمان ، فقتل في مرج عذراء (من قرى دمشق) مع أصحاب له.
٣٩٣ ـ إثارة مروان
بن الحكم الفتنة بين معاوية والحسين عليهالسلام :
(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٥١ ط إيران)
روى الكلبي أن
مروان بن الحكم قال يوما للحسين عليهالسلام : لو لا فخركم بفاطمة
بم كنتم تفخرون
علينا؟. فوثب الحسين (وكان شديد القبضة) فقبض على حلقه فعصره ، ولوى عمامته على
عنقه حتّى غشي عليه ، ثم تركه.
وأقبل الحسين عليهالسلام على جماعة من قريش ، فقال : أنشدتكم الله إلا صدّقتموني إن
صدقت. أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحبّ إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مني ومن أخي؟. أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي؟.
قالوا : الله م لا. قال : وإني لا أعلم أن في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه
، طريد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. والله ما بين جابرسا وجابلقا [مدينتان إحداهما بباب
المشرق والأخرى بباب المغرب] رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته
منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك!.
قال : فو الله ما
قام مروان من مجلسه حتّى غضب ، فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه.
٣٩٤ ـ دعايات
مفتعلة :
شعر معاوية أن
الأمة بكافة فصائلها تقدّم الإمام الحسين عليهالسلام ، باعتباره الحاكم الّذي يلي الخلافة بعد هلاك معاوية
وبدون منافس. وذلك لشياع ذكره في الأمصار وعلى كل لسان. فهم كانوا لا يشكّون بأن
الخلافة سوف تؤول إليه بعد هلاك معاوية. لذلك بدأ معاوية يختلق القصص المنقولة عن
بعض الوشّائين والنمّامين ، بأن الحسين عليهالسلام يفكر في الخروج عليه. لذلك كتب معاوية للحسين عليهالسلام كتابا يذكّره فيه بعهده وصلحه.
٣٩٥ ـ كتاب معاوية
للحسين عليهالسلام يتهمه فيه بالفتنة وشقّ عصا الطاعة ، ويتوعده بالبطش به :
(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٣١)
قال السيد علي
جلال الحسيني في كتابه (الحسين) ج ١ ص ١٦٤ :
روى ابن قتيبة في (الإمامة
والسياسة) ج ١ ص ٢٨٤ وما بعدها ، وأبو عمرو محمّد بن عمر الكشي في (معرفة أخبار
الرجال) ، وأبو جعفر الطوسي في (اختيار الرجال) طبع بومبي ص ٣٢ وما بعدها ؛ أن
معاوية كتب إلى الحسين عليهالسلام :
أما بعد ، فقد
انتهت إليّ أمور عنك ، إن كانت حقا فقد أظنك تركتها رغبة فدعها ، ولعمر الله إنّ
من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، وإن أحقّ الناس بالوفاء لمن
أعطى بيعته ، من
كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها. وإن كان الّذي بلغني باطلا ،
فإنك أنت أعدل الناس لذلك ، وحظّ نفسك فاذكر ، وبعهد الله أوف!. فإنك متى تنكرني أنكرك
، ومتى تكدني أكدك. فاتّق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن يردّهم الله على يديك في فتنة ،
فقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا يستخفّنك السفهاء والذين لا يعلمون.
٣٩٦ ـ ردّ الحسين عليهالسلام على كتاب معاوية ، وبيان بعض أعماله ونقضه للعهد:
(المصدر السابق ، ص ١٣٢)
فلما وصل الكتاب
إلى الحسين رضي الله عنه ، كتب إليه :
أما بعد ، فقد
بلغني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور أنت لي عنها راغب ، وأنا بغيرها
عندك جدير ، وإن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله تعالى. وأما ما ذكرت
أنه رقى إليك عني ، فإنه إنما رقاه إليك الملّاقون المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون
بين الجمع ، وكذب الغاوون. واعلم بأني ما أردت لك حربا ولا عليك خلافا ، وإني
لأخشى الله في ترك ذلك منك ، ومن الإعذار فيه إليك ، وإلى أوليائك القاسطين (الجائرين)
الملحدين ، حزب الظلمة وأولياء الشيطان.
ألست القاتل حجر
بن عدي أخا كندة ، وأصحابه المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون
البدع ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ولا يخافون في الله لومة لائم؟ ثم
قتلتهم ظلما وعدوانا ، من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلظّة والمواثيق المؤكدة ،
جرأة على الله واستخفافا بعهده.
أولست قاتل عمرو
بن الحمق صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، العبد الصالح الّذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه واصفر
لونه؟. فقتلته بعد ما أمنّته وأعطيته من العهود ما لو فهمته (الوعول) لنزلت من رؤوس
الجبال.
أولست بمدّع (زياد
بن سمية) المولود على فراش (عبيد) عبد ثقيف؟. فزعمت أنه ابن أبيك ، وقد قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». فتركت سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تعمدا ، واتبعت هواك بغير هدى من الله. ثم سلطّته على أهل
الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل عيونهم ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنك
لست من هذه الأمة وليسوا منك.
أولست قاتل
الحضرمي الّذي كتب إليك فيه زياد بن سمية أنه على دين علي كرم الله وجهه ، فكتبت
إليه أن اقتل كلّ من كان على دين علي عليهالسلام ، فقتلهم ومثّل
بهم بأمرك؟!.
وقلت فيما قلت :
انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم واتق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن تردّهم إلى فتنة. وإني لا
أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ، ولا أعظم نظرا لنفسي ولديني ولأمة
محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل من أن أجاهدك ، فإن فعلت فإنه قربة إلى الله ، وإن
تركته فإني أستغفر الله لديني ، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.
وقلت فيما قلت :
إني إن أنكرك تنكرني ، وإن أكدك تكدني ، فكدني ما بدا لك ، فإني أرجو أن لا يضرني
كيدك ، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، لأنك قد ركبت جهلك ، وتحرّصت على
نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط. ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم
بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ،
ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر ، لعلك لو لم
تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا ، أو ماتوا قبل أن يدركوا. فأبشر يا معاوية بالقصاص
واستيقن بالحساب. واعلم أن لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ،
وليس الله بناس لأخذك بالظنّة وقتلك أولياءه على التّهمة ، ونفيك لهم أولياءه من
دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث ، يشرب الشراب ويلعب
بالكلاب. وما أراك إلا قد خسرت نفسك ، وتبّرت دينك ، وغششت رعيتك ، وأخربت أمانتك
، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت الورع التقي ، والسلام.
فقال معاوية : إن
أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا.
استخلاف معاوية ليزيد
٣٩٧ ـ عزم معاوية
على البيعة ليزيد بعد وفاة الحسن عليهالسلام :
(الاستيعاب لابن عبد البر ، ج ١ ص ٣٧٦)
وكان معاوية قد
أشار بالبيعة ليزيد في حياة الحسن عليهالسلام وعرّض بها ، بعد أن
نكث بشروط صلحه مع
الحسن عليهالسلام ، ولكنه لم يكشفها ولا عزم عليها إلا بعد وفاة الحسن عليهالسلام.
٣٩٨ ـ اعتماد
معاوية على داهيتين :
(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٣٦)
ولما مات الحسن عليهالسلام بعد أربعة أشهر من استيلائه على العراق ، صفا الجو لمعاوية
وبايع له الناس. فملك العراق والحجاز ومصر ، وأجمعت القلوب على مبايعته طوعا أو
كرها. وكان ممن مالأ معاوية على تحقيق رغائبه عمرو بن العاص ، قريبه وعامله على
مصر ، والمغيرة بن شعبة عامله على الكوفة. وهما الداهيتان اللتان يقول فيهما الحسن
البصري : إنهما أفسدا هذه الأمة ، لاحتيال الأول برفع المصاحف يوم صفين وتقرير التحكيم
، ولأن الثاني كان من الداعين لأخذ البيعة ليزيد.
٣٩٩ ـ المغيرة بن
شعبة يشير على معاوية باستخلاف يزيد :
(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٥)
قال الحسن البصري
: أفسد أمر الناس اثنان : عمرو بن العاص ، يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت
، ونال من القراء ، فحكمّ الخوارج ، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة.
والمغيرة بن شعبة
، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة ، فكتب إليه معاوية : إذا قرأت كتابي فأقبل
معزولا ، فأبطأ عنه. فلما ورد عليه قال : ما أبطأ بك؟. قال : أمر كنت أوطّئه
وأهيّئه!. قال : وما هو؟. قال : البيعة ليزيد من بعدك. قال : أوقد فعلت؟. قال :
نعم. قال : ارجع إلى عملك!.
فلما خرج قال له
أصحابه : ما وراءك؟. قال : وضعت رجل معاوية في غرز غيّ ، لا يزال فيه إلى يوم
القيامة.
قال الحسن البصري
: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم ، ولو لا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.
٤٠٠ ـ البيعة
ليزيد : (العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣٠٢)
روى أبو الحسن
المدائني قال : لما مات زياد بن أبيه سنة ٥٣ ه ، أظهر معاوية عهدا مفتعلا ، فقرأه
على الناس ، فيه عقد الولاية ليزيد بعده ... فلم يزل يروّض الناس لبيعته سبع سنين
...
فلما كانت سنة خمس
وخمسين كتب معاوية إلى سائر الأمصار أن يفدوا عليه. فوفد عليه من كل مصر قوم. وكان
فيمن وفد عليه من البصرة الأحنف بن قيس. ثم جلس معاوية في أصحابه ، وأذن للوفود
فدخلوا عليه. وقد تقدّم إلى أصحابه أن يقولوا في يزيد. فأول من تكلم الضحاك بن قيس
... الخ.
٤٠١ ـ كلام الأحنف
بن قيس في يزيد وبيعته :
(المصدر السابق)
ثم تكلم الأحنف بن
قيس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنت أعلم بيزيد ، في ليله ونهاره ، وسرّه
وعلانيته ، ومدخله ومخرجه. فإن كنت تعلمه لله رضا ولهذه الأمة فلا تشاور الناس فيه
، وإن كنت تعلم منه غير ذلك فلا تزوّده الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة.
٤٠٢ ـ خطبة مروان
في مسجد المدينة يدعو إلى يزيد :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٧١)
أخبرنا سيد
الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي ... حدثنا من أدرك مروان بن الحكم ،
أنه خطب الناس على المنبر ليدعو إلى يزيد بن معاوية [وكان والي معاوية على المدينة].
فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق ، فجلس على قوائم المنبر ، فقال : لا ، ولا
نعمة عين لك ، أدين الهرقليّة [نسبة إلى هرقل ملك الروم] ، كلما ذهب واحد جاء آخر؟.
هلك أبو بكر فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، ثم نحّاها عنهم وجعلها في
رجل من بني عديّ بن كعب. ثم هلك عمر ابن الخطاب فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد
معاوية ، فنحّاها عنهم وجعلها شورى بين الناس.
(قال) : وقالت
عائشة : يا مروان ، أما والله إنكم للشجرة الملعونة التي ذكر الله في القرآن.
رواية أخرى للخطبة : (الفتوح
لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٧١)
وذكر هذه القصة
أحمد بن أعثم الكوفي في تاريخه أطول من هذه.
قال : كتب معاوية
إلى مروان بن الحكم يأمره أن يدعو الناس إلى بيعة يزيد ، ويخبره في كتابه أن أهل
مصر والشام والعراق قد بايعوا.
فأرسل مروان إلى
وجوه أهل المدينة ، فجمعهم في المسجد الأعظم. ثم صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى
عليه ، وذكر الطاعة وحضّ عليها ، وذكر الفتنة وحذّر منها.
ثم قال في بعض
كلامه : أيها الناس إن أمير المؤمنين قد كبر سنّه ، ودقّ عظمه ، ورقّ جلده ، وخشي
الفتنة من بعده. وقد أراه الله رأيا حسنا ، وقد أراد أن يختار لكم وليّ عهد ، يكون
لكم من بعده مفزعا ، يجمع الله به الألفة ويحقن به الدماء ، وأراد أن يكون ذلك عن
مشورة منكم وتراض ، فماذا تقولون؟.
(قال) فقال الناس
من كل جانب : إنا مانكره ذلك إذا كان رضا. فقال مروان : فإنه قد اختار لكم الرضا
الّذي يسير بسيرة الخلفاء الراشدين المهديين ، وهو ابنه (يزيد). قال : فسكت الناس.
وتكلم عبد الرحمن
بن أبي بكر ، فقال : كذبت والله ، وكذب من أمّرك بهذا. والله ما (يزيد) بمختار ولا
رضا ، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية ... في يزيد الخمور ، يزيد القرود ، يزيد
الفهود.
فقال مروان : إن
هذا المتكلم هو الّذي أنزل الله فيه : (وَالَّذِي قالَ
لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) [الأحقاف : ١٧].
(قال) فغضب عبد
الرحمن ، وقال : يابن الزرقاء! أفينا تتأوّل القرآن ، وأنت الطريد ابن الطريد!. ثم
بادر إليه فأخذ برجليه ، وقال : انزل يا عدوّ الله عن منبر رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فليس مثلك من يتكلم [بهذا] على أعواده.
قال : فضجّت بنو
أمية في المسجد. وبلغ ذلك عائشة فخرجت من منزلها متلفّعة بملاءة لها ، ومعها نسوة
من قريش ، حتّى دخلت المسجد. فلما نظر إليها مروان كأنه فزع من ذلك ، فقال : سألتك
بالله يا أم المؤمنين إن قلت إلا حقا. فقالت عائشة : لا أقول إلا حقا. أشهد لقد
لعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أباك ولعنك ، فأنت فضض من لعنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنت الطريد ابن الطريد. أتكلّم أخي عبد الرحمن بما
تكلمه!. فسكت مروان ولم يردّ عليها شيئا ، [ورجعت عائشة إلى منزلها] وتفرّق الناس.
٤٠٣ ـ عزل مروان
بن الحكم عن المدينة :
ذكر الدينوري في (الإمامة
والسياسة) ص ١٧٥ : أن معاوية بعد وفاة الإمام الحسن عليهالسلام وتولية يزيد ، بعث إلى مروان وكان عامله على المدينة ،
يطلب منه أخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة ، فحاول مروان ذلك فلم يستطع. فبعث إلى
معاوية
بعدم تجاوب أهل
المدينة معه. فعزله ، وعيّن مكانه سعيد بن العاص ، وهو جلف قاس ، فأظهر الغلظة ،
وأخذهم بالعزم والشدة. ثم قدم معاوية بنفسه إلى المدينة.
ترجمة مروان بن الحكم
[وأبيه الحكم بن أبي العاص]
هو أبو الحكم ،
مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية.
قال الذهبي في (العبر
في خبر من غبر) ج ١ ص ٧١ :
وكان مروان كاتب
السرّ لابن عمه عثمان ، وبسببه جرى على عثمان ما جرى. وكان قصيرا ، كبير الرأس
واللحية ، دقيق الرقبة ، أوقص ، أحمر الوجه. يلقّب : خيط باطل ، لدقّة عنقه. عاش
ثلاثا وستين سنة.
وقال البلاذري في (أنساب
الأشراف) ج ٥ ص ١٢٥ طبعة أنيقة : وكان والده الحكم مغموصا عليه في إسلامه ، وكان
إظهاره الإسلام في يوم فتح مكة ، فكان يمرّ خلف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيخلج بأنفه ويغمز بعينيه ، فبقي على ذلك التخليج وأصابته
خبلة.
وكان الحكم يفشي
أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلعنه وسيّره إلى الطائف مع بنيه ، وقال : لا يساكنّي. فلم
يزالوا طرداء حتّى ردّهم عثمان ، فكان ذلك مما نقم فيه عليه.
عن أبي هريرة (قال)
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رأيت في النوم بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري
كما تنزو القردة «فأصبح كالمتغيّظ. فما رؤي رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتّى مات (راجع مقتل الخوارزمي ، ج
١ ص ١٧٣).
وقال البلاذري في (أنساب
الأشراف) : حدثنا روح بن عبد المؤمن المقري ... عن عمرو بن مرة الجهني ، قال :
استأذن الحكم بن أبي العاص على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : «ائذنوا له لعنة الله عليه ، وعلى من يخرج من صلبه
، إلا المؤمنين وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا ، ويتّضعون في الآخرة».
وكانت أم مروان
صفية ، ويقال الصعبة بنت أبي طلحة ، وأمها مارية بنت موهب كندية ، وهي الزرقاء
التي يعيّرون بها ، فيقال : بنو الزرقاء. وكان موهب قينا (أي عبدا).
وفي (أخبار الدول)
للقرماني ، ص ١٣٢ :
روى الحاكم في
كتاب (الفتن والملاحم) من المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه قال : كان لا يولد
لأحد ولد إلا أتي به إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيدعو له. فأدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : «هذا الوزغ
ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون».
ثم روى الحاكم عن
عمرو بن مرة الجهني ، قال : إن الحكم بن أبي العاص استأذن على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فعرف صوته ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«ائذنوا له لعنة
الله عليه ... ذو مكر وخديعة. يعطون في الدنيا ، وما لهم في الآخرة من خلاق».
٤٠٤ ـ جملة من
أعمال مروان المشينة :
(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٩)
ذكر الذهبي وابن
عبد البر وغيرهما شيئا من مخازي مروان ، منها : أنه أول من شقّ عصا المسلمين بلا
شبهة. وقتل النعمان بن بشير ، أول مولود من الأنصار في الإسلام. وخرج على ابن
الزبير بعد أن بايعه على الطاعة. وقتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل (غيلة من خلفه).
٤٠٥ ـ الغدر صفة
متأصلة في مروان :
(نهج البلاغة ، خطبة رقم ٧١)
ومما يثبت أن صفة
الغدر متأصلة في مروان ، أنه لما أخذ أسيرا يوم الجمل ، استشفع الحسن والحسين عليهماالسلام إلى الإمام عليهالسلام في أن يطلق سراحه ، فخلّى سبيله. فقالا لأبيهما : أتحبّ أن
يبايعك يا أمير المؤمنين؟. فقال عليهالسلام : أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته ، إنها
كفّ يهودية ، لو بايعني بكفّه
لغدر بسبته (أي
إسته). أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه. وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الأمة
منه ومن ولده يوما أحمر [يقصد بالأكبش الأربعة أولاد عبد الملك بن مروان وهم :
الوليد وسليمان ويزيد وهشام].
٤٠٦ ـ هلاك مروان
بن الحكم :
روى الواقدي كما
في (تاريخ الطبري) ج ٢ ص ٥٧٦ قال :
تزوج مروان أرملة
يزيد وهي (فاختة). وكان زواجه منها أشبه بأخذ الميراث ، منه بأن يكون زواجا
ومصاهرة. وقد آلم ذلك نفس خالد بن يزيد ، الّذي أصبح في حجره. وكان مروان لا يألو
جهدا في إسقاط خالد من أعين الناس ، وأخيرا حرمه مما كان قد وعده به في (الجابية)
من أن تكون له الخلافة بعده.
فما كان من فاختة
إلا أن انتقمت لابنها خالد من غدر مروان ، فغطّته بالوسادة وهو في سريره ، حتّى
قتلته.
وقال الذهبي في (دول
الإسلام) :
فلم يلبث أن وثبت
عليه زوجته لكونه شتمها ، فوضعت على وجهه مخدّة كبيرة وهو نائم ، وقعدت هي
وجواريها فوقها ، حتّى مات.
وقال البلاذري في (أنساب
الأشراف) ص ١٥٩ طبع ليدن :
غدر مروان بخالد
بن يزيد بن معاوية فيما وعده من ولاية العهد ، وأمه فاختة. ودخل عليه خالد على
مرحلة من دمشق ، فقال له مروان : ما أدخلك عليّ في هذا الوقت يابن الرطبة؟!. فقال
خالد : أمين مختبر ، أبعدها الله وأسحقها. وأتى أمه فأخبرها بما قال مروان. فقالت
له : لن تسمع منه مثلها أبدا. ودخل مروان على أم خالد فتركته حتّى نام ، ثم عمدت
إلى مرفقة محشوة ريشا فجعلتها على وجهه ، وجلست وجواريها عليها حتّى مات غمّا. ثم
صرخت وجواريها وولولن وقلن : مات أمير المؤمنين بالفجأة.
وقال المسعودي في (مروج
الذهب) ج ٣ ص ٩٨ :
فمنهم من رأى أنها
وضعت على نفسه وسادة وقعدت فوقها مع جواريها حتّى مات. ومنهم من رأى أنها أعدت له
لبنا مسموما ، فلما دخل عليها ناولته إياه فشرب. فلما استقر في جوفه وقع يجود
بنفسه وأمسك لسانه. فحضره عبد الملك وغيره من ولده ، فجعل مروان يشير إلى أم خالد
، يخبرهم أنها قتلته ، وأم خالد
تقول : بأبي وأمي
أنت ، حتّى عند النزع لم تشتغل عني ؛ إنه يوصيكم بي .. حتّى هلك.
٤٠٧ ـ معاوية ينقض
عهوده ويحاول تولية يزيد :
(مختصر تاريخ العرب لسيد أمير علي ، ص ٧٢)
ولكي يضمن معاوية
الخلافة لابنه يزيد ، لم يتردد قط في نكث العهود مع الحسين ابن علي عليهماالسلام.
وقد كان الصلح
المعقود بين الحسن عليهالسلام ومعاوية ينص على الاعتراف بحق الحسين عليهالسلام في الخلافة ، ولكن معاوية نقض العهد ، وأخذ لابنه البيعة.
فحنق الحسين عليهالسلام ، وزاد في حنقه فساد يزيد ، فلم يعترف قط بطاغية الشام.
وفي (عمدة الطالب
في أنساب أبي طالب) ص ١٨٠ ط نجف :
وكان معاوية قد
نقض شرط الحسن بن علي عليهالسلام بعد موته ، وبايع لابنه يزيد. وامتنع الحسين عليهالسلام من بيعته. وأعمل معاوية الحيلة حتّى أوهم الناس أنه بايعه
، وبقي على ذلك حتّى مات معاوية.
٤٠٨ ـ قدوم معاوية
إلى المدينة لأخذ البيعة ليزيد :
(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٢٧)
روى ابن قتيبة في
كتاب (الإمامة والسياسة) في قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ البيعة لابنه يزيد ، أنه
لما نزل المدينة دعا الحسين عليهالسلام وعبد الله بن عباس رضي الله عنه إلى مجلس يضم خاصته. فلما
استقرّ بهم المجلس ابتدأ معاوية فقال :
أما بعد ، فالحمد
لله وليّ النعم ومنزل النقم ، وأشهد ألا إله إلا الله ، المتعالي عما يقول
الملحدون علوا كبيرا ، وأن محمدا عبده المختص المبعوث إلى الجن والإنس كافة ،
لينذرهم بقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد.
فأدّى عن الله وصدع بأمره ، وصبر على الأذى في جنبه ، حتّى وضح دين الله ، وأعزّ
أولياءه ، وقمع المشركين ، وظهر أمر الله وهم كارهون. فمضى صلوات الله عليه ، وقد
ترك من الدنيا ما بذل له ، واختار منها الترك لما سخّر له ، زهادة واختيارا لله ،
وأنفة واقتدارا على الصبر ، بغيا لما يدوم ويبقى. فهذه صفة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم خلفه رجلان محفوظان وثالث مشكوك ، وبين ذلك خوض طالما
عالجناه ، مشاهدة ومكافحة ، ومعاينة وسماعا ، وما أعلم
منه فوق ما
تعلمان. وقد كان أمر (يزيد) ما سبقتم إليه وإلى تجويزه ، وقد علم الله ما أحاول به
من أمر الرعية ، من سدّ الخلل ولمّ الصدع بولاية يزيد ، بما أيقظ العين وأحمد
الفعل. هذا معناي في (يزيد) ، وفيكما فضل القرابة ، وحظوة العلم ، وكمال المروءة ،
وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ، ما أعياني مثله عندكما وعند
غيركما ، ومع علمه بالسنة وقراءة القرآن ، والحلم الّذي يرجح بالصم الصلاب. وقد
علمتما أن الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة ، قدّم على الصدّيق والفاروق ومن دونهما
من أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل من لم يقارب القوم [يريد بذلك
عمرو بن العاص] ، وفي رسول الله أسوة حسنة. فمهلا بني عبد المطلب ، فأنا وأنتم
شعبا نفع وجد ، وما زلت أرجو الإنصاف في اجتماعكما ، فما يقول القائل إلا بفضل
قولكما ، فردّا على ذي رحم مستعتب ، ما يحمد به البصيرة في عتابكما. وأستغفر الله
لي ولكما.
٤٠٩ ـ ردّ الإمام
الحسين عليهالسلام على كلام معاوية :
(المصدر السابق ، ص ١٢٨)
قال : فتيسّر ابن
عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة ، فأشار إليه الحسين عليهالسلام وقال : على رسلك ، فأنا المراد ، ونصيبي في التهمة أوفر.
فأمسك ابن عباس.
فقام الحسين عليهالسلام فحمد الله وصلّى على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم قال :
أما بعد يا معاوية
، فلن يؤدّي القائل وإن أطنب في صفة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من جميع جزءا ، وقد فهمت ما لبّست به الخلف بعد رسول الله
من إيجاز الصفة ، والنكب عن استبلاغ البيعة. وهيهات هيهات يا معاوية ، فضح الصبح
فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السّرج ، ولقد فضّلت حتّى أفرطت ، واستأثرت حتّى
أجحفت ، ومنعت حتّى بخلت ، وجرت حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب ،
حتّى أخذ الشيطان حظه الأوفر ونصيبه الأكمل. وفهمت ما ذكرته عن (يزيد) من اكتماله
وسياسته لأمة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوبا ، أو تنعت
غائبا ، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع
رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به ، من استفزازه الكلاب المهارشة عند التحارش ،
والحمام السّبّق لأترابهن ، والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي ، تجده ناصرا.
ودع عنك ما تحاول ، فما أغناك أن تلقى الله بوزر
هذا الخلق بأكثر
مما أنت لاقيه ، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور ، وحتفا في ظلم ، حتّى ملأت
الأسقية. وما بينك وبين الموت إلا غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ،
ولات حين مناص.
ورأيتك عرّضت بنا
بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تراثنا ، ولقد لعمر الله أورثنا الرسول عليهالسلام ولادة ، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول ،
فأذعن للحجة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل ،
وقلتم كان ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية ، من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك
فاعتبروا يا أولي الأبصار.
وذكرت قيادة الرجل
القوم بعهد رسول الله صلىاللهعليهوآله وتأميره له وقد كان ذلك ، ولعمرو بن العاص فضيلة بصحبة
الرسول وببيعته له ، وما صار لعمرو يومئذ حتّى أنف القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ،
وعدوا عليه فعاله ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«لا جرم معشر
المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم». فكيف تحتجّ بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد
الأحوال وأولاها ، بالمجتمع عليه من الصواب؟. أم كيف ضاهيت بصاحب تابعا ، وحولك من
يؤمن في صحبته ويعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطاهم إلى مسرف مفتون؟. تريد أن تلبس
الناس شبهة ، يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟. (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) وأستغفر الله لي ولكم.
٤١٠ ـ جرأة أبي
قتادة الأنصاري على معاوية :
(أخبار الدول وآثار الأول للقرماني ، ص ١٢٩)
قال ابن أبي
الدنيا : حجّ معاوية سنة إحدى وخمسين ، فلما قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري.
فقال له معاوية : تلقّاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار!. قال : لم يكن لنا
دواب. قال : فأين النواضح؟. قال : عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر. فسكت.
يقول القرماني :
ولم نذكر في هذا الكتاب ما شجر بين معاوية وبين علي عليهالسلام لما يتطرق للنفوس الضعيفة وأهل الأهواء من البغض لمعاوية
رضي الله عنه. ونسكت عن حرب الصحابة ، فالذي جرى بينهم كان اجتهادا مجردا.
تعليق على القرماني :
رغم احترامي للشيخ
القرماني الدمشقي ، وثقتي بدينه وتقواه وتعظيمه لأهل البيتعليهمالسلام ، إلا أن كلامه المتقدم لا يمكن السكوت عليه ، من عدة وجوه
:
١ ـ يقول : إن ما
شجر بين الصحابة الأولين هو من قبيل أن الواحد منهم قد اجتهد فأخطأ. وأقول : إن
الخطأ في الاجتهاد مقبول بالنسبة لأهل العلم والذين قضوا حياتهم في الدين والفقه ،
فهؤلاء بعد تحصيلهم كل هذه العلوم إذا اجتهدوا وصدف أن أخطؤوا فيمكن التجاوز عنهم.
لكن هذا لا ينطبق على مثل مروان بن الحكم ومعاوية والحجاج وغيرهم. فمعاوية رجل ليس
عنده أي رصيد من الدين ، وكل أعماله كانت صادرة من مصلحته الشخصية ، وهذا هو الّذي
دعاه إلى تولية يزيد ، وهو يعلم أنه أفجر الناس أجمعين. فليس معاوية من الذين يجوز
لهم الاجتهاد في أمور الدين أصلا ، حتّى نقول إنه اجتهد فأخطأ أو أصاب.
٢ ـ إن الاجتهاد
الّذي يحتمل فيه الإصابة والخطأ ، هو الاجتهاد في الأمور المبهمة المشتبه فيها ،
وليس في الأشياء الواضحة الثابتة مثل خلافة أمير المؤمنين عليهالسلام. فكيف يجوز لأحد أن يجتهد فيها ، ويقول إنها صحيحة أو غير
صحيحة بعد أن اجتمع المسلمون عليها. وهذا انطلاقا من كلام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا اجتهاد في موضع النص». فما عمله معاوية في عدم
مبايعته للإمام علي عليهالسلام وإراقته الدماء في سبيل ذلك ، هو ليس اجتهاد ، وإنما هو
خروج كامل عن الدين والإسلام.
٣ ـ إن القرماني
يقول : إن ما شجر بين الصحابة يلزم عدم ذكره بل ستره ، وإذا علمنا أن ما فعله
معاوية وأمثاله من العمل على اقتتال المسلمين وإراقة دمائهم ، وبالتالي ضياع
الإسلام تشتيت المسلمين ، هو يحصل في كل زم ان ، ولا أحد يسكت عنه ، فكيف نسكت عن
الأولين الذين هم كانوا أول من فتح باب الفتن والدماء على هذه الأمة ، وهم الذين
سنّوا أساس الكفر والنفاق؟ إن هؤلاء أولى بالذكر والتعرية والإنكار ممن جاء بعدهم
، لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم
القيامة».
٤١١ ـ قصة عن
مداهنة الناس لمعاوية لكسب الأموال :
(مرآة الجنان لليافعي ، ج ١ ص ١٤٦ ط ١)
روي أن معاوية لما
نصّب ولده يزيد في ولاية العهد ، أقعده في قبة حمراء ، فجعل الناس يسلّمون على
معاوية ، ثم يميلون إلى يزيد. حتّى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية ، فقال :
يا أمير المؤمنين لو لم تولّ هذا أمور المسلمين لأضعتها. والأحنف بن قيس جالس.
فقال له معاوية : ما بالك لا تقول يا أبا بحر؟. فقال : أخاف الله إن كذبت ،
وأخافكم إن صدقت. فقال معاوية [للرجل] : جزاك الله خيرا عن الطاعة ، وأمر له بألوف.
فلما خرج لقيه ذلك الرجل ، فقال : يا أبا بحر إني لأعلم كذا وكذا وذمّ يزيد ،
ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال ، فليس يطمع في استخراجها
إلا بما سمعت. فقال الأحنف : إن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيها.
٤١٢ ـ أيهما يخدع
الآخر؟ :
يروى أنه لما ألزم
معاوية الناس على البيعة ليزيد بولاية العهد ، بدأ الناس يتوافدون عليه جماعات
لتهنئته وتقريظه. فخلا يزيد بأبيه يوما فقال له : يا أبت ، إني متعجب ما أدري أنحن
نخدع الناس ، أم أن الناس يخدعوننا؟. فقال معاوية ليزيد قوله المشهور : يا بني ،
من خادعته فتخادع لك ليخدعك ، فقد خدعته.
وهذا يبيّن أن كل
أعمال معاوية هي خداع في خداع. ومن أوضح الأمثلة على هذا الخداع قصة أرينب بنت
اسحق!.
قصة أرينب بنت اسحق
[التي تدل على كرم أخلاق مولانا الحسين]
[في مقابل دناءة أخلاق معاوية ويزيد]
تمهيد للقصة :
بعد أن ضرب معاوية
على فخذه وهو يصلي في مسجد دمشق ، ونجا من الموت بأعجوبة ، جاءته الوفود إلى الشام
تهنّئه بالصحة والسلامة. وكان من جملة من جاءه مسلّما واليه على العراق عبد الله
بن سلّام ومعه زوجته (أرينب بنت اسحق) ذات
الجمال الأخّاذ.
وكان يزيد يجلس في إحدى شرفات قصر الخضراء حين رآها تدخل مع زوجها ، فهاج في صدره
حبّ قديم وكان يعرفها من قبل ، فافتتن بها.
ثم إنه دخل على
أبيه معاوية وقال له : لا بدّ لي من زواج (أرينب) مهما كلف الأمر. وبما أن يزيد هو
الابن المدلل لأبيه ، والذي لا تردّ له حاجة ، عمل معاوية على تنفيذ رغبة ابنه ،
ولو كان في ذلك المهانة والعار ، والدناءة وغضب الجبار.
٤١٣ ـ قصة أرينب
بنت اسحق :
(الإتحاف بحب الإشراف للشبراوي ، ص ٢٠١ ـ ٢٠٩)
يقول الشيخ عبد
الله الشبراوي الشافعي :
فمن مكارم أخلاق
الإمام الحسين عليهالسلام ما حكاه ابن بدرون في (شرح قصيدة ابن عبدون) من قصة أرينب
بنت اسحق زوجة عبد الله بن سلّام القرشي. وكان عبد الله هذا واليا لمعاوية على
العراق ، وكانت أرينب هذه من أجمل نساء وقتها وأحسنهن أدبا وأكثرهن مالا. وكان
يزيد بن معاوية قد سمع بجمالها وبما هي عليه من الأدب وحسن الخلق والخلق ، ففتن
بها ، فلما عيل صبره استراح في ذلك مع أحد خصيان معاوية ، وكان ذلك الخصي خاصّا
بمعاوية واسمه رفيف ، فذكر رفيف ذلك لمعاوية ، وذكر شغفه بأرينب ، وأنه ضاق ذرعه
بأمرها.
فبعث معاوية إلى
يزيد فاستخبره من أمره ، فبثّ له شأنه ، فقال معاوية : مهلا يا يزيد!. قال : علام
تأمرني بالمهل ، وقد انقطع منها الأمل. قال له معاوية : فأين حجاك ومروءتك؟. فقال
له يزيد : قد عيل الصبر والحجى ، ولو كان أحد ينتفع به في الهوى ، لكان أولى الناس
بالصبر عليه داود حين ابتلي به.
قال له : اكتم
أمرك يا بني ، فإن البوح به غير نافعك ، والله بالغ أمره فيك ، ولا بدّ مما هو
كائن.
وكانت أرينب بنت
اسحق مثلا في أهل زمانها ، لجمالها وتمام كمالها وشرفها وكثرة مالها. فأخذ معاوية
في الحيلة حتّى يبلغ يزيد رضاه فيها.
فكتب معاوية إلى (عبد
الله بن سلّام) وكان استعمله على العراق ، أن أقبل حين تنظر في كتابي لأمر فيه حظك
إنشاء الله ، ولا تتأخر عنه ، وجدّ السير.
وكان عند معاوية
يومئذ بالشام أبو هريرة وأبو الدرداء صاحبا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فلما قدم عليه عبد الله بن سلام الشام ، أمر معاوية أن
ينزل منزلا قد هيأه له ، وأعدّ
فيه منزله ، ثم
قال لأبي هريرة وأبي الدرداء : إن الله قد قسم بين عباده نعما ، أوجب عليهم شكرها
، وحتم عليهم حفظها ، فحباني منها عزوجل بأتم الشرف وأكرم الذكر ، وأوسع عليّ رزقه ، وجعلني راعي
خلقه وأمينه في بلاده ، والحاكم في أمر عباده ، ليبلوني أأشكر أم أكفر. وأول ما
ينبغي للعبد أن يفتقده وينظر فيه ، من استرعاه الله أمره ومن لا غنى له عنه. وقد
بلغت لي ابنة [أي أدركت سن البلوغ] أريد إنكاحها ، وأنظر في اختيار من يباعلها ،
لعل من يكون بعدي يقتدي فيه بهديي ، ويتّبع فيه أثري ، فإنه قد يبتزّ الملك بعدي ،
من يغلب عليه ز هو الشيطان ، وتزيينه إلى تعطيل بناتهم ، فلا يردن لهن كفوا. وقد
رضيت لابنتي عبد الله بن سلام القرشي ، لدينه وشرفه ومروءته وأدبه.
فقال أبو هريرة
وأبو الدرداء : إن أولى الناس برعاية نعم الله وشكرها وطلب مرضاته فيما خصّه به
أنت ، لأنك صاحب رسول الله وكاتبه وصهره. قال معاوية : فاذكرا ذلك عني لعبد الله ،
وقد جعلت لها في نفسها شوري ، غير أني لأرجو أن لا تخرج من رأيي إنشاء الله تعالى.
فخرجا من عنده
متوجهين إلى منزل عبد الله بن سلام بالذي قاله لهما معاوية.
ثم إن معاوية دخل
على ابنته فقال لها : إذا دخل عليك أبو الدرداء وأبو هريرة ، وعرضا عليك أمر عبد
الله بن سلّام وإنكاحي إياك منه ، وحضّاك إلى المسارعة إلى هواي ، فقولي لهما :
عبد الله بن سلام كفؤ كريم وقريب حميم ، غير أن تحته أرينب بنت اسحق ، وأنا خائفة
أن يعرض لي من الغيرة ما يعرض للنساء ، فأتناول منه ما يسخط الله فيه فيعذبني عليه
، ولست بفاعلة حتّى يفارقها.
فلما ذكر ذلك أبو
هريرة وأبو الدرداء لعبد الله بن سلام ، وأعلماه بالذي أمرهما معاوية ، وأنهما
جاءاه خاطبين!. قال لهما : نعم ، أنتما تعلمان رضاي بذلك وحرصي على صهارة أمير
المؤمنين. فرجعا إلى معاوية وذكرا له ذلك. فقال : أنا راض بذلك وطالب له ، لكني قد
أعلمتكما أني جعلت لها في نفسها شوري ، فادخلا عليها واعرضا عليها ما أحببته لها.
فدخلا عليها وعرضا عليها ذلك ، فقالت كالذي قال لها أبوها.
فأعلما عبد الله
بن سلام بذلك ، فلما ظن أنه لا يمنعها منه إلا بقاء أرينب عنده ، أشهدها على
طلاقها ثلاثا ، وأرسلهما يعلمان بذلك معاوية وابنته. فأظهر معاوية
كراهية لما فعله
عبد الله بن سلام ، وقال : ما أحببت طلاق زوجته ولا استحسنته ، ولكن انصرفا في
عافية. ثم عودا إلينا فإننا نسعى في رضاها ، ويكون ذلك إنشاء الله.
وكتب إلى يزيد
يعلمه بما كان من طلاق عبد الله لزوجته أرينب بنت اسحق.
ثم عاد أبو هريرة
وأبو الدرداء إلى معاوية ، فأمرهما بالدخول على ابنته وسؤالها رضاها ، تبرّيا من
الأمر ، ونظرا في القدر. وقال : لم يكن لي أن أكرهها وقد جعلت لها الشورى في
نفسها. فدخلا عليها وأعلماها بطلاق عبد الله بن سلام لزوجته أرينب ليسرّاها ،
وذكرا من فضل عبد الله وكمال مروءته وكريم فخره. فقالت : جفّ القلم بما هو كائن ،
وإنه في قريش لرفيع القدر ، وقد تعلمان أن التزويج جدّه جدّ وهزله جدّ ، والأناة
في الأمور آمن لما يخاف فيها من المحذور ، وأن الأمور إذا جاءت خلاف الهوى بعد
التأني فيها ، كان المرء بحسن العزاء خليقا ، وبالصبر عليها حقيقا. وإني سائلة عنه
حتّى أعرف دخلة خبره ، ويتضح لي بالذي أريد علمه من أمره ، وإن كنت أعلم أن لا
اختيار لأحدهما فيما هو كائن ، ومعلمتكما بالذي يزينه الله في أمره ، ولا قوة إلا
بالله. قال الشيخان : وفقك الله وخار لك.
وتحدث الناس بالذي
كان من طلاق عبد الله بن سلام امرأته ، وخطبته ابنة معاوية. واستحث عبد الله بن
سلام الشيخين ، فأتياها ، فقالا لها : اصنعي ما أنت صانعة واستخيري الله ، فإنه
يهدي من استهداه. قالت : أرجو والحمد لله أن يكون الله قد خار ، فإنه لا يكل إلى
غيره من توكل عليه. وقد سألت عنه فوجدته غير ملائم ولا موافق لما أريد لنفسي ، مع
اختلاف من استشرتهم فيه ، فمنهم الناهي عنه والآمر به ، واختلافهم أقل ما كرهت.
فلما بلغّاه
كلامها ، علم أنه مخدوع. وقال متعزيا : ليس لأمر الله رادّ ، ولا لما بدّ منه صادّ
، فإن المرء وإن كمل له علمه واجتمع له عقله ، ليس بدافع عن نفسه قدرا برأي ولا
كيد. ولعل ما سرّوا به لا يدوم لهم سروره ، ولا يدفع عنهم محذوره.
وشاع أمره وفشا في
الناس ، وقالوا : خدعه معاوية حتّى طلقّ امرأته ، وإنما أرادها لابنه يزيد ، بئس
ما صنع.
ولما انقضت
أقراؤها (وهي العدّة) وجّه معاوية أبا الدرداء إلى العراق خاطبا لها على ابنه
يزيد. فخرج حتّى قدمها ، وبها يومئذ الحسين بن علي عليهماالسلام. فقال
أبو الدرداء حين
قدم العراق : ما ينبغي لذي نهى أن يبدأ بشيء غير زيارة الحسين عليهالسلام سيد شباب أهل الجنة ، إذا دخل موضعا هو فيه ، فإذا أديت
حقه ذهبت إلى ما جئت إليه.
مبادرة رائعة :
فلما رآه الحسين عليهالسلام قام إليه وصافحه إجلالا لصحبته من جدهصلىاللهعليهوآلهوسلم ولموضعه من الإسلام. وقال له : ما أتى بك يا أبا الدرداء؟.
قال : وجّهني معاوية خاطبا لابنه يزيد (أرينب بنت اسحق) فرأيت عليّ حقا أن لا أبدأ
بشيء قبل السلام عليك. فشكر له الحسين عليهالسلام ذلك وأثنى عليه. ثم قال : لقد كنت أردت نكاحها وعزمت على
الإرسال إليها ، إذا انقضت أقراؤها ، فلم يمنعني من ذلك إلا تخيّر فعلك ، فقد أتى
الله بك ، فاخطب رحمك الله لي وله [أي يزيد] التحري من تختاره منا ، وهي أمانة في
عنقك حتّى تؤديها إليها ، واعطها من المهر مثل ما بذل لها معاوية عن ابنه. فقال :
أفعل إنشاء الله.
فلما دخل أبو
الدرداء على أرينب ، قال : أيتها المرأة ، إن الله خلق الأمور بقدرته ، وكوّنها
بعزته ، فجعل لكل أمر قدرا ، ولكل قدر سببا ، فليس لأحد عن قدر الله مستخلص ، ولا
للخروج من عمله مناص ، فكان ما سبق لك وقدّر عليك ، الّذي كان من فراق عبد الله بن
سلام إياك ، ولعل ذلك لا يضرّك ، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. وقد خطبك أمير هذه
الأمة وابن مليكها وولي عهده والخليفة من بعده : يزيد ابن معاوية ، والحسين ابن بنت
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وابن أول من أقرّ به من أمته وسيد شباب أهل الجنة يوم
القيامة. وقد بلغك سناهما وفضلهما ، وجئتك خاطبا لهما ، فاختاري أيهما شئت.
فسكتت طويلا ، ثم
قالت : يا أبا الدرداء ، لو كان هذا الأمر جاءني وأنت غائب ، لأشخصت فيه الرسل إليك
، واتبعت فيه رأيك ولم أقتطعه دونك. فأما إذ كنت المرسل فيه ، فقد فوّضت أمري بعد
الله إليك ، وجعلته في يديك ، فاختر لي أرضاهما لديك ، والله شاهد عليك ، فاقض في
قصدي بالتحري ، ولا يصدّنك عن ذلك اتباع هوى ، فليس أمرهما عليك خفيّا ، ولست فيما
طوّقتك غبيّا.
قال أبو الدرداء :
أيتها المرأة إنما عليّ إعلامك ، وعليك الاختيار لنفسك. فقالت : عفا الله عنك ،
إنما أنا بنت أخيك ومن لا غنى به عنك ، فلا تمنعك رهبة
أحد من قول الحق
فيما طوّقتك. فقد وجبت عليك إذا الأمانة فيما حمّلتك. والله خير من روعي وخيف ،
إنه بنا خبير لطيف.
فلما لم يجد بدّا
من القول والإشارة ، قال : أي بنيّة ، ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحبّ إليّ لك وأرضى عندي ، والله أعلم بخيرهما لك. وقد
رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم واضعا شفتيه على شفتي حسين ، فضعي شفتيك حيث وضع رسول الله
شفتيه. قالت : قد اخترته ورضيته .. فتزوجها الإمام الحسين بن علي عليهماالسلام وساق لها مهرا عظيما.
وبلغ معاوية الّذي
كان من فعل أبي الدرداء في ذلك ، ونكاح الحسين عليهالسلام إياها ، فتعاظمه جدا ولامه شديدا. وقال : من يرسل ذا بله
وعمى ، يركب خلاف ما يهوى. وكان عبد الله بن سلام قد استودع أرينب قبل فراقها
بدرات مملوءة درّا ، وكان ذلك أعظم ماله لديه وأحبه إليه. وقد كان معاوية اطّرحه
وقطع عنه جميع روافده لسوء قوله فيه وتهمته أنه خدعه. فلم يزل يجفوه حتّى عيل صبره
، وقلّ ما في يديه ، ولام نفسه على المقام لديه. فرجع إلى العراق ، وهو يذكر ماله
الّذي استودعه إياها ، ولا يدري كيف يصنع فيه ، وأنّى يصل إليه ، وهو يتوقع جحودها
لسوء فعله بها ، وطلاقه إياها من غير شيء أنكره عليها.
ردّ الحقّ إلى
أهله :
فلما قدم العراق
لقي الحسين عليهالسلام فسلّم عليه ، ثم قال له : قد عرفت ما كان من خبري وخبر
أرينب. وكنت قبل فراقي إياها قد استودعتها مالا عظيما ، وكان الّذي كان ، ولم
أقبضه ، ووالله ما أنكرت منها في طول صحبتها فتيلا ، ولا أظن بها إلا جميلا.
فذاكرها أمري وحاضضها على ردّ مالي إليّ ، فإن الله يحسن إليك ذكرك ، ويجزل به
أجرك. فسكت عنه.
ولما انصرف الحسين
عليهالسلام إلى أهله ، قال لها : قدم عبد الله بن سلام ، وهو يحسن
الثناء عليك ويحمل النشر عنك ، في حسن صحبتك ، وما آنسه قديما من أمانتك ، فسرّني
بذلك وأعجبني. وذكر أنه كان استودعك مالا ، فأدّي إليه أمانته ، وردّي عليه ماله ،
فإنه لم يقل إلا صدقا ، ولم يطلب إلا حقا. قالت : صدق. استودعني مالا لا أدري ما
هو ، وإنه لمطبوع عليه بخاتمه ، ما حوّل فيه شيء إلى يومه ، وها هو فادفعه إليه
بطابعه. فأثنى عليها الحسين عليهالسلام خيرا. وقال : أدخله عليك حتّى تبرئي إليه منه ، كما دفعه
إليك.
لقاء الحبيبين على
يد بقية السبطين :
ثم لقي الحسين عليهالسلام عبد الله ، فقال : ما أنكرت مالك ، وإنما زعمت أنه كما
دفعته إليها بطابعك ، فادخل إليها واستوف مالك منها. قال عبد الله : أو تأمر من
يدفعه إليّ. قال : لا ، حتّى تقبض مالك منها ، كما دفعته إليها ، وتبرئها منه إذا
أدته إليك.
فلما دخل عليها
عبد الله قال لها الحسين عليهالسلام : هذا عبد الله بن سلام قد جاء يطلب وديعته ، فأدّي إليه
أمانته. فأخرجت إليه البدر ، فوضعتها بين يديه ، وقالت : هذا مالك ، فشكر وأثنى.
وخرج الحسين عليهالسلام عنهما. وفضّ عبد الله خواتم بدره ، وحثا لها من ذلك الدرّ
حثوات ، وقال : خذي هذا فهو قليل مني. فاستعبرا جميعا ، حتّى علت أصواتهما بالبكاء
، أسفا على ما ابتليا به.
فدخل الحسين عليهالسلام عليهما وقد رقّ لهما للذي سمع منهما. فقال : أشهد الله
أنها طالق. الله م إنك قد تعلم أني لم أستنكحها رغبة في مالها ولا جمالها ، ولكني
أردت إرجاعها لبعلها ، فأوجب لي بذلك الأجر. ولم يأخذ شيئا مما ساقه لها من مهرها.
فسألها عبد الله أن تصرف إلى الحسين عليهالسلام ما كان ساق لها ، فأجابته إلى ذلك ، شكرا لما صنعه بها ،
فلم يقبله الحسين عليهالسلام ، وقال : الّذي أرجو عليه من الثواب خير وأولى.
فلما انقضت
أقراؤها تزوجها عبد الله بن سلام ، وبقيا زوجين سعيدين إلى أن فرّق الموت بينهما
...
وباءت مكيدة
معاوية وابنه يزيد بالفشل ، لأنها مكيدة غدر وضرر ، ونجحت مبادرة الحسين عليهالسلام لأنها مبادرة برّ وخير ، وصدق من قال : «كلّ إناء ينضح بما
فيه». فهذه كانت أخلاق آل أبي سفيان ، وتلك كانت أخلاق آل بيت محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
يقول السيد محسن
الأمين في (المجالس السنيّة) ج ٣ ص ٧٣ بعد إيراد هذه القصة : ومن هذا وشبهه كانت
الأحقاد تزداد في قلب يزيد على الحسين عليهالسلام ، حتّى أظهر الشماتة والفرح يوم جيء إليه برأس الحسين عليهالسلام.
مرض معاوية وهلاكه
٤١٤ ـ مرض معاوية
ووصيته :
(معالي السبطين في أحوال السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ١٢٣)
في (الناسخ) أن
معاوية عاش ثمانين سنة. ولما تصرّمت أيامه ، وردت عليه كتب من أهل المدينة ، فوجد
فيها رقعة مكتوب فيها :
إذا الرجال ولدت
أولادها
|
|
واضطربت من كبر
أعضادها
|
وجعلت أسقامها
تعتادها
|
|
فهي زروع قد دنا
حصادها
|
فقال معاوية : هذه
الرقعة تهددني بالموت وتنعى إليّ نفسي. فما مضت إلا أيام قلائل حتّى ابتدأ به
المرض والوجع.
قال المسعودي : إن
معاوية دخل الحمّام في بدء علة كانت وفاته فيها ، فرأى نحول جسمه ، فبكى لفنائه
وما قد أشرف عليه من الدثور الواقع بالخليقة ، وقال متمثّلا :
أرى الليالي
أسرعت في نقضي
|
|
أخذن بعضي ،
وتركن بعضي
|
حنين طولي وحنين
عرضي
|
|
أقعدنني من بعد
طول نهضي
|
فلما اشتدت علته
وأيس من برئه ، أنشأ يقول :
فياليتني لم أعن
في الملك ساعة
|
|
ولم أك في
اللذات أعشى النواظر
|
وكنت كذي طمرين
عاش ببلغة
|
|
من الدهر حتّى
زار أهل المقابر
|
فلما مرض المرضة
التي مات بها كان يبكي ، فقال له مروان : أتجزع من المرض؟. قال : لا بل أبكي وأجزع
على نفسي مما ارتكبت ، وهو قتل حجر بن عدي وأصحابه ، وغصب علي عليهالسلام حقه ومحاربتي معه ، وتوليتي يزيد على أمة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وكان معاوية في
مرضه ربما اختلط في بعض الأوقات. فقال مرة : كم بيننا وبين الغوطة؟. فصاحت بنته :
واحزناه! .. ثم مات.
وفي مخطوطة مصرع
الحسين [مكتبة الأسد] ص ٣ :
وجاء في الخبر :
أنه لما حضرت معاوية الوفاة دعا بولده يزيد ، وكان واليا على مدينة حمص ، استدعاه
إلى دمشق ليوصيه.
٤١٥ ـ وصية معاوية
لابنه يزيد : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٧٤)
ثم قال معاوية
ليزيد : إني من أجلك آثرت الدنيا على الآخرة ، ودفعت حق علي بن أبي طالب ، وحملت
الوزر على ظهري ، وإني لخائف أنك لا تقبل وصيتي ، فتقتل خيار قومك ، ثم تغزو حرم
ربك ، فتقتلهم بغير حق ، ثم يأتي الموت بغتة ، فلا دنيا أصبت ولا آخرة أدركت.
يا بنيّ إني جعلت
هذا الملك مطعما لك ولولدك من بعدك ، وإني موصيك وصية فاقبلها ، فإنك تحمد عاقبتها
، وإنك بحمد الله صارم حازم.
انظر أن تثب على
أعدائك كوثوب الهزبر البطل ، ولا تجبن كجبن الضعيف النّكل.
وفي (تذكرة الخواص)
ص ٢٤٦ ط ٢ نجف :
فإني قد كفيتك
الحلّ والترحال ، ووطّأت لك البلاد والرجال ، وأخضعت لك أعناق العرب. وإني لا
أتخوّف عليك أن ينازعك هذا الأمر الّذي أسّست (استتبّ) لك ، إلا أربعة نفر من قريش
: الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الرحمن بن أبي
بكر.
فأما ابن عمر ،
فرجل قد وقذته (أي أنحلته) العبادة ، وإذا لم يبق أحد غيره بايعك.
وأما الحسين ، فإن
أهل العراق لن يدعوه حتّى يخرجوه ، فإن خرج عليك فظفرت به ، فاصفح عنه ، فإن له
رحما ماسّة وحقا عظيما.
وأما ابن أبي بكر
، فإنه ليست له همّة إلا في النساء واللهو ، فإذا رأى أصحابه قد صنعوا شيئا صنع
مثله.
وأما الّذي يجثم
لك جثوم الأسد ، ويطرق (أي يضرب) إطراق الأفعوان ، ويراوغك مراوغة الثعلب (فإن
أمكنته فرصة وثب) ، فذاك ابن الزبير. فإن وثب عليك وأمكنتك الفرصة منه ، فقطّعه
إربا إربا.
تابع وصية معاوية
ليزيد فيما يخص معاملة أهل الحجاز والعراق والشام :
(المصدر السابق ، ص ١٧٦)
ثم قال معاوية :
وانظر إلى أهل الحجاز ، فإنهم أصلك وفرعك ، فأكرم من قدم عليك منهم ، ومن غاب عنك
فلا تجفهم ولا تعقّهم.
وانظر إلى أهل
العراق ، فإنهم لا يحبونك أبدا ولا ينصحونك. ولكن دارهم ما أمكنك واستطعت ، وإن
سألوك أن تعزل عنهم في كل يوم عاملا فافعل ، فإنّ عزل عامل واحد هو أيسر عليك
وأخفّ من أن يشهروا عليك مائة ألف سيف.
وانظر يا بني أهل
الشام ، فإنهم بطانتك وظهارتك ، وقد بلوتهم وخبرتهم وعرفت نياتهم ، وهم صبر عند
اللقاء ، حماة في الوغى. فإن دار بك أمر من عدوّ يخرج عليك فانتصر بهم ، فإذا أصبت
منهم حاجتك فارددهم إلى بلادهم يكونوا بها إلى وقت حاجتك إليهم.
قال : ثم تنفّس
الصّعداء ، ثم غشي عليه ، فلم يفق من غشيته يومه ذلك. فلما أفاق قال : أوه (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) [الإسراء : ٨١].
ثم جعل يقول :
إن تناقش يكن
نقاشك يا
|
|
ربّ عذابا لا
صبر لي بالعذاب
|
أو تجاوز فأنت
ربّ رحيم
|
|
عن مسيء ذنوبه
كالتراب
|
٤١٦ ـ وصية معاوية بوضع شيء من شعر
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وظفره في فمه وعينه :
(المصدر السابق ، ص ١٧٧)
ثم قال معاوية :
اعلموا أني كنت بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات يوم وهو يقلّم أظفاره ، فأخذت القلامة ، وأخذت بمشقص
من شعره على الصفا ، وجعلتها في قارورة هي عندي ، فاجعلوا أظفاره وشعره في فمي
وأذني ، وصلّوا عليّ وواروني في حفرتي ، وذروني وربي ، فإنه غفور رحيم. ثم انقطع
كلامه فلم ينطق بشيء.
وفي رواية
القرماني في (أخبار الدول) ص ١٢٩ :
وكان عند معاوية
شيء من شعر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقلامة ظفره ، فأوصى أن يجعل ذلك في فمه وعينيه ، وأن
يكفّن بثوب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقال : افعلوا ذلك وخلوّا بيني وبين أرحم الراحمين.
٤١٧ ـ تعليق على
وصية معاوية ليزيد :
(حياة الإمام الحسين بن علي عليهالسلام لباقر شريف القرشي ، ج ٢ ص ٢٣٧)
بعد استعراض
الوصية قال السيد باقر شريف القرشي :
وأكبر الظن أن هذه
الوصية من الموضوعات. فقد افتعلت لإثبات حلم معاوية ، وأنه عهد إلى ولده بالإحسان
الشامل إلى المسلمين ، وهو غير مسؤول عن تصرفاته.
وفيها أن يعامل
أهل العراق معاملة جيدة ، وكذلك أهل الحجاز ، وخاصة الحسينعليهالسلام.
لكن الواقع أن
مقابل هذه الوصية الظاهرية هناك وصية مستورة تعاكسها ، وهي الحقيقة التي ستطبق.
فقد روى المؤرخون
أن معاوية أوصى يزيد بإرسال مسلم بن عقبة إلى المدينة إذا لم يبايعوا ، وكان (مسلم)
جزّارا جلّادا لا يعرف الرحمة والرأفة. فهل هكذا الإحسان للحجازيين؟!.
كما أوصى بتعيين
عبيد الله بن زياد على العراق ، وهو أكبر دموي غادر ، فهل هكذا الإحسان للعراقيين؟!.
وإذا كان معاوية
لم يتردد في اغتيال الإمام الحسن عليهالسلام حتّى بعد ما بايعه ، فهل حقا يوصي ابنه بالحسين عليهالسلام ، وأن يعفو عنه إذا ظفر به. ولو أن الوصية المزعومة كانت
صحيحة لما كان يزيد ، لا همّ له بعد موت أبيه إلا تحصيل البيعة من الحسين عليهالسلام. الصحيح أنه أوصاه أن يغتاله سرا ، فبعث إلى والي المدينة
كتابا صغيرا منفصلا عن الكتاب الأصلي يأمره به بقتله أو يبايع. كما أمر والي مكة ـ
فيما بعد ـ بأن يقتله على أي حال اتفق ، حتّى ولو كان متمسكا بأستار الكعبة!.
توضيح
: زعم بعض المؤرخين
أن معاوية كتب وصيته ليزيد ، ويزيد لم يكن حاضرا عنده. وقال بعضهم إنه كان حاضرا
عند الوصية. ولكنهم أجمعوا على أنه لم يكن حاضرا عند موته ، بل كان في (حوّارين)
من أعمال شرق حمص. ويمكن إزالة هذا التعارض بالقول إن معاوية كتب الوصية في غياب
يزيد ، ولما حضر قرأ أبوه عليه الوصية. ثم إن يزيد سافر إلى حوّارين ، وما لبث
أبوه أن مات وهو غائب عنه. فاستدعاه الضحّاك بن قيس ، فقدم لثلاثة أيام على وفاته.
يقول الدينوري في (الأخبار
الطوال) : إن معاوية أوصى وكان يزيد غائبا ، ثم قدم عليه يزيد ، فأعاد عليه الوصية
، ثم قضى.
٤١٨ ـ وفاة معاوية
وعمره : (مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٧٧)
يقول الخوارزمي :
فتوفي معاوية في غد ذلك اليوم ، وليس عنده يزيد (بل خرج إلى حوران للصيد). فكان
ملكه تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر. وتوفي بدمشق يوم الأحد لأيام خلت من شهر رجب سنة
٦٠ ه ، وهو ابن ثمان وسبعين ٧٨ سنة.
٤١٩ ـ هلاك معاوية
وتشييعه :
(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ج ١ ص ١٧٤)
ذكروا أن نافع بن
جبير قال :
إني بالشام يوم
موت معاوية ، وكان يزيد غائبا ، واستخلف معاوية الضحاك بن قيس بعده ، حتّى يقدم
يزيد ...
فلما مات معاوية
خرج الضحّاك على الناس ، فقال : لا يحملنّ اليوم نعش أمير المؤمنين إلا قرشي. قال
: فحملته قريش ساعة.
ثم قال أهل الشام
: أصلح الله الأمير ، اجعل لنا من أمير المؤمنين نصيبا في موته كما كان لنا في
حياته. قال : فاحملوه ، فحملوه وازدحموا عليه ، حتّى شقّوا البرد الّذي كان عليه
صدعين (أي نصفين).
الفصل الحادي عشر
حكم يزيد بن معاوية
٤٢٠ ـ الوضع
الفلكي أول حكم يزيد :
(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤١)
يقول اليعقوبي :
وملك يزيد بن معاوية ، في مستهل رجب سنة ٦٠ ه ، وكانت الشمس يومئذ في (الثور)
درجة وعشرين دقيقة ، والقمر في (العقرب) كذا درجات وثلاثين دقيقة ، وزحل في (السرطان)
إحدى عشرة درجة ، والمشتري في (الجدي) تسع عشرة درجة ، والمريخ في (الجوزاء)
اثنتين وعشرين درجة وثلاثين دقيقة ، والزّهرة في (الجوزاء) ثماني درجات وخمسين
دقيقة ، وعطارد في (الثور) عشرين درجة وثلاثين دقيقة.
٤٢١ ـ الحكم
الوراثي :
لم يستنكر كثير من
المسلمين بعد موت معاوية جلوس يزيد على الحكم ، رغم بشاعة هذا الأمر ومعارضته
التامة لتعاليم الإسلام ، وما ذلك إلا لدهاء معاوية في التمهيد لهذا الأمر من قبل
، وتعويدهم عليه بعد استهجانه واستنكاره ، وهي من خطط الحكم الدكتاتوري الملكي
الّذي ابتدعه معاوية ، وسرى داؤه في كل الحكم الأموي.
إن قانون ولاية
العهد الّذي سنّه معاوية هو قانون اقتبسه من الأفكار الكسروية والهرقلية ليحارب به
الإسلام. وهذا القانون إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على النزعة العنصرية. ومن عادة
الطواغيت أنهم يحاولون أن تستمر مسيرتهم الدكتاتورية من خلال استمرارية وجودهم
بشخص أبنائهم.
٤٢٢ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يتنبّأ بحكم الطاغية يزيد :
في (الإتحاف بحب
الأشراف) للشبراوي ، ص ٦٥ :
روى أبو يعلى من
حديث أبي عبيدة رفعه : «لا يزال أمراء أمتي قائمين بالقسط حتّى يتسلمه رجل من بني
أمية ، يقال له يزيد».
وفي (تاريخ
الخلفاء) للسيوطي ، ص ٢٠٧ :
وأخرج أبو يعلى في
مسنده بسند ضعيف عن أبي عبيدة قال : «لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط ، حتّى يكون
أول من يثلمه رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد».
ورواه غير أبو
يعلى بدون تسمية يزيد ، لأنهم كانوا يخافون من تسميته.
ولهذا روى ابن أبي
شيبة وغيره عن أبي هريرة أنه قال : الله م لا تدركني سنة ستين ولا إمرة الصبيان.
وكانت ولاية يزيد فيها.
٤٢٣ ـ الفساد بعد
عام الستين : (البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٦ ص ٢٥٩)
قال الإمام أحمد :
حدثنا أبو عبد الرحمن ... أن الوليد بن قيس النجيعي حدثه أن أبا سعيد الخدري قال :
سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «يكون خلفّ من بعد الستين سنة (أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا
الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (٥٩) [مريم : ٥٩].
ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم (أي لا يتعدى حلوقهم) ، ويقرأ القرآن
ثلاثة : مؤمن ومنافق وفاجر».
قال بشير : فقلت
للوليد بن قيس : ما هؤلاء الثلاثة؟. قال : المنافق كافر به ، والفاجر يتأكلّ به ،
والمؤمن يؤمن به. (رواه أحمد بسند جيد قوي).
٤٢٤ ـ خلافة يزيد
بن معاوية في رجب سنة ٦٠ ه :
(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ١٨٨ طبعة أولى مصر)
قال هشام بن محمّد
الكلبي عن أبي مخنف : ولي يزيد بن معاوية في هلال رجب سنة ٦٠ ه. (وفي رواية) :
بويع ليزيد بالخلافة بعد وفاة أبيه معاوية للنصف من رجب ، وقيل لثمان بقين منه.
٤٢٥ ـ ذكر مدة
خلافة يزيد بن معاوية وعمره :
قال المسعودي في (مروج
الذهب) ج ٣ ص ٦٣ :
بويع يزيد بن
معاوية ، فكانت أيامه ثلاث سنين وثمانية أشهر إلا ثماني ليال.
وهلك يزيد
بحوّارين من أرض دمشق ، لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة ٦٤ ه ، وهو ابن ٣٣ سنة.
وقال ابن الطقطقا
في (الفخري) ص ١١٣ :
كانت ولاية يزيد
على أصح القولين ثلاث سنين وستة أشهر. ففي السنة الأولى
قتل الحسين بن علي
عليهالسلام ، وفي السنة الثانية نهب المدينة وأباحها ثلاثة أيام ، وفي
السنة الثالثة غزا الكعبة.
وفي (تاريخ أبي
الفداء) ج ٢ ص ١٠٤ :
وكانت مدة خلافته
ثلاث سنين ونصف.
وقال السيوطي في (تاريخ
الخلفاء) ص ٢٠٥ :
يزيد بن معاوية
الأموي ، أبو خالد. ولد سنة ٢٥ أو ٢٦ ه.
وقال ابن عبد ربه
في (العقد الفريد) ج ٤ ص ٣٠٥ :
مات يزيد يوم
الخميس لأربع عشرة خلت من ربيع الأول سنة ٦٤ ه ، وعمره ٣٨ سنة. ودفن بحوّارين
خارجا من المدينة.
وقال المسعودي في (التنبيه
والإشراف) ص ٢٦٤ : وهلك يزيد بحوّارين من أرض دمشق ، مما يلي قارا والقطيفة طريق
حمص في البر ، لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة ٦٤ ه ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
وكانت أيامه ثلاث سنين وسبعة أشهر و ٢٢ يوما.
٤٢٦ ـ صفة يزيد
وهيئته :
قال المسعودي في (التنبيه
والإشراف) ص ٢٦٤ : كان يزيد آدم ، شديد الأدمة ، عظيم الهامة ، بوجهه أثر جدري
بيّن. يبادر بلذته ، ويجاهر بمعصيته ، ويستحسن خطأه ، ويهوّن الأمور على نفسه في
دينه ، إذا صحّت له دنياه.
وقال السيوطي في (تاريخ
الخلفاء) : كان ضخما ، كثير اللحم ، كثير الشعر.
وقال ابن عبد ربه
في (العقد الفريد) : كان آدم جعدا مهضوما ، أحور العينين ، بوجهه آثار جدري ، حسن
اللحية خفيفها.
وكان كاتبه وصاحب
أمره : سرجون بن منصور.
وقال المازندراني
في (معالي السبطين) ج ٢ ص ٩١ :
بل صفاته كصفات
العبيد : ذميم الوجه ، قبيح المنظر ، أفطس الأنف ، أسود الخدّ ، بشدقه ضربة كزند
البعير ، غليظ الشفتين ، جدريّ الخدين. وكان على وجهه أثر ضربة. إذا تكلم كان جهير
الصوت.
٤٢٧ ـ وصف
الطرمّاح لسوء خلقة يزيد : (المصدر الأخير)
ولنعم ما قال
الطرمّاح. لما دخل على معاوية نظر إلى يزيد وهو جالس على السرير ، فلم يسلّم عليه
، وقال : من هذا الغيشوم الميشوم ، المضروب على الخيشوم ، الواسع الحلقوم ، طويل
الخرطوم [أي الأنف]؟. فقالوا : صه يا أعرابي ، هذا يزيد. قال : ومن يزيد لا زاد
الله في مرامه ، ولا بلغّه مراده. والحاصل أن صفات يزيد كصفات الأداني ، وهيئته
كهيئة العبيد.
٤٢٨ ـ (ميسون) أم
يزيد : (تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ١٠٤)
وكانت أمه : ميسون
بنت بجدل الكلبية ، أقام يزيد معها بين أهلها في البادية ، وتعلم الفصاحة ونظم
الشعر هناك ، في بادية بني كلب [وهي البادية الممتدة شرق حمص ، ومن قارا والقطيفة
إلى القريتين]. وكان سبب إرساله مع أمه إلى هناك ، أن معاوية سمع ميسون تنشد هذه
الأبيات وهي جالسة في قصره :
لبيت تخفق
الأرواح فيه
|
|
أحبّ إليّ من
قصر منيف
|
ولبس عباءة
وتقرّ عيني
|
|
أحبّ إليّ من
لبس الشفوف
|
وخرق من بني عمي
فقير
|
|
أحبّ إليّ من
علج عنيف
|
فطلقّها معاوية ،
وبعثها مع يزيد إلى أهلها ، وهي حامل.
٤٢٩ ـ أولاد يزيد
وزوجاته : (العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣٠٥)
ليزيد عدة أولادهم
:
ـ معاوية وخالد
وأبو سفيان ، أمهم : فاختة بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة.
ـ وعبد الله وعمر
، أمهما : أم كلثوم بنت عبد الله بن عباس.
وكان ابنه عبد
الله ناسكا ، وولده خالد عالما. لم يكن في بني أمية أزهد من عبد الله ، ولا أعلم
من خالد.
روى الأصمعي عن
أبي عمرو قال : أعرق الناس في الخلافة (عاتكة) بنت يزيد ابن معاوية : أبوها خليفة
، وجدها معاوية خليفة ، وأخوها معاوية الثاني خليفة ، وزوجها عبد الملك بن مروان
خليفة ، وأربّاؤها الوليد وسليمان وهشام خلفاء.
وذكر السلطان
الأشرف عمر بن يوسف في (طرف الأصحاب في معرفة الأنساب) أن أولاد يزيد هم :
معاوية وخالد وعبد
الله الأكبر والأصغر وعمير وعبد الرحمن وعتبة ويزيد ومحمد وحرب والربيع وعبد الله.
وفي (مروج الذهب)
للمسعودي ، ج ٣ ص ٩٨ قال :
خلّف معاوية : عبد
الرحمن ، يزيد ، عبد الله ، هندا ، رملة ، صفية.
وخلّف ابنه يزيد :
معاوية ، خالد ، عبد الله الأكبر ، أبا سفيان ، عبد الله الأصغر ، عمر ، عاتكة ،
عبد الرحمن ، عثمان ، عتبة الأعور ، أبا بكر ، محمّد ، يزيد ، أم يزيد ، أم عبد
الرحمن ، رملة.
(أقول) : وأفضلهم
قاطبة معاوية (الثاني) المسمى بمعاوية الصغير ، وهو الّذي وصّى له يزيد بالخلافة ،
فخلع نفسه منها معترفا بأخطاء أبيه وأجداده ، ولو علم أبوه أنه سيفعل ذلك ما كان
وصّى له.
وأفضل زوجاته (هند
بنت عبد الله بن عامر بن كريز) التي استنكرت على يزيد أعماله الشائنة ، وقتله
للحسين عليهالسلام ، ودخلت عليه مجلسه ووبّخته. في حين أحسنت ضيافة زينب عليهاالسلام والهاشميات في دار يزيد حين جئن سبايا إلى الشام.
وسوف نتناول
بالتفصيل نسب يزيد وأمه ميسون ، وكذلك معاوية وأمه هند بنت عتبة ، في آخر فصل من
الجزء الثاني من الموسوعة ، وهو نسب يندى له الجبين.
٤٣٠ ـ فسوق يزيد :
(مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٨١ و ٧٧)
وليزيد أخبار
عجيبة ومثالب كثيرة : من شرب الخمر ، وقتل ابن بنت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولعن الوصي عليهالسلام ، وهدم البيت وإحراقه ، وسفك الدماء ، والفسق والفجور ،
وغير ذلك ، مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه ، كوروده فيمن جحد توحيده
وخالف رسله.
وفي أيام يزيد ظهر
الغناء بمكة والمدينة ، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب. وكان له قرد
يكنّى بأبي قبيس ، يحضره مجلس منادمته ، ويطرح له متّكأ ، وكان قردا خبيثا ، وكان
يحمله على أتان (أي حمارة) وحشية قد ريضت ، وذلّلت لذلك بسرج ولجام.
وقال البلاذري في (أنساب
الأشراف) ج ٤ ص ١ :
وكان يزيد بن
معاوية أول من أظهر شرب الشراب ، والاستهتار بالغناء والصيد ،
واتخاذ القيان
والغلمان ، والتفكّه بما يضحك منه المترفون ، من القرود والمعافرة بالكلاب
والديكة.
شرح
: المعافرة : هي
المهارشة ، وهي أن يدع الكلاب تثب على بعضها وتتقاتل.
وقال الاصفهاني في
(الأغاني) ج ١٦ ص ٦٨ :
كان يزيد بن
معاوية أول من سنّ الملاهي في الإسلام من الخلفاء ، وآوى المغنين وأظهر الفتك وشرب
الخمر. وكان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه ، والأخطل الشاعر النصراني ، وكان
يأتيه من المغنين (سائب خاثر) فيقيم عنده فيخلع عليه.
وقال ابن الطقطقي
في (الآداب السلطانية) ص ١١٣ : ثم ملك يزيد ، وكان موفور الرغبة في الله والقنص
والخمر والنساء والشعر.
٤٣١ ـ اقتداء
حاشية يزيد به في الفسوق :
(مرآة العقول للمجلسي ، المقدمة للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص)
وكان من الطبيعي
أن يتأثر بيزيد حاشيته ، ويتظاهر الخلعاء والماجنون أمرهم ، كما ذكره المسعودي في (مروج
الذهب) قال :
وغلب على أصحاب
يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق. وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة ،
واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب.
٤٣٢ ـ استخدام
يزيد للنصارى :
(منتخبات التواريخ لدمشق لمحمد أديب الحصني ، ج ١ ص ٨٦)
وقد كان يزيد
يتزيّد في تقريب المسيحيين ، ويستكثر منهم في بطانته الخاصة.
وقد استخدم
المسيحيين في مصالح الملك في زمن خلافته ، فعهد بأمور المالية إلى منصور وسرجون من
نصارى العرب السوريين. [وكان سرجون مستودع أسرار معاوية ، ثم اتخذه يزيد لمشورته
في كل معضلة].
(أقول) : وإن
تقريبه للمسيحيين منبعث من كون أمه مسيحية من بني كلب ، وهي ميسون بنت بجدل.
وهذه فكرة عن
المنطقة التي تربّى فيها يزيد بين أخواله النصارى في (حوّارين) بعد أن طلّق معاوية
أمه ، فالتحقت بأهلها.
ـ خربة حوّارين :
قال الدكتور عفيف
بهنسي في كتابه (سورية التاريخ والحضارة) ص ٥٨٦ :
خربة في هضبة حمص
، تقع في أرض سهلية متموجة ، فيها خرائب تعود إلى العصور التدمرية والبيزنطية
والعربية الإسلامية. تمرّ بجوارها سكة حديد حمص ـ دمشق. وتنسب إلى يزيد بن معاوية [٦٠
ـ ٦٤ ه]. مع أنه لم يترك أثرا من المنشآت أو القصور ، ويرجع ذلك إلى انغماسه
باللهو والصيد.
٤٣٣ ـ جبل (سنير):
جبل سنير : هو جبل
حرمون ، بل هو سلسلة جبال لبنان الشرقية ، ويقع بين حمص وبعلبك ، وعلى رأسه قلعة
سنير ، وهو يمتد مشرّقا حتّى القريتين.
ويقسم جبل سنير إلى
ثلاثة أقسام ، مركزها دمشق أو جبل قاسيون ، وهي :
١ ـ جبل سنير
الغربي : قضاء الزبداني ، ومنه جبل بلودان.
٢ ـ جبل سنير
الشرقي والشمالي : قضاء النبك ، واسمه القديم القلمون.
٣ ـ جبل سنير
الجنوبي : قضاء قطنا ، واسمه القديم الحرمون.
وفي (جولة أثرية
في بعض البلاد الشامية) لأوليا جلبي ، ترجمة أحمد وصفي زكريا ، ص ٣٧١ :
كان جبل القلمون
قبل الفتح الإسلامي يدعى (جبل سنير) وهو مأهول بأحفاد الآراميين ، سكان الشام
الأقدمين ، بينهم فئة من الروم. ولما استقرت أقدام المسلمين في الشام ، سكن فيه من
قبائل العرب بنو ضبّة وبعض بني كلب ، الذين منهم ميسون بنت بجدل أم يزيد بن معاوية
، وهذا هو السبب في تفضيل يزيد الإقامة واللهو في (حوّارين) والصيد في أعالي جبل
سنير ، ليكون بين أخواله.
وفي (أنساب
الأشراف) : أن (حوّارين) هو الاسم القديم (للقريتين).
وفي (منجد الأعلام)
: أن (حوّارين) مكان بين دمشق وتدمر وحمص ، سكنه النصارى الآراميون في بداية العهد
الأموي.
ترجمة سرجون الرومي
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٦٩)
سرجون : كاتب يزيد
وأنيسه وصاحب سره. نصراني كان مولى لمعاوية.
وفي كتاب (الإسلام
والحضارة العربية) لمحمد كرد علي ، ج ٢
ص ١٥٨ : كان سرجون
بن منصور من نصارى الشام. استخدمه معاوية في مصالح الدولة. وكان أبوه منصور على
المال في الشام من عهد هرقل قبل الفتح ، ساعد المسلمين في قتال الروم.
ومنصور بن سرجون
كانت له خدمة في الدولة كأبيه. وكان عمر ابن الخطاب يمنع من خدمة النصارى إلا إذا
أسلموا.
٤٣٤ ـ أعمال يزيد
ومعاوية كانت السبب الرئيسي لانقسام المسلمين وتفرق كلمتهم إلى يوم الدين : (منتخبات
التواريخ ، ج ١ ص ٨٧)
يقول محمّد أديب
الحصني :
ومن أشأم الوقائع
التاريخية التي حدثت في عهد يزيد وأحدثت تبدلا عظيما في السياسة وتغيرا فاحشا في
اجتماعات المسلمين : واقعة كربلاء المشهورة ، التي دوّنها المؤرخون ، وانتهت بقتل
سيّد البيت العلوي المطهّر ورئيسه ، الإمام الحسين ابن علي سيد الشهداء ، وجماعة
من سلالته وذوي رحمه ، أفظع قتل وأشنعه.
فهذه الدهماء
والنازلة الشنعاء التي تسببت عن سوء سياسة يزيد ، هي التي ضعضعت أركان الحكومة
الإسلامية ، وشوّشت أمر جامعة المسلمين ، وأتمّت أدوار الانشقاق والاضطراب ، التي
ابتدأت في عهد والديهما [يعني عليا ومعاوية]. وكانت إحدى الأسباب في تفريق الكلمة
وتشتيت الوحدة وانثلام الحصن. فإن المسلمين مالبثوا من ذلك العصر ، ومن جراء تلك
الحادثة المشؤومة والتي قبلها ، متفرقين طرائق ومنقسمين شيعا ، وخصوصا بعد ما
ألبسوا المسألة صبغة دينية ، شأنهم في جميع الحوادث التاريخية ، التي حدثت في ذلك
العصر وقبله وبعده بقليل.
٤٣٥ ـ أعمال وحشية
لا نظير لها : (المنتخب للطريحي ، ص ١٥ ط ٢)
ولما هلك معاوية
تولى من بعده ولده يزيد ، فنهض إلى حرب الحسين عليهالسلام وجهز له العساكر وجيّش له الجيوش ، وأمّر عليهم عبيد الله
بن زياد ، وأمرهم بقتل الحسين عليهالسلام وقتل رجاله وذبح أطفاله وسبي عياله ونهب أمواله. ولم يكفهم
ذلك حتّى أنهم بعد قتله رضّوا أضلاعه وصدره بحوافر الخيول ، وحملوا رؤوسهم على
القنا ، وحريمهم على أقتاب الجمال في أشدّ العنا.
٤٣٦ ـ خلافة يزيد
:
يقول الذهبي في (دول
الإسلام) ج ١ ص ٤٥ :
كان معاوية قد جعل
يزيد ولي العهد من بعده. فقدم من أرض حمص ، وبادر إلى قبر والده. ثم دخل دمشق فركب
إلى (الخضراء) وكانت دار السلطنة.
٤٣٧ ـ مجيء يزيد
إلى دمشق : (الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢)
بعث الضحاك بن قيس
رسالة إلى يزيد يستقدمه من (حوّارين) بعد دفن معاوية ، ليستلم مقاليد الحكم
ويبايعه الناس بيعة محدودة [مجددة].
قال : ثم ورد
الكتاب على يزيد ، فوثب صائحا باكيا ، وأمر بإسراج دوابه ، وسار يريد دمشق. فصار
إليها بعد ثلاثة أيام من مدفن معاوية. وخرج
حتّى إذا وافى
يزيد قريبا من دمشق ، فجعل الناس يتلقّونه فيبكون ويبكي.
قال : وسار يزيد
ومعه جماعة إلى قبر معاوية ، فجلس وانتحب ساعة وبكى.
جلوس يزيد في قصر
الخضراء :
ثم ركب يزيد وسار
إلى قبة لأبيه خضراء ، فدخلها وهو معتم بعمامة خزّ سوداء ، متقلّدا بسيف أبيه
معاوية ، حتّى وصل إلى باب الدار.
ثم دخل القبة
الخضراء (وكانت دار السلطنة) وجلس على فرش منصوبة له ، وأخذ الناس يهنئونه
بالخلافة ، ويعزّونه في أبيه.
ثم نعى أبيه لهم ،
وذكر خصالا له ، فقال :
وقد كان أمير
المؤمنين معاوية لكم كالأب البارّ بالولد ، وكان من العرب أمجدها وأحمدها وأهمدها
، وأعظمها خطرا ، وأرفعها ذكرا ، وأنداها أنامل ، وأوسعها فواضل ، وأسماها إلى
الفرع الباسق.
٤٣٨ ـ أحد
الحاضرين يكذّب يزيد : (المصدر السابق ، ص ٧)
قال : فصاح به
صائح من أقاصي الناس وقال : كذبت والله يا عدوّ الله!. ما كان معاوية والله بهذه
الصفة ، وإنما كانت هذه صفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذه أخلاقه وأخلاق أهل بيته ، لا معاوية ولا أنت.
قال : فاضطرب
الناس ، وطلب الرجل فلم يقدروا عليه ، وسكت الناس.
٤٣٩ ـ خطبة يزيد
في أهل الشام :
(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٨ ؛ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٤٣)
ثم رقى يزيد
المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن معاوية كان عبدا من عباد
الله ، أنعم الله عليه ، ثم قبضه إليه ، وهو خير ممن بعده ، ودون من قبله ، ولا
أزكّيه على الله عزوجل فإنه أعلم به. إن عفا عنه فبرحمته ، وإن عاقبه فبذنبه. وقد
وليت [هذا] الأمر من بعده ، ولست آسى على طلب [حقّ] ، ولا أعتذر من تفريط [في باطل]
، وإذا أراد الله شيئا كان. ولقد كان معاوية يغزوكم في البحر ، وإني لست حاملا
أحدا من المسلمين في البحر. وكان يشتّيكم بأرض الروم ، ولست مشتّيا أحدا بأرض
الروم. وكان يخرج عطاءكم أثلاثا وأنا أجمعه كله لكم.
٤٤٠ ـ متى عزل
مروان؟ :
قال ابن أعثم في (الفتوح)
ج ٥ ص ١٠ :
ثم عزم يزيد على
الكتب إلى جميع البلاد ، بأخذ البيعة له.
قال : وكان على
المدينة يومئذ مروان بن الحكم فعزله يزيد ، وولى مكانه ابن عمه الوليد بن عتبة بن
أبي سفيان ، وكتب إليه.
(وفي رواية) : أول
عمل عمله يزيد بعد دفن أبيه ، أنه عزل مروان ووضع الوليد بن عتبة.
(أقول) : هذا غير
صحيح ، لأن مروان لم يكن على المدينة يوم مات معاوية ، وإن صحّ فهو يدل على
التناحر الخفي بين فرعي بني أمية ، وهما :
ـ الأعياص : بنو
العاص ، ومنهم عثمان ومروان بن الحكم بن أبي العاص.
ـ والعنابس :
ومنهم حرب وأبو سفيان ومعاوية ويزيد.
والصحيح أن مروان
كان على المدينة حتّى عزل سنة ٤٨ ه ، ثم ولّي ثانية سنة ٥٤ ه ، ثم عزل آخر سنة
٥٧ ه ، ووليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان حتّى مات معاوية.
٤٤١ ـ الولاة على
الأمصار : (الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٢)
وفي رجب من سنة ٦٠
ه بويع يزيد بالخلافة بعد موت أبيه. فلما تولى كان :
ـ على المدينة :
الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.
ـ على مكة : عمرو
بن سعيد بن العاص.
ـ على البصرة :
عبيد الله بن زياد.
ـ على الكوفة :
النعمان بن بشير الأنصاري.
ولم يكن ليزيد
همّة حين ولي ، إلا النفر الذين أبوا على معاوية بيعته.
وفي (تذكرة الخواص)
لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٦ ط ٢ نجف :
فلم يكن ليزيد همّ
بعد موت أبيه ، إلا بيعة النفر الذين سمّاهم أبوه.
توقيت الحوادث الأساسية
عن كتاب (التوفيقات
الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الإفرنجية) تأليف اللواء المصري
محمّد مختار باشا ، طبع سنة ١٣١١ ه :
النصف الثاني من
سنة ٦٠ ه :
السبت
|
١ رجب
|
سنة ٦٠ ه
|
مات معاوية
وعمره ٧٧ سنة
|
|
٧ نيسان
|
سنة ٦٨٠ م
|
|
الإثنين
|
١ شعبان
|
سنة ٦٠ ه
|
مسير الحسين من
المدينة إلى مكة
|
|
٧ أيار
|
سنة ٦٨٠ م
|
|
|
|
|
|
الأحد
|
٨ ذوالحجة
|
سنة ٦٠ ه
|
استشهاد مسلم بن
عقيل ،
|
|
٩ أيلول
|
سنة ٦٨٠ م
|
ومسير الحسين عليهالسلام إلى العراق
|
بداية سنة ٦١
هجرية :
الاثنين
|
١ محرم
|
سنة ٦١ ه
|
|
|
١ تشرين أول
|
سنة ٦٨٠ م
|
|
الأربعاء
|
١٠ محرم
|
سنة ٦١ ه
|
مقتل مولانا
الحسين عليهالسلام
|
|
١٠ تشرين أول
|
سنة ٦٨٠ م
|
|
الأربعاء
|
١ صفر
|
سنة ٦١ ه
|
دخول السبايا
إلى دمشق
|
|
٣١ تشرين أول
|
سنة ٦٨٠ م
|
|
الاثنين
|
٢٠ صفر
|
سنة ٦١ ه
|
زيارة الأربعين
|
|
١٩ تشرين ثاني
|
سنة ٦٨٠ م
|
|
جدول زمني بحوادث وقعة كربلاء
(مجلة رسالة
الحسين طبع قم ، العدد ٢ محرم ١٤١٢ ه ، ص ٣٠٣)
اليوم
|
الشهر
|
السنة
|
الحادثة
|
الأحد
|
١٥ رجب
|
٦٠ ه
|
مات معاوية ،
واستلم الحكم يزيد
|
الجمعة
|
٢٧ رجب
|
٦٠ ه
|
طلب الوليد
البيعة من الحسين عليهالسلام
|
السبت
|
٢٨ رجب
|
|
اللقاء الثاني
بين الوليد والحسين عليهالسلام
|
ليلة الأحد
|
٢٩ رجب
|
|
خروج الحسين عليهالسلام من المدينة
|
ليلة الجمعة
|
٤ شعبان
|
٦٠ ه
|
الدخول إلى مكة
|
من ٤ شعبان إلى
٨ ذي الحجة
|
|
|
المقام في مكة
|
(أربعة أشهر
وأربعة أيام)
|
|
|
|
الأربعاء
|
١٠ رمضان
|
٦٠ ه
|
وصول أولى رسائل
أهل الكوفة
|
الاثنين
|
١٥ رمضان
|
|
خروج مسلم بن
عقيل من مكة
|
الثلاثاء
|
٥ شوال
|
٦٠ ه
|
دخول مسلم
الكوفة
|
الثلاثاء
|
٨ ذو الحجة
|
٦٠ ه
|
مقتل مسلم رضي
الله عنه
|
الثلاثاء
|
٨ ذو الحجة
|
٦٠ ه
|
خروج الحسين عليهالسلام من مكة إلى العراق
|
الخميس
|
٢ محرم
|
٦١ ه
|
وصول الحسين عليهالسلام إلى كربلاء
|
(استغرق الطريق
من مكة إلى كربلاء ٢٣ يوما)
|
|
|
|
الجمعة
|
٣ محرم
|
٦١ ه
|
وصول عمر بن سعد
إلى كربلاء
|
|
من ٣ ـ ٦ محرم
|
|
مفاوضات ابن سعد
مع الحسين والتعبئة
|
الثلاثاء
|
٧ محرم
|
|
قطع الماء عن
معسكر الحسين عليهالسلام
|
الخميس
|
٩ محرم
|
|
محاولة الحملة
على معسكر الحسين عليهالسلام
|
ليلة الجمعة
|
١٠ محرم
|
|
طلب الحسين
الإمهال للصلاة والدعاء
|
الجمعة
|
١٠ محرم
|
٦١ ه
|
وقعة كربلاء من
الظهر إلى العصر
|
زوال السبت
|
١١ محرم
|
|
الرحيل بالسبايا
من كربلاء إلى الكوفة
|
الجمعة
|
١ صفر
|
٦١ ه
|
دخول ركب
السبايا إلى دمشق.
|
الباب الثالث
الإعداد للنهضة
الفصل ١٢ ـ في
المدينة المنوّرة
ـ خروج الحسين عليهالسلام من المدينة إلى مكة
الفصل ١٣ ـ في مكة
المكرمة
ـ مكاتبات
البصريين والكوفيين
الفصل ١٤ ـ مسير
مسلم بن عقيل
ـ ملفّ الكوفة
ـ نهضة مسلم بن
عقيل في الكوفة
الفصل ١٥ ـ عزم
الحسين عليهالسلام على المسير إلى العراق ونصائح الأصحاب

