
بسم اللَّه الرحمن
الرحيم
الحمد للَّه رب
العالمين ، والصلاة والسلام على سيد
الأنبياء والمرسلين
محمد وآله الطيبين الطاهرين ، لا سيما
الإمام المبين وغياث
المضطر المستكين عجل الله تعالى
فرجه الشريف ، واللعن
المؤبد على أعدائهم أجمعين.
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
لفت نظر
لا يخفى على
الأساتذة الكرام والإخوة الأفاضل أن كتاب «هدى الطالب» مجموعة محاضرات ألقاها
سماحة السيد الوالد قدس سره حينما كان في مهد العلم مدينة النجف الأشرف وأثناء
تواجده في مدينة الأهواز بعد هجرته إلى إيران.
وكانت طريقته
كتابة ما يلقيه من المحاضرات ، فحصل من مجموع ذلك هذا الشرح الذي جاز استقبالا
وافرا في الحوزات العلمية. وكان آخر ما كتبه بحث الأراضي ، وحالت المنية دون
أُمنيته وهي إتمام الكتاب. فجزاه الله تعالى عن العلم وأهله خير الجزاء ، وحشره مع
أجداده الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
هذا وكان قد
كتب تعليقا آخر على المكاسب دونه أيام تدريسه إياه في مرتبة السطح على غرار «قوله
... قوله ...» وهو وإن تكفل شرح كثير من العبارات الغامضة ، كما وتضمن التعليق على
بعض الأبحاث أيضا ، لكنه يختلف مع ما مضى من كتاب «هدى الطالب» من حيث التوضيح
والتعليق ، فكان اللازم توحيد ما كتبه أولا مع المطبوع من حيث المنهجية ، وذلك
بإضافة بعض المطالب إليه.
وقد أمرني قدس
سره ـ قبيل وفاته ـ بمتابعة المشروع إتماما للفائدة ، فقمت بامتثال أمره ـ مع
الاعتراف بفقد الكفاءة العلمية ـ واقتصرت غالبا على إكمال ما كان يختص بتوضيح
الكتاب ، معتمدا على ما دونه أعلام شراح المكاسب ومحشيه ، كالسيد الفقيه
الطباطبائي والشيخ الفقيه المامقاني والمحقق الخراساني والمحقق التقي الشيرازي
والمحقق النائيني والمحقق الإصفهاني والمحقق الإيرواني والسيد العلامة الإشكوري
والعلامة الشهيدي وغيرهم من الأجلة ، وأخص بالذكر ما استفدته من محاضرات شيخنا
الأستاذ ، العالم
العامل ، الفقيه المحقق ، سماحة آية الله الكبرى الشيخ الوحيد الخراساني
متعنا الله بدوام ظله.
هذا مضافا إلى
استخراج ما تيسر لي استخراجه من الأقوال المنقولة في المكاسب ، خصوصا ما عبر عنه
شيخنا الأعظم قدس سره بمثل «وربما يستدل ، وقد تخيل ، كما توهم ، ولا ينقص ، ودعوى
، وتعميم الحجة ، والإيراد عليه ، وقد يقال ، وربما قيد» ونحوه ، وذلك بالتتبع في
الكتب التي عاصر المصنف مؤلفيها أو قارب عصرهم ، كالمصابيح وشرح القواعد ومفتاح
الكرامة والمقابس وكشف الظلام والمستند والعناوين وشرح خيارات اللمعة والجواهر
وغيرها ، وأوردت ـ غالبا ـ نص العبارة تسهيلا للأمر.
ولذلك كله أرجو
من الأساتذة الكرام أن يحملون مسؤولية ما يجدونه من خلل أو قصور في الأداء وتبين
المراد ، أو خطأ في التخريج.
وختاما أسأله
تعالى القبول والتوفيق لإكماله ، وأن ينفع به إخواننا المحصلين ، إنه خير موفق
ومعين.
قم المقدسة ـ
شعبان المعظم ١٤٢٤
|
أقل الطلبة
محمد علي الموسوي المروج
|
الصّورة
الثّانية (١) : أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتدّ به ، بحيث
______________________________________________________
الصّورة الثانية : أن
يخرب الوقف بحيث يقل نفعه
(١) تقدم في
الصورة الاولى أنّ عنوان «خراب الوقف فعلا» جامع بينها وبين الصّورة الثّانية
والثّالثة ، وأنّ الفارق بينها عدم استعداد العين للبقاء في الاولى ، واستعدادها
له في الأخيرتين (*).
ففي الصّورة
الأولى يكون الانتفاع بالموقوفة مساوقا لإتلافها ، كما في أكل لحم الحيوان المذبوح
، ولذا دار الأمر فيها بين إبقاء العين حتّى تتلف ، وينتهي أمد الوقف بتلفها ، وهو
تضييع محرّم ، وبين تبديلها ، لكون البدل بقاء لمالية نفس الموقوفة.
وفي الصّورة
الثّانية ـ الّتي هي محلّ البحث ـ لا يوجب عدم التبديل تلف العين بالمرّة ولا
تعذّر الانتفاع بها كلّيّة ، بل يبقى مقدار يسير من المنفعة ، كالدّار الموقوفة
الّتي انهدمت فخرجت عن قابليّة السّكنى فيها ، ولكن أمكن إيجار العرصة ـ التي
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
هي جزء الموقوفة ـ بشيء قليل ، كما لو كان اجرة الدّار كلّ شهر عشرة
دنانير ، واجرة العرصة ـ كذلك ـ در همين.
ففي هذه
الصّورة يقع التّزاحم بين أمرين تعلّق غرض الواقف بكلّ منهما.
الأوّل : حفظ
خصوصيّة العين ، لكونها بخصوصيّتها محبوسة للموقوف عليه. ولازمه رفع اليد عن
الانتفاع الخاص كالسّكنى.
الثاني : حفظ
خصوصية المنفعة المسبّلة حتى إذا توقف على تبديل العرصة بدار اخرى. وسيأتي في (ص
٢١) ترجيح هذا على الأمر الأول.
__________________
__________________
يصدق عرفا (١) أنّه لا منفعة فيه (٢) ، كدار انهدمت ، فصارت عرصة تؤجر
للانتفاع بها (٣) باجرة لا تبلغ شيئا معتدا به.
فإن كان ثمنه (٤)
على تقدير البيع لا يعطى به إلّا ما كان منفعته (٥) كمنفعة العرصة ، فلا ينبغي
الإشكال في عدم الجواز.
______________________________________________________
لكن المصنف قدسسره فصّل هنا بين فرضين ، واختار عدم جواز البيع في أحدهما
، واستشكل في الآخر.
ثمّ تعرّض
لأمرين آخرين :
أحدهما : حكم
قلّة المنفعة لموجب غير الخراب ، كالاستغناء عن الخانات الموقوفة على المسافرين ـ
في هذه الأزمنة ـ لاعتياد السفر بالسيارات والطائرات ونحوهما.
ثانيهما : حكم
وقف العنوان ، وسيأتي البحث فيهما.
(١) وإن لم
يصدق «عدم النفع» حقيقة ، من جهة وجود نفع يسير فيه ، كما مرّ في إجارة عرصة الدار
بدر همين مثلا.
(٢) هذا الضمير
وضمير «أنّه» والمستتر في «يخرب ، يسقط» راجعة إلى الوقف.
(٣) أي :
بالعرصة ، وقوله : «باجرة» متعلق ب «تؤجر».
(٤) أي : ثمن
الوقف ، وهذا هو الفرض الأوّل ، وهو : أن تكون قيمة العرصة بحيث يتعذّر شراء شيء
بها يكون منفعته أزيد من اجرة العرصة ، كما إذا كان قيمتها عشرة دنانير ، واجرتها
شهرا در همين ، ولو بيعت لم يتيسّر شراء شيء ـ بالثمن ـ يكون نماؤه أزيد من در
همين. وحكم هذا الفرض منع البيع ، لأنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ، ولم يحرز
مسوّغ البيع بعد.
(٥) أي : منفعة
المعطى بالثمن ، والمراد بالمعطى هو البدل المشترى بثمن الوقف. والمقصود مساواة
عائدة البدل والمبدل.
وإن كان (١)
يعطى بثمنه (٢) ما يكون منفعته (٣) أكثر من منفعة العرصة ، بل يساوي منفعة الدّار (٤)
، ففي جواز البيع وجهان :
من عدم دليل
على الجواز (٥) مع قيام المقتضي للمنع.
______________________________________________________
(١) معطوف على «فإن
كان» وهذا هو الفرض الثاني ، وهو : أن يكون ثمن العرصة ـ على تقدير البيع ـ وافيا
بشراء دكان مثلا يؤجر بدنانير ، فتزيد منفعة البدل على منفعة العرصة فعلا ، أعني
بها الدر همين.
وفي جواز البيع
في هذا الفرض وعدمه وجهان ، سيأتي بيانهما إن شاء الله تعالى.
(٢) أي : بثمن
الوقف.
(٣) أي : منفعة
المعطى ، وهو البدل ، كما إذا كانت العرصة في سوق يتخذ فيه محلات للتجارة ، أو
كانت في شارع عام يبذل لها ثمن كثير ، ونحوهما مما يعدّ أجرة نفس العرصة قليلا
بالنسبة إلى منفعة البدل.
(٤) أي : منفعة
الدار قبل انهدامها ، فإذا كانت اجرتها شهرا عشرة دنانير ، كان منفعة ما يشترى
بثمن العرصة عشرة دنانير أيضا. والوجه في الإضراب واضح ، لأنّ شبهة جواز البيع
تتأكّد عند مساواة البدل لمنفعة نفس الدّار الموقوفة المنهدمة.
(٥) هذا وجه
منع البيع ، وحاصله : وجود المقتضي وفقد المانع. أمّا وجود المقتضي فلتعلّق غرض
الواقف بحبس العين الخاصّة كالدّار التي تكون العرصة جزأها ، والمفروض إمضاء
الشارع هذا الإنشاء ، بمثل «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها». وأمّا فقد المانع ،
فلأنّ مسوّغ البيع هو خراب الوقف بحيث لا يجدي نفعا ، فيجوز بيع الوقف الساقط عن النفع
بالمرّة كما تقدّم في الصورة الاولى. ولكن لا ريب في عدم صدق هذا المانع على
المقام ، لفرض عود منفعة قليلة من العرصة إلى الموقوف عليهم. ويشهد لمنع جواز
البيع تصريح العلّامة قدسسره بعدم جواز بيع عرصة الدّار المنهدمة ، لبقائها على
الوقف.
وهو (١) ظاهر المشهور ، حيث قيّدوا الخراب المسوغ للبيع بكونه بحيث لا يجدي
نفعا (٢).
وقد تقدّم (٣)
التصريح من العلّامة في التحرير بأنّه «لو انهدمت الدّار لم تخرج العرصة من الوقف
، ولم يجز بيعها» .
اللهم إلّا (٤)
أن يحمل النفع المنفيّ في كلام المشهور على النفع المعتدّ به
______________________________________________________
(١) أي : عدم
جواز البيع في هذا الفرض ظاهر فتوى المشهور بجواز البيع إذا لم يجد نفعا أصلا ،
فمورد بقاء شيء من النفع ـ كما في المقام ـ خارج عن جواز البيع.
(٢) تكرّر قيد «عدم
إجداء النفع» في كثير من العبائر التي نقلها المصنف قدسسره في أوّل المسألة ، ففي المقنعة «أو يحصل بحيث لا يجدي
نفعا» وفي الانتصار : «متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا» وفي المراسم : «حتّى
لا ينتفع به على أيّ وجه كان» وفي جامع المقاصد : «إذا خرب واضمحلّ بحيث لا ينتفع
به» وغيرها فراجع .
(٣) غرضه قدسسره من الاستشهاد بعبارة التحرير أنّ منع البيع عند عود شيء
من النفع يستفاد من مفهوم قولهم : «بجواز البيع بحيث لا يجدي نفعا». ومن المعلوم
أنّ دلالة المفهوم بالظهور لا بالصراحة ، ولكن العلّامة صرّح بمنع بيع العرصة
وببقاء وقفيّتها.
(٤) ظاهره
الاستدراك على قوله : «من عدم دليل على الجواز» فيكون مقصوده بيان وجه جواز البيع
، وكان الأنسب بسلاسة العبارة أن يقال : «ومن أنّ النفع المنفي ...».
وكيف كان
فتوضيح ما أفاده : أنّ مراد المشهور ـ الّذين قيّدوا جواز البيع بعدم
__________________
بحسب (١) حال العين ، فإنّ الحمام (٢) الّذي يستأجر كل سنة مائة دينار إذا
صارت
______________________________________________________
إجداء النفع ـ ليس عدم ترتب المنفعة على الوقف بالدقّة العقلية حتى يكون
حصول النفع القليل مانعا عن البيع ، بل المراد سلب النفع المعتدّ به المناسب للعين
الموقوفة ، فلو خربت بحيث كان ما يصل إلى الموقوف عليه يسيرا ملحقا بالمعدوم جاز
بيعها عند المشهور أيضا ، ضرورة عدم كون البيع منافيا لغرض الواقف من حبس العين
وتسبيل الثمرة ، لأنّ مقصوده من حبس العين تسبيل منفعة خاصّة كالسكنى في الدّار ،
فسقوطها عن تلك المرتبة يوجب خروج الوقف موضوعا عن قوله عليهالسلام : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها». ومن المعلوم أنّ
أدلّة حلّ البيع والوفاء بالعقود تقتضي صحة تبديلها بشيء آخر.
ويشهد لكون
المراد من النفع المنفي هو النفع المعتدّ به كلام العلّامة في وقف التحرير ، من «جعل
عرصة الدّار المنهدمة الساقطة عن المنفعة بالكلّية مواتا وجها في المسألة» وجه
الشّهادة : أنّ العرصة لا تصير مسلوبة المنفعة بالدقة العقلية ، بل قد يستفاد منها
بإيجارها لبعض الأغراض كجعلها مزبلة أو محلّا لبيع أنقاض الأبنية ونحوهما. ولكن
لما كانت هذه الاجرة بحكم المعدوم بالنسبة إلى اجرة الدّار العامرة اتّجه القول
بخروجها عن الوقف ، وصيرورتها مواتا يجوز للكل التصرّف فيها.
(١) يعني : أن
لكل عين موقوفة منفعة تناسبها ، فإن كانت معتدّا بها لم يجز بيعها ، وإن كانت
قليلة غير معتنى بها جاز بيعها. مثلا إن كانت الدار تؤجر سنة بألف دينار ،
فالمقدار المعتدّ به خمسمائة دينار ، فلو انهدمت واستؤجرت العرصة بخمسة دنانير لم
تكن هذه المنفعة القليلة مقصودة ولا مناسبة لمنفعة الدار ، ولا يصدق على العرصة «أنّها
ذات منفعة» بل يصدق ـ عرفا ـ كونها مسلوبة المنفعة.
(٢) غرضه
التمثيل للنفع غير اللائق بالموقوفة ، كما إذا كانت اجرة الحمّام العامر مائة
دينار أو تسعين ، واستؤجر عرصتها بعشرة دراهم ، ضرورة عدم صدق «وصول النفع إلى
الموقوف عليه» على هذه الإجارة.
عرصة تؤجر كل سنة خمسة دراهم أو عشرة لغرض جزئي ـ كجمع الزبائل (١) ونحوه ـ
يصدق (٢) عليه : أنّه لا يجدي نفعا (٣). وكذا القرية (٤) الموقوفة ، فإنّ خرابها
بغور أنهارها وهلاك أهلها ، ولا تكون (٥) بسلب [تسلب] منافع أراضيها رأسا. ويشهد
لهذا (٦) ما تقدّم عن التحرير : من جعل عرصة الدار المنهدمة
______________________________________________________
(١) جمع «زبالة»
بمعنى الفضولات والقاذورات. ولكن لم أظفر في اللّغة بهذا الجمع ولا بمفرده بلفظ «زبالة»
التي هي اسم موضع. قال في اللّسان : «الزّبل ـ بالكسر ـ السرقين وما أشبهه» ولعلّ القاعدة تقتضي جمعه على «أزبال» كنظائره من «حبر
، وشبل». والغرض إيجار العرصة لجعلها مزبلة ، أو لعرض البضائع فيها.
(٢) خبر «فإنّ
الحمّام» وضمير «عليه» راجع إلى الحمّام.
(٣) وقد تقدّم
عن المشهور جواز البيع عند صدق «لا يجدي نفعا» على الوقف.
(٤) هذا مثال
آخر لصدق «عدم النفع» عرفا على المنفعة النادرة ، فلا يكون خراب القرية الموقوفة
بامتناع الانتفاع بها مطلقا حتى بإجارة أراضيها باجرة قليلة ، بل يكون بغور نهرها
وهلاك أهلها ممّا يوجب سلب معظم منافعها كالزرع. فيصدق عليها مع ما فيها من النفع
الجزئي الملحق بالمعدوم «أنّها لا تجدي نفعا» فيجوز بيعها حينئذ.
(٥) الأولى «يكون»
لرجوع الضمير المستتر إلى خراب القرية ، وبناء على ما في نسختنا من قوله «ولا تكون
تسلب» فالضمير المستتر راجع إلى القرية ، أي : ولا تكون القرية الخربة مسلوبة
المنفعة بالمرّة. والأولى سوق العبارة هكذا : «لا بسلب ...» ، ويكون «لا» نافية
عاطفة.
(٦) أي : لحمل
النفع المنفي في كلام المشهور على النفع المعتدّ به ، المقصود من
__________________
مواتا لا ينتفع بها بالكلّية (١) ، مع أنّها كثيرا ما تستأجر للأغراض
الجزئية.
فالظّاهر (٢)
دخول الصورة المذكورة (٣) في إطلاق كلام كلّ من سوّغ البيع عند خرابه ، بحيث لا
يجدى نفعا. ويشمله (٤) الإجماع المدّعى في الانتصار (٥) والغنية.
______________________________________________________
العين الموقوفة.
(١) عبارة
التحرير هي : «ولو قيل بجواز البيع إذا ذهبت منافعه بالكلية ـ كدار انهدمت وعادت
مواتا ولم يتمكّن من عمارتها ـ كان وجها» فموضوع الحكم بعود الأرض مواتا هو عدم
الانتفاع بها كلّيّة ، وإن بقي شيء يسير من فوائدها.
(٢) هذا نتيجة
حمل النفع المنفي ـ في كلام المشهور ـ على المعتدّ به ، وحاصله : أنّ حكمهم بجواز
بيع الوقف ـ إذا صار بحيث لا يجدي نفعا ـ مطلق ، يشمل صورتين ، إحداهما : سلب تمام
المنفعة ، والاخرى : سلب جلّ المنفعة. ولم يقيد هذا الإطلاق بسقوط العين عن تمام
المنفعة ، حتّى لا يجوز البيع عند بقاء شيء منها.
(٣) وهي خروج
العين عن النفع المعتدّ به.
(٤) الأولى
تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى الصورة المذكورة ، يعني : أن دليل حكمهم بجواز البيع
عند الخراب هو الإجماع ، الشامل للصورتين المتقدمتين على حدّ سواء.
(٥) قال السّيد
قدسسره في كلامه المتقدم : «وممّا انفردت الإمامية به القول
بأنّ الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه» ثم قال
المصنف قدسسره : «ثمّ احتجّ باتفاق الإمامية».
وقال السيد أبو
مكارم قدسسره : «ويجوز عندنا بيع الوقف ...» وكلمة «عندنا» ظاهرة في
إجماع الإمامية ، فراجع .
__________________
لكن (١) الخروج
بذلك (٢) عن (٣) عموم أدلة وجوب العمل بمقتضى وقف الواقف ، الذي هو حبس العين (٤)
، وعموم (٥) قوله عليهالسلام : «لا يجوز شراء الوقف» مشكل (٦).
______________________________________________________
(١) غرضه قدسسره ـ بعد بيان وجه منع البيع وجوازه ـ ترجيح المنع ، وحاصله :
وجود المقتضي
لعدم جواز بيع الوقف المسلوب نفعه ، وفقد المانع عنه. وتقدّم بيانهما في (ص ١٠).
(٢) أي :
بمجرّد صيرورة جلّ منفعة الوقف مسلوبة ، وبقاء شيء يسير منها.
(٣) متعلق ب «الخروج»
يعني : أن سلب المنفعة المعتدّ بها لا يجوّز البيع مع ظهور دليلين في المنع.
أحدهما : عموم «الوقوف
على حسب ما يقفها أهلها» الدال على إمضاء ما أنشأه الواقف من حبس العين أبدا ،
ومنعها عن الحركة الاعتبارية ، سواء بقيت العين على ما كانت عليه حال الوقف أم
خربت بما يقلّ نفعها. ولا مخصّص للعموم المزبور حسب الفرض.
ثانيهما : عموم
«لا يجوز شراء الوقف» الظاهر في منع المعاملة تعبّدا ، سواء أكان منع البيع مأخوذا
في إنشاء الوقف أم غير مأخوذ فيه ، وتقريب الظهور : أن كلمتي «الشراء والوقف» من
قبيل الجنس الواقع في حيّز النفي ، ومن شأنه إفادة العموم.
ولا فرق في عدم
الجواز بين كون الوقف عامرا وخرابا ، كما لا فرق بين قلّة عوائده وكثرتها ، ولم
ينهض دليل على تخصيص عموم الحرمة حتى يجوز الشراء حال قلّة المنفعة.
(٤) يعني :
حبسها أبدا ، سواء صرّح الواقف بالتأبيد أم لم يصرّح به ، فإنّ غرضه حال الإنشاء
هو حبس العين دائما على الموقوف عليه.
(٥) معطوف على «عموم»
أي : الخروج عن عموم نفي جواز البيع.
(٦) خبر قوله :
«لكن الخروج» ومنشأ الإشكال : عدم المخصّص.
ويؤيّد المنع (١)
حكم أكثر (٢) من تأخّر عن الشيخ بالمنع (٣) عن بيع النخلة
______________________________________________________
(١) بعد ترجيح
منع البيع بالعمومين المزبورين ، أيّده بفتوى جماعة من الفقهاء ـ المتأخّرين عن
شيخ الطائفة ـ بمنع بيع النخلة المنقلعة ، فإنّ المنفعة المقصودة المسبّلة حال
الإنشاء هي ثمرتها ، وهي منتفية بعد القلع ، فإن أمكن الانتفاع بها لغرض آخر
كالتسقيف ، وجعلها جسرا على جدول ونحوهما ممّا يكون أجنبيّا عن جهة الوقف ـ ولا
يكون منفعة معتدّا بها ـ لم يجز بيعها ، ويتعيّن الانتفاع المزبور من تسقيف وشبهه.
وهذا يؤيّد منع المصنف قدسسره من البيع.
والتعبير
بالتأييد لأجل كونه مختار أكثر من تأخّر عن شيخ الطائفة ، ومن المعلوم عدم كون حكم
الأكثر ـ بل المشهور ـ من الحجج الشرعية ، لكنه صالح للتأييد.
وإن تعذّر
الانتفاع بالنخلة المنقلعة مطلقا كانت الفتوى المزبورة أجنبية عمّا نحن فيه من
بقاء منفعة قليلة ، لتعدّد موضوع المسألتين.
(٢) كالحلّي
والمحقق والعلّامة وفخر المحققين والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم كما في مفتاح
الكرامة والمقابس ، قال المحقّق قدسسره : «ولو انقلعت نخلة من الوقف ، قيل : يجوز بيعها ،
لتعذر الانتفاع إلّا بالبيع. وقيل : لا يجوز ، لإمكان الانتفاع بالإجارة للتسقيف
وشبهه. وهو أشبه» .
(٣) متعلق ب «حكم».
__________________
المنقلعة بناء (١) على جواز الانتفاع بها في وجوه اخر كالتسقيف ، وجعلها
جسرا ، ونحو ذلك (٢).
بل (٣) ظاهر
المختلف ـ حيث جعل النزاع بين الشيخ والحلّي رحمهالله لفظيّا ،
______________________________________________________
(١) قيد لكون
حكم الأكثر مؤيّدا للمنع عن البيع ، وقد عرفت وجه البناء ، إذ مع سقوط الوقف عن
المنفعة بالمرّة يتعدّد موضوع مسألتنا ـ وهي بقاء المنفعة القليلة ـ مع موضوع
حكمهم بمنع بيع النخلة المنقلعة.
(٢) كأن تعمل
زورقا.
(٣) غرضه
الترقي ـ من كون منع البيع فتوى الأكثر ـ إلى كونه مجمعا عليه ، وهو إن كان إجماعا
تعبديا كان حجة على منع البيع ، وإن كان محتمل المدركية كان مؤيّدا أقوى من
مؤيّدية حكم الأكثر.
أمّا توضيح
النزاع بين شيخ الطائفة وابن إدريس قدسسرهما فهو : أنه ذهب في كتاب الخلاف إلى جواز بيع النخلة
المنقلعة مستدلّا عليه «بأنّه لا يمكن الانتفاع بهذه النخلة إلّا على هذا الوجه» أي على وجه البيع ، فيتعيّن بيعها.
وردّه الحلّي
بقوله : «يمكن الانتفاع بهذه النخلة من غير بيعها ، وهو أن تعمل جسرا أو زورقا ،
إلى غير ذلك من المنافع مع بقاء عينها. وقد بيّنا أنّ الوقف لا يجوز بيعه. فعلى
هذا التحرير : لا يجوز بيعها وينتفع بها من هي وقف عليه بغير البيع» .
وادّعى في
المختلف أنّ النزاع بينهما لفظي ، لا معنوي ، قال قدسسره : «لأنّ الشيخ فرض سلب منافعها ، على ما ذكره في دليله
، وابن إدريس فرض لها منافع غير الثمرة».
وحاصل توجيه
العلّامة لكلام الشيخ قدسسره هو : أنه لو خرب الوقف ، فإن سقط
__________________
حيث (١) نزّل تجويز الشيخ على صورة عدم إمكان الانتفاع به في منفعة اخرى (٢)
ـ الاتّفاق (٣) على المنع إذا حصل فيه انتفاع ولو قليلا (٤) كما يظهر (٥) من
التمثيل بجعله جسرا.
______________________________________________________
عن الانتفاع بالكلّية جاز بيعه. وإن أمكن الانتفاع به في منفعة اخرى ـ غير
ما عيّنه الواقف ـ كتقطيع النخلة للتسقيف أو لصنع زورق ، لم يجز بيعها عند الكلّ.
وعلى هذا لم
يجوّز شيخ الطائفة البيع في صورة إمكان الانتفاع بالوقف في غير ما أراده الواقف ،
بل هو كأكثر من تأخّر عنه من المانعين.
ثمّ رجّح
العلّامة جواز البيع في مورد سلب منافع العين وشراء بدل له أو صرف الثمن فيما كان
تصرف فيه منفعة نفس الوقف ، أو غير ذلك ، فراجع .
وسيأتي في
الصورة الثالثة البحث عن كون النزاع معنويا أو لفظيّا.
فلاحظ (ص ٥٣).
(١) هذا تقريب
جعل المنازعة بين العلمين لفظيّا ، وقد عرفته آنفا.
(٢) يعني : غير
المنفعة المقصودة التي سبّلها الواقف ، كالثمر الذي هو ثمرة النخلة الموقوفة.
(٣) خبر قوله :
«ظاهر المختلف» ووجه الظهور ما عرفته من أن المخالف في المسألة هو الشيخ ، وبعد
حمل تجويز البيع على مورد سلب المنافع مطلقا لا يبقى مخالف لحكمهم بمنع البيع إن
بقي شيء من المنفعة.
(٤) فلا يكون
النفع اليسير ملحقا بالمعدوم حتى يسوّغ البيع ، فلا تلحق هذه الصورة الثانية
بالصورة الاولى.
(٥) هذا مثال
للانتفاع القليل بالنخلة الموقوفة ، ومنفعة الجسر وإن كان معتنى بها لكنها قليل
بالقياس إلى ثمرة النخلة.
__________________
نعم (١) ،
______________________________________________________
هذا كلّه في
ترجيح منع البيع ، وسيأتي المناقشة في كلا الدليلين ، وهما عموم «الوقوف» وعموم «لا
يجوز شراء الوقف» فانتظر.
(١) ظاهره
الاستدراك عمّا تقدم في أوّل الصورة الثانية من قوله : «أن يخرب بحيث يسقط عن
الانتفاع المعتدّ به» فيكون مقصوده بالاستدراك تجويز البيع عند ندرة المنفعة بحيث
يلحق بالمعدوم.
لكن تقدّم في
أوّل الصورة ـ كما نبّه عليه المحقق الإيرواني قدسسره أيضا ـ عدم تعدّد الموضوع قبل قوله : «نعم» وبعده ،
لأنّه قدسسره صرّح «بأنّه يصدق عرفا أنّه لا منفعة فيه» فلعلّ الأولى
تبديل «نعم» ب «والأولى أن يقال : لو كان الانتفاع قليلا ... الخ» وهو أعلم بما
أثبته في الكتاب ، جزاه الله عن العلم وأهله خير الجزاء.
وكيف كان
فتوضيح وجه جواز البيع هو عدم جريان دليل المنع مع فرض وجود المقتضي للصحّة. إذ
المانع إمّا قوله عليهالسلام : «لا يجوز شراء الوقف» وإمّا كون حقيقة الوقف حبس
العين وتسبيل الثمرة ، وحيث إن هذا الإنشاء ممضى شرعا بمثل قوله عليهالسلام : «الوقوف بحسب ما يقفها أهلها» فلا يصح البيع حتى مع
ندرة المنفعة.
والمفروض عدم
مانعيّة شيء منهما.
أمّا الأوّل ـ
وهو قوله عليهالسلام : «لا يجوز شراء الوقف» ـ فلأنّ شموله للوقف المسلوب
المنفعة يكون بالإطلاق الأحوالي ، فلا يصحّ بيع الوقف في كلتا حالتي العمران
والخراب. لكن تقدّم في الصورة الاولى منع الإطلاق ، لانصراف النهي إلى ما ينتفع به البطن الموجود فعلا ،
وما يكون قابلا لانتفاع البطن اللاحق ، فلا نهي
__________________
لو كان قليلا في الغاية بحيث يلحق بالمعدوم أمكن (١) الحكم بالجواز ،
______________________________________________________
عمّا لا نفع فيه (*).
وأما الثّاني ـ
أعني به كون حقيقة الوقف حبس العين وتسبيل الثمرة ، وهو ممّا يجب الوفاء به ـ فلأن
غرض الواقف وإن كان حبس العين الخاصة كالدار ، وتسبيل الثمرة الخاصة كالسكنى فيها
، إلّا أن غرضه من حبس العين الخاصة يكون تابعا لغرضه الأصلي وهو التسبيل الخاصّ ،
فبانتفاء المنفعة لا غرض للواقف في حبس العين أصلا. ولو فرض أن مقصوده حبس العين
وإمساكها مطلقا حتى لو صارت مسلوبة المنفعة لزم القول بمنع بيعها في الصورة
الاولى. مع أنّه تقدّم هناك كون التبديل رعاية لحقّ الواقف والموقوف عليه ، فكذا
يجوز بيعها في الصورة الثانية التي سقطت العين عن المنفعة المعتدّ بها.
(١) جواب الشرط
في «لو كان» والوجه في الإمكان وجود المقتضي لصحة البيع وفقد المانع.
__________________
__________________
لانصراف (١) قوله عليهالسلام : «لا يجوز شراء الوقف» إلى غير هذه (٢) الحالة.
وكذا (٣) «حبس
العين وتسبيل المنفعة» إنّما يجب الوفاء به ما دام المنفعة المعتدّ بها موجودة (٤).
وإلّا (٥) فمجرّد حبس العين وإمساكه (٦) ـ ولو من دون منفعة ـ لو وجب الوفاء به
لمنع (٧) عن البيع في الصورة الاولى.
______________________________________________________
(١) تعليل
للإمكان ، وغرضه نفي ما يتوهّم كونه مانعا ، وهو إمّا إطلاق النهي في رواية ابن
راشد ، والمفروض انصرافه إلى حالة وجود المنفعة. وإمّا وجوب الوفاء بإنشاء الواقف
والعمل على طبقه من حبس العين أبدا ، وقد عرفت أيضا عدم مانعيته.
(٢) أي : غير
حالة كون المنفعة في غاية القلّة بحيث تلحق بالمعدوم.
(٣) هذا نفي
المانع الثاني ، وقد تقدم بيانه ، والأولى سوق العبارة هكذا : «ولأنّ حبس ...»
فيكون معطوفا على «لانصراف».
(٤) يعني : أن «حبس
العين أبدا» مقدمة للتوصل إلى تسبيل المنفعة ، فمع سلبها لم يكن حبس العين متعلق
غرض الواقف حتى يجب الوفاء به بإبقاء الموقوفة على حالها.
(٥) يعني : وإن
وجب الوفاء بعقد الوقف مطلقا حتى مع سلب المنفعة المعتدّ بها ، لزم منع البيع في
الصورة الاولى أيضا حفظا لغرض الواقف وهو حبس العين الخاصّة ، مع أنّه لا ريب في
جواز البيع هناك ، كما عرفت.
والأولى بسلاسة
العبارة حذف «وإلّا» أو جملة «فمجرد حبس العين ... الوفاء به» بأن يقال : «وإلّا
لمنع وجوب الوفاء عن البيع في الصورة الاولى» والأمر سهل.
(٦) الأولى
تأنيث الضمير ، لكون «العين» مؤنثا سماعيّا.
(٧) أي : لمنع
وجوب حبس العين عن البيع حتى في الصورة الاولى ، لوحدة المناط ، وهو تعلق غرض
الواقف بحبس عين خاصة. ووجوب الوفاء بالعقد مانع
ثمّ إنّ الحكم
المذكور (١) جار فيما إذا صارت منفعة الموقوف قليلة لعارض (٢) آخر غير الخراب ،
لجريان (٣) ما ذكرنا فيه.
ثمّ إنّك (٤)
قد عرفت فيما سبق أنّه ذكر بعض : أنّ جواز بيع الوقف
______________________________________________________
عن البيع في كلتا الصورتين ، وحيث جاز التبديل هناك فكذا هنا.
هذا تمام
الكلام في ما إذا كان منشأ ندرة المنفعة خراب الوقف ، وسيأتي حكم ما لو كان منشأ
قلة المنفعة غير الخراب.
(١) وهو جواز
بيع الوقف المسلوب معظم منفعته لأجل الخراب ، مع الإشكال الذي ذكره بقوله : «لكن
الخروج بذلك ... مشكل». فيقال بجواز البيع لو قلّت المنفعة مع قابلية الموقوفة
للانتفاع بها ، كما إذا وقف بعيرا للسقي فاستغني عنه بعد وضع أنابيب الماء ، أو
وقف خانا لنزول الزوّار والمسافرين فيه ، فتعطّل بعد قطع المسافات البعيدة
بالطائرات والسيارات ، وكذا لو وقف دارا على ذرّيته ليسكنوها بأنفسهم ، ولم يمكنهم
ذلك لوقوعها في محلّة لا يقيم فيها ـ فعلا ـ ذووا المروّات ، ونحو ذلك ممّا تكون
العين فيه عامرة ، ولكن لا ينتفع بها في الجهة المقصودة للواقف.
فما تقدّم من
وجه جواز البيع ومنعه يجري هنا أيضا ، وبعد ترجيح جانب الجواز هناك ـ من جهة أن
حبس العين مقدمة لتسبيل الثمرة المعينة ، وبانتفائها ينتفي حقيقة التسبيل المأخوذ
في الوقف ، ولا يبقى مجال لحفظ خصوصية العين المسلوبة منفعتها ـ نقول بجواز البيع
هنا ، لوحدة المناط.
(٢) المراد به
ما يكون كاللازم غير المفارق بحسب العادة ، كالأمثلة المتقدمة.
(٣) تعليل لقوله
: «جار» وضمير «فيه» راجع إلى الموصول في قوله :
«فيما» وهو
مورد قلة المنفعة لعارض غير الخراب.
(٤) ما أفاده
المصنف قدسسره هنا إلى آخر الصورة الثانية تعريض بكلام صاحب الجواهر قدسسره من التزامه بفساد الوقف في موردين :
أحدهما : خراب
الوقف على وجه تنحصر منفعته المعتدّ بها في إتلافه ، كالحصير
لا يكون إلّا مع بطلان الوقف ، وعرفت وجه النظر فيه (١). ثمّ وجّه (٢)
بطلان الوقف
______________________________________________________
والجذع ونحوهما مما يكون الانتفاع به بإتلاف العين كالإحراق.
ثانيهما :
انعدام عنوان الوقف ، كما إذا وقف بستانا ملاحظا في إنشائه عنوان «البستان» فخرب ،
وسقط عن كونه بستانا.
وقد ذهب صاحب
الجواهر قدسسره إلى بطلان الوقف في هذين الموردين بعد حكمه بأنّ تجويز
بيع الوقف كاشف عن بطلانه ، لامتناع اجتماع المتنافيين ، كما تقدّم توضيحه في
أوائل المسألة ، فراجع .
وتوضيح ما
أفاده في المورد الأوّل هو : أنّ الوقف مؤلّف من أمرين أحدهما حبس العين ، والآخر
تسبيل المنفعة ، ومن المعلوم تفرع التسبيل على وجود الثمرة خارجا ، ولا فرق في
إناطة صحة الوقف بوجود كلّ من العين ومنفعتها بين الابتداء والاستدامة ، فكما
يعتبر وجودهما حدوثا كذلك يعتبر بقاء ، فلو خربت الموقوفة ولم ينتفع بها بطل
وقفيّتها ، ضرورة انتفاء المركّب بانتفاء أحد أجزائه كانتفائه بانعدام تمام
الأجزاء.
والحاصل : أن
الشرط الدخيل في صحة الوقف ـ وهو كون العين ذات ثمرة مسبّلة ـ يقتضي انتهاء أمد
الوقف بانتفاء الثمرة.
(١) أي : في ما
ذكره البعض من بطلان الوقف بجواز بيعه ، وتقدم إيراد المصنف عليه بقوله : «وفيه :
أنّه إن اريد من بطلانه انتفاء بعض آثاره ... فهذا لا محصّل له. وإن اريد به
انتفاء أصل الوقف ـ كما هو ظاهر كلامه ـ ففيه : مع كونه خلاف الإجماع ... أنّ
المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه» فراجع .
(٢) أي : جعل
صاحب الجواهر قدسسره الوجه في بطلان الوقف ـ في الصورة الاولى
__________________
في الصورة الاولى بفوات شرط (١) الوقف المراعى في الابتداء والاستدامة ،
وهو (٢) كون العين ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها.
وفيه (٣) : ما
عرفت سابقا من أنّ بطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا
______________________________________________________
المتقدمة ـ فوات شرط الوقف. قال قدسسره : «والظاهر تحقق البطلان فيما لو خرب الوقف على وجه
تنحصر منفعته المعتدّ بها منه في إتلافه ، كالحصير والجذع ونحوهما ... ووجه
البطلان حينئذ فقدان شرط الصحة في الابتداء المراعى في الاستدامة بحسب الظاهر ،
وهو كون العين مما ينتفع بها مع بقائها» .
(١) المراد
بالشرط في عبارة الجواهر المتقدمة مقوّم الوقف ، ولذا عبّر عنه بشرط الصحة ، وهذا
الشرط ملحوظ في الوقف حدوثا وبقاء. فلو فرض بقاء العين على الوقفية ـ مع فرض
انتفاء الثمرة ـ لم يكن حبسها مقدمة لتسبيلها كما هو واضح.
(٢) أي : أن
الشرط المراعى ابتداء واستدامة هو كون العين مما ينتفع بها مع بقائها.
(٣) ناقش
المصنّف قدسسره في ما تقدم من الجواهر بوجوه أربعة :
الأوّل : أنّه
لا وجه لبطلان الوقف المؤبّد بمجرّد انتفاء المنفعة. توضيحه : أن الكلام تارة في
انتهاء الوقف المنقطع ، وهو الموقّت بأمد محدود كجعل داره وقفا على قوم مخصوصين ،
فينتهي الوقف بانقراضهم ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى في (ص ١٩٧).
واخرى في
انتهاء أمد الوقف المؤبّد بانتفاء الثمرة المسبّلة ، وعدمه ، وهو محلّ البحث.
فذهب صاحب
الجواهر إلى أنّه كان وقفا صحيحا ، وقد انتهى أمده بزوال المنفعة ، وأورد عليه
المصنّف بأنّه «لا وجه له» وظاهره امتناعه ثبوتا ، لاستلزام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
البطلان انقلاب الشيء عمّا هو عليه ، إذ مع وقوع الوقف المؤبّد صحيحا
يمتنع انقلابه وصيرورته باطلا بنفاد المنفعة.
الثاني : أنّ
القصور في جهة الإثبات ، بمعنى أنّه لو سلّمنا إمكان انقلاب الوقف المؤبّد إلى
المنقطع كان البطلان منوطا بوفاء الدليل به ، لئلّا يكون من القول بغير العلم ،
لعدم نهوض دليل بالخصوص على الخروج عن مقتضى قوله عليهالسلام : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها». وعليه فلا حجة على
بطلان الوقف بفوات المنفعة.
الثالث : أن
الشرط المزبور ـ وهو كون العين مما ينتفع بها مع بقاء عينها ـ وإن كان دخيلا في
الوقف ، لوضوح كون الغاية من حبس العين تسبيل ثمرتها ، إلّا أنّه يكفي في انعقاد
الوقف صحيحا وجود المنفعة حال حدوث الوقفية وإنشائها ، وأمّا اعتبار استمرارها فلم
يقم عليه دليل.
والشاهد على
كفاية وجود هذا الشرط ابتداء هو ملاحظة شروط سائر العقود الناقلة ، كمالية العوضين
في باب البيع ، فهي معتبرة حين الإنشاء ، لكون البيع مبادلة مال بمال. ولا يقدح في
صحته وترتب النقل عليه سقوط المبيع عن المالية بيد المشتري ، كما إذا اشترى خلّا
فتخمّر ، أو سقوط الثمن عن المالية بيد البائع إذا كان من الأنواط التي تنسخها
الحكومات ، فإنّ السقوط عن المالية لا يوجب الخروج عن الملك.
الرّابع : أنّ
جواز بيع الوقف في مورد طروء المسوّغ له لا يوجب انتهاء أمد الوقف ، وبطلانه ، بل
يتبدّل لزوم الوقف بالجواز والتزلزل ، فإن بيع بطل ، وإن لم يبع بقي وقفا ، لما
تقدّم في أوائل المسألة من أن مفاد دليل جواز بيع الوقف هو جواز إبطاله ، ومن
المعلوم أن جواز الإبطال ليس مبطلا ، بل المبطل هو إنشاء بيع الوقف.
وعليه فتجويز
البيع شرعا تخصيص في دليل لزوم الوقف ، وصيرورته جائزا بعد عروض المسوّغ.
لا وجه له (١) في الوقف المؤبّد (٢). مع أنّه (٣) لا دليل عليه. مضافا إلى
أنّه (٤) لا دليل على اشتراط الشرط المذكور في الاستدامة ، فإنّ (٥) الشروط في
العقود الناقلة يكفي وجودها حين النقل ، فإنّه (٦) قد يخرج المبيع عن الماليّة ،
ولا يخرج بذلك (٧)
______________________________________________________
هذا توضيح
المناقشة ـ بوجوه أربعة ـ في المورد الأوّل مما تقدم في كلام صاحب الجواهر قدسسره.
(١) إمّا
لاستحالة انقلاب الشيء عمّا هو عليه. فمع فرض تحقق شرط الصحة ـ وهو تسبيل الثمرة
ابتداء ، ووقوع الوقف الصحيح ـ يمتنع بطلانه. نعم لا مانع من جواز إبطاله بالعقد
الناقل.
وإمّا للزوم
محذور الخلف لو قيل بصيرورة الوقف الدائم منقطعا ينتهي أمده بنفسه بطروء الخراب.
ولذا لم يقل أحد ممّن أجاز بيع الوقف ببطلانه كما تقدّم آنفا.
(٢) كما هو
محلّ الكلام ، ويظهر منه عدم البأس في بطلان الوقف المنقطع ـ بمعنى انتهاء أمده ـ
بسلب المنفعة.
(٣) الضّمير
للشأن ، وهذا هو الوجه الثاني ، ومحصّله ـ كما عرفت ـ عدم قيام دليل على بطلان
الوقف في محلّ البحث ، فلا مخصّص لعموم «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» المقتضي
لبقاء العين على صفة الوقفية بعد انتفاء الثمرة.
(٤) الضمير
للشأن ، وهذا هو الوجه الثالث ، وتقدّم تقريبه آنفا.
(٥) تعليل
لقوله : «لا دليل» يعني : أن أدلة شروط العقود ظاهرة في كفاية وجود الشرط حدوثا ،
ولا دليل على اعتبار وجودها بقاء ، سواء أكانت معتبرة في المتعاقدين أم في
العوضين.
(٦) الضمير
للشأن ، وهذا بيان لكفاية وجود الشرط ابتداء.
(٧) أي :
بالسقوط عن المالية. وحيث إن النسبة بين المال والملك عموم من وجه ، فلا بأس
بانتفاء أحدهما وبقاء الآخر. والمراد بالملك ظاهرا ما هو أعم من النسبة الخاصة بين
المالك والمملوك ، ومن حقّ الاختصاص الثابت في مثل الخمر
عن ملك المشتري (١). مع أنّ (٢) جواز بيعه لا يوجب الحكم بالبطلان ، بل
يوجب خروج الوقف عن اللزوم إلى الجواز ، كما تقدّم (٣) (*).
______________________________________________________
المنقلب عن الخلّ.
(١) بأن يدخل
في ملك البائع مرّة اخرى من جهة فساد البيع ، الناشئ من فقد شرط المالية بقاء.
(٢) هذا هو
الوجه الرابع المتقدم آنفا.
(٣) يعني في
قوله : «إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع ، فالوقف يبطل بنفس البيع
، لا بجوازه ...» فلاحظ .
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
ثمّ ذكر : (١)
أنّه قد يقال بالبطلان
______________________________________________________
(١) يعني : ذكر
ذلك البعض ، وهو صاحب الجواهر قدسسره ، وهذا بيان المورد الثاني الذي التزم قدسسره فيه بصحة وقف العنوان ، وبطلانه ـ أي انتهاء أمده ـ
بمجرّد زواله وإن لم يكن من الوقف المنقطع المصطلح.
والفرق بينه
وبين سابقه هو : أن الزائل ـ في السابق ـ الفصل المقوّم للوقف بما هو وقف أعني
تسبيل المنفعة المأخوذ في ماهية الوقف مهما كانت الموقوفة. والزائل في هذا المورد
هو موضوع الوقف ، من جهة انعدام الوصف والعنوان المجعول وقفا.
وكيف كان
فينبغي الإشارة إلى ما أفاده صاحب الجواهر قدسسره في باب الوقف من أنحاء أخذ عنوان في الإنشاء ، ثمّ
توضيح العبارة المنقولة منه في المتن ، فنقول : إنّه إذا وقف دارا أو بستانا على
أولاده :
فتارة : يكون
المقصود موضوعية العنوان المأخوذ في صيغة الوقف بنحو تمام الموضوع ، كقوله : «هذه
الدار وقف عليهم ما دامت دارا» فينتهي وقفها بانهدامها وتغيير الصورة الدارية سواء
أمكن الانتفاع بها أم امتنع. وهذا وقف منقطع الآخر ، لأنّ المجعول للموقوف عليهم
هو الملكية المحدودة ببقاء العنوان. وفرقه مع الوقف المنقطع ـ المقابل للمؤبّد ـ
هو أن الانقطاع هنا بانقضاء الموقوف ، وفي المنقطع المتعارف بانقضاء الموقوف
عليهم.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
واخرى : يكون
المقصود موضوعية العنوان لا بنحو التحديد ببقاء الدار عامرة ، بل للانتفاع بها
دارا ، كما إذا قال : «وقفتها دارا» بمعنى أنّه ينتفع بها دارا ، فيستمرّ وقفها
بعد انهدامها ما دامت صالحة للانتفاع بها. فإذا خرجت عن قابلية الانتفاع ـ على وجه
لا يرجى عودها ـ أمكن القول ببطلان وقفها.
وثالثة : يكون
المقصود من وقف الدار تسبيل منفعتها ، سواء أكانت دارا ـ كما هي حال الوقف ـ أم
غيرها ، بأن تجعل خانا أو حمّاما ، أو نحوهما ، فيكون أخذ عنوان «الدار» في
الإنشاء مشيرا إلى وقفية الذات ـ وهي العرصة المعنونة بعنوان الدار ـ ولذا يجوز
تغيير هيئتها اختيارا.
ورابعة : يكون
غرض الواقف ـ كما في الصورة الثالثة ـ تسبيل منفعة الدار ، لكن علم إرادة الدوام
منه ، بأن يتعدد مطلوب الواقف ، فما دام الانتفاع بها دارا ممكنا تعيّن ذلك ، ولا
يجوز تغييرها ، ولو انهدمت جاز الانتفاع بها مطلقا إما بإحداث دار مثلها أو حمّام
أو غيرهما.
هذا ما أفاده
في كتاب الوقف .
وأمّا كلامه
هنا فمحصّله : أنّ غرض الواقف من قوله : «وقفت البستان على أولادي» إن كان هو
النحو الأوّل أي كان حبس البستان على الموقوف عليهم حبسا محدودا وموقّتا ببقاء
عنوان «البستان» ـ لكونه ملحوظا جهة تقييدية تدور الوقفية مداره ـ كان لازمه
البطلان بالانهدام ، وخروج العرصة عن الوقفية ، ولا عبرة بإمكان الانتفاع بها بنحو
آخر. ويتجه البحث حينئذ عن رجوعها إلى الواقف أو صيرورتها ملكا طلقا للموقوف
عليهم.
فإن قلت : لا
وجه لخروج العرصة عن الوقفية بعد زوال عنوان «البستان»
__________________
أيضا (١) بانعدام عنوان الوقف فيما إذا وقف بستانا ـ مثلا ـ ملاحظا (٢) في
عنوان وقفه (٣) البستانية ، فخربت (٤) (*) حتى خرجت عن قابلية ذلك (٥) ،
______________________________________________________
لكونها جزءا من الموقوفة ، إذ «البستان» مركّب من العرصة والأشجار ، ومن
المعلوم أن سقوط الأشجار عن الوقفية ـ لتبدلها بأخشاب ـ لا يوجب انتفاء وقفية
العين.
قلت : إنّ
العرصة وإن كانت جزءا من الموقوفة ، إلّا أنّ الواقف لم يجعلها وقفا لا بشرط
الأشجار ، بل بشرطها ، فزوال عنوان «البستان» وانتهاء وقفيته يوجب سقوط وقفية
العرصة من جهة فقد الشرط.
وإن كان غرض
الواقف حبس العرصة على الموقوف عليهم على النحو الثالث أو الرابع ، لم يقدح ذهاب
عنوان «البستان» في استمرار وقف العرصة ، هذا.
(١) يعني :
كبطلان الوقف في صورة الخراب.
(٢) حال من
ضمير الفاعل المستتر في «وقف».
(٣) أي : وقف
البستان.
(٤) كذا في
الجواهر أيضا ، والأولى «فخرب ، خرج» لرجوع الضمير المستتر إلى البستان.
(٥) أي : عن
قابلية كونه بستانا.
__________________
فإنّه (١) وإن لم تبطل منفعتها أصلا ، لإمكان الانتفاع بها دارا مثلا ، لكن
ليس (٢) من عنوان الوقف. واحتمال (٣) بقاء العرصة (٤) على الوقف ، باعتبار أنّها
جزء من الوقف ، وهي باقية (٥). وخراب (٦)
______________________________________________________
(١) مقصوده
بقاء مقدار معتدّ به من المنفعة بعد انعدام الصورة البستانية ، كتشييد دور على
الأرض ، فينبغي الحكم ببقاء وقفها حينئذ ، لكن لمّا كان المجعول وقفا هو عنوان «البستان»
كان مقتضاه بطلان وقف العرصة أيضا كما تقدّم آنفا.
(٢) أي : ليس
الانتفاع بالعرصة ـ ببناء دار فيها ـ مقصودا من وقف عنوان «البستان».
(٣) مبتدء ،
خبره «يدفعه» وغرض صاحب الجواهر قدسسره من بيان الاحتمال دفع إمكان القول ببقاء العرصة على
الوقفية بعد خراب البستان. وتقدم بقولنا : «فإن قلت ...».
(٤) بفتح العين
وسكون الراء المهملة ك «سجدة» وهي «كل موضع واسع لا بناء فيه» .
(٥) فينبغي
بقاء وقفيتها ، وعدم زوالها بانعدام وصفها ، أي : كونها بستانا.
(٦) مبتدء ،
خبره «لا يقتضي» وهذا تتمة الاحتمال المزبور ، يعني : أنّ خراب البستان يقتضي
بطلان الوقف في خصوص البستان ، ولا يقتضي بطلان الوقف في العرصة.
ثمّ إن ما في
المتن من جملة «وخراب غيرها ... بطلانه فيها» موافق لما في الطبعة الحجرية من
الجواهر ، وهو الصحيح. والموجود في الطبعة الأخيرة «وخراب غيرها
وإن اقتضى بطلانه فيها» خطأ قطعا ، ولم يشر إلى ما سقط من العبارة في جدول
التصويب.
__________________
غيرها (١) وإن اقتضى بطلانه فيه لا يقتضي (٢) بطلانه فيها ، يدفعه (٣) :
أنّ (٤) العرصة كانت جزءا من الموقوف من حيث كونه (٥) بستانا (٦) ، لا مطلقا (٧).
فهي (٨) حينئذ جزء عنوان الوقف الذي فرض خرابه. ولو فرض (٩) إرادة وقفها لتكون (١٠)
______________________________________________________
(١) أي : غير
العرصة ، والمراد بالغير هو عنوان البستان.
(٢) يعني : أنّ
انتهاء أمد وقف البستان لا يستلزم انتهاء أمد وقف العرصة.
(٣) أي : يدفع
الاحتمال ، وتقدم توضيح الدفع بقولنا : «قلت ...».
(٤) الجملة
مرفوعة محلّا ، لكونها فاعلا ل «يدفعه».
(٥) أي : كون
الموقوف.
(٦) يعني : أن
هذه الحيثية تقييدية ، فبذهاب عنوان البستان تزول الوقفية عن العرصة أيضا.
(٧) هذا قرينة
على كون وقفية العرصة بنحو وحدة المطلوب ، إذ ملحوظ الواقف موضوعية العنوان بنحو
وحدة المطلوب ، لا بنحو تعدد المطلوب حتى يبقى حكم أحدهما بعد زوال حكم الآخر.
(٨) يعني :
فالعرصة حين كون الموقوف عنوان البستان ـ لا بذاتها ـ تكون جزءا للعنوان الذي زال
وقفيته بزوال البستان.
(٩) هذا تقريب
بقاء وقفية العرصة كما تقدم في الفرض الرابع.
(١٠) أي : سواء
أكانت الموقوفة بستانا كما هو كذلك فعلا ، أم دارا ، كما لو خرب البستان وبني دار
فيها.
وعليه فالمراد
بقوله : «لتكون» ـ بقرينة ما سيأتي من قوله : «وإن قارنت وقفه» ـ أنّ البستان
موجود بالفعل ، ومجعول الواقف وقف كل من الذات والعنوان بنحو تعدد المطلوب.
وليس المراد
وقف خصوص الأرض بدون الأشجار الموجودة بالفعل ، وإنّما يجب على الموقوف عليه جعلها
بستانا في المستقبل من جهة اشتراطه عليه. وذلك
بستانا أو غيره لم يكن (١) إشكال في بقائها ، لعدم (٢) ذهاب عنوان الوقف.
وربما يؤيّد
ذلك (٣)
______________________________________________________
لأن لازم وقف هذه الأرض وجوب قلع الأشجار الفعلية ـ الباقية على ملك الواقف
ـ مقدمة لغرس أشجار فيها.
(١) جواب الشرط
، وضمير «بقائها» راجع إلى «وقفها» وتأنيث الضمير باعتبار إضافة «وقف» إلى ضمير
المؤنث الراجع إلى العرصة.
(٢) يعني : لم
يكن ملحوظ الواقف عنوان «البستان» كي ينتهي وقف العرصة ، بل كان الملحوظ وقف الذات
والعنوان بنحو تعدد المطلوب.
(٣) المشار
إليه هو بطلان وقفية العرصة فيما كان الموقوف عنوان البستان ، وغرض صاحب الجواهر قدسسره تأييد انتهاء مدة وقف العرصة ـ بذهاب العنوان ـ بما
ذكروه في باب الوصية من أنه لو أوصى بدار لزيد ، فانهدمت ، ثمّ مات الموصي ، بطلت
الوصية ، لكون الموصى به عنوان «الدار» الذي هو اسم مجموع العرصة والبناء ،
والمفروض فوات المركّب بفوات أحد أجزائه ، ولا تنتقل أرضها إلى الموصى له ، بدعوى
: تعلق الوصية بكل جزء جزء من الدار ، سواء أكانت عامرة أم منهدمة.
قال المحقق قدسسره : «لو أوصى له بدار فانهدمت وصارت براحا ، ثم مات
الموصي ، بطلت الوصية ، لأنّها خرجت عن اسم الدار. وفيه تردّد» .
وبيّن صاحب
الجواهر وجه التردد وردّه ، فراجع .
وبالجملة :
فالتزامهم ببطلان الوصية بانهدام الدار ـ من جهة زوال عنوان الموصى به وهو الدار ـ
صالح لتأييد ما تقدم من سقوط العرصة عن الوقفية بزوال عنوان البستان.
__________________
في الجملة (١) ما ذكروه في باب الوصية من أنّه لو أوصى بدار ، فانهدمت (٢)
قبل موت الموصي ، بطلت الوصية ، لانتفاء موضوعها (*).
______________________________________________________
والوجه في
التأييد ـ دون الشهادة ـ وجود الفرق بين الوصية بالعنوان وبين وقف العنوان ـ بعد
اشتراكهما في تقييدية الجهة والعنوان ـ وهو : أنّ تقييدية العنوان ملحوظة في
الوصية حدوثا فقط ، بمعنى أن يكون المنقول بسبب الوصية إلى المنقول إليه عنوان «الدار».
وأمّا بعد
الانتقال إليه وصيرورتها مالكا للموصى له فهو بالخيار بين إبقائها على العنوان
الداري وبين إعدامها. وهذا بخلاف الوقف ، فإنّ العنوان إذا لوحظ فيه على جهة
القيدية فهو ملحوظ كذلك حدوثا وبقاء.
(١) الظاهر كون
هذه الكلمة قيدا للمؤيّد وهو فرع الوصية ، ومراد صاحب الجواهر قدسسره الإشارة إلى مورد حكمهم بالبطلان ، وهو ما إذا كان
الانهدام لا بفعل الموصي ، وإلّا كان رجوعا عن الوصية بلا ريب. قال الشهيد الثاني قدسسره : «وموضع الخلاف ما إذا كان الانهدام لا بفعل الموصي ،
وإلّا كان رجوعا» .
ولعلّه أشار
بقوله : «في الجملة» إلى تفصيل بعضهم بين كون الموصى به دارا معينة ، فلا تبطل
الوصية بها ، وبين كون الموصى به دارا من دوره ـ على نحو الكلّي في المعيّن ـ
فانهدمت جميع دوره ، فالوصية باطلة. فراجع.
(٢) لا بفعل
الموصي ، وإلّا كان رجوعا عن الوصية ، لا من بطلان الوصية بانتفاء موضوعها.
__________________
__________________
نعم (١) لو لم
تكن الدارية والبستانية ونحو ذلك (٢) مثلا عنوانا للوقف وإن (٣) قارنت وقفه ، بل
كان المراد به الانتفاع به (٤) في كلّ وقت على حسب ما يقبله (٥) ، لم يبطل (٦)
الوقف بتغيّر أحواله.
ثمّ ذكر (٧)
أنّ في عود الوقف
______________________________________________________
(١) استدراك
على قوله : «قد يقال بالبطلان» وغرض صاحب الجواهر قدسسره الإشارة إلى بقاء وقفية العرصة إن كان الملحوظ وقف
المعنون ـ لا البستان ـ لا بنحو تمام الموضوع ولا جزئه ، وإنّما اخذ في الإنشاء
للإشارة إلى أن متعلق الوقف هو الذات.
والوجه في جعله
عنوان مشيرا هو مقارنة الوقفية والبستانية.
والظاهر انطباق
ما تقدم في الفرض الثالث على قوله : «نعم» ولم يظهر وجه للجزم بكونه تكرارا لقوله
: «لو فرض» كما زعمه العلّامة الشهيدي قدسسره .
(٢) كعنوان «الحمّام»
إن كان المقصود وقف الذات الباقية بعد خرابه.
(٣) وصلية ،
يعني : لا فرق في كون مقصود الواقف وقف العرصة بين اقترانها بكونها بستانا أو دارا
، وبين عدم الاقتران ، كما إذا لم يغرس فنها الأشجار بعد ، أو لم يبن فيها دار
كذلك.
(٤) هذا الضمير
وضميرا «وقفه ، به» راجعة إلى الوقف ، المراد به الموقوف.
(٥) الضمير
المستتر راجع إلى الوقف ، والبارز إلى الموصول المراد به الانتفاع.
(٦) جواب الشرط
في «لو لم تكن».
هذا تمام ما
أفاده صاحب الجواهر في المورد الثاني أعني به بطلان وقف العنوان بمجرّد تغير
أحواله ، ثم ذكر احتمالين بعد بطلان الوقف ، سيأتي بيانهما.
(٧) يعني : ذكر
ذلك البعض ، وهو صاحب الجواهر ، قال قدسسره : «ثم على فرض
__________________
إلى ملك الواقف (١) أو وارثه (٢) ـ بعد البطلان ـ أو الموقوف عليه (٣)
وجهين (٤).
______________________________________________________
بطلان الوقف بذلك ـ أي بانعدام العنوان ـ فهل يعود للواقف وورثته كالوقف
المنقطع؟ أو للموقوف عليه وورثته ، وجهان ... الخ».
ووجه العود إلى
الواقف أو ورثته هو : أنّ خروج الموقوفة عن ملكه ودخولها في ملك الموقوف عليه كان
محدودا ببقاء العنوان الملحوظ حين الإنشاء من بستان أو دار وإمكان الانتفاع الخاص
به ، ومع انتفاء ذلك الوجه يعود إلى ملك الواقف إن كان حيّا ، وإلى وارثه إن كان
ميّتا.
ووجه صيرورته
ملكا طلقا للموقوف عليه هو : خروج العين عن ملك الواقف ودخولها في ملك الموقوف
عليه ، ملكا غير طلق بمعنى منعه عن التصرف فيها بالانتفاع المنافي لبقاء العين في
الملك ما دامت قابلة لتلك المنفعة. ومع فرض ذهاب العنوان وبطلان الوقف به تصير
ملكا طلقا له ، لأن المنع من مطلق التصرف كان محدودا بما رسمه الواقف من عنوان ،
فيرتفع المنع بانتفاء العنوان.
ثم رجّح صاحب
الجواهر قدسسره في كتاب البيع هذا الوجه ، واستشهد له بالنّص والفتوى
المجوّزين للموقوف عليهم بيع الوقف ، كما قوّى في كتاب الوقف رجوعه إلى الواقف أو
ورثته.
(١) إن كان
حيّا حين انعدام عنوان الوقف.
(٢) إن مات
الواقف قبل زوال العنوان.
(٣) معطوف على «الواقف»
والمراد بعود الوقف إلى الموقوف عليه صيرورته ملكا طلقا له ، وإلّا فالملكية
المقيّدة بالعنوان كانت ثابتة له إلى حال بقائه.
(٤) اسم «إنّ»
والجملة منصوبة محلّا على المفعولية ل «ذكر».
هذا ما أفاده
صاحب الجواهر ، وناقش المصنف فيه وفي تأييده بفرع الوصية وفيما رتّب عليه من وجهين
في مآل الوقف بعد نفاد العنوان ، وسيأتي بيان الكلّ إن شاء الله تعالى.
أقول (١):
______________________________________________________
(١) ناقش
المصنف في ما أفاده صاحب الجواهر قدسسره هما ـ من بطلان الوقف بزوال العنوان ـ بوجهين :
الأوّل :
مخالفته للإجماع على أن زوال العنوان غير مبطل للوقف ، وهذا الإجماع ادّعاه صاحب
الجواهر أيضا في مسألة بقاء وقف عرصة الدار المنهدمة ، قال : «إذا انهدمت الدار ...
لم تخرج العرصة بذلك عن الوقف ، ولم يجز بيعها. بلا خلاف أجده بين من تعرّض له ...»
لكنه قدسسره جعل مورد البحث ـ أعني وقف عنوان الدار ـ غير مندرج في
معقد الإجماع .
وعليه فاحتجاج
المصنف قدسسره باتفاق الأصحاب مبني على إطلاق حكمهم ببقاء وقف العرصة
بعد انهدام الدار ، سواء أكان الملحوظ عنوان الدار أم لا ، فراجع .
والحاصل : أنّ
الفقهاء وإن اختلفوا في حكم بيع الوقف إذا خرب أو خشي خرابه ، فمنهم من جوّز البيع
، ومنهم من منعه ، لكن هذا الاختلاف غير قادح في إطباقهم على بقاء الوقف بعد تغيير
عنوانه ، إذ لا ملازمة بينهما ، لكون النسبة بين الخراب وسقوط العنوان عموما من
وجه ، لصدق «تغيّر العنوان» دون الخراب فيما إذا كانت العين الموقوفة حيوانا بسنّ
خاص كبنت لبون أو بنت مخاض مثلا ، فإذا تجاوز سنّهما عن هذا الحد ، فقد تغيّر
العنوان مع عدم صدق الخراب.
ولصدق «الخراب»
بدون «تبدل العنوان» في الأرض الموقوفة للزراعة ، فانقطع عنها الماء ، فإنّه يصدق
الخراب على هذه الأرض مع عدم تبدل عنوانها.
ولتصادقهما في
الدار المنهدمة والبستان الذي خرب ، وزال عنوان بستانيته.
__________________
يرد على [ذلك] (١) ما قد يقال ـ بعد الإجماع على أنّ انعدام العنوان لا
يوجب بطلان الوقف ، بل (٢) ولا جواز البيع ، وإن اختلفوا فيه (٣) عند الخراب أو (٤)
خوفه ، لكنّه (٥) غير تغيّر العنوان ،
______________________________________________________
فالنتيجة : أنّ
استمرار الوقف بعد نفاد العنوان مجمع عليه. ومعه لا وجه للالتزام بالبطلان كما صار
إليه صاحب الجواهر قدسسره. هذا توضيح الوجه الأوّل ، وسيأتي الوجه الثاني.
(١) كذا في
نسختنا ، والظاهر عدم الحاجة إلى هذه الكلمة ، كما لم تذكر في بعض النسخ المصححة ،
فكأنّه قال : «إنّه : يرد ـ على ما أفاده في الجواهر من قوله :
قد يقال
بالبطلان أيضا ... ـ أوّلا مخالفته للإجماع ... الخ».
(٢) الوجه في
الإتيان ب «بل» هو : أنّ موضوع جواز البيع هو الوقف أي ما كان باقيا على وقفيته ،
فلو لم يجز البيع بعد انعدام العنوان كان بقاء وقفية العين أوضح وجها.
(٣) أي : في
جواز البيع ، فمنعه ابن إدريس ، وجوّزه جماعة ، فراجع الأقوال .
(٤) الإتيان ب «أو»
للتنبيه على اختلاف عبائر المجوّزين ، فمنهم من جوّز البيع عند الخراب كسلّار ، ومنهم من جوّزه عند خوف الخراب وخشيته ، كالشهيد في
الدروس .
(٥) أي : لكنّ «خراب
الوقف» المختلف حكمه أمر ، و«انعدام العنوان» أمر آخر ، لكون النسبة بينهما عموما
من وجه ، كما تقدم آنفا.
__________________
كما لا يخفى ـ أنّه (١) لا وجه للبطلان بانعدام العنوان ،
______________________________________________________
(١) الجملة
مرفوعة محلّا على أنّها فاعل قوله : «يرد» وهذا ثاني وجهي المناقشة ، وينبغي
الإشارة إلى أمرين قبل توضيحه :
الأوّل : أن
الفرق بين الأحكام التكليفية المتعلقة بالعناوين ، وبين الأحكام الوضعية. هو : أن
الحكم التكليفي يقف على نفس العنوان ولا يسري إلى المعنون ، كالأمر بالصلاة ، فإنّ
مركب الوجوب هو عنوان «الصّلاة» الفاني في المعنون ، لا نفس المعنون أعني به
مصداقه الخارجي ، لما تقرر من امتناع اتصافه بالوجوب ، ضرورة أن الخارج ظرف سقوط
الأمر لا ثبوته.
وهذا بخلاف
الأحكام الوضعية ، فيمكن تعلقها بالأشخاص وبالطبائع وبالعناوين ، فلو قال : «الدار
ملك زيد» كان متعلق الحكم هو الموجود الخارجي أعني المعنون بعنوان الدار ، ولو قال
: «الخمر نجس» كان المتعلق لبّا الجزئيات الخارجية ، ويكون العنوان عبرة وطريقا
إلى ما في الخارج.
وعليه فمعنى
مملوكية الدار لزيد كون كل جزء جزء منها ملكا له ، بلا دخل لعنوان «الدراية» فيه.
الثاني : أن
حقيقة الوقف إمّا حبس العين على الموقوف عليه أو تمليكها له أو غيرهما. ولا ريب في
كون مجعول الواقف اعتبارا وضعيا ، لا تكليفيا. ولا يقتضي تعلقه بعنوان الدار أو
البستان تحديد حبس العين على الموقوف عليه بزمان استمرار الصورة البستانية أو
الدارية حتى لا تكون الأجزاء الخارجية مملوكة للموقوف عليه أو محبوسة عليهم.
إذا تقرّر هذان
الأمران ، قلنا في توضيح الوجه الثاني : إنّ منشأ المصير إلى بطلان الوقف بزوال
العنوان هو أخذ عنوان خاصّ في صيغة الوقف ، كقوله : «وقفت البستان على أولادي».
ولكن يسأل من صاحب الجواهر قدسسره عمّا أراده من كلمة «العنوان» فإمّا أن يكون مراده به
ما يقع مفعولا به في مقام الجعل كالمثال المزبور ،
لأنّه (١) إن اريد ب «العنوان» ما جعل مفعولا (٢) في قوله : «وقفت هذا
البستان» فلا شكّ [في] (٣) أنّه ليس إلّا كقوله : «بعت هذا البستان» أو : «وهبته»
فإن (٤) التمليك المعلّق بعنوان لا يقتضي دوران الملك
______________________________________________________
وإمّا أن يكون مراده به أمرا آخر كالشرط المبني عليه الإنشاء أو المصرّح به
فيه ، بأن يقول : «وقفت هذا البستان على ذريتي ما دام بستانا». والمفروض عدم
اقتضاء شيء منهما بطلان الوقف بنفاد العنوان.
أمّا الأوّل
فلأنّ وقفية البستان لا تكون مقصورة على هذا العنوان ، بل تسري إلى كل جزء منه ،
وتقدّم آنفا سراية الأحكام الوضعية من عناوينها إلى معنوناتها بلا فرق بين الملكية
الحاصلة بالوقف أو بالبيع أو بالهبة.
والشاهد على
تعلّق الملكية بالمعنون أنّه لو قال : «بعتك هذا البستان» وتغيّرت صورته البستانية
بعد البيع لم ينحل العقد ، بل تبقى العرصة والأجزاء ملكا للمشتري. فكذا الحال في
الوقف الذي يكون حقيقته إيقافا للعين عن النقل الاعتباري أو تمليكا أو قصرا ، سواء
استمرّ العنوان أم تغيّر.
وأما الثاني
فسيأتي.
(١) تعليل
لقوله : «لا وجه» وتقدم بيان عدم الوجه بناء على أوّل شقيّ الترديد.
(٢) المفعول به
هو كلمة «هذا» و«البستان» بدل أو عطف بيان له.
(٣) هذه الكلمة
لم توجد في نسختنا ، وإنّما أثبتناها تبعا لما في بعض النسخ ، ومناسبة لكلمة الشك.
(٤) تعليل
لوحدة مدلول «وقفت هذا البستان ، و : بعته ، و : وهبته» في أنّ الدار مفعول به في
الجميع. فكما أنّ البائع يملّك البستان من المشتري على نحو ملكيته له من الذات
والعنوان ، ولا يكون تمليكه مقصورا على عنوان «البستان» ، فلو زال العنوان بقي
ملكية المشتري للعرصة لكونها جزءا من المبيع. فكذا في الوقف يتملك
مدار العنوان (*). فالبستان إذا صار ملكا فقد ملك منه كلّ جزء خارجي وإن لم
يكن (١) في ضمن عنوان «البستان». وليس (٢) التمليك من قبيل الأحكام الجعلية (٣)
المتعلقة بالعنوانات.
وإن أريد (٤) ب
«العنوان» شيء آخر ، فهو خارج عن مصطلح أهل
______________________________________________________
الموقوف عليه كلّ جزء من العين.
(١) أي : وإن
لم يكن كلّ جزء منه جزءا لعنوان البستان ، إذ بعد ذهاب العنوان لا تتعنون العرصة
بجزئيتها له فعلا ، بل كانت جزءا له قبل ذهابه.
(٢) هذا دفع
دخل مقدر ، حاصله : مقايسة الملكية والحبس بالأحكام التكليفيّة الموقوفة على
عناوينها كوجوب الصلاة. وتقدم الدفع بما ذكرناه في الأمر الأوّل في (ص ٤١) فراجع.
(٣) يعني :
المجعولة بالأصالة والاستقلال ، وهي خصوص التكليفية ، لوضوح عدم كون الوضعيات ـ
عند المصنف ـ مجعولة كذلك كما تقدّم في أوّل البيع ، فراجع .
(٤) هذا هو
الشّق الثاني من المنفصلة ، وحاصله : أن مراد صاحب الجواهر قدسسره بالعنوان إن لم يكن وقوع الكلمة مفعولا به في مقام
الإنشاء ، بأن كان المراد شيئا آخر كالاشتراط ، قلنا : إنّ إرادة الشرط من العنوان
غير معهودة عند العرف وأهل العلم.
__________________
__________________
العرف والعلم ، ولا بدّ من بيان المراد منه ، هل يراد ما اشترط لفظا أو
قصدا في (١) الموضوع زيادة على عنوانه؟
وأمّا تأييد ما
ذكر (٢) بالوصية فالمناسب أن يقايس ما نحن فيه بالوصية
______________________________________________________
مع أنّ اشتراط
التوقيت لا يجدي فيما رامه قدسسره من بطلان الوقف بزوال العنوان ، سواء أكان الشرط مصرّحا
به كما لو قال : «وقفت هذا على أن يكون بستانا أو : ما دام بستانا» أم منويّا ـ من
غير دلالة عليه في الإنشاء ـ كما لو اقتصر على جملة : «وقفت هذا البستان» بانيا
على كونه موقّتا ببقاء البستان.
وجه عدم
الإجداء : منافاة جعل الملكية المحدودة ـ للموقوف عليه ـ للتأبيد الذي اعتبروه في
الوقف. فيشكل نفوذ هذا الشرط بأدلة الشروط وبخصوص «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها».
(١) متعلق ب «ما
اشترط» يعني : أنّ اشتراط العنوان في العين الموقوفة يكون تارة ملفوظا به واخرى
مقصودا.
وكان المناسب
تتميم المطلب بأن يقال : «وصحته محل تأمل» ونحو ذلك ، وإلّا كان إطلاق العنوان على
الشرط مجرد الخروج عن مصطلح القوم ، وهو بحث لفظي ، والمهم بيان حكم هذا الشرط صحة
وفسادا وإفسادا.
هذا مناقشة
المصنف في أصل ما أفاده صاحب الجواهر قدسسره هما من بطلان الوقف بانعدام العنوان ، وبقي الكلام في
تأييده بفرع الوصية.
(٢) من بطلان
الوقف بزوال العنوان ، وحاصل المناقشة : أنّ ما ذكروه في باب الوصية لا يؤيّد
بطلان الوقف فيما نحن فيه ، لافتراقهما موضوعا ، فإنّ مدّعى الجواهر تمامية الوقف
هنا وكونه ملكا فعليا للموقوف عليه ما دام العنوان باقيا ، والمناسب تأييده بكون
الملك فعليا للموصى له ، وهو فيما إذا تمت الوصية بعنوان كالدار ، فزال العنوان ،
كما إذا أوصى بدار لزيد فمات الموصي ثم انهدمت الدار ، فإنّها تبقى على ملك الموصى
له ، لصيرورة الملكية المنشأة بالوصية فعلية بالموت. فتكون هذه المسألة
.................................................................................................
______________________________________________________
نظير الوقف على العنوان.
وحينئذ فإن
التزم الفقهاء بخروج الدار المنهدمة عن ملك الموصى له إلى ورثة الموصي كانت متحدة
مع المقام. وإن لم يلتزموا بدوران ملك الموصى له مدار العنوان ، بل تبقى العرصة
على ملكه ، كان منافيا لما رامه صاحب الجواهر. ومن المعلوم أنّ حكمهم بانتقال
الملك إلى الموصى له بموت الموصي وقبول الموصى له شاهد على أن الملكية المنشأة بالوصية وإن كانت متعلقة
بعنوان الدار ، إلّا أنّ المتعلق حقيقة هو ذات المعنون ، وأنّ العنوان معرّف محض.
وبعبارة اخرى :
كان مقصود صاحب الجواهر من تأييد الوقف بالوصية هو تعلق كل منهما بعنوان الدار
مثلا ، فكما أن زوال العنوان يبطل الوصية ، فكذا يبطل الوقف. ومقصود المصنف قدسسره إبطال التأييد ، ثم التنظير بفرع آخر.
أمّا بطلان
التأييد فللفرق بين المسألتين ، وهو : اقتضاء الوقف على العنوان صيرورة الموقوفة
ملكا فعليّا للعنوان ، بخلاف مسألة الوصية ، لكون ملك الموصى له قبل موت الموصي
شأنيا لا فعليا.
مضافا إلى :
أنّ الموصى به هو عنوان «البستان» حال موت الموصي ، بشهادة حكمهم بعدم اعتبار وجود
الموصى به حال الوصية. فلو تغيّر عنوان البستان لم يكن الموصى به موجودا حال الموت
، والموجود حاله ـ وهو العرصة ـ مغاير للموصى به ، فتبطل الوصية من هذه الجهة ، لا
من جهة اعتبار بقاء العنوان في بقاء الوصية.
وأمّا التنظير
فتقريبه : أنّ الفرع المماثل للوقف على العنوان هو الوصية بالدار التي صارت
بعنوانها ملكا فعليا للموصى له بقبوله وبموت الموصي ، ثم زال العنوان ، فإنّهم لم
يلتزموا بزوال ملك الموصى له ، وبعوده إلى ورثة الموصي. وهذا كاشف عن
__________________
بالبستان بعد تمامها (١) ، وخروج (٢) البستان عن ملك الموصي بموته وقبول
الموصى له. فهل يرضى أحد بالتزام بطلان الوصيّة بصيرورة البستان عرصة (٣)؟
نعم (٤) الوصية
قبل تمامها
______________________________________________________
عدم موضوعية العنوان ، وكونه معرّفا. فليكن الوقف مستمرّا بعد ذهاب العنوان
، لوحدة المناط.
(١) أي : تمام
الوصية ، ووجه المناسبة ما تقدم من فعلية ملك الموقوف عليه والموصى له لو زال
العنوان بعد الموت.
(٢) معطوف على
التمامية ، وهو أثر لها.
(٣) فينبغي أن
لا يرضى صاحب الجواهر ببطلان الوقف بصيرورة البستان عرصة.
(٤) غرضه أنّ
منشأ بطلان الوصية قبل تمامها ليس ما زعمه صاحب الجواهر من تغيّر العنوان ، بل
لعدم وجود الموصى به ـ وهو البستان ـ حال موت الموصي ، فهو نظير بطلانها من جهات
اخرى :
منها : رجوع
الموصي عن وصيته قولا أو فعلا ، إمّا بالتصرف الاعتباري في الموصى به ببيع أو هبة
أو وقف أو غيرها. وإمّا بالتصرف الخارجي.
قال المحقق قدسسره : «وكذا ـ أي يتحقق الرجوع ـ لو تصرّف فيه تصرّفا أخرجه
عن مسمّاه ، كما إذا أوصى بطعام فطحنه ، أو بدقيق فعجنه أو خبزه» .
ومنها : تلف
الموصى به ، كما لو أوصى بعبده فمات قبل موت الموصي .
ومنها : عدم
بقاء الاسم لو كان بفعل غير الموصي.
ومنها : رد
الوصية بعد الموت وقبل قبوله .
__________________
يقع الكلام في بقائها وبطلانها من جهات (١) أخر.
ثم ما ذكره من
الوجهين (٢) ممّا لا يعرف له وجه ، بعد إطباق كلّ من قال بخروج الوقف المؤبّد عن
ملك الواقف على عدم عوده إليه أبدا (*).
______________________________________________________
(١) لا يخفى أن
الجهات المتقدمة لم يقع كلام ـ في بقاء الوصية وبطلانها ـ في جميعها ، لعدم دعوى
الخلاف في بعضها كالبطلان بالرجوع وفوات المتعلق ، نعم عدم صدق الاسم ـ إن كان
بفعل غير الموصي ـ يقع الكلام في مبطليته لها وعدمها.
(٢) أحدهما :
رجوع العين بعد زوال العنوان إلى ورثة الموقوف عليه كما قوّاه في كتاب البيع ،
وتقدم في (ص ٣٨).
ثانيهما :
رجوعه إلى الواقف أو ورثته كما قوّاه في كتاب الوقف ، واستظهره من مكاتبة الصفار
وغيرها ، فراجع .
وحاصل مناقشة
المصنف في هذا المقطع من كلام صاحب الجواهر قدسسره هما هو : أنّ الوقف على العنوان يكون من الوقف المؤبّد
، لا المنقطع. وقد أطبق الفقهاء ـ القائلين بخروج العين عن ملك الواقف ـ على عدم
عودها إليه أو إلى ورثته. ويستفاد هذا الإجماع من غير موضع من السرائر ، كقوله في
عدم جواز انتفاع الواقف بما وقفه : «لما بيناه وأجمعنا عليه من أنه لا يصحّ وقفه
على نفسه ، وأنّه بالوقف قد خرج عن ملكه ولا يجوز عوده إليه بحال» فعدم دخوله في ملك الواقف متفق عليه.
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وعليه فلا
ينبغي إبداء احتمال رجوع الوقف إلى الواقف ، خصوصا مع تقويته في كتاب الوقف كما
سيأتي نقل كلامه في التعليقة.
هذا تمام
الكلام في الصورة الثانية.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
الصورة الثالثة
: أن يخرب بحيث يقلّ منفعته ، لكن لا إلى حدّ يلحق بالمعدوم (١). والأقوى هنا
المنع ، وهو الظاهر من الأكثر في مسألة النخلة المنقلعة ،
______________________________________________________
الصورة الثالثة
: إذا خرب الوقف بحيث تقلّ منفعته
(١) تقدّم
توضيح الفرق بين هذه الصورة وسابقتها في (ص ٧) وأنّ مورد الكلام هنا بقاء شيء من
منفعة العين بعد خرابها.
ولا يخفى أن
لقلّة المنفعة ـ كما نبّه عليه المحقق الإيرواني قدسسره ـ فرضين :
أحدهما : أن
تقلّ المنفعة التي لا حظها الواقف مع بقاء مقدار معتد به منها ، سواء أكان الملحوظ
جميع المنافع أو نوع خاصّ منها.
ثانيهما : أن
تزول المنفعة المقصودة بالمرّة ، مع بقاء منفعة غير مقصودة ، أو حدوث هذه مقارنا
لزوال ما قصد.
والظاهر أنّ
النزاع بين مجوّز البيع ومانعه يكون في الفرض الثاني ، بشهادة تعرضهم لحكم النخلة
المنقلعة ، ضرورة أنّه لم يبق شيء من الثمرة التي سبّلها الواقف ، وإنما الكلام
في مانعية الانتفاع الجزئي بالتسقيف وشبهه عن البيع ، وعدمها. وأما لو كانت النخلة
مثمرة وقلّ تمرها ، لم يجز بيعها ، هذا.
ثم إنّ المصنف قدسسره قوّى منع البيع هنا وفاقا للأكثر ، كما تقدّم نقله
مؤيّدا للمنع في الصورة الثانية ، فراجع (ص ١٦).
__________________
حيث جوّز الشيخ رحمهالله في محكيّ الخلاف بيعها ، محتجّا بأنّه «لا يمكن
الانتفاع بها إلّا على هذا الوجه (١) ، لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل (٢) ،
ولا يرجى عوده» . ومنعه (٣) الحلّي قائلا : «ولا يجوز بيعها ، بل ينتفع
بها بغير البيع ، مستندا إلى وجوب إبقاء الوقف على حاله مع إمكان الانتفاع. وزوال
بعض (٤) المنافع لا يستلزم زوال جميعها ، لإمكان التسقيف بها ونحوه .
______________________________________________________
(١) أي : على
وجه البيع والانتفاع بثمنها.
(٢) هذا
التعليل ـ بظاهره ـ لا يلائم ما قبله من قوله : «إلّا على هذا الوجه» الظاهر في
انتفاء جميع وجوه الانتفاع بنحو السلب الكلي.
ووجه التنافي :
دلالة قوله : «لأن الوجه الذي ...» على انتفاء خصوص المنفعة المقصودة للواقف ،
وأنّه لا عبرة بسائر الانتفاعات.
لكن يرتفع
التنافي بأنّ قوله : «إلّا على هذا الوجه» لا يدلّ على حصر الانتفاع بالبيع ،
وسقوط جميع وجوه الانتفاع ، بل المراد عدم العبرة بسائر الانتفاعات ، لعدم كونها
مقصودة للواقف ، وإلّا لو سقطت العين عن المنفعة بالمرّة لم يجز بيعها ، إذ كيف
يباع ما لا منفعة له أصلا. وسيأتي في (ص ٥٣) بيان ما أراده الشيخ من التعليلين.
(٣) أي : ومنع
ابن إدريس قدسسره البيع ، استنادا إلى وجوب إبقاء الوقف على حاله ، لأنّه
تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة ، فإن تيسّرت الثمرة المسبّلة فهو ، وإلّا فالصرف في
منفعة اخرى.
(٤) كعدم إثمار
النخلة بسبب قلعها ، فإنّه لا يستلزم فوات منفعة اخرى ، كأن يعمل منها زورق أو جسر
، أو يسقّف بها بيت مثلا.
__________________
وحكي موافقته (١) عن الفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني وأكثر المتأخرين.
وحكى في
الإيضاح عن والده قدسسره : أنّ النزاع بين الشيخ والحلّي لفظي. واستحسنه (٢) ،
لأنّ في تعليل الشيخ (٣) اعترافا بسلب جميع منافعها ، والحلّيّ فرض وجود منفعة ،
ومنع لذلك بيعها .
قيل (٤) :
ويمكن بناء نزاعهما على رعاية المنفعة المعدّ لها الوقف ، كما هو
______________________________________________________
(١) أي :
موافقة الحلّي ، والموافق جماعة ، والحاكي صاحب المقابس قدسسره .
(٢) يعني :
واستحسن فخر المحققين كون النزاع لفظيا بين شيخ الطائفة والحلّي ، لمغايرة موضوع
المنع والجواز ، وذلك لأنّ الشيخ اعترف بسلب جميع المنافع فجوّز البيع ، والحلّي
فرض بقاء بعضها فمنعه. فلو سلب جميع منافع الموقوفة يكون الحلّي مجوزا ، كما أنه
لو بقي شيء منها لكان الشيخ مانعا. وهذا هو معنى النزاع اللفظي.
(٣) المقصود من
تعليل الشيخ هو الجملة الاولى أعني قوله : «لا يمكن الانتفاع بها إلّا على هذا
الوجه» وإلّا لم يتجه نسبة ذلك إلى الشيخ بملاحظة قوله : «لأنّ الوجه الذي شرطه
الواقف ...».
(٤) القائل
صاحب المقابس قدسسره ، وغرضه جعل النزاع بين العلمين معنويا بأن يتحد موضوع
الجواز والمنع.
وحاصله : أن
المدار على المنفعة التي اعدت العين الموقوفة لها كالثمرة المترتبة على البستان ،
أو على مطلق المنفعة العائدة من العين كالسكنى المترتبة على الدار ، فإذا خرب
البستان وبني دارا لم تخرج العين عن الوقفية ، فيكون النزاع بين الشيخ والحلّي
معنويا ، لأنّ مناط الجواز عند الشيخ انتفاء خصوص المنفعة المقصودة ، وإن بقيت
سائر المنافع ، لقوله : «لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل» ، ومناطه
__________________
الظاهر من تعليل الشيخ (١) (*). ولا يخلو عن تأمّل (٢).
______________________________________________________
عند الحلي هو انتفاء مطلق المنفعة ، لا خصوص ما شرطه الواقف.
(١) غرض صاحب
المقابس من تعليل الشيخ هو قوله : «لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل» فانه
كالصريح في دوران البيع منعا وجوزا مدار ما سبّله الواقف من منفعة وجودا وعدما ،
وأنّه لا عبرة بوجود منفعة اخرى ، قال في المقابس : «ويمكن بناء الخلاف على رعاية
المنفعة المعدّ ذلك الوقف لها ، وعدمها ، فالشيخ على الأوّل ، والحلّي على الثاني.
وهذا هو الظاهر من التعليل كما لا يخفى» .
(٢) لعلّ وجه
التأمل عدم مساعدة كلامهما على هذا التوجيه ، أمّا الشيخ قدسسره فلأنه علّل أوّلا جواز البيع بقوله : «لأنّه لا يمكن
الانتفاع بها إلّا على هذا الوجه» ومعناه حصر المنفعة ـ بقول مطلق ـ في البيع ، لا
نفي المنفعة المعدّ لها الوقف. ثم علّل هذا الحصر بقوله : «لأنّ الوجه الذي شرطه
الواقف قد بطل» وليست هذه الجملة تعليلا لأصل جواز البيع حتى يقال بأنّ مناط
الجواز بنظر الشيخ انتفاء المنفعة المقصودة للواقف.
__________________
__________________
وكيف كان (١) ،
فالأقوى هنا المنع.
وأولى منه (٢)
بالمنع ما لو قلّت منفعة الوقف من دون خراب (٣) ، فلا يجوز بذلك (٤) البيع ، إلّا
إذا قلنا بجواز بيعه إذا كان (٥) أعود ، وسيجيء تفصيله (٦).
______________________________________________________
وأمّا الحلّي
فلدلالة قوله : «وزوال بعض المنافع لا يستلزم زوال جميعها» على دوران منع البيع
مدار وجود منفعة ما للوقف ، ولا يجدي زوال خصوص المنفعة المعدّ لها الوقف. وعليه
فبناء النزاع على رعاية المنفعة المعدّ لها الوقف بعيد عن مساق الكلامين.
(١) يعني :
سواء أكان النزاع بينهما لفظيا أم معنويا ، فالمختار في المسألة هو منع بيع الوقف
الذي بقي مقدار من منفعته. والوجه في المنع وجود المقتضي وفقد المانع ، بالتقريب
المتقدم في الصورة الثانية ، فراجع (ص ٨).
(٢) الضمير
راجع إلى «هنا» المراد به خراب الوقف بما يقلّ نفعه ، وهذا هو الفرع الملحق بالصورة
الثالثة. ووجه أولوية منع البيع فيه : أنّ الموضوع لجواز البيع ـ عند القائل به ـ
هو «خراب الوقف» بأن يكون قلة المنفعة لأجل خراب العين ، ومن المعلوم عدم صدقه في
فرض عمرانها.
نعم يمكن القول
بجواز البيع هنا استنادا إلى ما سيأتي في الصورة الرابعة من جواز بيع الوقف لو كان
أنفع بحال الموقوف عليه.
(٣) كما إذا
استغني عن مثل الحمّام الموقوف ، وعن الخان الموقوف على الزوار والمسافرين ، كما
تقدم في الصورة الثانية ، فراجع (ص ٢٢).
(٤) أي : فلا
يجوز البيع بقلة المنفعة التي منشؤها خراب العين.
(٥) أي : كان
البيع أعود ، وضمير «بيعه» راجع إلى الوقف.
(٦) في الصورة
الرابعة ، ولم يختر المصنف قدسسره جواز البيع ، لقوله في (ص ٨٧) : «والأقوى المنع مطلقا
وفاقا للأكثر».
هذا ما يتعلق
بالصورة الثالثة ، وبه تمّ الكلام في بيع الوقف لأجل الخراب ، وسيأتي حكم بيعه
لجهات اخرى كالحاجة إلى الثمن وغيرها.
الصّورة
الرابعة : أن يكون بيع الوقف أنفع وأعود للموقوف عليه (١). وظاهر المراد منه (٢) :
أن يكون ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا
______________________________________________________
الصّورة
الرابعة : إذا كان بيع الوقف أصلح للموقوف عليه
(١) مورد البحث
في هذه الصورة بقاء الوقف عامرا لم يطرأ عليه الخراب ، خلافا لما سبق في الصور
الثلاث ، ولم تكن حاجة شديدة للموقوف عليه إلى البيع لصرف الثمن في المئونة كما
سيأتي في الصورة الخامسة إن شاء الله تعالى.
فمحلّ الكلام
هو البيع لمجرد كونه أصلح بحال الموقوف عليه. وتعرّض المصنف قدسسره لجهتين :
إحداهما :
راجعة إلى موضوع المسألة ، أعني المقصود بأنفعية البيع.
وثانيتهما :
راجعة إلى الحكم ، وهو المنع الذي ذهب إليه الجلّ ، أو الجواز المنسوب إلى الشيخ
المفيد. وسيأتي الكلام في كل منهما إن شاء الله تعالى.
(٢) أي : من
كون البيع أنفع ، وهذا إشارة إلى الجهة الاولى.
وتوضيحها : أنّ
المراد بقاء أصل الثمن وزيادة نفعه ـ أو نفع بدله ـ على ما يعود فعلا إلى الموقوف
عليه. كما إذا كانت اجرة الدار الموقوفة مائة دينار شهرا ، ولو بيعت بعشرة آلاف
وضورب بالثمن كان الربح الحاصل للموقوف عليه ـ في الشهر ـ مائتين. فتزيد حصة كل واحد
من الموقوف عليهم على ما حصل بالإجارة. وكذا لو ابدل الثمن بخان أو دكان ، وكانت
الاجرة مائتي دينار شهرا.
وليس المراد
بأنفعية البيع صرف أصل الثمن في البطن الموجود ، ضرورة كون
مدّة وجود الموقوف عليه (١).
وقد نسب (٢)
جواز البيع هنا إلى المفيد (٣) ،
______________________________________________________
البيع أنفع ـ بهذا المعنى ـ من إبقاء الوقف والانتفاع به تدريجا.
والحاصل : أنّ
المقصود بكون البيع أعود وأصلح للموقوف عليه زيادة المنفعة التدريجية ـ الحاصلة من
الثمن أو البدل ـ على ما ينتفع فعلا من نفس الموقوفة.
ثمّ إنّ
الأنفعية تلاحظ تارة بالنسبة إلى خصوص البطن الموجود ، مع الغضّ عن الطبقة اللاحقة
، واخرى مطلقا أي بالنسبة إلى جميع البطون ، بحيث لو قيل بجواز البيع اعتبر كونه
أعود لجميع البطون ، لا للطبقة الموجودة خاصة ، وسيأتي في العبارة التنبيه عليه.
(١) وهو كل بطن
من البطون ، يعني : أن النفع الواصل إلى كل طبقة ـ من ثمن الموقوفة أو بدلها ـ
أزيد مما ينتفع به من نفس الوقف.
(٢) الناسب
جماعة كالفاضل الآبي والشهيد والفاضل الصيمري ـ على ما حكاه عنه في المقابس ـ والمحقق الثاني وغيرهم ، ففي كشف الرموز : «فهل يجوز تغيير الوقف أو
بيعه لمصلحة؟ قال الثلاثة وسلّار : نعم ، لو كان أنفع للموقوف عليهم وأصلح» ومراده
بالثلاثة الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي.
وفي الدروس : «وجوّز
المفيد بيعه إذا كان أنفع من بقائه» .
(٣) ظاهره
انحصار القائل بالجواز في الشيخ المفيد قدسسره. لكن عرفت نسبة جواز
__________________
وقد تقدّم (١) عبارته ، فراجع.
______________________________________________________
البيع إلى غيره أيضا وإن لم تخل عن تامّل. وكذا نسبه الشهيد الثاني قدسسره إلى الشهيد والمحقق الثاني ، فراجع .
(١) غرضه
التأمل في نسبة الجواز إلى الشيخ المفيد قدسسره ، فإن العبارة التي استفيد منها تجويزه للبيع ـ إذا كان
أنفع بحال الموقوف عليه ـ هي قوله : «الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها
إلا أن يحدث الموقوف علهم ما يمنع الشرع من معونتهم ... أو يكون تغيير الشرط في
الموقوف أدرّ عليهم وأنفع لهم من تركه على حاله ».
ومحصله : جواز الرجوع
في صورتين :
الاولى :
امتناع التقرب إليه تعالى بمعونة الموقوف عليهم وصلتهم.
الثانية : كون
تغيير الشرط أنفع للموقوف عليه ، بناء على أن يكون مقصوده قدسسره من تغيير الشرط تبديل العين الموقوفة. وعلى هذا تتّجه
نسبة جواز بيع الوقف ـ إن كان أعود ـ إلى الشيخ المفيد ، هذا.
ولكن الظاهر
عدم وفاء العبارة بذلك ، لما في «تغيير الشرط» من احتمالين :
أحدهما : ما
تقدم من إرادة تغيير شرط من شرائط الموقوفة مع إبقاء الوقف بحاله ، فلو غيّر شرط
عدم البيع أو شرط الدوام وكان أنفع بالموقوف عليه انتقلت الوقفية إلى الثمن أو البدل.
كما إذا قال الواقف : «تصدقت بهذه الدار صدقة جارية مؤبدة لا تباع ولا توهب على
أولادي بشرط أن يتهجّدوا» فالمراد تجويز تغيير شرط ـ كشرط عدم بيعها ـ إن كان أنفع
بحال الموقوف عليه.
وبناء على هذا
الاحتمال ينبغي أن يراد بكلمة «الرجوع عن الوقف» في
__________________
وزيادة النفع (١)
(*) قد تلاحظ بالنسبة إلى البطن الموجود ، وقد تلاحظ
______________________________________________________
جملة المستثنى منها فسخ الشرط المأخوذ في صيغة الوقف ، لا فسخ أصل الوقف
والعدول عنه.
ثانيهما : أن
يراد من «تغيير الشرط» الرجوع عن أصل الوقف وإبطاله رأسا وجعله كأن لم يكن. وبناء
على هذا الاحتمال لا يكون جواز الرجوع أنفع للموقوف عليهم ، بل هو أنفع للواقف
المباشر للبيع.
إلّا أن توجّه
الأنفعية لهم بإرادة صرف الثمن فيهم ، أو التصدق على كل واحد منهم بما يستحقه ،
ولكن لا قرينة في عبارة الشيخ المفيد على هذا التوجيه.
ويمكن ترجيح
الاحتمال الثاني على الأوّل بقرينة كلمة «الرجوع» وبيانه : أن المراد بالرجوع في
الصورة الاولى ـ وهي امتناع إعانة الموقوف عليهم شرعا ـ ما هو ظاهره من فسخ أصل
الوقف ، وينبغي أن يكون هذا المعنى هو المراد ـ بمقتضى السياق ـ من الرجوع في
الصورة الثانية. وحينئذ يتعيّن حمل قوله : «تغيير الشرط» على الاحتمال الثاني ،
أعني به تغيير ما اشترطه في الإنشاء من عدم بيع الوقف كليّة ، وتغييره بتجويز
البيع لا إلى بدل ، هذا.
ولو قيل بعدم
قرينية كلمة «الرجوع» على العدول عن أصل الوقف ، فلا أقلّ من إجمال عبارة الشيخ
المفيد قدسسره وعدم ظهورها فيما نسب إليه من جواز البيع إن كان أعود
للموقوف عليه ، هذا.
(١) يعني : أن
زيادة منفعة الثمن ـ أو البدل ـ على منفعة نفس العين الموقوفة قد تلاحظ بالنسبة
إلى البطن الموجود ، فاللازم على متولّي البيع رعاية مصلحة خصوص البطن الموجود ،
وعدم العبرة بمنفعة المعدومين ، وهذا مبني على ما تقدم
__________________
بالنسبة إلى جميع البطون إذا قيل (١) بوجوب شراء بدل الوقف بثمنه.
والأقوى المنع
مطلقا (٢) ،
______________________________________________________
في الصورة الاولى من انتهاء أمد الوقف بالبيع وانتقال الثمن إلى البطن
الموجود ، بدعوى : أن الوقف على تقدير بقائه يصير ملكا للبطن اللاحق ، وبيعه يبطل
هذا التقدير ، فلذا يختص الثمن بالموجود.
وأمّا بناء على
كون الثمن ملكا فعليا للموجود وشأنيا للمعدوم ـ كما حققه المصنف قدسسره هناك ـ فلا بد من ملاحظة زيادة المنفعة للجميع ، ولا يحلّ بيع الموقوفة لو اختصت
زيادة منفعة البدل أو الثمن بالبطن الموجود.
(١) وأمّا إذا
قيل بالاختصاص بالبطن الموجود ـ كما اختاره المحقق قدسسره وغيره في دية العبد الموقوف المقتول ـ كفى كون البيع أنفع بحال البطن الموجود من إبقاء نفس الموقوفة.
(٢) هذا بيان
المختار ، والمراد بالإطلاق ما يقابل التفصيل بين حاجة الموقوف عليهم إلى البيع ،
وعدمه. كما نقله السيد الفقيه العاملي عن النهاية والجامع. وعدّه المحقق الشوشتري قولا ثانيا
في المسألة ، فقال : «إنّه يجوز البيع إذا كان أنفع بشرط الحاجة الضرورية إلى ذلك
، وقد قال بذلك كثير من الأصحاب» .
وتقييد جواز البيع
يظهر من الشهيد قدسسره في غاية المراد ، كما نسبه إليه في الجواهر .
__________________
وفاقا للأكثر (١) ، بل الكلّ ، بناء (٢) على ما تقدّم (٣) من عدم دلالة قول
المفيد
______________________________________________________
(١) كما يظهر
من المقابس ، فإنه بعد نقل القول الثالث ـ وهو المنع مطلقا سواء أكانت حاجة أم لم
تكن ـ أفاد : أنّ المانع عن البيع هنا إمّا يمنع بيع الوقف مطلقا كالإسكافي
والحلّي قدسسره هما ، وإمّا يمنعه في الجملة ولم يجوّزه فيما كان البيع
أنفع ، قال قدسسره : «ومنهم من لم يحكم ببطلان بيعه لبعض الأسباب ، إلّا
أنّه أسقط منها صورة الحاجة ، وكون البيع أنفع من هذه الجهة ، وهم : الشيخ في
المبسوط وظاهر الخلاف ، ومحتمل كتابي الأخبار ، والمحقق في بيع الشرائع ووقفه ،
وظاهر وقف النافع كما فهمه الشهيد أيضا ، والعلّامة في المختلف والتخليص وبيع
القواعد والإرشاد والتذكرة والتحرير ووقفها ، والشهيدان في الدروس واللمعة والروضة
والمسالك ، والفاضل السيوري في التنقيح ، وأبو العباس في المقتصر وظاهر المهذّب ،
والصيمري في بيع غاية المرام ووقفه ، وصاحب المفاتيح ، وجملة ممّن تأخر عنه» .
وعليه فالشهرة
محققة على منع البيع فيما كان أعود ، وهي تجدي في تحقق الإعراض الموهن لمستند
الجواز ، وهما روايتا جعفر والحميري.