الحرم النبوي الشريف
في المدينة المنورة
الفصل الثاني عشر
في المدينة المنورة
قال تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم
(١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا
أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِين) (٣) [العنكبوت : ١
ـ ٣].
٤٤٢ ـ كتاب من
يزيد يدعو أهل المدينة إلى بيعته :
أول عمل قام به
يزيد بعد قدومه من (حوّارين) شرق حمص ، بعد موت أبيه بثلاثة أيام إلى عشرة أيام ،
أن كتب كتابا إلى عامله على المدينة ، وهو ابن عمه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان [وفي
رواية ابن قتيبة الدينوري في (الإمامة والسياسة) ص ١٧٤ : خالد بن الحكم] مع مولى
لمعاوية يقال له ابن زريق ، هذا نصه :
(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). من عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة.
أما بعد ، فإن
معاوية بن أبي سفيان ، كان عبدا استخلفه الله على العباد ، ومكّن له في البلاد ،
وكان من حادث قضاء الله جلّ ثناؤه ، وتقدّست أسماؤه فيه ، ما سبق في الأولين
والآخرين ، لم يدفع عنه ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل. فعاش حميدا ومات سعيدا. وقد
قلّدنا الله عزوجل ما كان إليه. فيا لها من مصيبة ما أجلّها ، ونعمة ما
أعظمها ؛ نقل الخلافة ، وفقد الخليفة. فنستوزعه الشكر ، ونستلهمه الحمد ، ونسأله
الخيرة في الدارين معا ، ومحمود العقبى في الآخرة والأولى ، إنه ولي ذلك ، وكل شيء
بيده لا شريك له.
وإن أهل المدينة
قومنا ورجالنا ، ومن لم نزل على حسن الرأي فيهم ، والاستعداد بهم ، واتباع أثر
الخليفة فيهم ، والاحتذاء على مثاله لديهم ؛ من الاقبال عليهم ، والتقبّل من
محسنهم ، والتجاوز عن مسيئهم. فبايع لنا قومنا ، ومن قبلك من رجالنا ، بيعة منشرحة
بها صدوركم ، طيّبة عليها أنفسكم. وليكن أول من يبايعك
من قومنا وأهلنا :
الحسين ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله
بن جعفر ، ويحلفون على ذلك بجميع الأيمان اللازمة ، ويحلفون بصدقة أموالهم غير
عشرها ، وجزية رقيقهم ، وطلاق نسائهم ، بالثبات على الوفاء بما يعطون من بيعتهم ،
ولا قوة إلا بالله ، والسلام.
تعليق المؤلف :
لم أر نفاقا أكثر
من نفاق يزيد في هذا الكتاب. فهو رغم إلحاده ، صوّر نفسه بأنه من أكبر المؤمنين
بالله والراضين بقضائه (من حادث قضاء الله جلّ ثناؤه ، وتقدّست أسماؤه) ، ثم هو
يغالط في المفاهيم حين يدّعي أن أباه معاوية قد استخلفه (الله) على العباد ، وهو
ما زال يقاتل إمام المسلمين علي بن أبي طالب حتّى استشهد عليهالسلام ، فمن الّذي استخلفه عليا لمسلمين؟ يقول :
(فإنّ معاوية كان
عبدا استخلفه الله على العباد). ومعاوية باعتباره أول من شقّ عصا الإسلام وحاول
الانفصال عن الدولة الإسلامية ، يكون أول من أشاع الفتن في الإسلام والمسلمين ،
فكيف من هذه صفته يكون قد (عاش حميدا ، ومات سعيدا). ثم إذا كان يزيد يعرف حرمة
أهل مكة والمدينة ويدّعي أنهم قومه وأهله ، فعلام نهب مدينتهم وقتل رجالهم وسبى
نساءهم وحرّق كعبتهم؟!.
وفي (تاريخ
اليعقوبي) ج ٢ ص ٢٤١ ، قال :
وكان يزيد غائبا ،
فلما قدم دمشق كتب إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وهو عامل المدينة :
إذا أتاك كتابي
هذا ، فأحضر الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، فخذهما بالبيعة لي ، فإن
امتنعا فاضرب أعناقهما ، وابعث لي برؤوسهما. وخذ الناس بالبيعة ، فمن امتنع فأنفذ
فيه الحكم ، وفي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير ، والسلام.
٤٤٣ ـ ما جاء في
الصحيفة المرفقة بالكتاب كأنها أذن فأرة :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٠)
فكتب يزيد إلى
الوليد بن عتبة واليه على المدينة بموت معاوية ، وأمره أن يأخذ له البيعة من جميع
أهل المدينة. وأرفق الكتاب بصحيفة صغيرة كأنها أذن فأرة مكتوب
فيها : أما بعد ،
فخذ الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة
أخذا عنيفا ليست فيه رخصة ، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه
والسلام. فلما قرأ الوليد الكتاب قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، يا ويح الوليد
ممن أدخله في هذه الإمارة ، مالي وللحسين بن فاطمة!.
٤٤٤ ـ علاقة مروان
بالوليد : (الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٤)
فلما أتى الوليد
نعي معاوية فظع به وكبر عليه. وبعث إلى مروان بن الحكم فدعاه. وكان مروان عاملا
على المدينة من قبل الوليد. فلما قدمها الوليد كان مروان يختلف إليه متكارها ،
فلما رأى الوليد ذلك منه شتمه عند جلسائه. فبلغ ذلك مروان فانقطع عنه ، ولم يزل
مصارما له حتّى جاء نعي معاوية.
٤٤٥ ـ مشاورة
الوليد لمروان بن الحكم :
(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ص ١٧٥)
وذكروا أن (الوليد
بن عتبة) لما أتاه الكتاب من يزيد فظع به. فدعا مروان بن الحكم ، وكان على المدينة
قبله. فلما دخل عليه مروان ، وذلك في أول الليل ، قال له الوليد : احتسب صاحبك يا
مروان. فقال له مروان : اكتم ما بلغك ، إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم أقرأه الكتاب
، وقال له : ما الرأي؟.
فقال : أرسل
الساعة إلى هؤلاء النفر ، فخذ بيعتهم ، فإنهم إن بايعوا لم يختلف على يزيد أحد من
أهل الإسلام ، فعجّل عليهم قبل أن يفشو الخبر فيتمنعّوا.
في رواية أخرى : (تذكرة
الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٧ ط ٢)
فلما وقف الوليد
على الكتاب بعث إلى مروان بن الحكم فأحضره وأوقفه على كتاب يزيد ، واستشاره وقال :
كيف ترى أن أصنع بهؤلاء؟. قال : أرى أن تبعث إليهم الساعة فتدعوهم إلى البيعة
والدخول في الطاعة ، فإن لم يفعلوا وإلا ضربت أعناقهم ، قبل أن يعلموا بموت معاوية
، لأنهم إن علموا وثب كل واحد منهم في جانب ، وأظهر الخلاف والمنابذة ودعا إلى
نفسه ، إلا ابن عمر فإنه لا يرى الولاية والقتال ، إلا أن يدفع عن نفسه ، أو يدفع
إليه هذا الأمر عنوا.
قال ابن شهراشوب
في مناقبه ، ج ٣ ص ٢٤٠ :
فأحضر الوليد مروان
وشاوره في ذلك. فقال : الرأي أن تحضرهم وتأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا. فوجّه في
طلبهم وكانوا عند التربة.
٤٤٦ ـ استدعاء
الشخصيات الأربعة : (مقتل الحسين لأبي مخنف ص ١١)
قال أبو مخنف :
فأنفذ (الوليد بن عتبة) في طلبهم ، فقيل للرسول : إنهم مجتمعون عند قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فأقبل عليهم ، وقال لهم : أجيبوا الوليد فإنه يدعوكم.
فقالوا له :
انصرف.
٤٤٧ ـ دعوة الوليد
بن عتبة للإمام الحسين عليهالسلام وابن الزبير :
(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٣)
فأرسل الوليد عبد
الله بن عمرو بن عثمان ، وهو غلام حدث ، إلى الحسين وابن الزبير يدعوهما ، فوجدهما
في المسجد وهما جالسان ، فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس. فقال :
أجيبا الأمير. فقالا : انصرف ، الآن نأتيه.
رواية أخرى : (تذكرة
الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٧ ط ٢)
فأرسل الوليد عمر
بن عثمان إلى الحسين عليهالسلام وإلى عبد الله بن الزبير ، فوجدهما في المسجد ، فقال :
أجيبا الأمير. فقالا : انصرف فالآن نأتيه.
ثم قال ابن الزبير
للحسين عليهالسلام : ظنّ فيما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي ليس له عادة
بالجلوس فيها إلا لأمر. فقال الحسين عليهالسلام : أظن طاغيتهم قد هلك ، فبعث إلينا ليأخذ البيعة علينا
ليزيد قبل أن يفشو في الناس الخبر. قال ابن الزبير : هو ذاك. فما تريد أن تصنع؟.
قال : أجمع فتياني وأذهب إليه.
(أقول) : إن ابن
الزبير كان خائفا من الذهاب إلى الوالي لذلك هرب ، أما الحسين عليهالسلام فقد أراد الذهاب ولكن بعد أن يتحصّن بفتيانه.
٤٤٨ ـ الحسين عليهالسلام يشاور الثلاثة فيما سيفعلون :
(المنتخب للطريحي ، ص ٤١٩)
وأقبل عبد الله بن
الزبير على الحسين عليهالسلام وقال : يابن رسول الله أتدري ما يريد الوليد منا؟. قال :
نعم. اعلموا أنه قد مات معاوية وتولى الأمر من بعده ابنه يزيد ، وقد وجّه الوليد
في طلبكم ليأخذ البيعة عليكم ، فما أنتم قائلون؟.
فقال عبد الرحمن :
أما أنا فأدخل بيتي وأغلق بابي ، ولا أبايعه.
وقال عبد الله بن
عمر : أما أنا فعليّ بقراءة القرآن ولزوم المحراب.
وقال عبد الله بن
الزبير : أما أنا فما كنت بالذي أبايع يزيد.
وقال الحسين عليهالسلام : أما أنا فأجمع فتياني وأتركهم بفناء الدار ، وأدخل على
الوليد وأناظره وأطالب بحقي. فقال له عبد الله بن الزبير : إني أخاف عليك منه.
قال عليهالسلام : لست آتيه إلا وأنا قادر على الامتناع منه إنشاء الله
تعالى.
٤٤٩ ـ من كلام
للحسين عليهالسلام قاله لعبد الله بن الزبير لما بعث الوليد بن عتبة
يستدعيهما :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٢)
قال الحسين عليهالسلام لعبد الله بن الزبير : أنا أخبرك ، أظنّ أن معاوية قد مات
، وذلك أني رأيت البارحة في منامي كأن معاوية منكوس ، ورأيت النار تشتعل في داره ،
فتأولت ذلك في نفسي أن قد مات معاوية. فقال ابن الزبير : فاعلم أن ذلك كذلك ،
فماذا نصنع يا أبا عبد الله ، إن دعينا إلى بيعة يزيد. فقال الحسين عليهالسلام : أما أنا فلا أبايع أبدا ، لأن الأمر كان لي بعد أخي
الحسن ، فصنع معاوية ما صنع ، وكان حلف لأخي الحسن أن لا يجعل الخلافة لأحد من
ولده ، وأن يردّها عليّ إن كنت حيا ، فإن كان معاوية خرج من دنياه ولم يف لي ولا
لأخي بما ضمن ، فقد جاءنا ما لا قرار لنا به. أتظن يا أبا بكر أني أبايع ليزيد ،
ويزيد رجل فاسق معلن بالفسق ، يشرب الخمر ويلعب بالكلاب والفهود ، ونحن بقية آل
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا والله لا يكون ذلك أبدا.
قال : فبينا هما
كذلك في المحاورة ، إذ رجع الرسول فقال : أبا عبد الله ، إن الأمير قاعد لكما خاصة
فقوما إليه. فزبره الحسين عليهالسلام وقال : انطلق إلى أميرك لا أمّ لك ، فمن أحبّ أن يصير إليه
منا فإنه صائر إليه. فأما أنا فإني أصير إليه الساعة إنشاء الله ، ولا قوة إلا
بالله.
فرجع الرسول إلى
الوليد ، فقال : أصلح الله الأمير ، أما الحسين بن علي خاصة ، فإنه صائر إليك في
إثري ، فقد أجاب.
__________________
فقال مروان : غدر
والله الحسين. فقال الوليد : مهلا فليس مثل الحسين يغدر ، ولا يقول شيئا ثم لا
يفعل.
٤٥٠ ـ من كلام
للحسين عليهالسلام لما عزم على مقابلة الوليد ، وقد أمر أصحابه بالاستعداد
للطوارئ :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٢)
ثم إن الحسين عليهالسلام أقبل على من معه ، وقال : صيروا إلى منازلكم فإني صائر إلى
الرجل ، فأنظر ما عنده وما يريد. فقال له ابن الزبير : جعلت فداك إني خائف عليك أن
يحبسوك عندهم ، فلا يفارقونك أبدا ، دون أن تبايع أو تقتل. فقال الحسين عليهالسلام : إني لست أدخل عليه وحدي ، ولكني أجمع إليّ أصحابي وخدمي
وأنصاري وأهل الحق من شيعتي ، ثم آمرهم أن يأخذ كل واحد منهم سيفه مسلولا تحت
ثيابه ، ثم يصيروا بإزائي ، فإذا أنا أومأت إليهم وقلت : يا آل الرسول ادخلوا ،
فعلوا ما أمرتهم به ، فأكون على الامتناع دون المقادة والمذلة في نفسي ، فقد علمت
والله أنه جاء من الأمر ما لا أقوم به
ولا أقرّ له ،
ولكنّ قدر الله ماض ، وهو الّذي يفعل في أهل بيت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ما يشاء ويرضى.
٤٥١ ـ وصية الحسين
عليهالسلام لأصحابه :
(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٠ ط نجف)
ثم قال الحسين عليهالسلام لمن حوله من أهل بيته : إذا أنا دخلت على الوليد فخاطبته
وخاطبني وناظرته وناظرني ، كونوا على الباب. فإذا سمعتم الصيحة قد علت ، والأصوات
قد ارتفعت ، فاهجموا إلى الدار ، ولا تقتلوا أحدا ولا تثيروا الفتنة.
فلما دخل عليه
وقرأ الكتاب ، قال عليهالسلام : ما كنت أبايع ليزيد. فقال مروان : بايع لأمير المؤمنين.
فقال الحسين عليهالسلام : كذبت ويلك على المؤمنين ، من أمرّه عليهم؟. فقام مروان
وجرّد سيفه ، وقال : مر سيافك أن يضرب عنقه قبل أن يخرج من الدار ، ودمه في عنقي!.
وارتفعت الصيحة ، فهجم
تسعة عشر رجلا من
أهل بيته وقد انتضوا خناجرهم ، فخرج الحسين عليهالسلام معهم.
٤٥٢ ـ دخول الحسين
عليهالسلام على الوليد بن عتبة :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٧ ط نجف)
فجمع الحسين عليهالسلام أهله وفتيانه ، ثم قال : إذا دعوتكم فاقتحموا. ثم دخل على
الوليد ـ ومروان عنده ـ فأقرأه كتاب يزيد ، ودعاه إلى البيعة. فقال عليهالسلام : مثلي لا يبايع سرّا ، بل على رؤوس الناس وهو أحبّ إليكم.
وكان الوليد يحب العافية ، فقال : انصرف في دعة الله حتّى تأتينا مع الناس.
فقال له مروان :
والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع ، لا قدرت عليه أبدا ، حتّى تكثر القتلى بينكما.
احبس الرجل عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه.
وفي (المنتخب)
للطريحي ، ص ٤١٩ : «فقال مروان : فاتك الثعلب فلا ترى إلا غباره ، واحذر أن يخرج
حتّى يبايعك أو تضرب عنقه».
فوثب الحسين عليهالسلام قائما وقال : يابن الزرقاء [وهو اسم جدة مروان]
هو يقتلني أو أنت
، كذبت ومنت!.
ثم خرج الحسين عليهالسلام ، فقال الوليد : يا مروان ، والله ما أحبّ أن لي ما طلعت
عليه الشمس وأني قتلت حسينا.
تعليق المؤلف :
(أقول) : لو كان
عند مروان بن الحكم ذرة من الوفاء والشهامة ، ما قابل الحسين عليهالسلام بمثل هذه المعاملة ، وحسبك منها أمره الوالي بقتل الحسين عليهالسلام قبل أن يفلت من يده. وهل ينسى مروان من الّذي أطلق سراحه
يوم أخذ أسيرا في معركة الجمل؟!. فقد توسّط الحسن والحسين عليهماالسلام إلى أبيهما في إطلاق سراحه والعفو عنه ، بعد أن صار في
شبكة الأسر ، ثم قالا له : لقد تاب مروان فاسمح له أن يبايعك من جديد. فقال علي عليهالسلام : لا حاجة لي ببيعته ، إنها يد يهودية (غادرة). وأطلق
سراحه كرامة للحسنين عليهالسلام.
أفهل يعقل أن
يعامل من فعل مع مروان مثل هذا الجميل ، مثل هذه المعاملة؟. لكن كلّ إناء ينضح بما
فيه ، ولا غرابة فهو من نسل الزرقاء بنت موهب التي كانت مومسا في الجاهلية.
٤٥٣ ـ تحرّز ابن
الزبير وهربه : (المصدر السابق)
وأما ابن الزبير ،
فإنه قال : الآن آتيكم. ثم خرج في الليل إلى مكة ، على طريق (الفرع) ، هو وأخوه
جعفر بن الزبير. فأرسلوا الطلب خلفهم ، ففاتهم.
وفي رواية (الكامل
في التاريخ) لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٤ :
وأما ابن الزبير ،
فقال : الآن آتيكم. ثم أتى داره فكمن فيها. وخرج من ليلته فأخذ طريق (الفرع) ، هو
وأخوه جعفر ، ليس معهما ثالث. وساروا نحو مكة.
٤٥٤ ـ رحيل عبد
الله بن الزبير : (الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٠)
فلما كان في نصف
الليل وهدأت العيون ، خرج عبد الله بن الزبير ومعه إخوته بأجمعهم. فقال عبد الله
لإخوته : خذوا عليهم غير المحجة [أي غير الطريق الشرعي] فإني آخذ عليها مخافة أن
يلحقنا الطلب.
قال : فتفرق عنه
إخوته ، ومضى عبد الله ومعه أخوه جعفر ، ليس معهما ثالث.
٤٥٥ ـ من كلام
للحسين عليهالسلام لما دخل على الوليد ودعاه إلى بيعة يزيد ، وفيه يعلن مبدأه
في نهضته المقدسة واستحالة مبايعته ليزيد :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٣)
دخل الحسين عليهالسلام على الوليد فسلّم عليه بالإمرة وقال : كيف أصبح الأمير
اليوم وكيف حاله؟ فردّ عليه الوليد بن عتبة ردّا حسنا ، ثم أدناه وقرّبه ، ومروان
بن الحكم هناك جالس ، وقد كان بين مروان والوليد منافرة ومنازعة. فلما نظر الحسين عليهالسلام إلى مروان جالسا في مجلس الوليد ، قال : أصلح الله الأمير
، الصلاح خير من الفساد ، والصلة خير من الشحناء. وقد آن لكما أن تجتمعا ، فالحمد
لله الّذي أصلح ذات بينكما ، فلم يجيباه في هذا بشيء. فقال الحسين عليهالسلام : هل ورد عليكم من معاوية خبر ، فإنه كان عليلا وقد طالت
علّته ، فكيف هو الآن؟. فتأوه الوليد وتنفّس الصعداء وقال : يا أبا عبد الله آجرك
الله في معاوية ، فقد كان لكم عمّ صدق ووالي عدل ، لقد ذاق الموت. وهذا كتاب أمير
المؤمنين يزيد. فقال الحسين عليهالسلام : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعظّم الله لك الأجر أيها
الأمير ، ولكن لماذا دعوتني؟. فقال : دعوتك للبيعة التي قد اجتمع الناس عليها!.
فقال الحسين عليهالسلام : أيها الأمير ، إن مثلي لا يعطي بيعته سرا ، وإنما يجب أن
تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة ، فإذا دعوت الناس غدا إلى
البيعة دعوتنا
معهم ، فيكون الأمر واحدا . فقال الوليد : أبا عبد الله ، والله لقد قلت فأحسنت القول
، وأجبت جواب مثلك ، وهكذا كان ظني بك ، فانصرف راشدا ، وتأتينا غدا مع الناس.
فقال مروان : أيها
الأمير إن فارقك الساعة ولم يبايع فإنك لم تقدر منه على مثلها أبدا ، حتّى تكثر
القتلى بينك وبينه ، فاحبسه عندك ، ولا تدعه يخرج أو يبايع وإلا فاضرب عنقه.
فالتفت إليه الحسين عليهالسلام وقال : ويلي عليك يابن الزرقاء أتأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت (وفي رواية : وأثمت) والله لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك ، فإن
شئت ذلك فرم أنت ضرب عنقي إن كنت صادقا. (وفي رواية أبي مخنف) : «يابن الزرقاء ،
أنت تأمر بقتلي ، كذبت يابن اللخنا [أي المنتنة] وبيت الله ، لقد أهجت عليك وعلى
صاحبك مني حربا طويلا».
٤٥٦ ـ إعلان
الحسين عليهالسلام لنهضته المقدسة :
(المصدر السابق)
ثم أقبل الحسين عليهالسلام على الوليد ، فقال : أيها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوة ،
ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة. بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد
رجل فاسق ، شارب خمر ، قاتل نفس ، معلن بالفسق ، فمثلي لا يبايع لمثله ، ولكن نصبح
وتصبحون وننظر وتنظرون ، أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة . فأغلظ الوليد في كلامه وارتفعت الأصوات ، فهجم تسعة عشر
رجلا قد انتضوا خناجرهم ، وأخرجوا الحسين عليهالسلام إلى منزله قهرا .
__________________
٤٥٧ ـ مجادلة
مروان مع الوليد بن عتبة بشأن الحسين عليهالسلام :
(المصدر السابق)
فقال مروان للوليد
: عصيتني ، فوالله لا يمكنك على مثلها. قال الوليد :
(ويح غيرك) يا
مروان ، اخترت لي ما فيه هلاك ديني ، أقتل حسينا إن قال لا أبايع!. والله لا أظن
أمرأ يحاسب بدم الحسين إلا خفيف الميزان يوم القيامة ولا ينظر الله إليه ولا يزكيّه وله عذاب أليم .
٤٥٨ ـ الوليد بن
عتبة يغلظ للحسين عليهالسلام في الكلام :
(تاريخ ابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢٠٠)
وقد كان الوليد
أغلظ للحسين عليهالسلام ، فشتمه الحسين عليهالسلام وأخذ بعمامته فنزعها من رأسه. فقال الوليد : إن هجنا (أثرنا)
بأبي عبد الله إلا أسدا. فقال له مروان : اقتله. قال الوليد : إن ذلك لدم مضنون في
بني عبد مناف.
أسماء زوجة الوليد
تنهاه عن شتم الحسين عليهالسلام : (المصدر السابق)
فلما صار الوليد
إلى منزله ، قالت له امرأته أسماء بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : أسببت حسينا؟.
قال : هو بدأ فسبّني!. قالت : وإن سبّك حسين تسبّه؟!. وإن سبّ أباك تسبّ أباه؟!.
قال : لا.
٤٥٩ ـ إمساك عبد
الله بن مطيع العدوي وحبسه :
(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٢)
وطلب والي المدينة
عبد الله بن الزبير فلم يجده. فأرسل إلى كلّ من كان من شيعته فأخذه وحبسه. وكان
فيمن حبس يومئذ عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي. وأمه يقال لها العجماء بنت
عامر الخزاعية. فتوسط عبد الله ابن عمر إلى الوالي في إطلاق سراحه ، فقال مروان :
إنما نحن حبسناه بأمر أمير المؤمنين يزيد ، وعليكم أن تكتبوا له ، ونكتب نحن أيضا.
قال : فوثب أبو
جهم بن حذيفة العدوي ، فقال : نكتب وتكتبون ، وابن العجماء محبوس!. لا والله لا
يكون ذلك أبدا.
__________________
ثم وثب بنو عدي
فجعلوا يحضرون ، حتّى صاروا إلى باب السجن ، فاقتحموا على عبد الله بن مطيع
فأخرجوه ، وأخرجوا كل من كان في السجن ، ولم يتعرض إليهم أحد. فاغتمّ الوليد بن
عتبة.
٤٦٠ ـ لقاء بين
مروان بن الحكم والحسين عليهالسلام في الطريق ، ومروان ينصح الحسين عليهالسلام ببيعة يزيد ، والحسين عليهالسلام يبيّن فسوق يزيد ، وأسباب رفضه لبيعته :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٤)
فأقام الحسين عليهالسلام في منزله تلك الليلة ، وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب
سنة ٦٠ ه. فلما أصبح خرج من منزله يستمع الأخبار ، فلقيه مروان فقال له : يا أبا
عبد الله إني لك ناصح فأطعني ترشد وتسدّد. فقال : وما ذاك؟ قل أسمع. فقال : إني
أرشدك لبيعة يزيد ، فإنها خير لك في دينك وفي دنياك. فاسترجع الحسين عليهالسلام وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعلى الإسلام السلام
إذا بليت الأمة براع مثل يزيد. ثم قال : يا مروان أترشدني إلى بيعة يزيد ، ويزيد
رجل فاسق!. لقد قلت شططا من القول وزللا ، ولا ألومك فإنك اللعين الّذي لعنك رسول
الله وأنت في صلب أبيك الحكم بن العاص ، ومن لعنه رسول الله فلا ينكر منه أن يدعو
لبيعة يزيد. إليك عني يا عدوّ الله ، فإنا أهل بيت رسول الله ، الحق فينا ينطق على
ألسنتنا ، وقد سمعت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان الطلقاء وأبناء الطلقاء ، فإذا رأيتم معاوية على منبري
فابقروا بطنه». ولقد رآه أهل المدينة على منبر رسول الله فلم يفعلوا به ما أمروا ،
فابتلاهم بابنه يزيد. فغضب مروان من كلام الحسين فقال : والله لا تفارقني حتّى
تبايع ليزيد صاغرا ، فإنكم آل أبي تراب قد ملئتم شحناء ، وأشربتم بغض آل أبي سفيان
، وحقيق عليهم أن يبغضوكم. فقال الحسين : إليك عني ، فإنك رجس ، وإني من أهل بيت
الطهارة قد أنزل الله فينا (إِنَّما يُرِيدُ
اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣) [الأحزاب :
٣٣]. فنكّس رأسه ولم ينطق. ثم قال له الحسين : أبشر يابن الزرقاء بكل ما تكره من
رسول الله يوم تقدم على ربك فيسألك جدي عن حقي وحق يزيد. (وطال الحديث بينه وبين
مروان ، وهو غضبان).
__________________
فمضى مروان إلى
الوليد وأخبره بمقالة الحسين عليهالسلام.
وكان عبد الله بن
الزبير مضى إلى مكة حين اشتغلوا بمحاورة الحسين عليهالسلام ، وتنكّب الطريق. فبعث الوليد بثلاثين رجلا في طلبه ، فلم
يقدروا عليه.
وفي (لواعج
الأشجان) للسيد الأمين ، ص ٢٤ ط نجف : «فلما كان آخر نهار السبت ، بعث الوليد
الرجال إلى الحسين عليهالسلام ليحضر فيبايع ، فقال لهم الحسين عليهالسلام : أصبحوا ثم ترون ونرى.
فكفوّا تلك الليلة
عنه ولم يلحّوا عليه. فخرج في تلك الليلة ـ وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ـ متوجها
نحو مكة».
فكتب الوليد إلى
يزيد يخبره بما كان من أمر ابن الزبير ، ومن أمر الحسين عليهالسلام ، وأنه لا يرى عليه طاعة ولا بيعة.
٤٦١ ـ كتاب الوليد
بن عتبة إلى يزيد عن امتناع الحسين عليهالسلام من البيعة :
(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٣١٢)
فلما سمع (الوليد
بن) عتبة بن أبي سفيان ذلك ، دعا الكاتب وكتب : (بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). إلى عبد الله يزيد أمير المؤمنين : أما بعد ، فإن الحسين
ابن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة ، فرأيك في أمره والسلام.
٤٦٢ ـ جواب يزيد
بقتل الحسين عليهالسلام :
(المصدر السابق)
فلما ورد الكتاب
على يزيد ، كتب الجواب إلى (الوليد بن) عتبة :
أما بعد ، فإذا
أتاك كتابي هذا فعجّل عليّ بجوابه ، وبيّن لي في كتابك كل من في طاعتي ، أو خرج
منها ، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي.
٤٦٣ ـ الكتاب
الثاني من يزيد إلى الوليد يطلب منه صراحة رأس الحسين عليهالسلام:
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٥)
فلما ورد الكتاب
على يزيد غضب غضبا شديدا ، وكان إذا غضب احولّت عيناه. فكتب إلى الوليد :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة :
أما بعد فإذا ورد
عليك كتابي هذا فخذ البيعة ثانية على أهل المدينة توكيدا منك
عليهم ، وذر عبد
الله بن الزبير ، فإنه لن يفوتنا ولن ينجو منا أبدا ما دمنا أحياء. وليكن مع جواب
كتابي رأس الحسين. فإن فعلت ذلك جعلت لك أعنة الخيل ، ولك عندي الجائزة العظمى
والحظ الأوفر ، والسلام.
فلما ورد الكتاب
على الوليد أعظم ذلك ، وقال : والله لا يراني الله وأنا قاتل الحسين ابن رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم ولو جعل لي يزيد الدنيا وما فيها.
٤٦٤ ـ موقف عبد
الله بن عمر وعبد الله بن عباس من البيعة :
(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٥)
ثم إن الوليد أرسل
إلى ابن عمر ليبايع ، فقال : إذا بايع الناس بايعت ، فتركوه ، وكانوا لا
يتخوّفونه.
وقيل : إن ابن عمر
كان هو وابن عباس بمكة ، فعادا إلى المدينة ، فلقيهما الحسينعليهالسلام وابن الزبير ، فسألاهما : ما وراءكما؟. فقالا : موت معاوية
وبيعة يزيد. فقال ابن عمر : لا تفرّقا جماعة المسلمين. وقدم هو وابن عباس المدينة
، فلما بايع الناس بايعا.
ويقول ابن كثير في
(البداية والنهاية) ج ٨ ص ١٦٣ :
ولما أخذت البيعة
ليزيد في حياة معاوية ، كان الحسين عليهالسلام ممن امتنع من مبايعته ، هو وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي
بكر وابن عمر وابن عباس. ثم مات ابن أبي بكر وهو مصمم على ذلك.
فلما مات معاوية
سنة ستين وبويع ليزيد ، بايع ابن عمر وابن عباس ، وصمم على المخالفة الحسين عليهالسلام وابن الزبير.
٤٦٥ ـ لماذا ألخ
يزيد على أخذ البيعة من الحسين عليهالسلام خاصة؟ :
(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ، ص ٧٠)
كانت خلافة يزيد
مهلهلة ، وأغلب الناس غير مقتنعين بها ، وكان لا بدّ له لتثبيت حكومته من أن يضرب
عصفورين بحجر ، فطلب البيعة من الإمام الحسين عليهالسلام. فهو لا يبغي من ذلك بيعة الحسين عليهالسلام كفرد بقدر ما يرمي إلى تأييد الناس له إذا رأوا الحسين
يبايع ، لأن الحسين عليهالسلام كانت له منزلة سامية في نفوس الناس ، حتّى في نفوس أعدائه
من المقربين من الحزب الأموي.
فمن الواضح أن
مبايعة الإمام الحسين عليهالسلام ليزيد كانت تعني تحقيق ما يلي : الاعتراف الشرعي بحكومة
يزيد ، وبأنها تمثّل إرادة المسلمين ، وهذا بطبعه يؤدي بالتالي إلى أن عامة
المسلمين سوف يبايعون يزيد ، فسيعطي خلافة يزيد صفة الشرعية الإسلامية.
لذلك رفض الإمام
الحسين عليهالسلام البيعة شكلا ومضمونا ، وقال : «مثلي لا يبايع مثله». وبدأ
يعمل لإقامة دولة إسلامية صحيحة ، معتمدا على واقعين أساسيين :
١ ـ الإرادة
الجماهيرية الرافضة لحكومة يزيد ، والتي تعتبر أرضية خصبة يجب تنميتها لقيام حكومة
إلهية.
٢ ـ فساد القيادة
التي تولاها يزيد والحزب الأموي.
٤٦٦ ـ من كلام
للحسين عليهالسلام ناجى به جده صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد زار قبره الشريف :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٦)
وفي هذه الليلة
خرج الحسين من منزله وأتى قبر جده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فسطع له نور من القبر فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أنا الحسين بن فاطمة ،
فرخك وابن فرختك ، وسبطك والثّقل الّذي خلّفته في أمتك ، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد
خذلوني وضيّعوني ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك ، صلى الله عليك.
ثم صفّ قدميه فلم
يزل راكعا وساجدا حتّى الصباح .
٤٦٧ ـ من كلام له عليهالسلام وقد زار قبر جده صلىاللهعليهوآلهوسلم مرة ثانية ، وخبر رؤيته للنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٦)
وفي الليلة
الثانية جاء الحسين عليهالسلام إلى قبر جده صلىاللهعليهوآلهوسلم وصلى ركعات ، ثم قال : الله م إن هذا قبر نبيك محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا ابن بنت نبيك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. الله
م إني أحبّ المعروف وأنكر المنكر ، وإني أسألك يا ذا الجلال
__________________
والإكرام بحق هذا
القبر ومن فيه إلا اخترت لي من أمري ما هو لك رضى ولرسولك رضى وللمؤمنين رضى. ثم
جعل يبكي عند القبر ، حتّى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ،
فإذا هو برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه
ومن خلفه ، فجاء حتّى ضمّ الحسين إلى صدره ، وقبّل بين عينيه ، وقال : «حبيبي يا
حسين ، كأني أراك عن قريب مني مرمّلا بدمائك ، مذبوحا بأرض كربلاء ، بين عصابة من
أمتي ، وأنت في ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى. وهم في ذلك يرجون شفاعتي ، ما
لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، وما لهم عند الله من خلاق. حبيبي يا حسين
إن أباك وأمك وأخاك قدموا عليّ وهم إليك مشتاقون ، وإن لك في الجنة لدرجات لن
تنالها إلا بالشهادة». قال : فجعل الحسين في منامه ينظر إلى جده محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ويسمع كلامه ويقول له : يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلى
الدنيا ، فخذني إليك وأدخلني معك إلى قبرك. فقال له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يا حسين لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى ترزق
الشهادة وما قد كتب الله لك من الثواب العظيم ، فإنك وأباك وأمك
وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنة». فانتبه
الحسين عليهالسلام وقصّ رؤياه على أهل بيته ، فاشتدّ حزنهم وكثر بكاؤهم .
وروى أبو مخنف في
مقتله هذا الكلام ، ص ١٥ على النحو التالي :
إن الحسين عليهالسلام لما خرج من المدينة أتى قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فالتزمه وبكى بكاء شديدا وسلّم عليه ، وقال : بأبي أنت
وأمي يا رسول الله ، لقد خرجت من جوارك كرها ، وفرّق بيني وبينك ، وأخذت قهرا أن
أبايع يزيد ، شارب الخمور وراكب الفجور ، وإن فعلت كفرت ، وإن أبيت قتلت ، فها أنا
خارج من جوارك كرها ، فعليك مني السلام يا رسول الله. ثم نام ساعة فرأى في منامه
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد وقف به وسلّم عليه ، وقال : «يا بني لقد لحق بي أبوك
وأمك وأخوك ، وهم مجتمعون في دار الحيوان ، ولكنا مشتاقون إليك ، فعجّل بالقدوم
إلينا ، واعلم يا بني أن لك درجة مغشّاة بنور الله ، ولست تنالها إلا بالشهادة ،
وما أقرب قدومك علينا».
__________________
٤٦٨ ـ محاورة بين
الحسين عليهالسلام وأخيه عمر الأطرف بعد أن رأى الرؤيا :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٤٨)
فقال له أخوه عمر
الأطرف ابن أمير المؤمنين عليهالسلام : حدثني أبو محمد الحسن عن أبيه أمير المؤمنين عليهالسلام أنك مقتول ، فلو بايعت لكان خيرا لك. قال الحسين عليهالسلام : حدّثني أبي أن رسول الله أخبره بقتله وقتلي ، وأن تربته
تكون بالقرب من تربتي ، أتظن أنك علمت ما لم أعلمه!. وإني لا أعطي الدنيّة من نفسي
أبدا. ولتلقينّ فاطمة أباها شاكية مما لقيت ذريتها من أمته ، ولا يدخل الجنة من
آذاها في ذريتها .
٤٦٩ ـ وداع الحسين
عليهالسلام لقبر أمه وأخيه :
(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٩)
وتهيأ الحسين عليهالسلام وعزم على الخروج من المدينة ، ومضى في جوف الليل إلى قبر
أمه فودّعها. ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن عليهالسلام فودّعه.
وفي وقت الصبح
أقبل إليه أخوه محمّد بن الحنفية.
٤٧٠ ـ من محاورة
بين الحسين عليهالسلام وأخيه محمّد بن الحنفية ينصحه فيها بالتنحي عن الأمصار
ويدعوه للسفر إلى اليمن :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٧)
فأقبل إليه أخوه
محمّد بن الحنفية ، فقال له : يا أخي فديتك نفسي ، أنت أحبّ الناس إليّ وأعزّهم
عليّ ، ولست والله أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحقّ بها منك ، لأنك
مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري ، وكبير أهل بيتي ، ومن وجبت طاعته في عنقي. لأن الله
تبارك وتعالى قد شرّفك وجعلك من سادات أهل الجنة ، إني أريد أن أشير عليك فاقبل
مني. فقال له الحسين عليهالسلام : قل يا أخي ما بدا لك. فقال : أشير عليك أن تتنحّى بنفسك
عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، وأن تبعث رسلك إلى الناس فتدعوهم إلى
بيعتك ، فإن بايعك الناس حمدت الله على ذلك وقمت فيهم بما كان يقومه رسول الله
والخلفاء الراشدون المهديّون من بعده ، حتّى يتوفاك الله وهو عنك راض ، والمؤمنون
عنك راضون ، كما رضوا عن أبيك وأخيك.
__________________
وإن اجتمع الناس
على غيرك حمدت الله على ذلك وسكتّ ولزمت منزلك ، فإني خائف عليك أن تدخل مصرا من
الأمصار ، أو تأتي جماعة من الناس فيقتتلون فتكون طائفة منهم معك ، وطائفة عليك ،
فتقتل بينهم. (وفي رواية مثير الأحزان للجواهري ، ص ٧) : «فيقتتلوا فتكون لأول
الأسنة غرضا ، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما ، أضيعها دما وأذلها أهلا».
فقال له الحسين عليهالسلام : يا أخي فإلى أين أذهب؟. قال : تخرج إلى مكة ، فإن
اطمأنّت بك الدار بها فذاك الّذي تحب ، وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن ،
فإنهم أنصار جدك وأبيك وأخيك ، وهم أرأف وأرقّ قلوبا وأوسع الناس بلادا وأرجحهم
عقولا ، فإن اطمأنّت بك أرض اليمن فذاك ، وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال (وفي
رواية : شعب الجبال ، أي رؤوسها) ، وصرت من بلد إلى بلد ، حتّى تنظر ما يؤول إليه
أمر الناس ، ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين. (وفي رواية تتمة ذلك) : «فإنك
أصوب ما تكون رأيا وأحزمه عملا ، حتّى تستقبل الأمور استقبالا ، ولا تكون الأمور
أبدا أشكل عليك منها حين تستدبرها استدبارا ». فقال له الحسين عليهالسلام : يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت
يزيد بن معاوية ، فقد قال النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : «اللهم لا تبارك في يزيد». فقطع محمّد الكلام وبكى ،
فبكى معه الحسين ساعة ، ثم قال : يا أخي جزاك الله عني خيرا ، فلقد نصحت وأشرت
بالصواب ، وأرجو أن يكون رأيك موفقا مسددا ، وأنا عازم على الخروج إلى مكة ، وقد
تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي ، ممن أمرهم أمري ورأيهم رأيي. وأما أنت يا
أخي فلا عليك أن تقيم في المدينة ، فتكون لي عينا عليهم ، ولا تخف عليّ شيئا من
أمورهم .
وقام من عند ابن
الحنفية ودخل المسجد وهو ينشد :
لا ذعرت السّوام
في فلق الصب
|
|
ح مغيرا ولا
دعيت يزيدا
|
يوم أعطي مخافة
الموت ضيما
|
|
والمنايا
يرصدنني أن أحيدا
|
وسمعه أبو سعيد
المقبري ، فعرف أنه يريد أمرا عظيما.
__________________
وأصل الشعر ليزيد
بن مفرغ ، ذكره أبو الفرج الاصفهاني في (الأغاني) ج ١٨ ص ٢٨٧ ، يقول الشاعر :
أيّ بلوى معيشة
قد بلونا
|
|
فنعمنا وما
رجونا خلودا
|
ودهور لقيننا
موجعات
|
|
وزمان يكسّر
الجلمودا
|
فصبرنا على
مواطن ضيق
|
|
وخطوب تصيّر
البيض سودا
|
أفإنس ، ما هكذا
صبر إنس
|
|
أم من الجن ، أم
خلقت حديدا
|
لا ذعرت السّوام
في فلق الصب
|
|
ح مغيرا ولا
دعيت يزيدا
|
يوم أعطي مخافة
الموت ضيما
|
|
والمنايا
يرصدنني أن أحيدا
|
وهي قصيدة طويلة ،
وقد تمثّل الإمام الحسين عليهالسلام بالبيتين الأخيرين منها.
٤٧١ ـ عزم الحسين عليهالسلام على الخروج إلى مكة :
(تاريخ دمشق لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٩٥)
عن أبي سعيد
المقبري قال :
والله لرأيت
الحسين عليهالسلام وإنه ليمشي بين رجلين ، يعتمد على هذا مرة ، وعلى هذا مرة
، وعلى هذا أخرى ، حتّى دخل مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يقول :
لا ذعرت السّوام
في فلق الصب
|
|
ح مغيرا ولا
دعيت يزيدا
|
يوم أعطي مخافة
الموت ضيما
|
|
والمنايا
يرصدنني أن أحيدا
|
ويروى (إذا دعوت
يزيدا). ويروى (حين أعطى من المهانة ضيما).
قال : فعلمت عند
ذلك أنه لا يلبث إلا قليلا حتّى يخرج. فما لبث أن خرج حتّى لحق بمكة.
وفي (تذكرة الخواص)
لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ :
«فقلت في نفسي :
ما تمثّل بهذين البيتين إلا لشيء يريده. فخرج بعد ليلتين إلى مكة».
وفي (الفتوح) لابن
أعثم ، ج ٥ ص ٣٥ :
ثم جعل يتمثّل
بشعر يزيد بن المفرغ الحميري [توفي في الكوفة سنة ٦٩ ه] وهو يقول :
لا سهرت السّوام
في فلق الصب
|
|
ح مضيئا ولا
دعيت يزيدا
|
يوم أعطي من
المخافة ضيما
|
|
والمنايا
يرصدنني أن أحيدا
|
وفي كامل ابن
الأثير ، عوضا عن (فلق) : (شفق) ، وفي تاريخ ابن عساكر (غبش) ، وفي الوفيات (غلس).
والسّوام : طائر.
ومعنى البيتين :
إذا كانت المنايا تحيط بي من كل جانب ، فألقي يدي إلى الضيم مخافة الموت ، فلن
أكون بطلا يغير عند الصبح على الأعداء ، ولن أدعى يزيدا.
ترجمة محمّد بن الحنفية
كان أمير المؤمنين
عليهالسلام يحب ابنه محمّد بن الحنفية حبا شديدا. وقد روي عنه أنه قال
: من أحبني فليحبّ ابني محمدا. وقد ذكر علماء الرجال أن المحمّدين الثلاثة وهم :
ابن الحنفية وابن أبي بكر وابن أبي حذيفة ، كانوا يساوقون في الدرجة.
ولقد كان محمّد بن
الحنفية معذورا في تركه النصرة لأخيه وإمامه في كربلاء ، لأنه كان مبتلى بمرض شديد
في ذلك الوقت. وما تضمنته الأخبار من حيث حسن نصيحته لأخيه والبكاء الشديد لأجله ،
وحصول الغشية بعد الغشية له مرارا لأجل فراقه ، يكشف عن قوة إيمانه ، وعن سرّ ما
قاله أمير المؤمنين عليهالسلام في شأنه.
٤٧٢ ـ نساء بني
عبد المطلب يجتمعن للنياحة ويطلبن من الحسين عليهالسلام عدم السفر :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٨)
وأقبلت نساء بني
عبد المطلب ، فاجتمعن للنياحة لمّا بلغهن أن الحسين عليهالسلام يريد الشخوص من المدينة ، حتّى مشى فيهن الحسين عليهالسلام ، فقال : أنشدكنّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله
ورسوله. قالت له نساء بني عبد المطلب : فلمن نستبقي النياحة والبكاء؟ فهو عندنا
كيوم مات فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلي وفاطمة والحسن ورقية وزينب وأم كلثوم!. جعلنا الله
فداك من الموت ، يا حبيب الأبرار من أهل القبور.
٤٧٣ ـ أم سلمة
ترجو الحسين عليهالسلام عدم السفر ، وجوابه لها :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٥٢)
وقالت أم سلمة [إحدى
زوجات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم] : لا تحزنّي بخروجك إلى العراق ، فإني سمعت جدك رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «يقتل ولدي الحسين بأرض العراق ، في أرض يقال لها
كربلا ، وعندي تربتك في قارورة دفعها إليّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال الحسين عليهالسلام : يا أماه وأنا أعلم أني مقتول مذبوح ظلما وعدوانا. وقد
شاء عزوجل أن يرى حرمي ورهطي مشرّدين ، وأطفالي مذبوحين مأسورين
مقيّدين ، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا. قالت أم سلمة : وا عجبا فأنى تذهب وأنت
مقتول؟. قال عليهالسلام : يا أماه إن لم أذهب اليوم ذهبت غدا ، وإن لم أذهب في غد
ذهبت بعد غد ، وما من الموت والله بدّ ، وإني لأعرف اليوم الّذي أقتل فيه ،
والساعة التي أقتل فيها ، والحفرة التي أدفن فيها كما أعرفك ، وأنظر إليها كما
أنظر إليك. وفي
(لواعج الأشجان) ص
٢٩ : وأعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي». وإن أحببت يا أماه أن أريك مضجعي
ومكان أصحابي. فطلبت منه ذلك ، فأراها تربته وتربة أصحابه . ثم أعطاها من تلك التربة ، وأمرها أن تحتفظ بها في قارورة
، فإذا رأتها تفور دما تيقنت قتله عليهالسلام .. وفي اليوم العاشر من المحرم بعد الظهر ، نظرت إلى
القارورتين فإذا هما تفوران دما .
وفي (لواعج
الأشجان) ص ٢٩ : ثم أشار إلى جهة كربلا ، فانخفضت الأرض حتّى أراها مضجعه ومدفنه
وموضع عسكره وموقفه ومشهده. فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا ، وسلّمت أمرها إلى
الله تعالى.
__________________
ترجمة السيدة أم سلمة
(النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، ج ١ ص ١٥٦)
وفي سنة ٦١ ه
توفيت أم المؤمنين (أم سلمة) واسمها هند بنت سهيل بن المغيرة المخزومية ، زوجة
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وهي بنت عم أبي جهل ، وبنت عم خالد بن الوليد. بنى بها
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في سنة ثلاث من الهجرة ، وكانت قبله عند الرجل الصالح أبي
سلمة بن عبد الأسد ، وهو أخو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الرضاعة. وكانت من أجمل النساء ، وطال عمرها ، وعاشت ٨٤
سنة. وقد عاصرت وفاة الحسين عليهالسلام وحزنت عليه وبكته بكاء كثيرا. وهي آخر زوجات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفاة ، توفيت سنة ٦١ ه ، وصلّى عليها سعيد بن زيد ، ودفنت
بالبقيع.
٤٧٤ ـ منزلة أم
سلمة :
(العيون العبرى لابراهيم الميانجي ، ص ٢١)
اسمها هند ، زوجة
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. كانت قبل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عند أبي سلمة المخزومي. وحالها في الجلالة والإخلاص لأمير
المؤمنين والزهراء والحسنين عليهمالسلام أشهر من أن يذكر. وهي أفضل أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد خديجة عليهاالسلام.
في (كفاية الأثر)
عن شداد بن أوس : أنه بعد ما قاتل مع علي عليهالسلام يوم الجمل أتى المدينة. قال : فدخلت على أم سلمة. قالت :
من أين أقبلت؟. قلت : من البصرة. قالت : مع أي الفريقين كنت؟. قلت : يا أمّ
المؤمنين إني توقّفت عن القتال إلى انتصاف النهار ، فألقى الله في قلبي أن أقاتل
مع علي عليهالسلام. قالت : نعم ما عملت ، لقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «من حارب عليا حاربني ، ومن حاربني حارب الله». قلت
: فترين أن الحق مع علي عليهالسلام؟. قالت : أي والله ، عليّ مع الحق والحق معه. والله لقد
سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «إن لأمتي فرقة وخلفة ، فجامعوها إذا اجتمعت ، فإذا
افترقت فكونوا من النمط الأوسط ، ثم ارقبوا
أهل بيتي ، فإن
حاربوا فحاربوا ، وإن سالموا فسالموا ، وإن زالوا فزالوا معهم ، فإن الحق معهم حيث
كانوا». قلت : فمن أهل بيته الذين أمرنا بالتمسك بهم؟. قالت : هم الأئمة بعده كما
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم ، عدد نقباء بني إسرائيل : علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسين
عليهالسلام. أهل بيته هم المطهرون والأئمة المعصومون. قلت : أما والله
هلك الناس إذ قالت : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ
فَرِحُونَ) (٣٢) [الروم : ٣٢].
ومن فضائل أم سلمة
رضي الله عنها تسليم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إليها تربة الشهداء في خبر القارورة المشهور.
ومنها : إيداع
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عندها الكتاب الّذي كتبه ، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء أهل
النار.
ومنها : إيداع
أمير المؤمنين عليهالسلام عندها الكتب. فعن الإمام الحسين عليهالسلام أنه قال : إن الكتب كانت عند أمير المؤمنين عليهالسلام ، فلما سار إلى العراق استودعها أم سلمة رضي الله عنها.
فلما مضى كانت عند الحسن عليهالسلام ، فلما مضى كانت عند الحسين عليهالسلام.
ومنها : إيداع
الحسين عليهالسلام لدى المضي إلى العراق عندها كتب علم أمير المؤمنينعليهالسلام وذخائر النبوة وخصائص الإمامة. فلما قتل عليهالسلام ورجع علي بن الحسين عليهالسلام دفعتها إليه.
٤٧٥ ـ وصية الحسين
عليهالسلام لأخيه محمّد بن الحنفية قبيل مغادرته المدينة ، وفيها
يبيّن سبب خروجه وهو الإصلاح والأمر بالمعروف :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٨)
ثم دعا الحسين عليهالسلام بدواة وبياض ، وكتب فيها هذه الوصية لأخيه محمّد :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمّد
بن علي المعروف بابن الحنفية :
إن الحسين بن علي عليهماالسلام يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده
ورسوله ، جاء بالحق من عند الحق. وأن الجنة والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب
فيها ، وأن الله يبعث من في القبور.
إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت أطلب
__________________
الإصلاح في أمّة
جدّي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي
محمّد وسيرة أبي علي بن أبي طالب . فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ
هذا صبرت حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم وهو خير
الحاكمين.
هذه وصيتي إليك يا
أخي ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب. والسلام عليك وعلى من اتبع
الهدى ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ثم طوى الكتاب
وختمه بخاتمه ، ودفعه إلى أخيه محمّد بن الحنفية.
ثم ودّعه وخرج في
جوف الليل يريد مكة بجميع أهله ، وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان سنة ٦٠ ه (لعله
يقصد أن وصوله كان في هذا التاريخ).
يقول الدينوري في (الأخبار
الطوال) ص ٢٢٨ :
لم يبق في المدينة
عند رحيل الحسين عليهالسلام بأهله غير محمّد بن الحنفية. أما ابن عباس فقد كان خرج إلى
مكة قبل ذلك بأيام.
وفي (المنتخب)
للطريحي ، ص ٤٢١ :
وعن سكينة بنت
الحسين عليهاالسلام قالت : لما خرجنا من المدينة ما كان أحد أشدّ خوفا منا أهل
البيت.
__________________

الطريق المؤدية من المدينة إلى مكة
قال الإمام الحسين
عليهالسلام وهو خارج من المدينة المنوّرة :
(فَخَرَجَ مِنْها
خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢١) [القصص : ٢١]
وقال عليهالسلام حين وافى مكة المكرمة :
(وَلَمَّا تَوَجَّهَ
تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) (٢٢) [القصص: ٢٢]
خروج الحسين عليهالسلام من المدينة إلى مكة
[الأحد ٢٨ رجب سنة ٦٠ ه]
قال تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ
الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ١٠٠]
٤٧٦ ـ المنازل من
المدينة إلى مكة :
(البلدان لليعقوبي)
نذكر فيما يلي
المنازل التي يمرّ بها المسافر من المدينة إلى مكة. قال اليعقوبي : ومن المدينة
إلى مكة عشر مراحل عامرة آهلة : فأولها [ذو الحليفة] ومنها يحرم الحاج إذا خرجوا
من المدينة ، وهي على أربعة أميال من المدينة
(الميل : ٨ / ١ كم).
ومنها إلى [الحفيرة] وهي منازل بني فهر من قريش. وإلى [ملل] وهي في هذا الوقت
منازل قوم من ولد جعفر بن أبي طالب عليهالسلام. وإلى [السيّالة] وبها قوم من ولد الحسن بن علي بن أبي
طالب عليهمالسلام. وإلى [الرّوحاء] وهي منازل مزينة. وإلى [الرّويثة] وبها
قوم من ولد عثمان بن عفان وغيرهم من العرب. وإلى [العرج]. وإلى [سقيا بني غفار]
وهي منازل بني كنانة. وإلى [الأبواء] وهي منازل أسلم. وإلى [الجحفة] وبها قوم من
بني سليم ، وغدير خم من الجحفة على ميلين عادل عن الطريق. وإلى [قديد] وبها منازل
خزاعة. وإلى [عسفان]. وإلى [مرّ الظهران] وهيمنازل كنانة. وإلى [مكة المكرّمة]
حرسها الله.
٤٧٧ ـ خروج الحسين
عليهالسلام من المدينة ونزوله في مكة :
(تاريخ دمشق لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢٠٠)
وخرج الحسين عليهالسلام وعبد الله بن الزبير من ليلتهما إلى مكة. فقدما مكة ، فنزل
الحسين عليهالسلام دار العباس بن عبد المطلب ، ولزم ابن الزبير الحجر.
٤٧٨ ـ من كلام
للحسين عليهالسلام قاله لعبد الله بن مطيع العدوي بعد أن حذّره من الاغترار
بأهل الكوفة : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)
فبينا الحسين كذلك
بين مكة والمدينة في موضع يقال له [الشريفة] إذ استقبله عبد
الله بن مطيع
العدوي ، فقال له : أين تريد يا أبا عبد الله ، جعلني الله فداك؟. فقال : أما في
وقتي هذا فإني أريد مكة ، فإذا صرت إليها استخرت الله في أمري بعد ذلك. فقال له
عبد الله بن مطيع : خار الله لك يابن رسول الله فيما قد عزمت عليه ، غير أني أشير
عليك بمشورة فاقبلها مني. فقال له الحسين عليهالسلام : وما هي يابن مطيع؟. فقال : إذا أتيت مكة فاحذر أن يغرّك
أهل الكوفة ، فإن فيها قتل أبوك وطعن أخوك بطعنة كادت أن تأتي على نفسه فيها ،
فالزم الحرم فأنت سيد العرب في دهرك هذا. وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص
٢٥٤ ط نجف : «ولن يعدلوا بك أحدا ، ويأتيك الناس من كل جانب». فو الله لئن هلكت
ليهلكن أهل بيتك بهلاكك.
وفي (لواعج الأشجان)
للسيد الأمين ، ص ٣٤ : لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي ، فوالله لئن هلكت لنسترقنّ
بعدك.
وجاء في (مقتل
الحسين) لأبي مخنف ص ١٦ : ثم إن الحسين توجه سائرا حتّى جاوز [الشريفة] فاستقبله
عبد الله بن مطيع القرشي ، وقال له : جعلت فداك ، إني أنصحك ، إذا دخلت مكة فلا
تبرحنّ منها ، فهي حرم الله والأمان للناس. فأقم فيها وتألّف أهلها ، وخذ البيعة
على كل من دخلها من الناس ، وعدهم العدل وارفع الجور عنهم ، وأقم فيها خطباء تخطب
وتذكّر على المنابر شرفك ، وتشرح فضلك ، ويخبرونهم بأن جدك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأباك علي بن أبي طالب ، وأنك أولى بهذا الأمر من غيرك.
إياك أن تذكر الكوفة فإنها بلد مشؤوم قتل فيها أبوك ، ولا تبرح من حرم الله تعالى
، فإن معك أهل الحجاز واليمن كلها ، وسيقدم إليك الناس من الآفاق وينصرفون إلى
أمصارهم ، وادعهم إلى بيعتك. فاقبل نصيحتي وسر مسددا ، فو الله إن قبلت لترشدن.
فقال الحسين عليهالسلام : جزاك الله عني كل خير ، فإني قابل نصيحتك.
٤٧٩ ـ من كلام
للحسين عليهالسلام وهو خارج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)
وخرج الحسين عليهالسلام في جوف الليل يريد مكة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث ليال
مضين من شعبان سنة ٦٠ ه.
(كذا في مقتل
الخوارزمي) ، أما في مقتل المقرّم ص ١٥٧ فجاء نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٩٠ ما
نصه :
«وخرج الحسين من
المدينة متوجها نحو مكة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ... ودخل مكة يوم الجمعة
لثلاث مضين من شعبان». وهو الأصح كما ذكر العلامة الأمين في (لواعج الأشجان) في
حاشية صفحة ٢٩.
فلزم الطريق
الأعظم ، فجعل يسير وهو يتلو هذه الآية : (فَخَرَجَ مِنْها
خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢١) [القصص : ٢١].
فقال له ابن عمه مسلم بن عقيل : يابن رسول الله ، لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير
الجادة كما فعل عبد الله بن الزبير ، كان عندي خير رأي ، فإني أخاف أن يلحقنا
الطلب. فقال له الحسين عليهالسلام : لا والله يابن عم لا فارقت هذا الطريق أبدا ، أو أنظر
إلى أبيات مكة ، ويقضي الله في ذلك ما يحب ويرضى.
يقول السيد جعفر
الحلي :
خرج الحسين من
المدينة خائفا
|
|
كخروج موسى
خائفا يتكتمّ
|
وقد انجلى عن
مكة وهو ابنها
|
|
وبه تشرّفت
الحطيم وزمزم
|
٤٨٠ ـ الملائكة تعرض على الحسين عليهالسلام المساعدة :
(اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٢٧)
ذكر المفيد في
كتابه (مولد النبي) بإسناده إلى الإمام الصادق عليهالسلام قال : لما سار أبو عبد الله الحسين عليهالسلام من مكة ليدخل المدينة ، لقيته أفواج من الملائكة المسوّمين
والمردفين ، في أيديهم الحراب ، على نجب من نجب الجنة. فسلّموا عليه ، وقالوا : يا
حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن الله عزوجل أمدّ جدك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بنا في مواطن كثيرة ، وإن الله أمدّك بنا. فقال لهم :
الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني. فقالوا :
يا حجة الله ، إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع ، فهل تخشى من عدوّ يلقاك فنكون معك؟.
فقال عليهالسلام : لا سبيل لهم عليّ ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.
٤٨١ ـ مسلمو الجن
يعرضون على الحسين عليهالسلام مساعدته ونصرته :
(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٩)
وأتته أفواج مسلمي
الجن ، فقالوا : يا سيدنا نحن من شيعتك وأنصارك ، فمرنا بأمرك وما تشاء ، فلو
أمرتنا بقتل كل عدوّ لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك. فجزاهم الحسين خيرا وقال لهم :
أو ما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله : (أَيْنَما
تَكُونُوا
يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ) [النساء : ٧٨].
وقال سبحانه : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ
فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى
مَضاجِعِهِمْ) (١٥٤) [آل عمران :
١٥٤]. وإذا أقمت مكاني فبماذا يبتلى هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون؟. ومنذا
يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ وقد اختارها الله يوم دحي الأرض ، وجعلها معقلا لشيعتنا
ومحبينا ، تقبل أعمالهم وصلواتهم وتجاب دعاؤهم ، وتكون لهم أمانا في الدنيا
والآخرة. ولكن تحضرون يوم السبت وهو يوم عاشوراء ، الّذي في آخره أقتل ولا يبقى
بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي ، ويسار برأسي إلى يزيد. فقالت الجن :
نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه ، لو لا أنّ أمرك طاعة ، وأنه لا يجوز مخالفتك
، لقتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك. فقال لهم عليهالسلام : نحن والله أقدر عليهم منكم ، ولكن (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ
وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال : ٤٢].
٤٨٢ ـ ديار علي
والحسين عليهماالسلام مقفرة :
(الإمام الحسين يوم عاشوراء طبع مؤسسة البلاغ ، ص ٥٨)
ها هي ديار علي
والحسين والزهراء عليهمالسلام قد أمسى عليها ليل الفراق ، وأحاطتها وحشة البعد والغربة.
لقد نأى الحسين عليهالسلام ، وأمست المدينة موحشة ، تبكي سيدها الراحل ، والقلوب
يعتصرها الأسى ، والنفوس يفترسها الألم ، ويحوطها الخوف والوجل.

على طريق الشهادة : من المدينة إلى مكة إلى كربلاء
الفصل الثالث عشر
في مكة المكرّمة
|
[الجمعة ٣ شعبان سنة ٦٠ ه]
|
٤٨٣ ـ من كلام
للحسين عليهالسلام لما وافى مكة المكرمة :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)
وسار عليهالسلام حتّى وافى مكة (يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان) فيكون
مقامه في الطريق نحوا من خمسة أيام . فلما نظر إلى جبالها من بعيد جعل يتلو هذه الآية : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ
قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) (٢٢) [القصص : ٢٢].
فنزل دار العباس بن عبد المطّلب . فأقام بمكة باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة
وثماني ليال من ذي الحجة. حيث خرج إلى العراق يوم التروية ، وهو اليوم السابق ليوم
عرفة.
وفي (تذكرة الخواص)
لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط نجف :
وقال السدي : خرج
الحسين عليهالسلام من المدينة وهو يقرأ : (فَخَرَجَ مِنْها
خائِفاً يَتَرَقَّبُ) [القصص : ٢١].
فلما دخل مكة ، فقال له عمرو بن سعيد : ما أقدمك؟. فقال : عائذا بالله وبهذا
البيت.
٤٨٤ ـ هدف الهجرة
:
(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ٦٩)
هاجر الحسين عليهالسلام من دار الهجرة ، واتجه شطر البيت الحرام قبلة المسلمين ،
وكانت غايته هناك أن يجتمع بوجهاء الناس وزعماء الأمة وأهل الرأي ، الذين قدموا
إلى مكة للحج.
(أقول) : إضافة
إلى أن الكعبة المشرّفة هي أكثر الأماكن أمنا ، فلها حرمتها
__________________
الخاصة ، إذ لا
يجوز فيها قتال ولا اعتداء. يقول تعالى عن البيت الحرام : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ
وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٩٧) [آل عمران :
٩٧].
وترى جانبا صورة
عن حرم الكعبة المشرفة وأقسامه المختلفة.
٤٨٥ ـ أهل مكة
يستبشرون بقدوم الحسين عليهالسلام :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٠ ط نجف)
قال أحمد بن أعثم
الكوفي : ولما دخل الحسين عليهالسلام مكة فرح به أهلها فرحا شديدا ، وجعلوا يختلفون إليه غدوة
وعشية.
وكان قد نزل بأعلى
مكة ، وضرب هناك فسطاطا ضخما ، ونزل عبد الله ابن الزبير داره ب (قيقعان) [وهو
موقع غرب مكة عند الحجون]. ثم تحوّل الحسين عليهالسلام إلى دار العباس ، حوّله إليها عبد الله بن عباس.
وكان أمير مكة من
قبل يزيد يومئذ عمرو بن سعيد بن العاص. (وفي رواية ابن أعثم) «عمر بن سعد بن أبي
وقاص» ، وهو اشتباه وتصحيف. فأقام الحسين عليهالسلام مؤذّنا يؤذّن رافعا صوته ، فيصلي بالناس. وهاب عمرو بن
سعيد أن يميل الحجّاج مع الحسين عليهالسلام لما يرى من كثرة اختلاف الناس إليه من الآفاق ، فانحدر إلى
المدينة ، وكتب بذلك إلى يزيد.
وفي (مقتل الحسين)
المنسوب لأبي مخنف ، ص ١٧ : وقد كان عبد الله ابن الزبير سبقه إلى مكة ، ولزم
الكعبة يصلي بالناس ويطوف البيت. وكان يأتي إلى الحسين عليهالسلام ويجلس معه الجلسة الخفيفة.
ابن الزبير يمتعض
من مجيء الحسين عليهالسلام :
(المصدر السابق للخوارزمي)
وكان الحسين عليهالسلام أثقل خلق الله على عبد الله بن الزبير ، لأنه كان يطمع أن
يتابعه أهل مكة. فلما قدم الحسين عليهالسلام اختلفوا إليه [أي ترددوا عليه] وصلّوا معه. ومع ذلك فقد
كان ابن الزبير يختلف إليه بكرة وعشية ، ويصلي معه.
وأقام الحسين عليهالسلام بمكة باقي شهر شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة. وبمكة
يومئذ عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب.

(الشكل ٤) : مخطط الكعبة المشرّفة حرسها الله
٤٨٦ ـ محاورة
الحسين عليهالسلام مع عبد الله بن عمر في مكة بشأن البيعة ليزيد ، ونصيحة ابن
عمر له : (المصدر السابق)
فأقبلا جميعا ،
وقد عزما أن ينصرفا إلى المدينة ، حتّى دخلا على الحسين عليهالسلام. فقال عبد الله بن عمر :
يا أبا عبد الله ،
اتّق الله رحمك الله الّذي إليه معادك ، فقد عرفت عداوة هذا البيت لكم ، وظلمهم
إياكم. وقد ولي الناس هذا الرجل يزيد بن معاوية ، ولست آمن أن يميل الناس إليه ،
لمكان هذه الصفراء والبيضاء ، فيقتلونك ويهلك فيك بشر كثير ، فإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «حسين مقتول ، فلئن خذلوه ولم ينصروه ليخذلنّهم
الله إلى يوم القيامة». وأنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس ، وتصبر
كما صبرت لمعاوية من قبل ، فلعل الله أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين. فقال له
الحسين عليهالسلام : يا أبا عبد الرحمن ، أنا أبايع يزيد وأدخل في صلحه ، وقد
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه وفي أبيه ما قاله؟!.
٤٨٧ ـ محاورة
الحسين عليهالسلام مع عبد الله بن عباس ، وبيان فضله عليهالسلام وما فعله به الناس : (مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩١)
فقال ابن عباس :
صدقت يا أبا عبد الله ، قد قال النبي : «ما لي وليزيد ، لا بارك الله في يزيد ،
فإنه يقتل ولدي وولد ابنتي الحسين بن علي عليهماالسلام ، فو الذي نفسي بيده لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا
يمنعونه إلا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم». ثم بكى ابن عباس وبكى معه الحسين عليهالسلام ، ثم قال له : يابن عباس أتعلم أني ابن بنت رسول الله؟.
فقال : الله م نعم ، لا نعرف في الدنيا أحدا هو ابن بنت رسول الله غيرك ، وأنّ
نصرك لفرض على هذه الأمة كفريضة الصيام والزكاة ، التي لا تقبل إحداهما دون
الأخرى. فقالعليهالسلام : يابن عباس فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من وطنه وداره ، وموضع قراره ومولده ، وحرم رسوله ،
ومجاورة قبره ومسجده ، وموضع مهاجرته ، وتركوه خائفا مرعوبا لا يستقر في قرار ،
ولا يأوي إلى وطن ، يريدون بذلك قتله وسفك دمه ، وهو لم يشرك بالله شيئا ولا اتخذ
دون الله وليا ، ولم يتغيّر عما كان عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وخلفاؤه من بعده. فقال ابن عباس : ما أقول فيهم إلا أنهم
كفروا بالله ورسوله ، لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى (يُراؤُنَ النَّاسَ
وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً
(١٤٢)
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) (١٤٣) [النساء :
١٤٢ ـ ١٤٣] فعلى مثل هؤلاء تنزل البطشة الكبرى.
وأما أنت أبا عبد
الله ، فإنك رأس الفخار : ابن رسول الله ، وابن وصيه ، وفرخ الزهراء نظيرة البتول
، فلا تظن يابن رسول الله بأن الله غافل عما يعمل الظالمون ، وأنا أشهد أن من رغب
عن مجاورتك ومجاورة بنيك ، فما له في الآخرة من خلاق.
فقال الحسين عليهالسلام : اللهم اشهد. فقال ابن عباس : جعلت فداك يابن رسول الله
كأنك تنعى إليّ نفسك ، وتريد مني أن أنصرك ، فوالله الّذي لا إله إلا هو لو ضربت
بين يديك بسيفي حتّى ينقطع ، وتنخلع يداي جميعا ، لما كنت أبلغ من حقك عشر العشير.
وها أنا بين يديك فمرني بأمرك.
فقال ابن عمر :
الله م عفوا ، ذرنا من هذا يابن عباس.
ترجمة عبد الله بن عباس
قال السيد إبراهيم
الميانجي في (العيون العبرى) ص ٥٤ :
عبد الله بن
العباس بن عبد المطلب ، ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وهو حبر الأمة وعالمها ، دعا له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالفقه والحكمة والتأويل ، مقبول من الطرفين. وكان محبا
لعليعليهالسلام وتلميذه. حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليهالسلام أشهر من أن يخفى.
ولد في الشّعب قبل
الهجرة بثلاث سنين ، ومات بالطائف سنة ٦٨ ه في فتنة ابن الزبير ، وكان قد كفّ
بصره في أواخر حياته وعمره سبعون سنة.
وصلى عليه محمّد
بن الحنفية ، وضرب على قبره فسطاطا (انظر المعارف لابن قتيبة). وقال المسعودي في (مروج
الذهب) : ذهب بصر ابن عباس لبكائه على علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهالسلام ، وهو الّذي يقول :
إن يأخذ الله من
عينيّ نورهما
|
|
ففي لساني وقلبي
منهما نور
|
قلبي ذكي وعقلي
غير مدّخل
|
|
وفي فمي صارم
كالسيف مشهور
|
وقال مسروق كما في
(التنقيح) : كنت إذا رأيت عبد الله بن عباس قلت : أجمل الناس ؛ فإذا حدّث قلت :
أعلم الناس ؛ فإذا تكلم قلت : أفصح الناس!.
وفي (تذكرة الخواص)
لسبط ابن الجوزي ، عن علي عليهالسلام قال :
لله درّ ابن عباس
، فإنه ينظر من ستر رقيق.
ترجمة عبد الله بن الزبير بن العوّام
كان يكنّى أبا بكر
وأبا حبيب. ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا. طلب الخلافة لنفسه بالحجاز ، فسار إليه
الحجّاج فحاصره بمكة خمسة أيام ، ثم أصابته رميّة فمات في البيت الحرام. وهو الكبش
الّذي تنبّأ به أمير المؤمنين عليهالسلام أنه ستنتهك به حرمة البيت. وبعد أن قتل أمر بصلبه فصلب
بمكة ، وكان ذلك سنة ٧٣ ه.
|
(انظر المعارف لابن قتيبة)
|
٤٨٨ ـ عداوة ابن
الزبير لأهل البيت عليهمالسلام :
(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان الشيرازي ، ص ١٣٩)
عن سعيد بن جبير
أن ابن عباس دخل على ابن الزبير ، فقال له ابن الزبير : إلام تؤنبّني وتعنّفني؟.
فقال ابن عباس : إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول :
«بئس المسلم يشبع
ويجوع جاره». وأنت ذلك الرجل. فقال ابن الزبير : والله إني لأكتم بغضكم أهل هذا
البيت منذ أربعين سنة ، وتشاجرا.
فخرج ابن عباس من
المدينة مكرها ، فأقام بالطائف حتّى مات.
وفي (مقتل
الخوارزمي) ج ٢ ص ٢٥١ :
وبقي عبد الله بن
الزبير يجدّ في مناوأة محمّد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وبقية أهل البيت عليهمالسلام ، حتّى حبسهما إذ لم يجيباه إلى البيعة.
وحين تلاسن مع عبد
الله بن عباس بعد مقتل المختار ، قال ابن الزبير له : لقد علمت أنك ما زلت لي
ولأهل بيتي مبغضا ، ولا زلت لكم يا بني هاشم منذ نشأت مبغضا ، ولقد كتمت بغضكم
أربعين سنة. فقال ابن عباس له : فازدد في بغضنا ، فوالله ما نبالي أحببتنا أم
أبغضتنا!.
ثم خرج ابن عباس
ومحمد بن الحنفية وأصحابهما من مكة إلى الطائف. فلم يزل ابن عباس بالطائف حتّى
أدركته الوفاة ، فصلى عليه محمّد بن الحنفية رضي الله عنه ودفنه هناك سنة ٦٨ ه ،
وهو ابن ٧٢ سنة.
وبقي بعده محمّد
في الطائف. وذكر القتيبي أن محمدا توفي أيضا بالطائف سنة ٨٢ ه ، وهو ابن ٦٥ سنة.
٤٨٩ ـ محاورة
الحسين عليهالسلام مع عبد الله بن عمر ، وبيان أن الله سبحانه سينتقم من
قتلته كما انتقم من بني إسرائيل :
(مقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٩٢)
ثم أقبل ابن عمر
على الحسين عليهالسلام وقال له : مهلا أبا عبد الله عما أزمعت عليه ، وارجع معنا
إلى المدينة ، وادخل في صلح القوم ، ولا تغب عن وطنك وحرم جدك ، ولا تجعل لهؤلاء
القوم الذين لا خلاق لهم ، على نفسك حجة وسبيلا. وإن أحببت أن لا تبايع فإنك متروك
حتّى ترى رأيك ، فإن يزيد ابن معاوية عسى ألا يعيش إلا قليلا ، فيكفيك الله أمره.
فقال الحسين عليهالسلام : أفّ لهذا الكلام أبدا ما دامت السموات والأرض. أسألك
بالله يا أبا عبد الرحمن أعندك أني على خطأ من أمري هذا؟. فإن كنت على خطأ فردّني
عنه ، فإني أرجع وأسمع وأطيع. فقال ابن عمر : الله م لا ، ولم يكن الله تبارك
وتعالى ليجعل ابن بنت رسوله على خطأ [يعترف له بالعصمة] ، وليس مثلك في طهارته
وموضعه من الرسول ، أن يسلّم على يزيد بن معاوية باسم الخلافة. ولكن أخشى أن يضرب
وجهك هذا الجميل بالسيوف ، وترى من هذه الأمة ما لا تحب. فارجع معنا إلى المدينة ،
وإن شئت أن لا تبايع فلا تبايع أبدا ، واقعد في منزلك. فقال له الحسين عليهالسلام : هيهات يابن عمر ، إن القوم لا يتركوني ، إن أصابوني وإن
لم يصيبوني ، فإنهم يطلبوني أبدا حتّى أبايع وأنا كاره أو يقتلوني.
ألا تعلم أبا عبد
الرحمن أن من هوان هذه الدنيا على الله أن يؤتى برأس يحيى ابن زكريا إلى بغيّ من
بغايا بني إسرائيل ، والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضرّ ذلك يحيى بن زكريا بل
ساد الشهداء ، فهو سيدهم يوم القيامة .
وفي رواية ابن نما
: «وإن رأسي يهدى إلى بغيّ من بغايا بني أمية».
ألا تعلم أبا عبد
الرحمن أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى
__________________
طلوع الشمس سبعين
نبيا ، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يصنعوا شيئا ، فلم يعجّل
الله عليهم ، ثم أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر ذي انتقام . فاتّق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعنّ نصرتي واذكرني في صلاتك ، فوالذي بعث جدي محمداصلىاللهعليهوآلهوسلم بشيرا ونذيرا لو أن أباك عمر بن الخطاب أدرك زماني لنصرني
كما نصر جدي ، ولقام من دوني كقيامه من دون جدي. يابن عمر فإن كان الخروج معي يصعب
عليك ويثقل ، فأنت في أوسع العذر ، ولكن لا تتركنّ لي الدعاء في دبر كل صلاة ،
واجلس عن القوم ، ولا تعجل بالبيعة لهم حتّى تعلم ما تؤول إليه الأمور.
وفي (المنتخب)
للطريحي ، ص ٣٨٩ :
ثم قال عليهالسلام : يا عبد الله ، اتّق الله ولا تدعنّ نصرتي ، ولا تركنن
إلى الدنيا ، لأنها دار لا يدوم فيها نعيم ، ولا يبقى أحد من شرها سليم. متواترة
محنها ، متكاثرة فتنها. أعظم الناس فيها بلاء الأنبياء ، ثم الأئمة الأمناء ، ثم
المؤمنون ، ثم الأمثل فالأمثل.
٤٩٠ ـ وصية الحسين
عليهالسلام لابن عباس وذكره بخير ، وبيان إقامته في مكة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٣)
ثم أقبل الحسين عليهالسلام على ابن عباس رضي الله عنه وقال له : وأنت يابن عباس ابن
عم أبي ، ولم تزل تأمر بالخير مذ عرفتك ، وكنت مع أبي تشير عليه بما فيه الرشاد
والسداد. وقد كان أبي يستصحبك ويستنصحك ويستشيرك وتشير عليه بالصواب ، فامض إلى
المدينة في حفظ الله ، ولا تخف عليّ شيئا من أخبارك ، فإني مستوطن هذا الحرم ومقيم
به ، ما رأيت أهله يحبونني وينصرونني ، فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم ،
واستعصمت بالكلمة التي قالها إبراهيم يوم ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل ،
فكانت النار عليه بردا وسلاما.
__________________
فبكى ابن عباس
وابن عمر ذلك الوقت بكاء شديدا ، وبكى الحسين عليهالسلام معهما ، ثم ودّعهما. فصار ابن عباس وابن عمر إلى المدينة.
٤٩١ ـ عزل الوليد
بن عتبة عن المدينة ، وضمّ مكة والمدينة بإمرة عمرو ابن سعيد بن العاص (الأشدق):
بعد أن بلغ يزيد
تسامح الوليد بن عتبة مع الحسين عليهالسلام وضعفه في التصرف في الأمور ، عزله عن المدينة وأقرّ عليها
عمرو بن سعيد بن العاص المعروف (بالأشدق) والي مكة ، فأصبحت مكة والمدينة تحت
إمرته ، فقدم المدينة في شهر رمضان سنة ٦٠ ه.
٤٩٢ ـ بشارات
مشؤومة بقدوم الوالي الجديد إلى المدينة :
(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ج ٢ ص ٣)
قال : وذكروا أنه
لما بويع يزيد بن معاوية ، خرج الحسين عليهالسلام حتّى قدم مكة ، فأقام هو وابن الزبير.
قال : وقدم عمرو
بن سعيد بن العاص في رمضان أميرا على المدينة وعلى الموسم ، وعزل الوليد بن عتبة.
فلما استوى على المنبر رعف ، فقال أعرابي مستقبله : مه مه!. جاءنا والله بالدم.
فتلقاه رجل بعمامته ، فقال : مه!. عمّ والله الناس. ثم قام يخطب ، فناوله آخر عصا
لها شعبتان ، فقال الأعرابي : مه!. شعب والله أمر الناس. ثم نزل.
ترجمة عمرو بن سعيد (الأشدق)
قتله عبد الملك بن
مروان بيده سنة ٧٠ ه. وذلك أنه بايع عبد الملك كرها ، فلما خرج عبد الملك إلى
قتال الزبير خالفه عمرو إلى دمشق ، فغلب عليها وبايعه أهلها بالخلافة. وذكر الطبري
أنه لما صعد المنبر خطب الناس فقال : إنه لم يقم أحد من قريش قبلي على هذا المنبر
إلا زعم أن له جنة ونارا ، يدخل الجنة من أطاعه والنار من عصاه ، وإني أخبركم أن
الجنة والنار بيد الله ، وأنه ليس إليّ من ذلك شيء ، وأن لكم عليّ حسن المواساة.
قال : فرجع عبد
الملك وحاصره ، ثم خدعه وآمنه ، ثم غدر به فقتله. فيقال إنه ذبحه بيده. وكان عمرو
أول من أسرّ البسملة في الصلاة مخالفة لابن الزبير ، لأنه كان يجهر بها (روى ذلك
الشافعي وغيره بإسناد صحيح).
قال ابن حجر : وقد
أخطأ من زعم أن له رؤية [أي للنبي] ، فإن أباه لا تصحّ له صحبة. بل يقال إن له
رؤية وأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما مات كان له نحو ثمان سنين. وقال أبو حاتم : ليست له
صحبة. ويقال : كان يلقّب لطيم الشيطان.
(تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ج ٨ ص ٣٨)
مراسلة البصريين والكوفيين
٤٩٣ ـ اجتماع
الشيعة في البصرة بدار مارية بنت سعدة :
(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٤ ص ٢١)
لما بلغت أخبار
الحركة الحسينية إلى البصرة ، اجتمع الشيعة في بيت إحدى النساء العاملات في حقل
السياسة ، وكانت توالي أهل البيت عليهمالسلام. وقرروا نصرة الحسين عليهالسلام والبيعة له ومكاتبته بذلك.
وقد ذكر ابن
الأثير هذا الاجتماع وسجّله في كتابه (الكامل) قال :
واجتمع ناس من
الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبد القيس ، يقال لها : مارية بنت سعدة ، وكانت
تتشيّع ، وكان منزلها لهم مألفا يتحدثون فيه. فعزم يزيد بن بنيط على الخروج إلى
الحسين عليهالسلام وهو من عبد القيس ، وكان له بنون عشرة ، فقال لهم : أيّكم
يخرج معي؟. فخرج معه ابنان له : عبد الله وعبيد الله ، فساروا فقدموا عليه بمكة.
ثم ساروا معه فقتلوا معه.
تعليق :
سنرى في الفقرة
التالية كيف أن الإمام الحسين عليهالسلام بعث برسالة إلى أهل الأخماس في البصرة ، يطلب منهم فيها
بيعته ونصرته ، وقد كان ذلك ابتداء منه دون أن يكاتبوه ، ولو أن أهل الكوفة لم
يكاتبوه لابتدأهم أيضا بالدعوة.
وهذا يدل على أن
الإمام الحسين عليهالسلام كان هدفه في نهضته هو إقامة الدولة الإسلامية ، وليس
الذهاب إلى كربلاء ليستشهد كما توهّم البعض. وأما علمه بمصيرة المحتوم ، فلا يثنيه
عن تكليفه الشرعي.
٤٩٤ ـ كتاب الحسين
عليهالسلام إلى أهل البصرة يستحثهم على نصرته ، وخبر مقتل الرسول
سليمان :
(مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٥٩)
وفي مكة كتب
الحسين عليهالسلام نسخة واحدة إلى رؤساء الأخماس بالبصرة ، وهم مالك بن مسمع البكري ، والأحنف بن قيس ،
والمنذر بن الجارود ، ومسعود ابن عمرو ، وقيس بن الهيثم ، وعمرو بن عبيد بن معمّر.
وأرسله مع مولى له يقال له سليمان ، وفيه : أما بعد فإن الله اصطفى محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم من خلقه وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته ، ثم قبضه إليه وقد
نصح لعباده وبلّغ ما أرسل به صلىاللهعليهوآله ، وكنا أهله وأولياءه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس ،
فاستأثر علينا قومنا بذلك ، فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنا
أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه. وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب ، وأنا
أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، فإن السّنّة قد أميتت ، والبدعة قد أحييت. فإن
تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد.
فسلّم المنذر بن
الجارود العبدي رسول الحسين إلى ابن زياد ، فصلبه عشية الليلة التي خرج في صبيحتها
إلى الكوفة ليسبق الحسين إليها . وكانت ابنة المنذر (بحرية) زوجة ابن زياد ، فزعم أن يكون
الرسول دسيسا من ابن زياد. (وفي رواية مقتل أبي مخنف ، ص ٢٣) قال : «ولم يبق أحد
من الأشراف إلا قرأ الكتاب وكتمه ، ما خلا المنذر بن الجارود ، وكانت ابنته تحت
ابن زياد ، فلما قرأ الكتاب قبض الرسول وأدخله على ابن زياد ، فضربت عنقه ، وكان
أول رسول قتل في الإسلام» .
قال ابن كثير في (البداية
والنهاية) ج ٦ ص ١٦٥ ، بعد إيراده هذا الكتاب : «وعندي في صحة هذا عن الحسين عليهالسلام نظر ، والظاهر أنه مطرّز بكلام مزيد من
__________________
بعض رواة الشيعة».
يقصد بذلك قوله عليهالسلام : وكنا أهله وأولياءه ، وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس
، فاستأثر علينا قومنا بذلك ...
٤٩٥ ـ خطاب مسعود
بن عمرو في قومه من بني حنظلة بعد وصول كتاب الحسين عليهالسلام : (مقتل المقرّم ، ص ١٦٠)
وأما مسعود بن
عمرو (هذا في تاريخ الطبري وابن الأثير ، وفي مثير الأحزان لابن نما : يزيد بن
مسعود) فإنه جمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد ، وخطب فيهم قائلا : يا بني تميم ،
إن معاوية مات فأهون به والله هالكا ومفقودا. ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم
، وتضعضعت أركان الظلم. وكان قد أحدث بيعة عقد بها أمرا ، ظنّ أنه قد أحكمه ،
وهيهات والذي أراد. اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل. وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس
الفجور يدّعي الخلافة على المسلمين ، ويتأمّر عليهم بغير رضى منهم ، مع قصر حلم
وقلة علم ، لا يعرف من الحق موطئ قدميه. فأقسم بالله قسما مبرورا ، لجهاده على
الدين أفضل من جهاد المشركين. وهذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن رسول الله ،
ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل ، له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف ، وهو أولى بهذا
الأمر لسابقته وسنّه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ويحسن إلى الكبير. فأكرم به
راعي رعية ، وإمام قوم وجبت لله به الحجة ، وبلغت به الموعظة. فلا تعشوا عن نور
الحق ، ولا تسكّعوا في وهد الباطل. فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل ، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن بنت رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونصرته. والله لا يقصر أحد عن نصرته إلا أورثه الله تعالى
الذل في ولده والقلة في عشيرته ، وهأنذا قد لبست للحرب لامتها ، وادّرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ، ومن يهرب لم يفت.
فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب ... فتكلمت بنو حنظلة فقالوا : أبا خالد ، نحن نبل
كنانتك وفرسان عشيرتك ، إن رميت بنا أصبت ، وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض والله
غمرة إلا خضناها ، ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ونقيك
بأبداننا.
__________________
٤٩٦ ـ كتاب مسعود
بن عمرو إلى الحسين عليهالسلام :
(مقتل المقرم ص ١٦٢)
ثم كتب مسعود بن
عمرو إلى الحسين عليهالسلام :
أما بعد فقد وصل
إليّ كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك ، والفوز بنصيبي
من نصرتك. وإن الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير ، ودليل على سبيل نجاة.
وأنتم حجة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه. تفرعتم من زيتونة أحمدية ، هو أصلها
وأنتم فرعها. فاقدم سعدت بأسعد طائر ، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشدّ
تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذلّلت لك رقاب بني
سعد ، وغسلت درن قلوبها بماء مزن حين استهلّ برقها فلمع.
فلما قرأ الحسين عليهالسلام الكتاب قال : مالك آمنك الله من الخوف ، وأعزّك وأرواك يوم
العطش الأكبر.
ولما تجهّز مسعود
بن عمرو إلى المسير ، بلغه قتل الحسين عليهالسلام ، فاشتدّ جزعه وكثر أسفه ، لفوات الأمنيّة من السعادة
بالشهادة .
(أقول) : ولعمري
هكذا تكون النصرة ، وهكذا تكون الولاية.
٤٩٧ ـ الكوفة على
فوهة بركان :
(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ٧٥)
كان الحسين عليهالسلام أمر شيعته في الكوفة معقل أبيه ، بالتريّث وعدم التسرع ،
مادام معاوية حيا ، وذلك رعاية للظروف وإحكاما لخطة الثورة. فلما مات معاوية ماجت
الكوفة بأهلها ، وحدثت بها هزة سياسية. وبدأ أهل الكوفة بمراسلة الإمام الحسين عليهالسلام يستقدمونه لإمرة المسلمين.
فعقدوا أول اجتماع
لهم في دار سليمان بن صرد الخزاعي ، أحد زعماء الشيعة وشجعان العرب المشهورين.
وبعد وصول آلاف
الكتب من العراق ، كان على الحسين عليهالسلام واجب النهوض لإنقاذ المسلمين من براثن الظالمين ، فيحقّ
الحقّ ويبطل الباطل. وكانت استجابته سريعة ، لأنه وجد أن المناخ ملائم.
__________________
٤٩٨ ـ مراسلة
الكوفيين للحسين عليهالسلام يستعجلونه بالقدوم إليهم :
(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٩٤ ط أولى مصر)
اجتمع سليمان بن
صرد والمسيّب بن نجبة ورفاعة بن شدّاد وحبيب بن مظاهر من الكوفة ، وكتبوا كتابا
للحسين عليهالسلام. ثم سرّحوا بالكتاب مع عبد الله بن سبيع الهمداني وعبد
الله بن وال. ثم سرّحوا إليه قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن ابن عبد الله بن
الكدن الأرحبي وعمارة بن عبيد السلولي. فأخذوا معهم نحوا من ٥٣ صحيفة من الرجل
والاثنين والأربعة. ثم سرّحوا إليه شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر ويزيد بن الحارث
ويزيد بن رويم وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي ...
وتلاقت الرسل كلها عنده. وذكر المقرم في مقتله ، ص ١٦٣ «أن الكتب تكاثرت عليه حتّى
ورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب ، واجتمع عنده من نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب».
فقرأ الكتب وسأل الرسل عن أمر الناس. ثم كتب جوابا وأرسله مع هانئ بن هانئ وسعيد
بن عبد الله الحنفي.
٤٩٩ ـ خطاب سليمان
بن صرد الخزاعي بالشيعة في منزله بالكوفة :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٣)
لما علمت الشيعة
في الكوفة بنزول الحسين عليهالسلام مكة ، اجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي. فلما
تكاملوا في منزله قام فيهم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي فصلى عليه ،
ثم ذكر أمير المؤمنين ومناقبه وترحم عليه. ثم قال :
يا معشر الشيعة ،
إنكم علمتم أن معاوية قد هلك ، فصار إلى ربه ، وقدم على عمله ، وسيجزيه الله تعالى
بما قدّم من خير وشر ، وقد قعد بموضعه ابنه يزيد. وهذا الحسين بن علي عليهالسلام قد خالفه ، وصار إلى مكة هاربا من طواغيت آل أبي سفيان. وأنتم
شيعته وشيعة أبيه من قبله ، وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم ، فإن كنتم تعلمون أنكم
ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا له ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من
نفسه.
فقال القوم : بل
نؤويه وننصره ونقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه ، حتّى ينال حاجته.
ثم قال : فاكتبوا
إليه الآن كتابا من جماعتكم أنكم له كما ذكرتم ، وسلوه القدوم
عليكم. فقالوا :
أفلا تكفينا أنت الكتاب؟. قال : بل نكتب إليه جماعتكم. فكتب القوم إلى الحسين عليهالسلام :
١٠ شهر رمضان سنة ٦٠ ه
٥٠٠ ـ من كتاب
كتبه أهل الكوفة للحسين عليهالسلام بعد أن اجتمعوا في دار سليمان بن صرد :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٤)
(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). للحسين بن علي أمير المؤمنين ، من سليمان بن صرد والمسيّب
بن نجبة وحبيب بن مظاهر ورفاعة بن شدّاد وعبد الله بن وال وجماعة من المؤمنين.
سلام عليك ، أما بعد فالحمد لله الّذي قصم عدوّك وعدوّ أبيك من قبل ، الجبار
العنيد ، الغشوم الظلوم ، الّذي ابتزّ هذه الأمة أمرها ، وغصبها فيأها ، وتأمّر
عليها بغير رضى منها. ثم قتل خيارها ، واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين
جبابرتها وعتاتها ، فبعدا له كما بعدت ثمود. ثم إنه قد بلغنا أن ولده اللعين قد
تأمّر على هذه الأمة بلا مشورة ولا إجماع ، ولا علم من الخيار. وبعد فإنا مقاتلون
معك وباذلون أنفسنا من دونك ، فأقبل إلينا فرحا مسرورا ، مباركا منصورا ، سعيدا
سديدا ، إماما مطاعا ، وخليفة مهديا ، فإنه ليس علينا إمام ولا أمير إلا النعمان
بن بشير الأنصاري ، وهو في قصر الإمارة ، وحيد طريد ، لا نجتمع معه في جمعة ، ولا
نخرج معه إلى عيد ، ولا نؤدي إليه الخراج. يدعو فلا يجاب ، ويأمر فلا يطاع. ولو
بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه عنا حتّى يلحق بالشام . فاقدم علينا فلعل الله تعالى أن يجمعنا بك على الحق.
والسلام عليك يابن رسول الله وعلى أبيك وأخيك ورحمة الله وبركاته.
ثم طووا الكتاب
وختموه ودفعوه إلى عبد الله بن سبيع الهمداني وعبد الله ابن مسمع البكري (وقيل :
عبد الله بن وال) ، فخرجا مسرعين حتّى قدما على الحسين عليهالسلام بمكة لعشر من شهر رمضان .
__________________
فقرأ الحسين عليهالسلام كتاب أهل الكوفة ، فسكت ولم يجبهم بشيء.
٥٠١ ـ كتب أهل
الكوفة إلى الحسين عليهالسلام :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)
ثم بعث أهل الكوفة
بعدهما بيومين قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله ابن عبد الرحمن الأرحبي وعامر بن
عبيد السلولي وعبد الله بن وال التميمي ، ومعهم نحو من خمسين ومائة كتاب ، الكتاب
من الرجلين والثلاثة والأربعة ، يسألونه القدوم عليهم ، والحسين عليهالسلام يتأنى في أمره ، ولا يجيبهم في شيء.
ترجمة سليمان بن صرد الخزاعي
(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢٩)
كان سليمان بن صرد
خيّرا فاضلا ، له دين وعبادة. سكن الكوفة أول ما نزلها المسلمون. وكان له قدر وشرف
في قومه ، وشهد مع علي بن أبي طالب عليهالسلام مشاهده كلها.
قال سبط ابن
الجوزي في (تذكرة الخواص) : قال ابن سعد : سليمان بن صرد ، كنيته أبو المطرف ، صحب
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان اسمه (يسار) فسمّاه رسول الله (سليمان). وكان له
سنّ عالية وشرف في قومه. فلما قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تحوّل فنزل الكوفة ، وشهد مع علي عليهالسلام الجمل وصفين.
وكان في الذين
كتبوا إلى الحسين عليهالسلام أن يقدم الكوفة ، غير أنه لم يقاتل معه خوفا من ابن زياد [أو
أنه كان محبوسا عند ابن زياد حين حبس أربعة آلاف وخمسمائة لأنهم كاتبوا الحسين عليهالسلام]. ثم ندم سليمان بعد مقتل الحسين عليهالسلام ألا يكون قد استشهد معه ، فخرج هو والمسيّب بن نجبة
الفزاري وجميع من خذله ولم يقاتل معه ، في ثورة (التوّابين) ، وقالوا : ما لنا
توبة إلا أن نطلب بدم الحسين عليهالسلام. فخرجوا من الكوفة مستهل ربيع الآخر من سنة ٦٥ ه ، وولوا
أمرهم سليمان بن صرد وسمّوه أمير التوّابين. وساروا إلى عبيد الله بن زياد ، وكان
قد سار من الشام في جيش كبير يريد العراق ، فالتقوا (بعين الوردة) من أرض الجزيرة
في سورية ، وهي رأس العين من أعمال قرقيسيا.
وكان على أهل
الشام الحصين بن نمير ، فاقتتلوا ، فترجّل سليمان ، فرماه الحصين بسهم فقتله ،
فوقع وقال : فزت وربّ الكعبة. وقتل معه المسيّب بن نجبة ، فقطع رأسيهما وبعث بهما
إلى مروان بن الحكم في الشام. وكانت سنّ سليمان يوم قتل ثلاثا وتسعين (٩٣) سنة.
٥٠٢ ـ أحد كتب أهل
الكوفة إلى الحسين عليهالسلام :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط ٢ نجف)
ولما استقرّ
الحسين عليهالسلام بمكة وعلم به أهل الكوفة ، كتبوا إليه يقولون : إنا حبسنا
أنفسنا عليك ، ولسنا نحضر الصلاة مع الولاة ، فاقدم علينا فنحن في مائة ألف. فقد
فشا فينا الجور ، وعمل فينا بغير كتاب الله وسنة نبيّه. ونرجو أن يجمعنا الله بك
على الحق ، وينفي عنا بك الظلم ، فأنت أحقّ بهذا الأمر من يزيد وأبيه ، الّذي غصب
الأمة فيئها ، وشرب الخمور ولعب بالقرود والطنابير ، وتلاعب بالدين.
٥٠٣ ـ من كتاب
كتبه شيعة الكوفة للحسين عليهالسلام بواسطة هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)
ثم قدم عليه بعد (يومين)
هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي بكتاب ، وهو آخر ما ورد إليه من
أهل الكوفة ، وفيه :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. للحسين بن علي أمير المؤمنين من شيعته وشيعة
__________________
أبيه. أما بعد
فحيّهلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل يابن
رسول الله. فقد اخضرّ الجناب ، وأينعت الثمار ، وأعشبت الأرض ، وأورقت الأشجار. فاقدم
إذا شئت ، فإنما تقدم إلى جند لك مجنّدة والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبل.
فقال الحسين عليهالسلام لهانئ وسعيد : خبّراني من اجتمع على هذا الكتاب الّذي كتب
معكما؟. فقالا له : يابن رسول الله اجتمع عليه شبث بن ربعي ، وحجّار بن أبجر ،
ويزيد بن الحرث ، ويزيد بن رويم ، وعزرة بن قيس ، وعمرو ابن الحجاج ، ومحمد بن
عمير بن عطارد.
٥٠٤ ـ ما قاله
الحسين عليهالسلام وقد استخار الله في أمر السفر إلى العراق ، بعد توارد
الكتب عليه :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)
فعندها قام الحسين
عليهالسلام وتوضأ وصلّى ركعتين بين الركن والمقام ولما انفتل من صلاته سأل ربه الخير فيما كتب إليه أهل
الكوفة ، ثم رجع إلى الرسل فقال لهم : إني رأيت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في منامي ، وقد أمرني بأمر وأنا ماض لأمره. فعزم الله لي
بالخير ، فإنه ولي ذلك والقادر عليه.
ترجمة شبث بن ربعي
قال السيد إبراهيم
الموسوي في (وسيلة الدارين) ص ٨٧ ، على ما رواه ابن الأثير في (أسد الغابة) وابن
عبد البر في
(الاستيعاب) وابن
حجر العسقلاني في (الإصابة) : شبث بفتح أوله والموحدة ثم مثلثة ، ابن ربعي التميمي
اليربوعي ، أبو عبد القدوس ، له إدراك مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
وقال الدار قطني :
يقال إنه كان مؤذّن (سجاح) التي ادّعت النبوة ، ثم راجع الإسلام.
وقال هشام الكلبي
: كان من أصحاب علي عليهالسلام في صفين ، ثم صار مع الخوارج ، ثم تاب ، ثم كان فيمن قاتل
الحسين عليهالسلام.
وقال السماوي في (إبصار
العين) : وولده عبد القدوس المعروف بأبي الهندي الشاعر الزنديق السكّير. وسبطه
صالح بن عبد القدوس الزنديق الّذي قتله المهدي على الزندقة وصلبه على جسر بغداد.
(أقول) : يظهر من
سيرة (شبث بن ربعي) طبع المنافقين في التقلب والتغير. فلا غرابة إذا كان شبث أول
من كتب إلى الحسين عليهالسلام يدعوه إلى العراق ، ثم كان أول خارج عليه ، لا بل كان أحد
أصحاب رايات ابن زياد وقائد فرقة تعدادها أربعة آلاف فارس ، خرجت لقتال الحسين عليهالسلام في صعيد كربلاء. الله م إنا نعوذ بك من فساد السريرة وسوء
العاقبة!.
ترجمة حجّار بن أبجر
(إبصار العين للسماوي)
هو حجّار بن أبجر
بن جابر العجلي. أبوه (أبجر) نصراني مات على النصرانية بالكوفة ، فشيّعه بالكوفة :
النصارى لأجله ، والمسلمون لأجل ولده ، إلى الجبانة. وكان حجّار عازما على قتل
أمير المؤمنين عليهالسلام مشتملا على السيف الّذي ضربه به.
٥٠٥ ـ كتاب الحسين
عليهالسلام إلى أهل الكوفة ردا على كتبهم ، وفيه يخبرهم بإرسال مسلم
بن عقيل :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)
ولما اجتمع عند
الحسين عليهالسلام ما ملأ خرجين ، كتب إليهم كتابا واحدا دفعه إلى
هانئ بن هانئ
السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي ، وكانا آخر الرسل ، على هذا النحو : بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين ، سلام عليكم. أما بعد ، فإن هانئ بن
هانئ وسعيد بن عبد الله قدما عليّ من رسلكم ، وقد فهمت الّذي اقتصصتم وذكرتم ،
ولست أقصر عما أحببتم.
(وفي رواية) : «ومقالة جلّكم ، أنه ليس لنا إمام ، فأقبل لعل الله يجمعنا
بك على الهدى». وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي ، (وفي رواية) :
«وثقتي من أهل
بيتي» ، مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وخبركم ورأيكم
ورأي ذوي الحجى والفضل منكم ، وهو متوجه إليكم إنشاء الله ولا قوة إلا بالله. فإن
كنتم على ما قدمت به رسلكم ، وقرأت في كتبكم فقوموا مع ابن عمي وبايعوه ولا تخذلوه ، فلعمري ما الإمام
العامل بالكتاب القائم بالقسط ، كالذي يحكم بغير الحق ، ولا يهتدي سبيلا. جمعنا
الله وإياكم على الهدى ، وألزمنا كلمة التقوى ، إنه لطيف لما يشاء. والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.
٥٠٦ ـ ما قاله
الحسين عليهالسلام لمسلم بن عقيل حين قرر إنفاذه إلى الكوفة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٦)
ثم طوى الكتاب
وختمه ودعا بمسلم بن عقيل فدفع إليه الكتاب ، وقال : إني موجّهك إلى أهل الكوفة ،
وسيقضي الله من أمرك ما يحبّ ويرضى ، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء
، فامض ببركة الله وعونه ، حتّى تدخل الكوفة ، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها ،
وادع الناس إلى طاعتي ، فإن رأيتهم مجتمعين على بيعتي فعجّل عليّ بالخبر حتّى أعمل
على حسب ذلك إنشاء الله تعالى. ثم عانقه عليهالسلام وودعه وبكيا جميعا.
__________________
الفصل الرابع عشر
مسير مسلم بن عقيل
|
خرج من مكة في
منتصف شهر رمضان ووصل إلى الكوفة في ٥ شوال سنة ٦٠ ه واستشهد فيها يوم التروية
٨ ذي الحجة.
|
قال البلاذري في (أنساب
الأشراف) ج ٢ ص ٧٧ :
وكان مسلم بن عقيل
أرجل ولد عقيل وأكملهم ، ولذلك انتخبه الحسين عليهالسلام سفيرا له إلى العراق.
٥٠٧ ـ مسير مسلم
بن عقيل إلى المدينة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٦)
قال أخطب خوارزم :
خرج مسلم من مكة نحو المدينة مستخفيا ليلا ، لئلا يعلم أحد من بني أمية. فلما دخل
المدينة بدأ بمسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فصلى ركعتين.
٥٠٨ ـ ما حصل
لمسلم بن عقيل في طريقه إلى الكوفة :
(المصدر السابق)
ثم خرج مسلم في
جوف الليل وودّع أهل بيته ، واستأجر دليلين من قيس عيلان يدلّانه على الطريق ،
ويمضيان به إلى الكوفة على غير الجادة.
فخرج به الدليلان
من المدينة ليلا ، فسارا فأضلّا الطريق ، وجارا عن القصد. واشتدّ بهما العطش ،
فماتا جميعا عطشا. وصار مسلم بن عقيل ومن معه إلى الماء ، وقد كادوا أن يهلكوا
عطشا.
فكتب مسلم بن عقيل
إلى الحسين عليهالسلام :
(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). للحسين بن علي عليهالسلام من مسلم بن عقيل :
أما بعد فإني خرجت
من المدينة مع دليلين استأجرتهما ، فضلّا عن الطريق ، واشتدّ بهما العطش فماتا. ثم
إنا صرنا إلى الماء بعد ذلك ، وقد كدنا أن نهلك ، فنجونا بحشاشة أنفسنا ، وقد
أصبنا الماء بموضع يقال له المضيق (وفي رواية : المضيق من بطن الخبت ، وهو ماء
لبني كلب). وقد تطيّرت من وجهي الّذي وجّهتني فيه ، فرأيك في إعفائي عنه ،
والسلام.
٥٠٩ ـ جواب الحسين
عليهالسلام لمسلم : (المصدر السابق)
فلما ورد كتابه
على الحسين عليهالسلام علم أنه قد تشاءم وتطيّر من موت الدليلين ، وأنه جزع. فكتب
إليه :
(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). من الحسين بن علي عليهماالسلام إلى مسلم بن عقيل : أما بعد ، فقد خشيت أن لا يكون حملك
على الكتاب إليّ ، في الاستعفاء من وجهك الّذي أنت فيه ، إلا الجبن والفشل ، فامض
لما أمرت به ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فلما ورد كتاب
الحسين عليهالسلام على مسلم ، كأنه وجد [أي حزن] من ذلك في نفسه. فقال : لقد
نسبني أبو عبد الله إلى الجبن والفشل ، وهذا شيء لم أعرفه من نفسي ساعة قط.
وأقبل حتّى دخل
الكوفة.
٥١٠ ـ دخول مسلم
بن عقيل الكوفة ونزوله بدار المختار :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٧)
وكان مسلم قد خرج
من مكة للنصف من شهر رمضان ، ووصل الكوفة لخمس خلون من شوال. فنزل في دار مسلم بن
المسيب ، وهي دار المختار بن أبي عبيد الثقفي. (وفي البداية والنهاية لابن كثير ،
ج ٨ ص ١٦٥) : وقيل نزل في دار مسلم ابن عوسجة الأسدي.
البيعة
فجعلت الشيعة
تختلف إليه ، وهو يقرأ عليهم كتاب الحسين عليهالسلام ، والقوم يبكون شوقا إلى مقدم الحسين عليهالسلام.
(وفي تذكرة الخواص
لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٥ ط ٢ نجف) : ثم قالوا : والله لنضربنّ بين يديه بسيوفنا
حتّى نموت جميعا.
٥١١ ـ جرأة عابس
بن شبيب الشاكري وثباته : (المصدر السابق)
ثم تقدم إلى مسلم
رجل من همدان يقال له عابس الشاكري ، فقال : أما بعد ، فإني لا أخبرك عن الناس
بشيء ، فإني لا أعلم ما في أنفسهم ، ولكن أخبرك عما أنا موطّن عليه نفسي. إني
والله لأجيبنكم إذا دعوتم ، ولأقاتلن معكم عدوكم ، ولأضربنّ بسيفي دونكم أبدا حتّى
ألقى الله ، وأنا لا أريد بذلك إلا ما عنده.
ثم قام حبيب بن
مظاهر الأسدي (فقال : رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك) ثم قال : وأنا
والله الّذي لا إله إلا هو ، لعلى مثل ما أنت عليه. وتتابعت الشيعة على مثل كلام
هذين الرجلين. ثم بذلوا الأموال فلم يقبل مسلم منهم شيئا.
٥١٢ ـ كتاب مسلم
بن عقيل للحسين عليهالسلام بتوطّد الأمر :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٣٥ ط نجف)
وتسابق الناس على
بيعة مسلم بن عقيل ، حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا ، (وفي رواية) اثنا عشر
ألفا. فكتب مسلم إلى الحسين عليهالسلام كتابا يقول فيه :
أما بعد ، فإن
الرائد لا يكذب أهله ، وإن جميع أهل الكوفة معك ، وقد بايعني منهم
ثمانية عشر ألفا ، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا ، والسلام عليك ورحمة الله
وبركاته.
وأرسل الكتاب مع
عابس بن شبيب الشاكري وقيس بن مسهر الصيداوي .
يزيد وعماله في العراق
٥١٣ ـ خطبة
النعمان بن بشير في أهل الكوفة ، وموقفه المسالم من مسلم :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٧ ط نجف)
وبلغ النعمان بن
بشير قدوم مسلم بن عقيل الكوفة ، واجتماع الشيعة إليه ، والنعمان يومئذ أمير
الكوفة (وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقرّه يزيد عليها.
__________________
وكان من الصحابة
وابن رئيس الأنصار ، وحضر مع معاوية حرب صفين ، وكان من أتباعه).
فخرج من قصر
الإمارة مغضبا حتّى دخل المسجد الأعظم ، ونادى بالناس فاجتمعوا إليه. فصعد المنبر
، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
أما بعد يا أهل
الكوفة ، فاتقوا الله ربكم ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فإن فيها سفك الدماء
وقتل الرجال وذهاب الأموال. واعلموا أني لست أقاتل إلا من قاتلني ، ولا أثب بالقرف
والظنّة والتهمة ، غير أنكم أبديتم صفحتكم ، ونقضتم بيعتكم ، وخالفتم إمامكم. فإن
أنتم انتهيتم عن ذلك ورجعتم ، وإلا فوالذي لا إله إلا هو ، لأضربنكم بسيفي ما ثبت
قائمه بيدي ، ولو لم يكن منكم لي ناصر ؛ مع أني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم
أكثر ممن يريد الباطل.
فقام إليه (عبد
الله بن) مسلم بن سعيد الحضرمي (حليف بني أمية) فقال : أيها الأمير أصلحك الله (إنه
لا يصلح ما ترى إلا الغشم) ، إن هذا الّذي أنت عليه من رأيك ، إنما هو رأي
المستضعفين.
فقال له النعمان :
يا هذا لأن أكونن من المستضعفين في طاعة الله تعالى أحب إليّ من (أن) أكون من
الغاوين في معصية الله.
ثم نزل عن المنبر
ودخل قصر الإمارة.
٥١٤ ـ عيون يزيد
يخبرونه بالأمر :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٨)
فكتب عبد الله بن
مسلم إلى يزيد بن معاوية :
(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). لعبد الله يزيد أمير المؤمنين من شيعته من أهل الكوفة: أما
بعد ، فإن مسلم بن عقيل قدم الكوفة ، وبايعه الشيعة للحسين بن علي ، وهم خلق كثير.
فإن كان لك حاجة بالكوفة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ فيها أمرك ، ويعمل فيها كعملك
في عدوك ، فإن النعمان بن بشير ضعيف أو هو يتضعّف ، والسلام.
وكتب إليه أيضا
عمارة بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وعمر بن سعد ابن أبي وقاص بمثل ذلك.
٥١٥ ـ استشارة
يزيد كاتبه سرجون الرومي فيمن يولي على الكوفة :
(المصدر السابق)
فلما اجتمعت الكتب
عند يزيد ، دعا بغلام كان كاتبا عند أبيه ، يقال له (سرجون) فأعلمه بما ورد عليه (وفي
رواية ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٩ : سرجون مولى معاوية ، فأقرأه الكتب ، واستشاره فيمن
يوليه الكوفة. وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد). فقال له سرجون : أشير عليك
بما تكره. قال : وإن كرهت. قال : استعمل عبيد الله بن زياد على الكوفة. قال : إنه
لا خير فيه ـ وكان يبغضه ـ فأشر بغيره.
قال : لو كان
معاوية حاضرا أكنت تقبل قوله وتعمل (برأيه)؟. قال : نعم. قال : فهذا عهد عبيد الله
على الكوفة ، أمرني معاوية أن أكتبه ، فكتبته وخاتمه عليه ، فمات وبقي العهد عندي.
قال : ويحك فامضه.
٥١٦ ـ كتاب يزيد
إلى عبيد الله بن زياد بتعيينه على الكوفة :
(المصدر السابق)
وكتب : من عبد
الله يزيد أمير المؤمنين إلى عبيد الله بن زياد ، سلام عليك. أما بعد ، فإن
الممدوح مسبوب يوما ، وإن المسبوب ممدوح يوما ، ولك مالك ، وعليك ما عليك ، وقد
انتميت ونميت إلى كل منصب ، كما قال الأول :
رفعت فما نلت
السحاب تفوقه
|
|
فما لك إلا مقعد
الشمس مقعد
|
وقد ابتلي بالحسين
زمانك من بين الأزمان ، وابتلي به بلدك من بين البلدان ، وابتليت به (أنت من) بين
العمال ، وفي هذه تعتق أو تكون (وفي رواية : تعود) عبدا تعبد كما تعبد العبيد.
(وفي تاريخ
اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤٢) : «فإن قتلته ، وإلا رجعت إلى نسبك وإلى أبيك عبيد ، فاحذر
أن يفوتك».
وقد أخبرني شيعتي
من أهل الكوفة أن مسلم بن عقيل بالكوفة ، يجمع الجموع ويشقّ عصا المسلمين ، وقد
اجتمع إليه خلق كثير من شيعة أبي تراب.
فإذا أتاك كتابي
هذا ، فسر حين تقرؤه حتّى تقدم الكوفة فتكفيني أمرها ، فقد ضممتها إليك وجعلتها
زيادة في عملك.
وكان عبيد الله
أمير البصرة.
(وفي لواعج
الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٦ ط نجف) : كتب يزيد لابن زياد : أما بعد ، فإنه كتب
إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل فيها ، يجمع الجموع ليشقّ عصا
المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة ، فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة
، حتّى تثقبه ، فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسلام.
ثم دفع يزيد كتابه
إلى مسلم بن عمرو الباهلي ، وأمره أن يسرع السير إلى ابن زياد بالبصرة. فلما ورد
الكتاب إلى عبيد الله وقرأه ، أمر بالجهاز وتهيأ للمسير إلى الكوفة.
تعليق السيد مرتضى
العسكري على هذا الكتاب :
لعل يزيد يشير في
كتابه هذا إلى أن زيادا والد عبيد الله ، ولد من أبوين عبدين ، وهما : عبيد وسميّة
، وبعد أن ألحقه معاوية بأبيه أبي سفيان ، أصبح أمويا ومن الأحرار في حساب العرف
القبلي الجاهلي. وإن يزيد يهدد (عبيد الله) أنه إن لم يقم بواجبه في القضاء على
الحسين عليهالسلام فإنه سينفيه من نسب آل أبي سفيان ، فيعود عبدا.
(أقول) : كأن
الأنساب ملعبة بيد الحكام ، يديرونها كيفما شاؤوا وفق مصالحهم وأهوائهم.
٥١٧ ـ قتل أبي
رزين رسول الحسين عليهالسلام إلى أشراف البصرة :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٩)
وقد كان الحسين عليهالسلام كتب إلى رؤساء أهل البصرة وهم : الأحنف بن قيس ، ومالك بن
مسمع [البكري] ، والمنذر بن الجارود ، وقيس بن الهيثم ، ومسعود بن عمرو ، وعمرو بن
عبيد الله بن معمر ، يدعوهم لنصرته والقيام معه في حقه ، لكل واحد كتابا. فكل من
قرأ كتاب الحسين عليهالسلام كتمه ، إلا المنذر بن الجارود خشي أن يكون هذا الكتاب
دسيسا من ابن زياد ، وكانت بحرية بنت المنذر تحت عبيد الله بن زياد. فأتى ابن زياد
وأخبره ، فغضب وقال : من رسول الحسين إلى أهل البصرة؟ فقال المنذر : رسوله إليهم
مولى يقال له سليمان (أبو رزين). قال : فعليّ به ، فأتي به وكان مختفيا عند بعض
الشيعة بالبصرة. فلما رآه ابن زياد لم يكلمه بشيء ، دون أن قدّمه فضرب عنقه صبرا ،
ثم أمر بصلبه.
٥١٨ ـ خطبة ابن
زياد في أهل البصرة :
(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٩)
ثم صعد ابن زياد
المنبر فخطب في أهل البصرة ، فقال :
أما بعد ، فوالله
ما بي تقرن الصّعبة ، وما يقعقع لي بالشنّان ، وإني لنكل لمن عاداني ، وسهم لمن
حاربني ، وقد أنصف القارة من راماها.
يا أهل البصرة ،
إن أمير المؤمنين (يزيد) قد ولاني الكوفة ، وأنا غاد إليها بالغداة ، وقد استخلفت
عليكم أخي عثمان بن زياد ، فإياكم الخلاف والإرجاف. فوالله لئن بلغني عن رجل منكم
خلاف لأقتلنّه وعريفه ووليه ، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تستقيموا ، ولا يكون
فيكم مخالف ولا مشاقّ. وإني أنا ابن زياد ، أشبهته من بين من وطئ الحصى ، فلم
ينتزعني شبه خال ولا عمّ.
إسراع ابن زياد إلى الكوفة
٥١٩ ـ ضمّ الكوفة
إلى البصرة :
(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٢٩٩)
وكان على الكوفة
النعمان بن بشير ، فخاف يزيد أن لا يقدم النعمان على الحسين عليهالسلام ، فكتب إلى عبيد الله بن زياد وهو على البصرة ، فضمّ إليه
الكوفة ، وقال له : إن كان لك جناحان فطر إلى الكوفة!. فبادر متعمما متنكّرا. ومرّ
في السوق ، فلما رآه السّفلة اشتدوا بين يديه ، يظنونه الحسين عليهالسلام وصاحوا : يابن رسول الله ، الحمد لله الّذي أراناك.
وقبّلوا يده ورجله. فقال : ما أشدّ ما فسد هؤلاء!.
ثم دخل المسجد ،
فصلى ركعتين ، وصعد المنبر وكشف لثامه.
٥٢٠ ـ مقدم عبيد
الله بن زياد إلى الكوفة ، والناس يظنونه الحسين عليهالسلام :
(مثير الأحزان للجواهري ، ص ١٦)
لما وصل إلى عبيد
الله في البصرة عهد يزيد على الكوفة ، تجهّز ابن زياد وتهيّأ من وقته للمسير إلى
الكوفة. وخرج في غد ، واستخلف أخاه عثمان بن زياد. وأقبل ابن زياد إلى الكوفة ومعه
مسلم بن عمرو الباهلي وشريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته. حتّى دخل الكوفة
مما يلي النجف ، وعليه عمامة سوداء ، وهو متلثّم.
فقالت امرأة :
الله أكبر ، ابن رسول الله وربّ الكعبة. فتصايح الناس وقالوا : إنا معك أكثر من
أربعين ألفا. وازدحموا حتّى أخذوا بذنب دابته.
وكان الناس قد
بلغهم إقبال الحسين عليهالسلام إليهم وهم ينتظرونه ، فظنوا أنه الحسينعليهالسلام. فأخذ لا يمرّ على جماعة من الناس إلا سلّموا عليه ،
وقالوا : مرحبا بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم. فرأى من تباشرهم بالحسين عليهالسلام ما ساءه.
فقال مسلم الباهلي
لما أكثروا : تأخروا ، هذا الأمير عبيد الله بن زياد.
وسار حتّى وافى
القصر ليلا ومعه جماعة قد التفّوا به ، لا يشكّون أنه الحسين عليهالسلام. فأغلق النعمان بن بشير القصر عليه ...
٥٢١ ـ ابن زياد
يتزيّى بزيّ الحسين عليهالسلام ليخدع الناس :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٩)
فلما كان من الغد
نادى في الناس ، وخرج من البصرة يريد الكوفة ، ومعه أبو قتيبة مسلم بن عمرو
الباهلي ، والمنذر بن الجارود العبدي ، وشريك بن عبد الله الهمداني. فلم يزل يسير
حتّى بلغ قريبا من الكوفة ، ثم نزل.
ولما أمسى وجاء
الليل ، دعا بعمامة سوداء فاعتجر بها متلثما ، ثم تقلد سيفه وتوشح قوسه وتنكّب
كنانته ، وأخذ في يده قضيبا ، واستوى على بغلة له شهباء. وركب أصحابه ، وسار حتّى
دخل الكوفة عن طريق البادية ، وذلك في ليلة مقمرة ، والناس يتوقعون قدوم الحسين عليهالسلام. فجعلوا ينظرون إليه وإلى أصحابه ، وهو في ذلك يسلّم عليهم
، وهم لا يشكوّن في أنه الحسين بن علي عليهماالسلام ، فهم يمشون بين يديه ويقولون : مرحبا بك يابن رسول الله ،
قدمت خير مقدم. فرأى عبيد الله من تباشير الناس ما ساءه ، فسكت ولم يكلمهم ولا ردّ
عليهم شيئا. فتكلم مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال : إليكم عن الأمير يا ترابيّة ،
فليس هذا من تظنون ، هذا الأمير عبيد الله بن زياد ، فتفرق الناس عنه.
(وفي مروج الذهب
للمسعودي ، ج ٣ ص ٦٧) :
حتّى انتهى إلى
القصر وفيه النعمان بن بشير ، فتحصّن (النعمان) فيه ثم أشرف عليه ، فقال : يابن
رسول الله مالي ولك! [يظن القادم هو الحسين] ، وما حملك على قصد بلدي من بين
البلدان؟. فقال ابن زياد : لقد طال نومك يا نعيم ، وحسر اللثام
عن فيه فعرفه ،
ففتح له. وتنادى الناس : ابن مرجانة ، وحصبوه بالحصباء ، ففاتهم ودخل القصر.
(وفي لواعج
الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٨ ط نجف) :
ودخل عبيد الله بن
زياد الكوفة ليلا مسرعا ، وقد لبس ثيابا يمانية وعمامة سوداء ، وهو متلثّم ليوهم
الناس أنه الحسين عليهالسلام ، فلما رآه الناس ظنوه الحسين عليهالسلام فتصايحوا وقالوا : إنا معك أكثر من أربعين ألفا. وأخذ لا
يمرّ على جماعة من الناس إلا سلّموا عليه وقالوا : مرحبا بك يابن رسول الله ، قدمت
خير مقدم. وازدحموا عليه ، حتّى أتى قصر الإمارة.
وفي الصباح نادى
ابن زياد في الناس : الصلاة جامعة ، فخطب فيهم وهددهم وتوعّد منهم كل من يساعد
مسلم بن عقيل.
٥٢٢ ـ أول خطاب
لابن زياد في أهل الكوفة :
(أيام العرب في الإسلام لمحمد أبي الفضل إبراهيم ، ص ٤٠٤ ط ٤)
وأصبح ابن زياد
فجلس على المنبر ، وقال :
أما بعد ، فإن
أمير المؤمنين ولّاني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم
، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدة على مريبكم وعاصيكم ، وأنا متّبع فيكم
أمره ، ومنفّذ عهده ؛ فأنا لمحسنكم كالوالد البرّ ، ولمطيعكم كالأخ الشقيق ، وسيفي
وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليبق امرؤ على نفسه.
٥٢٣ ـ ابن زياد
يعامل الناس معاملة شديدة :
(المصدر السابق)
ثم نزل ، وأخذ
العرفاء والناس أخذا شديدا ، وقال : اكتبوا إلى الغرباء ومن فيكم من طلبة أمير
المؤمنين ، ومن فيكم من الحرورية [فريق من الخوارج] وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف
والشقاق ، فمن كتبهم لنا برئ ، ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في عرافته ؛
ألّا يخالفنا فيهم مخالف ، ولا يبغي علينا منهم باغ ؛ فمن لم يفعل برئت منه الذمة
، وحلال لنا دمه وماله. وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم
يرفعه إلينا ، صلب على باب داره ، وألغيت تلك العرافة من العطاء.
٥٢٤ ـ انتقال مسلم
إلى دار هانئ بن عروة :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٨)
فلما سمع مسلم بن
عقيل بمجيء عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التي قالها ، وما أخذ به العرفاء والناس
، خرج من دار المختار إلى دار هانئ بن عروة المرادي في جوف الليل ودخل في أمانه.
وأخذت الشيعة تختلف إلى دار هانئ سرا واستخفاء من عبيد الله ، وتواصوا بالكتمان.
وألحّ عبيد الله في طلب مسلم ، ولا يعلم أين هو.
وقد أورد ابن
قتيبة كيفية انتقال مسلم إلى دار هانئ برواية غريبة في
(الإمامة والسياسة)
ج ٢ ص ٤ قال :
وبايع للحسين مسلم
بن عقيل وأكثر من ثلاثين ألفا من أهل الكوفة ، فنهضوا معه يريدون عبيد الله بن
زياد ، فجعلوا كلما أشرفوا على زقاق انسلّ عنه منهم ناس ، حتّى بقي مسلم في شرذمة
قليلة.
قال : فجعل أناس
يرمونه بالآجر من فوق البيوت. فلما رأى ذلك دخل دار هانئ ابن عروة المرادي ، وكان
له فيهم رأي.
ابن زياد يعتمد على نظام العرافة
٥٢٥ ـ نظام
العرافة في صدر الإسلام :
(الفن الحربي في صدر الإسلام لعبد الرؤوف عون ، ص ١١٠)
قال عبد الرؤوف
عون : فحين كثر أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قسّمهم عرافات ، وجعل على كل عشرة منهم عريفا.
فقد روى الطبري في
حديثه عن (القادسية) أن سعدا عرّف العرفاء ، فجعل على كل عشرة عريفا ، كما كانت
العرافات أزمان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وفي عهد عمر ، لما
اتسعت الفتوح ، وتبع ذلك كثرة الأجناد والأموال ، وضع عمر (الديوان) ورتّب العطاء
للناس جميعا. وجعل العرفاء أداته في توزيعه ، فكان العريف في المدنيين ينوب عن
القبيلة ، وفي الجند ينوب عن عشرة.
فلما كثر عدد
الناس ، جمع كل عدد من العرافات في (سبع) عليه أمير ، وسمّاهم (أمراء الأسباع) ،
فكان هؤلاء يأخذون العطاء ، فيدفعونه إلى العرفاء والنقباء والأمناء ، فيدفعونه
إلى أهله في دورهم.
٥٢٦ ـ العرفاء
والمناكب : (لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٠)
العرفاء : جمع
عريف كأمير ، وهو الرئيس. والظاهر أنه كان يجعل لكل قوم رئيس من قبل السلطان يطالب
بأمورهم ، يسمى العريف. وكان يجعل للعرفاء أيضا رؤساء يقال لهم : المناكب.
وفي كتاب (مع
الحسين في نهضته) لأسد حيدر ، ص ٩٨ :
العريف في اللغة :
هو من يعرّف أصحابه ، وهو القائم بأمور الجماعة من الناس ؛ يلي أمورهم ، ومنه
يتعرّف الأمير على أحوالهم. وكان لكل عشرة عريف ، وللعرفاء رئيس يدعى : أمير
الأعشار. فالعريف يقود خلية مؤلفة من عشرة أشخاص ، وأمير الأعشار يقود مجموعة
مؤلفة من مئة شخص ، وهو يقابل اليوم قائد سريّة.
٥٢٧ ـ نظام
العرافة : (حياة الإمام الحسين ، ج ٢ ص ٤٤٧)
قال السيد باقر
شريف القرشي : وكانت الدولة تعتمد على العرفاء ، فكانوا يقومون بأمور القبائل ،
ويوزعون عليهم العطاء. كما كانوا يقومون بتنظيم السجلات العامة التي فيها أسماء
الرجال والنساء والأطفال ، وتسجيل من يولد ليفرض له العطاء من الدولة ، وحذف
العطاء لمن يموت .
كما كانوا مسؤولين
عن شؤون الأمن والنظام. وكانوا في أيام الحرب يندبون الناس للقتال ويحثونهم على
الحرب ، ويخبرون السلطة بأسماء الذين يتخلفون عن القتال . وإذا قصّر العرفاء أو أهملوا واجباتهم ، فإن الحكومة
تعاقبهم أقسى العقوبات وأشدها .
ومن أهمّ الأسباب
في تفرّق الناس عن مسلم بن عقيل ، هو قيام العرفاء في تخذيل الناس عن الثورة ،
وإشاعة الإرهاب والأراجيف بين الناس كما كانوا السبب الفعال في زجّ الناس وإخراجهم لحرب الإمام
الحسين عليهالسلام.
__________________
٥٢٨ ـ التجنيد في
الدولة الأموية :
(الفن الحربي في صدر الإسلام لعبد الرؤوف عون ، ص ١٠١)
وكان التجنيد في
عهد الخلفاء الأولين إلزاميا من أجل الفتح الإسلامي ، لكنه فقد عنصر الإلزام أو
كاد بعد النكسة التي سببتها الحروب الأهلية. وصار المال أداة التجنيد في الدولة
الأموية ، وارتفع صوت الذهب فوق كل صوت. فكان الخليفة تكثر أجناده أو تقلّ ، تبعا
لكثرة المال في خزائنه أو قلته. وصار الخلفاء يسترضون الجند بصرف الأموال لهم
مقدّما ، وعزل من يطلبون عزله من الولاة.
ولم تقف روح
التهرب من الجندية عند حد ، بل سرت عدواها إلى الأمصار ، حتّى إلى (البصرة والكوفة)
وهما المعسكران اللذان كانا مصدر المدد الحربي للمسلمين ، ومنهما اتجهت الجيوش
شرقا حتّى اقتحمت على الفرس عاصمتهم ، ووطدت قدم الإسلام فيما وراء النهر إلى حدود
الصين. حتّى بلغ عدد الجند في (خراسان) وحدها أيام قتيبة بن مسلم سبعة وأربعين
ألفا (كما في رواية ابن الأثير) عدا ما كان في غيرها من المقاطعات الفارسية.
٥٢٩ ـ تنظيم الجيش
في الكوفة :
(حياة الإمام الحسين لباقر شريف القرشي ، ج ٢ ص ٤٤٥)
أنشئت الكوفة
لتكون معسكرا للجيوش الإسلامية. وقد نظّم الجيش فيها على أساس قبلي ، فكانوا
يقسمون في معسكراتهم باعتبار القبائل والبطون التي ينتمون إليها ، وقد رتّبت على
نظام الأسباع.
وفي سنة ٥٠ ه عمد
زياد بن أبيه حاكم العراق فغيّر ذلك وجعل التقسيم رباعيا ، فكان على النحو التالي
:
١ ـ أهل المدينة :
وجعل عليهم عمرو بن حريث.
٢ ـ تميم وهمدان :
وعليهم خالد بن عرفطة.
٣ ـ ربيعة بكر
وكندة : وعليهم قيس بن الوليد.
٤ ـ مذحج وأسد :
وعليهم أبو بردة بن أبي موسى [الأشعري].
وقد استعان عبيد
الله بن زياد بهذا التنظيم لقمع ثورة مسلم بن عقيل. كما تولى بعضهم قيادة الفرق
التي زجّها الطاغية لحرب الإمام الحسين عليهالسلام.
٥٣٠ ـ الجيش
النظامي والجيش الشعبي :
وكان هناك دائما
جيشان :
الأول جيش نظامي
عدده قليل ، ومهمته المحافظة على الوالي ، وكان ينتقى من غير العرب (الأعاجم
والموالي) لأنهم يخلصون للوالي أكثر من العرب ، ولا ينقادون لانتمائهم القبلي. وقد
كان هؤلاء يسمّون (الحمر) وهم من بقايا رستم ، أسلموا وتجندوا في الجيش الاسلامي ،
وعددهم أربعة آلاف ، وهم الذين خرجوا أول دفعة لحرب الحسين عليهالسلام بقيادة عمر بن سعد.
أما الجيش الآخر [الشعبي]
فهو يدعى عند الضرورة ومن أجل الفتوحات ، ويكون تنظيمه آنيا. وهو جيش شعبي يستنفر
من المسلمين للجهاد. وقد كانت الكوفة مركزا لتنظيم هذه الجيوش ودفعها للفتح في
مشارق البلاد.
ملفّ الكوفة
(مدينة الكوفة ـ مسجد الكوفة ـ قصر الإمارة)
٥٣١ ـ مدينة
الكوفة : (البلدان لليعقوبي ، ص ٩٢)
الكوفة مدينة
العراق الكبرى والمصر الأعظم وقبة الإسلام ودار هجرة المسلمين. وهي أول مدينة
اختطها المسلمون بالعراق في سنة ١٧ ه. وبها خطط العرب. وهي على معظم الفرات ،
ومنه يشرب أهلها. وهي من أطيب البلدان وأفسحها وأعذبها وأوسعها.
وعن الإمام علي عليهالسلام في قوله تعالى : (وَآوَيْناهُما إِلى
رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) [المؤمنون : ٥٠] ، الربوة : الكوفة ، والقرار : مسجدها ،
والمعين : الفرات.
٥٣٢ ـ تعريف بقصر
الإمارة بالكوفة : (تاريخ الكوفة للبراقي)
قصر الإمارة
بالكوفة بناه سعد بن أبي وقّاص ، وأمره عمر بن الخطاب أن يبني بجنبه مسجدا.