(٢) قيد ل «بل
الكل» غرضه دعوى الإجماع على المنع ، وأن الشهرة المحضة ـ دون الاتفاق ـ مبنية على
وجود المخالف في المسألة ، ولمّا كان المجوّز منحصرا في الشيخ المفيد ولم يكن
لكلامه ظهور في تجويز البيع ـ إن كان أعود ـ لم يصحّ عدّه مخالفا ، ولا استيحاش من
دعوى الإجماع على المنع حينئذ.
ولو سلّم ظهور
كلامه في جواز البيع لزم تأويله وحمله على ما لا يخالف القواعد ، كما أفاده
العلّامة قدسسره في التحرير.
(٣) مراده مما
تقدم إمّا ما أشار إليه من قوله قبل سطرين بقوله : «وقد تقدم عبارته». وإمّا ما
نقله عن تحرير العلّامة ، من كونه متأولا ، وعقّبه المصنف بقوله
__________________
على ذلك (١) ، وعلى تقديره (٢) فقد تقدم عن التحرير : أنّ كلام المفيد
متأوّل.
وكيف كان (٣) ،
فلإشكال في المنع ، لوجود مقتضي المنع (٤) ، وهو (٥) وجوب
______________________________________________________
هناك : «ولعلّه من شدة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد ...» ، وظاهر السكوت ارتضاؤه لأصل الحمل والتأويل.
(١) أي : على
جواز البيع إن كان أعود.
(٢) أي : تقدير
دلالة قول المفيد على جواز البيع.
(٣) يعني :
سواء أمكن توجيه كلام الشيخ المفيد ليتحقق الإجماع على المنع ، أم لم يمكن وتحققت
الشهرة عليه ، فلا إشكال في عدم جواز بيع الوقف إن كان أصلح بحال الموقوف عليهم.
والدليل على الدعوى وجود المقتضي وفقد المانع.
أمّا المقتضي
فأمران :
أحدهما : عموم
ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود والعهود ، وعدم نقضها ، وهو شامل للوقف الذي
حقيقته حبس الأصل عن النقل والانتقال مطلقا ، سواء أكان بيعه أصلح بحال الموقوف
عليه ، أم لم يكن.
وثانيهما :
خصوص ما ورد في الوقف ، كقوله عليهالسلام : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» الدال على وجوب
العمل على طبق ما رسمه الواقف من تحبيس الأصل على الموقوف عليه. وكقوله عليهالسلام : «لا يجوز شراء الوقف» الظاهر في منع بيع الوقف
وتغييره وتبديله.
وأمّا المانع ـ
أي ما يجوّز البيع إذا كان أنفع ـ فما يدّعى كونه مانعا رواية ابن حنّان ومكاتبة
الحميري ، وسيأتي قصورهما عن إثبات جواز البيع.
(٤) أي : منع
البيع فيما كان أعود.
(٥) يعني :
والمقتضي للمنع هو ما دلّ ـ عموما وخصوصا ـ على وجوب العمل على طبق الإنشاء.
__________________
العمل على طبق إنشاء الواقف ، وقوله (١) عليهالسلام : «لا يجوز شراء الوقف» ، وغير ذلك (٢). وعدم (٣) ما يصلح للمنع (٤) ، عدا
رواية ابن محبوب (٥) عن علي بن رئاب عن جعفر بن حنّان [حيّان] (٦)
______________________________________________________
(١) معطوف على «وجوب»
يعني : وكذا يقتضي المنع عن البيع ما دلّ على النهي عن خصوص بيع الوقف وشرائه.
(٢) كالإجماع
المتقدم في أوّل المسألة على عدم جواز بيع الوقف ، وكالنبوي صلىاللهعليهوآلهوسلم المرسل الدال على أن : الوقف تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة
.
(٣) معطوف على «وجود
مقتضي المنع».
(٤) يعني :
المنع عن تأثير مقتضي المنع ، فكأنه قال : «وعدم ما يصلح للجواز عدا ...» فإن نفي
النفي يؤول إلى الإثبات ، نحو «زيد ليس بعديم المال» أي : هو ذو مال.
(٥) استدل
الشهيد بهذه الرواية على مدعاه من جواز البيع عند الحاجة إن كان أعود ، قال قدسسره : «وأمّا الذاكرون الحاجة ـ أي جواز البيع عند حاجة
الموقوف عليهم ـ فيمكن تعويلهم على ما رواه جعفر بن حيّان ... وهذه تتضمّن قيد كون
البيع أعود عند الحاجة» . ثم قال : «والأجود العمل بما يقتضيه الحديثان السالفان»
وأحد الحديثين في كلام الشهيد هو خبر جعفر.
(٦) هذا الخبر
لا يخلو من بحث سندا ودلالة. أمّا السند فلجهالة جعفر. وعدم
__________________
«قال : سألت (١) أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل
______________________________________________________
إحراز وثاقته ، والعمدة وقوع ابن محبوب في السند ، وهو مجد عند من يرى
كفاية صحة الطريق إلى من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، مطلقا سواء روى عن
مجهول بلا واسطة أو معها كما في المقام ، لأن ابن محبوب يروي عن علي بن رئاب ، وهو
عن جعفر. فيحكم باعتبار الخبر حينئذ. ولعلّه لهذا وصفه العلّامة المجلسي التقي قدسسره بالقوي كالصحيح .
لكن المبنى
محلّ تأمل ، كما تعرضنا له في شرح الكفاية ، فراجع . ولعلّه عدّه ولده العلّامة من المجهول .
وأمّا الشهرة
العملية الجابرة لضعف السند فغير محققة في المقام بناء على ذهاب الأكثر إلى المنع
مطلقا.
وأمّا الدلالة
فالرواية تشتمل على فقرات متعددة ، وهي غير صافية من الإشكال كما سيأتي التعرض
لجملة منها ، ولا بد من توجيهها بما لا يخالف القواعد ، كما تصدى غير واحد له ،
فراجع .
والغرض من
نقلها الاستدلال بالسؤال الأخير المتكفل لحكم بيع الوقف عند الحاجة ، وتجويزه عليهالسلام له بشرطين :
أحدهما : رضا
الموقوف عليهم بأجمعهم.
وثانيهما : كون
البيع خيرا لهم من إبقائه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
(١) هذا هو
السؤال الأوّل ، ولعلّ مراد السائل : أنّ الواقف وقف أرضا مزروعة على قرابته من أبويه
، وشرط في صيغة الوقف : أن يعطي الموقوف عليهم ـ بعد موت
__________________
وقف غلّة (١) له على قرابته (٢) من أبيه ، وقرابته من أمّه ،
______________________________________________________
الواقف ـ مقدار ثلاث مائة درهم من عوائد الموقوفة لرجل ما دام حيّا ،
ولعقبه بعد موته ، بأن قال : «هذه الأرض وقف على قرابتي ، وشرطت عليهم إعطاء ثلاث
مائة درهم ـ بعد موتي ـ لزيد ثم لعقبه».
فالمراد
بالوصية هنا الشرط على الموقوف عليهم بإعطاء شيء للرجل معلقا على موت الواقف ،
بحيث تكون نماءات الوقف بتمامها ملكا للموقوف عليهم قبل موت الواقف ، وكذلك تكون
لهم ولورثتهم بعد انقراض ذلك الرجل وعقبه.
وليس المراد
بالوصية هنا معناها المعهود من العقد المستقل ليشكل بأن الوصية إن كانت بعد اجتماع
شرائط الوقف فهي باطلة ، لعدم بقاء المال على ملك الموصي حتى يصح الإيصاء به. وإن
كانت قبلها صحّت وبطل الوقف.
كما أن الظاهر
عدم إرادة الاستثناء من الوقف ، بأن يستثني الواقف مقدارا من منفعة الوقف لنفسه ثم
أوصى به لذلك الرجل ، كأن يقول : «وقفت هذه الأرض على قرابتي واستثنيت من علّتها
ثلاث مائة درهم» إذ لو كان كذلك لزم دخول الدراهم في ملك ورثة الواقف بعد انقراض
الموصى له. مع أنه عليهالسلام جعلها للموقوف عليهم.
(١) قال الشهيد
قدسسره : «المراد بالغلّة هنا أرض الغلّة ، فحذف المضاف للعلم
به» .
ويشهد له قوله
السائل في السؤال الثاني : «أرأيت إن لم يخرج من غلّة تلك الأرض التي أوقفها»
لرجوع الضمير إلى الأرض لا إلى الغلّة.
وكذا قوله عليهالسلام في جواب السؤال الثالث : «يردّ إلى ما يخرج من الوقف»
فيكون المراد بالموصول الغلّة ، وبالوقف نفس الأرض.
(٢) استفاد
العلّامة وغيره من اقتصار السائل ـ في مقام حكاية الوقف ـ على
__________________
وأوصى (١) لرجل ولعقبه (٢) من تلك الغلّة ـ ليس (٣) بينه وبينه قرابة ـ
بثلاثمائة (٤) درهم في كل سنة ، ويقسّم الباقي (٥) على قرابته من أبيه ، وقرابته
من امّه. فقال عليهالسلام : جائز للّذي أوصي له بذلك (٦).
قلت : أرأيت (٧)
إن لم يخرج من غلّة تلك الأرض التي أوقفها إلّا خمسمائة درهم؟ فقال (٨) : أليس في
وصيّته أن يعطى الذي اوصي له من الغلّة
______________________________________________________
ذكر القرابة : أنّ مورد السؤال وقف منقطع ، لا مؤبّد ، فتكون الرواية
أجنبية عن بيع المؤبّد إذا كان أنفع. وسيأتي في (ص ٨٠).
(١) تقدّم آنفا
بعض محتملات الوصية ، وأن الظاهر عدم إرادة وقف بعض الأرض والإيصاء بمنافع بعضها
الآخر. وذلك لدلالة قوله عليهالسلام : «أرأيت إن لم تخرج من غلّة تلك الأرض التي وقفها» على
أن تمام الأرض موقوفة.
(٢) المراد
بالعقب مطلق الوارث لا خصوص الأولاد ، وذلك بقرينة قوله عليهالسلام : «لورثته يتوارثونها» أعم من أن يكون الوارث ولدا أو
غيره.
(٣) يعني : أنّ
الرجل الموصى له ليس من القرابة التي وقفت عليهم الأرض.
(٤) متعلق ب «أوصى»
فالمال الموصى به ثلاثمائة درهم في كل سنة من منافع الأرض يجب إعطاؤها للرجل.
(٥) يعني : ما
بقي من الغلة بعد إخراج ثلاثمائة درهم منها.
(٦) أي :
بثلاثمائة درهم ، وجواب الإمام عليهالسلام إمضاء لإنشاء الواقف وتنفيذ لوصيته ، ولعلّها كانت شرطا
في الوقف كما تقدّم آنفا.
(٧) كأنّ
السائل تعجب من تنفيذ هذه الوصية من جهة أن استحقاق الموصى له للثلاثمائة درهم ـ
على كل حال ـ قد يوجب النقص في حصة الموقوف عليهم ، كما إذا كان تمام الغلّة
خمسمائة درهم ، فنصيب كل واحد منهم من المائتين الباقيتين قليل جدّا.
(٨) يعني :
فقال الإمام عليهالسلام ـ لإزالة تعجب السائل ـ بلزوم العمل بالوصية النافذة.
ثلاثمائة درهم ، ويقسّم الباقي على قرابته من أبيه وامّه؟ قلت : نعم (١).
قال : ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلّة شيئا حتى يوفى (٢) الموصى له ثلاثمائة درهم
، ثمّ لهم (٣) ما يبقى بعد ذلك.
قلت : أرأيت (٤)
إن مات الذي اوصي له (٥)؟ قال : إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته (٦)
يتوارثونها ما بقي أحد منهم. فإن انقطع ورثته (٧) ، ولم يبق منهم أحد كانت
الثلاثمائة درهم لقرابة الميّت ،
______________________________________________________
(١) أي : نعم
ورد في وصية الواقف إخراج ثلاثمائة درهم على كل حال ، سواء بلغت الغلّة آلافا من
الدراهم أم كانت خمسمائة درهم.
(٢) يعني : حتى
يتم للموصى له ثلاثمائة درهم ، وتصل إليه.
(٣) أي :
للقرابة بعد إيفاء الثلاثمائة للموصى له.
(٤) هذا سؤال
عن حكم الموصى به لو مات الموصى له ، وأن الدراهم لورثته أو ترجع إلى الموقوف
عليهم.
(٥) كذا في نسخ
الكتاب والوسائل ، وهو موافق لما في الكافي ، ولكن في التهذيب «اوصى» والأولى ما
في المتن.
(٦) أي : لعقب
الموصى له الذين أوصى الواقف بإعطاء الثلاثمائة درهم لهم بعد موت الموصى له.
والمراد بالتوارث ليس هو الإرث المصطلح ليجري عليه الأحكام المختصة به مثل كون حظّ
الذكر ضعف الانثى ، بل المراد به استحقاق الأعقاب ما كان للموصى له بعد موته وإن
كان تلقّيهم للموصى به من الموصي لا من الموصى له ، نظير استحقاق البطن اللاحق
للعين الموقوفة بعد انقراض البطن السابق ، فإنّه ليس من الإرث المصطلح. ووجه
مشابهة هذين ـ أعني الوصية والوقف ـ بالإرث هو توقف استحقاق اللاحق على فقد
السابق.
(٧) أي : فإن
لم يبق أحد من ورثة الموصى له انقطع حكم الوصية ، فالثلاثمائة درهم لقرابة الواقف
من أبيه وامّه الذين اوقفت الأرض عليهم.
يردّ (١) إلى ما يخرج من الوقف ، ثمّ يقسّم بينهم ، يتوارثون ذلك (٢) ما
بقوا وبقيت الغلّة.
قلت (٣) :
فللورثة من (٤) قرابة الميّت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا (٥) ولم يكفهم ما يخرج
من الغلّة؟ قال (٦) : نعم ، إذا رضوا كلّهم ، وكان البيع خيرا
______________________________________________________
(١) أي : يرجع
الموصى به ـ وهو الثلاثمائة درهم ـ إلى الموقوف عليهم ، وتنضمّ إلى سائر نماءات
الموقوفة ، فيقسّم الجميع بينهم.
(٢) المشار
إليه هو ما يخرج من الوقف. والتوارث هنا بمعنى استحقاق كل بطن بعد انقراض سابقه ،
لا بمعنى تلقّي الملك من السابق.
(٣) هذا السؤال
الأخير محلّ الاستشهاد بالرواية على جواز بيع الوقف إن كان أنفع ، والسائل فرض
حاجة الموقوف عليهم وعدم كفاية الغلّة لهم كما سيظهر.
(٤) كذا في نسخ
الكتاب وكذا في الوسائل والكافي ، ولكنّه في التهذيب «فللورثة قرابة الميت» بدون
حرف الجرّ. والمراد بالقرابة هم الموقوف عليهم في صدر الرواية أي أقرباء الواقف من
أبيه وامّه ، والمراد بالورثة هم نفس القرابة بناء على خلوّ العبارة من حرف الجرّ.
وكذا بناء على ذكر «من» لاحتمال كونها بيانية ، فكأنه قال : لورثة الواقف الذين هم
الموقوف عليهم.
نعم بناء على
كونها تبعيضية ، فالمراد بقرابة الواقف ما يعمّ البطن الموجود والبطون المتأخرة ،
وبالورثة ورثة الميت شرعا كالبطن الحاضر.
(٥) المراد من
الحاجة ما ينطبق على الصورة الرابعة أعني بيع الموقوفة وتبديلها بشيء آخر يكون
الانتفاع به أزيد مما يعودهم من أصل الوقف فعلا ، لأنّ غرض السائل تكميل نفع
الموقوفة إلى حدّ يفي بمؤونتهم ، وهذا الغرض يقتضي أن يكون جواز البيع لأجل
التبديل بما هو خير للموقوف عليهم وأنفع لهم.
وسيأتي من
المصنف إبداء احتمال آخر ، فلاحظ (ص ٧٧).
(٦) هذا جواب
الإمام عليهالسلام ، وهو تجويز البيع ، لكن لا كما فرضه السائل من
لهم ، باعوا» .
والخبر (١)
المرويّ عن الإحتجاج : أنّ الحميري كتب إلى صاحب الزمان
______________________________________________________
الحاجة ، بل بشرطين :
أحدهما : رضى
جميع الموقوف عليهم ، فلا عبرة برضى بعض دون بعض.
وثانيهما : كون
البيع خيرا لهم.
ويحتمل في جواب
الإمام عليهالسلام ب «نعم» تصديق السائل في جواز البيع عند الحاجة ، لكن
بشرطين آخرين ، وعدم كفاية الحاجة التي فرضها السائل ، فإن اجتمعت الحاجة والرضا
والخير جاز البيع ، وإلّا فلا.
ويحتمل أن يكون
تقريرا لأصل جواز البيع ، فكأنّه عليهالسلام عدل في الجواب إلى أن شرط جواز البيع هو كونه خيرا لهم
وأنفع بحالهم من إبقاء الأرض.
وهذا الاحتمال
الثاني هو مبنى الاستدلال برواية جعفر بن حيّان على جواز بيع الوقف إن كان أعود من
دون تقييده بالحاجة.
(١) معطوف على «رواية
ابن محبوب» أي : «وعدا الخبر المروي ...» وهذا الخبر لاشتماله على مضمون الخبر
السابق يمكن أن يستدلّ به على جواز بيع الوقف إن كان أنفع. والبحث فيه سندا
ودلالة. أما السند فالرواية مكاتبة الحميري قدسسره إلى الإمام الحجة عجّل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا
فداه ، رواها أحمد بن علي ابن أبي طالب الطبرسي قدسسره في الاحتجاج ، وهو يروي عن الحميري بواسطة واحدة. ولو
نوقش في ما روي في الاحتجاج مرسلا أمكن التعويل على خصوص توقيعات الناحية المقدسة
إلى الحميري بما نقله النجاشي رحمهالله ـ على ما حكاه عنه في المقابس ـ من قوله :
__________________
ـ جعلني الله فداه ـ : «أنّه روي عن الصادق عليهالسلام خبر مأثور (١) (*) : أنّ الوقف إذا كان على قوم
بأعيانهم وأعقابهم ، فاجتمع أهل الوقف على بيعه ، وكان
______________________________________________________
«وقال لنا أحمد بن الحسين : وقعت هذه المسائل إليّ في أصلها ، والتوقيعات
بين السطور» . وظاهره الاطلاع على تمام ما كتبه الحميري إليه عليه
الصلاة والسلام ، هذا.
وأما الدلالة
فالمكاتبة تشتمل على حكمين سألهما الحميري منه عليهالسلام :
الأوّل : حكم
بيع الوقف الخاص لو لم يجتمع الموقوف عليهم على البيع ، وبيانه : أنّ الحميري روى
مرسلا عن الإمام الصادق عليهالسلام جواز بيع الوقف بشرطين :
أحدهما : كونه
أصلح من إبقائه ، وثانيهما : اتفاقهم على البيع. فتردّد الحميري في جواز البيع عند
فقد شرط الاجتماع. فأجابه عليهالسلام بجواز ذلك.
الثاني : حكم
الوقف الذي لا يجوز بيعه أصلا ، فأجاب عليهالسلام بأن ما لا يجوز بيعه هو الوقف على الإمام عليهالسلام.
(١) يحتمل أن
يكون هذا الخبر المأثور هو خبر جعفر بن حيّان كما قيل ، أو خبرا آخر مشتملا على
نفس المضمون وإن لم يصل إلينا. وحينئذ لو تم سند المكاتبة كشف عن صدور الجملة
الأخيرة من رواية ابن حنّان عن الإمام الصادق عليهالسلام.
__________________
__________________
ذلك أصلح ، لهم (١) أن يبيعوه (٢).
فهل (٣) يجوز
أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع ، أم لا يجوز إلّا أن يجتمعوا
كلّهم على ذلك (٤)؟
وعن الوقف (٥)
الذي لا يجوز بيعه؟
فأجاب عليهالسلام : إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه (٦).
وإذا كان (٧) على قوم من المسلمين فليبع كلّ قوم ما يقدرون (٨)
______________________________________________________
(١) الجملة خبر
قوله : «ان الوقف» وجملة «إذا كان ... أصلح» معترضة.
(٢) بهذا يتمّ
الخبر المأثور عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام.
(٣) هذا سؤال
الحميري من الإمام عليهالسلام حول الخبر المأثور ، وقد تقدم وجه تردّده الداعي للسؤال
منه عليهالسلام.
(٤) أي : على
البيع.
(٥) هذا هو
السؤال الثاني ، وهو تحديد الوقف الممنوع بيعه ، بلا دخل لاجتماع الموقوف عليهم في
الجواز ، ولعلّ مورد سؤاله الوقف العام ، لكون متولّيه الإمام عليهالسلام ، أو الوقف على الإمام الذي لا يحلّ لأحد أن يتصرف فيه
ببيع وغيره ، كما ورد النهي عنه في مكاتبة اخرى.
(٦) هذا جواب
السؤال الثّاني ، وحاصله : أنّ الوقف على عنوان «إمام المسلمين» ـ المنطبق على
الأئمّة المعصومين عليهمالسلام ، أو شخصه المقدّس عليهالسلام ـ يحرم أن يتصدى الغير لبيعه من جهة عدم كونه مالكا لأمر هذا الوقف حتى
ينفذ تصرفه فيه.
(٧) هذا جواب
السؤال الأوّل ، وظاهره تعميم جواز بيع الوقف الخاص لكلتا حالتي اجتماع أهل الوقف
وتفرّقهم. فإن اجتمعوا فالمبيع تمام الموقوفة ، وإن تفرّقوا فالمبيع خصوص حصّة
البائعين.
(٨) الظاهر
إرادة القدرة الشرعية ، يعني : بقدر ما يستحقه البائع من الوقف ،
على بيعه مجتمعين (١) ومتفرّقين ، إن شاء الله» .
دلّت (٢) على جواز
البيع ، إمّا في خصوص ما ذكره الراوي ـ وهو كون
______________________________________________________
فلا ينفذ بيع ما زاد على حصته.
(١) الاجتماع
على البيع هو اتفاق كلمة أهل الوقف ، سواء باعوه صفقة واحدة ، أم باع كل منهم
حصّته. والافتراق إختلاف أنظارهم في البيع ، بأن يريده بعضهم دون بعض.
(٢) غرض المصنف
قدسسره تقريب دلالة هذه المكاتبة على جواز البيع ، ومحصله : أن
قوله عليهالسلام : «فليبع كلّ قوم» يحتمل وجهين :
أحدهما : أن
يكون تجويز بيع البعض لحصته من الوقف مشروطا بكونه أعود وأنفع للموقوف عليه. ومنشأ
هذا الاحتمال كون جواب الإمام عليهالسلام ناظر للسؤال ، وصدوره في مورد فرض السائل أصلحية البيع
، لقوله : «وكان ذلك أصلح».
وعليه فلا
منافاة بين هذه المكاتبة وبين رواية جعفر المجوّزة للبيع إذا كان أنفع وأصلح ،
فهما متوافقتان في الحكم.
ثانيهما : أن
يكون تجويز بيع البعض مطلقا وغير مقيّد بكونه أنفع ، لعدم ورود قيد «الأصلح» في
جواب الإمام عليهالسلام ، وإنّما ورد في سؤال السائل ، والعبرة بإطلاق الجواب ،
لاحتمال عدم دخل «الأصلح» في جواز بيع كل واحد من أهل الوقف حصّته.
وبناء على هذا
الوجه يقع التنافي بين جواز البيع مطلقا ـ سواء أكان أنفع أم لا ـ وبين مفهوم
الجملة الشرطية في قوله عليهالسلام في خبر جعفر «إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم»
لظهوره في انتفاء الجواز بانتفاء رضا الكل ، أو بانتفاء خيرية البيع.
ويرتفع التنافي
بتقييد إطلاق البيع ـ في المكاتبة ـ بمفهوم رواية جعفر ، ونتيجة
__________________
البيع أصلح ـ وإمّا مطلقا ، بناء (١) على عموم الجواب. لكنّه (٢) مقيّد
بالأصلح ، لمفهوم رواية جعفر.
كما أنّه يمكن (٣)
حمل اعتبار رضا الكلّ في رواية جعفر على صورة بيع تمام
______________________________________________________
التقييد اختصاص جواز البيع بكونه أنفع.
(١) قيد ل «مطلقا»
يعني : أن دلالة المكاتبة على إطلاق جواز البيع مبنية على عدم قرينية السؤال على
ما يراد من الجواب. فلو قيل باختصاص الجواب بمورد السؤال لم يكن إطلاق في البين ،
كما تقدم آنفا.
(٢) أي : لكنّ
إطلاق جواز البيع مقيّد بمفهوم الجملة الشرطية في قوله عليهالسلام : «إذا رضوا كلّهم ، وكان البيع خيرا لهم» كما تقدم
آنفا.
(٣) الضمير
للشأن ، وغرضه قدسسره قرينية كل واحد من الخبرين على التصرف في الآخر ، فكما
أن مفهوم خبر جعفر مقيّد لإطلاق جواز البيع بناء على الاحتمال الثاني في المكاتبة
، فكذا تكون المكاتبة قرينة على التصرف في خبر جعفر.
وبيانه : أن
قوله عليهالسلام فيه : «نعم إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم» يدلّ
بمفهوم الشرط على عدم نفوذ البيع بفقد كل واحد من الشرطين ، وهما رضا الكل وكون
البيع خيرا. وعليه فلا عبرة برضا بعض أهل الوقف في بيع حصّة نفسه منه. ومن المعلوم
منافاة هذا المفهوم لقوله عليهالسلام في منطوق المكاتبة : «فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه
مجتمعين ومتفرقين» الصريح في صحة بيع كلّ صحة برضا أربابه.
ويرتفع هذا
التنافي برفع اليد عن ظهور خبر جعفر في كون رضا الكلّ شرطا تعبديّا لجواز البيع
كشرطية الأعودية ، بل يقال : إن اريد بيع تمام الوقف لزم رضا الجميع ، عملا بظاهر
قوله عليهالسلام : «إذا رضوا كلهم» ، كما هو الحال في التصرف في سائر
الأملاك المشتركة ومتعلقات الحقوق ، وإن اريد بيع بعض أهل الوقف نصيبه منه كفى
رضاه ، ولا يكون رضا الجميع شرطا في البيع ، على ما هو صريح المكاتبة.
الوقف ، لا اعتباره (١) في بيع كلّ واحد ، بقرينة (٢) رواية الاحتجاج.
ويؤيّد المطلب (٣)
صدر رواية ابن مهزيار الآتية (٤) لبيع حصّة ضيعة الإمام عليهالسلام من الوقف.
______________________________________________________
ويؤيّد هذا
الحمل ما ورد في صدر مكاتبة ابن مهزيار من قوله عليهالسلام : «أعلم فلانا أنّي آمره ببيع حصّتي من الضيعة ، وإيصال
ثمن ذلك إليّ ، إن ذلك رأيي إن شاء الله تعالى» ضرورة أنّ أمره عليه الصلاة
والسلام ببيع حصّته دليل على كفاية رضا كل واحد من أهل الوقف ببيع حصته.
(١) أي :
اعتبار رضا الكل ، وعدم توقف صحته على اجتماعهم عليه.
(٢) هذا وقوله
: «على صورة» متعلقان ب «حمل».
(٣) المراد من
المطلب حمل خبر جعفر على صورة بيع تمام الوقف ، ونتيجته جواز بيع كل قوم نصيبه
منه.
وأمّا جعله
مؤيّدا ـ لا دليلا ـ فإمّا لاحتمال إرادة الهبة من قوله : «وجعل لك في الوقف الخمس»
بأن يكون الوقف بالنسبة إلى أربعة أخماس الضيعة ، فيكون خمسها هبة له عليهالسلام.
وإن كان خلاف
الظاهر ، لأنّ قوله : «ابتاع ضيعة فأوقفها» ظاهر في كون الوقف شاملا لتمام الضيعة.
وإمّا لعدم
ظهورها في حكم الوقف المؤبّد.
وإمّا لعدم تحقق
القبض كما سيأتي التعرض له في الصورة العاشرة فراجع (ص ١٧٩).
(٤) سيأتي في (ص
١٥١) استدلال من جوّز بيع الوقف ـ في الصور الأربع الأخيرة ـ بها ، فانتظر.
هذا كلّه ما
يتعلق بقوله في (ص ٦٣) : «وعدم ما يصلح للمنع عدا رواية ...» أي جواز البيع إن كان
أعود ، دليلا ومؤيّدا.
والجواب (١) :
أمّا عن رواية جعفر ، فبأنّها (٢) إنّما تدلّ على الجواز مع حاجة الموقوف عليهم ،
لا لمجرّد كون البيع أنفع (*).
______________________________________________________
(١) أجاب
المصنف قدسسره عن الاستدلال بالخبرين على الجواز ، فعن الأوّل بوجوه
أربعة ، وعن الثاني بوجهين منها ، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.
(٢) هذا هو
الوجه الأوّل ، وحاصله : أن الدليل أخص من المدّعى.
توضيحه : أن
الغرض من الاستدلال بخبر جعفر بن حيّان إثبات جواز بيع الوقف لمجرّد كونه أنفع ،
سواء انضمّت جهة اخرى ـ من حاجة أو ضرورة شديدة ـ إليه ، أم لا. مع أنّ الخبر يدلّ
على إناطة الجواز بحاجة الموقوف عليهم أيضا ، لأنّ قوله عليهالسلام : «نعم» ناظر إلى الجواز في مفروض السؤال وهو الحاجة ،
لكنه عليهالسلام قيّده بكونه أصلح لهم. ومقتضاه توقف نفوذ البيع على
اجتماع الأمرين ، وبهذا يظهر عدم وفاء الخبر بإثبات المقصود.
نعم ، لا بأس
بالاستدلال به لمن يشترط الحاجة والأعودية كابن سعيد والشهيد قدسسره هما.
هذا مع الغضّ
عن الشرط الآخر المذكور في جوابه عليهالسلام من اعتبار رضى
__________________
فالجواز مشروط بالأمرين كما تقدّم عن ظاهر النزهة (١). وسيجيء الكلام في
هذا القول (٢).
بل يمكن أن
يقال (٣) : إنّ المراد بكون البيع خيرا لهم : مطلق النفع الذي
______________________________________________________
الجميع ، وإلّا فيكون جواز البيع دائرا مدار امور ثلاثة : الاحتياج ورضا
الجميع والأعودية. وعلى كل حال فلا تدل الرواية على كون المناط في جواز البيع
الأعودية بالاستقلال.
فإن قلت : يمكن
إلغاء قيد «الحاجة» لكونه مأخوذا في السؤال ، لا في جواب الإمام عليهالسلام ، كما تقدّم نظيره في الاستدلال بالمكاتبة من احتمال
دلالتها على الجواز مطلقا لا مشروطا بالأصلحية ، حيث قال : «وإمّا مطلقا بناء على
عموم الجواب». فتمام المناط رضا الكل والأعودية ، فيتجه الاستناد إلى الخبر لجواز
البيع إن كان أصلح. وأمّا قيد «رضى الكل» فهو إمّا ظاهر في بيع تمام الوقف بمعنى
رضا كل واحد ببيع نصيبه ، فلا دلالة فيه على اعتبار الاجتماع حتى بالنسبة إلى بيع
بعض الوقف. وإمّا لا يؤخذ به من جهة تقييده بالمكاتبة.
قلت : لا مجال
لإلغاء القيد هنا ، لظهور «نعم» في الجواز في موضوع الحاجة ، غايته زيادة الشرطين
، لا تخطئة السائل في أصل دخل الحاجة في نفوذ البيع.
(١) حيث قال
فيها : «أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة ويكون بيع الوقف أصلح لهم» .
(٢) أي : القول
بجواز البيع لو احتاج الموقوف إليهم إلى البيع ، وسيأتي في الصورة الخامسة.
(٣) هذا هو
الوجه الثاني ممّا أجاب به عن الاستدلال بالرواية ، وحاصله : أنّه يمكن إرادة مطلق
النفع من «الخير» في قوله عليهالسلام : «وكان البيع خيرا لهم» فالمراد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حينئذ : كون فعل البيع أرجح من تركه ، كما هو ديدن العقلاء الذين لا يقدمون
غالبا على فعل إلّا إذا كان أرجح من تركه. ومن المعلوم أنّ الأعودية بهذا المعنى
ممّا لم يقل به أحد ، لعدم كونها حينئذ شرطا تعبديا ، بل أمرا ارتكازيا عقلائيّا.
وبعبارة اخرى :
المقصود من هذا الوجه إسقاط خبر جعفر عن الاعتبار بإبداء احتمال آخر في كلام
الإمام عليهالسلام لم يقل به أحد ، فيشكل العمل به من جهة مخالفته
للإجماع.
وتوضيحه : أنه عليهالسلام عدل عمّا فرضه السائل ـ من الحاجة إلى البيع ـ إلى قوله
عليهالسلام : «إذا كان خيرا لهم». وهذه الجملة يحتمل كونها قيدا
لجواز البيع ، فتدل بمفهوم الجملة الشرطية على انتفاء الجواز بانتفاء الخير ، كما
هو مبنى الاستدلال.
ويحتمل كونها
مبيّنة للموضوع بمعنى أنه عليهالسلام جوّز بيع الوقف ، ولم يعلّقه على كونه أصلح بحال
الموقوف عليه ، وإنّما أتى بجملة «إذا كان خيرا» تمهيدا لذكر الجواب ، وهو «باعوا
في مورد حاجتهم» وتنبيها على أن رعاية الخير والصلاح يكون من قبيل الداعي الذي
يلاحظه العقلاء في معاملاتهم وأفعالهم الاختيارية ، حيث إن إقدامهم على المعاملة
مطلقا ـ سواء أكان المبيع وقفا أو ملكا طلقا ـ وترجيح الفعل على الترك منوط عادة
برعاية النفع والمصلحة ، ومن المعلوم أنّ هذا الأمر الارتكازي العقلائي لا يتوقف
على بيان الشارع.
وعليه تكون هذه
الشرطية «إذا كان خيرا باعوا» نظير الجمل الشرطية المسوقة لبيان الموضوع ، وقد
تقرر عدم انعقاد المفهوم لها ، لكون السلب فيها بانتفاء الموضوع ، لا المحمول ،
فكأنّه عليهالسلام قال : «إذا كان في بيع الوقف نفع ليس في عدمه ،
فليبيعوا ، لأنّهم لا يقدمون على فعل اختياري إلّا أن يكون فيه الصلاح والخير». ومعناه
عدم كون النفع شرطا تعبّديّا لجواز بيع الوقف ، بل هو إرشاد إلى أمر ارتكازي.
يلاحظه الفاعل (١) ليكون منشأ لإرادته (٢). فليس (٣) مراد الإمام عليهالسلام بيان اعتبار ذلك (٤) تعبّدا ، بل المراد بيان الواقع (٥)
الذي فرضه السائل ، يعني : إذا كان الأمر
______________________________________________________
وبناء على هذا
الاحتمال يجوز بيع الوقف بمجرّد اقترانه بالمنفعة. وهذا مخالف للإجماع ، لعدم
التزامهم بكفاية مطلق النفع في البيع ، وإنّما يقع البحث في جواز البيع إن كان
أنفع بعد وجود النفع فيه وعدمه ، هذا.
فإن قلت : يمكن
منع احتمال إرادة مطلق الخير والنفع من قوله عليهالسلام : «خيرا لهم» وذلك بقرينة سبق السؤال عما إذا كان البيع
أصلح ، فالمتحصل من الجواب إناطة الجواز بكون البيع أنفع من تركه ، وعدم كفاية
مطلق الخير الموجب لحدوث إرادة البيع واختياره على تركه.
وعليه ينطبق
جوابه عليهالسلام على ما نحن فيه من جواز بيع الوقف إن كان أنفع.
قلت : لا سبيل
لمنع الاحتمال المزبور ، إذ كما يمكن جعل كلمة «الأصلح» قرينة على المراد من الخير
، فكذا العكس أي قرينية «الخير ومطلق النفع» على ما يراد من «الأصلح» ويكون الجواب
حينئذ واردا مورد السؤال ، وليس أجنبيّا عنه.
وعليه فلا شاهد
لسدّ باب الاحتمال المزبور ، وهو موجب لطرح الخبر ، لمخالفته للإجماع.
(١) يعني : أن
فاعل الفعل الاختياري ـ من بيع وغيره ـ يلاحظ مطلق النفع ، فيقدم على العمل.
(٢) أي :
لإرادة الفاعل والعامل ، فالمصدر مضاف إلى الفاعل ، أو إلى المفعول وهو «الفعل»
المستفاد من كلمة «الفاعل».
(٣) هذا نتيجة
احتمال إرادة مطلق النفع.
(٤) أي :
اعتبار مطلق النفع الموجب لاختيار فعل شيء على تركه.
(٥) يعني :
مفروض السؤال هو كون بيع الوقف ذا مصلحة بالنسبة إلى تركه.
على ما ذكرت من المصلحة في بيعه جاز. كما يقال : إذا أردت البيع ورأيته
أصلح من تركه فبع. وهذا (١) ممّا لا يقول به أحد (*).
ويحتمل أيضا (٢)
أن يراد من «الخير» خصوص رفع الحاجة التي
______________________________________________________
(١) أي : جواز
بيع الوقف ـ إن كان فيه مصلحة ـ لا يقول به أحد ، فلا وجه للعمل بهذا الخبر
المخالف للإجماع.
(٢) يعني : كما
يحتمل إرادة مطلق النفع ـ كما تقدم في الوجه الثاني ـ فكذا يحتمل ... الخ ، وهذا
هو الوجه الثالث ، وحاصله : أن الخير ـ بقرينة السؤال ـ يمكن أن يراد به رفع
الحاجة المفروضة في كلام السائل ، فيكون المسوّغ للبيع حينئذ رفع حاجة الموقوف
عليهم ، لا كون البيع أعود لهم ، فيكون ظاهر الرواية غير مطابق للدعوى ، فلا يمكن
الاستدلال بها عليه.
وبعبارة اخرى :
يحتمل في قوله عليهالسلام : «وكان خيرا باعوا» ـ من جهة كونه مسبوقا بالسؤال عن
حكم حاجة الموقوف عليهم وعدم كفاية غلّة الموقوفة لمئونتهم ـ إرادة رفع الحاجة
المفروضة في كلام السائل ، لا زيادة المنفعة. فكأنّه عليهالسلام قال : «وكان البيع وافيا بالحاجة باعوا» وهذه الحاجة محتملة
لأمرين :
أحدهما : أن
يكون احتياج الموقوف عليهم إلى نفس ثمن الموقوفة ليصرف في شئونهم ، فيكون تجويز
البيع ناظرا إلى كون التصرف في نفس الثمن أنفع ـ في رفع الحاجة ـ من إبقاء العين
والانتفاع بالغلّة غير الوافية لهم. وبناء على هذا الاحتمال تصلح الرواية للاستدلال
بها في الصورة الخامسة الآتية ، وهي البيع لرفع الحاجة.
__________________
__________________
فرضها السائل (١).
وعن المختلف
وجماعة : الجواب (٢) عنه بعدم ظهوره في المؤبّد ،
______________________________________________________
ثانيهما : أن
يكون احتياجهم إلى نفع زائد لتفي الغلّة بمؤونتهم ، بأن يكون الباعث على البيع
تكميل النفع حتى يفي بها ، وهذا ينطبق على الصورة الرابعة من تبديل العين بما يكون
الانتفاع به أزيد.
وليس الخبر
ظاهرا في الاحتمال الثاني ليكون دليلا على جواز البيع في الصورة الرابعة ، فيحتمل
أن يراد به الاحتمال الأوّل ، فيصير مدلوله أجنبيّا عمّا نحن فيه ، هذا.
(١) بقوله : «فللورثة
... أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلّة».
(٢) غرضه
الإشارة إلى جواب آخر عن خبر جعفر بن حيّان ، وهو كونه أجنبيّا عمّا نحن فيه من
جواز بيع الوقف المؤبّد ، وذلك لاقتصار الواقف ـ كما ذكره السائل ـ على قرابة الأب
والامّ ممّا ظاهره انقطاع الوقف ، وعدم تعرض الواقف لمثل قوله : «فإن انقرضوا فهي
لذوي الحاجة من المسلمين». فالاقتصار على ذكر الأعقاب يدل على كون الوقف منقطعا لا
مؤبّدا (*) فلا تكون الرواية دليلا على المدّعى ، وهو بيع الوقف المؤبّد.
قال العلّامة
في التذكرة والمختلف بعد نقل الخبر : «فإن مفهوم هذه الرواية عدم التأبيد» .
__________________
__________________
لاقتصاره (١) على ذكر الأعقاب (٢).
وفيه (٣) نظر ،
______________________________________________________
ولعلّ الأولى
تأخير هذه المناقشة عن الوجه الرابع الآتي بقوله : «مع عدم الظفر بالقائل به» لفرض
أن شبهة انقطاع الوقف محلّ نظر عنده وإن أمر بالفهم بعده.
(١) هذا الضمير
وضميرا «عنه ، ظهوره» راجعة إلى خبر جعفر بن حيّان والأولى تأنيثها بلحاظ رجوعها
إلى «رواية جعفر».
(٢) هذا من
النقل بالمعنى ، إذ الموجود في خبر جعفر «قرابته من أبيه وقرابته من امّه» ، ولفظ «الأعقاب»
مذكور في ما رواه الحميري عن الإمام الصّادق عليهالسلام.
(٣) يعني : وفي
الجواب المذكور في المختلف نظر ، وجه النظر : أن اقتصار السائل ـ في مقام حكاية
فعل الواقف ـ على ذكر خصوص قرابة الأب وقرابة الام ، وعدم تعقيبه بمثل «فإن
انقرضوا ... لا يشهد بانقطاع الوقف ، لأعميته منه ، إذ قد يقتصر في المؤبّد على
ذكر صنف من الموقوف عليهم كالأولاد من دون تعيين مآل الوقف لو انقرضوا.
__________________
__________________
لأنّ الاقتصار (١) في مقام الحكاية لا يدلّ على الاختصاص (٢) ، إذ يصحّ أن
يقال في الوقف المؤبّد : إنّه وقف على الأولاد مثلا (٣). وحينئذ (٤) فعلى الإمام عليهالسلام
______________________________________________________
وحيث كان
الاقتصار متعارفا في كلا قسمي الوقف ، أمكن التمسك بالإطلاق الناشي من ترك
الاستفصال ، إذ لو اختلف حكم الوقف المنقطع ـ في جواز البيع عند الحاجة ـ عن
المؤبد كان المناسب أن يكلّف السائل تعيين كون الوقف المزبور موقتا أو مؤبّدا.
ولمّا لم يستفصل الإمام عليهالسلام وبيّن الحكم بقوله : «نعم إذا رضوا كلّهم وكان خيرا لهم
باعوا» كشف عن اتّحاد قسمي الوقف في جواز البيع إن كان خيرا للموقوف عليهم.
وهذا الجواب
أفاده المحقق الثاني ، وارتضاه جمع منهم صاحب المقابس ، فقال : «ويحتمل أن يكون
السكوت عن المرتبة الأخيرة العامة إحالة على ظهورها ، أو لعدم تعلق غرض في أوّل
السؤال بذكرها. ومثل ذلك شائع في الاستعمال. ولمّا كانت حكاية الحال محتملة ، وترك
الاستفصال في الجواب ، كان دليلا على العموم ، كما تقدّم عن المحقق الكركي. وليس
ببعيد وإن كان ظاهر اللفظ يساعد الأوّل ، وهو الانقطاع» .
(١) أي :
اقتصار السائل ـ في مقام حكاية صورة الوقف ـ لا مقام جعل الوقف وإنشائه ، إذ لو
اقتصر الواقف على خصوص قرابة الأبوين في الإنشاء كان منقطعا.
(٢) أي :
اختصاص الوقف بالقرابة وأعقابهم حتى يكون وقفا منقطعا.
(٣) من دون
إضافة قوله : «فإذا انقرضوا فهو للفقراء مثلا» فعدم التصريح بمن يوقف عليه بعد
الأولاد غير قادح في كون الوقف مؤبّدا.
(٤) يعني :
فحين عدم دلالة حكاية صورة الوقف على الاختصاص ، فلو كان جواز البيع مختصا
بالمنقطع كان المناسب أن يستفصل الإمام من السائل : أن المسؤول
__________________
أن يستفصل إذا كان بين المؤبّد وغيره فرق في الحكم ، فافهم (١).
وكيف كان (٢)
ففي الاستدلال بالرواية ـ مع ما فيها من الإشكال (٣) ـ
______________________________________________________
عنه موقت أو مؤبّد ، مع أنّه عليهالسلام لم يستفصل.
(١) لعلّه
إشارة إلى أنّه لا مورد في الخبر للاستفصال ، لظهور قوله عليهالسلام : «يتوارثون ذلك ما بقوا وبقيت الغلّة» في كون السؤال
عن الوقف المؤبّد.
ويمكن تأييده
بأنّ السؤال مسوق لحكم ما جعله الواقف للموصى له ، لا لحكم الوقف ، فلا مجال
لاستظهار تعيين المؤبّد من إطلاق الحكاية.
أو إشارة إلى
عكس ما ذكر ، بأن يقال : إن ظاهر الحكاية هو حكاية تمام الواقعة ، وأنّ الموقوف
عليهم هم القرابة ، وبعد هذا الظهور في الانقطاع لا محلّ للاستفصال ليكون تركه
دالّا على عموم الجواب.
(٢) يعني :
سواء أمكن التفصّي من شبهة اختصاص الخبر بالوقف المنقطع ، أم لم يمكن ، فإنّ
الاستدلال بها على الصورة الرابعة مشكل ، لما عرفت من الوجوه الثلاثة ، مضافا إلى
إشكالين آخرين ، وهما ما ذكره في المقابس من الجمع بين الوقف والوصية ، وإعراض
الجل أو الكل عنه.
(٣) هذا إشارة
إلى الإشكال المذكور في المقابس ، وهذا لفظه :
«ثم الظاهر من
الوقف هو الوقف المعروف ، فقوله : ـ أوصى لرجل ... الخ ـ يدلّ على أنّ استحقاق ذلك
الرجل بطريق الوصية الجارية بعد موت الواقف ، ويلوح من قوله : ـ ويقسّم الباقي ـ
في موضعين : أنّ استحقاق القرابة أيضا على هذا الوجه.
فإن كان الوقف
قد استكمل شرائطه فكيف حكم عليهالسلام بإمضاء الوصية؟ وإن لم يستكمل شرائطه أصلا امضيت الوصية
وبطل الوقف ، ورجع رقبة الأرض ومنافعها الخارجة عن الوصية ميراثا ، ولم يثبت فيه
حكم توارث القرابة لغلّتها دائما.
وإن كان الوقف
معلّقا على الموت كان باطلا أيضا.
على (١) جواز البيع بمجرّد الأنفعية إشكال (٢) ، مع عدم الظفر بالقائل به (٣)
، عدا ما يوهمه ظاهر عبارة المفيد المتقدمة (٤).
______________________________________________________
وإن وقع مطلقا
ولم يحصل إقباض ، فأوصى ثم أقبض لها القرابة ، فإن كان الإقباض فسخا للوصية مضى
الوقف وبطلت الوصية. وإن لم يكن فسخا فكيف يمكن الجمع بين الأمرين معا؟ فالحديث
موضع إعضال وإشكال.
ويخطر بالبال
في حله وجوه :
الأوّل : أن
يراد بالوقف الوصية ، ولا يجب تقدير المضاف حينئذ ، ولا حاجة إلى الحمل على الدوام
، لتعلق الوصية بالمنفعة والمنقطع بلا إشكال. ولمّا أوصى بدوام انتفاع القرابة من
منافع تلك الأرض ـ وظاهره أنّ القسمة بالسوية لا على النص المعتبر في الإرث ـ سمّى
ذلك بالوقف ، ولوّح بعد ذلك بما يقتضي كونه على وجه الوصية. وحينئذ يرتفع الإشكال
المذكور» ثم أجاب قدسسره بوجوه اخر ، فلاحظ .
(١) متعلق ب «الاستدلال».
(٢) مبتدء مؤخر
لقوله : «ففي الاستدلال» فكأنّه قال : «وكيف كان فإشكال في الاستدلال».
(٣) أي :
بالجواز ، وهذا وجه رابع في الجواب عن الاستدلال بالرواية ، وحاصله : أنّه بعد
الغض عن الإشكالات المتقدمة ـ وتسليم ظهورها في جواز البيع بمجرد الأعودية ـ تكون
الرواية معرضا عنها ، لعدم الظفر بمن قال بمضمونها ، فمن جهة الإعراض لا يمكن
الاستناد إليها.
(٤) تقدّمت
عبارته في (ص ٥٨) وتقدّم وجه عدم ظهورها في جواز بيع الوقف المؤبّد.
وقيل أيضا بعدم
دلالة عبارته على ذلك أصلا ، لأنّها ناظرة إلى حكم الوقف
__________________
وممّا ذكرنا (١)
يظهر الجواب عن رواية الحميري.
ثمّ لو قلنا (٢)
في هذه الصورة بالجواز كان الثمن للبطن الأوّل البائع يتصرّف
______________________________________________________
قبل القبض ، ومن المعلوم أنّ القبض إمّا شرط في الصحة وإمّا شرط في اللزوم
، وعلى التقديرين لا مانع عن الرجوع. فمفروض كلامه قبل القبض ، كما أنّ مفروضه
الرجوع عن الشرط لا جواز البيع.
لكن يمكن
التأمل في هذا الوجه بعدم كون القبض شرطا لصحة الوقف أو لزومه ـ إلّا في بعض الصور
ـ عند الشيخ المفيد قدسسره كما ادعاه في المقابس واستشهد بكلماته ، فراجع .
(١) يعني :
يجري في المكاتبة ما ذكرناه من الوجه الثاني ، وهو إرادة مطلق النفع من كلمة «الأصلح»
الواردة في ما رواه الحميري عن الإمام الصادق عليهالسلام ، كما تقدم توضيحه في (ص ٧٧).
كما يجري الوجه
الرابع في المكاتبة ، وهو إعراض الأصحاب ، المتقدم في (ص ٨٤) فراجع (*).
(٢) هذا الكلام
إلى آخر الصورة جواب آخر عن القول «بجواز بيع الوقف إن كان أعود» كما ورد في كلام
بعضهم. ومحصّله : إبطال الوقف واختصاص الثمن
__________________
__________________
فيه على ما شاء.
______________________________________________________
بالبطن الموجود ، مع أنّه لا يمكن الالتزام به.
وتوضيحه : أن
ما ذكر في عنوان الصورة الرابعة ـ من جواز البيع إن كان أعود أو أدرّ أو أنفع ـ
وما استدل به عليه وهو خبر جعفر بن حيّان والمكاتبة ، يقتضيان اختصاص الثمن بالبطن
الموجود. أمّا ظهور عنوان المسألة ـ كما مرّ في مثل عبارة النزهة ـ فلأنّ العائدة ـ
كما قيل ـ هي المنفعة المالية التي تعود إلى الشخص ، فمعنى «كون البيع أعود» كونه
أكثر فائدة من المنفعة التدريجية بالغلّة ونماء الوقف. ومن المعلوم أن صدق «البيع
أعود» منوط بما إذا جاز للبطن البائع صرف الثمن في مئونة نفسه ، لا بأن يبدل الوقف
بما يكون فائدته أزيد من فائدة المبدل.
وأمّا ظهور
الدليل في اختصاص الثمن بالبطن الموجود فلدلالة خبر جعفر على تجويز البيع ـ مع
حاجة الموقوف عليهم ـ في رفع حاجتهم ، بصرف نفس الثمن (*).
وكذا المكاتبة
، فإنّه عليهالسلام جعل حقّ البيع لهم ، وظاهره تملكهم للثمن. ولم يستفصل عليهالسلام ـ في ترخيص البيع ـ عن أن حصة البعض مما يمكن بقاء بدله بعد البيع وانتفاع
البطون اللّاحقة به أم لا. وحيث إن الثمن في صورة تعذر انتفاع البطون يكون ملكا
طلقا للبائع ، فكذا في صورة إمكان انتفاعهم ، لاتحاد حكم البيع.
والحاصل : أن
مقتضى عنوان المسألة والدليل عليه اختصاص الثمن بالبطن الموجود. وهذا مخالف لما
تقدم في الصورة الاولى من أن الموقوفة ملك فعلي للموجود ،
__________________
ومنه (١) يظهر
وجه آخر (٢) لمخالفة الروايتين للقواعد ، فإن (٣) مقتضى كون العين مشتركة بين
البطون كون بدله كذلك (٤) ، كما (٥) تقدم (٦) من استحالة كون بدله ملكا لخصوص
البائع ، فيكون (٧) تجويز البيع في هذه الصورة
______________________________________________________
وشأني للمعدوم ، ومقتضى المعاوضة الشركة وتعلق حق المعدومين بالثمن على حدّ
تعلقه بالمثمن. وبهذا يظهر مخالفة الخبرين للقواعد المسلّمة ، هذا.
(١) أي : ومن
كون الثمن مختصا بالبطن الأوّل يظهر ... الخ.
(٢) يعني : غير
الوجوه المتقدمة من إعراض الأصحاب عن العمل بهما وغير ذلك.
(٣) هذا بيان
المخالفة بوجه آخر ، وهو اقتضاء البدلية قيام الثمن مقام المثمن في ما له من
إضافة.
(٤) أي :
مشتركة بين البطون.
(٥) كذا في
النسخ ، والأولى «لما».
(٦) حيث قال : «ومما
ذكرنا يظهر : أن الثمن على تقدير البيع لا يخصّ به البطن الموجود ... لاقتضاء
البدلية ذلك ...» ، فراجع .
(٧) غرضه توجيه
اختصاص الثمن بالموجودين بما لا يلزم مخالفته لمفهوم المعاوضة والمبادلة.
وبيانه : أنّه
لو سلّم دلالة الروايتين على جواز البيع وصرف الثمن في مئونة الموجودين ، كشف هذا
التجويز عن ترخيص الشارع لهم في إسقاط حقّ الطبقات المتأخرة آنا قبل البيع ،
وبطلان الوقف ، فيقع النقل على العين المختصة بالموجودين ، ولازمه اختصاص الثمن
بهم ، لعدم ما يوجب شركة المعدومين فيه حينئذ.
ونظير إسقاط حق
اللاحقين ما ذكروه في التملك الآني في تصرف ذي الخيار
__________________
والتصرف (١) في الثمن رخصة (٢) من الشارع للبائع في إسقاط حقّ اللّاحقين
آنا مّا قبل البيع ـ نظير (٣) الرجوع في الهبة المتحقق ببيع الواهب ـ لئلّا (٤)
يقع البيع على المال المشترك ، فيستحيل (٥) كون بدله مختصّا.
______________________________________________________
والواهب فيما يتوقف على الملك ، كما إذا باع الواهب ما وهبه للغير ، فإنّ
مقتضى توقف البيع على الملك عود المال إلى ملكه آنا ـ وتحقق الرجوع عن الهبة ـ
ليقع البيع في ملكه.
(١) يعني :
التصرف الاختصاصي في ثمن الوقف ، كالتصرف في أموالهم المختصة بهم.
(٢) خبر قوله :
«فيكون».
(٣) يعني : كما
أن بيع الواهب كاشف عن رجوعه ، وإلغاء ملكية المتهب.
(٤) يعني : أن
الداعي على هذا التوجيه هو عدم وقوع البيع على مشترك ، مع كون بدله مختصّا.
(٥) أي : حتى
يستحيل ، وهذا متفرع على المنفي ـ وهو وقوع البيع على المال المشترك ـ إذ لو كان
المبدل مشتركا بين جميع البطون امتنع ـ بمقتضى المعاوضة ـ كون البدل مختصا بالبطن
الموجود.
هذا تمام
الكلام في الصورة الرابعة.
الصورة الخامسة
: أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة (١).
وقد تقدّم عن
جماعة تجويز البيع في هذه الصورة ، بل عن الانتصار (٢)
______________________________________________________
الصورة الخامسة : حاجة الموقوف عليهم
إلى الثمن
(١) تقدم الفرق
بين موضوع الحكم في هذه الصورة وسابقتها في (ص ٥٦) فالمقصود هنا الانتفاع بالثمن
بصرفه في حاجة الموقوف عليهم. وفي المسألة قولان :
أحدهما :
الجواز. قال به جماعة كالشيخ المفيد والسيد المرتضى وشيخ الطائفة وسلّار وأبي
المكارم وابن حمزة والراوندي وغيرهم. ففي المقنعة : «وكذلك إن حصلت لهم ضرورة إلى
ثمنه كان لهم حلّه». وتكرّر هذا المضمون في كلماتهم المنقولة أوّل المسألة . واستدلّ عليه بوجهين وهما : الإجماع وخبر جعفر بن
حيّان.
ثانيهما :
المنع. وهو ظاهر من لم يستثن هذه الصورة من منع البيع كالمحقق والعلّامة والصيمري
وغيرهم ، لقصور دليل الجواز.
(٢) قال السيد
: «وممّا انفردت الإمامية به القول بأن ... وأنّ أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة
شديدة إلى ثمنه جاز لهم بيعه». وقال السيد أبو المكارم : «ويجوز عندنا بيع الوقف
... أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه» وظهور «مما انفردت به
الإمامية» و«عندنا» في الإجماع لا ينكر.
__________________
والغنية : الإجماع عليه. ويدلّ عليه (١) رواية جعفر المتقدمة.
ويردّه (٢) :
أنّ ظاهر الرواية
______________________________________________________
(١) أي : على
الجواز ، بتقريب : أنّه عليه الصلاة والسلام جوّز البيع في مفروض كلام السائل ،
وهو احتياج الموقوف عليهم وعدم كفاية الغلّة لمصارفهم ، وذلك بعد تقييد مطلق
الحاجة بالشديدة بالإجماع المدّعى على عدم جواز بيع الوقف لمطلق الحاجة.
ثمّ إن الغرض
صرف نفس الثمن في مئونة الموقوف عليهم. وهذا ينطبق على المقام من جواز بيع الوقف
إذا لحق حاجة بأهل الوقف ، وليس المراد تبديل الموقوفة بما يزيد نفعه على منفعتها.
(٢) ناقش
المصنف قدسسره في كلا وجهي الجواز ، ففي الخبر بوجهين ، وفي الإجماع
بوجوه أربعة ، وقدّم الإيراد على الخبر.
أما الوجه
الأوّل فمحصّله : عدم مطابقة الدليل والدعوى ، لما بين عنوان «الضرورة الشديدة أو
الحاجة الشديدة» وبين «الحاجة وعدم كفاية الغلّة» ـ الوارد في خبر جعفر ـ من
العموم من وجه ، ومن المعلوم أن الدليل المتكفل لحكم أحد العامين من وجه قاصر عن
إثبات حكم العام الآخر.
وبيانه : أن
موضوع سؤال الراوي ليس هو الضرورة الشديدة حتى يكون جوابه عليهالسلام تجويزا للبيع في الصورة الخامسة ، بل هو «إذا احتاجوا
ولم يكفهم ما يخرج من الغلّة» والمحتاج الذي لا يكفيه الغلّة والمنفعة هو الفقير
الشرعي الذي عرّفوه في كتاب الزكاة ب «من يقصر ماله عن مئونة سنته» كما في الشرائع
.
والوجه في ظهور
الرواية في الفقير الشرعي هو : أن قوله : «إذا احتاجوا» وإن كان بمقتضى حذف
المتعلق شاملا لكل ما يحتاجون إليه في امور معيشتهم ، لكن
__________________
أنّه يكفي (١) في البيع عدم كفاية غلّة الأرض
______________________________________________________
ضمّ قوله : «ولم يكفهم ما يخرج من الغلّة» إليه يدلّ على وجدان ما يكفيهم
لبعض معيشتهم ، فحاجتهم إلى مال آخر غير الغلّة التي لا تفي بمؤونتهم يكون في بعض
السنة ، وهذا هو الفقير الشرعي. كما أن ظاهر السؤال تكرر عدم كفاية الغلّة في سنين
عديدة ، ولم يختص بعام واحد ، إذ لم يقيّد عدم وفاء الغلّة ببعض السنين ، فيكون
ظاهر حكاية الحال عدم استغناء الموقوف عليهم بهذه الغلّة.
والوجه في
تقييد عدم كفاية الغلّة بالسنة هو كون المتعارف ملاحظة المعاش سنة كاملة.
وعلى هذا فكأنّ
الراوي سأل عن حكم بيع الموقوفة بعد انطباق حدّ الفقير الشرعي على أهل الوقف ،
وانحصار علاج فقرهم في البيع. ومن المعلوم أجنبية هذا عن جواز البيع للضرورة
الشديدة ، المعبر عنها بالاضطرار العرفي ، لكون النسبة بينهما عموما من وجه ،
فيجتمعان تارة ، كما إذا كان فاقدا لمئونة السنة اللائقة بشأنه ، وحصلت له حاجة
شديدة إلى صرف مال في غير مئونته المتعارفة ، كمرض أو حرق مثلا ، فيتصادق عليه
عنوانا «الفقير والمحتاج بشدة».
ويفترقان اخرى
، فقد يكون فقيرا غير واجد لمصرف سنته ، فينفق على نفسه مما ينطبق عليه من الحقوق
الشرعية ، ولم يكن له حاجة شديدة ليبيع شيئا من أمواله.
وقد يكون
محتاجا ـ مع عدم صدق الفقير عليه لوجدانه مئونة سنته ـ كما إذا أصابه مرض أو حرق ،
فاضطرّ إلى صرف مال كثير ربما يكون أزيد من مئونة سنته.
وعليه فلمّا
كان بين العنوانين عموم من وجه ، وكان جواب الإمام عليهالسلام تجويزا للبيع في مورد عدم الكفاية ـ أي الفقر ـ لم يمكن
الاستدلال بالخبر على جواز البيع في مورد الضرورة والاضطرار. هذا توضيح الوجه
الأوّل. وأما الوجه الثاني ، فسيأتي إن شاء الله تعالى.
(١) لقوله عليهالسلام : «نعم» الظاهر في وروده مورد السؤال ، وهو عدم كفاية
الغلّة.
لمئونة سنة (١) الموقوف عليهم ، كما لا يخفى. وهذا (٢) أقلّ (٣) مراتب
الفقر الشرعي. والمأخوذ (٤) في عبائر من تقدّم من المجوّزين اعتبار الضرورة
والحاجة الشديدة ، وبينها وبين مطلق (٥) الفقر عموم من وجه ، إذ قد يكون فقيرا (٦)
ولا يتفق له حاجة شديدة ، بل مطلق (٧) الحاجة ،
______________________________________________________
(١) تقييد عدم
كفاية الغلّة ب «السنّة» إمّا لأنّ المتعارف عند الناس ملاحظة فقرهم وغناهم
بالنسبة إلى قصور المال عن مئونة السنة ، ووفائه بها. وإمّا لأنّ سياق كلام السائل
يعطي عدم كفاية غلّة الأرض إلى حصول غلّة اخرى من نفس تلك الموقوفة ، ولعلّها لم
تغل أكثر من مرة في كل سنة.
(٢) أي : عدم
كفاية غلّة الأرض لمئونة سنة أهل الوقف يجعلهم فقراء ، فيجوز لهم بيع الوقف.
(٣) التعبير
بالأقل لأجل كون عدم وجدان مئونة سنة كاملة ـ فعلا أو قوة ـ موجبا للخروج من عنوان
«الغنى» إلى عنوان «الفقر» ، وحينئذ فأشدّ مراتب الفقر هو أن لا يملك مئونة يوم
واحد.
(٤) مبتدء ،
خبره «اعتبار» يعني : أن ظاهر الرواية لا ينطبق على العنوان الوارد في كلمات
المجوزين ، وهو الحاجة أو الضرورة الشديدة. ووجه عدم الانطباق ما سيذكره من كون
النسبة بين الحاجة والفقر عموما من وجه.
(٥) التعبير ب «مطلق
الفقر» لأجل أن الفقير وإن كان محتاجا ، لكن بمطلق الحاجة لا بالحاجة المطلقة التي
هي الشدة والضرورة ، والمفروض تجويز البيع لمطلق الفقر ، لا للمرتبة الشديدة منه
حتى يتّحد مع المضطرّ.
(٦) هذا مورد
افتراق الفقر عن الحاجة الشديدة ، بصدق «الفقر» دون الحاجة الشديدة.
(٧) معطوف على «حاجة
شديدة» فلا يتفق للفقير مطلق الحاجة حتى يتحد مع مطلق الفقر ويجوز بيع الوقف
حينئذ. وعليه فما جوّزه الفقهاء لم يدل عليه خبر
لوجدانه (١) من مال الفقراء ما يوجب التوسعة عليه. وقد يتفق (٢) الحاجة
والضرورة الشديدة في بعض الأوقات لمن يقدر على مئونة سنته. فالرواية (٣) بظاهرها
غير معمول بها.
مع أنّه قد
يقال (٤) : إنّ ظاهر
______________________________________________________
جعفر ، وما دل على جواز بيعه لم يرد في تعبيرهم.
(١) أي : وجدان
الفقير ، وهذا من إضافة المصدر إلى فاعله.
(٢) هذا مورد
افتراق الحاجة عن الفقر ، إذ قد يحتاج الغني إلى بيع شيء من أمواله لرفع الضرورة.
(٣) هذا نتيجة
كون النسبة عموما من وجه ، يعني : أنّ خبر جعفر وإن دلّ على جواز بيع الوقف بمجرد
انطباق حدّ الفقير الشرعي على الموقوف عليهم ، لعدم كفاية الغلّة لمصارفهم ، ولكن
هذا الظاهر غير معمول به ، فيسقط الخبر بإعراض الأصحاب عنه ، لأن الفقهاء بين مانع
عن البيع مطلقا ، وبين مجوّز له عند الحاجة الشديدة ، لا عند عدم وفاء الغلة
بمئونة أهل الوقف.
(٤) هذا ثاني
وجهي المناقشة في رواية جعفر ، وتقدم في الصورة الرابعة أيضا ، وحاصله : أن «الحاجة
وعدم كفاية الغلّة» وإن ورد في السؤال ، لكن جواب الإمام عليهالسلام ب «نعم» ليس تجويزا للبيع إن احتاج أهل الوقف إلى بيعه
، بل تصديق لأصل الجواز ، ولكن إذا توفّر شرطان ، وهما رضا الكل وكون البيع أنفع.
وعلى هذا فتكون
الحاجة موردا في الخبر لا قيدا حتى يستدل به على الصورة الخامسة من فرض لحوق ضرورة
شديدة بالموقوف عليهم. فالرواية أجنبية عن المقام.
والقائل بهذا
الوجه ـ ظاهرا ـ صاحبا المقابس والجواهر. ففي المقابس : «وأما الجواب بقوله : ـ
نعم ـ فقد اعتبر فيه رضا الكل ، وكون البيع أنفع لهم أي لجميعهم ...» ثم ذكر
استقلال الجواب عن السؤال وعدم العبرة بالحاجة .
__________________
الجواب (١) جواز البيع بمجرّد رضا الكل ، وكون البيع أنفع ولو لم يكن حاجة.
وكيف كان (٢) ،
فلا يبقى للجواز عند الضرورة الشديدة إلّا الإجماعان المعتضدان بفتوى جماعة. وفي
الخروج (٣) بهما عن قاعدة عدم جواز البيع (٤) وعن قاعدة وجوب (٥) كون الثمن على
تقدير البيع غير مختصّ بالبطن الموجود
______________________________________________________
وفي الجواهر : «...
على أن المذكور شرطا في السؤال لم يتعرض له في الجواب ، الظاهر في الاكتفاء في
جواز البيع بعد رضى الكل بكون البيع خيرا لهم ...» .
(١) يعني : بعد
إلغاء الحاجة المذكورة في السؤال ، والعدول عنها إلى رضا الكل وكونه أنفع.
(٢) يعني :
سواء تمت المناقشة الثانية في رواية جعفر ، أم لم تتم ـ بأن كانت الحاجة قيدا أيضا
لا موردا ـ فالرواية لأجل الإعراض الموهن لها لا تصلح حجة على جواز بيع الوقف عند
الضرورة الشديدة إلى الثمن. وينحصر الدليل في الإجماعين المنقولين المعتضدين بفتوى
جماعة بالجواز.
ولكن يشكل
الاستناد إليهما لوجوه أربعة.
(٣) خبر مقدم
لقوله : «إشكال» فكأنه قال : وإشكال في الخروج بالإجماعين عن قاعدة ... الخ.
(٤) أي : عدم
جواز بيع الوقف ، للإجماع والنصوص الخاصة. وهذا هو الوجه الأوّل ، وحاصله : أن
الخروج عن هذه القاعدة المسلّمة منوط بحجة شرعية كما تحققت في الصورة الاولى. ولكن
الإجماعين المنقولين قاصران عن تخصيص كبرى «لا يجوز بيع الوقف» ولا أقلّ من شبهة
كونهما مدركيّين ، لاحتمال استناد المجمعين ـ لو سلّم اتفاق الفقهاء على الجواز ـ
إلى مثل رواية جعفر القاصرة دلالة.
(٥) هذا هو
الوجه الثاني ، وحاصله : أنّ مجوّزي البيع للضرورة الشديدة
__________________
ـ مع وهنه (١) بمصير جمهور المتأخرين وجماعة من القدماء إلى الخلاف (٢) ،
بل (٣) معارضته (٤) بالإجماع المدّعى في السرائر ـ إشكال.
______________________________________________________
يخصّون الثمن بالبطن البائع ، مع اقتضاء المعاوضة اشتراكه بين الموجود
واللاحق. فالخروج عمّا يقتضيه المبادلة ـ بالإجماعين المزبورين ـ مشكل.
(١) أي : وهن
الإجماعين ، وهذا هو الوجه الثالث. ومحصله : منع صغرى الإجماع ، لعدم اتفاق
الأصحاب على الجواز ، ومعه كيف تتجه دعوى الإجماع عليه؟
(٢) أي : إلى
منع بيع الوقف عند الحاجة والضرورة ، وهذا المنع مذهب جماعة من القدماء كالإسكافي
، ونسب إلى الصدوق والقاضي والحلي ، وكذا المتأخرين كالمحقق والعلّامة والشهيدين وغيرهم .
(٣) هذا هو
الوجه الرابع ، وغرضه أن المنع ليس فتوى جماعة معدودة حتى لا تقدح في إجماع
السيدين قدسسرهما ، بل هو فتوى الكلّ ، على ما ادّعاه الحلّي ، وحينئذ
يتعارض إجماع الجواز مع إجماع المنع ، وحيث لا مرجّح لأحدهما فيتساقطان ، ولا يبقى
حجة على جواز البيع.
وعلى هذا فكلمة
«بل» هنا للترقي من الوهن إلى سقوطه بالتعارض.
(٤) أي :
معارضة إجماع السيدين. والمناسب تثنية الضمير هنا وفي «وهنه» رعاية للمرجع ، كما
روعي في ضمير «بهما».
هذا تمام
الكلام في الصورة الخامسة.
__________________
الصورة السادسة
: أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة (١) ،
______________________________________________________
الصورة السادسة
: أن يشترط الواقف بيع الوقف
(١) يعني :
الحاجة إلى صرف ثمن الموقوفة في مئونة الموقوف عليهم ، كما تقدم في الصورة
الخامسة. ثمّ إنّه ينبغي تقديم أمرين قبل توضيح المتن :
الأوّل : أنّ
المقصود من شرط البيع هو أن يشترط الواقف في صيغة الوقف سلطنة الموقوف عليهم على
إبطال الوقف بالبيع عند حاجتهم الشديدة إلى ثمنه ، أو إذا اقتضته مصلحة البطن
الموجود خاصة أو مصلحة البطون ، كأن يقول : «وقفت الدار على ذريتي وشرطت عليهم
بيعها إن كان أعود لهم أو احتاجوا إلى ذلك ، أو اقتضت مصلحتهم تبديل الوقف بعين
اخرى. أو إذا آلت إلى الخراب» أو نحو ذلك ممّا يكون بنفسه ـ ومع الغضّ عن الشرط ـ
مجوّزا للبيع.
وليس المقصود
من الشرط جواز بيعها لنفس الواقف إذا احتاج إلى ثمنها. وذلك لبطلان شرط الرجوع في
الصدقة المتقرب بها إليه تعالى.
الثاني :
الظاهر عدم تعرّض من سبق العلّامة لحكم هذه الصورة ، بشهادة عدم ورودها في الأقوال
المنقولة أوائل المسألة ، ولم ينسبها السيد العاملي قدسسره إلى من تقدّم على العلّامة . نعم ، نسب صاحب المقابس إلى الحلبي جواز اشتراطه في
الوقف المنقطع لا المؤبّد ، فراجع .
__________________
أو إذا كان فيه (١) مصلحة البطن الموجود ، أو جميع (٢) البطون ، أو عند (٣)
مصلحة خاصة (٤)
______________________________________________________
وكيف كان
فالأقوال في المسألة أربعة :
الأوّل : نفوذ
الشرط وجواز البيع ، ذهب إليه العلّامة في الإرشاد ، والشهيدان ، وهو مختار المصنف قدسسره وجماعة كأصحاب مفتاح الكرامة والمقابس والجواهر قدسسره.
الثاني :
الإشكال في صحة هذا الشرط كما هو صريح القواعد.
الثالث : تفصيل
المحقق الثاني بين كون الشرط عروض المسوّغ للبيع فيجوز ، وبين مطلق المصلحة فلا
يجوز .
الرابع : فساد
الشرط ، وعدم جواز البيع بحال ، كما هو مذهب المانع عن بيع الوقف مطلقا أو في خصوص
المقام ، بزعم منافاة هذا الشرط لمقتضى الوقف وحقيقته ، أو مخالفته للكتاب والسنة
كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
(١) أي : في
البيع ، فقد يكون البيع والتبديل مصلحة لخصوص البطن الموجود ، وقد يكون مصلحة
لجميع البطون ، كما إذا قال : «وقفت الدار على أن تباع إن كان بصلاح خصوص
الموجودين».
(٢) كما إذا
قال : «وقفت الدار وشرطت بيعها إن اقتصته مصلحة جميع البطون ، فلا يجوز البيع لو
كان خيرا للبطن الوجود خاصة».
(٣) معطوف على
قوله : «عند الحاجة».
(٤) في قبال
مطلق المصلحة المفروض في قوله : «إذا كان فيه مصلحة» والمراد بالمصلحة الخاصة ما
ورد في كلمات العلّامة والشهيد قدسسرهما من تضرر الموقوف عليهم
__________________
على حسب ما يشترط (*).
______________________________________________________
بالضريبة التي يجعلها الظالم ، أو خراب الموقوفة ، أو خروجها عن حيّز الانتفاع
، أو وقوع الفتنة بين أربابه ، ونحو ذلك ، فكلّ منها مصلحة خاصة مجوّزة للبيع بدون
الشرط.
__________________
__________________
فقد اختلف
كلمات العلّامة ومن تأخّر (١) عنه في ذلك (٢). فقال في الإرشاد : «ولو شرط بيع
الوقف عند حصول الضرر (٣) ـ كالخراج والمؤن من قبل الظالم ـ وشراء (٤) غيره بثمنه
،
______________________________________________________
(١) يلوح من
هذه الكلمة أن من تقدّم العلّامة لم يستثن هذه الصورة من عموم منع بيع الوقف.
(٢) أي : في
نفوذ الشرط ، وعدمه.
(٣) كذا في
النسخ ، وفي الإرشاد : «عند حصول ضرر به» والمقصود تضرر الموقوف عليه بعدم عود
منفعة الوقف إليه ، لكثرة المؤن التي يأخذها الجائر.
(٤) تقدم في
التعليقة وجه الحاجة إلى تقييد نفوذ الشرط المزبور بشراء البدل ، في قبال صرف
الثمن في مئونة أهل الوقف للضرورة الشديدة إليه. كما ظهر وجه الاستغناء عنه في
عنوان المصنف لهذه الصورة.
__________________
__________________
فالوجه (١) الجواز» انتهى .
وفي القواعد : «ولو
شرط بيعه عند الضرورة (٢) ـ كزيادة خراج وشبهه ـ وشراء غيره بثمنه ، أو عند خرابه
وعطلته ، أو خروجه عن حدّ الانتفاع ، أو قلّة (٣) نفعه ،
______________________________________________________
(١) جواب الشرط
في قوله : «ولو شرط» وسيأتي دليل الجواز.
(٢) كذا في نسخ
الكتاب ، ولكن في القواعد «عند التضرر به» وكذا في متن الإيضاح وجامع المقاصد ومفتاح الكرامة ، وهو الأنسب بتمثيله بزيادة الخراج والمؤن كما عبّر به
في الإرشاد أيضا. بل المتعين ذلك بقرينة وجوب شراء البدل ، مع أنّ جواز البيع في
مورد الضرورة والحاجة إلى الثمن غير مشروط بالتبديل كما سبق في الصورة الخامسة.
وكيف كان
فالمذكور في القواعد اشتراط بيعه بطروء إحدى حالات أربع :
الاولى :
التضرر الناشئ من زيادة الخراج.
الثانية : خراب
الوقف وصيرورته عاطلا لا ينتفع به.
الثالثة :
خروجه عن حدّ الانتفاع لجهة اخرى غير الخراب ، كوقوع الدار الموقوفة في محلّة لا
يسكنها أرباب الوقف ولا يتيسّر لهم إيجارها.
الرابعة : قلّة
عوائد الوقف. وتقدم الكلام في حكم بيع الوقف في الصورة الاولى والثانية والثالثة ـ
عند طروء إحدى الحالات الثلاث الأخيرة ـ فراجع.
(٣) هذا وقوله
: «أو عند خرابه ، أو خروجه» معطوفة على قوله : «عند الضرورة».
__________________
ففي (١) صحة الشرط إشكال. ومع البطلان (٢) في إبطال الوقف نظر (٣)» انتهى .
وذكر (٤) في
الإيضاح في وجه الجواز (٥) رواية جعفر بن حنّان المتقدمة ، قال : «فإذا جاز بغير
شرط فمع الشرط أولى (٦).
______________________________________________________
(١) جواب الشرط
في قوله : «ولو شرط» وهذا هو القول الثاني في المسألة. وسيأتي بيان منشأ الإشكال.
(٢) أي : لو
بنينا على بطلان شرط بيع الوقف عند طروء أحد المسوّغات ، فهل يبطل نفس الوقف؟ لكون
الشرط الفاسد مفسدا ، أم يصحّ الوقف ويلغو الشرط ، لعدم سراية فساد الشرط إلى
الوقف.
(٣) وجه النظر
ما أفاده فخر المحققين قدسسره بقوله : «جعل الشيخ العقود المتضمنة للشرط ليست معلّقة
عليها ، بل هي عقود وشروط ، وبطلان أحد الجزءين لا يستلزم بطلان الآخر. ويحتمل
البطلان ، لأنّه إنّما أوقعه على هذا التقدير ، ولا يعلم رضاه بدونه ...» ثمّ رجّح
عدم مفسدية الشرط هنا ، لكون الوقف تبرعا محضا ، بخلاف العقود المعاوضية التي يكون
للشرط مدخل في العوض ، فراجع.
(٤) مقصوده قدسسره بيان منشأ الإشكال في نفوذ الشرط ، لا منشأ النظر في
بطلان الوقف وصحته.
(٥) أي : جواز
شرط البيع عند حصول مصلحة خاصة من تضرر أو خراب أو قلّة منفعة.
(٦) عبارة
الإيضاح هي : «فإذا جاز بيعه بغير شرط فمعه أولى».
ووجه الأولوية
: ثبوت جواز البيع في مثل الخراب والحاجة الشديدة ونحوهما ـ عند من يرى ذلك ـ بأصل
الشرع ، وبدون اشتراط الواقف ، فيكون الشرط مؤكّدا لجواز البيع.
__________________
وفي (١) وجه
المنع : أنّ الوقف للتأبيد ، والبيع ينافيه. قال : والأصحّ أنه لا يجوز بيع الوقف
بحال (٢)» انتهى .
وقال الشهيد في
الدروس : «ولو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم (٣) أو وقوع الفتنة بينهم فأولى بالجواز»
انتهى .
______________________________________________________
(١) معطوف على «في
وجه الجواز» يعني : وجّه فخر المحققين المنع بأنّ الوقف ... الخ. ومحصل وجه المنع
: منافاة اشتراط البيع ـ بطروء حالة ـ للتأبيد المقوم للوقف ، وقد تقرر في بحث الشرط
المأخوذ في العقد اعتبار عدم مناقضته لحقيقة المنشأ ، لامتناع القصد الجدّي إلى
المتنافيين ، كما إذا اشترط عدم العوض في العقود المعاوضية ، كالبيع على أن لا
يكون ثمن للمبيع ، والإجارة بلا اجرة.
وكذا الحال في
الوقف الذي حقيقته حبس العين ـ دائما ـ عن التصرفات الناقلة ، فيمتنع إنشاء هذا
المعنى وشرط البيع المنافي للحبس ، ولذلك يبطل الشرط ، بل مقتضى انتفاء الإرادة
الجدية بطلان أصل الوقف. هذا.
ولا يخفى أن
منافاة البيع للتأبيد تكون من جهة أخذ الشرط المناقض لمقتضى الوقف كما هو ظاهر
كلام الفخر بشهادة ما سيأتي من مناقشة المحقق الكركي فيه.
ويمكن أن تكون
المنافاة لما علم من السّنة ، مثل ما دلّ على النهي عن شراء الوقف ، فلا تتقوم
ماهية الوقف بمنع البيع ، وحينئذ فشرط البيع يخالف ما علم اعتباره في الوقف تعبدا
، وهو عدم البيع.
(٢) هذه الجملة
هي منشأ نسبة منع بيع الوقف مطلقا إلى فخر المحققين قدسسره.
(٣) تقدم في (ص
٩٨) أنّ الشهيد قدسسره لم يقيّد نفوذ شرط البيع بشراء بدل بالثمن ـ كما قيّده
به العلّامة قدسسره ـ ووجهه : أنّه جعل الشرط بيع الوقف عند الحاجة إلى
__________________
ويظهر منه (١)
أنّ للشرط تأثيرا ، وأنّه (٢) يحتمل المنع من دون الشرط ، والتجويز معه.
وعن المحقق
الكركي أنّه قال : «التحقيق (٣) أنّ
______________________________________________________
صرف الثمن في مئونة الموقوف عليهم ، ومعه لا مورد للتقييد المذكور في
الإرشاد والقواعد.
(١) يعني :
يظهر من قول الشهيد : «فأولى بالجواز» أنّ لشرط البيع عند الحاجة أو الفتنة تأثيرا
في جواز البيع ، إذ لو لا تأثير هذا الشرط لم يكن للأولوية معنى محصلا.
(٢) معطوف على «أنّ
للشرط» والظاهر كونه مفسّرا له ، بقرينة قول فخر المحققين : «فإذا جاز بغير شرط
فمع الشرط أولى» فالمراد من الأولوية كون الجواز مع الشرط أوضح وجها من الجواز
بدون الشرط ، كما في طروء الخراب والفتنة والحاجة إلى ثمنه.
ويحتمل أن يراد
من الأولوية القدر المتيقن من جواز البيع ، بحيث لو قيل بالمنع منه بعروض
المسوّغات قيل بجوازه بالشرط.
ولكن يشكل هذا
الاحتمال بأنّ دليل نفوذ الشرط مقيّد بعدم كونه محلّلا للحرام ، فلو لم يحرز جواز
البيع بطروء حالة على الوقف امتنع إحرازه بالشرط.
وعليه فالأولى
أن يراد بالأولوية ما ذكرناه أوّلا. ويتعيّن حمل قوله : «يحتمل المنع» على
الاحتمال غير المصادم للظهور ، فكأنّه قال : «أن بيع الوقف بلا شرط وإن كان محتمل
المنع ، لكنه جائز لو خرب أو قل نفعه أو كان أعود للموقوف عليهم. وهذا الجواز أظهر
لو شرط الواقف البيع عند حصول المسوّغ».
(٣) محصّل كلام
المحقق الثاني قدسسره هو التفصيل بين كون الشرط مسوّغا للبيع بنفسه ، وبين
عدمه. واستدل على نفوذ الشرط في الشق الأوّل بوجود المقتضي وفقد المانع عنه.
أما وجود
المقتضي فلأنّ شرط بيع الوقف بطروء بعض الحالات عليه جائز في
كلّ موضع (١) قلنا بجواز بيع الوقف
______________________________________________________
نفسه ، فيجب الوفاء به بمقتضى «المؤمنون عند شروطهم». والوجه في جوازه وفاء
الأدلة الخاصة بجواز بيعه بحصول بعض الأسباب كالخراب والحاجة ونحوهما.
وعليه يكون شرط
البيع عند حصول تلك الحالات مؤكدا للجواز الثابت بأصل الشرع.
وأمّا فقد
المانع فلأنّ المانع المدّعى في كلام الفخر قدسسره هو التأبيد المأخوذ في إنشاء الوقف ، ولكنه غير مانع ،
وذلك لأنّ حبس العين أبدا ومنع بيعه مقيّد واقعا بعدم حصول أحد أسباب البيع ، لفرض
صحة بيعه بعروض مثل الخراب أو قلة المنفعة حتى لو أخذ التأبيد في الصيغة.
وعليه فشرط
البيع عند حصول السبب ليس إلّا إظهارا للقيد الدخيل في تأبيد الوقف.
نعم يختص نفوذ
الشرط بإحراز كون السبب مسوّغا للبيع في نفسه. فلو شك في جواز بيع الوقف لمجرد
كونه أعود وأصلح للموقوف عليهم لم ينفع جعله شرطا ، بل يوجب البطلان ، فلا ينعقد
وقفا ولا حبسا كما سيأتي توضيحه.
(١) هذه
العبارة ليست نصّ كلام المحقق الثاني قدسسره ، لمغايرتها له كثيرا ، وإنّما هي محصّله ومضمونه ،
واعتمد المصنف على نقل صاحب المقابس ، لقوله فيه : «وقال المحقق الكركي : التحقيق ...» إلى
آخر ما في المتن.
وكيف كان فمراد
المحقق الكركي قدسسره من المواضع التي يجوز فيها بيع الوقف هو المواضع
الثلاثة المتقدمة في نقل الأقوال ، حيث قال : «إن المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع
: أحدها : إذا خرب واضمحلّ ... ثانيها : إذا حصل خلف بين أربابه.
ثالثها : إذا
لحق بالموقوف عليهم حاجة شديدة ...» واستدلّ على كلّ منها في كتاب الوقف ، فراجع .
__________________
يجوز (١) اشتراط البيع في الوقف إذا بلغ تلك الحالة ، لأنّه (٢) شرط مؤكّد
، وليس (٣) بمناف للتأبيد المعتبر في الوقف ، لأنّه (٤) مقيّد واقعا بعدم حصول أحد
أسباب المنع (٥) [البيع]. وما لا (٦) فلا ، للمنافاة ، فلا يصحّ (٧) حينئذ حبسا ،
______________________________________________________
(١) لعموم «المؤمنون
عند شروطهم» وهذا بيان المقتضي لنفوذ شرط البيع.
(٢) أي : لأنّ
اشتراط البيع يكون شرطا مؤكّدا لما دلّ على جواز البيع عند عروض المسوّغ.
(٣) أي : وليس
اشتراط البيع بمناف لمقتضى الوقف. وهذا إبطال للمانع عن صحة الشرط المزبور.
(٤) أي : لأنّ
التأبيد مقيّد تحسب جعل الشارع ـ بعدم عروض المسوّغ.
(٥) كذا في
نسختنا. وهو موافق لما في المقابس ، وفي بعض نسخ الكتاب «البيع» بدلا عن المنع ،
وهو أولى والمراد واضح.
(٦) معطوف على «كل
موضع» وهذا بيان الشق الثاني من التفصيل. يعني : وكل موضع لم نقل بجواز بيع الوقف
فيه لم نقل بجواز اشتراط البيع فيه ، لكون اشتراط جواز بيعه حينئذ منافيا لحقيقة
الوقف المتقومة بالتأبيد ، والشرط المخالف لمقتضى العقد فاسد ومفسد وإن لم نقل
بمفسدية الشرط الفاسد في سائر الموارد ، لأنّ الشرط المخالف لحقيقة العقد يخلّ
بقصد مضمون العقد ، ومع اختلال القصد لا عقد حتى يجب الوفاء به.
(٧) سقط هنا
أسطر من كلام المحقق الكركي ، وجملة «فلا يصح ... الخ» ليست نصّ عبارته ، وعلى كلّ
فمقصوده من قوله : «فلا يصح» دفع دخل أورده المحقق على نفسه ، وحاصل الدخل : قياس
شرط البيع ـ في غير المواضع التي يجوز فيها البيع ـ بموارد اخرى كشرط رجوع الوقف
إلى الواقف عند حاجته ، فكما يصحّ الشرط المزبور ويحكم بكونه حبسا ، فكذا في
المقام. ولا وجه للحكم ببطلان الشرط من جهة منافاته للتأبيد.
لأنّ (١) اشتراط شراء شيء بثمنه يكون وقفا مناف لذلك (٢) ، لاقتضائه (٣)
الخروج عن المالك ، فلا يكون (٤) وقفا ولا حبسا» انتهى.
أقول : [و]
يمكن أن يقال (٥)
______________________________________________________
وحاصل الدفع :
أن القياس مع الفارق ، ضرورة بقاء العين المحبوسة على ملك الحابس ، بخلاف المقام ،
لأنّ شرط الواقف البيع وتبديل العين بما يكون وقفا ينافي بقاء العين على ملكه ،
ومعه لا وجه لصحة شرط البيع. ومقتضاه فساد الإنشاء ، وعدم كونه حبسا ، لكون العين
في الحبس باقية على ملك الحابس ، فإذا بيعت كان ثمنها للحابس.
(١) تعليل لعدم
تعنون الإنشاء المزبور بكونه حبسا ، وتقدّم وجهه آنفا.
(٢) أي : لكونه
حبسا.
(٣) تعليل
للتنافي ، يعني : لأن اشتراط شراء شيء بالثمن يكون وقفا يقتضي خروج الثمن عن ملك
الحابس ، مع وضوح بقائه عليه.
(٤) هذا نتيجة
بطلان اشتراط البيع في الإنشاء ومبطليته للوقف ، وعدم وقوعه حبسا.
أمّا الأوّل
فلعدم قصد التأبيد المعتبر في حقيقة الوقف.
وأما الثاني
فلما تقدم آنفا من بقاء العين المحبوسة على ملك الحابس ، فلا يصحّ شراء شيء بثمنه
ووقفه ، لأنّه يقتضي خروج الثمن عن ملك مالك العين المحبوسة ، والمفروض بقاؤه على
ملكه فلا يصحّ وقفه.
(٥) غرضه
المناقشة في الشق الثاني من تفصيل جامع المقاصد ـ وهو قوله : «وما لا فلا للمنافاة»
ـ وحاصله : أنّ مجرّد عدم جواز البيع بدون الشرط في بعض المواضع ـ كما إذا كان
أعود وأصلح لأهل الوقف ـ لا يوجب عدم جوازه مع
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الشرط بعد وجود المقتضى له وفقد المانع عنه.
أمّا المقتضي
الذي اعترف المحقق الثاني قدسسره بوفائه بإثبات الجواز فامور : أحدها : عموم مكاتبة
الصفار ، وثانيها : عموم «المؤمنون عند شروطهم» وثالثها : نصّ خاص لم يتمسّك به في
جامع المقاصد.
أما تقريب
دلالة المكاتبة فهو : أن قوله عليهالسلام : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» إمضاء للوقف على حسب
الكيفية التي رسمها الواقف ، بمعنى كون الإمضاء مطابقا للإنشاء ، فإن جعله مطلقا
فمطلقا ، وإن جعله مشترطا بالسلطنة على البيع لمصلحة كان ممضى كذلك. وليس مدلول
المكاتبة تأسيس حكم تعبدي كحرمة بيع الوقف حتى يكون أجنبيا عن تنفيذ الشرط
المزبور.
وأما دلالة
عموم «المؤمنون عند شروطهم» فلظهور كلامه صلىاللهعليهوآلهوسلم في جعل التزام المؤمن بشرطه ، وعدم مفارقته له ولا
التخلف عنه. ومقتضى إطلاق كونه عند شرطه وجوب الوفاء بالشرط تكليفا ، وعدم نفوذ
هدمه ومخالفته وضعا. وحيث إن إنشاء الواقف متضمن للسلطنة على بيع الوقف لمطلق
المصلحة فهو شرط نافذ ، ويصح للموقوف عليهم العمل به.
وأمّا النصّ
الخاص ، فهو صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الحاكية لما أوقفه أمير المؤمنين عليه
أفضل صلوات المصلّين ، وسيأتي تقريب الاستشهاد به. هذا بيان المقتضي.
وأمّا عدم
المانع ، فلأنّ المانع المتوهّم منافاة شرط البيع للتأبيد المقوّم للوقف كما سبق
في كلام فخر المحققين والمحقق الثاني قدسسره. ولكن الظاهر عدم تحقيق التنافي هنا ، لأنّ شرط بيع
الوقف ينافي إطلاق الوقف لا مقتضاه وماهيّته.
وبيانه : أن
الشرط المأخوذ في العقد تارة يكون مضادّا لحقيقته ، كما إذا كان مفهوم البيع «تمليك
عين بعوض» فاشترط فيه أن يكون بلا ثمن ، وهو في قوة أن لا يكون البيع بيعا ،
وبطلانه واضح ، لامتناع قصد المتقابلين والمتضادّين. واستحالة
ـ بعد التمسّك (١) في الجواز بعموم «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» و(٢) «المؤمنون
عند شروطهم» ـ
______________________________________________________
إمضائهما شرعا حتى لو تحقق القصد من غير الملتفت.
واخرى يكون
منافيا لإطلاق العقد ، بحيث لو لا الاشتراط كان الإطلاق مقتضيا لذلك الأمر ،
كانصراف إطلاق عقد البيع إلى كون الثمن من نقد البلد ، فإن اشترط نقدا آخر كان
منافيا لهذا الإطلاق لا لذات البيع. وهكذا الحال في سائر العقود.
والظاهر أن
التنافي بين الوقف وشرط البيع يكون من القسم الثاني ، بمعنى : أن الوقف ـ على
تقدير عدم تقييده بشيء ـ يقتضي التأبيد ، فلا تأبيد مع شرط الواقف. وهذا يؤكّد
ثبوت العقد لا أنه ينافيه. وهو نظير شرط الرجوع في الهبة ، وشرط خيار الفسخ في
المعاملة في كونه منافيا للزوم العقد لا لحقيقته.
والشاهد على
اجتماع الوقف مع جواز البيع هو بقاء وقفية العين عند التجرد عن الشرط وطروء حالة
احرز كونها مسوّغة للبيع ، وأنّ المبطل لوقفيتها إنشاء البيع خارجا ، لا تجويز
بيعها شرعا.
نعم بناء على
كون جواز البيع مضادا لحقيقة الوقف ـ كما اختاره صاحب الجواهر قدسسره ـ كان شرط البيع مضادا لحقيقة الوقف ، لكن تقدم في أوّل المسألة منعه ،
فراجع.
والمتحصل : أن
المقتضي لمشروعية شرط البيع موجود ، والمانع عنه مفقود ، من دون تفصيل بين
القسمين.
(١) كما تمسّك
المحقق الثاني قدسسره وغيره بهذا العموم ، وغرضه إثبات المقتضي لصحة الشرط.
(٢) معطوف على «عموم»
أي : وبعموم «المؤمنون». والتعبير بالعموم لأجل عدم ورودهما في خصوص شرط بيع
الوقف.
بعدم (١) ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضى الوقف ،
______________________________________________________
(١) متعلق ب «يقال»
وهذا ناظر إلى نفي المانع عن شمول العمومين المزبورين لشرط البيع ، والمانع هو التنافي
المذكور في جامع المقاصد.
وليس قوله : «بعدم»
مناقشة اخرى في تفصيل المحقق الثاني ، بل هو متمم للمناقشة ، لوضوح أنّ مجرد عموم «الوقوف»
و«المؤمنون» لا يصلح دليلا لنفوذ شرط البيع ، ما لم يحرز عدم منافاة الشرط لمقتضى
الوقف ، إذ مع منافاته له يبطل عند الكلّ.
فإن قلت : إن
التعبير ب «عدم ثبوت» لا يجدي في رفع المانع ، فيشكل بأنّ المناط في التمسك بدليل
الشروط هو إحراز عدم التنافي بين الشرط ومقتضى العقد لا احتماله.
وكما لا وجه
للتمسك بأدلة الوقوف والشروط في فرض العلم بالمنافاة كما هو واضح ، فكذلك في فرض
الشك فيها. أما بالنسبة إلى عموم «الوقوف» فللشك في عقديته ، إذ لو كان الشرط
منافيا واقعا لم يكن عقد حتى يمضى شرطه الضمني. وأما بالنسبة إلى عموم «المؤمنون»
فلتعنون الشرط بعدم كونه مخالفا لمقتضى العقد.
وعليه فلا بد
من إثبات عدم التنافي ، ثم التمسك بدليلي الوقوف والشروط ، إذ التمسك بهما حينئذ
يكون تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية. ويتعيّن الرجوع إلى الاصول العملية ،
ومقتضاها في المقام عدم جواز البيع للاستصحاب.
قلت : نعم ،
مجرد عدم ثبوت التنافي لا يكفي في التمسك بالعمومين ، إلّا أن غرض المصنف قدسسره ـ بقرينة الاستشهاد بجواز بيع الوقف بطروء المسوّغ ـ هو ثبوت عدم التنافي ،
وإنّما عبّر بعدم الثبوت «تنزيلا على هو المتعارف في المخاصمات عند المتأدبين من
عدم المسارعة إلى الإنكار» .
__________________
فلعلّه (١) مناف لإطلاقه (٢) ، ولذا (٣) يجتمع الوقف مع جواز البيع عند
طروء مسوّغاته ، فإنّ التحقيق ـ كما عرفت سابقا (٤) ـ أنّ جواز البيع لا يبطل
الوقف ، بل هو وقف يجوز بيعه ، فإذا بيع خرج عن كونه وقفا.
ثمّ إنّه لو
سلّم (٥) المنافاة فإنّما هو بيعه للبطن الموجود وأكل ثمنه.
______________________________________________________
(١) أي : فلعلّ
شرط جواز البيع ، وهذا أيضا لتعيين المنافاة للإطلاق ، لا لمقتضى الوقف ، وليس
المراد مجرد احتمال التنافي للإطلاق ، وتقدم في توضيح عدم المانع الفرق بين منافاة
شرط البيع لماهية الوقف ، فيبطل ، وبين منافاته لإطلاقه فيصح.
(٢) لاقتضاء
إطلاق الوقف التأبيد ، وعدم سلطنة الموقوف عليهم على إبطاله بالبيع.
(٣) أي : ولأجل
منافاة جواز البيع للإطلاق ـ لا للحقيقة ـ يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طروء
مسوّغاته ، وهذا الاجتماع ظاهر قول المحقق الثاني قدسسره : «إن كل موضع يجوز فيه بيع الوقف» ، فيمكن إلزامه بصحة شرط البيع أيضا ، لنفوذ الشرط
المخالف لإطلاق العقد.
(٤) يعني : قبل
التعرض لكلام الشيخ الكبير وصاحب الجواهر قدسسرهما ، حيث قال : «ثم إنّ جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف
إلى أن يباع ، فالوقف يبطل بنفس البيع ، لا بجوازه ...» فراجع .
(٥) هذا وجه
ثان للخدشة في المنافاة المتقدمة في كلام المحقق الثاني قدسسره ، ومحصله : أن تعليل بطلان شرط البيع بالتنافي أخص من
المدعى ، توضيحه : أن المواضع التي جوّز الشارع فيها بيع الوقف ـ بنظر المحقق
الثاني قدسسره ـ على نحوين :
__________________
وأمّا تبديله بوقف آخر (١) فلا تنافي بينه (٢) وبين الوقف.
فمعنى كونه
حبسا (٣) : كونه محبوسا من أن يتصرّف فيه بعض طبقات
______________________________________________________
فتارة يجب شراء
البدل بالثمن ، وهما موضعان ، أحدهما : خراب الوقف واضمحلاله. وثانيهما : حصول خلف
بين أربابه.
واخرى لا يجب
التبديل ، لكون الغرض من تجويز البيع صرف الثمن في حاجة أرباب الوقف ، إذا لحقهم
حاجة شديدة ولم يكن ما يكفيهم من غلّة وغيرها.
وعلى هذا ، فإن
لم يكن شرط سلطنة الموقوف عليهم على البيع منافيا لماهية الوقف ـ بأن كان منافيا
لإطلاقه وعدم تقييده ـ فلا كلام كما مرّ في الوجه الأوّل.
وإن كان الشرط
المزبور منافيا لمفهوم الوقف ـ وهو حبس العين أبدا وتسبيل الثمرة ـ كان لازمه
التفصيل بين أنحاء شرط البيع ، بأن يقال : إن كان الغرض من الشرط صيرورة الثمن
ملكا طلقا للبطن الموجود ـ كما في مورد جواز البيع لرفع الحاجة والضرورة ـ كان
منافيا لمقتضى الإنشاء من التأبيد وبقاء العين مهما أمكن لتدرّ منافعها على
البطون. وإن كان المقصود من الشرط تبديل الوقف وتعلق حق البطون بالبدل على حدّ
تعلقه بالمبدل لم يكن الشرط مضادا للتأبيد. ومن المعلوم أنّ المواضع المعدودة في
قواعد العلّامة قدسسره قد صرّح فيها بشراء بدل الوقف بالثمن ، كالبيع فرارا من
زيادة الخراج.
وعليه فلا وجه
لمنع شرط البيع في جميع الموارد بزعم المنافاة ، بل ينبغي التفصيل بين المواضع ،
مع أنّ المحقق الثاني قدسسره لم يفصّل بينها.
(١) كما هو
صريح كلام العلّامة قدسسره : «ولو شرط بيعه عند الضرر ... وشراء غيره بثمنه ...».
(٢) أي : بين
التبديل المستند إلى الشرط.
(٣) هذه الجملة
دفع دخل مقدّر يرد على قوله : «فلا تنافي بينه وبين الوقف» وتقريب الدخل : أنّ شرط
بيع الوقف وتبديله بوقف آخر ـ كما اذا
.................................................................................................
______________________________________________________
شرط البيع عند الخراب أو الفتنة ـ ينافي مفهوم الوقف ، كمنافاته له إذا شرط
البيع بالحاجة إلى الثمن.
ووجه المنافاة
: أن حقيقة الوقف عندهم «تحبيس الأصل ـ أي عين خاصة ـ وتسبيل المنفعة» والمراد من
حبسها هو المنع عن النقل والانتقال ، ومن المعلوم امتناع القصد إلى المتنافيين ،
وهما : إنشاء الحبس ، وإنشاء السلطنة على عدم الحبس بالبيع.
والحاصل : أنّ
الشرط المزبور يضاد مفهوم الوقف ، لا إطلاقه حتى يقال بجوازه ونفوذه بعموم أدلة
الشروط.
وتقريب الدفع :
أنّ معنى الوقف وإن كان تحبيس الأصل ، إلّا أن حبس عين خاصة على نحوين ، فتارة
يكون المراد حبس شخصها مطلقا ، فلا محالة يكون اشتراط جواز بيعها والتصرف فيها
منافيا لوقفها بذاتها.
واخرى يكون
المراد حبسها مقيّدا ، بمعنى منع تصرف بعض البطون في العين الموقوفة على وجه تصرف
المالك في ملكه الطلق من بيعه متى شاء ، وتصرفه في الثمن كيفما شاء. ولا منافاة
حينئذ بين الوقف وبين شرط البيع عند عروض مصلحة ، كما لا منافاة بينه وبين حصول
مسوّغ شرعي للبيع كالخراب ، فكأنّه قال : «حبست هذه العين عن التصرفات المالكية
كبيعها متى شاء أهل الوقف من دون استبدالها بعين اخرى ، وشرطت بيعها عند عروض كذا
واستبدالها. أي حبستها بنفسها أو ببدلها».
وعليه فكون وقف
العين بمعنى حبسها بشخصها هو مقتضى الإطلاق ، وعدم اشتراط حبسها بما هي مال ، بأن
يقول : «وقفت هذه الدار على ذريتي» لظهور ترك التقييد بالتبديل ـ عند عروض مصلحة ـ
في حبس نفس العين بخصوصيتها ، فلو اشترط جواز التبديل كان قرينة على التوسعة في
الحبس وتعلقه بماليتها لا بشخصها ،
الملّاك على نحو الملك المطلق (١). وأمّا حبس شخص (٢) الوقف فهو لازم
لإطلاقه (٣) وتجرّده عن مسوّغات الإبدال ، شرعية كانت كخوف الخراب ، أو بجعل
الواقف كالاشتراط في متن العقد ، فتأمّل (٤).
______________________________________________________
كما إذا قال : «حبستها بنفسها أو ببدلها».
فالمتحصل : عدم
التنافي ـ في موارد اشتراط التبديل ـ بين مفهوم الوقف وبين الشرط ، هذا تمام ما
أفاده المصنف في ردّ تفصيل المحقق الثاني قدسسره بين أنحاء الشرط.
ومنه ظهر مختار
المصنف في المسألة ، وسيأتي الاستدلال على نفوذ الشرط بالنص الخاص.
(١) لجواز
التصرف في الملك المطلق بالبيع والهبة ونحوهما متى شاء المالك ، ثم التصرف في ثمن
البيع كذلك. ولكن البطون ممنوعة من هذا النحو من التصرف في العين الموقوفة.
(٢) أي : حبس
شخص العين متفرع على إطلاق الحبس وتجرده عما يجوّز البيع ، إمّا بجعل الشارع
كالخراب وشبهه ، أو بجعل الواقف كمورد الاشتراط في متن العقد.
ونظير الوقف في
اللزوم والجواز عقد البيع ، فقد يكون جائزا فيما لو اشترط فيه الخيار لجهة ، أو
حكم الشارع بجواز الفسخ كما لو تبيّن كون المبيع معيبا. وقد يكون لازما كما إذا
بقي على إطلاقه ، ولم يحدث بعده أمر مسوّغ للفسخ شرعا ، هذا.
(٣) في قبال
التصريح في الوقف بحبس العين أو بدلها عند طروء المسوّغات ، فلا يكون شخص العين
محبوسا حينئذ.
(٤) لعلّه
إشارة إلى عدم تعدد الوقف بالنسبة إلى العين الموقوفة وبدلها بعد البيع ، بل
الوقفية تنشأ بالنسبة إلى نفس العين. وعليه فإن كان حبس شخصها مقتضى إطلاق العقد
صحّ اشتراط البيع حتى مع أكل الثمن. وإن كان مقتضى مطلق الوقف لم يصح حتى لو شرط
كون الثمن وقفا.
ثمّ إنّه روى (١)
صحيحا في الكافي ما ذكره أمير المؤمنين عليهالسلام في كيفية وقف
______________________________________________________
أو إلى : أنّ
شرط جواز البيع بدون المسوّغات الشرعية قد ينافي ما أفاده المصنف قدسسره في الأمر الرابع مما يعتبر في صحة الشرط ـ وهو عدم
مخالفته للكتاب والسنة ـ من أن حكم الموضوع قد يثبت من حيث الذات ومجرّدا عن
العناوين الطارئة عليه كالمباحات ، فينفذ الشرط ، لكونه مغيّرا لموضوع الدليل ،
كتغيره بعروض عنوان عليه كالمقدمية أو النذر أو إطاعة الوالدين. وقد يثبت الحكم
للموضوع على نحو لوازم الماهية بأن كان لدليله عموم أو إطلاق ناظر إلى العناوين
الخارجية الطارئة عليه ، كغالب المحرمات والواجبات ، فيكون اشتراط خلافه التزاما
بما خالف الكتاب والسنة ، لما تقدم في أوائل المسألة من أن منع البيع وصف لنوع
الوقف ، حيث قال قدسسره : «وإن كان الإنصاف ما ذكرنا من ظهور سياق الأوصاف في
كونها أوصافا للنوع» هذا.
(١) لا بأس
بنقل جمل من صدر الرواية عن الكافي ، وهي : أن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : «بعث
إليّ أبو الحسن موسى عليهالسلام بوصية أمير المؤمنين عليهالسلام ، وهي : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصى به وقضى
به في ماله عبد الله عليّ ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار ،
ويصرف النار عنّي ، يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه : أنّ ما كان لي من مال بينبع ـ
يعرف لي فيها وما حولها ـ صدقة ورقيقها ... إلى أن قال عليهالسلام : وإنّ الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة ، حيّا
أنا أو ميّتا ، ينفق في كلّ نفقة يبتغى بها وجه الله في سبيل الله ووجهه ، وذوي
الرّحم من بني هاشم وبني المطّلب ، والقريب والبعيد ، فإنّه يقوم على ذلك الحسن بن
عليّ ، يأكل منه بالمعروف ، وينفقه حيث يراه الله عزوجل في حلّ محلّل لا حرج عليه فيه. فإن أراد ...» إلى آخر
ما في المتن.
__________________
ماله في عين ينبع (١) ، وفيه (٢) : «فإن أراد ـ يعني الحسن عليهالسلام ـ أن يبيع نصيبا من (٣) المال ليقضي (٤) [فيقضي] به الدين فليفعل إن شاء ،
______________________________________________________
ومورد
الاستدلال بهذه الصحيحة فقرتان أو ثلاث.
(١) قال
العلّامة الطريحي قدسسره : «وينبع ـ بالفتح فالسكون وضم الموحدة ـ قرية كبيرة
بها حصن ، على سبع مراحل من المدينة ، نقل : أنّه لما قسّم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الفيء أصاب علي عليهالسلام أرضا ، فاحتفر عينا ، فخرج منها ماء ينبع في الماء ،
كهيئة عنق البعير ، فسمّاها عين ينبع» .
وقال ابن منظور
: «وبناحية الحجاز عين ماء يقال لها ينبع ، تسقي نخيلا لآل علي بن أبي طالب» .
وقال
الفيروزآبادي : «ينبع ك ـ ينصر ـ حصن له عيون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر» .
(٢) أي : وفي
ما ذكره أمير المؤمنين عليهالسلام في كيفية الوقف هو قوله عليهالسلام : «فإن أراد ... الخ».
(٣) أي : نصيبا
من أعيان الوقف ، وهذه الفقرة مما يستدل بها على ما نحن فيه من جواز الاشتراط في
ضمن الوقف ، بإعطاء السلطنة للموقوف عليه على البيع. وسيأتي في آخر الكلام المحامل
المذكورة في كلمات الفقهاء.
(٤) كذا في
نسختنا ، ولكن في الكافي والتهذيب والوسائل : «فيقضي».
ويمكن
الاستدلال بهذه الجملة على جواز بيع الوقف لحاجة البطن الموجود ، وصرف ثمنه في رفع
تلك الحاجة ، فتأمّل.
__________________
لا حرج عليه (١) فيه. وإن شاء (٢) جعله شروى (٣) [سري] الملك. وإنّ (٤) ولد
عليّ ومواليهم وأموالهم إلى الحسن بن علي. وإن كانت (٥) دار الحسن بن علي
______________________________________________________
(١) أي : لا
حرج على الإمام المجتبى عليه الصلاة والسلام في بيع نصيب من أعيان الموقوفة لأجل
أداء ما عليه من ديون.
(٢) أي : وإن
أحبّ الإمام المجتبى عليهالسلام جعل نصيبا من الوقف ملكا خالصا لنفسه. وهذه فقرة ثانية
تدل على جعل السلطنة على إبطال بعض الوقف.
(٣) كذا في
نسختنا ، ولكن في الكافي «سري الملك» وفي الوسائل نقلا عن التهذيب «شروى الملك»
وكذا في الوافي. ولكن الموجود في التهذيب «شراء الملك».
وكيف كان فمعنى
«السري» النفيس والرفيع ، فالمراد ب «سري الملك» شريف الملك ورفيعه ، وهذا
كناية عن جعل الوقف ملكا طلقا ، فإنّ رفعة الملك وشرافته بتمامية سلطنة المالك
عليه ، وهو يستلزم بطلان الوقف حينئذ ، وهو أعلى من شرط البيع ، فلاحظ.
ومعنى «شروى
الملك» مثله ، يعني : يجعل الوقف كالملك الطّلق يتصرف فيه بما شاء.
(٤) الجملة
مستأنفة أو معطوفة على «فإن أراد» يعني : ورد في هذه الصحيحة : أنّ أمر ولد عليّ عليهالسلام وأموالهم بيد الحسن عليهالسلام ، وليس المقصود تعيين الناظر للوقف ، لما تقدم بقوله عليهالسلام : «وأنه يقوم على ذلك الحسن» فالمراد هنا جعل الولاية
بمعنى آخر.
(٥) يعني : وإن
كان الإمام المجتبى عليهالسلام ساكنا في غير دار الصدقة ، ولم يكن محتاجا إلى سكناها ،
فإن أراد عليهالسلام أن يبيع دار الصدقة ويقسّم ثمنها أثلاثا فليفعل.
__________________
غير دار الصدقة ، فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء (١) ، [و] (٢) لا حرج
عليه فيه. فإن باع فإنّه يقسّم ثمنها ثلاثة أثلاث ، فيجعل ثلثا في سبيل الله ،
ويجعل ثلثا في بني هاشم وبني المطّلب ، وثلثا في آل أبي طالب ، وإنّه (٣) يضعه
فيهم حيث يراه الله».
ثم قال : «وإن
حدث (٤) في الحسن أوفي الحسين حدث ، فإنّ الآخر منهما ينظر في بني عليّ».
______________________________________________________
وقد يستشهد
بهذه الفقرة أيضا على جواز بيع الوقف بالشرط ، بتقريب : أن المراد بدار الصدقة دار
موقوفة ، بأن كانت في جملة ما أوقفه أمير المؤمنين عليهالسلام لسكنى الإمام المجتبى عليهالسلام ، وجعل سلطنة بيع هذه الدار له عليهالسلام إن لم يتخذها مسكنا لنفسه.
ويحتمل بعيدا
إرادة بيع غير دار الصدقة من الدار المملوكة للإمام المجتبى صلوات الله وسلامه
عليه ، ويكون تقسيم ثمنها حينئذ شرطا من الواقف على الموقوف عليه في ضمن عقد
الوقف.
(١) فكأنّه عليهالسلام وقف الدار بهذه الكيفية : «هذه وقف على أبي محمد الحسن عليهالسلام وإن استغنى عن سكناها جاز له بيعها».
(٢) كذا في
النسخ ، وليست «الواو» في الكافي والتهذيب والوسائل.
(٣) يعني :
وإنّ الإمام المجتبى عليهالسلام القائم بالوقف يضع الحصص على حسب ما يراه ، ومقتضاه عدم
اعتبار المساواة في تقسيم ثلث بني هاشم ، وثلث آل أبي طالب.
(٤) كذا في نسخ
الكتاب ، ولكن في الكافي والتهذيب والوسائل : «وإن حدث بحسن وحسين». وحاصله : أنّ
أمير المؤمنين عليهالسلام جعل ولاية الوقف للسبطين عليهماالسلام مقدّما للأكبر منهما ، ثم شرط على سيد الشهداء عليهالسلام أن ينصب قيّما على الوقف من سائر أولاد أمير المؤمنين عليهالسلام من كان مرضيا في هداه وإسلامه وأمانته ، وإلّا ففي
أولاد السبطين عليهماالسلام كذلك ، وإلّا ففي رجل من آل أبي طالب وذوي آرائهم ،
وإلّا ففي رجل من بني هاشم ، مع الاشتراط على كل واحد من
إلى أن قال : «فإنّه
يجعله في رجل يرضاه من بني هاشم ، وإنّه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك [هذا] (١)
المال (٢) على اصوله ، وينفق الثمرة (٣) حيث أمره به من سبيل الله ووجهه ، وذوي
الرّحم من بني هاشم وبني المطّلب والقريب والبعيد ، لا يباع شيء منه ولا يوهب ولا
يورث ...» الرواية (٤) .
وظاهرها (٥)
جواز اشتراط البيع في الوقف لنفس البطن الموجود ،
______________________________________________________
الأولياء العمل بما رسمه عليهالسلام ، وعدم بيعه ، فيكون جواز البيع مختصّا بالسبطين عليهماالسلام.
(١) كذا في
نسختنا ، وليست كلمة «هذا» في الكافي والتهذيب والوسائل.
(٢) أي : ترك
الأعيان الموقوفة ، والمراد بتركها عدم بيعها ، بأن يبقيها على حالها لينتفع
البطون بمنافعها ، فيكون شرط البيع مختصّا بالحسنين صلوات الله عليهما.
(٣) كذا في
نسختنا وجملة من النسخ ، وهو موافق لما في التهذيب والوسائل ، ولكن في الكافي «وينفق
ثمره حيث أمرته به».
(٤) يعني : أن
للصحيحة تتمة ، وفي آخرها تاريخ كتابة صورة الوقف ومكانها والشهود عليها ، وهي «هذا
ما قضى به علىّ في ماله ، الغد من يوم قدم مسكن ، شهد أبو شمر بن أبرهة ، وصعصعة
بن صوحان ، وسعيد بن قيس ، وهياج ابن أبي الهياج. وكتب علىّ بن أبي طالب بيده لعشر
خلون من جمادى الاولى سنة سبع وثلاثين».
(٥) تقدم آنفا
وجه ظهور فقرات ثلاث من هذه الصحيحة في جواز شرط البيع.
أولاها : قوله عليهالسلام : «فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين ،
فليفعل إن شاء».
ثانيتها : قوله
عليهالسلام : «وإن شاء جعله سريّ الملك».
__________________
فضلا (١) عن البيع لجميع البطون ، وصرف ثمنه فيما ينتفعون به. والسند صحيح
، والتأويل مشكل (٢) ،
______________________________________________________
ثالثتها : قوله
عليهالسلام : «وإن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فلبيعها
إن شاء». ولكن أمير المؤمنين عليهالسلام شرط في هذه الفقرة توزيع الثمن على وجه خاص ، ولم يجعله
مختصّا بالإمام المجتبى عليهالسلام.
(١) الوجه في
الإتيان ب «فضلا» هو أن البيع لأجل صرف الثمن في منفعة جميع البطون أقرب إلى غرض
الواقف من جواز بيعه واختصاص الثمن بالبطن الموجود. وكيفية اجتماع البطون على
البيع تكون بقيام وليّ البطون اللاحقة بالبيع بانضمام البطن الموجود.
(٢) يعني : بعد
تمامية أصالتي الصدور والظهور يشكل تأويل الصحيحة حتى تكون أجنبية عن المقام ، وهو
شرط البيع في الوقف.
وقد قيل في
توجيه قوله عليهالسلام : «فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال ، فليبع» امور :
الأوّل : أنّ
ما كتبه أمير المؤمنين عليهالسلام محمول على الوصية وأجنبي عن الوقف ، بشهادة جملتين :
إحداهما : قوله
عليهالسلام : «هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد الله عليّ ...».
وثانيتهما :
قوله في أواخرها : «ولا يحلّ لامرء مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يغيّر شيئا
مما أوصيت به في مالي ...» ولا مانع من استثناء بعض المال للوصي. فغرضه عليهالسلام الإيصاء بالأموال المدرجة في كتابه لمن يقوم بالأمر
بعده.
وفيه : أن كلمة
«الوصية» وردت في أثناء الكتاب مقترنة بما يدل على الوقف المصطلح ، وهو قوله عليهالسلام : «وإن الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة ، حيّا
أنا أو ميّتا» فإنّ الصدقة الموصوفة بكونها بتلة ـ أي منقطعة عن المتصدق حال حياته
وخارجة عن ملكه ـ لا تنطبق إلّا على الوقف ، ضرورة جواز التصرف
.................................................................................................
______________________________________________________
والرجوع في الوصية قبل الممات. فحملها على التأكيد في وصية ما كتبه عليهالسلام ينافي قوله عليهالسلام : «حيّا أنا أو ميّتا».
وعليه فلا بد
من رفع اليد عن معنى «الوصية» في الفقرتين المتقدمتين ، بأن لا يكون المراد بها ما
استقر عليه اصطلاح الفقهاء من العهد بشيء بعد الموت ، بل المراد ما بعمّ ذلك
وتدبير شئون أمواله ، سواء أكان تصرفه منجّزا أم معلّقا ، فيكتبها بعنوان الإيصاء
لمن يقوم بالأمر بعده ، ومعناه جعل كل واحد ـ مما كتبه ـ في موقعه ، وهذا المعنى
شائع في الاستعمال.
الثاني : أنه عليهالسلام وهب الأموال لهما عليهماالسلام ، وكتب الوقف لنوع المصلحة ، كذا احتمله العلّامة
المجلسي قدسسره ، ولكنه خلاف الظاهر جدّا ، مع عدم قرينة عليه ، فلا
يصار إليه.
الثالث : أنه عليهالسلام اشترط بيع الحاصل من الوقف وثمرته لأداء الدين ، لا بيع
الرقبة ، كما احتمله العلّامة المجلسي قدسسره أيضا وغيره .
وفيه : أن
المناسب لذلك التعبير ب «فإن أراد أن يقضي به الدين فلا حرج عليه» ليكون مناسبا
لقوله قبله : «يقوم على ذلك الحسن بن على ، ويأكل منه بالمعروف وينفقه حيث يريد ...
في حلّ محلل لا حرج عليه» ولا حاجة إلى التصريح بكلمة البيع مقدمة لقضاء الدين ،
إذ لمّا كان المال الموقوف من الضياع والمزارع كان أكله بالمعروف في كل وجه محلل ،
وكذا أداء الدين منوطا ببيع بعض الحاصل ، فذكر البيع والعدول عن الضمير إلى الاسم
الظاهر ـ وهو نصيب من المال ـ يدلّان على جواز بيع نفس الوقف.
الرابع : أنّ
غاية ما يدل عليه هو جواز بيع الوقف عند الحاجة كأداء الدين ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لا مطلقا كما هو مورد البحث ، فيكون الصحيح أخصّ من المدّعى ، وهو جواز شرط
البيع لكلّ مصلحة .
ولكنّه غير
ظاهر أيضا ، لما تقدّم في شرح فقرات الصحيحة من ظهور كلام أمير المؤمنين عليهالسلام في إعطاء السلطنة على البيع ، وهذا هو الاشتراط. وقرينة
حصر التمكن من وفاء الدين في بيع نصيب من الوقف مفقودة. ولو سلّم لم يجر هذا
الاحتمال في تجويزه عليهالسلام اتّخاذ نفس الوقف سري الملك ، لعدم فرض الحاجة فيه إلى
بيعه مقدمة لرفع الضرورة.
الخامس : أنّ
النصيب الذي جاز بيعه لهما عليهماالسلام خارج من الوقف ، بمعنى أنّ الأمير عليهالسلام وقف أمواله بينبع واستثنى نصيبا منها ، وفوّض تعيين
النصيب إلى السبطين عليهماالسلام ، فيتوقف تحديد مقدار الموقوف أيضا على تعيين ذلك
النصيب ، ولا مانع منه ، فان الوقوف على حسب ما يقفها أهلها ، كذا أفاده في
المقابس .
ولكن مخالفته
لظاهر الصحيحة من كون النصيب من جملة الأموال الموقوفة وعدم استثنائه منها مما لا
تنكر.
هذا ما قيل في
حمل بيع نصيب من المال.
وأمّا قوله عليهالسلام : «وإن شاء جعله سري الملك» فاستقرب صاحب المقابس قدسسره أنّ الإذن في جعل الوقف مثل الملك وقع على وجه المبالغة
في أمر التولية ، وفي استحقاقهما عليهماالسلام للمنافع. وكان أمير المؤمنين عليهالسلام عالما بأنّهما لا يفعلان إلّا ما هو الصحيح المشروع ،
ولا يقتطعان شيئا من الوقف ، هذا.
ولكنك خبير
ببعد هذا الحمل ، لعدم قرينة عليه ، مع كونه في سياق قوله عليهالسلام : «فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال» وقد استبعد صاحب
المقابس حمله على الإذن
__________________
والعمل أشكل (١).
______________________________________________________
في أداء الدين من الوقف ، فراجع المقابس .
وأمّا قوله عليهالسلام : «وإن كان دار الحسن غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها»
فقد يؤوّل ـ كما في المقابس أيضا ـ بأنّ دار الصدقة غير داخلة في الأموال التي حكم
عليها في أوّل هذا الخبر بأنّها صدقة واجبة بتلة ، لأنّ الموقوف هو ماله بينبع وما
حولها وبوادي القري وبديمة وبأذينة ، وكلّها ضياع ومزارع ، ولم تشتمل على دار
يسكنها الإمام المجتبى عليهالسلام. وحينئذ فلعلّ دار الصدقة التي فوّض أمرها إلى الإمام
المجتبى عليهالسلام كانت دارا جعل له سكناها ما دامت الحاجة ، وبعده عليهالسلام بعنوان الوصية يفعل ما أمره عليهالسلام به ، ومن المعلوم أن «الصدقة» كما تطلق على الوقف كذلك
تطلق على السكنى والرقبى والعمرى ، هذا.
ولكن يمكن
ترجيح احتمال إرادة الموقوفة من «دار الصدقة» بما في ذيل الصحيحة من أمره عليهالسلام بأن يترك المال ولا يباع منه شيء ولا يوهب ولا يورث ،
فيكون شرط البيع توسعة للسبطين عليهماالسلام تشريفا لهما.
(١) لإعراض
المشهور عنه ، بل ادعى العلّامة المجلسي قدسسره مخالفة الصحيحة للمقطوع به عند الأصحاب ، ومن المعلوم أن عدم الاعتناء بما قطعوا به في غاية
الإشكال كما لا يخفى على أهله. خصوصا مع ورودها في بيع الوقف العام ، وتقدم منع
بيعه.
هذا تمام
الكلام في حكم الصورة السادسة ، وتحصّل أن الاشتراط مجوّز للبيع ، عملا بأدلة
الشروط وبعموم «الوقوف».
__________________
الصورة السابعة
: أن يؤدّي بقاؤه إلى خرابه علما أو ظنّا (١) (*)
______________________________________________________
الصورة السابعة : أداء بقاء الوقف إلى
خوف الخراب
(١) تقدم في
الصورة الاولى الفرق بينها وبين هذه الصورة ، وأنّ مفروض الكلام هنا عدم الخراب
فعلا ، وإنّما يخاف خراب الموقوفة لو بقيت على حالها. وتقدم في نقل الأقوال ما
استظهره المصنف من وحدة مضمون تعابير الفقهاء بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه تارة ،
وبخوفه اخرى ، وبخشيته ثالثة ، وقال : «فظهر من ذلك أنّ جواز البيع بظنّ تأدية
بقائه إلى خرابه ممّا تحققت فيه الشهرة بين المجوّزين» .
وعنوان هذه
الصورة بنحو الإطلاق ـ في قبال من قيّد جواز البيع بكون منشئه خلف أرباب الوقف ـ
موافق لما في المقابس من قوله : «الصورة الثالثة : أن يباع خوفا من أن يؤول إلى
الخراب أو التلف ، وفيها أيضا أقوال .... ثالثها : الجواز في المؤبّد أو مطلقا ،
وهو قول الشيخ وابن سعيد في كتابيه ... الخ» واختاره هو قدسسره فراجع .
__________________
__________________
وهو المعبّر عنه ب «خوف الخراب» في كثير من العبائر المتقدمة (١).
والأداء إلى
الخراب (٢) قد يكون للخلف (٣) بين أربابه ، وقد يكون (٤) لا له.
______________________________________________________
ثمّ إنّ المصنف
قدسسره قسّم هذه الصورة تارة بالنظر إلى منشأ خوف خراب الوقف ،
واخرى بالنظر إلى ما يبقى من المنفعة بعد الخراب.
أما التقسيم
الأوّل فمنشأ الأداء إلى الخراب إمّا خلف الموقوف عليهم ، وإمّا غيره كعدم تمكنهم
من عمارة الوقف وترميمه ، فهنا فرضان.
وأما التقسيم
الثاني فله فرضان أيضا ، ضرورة أن الخراب المعلوم أو المظنون قد يبلغ حدّا تسقط
العين به عن الانتفاع المعتدّ به ، فالباقي كالمعدوم ، وقد لا يبلغ هذا الحد ،
وإنما يوجب نقص المنفعة. فهذه فروض أربعة ستأتي أحكامها.
(١) ففي
المبسوط : «إذا خيف على الوقف الخراب» وفي الغنية «خيف خرابه» وقريب منهما ما في
الوسيلة وفقه القرآن وجامع الشرائع والنزهة ووقف الشرائع ، والقواعد ، والتحرير
والإرشاد ، وبيع التذكرة والدروس .
(٢) هذا هو
المقسم الأوّل ، وهو باعتبار منشأ الأول إلى الخراب.
(٣) هذا أول
الفرضين من المقسم الأوّل ، كما تقدم. وإسناد الخراب إلى الخلف مبني على الغالب من
كون الاختلاف موجبا لترك الإقدام على ترميم الوقف ، فيؤول الأمر إلى الخراب ،
وإلّا فلا ملازمة بين الخلف والخراب كما هو واضح.
(٤) أي : قد
يكون الخراب لا للخلف بين الأرباب ، بل لموجب آخر.
__________________
__________________
والخراب
المعلوم (١) (*) أو المخوف قد يكون على حدّ سقوطه من الانتفاع نفعا معتدّا به ،
وقد يكون على وجه نقص المنفعة.
وأمّا (٢) إذا
فرض جواز الانتفاع به بعد الخراب بوجه آخر ، كانتفاعه السابق أو أزيد ، فلا يجوز
بيعه ، إلّا على ما استظهره بعض من تقدّم كلامه سابقا (٣) : من أنّ تغيّر عنوان
الوقف يسوّغ بيعه ،
______________________________________________________
(١) هذا هو
المقسم الثاني ، وهو باعتبار خراب الوقف كليّة ، أو بما يبقى مقدار معتد به من
المنفعة.
(٢) هذا فرض
ثالث من المقسم الثاني ، وغرضه قدسسره استثناء هذا الفرض من موضوع البحث في الصورة السابعة ،
أعني به كون الخراب موجبا لنقص المنفعة أو لقلته بما لا يعتد به.
ومحصل هذا
الفرض : ما إذا أمكن الانتفاع بالوقف ـ بعد خرابه ـ بوجه آخر ، كالبستان الذي يبست
أشجاره فقطعت ، فأجرت العرصة للزراعة مثلا ، وكانت الاجرة أزيد من عوائد البستان
أو مثلها. وحكم هذا الفرض عدم جواز بيع الوقف حينئذ ، إلّا على مبنى صاحب الجواهر قدسسره من بطلان وقفية العين بانعدام عنوانها الملحوظ حين
الوقف ، وقد تقدم تفصيله في الصورة الثانية ، فراجع.
والحاصل : أن
موضوع البحث في الصورة السابعة هو ندرة المنفعة بعد الخراب ، أو مجرد نقصها وإن
كانت معتنى بها.
(٣) حيث قال : «ثم
ذكر ـ يعني صاحب الجواهر ـ أنّه قد يقال بالبطلان أيضا بانعدام عنوان الوقف ، فيما
إذا وقف بستانا مثلا ملاحظا في عنوان وقفه البستانية» فراجع (ص ٣٠).
__________________
وقد عرفت (١) ضعفه.
وقد عرفت (٢)
من عبارة جماعة تجويز البيع في صورة التأدية إلى الخراب ولو لغير الاختلاف ، ومن
اخرى تقييدهم به.
الصورة الثامنة
: أن يقع بين الموقوف عليهم إختلاف لا يؤمن معه تلف المال أو النفس (٣) ،
______________________________________________________
(١) بقوله : «أقول
: يرد على ما قد يقال بعد الإجماع على أنّ انعدام العنوان لا يوجب بطلان الوقف ...
الخ» فراجع (ص ٣٩).
(٢) غرضه قدسسره الإشارة إلى ما ورد في كلمات الأصحاب حول هذه الصورة
السابعة ، وظاهره وجود قولين في المسألة : أحدهما : إطلاق جواز البيع ، مهما كان
منشأ الأداء إلى الخراب ، وهو المحكي عن النهاية.
ثانيهما :
تقييد جواز البيع بكون المنشأ إختلاف أرباب الوقف ، وهو للأكثر ، كما يظهر بملاحظة
كلماتهم المنقولة أوائل المسألة . وسيأتي تفصيل المصنف قدسسره.
الصّورة
الثامنة : وقوع الاختلاف مع خوف تلف المال أو النفس
(٣) نقل صاحب
المقابس قدسسره عنوان هذه الصورة قولا خامسا في حكم بيع الوقف لدفع
الخلف أو لرفعه ، فقال : «خامسها : أنه يجوز إذا حصل خلف بين أربابه بحيث يخاف منه
الإفضاء إلى تلف الأموال والنفوس ، وهو اختيار المحقق الكركي في تعليق الإرشاد ...»
. ويستفاد أيضا من الشهيدين قدسسرهما وممّن أخذ بصحيحة ابن مهزيار الآتية التي ورد فيها جواز البيع
إذا خيف تلف الأموال والنفوس.
وتقدم في
الكلمات المنقولة أوائل المسألة «أو يخاف من وقوع خلف بينهم
__________________
وإن (١) لم يعلم أو يظنّ ذلك (٢).
فإنّ الظاهر من
بعض العبارات السابقة جوازه لذلك (٣) ، خصوصا (٤) من عبّر بالاختلاف الموجب لخوف
الخراب.
______________________________________________________
يؤدّي إلى فساده ـ أي فساد الوقف ـ» كما في مهذّب القاضي قدسسره ، من دون عطف «النفوس» على الأموال.
وكيف كان فهذه
الصورة تشارك السابعة في جامع الخوف ، وتفارقها بامور :
الأوّل : أخذ
خصوصية الخلف بين أهل الوقف في الثامنة دون السابعة.
الثاني : أخذ
خصوصية العلم أو الظن بالخراب مستقلا ، في السابعة ، ولحاظ خوف أحد الأمرين من تلف
المال أو النفس في الثامنة.
الثالث : تفسير
الخوف في السابعة بالعلم أو الظن ، وفي الثامنة بما يعم الاحتمال.
(١) حرف الوصل
ظاهر في شمول الخوف وعدم الأمن لما يعم العلم والظنّ والاحتمال.
(٢) المشار
إليه هو تلف المال أو النفس ، والمراد بتلف المال هنا تلف الوقف كما استظهره
الشهيد الثاني قدسسره .
(٣) أي : جواز
البيع لخوف أداء الاختلاف إلى تلف المال أو النفس ، كقول العلّامة قدسسره : «وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه» .
(٤) توضيحه :
أنّ بعض الفقهاء جوّز البيع عند أداء بقاء الوقف على حاله ـ مع خلف أربابه ـ إلى
الخراب ، كالشهيد الثاني قدسسره ، والمحقق والعلّامة في بيع الشرائع
__________________
الصورة التاسعة
: أن يؤدّي الاختلاف بينهم إلى ضرر عظيم (١) ، من غير تقييد بتلف المال (٢) ، فضلا
عن خصوص الوقف.
______________________________________________________
والقواعد. ومن المعلوم ظهور «الأداء» في العلم والاطمئنان بترتب خراب الوقف
على بقائه مع ما بين الموقوف عليهم من المنازعة ، فلا عبرة حينئذ بظنّ الأداء إليه
واحتماله.
وهذا بخلاف من
عبّر من الفقهاء ـ وهم الأكثر ـ بخوف الخراب أو خشيته أو «لا يؤمن ...» فإنّ «خوف
الخراب» يشمل العلم والظن والاحتمال الموهوم ، إذ «الخوف» هو الحالة النفسانية
الناشئة عن مجرد الاحتمال وإن كان موهوما جدّا.
الصورة التاسعة :
اداء الخلف إلى ضرر عظيم
(١) هذه الصورة
مذكورة في كلام ابن سعيد قدسسره ، لقوله : «أو يؤدي المنازعة فيه بين أربابه إلى ضرر
عظيم» ولعله متحد مع ما في تهذيب شيخ الطائفة من تجويز البيع «لو أدّى كونه وقفا
إلى ضرر أو إلى إختلاف ، وهرج ومرج ، وخراب الوقف» .
وكيف كان
فتختلف هذه الصورة مع سابقيتها بأمرين :
الأول : عدم
أخذ الخوف فيها ، بل المناط إفضاء بقاء الوقف إلى تلف الوقف أو تلف مال آخر أو
فتنة عظيمة وفساد كبير مع أن عنوان الصورة السابعة والثامنة «خوف الخراب» كما
تقدم.
الثاني : أخذ
خوف خصوص الخراب فيهما ، بخلاف هذه ، إذ لا خصوصية لتلف الوقف هنا.
(٢) أي : تلف
مال غير العين الموقوفة ، لما سيأتي في مكاتبة ابن مهزيار من
__________________
الصورة العاشرة
: أن يلزم فساد يستباح به الأنفس (١).
والأقوى (٢) :
الجواز مع تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتدّا به عرفا ،
سواء كان لأجل الاختلاف أو غيره.
______________________________________________________
تجويز البيع لتلف الأموال والنفوس ، ولا خصوصية لتلف الوقف. وأمّا تعميم
الضرر للنقص في العرض فلعدم اختصاص الضرر المنفي بالنقص المالي كما قرّر في محلّه.
الصورة العاشرة :
أداء بقاء الوقف إلى فساد تستباح به الأنفس
(١) هذا
العنوان قريب من كلام ابن سعيد أيضا ، حيث قال : «أو خيف وقوع فتنة بينهم تستباح
بها الأنفس» وتقدم في الأقوال نقله عن تعليق الإرشاد للمحقق الكركي
، والحاكي له هو السيد العاملي قدسسره ، إلّا أن المنقول عنه في المقابس كما تقدم في (ص ١٢٦)
الأداء إلى تلف الأموال والنفوس.
وهذه الصورة
كالتاسعة لم يؤخذ فيها الخوف ، وظاهر اللزوم هو العلم باستباحة الأنفس لو بقي
الوقف بحاله ، وانحصر سد الفتنة في بيعه ، ولا يكفي مجرد الاحتمال حينئذ أو عدم الأمن
من استباحة الأنفس.
وفرقها مع
الصور الثلاث المتقدمة توقف جواز البيع هنا على تلف النفوس خاصة ، ولا عبرة بتلف
الوقف أو سائر الأموال.
حكم الصّور الأربع
(٢) فصّل
المصنف قدسسره في بيع الوقف ـ في الصور الأربع الأخيرة ـ فجوّزه في
قسم من الصورة السابعة ، وهو أداء بقاء الوقف ـ علما أو ظنا ـ الى سقوطه عن
الانتفاع المعتد به ، سواء أكان منشأ الخراب إختلاف أرباب الوقف أم غيره. والشاهد
على إرادة الجواز في خصوص هذا القسم هنا ما سيأتي في (ص ١٤٩) من قوله : «وأما
المنع في غير هذا القسم من الصورة السابعة».
__________________
والمنع (١) في غيره من جميع الصور.
أما الجواز في
الأوّل (٢) ، فلما مرّ من الدليل (٣) على جواز بيع ما سقط عن الانتفاع (٤) ، فإنّ (٥)
الغرض من عدم البيع عدم انقطاع شخصه ،
______________________________________________________
ومنع البيع في
نقص المنفعة كما منعه في الصور التالية لها ، فهنا دعويان. ويقع الكلام فعلا في
أوّل شقّي التفصيل.
وقد استدل على
الجواز بوجود المقتضي ودفع ما يحتمل كونه مانعا عن البيع ، ثم نقل وجهين آخرين
للجواز وناقش فيها ، وسيأتي بيان الكلّ إن شاء الله تعالى.
(١) معطوف على «الجواز»
أي : أنّ الأقوى منع البيع في سائر الصور.
(٢) وهو ما لو
أدّى بقاء الوقف إلى الخراب علما أو ظنّا. وقد استدل على جواز البيع فيه بوجوه
ثلاثة كما سيأتي ، أوّلها : ما في المتن من وجود المقتضي وفقد المانع. ثانيها : ما
ذكره في التنقيح. ثالثها : ما نقل عن العلّامة وجماعة.
(٣) ما استدل
به المصنف على جواز البيع هنا ـ من وجود المقتضي وفقد المانع ـ تقدم مستوفى في
الصورة الاولى. وظاهر المتن دفع المانع ، وأمّا المقتضي فغير مذكور في العبارة
اتكالا على وضوحه.
والمراد
بالمقتضي في مقام الإثبات هو العمومات المقتضية لصحة البيع ، كقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ).
وأما المانع
فالمذكور في المتن هو الحقوق المتعلقة بالعين الموقوفة ، أعني بها حق الشارع
والواقف والموقوف عليهم.
(٤) حيث قال في
الصورة الاولى : «لعدم جريان أدلة المنع. أما الإجماع ... الخ» .
(٥) هذا دفع
المانع من ناحية غرض الواقف ، وتقريب الغرض : أنّ مقصود
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الواقف من حبس عين خاصة أبدا هو بقاؤها بشخصها لتكون صدقة جارية ينتفع بها
معنويا ، كما ينتفع الموقوف عليهم بها مادّيا. ومن المعلوم أن تجويز بيعها ـ عند
خوف خرابها وقلة منفعتها لو بقيت بحالها ـ ينافي هذا الغرض. وحيث إن الوقوف تكون
على حسب ما يقفها أهلها لم يجز نقض غرض الواقف.
والمصنف دفع
هذا المانع بما محصله : عدم لزوم نقض غرض الواقف ، بل يلزم حفظ مقصوده لو بيع
الوقف ، وبيانه : أن غرض الواقف وإن كان حبس شخص ما وقفه ، وعدم تبديله بشيء آخر
، إلّا أنه محدود بعدم العلم أو الظن بانقطاع هذا الشخص ، لينتفع به الموقوف
عليهم.
وأمّا مع علمه
بأوله إلى الخراب وتعذّر الانتفاع به مستقبلا فيدور الأمر بين وجهين :
أحدهما : ترك
الوقف حتى يهلك ويخرج عن كونه صدقة جارية ، وحينئذ فكما تسقط العين عن حيّز
الانتفاع بها فكذا تنعدم ماليتها القائمة بها.
ثانيهما :
تبديل الوقف ، وهو وإن استلزم إسقاط حق الواقف من الانتفاع المختص بشخص الوقف ،
إلّا أنّه يوجب حفظ غرضه في الانتفاع بمالية العين القائمة بالبدل. فإن قيل بالوجه
الأوّل استلزم عدم رعاية حق الواقف في نوع ماله ليكون صدقة جارية. وإن قيل بالوجه
الثاني فقد روعي فيه حقه ، فيكون نوع ماله صدقة.
ولا ريب في أن
هذا الوجه أوفق بغرض الواقف ، لما فيه من رعاية حقه في الوقف ، بخلاف ترك البيع
الموجب لسقوط حقه شخصا ونوعا.
والمتحصل : أن
البيع غير مناف للتبديل.
فإن قلت : كلام
المصنف هنا ينافي ما سيأتي في (ص ١٤٨) ـ في ردّ المستدلّ على الجواز بلزوم رعاية
غرض الواقف ـ من عدم الدليل على وجوب متابعة أغراض الواقفين ، فإنّ ما يجب الوفاء
به هو العقد والشرط فيه ، دون الأغراض
فإذا فرض العلم أو الظّنّ بانقطاع شخصه ، فدار الأمر (١) بين انقطاع شخصه
ونوعه ، وبين انقطاع شخصه لا نوعه ، كان (٢) الثاني أولى ،
______________________________________________________
الخارجة عن حاق الإنشاءات.
قلت : لا تهافت
بين كلماته ، وذلك لأنّ غرض الواقف قد يجعل مقتضيا للبيع ، بأن يقال : انه كما
تعلّق غرضه بحبس شخص العين كذلك بنوعه ، لتعدد المطلوب ، وهذا سيأتي منعه هناك بما
محصله : قصور مقام الإثبات ، وعدم الدليل على لزوم مراعاة غرض الواقف ، فلا مقتضي
للبيع من هذه الجهة. وقد يجعل مانعا عن البيع ، ولا بد من إبطال مانعيته عنه كما
صنعه هنا ، وتقدّم تقريب المانعية ودفعها.
نعم ، عبارة
المصنف قدسسره هنا لا تخلو من مسامحة من جهة تعبيره بالغرض ، مع أن
مقصوده تعلق حق الواقف ، والشاهد على هذا التسامح أنه قدسسره أحال عدم مانعية الحقوق الثلاثة ـ عن البيع ـ على ما
أفاده في الصورة الاولى ، وهو قوله : «والأوّل ـ أي ترك البيع حتى يتلف ـ تضييع
مناف لحق الله وحقّ الواقف وحق الموقوف عليه» . وهذا التصريح قرينة على مراده من «غرض الواقف». وإن
كان في العدول عن التعبير بالحق إلى «غرض» مسامحة ، لوضوح كون الحق أمرا اعتباريا
متعلقا بالعين ، بخلاف الغرض الداعي إلى الإنشاء ، والخارج عنه.
هذا كلّه
بالنسبة إلى عدم المانع من جهة تعلق حق الواقف. وأما عدم مانعية حق الشارع
والموقوف عليهم فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
(١) هذا متفرع
على خوف انقطاع الشخص ، وهو دوران الأمر بين وجهين كما تقدّم آنفا.
(٢) هذا جواب
الشرط في قوله : «فإذا فرض» والمراد بالثاني هو رعاية حق الواقف في كون ماله صدقة
جارية ولو بنوع الموقوفة ، بأن تباع وتبدّل بعين اخرى.
__________________
فليس (١) فيه منافاة لغرض الواقف أصلا.
وأمّا الأدلة
الشرعية (٢) فغير ناهضة ، لاختصاص الإجماع (٣) ، وانصراف النصوص إلى غير هذه
الصورة (٤).
وأمّا الموقوف
عليهم (٥) ، فالمفروض إذن الموجود منهم ،
______________________________________________________
(١) هذا نتيجة
أولوية البيع والتبديل من إبقاء الوقف حتى يهلك ، يعني : أن حفظ حق الواقف منحصر
في البيع ، فضلا عن منافاته له.
(٢) غرضه نفي
المانع من ناحية الأدلة الشرعية الناهية عن بيع الوقف الشاملة لما يخاف خرابه ،
مثل الإجماع ، ومعتبرة علي بن راشد ، وفيها : «لا يجوز شراء الوقف». فإنّهما من
موانع التمسك بالعمومات القاضية بصحة البيع ، وذلك لأن إمضاء الصدقة الجارية
والحكم عليها بإبقائها ينافي بيعها.
وحاصل ما أفاده
قدسسره : أنه لا كاشف عن تعلق حقه تعالى بالوقف المشرف على
الخراب حتى يجب رعايته. أمّا الإجماع فغير مانع ، لما تقدم في الصورة الاولى من
التأمل في تحققه على عدم جواز البيع حتى في ما نحن فيه. ولو شك فيه فمقتضى كونه
لبيّا الاقتصار على القدر المتيقن ، وهو ما عدا صورة الخراب أو خوفه. مضافا إلى
احتمال كونه مدركيا.
وأما معتبرة
ابن راشد فلانصرافها إلى غير صورة خشية الخراب ، كانصرافها عن صورة فعلية الخراب ،
لوحدة مناط الانصراف وعدم دخل فعلية الخراب فيه.
وأما عموم «الوقوف
على حسب ما يقفها أهلها» فلعدم تكفله حرمة البيع تعبّدا ، بل هو إمضاء للكيفية
التي رسمها الواقف. وقد تقدم أن تعلق حق الواقف بحبس شخص العين محدود بما دام
الانتفاع بها ممكنا ، لا ما إذا آلت إلى سقوط المنفعة.
(٣) يعني :
اختصاصه بحال عمارة الوقف وعدم خوف الخراب.
(٤) وهي صورة
خشية الخراب ، كانصرافها عن صورة الخراب الفعلي.
(٥) هذا نفي
المانع الثالث عن جواز البيع ، يعني : أن حق الموقوف عليهم هو
وقيام الناظر العام (١) أو الخاص (٢) مقام غير الموجود.
نعم (٣) ، قد
يشكل الأمر فيما لو فرض تضرّر البطن الموجود من بيعه (٤) ، للزوم (٥) تعطيل
الانتفاع إلى زمان وجدان البدل ، أو كون (٦) البدل قليل المنفعة بالنسبة إلى
الباقي.
______________________________________________________
كون العين صدقة جارية لهم ينتفعوا بها. وهذا الحق لا ينافي جواز البيع إذا
آلت إلى الخراب ، لينتفعوا ببدلها. وأمّا حقّهم في البيع فقد روعي بكونهم متصدّين
له بضمّ ولي سائر البطون.
(١) وهو الفقيه
الجامع للشرائط.
(٢) وهو من
عيّنه الواقف. هذا تمام ما استدل به المصنف قدسسره على جواز البيع لو أدى بقاء الوقف إلى خرابه. وسيأتي
التعرض لبعض فروع المسألة.
(٣) هذا
استدراك على قوله : «أما الجواز في الأوّل» وغرضه استثناء صورتين من حكمه بجواز
البيع ، عند خشية الخراب وبيان حكمهما.
(٤) هذا إشارة
إلى الصورة الاولى ، وهي : أنه لو استلزم بيع الوقف تضرر البطن الموجود بعدم
انتفاعهم ، لكون الثمن غالبا من النقدين أو الأنواط ، وتوقّف التبديل على التأخير
ومضيّ برهة من الزمان ، فإنه لا يخلو البيع حينئذ من إشكال ، لحرمان الموجودين من
الوقف رأسا. أمّا العين فلأنّها بيعت ، وأما البدل فلعدم حصوله بعد ، ومن المعلوم
منافاة تعطيل الانتفاع لحقّ الموقوف عليهم. هذا.
(٥) بيان
لكيفية تضرر الموجودين ، وقد تقدم آنفا.
(٦) معطوف على «لزوم»
أي : لكون البدل. وهذا إشارة إلى الصورة الثانية ، وهي ما إذا أمكن التبديل ولم
يلزم تعطيل انتفاع الموجودين ، إلا أن منفعة البدل قليلة بالقياس إلى ما بقي من
منفعة نفس الموقوفة إلى زمان خرابها ، كما إذا فرض أن الزمان الباقي من أزمنة بقاء
الموقوفة عام واحد ، ولو بيعت قبل مضي هذا العام واستبدلت بعين اخرى كانت منفعة
البدل في هذا العام مائة دينار مثلا. ولو ابقيت
ومما ذكر (١)
يظهر أنّه يحب تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء مع (٢) عدم فوات الاستبدال
فيه (٣) ، ومع فوته (٤)
______________________________________________________
الموقوفة في هذا العام كانت منفعتها فيه مأتي دينار ، فيتضرر البطن الموجود
بهذه المائة.
ومقتضى قاعدة
نفي الضرر عدم جواز بيعه ، لأن جواز البيع حينئذ ضرري ، فينفى بقاعدة الضرر.
(١) يعني : ومن
تضرر البطن الموجود ببيع الوقف في هاتين الصورتين يظهر ... الخ.
ومحصله : أن
هنا شقّين :
فتارة يمكن كلّ
من البيع وشراء البدل في آخر أزمنة إمكان بقاء العين ، فيجب الإبقاء ، ولا يجوز
البيع قبل آخر الأزمنة ، إذ لا وجه لرفع اليد عن الغرض ـ في شخص الوقف ـ مع إمكان
رعايته في برهة من الزمان. كما إذا فرض بقاء العين إلى سنة ، وأمكن بيعها
واستبدالها قبل مضيّ عام ، وامتنع بعده.
واخرى يمكن
البيع في آخر أزمنة الإمكان ، ولكن يتعذر شراء البدل في ذلك الوقت بذلك الثمن
لقلّته مثلا ، ففي جواز تقديم البيع قبل خراب الوقف بسنة إشكال.
ولعلّ وجهه
تعارض الغرض القائم بشخص الوقف ونوعه أي ماليته ، فمن جهة رعاية الغرض من شخص
الوقف لا يجوز تقديم البيع ، لقابليته فعلا للانتفاع به. ومن جهة رعاية الغرض من
وقف النوع يلزم تقديم البيع والاستبدال وإن فات الغرض القائم بالشخص.
(٢) قيد لقوله
: «يجب» وهذا إشارة إلى الشّق الأوّل المتقدم بقولنا : «فتارة يمكن ... الخ».
(٣) أي : في
آخر أزمنة إمكان بقاء شخص الوقف.
(٤) أي : فوت
الاستبدال ، وهذا إشارة إلى الشق الثاني المتقدم بقولنا : «واخرى يمكن».
ففي تقديم البيع إشكال (*).
ولو دار الأمر (١)
بين بيعه
______________________________________________________
(١) توضيح هذا
الفرع : أنه قد تكون الموقوفة بحاجة إلى عمارة وترميم ، ولم يكن لأربابها مال
للصرف فيها ، فكان بقاؤها بحالها مؤدّيا إلى الخراب ، فيدور
__________________
__________________
والإبدال به (١) ، وبين (٢) صرف منفعته الحاصلة مدّة من الزمان
______________________________________________________
الأمر بين تقديرين :
أحدهما : البيع
والاستبدال ، رعاية لحق الموقوف عليهم بالانتفاع بالبدل ، ولكن يفوت حق الواقف من
وقف شخص المال.
ثانيهما :
إجارة الموقوفة على ما هي عليها ، وصرف عوائدها في العمارة والترميم ، حفظا لحق
الواقف لتعلق غرضه بشخص العين ، ولحق البطن اللاحق ليتلقّى الوقف قابلا للانتفاع
به.
نعم يفوت حق
البطن الموجود مدّة الإجارة ، لحرمانه عمّا يملكه من المنفعة.
واختيار أحد
الوجهين منوط بملاحظة إنشاء الوقف. فإن شرط الواقف صرف منافعه في إصلاحه وعمارته ،
ثم صرف ما يفضل من العوائد في الموقوف عليهم ، فالأقوى هو الوجه الثاني عملا
بالشرط النافذ.
وإن لم يشترط
ذلك ، وقع التعارض بين حق البطن الموجود المقتضي للبيع والإبدال ، وبين حق الواقف ـ
في إبقاء شخص المال المحبوس مهما أمكن ـ المقتضي لصرف المنفعة في الترميم ، وسقوط
حق البطن الموجود.
والأقوى بنظر
المصنف قدسسره هو الوجه الأوّل ، ومنشأ ترجيحه ـ كما افيد ـ إمّا
حكومة قاعدة نفي الضرر الجارية في تضرر البطن الموجود على وجوب مراعاة غرض الواقف
من وقف شخص المال. وإمّا تزاحم الحقين ، وترجيح حق البطن الموجود على حق الواقف ،
لكونه مالكا فعليا للوقف ، والأهمية مرجحة لأحد المتزاحمين.
(١) أي :
الإبدال بالبيع أي بالثمن ، وليس المراد تبديل الوقف بعين اخرى ولو من دون بيع ،
وذلك لاستدراك كلمة «بيعه» حينئذ ، فالمراد صرف الثمن في شراء البدل.
(٢) معطوف على «بين»
وهذا هو التقدير الثاني المتقدم آنفا.
لتعميره (١) ، ففي ترجيح (٢) حقّ البطن الذي يفوته المنفعة (٣) ، أو حقّ (٤)
الواقف وساير البطون المتأخرة المتعلّق (٥) بشخص الوقف ، وجهان ، لا يخلو أوّلهما
عن قوة (*) إذا لم يشترط (٦) الواقف إصلاح الوقف من منفعته مقدّما على الموقوف
عليه.
______________________________________________________
(١) متعلق ب «صرف
منفعته» ولعلّ الأولى إبداله ب «عمارة» لما في كلام بعض أهل اللغة «من أن التعمير
بمعنى إعطاء العمر فعلا أو قولا على سبيل الدعاء» لا إصلاح البناء ، فراجع .
(٢) خبر مقدّم
لقوله : «وجهان» والجملة جواب الشرط في «ولو دار».
(٣) فوات
المنفعة على البطن الموجود إمّا في برهة من الزمان ، كما إذا كانت مدة الإجارة خمس
سنوات ، ولا ينقرض البطن في مثلها ، فينتفع بالوقف بعد عمارتها. وإمّا في تمام
زمان حياته إن كانت آخر مدة الإجارة والترميم مقارنا لانقضاء البطن الموجود.
(٤) معطوف على «حقّ
البطن» أي : ففي ترجيح حق الواقف وساير البطون ، وهذا هو الوجه الثاني.
(٥) صفة ل «حق
الواقف ...».
(٦) فلو شرط
الواقف ذلك كان الأقوى هو الوجه الثاني ، لأن المؤمنين عند شروطهم.
__________________
__________________
وقد يستدلّ على
الجواز فيما ذكرنا (١) بما عن التّنقيح من : «أن بقاء الوقف على حاله ـ والحال هذه
ـ إضاعة وإتلاف للمال ، وهو منهي عنه شرعا ، فيكون البيع جائزا» .
ولعلّه (٢)
أراد الجواز بالمعنى الأعم ،
______________________________________________________
(١) هذا ثاني
الوجوه المستدل بها على جواز بيع الوقف فيما إذا كان بقاؤه مؤدّيا إلى الخراب
والتلف على وجه لا ينتفع به ، استدل به الفاضل المقداد ، وهو قياس مؤلف من صغرى
وكبرى ، فالصغرى : أنّ الإبقاء وعدم البيع إضاعة للمال وإسراف ، لفرض سقوطه بتلفه
عن المالية المعتد بها.
والكبرى : أن
تضييع المال منهي عنه شرعا بلا ريب. ونتيجة هاتين المقدمتين جواز البيع لئلا يتحقق
التضييع المحرّم.
(٢) أي : ولعلّ
الفاضل المقداد قدسسره أراد ... الخ. ومحصله : أنه لمّا كان مقتضى حرمة
التضييع وجوب البيع لا إباحته ـ كما هو ظاهر عبارة التنقيح : كان جائزا ـ أراد
المصنف قدسسره توجيه الجواز بما لا يرد عليه ما في المقابس ، وبيانه :
أن المحقق الشوشتري قدسسره ناقش في الدليل المزبور بوجوه ثلاثة ، وقال قبلها : «ولا
يخفى أن هذا الدليل يقتضي وجوب البيع فضلا عن جوازه» لوضوح أن الدافع للتضييع المحرّم ليس مجرد جواز بيع
الوقف الآئل إلى الخراب ، لإمكان ترك الفعل المباح وتحقق إضاعة المال خارجا.
وعليه فكان
المناسب أن يقول الفاضل السيوري : «فيكون البيع واجبا». ولو أراد إثبات مجرد
الجواز كان عليه الاستدلال بوجه آخر لا بحرمة التضييع.
هذا توضيح ما
في المقابس. والمصنف قدسسره ـ مع اعترافه بأنّ مقتضى عبارة
__________________
فلا يرد (١) عليه (٢) (*) «أنّه يدلّ على وجوب البيع».
وفيه : أن
المحرّم (٣) هو إضاعة المال
______________________________________________________
التنقيح هو الوجوب لا الجواز ـ حمل قوله : «جائزا» على الجواز بالمعنى
الأعم الشامل للوجوب أيضا. فلو أراد الفاضل من الجواز الوجوب ـ لا معناه الخاص وهو
الإباحة ـ لم يرد عليه ما في المقابس ، لابتناء إيراد صاحب المقابس على الجمود على
ظاهر الجواز ، وعدم إرادة الأعم منه ومن الوجوب.
(١) هذا نتيجة
إرادة الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب ، وقد عرفته آنفا.
(٢) أي : على
ما في التنقيح من قوله : «فيكون البيع جائزا».
(٣) ناقش
المصنف قدسسره فيما نقله عن التنقيح بوجهين ، هذا أوّلهما ، وعبارة
المتن لا تخلو من إجمال ـ كما اعترف به المحقق الإيرواني قدسسره ـ إذ لم يتضح منها أن مراده منع صغرى القياس أو كبراه ، وإن كان صدر الكلام
ظاهرا في منع الكبرى وعلى كلّ فينبغي توضيحها على كلا الاحتمالين.
فإن كان الغرض
منع الصغرى ـ أي عدم صدق «الإضاعة» على ترك بيع الوقف المؤدّي بقاؤه إلى الخراب ـ
فبيانه : أنّ صدق مفهوم «الإضاعة» منوط بأمرين :
أحدهما : صدور
فعل وتصرّف في المال يكون سببا لتلفه ، فلا تصدق على ترك المال بحاله إلى أن يتلف
بنفسه من جهة انتهاء استعداد بقائه ، أو من جهة اخرى عارضة عليه موجبة لخرابه ،
كالخلف بين أرباب الوقف لو استلزم تلفه.
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ثانيهما : كون
المتصرّف مسلّطا شرعا على ما يتصرّف فيه ، فلو لم يكن الشخص سلطانا على المال عقلا
وشرعا لم يكن ترك التصرف فيه إضاعة وإتلافا له.
فإن قلت :
تقدّم في الصورة الاولى الاستدلال بحرمة التضييع على تعيّن البيع ، حيث قال : «والأول
ـ أي الإبقاء حتى يتلف ـ تضييع مناف لحق الله وحق الواقف وحق الموقوف عليه» والمفروض أنّ الإضاعة والتضييع بمعنى واحد كما صرّح به
غير واحد من أهل اللغة ، فإن صدق «التضييع» على ترك البيع هناك فلتصدق «الإضاعة»
عليه هنا ، وإن لم تصدق «الإضاعة» هنا فليمنع من صدق «التضييع» هناك.
قلت : وإن كان
اللفظان بمعنى لغة ، إلا أن الفارق بينهما أمران :
الأوّل : عموم «التضييع»
لكلّ من الأمر الوجودي والعدمي ، بخلاف «الإضاعة» فإنّ إضافتها إلى المال توجب
الاختصاص بالفعل ، ولا تشمل الترك.
ولعلّ المصنف
استفاد هذه الخصوصية مما قيل في تفسير الخبر الناهي عن إضاعة المال ، قال العلّامة
الطريحي قدسسره : «أراد به الحيوان ، أي : يحسن إليه ولا يهمل. وقيل
إنفاقه في الحرام والمعاصي وما لا يحبّه الله تعالى. وقيل : أراد به التبذير
والإسراف وإن كان في مباح» .
ونحوه ـ عدا
الجملة الاولى ـ ما في اللسان. فالإحسان والإنفاق ونحوهما امور وجودية ، غير صادقة
على الترك والإهمال.
ثانيهما : عموم
مفهوم «التضييع» عرفا لما إذا كان المال المضيّع داخلا تحت سلطان الشخص المتصرف ،
وخارجا عنه كالوقف الذي يكون الموقوف عليه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
مسلوب السلطنة على البيع وسائر التصرفات الناقلة فيه.
والوجه في عموم
«التضييع» هو أن المفهوم منه عرفا مطلق إتلاف المال سواء أكان بفعل أم بتركه ،
وسواء أكان مسلّطا عليه شرعا أم غير مسلّط عليه. ولأجل هذا العموم قدّم المصنف في
الصورة الاولى دليل حرمة التضييع على دليل منع بيع الوقف. وهذا بخلاف «الإضاعة»
لأن كون المتصرف سلطانا على المال دخيل في صدقها.
والمفروض في
المقام انتفاء الأمرين معا. فلم يصدر عمل من المتولي ليكون سببا لخراب الوقف ،
وإنّما ترك البيع. وكذا لم يكن المتروك ـ وهو البيع ـ مقدورا له شرعا ، لوضوح أن
عموم النهي عن بيع الوقف سالب للسلطنة على التصرفات الناقلة ، وحينئذ فالمقام خارج
موضوعا عمّا دلّ على حرمة إضاعة الأموال.
وإن كان الغرض
منع الكبرى فمقصود المصنف : أن حرمة الإضاعة وإن كانت ثابتة في الجملة ، إلّا أن
عمومها للمال الذي لا سلطان للشخص عليه ، وكان ممنوعا من التصرف فيه شرعا ومن حفظه
عن التلف غير ثابت. فلا بد من الاقتصار على المتيقن وهو إتلاف المال الذي لا منع
شرعا من التصرف فيه.
ثمّ أورد
المصنف قدسسره نقضا على المستدلّ ـ وهو الفاضل المقداد قدسسره ـ لا يمكن التزامه به ، وهو أنّه لو قيل بصدق «الإضاعة المحرّمة» على ترك
بيع الوقف ، لزم الحكم بوجوب عمارة الأوقاف المشرفة على الخراب في موردين :
أحدهما : إمكان
كلّ من العمارة والبيع ، فيلزم تقديم العمارة على البيع ، ولا يجوز تركها ثم بيع
تلك الأوقاف.
ثانيهما : تعذر
البيع ، فيتعين إصلاح تلك الأوقاف.
ووجه لزوم
العمارة في الموردين هو اقتضاء حرمة الإضاعة ـ الصادقة على تركها على حالها ـ وجوب
حفظ المال المحترم عن التلف ، مع أنه لا سبيل للحكم
المسلّط عليه (١) ، لا ترك (٢) المال الذي لا سلطان عليه إلى أن يخرب بنفسه
، وإلّا (٣) (*) لزم وجوب تعمير الأوقاف المشرفة على الخراب بغير (٤) البيع مهما
أمكن مقدّما على البيع ، أو إذا لم يمكن البيع.
______________________________________________________
بالوجوب. وهو كاشف عن عدم صدق «الإضاعة» على ترك المال على حاله حتى يتلف.
هذا توضيح الوجه الأوّل ، وسيأتي بيان الوجه الثاني إن شاء الله تعالى.
(١) هذه الجملة
تكون أقرب إلى منع الكبرى ، فالمحرّم ليس مطلق الترك ، ولو لما لا سلطنة عليه ، بل
خصوص إضاعة المال المسلّط عليه.
(٢) معطوف على «إضاعة».
وهذه الجملة تلتئم مع منع الكبرى بناء على صدق «الاضاعة» على الترك ، ولكنه غير
محرّم من جهة سلب السلطنة على المتروك.
وكذا مع منع
الصغرى ، فليس الترك إضاعة بناء على دخل الفعل الوجودي فيها ، فجواز الترك خارج
موضوعا عن دليل حرمة الإضاعة. ولا يبعد ظهور قول المصنف : «إلى أن يخرب بنفسه» في
منع صدق الإضاعة صغرويا.
(٣) أي : وإن
كان المحرّم إضاعة المال غير المسلّط عليه ، لزم ... الخ. هذا بناء على الاستشهاد
بالفرع المزبور لمنع عموم الكبرى. وإن كان لمنع ثبوت الصغرى فالمعنى : وإن كان ترك
المال الذي لا سلطان له عليه ـ حتى يتلف ـ إضاعة لزم وجوب تعمير ... الخ.
(٤) متعلق ب «تعمير»
والمراد به بذل الموقوف عليهم مالا لعمارتها ، وإن امتنع ذلك وصلت النوبة إلى
بيعها وتبديلها. هذا إذا كان كل من العمارة والبيع ممكنا ، فيقدم العمارة عليه.
__________________
والحاصل (١) :
أنّ ضعف هذا الدليل بظاهره واضح.
ويتضح فساده (٢)
على
______________________________________________________
وإن لم يمكن
البيع تعين عمارة الوقف من أموال الموقوف عليهم ، لا ترك الموقوفة بحالها حتى
تخرب. مع أنه لا قائل بوجوب تعمير الأوقاف المشرفة على الخلاف ، سواء أمكن بيعها
أم لم يمكن ، وهذا شاهد على عدم كون ترك العمارة إضاعة ، أو عدم كونه إضاعة
محرّمة.
(١) هذا حاصل
أوّل وجهي المناقشة ، الراجع إلى منع عموم كبرى حرمة الإضاعة ، أو إلى منع كون ترك
البيع صغرى لها.
(٢) أي : فساد
الدليل المذكور ، وهذا ثاني وجهي المناقشة في دليل الفاضل المقداد قدسسره ، وهو مبني على القول باختصاص الثمن بالبطن الموجود ،
وعدم كونه ـ كالمبيع ـ مشتركا بين الجميع بأن يكون ملكا فعليا للموجودين ، وشأنيا
للمعدومين. فلو قيل بالاشتراك لم يرد هذا على الاستدلال بحرمة الإضاعة على جواز
البيع.
وتوضيح الوجه
الثاني : أنّ الإضاعة المحرّمة متحقّقة في المقام سواء بيع الوقف أم لم يبع. وذلك
لأنّ البيع وإن كان رعاية لحق البطن الموجود بحفظ ماله عن الضياع والتلف. إلّا أنه
إضاعة بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، لحرمانهم من الوقف وبدله. ومقتضى حرمة إضاعة
مالهم عدم جواز البيع ليختص الثمن بالموجودين.
وعليه فيلزم
اجتماع حكمين في بيع الوقف المؤدّي بقاؤه إلى الخراب :
أحدهما :
الجواز لكون إبقائه على حاله إضاعة لمال الموجودين من الموقوف عليهم ، وهي محرّمة.
وثانيهما : الحرمة
، لمنافاة البيع ـ وصيرورة الثمن ملكا طلقا للموجودين ـ لرعاية حق البطون
المعدومة. وبهذا يسقط الاستدلال بحرمة الإضاعة على جواز البيع هنا.
ولا يخفى أن
هذا الجواب يستفاد من تضاعيف كلمات صاحب المقابس قدسسره
القول (١) بكون الثمن للبطن الموجود ، لا غير.
ويتلوه (٢) في
الضعف ما عن المختلف والتذكرة والمهذّب وغاية المرام :
______________________________________________________
قبل نقل كلام الفاضل السيوري وبعده ، فراجع .
(١) فلو قيل
باشتراك الثمن بين الجميع لم يلزم تعارض حرمة الإضاعة بالنسبة إلى الموجودين
والمعدومين.
(٢) الضمير
راجع إلى الموصول في قوله : «بما عن التنقيح» وهذا ثالث الوجوه على جواز البيع.
يعني : كما كان استدلال صاحب التنقيح ضعيفا ، فكذا ما نقله صاحب المقابس عن
العلّامة وابن فهد والصيمري قدسسره. واستدل به في التذكرة والمختلف على جواز البيع مع
خرابه وتعذر عمارته ، أو خوف فتنة بين أربابه يوجب فسادا لا يستدرك ، وليس
استدلالا على خصوص ما نحن فيه من خشية الخراب.
ولا يخفى أنّه
تقدم في (ص ١٣١) الفرق بين الغرض الذي أبطل المصنف مانعيته عن اقتضاء العمومات صحة
البيع ، وبين الغرض المستدل به على الجواز في كلام العلّامة قدسسره ومن تبعه ، فإنّه مبني على وجوب مراعاة ما هو أقرب إلى
غرض الواقف أو على تعدد غرضه ومطلوبه حتى يكون البيع حافظا لمطلوبه أو لما هو أقرب
من غرضه. ومن المعلوم أن البيع حينئذ يكون مما يقتضيه نفس إنشاء الوقف ، ولا حاجة
معه إلى التمسك بعمومات صحة البيع كما استدل بها المصنف على جواز البيع.
وعليه فمحصل
هذا الوجه : أن مقصود الواقف من حبس شخص ماله هو تسبيل ثمرته ، فإن أمكن استيفاء
المنفعة من نفس الوقف تعيّن ، وإن تعذّر جاز للمتولي إخراج العين عن كونها وقفا
وبيعها وتبديلها ، تحقيقا لغرض الواقف.
__________________
من أنّ الغرض (١) من الوقف استيفاء منافعه ، وقد تعذّرت ، فيجوز إخراجه عن
حدّه (٢) ، تحصيلا للغرض
______________________________________________________
فإن قلت :
للواقف غرضان ، أحدهما : حبس شخص المال ، وثانيهما : إطلاق منفعته وتسبيلها
للموقوف عليهم. وحيث إنّ بقاء العين يؤدّي إلى التلف ، دار الأمر بين رفع اليد عن
خصوصية العين ، وحفظ المنفعة الخاصة ، وبين رفع اليد عن النفع الخاص وإبقاء العين
الخاصة على وقفيّتها ، ولا مرجّح للأوّل على الثاني ، فلا مجوّز للبيع.
قلت : يتعيّن
رفع اليد عن شخص الوقف ، لوجود المرجّح ، وهو عدم اقتصار غرض الواقف على الانتفاع
بالشخص على نحو وحدة المطلوب ، بل مقصوده من الوقف الانتفاع بالشخص مهما أمكن ،
وإلّا فبما هو أقرب من مماثل أو غير مماثل.
والحاصل : أن
الغرض الأصلي استيفاء المنافع ، وتعذره لا يوجب إبقاء العين على حالها ، لأن تركها
كذلك تفويت للغرض الأصلي من الوقف.
ونظيره ما ورد
به النص في ما لو ساق الحاج القارن هديا لينحره بمنى ، فعطب في الطريق وتعذّر
وصوله إليه ، فينحر في مكانه ، لينتفع به. وهذا من موارد الدوران بين إبقاء العين
على حالها ليكون تضييعا للمال على مستحقيه ، وبين إسقاط الشرط وهو خصوصية المكان ،
فينحر في محل العطب ، ولا ريب في رجحان الثاني على الأوّل.
(١) يعني : أن
الغرض الأصلي من وقف عين هو استيفاء منافعها ، فوقف شخص العين وإن كان متعلقا
للغرض أيضا ، إلّا أنه تبعي ، فيرفع اليد عنه حفظا للغرض الأصلي.
(٢) حدّ الوقف
هو المنع من التصرفات الناقلة ما دام عامرا ، فإذا تعذرت المنافع جاز إبطال
وقفيتها وأن يعامل معها معاملة الملك الطّلق.
منه (١). والجمود (٢) على العين مع تعطيلها تضييع للغرض. كما أنه لو تعطل (٣)
الهدي ذبح في الحال وإن اختصّ بموضع (٤) ، فلمّا تعذّر مراعاة المحلّ ترك مراعاة
الخاص المتعذّر .
وفيه (٥) : أنّ
الغرض من الوقف استيفاء المنافع من شخص الموقوف ،
______________________________________________________
(١) أي : من
الوقف ، وقوله : «تحصيلا» مفعول لأجله علّل به قوله : «فيجوز إخراجه».
(٢) هذا دفع
دخل مقدر ، تقدم توضيحها بقولنا : «فإن قلت ... قلت».
(٣) كذا في
نسختنا ، وفي المقابس «عطلت» والصحيح كما في المختلف والتذكرة «عطب».
وغرض العلّامة
من ذكر هذا الفرع الاستشهاد به على لزوم حفظ الغرض الأصلي ولو بإسقاط ما هو شرط
فيه. قال في التذكرة : «ولو عطب الهدي في مكان لا يجد من يتصدّق عليه فيه ،
فلينحره ، وليكتب كتابا ، ويضعه عليه ، فيعلم المارّ به أنّه صدقة ...» .
(٤) وهو مكة زادها
الله شرفا للمعتمر ، ومنى للحاج .
(٥) الأولى أن
يقال : «إذ فيه» ليكون تعليلا لقوله : «ويتلوه في الضعف».
وكيف كان فحاصل
المناقشة : منع تعدد غرض الواقف ومطلوبه بحيث يكون هناك مطلوبان ، يقوم أحدهما
بنفس العين الموقوفة ما دام الانتفاع بها ممكنا ، والآخر ببدلها إن لم يمكن
الانتفاع بشخصها ، فإذا تعذر المطلوب الأول تعيّن الثاني.
__________________
لأنّه الذي دلّ عليه صيغة الوقف ، والمفروض تعذّره (١) ، فيسقط (٢). وقيام (٣)
______________________________________________________
ووجه المنع
قصور مقام الإثبات ، لأن اللازم مراعاة ما أنشأه الواقف حين الوقف ، لا الغرض الداعي
إليه وإن لم يحوه الإنشاء ، ومن المعلوم أن المنشأ وقفية شخص العين ، لأن قوله : «وقفت
هذا البستان» لا يدل إلّا على وقفية شخص البستان المشار إليه ، ولا يدل على وقفية
بدله على تقدير تعذر الانتفاع بالمبدل ، ولو فرض كون هذا المعنى غرضا للواقف ،
إلّا أنّه لا دليل على لزوم مراعاته ما لم يقع في حيّز الإنشاء.
ومنه يظهر عدم
الوجه في وجوب مراعاة ما هو أقرب إلى غرض الواقف.
وتقدم نحو هذا
الكلام من المصنف قدسسره في الصورة الاولى ، مضافا إلى منع الصغرى ، لتعدد أغراض
الواقفين ، وعدم انضباطها ، فراجع .
وليعلم أن منع
الاستدلال بحفظ غرض الواقف لا يخلو من تعريض بصاحب المقابس قدسسره ، فإنّه بعد نقل كلام العلّامة استجود استدلاله بالجملة
الثانية ـ وهي قوله : «والجمود على العين ...» ـ على جواز البيع فيما لو أدّى بقاء
الوقف إلى الخراب . وحينئذ فمنع المصنف قدسسره لزوم رعاية الأغراض مطلقا ردّ عليه.
(١) هذا الضمير
وضميرا «لأنه ، عليه» راجعة إلى استيفاء المنافع من شخص الموقوف.
(٢) أي : فيسقط
غرض الواقف من الوقف.
(٣) مبتدء ،
خبره «فرع الدليل» وغرضه منع قول العلّامة : «فيجوز إخراجه عن حدّه تحصيلا للغرض
منه». وجه المنع : أن قيام غرض الواقف بالانتفاع بالنوع والمالية وإن كان محتملا ،
لكن لا دليل على وجوب رعاية ما هو أقرب إلى غرضه ، مع عدم أخذه في الإنشاء ، إذ
يكون الغرض المزبور داعيا ، ولا يجب مراعاة الدواعي ،
__________________
الانتفاع
بالنوع مقام الانتفاع بالشخص ـ لكونه أقرب إلى مقصود الواقف ـ فرع الدليل على وجوب
اعتبار ما هو الأقرب إلى غرض الواقف بعد تعذّر أصل الغرض.
فالأولى (١)
منع جريان أدلّة المنع مع (٢) خوف الخراب المسقط للمنفعة رأسا ، وجعل ذلك (٣)
مؤيّدا.
وأمّا المنع (٤)
______________________________________________________
لأن مدلول «الوقوف وأوفوا» ونحوهما إمضاء الإنشاءات خاصة.
(١) هذا نتيجة
بطلان ثالث الوجوه على جواز البيع ، وينحصر الدليل في العمومات المقتضية للصحة بعد
دفع الموانع عنها من الإجماع وحق الواقف والأدلة اللفظية.
نعم لا بأس
بجعل رعاية غرض الواقف مؤيّدا للجواز بعد نهوض حجة عليه. ووجه صلاحيتها للتأييد
موافقة جماعة ممّن اعتبر شراء المماثل للوقف مستدلا عليه «بكونه أقرب إلى غرض
الواقف» كما تقدم مبسوطا في الصورة الاولى ، فراجع .
(٢) متعلق ب «منع»
وهو يفيد الظرفية هنا ، أي : عند خوف الخراب.
(٣) أي : جعل
اعتبار ما هو الأقرب إلى غرض الواقف مؤيّدا.
(٤) معطوف على
: «أما الجواز ...» المتقدم في (ص ١٣٠) وهذا شروع في إثبات الدعوى الثانية ، وهي
منع بيع الوقف في نقص المنفعة ، وفي الصورة الثامنة والتاسعة والعاشرة. واستدل
المصنف قدسسره بوجهين :
أحدهما :
اجتهادي ، وهو ما دل على عدم جواز بيع الوقف ، والمذكور منه في المتن نصوص ثلاثة.
وثانيهما :
فقاهي ، وهو الاستصحاب ، وسيأتي.
__________________
في غير هذا القسم (١) من الصورة السابعة وفيما عداها من الصور اللاحقة لها
، فلعموم (٢) قوله عليهالسلام : «لا يجوز شراء الوقف ، ولا تدخل الغلّة في ملكك» فإنّ
(٣) ترك الاستفصال فيه (٤) عن علم (٥) المشتري بعدم وقوع بيع الوقف على بعض
______________________________________________________
(١) المراد
بهذا القسم هو خوف الخراب المسقط للمنفعة رأسا ، وقد سبق الكلام فيه مفصّلا ،
والمراد بالغير هو الخراب الموجب لقلّة المنفعة ، لا سقوطها بالمرّة.
(٢) جواب الشرط
في «وأما المنع» وتقدم توضيح دلالة معتبرة ابن راشد على منع بيع الوقف في أوّل
المسألة وفي الصورة الاولى ، فراجع .
ومحصله : أن
النهي عن شراء الوقف وقع جوابا عن سؤال ابن راشد عن حكم شراء أرض موقوفة أمكن
الزرع فيها وإن لم تكن مزروعة بالفعل ، ولم يستفصل عليهالسلام من السائل عن كونه عالما بأنّ البائع أقدم على بيعها مع
عدم حصول مجوّز له ـ من أداء بقاء إلى ضرر مالي عظيم ، أو إختلاف بين أرباب الوقف
يخشى وقوع فتنة يستباح بها الأموال والأنفس ، ونحوهما ـ أم كان السائل جاهلا بحال
البائع ، ومقتضى عدم علمه به هو حمل فعل البائع على الصحة بوجود المسوّغ للبيع
بنظره. ومقتضى ترك الاستفصال تمامية الإطلاق في النهي عن شراء الوقف ما دام له
غلّة ينتفع أهل الوقف بها ، وإن نقصت عن سائر الحالات والأزمنة.
ولا فرق في منع
البيع بين كون بقاء الوقف مؤديا إلى الخراب أو الاختلاف أو ضرر آخر ، وبين عدم
الأداء إلى شيء منها.
(٣) هذا بيان
العموم المراد به الشمول سواء أكان وضعيا أم حكميّا.
(٤) أي : في
قوله عليهالسلام : «ولا يجوز» أي : ترك الاستفصال في الخبر.
(٥) متعلق ب «الاستفصال»
يعني : أن المشتري كان عالما بعدم حصول مجوّز البيع للبائع.
__________________
الوجوه المجوّزة ، وعدمه (١) ـ الموجب (٢) لحمل فعل البائع على الصحة ـ
يدلّ (٣) على أنّ الوقف ما دام له غلّة (٤) لا يجوز بيعه.
وكذا (٥) قوله عليهالسلام : «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها». وما دلّ (٦) على «أنّه
يترك حتى يرثها وارث السماوات والأرض».
______________________________________________________
(١) معطوف على «علم
المشتري» وعدل له ، يعني : ترك الاستفصال عن علم المشتري بحال البائع ، أو عن جهله
به.
(٢) صفة ل «عدمه»
لأن عدم إحراز حال البائع موضوع لقاعدة حمل فعله على الصحة ، وجواز بيع الوقف.
(٣) خبر قوله :
«فإنّ ترك».
(٤) كما هو
مفروض المقام من أداء بقاء الوقف إلى نقص المنفعة ، لا سقوطها عنها رأسا.
(٥) معطوف على «عموم»
فكأنه قال : «وأما المنع فلقوله عليهالسلام : الوقوف» وتقريب دلالته : أنه لا شك في كون مدلول
إنشاء الواقف حبس العين عن التصرفات الناقلة ، سواء اختلف الموقوف عليهم في
الانتفاع بها أم لا ، وسواء أدّى الخلف بينهم إلى تضرر الموقوفة أو تلف مال آخر أو
تلف نفس محترمة ، أم لا. ومقتضى كون حديث «الوقوف» دليلا على إمضاء مجعولات الواقف
ـ من الكيفيات المرسومة في صيغة الوقف ـ هو عدم جواز بيعها ما دامت ذات منفعة ،
وإن أدّى بقاؤها إلى نقصها أو إلى ضرر آخر ، هذا.
(٦) معطوف أيضا
على «لعموم» وهذا هو النص الثالث الدال على منع البيع ، ومضمون «صدقة حتى يرثها
وارث السماوات والأرض» ورد في صورة أوقاف أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين
وغيره ، إلّا أن غرض المصنف قدسسره ـ بقرينة الإتيان بكلمة «يترك» ـ هو الخبر الحاكي لوقف مولانا الكاظم صلوات
الله وسلامه عليه ، المتكفل لحكم الموقوفة بعد انقراض الموقوف عليهم ، وأنّها تبقى
صدقة جارية
هذا كلّه ،
مضافا إلى الاستصحاب (١)
______________________________________________________
فلا يجوز بيعها ، كقوله عليهالسلام : «فإذا انقرض ولد أبي ولم يبق منهم أحد فصدقتي على
الأوّل فالأوّل حتى يرثها الله الذي رزقها ...» . فالأمر بتركها صدقة ينفي جواز بيعها بطروء حالة عليها.
(١) هذا ثاني
وجهي منع البيع في الصور المزبورة ، وهو مبني على رفع اليد عن إطلاق النصوص
المتكفلة للحكم ، وتقريبه : أنه لا ريب في عدم جواز بيع الوقف قبل عروض الطوارئ ـ
من خوف الفتنة وتلف المال والفساد ـ ويشك في ارتفاع الحرمة بحصول الاختلاف وشبهه ،
ومقتضى حجيّة الاستصحاب في الشك في الرافع وفي رافعية الموجود البناء على المتيقن
السابق ، لكون المقام من صغريات تخصيص العموم في زمان ، والشك بعده في بقاء حكم
المخصّص أو ارتفاعه ، مع كون الزمان ظرفا ، لا مفرّدا ومكثّرا لأفراد العام. وفي
مثله يدور الأمر بين الرجوع إلى العام لحجية إطلاقه الأزماني والأحوالي ، وبين استصحاب
حكم المخصّص.
وقد بنى المصنف
قدسسره في الاصول على مرجعية الاستصحاب فيما عدا زمان تيقّن
التخصيص ، دون العام ، لامتناع دخول الفرد الخارج منه فيه مرّة اخرى ، وطبّقه على
استصحاب جواز العقد الغبني لو لم يأخذ المغبون بالخيار فورا ، فإنّ الخارج من عموم
أصالة اللزوم فرد واحد وهو البيع الغبني ، ويستصحب تزلزل العقد في ما عدا المتيقن
من زمان التخصيص ، ويحكم بكون خيار الغبن على التراخي.
وتطبيق هذه
الكبرى على المقام هو : أنّ عموم حلّ البيع ووجوب الوفاء بالعقود قد خصّص بمثل
مكاتبة ابن راشد بمجرد طروء عنوان «الوقف» على المال ، ولا ريب في فساد بيعه ما
دام عامرا ينتفع به ، ولم يكن هناك خلف ولا فتنة بين أربابه ، ويشك في حكم الوقف
بعروض ما يحتمل كونه مجوّزا للبيع. ومنشأ الشك
__________________
في جميع هذه الصور (*) ،
______________________________________________________
إهمال الدليل المخصّص أو إجماله من حيث شموله للحالات الطارئة وعدمه. وحيث
إنّه لا مجال للرجوع إلى الدليل الاجتهادي ـ سواء أكان هو العام أو الخاص ـ
فالمتعيّن التمسك باستصحاب منع بيع الوقف ، هذا.
__________________
وعدم الدليل الوارد (١) عليه عدا المكاتبة (٢) المشهورة ـ التي انحصر تمسّك
كلّ
______________________________________________________
(١) المراد
بالورود هنا التقدم الصادق على الحكومة المصطلحة التي بنى المصنف عليها في تقدم
الأمارات على الاصول العملية. نعم يتجه التعبير بالورود عند من يرى اليقين والشك
في أخبار الاستصحاب بمعنى الحجة واللاحجة ، والأمر سهل.
(٢) هذا رابع
الوجوه المستدلّ بها على جواز البيع في الصورة السابعة ـ بقسميها ـ والتالية لها.
والمستدل بها في مجموع الصور جماعة ، إلّا أن كلّا منهم بحسب استظهاره منها استدل
بها على ما ذهب إليه من جواز البيع في الجملة ، وسيأتي تقريب دلالتها على كل واحدة
من تلك الصور.
قال المحقق
الشوشتري ـ بعد نقل المكاتبة وعدّها دليلا ثالثا للجواز ـ ما لفظه : «وهذا الخبر
بنفسه ـ أو مع ضمّ غيره إليه صالح في الجملة للاستناد به لجميع الأقوال السابقة.
فمن اعتبر وقوع الاختلاف نظر إلى قوله : إن كان قد علم ... الخ» فراجع .
__________________
__________________
من جوّزه في هذه الصور فيها (١) ـ وهي مكاتبة ابن مهزيار ، قال : «كتبت إلى
أبي جعفر الثاني عليهالسلام : أنّ فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها ، وجعل لك في الوقف
الخمس ، ويسأل [ويسألك] (٢) عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض ، أو تقويمها على نفسه
بما اشتراها (٣) [به]
______________________________________________________
وعدّ صاحب
الجواهر قدسسره هذه المكاتبة هي العمدة من الأخبار المجوّزة للبيع ،
ومنها اختلفت أفهامهم واضطربت أقوالهم .
وكيف كان ففي
هذه الرواية جهتان : إحداهما : السند ، والاخرى الدلالة. ولا ريب في صحة السند
بطريق ثقة الإسلام والصدوق وشيخ الطائفة. فرواها في الكافي عن محمد بن يحيى عن
أحمد بن محمد ، وعن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، جميعا عن علي بن مهزيار. ولو
صعب أمر سهل لم يكن غمز في الطريق الآخر.
كما لا ريب في
طريق الصدوق ، لأنه رواها باسناده عن العباس بن معروف عن عليّ بن مهزيار.
وكونها مكاتبة
غير قادح في حجيتها كما قرر في محله ، فلا وجه لتقديم أدلة منع البيع عليها من هذه
الجهة. خصوصا مع شهرتها رواية بل وعملا ، كما سيظهر ، فلا مجال لرميها بالإعراض
عنها. نعم للبحث الدلالي مجال واسع كما سيأتي في المتن.
ثم إن هذه
المكاتبة تتضمن سؤالين ، والمقصود الاستدلال بالسؤال الثاني على الجواز في الصور
الأربع.
(١) متعلق ب «انحصر»
والضمير راجع إلى المكاتبة.
(٢) كذا في
نسختنا ، وفي بعض النسخ كما في الوسائل وغيره : «ويسأل».
(٣) كذا في
نسختنا ، كما في الوسائل ، ولكن في بعض النسخ كالكافي زيادة كلمة «به».
__________________
أو يدعها موقوفة (١)؟ فكتب إليّ : أعلم فلانا أنّي آمره ببيع حصّتي من
الضيعة ، وإيصال ثمن ذلك إليّ ، إنّ (٢) [وإنّ] ذلك (٣) رأيي إن شاء تعالى ، أو
يقوّمها (٤) على نفسه إن كان ذلك (٥) أوفق له».
قال (٦) : «وكتب
(٧) [وكتبت] إليه : أنّ الرجل ذكر أنّ بين من وقف عليهم بقيّة (٨) هذه الضيعة
اختلافا شديدا ، و[أنّه] (٩) ليس يأمن
______________________________________________________
(١) ظاهر هذه
الجملة ـ بعد الإخبار بشراء ضيعة فأوقفها وجعل خمسا منها للإمام عليهالسلام ـ السؤال عن أنه هل يجوز نقل حصّة الإمام عليهالسلام إلى نفسه أو إلى غيره وإيصال الثمن إليه عليهالسلام ، أم لا يجوز ذلك ، فيجب إبقاؤها موقوفة؟
ويحتمل في جعل
الخمس له عليهالسلام الوصية به ، لإطلاق الوقف عليها ، كما يحتمل فيه الوقف
المصطلح.
(٢) كذا في
نسختنا ، وفي بعض النسخ والوسائل : «وإنّ».
وحاصل الجواب :
الأمر ببيع حصة الإمام عليهالسلام إمّا من أجنبي أو من نفس الشخص الذي خصّ خمس الضيعة به عليهالسلام وإيصال الثمن إليه عليهالسلام.
(٣) أي : بيع
الحصة وإيصال الثمن إليه رأيه عليهالسلام.
(٤) أي : يقوّم
الحصة على نفسه ، بأن يشتريها لنفسه من الإمام عليهالسلام وكالة عنه.
(٥) أي : إن
كان التقويم على النفس أوفق له.
(٦) يعني : قال
عليّ بن مهزيار : «وكتبت إلى أبي جعفر عليهالسلام مسألة اخرى ، وهي وقوع خلف بين أرباب الوقف.
(٧) كذا في
نسختنا ، ولكن في بعض النسخ كما في الوسائل : «وكتبت».
(٨) هذه الكلمة
موجودة في الكافي والتهذيب والإستبصار ، ولم ترد في الفقيه والوسائل ، والمراد
وقوع الخلف بين أرباب الضيعة الموقوفة ، وهي أربع أخماسها لاختصاص خمسها بالإمام
الجواد عليهالسلام.
(٩) لم ترد «أنه»
في نسختنا ، وأثبتناها عن بعض النسخ ، كما في المصادر
أن يتفاقم (١) ذلك بينهم بعده. فإن كان (٢) ترى أن يبيع هذا الوقف ، ويدفع
إلى كلّ إنسان منهم ما وقف له من (٣) ذلك ، أمرته.
فكتب (٤) بخطّه
: وأعلمه أنّ رأيي : إن كان قد علم الاختلاف بين (٥) أرباب الوقف أنّ (٦) بيع
الوقف
______________________________________________________
الحديثية. والظاهر أن الجملة عطف تفسير للاختلاف الشديد ، يعني : يخاف من
بلوغ منازعة أهل الوقف ـ إلى مرتبة عظيمة ـ أن يتوتر فيها الأمر.
(١) قال في
اللسان : «وتفاقم الأمر ، أي : عظم» يعني : يشتدّ النزاع بعد إختلاف أرباب الوقف.
(٢) هذا سؤال
ابن مهزيار منه عليهالسلام عن أنه لو جاز للواقف ـ في حالة وقوع الخلف بين الموقوف
عليهم ـ البيع ، فليأمر عليهالسلام ذلك الرجل بالبيع ، وجعل الثمن حصصا بعدد الموقوف عليهم
، ودفعها إليهم.
(٣) متعلق ب «يدفع»
والمشار إليه هو الثمن ، فلو كان الموقوف عليهم عشرة أشخاص قسّم الثمن عشرة أجزاء
، ودفع إلى كلّ منهم حصّته.
(٤) معطوف على «وكتبت
إليه» والضمير المستتر راجع إلى الإمام عليهالسلام ، والمكتوب إليه هو علي بن مهزيار. وتقدير الكلام : أن
الراوي عن ابن مهزيار ـ وهو العباس بن معروف أو أحمد بن محمد بن عيسى ـ قال : إن
الإمام كتب إلى ابن مهزيار : وأعلمه ... الخ. والجواب منقول عن ابن مهزيار بالمعنى
، إذ لو كان منقولا باللفظ كان المناسب تعبير ابن مهزيار ب «كتب إليّ» لا «فكتب
إليه».
(٥) كذا في نسخ
الكتاب ، ولكن الموجود في الوسائل والكافي والتهذيب والفقيه «ما بين أصحاب الوقف».
(٦) كذا في نسخ
الكتاب ، وهو موافق لما في الفقيه بزيادة «الواو» ولكن في
__________________
أمثل (١) [فليبع] (٢) ، فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس»
الخبر (٣) .
حيث (٤) إنّه
يمكن الاستدلال للجواز بها
______________________________________________________
الكافي والتهذيب والوسائل بصيغة المضارع لا المصدر ، والجملة خبر قوله : «أن
رأيي».
فعلى الأوّل
يكون البيع اسم «إنّ» وخبره «أمثل». وعلى الثاني يتأوّل الفعل المضارع مع «أن»
بالمصدر ، فيكون مبتدء ، والمعنى : «أن رأيي بيع الوقف أمثل».
(١) وهو الأفضل
، والمراد به كون البيع خيرا للموقوف عليهم من إبقاء الوقف على حاله ، ولا
يبعد انسلاخه عن التفضيل هنا ، إذ لا خير في الإبقاء بملاحظة التعليل بخوف تلف
الأموال والنفوس.
(٢) لم ترد هذه
الكلمة في نسختنا والوسائل والتهذيب والكافي ، ووردت في بعض النسخ كما في الفقيه.
فإن ثبتت فهي جواب الشرط في «فإن كان» وإن لم تثبت فالجواب محذوف اقيم علته مقامه.
(٣) كذا في
نسختنا ، وهي مستغنى عنها ، لكون المنقول تمام المكاتبة لا بعضها.
(٤) هذا بيان
لما أجمله بقوله : «تمسّك كلّ من جوّزه» من تقريب الاستدلال بالمكاتبة لكل واحدة
من الصور المتقدمة. وليس مقصوده قدسسره عدم وفاء المكاتبة بإثبات جواز البيع في القسم الأوّل
من الصورة السابعة ، وذلك لأنّ التمسك بها للجواز في أداء البقاء إلى قلة المنفعة
ونقصها يقتضي الاستناد إليها في أدائها إلى
__________________
في القسم الثاني (١) من الصورة السابعة ، بناء (٢) على أنّ قوله : «فإنه ...
الخ»
______________________________________________________
سقوطها بالمرّة. ويشهد لاستدلالهم بها في القسم الأوّل كلام صاحب المقابس
المتقدم في (ص ١٥٤) ، ومن الأقوال التي نقلها عن جماعة هو قوله : «ثالثها : أنه
يصحّ إذا وقع بينهم خلف بحيث يخشى خرابه مع بقائه على حاله» .
(١) وهو خراب الوقف
الموجب لقلة المنفعة.
(٢) توضيحه :
أنّ الاستتدلال بهذه المكاتبة على المقصود ـ وهو بيع الوقف المؤدّي بقاؤه إلى
الخراب الذي تقلّ معه المنفعة ـ منوط بتسليم مقدمات :
الاولى : أن
يكون قوله عليهالسلام : «فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس
علّة لقوله عليهالسلام : «فليبع» حتى يكون المدار في جواز البيع على صيرورة
الوقف معرضا للخراب ، ليتعدّى من المورد ـ وهو الاختلاف ـ إلى غيره مما يوجب تلف
الوقف. فلو كان قوله عليهالسلام : «فإنّه» حكمة للبيع اختصّ بالمورد ، إذ التعميم
والتخصيص من شئون العلّة لا الحكمة.
الثانية : أن
تكون : «ربما» في قوله عليهالسلام : «فإنّه ربما» دالة على الخوف الناشئ عن العلم أو الظن
بالخراب لتنطبق على كلمات القوم ، حيث عبّروا عما نحن فيه بالخوف والخشية ونحوهما.
الثالثة : أن
يكون المراد ب «تلف الأموال» تلف الأعيان الموقوفة ، لا كلّ مال وإن لم يكن مرتبطا
بالوقف.
الرابعة : أن
يكون تلف المال ـ بمقتضى إطلاقه ـ أعم من تلف تمام الوقف وسقوطه عن المنفعة رأسا ـ
كما في القسم الأوّل من الصورة السابعة ـ ومن تلف بعضه وقلّة المنافع ، كما في
القسم الثاني منها.
الخامسة : أن
يكون تمام المناط في جواز البيع خصوص تلف الوقف ، لا هو
__________________
تعليل (١) لجواز البيع في صورة الاختلاف ، وأنّ (٢) المراد بالمال هو الوقف
، فإنّ (٣) ضمّ النفوس إنّما هو لبيان الضرر الآخر المترتب على الاختلاف ، لا أنّ (٤)
المناط في الحكم هو اجتماع الأمرين كما لا يخفى. فيكون حاصل التعليل
______________________________________________________
منضمّا إلى تلف النفوس ، بحيث يكون المجموع مجوّزا واحدا للبيع ، إذ ـ بناء
على اعتبار الانضمام ـ لا تنطبق المكاتبة على المدّعى ، وهو خشية أداء بقاء الوقف
إلى خصوص قلة المنفعة ، لا تلف النفوس.
فإن قلت :
مقتضى عطف «النفوس» على «الأموال» ترتب جواز البيع على خوف تلفهما معا ، وعدم
كفاية تلف المال خاصة ، فالرواية أجنبية عن المقام.
قلت : لا ظهور
للعطف في اعتبار اجتماع الأمرين في جواز البيع ، بل المراد ترتب الحكم على كلّ
منهما بالاستقلال ، فهو نظير قول القائل : «هذا الطريق غير مأمون فلا تسلكها لما
فيها من خوف تلف المال والنفس» فلا يستفاد عرفا منه ضمّ خوف هلاك النفس إلى تلف
المال.
فالمتحصل :
دلالة المكاتبة على هذه المقدمة أيضا.
(١) إشارة إلى
المقدمة الاولى.
(٢) إشارة إلى
المقدمة الثالثة. وتقدّم في نقل الأقوال أنّ المحقق الثاني استظهره من المكاتبة ،
فراجع .
(٣) كذا في
النسخ ، ولا يبعد أن يكون «وأنّ» بالواو ليكون عطفا على «وأن المراد» لوضوح كونه
مطلبا مستقلا عن كون المال المتلف هو الوقف.
أو يقال : «وأن
المراد تلف المال خاصة ، وهو الوقف» حتى يلتئم مع تعليله ب «فإنّ ضمّ ...».
(٤) إشارة إلى
المقدمة الخامسة.
__________________
بالمكاتبة : أنّه كلّما (١) كان الوقف في معرض الخراب جاز بيعه.
وفيه (٢) : أنّ
المقصود جواز بيعه إذا أدّى بقاؤه إلى الخراب علما
______________________________________________________
(١) هذه الكلية
مستفادة من العلية المنصوصة ، لأنّها كبرى للمورد بحسب الشكل الأول ، ومن المعلوم
اعتبار كلية الكبرى فيه ، فكأنّه قيل : الاختلاف موجب لخراب الوقف ، وكل موجب له
يجوّز بيعه ، فالاختلاف يجوّز بيعه.
(٢) ناقش
المصنف قدسسره في الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع في القسم الثاني
من الصورة السابعة بوجوه ثلاثة :
الأوّل : عدم
انطباق الدليل على المدّعى ، وبيانه : أنّ المقصود إثبات جواز البيع في صورة العلم
أو الظن بتأدية بقاء الوقف إلى الخراب وقلّة منافعه ، كما تقدم في عنوان هذه
الصورة ، وهو المعبّر عنه بالخشية تارة وبالخوف اخرى ، ومن المعلوم إناطة صدقهما
بوجود أمارة مورثة للظن أو الاطمئنان بكون البقاء عرضة لتلف المال والنفس ، ولا
يكفي مجرّد الاحتمال الموهوم.
والشاهد على
اعتبار الأمارة الظنية ـ وعدم كفاية الوهم ـ ملاحظة بعض موارد إطلاق هذه الكلمة ،
كقولهم بوجوب الإفطار مع خوف الضرر ، وبحرمة السفر مع خوف الهلاك.
ولكن الدليل ـ
أعني به التعليل الوارد في المكاتبة ـ يفيد شيئا آخر ، وهو جواز البيع عند
الاحتمال الموهوم بالتلف ، وذلك لظهور كلمة «ربما» في الأعم من الوهم والشك والظن
، ولا يختص بما إذا كان مدخولها مظنونا. ولازم الأعمية هو الحكم بجواز البيع حتى
لو كان احتمال أداء بقاء الوقف إلى التلف مرجوحا ، واحتمال عدم أدائه إليه راجحا.
مع أنه لا سبيل للالتزام بالجواز في الاحتمال الضعيف كما لم يلتزم المجوّزون به ،
بل خصّصوه بالعلم والظن ، هذا.
والحاصل : أن
المدّعى جواز البيع عند خوف أداء بقاء الوقف إلى الخراب وقلة المنفعة ، وعدم جوازه
في الاحتمال الموهوم والشك. والتعليل ب «فإنه ربما»
أو ظنّا (١) ، لا مجرّد كونه (٢) ربما يؤدّي إليه ـ المجامع (٣) للاحتمال
المساوي أو المرجوح ، على ما هو الظاهر من لفظة «ربما» (٤) (*) كما لا يخفى على
المتتبّع
______________________________________________________
يدل على الجواز في الجميع ، ولا يمكن الالتزام به ، فلا بد من رفع اليد عن
المكاتبة والتماس دليل آخر على الحكم.
هذا توضيح
الوجه الأوّل ، وسيأتي الوجهان الآخران.
(١) إذ الخوف
حالة نفسانية تحصل بالعلم أو الظن بالمخوف ، لا بالأعم منهما ومن الشك والوهم.
(٢) أي : كون
البقاء ربما يؤدي إلى الخراب ولو احتمالا موهوما.
(٣) صفة ل «مجرّد
كونه». والمراد بمجرد الأداء مطلقه ، سواء أكان معلوما أو مظنونا أو مشكوكا فيه أو
موهوما.
(٤) يعني : أن
إرادة الاحتمال المساوي والمرجوح نشأت من ظهور «ربما» في الأعم. ولعلّ منشأه ما
نسب إلى بعض النحاة من : «أنّ ربّ للتقليل وكم للتكثير ، فلا يقال : ربما رأيته
كثيرا» .
__________________
__________________
لموارد استعمالاته ـ ولا أظنّ (١) أحدا يلتزم بجواز البيع بمجرّد احتمال
أداء بقائه إلى الخراب ، لأنّ (٢) كلمات من عبّر بهذا العنوان ـ كما عرفت ـ بين (٣)
______________________________________________________
(١) هذا هو
الإشكال على الاستدلال ، يعني : أن ظهور المكاتبة معرض عنه ، لعدم التزامهم بجواز
بيع الوقف عند الشك في أن بقاءه يفضي إلى الخراب ، فضلا عن الوهم. ومن المعلوم
سقوط الرواية الصحيحة سندا عن الحجية بترك العمل بظاهرها.
(٢) تعليل لعدم
الظن بالالتزام ، وحاصله : الاستشهاد بكلام المجوّزين على اختصاص جواز البيع
بالعلم بالأداء أو خوفه ، وعدم شموله للاحتمال.
(٣) خبر «لأنّ»
يعني : أنّ تعبير المجوزين يكون إمّا «الأداء» الظاهر في
__________________
__________________
قولهم : «أدّى بقاؤه إلى خرابه» (١) وبين قولهم : «يخشى (٢) أو يخاف (٣)
خرابه».
والخوف (٤) عند
المشهور كما يعلم من سائر موارد إطلاقاتهم ـ مثل قولهم : «يجب الإفطار (٥) والتيمم
مع خوف الضرر» و«يحرم السفر مع خوف الهلاك» (٦) ـ
______________________________________________________
العلم به ، وإمّا «الخوف».
(١) كما ورد في
عبارة بيع الشرائع .
(٢) كما في وقف
الشرائع والتحرير .
(٣) كما في
الوسيلة وفقه القرآن وجامع الشرائع .
(٤) أراد قدسسره بيان معنى «الخوف» بعد أن كان المدار عليه ، لا على
مطلق الاحتمال.
(٥) قال المحقق
قدسسره : «المرض الذي يجب معه الإفطار : ما يخاف به الزيادة
بالصوم ، ويبني في ذلك على ما يعلمه من نفسه أو يظنّه ، لأمارة كقول عارف» .
وقال في التيمم
: «ولا فرق في جواز التيمم بين أن يخاف لصّا أو سبعا ، أو يخاف ضياع مال. وكذا لو
خشي المرض الشديد أو الشّين باستعماله الماء جاز له التيمم. وكذا لو كان معه ماء
للشرب ، وخاف العطش أن استعمله» .
(٦) قال الشهيد
قدسسره : «ولو سلك طريقا مخوفا على النفس يغلب معه ظنّ التلف
فالأقرب أنه عاص بسفره فلا يترخّص» ، ونحوه كلام العلّامة قدسسره ، فراجع .
وقال المصنف قدسسره : «وكذا لا خلاف بينهم ظاهرا في أن سلوك الطريق المظنون
__________________
لا يتحقق (١) إلّا بعد قيام أمارة الخوف.
هذا ، مع أنّ (٢)
مناط الجواز ـ على ما ذكر (٣) ـ تلف الوقف رأسا ، وهو القسم الأوّل من الصورة السابعة
الذي جوّزنا فيه البيع ، فلا يشمل (٤) الخراب الذي لا يصدق معه التلف (*).
______________________________________________________
الخطر أو مقطوعه معصية يجب إتمام الصلاة فيه ولو بعد انكشاف عدم الضرر فيه»
.
(١) خبر قوله :
«والخوف عند المشهور».