موقع القصر والمسجد شرق ميدان الكوفة

(الشكل ٥) : مخطط الكوفة القديمة
[مأخوذ من كتاب (خطط الكوفة وشرح خريطتها) للمسيو لويس ماسينيون]
هدم القصر عبد
الملك بن مروان لما وضع بين يديه رأس مصعب بن الزبير ، وقال له ما قال عبيد بن
عمير (والأصح عبد الملك بن عمير) فارتعد عبد الملك وقام من فوره وأمر بهدم القصر.
يقع القصر في الزاوية الجنوبية الشرقية من ميدان الكوفة ، بينما يقع المسجد في
الزاوية الشمالية الشرقية (انظر المخطط).
وفي (أضواء على
معالم محافظة كربلاء) ص ١١٢ :
يقع هذا القصر خلف
المسجد مباشرة ، وهو الآن في منخفض من الأرض. وعند ما بنى سعد بن أبي وقّاص مدينة
الكوفة سنة ١٧ ه بأمر عمر بن الخطاب ، شيّد بجانب المسجد دارا سميت بدار الإمارة
، تكون مقرا لأمير الكوفة. وتعتبر دار الإمارة أقدم ما عثر عليه من عمارات إسلامية
حتّى الآن في كافة الأقطار الإسلامية.
وتتألف دار
الإمارة من بناء مربع طول ضلعه ١١٠ م ومعدل سمك الجدران ١٨٠ سم ، وفي بعض أجزائه
ممران. وهذه الدار مشيّدة بالآجر والجص ، وفي كل ركن من أركانها توجد أبراج نصف
دائرية.
مسجد الكوفة :
وهو جامع واسع جدا
، يتسع لأكثر من ثلاثين ألفا من المصلين ، وهو الجامع الّذي ضرب في محرابه أمير
المؤمنين علي عليهالسلام (انظر الشكل ٦).
وهو الّذي صلى فيه مسلم بن عقيل حين جاء إلى الكوفة سفيرا للحسين عليهالسلام ، ثم نكثوا به البيعة وتخلوا عنه.
ونورد فيما يلي
تعريفا ببعض الأماكن الواقعة حول الكوفة :
٥٣٣ ـ القادسيّة :
مدينة صغيرة ذات
نخيل ومياه تقع على حافة البرية وحامة سواد العراق. وهي بليدة بينها وبين الكوفة
١٥ فرسخا (نحو ٨٠ كم) في طريق الحاج. وبها كانت وقعة القادسية المشهورة أيام عمر
بن الخطاب.
وفي (معجم البلدان)
لياقوت الحموي : القادس : السفينة العظيمة. والقادسية : بلدة بينها وبين الكوفة ١٥
فرسخا ، وبينها وبين العذيب أربعة أميال. قيل : سميت القادسية بقادس هراة.

(الشكل ٦)
مخطط مسجد الكوفة
ويظهر في أطرافه قبر هانئ ومسلم والمختار رضي الله عنهم
قال المدائني :
كانت القادسية تسمى قديسا ، وذلك أن إبراهيم عليهالسلام مرّ بها فرأى زهرتها ، ووجد هناك عجوزا فغسلت رأسه ، فقال
: قدّست من أرض ، فسميت (القادسية).

تقع القادسية جنوب
الكوفة ومنها
ينطلق طريق الحاج إلى
مكة
٥٣٤ ـ الحيرة :
مدينة كانت على
ثلاثة أميال من الكوفة (٦ كم) جنوبا ، على موضع يقال له النجف [هذا نجف الحيرة ، وليس
نجف الكوفة المعروفة] ، زعموا أن بحر فارس [لعل المقصود به الخليج العربي] كان
يتصل به. والنجف كان ساحل بحر الملح ، وكان في قديم الدهر يبلغ الحيرة.
ومعنى الحيرة في
اللغة السريانية (الحصن) ، وكانت الحيرة من أكبر مدن العصور السالفة. وهي منازل آل
(بقيلة) وغيرهم.
وكانت الحيرة مسكن
ملوك العرب في الجاهلية ، وبها كانت منازل ملوك بني نصر من لخم ، وهم آل النعمان
بن المنذر. وعلية أهل الحيرة نصارى ، وتكثر فيها الأديرة ، مثل دير علقمة ودير
اللّج ودير هند الصغرى ودير هند الكبرى ؛ بنتي النعمان بن المنذر ، ودير حتّه ودير
السّوا (أي العدل).
وبنى فيها
المناذرة بعد تنصّرهم القصور والكنائس الكبيرة والحصون المنيعة. وبنى فيها النعمان
بن المنذر قصرين شهيرين هما : الخورنق والسّدير.
ولقد مرّت على (الحيرة)
فترات من العمران والخراب. فلما مات بخت نصّر انضم عرب الحيرة إلى أهل الأنبار (مدينة
تسمى اليوم الرمادي ، وتقع على نهر الفرات) ، وبقي الحير خرابا زمانا طويلا ، لا
تطلع عليه طالعة من بلاد العرب. وبعد خمسمائة سنة عمّرت الحيرة في زمن عمرو بن عدي
، باتخاذه إياها مسكنا ، وظلت عامرة أكثر من خمسمائة سنة ، إلى أن جاء الفتح
الإسلامي وعمّرت (الكوفة) ونزلها المسلمون ، فأهملت الحيرة.
٥٣٥ ـ الخورنق
والسّدير :
إنما تكلمت عن
الحيرة ، والآن أتكلم عن الخورنق والسدير ، لأبيّن أن هذه المنطقة التي حول الكوفة
كانت مهد حضارات قديمة منذ أقدم العصور.
يقع قصر الخورنق
بالقرب من الحيرة مما يلي الشرق ، على بعد ثلاثة أميال (انظر الشكل ٧). والخورنق
تعريب للكلمة الفارسية (خورنكاه) ومعناها : محل الأكل.
والسّدير : قصر في
وسط البرية التي بينها وبين الشام.
وفي كتاب (العرب
قبل الإسلام) لجرجي زيدان ، ج ١ ص ٢٠٤ ط مصر ، قال :
كانت الحيرة على
شاطئ الفرات ، والفرات يدنو من أطراف البر حتّى يقرب من النجف ، فلما تبسّط
النعمان في العيش رأى أن يتّخذ مجلسا عاليا يشرف منه على المدينة ، فاتخذ الخورنق
على مرتفع يشرف منه على النجف ، وما يليه من البساتين والجنان والأنهار.
٥٣٦ ـ النّخيلة :
هي العباسية (في
كلام ابن نما) ، وتعرف اليوم بالعباسيات ، وهي قريبة من (ذي الكفل). وفي (اليقين)
لابن طاووس : أن النخيلة تبعد فرسخين عن الكوفة (انظر الشكل ٧).