(٢) هذا ثاني
وجوه المناقشة ، وهو ناظر إلى منع المقدمة الرابعة. توضيحه : أنّه بناء على إرادة
العين الموقوفة من المال ـ في قوله عليهالسلام : «ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال» كما استظهره
الشهيد الثاني قدسسره ـ تكون المكاتبة أجنبية عن المدّعى ، وهو جواز البيع في القسم الثاني ،
ومنطبقة على القسم الأوّل ، الذي قلنا بجوازه فيه ، وذلك لظهور «تلف المال» في
سقوطه عن الانتفاع رأسا ، ولا يصدق تلفه ـ بقول مطلق ـ على الخراب الموجب لقلة
نفعه. مع أنّ المقصود بالاستدلال تجويز البيع في صورة نقص المنفعة.
(٣) يعني : في
تقريب ما اختاره قدسسره ، حيث قال : «والأقوى الجواز مع تأدية البقاء إلى
الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتدّ به عرفا ...».
(٤) يعني : أنّ
مناط الجواز لا يشمل نقص المنفعة ، للفرق بين التلف والنقص.
__________________
__________________
مع أنّه (١) لا
وجه ـ بناء (٢) على عموم التعليل ـ للاقتصار على خوف خراب خصوص الوقف ، بل كلّما
خيف تلف مال جاز بيع الوقف (٣).
وأمّا تقريب (٤)
الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع في الصورة الثامنة
______________________________________________________
(١) هذا ثالث
وجوه المناقشة ، وغرضه إسقاط المكاتبة عن الحجية بالإعراض من جهة اخرى.
وتوضيحه : أن
مقتضى عطف «النفوس» على «الأموال» والمقابلة بينهما أن يراد ب «تلف المال» ضياع
مطلق المال ، لا خصوص الموقوفة. فلو أدّى النزاع إلى تلف مال آخر من الموقوف عليهم
أو من غيرهم ـ مع الأمن من هلاك الموقوفة ـ لزم الحكم بجواز بيع الوقف تحفظا على
الأموال الاخرى. ومن المعلوم عدم التزام المجوّز للبيع ـ استنادا إلى المكاتبة ـ
بهذا الإطلاق ، كما لا يمكن الالتزام به لمخالفته للإجماع كما قيل. وهذا شاهد على
إعراضهم عن الرواية ، ومعه لا مجال للتمسك بها في تجويز البيع في القسم الثاني.
(٢) الوجه في
هذا البناء واضح ، إذ مع اختصاص «المال» ـ الوارد في التعليل ـ بالوقف لا وجه لجعل
تلف مال آخر مسوّغا لبيع الوقف ، فيختص قوله عليهالسلام : «ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال» بتلف الوقف ، دون
تلف سائر الأموال.
(٣) ولا يمكن
الالتزام به ، لمخالفته للإجماع ، ومقتضاه رفع اليد عن ظهور المكاتبة.
وقد تحصل : عدم
جواز بيع الوقف فيما عدا القسم الأوّل من الصورة السابعة.
(٤) معطوف على
قوله : «حيث إنّه يمكن» والأولى إسقاط «أمّا» هنا وفيما
__________________
ـ وهي صورة وقوع الاختلاف الذي ربما أوجب تلف الأموال والنفوس ـ فهو : أن
الحكم بالجواز معلّق (١) على الاختلاف ، إلّا أن قوله : «فإنّه ربما» مقيّد
بالاختلاف الخاص ، وهو الذي لا يؤمن معه (٢) من التلف (٣) ، لأنّ (٤) العلّة تقيّد
المعلول ، كما في قولك : لا تأكل الرّمان لأنّه حامض (٥).
وفيه (٦) : أنّ
اللازم
______________________________________________________
سيأتي في (ص ١٧٢) من تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة ، أو تصدير كلامه
السابق ب «أما» بأن يقال : «أما تقريب الاستدلال في القسم الثاني من الصور السابعة
...».
وكيف كان
فتقريب دلالة المكاتبة على حكم الصورة الثامنة هو : أنّ جوابه عليهالسلام متضمن لجملتين : إحداهما : تجويز البيع عند ظهور الخلف
والمنازعة بين الموقوف عليهم ، وكونه خيرا من إبقاء الوقف على حاله. ومقتضى
الإطلاق جواز البيع بمجرد العلم بالاختلاف ، سواء خيف من بقائه تلف المال وإراقة
الدماء أم لا.
ثانيتهما :
تعليل الحكم بقوله عليهالسلام : «فإنّه ربما» وظاهره موضوعية إختلاف خاصّ لجواز البيع
، وهو النزاع الذي لا يؤمن معه من ضياع الأموال وهلاك النفوس.
ومقتضى تقديم
ظهور العلّة على المعلول تقييد الاختلاف المجوّز للبيع بما إذا خيف من بقاء الوقف
تلف المال والنفس ، وبهذا يتم الحكم في الصورة الثامنة.
(١) يستفاد
التعليق من إناطة «فليبع» بقوله : «إن كان قد علم الاختلاف».
(٢) أي : مع
الاختلاف.
(٣) فيتعين
التوفيق بين المعلول والعلّة بتقييد إطلاق جواز البيع في «فليبع».
(٤) تعليل
لمحذوف ، وهو لزوم الأخذ بخصوص العلة لا بعموم المعلول.
(٥) فيختص
النهي حينئذ بأكل الرمان الحامض.
(٦) محصل
المناقشة في التقريب المتقدم هو : عدم وفاء المكاتبة بإثبات الجواز في
.................................................................................................
______________________________________________________
الصورة الثامنة ، وذلك لأن تقديم العلّة على المعلول كما يوجب تقييد
الاختلاف بما خيف منه تلف المال والنفس ، كذلك يقتضي رفع اليد عن خصوصية الاختلاف
، وتعميم جواز البيع لما إذا لم يكن خلف بين أرباب الوقف ، ولكن علم إفضاء بقائه
إلى تلفها من جهة اخرى ، وتوقّف سدّ الفتنة على بيع الوقف ، فإنّ العلّة كما تخصّص
تعمّم. ومن المعلوم عدم التزام أحد بجواز بيع الوقف مقدّمة لعلاج مفسدة اخرى
أجنبية عنه. وهذا المحذور يوهن العمل بظاهر المكاتبة ، وتسقط حينئذ عن الدلالة على
حكم الصورة الثامنة.
فإن قلت : يمكن
الأخذ بموضوعية مطلق الاختلاف لجواز البيع ، وعدم تقييده بقوله عليهالسلام : «فإنه ربما» وذلك لورود مثله في الأخبار مما يكون
علّة للحكم تارة ، وحكمة اخرى ، ومن المعلوم أن ما يصلح للتقييد هو العلّة لا
الحكمة.
قال المحقق
الشوشتري قدسسره : «وأما التعليل فبناؤه على الكشف عن الحكمة في جواز
البيع ، والغرض منه كون الاختلاف عرضة لذلك المحذور ، لا أنّ أداءه إليه شرط لجواز
البيع. وبذلك نصّ الشهيدان ، وهو ظاهر الكفاية والمفاتيح ، ويشهد له التعليل ب
ربما» .
وعليه فلا مانع
من الأخذ بموضوعية الاختلاف ، وعدم تعميم الحكم لما إذا لم يكن منشأ التلف منازعة
أرباب الوقف.
قلت : إن حمل «ربما»
على الحكمة وإسقاطه عن العلية ـ ليبقى عموم الاختلاف على حاله ـ يوجب عدم صلاحيته
لتقييد الجواز بخوف تلف المال أو النفس ، فإنّ الحكمة كما لا تعمّم لا تخصّص ، مع
أن مفروض الصورة الثامنة هو الجواز لو أدّى بقاء الوقف إلى التلف لا مطلقا.
__________________
على هذا (١) تعميم الجواز في كلّ مورد لا يؤمن معه من تلف الأموال والنفوس (٢)
وإن لم يكن من جهة إختلاف الموقوف عليهم ، فيجوز (٣) بيع الوقف لإصلاح كلّ فتنة
وإن لم يكن لها دخل في الوقف.
اللهم إلّا أن
يدّعى سوق العلّة مساق التقريب (٤) ، لا التعليل الحقيقي حتى يتعدّى (٥) إلى جميع
موارده.
لكن (٦) تقييد
الاختلاف حينئذ (٧) بكونه ممّا لا يؤمن ممنوع ،
______________________________________________________
والحاصل : إن
كانت جملة «فإنه ربما» علة لزم تعميم الجواز لغير موارد الاختلاف ، ولا سبيل للقول
به.
وإن كانت حكمة
لزم تعميم الجواز لما إذا لم يؤدّ البقاء إلى التلف ، وهو غير الصورة الثامنة.
(١) أي : على
كون «فإنه ربّما» علّة لجواز البيع عند الاختلاف.
(٢) أخذا بعموم
العلّة لا بخصوصية المورد.
(٣) هذا نتيجة
تعميم الجواز لكلّ مورد يخشى فيه تلف الأموال والنفوس.
(٤) لا التعليل
، يعني : فلا تكون العلّة مبيّنة لمطلب جديد ، بل بمنزلة عبارة اخرى لما قبلها ،
فلا تزيد عما قبلها. فقوله عليهالسلام : «ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس» لا يكون
مناطا وموضوعا للحكم حتى يدور جواز البيع مداره ، بل بيانا لأمر خارجي قد يترتب
على الاختلاف. فالموضوع نفس الاختلاف سواء ترتب عليه مفسدة تلف المال والنفس أم
لا.
(٥) لأن التعدي
من شأن العلة المنصوصة التي يكون الحكم للمورد بسبب انطباقها عليه ، لا لخصوصية
نفس المورد.
(٦) هذا ردّ
قوله : «اللهم إلا أن يدّعى» وتقدم بقولنا : «قلت» كما تقدمت الدعوى في «إن قلت».
(٧) أي : حين
عدم عليته بل كونه تقريبا لما قبله ، ووجه عدم التقييد به حينئذ
وهو (١) الذي فهمه الشهيد رحمهالله في الرّوضة كما تقدّم كلامه.
لكن الحكم على
هذا الوجه (٢) مخالف للمشهور. فلا يبقى حينئذ (٣) وثوق بالرواية (٤) بحيث يرفع
اليد بها
______________________________________________________
هو كونه توضيحا لما قبله.
(١) يعني : منع
تقييد الاختلاف بما يوجب تلف المال أو النفس هو الذي فهمه الشهيد قدسسره ، حيث قال : «والظاهر أن خوف أدائه إليهما وإلى أحدهما
ليس بشرط ، بل هو مظنة لذلك» . وحاصله : عدم اعتبار الاختلاف الخاص في جواز بيع الوقف
، فيجوز بيعه مطلقا باعتبار أن الاختلاف بحسب نوعه يؤدّي إلى تلف المال والنفس ،
ولا ينظر إلى أشخاص الاختلاف في كل مورد مورد.
(٢) أي : بدون
تقييد الاختلاف بعدم الأمن ، والحكم بجواز البيع بمجرد الاختلاف ، فإن جواز البيع
حينئذ مخالف للمشهور ، حيث إنّهم قيّدوا جواز البيع بالاختلاف الخاص ، وهو ما لا
يؤمن معه من تلف المال والنفس.
(٣) أي : حين
كون عدم تقييد الاختلاف خلاف المشهور.
(٤) لكون فتوى
المشهور مخالفة لظاهر الرواية ، حيث إن ظاهرها ـ بعد البناء على عدم تقييد
الاختلاف بما لا يؤمن معه من المفسدة ـ هو كون الاختلاف بنفسه موضوعا لجواز البيع
من دون تقييده بترتب محذور تلف المال أو النفس عليه.
وفتوى المشهور
هي كون الاختلاف المقيد بعدم الأمن من ترتب المحذور المزبور عليه موضوعا للبيع.
فمضمون الرواية
حينئذ لا ينطبق على فتوى المشهور ، فيصير موردا لإعراضهم المشهور عنه ، وهذا موهن
لاعتبار الرواية على الأقوى.
__________________
عن العمومات (١) والقواعد (٢) ، مع ما فيها من ضعف الدلالة (٣) ، كما سيجيء
إليه الإشارة.
وممّا ذكرنا (٤)
يظهر تقريب الاستدلال على الصورة التاسعة وردّه (٥).
______________________________________________________
إلّا أن يقال :
إن الإعراض إن كان عن سند الرواية بحيث لم يعمل المشهور بها أصلا ، فهو يسقط
الرواية عن الاعتبار. وأمّا إذا عملوا بها غايته أنهم استظهروا منها غير ما
استظهرناه منها فهو لا يسقطها عن الاعتبار ، لأن مخالفتنا لهم ترجع إلى الاستظهار
، ومن المعلوم عدم حجية فهمهم علينا.
(١) الناهية عن
بيع الوقف ، والتعبير بالعموم لشمولها لحالة خوف تلف المال والنفس وعدمه.
(٢) المراد به
استصحاب منع البيع الثابت قبل طروء خوف التلف.
(٣) من جهة عدم
ظهور المكاتبة في ما نحن فيه وهو الموقف المؤبد ، وكذا عدم ظهورها في لزوم الوقف
وتماميته بإقباض العين للموقوف عليه ، وغيرهما مما سيأتي في (ص ١٩٢).
(٤) أي : من
جعل قوله عليهالسلام : «فإنّه ربما جاء في الاختلاف» علة منصوصة يظهر تقريب
الاستدلال على الصورة التاسعة ، وهي أداء الاختلاف إلى ضرر عظيم من دون تقييده
بتلف المال.
وحاصل تقريبه :
أن مقتضى العلّة كون موضوع جواز البيع هو الضرر من تلف المال أو النفس أو غيرهما
بعد حمل النفس أو المال على المثال.
فالمتحصّل : أن
مجوّز بيع الوقف هو الضرر العظيم من تلف المال أو غيره ، فينطبق على الصورة
التاسعة.
(٥) وهو : أنّ
لازم جعل قوله عليهالسلام : «فإنّه ربما جاء الاختلاف ... الخ» علّة هو جواز
البيع لكل فتنة وإن لم ترتبط بالوقف ، وهو مما لا يلتزم به أحد.
مضافا إلى : أن
حمل تلف المال أو النفس على المثال لمطلق الضرر العظيم ممنوع
وأمّا تقريب
الاستدلال على الصورة العاشرة فهو : أنّ (١) ضمّ تلف النفس إلى تلف الأموال ـ مع (٢)
أنّ خوف تلف الأنفس يتبعه خوف تلف المال غالبا (٣) ـ يدلّ على اعتبار بلوغ الفتنة
في الشدّة إلى حيث يخاف منه تلف النفس ، ولا يكفي بلوغه إلى مادون ذلك (٤) ، بحيث
يخاف منه تلف المال فقط.
وفيه (٥):
______________________________________________________
جدّا ، لتوقفه على القطع بعدم خصوصيتهما ، ودون إثباته خرط القتاد.
(١) توضيحه :
أن الرواية وإن اشتملت على تلف المال والنفس معا ، وهو لا ينطبق على الصورة
العاشرة التي هي «لزوم فساد يستباح منه الأنفس فقط». لكن مع ذلك يمكن الاستدلال
بها على الصورة العاشرة بأن يقال : إن ذكر «تلف المال» في الرواية ليس لأجل دخله
في الحكم بجواز البيع حتى يكون هو مع تلف النفس ـ جمعا ـ دخيلا في جواز البيع ،
فلا ينطبق على الصورة العاشرة.
بل لأجل ملازمة
تلف النفس لتلف المال غالبا. فذكر «تلف المال» مبني على الغالب ، لا لكونه دخيلا
في جواز البيع. فالمجوّز للبيع هو خصوص تلف النفس واستباحتها ، وهذا المعنى ينطبق
على الصورة العاشرة ، ويصح أن يكون دليلا عليها.
(٢) غرض
المستدل من هذه الجملة المعترضة إسقاط موضوعية تلف المال ، وأن جواز البيع يدور
مدار تلف الأنفس خاصة ، فذكر «الأموال» مبني على الملازمة الغالبية بين تلفهما ،
لا للاحتراز حتى ينتفي جواز البيع لو أدى بقاء تلف الوقف إلى خصوص استباحة الأنفس.
(٣) إذ لا
مفهوم للقب الوارد مورد الغالب كالوصف الغالبي ، كما قيل في آية حرمة الربائب.
(٤) أي : ما
دون بلوغه إلى تلف النفس ، والمراد ب «مادون» تلف المال.
(٥) منع المصنف
قدسسره التقريب المذكور بإشكالين :
أنّ اللازم على هذا (١) عدم اختصاص موجب الفساد بوقوع الفتنة بين الموقوف
عليهم ، بل يجوز حينئذ (٢) بيع الوقف لرفع كلّ فتنة (٣).
مع أنّ (٤)
ظاهر الرواية كفاية كون الاختلاف بحيث ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس.
______________________________________________________
أحدهما : أنّ
مقتضى عموم العلّة التعدي عن المورد ـ وهو إختلاف الموقوف عليهم المؤدي إلى التلف ـ
إلى كل ما يوحب تلف النفس ، لما قرر في محله من أن العلة كما تضيّق دائرة المعلول
كذلك توسعها ، كما في المثال المعروف وهو «لا تأكل الرمان لأنّه حامض» كما لا
يخفى.
وعليه فلا يدور
جواز البيع مدار الاختلاف الخاص ، بل المناط مطلق الفتنة المفضية إلى استباحة
النفس.
(١) أي : بناء
على اعتبار بلوغ الفتنة في الشدة إلى حدّ يخشى منه تلف النفس.
(٢) أي : حين
عدم كون المناط خصوص الفتنة بين أرباب الوقف.
(٣) مع أنه لا
يمكن الالتزام بهذا الإطلاق ، كما تقدم في منع الصورة الثامنة.
(٤) هذا هو
الإشكال الثاني على الاستدلال بالمكاتبة على الصورة العاشرة.
توضيحه : أنّ
ظاهر الرواية لا ينطبق على فتوى المشهور في الصورة العاشرة ، إذ ظاهرهم اعتبار
العلم أو الظن بتحقق الفتنة ، وعدم كفاية الشك في ذلك ، وظاهر الرواية ـ بملاحظة
لفظة «ربما» ـ كفاية مجرد الاحتمال فيه. فالدليل أعم من المدعى.
بل تمكن دعوى
المباينة بينهما ، إذ ظاهر المشهور كون الاستباحة الواقعية سببا لجواز البيع ، حيث
إنهم أخذوا العلم أو الظن في ذلك ، ومن المعلوم كونهما طريقين إلى الواقع ، وظاهر
كلمة «ربما» في المكاتبة هو كون الاستباحة المحتملة مجوزة للبيع ، فتدبر.
والمقصود (١) ـ كما يظهر من عبارة الجامع المتقدمة ـ هو اعتبار الفتنة التي
يستباح بها الأنفس.
والحاصل (٢) :
أنّ جميع الفتاوى المتقدمة في جواز بيع الوقف ـ الراجعة إلى اعتبار أداء بقاء
الوقف علما أو ظنّا أو احتمالا (٣)
______________________________________________________
(١) يعني :
والحال أن المقصود كما يظهر من عبارة ابن سعيد قدسسره هو اعتبار الفتنة الواقعية التي يستباح بها الأنفس ،
لقوله : «أو خيف وقوع فتنة بينهم تستباح بها الأنفس» بناء على طريقية العلم والظن.
وعبارة المحقق
الكركي قدسسره في تعليق الإرشاد أوفق بإرادة الفتنة الواقعية ، لقوله
: «يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الأنفس» لعدم أخذ الخوف في الفساد المجوّز للبيع ، وظاهره
الفساد الواقعي.
هذا بناء على
ما حكاه السيد الفقيه العاملي قدسسره عن تعليق الإرشاد ، ونقله المصنف في أوّل المسألة. ولكن
الموجود في المطبوع أخيرا موافق لما في جامع المقاصد من أخذ «الخوف» في جواز البيع
، كما حكاه صاحب المقابس عنه ، ونصّ عبارة تعليق الإرشاد هو : «وثانيها : ما إذا
حصل خلف بين أربابه بحيث يخاف منه الإفضاء إلى تلف الأموال والأنفس» وهذا متحد مع عبارة ابن سعيد قدسسره.
هذا ما أفاده
المصنف قدسسره في منع دلالة المكاتبة على الصورة العاشرة.
(٢) هذا حاصل
ما أفاده في (ص ١٥٥) من انحصار مستند جواز البيع ـ في الصور الأربع الأخيرة ـ في
مكاتبة ابن مهزيار. وهذه الصور وإن تعدّدت موضوعا ، ولكن إختلاف الفقهاء في
الاستظهار من المكاتبة أوجب استناد الجميع إليها.
(٣) تقدم في (ص
١٦٤) نقل تعبيرهم بالخشية والخوف والعلم والظنّ. وأمّا
__________________
إلى مطلق الفساد (١) ، أو فساد خاص (٢) ، أو اعتبار الاختلاف مطلقا (٣) ،
أو إختلاف خاصّ (٤) ـ مستندة (٥) إلى ما فهم أربابها من المكاتبة المذكورة.
والأظهر (٦) في
مدلولها هو : إناطة الجواز بالاختلاف الذي ربما جاء فيه
______________________________________________________
الاحتمال فأضافه المصنف قدسسره هنا وفي الصورة الثامنة ، لتأثر النفس بالاحتمال
الموهوم أيضا.
(١) وهو ما
يعمّ نقص المنفعة وانتفاءها رأسا.
(٢) وهو انتفاء
المنفعة رأسا.
(٣) يعني :
سواء أدّى إلى تلف المال والنفس أم لا.
(٤) وهو المؤدي
إلى تلف المال أو النفس.
(٥) خبر قوله :
«ان جميع».
(٦) بعد أن منع
قدسسره دلالة المكاتبة على القسم الثاني من الصورة السابعة
وعلى ما بعدها ، استظهر منها أمرا مغايرا لما ذهب إليه المشهور ، ومحصله : دلالة
الرواية على إناطة جواز البيع بالاختلاف الخاص ، وهو ما لو حظ فيه جهات ثلاث :
الاولى : أن
يكون موجبا لتلف الأموال والنفوس ، فلا عبرة بمطلق الخلف والنزاع وإن لم يؤدّ إلى
تلفها. وليس منشأ هذا التقييد حمل جملة «فإنه ربما» على التعليل ليكون مقيّدا
لدائرة الاختلاف الوارد في السؤال ، لفرض عدم كون «فإنه» علة حقيقة لتعمّم أو
تقيّد. بل منشؤه قرينية الذيل بحسب المتفاهم العرفي على ما يراد من السؤال.
الثانية : أن
يحصل الخوف من أداء بقاء الوقف إلى هلاك النفس أو المال ، سواء نشأ من العلم
بالأداء أو من الظن به ، أو من الاحتمال الموهوم.
والوجه في ضمّ
الأخير إلى العلم والظن ورود كلمة «ربما» في الجواب ، وقد مرّ صدقه على الاحتمال.
الثالثة : أن
يكون محذور تلف النفس والمال مترتبا على نزاع أرباب الوقف
تلف الأموال والنفوس (١) ، لا مطلق الاختلاف (٢) ، لأنّ الذيل (٣) مقيّد. ولا
خصوص (٤) المؤدّي علما أو ظنّا ، لأنّ (٥) موارد استعمال لفظة «ربما» أعمّ من ذلك.
ولا مطلق (٦) ما يؤدّي إلى المحذور المذكور ، لعدم ظهور الذيل في التعليل بحيث يتعدّى
عن مورد النصّ ، وإن كان فيه (٧) إشارة إلى التعليل.
______________________________________________________
فيما يتعلق بحفظه وبالانتفاع به ، وتوقف حسم مادة الفساد على البيع.
فلو كان
المحذور ناشئا من غير إختلاف الموقوف عليهم لم يجز البيع.
فإن قلت :
مقتضى ظهور التعليل التعدي من الاختلاف إلى موجب آخر يؤدّي إلى هلاك المال والنفس
، إذ العلة كما تضيّق توسّع أيضا.
قلت : نعم لو
استقرّ ظهور «فإنّه ربما» في التعليل حتى يتعدى عن مورد السؤال إلى غيره ، ولكن
المفروض منع الظهور المزبور.
هذا ما استفاده
المصنف من المكاتبة ، وسيأتي بيان النسبة بينه وبين مختار المشهور.
(١) وإن كانت
الأموال غير الأعيان الموقوفة وكانت النفوس غير الموقوف عليهم. وإرادة التعميم من
هذه العبارة تظهر من عبارة الآتية ، وهي قوله في (ص ١٩٥) : «لكن في النفس شيء ...
الخ».
(٢) هذا إشارة
إلى الجهة الاولى.
(٣) بناء على
ما تقدم في الاستدلال للصورة الثامنة ، ولكنه منع التقييد سابقا بقوله : «لكن
تقييد الاختلاف حينئذ بكونه مما لا يؤمن ممنوع» فلاحظ (ص ١٦٩).
(٤) معطوف على «لا
مطلق» وهذا إشارة إلى الجهة الثانية.
(٥) تعليل
لقوله : «ولا خصوص».
(٦) معطوف أيضا
على «لا مطلق» وهذا إشارة إلى الجهة الثالثة.
(٧) أي : في الذيل
إشارة إلى التعليل ، لمكان «فإنّه» ، إلّا أنه لا عبرة بالإشارة ، لكون موضوع دليل
الحجية هو الظهور المنتفي حسب الفرض.
وعلى ما ذكرنا (١)
، فالمكاتبة غير مفتى بها عند المشهور ، لأنّ (٢) الظاهر اعتبارهم العلم أو الظّنّ
بأداء بقائه إلى الخراب غير (٣) الملازم للفتنة الموجبة لاستباحة الأموال والأنفس (٤)
، فيكون (٥) النسبة بين فتوى المشهور وبين مضمون الرواية عموما من وجه.
______________________________________________________
(١) يعني :
يظهر من إناطة جواز بيع الموقوفة بالجهات الثلاث المتقدمة عدم عمل المشهور
بالمكاتبة ، لمخالفتهم لها في جهتين منها :
إحداهما : اعتبار
العلم أو الظن بأداء بقائه إلى الخراب ، وعدم كفاية الاحتمال عندهم.
ثانيتهما : أنّ
المؤدّي إلى الخراب أعم من الفتنة الموجبة لاستباحة الأموال والأنفس. ومع هذه
المخالفة لا مجال لدعوى استنادهم إليها في تجويز البيع في الصور المتقدمة. ولا
يخفى أنّ ما ذكره قدسسره إشكال عام على الاستدلال بالمكاتبة في الصور الأربع ،
ولا يختص بتوهين التمسك بها في خصوص الصورة العاشرة.
(٢) مقصوده
بيان مورد مخالفة المشهور للمكاتبة ، وهما موردان تقدّما آنفا.
(٣) صفة ل «أداء»
أي : لا يعتبر في إختلاف أهل الوقف أن يؤدّى إلى تلف المال والنفس.
(٤) هذا ثاني
موردي المخالفة.
(٥) هذا نتيجة
مخالفة فتوى المشهور للمكاتبة في الجهتين المزبورتين.
ووجه كون
النسبة عموما من وجه هو كون فتوى المشهور أعم من المكاتبة من جهتين ، وأخص منها من
جهة. كما أن المكاتبة أعم من فتاواهم من جهة وأخص منها من جهة اخرى.
أمّا أعمية
الفتاوى من جهتين :
فالاولى منهما
: شمول «تلف المال» لكل من الخراب وقلّة المنفعة ، بشهادة تجويز البيع في قسمي
الصورة السابعة.
لكن الإنصاف (١):
______________________________________________________
والثانية : أنّ
المؤدّي إلى الخراب أعم من الفتنة الموجبة لاستباحة الأموال والأنفس ، بشهادة
تجويز البيع للضرر العظيم كما في الصورة التاسعة.
وأما أخصية
الفتاوى من المكاتبة ، فلاعتبارهم حصول العلم أو الظن بأداء البقاء إلى الخراب ،
بشهادة تعبيرهم بالخوف والخشية ، مع أنّ المكاتبة تعمّ الاحتمال الموهوم ، بشهادة
كلمة «ربما».
وأما أعمية
المكاتبة من فتوى المشهور ، فلعدم اعتبار العلم والظن ، والاكتفاء بمجرد الاحتمال.
وأما أخصيتها منها فلاختصاص الجواز بالفتنة المبيحة للأموال والأنفس.
ومادة الاجتماع
ـ بمعنى جواز البيع بمقتضى المكاتبة وفتوى المشهور ـ هي العلم أو الظن بأداء بقائه
إلى الخراب مع الفتنة المبيحة للمال والنفس. ومادة الافتراق من طرف الرواية هو
احتمال وقوع الفتنة المبيحة لهما ، فيجوز البيع فيها ، خلافا للمشهور.
ومن طرف فتوى
المشهور موردان :
أحدهما : العلم
بأدائه إلى الخراب بدون الفتنة الموجبة لاستباحة المال والنفس.
وثانيهما : خوف
الخراب بمعنى قلة المنفعة. ففي هذين الموردين لا دلالة للرواية على الجواز.
وبالجملة : فمع
هذه النسبة بين المكاتبة والفتاوى كيف يصحّ الاستدلال بها؟ فما دلّت عليه لم يعمل
به ، وما عمل به لم تدل المكاتبة عليه.
(١) غرضه إصلاح
التشبث بالمكاتبة وإثبات عدم إعراض المشهور عنها ، ومحصله : أنّهم تسالموا على
جواز البيع في الجملة ، واختلفوا في خصوصيته ومناطه. وهذا المقدار كاف في إحراز
عملهم بالرواية وجبر ضعف الدلالة بالنسبة إلى المتفق عليه.
أنّ هذا (١) (*) لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية (٢) ، وقصور (٣)
مقاومتها للعمومات المانعة بالشهرة (٤) ، لأنّ (٥) (**) إختلاف فتاوى المشهور
إنّما هو من
______________________________________________________
(١) أي : كون
النسبة عموما من وجه.
(٢) أي : ضعف
دلالتها على الجواز فيما عدا القسم الأوّل من الصورة السابعة وما بعدها من الصور.
(٣) معطوف على «ضعف»
أي : جبر قصور مقاومتها لمثل قوله عليهالسلام : «لا يجوز شراء الوقف».
ولا يخفى أن
دعوى القصور مما أجاب به المانعون عن المكاتبة ، قال المحقق الشوشتري قدسسره : «وأما المانعون فلهم في الجواب عن الرواية وجوه :
الأوّل : أنّها كانت كتابة مشتبهة المعنى ، وقد اضطربت فتاوى العاملين بها ،
واختلفوا اختلافا فاحشا ، فلا يترك لها تلك الأدلة الجلية البيّنة ...» . فيكون مقصود المصنف قدسسره من جبر القصور بالعمل إثبات صلاحية المكاتبة لتخصيص
عموم النهي عن بيع الوقف.
(٤) متعلق ب «جبر».
(٥) تعليل
لقوله : «لا يمنع» وحاصله : إحراز استناد المشهور إلى المكاتبة وإن تعدّدت أنظارهم
في مدلولها ، وهذا المقدار كاف في نفي دعوى الإعراض عنها.
__________________
__________________
حيث الاختلاف في فهم المناط الذي انيط به الجواز ، من (١) قوله عليهالسلام : «إن كان قد علم الاختلاف» المنضمّ إلى قوله : «فإنّه
ربما جاء في الاختلاف».
وأمّا (٢)
دلالة المكاتبة على كون مورد السؤال هو الوقف المؤبّد التام ،
______________________________________________________
(١) يعني : أن
مثار إختلاف الاستظهار ومنشأه هو جملتا «إن كان قد علم ... فليبع» و«فإنه ربما جاء»
من حيث كون مطلق الاختلاف موضوعا للجواز أو الاختلاف الخاص ، ومن كون «ربما» مفيدا
لمعنى الخوف المختص بالعلم والظن ، أو لما يعم الاحتمال ، وهكذا.
(٢) بعد أن فرغ
المصنف قدسسره من حجية المكاتبة دلالة بالجبر ـ كحجيتها سندا ـ على
حكم الصور الأربع ، أراد التعرض لبعض وجوه الخلل في دلالتها على ما نحن فيه ، وهو
جواز بيع الوقف المؤبّد.
وتوضيحه : أن
المكاتبة ورد فيها سؤالان عن حكم الوقف ، والظاهر كون مورد السؤال في الصدر والذيل
واحدا ، فكأنّ عليّ بن مهزيار سأل أوّلا من الإمام عليهالسلام عن حكم ما صنعه الواقف من جعل خمس الضيعة له عليهالسلام ، ثم سأل عمّا إذا وقع الخلف بين الموقوف عليهم بالنسبة
إلى بقية الوقف ، وهي أربع أخماس الضيعة. وقد قيل في قصور دلالتها امور :
منها : أن
الوقف منقطع لا مؤبد ، بقرينة اقتصار الواقف على ذكر البطن الموجود. وهو شخص
الإمام الجواد عليهالسلام بالنسبة إلى الخمس ، وسائر الموقوف عليهم بالنسبة إلى
بقية الأخماس. ولم يتعرض لمن بعدهم ، وصرّح الصدوق قدسسره بهذا على
__________________
فهي ـ على تقدير (١) قصورها ـ منجبرة بالشهرة ، فيندفع (٢) ما يدّعى من
قصور دلالتها من جهات ، مثل : عدم ظهورها في المؤبّد (٣) ، لعدم ذكر البطن اللاحق
، وظهورها (٤) في عدم إقباض الموقوف عليهم ،
______________________________________________________
ما تقدم كلامه في الأقوال ، فراجع .
ومنها : أن
البائع لمّا كان هو الواقف جاز البيع له من جهة عدم تمامية الوقف ، إذ لا قرينة في
المكاتبة على تحقق القبول من الموقوف عليهم ، مع اعتباره في الوقف. قال الشهيد قدسسره : «لو سلمت المكاتبة فلا دلالة في الصدر ، إذ الوقف
مشروط بالقبول إذا كان على غير الجهات العامة ، ولم ينقل أنّ الإمام عليهالسلام قبل الوقف ، وإنّما قبل الجعل وأمر ببيعه. وحمله على
هذا أولى ، لموافقته الظاهر» .
ومنها : عدم تمامية
الوقف من جهة عدم نحقق القبض ، وهو شرط فيه ، فجاز بيعه لبقائه على ملك الواقف.
وهذا مختار جماعة كالعلّامة المجلسي وأصحاب الوسائل والحدائق والجواهر.
وهذه الجهات إن
أمكن رفعها لم يكن قصور في دلالة المكاتبة على بيع الوقف المؤبّد في الصور الأربع.
وإن أشكل حلّها لم تقدح في الاستدلال ، لأنّ غاية ما يلزم ضعف الدلالة ، وهو منجبر
بعمل المشهور.
(١) هذه الكلمة
تشهد بعدم تسلّم جهات الخلل ، وإمكان حلّها.
(٢) متفرع على
وفاء المكاتبة بجواز بيع المؤبّد إمّا مع الجبر وإمّا بدونه.
(٣) هذه هي
الجهة الاولى ، والقائل بعدم ظهورها في المؤبّد هو الصدوق قدسسره.
(٤) معطوف على «عدم»
وهذه جهة ثانية ، أي : ومثل ظهورها في عدم تحقق الإقباض.
__________________
وعدم (١) تمام الوقف ، كما عن الإيضاح ، وأوضحه (٢) الفاضل المحدّث المجلسي
، وجزم به (٣) المحدّث البحراني ، ومال إليه (٤) في الرياض.
قال الأوّل (٥)
ـ في بعض حواشيه على بعض كتب الأخبار ـ : «إنّه يخطر
______________________________________________________
(١) معطوف على «عدم
إقباض» وهذه هي الجهة الثالثة ، يعني : ومثل ظهور المكاتبة في عدم تمامية الوقف
بعدم لحوق القبول بالإيجاب ، كما لعلّه مراد فخر المحققين قدسسره. حيث قال : «والجواب عن الرواية حملها على عدم تمام
الوقف. وظاهرها يدل عليه» .
(٢) أي : وأوضح
العلّامة المجلسي إشكال عدم إقباض الوقف من الموقوف عليهم.
(٣) أي : بظهورها
في عدم الإقباض ، قال صاحب الحدائق قدسسره : «والمعتمد عندي في معنى هذه الرواية ما وقفت عليه في
كلام شيخنا المجلسي ...» وقال بعد نقل تمام كلامه : «وإلّا فإنّه لا معنى للخبر
غير ما ذكره ، فإنّه هو الذي ينطبق عليه سياقه. ويؤيّده ـ زيادة على ما ذكره ـ أنّ
البيع في الخبر إنّما وقع من الواقف ، وهو ظاهر في بقاء الوقف في يده» .
(٤) لقوله بعد
كلام العلّامة المجلسي قدسسره : «ولنعم ما قاله» لكنه قدسسره تنظّر في دلالة المكاتبة ـ على عدم الاقباض ـ بما سيأتي
من مناقشة المصنف قدسسره ، وعوّل في آخر كلامه على العمل بالمكاتبة من جهة
اعتضادها بفهم الطائفة والشهرة والاجماعات المحكية ، فراجع .
(٥) وهو
العلّامة المولى المجلسي قدسسره ، أفاده في شرحه على تهذيب الأحكام
__________________
بالبال أنّه يمكن حمل الخبر (١) على ما إذا لم يقبضهم الضيعة الموقوفة
عليهم ، ولم يدفعها إليهم. وحاصل السؤال : أنّ الواقف يعلم أنّه إذا دفعها إليهم
يحصل بينهم الاختلاف ويشتدّ ، لحصول (٢) الاختلاف بينهم قبل الدفع إليهم في (٣)
تلك الضيعة أو في (٤) أمر آخر. فهل يدعها موقوفة ويدفعها إليهم ، أو يرجع عن الوقف
لعدم لزومه بعد (٥) ،
______________________________________________________
لشيخ الطائفة ، وكذا في شرحه على الكافي. قال قدسسره : «والذي يخطر بالبال أنّه ... الخ».
(١) التعبير
بالحمل من جهة عدم ذكر لفظ «القبض» في شيء من السؤالين ، وإن أمكن استفادته من
القرائن.
(٢) هذا منشأ
علم الواقف ـ قبل الوقف ـ بحصول الاختلاف بين الموقوف عليهم ، والمختلف فيه إما
التصدي لشئون الضيعة ، كما إذا اطّلعوا على أنّ مالك الضيعة وقفها عليهم وإن لم
يدفعها إليهم بعد ، فرأى نزاعهم في ذلك ، بأن أراد كلّ منهم أن يكون أمرها بيده ،
أو أراد أحدهم زراعتها ، وتوزيع غلّتها على الموقوف عليهم ، وأراد الآخر إجارتها.
وهكذا.
وإمّا أمر آخر
غير القيام بشأن الضيعة ، كما إذا كانت بينهم عداوة قديمة ، وخاف الواقف ـ من
أمارات الحال ـ أن تشتد تدريجا ، فلم يأمن من إقباضهم إيّاها ، لأداء تلك الخصومة
إلى نزاع في الوقف أيضا. فسأل مالك الضيعة عن أفضل الفردين ، هل هو البقاء على
الوقف وتسليم الضيعة؟ أم بيعها وتوزيع الثمن عليهم.
(٣) متعلق ب «الاختلاف»
وهذا أحد موردي إختلاف أهل الوقف.
(٤) هذا إشارة
إلى ثاني موردي الاختلاف ، وتقدم بقولنا : «وإمّا أمر أخر غير القيام بشأن الضيعة».
(٥) من جهة عدم
تسليم الموقوفة للموقوف عليهم.
ويدفع إليهم ثمنها؟ (١) (*) أيّهما أفضل؟» انتهى موضع الحاجة .
والإنصاف :
أنّه توجيه حسن (٢) (**)
______________________________________________________
(١) إحسانا لمن
أراد المالك وقف ضيعته عليهم ، إذ السؤال عن الفضل لا عمّا يجب على مالك الضيعة.
(٢) فإنّ
المكاتبة وإن صارت أجنبية عن الصور الأربع المذكورة ، لفرض عدم تمامية الوقف في
مورد السؤال ، ولكن تسلم بهذا التوجيه من السؤال عن أنّه كيف جاز بيع الحصص غير
المقبوضة ، مع أن المتسالم عليه اعتبار القبض في الوقف؟
وقد يؤيّد هذا
الحمل بما في الحدائق من : أن البائع هو الواقف ، ولو تمّ الوقف كان أجنبيّا عنه
ولم يجز له البيع.
وقال صاحب
المقابس : «ومن أعظم ما يدلّ عليه ـ أي على عدم تحقق القبض ـ وإن غفل عنه ولم
يستند إليه : أنّ خمس الموقوف جعل للإمام عليهالسلام بطريق
__________________
__________________
لكن (١) ليس في السؤال ما يوجب ظهوره
______________________________________________________
الإشاعة ، وكان الواقف ينتظر أمره عليهالسلام في حصته حتى يبيعها أو يقوّمها على نفسه أو يدعها
موقوفة. ومن هذا حاله كيف يسلّم الضيعة إلى الموقوف عليهم قبل أن يأتيه أمره؟ فعدم
حصوله ـ أي حصول القبض ـ كالمقطوع به. وهو ظاهر لا مرية فيه ، ولا شبهة تعتريه ...»
.
(١) غرضه
المناقشة في حمل المكاتبة على عدم حصول القبض ، وهي مبتنية على مقدمتين :
الاولى : أن
أمره عليهالسلام في صدر المكاتبة ببيع حصته من الوقف ، وبيع سائر الحصص
في الذيل ـ عند إختلاف أربابه ـ مبني على سؤال ابن مهزيار وناظر إليه. والمفروض
أنّ السؤال صالح في نفسه لأن يراد منه استعلام حكم الضيعة مطلقا سواء أكان قبل
دفعها إلى الموقوف عليهم أو إلى وكيلهم ، أم بعده. وليس فيه قرينة على عدم تحقق
القبض ليختص الجواب بحكم هذه الحالة.
الثانية : أن
الإمام الجواد عليهالسلام لم يستفصل من السائل أنّ الموقوف عليهم تسلّموا الضيعة
أم لا؟ وإنّما أمر بالبيع بلا قيد.
ونتيجة
المقدمتين انعقاد الإطلاق في جوابه عليهالسلام ، وهو حجة. ورفع اليد عنها بحمل السؤال على مورد لم
يتحقق فيه القبض طرح لأصالة الإطلاق بلا قرينة على التقييد.
وهذا الإشكال
أورده سيّد الرياض على العلّامة المجلسي قدسسرهما ، بقوله : «لعدم صراحته في عدم القبض ، بل ولا ظهوره
فيه. وترك الاستفصال في الجواب عن حصول القبض وعدمه يقتضي عدم الفرق بينهما في
الحكم» .
__________________
في ذلك (١) ، فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى (٢) ترك الاستفصال في الجواب.
كما أنّ (٣)
عدم ذكر البطن اللّاحق لا يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع ، إذ كثيرا ما يقتصر ـ
في مقام حكاية وقف مؤبّد ـ على ذكر بعض البطون ، فترك الاستفصال عن ذلك (٤) يوجب
ثبوت الحكم للمؤبّد.
والحاصل (٥):
______________________________________________________
(١) أي : في عدم
تحقق القبض ، وهو كذلك. ثم انّ هذا إشارة إلى عدم قصور المكاتبة من حيث الدلالة ،
حيث إنه على تقدير ظهورها في عدم تحقق القبض لا تصلح لإثبات جواز بيع الوقف المؤبد
التام بإختلاف أربابه.
(٢) وهو جواز
البيع في الوقف المؤبّد.
(٣) هذا إشارة
إلى ما تقدم بقوله في (ص ١٨١) : «مثل عدم ظهورها في المؤبّد» من قصور آخر في دلالة
المكاتبة.
ملخّص القصور :
أن عدم ذكر البطن اللاحق يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع ، فلا تكون المكاتبة
دليلا على جواز بيع الوقف المؤبد الذي هو محل البحث.
ومحصل دفعه :
أن عدم ذكر البطن اللاحق لا يوجب الظهور المذكور ، إذ الحكاية تكون بالنسبة إلى
الجهة المبتلى بها ، وهي في المقام إختلاف البطن الموجود. فعدم ذكر سائر البطون
حينئذ لا يدل على كون الوقف منقطعا حتى لا تنطبق الرواية على الوقف المؤبد. وحيث
كان ذكر بعض البطون متعارفا في قسمي الوقف ، ولم يستفصل عليهالسلام عن أن مورد السؤال دائم أو منقطع ، انعقد الإطلاق في
أمره بالبيع لكلا القسمين ، كما انعقد بترك الاستفصال عن حصول القبض وعدمه.
(٤) أي : عن
كون الوقف منقطعا أو مؤبّدا.
(٥) هذا حاصل
ما تقدم بقوله في (ص ١٧٨) : «لكن الإنصاف أن هذا لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية
...» ومحصله : أنّ هنا أمرين :
أحدهما : إحراز
عمل المشهور بالمكاتبة لجبر ضعف دلالتها على جواز بيع
أنّ المحتاج إلى الانجبار بالشهرة (١) ثبوت حكم الرواية للوقف التام
المؤبّد ، لا تعيين (٢) ما انيط به الجواز (*) من كونه مجرّد الفتنة أو ما يؤدّي الفتنة
______________________________________________________
الوقف المؤبّد الذي تمت وقفيته بالقبض والقبول. وهذا ثابت بشهادة مثل
الشهيد الثاني قدسسره : «والقول بجواز البيع في الجملة للأكثر ، ومستنده
صحيحة علي بن مهزيار» . فلا مجال لشبهة إعراض المشهور عن العمل بالمكاتبة.
ثانيهما :
إحراز مناط جواز البيع ، وهو أمر اختلف المشهور فيه ، كما تقدم في الصورة السابعة
إلى العاشرة ، فلم تتفق فتاواهم على استظهار مسوّغ واحد منها ، بل اختلفت أفهامهم
فيها.
ومقصود المصنف قدسسره : أنّ المقدار اللازم في مقام التمسك بالمكاتبة هو
إحراز استنادهم إليها في جواز بيع الوقف المؤبّد التام ، وهو حاصل كما مرّ. وأمّا
استظهار مجوّز خاص فغير ثابت ، ولكن لا يقدح عدم ثبوته في تحقق الجبر بالعمل.
(١) ووجه
الحاجة إلى الجبر هو ضعف دلالتها على جواز بيع المؤبد التام ، إما لشبهة انقطاع
الوقف ، كما ذهب إليه الصدوق ومن تبعه. وإمّا لشبهة عدم تمامية الوقف كما استظهره
فخر المحققين وغيره ، فلذا احتاج إلى الانجبار بالشهرة كما مرّ بقولنا : «أحدهما
إحراز عمل المشهور ...».
(٢) معطوف على «المحتاج»
يعني : أن تعيين مجوّز البيع غير محتاج إلى جبر ضعفه بالعمل ، بل يكفي فيه فهم
الفقيه واستظهاره من الرواية.
__________________
__________________
إليه (١) ، أو غير ذلك (٢) ممّا تقدم من الاحتمالات في الفقرتين المذكورتين
(٣).
نعم (٤) ،
يحتاج إلى الاعتضاد بالشهرة من جهة اخرى ، وهي :
______________________________________________________
(١) من تلف
خصوص الوقف ، أو مطلق المال ، أو المال والنفس.
(٢) من إحراز
الأداء بالعلم أو الظن ، أو كفاية الاحتمال الموهوم.
(٣) وهما قوله عليهالسلام في جواب المكاتبة : «وأعلمه أن رأيي إن كان قد علم
الاختلاف ... الخ» وقوله عليهالسلام : «فإنّه ربما جاء في الاختلاف ... الخ».
ففي الفقرة
الأولى يحتمل موضوعية مطلق الاختلاف ، كما يحتمل موضوعية الاختلاف الخاص.
وفي الفقرة
الثانية يحتمل كونه تعليلا حقيقيا أو مجرد تقريب للحكم ، كما تقدم تفصيل ذلك كله.
(٤) استدراك
على قوله : «لا تعيين» من عدم الاحتياج إلى الاعتضاد بالشهرة في تعيين مناط
الجواز. ومحصّله : وجود الحاجة إلى عمل المشهور بالرواية لأجل جبر ضعف دلالتها من
جهة اخرى ، وهي ظهور تجويز البيع وتوزيع ثمنها على الموقوف عليهم في اختصاصه
بالبطن الموجود. وهذا مخالف لما تقرّر في الصورة الاولى من اقتضاء بدلية الثمن عن
المبيع كونه مشتركا بين جميع البطون لو كان الوقف مؤبّدا. والعمل بهذا الظاهر
يتوقف على أحد امور :
الأوّل :
التصرف في مفهوم «المعاوضة» كليّة ، بأن يقال بعدم اعتبار قيام العوض مقام المعوّض
في جميع ما للمعوّض من خصوصية وإضافة ، فينتقل الوقف بالبيع إلى المشتري ، ولا
ينتقل الثمن إلى الملّاك ، بل إلى خصوص المالك الفعلي ، لا الشأني. هذا بناء على
اشتراك الجميع في الثمن.
ولكن يمكن
إبقاء المعاوضة على معناها المعهود ، والالتزام بتكلّف في خصوص بيع الوقف ـ إن كان
لسدّ الفتنة ـ وهو سقوط حقّ الطبقات المعدومة عن الوقف آنا مّا قبل البيع ،
وصيرورته ملكا لخصوص الموجودين ، فيقع البيع في ملكهم ، ومن
أنّ مقتضى القاعدة (١) ـ كما عرفت (٢) ـ لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركا
بين جميع البطون ، وظاهر (٣) الرواية تقريره عليهالسلام للسائل في تقسيم ثمن الوقف
______________________________________________________
المعلوم اقتضاء المعاوضة اختصاص الثمن بالموجودين ، لخروج المعوّض عن ملكهم
خاصة.
الثاني : حمل
السؤال على الحبس الذي لا يخرج المحبوس عن ملك الحابس ، ونتيجته أجنبية الرواية
عما نحن فيه من الوقف المؤبّد.
الثالث : حمله
على الوقف المؤبّد الذي لم يتحقق شرط صحته أو لزومه ، وهو إمّا القبض ، وإما صيغة
الوقف ، وإن وطّن نفسه على إنشاء وقفية الضيعة بعد تلقّي جواب الإمام عليهالسلام ، هذا.
ثم استشهد
المصنف قدسسره ببعض ما يؤيّد انقطاع الوقف أو عدم تماميته.
وعلى كلّ فلا
بدّ من جبر ضعف الدلالة ـ من هذه الجهة ـ بفهم المشهور الوقف المؤبّد وإن لم تكن
المكاتبة ظاهرة فيه.
(١) يعني : أنّ
ضعف الدلالة مبني على القول باشتراك الجميع في الثمن ، فلو قيل باختصاصه بالبطن
الموجود في جميع المسوّغات لم يكن في المكاتبة ضعف من هذه الجهة.
(٢) يعني : في
الصورة الاولى ، حيث قال : «ومما ذكرنا يظهر أنّ الثمن على تقدير البيع لا يخصّ به
البطن الموجود ...» فراجع .
(٣) يعني :
والحال أن ظاهر الرواية تقرير الإمام عليهالسلام للسائل في اختصاص الثمن بالموجودين ، لقول السائل : «فإن
كان ترى أن يبيع هذا الوقف ، ويدفع إلى كلّ إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته»
وقرّره عليهالسلام بقوله : «إن كان قد علم الاختلاف بين أرباب الوقف ...
فليبع».
وهذا التقرير
أحد الوجوه الموجبة لظهور الرواية في الوقف غير التام.
__________________
على الموجودين ، فلا بدّ (١) : إمّا من رفع اليد عن مقتضى المعاوضة إلّا (٢)
بتكلّف سقوط حقّ سائر البطون عن الوقف آنا مّا قبل البيع ، لتقع المعاوضة في
مالهم. وإمّا (٣) من حمل السؤال على الوقف المنقطع ، أعني الحبس (٤) الذي لا إشكال
في بقائه على ملك الواقف (٥) ، أو (٦) على الوقف غير التام ، لعدم القبض ، أو لعدم
تحقق صيغة الوقف وإن تحقّق التوطين عليه ، وتسميته (٧) وقفا بهذا الاعتبار.
______________________________________________________
(١) مقصوده
علاج ضعف الدلالة ، وقوله : «إمّا» إشارة إلى ما تقدم بقولنا : «الأوّل : التصرف
في مفهوم المعاوضة كليّة ...».
(٢) متعلق ب «رفع
اليد» فبناء على هذا التكلف تبقى المعاوضة على معناها الحقيقي. وإن كان من الممكن
تبديل «إلّا» ب «أو» أو «إما» ليكون المعنى : «إمّا برفع اليد ... وإمّا بالالتزام
بسقوط حق سائر البطون عن الوقف ، حفظا لمفهوم المعاوضة الحقيقية».
(٣) معطوف على «إمّا»
وتقدم توضيحه بقولنا : «الثاني حمل السؤال على الحبس».
(٤) يعني : أن
المراد ليس هو الوقف المنقطع الذي اختلفوا في خروج الملك فيه عن ملك الواقف وعدمه
، بل المقصود من المنقطع هو الحبس.
(٥) فيكون
تقسيم الثمن على الجماعة تفضلا عليهم وإحسانا لهم ، لا لكونه ملكا لهم.
(٦) معطوف على «على
الوقف المنقطع» وتقدم آنفا بقولنا : «الثالث».
(٧) كأنّه أراد
دفع توهم ، وهو : أنه لو لم يتم الوقف لم يكف مجرّد توطين النفس في صيرورة الضيعة
وقفا ، لصحة سلب العنوان حقيقة ، مع أن الوارد في كلام الإمام والسائل هو «الوقف»
فلا بدّ أن يكون قد تمّ الوقف حينئذ ، ولا يتجه الحمل الأخير.
ويؤيّده (١) :
تصدّي الواقف بنفسه للبيع ، إلّا أن يحمل (٢) على كونه ناظرا ، أو يقال (٣) : إنّه
أجنبي استأذن الإمام عليهالسلام في بيعه حسبة.
بل يمكن (٤) أن
يكون قد فهم الإمام عليهالسلام من جعل السائل قسمة الثمن بين
______________________________________________________
فدفعه المصنف قدسسره بأنّه لا مانع من تسميته وقفا باعتبار ما يؤول إليه ،
فإنّ التوطين يستتبع التلفظ بالصيغة.
(١) هذا ثاني
الوجوه الموجبة لظهور الرواية في الوقف غير التام ، يعني : ويؤيّد حمل السؤال على
الوقف غير التام تصدّي الواقف للبيع ، إذ لو تمّ الوقف وجاز بيعه لبعض المسوّغات
جاز للموقوف عليه ، لا للواقف المفروض كونه أجنبيّا عن الموقوفة. وتقدم في (ص ١٨٢)
أن صاحب الحدائق قدسسره أيّد بهذا المطلب كلام العلّامة المجلسي قدسسره.
والتعبير
بالتأييد ـ دون الدلالة ـ لأعمية هذا التصدي من بقاء الضيعة على ملكه ، ولذا أورد
عليه صاحب المقابس قدسسره بما في المتن من احتمال اشتراط النظارة والتولية لنفسه
، فجاز له البيع وإن لم يكن مالكا.
أو كون الواقف
أجنبيا لكن استأذن من الإمام عليهالسلام بيع الوقف قربة إليه تعالى لئلّا يؤدّي بقاؤه إلى
الفتنة ، فأمره عليهالسلام به. ولو باع بدون الاستيذان كان فضوليا غير نافذ كما هو
واضح.
(٢) قال في
المقابس : «فيمكن دفعه ـ أي دفع التأييد ـ باحتمال كون متولّي الوقف هو الواقف في
حياته كما يتفق كثيرا» .
(٣) معطوف على «يحمل»
والاستيذان منه منوط بعدم متولّ خاصّ له ، وإلّا فهو المتصدّي لذلك ، ولا يصير من
الامور الحسبية.
(٤) الظاهر أن
الداعي إلى بيانه هو سدّ باب ما يقتضيه ترك الاستفصال من
__________________
الموجودين مفروغا عنها ـ مع أنّ المركوز في الأذهان اشتراك جميع البطون في
الوقف وبدله ـ أنّ (١) مورد السؤال هو الوقف الباقي على ملك الواقف (٢) ، لانقطاعه
(٣) ، أو لعدم تمامه.
ويؤيّده (٤) :
أنّ ظاهر صدره المتضمّن لجعل الخمس من الوقف للإمام عليهالسلام
______________________________________________________
جواز بيع الوقف المؤبّد ، إذ المراد بقوله : «بل يمكن ... الخ» أن قاعدة
البدلية وإن اقتضت كون الثمن مشتركا بين جميع البطون ، ولكن الإمام عليهالسلام لمّا فهم من مفروغية قسمة الثمن بين البطن الموجود ـ
عند السائل ـ أن مورد السؤال باق على ملك الواقف ، لم يحتج إلى الاستفصال. فترك الاستفصال
حينئذ لفهم الإمام عليهالسلام جهة السؤال ، فلا يحتاج إلى الاستفصال حتى يقال : إن
تركه أمارة على عموم الجواب للوقف المؤبد ، والاحتياج إلى الاستفصال إنما يكون
فيما لم يعلم جهة السؤال.
(١) الجملة
منصوبة محلّا ، لكونها مفعولا ل «فهم».
(٢) لا خصوص
المؤبّد ، ولا الأعم منه ومن المنقطع. والوجه في عدم احتمال شيء منهما علمه عليهالسلام بجهة السؤال وكون الوقف منقطعا ، أو غير تام.
(٣) علّة لبقاء
الضيعة على ملك الواقف.
(٤) هذا ثالث
الوجوه الموجبة لظهور الرواية في غير الوقف المؤبد التام.
وجه التأييد
أنّ الواقف جعل خمس الضيعة لشخص الإمام عليهالسلام ، ولم يذكر أنّه وقفه عليه عليهالسلام وعلى أعقابه ، ومن المعلوم أنّ الوقف على الشخص ليس
وقفا مؤبّدا. وتقدم في (ص ١٨٥) أن صاحب المقابس جعل عدم حصول القبض مقطوعا به ،
هذا.
ولكن التعبير
بالتأييد دون الدلالة والظهور لأجل إمكان ردّه ، بأن يقال : إن الخمس جعل وقفا على
عنوان الإمام الذي هو كلي ، غاية الأمر أنّ مصداقه في كل عصر منحصر في واحد.
وبلحاظ انطباق هذا العنوان على الإمام الجواد صلوات الله عليه قال السائل : «وجعل
لك في الوقف الخمس».
هو هذا النحو (١) أيضا (٢).
إلّا أن يصلح (٣)
هذا الخلل وأمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبّد التّام ،
______________________________________________________
أو غير ذلك
ممّا فصّل الكلام فيه صاحب المقابس قدسسره ، فراجعه .
(١) أي : كون
الوقف منقطعا أو غير تام من جهة عدم القبض أو القبول.
(٢) يعني : كما
أن ذيل المكاتبة ظاهر في انقطاع الوقف أو عدم تمامه.
قال المحقق
الشوشتري قدسسره في عداد ما يوجّه به المكاتبة : «رابعها : ما ذكروه من
عدم حصول القبول أو القبض ، فلم يكن ـ أي الوقف ـ لازما من طرف الإمام عليهالسلام قطعا ، ولا من طرفه. لكن الرجوع في الوقف بعد التقرب به
أمر مرغوب عنه شرعا مطلقا. وإذا كان ـ أي الوقف ـ على الإمام فالأمر فيه أشدّ ،
بحيث إنّه يتلو اللازم ـ أي الوقف اللازم ـ في الحكم ...» .
وقد تحصّل إلى
الآن وجود الخلل في دلالة المكاتبة ، من جهة شبهة انقطاع الوقف أو عدم تماميته.
ومع عدم ظهورها في المؤبّد يشكل الاستناد إليها في تخصيص عموم النهي عن شراء
الوقف.
(٣) غرضه إصلاح
الخلل وجبر ضعف الدلالة بفهم الأصحاب الوقف المؤبّد التام ، لانحصار مستندهم ـ في
تجويز البيع في الصور الأربع المتقدمة ـ في المكاتبة ، ويقال : إنّ وهن ظهورها
يرتفع بعمل المشهور بها في جواز بيع الوقف المؤبد بعروض الفتنة والاختلاف.
وبالنسبة إلى
ظهورها في اختصاص الثمن بالموجودين : إمّا أن نلتزم بسقوط حق المعدومين آنا مّا
قبل البيع ، وإمّا أن نمنع تقرير الإمام عليهالسلام لجواز توزيع الثمن على الموجودين خاصة.
وتقريب المنع
هو : أن دفع الثمن إلى الموقوف عليهم ورد في السؤال ، لا في
__________________
ويقال (١) : إنّه لا بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصّصا لقاعدة المنع
عن بيع الوقف ، وموجبا لتكلّف (٢) الالتزام بسقوط حقّ اللاحقين عن الوقف عند إرادة
البيع ، أو (٣) نمنع تقرير الإمام عليهالسلام للسائل في قسمة الثمن إلى الموجودين.
ويبقى الكلام
في تعيين المحتملات (٤) في مناط جواز البيع ، وقد عرفت (٥) الأظهر منها.
______________________________________________________
الجواب ، ومن المعلوم أنّ العبرة بكلام المعصوم عليهالسلام وتقريره ، وهو صلوات الله عليه وإن جوّز البيع ، لكنه
لم يتعرض لحكم الثمن ، فيحتمل أنّه قرّر السائل في التوزيع على الموجودين. ويحتمل
أنّه بيّن حكم البيع من دون نظر إلى ما يفعل بالثمن. ومع هذا الاحتمال يرتفع
المحذور المتقدم أعني به ظهور الخبر في اختصاص الثمن بالموجودين.
(١) معطوف على «يصلح»
ومفسّر له.
(٢) التعبير
بالتكلّف لأجل أن الالتزام بسقوط حقّ اللاحقين مخالف لمفهوم المبادلة.
(٣) معطوف على
قوله : «ويقال» ، يعني : يصلح هذا الخلل وأمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبّد التام
، ونمنع تقرير الإمام عليهالسلام للسائل في قسمة الثمن إلى الموجودين حتى يكون مخالفا
لمفهوم المبادلة. وعليه فيتعين استفادة حكم الثمن من دليل آخر ، ولو كان ما يقتضيه
حقيقة المعاوضة من اشتراك الكلّ فيه.
والمتحصّل إلى
هنا : انجبار ضعف ظهور المكاتبة ـ في الوقف المؤبد ـ بعمل المشهور بها ، ويبقى
تعيين مفادها في بعض الصور المتقدمة.
(٤) أي :
محتملات المكاتبة ، حيث قال في (ص ١٧٤) : «والحاصل : أن جميع الفتاوى في جواز بيع
الوقف ... مستندة إلى ما فهم أربابها من المكاتبة المذكورة».
(٥) حيث قال في
(ص ١٧٥) : «والأظهر في مدلولها هو إناطة الجواز بالاختلاف الذي ربما جاء فيه تلف
الأموال والنفوس ...».
لكن في النفس
شيء (١) من الجزم بظهوره (٢). فلو اقتصر (٣) على المتيقّن من بين المحتملات ـ وهو
الاختلاف المؤدّي علما أو ظنّا إلى تلف خصوص مال الوقف ، ونفوس الموقوف عليهم ـ
كان (٤) أولى.
والفرق (٥) بين
هذا القسم والقسم الأوّل من الصورة السابعة الذي جوّزنا
______________________________________________________
(١) وهو أن
كلمة «ربما» تستعمل في الاحتمال والعلم والظن ، واستعمالها في الجميع شائع ، ولم
تثبت أظهريته في الاحتمال حتى يكون الكلام ظاهرا فيه ، فيصير الكلام مجملا. ولا
بدّ حينئذ من الأخذ بالمتيقن ، وهو العلم والظن ، بل العلم فقط ، إلّا أن يثبت
إجماع عليه.
(٢) أي : بظهور
الخبر في ما جعلناه سابقا أظهر محتملاته ، فهذا تأمّل في حسبان أظهرية الخبر في
شموله للاحتمال الموهوم بأداء بقاء الوقف إلى الخراب ، حيث قال هناك : «ولا خصوص
المؤدّي علما أو ظنّا».
(٣) هذا نتيجة
الدغدغة في ما استظهره سابقا من المكاتبة. ومقصوده الاقتصار على المتيقن المستفاد
منها وهو العلم أو الظن بأداء الاختلاف إلى تلف خصوص الوقف وخصوص أهله ، فلا عبرة
بالاحتمال ، ولا بغير الاختلاف من موجبات الخراب والتلف ، ولا بتلف غير الوقف وغير
الموقوف عليهم.
(٤) جواب قوله
: «فلو اقتصر».
(٥) غرضه بيان
الفرق بين ما ركن إليه أخيرا بقوله : «وهو الاختلاف المؤدي ...» وبين تجويزه البيع
في أوّل قسمي الصورة السابعة.
ومحصل الفرق :
أنّ المناط في القسم الأوّل هو الخراب المسقط لمنفعة الوقف رأسا. ولكن المناط
المستفاد من المكاتبة ـ بقرينة مورد السؤال وهو الضيعة ـ تلف المال ، سواء صدق
عليه تلف الوقف أم لا ، لوضوح عدم استلزام تلف الضيعة انعدام تمام منافعها ، فلو
لم تصلح للزراعة ـ بسبب غور مائها مثلا ـ أمكن الانتفاع بها بإيجارها لأمر آخر.
فيه البيع : أنّ المناط في ذلك القسم العلم أو الظّنّ بتلف الوقف رأسا (١).
والمناط (٢) هنا خراب الوقف الذي يتحقق به تلف المال وإن لم يتلف الوقف ، فإنّ (٣)
الزائد من المقدار الباقي مال قد تلف.
وليس المراد من
التلف في الرواية (*) تلف الوقف رأسا حتى يتّحد مع ذلك القسم المتقدم ، إذ لا
يناسب هذا (٤) ما هو الغالب في تلف الضيعة (٥) التي
______________________________________________________
فلو كانت عوائد
الضيعة العامرة ألف دينار سنة ، وأدّى إختلاف أربابها إلى نقص العوائد بمقدار
خمسمائة دينار ، صدق «أداء الاختلاف إلى تلف المال» لكون ما يعود منها مالا كنفس
الضيعة ، وإن لم يصدق عنوان تلف الوقف بقول مطلق. والعبرة في المكاتبة بتلف المال
، لا بتلف الوقف حتى يختص مدلولها بالقسم الأوّل من الصورة السابعة.
(١) لأنه جعل
عنوان القسم الأول : تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتدّ به
عرفا.
(٢) معطوف على «المناط»
والمشار إليه بقوله هنا : «ما استقرّ عليه رأيه أخيرا ، حيث قال : «فلو اقتصر على
المتيقن من بين المحتملات ... كان أولى».
(٣) تعليل لوجه
العدول عن تجويز البيع في خصوص أوّل قسمي الصورة السابعة ، وتقدم توضيحه آنفا.
(٤) المشار
إليه هو تلف الوقف رأسا.
(٥) نعم ، قد
يكون تلف غير الضيعة ـ كالدار والحمام والدكان الموقوفة ـ
__________________
هي مورد الرواية (١) ، فإنّ تلفها غالبا لسقوطها عن المنفعة المطلوبة منها
بحسب شأنها (٢).
ثمّ إنّ (٣)
الظاهر من بعض (٤) العبائر المتقدمة ـ بل المحكي عن الأكثر (٥) ـ أنّ الثمن في هذا
البيع (٦) للبطن الموجود. إلّا أنّ ظاهر كلام جماعة (٧)
______________________________________________________
بمعنى سقوطها عن الفائدة رأسا ، كما تقدم في الصورة الثانية والثالثة.
(١) ولا بد من
أن يراد بتلف الضيعة قلة عوائدها لا الخراب بالمرّة ، لأنّ موردية الضيعة للسؤال
توجب نصوصية جواز البيع فيها.
(٢) يعني :
وليس تلفها بسقوطها عن المنفعة رأسا.
(٣) غرضه من
هذه العبارة إلى آخر البحث تحقيق جهة اخرى مما يتعلق بالمكاتبة ، وهي تعيين حكم
الثمن من حيث اختصاصه بالموجودين حال البيع ، أو شركة الجميع فيه ، وتوجيه كلام
المحقق الثاني قدسسره ومن تبعه بوجهين كما سيأتي.
(٤) كقول الشيخ
المفيد قدسسره : «فلهم حينئذ بيعه والانتفاع بثمنه».
(٥) لم أقف على
من حكاه عن الأكثر ـ بقول مطلق بعد ملاحظة مفتاح الكرامة والمقابس والجواهر وبعض آخر. ولعلّ مراد الحاكي أن الاختصاص رأي
أكثر القدماء ، وهو لا يخلو من وجه ، فإنّ السيدين ادّعيا الإجماع على ذلك ، ونقله
السيد العاملي عن المفيد وأبي يعلي ، والشيخ في النهاية والمبسوط ، والقاضي في
المهذّب .
(٦) أي : بيع
الوقف لدفع الخلف بين الموقوف عليهم ، في قبال بيعه لأجل الخراب الفعلي كما تقدم
في الصورة الاولى ، فلقائل أن يقول بوجوب التبديل هناك دون ما نحن فيه.
(٧) وهم
العلّامة ـ في التذكرة والمختلف ـ وأكثر من تأخّر عنه كالفاضل
__________________
ـ بل صريح بعضهم كجامع المقاصد ـ هو : أنّه يشترى بثمنه ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف ، تحصيلا (٢)
لمطلوب الواقف بحسب الإمكان.
وهذا (٣) منه قدسسره مبني على منع ظهور الرواية في تقرير السائل في قسمة
______________________________________________________
السيوري وابن فهد والشهيد الثاني والفيض الكاشاني وغيرهم ، كما حكاه عنهم
السيد العاملي قدسسره .
(٢) تعليل
لوجوب شراء البدل.
(٣) أي : وجوب
شراء بدله إن أمكن ، وغرضه توجيه فتوى المحقق الثاني بعدم اختصاص الثمن بالبطن
الموجود. وتوضيحه : أنه قدسسره استدلّ بمكاتبة ابن مهزيار على جواز البيع إذا حصل خلف
بين أربابه ، كما أنه استدل برواية جعفر بن حيّان على جوازه إن لحقت حاجة شديدة
بالموقوف عليهم. وحكمه بوجوب شراء البدل في الأوّل يمكن توجيهه بوجهين :
إمّا منع ظهور
جواب الإمام عليهالسلام ـ في المكاتبة ـ في تقرير السائل في قسمة الثمن على الموجودين خاصة ، بأن
يكون الجواب ناظرا إلى أصل جواز البيع في مورد الاختلاف.
وإمّا منع
العمل بهذا الظهور بعد تسليمه ، ووجه المنع معارضته بما هو أقوى منه من اقتضاء
المعاوضة والمبادلة قيام الثمن مقام المثمن في ما كان له من اختصاص وإضافة ، وحيث
إنّ المثمن ملك فعلي للموجودين ، وشأني للّاحقين ، كان الثمن مثله ، ولا يختص
بالطبقة الحاضرة حال البيع. هذا مبنى نظر المحقق الثاني قدسسره.
لكن لا يتم شيء
منهما. أمّا الثاني فلمنافاته لقوله باختصاص الثمن بالموجودين لو بيع الوقف للحاجة
الشديدة. وجه المنافاة : أن الدليل على اختصاص
__________________
الثمن على الموجودين ، أو على (١) منع العمل بهذا التقرير في مخالفة مقتضى
قاعدة المعاوضة من اشتراك جميع البطون في البدل كالمبدل.
لكن الوجه
الثاني (٢) ينافي قوله باختصاص الموجودين بثمن ما يباع للحاجة الشديدة ، تمسّكا
برواية جعفر (*) ، فيتعيّن الأوّل ، وهو منع التقرير ،
______________________________________________________
الثمن بالبطن الموجود ـ فيما إذا كان مسوّغ البيع حاجة أرباب الوقف ـ هو
تقرير رواية جعفر بن حيّان المتقدمة ، وهذا التقرير بعينه موجود في المقام وهو
إختلاف الموقوف عليهم. فالبناء على حجية التقرير هناك بحيث تخصص به عمومات المنع
عن بيع الوقف ينافي البناء على عدم حجية التقرير في المكاتبة في صورة خلف أرباب
الوقف. فلا وجه للتفكيك في الحجية بين التقريرين ، بل لا بدّ من الالتزام بحجيته
في المقامين أو الالتزام بعدمها فيهما ، ولا معنى للتفصيل بينهما.
وبالجملة : أن
المعاوضة لو اقتضت اشتراك الجميع في البدل كالمبدل ، امتنع الحكم بصرف الثمن في
حاجة الموجودين ، بل اللازم كونه مشتركا بين الكلّ ، فتصريح المحقق الثاني بعدم
وجوب شراء البدل في هذا البيع مناف لمفهوم المبادلة.
وأمّا الأوّل ـ
وهو منع التقرير ـ فيرده كونه خلاف مقتضى التأمل في المكاتبة ، لأنّ الظاهر مطابقة
الجواب للسؤال بتمامه ، لا لجهة دون اخرى.
وعليه فينبغي
جعل البيع للحاجة ولدفع الخلف من باب واحد ، وعدم وجوب التبديل في المقامين.
(١) معطوف على «على
منع» وإشارة إلى الوجه الثاني المتقدم بقولنا : «وإمّا منع العمل ...».
(٢) غرضه إبطال
الوجه الثاني بالمنافاة ، وتقدم توضيحه آنفا.
__________________
لكنّه (١) خلاف مقتضى التأمل في الرواية.
______________________________________________________
(١) أي : لكنّ
منع التقرير مخالف لظهور المكاتبة بعد التأمّل فيها.
هذا تمام الكلام
في الوقف المؤبّد ، ويقع الكلام في المنقطع إن شاء الله تعالى.
__________________
__________________
وأمّا (١)
الوقف المنقطع ، وهو : ما إذا وقف على من ينقرض ـ بناء على
______________________________________________________
(١) معطوف على
قوله : «أمّا الأوّل» وكان المناسب التعبير هنا ب «وأما الثاني» ثم إنّ «الوقف
المنقطع» يطلق تارة على ما إذا جعل المال على من ينقرض ـ سواء أكان شخصا معيّنا
كزيد. أم جمعا معينين كأولاده ـ والسكوت عمّا يصنع به بعد الانقراض.
وأخرى على
الوقف المقترن بمدّة كعشرين سنة مثلا ـ إن لم يرد به الحبس ـ وهو مورد تسالمهم على
البطلان.
قال السيد
العاملي في شرح قول العلّامة قدسسرهما : «أو قرنه بمدّة لم يقع» ما لفظه : «كما في الغنية
والسرائر والشرائع ، وكذا الإستبصار ، وهو معنى إجماع الخلاف والغنية والسرائر
وغيرها ، إذ هو تفريع على اشتراط الدوام» . وفي الجواهر : «فلو وقفه وقرنه بمدة بطل قطعا مع فرض
إرادته وقفا» .
وبالجملة :
فالمقصود بالمنقطع الآخر هو المعنى الأوّل أي الوقف على من ينقرض غالبا. والمعروف
في حكمه الصحة ، على خلاف بينهم في مآل الوقف بعد انقراض الموقوف عليه ، كما سنشير
إليه. ولم يعرف القول بالبطلان إلّا من بعض
__________________
صحته كما هو المعروف (١) ـ
______________________________________________________
الأصحاب على ما حكاه شيخ الطائفة عنه ، حيث قال قدسسره : «فإذا علّقه بما ينقرض ، مثل أن يقول : وقفت هذا على
أولادي وأولاد أولادي ، وسكت على ذلك. أو وقف على رجل بعينه ، أو على جماعة
بأعيانهم ، وسكت على ذلك ، فهل يصحّ ذلك أم لا؟ من أصحابنا من قال : يصحّ. ومنهم
من قال : لا يصحّ ...» .
(١) التعبير
بالمعروف ـ دون المجمع عليه ـ في قبال القول بالبطلان رأسا كما حكي في المبسوط.
قال في الجواهر في شرح عبارة المحقق : «وقيل : يجب إجراؤه حتى ينقرض المسمّون ،
وهو أشبه» ما لفظه : «بمعنى أنه يصحّ وقفا ، كما هو صريح جماعة ، بل في جامع
المقاصد نسبته إلى الشيخين والمختلف والتذكرة وأكثر الأصحاب. بل قد عرفت احتمال
كونه مذهب الجميع بناء على احتمال إرادة المساواة في الحكم من التصريح بكونه حبسا»
(*).
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
فإمّا (١) أن نقول ببقائه
______________________________________________________
(١) اعلم : أن
محتملات مآل العين ـ بعد انقراض الموقوف عليه ـ ثلاثة ، كما في كتب الأصحاب :
أوّلها : العود
إلى الواقف أو ورثته ، وهو قول الأكثر كما في المسالك.
ثانيها :
الانتقال إلى ورثة الموقوف عليهم ، نسب إلى الشيخ المفيد وابن إدريس قدسسرهما.
ثالثها : الصرف
في وجوه البرّ ، نسب إلى السيد أبي المكارم قدسسره.
قال المحقق
الثاني قدسسره : «ثم على بالقول بصحته وقفا ، فهل يرجع إلى ورثة
__________________
على ملك الواقف (١) ، وإمّا أن نقول بانتقاله إلى الموقوف عليهم (٢).
______________________________________________________
الواقف أم إلى ورثة الموقوف عليه ، أم يصرف في وجوه البرّ؟ أقوال أيضا» .
وأمّا الاحتمال
الرابع ـ وهو المذكور أوّلا في المتن من بقائه على ملك الواقف ـ فمبنيّ على كون
الوقف المنقطع حبسا حقيقة كما في المسالك وغيره ، لبقائه على ملك الحابس.
وأمّا بناء على
مفروض الكلام من كون المنقطع كالمؤبّد وقفا حقيقة ، فيظهر من بعض القول به.
ففي الجواهر : «والمصرّح
ببقاء العين هنا ـ مع ندرته ـ مدّع أنّ هذا الوقف له حكم الحبس ، وإنّما الذي
يخالفه ـ أي يخالف بقاء الموقوفة على ملك الواقف ـ الوقف المؤبّد ، دونه أي دون
المنقطع» .
وقال في
المقابس : «كل وقف منقطع يجري عليه حكم الحبس على الأصحّ ، فيكون باقيا على ملك
الواقف» .
وعليه فلا بدّ
أن يقال في توجيه بقاء مالكية الواقف : إنّ الوقف إما يوجب زوال ملك الواقف وهو
الدائم ، وإمّا يوجب سلب سلطنته الفعلية على التصرف ، وإن كان مالكا.
وبالجملة :
فالغرض توجيه ما صنعه المصنف قدسسره من تربيع الاحتمالات ، وعدم اقتصاره على الثلاثة
المعروفة في كلمات الأصحاب.
(١) كما نقله
صاحب الجواهر عن بعض ، ويظهر من صاحب المقابس أيضا.
(٢) كما هو
المعروف ، لأن وزان الوقف المنقطع وزان المؤبّد في كونه تمليكا ، وصيرورة الواقف
أجنبيا عن المال بالمرّة.
__________________
وعلى الثاني (١) ، فإمّا أن يملكوه ملكا مستقرّا (٢) بحيث ينتقل منهم إلى
ورثتهم عند انقراضهم ، وإمّا (٣) أن يقال بعوده إلى ملك الواقف ، وإمّا (٤) أن
يقال بصيرورته في سبيل الله.
فعلى الأوّل (٥)
: لا يجوز للموقوف عليهم البيع ، لعدم الملك.
______________________________________________________
والفارق بينهما
أنّ خروج المال عن الملك في المؤبد دائمي ، وفي الموقّت ما دامي أي ما دامت حياة
الموقوف عليه ، وهو منوط بقابلية الملك للتحديد ، وعدم اعتبار إرساله.
(١) وهو انتقال
المال إلى ملك الموقوف عليه إلى أن ينقرض ، وفيه أقوال ثلاثة ، تقدّمت آنفا.
(٢) لا مؤقّتا
، فالمراد بالاستقرار هنا عدم عوده إلى الواقف ، وعدم صرفه في وجوه البرّ.
فصيرورته ملكا مستقرا هو كونه كسائر أموال الموقوف عليه التي تنتقل إلى ورثته بعد
انقراضه ، كما إذا وقف دارا على ثلاثة بطون من أولاده ، فينتقل ـ بعد انقراض البطن
الثالث ـ إلى ورثتهم ، لا إلى خصوص البطن الرابع.
(٣) هذا هو
الاحتمال الثاني بناء على تملك الموقوف له مدّة الوقف ، فيكون تملكه مؤقتا لا
دائما ، فيعود إلى الواقف أو ورثته.
(٤) هذا ثالث
الاحتمالات ، وقد نسب إلى السيد أبي المكارم والعلّامة في المختلف.
(٥) لا يخفى أن
الغرض الأصلي من التعرض للوقف المنقطع هنا ـ أي في موانع كون الملك طلقا من الوقف
والرهن ونحو هما ـ هو بيان حكم بيعه جوازا ومنعا بالنظر إلى الاحتمالات الأربع
المتقدمة.
فبناء على
الاحتمال الأوّل ـ أعني به بقاء المال على ملك الواقف ، وكون ثمرة هذا الوقف تملك
الموقوف عليه للمنفعة ، كما أن فائدة السكنى مجرد تسليطه عليها ـ إمّا أن يكون
البائع هو الموقوف عليه ، وإما الواقف.
وفي جوازه (١) للواقف مع جهالة مدّة استحقاق الموقوف عليهم إشكال ،
______________________________________________________
فإن كان هو
الموقوف عليه لم يصحّ ، لانتفاء المقتضي ، وهو الملك.
فلو باع ، فإن
قلنا بصحته من الواقف ـ كما سيأتي في بعض الصور الأربع ـ كان بيع الموقوف عليه
فضوليا منوطا بإجازة الواقف ، وإن قلنا بعدم جوازه من الواقف بطل رأسا.
وإن كان البائع
هو الواقف فقد فصّل المصنف قدسسره بين صور أربع ، فتارة يكون المشتري أجنبيا ، والمراد به
أن لا يكون له مساس بمنفعة الموقوفة ، فليس هو الموقوف عليه ، ولا من انتقل حق
الموقوف عليه إليه بصلح.
وهذا على نحوين
، إذ قد يبيع الواقف ، وهو غير مالك للمنفعة أصلا. وهذا محل البحث في الصورة
الاولى. وقد يبيع بعد أن تملّك المنفعة مرة اخرى ، كأن تصالح عليها مع أرباب
الموقوفة ، وهذه هي الصورة الرابعة في كلام المصنف.
واخرى يكون
المشتري مستحقا لمنفعة الموقوفة ، وهو على نحوين أيضا ، فقد يكون هو الموقوف عليه
، فتنضمّ العين إلى المنفعة ، وكونهما معا ملكا له. وهذه هي الصورة الثانية.
وقد يكون غير
الموقوف عليه ، كما إذا تصالح أجنبي مع الموقوف عليه على منفعة الوقف ، فانتقلت
إليه ، فأراد شراء العين من الواقف. وهذه هي الصورة الثالثة.
(١) أي : في
جواز البيع. وهذا شروع في حكم الصورة الاولى ، والأصحاب بين مستشكل في جواز البيع
، ومآله إلى المنع ، وبين مصرّح بصحته ، وبين متوقف ومتردّد.
واستشكل المصنف
وفاقا لصاحب المقابس قدسسرهما في جواز البيع. ومنشأ الإشكال هو الغرر اللازم من الجهل
بقدر الانتفاع المستثنى ، ويتضح وجهه بالنظر إلى أمرين :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأوّل : أنّ
العين الموقوفة على من ينقرض وإن كانت ملكا للواقف حسب الفرض ، ولكنها مسلوبة
المنفعة ، لكونها مستحقة للموقوف عليه مدة حياته. ولمّا لم يكن أمد استحقاق
المنفعة مضبوطا بالأعوام لم يعلم المشتري أن عوض الثمن هل هو المبيع المسلوب منفعته
سنة أو مسلوبها عشر سنين؟ فيصدق «البيع الغرري» عليه ، لدخل قصر المدة وطولها في
مالية المبيع زيادة ونقصا.
والشاهد على أن
الجهل بزمان تسليم المنفعة يوجب غررية البيع ما ذكروه في بطلان بيع مسكن المطلّقة
بالأقراء ، لجهالة وقت انتفاع المشتري بدلك المسكن ، لدوران زمان عدّتها بين ستة
وعشرين يوما ولحظتين ، وتسعة أشهر ، وسنة ، وخمسة عشر شهرا . فلو باع المالك هذا المسكن فلا بدّ أن يبيعه مسلوب
المنفعة ، فإن علم أمد العدة ـ كما إذا كانت بالأشهر ـ صحّ البيع ، فهو نظير بيع
دار مؤجّرة سنة. وإن لم يعلم لزم الجهل بوقت تسليم المنفعة ـ وهي السكنى ـ للمشتري
، فيبطل البيع.
قال المحقق قدسسره : «لو طلّقها ثم باع المنزل ، فإن كانت معتدة بالأقراء
لم يصح البيع ، لأنّها تستحق سكنى غير معلومة ، فيتحقق الجهالة ... ولو كانت معتدة
بالشهور صحّ ، لارتفاع الجهالة» .
والمقام أولى بالبطلان
، لإمكان استثناء البائع ـ لمسكن المعتدّة ـ أطول مدة يقطع بعدم زيادة العدة عليها
، وهي خمسة عشر شهرا ، بخلاف ما نحن فيه ، إذ لا سبيل للعلم بمدة حياة الموقوف
عليه حتى يستثنيها الواقف.
الثاني : أنّه
لا فرق في مانعية الغرر في البيع بين الجهل بذات العوضين وبين الجهل بشأنهما من
وصف أو خصوصية كما في المقام ، لكون وقت القدرة على تسليم
__________________
من (١) حيث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التّام على وجه ينتفع به
، ولذا (٢) منع الأصحاب ـ كما في الإيضاح ـ بيع مسكن المطلقة المعتدة بالأقراء ، لجهالة مدّة
العدّة مع عدم كثرة التفاوت (٣).
نعم (٤) ،
المحكيّ عن جماعة
______________________________________________________
المنفعة للمشتري مجهولا.
والمتحصل من
هذين الأمرين : فساد بيع الوقف لو كان المشتري أجنبيا عن الموقوف عليه ، ولم يستحق
المنفعة.
هذا تقريب
المنع. ولعلّ التعبير عنه بالإشكال ـ دون المنع ـ للشبهة في إطلاق الغرر المنهي
عنه في البيع لمثل الجهل بوقت التسليم مع معلومية ذات المبيع ومنفعتها كما سيأتي
تفصيله في (ص ٥٨٧). وكذا منع قياس المقام ببيع مسكن المطلقة ، فراجع المقابس
والجواهر وغيرهما.
(١) هذا وجه
منع البيع ، ولم يذكر المصنف قدسسره وجها للجواز ، فيظهر منه ترجيح المنع.
(٢) أي : ولأجل
لزوم الغرر من الجهل بزمان التسليم التام منع الأصحاب من بيع المكان الذي تسكنه
المطلقة المعتدة بالأقراء. وأمّا المعتدة بالأشهر فلا مانع من البيع ، للعلم بأمد
عدّتها واستثناء تلك المدة ، كصحته لو كان المبيع مستأجرا مدّة مضبوطة كسنة مثلا.
(٣) إذ التفاوت
بين أقصر العدد ـ وهو ستة وعشرون يوما ولحظتين ـ وبين أطولها ـ وهو خمسة عشر شهرا ـ
يكون معلوما ومضبوطا بالأيام والأشهر. بخلاف وقت انقضاء المنفعة بانقراض الموقوف
عليه في المقام ، فيفسد البيع للغرر.
(٤) استدراك
على قوله : «إشكال» وغرضه الإشارة إلى القول الثاني ، وهو
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ما ذهب إليه جمع في الحبس الذي هو نظير الوقف المنقطع ، من : أنّ المالك لو
حبس داره لسكنى شخص فيها أي سلّطه على الانتفاع بها مع بقائها على ملكه ـ سواء
قدّر السكنى بعمر نفسه ، فيقول : «أسكنتك داري مدة حياتي» أو بعمر الساكن ، فيقول
: «أسكنتكها مدّة حياتك» جاز له بيع الدار ، وذلك لوجوه تدل على الجواز من القاعدة
والنص الخاص والإجماع.
أمّا الأوّل
فهو إطلاق حلّ البيع المقتضي صحته ، وانتفاء المانع منه سوى الغرر الناشئ من الجهل
بوقت تسليم المنفعة للمشتري ، إذ لا سبيل لإحراز مدّة استحقاقها للساكن.
ووجه انتفاء
الغرر هو أنّ هذه الجمالة غير قادحة في صحة البيع ، إذ الغرر المانع عنها هو ما
ينشأ من جهالة العوضين اللّذين هما ركنا المعاملة ، أو جهالة أحدهما. وأمّا إذا
كان الغرر ناشئا من جهالة غير العوضين لم يكن مانعا عن صحة المعاملة كالمقام ،
فإنّ الغرر ناش عن الجهالة بمدة حياة الموقوف عليهم ، ومن المعلوم أنّ هذه الجهالة
لا تمنع عن صحة البيع ، إذ المبيع معلوم لكلّ من المتعاملين ، والغرر إنّما يكون
في منفعتها ، للجهل بزمان حياة الساكن. ومن الواضح أنّ المنفعة ليست طرفا في المعاوضة.
وهذا نظير شراء
البستان المشاهد المعلوم الذي لا يعلم بمقدار عوائده السنوية كما لا يخفى.
وأمّا الثاني
فهو معتبرة الحسين بن نعيم عن الإمام الكاظم عليهالسلام حيث سأله أوّلا عن حكم حبس الدار على رجل وعلى عقبه من
بعده ، فأجابه عليهالسلام بنفوذه ولزومه ، ويستحق المحبوس له وذريته السكنى فيها.
ثم سأله ثانيا عن جواز بيعها ، فأجابه بجوازه وعدم مانعية الحبس عن صحة البيع ،
ولا ينتقض عقد السكنى بالبيع ،
ـ كالمحقق (١) والشهيدين في المسالك والدروس
______________________________________________________
ولكن لا تدخل منفعة الدار في ملك المشتري حتى ينقضي السكنى بانقراض الساكن
وعقبه.
والمستفاد من
تجويزه عليهالسلام للبيع أنّ جهالة وقت تسليم الدار للمشتري لا تمنع عن
الصحة إمّا مطلقا ، أو في خصوص المورد ونظائره كالوقف المنقطع بعد اتحاده حكما مع
الحبس (*) ، فلا مانع من بيع الواقف وإن كانت مدة استحقاق الموقوف عليهم مجهولة.
ولم يستفصل الإمام عليهالسلام عن أن الحابس يريد بيعها من خصوص الساكن ، أو من أجنبي
، ومقتضى ترك الاستفصال جوازه مطلقا.
وأمّا الثالث ،
فهو الإجماع المدّعى في كلام الفاضل المقداد.
والنتيجة : أنه
يجوز للواقف البيع ، ولا يستحق المشتري استيفاء المنفعة إلّا بعد انقراض الموقوف
عليهم.
(١) قال قدسسره : «ولا تبطل ـ أي السكنى ـ بالبيع ، بل يجب أن يوفى
المعمّر ما شرط له» .
__________________
__________________
وغيرهم (١) ـ صحة البيع في السّكنى الموقتة بعمر أحدهما (٢) ، بل (٣) ربما
يظهر من محكي التنقيح : الإجماع عليه (٤).
ولعلّه (٥)
إمّا لمنع الغرر ، وإمّا للنّص ، وهو ما رواه المشايخ الثلاثة ـ في الصحيح (٦) أو
الحسن (٧) ـ عن الحسين بن نعيم ، قال : «سألت أبا لحسن عليهالسلام عن رجل جعل داره سكنى لرجل زمان حياته ، ولعقبه من
بعده. قال : هي له ولعقبه من بعده ، كما شرط.
______________________________________________________
(١) كأصحاب
الكفاية والمفاتيح والرياض على ما حكاه السيد العاملي عنهم قدسسره .
(٢) أي :
الساكن أو المسكن.
(٣) إشارة إلى
دليل آخر على الصحة ، والوجه في الإضراب ب «بل» واضح ، لأنّ المصرّح بأسمائهم لا
يتحقق بهم شهرة فضلا عن الاتفاق ، فدعوى الفاضل السيوري قدسسره ترقّ من فتوى تلك العدة إلى إطباق الكلّ عليه.
(٤) أي : على
الصحة ، فالأولى تأنيث الضمير. وإرجاعه إلى «المحكي» لا يخلو عن سماجة.
(٥) أي : ولعلّ
الصحة لوجود المقتضي وعدم مانعية الغرر. وجملة «إما ...
وإما» خبر «ولعلّه».
(٦) بطريق
الصدوق قدسسره ، لأنه رواه بسنده عن محمد بن أبي عمير عن الحسين بن
نعيم ، والإسناد صحيح ، وابن نعيم الصحّاف ثقة.
(٧) بسند
الكليني وشيخ الطائفة عنه ، لأنه رواها عن علي بن إبراهيم عن أبيه
__________________
قلت : فإن
احتاج إلى بيعها؟ قال : نعم. قلت : فينقض البيع السكنى؟ قال : لا ينقض البيع
السكنى. كذلك سمعت أبي يقول : قال أبو جعفر عليهالسلام لا ينقض البيع الإجارة ولا السكنى ، ولكن يبيعه على أنّ
الذي يشتريه لا يملك ما اشتراه حتى ينقضي السكنى على ما شرط ...» الخبر (١).
ومع ذلك (٢)
فقد توقّف في المسألة العلّامة (٣)
______________________________________________________
عن ابن أبي عمير. وعدّه حسنا لمكان إبراهيم بن هاشم. وإن تقرّر ـ في محلّه ـ
وثاقته.
(١) تتمّة
الخبر هو : «وكذلك الإجارة. قلت : فإن ردّ على المستأجر ماله وجميع ما لزمه من
النفقة والعمارة فيما استأجر؟ قال : على طيبة النفس ، ويرضى المستأجر بذلك لا بأس»
.
(٢) أي : ومع
عدم مانعية الغرر ـ ووجود النص على جواز البيع ودعوى الإجماع عليه ـ فقد توقّف
العلّامة وغيره ، ومن المعلوم أنّ هذا التوقف يقدح في الإجماع ، فليست صحة البيع
في السكنى الموقتة بعمر الساكن أو المالك مسلّمة حتى تكون نقضا بما هو مسلّم عند
الأصحاب ، وتكون وجها لصحة بيع الواقف للوقف المنقطع.
(٣) يعني : في
بعض كتبه كالقواعد والمختلف وموضع من التذكرة ، وإلّا فنسبة التوقف إلى العلّامة بقول مطلق لا تخلو
من شيء ، لدلالة قوله في الإرشاد : «ولا يبطل بالبيع» على الجواز وكذا في موضع من
التذكرة ، ورجّح في التحرير
__________________
وولده (١) والمحقق الثاني (٢).
ولو باعه (٣)
من الموقوف عليه
______________________________________________________
المنع ، لقوله : «الأقرب أنه لا يجوز البيع» .
ولعلّ المصنف قدسسره اعتمد على حكاية فخر المحققين قدسسره من قوله : «قال والدي دام ظله : لا افتي فيها بشيء»
فإنّه موهم لتوقفه في المسألة في جميع كتبه.
(١) قال : «وعندي
في هذه المسألة إشكال» .
(٢) قال بعد
نقل وجهي الإشكال : «وللنظر في كلّ من الطرفين مجال» .
هذا تمام
الكلام في الصورة الاولى ، وهي أن يبيع الواقف الوقف المنقطع من أجنبي. وظاهر
المصنف ترجيح المنع.
(٣) أي : لو
باع الواقف الوقف المنقطع من الموقوف عليه ، وهذا إشارة إلى الصورة الثانية
المتقدمة في (ص ٢١٠). وفيها وجهان بل قولان ، أحدهما الجواز ، والآخر المنع.
واستظهر المصنف
قدسسره الجواز أوّلا ، لوجود المقتضى وهو الملك ، وفقد المانع
، إذ ما يتصور كونه مانعا هو الغرر ، بتقريب : أن منفعة العين تنقسم ـ باعتبار
اختصاصها بالموقوف عليه ـ إلى قسمين ، فقسم منها مملوكة له ، وهي مدة حياته ، وقسم
منها مملوكة للواقف ، وهي ما بعد انقراض الموقوف عليه ، من جهة تبعيتها لملك العين
، وحيث إن مدّة حياة الموقوف عليه مجهولة فلم يعلم مقدار المنفعة التي يتملكها
المشتري بالبيع ، فيبطل.
__________________
المختصّ بمنفعة (١) الوقف ، فالظاهر جوازه ، لعدم الغرر.
ويحتمل العدم (٢)
، لأنّ معرفة المجموع المركّب من ملك البائع وحقّ
______________________________________________________
ونفى المصنف قدسسره شبهة الغرر هنا ، ووجهه : أنّ ما يعتبر العلم به في صحة
البيع ـ وهو العلم بالمبيع ذاتا وصفة ـ حاصل ، والجهل بخصوصية المنفعة وإن كان محقّقا
، لكنه غير قادح في صحته ، ولذا جوّزوا بيع الشاة ذات اللبن مع الجهل بقدر ما يحلب
منها.
وفي المقام
لمّا كانت المنفعة مملوكة للموقوف عليه قبل شراء الرقبة وبعده ، لم يقدح الجهل
بمدّة حياته ـ المستتبع للجهل بزمان تملك المنفعة بتبعيتها لملك الرقبة ـ في صحة
البيع. نعم لو كان المشتري أجنبيا غير مستحق للمنفعة كان تملك العين مسلوبة
الفائدة مدّة غير مضبوطة موجبا لثبوت الخيار له بين الإمضاء والفسخ ـ في صورة
الجهل ـ دفعا للضرر.
وهذا القول
نقله صاحب المقابس قدسسره عن الفاضل الصيمري حاكيا له عن مشايخه في بيع العين المحبوسة
على المحبوس عليه والمعمّر ، واستحسنه. فراجع .
(١) هذه الكلمة
ظاهرة في أن الموقوف عليه مختص بالمنفعة لا بالانتفاع ، ولذا يجوز له تفويضها إلى
الغير ، كما سيأتي.
(٢) أي : عدم
الجواز ، وهذا ثاني الوجهين ، وتقدم تقريب الغرر آنفا ، والمقصود سراية الجهالة من
المنفعة المملوكة للواقف إلى المبيع ، بدعوى كونها موزّعة على الواقف والموقوف
عليه ، ولم يعلم حصة كل منهما منها ، فالعين وإن كانت معلومة ، إلا أن مقدارا من
المنافع تابعة لها ومنضمة إليها ، وحيث إن هذه الضميمة مجهولة المقدار سرى الجهل
إلى المبيع من حيث المجموع ، فيبطل بيعه.
__________________
المشتري لا يوجب معرفة المبيع (١).
وكذا (٢) لو
باعه ممّن (٣) انتقل إليه حقّ الموقوف عليه.
نعم (٤) ، لو
انتقل إلى الواقف ثم باع صحّ جزما.
وأمّا (٥)
مجرّد رضا الموقوف عليهم ، فلا يجوّز البيع من الأجنبي ، لأنّ
______________________________________________________
(١) فيصر
مجهولا فيبطل البيع.
لكن فيه ما
تقدم في تقريب عدم الغرر في بيع السكنى الموقتة بعمر أحدهما ، فإن مقتضاه صحة
البيع من الموقوف عليهم وغيرهم ، إذ الغرر الناشئ في المنفعة من الجهل بمدة الحياة
ليس مانعا عن البيع ، لعدم كونه في شيء من العوضين.
(٢) يعني : أن
الظاهر جواز البيع كما يحتمل عدمه.
وهذا إشارة إلى
الصورة الثالثة ، وهي ما إذا انتقل حق الموقوف عليه ـ بالصلح ـ إلى أجنبي ، فصار
هو المستحق للمنفعة ، ثم اشترى الموقوفة. والوجه في جواز البيع وجود المقتضي وفقد
المانع ، كما تقدم في الصورة الثانية.
(٣) ليس المراد
بمن انتقل إليه الحق البطن اللاحق للموقوف عليه ، إذ لو كان كذلك لم يصح التعبير
بالانتقال ، لأنّه يتلقّى ملك المنفعة من الواقف بمجرد انقضاء من قبله.
(٤) ظاهره
الاستدراك على قوله : «فالظاهر جوازه» يعني : أن احتمال منع البيع المتطرق في
الصورة الثانية والثالثة لا مجال لها في الصورة الرابعة ، وهي التي ينتقل حق
الموقوف عليه إلى الواقف. ومنشأ الجزم بالصحة كون المنفعة بتمامها ملكا له حال
البيع ، فلا يبقى منشأ لشبهة الغرر من جهة تبعض المنفعة ـ بين الواقف والموقوف
عليه ـ في فترة من الزمان.
(٥) هذا
كالاستدراك على قوله : «صحّ جزما» وتمهيد للنظر في ما حكاه صاحب المقابس عن الفاضل
المقداد قدسسرهما. وتوضيحه : أنّه لمّا جزم المصنف قدسسره بصحة بيع الواقف بعد انتقال حق الموقوف عليهم إليه ،
اتّجه السؤال بأنّ المعتبر في صحة بيع
المنفعة مال (١) لهم ، فلا تنتقل (٢) إلى المشتري بلا عوض.
______________________________________________________
الواقف هل هو الصلح على المنفعة التي هي حقّ للموقوف عليهم كي ينتقل إليه ،
فيكون المبيع ـ عينا ومنفعة ـ مملوكا له ، أم أنّه يكفي إذن الموقوف عليهم في صحة
تصرفات الواقف وإن لم تدخل المنفعة في ملكه؟
اختار شيخنا
الأعظم الأوّل ، مستدلّا عليه بما حاصله : أنّ المقصود من بيع الواقف انتقال العين
بجميع منافعها إلى المشتري لئلّا يلزم الغرر.
لكن إذن
الموقوف عليه لهذا البيع مشكل ، سواء أكان المأذون فيه بيع العين أو المنفعة. أمّا
الإذن في بيع العين ، فلا معنى له ، لكونها ملكا للواقف. وأمّا الرضا بنقل المنافع
إلى المشتري فلا معنى له أيضا ، وذلك لأنّ انتقالها إليه لا بدّ أن يكون بعقد ناقل
لها وهو الإجارة والصلح المفيد فائدتها ، والمفروض عدم تحقق شيء منهما. ومعه لا
موجب لتملّك المشتري للمنفعة المختصة بالموقوف عليهم ، ويكون المنتقل إليه هو
العين المسلوبة منفعتها.
نعم ، يمكن
تصحيح انتقال المنفعة إلى المشتري بأحد وجهين سيأتي بيانهما.
(١) مراده قدسسره من كون المنفعة مالا للموقوف عليهم هو عدم قبولها
للانتقال إلى المشتري بلا عوض ، فيتوقف تملكها على نواقل المنفعة. وليس المراد أنّ
هذه المنفعة الخاصة مال غير قابل للدخول في ملك الغير. وذلك لأنّ شأن المال ـ بما
هو مال ـ ليس عدم الانتقال إلى الغير بلا عوض ، فالهبة والصلح المفيد فائدتها
ناقلان للمال ، والمفروض عدم تحقق ناقل المنفعة بعد.
(٢) يعني : أنّ
المنفعة لا تنتقل إلى المشتري ، لأن البيع تمليك العين لا تمليك المنفعة ، بل
المنفعة تملك في البيع بتبعية العين ، والمفروض فقدان قاعدة التبعية هنا ، إذ
المنفعة ملك لغير مالك العين ، فلا تجري فيها قاعدة التبعية. فرضا الموقوف عليهم ـ
لو أثّر ـ يصحّح البيع بالنسبة إلى نفس العين ، فتنتقل العين مسلوبة المنفعة إلى
المشتري ، وانتقال المنفعة إليه منوط بناقل آخر ، ولم يتحقق بعد.
اللهم إلّا أن
يكون على وجه الإسقاط (١) لو (٢) صحّحناه منهم.
______________________________________________________
(١) هذا أحد
الوجهين المصحّحين لبيع الواقف مع عدم انتقال حق الموقوف عليهم إليه قبله ،
ومحصّله : أن يكون إذن الموقوف عليهم إسقاطا لحق الانتفاع بالموقوفة ، لأن لكل ذي
حق إسقاط حقه ، ومع هذا الإسقاط يخلص المال للموقوف عليه عينا ومنفعة ، فلا جهل
ولا غرر في البين ، ويصح بيعه حينئذ ، ويكون تمام الثمن له.
ويستفاد قابلية
المنفعة المملوكة للإسقاط من صاحب المقابس قدسسره ، لقوله : «فإنّ المنفعة مملوكة للمحبوس عليه قطعا ،
ويجوز المعاوضة عليها بشرائطها. وحينئذ فيجوز إسقاطها قطعا» .
ولكن يردّه
امتناع إسقاط المنفعة ، إذ القابل للإسقاط ـ مع العوض أو بدونه ـ هو مقولة الحق
المقابل للملك ، كحق الخيار والشفعة والتحجير. وأمّا الملك ـ عينا كان أو منفعة ـ
فنقله إلى الغير يكون بالنواقل الشرعية المعهودة.
فإن كان موجودا
خارجا صحّ نقله إلى الغير بالهبة المختصة بتمليك الأعيان.
وإن كان كليّا
ذميّا كالديون كان قابلا للإبراء الذي لم يستبعد المصنف قدسسره في أوّل البيع كونه تمليكا.
وإن كان منفعة ـ
كالمقام ـ انتقلت إلى الغير بالإجارة والصلح المفيد فائدتها.
وعلى هذا فلا
يكون إذن الموقوف عليهم في البيع إسقاطا للمنفعة المملوكة كما لا يكون تمليكا لها
للمشتري ، لعدم السبب المملّك من إجارة أو صلح. ونتيجته كون بيع الواقف تمليكا
للعين مجرّدا عن المنفعة ، ويعود محذور الغرر حينئذ.
(٢) يعني : لو
صحّحنا الإسقاط منهم ، وغرضه التأمل في المصحّح الأوّل. وتقدم آنفا عدم قابلية
المنفعة للإسقاط ، وأنّ انتقالها يكون بالناقل المملّك.
__________________
أو يكون (١) المعاملة مركّبة من نقل العين من طرف الواقف ، ونقل المنفعة من
قبل الموقوف عليهم ، فيكون العوض موزّعا عليهما (٢).
______________________________________________________
ولعلّ وجه
التأمل : أنّ المنفعة إذا كانت ملكا للموقوف عليهم فإسقاطها إعراض عن ملكيتها ،
وخروج المال عن الملكية يسبب الإعراض محل الإشكال.
نعم ، إذا كان
للموقوف عليهم حقّ الانتفاع بالعين الموقوفة من دون أن يكونوا مالكين للمنفعة
فلإسقاط حقّهم مجال.
(١) معطوف على «يكون»
وهذا ثاني وجهي التصحيح ، وحاصله : أن يكون بيع الواقف للموقوفة ـ مع رضا الموقوف
عليهم ـ معاملة مركّبة من تمليك العين من قبل نفسه ، وتمليك المنفعة من طرف
الموقوف عليهم ، بحيث يكون كلاهما مصبّ العقد ، وتصير المنفعة كالعين معوّضا ،
ويكون الثمن مبذولا بازائهما معا.
وبعبارة اخرى :
تكون المنفعة حينئذ في عرض العين في مقام إنشاء المعاملة ، وتعلق القصد بتمليك كلّ
منهما.
لكن لمّا لم
يكن في العقود المعاوضية المعهودة ما ينقل به العين والمنفعة معا ، كان الإنشاء
القابل لنقلهما منحصرا في الصلح ، فالواقف يصالح على العين ـ أصالة ـ ببعض العوض ،
وعلى مقدار من المنفعة ـ وكالة عن الموقوف عليه ـ ببعضه الآخر.
وهذا الوجه
نقله صاحب المقابس وغيره عن الشهيد الثاني قدسسره ، لقوله : «وليس ببعيد جواز الصلح عليها ـ أي على
المنفعة ـ لاحتماله من الجهالة ما لا يحتمله البيع ، وصحته على العين والمنفعة.
فعلى هذا لو كان مشتري العين غيره ـ أي غير الموقوف عليه ـ وجوّزناه ، جاز له أن
يصالح المشتري على تلك المنفعة المستحقة له مدة عمره بمال معلوم ، ويصير المشتري
حينئذ مالكا للجميع ، كما لو كان هو المعمر» .
(٢) أي : على
الواقف والموقوف عليهم ، وتثنية الضمير باعتبار الطرفين ،
__________________
ولا بدّ أن يكون
ذلك على وجه الصلح ، لأنّ غيره (١) لا يتضمّن نقل العين والمنفعة كليهما ، خصوصا (٢)
مع جهالة المنفعة (*).
وممّا ذكرنا (٣)
يظهر وجه التأمّل فيما حكي عن التنقيح : من «أنّه لو اتّفق
______________________________________________________
لا أشخاص الموقوف عليهم.
(١) أي : غير
الصلح لا يتضمّن نقلهما معا ، لوضوح كون البيع ناقلا للأعيان ، والإجارة للمنافع ،
وهكذا غيرهما.
(٢) يعني : أنّ
جهالة المنفعة مانع آخر ، فإنّ الإنشاء المتضمن لنقل العين والمنفعة معا بنحو
العرضية لا يكون بيعا ، لما عرفت من أنّه تمليك للعين.
مضافا إلى :
أنّ جهالة المنفعة مانعة عن صحة الإنشاء البيعي. فينحصر التخلص ـ من جهتي المنع ـ
في الإنشاء بعنوان الصلح.
(٣) يعني : ومن
عدم جواز نقل العين والمنفعة بإنشاء واحد غير الصلح ـ وعدم كفاية مجرد رضا الموقوف
عليهم ببيع العين ـ يظهر وجه التأمّل فيما حكاه صاحب المقابس عن الفاضل المقداد قدسسرهما من تجويز بيع الوقف المنقطع عند توافق الواقف والموقوف
عليه.
__________________
__________________
الواقف والموقوف عليه على البيع في المنقطع جاز»
______________________________________________________
قال المحقق
الشوشتري : «وأمّا السيوري فجوّز بيع الموقوف عليه إذا اتفق على ذلك مع الواقف أو
وارثه ، معلّلا بأنّه باق على ملك الواقف ووارثه. والظاهر اعتبر الاتفاق لجواز بيع
الموقوف عليه. وأمّا الواقف فلا يتوقف بيعه على إذن الموقوف عليه ، إلّا إذا جعل
المنافع داخلة ـ أي منضمة إلى العين ـ فيتوقّف من هذه الجهة. وقد صرّح هو في
السكنى بأنّه إن أسكنه مطلقا كان بيع المالك رجوعا. وإن كان موقّتا لم يجز رجوع
المالك في المنفعة الموقتة ... بل إن كان المشتري عالما لزم البيع ... وإلّا تخيّر
بين الصبر والفسخ» .
ومحصل كلام
التنقيح في بيع الوقف المنقطع جواز بيع كلّ من الواقف والموقوف عليه برضا الآخر ،
لكون الأوّل مالكا للعين ، والآخر للمنفعة. واستظهر المحقق الشوشتري منه أن مقصوده
إناطة جواز بيع الموقوف عليه برضا الواقف. وأما بيع الواقف فلا يعتبر فيه إذن
الموقوف عليه. واستشهد بكلامه في باب السكنى من جواز تصدّي المسكن للبيع وصحته ،
وإن كان خياريا في فرض جهل المشتري.
ولا فرق في منع
البيع بين الاحتمالين ، وهما : أن يكون مقصوده إناطة بيع الموقوف عليه برضا الواقف
، وأن يكون مراده توقف بيع الواقف على إذن الموقوف عليه. والوجه في عدم الفرق ما
تقدم في (ص ٢١١) من أن بيع الموقوفة لا يتكفّل نقل المنفعة المملوكة إلى المشتري ،
وحيث إنه لا ناقل آخر للمنفعة فتبقى في ملك الموقوف عليهم ، ويعود محذور الغرر.
نعم ، يتجه ما
أفاده الفاضل المقداد قدسسره ـ من جواز البيع ـ بتسليم أمرين :
أحدهما : أن
يكون عقد السكنى مفيدا لإباحة الانتفاع والسلطنة عليه ، لا تمليك المنفعة. ولعلّه
لهذا ذهب الأكثر إلى أنه لا يجوز للساكن إجارة الدار التي
__________________
سواء (١) أراد بيع الواقف أو بيع الموقوف عليه ، كما يدلّ عليه (٢) كلامه
المحكيّ عنه في مسألة السّكنى ،
______________________________________________________
جعل له سكناها ، إذ لو كان مدلول الإنشاء جعل منفعة الدار ـ وهي طبيعي
السكنى فيها ـ للساكن من دون لحاظ قيامها بشخصه لزم صحة إيجارها.
ثانيهما : أن
يكون ثمرة الوقف المنقطع مجرد حق الانتفاع بالعين ، فلم ينتقل إليه العين ولا
المنفعة.
فإن تمّ
الأمران اتجه جواز بيع الموقوفة ، لأن رضا الموقوف عليه إسقاط لحقّ انتفاعه ، ومن
المعلوم أن لكل ذي حق إسقاط حقه ، فيزول تعلق الموقوف عليه بالوقف ، ويجوز للواقف
بيعه حينئذ ، لصيرورته ملكا خالصا له.
لكنّ في قابلية
حق الانتفاع للإسقاط تأمّلا سيأتي.
(١) يعني :
يعني : أن للتأمل في كلام التنقيح مجالا ، سواء أكان مقصوده بيع الواقف مع رضا
الموقوف عليه ، أم بيع الموقوف عليه مع رضا الواقف.
(٢) يحتمل في
مرجع هذا الضمير وجهان :
الأوّل : ما
أفاده العلّامة الشهيدي قدسسره من أنه «تجويز البيع عند اتفاق الواقف والموقوف عليه.
ولعلّ نظره في موضع الدلالة إلى قوله ـ أي : قول الفاضل المقداد قدسسره : ولو من دون نظر مالك الانتفاع أو المنفعة ، حيث إنّه
يدل على جواز البيع مع رضا الواقف والموقوف عليه بطريق أولى».
ووجه الأولوية
: أنّ جواز البيع مع استقلال مالك العين ـ وعدم رضا الموقوف عليهم ـ يدلّ على
جوازه مع رضا مالك المنفعة أو الانتفاع بطريق أولى.
وبناء على هذا
يكون مقصود المصنف قدسسره من الاستشهاد بعبارة التنقيح تثبيت ما نسبه إليه من
جواز البيع ، بلا نظر إلى خصوصية كون البائع هو الواقف أو الموقوف عليه.
__________________
حيث (١) أجاز استقلال مالك العين بالبيع ولو (٢) من دون رضا مالك الانتفاع
أو المنفعة.
نعم (٣) لو كان
للموقوف عليه
______________________________________________________
الثاني : ما
يخطر بالبال من أنّ مرجع الضمير «كون البائع هو الموقوف عليه» فكأنّ المصنف ساق
كلامه هكذا : «سواء أراد التنقيح بيع الواقف أو بيع الموقوف عليه ، وإن كان الظاهر
أنه أراد بيع الموقوف عليه. ويدل على هذا الظهور كلامه في باب السكنى». وبناء على
هذا الاحتمال يكون المصنف موافقا لصاحب المقابس قدسسره في ما استظهره من عبارة التنقيح.
ولعلّ هذا
الاحتمال أنسب بما أفاده الفاضل المقداد قدسسره في شرح قول المحقق : «ولو باع المالك الأصل لم تبطل
السكنى» من أنّ مفروض الكلام هو بيع المالك لا الساكن ، حيث قال : «بخلاف الأوّل ـ
أي كون السكنى مؤقتة بأمد ـ فإن الساكن ملك منفعة العين بالعقد ، ثم المشتري إن
كان عالما فلا خيار له ، ووجب عليه الصبر ، وإلّا تخيّر بين الفسخ والصبر ، وهو
إجماع ...» فإنّ المفهوم من هذا الكلام أنّ من يتوقف بيعه على
الرضا هو الساكن لا المسكن. فليكن الأمر كذلك في الوقف المنقطع.
(١) هذا موضع
الاستظهار من كلام التنقيح.
(٢) يستفاد هذا
الإطلاق من عدم تقييد جواز بيع المالك بكونه عن رضا الساكن.
(٣) استدراك
على قوله : «يظهر وجه التأمل» وغرضه توجيه كلام الفاضل السيوري ، وتقدم توضيحه
بقولنا : «نعم يتجه ما أفاده الفاضل المقداد ...» فلاحظ (ص ٢٢٤).
__________________
حقّ الانتفاع (١) من دون تملّك للمنفعة ـ كما في السكنى على قول (٢) ـ صحّ (٣)
ما ذكره ، لإمكان سقوط الحقّ بالإسقاط ، بخلاف المال (٤) ، فتأمّل (٥).
______________________________________________________
(١) هذا إشارة
إلى الأمر الثاني المتقدم بقولنا : «ثانيهما : أن يكون ثمرة الوقف المنقطع ... الخ».
(٢) لعلّ نظره قدسسره إلى ما عزاه صاحب المقابس إلى ظاهر الشيخ والقاضي ، بل
الأكثر ، من أن فائدة عقد السكنى هو ملك الانتفاع بالسكنى ونحوها ـ لا ملك المنفعة
كما اختاره الحلّي ، ولذا جوّز للساكن إيجار دار السكنى ـ فقال في الإيراد على جواز الصلح عليه ـ كما تقدّم في (ص ٢٢٢) عن المسالك ـ
ما لفظه : «ولا يخفى أنّه إن كان مالكا للانتفاع بالسّكنى ونحوها ـ لا المنفعة ـ
ففي جواز المعاوضة عليه نظر ، لأنّها تختص بالعين والمنافع. نعم يجوز إسقاط الحق
ولو بعد أن يبذل له شيء لذلك ، كما يجوز إسقاط الخيار والشفعة .... وإن كان مالكا
للمنفعة كما هو اختيار الحلّي صحّ ما ذكره» .
(٣) جواب الشرط
في «لو كان» أي : صحّ ما ذكره صاحب التنقيح من جواز بيع الوقف المنقطع بالرضا.
(٤) المراد به
المنفعة ، فإنّها كالعين مملوكة ، ونقلها إلى الغير بالإجارة والصلح ، لا
بالإسقاط. فالأولى ـ كما افيد ـ تبديل المال بالملك ، إذ لا ريب في صدق «المال»
على بعض الحقوق كحق التحجير ، ولذا يجوز المصالحة عليه بعوض.
لكن لا يبعد أن
يكون المال هو الملك ، بناء على ما تقدم في أوّل البيع من التأمل في صدق المال على
الحقوق مطلقا حتى ما يقبل النقل والانتقال .
(٥) لعلّه
إشارة إلى : إمكان دعوى عدم سقوط حق انتفاع الموقوف عليهم
__________________
وتمام الكلام
في هذا المسائل (١) في باب السكنى والحبس إن شاء الله تعالى.
وعلى الثاني (٢)
: فلا يجوز البيع للواقف ، لعدم الملك ، ولا للموقوف عليه لاعتبار الواقف بقاءه في
يدهم إلى انقراضهم (٣).
______________________________________________________
بالإسقاط ، لعدم كون سقوطه بالإسقاط لازما مساويا للحق ، فيمكن أن يكون
حقّا غير قابل للإسقاط كحق الولاية والحضانة. وإن أبيت إلّا عن ملازمة الحق للسقوط
بالإسقاط فلا مانع من تسميته بالحكم.
وعلى كل حال
فلم يثبت سقوطه بالإسقاط لو لم يثبت عدم سقوطه به. والشك فيه مجرى استصحاب بقائه ،
فلاحظ وتأمل.
(١) مثل : كون
أثر السكنى ملك المنفعة ، أو ملك الانتفاع ، أو التسليط على الانتفاع كما في
العارية. و : أن المجعول لو كان حقّ الانتفاع فهل هو من الحقوق القابلة للإسقاط أم
لا؟
و : هل يجوز للمالك
المسكن الاستقلال بالبيع ، أم يلزم الاستيذان من الساكن؟
هذا تمام
الكلام في حكم بيع الوقف المنقطع بناء على القول ببقائه على ملك الواقف.
(٢) معطوف على
قوله في (ص ٢٠٩) : «فعلى الأوّل» والمراد بالثاني هو انتقال المال ـ بالملك
المستقر ـ إلى الموقوف عليهم.
وحاصل ما أفاده
: عدم جواز بيعه ، لا للواقف ، لانتفاء المقتضي ، وهو الملك ، ومن المعلوم أنه لا
بيع إلّا في ملك. ولا للموقوف عليه ، فإنّ الوقف وإن كان ملكا له لكنه ليس طلقا ،
وذلك للزوم مراعاة ما أنشأه الواقف كون العين مملوكة للموقوف عليهم إلى زمان
الانقراض ، ثم انتقالها إلى ورثتهم بالإرث ، وصيرورتها ملكا طلقا لهم. ولا ريب في
منافاة البيع لهذا المنشأ.
(٣) يعني : فلا
يكون ملكا طلقا للموقوف عليهم حتى يجوز بيعه.
هذا بناء على
بعض كلمات المصنف في الوقف المؤبّد من كون منع البيع من
وعلى الثالث (١)
: فلا يجوز البيع للموقوف عليه وإن أجاز الواقف ،
______________________________________________________
اعتبارات الواقف الممضاة شرعا.
وأمّا بناء على
ما تكرّر منه من عدم دخل منع البيع في حقيقة الوقف ، بل هو أمر اعتبره الشارع
تعبدا ، فقد يشكل ما أفاده هنا من لزوم رعاية مجعول الواقف.
(١) معطوف أيضا
على قوله : «فعلى الأوّل» والمراد بالثالث تملك الموقوف عليه موقّتا ببقائه ،
وانتقال الوقف بعد الانقراض إلى الواقف.
ومحصّل ما
أفاده قدسسره : أنه لا يجوز البيع أصلا. أما عدم جوازه للموقوف عليه
فلأنه وإن كان مالكا فعلا ، إلا أن الواقف اشترط بقاء العين في يده لانتفاعه بها
ورجوعها إليه بعد الانقراض.
ولا فرق في منع
البيع بين إجازة الواقف له ، وعدمه. أما مع عدم الإجازة فواضح. وأمّا معها فلعدم
العبرة بها من جهة منافاة الإجازة لما اعتبره في إنشاء الوقف وأمضاه الشارع من
كونه أجنبيا عن الموقوفة مدّة حياة الموقوف عليه.
وأما عدم جوازه
للواقف فلعدم الملك فعلا ، سواء أجاز المالك الفعلي وهو الموقوف عليه أم لا. أما
مع عدم الإجازة فواضح ، وأمّا مع الإجازة فلعدم سلطنته على بيع المال ، فلا يكون
أهلا للإجازة ، وإن كان مالكا بالفعل ، ضرورة كون الملكية الحاصلة بالوقف غير
قابلة للانتقال إلى غير الموقوف عليه حتى يتمشى منه إنفاد بيع الواقف.
نعم ، بناء على
الالتزام بصحة البيع في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» ـ المتقدمة في بيع الفضول ـ
يمكن القول بصحة بيع الواقف هنا ، فإنّه وإن لم يكن مالكا للموقوفة حال حياة
الموقوف عليه ، فيكون فضوليا ، إلّا أنه يوصف بالصحة واللزوم بعد انقراض الموقوف
عليه ، وانتقال المال إليه ، لفرض عدم اشتراط البيع الفضولي بوجود مجيز حال العقد
على مال الغير ، وكفاية وجوده حال الإجازة.
لمنافاته (١) لاعتبار الواقف في الوقف بقاء العين. كما لا يجوز (٢) للواقف
غير المالك فعلا وإن أجاز الموقوف عليه ، إلّا (٣) إذا جوّزنا بيع ملك الغير مع
عدم اعتبار مجيز له في الحال ، بناء على أنّ الموقوف عليه الذي هو المالك فعلا ليس
له الإجازة ، لعدم تسلّطه على النقل (٤) ، فإذا انقرض الموقوف عليه وملكه الواقف
لزم البيع (٥) (*).
ثمّ إنّه (٦)
______________________________________________________
(١) يعني : أن
بيع الموقوف عليه ينافي ما اعتبره الواقف من بقاء العين.
(٢) أي : لا
يجوز البيع ، وتقدم وجهه بقولنا : «وأما عدم جوازه للواقف فلعدم ... الخ».
(٣) هذا
استثناء من عدم جواز البيع للواقف ، وتقدم بقولنا : «نعم بناء على الالتزام بصحة
البيع في مسألة ... الخ».
(٤) أي : لعدم
تسلط الموقوف عليه على إجازة البيع والتصرفات الناقلة ، بمقتضى إنشاء الواقف.
(٥) كما يلزم
البيع في سائر موارد «من باع ثم ملك» بناء على القول بالصحة كما إذا باع زيد مال
عمرو ثم تملكه منه بالشراء أو بالإرث ، فراجع .
(٦) توضيحه :
أنه نسب إلى القاضي ابن البراج قدسسره فتويان :
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إحداهما : بقاء
الوقف المنقطع على ملك الواقف ، ورجوعه بعد الانقراض إلى الواقف أو ورثته.
والاخرى : جواز
البيع للموقوف عليه في مورد وجود المسوّغ.
وأورد المحقق
الشوشتري قدسسره عليه بالتنافي بين الفتويين ، لتوقف جواز بيع الموقوف
عليه على كونه مالكا للموقوفة ، ومع فرض بقائها على ملك الواقف لا سلطنة لغيره على
البيع ، فكيف جاز للموقوف عليه؟
قال في المقابس
: «وقد وافق القاضي على رجوعه بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الواقف وورثته ، وحكم
مع ذلك بصحة بيع الوقف في جملة من الصور المذكورة ، وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب
استحقاقهم ... وهذا عجيب منه ، لأنّ الوقف المؤبّد مملوك للموقوف عليه الموجود ،
وما عداه معدوم ، فلجواز البيع حينئذ وجه ، لانحصار المالك الموجود في البائع.
وأمّا المنقطع فليس ملكا له ، والمالك الموجود غيره ، فلا وجه لصحة البيع حينئذ.
والذي يظهر منهم في مسائل السكنى وتوابعها عدم جواز بيع المحبوس عليه أصلا ...» .
ومحصل استعجاب
صاحب المقابس منه هو : أن الوقف المنقطع يكون كالحبس باقيا على ملك الواقف ، كبقاء
المحبوس على ملك الحابس. ومع عدم دخوله في ملك الموقوف عليهم لا مقتضي للبيع ، فلا
معنى لتجويزه.
وذبّ المصنف عن
مقالة القاضي قدسسرهما باحتمال أن يكون مسلكه في المسألة الأولى ـ وهي من يملك
الوقف المنقطع ـ مالكية الموقوف عليهم للموقوفة ماداميّا ومحدودا بالانقراض ، لا
مجرّد ملكية المنفعة أو الانتفاع كما التزموا به في الحبس. فالفرق ـ بنظر ابن
البرّاج ـ بين الوقف المنقطع والحبس هو صيرورة الوقف ملكا لأهله ، دون المحبوس
الباقي على ملك الحابس.
__________________
قد اورد (١) على القاضي قدسسره حيث جوّز للموقوف عليه بيع الوقف المنقطع مع قوله ببقاء
الوقف المنقطع على ملك الواقف.
ويمكن دفع
التنافي بكونه (٢) (*) قائلا بالوجه الثالث من الوجوه المتقدمة ،
______________________________________________________
وعلى هذا فلا
يترتب على تجويز البيع للموقوف عليهم محذور ، وذلك لوجود المقتضي وهو الملك المؤقت
، وفقد المانع ، إذ المانع هو الوقفية ، والمفروض عدم مانعيتها ، لفرض طروء
المسوّغ.
نعم قد يشكل
هذا الذّب بتوقفه على التزام القاضي قدسسره بأن مالك الوقف المنقطع هو الموقوف عليه لا الواقف ،
فإن احرز تمّ التوجيه ، وإلّا لم يتم ، ويتجه إيراد صاحب المقابس عليه حينئذ.
(١) الوارد هو
التنافي والتهافت بين الفتويين ، فلو قيل «اورد بالتنافي» كان أولى ، وإن كان حذف
ما يعلم بقرينة «دفع التنافي» جائزا.
وكيف كان فقد
تقدم توضيح التنافي بقولنا : «وأورد المحقق الشوشتري قدسسره عليه بالتنافي ...».
(٢) أي : بكون
ابن البراج قدسسره قائلا بالوجه الثالث الذي هو مورد الكلام فعلا ،
__________________
وهو ملك الموقوف عليهم ، ثم عوده (١) إلى الواقف. إلّا أن الكلام في ثبوت
هذا القول (٢) بين من اختلف في مالك الموقوف في الوقف المنقطع ، ويتّضح ذلك (٣)
بمراجعة المسألة في كتاب الوقف (٤).
وعلى الرابع (٥):
______________________________________________________
ولأجل هذا الاحتمال ناسب التعرض لكلامه وللإيراد عليه في هذا القسم الثالث.
(١) التعبير
بالعود إلى الواقف هو منشأ الإيراد ودفعه. أما كونه منشأ الإيراد فلأنّ صاحب
المقابس استفاد منه عود منافعها إلى ورثة الواقف ، ومعناه عدم انتقال نفس العين ،
وإنّما خرجت منافعها بالوقف عن ملكه ، فيكون كالحبس. وهذا قول الأكثر كما في
المسالك. والتعبير بالعود والرجوع حينئذ مسامحة كما نبّه عليها المحقق الثاني قدسسره واستحسنها السيد العاملي قدسسره .
وأما كونه
منشئا للدفع فلأنّ المصنف احتمل إرادة رجوع العين ومنافعها معا إلى الواقف بعد
انقراض الموقوف عليهم لينطبق على القسم الثالث ، كما تقدم الإشارة إلى الأقوال في (ص
٢٠٥ ـ ٢٠٦).
(٢) أي : القول
بتملّك الموقوف عليه للعين في الوقف المنقطع ، والظاهر ثبوت هذا القول ، وإن لم
تكن المسألة صافية من الإشكال.
(٣) أي : ثبوت
القول بمالكية الموقوف عليه يتّضح بالمراجعة إلى كتاب الوقف.
(٤) مثل ما في
المسالك والجواهر في شرح «فإذا انقرضوا رجع إلى ورثة الواقف» فراجع .
(٥) معطوف أيضا
على «فعلى الأوّل» والمراد بالوجه الرابع هو تملك الموقوف عليه ، وصرفه في سبل
الخير بعد الانقراض. لا عوده إلى الواقف ولا دخوله في ملك
__________________
فالظاهر (*) أنّ حكمه (١) حكم الوقف المؤبّد ـ كما صرّح به المحقق الثاني
على
______________________________________________________
ورثة الموقوف عليهم.
وحكم الوقف
المنقطع ـ على هذا ـ حكم الوقف المؤبّد ، والفارق بينهما التصريح في الإنشاء وعدمه
، لكون المعهود من صيغة الوقف المؤبّد هو «وقفته على كذا ، ثم يوضع في سبل الخير
إلى أن يرث ... الأرض ومن عليها» ولم يؤخذ هذا القيد في الوقف المنقطع ، لكونه
حبسا على من ينقرض غالبا. فلو عقّبه بذلك كان مؤبّدا ، كما لو قال : «هذه الدار
وقف على فقهاء البلد ، ثمّ هي في وجوه البرّ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها».
وحيث كان الوقف
المنقطع بناء على الاحتمال الرابع ـ وهو المنسوب إلى السيد ابن زهرة وغيره ـ
مؤبّدا حكما لم يجز بيعه إلّا في موارد بيع المؤبّد.
هذا ما يتعلق
بالقول الرابع. وبه تم الكلام في ما يختص بكل واحد من الأقوال والاحتمالات ،
وسيأتي بيان الحكم المشترك بينها.
(١) أي : حكم
الوقف المنقطع ـ بناء على الاحتمال الرابع ـ حكم المؤبّد.
__________________
ما حكي عنه ـ لأنّه (١) حقيقة وقف مؤبّد (*) كما لو صرّح بكونه في سبيل الله بعد
انقراض الموقوف عليه الخاص.
ثم إنّ ما
ذكرنا (٢) في حكم الوقف المنقطع فإنّما هو بالنسبة إلى البطن الذي
______________________________________________________
(١) أي : لأن
الوقف المنقطع ـ المحكوم بصرفه في وجوه البر ـ وقف مؤبّد حقيقة ، غايته أنه لم
يصرح فيها بالتأبيد ، ولا بمصرفه بعد انقراض المسمّين.
(٢) أي : من
بيان محتملات من يكون مالكا للوقف المنقطع ، وحكم كل واحد منها.
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وغرضه من هذا
الكلام التنبيه على بعض ما يفترق فيه الوقف المنقطع عن الدائم ، مثل من يجوز له
البيع إن كان الموقوف عليه بطونا ، كما إذا وقف داره على زيد وأولاده وأحفاده
خاصة.
وتوضيحه : أنّه
لو قيل بجواز البيع في بعض الوجوه الأربعة ـ كما حكي عن القاضي في الوجه الثالث من
جوازه للموقوف عليه ـ فهل يعمّ الجواز جميع البطون ، كصحته في الوقف المؤبّد للكلّ
عند طروء المسوّغ ، أم يختص الحكم بالبطن الأخير كأولاد الأولاد في المثال المزبور؟
اختار شيخنا الأعظم قدسسره الثاني ، وفصّل في جواز بيع ما عدا البطن الأخير. فهنا
دعويان :
الاولى :
اختصاص الجواز في المحتملات المتقدمة بالأخير ، ولعلّ وجهه : أن المانع عن بيع
الوقف اجتماع حقه تعالى وحق الواقف وحق الموقوف عليهم ، وهذا مختص بالوقف المؤبد ،
وكذا بما عدا البطن الأخير في المنقطع. وأمّا البطن الأخير فينحصر المانع فيه في
الحقّين الأوّلين ، ولا حقّ من ناحية الموقوف عليهم ، لفرض كونه آخر السلسلة ،
وعدم وجود مالك شأني حتى يجب مراعاة حقه بإبقاء الوقف مقدّمة للانتفاع. وعليه فلا
مانع من بيعه من هذه الجهة.
نعم لو بقي
انتقل إلى الوارث ، لأدلة الإرث ، ولكن لا يلزم حفظ الموضوع ، كوضوح عدم كون
الانتقال إلى الورثة غرضا عقديا للواقف كي يلزم رعايته.
الثانية : أنّه
إن قلنا بعدم كون الوقف المنقطع ملكا للموقوف عليه ـ كما هو الحال في الاحتمال
الأوّل من بقائه على ملك الواقف ـ لم يجز لشيء من البطون البيع ، لعدم المقتضي
وهو الملك.
وإن قلنا
بتملكهم له ، لم يجز للبطون المتقدمة على البطن الأخير البيع من جهة تعلق الحقوق
الثلاثة بالعين. فيشترك الوقف المنقطع مع المؤبّد في هذا الحكم جوازا ومنعا ،
فإطلاق النهي في معتبرة ابن راشد شامل للمنقطع ، كما أنّ مسوّغات بيع
لا بطن بعده (١) يتلقى (٢) الملك من الواقف.
وأمّا حكم بيع
بعض البطون (٣) مع وجود من بعدهم ، فإن قلنا بعدم تملكهم للمنقطع (٤) فهو (٥) كما
تقدم. وأما (٦) على تقدير القول بملكهم ، فحكم بيع غير الأخير من البطون حكم بيع
بعض البطون في الوقف المؤبّد ، فيشترك (٧) معه في المنع في الصور التي منعنا ، وفي
الجواز في الصور الّتي جوّزنا ، لاشتراك (٨) دليل المنع ،
______________________________________________________
الوقف كالخراب وخوف الفتنة تجوّز البيع في كلا القسمين.
ويترتب على
جواز البيع كون الثمن مشتركا بين البطن البائع وما بعده إلى البطن الأخير ،
كاشتراك ثمن الوقف المؤبّد إن كان البيع للخراب ، فيجب شراء شيء يكون وقفا ، كما
تقدم تفصيله في اولى صور بيع الوقف. وإن كان للصرف في الحاجة اختص بالموجودين ،
على الخلاف في المسألة.
(١) يعني : حتى
يلاحظ حق البطن اللاحق الذي له حق في الموقوفة ، بل مورد البحث هو الوقف الذي يختص
بالبطن الموجود.
(٢) صفة ل «بطن
بعده» والبطن الذي لا بطن بعده هو البطن الأخير.
(٣) يعني : غير
البطن الأخير.
(٤) بأن يختلف
حكم المنقطع والمؤبد ، فالمؤبد ملك فعلي لكلّ طبقة وجدت ، وشأني لمن لم يوجد.
والمنقطع ملك للواقف وورثته ، ولم ينتقل عنه إلى الموقوف عليهم.
(٥) جواب «وأما»
والمراد بالموصول عدم جواز البيع ، المتقدم في حكم بيع ما عدا البطن الأخير.
(٦) معطوف على «فإن
قلنا» وعدل له ، والأولى تبديله ب «وإن قلنا».
(٧) يعني :
فيشترك بيع غير الأخير ـ في المنقطع ـ مع المؤبّد.
(٨) تعليل
لقوله : «فيشترك» وحقّ العبارة أن تكون هكذا : «لاشتراك دليلي المنع والجواز» لعدم
كون المشترك فيه خصوص المنع عن البيع.
ويتشاركان أيضا (١) في حكم الثمن بعد البيع (٢).
______________________________________________________
(١) يعني :
كاشتراكهما في البيع منعا وجوازا ، وعليه فجهة الاشتراك أمران.
(٢) في اختصاص
الثمن بالبطن الموجود ، أو لزوم شراء عين به لتكون وقفا كالمثمن. هذا بناء على عدم
انصراف أدلة منع بيع الوقف وجوازه إلى المؤبّد ، وإلّا فالمتجه جواز البيع بناء
على مالكية الموقوف عليهم للموقوفة في المنقطع ، وصرف ثمنه في حوائجهم.
هذا تمام
الكلام في بيع الوقف ، الذي هو من موانع طلقية الملك ، وسيأتي الكلام في سائر
الموانع إن شاء الله تعالى.
مسألة
ومن أسباب خروج
الملك عن كونه طلقا : صيرورة المملوكة أمّ ولد لسيّدها (١) ،
______________________________________________________
بيع أمّ الولد
(١) يعني : أن
الجارية التي صارت أمّ ولد لسيّدها لا تكون ملكا طلقا له حتى يصح نقلها إلى الغير
، لكونها متشبثة بالحرية ، إذا تحقق الاستيلاد بشرائطه المعتبرة ، قال المحقق قدسسره : «أمّ الولد مملوكة ، لا تتحرر بموت المولى ، بل من
نصيب ولدها. لكن لا يجوز للمولى بيعها ، ما دام ولدها حيّا ، إلّا في ثمن رقبتها
إذا كان دينا على المولى ، ولا وجه لأدائه إلّا منها» .
ثمّ إنّ المصنف
قدسسره ـ بعد ما أشار إلى كون منع بيع أمّ الولد من المسلّمات في الجملة ـ تعرّض
في هذه المسألة لمباحث :
الأوّل :
اختصاص المنع بالبيع ، أو عمومه لسائر العقود ، سواء أكانت ناقلة للملك مع عدم
تعقبها بالتحرر ، أم معرّضة للنقل إلى الغير كالرهن.
الثاني :
اشتراط منع بيعها بحياة الولد بعد وفاة السيد. ولو مات الولد وكان له ولد فهل يمنع
من بيعها ، أم يختص المنع ببقاء نفس الولد الصّلبي؟
الثالث : هل
تصير الأمة أمّ ولد ولو بعلوقها بالنطفة؟ أو بمطلق الحمل؟ و
__________________
فإنّ ذلك (١) يوجب منع المالك عن بيعها ، بلا خلاف بين المسلمين ، على
الظاهر المحكيّ عن مجمع الفائدة (٢).
وفي بعض
الأخبار دلالة على كونه (٣) من المنكرات في صدر الإسلام ،
______________________________________________________
يعتبر انفصال الولد بالوضع؟
الرابع : إناطة
صدق «أمّ الولد» بكون الحمل في زمان تملك المولى لها ، فلا عبرة بالحمل منه قبل
ذلك.
الخامس : أن
منع بيعها قاعدة كلية مستفادة من النصوص والإجماع ، فالعمومات المقتضية لصحة نقلها
مخصّصة. وجواز بيعها في كل موضع منوط بدليل عليه.
السادس : مواضع
الاستثناء من عموم منع البيع.
وسيأتي التعرض
للجميع بتبع المتن.
(١) أي : فإنّ
صيرورة الأمة أمّ ولد لسيّدها يوجب منع سيدها عن بيعها ، فلا تكون ملكا طلقا.
(٢) قال المحقق
الأردبيلي قدسسره فيه : «وعدم جواز بيعها ما دام ولدها حيّا ـ مع إيفاء
ثمنها أو القدرة عليه ـ مما لا خلاف فيه بين المسلمين» فدعوى عدم الخلاف قطعية بنظر المحقق الأردبيلي لا
مظنونة ، إذ لم يقل «لا خلاف فيه بين المسلمين ظاهرا» كما لا ريب في حكاية عدم
الخلاف عنه في مفتاح الكرامة.
وعليه فتقييد
المصنف بقوله : «على الظاهر» مبني على اعتقاده. ولعلّه لأجل ما حكي عن الصدوق وابن
ميثم شارح النهج من أنّ أمّ الولد كسائر التركة تنتقل إلى الورثة.
(٣) أي : كون
بيع أمّ الولد من المنكرات.
__________________
مثل ما روي (١) من قول أمير المؤمنين عليهالسلام لمن سأله عن بيع أمة أرضعت ولده ، قال له : «خذ بيدها ،
وقل : من يشتري أمّ ولدي؟» .
وفي حكم البيع (٢)
______________________________________________________
(١) هذا خبر
السكوني عن الإمام الصادق عن أبيه عليهماالسلام : «أنّ عليّا عليهالسلام أتاه رجل ، فقال : انّ أمتي أرضعت ولدي ، وقد أردت
بيعها؟ فقال : خذ بيدها ، فقل ... الخ».
وتقريب الدلالة
: أنّ مورد السؤال وإن كان بيع الأمة المرضعة ، لا بيع الأمة التي ولدت من سيّدها
، إلّا أنّه لا مجال لتوهم تعدّد الموضوع ، وذلك لأنّ إطلاق «أمّ الولد» فيه على
الأمة المرضعة إمّا لكونها أمّ الولد حقيقة ، وإن كان خلاف الظاهر. وإمّا لثبوت
الحكم في الامّ الرضاعية أيضا. وحينئذ يكون الاستدلال به على الامّ النسبية
بالأولوية. هذا.
والمناقشة في
دلالتها على كون بيعها من المنكرات الإسلامية ـ كما في بعض الحواشي ـ ضعيفة جدّا ،
فلاحظ وتأمّل.
وكذا يدلّ على
إنكار بيعها ما ورد في صحيح عمر بن يزيد الآتي في (ص ٢٩٩) من قوله : «لم باع أمير
المؤمنين عليهالسلام أمّهات الأولاد؟».
المبحث الأوّل : عموم
المنع لكل ناقل عن ملك المولى
(٢) هذا شروع
في المبحث الأوّل ، وهو : اختصاص المنع بالبيع ، أو عمومه للعقود الاخرى ، إمّا
لكونها ناقلة كالهبة والصلح ، وإمّا لاستلزامها للنقل كالرهن لو توقّف استيفاء
الدين على بيع أمّ الولد. ذهب السيد المجاهد قدسسره إلى الاختصاص ، والمصنف قدسسره إلى العموم ، مستشهدا بكلمات الفقهاء في مواضع أربعة ،
كما سيظهر.
__________________
كلّ تصرف ناقل للملك غير المستعقب بالعتق (١) أو مستلزم (٢) للنقل كالرّهن
، كما يظهر (٣) من تضاعيف كلماتهم في جملة من الموارد :
منها (٤) : جعل
أمّ الولد ملكا غير طلق ،
______________________________________________________
(١) يعني : أنّ
الممنوع منه هو العقد الناقل للأمة إلى ملك الغير مع عدم ترتب عتقها عليه ، كما
إذا باعها من أجنبي ، أو صالحه عليها ، أو أقرضها منه ، أو وقفها عليه ، إذ لو صحّ
هذا النقل بقيت على رقيّتها ولم تتحرّر.
وأمّا إذا كان
النقل إلى الغير مستلزما لتحرّرها فلا مانع منه ، كما إذا وهبها لولدها ، أو صالحه
عليها ، فإنّ امتناع تملك العمودين يوجب عتقها بمجرد القبول.
وكذا لو نقلها
إلى أجنبي بشرط العتق ، إمّا بنحو شرط الفعل ، وإمّا بنحو شرط النتيجة على القول
بصحته في مثل التحرير. فالعقد الناقل في هذه الموارد صحيح ، ولا يندرج في الدليل
المانع عن بيع أمّ الولد ، بناء على عمومه لجميع نواقل الأعيان.
(٢) معطوف على «ناقل»
فإنّ الرهن قد ينتهي إلى نقل الوثيقة ، كما إذا لم يؤدّ المديون دينه ، وقد لا
يفضي إلى النقل ، بل ينفك الرهن ويبقى على ملك الراهن ، كما إذا وفى دينه. ونظير
الرهن ما إذا ضمن مولاها دينا ، واشترط كون الأمة مال الضمان.
(٣) يعني :
يظهر أنّ حكم كل تصرف ناقل أو مستلزم للنقل يكون حكم البيع في المنع.
(٤) يعني : من
جملة الموارد التي يظهر منها عدم جواز التصرف الناقل أو المستلزم للنقل ـ في أمّ
الولد ـ وإن لم يكن بيعا هو عدّ الفقهاء «أمّ الولد» ملكا غير طلق كالوقف والرهن ،
اللذين لا يستقلّ المالك بالتصرف فيهما.
وتوضيحه : أنّ
ملاحظة معنى «الطّلق» ومانعية الاستيلاد عنه توجب الجزم بإرادة المنع عن جميع
التصرفات الناقلة ، وذلك لأنّ «الطلق» عبارة عن تمامية الملك
كالوقف والرّهن (١). وقد عرفت (٢) أنّ المراد من «الطّلق» تمامية الملك ،
والاستقلال في التصرف. فلو جاز (٣) الصلح عنها وهبتها لم تخرج عن كونها طلقا
بمجرّد عدم جواز إيقاع عقد البيع عليها (٤). كما أنّ المجهول (٥) الذي يجوز
______________________________________________________
والسلطنة في التصرف ، فإذا جاز الصلح عن شيء وهبته مثلا خرج عن الطلقية
بمجرّد عدم جواز بعض التصرفات الآخر كالبيع للجهالة أو غيرها.
وبالجملة : فلا
يخرج الملك عن الطلق إلّا بالمنع عن جميع التصرفات الناقلة ، والمفروض أنّ
الاستيلاد عدّ من موجبات خروج الملك عن الطلق ، فلا بدّ أن يكون مانعا من جميع
التصرفات ، لا خصوص البيع.
(١) قال المحقق
قدسسره : «الثاني ـ يعني من شرائط البيع ـ أن يكون طلقا ، فلا
يصح بيع الوقف ... ولا بيع أمّ الولد ... ولا بيع الرهن إلّا مع الإذن» .
(٢) يعني :
قبيل بحث بيع الوقف ، حيث قال : «والمراد بالطّلق تمام السلطنة على الملك ...»
فراجع .
(٣) متفرع على
كون «الطلق» بمعنى السلطنة على التصرف ، ويقابله «عدم الطّلق» وهو ـ بقول مطلق ـ
لا يصدق إلّا بسلب أنحاء التصرفات.
(٤) بل يكون
عدم طلقيته بلحاظ البيع مثلا ، ولازمه بقاء طلقيته بالنسبة إلى الهبة ونحوها ، مع
أنّهم عدّوا «أمّ الولد» غير طلق بقول مطلق من دون تقييد بعقد دون آخر. وعليه فلا
بدّ من منع مطلق التصرف الناقل لها.
(٥) غرضه إقامة
الشاهد على أنّ المناط في عدم الطلقية ليس مجرد منع البيع ، بل لا بدّ من المنع عن
كل عقد ناقل الملك. فلو كان البيع ممنوعا شرعا وجاز نقله بالصلح مثلا ، كان المال
طلقا.
__________________
الصلح عنه وهبته والإبراء (١) عنه ـ ولا يجوز (٢) بيعه ـ لا يخرج (٣) عن
كونه طلقا.
______________________________________________________
وتوضيحه :
أنّهم حكموا باعتبار العلم بالعوضين في البيع ، فلا يصحّ بيع المجهول ، للغرر
المنهي عنه ، سواء أكان المال عينا خارجية ، كصبرة من طعام مجهولة الكيل والوزن ،
فلا يصحّ بيعها وإن صحّ هبتها أو الصلح عليها. أم دينا غير منضبط المقدار ، فإنّه
يجوز للدائن الصلح عليه ، وإبراء المديون ، ولم يجز بيعه من المديون أو من شخص
آخر. ومجرد منع بيع المجهول لا يقتضي جعل «المال المجهول» في عداد ما ليس بطلق (*).
وعليه فلا تدور
الطلقية مدار خصوص جواز البيع ، كما لا يدور عدم الطلقية مدار منع خصوص البيع ، بل
يتوقف صدق «عدم الطلق» على منع كافة النواقل ، فالوقف والرهن وأمّ الولد لا يقع
عليها شيء من التصرفات ، لكونها غير طلق.
(١) هذه الكلمة
قرينة على أن مراد المصنف بالمال المجهول هو الأعم من العين الشخصية والكلّية.
(٢) معطوف على «يجوز»
والضمائر البارزة راجعة إلى المجهول.
(٣) خبر «أن
المجهول» وضميره راجع إليه ، والمراد به المال المجهول.
__________________
__________________
ومنها (١) :
كلماتهم في رهن أمّ الولد ، فلاحظها.
ومنها (٢) :
كلماتهم في استيلاد المشتري في زمان خيار البائع ،
______________________________________________________
(١) هذا هو
المورد الثاني ، ولا يخفى أنّ مسألة جواز رهن أمّ الولد خلافية ، كما يظهر بمراجعة
مفتاح الكرامة والجواهر ، وهي غير معنونة بالاستقلال في بعض الكتب كالشرائع ، إلّا
أن ظاهر المتن الإشارة إلى الإجماع المحكي على المنع.
قال العلّامة قدسسره : «وفي رهن أمّ الولد في ثمن رقبتها مع إعسار المولى
إشكال ، ومع يساره أشكل. و[في] غير الثمن أشد إشكالا» .
وقال السيد
العاملي ـ في شرح الفقرة الاولى منه ـ ما لفظه : «نسب في الإيضاح وحواشي الكتاب
للشهيد إلى الأصحاب : المنع من رهن أمّهات الأولاد. وظاهرهما الإجماع على ذلك.
ولعلّهما فهما ذلك من اشتراطهم في الرهن أن يكون ممّا يجوز بيعه. وهو محلّ تأمّل
...» فراجع .
(٢) أي : ومن
جملة الموارد التي تشهد بمنع مطلق التصرف الناقل للملك هو كلمات الفقهاء في موضعين
: أحدهما في خيار الغبن ، والآخر في أحكام مطلق الخيار.
فقالوا في
الأوّل : لو باع جارية دون قيمتها السوقية وأولدها المشتري ، ثم تبيّن للبائع غبنه
، فرجع إلى المشتري للفسخ ، لم ينفذ ذلك بالنسبة إلى العين وانتقل حقّه إلى قيمتها
، بمعنى أنّه يرد الثمن المسمّى إلى المشتري ، ويأخذ منه قيمة الأمة.
وهذا الحكم
شاهد على مانعية الاستيلاد عن تأثير الفسخ في عود كلّ من العوضين إلى صاحبه.
قال المحقق قدسسره : «ولا يسقط ذلك الخيار ـ أي : خيار الغبن ـ بالتصرف ،
إذا لم يخرج عن الملك ، أو يمنع مانع من ردّه كالاستيلاد في الأمة» .
__________________
فإنّ المصرّح به (١) في كلام الشهيدين (٢) في خيار الغبن : أنّ البائع لو
فسخ يرجع
______________________________________________________
ونحوه عبارة
القواعد .
وقال السيد
العاملي في شرحها : «كما صرّح بجميع ذلك في الشرائع والتحرير والتذكرة وغاية
المراد والمهذب البارع والتنقيح وغاية المرام وجامع المقاصد وتعليق الإرشاد
والروضة والمسالك. ونقله الشهيد في حواشيه عن شمس الدين. وفي الروضة والمفاتيح :
أنه المشهور ...» .
وقالوا في
الموضع الثاني ـ أعني به أحكام مطلق الخيار ـ : إنّ المشتري لو باع أو وقف أو وهب
في مدة خيار البائع لم ينفذ إلّا بإجازته. واستثنوا الاستخدام ، وعدم مانعيته عن
الفسخ إلّا إذا استولد الأمة.
قال العلّامة قدسسره : «نعم ، له الاستخدام والمنافع والوطء ، فإن حبلت
فالأقرب الانتقال إلى القيمة مع فسخ البائع» وعقّبه السيد العاملي قدسسره بقوله : «كما هو خيرة التحرير والإيضاح وجامع المقاصد.
وهو قضية كلام السرائر والمختلف ، وظاهر كنز الفوائد» .
والمتحصل من
كلماتهم في الموضعين : مانعية الاستيلاد عن استرداد العين ، وانتقال حق سيّدها إلى
القيمة. فيعلم منه أنه لا خصوصية في البيع ، بل نقل العين غير نافذ وإن كان بفسخ
البيع الخياري.
(١) هذا هو
الموضع الأوّل ، وهو خيار الغبن.
(٢) في اللمعة
وشرحها. قال في اللمعة : «وكذا ـ أي لا يسقط الخيار ـ لو تلف العين أو استولد
الأمة» ويرجع إلى القيمة كما صرّح به الشهيد الثاني في الشرح ،
__________________
إلى القيمة ، لامتناع انتقال أمّ الولد. وكذا في كلام العلّامة وولده وجامع
المقاصد ذلك (١) أيضا (٢) في زمان مطلق الخيار (٣).
ومنها (٤) :
كلماتهم في مستثنيات بيع أمّ الولد ردّا وقبولا (٥) ، فإنّها كالصريحة في أنّ
الممنوع مطلق نقلها ، لا خصوص البيع.
______________________________________________________
ويستفاد من اللمعة أيضا ، ولم يتعرض الشهيد لهذا الفرع في خيار الغبن في
الدروس ولا صرّح بالرجوع إلى القيمة في غاية المراد ، نعم صرح به الشهيد الثاني في تعليق الإرشاد والروضة
والمسالك ، فراجع.
(١) هذا هو
الموضع الثاني. يعني : وكذا المصرّح به في كلام العلّامة وغيره : أنّ البائع لو
فسخ العقد يرجع إلى القيمة دون العين ، لصيرورتها أمّ ولد ، وقد امتنع نقلها عمّن
استولدها. ومن المعلوم أنّ التعليل ب «امتناع انتقال أمّ الولد» يشمل كل ناقل ،
سواء أكان بيعا أم غيره.
(٢) يعني :
كحكمهم بالرجوع إلى القيمة لو كان البائع مغبونا وفسخ.
(٣) كما إذا
باعها وشرط الخيار لنفسه شهرا ، فحملت من المشتري ، وفسخ البائع ، فلا رجوع إلى
العين بل إلى القيمة.
(٤) أي : ومن
جملة الموارد ، وهذا رابعها وأخيرها ، مثل ما يأتي في المتن في ما لو جنت على
مولاها بما يوجب صحة استرقاقها : «فيجوز له التصرف الناقل فيها ، كما هو المحكي في
الروضة عن بعض» حيث عبّروا بالتصرف الناقل لا خصوص البيع ، فراجع (ص ٤٠٨).
(٥) أي : سواء
بنينا على ردّ المستثنيات أم على قبولها ، لكونها محلّ النزاع ،
__________________
وبالجملة (١) :
فلا يبقى للمتأمّل شكّ في ثبوت حكم البيع لغيره من النواقل. ومع ذلك كلّه (٢) ،
فقد جزم بعض سادة مشايخنا بجواز غير البيع من
______________________________________________________
والمهم عدم الاقتصار على «البيع» لاقتضاء مناسبة الحكم والموضوع تعميم
المنع والجواز لمطلق الناقل.
(١) هذا ملخص
ما أفاده من قوله : «وفي حكم البيع كل تصرف ناقل للملك ...» إلى هنا ، وتوطئه للرد
على صاحب المناهل.
(٢) أي : ومع
عدم بقاء شكّ للمتأمّل فقد جزم السيّد المجاهد بجواز نقل أمّ الولد بغير البيع ،
قال قدسسره : «هل يلحق بالبيع الصلح ، فلا يصح للمولى نقل أمّ
الولد ـ مع وجود ولدها ـ منه إلى غيره بطريق الصلح ، أو لا يلحق ، بل لا يجوز
النقل بطريق الصلح في جميع الصور؟ ظاهر الدروس الأوّل. والتحقيق أن يقال : إن كان
الصلح فرعا على البيع فلا إشكال في الإلحاق. وإن كان عقدا مستقلا غير فرع ـ كما هو
المختار ـ فلا يلحق. وأنّ المعتمد جواز نقلها بكل ناقل عدا البيع ، للعمومات
الدالة على لزوم الوفاء بالعقود ، وبالشروط ، وعلى تسلّط المالك على ملكه ، خرج
منها خصوص البيع بالدليل. ولا دليل على خروج غيره ، فيبقى مندرجا تحتها. ويؤيّد
ذلك عدم التنبيه على المنع من غير البيع في الروايات ومعظم الفتاوى» .
ومحصّله : جواز
تمليك أمّ الولد للغير بما عدا البيع ، لوجود المقتضي ، وفقد المانع. أمّا المقتضي
فامور :
أحدها : عموم
الأدلة الإمضائية كالأمر بالوفاء بكل عقد إلّا ما خرج ، ويشك في خروج الصلح على
أمّ الولد وهبتها عنه ، وأصالة العموم تنفي التقييد بغيرها.
ثانيها : عموم
أدلة الشروط ، وظاهره صدق الشرط ـ بنظر السيد المجاهد قدسسره ـ على الالتزام الابتدائي كالهبة والصلح.
__________________
النواقل ، للأصول (١) ، وخلوّ (٢) كلام المعظم عن حكم غير البيع.
وقد عرفت (٣)
ظهوره (٤) من تضاعيف كلمات المعظم في الموارد المختلفة.
______________________________________________________
ثالثها : إطلاق
حديث السلطنة ، فإنّ منع الصلح والهبة تحديد لها ، مع أنّ إطلاق السلطنة المجعولة
شرعا يقتضي جواز كل تصرف خارجي واعتباري في المال ، الصادق على أمّ الولد قطعا.
وأمّا عدم
المانع من الشمول ، فلاختصاص الدليل المانع عن التصرف بالبيع ، فهو الخارج عن
العموم المقتضي للصحة ، ويبقى غيره من النواقل مندرجا فيه.
(١) يحتمل
إرادة الأصل العملي ، مثل عدم اشتراط عقدي الصلح والهبة بعدم كون المتصالح عليه
والموهوب أمّ ولد. لكن لا مجال لإرادة هذا الأصل هنا ، لتصريح السيد المجاهد
بالأصل اللفظي ، وهو العموم المراد به الشمول ، لا خصوص المستند إلى الوضع في قبال
ما يستند إلى مقدمات الحكمة.
(٢) ظاهر عطفه
على «الأصول» كون خلوّ كلمات القوم دليلا آخر ، لكن السيد قدسسره جعل اختصاص الفتاوى بمنع البيع مؤيّدا لجواز النقل
بالصلح والهبة.
(٣) هذا إيراد
المصنف قدسسره على كلام المناهل ، وغرضه منع ما أفاده ثانيا من خلوّ
الفتاوى عن حكم غير البيع ، وجه المنع ما تقدم من تعبيرهم بالنقل ـ دون خصوص البيع
ـ في الموارد الأربعة. وهذه الكلمات إن بلغت حدّ الإجماع القطعي صلحت لتخصيص
العمومات المقتضية للصحة كما لا يخفى.
واستشهد المصنف
ـ مضافا إلى الموارد الأربعة المتقدمة ـ بكلام شيخ الطائفة والحلي وبإجماع فخر
المحققين ، وبإرساله إرسال المسلمات في الرياض ، وبظهور عبارة المقابس ، ثم استظهر
كونه ممّا اتفق عليه المسلمون. ومع هذا كيف تتجه دعوى خلو كلام المعظم عن حكم غير
البيع؟
(٤) أي : ظهور
ثبوت حكم البيع لغيره من النواقل.
ومع ذلك (١) فهو الظاهر من المبسوط والسرائر ، حيث قالا : «إذا مات ولدها
جاز بيعها وهبتها والتصرف فيها بسائر أنواع التصرف (٢)» .
وقد ادّعى (٣)
في الإيضاح الإجماع صريحا على المنع عن كلّ ناقل ، وأرسله (٤) بعضهم ـ كصاحب
الرياض وجماعة ـ إرسال المسلّمات ، بل عبارة
______________________________________________________
(١) أي : مضافا
إلى ظهور كلمات الفقهاء في عموم الحكم ـ لغير البيع ـ يكون ثبوت الحكم لغير البيع
ظاهر المبسوط والسرائر ، لدلالة منطوق الجملة الشرطية على جواز غير البيع لو مات
ولدها حال حياة السيّد ، فيكون مفهومها ظاهرا في منع البيع والهبة وسائر التصرفات
لو لم يمت الولد.
(٢) كالصلح
عليها ووقفها ، وإقراضها بناء على صحة إقراض الجواري كما ادّعي عدم الخلاف فيه .
(٣) هذا هو
الشاهد الثاني ، وحاصله : أنّ اتحاد البيع والهبة في المنع ليس ممّا انفرد به شيخ
الطائفة والحلي قدسسرهما ، بل ادّعى فخر المحققين الإجماع على المنع عن جميع
نواقل الملك من هبة وصلح وغيرهما.
قال قدسسره : «للاستيلاد أحكام : أحدها : إبطال كل تصرف ناقل للملك
عنه إلى غيره ـ غير مستلزم للعتق بذاته ـ بلا شرط يرتقب ، إجماعا» .
(٤) هذا هو
الشاهد الثالث على تعرض الفقهاء لحكم غير البيع ، ومنعهم عن مطلق التصرف الناقل
للملك. وعبارة الرياض قريبة من كلام الإيضاح ، لكنها خالية عن دعوى الإجماع ، كخلوّ كلام الشهيد الثاني قدسسره عنه . وعدم الإشارة إلى
__________________
بعضهم (١) ظاهرة في دعوى الاتّفاق (٢) ، حيث قال : «إنّ الاستيلاد مانع من
صحة
______________________________________________________
خلاف في المسألة ظاهر في كون المنع عن كل تصرف ناقل من مسلّمات الفقه.
وتعبير صاحب
الحدائق قدسسره ظاهر في تسالمهم على عدم الفرق في النقل بين المعاوضي
وغيره ، لقوله : «والحق بالبيع هنا سائر ما يخرجها عن الملك أيضا كالهبة والصلح
وغيرهما للاشتراك في العلّة» .
وادّعى في
الجواهر الإجماع بقسميه على منع كل تصرف ، فلاحظ .
(١) وهو صاحب
المقابس قدسسره ، والعبارة هكذا : «وإذا تحقق الاستيلاد بشرائطه
المعتبرة ـ سواء وقع في حال الصحة أو المرض ـ فهو مانع ... الخ».
ثم إن الظهور
الذي ادّعاه المصنف قدسسره مبني على رجوع قول المقابس : «على خلاف في ذلك» إلى
خصوص التصرفات المعرّضة لأمّ الولد للدخول في ملك الغير كما هو الظاهر ، خصوصا
بقرينة تصريحه بالإجماع في الجملة على الحكم بعده. وإلّا فلو رجع قوله : «على خلاف
في ذلك» إلى قوله : «فهو مانع من صحة التصرفات الناقلة للأمة» كان صريحا في عدم
الاتّفاق.
(٢) الظاهر أنّ
المراد من الاتفاق هو إطباق المسلمين ـ لا خصوص الفرقة المحقة ـ كما يظهر من
المقابس ، لقوله بعد العبارة المتقولة في المتن : «وهذا من الموانع التي لا تقبل
التدارك ، ولا ترتفع برضا الجارية ، ولا بموت ولدها بعد التصرف. بل يطرد الحكم في
جميع الصور إلّا في المواضع المستثناة. وكلّ من الحكمين إجماعي في الجملة بين
الأصحاب ، وإن خالف العامة في الثاني ، فلم يستثنوا شيئا ، كما هو المنقول عن
المذاهب الأربعة» .
وبهذا يتجه
الإتيان بكلمة «بل» إذ لو كان غرض المصنف استظهار اتفاق
__________________
التصرفات الناقلة (١) من ملك المولى إلى ملك غيره ، أو المعرّضة لها للدخول
في ملك غيره كالرهن ، على خلاف في ذلك (٢)».
ثم إنّ (٣)
عموم المنع لكلّ ناقل ،
______________________________________________________
خصوص الإمامية عليه لم يزد كلام المقابس على الإيضاح ـ المدّعي للإجماع
صريحا ـ ولم يحتج إلى الاضراب ب «بل».
(١) سواء أكانت
معاوضية كالبيع والصلح المعاوضي ، أم غير معاوضية كالهبة والوقف ، والقرض إن لم
يعدّ من العقود المعاوضية المصطلحة.
(٢) أي : في
الرهن مما لا يوجب النقل ، ولكنه يجعل أمّ الولد عرضة للخروج عن ملك الراهن.
(٣) غرضه
استظهار إطباق المسلمين على عموم منع نقل أمّ الولد ، وعدم اختصاصه بالبيع ، فيكون
موافقا لما ادعاه صاحب المقابس قدسسره بناء على ظهور «الاتفاق» في الإجماع عند الكلّ. واستند
المصنف قدسسره في هذه الدعوى إلى وجوه ثلاثة ، اثنان منها طائفتان من
النصوص ، وثالثها تعليل الحكم في كلمات الأصحاب.
فالطائفة
الاولى هي رواية السكوني المتقدمة في (ص ٢٤١) الظاهرة في كون بيع «أمّ الولد» من
المنكرات ، بناء على إرادة مطلق المملّك ، بشهادة فهم الفقهاء عدم خصوصية للمنع عن
البيع ، فيكون النهي عن الشراء من باب التنبيه على العام بذكر الخاص.
والطائفة
الثانية : ما سيأتي في (ص ٢٩٩) من النصوص الدالة على جواز بيعها لو لم يؤدّ مولاها
ثمنها إلى البائع ، وعدم جواز بيعها فيما عدا ذلك ، كصحيحة عمر بن يزيد عن أبي
إبراهيم عليهالسلام ، إذ التأمل فيها يورث الاطمئنان بأنّ المنع عن البيع
من جهة كونه مملّكا للعين ، لا لخصوصية في عنوان البيع والشراء.
والوجه الثالث
هو التعليل الوارد في كلام جماعة من أنّ ملاك المنع عن البيع هو تشبثها بالحرية ،
ورجاء انعتاقها من نصيب ولدها بعد موت سيّدها ، فلو جاز
وعدم اختصاصه بالبيع قول جميع المسلمين (١) (*).
والوجه فيه (٢)
: ظهور أدلة المنع (**) المعنونة بالبيع في (٣) إرادة مطلق النقل ، فإنّ (٤) مثل
قول أمير المؤمنين عليهالسلام في الرواية السابقة : «خذ بيدها ، وقل :
______________________________________________________
نقلها إلى الغير بهبة أو صلح أو قرض كان منافيا للحكمة المزبورة. قال
المحدث البحراني قدسسره في تعليل عموم المنع : «ولأنّه لو جوّز غيره ـ أي غير
البيع ـ لانتفى فائدة منعه وتحريمه ، وهي بقاؤها على الملك لتعتق على ولدها» .
(١) يعني :
فضلا عن المؤمنين ، وإلّا كان تكرارا لما ذكره من استظهار الإجماع من الكلمات.
(٢) أي : في
كون المنع قول جميع المسلمين.
(٣) متعلق ب «ظهور».
(٤) تعليل
لظهور أدلة منع البيع في إرادة كل تصرف ناقل للملك ، وهذا هو
__________________
__________________
من يشتري أمّ ولدي؟» يدلّ (١) على أنّ مطلق نقل أمّ الولد إلى الغير كان من
المنكرات. وهو (٢) مقتضى التأمّل فيما سيجيء من أخبار بيع أمّ الولد في ثمن
رقبتها ، وعدم جوازه فيما سوى ذلك (٣).
هذا ، مضافا
إلى ما اشتهر (٤) ـ وإن لم نجد نصّا عليه ـ من أنّ الوجه في المنع هو بقاؤها رجاء
لانعتاقها من نصيب ولدها بعد موت سيّدها (*).
______________________________________________________
الوجه الأوّل.
(١) خبر قوله :
«فإنّ مثل».
(٢) يعني :
وعموم المنع لكلّ ناقل مقتضى التأمل في أخبار بيع أمّ الولد ، وهذا هو الوجه
الثاني المتقدم آنفا.
(٣) أي : سوى
ثمن رقبتها.
(٤) هذا هو
الوجه الثالث ، وتقدم في كلام صاحب الحدائق ، وقال في المقابس : «وإنّما منع من
التصرف الناقل لتشبثها بالحرية ، من حيث إنّها لو بقيت وبقي ولدها بعد المولى ،
وكان ممّن يستحق إرثا اعتقت ـ كلّا أو بعضا ـ من نصيب الولد ، لعدم استقرار ملكه
على امّه» وظاهر العبارة كون التعليل مسلّما عندهم ، لا مجرّد
اشتهاره. لكن ليس دليلا ، لكونه ـ مع عدم النص عليه ـ من العلّة المستنبطة التي
ليست بحجة.
__________________
__________________
والحاصل (١) :
أنّه لا إشكال في عموم المنع لجميع النواقل.
ثمّ إنّ المنع (٢)
مختصّ بعدم هلاك الولد ،
______________________________________________________
(١) هذا نتيجة
ما أفاده في ردّ كلام السيد المجاهد قدسسره من اختصاص المنع بالبيع ، وبه تمّ المبحث الأوّل.
المبحث الثاني :
اختصاص المنع بحياة الولد
(٢) هذا إشارة
إلى اشتراط منع بيع أمّ الولد بعدم هلاك الولد في حياة سيّدها ، فلو مات الولد ولم
يخلّف ولدا كما إذا مات صغيرا ، أو كبيرا ولكنه لم يجنب كانت
__________________
__________________
فلو هلك جاز (١) اتفاقا نصّا وفتوى.
ولو مات (٢)
الولد وخلّف ولدا :
______________________________________________________
أمّ الولد ملكا طلقا. قال في الجواهر ـ في اشتراط منع البيع بعدم موت الولد
ـ ما لفظه : «بلا خلاف أجده فيه ، بل لعلّ الإجماع بقسميه عليه. مضافا إلى النصوص
... وإلى عموم تسليط الناس على أموالهم ، المقتصر في الخروج عنه على أمّ الولد ،
التي لا تشمل الفرض ـ أي فرض موت الولد في حياة السيد ـ حقيقة كما هو واضح» .
ويدل عليه من
النصوص ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام : «في رجل اشترى جارية يطأها ، فولدت له ولدا ، فمات
ولدها. قال : إن شاءوا باعوها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها. وإن كان
لها ولد قوّمت على ولدها من نصيبه» بناء على كون قوله عليهالسلام : «باعوها في الدين» خارجا مخرج التمثيل ، فيجوز بيعها مطلقا ، بل نقلها بغيره كالهبة. فالحكم ـ
كما أفاده المصنف قدسسره ـ مسلّم فتوى ونصّا.
إنّما الكلام
لو ترك ولدا ، بمعنى أنّه خلّف ولد الأمة ولدا ، فمات الولد في حياة أبيه ، وبقي
ولده ـ وهو حفيد السيد ـ بعد وفاة جدّه ، فهل يمنع من بيعها حينئذ أم لا؟ فيه وجوه
، بل أقوال ، سيأتي التعرض لها.
(١) أي : جاز
بيعها ونقلها كما دلّ عليه النصّ والفتوى. ومقصوده من الفتوى إجماعهم على الحكم.
قال في المقابس : «ولما ذكرنا أجمعوا أيضا على أنّ الحكم بالمنع مطلقا مشروط ببقاء
ولدها» .
(٢) يعني : لو
مات ولد الأمة في حياة أبيه ، وخلّف ولدا ، ففي إجراء حكم ولد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأمة على ولد الولد ـ من منع بيعها ونقلها إلى الغير ـ أقوال ثلاثة :
الأوّل :
اللحوق مطلقا ، لوجوه ثلاثة :
أحدها
الاستصحاب ، بتقريب : أنّ منع بيعها كان ثابتا حال حياة ولدها البطني ، ويشك في
بقائه وارتفاعه بموته ، فيستصحب المنع ، لكونه من الشك في الرافع.
ثانيها : صدق
الاسم ، فإنّ «الولد» كما يصدق على الصلبي المتكوّن من السيد والمملوكة ، كذلك
يصدق على الحفيد ، لكونه ولدهما بالواسطة ، فيندرج في إطلاق الأدلة المانعة من
التصرفات الناقلة لأمّ الولد.
ثالثها : تغليب
جانب الحرية على الرّقية ، إذ لو لم يكن ولد الوالد بحكم أبيه لزم بقاء أمّ الولد
على الرقية إلى أن يحصل موجب آخر لانعتاقها. ولو كان بحكم أبيه أمكن تحررها بعد
وفاة السيد. ومقتضى تغليب جانب الحرية إلحاق ولد الولد بالولد الصلبي.
القول الثاني :
عدم اللحوق مطلقا ، لوجهين :
أحدهما : أن
المتبادر من «الولد» عند الإطلاق هو الصّلبي ، فيكون إطلاق «الولد» على «ولد الولد»
مجازا لا يصار إليه بلا قرينة.
ثانيهما : أنه
لو سلّم كون «الولد» مشتركا معنويا بين المولود بلا واسطة ومعها ، قلنا بظهور «الولد»
في نصوص المسألة ومعاقد الإجماعات ـ من أنّه يجوز بيعها بعد موت ولدها ـ في خصوص
الصلبي ، هذا.
واختار هذا
القول جماعة منهم أصحاب الرياض والمناهل والجواهر ، ومال إليه في المقابس .
القول الثالث :
التفصيل بين كون ولد الولد وارثا لجدّه ـ وهو السيّد ـ لفقد
__________________
ففي (١) إجراء حكم الولد عليه (٢) ، لأصالة (٣) بقاء المنع (*) ، ولصدق (٤)
الاسم (**) ، فيندرج في إطلاق الأدلة ، وتغليبا (٥) للحرية [للحرمة].
______________________________________________________
الولد الصّلبي من غير هذه الأمة ، فيكون ولد الولد بحكم الولد في انعتاق
جدّته عليه من نصيبه من الإرث. وبين عدم كونه وارثا ـ لوجود الولد الصلبي ـ فلا
تكون الأمة محكومة بحكم أمّ الولد.
وحكى صاحب
المقابس هذا القول عن ابن فهد وصاحب المدارك قدسسرهم .
وتردّد بعضهم
في حكم المسألة ولم يختصر شيئا ، كالعلّامة في القواعد ، والشهيد في الدروس .
(١) خبر مقدم
لقوله : «وجوه» والجملة جواب الشرط في : «ولو مات».
(٢) أي : على
ولد الولد ، وهذا إشارة إلى القول الأوّل.
(٣) إشارة إلى
الوجه الأول وهو الاستصحاب.
(٤) معطوف على «لأصالة»
وهذا إشارة إلى الوجه الثاني. قال فخر المحققين قدسسره : «إن حكمه حكم الولد مطلقا ، وهذا هو الأقوى عندي ،
لأنّه ولد» .
(٥) معطوف على «لأصالة»
أي : ولتغليب الحرية كما تكرر في المقابس
__________________
__________________
أو العدم (١) ،
لكونه (٢) حقيقة في ولد الصّلب ، وظهور (٣) إرادته من جملة من الأخبار (٤)
______________________________________________________
وغيره (*) ، والموجود في بعض نسخ الكتاب «تغليبا للحرمة».
وكيف كان
فالمراد واحد. فعلى تقدير كون النسخة «للحرمة» فالمقصود تغليب منع نقل أمّ الولد
على جوازه.
(١) معطوف على «إجراء»
أي : ففي عدم إجراء حكم الولد على ولد الولد. وهذا إشارة إلى القول الثاني.
(٢) أي : لكون «الولد»
حقيقة في خصوص الصلبي ، ومجازا في الولد مع الواسطة.
(٣) معطوف على «كونه»
أي : لظهور إرادة الولد الصلبي ، وهذا هو الوجه الثاني ، وهو إشارة إلى طائفتين من
الأخبار :
إحداهما : ما
دلّ على منع بيع أمّ الولد كخبر السكوني المتقدم في (ص ٢٤١) وفيها : «من يشتري أمّ
ولدي؟» إذ المراد بالولد هو المرتضع الذي يكون بحكم الولد الصلبي ، ولا يصدق على
ولد الولد.
ثانيتهما :
الأخبار المجوّزه لبيع أمّ الولد بعد موت ولدها في حياة السيد ، كرواية أبي بصير
المتقدمة في (ص ٢٥٦) وغيرها من أخبار الباب ، فإنّ إطلاق جواز بيعها بعد موت الولد
الصّلبي ينفي صدق «أمّ الولد» عليها لو خلّف الولد ولدا ، وإلّا لم يجز بيعها ،
لأنّها لا زالت أم ولد.
هذا مضافا إلى
الإجماع على الجواز بعد موت الولد.
(٤) أي :
الأخبار المتكفلة لأحكام أمّ الولد ، في قبال الطائفة الثانية المجوّزة لبيعها.
__________________
وإطلاق (١) ما دلّ من النصوص والإجماع على الجواز بعد موت ولدها.
أو التفصيل (٢)
بين كونه وارثا ، لعدم (٣) ولد الصلب للمولى ، وعدمه (٤) ، لمساواة (٥) الأوّل مع
ولد الصلب في الجهة المقتضية للمنع (*) ، وجوه (**).
______________________________________________________
(١) معطوف أيضا
على «كونه» قال في الرياض : «لو مات الولد جاز بيعها ، مضافا إلى الاتفاق ،
والنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : وإن مات ولدها قبل أن يعتقها فهي أمة إن شاءوا
أعتقوا ، وإن شاءوا استرقّوا».
(٢) معطوف أيضا
على «إجراء» وإشارة إلى القول الثالث المنسوب إلى ابن فهد الحلّي وصاحب المدارك قدسسرهما.
(٣) يعني : أنّ
منشأ كون ولد الولد وارثا للسيد هو انتفاء الولد الصّلبي.
(٤) معطوف على «كونه»
أي : بين عدم كون ولد الولد وارثا من جهة وجود الولد الصّلبي.
(٥) هذا وجه
التفصيل بين كونه وارثا وعدمه ، فوجه كونه بحكم الولد هو مساواته للولد الصلبي في
الجهة المقتضية لمنع بيعها ، وهي انعتاقها من نصيب ولدها من الإرث.
هذا إذا كان
ولد الولد وارثا ، وأمّا لو لم يكن وارثا ـ بأن كان للميت ولد صلبي آخر يرثه ـ
فالجهة المقتضية لمنع البيع مفقودة في ولد الولد ، فتبقى الأمة مملوكة.
__________________
حكي أوّلها عن
الإيضاح ، وثالثها عن المهذّب البارع ونهاية المرام. وعن القواعد (١) والدروس
وغيرهما : التردّد .
بقي الكلام (٢)
______________________________________________________
(١) قال فيه : «ولو
كان ولد ولدها حيّا احتمل إلحاقه بالولد إن كان وارثا ، ومطلقا ، والعدم».
هذا تمام
الكلام في المبحث الثاني ، ولم يختر المصنف قدسسره شيئا من الأقوال ، فهو من المتوقفين.
المبحث الثالث :
اعتبار انفصال الولد ، وعدمه
(٢) غرضه قدسسره تعيين موضوع الأحكام المختصة بعنوان «أمّ الولد».
وتوضيحه : أنّ
المفهوم من «أمّ الولد» لغة وعرفا كل ذات ولد حرّة كانت أم أمة ، كما أنّ المراد
بالولد هو المنفصل عن امّه. إلّا أنّ المقصود ب «أمّ الولد» في هذه المسألة هي
المملوكة التي حملت من سيّدها ، سواء وضعت جنينها أم لم تضعه.
والشاهد على
هذا التعميم صحيحة ابن مارد الآتية في (ص ٢٦٥) حيث انيط جواز بيع المملوكة وعتقها
بعدم كونها ذات حمل من السيّد. وكذلك ما ورد في بعض النصوص من إطلاق «أمّ الولد»
على الجارية التي أسقطت بعد ثلاثة أشهر من الحمل ، مع عدم صدق «الولد» على مثله ، لعدم تمام
خلقته.
ولا ريب في مغايرة
هذا المعنى لما يفهم من لفظ «أمّ الولد» عرفا ، وذلك لأنّ صدق «الولد» منوط بخروج
الجنين ، فإنّ تولّده ـ الموجب لصدق الولد عليه ـ هو خروجه عن بطن امّه ، فما لم
يخرج لا يصدق عليه الولد ، بل يصدق عليه الحمل.
__________________
في معنى (١) «أمّ الولد» فإنّ (٢) ظاهر (*) اللفظ اعتبار انفصال الحمل ، إذ
لا يصدق «الولد» إلّا بالولادة. لكن المراد هنا (٣) ولدها مجازا (٤) [ولو حملا]
______________________________________________________
وعليه فإطلاق «أمّ
الولد» على الأمة الحامل إمّا أن يكون مجازا بعلاقة المشارفة ، لكون الحمل مشرفا
على الولادة ، فهو ولد مجازا ، وامّه أمّ ولد كذلك.
وإمّا أن يكون
حقيقة ، بدعوى : أنّ الولد وإن كان ظاهرا في المنفصل ، إلّا أنّه لا يعتبر انفصاله
عن الامّ ، بل يكفي الولادة من الوالد ، فيكون إطلاق الولد على الحمل حينئذ على
وجه الحقيقة ، لأنّ الحمل ولد للوالد ، حيث إنّه ولد منه في رحم امّه ، وحمل لأمّه
، وليس ولدا لها ما لم يولد منها أي لم يخرج من بطنها ، هذا.
(١) معناها في
مصطلح الشارع معلوم ، فالمراد كونه حقيقة أو مجازا.
(٢) هذا وجه
مغايرة المعنى العرفي والشرعي ، وحاصله : كفاية الحمل في منع بيع أمّ الولد ، مع
أنّه لا ريب في إناطة صدق «أمّ الولد» بالولادة التي هي مبدأ الاشتقاق للمتضايفين
وهما الولد والوالدة.
(٣) أي : في
مسألة عدم بيع أمّ الولد ، لخروجها بالاستيلاد عن كونها ملكا طلقا لسيّدها.
(٤) كذا في
نسختنا المعتمد عليها. وفي بعض النسخ «ولدها ولو حملا» والمفاد واحد ، إذ المقصود
أنّ صدق «الولد» على الحمل يكون مجازا بعلاقة المشارفة المصحّحة لاستعمال «الولد»
في غير ما وضع له.
__________________
للمشارفة. ويحتمل (١) أن يراد الولادة من الوالد دون الوالدة (*).
وكيف كان (٢) ،
______________________________________________________
والمراد بقوله
: «مجازا» كما أفاده الفقيه المامقاني قدسسره هو عموم المجاز ، الصادق على كلّ من الحقيقي وهو الولد
المنفصل عن امّه ، والمجازي وهو الحمل ، من دون اختصاص «الولد» بأحدهما ، حتى يصدق
على الأمة «أمّ الولد» بمجرد تحقق مسمّى الحمل.
(١) هذا وجه
كون إطلاق «أمّ الولد» على الحامل حقيقيّا ، بالتصرف في المولود ، بأن يراد
انفصاله عن الأب ، لا الامّ ، فيتحد المعنى الشرعي والعرفي.
(٢) يعني :
سواء أكان إطلاق «أمّ الولد» على الحامل حقيقة أو مجازا ، فلا إشكال في صدق الموضوع
شرعا بمجرّد الحمل ، إنّما الكلام في المراد بالحمل هل
__________________
__________________
فلا إشكال ـ بل (١) لا خلاف ـ في تحقق الموضوع بمجرّد الحمل. ويدلّ عليه (٢)
: الصحيح عن محمّد بن مارد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل
______________________________________________________
يعتبر فيه ولوج الروح أم يكفي كونه مضغة أو علقة أو نطفة؟ سيأتي.
(١) التعبير ب «بل»
لأجل إمكان وجود الخلاف في تحقق «أمّ الولد» بالحمل وإن لم يكن فيه إشكال بنظر
المصنف قدسسره.
(٢) أي : ويدل
على تحقق الموضوع ـ وهو أمّ الولد ـ بمجرد الحمل : الصحيح عن محمد بن مارد. والتعبير
ب «عن محمد» ـ كما في المقابس أيضا ـ يحتمل أن يكون لغرض تصحيح الطريق ، وهو إسناد الشيخ قدسسره إلى الحسن بن محبوب ، لا للجهل بحال ابن مارد أو القدح
فيه. ويشهد لهذا الاحتمال تعبير صاحب المقابس في غير موضع بصحيح محمد بن مارد.
وعليه فلا إشكال في السند. ويندفع ما أفاده الشهيد قدسسره في غاية المراد من التعبير ب «بما رفعه الشيخ إلى ابن
مارد» .
ويحتمل أن يكون
للشبهة في وثاقة ابن مارد ، بشهادة تعبير المصنف عنها ـ فيما سيأتي ـ بالرواية
المؤذن بضعفها سندا ، فيكون منشأ الضعف جهالة ابن مارد.
وعلى أحد
الاحتمالين يبتني تضعيف جمع لها ، ودعوى بعض ـ كصاحبي الرياض والجواهر ـ جبرها بعمل الأصحاب.
لكن الظاهر صحة
الرواية ، لأن إسناد الشيخ إلى ابن محبوب معتبر ، ومحمد بن مارد التميمي وثقه
النجاشي قدسسره ، ولذا وصفه العلّامة المجلسي قدسسره بالصحيح .
__________________
يتزوّج أمة ، فتلد منه [يتزوّج الجارية تلد منه] (١) أولادا ، ثم يشتريها ،
فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها ، ثمّ يبدو له في بيعها. قال
: هي أمته إن شاء باع ما لم (٢) يحدث عنده حمل [بعد ذلك] (٣) وإن شاء أعتق» .
وفي رواية
السكوني عن جعفر بن محمّد ، قال (٤) : «قال علي بن الحسين صلوات الله عليهم أجمعين
في مكاتبة يطؤها مولاها فتحبل ، فقال : يردّ عليها
______________________________________________________
وكيف كان ،
فموضع الاستشهاد بهذه الرواية ـ على كون المانع من البيع مطلق العلوق في زمان
مملوكيتها للسيد ، وصيرورتها أمّ ولد شرعا ـ هو قوله عليهالسلام : «ما لم يحدث عنده حمل» لعدم تقييد الحمل بولوج الروح
فيه ، أو بكمال الخلقة ، فيصدق على مطلق العلوق بما هو مبدأ نشوء آدمي حتى النطفة
التي تنعقد ولدا لو بقيت في الرّحم ، فلو ألقتها صدق عليها عنوان «أمّ الولد».
(١) كذا في
نسختنا ، ولكن في بعض نسخ الكتاب والمقابس والوسائل : «يتزوج أمة فتلد منه».
(٢) يدل مفهوم
هذه الجملة على مانعية إحداث الحمل عن البيع.
(٣) لم تذكر
هاتان الكلمتان في نسختنا ، فإثباتهما موافقة لبعض النسخ والوسائل.
(٤) هذا موافق
لما في المقابس تبعا لما في الفقيه ، ولكن رواها في الوسائل عن الكافي والتهذيب
بنحو آخر ، فرواها الكليني قدسسره عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن
أبي عبد الله عليهالسلام : «ان أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال في مكاتبة يطؤها مولاها ، فتحمل ، قال عليهالسلام : يردّ عليها مهر مثلها ، وتسعى في قيمتها ...».
والتعبير عنها
بالرواية لمكان النوفلي والسكوني ، لعدم التنصيص على وثاقتهما. نعم بناء على
الاكتفاء بعموم توثيق تفسير القمي وكامل الزيارة اتجه
__________________
مهر مثلها ، وتسعى في رقبتها ، فإن عجزت فهي من امهات الأولاد» .
لكن (١) في
دلالتها
______________________________________________________
الاعتماد عليهما ، أو إحراز صدورها بقرينة اخرى كعمل الأصحاب.
وكيف كان
فالشاهد في حكمه عليهالسلام بصيرورة المكاتبة أمّ ولد بالحمل لو عجزت عن أداء مال
الكتابة. ولم يقيّد «الحمل» في الرواية بمرتبة خاصة ، فيكفي صدقه عرفا ، المانع من
بيع الامّ شرعا.
وعدّ صاحب
المقابس هذه الرواية من جملة ما دلّ على كفاية المضغة ، فراجع .
(١) غرضه قدسسره المناقشة في دلالة رواية السكوني على كفاية مطلق الحمل
في صيرورة الأمة أمّ ولد ، وإنّما تدل على ذلك ببعض مراتب الحمل ، وهو بعد ولوج
الروح في الجنين.
وبيانه : أنّ
مورد السؤال هي المكاتبة التي لا يجوز لمولاها المباشرة ، لا بالملك ولا بالعقد ،
فلو فعل ـ ولم تطاوعه ـ استحقت مهر المثل ، ومفروض السؤال تحقق الحمل. وحكم عليهالسلام بأن المباشرة والحمل لا يمنعان عن سعيها لأداء مال
الكتابة.
ولو فرض عجزها
عن فكّ رقبتها فهي ذات ولد ، يحرم بيعها ، وتنعتق بعد موت سيّدها من نصيب ولدها إن
بقي حيّا بعد وفاة أبيه.
وحيث إنّ حكمه عليهالسلام بكونها ذات ولد متأخر عن الحمل ووجوب السعي عليها
وعجزها عن أداء القيمة ـ وتوقّف ذلك على مضيّ زمان يكمل فيه خلقة الجنين ويلج فيه
الروح ـ لم تدل الرواية على كفاية مطلق الحمل في صدق «أمّ الولد» على الأمة ، بل
تختص بما إذا تمّت خلقته.
__________________
على ثبوت الحكم (١) بمجرّد الحمل (٢) نظر ، لأنّ (٣) زمان الحكم بعد (٤)
تحقق السعي والعجز عقيب الحمل ، والغالب (٥) ولوج الرّوح حينئذ (*).
ثم الحمل (٦)
يصدق بالمضغة اتّفاقا ، على ما صرّح به (٧) في الرياض ،
______________________________________________________
والحاصل : أنّ
قرينة وجوب السعي ـ ثم العجز ـ تمنع عن كون الحمل في مورد السؤال نطفة أو مضغة أو
علقة ، وبهذه القرينة تفترق رواية السكوني عن رواية ابن مارد المجرّدة عن القرينة
المعيّنة للحمل.
(١) أي : حكم
أمّ الولد ، وهو منع بيعها.
(٢) أي : سواء
تمّ أم لم يتمّ.
(٣) هذا وجه
النظر ، وقد تقدم آنفا. والمراد بالحكم هو عدّ هذه المكاتبة من أمّهات الأولاد.
(٤) خبر قوله :
«لأن زمان» أي : يكون زمان حكمه عليهالسلام بكونها أمّ ولد متأخرا عن السعي والعجز المتأخرين عن
الحمل.
(٥) يعني :
والحال أنّ الغالب بحسب العادة ولوج الروح حين تأخر زمان الحكم بكونها أمّ ولد عن
زمان السعي والعجز.
(٦) غرضه
التعرض لمراتب الحمل ، وأنّه يصدق على جميعها أو على بعضها. وبدأ ببيان حكم المضغة
، فلو أسقطتها كانت أمّ ولد ، وذلك للإجماع المتضافر نقله ، ولصحيحة ابن الحجاج.
(٧) أي :
بالاتفاق ، قال قدسسره في ما به يتحقق الاستيلاد : «بعلوق أمته منه ... بما
__________________
__________________
واستظهره (١) بعض آخر ، وحكاه عن جماعة هنا وفي باب انقضاء عدّة الحامل.
وفي صحيحة ابن
الحجّاج ، قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الحبلى يطلّقها زوجها ثم تضع سقطا ـ تمّ أو لم يتمّ ـ
أو وضعته مضغة ، أتنقضي عدّتها [عنها]؟ فقال عليهالسلام : كلّ شيء وضعته (٢) يستبين أنّه حمل ـ تمّ أو لم يتمّ
ـ فقد انقضت عدّتها وإن كان مضغة (٣)» .
ثم الظاهر (٤)
صدق «الحمل» على العلقة ،
______________________________________________________
يكون مبدأ نشوء آدميّ ولو مضغة ... على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من
تأخّر ، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه ... وهو الحجة في الجملة».
(١) هو صاحب
المقابس قدسسره ، حيث استظهر الاتفاق بقوله : «ويكفي العلوق بالمضغة
إجماعا كما هو الظاهر ، والمحكي في كلام جماعة منهم ، هنا وفي حكم عدّة الحامل ،
ومنهم الشيخ والقاضي وفخر الإسلام وأبو العباس وغيرهم» .
وحاصله : أنّ
المحقق الشوشتري قدسسره ادّعى الإجماع على صدق الحمل على المضغة ، كما حكاه عن
آخرين.
(٢) لا يخفى
مخالفة ما في المتن لما في الوسائل وغيره من كتب الأخبار ، مثل «سألته عن الحبلى
إذا طلقها زوجها ، فوضعت سقطا» وعدم ذكر «أتنقضي عدتها عنها» في الوسائل ، وإن ذكر
في الفقيه «أينقضي بذلك عدتها» وعدم ذكر «وضعته».
(٣) هذه الجملة
هي الغرض من ذكر الصحيحة ، لصراحتها في صدق الحمل على المضغة.
(٤) هذا فرع ثان
، وهو صدق «الحمل» على العلقة وعدمه ، وفيه خلاف.
__________________
وقوله (١) عليهالسلام : «وإن كانت مضغة» تقرير لكلام السائل ، لا بيان لأقلّ
مراتب الحمل ـ كما (٢) عن الإسكافي ـ
______________________________________________________
فذهب فخر المحققين قدسسره ـ مدعيا عليه الإجماع ـ إلى ذلك ، قال : «يظهر ثبوت الاستيلاد وأحكامه
بالوطي بوضعها علقة وما بعدها إجماعا ، وفي ما قبله قولان ، أقواهما المنع» . وقوّاه المصنف قدسسره ، لصدق الحمل. وتظهر ثمرة كونها ذات ولد في ما لو باعها
مولاها قبل الإلقاء ، فيبطل كما سيأتي التنبيه عليه في المتن.
فإن قلت : إنّ
قوله عليهالسلام في صحيحة ابن الحجاج : «وإن كانت مضغة» ظاهر في أنّ أقل
ما يصدق به الحمل هو المضغة ، فلا عبرة بإسقاط النطفة والعلقة ، ولا تصير أمّ ولد
، كما لا تخرج المطلّقة عن العدة بذلك ، لعدم إحراز الحمل.
قلت : ليس
كلامه عليهالسلام بيانا لأقلّ مراتب الحمل ، وإنّما أتى بكلمة «المضغة»
لتقرير ما ورد في سؤال ابن الحجاج من قوله : «أو وضعته مضغة» فقرّره عليهالسلام بكفاية إسقاط المضغة ، ومن المعلوم عدم كونه تحديدا
للحمل كي يدلّ بمفهومه على عدم العبرة بإلقاء النطفة أو العلقة.
(١) هذا دفع
دخل مقدر ، تقدما بقولنا : «إن قلت ... قلت».
(٢) هذا راجع
إلى المنفي ، يعني : أنّ الإسكافي قائل بأن أقل مراتب الحمل هو المضغة. قال
العلّامة قدسسره : «قال ابن الجنيد : فإن أسقطت مضغة فما زاد عليها من
الخلق فقد انقضت عدّتها. وهو يدل بمفهومه على عدم الانقضاء بدونها» .
وليس هذا قول
الإسكافي خاصة ، إذ حكى صاحب المقابس قدسسره عن الشيخ والقاضي والشهيدين في الدروس والمسالك الخلاف
في صدق الحمل على العلقة ، أو التردد فيه.
__________________
وحينئذ (١) فيتجه الحكم بتحقق الموضوع بالعلقة كما عن بعض ، بل عن الإيضاح
والمهذّب البارع : الإجماع عليه.
وفي المبسوط (٢)
ـ في ما إذا ألقت جسدا ليس فيه تخطيط لا ظاهر
______________________________________________________
فدعوى الإجماع
من الإيضاح والمهذب البارع على صدق الحمل على العلقة في غاية الغموض ، وإن كان
الحق الصدق. لكن دعوى الإجماع مع تردّد جماعة بل مخالفتهم مشكلة.
(١) أي : وحين
كون قوله عليهالسلام تقريرا لا تحديدا ، فيتجه الحكم بصدق «أمّ الولد»
بإسقاط العلقة ، كما ذهب إليه جمع في باب الاستيلاد ، وكذا في عدة طلاق الحامل ،
كالمحقق والعلّامة في القواعد وصاحب الجواهر ، ففيه : «ويكفي في إجراء حكم أمّ الولد علوقها بما هو
مبدأ إنسان ولو علقة ، بلا خلاف أجده بل في الإيضاح الإجماع عليه». ويظهر منه في
الطلاق أيضا ، فراجع .
(٢) توضيحه :
أنّ شيخ الطائفة عقد مسائل أربع لما إذا وضعت أمّ الولد ما في بطنها بنفسها أو
باعتداء عليها.
إحداها : أن
تضع ولدا كاملا ، حيّا أو ميّتا.
ثانيها : أن
تضع بعض جسد الآدمي من يد أو رجل ، أو جسدا قد بان فيه شيء من خلقة الآدمي.
ثالثها : أن
تضع جسدا ليس فيه تخطيط ظاهر ، لكن ادّعت القوابل وجود تخطيط خفي فيه ، ولو بقي في
الرحم تظهر الخطوط فيه.
رابعها : ما
نقله المصنف في المتن ، وهو أن تلقي جسدا خاليا من تخطيط ظاهرا وباطنا ، لكن قالت
القوابل إنّه مبتدأ خلق آدمي ، وأنّه لو بقي في الرحم لتخلّق وتصوّر بصورة الآدمي.
__________________
ولا خفي ، لكن قالت القوابل : إنّه مبدأ خلق آدميّ ، وإنّه لو بقي لخلق (١)
وتصوّر ـ «قال قوم : إنّها لا تصير أمّ ولد بذلك ، وقال بعضهم : تصير أمّ ولد. وهو
مذهبنا» انتهى . ولا يخلو (٢) عن قوة ، لصدق الحمل.
وأمّا (٣)
النطفة : فهي بمجرّدها لا عبرة بها ما لم تستقرّ في الرّحم ، لعدم
______________________________________________________
ورجّح الشيخ قدسسره صدق «أمّ الولد» في المسائل الأربع ، بناء على أن يكون
الجسد الخالي من التخطيط هو الدم الجامد المتكوّن من النطفة ، وهو العلقة المبحوث
عنها.
(١) كذا في نسخ
الكتاب ، والأولى ما في المبسوط «لتخلّق».
(٢) أي : ما
قاله البعض من صيرورتها أمّ ولد لا يخلو من قوة ، لصدق «الحمل» على ما يكون منشأ
خلق الآدميّ.
(٣) هذا فرع
ثالث من فروع المبحث الثالث ، وهو صدق الحمل بالنطفة قبل تبدل صورتها بالعلقة ،
وعدمه ، فصّل المصنف قدسسره بين صورتين : إحداهما عدم استقرارها في الرّحم ،
والثانية : استقرارها فيه.
والظاهر أنّ
المراد بالاستقرار حصول اللقاح ، إذ لو استقرّت في الرحم ولم يطرء عليها عارض صلحت
لأن تكون مبدأ نشوء آدمي ، وهي اولى مراحل تكوّن الجنين ، وانقلبت تدريجا إلى
العلقة وما بعدها من المراحل.
والمراد بغير
المستقرة خلافها أي ما لم يحصل اللقاح والعلوق ، أو حصل ، ولكن النطفة ـ لعدم
سلامة الجهاز الجنسي وشبهه ـ لا تصلح لتكوّن الجنين منها.
أمّا الصّورة
الاولى فذهب المصنف قدسسره إلى عدم صدق الحمل عليها ، فلو ألقتها الأمة لم تكن ذات
ولد. وما ادعاه الفاضل المقداد ـ من الإجماع على عدم العبرة بإسقاط النطفة في عدة
المطلقة ـ محمول على عدم كونها مستقرة في الرحم ، وأنّها لو بقيت لم تتخلق ولم
تتصور بصورة آدمي.
__________________
صدق كونها حاملا (١). وعلى هذا الفرد ينزّل إجماع الفاضل المقداد (٢) على
عدم العبرة بها (٣) في العدّة.
ومع (٤)
استقرارها في الرّحم ، فالمحكيّ (٥) عن نهاية الشيخ تحقق الاستيلاد
______________________________________________________
وأمّا الصورة
الثانية ففيها خلاف كما سيأتي.
(١) والمفروض
أنّ موضوع انقضاء العدة بالوضع هو الحامل. ولا أقلّ من الشك في صدقها على مجرد كون
النطفة في جوفها ، ثمّ ألقتها.
(٢) قال قدسسره ـ في ردّ من اكتفى بوضع العلقة لكونه مبدء خلق آدمي ـ ما لفظه : «والمبدئية
غير كافية إجماعا ، وإلّا لكفت النطفة ، لأنّها مبدء أيضا ، لكنها غير كافية
إجماعا ، وإنّما الاعتبار بصدق الحمل ، وإنما يصدق حقيقة بعد التخلق ، فلذلك قال
المصنف : مع تحققه حملا» .
ولا يخفى بعد
الحمل المزبور ، لعدم التخلق بمجرد الاستقرار في الرحم ، وتوقف التخلق على تبدل
صورة النطفة بغيرها ، فلا يصدق الحمل بمجرد استقرار النطفة في الرّحم.
(٣) أي : عدم
العبرة بالنطفة ـ أي بإسقاطها ـ في انتهاء عدّة المطلّقة. ومقتضى وحدة المناط بين
المطلقة الحامل وأمّ الولد ـ في هذه الجهة ـ هو عدم العبرة بالنطفة غير المستقرة
في صيرورة الأمة أمّ ولد ، ولا يبطل بيعها لو بيعت قبل الإسقاط.
(٤) كذا في
نسختنا ، وفي بعضها «وأمّا مع» ولا حاجة إليها ، لعدم سبق «أمّا» لتكون عدلا لها.
(٥) الحاكي
صاحب المقابس ، قال قدسسره : «وأمّا النطفة فذهب الشيخ في النهاية إلى إجراء الحكم
عليه هنا» وظاهره الإطلاق وعدم التفصيل بين الاستقرار وعدمه ، قال في النهاية في
عدة طلاق الحامل : «فعدّتها أن تضع حملها ـ سواء كان
__________________
بها ، وهو (١) الّذي قوّاه في المبسوط في باب العدّة ـ بعد أن نقل عن
المخالفين عدم انقضاء العدّة به ـ مستدلا بعموم الآية (٢) والأخبار (٣) ، ومرجعه (٤)
إلى صدق الحمل.
ودعوى (٥) :
أنّ إطلاق «الحامل» حينئذ مجاز بالمشارفة ،
______________________________________________________
ما وضعته سقطا أو غير سقط ، تامّا أو غير تام» . ومن المعلوم شمول «غير السقط» للنطفة بقسميها. ولعله
لذا نسب الشهيد الثاني قدسسره إلى الشيخ الحكم بانقضاء العدة بوضع النطفة مطلقا وإن
لم تستقر في الرّحم . ولكن حمل كلامه على صورة الاستقرار في الرحم كما في
الرياض والجواهر .
(١) أي : تحقق الاستيلاد
بالنطفة المستقرة في الرّحم قوّاه شيخ الطائفة في المبسوط بقوله : «الثالثة : أن
تلقى نطفة أو علقة ، فلا يتعلّق بذلك شيء من الأحكام عندهم ، لأنّه بمنزلة خروج
الدم من الرّحم ، ويقوى في نفسي أنّه يتعلّق به ذلك ، لعموم الآية وعموم الأخبار» . ولعلّ التعليل ب «لأنه بمنزلة» قرينة على إرادة النطفة
المستقرة في الرّحم ، فلا يعمّ ما لا يكون منشأ خلقة آدميّ.
(٢) وهو قوله
تعالى : (وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) .
(٣) كصحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج المتقدمة في (ص ٢٦٨) وفيها : «فقال عليهالسلام : كل شيء وضعته يستبين أنّه حمل ـ تمّ أو لم يتمّ ـ
فقد انقضت عدّتها».
(٤) يعني :
ومرجع استدلال الشيخ ـ بالآية والأخبار ـ إلى صدق الحمل على النطفة المستقرة في
الرحم.
(٥) غرض
المدّعي منع صدق «اولات الأحمال» حقيقة على من استقرّت
__________________
يكذّبها (١)
التأمّل في الاستعمالات.
وربّما يحكى (٢)
عن التحرير موافقة الشيخ ،
______________________________________________________
النطفة في رحمها ، فيكون إطلاق «الحامل» عليها مجازا بعلاقة الأول ،
لتبدلها بالجنين في المستقبل ، فيكون نظير ما تقدم في (ص ٢٦٢) من كون «الولد»
مجازا بالمشارقة في مطلق الحمل وإن كان بعد ولوج الروح ، مع أنّه لا ريب في كون
موضوع الحكم هو «أمّ الولد» بمعناه الحقيقي ، لا المجازي.
وهذا نظير ما
ذكروه في عدة الحامل من عدم انتهائها بإلقاء النطفة ، لعدم صدق «اولات الأحمال»
عليها.
وردّ المصنف
هذه الدعوى بمنع المجازية ، وأنّ «الحمل» صادق عرفا على ما يكون منشأ تكوّن آدميّ
، سواء أكان في مرحلة النطفة أم ما بعدها من العلقة والمضغة.
(١) خبر «ودعوى»
ووجه التكذيب عدم لحاظ علاقة وعناية فيها.
ولو كانت تلك
الاستعمالات مجازية لكانت متقومة بلحاظ العلقة المصححة لها.
(٢) غرضه قدسسره التأمل فيما نسبه جمع إلى العلّامة في التحرير من
انتهاء عدة الحامل بإلقاء النطفة ، ليكون موافقا للشيخ في المبسوط.
ففي المقابس : «قال
العلّامة : وعندي في إلقاء النطفة نظر. واختار في التحرير قول الشيخ ، وهو المحكي
عن الجامع ، ونقل السيوري إجماعهم على أنّه لا عبرة بها في العدة ، وهو المشهور
بينهم في الموضعين على ما يظهر ، والمسألة موضع إشكال» .
ونسبه الفاضل
الأصفهاني إلى العلّامة جازما به ، لقوله : «خلافا للشيخ فاعتبرها ـ أي النطفة ـ
وهي خيرة التحرير» . وكذا صاحب الجواهر قدسسره .
__________________
مع (١) أنّه لم يزد فيه على حكاية الحكم عن الشيخ.
نعم ، في بعض
نسخ التحرير لفظ يوهم ذلك (٢).
______________________________________________________
(١) هذا وجه
التأمل فيما نسب إلى التحرير ، يعني : مع أنّ العلّامة لم يزد في التحرير شيئا على
ما حكاه عن الشيخ ، ومن المعلوم أن الحكاية أعم من الاختيار.
قال العلّامة
في طلاق التحرير ما لفظه : «لا فرق بين أن يكون الحمل تامّا أو غير تام بعد أن
يعلم أنّه حمل وإن كان علقة ، سواء ظهر فيه خلق آدمي من عين أو ظفر أو يد أو رجل
أو لم يظهر ، لكن يقول القوابل بأنّ فيه تخطيطا باطنا لا يعرفه إلّا أهل الصنعة.