(الشكل ٧) : مصور سواد الكوفة
[مأخوذ من كتاب (خطط الكوفة وشرح خريطتها) للمسيولويس ماسينيون]
٥٣٧ ـ النجف
والغريّ :
تقع النجف على بعد
٧ كم جنوب غرب الكوفة ، وترتفع ٣٦ مترا عن الكوفة الواقعة على الفرات. والنجف في
اللغة : التل ، لأنه عال. ووراء مدينة النجف البحيرة المعروفة ببحر النجف ، حيث
تنخفض الأرض انخفاضا هو أوطأ من مستوى نهر الفرات الموازي لها.
يقع بحر النجف من
جهة الجنوب الغربي من المدينة ، يبتدئ من نهر الفرات عند (أبي ضمير) وينتهي فوق
المدينة. ويغلب على الظن أن هذا البحر حصل هنا بتأثير زلزال انخفضت من جرائه الأرض
، فانسابت إليها مياه الفرات ، فتكونت هذه البحيرة ، التي عرضها عشرة كيلو مترات.
وكان اسم (النجف)
يطلق قديما على الجزء الغربي ـ المطلّ على البحيرة المالحة ـ من ذلك اللسان الّذي
تقع الكوفة في النقطة الشمالية الشرقية منه (من جهة الفرات). وهذه الذروة صارت في
عصر اللخميين تسمى (الغريّ). والغراء : الحسن ، ومنه الغريّ (كغنيّ) : الحسن
الوجه. والغري : البناء الجيد.
ومنه : الغريّان ،
وهما بناءان مشهوران بالكوفة عند الثويّة ، حيث قبر أمير المؤمنين عليهالسلام. زعموا أنهما بناهما بعض ملوك الحيرة ، حيث كان الأمير (ماء
السماء) قد نصب عليها عمودين : الغريّين.
محاولة قتل عبيد الله بن زياد
تضاربت الأخبار
حول محاولة قتل عبيد الله بن زياد. فبعض الروايات تقول إن هانئ بن عروة كان مريضا
منذ جاء ابن زياد إلى الكوفة ، فلما علم هانئ بزيارته طلب من مسلم بن عقيل وكان
عنده ، أن يغتال ابن زياد أثناء الزيارة. وهذه الرواية مستبعدة للأسباب التي
ستأتي.
وفي رواية أن أحد
أصحاب هانئ طلب منه قتل ابن زياد ، أثناء مجيء ابن زياد لعيادته ، فرفض.
وفي روايات أخرى
أن الّذي مرض هو شريك بن الأعور ، وكان مقيما في دار هانئ ، فطلب من مسلم قتل ابن
زياد أثناء عيادته له ، وأن هانئا ترجّى مسلما أن لا يقتله في داره ، وكذلك زوجة
هانئ توسّلت إليه بأن لا يقتله.
ويمكن التوفيق بين
هذه الروايات ، بأن عبيد الله بن زياد قد زار دار هانئ مرتين ، وذلك أن هانئ مرض
أولا فعاده ، ثم مرض شريك فزاره. ولا بدّ أن ذلك حصل قبل أن تتم مكيدة (معقل) مولى
ابن زياد ، وينكشف مكان مسلم.
٥٣٨ ـ علاقة شريك
بهانئ بن عروة :
(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٣٣)
وكان هانئ بن عروة
مواصلا لشريك بن الأعور البصري الّذي قام مع ابن زياد. وكان شريك ذا شرف بالبصرة
وخطر. فانطلق هانئ إليه حتّى أتى منزله ، وأنزله مع مسلم بن عقيل في الحجرة التي
كان فيها.
وكان شريك بن
الأعور من كبار الشيعة بالبصرة ، فكان يحثّ هانئا على القيام بأمر مسلم.
٥٣٩ ـ مرض هانئ : (الكامل
في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٦١)
ومرض هانئ بن عروة
بعد نزول مسلم بن عقيل عنده ، فأتاه عبيد الله يعوده. فقال عمارة بن عبد السلولي
لهانئ : إنما جماعتنا وكيدنا قتل هذا الطاغية ، وقد أمكنك الله ، فاقتله. فقال
هانئ : ما أحبّ أن يقتل في داري. وجاء ابن زياد فجلس عنده ، ثم خرج.
٥٤٠ ـ مرض شريك بن
الأعور : (المصدر السابق)
فما مكث إلا جمعة
حتّى مرض شريك بن الأعور ، وكان قد نزل على هانئ. وكان كريما على ابن زياد وعلى
غيره من الأمراء. وكان شديد التشيّع ، قد شهد صفين مع عمار. فأرسل إليه عبيد الله
: إني رائح إليك العشية. فقال لمسلم : إن هذا الفاجر عائدي العشية ، فإذا جلس اخرج
إليه فاقتله ، ثم اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه ، فإن برئت من وجعي ، سرت
إلى البصرة حتّى أكفيك أمرها. وعلامتك أن أقول : اسقوني ماء. ونهاه هانئ عن ذلك.
٥٤١ ـ هانئ يتوسّل
إلى مسلم بعدم قتل ابن زياد في داره ، ومسلم يتورّع عن قتله : (مخطوطة مصرع الحسين
ـ مكتبة الأسد)
هناك توسّل هانئ
إلى مسلم أن لا يقتل عبيد الله أثناء عيادته لشريك. فلما كان وقت الميعاد جاء عبيد
الله بن زياد ، ودخل مسلم الخباء ، وهمّ مسلم أن يخرج إليه ،
فوثب إليه هاني
وقال له : يا سيدي ناشدتك الله لا تفعل ذلك ، ولا تحدث في منزلنا حادثة ، فإن فيه
نسوة ضعافا وأطفالا صغارا فأخاف عليهم. فقال مسلم : معاذ الله أن يصاب أحد من
أجلنا بمكروه ، فنكون قد تقلدّنا إثمه. وقبل قول هاني وأطاع أمره وبقي على حاله.
فأبطأ ذلك على شريك ، فجعل يتمثّل بهذه الأبيات :
ما تنظرون بسلمى
لا تحيّوها
|
|
حيّوا سليمى
وحيّوا من يحيّيها
|
هل شربة عذبة
أسقى على ظمأ
|
|
ولو تلفت وكانت
منيتي فيها
|
وإن تخشّيت من
سلمى مراقبة
|
|
فلست تأمن يوما
من دواهيها
|
٥٤٢ ـ زيارة ابن زياد لشريك بن الأعور
في دار هانئ :
(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٣٤)
قال أبو حنيفة
الدينوري : ومرض شريك بن الأعور في منزل هانئ مرضا شديدا. وبلغ ذلك عبيد الله بن
زياد ، فأرسل إليه يعلمه أنه يأتيه عائدا.
فقال شريك لمسلم :
إنما غايتك وغاية شيعتك هلاك هذا الطاغية ، وقد أمكنك الله منه ، وهو صائر إليّ
ليعودني ، فقم فادخل الخزانة ، حتّى إذا اطمأن عندي ، فاخرج إليه فقاتله. ثم صر
إلى قصر الإمارة فاجلس فيه ، فإنه لا ينازعك فيه أحد من الناس. وإن رزقني الله
العافية صرت إلى البصرة ، فكفيتك أمرها ، وبايع لك أهلها.
فقال هانئ : ما
أحبّ أن يقتل في داري ابن زياد.
فقال له شريك :
ولم؟. فوالله إنّ قتله لقربان إلى الله.
ثم قال شريك لمسلم
: لا تقصّر في ذلك.
فبينا هم على ذلك
إذ قيل لهم : الأمير بالباب!. فدخل مسلم بن عقيل الخزانة. ودخل عبيد الله بن زياد
على شريك ، فسلّم عليه ، وقال : ما الذي تجد وتشكو؟. فلما طال سؤاله إياه ، استبطأ
شريك خروج مسلم ، وجعل يقول ويسمع مسلما :
ما تنظرون بسلمى
عند فرصتها
|
|
فقد وفى ودّها
واستوسق الصّرم
|
وجعل يردد ذلك.
__________________
فقال ابن زياد
لهانئ : أيهجر؟ (أي يهذي).
قال هانئ : نعم ،
أصلح الله الأمير ، لم يزل هكذا منذ أصبح.
ثم قام عبيد الله
وخرج. فخرج مسلم بن عقيل من الخزانة ، فقال شريك : ما الذي منعك منه إلا الجبن
والفشل؟!.
قال مسلم : منعني
منه خلّتان : إحداهما كراهية هانئ أن يقتل في منزله ، والأخرى قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن الإيمان قيد الفتك ، لا يفتك مؤمن بمؤمن» (يعني : إن
إيمان الرجل يمنعه عن الفتك برجل على سبيل الاحتيال والإغتيال ، ولو كان المقتول
كافرا).
قال شريك : أما
والله لو قتلته لاستقام لك أمرك ، واستوسق لك سلطانك.
(وفي رواية ابن الأثير)
: «لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا ، كافرا غادرا».
ولم يعش شريك بعد
ذلك إلا أياما ، حتّى توفي. وشيّع ابن زياد جنازته ، وتقدم فصلى عليه.
(وفي رواية ابن
الأثير) : «فلما علم عبيد الله أن شريكا كان حرّض مسلما على قتله ، قال : والله لا
أصلي على جنازة عراقي أبدا. ولو لا أن قبر زياد فيهم لنبشت شريكا».
وكان شريك من خيار
الشيعة وعبّادها ، غير أنه كان يكتم ذلك إلا عمن يثق به من إخوانه.
ترجمة شريك بن الأعور
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٣٩)
أبوه الحارث
الأعور الهمداني ، من خواص أمير المؤمنين عليهالسلام ، وهو الّذي يقول فيه :
يا حار همدان من
يمت يرني
|
|
من مؤمن أو
منافق قبلا
|
ولما رأى الإمام عليهالسلام بطولات بني همدان في حروبه قال فيهم :
ولو كنت بوّابا
على باب جنة
|
|
لقلت لهمدان
ادخلوا بسلام
|
وكان شريك شديد
التشيّع ، وقد شهد صفين. وحكايته مع معاوية حين عيّره في اسمه مشهورة.
(رواية أخرى) :
تمارض هانئ لقتل عبيد الله بن زياد :
(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ج ٢ ص ٤)
فقال هانئ بن عروة
لمسلم : إن لي من ابن زياد مكانا ، وسوف أتمارض له ، فإذا جاء يعودني فاضرب عنقه.
قال : فقيل لابن
زياد : إن هانئ بن عروة شاك يقيء الدم.
قال : وشرب المغرة
فجعل يقيئها.
قال : فجاء ابن
زياد يعوده. وقال لهم هانئ : إذا قلت لكم : اسقوني ، فاخرج إليه فاضرب عنقه. فقال
: اسقوني ، فأبطؤوا عليه. فقال : ويحكم اسقوني ولو كان فيه ذهاب نفسي.
قال : فخرج عبيد
الله بن زياد ولم يصنع الآخر شيئا. وكان مسلم من أشجع الناس ، ولكنه أخذته كبوة.
٥٤٣ ـ مكيدة
بواسطة (معقل) تنطلي على مسلم بن عوسجة :
(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٣٥)
وخفي على عبيد
الله بن زياد موضع مسلم بن عقيل ، فقام لمولى له من أهل الشام يسمى (معقلا) وناوله
ثلاثة آلاف درهم في كيس ، وقال : خذ هذا المال وانطلق ، فالتمس مسلم بن عقيل ،
وتأنّ له بغاية التأني.
فانطلق الرجل حتّى
دخل المسجد الأعظم ، وجعل لا يدري كيف يتأنى الأمر. ثم إنه نظر إلى رجل يكثر
الصلاة إلى سارية من سواري المسجد ، فقال في نفسه : إن هؤلاء الشيعة يكثرون الصلاة
، وأحسب هذا منهم. فجلس الرجل حتّى إذا انفتل من صلاته قام ، فدنا منه وجلس ، فقال
: جعلت فداك ، إني رجل من أهل الشام (من حمص) مولى لذي الكلاع ، وقد أنعم الله
عليّ بحبّ أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحبّ من أحبهم ، ومعي هذه الثلاثة آلاف درهم ، أحبّ
إيصالها إلى رجل منهم. بلغني أنه قدم هذا المصر داعية للحسين ابن علي عليهالسلام ، فهل تدلني عليه لأوصل هذا المال إليه؟. ليستعين به على
بعض أموره ، ويضعه حيث أحبّ من شيعته؟.
فقال له الرجل :
وكيف قصدتني بالسؤال عن ذلك دون غيري ممن هو في المسجد؟. قال : لأني رأيت عليك سيما
الخير ، فرجوت أن تكون ممن يتولى أهل بيت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال له الرجل :
ويحك ، قد وقعت عليّ بعينك ، أنا رجل من إخوانك ، واسمي مسلم بن عوسجة ، وقد سررت
بك ، وساءني ما كان من حسّي قبلك ، فإني رجل من شيعة أهل هذا البيت ، خوفا من هذا
الطاغية ابن زياد ، فأعطني ذمة الله وعهده ، أن تكتم هذا عن جميع الناس. فأعطاه من
ذلك ما أراد.
فقال له مسلم بن
عوسجة : انصرف يومك هذا ، فإن كان غد فائتني في منزلي حتّى أنطلق معك إلى صاحبنا [يعني
مسلم بن عقيل] فأوصلك إليه.
فمضى الشامي فبات
ليلته. فلما أصبح غدا إلى مسلم بن عوسجة في منزله ، فانطلق به حتّى أدخله إلى مسلم
بن عقيل ، فأخبره بأمره. ودفع إليه الشامي ذلك المال ، وبايعه.
فكان الشامي يغدو
إلى مسلم بن عقيل ، فلا يحجب عنه ، فيكون نهاره كله عنده ، فيتعرف جميع أخبارهم.
فإذا أمسى وأظلم عليه الليل ، دخل على عبيد الله بن زياد ، فأخبره بجميع قصصهم ،
وما قالوا وفعلوا في ذلك. وأعلمه نزول مسلم في دار هانئ بن عروة.
وفي (مقتل
الخوارزمي) ج ١ ص ٢٠٢ ط نجف :
فبقي ابن زياد
متعجبا ، وقال لمعقل : انظر أن تختلف إلى مسلم [أي تزوره] في كل يوم ، ولا تنقطع
عنه ، فإنك إن قطعته استرابك ، وتنّحى عن منزل هاني إلى منزل آخر ، فألقى في طلبه
عناء.
٥٤٤ ـ إمساك عبد
الله بن يقطر :
(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٣ ط نجف)
فلما دخل ابن زياد
القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبد الله بن يقطر ، فإذا فيه
: للحسين بن علي عليهماالسلام : أما بعد ، فإني أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة كذا ،
فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل ، فإن الناس معك ، وليس لهم في يزيد رأي ولا
هوى.
فأمر ابن زياد
بقتله.
٥٤٥ ـ مقتل عبد
الله بن يقطر (على رواية أخرى):
(مقتل الحسين
للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٣)
فبينا عبيد الله
مع القوم إذ دخل رجل من أصحابه يقال له مالك بن يربوع التميمي ،
فقال : أصلح الله
الأمير ، ههنا خبر!. قال ابن زياد : ما ذاك؟. قال : كنت خارج الكوفة أجول على فرسي
إذ نظرت رجلا خرج من الكوفة مسرعا يريد البادية ، فأنكرته. ثم إني لحقته وسألته عن
حاله فذكر أنه من المدينة ، فنزلت عن فرسي وفتشته ، فأصبت هذا الكتاب.
فأخذه ابن زياد ،
فإذا فيه مكتوب : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. للحسين ابن عليعليهماالسلام : أما بعد ، فإني أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة ما
ينيف على عشرين ألفا ، فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل ، فإن الناس كلهم معك ،
وليس لهم في يزيد بن معاوية هوى ولا رأي ، والسلام.
فقال ابن زياد :
أين هذا الرجل الّذي أصبت معه الكتاب؟. قال : هو بالباب. قال : ائتوني به ، فأدخل. فلما وقف بين يدي ابن زياد ، قال
له : من أنت؟. قال : مولى لبني هاشم. قال : ما اسمك؟. قال : عبد الله بن يقطر. قال
: من دفع إليك هذا الكتاب؟. قال : امرأة لا أعرفها ، فضحك ابن زياد. قال : اختر
واحدة من اثنتين : إما أن تخبرني من دفع إليك هذا الكتاب ، أو تقتل. فقال : أما
الكتاب فإني لا أخبرك من دفعه إليّ ، وأما القتل فإني لا أكرهه ، لأني لا أعلم
قتيلا عند الله أعظم أجرا من قتيل يقتله مثلك. فأمر ابن زياد فضرب عنقه صبرا .
ترجمة عبد الله بن يقطر
أرسله الحسين عليهالسلام برسالة إلى أهل الكوفة وهو في طريقه إلى العراق. وقد اختلف
بين أن تكون وفاته وهو ذاهب بهذه الرسالة ، أو بين أن يكون قد أوصلها ثم قبض عليه
وهو راجع بجوابها من أهل الكوفة.
وكان عبد الله بن
يقطر صحابيا. وكان لدة الحسين عليهالسلام [أي الّذي ولد معه
في زمن واحد] لأن (يقطر) كان خادما عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكانت زوجته ميمونة في بيت أمير المؤمنين عليهالسلام ، فولدت عبد الله قبل ولادة الحسين عليهالسلام بثلاثة أيام. وكانت حاضنة للحسين عليهالسلام ، لأنه لم يرضع من أمه فاطمة عليهاالسلام ، فلذلك فهو أخو الحسين عليهالسلام من الرضاعة. (انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة للجزري)
__________________
٥٤٦ ـ استدعاء
هانئ بن عروة إلى قصر الإمارة :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٣ ط نجف)
وخاف هانئ من عبيد
الله بن زياد على نفسه ، فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض. فسأل عنه ابن زياد؟ فقيل :
هو مريض. فقال : لو علمت بمرضه لعدته.
ودعا محمّد بن
الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، وكانت رويحة بنت عمرو هذا تحت
هانئ. فقال لهم : ما يمنع هانئ من إتياننا؟. فقالوا : ما ندري ، وقد قيل إنه مريض.
قال : قد بلغني ذلك ، وبلغني أنه بريء ، وأنه يجلس على باب داره. فالقوه ومروه أن
لا يدع ما عليه من حقنا ، فإني لا أحب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب.
(وفي مقتل
الخوارزمي ج ١ ص ٢٠٣) فقال : «صيروا إلى هانئ بن عروة المذحجي فسلوه أن يصير إلينا
، فإنا نريد مناظرته. فركب القوم ثم صاروا إلى هانئ فوجدوه جالسا على باب داره ،
فسلّموا عليه» ، وقالوا له : ما يمنعك من لقاء الأمير ، فإنه قد ذكرك وقال : لو
أعلم أنه مريض لعدته. فقال لهم : المرض يمنعني. فقالوا : إنه قد بلغه أنك تجلس كل
عشية على باب دارك ، وقد استبطأك. والإبطاء والجفاء لا يحتمله السلطان من مثلك ،
لأنك سيد في قومك ، ونحن نقسم عليك إلا ركبت معنا.
٥٤٧ ـ هانئ يحسّ
بالشّر الّذي يترصده : (المصدر السابق)
فدعا [هانئ]
بثيابه فلبسها ، ثم دعا ببغلته فركبها. حتّى إذا دنا من القصر كأن نفسه أحسّت (بالشر)
ببعض الّذي كان. فقال لحسان بن أسماء ابن خارجة : يابن الأخ ، إني والله لهذا الرجل
لخائف ، فما ترى؟. قال :
يا عم والله ما
أتخوّف عليك شيئا (فلا تحدّثنّ نفسك بشيء من هذا) ولم تجعل على نفسك سبيلا. ولم
يكن حسان يعلم مما كان شيئا ، وكان محمّد بن الأشعث عالما به.
٥٤٨ ـ دعوة هانئ
إلى قصر الإمارة لقتله :
(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ص ٥)
فقيل لابن زياد :
والله إن في البيت رجلا متسلحا. قال : فأرسل ابن زياد إلى هانئ ، فدعاه. فقال :
إني شاك [أي مريض] لا أستطيع النهوض. فقال : ائتوني به
وإن كان شاكيا.
قال : فأخرج له دابة ، فركب ومعه عصاه ، وكان أعرج. فجعل يسير قليلا ويقف ، ويقول
: مالي أذهب إلى ابن زياد؟!. فما زال ذلك دأبه حتّى دخل عليه.
فقال له عبيد الله
بن زياد : يا هانئ ، أما كانت يد زياد عندك بيضاء؟. قال : بلى. قال : ويدي؟. قال :
بلى. فقال : يا هانئ قد كانت لكم عندي يد بيضاء ، وقد أمّنتك على نفسك ومالك.
فتناول العصا التي كانت بيد هانئ فضرب بها وجهه حتّى كسرها.
٥٤٩ ـ إمساك هانئ
ومعاملته بقسوة :
(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٢٩٩)
قال الذهبي : فبعث
ابن زياد إلى هانئ ـ وهو شيخ ـ فقال : ما حملك على أن تجير عدوي؟. قال : يابن أخي
، جاء حقّ هو أحقّ من حقك. فوثب إليه عبيد الله بالعنزة [عصا يتوكأ عليها الشيخ]
حتّى غرز رأسه بالحائط.
٥٥٠ ـ دخول هانئ
على ابن زياد : (لواعج الأشجان ، ص ٤٤)
فجاء هانئ والقوم
معه حتّى دخلوا على عبيد الله. فلما طلع (نظر إليهم من بعيد) قال عبيد الله لشريح
القاضي ، وكان جالسا عنده :
أتتك بخائن
رجلاه تسعى
|
|
يقود النفس منها
للهوان
|
فلما دنا من ابن
زياد التفت إلى شريح وأشار إلى هانئ ، وأنشد بيت عمرو بن معديكرب الزبيدي :
أريد حياته
ويريد قتلي
|
|
عذيرك من خليلك
من مراد
|
فقال له هانئ :
وما ذاك أيها الأمير؟. قال : إيه يا هانئ ، ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير
المؤمنين وعامة المسلمين؟. جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الجموع
والسلاح في الدور حولك ، وظننت أن ذلك يخفى عليّ؟!. قال : ما فعلت ذلك ، وما مسلم
عندي. قال : بلى قد فعلت.
فلما كثر ذلك
بينهما ، وأبى هانئ إلا مجاحدته ومناكرته ، دعا ابن زياد (معقلا) ذاك اللعين ،
فقال : أتعرف هذا؟. قال : نعم. وعلم هانئ عند ذلك أنه كان عينا [أي جاسوسا] عليهم
، وأنه قد أتاه بأخبارهم ، فسقط في يده ساعة [أي بهت وتحيّر ما يدري ما يقول] ، ثم
راجعته نفسه.
(وفي رواية مقتل
الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٤) : «فقال : أصلح الله الأمير. ما بعثت إلى مسلم ولا دعوته ،
ولكنه جاءني مستجيرا ، فاستحييت من ردّه ، وأخذني من ذلك ذمام». فضيّفته وآويته ،
وقد كان من أمره ما قد بلغك. فإن شئت أعطيتك الآن موثقا تطمئن به ، ورهينة تكون في
يدك ، حتّى أنطلق وأخرجه من داري ، فأخرج من ذمامه وجواره.
فقال له ابن زياد :
والله لا تفارقني أبدا حتّى تأتيني به. قال : لا والله لا أجيئك به أبدا. أجيئك
بضيفي تقتله! (أيكون هذا في العرب؟). قال ابن زياد : والله لتأتينّي به. فقال هانئ
: لا والله لا آتيك به أبدا.
٥٥١ ـ ابن زياد
يجدع أنف هانئ بن عروة :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٥ ط نجف)
ثم قال ابن زياد :
والله لتأتينّي به أو لأضربنّ عنقك. فقال هانئ : إذن والله لتكثر البارقة [أي
السيوف] حول دارك. فقال ابن زياد : والهفاه عليك ، أبالبارقة تخوّفني!. وهانئ يظن
أن عشيرته سيمنعونه.
ثم قال : ادنوه
مني ، فأدني منه ، فاستعرض وجهه بالقضيب ، فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخده ،
حتّى كسر أنفه وسالت الدماء على ثيابه ووجهه ولحيته ، ونثر لحم جبينه وخده على
لحيته ، حتّى كسر القضيب. وضرب هانئ بيده على قائم سيف شرطي ، وجاذبه الشرطي ومنعه
من ذلك السيف.
فصاح ابن زياد :
خذوه. فأخذوه وألقوه في بيت من بيوت القصر ، وأغلقوا عليه الباب. فقال : اجعلوا
عليه حرسا ، ففعل ذلك به.
ثم وثب أسماء بن
خارجة ، فقال له : أيها الأمير ، أرسل غدر سائر اليوم ، أمرتنا أن نجيئك بالرجل ،
حتّى إذا جئناك به هشّمت أنفه ووجهه ، وسيّلت دماءه على لحيته ، وزعمت أنك تقتله!.
فقال له عبيد الله : وإنك لههنا
(وأنت ههنا أيضا)؟.
فأمر به فضرب وأجلس ناحية. فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إلى نفسي أنعاك يا
هانئ.
٥٥٢ ـ تداعي مذحج
لتخليص هانئ ، وخدعة شريح القاضي :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٥)
قال : وبلغ ذلك
بني مذحج ، فركبوا بأجمعهم وعليهم عمرو بن الحجاج الزبيدي
(وكانت رويحة بنت
عمرو زوجة هانئ) فوقفوا بباب القصر. ونادى عمرو : يا عبيد الله (أنا عمرو بن
الحجاج) وهذه فرسان مذحج (ووجوهها) ، لم تخلع طاعة ولم تفرّق جماعة ، فلم تقتل
صاحبنا؟!.
فقال ابن زياد
لشريح القاضي : ادخل على صاحبهم فانظر إليه ، ثم اخرج إليهم فأعلمهم أنه (حي) لم
يقتل. قال شريح : فدخلت عليه ، فقال هاني : ويحك (يا لله يا للمسلمين) أهلكت
عشيرتي!. أين أهل الدين فلينقذوني من يد عدوهم وابن عدوهم؟. ثم قال والدماء تسيل
من لحيته : يا شريح هذه أصوات عشيرتي ، أدخل منهم عشرة ينقذوني.
قال شريح : فلما
خرجت تبعني حمران بن بكير ، وقد بعثه ابن زياد عينا عليّ ، فلو لا مكانه لكنت
أبلّغ أصحابه ما قال.
ثم خرج شريح فقال
: يا هؤلاء لا تعجلوا بالفتنة ، فإن صاحبكم لم يقتل.
(فقال له عمرو بن
الحجاج وأصحابه : أما إذا لم يقتل فالحمد لله). ثم انصرف القوم.
تعليق : يقول
العلامة السيد محسن الأمين رحمهالله في (أعيان الشيعة) ج ٤ ص ١٦٩: وهكذا يتمكن الظالم من ظلمه
، بأمثال محمّد بن الأشعث من أعوان الظلمة ، وأمثال شريح من قضاة السوء ، المظهرين
للدين ، المصانعين الظلمة ، اللابسين جلود الأكباش ، وقلوبهم قلوب الذئاب ،
وبأمثال (مذحج) الذين اغتروا بكلام شريح ، وانصرفوا ولم يأخذوا بالحزم.
٥٥٣ ـ خطبة ابن
زياد في مسجد الكوفة :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٦)
(ولما ضرب عبيد
الله هانئا وحبسه ، خاف أن يثب به الناس). فخرج حتّى دخل المسجد الأعظم ، فصعد
المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، فنظر إلى أصحابه عن يمين المنبر وشماله ، في
أيديهم الأعمدة والسيوف المسللة. (فخطب خطبة موجزة) فقال : أما بعد ، يا أهل
الكوفة ، فاعتصموا بطاعة الله ، وطاعة رسول الله ، وطاعة أئمتكم ، ولا تختلفوا
وتفرقوا ، فتهلكوا وتندموا وتذلوا وتقهروا وتحرموا ، ولا يجعلن أحد على نفسه
سبيلا. وقد أعذر من أنذر.
فما أتمّ الخطبة
حتّى سمع الصيحة!. فقال : ما هذا؟. فقيل له : أيها الأمير
الحذر الحذر. (فما
نزل حتّى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمّارين يشتدون ويقولون : قد جاء مسلم
بن عقيل). فنزل عن المنبر مسرعا وبادر حتّى دخل القصر وأغلق الأبواب.
نهضة مسلم بن عقيل عليهالسلام
٥٥٤ ـ خروج مسلم
بن عقيل للقتال : (لواعج الأشجان ، ص ٤٧)
قال عبد الله بن
حازم : أنا والله رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هانئ. فلما ضرب وحبس ،
ركبت فرسي فكنت أول داخل الدار على مسلم بن عقيل بالخبر. فإذا نسوة من (مراد)
مجتمعات ينادين : يا عبرتاه يا ثكلاه!.
فدخلت على مسلم
فأخبرته الخبر ، فأمرني أنادي في أصحابه ، وقد ملأ به الدور حولهم ، وكانوا فيها
أربعة آلاف. فقال لمناديه ناد : يا منصور أمت! وكان ذلك شعارهم. (وكان قد بايعه
ثمانية عشر ألفا). فتنادى أهل الكوفة واجتمعوا عليه.
فاجتمع إليه أربعة
آلاف ، فعقد لعبد الله بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة ، وقال : سر أمامي في
الخيل. وعقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذحج وأسد ، وقال : انزل في الرجال.
وعقد لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان. وعقد للعباس بن جعدة [بن هبيرة]
الجدلي على ربع المدينة. وعبأ ميمنته وميسرته ووقف هو في القلب.
٥٥٥ ـ زحف مسلم
إلى القصر ، لقتال ابن زياد المتحصّن فيه :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٦ ؛ ولواعج الأشجان ص ٤٧)
وأقبل مسلم بن
عقيل في وقته ذلك ، ومعه ثمانية عشر ألفا أو يزيدون ، وبين يديه الأعلام والسلاح
الشاك. وهم في ذلك يشتمون ابن زياد ويلعنون أباه. وأقبل مسلم يسير حتّى خرج في بني
الحرث بن كعب ، ثم خرج على مسجد الأنصار ، حتّى أحاط بالقصر.
(قال عبد الله بن
حازم : وتداعى الناس واجتمعوا. فما لبثنا إلا قليلا حتّى امتلأ المسجد من الناس
والسّوقة. وما زالوا يتوثّبون حتّى المساء.
وبعث عبيد الله
إلى وجوه أهل الكوفة ، فجمعهم عنده في القصر. وأحاط مسلم بالقصر فضايق بعبيد الله
أمره. وكان أكثر عمله أن يمسك باب القصر ، وليس معه إلا
ثلاثون رجلا من
الشرطة وعشرون رجلا من أشراف الناس ، وأهل بيته وخاصته. وأقبل من نأى عنه من أشراف
الناس يأتونه من قبل الباب الّذي يلي دار الروميين).
وركب أصحاب ابن
زياد ، واختلط القوم فاقتتلوا قتالا شديدا ، وابن زياد في جماعة من الأشراف قد
وقفوا على جدار القصر ينظرون إلى محاربة الناس (وأصحاب مسلم يرمونهم بالحجارة ،
ويشتمونهم ويفترون على عبيد الله وعلى أمه وأبيه).
٥٥٦ ـ تخذيل الناس
عن مسلم : (مثير الأحزان للجواهري ، ص ٢٣)
فدعا ابن زياد
كثير بن شهاب ، وأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج ، فيسير في الكوفة ويخذّل الناس
ويخوّفهم من الحرب ، ويحذّرهم عقوبة السلطان. وأمر محمّد بن الأشعث أن يخرج فيمن
أطاعه من كندة ، فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس. وقال لشبث بن ربعي وحجّار بن
أبجر وشمر بن ذي الجوشن مثل ذلك.
فخرجوا يردّون
الناس عن مسلم ويخوّفونهم السلطان ، حتّى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم وغيرهم ،
فصاروا إلى ابن زياد.
فقال كثير بن شهاب
: أصلح الله الأمير ، معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس وغيرهم!. فبعث عبيد
الله إلى الأشراف فجمعهم ، ثم أشرفوا على الناس (من فوق القصر) فمنّوا أهل الطاعة
بالزيادة والكرامة ، وخوّفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة وأهل الشام.
٥٥٧ ـ ابن زياد يخذّل
الناس عن مسلم ، ويخوّفهم بمجيء جند الشام :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٦)
قال : وجعل رجل من
أصحاب ابن زياد يقال له : كثير بن شهاب ، ومحمد بن الأشعث ، والقعقاع بن شور ،
وشبث بن ربعي ، ينادون فوق القصر بأعلى أصواتهم : ألا يا شيعة مسلم بن عقيل ، ألا
يا شيعة الحسين بن علي ، الله الله في أنفسكم وأهليكم وأولادكم ، فإن جنود أهل
الشام قد أقبلت ، وإن الأمير عبيد الله قد عاهد الله ، لئن أنتم أقمتم على حربكم
ولم تنصرفوا من يومكم هذا ، ليحرمنّكم العطاء ، وليفرّقنّ مقاتلتكم في مغازي أهل
الشام ، وليأخذن البريء بالسقيم ، والشاهد بالغائب ، حتّى لا يبقى منكم بقية من
أهل المعصية إلا أذاقها وبال أمرها.
٥٥٨ ـ تفرّق الناس
إلى بيوتهم : (المصدر السابق ، ص ٢٠٧)
فلما سمع الناس
مقالة أشرافهم أخذوا يتفرقون ويتخاذلون عن مسلم بن عقيل ، ويقول بعضهم لبعض : ما
نصنع بتعجيل الفتنة ، وغدا تأتينا جموع أهل الشام!. فينبغي أن نقعد في منازلنا
وندع هؤلاء القوم حتّى يصلح الله ذات بينهم.
قال : وكانت
المرأة تأتي أخاها وأباها أو زوجها أو بنيها فتشرده. ثم جعل القوم يتسللون ،
والنهار يمضي حتّى غربت الشمس.
٥٥٩ ـ تفرّق الناس
عن مسلم حتّى بقي وحيدا :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٩ ط نجف)
فلما سمع الناس
مقالتهم أخذوا يتفرقون. وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها فتقول : انصرف ، الناس
يكفونك. ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول : غدا يأتيك أهل الشام ، فما تصنع
بالحرب والشر ، انصرف. فيذهب به فينصرف. فما زالوا يتفرقون حتّى أمسى ابن عقيل في
خمسمائة.
فلما اختلط الظلام
جعلوا يتفرقون (فدخل مسلم المسجد الأعظم) فصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في
المسجد. فلما رأى أنه قد أمسى وليس معه إلا أولئك النفر ، خرج متوجها إلى أبواب
كندة. فلم يبلغ الأبواب إلا ومعه عشرة. ثم خرج من الباب فإذا ليس معه إنسان!.
فالتفت فإذا هو لا
يحسّ أحدا يدله على الطريق ولا يدله على منزله ، ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو.
فمضى على وجهه متحيّرا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب ، حتّى خرج إلى دور بني
جبلة من كندة (انظر الشكل ٦ ـ مخطط الكوفة القديمة ، حيث تظهر منازل كندة في جنوبي
الكوفة ، وأبواب كندة) صفحة ٥٦٠.
٥٦٠ ـ كيف عمل ابن
زياد على تخذيل الناس :
(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٢٣)
لما أحيط بابن
زياد وهو في القصر ، فكّر بتخذيل الناس عن مسلم ، واستخدم لذلك عدة طرق منها :
١ ـ التخويف من
الحرب والتحذير من عقوبة السلطان.
٢ ـ إغراء الناس
بإعطاء الأمان لمن يأتيه.
٣ ـ إغراء المطيع
بزيادة العطاء ، وحرمان العاصي من العطاء.
٤ ـ تخويف الناس
بأن جيش الشام زاحف إليهم ، وأنهم لا يقدرون عليه.
٥ ـ بعث رجال
يشيعون الإنهزامية في نفوس الناس ، حتّى يقول كل واحد : لا علاقة لي بهذا الأمر!.
٥٦١ ـ ابن زياد
يصلي العشاء بالناس ويحذّرهم :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٨١)
ولما تفرّق الناس
عن مسلم وسكن لغطهم ولم يسمع ابن زياد أصوات الرجال ، أمر من معه في القصر أن
يشرفوا على ظلال المسجد لينظروا هل كمنوا فيها ، فكانوا يدلون القناديل ويشعلون
النار في القصب ويدلونها بالحبال إلى أن تصل إلى صحن الجامع ، فلم يروا أحدا ،
فأعلموا ابن زياد.
فنزل إلى المسجد
قبل العتمة [أي وقت صلاة العشاء] وأجلس أصحابه حول المنبر. وأمر فنودي في الكوفة :
برئت الذمة من رجل من الشرطة والعرفاء والمقاتلة ، صلى العتمة إلا في المسجد.
فامتلأ المسجد ،
ثم صلى بالناس. وقام فحمد الله ، ثم قال : أما بعد ، فإن ابن عقيل السفيه الجاهل
قد أتى ما رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرئت الذمة من رجل وجدناه في داره ، ومن
أتانا به فله ديّته. فاتقوا الله عباد الله ، والزموا طاعتكم وبيعتكم ، ولا تجعلوا
على أنفسكم سبيلا.
ثم أمر صاحب شرطته
الحصين بن تميم أن يفتش الدور والسكك ، وحذّره بالفتك به إن أفلت مسلم ، وخرج من
الكوفة.
فوضع الحصين الحرس
على أفواه السكك ، وتتبع الأشراف الناهضين مع مسلم ، فقبض على عبد الأعلى بن يزيد
الكلبي ، وعمارة بن صلخب الأزدي ، فحبسهما ثم قتلهما.
٥٦٢ ـ صفة أهل
العراق والكوفيين خاصة :
(مختصر تاريخ العرب لسيد أمير علي [١٨٤٩ ـ ١٩٢٨ م] ، ص ٧٢)
يقول سيد أمير علي
: كان أهل العراق والكوفة ، أنصار علي والحسن والحسين عليهمالسلام ، وهم وإن كانوا متحلّين بالحماسة وشدة البأس ، إلا أنهم
قوم
قلبّ يعوزهم
الثبات والحزم. فبينما تراهم يوما شديدي الحماسة لعقيدة يدينون بها ، أو متفانين
في الإخلاص لشخص يعضدونه ، إذ بهم في اليوم التالي قد أعرضوا عن العقيدة التي
آمنوا بها ، وخذلوا الشخص الّذي أجمعوا على نصرته بالأمس. ولقد قرّحوا قلب الإمام
عليعليهالسلام ، ثم خذلوا الإمام الحسن عليهالسلام ، ثم قتلوا الإمام الحسين عليهالسلام.
٥٦٣ ـ التجاء مسلم
إلى دار طوعة : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٧)
فلما رأى مسلم ذلك
استوى على فرسه ومضى في بعض أزقة الكوفة ، وقد أثخن بالجراحات ، لا يدري أين يذهب.
حتّى صار إلى امرأة يقال لها (طوعة) ، وقد كانت قبل ذلك أم ولد للأشعث بن قيس ،
فتزوجها رجل من حضرموت يقال له أسيد الحضرمي ، فولدت له (بلال) بن أسيد [وهي امرأة
عربية موالية لآل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لها شأن كبير في نساء الكوفة].
وكانت المرأة
واقفة على باب دارها تنتظر ابنها. فسلّم عليها مسلم فردّت عليهالسلام. فقال: يا أمّة الله اسقيني ماء ، فسقته فجلس على بابها.
(ودخلت ثم خرجت)
فقالت له : يا عبد الله ، ما شأنك أليس قد شربت؟!. قال : بلى.
(وفي مثير الأحزان
للجواهري ، ص ٢٤) : «قالت : فاذهب إلى أهلك ، فسكت. ثم أعادت مثل ذلك فسكت. ثم
قالت في الثالثة : يا سبحان الله يا عبد الله ، قم إلى أهلك عافاك الله ، فإنه لا
يصلح لك الجلوس على باب داري ولا أحلّه لك. فقام مسلم وقال : يا أمة الله ما لي في
هذا المصر أهل ولا عشيرة ، فهل لك في أجر ومعروف ، ولعلي مكافيك بعد اليوم. قالت :
يا عبد الله وما
ذاك؟. قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني وأخرجوني».
قال السيد أسد
حيدر في كتابه (مع الحسين في نهضته) ص ١١٢ :
«وكانت طوعة امرأة
عربية موالية لآل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم شأنها شأن كبير ، من نساء الكوفة اللواتي أثبت التاريخ
مواقفهن الحاسمة في مناصرة أهل البيت عليهمالسلام. ولكن الإطار الّذي برزت فيه صورتها في هذا الحادث هو غير
إطارها الواقعي».
قالت : أنت مسلم؟.
قال : نعم. قالت : ادخل ، فدخل إلى بيت [أي غرفة] في
دارها غير البيت
الّذي تكون فيه ، وفرشت له (وجاءته بمصباح) وعرضت عليه العشاء فلم يتعشّ.
٥٦٤ ـ بلال بن
طوعة يفشي أمر مسلم بن عقيل :
(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٢٤)
ولم يكن بأسرع من
أن جاء ابنها [بلال] فرآها تكثر الدخول والخروج إلى ذلك البيت (وهي باكية). فألحّ
عليها ، فأعلمته بعد أن أخذت عليه العهود بالكتمان. (فسكت الغلام ولم يقل شيئا. ثم
أخذ مضجعه ونام).
(وفي مقتل
الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٨) :
«فلما أصبح ابن
زياد ، نادى في الناس أن اجتمعوا. ثم خرج من القصر فدخل المسجد ، ثم صعد المنبر
فقال : أيها الناس ، إن مسلم بن عقيل السفيه الجاهل ، أتى هذا البلد وأظهر الخلاف
وشق عصا المسلمين ، وقد برئت الذمة من رجل أصبناه في داره. ومن جاء به فله ديته ،
والمنزلة الرفيعة من أمير المؤمنين ، وله كل يوم حاجة مقضيّة ...
وأقبل محمّد بن
الأشعث حتّى دخل على عبيد الله بن زياد. فلما رآه قال : مرحبا بمن لا يتّهم في
مشورة. وأقبل [بلال] إلى عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم. فقال :
اسكت إذن ولا تخبر أحدا. وأقبل عبد الرحمن إلى أبيه فسارّه في أذنه بأن مسلما في
منزل طوعة. ثم تنحّى ، فقال ابن زياد : ما الّذي قال لك عبد الرحمن؟. فقال : أصلح
الله الأمير ، البشارة الكبرى. قال : وما تلك فمثلك من يبشّر بخير؟. فأخبره بذلك ،
فسرّ عدوّ الله ، وقال له : قم فأتني به ولك ما بذلت من الجائزة الكبرى والحظ
الأوفى».
٥٦٥ ـ مهاجمة مسلم
وإمساكه بعد تمنيته بالأمان الخادع :
(مقتل المقرّم ، ص ١٨٣)
وعند الصباح أعلم
ابن زياد بمكان مسلم ، فأرسل ابن الأشعث (ومعه عبيد الله بن العباس السلمي) ليقبض
عليه. ولما سمع مسلم وقع حوافر الخيل عرف أنه قد أتي. فعجّل دعاءه الّذي كان
مشغولا به بعد صلاة الصبح. ثم لبس لامته [أي درعه] وقال لطوعة : قد أدّيت ما عليك
من البرّ ، وأخذت نصيبك من شفاعة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولقد رأيت البارحة عمي أمير المؤمنين عليهالسلام في المنام ، وهو يقول لي : أنت معي غدا.
٥٦٦ ـ البسالة
الهاشمية : (المصدر السابق)
ثم بادر مسرعا إلى
فرسه فأسرجه وألجمه ، وصبّ عليه درعه واعتجر بعمامته وتقلّد سيفه.
وخرج إليهم بسيفه
وقد اقتحموا عليه الدار ، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه ، حتّى أخرجهم من الدار. ثم
عادوا إليه فشدّ عليهم كذلك ، فأخرجهم مرارا من الدار ، وهو يقول:
هو الموت فاصنع
ويك ما أنت صانع
|
|
فأنت بكأس الموت
لا شكّ جارع
|
فصبرا لأمر الله
جلّ جلاله
|
|
فحكم قضاء الله
في الخلق ذائع
|
فقتل منهم واحدا
وأربعين رجلا.
(وفي مثير الأحزان
للجواهري ، ص ٢٥) :
فلما رأوا ذلك
أشرفوا عليه من فوق البيت ، وأخذوا يرمونه بالحجارة ، ويلهبون النار في أطنان
القصب [جمع طنّ : وهي حزمة القصب] ثم يرمونها عليه من فوق البيت. فلما رأى ذلك خرج
إليهم مصلتا سيفه في السكّة ، وكان من قوّته أنه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق
البيت.
(وفي كتاب : مع
الحسين في نهضته ، ص ١٠٧) :
وقد اشترك في حربه
الرجال والنساء والأطفال ؛ فالرجال بالسيوف والرماح والنبال ، والنساء بالنار في
أطنان القصب ، تلهب نارا فترميه بها من أعلى السطوح ، والأطفال يرمونه بالحجارة ، وهو يقابل ذلك بشجاعة وبسالة
وثبات.
٥٦٧ ـ ابن الأشعث
يطلب المدد :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٩)
وخرج مسلم في وجوه
القوم كالأسد المغضب يضاربهم بسيفه ، حتّى قتل جماعة. وبلغ ذلك ابن زياد ، فأرسل
إلى محمّد بن الأشعث : سبحان الله
أبا عبد الرحمن ،
بعثناك إلى رجل واحد لتأتينا به ، فثلم في أصحابك ثلمة عظيمة (فكيف إذا أرسلناك
إلى غيره؟).
فأرسل إليه محمّد
بن الأشعث : أيها الأمير ، أتظن أنك بعثتني إلى بقّال من
__________________
بقّالي الكوفة ،
أو جرمقاني من جرامقة الحيرة . أفلا تعلم أيها الأمير أنك بعثتني إلى أسد ضرغام ، وبطل
همام ، في كفّه سيف حسام ، يقطر منه الموت الزّؤام؟!.
٥٦٨ ـ الأمان
الكاذب :
(المصدر السابق)
فأرسل إليه ابن
زياد أن أعطه الأمان ، فإنك لن تقدر عليه إلا بالأمان المؤكد بالأيمان. فجعل محمّد
بن الأشعث يناديه : ويحك يابن عقيل لا تقتل نفسك ، لك الأمان. فيقول مسلم : لا
حاجة لي في أمان الغدرة الفجرة ، وينشد :
أقسمت لا أقتل
إلا حرّا
|
|
وإن رأيت الموت
شيئا نكرا
|
كل امرئ يوما
ملاق شرّا
|
|
ردّ شعاع النفس
فاستقرّا
|
أضربكم ولا أخاف
ضرّا
|
|
ضرب همام يستهين
الدهرا
|
ويخلط البارد
سخنا مرّا
|
|
ولا أقيم للأمان
قدرا
|
أخاف
أن أخدع أو أغرّا
|
والأبيات لحمران
بن مالك الخثعمي قالها يوم القرن.
٥٦٩ ـ مقاومة حتّى
النهاية : (مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٨٤)
واشتدّ القتال ،
فاختلف مسلم مع بكير بن حمران الأحمري بضربتين ، فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته
العليا ، وأسرع السيف إلى السفلى ، وفصلت له ثنيّتاه [الثنايا : هي الأسنان
الأمامية من الفم]. وضربه مسلم على رأسه ضربة منكرة ، وأخرى على حبل العاتق ، حتّى
كادت أن تطلع إلى جوفه.
وأثخنت مسلم
الجراحات وأعياه نزف الدم ، فاستند إلى جنب تلك الدار ، فتحاملوا عليه يرمونه
بالسهام (والنبل) والحجارة. فقال :
(ويلكم) ما لكم
ترموني بالحجارة كما ترمى الكفار ، وأنا من أهل بيت النبي المختار!. (ويلكم) أما
ترعون حق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في عترته؟!.
فقال له ابن
الأشعث : لا تقتل نفسك وأنت في ذمتي. قال مسلم : أؤسر وبي طاقة؟. لا والله لا يكون
ذلك أبدا. وحمل على ابن الأشعث فهرب منه.
__________________
ثم حملوا عليه من
كل جانب وقد اشتدّ به العطش ، فطعنه رجل من خلفه ، فسقط إلى الأرض وأسر.
٥٧٠ ـ كيف احتالوا
على مسلم وأمسكوه :
(المنتخب للطريحي ، ص ٤٢٧)
وقيل : إنهم
احتالوا عليه ، وحفروا له حفرة عميقة في وسط الطريق ، وأخفوا رأسها بالدغل والتراب
، ثم انطردوا بين يديه ، فوقع بتلك الحفرة ، وأحاطوا به ، فضربه ابن الأشعث على
محاسن وجهه ، فلعب السيف في عرنين أنفه ومحاجر عينيه ، حتّى بقيت أضراسه تلعب في
فمه. فأوثقوه وأخذوه أسيرا إلى ابن زياد.
٥٧١ ـ مسلم بن
عقيل يبكي لقدوم الحسين عليهالسلام :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢١١)
(وفي رواية) : إن
محمّد بن الأشعث لما أعطى مسلما الأمان ، رمى بسيفه ، فأخذوه وحملوه على بغلة ،
فدمعت عيناه. فقال محمّد : إني لأرجو أن لا بأس عليك. فقال : ويحك ما هو إلا
الرجاء ، فأين أمانكم؟. إنا لله وإنا إليه راجعون ، وبكى.
فقال عبيد الله بن
العباس السلمي : من يطلب مثل الّذي طلبت لا يبكي. فقال مسلم : إني والله ما على
نفسي أبكي ، لكني أبكي على أهلي المقبلين إليكم ، أبكي على الحسين وآل الحسين عليهالسلام.
ولما ركب على
البغلة ونزع منه السيف ، استرجع وقال : هذا أول الغدر ، وأيس من نفسه ، وعلم أن لا
أمان له من القوم.
فقال لمحمد بن
الأشعث : إني لأظنك تعجز عن أماني ، أفتستطيع أن تبعث رجلا عن لساني يبلّغ حسينا ،
فإني لا أراه إلا قد خرج إلى ما قبلكم ، هو وأهل بيته ، فيقول له : إن مسلما بعثني
إليك ، وهو أسير في يد العدو ، يذهبون به إلى القتل ، فارجع بأهلك ، ولا يغرّنّك
أهل الكوفة ، فإنهم أصحاب أبيك الّذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل. إن أهل
الكوفة قد كذّبوني ، فكتبت إليك وليس لمكذوب رأي.
فقال محمّد :
والله لأفعلن. ودعا بإياس الطائي ، وكتب معه إلى الحسين عليهالسلام ما قاله مسلم عن لسان مسلم. وأعطاه راحلة وزادا. فذهب
فاستقبل الحسين عليهالسلام في (زبالة).
٥٧٢ ـ مسلم يطلب
شربة من الماء :
(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٦٦)
(وجيء به إلى ابن
زياد) فلما جلس مسلم على باب القصر رأى جرة فيها ماء بارد (وكان له يومان ما شرب
الماء) ، فقال : اسقوني من هذا الماء. فقال له مسلم بن عمرو الباهلي : أتراها ما
أبردها ، والله لا تذوق منها قطرة ، حتّى تذوق الحميم في نار جهنم. فقال له ابن
عقيل : من أنت؟. قال : أنا من عرف الحق إذ تركته ، ونصح الأمة والإمام إذ غششته ،
وسمع وأطاع إذ عصيته ، أنا مسلم بن عمرو. فقال له ابن عقيل : لأمك الثكل ، ما
أجفاك وأفظّك وأقسى قلبك وأغلظك. أنت يابن باهلة أولى بالحميم ، والخلود في نار
جهنم مني. (ثم جلس وتساند إلى حائط القصر).
(وفي مقتل
الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٠) :
ثم قال : ويحكم يا
أهل الكوفة ، اسقوني شربة من ماء. فأتاه غلام لعمرو ابن حريث المخزومي بقلّة فيها
ماء ، وقدح من قوارير [أي زجاج] ، فصبّ القلّة في القدح وناوله ، فأخذ مسلم القدح
بيده. فكلما أراد أن يشرب امتلأ القدح دما ، فلم يقدر أن يشرب من كثرة الدم ،
وسقطت ثنيّتاه في القدح ، فامتنع من شرب ذلك الماء (وقال : لو كان من الرزق
المقسوم لشربته).
(وفي كتاب المحن
لمحمد بن أحمد التميمي ، ص ١٤٥) :
فلما أسر مسلم لغب
، فقال : اسقوني ماء. ومعه رجل من آل أبي معيط (هو عمارة بن عقبة بن أبي معيط)
وشمر بن ذي الجوشن. فقال له شمر :
لا نسقيك إلا من
النّيل!. فقال المعيطي : والله لا نسقيه إلا من الفرات!. قال : فأمر غلاما له ،
فأتاه بإبريق ماء وقدح من قوارير ومنديل. قال : فسقاه ، وتمضمض وخرج الدم ، فما
زال يمجّ الدم ولا يسيغ شيئا ، حتّى قال : أخّروه عني.
٥٧٣ ـ ما قاله
مسلم بن عقيل لعبيد الله بن زياد حين أدخل عليه وأيقن بالهلاك:
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١١)
ثم أتي بمسلم رضي
الله عنه فأدخل على ابن زياد فأوقف ولم يسلّم عليه. فقال له الحرسي : سلّم على الأمير.
فقال له مسلم : اسكت لا أم لك ، ما لك والكلام ، ما
هو لي بأمير
فأسلّم عليه . (وفي مقتل المقرم ص ١٨٧ أنه قال) : «السلام على من اتّبع
الهدى ، وخشي عواقب الردى ، وأطاع الملك الأعلى». فقال ابن زياد : لا عليك سلّمت
أو لم تسلّم ، فإنك مقتول . فقال مسلم : إن قتلتني فلقد قتل من هو شرّ منك من هو خير
مني.
(وفي رواية لواعج
الأشجان للسيد الأمين ، ص ٥٧ ط نجف) :
«فقال له ابن زياد
: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام. فقال له مسلم : أما إنك
أحقّ من أحدث في الإسلام ما لم يكن. وإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث
السريرة ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك».
ثم قال لمسلم : يا
شاقّ يا عاقّ ، خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين وألقحت الفتنة!. فقال : كذبت
يابن زياد ، إنما شقّ عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وإنما ألقح القتنة أنت
وأبوك زياد بن عبيد ابن بني علاج من ثقيف. وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على
يدي شرّ بريّته فوالله ما خلعت وما غيرت ، وإنما أنا في طاعة الحسين بن
علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهو أولى بالخلافة من معاوية وابنه وآل زياد. فقال له
ابن زياد : يا فاسق ألم تكن تشرب الخمر بالمدينة!. فقال مسلم : الله يعلم أني ما
شربتها قط ، وأحقّ مني بشرب الخمر من يقتل النفس الحرام ويقتل على الغضب والعداوة
والظنّ ، وهو في ذلك يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا.
فقال له ابن زياد
: يا فاسق منتّك نفسك أمرا حال الله دونه وجعله لأهله. فقال له مسلم : ومن أهله
يابن مرجانة؟. فقال له : يزيد بن معاوية. فقال مسلم : الحمد لله (على كل حال)
رضينا بالله حكما بيننا وبينكم. فقال له ابن زياد : أتظن أن لك في الأمر شيئا؟.
فقال : لا والله ، ما هو بالظن ولكنه اليقين.
فقال ابن زياد له
: قتلني الله إن لم أقتلك شرّ قتلة ... فقال له مسلم : والله لو كان معي عشرة ممن
أثق بهم ، وقدرت على شربة ماء ، لطال عليك أن تراني في هذا
__________________
القصر. ولكن إن
كنت قد عزمت على قتلي فأقم لي رجلا من قريش حتّى أوصي إليه بما أريد.
٥٧٤ ـ وصية مسلم
بن عقيل عليهالسلام : (مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٢)
ثم نظر مسلم إلى
عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فقال له : إن بيني وبينك قرابة ، فاسمع مني ، فامتنع.
فقال له ابن زياد : ما يمنعك من الاستماع لابن عمك؟. فقام عمر بن سعد إليه. فقال
له مسلم : أوصيك بتقوى الله ، فإن التقوى درك كل خير. ولي إليك حاجة. فقال عمر :
قل ما أحببت. فقال : حاجتي إليك أن تستردّ فرسي وسلاحي من هؤلاء القوم ، فتبيعه
وتقضي عني سبعمائة درهم استدنتها في مصركم هذا ، وأن تستوهب جثتي إن قتلني هذا
الفاسق ، فتواريني التراب ، وأن تكتب للحسين عليهالسلام أن لا يقدم ، فينزل به ما نزل بي.
فقال عمر بن سعد :
أيها الأمير ، إنه يقول كذا وكذا. فقال ابن زياد : يابن عقيل ، أمّا ما ذكرت من
دينك فإنما هو مالك تقضي به دينك ، ولسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت. وأما جسدك
فإنا إذا قتلناك فالخيار لنا ، ولسنا نبالي ما صنع الله بجثتك. وأما الحسين فلا ،
ولا كرامة.
٥٧٥ ـ (رواية أخرى)
لوصية مسلم عليهالسلام : (العقد الفريد ج ٤ ص ٣٠٧)
فنظر مسلم في وجوه
الناس ، فقال لعمرو بن سعيد (لعله تصحيف : عمر ابن سعد) : ما أرى قرشيا هنا غيرك ،
فادن مني حتّى أكلمك. فدنا منه ، فقال له :
هل لك أن تكون سيد
قريش ما كانت قريش؟. إن حسينا ومن معه ـ وهم تسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة ـ في
الطريق ، فارددهم واكتب لهم بما أصابني.
وقال عمرو لابن
زياد : أتدري ما قال لي؟. قال ابن زياد : اكتم على ابن عمك. قال : هو أعظم من ذلك.
قال : وما هو؟. قال : قال لي إن حسينا ومن معه أقبل ، وهم تسعون إنسانا ما بين رجل
وامرأة ، فارددهم واكتب إليه بما أصابني.
فقال له ابن زياد
: أما والله إذ دللت عليه ، لا يقاتله أحد غيرك.
٥٧٦ ـ محاورة مسلم
بن عقيل مع عبيد الله بن زياد وقد اتّهم مسلما بالفرقة بين المسلمين ، ومصرع مسلم عليهالسلام : (مقتل الخوارزمي ج ١ ص ٢١٣)
ثم قال ابن زياد :
ولكن أريد أن تخبرني يابن عقيل لماذا أتيت أهل هذا البلد ،
وأمرهم جميع
وكلمتهم واحدة ، فأردت أن تفرّق عليهم أمرهم وتحمل بعضهم على بعض. فقال له مسلم :
ليس لذلك أتيت ، ولكنّ أهل هذا المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم ، وأن
معاوية حكم فيها ظلما بغير رضى منهم ، وغلبهم على ثغورهم التي أفاء الله بها عليهم
، وأن عاملهم يتجبّر ويعمل أعمال كسرى وقيصر ، فأتينا لنأمر بالعدل ، وندعو إلى
الحكم بكتاب الله إذ كنا أهله ، ولم تزل الخلافة لنا ـ وإن قهرنا عليها ـ رضيتم
بذلك أم كرهتم ، لأنكم أول من خرج على إمام هدى وشقّ عصا المسلمين ، ولا نعلم لنا
ولكم مثلا ، إلا قول الله تعالى : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ
ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧].
(وفي مقتل الحسين
للمقرّم ، ص ١٨٩ تتمة الكلام) : «قال ابن زياد : ما أنت وذاك ، أولم نكن نعمل فيهم
بالعدل!. قال مسلم : إن الله يعلم أنك غير صادق ، وأنك لتقتل على الغضب والعداوة
وسوء الظن. فشتمه ابن زياد وشتم عليا وعقيلا والحسين . فقال مسلم : أنت وأبوك أحقّ بالشتم ، فاقض ما أنت قاض يا
عدوّ الله . فنحن أهل بيت موكّل بنا البلاء ».
شهادة مسلم بن عقيل عليهالسلام
فقال ابن زياد :
اصعدوا به إلى أعلى القصر واضربوا عنقه ، وأتبعوا رأسه جسده. فقال مسلم : أما
والله يابن زياد ، لو كنت من قريش أو كان بيني وبينك رحم لما قتلتني ، ولكنك ابن
أبيك. فازداد ابن زياد غضبا. (قيل : إنه يشير بهذا الكلام إلى أن عبيد الله مثل
أبيه زياد ، دعيّان وليسا من قريش).
ودعا ابن زياد
برجل من أهل الشام قد كان مسلم ضربه على رأسه ضربة منكرة (وهو بكر بن حمران) فقال
له : خذ مسلما إليك وأصعده إلى أعلى القصر واضرب
__________________
أنت عنقه بيدك ،
ليكون ذلك أشفى لصدرك. قال : فأصعد مسلم إلى أعلى القصر وهو يسبّح الله ويستغفره
ويهلله ويكبّره ويقول : الله م احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا
وكذّبونا. وتوجه نحو المدينة وسلّم على الحسين عليهالسلام .
وأشرف به الشامي
على موضع الحذّائين ، وضرب عنقه ، ورمى برأسه وجسده إلى الأرض .
٥٧٧ ـ تاريخ خروج
مسلم وقتله عليهالسلام :
(في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٦ ط ٢ نجف) :
قال هشام : وخرج
الحسين عليهالسلام من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة. وكان يوم
التروية في اليوم الّذي خرج فيه مسلم بن عقيل بالكوفة.
(وفي لواعج
الأشجان ، ص ٧٠) : أن استشهاد مسلم كان يوم عرفة ، لتسع خلون من ذي الحجة على
رواية المفيد ، (وفي رواية) يوم التروية لثمان مضين منه.
ترجمة مسلم بن عقيل عليهالسلام
هو ابن عقيل بن
أبي طالب. كان شجاعا باسلا وهماما حازما. صدق فيه قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لله درّ أبي طالب لو ولد الناس كلهم لكانوا شجعانا». وقال
فيه الحسين عليهالسلام يخاطب أهل الكوفة : «وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي
من أهل بيتي مسلم بن عقيل». وما يمنعه أن يكون كذلك وإنه في الصميم من هاشم ،
والذروة من بني عمرو العلى ، والقلب من آل عبد مناف؟!.
__________________
تابع : ترجمة مسلم بن عقيل
وقال السيد
الميانجي في (العيون العبرى) ص ٤٦ و ٤٧ :
كان خروج مسلم
بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة ، وقتل يوم الأربعاء يوم عرفة
لتسع خلون منه سنة ستين. وكان له من العمر يوم استشهد ما يناهض الستين. وما في بعض
الكتب من أنه عليهالسلام كان يوم قتل ابن ثمانية وعشرين ليس في محله كما هو واضح.
وقال : أمه أم ولد
تسمى (عليّة) اشتراها عقيل من الشام ، وكان مسلم صهرا لأمير المؤمنين عليهالسلام لبنته (رقيّة).
وكفى في فضله
وجلالته إرسال الحسين عليهالسلام إياه سفيرا ورسولا إلى أهل الكوفة.
وفي (أمالي الصدوق)
عن ابن عباس ، قال علي عليهالسلام : يا رسول الله ، إنك لتحبّ عقيلا؟. قال : إي والله ، إني
لأحبه حبّين : حبا له ، وحبا لحب أبي طالب له ، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك ،
فتدمع عليه عيون المؤمنين ، وتصلي عليه الملائكة المقربون. ثم بكى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى جرت دموعه على صدره. ثم قال : إلى الله أشكو ما تلقى
عترتي من بعدي.
ولم أعثر تحقيقا
لعدد أولاده ، والذي ثبت منهم : عبد الله بن مسلم قتل في الطف ، ومحمد بن مسلم أمه
أم ولد قتل بعد أخيه عبد الله ، وبنت لها إحدى عشرة أو ثلاث عشرة سنة ، كانت مع
أهل البيت ومع بنات الحسين عليهمالسلام في سفر كربلاء.
وأما الغلامان
الصغيران اللذان قتلا في الكوفة بعد الوقعة ، فقد ذهب بعض أرباب المقاتل إلى أنهما
كانا من ولد مسلم بن عقيل ، وأنهما بقيا سنة في السجن ثم قتلا (نقلا عن أمالي
الشيخ الصدوق) لكنه مما لا يساعده الاعتبار. والذي ذهب إليه العلامة المجلسي في (البحار)
أنهما من ولد جعفر الطيار عليهالسلام.
٥٧٨ ـ قصة إنجاب
عقيل لمسلم بن عقيل من (عليّة):
(إبصار العين للشيخ السماوي ، ص ٤٠)
روى المدائني (قال)
قال معاوية بن أبي سفيان لعقيل بن أبي طالب يوما : هل من حاجة فأقضيها لك؟. قال :
نعم ، جارية عرضت عليّ ، وأبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفا.
فأحبّ معاوية أن
يمازحه ، فقال : وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا وأنت أعمى؟!. تجتزئ بجارية
قيمتها أربعون درهما!. فقال عقيل : أرجو أن أطأها فتلد لي غلاما ، إذا أغضبته ضرب
عنقك بالسيف!. فضحك معاوية ، وقال : مازحناك يا أبا يزيد. وأمر فابتيعت له الجارية
، التي أولد منها مسلما.
ولما مات عقيل
تخاصم مسلم مع معاوية في أرض بالمدينة ، فامتنع معاوية عن ردّها ، فقال له مسلم :
أما دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا. فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه ، ويقول له :
يا بني ، هذا والله ما قاله لي أبوك حين ابتاع أمّك!.
شهادة هانئ بن عروة (رض)
٥٧٩ ـ إخراج هانئ
بن عروة رضي الله عنه للقتل :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٥٩ ط نجف)
ثم أمر ابن زياد
بهانئ بن عروة أن يخرج فيلحق بمسلم بن عقيل. فقام محمّد بن الأشعث إلى عبيد الله
بن زياد فكلمه في شأن هانئ بن عروة ، فقال : إنك قد عرفت منزلة هانئ في المصر
وبيته في العشيرة ، وقد علم قومه أني وصاحبي سقناه إليك ، وأنشدك الله لما وهبته
لي ، فإني أكره عداوة المصر وأهله. فوعده أن يفعل.
ثم بدا له [أي بدا
له شيء جعله يغيّر رأيه] وأمر بهانئ في الحال ، وقال : أخرجوه إلى السوق ، فاضربوا
عنقه.
٥٨٠ ـ مصرع هانئ
بن عروة رضي الله عنه :
(مقتل المقرم ، ص ١٩٠)
ثم أخرج هانئ إلى
مكان من السوق يباع فيه الغنم وهو مكتوف ، فجعل يصيح : وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم
، واين مني مذحج (يستغيث بقبيلته). فلما رأى أن أحدا لا ينصره جذب يده ونزعها من
الكتاف ، وقال : أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يدافع رجل عن نفسه!. ووثبوا
عليه وأوثقوه كتافا. وقيل له : مدّ عنقك ، فقال : ما أنا بها سخيّ ، وما أنا
بمعينكم على نفسي ، فضربه بالسيف مولى لعبيد الله بن زياد تركي اسمه (رشيد) فقتله
، وهو يقول : إلى الله المعاد ، الله م إلى رحمتك ورضوانك.
٥٨١ ـ سحل جثتي
مسلم وهانئ رحمهماالله :
(المصدر السابق)
وأمر ابن زياد
بسحب مسلم وهانئ بالحبال من أرجلهما في الأسواق وصلبهما بالكناسة منكوسين . وأنفذ الرأسين إلى يزيد فنصبهما في درب من دمشق .
وفي مسلم وهانئ رحمهماالله يقول عبد الله بن الزبير الأسدي :
فإن كنت لا
تدرين ما الموت فانظري
|
|
إلى هانئ في
السوق وابن عقيل
|
إلى بطل قد هشّم
السيف وجهه
|
|
وآخر يهوي من
طمار قتيل
|
تري جسدا قد
غيّر الموت لونه
|
|
ونضح دم قد سال
كل مسيل
|
أصابهما أمر
اللعين فأصبحا
|
|
أحاديث من يسعى
بكل سبيل
|
شرح : الطمار :
بفتح الطاء وكسرها ، المكان المرتفع.
__________________
ترجمة هانئ بن عروة رضي الله عنه
كان هانئ بن عروة
هو وأبوه من وجوه الشيعة في الكوفة. ويروى أنه كان صحابيا كأبيه. وحضر مع أمير
المؤمنين علي عليهالسلام حروبه الثلاث. وكان من أركان حركة حجر بن عديّ الكندي ضد
زياد بن أبيه.
وروى المسعودي أنه
كان شيخ مراد وزعيمها ، وكان معمّرا ، ذكر بعضهم أنه عاش ٨٣ سنة ، وقيل بضعا
وتسعين سنة. وكان يتوكأ على عصا بها زجّ ، وهي التي ضربه ابن زياد بها لما أحضر
عنده ، حتّى هشّم أنفه وجبينه. وكان مقتله يوم التروية سنة ٦٠ ه ، في نفس اليوم
الّذي قتل فيه مسلم بن عقيل رضوان الله عليهما.
٥٨٢ ـ دفن جثتي
مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة رضي الله عنهما :
(وسيلة الدارين في أنصار الحسين لابراهيم الزنجاني ، ص ٢٠٩)
قال الثعلبي :
بقيت تلك الجثة الطاهرة على وجه الأرض من غير غسل ولا كفن. ولما دجى الليل ونامت
كل عين ، شدّت زوجة ميثم التمّار على نفسها ، وخرجت إلى الكنائس ، وحملت مسلم بن
عقيل وهانئ بن عروة وحنظلة بن مرة إلى دارها. ولما انتصف الليل ونامت كل عين
حملتهم إلى جنب المسجد الأعظم [مسجد الكوفة] ودفنتهم بدمائهم ، ولم يعلم بها أحد
إلا زوجة هانئ ابن عروة ، لأنها كانت في جوارها.
٥٨٣ ـ كتاب من ابن
زياد إلى يزيد مع رأسي مسلم وهانئ رضي الله عنهما :
(مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم ، ص ١٩١ ط ٣ نجف)
وبعث ابن زياد
برأس مسلم بن عقيل إلى يزيد ، وهو أول رأس حمل من رؤوس بني هاشم ، وجثة مسلم أول
جثة صلبت منهم.
وكتب إليه : أما
بعد ، فالحمد لله الّذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه ، وكفاه مؤونة عدوه. أخبر أمير
المؤمنين أكرمه الله : أن مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، وأني
جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال ، وكدتهما حتّى
استخرجتهما ،
وأمكن الله منهما ، فقدمتهما فضربت أعناقهما. وقد بعثت إليك برأسيهما ... والسلام.
٥٨٤ ـ ردّ يزيد
على كتاب ابن زياد ، وشكره على صنيعه :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٥٢٦)
فكتب إليه يزيد
يشكره ويقول : قد عملت عمل الحازم ، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش. وقد صدق ظني
فيك. وبلغني أن الحسين قد توجه إلى العراق ، فضع له المناظر والمسالح ، واحترس منه
، واحبس على الظنّة ، وخذ على التهمة. واكتب إليّ في كل ما يحدث من خير وشر ،
والسلام.
مصرع عبد الأعلى ابن يزيد الكلبي رحمهالله
٥٨٥ ـ مقتل عبد
الله بن يزيد الكلبي :
(أنصار الحسين للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ١٢٢ ط ٢)
عبد الأعلى الكلبي
شاب كوفي ، ممن بايعوا مسلم بن عقيل. لبس سلاحه حين أعلن مسلم تحركه ، بعد القبض
على هانئ بن عروة ، وخرج من منزله ليلحق بمسلم في محلة بني فتيان ، فقبض عليه كثير
بن شهاب بن الحصين الحارثي من مذحج. وكان كثير قد استجاب لعبيد الله بن زياد حين
أمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج ، فيخذّل الناس عن مسلم بن عقيل.
فأخذ كثير بن شهاب
الشابّ عبد الأعلى بن يزيد الكلبي ، فأدخله على عبيد الله بن زياد. فقال عبد
الأعلى لابن زياد : إنما أردتك ، فلم يصدّقه. وأمر به فحبس (راجع تاريخ الطبري ، ج
٥ ص ٣٦٩).
ثم إن عبيد الله
بن زياد لما قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، دعا بعبد الأعلى الكلبي ، فأتي به.
فقال له : أخبرني بأمرك. فقال : أصلحك الله ، خرجت لأنظر ما يصنع الناس ، فأخذني
كثير بن شهاب. فقال له : فعليك وعليك من الأيمان المغلظة ، إن كان أخرجك إلا ما
زعمت!. فأبى أن يحلف. فقال عبيد الله : انطلقوا
بهذا إلى جبانة
السبيع فاضربوا عنقه بها. فانطلقوا به فضربت عنقه رحمهالله (راجع تاريخ
الطبري ، ج ٥ ص ٣٧٩).
مصرع عمارة ابن صلخب الأزدي رحمهالله
٥٨٦ ـ مقتل عمارة
بن صلخب الأزدي : (المصدر السابق)
عمارة بن صلخب شاب
كوفي ، كان قد خرج لنصرة مسلم بن عقيل حين بدأ تحركه ، فقبض عليه وحبس. ثم دعا به
عبيد الله بن زياد بعد أن قتل مسلم ابن عقيل وهانئ بن عروة ، فأرسله إلى قبيلته من
الأزد (وهم من أكبر أنصاره) فقتله في قومه رضوان الله عليه.
(أقول) : هذان
نموذجان حيّان من شبان كثيرين من أهل الكوفة ، قاموا بدافع من شبابهم الغض لينصروا
الحق ، فأخذهم ابن زياد اللعين وأعدمهم ، دون أن تصلنا أخبارهم.
٥٨٧ ـ حبس المختار
بن أبي عبيدة الثقفي :
(مقتل المقرم ص ١٨١)
وفي يوم مقتل مسلم
عليهالسلام حبس ابن زياد المختار بن أبي عبيدة الثقفي لخروجه مع مسلم .
وكان المختار عند
خروج مسلم في قرية له تدعى خطوانية (وهي ناحية في بابل العراق) فجاء بمواليه يحمل
راية خضراء ، ويحمل عبد الله بن الحارث راية حمراء ، وركز المختار رايته على باب
عمرو بن حريث ، وقال : أردت أن أمنع عمرو .
ووضح لهما قتل
مسلم وهانئ ، وأشير عليهما بالدخول تحت راية الأمان عند عمرو بن حريث ، ففعلا.
وشهد لهما ابن حريث باجتنابهما مسلم بن عقيل. وأمر
__________________
ابن زياد بحبسهما
بعد أن شتم المختار ، واستعرض وجهه بالقضيب فشتر عينه . وبقيا في السجن إلى أن قتل الحسين عليهالسلام .
__________________
الفصل الخامس عشر :
عزم الحسين عليهالسلام على المسير إلى العراق
(ونصائح الأصحاب)
إضافة لما ورد في
هذا الفصل ، تراجع في الفصول السابقة من هذا الباب (النصائح) المتعددة الموجهة
للحسين عليهالسلام ، وردّ الإمام على هذه النصائح ، ففيها لمحات من فلسفة
نهضة الحسين عليهالسلام ، وفيها الإجابة على تساؤلات كثيرة حول أسباب نهضته
المباركة ومراميها البعيدة.
وقد بدأت النصائح من
المدينة ، واستمرت أثناء إقامته في مكة.
٥٨٨ ـ أقسام
الناصحين :
يمكن تقسيم الذين
نصحوا الحسين عليهالسلام بعدم المسير إلى نوعين :
١ ـ المشفقون :
وهم الذين نصحوه من منطلق المحبة والخوف عليه ، ومنهم محمّد بن الحنفية وعبد الله
بن عباس وعمر الأطرف والسيدة أم سلمة ، وعبد الله بن مطيع العدوي والمسوّر بن
مخرمة وعمرو بن عبد الرحمن المخزومي ... وغيرهم.
٢ ـ المندّدون :
وهم الذين أنكروا عليه خروجه ، ونصحوه من منطلق أنه مخطئ ولا يجوز له ذلك ، وهم
غالبا من غير خطّ أهل البيت عليهمالسلام ، منهم : عبد الله بن عمر وأبو واقد الليثي وعمرة بنت عبد
الرحمن الأنصارية وسعيد بن المسيّب ... وغيرهم.
وأما عبد الله بن
الزبير ، فظاهره الإشفاق وباطنه غير ذلك.
٥٨٩ ـ الذين نصحوا
الحسين عليهالسلام كان الأولى بهم مناصرته :
(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٨ طبع حجر إيران)
يقول الفاضل الدربندي
: ثم لا يخفى عليك أن علماء أهل الخلاف لو كانوا أخذوا طريق الإنصاف وتركوا
الاعتساف ، وتتبعوا الأخبار وتفحصوا السير والآثار ، لعلموا أن ما ظنّ به ابن عمر
وابن عباس من أن سيد الشهداء عليهالسلام لو
خرج إلى العراق
لقتل فيه ، إنما كان منبعثا من قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإخباره بشهادة ولده وريحانته في أرض العراق ، فإنه يقتله
أشرار هذه الأمة ، فلا تنالهم شفاعته ، وأن أنصار ولده والمستشهدين بين يديه
يكونون في أعلى درجات الجنان معه. فلو كان النصحاء من الكاملين المؤمنين ،
لاختاروا نصرة ولد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتركوا النصيحة له. لأنه كما نص رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأخبر بشهادته مرارا متضافرة ، إخبارا منجّزا ، بأنه يخرج
إلى العراق ويقتل ، وأنه قد شاء الله تعالى أن يراه مقتولا ، لا معلّقا بأنه لو
خرج لقتل ؛ فكذا قد نصّ بأنه إمام مفترض الطاعة ، وحجة الله على جميع أهل السموات
والأرضين بعد أبيه وأخيه عليهالسلام.
٥٩٠ ـ شخوص الحسين
عليهالسلام إلى المدينة لزيارة قبر جده صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٣٩)
قال أبو مخنف :
لما قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة انقطع خبرهما عن الحسين عليهالسلام فقلق قلقا عظيما. فجمع أهله وأخبرهم بما حدّثته به نفسه.
وأمرهم بالرحيل إلى المدينة ، فخرجوا سائرين بين يديه إلى المدينة حتى دخلوها.
٥٩١ ـ زيارة
الحسين عليهالسلام لقبر جده صلىاللهعليهوآلهوسلم ورؤياه :
(المصدر السابق)
فأتى قبر رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والتزمه وبكى بكاء شديدا ، فهوّمت عيناه بالنوم [أي نام
نوما خفيفا] فرأى جده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يقول : يا ولدي الوحا الوحا العجل العجل ، فبادر إلينا
فنحن مشتاقون إليك. فانتبه الحسين عليهالسلام قلقا مشوقا إلى جدهصلىاللهعليهوآلهوسلم.
٥٩٢ ـ زيارة
الحسين عليهالسلام لأخيه محمّد بن الحنفية :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ١٤١)
وجاء الحسين عليهالسلام إلى أخيه محمّد بن الحنفية وهو عليل ، فحدّثه بما رأى
وبكى. فقال له : يا أخي ماذا تريد أن تصنع؟. قال : أريد الرحيل إلى العراق ، فإني
على قلق من أجل ابن عمي مسلم بن عقيل. فقال له محمّد بن الحنفية : سألتك بحق جدك
محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أن لا تفارق حرم جدك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فإن لك فيه أعوانا كثيرة. فقال الحسين عليهالسلام : لا بدّ من العراق. فقال محمّد بن الحنفية : إني والله
ليحزنني فراقك ، وما أقعدني عن المسير معك إلا لأجل ما أجده من المرض
الشديد ، فوالله
يا أخي ما أقدر أن أقبض على قائم سيف ولا كعب رمح. فوالله لا فرحت بعدك أبدا. ثم
بكى بكاء شديدا حتّى غشي عليه. فلما أفاق من غشيته قال : يا أخي أستودعك الله من
شهيد مظلوم.
وودعه الحسين عليهالسلام ورجع إلى مكة.
٥٩٣ ـ عبد الله بن
عمر يشير على الحسين عليهالسلام بالخضوع ، والحسين يبيّن هوان الدنيا ، وأن الله سينتقم من
قتلته كما انتقم من بني إسرائيل :
(المنتخب للطريحي ، ص ٣٨٩)
روى بعض الثقات أن
عبد الله بن عمر لما بلغه أن الحسين عليهالسلام متوجه إلى العراق ، جاء إليه وأشار عليه بالطاعة والانقياد
لابن زياد ، وحذّره من مشاقّة أهل العناد.
فقال له الحسين عليهالسلام : يا عبد الله ، إنّ من هوان هذه الدنيا على الله ، أن رأس
يحيى بن زكريا عليهالسلام أهدي إلى بغيّ من
بغايا بني إسرائيل ، فامتلأ به سرورا ، ولم يعجّل الله عليهم بالانتقام ، وعاشوا
في الدنيا مغتبطين. ألم تعلم يا عبد الله أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يفعلوا
شيئا ، ولم يعجّل الله عليهم بانتقام ، بل أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
ثم قال : يا عبد
الله ، اتّق الله ولا تدعنّ نصرتي ، ولا تركنن إلى الدنيا ، لأنها دار لا يدوم
فيها نعيم ، ولا يبقى أحد من شرّها سليم. متواترة محنها ، متكاثرة فتنها. أعظم
الناس فيها بلاء الأنبياء ، ثم الأئمة الأمناء ، ثم المؤمنون ، ثم الأمثل بالأمثل.
٥٩٤ ـ خطبة الحسين
عليهالسلام قبيل خروجه من مكة إلى العراق :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٩٣)
ولما عزم الحسين عليهالسلام على الخروج إلى العراق ، قام خطيبا فقال :
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وما شاء
الله ولا قوة إلا بالله وصلّى الله على رسوله.
خطّ الموت على ولد
آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة. وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف!.
وخير لي مصرع أنا لاقيه. كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا ، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا . لا محيص عن يوم خطّ بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت ،
نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول الله لحمته ، بل هي
مجموعة له في حظيرة القدس ، تقرّبهم عينه ، وينجز بهم وعده. ألا ومن كان فينا باذلا
مهجته ، موطّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحا إن شاء الله
تعالى.
٥٩٥ ـ نصيحة عمر
بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي للحسين عليهالسلام بالعدول عن المسير إلى العراق : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص
٢١٥)
دخل عمر بن عبد
الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي على الحسين عليهالسلام وقد عزم على المسير إلى العراق ، فقال : يابن رسول الله
أتيتك لحاجة أريد أن أذكرها لك ، وأنا غير غاشّ لك فيها ، فهل لك أن تسمعها؟. فقال
عليهالسلام : قل ما أحببت ، فقال : أنشدك الله يابن عم ألا تخرج إلى
العراق ، فإنهم من قد عرفت ، وهم أصحاب أبيك ، وولاتهم عندهم ، وهم يجبون البلاد ،
والناس عبيد المال ، ولا آمن أن يقاتلك من كتب إليك يستقدمك. فقال الحسين عليهالسلام : سأنظر فيما قلت ، وقد علمت أنك أشرت بنصح ، ومهما يقض
الله من أمر فهو كائن البتة ، أخذت برأيك أم تركت.
__________________
فانصرف عنه عمر بن
عبد الرحمن وهو يقول :
ربّ مستنصح
سيعصى ويؤذى
|
|
ونصيح بالغيب
يلفى نصيحا
|
وفي رواية (مثير
الأحزان) لابن نما الحلي ، ص ٢٧ :
كم ترى ناصحا
يقول فيعصى
|
|
وظنين المغيب
يلفى نصيحا
|
٥٩٦ ـ نصيحة المسوّر بن مخرمة : (تاريخ
ابن عساكر ، ص ٢٠٢)
وكتب إليه المسوّر
بن مخرمة : إياك أن تغترّ بكتب أهل العراق ، ويقول لك ابن الزبير : الحق بهم فإنهم
ناصروك. إياك أن تبرح الحرم ، فإنهم إن كانت لهم بك حاجة ، فسيضربون إليك آباط
الإبل حتّى يوافوك ، فتخرج في قوة وعدّة.
فجزاه الحسين عليهالسلام خيرا ، وقال : أستخير الله في ذلك.
٥٩٧ ـ كتاب عمرة
بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصارية :
(تاريخ ابن عساكر ، بعد الحديث ٦٥٣ ، ص ١٩٨)
كتبت إلى الحسين عليهالسلام عمرة بنت عبد الرحمن تعظّم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره
بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه : أشهد لحدّثتني عائشة
أنها سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «يقتل حسين بأرض بابل».
فلما قرأ عليهالسلام كتابها ، قال : فلا بدّ لي إذا من مصرعي ، ومضى.
٥٩٨ ـ عبد الله بن
الزبير يحمّس الحسين عليهالسلام على الخروج إلى العراق ليصفو له الجو : (مقتل الحسين
للخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٧)
قال الخوارزمي :
ثم أقبل عبد الله بن الزبير فسلّم على الحسين عليهالسلام وجلس ساعة. ثم قال : أما والله يابن رسول الله ، لو كان لي
بالعراق مثل شيعتك لما أقمت بمكة يوما واحدا ، ولو أنك أقمت بالحجاز ما خالفك أحد
، فعلى ماذا نعطي هؤلاء الدنيّة ونطمعهم في حقنا ، ونحن أبناء المهاجرين ، وهم
أبناء المنافقين؟!.
قال : وكان هذا
الكلام مكرا من ابن الزبير ، لأنه لا يحب أن يكون بالحجاز أحد يناويه. فسكت الحسين
عليهالسلام وعلم ما يريد.
٥٩٩ ـ كتاب عبد
الله بن جعفر الطيار للحسين عليهالسلام من المدينة يطلب منه عدم التعجل بالمسير إلى العراق :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٧)
وبعث عبد الله بن
جعفر كتابا مع ابنيه محمّد وعون من المدينة هذا نصه : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). للحسين بن علي ، من عبد الله بن جعفر. أما بعد فإني أنشدك
الله ألا تخرج من مكة ، فإني خائف عليك من هذا الأمر الّذي قد أزمعت عليه ، أن
يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، فإنك إن قتلت خفت أن يطفأ نور الله ، فأنت علم
المهتدين ، ورجاء المؤمنين. فلا تعجل بالمسير إلى العراق فإني آخذ لك الأمان من يزيد ، ومن جميع بني أمية لنفسك
ولمالك وأولادك وأهلك ، والسلام.
فكتب إليه الحسين عليهالسلام : أما بعد ، فإن كتابك ورد عليّ ، فقرأته وفهمت ما فيه.
اعلم أني رأيت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في منامي ، فأخبرني بأمر
أنا ماض له ، كان
لي الأمر أو عليّ ، فو الله يابن عم لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني
حتّى يقتلوني. وو الله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في يوم السبت ، والسلام .
٦٠٠ ـ كتاب عمرو
بن سعيد بن العاص
من المدينة للحسين
عليهالسلام يعيذه فيه من الشقاق ويدعوه إلى المدينة : (مقتل الخوارزمي
، ج ١ ص ٢١٨)
وكتب عمرو بن سعيد
بن العاص والي الحجاز إلى الحسين عليهالسلام من المدينة : أما بعد ، فقد بلغني أنك قد عزمت على الخروج
إلى العراق ، ولقد علمت ما نزل بابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته ، وأنا أعيذك بالله
تعالى من الشقاق ، فإني خائف عليك منه ، ولقد بعثت إليك بأخي (يحيى بن سعيد) فأقبل
إليّ معه ، فلك عندنا الأمان والصلة ، والبر والاحسان ، وحسن الجوار ، والله بذلك
عليّ شهيد ووكيل وراع وكفيل ، والسلام.
فكتب الحسين عليهالسلام : أما بعد فإنه لم يشاقّ من دعا إلى الله وعمل صالحا وقال
إنني من المسلمين. وقد دعوتني إلى البر والإحسان ، وخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمن
الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا. ونحن نسأله لك ولنا في هذه الدنيا
__________________
عملا يرضى لنا يوم
القيامة. فإن كنت بكتابك هذا إليّ أردت برّي وصلتي ، فجزيت بذلك خيرا في الدنيا
والآخرة ، والسلام.
٦٠١ ـ كتاب يزيد
بن معاوية إلى عبد الله بن عباس بمكة :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط ٢ نجف)
قال الواقدي :
ولما نزل الحسين عليهالسلام مكة ، كتب يزيد بن معاوية إلى ابن عباس :
أما بعد ، فإن ابن
عمك حسينا ، وعدوّ الله ابن الزبير ، التويا ببيعتي ولحقا بمكة ، مرصدين للفتنة ،
معرّضين أنفسهما للهلكة.
فأما ابن الزبير ،
فإنه صريع الفنا ، وقتيل السيف غدا.
وأما الحسين ، فقد
أحببت الإعذار إليكم أهل البيت مما كان منه. وقد بلغني أن رجالا من شيعته من أهل
العراق يكاتبونه ويكاتبهم ، ويمنّونه الخلافة ويمنّيهم الإمرة. وقد تعلمون ما بيني
وبينكم من الوصلة وعظيم الحرمة ونتائج الأرحام. وقد قطع ذلك الحسين وبتّه ، وأنت
زعيم أهل بيتك وسيد أهل بلادك. فالقه فاردده عن السعي في الفرقة ، وردّ هذه الأمة
عن الفتنة ، فإن قبل منك وأناب إليك ، فله عندي الأمان والكرامة الواسعة ، وأجري
عليه ما كان أبي يجريه على أخيه ، وإن طلب الزيادة فاضمن له ما أراك الله ، أنفّذ
ضمانك وأقوم له بذلك ، وله عليّ الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكدة ، بما تطمئن
به نفسه ويعتمد في كل الأمور عليه.
عجّل بجواب كتابي
، وبكل حاجة لك إليّ وقبلي ، والسلام.
قال هشام بن محمّد
: وكتب يزيد في أسفل الكتاب :
يا أيها الراكب
العادي مطيّته
|
|
على عذافرة في سيرها قحم
|
أبلغ قريشا على
نأي المزار بها
|
|
بيني وبين
الحسين : الله والرّحم
|
وموقف بفناء
البيت أنشده
|
|
عهد الإله غدا
يوفى به الذّمم
|
عنّيتم قومكم
فخرا بأمّكم
|
|
أمّ لعمري حصان
عفّة كرم
|
هي التي لا
يداني فضلها أحد
|
|
بنت الرسول وخير
الناس قد علموا
|
وفضلها لكم فضل
، وغيركم
|
|
من قومكم لهم في
فضلها قسم
|
__________________
إني لأعلم أو
ظنّا كعالمه
|
|
والظنّ يصدق
أحيانا فينتظم
|
أن سوف يترككم
ما تدّعون بها
|
|
قتلى تهاداكم
العقبان والرّخم
|
يا قومنا لا
تشبّوا الحرب إذ سكنت
|
|
وأمسكوا بحبال
السلم واعتصموا
|
قد غرّت الحرب
من قد كان قبلكم
|
|
من القرون وقد
بادت بها الأمم
|
فأنصفوا قومكم
لا تهلكوا بذخا
|
|
فربّ ذي بذخ
زلّت به القدم
|
قال الخوارزمي في
مقتله ، ج ١ ص ٢١٩ :
وأتى كتاب من يزيد
بن معاوية إلى عمرو بن سعيد يأمره فيه أن يقرأه على الموسم ، وفيه القصيدة
السابقة.
ثم قال : وأتى
مثله إلى أهل المدينة ؛ من قريش وغيرهم.
قال : فوجّه أهل
المدينة بهذه الأبيات إلى الحسين ولم يعلموه أنها من يزيد. فلما نظرها الحسين علم
أنها منه ، وكتب إليهم في الجواب : (بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ
أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٤١) [يونس : ٤١].
٦٠٢ ـ جواب ابن
عباس ليزيد على كتابه ، ونصيحته له :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٩ ط ٢ نجف)
فكتب ابن عباس
ليزيد :
أما بعد ، فقد ورد
كتابك تذكر فيه لحاق الحسين وابن الزبير بمكة.
فأما ابن الزبير
فرجل منقطع عنا برأيه وهواه ، يكاتمنا مع ذلك أضغانا يسرّها في صدره ، يوري علينا
وري الزّناد ، لا فكّ الله أسيرها ، فارأ في أمره ما أنت راء.
وأما الحسين فإنه
لما نزل مكة وترك حرم جده ومنازل آبائه ، سألته عن مقدمه ، فأخبرني أن عمّالك
بالمدينة أساؤوا إليه وعجلوا عليه بالكلام الفاحش ، فأقبل إلى حرم الله مستجيرا به
، وسألقاه فيما أشرت إليه ، ولن أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة ، ويطفئ به
النائرة [أي الحرب] ، ويخمد به الفتنة ، ويحقن به دماء الأمة.
فاتقّ الله في
السرّ والعلانية ، ولا تبيتنّ ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة ، ولا ترصده بمظلمة ،
ولا تحفر له مهواة. فكم من حافر لغيره حفرا وقع فيه ، وكم من مؤمّل أملا لم يؤت
أمله. وخذ بحظك من تلاوة القرآن ونشر السنّة ، وعليك بالصيام
والقيام ، لا
تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها ، فإنّ كل ما اشتغلت به عن الله يضرّ ويفنى ،
وكل ما اشتغلت به من أسباب الآخرة ينفع ويبقى ، والسلام.
فلما قرأ يزيد
كتاب ابن عباس أخذته العزة بالإثم ، وهمّ بقتل ابن عباس ، فشغله عنه أمر ابن
الزبير ، ثم أخذه الله ـ بعد ذلك بيسير ـ أخذا عزيزا.
٦٠٣ ـ نصيحة عبد
الله بن عباس للحسين عليهالسلام وفيها يتخوّف عليه من أهل الكوفة ويدعوه للبقاء في مكة : (مقتل
الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٦)
وقدم ابن عباس في
تلك الأيام إلى مكة ، وقد بلغه أن الحسين عزم على المسير ، فأتى إليه ودخل عليه
مسلّما. ثم قال له : جعلت فداك ، إنه قد شاع الخبر بين الناس وأرجفوا بأنك سائر
إلى العراق ، فبيّن لي ما أنت عليه. فقال : نعم قد أزمعت على ذلك في أيامي هذه
إنشاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فقال ابن عباس : أعيذك
بالله من ذلك ، فإنك إن سرت إلى قوم قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم واتقوا عدوهم ،
ففي مسيرك إليهم لعمري الرشاد والسداد ، وإن سرت إلى قوم دعوك إليهم وأميرهم قاهر
لهم ، وعمّالهم يجبون بلادهم ، فإنما دعوك إلى الحرب والقتال. وأنت تعلم أنه بلد
قد قتل فيه.
أبوك ، واغتيل فيه
أخوك ، وقتل فيه ابن عمك وقد بايعه الناس ، وعبيد الله في البلد يفرض ويعطي ،
والناس اليوم عبيد الدينار والدرهم ، فلا آمن عليك أن تقتل. فاتّق الله والزم هذا
الحرم ، فإن كنت على حال لا بدّ أن تشخص ، فصر إلى اليمن ، فإن بها حصونا لك ،
وشيعة لأبيك ، فتكون منقطعا عن الناس. فقال الحسين عليهالسلام : لا بدّ من العراق!. قال : فإن عصيتني فلا تخرج أهلك
ونساءك ، فيقال إن دم عثمان عندك وعند أبيك ، فو الله ما آمن أن تقتل ونساؤك ينظرن
كما قتل عثمان. فقال الحسين عليهالسلام : والله يابن عم لأن أقتل بالعراق أحبّ إليّ من أن أقتل
بمكة ، وما قضى الله فهو كائن ، ومع ذلك أستخير الله وأنظر ما يكون.
وفي (تذكرة الخواص)
لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٠ :
__________________
قال هشام بن محمّد
: ثم إن حسين عليهالسلام كثرت عليه كتب أهل الكوفة وتواترت إليه رسلهم : «إن لم تصل
إلينا ، فأنت آثم». فعزم على المسير ، فجاء إليه ابن عباس ونهاه عن ذلك ، وقال له
: يابن عم ، إن أهل الكوفة قوم غدر ؛ قتلوا أباك ، وخذلوا أخاك وطعنوه وسلبوه
وأسلموه إلى عدوه ، وفعلوا ما فعلوا.
فقال : هذه كتبهم
ورسلهم ، وقد وجب عليّ المسير لقتال أعداء الله.
فبكى ابن عباس ،
وقال : وا حسيناه.
وأورد المقرّم في
مقتله ، ص ١٩٦ هذا الكلام على النحو التالي :
وقال ابن عباس
للحسين عليهالسلام : يابن العم إني أتصبّر وما أصبر ، وأتخوّف عليك في هذا
الوجه الهلاك والاستئصال. إن أهل العراق قوم غدر فلا تقربهم. أقم في هذا البلد ،
فإنك سيد أهل الحجاز. وأهل العراق إن كانوا يريدونك كما زعموا فلينفوا عاملهم
وعدوهم ، ثم اقدم عليهم. فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن ، فإن بها حصونا
وشعابا وهي أرض عريضة طويلة ، ولأبيك بها شيعة ، وأنت عن الناس في
عزلة ، فتكتب إلى الناس وترسل وتبثّ دعاتك ، فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الّذي تحب
في عافية.
فقال الحسين عليهالسلام : يابن العم إني والله لأعلم أنك ناصح مشفق ، وقد أزمعت
على المسير. فقال ابن عباس : إن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فإني لخائف أن
تقتل وهم ينظرون إليك. فقال الحسين عليهالسلام : والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ،
فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام المرأة .
(وفي رواية) قال
ابن عباس : استشارني الحسين عليهالسلام في الخروج من مكة فقلت : لو لا أن يزري بي وبك لتشبّثت
بيدي في رأسك. فقال عليهالسلام : ما أحبّ أن تستحلّ بي (يعني مكة).
وفي (تاريخ مدينة
دمشق) لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين عليهالسلام ص
__________________
٢٠٤ ، قال ابن
عباس : وكان قوله هذا هو الّذي سلا بنفسي عنه. ثم بكى وقال : أقررت عين ابن
الزبير.
ثم خرج عبد الله
بن عباس من عنده وهو مغضب ، وابن الزبير على الباب. فلما رآه قال : يابن الزبير قد
أتى ما أحببت قرّت عينك ، هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز. ثم قال :
يا لك من قبّرة
بمعمر
|
|
خلا لك الجوّ
فبيضي واصفري
|
ونقّري
ما شئت أن تنقّري
|
(أقول) : وفي أغلب المصادر أن هذه
النصائح من ابن عباس كانت في يومين متتاليين.
وبعث الحسين عليهالسلام إلى المدينة ، فقدم عليه من خفّ معه من بني عبد المطلب ،
وهم تسعة عشر رجلا ، ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم.
٦٠٤ ـ نصيحة عبد
الله بن عمر للحسين عليهالسلام :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥١ ط ٢ نجف)
قال الواقدي :
ولما بلغ عبد الله بن عمر ما عزم عليه الحسين عليهالسلام دخل عليه بنفر ، فلامه ووبخه ونهاه عن المسير ، وقال له :
يا أبا عبد الله ، سمعت جدك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «مالي وللدنيا ، وما للدنيا ومالي». وأنت بضعة منه.
وذكر له نحو ما ذكر ابن عباس.
فلما رآه مصرّا
على المسير ، قبّله ما بين عينيه وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل.
٦٠٥ ـ نصيحة عبد
الله بن الزبير للحسين عليهالسلام وردّها :
(الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ١١)
(ذكر الطبري عن
أبي مخنف) عن عبد الله بن سليم والمنذر بن المشمعل الأسديين ، قالا : خرجنا حاجّين
من الكوفة حتّى قدمنا مكة ، فدخلنا يوم التروية فإذا نحن بالحسين عليهالسلام وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين
الحجر والباب. قال : فتقربنا منهما ، فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين عليهالسلام : إن شئت أن تقيم أقمت فوليت هذا الأمر ، فآزرناك وساعدناك
ونصحنا لك وبايعناك. فقال الحسين عليهالسلام : إن أبي حدثني أن بها كبشا سيستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أن
أكون
أنا ذلك الكبش.
فقال له ابن الزبير : فأقم إن شئت وتوليني أنا الأمر ، فتطاع ولا تعصى. فقال : وما
أريد هذا أيضا.
(قالا) : ثم إنهما
أخفيا كلامهما دوننا ، فما زالا يتناجيان حتّى سمعنا دعاء الناس متوجهين إلى منى
عند الظهر.
(قالا) : فطاف
الحسين بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، وقصّ شعره ، وحلّ من عمرته. ثم توجه نحو
العراق ، وتوجهنا نحو منى .
وفي رواية (مقتل
الخوارزمي) ص ٢١٩ : قال عبد الله بن الزبير للحسين بن علي عليهالسلام : أين تذهب؟. إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك!. فقال له
الحسين : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن تستحلّ بي (يعني مكة).
وفي رواية المقرّم
، ص ١٩٤ : إن الحسين عليهالسلام قال لابن الزبير : إن أبي حدثني أن بمكة كبشا به تستحلّ
حرمتها ، فما أحبّ أن أكون ذلك الكبش ، ولئن أقتل خارجا منها بشبر أحبّ إليّ من أن
أقتل فيها . وايم الله لو كنت في ثقب هامة من هذه الهوام لاستخرجوني
حتّى يقضوا فيّ حاجتهم ، والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت.
وعن معمّر ، قال :
وسمعت رجلا يحدّث عن الحسين بن علي عليهالسلام قال : سمعته يقول لعبد الله بن الزبير : أتتني بيعة أربعين
ألفا يحلفون لي بالطلاق والعتاق ، من أهل الكوفة (وفي رواية : من أهل العراق).
فقال له عبد الله بن الزبير : أتخرج إلى قوم قتلوا أباك وأخرجوا أخاك؟!.
٦٠٦ ـ موقف عبد
الله بن الزبير من الحسين عليهالسلام :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥١ ط ٢ نجف)
ولما بلغ ابن
الزبير عزمه ، دخل عليه وقال : لو أقمت ههنا بايعناك ، فأنت أحقّ من يزيد وأبيه.
وكان ابن الزبير
أسرّ الناس بخروجه من مكة ، وإنما قال له هذا ، لئلا ينسبه إلى شيء آخر.
__________________
وفي كامل ابن
الأثير ، ج ٤ ص ١٦ :
ولما خرج من عنده
ابن الزبير قال الحسين لمن حضر عنده : إن هذا ليس شيء من الدنيا أحب إليه من أن
أخرج من الحجاز ، وقد علم أن الناس لا يعدلونه بي ، فودّ أني خرجت حتّى يخلو له.
٦٠٧ ـ نصيحة أبي
محمّد الواقدي : (لواعج الأشجان ، ص ٦٥)
قال أبو محمّد
الواقدي وزرارة بن خلج [ذكر ذلك في الله وف ص ٢٦] : لقينا الحسين بن علي عليهماالسلام قبل أن يخرج إلى العراق ، فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة ،
وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه. فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ، ونزلت
الملائكة عددا لا يحصيهم إلا الله عزوجل ، فقال عليهالسلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر ، لقاتلتهم بهؤلاء ،
ولكن أعلم يقينا أن من هناك مصرعي وهناك مصارع أصحابي ، لا ينجو منهم إلا ولدي (علي)
عليهالسلام.
٦٠٨ ـ الحسين عليهالسلام يرفض نصرة الملائكة ، حتّى يحرز الشهادة ::
(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٦٢)
عن زرارة بن صالح
قال : لقينا الحسين بن علي عليهماالسلام قبل أن يخرج إلى العراق بثلاث.
إلى أن قال :
فأومأ بيده إلى السماء ، ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيه إلا
الله. فقال عليهالسلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر نقاتلهم بهؤلاء.
٦٠٩ ـ جبرئيل عليهالسلام يدعو إلى بيعة الله : (المصدر السابق)
ومن رواية ابن
عباس قال : رأيت الحسين عليهالسلام قبل أن يتوجه إلى العراق على باب الكعبة ، وكفّ جبرئيل في
كفه ، وجبرئيل ينادي : هلمّوا إلى بيعة الله. فقال : إن أصحاب الحسين عليهالسلام لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا ، نعرفهم بأسمائهم قبل
شهودهم.
وفي هذا دلالة
تامة على علوّ شأن من استشهدوا بين يدي الحسين عليهالسلام ، وأن منزلتهم أعلى من الشهداء الذين سبقوهم. وبيان ذلك أن
هذا النحو من الدعوة المتمثلة في نداء جبرئيل ودعوته إلى البيعة ، لم يتحقق في شأن
دعوة نبي من
الأنبياء. وهذا
يدل على أن المتخلّف عن نصرة الحسين عليهالسلام لا لعذر ، ليس من أهل الإيقان والإيمان.
٦١٠ ـ وصية الحسين
عليهالسلام إلى بني هاشم :
(اللهوف ، ص ٣٦)
ذكر الكليني في
كتاب (الرسائل) عن حمزة بن حمران عن الصادق عليهالسلام قال : ذكرنا خروج الحسين عليهالسلام وتخلّف ابن الحنفية عنه ، فقال الصادق عليهالسلام : يا حمزة إني سأحدثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا.
إن الحسين لما فصل متوجها ، أمر بقرطاس وكتب : (بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). من الحسين بن علي إلى بني هاشم : أما بعد ، إنه من لحق بي
منكم استشهد ، ومن تخلّف عني لم يبلغ الفتح ، والسلام. وقيل بعثه إلى محمّد بن
الحنفية.
يقول الفاضل
الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٢١٥ ، معلقا على قول الإمام الحسين عليهالسلام لبني هاشم : ومن تخلّف لم يبلغ الفتح». أي من تخلّف عن
نصرة الحسينعليهالسلام لم يحرز النجاة والفلاح ، الّذي يحرزه من استشهد مع الحسين
عليهالسلام.
٦١١ ـ يزيد يأمر
والي مكة بقتل الحسين عليهالسلام غيلة ولو في حرم مكة :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٦٢ ط نجف)
كان يزيد بن
معاوية عزل الوليد بن عتبة عن المدينة ، وولّى عمرو بن سعيد ابن العاص على المدينة
ومكة معا ، فأقام عمرو في المدينة. ثم أمره يزيد بالمسير إلى مكة في عسكر عظيم ،
وولاه أمر الموسم ، وأمّره على الحاجّ كلهم.
وأوصاه بالقبض على
الحسين عليهالسلام سرا ، وإن لم يتمكن منه يقتله غيلة. وأمره أن يناجز الحسين
عليهالسلام القتال إن هو ناجزه. فلما كان يوم التروية قدم عمرو بن
سعيد إلى مكة في جند كثيف.
ثم إن يزيد دسّ مع
الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية ، وأمرهم بقتل الحسين عليهالسلام على أي حال اتفق [نقل ذلك العلامة المجلسي في كتاب البحار].
__________________
فلما علم الحسين عليهالسلام بذلك ، عزم على التوجه إلى العراق ، وحلّ من إحرام الحج ،
وجعلها عمرة مفردة.
٦١٢ ـ الإمام
الحسين عليهالسلام يقصّر حجه إلى عمرة مفردة ، استعدادا للمسير إلى العراق : (مقتل
الحسين للمقرم ، ص ١٩٣)
لما بلغ الحسين عليهالسلام أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر كثيف ، وأمّره
على الحاج وولاه أمر الموسم ، وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وجد وبقتله على أي حال اتفق ، عزم عليهالسلام على الخروج من مكة قبل إتمام الحج ، وجعلها عمرة مفردة ،
وذلك كراهية أن تستباح به حرمة البيت .
وكان خروجه عليهالسلام من مكة يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة ، ومعه أهل
بيته ومواليه وشيعته ، من أهل الحجاز والبصرة والكوفة ، الذين انضموا إليه أيام
إقامته بمكة .. فكان الناس يخرجون إلى منى للتزود بالماء ، والحسين عليهالسلام يخرج إلى العراق. ولم يكن علم عليهالسلام بمقتل مسلم بن عقيل الّذي استشهد في ذلك اليوم .
٦١٣ ـ الفرق بين
العمرة والحج :
(الكافي للكليني ، ج ٤ ص ٥٣٥)
عن معاوية بن عمار
عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : إن المتمتّع مرتبط بالحج ، والمعتمر إذا فرغ منها
ذهب حيث شاء. وقد اعتمر الحسين عليهالسلام في ذي الحجة ، ثم راح يوم التروية إلى العراق ، والناس
يروحون إلى (منى). ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج.
٦١٤ ـ ابن الزبير
يودّع الحسين عليهالسلام عند ما أزمع على السفر :
(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ، ج ١٧ ص ١٥٥)
عن الإمام الباقر عليهالسلام قال : إن الحسين عليهالسلام خرج من مكة قبل التروية بيوم ، فشيّعه عبد الله بن الزبير.
فقال : يا أبا عبد الله ، قد حضر الحج وتدعه وتأتي
__________________
العراق؟!. فقال عليهالسلام : يابن الزبير لأن أدفن بشاطئ الفرات أحبّ إليّ من أن أدفن
بفناء الكعبة .
٦١٥ ـ نصيحة محمّد
بن الحنفية لأخيه الحسين عليهالسلام ، وفيها يخبر الحسين أخاه برؤياه : (المنتخب للطريحي ، ص
٤٣٥ ط ٢)
وعن بعض الناقلين
: إن محمّد بن الحنفية لما بلغه الخبر ، أن أخاه الحسين عليهالسلام خارج من مكة يريد العراق ، كان في يده طشت فيه ماء وهو
يتوضأ ، فجعل يبكي بكاء شديدا ، حتّى سمع وكف دموعه في الطّشت مثل المطر.
ثم إنه صلّى
المغرب ، ثم سار إلى أخيه الحسين عليهالسلام. فلما صار إليه قال له : يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت
غدرهم ومكرهم بأبيك وأخيك من قبلك ، وإني أخشى عليك أن يكون حالك كحال من مضى من
قبلك. فإن أطعت رأيي قم بمكة ، وكن أعزّ من في الحرم المشرّف. فقال : يا أخي إني
أخشى أن تغتالني أجناد بني أمية في حرم مكة ، فأكون كالذي يستباح دمه في حرم الله.
فقال :
يا أخي فصر إلى
اليمن ، فإنك أمنع الناس به. فقال الحسين عليهالسلام : والله يا أخي لو كنت في جحر هامة من هوامّ الأرض
لاستخرجوني منه حتّى يقتلوني. ثم قال : يا أخي سأنظر فيما قلت.
فلما كان وقت
السحر ، عزم الحسين عليهالسلام على الرحيل إلى العراق. فجاءه أخوه محمّد بن الحنفية وأخذ
بزمام ناقته التي هو راكبها ، وقال : يا أخي ألم تعدني النظر فيما أشرت به عليك؟.
فقال : بلى. قال : فما حداك على الخروج عاجلا؟. فقال : يا أخي إن جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أتاني بعد ما فارقتك وأنا نائم ، فضمّني إلى صدره ، وقبّل
ما بين عينيّ ، وقال : يا حسين قرة عيني ، اخرج إلى العراق ، فإن الله عزوجل قد شاء أن يراك قتيلا مخضبا بدمائك.
فبكى ابن الحنفية
بكاء شديدا ، وقال له : يا أخي إذا كان الحال هكذا ، فما معنى حملك هذه النسوة
وأنت ماض إلى القتل؟. فقال : يا أخي قد قال لي جدي أيضا : إن الله عزوجل قد شاء أن يراهنّ سبايا مهتكات ، يسقن في أسر الذل ، وهن
أيضا لا يفارقنني ما دمت حيا.
__________________
فبكى ابن الحنفية
بكاء شديدا ، وجعل يقول : أودعتك الله يا حسين .. في وداعة الله يا حسين.
٦١٦ ـ ورود عمرو
بن سعيد إلى مكة يوم التروية :
(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ج ٢ ص ٣)
ثم خرج [والي
المدينة] إلى مكة ، فقدمها يوم التروية. فصلى الحسين عليهالسلام ثم خرج.
فقال الناس للحسين
عليهالسلام : يا أبا عبد الله ، لو تقدمت فصليت بالناس. فإنه ليهمّ
بذلك إذ جاء المؤذن ، فأقام الصلاة. فتقدم عثمان (والأصح : عمرو ابن سعيد) فكبّر ،
فقال للحسين عليهالسلام : يا أبا عبد الله ، إذا أبيت أن تتقدم فاخرج. فقال : الصلاة
في الجماعة أفضل.
فلما انصرف عمرو
بن سعيد بلغه أن الحسين عليهالسلام خرج ، فقال : اركبوا كل بعير بين السماء والأرض فاطلبوه.
قال : فكان الناس
يعجبون من قوله هذا. قال : فطلبوه ، فلم يدركوه.
٦١٧ ـ محاولة عبد
الله بن جعفر إرجاع الحسين عليهالسلام :
(المصدر السابق)
فأرسل عبد الله بن
جعفر ابنيه (عونا ومحمدا) ليردّا الحسين عليهالسلام فأبى أن يرجع. وخرج الحسين عليهالسلام بابني عبد الله بن جعفر معه. ورجع عمرو بن سعيد بن العاص
إلى المدينة. فأرسل إلى ابن الزبير فأبى أن يأتيه ، وامتنع برجال معه من قريش
وغيرهم.
٦١٨ ـ سؤال الحسين
عليهالسلام للشاعر الفرزدق عن حال الناس ، وقد لقيه في الحرم المكي :
(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢١٨ ط نجف)
روي عن الفرزدق
الشاعر أنه قال : حججت بأمّي في سنة ستين ، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم
، إذ لقيت الحسين عليهالسلام خارجا من مكة مع أسيافه وأتراسه. فقلت : لمن هذا القطار؟.
فقيل : للحسين عليهالسلام. فأتيته ، فسلمت عليه
وقلت : أعطاك الله
سؤلك وأملك فيما تحب يابن رسول الله ، ما أعجلك عن الحج؟. فقال : لو لم أعجل لأخذت!.
ثم قال لي : من
أنت؟. فقلت : رجل من العرب ، فما فتّشني أكثر من ذلك. قال: أخبرني عن الناس خلفك.
فقلت : الخبير سألت : «قلوب الناس معك وأسيافهم عليك». ثم حرّك راحلته ومضى (راجع
مثير ابن نما ، ص ٢٨).
٦١٩ ـ عبد الله بن
عمرو بن العاص يستنكر مقاتلة الحسين عليهالسلام بالسلاح :
(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٨)
كان عبد الله بن
عمرو بن العاص من الصحابة ، يأمر الناس باتباع الإمام الحسينعليهالسلام.
قال الفرزدق بعد
ذكر لقائه السابق بالامام عليهالسلام : ثم مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم وهيئته حسنة. فأتيته
، فإذا هو لعبد الله بن عمرو بن العاص ، فسألني فأخبرته بلقاء الحسين بن علي عليهماالسلام. فقال لي : ويلك فهلّا اتّبعته؟. فوالله سيملكنّ ، ولا
يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه.
قال الفرزدق :
فهممت والله أن ألحق به ، ووقع في قلبي مقالته ، ثم ذكرت الأنبياء وقتلهم ، فصدّني
ذلك عن اللحاق بهم.
٦٢٠ ـ كتاب من
الوليد بن عتبة إلى ابن زياد بعدم الإساءة للحسين عليهالسلام :
(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٣٣)
قال المجلسي :
واتصل خبر توجّه الحسين عليهالسلام إلى العراق بالوليد بن عتبة أمير المدينة ، فكتب إلى ابن
زياد : أما بعد ، فإن الحسين قد توجه إلى العراق ، وهو ابن فاطمة ، وفاطمة بنت
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فاحذر يابن زياد أن تأتي إليه بسوء ، فتهيج على نفسك
وقومك أمرا في هذه الدنيا لا يصدّه شيء ، ولا تنساه الخاصة والعامة أبدا ما دامت
الدنيا.
توضيح : أورد
الجواهري هذا الكتاب في مثيره أثناء مسير الحسين عليهالسلام إلى كربلاء. والذي يجب توضيحه أن الوليد بن عتبة لم يكن في
ذلك الوقت واليا عليا المدينة ، فقد سبق أن يزيد عزله في منتصف شهر رمضان. فإن
صحّت هذه الرواية
فالمقصود بها
الوليد بن عتبة الّذي كان أميرا على المدينة. ويظهر في هذا الكتاب موقف الوليد بن
عتبة الطيّب من الحسين عليهالسلام ، والذي بدأه حين استدعى الحسين عليهالسلام في المدينة لأخذ البيعة ، فساعده على الرحيل إلى مكة حتّى
لا يبتلى بدمه ، وكان موقفه لا يقارن بموقف مروان الغادر ، وكلاهما من بني أمية.
الباب الرابع
مسير الحسين عليهالسلام إلى العراق
الفصل ١٦ ـ التهيّؤ
للسفر إلى العراق.
ـ تحقيق حول
الهاشميين الذين خرجوا مع الحسين عليهالسلام
الفصل ١٧ ـ المسير
من مكة إلى العراق.
ـ تحقيق المنازل
التي مرّ بها الحسين عليهالسلام.
ـ بدء المسير إلى
العراق.
الفصل السادس عشر
التهيّؤ للسفر إلى العراق
قال تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ
وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ
أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ
وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ
اسْتَطاعُوا) (٢١٧) [البقرة:
٢١٧].
قال ابن أعثم في (الفتوح)
: ثم جمع الحسين عليهالسلام أصحابه الذين عزموا على الخروج معه إلى العراق ، فأعطى كل
واحد منهم عشرة دنانير ، وجملا يحمل عليه رحله وزاده.
ثم إنه طاف بالبيت
وسعى بين الصفا والمروة ، وتهيأ للخروج ، فحمل بناته وأخواته على المحامل. وفصل من
مكة يوم الثلاثاء يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة ، ومعه اثنان وثمانون ٨٢ رجلا
من شيعته ومواليه وأهل بيته.
يقول المسعودي في (مروج
الذهب) : إن عددهم كان ٥٠٠ رجلا.
وسوف نذكر الآن
كيفية تجهيز أهل البيت عليهمالسلام وأصحابهم على المحامل ، استعدادا للمسير إلى العراق. ثم
نذكر إحصاء بعدد الهاشميين.
٦٢١ ـ عدد الرواحل
المعدّة للسفر :
(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ٥٢)
قال الشيخ مهدي
المازندراني في (معالي السبطين) ج ٢ :
فلما تهيأ الحسين عليهالسلام للمسير من المدينة إلى مكة ثم إلى العراق ، أمر بإحضار
مائتين وخمسين ٢٥٠ من الخيل للركوب ، (وفي خبر آخر) ٢٥٠ ناقة. فلما أحضرت عنده ،
أمر بسبعين ناقة لحمل الخيم ، وأربعين ناقة لحمل القدور والأواني وأدوات الأرزاق
وما يتعلق بها ، وثلاثين ناقة لحمل الراوية والقرب لأجل الماء ، واثنتا
عشرة ناقة لحمل
الدارهم والدنانير والحلي والحلل والجواهرات والزعفران والعطريات والورس والأثواب
والبرود اليمانية وما يتعلق بهذه الأشياء.
وأمر عليهالسلام بإحضار خمسين شقة من الهوادج على ظهور المطايا ، للعيال
والأطفال والذراري والعبيد والخدم والجواري ، وبقية المطايا لحمل الأثقال والأدوات
اللازمة في الطريق.
٦٢٢ ـ إحضار أدوات
الحرب الخاصة بالحسين عليهالسلام : (المصدر السابق)
فلما أحضرت هذه
الأشياء أمر بإحضار فرس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويدعى (المرتجز) فركبه ، وهو الفرس الّذي اشتراه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمدينة بعشرة أواق. ثم أمر بإحضار سيف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فتقلد به ، وكان اسمه (البتّار) وهو الّذي أعطاه رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم عليا عليهالسلام يوم أحد [على ما ذكره السمعاني في كتاب الفضائل]. ثم أمر
بإحضار درع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلبسه. ثم أمر بإحضار عمامته ، وكان اسمها (السحاب) ،
فلبسها يوم عاشوراء في مقابل الأعداء.
وخرج لثلاث ليال
بقين من شهر رجب.
٦٢٣ ـ كيف خرج
موكب الحسين عليهالسلام من مكة إلى العراق :
(المصدر السابق ، ص ٥٣)
يقول الفاضل
الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٣٦٧ :
حدثني بهذه
الرواية بعض الثقات الأدباء الشعراء قال : قد ظفرت بها في مجموعة كانت تنسب إلى
الفاضل الأديب المقري ، فنقلتها عنها ، وهي :
روى عبد الله بن
سنان الكوفي عن أبيه عن جده ، أنه قال : خرجت بكتاب من أهل الكوفة إلى الحسين عليهالسلام وهو يومئذ بالمدينة ، فأتيته فقرأه وعرف معناه ، فقال :
أنظرني إلى ثلاثة أيام. فبقيت في المدينة ، ثم تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجه إلى
العراق.
فقلت في نفسي :
أمضي وأنظر إلى ملك الحجاز [يقصد الحسين] كيف يركب وكيف جلالته وشأنه.
فأتيت إلى باب
داره ، فرأيت الخيل مسرجة والرجال واقفين ، والحسين عليهالسلام
جالس على كرسي ،
وبنو هاشم حافّون به ، وهو بينهم كأنه البدر ليلة تمامه وكماله ، ورأيت نحوا من ٤٠
أربعين محملا ، وقد زيّنت المحامل بملابس الحرير والديباج.
قال : فعند ذلك
أمر الحسين عليهالسلام بني هاشم بأن يركبوا محارمهن على المحامل.
٦٢٤ ـ خروج العباس
قمر بني هاشم وعلي الأكبر عليهالسلام : (المصدر السابق)
وبينما أنا أنظر ،
وإذ بشاب قد خرج من دار الحسين عليهالسلام وهو طويل القامة ، وعلى خده علامة ، ووجهه كالقمر الطالع ،
وهو يقول : تنحوا يا بني هاشم. وإذ بامرأتين قد خرجتا من الدار ، وهما تجران
أذيالهما على الأرض حياء من الناس ، وقد حفّت بهما إماؤهما. فتقدم ذلك الشاب إلى
محمل من المحامل ، وجثا على ركبتيه ، وأخذ بعضديهما وأركبهما المحمل. فسألت بعض
الناس عنهما؟ فقيل : أما إحداهما فزينب عليهاالسلام والأخرى أم كلثوم عليهاالسلام بنتا أمير المؤمنين عليهالسلام. فقلت : ومن هذا الشاب؟. فقيل لي : هو قمر بني هاشم ابن
أمير المؤمنين عليهالسلام. ثم رأيت بنتين صغيرتين ، كأن الله لم يخلق مثلهما ، فجعل
واحدة مع زينب عليهاالسلام والأخرى مع أم كلثوم عليهاالسلام. فسألت عنهما؟ فقيل لي : هما سكينة وفاطمة عليهماالسلام بنتا الحسين عليهالسلام.
ثم خرج غلام آخر
كأنه البدر الطالع ، ومعه امرأة ، وقد حفّت بها إماؤها ، فأركبها ذاك الغلام
المحمل. فسألت عنها وعن الغلام؟ فقيل لي : أما الغلام فهو علي الأكبر بن الحسين عليهالسلام ، والامرأة أمه ليلى زوجة الحسين عليهالسلام.
٦٢٥ ـ خروج القاسم
بن الحسن عليهالسلام : (المصدر السابق ، ص ٥٤)
ثم خرج غلام ،
ووجهه كفلقة القمر ، ومعه امرأة. فسألت عنهما؟ فقيل لي : أما الغلام فهو القاسم بن
الحسن عليهالسلام ، والامرأة أم القاسم.
٦٢٦ ـ خروج زين
العابدين عليهالسلام : (المصدر السابق)
ثم خرج شاب آخر
وهو يقول : تنحّوا عني يا بني هاشم وعن حرم أبي عبد الله عليهالسلام. فتنحّى عنه بنو هاشم ، وإذ قد خرجت امرأة من الدار وعليها
آثار الملوك ، وهي تمشي على سكينة ووقار ، وقد حفّت بها إماؤها. فسألت عنهما؟ فقيل
لي : أما الشاب فهو زين العابدين عليهالسلام ، وأما الامرأة فهي أمه (شاه زنان) بنت الملك (يزدجرد)
زوجة الإمام الحسين عليهالسلام. فأتى بها وأركبها على
المحمل .. ثم
أركبوا بقية الحرم والأطفال على المحامل.
٦٢٧ ـ ركوب الحسين
عليهالسلام وتجهيزه : (المصدر السابق)
فلما تكاملوا ،
نادى الإمام الحسين عليهالسلام : أين أخي؟ أين كبش كتيبتي؟ أين قمر بني هاشم؟. فأجابه
العباس عليهالسلام : لبّيك لبيك يا سيدي يا سيدي. فقال له الإمام عليهالسلام : قدّم لي يا أخي جوادي. فأتى العباس عليهالسلام بالجواد إليه ، وقد حفّت به بنو هاشم. فأخذ العباس بركاب
الفرس ، حتّى ركب الإمام عليهالسلام. ثم ركب بنو هاشم وركب العباس عليهالسلام وحمل الراية أمام الإمام عليهالسلام.
قال : فصاح أهل
المدينة صيحة واحدة ، وعلت بني هاشم بالبكاء والنحيب ، وقالوا : الوداع الوداع ،
الفراق الفراق. فقال العباس عليهالسلام : هذا والله يوم الفراق ، والملتقى يوم القيامة!.
ثم ساروا قاصدين
كربلاء مع عياله وجميع أولاده ، ذكورا وإناثا ، إلا ابنته فاطمة الصغرى عليهاالسلام فإنها كانت مريضة ، فجعلها عند أم سلمة رضي الله عنها.
تحقيق
حول الهاشميين الذين خرجوا مع الحسين عليهالسلام
٦٢٨ ـ عدد أهل
البيت والنساء الذين خرجوا مع الحسين عليهالسلام من المدينة إلى مكة إلى العراق : (وسيلة الدارين ، ص ٥٢)
ذكر الأديب الفاضل
الشيخ مهدي المازندراني في (معالي السبطين) : أنه وجد في بعض الكتب ، أنه لما أراد
الحسين عليهالسلام الخروج من المدينة اجتمع عنده : أولاده وزوجاته وإخوانه
وأخواته وبنو عمومته وأولاد أخيه الحسن عليهالسلام وبناته ومواليه والجواري والخدم وكثير من أقربائه من بني
هاشم ، ذكورا وإناثا ، رجالا ونساء ، وهم من حيث المجموع مع الطفل الرضيع ١٢٣
نفرا. وهم الذين خرجوا مع الحسين عليهالسلام من المدينة إلى مكة إلى العراق.
أما بقية الأصحاب
ونساؤهم فيقترب عددهم من هذا العدد.
وسوف نعاود البحث
في أنصار الحسين عليهالسلام في فصل المستشهدين من الآل والأصحاب ، في أول الجزء الثاني
من هذه الموسوعة.
٦٢٩ ـ الذين خرجوا
مع الحسين عليهالسلام من أهل بيته ومواليه :
يبلغ عدد الذين
خرجوا مع الحسين عليهالسلام من مكة إلى العراق من أهل بيته ومواليه (١٢٣) شخصا ، وهم :
زوجات الإمام علي عليهالسلام وأبناؤه ، وزوجات الحسن والحسين عليهماالسلام وأولادهم ، إضافة إلى زوجات عقيل وعبد الله بن جعفر
وأولادهم ، ومعهم مواليهم. وفق التوزيع التالي :
الذكور ـ أولاد
عقيل وأحفاده
|
|
١٦(ما عدا مسلم)
|
أولاد جعفر
وأحفاده
|
٦
|
|
أولاد الإمام
علي عليهالسلام
|
١٢
|
|
محمّد بن العباس
|
١
|
|
أولاد الإمام
الحسن عليهالسلام
|
١٢
|
|
أولاد الإمام
الحسين وحفيده الإمام محمّد الباقر عليهالسلام
|
٥
|
|
موالي أهل البيت
عليهمالسلام
|
١٠
|
|
الإناث ـ زوجات
عقيل
|
٦
|
|
بنات عقيل
|
٥ [تقديرا]
|
|
زوجات عبد الله
بن جعفر
|
٥
|
|
زوجات الإمام
علي عليهالسلام
|
٨
|
|
بنات الإمام علي
عليهالسلام
|
١٣
|
|
زوجات الإمام
الحسن عليهالسلام
|
٥
|
|
بنات الإمام
الحسن عليهالسلام
|
٤
|
|
زوجات الإمام
الحسين عليهالسلام
|
٤
|
|
بنات الإمام
الحسين عليهالسلام
|
٣
|
|
نساء مختلفات
|
٢
|
|
جواري أهل البيت
عليهمالسلام٩
|
٠٩ ـ ٦١
|
|
وإليك تفصيل هذا
الإجمال ، قبل أن تركب الخفرات على المطايا والجمال ، وقبل أن يشقّ الركب الحسيني
طريقه بين السهول والتلال.
٦٣٠ ـ بنات الإمام
علي بن أبي طالب عليهالسلام :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٣٥)
قال الشيخ
المازندراني : اعلم أنه خرج مع الحسين عليهالسلام من المدينة إلى كربلاء من أخواته اثنتا عشرة ، منهن :
١ ـ زينب الكبرى :
الملقبة بالعقيلة عليهاالسلام.
٢ ـ زينب الصغرى
بنت فاطمة عليهاالسلام : المكنّاة بأم كلثوم [لعل هذا خطأ ، لأن زينب «أم كلثوم»
هذه التي تزوجها عمر بن الخطاب ، توفيت في عهد معاوية ولم تحضر كربلاء ، إنما التي
حضرت هي زينب الصغرى ، وأمها أم ولد وليست فاطمة الزهراء عليهاالسلام].
٣ ـ خديجة : أمها
أم ولد ، كانت عند عبد الرحمن بن عقيل عليهالسلام فولدت له سعدا وعقيلا. وعبد الرحمن هذا قتل مع الحسين عليهالسلام بالطف. وابناه سعد وعقيل كانا معه ، وماتا من شدة العطش
ومن الدهشة والذعر بعد شهادة الحسين عليهالسلام ، لما هجم القوم على المخيم للحرق والسلب.
٤ ـ رقيّة الكبرى
بنت علي عليهالسلام ، كانت عند مسلم بن عقيل ، فولدت له عبد الله ومحمد بن
مسلم اللذين قتلا يوم الطف ، وعاتكة بنت مسلم ، ولها من العمر سبع سنين ، التي
سحقت يوم الطف : أمها الصهباء التغلبية تكنى (أم حبيب) من سبي عين التمر ، اشتراها
أمير المؤمنين عليهالسلام من خالد بن الوليد ، فولدت له رقية الكبرى وعمر الأطرف
توأمين.
٥ ـ أم هاني بنت
علي عليهالسلام : أمها أم ولد ، كانت عند عبد الله الأكبر بن عقيلعليهالسلام فولدت له محمّد الأوسط بن عبد الله بن عقيل.
٦ ـ زينب الصغرى :
أمها أم ولد ، وكانت عند محمّد بن عقيل عليهالسلام فولدت له عبد الله ، وفيه العقب.
__________________
٧ ـ رملة الكبرى
بنت علي عليهالسلام : أمها أم مسعود بنت عروة ، وكانت عند عبد الرحمن الأوسط
بن عقيل عليهالسلام فولدت له أم عقيل.
٨ ـ رقية الصغرى
بنت علي عليهالسلام : أمها أم ولد.
٩ ـ فاطمة بنت علي
عليهالسلام : أمها أم ولد ، وكانت عند أبي سعيد بن عقيل عليهالسلام الأحول ، فولدت له : حميدة ، ومحمد بن أبي سعيد وله من
العمر سبع سنين ، فإنه لما صرع الحسين عليهالسلام وتصارخت العيال والأطفال ، خرج مذعورا بباب الخيمة ، ممسكا
بعمودها ، وأمه واقفة تراه وتنظر إليه. وجعل الطفل يلتفت يمينا وشمالا وقرطاه
يتذبذبان. قتله لقيط بن إياس الجهني أو هانئ بن ثبيت الحضرمي ، رماه بسهم في
خاصرته.
١٠ ـ خديجة الصغرى
بنت علي عليهالسلام : أمها أم ولد ، وكانت عند عبد الله الأوسط بن عقيل عليهالسلام.
١١ و ١٢ ـ أم سلمة
، وأختها ميمونة : أمهما أم ولد.
١٣ ـ وزاد بعض
النسابة وعلماء التراجم : جمانة المكناة بأم جعفر ، أمها أم ولد.
فهؤلاء ثلاثة عشر
من أخوات الحسين عليهالسلام خرجن معه من المدينة حتّى أتين كربلاء.
٦٣١ ـ زوجات
الإمام علي عليهالسلام :
(معالي السبطين ، ج ٢ ص ١٣٦)
وخرج مع الحسين عليهالسلام من زوجات الإمام علي عليهالسلام ثمان :
١ ـ الصهباء
التغلبية : خرجت مع بنتها رقية الكبرى ، زوجة ابن عمها مسلم ابن عقيل عليهالسلام ، معها بنتها عاتكة وابناها عبد الله ومحمد ولدا مسلم عليهالسلام.
٢ ـ أم مسعود بنت
عروة الثقفي : جاءت مع بنتها رملة.
٣ ـ ليلى بنت
مسعود الدارمية : خرجت مع ولديها أبو بكر (عبد الله) ومحمد الأصغر.
٤ ـ أم زينب
الصغرى : جاءت مع بنتها رقية.
٥ ـ أم فاطمة :
خرجت مع بنتها فاطمة.
٦ ـ أم خديجة :
ومعها بنتها خديجة الصغرى.
٧ ـ رقية الصغرى.
٨ ـ أمامة بنت أبي
العاص العبشمية.
فهؤلاء ثمان من
زوجات الإمام علي عليهالسلام خرجن مع بناتهن حتّى أتين كربلاء.
ـ نساء مختلفات : (المصدر السابق)
وخرجت من المدينة
أيضا :
١ ـ أم كلثوم
الصغرى بنت زينب الكبرى عليهاالسلام مع زوجها القاسم بن محمّد ابن جعفر عليهالسلام.
٢ ـ عمة الحسين عليهالسلام جمانة بنت أبي طالب عليهالسلام ، وهي أخت أم هاني بنت أبي طالب عليهالسلام.
٦٣٢ ـ تسع من
جواري أهل البيت عليهمالسلام :
(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ٤٢٤)
وخرجت تسعة من
جواري أهل البيت عليهمالسلام مع الحسين عليهالسلام :
ـ أربع منهن لأخته
زينب العقيلة عليهاالسلام هن :
١ ـ فضة النوبية (جارية
فاطمة الزهراء عليهاالسلام).
٢ ـ قفرة ، ويقال
لها مليكة (خادمة الإمام علي عليهالسلام).
٣ ـ روضة (مولاة
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم).
٤ ـ سلمة (أم رافع)
زوجة أبي رافع القبطي (مولى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم).
٥ ـ وواحدة للحسين
عليهالسلام هي : ميمونة (أم عبد الله بن يقطر) وكانت حاضنة للحسين عليهالسلام.
ـ وأربع منهن
لزوجاته عليهالسلام هن :
٦ ـ فاكهة : وكانت
تخدم الرباب عليهاالسلام ، وهي أم (قارب).
٧ ـ حنّة (أو
حسنية) : وكانت تخدم في بيت زين العابدين عليهالسلام ، وهي أم (منجح).
٨ ـ كثبة (أو كبشة)
: وكانت تخدم في بيت أم إسحق بنت طلحة إحدى زوجات الحسين عليهالسلام. ثم تزوجها أبو رزين ، فولدت له (سليمان).
٩ ـ ملكية (زوجة
عقبة بن سمعان) : كانت تخدم في بيت الإمام الحسن عليهالسلام ثم الحسين عليهالسلام مع زوجها ، الّذي كان عبدا مملوكا للرباب بنت امرئ القيس.
٦٣٣ ـ أولاد
الإمام علي عليهالسلام : (وسيلة الدارين ، ص ٤٢٨)
وأما من خرج من
إخوة الحسين عليهالسلام معه ، فهم اثنا عشر أخا ، هم :
١ ـ العباس بن علي
عليهالسلام.
٢ و ٣ و ٤ ـ إخوة
العباس عليهالسلام لأمه : عثمان وجعفر وعبد الله.
٥ ـ إبراهيم ٦ ـ أبو
بكر ٧ ـ عمر ٨ ـ عون.
٩ ـ عبيد الله ١٠
ـ العباس الأصغر ١١ ـ محمّد الأوسط.
١٢ ـ محمّد الأصغر
١٣ ـ ومعهم محمّد بن العباس بن علي عليهالسلام.
٦٣٤ ـ أولاد جعفر
الطيار وأحفاده عليهمالسلام :
(المصدر السابق ، ص ٤٢٩)
وخرج مع الحسين عليهالسلام من أولاد الشهيد جعفر الطيار عليهالسلام وأحفاده ستة أشخاص ، هم :
١ ـ عون الأكبر بن
عبد الله بن جعفر عليهالسلام : أمه زينب الكبرى بنت الإمام علي عليهالسلام ، وكانت معه.
٢ ـ عون الأصغر بن
عبد الله بن جعفر عليهالسلام.
٣ ـ محمّد بن عبد
الله بن جعفر عليهالسلام : أمه الخوصاء بنت حفصة بن بكر بن وائل.
٤ ـ أخوه عبيد
الله.
٥ ـ عون بن جعفر
الطيار عليهالسلام : أمه أسماء بنت عميس ، خلّفها الحسين عليهالسلام بالمدينة عند بنته فاطمة الصغرى التي كانت مريضة حين مجيئه
للعراق.
٦ ـ القاسم بن
محمّد بن جعفر عليهالسلام.
٦٣٥ ـ أولاد عقيل
بن أبي طالب عليهالسلام وزوجاته : (المصدر
السابق)
وخرج مع الحسين عليهالسلام من نساء عقيل ستة ، ومن أولاده الذكور اثنا عشر ، وعدد من
بناته قدّرناه بخمسة ، على النحو التالي :
١ ـ جعفر بن عقيل
بن أبي طالب عليهالسلام : أمه أم الثغر ، ويقال أم الحفصاء العامرية ، خرجت مع
ولدها.
٢ ـ عبد الله
الأصغر بن عقيل عليهالسلام.
٣ ـ موسى بن عقيل عليهالسلام : أمه أم البنين بنت أبي بكر بن كلاب العامرية ، جاءت مع
ولدها.
٤ ـ علي بن عقيل عليهالسلام : أمه أم ولد.
٥ ـ أحمد بن عقيل عليهالسلام : أمه أم ولد ، جاءت مع ولدها.
٦ ـ عبد الله
الأكبر.
٧ ـ عبد الرحمن بن
عقيل (وابناه معه).
٨ ـ عون بن عقيل (ذكره
ابن شهراشوب).
٦٣٦ ـ أحفاد عقيل عليهالسلام : (المصدر السابق)
أما من أحفاد عقيل
، فخرج مع الحسين عليهالسلام عدد لا يستهان به ، منهم :
١ و ٢ ـ عبد الله
ومحمد ابنا مسلم بن عقيل عليهالسلام : أمهما رقية بنت الإمام عليعليهالسلام ، خرجت مع ولديها. وقد استشهدا في الطف.
٣ و ٤ ـ صبيان
آخران اسمهما محمّد وإبراهيم من أولاد مسلم بن عقيل عليهالسلام قتلا في الكوفة بعد أن فرّا من بين يد الأعداء ، قتلهما
الحارث اللعين في قصة مشهورة. أمهما رقية الكبرى بنت الإمام علي عليهالسلام. كما استشهدت أختهما عاتكة بنت مسلم بن عقيل ، ولها من
العمر سبع سنين ، وهي التي سحقت يوم الطف بعد شهادة الحسين عليهالسلام أثناء هجوم الأعداء على المخيم للسلب. أمها خديجة بنت
الإمام علي عليهالسلام توفيت بالكوفة.
٥ و ٦ ـ سعد وعقيل
ابنا عبد الرحمن بن عقيل : ماتا من شدة العطش ومن الخوف والذعر بعد شهادة الحسين عليهالسلام ، لما هجم القوم على المخيم للسلب والنهب.
٧ ـ الغلام محمّد
بن أبي سعيد بن عقيل (الأحوال) : أمه أم ولد ، كانت معه.
٨ ـ جعفر بن محمّد
بن عقيل عليهالسلام.
٦٣٧ ـ أولاد
الإمام الحسن عليهالسلام وزوجاته :
(معالي السبطين ، ج ٢ ص ١٤٠)
وخرج مع الحسين عليهالسلام من زوجات أخيه الحسن عليهالسلام خمس نساء ، ومن أولاده ستة عشر شخصا : اثنا عشر من الذكور
، وأربع من الإناث ، وهم :
١ ـ الحسن بن
الحسن عليهالسلام المقلب بالمثنّى : أمه خولة بنت منظور الفزارية. ٢ و ٣ و ٤ ـ عمرو بن الحسن عليهالسلام وأخواه القاسم وعبد الله : أمهم أم ولد.
٥ و ٦ و ٧ ـ أحمد
بن الحسن عليهالسلام وله من العمر ١٦ سنة ، وأختاه أم الحسن وأم الحسين سحقتا
يوم الطف بعد شهادة الحسين عليهالسلام ، لما هجم القوم على المخيم للسلب : أمهم أم بشير بنت أبي
مسعود الخزرجية الأنصارية.
٨ و ٩ ـ محمّد بن
الحسن عليهالسلام وأخوه جعفر.
١٠ ـ أبو بكر بن
الحسن عليهالسلام.
١١ و ١٢ و ١٣ ـ الحسين
بن الحسن عليهالسلام الملقب بالأثرم ، وأخوه طلحة ، وأختهما فاطمة بنت الحسن عليهالسلام : أمهم أم إسحق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي. وتلقب فاطمة هذه (بأم
محمّد) لأن الإمام زين العابدين عليهالسلام قد تزوجها فولدت له الإمام محمّد الباقرعليهالسلام.
١٤ و ١٥ و ١٦ ـ زيد
بن الحسن عليهالسلام ، وأخوه عبد الرحمن ، وأختهما أم الحسين (رملة) : أمهم أم
ولد ، جاءت معهم إلى كربلاء.
٦٣٨ ـ أولاد
الإمام الحسين عليهالسلام وزوجاته وحفيده :
(المصدر السابق)
وخرج مع الإمام
الحسين عليهالسلام من زوجاته أربع ، ومن أولاده الذكور أربعة ، ومن بناته
ثلاث ، هم :
١ ـ علي الأكبر :
أمه ليلى بنت أبي مرة الثقفية.
٢ و ٣ ـ علي
الأوسط : أمه شاهزنان بنت يزدجرد كسرى ملك الفرس (وكانت متوفاة). وهو الإمام زين
العابدين عليهالسلام وأخته لأمه (رقية).
٤ ـ علي الأصغر :
أمه سلافة.
٥ و ٦ ـ عبد الله
الرضيع ، وسكينة بنت الحسين عليهالسلام : أمهما الرباب بنت امرئ القيس الكلبية.
٧ ـ فاطمة بنت
الحسين عليهالسلام : أمها أم إسحق بنت طلحة.
وكان مع الإمام
زين العابدين عليهالسلام في الطف ابنه الإمام محمّد الباقر عليهالسلام ، وكان صغيرا (عمره ٣ سنوات).
٦٣٩ ـ موالي أهل
البيت عليهمالسلام : (وسيلة الدارين ، ص ٤٢٧)
وخرج من الموالي
والعبيد لأهل البيت عليهمالسلام مع الحسين عليهالسلام عشرة ، هم :
١ ـ الحرث بن نهبان
|
|
: [مولى الحمزة عليهالسلام]
|
٢ ـ سعد بن
الحارث الخزاعي
|
|
: [مولى الإمام
علي عليهالسلام]
|
٣ ـ علي بن
عثمان بن الخطاب الحضرمي
|
|
: [مولى الإمام
علي عليهالسلام]
|
٤ ـ نصر بن أبي
نيزر :
|
|
[مولى الإمام
علي عليهالسلام]
|
٥ ـ سليمان بن
أبي رزين :
|
|
[مولى الحسين عليهالسلام]
|
٦ ـ أسلم بن
عمرو التركي :
|
|
[مولى الحسين عليهالسلام]
|
٧ ـ قارب بن عبد
الله الدئلي الليثي
|
|
: [مولى الحسين عليهالسلام]
|
٨ ـ منجح بن سهم
:
|
|
[مولى الحسين عليهالسلام]
|
٩ ـ عقبة بن
سمعان
|
|
: [مولى الرباب]
|
١٠ ـ جون بن حوي
النوبي :
|
|
[مولى أبي ذر
الغفاري]
|
٦٤٠ ـ إحصاء بعدد
رجال ونساء وموالي أهل البيت عليهمالسلام الذين تهيؤوا للمسير مع الحسين عليهالسلام :
ذكرنا سابقا أن
العدد الكلي للذين خرجوا مع الحسين عليهالسلام من أهله ومواليه ، نساء ورجالا ، صغارا وكبارا ، هو ١٢٣
شخصا. ونفصّل هذا العدد فيما يلي :
٣٠ رجال
|
٤٢ نساء
|
٢٢ ذكور دون البلوغ
|
١٠ إناث دون البلوغ
|
١٠ موالي
|
٠٩ جواري
|
٦٢ مجموع
|
٦١ مجموع
|
٦٤١ ـ عدد الذين
لم يقتلوا من أبناء أهل البيت عليهمالسلام :
إذا تجاوزنا عن
النساء ، فإن كل الرجال والأطفال قد استشهدوا
في كربلاء ، ما
عدا :
ـ الإمام زين
العابدين وسيد الساجدين عليهالسلام ، وكان مريضا.
ـ من أولاد الإمام
الحسن عليهالسلام : زيد وعمرو ؛ والحسن بن الحسن المثنّى ، أصابته جراحة
وأخذه أسماء بن خارجة ، وداواه وأرسله إلى المدينة.
ـ ومن الموالي :
عقبة بن سمعان ، وعلي بن عثمان بن الخطاب الحضرمي.
الفصل السابع عشر
المسير من مكة .. إلى العراق
أبتدئ هذا الفصل
بذكر الأماكن التي مرّ بها الإمام الحسين عليهالسلام أثناء مسيره من مكة المكرمة إلى العراق. وهي مختلفة الذكر
والترتيب بين الرواة. وقد نظم المحقق السيد علي بن الحسين الهاشمي في كتابه (الحسين
في طريقه إلى الشهادة) قصيدة مقصورة ضمّنها ذكر المنازل التي مرّ بها الحسين عليهالسلام في طريقه إلى العراق ، وهي أجمع ما حقق في هذا الموضوع.
وقد أثبتنا معظم هذه القصيدة ، كما أثبتنا كل هذه المنازل على المصور الّذي
اقتبسناه من كتابه المذكور بعد تحسين كبير.
٦٤٢ ـ الطريق من
مكة إلى العراق :
يسير هذا الطريق
من مكة إلى (معدن النّقرة) إلى العراق. وفي (معدن النقّرة) يلتقي هذا الطريق مع
الطريق الآتي من المدينة المنورة ، وهو طريق مختصر إلا أنه صعب ، وهو الّذي سلكه
مسلم بن عقيل حين جاء من المدينة إلى الكوفة.
٦٤٣ ـ المنازل من
المدينة إلى (معدن النقرة):
(تاريخ البلدان ص ٩٧)
قال اليعقوبي : من
قصد (معدن النّقرة) من المدينة ، أخذ من (طرفة) إلى (العسيلة) إلى (بطن نخلة) إلى (معدن
النّقرة).
٦٤٤ ـ الطريق من
مكة إلى (معدن النّقرة):
(صفة جزيرة العرب للهمداني ، ص ١٨٥)
ومن أخذ الجادة من
مكة إلى (معدن النّقرة) : فمن مكة إلى البستان ٢٩ ميلا ، ومنه إلى (ذات عرق) ٢٤
ميلا ، ومنها إلى (الغمرة) ٢٠ ميلا ، ومنها إلى (المسلح) ١٧ ميلا ، ومنه إلى (الأفيعية)
٢٨ ميلا ، ومنها إلى
(حرّة بني سليم)
٢٦ ميلا ، ومنها إلى (العمق) ٢٢ ميلا ، ومنه إلى (السّليلة) ١٣ ميلا ، ومنها إلى (الرّبذة)
٢٣ ميلا ، ومنها إلى (الماوان) ٢٦ ميلا ، ومنها إلى (معدن
النّقرة) عشرون
ميلا ، وهي ملتقى الطريقين ؛ الآتي من مكة ، والآتي من المدينة [انظر الشكلين ٨ و
٩].

(الشكل ٨):
الطريق من مكة إلى
معدن النقرة إلى العراق
٦٤٥ ـ المنازل من
مكة إلى الكوفة (طريق الحاج العراقي):
(تاريخ البلدان لليعقوبي ، ص ٩٦)
قال اليعقوبي : من
أراد أن يخرج من مكة إلى الكوفة ، خرج على سمت الشمال في منازل عامرة ومناهل قائمة
، فيها قصور لخلفاء بني هاشم.
فأول المنازل (بستان
ابن عامر) ، ثم (ذات عرق) ومنها يهلّ بالحج ، ثم (غمرة) ثم (المسلح) ثم (أفيعية)
ثم (معدن بني سليم) ثم (العمق) ثم (السّليلة) ثم (الربذة) ثم (مغيثة الماوان) وهي
ديار بني محارب ، ثم (معدن النقرة) وأهلها أخلاط من قيس وغيرهم ، ومنها يعطف من
أراد مدينة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ومن معدن النقرة
يتابع الطريق شمالا إلى (النّقرة) ثم (الحاجر) وأهلها قيس وأكثرهم بنو عبس ، ثم (سميراء)
ثم (تود) وهي منازل طي أيضا ، ثم مدينة (فيد) وهي المدينة التي ينزلها عمال طريق
مكة ، وأهلها طي ، وهي في سفح جبلهم المعروف بسلمى ، ثم (تحفر) منازل طي ، ثم (زرود)
، ثم (الثعلبية) وهي مدينة عليها سور. ثم (بطان) وهي قبر العبادي ، ثم (الشّقوق)
ثم (زبالة) ثم (القاع) وهذه الأربعة الأبادي ديار بني أسد. ثم (العقبة) ثم (واقصة)
ثم (القرعاء) ثم (المغيثة) ثم (القادسية) وهي آخر المنازل ، وبعدها (الكوفة)
العامرة.
ونورد فيما يلي
لائحة بكل المنازل مع تشكيلها ، وهي مطابقة لما ورد في القصيدة المقصورة ، وما جاء
في المصور المرفق (وعددها ٤٠ منزلا) :
مكة (أم القرى)
بستان ابن عامر
التّنعيم
الصّفاح
وادي العقيق
ذات عرق
غمرة
مسلح
أفيعية
معدن بني سليم
|
عمق
ماء السّليلية
مغيثة الماوان
معدن النّقرة
الحاجر
سميراء
توز
فيد
الأجفر
الخزيميّة
|
زرود
الثعلبيّة
بطان
الشّقوق
زبالة
القاع
العقبة
واقصة
القرعاء
مغيثة
|
شراف
ذو حسم
البيضة
العذيب
أقساس مالك
القادسية
عين الرّهيمة
قصر بني مقاتل
نينوى
العقر
كربلاء
|
القصيدة المقصورة
للخطيب السيد علي بن الحسين الهاشمي النجفي
سار الحسين
تاركا أم القرى
|
|
ينحو العراق
بميامين الورى
|
وقد أتى بسيره
منازلا
|
|
حصباؤها قد
فاخرت شهب السما
|
فالمنزل الأول
بستان ابن عا
|
|
مرو للتنعيم
مسرعا أتى
|
ومرّ بالصّفاح
بالأهل وبالص
|
|
حب ويتبع الخطى
إثر الخطى
|
ثم إلى وادي
العقيق بعدها
|
|
وافى وذات عرق
هضبها علا
|
وغمرة مرّ بها
ومسلح
|
|
ثم أفيعيّة فيها
ما ونى
|
وبعدها جاء لمعدن
الذي
|
|
قيل إلى بني
سليم ينتمى
|
وعمق مرّ به
وصحبه
|
|
تحفّه كأنهم أسد
الشرى
|
وواصل السير
بركبه إلى
|
|
ماء السّليلّية
وحاديه حدا
|
وراح بالمسرى
مجدّا قاصدا
|
|
مغيثة فالنّقرة
ثم الفضا
|
والحاجر المعروف
منه سيّر الر
|
|
سول قيسا ذاك
رائد الهدى
|
وسار قاصدا
سميراء ومن
|
|
ثم أتى توز وفيد
ما عدا
|
وحلّ بالأجفر
وهو منزل
|
|
تنزله طيّ لوافر
الكلا
|
وللخزيميّة لما
أن أتى
|
|
يوما وليلة عن
المسرى ونى
|
فحدثته زينب بما
وعت
|
|
من هاتف لما نعى
عند الدجى
|
وبعدها وافى
زرودا وبها
|
|
وافاه ناعي مسلم
ينعى الحجى
|
تنفس الحسين ثمّ
الصعدا
|
|
ودمعه على ابن
عمه همى
|
ثم أتى
للثعلبيّة التي
|
|
بطان بعدها ومن
ثم سرى
|
حيث الشّقوق
وبها لاقى الذي
|
|
حدثه بما بكوفان
جرى
|
حتى أتى زبالة
حطّ السّرى
|
|
وجاءه الكوفي في
جنح الدجى
|
نعى له ابن يقطر
رسوله
|
|
فيا له على
الحسين من نبا
|
وراح للقاع
يوالي سيره
|
|
وبعده إلى
العقبة انتحى
|
وثم قد نحب
بالسير إلى
|
|
واقصة يطوي
السهول والربى
|
ثم إلى القرعاء
وافى وإلى
|
|
مغيثة غوث الورى
حثّ السرى
|
ومذا أتى أتى
شراف في طريقه
|
|
وحطّ ظعن المجد
في تلك الفلا
|
قال : أيا أحبتي
تزودوا
|
|
من مائه وأكثروا
من الرّوى
|
ثم سرى وصحبه في
إثره
|
|
تسري إذا هم
بأسنة القنا
|
فمال بالركب إلى
ذي حسم
|
|
وجاءه الحر فكان
الملتقى
|
قابلهم بخلقه
السامي كما
|
|
سقاهم من غب ذلك
الظما
|
وعندها أسمعهم
خطابه
|
|
وأعلم الحر بما
به أتى
|
أجابه الحر بلطف
وغدا
|
|
كالعبد من مولاه
يطلب الرضى
|
صلى الحسين
الظهر فأتمّ به ال
|
|
جيشان والحر
بمولاه اقتدى
|
وحين بالبيضة
حلّ وغدا
|
|
يخطب بالجمع
وكلهم صغى
|
فعندها نادوا
جميعا : إننا
|
|
نكون يوم الملتقى
لك الفدا
|
أنت ابن بنت
المصطفى وخير من
|
|
طاف ببيت الله
طوعا وسعى
|
وخامس الاشباح
من قد وجبت
|
|
طاعته بأمر جبار
السما
|
مروا جميعا
بالعذيب والردى
|
|
يطوف بالخامس من
آل العبا
|
ثم سرى والحر
يسري جانبا
|
|
واتفق الكل على
هذا السّرى
|
وصوت حاديه
يدوّي في الفضا
|
|
والكل للحادي
وللرجز صغى
|
يا ناقتي لا
تذعري بل شمّري
|
|
للسير في ركب
شقيق المجتبى
|
هذا الإمام ابن
الإمام من به
|
|
استقام هذا
الدين والشرك انمحى
|
ومرّ بالاقساس
لم يقل بها
|
|
وكان جل القس
منه للردى
|
ومذ أتى عين
الرّهيمة التقى
|
|
بالرجل الكوفي
في رأد الضحى
|
حتى أتى قصر بني
مقاتل
|
|
رأى به الجعفي
ضاربا الخبا
|
ناشده الحسين
أمرا فأبى
|
|
والفتح مع سبط
النبي ما هوى
|
ولم يفارقه
الرياحي إلى
|
|
أن وقف الطرف
بسبط المصطفى
|
فضيّق الحر عليه
قائلا
|
|
حطّ عصا الترحال
يابن المرتضى
|
فقال : دعنا أن
نسير غلوة
|
|
فقال : لا تنزل
إلا بالعرا
|
فساءل الحسين ما
اسم هذه ال
|
|
أرض؟ فقال القوم
تدعى نينوى
|
أغير ذا إسم لها؟
قالوا : بلى
|
|
العقر فاستعوذ
من كل بلا
|
قال أجل فهل
تسمى غير ذا؟
|
|
قالوا بلى هذي
تسمى كربلا
|
قال انزلوا ،
هنا أرى مجدّلا
|
|
وها هنا أحبتي
تلقى الردى
|
حتى إذا ما حطّ
رحله أتت
|
|
لحربه جيوشهم
مثل الدّبى
|
فما رعت كوفان
حرمة له
|
|
ولا وعت بما أتى
في (هل أتى)
|
٦٤٦ ـ تحقيق أشهر المواضع التي مرّ
بها ركب الشهادة بقيادة الإمام الحسينعليهالسلام أثناء مسيره من مكة المكرمة إلى كربلاء
تبلغ المسافة التي
قطعها الإمام الحسين عليهالسلام من مكة إلى كربلاء حوالي ١٦٠٠ كم. وقد مرّ أثناء مسيره
بمواضع كثيرة كما هو مبيّن في المخطط الجغرافي المرفق بعد صفحات ، نعدّ من أشهرها
:
١ ـ بستان ابن
عامر [والأصح : ابن معمّر] : هو أول منزل مرّ به الحسين عليهالسلام.
٢ ـ التنعيم :
موضع في حلّ مكة ، يبعد عن مكة شمالا فرسخين [١٢] كم. وسمي به لأنه عن يمينه جبل
اسمه نعيم وآخر عن شماله اسمه ناعم والوادي نعيمان.
٣ ـ الصّفاح : بين
حنين وأنصاب الحرم ، يسرة الداخل إلى مكة.
٤ ـ وادي العقيق :
ويمتد من الجنوب إلى الشمال ، وفيه ثلاثة مواضع هي :
٥ و ٦ و ٧ ـ ذات
عرق ، غمرة ، المسلح. ويعتبر السنة ذات عرق ميقات العراقيين وأهل الشرق ، بينما
يحتاط فقهاء الإمامية بالإحرام من المسلح ، وهو أبعد من مكة. وتبعد ذات عرق
مرحلتين [٩٠ كم] عن مكة.
٨ ـ الحاجر من بطن
الرّمّة : بطن الرمة منزل لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة ، وفيه يجتمع أهل الكوفة
والبصرة ، ويقع شمال نجد. والحاجر : ما يمسك الماء من شفة الوادي.
٩ ـ الخزيميّة :
نسبة إلى خزيمة بن حازم ، وهي قبل زرود.
__________________
١٠ ـ زرود : هي
رمال بين الثعلبية والخزيمية ، وهي دون الخزيمية بميل.
١١ ـ الثعلبية :
سميت باسم ثعلبة من بني أسد ، وهو الّذي حفر فيها عينا.
١٢ ـ الشّقوق :
منزل لبني أسد ، فيه قبر العبّادي.
١٣ ـ زبالة : فيها
حصن وجامع لبني أسد. سمّيت باسم زبالة بنت مسعر ، امرأة من العمالقة. ويوم زبالة
من أيام العرب.
١٤ ـ بطن العقبة.
١٥ ـ شراف : سمي
باسم رجل يقال له شراف استخرج عينا ، ثم حدثت آبار كثيرة ماؤها عذب. ومن شراف إلى
واقصة ميلان [٤ كم].
١٦ ـ ذو حسم : جبل
كان النعمان بن المنذر يصطاد به.
١٧ ـ البيضة : ما
بين واقصة إلى عذيب الهجانات ، وهي أرض واسعة لبني يربوع بن حنظلة.
١٨ ـ عذيب الهجانات
: العذيب واد لبني تميم وهو حدّ السواد ، وهو مسلحة الفرس ، بينه وبين القادسية
ستة أميال ، ويقال له عذيب الهجانات لأن هجائن النعمان بن المنذر ملك الحيرة كانت
ترعى فيه.
ـ والقادسية :
جنوب الكوفة بمسافة مرحلة ، وهي التي وقعت فيها الوقعة الشهيرة ، التي انتصر فيها
سعد بن أبي وقاص على جيش الفرس ، ومهّد لفتوح العراق بعد ذلك.
١٩ ـ الرّهيمة (بالتصغير)
: عين تبعد عن (خفية) ثلاثة أميال (٦ كم) ، وتبعد خفية عن الرحبة مغربا بضعة عشر
ميلا.
٢٠ ـ قصر بني
مقاتل : قصر ينسب إلى مقاتل بن حسان بن ثعلبة ، يقع بين عين التمر والقطقطانة
والقريّات. خرّبه عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، ثم جدده. ويسمى (الأخيضر).
ـ القطقطانة :
قرية تقع غرب الكوفة ، تبعد عن الرّهيمة إلى الكوفة نيفا وعشرين ميلا.
ـ خفان : عين جنوب
الكوفة ، عليها قرية لولد عيسى بن موسى الهاشمي.
٢١ ـ نينوى : تقع شرق
كربلاء. كانت من قرى الطف الزاهرة بالعلوم ، وصادف عمرانها زمن الإمام الصادق عليهالسلام. وفي أوائل القرن الثالث الهجري لم يبق لها خبر. ومنطقة
نينوى تمتد من أراضي السليمانية اليوم إلى سور بلدة كربلاء. ونينوى هي الموضع
المعروف بباب طويريح شرقي كربلاء .. تقول الروايات : فلم يزل الحسين عليهالسلام يتياسر حتّى انتهى إلى (نينوى) ، فطلب من الحرّ أن ينزل
نينوى أو الغاضريات أو شفية.
أو العقر ، فلم
يوافقه على ذلك. فسار حتّى نزل كربلاء ، وهي أرض جرداء ، ليس فيها كلأ ولا ماء.
٢٢ ـ الغاضريات :
قرية منسوبة إلى غاضرة من بني أسد ، وهي تقع على بعد كيلومتر تقريبا شمال كربلاء.
٢٣ ـ شفية : بئر
لبني أسد.
٢٤ ـ العقر : كانت
بها منازل بخت نصّر.
٢٥ ـ الطفّ :
القرى الثلاث الأخيرة هي من قرى الطف ، وهي متقاربة. والطف في اللغة : ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. وطف
الفرات : هو الشاطئ الّذي به قتل الحسين عليهالسلام ، وهي أرض بادية تطلّ على الريف.
٢٦ ـ كربلاء : تقع
على بعد عدة كيلومترات من مشرعة الفرات شمال غرب الكوفة. وقد كانت في عهد
البابليين معبدا. والاسم محرّف من كلمتي.
[كرب] بمعنى معبد
أو مصلّى أو حرم ، و [أبلا] بمعنى إله باللغة الآرامية ، فيكون معناها (حرم الإله)
.. ولما سأل الحسين عليهالسلام عن اسم هذه الأرض ، فقيل له كربلاء ، قال : الله م أعوذ بك
من الكرب والبلاء. ههنا محطّ ركابنا ومسفك دمائنا ومحلّ قبورنا ، بهذا حدّثني جدي
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
٦٤٧ ـ بيان ما لقي
الحسين عليهالسلام من أحداث هامة في بعض المواضع التي مرّ بها أثناء مسيرته
إلى كربلاء :
مكة المكرمة :
البقعة المقدسة التي فيها البيت الحرام والكعبة المشرّفة. وقد غادرها الإمام
الحسين عليهالسلام مرغما نتيجة ملاحقة السلطة له للقبض عليه أو قتله ولو كان
متمسّكا بأستار الكعبة (فَخَرَجَ مِنْها
خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢١) [القصص : ٢١].

(الشكل ٩):
مخطط المنازل التي
مرّ بها الحسين عليهالسلام
أثناء مسيره من مكة إلى كربلاء
التنعيم : لقي
الحسين عليهالسلام في هذا الموضع عيرا أرسلها إلى يزيد واليه على اليمن ،
فأخذها عليهالسلام.
ذات عرق : لقي
فيها بشر بن غالب وسأله عن حال الناس في الكوفة.
الحاجر : بعث منها
إلى أهل الكوفة مع قيس بن مسهر جواب كتاب مسلم ابن عقيل.
بعض العيون : لقي
فيها عبد الله بن مطيع العدوي ، وتحاور معه.
الخزيميّة : سمعت
زينب عليهالسلام هاتفا ينعي أخاها الحسين عليهالسلام.
زرود : لقي فيها عليهالسلام زهير بن القين وهو راجع من الحج ، وكلّمه فانقلب إلى نصرته
، وقد كان كارها له.
الثعلبية : وفيها
بلغه خبر مقتل مسلم وهانئ بن عروة.
الشقوق : لقي فيه عليهالسلام الشاعر الفرزدق بن غالب وسأله عن أهل الكوفة.
زبالة : ورد عليه
فيها مقتل أخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر رسوله إلى مسلم. وأنشد فيها عليهالسلام : فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة ...
بطن العقبة : نصحه
فيها عمرو بن لوذان بالرجوع.
ذو حسم : طلع عليه
الحر بن يزيد الرياحي في ألف فارس.
العذيب : بلغه فيه
خبر مقتل قيس بن مسهر الصيداوي. وحذّره الطّرمّاح بن عدي الطائي من أهل الكوفة ،
وطلب منه اللجوء إلى قومه.
الرّهيمة : لقي
فيها عليهالسلام أبا هرة الأزدي ، وتناقش معه في سبب المسير.
قصر بني مقاتل :
لقي فيه عليهالسلام عبيد الله بن الحر الجعفي ، وطلب نصرته فأبى.
نينوى : جاء أمر
ابن زياد للحر بأن يضيّق على الحسين عليهالسلام ولا ينزله إلا بالعراء ، على غير حصن ولا ماء. فاضطر إلى
النزول في كربلاء.
وكان ذلك في ٢
محرم الحرام سنة ٦١ ه.
مسيرة الحسين عليهالسلام
قال الامام الحسين
(ع) لاصحابه يوم نزوله كربلاء :
الناس عبيد الدنيا
، والدين لعق" على السنتهم ، يحوطونه مادرّت معائشهم ، فاذا محّصوا بالبلاء
قلّ الديّانون. الى أن قال :
ألا ترون الى الحق
لا يعمل به ، والى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه ، فاني لا أرى
الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين الا بر ما.
قال الحسين عليهالسلام للحر متمثلا بقول أخي الأوس لابن عمه :
سأمضي فما
بالموت عار على الفتى
|
|
إذا ما نوى حقا
وجاهد مسلما
|
اقدّم نفسي لا
أريد بقاءها
|
|
لتلقى خميسا في
النزال عرمرما
|
فإنم عشت لم
أذمم وأن متّ لم ألم
|
|
كفى بك ذلا أن
تعيش وترغما
|
بدء المسير إلى العراق
(الثلاثاء ٨ ذو الحجة سنة ٦٠ ه)
قال تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ
يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً
رَحِيماً) [النساء : ١٠٠]
٦٤٨ ـ محاورة
الحسين عليهالسلام مع رسل والي مكة وقد جاؤوا يمنعونه من المسير :
(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٧ ط أولى مصر)
(عن أبي مخنف) قال
: لما خرج الحسين عليهالسلام من مكة اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص ، وعليهم يحيى
بن سعيد. فقالوا له : انصرف ، أين تذهب؟. فأبى عليهم ومضى. وتدافع الفريقان
فاضطربوا بالسياط. ثم إن الحسين وأصحابه امتنعوا منهم امتناعا شديدا. ومضى الحسين عليهالسلام على وجهه ، فنادوه : يا حسين ألا تتقي الله؟. تخرج من
الجماعة ، وتفرّق بين هذه الأمة!. فتأوّل الحسين قول الله عزوجل
(لِي عَمَلِي وَلَكُمْ
عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا
تَعْمَلُونَ) [يونس : ٤١].
قال السيد علي بن
الحسين الهاشمي في كتابه (الحسين في طريقه إلى الشهادة) ص ٢٠ : وكان عمرو بن سعيد
قد بعث كتابا إلى الحسين عليهالسلام بناء على إشارة عبد الله بن جعفر. وقيل لحق عبد الله بن
جعفر ويحيى بن سعيد بالحسين في بعض الطريق ، فلما سلّمه يحيى الكتاب ، جهدا في أن
يرجع فامتنع ، وقال : إني رأيت رؤيا فيها رسول الله ، وأمرت بأمر أنا ماض له ،
عليّ كان أو لي. فقالا له : وما تلك الرؤيا؟. قال : ما حدّثت أحدا بها وما أنا
محدث بها حتّى ألقى ربي فلما أيس منه عبد الله بن جعفر ، أمر ابنيه عونا ومحمدا
بلزوم المسير معه والجهاد دونه ، ورجع مع يحيى إلى مكة. وقيل ورد الكتاب على
الحسين عليهالسلام في ذات عرق.
ثم إن الحسين عليهالسلام جدّ بسيره حتّى انتهى إلى بستان ابن معمّر [بني عامر] وهو
أول منزل لمن يفصل من مكة على هذا الطريق.
«بستان بني عامر»
٦٤٩ ـ مسير الحسين
عليهالسلام إلى العراق ولقاؤه بالفرزدق الشاعر :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥١ ط ٢ نجف)
قال سبط ابن
الجوزي : وأما الحسين عليهالسلام فإنه خرج من مكة سابع ذي الحجة سنة ستين. فلما وصل إلى (بستان
بني عامر) لقي الفرزدق الشاعر ، وكان يوم التروية ، فقال له : إلى أين يابن رسول
الله ، ما أعجلك عن الموسم؟ قال : لو لم أعجل لأخذت أخذا. فأخبرني يا فرزدق عما
وراءك. فقال : تركت الناس بالعراق ، قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية ، فاتّق الله
في نفسك وارجع.
فقال له عليهالسلام : يا فرزدق ، إن هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا
طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد في الأرض ، وأبطلوا الحدود ، وشربوا الخمور ،
واستأثروا في أموال الفقراء والمساكين. وأنا أولى من قام بنصرة دين الله ، وإعزاز
شرعه والجهاد في سبيله ، لتكون كلمة الله هي العليا. فأعرض عنه الفرزدق وسار.
٦٥٠ ـ نصيحة عبد
الله بن عمر للحسين عليهالسلام بعدم الخروج :
(تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ، ص ١٩٢)
عن يحيى بن
إسماعيل بن سالم الأسدي قال : سمعت الشعبي يحدّث عن ابن
عمر ، أنه كان
بماء له ، فبلغه أن الحسين بن علي عليهماالسلام قد توجه إلى العراق ، فلحقه على مسيرة ثلاث ليال ، فقال له
: أين تريد؟. فقال : العراق. وإذا معه طوامير وكتب ، فقال : هذه كتبهم وبيعتهم.
فقال : لا تأتهم ، فأبى. قال [ابن عمر] : إني محدّثك حديثا. إن جبرئيل أتى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فخيّره بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا
، وإنكم بضعة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والله لا يليها أحد منكم أبدا. وما صرفها الله عنكم إلا
للذي هو خير لكم [فارجعوا]. فأبى أن يرجع.
قال : فاعتنقه ابن
عمر وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل.
رواية أخرى : (أمالي
الشيخ الصدوق ، ص ١٣٣ ط بيروت)
وسمع عبد الله بن
عمر بخروج الحسين عليهالسلام ، فقدّم راحلته وخرج خلفه مسرعا ، فأدركه في بعض المنازل.
فقال : أين تريد يابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟. قال : العراق. قال : مهلا ارجع إلى حرم جدك. فأبى الحسين عليهالسلام عليه. فلما رأى ابن عمر إباءه ، قال : يا أبا عبد الله ،
اكشف لي عن الموضع الّذي كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقبّله منك. فكشف الحسين عليهالسلام عن سرّته ، فقبّلها ابن عمر ثلاثا ، وبكى. وقال : أستودعك الله يا
أبا عبد الله ، فإنك مقتول في وجهك هذا.
(وفي رواية ابن
نما ، ص ٢٩) : أنه ذكر لعبد الله بن عمر ما حصل ليحيى بن زكرياعليهالسلام.
٦٥١ ـ الحسين عليهالسلام يذكر يحيى عليهالسلام في أكثر من منزل :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٦٦ ط نجف)
عن علي بن الحسين عليهماالسلام قال : خرجنا مع الحسين عليهالسلام فما نزل منزلا ولا ارتحل منه ، إلا ذكر يحيى بن زكريا
وقتله. وقال يوما : ومن هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغيّ
من بغايا بني إسرائيل [يعرّض بما سيحصل معه].
٦٥٢ ـ كتاب عمرو
بن سعيد إلى يزيد يخبره بأمر الحسين عليهالسلام :
(المصدر السابق ، ص ٦٧)
وكتب عمرو بن سعيد
ـ وهو والي المدينة ـ بأمر الحسين عليهالسلام إلى يزيد. فلما قرأ يزيد الكتاب تمثّل بهذا البيت :
فإن لا تزر أرض
العدو وتأته
|
|
يزرك عدوّ أو
يلومنك كاشح
|
«التّنعيم»
٦٥٣ ـ الحسين عليهالسلام يلقى عيرا في (التنعيم) عليها حلل أرسلها إلى يزيد واليه
على اليمن بحير بن يسار ، فيحجزها :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٠٢)
وسار الحسين عليهالسلام من مكة ، ومرّ بالتنعيم فلقي عيرا عليها ورس وحلل أرسلها إلى يزيد بن معاوية ، واليه على اليمن بحير بن
يسار الحميري.
(وفي رواية
الخوارزمي : بحير بن ريسان). فأخذها الحسين عليهالسلام وقال لأصحاب الإبل : من أحب منكم أن ينصرف معنا إلى العراق
أوفيناه كراءه وأحسنّا صحبته ، ومن أحب المفارقة أعطيناه من الكراء بقدر ما قطع من
الطريق. ففارقه بعضهم ومضى من أحب صحبته . ثم وزّعها على الفقراء والمحتاجين من أصحابه.
تعليق السيد
المقرّم :
كان الحسين عليهالسلام يرى أن هذا ماله الّذي جعله الله تعالى له ، يتصرف فيه كيف
شاء ، لأنه إمام على الأمة منصوب من المهيمن سبحانه ، وقد اغتصب يزيد وأبوه حقه
وحق المسلمين ، فكان من الواجب عليه أن يحتوي على فيء المسلمين لينعش المحاويج
منهم ، وقد أفاض على الأعراب الذين صحبوه في الطريق ، ورفعوا إليه ما مسّهم من مضض
الفقر.
«الصّفاح»
٦٥٤ ـ كتاب عبد
الله بن جعفر عليهالسلام إلى الحسين عليهالسلام بعثه مع ابنيه عون ومحمد : (لواعج الأشجان للسيد الأمين ،
ص ٦٩)
وبعث عبد الله بن
جعفر بابنيه عون ومحمد إلى الحسين عليهالسلام وهو في الطريق ، بكتاب يقول فيه :
__________________
أما بعد ، فإني
أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي ، فإني مشفق عليك من الوجه الّذي توجهت
له ، أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك. وإن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنك
علم المهتدين ورجاء المؤمنين. فلا تعجل بالمسير ، فإني في إثر كتابي ، والسلام.
ثم صار عبد الله
بن جعفر إلى الوالي عمرو بن سعيد فسأله أن يكتب للحسين عليهالسلام كتابا ، تجعل له الأمان فيه ، وتمنّيه البر والصلة. فكتب
له كتابا وأنفذه مع أخيه يحيى بن سعيد. فلحقه يحيى مع عبد الله بن جعفر ، بعد
إنفاذ ابنيه ، وجهدا به أن يرجع ، فلم يفعل ...
ولما أيس منه عبد
الله بن جعفر ، أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه. ورجع هو
إلى مكة.
(أقول) : وقد مرّ
كتاب مشابه لهذا بعثه عبد الله بن جعفر من المدينة للحسينعليهالسلام ينهاه فيه عن المسير إلى العراق ، ويمنّيه بأخذ الأمان له
من والي المدينة.
«ذات عرق»
٦٥٥ ـ ما دار بين
الحسين عليهالسلام وبشر بن غالب الأسدي وقد اجتمع به (بذات عرق) وهو قادم من
العراق : (مقتل الخوارزمي ، ص ٢٢١)
قال الحسين لبشر :
كيف خلّفت أهل العراق؟. فقال : يابن رسول الله ، خلّفت القلوب معك والسيوف مع بني
أمية. فقال له الحسين : صدقت يا أخا بني أسد إن الله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فقال له
الأسدي : يابن رسول الله أخبرني عن قول الله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا
كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) [الإسراء : ٧١].
فقال له الحسين عليهالسلام : نعم يا أخا بني أسد ، هما إمامان ؛ إمام هدى دعا إلى هدى
، وإمام ضلالة دعا إلى ضلالة. فهذا ومن أجابه إلى الهدى في الجنة ، وهذا ومن أجابه
إلى الضلالة في النار ، وهو قوله تعالى : (فَرِيقٌ فِي
الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (٧) [الشورى : ٧].
وما زال عليهالسلام يواصل سيره حتّى أتى (غمرة).
__________________
٦٥٦ ـ كتاب يزيد
إلى ابن زياد بر صد تحركات الحسين عليهالسلام :
(مع الحسين في نهضته للسيد أسد حيدر ، ص ١٧٠ و ١٧١)
كتب يزيد إلى ابن
زياد بعد توجه الحسين عليهالسلام إلى العراق :
بلغني أن حسينا قد
فصل من مكة متوجها إلى العراق ، فاترك العيون عليه ، وضع الأرصاد على الطريق ،
واحبس على الظنّة ، واقتل على التهمة .
وفي هذا الكتاب
يقرر يزيد لابن زياد النقاط التالية :
١ ـ اتخاذ
الجواسيس بكثرة.
٢ ـ وضع المعسكرات
المؤدية إلى الكوفة لرصد الطرق.
٣ ـ شدة الحراسة
والحذر ، والأخذ على الظنّة.
٤ ـ القتل على
التهمة وبدون مهلة.
٥ ـ مواصلة
الإخبار والاتصال مع يزيد بكل ما يحدث.
٦٥٧ ـ ابن زياد
يرصد الطرق حول الكوفة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٨)
قال : ولما وصل
كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد أن يأخذ على الحسين المراصد والمسالح والثغور ،
أنفذ ابن زياد للحصين بن نمير التميمي ، وكان على شرطته ، أن ينزل القادسية وينظم
المسالح ما بين القطقطانية إلى خفان. وتقدّم إلى الحر بن يزيد الرياحي أن يتقدم
بين يدي الحصين في ألف فارس.
«الحاجر من بطن الرّمة»
٦٥٨ ـ كتاب الحسين
عليهالسلام إلى أهل الكوفة جوابا لكتاب مسلم بن عقيل بعثه من (الحاجر): (لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٠ ط
نجف)
ولما بلغ الحسين عليهالسلام إلى الحاجر من بطن الرّمة [بتخفيف الميم]
كتب كتابا إلى جماعة من أهل الكوفة ، منهم سليمان بن صرد الخزاعي ، والمسيّب بن
__________________
نجبة ، ورفاعة بن
شداد وغيرهم. وأرسله مع قيس بن مسهر الصيداوي (ونرجّح أنه مع
عبد الله بن يقطر ، وذلك قبل أن يعلم بقتل مسلم ، يقول فيه :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. من الحسين بن علي عليهماالسلام إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم ، فإني أحمد
إليكم الله الّذي لا إله إلا هو. أما بعد ، فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني
فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم ، على نصرنا والطلب بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لنا
الصنيع ، وأن يثيبكم على ذلك اعظم الأجر. وقد شخصت إليكم من (مكة) يوم الثلاثاء
لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية. فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم
وجدّوا ، فإني قادم عليكم في أيامي هذه إنشاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته.
وكان مسلم بن عقيل
قد كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة ، فأقبل قيس [أو عبد الله بن يقطر]
بكتاب الحسين عليهالسلام إلى الكوفة.
توضيح : (حول
الكتب والرسل)
حصل عند الرواة
اختلاط كبير بين قصة مقتل عبد الله بن يقطر ، وبين قصة مقتل قيس بن مسهر الصيداوي
، وهما رسولان للحسين عليهالسلام بينه وبين مسلم بن عقيل وأهل الكوفة.
وقد مرت سابقا (في
الصفحة ٥٧٤) قصة استشهاد عبد الله بن يقطر برواية الخوارزمي ، وهو منطلق من الكوفة
إلى الحسين عليهالسلام بكتاب من مسلم بن عقيل ، فأمسكته شرطة الحصين وقدّمه إلى
ابن زياد فقتله صبرا. ونحن نستبعد هذه الرواية ، التي تورد مقتل ابن يقطر في وقت
مبكر ، قبل نهضة مسلم واستشهاده ، أي قبل مسير الحسين عليهالسلام من مكة يوم التروية إلى العراق. فالملاحظ أن الحسين عليهالسلام أثناء مسيره إلى الكوفة بلغه أولا نبأ استشهاد مسلم وهانئ
، ثم بلغه نبأ مقتل عبد الله ابن يقطر (في زبالة) ، ثم بلغه مقتل رسوله الآخر قيس
بن مسهر (في العذيب). فمن المنطقي أن يكون الحسين عليهالسلام قد بعث ابن يقطر
بكتاب إلى أهل الكوفة وهو في الطريق ، ثم بعث قيس بن مسهر بكتاب آخر وهو في آخر
الطريق. فأمسك عبد الله بن يقطر أولا وقتل ، ثم أمسك قيس بن مسهر وقتل. فأما
الكتاب الأول الّذي ذكرناه
__________________
آنفا والذي بعثه
الحسين عليهالسلام إلى مسلم بن عقيل من (الحاجر) فهو يبلّغ فيه أهل الكوفة
بأنه عليهالسلام سار من مكة يوم التروية ، وهذا أظنه بعثه مع عبد الله بن
يقطر. وأما الكتاب الثاني فهو الّذي اختلف في كونه خطبة أم كتابا ، وسوف يأتي أنه
بعثه من (البيضة) وقد رجّحنا أنه كتاب ، وأوله «من رأى سلطانا جائرا ..». فالأغلب
أنه بعثه مع قيس بن مسهر. فيكون ترتيب الأحداث كما يلي :
١ ـ بعث الحسين عليهالسلام عبد الله بن يقطر بكتاب من (الحاجر) ، ثم بلغه مقتله في (زبالة).
٢ ـ بعث عليهالسلام قيس بن مسهر بكتاب من (البيضة) ، ثم بلغه مقتله في (العذيب).
٣ ـ لما بعث
الحسين عليهالسلام الكتاب الأول لم يكن قد بلغه مقتل مسلم بن عقيل ، فقد بعثه
من الحاجر ، وبعد مرحلتين وصل (الثعلبية) فجاءه نبأ شهادة مسلم وهانئ رحمهماالله.
٦٥٩ ـ ابن زياد
يمنع التجول خارج الكوفة ، من (خفان) إلى القادسية إلى (القطقطانة)
:
وكان ابن زياد لما
بلغه مسير الحسين عليهالسلام من مكة إلى الكوفة ، بعث الحصين بن نمير التميمي صاحب
شرطته ، أن ينزل القادسية ، وينظّم المسالح ما بين (القطقطانية) غربا ، و (خفان)
جنوبا [انظر الشكل ٧].
شهادة عبد الله بن يقطر أخي الحسين (ع) من الرضاعة
__________________
٦٦٠ ـ مصرع عبد
الله بن يقطر على يد عبيد الله بن زياد :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٨ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ٧٦)
وكان الحسين عليهالسلام قد بعث بأخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر إلى أهل الكوفة
وإلى مسلم بن عقيل [وهو لا يعلم بقتله] فأخذته خيل الحصين ، فسيّره من القادسية
إلى ابن زياد. فقال له ابن زياد : اصعد المنبر فالعن الحسين وأباه
(الكذّاب ابن
الكذّاب ، ثم انزل حتّى أرى فيك رأيي). فصعد المنبر ودعا للحسينعليهالسلام ، ولعن يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد وأبويهما. فرمي
من فوق القصر (فتكسرت عظامه) ، فجعل يضطرب وبه رمق. فقام إليه عبد الملك بن عمير
اللخمي ، فذبحه (فعيب عليه ، فقال : أردت أن أريحه).
«بعض العيون»
٦٦١ ـ نصيحة عبد
الله بن مطيع العدوي :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٦)
وسار عليهالسلام من الحاجر ، وكان لا يمرّ بماء من مياه العرب إلا اتبعوه ،
حتّى انتهى إلى ماء من المياه عليه عبد الله بن مطيع العدوي فقال له : جعلت فداك يابن رسول الله ، لا تخرج إلى العراق
فإن حرمتك من الله حرمة ، وقرابتك من رسول الله قرابة ، وقد قتل ابن عمك بالكوفة ،
وإن بني أمية إن قتلوك لم يرتدعوا عن حرمة الله أن ينتهكوها ، ولم يهابوا أحدا
بعدك أن يقتلوه. فالله الله أن تفجعنا بنفسك. فلم يلتفت الحسين عليهالسلام إلى كلامه.
«الخزيميّة»
٦٦٢ ـ زينب عليهاالسلام تسمع في (الخزيميّة) هاتفا ينشد : (ألا يا عين فاحتفلي
بجهد): (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٥)
ولما نزل الحسين عليهالسلام بالخزيمية أقام فيها يوما وليلة ، فلما أصبح أقبلت إليه
__________________
أخته زينب عليهاالسلام فقالت له : يا أخي ألا أخبرك بشيء سمعته البارحة؟. فقال
لها : وما ذاك يا أختاه؟. فقالت : إني خرجت البارحة في بعض الليل لقضاء حاجة ،
فسمعت هاتفا يقول :
ألا يا عين
فاحتفلي بجهد
|
|
فمن يبكي على
الشهداء بعدي
|
على قوم تسوقهم
المنايا
|
|
بمقدار إلى
إنجاز وعد
|
فقال لها الحسين عليهالسلام : يا أختاه كل ما قضي فهو كائن .
وسار الحسين عليهالسلام من الخزيميّة يريد الثعلبية ، فمرّ في طريقه بزرود.
٦٦٣ ـ ابن زياد
يمنع التجول حول الكوفة ، ويقطع الطريق في وجه الحسينعليهالسلام : (لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٢)
وكان عبيد الله بن
زياد أمر (عسكره) فأخذوا ما بين (واقصة) إلى طريق الشام إلى طريق البصرة ، فلا
يدعون أحدا يلج ولا أحدا يخرج.
وأقبل الحسين عليهالسلام لا يشعر بشيء ، حتّى لقي الأعراب فسألهم ، فقالوا : لا
والله ما ندري غير أنا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج. فسار تلقاء وجهه.
«زرود»
٦٦٤ ـ قصة انقلاب
زهير بن القين وانضمامه إلى الحسين عليهالسلام في (زرود) :
(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٠٧)
ولما نزل الحسين عليهالسلام في زرود نزل بالقرب من زهير بن القين البجلي (وكان عثماني العقيدة)
ويكره النزول معه ، لكن الماء جمعهم في المكان.
وفي (مثير الأحزان)
للجواهري ، ص ٣٨ :
وحدّث جماعة من
فزارة وبجيلة ، قالوا : كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة ، وكنا
نساير الحسين عليهالسلام فلم يكن شيء أبغض علينا من أن ننازله في منزل. وكنا إذا نزل
الحسين عليهالسلام في منزل لم نجد بدّا من أن ننازله فيه ، إذا نزل هو
وأصحابه في جانب ننزل في جانب آخر.
__________________
فبينما نحن نتغدى
من طعام لنا ، إذ أقبل رسول الحسين عليهالسلام حتّى سلّم ودخل. ثم قال : يا زهير بن القين ، إن أبا عبد
الله الحسين عليهالسلام بعثني إليك لتأتيه!. فطرح كل إنسان منا ما في يده ، حتّى
كأن على رؤوسنا الطير.
ـ شهامة دلهم بنت
عمرو زوجة زهير : (مثير الأحزان للجواهري ، ص ٣٨)
فقالت له امرأته (دلهم
بنت عمرو) : سبحان الله ، أيبعث إليك الحسين عليهالسلام ابن رسول الله ، ثم لا تأتيه؟!. لو أتيته فسمعت كلامه ثم
انصرفت!.
فأتاه زهير بن
القين ، فما لبث أن جاء (إلى أصحابه فرحا) مستبشرا ، قد أشرق (أسفر) وجهه. فأمر
بفسطاطه وثقله ومتاعه فقوّض (وحوّل) إلى الحسين عليهالسلام.
ثم قال لامرأته
دلهم : أنت طالق ، إلحقي بأهلك ، فإني لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلا خيرا ، وقد عزمت
على صحبة هذا الرجل لأفديه بروحي وأقيه بنفسي. ثم أعطاها مالها ، وسلّمها إلى بعض
بني عمها ليوصلها إلى أهلها.
فقامت إليه وبكت
وودعته ، وقالت : خار الله لك ، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين عليهالسلام.
وفي (الأخبار
الطوال) للدينوري ، ص ٢٤٧ قال :
فقام زهير يمشي
إلى الحسين عليهالسلام ، فلم يلبث أن انصرف ، وقد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه فقلع
، وضرب إلى لزق فسطاط الحسين عليهالسلام.
ثم قال لامرأته :
أنت طالق ، فتقدمي مع أخيك حتّى تصلي إلى منزلك ، فإني قد وطّنت نفسي على الموت مع
الحسين عليهالسلام.
ثم قال لمن كان
معه من أصحابه : من أحب منكم الشهادة فليقم ، ومن كرهها فليتقدم. فلم يقم معه منهم
أحد. وخرجوا مع المرأة وأخيها حتّى لحقوا بالكوفة.
٦٦٥ ـ نبوءة سلمان
في بلنجر
:
(المفيد في ذكرى السبط الشهيد ، ص ٥٧)
ثم قال زهير
لأصحابه : من أحبّ منكم أن يتبعني ، وإلا فهو آخر العهد مني لكم.
__________________
وإني سأحدّثكم
حديثا : قد غزونا بلنجر (وفي بعض النسخ : غزونا البحر ، وهو تصحيف من الناسخ) ،
ففتح الله علينا وأصبنا غنائم كثيرة ، فقال لنا سلمان الفارسي رحمهالله : أفرحتم بما فتح الله عليكم ، وبما أصبتم من الغنائم؟.
قلنا : نعم. فقال سلمان : إذا أدركتم سيد شباب أهل الجنة من آل محمّد ، فكونوا
أشدّ فرحا بقتالكم معه ، مما أصبتم اليوم من الغنائم.
فأما أنا
فأستودعكم الله. ومضى زهير فصار من أنصار الحسين عليهالسلام.
(أقول) : وهذا من
نبوءة سلمان وعلومه التي استمدها من محمّد وآله عليهمالسلام.
«الثّعلبيّة»
٦٦٦ ـ نبأ المأساة
: وصول خبر استشهاد مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة إلى الحسين عليهالسلام في (الثعلبية): (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٩)
قال عبد الله بن
سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديان : قدمنا على الحسين عليهالسلام حين نزل (الثعلبية) فأخبرناه بمقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن
عروة ، وجرّهما من أرجلهما بأسواق الكوفة. فقال الحسين عليهالسلام : إنا لله وإنا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما .. يردد
ذلك مرارا. قلنا : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك وهؤلاء الصبية إلا انصرفت من
مكانك هذا ، فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة ، بل نتخوف منهم أن يكونوا عليك.
فنظر الحسين إلى بني عقيل فقال لهم : ما ترون ، فقد قتل مسلم؟. فبادر بنو عقيل
وقالوا : والله لا نرجع ، أيقتل صاحبنا وننصرف! لا والله لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا
أو نذوق ما ذاق صاحبنا. فأقبل علينا الحسين وقال : لا خير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير. فقلنا له : خار الله
لك. فقال : رحمكما الله تعالى. فقال له أصحابه : إنك والله ما أنت بمثل مسلم ، ولو
قدمت الكوفة ونظر الناس إليك لكانوا إليك أسرع ، وما عدلوا عنك ولا عدلوا بك أحدا
، فسكت.
وفي (الإمامة
والسياسة) لابن قتيبة ، ص ٥ :
__________________
قال : وذكروا أن
عبيد الله بن زياد بعث جيشا أمّر عليه عمرو بن سعيد [الصحيح : عمر بن سعد]. وقد
جاء الحسين عليهالسلام الخبر ، فهمّ أن يرجع ، ومعه خمسة من بني عقيل ، فقالوا له
: أترجع وقد قتل أخونا ، وقد جاءك من الكتب ما تثق به؟!. فقال لبعض أصحابه : والله
مالي عن هؤلاء من صبر ، يعني بني عقيل.
٦٦٧ ـ الحسين عليهالسلام يواسي بنت مسلم الصغيرة :
(إبصار العين للشيخ السماوي ، ص ٤٨)
روى بعض المؤرخين
أن الحسين عليهالسلام لما قام من مجلسه بالثعلبية (وقد بلغه نبأ استشهاد مسلم)
توجه نحو النساء ، وانعطف على ابنة لمسلم صغيرة (عمرها ١١ سنة) فجعل يمسح على
رأسها ، فكأنها أحسّت. فقالت : ما فعل أبي؟. فقال : يا بنيّة أنا أبوك. ودمعت عينه
، فبكت البنت وبكت النساء لذلك.
٦٦٨ ـ ما قاله عليهالسلام لرجل من أهل الكوفة في (الثعلبية) يبيّن أن أهل البيت عليهمالسلام هم معادن العلم : (مقتل المقرم ، ص ٢١١)
وفي (الثعلبية)
اجتمع بالحسين رجل من أهل الكوفة ، فقال له الحسين عليهالسلام : أما والله لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل في دارنا
، ونزوله بالوحي على جدي. يا أخا أهل الكوفة : من عندنا مستقى العلم. أفعلموا
وجهلنا! هذا مما لا يكون .
(أقول) : وهذا كان
جوابه عليهالسلام لأغلب الذين نصحوه ، ولم يدركوا الغايات البعيدة من نهضته عليهالسلام ، ولم ينظروا نظرته الواعية العميقة إلى الأمور ... ولعمري
من لأحد أن يداني الحسين عليهالسلام في علمه ومعرفته ، وهو الّذي عاش في كنف الرسول والإمام ،
يغرّ العلم غرّا ، ومنه أخذ الأئمة التسعة المعصومون من ولده عليهالسلام علوم الجفر والصحيفة الجامعة.
وقد أعطينا لمحة
عن هذه العلوم في الفصل الخامس ، ص ٢٤٩ فراجع.
٦٦٩ ـ يحيى بن
شدّاد يتخوّف على الحسين عليهالسلام من قلة أنصاره :
(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٠)
عن يحيى بن شداد
الأسدي ، قال : مرّ بنا الحسين عليهالسلام بالثعلبية ، فخرجت إليه
__________________
مع أخي ، فإذا
عليه جبّة صفراء ، لها جيب في صدرها. فقال له أخي : إني أخاف عليك من قلة أنصارك!.
فضرب بالسوط على عيبة قد حقبها خلفه ، وقال : هذه كتب وجوه أهل المصر.
«الشّقوق»
٦٧٠ ـ ملاقاة
الحسين عليهالسلام للفرزدق (بالشقوق) وهو راجع من الكوفة ، وتحذيره من أهلها
: (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٣ إليها
لقي الفرزدق [ابن
غالب] الشاعر ، الحسين عليهالسلام بالشّقوق ، وهو راجع من الكوفة ، فسلّم عليه ، ثم دنا منه فقبّل يديه. فقال له الحسين عليهالسلام : من أين أقبلت يا أبا فراس؟. فقال : من الكوفة يابن رسول
الله. قال : فكيف خلّفت أهل الكوفة؟. قال : خلّفت قلوب الناس معك ، وأسيافهم مع
بني أمية ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل في خلقه ما يشاء. فقال له الحسين عليهالسلام : صدقت وبررت ، إن الأمر لله تبارك وتعالى ، كلّ يوم هو في
شأن ؛ فإن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر
، وإن حال القضاء دون الرجاء فلن يبعد من الحقّ بغيته (وفي رواية : فلم
يعتد من كان الحق نيّته والتقوى سريرته). فقال الفرزدق : جعلت فداك يابن رسول الله
، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته!. فاستعبر
الحسين عليهالسلام باكيا ، ثم قال : رحم الله مسلما فلقد صار إلى روح الله
وريحانه وتحيته وغفرانه ورضوانه. أما إنه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا. ثم أنشأ
في ذلك يقول :
فإن تكن الدنيا
تعدّ نفيسة
|
|
فإن ثواب الله
أعلى وأنبل
|
__________________
٢ وإن تكن الأبدان للموت أنشئت
|
|
فقتل امرئ في
الله بالسيف أفضل
|
٣ وإن تكن الأرزاق قسما مقدّرا
|
|
فقلّة حرص المرء
في الرزق أجمل
|
٤ وإن تكن الأموال للترك جمعها
|
|
فما بال متروك
به المرء يبخل
|
٥ عليكم سلام الله يا آل أحمد
|
|
فإني أراني عنكم
سوف أرحل
|
٦ سأمضي وما بالقتل عار على الفتى
|
|
إذا في سبيل
الله يمضي ويقتل
|
وقد أضاف عليها
أبو مخنف في مقتله الأبيات التالية ، وأوردها قبيل استشهادهعليهالسلام :
٧ أرى كل ملعون كفور منافق
|
|
يروم فناها جهله
ثم يعمل
|
٨ لقد غرّكم حلم الإله ، وإنه
|
|
كريم حليم لم
يكن قطّ يعجل
|
٩ لقد كفروا يا ويلهم بمحمد
|
|
وربهم في الخلق
ما شاء يفعل
|
ثم ودّعه الفرزدق
في نفر من أصحابه ، ومضى يريد مكة.
«زبالة»
٦٧١ ـ ما قاله عليهالسلام حين بلغه مقتل عبد الله بن يقطر في (زبالة) وترخيصه لمن
تبعه من الناس بالانصراف : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٩)
ثم سار الحسين عليهالسلام حتّى انتهى إلى (زبالة) فورد عليه هناك مقتل أخيه من
الرضاعة عبد الله بن يقطر (وكان سرّحه إلى
مسلم بن عقيل من الطريق وهو لا يدري أنه قد أصيب . وكان قد تبع الحسين خلق كثير من المياه التي يمرّ بها ،
لأنهم كانوا يظنون استقامة الأمور له عليهالسلام.
__________________
فلما صار ب (زبالة)
قام فيهم خطيبا فقال : ألا إنه أتاني خبر فظيع. ألا إن أهل الكوفة وثبوا على مسلم
بن عقيل وهانئ بن عروة فقتلوهما ، وقتلوا أخي من الرضاعة عبد الله بن يقطر ، وقد
خذلتنا شيعتنا ، فمن أحبّ منكم أن ينصرف فلينصرف من غير حرج ، وليس عليه منا ذمام.
فتفرق الناس وأخذوا يمينا وشمالا ، حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من مكة
وعددهم (٨٢) ، وإنما أراد ألا يصحبه إنسان إلا على بصيرة. ولما كان السحر أمر
أصحابه فاستسقوا ماء وأكثروا ، ثم رحل من زبالة متجها إلى (القاع).
وأورد أبو مخنف في
مقتله ص ٤٣ شبيه هذا الكلام ، هذا نصه :
وجعل عليهالسلام لا يمرّ ببادية إلا ويتبعه خلق كثير ، حتّى انتهى إلى (زبالة)
فنزل بها ، ثم قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فصلى عليه ، ثم نادى بأعلى صوته : أيها الناس إنما جمعتكم
على أن العراق في قبضتي ، وقد جاء في خبر صحيح أن مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة قتلا
، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن كان منكم يصبر على ضرب السيوف وطعن الرماح ، وإلا
فلينصرف من موضعه هذا ، فليس عليه من ذمامي شيء. فسكتوا جميعا وجعلوا يتفرقون
يمينا وشمالا ، حتّى لم يبق معه إلا أهل بيته ومواليه ، وقالوا : والله ما نرجع
حتّى نأخذ بثأرنا ونذوق الموت غصّة بعد غصة ، وهم نيّف وسبعون رجلا ، وهم الذين
خرجوا معه من مكة.
٦٧٢ ـ رجل نصراني
يسلم على يد الحسين عليهالسلام :
(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ٤٣)
قال أبو مخنف :
لما نزل الحسين عليهالسلام الثعلبية ، أقبل رجل نصراني وأمه ، فأسلما على يديه.
(أقول) : لعله وهب
بن حباب الكلبي ، وأمه أم وهب.
«بطن العقبة»
٦٧٣ ـ لقاء الحسين
عليهالسلام بعمرو بن لوذان في (بطن العقبة) وما جرى بينهما من محاورة
: (الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ٩٠)
ولما كان وقت
السحر أمر عليهالسلام غلمانه وفتيانه ، فاستقوا الماء وأكثروا ، ثم سار عليهالسلام حتّى مرّ (ببطن العقبة) في طريقه إلى الكوفة. وهناك لقي
شيخا من بني
عكرمة يقال له
عمرو بن لوذان ، فسأله أين تريد؟. فقال الحسين عليهالسلام : الكوفة. فقال الشيخ : أنشدك الله لما انصرفت. فوالله ما
تقدم إلا على الأسنة وحدّ السيوف ، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك
مؤونة القتال ووطّؤوا لك الأشياء ، فقدمت عليهم ، كان ذلك رأيا ، فأما على هذه
الحال التي تذكر ، فإني لا أرى لك أن تفعل. ثم قال الحسينعليهالسلام : والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ،
فإذا فعلوا سلّط الله عليهم من يذلهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الأمم.
٦٧٤ ـ ما قاله
الحسين عليهالسلام في (بطن العقبة) لجعفر بن سليمان الضبعي :
(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢١٣)
وقال عليهالسلام لجعفر بن سليمان الضبعي في (بطن العقبة) : إنهم لن يدعوني
حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلهم حتّى
يكونوا أذلّ من فرام الأمة .
٦٧٥ ـ إخبار
الحسين عليهالسلام بشهادته وهو في طريقه إلى كربلاء :
(تاريخ ابن عساكر
، ص ٢١١ ؛ وتاريخ الإسلام للذهبي ، ج ٢ ص ٣٤٥ ؛ وتاريخ ابن كثير ، ج ٨ ص ١٦٩)
عن يزيد الرّشك ،
قال : حدثني من شافه الحسين عليهالسلام قال : رأيت أبنية مضروبة بفلاة من الأرض. فقلت : لمن هذه؟.
قالوا : هذه لحسين عليهالسلام. قال : فأتيته ، فإذا شيخ يقرأ القرآن ، والدموع تسيل على
خديه ولحيته. (قال) فقلت : بأبي أنت وأمي يابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أنزلك هذه البلاد ، والفلاة التي ليس بها أحد؟. فقال :
هذه كتب أهل الكوفة إليّ ، ولا أراهم إلا قاتليّ. فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله
حرمة إلا انتهكوها ، فيسلّط الله عليهم من يذلهم حتّى يكونوا أذلّ من فرم الأمة [يعني
مقنعتها].
٦٧٦ ـ تعريف ببعض
منازل الطريق :
(معجم البلدان لياقوت الحموي)
قال هشام : (واقصة)
و (شراف) ابنتا عمرو بن معتق ، من أحفاد إرم ابن سام بن نوح عليهالسلام. (واقصة) : منزل بطريق مكة بعد (القرعاء) نحو مكة وقبل (العقبة)
لبني
__________________
شهاب من طيّئ.
ويقال لها : واقصة الحزون ، وهي دون (زبالة) بمرحلتين. وإنما قيل لها واقصة الحزون
، لأن الحزون [أي الأراضي الصعبة الوعرة] أحاطت بها من كل جانب.
ـ تعريف بنوعيات
الأرض من الكوفة إلى مكة :
والسائر إلى مكة
ينهض في أول الحزن من (العذيب) في أرض يقال لها (البيضة) ، حتّى يبلغ مرحلة (العقبة)
في أرض يقال لها البسيطة ، ثم يقع في (القاع) وهو سهل. ويقال : (زبالة) أسهل منه.
فإذا جاوزت ذلك استقبلت الرمل ، فأول رمل تلقاها يقال لها الشيحة [انظر الشكل ١٠].

(الشكل ١٠) : طبيعة
الأرض من الكوفة إلى مكة
من العذيب تكون الأرض
حزنة ثم بسيطة ثم سهلة ثم تبدأ الرمال من الشيحة
وهكذا انتهت سنة ٦٠ ه
وبدأت سنة ٦١ هجرية
(وذلك قبل يومين من
وصول الحسين عليهالسلام
إلى كربلاء)
__________________
بداية سنة ٦١ هجرية
(١ محرم الحرام سنة ٦١ ه)
(١ تشرين الأول سنة ٦٨٠ م)
مدخل :
انتهت سنة ٦٠
هجرية ، وبدأت سنة ٦١ ه بشهرها المحرم الحرام ، الّذي حرّم الله فيه القتل والقتال
حتّى مع الكفار ، والذي ارتكبت فيه أكبر مجزرة في تاريخ الأمم والإسلام. حيث قتل
الحزب الأموي الحاكم سيد شباب أهل الجنة ، الحسين بن علي عليهماالسلام ، كما ذبح أخاه العباس عليهالسلام وابنه علي الأكبر عليهالسلام وابن أخيه القاسم بن الحسن عليهالسلام ، وأربعا وعشرين بدرا من بدور بني هاشم ، من سلالة المجاهد
الأكبر أبي طالب عليهالسلام ، الّذي علمّ أولاده نصرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنصروا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والإمام عليا عليهالسلام وابنيه الحسن والحسين عليهماالسلام ، فكانوا خير خلف لخير سلف.
وقد مضى على مسير
الحسين عليهالسلام إلى كربلاء ٢٢ يوما ، وبقي له يومان ليصل إليها.
«شراف»
٦٧٧ ـ التزود
بالماء من (شراف):
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٨)
ثم سار الحسين عليهالسلام من بطن العقبة حتّى نزل (شراف). فلما كان في السحر أمر
فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا. ثم سار منها حتّى انتصف النهار.
٦٧٨ ـ طلائع الخطر
:
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٨)
فبينا هو يسير إذ
كبّر رجل من أصحابه ، فقال الحسين عليهالسلام : الله أكبر ، لم كبّرت؟. قال : رأيت النخل. فقال له جماعة
من أصحابه : إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط!. فقال لهم الحسين عليهالسلام : فما ترون؟. قالوا : نراه والله أسنة الرماح وآذان الخيل.
ثم قال عليهالسلام : فهل لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا ، ونستقبل
القوم بوجه واحد؟. فقالوا : بلى ، هذا (ذو حسم) إلى جنبك ، فمل إليه عن يسارك ، فإن
سبقت القوم إليه فهو كما تريد. فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه.
لقاء الحرّ بن يزيد التميميّ
«ذو حسم»
٦٧٩ ـ التقاء
الحسين عليهالسلام بأول كتيبة للجيش الأموي بقيادة الحر بن يزيد الرياحي : (لواعج
الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٨)
فما كان بأسرع من
أن طلعت علينا هوادي [جمع هادي : وهو العنق ومقدمة كل شيء] الخيل ، فتبيّناها
وعدلنا. فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا ، كأن أسنتهم اليعاسيب [جمع يعسوب
: وهو النحل ، وشبّه لمعان أسنّتهم بلمعان أجنحة النحل أثناء طيرانها] وكأن
راياتهم أجنحة الطير. فاستبقنا إلى (ذي حسم) فسبقناهم إليه.
وأمر الحسين عليهالسلام بأبنيته فضربت. وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر ابن يزيد
التميمي ، حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليهالسلام في حرّ الظهيرة ، والحسين عليهالسلام وأصحابه معتمّون متقلدون أسيافهم.
٦٨٠ ـ الحسين عليهالسلام يسقي جنود أعدائه :
(المصدر السابق ؛ ومقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٠)
فقال الحسين عليهالسلام لفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء ، ورشّفوا الخيل
ترشيفا [أي اسقوهم قليلا]. وكانوا شاكّين في السلاح ، لا يرى منهم إلا الحدق. فأقبلوا
يملؤون القصاع والطساس من الماء ، ثم يدنونها من الفرس ، فإذا عبّ منها ثلاثا أو
أربعا أو خمسا عزلت عنه ، وسقي آخر ، حتّى سقوها عن آخرها.
قال علي بن
الطعّان المحاربي : كنت مع الحر يومئذ ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه. فلما رأى
الحسين عليهالسلام ما بي وبفرسي من العطش ، قال : أنخ الرواية ،
فلم أفهم (لأن
الرواية عندي السّقاء). ثم قال : يابن الأخ أنخ الجمل ، فأنخته . فقال : اشرب ، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء. فقال
الحسين عليهالسلام : أخنث السقاء [أي اعطفه] فلم أفهم ، ولم أدر كيف أفعل!.
فقام عليهالسلام فعطفه بيده ، فشربت وسقيت فرسي.
وكان مجيء الحر بن
يزيد من القادسية ، وكان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير ، وأمره أن ينزل
القادسية ، ويقدّم الحر بين يديه في ألف فارس ، يستقبل بهم الحسين عليهالسلام. وكانت ملاقاة الحر للحسين عليهالسلام على مرحلتين من الكوفة [حوالي ٩٠ كم].
ـ تعليق السيد عبد
العزيز المقرّم :
يقول السيد
المقرّم : فانظر إلى هذا اللطف والحنان من أبي الضيم الحسين عليهالسلام على هؤلاء الجمع في تلك البيداء المقفرة ، التي تعزّ فيها
الجرعة الواحدة ، وهو عالم بحراجة الموقف ونفاد الماء ، ولكن العنصر النبوي والكرم
العلوي ، لم يتركا صاحبهما إلا أن يحوز الفضل. وإن فعلها فقد فعلها أبوه من قبله
في صفين ، وكل إناء ينضح بما فيه.
٦٨١ ـ الحسين عليهالسلام يتعرف على الحر :
(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٤٢)
ثم قال الحر :
السلام عليك يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته. فقال الحسين عليهالسلام : وعليك السلام ، من أنت يا عبد الله؟. فقال : أنا الحر بن
يزيد. فقال : يا حرّ ، ألنا أم علينا؟. فقال الحر : والله يابن رسول الله لقد بعثت
لقتالك ، وأعوذ بالله أن أحشر من قبري وناصيتي مشدودة إلى رجلي ، ويدي مغلولة إلى
عنقي ، وأكبّ على حرّ وجهي في النار. يابن رسول الله ، ارجع إلى حرم جدك ، أين
تذهب فإنك مقتول!.
__________________
٦٨٢ ـ من خطبة
للحسين عليهالسلام بعد لقائه بالحر في (ذي حسم) وقد صلّى عليهالسلام صلاة الظهر بالعسكرين :
(مقتل الخوارزمي ، ص ٢٣١ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ٨٠)
قال الشيخ المفيد
: فلم يزل الحر موافقا للحسين عليهالسلام حتّى حضرت صلاة الظهر. فقال الحسين عليهالسلام للحجاج بن مسروق : أن أذّن يرحمك الله وأقم الصلاة حتّى
نصلي. فأذّن الحجّاج للظهر. فلما فرغ صاح الحسين عليهالسلام بالحر : يابن يزيد أتريد أن تصلي بأصحابك ، وأنا أصلّي
بأصحابي؟. فقال الحر : لا بل تصلي ، ونحن نصلّي بصلاتك يا أبا عبد الله!. فقال عليهالسلام للحجاج : أقم ، فأقام.
وتقدم الحسين عليهالسلام للصلاة ، فصلى بالعسكرين جميعا. فلما فرغ وثب قائما متكئا
على قائم سيفه ، وكان في إزار ورداء ونعلين. فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها
الناس معذرة إليكم ، أقدّمها إلى الله وإلى من حضر من المسلمين. إني لم آتكم (وفي
رواية : لم أقدم إلى بلدكم) حتّى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ، أن أقدم إلينا ،
فإنه ليس علينا إمام ، فلعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق ، فإن كنتم على ذلك
فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما أطمئن إليه وأثق به من عهودكم ومواثيقكم أدخل معكم إلى
مصركم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين ولقدومي عليكم باغضين ، انصرفت عنكم
إلى المكان الّذي منه جئت إليكم. فسكتوا جميعا .
ثم دخل عليهالسلام فاجتمع إليه أصحابه. وانصرف الحر إلى مكانه الّذي كان فيه
، فدخل خيمة قد ضربت له واجتمع إليه جماعة من أصحابه. وعاد الباقون إلى صفّهم
الّذي كانوا فيه ، فأعادوه. ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها.
٦٨٣ ـ كتاب ابن
زياد للحر يأمره فيه بالتضييق على الحسين عليهالسلام :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣١)
فبينا هم على تلك
الحال ، وإذا بكتاب ورد من الكوفة من عبيد الله بن زياد إلى الحر: أما بعد يا حر ،
فإذا أتاك كتابي هذا ، فجعجع بالحسين بن علي ، ولا
__________________
تفارقه حتّى
تأتيني به ، فإني قد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى تأتي بإنفاذ أمري إليك
والسلام.
فلما قرأ الحر
الكتاب بعث إلى ثقات أصحابه فدعاهم ، ثم قال : ويحكم إنه قد ورد عليّ كتاب عبيد
الله بن زياد ، يأمرني أن أقدم على الحسين بما يسوؤه ، ولا والله ما تطاوعني نفسي
ولا تجيبني إلى ذلك أبدا. فالتفت رجل من أصحاب الحر يكنى (أبا الشعثاء الكندي) إلى
رسول ابن زياد وقال له : فيم جئت ثكلتك أمك؟. فقال له الرسول : أطعت إمامي ووفّيت
بيعتي وجئت برسالة أميري. فقال له أبو الشعثاء : لعمري لقد عصيت ربك وإمامك ،
وأهلكت نفسك ، واكتسبت والله عارا ونارا ، فبئس الإمام إمامك الّذي قال فيه الله :
(وَجَعَلْناهُمْ
أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) [القصص : ٤١] .
٦٨٤ ـ من خطبة له عليهالسلام بالعسكرين بعد أن صلى بهما صلاة العصر :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٢)
ودنت صلاة العصر ،
فأمر الحسين عليهالسلام مؤذنه أيضا بالأذان ، فأذّن وأقام ، وتقدمعليهالسلام فصلى بالعسكرين. فلما انصرف من صلاته وثب قائما على قدميه
، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله تعالى
وتعرفوا الحق لأهله يكن رضا الله عنكم. وإنا أهل بيت نبيكم محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أولى بولاية هذه الأمور عليكم ، من هؤلاء المدّعين ما
ليس لهم ، والسائرين فيكم بالظلم والجور والعدوان ، وإن كرهتمونا وجهلتم حقنا ،
وكان رأيكم على خلاف ما جاءت به كتبكم ، انصرفت عنكم .
فقال له الحر :
أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر. فقال الحسينعليهالسلام لبعض أصحابه : يا عقبة بن سمعان أخرج إليّ الخرجين اللذين
فيهما كتبهم إليّ. فأخرج خرجين مملوءين صحفا من كتب أهل الكوفة ، فنثرت بين يديه.
__________________
فقال له الحر :
إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك . وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتّى نقدمك الكوفة
على الأمير عبيد الله. فتبسّم الحسين عليهالسلام وقال له : يابن يزيد ، الموت أدنى إليك من ذلك!.
ترجمة عقبة بن سمعان
عقبة بن سمعان ،
عدّه الشيخ الطوسي في (رجاله) من أصحاب الحسين عليهالسلام. وقد ذكره الطبري وغيره من مؤرخي الواقعة ، ويفهم مما
ذكروه أنه كان عبدا للرباب زوجة الحسين عليهالسلام ، وأنه كان يتولى خدمة أفراسه وتقديمها له. فلما استشهد
الحسين عليهالسلام فرّ على فرس ، فأخذه أهل الكوفة ، فزعم أنه عبد للرباب بنت
امرئ القيس الكلابية ، فأطلق سراحه. وجعل يروي الواقعة كما حدثت ، ومنه أخذ كثير
من أخبارها. (مقتل أبي مخنف المقتبس ، ص ١٣)
٦٨٥ ـ محاورة
الحسين عليهالسلام مع الحر وقد حاول التضييق عليه حتّى يقدمه على عبيد الله
بن زياد بالكوفة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٢)
ثم التفت الحسين عليهالسلام إلى أصحابه فقال : احملوا النساء ليركبن ، حتّى ننظر ما
الّذي يقدر أن يصنع هذا [أي الحر] وأصحابه .. فتقدمت خيل أهل الكوفة فحالت بينهم
وبين المسير. فضرب الحسين عليهالسلام بيده إلى سيفه وصاح بالحر : ثكلتك أمك يابن يزيد ، ما
الّذي تريد أن تصنع؟. فقال الحر : أما والله يا أبا عبد الله ، لو
__________________
قالها غيرك من
العرب لرددتها عليه كائنا من كان ، ولكن والله مالي إلى ذكر أمك [أي فاطمة] من
سبيل ، غير أنه لا بدّ لي من أن أنطلق بك إلى الأمير. قال عليهالسلام : إذن والله لا أتبعك. فقال الحر : إذن والله لا أدعك.
فقال الحسين عليهالسلام : فذر إذن أصحابك وأصحابي وابرز إليّ ، فإن قتلتني حملت
رأسي إلى ابن زياد ، وإن قتلتك أرحت الخلق منك. فقال الحر : إني لم أؤمر بقتالك ،
وإنما أمرت أن لا أفارقك أو أقدم بك على الأمير. وأنا والله كاره أن يبتليني الله
بشيء من أمرك. غير أني أخذت بيعة القوم وخرجت إليك. وأنا أعلم أنه ما يوافي
القيامة أحد من هذه الأمة إلا وهو يرجو شفاعة جدك ، وإني والله لخائف إن أنا
قاتلتك أن أخسر الدنيا والآخرة ، ولكن أما أنا يا أبا عبد الله فلست أقدر على
الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا ، ولكن خذ غير الطريق وامض حيث شئت (وفي رواية :
ولكن خذ طريقا نصفا بيننا لا يدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة ) حتّى أكتب إلى الأمير أن الحسين خالفني الطريق فلم أقدر
عليه ، وأنا أنشدك الله في نفسك (وفي رواية : وإني أذكّرك الله في نفسك ) فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ. فقال الحسين عليهالسلام : كأنك تخبرني بأني مقتول!. فقال له : نعم يا أبا عبد الله
، لا أشك في ذلك إلا أن ترجع من حيث جئت. فقال الحسين عليهالسلام : لا أدري ما أقول لك ، ولكني أقول كما قال أخو الأوس وهو
يريد نصرة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فخوّفه ابن عمه حين لقيه ، وقال : أين تذهب فإنك مقتول ،
فقال له :
سأمضي فما
بالموت عار على الفتى
|
|
إذا ما نوى حقا
وجاهد مسلما
|
وواسى الرجال
الصالحين بنفسه
|
|
وفارق مذموما وخالف مجرما
|
أقدّم نفسي لا
أريد بقاءها
|
|
لتلقى خميسا في
النزال عرمرما
|
فإن عشت لم أذمم
وإن متّ لم ألم
|
|
كفى بك ذلّا أن
تعيش وترغما
|
__________________
٦٨٦ ـ التقاء
الحسين عليهالسلام بالحر وإخباره بمصرع مسلم :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٦ ط ٢ نجف)
قال علماء السير :
ولم يزل الحسين عليهالسلام قاصدا الكوفة ، مجدّا في السير ، ولا علم له بما جرى على
مسلم بن عقيل. حتّى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال تلقّاه الحر بن يزيد
التميمي ، فسلّم عليه وقال له : أين تريد يابن رسول الله؟. فقال : أريد هذا المصر.
فقال له : ارجع فوالله ما تركت لك خلفي خيرا ترجوه. وأخبره بقتل مسلم بن عقيل
وهانئ بن عروة. وقدوم ابن زياد الكوفة واستعداده له.
فهمّ بالرجوع ،
وكان معه إخوة مسلم بن عقيل ، فقالوا : والله لا نرجع حتّى نصيب بثأرنا أو نقتل.
فقال عليهالسلام : لا خير في الحياة بعدكم .
«البيضة»
٦٨٧ ـ من كتاب
للحسين عليهالسلام إلى أشراف الكوفة بعد علمه بمقتل مسلم ابن عقيل ، يدعوهم
فيه إلى البرّ بعهودهم ، ويبيّن لهم أن الهدف من نهضته هو تقويم الانحراف :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٤)
(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). من الحسين بن علي إلى سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة
ورفاعة بن شداد وعبد الله بن وال وجماعة المؤمنين. أما بعد فقد علمتم أن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم قد قال في حياته : «من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله
، ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، ثم لم يغيّر بقول
ولا فعل ، كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله». وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا
طاعة الشيطان ، وتولوا عن طاعة الرحمن ، وأظهروا في الأرض الفساد ، وعطّلوا الحدود
والأحكام ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله. وإني أحقّ بهذا
الأمر ، لقرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم ، أنكم لا
تسلموني ولا تخذلوني ، فإن وفيتم لي بيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم ، ونفسي مع
أنفسكم وأهلي وولدي مع أهليكم وأولادكم ، فلكم بي أسوة. وإن لم تفعلوا
__________________
ونقضتم عهودكم
ونكثتم بيعتكم ، فلعمري ما هي منكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم ،
والمغرور من اغترّ بكم ، فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى
نَفْسِهِ) [الفتح : ١٠]
وسيغني الله عنكم والسلام. ثم طوى الكتاب وختمه ، ودفعه إلى قيس بن مسهر الصيداوي
، وأمره أن يسير به إلى الكوفة .
استشهاد قيس بن مسهر الصّيداوي رحمهالله
٦٨٨ ـ مصرع قيس بن
مسهر الصيداوي على يد عبيد الله بن زياد :
(المصدر السابق)
فلما انتهى قيس
إلى القادسية ، اعترضه الحصين بن تميم [الصحيح : الحصين بن نمير] ليفتشه ، فأخرج
قيس الكتاب وخرّقه. فحمله الحصين إلى ابن زياد. فلما مثل
__________________
بين يديه ، قال له
: من أنت؟. قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه. قال :
فلماذا خرّقت الكتاب؟. قال : لئلا تعلم ما فيه. قال : وممن الكتاب وإلى من؟. قال :
من الحسين عليهالسلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم. فغضب ابن زياد ،
فقال : والله لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم ، أو تصعد المنبر فتسبّ
الحسين بن علي وأباه وأخاه ، وإلا قطّعتك إربا إربا. فقال قيس : أما القوم فلا
أخبرك بأسمائهم ، وأما سبّ الحسين عليهالسلام وأبيه وأخيه فأفعل (وفي رواية أنه قال له : اصعد المنبر ،
فسبّ الكذّاب ابن الكذاب ، الحسين ابن علي).
فصعد قيس المنبر ،
فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي وآله ، وأكثر من الترحم على علي والحسن
والحسين عليهمالسلام ، ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أمية. ثم
قال : أيها الناس ، إن هذا الحسين بن علي عليهماالسلام خير خلق الله ، ابن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنا رسوله إليكم ، وقد خلّفته (بالحاجر) فأجيبوه.
فأمر به ابن زياد
، فرمي من أعلى القصر ، فتقطعّ (وتكسّرت عظامه) فمات. (وفي مقتل المقرم ص ٢١٩)
ويقال : كان به رمق ، فذبحه عبد الملك ابن عمير اللخمي. فعيب عليه ، فقال : أردت
أن أريحه.
ترجمة قيس بن مسهر الصيداوي
قيس أحد بني
الصيداء ، وهي قبيلة من بني أسد. قال علماء السير : كان قيس رجلا شريفا شجاعا
مخلصا في محبة أهل البيت عليهمالسلام. وقد بعثه أهل الكوفة بكتبهم إلى الحسين عليهالسلام بمكة ، ثم أرسله الحسين عليهالسلام مع مسلم بن عقيل ، ثم أرجعه مسلم بكتاب منه إلى الحسين ،
فردّ عليهالسلام الجواب معه. وبقي مصاحبا لمسلم حتّى أتى الكوفة ، ولما
بايعه من بايعه من أهلها كتب إلى الحسين مع قيس إلى مكة. وبقي قيس مع الحسين عليهالسلام حتّى بلغ (الحاجر) ، فبعثه إلى أهل الكوفة بكتاب ، فأمسكه
الحصين بن نمير كما ذكرنا ، وقتله.
توضيح : (حول
مهمات الشهيد قيس بن مسهر)
كانت مهمات قيس بن
مسهر الصيداوي خطيرة ، وهي تأمين المراسلة بين الحسينعليهالسلام والعراق. فبعثه أهل الكوفة أولا برسالة إلى الحسين عليهالسلام وهو بمكة. ثم صحب مسلم بن عقيل حتّى قدم الكوفة. ثم بعثه
مسلم برسالة إلى الحسين عليهالسلام يخبره فيها بمبايعة أهل الكوفة. ثم حين خرج الحسين عليهالسلام من مكة إلى العراق صحبه قيس ، حتّى إذا انتهىعليهالسلام إلى الحاجر بعثه إلى أهل الكوفة يخبرهم بقدومه. وفي الطريق
قبض عليه الحصين بن نمير التميمي ، فأتلف الرسالة كما مرّ ، وجيء به إلى ابن زياد
فقتله صبرا ، رضوان الله عليه.
وبما أن هناك
تضاربا كبيرا بين استشهاد (عبد الله بن يقطر) و (قيس بن مسهر) فقد رجّحنا أن يكون
الحسين عليهالسلام بعث عبد الله بن يقطر بكتاب من (الحاجر) وبلغه نبأ
استشهاده في (زبالة). ثم بعث قيس بن مسهر بكتاب من (البيضة) ووصله خبر استشهاده في
(العذيب) ، فهذا أقرب إلى تسلسل الأحداث والروايات كما أسلفنا.
«الرّهيمة»
٦٨٩ ـ محاورة
الحسين عليهالسلام مع رجل من أهل الكوفة يدعى أبا هرّة الأزدي :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٦)
ولما أصبح عليهالسلام إذا برجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرّة الأزدي قد أتاه فسلّم عليه ، ثم قال له : يابن رسول الله ما الّذي
أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟. فقال له الحسين عليهالسلام : يا أبا هرّة إن بني أمية قد أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي
فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت. يا أبا هرة لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنّهم الله
تعالى ذلا شاملا وسيفا قاطعا ، وليسلّطنّ الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ
من قوم سبأ ، إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم.
__________________
«عذيب الهجانات»
٦٩٠ ـ وصول خبر
مصرع قيس بن مسهر الصيداوي في (عذيب الهجانات):
(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٠ ط أولى مصر)
فلما وصل الحسين عليهالسلام إلى (عذيب الهجانات) فإذا بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة ، وهم : عمرو بن خالد
الصيداوي ، وسعد مولاه ، ومجمع ابن عبد الله المذحجي ، ونافع بن هلال. ومعهم
دليلهم الطرمّاح بن عدي على فرسه ، وكان قد امتار لأهله من الكوفة ميرة. فخرج بهم
على غير الطريق ، حتّى إذا قاربوا الحسين عليهالسلام حدا بهم الطرماح يقول :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٣)
يا ناقتي لا
تذعري من زجري
|
|
وشمّري قبل طلوع
الفجر
|
بخير فتيان وخير
سفر
|
|
آل رسول الله
أهل الفخر
|
السادة البيض
الوجوه الغرّ
|
|
الطاعنين
بالرماح السّمر
|
الضاربين
بالصفاح البتر
|
|
حتّى تحليّ
بكريم النّجر
|
الماجد الحر
الرحيب الصدر
|
|
أتى به الله
لخير أمر
|
عمّره الله بقاء
الدهر
|
|
وزاده من طيّبات
الذكر
|
يا مالك النفع
معا والضرّ
|
|
أيّد حسينا سيدي
بالنصر
|
على الطغاة من
بقايا الكفر
|
|
على اللعينين
سليلي صخر
|
يزيد لا زال
حليف الخمر
|
|
وابن زياد
العاهر ابن العهر
|
فقال لهم الحسين عليهالسلام : أخبروني خبر الناس وراءكم. فقال له مجمع بن عبد الله
العائذي وهو أحد الأربعة : أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم ، وملئت غرائرهم
[الغرائر : جمع غرارة ، وهي الكيس من الشعر أو الصوف] يستمال ودّهم ، ويستخلص به
نصيحتهم ، فهم إلب واحد [أي جماعة] عليك. وأما سائر الناس بعد ، فإنّ أفئدتهم تهوي
إليك ، وسيوفهم غدا مشهورة عليك. قال : أخبروني فهل
__________________
لكم برسولي إليكم؟.
قالوا : من هو؟. قال : قيس بن مسهر الصيداوي. فقالوا : نعم ، أخذه الحصين بن نمير
، فبعث به إلى ابن زياد فقتله. فترقرقت عينا الحسين عليهالسلام ولم يملك دمعه. ثم قال : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى
نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (٢٣) [الأحزاب :
٢٣]. الله م اجعل لنا ولهم الجنة نزلا ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ،
ورغائب مذخور ثوابك ، يا أرحم الراحمين.
٦٩١ ـ نصيحة
الطرماح ودعوته للحسين عليهالسلام إلى قومه من طيء :
(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٧٧)
وقال الطرمّاح بن
عدي : والله (لا) أرى معك كثير أحد ، ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك
لكان كفى بهم. ولقد رأيت قبل خروجي من الكوفة بيوم ظهر الكوفة ، وفيه من الناس ما
لم تر عيناي ـ جمعا في صعيد واحد ـ أكثر منه قط ، ليسيروا إليك. فأنشدك الله إن
قدرت على أن لا تقدم إليهم شبرا فافعل. فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به ،
حتّى ترى رأيك ويستبين لك ما أنت صانع ، فسر حتّى أنزلك جبلنا (أجأ) فهو والله جبل امتنعنا به من ملوك غسان وحمير والنعمان بن
المنذر ، ومن الأحمر والأبيض. والله ما إن دخل علينا ذل قط ، فأسير معك حتّى أنزلك
القرية. ثم تبعث إلى الرجال ممن ب (أجا) وسلمى من طيّئ ، فوالله لا يأتي عليك عشرة
أيام حتّى تأتيك طيء رجالا وركبانا. ثم أقم فينا ما بدا لك. فإن هاجك هيج فأنا
زعيم لك بعشرين ألف طائي ، يضربون بين يديك بأسيافهم ، فوالله لا يوصل إليك أبدا
وفيهم عين تطرف.
فجزاه الحسين عليهالسلام وقومه خيرا ، وقال : إن بيننا وبين القوم عهدا وميثاقا ،
ولسنا نقدر على الانصراف حتّى تتصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة.
فاستأذن الطرمّاح
وحده بأن يوصل الميرة إلى أهله ، ويعجّل المجيء لنصرته ، فأذن له ، وصحبه الباقون.
فأوصل الطرماح
الميرة إلى أهله ورجع سريعا ، فلما بلغ (عذيب الهجانات) بلغه خبر قتل الحسين عليهالسلام ، فرجع إلى أهله .
__________________
(أقول) : هذا
معارض لبعض الروايات التي تقول : إن الطرماح كان مع الحسين عليهالسلام في كربلاء. وبعضها يذكر أنه جرح وسقط عن فرسه وبه رمق ،
فأخذه قومه وداووه وبرئ. بينما يذكر بعضها أنه استشهد مع الحسين عليهالسلام.
«قصر بني مقاتل»
٦٩٢ ـ محاورة
الحسين عليهالسلام مع عبيد الله بن الحر الجعفي في (قصر بني مقاتل) ودعوته
إلى نصرته فأبى :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٧ ؛ ومقتل المقرّم ، ص ٢٢٤)
ثم سار الحسين عليهالسلام حتّى نزل (قصر بني مقاتل) ، فإذا بفسطاط مضروب ورمح مركوز وسيف معلق وفرس واقف على مذود [أي معتلف]. فقال
الحسين عليهالسلام : لمن هذا الفسطاط؟. فقيل : لرجل يقال له عبيد الله بن
الحر الجعفي.
وحكى في (القمقام)
أن عبيد الله بن الحر كان عثمانيا ، وكان يعدّ من الشجعان ومن فرسان العرب ، وكان
في وقعة صفين في جيش معاوية. ولما قتل أمير المؤمنين عليهالسلام انتقل إلى الكوفة وكان بها. حتّى إذا بلغه قدوم الحسين عليهالسلام إلى الكوفة خرج منها لئلا يحضر قتله».
فأرسل إليه الحسين
عليهالسلام برجل من أصحابه يقال له : الحجاج بن مسروق الجعفي. فأقبل
حتّى دخل عليه في فسطاطه ، فسلّم عليه ، فردّ عليه عبيد الله السلام. ثم قال له :
ما وراءك؟. قال : ورائي والله يابن الحر الخير. إن الله تعالى قد أهدى إليك كرامة
عظيمة إن قبلتها. فقال عبيد الله : وما ذاك؟. قال الحجاج : هذا الحسين ابن علي عليهماالسلام يدعوك إلى نصرته ، فإن قاتلت بين يديه أجرت ، وإن قتلت
استشهدت. فقال عبيد الله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله يا حجّاج ما خرجت من
الكوفة إلا مخافة أن يدخلها الحسين عليهالسلام وأنا فيها لا أنصره. فإنه ليس له فيها
__________________
شيعة ولا أنصار
إلا مالوا إلى الدنيا وزخرفها ، إلا من عصم الله منهم. فرجع إليه وأخبره بذلك.
فقام الحسين عليهالسلام فانتعل ، ثم صار إليه في جماعة من أهل بيته وإخوانه ، فدخل
عليه الفسطاط ، فوسّع له عن صدر المجلس.
يقول ابن الحر :
ما رأيت أحدا قطّ أحسن من الحسين ولا أملأ للعين منه ، ولا رققت على أحد قط رقّتي
عليه ، حين رأيته يمشي والصبيان حوله. ونظرت إلى لحيته فرأيتها كأنها جناح غراب ،
فقلت له : أسواد أم خضاب؟. قال : يابن الحر عجّل عليّ الشيب. فعرفت أنه خضاب .
ولما استقرّ
المجلس بالحسين عليهالسلام حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد يابن الحر ، فإن
أهل مصركم هذا كتبوا إليّ وأخبروني أنهم مجتمعون عليّ أن ينصروني وأن يقوموا من
دوني ، وأن يقاتلوا عدوي. وسألوني القدوم عليهم ، فقدمت ولست أرى الأمر على ما
زعموا ، لأنهم قد أعانوا على قتل مسلم بن عقيل ابن عمي وشيعته ، وأجمعوا على ابن
مرجانة عبيد الله بن زياد ، مبايعين ليزيد بن معاوية.
يابن الحر إن الله
تعالى مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية ، وإني أدعوك إلى توبة
تغسل ما عليك من الذنوب. أدعوك إلى نصرتنا أهل البيت ، فإن أعطينا حقنا حمدنا الله
تبارك وتعالى على ذلك وقبلناه ، وإن منعنا حقنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على
طلب الحق. فقال له عبيد الله : يابن رسول الله لو كان بالكوفة لك شيعة وأنصار
يقاتلون معك لكنت أنا من أشدهم على عدوك ، ولكن يابن رسول الله رأيت شيعتك بالكوفة
قد لزموا منازلهم خوفا من سيوف بني أمية ، فأنشدك الله يابن رسول الله أن تطلب مني
غير هذه المنزلة ، وأنا أواسيك بما أقدر عليه. خذ إليك فرسي هذه (الملحقة) فوالله
ما طلبت عليها شيئا قط إلا وقد لحقته ، ولا طلبت قط وأنا عليها فأدركت. وخذ سيفي
هذا فوالله ما ضربت به شيئا إلا أذقته حياض الموت. فأعرض عنه الحسين عليهالسلام بوجهه ، ثم قال : يابن الحر إنا لم نأتك لفرسك وسيفك ،
إنما أتيناك نسألك النصرة ، فإن كنت بخلت علينا في
__________________
نفسك فلا حاجة لنا
في شيء من مالك ، ولم أكن بالذي أتّخذ المضلّين عضدا .(وفي اللواعج ص ٩٩ : ثم تلا قوله تعالى : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ
عَضُداً) (٥١) [الكهف : ٥١].
ولكن فرّ فلا لنا ولا علينا ، لأني قد سمعت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «من سمع بواعية أهل بيتي ، ثم لم ينصرهم على حقهم ،
أكبّه الله على وجهه في نار جهنم». ثم قام الحسين عليهالسلام من عنده وصار إلى رحله.
ـ تعليق السيد
مرتضى العسكري :
(مرآة العقول للمجلسي ـ مقدمة الكتاب لمرتضى العسكري ، ج ٢ ص ٢١٥)
قال السيد مرتضى
العسكري : لعل الباحث يجد تناقضا بين موقف الإمام عليهالسلام ممن تجمّع عليه في منزل (زبالة) يفرّقهم من حوله ، وبين
موقف الإمام هنا مع ابن الحر ، وقبله مع زهير بن القين ، حيث كان يدعو الناس فرادى
وجماعات إلى نصرته. ولكن من تدبّر في خطب الحسين عليهالسلام وكلامه مع الناس ، أدرك أن الإمام عليهالسلام كان يبحث عن أنصار حقيقيين ينضمون تحت لوائه ، ويبايعونه
على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستنكار بيعة أئمة الضلالة ، أمثال يزيد. أنصارا
واعين لأهداف قيامه ، يقاومون الإغراء بالدنيا ، يصارعون الحكم الغاشم حتّى يقتلوا
في سبيل ذلك.
ترجمة عبيد الله بن الحر الجعفي
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٢٣)
في تاريخ الطبري ،
ج ٧ ص ١٦٨ : كان عبيد الله بن الحر عثماني العقيدة ، ولأجله خرج إلى معاوية ،
وحارب عليا يوم صفين. وفي ص ١٦٩ ذكر أحاديث في تمرده على الشريعة بنهبه الأموال
وقطعه الطرق. وذكر ابن الأثير في تاريخه ، ج ٤ ص ١١٢ : أنه لما أبطأ على زوجته في
إقامته بالشام زوّجها
__________________
أخوها من عكرمة بن
الخبيص ، ولما بلغه الخبر جاء وخاصم عكرمة إلى الإمام (علي بن أبي طالب). فقال له
: ظاهرت علينا عدونا!. قال ابن الحر : أيمنعني عدلك من ذلك؟. فقال عليهالسلام : لا. ثم أخذ أمير المؤمنين المرأة وكانت حبلى ، فوضعها
عند ثقة حتّى وضعت ، فألحق الولد بعكرمة ، ودفع المرأة إلى عبيد الله ابن الحر ،
فعاد إلى الشام إلى أن قتل الإمام علي عليهالسلام.
وفي أيام عبد
الملك سنة ٦٨ ه قتل عبيد الله بالقرب من الأنبار.
ويذكر ابن حبيب في
(المحبّر) ص ٤٩٢ : أن مصعب بن الزبير نصب رأس عبيد الله بن الحر الجعفي بالكوفة.
وجاء في (مجالس
المؤمنين) : أن أول من زار حائر الحسين عليهالسلام بعد مقتله هو عبيد الله بن الحر الجعفي. وقف على القبر
الشريف واستعبر باكيا على ما فاته من القيام بالشهادة ، وفوزه بمراتب السعادة ،
بين يدي سيّد السادة.
وفي (العيون
العبرى) للسيد إبراهيم الميانجي ، ص ٧٥ :
ولعبيد الله هذا
أشعار رائقة تخبر عن ندامته على قعوده عن نصرة الحسين عليهالسلام. ويظهر من (مقتل الخوارزمي) أنه أنشدها على قبر الحسين عليهالسلام ، فضجّ من معه بالبكاء والعويل والنحيب ، وأقاموا عند
القبر يومهم ذلك وليلتهم يصلّون ويبكون ويتضرعون ، منها :
فيا لك حسرة ما
دمت حيا
|
|
تردّد بين صدري
والتراقي
|
حسين حين يطلب
نصر مثلي
|
|
على أهل الضلالة
والنفاق
|
غداة يقول لي
بالقصر قولا
|
|
أتتركني وتزمع
بالفراق
|
ولو أني أواسيه
بنفسي
|
|
لنلت كرامة يوم
التّلاق
|
مع ابن المصطفى
نفسي فداه
|
|
تولى ، ثم ودّع
بانطلاق
|
فلو فلق التلهّف
قلب حيّ
|
|
لهمّ اليوم قلبي
بانفلاق
|
فقد فاز الألى
نصروا حسينا
|
|
وخاب الآخرون
ذوو النفاق
|
٦٩٣ ـ اغتنموا
الفرص فإنها تمرّ مرّ السحاب :
(سيد الشهداء للسيد مصطفى الاعتماد ، ص ٦٣)
لقد صدق الإمام
أمير المؤمنين علي عليهالسلام حيث قال :
«اغتنموا الفرص ،
فإنها تمرّ مرّ السحاب».
وأية فرصة مواتية
كهذه الفرصة التي سنحت لعبيد الله بن الحر الجعفي ، حيث جاءه الحسين عليهالسلام يتخطى الأرض بقدميه ، وهو يدعوه إلى النجاة والتشرف بمثل
هذا المصرع العظيم الّذي تتمناه الملايين من البشر ، فيعرض عنها ، ويندم بعده بما
يشاء الندم ، فلم ينفع الظالمين الندم ، بعد تفويتهم الفرصة ، مكابرة وعنادا ، أو
تجهّلا وغباء (يَوْمَ لا يَنْفَعُ
الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (٥٢) [غافر : ٥٢].
٦٩٤ ـ شخصان
يعتذران عن نصرة الحسين عليهالسلام :
(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٢٦ ط ٣ نجف)
وفي هذا الموضع
اجتمع بالحسين عليهالسلام عمرو بن قيس المشرقي وابن عمه ، فقال لهما الحسين عليهالسلام : جئتما لنصرتي؟. قالا له : إنا كثيرو العيال ، وفي أيدينا
بضائع للناس ، ولم ندر ماذا يكون ، ونكره أن نضيّع الأمانة.
فقال لهما عليهالسلام : انطلقا فلا تسمعا لي واعية ، ولا تريا لي سوادا ، فإنه
من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا ، فلم يجبنا أو يغثنا ، كان حقا على الله عزوجل أن يكبّه على منخريه في النار .
٦٩٥ ـ محاورة
الحسين عليهالسلام مع ابنه علي الأكبر عليهالسلام وقد رأى رؤيا أثناء رحيله من قصر بني مقاتل :
(لواعج الأشجان ، ص ٨٧)
فلما كان آخر
الليل أمر الحسين عليهالسلام فتيانه فاستقوا من الماء ، ثم أمر بالرحيل. ثم ارتحل من (قصر
بني مقاتل) ليلا.
__________________
قال عقبة بن سمعان
: فسرنا معه ساعة ، فخفق وهو على ظهر فرسه خفقة [الخفقة : النومة اليسيرة] ثم انتبه ، وهو يقول : إنا لله
وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين. وكرر ذلك مرتين أو ثلاثا.
فأقبل إليه ابنه
علي بن الحسين عليهماالسلام فقال : يا أبة جعلت فداك ، ممّ حمدت واسترجعت؟. قال : يا
بني إني خفقت برأسي خفقة ، فعنّ لي فارس على فرس ، وهو يقول : القوم يسيرون
والمنايا تسير إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا.
فقال له علي
الأكبر عليهالسلام : يا أبة لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحق؟!. قال : بلى
والذي إليه مرجع العباد. قال : إذن لا نبالي أن نموت محقّين. فقال له الحسين عليهالسلام : جزاك الله من ولد ، خير ما جزى ولدا عن والده.
[قرى طف كربلاء]
«نينوى»
٦٩٦ ـ الحسين عليهالسلام يتياسر حتّى يصل إلى نينوى :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٨٨)
فلما أصبح الحسين عليهالسلام نزل فصلى الغداة ، ثم عجّل الركوب. فأخذ يتياسر بأصحابه
يريد أن يفرّ بهم ، فيأتيه الحرّ فيردّه وأصحابه. فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردا
شديدا يتياسرون كذلك ، حتّى انتهوا إلى (نينوى).
٦٩٧ ـ كتاب ابن
زياد إلى الحر بالتضييق على الحسين عليهالسلام :
(المصدر السابق)
فإذا براكب على
نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا ، مقبل من الكوفة ، وهو مالك بن النّسر الكندي ،
فوقفوا جميعا ينتظرونه. فلما انتهى إليهم سلّم على الحر وأصحابه ، ولم يسلّم على
الحسين عليهالسلام وأصحابه. ودفع إلى الحر كتابا من ابن
__________________
زياد ، فإذا فيه :
أما بعد ، فجعجع بالحسين [أي ضيّق عليه واحبسه] حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي
، ولا تنزله إلا بالعراء ، في غير حصن ولا ماء. (وفي مثير ابن نما : لأنه عات ظلوم).
وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتّى تأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام.
٦٩٨ ـ الحر يمنع
الحسين عليهالسلام من نزول (نينوى) أو (الغاضرية) أو (شفية)
:
(المصدر السابق)
فعرض لهم الحر
وأصحابه ومنعوهم من المسير ، وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان ، على غير ماء ولا
قرية.
فقال الحسين عليهالسلام : ويلك ما دهاك ، ألست قد أمرتنا أن نأخذ على غير الطريق ،
فأخذنا وقبلنا مشورتك؟. فقال الحر : صدقت يابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكن هذا كتاب الأمير عبيد الله قد وصل يأمرني فيه
بالتضييق عليك.
فقال له الحسين عليهالسلام : دعنا ويحك ننزل هذه القرية (يعني : نينوى) أو هذه (يعني
: الغاضرية) أو هذه (يعني : شفية). فقال : لا أستطيع ، هذا رجل قد بعث عليّ عينا.
٦٩٩ ـ من كلام له عليهالسلام وقد دعاه زهير بن القين إلى مبادءة أصحاب الحر بالقتال بعد
أن منعوه من نزول نينوى :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٤)
فقال للحسين عليهالسلام رجل من أصحابه يقال له زهير بن القين البجلي :
يابن رسول الله
ذرنا نقاتل هؤلاء القوم ، فإن قتالنا إياهم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا
معهم بعد هذا فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به. فقال له الحسينعليهالسلام: صدقت يا زهير ، ولكن ما كنت لأبدأهم بالقتال حتّى
يبدؤوني.
__________________
فقال له زهير : فسر
بنا حتّى ننزل كربلاء فإنها على شاطئ الفرات ، فنكون هناك ، فإن قاتلونا
قاتلناهم واستعنا بالله عليهم. فدمعت عينا الحسين عليهالسلام حين ذكر (كربلاء) وقال : الله م إني أعوذ بك من الكرب
والبلاء.
(وفي مقتل المقرم
، ص ٢٢٨) : قال زهير بن القين : يابن رسول الله إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال
من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا ما لا قبل لنا به. فقال الحسينعليهالسلام : ما كنت لأبدأهم بقتال. ثم قال زهير : ههنا قرية بالقرب
منا على شط الفرات ، وهي في عاقول حصينة ، والفرات يحدق بها إلا من وجه واحد. قال الحسينعليهالسلام : ما اسمها؟. فقال : تسمى العقر . فقال عليهالسلام : نعوذ بالله من العقر. والتفت الحسين إلى الحر وقال : سر
بنا قليلا ثم ننزل. فساروا جميعا حتّى إذا أتوا أرض كربلاء وقف الحر وأصحابه أمام
الحسين عليهالسلام ومنعوهم عن المسير ، وقالوا : إن هذا المكان قريب من
الفرات.
ويقال : بينا هم
يسيرون إذ وقف جواد الحسين عليهالسلام ولم يتحرك ، كما أوقف الله ناقة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عند الحديبية. فعندها سأل الحسين عن الأرض؟ فقال له زهير :
سر راشدا ولا تسأل عن شيء حتّى يأذن الله بالفرج. إن هذه الأرض تسمى الطف . فقال عليهالسلام : فهل لها اسم غيره؟. قال : تعرف كربلاء. فدمعت عيناه وقال
: الله م أعوذ بك من الكرب والبلاء ، ههنا محطّ ركابنا ومسفك دمائنا
__________________
ومحل قبورنا. (وفي
لواعج الأشجان ، ص ١٠٣ : ههنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا)
بهذا حدّثني جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم .
٧٠٠ ـ تعريف ببعض
قرى طف كربلاء :
ينقسم نهر الفرات
عند وصوله إلى منطقة كربلاء إلى فرعين :
ـ الأول : فرع
شرقي ، يشكل شط الحلة أو (سورا).
ـ الثاني : فرع
غربي ، يشكل نهر العلقمي ، وهو يمرّ قريبا من كربلاء في الشمال ، ثم يمرّ من
الكوفة في الجنوب ، وكان لذلك يسمى : شط الكوفة ، ويسمى اليوم شط (الهندية).
ويقع على نهر
العلقمي في الشمال تجمّع قرى طف كربلاء (انظر الشكل ١١ التالي) مثل : نينوى
والغاضرية وشفية والعقر.
ـ فأما (نينوى) :
فتقع شرق كربلاء على الضفة الشرقية لنهر نينوى ، الّذي يتفرع عن الفرات الأصلي.
وقال شيخنا المظفر
: كانت نينوى قرية مسكونة ، وأراد الحسين عليهالسلام النزول بها ، فمنعه الحر.
وفي (مجلة المقتبس
، ج ١٠ سنة ١٣٣٠ ه) : كانت نينوى من قرى الطف الزاهرة بالعلوم ، وصادف عمرانها
زمن الإمام الصادق عليهالسلام. وفي أوائل القرن الثالث لم يبق لها خبر.
ومنطقة نينوى تمتد
من أراضي السليمانية اليوم إلى سور بلدة كربلاء. ولا بأس أن ننوه بأن نينوى هذه هي
غير (نينوى) التي في شمال العراق ، الواقعة على الضفة الشرقية لنهر دجلة في محاذاة
الموصل.
ـ وأما (الغاضرية)
أو الغاضريات : نسبة إلى غاضرة ، وهي امرأة من بني عامر ، وهم بطن من أسد ، كانوا
يسكنون هذه الأرض. وتقع اليوم شمالي
(الهيابي) التي
فيها مصانع الآجر. وتبعد شمالا عن بلدة كربلاء كيلومترا تقريبا ، وهي تمتد من (لجنقة)
فما دونها إلى بلدة كربلاء.
ـ وأما (شفية) :
فهي بئر لبني أسد.
ـ وأما (العقر) :
فقد كانت بها منازل بخت نصّر.
__________________

(الشكل ١١) : خارطة
كربلاء يوم ورود الحسين (ع) إليها
مأخوذة من كتاب (بغية
النبلاء في تاريخ كربلاء للسيد عبد الحسين الكليدار)

(الشكل ١٢) مصور
الحائر الحسيني والمخيّم والقبر الشريف
٧٠١ ـ جواد الحسين
عليهالسلام يتوقف عن المسير في كربلاء :
(المنتخب لفخر الدين الطريحي ، ص ٤٣٩ ط ٢)
فسار الحسين عليهالسلام والحر ، حتّى انتهوا إلى أرض كربلاء ، إذ وقف الجواد الّذي
تحت الحسين عليهالسلام ولم ينبعث من تحته ، وكلما حثّه على المسير لم ينبعث خطوة
واحدة. فقال الإمام عليهالسلام : يا قوم ما يقال لهذه الأرض؟. فقالوا : نينوى. فقال : هل
لها اسم غير هذا؟. قالوا : نعم ، تسمى (كربلاء). فعند ذلك تنفّس الصعداء ، فقال :
هذه والله كرب وبلاء. ههنا والله ترمّل النسوان ، وتذبّح الأطفال ، وههنا والله
تهتك الحريم. فانزلوا بنا يا كرام. فههنا محل قبورنا ، وههنا والله محشرنا ومنشرنا
، وبهذا أوعدني جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا خلف لوعده.
٧٠٢ ـ ما اسم هذه
الأرض؟ :
(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٧)
ذكر الدميري في (حياة
الحيوان) أن الحسين عليهالسلام لما وصل إلى كربلاء سأل عن اسم المكان؟. فقالوا له :
كربلاء ، فقال : كرب وبلاء. لقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين ، وأنا
معه. فوقف ، وسأل عن هذا المكان؟. وقال : ههنا محطّ ركابهم ، وههنا مهراق دمائهم.
فسئل عن ذلك؟. فقال : نفر من آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم يقتلون ههنا .. ثم أمر بأثقاله فحطّت في ذلك المكان.
٧٠٣ ـ سؤال الحسين
عليهالسلام عن اسم كربلاء ، وخبر القارورة :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٩ ط ٢ نجف)
ثم قال الحسين عليهالسلام : ما يقال لهذه الأرض؟. فقالوا : كربلا ، ويقال لها أرض
نينوى ، قرية بها. فبكى ، وقال : كرب وبلاء. أخبرتني أم سلمة قالت : كان جبرئيل
عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنت معي ، فبكيت ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : دعي ابني ، فتركتك. فأخذك ووضعك في حجره. فقال جبرئيل :
أتحبه؟. قال : نعم. قال : فإن أمتك ستقتله!. قال : وإن شئت أن أريك تربة أرضه التي
يقتل فيها؟. قال : نعم. قالت : فبسط جبرئيل جناحيه على أرض كربلاء فأراه إياها.
فلما قيل للحسين عليهالسلام : هذه أرض كربلاء ، شمّها وقال : هذه والله هي الأرض التي
أخبر بها جبرئيل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنني أقتل فيها. (وفي رواية) : فقبض منها قبضة فشمّها.
٧٠٤ ـ أول نزول
الحسين عليهالسلام كربلاء :
(الفاجعة العظمى للسيد عبد الحسين الموسوي الحائري ، ص ١١٧)
قال في (روضة
الشهداء) : فلما سمع الحسين عليهالسلام باسم [كربلاء] نزل عن الفرس. فلما وطئ الأرض بأقدامه
الشريفة تغيّر لون التراب وصار كلون الزعفران ، وسطع منه غبار علا وجهه ولحيته
بحيث اغبرّ رأسه ولحيته الشريفة. فنظرت أم كلثوم عليهاالسلام إليه ، قالت : واعجباه من هذه البيداء ، ما أشدّ وأعظم
هولها ، أرى منها هولا عظيما. فسلّاها الحسين عليهالسلام.
٧٠٥ ـ الحسين عليهالسلام ينعى نفسه : (المصدر السابق)
وفي بعض كتب
التواريخ : أن الحسين عليهالسلام أخذ من تراب كربلاء وشمّها ، وقال : ههنا والله تخضب لحيتي
بدمي. ههنا والله تقطّع أوداجي ، ويعزّى جدي وأبي وأمي من ملائكة السماء. هذه
والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل عليهالسلام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأني أقتل فيها.
٧٠٦ ـ نزول كربلاء
:
(في سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٣٠٨) : فعدل الحسين عليهالسلام
إلى كربلاء ،
وأسند ظهره إلى [قصميا] ، (وفي تذكرة الخواص لسبط
ابن الجوزي ، ص
٢٥٧ : إلى [قصب]) حتّى لا يقاتل إلا من وجه واحد. وكان معه خمسة وأربعون فارسا ،
ونحو من مئة راجل.
٧٠٧ ـ هل جزاء
الإحسان إلا الإحسان؟ :
(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج ٢ ، ص ٥)
قال : فلقيه الجيش
على خيولهم بوادي السباع ، فلقوهم وليس معهم ماء. فقالوا : يابن بنت رسول الله ،
اسقنا. قال : فأخرج لكل فارس صحفة من ماء ، فسقاهم بقدر ما يمسك برمقهم. ثم قالوا
: سر يابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما زالوا يرجونه ، وأخذوا به على الجرف ، حتّى نزلوا
بكربلاء.
فقال الحسين عليهالسلام : أي أرض هذه؟. قالوا : كربلاء. قال : هذا كرب وبلاء. قال
: فنزلوا وبينهم وبين الماء ربوة ، فأراد الحسين عليهالسلام وأصحابه الماء ، فحالوا بينهم وبينه!. فقال له شهر بن حوشب
: لا تشربوا منه حتّى تشربوا من الحميم!.
الباب الخامس
في كربلاء
الفصل ١٨ ـ كربلاء
ونزول كربلاء
ـ اليوم الثالث من
المحرّم : لقاء عمر بن سعد
ـ اليوم السادس من
المحرم : تجهيز الجيوش
ـ اليوم السابع من
المحرم : الحصار ومنع الماء
الفصل ١٩ ـ اليوم
التاسع من المحرّم : خطبة امتحان الأصحاب
ـ ليلة العاشر من
المحرم : صلاة ودعاء
الفصل ٢٠ ـ يوم
عاشوراء : خطبة الحسين عليهالسلام الأولى والثانية
ـ فهارس الجزء
الأول من الموسوعة
الفصل الثامن عشر
في كربلاء
|
(الخميس ٢ محرم سنة ٦١ ه)
|
وكان نزول الحسين عليهالسلام في كربلاء يوم الخميس الثاني من شهر المحرّم سنة ٦١ هجرية.
وقد قطع في مسيرته ستة عشر منزلا ، مكث في بعضها يوما أو يومين أو ثلاثة أيام ،
وكان مجموع سفره ٢٤ يوما.
* تعريف بالباب
الخامس :
يشمل هذا الباب
إقامة الحسين عليهالسلام في كربلاء من اليوم الثاني من المحرم وحتى اليوم العاشر
منه ، حين وضع عمر بن سعد السهم في كبد قوسه ، وقال : اشهدوا لي عند الأمير أنني
أول من رمى. فينتهي بذلك الجزء الأول من الموسوعة ، ليبدأ الجزء الثاني مع بداية
القتال يوم عاشوراء.
وسوف يتمّ تقسيم
هذا الباب إلى فصول متميزة حسب التوقيت الزمني للأيام التسعة التي قضاها الحسين عليهالسلام في كربلاء .. ففي اليوم الثاني قام عليهالسلام بنصب الخيام وترتيبها. وفي اليوم الثالث التقى مع طلائع
جيش عمر بن سعد الذين جاؤوا لقتاله. وفي اليوم السادس وردت عليه الجيوش إلى كربلاء
حتّى تكاملت ثلاثين ألفا. وفي اليوم السابع جاء الأمر من ابن زياد بمنع الماء عن
الحسين عليهالسلام ، فنزل عمرو بن الحجاج واستحل مشرعة الفرات ، وبدأ الحصار
على الحسين عليهالسلام. وفي الأثناء كانت المفاوضات تتمّ بين الحسين عليهالسلام وعمر بن سعد دون جدوى. وفي اليوم التاسع من المحرم بدأ زحف
الجيش الأموي نحو مخيّم الحسينعليهالسلام ، فطلب منهم الحسين عليهالسلام بواسطة أخيه العباس الإمهال إلى اليوم التالي ليقضوا آخر
ليلة من حياتهم بالصلاة والدعاء. ثم يشمل الفصل الأخير حوادث اليوم العاشر من
المحرم ، من الصباح وحتى بدء القتال بعد صلاة الظهر .. وسوف نبدأ هذا الباب بإعطاء
لمحة عن نهر الفرات ، ثم عن كربلاء : تاريخها وجغرافيتها وفضلها.
«نهر الفرات»
٧٠٨ ـ مجرى نهر
الفرات :
ينبع نهر الفرات
من تركيا ، ثم يمرّ بسورية حيث يرفده البليخ عند الرقة ، والخابور عند البصيرة. ثم
يدخل الأراضي العراقية عند (البوكمال) فيمرّ بعانة وهيت والرمادي [انظر المصور] ثم
الفلوجة والمسيّب ، حيث ينقسم إلى فرعين.

(الشكل ١٣) : مجرى
نهر الفرات ودجلة
يقول الأستاذ طه
الهاشمي في كتابه (مفصّل جغرافية العراق) ص ١٤٧ : وفي جنوب قرية المسيّب الواقعة
على الضفة اليسرى ، ينقسم نهر الفرات إلى فرعين : الفرع الغربي ويسمى بشط الهندية
، والفرع الشرقي ويسمى بشط الحلة.
وفى شمال (السماوة)
قليلا يجتمع الفرعان معا [انظر الشكل ١٣ و ١٤].
وعندما قلّت
المياه في شط الحلة ، شيّدوا سدة الهندية لتوزيع المياه بشكل متساو على الفرعين.
وهو يقع جنوب المسيب وعلى بعد ٥ أميال ، حيث يفترق الفرعان.
وقد كان شط
الهندية يدعى قديما (شط الكوفة) لأنه يمرّ من الكوفة. وقد سماه بعض المؤرخين العرب
: نهر العلقمي أيضا.
وبعد اجتماع
الفرعين ، يلتقي نهر الفرات بنهر دجلة في شط العرب الّذي يصب في الخليج العربي [طول
نهر الفرات الكلي ٢٧٣٦ كم].
يقول المسعودي في (التنبيه
والإشراف) : ثم ينقسم الفرات إلى جهتين : قسم منهما يتوجه يسيرا نحو المغرب يسمى (العلقمي)
يمرّ بالكوفة وغيرها ، والقسم الآخر يسمى (سورا) يمرّ بمدينة سورا ، ويسقي كثيرا
من أعمال السواد.
ولا بأس أن ننوه
بأن مجاري الأنهار القديمة تختلف كثيرا عن مجاريها الحالية ، بفعل العوامل
الطبيعية ، فكم من أنهار قد انتقلت من مكانها إلى مكان آخر ، وكم من شاطئ كان بحرا
في الماضي ثم أصبح اليوم أرضا يابسة ، كما حصل لمصب شط العرب في الخليج ، فقد كانت
البصرة في الماضي ميناء على البحر ، واليوم تبعد عنه عدة كيلومترات.
وأغلب الظن أن
مجرى نهر الفرات الّذي كانت الكوفة عليه ، قد ابتعد باستمرار باتجاه الشرق حتّى
أصبح على ما هو عليه اليوم.
٧٠٩ ـ نهر العلقمي
: (نهضة الحسين لهبة الدين الشهرستاني ، ص ٩٠)
يقول السيد هبة
الدين : وأما نهر الفرات ، فكان عموده الكبير ينحدر من أعاليه يسقي القرى إلى
ضواحي الكوفة. وكذلك ينشق من عمود النهر من شمالي المسيب نهر كفرع منه ، يسيل على
بطاح ووهاد شمال شرقي كربلاء ، حتّى ينتهي إلى قرب مثوى سيدنا العباس عليهالسلام ثم إلى نواحي الهندية ، ثم ينحدر فيقترن بعمود الفرات في
شمال غربي قرية ذي الكفل ، ويسمى حتّى اليوم (العلقمي).
وفي (مدينة الحسين)
لمحمد حسن مصطفى آل كليدار ، ج ٢ ص ٤ ، يقول :
سمي فرع الفرات
القريب من كربلاء (بالعلقمي) لأحد سببين :
١ ـ ذهب فريق من
المؤرخين إلى الاعتقاد بأن القسم المحاذي من هذا النهر لطف كربلاء قد كلّف بحفره
رجل من بني علقمة ، بطن من تميم ، جدهم علقمة بن زرارة بن عدس ، فسمي النهر (بالعلقمي).

(الشكل ١٤) : مصور
نهر دجلة والفرات ، والمواقع الهامة عليهما
٢ ـ والفريق
الثاني من المؤرخين قالوا : سمي النهر بالعلقمي لكثرة شجر العلقم (الحنظل) حول
حافتي النهر. ذكر ذلك النويري في كتابه (بلوغ الأرب في فنون الأدب).
ونهر العلقمي هو
الّذي ملكه عمرو بن الحجاج بأمر من ابن زياد ، فبعث خمسمائة من خيله فاستحلوه ،
ومنعوا الحسين عليهالسلام من الوصول إليه منذ اليوم السابع. وقد حاول العباس عليهالسلام الاستسقاء منه أكثر من مرة ، وفي المرة الأخيرة استشهد وهو
راجع منه ، يحمل القربة إلى الأطفال الظمأى والنساء العطشى. وكان على ضفة النهر
بعض النخيل.
وقد صاغ بعض
الشعراء أبياتا فيها تورية بين (العلقمي) والعلقم ، مؤداها أن نهر العلقمي ليته
كان علقما إذ لم يشرب منه العباس عليهالسلام حين ذهب للاستسقاء
، فقتل قرب النهر دون أن يشرب ، يقول :
وهوى بجنب
العلقميّ فليته
|
|
للشاربين به
يداف العلقم
|
وفي حين نقل
الحسين عليهالسلام كل المستشهدين إلى مكان واحد قريبا من المخيم ، فإن العباس
هو الوحيد الّذي ترك في مكانه ، ودفن في مكان استشهاده الّذي يبعد ٣٥٠ مترا شرق
مرقد الحسين عليهالسلام وقريبا من النهر.
ملفّ كربلاء
٧١٠ ـ مدينة
كربلاء :
(أضواء على معالم محافظة كربلاء لمحمد النويني ، ص ٢٥)
تقع مدينة كربلاء
في الجنوب الغربي من بغداد ، على بعد ١٠٥ كم ، وتقع شمال غرب الكوفة على بعد ٧٢
كم. وهي تقع في بقعة يحيط بها النخيل الوارف ، تحفّها بساتين الفاكهة. وفيها مرقد
مولانا الحسين عليهالسلام وأخيه العباس عليهالسلام بمنائرهما وقبابهما الذهبية.
والملاحظ أن
كربلاء بعيدة قليلا عن ماء الفرات (نهر العلقمي). ويسمى المكان الّذي نزل فيه
الحسين عليهالسلام يوم الثاني من المحرم وخيّم فيه هو وأصحابه (بالمخيّم)
ويقع جنوب غرب مرقد الحسين عليهالسلام. ويسمى الجزء من نهر العلقمي القريب من المرقد (المسنّاة)
وهو الّذي حاول العباس عليهالسلام الاستسقاء منه وقتل قريبا منه ، حيث قبره الآن (انظر الشكل
١٢).