أو يلقي دما منجمدا [متجسدا] ليس فيه تخطيط ظاهر ولا باطن ، لكن شهد القوابل أنّه
مبدء خلق آدمي ، لو بقي لتخلّق وتصوّر. أمّا لو ألقت دما لا يعلم ، هل هو ما يخلق
الآدمي فيه أو لا ، فإنّ العدة لا تنقضي به. وقال الشيخ : لو ألقت نطفة أو علقة
انقضت به العدة» . انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
(٢) استدراك
على قوله : «مع أنه لم يزد» وغرضه توجيه ما حكاه صاحبا كشف اللثام والمقابس عن
تحرير العلّامة ، وحاصل الاستدراك : أنّ في بعض نسخ التحرير لفظا يوهم موافقة
العلّامة للشيخ من كفاية إلقاء النطفة في انتهاء عدة الحامل.
ولم أظفر
بالنسخة المشتملة على ذلك اللفظ الموهم. ولعلها النسخة التي نقل عنها صاحب الجواهر
قدسسره في عدة الحامل مدعيا في موضع آخر كونها نسخة مصحّحة. وهي
خالية من جملة : «قال الشيخ» فالعبارة فيها هكذا : «لو بقي لتخلّق وتصوّر ، أمّا
لو ألقت نطفة أو علقة انقضت بها العدة» .
وهي ـ كما ترى ـ
صريحة في كفاية إلقاء النطفة ، لا موهمة لها. ولعلّ غرض المصنف قدسسره نسخة اخرى. والله العالم.
__________________
نعم (١) قوّى
التحرير موافقته فيما تقدّم عن الشيخ في مسألة الجسد الذي ليس فيه تخطيط. ونسب
القول المذكور (٢) إلى الجامع أيضا.
واعلم (٣) أنّ
ثمرة تحقق الموضوع ـ فيما إذا ألقت المملوكة ما في بطنها ـ
______________________________________________________
(١) هذا أيضا
استدراك على عدم موافقة العلّامة للشيخ قدسسرهما ، وغرضه توافقهما في صدق وضع الحمل لو ألقت جسدا خاليا
من التخطيط ، وهو الذي تعرض له المصنف قدسسره في إلقاء المضغة ، فراجع (ص ٢٦٧). ومنشأ الموافقة هو
قول العلّامة : «أو يلقي دما منجمدا [متجسدا] ليس فيه تخطيط ظاهر ولا باطن».
(٢) أي : القول
بتحقق الاستيلاد بمجرد استقرار النطفة في الرحم ، وقد عرفت أنّ الناسب صاحبا كشف
اللثام والمقابس.
(٣) غرضه
التنبيه على ما يترتب على إسقاط الحمل من الثمرة شرعا ، مع أنّهم اعتبروا في كون
الأمة أمّ ولد بقاء الولد حيّا بعد وفات سيّدها ، فلو مات الولد في حياته لم تتحرر
امّه ، وكذا لا عبرة بإسقاط الجنين سواء ولجه الروح أم لا ، فلا جدوى حينئذ في ما
تقدم من البحث عن صدق الحمل على المضغة وما قبلها.
وجه عدم
الإجداء كون الموضوع «أمّ الولد» وهو غير صادق حسب الفرض لو أسقطته تامّ الخلقة ،
فكيف بها لو كانت نطفة أو علقة.
فأفاد المصنف قدسسره : أنّ الأمة التي ألقت ما في بطنها وإن بقيت مملوكة
يجوز بيعها ، ولكن تظهر ثمرة كونها «أمّ ولد» في ما لو باعها المولى ـ قبل إلقاء
النطفة أو العلقة أو المضغة ـ بزعم عدم كونها حاملا وعدم صيرورتها أمّ ولد بعد ،
فأسقطت وتبيّن وقوع البيع مدة الحمل ، إذ يحكم ببطلانه ، لكون المبيع حال العقد
ملكا غير طلق لا يجوز التصرف الناقل فيه.
__________________
إنّما (١) تظهر في بيعها الواقع قبل الإلقاء ، فيحكم ببطلانه (٢) إذا كان
الملقى حملا. وأمّا بيعها بعد الإلقاء ، فيصحّ بلا إشكال (٣). وحينئذ (٤) فلو
وطأها المولى ثمّ جاءت بولد تامّ ، فيحكم ببطلان البيع الواقع بين أوّل زمان
العلوق وزمان الإلقاء. وعن المسالك الإجماع على ذلك (٥).
______________________________________________________
نعم ، لو لم
يبعها المولى لم يكن البحث عن تحقّق الحمل بالمضغة أو بما قبلها ذا ثمرة عملا ،
لعدم كونها فعلا من امهات الأولاد.
(١) الجملة خبر
قوله : «أن ثمرة» وضميرا «بطنها ، بيعها» راجعان إلى المملوكة.
(٢) أي :
ببطلان البيع ، إذ المفروض وقوع العقد على أمّ الولد.
(٣) لخروجها عن
عنوان «أمّ الولد» قبل البيع ، وإن قلنا بصدق المشتق حقيقة على ما انقضى عنه المبدأ
، لما دلّ من النص والفتوى على جواز بيعها بعد موت ولدها.
(٤) أي : وحين
ظهور الثمرة في بيعها قبل إلقاء الحمل ، فالمدار في بطلان البيع على وقوعه حال
تحقق الحمل ، سواء أكان البيع بعد الوطء الموجب للحمل بلا تخلل زمان معتدّ به ، أم
بعده مع تخلل الزمان المعتد به ، لصدق كون البيع في كلتا الصورتين واقعا على «أمّ
الولد» المتحققة بالحمل الناشئ عن الوطء.
(٥) أي : على
بطلان البيع ، قال في المسالك : «أن المولى لو وطئ أمته جاز له بيعها مع عدم تبيين
الحمل ، ثم إن ظهر بها حمل منه تبيّن بطلان البيع ، لكونها أمّ ولد ، وهذه
المقدمات كلها إجماعية» .
وقال المحقق
الشوشتري بعد حكاية مضمون كلامه : «ولم يفرق بين أزمنة وقوع البيع. وقد وردت
روايات كثيرة فيمن اشترى جارية فوطئها فوجدها حبلى :
__________________
فذكر (١) صور
إلقاء المضغة والعلقة والنطفة في باب العدّة إنّما هو لبيان انقضاء العدّة
بالإلقاء (٢) ، وفي (٣) باب الاستيلاد لبيان كشفها عن أنّ المملوكة بعد الوطء صارت
أمّ ولد (٤).
______________________________________________________
أنه يردها إلى البائع» .
(١) غرضه أنّ
الفقهاء قدسسرهم تعرّضوا لإلقاء النطفة وما بعدها ـ من مراحل تكوّن الجنين
ـ في موضعين ، أحدهما باب عدة طلاق الحامل ، وثانيهما باب الاستيلاد. والمناط في
الأوّل هو الموضوعية ، وفي الثاني الطريقية.
يعني : لوحظ
إلقاء الحمل بمراتبه ـ من النطفة والعلقة وغيرهما ـ موضوعا في باب العدة ، لأنه
موضوع لحكم الشارع بانقضاء العدة. ولوحظ طريقا في باب الاستيلاد ، لأنّ الموضوع
عنوان «أمّ الولد» والإلقاء المزبور كاشف عن تحققه حين البيع. فلو علم بالحمل
بأمارة اخرى غير الإلقاء ترتب عليه الحكم وهو فساد البيع أيضا.
(٢) كقول
العلّامة في عدة الحامل : «تنقضي العدة من الطلاق والفسخ بوضع الحمل في الحامل وإن
كان بعد الطلاق بلحظة ، وله شرطان : الأول : أن يكون الحمل ممّن له العدة ... ،
الثاني : وضع ما يحكم بأنّه حمل علما أو ظنا ، فلا عبرة بما يشك فيه. وسواء كان
الحمل تاما أو غير تام ، حتى العلقة إذا علم أنها حمل ، ولا عبرة بالنطفة» .
(٣) معطوف على «في
باب» والمعطوف والمعطوف عليه متعلقان ب «ذكر».
(٤) قال في
القواعد في شرائط الاستيلاد : «الثالث : أن تضع ما يظهر أنه حمل وو لو علقة. أما
النطفة فالأقرب عدم الاعتداد بها» .
__________________
لا (١) أنّ البيع الواقع قبل تحقق العلقة صحيح إلى أن تصير النطفة علقة ،
ولذا (٢) عبّر الأصحاب عن سبب الاستيلاد بالعلوق (٣) الذي هو اللّقاح.
نعم (٤) لو فرض
عدم علوقها بعد الوطء إلى زمان ،
______________________________________________________
(١) يعني : أنّ
ذكر صور إلقاء المضغة وغيرها ـ من مراتب الحمل ـ في باب الاستيلاد لبيان كشفها عن
صيرورة المملوكة بعد الوطء أمّ ولد ، لا لبيان أنّ البيع صحيح إذا وقع قبل صيرورة
النطفة علقة ، وباطل إذا وقع بعد صيرورتها علقة.
وببيان أوضح :
إنّ ذكر صور إلقاء المضغة وغيرها في باب الاستيلاد إنّما هو من باب الطريقية ،
لكون إلقائها كاشفا عن صيرورة المملوكة أمّ ولد. لا من باب الموضوعية ، بأن يكون
ذكر المضغة وغيرها لأجل تحديد الموضوع ، وأنّ عنوان أمّ الولد يتحقق بمرتبة خاصّة
من الحمل ، حتى يقال بصحة البيع بعد الوطء إلى زمان تبدل النطفة بالعلقة.
(٢) أي : ولأجل
طريقية إلقاء المضغة وغيرها إلى إحراز كون المملوكة أمّ الولد ـ لا موضوعيته ـ
عبّر الأصحاب عن السبب والموضوع بالعلوق ، وهو اللقاح أعني به ماء الفحل ، ومنه
تلقيح النخل ، وهو وضع طلع الذّكر في طلع الانثى أوّل ما ينشقّ.
(٣) قال المحقق
قدسسره : «وهو ـ أي الاستيلاد ـ يتحقق بعلوق أمته منه في ملكه»
وظاهره كونه مجمعا عليه ، لعدم الإشارة إلى الخلاف فيه في المسالك
والجواهر ، بل نفى الريب فيه صاحب المدارك .
(٤) استدراك
على بطلان البيع لو وقع بعد العلوق ، وحاصله : أنه لو وطأها
__________________
صحّ البيع (*) قبل العلوق.
ثمّ (١) إن
المصرّح به
______________________________________________________
السيد ولم تحمل منه مدّة ، ثم باعها ، وحملت بعده صح البيع ، لعدم صيرورة
المملوكة بعد أمّ ولد ، ولازمه صحة البيع وإن ألقته بعد ذلك ، سواء أكان الملقى
ولدا تامّا أم ناقصا.
(١) هذا إشارة
إلى فرع آخر من فروع المبحث الثالث ، وهو أنّه هل يشترط في ترتب أحكام الاستيلاد
كون منشأ الحمل هو الوطء ، أم يكفي لحوق الولد بالمولى شرعا وإن كان العلوق
بالمساحقة ، إما بأن يساحق الزوج أمته ، فينزل على ذلك العضو من دون تحقق الدخول ،
أو باستدخال قطنة من منيّه ، ونحوهما ، فحملت منه ، فإنّه يوجب لحوق الولد به ،
وإن لم يصدق عليها كونها مدخولا بها. نظير ما ذكروه في عدة غير المدخول بها ، كما
لو حملت بمساحقة زوجها المجبوب. قال المحقق قدسسره : «أمّا لو كان مقطوع الذكر سليم الأنثيين ، قيل : يجب
العدة ، لإمكان الحمل بالمساحقة. وفيه تردد ، لأنّ العدة تترتب على الوطء. نعم لو
ظهر حمل اعتدّت منه بوضعه ، لإمكان الإنزال» .
وإمّا بأن
تساحق زوجة السيد أو مملوكته ـ المدخول بهما ـ أمة المولى ، فحملت ، فإنّ الفعل
وإن كان محرّما ، لكن لا يمنع من كون الأمة فراشا ، فيلحق الولد بالمولى.
__________________
__________________
في كلام بعض (١) ـ حاكيا له عن غيره ـ : أنّه لا يعتبر في العلوق أن يكون
بالوطء (٢) ، فيتحقق بالمساحقة ، لأنّ (٣) المناط هو الحمل ، وكون ما يولد منها
ولدا للمولى شرعا ، فلا عبرة بعد ذلك (٤) بانصراف الإطلاقات إلى الغالب من كون
الحمل بالوطء (٥).
______________________________________________________
وبالجملة :
المراد من العلوق كلّ ما يوجب لحوق الولد شرعا بالأب وإن لم يكن بالوطء.
(١) كصاحب
الرياض قدسسره ، قال : «ثمّ إنّ إطلاق العبارة ... وبه صرّح من
الأصحاب جملة : أنه لا يشترط الوطء ، بل يكفي مطلق العلوق منه ، ولا حلّ الوطء» . وممّن صرّح به من الأصحاب الشهيد الثاني قدسسره كما سيأتي.
(٢) قال المحقق
: «وهو ـ أي الاستيلاد ـ يتحقق بعلوق أمته منه في ملكه» ونحوه ما في اللمعة . وفي الروضة : «ولا يشترط الوطء ، بل يكفي مطلق العلوق
منه ، ولا حلّ الوطء إذا كان التحريم عارضا كالصوم والإحرام والحيض والرهن أمّا
الأصلي بتزويج الأمة مع العلم بالتحريم فلا ، لعدم لحوق النسب» .
(٣) تعليل لعدم
إناطة العلوق بالوطء ، والمفروض أنّ المساحقة تلحق الولد بالمساحق أو بمن منه الماء
، وهو المولى.
(٤) أي : بعد
كون المناط هو الحمل ولحوق الولد بالمولى.
(٥) لما قرّر
في محلّه من عدم صلاحية الانصراف الناشئ من غلبة الوجود لتقييد الإطلاق ، إذ
المدار في التقييد بالانصراف على ظهور اللفظ في المعنى المنصرف إليه ، ومجرد كون
الحمل غالبا بالوطء لا يوجب الظهور.
__________________
نعم (١) ،
يشترط في العلوق بالوطء (٢) أن يكون على وجه يلحق الولد بالواطئ وإن كان محرّما (٣)
، كما إذا كانت في حيض ، أو ممنوعة الوطء لعارض آخر (٤). أمّا الأمة المزوّجة
فوطؤها زنا (٥) لا يوجب لحوق الولد.
ثم إنّ المشهور
(٦) اعتبار الحمل في زمان الملك ، فلو ملكها بعد الحمل
______________________________________________________
(١) بعد أن نفى
اشتراط اللحوق بخصوص المباشرة ، وكفاية الحمل بسبب آخر ، نبّه على اعتبار شرط فيه
، وهو كونه على وجه يلحق الولد ـ شرعا ـ بالمولى ، بأن تكون الأمة فراشا له ، ولا
يمنع حرمة المباشرة ـ لعارض ـ عن لحوق الولد بالمولى ، كما إذا باشرها حائضا أو في
نهار شهر رمضان أو في حالتي الإحرام والاعتكاف.
نعم لو زوّج
أمته حرم وطؤها ، لعدم ملك البضع ، فلو باشرها وحملت لم يلحق به الولد ـ وإن كان
مالكا لرقبتها ـ لنفي الولد عنه شرعا ، وثبوت الحدّ عليه.
(٢) ذكر «الوطء»
من باب المثال ، لما تقدم من أنّ المناط هو لحوق الولد بالمولى سواء أكان بالوطء
أم بالمساحقة أم بغيرهما.
(٣) أي : عارضا
، وإلّا فملك اليمين يقتضي حلية المباشرة أصالة.
(٤) كالرّهن
المانع من تصرف المالك في العين.
(٥) لعدم كونه
مالكا لوطئها مع كون البضع ملكا بالعقد للزوج.
المبحث الرابع :
اعتبار كون الحمل في زمان الملك
(٦) غرضه تحقيق
موضوع حكم الشارع بمنع البيع ـ أي : أمّ الولد ـ من جهة اخرى ، وهي اعتبار حدوث
الحمل في ملك السيد ، فلا عبرة بتملكها بعده ، أم كفاية حملها منه لو تزوّجها ثم
اشتراها.
وتوضيحه : أنّ
الأمة قد تلد مملوكا ، كما إذا زوّجها مولاها من حرّ مع اشتراط رقيّة الولد ـ بناء
على صحة هذا الشرط ـ ثم اشتراها. وقد تلد من حرّ ، كما إذا زوّجها مولاها منه ،
فحملت ، ثم اشتراها الزوج من السيد. وقد تلد من
لم تصر أمّ ولد ، خلافا للمحكيّ عن الشيخ وابن حمزة ، فاكتفيا بكونها أمّ
ولد قبل الملك. ولعلّه (١) لإطلاق العنوان (*) ،
______________________________________________________
سيّدها.
ولا ريب في
موضوعية هذا القسم الثالث لأحكام أمّ الولد. كما أن المشهور خروج القسم الأوّل.
إنّما الكلام في القسم الثاني ، فحكي عن الطوسيين قدسسرهما صيرورتها أمّ ولد ، ففي المبسوط : «أن تعلق الأمة بحرّ
في غير ملكه ، بأن يطأ أمة غيره بشبهة ، فتعلق منه بولد حرّ ، فلا تصير أمّ ولد في
الحال. فإن ملكها قال قوم : لا تصير أمّ ولده. وقال بعضهم تصير أمّ ولده. وهو
الأقوى عندي» .
والوجه فيه
أمران ، الأوّل : إطلاق «أمّ الولد» عليها حقيقة عرفا ولغة ، وهي الموضوع لأحكامها
في النصوص ، لعدم تقييدها بكون العلوق في زمان الملك.
الثاني : وجود
علّة منع بيع «أمّ الولد» فيها ، وهي تشبثها بالحرية ، وانعتاقها مما يرثه ولدها ،
ومن المعلوم عدم الفرق في هذا المناط بين كونها حال حدوث الحمل أمة للمولى ، وبين
كونها زوجة له ، ثم دخلت في ملكه ، هذا.
لكن ناقش
المصنف في كلا الوجهين كما سيأتي.
(١) أي : ولعلّ
اكتفاءهما بكونها أمّ ولد ـ قبل الملك ـ لأجل صدق عنوان «أمّ الولد» عليها حقيقة
بلا عناية ، لكونها ذات ولد.
__________________
__________________
ووجود (١) العلّة ، وهي كونها في معرض الانعتاق من نصيب ولدها.
ويردّ الأوّل (٢)
: منع إطلاق يقتضي ذلك (٣) ، فإنّ (٤) المتبادر من «أمّ الولد» صنف من أصناف
الجواري باعتبار الحالات العارضة لها بوصف المملوكية ، كالمدبّر (٥) والمكاتب (*).
______________________________________________________
(١) معطوف على «إطلاق»
وهو إشارة إلى العلّة المستنبطة التي يحتمل اعتماد الطوسيّين عليها. وهي التشبث
بالحرية.
(٢) هذا ردّ
الوجه الأوّل ، ومحصّله : منع إطلاق «أمّ الولد» على الأمة التي كان حملها سابقا
على الملك ، فإنّ المتبادر من هذا العنوان هو الأمة التي حملت بالولد من مولاها في
حال مملوكيتها له ، لا مطلقا ، وإن كانت زوجة له. فكما أنّ «المكاتب» و«المدبّر»
وصفان لبعض المماليك باعتبار عروض حالة التدبير والكتابة عليهما ، واتصافهما
بالعناوين المزبورين ، فكذا عنوان «أمّ الولد».
وعليه فلا يراد
هنا معناها لغة وعرفا الصادق على مطلق الجارية ذات الولد ـ سواء أكان من مولاها أم
من زوجها أم من غيرهما لشبهة ـ حتى يندرج المقام فيه ، ويقال بكفاية كون ولدها
ابنا للسيد وإن حملت به قبل تملّكها.
(٣) أي : يقتضي
شمول العنوان للأمة التي سبق حملها على الملك.
(٤) هذا تعليل
لمنع الإطلاق ، قال في الرياض : «لانصرافه ـ أي إطلاق أمّ الولد ـ بحكم التبادر
إلى التي علقت به في الملك ، لا في الأمرين» .
(٥) وهو الذي
أنشأ المولى حريّته معلّقا على وفاته ، فقال له : «أنت حرّ بعد
__________________
__________________
والعلّة
المذكورة (١) غير مطّردة ولا منعكسة ، كما لا يخفى.
مضافا (٢) إلى
______________________________________________________
وفاتي» فلا يقال للمملوك «انه مدبّر» لو أوصى المولى بعتق عبده بعده.
وكذا لا يقال :
«إنّه مكاتب» إلّا إذا عقد المولى معه الكتابة مشروطة أو مطلقة.
(١) هذا ردّ
الوجه الثاني ، وحاصله : أنّ تشبّثها بالحرية ليست علّة منصوصة ، لتكون مناط الحكم
، بل هي مستنبطة ، ولذا لا تكون مطّردة بأن يقال : «كلّ أمة هي في معرض الانعتاق
من نصيب ولدها أمّ ولد» ولا منعكسة بأن يقال : «كل أم ولد تكون في معرض الانعتاق
من نصيب ولدها».
أما عدم اطّراد
العلّة ، فلأنّ المستولدة التي مات قريبها وخلّف تركة ، ولم يكن له وارث سواها ،
تشترى حينئذ من التركة وتعتق ، لترث قريبها ، على ما ذهب إليه جماعة ، بل ادّعى
بعض الإجماع عليه ، فإنّ العلة ـ وهي معرضيّتها للانعتاق من نصيب ولدها ـ موجودة
فيها ، ومع ذلك يجوز بيعها ، ولا تمنع العلة المزبورة عن بيعها ، فليست العلّة
المذكورة مطردة ومقتضية للحكم بعدم جواز البيع في جميع مواردها.
وأمّا عدم
انعكاس العلة فكما لو ارتدّ الولد ، فإنّ أمّ الولد حينئذ لا تباع ، مع أنّ الولد
لارتداده لا يرث من أبيه حتى تنعتق امّه من نصيبه. فالعلة ـ وهي معرضية الأمة
لانعتاقها من نصيب ولدها ـ مفقودة ، ومع ذلك لا يجوز بيعها. وشأن العلة دوران
الحكم مدارها وجودا وعدما.
(٢) هذا وجه
آخر لمنع كلام الشيخ وابن حمزة قدسسرهما ، وحاصله : أنّ رواية
__________________
صريح رواية محمد بن مارد المتقدمة .
ثمّ (١) إنّ
المنع عن البيع [عن بيع أمّ الولد]
______________________________________________________
ابن مارد تحدّد الموضوع ، لقوله عليهالسلام ـ في الأمة التي تزوجها الرجل وولدت له ، ثم تملكها ولم تحمل منه بعده ـ : «هي
أمته» فلا يعبأ بصدق «أمّ الولد» عليها عرفا ولغة بعد صراحة الرواية في التقييد.
هذا تمام
الكلام في المبحث الرابع.
المبحث الخامس : عموم
منع نقل «أمّ الولد»
(١) هذا شروع
في بيان حكم بيع أمّ الولد بعد الفراغ عما يتحقق به الموضوع. وهل أنّ الأصل فيه
المنع إلّا ما ثبت جوازه؟ أم أنّ الأصل هو المنع عن البيع عدا ما خرج ، ليكون هو
المرجع في موارد الشك في جواز البيع ومنعه.
فأفاد قدسسره : أنّ المستفاد من النصوص والإجماع ـ مؤيّدا بفهم
الأصحاب ـ هو عموم منع التصرف الناقل لها عن ملك سيّدها إلى غيره ، ولا يخرج منه
إلّا بدليل ، كالاضطرار إلى بيعها لوفاء ثمنها لو اشتراها السيد نسيئة ، ولم يكن
له ما يؤدّيه به ، ونحوه من مواضع الاستثناء الآتية بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
وبناء على
استفادة القاعدة الكلّية يتعيّن الحكم بمنع البيع فيما لم يحرز جوازه ، خلافا لمن
أنكر هذا العموم ، وتمسّك بآية حلّ البيع وقاعدة السلطنة على صحة بيع أمّ الولد في
غير ما نهض الدليل على المنع ، كما سيأتي عن المحقق الأردبيلي والسيد المجاهد
وصاحب المقابس قدسسرهم.
أمّا النصوص
التي يستفاد منها عموم المنع ، فمنها : رواية السكوني المتقدمة في (ص ٢٤١) الدالة
على كون بيع أمّ الولد الرضاعية من المنكرات ، فتدل بالأولوية على المنع في أمّ
الولد الصلبي. ولو كان المنع عن بيعها ثابتا في بعض الموارد لم يتجه إنكاره
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
مطلقا.
ومنها : روايته
الاخرى المتقدمة في (ص ٢٦٥) التي حكم عليهالسلام بكون المكاتبة ـ العاجزة عن أداء مال الكتابة ـ أمّ ولد
، لإمكان اتّكاله عليهالسلام على وضوح الحكم عند السائل ، وعلمه بافتراق «أمّ الولد»
عن المكاتبة حكما ، ومنع بيعها ، ومقتضى الارتكاز عدم جواز نقلها مطلقا.
ومنها : رواية
محمد بن مارد المتقدمة في (ص ٢٦٥) وفيها : «إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد
ذلك» لظهور المفهوم ـ وهو : إن حدث عنده حمل بعد التملك لم يجز بيعها ـ في منع
البيع بمجرّد حدوث الحمل في ملك السيّد ، ومقتضى إطلاق المفهوم عدم الجواز مطلقا.
ومنها : رواية
عمر بن يزيد الآتية في (ص ٢٩٩) المتضمنة للسؤال عن وجه بيع مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام لأمّهات الأولاد ، ثم سأل الراوي عن جواز بيعهن فيما
سوى الدين ، فقال أبو ابراهيم عليهالسلام : «لا» فإنّها صدرا وذيلا تدل على المنع.
أمّا الصدر
فلظهوره في كون المنع مسلّما ، ولذا استفسر عمر بن يزيد من الإمام الكاظم عليهالسلام لرفع استبعاده عمّا أوجب إقدامه عليهالسلام على البيع.
وأمّا الذيل
فلصراحته في عدم جواز البيع في غير الدين ، وهذا هو العموم المدّعى.
وأمّا الإجماع
، فقد ادّعي على المنع أيضا ، ففي جامع المقاصد : «فإنّه لا يجوز بيع أمّ الولد ما
دام حيّا ، اتفاقا ، إلّا في المواضع المستثناة من كلام الفقهاء» .
وفي الرياض :
دعوى نفي الخلاف في منع البيع .
وقال في
الكفاية : «وظاهر كلام الأصحاب عدم جواز بيع أمّ الولد» .
__________________
قاعدة كلية (١) (*) مستفادة من الأخبار ـ كروايتي السكوني
______________________________________________________
ونقل فخر
المحققين عن والده قدسسرهما الإجماع على منع البيع. لكن لم أجده في الطبعة الحديثة
من المختلف ، فراجع .
والمتحصل : أنّ
الأصل في بيع أمّ الولد هو المنع إلّا ما خرج بالدليل.
فإن قلت : يشكل
دعوى الإجماع على عموم المنع مع ما سيأتي من اختلافهم في كثير من المواضع
المستثناة ، والتزام جمع بجواز البيع في جملة منها. نعم لا بأس بدعوى الإجماع على
المنع في الجملة ، لكنه لا يجدي للمرجعيّة في موارد الشك.
قلت : الظاهر
عدم التنافي بين الإجماع عن المنع عن نقلها ، وبين كون جملة من المواضع خلافية ،
وذلك لأن الاتفاق على المنع ناظر إلى حكم أمّ الولد بالعنوان الأوّلي ، وموارد
الاختلاف من قبيل طروء عنوان ثانوي عليها ، ومن المعلوم أنّه لا تمانع بين كون حكم
الشيء بالعنوان الأوّلي متفقا عليه ، وبين كونه حين طروء العنوان الثانوي عليه
مختلفا فيه.
وعليه فالمقام
نظير حكمهم بحلية اكل لحم الغنم بما هو هو ، وبحرمته بعنوان المغصوب والمنذور
التصدق ونحوهما. فامّ الولد يحرم بيعها بما هي أمّ ولد ، ويجوز عند بعض الطوارئ ،
كأداء ثمن رقبتها.
(١) كما في
الجواهر أيضا ، لقوله : «وبذلك ونحوه ظهر لك أنّ المهم حينئذ تحقيق كون مقتضى
الأدلة عدم جواز نقلها إلّا ما خرج بالدليل ، أو جوازه إلّا ما خرج؟ والظاهر
الأوّل» .
__________________
__________________
و[محمد] ابن مارد المتقدمتين ، وصحيحة عمر بن يزيد الآتية وغيرها (١) ـ ومن
(٢) الإجماع على أنّها لا تباع إلّا لأمر يغلب ملاحظته على ملاحظة الحقّ
______________________________________________________
(١) كرواية
السكوني المتقدمة أوّل المسألة ، فلاحظ (ص ٢٤١).
(٢) معطوف على «من
الأخبار».
__________________
__________________
الحاصل منها بالاستيلاد ـ أعني تشبّثها بالحرّية (١) ـ ولذا (٢) كلّ من
جوّز البيع في مقام ، لم يجوّزه إلّا بعد إقامة الدليل الخاص.
______________________________________________________
لكن لا يخفى
عدم ثبوت الإجماع التعبدي هنا ، لقوة احتمال استنادهم في ذلك إلى النصوص المتقدمة
، فلاحظ.
(١) تقدم في (ص
٢٥٤) تكرر هذه الكلمة في كتب الأصحاب ، وإن رماها المصنف قدسسره بكونها علة مستنبطة لا منصوصة ، فلا تصلح للاستناد.
(٢) هذا تشبث
بفهم الأصحاب لإثبات عموم المنع ، وهو مؤيّد ، لا دليل. يعني : ولأجل كون منع بيع
أمّ الولد قاعدة كلية ـ خارجة من عموم الوفاء بالعقود وحلّ البيع ـ فكلّ من جوّز
بيعها في موضع اعتمد على دليل يخصّص عموم المنع ، لا إلى العمومات المقتضية للصحة
، لفرض العلم بتخصيصها بالنصوص المانعة عن بيع أمّ الولد. ومن الواضح أنّ المرجع
في مورد الشك في بيعها هو العام الثاني المانع ، لا العام الفوق المعلوم تخصيصه.
__________________
فلا بد (١) من
التمسك بهذه القاعدة المنصوصة المجمع عليها حتى يثبت بالدليل ما هو أولى بالملاحظة
(٢) في نظر الشارع من الحقّ المذكور. فلا يصغى (٣)
______________________________________________________
(١) هذه نتيجة
استفادة القاعدة الكلية ـ في بيع أمّ الولد ـ من النصوص والإجماع.
(٢) كتعلق حق
الغير بها ، أو تعلق حقها بتعجيل العتق ، وغيرهما ممّا سيأتي في مواضع الاستثناء ،
فلاحظ (ص ٢٩٥) وما بعدها.
(٣) هذا إشارة
إلى القول المخالف في المسألة ، وهو إنكار عموم منع بيع أمّ الولد ، فيقتصر في
تخصيص عمومات الصحة على ما نهض الدليل على منع البيع ، ويقال بجواز البيع في
الموارد المشكوكة ، وقال به المحقق الأردبيلي والسيد المجاهد ونسب إلى فخر
المحققين وصاحب المدارك أيضا.
ففي مجمع
الفائدة : «ولكن لا يبعد أن يقال : إنّ الاستصحاب وأدلة العقل والنقل تدلّ على
جواز التصرف في الأملاك مطلقا ، فيجوز مطلق التصرف في أمّ الولد ببيعها مطلقا
وغيره إلّا ما خرج بدليل. وما ثبت الدليل ـ وهو الإجماع هنا ـ إلّا في منع البيع
مع بقاء الولد وعدم إعسار المولى بثمنها ...» .
وقال السيد
المجاهد ـ بعد الاستناد إلى عمومات صحة العقود والشروط ـ : «لا يقال : يعارض
العمومات المذكورة عموم ما دلّ على النهي عن بيع أمّ الولد ، وهو أخصّ من تلك
العمومات ، فينبغي تخصيصها به. لأنّا نقول : لم نجد عموما يدلّ على ذلك بحيث يكون
أصلا يرجع إليه في موارد الشك ، وإن كان الشهيد الثاني ادّعى وجوده. فإذا : الأصل
فيها العمومات المذكورة» .
__________________
إذا إلى منع الدليل على المنع كلّيّة ، والتمسك (١) بأصالة صحّة البيع من
حيث قاعدة تسلّط الناس على أموالهم (٢) حتى يثبت المخرج (٣).
ثمّ (٤) إنّ
المعروف بين العلماء ثبوت الاستثناء عن الكلّيّة المذكورة
______________________________________________________
(١) معطوف على «منع».
(٢) التمسك
بقاعدة السلطنة مبني على كونها مشرّعة للأسباب كما يقتضيه استدلال المحقق
الأردبيلي بها على مملّكية المعاطاة. وأمّا بناء على كون مدلولها نفي حجر المالك
عن التصرفات المشروعة فيشكل الاستناد إليها في المقام ، لعدم إحراز قابلية أمّ
الولد للنقل حتى يتجه صحة بيعها بها.
(٣) أي : ما
يخصّص أصالة صحة بيع أمّ الولد.
(٤) غرضه قدسسره أن منع بيع أمّ الولد من العمومات الشرعية المخصّصة
بمواضع سيأتي ذكرها. ولكن حكي عن السيد المرتضى قدسسره إنكار الاستثناء ، ولو تمّت الحكاية كان هذا القول
مقابلا ـ بتمام المقابلة ـ لمن أنكر أصالة المنع ، وذهب إلى أصالة صحة البيع. وفي
صحة ما نسبه ابن إدريس إلى السيّد تأمّل.
والأولى نقل
كلامه المنقول في المقابس ـ في حكم بيع أمّ الولد إن كان ثمنها دينا على مولاها
المعسر ـ وقوفا على حقيقة الأمر ، ففيه : «حيث قال ـ أي السيد ـ : ومما انفردت به
الإمامية القول بجواز بيع امهات الأولاد بعد وفات أولادهن ، ولا يجوز بيع أمّ
الولد وولدها حيّ. وهذا موضع الانفراد ، فإنّ من يوافق الإمامية في جواز بيع
أمّهات الأولاد يخالفها في التفصيل الذي ذكرناه. ثم استدلّ ـ أي السيد ـ بإجماع
الإمامية ، وأطال الكلام في الأدلة الدالة على جواز البيع ردّا على المخالفين» .
وقال في
السرائر : «وقال السيد المرتضى : لا يجوز بيعها ما دام الولد باقيا ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لا في الثمن ، ولا في غيره» .
والظاهر أن
منشأ نسبة منع البيع إلى السيد مطلقا هو قوله : «ولا يجوز بيع أمّ الولد وولدها
حيّ» إذ لم يفصّل قدسسره بين كون ثمنها دينا على السيد وعدمه.
لكن وجّه صاحب
المقابس كلام السيد بما لا يكون مخالفا لإجماع الأصحاب على جواز البيع في الفرض
المزبور ، قال قدسسره : «وعبارته ليست نصّا في المخالفة ، وإنّما قصد بها
الرّد على المخالفين ، حيث لم يوافقوا على التفصيل بين بقاء الولد وموته. ولمّا
كان التفصيل بذلك ـ أي بين حياة السيد وموته ـ مجمعا عليه بين الأصحاب ، فلذلك نقل
الإجماع عليه» .
ومحصّله : أنّ
نظر السيد نفي مذهب المخالفين من منع البيع مطلقا ، سواء بقي الولد أم مات ، وليس
مقصوده دعوى الإجماع على الجواز بعد وفاة الولد حتى يقال بمخالفته للأصحاب
المفصّلين بين كون ثمنها دينا على مولاها ، وعدمه.
وارتضى المصنف قدسسره هذا الحمل. وعليه فالكليّة المزبورة مخصّصة عند جميع
الإمامية. ولو فرض تمامية نسبة عموم المنع إلى السيد ، قلنا إنه لا عبرة به
لمخالفته للنصوص المعتبرة ، وهي على طائفتين :
الاولى : ما
دلّت على جواز بيعها في موضع خاص ، وهو ثمن رقبتها. وسيأتي التعرض لها قريبا ،
فلاحظ (ص ٢٩٩).
الثانية : ما
دلّت على أنّ أمّ الولد أمة ، ويجري عليها حكم سائر الإماء ، مع عدم سبق سؤال عن
بيعها في خصوص الدين ولا في غيره ، ومن المعلوم جواز التصرف الناقل في مطلق الأمة
ببيع وهبة ونحوهما. نعم يقيّد الإطلاق بمقدار قيام الحجة على المنع ، مثل كون
الولد حيّا ، ولم يكن ثمنها دينا على مولاها.
__________________
في الجملة (١). لكن المحكيّ في السرائر عن السيد قدسسره عموم المنع وعدم الاستثناء.
وهو (٢) غير
ثابت. وعلى تقدير الثبوت فهو ضعيف ، يردّه (٣) ـ مضافا إلى ما ستعرف من الأخبار ـ
قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة وقد سأله عن أمّ الولد ، قال : «تباع
وتورث ، وحدّها حدّ الأمة» بناء على حملها (٤) على أنّها قد يعرض لها ما يجوّز
ذلك.
______________________________________________________
فإن قلت : هذه
الرواية لا تدل على جواز بيعها في الجملة ، لظهورها في اتحاد حكمها مع سائر الإماء
، فكما يصحّ نقلها كذا يصح نقل أمّ الولد ، وهذا ينافي تلك القاعدة التي استفادها
المصنف من النصوص والإجماع من أصالة منع بيعها.
قلت : نعم ،
وإن كان ظاهرها معارضا لتلك القاعدة ، إلّا أن الرواية محمولة على أنّ أمّ الولد
قد يعرض عليها ما يجوّز البيع. وليس المراد مماثلة أمّ الولد لمطلق الأمة في جواز
البيع متى شاء السيد.
(١) وهي القدر
المتيقن من تخصيص عموم المنع ، وإن لم نقل بجواز بيعها في جميع المواضع الواردة في
كلمات الفقهاء.
(٢) أي : وعموم
المنع ـ عند السيد ـ غير ثابت ، لما تقدم من توجيه كلامه في المقابس.
(٣) هذه خدشة
اخرى في عموم المنع ـ لو سلّم التزام السيد قدسسره به ـ ومحصّلها دلالة الأخبار المعتبرة على جواز البيع
إمّا في خصوص الدين ، وإمّا من دون التقييد به.
(٤) إذ لو لم
تحمل عليه لكان مقتضاها جواز البيع مطلقا لا في خصوص طروء المسوّغات ، فلا بد من
هذا الحمل الذي هو جمع عرفي بين هذه الرواية وبين ما دلّ على عدم جواز بيعها.
__________________
وأمّا المواضع (١)
القابلة للاستثناء ـ وإن [وقد] وقع التكلّم في استثنائها
______________________________________________________
إلّا أن يقال :
إنّ قوله عليهالسلام : «وحدّها حد الأمة» يأبى عن هذا الحمل ، لكونه كالنص
في كون أمّ الولد كغيرها من الإماء من دون تفاوت بينهما. فلا بد حينئذ من معاملة
التعارض ، وتقديم ما دلّ على المنع عن بيع أمّ الولد لأرجحيته ، فلاحظ.
المبحث السادس :
المواضع القابلة للاستثناء من عموم المنع
(١) هذا شروع
في ذكر موارد يمكن تخصيص عموم منع البيع فيها ، واختلفوا في ضبطها وعدّها ، فاقتصر
الشهيد قدسسره في اللمعة على ثمانية مواضع ، وتنظّر في التاسع . وفي جامع المقاصد جواز بيعها في أربعة عشر موضعا ، وأضاف الشهيد الثاني قدسسره إلى ما في متن اللمعة ، فبلغ المجموع عشرين موضعا ، ثم
قال : «وفي كثير من هذه المواضع نظر» . وأنهاها صاحب المقابس قدسسره إلى ثمانية وثلاثين موضعا على ما فيها من الوفاق
والخلاف .
وأفاد المصنف قدسسره : أنّ الاستثناء ينشأ من وجود ما يصلح كونه أولى
بالرعاية من حقّ الاستيلاد ، وجواز بيعها لا بدّ أن يكون لانطباق أحد عناوين أربعة
:
أوّلها : تعلق
حق الغير بها ، كما إذا مات مولاها مديونا بثمنها ، ولم يخلّف شيئا لأدائه ، فحقّ
البائع أولى بالرعاية من حق أمّ الولد.
ثانيها : تعلق
حقّها بتعجيل العتق ، كما إذا مات أحد أقارب أمّ الولد ، وليس له وارث سواها ،
فتشترى من مولاها لتعتق ، ولو بقي شيء من التركة كان إرثا لها.
ثالثها : تعلّق
حقّ سابق على الاستيلاد ، كما إذا رهنها المولى في دين ، ثم
__________________
لأجل وجود ما يصلح أن يكون أولى بالملاحظة من الحقّ ـ فهي (١) صور ، يجمعها
:
تعلّق حقّ
للغير بها ، أو تعلّق حقّها بتعجيل العتق ، أو تعلّق حقّ سابق على الاستيلاد ، أو
عدم تحقق الحكمة المانعة عن النقل.
فمن موارد
القسم الأوّل : ما إذا كان على مولاها دين ، ولم يكن ما يؤدّي هذا الدّين (٢).
والكلام في هذا المورد قد يقع فيما إذا كان الدّين ثمن رقبتها ، وقد يقع فيما إذا
كان غير ثمنها.
وعلى الأوّل (٣)
، يقع الكلام تارة بعد موت المولى ، واخرى في حال حياته.
أمّا بعد الموت
(٤) ، فالمشهور الجواز ، بل عن الروضة :
______________________________________________________
استولدها ، وتعذر الوفاء ، فيجوز بيعها ، لتقدم حق الارتهان على حق
الاستيلاد.
رابعها : عدم
تحقق الحكمة المانعة عن نقلها إلى الغير ، كما إذا ارتدّ ولدها قبل وفاة السيد ،
فإنّ الحكمة من عدم بيعها ـ وهي الانعتاق من نصيب الولد ـ منتفية ، فيجوز بيعها.
(١) جواب الشرط
في «وأمّا».
القسم الأوّل : تعلق
حق الغير بامّ الولد
١ ـ أن يكون على
مولاها دين
(٢) هذا هي
المورد الأوّل ، وهو يتضمن صورتين ممّا ذكره في المقابس ، والجهة الجامعة بين
الصورتين هو بيعها في الدين ، ففصّل المصنف قدسسره بين كون الدين ثمن رقبتها ، وبين كونه مالا آخر في ذمة
السيّد ، فهنا مقامان. وعلى الأوّل فتارة يبحث عن جواز بيعها بعد وفاة السيد ،
واخرى في حياته.
(٣) هذا شروع
في المقام الأوّل ، وهو حكم بيع أمّ الولد مقدمة لأداء ثمنها إلى البائع.
(٤) أي : جواز
بيعها إن كان ثمنها دينا على السيد ولم يؤدّه في حياته.
أنّه موضع وفاق (١).
وعن جماعة (٢) «أنّه
لا خلاف فيه». ولا ينافي ذلك (٣) مخالفة السيد في أصل المسألة ، لأنّهم (٤) يريدون
نفي الخلاف بين القائلين بالاستثناء في بيع أمّ الولد ،
______________________________________________________
واستدلّ عليه ـ بعد الإجماع المتضافر نقله ـ بإطلاق قاعدة السلطنة ، وبصحيح
عمر بن يزيد ، وإن ناقش في الاستناد إلى حديث السلطنة ، كما سيأتي.
(١) قال الشهيد
الثاني قدسسره : «أما مع الموت فموضع وفاق» .
(٢) الحاكي عن
جماعة عدم الخلاف هو السيد العاملي ، وكذا في المسالك ومجمع الفائدة ، بل في جامع المقاصد : دعوى الإجماع عليه ، فراجع .
(٣) أي : ولا
ينافي عدم الخلاف ـ الذي ادّعاه جماعة ـ مخالفة السيد المرتضى ومنعه بيعها مطلقا ،
سواء في دين ثمنها أو في دين آخر ممّا في ذمة مولاها.
وجه عدم
التنافي : أنّ مقصود مدّعي الإجماع إمّا نفي الخلاف بين القائلين بالاستثناء ، لا
عدم الخلاف بين جميع الفقهاء حتى تقدح مخالفة السيد في تحقق صغرى الإجماع من جهة
إنكاره بيع أمّ الولد مطلقا. وإمّا نفي الخلاف بين الفقهاء المجوّزين لبيعها في
ثمن رقبتها ، لإتفاقهم على الجواز بعد وفاة السيد ، وإن اختلفوا فيه حال حياته.
وبكلّ من
الوجهين تتجه دعوى الإجماع على الجواز مع عدم معارضته بمخالفة السيد قدسسره له.
(٤) تعليل
لقوله : «لا ينافي» وجه عدم المنافاة الالتزام بأحد الأمرين كما مرّ آنفا.
__________________
أو القائلين باستثناء بيعها في ثمن رقبتها ، في قبال صورة حياة المولى
المختلف فيها.
وكيف كان (١) ،
فلا إشكال في الجواز في هذه الصورة (٢) ، لا لما قيل : «من قاعدة تسلّط الناس على
أموالهم» لما (٣) عرفت من انقلاب القاعدة إلى
______________________________________________________
(١) أي : سواء
تمّ توجيه دعوى الإجماع أم لم يتم ، فالحكم بالجواز مما لا شبهة فيه ، لوفاء
الدليل به. وهو إمّا عمومات صحة البيع وحليته ، وقاعدة السلطنة بتقريب : أن «أمّ
الولد» مال من أموال السيّد ، ومقتضى سلطنة الملّاك على أموالهم جواز التصرف الناقل
، إلّا ما خرج بدليل ، ومن المعلوم أن إطلاق السلطنة يزيل الشك في جواز بيع أمّ
الولد إن كان ثمنها دينا.
ونسب صاحب
المناهل إلى فخر المحققين الاستدلال بقاعدة السلطنة ، وارتضاه ،
وذكره صاحب الجواهر قدسسره وجها لتردّد المحقق لا للاعتماد عليه بوجه.
قال في الإيضاح
في شرح قول والده : «وفي اشتراط موت المولى نظر» ما لفظه : «والأوّل ـ أي عدم
الاشتراط ـ أولى ، لأنّها مملوكة ، والأصل جواز التصرف في الملك بالبيع وغيره ،
خرج المتفق على منعه ، بقي الباقي على الأصل» .
لكن تقدم في (ص
٢٩١) ما ربما يستفاد عدوله في باب الاستيلاد عنه.
وناقش المصنف
فيه بأنّ قاعدة السلطنة ونحوها مما يقتضي الصحة قد علم انقلابها ـ في أمّ الولد ـ
إلى قاعدة المنع ، فلا بد في موارد الشك من الرجوع ـ في هذا المال الخاص ـ إلى
عموم المنع ، لا إلى عمومات صحة العقود المفروض تخصيصها.
(٢) وهي صورة
بيعها ـ بعد وفاة المولى ـ في ثمن رقبتها.
(٣) تعليل
لقوله : «لا» وقد اتّضح وجهه آنفا.
__________________
المنع في خصوص هذا المال (١). بل (٢) لما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح
عن عمر بن يزيد ، قال : «قلت لأبي إبراهيم عليهالسلام (٣) : أسألك عن مسألة ، فقال : سل. قلت : لم باع أمير المؤمنين صلوات الله
وسلامه عليه أمّهات الأولاد؟ قال : في فكاك
______________________________________________________
(١) أي : أمّ
الولد ، والمراد من الانقلاب هو تخصيص العموم وتقييد الإطلاق.
(٢) معطوف على «لا
لما قيل» فكأنه قال : «لا إشكال في الجواز ، لما رواه المشايخ ... الخ».
(٣) هذا موافق
لما في التهذيب والفقيه ، وفي الكافي : «قلت لأبي عبد الله أو لأبي إبراهيم» من
تردد الراوي في أن المسؤول هو الإمام الصادق أو الكاظم عليهماالسلام.
ثم إن هذه
الصحيحة تضمّنت أسئلة ثلاثة ، والمقصود من ذكرها الاستدلال بجوابه عليهالسلام عن السؤال الثاني من جواز بيع أمّ الولد في ثمنها بعد
وفاة السيّد.
ولا بأس بتوضيح
ما ورد فيها ، إذ الظاهر حصول شبهة لعمر بن يزيد نشأت ممّا وصل إليه من أنّ أمير
المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين باع أمّهات الأولاد ، وظاهره تكرّر بيعهن ،
ولعلّ منشأ الشبهة حكم المخالفين بأنّ أمّ الولد حرّة ، وإنكارهم بيعها ، فاستجاز
عمر بن يزيد من الإمام عن أن يسأل ويستعلم ، فأجازه عليهالسلام. فسأل عن وجه فعل أمير المؤمنين عليهالسلام ، فأجابه الإمام عليهالسلام بأنّ البيع كان في فكاك رقابهن.
وكأنّ السائل
لم يقنع بهذا الجواب ، لعدم كون البيع في فكاك رقابهن بيّنا ، فسأل مرة اخرى «فكيف
ذلك؟» فأجابه عليهالسلام بما حاصله : أنه يجوز بيعها إذا اجتمعت امور ثلاثة :
الأوّل : أن
يكون ثمن الجارية دينا في ذمة مولاها ، ولم يؤدّه إلى بائعها. وهذا مفاد قوله عليهالسلام : «ولم يؤدّ ثمنها».
الثاني : موت
المولى حال كونه مديونا لثمنها ، وهذا مدلول قوله عليهالسلام : «ولم يدع من المال ما يؤدّي عنه» لظهور «لم يدع» في
موت المولى ، وإلّا لعبّر بمثل «ولم يكن له من المال ...».
رقابهنّ. قلت : فكيف ذلك؟ قال : أيّما رجل اشترى جارية فأولدها ولم (١)
يؤدّ ثمنها ، ولم يدع من المال ما يؤدّي عنه (٢) ، اخذ منها ولدها وبيعت (٣) ،
وادّي ثمنها. قلت : فيبعن (٤) فيما سوى ذلك من دين؟ قال (٥) : لا (٦)» .
وفي رواية (٧)
اخرى لعمر بن يزيد
______________________________________________________
الثالث : عدم
ترك مال لأداء الدين ، وتفريغ الذمة عن ثمن الجارية ، وهذا أيضا مفاد الجملة
المتقدمة.
ثم سأل عمر بن
يزيد عن جواز بيع أمّ الولد فيما عدا ثمنها من ديون اخرى لو كانت على السيّد. فنفى
عليهالسلام ذلك.
وبالجملة :
فالصحيحة وافية بإثبات المدّعى ، وهو جواز بيع أمّ الولد بعد وفاة السيد إن كان
مديونا بثمنها.
(١) كذا في
النسخ ، وفي الوسائل والكافي والفقيه والتهذيب : «ثم لم يؤدّ».
(٢) كذا في
النسخ ، وهو موافق لما في التهذيب والفقيه ، ولكن في الكافي «عنها» ، وفي الوسائل
: «عند» وهذا الأخير غير ظاهر. فلعلّه من سهو النسّاخ.
(٣) كذا في
الكافي والفقيه والتهذيب ، ولكن في الوسائل : «فبيعت».
(٤) كذا في
نسختنا ، وهو موافق لما في الكافي والتهذيب والوسائل ، وفي بعض نسخ الكتاب «فتباع»
وهو موافق لما في الفقيه.
(٥) الضمير
المستتر في «قال» في المواضع الأربعة رجع إلى أبي إبراهيم عليهالسلام.
(٦) أي : لا
يجوز بيعهن في ما سوى أداء أثمانهن.
(٧) التعبير
بالرواية لاشتمال السند على معلّى بن محمد ، وهو وإن كان من مشايخ الإجازة ، إلّا
أنّه لا توثيق له بالخصوص ، ولكن ضعف السند منجبر بعمل
__________________
عن أبي الحسن (١) عليهالسلام ، قال : «سألته عن أمّ الولد ، تباع (٢) في الدّين؟ قال
: نعم (٣) ، في ثمن رقبتها (٤)» .
ومقتضى إطلاقها
(٥) ،
______________________________________________________
الأصحاب ، لاستنادهم إليها في الحكم بجواز بيعها في حياة المولى إن كان
ثمنها دينا عليه ، كما سيأتي.
(١) وهو الإمام
الكاظم عليهالسلام بقرينة كون الراوي من أصحابه.
(٢) بتقدير
همزة الاستفهام أي : أتباع في الدين؟
(٣) كذا في نسخ
الكتاب ، وهو موافق لما في الكافي والوسائل ، ولكن في التهذيب «نعم تباع ...».
(٤) ودلالتها
على المدّعى ـ وهو جواز البيع في ثمن رقبتها بعد وفاة السيد ـ إمّا لأنّ قوله عليهالسلام : «نعم» في جواب السؤال ب «تباع في الدين؟» بصيغة
المجهول الظاهرة في كون البائع غير المولى. وفيه إشعار بكونه سؤالا عمّا بعد
الموت. وإمّا لأنّ تجويز البيع مطلق شامل لحالتي حياة السيد وموته.
وعلى كل
الوجهين تصلح الرواية للاستدلال بها على الصورة المتقدمة.
(٥) شرع قدسسره بتحقيق مدلول الروايتين من حيث وفائهما بإثبات جواز
بيعها في ثمن رقبتها حال حياة السيّد ، وعدمه. وكلمات المصنف ـ كما نبّه عليه
المحقق الإيرواني قدسسره مع اندماجها ـ تقع في مراحل :
الاولى :
التمسك بروايتي عمر بن يزيد لجواز بيعها.
الثانية :
التمسك بهما للمنع.
الثالثة : ترك
الاستدلال بهما ، إمّا للمعارضة ، وإمّا لعدم الدلالة ، ثم الانتقال
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إلى عموم المنع والقاعدة الكلية التي استفادها المصنف من النصوص والإجماع.
وفي هذه
المرحلة عارض هذا العموم بعموم صحة العقود وحلّ البيع كما ذهب إليه جمع ، ثم رجّح
عموم المنع.
الرابعة :
الرجوع ثانية إلى رواية ابن يزيد لإثبات جواز البيع حال الحياة ، وتقديمها على
معارضها وهي صحيحة ابن مارد.
أمّا المرحلة
الاولى ، فيمكن الاستدلال على جواز بيع أمّ الولد ـ في حياة مولاها ـ تارة بخصوص
رواية عمر بن يزيد من جهة إطلاق الجواز ، وعدم اختصاصه بحال الموت ، بعد عدم كون
قول السائل «تباع» قرينة على وفاة السيد. والتقييد بالموت وإن استفيد من صحيحته ،
إلّا أنّه لا موجب لحمل المطلق على المقيد هنا ، لكونهما مثبتين ، فلسان أحدهما
تجويز البيع بعد وفاة السيد ، والآخر تجويزه لأداء الدين مطلقا ، ولا منافاة
بينهما ، فيؤخذ بهما.
واخرى بكلتا
الروايتين ، بدعوى : إطلاق الصحيحة كإطلاق الرواية ، وذلك بمنع ما فيها من قرينة
على وقوع بيع الأمير عليه الصلاة والسلام بعد وفاة مواليهن.
أمّا قول
السائل : «لم باع أمير المؤمنين عليهالسلام؟» فلا يقتضي تحقق البيع بعد موت السيد ، لما في المقابس
من قوله : «وذلك لأنّه لا فرق في حياته وموته في أنّ المباشر هو المولى مع وجوده ،
والوارث بعد موته. فلا وجه لمباشرته عليهالسلام إلّا بطريق الوكالة أو الولاية حيث وجد سببها ، كامتناع
المولى أو الوارث ، أو صغر أو نحو ذلك. فالوجه في إسناده ـ أي إسناد البيع ـ إليه
: إمّا ذلك ، فيعم الصورتين ـ أي حياة السيد وموته ـ أو حكمه عليهالسلام بالبيع عموما أو في الموارد الخاصة ، لأنّ مثل ذلك مما
يرجع فيه إليه عليهالسلام ، لتعلق حق الله تعالى وحقّ أمّ الولد ببقائها لتحصيل
انعتاقها مع حصول شرائطه» .
__________________
بل إطلاق الصحيحة ـ كما قيل (١) ـ ثبوت الجواز مع حياة المولى كما هو مذهب
______________________________________________________
وأمّا قوله عليهالسلام : «بيعت» فلا يشهد بكون المتصدّي للبيع غير المولى بعد
وفاته ، وذلك «لأنّ التعبير بالمجهول في مقام سوق القضية بنحو الكلية ـ من دون
اختصاص الحكم بمالك دون مالك ـ شائع جدّا» .
وأما قول
السائل : «فيبعن» فليس قرينة أيضا على موت المولى ، لأعميته منه ومن حال حياته ،
خصوصا إذا كان المقصود تعميم جواز البيع لصورتي الموت والحياة.
مضافا إلى أنّه
كلام السائل ، فلو فرض ظهوره في إرادة البيع بعد الوفاة لم يكن حجة ، إذ العبرة
بما ورد في جوابه عليهالسلام.
وأمّا قوله عليهالسلام : «ولم يدع من المال» فهو وإن كان ظاهرا في البيع
الواقع بعد موت المولى ، ويؤمي إليه أيضا قوله : «بيعت» لكنه لا يقتضي تقييد
الإطلاق ، لاحتمال كون الغرض بيان إحدى الصورتين في مقام التمثيل. وإطلاق الخبر الثاني
يكشف عن كونه تمثيلا ، لا تخصيصا ولا بيانا ، لأنّ بيع أمير المؤمنين عليهالسلام كان في هذه الصورة خاصة. وقد فهم الأصحاب ذلك أيضا كما
يظهر منهم ، حيث لم يخصّصوا الحكم بذلك ولم يعتبروا مفهومه .
ويحتمل أن يراد
من قوله عليهالسلام : «ولم يدع» أنّ المولى لم يترك من ماله شيئا ، كما إذا
أنفق ماله مثلا ، ولم يبق منه ما يؤدّي به ثمن أمّ الولد.
وعليه فلا تختص
الصحيحة حينئذ بوفاة المولى.
(١) المصرّح
بإطلاق صحيحة عمر بن يزيد لحال حياة المولى جماعة ، منهم الشهيد الثاني وأصحاب
الرياض والمناهل والمقابس قدسسرهم. وهو مقتضى استدلال
__________________
الأكثر (١) ، بل لم يعرف الخلاف فيه صريحا (٢). نعم تردّد فيه الفاضلان (٣).
وعن نهاية
المرام والكفاية (٤) «أنّ المنع نادر ، لكنّه لا يخلو عن قوّة».
______________________________________________________
آخرين بالصحيحة على جواز بيعها في ثمن رقبتها وإن كان في حياة السيد ،
كالعلّامة والشهيد والمحقق الثاني والفاضل الأصفهاني ، وغيرهم قدس الله أسرارهم.
قال في المسالك
بعد نقل الصحيحة : «وهذه الرواية كما دلّت على جواز بيعها في ثمن رقبتها في هذه
الحالة مطلقا ـ الشاملة لموت المولى وعدمه ـ دلّت على عدم جواز بيعها في غيره من
الديون ، الشامل لما لو استغرقت التركة» .
(١) قال في
موضع من الرياض : «بل مطلقا على الأظهر الأشهر» .
(٢) ولدا ادّعى
صاحبا الرياض والمقابس الإجماع عليه.
(٣) يعني : في
بعض المواضع ، كالمحقق في بيع الشرائع ، والعلّامة في بيع القواعد والتحرير . وإلّا فلا تفصيل بين حياة المولى وموته في كلام المحقق
في نكاح الشرائع وعتقه والنافع ـ كما قيل ـ ولا في كلام العلّامة في المختلف
والإرشاد وعتق القواعد .
(٤) هذا إشارة
إلى المرحلة الثانية ، وهي استظهار منع بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها حال حياة
المولى ، خلافا للأكثر ، وهذا القول وإن كان نادرا كما ذكره صاحب المدارك قدسسره ، ولكنّه لا يخلو من قوة من جهة عدم الاعتماد على رواية
ابن يزيد ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بناء على مبناه من اختصاص أدلة حجية الخبر الواحد بالصحيح. وينحصر الدليل
في صحيحة ابن يزيد ، وهي بقرينة قوله عليهالسلام : «ولم يدع من المال» مختصة بإفادة الجواز بعد موته ،
فيبقى البيع قبله مندرجا في ما دلّ على عموم المنع.
قال قدسسره ـ بعد نسبة الجواز إلى الأكثر ، وجزم جدّه قدسسره به في المسالك ، وظهور «لم يدع» في الموت ـ ما لفظه : «والقول
بالمنع نادر ، لكنه لا يخلو عن قوّة» . وقريب منه كلامه في باب الاستيلاد .
وتصدّى صاحب
الجواهر قدسسره لتوجيه دلالة الروايتين على منع البيع حال الحياة بقوله
: «نعم قد يقال. إنّ الإطلاق المزبور يمكن تقييده بصحيح عمر بن يزيد الآخر ...
ضرورة ظهور قوله : ـ ولم يدع ـ في حال الموت كظهوره في اعتبار ذلك في الجواز ،
خصوصا بعد أن كان ذلك منها في بيان الكيفية المسؤول عنها ، بل هو صريح ذيله الشامل
للدين حال الحياة ... الخ» .
وتوضيحه : أنّ
رواية عمر بن يزيد وإن كانت مجوّزة لبيعها مطلقا ، إلّا أنها تقيّد بصحيحته
المختصة بحال الموت. والوجه في اختصاصها به أمران :
أحدهما : ظهور
قوله عليهالسلام : «ولم يدع» في كونه قيدا للكيفية التي سأل الراوي عنها
بقوله : «وكيف ذلك؟». والكيفية التي جاز فيها البيع هي أداء ثمن رقبتها بعد الموت.
وأمّا بيعها في حياة المولى فلم يذكره الإمام عليهالسلام ، وإنّما قرّر السائل فيما كان مرتكزا عنده من عموم
المنع. ومن المعلوم أنّ مفهوم تقييد الجواز بما بعد الموت هو انتفاء الجواز
بانتفاء القيد.
__________________
وربما يتوهم (١)
القوة (٢) من حيث توهّم تقييدها (٣) بالصحيحة السابقة ، بناء على (٤) اختصاص
الجواز فيها بصورة موت المولى ـ كما يشهد به (٥) قوله فيها :
______________________________________________________
وعليه فيكون
عموم المنع ـ المستفاد من تقريره عليهالسلام ـ بضميمة تقييد الجواز بالموت بمنزلة العام المخصّص ، والعام المخصّص يفيد
الحصر. ويتعين حينئذ تقييد إطلاق ما في رواية عمر بن يزيد «نعم تباع في ثمن رقبتها»
بما إذا لم يؤدّ المولى الدين في حياته.
ثانيهما : أنّ
قوله عليهالسلام : «لا» في ذيل الصحيحة في جواب سؤال ابن يزيد : «فيبعن
فيما سوى ذلك من دين؟» صريح في عدم جواز البيع إلّا في مورد واحد ، وهو المشار
إليه ب «ذلك» وهو الدين في ثمن الرقبة بعد الموت. ومن المعلوم أنّ بيعها حال
الحياة ـ وإن كان لوفاء الدين في ثمن أمّ الولد ـ داخل تحت عموم «ما سوى» كما يدخل
فيه سائر ديون السيّد. وبعد تقيّد الصحيحة بالجواز المختصّ بما بعد الموت يقيّد
إطلاق الجواز في الرواية الاخرى. ونتيجة هذا التقييد فقد الدليل المخصّص لعموم منع
أمّ الولد ليقال بجواز بيعها في ثمن رقبتها في حياة مولاها.
(١) لعلّ
الأنسب بمقام صاحب الجواهر قدسسره عدم التعبير عما أفاده بالتوهم في الموضعين.
(٢) قد ظهر أنّ
مناط منع البيع حال الحياة فقد الدليل عند صاحب المدارك قدسسره لعدم استناده إلى رواية عمر بن يزيد ، كما أنّ مناطه
بنظر صاحب الجواهر قدسسره تقييد إطلاق الرواية بالصحيحة ، لصراحتها في الاختصاص
بالبيع بعد الموت.
(٣) أي : تقييد
رواية اخرى ـ لعمر بن يزيد ـ بصحيحته.
(٤) هذا البناء
هو مبنى التقييد ، إذ لو كان مفاد الصحيحة مجرد جواز البيع في صورة موت السيد ـ من
دون دخل للموت فيه ـ لم تصلح الصحيحة للتقييد.
(٥) أي : يشهد
باختصاص الجواز قوله عليهالسلام : «ولم يدع».
وجه الشهادة :
ظهوره في أنّ المولى لم يخلّف مالا يؤدّى به ثمنها ، فهو ظاهر في
«ولم يدع من المال ... الخ» ـ فيدلّ (١) على نفي الجواز عمّا سوى هذا الفرد
(٢) ، إمّا لورودها (٣) في جواب السؤال عن موارد بيع أمّهات الأولاد ، فيدلّ (٤)
على الحصر. وإمّا (٥) لأنّ نفي الجواز في ذيلها فيما سوى هذه الصورة (٦) يشمل بيعه
(٧) في الدين مع حياة المولى.
______________________________________________________
الموت ، فيقيّد به إطلاق قوله عليهالسلام في خبر آخر لعمر بن يزيد : «نعم في ثمن رقبتها» إن لم
يكن ظاهرا في بيعها حال وفاة المولى ، لظهور قول الراوي : «تباع في الدين» في كون
البائع غير المولى ، الظاهر في موته.
وبالجملة :
فبعد تقيّد الروايتين أو تقييد المطلق منهما بمقيّدها ، يكون المتحصل جواز بيع أمّ
الولد في خصوص ثمن رقبتها بعد موت سيّدها.
(١) يعني :
فيدل قوله عليهالسلام : «فيدع» على نفي الجواز في غير هذا الدين المخصوص.
(٢) وهو دين
ثمنها بعد وفاة السيد.
(٣) أي : لورود
الصحيحة ، وهذا إشارة إلى أوّل الوجهين ، وتقدم توضيحهما بقولنا : «أحدهما ...
ثانيهما».
(٤) أي : فيدلّ
قوله عليهالسلام : «فيدع» على الحصر.
(٥) معطوف على «إمّا»
وهذا إشارة إلى ثاني الوجهين ، وهو قوله في الجواهر : «بل هو صريح ...».
ولعلّ الأولى
تبديل «أمّا» بالواو ، لأنّ صاحب الجواهر قدسسره جمع بين الوجهين ، وجعلهما قرينة على الحصر ، وليس
المقصود وفاء أحد الوجهين به على سبيل منع الخلو كما يستشمّ من كلمة «إمّا» والأمر
سهل.
(٦) أي : سوى
صورة موت المولى ، وبقاء ثمنها في ذمته.
(٧) كذا في
النسخ ، والصحيح «بيعها».
واندفاع التوهم
بكلا وجهيه واضح (١).
______________________________________________________
(١) هذا منع
قوّة عدم جواز البيع ـ حال حياة المولى ـ بالوجهين المتقدمين عن الجواهر.
أمّا منع
الأوّل ، فلعدم كون السؤال من تمام موارد جواز بيع أمّ الولد ، حتى يكون جوابه
مفيدا للحصر بما ذكره من المورد. بل الظاهر أنّ السؤال كان عن المسوّغ الذي باع
الأمير صلوات الله وسلامه عليه لأجله أمّ الولد ، وإن أجاب الإمام الكاظم عليهالسلام بنحو القضية الكلية المنطبقة على بيع الأمير عليهالسلام «في فكاك رقابهن». وحينئذ فاللازم ملاحظة هذه الكلية وما اخذ فيها من قيود.
ولا ريب في أنّ المتيقن من القيد هو عدم أداء الثمن وفقد المال الذي يؤدى به الدين
، وأمّا قيدية الموت فغير معلومة ، وإن كان جوابه عليهالسلام ناظرا إلى صورة الموت.
فالنتيجة :
أنّه لا وجه لاستفادة الحصر من الجواب ، فيمكن أن يكون هناك وجه آخر لجواز البيع.
وأمّا منع
الثاني ، فلظهور السؤال الثاني ـ كالأوّل ـ في بيعها في الدين بعد الموت ، والجواب
أيضا ظاهر في عدم بيعها بعد الموت ، فلا يشمل نفي الجواز في ذيلها بيعها في الدين
مع حيوة المولى ، لوضوح أنّ «بيعها في ثمن رقبتها في حياة المولى» وإن كان بيعا
لها في ما سوى حال الموت ، ولكنه ليس بيعا لها في ما سوى ثمن رقبتها ، والمراد
بقوله عليهالسلام : «في ما سوى ذلك» أي : سوى دين ثمنها من دون تقييد
بالموت.
وعليه فالوجهان
المزبوران لا يصلحان لإثبات عدم جواز البيع في حال حياة المولى حتى يكونا دليلين
على خلاف المشهور ، كما لا يخفى.
وقد تحصّل مما
أفاده المصنف قدسسره في المرحلة الثانية : قصور صحيحة ابن يزيد وروايته عن
إثبات منع البيع في حياة المولى.
نعم ، يمكن أن
يقال (١):
______________________________________________________
(١) هذا شروع
في المرحلة الثالثة ، وهي ترك العمل بالخبرين ـ بالنسبة إلى حكم البيع في حياة
السيد ـ إمّا لقصور الصحيحة والرواية ، وإما للمعارضة. وعلى كلّ منهما يتعين
الرجوع إلى قاعدة المنع العامة ، أو قاعدة اخرى.
أمّا قصور
الصحيحة فللجمود على ظاهرها من اختصاص الجواز بما بعد وفاة السيد. وأما قصور
الرواية فلظهور قول السائل : «تباع في الدّين؟» ـ بصيغة المجهول ـ في كون البائع
لها شخصا آخر بعد موت السيد.
وعليه فلا إطلاق
فيها لتجويز البيع حال الحياة ، كما لم يكن إطلاق في الصحيحة. وحينئذ فالمرجع
القاعدة الكلية في بيع أمّهات الأولاد ، وهو المنع.
وأمّا بناء على
عدم اختصاص رواية ابن يزيد بالبيع بعد وفاة المولى وشمولها لحال الحياة ، فتقع
المعارضة بينها وبين صحيحة ابن مارد المتقدمة في (ص ٢٦٥) وفيها قوله عليهالسلام : «هي أمته ، إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل ، وإن شاء
أعتق» لظهور المفهوم في أنّ الأمة المستولدة بالتزويج لو اشتراها وتملكها ـ وحملت
بعد الشراء ـ لا يجوز بيعها مطلقا ، سواء أراد السيد بيعها في ثمنها أم في غيره من
الديون ، أم فيما ليس دينا أصلا.
والنسبة بينهما
عموم من وجه ، وذلك لأخصية صحيح ابن مارد من رواية ابن يزيد من جهة ، لاختصاص
الصحيح بحياة المولى بقرينة قوله : «إن شاء باع» وأعميته منها من جهة اخرى ، لعدم
اختصاصه ببيعها في ثمن رقبتها.
وأخصية رواية
ابن يزيد من الصحيح من جهة ، لاختصاصها ببيعها في ثمن رقبتها ، وأعميتها منه من
جهة اخرى ، لعدم اختصاصها بحياة المولى.
ففي مورد
الاجتماع ـ وهو بيعها في ثمن رقبتها مع حيوة المولى ـ يتعارضان ويتساقطان ، فيرجع
إلى أصالة المنع عن البيع التي استنبطها المصنف قدسسره من روايات السكوني ومحمد بن مارد وعمر بن يزيد
المتقدمات ، وغيرها.
ـ بعد الغضّ (١) عن دعوى ظهور قوله : «تباع في الدّين» في كون (٢) البائع
غير المولى في ما بعد الموت ـ إنّ النسبة بينها (٣) وبين رواية ابن مارد المتقدمة
عموم من وجه ، فيرجع (٤) إلى أصالة المنع الثابتة بما تقدّم من القاعدة المنصوصة
المجمع عليها.
نعم (٥) ، ربما
يمنع عموم القاعدة
______________________________________________________
(١) إذ مع عدم
الغضّ عن هذه الدعوى لا تكون النسبة عموما من وجه ، لأنّ رواية عمر بن يزيد تدل
حينئذ على جواز بيعها في ثمن رقبتها بعد موت المولى ، ولا تدلّ على جواز بيعها مع
حياته حتى تكون أعمّ من وجه من صحيح ابن مارد المختص بعدم جواز بيعها مع حياة
المولى ، ليقع التعارض بينهما في المجمع ، إذ على هذا لا مجمع بينهما ، لتعدد
الموضوع.
(٢) متعلق ب «ظهور».
(٣) أي : بين
رواية ابن يزيد.
(٤) هذا نتيجة
تساقط المتعارضين ـ بالعموم من وجه ـ في المجمع ، وهو بيعها في ثمنها في حياة
المولى. فلا بدّ من الرّجوع إلى العام الفوق ، وهو إمّا القاعدة المستنبطة المانعة
عن بيع أمّ الولد كما عليه المصنف قدسسره. وإمّا العمومات المقتضية لصحة العقود إلّا ما خرج منها
بالدليل ، كما يظهر من صاحب المقابس.
(٥) استدراك على
مرجعية أصالة المنع بعد تعارض الروايتين ، وغرضه المناقشة في مرجعيتها ـ في مورد
الاجتماع المزبور ـ بما حاصله : أنّ عموم القاعدة المانعة عن البيع على وجه يشمل
صورة تعلق حق للمالك بامّ الولد ـ ليحتاج جواز بيعها في ثمن رقبتها مع حياة المولى
إلى تخصيص عموم تلك القاعدة ـ غير ثابت ، فلا مانع حينئذ من التمسك بقاعدة السلطنة
المقتضية لجواز البيع مع حياة المولى.
والظاهر أنّ
المنكر لأصالة المنع هنا هو صاحب المقابس قدسسره ، فإنه اختار مذهب المشهور من جواز بيع أمّ الولد في
ثمن رقبتها مطلقا في حياة المولى ومماته ،
على هذا الوجه (١) بحيث (٢) يحتاج إلى المخصّص ، فيقال (٣) : بمنع الإجماع
في محلّ الخلاف ، سيّما مع كون المخالف جلّ المجمعين ، بل كلّهم إلّا نادرا ،
وحينئذ (٤) فالمرجع إلى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم».
لكن التحقيق
خلافه (٥) ، وإن صدر هو
______________________________________________________
واستدل عليه بوجوه ، قال في أوّلها : «انّ الأصل في كل ملك جواز نقله إلى
الغير بالبيع وغيره. وأمّ الولد ملك المولى إجماعا ، ولا دليل يعتمد عليه في المنع
من بيعها مطلقا غير الإجماع ، وهو مفقود هنا» . وسيأتي تقريب منع عموم القاعدة.
(١) أي : عموما
شاملا لمورد الاجتماع بين الروايتين المتعارضتين ، إذ لو ثبت عموم في الجملة لم
يكن مرجعا في مورد الشك.
(٢) هذا شأن
العموم ، إذ لو ثبت لكان القول بجواز البيع في ثمن رقبتها مع حياة المولى متوقفا
على المخصّص.
(٣) هذا تقريب
لمنع عموم قاعدة عدم جواز البيع ، وحاصله : أنّ الإجماع الذي كان مستند هذه
القاعدة مفقود في محل الخلاف ، وهو بيعها في ثمن رقبتها مع حياة المولى ، لذهاب
جلّ المجمعين ـ بل كلّهم إلّا نادر ـ إلى جواز البيع في هذه الصورة ، فلا إجماع في
هذا الفرض حتى يستند إليه عموم قاعدة «عدم جواز بيع أمّ الولد» على وجه يشمل صورة
وجود المولى ، ويحتاج خروج الفرض عنه إلى التخصيص. فإذا لم يكن هنا عام يقتضي
بطلان البيع ، فالمرجع في مورد الاجتماع قاعدة السلطنة القاضية بجواز البيع.
(٤) أي : وحين
منع الإجماع في محلّ الخلاف.
(٥) هذا الضمير
وضمير «هو» راجعان إلى منع عموم القاعدة المدلول عليه ب «يمنع».
__________________
عن بعض المحققين (١) ، لأنّ المستفاد من النصوص (٢) والفتاوى : أنّ استيلاد
الأمة يحدث لها حقّا مانعا عن نقلها ، إلّا إذا كان هناك حقّ أولى (٣) منه
بالمراعاة.
وربما توهّم (٤)
معارضة هذه القاعدة بوجوب أداء الدين ، فيبقى قاعدة
______________________________________________________
(١) وهو صاحب
المقابس قدسسره. فعموم المنع ثابت ، وهو يقتضي عدم جواز بيع أمّ الولد
في ثمن رقبتها مع حياة المولى وإن كان خلاف المشهور ، إذ المنسوب إليهم جوازه.
(٢) تقدّم في (ص
٢٥٥) نقل النص الذي استفيد منه تشبث أمّ الولد بالحرية ، وكذلك جملة من الكلمات.
كما تقدم في (ص ٢٥١) دعوى صاحب الحدائق قدسسره إلحاق الأصحاب النقل بغير البيع بالبيع ، لاشتراك علّة
المنع في جميع النواقل ، وهو التشبث بالحرية.
ولعلّ كلام
المصنف هنا لا يخلو من منافاة لقوله هناك وفي (ص ٢٥٤) من عدم وجدان نصّ عليه.
فلاحظ.
(٣) مثل كون
ثمنها دينا في ذمة مولاها المعسر ، فإنّه أولى بالمراعاة من حقها بالاستيلاد.
(٤) هذا انتصار
للمشهور القائلين بجواز بيعها في ثمن رقبتها مع حياة المولى ، وحاصله : وقوع
التعارض بين قاعدة المنع عن البيع وبين وجوب أداء الدين فيتساقطان ، ويرجع إلى
قاعدة السلطنة المقتضية لجواز البيع ، وإلى استصحاب جواز بيعها في ثمن رقبتها قبل
الاستيلاد.
وهذه المعارضة
أوردها صاحب المقابس في منع ما حكي عن ابن حمزة قدسسره من اختصاص جواز بيعها في ثمنها بموت السيّد ، فردّه
المحقق الشوشتري قدسسره بالتمسك بالاستصحاب ، وبوجوب أداء الدين ، قال قدسسره : «يمكن الرّد عليه باستصحاب الحكم الثابت في حياة
المولى ... وبما دلّ على تقديم الدّين على الإرث ...» .
__________________
«السلطنة» وأصالة (١) بقاء جواز بيعها في ثمن رقبتها قبل الاستيلاد. ولا
يعارضها (٢) أصالة بقاء المنع حال الاستيلاد قبل العجز عن ثمنها ، لأنّ (٣) بيعها
قبل العجز ليس بيعا في الدّين ، كما لا يخفى.
ويندفع (٤) أصل
المعارضة بأنّ أدلة وجوب أداء الدين مقيّدة بالقدرة
______________________________________________________
(١) معطوف على «قاعدة»
أي : فتبقى أصالة الجواز ... الخ.
(٢) أي : لا
يعارض أصالة بقاء الجواز أصالة بقاء المنع. توضيحه : أن استصحاب جواز البيع قبل
الاستيلاد معارض باستصحاب المنع حال الاستيلاد قبل العجز عن ثمنها وإعسار المولى
عنه. فلا يصلح الاستصحاب لإثبات الجواز ، فلا يثبت مذهب المشهور وهو جواز البيع.
وهذه المعارضة
تظهر من السيد المجاهد قدسسره القائل بجواز بيعها في حياة السيد ، حيث قال في جملة
كلامه : «لا يقال : يعارضها ـ أي عمومات الصحة ـ أصالة بقاء عدم جواز بيعها. لأنّا
نقول ... بل أصالة بقاء جواز البيع يقتضي الحكم به حينئذ ، فيتحقق التعارض بين
الاستصحابين» فراجع .
(٣) هذا تعليل
لعدم معارضة الأصلين ، توضيحه : أنّ الاستصحاب منوط ببقاء موضوعه ، وهو مفقود في
استصحاب المنع ، لأنّ موضوعه عدم كون البيع في ثمن رقبتها.
وإن شئت فقل :
إنّ الموضوع في جواز البيع هو إعسار المولى ، وفي المنع عن البيع هو إيساره ، فهما
نظير السفر والحضر. وليس اليسر والعسر في المقام نظير تبدل حالات الموضوع ، بل
نظير السفر والخصر والفقر والغنى بالنسبة إلى الأحكام.
(٤) هذا دفع ما
تقدم من المعارضة بين منع بيع أمّ الولد في حياة السيد وبين وجوب أداء الدين.
والتعبير ب «أصل المعارضة» لأجل عدم الموضوع للمعارضة
__________________
العقلية والشرعية ، وقاعدة المنع تنفي القدرة الشرعية (١) ،
______________________________________________________
بين أصالتي المنع والجواز ، إذ بعد وجود عموم «المنع عن بيع أمّ الولد» لا
يبقى مجال للأصل العملي.
وتقريب الدفع :
أنّ دليل وجوب أداء الدين لا يصلح لمعارضة قاعدة المنع ، وذلك لارتفاع موضوعه ،
ضرورة تقيّد وجوب أداء الدين عقلا وشرعا بالقدرة على أدائه. أمّا عقلا فلاقتضاء
الخطاب القدرة على متعلقه.
وأمّا شرعا
فلدلالة الآية الشريفة على اعتبار اليسار. وأنّه لا يجب شيء على المعسر ، ويجب
إنظاره وإمهاله حتى يتيسّر له الأداء. ومن المعلوم أن قاعدة منع بيع أمّ الولد
تسلب سلطنة السيّد على بيعها ، فينتقي اليسار المأخوذ في موضوع دليل وجوب أداء
الدّين.
وأما حرمة بيع
أمّ الولد فلم يؤخذ في موضوعه إلّا عنوان «أمّ الولد» وهو محفوظ سواء وجب بيعها
لأداء الدّين أم لا.
وبعبارة اخرى :
انّ موضوع وجوب البيع ـ لأداء الدين ـ ما يكون صالحا للبيع ، وهو قاصر عن إثبات
الصلاحية ، لعدم كونه مشرّعا لجواز بيع ما لم يحرز جواز بيعه.
مثلا لو كان
للمديون مال بمقدار الدين أو أزيد منه ، لكن حجر شرعا عن التصرف فيه ـ بأن كان
مرهونا ـ لم يصلح الأمر بأداء الدين لتجويز بيعه مقدّمة لأداء دين آخر منه. فكذا
الحال في أمّ الولد ، فإنّ حق الاستيلاد مانع من بيعها وإن كان في ثمن رقبتها مع
حياة المولى.
وعليه فلا يصحّ
توجيه فتوى المشهور ـ بجواز بيعها في هذه الصورة ـ بما افيد من تعارض قاعدة المنع
ووجوب أداء الدين ، والرجوع إلى قاعدة السلطنة.
(١) فتكون
حاكمة على دليل وجوب أداء الدين ، لارتفاع موضوعه ـ وهو اليسار ـ بسلب سلطنة
المولى على نقل أمّ الولد.
كما في المرهون (١) والموقوف (*).
______________________________________________________
(١) لوجود
المانع ، وهو تعلق حق الغير به ، فلا يستقل الراهن ببيعه. وكذا الحال في الموقوف ،
فإنه وإن كان ملكا للموقوف عليه ، لكن تعلق الحقّ به يخرجه عن قابلية البيع.
هذا تمام ما
أفاده المصنف في المرحلة الثالثة ، ويأتي الكلام في المرحلة الرابعة ، وهي
الانتصار لمذهب المشهور برفع التعارض بين خبري ابن يزيد وابن مارد ، وترجيح الأوّل
على الثاني.
__________________
__________________
فالأولى في
الانتصار لمذهب المشهور أن يقال (١) : برجحان (٢) إطلاق رواية
______________________________________________________
(١) توضيحه :
أن منشأ تعارض خبري ابني يزيد ومارد بالعموم من وجه ـ وتساقطهما في الجمع ـ هو
ظهور الثاني في منع البيع مطلقا سواء أكان في ثمن رقبتها أم في غيره ، بأن يكون
مفهوم قوله عليهالسلام : «ما لم يحدث عنده حمل» عدم جواز بيعها مطلقا إن حملت
عنده بعد ما تملكها ، فكان هذا المفهوم معارضا لرواية ابن يزيد الظاهرة في جواز
البيع في ثمن رقبتها مطلقا سواء في حياة المولى وبعد وفاته.
والمقصود فعلا
إثبات إطلاق رواية ابن يزيد لحال حياة المولى ، لعدم قرينية قوله : «تباع» في كون
البيع مختصا بما بعد الموت. ثم ترجيح هذا الإطلاق على إطلاق صحيح ابن مارد لثمن
رقبة أمّ الولد ، ومرجوحية إطلاقه من وجوه :
أحدها : أن
قوله : «تمكث عنه ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها» كناية عن مضيّ مدة
مديدة من زمان شراء الأمة ، ومن البعيد جدّا عدم أداء دين ثمنها في تلك المدة.
ثانيها : ظهور
قول السائل : «ثم يبدو له في بيعها» في إرادة بيعه اختيارا ، وأنّ الداعي إلى البيع
هو عدم الرغبة في إبقاء أمّ الولد في ملكه ، لا اضطرارا لأجل أداء ثمنها.
ثالثها : أنّ
فتوى المشهور ـ وهي الجواز ـ تعاضد دلالة رواية ابن يزيد على الجواز في صورة حياة
المولى.
والحاصل : أنّ
أرجحية إطلاق رواية ابن يزيد لحال حياة المولى ـ لهذه الوجوه المزبورة ـ من إطلاق
صحيح ابن مارد لعدم جواز بيعها في ثمن رقبتها في حال حياة المولى ، تكون دليلا على
قول المشهور ، وهو جواز بيعها في ثمنها مع حياة المولى.
(٢) إن كان
مقصوده قدسسره منع إطلاق رواية ابن مارد وسلامة رواية ابن يزيد عن
المعارض ، كان التعبير بالرجحان مسامحة ، لانتفاء التعارض الموضوع للترجيح.
وإن كان غرضه
إبقاء إطلاق رواية ابن مارد وتضعيفه من جهة كون غالب أفراده ومصاديقه ممّا لا يبقى
ثمن الأمة مدة طويلة في عهدة سيّدها ـ بحيث يصلح
عمر بن يزيد على إطلاق رواية ابن مارد ، الظاهر (١) في عدم كون بيعها في
ثمن رقبتها ، كما يشهد به (٢) قوله : «فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد
ما ملكها ، ثم يبدو له في بيعها». مع أنّ (٣) ظاهر البداء في البيع ينافي الاضطرار
إليه (٤) لأجل ثمنها.
وبالجملة (٥) :
فبعد منع ظهور سياق الرواية فيما بعد الموت ، لا إشكال في رجحان دلالتها (٦) على
دلالة رواية ابن مارد على (٧) المنع ، كما يظهر بالتأمل (٨).
______________________________________________________
قول السائل «ثم يبدو له في بيعها» للبيع في ثمن رقبتها وللبيع بداع آخر ـ
فالتعبير بالرجحان في محلّه ، لبقاء الإطلاقين على حالهما ، ويتجه ترجيح أحدهما
على الآخر.
ولا يبعد أن
يكون هذا مراد المصنف قدسسره ، لا منع إطلاق صحيحة ابن مارد بالمرّة.
(١) صفة ل «إطلاق
رواية ابن مارد» وهذا الظهور الانصرافي ـ لكونه ناشئا من غلبة الأفراد ـ لا يوجب
وهنا في حجية أصالة الإطلاق.
(٢) أي : كما
يشهد بعدم كون بيع أمّ الولد ـ في صحيح ابن مارد ـ في ثمن رقبتها قول السائل : «فتمكث»
وهذا إشارة إلى الوجه الأوّل.
(٣) هذا هو
الوجه الثاني المتقدم آنفا.
(٤) أي : إلى
البيع ، وضمير «ثمنها» راجع إلى الأمة المذكورة في صحيح ابن مارد.
(٥) هذا خلاصة
ما أفاده بقوله : «أن يقال برجحان إطلاق رواية عمر بن يزيد ...» وكان المناسب
التنبيه أوّلا على إطلاق نفس رواية ابن يزيد لحالتي الموت والحياة ، ثم ترجيح
إطلاقها على إطلاق الصحيحة.
(٦) أي : دلالة
رواية ابن يزيد على الجواز.
(٧) متعلق ب «دلالة»
و«على دلالة» متعلق ب «رجحان».
(٨) الظاهر أنّ
وجه الرجحان هو قوّة الإطلاق في الرواية ، وضعفه في الصحيحة ،
مضافا إلى :
اعتضادها (١) بالشهرة المحققة. والمسألة محلّ إشكال.
ثمّ على
المشهور من الجواز (٢) ، فهل يعتبر فيه عدم ما يفي بالدّين ولو من
______________________________________________________
ونتيجة ذلك كون حمل الأمة مقتضيا لعدم جواز البيع. فهذا الحكم اقتضائي ،
وجواز بيعها في رواية ابن يزيد فعليّ. وهذا جمع عرفي مطّرد في كل حكم ثبت بالعنوان
الأوّلي ، وحكم ثبت بالعنوان الثانوي ، فإنّهم يحملون الأوّلي على الاقتضائي ،
والثاني على الفعلي.
(١) أي :
اعتضاد رواية ابن يزيد بالشهرة الفتوائية ، وهذا هو الوجه الثالث ، وهي قرينة
خارجية للترجيح ، كما أنّ الوجهين السابقين مرجّحان داخليّان.
وقد تحصّل من
كلمات المصنف في المراحل الأربع أنّ قول المشهور ـ من جواز بيعها في ثمن رقبتها
حال حياة المولى ـ هو مقتضى القاعدة. ولكنه قدسسره استشكل في حكم المسألة ، ولعلّه لما تقدم من اختصاص
رواية ابن يزيد بحال موت السيد ، بقرينة «تباع» فيكون المرجع عموم المنع.
(٢) تعرّض
المصنف ـ بناء على القول بالجواز ـ لفروع المسألة كما في المقابس وغيره أيضا.
الأوّل : أنّه
لا ريب في عدم جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها إن كان للمولى مال بقدره ممّا عدا
مستثنيات الدين ، لصدق اليسار عليه ، فتبقى أمّ الولد على حالها حتى تتحرّر بعد
موت السيد من نصيب ولدها.
كما لا ريب في
جواز بيعها ـ إن كان ثمنها دينا على السيد ـ ولم يكن له مال أصلا حتى من
المستثنيات ليوفي دينه.
إنّما الكلام
فيما لو انحصر ماله ـ الوافي بأداء الدين ـ في المستثنيات من الدار والمركوب
والخادم ونحوها ، فهل يجوز بيعها في ثمن رقبتها وبقاء مستثنيات الدين في ملكه ،
فينتفي تحرّرها بعد موت السيد ، أم لا يجوز بيعها ، فيصرف شيء من المستثنيات في
تفريغ ذمة المولى من ثمنها؟ فيه قولان ، المنسوب إلى الأكثر الثاني ،
المستثنيات كما هو ظاهر إطلاق كثير (١) ، أو ممّا عداها (٢) كما عن جماعة (٣)؟
______________________________________________________
وإلى جماعة كالمحقق والعلّامة والشهيدين قدسسره الأوّل ، وقوّاه المصنف قدسسره ، وسيأتي.
(١) كما في
المقابس أيضا «وهذا هو الظاهر من فتاوى معظم الأصحاب هنا ، حيث اعتبروا عدم تملكه
لشيء آخر غيرها ممّا يوفي ثمنها ، ولم يستثنوا شيئا» .
(٢) أي : ممّا
عدا مستثنيات الدّين ، فيتحقق الإعسار بفقد ما عداها ، وملكه للمستثنيات لا يوجب
كونه موسرا حتى لا تباع أمّ ولده.
(٣) كالمحقق
والعلّامة والشهيدين قدسسرهم ، ممّن اعتبر في جواز بيعها إعسار المولى ، وهو ـ شرعا ـ
عدم تملك ما يفضل على مستثنيات الدين. قال في بيع الشرائع : «أو ـ أي يجوز بيعها ـ
في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها» . وقال في نكاحه : «ويجوز بيعها مع وجود ولدها في ثمن
رقبتها إذا لم يكن لمولاها غيرها» .
ومثله في
الموضعين عبارة القواعد .
ولعل مراده من «غيرها»
ما يفضل عن مستثنيات الدّين. وصرّح أصحاب مجمع الفائدة والحدائق والمناهل باعتبار ذلك ، خلافا لصاحب الجواهر ، ففيه : «وحينئذ لا
وجه لاعتبار الإعسار المفسّر بما سمعت ، ضرورة عدم الفرق بين المستثنيات وغيرها في
الدين ، فيكون المعتبر حينئذ عدم شيء غيرها يؤدي عنه كما في الصحيح» .
__________________
الأقوى هو
الثاني (١) (*) ، بل لا يبعد أن يكون ذلك مراد من أطلق (٢) ، لأنّ (٣) الحكم
بالجواز
______________________________________________________
(١) وهو جواز
بيعها في ثمن رقبتها وإن كان السيد مالكا لمستثنيات الدين.
(٢) يعني : لم
يقيّد جواز البيع بالإعسار ، بل قال : «لم يكن للمولى غيرها» إذ «الغير» شامل
لمستثنيات الدين وغيرها. قال شيخ الطائفة : «لا يجوز بيعها إلّا في ثمنها إذا كان
دينا على مولاها ولم يكن له غيرها» .
(٣) تعليل لقوله
: «الأقوى» ومحصّله : أنّ رواية عمر بن يزيد ـ الدالة على جواز بيعها في ثمن
رقبتها في حياة المولى ـ ناظرة إلى أنّ مانعية الاستيلاد عن البيع ترتفع لو كان
ثمنها دينا ، وتصير ملكا طلقا ، ويتعيّن بيعها في هذا الدّين ، كما يؤخذ المديون
في سائر الموارد ببيع أمواله ـ عدا المستثنيات ـ لأداء دينه.
وعليه فلا
إطلاق في قوله : «ولم يدع من المال ما يؤدّي عنه» ليشمل ما لو خلّف السيد دار
السكنى ونحوها من المستثنيات ، ليقال بإناطة جواز بيع أمّ الولد بعدم ترك شيء من
الأموال وإن كانت ممّا استثناه الشارع للمديون ، ولم يلزمه ببيعها ، هذا.
__________________
__________________
في هذه الصورة (١) في النصّ والفتوى مسوق لبيان ارتفاع المانع عن بيعها من
جهة الاستيلاد (٢) ، فتكون ملكا طلقا كسائر الأملاك التي يؤخذ المالك ببيعها من
دون بيع المستثنيات (٣).
فحاصل السؤال
في رواية عمر بن يزيد : أنّه هل تباع أمّ الولد في الدين على حدّ سائر الأموال
التي تباع فيه (٤)؟
وحاصل الجواب :
تقرير ذلك (٥) في خصوص ثمن الرقبة ، فيكون ثمن الرقبة بالنسبة إلى أمّ الولد كسائر
الديون بالنسبة إلى سائر الأموال.
ومما ذكر (٦)
يظهر : أنّه لو كان نفس أمّ الولد ممّا يحتاج إليها المولى للخدمة ،
______________________________________________________
(١) أي : صورة
كون الثمن دينا في ذمة السيّد ، فيجوز بيعها حال حياته.
(٢) أي : أنّ
الاستيلاد لا يمنع من البيع في هذه الصورة.
(٣) فكما أنّ
بيع سائر الأموال في الدين مشروط بعدم كونها من مستثنيات الدين ، وإلّا لا يلزم
المديون ببيعها ، فكذا يكفي في بيع أمّ الولد عدم وجود غير مستثنيات الدين فلا
تباع المستثنيات لا في ثمن رقبة أمّ الولد ولا في سائر الديون.
(٤) أي : في
الدين.
(٥) أي : تقرير
جواز البيع في خصوص ثمن الرّقبة ، لا في سائر ديون سيّدها.
هذا كلّه في
أصل جواز بيع أمّ الولد مع وجود مستثنيات الدين ، وسيأتي ما فرّعه على الجواز من
أمرين.
(٦) من جواز
بيعها إن لم يكن عند المولى شيء غير مستثنيات الدّين ، وهذا
__________________
فلا تباع (١) في ثمن رقبتها ، لأنّ (٢) غاية الأمر كونها بالنسبة إلى الثمن
كجارية اخرى يحتاج إليها.
ومما ذكرنا (٣)
يظهر الوجه في استثناء الكفن ومئونة التجهيز ، فإذا كان للميّت (٤) كفن وأمّ ولد ،
بيعت في الدّين ، دون الكفن ، إذ يصدق أنّ الميّت لم يدع ما يؤدّي عنه الدين عداها
(٥) ،
______________________________________________________
متفرّع على تقديم جواز بيع أمّ الوالد على استثناء بعض الأموال عن بيعها
وفاء للدين.
وحاصل هذا
الفرع : أنّ من مستثنيات الدين الخادم اللائق بحال المديون ، فلو كانت أمّ الولد
مما يحتاج إليها السيد للخدمة كانت هي من جملة المستثنيات ، ولا يجوز بيعها حينئذ.
فكما لا تباع جارية المديون ـ المحتاج إلى خدمتها ـ لوفاء الدين ، لكونها كدار
السكنى والنفقة ، فكذا لا تباع أمّ الولد وإن كان في ثمن رقبتها.
(١) جواب الشرط
في «لو كان».
(٢) تعليل لعدم
بيعها ، وتقدم توضيحه آنفا.
(٣) أي : من
جواز بيعها مع وجود مستثنيات الدين ـ إن لم يكن للمولى مال يفي به الدين ـ يظهر ...
، وهذا فرع آخر مما يتفرع على جواز بيع أمّ الولد.
وحاصله : أنّ
ما يستثنى من تركة الميّت الكفن ، ومئونة التجهيز لخروجها من الأصل قبل أداء
الدين. فلو ترك الكفن وأمّ الولد ـ مع كون ثمنها دينا على الميت قدّم المستثنى ،
وهو الكفن ، وبيعت في ثمن رقبتها ، وذلك لصدق الضابطة الواردة في رواية عمر بن
يزيد : من أنّ السيد لم يدع من المال شيئا ليؤدّى به الدّين سوى نفس أمّ الولد ،
لفرض عدم كون الكفن ومئونة التجهيز مالا يؤدّى به الدّين.
(٤) أي :
للميّت المعسر ، حيث لم يكن له في حياته ـ سوى المستثنيات ـ مال لأداء ثمن أمّ
ولده ، فإعساره بعد الموت بعدم مالكية مئونة التجهيز.
(٥) أي : عدا
أمّ الولد ، فتباع في ثمنها.
لأنّ (١) الكفن لا يؤدّي عنه الدين.
ثم (٢) إنّه لا
فرق بين كون ثمنها بنفسه دينا للبائع (٣) ، أو استدان الثمن (٤)
______________________________________________________
(١) تعليل لصدق
: أن الميّت لم يخلّف مالا يؤدّى به عنه دينه.
هذا تمام
الكلام في أوّل ما فرّعه المصنف قدسسره على جواز بيع أمّ الولد في حياة السيد مقدمّة لأداء
الدّين ، وما ترتّب عليه من فرعين. وسيأتي الكلام في الفرع الثاني.
(٢) هذا فرع
ثان من فروع جواز بيعها في حياة السيد ، وتوضيحه : أنّ كون ثمن أمّ الولد على عهدة
السيد يتصور على أنحاء :
الأوّل : أن
يشتري الأمة بثمن كلّيّ في ذمته ـ كمائة دينار ـ ولم يؤدّ منه شيئا إلى البائع ،
ولم يكن له مال غيرها ليوفي به الدين ، ثم صارت عنده أمّ ولد. وهذا المورد هو
القدر المتيقن من جواز بيعها في ثمنها.
الثاني : أن
يقترض السيد بقدر ما عيّن من ثمن الجارية ، فيشتريها ، ولم يكن له مال يفي بدينه.
الثالث : أن
يشتري الجارية بثمن في ذمّته ـ كالنحو الأوّل ـ إلّا أنه استدان من شخص آخر مقدار
الثمن ، ودفعه إلى البائع ، مع فرض عدم تملّك مال يؤدّي به الدين.
وهل يختصّ جواز
بيعها في ثمن رقبتها بالنحو الأوّل؟ لكون الثمن للبائع في ذمة السيّد ، بخلاف
الأخيرين ، فإن الدّين ليس في ثمنها وإن كان لأجل ثمنها.
أو يفصّل بين
النحو الثاني والثالث ، بجواز بيعها في الثاني دون الثالث؟ جزم المصنف قدسسره بعدم جواز بيعها في الأخير ، ونقل تأمّل صاحب المقابس قدسسره في الثاني.
(٣) هذا هو
النحو الأوّل ، المعهود من إطلاق «كون الثمن في الذمة».
(٤) هذا هو
النحو الثاني ، ولعلّ وجه إلحاقه بالأوّل كون الدين بشخصه ثمنا للجارية ، فلو بيعت
في أداء هذا الدين فقد بيعت في ثمنها.
واشترى به. أمّا (١) لو اشترى في الذمة ، ثم استدان ما أوفى به البائع ،
فليس بيعها في ثمن رقبتها ، بل ربما تؤمّل (٢) فيما قبله ، فتأمّل (٣).
ولا فرق (٤)
بين بقاء جميع الثمن في الذمّة أو بعضه ،
______________________________________________________
(١) هذا هو
النحو الثالث ، وحكمه عدم جواز البيع ، لأنّ ما استقرّ في ذمة السيد ليس ثمنا ، بل
ما أوفى به الثمن دين عليه.
(٢) المتأمل ـ
بل المانع ـ هو المحقق الشوشتري ، قال قدسسره : «ولو استدان لأداء الثمن وأدّاه منه ، أو اشتراها
بذلك الثمن الذي استدانه بعينه ، وسلّمه إلى البائع ، فقد سقط حق البائع عنه وعن
الأمة ، وبقي حق الدين ، وحكمه كسائر الديون» ، ثم نقل كلام ابني زهرة وإدريس قدسسره هما القائلين بجواز بيعها لو استدان لثمنها مع عجزه عن
وفاء الدين ، ثم قال : «والأصح ما ذكرناه».
ولا يبعد ما
ذكره ، لعدم صدق «ثمن أمّ الولد» على ما في ذمته ، لأنّه ليس عوضا عن الأمة ، وأنّ
ما في ذمته مال الغير الذي استدانه منه. وليس عنوان الثمنية للأمة منطبقا عليه.
والجمود على ظاهر عنوان «ثمن رقبتها» يقتضي المصير إلى ما ذهب إليه في المقابس ،
فتدبّر.
(٣) إشارة إلى
: أنّ معنى قوله : «تباع في ثمن رقبتها» هل هو نفس الثمن الكلّي الواقع في ذمته
بدلا عن الأمة؟ فكأنّه قيل : «تباع في دين هو نفس ثمن الأمة» فيصدق على نفس الثمن
الكلي في الذمة ، وعلى المال الذي استدانه واشترى بعينه الجارية ، ولا يصدق على
غير هاتين الصورتين من الصور. بل يمنع صدقه على المال الذي اقترضه واشترى بعينه
الجارية ، لعدم اشتغال ذمته به بعنوان كونه ثمنا للجارية ، كما لا يخفى.
أم معناه «الدين
الذي نشأ لأجل ثمن الجارية» فيصدق على جميع الصور.
(٤) هذا فرع
ثالث من فروع جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها حال حياة المولى ،
__________________
ولا بين (١) نقصان قيمتها عن الثمن أو زيادتها (٢) عليه.
______________________________________________________
ومحصّله : أنّه لا فرق في الجواز بين عدم أداء شيء من ثمنها إلى البائع ،
وبين أداء بعضه وبقاء بعضه الآخر في ذمة السيّد.