ويخترق اليوم مدينة
كربلاء طولا فرع من نهر الحسينية لتأمين الشرب ، وهو يتفرع عن الفرات بالقرب من
سدّ الهندية.
ويبلغ تعداد مدينة
كربلاء حوالي مائة ألف نسمة ، وهي أصغر من النجف حيث قبر أمير المؤمنين عليهالسلام.
ولم تكن كربلاء في
العهد القديم قبل الفتح الاسلامي بلدة تستحق الذكر ، بل كانت قرية بسيطة عليها
مزارع وضياع الدهّاقين الفرس.
٧١١ ـ حال كربلاء
قبل الإسلام : (الأرض والتربة الحسينية ، ص ٣٧)
يصف أحدهم مزايا
هذه الأرض الطبيعية وما كان لها من المكانة والحرمة عند الأمم القديمة قبل الإسلام
بقوله : وإن أسمى تلك البقاع وأنقاها تربة ، وأطيبها طينة ، وأزكاها نفحة ، هي
تربة كربلاء ، تلك التربة الحمراء الزكية ، وكانت قبل الإسلام قد اتخذت نواويس
ومعابد ومدافن للأمم الغابرة ، كما يشير به كلام الإمام الحسين عليهالسلام في خطبته حيث يقول : «كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات
بين (النواويس) وكربلاء».
٧١٢ ـ مكانة
كربلاء بعد الاسلام :
مدينة كربلاء
المقدسة من أهم مدن العراق ، تمتاز بقدسيتها وبتاريخها الحافل بالأمور العظام
والحوادث الجسام.
فقد أخبرتنا
الأسفار التاريخية عن معارك خطيرة دارت رحاها في ربوع هذه المحافظة ، منها معركة
القادسية بين العرب والفرس سنة ١٤ ه ، التي انتصر فيها المسلمون على أعظم
امبراطورية فارسية ، بقيادة سعد بن أبي وقاص في خلافة عمر ابن الخطاب. والقادسية
تبعد عن الكوفة جنوبا بمقدار مرحلة [أي حوالي ٤٥ كم].
ثم كانت معركة
كربلاء سنة ٦١ ه ، التي كانت أكبر معركة تصحيحية في صدر الإسلام. فزادت قدسية
كربلاء منذ أن حلّ فيها ثاني السبطين وريحانة رسول الله الحسينعليهالسلام.
٧١٣ ـ اشتقاق اسم
كربلاء :
تعددت الآراء حول
أصل تسمية (كربلاء) نذكر منها ستة آراء :
١ ـ فالكربلة :
رخاوة في القدمين ، يقال : جاء يمشي مكربلا. فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع
رخوة ، فسميت كربلاء.
٢ ـ ويقال كربلت
الحنطة : إذا هذّبتها ونقّيتها. فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقّاة من الحصى
والدّغل ، فسميت بذلك.
٣ ـ الكربل : اسم
ورد أحمر ، قد نبت في هذه الأرض ، فسميت الأرض باسم كربلاء.
٤ ـ وقيل : إن
اسمها مأخوذ من كرب وبلاء ، لأنها من أول ما خلقت هذه الأرض كانت محلا للبلاء
والهول والاضطراب .. حتّى أن كل من كان يمرّ بها كانت تحدث له أشياء عجيبة ، ويشعر
بالغم والهم حتّى يخرج منها.
وتذكر الروايات أن
أكثر الأنبياء مرّوا بها ، منهم آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إضافة لآخرين مثل الإمام علي عليهالسلام وسلمان وغيرهما.
٥ ـ إن (كربلاء)
لها جذر ديني قديم ، وهي مركبة من كلمتين : (كرب) بمعنى حرم ، و (ابلا) بمعنى
الإله ، أي أنها (حرم الإله) ، وهو لفظ آشوري ، مما يدل على أنه كان هناك فيها حرم
إله يعبد.
ويذكر السيد
إبراهيم الزنجاني في (وسيلة الدارين) ص ٧٣ أن أصل الكلمة معبد ، فيقول : يرجع
تاريخ كربلاء إلى عهد البابليين ، وقد كانت معبدا لسكان بلدين هما : نينوى ، وعقر
بابل ، بابل الكلدانيين الواقعين بالقرب منها. واسم كربلاء مؤلف من كلمتين : (رب)
بمعنى مصلّى أو معبد أو حرم ، و (إيلا) بمعنى الله ، باللغة الآرامية ، أي (حرم
الله).
٦ ـ (أقول) : وحين
التقيت بالأخ الدكتور سهل البدري في طهران ذكر لي معنى جديدا عن كربلاء قال :
بنتيجة تحقيقاتي عن كربلاء ، وجدت أنها في اللغة السامرية والبابلية تعني (الرجل
القربان) ، وفي اللغات الأكادية والعبرية والآشورية والآرامية تعني (قربان الله).
٧ ـ أنها مشتقة من
(كور بابل) أي مجموعة قرى بابلية.
يقول السيد عبد
الرزاق الحسني في (موجز تاريخ البلدان العراقية) ص ٥٤ : رأى بعضهم أن التوصل إلى
معرفة كربلاء وتاريخها القديم قبل الإسلام قد يأتي عن طريق معرفة اشتقاق هذه
الكلمة ، فاحتمل أن تكون لفظة (كربلاء) منحوتة من كلمة (كور بابل) العربية ، بمعنى
مجموعة قرى بابلية كثيرة ، منها :
ـ نينوى : القريبة
من أراضي سد الهندية.
ـ الغاضرية :
المشهورة اليوم بأراضي الحسينية.
ـ كربلة : وهي
القريبة اليوم من مدينة كربلاء جنوبا وشرقا.
ـ كربلاء (أو عقر
بابل) : وهي قرية في الشمال الغربي من الغاضرية وبأطلالها أثريات مهمة.
ـ النواويس : التي
كانت مقبرة عامة قبل الفتح الاسلامي.
ـ الحير (أو
الحائر) : وهو اليوم موضع قبر الحسين عليهالسلام إلى حدود الصحن الشريف.
وغير ذلك من القرى
الكثيرة (راجع نهضة الحسين للشهرستاني ، ص ٦٦).
مناقشة وردّ
اشتباه :
يقول السيد محمّد
حسن آل كليدار في كتابه (مدينة الحسين) ص ١٢ :
كور بابل ليست أصل
كربلا : لما فتح الساسانيون العراق على عهد شابور ذي الأكتاف ، قسّموا العراق إلى
إستانات [ولايات] ، وكل إستانة إلى طسج [قضاء] ، وقسّموا هذه الطساسيج إلى رساتيق [نواحي]
، فأصبحت الأراضي الواقعة بين عين التمر والفرات طسجا ، وهي ستة طساسيج من إستانة (بهقباد)
، ومنها طسج بابل ، وطسج النهرين (الّذي تنتمي إليه مدينة كربلاء).
ولما فتح المسلمون
العراق في عهد عمر بن الخطاب عام ١٤ ه بقيادة سعد ابن أبي وقاص ، أصبح اسم الطّسج
السابق : كور بابل.
وقد أخطأ بعض
المؤرخين في ترجمة الاسم الأصلي لكربلاء ، والتبس الأمر عليهم فظنوا أنه محرّف من
كور بابل ، والصحيح أنه من كرب إيلا ، أي حرم الإله.
٧١٤ ـ أسماء
كربلاء :
لكربلاء أسماء
متعددة قديمة. بعضها مختص بها ، ويختلف باختلاف المساحة المقصودة من المدينة أو
الحرم. وقد يكون بعض تلك الألفاظ هو أسماء ، وبعضها الآخر أوصاف لها. وبعضها يطلق
على قرى وأماكن قريبة منها وواقعة في منطقتها.
فمن أسمائها :
نينوى والغاضرية والنواويس والعقر والطف ومشهد الحسين عليهالسلام والحائر والحير وشاطئ الفرات وعموراء وصفورا ومارية.
إلا أن أهم هذه
الأسماء هو (الحائر) لما أحيط بهذا الاسم من الحرمة والتقديس ، أو أنيط به من
أعمال وأحكام في الفقه والعبادات.
وإليك تعريف سريع
ببعض المواقع الهامة في منطقة كربلاء :
٧١٥ ـ الطّف :
الطفّ في اللغة له
عدة معان :
١ ـ ما أشرف من
أرض العرب على ريف العراق. قال أبو سعيد : سمي الطف لأنه مشرف على العراق ، من
أطفّ على الشيء ، بمعنى : أطلّ.
٢ ـ الطف : طف
الفرات ، أي الشاطئ.
٣ ـ الطف : أرض من
ضاحية الكوفة في طريق البرية ، فيها كان مقتل الحسين عليهالسلام. وهي أرض بادية قريبة من الريف ، فيها عدة عيون ماء جارية
، منها : الصيد ، والقطقطانة ، والرّهيمة ، وعين جمل وذواتها. وهي عيون كانت
للموكلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الّذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم.
٧١٦ ـ بابل :
(الفهرست : معجم الخريطة التاريخية للممالك الإسلامية لأمين واصف بك ، ص ١٩)
بابل مدينة من
أقدم وأكبر مدن العالم القديم ، على الجانب الأيسر من نهر الفرات. بناها
الكلدانيون ، وهي مدينة النمرود. اشتهرت في الأزمان الغابرة بالثروة والحضارة.
وفيها مات الاسكندر المكدوني سنة ٣٢٣ ق. م وحملت جثته إلى الاسكندرية.
قال المفسرون في
قوله تعالى : (وَما أُنْزِلَ عَلَى
الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ) [البقرة : ١٠٢] هي بابل العراق ، التي اتخذها البابليون
عاصمة لهم.
قال : فأما الملوك
الأوائل ، أعني ملوك النبط وفرعون وإبراهيم ، فإنهم كانوا نزلا ببابل ، وكذلك بخت
نصّر ، الّذي يزعم أهل السير أنه ممن ملك الأرض بأسرها ، انصرف بعد ما أحدث ببني
إسرائيل ما أحدث ، انصرف إلى بابل فسكنها.
قال أبو المنذر
هشام بن محمّد الكلبي : إن مدينة بابل كانت اثني عشر فرسخا في مثل ذلك. وكان بابها
مما يلي الكوفة. وكان الفرات يجري ببابل حتّى صرفه بخت نصّر إلى موضعه الآن ،
مخافة أن يهدم عليه سور المدينة ، لأنه كان يجري معه.
قال : ومدينة بابل
بناها (بيوراسب) الجبار ، واشتق اسمها من اسم المشتري ، لأن (بابل) باللسان
البابلي الأول اسم المشتري. ولما استتم بناؤها جمع إليها كل من قدر عليه من
العلماء ، وبنى لهم اثني عشر قطرا ، على عدد البروج ، وسماها بأسمائهم. فلم تزل
عامرة حتّى كان الاسكندر ، وهو الّذي خرّبها.
وبابل اليوم هي
اسم ناحية ، منها الكوفة والحلة. وأما المدينة فهي خراب لا يوجد غير أطلالها ،
التي تقع شمال الحلة على مسافة ٣ أميال (٦ كم). وهي الآن بعيدة عن ضفة شط الحلة
اليمنى ، وكان الشط يمرّ بها في العهد القديم ، قبل تحويله.
وفي كتاب (أضواء
على معالم محافظة كربلاء) لمحمد النويني ، ج ١ ص ٢٤ : تقع بابل على مقربة من شط
الفرات الشرقي ، وقد كانت عاصمة للدولة البابلية.
وفي بابل جرت أكبر
موقعة بين سعد بن أبي وقاص وجيوش الفرس سنة ١٦ ه حين فتح المدائن. ويقال إن فيها
ألقى النمرود سيدنا إبراهيم الخليل عليهالسلام في النار ، فكانت عليه بردا وسلاما.
ـ كور بابل : (المصدر
السابق)
أما كور بابل فيضم
مجموعة القرى التالية ، التي تقع على فرع الفرات المسمى بنهر العلقمي [انظر الشكل
١٢] ، بعضها على شرقه كالعقر والغاضرية ، وبعضها على غربه وهي شفية. أما نينوى
فتقع قرب شط الفرات الأصلي على شط فرعه المسمى نهر نينوى.
٧١٧ ـ العقر :
قال الخليل : سمعت
أعرابيا من أهل الصمّان يقول : كل فرجة تكون بين شيئين فهي: عقر وعقر لغتان.
والعقر : عدة
مواضع ، منها عقر بابل ، قرب كربلاء. وقد روي أن الحسين عليهالسلام لما انتهى إلى كربلاء ، وأحاطت به خيل عبيد الله بن زياد ،
قال : ما اسم تلك القرية؟. وأشار إلى العقر. فقيل له : اسمها العقر ، فقال : نعوذ
بالله من العقر!. فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها؟. قالوا : كربلاء!. قال : أرض
كرب وبلاء. وأراد الخروج منها فمنع ـ كما هو مذكور في مقتله ـ حتّى كان منه ما
كان.
٧١٨ ـ الغاضرية :
قرية منسوبة إلى
بني غاضرة من بني أسد ، الذين قد اشترى منهم الحسين عليهالسلام أرض كربلاء ، وهي الأرض المنبسطة التي كانت مزرعة لبني أسد
، شمالي الهيابي ، وتعرف بأراضي الحسينية. وقد نزلها بنو أسد بعد اختطاط الكوفة
ونزول القبائل المضرية واليمانية.
٧١٩ ـ النواويس : (أضواء
على معالم محافظة كربلاء ، ص ٢٥)
كانت النواويس
مقبرة عامة للنصارى قبل الفتح الاسلامي ، وتقع في أراضي الحسينية قرب نينوى ، وهي
الأطلال الكائنة في شمال غربي كربلاء التي تعرف بكربلاء القديمة ، يستخرج منها بعض
الحباب الخزفية التي كان البابليون يدفنون موتاهم فيها.
وقد ذكرها الإمام
الحسين عليهالسلام في خطبته المشهورة عند ما عزم على المسير إلى الكوفة ،
فقال : «كأني بأوصالي [هذه] تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء».
٧٢٠ ـ الحائر :
وهي الأراضي
المنخفضة من كربلاء التي تضمّ قبر الحسين عليهالسلام إلى رواق بقعته الشريفة. وقد حار الماء حولها على عهد
المتوكل العباسي ، أي دار حول القبر دون أن يمسه ، وذلك عندما حاول المتوكل الغاشم
حرث القبر الشريف ، وسلّط عليه الماء ليعفّي أثره.
وسوف يأتي بحث
مستفيض حول (الحائر) و (الحرم) عند الكلام عن مرقد الحسين عليهالسلام في كربلاء ، في أواخر الجزء الثاني من الموسوعة.
٧٢١ ـ المدائن : (الفهرست
: معجم الخريطة التاريخية ، ص ٩٥)
المدائن (أو مدائن
كسرى) : هي قاعدة مملكة الفرس لعهد الفتح الاسلامي ، وتدعى عند اليونان (طيسفون).
تقع على الشاطئ الأيسر من نهر دجلة ، وأطلالها اليوم على بعد ٢٦ كم جنوب بغداد.
وفيها آثار إيوان كسرى أنوشروان (طاق كسرى) الّذي وصفه البحتري في قصيدته السينية
المشهورة. ومنذ أن دفن فيها الصحابي الجليل سلمان الفارسي أصبحت القرية تسمى (سلمان
باك) : أي سلمان الطاهر.
يقول اليعقوبي في
كتابه (البلدان) ص ١٠٦ :
من أراد من بغداد
إلى المدائن وما والاها مما على حافتي دجلة من المدن والطساسيج ، خرج من بغداد
فسلك أي الجانبين الشرقي من دجلة أو الغربي في قرى عظام فيها ديار الفرس ، حتّى
يصير إلى المدائن ، وهي على سبعة فراسخ من بغداد. والمدائن دار ملوك الفرس ، وكان
أول من نزلها أنوشروان ، وهي عدة مدن في جانبي دجلة ، منها اسبانير في الجانب
الشرقي ، وفيها إيوان كسرى العظيم الّذي ليس للفرس مثله ، ارتفاع سمكه ثمانون
ذراعا. وفي هذه المدينة كان ينزل سلمان الفارسي.
نزول كربلاء
٧٢٢ ـ ما قاله
الحسين عليهالسلام أول نزوله كربلاء ، وفيه يذكر ما حلّ به :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٦)
وكان نزول الحسين عليهالسلام في (كربلاء) في الثاني من المحرم سنة ٦١ ه. فجمع ولده
وإخوته وأهل بيته ، فنظر إليهم وبكى ، ثم قال : الله م إنا عترة نبيك محمّد صلواتك
عليه ، قد أزعجنا وأخرجنا وطردنا عن حرم جدنا ، وتعدّت بنو أمية علينا.
الله م فخذ لنا
بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين .
٧٢٣ ـ من خطبة له عليهالسلام في أصحابه ، وفيها يذكر مصرعه :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٧)
ثم خطب عليهالسلام في أصحابه ، فقال :
أما بعد ، فإن
الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معايشهم ، فإذا
محّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون .
ثم قال لهم : أهذه
كربلاء؟. قالوا له : نعم. فقال : هذه موضع كرب وبلاء. ههنا مناخ ركابنا ، ومحطّ
رحالنا ، ومسفك دمائنا.
__________________
موقف الإنسان من الدين
والدنيا :
(سيد الشهداء للسيد مصطفى الاعتماد ، ص ٦٨)
قال الإمام الحسين
عليهالسلام : الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه
ما درّت معايشهم ، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون ...
هذه الجمل الذهبية
التي فاه بها الإمام الحسين عليهالسلام كحقيقة أبدية تعبّر أصدق تعبير ، عن تعلّقات النفس البشرية
، وتطوراتها الفجائية ، على أثر المطامع والأغراض الدنيوية الرخيصة. فارتكاز الناس
أبدا على الحياة الدنيا ، أما الدين فليس لديهم بحيث يستحق أيما اهتمام إذا تعارض
مع الدنيا. أما إذا كان الدين إلى جانب لا يمسّ مصالحهم بسوء فهو حق يعترف به ،
ولكن لو تراءى شبح البلايا ، فانهم يتسللون لواذا من تحت راية الحق والحقيقة ، بلا
هوادة أو تحاش.
٧٢٤ ـ تخييم
الحسين عليهالسلام في كربلاء مع أهله وأصحابه :
(الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ١٤٦)
لما نزل أصحاب
الحسين عليهالسلام في كربلاء ، ضربوا أخبيتهم امتثالا لأمره ، فضربوا خيامهم
قبالة الشمال الشرقي أبوابها. وأول خيمة نصبوها خيمة الحسين عليهالسلام العظمى حيث هي محل مجتمعهم وناديهم ، ثم ضربوا أخبية
عيالات الحسين عليهالسلام غربي الخيمة العظمى على مسافة خمسين ذراعا ، وحجبوها
بالزقاقات والأستار المزركشة بالأبريسم ، ثم خيّم أهل بيته خلف الخيمة العظمى ، أي
قبلها متصلة بخيم الهاشميات ، ثم نصب الأنصار خيامهم شرقي خيم الهاشميين ، فكانت
الخيم كلها كنصف دائرة محيطة بخيمة الحسين العظمى. ومن وراء الخيم مرابط الخيول
ومعاطن الإبل (أي مرابضها).
٧٢٥ ـ ما قاله
الحسين عليهالسلام وهو يصلح سيفه بعد أن خيّم في كربلاء ، وحديثه مع زينب عليهاالسلام بعد أن نعى نفسه :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٧)
قال الخوارزمي :
فنزل القوم وحطّوا الأثقال ناحية من الفرات. وضربت خيمة الحسين عليهالسلام لأهله وبنيه وبناته ، وضربت خيم إخوته وبني عمه حول خيمته.
وجلس الحسين عليهالسلام في خيمته يصلح سيفه ومعه جون مولى أبي ذرّ الغفاري ، فجعل
يصلحه ويقول :

(الشكل ١٦):
رسم تمثيلي لتوزيع
خيام الحسين عليهالسلام
في كربلاء
يا دهر أفّ لك
من خليل
|
|
كم لك بالإشراق
والأصيل
|
من صاحب وطالب
قتيل
|
|
والدهر لا يقنع
بالبديل
|
وكلّ حي سالك
سبيلي
|
|
ما أقرب الوعد
من الرحيل
|
وإنما الأمر إلى
الجليل
|
|
سبحانه جلّ عن
المثيل
|
قال زين العابدين
علي بن الحسين عليهالسلام : وجعل أبي يردد هذه الأبيات فحفظتها منه ، وخنقتني العبرة
ولزمت السكوت حسب طاقتي. فأما عمتي زينب فلما سمعت بذلك استعبرت وبكت ، وكانت
ضعيفة القلب ، فبان عليها الحزن والجزع ، فأقبلت تجرّ أذيالها إلى الحسين عليهالسلام وقالت : يا أخي ويا قرّة عيني ، ليت الموت أعدمني الحياة.
يا خليفة الماضين وثمال الباقين . فنظر إليها الحسين عليهالسلام وقال : يا أختاه لا يذهبنّ بحلمك الشيطان [وفي رواية :
تعزّي بعزاء الله] فإن أهل
__________________
السماء يموتون
وأهل الأرض لا يبقون ، وكل شيء هالك إلا وجهه ، له الحكم وإليه ترجعون. فأين أبي
وجدي اللذان هما خير مني ، فلي بهما ولكل مؤمن أسوة حسنة.
وعزّاها ، ثم قال
لها : بحقي عليك يا أختاه ، إذا أنا قتلت فلا تشقّي عليّ جيبا ولا تخمشي عليّ وجها
. ثم ردّها إلى خدرها.
(وروي) أنه لما
سمعت ذلك أخته زينب أو أم كلثوم جاءت إلى الحسين عليهالسلام وقالت: يا أخي هذا كلام من أيقن بالموت ، قال : نعم يا
أختاه. قالت : إذن فردّنا إلى حرم جدنا. فقال : يا أختاه لو ترك القطا (ليلا)
لنام. فقالت : واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة ، مات جدي رسول الله ومات أبي علي
وماتت أمي فاطمة ومات أخي الحسن ، وبقي ثمال أهل البيت ، واليوم ينعى إليّ نفسه.
وبكت ، فبكت النسوة ولطمن الخدود وشققن الجيوب ، وجعلت أخته تنادي : وا محمداه وا
أبا القاسماه ، اليوم مات جدي محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم. وا أبتاه وا علياه ، اليوم مات أبي علي. وا أماه وا
فاطماه ، اليوم ماتت أمي فاطمة. وا أخاه وا حسناه ، اليوم مات أبي علي. وا أماه وا
فاطماه ، اليوم ماتت أمي فاطمة. وا أخاه وا حسناه ، اليوم مات أخي الحسن. وا أخاه
وا حسيناه ، وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله. فعزّاها الحسين وصبّرها ، وقال : يا
أختاه تعزّي بعزاء الله ، وارضي بقضاء الله ، فإن أهل السماء يفوتون ، وأهل الأرض
يموتون ، وجميع البرية لا يبقون ، وكل شيء هالك إلا وجهه ، فتبارك الله الّذي إليه
جميع الخلق يرجعون ، فهو الّذي خلق الخلق بقدرته ، ويفنيهم بمشيئته ، ويبعثهم
بإرادته. يا أختاه كان جدي وأبي وأمي وأخي خيرا مني وأفضل ، وقد ذاقوا الموت
وضمّهم التراب ، وإن لي ولك ولكل مؤمن برسول الله أسوة حسنة.
ثم قال عليهالسلام : يا زينب ويا أم كلثوم ويا فاطمة ويا رباب ، أنظرن إذا
أنا قتلت فلا تشققن عليّ جيبا ، ولا تخمشن عليّ وجها ، ولا تقلن فيّ هجرا.
(وفي تاريخ
اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤٣) عن زين العابدين عليهالسلام أن الحسين عليهالسلام قال هذه الأبيات عشية اليوم التاسع من المحرم.
قال علي بن الحسين
عليهالسلام : إني لجالس في العشية التي قتل أبي الحسين بن عليعليهماالسلام في صبيحتها ، وعندي عمتي زينب تمرّضني ، إذ دخل أبي وهو
يقول : [يا دهر أفّ لك من خليل] ... إلى آخر الأبيات المتقدمة.
__________________
يقول زين العابدين
عليهالسلام : ففهمت ما قال ، وعرفت ما أراد ، وخنقتني العبرة فرددتها
، وعلمت أن البلاء قد نزل بنا.
وأما عمتي زينب عليهاالسلام فإنها لما سمعت ما سمعت ، وهي امرأة ـ ومن شأن النساء
الرقة والجزع ـ لم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها حاسرة ، حتّى انتهت إليه ، وهي
تقول :
واثكلاه!. ليت
الموت أعدمني الحياة. اليوم ماتت أمي فاطمة ، وأبي علي ، وأخي الحسن عليهمالسلام. يا خليفة الماضي وثمال الباقي.
فنظر إليها الحسين
عليهالسلام ، ثم قال : يا أخيّة لا يذهبنّ حلمك الشيطان ، فإن الموت
نازل لا محالة. فقالت : بأبي وأمي أتستقتل ، نفسي لك الفدا؟. فردّت عليه غصته ،
وترقرقت عيناه بالدموع ، ثم قال : لو ترك القطا ليلا لنام!. فقالت زينب عليهاالسلام : يا ويلتاه ، أفتغصب نفسك اغتصابا؟ فذلك أقرح لقلبي وأشدّ
على نفسي. ثم لطمت وجهها ، وأهوت إلى جيبها فشقّته ، وخرّت مغشيا عليها.
فقام إليها الحسين
عليهالسلام فصبّ على وجهها الماء حتّى أفاقت ، وقال لها : يا أخيّة ،
اتّقي الله وتعزّي بعزاء الله ، فإن سكان السموات يفنون ، وأهل الأرض كلهم يموتون
، وجميع البرية يهلكون.
ثم قال لها : يا
أختاه ، إني أقسمت عليك فأبرّي قسمي ؛ لا تشقّي عليّ جيبا ، ولا تخمشي عليّ وجها ،
ولا تدعي عليّ بالويل والثبور ، إذا أنا هلكت.
(أقول) : ومما
يرجح أن تكون هذه الحادثة حدثت في هذا الموقف وليس ليلة العاشر من المحرم ، أن
الحسين عليهالسلام لا يصبّ على وجه زينب الماء في تلك الليلة ، وهو لا يملك
منه قطرة لشرب الأطفال والعيال.
ـ تعليق على قوله عليهالسلام : يا دهر أفّ لك من خليل :
(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٧٦)
يقول الفاضل
الدربندي : إن قصد الحسين عليهالسلام من الدهر هنا ، ليس الزمان وإنما الدنيا ، أو إن قصده من
الدهر أهل الدهر ؛ وغرضه من قوله هو توبيخ أهل الدنيا الذين يغترون بها. وهذا مثل
قول الإمام علي عليهالسلام : «يا دنيا غرّي غيري». لأن الدهر بمعنى الزمان هو من خلق
الله ، ولا يجوز سبّه ، مصداقا لما ورد في بعض الآثار : «لا تسبّوا الدهر ، فإن
الدهر هو الله». أي هو من مخلوقات الله.
٧٢٦ ـ من خطبة
للحسين عليهالسلام في أصحابه ، وفيها يصف حال الدنيا :
(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٣٢)
ثم حمد الله وأثنى
عليه وصلى على محمّد وآله ، وقال :
أما بعد ، فقد نزل
بنا من الأمر ما قد ترون. وإن الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها ، ولم يبق
منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون إلى
الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقّا ،
فإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما .
[الأجوبة]
٧٢٧ ـ جواب زهير
بن القين البجلي مؤثرا النهوض مع الحسين عليهالسلام :
(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٣٣)
فقام زهير بن
القين ، وقال : سمعنا يابن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا
فيها مخلّدين ، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها.
٧٢٨ ـ جواب برير
بن خضير الهمداني فاديا نفسه للحسين عليهالسلام :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٦)
وقال للحسين رجل
من أصحابه يقال له برير بن خضير الهمداني : يابن رسول الله لقد منّ الله تعالى
علينا بك أن نقاتل بين يديك ، وتقطّع فيك أعضاؤنا ، ثم يكون جدك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شفيعنا يوم القيامة فلا أفلح قوم ضيّعوا
__________________
ابن بنت نبيهم ،
أفّ لهم غدا ما يلاقون ، سينادون بالويل والثبور في نار جهنم وهم فيها خالدون.
٧٢٩ ـ جواب نافع
بن هلال الجملي فاديا نفسه للحسين عليهالسلام ومواسيا له :
(المصدر السابق)
وقال للحسين عليهالسلام رجل آخر من شيعته يقال له نافع بن هلال الجملي (وفي رواية
الخوارزمي : هلال بن نافع) : يابن رسول الله أنت تعلم أن جدك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لم يقدر أن يشرب الناس محبته ، ولا أن يرجعوا إلى ما كان
أحب ، فكان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل
، ويخلفونه بأمرّ من الحنظل ، حتّى قبضه الله تبارك وتعالى إليه. وإن أباك عليا
صلوات الله عليه قد كان في مثل ذلك ، فقوم قد أجمعوا على نصرته وقاتلوا معه
الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقوم قعدوا عنه وخذلوه ، حتّى مضى إلى رحمة الله
ورضوانه وروحه وريحانه. وأنت اليوم يابن رسول الله على مثل تلك الحالة ، فمن نكث
عهده وخلع بيعته فلن يضرّ إلا نفسه ، والله تبارك وتعالى مغن عنه. فسر بنا يابن
رسول الله راشدا معافى ، مشرّقا إن شئت أو مغرّبا ، فوالذي لا إله إلا هو ما
أشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربنا ، وإنا على نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي من
والاك ونعادي من عاداك .
٧٣٠ ـ كتاب الحر
إلى ابن زياد :
(الوثائق الرسمية لعبد الكريم القزويني ، ص ٩٩)
ولما استقرّ
المكان بالحسين عليهالسلام وركبه الثائر ، كتب الحر بن يزيد التميمي قائد الكتيبة
الأولى إلى عبيد الله بن زياد يخبره بقدوم الحسين عليهالسلام ونزوله كربلاء.
__________________
٧٣١ ـ كتاب عبيد
الله بن زياد للحسين عليهالسلام يخبره فيه بكتاب يزيد له بقتله أو يبايع :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٩)
ولما وصل كتاب
الحر إلى عبيد الله بن زياد ، كتب ابن زياد للحسين عليهالسلام : أما بعد يا حسين ، فقد بلغني نزولك كربلاء ، وقد كتب
إليّ أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير ، ولا أشبع من الخمير ، حتّى ألحقك
باللطيف الخبير ، أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد. فلما ورد كتابه وقرأه الحسين عليهالسلام رمى به من يده ، وقال : لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق
بسخط الخالق. فقال له الرسول : جواب الكتاب؟. فقال له : لا جواب له عندي ، لأنه قد
حقّت عليه كلمة العذاب .
فغضب ابن زياد ،
وانتدب عمر بن سعد لقتال الحسين عليهالسلام.
اليوم الثالث من المحرّم
٧٣٢ ـ ندب عمر بن
سعد لقتال الحسين عليهالسلام والخيار الصعب :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٩)
ثم جمع عبيد الله
بن زياد أصحابه ، فقال : أيها الناس ، من منكم يتولّى قتال الحسين بولايته أيّ بلد
شاء؟. فلم يجبه أحد!.
فالتفت إلى عمر بن
سعد بن أبي وقاص ، وكان ابن زياد قبل ذلك بأيام قد عقد له وولاه (الرّي وتستر)
وأمره بحرب الديلم ، وأعطاه عهده. وأخّره من أجل شغله بأمر الحسينعليهالسلام.
وفي (تذكرة الخواص)
لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ ط ٢ نجف :
وقال ابن زياد
لعمر بن سعد : اكفني هذا الرجل ، وكان عمر يكره قتاله. فقال : اعفني!. فقال : لا
أعفيك. وكان ابن زياد قد ولّى عمر بن سعد (الرّي وخوزستان). فقال : قاتله وإلا
عزلتك ، فقال : أمهلني الليلة ، فأمهله. ففكر ، فاختار ولاية الري على قتل الحسين عليهالسلام. فلما أصبح غدا عليه ، فقال : أنا أقاتله!.
__________________
(أقول) : والذي
حدث أن عمر حارب الحسين عليهالسلام وقتله ، ولكنه لم يعطه ابن زياد الولاية التي كان وعده بها
، فخسر الدنيا والآخرة.
وفي (كامل ابن
الأثير) ج ٣ ص ٣٧٩ :
وكتب عهده على
الري ، فعسكر بالناس في (حمام أعين). فلما كان من أمر الحسين عليهالسلام ما كان ، دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال له : سر إلى الحسين
عليهالسلام.
٧٣٣ ـ عمر بن سعد
يستشير أصحابه :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٩)
قال الخوارزمي :
فقال عمر بن سعد : فأمهلني أيها الأمير اليوم ، حتّى أنظر في أمري. قال : فقد
أمهلتك.
فانصرف عمر بن سعد
، وجعل يستشير إخوانه ومن يثق به ، فلا يشير عليه أحد بذلك ، غير أنه يقول له :
اتّق الله ولا تفعل.
وأقبل إليه حمزة
بن المغيرة بن شعبة وهو ابن أخته ، فقال : أنشدك الله يا خال ، أن تسير إلى قتال
الحسين عليهالسلام ، فإنك تأثم بذلك وتقطع رحمك ، فوالله لأن خرجت من مالك
ودنياك وسلطان الأرض كلها ، خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين بن فاطمة عليهالسلام. فسكت عمر ، وفي قلبه من (الرّي) ما فيه.
وبات ليلته قلقا
مضطربا ، لأن نفسه في صراع بين الدنيا وقتل الحسين عليهالسلام. وسمع يقول :
دعاني عبيد الله
من دون قومه
|
|
إلى خطةّ فيها
خرجت لحيني
|
فوالله ما أدري
وإني لحائر
|
|
أفكّر في أمري
على خطرين
|
أأترك ملك الرّي
والريّ منيتي
|
|
أم ارجع مذموما
بقتل حسين
|
وفي قتله النار
التي ليس دونها
|
|
حجاب ، وملك
الريّ قرّة عيني
|
(وفي مقتل أبي مخنف ، ص ٥١) وأجابه
هاتف يقول :
ألا أيها النغل
الّذي خاب سعيه
|
|
وراح من الدنيا
ببخسة عين
|
ستصلى جحيما ليس
يطفى لهيبها
|
|
وسعيك من دون
الرجال بشين
|
إذا أنت قاتلت
الحسين بن فاطم
|
|
وأنت تراه أشرف
الثّقلين
|
فلا تحسبنّ
الريّ يا أخسر الورى
|
|
تفوز به من بعد
قتل حسين
|
ولما أصبح ذهب إلى
عبيد الله بن زياد.
ـ نصيحة الصديق
كامل : (المنتخب للطريحي ، ص ٢٨٠)
وكان عند عمر بن
سعد رجل من أهل الخير يقال له (كامل) ، وكان صديقا لأبيه من قبله. فقال له : يا
عمر ، مالي أراك بهيئة وحركة ، فما الّذي أنت عازم عليه؟. وكان كامل كاسمه ذا رأي
وعقل ودين كامل. فقال له ابن سعد : إني قد وليت أمر هذا الجيش في حرب الحسين عليهالسلام ، وإنما قتله عندي وأهل بيته كأكلة آكل وكشربة ماء ، وإذا
أنا قتلته خرجت إلى ملك الريّ. فقال له كامل : أفّ لك يا عمر بن سعد ، تريد أن
تقتل الحسين ابن بنت رسول الله؟!. أفّ لك ولدينك يا عمر ، أسفهت الحق وضللت الهدى؟!.
أما تعلم إلى حرب من تخرج ، ولمن تقاتل؟. إنا لله وإنا إليه راجعون. والله لو
أعطيت الدنيا وما فيها على قتل رجل واحد من أمة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم لما فعلت. فكيف تريد قتل الحسين ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟. وما الّذي تقول غدا لرسول الله إذا وردت عليه وقد قتلت
ولده وقرة عينه وثمرة فؤاده ، وابن سيدة نساء العالمين وابن سيد الوصيين ، وهو سيد
شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين. وإنه في زماننا هذا بمنزلة جده في زمانه ، وطاعته
فرض علينا كطاعته. وإنه باب الجنة والنار ، فاختر لنفسك ما أنت مختار. وإني أشهد
بالله أن من حاربه أو قتله أو أعان عليه أو على قتله ، لا يلبث في الدنيا بعده إلا
قليلا. فقال له عمر بن سعد : فبالموت تخوّفني ، وإني إذا فرغت من قتله أكون أميرا
على سبعين ألف فارس ، وأتولى ملك الري. فقال له كامل : إني أحدثك بحديث صحيح أرجو
لك فيه النجاة إن وفّقت لقبوله. اعلم أني سافرت مع أبيك سعد إلى الشام ، فانقطعت
بي مطيّتي عن أصحابي وتهت وعطشت ، فلاح لي دير راهب ، فملت إليه ونزلت عن فرسي ،
وأتيت إلى باب الدير لأشرب ماء. فأشرف عليّ راهب من ذلك الدير وقال : ما تريد؟.
فقلت له : إني عطشان. فقال لي : أنت من أمة هذا النبي ، الّذي يقتل بعضهم بعضا على
حب الدنيا مكالبة ، ويتنافسون فيها على حطامها؟. فقلت له : أنا من الأمة المرحومة
، أمة محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال : إنكم أشرّ أمّة ، فالويل لكم يوم القيامة ، وقد
عدوتم إلى عترة نبيكم ، تسبون نساءه وتنهبون أمواله!. فقلت : لا يا راهب ، نحن
نفعل ذلك؟!. قال : نعم. وإنكم إذا فعلتم ذلك عجّت السموات والأرضون والبحار
والجبال والبراري والقفار والوحوش والأطيار باللعنة على قاتله ، ثم لا يلبث قاتله
في الدنيا إلا قليلا. ثم يظهر رجل يطلب بثأره ، فلا يدع أحدا شرك في دمه إلا قتله
، وعجّل الله بروحه إلى النار. ثم قال الراهب : إني لا أرى لك قرابة
من قاتل هذا ابن
الطيّب. والله إني لو أدركت أيامه لوقيته في نفسي من حرّ السيوف. فقلت : يا راهب
إني أعيذ نفسي أن أكون ممن يقاتل ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال : إن لم تكن أنت فرجل قريب منك. وإن قاتله عليه نصف
عذاب أهل النار ، وإن عذابه أشدّ عذابا من عذاب فرعون وهامان. ثم ردّ الباب في
وجهي ، ودخل يعبد الله تعالى ، وأبى أن يسقيني الماء.
قال كامل : فركبت
فرسي ولحقت أصحابي. فقال لي أبوك سعد : ما أبطأك عنا يا كامل؟. فحدّثته بما سمعته
من الراهب. فقال لي : صدقت.
ثم إن سعدا أخبرني
أنه نزل بدير هذا الراهب مرة من قبل ، فأخبره أنه هو أبو الرجل الّذي يقتل ابن بنت
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فخاف أبوك سعد من ذلك ، وخشي أن تكون أنت قاتله ، فأبعدك
عنه وأقصاك. فاحذر يا عمر أن تخرج عليه ، فيكون عليك نصف عذاب أهل النار.
٧٣٤ ـ محاولة
تنصّل فاشلة : (المصدر السابق)
ولما أصبح عمر بن
سعد ذهب إلى عبيد الله بن زياد ، فقال له ابن زياد : ما عندك يا عمر؟. فقال : أيها
الأمير إنك قد ولّيتني هذا العمل [يقصد ولاية الريّ] وكتبت العهد ، وقد سمع الناس
به ، فإن رأيت أن تنفذه لي ، وتبعث إلى قتال الحسين غيري من أشراف أهل الكوفة ،
فإن بها مثل : أسماء بن خارجة ، وكثير بن شهاب ، ومحمد بن الأشعث ، وعبد الرحمن بن
قيس ، وشبث بن ربعي ، وحجّار ابن أبجر.
فقال له : يا عمر
، لا تعلمني بأشراف الكوفة ، فإني لا أستأمرك فيمن أريد أن أبعث ، فإن سرت إلى
الحسين ، فرّجت عنا هذه الغمة ، فأنت الحبيب القريب ، وإلا فاردد إلينا عهدنا ،
والزم منزلك ، فإنا لا نكرهك. فسكت عمر بن سعد.
٧٣٥ ـ تهديد ووعيد
: (المصدر السابق ، ص ٢٤٠)
وغضب عبيد الله بن
زياد ، فقال : والله يابن سعد ، لئن لم تسر إلى الحسين وتتولّ حربه وتقدم عليه بما
يسوء ، لأضربنّ عنقك ، ولأهدمنّ دارك ، ولأنهبنّ مالك ، ولا أبقي عليك كائنا ما
كان. فقال عمر : فإني سائر إليه غدا إنشاء الله. فجزاه عبيد الله خيرا ، وسرى عنه
غضبه ، ووصله وأعطاه.
وضمّ إليه أربعة
آلاف فارس ، وقال له : خذ بكظم الحسين وحل بينه وبين الفرات.
فسار عمر بن سعد
من غده في أربعة آلاف ، حتّى نزل كربلاء في اليوم الثالث من المحرم. وجهّز خمسمائة
فارس بقيادة عمرو بن الحجاج ، فنزلوا على شريعة الفرات.
وفي (الأخبار
الطوال) لأبي حنيفة الدينوري ص ٢٥٤ :
ثم وجهّ [ابن زياد]
: الحصين بن نمير ، وحجّار بن أبجر ، وشبث بن ربعي ، وشمر بن ذي الجوشن ، ليعاونوا
عمر بن سعد على أمره.
قالوا : وكان ابن
زياد إذا وجّه الرجل إلى قتال الحسين عليهالسلام في الجمع الكثير ، يصلون إلى كربلاء ولم يبق منهم إلا
القليل ، كانوا يكرهون قتال الحسين عليهالسلام ، فيرتدعون ويتخلفون.
٧٣٦ ـ ظهور كرامة
للإمام علي عليهالسلام بشأن من يقتل الحسين عليهالسلام :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٦ ط ٢ نجف)
قال ابن سيرين :
وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالب عليهالسلام في هذا ، فإنه لقي عمر بن سعد يوما وهو شاب ، فقال : ويحك
يابن سعد ، كيف بك إذا قمت يوما مقاما تخيّر فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار؟!.
(لقاء عمر بن سعد)
٧٣٧ ـ رسول عمر بن
سعد يسأل الحسين عليهالسلام عما جاء به إلى هذا الموضع ، وجواب الحسين عليهالسلام :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٠)
ولما جاء عمر بن
سعد كربلاء ، دعا رجلا من أصحابه يقال له : عروة بن قيس الأحمسي ، فقال له : امض
إلى الحسين وسله : ما الّذي جاء به إلى هذا الموضع؟ وما الّذي أخرجه من مكة بعدما
كان مستوطنا بها؟!. فقال عروة : أيها الأمير ، إني كنت قبل اليوم أكاتب الحسين عليهالسلام ويكاتبني ، وإني لأستحي أن أصير إليه ، فإن رأيت أن تبعث
غيري!. ثم طلب أيضا من الرؤساء أن يذهبوا إلى الحسين عليهالسلام ويسألوه عن مقدمه ، فأبوا وكرهوا لأنهم ممن كاتبوه بالتوجه
إليهم.
فبعث رجلا يقال له
قرة بن قيس الحنظلي ، فلما أشرف ورآه الحسين عليهالسلام قال : هل تعرفون هذا؟. فقال حبيب بن مظاهر الأسدي : نعم
يابن رسول الله ، هذا رجل
من بني تميم ثم من
بني حنظلة ، وكنت أعرفه حسن الرأي ، وما ظننت أن يشهد هذا المشهد. ثم تقدم الحنظلي
حتّى وقف بين يدي الحسين عليهالسلام فسلّم عليه وأبلغه رسالة عمر بن سعد.
فقال له الحسين عليهالسلام : يا هذا أبلغ صاحبك عني أني لم أرد هذا البلد ، ولكن كتب
إليّ أهل مصركم هذا أن آتيهم فيبايعوني ويمنعوني وينصروني ولا يخذلوني ، فإن
كرهوني انصرفت عنهم من حيث جئت. فقال له حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرّة عهدي بك
وأنت حسن الرأي في أهل هذا البيت ، فما الّذي غيّرك حتّى جئت بهذه الرسالة. فأقم
عندنا وانصر هذا الرجل الّذي قد أتانا الله به. فقال الحنظلي : لعمري لنصرته أحق
من نصرة غيره ، ولكن أرجع إلى صاحبي بالرسالة وأنظر في ذلك. ثم انصرف فأخبره بجواب
الحسين عليهالسلام. فقال ابن سعد : الحمد لله ، والله إني لأرجو أن يعافيني
الله من حربه وقتاله.
(وفي رواية أبي
مخنف) أن الّذي أتى إلى الحسين عليهالسلام هو رجل من خزيمة.
(قال في مقتله ص
٥٢) فقال له زهير : الق سلاحك وادخل. فقال : حبا وكرامة. ثم ألقى سلاحه ودخل عليه
فقبّل يديه ورجليه ، وقال : يا مولاي ما الّذي جاء بك إلينا وأقدمك علينا؟. فقال :
كتبكم. فقال : الذين كاتبوك هم اليوم من خواص ابن زياد. فقال له عليهالسلام : ارجع إلى صاحبك وأخبره بذلك. فقال : يا مولاي من الّذي
يختار النار على الجنة ، فوالله ما أفارقك حتّى ألقى حمامي بين يديك. فقال له
الحسين عليهالسلام : واصلك الله كما واصلتنا بنفسك. ثم أقام عند الحسين عليهالسلام حتّى قتل.
٧٣٨ ـ كتاب عمر بن
سعد إلى ابن زياد يخبره فيه بموقف الحسين عليهالسلام ، وجواب الكتاب : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤١)
ثم كتب ابن سعد
إلى عبيد الله بن زياد :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إلى الأمير عبيد الله بن زياد ، من عمر بن سعد. أما بعد
فإني نزلت بالحسين ، ثم بعثت إليه رسولا أسأله عما أقدمه إلى هذا البلد؟. فذكر أن
أهل الكوفة أرسلوا إليه يسألونه القدوم عليهم ، ليبايعوه وينصروه ، فإن بدا لهم في
نصرته [أي بدا لهم شيء يمنعهم من نصرته] فإنه ينصرف من حيث جاء ، فيكون بمكة
أو يكون بأي بلد
أمرته ، فيكون كواحد من المسلمين. فأحببت أن أعلم الأمير بذلك ليرى رأيه ،
والسلام.
فلما قرأ عبيد
الله كتابه ، فكّر في نفسه ساعة ، ثم أنشد :
الآن إذ علقت
مخالبنا به
|
|
يرجو النجاة
ولات حين مناص
|
ثم قال : أيرجو
ابن أبي تراب النجاة ، هيهات هيهات ، لا أنجاني الله من عذابه إن نجا الحسين مني.
٧٣٩ ـ كتاب ابن
زياد إلى عمر بن سعد رقم (١) يطالبه بعرض البيعة على الحسين عليهالسلام : (المصدر السابق)
ثم كتب إلى ابن
سعد : أما بعد ، فقد بلغني كتابك وما ذكرت فيه من أمر الحسين ، فإذا أتاك كتابي
فاعرض عليه البيعة لأمير المؤمنين يزيد ، فإن فعل وبايع ، وإلا فائتني به والسلام.
فلما ورد الكتاب
على عمر بن سعد وقرأه ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون. إن عبيد الله لا يقبل
العافية ، والله المستعان.
ولم يعرض ابن سعد
على الحسين عليهالسلام بيعة يزيد ، لأنه علم أن الحسين عليهالسلام لا يجيبه إلى ذلك أبدا.
٧٤٠ ـ خطبة ابن زياد
يغري فيها الناس بالمال ، ويحرّضهم للخروج لحرب الحسين عليهالسلام : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٢)
ثم جمع ابن زياد
الناس في جامع الكوفة ، وخرج فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
أيها الناس ، إنكم
بلوتم آل أبي سفيان ، فوجدتموهم كما تحبون. وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه ؛
حسن السيرة ، محمود الطريقة ، (ميمون النقيبة) ، محسنا إلى الرعية (متعاهدا للثغور)
، يعطي العطاء في حقه ، وقد أمنت السبل على عهده (وأطفئت الفتن بجهده). وكما كان
معاوية في عصره ، كذلك ابنه يزيد في أثره ؛ يكرم العباد ويغنيهم بالأموال ويزيدهم
بالكرامة ، وقد زادكم في أرزاقكم مائة بالمائة ، وأمرني أن أوفّرها عليكم ، وآمركم
أن تخرجوا إلى حرب عدوه الحسين بن علي ، فاسمعوا له وأطيعوا.
إعلان النفير العام
ثم نزل من المنبر
، ووضع لأهل الرياسة العطاء ، وأعطاهم. ونادى فيهم أن يتهيؤوا للخروج إلى عمر بن
سعد ليكونوا عونا له على قتال الحسين عليهالسلام.
وخرج إلى النّخيلة
وعسكر فيها. وبعث على الحصين بن نمير التميمي ، وحجّار بن أبجر ، وشمر بن ذي
الجوشن ، وشبث بن ربعي ، وأمرهم بمعاونة عمر ابن سعد.
٧٤١ ـ استبطاء شبث
بن ربعي وتمارضه :
(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٥٠)
ثم أرسل [عبيد
الله بن زياد] إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا ، فإنا نريد أن نوجّه بك إلى حرب
الحسين. فتمارض شبث ، فأرسل إليه : أما بعد ، فإن رسولي أخبرني بتمارضك ، وأخاف أن
تكون من الذين (وَإِذا لَقُوا
الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا
إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (١٤) [البقرة : ١٤].
(فانظر) إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعا. فأقبل إليه شبث بن ربعي بعد العشاء (الآخرة)
لئلا ينظر إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلّة. فلما دخل رحّب به وقرّب مجلسه ، ثم
قال له : أريد أن تشخص (غدا) إلى قتال الحسين عونا لابن سعد. فقال : أفعل أيها
الأمير (فخرج في ألف فارس).
٧٤٢ ـ قطع الطريق
على من يريد الالتحاق بالحسين عليهالسلام :
(مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم ، ص ٢٤٠)
وجعل عبيد الله بن
زياد زجر بن قيس الجعفي مسلحة في خمسمائة فارس ، وأمره أن يقيم بجسر الصراة ، يمنع
من يخرج من أهل الكوفة يريد الحسين عليهالسلام. فمرّ به عامر بن أبي سلامة بن عبد الله بن عرار الدالاتي.
فقال له زجر : قد عرفت حيث تريد ، فارجع. فحمل عليه وعلى أصحابه فهزمهم ، ومضى وليس
أحد منهم يطمع في الدنوّ منه. فوصل كربلاء ولحق بالحسين عليهالسلام حتّى قتل معه. وكان قد شهد المشاهد مع أمير المؤمنين علي عليهالسلام.
__________________
٧٤٣ ـ إرهاب ابن
زياد :
(الوثائق الرسمية للسيد عبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٠٥)
ثم إن عبيد الله
بن زياد أخذ يرسل الكتيبة تلو الكتيبة ، والفوج تلو الفوج ، إلى عمر بن سعد ،
ويحثّ الناس على الخروج لحرب الحسين عليهالسلام بعد أن زاد في عطائهم مائة بالمائة.
ثم نودي في شوارع
وسكك وأزقة الكوفة : «ألا برئت الذمّة ممن وجد في الكوفة ، ولم يخرج لحرب الحسين».
وبعث ابن زياد
سويد بن عبد الرحمن المنقري في خيل إلى الكوفة ، وأمره أن يطوف بها ، فمن وجده قد
تخلّف أتاه به.
فبينما هو يطوف في
أحياء الكوفة ، إذ وجد رجلا من أهل الشام ، قد كان قدم الكوفة في طلب ميراث له (وفي
رواية : لأخذ دين له في ذمة رجل من أهل العراق). فأرسل به إلى ابن زياد. فقال ابن
زياد : اقتلوه ، ففي قتله تأديب لمن لم يخرج بعد ، فقتل.
٧٤٤ ـ جيوش من
الهمج الرّعاع : (الوثائق الرسمية ، ص ١٠٦)
يقول السيد عبد
الكريم الحسيني القزويني :
فتأثّر الرأي
العام بالجو اللاشعوري ، أو ما يسمى بالسلوك الجمعي ، وإذا بالغوغائية جماعات
وجماعات تخرج لحرب ابن بنت نبيّها محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم غير ملتفتة إلى ما ينتج من هذا المصير الوخيم الّذي أقبلت
إليه مسرعة ، وفقد الفرد سيطرته على نفسه وعقله ، وأصبح يعيش في حالة هستيرية لا
يعي ولا يشعر ، لأنه تأثّر بالعقل الجمعي وسلوكه ، وخصوصا بعد أن قتل جماعة من
النخبة الواعية ، أمثال ميثم التمّار وغيره ، واعتقل البقية مثل : المختار بن أبي
عبيدة الثقفي ، وسليمان بن صرد الخزاعي ، واختفى آخرون. وصفا الجو إلى ابن زياد
حيث أخذ يلعب بالطبقة التي وصفها أمير المؤمنين علي عليهالسلام بقوله :
«همج رعاع ، أتباع
كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستنيروا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق».
__________________
اليوم السادس من المحرّم
(اكتمال الجيوش الأموية في كربلاء)
تجهيز الجيوش
٧٤٥ ـ القوات
الأموية تزحف إلى كربلاء :
فأول من خرج إلى
عمر بن سعد ، شمر بن ذي الجوشن الضّبابي في أربعة آلاف ، فصار ابن سعد في تسعة
آلاف.
ثم أتبعه ابن زياد
بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين ،
والحصين بن نمير
السكوني في أربعة آلاف ،
ومضاير بن رهينة
المازني في ثلاثة آلاف ،
ونصر بن خرشة في
ألفين.
فتمّ له عشرون ألف
فارس ، تكمّلت عنده إلى ست ليال خلون من المحرم.
وبعث كعب بن طلحة
في ثلاثة آلاف ، وشبث بن ربعي في ألف ، وحجّار بن أبجر في ألف فارس. فصار عمر بن
سعد في خمسة وعشرين ألفا.
ولم يزل ابن زياد
يرسل بالعساكر إلى عمر بن سعد حتّى تكامل عنده ثلاثون ألفا ، ما بين فارس وراجل.
يقول ابن شهراشوب
في (المناقب) ص ٢٤٨ :
وكان جميع أصحاب
الحسين عليهالسلام اثنين وثمانين رجلا ، منهم الفرسان اثنان وثلاثون فارسا ،
ولم يكن لهم من السلاح إلا السيف والرمح.
٧٤٦ ـ التعداد
الكمي للجيش الأموي في كربلاء :
(الوثائق الرسمية لثورة الحسين ، ص ١٠٧)
يقول السيد عبد
الكريم الحسيني القزويني :
إن الاحصائيات
التي رواها أرباب المقاتل وبعض الكتب التاريخية عن كمية تعداد الجيش الأموي الّذي
أرسله عبيد الله بن زياد إلى كربلاء لحرب الحسين عليهالسلام والقضاء على ثورته المقدسة ، هي على حسب الترتيب الزمني :
اسم قائد
الكتيبة
|
|
عددها
|
كتيبة الحر بن
يزيد التميمي
|
|
١٠٠٠ مقاتل
|
كتيبة عمر بن
سعد (قائد الجيش)
|
|
٤٠٠٠ مقاتل
|
كتيبة شمر بن ذي
الجوشن
|
|
٤٠٠٠ مقاتل
|
كتيبة يزيد بن
ركاب الكلبي
|
|
٢٠٠٠ مقاتل
|
كتيبة الحصين بن
نمير التميمي
|
|
٤٠٠٠ مقاتل
|
كتيبة مضاير بن
رهينة المازني
|
|
٣٠٠٠ مقاتل
|
كتيبة نصر بن
خرشة
|
|
٢٠٠٠ مقاتل
|
كتيبة كعب بن
طلحة
|
|
٣٠٠٠ مقاتل
|
كتيبة شبث بن
ربعي الرياحي
|
|
١٠٠٠ فارس
|
كتيبة حجّار بن
أبجر
|
|
١٠٠٠ فارس
|
|
المجموع
|
٢٥٠٠٠ مقاتل
|
وما زال عبيد الله
بن زياد يرسل إليه الخيل والرجال حتّى تكامل عنده ثلاثون ألفا ، ما بين فارس
وراجل. كما أن بقية الجيوش الأموية كانت في حالة إنذار واستنفار عام.
٧٤٧ ـ تحقيق حول
أعداد جيش عمر بن سعد :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦١ ط ٢ نجف)
قال سبط ابن
الجوزي : ولم يحضر قتال الحسين عليهالسلام أحد من أهل الشام ، بل كلهم من أهل الكوفة ممن كاتبه ،
وكانوا ستة آلاف مقاتل.
(أقول) : الّذي
استفاضت فيه روايات الشيعة ـ وهم أهل هذا البيت ، وأهل البيت أدرى بالذي فيه ـ أن
العسكر الذين أحاطوا بالحسين عليهالسلام يقربون إلى ثلاثين ألفا ، وهو المروي عن الإمام جعفر
الصادق عليهالسلام.
وفي (مطالب
السّؤول) : أنهم كانوا اثنين وعشرين ألفا.
وفي كتاب (محمّد
بن أبي طالب) ما حاصله : إن ابن زياد سيّر ابن سعد إلى الحسين عليهالسلام في تسعة آلاف ، ثم يزيد بن ركاب الكلبي في ألفين ، والحصين
ابن
نمير السكوني في
أربعة آلاف ، و [مضاير بن رهينة] المازني في ثلاثة آلاف ، ونصر ابن فلان في ألفين
؛ فذلك عشرون ألفا ، ما بين فارس وراجل.
وعن بعض من حضر
المعركة (وهو عبد الله بن عمار بن يغوث) قال :
«والله ما رأيت
مكثورا قط ... ولقد كان يحمل فيهم ، وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا».
مما يؤكد أن عددهم
لا يقل عن عشرين ألفا ، وأنهم تكاملوا في كربلاء إلى ثلاثين ألفا ، ما عدا المدد
المتصل بهم والذي لم يصل بعد إلى كربلاء.
٧٤٨ ـ كتاب ابن
زياد إلى عمر بن سعد (٢):
(كتاب الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٥٩)
ثم كتب ابن زياد
إلى عمر بن سعد : إني لم أجعل لك علة في قتال الحسين ، من كثرة الخيل والرجال.
فانظر أن لا تبدأ أمرا حتّى تشاورني ، غدوّا وعشيا مع كل غاد ورائح ، والسلام.
والتأمت العساكر
إلى عمر بن سعد [في كربلاء] لست مضين من المحرم.
٧٤٩ ـ عناصر الجيش
الأموي :
(حياة الإمام الحسين للسيد باقر القرشي ، ج ٣ ص ١٥٦)
يتألف الجيش
الأموي من خمسة عناصر ، ومن بينها :
١ ـ الانتهازيون :
وهم أصحاب المصالح ، مثل : عمر بن سعد ، وحجار بن أبجر ، وشبث بن ربعي ، وشمر بن
ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث ، ويزيد بن الحرث.
٢ ـ المرتزقة :
غايتهم الحصول على مغانم الحرب والأموال. وهم الذين نهبوا ثقل الحسين عليهالسلام ، وعمدوا إلى سلب حرائر النبوة وعقائل الوحي ، فلم يتركوا
ما عليهن من حلي وحلل ، وسلبوا الإمام الحسين عليهالسلام وسائر الشهداء من الملابس ولا مات الحرب [أي الدروع].
٣ ـ الممسوخون :
وهم الحاقدون على كل الناس ، ورغبتهم الذبح واقتراف الجرائم ، مثل : شمر ، وحرملة
بن كاهل ، والحكيم بن الطفيل الطائي ، وسنان بن أنس ، وعمرو بن الحجاج ، وأمثالهم
من «كلاب الطراد «كما سمّاهم بذلك بعض المؤرخين. وقد صدرت منهم في كربلاء من
القساوة والهمجية ما تترفع عنه الوحوش والكلاب.
٤ ـ المكرهون :
وهم الذين كانت عواطفهم مع الحسين عليهالسلام ، ولكن الجبن وخور النفس منعهم من نصرته. وهؤلاء لم
يشتركوا في الحرب ، وكانوا يدعون للحسين بالنصرة. وكان بعضهم من أشياخ الكوفة يقفون
على تل يبكون ويقولون : اللهم أنزل عليه نصرك!. وقد أنكر عليهم واحد منهم فقال لهم
: يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصروه؟! .
ومما لا شبهة فيه
أن هؤلاء قد اقترفوا إثما عظيما ، وشاركوا المحاربين جريمتهم ، لأنهم لم يقوموا
بإنقاذ الإمام وحمايته من المعتدين.
٥ ـ الخوارج : وهم
من أحقد الناس على الإمام علي عليهالسلام وآل بيت النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأن الإمام عليا عليهالسلام قد وترهم في واقعة النهروان ، فتسابقوا إلى قتل العترة
الطاهرة للتشفّي منها.
٧٥٠ ـ سوق
الحدادين يعجّ بصانعي السيوف والرماح والسهام لقتال الحسينعليهالسلام :
(وسيلة الدارين في أنصار الحسين ، ص ٧٨)
وقيل : إنه من
اليوم السادس من المحرم كان سوق الحدادين بالكوفة ، قائما على ساق لهم : وهج ورهج
، ووجبة وجلبة. فكل من تلقاه إما أن يشتري سيفا أو رمحا أو سهما أو سنانا ،
ويحدّدها عند الحداد ، وينقعها بالسم ، لإراقة دم ريحانة الرسول ومهجة فؤاد
البتول. وكانت السهام كلها مسمومة ، وبعضها ذو شعبة أو شعبتين ، وبعضها ذو ثلاث
شعب.
أما السهم الّذي
وقع في نحر الطفل الرضيع فكان ذا شعبتين ، فذبحه من الوريد إلى الوريد. وأما السهم
الّذي وقع على قلب الحسين ـ روحي له الفدا ـ فكان له ثلاث شعب ، فخرق أحشاءه وخرّق
قلبه الشريف ، حتّى خرج من قفاه.
٧٥١ ـ التعداد
الكمي للجيش الحسيني :
(الوثائق الرسمية ، ص ١١٠)
وأما التعداد
الكمي للجيش الحسيني ، الّذي قاتل مع الحسين عليهالسلام ، فقد اختلف الرواة وأرباب المقاتل في تحديده الكمي.
__________________
فقد ذكر الشيخ
المفيد في (الإرشاد) وابن الأثير في (الكامل) ج ٣ ص ٢٨٦ وغيرهم : أنهم اثنان
وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ، والمجموع :
٣٢ فارسا + ٤٠ راجلا
ـ ٧٢ محاربا
وبعضهم قال بأكثر
من هذا العدد ، ففي رواية الطبري أنهم كانوا أربعين فارسا ومائة راجل. وفي رواية
الإمام الباقر عليهالسلام أنهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل. وأنا أرجّح
الرواية الأخيرة لأنها عن معصوم.
(أقول) : والظاهر
أن الذين اعتبروا العدد ٧٢ اقتصروا على عدّ الرجال العرب الأحرار ، دون الموالي
والعبيد ، الذين كانوا بكثرة مع الحسين عليهالسلام ؛ من مواليه ومن موالي أصحابه. فمن هنا جاء الفرق بين
العدد ٧٢ والعدد ١٤٥.
يقول السيد عبد
الكريم الحسيني القزويني في (الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين) : قمت بعملية
جرد لإحصاء جميع أسماء أصحاب الحسين عليهالسلام وأهل بيته الذين حاربوا معه في اليوم العاشر من المحرم ،
وقد ذكرهم بأسمائهم الشيخ محمّد السماوي في كتابه (إبصار العين في أنصار الحسين) ،
فكان عددهم
لا يتجاوز المائة
وعشرة رجال ، من المشاة والفرسان. وهم طائفتان :
١ ـ من بني هاشم ،
وعددهم ستة عشر ١٦ رجلا.
٢ ـ من الأصحاب ،
وهم من مختلف القبائل والأجناس ، وعددهم ٩٤ رجلا.
(أقول) : وسوف
يأتي تحقيق كامل بأسماء هؤلاء الأنصار من الآل والأصحاب في أول الجزء الثاني من
هذه الموسوعة إنشاء الله.
اليوم السابع من المحرّم
(الحصار ومنع الماء)
٧٥٢ ـ كتاب ابن
زياد إلى عمر بن سعد (٣) بمنع الماء عن الحسين عليهالسلام :
(الوثائق الرسمية للقزويني ، ص ١١٢)
يقول السيد عبد
الكريم الحسيني القزويني : ثم إن عبيد الله بن زياد أخذ يرسل الكتاب تلو الكتاب ،
والرسول تلو الرسول ، يحثّ عمر بن سعد على مقاتلة الحسين عليهالسلام. فبعث إليه كتابا آخر جاء فيه :
أما بعد ، فحل بين
الحسين وأصحابه وبين الماء ، فلا يذوقوا منه قطرة ، كما صنع بالتقيّ الزكي المظلوم
أمير المؤمنين عثمان بن عفان .
الحصار
ولما وصل الكتاب
إلى عمر بن سعد ، أمر عمرو بن الحجاج ومعه خمسمائة فارس ، فنزلوا على الشريعة ،
وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، ومنعوهم أن يستقوا منه قطرة ، وذلك قبل
قتل الحسين عليهالسلام بثلاثة أيام.
٧٥٣ ـ عبد الله بن
الحصين الأزدي يتوعّد الحسين عليهالسلام بالموت عطشا ، ودعاء الحسين عليهالسلام عليه :
(الوثائق الرسمية ، ص ١١٢)
ثم إن عبد الله بن
(أبي) الحصين الأزدي نادى في لؤم وحقارة وخسّة نفس وخبث سريرة : يا حسين أما تنظر
إلى الماء كأنه كبد السماء ، ووالله لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشا.
فتأثر الحسين عليهالسلام من كلامه ، وقال : الله م اقتله عطشا ، ولا تغفر له أبدا.
قال حميد بن مسلم
: والله لعدته بعد ذلك في مرضه ، فوالله الّذي لا إله غيره ، لقد رأيته يشرب الماء
حتّى يبغر ، ثم يقيء ويصيح : العطش ، ثم يعود فيشرب الماء حتّى يبغر
، ثم يقيئه ويتلظى عطشا ، فما زال ذلك دأبه حتّى هلك.
وفي (تذكرة الخواص)
لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ ط ٢ نجف :
وناداه عمرو بن
الحجاج : يا حسين ، هذا الماء تلغ فيه الكلاب وتشرب منه خنازير أهل السواد والحمر
والذئاب ، وما تذوق منه والله قطرة حتّى تذوق الحميم في نار الجحيم. فكان سماع هذا
الكلام على الحسين عليهالسلام أشدّ من منعهم إياه الماء.
__________________
٧٥٤ ـ عند ما أضرّ
العطش بالحسين عليهالسلام ومن معه ، حفروا بئرا فشربوا منها ثم غاضت :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٤)
وورد أمر من ابن
زياد بالتضييق على الحسين ومنعه من الماء كما فعل بعثمان. ولما أضرّ العطش بالحسين
عليهالسلام وبمن معه ، أخذ فأسا وجاء إلى وراء خيمة النساء ، فخطا على
الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة ، ثم احتفر هناك ، فنبعت له هناك عين من الماء
العذب ، فشرب الحسين عليهالسلام وشرب أصحابه بأجمعهم ، وملؤوا أسقيتهم ، ثم غارت العين فلم
يشهد لها أثر.
وبلغ ذلك عبيد
الله بن زياد فكتب إلى عمر بن سعد : بلغني أن الحسين يحفر الآبار ويصيب الماء
فيشرب هو وأصحابه ، فانظر إذا ورد عليك كتابي هذا فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت
، وضيّق عليهم ولا تدعهم أن يذوقوا من الماء قطرة ، وافعل بهم كما فعلوا بالزكي
عثمان ، والسلام .
فضيّق عليهم ابن
سعد غاية التضييق ، ودعا برجل يقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي ، فضمّ إليه خيلا
كثيرة ، وأمره أن ينزل على الشريعة التي هي حذاء معسكر الحسين عليهالسلام ، فنزلت الخيل على شريعة الماء.
تعليق :
لقد دأب الإعلام
الأموي على تشويه الحقائق وإيهام الرعاع من الناس أن الحسينعليهالسلام له ضلع في مقتل الخليفة عثمان عطشا ، علما بأنه مع أخيه
الحسن عليهالسلام وبأمر من أبيهما الإمام علي عليهالسلام كانا من المدافعين عن عثمان والواقفين على باب بيته
بسيوفهم يوم مقتله. أما القاتل الحقيقي الّذي ورّط عثمان في الفتنة ، ثم أسلمه إلى
الهلاك والقتل في آخر لحظة ، فهو معاوية. واللبيب يميّز بين أعمال من اتخذوا الغدر
والوصولية مبدأ لهم ، وبين من التزموا بالحق
لا يحيدون عنه قيد
أنملة ، وهم علي عليهالسلام وأولاده. وكيف يقاس من انطبعت أعمالهم بالرجس ، بمن طهّرهم
الله من كل رجس؟!.
__________________
٧٥٥ ـ عبيد الله
بن زياد يمارس الحرب الاقتصادية ضد الحسين عليهالسلام بأبشع صورها ، فيمنعه من الماء ويعزله عن العالم :
(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ١٨٣)
وقد استعمل ابن
زياد مع الحسين عليهالسلام الحرب الاقتصادية بأبشع صورها ، وأقصى ما يتصوّر ؛ من
معاملة وحشية وخطة همجية. فطوّق جيش الحسين عليهالسلام لمنع الإمدادات الخارجية ، وقطع الاتصال بينه وبين العالم
الخارجي ، حتّى وصلت الحال إلى حدّ منع الماء عنه وعن عياله وأطفاله.
٧٥٦ ـ حقوق الحسين
عليهالسلام في ماء الفرات :
(معالي السبطين لمحمد مهدي المازندراني ، ج ١ ص ١٩٥)
قال المرحوم الحاج
شيخ جعفر : اعلم أن للحسين عليهالسلام في الماء حقوقا أربعة :
الأول : حقه في
الماء ، من حيث الاشتراك مع جميع الناس ، فإن الناس كلهم شركاء في الماء.
الثاني : حقه في
الماء ، من حيث الاشتراك مع جميع ذوات الأرواح ، فإن لكل ذات روح في الماء حقا ،
ومنه كل الحيوان.
الثالث : من حيث
ثبوت حق السقي له على أهل الكوفة ، فإنه قد سقاهم ثلاث مرات ؛ مرة في الكوفة في
زمان أبيه عليهالسلام ، وتارة في صفين ، وأخرى في القادسية ، حين الملاقاة مع
عسكر الحر بن يزيد الرياحي.
الرابع : له حقّ
في الفرات مخصوص ، فإن نهر الفرات نحلة الله لفاطمة عليهاالسلام ومهر الزهراء.
ولم يراعوا لعنهم
الله هذه الحقوق ، ومنعوه منه كما منعوا منه أصحابه وعياله وأطفاله ، وذلك قبل
مقتله عليهالسلام بثلاثة أيام.
٧٥٧ ـ نصيحة
الهمداني لعمر بن سعد :
(المنتخب للطريحي ، ص ٣٣٣)
قال الراوي : فلما
نزل الحسين عليهالسلام في أرض كربلاء ، أول من حال بينه وبين ماء الفرات عمر بن
سعد. فاشتدّ العطش بالحسين عليهالسلام وأطفاله وأهل بيته عليهمالسلام. وقام رجل من أصحاب الحسين عليهالسلام [لعله يزيد بن
الحصين
الهمداني] وقال :
يابن رسول الله أتأذن لي أن أمضي إلى ابن سعد فأكلمه في أمر الماء ، وأعرّفه بعطش
الحرم والأطفال ، فعساه يرتدع عن القتال؟. فقال عليهالسلام : ذلك إليك ، افعل ما شئت.
قال : فجاء
الهمداني ووبّخه بكلام ، فكان من عذره أن قال : يا أخا همدان ، والله إني أعرف
الناس بحق الحسين وحرمته عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكني حائر في أمري ، ما أدري كيف أصنع؟ وفي هذا الوقت كنت
أتفكر في أمري ، بين ترك ملك الرّي وقتل الحسين. ثم قال : نفسي لأمّارة بالسوء ،
ما تحسّن لي ترك ملك الري ، وأني إذا قتلت حسينا أكون أميرا على سبعين ألف فارس!.
قال : فنهض من
عنده مكسور القلب ، ورجع إلى الحسين عليهالسلام وقال :
يا مولاي إن القوم
استحوذ عليهم الشيطان ، وإن عمر بن سعد قد عزم على قتلك وقتل أصحابك وأهل بيتك ،
ورضي بدخول النار بولاية الريّ ، ذلك هو الخسران المبين.
الاستسقاء الأول
٧٥٨ ـ معركة على
الماء : استسقاء العباس عليهالسلام بمساعدة نافع بن هلال الجملي : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص
٢٤٤ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ٩٨)
فلما اشتدّ العطش
بالحسين عليهالسلام وأصحابه ، دعا أخاه العباس عليهالسلام وضمّ إليه ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، وبعث معهم عشرين
قربة في جوف الليل ، حتّى دنوا من الفرات ، وأمامهم نافع بن هلال الجملي يحمل
اللواء.
فقال عمرو بن
الحجاج : من الرجل؟ فقال له نافع بن هلال : أنا ابن عم لك من أصحاب الحسين عليهالسلام جئت حتّى أشرب من هذا الماء الّذي منعتمونا منه. فقال له
عمرو : اشرب هنيئا مريئا. فقال له نافع : ويحك كيف تأمرني أن أشرب من الماء ،
والحسين عليهالسلام ومن معه يموتون عطشا؟!. فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ،
إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء.
فصاح نافع بأصحابه
فدخلوا الفرات ، وصاح عمرو بأصحابه ليمنعوهم. فحمل عليهم العباس عليهالسلام ونافع بن هلال فكشفوهم. واقتتل القوم على الماء قتالا
شديدا ، فكان قوم يقاتلون وقوم يملؤون القرب ، حتّى ملؤوها وأقبلوا بالماء.
ثم عاد عمرو بن
الحجاج وأصحابه وأرادوا أن يقطعوا عليهم الطريق ، فقاتلهم العباس عليهالسلام وأصحابه حتّى ردّوهم. وقتل من أصحاب عمرو بن الحجاج جماعة
، ولم يقتل من أصحاب الحسين عليهالسلام أحد.
ثم رجع القوم إلى
معسكرهم بالماء ، فشرب الحسين عليهالسلام ومن كان معه ، ولقّب العباس يومئذ بالسّقّاء .
(يقول السيد عبد
الرزاق المقرّم في مقتله ، ص ٢٤٦) : ولكن لا يفوتنا أن تلك الكمية القليلة من
الماء ، ما عسى أن تجدي أولئك الجمع ، الّذي هو أكثر من مائة وخمسين رجالا ونساء
وأطفالا ، أو إنهم ينيفون على المائتين. ومن المقطوع به أنها لم ترو أكبادهم إلا
مرة واحدة ، فسرعان أن عاد إليهم الظمأ ، وإلى الله المشتكى!.
٧٥٩ ـ خطاب الحسين
عليهالسلام بالقوم يذكّرهم فيه بحسبه ونسبه :
(لواعج الأشجان ، ص ١١٦ ط ٤ ؛ ومثير الأحزان للجواهري ، ص ٦٤)
ثم وثب الحسين عليهالسلام متوكئا على قائم سيفه ، ونادى بأعلى صوته : أنشدكم الله هل
تعلمون أن جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي
فاطمة بنت محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي
علي بن أبي طالب عليهالسلام؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن
جدتي خديجة بنت خويلد ، أول نساء هذه الأمة إسلاما؟. قالوا : الله م نعم. قال :
أنشدكم الله هل تعلمون أن سيّد الشهداء حمزة عم أبي؟. قالوا : الله م نعم. قال :
أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفرا الطيار في الجنة عمي؟. قالوا : الله م نعم. قال :
أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنا متقلده؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل
تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنا لابسها؟. قالوا : الله م نعم. قال : أنشدكم الله هل
تعلمون أن عليا كان أول القوم إسلاما وأعلمهم علما وأعظمهم حلما ، وأنه ولي كل
مؤمن ومؤمنة؟. قالوا : الله م نعم .. قال : فبم تستحلّون دمي؟ وأبي الذائد عن
الحوض ، يذود عنه رجالا كما
__________________
يذاد البعير الصاد
عن الماء ، ولواء الحمد في يد أبي يوم القيامة!. قالوا : قد علمنا ذلك كله ، ونحن
غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشا.
المفاوضات
قال الشيخ المفيد
: لما رأى الحسين عليهالسلام نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتله ، أنفذ
إلى عمر بن سعد أنني أريد أن ألقاك. فاجتمعا ليلا ، وتناجيا طويلا.
٧٦٠ ـ مكالمة
الحسين عليهالسلام لعمر بن سعد ونصيحته ، وأعذار ابن سعد :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٥)
وأرسل الحسين عليهالسلام إلى ابن سعد مع عمرو بن قرظة الأنصاري ، أني أريد أن
أكلّمك الليلة ، فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك. فخرج إليه عمر بن سعد في عشرين
فارسا ، والحسين عليهالسلام في مثل ذلك. ولما التقيا أمر الحسين عليهالسلام أصحابه فتنحّوا عنه ، وبقي معه أخوه العباس وابنه علي
الأكبر عليهالسلام. وأمر ابن سعد أصحابه فتنحّوا عنه ، وبقي معه ابنه حفص
وغلام له يقال له : لاحق.
فقال الحسين عليهالسلام لابن سعد : ويحك أما تتّقي الله الّذي إليه معادك؟.
أتقاتلني وأنا ابن من علمت!. يا هذا ذر هؤلاء القوم وكن معي فإنه أقرب لك من الله.
فقال له عمر : أخاف أن تهدم داري. فقال الحسين عليهالسلام : أنا أبنيها لك. فقال عمر : أخاف أن تؤخذ ضيعتي. فقال عليهالسلام : أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز . ويروى أنهعليهالسلام قال لعمر :
(أعطيك البغيبغة ،
وكانت عظيمة فيها نخل وزرع كثير ، دفع معاوية فيها ألف ألف دينار فلم يبعها له ). فقال عمر : لي عيال أخاف عليهم. فقال : أنا أضمن
سلامتهم. ثم سكت فلم يجبه عن ذلك. فانصرف عنه الحسين عليهالسلام وهو يقول : ما لك ذبحك الله على فراشك سريعا عاجلا ، ولا
غفر لك يوم حشرك ونشرك. فوالله إني لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلا يسيرا.
فقال له عمر مستهزئا : يا أبا عبد الله في الشعير عوض عن البرّ. ثم رجع عمر إلى
معسكره.
__________________
(أقول) : وقد صدق
دعاء الحسين عليهالسلام على عمر بن سعد ، فقد مات مذبوحا على فراشه (راجع ترجمته
في الجزء الثاني من الموسوعة).
٧٦١ ـ حبّ الدنيا
رأس كل خطيئة :
(بقلم المؤلف)
المقصود بالدنيا
ما تشتمل عليه من متع عابرة وشهوات حيوانية ولذائذ آنيّة ، وما تنطوي عليه من
تهالك وتحاسد وتباغض.
وهذه الرغبات
المادية قد أباحها الشارع وأعطانا الحق في ممارستها ، ولكن في حدود معتدلة ومعقولة
، بحيث لا تؤدي إلى الحرص والطمع والانحراف والتهافت.
ورغم هذا كله ،
نجد كثيرا من الناس تطغيهم نفسيتهم الأمارة بالسوء ، فيختارون الضلال على الهدى ،
ويفضّلون الباطل على الحق ، وينحرفون منجرفين بتيار الهوى والشذوذ ؛ وذلك رغم وضوح
الدلائل لديهم ، وقيام الحجة عليهم ، فيكون وبالهم كبيرا ، وعقاب أعمالهم شديدا.
من هؤلاء البغاة
المنحرفين [عمر بن سعد بن أبي وقّاص] الّذي لم يرع للحسينعليهالسلام قرابة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يحفظ له منزلة ولا قدرا ، وجاء يريد مساومته على
الصلح مع يزيد ، الفاسق الفاجر ، كيما تنطفئ شعلة الثورة على الجور والطغيان ،
وينعم هو في ظل يزيد بولاية الرّي وجرجان ، فيشبع دوافع نفسه الشريرة في التكالب
على المال والأملاك والإمارة والسلطان.
لقد بات عمر بن
سعد في صراع كبير بين الباطل والحق ، بين الاستجابة للدنيا أو الاستجابة للآخرة ،
بين قتل الحسين عليهالسلام أو ترك ولاية الري وجرجان. لقد بات في صراع مرير بين نفسه
الأمّارة بالسوء وبين نفسه اللوّامة ، ولسان حاله يقول :
دعاني عبيد الله
من دون قومه
|
|
إلى خطةّ ، فيها
خرجت لحيّني
|
فوالله ما أدري
وإني لحائر
|
|
أفكّر في أمري
على خطرين
|
أأترك ملك الرّي
والريّ منيتي
|
|
أم ارجع مأثوما
بقتل حسين
|
حسين ابن عمّي
والحوادث جمّة
|
|
لعمري ولي في
الريّ قرّة عين
|
يقولون : إن
الله خالق جنّة
|
|
ونار وتعذيب
وغلّ يدين
|
فإن صدقوا فيما
يقولون إنني
|
|
أتوب إلى الرحمن
من سنتين
|
وإن كذبوا فزنا
بدنيا عظيمة
|
|
وملك عقيم دائم
الحجلين
|
ولقد نصحه الحسين عليهالسلام نصائح كثيرة ، لم تلق منه غير اختلاق الذرائع والأعذار ،
التي تتركز كلها حول حرصه على المصالح الدنيوية والمكاسب المادية.
وظل عليهالسلام جاهدا في نصيحة عمر بن سعد ـ باعتباره القائد العام لجيش
البغي والعدوان ـ وهو يتنصّل بشتى المعاذير ، والحسين عليهالسلام يردّها عليه واحدة واحدة ، حتّى لم يبق في جعبة ابن سعد
عذرا يعتذر به.
وماذا كان يحجب
تلك الحجج والبراهين ، والدعوات والنصائح ، عن أن تجد طريقها إلى ضمير ابن سعد ،
فيتحول عن طريق الذنوب والآثام والكبائر الجسام ، لو لا أن حبّ الدنيا قد أعمى
قلبه ، والتكالب عليها قد أظلم صدره. فصدق فيه قول الإمام علي عليهالسلام : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة».
ولقد وعده ابن
زياد أن يعهد له بولاية الريّ ، فباع الفاسق دينه بالبغي والغيّ ، لكنه لم يسعد
بولاية ولا عيش هنيّ ، بل ذبح على فراشه بتقدير خفيّ.
٧٦٢ ـ تعليق على
انحراف عمر بن سعد :
(كشف الغمة في معرفة الأئمة لعلي بن عيسى الإربلي ، ج ٢ ص ٢٦٠)
قال المحقق أبو الحسن علي بن عيسى
الإربلي :
التوفيق عزيز
المنال ، ومن حقّت عليه كلمة العذاب لم ينجع فيه لوم اللّوّام ولا عذل العذّال.
ومن غلبته نفسه ، تورّط من شهواتها في أعظم من القيود والأغلال. وكما أن الجنة لها
رجال فالنار لها رجال ، وكما أعدّ الله لقوم الفوز والرضوان ، أعدّ للآخرين العقاب
والنكال.
وهذا النجس ابن
سعد أبعده الله ، عرف سوء فعله ، فأضلّه الله على علم ، وهو أقبح أنواع الضلال.
وطبع الله على قلبه وختم على لبّه ، وجعل على بصره غشاوة فبئست الأحوال. وزهد في
الآجلة وهي إلى بقاء ، ورغب في العاجلة وهي إلى زوال. وطمع في المال فخسر المآل.
فأصلي نارا وقودها الناس والحجارة ، ولم يغن عنه رأيه في الريّ ولا نفعته الإمارة
، فخرج في طالع نحس ، وباع آخرته بثمن بخس ، وأصبح من سوء اختياره في أضيق حبس.
فإنه عصى الله سبحانه طاعة للفجّار ، واتّخذ ابن زياد ربّا فأورده النار وبئس
القرار. وباء في الدنيا بالعار ، وحشر في الآخرة مع مردة الكفّار.
وهكذا حال هذا
الشقي الّذي سعى إلى سوء خاتمته وعاقبته ، فكان العذاب
الدائم مصيره
والنار غايته ، فتبّا له محلأ عن موارد الأبرار ، وبعدا له وسحقا في هذه الدار
وتلك الدار. فلقد أوغل في تمردّه ، وبالغ في وخامة كسب يده ، وترك الحق وراء ظهره
وخلف أذنه. إذ لم ينظر في يومه لغده ، وعرف الصراط المستقيم فنكب طوعا عن سننه
وجدده ، وصدّع قلب الرسول بما صنعه بولده ، وأبكى الأرض والسماء بجنايته ، وأحزن
الملائكة الكرام والأنبياء عليهمالسلام ببشاعة فعلته وقبح ملكته. وجاء بها شوهاء عقراء جذعاء تشهد
بسوء ظفره ، وتنطق برديّ أثره ، ولؤم مخبره وفساد اختياره ونظره ، كافلة له
بالعذاب الأليم ، إضافة له الخلود في نار الجحيم ، مقيما فيها أبدا إن شاء الله مع
الشيطان الرجيم. طعامه فيها الزقّوم والغسلين وشرابه الحميم ، مخصوصا بمقت الله رب
العالمين ، قريبا للعتاة المتمردين والطغاة الكافرين ، مصاحبا من شايعه وتابعه
ورضي بفعله من الجنّة والناس أجمعين.
٧٦٣ ـ طلب عمر بن
سعد الاجتماع بالحسين عليهالسلام :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٧ ط ٢ نجف)
وكان عمر بن سعد
يكره قتال الحسين عليهالسلام ، فبعث إليه يطلب الاجتماع به ، فاجتمعا خلوة. فقال له عمر
: ما جاء بك؟ فقال : أهل الكوفة. فقال :
أما عرفت ما فعلوا
معكم؟. فقال : من خادعنا في الله انخدعنا له. فقال له عمر : قد وقعت الآن ، فما
ترى؟. فقال : دعوني أرجع فأقيم بمكة أو المدينة أو أذهب إلى بعض الثغور فأقيم به
كبعض أهله. فقال : أكتب إلى ابن زياد بذلك.
٧٦٤ ـ عمر بن سعد
يبسط بساطا :
(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٥٩ ط حجر إيران)
قال أبو مخنف : ثم
إن عمر بن سعد عبر الفرات ، وكان يخرج كل ليلة ويبسط بساطا ويدعو الحسين عليهالسلام ويتحدثان جميعا حتّى يمضي من الليل شطره. وكان (خولي بن
يزيد) من أقسى الناس قلبا على الحسين عليهالسلام ، فلما نظر ذلك كتب إلى ابن زياد.
فكتب ابن زياد إلى
عمر بن سعد : ... فإذا قرأت كتابي فأمره أن ينزل على حكمي ، فإن فعل وهو الفرض ،
وإن أبى فامنعه من شرب الماء الفرات ، فقد حرّمته عليه وحلّلته على الكلاب
والخنازير.
٧٦٥ ـ ابن زياد
يستنكر على عمر بن سعد محادثته للحسين عليهالسلام وإمهاله :
(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٥٢)
وبلغ ابن زياد أن
عمر بن سعد يسامر الحسين عليهالسلام ويحدّثه ويكره قتاله. فكتب إلى عمر بن سعد : إذا أتاك
كتابي هذا فلا تمهلنّ الحسين بن علي ، وخذ بكظمه ، وحل بينه وبين الماء ، كما حيل
بين عثمان يوم الدار.
فلما وصل الكتاب
إلى عمر بن سعد أمر مناديه فنادى : إنا قد أجّلنا حسينا وأصحابه ليلتهم ويومهم.
عروض الحسين عليهالسلام
٧٦٦ ـ مخاطبة الحسين عليهالسلام
لعمر بن سعد وما عرضه عليه :
(تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ص ٣٥٢)
فتوجه عمر بن سعد
إلى الحسين عليهالسلام. فلما أتاه قال له الحسين عليهالسلام : اختر واحدة من ثلاث : إما أن تدعوني فألحق بالثغور ،
وإما أن تدعوني فأذهب إلى يزيد ، وإما أن تدعوني فأذهب من حيث جئت.
فقبل ذلك عمر بن
سعد ، وكتب بذلك إلى عبيد الله. فكتب إليه عبيد الله : لا ولا كرامة ، حتّى يضع
يده في يدي.
فقال الحسين عليهالسلام : لا والله لا يكون ذلك أبدا.
٧٦٧ ـ طلب الحسين عليهالسلام من عمر بن سعد أحد شروط ثلاثة :
(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٩)
عن الحريري عن عبد
ربه ، أن الحسين بن علي عليهماالسلام لما رهقه السلاح ، قال : ألا تقبلون مني ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقبل من المشركين؟. قالوا : وما كان رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم يقبل من المشركين؟. قال : إذا جنح أحدهم قبل منه. قالوا :
لا. قال : فدعوني أرجع. قالوا : لا. قال : فدعوني آتي أمير المؤمنين. فأخذ له رجل
السلاح ، فقال له : أبشر بالنار!. فقال عليهالسلام : بل أبشر إن شاء الله برحمة ربي عزوجل ، وشفاعة نبيّي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
تعليق : (المصدر
السابق)
إن الخصلة الأخيرة
التي تذكرها هذه الرواية ، وهي أن يأتي الحسين عليهالسلام
فيضع يده في يد
يزيد ، قد انفرد بإيرادها رواة السنة. والثابت عند الشيعة أن الحسين عليهالسلام ما سألهم إلا الرجوع إلى حرم الله وحرم جده ، أو الانتشار
في أرض الله الواسعة ، فأبوا.
٧٦٨ ـ ثلاثون رجلا
من جند عمر بن سعد يتحولون إلى الحسين عليهالسلام :
(تاريخ ابن عساكر ، ص ٢٢٠)
وكان مع عمر بن
سعد (من قريش) قريب من ثلاثين رجلا من أهل الكوفة ، فقالوا : يعرض عليكم ابن بنت
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاث خصال ، فلا تقبلون شيئا منها؟!. فتحولوا مع الحسين عليهالسلام فقاتلوا حتّى قتلوا معه.
افتراءات عمر بن سعد
٧٦٩ ـ كتاب عمر بن
سعد إلى ابن زياد (٢) يتأول فيه على الحسين عليهالسلام قبوله مفاوضة يزيد : (مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٤٩)
ثم كتب عمر بن سعد
إلى ابن زياد : أما بعد ، فإن الله أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة. هذا
الحسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الّذي منه أتى ، أو أن يسير إلى ثغر من
الثغور فيكون رجلا من المسلمين ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، أو أن يأتي أمير
المؤمنين يزيد فيضع يده في يده ، فيرى فيما بينه وبينه رأيه ، وفي هذا لك رضا
وللأمة صلاح.
وفي الحقيقة إن
بعض هذه العروض قد اختلقها عمر بن سعد من عنده ، لأن الحسين عليهالسلام لم يعتقد أصلا بخلافة يزيد حتّى يفاوضه.
بقول السيد الأمين
في (لواعج الأشجان) ص ١٠١ ط نجف :
عن عقبة بن سمعان
أنه قال : والله ما أعطاهم الحسين عليهالسلام أن يضع يده في يد يزيد ولا أن يسير إلى ثغر من الثغور ،
ولكنه قال : دعوني أرجع إلى المكان الّذي أقبلت منه ، أو أذهب في هذه الأرض
العريضة.
__________________
وقال سبط ابن
الجوزي في (تذكرة الخواص) ص ٢٥٨ ط ٢ نجف :
(وقد وقع في بعض
النسخ) أن الحسين عليهالسلام قال لعمر بن سعد : دعوني أمضي إلى المدينة أو إلى يزيد ،
فأضع يدي في يده. ولا يصحّ ذلك عنه ، فإن عقبة بن سمعان قال: صحبت الحسين عليهالسلام من المدينة إلى العراق ، ولم أزل معه إلى أن قتل ، والله
ما سمعته قال ذلك.
٧٧٠ ـ افتراء
مقصود على الحسين عليهالسلام :
(الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين لعبد الكريم القزويني ، ص ١١٦)
يقول السيد عبد
الكريم الحسيني القزويني :
وكيف يتفق هذا
الكتاب مع أول وثيقة للحسين عليهالسلام عند ما قال لوالي يزيد على المدينة الوليد بن عتبة : «أيها
الأمير إنا أهل بيت النبوة ...» إلى أن قال : «ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل
النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».
ثم إن خبر هذا
الكتاب أشاعه الأمويون ، وأرادوا أن يوهموا به الناس ، أن الحسين عليهالسلام خشع وخضع ، وحنى رأسه لسلطان يزيد ، ليشوّهوا بذلك الموقف
البطولي الّذي وقفه هو وأصحابه.
وقد حرص الأمويون
وأعوانهم على إخفاء كثير من ملامح ثورة الحسين عليهالسلام وملابساتها ، وأذاعوا كثيرا من الأخبار المكذوبة عنها ،
ليوقفوا عملها التدميري في ملكهم وسلطانهم ، ولكن لم يفلحوا .
وقد تصدّى لتكذيب
هذا الكتاب أحد أصحاب الحسين عليهالسلام وهو عقبة ابن سمعان ، كما جاء في (تاريخ الطبري) وهذا نصه
من كامل ابن الأثير :
٧٧١ ـ ردّ افتراء
: الحسين عليهالسلام لم يعرض على عمر بن سعد أن يضع يده في يد يزيد : (الكامل
في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٨١)
وقد روي عن عقبة
بن سمعان أنه قال :
صحبت الحسين عليهالسلام من المدينة إلى مكة ، ومن مكة إلى العراق ، ولم أفارقه حتّى
قتل. وسمعت جميع مخاطباته للناس إلى يوم مقتله ، فوالله ما أعطاهم ما
__________________
يتذاكر به الناس ؛
من أنه يضع يده في يد يزيد ، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين. ولكنه قال
: دعوني أرجع إلى المكان الّذي أقبلت منه ، أو دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة ،
حتّى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس ، فلم يفعلوا.
٧٧٢ ـ (رواية أخرى)
للخصال التي عرضها الحسين عليهالسلام :
(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ج ٢ ص ٥)
أما ابن قتيبة
فيورد رواية أخرى لا بأس بإثباتها ، وفيها تصحيف بين عمر ابن سعد (وعمرو بن سعيد)
، وبين شمر بن ذي الجوشن (وشهر بن حوشب) يقول :
ثم بعث عبيد الله
بن زياد (عمرو بن سعيد) يقاتلهم. قال الحسين عليهالسلام : يا عمرو ، اختر مني ثلاث خصال : إما أن تتركني أرجع كما
جئت ، فإن أبيت هذه فأخرى ، سيّرني إلى الترك أقاتلهم حتّى أموت ، أو تسيّرني إلى
يزيد فأضع يدي في يده ، فيحكم فيّ بما يريد.
فأرسل عمرو إلى
ابن زياد بذلك ، فهمّ أن يسيّره إلى يزيد ، فقال له (شهر بن حوشب) : قد أمكنك الله
من عدوك وتسيّره إلى يزيد؟!. والله لئن سار إلى يزيد لا رأى مكروها ، وليكوننّ من
يزيد بالمكان الّذي لا تناله أنت منه ، ولا غيرك من أهل الأرض. لا تسيّره ولا
تبلعه ريقه حتّى ينزل على حكمك.
(قال) فأرسل إليه
يقول : لا ، إلا أن تنزل على حكمي. فقال الحسين عليهالسلام : أنزل على حكم ابن الزانية؟!. لا والله لا أفعل. الموت دون
ذلك وأحلى.
(قال) وأبطأ (عمرو
بن سعيد) عن قتاله ، فأرسل عبيد الله بن زياد إلى (شهر بن حوشب) أن تقدم عمرا
يقاتل ، وإلا فاقتله وكن أنت مكانه.
مكيدة الشّمر
٧٧٣ ـ شمر يدبّر
مكيدة لعمر بن سعد ليتولى مكانه :
(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٥١ ط ٣ نجف)
ولما قرأ ابن زياد
كتاب ابن سعد ، قال : هذا كتاب ناصح مشفق على قومه. وهمّ ابن زياد أن يجيبه إلى
ذلك.
فقال شمر بن ذي
الجوشن الكلابي : أتقبل هذا منه بعد أن نزل بأرضك؟. والله
لئن رحل من بلادك
ولم يضع يده في يدك ، ليكوننّ أولى بالقوة منك ، وتكون أولى بالضعف والوهن منه ،
فلا ترض إلا بنزوله على حكمك.
فاستصوب رأيه ،
وقال له : نعم ما رأيت.
٧٧٤ ـ كتاب ابن
زياد إلى عمر بن سعد (٤) بواسطة شمر بن ذي الجوشن ، يستنكر عليه لينه وتساهله مع
الحسين عليهالسلام :
(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٧ ط نجف)
ثم أنفذ ابن زياد
بشمر بن ذي الجوشن إلى ابن سعد بكتاب فيه : إني لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه ولا
لتطاوله ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتعتذر له عندي ، ولا لتكون له شافعا.
فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إليّ سالمين ، وإن أبوا
فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم ، فإنهم لذلك مستحقون. فإن قتل الحسين فأوطئ
الخيل صدره وظهره ، فإنه عاقّ شاقّ قاطع ظلوم .. فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء
السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل أمرنا وجندنا ، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين
العسكر ، فإنا قد أمّرناه بأمرنا . (وفي رواية : فإنه أشدّ منك حزما ، وأمضى منك عزما ). وكان أمر شمرا أنه إن لم يفعل بما فيه ، فاضرب عنقه وأنت
الأمير.
وجاء في (مقتل
الحسين) للمقرم ، ص ٢٥٢ تتمة ذلك :
فلما جاء الشمر
بالكتاب ، قال له ابن سعد : ويلك لا قرّب الله دارك ، وقبّح الله ما جئت به ، وإني
لأظن أنك الّذي نهيته وأفسدت علينا أمرا رجونا أن يصلح. والله لا يستسلم «حسين»
فإن نفس أبيه بين جنبيه.
فقال الشمر :
أخبرني ما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك ، وإلا فخلّ بيني وبين العسكر. فقال له عمر
: أنا أتولى ذلك ولا كرامة لك ، ولكن كن أنت على الرجالة .
٧٧٥ ـ وصول كتاب
ابن زياد إلى عمر بن سعد مع الشمر وتأففه منه :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٨ ط ٢ نجف)
قال الواقدي :
ولما وصل شمر إلى عمر بن سعد ، ناداه عمر بن سعد : لا أهلا
__________________
والله بك ولا سهلا
يا أبرص ، لا قرّب الله دارك ، ولا أدنى مزارك ، وقبّح ما جئت به. ثم قرأ الكتاب ،
وقال : والله لقد ثنيته عما كان في عزمه ولقد أذعن ، ولكنك شيطان فعلت ما فعلت.
فقال له شمر : إن فعلت ما قال الأمير ، وإلا فخلّ بيني وبين العسكر.
فبعث عمر إلى
الحسين عليهالسلام فأخبره بما جرى. فقال عليهالسلام : والله لا وضعت يدي في يد ابن مرجانة أبدا.
عرض الأمان
٧٧٦ ـ سبب كتابة
ابن زياد أمانا للعباس وإخوته عليهمالسلام :
(الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٦٦)
وكان عند ابن زياد
رجل يقال له عبد الله بن أبي المحل بن حزام العامري ، وكانت عمته «أم البنين فاطمة
بنت حزام». فقال : أصلح الله الأمير!. إن علي بن أبي طالب عليهالسلام قد كان عندنا ههنا بالكوفة ، فخطب إلينا فزوّجناه بنتا ،
يقال لها : أم البنين بنت حزام (الكلابية) ، فولدت له العباس وعبد الله وجعفرا
وعثمان ، فهم بنو أختنا ، وهم مع الحسين أخيهم ، فإن رسمت لنا أن نكتب إليهم كتابا
بأمان منك عليهم متفضّلا. فقال عبيد الله بن زياد : نعم وكرامة لكم. اكتبوا إليهم
بما أحببتم ، ولهم عندي الأمان.
فكتب عبد الله بن
أبي المحل إليهم بكتاب الأمان من عبيد الله بن زياد ، ودفع الكتاب إلى غلام له
يقال له عرفان (وفي رواية الطبري : كزمان) حتّى أوصله إليهم. فلما قرأه الحسين عليهالسلام قال للرسول : لا حاجة لنا في أمانك ، فإن أمان الله خير من
أمان ابن مرجانة (وفي رواية ابن الأثير : ابن سمية).
٧٧٧ ـ الشّمر يعرض
الأمان على بني أخته والعباس :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٦)
وأقبل شمر بن ذي
الجوشن على عسكر الحسين عليهالسلام ونادى بأعلى صوته : أين بنو أختي [يقصد العباس وإخوته] ،
أين عبد الله وعثمان وجعفر بنو علي ابن أبي
طالب ؟ فسكتوا. فقال الحسين عليهالسلام : أجيبوه ولو كان فاسقا ، فإنه بعض أخوالكم. فنادوه : ما
شأنك وما تريد؟. فقال : يا بني أختي أنتم آمنون ، فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم
الحسين ، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية. فناداه العباس بن علي عليهالسلام : تبّت يداك يا شمر ، لعنك الله ولعن ما جئت به من أمانك
هذا ، يا عدو الله. (وفي رواية : لعنك الله ولعن أمانك ، أتؤمننا وابن رسول الله
لا أمان له ؟). أتأمرنا أن نترك أخانا الحسين بن فاطمة عليهالسلام وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء ؟.
فرجع شمر إلى
عسكره مغيظا.
__________________
الفصل التاسع عشر
اليوم التاسع من المحرم
(وعشية يوم التاسع)
|
(الخميس في ٩ محرم الحرام سنة ٦١ ه)
|
٧٧٨ ـ مكالمة
الحسين عليهالسلام للقوم ونصيحته لهم :
(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٦)
قال اليعقوبي :
فلما كان من الغد ، خرج الحسين عليهالسلام فكلّم القوم ، وعظّم عليهم حقّه ، وذكّرهم الله عزوجل ورسوله ، وسألهم أن يخلّوا بينه وبين الرجوع ، فأبوا إلا
قتاله ، أو أخذه حتّى يأتوا به عبيد الله بن زياد. فجعل يكلم القوم بعد القوم ،
والرجل بعد الرجل ، فيقولون : ما ندري ما تقول!.
٧٧٩ ـ خطبة للحسين
عليهالسلام ينصح فيها القوم : (مقتل أبي مخنف ص ٦٠)
لما أصبح الحسين عليهالسلام أذّن وأقام وصلى بأصحابه. فلما فرغ استدعى بدرع جده رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتعمم بعمامته السحاب ، وتقلّد بسيف أبيه ذي الفقار ، ونزل
إلى القوم وقال : أيها الناس ، اعلموا أن الدنيا دار فناء وزوال ، متغيّرة بأهلها
من حال إلى حال.
معاشر الناس ،
عرفتم شرائع الإسلام ، وقرأتم القرآن ، وعلمتم أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم رسول الملك الديّان ، ووثبتم على قتل ولده ظلما وعدوانا.
معاشر الناس ، أما
ترون إلى ماء الفرات يموج كأنه بطون الحيات ، يشربه اليهود والنصارى ، والكلاب
والخنازير ، وآل رسول الله يموتون عطشا!. فقالوا له : اقصر عن هذا الكلام فلن تذوق
الماء ولا أحد من أصحابك ، بل تذوق الموت غصة بعد غصة. فلما سمع الحسين عليهالسلام كلامهم رجع إلى أصحابه وقال لهم : إن القوم (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ
فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ
الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (١٩) [المجادلة :
١٩].
٧٨٠ ـ الحسين عليهالسلام يبعث أنس بن كاهل لينصح عمر بن سعد :
(مقتل أبي مخنف ، ص ٦١)
قال : ودعا عليهالسلام برجل من أصحابه يقال له «أنس بن كاهل «وقال له : امض إلى
هؤلاء القوم وذكّرهم الله تعالى ورسوله ، عساهم يرجعون عن قتالنا ، وأعلم أنهم لا
يرجعون ، ولكن لتكون لي عليهم حجة يوم القيامة.
قال : فانطلق أنس
حتّى دخل على ابن سعد وهو جالس فلم يسلّم عليه. فقال له :
يا أخا كاهل ما
منعك أن تسلّم عليّ ، ألست مؤمنا مسلما؟. والله ما كفرت وقد عرفت الله ورسوله.
فقال له أنس : كيف عرفت الله ورسوله وأنت تريد أن تقتل ولده وأهل بيته ومن نصرهم؟
فنكّس ابن سعد رأسه وقال : إني أعلم أن قاتلهم في النار لا محالة ، ولكن لا بدّ أن
أنفذّ أمر الأمير عبيد الله بن زياد. فرجع أنس إلى الحسين عليهالسلام وأخبره بما قاله.
٧٨١ ـ الزحف
المباشر : الجيش الأموي بقيادة عمر بن سعد يزحف لقتال الحسين عليهالسلام بعد صلاة العصر : (لواعج الأشجان للأمين ، ص ٤٠٣)
ونهض عمر بن سعد
عشية الخميس لتسع خلون من المحرم ، ونادى في عسكره بالزحف نحو الحسين عليهالسلام ، وقال : يا خيل الله اركبي ، وبالجنة أبشري. فركب الناس ،
ثم زحف نحوهم بعد العصر.
وكان الحسين عليهالسلام جالسا أمام بيته محتبيا بسيفه ، وخفق برأسه فرأى رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «إنك صائر إلينا عن قريب».
(وفي رواية) أنه عليهالسلام جلس فرقد ، ثم استيقظ وقال : يا أختاه رأيت الساعة جدي
محمدا وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي الحسن عليهالسلام وهم يقولون : يا حسين إنك رائح إلينا غدا.
٧٨٢ ـ زينب عليهاالسلام توقظ الحسين عليهالسلام : (الوثائق الرسمية ، ص ١٢٣)
وبينما الحسين عليهالسلام واضع رأسه بين ركبتيه ، سمعت الحوراء زينب بنت علي عليهالسلام الصيحة وضجّة الخيل ، فدنت من أخيها ، وقالت : يا أخي أما
تسمع الأصوات قد اقتربت؟. فنهض الحسين عليهالسلام قائما ، وقصّ عليها رؤياه. فلطمت أخته وجهها ، وقالت : يا
ويلتا!. فقال الحسين عليهالسلام : ليس لك الويل يا أخيّة ، اسكتي رحمك الرحمن.
٧٨٣ ـ العباس عليهالسلام يستعلم الأمر؟ : (مقتل المقرّم ، ص ٢٥٤)
فقال عليهالسلام لأخيه العباس : اركب «بنفسي أنت «حتّى تلقاهم ،
واسألهم عما جاءهم وما الّذي يريدون؟. فركب العباس في عشرين فارسا ، فيهم زهير بن
القين وحبيب بن مظاهر وسألهم عن ذلك. قالوا : جاء أمر الأمير أن نفرض عليكم النزول
على حكمه ، أو ننازلكم الحرب.
فانصرف العباس
يخبر الحسين عليهالسلام بذلك ، ووقف أصحابه يعظون القوم.
(وفي رواية مقتل
الخوارزمي ج ١ ، ص ٢٥٠) أنه لما بعث الحسين عليهالسلام أخاه العباس عليهالسلام ليستطلع خبر ابن سعد ، قال : يا هؤلاء ما شأنكم وما تريدون؟.
فقالوا : جاءنا الأمر من عبيد الله بن زياد أن نعرض عليكم ، إما أن تنزلوا على
الحكم وإلا ناجزناكم. فرجع العباس إلى الحسين عليهالسلام فأخبره بذلك ، فأطرق ساعة يفكر ، وأصحابه يخاطبون أصحاب
عمر بن سعد.
٧٨٤ ـ محاورة حبيب
بن مظاهر وزهير بن القين مع عسكر ابن سعد ، وبيان سبب عدول زهير إلى الحسين عليهالسلام :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٠)
فقال لهم حبيب بن
مظاهر الأسدي : أما والله لبئس القوم قوم يقدمون غدا على الله ورسوله وقد قتلوا
ذريته وأهل بيته ، المتهجّدين بالأسحار ، الذاكرين الله بالليل والنهار ، وشيعته
الأتقياء الأبرار. فقال له رجل من أصحاب ابن سعد يقال له عروة بن قيس (وفي رواية :
عزرة بن قيس ) : إنك لتزكّي نفسك ما استطعت!. فقال له زهير بن القين : (يا
عزرة إن الله قد زكّاها وهداها ). اتّق الله يابن قيس ولا تكن من الذين يعينون على الضلال
وقتل النفوس الزكية الطاهرة وعترة خير الأنبياء وذرية أصحاب الكساء. فقال له ابن
قيس : إنك لم تكن عندنا من شيعة أهل البيت ، وإنما
__________________
كنت عثمانيا نعرفك
، فكيف صرت ترابيا؟. فقال له زهير : إني كنت كذلك ، غير أني لما رأيت الحسين عليهالسلام مغصوبا على حقه ، ذكرت جده ومكانه منه ، فرأيت لنفسي أن
أنصره وأكون من حزبه ، وأجعل نفسي من دون نفسه ، حفظا لما ضيّعتم من حق الله وحق
رسوله. (وفي مقتل المقرم) قال عزرة : يا زهير ، ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا
البيت ، وإنما كنت على غير رأيهم!. قال زهير : أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم؟.
أما والله ما كتبت إليه كتابا قط ، ولا أرسلت إليه رسولا ولا وعدته نصرتي ، ولكن
الطريق جمع بيني وبينه ، فلما رأيته ذكرت به رسول الله ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم
عليه عدوه ، فرأيت أن أنصره وأن أكون من حزبه ، وأجعل نفسي دون نفسه ، حفظا لما
ضيّعتم من حق رسوله.
٧٨٥ ـ استمهال
القوم : الحسين عليهالسلام يطلب من ابن سعد الإمهال باقي اليوم للصلاة والدعاء : (مقتل
الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٠)
فقال الحسين
للعباس عليهالسلام : ارجع يا أخي إلى القوم ، فإن استطعت أن تصرفهم وتدفعهم
عنا باقي هذا اليوم فافعل ، لعلنا نصلي لربنا ليلتنا هذه وندعو الله ونستعينه
ونستنصره على هؤلاء القوم. (وفي رواية : ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غد ،
لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أني أحبّ الصلاة له وتلاوة
كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار ). فأقبل العباس إلى القوم وهم وقوف ، فقال لهم : يا هؤلاء
إن أبا عبد الله يسألكم الانصراف عنه باقي يومكم هذا حتّى ينظر في هذا الأمر ، ثم
نلقاكم به غدا إنشاء الله. فأخبر القوم أميرهم عمر بن سعد ، فقال لأصحابه : ما
ترون؟. قالوا له : أنت الأمير. فقال له عمرو بن الحجاج : سبحان الله العظيم ،
والله لو كان هؤلاء من الترك أو الديلم ، ثم سألونا هذه الليلة (وفي رواية : هذه
المنزلة ) لقد كان ينبغي أن تجيبوهم إلى ذلك ، فكيف وهم آل الرسول
محمّد؟!. فقال ابن سعد : أخبروهم أنّا أجّلناهم باقي يومنا هذا إلى
__________________
غد ، فإن استسلموا
ونزلوا على الحكم وجّهنا بهم إلى الأمير عبيد الله ، وإن أبوا ناجزناهم.
فانصرف الفريقان ،
وعاد كلّ إلى معسكره.
خطبة امتحان الأصحاب
٧٨٦ ـ خطبة امتحان
الأصحاب ، وفيها يختبر الحسين عليهالسلام أصحابه ويعطيهم الرخصة بمفارقته والتفرق عنه :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٦)
وجمع الحسين عليهالسلام أصحابه بين يديه ، ثم حمد الله وأثنى عليه وقال : الله م
لك الحمد على ما علّمتنا من القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، وأكرمتنا به من قرابة
رسولك محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، فاجعلنا من الشاكرين.
أما بعد ، فإني لا
أعلم أصحابا أصلح منكم ، ولا أعلم أهل بيت أبرّ ولا أوصل ولا أفضل من أهل بيتي ،
فجزاكم الله جميعا عني خيرا. إن هؤلاء القوم ما يطلبون أحدا غيري ، ولو قد أصابوني
وقدروا على قتلي لما طلبوكم أبدا. وهذا الليل قد غشيكم فقوموا واتّخذوه جملا.
وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من إخوتي ، وتفرّقوا في سواد هذا الليل ، وذروني
وهؤلاء القوم.
(وفي مقتل الحسين
للمقرم ، ص ٢٥٧) :
وجمع الحسين عليهالسلام أصحابه قرب المساء قبل مقتله بليلة فقال :
أثني على الله
أحسن الثناء ، وأحمده على السرّاء والضرّاء. الله م إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة
، وعلّمتنا القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، ولم
تجعلنا من المشركين.
أما بعد ، فإني لا
أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ،
فجزاكم الله عني جميعا . وقد أخبرني جدي رسول
__________________
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأني سأساق إلى العراق فأنزل أرضا يقال لها (عمورا وكربلاء)
وفيها أستشهد ، وقد قرب الموعد .
ألا وإني أظنّ
يومنا من هؤلاء الأعداء غدا ، وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ، ليس عليكم
مني ذمام. وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل
بيتي ، فجزاكم الله جميعا خيرا ، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم ، فإن القوم إنما
يطلبونني ، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري .
(وفي رواية مقتل
أبي مخنف ، ص ٦١) أنه قال :
معاشر المؤمنين ،
لست أعلم أصحابا أصبر منكم ، ولا أهل بيت أوفى وأفضل من أهل بيتي ، فجزاكم الله
عني أحسن الجزاء. وإني أظنّ أن آخر أيامي هذه مع هؤلاء القوم الظالمين ، وقد
أبحتكم فما في رقابكم مني ذمام وحرج. وهذا الليل قد انسدل عليكم ، فليأخذ كلّ رجل
منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في البيداء يمينا وشمالا ، عسى أن يفرّج الله
عنا وعنكم ، فإن القوم يطلبوني دونكم.
ردّ الآل والأصحاب
٧٨٧ ـ كلام أهل
البيت عليهمالسلام في الردّ على خطبة الحسين عليهالسلام :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)
فتكلم إخوة الحسين
عليهالسلام وجميع أهل بيته وقالوا : يابن رسول الله ، فماذا تقول
الناس ، وماذا نقول لهم؟. إنا تركنا شيخنا وسيدنا وابن بنت نبينا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم نرم معه بسهم ، ولم نطعن برمح ، ولم نضرب بسيف!. لا
والله يابن رسول الله لا نفارقك أبدا ، ولكنا نفديك بأنفسنا ونقتل بين يديك ونرد
موردك ، فقبّح الله العيش من بعدك.
(وفي مقتل المقرم
، ص ٢٥٨) فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر : لم نفعل ذلك
، لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا. بدأهم بهذا القول العباس بن علي عليهالسلام وتابعه الهاشميون.
__________________
والتفت الحسين عليهالسلام إلى بني عقيل وقال : حسبكم من القتل بمسلم ، اذهبوا قد
أذنت لكم. فقالوا : إذن ما يقول الناس وما نقول لهم ، إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني
عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن برمح ، ولم نضرب بسيف ، ولا
ندري ما صنعوا!. لا والله لا نفعل ، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل
معك حتّى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك .
٧٨٨ ـ كلام مسلم
بن عوسجة الأسدي : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)
ثم تكلم مسلم بن
عوسجة الأسدي فقال : يابن رسول الله أنحن نخلّيك هكذا وننصرف عنك ، وقد أحاط بك
هؤلاء الأعداء؟. لا والله لا يراني الله وأنا أفعل ذلك أبدا ، حتّى أكسر في صدورهم
رمحي ، وأضرب فيهم بسيفي ، ما ثبت قائمه بيدي. ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به
لقذفتهم بالحجارة ، ولم أفارقك حتّى أموت بين يديك. (وفي مقتل المقرم ص ٢٥٩) أنه
قال : أنحن نخلّي عنك؟!. وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ أما والله لا أفارقك
حتّى أطعن في صدورهم برمحي ، وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي .
٧٨٩ ـ كلام سعيد
بن عبد الله الحنفي : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)
ثم تكلم سعيد بن
عبد الله الحنفي فقال : لا والله يابن رسول الله لا نخلّيك أبدا ، حتّى يعلم الله
تبارك وتعالى أنا حفظنا فيك غيبة رسوله. ووالله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق
حيا ، يفعل بي ذلك سبعين مرة ، لما فارقتك أبدا حتّى ألقى حمامي من دونك. وكيف لا
أفعل ذلك ، وإنما هي قتلة واحدة ، ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا .
٧٩٠ ـ كلام زهير
بن القين البجلي : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)
ثم تكلم زهير بن
القين البجلي فقال : والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت فيك
__________________
ثم نشرت ، حتّى
أقتل فيك ألف مرة ، وأن الله قد دفع القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك
وأهل بيتك .
٧٩١ ـ كلام بقية
الأصحاب : (المصدر السابق)
وتكلم جماعة بنحو
هذا الكلام وقالوا : أنفسنا لك الفداء ، ونقيك بأيدينا ووجوهنا وصدورنا ، فإذا نحن
قتلنا بين يديك نكون قد وفيّنا وقضينا ما علينا.
٧٩٢ ـ الحسين عليهالسلام يرخّص لمحمد بن بشير الحضرمي بمفارقته ، فيأبى :
(اللهوف لابن طاووس ، ص ٣٩)
ووصل الخبر إلى
محمّد بن بشير الحضرمي في تلك الحال ، أن قد أسر ابنك بثغر الرّي!. فقال : عند
الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يؤسر وأنا أبقى بعده. فسمع الحسين عليهالسلام قوله ، فقال : رحمك الله أنت في حلّ من بيعتي ، فاعمل في
فكاك ابنك. فقال : أكلتني السباع حيا إن فارقتك. قال عليهالسلام : فأعط ابنك [الآخر] هذه الأثواب البرود يستعين بها في
فداء أخيه ، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.
٧٩٣ ـ جواب الحسين
عليهالسلام على كلمات أصحابه :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٠)
ولما عرف الحسين عليهالسلام من أصحابه صدق النية والإخلاص في المفاداة دونه ، أوقفهم
على غامض القضاء فقال : إني غدا أقتل ، وكلكم تقتلون معي ، ولا يبقى منكم أحد حتّى القاسم وعبد الله الرضيع ، إلا ولدي علي زين العابدين
، لأن الله لم يقطع نسلي منه ، وهو أبو أئمة ثمانية . فقالوا بأجمعهم : الحمد لله الّذي أكرمنا بنصرك وشرّفنا
بالقتل معك. أولا نرضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله!. فدعا لهم بالخير وكشف عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم الجنان
وعرّفهم منازلهم فيها .
__________________
٧٩٤ ـ الحسين عليهالسلام يري كل شهيد منزلته في الجنة ـ تجلّي الحقائق وانكشاف
الحجب : (أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٦٨)
بعد أن طلب الإمام
الحسين عليهالسلام من أصحابه التفرق عنه ليلة العاشر ، قالوا : الحمد لله
الّذي شرّفنا بالقتل معك. ثم دعا وقال لهم : ارفعوا رؤوسكم وانظروا ، فجعلوا
ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة ، وهو يقول لهم : هذا منزلك يا فلان ، وهذا
قصرك يا فلان ، وهذه زوجتك يا فلان .. فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره
ووجهه ليصل إلى منزله من الجنة.
وفي (علل الشرائع
للصدوق) مسندا عن عمارة ، عن الإمام الصادق عليهالسلام (قال) قلت له :
أخبرني عن أصحاب الحسين عليهالسلام وإقدامهم على الموت. فقال عليهالسلام : إنهم كشف لهم الغطاء حتّى رأوا منازلهم من الجنة. فكان
الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى الحور يعانقها ، وإلى مكانه من الجنة.
٧٩٥ ـ علي بن
مظاهر يريد بعث زوجته إلى أهلها ، فتأبى :
(الفاجعة العظمى للسيد عبد الحسين بن حبيب الموسوي ، ص ١٢١)
ويروى أن الحسين عليهالسلام في آخر خطبته [في امتحان الأصحاب] قال : أصحابي ، بني
عمومتي ، أهل بيتي ؛ ألا ومن كان في رحله امرأة فليبعث بها إلى أهلها ، فإن نسائي
تسبى ، وأخاف على نسائكم السبي.
فقام من بينهم علي
بن مظاهر الأسدي [أخو حبيب] وأقبل إلى خيمته ، فتبسمت زوجته في وجهه ، فقال لها :
دعينا والتبسّم ، قومي والحقي بابني عمك من بني أسد. فقالت : لم يابن مظاهر ، هل
فعلت معك مكروها؟ قال : حاشا لله. ولكن أما سمعت غريب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خطبنا في هذه الساعة؟. قالت : بلى ، ولكن سمعت في آخر
خطبته همهمة لا أعرفها. قال : خطبنا وقال : ألا ومن كان في رحله امرأة فليبعث بها
إلى أهلها.
فلما سمعت الحرة
ذلك نطحت رأسها بعمود الخيمة وقالت : ما أنصفتني يابن مظاهر ، أيسرّك أن زينب عليهاالسلام يسلب إزارها وأنا أتزيّن بإزاري؟!. أم يسرّك أن سكينة تسلب
قرطيها وأنا أتزين بقرطي؟!. لا كان ذلك أبدا. بل أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي
النساء.
فلما سمع منها ذلك
رجع إلى الحسين عليهالسلام فرآه جالسا ومعه أخوه
العباس عليهالسلام فسلّم عليهما وجلس ، وقال : سيدي أبت الأسدية أن تفارقكم.
فقال الحسينعليهالسلام : جزاكم الله خير الجزاء.
٧٩٦ ـ لا يقاتل
معي من عليه دين :
روى الثوري عن أبي
الجحّاف عن أبيه ، أن رجلا قال للحسين عليهالسلام : إن عليّ دينا. قال عليهالسلام : لا يقاتل معي من عليه دين (أخرجه الطبراني برقم ٢٨٧٢).
٧٩٧ ـ الضحاك بن
عبد الله المشرقي يعاهد الحسين عليهالسلام على نصرته ما لم يصبح عليهالسلام وحيدا : (تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ٣٢١ ط ليدن)
روى الطبري عن
الضحاك بن عبد الله المشرقي ، قال : قدمت مع مالك بن النضر الأرحبي على الحسين عليهالسلام ، فسلمنا عليه ثم جلسنا إليه. فردّ علينا ، ورحّب بنا
وسألنا عما جئنا له؟. فقلنا : جئنا لنسلّم عليك وندعو الله لك بالعافية ، ونحدث بك
عهدا ، ونخبرك خبر الناس. وإنا نحدّثك أنهم قد جمعوا على حربك ، فر رأيك. فقال
الحسين عليهالسلام : حسبي الله ونعم الوكيل. قال : فتذممنا وسلّمنا عليه
ودعونا الله له. قال : فما يمنعكما من نصرتي؟. فقال مالك بن النضر : عليّ دين ولي
عيال. فقلت له : إن عليّ دينا وإن لي عيالا ، ولكنك إن جعلتني في حلّ من الانصراف
إذا لم أجد مقاتلا ، قاتلت عنك ما كان لك نافعا وعنك دافعا.
(قال) قال عليهالسلام : فأنت في حلّ ، فأقمت معه.
(أقول) : وظل
الضحاك هذا يقاتل مع الحسين عليهالسلام حسب الاتفاق ، حتّى أصبح الحسين عليهالسلام وحيدا فريدا ، فانسلّ من المعركة وذهب إلى أهله.
٧٩٨ ـ كلام برير
بن خضير الهمداني ، ونصيحته لعمر بن سعد :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)
ثم تكلم برير بن
خضير الهمداني ، وكان من الزهاد الذين يصومون النهار ويقومون الليل. فقال : يابن
رسول الله ائذن لي أن آتي هذا الفاسق عمر بن سعد ، فأعظه لعله يتّعظ ويرتدع عما هو
عليه. فقال الحسين عليهالسلام : ذاك إليك يا برير. فذهب إليه حتّى دخل على خيمته فجلس
ولم يسلّم. فغضب عمر وقال : يا أخا همدان ، ما منعك من السلام عليّ ، ألست مسلما
أعرف الله ورسوله وأشهد بشهادة الحق؟. فقال له برير : لو كنت عرفت الله ورسوله كما
تقول ، لما خرجت إلى عترة رسول الله تريد قتلهم. وبعد فهذا الفرات يلوح بصفائه
ويلج كأنه بطون الحيات ،
تشرب منه كلاب
السواد وخنازيرها ، وهذا الحسين بن علي وإخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشا ، وقد
حلت بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه ، وتزعم أنك تعرف الله ورسوله!. فأطرق عمر بن
سعد ساعة إلى الأرض ، ثم رفع رأسه وقال : والله يا برير إني لأعلم يقينا أن كل من
قاتلهم وغصبهم حقهم هو في النار لا محالة ولكن يا برير أفتشير عليّ أن أترك ولاية الرّي فتكون لغيري
، فوالله ما أجد نفسي تجيبني لذلك. ثم قال :
دعاني عبيد الله
من دون قومه
|
|
إلى خطةّ ، فيها
خرجت لحيني
|
فوالله ما أدري
وإني لحائر
|
|
أفكّر في أمري
على خطرين
|
أأترك ملك الرّي
والريّ منيتي
|
|
أم ارجع مأثوما
بقتل حسين
|
وفي قتله النار
التي ليس دونها
|
|
حجاب ، وملك
الرّيّ قرّة عيني
|
فرجع برير إلى
الحسين عليهالسلام وقال : يابن رسول الله إن ابن سعد قد رضي لقتلك بولاية
الري .
ليلة العاشر من المحرم
(يقول السيد عبد
الرزاق المقرّم في مقتله ، ص ٢٦٢) :
كانت ليلة عاشوراء
أشدّ ليلة مرّت على أهل بيت الرسالة ..
حفّت بالمكاره
والمحن وأعقبت الشر وآذنت بالخطر.
وقد قطعت عنهم
عصابة الضلال من بني أمية وأتباعهم كلّ الوسائل الحيوية.
وهناك ولولة
النساء وصراخ الأطفال من العطش المبرّح والهمّ المدلهم.
٧٩٩ ـ الحسين عليهالسلام ونافع بن هلال يتفقدان التلال حول المخيّم ، واختبار
الحسين عليهالسلام لنافع : (الوثائق الرسمية ، ص ١٣٢)
ثم إن الحسين عليهالسلام خرج ليلا وحده ، ليختبر الثنايا والعقبات والأكمات المشرفة
على المنزل ، وإذا بنافع بن هلال خلفه. فقال له الحسين عليهالسلام : من
__________________
الرجل؟. قال :
نافع جعلت فداك يابن رسول الله. قال الحسين عليهالسلام : ما أخرجك في هذا الليل يا نافع؟. قال : سيدي أزعجني
خروجك ليلا إلى جهة هذا الباغي. قال عليهالسلام : خرجت أتفقد هذه التلعات مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الخيل
على مخيمنا ، يوم يحملون وتحملون.
ثم إنه عليهالسلام رجع وهو قابض على يسار نافع ، وهو يقول : هي هي والله ،
وعد لا خلف فيه. ثم قال لنافع : ألا تسلك بين هذين الجبلين ، وانج بنفسك؟. قال
نافع : سيدي إذن ثكلت نافعا أمّه. إن سيفي بألف ، وفرسي بمثله ، فوالله الّذي منّ
عليّ بك في هذا المكان ، لن أفارقك أبا عبد الله حتّى يكلّا عن فري وجري .
٨٠٠ ـ شهادة
الحسين عليهالسلام بأصحابه حين استعلمت زينب عليهاالسلام عن حالهم :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٥)
ثم إن الحسين عليهالسلام فارق نافعا ، ودخل خيمة أخته زينب عليهاالسلام. فوضعت له متكأ ، وجلس يحدثها سرا. ونافع واقف ينتظر خروج
الحسين عليهالسلام.
قالت زينب لأخيها
الحسين عليهالسلام : هل استعلمت من أصحابك نياتهم؟. فإني أخشى أن يسلموك عند
الوثبة. فقال لها : والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس ، يستأنسون
بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه.
٨٠١ ـ الأصحاب
يكرّمون خاطر نسوة أهل البيت عليهمالسلام :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٦)
وقال الحسين عليهالسلام لأصحابه : هلمّوا معي لنواجه النسوة ونطيّب خاطرهن. فجاء
حبيب بن مظاهر ومعه أصحابه وصاح : يا معشر حرائر رسول الله ، هذه صوارم فتيانكم
آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم ، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا
يركزوها إلا في صدور من يفرّق ناديكم.
فخرجن النساء
إليهم ببكاء وعويل ، وقلن : أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمير
المؤمنين.
فضجّ القوم
بالبكاء حتّى كأن الأرض تميد بهم .
__________________
٨٠٢ ـ وصية الإمام
الحسن لأخيه الحسين عليهالسلام عند احتضاره :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦١ ط نجف)
فلما كانت الليلة
التي قتل الحسين عليهالسلام في صبيحتها ، قام يصلي ويدعو ويترحم على أخيه الحسن عليهالسلام. وذلك لأن الحسن عليهالسلام قال له لما احتضر : يا أخي اسمع ما أقول ، إن أباك لما قبض
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تسوّف إلى هذا الأمر رجاء أن يكون صاحبه ، فصرف عنه إلى
غيره. فلما احتضر أبو بكر تسوّف أن يكون صاحبه ، فصرف عنه إلى عمر. فلما احتضر عمر
تسوّف أن يكون صاحبه ، فصرف عنه إلى عثمان. تجرّد أبوك للطلب بالسيف ولم يدركه ،
وأبى الله أن يجعل فينا أهل البيت النبوة والدنيا أو الخلافة أو الملك. فإياك وسفهاء أهل الكوفة ، أن يستخفّوك فيخرجوك
ويسلموك ، ولات حين مناص.
٨٠٣ ـ ليلة الوداع
: ليلة صلاة ودعاء ، وتوجّه إلى الله :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٦ ط نجف)
وجاء الليل ، فبات
الحسين عليهالسلام وأصحابه الليل كله يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون ،
وباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل ، ما بين راكع وساجد ، وقائم وقاعد.
وفي ذلك يقول
العلامة المجتهد السيد محسن الأمين رحمهالله :
باتوا وبات
إمامهم ما بينهم
|
|
ولهم دويّ حوله
ونحيب
|
من راكع أو ساجد
أو قارئ
|
|
أو من يناجي
ربّه وينيب
|
منهم (زهير)
زاهر الأفعال يت
|
|
لوه (برير) (ومسلم)
(وحبيب)
|
فتأثر بهذا الجو
الواقعي نفر من الجيش الأموي ، من ذوي الضمائر الحية ، التي كانت عليها غشاوة ضلال
، فانجلت بهذا الجو المشحون إيمانا وتقى وهدى.
وعبر إليهم في تلك
الليلة من عسكر عمر بن سعد ٣٢ رجلا ...
__________________
٨٠٤ ـ الذين
تسللوا في جنح الليل إلى الحسين عليهالسلام :
(إبصار العين للشيخ السماوي ، ص ٨)
فجعل يتسلل إلى
الحسين عليهالسلام من أصحاب عمر بن سعد في ظلام الليل ، الواحد والاثنان ،
حتّى بلغوا في اليوم العاشر زهاء ثلاثين ، ممن هداهم الله إلى السعادة ووفقهم
للشهادة.
٨٠٥ ـ محاورة برير
بن خضير مع جماعة الشّمر ، فيمن هم الطيبون؟ وثناء الحسين عليه :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥١)
وجاء شمر بن ذي
الجوشن في نصف الليل يتجسس ومعه جماعة من أصحابه ، حتّى قارب معسكر الحسين عليهالسلام فسمعه يتلو قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ، إِنَّما
نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ، وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ* ما كانَ اللهُ
لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ
مِنَ الطَّيِّبِ) «آل عمران ١٧٩».
فصاح رجل من أصحاب
شمر : نحن وربّ الكعبة الطيبون ، وأنتم الخبيثون ، وقد ميّزنا الله منكم . فقطع برير بن خضير الهمداني صلاته ثم نادى : يا فاسق يا
فاجر يا عدوّ الله يابن البوّال على عقبيه ، أمثلك يكون من الطيبين والحسين ابن
رسول الله من الخبيثين!. والله ما أنت إلا بهيمة لا تعقل ما تأتي وما تذر ، فأبشر
يا عدو الله بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فصاح شمر : إن الله قاتلك وقاتل
صاحبك عن قريب. فقال برير : أبالموت تخوّفني ، والله إن الموت مع ابن رسول الله
أحبّ إليّ من الحياة معكم ، والله لا نالت شفاعة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم قوما أراقوا دماء ذريته وأهل بيته.
فجاء إليه رجل من
أصحابه وقال : يا برير ، إن أبا عبد الله يقول لك : ارجع إلى موضعك ولا تخاطب
القوم ، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء فلقد نصحت وأبلغت
في النصح والدعاء.
__________________
٨٠٦ ـ مقاربة
البيوت من بعضها ليقاتلوا العدوّ من وجه واحد :
(إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢٣٢)
ثم أمر الحسين عليهالسلام أصحابه أن يقرّب بعضهم بيوتهم من بعض ، وأن يدخلوا الأطناب
بعضها في بعض ، وأن يكونوا بين البيوت ، فيقبلوا القوم من وجه واحد ، والبيوت من
ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، قد حفّت بهم إلا الوجه الّذي يأتيهم منه عدوهم.
٨٠٧ ـ حفر خندق
وراء البيوت في ساعة متأخرة من الليل :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٥)
ثم إن الحسين عليهالسلام أمر أصحابه أن يقاربوا البيوت بعضها من بعض ليستقبلوا
القوم من وجه واحد ، وأمر بحفر خندق من وراء البيوت يوضع فيه الحطب ويلقى عليه
بالنار إذا قاتلهم العدو ، كيلا تقتحمه الخيل ، فيكون القتال من وجه واحد .
(وفي مقتل
الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٨) :
فلما أيس الحسين عليهالسلام من القوم ، وعلم أنهم مقاتلوه ، قال لأصحابه : قوموا
فاحفروا لنا حفيرة شبه الخندق حول معسكرنا ، وأجّجوا فيها نارا ، حتّى يكون قتال
هؤلاء القوم من وجه واحد ، فإنهم لو قاتلونا وشغلنا بحربهم لضاعت الحرم.
فقاموا من كل
ناحية فتعاونوا واحتفروا الحفيرة. ثم جمعوا الشوك والحطب فألقوه في الحفيرة ،
وأجّجوا فيها النار.
(وفي الوثائق
الرسمية للسيد عبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٤٠) :
ثم إنه عليهالسلام أمر أصحابه أن يحفروا خندقا من وراء البيوت ، ويضعوا فيه
الحطب ، ويضرموا فيها النار في الغداة ، لئلا يهجم القوم من وراء الخيام.
٨٠٨ ـ رؤيا الحسين
عليهالسلام وخبر من يقتله واقتراب أجله :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥١)
__________________
فلما كان وقت
السحر خفق الحسين عليهالسلام برأسه خفقة ثم استيقظ فقال : أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟. قالوا
: فما رأيت يابن رسول الله؟. قال : رأيت كلابا قد شدّت عليّ لتنهشني وفيها كلب
أبقع رأيته كأشدها عليّ ، وأظن الّذي يتولى قتلي رجل أبرص من هؤلاء القوم. ثم إني
رأيت بعد ذلك جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي :
يا بنيّ أنت شهيد
آل محمّد ، وقد استبشر بك أهل السموات وأهل الصفيح الأعلى ، فليكن إفطارك عندي
الليلة. عجّل يا بنيّ ولا تتأخر ، فهذا ملك نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة
خضراء . فهذا ما رأيت وقد أزف الأمر واقترب الرحيل من هذه الدنيا.
__________________
الفصل العشرون
يوم عاشوراء
|
(الجمعة في ١٠ محرّم سنة ٦١ ه)
[الموافق ١٠ ت ١ سنة ٦٨٠ م]
|
دم ودموع ، وسموّ واستعلاء ...
وألم يفري الضلوع ، وعزّة للنفس وإباء ...
تلك ذكرى أبي عبد الله الحسين عليهالسلام يوم عاشوراء ...
في هذا اليوم
الحالك ارتكب الحكم الأموي أبشع مجزرة دموية عرفها التاريخ. والذين قاموا بهذه
المجزرة الرهيبة لم يتخلّوا فقط عن قوانين الإسلام ، بل انسلخوا حتّى من الأخلاق
العربية والمبادئ الإنسانية.
تصوّروا أن مجموعة
صغيرة من المؤمنين الملتزمين ، تحيط بهم جحافل جرّارة من جيوش عرمرمة ، حتّى ملكت
عليهم أقطار الأرض والسماء ، ومنعتهم من كل شيء حتّى من الماء.
ولم يكن خوف
الحسين عليهالسلام من كثرة أعدائه ، ولم تكن دهشته من أنواع أسلحته وعتاده ،
بأكثر من خوفه على تلك النفوس المريضة التي هامت في الباطل ، ودهشته أن كيف استطاع
الأفاّكون أن يضلّوهم إلى هذا الحد ، ويجعلوهم يسيرون لقتل إمامهم ومن وجبت طاعته
في أعناقهم!.
٨٠٩ ـ استسقاء رهط
الحسين عليهالسلام واستعدادهم للموت :
(دائرة المعارف للشيخ محمّد حسين الأعلمي ، ج ١٥ ص ١٧١)
وطلع فجر اليوم
العاشر من المحرم ، وأرسل الحسين عليهالسلام ابنه عليا في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، ليسقوا الماء ،
وهم في وجل شديد.
فقام الحسين عليهالسلام ونادى أصحابه ، وأمرهم بالصلاة ، فتيمموا بدلا من الوضوء
لعدم توفر الماء ، وأقام بنفسه وصلّى بأصحابه صلاة الصبح.
فلما فرغ رفع يديه
إلى السماء ، وقد أخذ المصحف بيده اليمنى ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : إن الله
قد أذن في قتلكم وقتلي ، وكلكم تقتلون في هذا اليوم إلا ولدي علي بن الحسين عليهالسلام ، فاتقوا الله يا قوم واصبروا.
٨١٠ ـ خطبة الحسين
عليهالسلام في صباح اليوم الّذي استشهد فيه :
(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٥)
عن رجل من همدان ،
قال : خطبنا الحسين بن علي عليهالسلام غداة اليوم الّذي استشهد فيه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
عباد الله ، اتقوا
الله ، وكونوا من الدنيا على حذر. فإن الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد ،
كانت الأنبياء أحق بالبقاء ، وأولى بالرضا وأرضى بالقضاء. غير أن الله تعالى خلق
الدنيا للبلاء ، وخلق أهلها للفناء. فجديدها بال ، ونعيمها مضمحلّ ، وسرورها
مكفهرّ. والمنزل بلغة ، والدار قلعة. فتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى ، فاتقوا الله
لعلكم تفلحون.
(وفي الوثائق
الرسمية ، ص ١٤١) :
فتباشر أصحاب
الحسين عليهالسلام بلقاء ربهم ، وأنهم سيقدمون على روح وريحان ، وجنة عرضها
السموات والأرض ، خالدين فيها أبدا. وإذا بهم فرحين يمازح بعضهم بعضا.
٨١١ ـ استبشار
أصحاب الحسين عليهالسلام بالشهادة والقدوم على الجنة :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٢٦ ط ٤)
وأمر الحسين عليهالسلام بفسطاط فضرب ، وأمر بجفنة فيها مسك كثير ، وجعل فيها نورة [أي
كلسا] ثم دخل ليطلّي. فروي أن برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربه
الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ، وازدحما أيهما يطّلي بعده ، فجعل برير يضاحك عبد
الرحمن ، فقال له عبد الرحمن : يا برير (أتضحك؟) ما هذه ساعة
__________________
باطل!. فقال برير
: لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ، وإنما أفعل ذلك استبشارا بما
نصير إليه ، فوالله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ثم
نعانق الحور العين. (وفي رواية : لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ،
ولكني مستبشر بما نحن لاقون. والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا
هؤلاء بأسيافهم ، ولوددت أنهم مالوا علينا الساعة ).
وخرج حبيب بن
مظاهر يضحك ، فقال له يزيد بن الحصين : ما هذه ساعة ضح!. قال حبيب : وأي موضع أحقّ
بالسرور من هذا. ما هو إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور .
٨١٢ ـ تعبئة
الحسين عليهالسلام أصحابه يوم عاشوراء :
(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٤)
ولما أصبح الحسين عليهالسلام يوم الجمعة عاشر محرم (وفي رواية : يوم السبت) عبّأ أصحابه
، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا. وعن الإمام الباقر عليهالسلام أنهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل. فجعل على ميمنته
: زهير بن القين ، وعلى مسيرته : حبيب بن مظاهر ، ودفع اللواء إلى أخيه : العباس
بن علي ، وثبت عليهالسلام مع أهل بيته في القلب. وجعلوا البيوت في ظهورهم.
٨١٣ ـ إضرام الخندق بالحطب :
(لواعج الأشجان
للسيد الأمين ، ص ١٠٧ ط نجف) وأمر عليهالسلام بحطب وقصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كانوا قد
حفروه هناك في ساعة من الليل ، وأن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم ،
فنفعهم ذلك.
٨١٤ ـ تعبئة عمر
بن سعد جيشه : (مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٤)
وعبّأ عمر بن سعد
أصحابه ، فجعل على الميمنة : عمرو بن الحجاج ، وعلى الميسرة: شمر بن ذي الجوشن ،
وعلى الخيل : عروة بن قيس ، وعلى الرجّالة : شبث بن ربعي ، وأعطى رايته : دريدا
مولاه. وكان جنده اثنين وعشرين ألفا يزيد أو ينقص.
__________________
(وفي كامل ابن
الأثير ، ج ٣ ص ٣٨٥) :
وكان الرؤساء في
الكوفة أربعة :
فجعل على ربع أهل
المدينة : عبد الله بن زهير الأزدي.
وعلى ربع ربيعة
وكندة : قيس بن الأشعث بن قيس.
وعلى ربع مذحج
وأسد : عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي.
وعلى تميم وهمدان
: الحر بن يزيد الرياحي.
٨١٥ ـ دعاء الحسين
عليهالسلام وفيه يبدي ثقته بالله :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٨ ط نجف)
ثم ركب الحسين عليهالسلام دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه ، ثم إنه أناخ راحلته ، وأمر
عقبة بن سمعان فعقلها. ثم ركب فرسه وتهيأ للقتال.
فروي عن الإمام
علي بن الحسين عليهالسلام أنه قال : لما صبّحت خيل الحسين عليهالسلام ونظروا إلى جمعهم كأنه السيل رفع يديه بالدعاء وقال :
اللهم أنت ثقتي في
كل كرب ، ورجائي في كل شدة ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدّة. كم من همّ يضعف
فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو ؛ أنزلته بك
وشكوته إليك ، رغبة مني إليك عمن سواك ، فكشفته وفرّجته ، فأنت وليّ كل نعمة ،
ومنتهى كل رغبة .
٨١٦ ـ قول الشمر
للحسين عليهالسلام : تعجلت بالنار قبل يوم القيامة :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٩ ط نجف)
وركب أصحاب عمر بن
سعد ، وأقبلوا يجولون حول بيوت الحسين عليهالسلام فيرون النار تضطرم في الخندق. فنادى شمر بأعلى صوته : يا
حسين تعجّلت بالنار قبل يوم القيامة. فقال الحسين عليهالسلام : من هذا؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن. فقالوا : نعم. قال : يابن
راعية المعزى ، أنت أولى بها (مني) صليّا.
ورام مسلم بن
عوسجة أن يرميه بسهم ، فمنعه الحسين عليهالسلام من ذلك. فقال له : دعني حتّى أرميه ، فإنه الفاسق من أعداء
الله وعظماء الجبارين ، وقد أمكن الله منه.
فقال له الحسين عليهالسلام : لا ترمه ، فإني أكره أن أبدأهم بقتال.
__________________
(وفي تذكرة الخواص
لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٢) :
ثم ناداه محمّد بن
الأشعث : أبشر ، الساعة ترد الجحيم. فقال عليهالسلام : من هذا؟. فقالوا : ابن الأشعث. فقال : لعنك الله وقومك.
الآيات الباهرة
٨١٧ ـ ابن أبي
جويرية يسقط في النار :
(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٣١٧ ط ٣)
وأقبل رجل من عسكر
عمر بن سعد على فرس له يقال له : ابن أبي جويرية المزني. فلما نظر إلى النار تتّقد
صفّق بيده ونادى : يا حسين وأصحاب حسين ، أبشروا بالنار!. فقد تعجلتموها في
الدنيا. فقال الحسين عليهالسلام : من الرجل؟. فقيل : ابن أبي جويرية المزني. فقال الحسين عليهالسلام : الله م أذقه عذاب النار في الدنيا. فنفر به فرسه وألقاه
في تلك النار ، فاحترق.
٨١٨ ـ محاورة مالك
بن جريرة مع الحسين عليهالسلام وقد أشعل عليهالسلام النار في الخندق حول معسكره :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٨)
وأقبل رجل من عسكر
عمر بن سعد يقال له مالك بن جريرة على فرس له حتّى وقف على الحفيرة ، وجعل ينادي
بأعلى صوته : أبشر يا حسين فقد تعجلت النار في الدنيا قبل الآخرة. فقال له الحسين عليهالسلام : كذبت يا عدو الله ، أنا قادم على رب رحيم ، وشفيع مطاع ،
ذاك جدي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. ثم قال الحسين عليهالسلام لأصحابه : من هذا؟. فقيل له : هذا مالك بن جريرة. فقال
الحسين عليهالسلام : الله م جرّه إلى النار وأذقه حرّها قبل مصيره إلى نار
الآخرة. فلم يكن بأسرع من أن شبّ به الفرس فألقاه على ظهره ، فتعلقت رجله في
الركاب ، فركض به الفرس حتّى ألقاه في النار ، فاحترق. فخرّ الحسين عليهالسلام ساجدا ، ثم رفع رأسه وقال : يا لها من دعوة ما كان أسرع
إجابتها .
__________________
٨١٩ ـ خبر ابن
حوزة : (مناقب آل أبي طالب ، ج ٣ ص ٢١٤ ط نجف)
عن ابن بطّة في (الإبانة)
وابن جرير في تاريخه : أن ابن حوزة نادى الحسين عليهالسلام ، فقال : يا حسين أبشر ، فقد تعجّلت النار في الدنيا قبل
الآخرة. قال : ويحك أنا!. قال : نعم. قال : ولي رب رحيم ، وشفاعة نبي مطاع. الله م
إن كان عبدك كاذبا فجرّه (أو : فحزه) إلى النار. قال : فما هو إلا أن ثنى عنان
فرسه ، فوثب فرمى به ، وبقيت رجله في الركاب ، ونفر الفرس فجعل يضرب برأسه كل حجر
وشجر ، حتّى مات.
(وفي رواية) :
الله م جرّه إلى النار ، وأذقه حرّها في الدنيا قبل مصيره إلى الآخرة. فسقط عن
فرسه في الخندق ، وكان فيه نار. فسجد الحسين عليهالسلام.
(وفي كامل ابن
الأثير ، ج ٣ ص ٣٨٩) :
فقال عليهالسلام : الله م حزه إلى النار. فغضب ابن حوزة من دعاء الحسين عليهالسلام وكان بينه وبين الحسين نهر ، فعلقت قدمه بالركاب ، وجالت
به الفرس فسقط عنها ، فانقطعت فخذه وساقه وقدمه ، وبقي جنبه الآخر متعلقا بالركاب
، يضرب به كل حجر وشجر ، حتّى مات.
٨٢٠ ـ اهتداء
مسروق بن وائل الحضرمي : (المصدر السابق)
وكان مسروق بن
وائل الحضرمي قد خرج معهم ، وقال : لعلّي أصيب رأس الحسينعليهالسلام ، فأصيب به منزلة عند ابن زياد!. فلما رأى ما صنع الله
بابن حوزة بدعاء الحسين عليهالسلام رجع ، وقال : لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا ، لا أقاتلهم
أبدا.
يقول السيد عبد
الكريم الحسيني القزويني في (الوثائق الرسمية) ص ١٦٤ :
وانتهت هذه
الواقعة بشقاوة ابن حوزة ، وكرامة للحسين عليهالسلام ، وهداية لابن وائل ، فهي شقاوة وكرامة وهداية.
٨٢١ ـ تميم بن
الحصين الفزاري يتوعد الحسين عليهالسلام بعدم ذوق الماء :
(أمالي الشيخ الصدوق ، ص ١٣٤ ط بيروت)
ثم برز من عسكر
عمر بن سعد رجل آخر يقال له : تميم بن الحصين الفزاري ، فنادى : يا حسين ويا أصحاب
الحسين ، أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيّات! والله لا ذقتم منه قطرة
حتّى تذوقوا الموت جزعا. فقال الحسين عليهالسلام :
من الرجل؟. فقيل :
تميم بن حصين. فقال الحسين عليهالسلام : هذا وأبوه في النار. الله م اقتل هذا عطشا في هذا اليوم.
فخنقه العطش ، حتّى سقط عن فرسه ، فوطئته الخيل بسنابكها فمات.
٨٢٢ ـ محمّد بن
الأشعث ينفي قرابة الحسين عليهالسلام للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ودعاء مولانا الحسين عليه ، فمات بادي العورة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٩)
ثم رفع الحسين عليهالسلام صوته وقال : الله م إنا أهل بيت نبيك وذريته وقرابته ،
فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا ، إنك سميع قريب. فسمعها محمّد بن الأشعث ، فقال : يا
حسين وأي قرابة بينك وبين محمّد؟ فقال الحسين : الله م إن محمّد بن الأشعث يقول
إنه ليس بيني وبين رسولك قرابة ، الله م فأرني فيه هذا اليوم ذلا عاجلا .. فما كان
بأسرع من أن تنحّى محمّد بن الأشعث وخرج من المعسكر ، فنزل عن فرسه وإذا بعقرب
سوداء خرجت من بعض الحجرة فضربته ضربة تركته متلوثا في ثيابه مما به.
(وفي لواعج
الأشجان ، ص ١٥١) أن محمّدا بن الأشعث قال : يا حسين أي حرمة لك من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليست لغيرك؟. فتلا الحسين عليهالسلام : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى
آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣)
ذُرِّيَّةً
بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) [آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤].
ثم قال : وإن محمدا لمن آل إبراهيم.
ثم رفع الحسين عليهالسلام رأسه إلى السماء فقال : الله م أر محمدا بن الأشعث ذلا في
هذا اليوم لا تعزّه بعده أبدا. فعرض له عارض ، فخرج من المعسكر يتبرّز ، فسلّط
الله عليه عقربا فلدغته ، فمات بادي العورة.
(وفي رواية ابن
شهراشوب في المناقب ، ج ٣ ص ٢١٥ ط نجف) :
فبرز ابن الأشعث للحاجة
، فلسعته عقرب على ذكره ، فسقط وهو يستغيث ، ويتقلّب على حدثه.
ترجمة محمّد بن الأشعث
(أسرة الغدر)
(وسيلة الدارين في أنصار الحسين ، ص ٨٧)
والده الأشعث بن
قيس الكندي.
روى ابن عبد البرّ
في (الاستيعاب) وابن حجر العسقلاني في (الإصابة) قال : إن الأشعث بن قيس أسلم في
زمان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم ارتدّ بعده. فأسره أبو بكر ، فرجع إلى الإسلام ، وزوّجه
أبو بكر أخته أم فروة ، فولدت منه محمّد بن الأشعث الّذي قاتل الحسينعليهالسلام يوم كربلاء.
وقد كان الأشعث في
صفوف الإمام علي عليهالسلام يدّعي نصرته وينافق لمعاوية. وكان له دور في صفين في تأليب
الناس ضدّ الإمام عليهالسلام لقبوله التحكيم ، ليخلق الفتنة بين المسلمين.
وعن الإمام الصادق
عليهالسلام قال : «إن الأشعث كان من مشاوري عبد الرحمن بن ملجم
المرادي في قتل الإمام علي عليهالسلام ، وسمّت بنته جعدة الإمام الحسن عليهالسلام ، وقاتل ابنه الخبيث محمّد بن الأشعث الإمام الحسين عليهالسلام يوم الطف». فيا لها من عائلة مجرمة.
خطبة الحسين الأولى يوم عاشوراء
٨٢٣ ـ نسبه
ومكانته من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٧٨)
ثم دعا الحسين عليهالسلام براحلته فركبها ، ونادى بصوت عال يسمعه جلّهم :
أيها الناس اسمعوا
قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حقّ لكم عليّ ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي
عليكم. فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي ، وأعطيتموني النّصف من أنفسكم ، كنتم بذلك
أسعد ، ولم يكن لكم عليّ سبيل ، وإن لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النّصف من
أنفسكم (فَأَجْمِعُوا
أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ
اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) (٧١) [يونس : ٧١].
(إِنَّ وَلِيِّيَ
اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (١٩٦) [الأعراف :
١٩٦].
ثم حمد الله وأثنى
عليه وصلّى على محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى الملائكة والأنبياء ، وقال في ذلك ما لا يحصى ذكره ،
ولم يسمع متكلم قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه ثم قال :
الحمد لله الّذي
خلق الدنيا ، فجعلها دار فناء وزوال ، متصرّفة بأهلها حالا بعد حال. فالمغرور من
غرّته ، والشقيّ من فتنته. فلا تغرّنكم هذه الدنيا ، فإنها تقطع رجاء من ركن إليها
، وتخيّب طمع من طمع فيها. وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم ،
وأعرض بوجهه الكريم عنكم ، وأحلّ بكم نقمته ، وجنّبكم رحمته ، فنعم الربّ ربّنا ،
وبئس العبيد أنتم. أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم!. لقد
استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم. فتّبا لكم ولما تريدون. إنا لله
وإنا إليه راجعون. هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعدا للقوم الظالمين .
فقال ابن سعد :
ويلكم كلّموه ، فإنه ابن أبيه. والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع ولما
حصر.
فتقدم شمر فقال :
يا حسين ما هذا الّذي تقول؟. أفهمنا حتّى نفهم.
(وفي سير أعلام
النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٣٠١) :
«فقال عليهالسلام : لا تعجلوا ، والله ما أتيتكم حتّى أتتني كتب أماثلكم ،
بأنّ السّنّة قد أميتت ، والنفاق قد نجم ، والحدود قد عطّلت ، فاقدم لعل الله يصلح
بك الأمة ، فأتيت. فإذ كرهتم ذلك ، فأنا أرجع».
ثم قال عليهالسلام : أيها الناس ، انسبوني من أنا ، ثم ارجعوا إلى أنفسكم
وعاتبوها ، وانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟. ألست ابن بنت نبيكم وابن
وصيّه وابن عمه ، وابن أول المؤمنين بالله والمصدّق لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبما جاء به من عند ربه؟. أوليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟.
أو ليس جعفر الطيار عمي؟. أو لم
__________________
يبلغكم قول رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لي ولأخي : هذان سيّدا شباب أهل الجنة؟. (وفي رواية أبي
مخنف : وقوله إني مخلّف فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي؟). فإن
صدّقتموني بما أقول وهو الحق ، فوالله ما تعمّدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه
أهله ، ويضرّ به من اختلقه. وإن كذّبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم
.. سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبا سعيد الخدري ، وسهيل بن سعد الساعدي ،
والبراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ، وأنس بن مالك ، يخبرونكم أنهم سمعوا هذه
المقالة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لي ولأخي. أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟.
ـ مقاطعة الشمر
لخطبة الحسين عليهالسلام :
فقال الشمر : هو
يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول!. فقال له حبيب: والله إني أراك تعبد
الله على سبعين حرفا ، وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على
قلبك.
(وفي تذكرة الخواص
لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٣) :
«فناداه شمر :
الساعة ترد الهاوية. فقال الحسين عليهالسلام : الله أكبر. أخبرني جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : «رأيت كأن كلبا ولغ في دماء أهل بيتي». وما إخالك
إلا إياه.
فقال شمر : أنا
أعبد الله على حرف [أي على شبهة] إن كنت أدري ما تقول».
(وفي مقتل الحسين
للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٣) :
«فقال الشمر
للحسين عليهالسلام : يا حسين بن علي ، أنا أعبد الله على حرف إن كنت
__________________
أدري ما تقول.
فسكت الحسين عليهالسلام. فقال حبيب بن مظاهر للشمر : يا عدو الله وعدو رسوله ، إني
لأظنك تعبد الله على سبعين حرفا ، وأنا أشهد أنك لا تدري ما يقول ، فإن الله تبارك
وتعالى قد طبع على قلبك.
فقال له الحسين عليهالسلام : حسبك يا أخا بني أسد ، فقد قضي القضاء وجفّ القلم والله
بالغ أمره. والله إني لأشوق إلى جدي وأبي وأمي وأخي وأسلافي ، من يعقوب إلى يوسف
وأخيه ، ولي مصرع أنا لاقيه».
ثم قال الحسين عليهالسلام : فإن كنتم في شكّ من هذا القول ، أفتشكّون أني ابن بنت
نبيكم؟. فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري ، فيكم ولا في غيركم ..
ويحكم أتطلبوني بقتيل فيكم قتلته ، أو بمال استهلكته ، أو بقصاص من جراحة؟. فأخذوا
لا يكلمونه.
ثم نادى : يا شبث
بن ربعي ويا حجّار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا زيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ
أن اقدم ، فقد أينعت الثمار واخضرّ الجناب ، وإنما تقدم على جند لك مجنّدة؟!.
فقالوا : لم نفعل. قال عليهالسلام : سبحان الله ، بلى والله لقد فعلتم.
(وفي رواية تذكرة
الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٢ ط ٢ نجف) :
«أنه نادى : يا
شبث بن ربعي ، ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ، ويا زيد بن الحرث ، ويا
فلان ويا فلان ، ألم تكتبوا إليّ؟. فقالوا : ما ندري ما تقول!.
وكان الحر بن يزيد
اليربوعي من ساداتهم ، فقال له : بلى والله لقد كاتبناك ، ونحن الذين أقدمناك ،
فأبعد الله الباطل وأهله».
ثم قال عليهالسلام : أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من
الأرض. فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول ، ولكن انزل على حكم بني عمك ،
فإنهم لن يروك إلا ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه. فقال له الحسين عليهالسلام : أنت أخو أخيك ، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم
مسلم بن عقيل؟ لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد . (وفي رواية : ولا أقرّ إقرار العبيد).
__________________
ثم نادى : يا عباد
الله (وَإِنِّي عُذْتُ
بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) (٢٠) [الدخان : ٢٠].
أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب .
ترجمة البراء بن عازب
هو البراء بن عازب
بن الحرث بن عدي الأنصاري الأوسي ، يكنى أبا عامر. صحابي ابن صحابي. استصغر يوم
بدر ، وشهد أحدا. وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليهالسلام. قال أبو عمرو بن عبد البر في (الاستيعاب) : شهد مع علي عليهالسلام الجمل وصفين والنهروان ، ثم نزل الكوفة ومات بها أيام مصعب
بن الزبير سنة ٧٢ ه.
وقال العلامة
الحلي : البراء بن عازب مشكور بعد إذ أصابته دعوة أمير المؤمنين عليهالسلام في كتمان حديث غدير خم ، فأصابه البرص والعمى ، كما أصاب
أنس بن مالك أيضا.
وروى الشيخ المفيد
في (الإرشاد) قال : إن عليا قال للبراء ذات يوم : يا براء يقتل ابني الحسين وأنت
حي لا تنصره!. فلما قتل الحسين عليهالسلام كان البراء يقول : صدق والله علي بن أبي طالب ، قتل الحسين
ولم أنصره ، ثم أظهر الحسرة على ذلك والندم.
ترجمة زيد بن أرقم
هو زيد بن أرقم بن
قيس الأنصاري الخزرجي. صحابي مشهور. أول مشاهده الخندق ، ثم شهد ما بعده. وهو
الّذي رفع إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قول عبد الله بن أبي : (لَئِنْ رَجَعْنا
إِلَى الْمَدِينَةِ ، لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) فكذّبه عبد الله بن أبي وحلف ، فأنزل الله تعالى تصديق زيد
بن أرقم وتكذيب عبد الله بن أبي ، وذلك في سورة المنافقين. قال أبو عمرو بن عبد
البر في (الإستيعاب) : سكن زيد بن أرقم الكوفة ، وبنى دارا في بني كندة. وشهد مع
علي عليهالسلام صفين ، وهو معدود في خاصته.
__________________
وذكر الشيخ المفيد
في (الإرشاد) : أنه لما وصل رأس الحسين عليهالسلام ووصل ابن سعد إلى الكوفة من غد يوم وصوله ، ومعه بنات
الحسين عليهالسلام وأهله ، جلس ابن زياد في قصر الإمارة وأذن للناس إذنا عاما
، وأمر بإحضار الرأس ، فوضع بين يديه ، فجعل ينظر إليه ويبتسم وبيده قضيب يضرب به
ثناياه عليهالسلام. وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله ، وهو شيخ
كبير. فلما رآه يضرب ثناياه بالقضيب ، قال : ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين ، فو
الله الّذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله عليهما ما لا أحصيه كثرة يقبّلهما
، ثم انتحب باكيا. فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك ، أتبكي لفتح الله!. لو لا
أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ، لضربت عنقك. فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى
منزله.
وعن زيد بن أرقم
أنه قال : مرّ برأس الحسين عليهالسلام وهو على رمح وأنا في غرفة لي في الكوفة ، فلما حاذاني
سمعته يقرأ :
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ
أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) فوقف والله شعري وناديت : رأسك والله يابن رسول الله وأمرك
أعجب وأعجب.
وتوفي زيد بن أرقم
سنة ست أو ثمان وستين ٦٨ للهجرة.
٨٢٤ ـ نصيحة زهير بن
القين لأهل الكوفة وملا سنته مع الشمر :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٨٣)
وخرج إليهم زهير
بن القين على فرس ذنوب [أي ذي ذنب وافر] وهو شاك في السلاح ، فقال : يا أهل الكوفة
نذار لكم من عذاب الله (وفي رواية : نذار عباد الله). إن حقا على المسلم نصيحة
أخيه المسلم ، ونحن حتّى الآن إخوة على دين واحد ما لم يقع بيننا وبينكم السيف.
وأنتم للنصيحة منا أهل ، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة ، وكنا أمة وأنتم أمة. إن
الله ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم لينظر ما نحن وأنتم عاملون. إنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان
الطاغية يزيد وعبيد الله بن زياد ، فإنكم لا تدركون منهما إلا سوء عمر سلطانهما ،
ليسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ، ويمثّلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل ،
ويقتلان أماثلكم
وقرّاءكم ، أمثال
حجر بن عدي وأصحابه وهانئ بن عروة وأشباهه ... فسبّوه وأثنوا على عبيد الله بن
زياد ودعوا له وقالوا : لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومن معه ، أو نبعث به وبأصحابه
إلى عبيد الله بن زياد سلما. فقال زهير : عباد الله ، إن ولد فاطمة أحق بالودّ
والنصر من ابن سميّة ، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم. فخلّوا بين هذا
الرجل وبين يزيد ، فلعمري إنه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين عليهالسلام. فرماه شمر بسهم ، وقال : اسكت أسكت الله نأمتك أبرمتنا بكثرة كلامك. فقال زهير : يابن البوّال على عقبيه
ما إياك أخاطب ، إنما أنت بهيمة. والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين ، فأبشر
بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال الشمر : إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة.
فقال زهير : أفبالموت تخوّفني ، فو الله للموت معه أحبّ إليّ من الخلد معكم . ثم أقبل على القوم رافعا صوته وقال : عباد الله لا
يغرّنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه ، فو الله لا تنال شفاعة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم قوما أهرقوا دماء ذريته وأهل بيته ، وقتلوا من نصرهم وذبّ
عن حريمهم. فناداه رجل من أصحابه ، إن أبا عبد الله يقول لك : أقبل فلعمري لئن كان
مؤمن آل فرعون نصح قومه وأبلغ في الدعاء ، فلقد نصحت هؤلاء وأبلغت ، لو نفع النصح
والإبلاغ .
٨٢٥ ـ نصيحة برير
بن خضير لأصحاب عمر بن سعد :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٢)
فقال الحسين عليهالسلام لبرير بن خضير : كلّم القوم يا برير وانصحهم. فتقدم برير
حتّى وقف قريبا من القوم ، والقوم قد زحفوا إليه عن بكرة أبيهم ، [ونادى : يا معشر
الناس إن الله بعث محمدا (بالحق) بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله (بإذنه) وسراجا
منيرا. وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه ، وقد حيل بينه وبين ابن بنت
رسول الله ، أفجزاء محمّد هذا؟. فقالوا : يا برير قد أكثرت الكلام فاكفف عنا ، فو
الله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله ]. فقال لهم برير : يا هؤلاء اتقوا
__________________
الله فإن ثقل
محمّد قد أصبح بين أظهركم ، هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه ، فهاتوا ما عندكم
وما الّذي تريدون أن تصنعوا بهم؟. فقالوا : نريد أن نمكّن منهم الأمير عبيد الله
بن زياد فيرى رأيه فيهم. فقال برير : أفلا ترضون منهم أن يرجعوا إلى المكان الّذي
أقبلوا منه؟!. ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم إليه وعهودكم التي أعطيتموها من
أنفسكم وأشهدتم الله عليها وكفى بالله شهيدا. ويلكم دعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم
أنكم تقتلون أنفسكم من دونهم ، حتّى إذا أتوكم أسلمتموهم لعبيد الله ، وحلّأتموهم [أي
طردتموهم ومنعتموهم] عن ماء الفرات الجاري ، وهو مبذول يشرب منه اليهود والنصارى
والمجوس ، وترده الكلاب والخنازير!. بئسما خلّفتم محمدا في ذريته. ما لكم لا سقاكم
الله يوم القيامة ، فبئس القوم أنتم. فقال له نفر منهم : يا هذا ما ندري ما تقول.
فقال برير : الحمد لله الّذي زادني فيكم بصيرة. الله م إني أبرأ إليك من فعال
هؤلاء القوم. الله م ألق بأسهم بينهم حتّى يلقوك وأنت عليهم غضبان .
فجعل القوم
يرشقونه بالسهام ، فرجع برير إلى ورائه.
خطبة الحسين الثانية يوم عاشوراء
٨٢٦ ـ وفيها
يستنهض الناس لنصرته ويبدي سخطه على أهل الكوفة :
ورد في (الفاجعة
العظمى) ص ٦٧ :
روي في (المناقب)
بإسناده عن عبد الله بن محمّد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده عن
عبد الله ، قال :
لما عبأ عمر بن
سعد أصحابه لمحاربة الحسين عليهالسلام رتّبهم مراتبهم وأقام الرايات في مواضعها ، وعبأ أصحاب
الميمنة والميسرة ، وقال لأهل القلب : اثبتوا. وأحاطوا بالحسينعليهالسلام من كل جانب حتّى جعلوه في مثل الحلقة.
(وفي لواعج
الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٣١ ط ٤) :
ثم ركب الحسين عليهالسلام ناقته ، وقيل فرسه ، وخرج إلى الناس ، فاستنصتهم فأبوا أن
ينصتوا حتّى قال لهم : ويلكم ما عليكم أن تنصتوا لي فتسمعوا قولي ، وإنما
__________________
أدعوكم إلى سبيل
الرشاد ، فمن أطاعني كان من المرشدين ، ومن عصاني كان من المهلكين ، وكلكم عاص
لأمري غير مستمع قولي ، فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم. ويلكم ألا
تنصتون؟! ألا تسمعون؟!. فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم ، فقالوا : أنصتوا له. فحمد
الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله وصلى على محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى الملائكة والأنبياء والرسل ، وأبلغ في المقال ، ثم
قال :
تبّا لكم أيتها الجماعة وترحا أحين استصرختمونا والهين (وفي رواية : ولهين
متحيّرين) فأصرخناكم موجفين (مؤدّين مستعدّين) سللتم علينا سيفا لنا (في رقابنا) في أيمانكم ،
وحششتم علينا نارا قدحناها (أجّجناها) على عدونا وعدوكم ، فأصبحتم
إلبا على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم
فيهم ، إلا الحرام من الدنيا أنالوكم ، وخسيس عيش طمعتم فيه. من غير حدث كان منا ،
ولا رأي تفيّل لنا . فهلا لكم الويلات ، إذ كرهتمونا وتركتمونا ، تجهّزتموها والسيف مشيم (لم يشهر) والجأش
طامن والرأي لمّا يستحصف (يستحصد). ولكن
أسرعتم إليها كطيرة الدّبا وتداعيتم إليها كتداعي (كتهافت) الفراش ، فسحقا (فقبحا)
لكم يا عبيد
__________________
الأمّة (فإنما
أنتم من طواغيت الأمّة) وشذّاذ الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ونفثة الشيطان ، وعصبة الآثام ، ومحرّفي
الكتاب (الكلم) ، ومطفئي السّنن ، وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيدي عترة الأوصياء ،
وملحقي العهّار بالنسب ، ومؤذي المؤمنين ، وصراخ أئمة المستهزئين ، الذين
جعلوا القرآن عضين ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم ، وفي العذاب هم خالدون. وأنتم
ابن حرب وأشياعه تعضدون (أهؤلاء تعضدون) وعنّا تخاذلون. أجل والله الخذل فيكم
معروف (الغدر فيكم قديم) ، وشجت عليه أصولكم ، وتأزّرت عليه فروعكم (وشجت عليه
عروقكم ، وتوارثته أصولكم وفروعكم) ، وثبتت عليه قلوبكم ، وغشيت صدوركم ، فكنتم
أخبث ثمر (شيء) شجا للناظر وأكلة للغاصب. (ألا لعنة الله على الناكثين ، الذين ينقضون
الأيمان بعد توكيدها) ، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ، فأنتم والله هم.
ألا وإن الدّعيّ
ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين : السّلّة أو الذلّة ، وهيهات منا الذلّة (وهيهات منا أخذ الدنيّة) ،
يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون ، وجدود (وحجور) طابت ، وحجور (وحجز) طهرت ،
وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر (من أن تؤثر) طاعة اللئام على مصارع الكرام.
ألا قد أعذرت وأنذرت ، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد (العتاد) وكثرة
العدو ، وخذلان الناصر (وخذلة الأصحاب).
ثم وصل صلىاللهعليهوآلهوسلم كلامه بأبيات فروة بن مسيك المرادي ، وهو صحابي مخضرم ،
فقال:
فإن نهزم
فهزّامون قدما
|
|
وإن نغلب فغير
مغلبّينا
|
وما إن طبّنا جبن ولكن
|
|
منايانا ودولة
آخرينا
|
إذا ما الموت
رفّع عن أناس
|
|
كلاكله أناخ بآخرينا
|
__________________
فأفنى ذلكم
سروات قومي
|
|
كما أفنى القرون
الأولينا
|
فلو خلد الملوك
إذا خلدنا
|
|
ولو بقي الكرام
إذا بقينا
|
فقل للشامتين
بنا أفيقوا
|
|
سيلقى الشامتون
كما لقينا
|
ثم قال : أما
والله لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس ، حتّى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور . عهد عهده إليّ أبي عن جدي (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ
وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا
إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) (٧١) [يونس : ٧١](ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ إِنِّي
تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ
بِناصِيَتِها ، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) «هود ٥٦» .
اللهم احبس عنهم
قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف ، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبّرة ، ولا يدع فيهم أحدا إلا قتله ، قتلة
بقتلة ، وضربة بضربة ، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم ، فإنهم غرّونا وكذّبونا وخذلونا ، وأنت ربنا عليك توكلنا
وإليك أنبنا وإليك المصير .
٨٢٧ ـ مقاصد
الإمام الحسين عليهالسلام يوم الطف من خلال خطبتيه السابقتين : (مقتل المقرّم ، ص ٨١
و ٨٢)
يقول السيد عبد
الرزاق المقرّم في مقتله :
وعلى هذه السنن
مشى أبو عبد الله الحسين عليهالسلام يوم الطف ، فلم يبدأ القوم بقتال مهما رأى من أعدائه
التكاتف على الضلال والمقابلة له بكل ما لديهم من حول وطول ، حتّى منعوه وعياله
وصحبه من الماء الّذي لم يزل صاحب الشريعة صلىاللهعليهوآلهوسلم يجاهر بأن «الناس في الماء والكلأ شرع سواء». لأنه عليهالسلام أراد إقامة الحجة
__________________
عليهم ، فوقف في
ذلك الملأ المغمور بالأضاليل ، ونادى بحيث يعي الجماهير حجته ، فعرّفهم أولا خسارة
هذه الدنيا الفانية لمن تقلّب فيها ، فلا تعود عليهم إلا بالخيبة ، ثم تراجع ثانيا
إلى التعريف بمنزلته من نبيّ الإسلام ، وشهادته له ولأخيه المجتبى بأنهما سيدا
شباب أهل الجنة ، وناهيك بشهادة من لا ينطق عن الهوى ، وكان محبوّا بالوحي الإلهي