والوجه في عدم
الفرق صدق «أنّها بيعت في ثمنها» فإنّ «الثمن» وإن كان مجموع ما يقع عوضا في
المعاملة ، فيقول البائع : «بعتكها بمائة» مثلا ، وليس «الثمن» كليا ليصدق على كل
جزء منه ، فالجزء بعض الثمن لا هو الثمن ، إلّا أنّه يصدق «ما لم يؤد ثمنها» ما
دام بقي شيء من ثمنها في ذمة المولى ، لأنّ عدم أداء كل الثمن يتحقق بعدم أداء
بعضه.
قال في المقابس
: «انّه لا فرق بين بقاء جميع الثمن في ذمة المولى أو بعضه ، لاشتراك السبب ،
ولإطلاق الأخبار حتى صحيحة عمر بن يزيد ، فإنّ قوله : ـ لم يؤدّ ثمنها ـ شامل لما
إذا لم يؤدّ جميعه ، سواء لم يؤدّ منه شيئا أصلا ، أو أدّى بعضه دون بعض. مضافا
إلى إطلاق أوّله وآخره. وكلام معظم الأصحاب أيضا مطلق ...» ثم نقل خلاف الشيخ في
كتاب التهذيب ، وإن أطلق الحكم في الإستبصار ، فراجع .
(١) هذا رابع
الفروع ، وحاصله : أنّه يجوز بيعها في ثمن رقبتها ، سواء زادت عليه ، بأن اشتراها
بمائة دينار ، فارتفعت إلى مائة وخمسين ، أم ساوته ، أم نقصت عنه ، بأن صارت
ثمانين دينارا.
والوجه في عدم
الفرق بين هذه الحالات إطلاق النصّ المجوّز لبيعها لأداء دينها ، قال في المقابس :
«ولا فرق أيضا بين مساواة القيمة للثمن الباقي في الذمة أو نقصانها عنه ، وبين
زيادتها عليه ... لإطلاق النصّ والفتوى ، مع ندرة المساواة وغلبة الاختلاف في مثل
ذلك» .
(٢) أي : زيادة
القيمة الفعلية على ثمنها.
__________________
نعم (١) لو
أمكن الوفاء ببيع بعضها اقتصر عليه ، كما عن غاية المراد التصريح به (٢).
ولو كان (٣)
الثمن مؤجّلا لم يجز للمولى بيعها قبل حلول الأجل وإن كان
______________________________________________________
(١) هذا فرع
خامس ، وهو كالاستدراك على الفرعين السابقين ، ومحصله : أنّ جواز بيعها في ثمنها
يدور مدار أداء الدين ، فلو بقي نصف ثمنها في عهدة السيد ، وارتفعت قيمتها إلى ضعف
ثمنها لم يجز بيع أزيد من ربعها. ولو بقي تمام الثمن في ذمته اقتصر على بيع نصفها
، وهكذا. والوجه في الاقتصار عدم صدق «بيعها في ثمن رقبتها» على بيع بعضها الآخر ،
فلا يجوز ، لكون الاضطرار إلى بيع البعض لا الكل ، فهو نظير الإكراه على البعض
الذي لا يدعو إلى فعل الجميع.
قال في المقابس
: «ولو بيع بعضها وادّي بقيمته جميع الثمن لم يجز بيع الباقي ، لعدم كون هذا البيع
في أداء الثمن ، فيكون باطلا» .
(٢) أي :
بالاقتصار على بيع بعض أمّ الولد. قال قدسسره فيه : «واعلم أنّه ـ أي أن العلّامة قدسسره ـ شرط في منع البيع القدرة على الثمن أو إيفائه ، وهو لا يصدق إلّا بالقدرة
على المجموع ، أو إيفائه المجموع. وحينئذ مفهومه : صحة بيعها إذا قدر على البعض أو
أوفى البعض. وهو جيّد إن اريد به بيع ما يقوم بما يفي ، لا بيع الجميع لو فضل عن
الباقي في الذّمة» . وحكاه عنه في المقابس .
واقتصر صاحب
الجواهر قدسسره على بيان الوجهين من دون ترجيح .
(٣) هذا سادس
فروع جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها ، وهو في الواقع تقييد الجواز بكون الدّين
حالّا ، يطالب المولى به. فلو كان مؤجّلا ، كما لو اشتراها بمائة دينار إلى سنة
مثلا ، وحملت منه أو ولدت له قبل مضيّها ، لم يجز بيعها قبل حلول
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأجل ، وذلك «لأنّ قوله : ولم يؤدّ ثمنها وإن كان مطلقا من حيث كونه حالا
ومؤجّلا ، إلّا أنّ المتعارف من هذا التعبير أن يكون ـ أي عدم الأداء ـ من باب
العدم المقابل للملكة ، لا السلب المقابل للإيجاب. فلا يقال : ـ لم يؤدّ الثمن ـ
إلّا إذا كان الثمن أدائيّا ، والمؤجّل ليس كذلك ، إذ ليس للدائن استحقاق الأداء ،
ولا المديون مستحقا عليه الأداء» .
وبيانه : أنّ
جواز بيعها في ثمن رقبتها إمّا أن يكون لأجل تزاحم حق الاستيلاد مع حق الدائن
والبائع ، كما يستفاد من تعليل صاحب المقابس بقوله : «لأنّ ذلك ـ أي الأجل ـ زمان
الاستحقاق ، ولإمكان الإبراء أو تبرع آخر بالأداء» (*). وإمّا لأجل تعارض دليل حرمة بيعها مع دليل وجوب أداء الدين ، وتقديم
الثاني على الأوّل.
والمفروض عدم تحقق
شيء منهما في المقام. أمّا التزاحم فلفرض عدم حقّ فعليّ للدائن ، ولا سلطنة فعلية
له على المولى. فلا مزاحم فعليّ لحق الاستيلاد.
__________________
__________________
مأيوسا من الأداء عند الأجل (١).
وفي اشتراط (٢)
مطالبة البائع ، أو (٣) الاكتفاء باستحقاقه ولو (٤) امتنع عن
______________________________________________________
وأمّا التعارض
، فلعدم خطاب فعلي بوجوب أداء الدين حتى يقدّم على دليل بيع أمّ الولد.
(١) لعدم
موضوعية اليأس فعلا مع كون الاستحقاق استقباليا.
(٢) هذا سابع
الفروع ، وهو أيضا ـ كما صرّح به ـ ناظر إلى ما يحتمل كونه شرطا لجواز بيعها في
الدّين. وتوضيحه : أنّه لو اشتراها بثمن في ذمته واستولدها ، فيحتمل في جواز بيعها
وفاء للدين وجوه :
الأوّل :
اشتراطه بمطالبة البائع ، وجعله في المقابس مقتضى الاحتياط ، والاقتصار على موضع
اليقين في مخالفة الأصل. والظاهر إرادة أصالة منع بيع أمّ الولد.
الثاني : عدم
اشتراط جواز بيعها بمطالبة الثمن ، بل يكفي استحقاق البائع للدين ببلوغ الأجل ،
حتى مع امتناعه عن تسلّم الثمن. ووجهه اقتضاء إطلاق «جواز بيعها في ثمنها» سواء أكانت
هناك مطالبة من البائع أم لم تكن. وحيث إنّ الدين مستحق هنا ببلوغ الأجل ، فلا
يقاس هذا الفرع بالفرع المتقدم الذي موضوعه عدم فعلية الاستحقاق.
الثالث :
التفصيل بين رضا البائع بتأخير أداء الدين وإسقاط ماله من حقّ الحلول ـ وإن لم يكن
هذا الحق من الحقوق القابلة للإسقاط ـ فلا يجوز بيعها حينئذ. وبين عدم مطالبته
بالثمن وإن لم يرض بالتأخير ، فيجوز بيعها حينئذ ، لاستحقاقه للثمن بالحلول.
(٣) هذا هو
الوجه الثاني ، وهو مقتضى إطلاق رواية ابن يزيد المجوّزة لبيعها في ثمنها.
(٤) وصلية ،
فالمناط في الجواز هو استحقاق البائع للثمن ، سواء رضي بتسلّمه من المولى أم أبى ،
فيوضع عند الحاكم أو أمين.
التسلّم ، أو الفرق (١) بين رضاه بالتأخير وإسقاطه لحقّ الحلول وإن لم يسقط
بذلك (٢) ، وبين عدم المطالبة ، فيجوز في الثاني دون الأوّل (٣) [في الأوّل دون
الثاني] وجوه (٤) ، أحوطها الأوّل ، ومقتضى الإطلاق الثاني (٥).
ولو تبرّع (٦)
متبرع بالأداء ، فإن سلّم إلى البائع برئت ذمّة المشتري ،
______________________________________________________
(١) هذا هو
الوجه الثالث ، أي : التفصيل بين الرضا بالتأخير وعدم المطالبة.
(٢) أي :
بالإسقاط ، كعدم سقوط الأجل لو أسقطه المديون ليصير الدّين حالا.
(٣) كذا في بعض
النسخ المصححة ، وهو موافق لنصّ عبارة المقابس ، فما في نسختنا من قوله : «فيجوز
في الأوّل دون الثاني» لعلّه سهو من النسّاخ.
(٤) مبتدء
مؤخّر لقوله : «ففي اشتراط».
(٥) قال في
المقابس : «والأوّل مقتضى الاحتياط ، والاقتصار على موضع اليقين في مخالفة الأصل ،
مع كون الغالب مطالبة صاحب الحق بحقه. والثاني مقتضى الإطلاق. والثالث طريق الجمع»
.
والحقّ دوران
الجواز مطلقا مدار إطلاق دليل جواز البيع ، فمع إطلاقه يجوز مطلقا ، وبدونه لا بدّ
من الاقتصار على المتيقن ، وهو اعتبار مطالبة البائع.
(٦) هذا فرع
ثامن من فروع كون ثمن الأمة دينا على المولى ، ومحصّله : أنّه هل يشترط في جواز
البيع عدم وجود من يتبرّع بأداء الدّين ، أم لا؟ فصّل المصنف قدسسره ـ كما في المقابس أيضا ـ بين تسليم الثمن للبائع ، فيسقط الدين حينئذ ويصح بيعها ، لانتفاء
الموضوع وهو الدين. وبين تسليمه للمولى إن كان حيّا ، أو للورثة إن كان ميّتا.
وفي وجوب
القبول وجهان ، وجه الوجوب : احتمال اختصاص جواز البيع بصورة الاضطرار والعجز عن
أداء الدين ولو بالتكسّب ، وأنّ مجرّد عدم ملكية ما يقابل الدّين غير كاف في جواز
البيع ، فيجب حينئذ عليهم القبول لئلّا تباع أمّ الولد.
__________________
ولا يجوز بيعها (١). وإن سلّم (٢) إلى المولى أو الورثة (*) ، ففي وجوب
القبول نظر (٣).
______________________________________________________
ووجه عدم
الوجوب كون قبول الهبة ـ مقدمة لأداء الدين ـ منة لا يجب على المولى ولا على ورثته
قبولها. وعليه فلا مانع حينئذ من تقدم حق الدائن وجواز بيع أمّ الولد.
(١) لسقوط
الدين عن ذمة السيّد ، ولا مجوّز لبيعها.
(٢) تسليم ما
يقابل الثمن إلى السيد أو وارثه يمكن أن يكون بعنوان الإباحة والبذل ، وأن يكون
بعنوان التمليك والهبة. والظاهر إرادة الهبة بقرينة توقفه على القبول ، وتنظّره في
وجوبه.
فلو كان
التبرّع للسيّد بعنوان البذل أمكن القول بعدم جواز بيع أمّ الولد ، لأنّ إباحة
المال محقّقة لسلطنة المولى على أداء دينه ، والمفروض كفاية هذا المقدار في أداء
الدين ، وعدم توقفه على الملك ـ بقبول الهبة مثلا ـ كتوقف جملة من الامور عليه
كالبيع والوقف والعتق. فلا حاجة إلى القبول حينئذ حتى يتكلم في وجوبه وعدمه.
(٣) كما في
المقابس أيضا ، ولعلّ وجه الوجوب احتمال اختصاص جواز البيع
__________________
__________________
وكذا (١) لو ارضي البائع باستسعائها في الأداء.
ولو (٢) دار
الأمر بين بيعها
______________________________________________________
بصورة الاضطرار والعجز عن أداء الدين ولو بالتكسّب ، وعدم كفاية مجرد عدم
تملك ما يقابل الدّين في جواز البيع ، فيجب حينئذ القبول لئلّا تباع أمّ الولد.
ولكن يمكن أن يقال
: إنّ الإطلاق يدفع هذا الاحتمال ، فلا يجب عليهم القبول. كما يمكن الالتزام بعدم
وجوب القبول ، لكونه منة لا يلزم تحمّلها ، لما في قبول الهبة لكلّ أحد ومن كلّ
أحد مهانة ونقص يوجب الحرج المنفي شرعا.
(١) يعني : ففي
جواز البيع نظر ، وهذا فرع تاسع ، وهو ملحق حكما بالفرع الثامن. ومحصله : أنّه لو
أرضى السيد أو الورثة ـ أو ثالث ـ البائع بأن تسعى أمّ الولد وتكتسب لتوفي ثمنها ،
فهل يجوز للسيد أو الورثة بيعها ، من جهة صدق عدم وجود مال فعلا يؤدّى به الدين؟
أم يجب الاستسعاء ما دام البائع راضيا بتأخر تسلم الثمن. ولعلّ وجهه انصراف دليل
جواز البيع عن هذه الصورة التي لا مطالبة لذي الحق فعلا وإن جازت له.
(٢) هذا فرع
عاشر ، ومحصله : أنّه لو دار الأمر في بيعها في ثمن رقبتها بين أن يشتريها أبوها
أو أخوها أو ابن أخيها أو غيرهم ممّن تنعتق أمّ الولد عليه قهرا ، وبين أجنبي ،
فتبقى رقّا إلى أن تتحرر من نصيب ولدها من الإرث ، ففي تقديم الأوّل ، أو التخيير
بينه وبين الأجنبي ، وجهان.
وجه الوجوب ـ
كما في المقابس ـ أمران : أحدهما : تغليب جانب الحرية ، وحصول الانعتاق الذي هو
الغرض الموجب لمنع بيعها.
ثانيهما :
الجمع بين الحقين أي حق البائع المستحقّ للثمن. وحق أمّ الولد للتحرّر.
ووجه عدم
الوجوب إطلاق الرواية المجوّز لبيعها إن لم يجد ما يؤدّي به الثمن.
ويجري الوجهان
لو كان المشتري أجنبيا ، ودار الأمر بين بيعها منه بشرط أن يعتقها ، وبين بيعها
منه مجرّدا عن الشرط.
ممّن ينعتق (١) عليه ، أو (٢) بشرط العتق ، وبيعها (٣) من غيره (٤) ، ففي
وجوب تقديم الأوّل وجهان (٥).
ولو (٦) أدّى
الولد ثمن نصيبه
______________________________________________________
(١) كذا ،
والصواب «تنعتق».
(٢) أي : من لا
تنعتق أمّ الولد عليه قهرا من الأصناف الأحد عشر ، فالمراد كون المشتري أجنبيّا
دائرا بين شخصين ، أحدهما يشتريها بشرط أن يعتقها ، والثاني يأبي الشرط المزبور.
(٣) معطوف على «بيعها»
أي : وبين بيعها.
(٤) أي : غير
من ينعتق عليه وغير من يرضى شرط العتق ، فتبقى أمّ الولد عنده رقّا.
(٥) لكن احتمل
في المقابس تفاصيل في المسألة ، قال قدسسره : «ففي وجوب البيع عليه ـ أي على من ينعتق أو من يقبل
شرط الإعتاق ـ دون غيره به ، وممّن لم يكن كذلك ، أو التخيير بينهما ، أو التفصيل
بين ما إذا اشتراه بما يشتريه به غيره ، وما إذا كان بأقلّ منه ، فيتعيّن في
الأوّل دون الثاني. أو ـ أي يفصّل ـ بين ما إذا كان البائع المولى أو الورثة ، أو
بينهم أيضا بين ما انحصر الوارث في الولد ، وما إذا شاركه غيره ممّن لا ينعتق
عليه. أو بين حصصهم في هذه الصورة ، فيجب على الولد أن يبيع على من ينعتق عليه إن
أمكن ، ولا يجب على غيره ، إشكال» .
(٦) هذا فرع
حادي عشر ، وهو مفروض في موت السيّد وبقاء ثمن أمّ الولد في ذمته ، وانتقال أمواله
إلى ورثته ، ولكن لم يف نصيب ولدها بالدين ، كما إذا كان ثمنها مائة دينار ، ونصيب
الولد من التركة خمسين دينارا ، فأدّاها إلى البائع أو من يقوم مقامه ، وبقي نصف
ثمنها دينا ، فينعتق منها نصفها ، ويتوقف تحرّر جميعها على ما ذكروه في باب العتق بالسراية
، وهو : أن الولد إن كان موسرا ـ أي له مال غير
__________________
انعتق (١) عليه ، وحكم الباقي يعلم من مسائل السراية (٢).
______________________________________________________
ما ورثه من أبيه ـ انعتق تمامها ، ويقوّم عليه نصيب الباقي. وإن كان معسرا
سعت في باقي ثمنها ، فإن أدّته انعتق نصيب سائر الورثة منها.
ثم إنّ وجه ربط
هذا الفرع بفروع بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها هو حصول التعارض بين دليلين.
أحدهما : ما
دلّ على انتقال التركة بمجرد الموت إلى الورثة.
وثانيهما : ما
دلّ على انعتقا هذه الأمة على الولد بالملك لإرث كان أو غيره.
وحيث إنّ صحيحة
عمر بن يزيد ـ من جواز بيعها في الدين ـ ناظرة إلى صورة موت المولى ، وانتقالها
بالإرث ، فلا بدّ من تخصيص إحدى القاعدتين بالاخرى ، إمّا بالالتزام بأنّ ما ينتقل
إلى الوارث غير الجارية المستولدة التي بقي ثمنها ، فتنعتق. وإمّا بالالتزام باختصاص
انعتاق أمّ الولد بصورة استقرار الملك بالإرث ، وهو بعد أداء الدين ، غاية الأمر
أنّ سائر الديون لا تمنع من استقرار الإرث ، بخلاف ثمن رقبتها.
والظاهر تخصيص
قاعدة الانعتاق ، لما دلّ على جواز بيعها في الثمن.
وبهذا يتّجه ما
في المتن من أنّه لو أدّى الولد نصيبه انعتقت عليه بمجرد الأداء ، إذ المخصّص
لقاعدة الانعتاق هو جواز بيعها لوفاء الثمن ، فإذا أدّى ثمن نصيبه ارتفع الموضوع ـ
وهو الدين بمقدار نصيبه ـ فلا يجوز البيع. فتبقى قاعدة الانعتاق بلا مانع ، وينعتق
باقيها بما ذكروه في باب السراية.
(١) كذا في
النسخ ، والأولى «انعتقت» وفي المقابس «انعتق نصيبه» فيتجه بناء الفعل للمذكّر.
(٢) قال المحقق
قدسسره : «وإذا ملك شقصا ممّن ينعتق عليه ، لم يقوّم عليه إن
كان معسرا. وكذا لو ملكه بغير اختياره» . وقال في عتق شقص العبد المشترك : «قوّم عليه إن كان
موسرا ، وسعى العبد في فكّ ما بقي منه إن كان المعتق معسرا» .
__________________
ولو أدّى (١)
ثمن جميعها ، فإن أقبضه البائع فكالمتبرع (٢). وإن كان (٣) بطريق الشراء ، ففي
وجوب قبول ذلك (٤) على الورثة نظر (٥) ، من الإطلاق (٦) ،
______________________________________________________
(١) أي : الولد
، وهذا هو الفرع الثاني عشر ، ومفروضه موت المولى وبقاء الثمن في ذمته ، وانتقال
التركة إلى الورثة. والمذكور في المتن ـ كالمقابس ـ صورتان ، فتارة يؤدّي ولد الجارية ثمنها إلى البائع تفريغا لما في ذمة
أبيه ، فيكون متبرعا بأداء دين أبيه ، ولا ريب في منع بيع امّه حينئذ.
واخرى يمضي إلى
سائر الورثة ، ويشتري منهم حصصهم من الامّ ، كما لو كان الورثة عشرة ، فاشترى
الولد أنصبة التسعة منهم.
وهل يجب على
الورثة بيعها من الولد لتنعتق عليه ، أم يجوز الامتناع ، فتكون كسائر التركة ملكا
لهم ، ويجوز لهم بيعها ـ من غير ولدها ـ في ثمن رقبتها؟ فيه وجهان ، مقتضى إطلاق «بيعها
في ثمنها» جواز الامتناع ، فتباع من أجنبي مقدمة لوفاء الدين. ومقتضى الجمع بين حق
الاستيلاد والدّين وجوب بيعها للولد ، فيؤدّي الورثة ثمنها بالعوض المأخوذ من
ولدها.
(٢) حيث تقدم
في الفرع التاسع سقوط الدين بالتبرع ، وعدم توقفه على القبول.
(٣) معطوف على «فإن
أقبضه» أي : وإن كان أداء الولد ثمن جميع امّه بطريق شرائها من إخوته وسائر الورثة
ـ ليوفوا دين المورّث بما يأخذوه من الولد ـ ففي وجوب القبول نظر.
(٤) أي :
الشراء من الورثة.
(٥) مبتدء مؤخر
لقوله : «ففي وجوب» والجملة بتمامها جواب الشرط ل «وإن كان».
(٦) هذا وجه
عدم وجوب القبول على الورثة ، والمراد به عدم تقييد «بيع الأمة في ثمنها» ببيعها
من ولدها ، فلا مانع من كون المشتري لها أجنبيّا.
__________________
ومن الجمع (١) بين حقّي الاستيلاد والدّين.
ولو امتنع (٢)
المولى من أداء الثمن من غير عذر ، فلجواز بيع البائع لها
______________________________________________________
(١) هذا وجه
وجوب القبول ، وتقدم بيانه آنفا.
(٢) هذا هو
الفرع الثالث عشر ، وهو مبني على إلحاق الامتناع عن أداء الدين بعدم الأداء حتى
يجوز بيعها لوفاء ثمنها. وحاصله : أنّه لو امتنع مولى الجارية من أداء ثمنها إلى
البائع مع كونه موسرا ، وانحصر طريق استيفاء حقّه في المقاصة ، بأن يأخذ الجارية
من مولاها وبيعها من آخر مقاصة ، فهل يجوز له ذلك إمّا مستقلا وإمّا بالاستئذان من
الحاكم ، أو لا يجوز ذلك؟ استدل صاحب المقابس لكلّ من الجواز والمنع ، ثم رجّح
المنع.
أمّا وجه
الجواز فامور :
الأوّل : تنزيل
يسار المولى ـ مع الامتناع عن أداء الثمن ـ منزلة إعساره ، فكما لا يمنع الغريم من
استرداد عين ماله مع إعسار المديون ، فكذا يجوز للبائع هنا.
الثاني : إطلاق
بعض النصوص ، كرواية عمر بن يزيد الثانية المجوّزة للبيع في ثمن الرقبة ، بدعوى
شمول إطلاقها لصورة وجود المال ، إلّا إذا كان المولى موسرا غير ممتنع عن أداء
الثمن ، فيجوز البيع فيما عداه. ومنه المقام ، وهو امتناع المديون من الأداء من
مال آخر.
الثالث : أنّ
حق البائع مقدّم عند التزاحم ـ مع حق الاستيلاد ـ من جهة سبقه زمانا ، لأنّ بناء
المعاوضة على التقابض من الطرفين ، والمفروض عدم قبض الثمن.
وأمّا وجه
المنع فامور ثلاثة أيضا ، وهي المنقولة في المتن عن المقابس :
الأوّل : أنّ
الشارع اعتبر لأمّ الولد حقّا يمنع من بيعها ، ومن المعلوم عدم سقوط هذا الحق
بامتناع المولى الموسر عن أداء ثمنها ، و (لا تَزِرُ وازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرى) ، فينبغي إلزام المولى بالوفاء ، لا بيع الجارية.
الثاني : ظهور
الفتاوى في منع بيعها في هذه الحالة.
الثالث : أنّ
أمّ الولد متشبثة بالحرية وإن لم يتحرر منها شيء في حياة مولاها ،
مقاصّة مطلقا (١) ، أو مع إذن الحاكم وجه (٢).
وربما يستوجه (٣)
خلافه (٤) ، لأنّ المنع (٥) لحقّ أمّ الولد ، فلا يسقط بامتناع المولى ، ولظاهر (٦)
الفتاوى ، وتغليب (٧) جانب الحرّية.
وفي الجميع نظر
(٨) (*).
______________________________________________________
فلو جاز بيعها بقيت على الرّقية. وحيث إن الشارع غلّب جانب الحرية لم يجز
للبائع أخذها وبيعها من آخر للحصول على ثمنها.
هذا ما استدلّ
به صاحب المقابس ، وسيأتي مناقشة المصنف فيها.
(١) في قبال
اشتراط جواز بيعها باستيذان الحاكم ، فالمراد بالإطلاق استقلال بائع الجارية
باستردادها وبيعها ، سواء أذن الحاكم أم لم يأذن.
(٢) والدليل
على هذا الوجه الامور الثلاثة ، وقد تقدم بقولنا : «أما وجه الجواز فامور ...».
(٣) المستوجه
صاحب المقابس قدسسره ، لقوله : «والأوجه المنع ، عملا بظاهر الفتاوى ... الخ»
.
(٤) أي : خلاف
الجواز الذي لا يخلو من وجه.
(٥) هذا أوّل
الامور الثلاثة ، يعني : لأنّ منع بيعها يكون لأجل حق الاستيلاد ، فلا يسقط هذا
الحق بامتناع المولى عمّا يجب عليه من إيصال الثمن للبائع.
(٦) معطوف على «لأنّ
المنع» يعني : أن قولهم : «أم الولد مملوكة لا يجوز بيعها» مطلق ، يشمل ما لو
امتنع المولى الموسر عن تسليم الثمن للبائع.
(٧) معطوف على «ظاهر»
أي : ولتغليب جانب الحرية.
(٨) أمّا في
الأوّل ، فلعدم قيام حجة على اعتبار حقّ لأمّ الولد حتى يؤخذ
__________________
__________________
والمراد بثمنها
(١) : ما جعل عوضا لها
______________________________________________________
بإطلاق مانعيته عن نقلها إلى الغير بالبيع وشبهه ، وإنّما ينتزع حقّها من
النهي عن بيعها. وحينئذ فلو فرض إطلاق بعض النصوص ـ بحيث يقتضي جواز بيعها ـ لم
يكن منشأ لانتزاع الحق حتى يقال بأنّ حقّها لا يسقط بامتناع مولاها عن أداء الثمن.
وأمّا في
الثاني ، فلأنّ الفتاوى إن بلغت حدّ الإجماع ، فهو الحجة ، وإلّا فلا حجة فيها.
مضافا إلى :
أنها غير مسوقة لبيان عدم ترخيص البائع في بيعها ، بل ناظرة إلى حكم المولى ومنعه
من نقلها عن ملكه.
وأمّا الثالث :
فلأنّه اعتبار محض لا حجة عليه شرعا ، مع أنّ مورد تغليب جانب الحرية هو ما لو
تحرّر بعض المملوك ، والمفروض في المقام عدم تحرر شيء منها بعد.
(١) هذا هو
الفرع الرابع عشر ، والغرض منه بيان ما يراد ب «الثمن» الذي يجوز بيع أمّ الولد
مقدمة لوفائه ، فأفاد قدسسره : أنّ «الثمن» وإن كان ظاهرا في ما يقابل المثمن ،
فيختص بعقد البيع ، ولا يشمل ما إذا كان انتقال الجارية إلى المولى بعقد آخر
كالصلح المعاوضي ، فلا يجوز بيعها حينئذ لأداء عوض الصلح إلى المصالح ، إلّا أنّ
__________________
في عقد مساومتها (١) وإن كان صلحا.
وفي إلحاق (٢)
الشرط المذكور في متن العقد
______________________________________________________
المراد بالثمن ما جعل عوضا في العقد المعاوضي ، إمّا لظهوره عرفا في مطلق
العوض ، وإمّا لمناسبة الحكم والموضوع.
قال في المقابس
: «والمعتبر في الثمن مقابلته بالأمة في عقد المعاوضة وإن كان صلحا ونحوه على
الأشبه ، لمساواة الجميع في المعنى المقتضي للبيع ، ولقوله عليهالسلام : في فكاك رقابهن. فذكر البيع والثمن في بعض النصوص وفي
الفتاوى محمول على الغالب» .
(١) وهي «المجاذبة
بين البائع والمشتري على السلعة وفصل ثمنها» . لكن المراد به هنا المجاذبة بين المتعاوضين سواء أكان
العقد بيعا أم غيره.
(٢) هذا هو
الفرع الخامس عشر ، ومحصله : أنّه تقدّم جواز بيع أمّ الولد في ثمنها لو كان في
ذمة المولى ولم يكن له مال يفي به. وهل يجوز البيع لو أدّى الثمن أو كان له مال
يفي به ، ولكن شرط بائع الجارية ـ في العقد ـ على المشتري شيئا يحتاج الوفاء به
إلى المال ، وهو معسر لا مال له إلّا أمّ الولد ، كما لو شرط الإنفاق على البائع
سنة مثلا ، فعجز عن الوفاء بما التزم به ، بحيث توقف إنفاذه على بيعها ، مقدمة
للوفاء بالشرط ، فيكون كجواز بيعها في ثمنها ، أم لا؟
وبعبارة اخرى :
هل يكون الشرط كالثمن في جواز بيعها أم لا؟
استشكل المصنف ـ
وفاقا لصاحب المقابس قدسسرهما ـ في الإلحاق.
فوجه الإلحاق
كون الشرط كالمبيع في أنّ له قسطا من الثمن ، ومعدودا جزءا منه ، فالعجز عن الوفاء
به كالعجز عن أداء الثمن ، فيجوز بيعها ، إن لم يكن «بيعها في ثمنها» منصرفا عنه.
__________________
بالثمن (١) ـ كما إذا اشترط الإنفاق على البائع (٢) مدّة معيّنة ـ إشكال (٣).
وعلى العدم (٤)
، لو فسخ البائع ، فإن قلنا بعدم منع الاستيلاد من الاسترداد
______________________________________________________
ووجه عدم
الإلحاق : عدم كون الشرط جزءا منه ، لأنّ الثمن عبارة عمّا يقع تلو «باء» المقابلة
، والشرط وإن كان منشأ لتفاوت ما يبذل بإزاء العين ، إلّا أنّه خارج عن الثمن ،
فلا يجوز بيعها حينئذ فيه ، لعدم صدق «بيعها في ثمنها» عليه (*).
(١) متعلق ب «إلحاق
الشرط» والمراد بالإلحاق جواز بيعها مقدمة للوفاء بالشرط.
(٢) متعلق ب «اشترط»
يعني : اشترط البائع على المشتري للأمة : أن ينفق على البائع مدة.
(٣) مبتدء مؤخر
لقوله : «وفي إلحاق» وتقدّم وجه الإشكال جوازا ومنعا.
(٤) يعني :
وعلى عدم الإلحاق : لو فسخ البائع لأجل تخلف الشرط ـ بعد أن أولدها المشتري ـ فعلى
القول بعدم منع الاستيلاد عن النقل ، فلا مانع من الاسترداد بلا إشكال. وعلى القول
بمنع الاستيلاد من الاسترداد وصيرورتها بالاستيلاد كالتالف انتقل إلى القيمة
الفعلية سواء زادت عن ثمنها الذي اشتراها به أم نقصت عنه.
والظاهر عدم
جواز الاسترداد وإن قلنا بجواز بيعها في قيمتها ، وذلك لعدم صدق «بيعها في ثمنها»
على بيعها للوفاء بالشرط ، لما اشير إليه من عدم كون الشرط جزء للثمن حتى يصدق
البيع في ثمنها عليه.
نعم ، بناء على
جواز بيعها في مطلق الدين أمكن أن يقال بكشف ذلك عن ارتفاع مانعية الاستيلاد النقل
، فيجوز استردادها حينئذ. والمسألة تحتاج إلى التأمل.
__________________
بالفسخ استردّت. وإن قلنا (١) بمنعه عنه فينتقل إلى القيمة.
ولو قلنا (٢)
بجواز بيعها حينئذ (٣) في أداء القيمة ، أمكن القول بجواز استردادها ، لأنّ (٤)
المانع عنه (٥) هو عدم انتقالها ، فإذا لم يكن بدّ من نقلها لأجل القيمة ، لم يمنع
(٦) عن ردّها إلى البائع ، كما لو بيعت على البائع في ثمن رقبتها (٧).
______________________________________________________
(١) معطوف على «فإن
قلنا» يعني : وإن قلنا بمنع الاستيلاد عن استرداد نفس الجارية ، انتقل حق البائع
إلى القيمة.
(٢) هذا تتمة
لقوله : «وعلى العدم» لا أنه مقابل له ، وحاصله : أنّه لو فسخ ذو الخيار وقلنا
بانتقال حقّه إلى القيمة ، لا العين رعاية لحق الاستيلاد ، ولم يتمكّن المولى من
أداء القيمة إلا ببيعها ، أمكن القول بجواز ردّ عينها إلى البائع وعدم تعيّن بيعها
، وذلك لوحدة المناط ، إذ بعد جواز انتقالها عن المولى لا فرق بين نقلها إلى
المشتري ، ثم تسليم القيمة إلى البائع ، وبين نقلها ـ ابتداء ـ إلى البائع ذي الخيار.
وامتناع
استرداد عينها بالفسخ لا ينافي جواز استردادها وفاء للقيمة التي هي كالثمن. كما
أنّ عدم جواز بيعها مقدمة للوفاء بالشرط ـ على ما تقدم في الفرع السابق ـ لا ينافي
جواز بيعها في أداء القيمة.
وعليه فالمقام
نظير جواز بيعها في ثمن رقبتها من البائع لا من أجنبي حتى يؤدّى ثمنها إلى البائع.
(٣) أي : حين
الالتزام بمنع الاستيلاد عن استرداد العين والانتقال إلى القيمة.
(٤) تعليل
لإمكان القول بجواز استرداد العين ، وتقدم بيانه آنفا.
(٥) أي : عن
استرداد العين.
(٦) أي : لم
يمنع الاستيلاد عن ردّ أمّ الولد إلى البائع.
(٧) إذ بعد
جواز بيعها في أداء ثمنها لا فرق بين أن يكون مشتريها هو البائع أو أجنبيا.
هذا تمام
الكلام في المقام الأوّل المنعقد لبيان حكم بيعها في ثمنها إن كان دينا على
المولى.
هذا مجمل القول
في بيعها في ثمنها.
وأمّا بيعها في
دين آخر (١) ، فإن كان مولاها حيّا ، لم يجز إجماعا ، على
______________________________________________________
بيع أمّ الولد في دين
آخر غير الثمن
(١) هذا هو
المقام الثاني الذي أشرنا إليه في (ص ٢٩٦) وهو حكم بيعها في ما إذا كان مولاها
مديونا بمال آخر غير ثمنها ، ذهب المصنف قدسسره إلى المنع مطلقا ، سواء اريد بيعها في حياة السيد أم
بعد وفاته.
أمّا في حال
الحياة فللإجماع عليه كما صرّح به صاحب المقابس ـ في الصورة الثانية من صور جواز
بيعها ـ بقوله : «وهو ـ أي المنع ـ مجمع عليه بين الأصحاب. ويدلّ عليه الأخبار
السالفة» .
وأمّا بعد موته
فلوجهين ، أحدهما : استصحاب المنع الثابت حال الحياة.
وثانيهما :
إطلاق روايتي عمر بن يزيد. ففي الرواية الاولى ـ وهي صحيحته المفصّلة ـ سأل من
الإمام عليهالسلام عن جواز بيع أمّهات الأولاد في دين آخر غير أثمان
رقابهن ، فنفى عليهالسلام ذلك. قال في المقابس : «وهذا السؤال وجوابه كالنّص في
عدم جواز بيعها في أداء غير الثمن من الديون بعد موته وإن استغرقت قيمتها» .
وفي الرواية
الثانية سأل منه عليهالسلام عن جواز بيعهن في الدين ، فخصّ عليهالسلام الجواز بما إذا كان الدين ثمن رقابهن ، ومن المعلوم
دلالة مفهوم القيد ـ أو الحصر ـ على منع بيعهن في مطلق الدين ، وأنّ المستثنى من حرمة
البيع هو خصوص ما ورد في المنطوق ، هذا.
وعليه فالدليل
واف بإثبات منع البيع ، لكن ذهب بعض الأصحاب إلى الجواز كما سيأتي.
__________________
الظاهر المصرّح به في كلام بعض (١).
وإن كان بيعها
بعد موته ، فالمعروف (٢) من مذهب الأصحاب المنع أيضا ، لأصالة (٣) بقاء المنع في
حال الحياة ، ولإطلاق روايتي عمر بن يزيد المتقدمتين منطوقا ومفهوما (٤). وبهما (٥)
يخصّص ما دلّ بعمومه على الجواز
______________________________________________________
(١) وهو صاحب
المقابس كما تقدم كلامه آنفا.
(٢) كما في
المقابس أيضا . لكنه قدسسره نقل خلاف جماعة ، كما سيأتي في المتن أيضا.
(٣) كما في
المقابس أيضا ، والمراد به الاستصحاب ، لا القاعدة الكلية التي استفادها المصنف قدسسره من الإجماع والنصوص ـ كما زعمه بعض ـ وذلك لمنافاة
إرادة هذه القاعدة لتعبير المصنف بالبقاء ، ولأنّ شمول القاعدة لحالتي الموت
كشمولها لحال الحياة في عرض واحد.
(٤) إطلاق
المنطوق في صحيحته ، وإطلاق المفهوم في روايته الثانية.
(٥) أي :
وبإطلاق المنطوق والمفهوم في روايتي ابن يزيد يخصّص ما دلّ بعمومه على الجواز ،
وتوضيحه : أنّ صاحب المقابس قدسسره ذهب إلى تقديم الدّين على الإرث بالإجماع والآية
الشريفة (مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ) والنصوص الكثيرة ، وقال : «فإذا انتفى العتق الذي كان
هو الغرض من منع المولى والورثة من التصرفات ـ وليس بعد موت المولى أمر يترقب
للإعتاق ـ تعيّن جواز البيع ، إذ الواسطة بينهما غير معقولة هنا ، وهذا هو المدّعى».
ثم أيّد مقالته
بمقطوعة يونس ، وقال : «فقوله ـ وليس على الميت دين ـ يدلّ على أنّه إذا كان على
الميت دين لم يثبت الحكم المذكور ، فيحمل على صورة استغراقه لقيمتها» .
__________________
ممّا يتخيّل (١) (*) صلاحيّته لتخصيص قاعدة المنع عن بيع أمّ الولد ،
______________________________________________________
ومحصله ـ أنّ
قوله عليهالسلام في المقطوعة : «وإن كان لها ولد وليس على الميت دين فهي
للولد» جملة شرطية ، مفهومها جواز بيعها لو كان على المولى دين مطلقا ولو في غير
ثمنها. بل مقتضى إطلاق الدّين عدم الفرق بين مساواته لقيمة أمّ الولد وبين كونه
أقلّ منه. لكن هذا الإطلاق يقيّد بصورة استغراق الدّين لقيمتها. وأما إطلاق الدّين
لما إذا كان في ثمنها أو في دين آخر فباق على حاله. هذا ما في المقابس.
وناقش المصنف
فيه بأنّ النسبة بين إطلاق روايتي ابن يزيد ومفهوم هذه المقطوعة عموم مطلق ،
لدلالة مفهوم رواية يونس على جواز بيعها في مطلق الدين بعد موت المولى ، وأنّها
ليست لولدها حتى تنعتق عليه. ودلالة روايتي ابن يزيد على اختصاص جواز بيعها ـ بعد
موت السيد ـ في ثمن رقبتها ، ومنع بيعها في غير ذلك من الديون ، ومن المعلوم
اقتضاء الصناعة تقييد إطلاق مفهوم المقطوعة بالروايتين.
(١) لعل
المتخيّل صاحب المقابس ، ومن يقول بجواز بيعها في كل دين ، بناء على عدم انتقال
تركة المديون إلى ورثته إلّا بعد الأداء.
__________________
__________________
كمفهوم (١) مقطوعة يونس : «في أمّ ولد ليس لها ولد ، مات ولدها ، ومات عنها
صاحبها ولم يعتقها ، هل يجوز لأحد تزويجها؟ قال (٢) : لا ، لا يحلّ (٣) لأحد
تزويجها إلّا بعتق من الورثة. وإن كان لها ولد وليس على الميّت دين فهي للولد.
وإذا ملكها الولد عتقت بملك ولدها لها. وإن كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيبه ،
وتستسعي في بقية ثمنها» .
خلافا (٤)
______________________________________________________
(١) يعني :
مفهوم قوله عليهالسلام : «وإن كان لها ولد وليس على الميت دين فهي للولد»
لدلالته على أنّه لو كان للميت دين فليست للولد ، بل لا بدّ من صرفها في أداء
الدين.
(٢) الظاهر أن
القائل هو الإمام عليهالسلام ، لعدم رواية يونس كلام غير المعصوم عليهالسلام.
(٣) هذا تفصيل
لجملة الجواب المحذوفة.
(٤) حال لقوله
: «فالمعروف» وعدل له ، وهذا نقل القول المقابل للمشهور ، وهو جواز بيعها بعد موت
المولى في ديونه الاخرى غير ثمن رقبتها. قال في المبسوط : «إذا كانت له جارية ،
ولها ولد ، فأقرّ في حال مرضه بأنّ ولدها منه ، وليس له مال غيرها ، فإنّه يقبل
إقراره ... والجارية تكون أمّ ولده. فإن كان عليه دين يحيط بثمنها تباع فيه بعد
موته. وإن كان له مال غيرها قضي به الدين وجعلت في نصيب ولدها وتنعتق عليه ...» .
__________________
__________________
للمحكيّ (١) عن المبسوط ، فجوّز البيع حينئذ (٢) مع استغراق الدّين.
والجواز ظاهر اللّمعتين (٣) وكنز العرفان والصيمري .
______________________________________________________
هذا ما أفاده
في بيع المبسوط. ولكنه قدسسره خصّ في كتاب أمّ الولد جواز بيعها بما إذا كان الدّين
ثمنها ، لا سائر وجوهه . وصرّح ابن حمزة أيضا بجواز بيعها في مطلق الدين .
(١) قال في
المقابس : «وحكى الشهيد في الدروس عن الشيخ في المبسوط : أنّه جوّز البيع حينئذ
إذا كان الدين مستغرقا للتركة ... الخ» ، ولكن الموجود في الدروس المطبوع نسبته
إلى ابن حمزة لا إلى الشيخ ، فراجع .
(٢) أي : حين
كون المولى مديونا في غير ثمنها.
(٣) ففي اللمعة
وشرحها : «وسابعها : إذا مات مولاها ، ولم يخلّف سواها ، وعليه دين مستغرق ، وإن
لم يكن ثمنا لها ، لأنّها إنّما تعتق بموت مولاها من نصيب ولدها ، ولا نصيب له مع
استغراق الدين ، فلا تعتق ، وتصرف في الدّين» . خلافا لما في الدروس والمسالك من اختصاص جواز البيع
بكون الدّين ثمنها .
وعليه فمراد
المصنف قدسسره بقوله : «والجواز» هو ما اختاره في المبسوط من جواز
البيع في الدين المستوعب للتركة. وليس المقصود حكاية تفصيل آخر عن الشهيدين
وغيرهما قدسسرهم ـ بين استغراق الدين وعدمه ـ لتكون الأقوال في المسألة ثلاثة :
الأوّل : المنع
مطلقا ، وهو للمشهور.
__________________
ولعلّ وجه
تفصيل الشيخ : أنّ (١) الورثة لا يرثون مع الاستغراق ، فلا سبيل (٢) إلى انعتاق
أمّ الولد الذي (٣) هو الغرض من المنع عن بيعها.
وعن نكاح
المسالك : أنّ الأقوى (٤) انتقال التركة إلى الوارث
______________________________________________________
والثاني :
الجواز في غير الدين مطلقا وإن لم يكن مستغرقا.
والثالث :
الجواز في غير ثمنها من الديون إن كانت مستغرقة.
والحاصل : أنّ
في المسألة قولين ، ومصبّ الجواز والمنع هو استغراق الدين في غير ثمنها. وذلك لما
جعله المصنف قدسسره مقسما في أوّل موارد الاستثناء ، حيث قال : «ومن موارد
القسم الأوّل : ما إذا كان على مولاها دين ، ولم يكن له ما يؤدّي هذا الدين»
لظهوره في كون محل البحث هو الدين المستوعب لقيمة أمّ الولد.
(١) خبر «لعلّ»
وتقدم في (ص ٣٤٢) نقل هذا الوجه عن المقابس ، فالمنع والجواز في هذا المورد مبني
على مسألة الإرث ، من أنّ مقتضى تأخّره عن الوصية والدين هل هو منع انتقال التركة
إلى ورثة المديون ، أم أنه لا يمنع من الانتقال ، ويتخير الورثة ـ في الوفاء ـ بين
الدفع من التركة أو من غيرها؟ هذا.
فما ذهب إليه
شيخ الطائفة قدسسره ـ من جواز بيعها في الدين المستغرق لقيمتها ـ مبني على عدم الانتقال ، كما
وجّهه به الشهيد الثاني قدسسره .
(٢) يعني : مع
استغراق الدين للتركة لا تنتقل إلى الورثة حتى يقال بانعتاقها من نصيب ولدها ،
لفرض تقدم الدين على الإرث.
(٣) صفة ل «انعتاق».
(٤) كلام
الشهيد الثاني قدسسره مؤلّف من امور :
الأوّل : أنّ
التركة تنتقل إلى الورثة مطلقا حتى لو كان على الميت دين مستوعب لها ، وهذا موافق
للمشهور ومخالف للشيخ قدسسره.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الثاني : حجر
الوارث عن التصرف في التركة إمّا مطلقا ، وإمّا فيما يقابل الدين ، وهذا حكم كلّي
الدين ، ولا ينطبق على المقام أعني به استغراق الدين قيمة أمّ الولد ، وذلك لفرض
الانعتاق بمجرد الإرث ، فلا يبقى مجال للمنع عن التصرف رعاية لحقّ الدّيّان.
الثالث : أنّ
أمّ الولد تنعتق من نصيب ولدها ، لانتقالها إليه ، وانعتاقها عليه بمجرد تملكه
لها.
الرابع : أنّ
الواجب على الولد تقويم نصيبه من امّه ، ودفعه للدّيان ، ولا يجب دفع قيمة ما
ينعتق منها بالسراية فيما زاد على نصيبه من مجموع التركة.
وقد أوضح قدسسره مورد العتق بالسراية قبل العبارة المنقولة في المتن ،
وأنّه يكون تارة على عهدة الولد ، كما إذا كان نصيبه من مجموع التركة يفي بقيمة ما
زاد على نصيب الولد من امّه ، فيرد النقص على حصته من سائر الأموال. كما إذا خلّف
الميت أمّ الولد ـ وقيمتها مائة دينار ـ وخمسمائة دينار ، وانحصر الوارث في ولدها
وأخ له من أبيه ، فحصّة كل واحد ثلاثمائة دينار ، فينعتق نصف الأمة من نصيب ولدها
منها ، ويسري العتق إلى الباقي ، ويؤدّي الولد إلى أخيه خمسين دينارا من حصته من
الخمسمائة دينار ، وهي قيمة نصيبه من أمّ الولد.
واخرى على عهدة
الامّ ، كما إذا لم يف نصيب ولدها من مجموع التركة بقيمة ما زاد على نصيبه من
الامّ ، كما إذا خلّف مولاها في المثال المتقدم خمسين دينارا ، فحصة الولد من الام
والخمسين هو خمس وسبعون دينارا ، وهو ينقص بخمس وعشرين عن قيمتها ، فينعتق منها
ثلاثة أرباعها ، ويسري العتق إلى الربع الآخر ، ويجب عليها السعي في قيمة الربع
الأخير ليدفع إلى الوارث الآخر.
ولا بأس بنقل
جملة مما في المسالك وقوفا على حقيقة الأمر ، قال قدسسره : «لا ريب أنّ مجرد الاستيلاد ليس سببا للعتق. نعم
تتشبث به بالحرية ، وإنّما تعتق بموت المولى ، لأنّ ولدها ينتقل إليه منها شيء ،
أو ينتقل جميعها إذا كان هو الوارث خاصة ، فتنعتق
مطلقا (١) ، وإن منع من التصرف فيها على تقدير استغراق الدّين (٢) ، فينعتق
نصيب الولد منها (٣) كما لو لم يكن دين ، ويلزمه (٤) أداء قيمة النصيب من ماله .
______________________________________________________
عليه ما يرثها منها ... ولو بقي منها شيء خارج عن ملكه سرى إليه العتق إن
كان نصيبه من التركة يفي به. وإلّا عتق بقدره. ولو عجز النصيب عن المتخلّف منها
سعت فيه هي ، ولا يلزم ولدها السعي فيه. ولا يسري عليه لو كان له مال من غير
التركة ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى أنّ السراية مشروطة بالملك الاختياري ، وليس
الإرث منه. وإنّما سرى عليه في باقي نصيبه من التركة لإطلاق النصوص الكثيرة : أنّها
تعتق من نصيبه من التركة ، وإلّا لكان الأصل يقتضي أن لا يعتق عليه سوى نصيبه منها»
.
ثم نقل عن
نهاية الشيخ «وجوب السعي على الولد إن كان ثمنها دينا على مولاها ولم يخلّف غيرها»
ثم نفاه بأصالة البراءة عن وجوب السعي عليه.
وقال فيما لو
كانت الديون محيطة بتركة المولى : «ان الأقوى انتقال التركة إلى الوارث مطلقا» إلى
آخر ما حكاه في المتن.
(١) يعني :
سواء أكان على الميّت دين مستوعب للتركة أم لم يكن. وهذا إشارة إلى الأمر الأوّل.
(٢) هذا إشارة
إلى الأمر الثاني ، فيكون استغراق الدين نظير سائر موارد الحجر ، من حيث عدم
منافاته للملك.
(٣) يحتمل رجوع
الضمير إلى أمّ الولد ، نظير ما إذا لم يكن دين. ويحتمل رجوعه إلى التركة ، وهو
مبنى رابع الوجوه المذكورة في المقابس ، وسيأتي بعض الكلام فيه في (ص ٣٥٦).
(٤) أي : ويلزم
الولد أداء قيمة نصيبه إلى الدّيّان ، وهذا إشارة إلى الأمر الرابع.
__________________
وربّما ينتصر (١)
للمبسوط على المسالك :
أوّلا (٢) : بأنّ
المستفاد ممّا دلّ على أنّها تعتق
______________________________________________________
(١) المنتصر
للمبسوط هو المحقق صاحب المقابس قدسسره ، حيث أورد على ما في المسالك بوجوه أربعة ، كما سيظهر
إن شاء الله تعالى.
(٢) هذا
الإشكال ناظر إلى منع ما أفاده الشهيد الثاني قدسسره من لزوم تقويم نصيب الولد منها ، ودفع القيمة إلى
الديان.
وملخص الإشكال
: أنّ المستفاد من دليل انعتاقها من نصيب ولدها كون ذلك الانعتاق بدون تقويم عليه.
والكلام إنّما هو في حصص سائر الورثة منها ، إذا لم يف نصيب الولد من جميع التركة
بقيمة امّه ، من أنّه تقوّم عليه أم تسعى هي في أداء قيمتها؟
وبعبارة اخرى :
انّ مورد استغراق الدين خارج عن مفاد أدلة الانعتاق على الولد ، توضيحه : أنّ دليل
«انعتاقها ممّا يرثه ولدها من أبيه» ظاهر في أنّ الولد يستحقّها بالإرث مجّانا
وبلا عوض ، حيث إنّها تنتقل إلى الولد آنا وتنعتق عليه قهرا ، كما هو مفاد مثل
قوله عليهالسلام فيما رواه محمد بن قيس : «فإن كان لها ولد ، وترك مالا
، جعلت في نصيب ولدها» . فلو توقف انعتاقها من نصيبه على بذل غرامة للغير كانت
النصوص قاصرة عن إثبات هذا النحو من الانعتاق.
وعلى هذا ، فإن
لم يكن دين الميت محيطا بالتركة ، انعتقت الامّ ـ كلا أو بعضا ـ بحسب نصيب ولدها
من تركة أبيه.
وإن كان الدّين
مستغرقا كما هو المفروض ، وبنينا على انتقال التركة إلى الورثة ـ كما يلتزم به
المشهور والشهيد الثاني ـ منعنا عن اقتضاء هذا الانتقال للانعتاق على الولد. لما
اشير إليه من اختصاص انعتاق الامّ على ولدها بالانتقال
__________________
من نصيب ولدها (١) : أنّ (٢) ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب من غير أن
تقوّم عليه أصلا (٣). وإنّما الكلام في باقي الحصص (٤) إذا لم يف نصيبه من جميع
______________________________________________________
إليه عن استحقاق ، وعدم استتباعه للغرامة والعوض. فلا وجه لهذا النحو من
الانعتاق ، ولا مانع من بيعها حينئذ في الدين ، ولا يبقى موضوع للتقويم على الولد.
فإن قلت : لا
مانع من انتقالها إلى الولد ، وانعتاق حصته منها ، ولزوم دفع قيمة تلك الحصة إلى
الديان ، نظير ما ذكروه من التقويم على الولد وبذل قيمة حصص سائر الورثة إليهم على
تقدير وفاء التركة بها.
قلت : مورد
تقويم أمّ الولد على ولدها هو حصص سائر الورثة ، كما إذا انتقلت ، ولم يف نصيب
الولد بقيمتها ، فينعتق منها بمقدار نصيب الولد منها ، ويسرى العتق إلى ما بقي
منها رقّا ، ويتعيّن بذل قيمة حصصهم إمّا على الولد وإمّا عليها بالسعي.
وعلى كلّ فليس
مورد التقويم نصيب الولد منها ليجب دفع بدله إلى الغرماء.
والحاصل : أنّ
الأمر دائر بين عدم انعتاقها على الولد ، فيجوز بيعها في الدين ، وبين أن تنعتق
عليه مجانا. ولمّا كان الانعتاق المستلزم للتقويم ودفع البدل خارجا عن دليل انعتاق
أمّ الولد ، تعيّن الالتزام بعدم الانعتاق هنا وبيعها في الدين.
وبهذا يتجه ما
ذهب إليه شيخ الطائفة قدسسره من بيعها في الدين المستوعب ، ويشكل ما أفاده الشهيد
الثاني قدسسره.
(١) مثل ما
تقدم آنفا في معتبرة محمد بن قيس ، وكذا في مقطوعة يونس المتقدمة في (ص ٣٤٤)
وغيرها.
(٢) خبر قوله :
«أن المستفاد» وضمير «استحقاقه» راجع إلى الولد.
(٣) مع أنّ
الشهيد الثاني قدسسره حكم بالتقويم ، حيث قال : «ويلزمه أداء قيمة النصيب ...».
(٤) يعني : أنّ
حصص سائر الورثة من أمّ الولد لمّا كانت في حد ذاتها مملوكة
التركة بقيمة امّه ، هل تقوّم عليه ، أو تسعى هي في أداء قيمتها؟
وثانيا (١) :
بأنّ النصيب
______________________________________________________
لهم ـ ولا موجب لانعتاقها عليهم قهرا ، لعدم كونها أحد العمودين بالنسبة
إليهم ، ولا للعتق بالسراية كما في العتق الاختياري ـ فيقع الكلام في تقويمها على
الولد ، أو وجوب السعي عليها. وعلى كلّ فلا موجب لتقويم حصة الولد ودفع البدل إلى
الديان كما في المسالك.
(١) هذا
الإشكال راجع إلى الانتقال وأثره وهو الانعتاق على الولد ، وحاصله : قصور أدلة
الانعتاق من نصيب الولد عن شمولها للمقام بعد تسليم المبنى ، وهو انتقال التركة في
الدّين المستوعب إلى الورثة ، فهنا مطلبان ، أحدهما : تسليم المبنى ، وثانيهما :
منع البناء.
أمّا الأوّل ،
فوجهه : التخلّص من محذور بقاء الملك بلا مالك ، لعدم قابلية الميت للتملّك ، ولا
ريب في عدم تلقّي الدّيان التركة من الميت ، فإمّا أن تبقى بلا مالك ، وهو ممتنع ،
وإما من انتقالها إلى الورثة مع حجرهم عن التصرف.
وأمّا الثاني ـ
وهو المتعين ـ فوجهه : أنّ الظاهر من «عتقها» من نصيب الولد» هو النصيب الفعلي لا
الشأني ، ومن المعلوم إناطة فعليته واستقراره بإخراج الدين والحقوق المتعلقة بأصل
المال كالحج الميقاتي والخمس والزكاة ونحوها. فلو خلّف الميت أموالا ، ولزم صرفها
في أداء الدين المحيط بها ، لم يبق للولد نصيب من امّه كي تنعتق عليه ، لا مجانا
ولا بعوض من ماله ، لفرض تأخر الإرث عن الدّين ، فلا موضوع لأداء قيمة نصيب الولد
إلى الديان.
وعليه ، فإن
اريد من «انتقال أمّ الولد إلى الولد» الانتقال المستقرّ ، كان منافيا لتأخر الإرث
عن الدين. وإن اريد من انتقالها إليهم انتقالها على حدّ سائر الأموال ـ مع الدين ـ
فمثل هذا الانتقال غير المانع عن تعلق حق الديان به لا يمنع عن أداء
إذا نسب إلى الوارث (١) ، فلا يراد منه إلّا ما يفضل من التركة بعد أداء
الدين ، وسائر ما يخرج من الأصل (٢). والمقصود منه (٣) النصيب المستقرّ الثابت ،
لا النصيب (٤) الذي يحكم بتملّك الوارث له ، تفصّيا (٥) من لزوم بقاء الملك بلا
مالك.
وثالثا (٦) :
أنّ ما ادّعاه من الانعتاق على الولد
______________________________________________________
الدين به. ويتجه ما أفاده شيخ الطائفة قدسسره من بيعها مقدمة لوفاء الدين.
والفرق بين هذا
الإشكال وسابقة : أنّ مقتضى الثاني عدم الدليل على أصل الانعتاق ، ومقتضى الأوّل
عدم الدليل على خصوصية كونه بعوض ، لظهور الأدلة في كون الانعتاق لا مع بدل.
وبهذا الوجه
أورد صاحب الجواهر أيضا على ما نقله عن الدروس ، فراجع .
(١) كما إذا
قيل : «إنّ نصيب الوارث من مجموع ما تركه الميت مائة دينار مثلا» فإنّ المقصود
حصّته بالنسبة إلى ما يفضل من التركة بعد أداء الدين وسائر ما يخرج من الأصل.
(٢) فقبل
الإخراج يكون النصيب شأنيا ، بمعنى أنه لو زاد شيء على ما يخرج من الأصل كان مائة
دينار.
(٣) أي :
المقصود من النصيب المنسوب إلى الوارث هو المستقر ، فالانعتاق يكون من هذا النصيب
، لا من النصيب الفرضي غير المشمول لدليل الانعتاق.
(٤) معطوف على «النصيب
المستقر».
(٥) هذا وجه
التزامهم بانتقال التركة إلى الورثة مطلقا وإن كان الدين مستوعبا لها ، وتقدّم
بيانه آنفا.
(٦) هذا
الإشكال متوجه أيضا إلى انتقال الامّ إلى الولد في فرض استغراق
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الدين للتركة ، وجعله صاحب المقابس قدسسره رابع الوجوه.
ومحصّله :
المنع من دعوى الانعتاق التي أفادها في المسالك مع كون الملك هنا غير مستقرّ من
جهة تعلق حقّ الديان بالتركة ، وذلك لأنّ مستند هذه الدعوى : إن كان ما دلّ على
عدم ملك العمودين وانعتاقهما بمجرّد الملك ، لقوله عليهالسلام : «وأما الأبوان فقد عتقا حين يملكهما» ففيه : عدم شمول الدليل لهذا النحو من الملك غير
المستقرّ ، لظهوره في الملك المطلق الذي ليس متعلقا لحقّ الغير ، لا كلّ ما يطلق
عليه الملك ولو كان محجورا عن التصرف فيه كما في المقام ، من جهة تعلق حق الدّيان
به ، ولذا لا يصح عتق غير أمّ الولد ـ كما لو ترك الميت عبدا أو أمة ـ لتعلق حقهم
به. ولم ينهض دليل على كفاية مطلق الملك في الانعتاق ، ولم ينصّ عليه الأصحاب.
بل يشهد لعدم
كفايته أنّه لو وقف عبده على من ينعتق العبد عليه ـ كأبيه وامّه على تقدير تملكه
له اختيارا أو قهرا ـ وقلنا بصحة هذا الوقف ، لم ينعتق العبد على الموقوف عليه وإن
انتقل إليه ، بناء على ترتب الملك على الوقف الخاص.
والوجه في عدم
انعتاقه على الموقوف عليه تعلق حق الغير من الواقف والموقوف عليه والبطون به. ومن
المعلوم عدم الفرق ـ في عدم كفاية مطلق الملك للانعتاق ـ بين تعلّق حق الوقف
بالمملوك الموقوف وبين تعلق حقّ الدّيّان بامّ الولد.
وإن كان مستند
هذه الدعوى دليل انعتاقها من نصيب ولدها ، ففيه ما تقدم في الوجه الثاني من ظهور «النصيب»
في ما زاد على الدّين.
فالمتحصل :
أنّه إمّا أن لا تنتقل أمّ الولد ـ مع فرض استيعاب الدين ـ إلى الولد انتقالا تامّا
مستقرا ، فلا انعتاق حينئذ ، ولا مانع من بيعها في الدين. وإمّا أن يكون هناك
انتقال تام مصحّح للانعتاق ، ولكنّه مناف لكون الإرث المستقرّ متأخرا
__________________
بمثل هذا الملك (١) ممّا (٢) لم ينصّ عليه الأصحاب ، ولا دلّ (٣) عليه (٤)
دليل معتبر (٥). وما يوهمه (٦) الأخبار وكلام الأصحاب من إطلاق الملك ، فالظاهر (٧)
أنّ المراد به غير (٨) هذا القسم ، ولذا (٩) لا يحكم بانعتاق العبد الموقوف على من
ينعتق عليه (١٠ ، بناء (١١) على صحة الوقف وانتقال الموقوف إلى الموقوف عليه.
ورابعا (١٢):
______________________________________________________
عن الدين.
(١) وهو الملك
المقرون بالحجر عن التصرف.
(٢) خبر «أن ما
ادعاه».
(٣) لانصراف
الدليل إلى الانعتاق من نصيب الولد بما أنّه ملك تامّ ومستقرّ.
(٤) هذا الضمير
وضمير «عليه» راجعان إلى الانعتاق على الولد.
(٥) فكيف يدّعى
كفاية هذا الملك في الانعتاق؟
(٦) يعني : أنّ
كلمة «الملك» في «إذا ملكوا» أو «تنعتق من نصيب الولد» وإن كانت موهمة لإرادة مطلق
الملك ولو المحجور من التصرف فيه ، ولكنها ظاهرة في الملك المستقر ، ولا يراد به
الأعم منه ومن المحجور المشرف على الزوال لتعلق حق الديان به.
(٧) خبر «وما»
ودخول الفاء عليه لتضمن الموصول معنى الشرط.
(٨) أي : غير
ما تعلّق به حق الدّيان.
(٩) أي : ولأجل
إرادة الملك المطلق لا يحكم ... ، وتقدم توضيح هذا الشاهد بقولنا : «بل يشهد لعدم
كفايته أنّه ...».
(١٠) فلو انعتق
على الموقوف عليه لزم من وجوده عدمه ، وهو محال ، فيلزم بطلان الوقف بالانعتاق.
(١١) فلو قيل
ببطلان هذا الوقف لم يتم الاستشهاد بهذا الفرع للمقام.
(١٢) جعله صاحب
المقابس قدسسره ثالث الوجوه ، وهو ناظر إلى تقويم نصيب
أنّه يلزم (*) على كلامه أنّه متى كان نصيب الولد من أصل التركة بأجمعها
______________________________________________________
الولد ، وحاصله : أنّ مقتضى كلام المسالك ـ من أداء قيمة النصيب من ماله
إلى الدّيان ـ أن يخسر الولد تمام قيمة امّه أو بعضها لهم ، وانعتاقها عليه في صور
ثلاث.
ووجه اللزوم
انعتاقها في ملك الولد مع استغراق الدّين ، إذ المفروض انتقال التركة إلى الوارث ،
وبانتقالها إليه ينعتق نصيب الولد من امّه. فلو لم يكن الدين محيطا بالتركة كان
انتقالها إليه وانعتاقها عليه أولى.
والصور الثلاث
التي أدرجها المقابس في هذا الوجه الرابع هي :
الاولى : أن
يساوي نصيب الولد من مجموع التركة تمام قيمة امّه. وهذا يكون تارة مع استغراق
الدين ، كما إذا كانت التركة مأتي دينار وكذا الدين ، وكان الوارث ولد هذه الأمة
وابنا من غيرها ، وكانت قيمة أمّ الولد مائة دينار ، فإنّ نصيب ولد الأمة ـ وهي
المائة ـ يساوي قيمة امّه.
واخرى بدون
استغراق الدين للتركة ، كما إذا فرض الدين في المثال مائة دينار.
ونصيب الولد في
الفرضين يستوعب قيمة الأم ، مع زيادة نصيبه على القيمة فيهما قبل الدين ، ونقصان
نصيبه عن قيمتها بعد أداء الدين في الفرض الأوّل.
فإن كان الدين
مستغرقا انعتق الامّ من نصيب الولد ، ويغرم قيمتها للديان ، فترد عليه الخسارة ،
لأنّه يغرم القيمة من ماله الشخصي.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وإن كان الدين
غير مستوعب للتركة ـ ككون الدين في المثال المزبور مائة دينار ـ انعتقت الامّ من
نصيب الولد ، وهو المائة التي هي نصف التركة ، فتقوّم عليه ، ولا يرث من سائر
التركة ، فلا يغرم في هذه الصورة من ماله الشخصي شيئا.
الثانية : أن
يكون نصيب الولد في الدين غير المستغرق ـ بعد إخراج الديون والوصايا ـ مساويا
لقيمة أمّ الولد ، كما إذا كانت التركة ثلاث مائة دينار ، وكان الدّين مائة دينار
، والوارث هذا الولد وولدا آخر من امرأة اخرى ، فإنّ نصيب الولد بعد إخراج الدين
عن مجموع التركة يكون مائة دينار ، وهي تساوي قيمة الامّ كما لا يخفى.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أو أقلّ من
قيمة الامّ ، كما إذا كان الدّين في المثال مائتي دينار ، فإنّ نصيب الولد ـ بعد
إخراج هذا الدين ـ خمسون دينار ، وهي نصف قيمة امّه ، فيغرم حينئذ من ماله الشخصي
خمسين دينارا لأخيه.
ثم إن هذه
الصورة بقسميها من أقسام صورة عدم استغراق الدين للتركة ، وليست مستقلة وفي قبال
الصورة الاولى كما لا يخفى.
الثالثة : أن
يكون نصيب الولد من أصل التركة مساويا لنصف قيمتها أو ثلثها أو أزيد أو أقل ، كما
إذا كان التركة مائة وعشرين دينارا ، وقيمة الامّ تسعين دينارا ، مع استغراق
الدّين ، وكون الوارث كالمثال السابق ، فإنّ نصيب الولد من مجموع التركة يساوي
ستين دينارا ، وهي ثلثا قيمة امّه ، فينعتق ثلثاها ، ويغرم ستين دينارا للديان ،
فيبقى باقي الدين على الامّ فإنها ـ لانعتاقها بالسراية ـ تسعى في ربع الدين ، وهو
ثلاثون دينارا ، وعلى الولد الآخر أيضا ثلاثون دينارا.
__________________
__________________
يساوي قيمة أمّه تقوّم (١) عليه ، سواء كان هناك دين مستغرق أم لا ، وسواء
كان (٢) نصيبه الثابت في الباقي (٣) بعد الديون ونحوها (٤) يساوي قيمتها أم لا. وكذلك
(٥) لو ساوى نصيبه من الأصل نصفها أو ثلثها أو غير ذلك (٦) ، فإنّه يقوّم نصيبه
عليه (٧) كائنا ما كان ، ويسقط من القيمة
______________________________________________________
(١) أي : تقوّم
الامّ على ولدها ، وهذا إشارة إلى الصورة الاولى ، وتقدم توضيحها ، وأنّها تفرض
تارة مع استغراق الدين للتركة ، واخرى بدونه.
(٢) هذا إشارة
إلى الصورة الثانية ، وضمير «نصيبه» راجع إلى الولد.
(٣) المراد من
الباقي باقي التركة ، أي ما عدا أمّ الولد.
(٤) مما يخرج
من الأصل كمئونة التجهيز والكفن.
(٥) يعني :
وتقوّم على الولد لو ساوى ... ، وهذا إشارة إلى الصورة الثالثة ، وهي تتصور تارة
مع استغراق الدين ، كما عرفت ، واخرى بدونه ، كما إذا كان الدين ستين دينارا مع
كون التركة مائة وعشرين دينارا ، وقيمة أمّ الولد تسعين دينارا ، فإنّ نصيب الولد ـ
وهو ما يساوي ستين دينارا من التركة ـ ثلثا قيمة الامّ ، فينعتق ثلثاها ، وعليه
ثلاثون دينارا للدّيّان ، وعلى الامّ أن تسعى للديان في ثلثها ، وهو ثلاثون
دينارا. وباقي التركة ـ وهو الثلاثون ـ للولد الآخر.
(٦) كالربع
والخمس ، بحسب نصيب كل واحد من الورّاث.
(٧) أي : يقوم
نصيب الولد على الولد ربعا كان النصيب أم ثلثا أم نصفا.
__________________
نصيبه (١) الباقي الثابت ـ إن كان له نصيب (٢) ـ ويطلب (٣) بالباقي (٤).
وهذا (٥) مما
______________________________________________________
(١) يعني :
فيما إذا لم تكن التركة منحصرة بامّ الولد ، فإنّ امّه تقوّم عليه ، ويسقط من
القيمة نصيبه من سائر التركة. فإن ساوى نصيبه منها القيمة فلا يغرم شيئا ، كما إذا
كانت التركة مأتين وأربعين دينارا ، والدّين ستين دينارا ، فإنّ الولد لا يغرم من
ماله الشخصي شيئا ، لأنّ نصيبه من جميع التركة مائة وعشرون دينارا ، وقيمة الام
تسعون دينارا ، فتنعتق كلّها من نصيب ولدها ، ويسقط من قيمتها حصّتها من سائر
التركة ، ويصرف ما زاد من سهمه من بقية التركة على قيمتها ـ وهو الثلاثون ـ في دين
الميت ، والولد الآخر يوفي أيضا باقي الدين أعني الثلاثين.
وبالجملة :
فتنعتق الامّ كلّها في هذا المثال ، ويسقط نصيب ولدها الثابت في بقية التركة من
قيمة الامّ ، ولا يطالب بشيء في وفاء الدين ، إذ المفروض بقاء ما يساوي نصف الدين
من التركة للولد. وإن لم يكن له نصيب ، كما إذا انحصرت التركة في أمّ الولد ، فإنّ
نصيبه منها ـ وهو النصف ـ يقوّم عليه بخمسة وأربعين دينارا ، ويطالب بتمام هذه
القيمة للدّيّان ، وليس له نصيب من غير الام حتى يسقط نصيبه الثابت فيه من الخمسة
والأربعين.
(٢) كما عرفت
في هذا المثال.
(٣) كذا في
النسخ ، والاولى «يطالب» أو «يطالبه» كما في المقابس ، والمطالب هم الديان.
(٤) كما عرفت
في مثال كون التركة مائة وعشرين دينارا ، والدّين ستين دينارا ، فإنّ الولد يضمن
حينئذ ثلاثين دينارا للدّيان ، لكون قيمة نصيبه من التركة ـ وهو النصف ـ ستون
دينارا ، فيسقط من الستين خمسة عشر دينارا ، لأنّها نصيبه من غير الام من سائر
التركة ، ويطالب للديّان بخمسة وأربعين دينارا كما لا يخفى.
(٥) أي :
الانعتاق القهري على الولد ـ مع الضمان وغرامة قيمة نصيبه ـ ممنوع ، لمخالفته
للإجماع.
لا يقوله أحد من الأصحاب ، وينبغي القطع ببطلانه .
ويمكن دفع
الأوّل : بأنّ المستفاد (١)
______________________________________________________
فملخّص هذا
الإشكال على المسالك : أنّ الانعتاق القهري مع الضمان وغرامة الولد لقيمة ما ينعتق
عليه من الام ممّا لم يقل به أحد إلّا الشيخ في الخلاف ، مع أنّه رجع عنه في
المبسوط ، بل نسب إليه أنّه لم يقل بذلك إلّا في الدين غير المستغرق ، فقال : إنّه
يجب على الولد فك الباقي من ماله بعد بذل ما قابل سهمه الذي ورثه من الميت ،
ووافقه على ذلك ابن حمزة. والمستند الخبر المذكور في باب الاستيلاد.
والحاصل : أنّ
ملخّص الإشكالات الأربعة الراجعة إلى كلتا دعويي المسالك : ـ من انعتاقها من نصيب
الولد ، ومن تقويمها عليه وأخذ قيمتها منه ـ هو : أنّ المراد بالنصيب الذي تنعتق
به الامّ هو النصيب الزائد على الدّين ، لأنّه الظاهر من النصيب. وهذا حاصل
الإشكال الثاني.
كما أنّ المراد
بالملك الذي انيط به العتق في ملك العمودين وغيره هو الملك الطّلق ، لا مطلق الملك
، وإن لم يكن طلقا. وهذا محصّل الإشكال الثالث. فهذان الإشكالان يمنعان الدعوى
الاولى ، فإن تمّا جاز بيع أمّ الولد كما عن الشيخ قدسسره.
كما أنّ
الإشكال الأوّل والرابع يمنعان الدعوى الثانية أعني بها التقويم على الولد ، وذلك
لأنّ ظاهر أدلة الانعتاق من نصيب الولد هو انعتاقها مجّانا ، لا بتقويمها على
الولد. وهذا مفاد الإشكال الأوّل ، لقوله : «إنّ ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب».
كما أنّ حاصل الإشكال الرابع عدم التزام أحد به.
هذا ما يستفاد
من ظاهر عبارات المقابس في بيان الإشكالات الأربعة. والمصنف قدسسره صار بصدد دفعها كما سيظهر.
(١) توضيحه :
أنّ الشهيد قدسسره لم يدّع دلالة أدلة «انعتاق أمّ الولد من نصيب
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولدها» على لزوم أداء قيمتها من مال الولد حتى يرد عليه : عدم دلالة تلك
الأدلة إلّا على نفس الانعتاق من نصيب ولدها ، من دون دلالتها على ضمان الولد أو
غيره للقيمة ، فتغريم الولد لقيمتها أو وجوب السعي على نفس أمّ الولد في أداء
قيمتها إنّما يكون بسبب الجمع بين الأدلة.
وبالجملة : فدليل
الانعتاق لا يدلّ على أزيد من نفس الانعتاق الشامل بإطلاقه لوجود الدين وعدمه ،
واستيعابه للتركة وعدمه.
فانعتاق أمّ
الولد وعدم تعلق حق الديان بها ـ بمثابة يجوز لهم أخذها مع امتناع الولد عن أداء
ما يقابلها ، كجواز ذلك لهم في غير أمّ الولد من سائر التركة ، مع امتناع الوارث
عن دفع العين والقيمة ـ يوجب الالتزام بأحد الوجوه :
الأوّل : سقوط
حق الديان عمّا يقابلها من الدين ، كسقوطه عن مئونة التجهيز.
الثاني : تعلّق
حقّهم بقيمتها على من تتلف في ملكه بالانعتاق ، وهو الولد.
الثالث : تعلق
حقّهم بقيمتها على رقبتها ، فيجب عليها السعي في قيمتها للديان بإزاء حرّيتها.
الرابع : تعلق
حقّهم بمنافعها التي هي كعينها من التركة.
أمّا الوجه
الأوّل فلا سبيل إليه ، فيدور الأمر بين تغريم الولد ، وتغريمها ، وتعلق حقهم
بمنافعها.
أمّا تعلقه
بالمنافع من حيث كونها تركة ، ففيه : أنّ كونها من التركة منوط ببقائها على الرقية
والمملوكية.
أمّا بعد
خروجها عن الرقية فهي مالكة لمنافعها ، ولا مجال لاستصحاب مملوكية منافعها حين
ملكية رقبتها لمولاها ، لارتفاعها قطعا ، لأنّ تلك الملكية كانت بتبع ملكية العين
، وقد زالت. فيدور الأمر بين تغريم الولد وبين تغريم نفس الامّ ، بأن تسعى وتؤدّي
قيمتها إلى الدّيّان. ولا يبعد ترجيح الثاني.
من ظاهر الأدلة (١) انعتاقها من نصيب ولدها حتّى (٢) مع الدّين المستغرق ،
فالدّين غير مانع من انعتاقها على الولد. لكن ذلك (٣) لا ينافي اشتغال ذمّة الولد
قهرا بقيمة نصيبه ، أو وجوب (٤)
______________________________________________________
هذا توضيح ما
أفاده المصنف قدسسره في دفع أوّل إشكالات المقابس.
وقد ظهر أنّ
مقصوده دفع المجانية التي ادعاها المحقق الشوشتري قدسسره ، لا تعيين ما في المسالك من خصوص التقويم على الولد ،
لعدم تعيّنه من بين الاحتمالات الأربعة المذكورة في المتن كما سيظهر.
(١) لمّا كان
الإشكال الأوّل متّجها إلى الانعتاق بالبدل ، أراد المصنف قدسسره دفعه بأنّ أدلة انعتاق الامّ من نصيب ولدها وإن كانت
ظاهرة في المجانية ، وعدم اقتضائها للانعتاق عن غرامة وبدل. إلّا أنّ لزوم البدل
هنا مقتضى الجمع بين ما دلّ على كون نفس رقبة أمّ الولد موردا لأحكام كعدم البيع
والإرث ، والانعتاق على الولد ، وبين ما دلّ على عدم سقوط حقّ الدّيّان ـ بعد عدم
تعلق حقّهم بعين رقبتها ـ لاقتضائه إمّا اشتغال ذمة الولد بماليتها ، وإمّا اشتغال
ذمتها ووجوب السعي عليها ، وإمّا استحقاق الديان لمنافعها.
(٢) لإطلاق قوله
عليهالسلام : «جعلت في نصيب ولدها» .
(٣) أي :
انعتاقها من نصيب ولدها مطلقا ـ حتى مع استيعاب الدين ـ لا ينافي اشتغال ذمة الولد
، وهذا دفع لقول صاحب المقابس : «من غير أن يقوّم عليه أصلا» من الملازمة بين
الانعتاق وبين المجانية وعدم تقويمها على الولد.
وحاصل دفعه :
عدم التلازم بينهما ، فيمكن الانعتاق مع تغريم الولد ، أو وجوب السّعي على الامّ.
(٤) معطوف على «اشتغال»
أي : لكن انعتاقها لا ينافي وجوب سعيها ... إلخ.
__________________
سعيها (١) [بيعها] في القيمة ، جمعا (٢) بين ما دلّ على الانعتاق على الولد
، الذي (٣) يكشف عنه (٤) إطلاق النهي عن بيعها ، وبين (٥) ما دلّ على أنّ الوارث
لا يستقرّ له (٦) ما قابل نصيبه من الدين على وجه (٧) يسقط حق الدّيّان. غاية
الأمر (٨)
______________________________________________________
(١) اختلفت نسخ
الكتاب في ضبط هذه الكلمة ، والأولى ـ بل المتعين ـ ما في النسخة المصححة المعتمد
عليها من «سعيها» بقرينة ما سيأتي في ثالث محتملات أداء الدين من قوله في (ص ٣٦٥)
: «فتسعى فيها» أي في قيمتها ، لا بيعها في ذلك ، وكذا قوله هنا : «ما دل على
الانعتاق على الولد ... إطلاق النهي عن بيعها».
(٢) مفعول
لأجله ، وهو قيد لاشتغال الذمة ، أي : اشتغال ذمة الولد بقيمة نصيبه من امّه ، أو
اشتغال ذمتها بالقيمة. وتقدّم توضيحه.
(٣) صفة ل «ما
دلّ».
(٤) أي : يكشف
عن الانعتاق مطلقا ـ وإن كان الدين محيطا بالتركة ـ إطلاق النهي عن بيعها في غير
ثمنها ، كصحيحتي ابني مارد ويزيد المتقدمتين في (ص ٢٦٥ و ٢٩٩) ورواية السكوني
وغيرها ممّا يستفاد منه منع بيع أمّ الولد.
(٥) معطوف على «بين»
يعني : النصوص الدالة على عدم جواز التصرف في التركة ، مع فرض إحاطة الدين بها ،
كقول أبي الحسن عليهالسلام في معتبرة عبد الرحمن بن الحجاج : «إن كان يستيقن أنّ
الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق» .
(٦) أي : لا
يستقر للوارث نصيبه من الإرث إن كان في مقابله دين.
(٧) متعلق ب «يستقرّ»
فلو استقرّ نصيبه من الإرث ـ مع وجود الدين ـ لزم سقوط حق الدّيّان.
(٨) غرضه بيان
الفارق بين أمّ الولد وبين سائر التركة ، حيث إنّ حقّ الدّيّان ينتقل من عينها إلى
قيمتها ، لتعيّن انعتاقها من نصيب ولدها منها.
__________________
سقوط حقّهم عن عين هذا المال الخاصّ ، وعدم (١) كونه كسائر الأموال التي
يكون للوارث الامتناع عن أداء مقابلها ، ودفع (٢) عينها إلى الدّيّان ، ويكون لهم (٣)
أخذ العين إذا امتنع الوارث من أداء ما قابل العين.
والحاصل (٤) :
أنّ مقتضى النهي عن بيع أمّ الولد في دين غير ثمنها بعد موت المولى (٥) عدم (٦)
تسلّط الديان على أخذها ولو مع امتناع الولد عن فكّها (٧) بالقيمة ، وعدم (٨)
تسلّط الولد على دفعها وفاء عن دين أبيه. ولازم ذلك (٩)
______________________________________________________
(١) معطوف على «سقوط»
أي : عدم كون هذا المال الخاص محكوما بحكم سائر التركة.
(٢) معطوف على «الامتناع»
أي : للوارث دفع عين الأموال ـ غير أمّ الولد ـ إلى الدّيان لاستيفاء حقّهم منها.
(٣) أي :
للديان أخذ أعيان التركة ـ تقاصا ـ إن امتنع الوارث من وفاء دين المورّث ببدلها.
(٤) هذا حاصل
ما أفاده من لزوم الجمع بين ما دلّ على انعتاقها وما دلّ على بقاء حق الديان ،
وغرضه بيان أنحاء الجمع ثبوتا ، وما يتعيّن القول به إثباتا ، كما سيظهر.
(٥) كما ورد في
صحيحة عمر بن يزيد من «أنّها تباع في دين ثمنها» دون غيره من وجوه الدّين.
(٦) خبر قوله :
«إن مقتضى».
(٧) المراد
بفكّها فك ماليّتها ، لما تقدم من عدم تعلق حق الديان بالعين ، فالمقصود امتناع
الولد عن وفاء دين أبيه باداء قيمة نصيبه إلى الديان.
(٨) معطوف على «عدم
تسلّط» فلا سلطنة للولد على تسليم امّه للديان ، كما لا سلطنة لهم على أخذها.
(٩) المشار
إليه : عدم تسلط الديان على أخذها ، وعدم تسلط الولد على
انعتاقها على الولد.
فيتردد (١)
الأمر حينئذ (٢) : بين سقوط حقّ الدّيان عمّا قابلها من الدّين (٣) ، فتكون أمّ
الولد نظير مئونة التجهيز التي لا يتعلق حقّ الديان بها.
وبين أن يتعلّق
حقّ الدّيّان بقيمتها على من تتلف في ملكه وتنعتق عليه ، وهو الولد (٤).
وبين أن يتعلق
حقّ الدّيّان بقيمتها على رقبتها ، فتسعى فيها (٥).
وبين أن يتعلّق
حقّ الديان بمنافعها ، فلهم أن يؤجّروها مدّة طويلة يفي أجرتها بدينهم (٦) ، كما
قيل (٧) : بتعلق حق الغرماء بمنافع أمّ ولد المفلّس.
______________________________________________________
دفعها إليهم.
(١) هذا متفرع
على انعتاقها المترتب على عدم السلطنة على العين شرعا.
(٢) أي : حين
عدم تسلط الديان على العين ، فيدور الأمر بين وجوه أربعة.
(٣) هذا أوّل
الوجوه ، وحاصله : أنّه لو فرض كون قيمة أمّ الولد مائة دينار ، وهي ربع الدين ،
سقط من حقّ الديان ربعه. فكما لا يتعلق حق الغرماء بمئونة التجهيز والكفن ، فكذا
لا يتعلق بامّ الولد.
(٤) هذا ثاني
الوجوه ، وحاصله : ضمان الولد لقيمة امّه ، لكونها تالفة عليه بانعتاقها.
(٥) هذا ثالث
الوجوه ، وهو يشارك سابقه في انتقال حقّ الديان إلى قيمتها ، ويفترق عنه بكون
الضمان عليها ، فتسعى في قيمتها ، كما في بعض موارد العتق بالسراية.
(٦) هذا رابع
الوجوه ، وهو عدم تعلق حق الديان لا بالعين ولا بالقيمة ، وإنّما يتعلق بمنفعتها
وخدمتها ، فتؤجر بما يفي بالدين.
(٧) القائل
صاحب الجواهر قدسسره فيما لو اشترى جارية نسيئة فأولدها ثم فلس ، وكانت عليه
ديون اخرى ، فجاز بيعها لو طالب البائع بثمنها ، كما جاز له أخذها ،
ولا إشكال (١)
في عدم جواز رفع اليد عمّا دلّ على بقاء حقّ الديّان متعلّقا بالتركة (٢) ، فيدور (٣)
الأمر بين الوجهين الأخيرين ، فتنعتق على كلّ حال ،
______________________________________________________
لكونه بمنزلة بيعه ، ثم قال : «وليس للغرماء المنع وإن قلنا بتعلق حقّهم
بالمنفعة لو لم تبع ، لأولوية حقه منهم ...» .
هذا بحسب مقام
الثبوت ، وسيأتي الكلام فيما يقتضيه مقام الإثبات.
(١) هذا مقام
الإثبات ، وغرضه قدسسره ترجيح الاستسعاء أو تمليك منفعتها على الاحتمالين
الأوّلين ، وبيانه : أنّ ما دلّ على بقاء حقّ الدّيّان متعلقا بالتركة ، كما يقتضي
عدم سقوط التكليف بأداء الدين ووجوب الوفاء به ، فيبطل الاحتمال الأول. فكذا يقتضي
عدم تعلق حقوقهم بذمة الولد حتى يجب عليه بذل قيمة امّه إلى الغرماء. ويدور الأمر
حينئذ بين الوجهين الأخيرين.
ووجه عدم جواز
رفع اليد عمّا دلّ على تعلق الدين بالتركة هو : أنّ الضرورات تتقدّر بقدرها ،
ودليل منع بيع أمّ الولد في غير ثمنها يقتضي عدم تعلق حقّ الديان بعينها ، ولا
يمنع من تعلقه بقيمتها أو منفعتها الذي هو نحو من التعلق بالتركة ، فتحمل أخباره
على هذا النحو من التعلق ، جمعا بين الدليلين.
ولعل وجه عدم
جواز رفع اليد عن دليل وجوب أداء دين الميّت ـ مع رفع اليد عنه في موارد مستثنيات
الدين ـ هو : أنه دليل ينبغي إعماله مهما أمكن ، ومن المعلوم أنّ دليل عدم جواز
بيع أمّ الولد في مطلق الدين لا يقتضي سقوط وجوب الوفاء به ، بل اللازم العمل
بالدليلين جمعا بينهما ، فيؤدّى الدين لا من رقبتها.
(٢) ظهر آنفا
أنّ وجوب أداء الدين مدلول عليه ببقاء حق الديان ، فلذا يبطل الاحتمالان الأوّلان
معا بعدم سقوط حقهم.
(٣) هذا متفرع
على سقوط الوجهين الأوّلين.
__________________
ويبقى الترجيح بين الوجهين محتاجا إلى التأمّل (١).
وممّا ذكرنا (٢)
يظهر اندفاع الوجه الثاني ، فإن مقتضى المنع عن بيعها مطلقا (٣) أو (٤) في دين غير
ثمنها استقرار (٥) ملك الوارث عليها.
ومنه (٦) يظهر
الجواب عن الوجه الثالث ،
______________________________________________________
(١) تقدّم آنفا
إمكان ترجيح تعلق حقهم بذمتها ـ واستسعائها في قيمتها ـ على تعلق حق الديان
بمنافعها ، وهو مقتضى قوله في (ص ٣٧٠) : «كان ذلك في رقبتها».
هذا ما أفاده
المصنف قدسسره في ردّ أوّل الوجوه الأربعة المذكورة في المقابس ،
ويأتي الكلام في ردّ الثلاثة الاخرى.
(٢) من اقتضاء
الجمع بين دليل انعتاقها على الولد وبين دليل عدم استقرار نصيب الوارث من التركة
بمقدار ما قابل نصيب الولد من الدين ، يظهر اندفاع الوجه الثاني المبني على أنّ
المراد بالنصيب هو المستقر الثابت لا الزائل.
وجه الاندفاع :
أنّ مقتضى تعلق حق الديان بامّ الولد استقرار ملك الولد لها ، وانعتاقها عليها ،
لما تقدّم من تعلق حقّهم بقيمتها لا برقبتها. فلا مزاحم لنصيب الولد من الامّ حتى
يقال بخروجه عن دليل انعتاق العمودين أو خصوص أمّ الولد.
والحاصل : أنّ
النهي عن بيعها ـ سواء أكان مطلقا أم في غير ثمنها ـ لا ينافي استقرار ملك الولد
لها ، الموجب لانعتاقها.
(٣) كما تقدم
في (ص ٢٩٢) عن السيد قدسسره إن لم يتأمّل في النسبة.
(٤) معطوف على «مطلقا»
وجواز البيع في ثمنها ومنعه في دين آخر هو المشهور كما مرّ في (ص ٢٩٦ و ٣٤١).
(٥) خبر قوله :
«فإنّ مقتضى» وضمير «عليها» راجع إلى أمّ الولد.
(٦) الضمير
راجع إلى الموصول في قوله : «ومما ذكرنا» ووجه ظهور الجواب هو : أنّ مقتضى عدم
تعلق حقّ الديان بعين أمّ الولد ـ بحيث يجوز لهم أخذها مع
إذ (١) بعد ما ثبت عدم تعلق حق الديان بعينها ـ على (٢) أن يكون لهم أخذها
عند امتناع الوارث من الأداء ـ فلا مانع عن انعتاقها. ولا جامع (٣) بينها وبين
الوقف الذي هو ملك للبطن اللاحق كما هو ملك للبطن السابق.
وأمّا ما ذكره
رابعا ، فهو إنّما ينافي (٤) الجزم بكون قيمتها بعد الانعتاق متعلّقا بالولد. أمّا
إذا قلنا باستسعائها فلا يلزم شيء.
______________________________________________________
امتناع الوارث عن أداء ما قابلها من الدّين ـ هو عدم مانع عن انعتاقها ،
لاستقرار ملك الولد لها ، وعدم كونها في معرض الزوال من ناحية تعلق حق الديان بها
، حتى يرد عليه ما أورده صاحب المقابس من قوله : «إن ما ادّعاه من الانعتاق على
الولد بمثل هذا الملك مما لم ينص عليه الأصحاب ... الخ».
(١) تعليلية ،
وهذا تقريب ظهور الجواب.
(٢) هذا بيان
للمنفي ، وهو تعلق حق الديان بالعين ، إذ لو كانت أمّ الولد كسائر الأموال التي
تركها الميت ، جاز للديان أخذها لو امتنع الوارث من الأداء. والمفروض عدم جواز
أخذها ، وليس إلّا لتعلق حقهم بقيمتها لا بعينها.
(٣) هذا دفع
المقايسة ـ المذكورة في المقابس ـ بين أمّ الولد وبين العبد الموقوف ، والأولى أن
يقال : «بخلاف الوقف».
وكيف كان ، فحاصل
دفعها : أنّ القياس مع الفارق ، حيث إنّ العبد الموقوف على ولده مثلا يكون متعلقا
لحق سائر البطون ، فلا بد من إبقائه وعدم جواز بيعه لينتقل إلى البطون اللاحقة.
بخلاف أمّ الولد ، فإنّها ملك للولد دون غيره ، إذ المفروض عدم تعلق حق الديان
بها.
(٤) الظاهر ـ
كما استظهره الفقيه المامقاني قدسسره ـ أنّ مراد المصنف قدسسره هو : أنّ الإشكال الرابع لا يدفع أصل الانعتاق الذي
ادّعاه المسالك ، بل يدفع دعوى الضمان
__________________
فالضابط (١)
حينئذ :
______________________________________________________
على الولد ، إذ للشهيد قدسسره دعويان : إحداهما : الانعتاق ، والاخرى ضمان الولد
لقيمتها.
والإشكال
الرابع يدفع الثانية ، لأنّه ينافي الجزم بكون القيمة بعد الانعتاق على الولد ،
دون الاولى ، فلا بأس حينئذ بالالتزام بكون القيمة على نفس الامّ ، ووجوب السعي
عليها فيها ، فلا يثبت بإشكال المقابس جواز البيع الذي نسب إلى شيخ الطائفة قدسسره.
(١) يعني :
فالضابط في انعتاق أمّ الولد ـ حين إذ قلنا باستسعائها في ما يزيد على نصيب ولدها
منها ـ هو التفصيل بين كون نصيب الولد من التركة وافيا بقيمتها وعدمه. فهنا صورتان
:
الأولى : أن لا
يكون انعتاقها مستلزما لورود خسارة على الولد ، كما إذا كان نصيبه من التركة ما
يساوي قيمة الامّ ، ولم يكن دين على المولى ، فحينئذ تنعتق الامّ من دون ضمان على
أحد. مثلا إذا كان نصيبه من التركة مائة دينار ، وقيمة الام مائة دينار أيضا ،
فيملك الولد نصيبه من التركة بلا ضمان.
الثانية : أن
يكون انعتاقها موجبا لضرر مالي وخسارة ، فيكون على عهدة المنعتقة لا على الولد
المنعتق عليه. ولا فرق في ضمانها بين كون مجموع نصيب الولد مقابلا بالدين أو بعضه.
فالأوّل : كما
إذا كان في المثال المزبور دين مستغرق للتركة ، فيصير حينئذ نصيب الولد ـ وهو
المائة ـ مع الضمان ، إذ المفروض وجود الدين ، فإذا انعتقت الامّ التي تكون قيمتها
مائة دينار ، فلا بد من دفع ما يقابل قيمتها إلى الدّيّان ، فنصيب الولد مملوك مع
الضمان.
والثاني : كما
إذا كان نصيبه من التركة مائة دينار مع كون قيمة الامّ مائة دينار أيضا ، فيملك
الولد نصيبه المزبور مع ضمان بعضه فيما إذا لم يكن الدين
أنّها تنعتق [أنه ينعتق] (١) على الولد ما لم يتعقبه (٢) ضمان من نصيبه.
فإن كان (٣) مجموع نصيبه أو بعض (٤) نصيبه يملكه (٥) مع ضمان أداء ما قابله من
الدّين ، كان (٦) ذلك في رقبتها.
______________________________________________________
مستغرقا ، بأن كان ما قابل نصيبه منه خمسين دينارا ، فهو يملك نصيبه من
التركة مع ضمانه لبعض نصيبه ـ وهو الخمسون ـ للدّيّان.
(١) كذا في
نسختنا ، ولا بد من تأويل الأمة بالمملوك ، ليصحّ تذكير الضمير ، والاولى ما
أثبتناه عن نسخة مصححة اخرى.
(٢) أي : ما لم
يتعقب الانعتاق ضمان وخسارة على الولد. وهذا إشارة إلى الصورة الاولى.
(٣) هذا متفرع
على كون الضابط الانعتاق على الولد من دون تعهده بشيء من قيمتها ، كما لو لم يكن
دين أصلا.
(٤) معطوف على «مجموع»
وتقدم توضيحه بقولنا : «والثاني كما إذا كان نصيبه من التركة ...».
(٥) أي : يملك
الولد مجموع النصيب ـ أو بعضه ـ مع ضمان الدين المقابل للنصيب. والأولى أن يقال : «بحيث
يملكه».
فإن قلت : إن
ضمان الولد للدين المقابل للنصيب مناقض لما هو المطلوب من عدم تضمين الولد.
قلت : نعم ،
لكن لعل المراد ثبوت الضمان على الولد في الجملة وإن استحق مطالبة البدل من امّه ،
فهذا في قبال عدم الضمان أصلا.
ويحتمل أن يكون
غرضه الإشارة إلى وجود قولين في المسألة.
(٦) جواب «فإن
كان» وقوله : «ذلك» إشارة إلى الموصول في «ما قابله» المراد به الدين ، وحاصله :
أنّه لو لزم من الانعتاق على الولد ضمان انعتقت عليه ، لكن لا مجانا ، بل كانت هي
الضامنة للدين.
وممّا ذكرنا (١)
يظهر أيضا (٢) : أنّه (٣) لو كان غير ولدها أيضا (٤) مستحقّا لشيء منها بالإرث لم
يملك (٥) نصيبه مجّانا ، بل إمّا أن يدفع (٦) إلى الدّيّان ما قابل
______________________________________________________
(١) أي : من
انعتاقها مع كونها ضامنة لقيمتها للدّيان ، جمعا بين النهي عن بيعها وبين عدم سقوط
حقّ الدّيّان رأسا ، يظهر أنّه لا فرق ـ في ضمانها لقيمتها إن لم تكن تمامها من
نصيب الولد ـ بين كون من يستحقّها الدائن وبين كونه وارثا ، فإنّ ما دلّ على
انعتاقها يوجب حرمان الديان والوارث عن عينها ، ويتعلق الحقّ بماليتها ، ويجب
عليها السعي لأداء ذلك الحق.
فإذا كانت
التركة مائة وعشرين دينارا والدّين كذلك ، والوارث ولدين ، وقيمة الأمة تسعين
دينارا ، انعتق نصيب ولدها وهو الثلثان ، ويملك الولد الآخر ثلثها الباقي مع
الضمان لا مجّانا ، فيدفع ثلاثين دينارا قيمة نصيبه أعني الثلث من أمّ الولد إلى
الدّيّان ، فتسعى أمّ الولد في أداء هذا الثلث إلى الدافع. كما لو فرض عدم الدين ،
فإنّه وجب عليها السعي في دفع قيمة نصيب الولد الآخر إلى ذلك الولد ، أو وجب على
ولدها دفعها إلى أخيه الدافع.
وعلى كلّ فقيمة
الثلث الزائد على نصيب ولدها تكون عليها ، فيجب الاستسعاء.
(٢) يعني : كما
ظهر ضمانها للديان لو لم يستحقها غيرهم ، كما لو لم يكن وارث آخر غير ولدها.
(٣) الضمير
للشأن ، والجملة فاعل قوله : «يظهر».
(٤) يعني : كما
لو كان مستحقها الديان ، فكذا استحقّها بالإرث غير ولدها.
(٥) جواب «لو
كان» يعني : لم يملك غير الولد نصيبه من أمّ الولد مجانا بحيث تنعتق عليه بلا عوض
، بل لا بد من وصول قيمة نصيبه إليه.
(٦) غرضه بيان
عدم مجانية ملك النصيب ، يعني : أنّ غير الولد لو دفع إلى الديان مقابل نصيبه
الموروث ـ وهو ثلاثون دينارا في المثال المزبور ـ سعت الامّ في
نصيبه (١) ، فتسعى أمّ الولد ، كما لو لم يكن دين (٢) ، فينعتق نصيب غير
ولدها عليه (٣) مع ضمانها أو ضمان ولدها (٤) قيمة حصّته (٥) التي فكّها من
الدّيّان. وإمّا (٦) أن يخلّي بينها وبين الديّان ، فتنعتق أيضا (٧) عليهم مع
ضمانها أو ضمان ولدها ما قابل الدين لهم.
______________________________________________________
أداء هذا المال المدفوع إلى الديان ، كما وجب عليها السعي في أداء نصيب غير
الولد لو لم يكن هناك دين أصلا. إذ لو لم تسع في نصيب غير الولد لزم كون انعتاقها
على ولدها موجبا للخسارة على غير ولدها ممّن يرثها ، مع أنّه لا موجب لتحمل هذا
الضرر.
(١) أي : نصيب
غير الولد ، وهو الثلاثون دينارا في المثال.
(٢) يعني :
فالسعي واجب إمّا للوارث لو لم يكن دين ، وإمّا للديان لو دفع الوارث قيمة حصته
إلى الديان.
(٣) أي : على
غير الولد ، فينعتق نصيبه منها بالسراية ، وتضمن قيمة النصيب للوارث.
(٤) يعني : لو
تبرّع ولد الأمة بدفع نصيب أخيه ـ الذي دفعه هذا الأخ الى الديان ـ لم يجب عليها
السعي ، أو قلنا بوجوبه من جهة انعتاقها على الولد من مجموع ما يرثه.
(٥) أي : حصة
غير الولد.
(٦) معطوف على «إمّا
أن يدفع» يعني : أن يخلّي الولد الآخر بين أمّ الولد وبين الديان ، فتنعتق عليهم
أيضا كما انعتقت على ولدها مع ضمان الامّ أو ولدها للديان ما قابل الدين.
(٧) يعني : كما
انعتقت على الوارث ، كما تقدّم بقوله : «فينعتق نصيب غير ولدها عليه» وحينئذ فما
قابل الدين يكون في ذمتها ، فإمّا أن تسعى للديان ، وإمّا أن يضمنه الولد لهم.
وأمّا حرمان
الدّيّان (١) عنها عينا وقيمة ، وإرث الورثة لها (٢) ، وأخذ (٣) غير ولدها قيمة
حصّته (٤) منها أو (٥) من ولدها ، وصرفها (٦) في غير الدين ، فهو (٧) باطل ،
لمخالفته (٨) لأدلة ثبوت حقّ الدّيّان من غير (٩) أن يقتضي النهي عن
______________________________________________________
(١) مقصوده قدسسره دفع توهم الفرق بين كون أمّ الولد ـ بالنسبة إلى الديان
ـ كمئونة التجهيز التي لا يتعلّق بها حق الديان عينا وقيمة ، وبين كونها موروثة
لما عدا ولدها من الوراث.
ومحصل وجه
الدفع : أنّ الجمع بين ما دلّ على ثبوت حق الديان وتعلقه بالتركة ، وبين النهي عن
التصرف في أمّ الولد ، يقتضي الالتزام بحرمان الديان عن العين ، وانتقال حقهم إلى ماليتها
وقيمتها. وحينئذ فإمّا أن تسعى ـ فيما زاد على نصيب ولدها منها ـ وإمّا أن يتعهد
الولد بأداء الدين. وكذا الحال في حرمان سائر الورثة عن عين أمّ الولد ،
واستحقاقهم قيمة أنصبائهم منها.
(٢) أخذا بعموم
«ما تركه الميت من مال أو حقّ فلوارثه» والخارج منه قطعا هو نفس الولد ، فإنه لا
يملك امّه.
(٣) هذا و«إرث
الورثة» معطوفان على «حرمان».
(٤) أي : حصة
غير الولد.
(٥) لعلّ
الترديد للإشارة إلى الخلاف في كون حصة غير الولد على عهدة ولدها ، أو على الامّ
بالسعي.
(٦) معطوف على «أخذ»
أي : صرف غير الولد قيمة نصيبه ـ المأخوذة منها أو من ولدها ـ في غير الدين ،
لسقوط الدين بصيرورة أمّ الولد من المستثنيات التي لا يتعلق بها حق الغرماء.
(٧) جواب «وأما
حرمان» وتقدم وجه البطلان آنفا.
(٨) أي :
لمخالفة الحرمان لأدلة ثبوت حقّ الديان.