، أن تؤخذ ميزانا للتمييز بين الحق والباطل. وفي الثالثة عرّفهم بأنه يؤدي كل ما
لهم عنده من مال وحرمات ، وفي الرابعة نشر المصحف الكريم على رأسه ودعاهم إلى
حكمه. وحتى إذا لم تجد هذه النصائح القيّمة فيهم ، ووضح لديه إصرارهم على الغي
والعناد لله تعالى ولرسولهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، كشف الستار عن الإباء العلوي ، الّذي انحنت عليه أضالعه
، ورفع الحجاب عن الأنفة التي كان أبناء علي عليهالسلام يتدارسونها ليلا ونهارا ، وتلهج بها أنديتهم. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«ألا وإن الدّعيّ
ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين : بين السّلةّ والذلّة ، وهيهات منا الذلّة ، يأبى
الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس
أبيّة ، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام. ألا وإني زاحف بهذه الأسرة
عليقلة العدد وخذلان الناصر».
هذه وصايا الشريعة
المطهرة وأحكامها الباعثة على الدعوة إلى الحق والنهضة لسدّ باب الباطل ، وكما
ألزمت جهاد المضلين المشركين ، أباحت ترك الجهاد للصبي والمقعد والأعمى والشيخ
الكبير والمرأة والبالغ الّذي لم يأذن له أبواه. لكن مشهد (الطف) خرق ناموسها
الأكبر وجاز تلك المقررات جريا على المصالح والأسرار التي قصرت عنها أحلام البشر ،
وقد تلقّاها (أبيّ الضيم) عليهالسلام ، من جده المنقذ الأكبر وأبيه الوصيّ المقدّم. فالحسين عليهالسلام لم يشرّع سنّة أخرى في الجهاد ، وإنما هو درس إلهي أثبته
اللوح الأقدس في عالم الإبداع ، محدد الظرف والمكان ، تلقّاه الأمين جبرئيل وأفاضه
على حبيب الله وصفيه (محمّد) صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأودعه صاحب الدعوة الإلهية عند ولده سيد الشهداء عليهالسلام. عليهالسلام.
فكل ما يشاهد في
ذلك المشهد الدامي من الغرائب التي تنحسر عن الوصول إلى كنهها عقول الرجال ، فهو
مما آثر المولى سبحانه به وليه وحجته أبا عبد الله الحسينصلىاللهعليهوآلهوسلم.
٨٢٨ ـ الحسين عليهالسلام يلقي الحجة النهائية على عمر بن سعد ، ويخبره بنوع قتلته: (مقتل
الخوارزمي ، ج ٢ ص ٨)
ثم قال عليهالسلام : أين عمر بن سعد ، ادعوا لي عمر. فدعي له ، وكان كارها لا
يحب أن يأتيه. فقال : يا عمر أنت تقتلني وتزعم أن يوليك الدعيّ ابن الدعي بلاد
الري وجرجان. والله لا تتهنّأ بذلك أبدا ، عهد معهود ، فاصنع ما أنت صانع ، فإنك
لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة ، يتراماه
الصبيان ، ويتخذونه غرضا بينهم . فغضب عمر بن سعد من كلامه ، ثم صرف وجهه عنه. ونادى
بأصحابه : ما تنظرون به؟ احملوا بأجمعكم ، إنما هي أكلة واحدة.
٨٢٩ ـ النفوس
الخيّرة تستيقظ : توبة الحر وتوجّهه إلى الحسين عليهالسلام :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٣٧ ط ٤)
ولما رأى الحر بن
يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين عليهالسلام قال لعمر بن سعد : أمقاتل أنت هذا الرجل؟. قال : إي والله
قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي!. قال : فما لكم فيما عرضه عليكم
رضى؟. قال : أما لو كان الأمر إليّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ذلك. فأقبل الحر
حتّى وقف عن الناس جانبا ، ومعه رجل من قومه يقال له : قرة بن قيس. فقال له : يا
قرة ، هل سقيت فرسك اليوم؟. قال : لا. قال : أما تريد أن تسقيه؟. قال قرة : فظننت
والله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال ، فكره أن أراه حين يصنع ذلك. فقلت له :
لم أسقه وأنا منطلق فأسقيه. فاعتزلت ذلك المكان الّذي كان فيه ، فو الله لو أطلعني
على الّذي يريد لخرجت معه إلى الحسين عليهالسلام. فأخذ الحر يدنو من الحسين عليهالسلام قليلا قليلا ، فقال له المهاجر بن أوس : ما تريد يابن يزيد
، أتريد أن تحمل؟. فلم يجبه ، وأخذه مثل الأفكل [وهي الرعدة]. فقال له المهاجر :
__________________
إن أمرك لمريب ،
والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك.
فما هذا الّذي أرى منك؟!. فقال الحر : إني والله أخيّر نفسي بين الجنة والنار ، فو
الله إني لا أختار على الجنة شيئا ولو قطّعت وحرقت. ثم ضرب فرسه نحو الحسين منكّسا برأسه حياء من آل الرسول ، بما أتى إليهم وجعجع بهم
، وهو يقول : الله م إليك أنيب فتب عليّ ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت
نبيك. وقال للحسينعليهالسلام : جعلت فداك يابن رسول الله ، أنا صاحبك الّذي حبستك عن
الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان. والله الّذي لا إله إلا هو ،
ما ظننت القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم ، ولا يبلغون بك هذه المنزلة. والله لو
علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الّذي ركبت. وإني قد جئتك تائبا مما كان
مني إلى ربي ، مواسيا لك بنفسي ، حتّى أموت بين يديك ، فهل لي من توبة؟. قال
الحسين عليهالسلام : نعم ، يتوب الله عليك ويغفر لك. ما اسمك؟. قال : أنا الحر. قال : أنت الحر كما
سمّتك أمك ، أنت الحر في الدنيا والآخرة ، انزل. فقال : أنا لك فارسا خير مني لك راجلا
، أقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول يصير آخر أمري. (وفي رواية) «ثم قال : يابن
رسول الله ، كنت أول خارج عليك ، فأذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك فلعلي أن أكون ممن يصافح جدك محمدا غدا في القيامة».
فقال له الحسين عليهالسلام : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك.
٨٣٠ ـ الحر بن
يزيد يسمع هاتفا يبشّره بالخير :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٢٠ ط نجف)
(روى ابن نما) أن
الحر قال للحسين عليهالسلام : لما وجّهني عبيد الله إليك ، خرجت من القصر ، فنوديت من
خلفي : أبشر يا حر بخير. فالتفتّ فلم أر أحدا. فقلت :
__________________
والله ما هذه
بشارة ، وأنا أسير إلى الحسين عليهالسلام. وما كنت أحدّث نفسي باتّباعك. فقال عليهالسلام : لقد أصبت أجرا وخيرا.
٨٣١ ـ توبة الحر
بن يزيد الرياحي (على رواية مقتل أبي مخنف):
(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٧٤)
وأورد أبو مخنف في
المقتل المنسوب إليه توبة الحر بعد بدء القتال ، وبعد أن بدأ الحسين عليهالسلام يستغيث فلا يغاث.
(قال أبو مخنف) :
فوقع كلامه عليهالسلام في مسامع الحر ، فأقبل على ابن أخيه قرّة وقال : أتنظر إلى
الحسين يستغيث فلا يغاث ، ويستجير فلا يجار ، قد قتلت أنصاره وبنوه ، وقد أصبح بين
مجادل ومخاذل ، فهل لك أن تسير بنا إليه ، وتقاتل بين يديه ، فإنّ الناس عن هذه
الدنيا راحلة ، وكرامات الدنيا زائلة ، فلعلنا نفوز بالشهادة ، ونكون من أهل
السعادة.
فقال له : ما لي
بذلك حاجة. فتركه الحر وأقبل على ولده وقال له : يا بنيّ لا صبر لي على النار ولا
على غضب الجبار ، ولا أن يكون غدا خصمي أحمد المختار. يا بنيّ أما ترى الحسين عليهالسلام يستغيث فلا يغاث ويستجير فلا يجار!. يا بنيّ سر بنا إليه
نقاتل بين يديه ، فلعلنا نفوز بالشهادة ، ونكون من أهل السعادة. فقال له ولده : حبا
وكرامة.
ثم إنهما حملا من
عسكر ابن زياد كأنهما يريدان القتال حتّى هجما على الحسينعليهالسلام ، فنزل الحر عن ظهر جواده وطأطأ رأسه ، وجعل يقبّل يد
الحسين ورجليه ، وهو يبكي بكاء شديدا. فقال له الحسين عليهالسلام : ارفع رأسك يا شيخ ، فرفع رأسه وقال : يا مولاي أنا الّذي
منعتك عن الرجوع. والله يا مولاي ما علمت أن القوم يبلغون منك هذا ، وقد جئتك
تائبا مما كان مني ومواسيك بنفسي ، وقليل في حقك يا مولاي أن تكون نفسي لك الفداء.
وها أنا ألقى حمامي يا مولاي بين يديك ، فهل من توبة عند ربي؟. فقال له عليهالسلام : إن تبت تاب الله عليك ويغفر لك وهو أرحم الراحمين ... ثم
تقدم الحر إلى الحسين عليهالسلام وقال : يا مولاي أريد أن تأذن لي بالبراز إلى الميدان ،
فإني أول من خرج إليك وأحب أن أقتل بين يديك. فقال له عليهالسلام : ابرز بارك الله فيك.
٨٣٢ ـ نصيحة الحر
بن يزيد لأهل الكوفة بعد توبته :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٩١)
ثم استأذن الحر
الحسين عليهالسلام في أن يكلم القوم ، فأذن له. فنادى بأعلى صوته : يا أهل
الكوفة ، لأمّكم الهبل والعبر إذ دعوتموه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب ، فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله
العريضة حتّى يأمن وأهل بيته ، وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا
ضرا ، وحلّأتموه ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري ، الّذي يشربه
اليهود والنصارى والمجوس ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه. وهاهم قد صرعهم العطش
، بئسما خلّفتم محمدا في ذريته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ.
(وفي تذكرة الخواص
لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٢ ط ٢ نجف) :
وإذا لم تنصروه
وتفوا له بما حلفتم عليه ، فدعوه يمضي حيث شاء من بلاد الله. أما أنتم مؤمنون؟!.
وبنبوّة محمّد جده مصدّقون؟!. وبالمعاد موقنون؟!.
فحملت عليه
الرجّالة ترميه بالنبل ، فتقهقر حتّى وقف أمام الحسين عليهالسلام .
٨٣٣ ـ الرجوع عن
الخطأ فضيلة :
(بقلم المؤلف)
(التربية الطيبة تكفل
رجوع الإنسان إلى الحق مهما انحرف)
كثير أولئك الذين
تتاح لهم في صغرهم فرض التربية والتهذيب ، والتنشئة الصالحة على المبادئ الأخلاقية
الحميدة ، فتنطبع بها نفوسهم ، وتختلط نفحاتها بدمائهم .. ثم لا يلبثون أن تعترضهم
في بداية حياتهم تقلبات من الزمان وتبدلات ، فيزهدون في تلك المبادئ السامية ،
ويميلون إلى معاقرة الباطل والاستئناس به .. ثم هي فترة تمرّ من الزمن ، وإذا بهم
قد استيقظوا وجلين مذعورين ، على أصوات ضميرهم ووجدانهم ، تدعوهم إلى النهوض من
غفلتهم واليقظة من سكرتهم. فيطيحون بالباطل عن عاتق كواهلهم ، ويكنسون رواسبه من
صفحات قلوبهم ،
__________________
ويعودون بأنفسهم
إلى أصولهم وأحسابهم ، حتّى كأنهم لم يسمعوا بالباطل ولا عهد لهم به. لقد عادوا
خلقا جديدا غير الّذي كانوه بالأمس ، فكأنهم من بعد غير الذين كانوا من قبل.
وقد يعجب المرء من
هذا التحول الانقلابي ، وهذا التبدّل الفجائي ، غير متذكّر أن التربية والتوجيه في
الصغر يتركان في صاحبهما جذورا قوية من النبل والأدب والأخلاق. تظل متشعبة في
حنايا نفسه ، لا تموت ولا تغيب ، رغم ما تخضع له من عواصف متقلّبة ، وأنواء
متغيّرة ، لا تلبث بعد حين أن تنقشع غيومها ، وتنجرف رواسبها ، فتعود النفس مشرقة
وضّاءة ، غنية خيّرة معطاءة ، فتنبت بذورها ، وتعلو سوقها ، مورقة مزهرة ، تفيض
بالحق ، وتجود بالخير.
وليس لنا من مثال
نضربه على هؤلاء الأشخاص أروع من مثال :
«الحر بن يزيد التميمي»
ذلك الرجل الحر ،
الّذي أوتي من كرم الأصل وحسن المنبت وطيب السريرة ، ما جعله يؤوب إلى الحق بعد
انحرافه ، ويعود إلى التصديق والإخلاص والوفاء ، وقد كان حربا عليها. وينجو من نار
جهنم ، وقد كان على شفا حفرة منها. وينال الشهادة والسعادة والفوز ، وقد كان في
منأى عنها.
وإن هذا المثل
الخالد من تراثنا التليد ، إن كان يدلّ على شيء ، فإنما يدلّ على أن حسن التوجيه
والتربية في الصغر ، غالبا ما تؤدي بصاحبها إلى السعادة والنجاة والفوز بالجنة ،
وتكون له ذخرا وسندا في كبره ، على الرغم مما يتعرض له من محن وأخطاء ، وفتن
وأخطار.
(انتهى الجزء الأول
من الموسوعة)
والحمد لله ربّ
العالمين
وبذلك تمّ الفصل
العشرون بانتهاء الجزء الأول من موسوعة كربلاء ،
وذلك حين جّهز عمر
بن سعد جيوشه لقتال الحسين عليهالسلام
يوم العاشر من
المحرم ، ووضع سهمه في كبد قوسه ،
معلنا بدء القتال
والنزال ، بين طغمة الباطل والضلال ،
وبين صفوة الهدى
والكمال ، من خير صحب وخير آل.
وهو ما سيجده
القارئ في الجزء الثاني من الموسوعة
إن شاء الله
فهارس الجزء الأول من الموسوعة :
١
ـ فهرس اللوحات والجداول
٢
ـ فهرس الأشكال والمخططات والمصورات
٣
ـ فهرس تراجم الشخصيات الهامة
٤
ـ الفهرس العام
فهرس اللوحات والجداول
لوحة
: أشهر المستشهدين من أصحاب الحسين عليهالسلام............................. ١٩
فهرس عام للمصادر التاريخية التي اعتمدنا
عليها في الموسوعة....................... ٧٢
مصادر تاريخية (درجة ثانية)................................................... ٨١
الكتب التاريخية الحديثة والمعاصرة............................................... ٨٢
كتب الجغرافيا والبلدان....................................................... ٨٦
جدول : أولاد عقيل بن أبي طالب عليهالسلام........................................ ٩٢
جدول : أولاد عبد الله بن جعفر عليهالسلام.......................................... ٩٤
لوحة : المستشهدون مع الحسين عليهالسلام
من آل أبي طالب عليهالسلام..................... ٩٩
جداول : نسل الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام................................. ١٠٤
جدول : أولاد الحسين عليهالسلام
وأمهاتهم......................................... ١١٣
جدول : توقيت الحوادث الأساسية في
الموسوعة................................ ٣٩٨
جدول زمني بحوادث وقعة كربلاء............................................. ٣٩٩
جدول : بالمنازل التي مرّ عليها الحسين عليهالسلام................................... ٥٣٨
فهرس الأشكال والمخططات والمصورات
(١) المخطط العام لمسير الحسين عليهالسلام
من المدينة إلى مكة إلى العراق ، ونهضة مسلم بن عقيل عليهالسلام
في الكوفة ٢٣
(٢) مصوّر الطريق التي اتبعها الحسن عليهالسلام
من الكوفة إلى ساباط فمسكن......... ٣٢١
(٣) مقبرة بقيع الغرقد...................................................... ٣٥٦
(٣) صورة الحرم النبوي الشريف في
المدينة المنورة................................ ٤٠٢
(٣) الطريق المؤدية من المدينة إلى مكة........................................ ٤٢٦
(٣) مصوّر على طريق الشهادة : من
المدينة إلى مكة إلى كربلاء.................. ٤٣١
(٤) مخطط الكعبة المشرّفة وحرمها............................................ ٤٣٤
(٥) مخطط الكوفة القديمة................................................... ٤٦٥
(٦) مخطط مسجد الكوفة وقبر مسلم وهانئ
والمختار........................... ٤٦٧
(٧) مصور سواد الكوفة وما حولها............................................ ٤٦٩
(٨) الطريق من مكة إلى (معدن النّقرة)
إلى كربلاء.............................. ٥٣٧
(٩) مصوّر المنازل التي مرّ بها الحسين عليهالسلام
أثناء مسيره إلى كربلاء................ ٥٤٤
(١٠) طبيعة الأرض من الكوفة إلى مكة...................................... ٥٦٣
(١١) مصور كربلاء يوم ورود الحسين عليهالسلام
إليها............................... ٥٨٦
(١٢) مصور الحائر والمخيّم وقبر الحسين عليهالسلام................................. ٥٨٦
(١٣) مجرى نهر الفرات ودجلة............................................... ٥٩٢
(١٤) مصور نهر دجلة والفرات والمواقع
الهامة عليهما............................ ٥٩٤
(١٥) مصور تفصيلي لمنطقة كربلاء والكوفة
، وشط الحلة والهندية................ ٥٩٦
(١٦) رسم تمثيلي لتوزيع خيام الحسين عليهالسلام
في كربلاء.......................... ٦٠٥
فهرس تراجم الشخصيات الهامة
(١) ترجمة أبي مخنف (لوط بن يحيى)........................................... ٥٩
(٢) ترجمة ابن قتيبة الدينوري.................................................. ٦١
(٣) ترجمة البلاذري.......................................................... ٦١
(٤) ترجمة أبي حنيفة الدينوري................................................. ٦١
(٥) ترجمة اليعقوبي........................................................... ٦٢
(٦) ترجمة محمّد بن جرير الطبري.............................................. ٦٢
(٧) ترجمة ابن أعثم الكوفي.................................................... ٦٣
(٨) ترجمة المسعودي......................................................... ٦٤
(٩) ترجمة أبي الفرج الاصفهاني................................................ ٦٤
(١٠) ترجمة الشيخ المفيد..................................................... ٦٦
(١١) ترجمة الخوارزمي........................................................ ٦٦
(١٢) ترجمة ابن عساكر...................................................... ٦٧
(١٣) ترجمة ابن شهراشوب................................................... ٦٧
(١٤) ترجمة ابن الأثير........................................................ ٦٨
(١٥) ترجمة ابن نما الحلي..................................................... ٦٨
(١٦) ترجمة محمّد بن طلحة الشافعي........................................... ٦٨
(١٧) ترجمة سبط ابن الجوزي................................................. ٦٩
(١٨) ترجمة السيد ابن طاووس................................................ ٧٠
(١٩) ترجمة محمد باقر المجلسي................................................ ٧٠
(٢٠) ترجمة الفاضل الدربندي................................................. ٧٠
(٢١) ترجمة آغا بزرك الطهراني................................................. ٧١
تراجم آل أبي طالب عليهمالسلام :
ترجمة أبي
طالب عليهالسلام........................................................ ٨٩
ترجمة عقيل بن أبي طالب عليهالسلام................................................ ٩١
ترجمة جعفر بن أبي طالب عليهالسلام............................................... ٩٣
ترجمة عبد الله بن جعفر عليهالسلام.................................................. ٩٤
ترجمة النبي الأعظم محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم............................................. ١٠٠
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام......................................... ١٠٢
ترجمة الإمام الحسين عليهالسلام................................................... ١٦٣
ترجمة الإمام الحسن عليهالسلام.................................................... ٣١٩
ترجمة محمّد بن الحنفية عليهالسلام................................................. ٤٢١
ترجمة مسلم بن عقيل عليهالسلام.................................................. ٤٩٤
ترجمات مختلفة :
ترجمة الحجّاج ١٩١
ترجمة معاوية بن أبي سفيان.................................................. ٣٢٨
ترجمة عمرو بن الحمق....................................................... ٣٥٩
ترجمة حجر بن عدي....................................................... ٣٦١
ترجمة مروان بن الحكم وأبيه.................................................. ٣٦٨
ترجمة يزيد بن معاوية........................................................ ٣٨٩
ترجمة سرجون الرومي....................................................... ٣٩٤
ترجمة السيدة أم سلمة...................................................... ٤٢٣
ترجمة عبد الله بن عباس..................................................... ٤٣٦
ترجمة عبد الله بن الزبير...................................................... ٤٣٧
ترجمة عمرو بن سعيد (الأشدق)............................................. ٤٤٠
ترجمة سليمان بن صرد الخزاعي............................................... ٤٤٧
ترجمة شبث بن ربعي........................................................ ٤٤٩
ترجمة حجّار بن أبجر........................................................ ٤٥٠
ترجمة شريك بن الأعور الهمداني.............................................. ٤٧٣
ترجمة عبد الله بن يقطر...................................................... ٤٧٦
ترجمة
هانئ بن عروة........................................................ ٤٩٨
ترجمة عقبة بن سمعان....................................................... ٥٦٩
ترجمة قيس بن مسهر الصيداوي.............................................. ٥٧٣
ترجمة عبيد الله بن الحر الجعفي............................................... ٥٧٩
ترجمة محمّد بن الأشعث..................................................... ٦٦٣
ترجمة البراء بن عازب....................................................... ٦٦٧
ترجمة زيد بن أرقم.......................................................... ٦٦٧
الفهرس
(للجزء الأول من موسوعة كربلاء)
ـ تبويب..................................................................... ٥
ـ ترجمة المؤلف................................................................. ٧
ـ الإهداء.................................................................... ١١
ـ المقدمة.................................................................... ١٣
ـ من وحي الشهادة : (آيات من سورة آل
عمران)................................ ١٦
ـ من الأثر النبوي الشريف..................................................... ١٧
ـ نداء إلى الشبيبة المؤمنة للاقتداء
بالحسين عليهالسلام.................................. ١٨
ـ لوحة [أشهر المستشهدين من أصحاب
الحسين عليهالسلام]............................ ١٩
ـ دروس من سيرة الحسين عليهالسلام
واستشهاده....................................... ٢٠
ـ مقدمة في موضوع الموسوعة................................................... ٢١
(الشكل ١) : مخطط مسير الحسين عليهالسلام
من المدينة إلى مكة إلى العراق ونهضة مسلم بن عقيل في الكوفة ٢٣
الباب
الأول : مقدّمات
الفصل
الأول : (مقدمة في مصادر الموسوعة)
١ ـ جولة في المراجع القديمة :
مراجع صدر الإسلام الأول.................................................... ٢٩
اندثار كتب المراجع القديمة.................................................... ٣٠
كتاب مقتل الحسين عليهالسلام
لأبي مخنف.......................................... ٣٠
مقتل الحسين لأبي مخنف (المقتبس) من
الطبري................................... ٣١
مقتل أبي مخنف الصغير والكبير................................................ ٣١
مخطوطة نادرة لمقتل أبي مخنف (في مكتبة
الأسد)................................. ٣١
الثقات الذين حفظوا لنا التاريخ................................................ ٣٢
جناية التعصب المقيت........................................................ ٣٢
٢ ـ رواة الطبري وأبي مخنف :
بحث قيّم للمؤرخ فلهوزن حول رواة الطبري
وأبي مخنف.......................... ٣٥
الطبري يحفظ لنا تراث أبي مخنف............................................ ٣٥
من هو أبو مخنف؟........................................................ ٣٥
ميزة أبي مخنف أنه يروي أخبارا متنوعة
في الموضوع الواحد....................... ٣٦
أبو مخنف لم يراع الترتيب الزمني
للحوادث.................................... ٣٦
ميزة أخرى لأبي مخنف ورواياته.............................................. ٣٧
أبو مخنف كان موضوعيا رغم ميله الشيعي.................................... ٣٧
المؤرخون الذين جاؤوا بعده.................................................. ٣٧
روايات أهل الشام ضاعت................................................. ٣٨
الرواة الذين اعتمد عليهم الطبري في
رواياته عن مقتل الحسين عليهالسلام.............. ٤١
٣ ـ أهم المراجع والمصادر المعتمدة :
مصادر كربلاء............................................................ ٤١
أهم المراجع والمصادر المعتمدة............................................... ٤٢
٤ ـ التعريف بالكتب السابقة :
(١) ـ مقتل الحسين عليهالسلام
المشتهر بمقتل أبي مخنف............................. ٤٥
(٢) ـ الإمامة والسياسة لابن قتيبة
الدينوري................................... ٤٥
(٣) ـ أنساب الأشراف للبلاذري............................................ ٤٥
(٤) ـ الأخبار الطوال لأبي حنيفة
الدينوري.................................... ٤٦
(٥) ـ تاريخ اليعقوبي....................................................... ٤٦
(٦) ـ تاريخ الأمم والملوك للطبري............................................ ٤٧
(٧) ـ كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي........................................ ٤٨
(٨) ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر
للمسعودي............................... ٤٨
ـ التنبيه والإشراف للمسعودي............................................... ٤٩
(٩) ـ مقاتل الطالبيين لأبي الفرج
الإصفهاني.................................. ٤٩
(١٠) ـ الإرشاد للشيخ المفيد............................................... ٤٩
(١١) ـ مقتل الحسين عليهالسلام
للخوارزمي....................................... ٤٩
(١٢) ـ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر..................................... ٥٠
(١٣) ـ مناقب آل أبي طالب عليهالسلام
لابن شهراشوب........................... ٥١
(١٤) ـ الكامل في التاريخ لابن الأثير........................................ ٥١
(١٥) ـ مثير الأحزان لابن نما الحلي.......................................... ٥٢
(١٦) ـ مطالب السّؤول في مناقب آل
الرسول لمحمد بن طلحة الشافعي........... ٥٢
(١٧) ـ تذكرة خواص الأمة في ذكر خصائص
الأئمة لسبط ابن الجوزي........... ٥٢
(١٨) ـ الله وف على قتلى الطفوف للسيد
ابن طاووس......................... ٥٣
(١٩) ـ بحار الأنوار للعلامة المجلسي......................................... ٥٣
(٢٠) ـ أسرار الشهادة للفاضل الدربندي..................................... ٥٥
(٢١) ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة لآغا
بزرك الطهراني........................ ٥٦
٥ ـ تلاحم مصادر الشيعة والسنة في
روايات مقتل الحسين عليهالسلام.................... ٥٧
٦ ـ ترجمة أصحاب المصادر :.................................................. ٥٩
(١) ترجمة أبي مخنف...................................................... ٥٩
(٢) ترجمة ابن قتيبة الدينوري............................................... ٦١
(٣) ترجمة البلاذري....................................................... ٦١
(٤) ترجمة أبي حنيفة الدينوري.............................................. ٦١
(٥) ترجمة اليعقوبي........................................................ ٦٢
(٦) ترجمة محمّد بن جرير الطبري............................................ ٦٢
(٧) ترجمة ابن أعثم الكوفي................................................. ٦٣
(٨) ترجمة ترجمة المسعودي................................................. ٦٤
(٩) ترجمة أبي الفرج الاصفهاني............................................. ٦٤
(١٠) ترجمة الشيخ المفيد................................................... ٦٦
(١١) ترجمة الخوارزمي..................................................... ٦٦
(١٢) ترجمة ابن عساكر................................................... ٦٧
(١٣) ترجمة ابن شهراشوب................................................. ٦٧
(١٤) ترجمة ابن الأثير..................................................... ٦٨
(١٥) ترجمة ابن نما الحلي.................................................. ٦٨
(١٦) ترجمة محمّد بن طلحة الشافعي........................................ ٦٨
(١٧) ترجمة سبط ابن الجوزي............................................... ٦٩
(١٨) ترجمة السيد ابن طاووس.............................................. ٧٠
(١٩) ترجمة محمد باقر المجلسي............................................. ٧٠
(٢٠) ترجمة الفاضل الدربندي.............................................. ٧٠
(٢١) ترجمة آغا بزرك الطهراني.............................................. ٧١
٧ ـ فهرس عام للمصادر التاريخية التي
اعتمدنا عليها.............................. ٧٢
٨ ـ فهرس لمصادر التراجم والأنساب............................................ ٧٩
٩ ـ مصادر تاريخية (درجة ثانية)............................................... ٨١
١٠ ـ الكتب التاريخية الحديثة والمعاصرة.......................................... ٨٢
١١ ـ كتب الجغرافيا والبلدان................................................... ٨٦
الفصل
الثاني : (أنساب آل أبي طالب عليهمالسلام وتراجمهم)
١ ـ ترجمة أبي طالب وأولاده عليهمالسلام............................................. ٨٩
١
ـ ترجمة أبي طالب عليهالسلام.................................................. ٩١
٢ ـ أولاد أبي طالب عليهالسلام.................................................. ٩١
٢ ـ ترجمة عقيل وأولاده عليهالسلام.................................................. ٩١
٣ ـ ترجمة عقيل بن أبي طالب عليهالسلام.......................................... ٩١
٤ ـ أولاد عقيل عليهمالسلام...................................................... ٩٢
٥ ـ أحفاد عقيل عليهالسلام..................................................... ٩٣
٣ ـ ترجمة جعفر الطيار وأولاده عليهالسلام............................................ ٩٣
٦ ـ ترجمة جعفر بن أبي طالب عليهالسلام......................................... ٩٣
٧ ـ ترجمة عبد الله بن جعفر عليهالسلام........................................... ٩٤
٨ ـ أولاد عبد الله بن جعفر عليهالسلام............................................ ٩٤
٤ ـ أعمام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بين النصرة والتخاذل.................................... ٩٥
٩ ـ مواقف أعمام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
: موقف الحمزة عليهالسلام........................... ٩٥
١٠ ـ موقف العباس بن عبد المطلب......................................... ٩٦
١١ ـ موقف أولاد العباس.................................................. ٩٦
١٢ ـ موقف أبي طالب عليهالسلام............................................... ٩٧
١٣ ـ لماذا لم يشارك العباسيون في نصرة
الحسين عليهالسلام؟......................... ٩٨
لوحة : [المستشهدون مع الحسين من آل أبي
طالب عليهالسلام]...................... ٩٩
ـ أساليب تعذيب العباسيين لشيعة أهل
البيت عليهمالسلام......................... ١٠٠
٥ ـ ترجمة النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأولاده........................................ ١٠٠
١٤ ـ ترجمة النبي الأعظم محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم..................................... ١٠٠
ـ أولاد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم...................................................... ١٠١
٦ ـ ترجمة الإمام علي عليهالسلام
وأولاده............................................ ١٠٢
١٥ ـ ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام................................. ١٠٢
١٦ ـ بعض فضائله عليهالسلام................................................. ١٠٢
١٧ ـ زوجات الإمام علي وأولاده عليهالسلام..................................... ١٠٣
ـ مخطط نسل الإمام علي عليهالسلام
وأولاده........................................ ١٠٤
١٨ ـ زواج أمير المؤمنين عليهالسلام
من أم البنين رضي الله عنها..................... ١٠٧
١٩ ـ عقب بنات الإمام علي عليهالسلام........................................ ١٠٨
٧ ـ أولاد الإمام الحسن عليهالسلام
وزوجاته......................................... ١٠٨
٢٠ ـ أولاد الإمام الحسن عليهالسلام............................................ ١٠٨
٢١ ـ أولاد الحسن عليهالسلام
وأمهاتهم.......................................... ١٠٩
٢٢ ـ عقب بنات الحسن عليهالسلام............................................ ١١٠
٨ ـ أولاد الإمام الحسين عليهالسلام
وزوجاته......................................... ١١٠
* تمهيد حول تعدد الأسماء................................................ ١١٠
٢٣ ـ أولاد الإمام الحسين عليهالسلام............................................ ١١١
٢٤ ـ أيّهم علي الأكبر؟.................................................. ١١٢
٢٥ ـ أيهم علي الأصغر؟................................................. ١١٢
٢٦ ـ بنات الحسين عليهالسلام................................................. ١١٣
٢٧ ـ أولاد الحسين عليهالسلام
وأمهاتهم......................................... ١١٣
٢٨ ـ زوجات الإمام الحسين عليهالسلام.......................................... ١١٥
٢٩ ـ قصة زواج الحسين عليهالسلام
من شاهزنان والدة زين العابدين................. ١١٥
٣٠ ـ قصة زواج الحسين عليهالسلام
من الرباب ، ومدى إخلاصها له................ ١١٦
الفصل
الثالث : (توطئة في أهل البيت عليهمالسلام وفضائلهم)
١ ـ من هم أهل البيت عليهمالسلام؟....................................................
٣١ ـ من هم أهل البيت عليهمالسلام؟.......................................... ١٢١
٣٢ ـ من هم آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم؟......................................... ١٢٢
٣٣ ـ من هم أهل البيت عليهمالسلام............................................ ١٢٣
٣٤ ـ من هم العترة؟..................................................... ١٢٤
ـ قصة الشعبي مع الحجاج................................................. ١٢٤
٣٥ ـ من هم ذوو القربى؟................................................. ١٢٥
٢ ـ أهل البيت عليهمالسلام
هم الأئمة الاثنا عشر :
٣٦ ـ ثبوت الإمامة لأئمة أهل البيت عليهمالسلام................................. ١٢٦
٣٧ ـ الخلفاء بعدي اثنا عشر.............................................. ١٢٦
٣٨ ـ من هم الاثنا عشر خليفة غير أئمة
أهل البيت عليهمالسلام؟.................. ١٢٧
٣٩ ـ إمامة أهل البيت عليهمالسلام
منصوصة في كتب السنّة....................... ١٢٧
٤٠ ـ الأئمة هم أهل البيت عليهمالسلام......................................... ١٢٩
٤١ ـ رواية حذيفة بن اليمان.............................................. ١٢٩
٤٢ ـ رواية سلمان الفارسي............................................... ١٢٩
٤٣ ـ رؤية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
للأئمة الاثني عشر عليهمالسلام
حين أسري به............... ١٣٠
٤٤ ـ الإمام علي عليهالسلام
يؤكد كون الأئمة من بني هاشم....................... ١٣١
٤٥ ـ الإنجيل يتنبّأ بالأئمة الاثني عشر...................................... ١٣١
٤٦ ـ الحجة المهدي عليهالسلام
هو الإمام الثاني عشر............................. ١٣٢
٣ ـ أهل البيت عليهمالسلام
هم الخمسة أصحاب الكساء
٤٧ ـ من هم أهل البيت عليهمالسلام
المقصودون في آية التطهير؟................... ١٣٢
٤٨ ـ حديث الكساء.................................................... ١٣٣
٤٩ ـ حديث المباهلة يؤيد حديث الكساء.................................. ١٣٥
٥٠ ـ آية المودّة.......................................................... ١٣٧
٥١ ـ آية السلام........................................................ ١٣٧
٥٢ ـ الصلاة على محمّد وآل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.................................. ١٣٧
٤ ـ فضائل أهل البيت عليهمالسلام.....................................................
٥٣ ـ منزلة أهل البيت عليهمالسلام.............................................. ١٣٨
٥٤ ـ بعض فضائل أهل البيت عليهمالسلام...................................... ١٣٨
بعض
فضائل الإمام علي عليهالسلام
٥٥ ـ فضائل الإمام علي عليهالسلام
لا تحصى.................................... ١٣٩
٥٦ ـ بعض الروايات في فضائل أمير
المؤمنين عليهالسلام........................... ١٤٠
٥٧ ـ ثلاث فضائل للإمام عليهالسلام
لا تضاهى................................. ١٤١
٥٨ ـ أربع مناقب للإمام علي عليهالسلام........................................ ١٤١
٥٩ ـ محبة علي بن أبي طالب عليهالسلام
دليل الإيمان وطهارة المولد................. ١٤١
جملة
من فضائل فاطمة الزهراء عليهاالسلام
٦٠ ـ فضائل فاطمة عليهاالسلام
الخاصة......................................... ١٤٢
٦١ ـ ابن الحنفية يعترف بفضل الحسين عليهالسلام
وفضل أمه الزهراء عليهاالسلام.......... ١٤٢
٦٢ ـ حبّ فاطمة عليهاالسلام
وبغضها ـ ويل لمن يظلم ذريتها....................... ١٤٣
فضائل
الخمسة أصحاب الكساء عليهمالسلام
٦٣ ـ ثواب محبة الخمسة أصحاب الكساء عليهمالسلام............................. ١٤٣
٦٤ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
يدعو لفاطمة وعلي عليهماالسلام
بالبركة في نسلهما.............. ١٤٣
٦٥ ـ آدم يسأل الله بالخمسة أن يتوب
عليه................................. ١٤٤
٦٦ ـ فضيلة الخمسة عليهمالسلام
على هذه الأمة................................. ١٤٤
٦٧ ـ اقتدوا بالشمس والقمر والزهرة
والفرقدين............................... ١٤٤
٦٨ ـ المكتوب على باب الجنّة............................................. ١٤٥
فضائل
الأئمة الاثني عشر
٦٩ ـ أهل البيت عليهمالسلام
أمان لأهل الأرض.................................. ١٤٥
٧٠ ـ أهل البيت عليهمالسلام
كسفينة نوح وباب حطةّ............................. ١٤٥
٧١ ـ أئمة أهل البيت عليهمالسلام
هم رجال الأعراف............................. ١٤٦
٧٢ ـ أئمة أهل البيت عليهمالسلام
يحفظون الشريعة............................... ١٤٦
٥ ـ محبة أهل البيت عليهمالسلام........................................................
٧٣ ـ محبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
فرض............................................. ١٤٦
٧٤ ـ أحبّوا أهل بيتي لحبّي................................................. ١٤٧
٧٥ ـ محبة أهل النبي جزء من محبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.............................. ١٤٧
٧٦ ـ فضل محبة آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.......................................... ١٤٧
٧٧ ـ تفسير آية المودة.................................................... ١٤٨
٧٨ ـ محبة أهل البيت عليهمالسلام
هي أجر الرسالة المحمدية........................ ١٤٩
٧٩ ـ اقتراف الحسنة هو مودّة آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.............................. ١٤٩
٨٠ ـ أربع يسأل عنها المؤمن يوم القيامة.................................... ١٤٩
٨١ ـ من أحبّ أهل البيت عليهمالسلام
فله الشفاعة.............................. ١٥٠
٨٢ ـ من أحبّ أهل البيت عليهمالسلام
يثبّته الله على الصراط...................... ١٥٠
٨٣ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
يسألنا عن اثنين : القرآن والعترة.......................... ١٥٠
٨٤ ـ لا يدخل الجنة من لم يعرف حق أهل
البيت عليهمالسلام...................... ١٥٠
٨٥ ـ مودة أهل البيت عليهمالسلام
تطيل العمر................................... ١٥٠
٨٦ ـ ماذا كان جواب الأمة على طلب
نبيّهم................................ ١٥١
عقاب
من يبغض أهل البيت عليهمالسلام
٨٧ ـ مبغض أهل البيت عليهمالسلام
في النار..................................... ١٥١
٨٨ ـ مبغض أهل البيت عليهمالسلام
منافق...................................... ١٥٢
٨٩ ـ مبغض العترة أحد ثلاث............................................. ١٥٢
٩٠ ـ مبغض أهل البيت عليهمالسلام
يحشر يهوديا................................ ١٥٢
٩١ ـ غضب الله شديد على من آذى العترة................................. ١٥٢
٩٢ ـ عقوبة من يظلم أهل البيت عليهمالسلام
أو يسبّهم........................... ١٥٢
موالاة
أهل البيت عليهمالسلام (حديث الثّقلين
وحديث الغدير)
٩٣ ـ معنى الموالاة........................................................ ١٥٣
٩٤ ـ ثواب نصرة أهل البيت عليهمالسلام
، والذين تنالهم شفاعة جدهمصلىاللهعليهوآلهوسلم....... ١٥٣
٩٥ ـ ولاية علي عليهالسلام
نسوها.............................................. ١٥٤
٩٦ ـ تمسّكوا بالأئمة من بعدي............................................ ١٥٤
٩٧ ـ منزلة أهل البيت عليهمالسلام.............................................. ١٥٤
٩٨ ـ موالاة العترة........................................................ ١٥٥
٩٩ ـ حديث الثقلين وحديث الغدير....................................... ١٥٥
١٠٠ ـ روايات أخرى لحديث الثقلين....................................... ١٥٧
١٠١ ـ تواتر حديث الثقلين من طرق السنّة................................. ١٥٧
١٠٢ ـ ما معنى الثّقلين؟.................................................. ١٥٧
١٠٣ ـ أحاديث في ولاية أهل البيت عليهمالسلام................................. ١٥٧
١٠٤ ـ تفسير سورة العصر................................................ ١٥٨
١٠٥ ـ أشعار في موالاة أهل البيت عليهمالسلام.................................. ١٥٩
الفصل
الرابع : (الإمام الحسين عليهالسلام وفضائله)
١٠٦ ـ الإمام الحسين عليهالسلام........................................ ١٦٣
١ ـ نسب الإمام الحسين عليهالسلام........................................ ١٦٣
١٠٧ ـ نسبه الشريف.................................................... ١٦٣
٢ ـ مولد الحسين عليهالسلام
ووفاته وعمره الشريف.................................. ١٦٤
١٠٨ ـ مولد الحسين عليهالسلام
ووفاته وعمره الشريف............................ ١٦٤
١٠٩ ـ معاصرته للمعصومين عليهمالسلام........................................ ١٦٥
٣ ـ ولادة الحسين عليهالسلام
وتسميته............................................. ١٦٥
١١٠ ـ ولادة الحسين عليهالسلام
وتسميته....................................... ١٦٥
١١١ ـ اسمه الشريف..................................................... ١٦٥
١١٢ ـ ألقابه عليهالسلام...................................................... ١٦٦
١١٣ ـ ولادة الحسين عليهالسلام............................................... ١٦٦
١١٤ ـ رواية أسماء بنت عميس............................................ ١٦٧
١١٥ ـ رواية أم الفضل................................................... ١٦٧
١١٦ ـ لماذا لم ترضع فاطمة الحسين عليهالسلام................................... ١٦٨
١١٧ ـ ماذا فعلوا به؟.................................................... ١١٧
١١٨ ـ أولاد الحسين عليهالسلام................................................ ١١٨
٤ ـ أوصاف الحسين عليهالسلام
وهيئته وجماله....................................... ١٧٠
١١٩ ـ أوصاف الحسين عليهالسلام
وهيئته....................................... ١٧٠
١٢٠ ـ صفة شعره ولحيته الشريفة وخضابه.................................. ١٧٠
١٢١ ـ جمال الحسين عليهالسلام................................................ ١٧١
١٢٢ ـ نور وجهه عليهالسلام................................................... ١٧١
٥ ـ فضائل الحسين عليهالسلام.................................................... ١٧٢
١٢٣ ـ بعض فضائل الحسين عليهالسلام........................................ ١٧٢
١٢٤ ـ وصف الإمام الحجة عليهالسلام
للحسين عليهالسلام
في زيارة الناحية............... ١٧٢
١٢٥ ـ فضائل مشتركة للحسين عليهالسلام...................................... ١٧٢
فضائل
الحسين عليهالسلام الخاصة
١٢٦ ـ ما علّمه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم......................................... ١٧٣
١٢٧ ـ حديث سلمان رضي الله عنه....................................... ١٧٣
١٢٨ ـ حديث ابن عباس رضي الله عنه.................................... ١٧٣
١٢٩ ـ الحسين عليهالسلام
سبط من الأسباط.................................... ١٧٤
١٣٠ ـ حديث البراء بن عازب............................................ ١٧٤
١٣١ ـ حديث جابر بن عبد الله.......................................... ١٧٤
١٣٢ ـ أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء.................................. ١٧٤
١٣٣ ـ الحسين عليهالسلام
باب من أبواب الجنّة.................................. ١٧٥
١٣٤ ـ حديث أبي بن كعب.............................................. ١٧٥
١٣٥ ـ عوّض الله الحسين عليهالسلام
عن قتله بأربع خصال........................ ١٧٥
فضائل
الحسين عليهالسلام على لسان الصحابة
١٣٦ ـ كلام عبد الله بن عمر............................................. ١٧٦
١٣٧ ـ الحسين عليهالسلام
أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء..................... ١٧٦
١٣٨ ـ حكم المحرم الّذي يقتل الذباب...................................... ١٧٦
١٣٩ ـ حكم دم البعوض في الصلاة....................................... ١٧٧
ـ رواية مشابهة عن الحسن البصري.......................................... ١٧٧
الإمام
الحسين عليهالسلام والقرآن
١٤٠ ـ التشابه بين الحسين عليهالسلام
والقرآن................................... ١٧٧
١٤١ ـ في الآيات النازلة في حق الحسين عليهالسلام
في القرآن...................... ١٧٨
جملة
من مناقب الإمام الحسين عليهالسلام
١٤٢ ـ شدة حب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
للحسين عليهالسلام.............................. ١٨٠
١٤٣ ـ أيهما أحبّ إلى النبي : الحسين أم
علي؟............................. ١٨٠
١٤٤ ـ قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
: دعوا الحسنين يتمتعان بي وأتمتّع بهما............... ١٨١
١٤٥ ـ جبرائيل يخبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بمقتل الحسين عليهالسلام......................... ١٨١
١٤٦ ـ محبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
للحسين عليهالسلام.................................... ١٨٢
١٤٧ ـ السيدة عائشة تستغرب............................................ ١٨٣
١٤٨ ـ خبر فداء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
الحسين عليهالسلام
بابنه إبراهيم عليهالسلام................ ١٨٣
١٤٩ ـ مجلس الحسين عليهالسلام............................................... ١٨٤
١٥٠ ـ خطابة الحسين عليهالسلام.............................................. ١٨٤
١٥١ ـ عبادته عليهالسلام..................................................... ١٨٤
١٥٢ ـ كرم الحسين عليهالسلام
وحسن معاملته.................................... ١٨٤
١٥٣ ـ سخاؤه وتواضعه عليهالسلام............................................. ١٨٥
١٥٤ ـ رأفته بالفقراء والمساكين وإحسانه
إليهم.............................. ١٨٥
١٥٥ ـ إباء الحسين عليهالسلام
للضيم.......................................... ١٨٥
١٥٦ ـ شجاعته عليهالسلام.................................................... ١٨٦
١٥٧ ـ شجاعة موروثة................................................... ١٨٦
٦ ـ الذريّة والإمامة...............................................................
١٥٨ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
هو عصبة الحسن والحسين عليهماالسلام....................... ١٨٧
١٥٩ ـ الإمامة في الحسين عليهالسلام
وفي صلبه................................... ١٨٨
* الاحتجاج على الحجّاج................................................. ١٨٨
١٦٠ ـ قصة يحيى بن يعمر مع الحجّاج..................................... ١٨٨
١٦١ ـ رواية أخرى للقصة................................................ ١٨٩
١٦٢ ـ رواية أشمل وأوسع للقصة........................................... ١٩٠
[ترجمة الحجّاج]......................................................... ١٩١
* قصيدة حاقدة ومعارضتها............................................... ١٩٢
١٦٣ ـ قصيدة عبد الله بن المعتز بن
المتوكل العباسي.......................... ١٩٢
١٦٤ ـ قصيدة صفي الدين الحلي في الردّ
عليها.............................. ١٩٣
الفصل
الخامس : (أنباء باستشهاد الحسين عليهالسلام قبل وقوعه)
* تعريف بالفصل.......................................................... ١٩٧
١ ـ أنباء شهادة الحسين في الكتب
السماوية السابقة.................................
١٦٥ ـ التوراة تخبر بمقتل الحسين عليهالسلام
ومنزلة أصحابه........................ ١٩٨
١٦٦ ـ في الإنجيل خبر مقتل الحسين عليهالسلام.................................. ١٩٨
١٦٧ ـ كتاب إرميا يخبر بمقتل الحسين عليهالسلام................................. ١٩٨
١٦٨ ـ ما وجد منقوشا على بعض الأحجار................................. ١٩٩
١٦٩ ـ ما وجد مكتوبا على جدار إحدى
كنائس الروم....................... ١٩٩
١٧٠ ـ لوح من ذهب يشهد بقتل الحسين عليهالسلام............................. ١٩٩
١٧١ ـ القرآن يصف قتل الحسين عليهالسلام
بالفساد الكبير....................... ٢٠٠
إخبار
الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسين عليهالسلام
١٧٣ ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة
الحسين عليهالسلام
حين مرّوا بكربلاء.......... ٢٠٠
١٧٤ ـ معرفة زكريا عليهالسلام
بما سيجري على الإمام الحسين عليهالسلام................. ٢٠١
١٧٥ ـ حديث مقتل يحيى بن زكريا عليهالسلام.................................... ٢٠١
١٧٦ ـ الله سيثأر للحسين عليهالسلام
مثلما ثأر ليحيى............................ ٢٠٢
١٧٧ ـ مقارنة بين محنة النبي يحيى ومحنة
الإمام الحسين عليهالسلام................... ٢٠٢
١٧٨ ـ ما معنى (كهيعص)؟............................................ ٢٠٤
١٧٩ ـ قصة حياة يحيى بن زكريا من مولده
إلى مقتله كما وردت في العهد الجديد بتصرف ٢٠٥
١٨٠ ـ أوجه الشبه بين يحيى والحسين عليهالسلام................................. ٢٠٧
٢ ـ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بما يجري على أهل بيته من بعده
١٨١ ـ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بشهادة الحسين عليهالسلام
وما يلاقيه أهل بيته........... ٢٠٨
١٨٢ ـ ما يحصل لذرية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
من بعده............................... ٢٠٩
١٨٣ ـ وعيد شديد لظلمة آل بيت محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم........... ٢٠٩
علوم
أهل البيت عليهمالسلام بالمغيبات
١٨٤ ـ علم الجفر....................................................... ٢١٠
١٨٥ ـ علوم أهل البيت عليهمالسلام............................................ ٢١١
١٨٦ ـ لكل إمام صحيفة يعرف منها كل ما
يجري عليه....................... ٢١١
١٨٧ ـ صحيفة بإملاء علي عليهالسلام
فيها كل شيء............................. ٢١٢
١٨٨ ـ لوح عند فاطمة عليهاالسلام
رآه جابر الأنصاري ، وفيه ذكر الأئمة........... ١٨٨
١٨٩ ـ نزول الوصية الإلهية على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بصورة كتاب مختوم يفكّه الأئمة عليهمالسلام
ويعملون بمقتضاه ٢١٤
٣ ـ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
باستشهاد الحسين عليهالسلام
١٩٠ ـ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بقتل الحسين عليهالسلام
ودعوته إلى مودة أهل البيت عليهمالسلام ٢١٤
١٩١ ـ مرور أمير المؤمنين عليهالسلام
على كربلاء................................. ٢١٥
١٩٢ ـ رواية مشابهة..................................................... ٢١٦
١٩٣ ـ روايات أم سلمة رضي الله عنها..................................... ٢١٦
١٩٤ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
يرى الحسين عليهالسلام
في كربلاء............................ ٢١٦
١٩٥ ـ حديث أم سلمة (خبر القارورة)..................................... ٢١٧
١٩٦ ـ الحسين عليهالسلام
يري أم سلمة مضجعه في كربلاء........................ ٢١٧
١٩٧ ـ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بمقتل الحسين عليهالسلام.............................. ٢١٨
١٩٨ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
يخبر عائشة بمقتل الحسين عليهالسلام......................... ٢١٨
١٩٩ ـ رواية أنس بن مالك الأنصاري...................................... ٢١٨
٢٠٠ ـ رواية أبي أمامة.................................................... ٢١٨
٢٠١ ـ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بمقتل الحسين عليهالسلام
وأصحابه في عمورا.............. ٢١٩
٢٠٢ ـ الإخبار بقتل الحسين عليهالسلام
قبل ولادته............................... ٢١٩
٢٠٣ ـ روايات ابن عباس رضي الله عنه..................................... ٢٢٠
إخبار
الإمام علي عليهالسلام
٢٠٤ ـ رواية ميثم التمّار.................................................. ٢٢٠
٢٠٥ ـ رواية الحسن بن كثير.............................................. ٢٢١
٢٠٦ ـ شهداء كربلاء مثل شهداء بدر رضي
الله عنهم........................ ٢٢١
ـ شهداء كربلاء لايسبقهم سابق........................................... ٢٢١
٢٠٧ ـ إخبار الإمام علي عليهالسلام
أن الحسين عليهالسلام
يقتل وموضع ذلك............ ٢٢١
ـ قصة مرور عيسى عليهالسلام
بكربلاء.......................................... ٢٢٢
٢٠٨ ـ إخبار الإمام علي عليهالسلام
حين مرّ بكربلاء وهو سائر إلى صفين.......... ٢٢٤
٢٠٩ ـ إخبار الإمام علي عليهالسلام
بما سيحدث في كربلاء........................ ٢٢٤
٢١٠ ـ حديث الإمام الحسن عليهالسلام
عن مصرع أخيه الحسين عليهالسلام.............. ٢٢٥
٢١١ ـ إخبار الحسين عليهالسلام
بمقتله.......................................... ٢٢٥
أخبار
أخرى
٢١٢ ـ ورود سلمان رضي الله عنه كربلاء................................... ٢٢٦
٢١٣ ـ إخبار أبي ذر الغفاري بمقتل
الحسين عليهالسلام
ونتائج ذلك................. ٢٢٦
٢١٤ ـ ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء............................... ٢٢٦
٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسين عليهالسلام.......................................... ٢١٥
ـ الحسين عليهالسلام
يخبر بأن عمر بن سعد سيقتله............................... ٢٢٧
٢١٦ ـ إخبار الإمام علي عليهالسلام
بأن عمر بن سعد يقتل ابنه الحسين عليهالسلام....... ٢٢٧
٢١٧ ـ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
أن يزيد هو قاتل الحسين عليهالسلام.................... ٢٢٨
٢١٨ ـ رواية أخرى...................................................... ٢٢٩
الفصل
السادس : (المآتم الحسينيّة)
* مقدمة الفصل......................................................... ٢٣٣
١ ـ مآتم الحسين عليهالسلام...........................................................
٢١٩ ـ مأتم الحسين عليهالسلام
في دار فاطمة عليهاالسلام.............................. ٢٣٤
٢٢٠ ـ في دار أم سلمة رضي الله عنها..................................... ٢٣٤
إقامة
العزاء على الحسين عليهالسلام
٢٢١ ـ إقامة العزاء على الحسين عليهالسلام...................................... ٢٣٥
٢٢٢ ـ ثواب إقامة العزاء على الحسين عليهالسلام................................. ٢٣٥
٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسين عليهالسلام..................................... ٢٣٦
٢٢٣ ـ الكباء على أمناء الرحمن........................................... ٢٣٦
٢٢٤ ـ فضيلة البكاء من خشية الله........................................ ٢٣٦
٢٢٥ ـ البكاء من خوف الله وخشيته....................................... ٢٣٦
٢٢٦ ـ البكاء على الحسين عليهالسلام
هو من خشية الله.......................... ٢٣٧
٢٢٧ ـ البكاء من خوف الله قسمان....................................... ٢٣٧
٢٢٨ ـ ثواب البكاء عامة على الحسين
ومصيبة سائر الأئمة عليهمالسلام............. ٢٣٨
٢٢٩ ـ من قطرت عينه قطرة على الحسين عليهالسلام............................. ٢٣٨
٢٣٠ ـ فضيلة البكاء على الحسين عليهالسلام.................................... ٢٣٨
٢٣١ ـ البكاء على الحسين عليهالسلام
يحطّ الذنوب.............................. ٢٣٩
٢٣٢ ـ حديث : نفس المهموم لظلمنا تسبيح................................ ٢٣٩
٢٣٣ ـ حديث : من دمعت عينه فينا دمعة................................. ٢٣٩
٢٣٤ ـ حديث : من ذكرنا عنده.......................................... ٢٣٩
٢٣٥ ـ حديث الإمام الصادق عليهالسلام
لمسمع كردين........................... ٢٤٠
٢٣٦ ـ حديث : من تذكّر مصابنا وبكى................................... ٢٤٠
٢٣٧ ـ الحسين عليهالسلام
قتيل العبرة........................................... ٢٤٠
٢٣٨ ـ البكاء على الحسين عليهالسلام.......................................... ٢٤١
٣ ـ إقامة ذكرى الحسين ومراسم الحزن يوم
عاشوراء
٢٣٩ ـ إقامة ذكرى الحسين عليهالسلام
والحزن عليه............................... ٢٤١
٢٤٠ ـ حرمة الجرح واللطم المؤذي.......................................... ٢٤٢
٢٤١ ـ إظهار الحزن والمصيبة يوم العاشر
من المحرم............................ ٢٤٣
٢٤٢ ـ إقامة الذكرى والحزن على الحسين عليهالسلام.............................. ٢٤٣
٢٤٣ ـ حديث الإمام الرضا عليهالسلام
لابن شبيب عن يوم العاشر من المحرّم......... ٢٤٣
ـ حرمة شهر المحرم........................................................ ٢٤٣
٢٤٤ ـ حرمة الشهر الحرام ، واستحلال
دماء أهل البيت عليهمالسلام
فيه............. ٢٤٤
٢٤٥ ـ الحزن يوم عاشوراء سنّة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم................................. ٢٤٥
اتخاذ
بني أمية يوم عاشوراء يوم عيد وفرح
٢٤٦ ـ اتخاذ يوم عاشوراء يوم عيد وفرح
سنّة أموية........................... ٢٤٦
٢٤٧ ـ احتفال بني أمية بالأفراح يوم
عاشوراء................................ ٢٤٦
٢٤٨ ـ المحبة الزائفة والتناقض العجيب ،
صفة متعصّبي السنة.................. ٢٤٧
٢٤٩ ـ الاكتحال على الحسين عليهالسلام....................................... ٢٤٨
٢٥٠ ـ تحويل بني أمية يوم عاشوراء إلى
يوم بركة.............................. ٢٤٨
أحاديث
موضوعة في فضل يوم عاشوراء
٢٥١ ـ جملة من الأحاديث الموضوعة في فضل
يوم عاشوراء.................... ٢٤٨
ـ فضائل يوم عاشوراء..................................................... ٢٤٩
ـ عدم صحة أحاديث فضل يوم عاشوراء.................................... ٢٥٠
٢٥٢ ـ إخبار ميثم التمّار بشهادة الحسين
عليهالسلام
في عشر المحرم ، ومن يتخذه يوم بركة ٢٥٠
ـ أخبار مكذوبة......................................................... ٢٥٠
صيام
يوم عاشوراء
٢٥٣ ـ هل يجوز صيام يوم عاشوراء؟....................................... ٢٥١
٢٥٤ ـ هل يصام يوم تاسوعاء ويوم عاشوراء؟............................... ٢٥١
٢٥٥ ـ الصيام والتبرك في يوم عاشوراء
سنّة باطلة............................. ٢٥٢
٢٥٦ ـ صوم يوم عاشوراء................................................. ٢٥٢
٢٥٧ ـ ما يستحب يوم عاشوراء........................................... ٢٥٣
٤ ـ فلسفة المآتم الحسينية
٢٥٨ ـ فلسفة المآتم الحسينية للفيلسوف
الألماني [ماربين] في كتابه (السياسة الإسلامية) ٢٥٣
٢٥٩ ـ الخواطر التي تبعثها فينا ذكرى
الحسين عليهالسلام
وشهادته.................. ٢٥٥
٢٦٠ ـ إقامة الذكرى لمقتل الحسين عليهالسلام
والبكاء عليه كل عام................. ٢٥٥
ـ هل يوم عاشوراء يوم فرح أم يوم ترح؟..................................... ٢٥٦
٢٦١ ـ كلام السيد علي جلال الحسيني
المصري............................. ٢٥٧
٢٦٢ ـ من الّذي قتل الحسين عليهالسلام؟....................................... ٢٥٨
٢٦٣ ـ مصرع الحسين عليهالسلام
عظة وقدوة.................................... ٢٥٩
٢٦٤ ـ العدل الإلهي في مصير الحسين عليهالسلام
ومصير أعدائه.................... ٢٥٩
٢٦٥ ـ العناية الإلهية بأهل البيت عليهمالسلام.................................... ٢٦٠
٢٦٦ ـ شتان ما بين الذهب والرغام الذين.................................. ٢٦٠
٢٦٧ ـ من الّذي خذل الحسين عليهالسلام
حيّا وميّتا؟............................. ٢٦٠
نهضة الإمام الحسين عليهالسلام................................................ ٢٦٢
الفصل
السابع : (فلسفة النهضة الحسينية وأهدافها)
* تعريف بالفصل........................................................ ٢٦٣
الفرق بين الثورة والنهضة.................................................. ٢٦٤
١ ـ أسباب نهضة الحسين عليهالسلام.............................................. ٢٦٥
* مدخل............................................................... ٢٦٥
٢٦٨ ـ الدوافع إلى النهضة................................................ ٢٦٦
٢٦٩ ـ الأسباب المباشرة وغير المباشرة
لنهضة الحسين عليهالسلام
وما هو تكليفه الواقعي والظاهري ٢٦٧
٢٧٠ ـ من أسباب نهضة الحسين عليهالسلام
لأحد علماء الأزهر.................... ٢٦٨
٢ ـ مبررات النهضة......................................................... ٢٦٩
* مدخل............................................................... ٢٦٩
٢٧١ ـ تغير الأوضاع بين عصر الحسن عليهالسلام
وعصر الحسين عليهالسلام............. ٢٧٠
٢٧٢ ـ الإسلام على شفا جرف هار....................................... ٢٧١
٢٧٣ ـ الحسين عليهالسلام
أمام مسؤولية الثورة.................................... ٢٧١
٢٧٤ ـ بين فقدان الثقة وفقدان الإرادة..................................... ٢٧١
٢٧٥ ـ الحسين عليهالسلام
لا يعبأ بالنصائح والتحذيرات........................... ٢٧٢
٢٧٦ ـ محاولة معاوية حرف مبادئ الإسلام
على المستويين النظري والعملي...... ٢٧٣
٢٧٧ ـ تغيير مفاهيم الإسلام.............................................. ٢٧٣
٢٧٨ ـ استخدام أساليب الإرهاب والتجويع
والتهجير والتفريق ، للتسلط على المسلمين ٢٧٥
٢٧٩ ـ نهضة الحسين عليهالسلام............................................... ٢٧٦
٣ ـ متى يجب القيام؟ :...................................................... ٢٧٦
مدخل................................................................. ٢٧٦
٢٨٠ ـ الإعلام الأموي المضاد للثورة....................................... ٢٧٧
٢٨١ ـ تصويب الخارجين على الظلم....................................... ٢٧٨
٢٨٢ ـ قول ابن الجوزي................................................... ٢٧٨
٢٨٣ ـ قول الشوكاني.................................................... ٢٧٨
٢٨٤ ـ تأييد نهضة الحسين عليهالسلام
للشيخ محمّد عبده.......................... ٢٧٩
٢٨٥ ـ من الّذي خرج على إمام زمانه؟..................................... ٢٧٩
٤ ـ لماذا خرج الحسين عليهالسلام
بعياله؟........................................... ٢٨٠
٢٨٦ ـ ما العذر في خروج الحسين عليهالسلام
من مكة بأهله وعياله؟................ ٢٨٠
٢٨٧ ـ تعليق العلامة المجلسي............................................. ٢٨١
٢٨٨ ـ لماذا خرج الحسين عليهالسلام
بعياله إلى العراق؟............................ ٢٨٢
٥ ـ هل ألقى الحسين عليهالسلام
بيده إلى التهلكة؟.................................. ٢٨٤
٢٨٩ ـ هل عرّض الحسين عليهالسلام
نفسه للتهلكة؟............................. ٢٨٤
٢٩٠ ـ التعبّد بالقتل أسمى درجات
السعادة ، وليس هو إلقاء إلى التهلكة....... ٢٨٤
٢٩١ ـ دفع شبهة : هل ألقى الحسين عليهالسلام
بنفسه إلى التهلكة؟............... ٢٨٥
٢٩٢ ـ بين هجرة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
وهجرة السبط عليهالسلام........................ ٢٨٦
٦ ـ معالم النهضة المقدسة :.................................................. ٢٨٧
٢٩٣ ـ ثلاثة مشاعل من رسالة الحسين عليهالسلام................................ ٢٨٧
المسؤولية ـ التصميم ـ العزّة................................................. ٢٨٨
٧ ـ أهداف نهضة الحسين عليهالسلام.............................................. ٢٨٩
*مدخل................................................................ ٢٨٩
٢٩٤ ـ هدفان رئيسيان للنهضة............................................ ٢٩٠
٢٩٥ ـ الحسين عليهالسلام
فاتح وليس مغامرا..................................... ٢٩٠
تصريحات
الفيلسوف الألماني ماربين
٢٩٦ ـ أسرار شهادة الحسين عليهالسلام
للفيلسوف الألماني (ماربين)................ ٢٩١
٢٩٧ ـ مختصر ما حصل للحسين عليهالسلام
حتّى مقتله........................... ٢٩٧
٨ ـ ثمرات النهضة الحسينية.................................................. ٢٩٨
٢٩٨ ـ نهضة الحسين عليهالسلام
تحقق أهدافها القريبة والبعيدة ، ثمرات نهضة الحسين عليهالسلام ٢٩٨
٢٩٩ ـ ثورات على خطّ الحسين عليهالسلام...................................... ٢٩٩
ثورة التوابين ـ ثورة أهل المدينة ـ ثورة
المختار................................... ٢٩٩
فلسفة
الابتلاء
٣٠٠ ـ الدنيا دار ابتلاء.................................................. ٣٠٠
٣٠١ ـ المؤمن أشدّ ابتلاء................................................. ٣٠٠
٣٠٢ ـ كيف يترك الله أولياءه يقتلون
ويغلبون!............................... ٣٠١
٣٠٣ ـ لماذا غلب الأئمة عليهمالسلام
ولم ينصروا ، وأن ذلك ابتلاء.................. ٣٠١
ـ ابتلاء أيوب عليهالسلام...................................................... ٣٠١
٣٠٤ ـ ابتلاء الأنبياء والأئمة عليهمالسلام
لإعلاء منزلتهم عند الله................... ٣٠٢
٣٠٥ ـ كيف يسلّط الله أعداءه على
أوليائه؟................................ ٣٠٢
٣٠٦ ـ الشهادة أعلى درجات الكرامة...................................... ٣٠٣
الباب
الثاني : الأوضاع السابقة للنهضة
* مقدمة الباب............................................................ ٣٠٧
الفصل
الثامن : (الصراع بين الحق والباطل)
٣٠٧ ـ صراع الحق والباطل................................................ ٣٠٨
٣٠٨ ـ العداوة بين بني أمية وبني هاشم..................................... ٣٠٩
٣٠٩ ـ عداء مستحكم زاد مع الأيام....................................... ٣١٠
٣١٠ ـ معاوية في عهد الخلفاء الأربعة....................................... ٣١١
٣١١ ـ معاوية في زمن عمر............................................... ٣١١
ـ محاورة عمر لمعاوية حين زاره بالشام........................................ ٣١٢
٣١٢ ـ معاوية في زمن عثمان.............................................. ٣١٢
٣١٣ ـ أخبار ملفّقة وتعصب مفضوح...................................... ٣١٢
٣١٤ ـ كتّاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم........................................... ٣١٣
٣١٥ ـ خروج معاوية على الإمام علي عليهالسلام................................. ٣١٣
٣١٦ ـ من المسؤول الحقيقي عن دم عثمان؟
تلكّؤ معاوية عن نصرة عثمان حتّى قتل ٣١٤
ـ معاوية قتل عثمان...................................................... ٣١٥
٣١٧ ـ اعتراف دامغ للغزالي بانحراف
معاوية ويزيد عن الإسلام................ ٣١٥
٣١٨ ـ أما يكفي لمعاوية محاربته لإمام
زمانه وسبّه؟........................... ٣١٦
٣١٩ ـ حقيقة معاوية وحقيقة علي عليهالسلام.................................... ٣١٦
ـ دهاء ومكر معاوية...................................................... ٣١٦
ـ جريمة سبّ الإمام علي عليهالسلام............................................. ٣١٧
ـ مثلث الشرّ............................................................ ٣١٧
الفصل
التاسع : (خلافة الإمام الحسن عليهالسلام)
٣٢٠ ـ ترجمة الإمام الحسن عليهالسلام.......................................... ٣١٩
٣٢١ ـ خلافة الحسن عليهالسلام
وصلحه ووفاته.................................. ٣١٩
٣٢٢ ـ أين الثرى من الثريا؟............................................... ٣٢٠
٣٢٣ ـ معاوية يعلن الحرب على الإمام
الحسن عليهالسلام.......................... ٣٢٠
٣٢٤ ـ تخاذل أصحاب الحسن عليهالسلام
عنه................................... ٣٢٠
(الشكل ٢) : مصور الطريق التي سلكها
الحسن عليهالسلام
من الكوفة إلى ساباط فمسكن ٣٢١
صلح
الإمام الحسن عليهالسلام مع معاوية
٣٢٥ ـ صلح الحسن عليهالسلام................................................ ٣٢٢
٣٢٦ ـ كيف تمّ الصلح؟................................................. ٣٢٢
٣٢٧ ـ رأي الحسن عليهالسلام
في أهل الكوفة.................................... ٣٢٣
٣٢٨ ـ بنود وثيقة الصلح................................................. ٣٢٣
٣٢٩ ـ لماذا صالح الإمام الحسن عليهالسلام؟..................................... ٣٢٤
٣٣٠ ـ من كلام للحسين عليهالسلام
في أصحابه بعد إجراء الصلح................. ٣٢٤
٣٣١ ـ معاوية يطلب من الإمام الحسن عليهالسلام
أن يخطب في الكوفة إبّان الصلح.. ٣٣١
٣٣٢ ـ الإمام الحسن عليهالسلام
يكشف حقيقة معاوية وعمرو بن العاص............ ٣٢٥
الفصل
العاشر : (حكم معاوية بن أبي سفيان)
* تعريف بالفصل........................................................ ٣٢٨
٣٣٣ ـ ترجمة معاوية..................................................... ٣٢٨
٣٣٤ ـ صفة معاوية...................................................... ٣٢٩
٣٣٥ ـ قصة شريك بن الأعور ، ومعنى
معاوية............................... ٣٢٩
٣٣٦ ـ جواب سليط..................................................... ٣٣٠
٣٣٧ ـ خبر أروى بنت الحارث الهاشمية
تعدد مثالب معاوية.................... ٣٣٠
٣٣٨ ـ أصل معاوية...................................................... ٣٣١
٣٣٩ ـ نساء معاوية...................................................... ٣٣٢
٣٤٠ ـ أولاد معاوية...................................................... ٣٣٢
٣٤١ ـ بعض الأحاديث المأثورة في معاوية................................... ٣٣٢
٣٤٢ ـ كيف توفي العلامة النّسائي شهيدا
في دمشق.......................... ٣٣٣
٣٤٣ ـ الإمام علي عليهالسلام
يتنبأ بأعمال معاوية................................ ٣٣٤
٣٤٤ ـ بطنة معاوية...................................................... ٣٣٤
سبّ
معاوية للإمام علي عليهالسلام
٣٤٥ ـ سبّ الإمام علي عليهالسلام............................................ ٣٣٥
٣٤٦ ـ معاوية يأمر الناس بسب علي عليهالسلام................................. ٣٣٥
٣٤٧ ـ الذين يسبّون عليا عليهالسلام
هم أهل النار............................... ٣٣٥
٣٤٨ ـ لماذا رفع عمر بن عبد العزيز
مسبّة الإمام علي عليهالسلام؟.................. ٣٣٥
٣٤٩ ـ عمر بن عبد العزيز وأبوه........................................... ٣٣٦
٣٥٠ ـ عمر بن عبد العزيز يمنع مسبة
الإمام علي عليهالسلام....................... ٣٣٦
٣٥١ ـ الإمام علي عليهالسلام
يأمر أتباعه بعدم سبّ أهل الشام................... ٣٣٧
٣٥٢ ـ ماذا يمثّل معاوية؟................................................. ٣٣٧
الحكم
الأموي وسماته
٣٥٣ ـ حكم معاوية من الملك العضوض.................................... ٣٣٧
٣٥٤ ـ الملك العضوض................................................... ٣٣٨
٣٥٥ ـ الخلافة بعدي ثلاثون سنة.......................................... ٣٣٨
٣٥٦ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
يتنبأ بحكم بني أمية.................................... ٣٣٨
٣٥٧ ـ خلافة بني أمية ألف شهر......................................... ٣٣٩
٣٥٨ ـ ملوك بني أمية ومدة حكم كل واحد
منهم............................ ٣٣٩
٣٥٩ ـ إخبار الإمام علي عليهالسلام
بمصير بني أمية.............................. ٣٤٠
سمات
الحكم الأموي
٣٦٠ ـ مدخل حول معنى الخلافة.......................................... ٣٤١
٣٦١ ـ حكم بني أمية ملكية وليس خلافة.................................. ٣٤١
٣٦٢ ـ حكم معاوية خلافة أم ملكية؟..................................... ٣٤٢
٣٦٣ ـ الفرق بين الخليفة والملك........................................... ٣٤٢
٣٦٤ ـ حكم معاوية ويزيد................................................ ٣٤٢
٣٦٥ ـ الحكم الأموي لم يكن حكما إسلاميا
، بل تسوده النزعة الجاهلية....... ٣٤٣
٣٦٦ ـ النزعة القبلية..................................................... ٣٤٣
ـ شأن قيس (ثقيف)..................................................... ٣٤٣
٦٦٣ ـ إثارة معاوية النعرات القبلية ،
وسياسة : فرّق تسد..................... ٣٤٣
٣٦٧ ـ محاولة معاوية نقل منبر رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم
إلى الشام.................... ٣٤٥
٣٦٨ ـ مثال حيّ على تحريف بني أمية
لمبادئ الإسلام ـ اهتمام عبد الملك ابن مروان ببناء قبة الصخرة لأغراض سياسية ٣٤٥
٣٦٩ ـ محاولات بني أمية للحط من قيمة
أهل البيت عليهمالسلام................... ٣٤٦
٣٦٩ ـ سياسة بني أمية ومعاوية ويزيد...................................... ٣٤٨
هنات
معاوية
٣٧٠ ـ مبتدعات معاوية.................................................. ٣٥٠
٣٧١ ـ أربع موبقات كبيرة لمعاوية.......................................... ٣٥٠
٣٧٢ ـ تولية يزيد من أكبر أخطاء معاوية................................... ٣٥١
تسلط
معاوية على الأمة بالسفهاء
٣٧٣ ـ قصة بسر بن أبي أرطاة وقتله أولاد
عبيد الله بن العباس................ ٣٥١
٣٧٤ ـ ما فعله بسر بن أبي أرطاة بأهل
البيت عليهمالسلام
في عهد معاوية............ ٣٥٢
استلحاق
معاوية لزياد ابن أبيه
٣٧٥ ـ استلحاق معاوية لزياد............................................. ٣٥٢
٣٧٦ ـ قصة استلحاق معاوية لزياد بن أبيه.................................. ٣٥٢
وصية
الإمام الحسن عليهالسلام ووفاته
٣٧٧ ـ بعض أخلاق معاوية وأعماله....................................... ٣٥٣
٣٧٨ ـ وصية الحسن عليهالسلام
بالإمامة إلى الحسين عليهالسلام......................... ٣٥٣
٣٧٩ ـ وصية الحسن عليهالسلام
لأخيه الحسين عليهالسلام
حول الحكم................... ٣٥٤
٣٨٠ ـ سمّ الإمام الحسن عليهالسلام............................................ ٣٥٤
٣٨١ ـ كيفية وفاة الإمام الحسن عليهالسلام...................................... ٣٥٤
ـ دفن الإمام الحسن عليهالسلام................................................. ٣٥٤
٣٨٢ ـ عائلة الغدر...................................................... ٣٥٥
٣٨٣ ـ تعريف بمقبرة البقيع في المدينة....................................... ٣٥٥
(الشكل ـ ٣) : مقبرة بقيع الغرقد.......................................... ٣٥٦
٣٨٤ ـ حجر بن عديّ يطلب من الحسين
النهوض........................... ٣٥٧
٣٨٥ ـ مراسلة أهل الكوفة للحسين عليهالسلام
بعد وفاة الإمام الحسن عليهالسلام......... ٣٥٧
٣٨٦ ـ جواب الحسين عليهالسلام
بالتريّث....................................... ٣٥٧
٣٨٧ ـ وصية الحسين عليهالسلام
لوفد أهل الكوفة بعد وفاة الحسن عليهالسلام............ ٣٥٧
٣٨٨ ـ طلب أهل الكوفة من الحسين عليهالسلام
الشخوص إليهم في خلافة معاوية... ٣٥٨
٣٨٩ ـ نصيحة أبي سعيد الخدري.......................................... ٣٥٨
٣٩٠ ـ وفاء الإمام الحسين عليهالسلام........................................... ٣٥٨
قتل
عمرو بن الحمق وحجر بن عدي
٣٩١ ـ استشهاد عمرو بن الحمق الخزاعي................................... ٣٥٩
[ترجمة عمرو بن الحمق].................................................. ٣٥٩
٣٩٢ ـ قتل حجر بن عدي الكندي....................................... ٣٦٠
[ترجمة حجر بن عدي الكندي]........................................... ٣٦١
٣٩٣ ـ إثارة مروان بن الحكم الفتنة بين
معاوية والحسين عليهالسلام.................. ٣٦١
٣٩٤ ـ دعايات مفتعلة................................................... ٣٦٢
٣٩٥ ـ كتاب معاوية للحسين عليهالسلام
يتهمه فيه بالفتنة وشقّ عصا الطاعة ، ويتوعده بالبطش به ٣٦٢
٣٩٦ ـ ردّ الحسين عليهالسلام
على كتاب معاوية ، وبيان بعض أعماله ونقضه للعهد.. ٣٦٣
استخلاف
معاوية ليزيد
٣٩٧ ـ عزم معاوية على البيعة ليزيد بعد
وفاة الحسن عليهالسلام..................... ٣٦٤
٣٩٨ ـ اعتماد معاوية على داهيتين........................................ ٣٦٥
٣٩٩ ـ المغيرة بن شعبة يشير على معاوية
باستخلاف يزيد..................... ٣٦٥
٤٠٠ ـ البيعة ليزيد....................................................... ٣٦٥
٤٠١ ـ كلام الأحنف بن قيس في يزيد
وبيعته............................... ٣٦٦
٤٠٢ ـ خطبة مروان في مسجد المدينة يدعو
إلى يزيد......................... ٣٦٦
٤٠٣ ـ عزل مروان بن الحكم عن المدينة.................................... ٣٦٧
[ترجمة مروان بن الحكم وأبيه]............................................. ٣٦٨
٤٠٤ ـ جملة من أعمال مروان المشينة....................................... ٣٦٩
٤٠٥ ـ الغدر صفة متأصلة في مروان....................................... ٣٦٩
٤٠٦ ـ هلاك مروان بن الحكم............................................. ٣٧٠
٤٠٧ ـ معاوية ينقض عهوده ويحاول تولية
يزيد............................... ٣٧١
٤٠٨ ـ قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ
البيعة ليزيد............................. ٣٧١
٤٠٩ ـ ردّ الإمام الحسين عليهالسلام
على كلام معاوية............................. ٣٧٢
٤١٠ ـ جرأة أبي قتادة الأنصاري على
معاوية................................ ٣٧٣
ـ تعليق على القرماني...................................................... ٣٧٤
٤١١ ـ قصة عن مداهنة الناس لمعاوية لكسب
الأموال........................ ٣٧٥
٤١٢ ـ أيهما يخدع الآخر؟............................................... ٣٧٥
٤١٣ ـ قصة أرينب بنت اسحق........................................... ٣٧٦
ـ مبادرة رائعة............................................................ ٣٧٩
ـ ردّ الحق إلى أهله........................................................ ٣٨٠
ـ لقاء الحبيبين على يد بقية السبطين........................................ ٣٨١
مرض
معاوية وهلاكه
٤١٤ ـ مرض معاوية ووصيته.............................................. ٣٨٢
٤١٥ ـ وصية معاوية لابنه يزيد............................................ ٣٨٣
تابع وصية معاوية ليزيد فيما يخص معاملة
أهل الحجاز والعراق والشام........... ٣٨٣
٤١٦ ـ وصية معاوية بوضع شيء من شعر
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
وظفره في فمه وعينه..... ٣٨٤
٤١٧ ـ تعليق على وصية معاوية ليزيد...................................... ٣٨٤
٤١٨ ـ وفاة معاوية وعمره................................................ ٣٨٥
٤١٩ ـ هلاك معاوية وتشييعه............................................. ٣٨٦
الفصل
الحادي عشر : (حكم يزيد بن معاوية)
٤٢٠ ـ الوضع الفلكي أول حكم يزيد...................................... ٣٨٧
٤٢١ ـ الحكم الوراثي.................................................... ٣٨٧
٤٢٢ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
يتنبّأ بحكم الطاغية يزيد................................ ٣٨٧
٤٢٣ ـ الفساد بعد عام الستين............................................ ٣٨٨
٤٢٤ ـ خلافة يزيد بن معاوية في رجب سنة
٦٠ ه.......................... ٣٨٨
٤٢٥ ـ ذكر مدة خلافة يزيد بن معاوية
وعمره............................... ٣٨٨
٤٢٦ ـ صفة يزيد وهيئته.................................................. ٣٨٩
٤٢٧ ـ وصف الطرمّاح لسوء خلقة يزيد.................................... ٣٩٠
٤٢٨ ـ (ميسون) أم يزيد................................................. ٣٩٠
٤٢٩ ـ أولاد يزيد وزوجاته................................................ ٣٩٠
٤٣٠ ـ فسوق يزيد...................................................... ٣٩١
٤٣١ ـ اقتداء حاشية يزيد به في الفسوق.................................... ٣٩٢
٤٣٢ ـ استخدام يزيد للنصارى............................................ ٣٩٢
٤٣٣ ـ جبل (سنير)..................................................... ٣٩٣
[ترجمة سرجون الرومي]................................................... ٣٩٤
٤٣٤ ـ أعمال يزيد ومعاوية كانت السبب
الرئيسي لانقسام المسلمين وتفرق كلمتهم إلى يوم الدين ٣٩٤
٤٣٥ ـ أعمال وحشية لا نظير لها.......................................... ٣٩٥
٤٣٦ ـ خلافة يزيد...................................................... ٣٩٥
٤٣٧ ـ مجيء يزيد إلى دمشق.............................................. ٣٩٥
ـ جلوس يزيد في قصر الخضراء............................................. ٣٩٥
٤٣٨ ـ أحد الحاضرين يكذّب يزيد......................................... ٣٩٦
٤٣٩ ـ خطبة يزيد في أهل الشام.......................................... ٣٩٦
٤٤٠ ـ متى عزل مروان؟.................................................. ٣٩٦
٤٤١ ـ الولاة على الأمصار............................................... ٣٩٧
[توقيت الحوادث الأساسية]............................................... ٣٩٨
[جدول زمني بحوادث وقعة كربلاء]......................................... ٣٩٩
الباب
الثالث : الإعداء للنهضة
[صورة الحرم النبوي الشريف في المدينة
المنوّرة]................................ ٤٠٢
الفصل
الثاني عشر : (في المدينة المنورة)
٤٤٢ ـ كتاب من يزيد يدعو أهل المدينة
إلى بيعته............................ ٤٠٣
٤٤٣ ـ ما جاء في الصحيفة المرفقة
بالكتاب كأنها أذن فأرة.................... ٤٠٤
٤٤٤ ـ علاقة مروان بالوليد............................................... ٤٠٥
٤٤٥ ـ مشاورة الوليد لمروان بن الحكم...................................... ٤٠٥
٤٤٦ ـ استدعاء الشخصيات الأربعة....................................... ٤٠٦
٤٤٧ ـ دعوة الوليد بن عتبة للإمام
الحسين عليهالسلام
وابن الزبير................... ٤٠٦
٤٤٨ ـ الحسين عليهالسلام
يشاور الثلاثة فيما سيفعلون............................ ٤٠٦
٤٤٩ ـ من كلام للحسين عليهالسلام
قاله لعبد الله بن الزبير لما بعث الوليد ابن عتبة يستدعيهما ٤٠٧
٤٥٠ ـ من كلام للحسين عليهالسلام
لما عزم على مقابلة الوليد ، وقد أمر أصحابه بالاستعداد للطوارئ ٤٠٨
٤٥١ ـ وصية الحسين عليهالسلام
لأصحابه...................................... ٤٠٨
٤٥٢ ـ دخول الحسين عليهالسلام
على الوليد بن عتبة............................. ٤٠٩
٤٥٣ ـ تحرّز ابن الزبير وهربه.............................................. ٤١٠
٤٥٤ ـ رحيل عبد الله بن الزبير............................................ ٤١٠
٤٥٥ ـ من كلام للحسين عليهالسلام
لما دخل عليا لوليد ودعاه إلى بيعة يزيد ، وفيه يعلن مبدأه في نهضته المقدسة
واستحالة مبايعته ليزيد....................................................................... ٤١٠
٤٥٦ ـ إعلان الحسين عليهالسلام
لنهضته المقدسة................................ ٤١١
٤٥٧ ـ مجادلة مروان مع الوليد بن عتبة
بشأن الحسين عليهالسلام................... ٤١٢
٤٥٨ ـ الوليد بن عتبة يغلظ للحسين عليهالسلام
في الكلام ،...................... ٤١٢
أسماء زوجة الوليد تنهاه عن شتم الحسين عليهالسلام............................... ٤١٢
٤٥٩ ـ إمساك عبد الله بن مطيع العدوي
وحبسه............................. ٤١٢
٤٦٠ ـ لقاء بين مروان بن الحكم والحسين عليهالسلام
في الطريق ، ومروان ينصح الحسين عليهالسلام
ببيعة يزيد ، والحسين عليهالسلام
يبيّن فسوق يزيد ، وأسباب رفضه لبيعته..................................................... ٤١٣
٤٦١ ـ كتاب الوليد بن عتبة إلى يزيد عن
امتناع الحسين عليهالسلام
من البيعة........ ٤١٤
٤٦٢ ـ جواب يزيد بقتل الحسين عليهالسلام...................................... ٤١٤
٤٦٣ ـ الكتاب الثاني من يزيد إلى الوليد
يطلب منه صراحة رأس الحسين عليهالسلام... ٤١٤
٤٦٤ ـ موقف عبد الله بن عمر وعبد الله
بن عباس من البيعة.................. ٤١٥
٤٦٥ ـ لماذا ألحّ يزيد على أخذ البيعة
من الحسين عليهالسلام
خاصة؟................ ٤١٥
٤٦٦ ـ من كلام للحسين عليهالسلام
ناجى به جده صلىاللهعليهوآلهوسلم
وقد زار قبره الشريف..... ٤١٦
٤٦٧ ـ من كلام له عليهالسلام
وقد زار قبر جده صلىاللهعليهوآلهوسلم
مرّة ثانية ، وخبر رؤيته للنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ٤١٦
٤٦٨ ـ محاورة بين الحسين عليهالسلام
وأخيه عمر الأطرف بعد أن رأى الرؤيا......... ٤١٨
٤٦٩ ـ وداع الحسين عليهالسلام
لقبر أمه وأخيه.................................. ٤١٨
٤٧٠ ـ من محاورة بين الحسين عليهالسلام
وأخيه محمّد بن الحنفية ينصحه فيها بالتنحي عن الأمصار ويدعوه للسفر إلى اليمن ٤١٨
٤٧١ ـ عزم الحسين عليهالسلام
على الخروج إلى مكة.............................. ٤٢٠
[ترجمة محمّد بن الحنفية].................................................. ٤٢١
٤٧٢ ـ نساء بني عبد المطلب يجتمعن
للنياحة ويطلبن من الحسين عليهالسلام
عدم السفر ٤٢١
٤٧٣ ـ أم سلمة ترجو الحسين عليهالسلام
عدم السفر ، وجوابه لها.................. ٤٢٢
[ترجمة السيدة أم سلمة].................................................. ٤٢٣
٤٧٤ ـ منزلة أم سلمة.................................................... ٤٢٣
٤٧٥ ـ وصية الحسين عليهالسلام
لأخيه محمّد بن الحنفية قبيل مغادرته المدينة ، وفيها يبيّن سبب خروجه وهو الإصلاح
والأمر بالمعروف....................................................................... ٤٢٤
[الطريق المؤدية من المدينة إلى مكة]........................................ ٤٢٦
خروج
الحسين عليهالسلام من المدينة إلى مكة
٤٧٦ ـ المنازل من المدينة إلى مكة.......................................... ٤٢٧
٤٧٧ ـ خروج الحسين عليهالسلام
من المدينة ونزوله في مكة........................ ٤٢٧
٤٧٨ ـ من كلام للحسين عليهالسلام
قاله لعبد الله بن مطيع العدوي بعد أن حذّره من الاغترار بأهل الكوفة ٤٢٧
٤٧٩ ـ من كلام للحسين عليهالسلام
وهو خارج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة..... ٤٢٨
٤٨٠ ـ الملائكة تعرض على الحسين عليهالسلام
المساعدة.......................... ٤٢٩
٤٨١ ـ مسلمو الجن يعرضون على الحسين عليهالسلام
مساعدته ونصرته............. ٤٢٩
٤٨٢ ـ ديار علي والحسين عليهالسلام
مقفرة..................................... ٤٣٠
[مصوّر على طريق الشهادة : من المدينة
إلى مكة إلى كربلاء].................. ٤٣١
الفصل
الثالث عشر : (في مكة المكرّمة)
٤٨٣ ـ من كلام للحسين عليهالسلام
لما وافى مكة المكرمة.......................... ٤٣٢
٤٨٤ ـ هدف الهجرة..................................................... ٤٣٢
٤٨٥ ـ أهل مكة يستبشرون بقدوم الحسين عليهالسلام............................ ٤٣٣
ـ ابن الزبير يمتعض من مجيء الحسين عليهالسلام................................... ٤٣٣
(الشكل ٤) : مخطط الكعبة المشرّفة
وحرمها................................. ٤٣٤
٤٨٦ ـ محاورة الحسين عليهالسلام
مع عبد الله بن عمر في مكة بشأن البيعة ليزيد ، ونصيحة ابن عمر له ٤٣٥
٤٨٧ ـ محاورة الحسين عليهالسلام
مع عبد الله بن عباس ، وبيان فضله عليهالسلام
وما فعله به الناس ٤٣٥
[ترجمة عبد الله بن عباس]................................................ ٤٣٦
[ترجمة عبد الله بن الزبير]................................................. ٤٣٧
٤٨٨ ـ عداوة ابن الزبير لأهل البيت عليهمالسلام.................................. ٤٣٧
٤٨٩ ـ محاورة الحسين عليهالسلام
مع عبد الله بن عمر ، وبيان أن الله سينتقم من قتلته كما انتقم من بني إسرائيل ٤٣٨
٤٩٠ ـ وصية الحسين عليهالسلام
لابن عباس وذكره بخير ، وبيان إقامته في مكة....... ٤٣٩
٤٩١ ـ عزل الوليد بن عتبة عن المدينة ،
وضمّ مكة والمدينة بإمرة عمرو بن سعيد بن العاص (الأشدق) ٤٤٠
٤٩٢ ـ بشارات مشؤومة بقدوم الوالي
الجديد إلى المدينة....................... ٤٤٠
[ترجمة عمرو بن سعيد (الأشدق)]......................................... ٤٤٠
مراسلة
البصريين والكوفيين
٤٩٣ ـ اجتماع الشيعة في البصرة بدار
مارية بنت سعدة....................... ٤٤١
٤٩٤ ـ كتاب الحسين عليهالسلام
إلى أهل البصرة يستحثهم على نصرته ، وخبر مقتل الرسول سليمان ٤٤٢
٤٩٥ ـ خطاب مسعود بن عمرو في قومه من
بني حنظلة بعد وصول كتاب الحسين عليهالسلام ٤٤٣
٤٩٦ ـ كتاب مسعود بن عمرو إلى الحسين عليهالسلام............................ ٤٤٤
٤٩٧ ـ الكوفة على فوهة بركان............................................ ٤٤٤
٤٩٨ ـ مراسلة الكوفيين للحسين عليهالسلام
يستعجلونه بالقدوم إليهم.............. ٤٤٥
٤٩٩ ـ خطاب سليمان بن صرد الخزاعي
بالشيعة في منزله بالكوفة............. ٤٤٥
١٠
شهر رمضان سنة ٦٠ ه
٥٠٠ ـ من كتاب كتبه أهل الكوفة للحسين عليهالسلام
بعد أن اجتمعوا في دار سليمان بن صرد ٤٤٦
٥٠١ ـ كتب أهل الكوفة إلى الحسين عليهالسلام................................. ٤٤٧
[ترجمة سليمان بن صرد الخزاعي].......................................... ٤٤٧
٥٠٢ ـ أحد كتب أهل الكوفة إلى الحسين عليهالسلام............................. ٤٤٨
٥٠٣ ـ من كتاب كتبه شيعة الكوفة للحسين عليهالسلام
بواسطة هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي ٤٤٨
٥٠٤ ـ ما قاله الحسين عليهالسلام
وقد استخار الله في أمر السفر إلى العراق ، بعد توارد الكتب عليه ٤٤٩
[ترجمة شبث بن ربعي]................................................... ٤٤٩
[ترجمة حجار بن أبجر]................................................... ٤٥٠
٥٠٥ ـ كتاب الحسين عليهالسلام
إلى أهل الكوفة ردا على كتبهم ، وفيه يخبرهم بإرسال مسلم بن عقيل ٤٥٠
٥٠٦ ـ ما قاله الحسين عليهالسلام
لمسلم بن عقيل حين قرر إنفاذه إلى الكوفة........ ٤٥١
الفصل
الرابع عشر : (مسير مسلم بن عقيل)
٥٠٧ ـ مسير مسلم بن عقيل إلى المدينة.................................... ٤٥٢
٥٠٨ ـ ما حصل لمسلم بن عقيل في طريقه
إلى الكوفة........................ ٤٥٢
٥٠٩ ـ جواب الحسين عليهالسلام
لمسلم......................................... ٤٥٣
٥١٠ ـ دخول مسلم بن عقيل الكوفة ونزوله
بدار المختار..................... ٤٥٣
البيعة
٥١١ ـ جرأة عابس بن شبيب الشاكري وثباته............................... ٤٥٤
٥١٢ ـ كتاب مسلم بن عقيل للحسين عليهالسلام
بتوطّد الأمر..................... ٤٥٤
يزيد
وعماله في العراق
٥١٣ ـ خطبة النعمان بن بشير في أهل
الكوفة وموقفه المسالم من مسلم......... ٤٥٤
٥١٤ ـ عيون يزيد يخبرونه بالأمر........................................... ٤٥٥
٥١٥ ـ استشارة يزيد كاتبه سرجون الرومي
فيمن يولي على الكوفة.............. ٤٥٦
٥١٦ ـ كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد
بتعيينه على الكوفة................... ٤٥٦
٥١٧ ـ قتل أبي رزين رسول الحسين عليهالسلام
إلى أشراف البصرة................... ٤٥٧
٥١٨ ـ خطبة ابن زياد في أهل البصرة...................................... ٤٥٨
إسراع
ابن زياد إلى الكوفة
٥١٩ ـ ضمّ الكوفة إلى البصرة............................................ ٤٥٨
٥٢٠ ـ مقدم عبيد الله بن زياد إلى
الكوفة ، والناس يظنونه الحسين عليهالسلام........ ٤٥٨
٥٢١ ـ ابن زياد يتزيّى بزيّ الحسين عليهالسلام
ليخدع الناس........................ ٤٥٩
٥٢٢ ـ أول خطاب لابن زياد في أهل الكوفة................................ ٤٦٠
٥٢٣ ـ ابن زياد يعامل الناس معاملة
شديدة................................. ٤٦٠
٥٢٤ ـ انتقال مسلم إلى دار هانئ بن عروة................................. ٤٦١
ابن
زياد يعتمد على نظام العرافة
٥٢٥ ـ نظام العرافة في صدر الإسلام....................................... ٤٦١
٥٢٦ ـ العرفاء والمناكب.................................................. ٤٦٢
٥٢٧ ـ نظام العرافة...................................................... ٤٦٢
٥٢٨ ـ التجنيد في الدولة الأموية.......................................... ٤٦٣
٥٢٩ ـ تنظيم الجيش في الكوفة............................................ ٤٦٣
٥٣٠ ـ الجيش النظامي والجيش الشعبي..................................... ٤٦٤
ملف
الكوفة
(مدينة
الكوفة ـ مسجد الكوفة ـ قصر الإمارة)
٥٣١ ـ مدينة الكوفة..................................................... ٤٦٤
٥٣٢ ـ تعريف بقصر الإمارة بالكوفة....................................... ٤٦٤
(الشكل ٥) : مخطط الكوفة القديمة....................................... ٤٦٥
ـ مسجد الكوفة......................................................... ٤٦٦
٥٣٣ ـ القادسيّة......................................................... ٤٦٦
(الشكل ٦) : مخطط مسجد الكوفة وقبر مسلم
وهانئ والمختار................ ٤٦٧
٥٣٤ ـ الحيرة............................................................ ٤٦٨
٥٣٥ ـ الخورنق والسّدير.................................................. ٤٦٨
(الشكل ٧) : مصور سواد الكوفة وما حولها................................ ٤٦٩
٥٣٦ ـ النّخيلة.......................................................... ٤٦٩
٥٣٧ ـ النجف والغريّ................................................... ٤٧٠
محاولة
قتل عبيد الله بن زياد
٥٣٨ ـ علاقة شريك بهانئ بن عروة........................................ ٤٧١
٥٣٩ ـ مرض هانئ...................................................... ٤٧١
٥٤٠ ـ مرض شريك بن الأعور............................................ ٤٧١
٥٤١ ـ هانئ يتوسّل إلى مسلم بعدم قتل
ابن زياد في داره ، ومسلم يتورّع عن قتله ٤٧١
٥٤٢ ـ زيارة ابن زياد لشريك بن الأعور
في دار هانئ......................... ٤٧٢
[ترجمة شريك بن الأعور الهمداني]......................................... ٤٧٣
ـ (رواية أخرى) : تمارض هانئ لقتل عبيد
الله بن زياد......................... ٤٧٤
٥٤٣ ـ مكيدة بواسطة (معقل) تنطلي على
مسلم بن عوسجة................. ٤٧٤
٥٤٤ ـ إمساك عبد الله بن يقطر........................................... ٤٧٥
٥٤٥ ـ مقتل عبد الله بن يقطر (على رواية
أخرى)........................... ٤٧٥
[ترجمة عبد الله بن يقطر]................................................. ٤٧٦
٥٤٦ ـ استدعاء هانئ بن عروة إلى قصر
الإمارة............................. ٤٧٧
٥٤٧ ـ هانئ يحسّ بالشرّ الّذي يترصده.................................... ٤٧٧
٥٤٨ ـ دعوة هانئ إلى قصر الإمارة لقتله................................... ٤٧٧
٥٤٩ ـ إمساك هانئ ومعاملته بقسوة....................................... ٤٧٨
٥٥٠ ـ دخول هانئ على ابن زياد......................................... ٤٧٨
٥٥١ ـ ابن زياد يجدع أنف هانئ بن عروة................................... ٤٧٩
٥٥٢ ـ تداعي مذحج لتخليص هانئ ، وخدعة
شريح القاضي................. ٤٧٩
٥٥٣ ـ خطبة ابن زياد في مسجد الكوفة.................................... ٤٨٠
نهضة
مسلم بن عقيل عليهالسلام
٥٥٤ ـ خروج مسلم بن عقيل للقتال....................................... ٤٨١
٥٥٥ ـ زحف مسلم إلى القصر ، لقتال ابن
زياد المتحصّن فيه................. ٤٨١
٥٥٦ ـ تخذيل الناس عن مسلم............................................ ٤٨٢
٥٥٧ ـ ابن زياد يخذّل الناس عن مسلم ،
ويخوّفهم بمجيء جند الشام........... ٤٨٢
٥٥٨ ـ تفرق الناس إلى بيوتهم............................................. ٤٨٣
٥٥٩ ـ تفرّق الناس عن مسلم حتّى بقي
وحيدا............................... ٤٨٣
٥٦٠ ـ كيف عمل ابن زياد على تخذيل الناس............................... ٤٨٣
٥٦١ ـ ابن زياد يصلي العشاء بالناس
ويحذّرهم.............................. ٤٨٤
٥٦٢ ـ صفة أهل العراق والكوفيين خاصة.................................. ٤٨٤
٥٦٣ ـ التجاء مسلم إلى دار طوعة........................................ ٤٨٥
٥٦٤ ـ بلال بن طوعة يفشي أمر مسلم بن
عقيل............................ ٤٨٦
٥٦٥ ـ مهاجمة مسلم وإمساكه بعد تمنيته
بالأمان الخادع...................... ٤٨٦
٥٦٦ ـ البسالة الهاشمية................................................... ٤٨٧
٥٦٧ ـ ابن الأشعث يطلب المدد.......................................... ٤٨٧
٥٦٨ ـ الأمان الكاذب................................................... ٤٨٨
٥٦٩ ـ مقاومة حتّى النهاية................................................ ٤٨٨
٥٧٠ ـ كيف احتالوا على مسلم وأمسكوه.................................. ٤٨٩
٥٧١ ـ مسلم بن عقيل يبكي لقدوم الحسين عليهالسلام........................... ٤٨٩
٥٧٢ ـ مسلم يطلب شربة من الماء......................................... ٤٩٠
٥٧٣ ـ ما قاله مسلم بن عقيل لعبيد الله
بن زياد حين أدخل عليه وأيقن بالهلاك.. ٤٩٠
٥٧٤ ـ وصية مسلم بن عقيل عليهالسلام........................................ ٤٩٢
٥٧٥ ـ (رواية أخرى) لوصية مسلم عليهالسلام................................... ٤٩٢
٥٧٦ ـ محاورة مسلم بن عقيل مع عبيد الله
بن زياد وقد اتّهم مسلما بالفرقة بين المسلمين ، ومصرع مسلم عليهالسلام ٤٩٢
شهادة
مسلم بن عقيل عليهالسلام
٥٧٧ ـ تاريخ خروج مسلم وقتله عليهالسلام...................................... ٤٩٤
[ترجمة مسلم بن عقيل عليهالسلام]............................................. ٤٩٤
٥٧٨ ـ قصة إنجاب عقيل لمسلم بن عقيل من (عليّة)......................... ٤٩٦
شهادة
هانئ بن عروة رضي الله عنه
٥٧٩ ـ إخراج هانئ بن عروة رضي الله عنه
للقتل............................. ٤٩٦
٥٨٠ ـ مصرع هانئ بن عروة رضي الله عنه.................................. ٤٩٧
٥٨١ ـ سحل جثتي مسلم وهانئ رحمهماالله..................................... ٤٩٧
[ترجمة هانئ بن عروة رضي الله عنه]....................................... ٤٩٨
٥٨٢ ـ دفن جثتي مسلم بن عقيل وهانئ بن
عروة رضي الله عنهما............. ٤٩٨
٥٨٣ ـ كتاب من ابن زياد إلى يزيد مع
رأسي مسلم وهانئ رضي الله عنهما...... ٤٩٨
٥٨٤ ـ ردّ يزيد على كتاب ابن زياد ،
وشكره على صنيعه..................... ٤٩٩
مصرع
عبد الله بن يزيد الكلبي
٥٨٥ ـ مقتل عبد الله بن يزيد الكلبي....................................... ٤٩٩
مصرع
عمارة بن صلخب الأزدي
٥٨٦ ـ مقتل عمارة بن صلخب الأزدي.................................... ٥٠٠
٥٨٧ ـ حبس المختار بن أبي عبيدة الثقفي.................................. ٥٠٠
الفصل
الخامس عشر : (عزم الحسين عليهالسلام على المسير إلى العراق)
(ونصائح
الأصحاب)
٥٨٨ ـ أقسام الناصحين.................................................. ٥٠٢
٥٨٩ ـ الذين نصحوا الحسين عليهالسلام
كان الأولى بهم مناصرته................... ٥٠٢
٥٩٠ ـ شخوص الحسين عليهالسلام
إلى المدينة لزيارة قبر جده صلىاللهعليهوآلهوسلم............... ٥٠٣
٥٩١ ـ زيارة الحسين عليهالسلام
لقبر جده صلىاللهعليهوآلهوسلم
ورؤياه........................... ٥٠٣
٥٩٢ ـ زيارة الحسين عليهالسلام
لأخيه محمّد بن الحنفية............................ ٥٠٣
٥٩٣ ـ عبد الله بن عمر يشير على الحسين عليهالسلام
بالخضوع ، والحسين يبيّن هوان الدنيا ، وأن الله سينتقم من قتلته كما انتقم من بني
إسرائيل................................................................ ٥٠٤
٥٩٤ ـ خطبة الحسين عليهالسلام
قبيل خروجه من مكة إلى العراق................... ٥٠٤
٥٩٥ ـ نصيحة عمر بن عبد الرحمن بن الحرث
بن هشام المخزومي للحسين عليهالسلام
بالعدول عن المسير إلى العراق ٥٠٥
٥٩٦ ـ نصيحة المسوّر بن مخرمة........................................... ٥٠٦
٥٩٧ ـ كتاب عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد
الأنصارية...................... ٥٠٦
٥٩٨ ـ عبد الله بن الزبير يحمّس الحسين عليهالسلام
على الخروج إلى العراق ليصفو له الجوّ ٥٠٦
٥٩٩ ـ كتاب عبد الله بن جعفر الطيار
للحسين عليهالسلام
من المدينة يطلب منه عدم التعجل بالمسير إلى العراق ٥٠٦
٦٠٠ ـ كتاب عمرو بن سعيد بن العاص من
المدينة للحسين عليهالسلام
يعيذه فيه من الشقاق ويدعوه إلى المدينة ٥٠٧
٦٠١ ـ كتاب يزيد بن معاوية إلى عبد الله
بن عباس بمكة...................... ٥٠٨
٦٠٢ ـ جواب ابن عباس ليزيد على كتابه ،
ونصيحته له...................... ٥٠٩
٦٠٣ ـ نصيحة عبد الله بن عباس للحسين عليهالسلام
وفيها يتخوّف عليه من أهل الكوفة ويدعوه للبقاء في مكة ٥١٠
٦٠٤ ـ نصيحة عبد الله بن عمر للحسين عليهالسلام............................. ٥١٢
٦٠٥ ـ نصيحة عبد الله بن الزبير للحسين عليهالسلام
وردّها........................ ٥١٢
٦٠٦ ـ موقف عبد الله بن الزبير من
الحسين عليهالسلام............................ ٥١٣
٦٠٧ ـ نصيحة أبي محمّد الواقدي.......................................... ٥١٤
٦٠٨ ـ الحسين عليهالسلام
يرفض نصرة الملائكة ، حتّى يحرز الشهادة................ ٥١٤
٦٠٩ ـ جبرئيل عليهالسلام
يدعو إلى بيعة الله..................................... ٥١٤
٦١٠ ـ وصية الحسين عليهالسلام
إلى بني هاشم................................... ٥١٥
٦١١ ـ يزيد يأمر والي مكة بقتل الحسين عليهالسلام
غيلة ولو في حرم مكة........... ٥١٥
٦١٢ ـ الإمام الحسين عليهالسلام
يقصّر حجه إلى عمرة مفردة ، استعدادا للمسير إلى العراق ٥١٦
٦١٣ ـ الفرق بين العمرة والحج............................................ ٥١٦
٦١٤ ـ ابن الزبير يودّع الحسين عليهالسلام
عندما أزمع على السفر.................. ٥١٦
٦١٥ ـ نصيحة محمّد بن الحنفية لأخيه
الحسين عليهالسلام
، وفيها يخبر الحسين أخاه برؤياه ٥١٧
٦١٦ ـ ورود عمرو بن سعيد إلى مكة يوم
التروية............................. ٥١٨
٦١٧ ـ محاولة عبد الله بن جعفر إرجاع
الحسين عليهالسلام......................... ٥١٨
٦١٨ ـ سؤال الحسين عليهالسلام
للشاعر الفرزدق عن حال الناس ، وقد لقيه في الحرم المكي ٥١٨
٦١٩ ـ عبد الله بن عمرو بن العاص يستنكر
مقاتلة الحسين عليهالسلام
بالسلاح...... ٥١٩
٦٢٠ ـ كتاب من الوليد بن عتبة إلى ابن
زياد بعدم الإساءة للحسين عليهالسلام....... ٥١٩
الباب
الرابع : مسير الحسين عليهالسلام إلى العراق
الفصل
١٦ : (التهيّؤ للسفر إلى العراق)
٦٢١ ـ عدد الرواحل المعدّة للسفر......................................... ٥٢٣
٦٢٢ ـ إحضار أدوات الحرب الخاصة بالحسين
عليهالسلام.......................... ٥٢٤
٦٢٣ ـ كيف خرج موكب الحسين عليهالسلام
من مكة إلى العراق................... ٥٢٤
٦٢٤ ـ خروج العباس قمر بني هاشم عليهالسلام
وعلي الأكبر عليهالسلام................. ٥٢٥
٦٢٥ ـ خروج القاسم بن الحسن عليهالسلام...................................... ٥٢٥
٦٢٦ ـ خروج زين العابدين عليهالسلام.......................................... ٥٢٥
٦٢٧ ـ ركوب الحسين عليهالسلام
وتجهيزه........................................ ٥٢٦
تحقيق
حول الهاشميين الذين خرجوا مع الحسين عليهالسلام
٦٢٨ ـ عدد أهل البيت والنساء الذين
خرجوا مع الحسين عليهالسلام
من المدينة إلى مكة إلى العراق ٥٢٦
٦٢٩ ـ الذين خرجوا مع الحسين عليهالسلام
من أهل بيته ومواليه.................... ٥٢٧
٦٣٠ ـ بنات الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام................................ ٥٢٨
٦٣١ ـ زوجات الإمام علي عليهالسلام.......................................... ٥٢٩
٦٣٢ ـ تسع من جواري أهل البيت عليهمالسلام.................................. ٥٣٠
٦٣٣ ـ أولاد الإمام علي عليهالسلام............................................ ٥٣١
٦٣٤ ـ أولاد جعفر الطيار وأحفاده عليهالسلام................................... ٥٣١
٦٣٥ ـ أولاد عقيل بن أبي طالب عليهالسلام
وزوجاته.............................. ٥٣٢
٦٣٦ ـ أحفاد عقيل عليهالسلام................................................ ٥٣٢
٦٣٧ ـ أولاد الإمام الحسن عليهالسلام
وزوجاته................................... ٥٣٣
٦٣٨ ـ أولاد الإمام الحسين عليهالسلام
وزوجاته وحفيده............................ ٥٣٣
٦٣٩ ـ موالي أهل البيت عليهالسلام............................................ ٥٣٤
٦٤٠ ـ إحصاء بعدد رجال ونساء وموالي أهل
البيت عليهمالسلام
الذين تهيؤوا للمسير مع الحسين عليهالسلام ٥٣٤
٦٤١ ـ عدد الذين لم يقتلوا من أبناء أهل
البيت عليهمالسلام....................... ٥٣٥
الفصل
السابع عشر : (المسير من مكة إلى العراق)
٦٤٢ ـ الطريق من مكة إلى العراق......................................... ٥٣٦
٦٤٣ ـ المنازل من المدينة إلى (معدن
النقرة).................................. ٥٣٦
٦٤٤ ـ الطريق من مكة إلى (معدن النّقرة).................................. ٥٣٦
(الشكل ٨) : الطريق من مكة إلى (معدن
النقرة) إلى كربلاء.................. ٥٣٧
٦٤٥ ـ المنازل من مكة إلى الكوفة (طريق
الحاج العراقي)...................... ٥٣٧
[جدول بالمنازل التي مرّ بها الحسين عليهالسلام
في مسيرته إلى العراق]................ ٥٣٨
ـ القصيدة المقصورة للخطيب السيد علي بن
الحسين الهاشمي النجفي............ ٥٣٩
٦٤٦ ـ تحقيق أشهر المواضع التي مرّ بها
ركب الشهادة بقيادة الإمام الحسين عليهالسلام
أثناء مسيره من مكة المكرمة إلى كربلاء ٥٤١
٦٤٧ ـ بيان ما لقي الحسين عليهالسلام
من أحداث هامة في بعض المواضع التي مرّ بها أثناء مسيرته إلى كربلاء ٥٤٣
(الشكل ٩) : مصوّر المنازل التي مرّ بها
الحسين عليهالسلام
أثناء مسيره من مكة إلى كربلاء ٥٤٤
مسيرة
الحسين عليهالسلام بدء المسير إلى
العراق
٦٤٨ ـ محاورة الحسين عليهالسلام
مع رسل والي مكة وقد جاؤوا يمنعونه من المسير...... ٥٤٦
«بستان
بني عامر»
٦٤٩ ـ مسير الحسين عليهالسلام
إلى العراق ولقاؤه بالفرزدق الشاعر................. ٥٤٧
٦٥٠ ـ نصيحة عبد الله بن عمر للحسين عليهالسلام
بعدم الخروج.................. ٥٤٧
٦٥١ ـ الحسين عليهالسلام
يذكر يحيى عليهالسلام
في أكثر من منزل...................... ٥٤٨
٦٥٢ ـ كتاب عمرو بن سعيد إلى يزيد يخبره
بأمر الحسين عليهالسلام................ ٥٤٨
«التّنعيم»
٦٥٣ ـ الحسين عليهالسلام
يلقى عيرا في (التنعيم) عليها حلل أرسلها إلى يزيد واليه على اليمن يحيى بن يسار ،
فيحجزها ٥٤٩
«الصّفاح»
٦٥٤ ـ كتاب عبد الله بن جعفر عليهالسلام
إلى الحسين عليهالسلام
بعثه مع ابنيه عون ومحمد ٥٤٩
«ذات
عرق»
٦٥٥ ـ ما دار بين الحسين عليهالسلام
وبشر بن غالب الأسدي وقد اجتمع به (بذات عرق) وهو قادم من العراق ٥٥٠
٦٥٦ ـ كتاب يزيد إلى ابن زياد برصد
تحركات الحسين عليهالسلام................... ٥٥١
٦٥٧ ـ ابن زياد يرصد الطرق حول الكوفة.................................. ٥٥١
«الحاجر
من بطن الرّمة»
٦٥٨ ـ كتاب الحسين عليهالسلام
إلى أهل الكوفة جوابا لكتاب مسلم بن عقيل بعثه من (الحاجر) ٥٥١
٦٥٩ ـ ابن زياد يمنع التجول خارج الكوفة
، من (خفان) إلى القادسية إلى (القطقطانة) ٥٥٣
شهادة
عبد الله بن يقطر
٦٦٠ ـ مصرع عبد الله بن يقطر على يد
عبيد الله بن زياد..................... ٥٥٤
«بعض
العيون»
٦٦١ ـ نصيحة عبد الله بن مطيع العدوي................................... ٥٥٤
«الخزيميّة»
٦٦٢ ـ زينب عليهاالسلام
تسمع في (الخزيميّة) هاتفا ينشد : (ألا يا عين فاحتفلي بجهد ...) ٥٥٤
٦٦٣ ـ ابن زياد يمنع التجول حول الكوفة
، ويقطع الطريق في وجه الحسين...... ٥٥٥
«زرود»
٦٦٤ ـ قصة انقلاب زهير بن القين
وانضمامه إلى الحسين عليهالسلام
في (زرود)...... ٥٥٥
ـ شهامة دلهم بنت عمرو زوجة زهير........................................ ٥٥٦
٦٦٥ ـ نبوءة سلمان في بلنجر............................................. ٥٥٦
«الثّعلبيّة»
٦٦٦ ـ نبأ المأساة : وصول خبر استشهاد
مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة إلى الحسين عليهالسلام
في (الثعلبية) ٥٥٧
٦٦٧ ـ الحسين عليهالسلام
يواسي بنت مسلم الصغيرة............................. ٥٥٨
٦٦٨ ـ ما قاله عليهالسلام
لرجل من أهل الكوفة في (الثعلبية) يبيّن أن أهل البيت عليهمالسلام
هم معادن العلم ٥٥٨
٦٦٩ ـ يحيى بن شدّاد يتخوّف على الحسين عليهالسلام
من قلة أنصاره.............. ٥٥٨
«الشّقوق»
٦٧٠ ـ ملاقاة الحسين عليهالسلام
للفرزدق (بالشقوق) وهو راجع من الكوفة ، وتحذيره من أهلها ٥٥٩
«زبالة»
٦٧١ ـ ما قاله عليهالسلام
حين بلغه مقتل عبد الله بن يقطر في (زبالة) وترخيصه لمن تبعه من الناس بالانصراف ٥٦٠
٦٧٢ ـ رجل نصراني يسلم على يد الحسين عليهالسلام............................. ٥٦١
«بطن
العقبة»
٦٧٣ ـ لقاء الحسين عليهالسلام
بعمرو بن لوذان في (بطن العقبة) وما جرى بينهما من محاورة ٥٦١
٦٧٤ ـ ما قاله الحسين عليهالسلام
في (بطن العقبة) لجعفر بن سليمان الضبعي........ ٥٦٢
٦٧٥ ـ إخبار الحسين عليهالسلام
بشهادته وهو في طريقه إلى كربلاء................. ٥٦٢
٦٧٦ ـ تعريف ببعض منازل الطريق........................................ ٥٦٢
ـ تعريف بنوعيات الأرض من الكوفة إلى
مكة................................ ٥٦٣
(الشكل ١٠) : طبيعة الأرض من الكوفة إلى
مكة........................... ٥٦٣
بداية
سنة ٦١ هجرية
* مدخل............................................................... ٥٦٤
«شراف»
٦٧٧ ـ التزود بالماء من (شراف)........................................... ٥٦٤
٦٧٨ ـ طلائع الخطر..................................................... ٥٦٤
لقاء
الحسين عليهالسلام بالحر بن يزيد
التميمي
«ذو
حسم»
٦٧٩ ـ التفاء الحسين عليهالسلام
بأول كتيبة للجيش الأموي بقيادة الحر بن يزيد...... ٥٦٥
٦٨٠ ـ الحسين عليهالسلام
يسقي جنود أعدائه................................... ٥٦٥
تعليق السيد عبد العزيز المقرم.............................................. ٥٦٦
٦٨١ ـ الحسين عليهالسلام
يتعرف على الحر..................................... ٥٦٦
٦٨٢ ـ من خطبة للحسين عليهالسلام
بعد لقائه بالحر في (ذي حسم) وقد صلّى عليهالسلام
صلاة الظهر بالعسكرين ٥٦٧
٦٨٣ ـ كتاب ابن زياد للحر يأمره فيه
بالتضييق على الحسين عليهالسلام............. ٥٦٧
٦٨٤ ـ من خطبة له عليهالسلام
بالعسكرين بعد أن صلّى بهما صلاة العصر.......... ٥٦٨
[ترجمة عقبة بن سمعان]................................................... ٥٦٩
٦٨٥ ـ محاورة الحسين عليهالسلام
مع الحر وقد حاول التضييق عليه حتّى يقدمه على عبيد الله بن زياد بالكوفة ٥٦٩
٦٨٦ ـ التقاء الحسين عليهالسلام
بالحر وإخباره بمصرع مسلم....................... ٥٧١
«البيضة»
٦٨٧ ـ من كتاب للحسين عليهالسلام
إلى أشراف الكوفة بعد علمه بمقتل مسلم ابن عقيل ، يدعوهم فيه إلى البرّ بعهودهم ،
ويبيّن لهم أن الهدف من نهضته هو تقويم الانحراف....................................... ٥٧١
استشهاد
قيس بن مسهر الصيداوي
٦٨٨ ـ مصرع قيس بن مسهر الصيداوي على يد
عبيد الله بن زياد............. ٥٧٢
[ترجمة قيس بن مسهر الصيداوي]......................................... ٥٧٣
«الرّهيمة»
٦٨٩ ـ محاورة الحسين عليهالسلام
مع رجل من أهل الكوفة يدعى أبا هرّة الأزدي...... ٥٧٤
«عذيب
الهجانات»
٦٩٠ ـ وصول خبر مصرع قيس بن مسهر
الصيداوي في (عذيب الهجانات)..... ٥٧٥
٦٩١ ـ نصيحة الطرماح ودعوته للحسين عليهالسلام
إلى قومه من طيء.............. ٥٧٦
«قصر
بني مقاتل»
٦٩٢ ـ محاورة الحسين عليهالسلام
مع عبيد الله بن الحر الجعفي في (قصر بني مقاتل) ودعوته إلى نصرته فأبى ٥٧٧
ـ تعليق السيد مرتضى العسكري........................................... ٥٧٩
[ترجمة عبيد الله بن الحر الجعفي]........................................... ٥٧٩
٦٩٣ ـ اغتنموا الفرص فإنها تمرّ مرّ
السحاب................................ ٥٨١
٦٩٤ ـ شخصان يعتذران عن نصرة الحسين عليهالسلام............................ ٥٨١
٦٩٥ ـ محاورة الحسين عليهالسلام
مع ابنه علي الأكبر عليهالسلام
وقد رأى رؤيا أثناء رحيله من قصر بني مقاتل ٥٨١
[قرى
طف كربلاء]
«نينوى»
٦٩٦ ـ الحسين عليهالسلام
يتياسر حتّى يصل إلى نينوى............................ ٥٨٢
٦٩٧ ـ كتاب ابن زياد إلى الحر بالتضييق
على الحسين عليهالسلام................... ٥٨٢
٦٩٨ ـ الحر يمنع الحسين عليهالسلام
من نزول (نينوى) أو (الغاضرية) أو (شفية)...... ٥٨٣
٦٩٩ ـ من كلام له عليهالسلام
وقد دعاه زهير بن القين إلى مبادءة أصحاب الحرّ بالقتال بعد أن منعوه من نزول
نينوى ٥٨٣
٧٠٠ ـ تعريف ببعض قرى طف كربلاء..................................... ٥٨٥
(الشكل ١١) : مصور كربلاء يوم ورود
الحسين عليهالسلام
إليها................... ٥٨٦
(الشكل ١٢) : مصور الحائر الحسيني
والمخيّم والقبر الشريف.................. ٥٨٦
٧٠١ ـ جواد الحسين عليهالسلام
يتوقف عن المسير في كربلاء....................... ٥٨٧
٧٠٢ ـ ما اسم هذه الأرض؟.............................................. ٥٨٧
٧٠٣ ـ سؤال الحسين عليهالسلام
عن اسم كربلاء ، وخبر القارورة............. ٥٨٧
٧٠٤ ـ أول نزول الحسين عليهالسلام
كربلاء...................................... ٥٨٨
٧٠٥ ـ الحسين عليهالسلام
ينعى نفسه.......................................... ٥٨٨
٧٠٦ ـ نزول كربلاء...................................................... ٥٨٨
٧٠٧ ـ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟................................... ٥٨٨
الباب
الخامس : في كربلاء
* تعريف بالباب الخامس................................................. ٥٩١
الفصل
الثامن عشر : (كربلاء ونزول كربلاء)
٧٠٨ ـ مجرى نهر الفرات.................................................. ٥٩٢
(الشكل ١٣) : مجرى نهر الفرات ودجلة................................... ٥٩٢
٧٠٩ ـ نهر العلقمي...................................................... ٥٩٣
(الشكل ١٤) : مصور نهر دجلة والفرات
والمواقع الهامة عليهما................ ٥٩٤
ملف
كربلاء
٧١٠ ـ مدينة كربلاء..................................................... ٥٩٥
(الشكل ١٥) : مصور تفصيلي لمنطقة كربلاء
والكوفة وشط الحلة وشط الهندية.. ٥٩٦
٧١١ ـ حال كربلاء قبل الإسلام........................................... ٥٩٧
٧١٢ ـ مكانة كربلاء بعد الاسلام......................................... ٥٩٧
٧١٣ ـ اشتقاق اسم كربلاء............................................... ٥٩٧
ـ مناقشة وردّ اشتباه...................................................... ٥٩٩
٧١٤ ـ أسماء كربلاء...................................................... ٥٩٩
٧١٥ ـ الطّف........................................................... ٦٠٠
٧١٦ ـ بابل............................................................ ٦٠٠
ـ كور بابل.............................................................. ٦٠١
٧١٧ ـ العقر............................................................ ٦٠١
٧١٨ ـ الغاضرية......................................................... ٦٠٢
٧١٩ ـ النواويس......................................................... ٦٠٢
٧٢٠ ـ الحائر........................................................... ٦٠٢
٧٢١ ـ المدائن........................................................... ٦٠٢
نزول
كربلاء
٧٢٢ ـ ما قاله الحسين عليهالسلام
أول نزوله كربلاء ، وفيه يذكر ما حلّ به........... ٦٠٣
٧٢٣ ـ من خطبة له عليهالسلام
في أصحابه ، وفيها يذكر مصرعه................... ٦٠٣
* موقف الإنسان من الدين والدنيا......................................... ٦٠٤
٧٢٤ ـ تخييم الحسين عليهالسلام
في كربلاء مع أهله وأصحابه................ ٦٠٤
٧٢٥ ـ ما قاله الحسين عليهالسلام
وهو يصلح سيفه بعد أن خيّم في كربلاء ، وحديثه مع زينب عليهالسلام
بعد أن نعى نفسه ٦٠٤
(الشكل ١٦) : رسم تمثيلي لتوزيع خيام
الحسين عليهالسلام
في كربلاء............... ٦٠٥
ـ تعليق على قوله عليهالسلام
يا دهر أفّ لك من خليل............................ ٦٠٧
٧٢٦ ـ من خطبة للحسين عليهالسلام
في أصحابه ، وفيها يصف حال الدنيا......... ٦٠٨
[الأجوبة]
٧٢٧ ـ جواب زهير بن القين البجلي مؤثرا
النهوض مع الحسين عليهالسلام........... ٦٠٨
٧٢٨ ـ جواب برير بن خضير الهمداني فاديا
نفسه للحسين عليهالسلام.............. ٦٠٨
٧٢٩ ـ جواب نافع بن هلال الجملي فاديا
نفسه للحسين عليهالسلام
ومواسيا له...... ٦٠٩
٧٣٠ ـ كتاب الحر إلى ابن زياد............................................ ٦٠٩
٧٣١ ـ كتاب عبيد الله بن زياد للحسين عليهالسلام
يخبره فيه بكتاب يزيد له بقتله أو يبايع ٦١٠
اليوم
الثالث من المحرم ٧٣٢
٧٣٢ ـ ندب عمر بن سعد لقتال الحسين عليهالسلام
والخيار الصعب................ ٦١٠
٧٣٣ ـ عمر بن سعد يستشير أصحابه..................................... ٦١١
نصيحة الصديق كامل.................................................... ٦١٢
٧٣٤ ـ محاولة تنصّل فاشلة............................................... ٦١٣
٧٣٥ ـ تهديد ووعيد..................................................... ٦١٣
٧٣٦ ـ ظهور كرامة للإمام علي عليهالسلام
بشأن من يقتل الحسين عليهالسلام............. ٦١٤
٧٣٧ ـ رسول عمر بن سعد يسأل الحسين عليهالسلام
عما جاء به إلى هذا الموضع ، وجواب الحسين عليهالسلام ٦١٤
٧٣٨ ـ كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد
يخبره فيه بموقف الحسين ، وجواب الكتاب ٦١٥
٧٣٩ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد رقم
(١) يطالبه بعرض البيعة على الحسين عليهالسلام ٦١٦
٧٤٠ ـ خطبة ابن زياد يغري فيها الناس بالمال
، ويحرّضهم للخروج لحرب الحسين عليهالسلام ٦١٦
إعلان
النفير العام
٧٤١ ـ استبطاء شبث بن ربعي وتمارضه..................................... ٦١٧
٧٤٢ ـ قطع الطريق على من يريد الالتحاق
بالحسين عليهالسلام.................... ٦١٧
٧٤٣ ـ إرهاب ابن زياد................................................... ٦١٨
٧٤٤ ـ جيوش من الهمج الرعاع............................................ ٦١٨
اليوم
السادس من المحرم
(اكتمال
الجيوش الأموية في كربلاء) / تجهيز الجيوش
٧٤٥ ـ القوات الأموية تزحف إلى كربلاء................................... ٦١٩
٧٤٦ ـ التعداد الكمي للجيش الأموي في
كربلاء............................. ٦١٩
٧٤٧ ـ تحقيق حول أعداد جيش عمر بن سعد.............................. ٦٢٠
٧٤٨ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد (٢)............................... ٦٢١
٧٤٩ ـ عناصر الجيش الأموي :........................................... ٦٢١
٧٥٠ ـ سوق الحدادين يعجّ بصانعي السيوف
والرماح والسهام لقتال الحسين عليهالسلام ٦٢٢
٧٥١ ـ التعداد الكمي للجيش الحسيني..................................... ٦٢٢
اليوم
السابع من المحرم
(الحصار
ومنع الماء)
٧٥٢ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد (٣)
بمنع الماء عن الحسين............. ٦٢٣
٧٥٣ ـ عبد الله بن الحصين الأزدي يتوعّد
الحسين عليهالسلام
بالموت عطشا ، ودعاء الحسين عليهالسلام
عليه ٦٢٤
٧٥٤ ـ عند ما أضرّ العطش بالحسين عليهالسلام
ومن معه ، حفروا بئرا فشربوا منها ثم غاضت ٦٢٥
٧٥٥ ـ عبيد الله بن زياد يمارس الحرب
الاقتصادية ضد الحسين عليهالسلام
بأبشع صورها ، فيمنعه من الماء ويعزله عن العالم ٦٢٦
٧٥٦ ـ حقوق الحسين عليهالسلام
في ماء الفرات.................................. ٦٢٦
٧٥٧ ـ نصيحة الهمداني لعمر بن سعد..................................... ٦٢٦
الاستسقاء
الأول
٧٥٨ ـ معركة على الماء : استسقاء العباس
عليهالسلام
بمساعدة نافع بن هلال الجملي.. ٦٢٧
٧٥٩ ـ خطاب الحسين عليهالسلام
بالقوم يذكّرهم فيه بحسبه ونسبه................. ٦٢٨
المفاوضات
٧٦٠ ـ مكالمة الحسين عليهالسلام
لعمر بن سعد ونصيحته ، وأعذار ابن سعد........ ٦٢٩
٧٦١ ـ حبّ الدنيا رأس كل خطيئة........................................ ٦٣٠
٧٦٢ ـ تعليق على انحراف عمر بن سعد.................................... ٦٣١
٧٦٣ ـ طلب عمر بن سعد الاجتماع بالحسين.............................. ٦٣٢
٧٦٤ ـ عمر بن سعد يبسط بساطا........................................ ٦٣٢
٧٦٥ ـ ابن زياد يستنكر على عمر بن سعد
محادثته للحسين عليهالسلام
وإمهاله........ ٣٣
عروض
الحسين عليهالسلام
٧٦٦ ـ مخاطبة الحسين عليهالسلام
لعمر بن سعد وما عرضه عليه.................... ٦٣٣
٧٦٧ ـ طلب الحسين عليهالسلام
من عمر بن سعد أحد شروط ثلاثة............... ٦٣٣
٧٦٨ ـ ثلاثون رجلا من جند عمر بن سعد
يتحولون إلى الحسين.............. ٦٣٤
افتراءات
عمر بن سعد
٧٦٩ ـ كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد (٢)
يتأول فيه على الحسين عليهالسلام
قبوله مفاوضة يزيد ٦٣٤
٧٧٠ ـ افتراء مقصود على الحسين عليهالسلام.................................... ٦٣٥
٧٧١ ـ ردّ افتراء : الحسين عليهالسلام
لم يعرض على عمر بن سعد أن يضع يده في يد يزيد ٦٣٥
٧٧٢ ـ (رواية أخرى) للخصال التي عرضها
الحسين عليهالسلام..................... ٦٣٦
مكيدة
الشّمر
٧٧٣ ـ شمر يدبّر مكيدة لعمر بن سعد
ليتولى مكانه.......................... ٦٣٦
٧٧٤ ـ كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد (٤)
بواسطة شمر بن ذي الجوشن ، يستنكر عليه لينه وتساهله مع الحسين عليهالسلام ٦٣٧
٧٧٥ ـ وصول كتاب ابن زياد إلى عمر بن
سعد مع الشمر وتأففه منه.......... ٦٣٧
عرض
الأمان
٧٧٦ ـ سبب كتابة ابن زياد أمانا للعباس
وإخوته عليهالسلام....................... ٦٣٨
٧٧٧ ـ الشّمر يعرض الأمان على بني أخته
والعباس.......................... ٦٣٨
الفصل
التاسع عشر : (اليوم التاسع)
(وعشية
اليوم التاسع)
٧٧٨ ـ مكالمة الحسين عليهالسلام
للقوم ونصيحته لهم............................. ٦٤٠
٧٧٩ ـ خطبة للحسين (ع) ينصح فيها القوم............................... ٦٤٠
٧٨٠ ـ الحسين عليهالسلام
يبعث أنس بن كاهل لينصح عمر بن سعد............... ٦٤١
٧٨١ ـ الزحف المباشر : الجيش الأموي
بقيادة عمر بن سعد يزحف لقتال الحسين عليهالسلام
بعد صلاة العصر ٦٤١
٧٨٢ ـ زينب عليهاالسلام
توقظ الحسين عليهالسلام.................................... ٦٤١
٧٨٣ ـ العباس عليهالسلام
يستعلم الأمر؟........................................ ٦٤٢
٧٨٤ ـ محاورة حبيب بن مظاهر وزهير بن
القين مع عسكر ابن سعد ، وبيان سبب عدول زهير إلى الحسين عليهالسلام ٦٤٢
٧٨٥ ـ استمهال القوم : الحسين عليهالسلام
يطلب من ابن سعد الإمهال باقي اليوم للصلاة والدعاء ٦٤٣
خطبة
امتحان الأصحاب
٧٨٦ ـ خطبة امتحان الأصحاب ، وفيها
يختبر الحسين عليهالسلام
أصحابه ويعطيهم الرخصة بمفارقته والتفرق عنه ٦٤٤
ردّ
الآل والأصحاب
٧٨٧ ـ كلام أهل البيت عليهمالسلام
في الردّ على خطبة الحسين عليهالسلام............... ٦٤٥
٧٨٨ ـ كلام مسلم بن عوسجة الأسدي.................................... ٦٤٦
٧٨٩ ـ كلام سعيد بن عبد الله الحنفي...................................... ٦٤٦
٧٩٠ ـ كلام زهير بن القين البجلي........................................ ٦٤٦
٧٩١ ـ كلام بقية الأصحاب.............................................. ٦٤٧
٧٩٢ ـ الحسين عليهالسلام
يرخّص لمحمد بن بشير الحضرمي بمفارقته فيأبى............ ٦٤٧
٧٩٣ ـ جواب الحسين عليهالسلام
على كلمات أصحابه........................... ٦٤٧
٧٩٤ ـ الحسين عليهالسلام
يري كل شهيد منزلته في الجنة ـ تجلّي الحقائق وانكشاف الحجب ٦٤٨
٧٩٥ ـ علي بن مظاهر يريد بعث زوجته إلى
أهلها ، فتأبى.................... ٦٤٨
٧٩٦ ـ لا يقاتل معي من عليه دين........................................ ٦٤٩
٧٩٧ ـ الضحاك بن عبد الله المشرقي يعاهد
الحسين عليهالسلام
على نصرته ما لم يصبح عليهالسلام
وحيدا ٦٤٩
٧٩٨ ـ كلام برير بن خضير الهمداني ،
ونصيحته لعمر بن سعد................ ٦٤٩
ليلة
العاشر من المحرم
٧٩٩ ـ الحسين عليهالسلام
ونافع بن هلال يتفقدان التلال حول المخيّم ، واختبار الحسين عليهالسلام
لنافع ٦٥٠
٨٠٠ ـ شهادة الحسين عليهالسلام
بأصحابه حين استعلمت زينب عليهالسلام
حالهم........ ٦٥١
٨٠١ ـ الأصحاب يكرّمون خاطر نسوة أهل
البيت عليهمالسلام..................... ٦٥١
٨٠٢ ـ وصية الإمام الحسن لأخيه الحسين عليهالسلام
عند احتضاره................. ٦٥٢
٨٠٣ ـ ليلة الوداع : ليلة صلاة ودعاء ،
وتوجّه إلى الله........................ ٦٥٢
٨٠٤ ـ الذين تسللوا في جنح الليل إلى
الحسين عليهالسلام......................... ٦٥٣
٨٠٥ ـ محاورة برير بن خضير مع جماعة
الشّمر ، فيمن هم الطيبون؟ وثناء الحسين عليهالسلام ٦٥٣
٨٠٦ ـ مقاربة البيوت من بعضها ليقاتلوا
العدوّ من وجه واحد.................. ٦٥٤
٨٠٧ ـ حفر خندق وراء البيوت في ساعة
متأخرة من الليل.................... ٦٥٤
٨٠٨ ـ رؤيا الحسين عليهالسلام
وخبر من يقتله واقتراب أجله........................ ٦٥٤
الفصل
العشرون : (يوم عاشوراء)
٨٠٩ ـ استسقاء رهط الحسين عليهالسلام
واستعدادهم للموت...................... ٦٥٦
٨١٠ ـ خطبة الحسين عليهالسلام
في صباح اليوم الّذي استشهد فيه................. ٦٥٧
٨١١ ـ استبشار أصحاب الحسين عليهالسلام
بالشهادة والقدوم على الجنة........... ٦٥٧
٨١٢ ـ تعبئة الحسين عليهالسلام
أصحابه يوم عاشوراء............................. ٦٥٨
٨١٣ ـ إضرام الخندق بالحطب............................................ ٦٥٨
٨١٤ ـ تعبئة عمر بن سعد جيشه......................................... ٦٥٨
٨١٥ ـ دعاء الحسين عليهالسلام
وفيه يبدي ثقته بالله.............................. ٦٥٨
٨١٦ ـ قول الشمر للحسين عليهالسلام
تعجلت بالنار قبل يوم القيامة............... ٦٥٩
الآيات
الباهرة
٨١٧ ـ ابن أبي جويرية يسقط في النار...................................... ٦٦٠
٨١٨ ـ محاورة مالك بن جريرة مع الحسين عليهالسلام
وقد أشعل عليهالسلام
النار في الخندق حول معسكره ٦٦٠
٨١٩ ـ خبر ابن حوزة.................................................... ٦٦١
٨٢٠ ـ اهتداء مسروق بن وائل الحضرمي................................... ٦٦١
٨٢١ ـ تميم بن الحصين الفزاري يتوعد
الحسين عليهالسلام
بعدم ذوق الماء............ ٦٦١
٨٢٢ ـ محمّد بن الأشعث ينفي قرابة
الحسين عليهالسلام
للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
ودعاء مولانا الحسين عليه ، فمات بادي العورة ٦٦٢
[ترجمة محمّد بن الأشعث]................................................ ٦٦٣
خطبة
الحسين الأولى يوم عاشوراء
٨٢٣ ـ وفيها يبيّن نسبه ومكانته من رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم........................ ٦٦٣
ـ مقاطعة الشمر لخطبة الحسين عليهالسلام....................................... ٦٦٥
[ترجمة البراء بن عازب]................................................... ٦٦٧
[ترجمة زيد بن أرقم]...................................................... ٦٦٧
٨٢٤ ـ نصيحة زهير بن القين لأهل الكوفة
وملاسنته مع الشمر............... ٦٦٨
٨٢٥ ـ نصيحة برير بن خضير لأصحاب عمر بن
سعد...................... ٦٦٩
خطبة
الحسين الثانية يوم عاشوراء
٨٢٦ ـ وفيها يستنهض الناس لنصرته ويبدي
سخطه على أهل الكوفة.......... ٦٧٠
٨٢٧ ـ مقاصد الإمام الحسين عليهالسلام
يوم الطف من خلال خطبتيه السابقتين..... ٦٧٣
٨٢٨ ـ الحسين عليهالسلام
يلقي الحجة النهائية على عمر بن سعد ، ويخبره بنوع قتلته.. ٦٧٥
٨٢٩ ـ النفوس الخيّرة تستيقظ : توبة
الحر وتوجّهه إلى الحسين عليهالسلام............ ٦٧٥
٨٣٠ ـ الحر بن يزيد يسمع هاتفا يبشّره
بالخير............................... ٦٧٦
٨٣١ ـ توبة الحر بن يزيد الرياحي (على
رواية مقتل أبي مخنف)................. ٦٧٧
٨٣٢ ـ نصيحة الحر بن يزيد لأهل الكوفة
بعد توبته.......................... ٦٧٨
٨٣٣ ـ الرجوع عن الخطأ فضيلة........................................... ٦٧٨
(التربية الطيبة تكفل رجوع الإنسان إلى
الحق مهما انحرف).................... ٦٧٨
فهارس
الجزء الأول من الموسوعة
ـ فهرس اللوحات والجداول................................................. ٦٨٣
ـ فهرس الأشكال والمخططات والمصورات.................................... ٦٨٤
ـ فهرس تراجم الشخصيات الهامة.......................................... ٦٨٥
ـ الفهرس العام........................................................... ٦٨٩
|