(٩) يعني : أنّ
المنافي لدليل ثبوت حق الديان ـ وهو النهي عن بيعها والتصرف
التصرف في أمّ الولد لذلك (١).
وممّا (٢)
ذكرنا يظهر ما في قول بعض من أورد على ما في المسالك
______________________________________________________
والتصرف الناقل لها ـ لا يزاحم تعلق الحق بقيمتها ، وإنما يوجب الحرمان عن
العين.
(١) أي :
للحرمان ، وهو متعلق ب «يقتضي».
هذا تمام ما
أفاده المصنف في ردّ الوجوه الأربعة التي انتصر بها المحقق صاحب المقابس لشيخ
الطائفة ، واعترض بها على ما في المسالك.
(٢) أي : ومن
سقوط حقّ الديان عن عين أمّ الولد ، وتعلّق حقّهم بقيمتها ـ على نفسها أو على
ولدها على الخلاف ـ يظهر غموض ما في المقابس من الإشكال في الجمع بين كلمات
الأصحاب.
وبيان الإشكال
: أنّهم حكموا تارة بعدم جواز بيعها إلّا في دين ثمنها. وهذا الكلام يدلّ على عدم
جواز بيعها في دين غير ثمنها ، وأنّ حقّ الدّيّان ساقط عنها ، فتكون أمّ الولد
كمئونة التجهيز ممّا لا يتعلّق به حق الديان.
وحكموا اخرى
بأنّها تسعى في ما فضل عن نصيب ولدها. وهذا الحكم ينافي كون أمّ الولد كمئونة
التجهيز ، لأنّه يكشف عن تعلق حقّ الدّيّان بها ، إذ لا وجه لأداء قيمتها إليهم
إلّا تعلق حقّهم بها.
وبالجملة :
فالجمع بين حكم المشهور بعدم جواز بيعها في دين غير ثمنها ، وبين وجوب سعيها في
أداء قيمتها إلى الدّيّان أو تغريم الولد لها ، وبين أدلتهم مشكل ، لأنّ الحكم
الأوّل يقتضي سقوط حق الدّيان رأسا ، وهو ينافي تغريم الام أو الولد لقيمتها
للديان.
نعم ، لو قصدوا
دلالة مثل رواية عمر بن يزيد ـ المانعة عن بيعها في غير ثمنها ـ على أنّ أمّ الولد
مطلقا ـ أو خصوص نصيب الولد ـ تكون كالكفن من مستثنيات الدين ، فلا تباع ، كان له
وجه. لكنه مجرد فرض ، لعدم ذكرها في عداد المستثنيات حتى تكون كمئونة تجهيز الميت
، كما لم تدل النصوص المزبورة على هذا الاستثناء.
بما (١) ذكرناه : «أنّ (٢) الجمع بين فتاوى الأصحاب وأدلتهم مشكل جدّا ،
حيث (٣) إنّهم قيّدوا الدّين بكونه ثمنا ، وحكموا (٤) بأنّها تعتق على ولدها من
نصيبه ، وأنّ ما فضل عن نصيبه ينعتق بالسّراية ، وتسعى (٥) في أداء قيمته.
ولو قصدوا :
أنّ أمّ الولد أو سهم الولد مستثنى من الدّين ـ كالكفن ـ عملا بالنصوص المزبورة (٦)
، فله وجه. إلّا أنّهم (٧) لا يعدّون ذلك (٨) من المستثنيات ، ولا ذكر في النصوص (٩)
صريحا» انتهى .
وأنت خبير بأنّ
النصوص المزبورة (١٠) لا تقتضي سقوط حقّ الدّيّان ، كما لا يخفى.
______________________________________________________
هذا توضيح كلام
صاحب المقابس قدسسره.
(١) متعلق ب «أورد»
أي : أورد بالوجوه الأربعة المنقولة عن المقابس.
(٢) الجملة في
محل النصب على المفعولية ل «قول» وهذا كلام المقابس.
(٣) هذا بيان
إعضال الجمع بين فتاوى الأصحاب وأدلتهم.
(٤) معطوف على «قيّدوا»
وهذا أحد الحكمين.
(٥) معطوف على «ينعتق»
وهذا ثاني الحكمين ، والمفروض تمانعهما.
(٦) الدالة على
منع بيعها إلّا في ثمنها.
(٧) استدراك
على توجيه كلامهم بجعلها من مستثنيات الدين.
(٨) أي : أمّ
الولد ، أو خصوص نصيب الولد منها.
(٩) أي : لم
يذكر استثناء الامّ ـ أو خصوص نصيب الولد ـ في النصوص.
(١٠) هذا ردّ
ما في المقابس ، والأولى تبديله ب «وذلك» ليكون تعليلا لقوله : «يظهر».
وكيف كان
فمحصّل الإيراد على المحقق الشوشتري هو : أن النصوص المانعة
__________________
ومنها (١) :
تعلّق كفن مولاها بها ـ على ما حكاه
______________________________________________________
عن بيعها ـ يعني عن العين والقيمة معا ـ لا تدلّ على سقوط حق الديان رأسا
لا مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما. فالجمع بين هذه النصوص وبين حق الاستيلاد وحق
الديان يقتضي تعلق حق الديان بقيمتها ، ووجوب السعي فيها ، أو ضمان الولد لها.
فالحكم
بالانعتاق عملا بما دلّ عليه ، ووجوب السعي عليها في قيمتها أو غرامة الولد لها ـ
عملا بما دلّ على ثبوت حقهم بالتركة ـ ليس مخالفا للأدلة حتى يشكل الجمع بين
فتاواهم وأدلتهم.
هذا تمام
الكلام في المقام الثاني من أوّل مواضع الاستثناء ، وهو بيعها في دين غير ثمنها.
٢ ـ بيع أمّ الولد
لتعلق حق الكفن بها
(١) معطوف على
قوله في (ص ٢٩٦) : «فمن موارد القسم الأوّل» يعني : ومن موارد جواز بيع أمّ الولد ـ
لتعلق حقّ الغير بها ـ هو ما إذا مات مولاها ، ولم يخلّف كفنا ولا ما يشترى به غير
أمّ الولد. فقيل بأنّه إن أمكن بيع بعضها لتحصيل الكفن لم يجز بيع تمامها ، وإن
توقّف على بيعها بتمامها بيعت.
وعقد صاحب
المقابس قدسسره الصورة الثالثة لتحقيق جواز بيعها في الكفن ، وسيأتي
نقل بعض كلامه.
ويستدلّ للجواز
بوجوه ثلاثة ، يبتني ثانيها على جواز بيعها في مطلق الدين ، واثنان منها ـ وهما
الأوّل والثالث ـ على اختصاص جواز بيعها بأداء ثمن رقبتها.
وتوضيح الوجه
الأوّل : أنّ الغرض من منع بيع أمّ الولد كلّيّة هو انتقالها ـ بموت سيدها ـ إلى
ولدها بالإرث ، وانعتاقها عليه. فلو فرض عدم جواز بيعها في سائر وجوه الدين ، قلنا
هنا بجوازه ، لانتفاء الحكمة المانعة عن التصرفات الناقلة. ووجه انتفائها حاجة
الميت إلى الكفن المانعة من انتقالها إلى الوارث ، لوضوح تقدم
في الروضة (١) ـ بشرط عدم كفاية بعضها له ، بناء (٢) على ما تقدّم نظيره في
الدين (٣) ، من أنّ المنع لغاية الإرث ، وهو (٤) مفقود مع الحاجة إلى الكفن.
وقد عرفت (٥)
أنّ هذه حكمة غير مطّردة ولا منعكسة.
______________________________________________________
الكفن على الإرث ، لأنّه «أوّل ما يبدأ به من المال» كما في الخبر . وحيث إنّ التركة منحصرة في أمّ الولد جاز بيعها في
كفنه ، ولا يبقى موضوع للانتقال والانعتاق ، هذا.
وناقش المصنف قدسسره فيه بمنع كون الإرث علة لعدم بيعها ، لما تقدم من كونه
حكمة ، وهي غير مطّردة ولا منعكسة ، فلا يدور الحكم مدارها. وحينئذ يمكن منع بيعها
، لعدم كونه بيعا في ثمن رقبتها ، فتورث وتنعتق على ولدها.
(١) قال في عدّ
موارد جواز بيعها : «عاشرها في كفن سيّدها إذا لم يخلّف سواها ، ولم يمكن بيع
بعضها فيه ، وإلّا اقتصر عليه» .
(٢) هذا قيد
لمقدّر ، وهو جواز بيعها لتعلق حق الغير ـ وهو الميت ـ بها.
(٣) لعلّ
مقصوده ممّا تقدّم في الدين ـ مع تبيينه بكلمة : من ـ هو قوله في جواب صاحب
المقابس قدسسره : «لأنّ المستفاد من النصوص والفتاوى : أن استيلاد
الأمة يحدث لها حقا مانعا عن نقلها ، إلّا إذا كان هناك حقّ أولى منه بالمراعاة»
فراجع (ص ٣١٢).
(٤) يعني :
والغاية مفقودة ، لوضوح تقدم الكفن على الإرث ، فيجوز بيعها.
(٥) هذه مناقشة
المصنف في الوجه الأوّل ، وتقدم في (ص ٢٨٥) بقوله : «والعلة المذكورة غير مطردة
ولا منعكسة» كما تقدم توضيح وجه عدم الطرد والعكس هناك ، فراجع.
__________________
وأمّا (١) بناء
على ما تقدّم (٢) من جواز بيعها في غير ثمنها من الدّين ـ مع أنّ (٣) الكفن يتقدّم
على الدّين ـ فبيعها له (٤) أولى.
بل اللازم ذلك (٥)
______________________________________________________
(١) معطوف على «بناء
على ما تقدم نظيره في الدين» وهذا ثاني وجهي الجواز ، والفارق بينه وبين الأوّل
أنّ مقتضى هذا الوجه أولوية جواز بيعها في الكفن من جوازه في الدين.
توضيحه : أنّ
الحقوق المتعلقة بمال الميت ـ وهي الكفن والدين وحق أمّ الولد والإرث ـ لا تكون في
مرتبة واحدة ، فالكفن مقدّم على الدين ، لأنّه أول ما يبدأ به ، والدّين مقدّم على
حق الاستيلاد عند المزاحمة ، وهو مقدّم على الإرث. وتقدّم حق الميت ـ من جهة الكفن
ـ على حق الديان ينتج وجوب صرف أمّ الولد في الكفن.
وبعبارة اخرى :
يقدّم الكفن على الدين مطلقا ولو كان ثمن رقبتها ، فلو مات المولى وخلّف أمّ ولد
لم يؤدّ ثمنها ، ولم يكن له كفن ، بيعت في كفنه بلا إشكال. فلو بيعت وصرف الثمن في
دين المولى من رقبتها ، كان ذلك خلاف دليل تقديم الكفن على الدين ، فتعيّن صرف
الثمن في الكفن. وحيث إنّه لا ريب في تقدّم دين ثمن الرقبة على حق الاستيلاد ،
فبالأولوية يكون الكفن مقدّما على حق الاستيلاد.
والحاصل : أن
هذا الوجه الثاني يقتضي جواز بيعها في الكفن مطلقا بالأولوية ، سواء قيل باختصاص
جواز البيع بثمن رقبتها أم بعمومه لوجوه الدين.
(٢) يعني : في (ص
٣٤٥) حيث قال : «خلافا للمحكّي عن المبسوط ، فجوّز البيع حينئذ مع استغراق الدين ،
... الخ».
(٣) هذا مناط
الأولوية ، كما عرفت توضيحه.
(٤) أي :
للكفن.
(٥) أي : جواز
بيعها ، وهذا هو الوجه الثالث المبني على حصر جواز بيعها في
أيضا (١) بناء (٢) على حصر الجواز في بيعها في ثمنها ، بناء على ما تقدّم (٣)
من أنّ وجود مقابل (٤) الكفن الممكن صرفه في ثمنها لا يمنع (٥) عن بيعها ،
______________________________________________________
ثمنها لا مطلق الدين ، ومحصله استكشاف الحكم هنا من جواز بيعها في ثمن
رقبتها.
وتوضيحه : أنّه
إذا خلّف المولى أمّ ولد لم يؤد ثمنها ، ودنانير تفي بمئونة التجهيز ، يحكم بصرف
المال في الكفن ، لما دلّ على كونه أوّل ما يتعلق بالتركة ، وجاز بيعها لأداء
ثمنها. ووجوب صرف المال في تجهيز الميت يدلّ بالالتزام على تقدم حق الميت على حق
الاستيلاد عند المزاحمة وعدم وفاء التركة بهما. فكما يقدّم حقّ الميت على حق
الاستيلاد في فرض الدين الخاص ـ وهو ثمن رقبتها ـ فكذا يقدّم في فرض عدم هذا الدين
، لاستفادة أقوائية حقّ الميت من حق الاستيلاد.
فإن قلت :
مقتضى هذا الوجه تقدم حق الميت على حق الاستيلاد فيما لو كان هناك دين ، ليقال
بتقدم حقه على حقّ الديان ، وتقدم حقهم على حق الاستيلاد ، ومن المعلوم أنّ هذا
التقدم لا يجدي لو لم يكن هناك دين ، ودار الأمر بين حق الميت وحق الاستيلاد.
قلت : المقصود
تقديم حقّ الميت على الاستيلاد ، وإنّما ذكر الدين الخاص ـ أعني ثمن رقبتها ـ
لمجرّد طريقيته إلى استفادة كون حق الميت أعظم من حق الاستيلاد ، هذا.
(١) أي : كما
جاز بيعها في الكفن لو قيل بجواز بيعها في مطلق وجوه الدين.
(٢) كما بنينا
في الوجه الأوّل على اختصاص الجواز بدين ثمنها ، وهذا الحصر هو مفاد قوله في (ص
٣٤١) : «وأمّا بيعها في دين آخر ، فإن كان مولاها حيّا لم يجز إجماعا ... وإن كان
بعد موته فالمعروف من مذهب الأصحاب المنع».
(٣) الظاهر أنه
إشارة إلى قوله في (ص ٣٢٢) : «ومما ذكرنا يظهر الوجه في استثناء الكفن ومئونة
التجهيز ...».
(٤) كما إذا
ترك دنانير معدودة يمكن صرفها في كفنه وتجهيزه.
(٥) خبر قوله :
«ان وجود» ، و«الممكن» صفة للمقابل.
فيعلم (١) من ذلك تقديم الكفن على حقّ الاستيلاد ، وإلّا (٢) لصرف مقابله
في ثمنها ولم تبع.
ومن ذلك (٣)
يظهر النظر فيما قيل (٤):
______________________________________________________
(١) غرضه
استظهار جواز البيع في الكفن مما ذكر : من عدم مانعية دين الثمن من لزوم صرف ما
يقابل الكفن فيه ، وعدم جواز أداء ثمنها به ، فالمشار إليه ب «ذلك» هو عدم مانعية
وجود مقابل الدين عن بيعها في ثمنها.
(٢) أي : وإن
لم يكن حق الكفن مقدّما على حقّ الاستيلاد لجاز صرف تلك الدنانير ـ المقابلة للكفن
ـ في ثمن رقبتها ، وعدم بيعها في ثمنها ، مع أنّ ذلك المقابل يصرف في الكفن ،
وتباع هي في ثمنها.
وقد تحصّل من
كلمات المصنف في هذه الوجوه الثلاثة : أن الأوّل منها ممنوع ، لابتنائه على غاية
غير مطردة ولا منعكسة. والثاني منها ـ وهو الأولوية ـ منوط بالالتزام بجواز بيعها
في مطلق الدين. والثالث منها ـ كالأوّل ـ مبني أيضا على الاختصاص. وسيأتي المناقشة
في ما بناه صاحب المقابس على جواز البيع في مطلق الدين.
(٣) مراده
بالمشار إليه هو قوله : «بل اللازم ذلك أيضا» ومحصله : عدم توقف جواز بيعها في
الكفن على القول بجواز بيعها في مطلق الدين ، بل يتجه حتى على اختصاص جواز البيع
بثمن رقبتها.
(٤) القائل
صاحب المقابس قدسسره ، قال في الصورة الثالثة ما لفظه : «والقول بجوازه
حينئذ مع استيعاب قيمته لقيمتها مأخوذ من القول به في الصورة السابقة مع الاستيعاب
، فإنّ الكفن مقدّم على الدين ، كما أنّه مقدّم على الإرث ، فجوازه في الدين
المستوعب يقتضي جوازه في قيمة الكفن المستوعبة بطريق أولى ، والعلة مشتركة بينهما»
.
__________________
من أنّ هذا القول (١) مأخوذ من القول بجواز بيعها في مطلق الدّين المستوعب.
وتوضيحه (٢) :
أنّه إذا كان للميّت المديون (٣) أمّ ولد ومقدار (٤) ما يجهّز به ، فقد اجتمع (٥)
هنا حقّ الميت ، وحقّ بائع أمّ الولد ، وحقّ أمّ الولد (٦). فإذا ثبت (٧)
______________________________________________________
(١) أي : القول
بجواز بيعها في كفنه مأخوذ ... الخ.
(٢) أي : توضيح
ما ينشأ منه النظر في كلام المقابس أنّه ... ، وملخّصه : أنّ تقدّم حق الكفن على
حق الاستيلاد ليس منوطا بتقدم مطلق الدين الذي قد عرفت كونه محلّا للخلاف ، وذهاب
المشهور إلى عدم الجواز ، بل تقدمه على حق الاستيلاد منوط بتقدم خصوص دين ثمن
الرقبة على حق أمّ الولد ، فإنّ حقّ البائع المقتضي لجواز بيعها في ثمنها مقدّم
على حق أمّ الولد. فإذا كان حق الميت ـ وهو حق الكفن ـ مقدّما على دين الثمن الذي
هو مقدّم على حق الاستيلاد ، فيقدّم حق الميت على حق الاستيلاد.
وبالجملة :
فيقدّم حق الميت على حق أمّ الولد عند الدوران بينهما وإن لم يكن دين ، فلا يتوقف
تقدم الكفن على الاستيلاد على جواز بيعها في مطلق الدين الذي هو محل الخلاف
والإشكال ، فلا وجه لما في المقابس من كون جواز بيعها في كفن مولاها مأخوذا من
جواز بيعها في مطلق الدين.
(٣) أي :
المديون بثمن رقبتها ، لا مطلق الدين ، لما تقدم من أن غرض المصنف ترتيب جواز
بيعها في الكفن على القدر المتيقن مما يجوز بيعها فيه ، وهو ثمنها ، لا مطلق
الدين.
(٤) كالدنانير
المعدودة الوافية بمئونة التجهيز.
(٥) جواب الشرط
في قوله : «إذا كان».
(٦) والمفروض
تزاحم هذه الحقوق الثلاثة ، لعدم وفاء التركة بها.
(٧) يعني : لا
ريب في تقدم هذا الحق الخاص ـ وهو حق بائعها ـ على حق الاستيلاد بالانعتاق.
عدم سقوط حقّ بائع أمّ الولد ، دار (١) الأمر بين إهمال حقّ الميّت بترك
الكفن ، وإهمال حقّ أمّ الولد ببيعها (٢) ، فإذا حكم (٣) بجواز بيع أمّ الولد
حينئذ (٤) ـ بناء على ما تقدّم في المسألة السابقة (٥) ـ كان (٦) معناه : تقديم حق
الميت على حقّ أمّ الولد. ولازم ذلك (٧) تقديمه عليها مع عدم الدين ، وانحصار (٨)
الحق في الميّت وأمّ الولد.
اللهم إلّا أن
يقال (٩):
______________________________________________________
(١) جواب «فإذا
ثبت» والمراد إهمال حقّي الميت وأمّ الولد ، وصرفها في ثمنها.
(٢) لأداء
ثمنها إلى البائع.
(٣) غرضه من
هذه الجملة تقديم حق الميت على حقّ البائع ، وهو مقدم على حق الأمة.
(٤) أي : حين
الدوران بين حقي الميت والاستيلاد.
(٥) من قوله في
(ص ٣٢٢) : «ومما ذكرنا يظهر الوجه في استثناء الكفن ومئونة التجهيز ...». فالمراد
بالمسألة السابقة هو المورد الأوّل من موارد القسم الأوّل.
(٦) جواب «فإذا
حكم».
(٧) أي : ولازم
تقديم حق الميت على حق الاستيلاد مع الدين هو تقديم حق الميت على حق أمّ الولد إن
لم يكن دين ، إذ لا فرق في تقديم حق الميت بين وجود الدين وعدمه.
(٨) معطوف على «عدم»
أي مع انحصار الحق في الميت والأمة.
(٩) هذا
استدراك على قوله : «ولازم ذلك تقديمه عليها» وحاصله : منع استفادة تقدم حق الكفن
على حق الاستيلاد مطلقا ولو مع عدم الدين.
وملخص وجه
المنع : أنّ تقديم حق الكفن على حق الاستيلاد في صورة وجود الدين يكون لأجل تقديم
الكفن على الدين ، إذ لو لم يقدّم على الدين يلزم
لمّا ثبت بالدليل السابق (١) تقديم دين ثمن أمّ الولد على حقّها ، وثبت
بعموم النصّ (٢) تقديم الكفن على الدّين ، اقتضى (٣) (*) الجمع بينهما تخصيص جواز
______________________________________________________
مخالفة النص الدال صريحا على تقديم الكفن على الدين. فالجمع بين دليلي
تقديم الكفن على الدين ، وتقديم الدين مطلقا ـ أو خصوص دين الثمن ـ على حق
الاستيلاد ، أوجب تقديم حقّ الكفن على حق الاستيلاد ، المتأخر عن الدين. فحق الكفن
يقدّم على حق الاستيلاد في صورة وجود الدين لا مطلقا.
وعليه فلا
يستفاد من تقديم حق الكفن على الدين تقديمه على حق الاستيلاد مطلقا حتى بدون الدين
ـ كما هو مفروض البحث ـ ليجوز بيعها في الكفن.
فمع الدوران
بين الكفن والاستيلاد يحتاج تقديم حقّ الكفن عليه إلى دليل ، وبدون الدليل يرجع
إلى عموم المنع عن البيع ، على ما أسّسه المصنف قدسسره في بيع أمّ الولد ، أو إلى عمومات جواز البيع على ما
اختاره غيره ، هذا.
(١) وهو ما دلّ
على جواز بيعها في ثمنها ، كصحيحة ابن يزيد.
(٢) المراد به
النص الدال على أنّ أوّل ما يبدأ من مال الميت هو الكفن ، لشموله لوجود الدين
وعدمه.
(٣) جواب الشرط
في «لما ثبت» وتقدم وجه اقتضاء الجمع التخصيص.
__________________
صرفها في ثمنها بما (١) إذا لم يحتج الميت إلى الكفن بنفسه (٢) أو لبذل
باذل. أو بما (٣) إذا كان للميّت مقابل الكفن ، لأنّ مقابل الكفن غير قابل للصّرف
في الدّين (٤) ، فلو لم يكن غيرها لزم من صرفها في الثمن تقديم الدّين على الكفن (٥).
أمّا (٦) إذا
لم يكن هناك دين ، وتردّد الأمر بين حقّها وحقّ مولاها الميّت ،
______________________________________________________
(١) متعلق ب «تخصيص»
يعني : اختصاص بيعها في ثمنها بعدم الحاجة إليها في الكفن.
(٢) يعني : أنّ
عدم الاحتياج إلى صرف أمّ الولد في الكفن يكون تارة لأجل أنّ المولى أعدّ لنفسه
كفنا قبل وفاته ، واخرى لأجل بذل ذلك له.
(٣) معطوف على «بما
إذا» أي : اختصاص بيعها في ثمنها بما إذا كان للميّت مال بمقدار الكفن ، فيشترى به
، ولا تباع أمّ الولد في ثمنها حينئذ.
(٤) لكون أوّل
ما يتعلق بالتركة هو حق الكفن ـ كما تقدم في (ص ٣٧٥) ـ ثم الدين ، ثم الاستيلاد.
(٥) مع صراحة
النص في تقديم الكفن على الدين.
(٦) هذا عدل
لمحذوف ، فكأنه قال : «هذا إذا كان على الميت دين. وأما إذا لم يكن ... الخ» وغرضه
ـ كما تقدم آنفا ـ اختصاص تقديم حق الكفن على حقّ الاستيلاد بصورة وجود الدين ،
حتى يقال : إنّ المقدّم على المقدّم على الشيء مقدّم على الشيء. فلو لم يكن هناك
دين لم يبق مجال لقياس المساواة ، وحينئذ يتردد الأمر بين الحقّين المتزاحمين ،
وتقديم حق الميّت منوط بدليل عليه ، وهو ما دلّ على كون الكفن أوّل ما يبدأ به من
المال.
__________________
فلا دليل (١) على تقديم حقّ مولاها ، ليخصّص به (٢) قاعدة المنع عن بيع أمّ
الولد ، عدا (٣) ما يدّعى من قاعدة تعلّق حقّ الكفن بمال الميت.
لكن الظاهر (٤)
اختصاص تلك القاعدة بما إذا لم يتعلّق به حقّ سابق مانع من التصرف فيه ،
والاستيلاد (٥) من ذلك الحق. ولو فرض تعارض الحقّين (٦)
______________________________________________________
لكن الظاهر
اختصاص صرف المال في الكفن بما إذا لم يتعلق حق سابق به يمنع من التصرف فيه ،
والمفروض أنّ أمّ الولد قد تشبثت بالحرية في حياة المولى ، فلها حقّ الانعتاق على
ولدها ، ومن المعلوم أنّه لا إطلاق لدليل حق الكفن حتى يثبت به تقديمه على حق
الاستيلاد. ولو فرض الإطلاق تعارض دليل حق الكفن ودليل حق الاستيلاد ، وبعد
تساقطهما يرجع إلى استصحاب منع التصرف الناقل لها ، وسيأتي توضيحه.
(١) جواب الشرط
في «أمّا إذا ...».
(٢) أي :
ليخصّص ـ بما دلّ على تقديم حقّ مولاها ـ القاعدة الكلية على منع بيع أمّ الولد.
(٣) استثناء من
قوله : «فلا دليل» والمدّعي صاحب المقابس قدسسره ، لما تقدم في عبارته من إطلاق تقديم الكفن على الدين
والاستيلاد.
(٤) غرضه
المناقشة في إطلاق تقديم حق الكفن على سائر الحقوق المتعلقة بالتركة من الدين
والاستيلاد والوصية والإرث.
(٥) يعني :
والاستيلاد حقّ سابق على الكفن ، فيمنع من بيع أمّ الولد في كفن مولاها.
(٦) أي : تعارض
دليل حق الكفن المقتضي لبيع أمّ الولد فيه ، مع دليل حق الاستيلاد المانع عن البيع
، فيتساقطان.
وليس المراد به
تزاحم الحقّين ، إذ لو كان كذلك تعيّن تقديم الأهم إن كان ، وإلّا فالتخيير ،
فالتساقط والرجوع إلى الاستصحاب من أحكام تعارض الدليلين لا تزاحم المقتضيين.
فالمرجع إلى
أصالة فساد بيعها قبل الحاجة (١) إلى الكفن ، فتأمّل (٢).
______________________________________________________
(١) الظاهر أنّ
المراد بما قبل الحاجة هو زمان الحياة ، إذ لو كان المراد به زمان الموت فلا إشكال
في انعتاقها ، وبحدوث الحاجة إلى الكفن لا تعود رقّا كما هو واضح. ولو كان قبل
زمان الموت كما هو الظاهر فلا مجال للاستصحاب ، لتبدل الموضوع وهو حياة المولى
بموته ، فلا يستصحب الحكم الثابت لأمّ الولد في حال حياة المولى.
(٢) لعلّه
إشارة إلى ما ذكرناه من تبدل الموضوع.
أو إلى : ما
ذكرناه أيضا من عدم المجال للاستصحاب مع العنوان الثانوي ، لكونه دليلا على ارتفاع
فعلية الحكم بالعنوان الأوّلي.
أو إلى : أنّ
المقام مورد للرجوع إلى عموم صحة البيع ، لا إلى استصحاب حكم الخاص ، كما تمسّك
بالعموم فيما سيأتي في (ص ٤٣٥) عند البحث عن إسلام أمّ الولد عن مولى ذمي.
وتقريب الرجوع
إلى العام كما في بيان المحقق الأصفهاني قدسسره هو : أنّ عموم حل البيع بمقتضى الانحلال يتكفل أحكاما
متعددة لأفراد مقدّرة الوجود ، خرج منها بيع مقيّد كبيع أمّ الولد هنا ، وحيث إنّ
المحلّ غير قابل إلّا لفرد واحد منه فلا جرم تكون جميع تروكه مطلوبة ، إذ لا ينعدم
ما تقوم به المفسدة من الأفراد إلّا بترك الكل ، فالمطلوب بالمنع عن بيع أمّ الولد
جميع تروكه. والخارج عن تحت عموم صحة البيع جميع الأفراد المفروضة في زمان حياة
المولى ، وعدم الحاجة إلى الكفن ، فتروكها هي المطلوبة.
وأمّا سائر
أفراد البيع المفروضة بعد الموت فهي على حالها مشمولة لعموم دليل الصحة ، ولا دليل
على مطلوبية تركها ، إلّا أنّ الفرد المردد خارج ، والترك المردّد مطلوب .
__________________
نعم (١) يمكن
أن يقال ـ نظير ما قيل (٢) في الدّين ـ :
______________________________________________________
(١) استدراك
على ما أفاده من عدم الدليل على تقديم حق مولاها ، وغرضه الجمع العرفي بين دليلي
حق الكفن وحق الاستيلاد ، بأولوية المقام مما سبق في مطلق الدين.
وتوضيحه : أنّه
لو كان على مولاها دين غير ثمنها ، ولم يخلّف ما يفي بالدين ، انعتقت أمّ الولد
بمقدار نصيب ولدها ، وتعلّق حقّ الديان بقيمتها لا بعينها ، فتتحرّر بالسراية ،
وتسعى للديان في بقية قيمتها ، جمعا بين ما دلّ على عدم سقوط حقّهم عن التركة ،
وما دلّ على ثبوت حقّ الاستيلاد. ولمّا كان حق الديان في قيمتها متأخّرا عن حقّ
الميت في كفنه ، فبالأولوية لا بدّ من تعلق حق الميت في مئونة تجهيزه بقيمتها أيضا
وإن لم يحرز تعلقه بعينها.
والوجه في
الأولوية عدم احتمال خصوصية موجبة لتعلق حق الغرماء بقيمتها حتى يقتصر في وجوب
السعي عليها ـ أو على ولدها ـ على مورد الدين ، ويقال بانتفاء تلك الخصوصية في حق
الميّت.
وبهذا الوجه
يجمع بين حقّ الميت في ماله مقدّما على سائر الحقوق ، وبين الحق السابق المانع من
التصرف في عينها ، ويقال بتعلق مئونة التجهيز بذمة الولد ، في قبال نصيبه من الامّ
، أو بذمة نفسها ، فتسعى ولو بإيجار نفسها ، وأخذ الأجرة قبل العمل من جهة رعاية
فوريّة التجهيز وعدم فوت الوقت.
قال في المقابس
ـ بعد الفرق بين الدين والكفن ـ : «وعلى هذا فلو أمكن باستسعائها تحصيل الكفن وقت
الحاجة إليه تعيّن العتق ، ولم يجز البيع. وكذلك لو قلنا بتقويمها على ولدها» .
(٢) كقوله ردّا
على المحقق الشوشتري قدسسره : «بأنّ المستفاد من ظاهر الأدلة انعتاقها من نصيب
ولدها حتى مع الدين المستغرق ، لكن ذلك لا ينافي اشتغال ذمة
__________________
من أنّ الولد يرث (١) نصيبه ، وينعتق عليه ، ويتعلق بذمّته (٢) مئونة
التجهيز ، أو تستسعي (٣) امّه ولو بإيجار نفسها في مدّة ، وأخذ الاجرة قبل (٤)
العمل ، وصرفها في التجهيز. والمسألة محلّ إشكال (٥).
ومنها (٦) : ما
إذا جنت على غير مولاها
______________________________________________________
الولد قهرا بقيمة نصيبه ، أو وجوب سعيها في القيمة جمعا ...» فلاحظ (ص ٣٦٢).
(١) أي : يرث
الولد نصيبه من امّه ، وينعتق ذلك النصيب.
(٢) أي : بذمة
الولد ، كما احتمل تعلق حق الديان بقيمة الام في ذمة ولدها ، لكونها تالفة عليه.
(٣) معطوف على «يتعلق»
وتقدّم هذا في الدين احتمالا ثالثا ، فراجع (ص ٣٦٥).
(٤) التقييد
بالقبل لكونه وقت الحاجة إلى شراء الكفن قبل القيام بالعمل.
(٥) لعلّ منشأ
الإشكال أن حمل «تعلق حق الميت بالتركة» على تعلقه بذمة التركة ـ التي هي أمّ
الولد ـ لا يخلو من تكلّف.
وعلى هذا فما
يتحصّل من كلمات المصنف قدسسره في هذا المورد قصور مقام الإثبات ، وعدم وفاء الدليل
بجواز بيعها في كفن سيّدها.
٣ ـ لو جنت على غير
مولاها
(٦) معطوف على
قوله في (ص ٢٩٦) : «فمن موارد القسم الأوّل» وهذا مورد ثالث ممّا قيل باستثنائه من
عموم المنع عن بيع أمّ الولد ، وهو ما إذا جنت في حياة مولاها ، فإن كان المجني
عليه مولاها فسيأتي في المورد الرابع. وإن كان أجنبيا فحكمه التخيير.
والوجه في عدّ
جناية أمّ الولد من موارد تخصيص عموم منع بيعها هو دعوى عموم منع بيعها ـ سواء أكان
البائع سيّدها أو غيره ـ حتى يتجه الاستثناء بجواز بيعها بعد انتقالها قهرا إلى
المجني عليه.
وكيف كان
فالبحث في هذا المورد في مقامين ، أحدهما : في حكم جنايتها عمدا ،
في حياته (١) ، أمّا بعد موته فلا إشكال في حكمها ، لأنّها بعد موت المولى
تخرج عن التشبث بالحرية ، إمّا إلى الحرية الخالصة (٢) ، أو الرّقية الخالصة (٣).
وحكم جنايتها
عمدا (٤) : أنّه إن كان في مورد ثبت القصاص (٥) ،
______________________________________________________
وثانيهما ، في حكمها خطأ.
(١) يعني : أنّ
المقصود بعدّ مورد الجناية من القسم الأوّل ـ الذي تعلق حق الغير بها ـ هو وقوع
الجناية في حياة المولى ، لكونها بسبب الاستيلاد متشبثة بالحرية ، ومولاها ممنوع
شرعا عن بيعها ، فلو جنت بعد موت المولى لم تكن متشبثة بالحرية ، بل إمّا صارت حرة
خالصة من نصيب ولدها ، فيكون جنايتها جناية الحرة لا المملوك حتى يسترقّ. وإمّا
عادت إلى الرقية المحضة إن بيعت بعد موت سيدها في ثمن رقبتها ، فهي رق قنّ.
(٢) لانعتاقها
بالتقويم على نفسها أو ولدها إن كان دين الميت غير ثمن أمّ الولد.
(٣) كما إذا
كان دين المولى ثمن أمّ الولد ، فإنّها تباع لأدائه ، فتكون رقا خالصا. وحكم جناية
الحرّة الخالصة والرق الخالص واضح.
(٤) يعني : في
حال حياة المولى ، لأنه مورد البحث وهذا شروع في المقام الأول.
ثم إنّ الجناية
إن كانت عمدا ـ في مورد ثبوت القصاص نفسا أو طرفا ـ فللمجني عليه الخيار بين
القصاص نفسا أو طرفا ـ على ما تقتضيه الجناية ـ وبين استرقاقها كلّا أو بعضا على
حسب الجناية ، فالمقدار الذي يسترق منها يصير ملكا طلقا للمسترق ، فيبطل حق
الاستيلاد ويجوز بيعها.
وإن كانت خطأ
فحكمها التخيير بين تسليم الجاني كلّا أو بعضا على حسب ما تقتضيه الجناية ، وبين
فكه ـ بأقل الأمرين من أرش الجناية وقيمة الجاني على المشهور ، أو الأرش مطلقا على
قول ـ للمولى ، كما سيأتي في (ص ٣٩٧).
(٥) بأن تحقّقت
شروط القصاص ، وأمكن ذلك ولم تتعيّن الدية.
فمن الشروط
التساوي في الدّين ، فلو كانت الجانية مسلمة ، وكان المجني عليه كافرا ، لم يقتصّ
منها وتعيّن الدية.
فللمجنيّ عليه القصاص ، نفسا (١) كان أو طرفا ، وله (٢) استرقاقها كلّا أو
بعضا على حسب جنايتها (٣) ، فيصير المقدار المسترقّ منها ملكا طلقا (٤).
______________________________________________________
ومنها كون
المجني عليه محقون الدم شرعا.
ومنها : العقل.
وغيرها مما ذكر في كتاب القصاص .
ولو تحققت
الشرائط وتعذر القصاص تعيّنت الدية ، كما إذا جنت بقطع يد ولم يكن لها يد أو رجل
ليتقصّ منها.
(١) المراد من
ثبوت حق القصاص للمجني عليه ـ في الجناية على النفس ـ هو ثبوته لوليّ الدم. فحق
القصاص للمجني عليه إنّما هو في الجناية على الطرف والجرح.
(٢) معطوف على «فللمجني
عليه» وهذا هو تخييره بين القصاص والاسترقاق.
(٣) فإن كان
أرش الجناية مساويا لقيمة أمّ الولد استرقّها بتمامها ، وإن كان الأرش أقلّ من
قيمتها استرقّ منها بالنسبة ، كما إذا قدّر الجرح بخمسين دينارا ، وقيمتها مائة
دينار وامتنع مولاها من دفع المال ، فللمجروح استرقاق نصفها.
قال المحقق في
جناية العبد عمدا : «ولو قتل العبد حرّا ، قتل به ، ولا يضمن المولى جنايته ، لكن
ولي الدم بالخيار بين قتله واسترقاقه ... ولو جرح حرّا ، كان للمجروح الاقتصاص
منه. فإن طلب الدية فكّه مولاه بأرش الجناية. ولو امتنع كان للمجروح استرقاقه إن
أحاطت به الجناية. وإن قصر أرشها كان له أن يسترقّ منه بنسبة الجناية من قيمته» .
ولو زاد أرش
الجناية على قيمتها لم يضمنها المولى ، لأنّه لا يعقل مملوكه.
(٤) فيجوز
للمسترقّ معاملة الملك الطّلق مع أمّ الولد بأن يبيعها أو يهبها ، وهذا الحكم هو
الموجب لعدّ جناية أمّ الولد من موارد جواز بيعها.
__________________
وربما تخيّل
بعض (١) أنّه يمكن أن يقال : إنّ رقّيّتها للمجني عليه لا تزيد (٢) على رقّيّتها
للمالك الأوّل ، لأنّها (٣) تنتقل إليه (٤) على حسب ما كانت عند الأوّل. ثمّ ادعى (٥)
أنّه يمكن أن يدّعى ظهور أدلة المنع ـ خصوصا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة ـ في عدم
بيع أمّ الولد مطلقا.
______________________________________________________
وخالف صاحب
الجواهر قدسسره في صيرورتها ملكا طلقا بعد الاسترقاق ، كما سيأتي.
(١) وهو صاحب
الجواهر ، قال فيه ما نصه : «بل لو قيل إنّه للمجني عليه استرقاقها ، أمكن أن يقال
: إنّها لا تزيد على رقيتها للمالك الأوّل ، لأنّها تنتقل إليه على حسب ما كانت
عند الأوّل» .
وحاصل مرامه قدسسره : أنّ ملكية المسترق لأمّ الولد لمّا كانت مترتبة على
ملكية المولى المستولد لها ومتلقّاة منه ، لم ينتقل إلى المجني عليه إلّا الملكية
على الوجه الثابت لمستولدها. ومن المعلوم أن تلك الملكية لم تكن طلقا ، وكذا بعد
الاسترقاق ، فلا يجوز بيعها للمولى الثاني أيضا.
وعليه فلا تكون
الجناية موجبة لجواز بيعها بعد الاسترقاق ، بل حال أمّ الولد بعد الاسترقاق كحالها
قبله.
(٢) خبر قوله :
«إنّ رقيتها» والمراد بعدم الزيادة أنّ ملكية المسترق تكون على حدّ ملكية المولى
المستولد ، ولا يوجب الاسترقاق تغييرا في ملكية المسترق من حيث الطّلقية وعدم
الطّلقية.
(٣) أي : لأن
أمّ الولد ، وهذا تعليل لعدم حدوث تغيير في المملوك بالاسترقاق.
(٤) أي : إلى
المجني عليه.
(٥) يعني :
ادّعى البعض وهو صاحب الجواهر قدسسره حيث قال فيه : «لا يقال :
إنّ أمّ الولد
لا يبيعها مولاها أبو الولد ، أمّا إذا فرض انتقالها إلى غيره لم يكن لعدم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
جواز بيعه لها وجه ، لعموم تسلط الناس على أموالهم مع عدم المانع بالنسبة
إليه. لأنّا نقول : يمكن دعوى ظهور الأدلة خصوصا صحيح ابن يزيد المتقدم في عدم بيع
أمّ الولد مطلقا» .
ومراده
بالإطلاق عدم جواز بيعها حتى لغير المولى المستولد لها.
والمتحصّل من
كلام صاحب الجواهر قدسسره ـ في منع بيعها عند المجنيّ عليه ـ أمران :
أحدهما : عدم
المقتضي لصيرورة الأمة بالاسترقاق ملكا طلقا ، وهو الذي أفاده أوّلا بقوله : «يمكن
أن يقال».
وثانيهما :
وجود المانع عن الملك الطّلق ، وهو ما نقله المصنف عنه ثانيا بقوله : «يمكن أن
يدّعى» ومحصّله : إطلاق الدليل المانع عن بيع أمّ الولد (*).
وناقش الماتن
في كليهما كما سيظهر إن شاء الله تعالى.
__________________
__________________
والظاهر (١)
أنّ مراده بإمكان القول المذكور مقابل امتناعه عقلا ، وإلّا (٢) فهو احتمال مخالف
للإجماع والنص الدال على الاسترقاق (٣) ، الظاهر (٤) في صيرورة الجاني رقّا خالصا.
وما وجّه (*)
به هذا الاحتمال
______________________________________________________
(١) هذا إشكال
على الأمر الأوّل ، ومحصّله : أنّ مراد الجواهر بالإمكان إن كان الاحتمال المتطرق
في مقام الثبوت ـ بمعنى عدم كون القول المزبور ممتنعا عقلا ـ فهو وإن كان صحيحا ،
لكن مجرد إمكان شيء ثبوتا لا يجدى ما لم يقم عليه دليل في مقام الإثبات. وإن كان
هو الاحتمال المساوق لمساعدة الدليل عليه في مقام الإثبات ، فمنعه واضح ، لمخالفته
للنص والإجماع المقتضيين لترتب آثار المملوك القنّ على أمّ الولد بسبب جنايتها.
(٢) أي : وإن
كان مراده بالإمكان وفاء الدليل بكون ملكية أمّ الولد للمسترق على حدّ ملكيتها
للمستولد ، فهو مخالف للإجماع.
(٣) مثل ما في
معتبرة زرارة عن أحدهما عليهماالسلام : «في العبد إذا قتل الحرّ دفع إلى أولياء المقتول ،
فإن شاءوا قتلوه ، وإن شاءوا استرقّوه» .
وظاهر «الاسترقاق»
ترتيب أحكام الرق المطلق عليه من جواز نقله إلى الغير ببيع وشبهه. وهذا حكم جناية
المملوك مطلقا سواء أكان أمّ ولد أم غيرها.
(٤) هذا الظهور
ناش عن إطلاق الاسترقاق ، وليس انتقالا اختياريا حتى يقال : إنّ المجني عليه أو
وليّه يتلقّى الملك من مولى الجاني ، ولا تزيد ملكيته عن ملكيته ، بل هو انتقال
قهري بحكم الشارع.
__________________
__________________
ـ من (١) أنّها تنتقل إلى المجنيّ عليه على حسب ما كانت عند الأوّل ـ فيه (٢)
: أنّه ليس في النصّ إلّا الاسترقاق ، وهو جعلها رقّا له كسائر الرقيق ، لا
انتقالها (٣) عن المولى الأوّل إليه حتى يقال : إنّه إنّما كان على النحو الذي كان
للمولى الأوّل (٤).
والحاصل (٥) (*)
: أنّ المستفاد بالضرورة من النصّ والفتوى : أنّ الاستيلاد
______________________________________________________
(١) بيان
للموصول في «ما وجّه» وتقدم بيان التوجيه.
(٢) خبر قوله :
«وما وجّه».
(٣) معطوف على «الاسترقاق»
يعني : ليس في النصّ انتقالها اختياريا حتى يمكن القول بانتقالها إلى المجني عليه
أو وليّه على النحو الذي كان للمولى الأوّل.
(٤) من عدم
جواز انتقالها عنه.
(٥) غرضه أنّ
الاسترقاق خارج موضوعا عن حيّز الأدلة المانعة عن بيع أمّ الولد ، لأنّها تنهى عن
بيعها في شأن من شئون سيّدها إمّا لأداء دين ثمنها أو غيره ، وإمّا للصرف في كفنه.
وأمّا الاسترقاق لأجل جنايتها فليس راجعا إلى شئون مولاها ، فلا بأس به.
__________________
__________________
يحدث للأمة حقّا على مستولدها (١) يمنع (٢) من مباشرة بيعها ، ومن البيع
لغرض عائد إليه ، مثل قضاء ديونه وكفنه ، على خلاف في ذلك (٣).
______________________________________________________
وحينئذ ، فإن
أراد المسترقّ بيعها فلا مانع منه ، لأنّها ليست أمّ ولد له ، والمفروض أنّ حق
الاستيلاد ثابت على مستولدها فقط.
نعم إن اريد
بقوله عليهالسلام : «لا تباع» عدم قابليتها للبيع مطلقا كما استظهره في
الجواهر من أدلة عدم جواز بيعها ـ خصوصا صحيح ابن يزيد ـ لم يكن حقّ الاستيلاد
مختصا بالمستولد ، بل لا يجوز لمسترقها أيضا بيعها. لكن هذه الاستفادة في غاية
الإشكال.
وقد ظهر مما
ذكرنا : أنّ مقصود المصنف قدسسره من قوله : «والحاصل» رفع المانع عن صيرورة أمّ الولد
ملكا طلقا للمجني عليه بالاسترقاق ، بتقريب : أنّ دليل حق الاستيلاد المانع عن
البيع لا يثبت هذا الحق إلّا على مستولدها ، دون من يكون أجنبيا عنها ، كمن
يسترقها بالجناية. وبعد قصور دليل حق الاستيلاد عن إثبات الحق على غير المولى
المستولد لا مانع من إطلاق الاسترقاق المقتضي لكون أمّ الولد ملكا طلقا للمسترق ،
هذا.
(١) الأولى
إضافة «فقط» إليه ، إذ المقصود اختصاص الدليل المانع عن البيع بالسيّد.
(٢) نعت ل «حقّا»
فالممنوع هو البيع ، سواء أكان البائع سيّدها ، أم كان غيره ولكن عاد نفع البيع
إلى السيد ، كقضاء ديونه بثمنها ، بناء على جواز بيعها في مطلق الدين كما اختاره
بعض ، وكبيعها في كفن السيد بناء على جوازه. فإن جاز البيع في هذين الموردين
فللدليل المخصّص لعموم المنع.
(٣) أي : في
جواز البيع لغرض عائد إلى المستولد ، كقضاء ديونه ـ غير ثمن رقبتها ـ وكفنه.
هذا حكم
جنايتها عمدا على غير مولاها.
وإن كانت (١)
الجناية خطأ ، فالمشهور أنّها (٢) كغيرها من المماليك ،
______________________________________________________
(١) معطوف على «وحكم
جنايتها عمدا» والأنسب بالسياق أن يقال : «وحكم جنايتها خطأ» وهذا شروع في المقام
الثاني ، وحاصله : أنه لا قصاص في جناية المملوك خطأ ، أمّ ولد كان أم غيرها.
واختلفوا في حكمها على أقوال ثلاثة :
الأوّل : تخيير
المولى بين أمرين :
أحدهما : دفعها
إلى المجنيّ عليه أو وليّه. فإن استوعبت الجناية قيمة أمّ الولد استرقها تماما.
وإن لم تستوعبها كان للمجني عليه منها مقدارا يعادل الجناية. فلو كان قيمتها مائة
دينار ، فإن بلغ أرش الجناية مائة أو زاد عليها دفعت إلى المجني عليه واسترقها.
وإن كان الأرش أقلّ من قيمتها ، استرقّ المجنيّ عليه منها بقدر الجناية.
ثانيهما : فكّ
رقبتها ببذل الفداء إلى المجني عليه. واختلفوا في مقدار الفدية. فالمشهور ـ كما في
المقابس ـ أنّه أقلّ الأمرين من قيمتها وأرش الجناية ، فلو كان قيمتها مائة دينار ،
فإن كان قدر الجناية ثمانين دينارا اقتصر على الأرش. وإن كان قدرها مائة وعشرين
دينارا دفع قيمتها ـ وهي المائة ـ إلى المجني عليه ، ولا شيء عليه ولا على أمّ
الولد.
القول الثاني :
كون الفداء بأرش الجناية بلغ ما بلغ ، نسب إلى جماعة كالشيخ في الخلاف ، وغيره.
القول الثالث :
أنّه يلزم السيد أرش الجناية ، ولا تخيير بين الفداء ودفعها إلى المجني عليه ، كما
عن المبسوط ، وسيأتي.
(٢) أي : أنّ
أمّ الولد تكون كسائر المماليك في تخيير المولى بين دفعها إلى المجني عليه وبين
الفداء. قال الشهيد الثاني ـ بعد حكاية التخيير بين الدفع والفداء ـ : «وليس الحكم
مختصّا بامّ الولد ، بل بكلّ مملوك» .
__________________
يتخيّر (١) المولى بين دفعها أو دفع (٢) ما قابل الجناية منها إلى المجنيّ
عليه ، وبين (٣) أن يفديها بأقلّ الأمرين (٤) على المشهور (٥) ، أو بالأرش ، على
ما عن الشيخ (٦) وغيره.
______________________________________________________
(١) هذا وجه
الشبه في لفظ «كغيرها».
(٢) المراد من
دفع مقابل الجناية هو استرقاقها بقدر ما جنت.
(٣) معطوف على «بين
دفعها» وهذا عدل الدفع والتسليم إلى المجني عليه ، المفروض وجوبه على المولى
تخييرا.
(٤) من الأرض
والقيمة. فإن كان الأقلّ هو الأرش ، فلا إشكال فيه كما هو ظاهر. وإن كان هو القيمة
، فلكونه بدلا عن العين ، فيقوم مقامها ، إذ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ،
والمولى لا يعقل مملوكه. فلا وجه للزائد عليه.
(٥) يعني : أو
يفديها بالأرش تعيينا وإن كان أكثر من القيمة ، لأنّه الواجب أوّلا بالجناية.
(٦) اعلم أنّ
لشيخ الطائفة أنظارا ثلاثة في المسألة ، فحكم تارة بالتخيير بين الفداء وتسليمها
إلى المجني عليه ، فإن اختار السيد الفداء كان بالأرش ، لا بأقل الأمرين منه ومن
قيمتها.
واخرى بتعين
الأرش في رقبتها ، وتخيير المولى بين الفداء والبيع.
وثالثة بتعين
الأرش على المولى ، وعدم تخييره بين الفداء والتسليم للبيع.
وما أشار إليه
المصنف قدسسره من التخيير بين دفعها إلى المجني عليه وبين الفداء
بخصوص الأرش مذكور في جراح المبسوط في حكم جناية العبد ، قال قدسسره : «إذا جنى العبد تعلّق أرش الجناية برقبته ، فإن أراد
السيد أن يفديه ، فبكم يفديه؟ عند قوم بأقلّ الأمرين ... وعند آخرين بالخيار بين
أن يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ ، أو يسلّمه للبيع ، لأنه قد يرغب فيه راغب فيشتريه
بذلك القدر أو أكثر. وهذا أظهر في رواياتنا
وعن الخلاف
والسرائر واستيلاد المبسوط (١):
______________________________________________________
على ما بيّنّاه» ونحوه في جنايات الخلاف. وهو ظاهر المحقق قدسسره .
(١) قال في
استيلاد المبسوط : «أمّ الولد إذا جنت وجب بها أرش ، فإنّ الأرش يتعلق برقبتها بلا
خلاف ، وهو بالخيار بين أن يفديها أو يبيعها عندنا. وعندهم على السيد أن يفديها
ويخلّصها من الجناية» . ونحوه كلام ابن إدريس قدسسره .
وقال في الخلاف
ـ بعد ما نقل أنّ جناية أمّ الولد على سيدها عند الفقهاء إلا أبا ثور ـ ما لفظه : «وعندنا
أنّ جنايتها مثل جناية المملوك سواء ، على ما مضى فيه من أنّ السيد بالخيار بين أن
يؤدي أرش جنايتها أو يسلّمها».
وقال في جناية
العبد : «تعلّق أرش الجناية برقبته. فإن أراد السيد أن يفديه كان بالخيار بين أن
يسلّمه برقبته أو يفديه بمقدار أرش جنايته» أي بالغا ما بلغ.
والظاهر أنّ
غرض المصنف قدسسره من بيان كلام الخلاف والسرائر والمبسوط إثبات التنافي
بين دعويين :
الاولى : ما في
استيلاد المبسوط وكذا السرائر من نفي الخلاف عمّا نسب إلى المشهور من كون الجناية
على رقبة الجانية ، وتخيير المولى بين دفعها أو دفع ما قابل الجناية منها إلى
المجني عليه ، وبين الفداء بأقل الأمرين من قيمة الأمة ودية الجناية.
الثانية : ما
ادّعاه من نفي الخلاف ـ في ديات المبسوط ـ عن كون جنايتها على السيد إلّا من أبي
ثور القائل بأنّ جنايتها في ذمتها تتبع بها بعد العتق.
__________________
أنّه (١) لا خلاف في أنّ جنايتها تتعلّق برقبتها (٢).
لكن عن ديات
المبسوط : أنّ جنايتها على سيّدها بلا خلاف إلّا من أبي ثور ، فإنّه جعلها (٣) في
ذمّتها تتبع بها بعد العتق (٤).
______________________________________________________
فإنّ المنافاة
بين هاتين الدعويين ظاهرة ، ولذا وجّهه في المقابس بأنّ المراد بنفي الخلاف في
ديات المبسوط هو نفي الخلاف بين العامة. ولعلّه بقرينة استثناء أبي ثور.
(١) الضمير
للشأن ، والجملة خبر مبتدء محذوف ، وتقديره : «والمنقول عن الخلاف أنه ... الخ».
(٢) الأولى
زيادة «ويتخير المالك بين ... الخ» كما ورد في عبارته المنقولة ، لئلّا يتوهم كون
التعلق برقبتها قولا في مقابل التخيير.
(٣) أي : جعل
أبو ثور جناية أمّ الولد في ذمّتها ، فتنعتق بموت المولى ، وتسعى في أرش الجناية.
والفرق بين
تعلق الجناية برقبتها وبذمتها هو : أنّه على الأوّل تصير رقبتها مستحقة للمجني
عليه أو وليّه ، فيستحق دفعها إليه ، إلّا أنّ للمولى فكّ رقبتها بماله إمّا بأقل
الأمرين من الأرش وقيمتها ، وإمّا بخصوص الأرش.
وعلى الثاني لا
يتعلق حق الجناية برقبتها ، فهي كما كانت قبل الجناية ملك لمولاها ومتشبثة بالحرية
، وليس للمجني عليه استرقاقها ، فتتحرّر بموت المولى ، وتكون الجناية دينا في
عهدتها ، فيجب عليها أداؤها.
(٤) هذا مضمون
كلام المبسوط ، وله تتمة ذكرناها في التعليقة. وعلى كلّ فهذه العبارة تغاير
العبارتين المتقدمتين من جهتين :
إحداهما :
تعيّن الأرش وعدم تخيير السيد بين الفداء وتسليم أمّ الولد إلى المجني عليه. خلافا
لما تقدّم عن المشهور ـ بل ادعي عدم الخلاف فيه ـ من كون المولى بالخيار.
ثانيتهما : أنّ
الأرش هو أقل الأمرين من قدر الجناية وقيمة أمّ الولد ، وهذا
وهو (١) مخالف لما في الاستيلاد من المبسوط.
وربما يوجّه (٢)
بإرادة نفي الخلاف بين العامة ، وربما نسب إليه الغفلة كما عن المختلف (٣).
والأظهر (٤) :
أنّ المراد بكونها على سيّدها عود خسارة الجناية
______________________________________________________
وإن وافق المشهور ، لكنه خلاف ما تقدم منه من كون العبرة بأرش الجناية وإن
زاد على قيمة أمّ الولد.
(١) أي : كون
جنايتها على سيّدها مخالف لما في الاستيلاد ، كما أنّه مخالف لما في الجراح.
(٢) يعني :
يوجّه ما في ديات المبسوط بأنّ المراد نفي الخلاف بين العامة ، كما يفصح عنه عبارة
الخلاف. ويوجّه ما في استيلاد المبسوط : بأن المراد نفي الخلاف بين الخاصة ،
فيرتفع المنافاة بين كلامي المبسوط في الاستيلاد والديات.
ثم إن الموجّه
هو صاحب المقابس قدسسره .
(٣) كذا في
الجواهر أيضا ، والناسب إلى المختلف هو الشهيد قدسسره في الدروس.
(٤) يعني : أن
الأظهر في رفع التنافي ـ بين ما في ديات المبسوط وبين ما في استيلاده ـ أن يقال :
إنّ المنافاة مبنية على إرادة وجوب الفدية على السيد تعيينا من «كون الجناية على
السيد» كما هو ظاهر عبارة ديات المبسوط.
لكن يمكن منع
ذلك ، وإرادة خسارة المولى ونقصان ماله بسبب الجناية ، لأنّه إمّا يدفع نفس
الجانية أو غيرها من أمواله وهو الفداء. وعلى التقديرين يتضرّر المولى بسبب الجناية.
وهذا المعنى لا ينافي ما في استيلاد المبسوط وغيره من تعلق
__________________
على السيّد ، في مقابل عدم خسارة المولى ـ لا من عين الجاني (١) ، ولا من
مال آخر (٢) ـ وكونها (٣) في ذمة نفسها تتبع بها بعد العتق ، وليس المراد وجوب
فدائها.
وعلى هذا (٤)
أيضا (٥) يحمل ما في رواية مسمع عن أبي عبد الله عليهالسلام :
______________________________________________________
الجناية برقبة الجاني ، وتخيير المولى بين دفعها إلى المجني عليه وبين
الفداء بمال آخر ، هذا (*).
(١) بأن لا
يسلّمها للمجني عليه ليسترقّها أو يبيعها.
(٢) بأن لا
يفديها لا بخصوص الأرش ولا بأقل الأمرين من الأرش وقيمتها.
(٣) معطوف على «عدم
الخسارة» ومفسّر له ، إذ معنى عدم تحمل المولى للخسارة كون الجناية في ذمة نفسها.
(٤) أي : وعلى
إرادة كون الخسارة على السيد ـ من ماله المردّد بين الجاني وبين سائر أمواله ـ
يحمل ما ورد في رواية مسمع بن عبد الملك من أنّ جناية أمّ الولد في حقوق الناس على
سيّدها ، يعني : أنّ الأمة لا تتحمّل شيئا ممّا جنته ، ولا شيء في ذمّتها أصلا.
(٥) يعني : كما
حمل كلام المبسوط على ذلك ، وعدم إرادة وجوب فدائها على السيّد.
__________________
__________________
«قال : أمّ الولد جنايتها في حقوق الناس على سيّدها ، وما كان من حقوق الله
(١) في الحدود (٢) فإنّ ذلك (٣) في بدنها (٤)» .
فمعنى كونها (٥)
على سيّدها : أنّ الأمة بنفسها لا تتحمّل من الجناية شيئا (*).
ومثلها (٦) ما
ارسل عن عليّ عليهالسلام : «في المعتق عن دبر هو من الثلث ،
______________________________________________________
(١) كذا في
النسخ ، ولكن في الوسائل : زيادة «عزوجل».
(٢) كشرب الخمر
والزنا ونحوهما من المحرّمات المستوجبة لحدّ أو تعزيز.
(٣) يعني : أنّ
ما كان من حقوقه تعالى فهو في بدنها ، ولا يتحمّل السيد شيئا عنها.
(٤) كذا في
النسخ ، والمناسب زيادة «الخبر» إذ للرواية تتمة.
(٥) أي : معنى
كون جنايتها ـ في حقوق الناس ـ على سيدها هو أنّ الأمة بنفسها ... الخ.
(٦) أي : ومثل
رواية مسمع ما أرسله الصدوق قدسسره عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، ورواه الشيخ مسندا عنه عليهالسلام. والظاهر اعتماد المصنف على نقل المقابس ، وإلّا
__________________
__________________
وما جنى هو وأمّ الولد فالمولى ضامن لجنايتهم» .
والمراد من
جميع ذلك (١) : خروج دية الجناية من مال المولى المردّد بين ملكه الجاني (٢) أو
ملك آخر.
______________________________________________________
ففي الوسائل هكذا : «المعتق عن دبر فهو من الثلث ، وما جنى هو والمكاتب ...».
وطرح صاحب
المقابس كلتا الروايتين لضعف السيد ، وموافقة العامة . ولم يحملهما على ما في المتن.
(١) أي : أن
المراد ـ من كون «أرشها على سيّدها» الوارد في الرويتين وكذا في ديات المبسوط ـ هو
تحمل المولى لخسارة جناية أمّ ولده إما بتسليم الأمة إلى المجني عليه ، وإمّا بدفع
أرش الجناية.
(٢) صفة ل «ملك»
وتذكير الوصف بلحاظ الملك ، وإن كانت الجناية من أمّ الولد.
__________________
__________________
وكيف كان (١) ،
فإطلاقات حكم جناية مطلق المملوك (٢) سليمة عن المخصّص.
ولا يعارضها (٣)
______________________________________________________
(١) يعني :
سواء تمّ توجيه كلام المبسوط والروايتين بإرادة تحمّل الخسارة ، أم لم يتم ـ لوجود
القرينة في كلام الشيخ على إرادة تعيّن الأرش ، وكذا ظهور الروايتين في ذلك ـ
فالمعوّل عليه هو إطلاق النصوص المتكفّلة لحكم جناية المملوك ، سواء أكان الجاني
قنّا أم أمّ ولد ، أم مكاتبا ، مثل معتبرة زرارة المتقدمة في (ص ٣٩٣) الواردة في
عبد قتل حرّا ، ومعتبرة فضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليهالسلام : «أنه قال في عبد جرح حرّا ، فقال : إن شاء الحرّ
اقتصّ منه ، وإن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته ، وإن كانت لا تحيط برقبته
افتداه مولاه. فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحرّ المجروح من العبد بقدر دية جراحه
، والباقي للمولى ، يباع العبد ، فيأخذ المجروح حقّه ، ويردّ الباقي على المولى» .
والحاصل : أنّ
ما ذهب إليه المشهور ـ من التخيير بين دفع المملوك الجاني إلى المجني عليه ، وبين
التفدية ـ يستفاد من النصوص الواردة في جناية المملوك خطأ ، بلا فرق بين أصنافه من
المدبّر وأمّ الولد والقنّ.
(٢) الشامل
لأمّ الولد التي هي محل البحث ، يعني : فلا مانع من شمول إطلاقات حكم جناية مطلق
المملوك لأمّ الولد.
(٣) الظاهر أنه
تعريض بما في الجواهر من قوله ـ بعد نقل استثناء بيعها لو جنت على مولاها أو على
أجنبي عن الروضة ـ : «وفيه : أنّ التعارض من وجه ، ولا دليل على الترجيح ، بل
لعلّه للثاني ، باعتبار اقتصار النص والفتوى على الجواز فيما عرفت. فيتجه حينئذ
القول في الجناية الموجبة للمال التزام المولى به من غير ثمنها» .
__________________
أيضا (١) إطلاق المنع
______________________________________________________
وحاصله : أنّ إطلاق
ما دلّ على منع بيع أمّ الولد معارض بإطلاق ما ورد في جناية المملوك من دفعه
للمجني عليه وجواز بيعه. ومورد الاجتماع هو جناية أمّ الولد ، لأنّ دليل المنع
يقتضي عدم بيعها سواء جنت في حياة المولى أم لا ، ودليل التخيير بين الفداء
والتسليم إلى المجني عليه يقتضي الاسترقاق وجواز البيع. ولعلّ الترجيح لدليل منع
بيعها ، لقوة الدلالة الناشئة من اقتصار النص والفتوى على جواز بيعها في ثمن
رقبتها ونحوه.
وعليه فينبغي
تقييد إطلاق جناية المملوك ، بعدم كونه أمّ ولد.
ومحصل الجواب :
أنّ دفعها إلى المجني عليه خارج عن عموم الدليل المانع عن نقل أمّ الولد عن ملك
السيّد إلى غيره ، الظاهر في كون المنهي عنه هو النقل الاختياري.
وجه الخروج :
أنّ الوارد في نصوص الجناية هو التسليم والتخلية بينها وبين المجني عليه ، ومن
المعلوم أنّ استرقاقها ليس نقلا اختياريا من السيد حتى تشمله الأدلة المانعة عن
بيعها ـ بعد جعل البيع عنوانا لجميع النواقل الاختيارية ـ ضرورة أنّ الجناية تتعلق
برقبتها ، فتملّك المجني عليه لها واستحقاقه لذلك نشأ عن فعل نفس أمّ الولد بلا
وساطة فعل المولى. فحقّ الاستيلاد بطل بفعلها لا بفعل المولى حتى يكون من النقل
الاختياري الممنوع.
غاية الأمر أنّ
للمولى ولاية التبديل بالفداء ، كولاية من عليه الخمس في دفع حق السادة من غير
المال الذي تعلّق به حقّهم. فلو لم يفد المولى فللمجني عليه استرقاق الجاني. فليس
الاسترقاق من سنخ النقل الاختياري المشمول لأدلة المنع. حتى يتحقق مورد يتصادق
عليه الدليلان ويدّعى تعارضهما.
(١) يعني : كما
لا يعارضها نفي الخلاف الذي ادّعاه في ديات المبسوط على كون جنايتها على السيد ،
لما عرفت من توجيه الجناية على السيد بما لا ينافي إطلاقات تخيير المولى بين
التسليم والفداء.
عن بيع أمّ الولد ، لأنّ (١) ترك فدائها والتخلية بينها وبين المجني عليه
ليس نقلا لها.
خلافا (٢)
للمحكيّ عن موضع من المبسوط والمهذّب والمختلف (٣) : من تعيين الفداء على السيّد.
ولعلّه (٤)
للروايتين المؤيّدتين بأنّ استيلاد المولى هو الذي أبطل
______________________________________________________
(١) تعليل لنفي
المعارضة ، وتقدم بيانه آنفا.
(٢) هذا ليس
قولا رابعا من شيخ الطائفة قدسسره زائدا على ما تقدم من الأقوال الثلاثة ، بل هو ما سبق
في (ص ٣٩٩) من قوله : «لكن عن ديات المبسوط : أنّ جنايتها على سيّدها بلا خلاف».
وما على السيد قد يعبّر عنه بأرش الجناية كما في ديات المبسوط والخلاف ، وقد يعبّر
عنه بالفداء كما في جراح المبسوط ، ونقلنا كلماته قدسسره فلاحظها.
(٣) قال
العلّامة ـ بعد نقل عبارات الخلاف والمبسوط والمهذّب ـ : «والوجه ما قاله في
الخلاف ، لعموم الأدلة الدالة على أن السيد لا يعقل عبده. وقوله في المبسوط ليس
بعيدا من الصواب ، لأن المولى باستيلاده منع من بيع رقبتها ، فأشبه ما لو أعتق
الجاني عمدا».
(٤) أي : ولعلّ
تعيين الفداء على المولى ـ وعدم تعلق شيء برقبتها ولا بذمّتها ـ يكون للروايتين.
واستدلّ بهما في المقابس أيضا لهذا القول.
أمّا تقريب
دلالة خبر مسمع فهو : أنّ حرف الاستعلاء في «على سيدها» ظاهر في تحمّل المولى
للخسارة والضرر ، فلا يراد منه التكليف المحض. كما يراد ذلك لو كان المتعلق عملا
من الأعمال ، مثل آية الحج وسائر الأحكام التكليفية ، كقوله
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تعالى : «كتب عليكم كذا» أو «عليك أن تفعل كذا» فالمراد ثبوت مقتضى الجناية
على المولى وضعا ، واشتغال ذمته ببدل الجناية ، وكون المجني عليه مالكا للفداء في عهدة
السيد.
وعليه فلا شيء
في رقبة أمّ الولد ليلزم دفعها إلى المجني عليه ، ولا في ذمتها ليلزمها بعد العتق.
وأمّا تقريب
دلالة مرسل الصدوق فهو : ظهور قوله عليهالسلام : «فالمولى ضامن» في كون مقتضى الجناية ـ وأثرها ـ
ثابتا في ذمة السيد وعهدته ، كما هو المتعارف من إطلاق الضمان في سائر الموارد ،
كالأمانات المفرّط فيها ، والعارية المضمونة ونحوها.
ومن المعلوم
أنّ المجني عليه لو كان مستحقا لنفس الرقبة وجاز له استرقاقها لم يصدق عليه ضمان
المولى ، كعدم صدقه على استحقاق دفعها إليه بالأولوية.
والحاصل : أنّ
ظهور الروايتين في كون المتعهّد بجبر الجناية من ماله هو المولى مما لا ينكر. وهذا
يعارض النصوص الدالة على كون الجناية في رقبتها ، ويتخير المولى بين دفعها وبين
فدائها.
ويؤيّد
الروايتين الوجه الاعتباري المذكور في المبسوط والمختلف ، من تطبيق كبرى مسلّمة
على المقام ، وهي : أنّ عدل الواجب التخييري يصير تعيينيا بالعرض بتعذر سائر
الأفراد ، كما لو تعذر العتق وصوم شهرين متتابعين في الكفارة. ولا فرق في هذه
الكلية بين كون تعذر بعض الأعدال قبل الموجب وبين كونه بعده.
وهذه القاعدة
تنطبق على المقام ، إذ الجناية توجب أحد الأمرين تخييرا : الدفع والفداء ، ويتعذر
الدفع هنا ، لأنّ السيد بالاستيلاد منع شرعا عن نقل الأمة إلى غيره ، سواء أكان
بعقد أو بغيره ، والمفروض أنّ تسليمها إلى المجني عليه إخراج اختياري ، وهو ممنوع.
فالاستيلاد كالعتق إتلاف للمحلّ شرعا ، كما أنّ قتلها بعدها إتلاف لها حقيقة ،
هذا. وسيأتي الجواب عن الاستدلال والتأييد.
أحد (١) طرفي التخيير ، فتعيّن الآخر (٢) ، بناء (٣) على أنّه لا فرق بين
إبطال أحد طرفي التخيير بعد الجناية ، كما لو قتل أو باع عبده الجاني (٤) وبين
إبطاله قبلها (٥) ، كالاستيلاد الموجب لعدم تأثير أسباب الانتقال فيها (٦).
وقد عرفت (٧)
معنى الروايتين ، والمؤيّد مصادرة (٨) لا يبطل به (٩) إطلاق النصوص.
______________________________________________________
(١) وهو الدفع
إلى المجني عليه بناء على كونه من النقل الاختياري الممنوع.
(٢) بمقتضى
القاعدة المسلّمة من صيرورة الواجب التخييري بالذات تعيينيا بالعرض.
(٣) قيد ل «للتأييد»
يعني : أنّ التأييد بالكبرى الكلية مبني على عدم الفرق في تعيينية الفرد الباقي
بين التعذر السابق على الموجب واللاحق له.
(٤) فلو قتل
المولى عبده الجاني أو باعه لم يبق موضوع للدفع إلى المجني عليه ، ويتعيّن الأرش.
(٥) أي : إبطال
أحد طرفي التخيير قبل الجناية.
(٦) أي : في
أمّ الولد.
(٧) هذا جواب
استدلال المبسوط والمهذّب والمختلف ، ومقصوده من «معنى الروايتين» هو الحمل
المتقدم بقوله : «والمراد من جميع ذلك خروج دية الجناية من مال المولى ...».
قال في المقابس
: «ويمكن الحمل على أنّ للمولى الفداء كما في الدروس ، أو : على أنّ الحق متعلق
بالمولى ، سواء كان بالفداء أو بدفع أمّ الولد. لأنها ماله» .
(٨) لأن مانعية
الاستيلاد من الاسترقاق الذي ليس من النقل الاختياري أوّل الكلام ، بل عرفت آنفا
أنّ أدلة المنع عن النقل لا تشمله أصلا.
(٩) أي :
بالمؤيّد.
__________________
ومنها (١) : ما
إذا جنت على مولاها بما (٢) يوجب صحة استرقاقها لو كان
______________________________________________________
٤ ـ جنايتها على
مولاها
(١) معطوف على
قوله في (ص ٢٩٦) : «فمن موارد القسم الأوّل» أي : ومن مواضع الاستثناء عن عموم منع
بيع أمّ الولد ، هو جنايتها على مولاها. والبحث كما في سابقه في مقامين ، أحدهما
جنايتها عليه عمدا ، والآخر خطأ.
ولعلّ أوّل من
استثنى هذه الصورة هو الفاضل المقداد مقيدا بما إذا كانت الجناية محيطة بقيمتها ،
قال قدسسره : «الرابع أن تجني جناية تستغرق قيمتها» بناء على إطلاق المجني عليه لما إذا كان مولاها أو
أجنبيا ، كما فهمه المحقق والشهيد الثانيان من قول بعض . والظاهر أنّ مرادهما من البعض هو الفاضل السيوري ،
وإلّا فالشهيد قدسسره عدّ في اللمعة «جنايتها على غير مولاها» من مواضع الاستثناء ، ولم يتعرض لجنايتها على مولاها ،
فراجع.
والمقصود أنّ
أصل استثناء هذا المورد عن عموم المنع أوّل الكلام ، فإن تمّ إطلاق كلام السيوري قدسسره فهو ، وإلّا فهذا مجرد فرض لا قائل به ، ولا ريب في
مخالفته للمشهور. وسيأتي توجيه الجواز في هذا المورد بوجوه.
وكيف كان فحكم
جنايتها على سيّدها عمدا هو جواز الاقتصاص منها ، لا التخيير بينه وبين الاسترقاق
، لأنّ الرقية حاصلة قبل الجناية ، واسترقاقها مرة اخرى بسبب الجناية تحصيل للحاصل
، وهو محال.
(٢) هذا القيد
إمّا ناظر إلى وجود شرط الاسترقاق بأن كان مولاها مسلما لا كافرا ، بحيث ، لو كان
المجني عليه غيره لاسترقّها ، وإمّا إلى كون الجناية محيطة
__________________
المجنيّ عليه غير المولى ، فهل تعود ملكا طلقا (١) بجنايتها على مولاها ،
فيجوز له التصرف الناقل فيها ـ كما هو المحكيّ في الروضة (٢) عن بعض ، وعدّها (٣)
السيوري من صور الجواز ـ أم لا (٤)؟ كما هو المشهور ، إذ (٥) لم يتحقق بجنايتها
على مولاها إلّا جواز الاقتصاص (٦) منها ، وأمّا الاسترقاق (٧) فهو تحصيل الحاصل.
______________________________________________________
بقيمتها كما تقدم عن كنز العرفان ، وأخذه المحقق صاحب المقابس في عنوان
الصورة الخامسة . والأقرب بسياق الكلام هو الاحتمال الأوّل.
(١) بأن يكون
أثر الجناية زوال مانعية الاستيلاد عن النقل ، وصيرورتها ملكا طلقا.
(٢) قال الشهيد
الثاني قدسسره فيها : «وزاد بعضهم مواضع اخر ... وثالث عشرها : إذا
جنت على مولاها جناية تستغرق قيمتها ... ورابع عشرها إذا قتلته خطأ».
(٣) أي : وعدّ
الفاضل المقداد جناية أمّ الولد على مولاها ـ بمقتضى إطلاق كلامه ـ من صور الجواز.
(٤) معطوف على
قوله : «فهل تعود ملكا طلقا».
(٥) تعليل
لفتوى المشهور بعدم جواز التصرف الناقل في أمّ الولد ، ومحصله : أنّ التخيير
الثابت ـ في جنايتها العمدية على الأجنبي ـ بين الاقتصاص والاسترقاق ، غير جار في
الجناية على سيّدها ، لتعذر الاسترقاق من جهة حصوله قبل الجناية ، فيتعين عدله لو
أراد هو أو وليه الأخذ بحقّه وعدم العفو عنها.
(٦) يعني : دون
جواز البيع المترتب على الاسترقاق لو كان المجني عليه أجنبيا.
(٧) وهو أحد
العدلين فيما لو كانت الجناية على الأجنبي ، فالاسترقاق ممتنع هنا ، لكونه تحصيلا
للحاصل.
__________________
وما يقال في
توجيهه (١) من : «أنّ الأسباب الشرعية تؤثّر بقدر الإمكان ، فإذا لم تؤثّر الجناية
الاسترقاق أمكن أن يتحقق للمولى أثر جديد ، وهو استقلال جديد في التصرف فيها (٢).
مضافا (٣) إلى : أنّ استرقاقها لترك القصاص
______________________________________________________
(١) أي : في
توجيه الاسترقاق. والموجّه للاسترقاق بوجوه ثلاثة هو المحقق الشوشتري قدسسره هذا أوّلها. قال في المقابس : «أو أنها ـ أي الجناية ـ
لما كانت مقتضية لصيرورتها ملكا طلقا للمجني عليه أو وليّه ، وكان الملكية موجودة
قبلها ، فلا يمكن حصولها ، وإلّا لزم تحصيل الحاصل ، فأثّرت حينئذ في حصول وصفها ،
وهو تماميتها وصيرورتها طلقا ، فيصح البيع حينئذ» .
ومحصله : ما
أفاده في المتن من أنّ الاسترقاق الذي هو من موجبات الملكية وإن امتنع تأثيره هنا
في نفس الملكية ، لحصولها ، لكن لا مانع من تأثيره في وصفها وهو الطلقية.
فالاسترقاق يوجب ارتفاع المانع عن بيعها كما ذهب إليه الفاضل المقداد قدسسره خلافا للمشهور.
(٢) لئلّا
ليلزم إلغاء تأثير الجناية رأسا.
(٣) هذا هو
الوجه الثاني من وجوه جواز البيع ، قال في المقابس : «مضافا إلى تنزيل ذلك ـ أي
استرقاقها ـ منزلة بيعها في ثمنها وفكّ رقبتها» .
توضيحه : أنّه
قيس الاسترقاق بالبيع في الثمن ، فكما يجوز بيعها لفكّ رقبتها عن الثمن ، فكذلك
يجوز استرقاقها لفكّها عن القصاص ، فتدبّر.
وبعبارة اخرى :
أنّ الإمام عليهالسلام باع أمّ الولد لأجل فك رقبتها من دين ثمنها. وهذا فك
لرقبتها صوريّا لا حقيقيا ، لصيرورتها بالبيع مملوكة لمولى ثالث غير البائع وغير
المستولد المديون. فجواز فك رقبتها المرهونة بثمنها ببيعها ليس بأعظم من فك رقبتها
ـ من القتل قصاصا ـ باسترقاقها ، فلا بد من جوازه.
__________________
كفكاك (١) رقابهنّ الذي انيط به الجواز في صحيحة ابن يزيد المتقدمة. مضافا
إلى (٢) : أنّ المنع عن التصرف لأجل التخفيف لا يناسب الجاني عمدا» فمندفع (٣) بما
لا يخفى.
______________________________________________________
وعبارة المصنف
لا تخلو عن سوء التأدية ، وحقّها أن تكون هكذا : «مضافا إلى أنّ استرقاقها لفكها
عن القصاص كبيعها لفكّ رقبتها عن الثمن» كما لا يخفى.
(١) يعني :
يكون الاسترقاق نظير بيع أمّ الولد في فكّ رقبتها عن الثمن الذي يكون على المولى ،
كما سبق في أول موارد الاستثناء ، فراجع (ص ٢٩٦).
(٢) هذا هو
الوجه الثالث ، قال في المقابس : «وإلى : أنّه إذا قتلت مولاها عمدا لا تستوجب
التخفيف عليها بالإعتاق ، بل ينبغي المعاملة معها على عكس مرادها. كما اتفق نظير
ذلك في بعض الموارد ، كطلاق المريض» .
ومحصله : أنّ
منع السيد عن التصرفات الناقلة تخفيف بالنسبة إلى أمّ الولد ، والتخفيف لا يناسب
الجناية العمدية ، بل المناسب لها التشديد عليها بجواز تلك التصرفات. فمعنى
استرقاقها حينئذ إزالة تشبثها بالحرية ، وجعلها رقّا طلقا كسائر المماليك.
(٣) خبر قوله :
«وما يقال» و«الفاء» لتضمن الموصول معنى الشرط. وغرضه عدم العبرة بالاستحسان
والقياس ونحوهما من الوجوه الاعتبارية التي لا ترجع إلى محصّل ، ولذا لم يعتمد
صاحب المقابس عليها ، وقال : «والحقّ ما ذهب إليه معظم الأصحاب من أنّها لا تباع
لذلك ، وإنّما يجوز القصاص منها في العمد ، وقد نصّ الشيخ وغيره على ذلك في الرّهن
، لإطلاق الأخبار المانعة عن بيعها مطلقا أو فيما عدا ما استثني فيها ، وليس ما
نحن فيه من ذلك» .
ثم ردّ الوجوه
بقوله : «وما ذكرناه للقول الآخر فمدفوع بمنع سببية الجناية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
للتملك ... الخ» فراجع .
وتوضيح اندفاع
الوجوه هو :
أمّا الأوّل
فلما فيه من : أن الاسترقاق يوجب حدوث الملك في محلّ قابل له ، وبعد حدوثه يترتب
عليه الآثار الشرعية المترتبة عليه من جواز التصرفات الخارجية والاعتبارية إن لم
يكن مانع يمنعها. وأمّا إذا لم يكن المحل قابلا له ـ لوجوده قبل الجناية ـ فلا
مورد ولا وجه للاسترقاق.
وحديث «تأثير
الأسباب الشرعية بقدر الإمكان» أجنبي عن المقام ، فإنّ مورده هو الآثار العرضية
التي تكون من قبيل المعلولات لعلة واحدة ، كإتلاف مال الغير الذي هو سبب لأثرين
شرعيّين عرضيّين ، أحدهما تكليفي ، وهو وجوب أداء بدله ، والآخر وضعي ، وهو اشتغال
ذمته ببدله. فإذا كان هناك مانع عن الحكم التكليفي ـ كما لو كان المتلف صبيّا
مميّزا ـ أثّر في الضمان فقط.
ومن المعلوم
أنّ المقام ليس كذلك ، لأنّ الاسترقاق سبب للملكية ، وهي موضوع لآثار شرعية لا
تترتب إلّا بعد حدوثها بموجبها أعني به الاسترقاق ، فإن لم يكن المحل قابلا لحدوث
الملكية فيه ـ كما نحن فيه ـ لم يترتب شيء من الآثار المترتبة على الملكية
المسببة عن الاسترقاق ، فلا معنى للاسترقاق هنا.
وأمّا الوجه
الثاني فقد دفعه صاحب المقابس بقوله : «والتنزيل منزلة الثمن لا دليل عليه» . وتوضيحه : أنّ المولى ـ قبل الجناية ـ ممنوع من
التصرفات الناقلة ، وتبدل هذا المنع بالجواز لا دليل عليه إلّا ما دلّ على جواز
استرقاق المملوك الجاني ، والمفروض استحالته هنا ، لعدم معقولية حصول ملك جديد
بسبب الجناية حتى يتغير موضوع منع التصرف ، ويتبدّل بموضوع آخر يستقل المالك
بالتصرف في ماله ، هذا.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ويمكن أن يكون
نظر المصنف في دفع الوجه الثاني إلى أمر آخر غير ما في المقابس ، وهو : منع مقايسة
فكاك الرقبة من القصاص بفكّها من الثمن ، وذلك لأنّ جواز بيعها في ثمنها مع فرض
إعسار المولى منحصر في بيعها. بخلاف فكاك رقبتها من القصاص ، لعدم تعيّنه على
المجني عليه ، لإمكان العفو.
ولو سلّم ،
أمكن منع القياس بعدم جامع بينهما ، إذ ليس في البيع فكّ ، بل تبديل إضافة
الملكية. بخلاف الاسترقاق ، فإنّه فك لها عن الجناية. ولم يستكشف مناط قطعي في
البيع ليتعدى منه إلى الاسترقاق.
وأما الوجه
الثالث ، فقد دفعه في المقابس أيضا بقوله : «وقتلها عمدا لمولاها يقتضي القصاص
منها وإن عتقت لحقّ ولدها ، فعفو أولياء المولى عنها باختيارهم لا يقتضي تسبب
القتل للتخفيف ، وهو ظاهر» .
وحاصله : أنّ
جنايتها العمدية غير مقتضية للتخفيف حتى يقال بعدم مناسبة العمد للتخفيف على
الجاني ، بل تقتضي التشديد والتغليظ عليها بالاقتصاص منها ، وهذا الحق باق للمولى
، أو لولي الدم ، واستيفاؤه جائز. فلو عفوا باختيارهم فهو وإن كان تخفيفا عليها ،
لكنه ليس ممّا يقتضيه القتل ، فلمولاها الإمساك عليها وأن لا يعرّضها لشيء من
النواقل. هذا.
مضافا إلى :
أنه من العلة المستنبطة التي لا يعلم دوران الحكم الشرعي مدارها ، فهو مجرّد
استحسان لا يعتدّ به في الأحكام الشرعية ، فإنّ العقول قاصرة عن إدراك ملاكاتها ،
ولا سبيل إلى معرفتها إلّا بيان المعصوم صلوات الله عليه.
فتلخص : عدم
الوجه في الاسترقاق أصلا ، فلا موجب لجواز بيعها جزما. فما عن المشهور من عدم جواز
بيعها هو الأقوى ، والله العالم بأحكامه.
__________________
وأمّا الجناية (١)
على مولاها خطأ ، فلا إشكال في أنّها لا تجوّز التصرف فيها ، كما لا يخفى. وروى
الشيخ ـ في الموثّق (٢) ـ عن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليهالسلام ، قال : «أمّ الولد إذا قتلت سيّدها خطا فهي حرّة لا
سعاية عليها» .
وعن الشيخ
والصدوق بإسنادهما عن وهب بن وهب ، عن جعفر عن أبيه صلوات الله وسلامه عليهما : «أنّ
أمّ الولد إذا قتلت سيّدها خطا فهي حرّة لا سبيل عليها ، وإن قتلته عمدا قتلت به» .
______________________________________________________
(١) هذا شروع
في المقام الثاني ، وهو حكم جنايتها خطأ على مولاها ، فلا يجوز نقلها عن ملكه ،
لعدم استحقاق السيّد على ماله مالا ، فتتحرّر من نصيب ولدها ، ولا يجب عليها أن
تسعى في دية الجناية.
ويدل عليه موثق
غياث بن إبراهيم وخبر وهب بن وهب. نعم يعارضهما ما ورد في خبر حماد بن عيسى من
وجوب السعي عليها لو قتلت مولاها خطأ ، وسيأتي في المتن الإشارة إلى الجمع بينه
وبين موثق غياث ببعض الوجوه.
(٢) وعبّر عنه
صاحب المقابس قدسسره بالقوي ، ورجال السند ثقات ، إلّا طلحة بن زيد ، ولعلّ إختلاف
التعبير لأجل ما يستفاد من كلام شيخ الطائفة في شأن الرجل : «وهو عامي المذهب ،
إلّا أن كتابه معتمد» ، ورواية كامل الزيارة
__________________
وعن الشيخ عن
حمّاد ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام : «إذا قتلت أمّ الولد مولاها سعت في قيمتها» .
ويمكن حملها
على سعيها في بقية قيمتها إذا قصر نصيب ولدها (١).
وعن الشيخ (٢)
في التهذيب والإستبصار
______________________________________________________
وتفسير القمي عنه ، فراجع .
(١) كما في
المقابس أيضا ، يعني : أنّ مورد وجوب السعي عليها قصور نصيب ولدها
منها ـ أو من مجموع التركة ـ عن قيمتها ، مع فرض عدم انحصار الوارث في ولدها.
والمراد بنفي
السعاية في موثق غياث هو عدم وجوبها عليها من حيث القتل. ولا منافاة حينئذ بين عدم
السعي عليها من حيث قتل المولى خطأ ، وبين وجوبه عليها من حيث قصور نصيب ولدها.
قال في المقابس
: «والظاهر أنّ بناء الرواية ـ أي موثقة غياث ـ على وفاء نصيبه بقيمتها ، ولذلك
حكم بحرّيّتها مطلقا ، فصحّ نفي السعاية مطلقا» .
(٢) قال في
محكيّ التهذيب بعد ذكر هذين الخبرين ما لفظه : «ولا ينافي هذين الخبرين ما رواه
محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي عبد الله عن الحسن بن علي عن حماد بن عيسى عن جعفر عن
أبيه عليهماالسلام ، قال : إذا قتلت أمّ الولد سيّدها خطأ سعت في قيمتها ،
لأنّ هذا الخبر نحمله على أنّها إذا قتلته شبه العمد ، لأنّ من يقتل كذلك تلزمه
الدية إن كان حرّا في ماله خاصّة ، وإن كان معتقا لا مولى له استسعى في الدية
__________________
الجمع بينهما بغير ذلك (١) ، فراجع.
ومنها (٢) : ما
إذا جنى
______________________________________________________
حسب ما تضمنه الخبر. وأمّا الخطأ المحض ، فإنّه يلزم المولى ، فإن لم يكن
له مولى كان على بيت المال حسب ما قدّمناه» .
والفرق بين
الحملين واضح ، فإنّ المصنف قدسسره حمل الخبر على السعي في بقية قيمتها التي لا بدّ من
دفعها إلى الوارث ، لانعتاقها. والشيخ قدسسره حمله على السعي في الدية. والحمل الأوّل أقرب بل هو
الظاهر ، إذ المتبادر من القيمة هو المالية المساوية لقيمة أمّ الولد ، لا الدية
التي هي أرش الجناية ، وبدل ما فات بالجناية. هذا.
وفي الإستبصار
حمله على صورة موت الولد ، وكون السعي على وجه الجواز ، وحمل خبري غياث ووهب على
كون ولدها باقيا بعد المولى وانعتاقها من نصيب ولدها .
(١) المشار
إليه هو : حمل رواية حماد على سعيها في بقية قيمتها إذا قصر نصيب ولدها.
هذا ما يتعلق
بالمورد الرابع ، وقد تمّ الكلام في ما لو جنت أمّ الولد ، وسيأتي البحث فيما لو
جني عليها.
٥ ـ جناية الحرّ على
أمّ الولد بما فيه ديتها
(٢) معطوف أيضا
على قوله : «فمن موارد القسم الأوّل» ، ولعلّ أوّل من احتمل كونه من موارد
الاستثناء صاحب المقابس من جهة احتمال عدم الفرق في
__________________
حرّ عليها (١) بما فيه ديتها ، فإنّها (٢) لو لم تكن مستولدة كان للمولى
التخيير بين
______________________________________________________
المملوك الذي جنى عليه حرّ بين أمّ الولد وغيرها. من تخيير المولى ـ في
الجناية المحيطة بقيمة المملوك ـ بين الإمساك ولا شيء له ، وبين دفعه إلى الجاني
وأخذ قيمته ، قال المحقق قدسسره : «فإذا جنى الحرّ على العبد بما فيه ديته ، فمولاه
بالخيار بين إمساكه ولا شيء له ، وبين دفعه وأخذ قيمته» .
واستدلّ له في
المسالك بقوله : «لئلّا يجمع بين العوض والمعوّض ، ولرواية أبي مريم عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في أنف العبد أو ذكره أو شيء يحيط بقيمته : أنه يؤدّي
إلى مولاه قيمة العبد ، ويأخذ العبد» .
وادّعى في
الجواهر الإجماع بقسميه على الحكم ، وجعله الحجة بعد خبر أبي مريم المنجبر ضعفه
بالعمل ، وجعل قاعدة «عدم الجمع بين العوض والمعوض» مؤيّدا له .
واقتصر في
المقابس على بيان احتمالين في المسألة ، وأضاف المصنف احتمالا ثالثا ، وردّه.
وكيف كان ،
فعدّ هذا المورد من موارد الاستثناء مبني على الاحتمال الأوّل ، وهو نقلها إلى
الجاني بعد دفع قيمتها إلى السيد.
(١) أي : على
الأمة ، ليصحّ جعلها مقسما لما إذا كانت مستولدة وغير مستولدة.
(٢) أي : فإنّ
الأمة ـ كسائر المماليك عدا أمّ الولد ـ يتخير مولاها بين الإمساك والدفع إلى
الجاني.
__________________
دفعها إلى الجاني وأخذ قيمتها (١) ، وبين إمساكها ، ولا شيء له ، لئلّا
يلزم الجمع بين العوض والمعوّض. ففي المستولدة يحتمل ذلك (٢) ، ويحتمل أن لا يجوز
للمولى أخذ القيمة (٣) ، ليلزم منه استحقاق الجاني للرقبة.
وأمّا احتمال (٤)
منع الجاني عن أخذها وعدم تملكه لها بعد أخذ الدية منه.
______________________________________________________
(١) المراد
بالقيمة هنا ديتها ، والتعبير بالقيمة من جهة أنّ دية المملوك لا تزيد على قيمته
شرعا.
(٢) أي : يحتمل
تخيير المولى بين الدفع والإمساك ، ومنشأ هذا الاحتمال إطلاق أدلة الجناية. ولا
ينافيه حقّ الاستيلاد ، لأنّه مانع عن النقل الاختياري ، لا القهري الشرعي ، فلا
تعارض بين دليل المنع عن نقل أمّ الولد ، وبين دليل هذه المعاوضة القهرية ، بعد
ضمّ قاعدة «عدم جواز الجمع بين العوض والمعوض» إليه كما لا يخفى.
(٣) لكون النقل
حينئذ اختياريا ، والمفروض منع المولى عنه بسبب الاستيلاد. فمرجع هذا الاحتمال إلى
تعيّن الإمساك الذي هو عدل دفعها وأخذ قيمتها في الاحتمال الأوّل.
(٤) هذا احتمال
ثالث ، ومحصله : التفكيك بين أخذ الدية من الجاني وبين دفع الأمة إليه ، بجواز
الأوّل ومنع الثاني ، نظرا إلى أنّ الممنوع شرعا هو انتقال أمّ الولد عن ملك المستولد
لها ، دون أخذ الدية.
ويمكن أن يكون
وجهه الجمع بين دليل الجناية وبين حق الاستيلاد المانع عن انتقالها عن ملك
مستولدها. ولا يلزم الجمع بين العوض والمعوض ، لعدم كون الجنايات من باب المعاوضات
، بل من باب الغرامات.
مضافا إلى :
أنّ الدية ليست عوضا عن أمّ الولد ، بل عمّا فات عنها بالجناية كما لا يخفى.
فلا وجه (١) له ، لأنّ الاستيلاد يمنع عن المعاوضة أو ما في حكمها (٢) ، لا
(٣) عن أخذ المعوض بعد إعطاء العوض (٤) [لا عن أخذ العوض بعد إعطاء المعوّض]
______________________________________________________
ثمّ إنّ هذا
الاحتمال الثالث ليس ملازما للاحتمال الثاني ، وهو وجوب الإمساك تعيينا ، وعدم
جواز أخذ القيمة من الجاني كما في بعض الحواشي ، فلاحظ وتأمّل.
(١) جواب الشرط
في «وأما احتمال» ودفع له ، وحاصله : أنّ الاستيلاد يوجب منع المولى عن نقلها.
وعليه فإن كان الممنوع مطلق انتقالها عن ملك السيد إلى غيره ، تمّ الاحتمال
المزبور ، لكون أخذ الدية من الجاني مستلزما لانتقالها إليه ، فيتجه التفكيك بين
جواز أخذ القيمة منه ، ومنع دفع المجني عليها إليه.
وإن كان
الممنوع خصوص النقل الاختياري ، لم يتجه التفكيك المزبور ، وذلك لأنّ تملّك الجاني
لرقبتها بعوض قيمتها ليس من نقل المولى المستولد لها ليكون منهيّا عنه. وحينئذ
فإمّا أن يكون أخذ الدية من الجاني ممنوعا مطلقا ، وإمّا أن لا يكون أخذ أمّ الولد
كأخذ الدية ممنوعا.
والحاصل : أنّ
أخذ الدية من الجاني إن كان من باب تدارك ما فات بسبب الجناية فالمتعيّن هو
الاحتمال الأوّل. وإن كان من باب المعاوضة على الرقبة فالمتعين هو الثاني ، ولا
يبقى مجال للاحتمال الثالث ، هذا.
(٢) مما يوجب
خروجها عن ملك السيد كالهبة والصلح.
(٣) عاطفة ،
يعني : فلا يمنع الاستيلاد عن المعاوضة القهرية ـ التي حكم بها الشارع ـ بأخذ أمّ
الولد بإزاء عوضها وهو ديتها.
(٤) كذا في
نسختنا ، وبناء على بعض النسخ المصححة تكون أمّ الولد عوضا
__________________
بحكم (١) الشرع (*).
والمسألة من
أصلها موضع إشكال (٢) ، لعدم لزوم الجمع بين العوض والمعوّض ، لأنّ الدية عوض
شرعيّ عمّا فات بالجناية ، لا عن رقبة العبد. وتمام الكلام في محلّه.
______________________________________________________
والدية معوّضا. ولا بأس ، لاتصاف كلا المالين بالعوضية في مبادلتهما.
(١) متعلق ب «أخذ»
يعني : يكون الأخذ مستندا إلى حكم الشارع.
(٢) كذا في
المقابس أيضا. وغرضهما قدسسرهما التأمل في كبرى المسألة المعنونة في باب القصاص ، ولا
اختصاص للإشكال بالجناية على أمّ الولد.
ووجه التأمّل :
الخدشة في الاستدلال عليه بمحذور الجمع بين العوض والمعوّض ، ضرورة كون الدية عوضا
شرعيا عمّا فات بالجناية ، لا عوضا عن رقبة المجني عليه ، حتى يقال بلزوم تسليم
المملوك إلى الجاني ـ لو دفع القيمة ـ حذرا من اجتماع العوض والمعوض عند أحد
المالكين. فإن تمّ خبر أبي مريم ولو بانجباره بعمل المشهور فهو الحجة ، وإلّا
فيشكل الأمر في مطلق المملوك ، خصوصا في أمّ الولد من جهة تشبثها بالحرية ،
واستلزام دفعها إلى الجاني فوات حق الاستيلاد.
هذا تمام
الكلام في المورد الخامس.
__________________
ومنها (١) : ما
إذا لحقت بدار الحرب ، ثم استرقّت (*) حكاه في الروضة.
______________________________________________________
٦ ـ إذا لحقت بدار
الحرب ، ثم استرقت
(١) معطوف أيضا
على قوله في (ص ٢٩٦) : «فمن موارد القسم الأوّل» وهذا المورد حكاه الشهيد الثاني قدسسره عن بعض. وأما الصورة الاخرى ـ وهي ما لو أسرها المشركون
ثم استعادها المسلمون ـ فأضافها صاحب المقابس قدسسره.
والمراد
بلحوقها بدار الحرب أعم من كونه باختيارها أو باستيلاء المشركين عليها ـ كما صرّح
به في المقابس ـ كما أنّه لا فرق في المسترق بين أن يكون مولاها وغيره.
والمراد بالأسر
أن يغزو المشركون على بلاد المسلمين فيأسروها ، ثم استعادها المسلمون منهم.
قال المحقق
الشوشتري قدسسره : «وتحقيق المسألة : أنّ المسترق لها إن كان المولى فهي
أمّ ولده كما كانت. وإن كان ـ أي المسترق ـ من جملة المقاتلين فهو أحقّ بها ، بل
هو أولى ممّن استولد جارية من المغنم. والكلام في تقويمها عليه كما إن لم يكن
مسترقا ولا غانما. وبيان ذلك : أنّ المشركين إذا غنموا من المسلمين فإنّهم لا
يملكون ذلك مطلقا. فإذا غنمه المسلمون منهم ، فإن أقام أربابها البيّنة قبل القسمة
ردّ عليه بأعيانها ، ولا يغرم الإمام للمقاتلة شيئا ، كما هو المنقول في التذكرة
والمنتهى عن عامة أهل العلم ... وإن جاءوا بالبينة بعد القسمة فلعلمائنا وللشيخ
قولان في ذلك ...». ثم قال في آخر كلامه : «وللاستثناء وجه في الصورة الثانية لا
الاولى» فراجع.
__________________
__________________
وكذا لو أسرها المشركون (١) ، ثم استعادها المسلمون
______________________________________________________
(١) جواز البيع
في هذه الصورة موقوف على امور ثلاثة :
أحدها : أن
يكون الآسر لها غير مولاها ، فلو كان مولاها لا يجوز بيعها ، لإطلاق أدلة المنع.
ثانيها : عدم
العلم بكونها ملكا للمولى قبل القسمة ، إذ معه كذلك لا يجري عليها القسمة ، بل هي
باقية على ملك مولاها ، ولا تقسّم بين المسلمين المقاتلين.
ثالثها : لزوم
القسمة وعدم انتقاضها بثبوت كونها ملكا للمولى بعد القسمة ، وغرامة الإمام عليهالسلام قيمتها للمقاتلة ، إذ بناء على انتقاضها بالعلم بسبق
ملك
__________________
__________________
وكأنّه (١) [فكأنّه] فيما إذا أسرها غير مولاها (٢) ، ولم [فلم] يثبت كونها
أمة المولى إلّا بعد القسمة (٣) ، وقلنا بأنّ القسمة لا تنقض ، ويغرم الإمام
قيمتها لمالكها (٤).
لكن المحكيّ (٥)
عن الأكثر
______________________________________________________
المولى لا تعطى لغيره من المسلمين ، فلا يجوز له بيعها. وعدم انتقاض القسمة
وغرامة الإمام عليهالسلام هو المحكي عن الشيخ في النهاية ، لكن عن الأكثر انتقاض
القسمة ، وردّها على مولاها ، وهو المنصوص أيضا ، والتفصيل في محله في كتاب
الجهاد.
(١) الضمير
راجع إلى الاستثناء المفهوم من السياق ، وغرضه توجيه عدّ الصورة الثانية ـ وهي ما
لو أسرها المشركون ثم استعادها المسلمون ـ من جملة مواضع الاستثناء. وتقدّم آنفا
اشتراط جواز البيع فيها بأمور ثلاثة.
(٢) هذا أوّل
الشروط ، إذ لو أسرها مولاها كانت أمّ ولده ، فيمنع نقلها عن ملكه.
(٣) هذا ثاني
الشروط ، فلو أسرها غير المولى وتبيّن قبل قسمة غنائم الحرب كونها وليدة مولاها
ردّت إليه. ففي الجواهر : «وأما الأموال والعبيد فلأربابها قبل القسمة ، عند عامة
العلماء كما في المنتهى ومحكيّ التذكرة ، بدون غرامة شيء للمقاتلة» .
(٤) هذا ثالث
الشروط ، فلو تبيّن كونها أمّ ولد بعد قسمة الغنائم ـ وقلنا بجواز نقض القسمة ـ
ردّت إلى مولاها.
(٥) نسبه صاحب
المقابس إلى الأكثر خلافا لما في النهاية من كون الغنائم بعد القسمة لأربابها ،
ويغرم الإمام قيمتها لمالكها ، قال المحقق قدسسره : «ولو عرفت بعد القسمة فلأربابها القيمة من بيت المال.
وفي رواية : تعاد على أربابها بالقيمة. والوجه
__________________
والمنصوص (١) : أنّها تردّ على مالكها ، ويغرم قيمتها للمقاتلة.
______________________________________________________
إعادتها على المالك» .
واستدل عليه في
الجواهر بقوله : «الذي هو أحق بماله أينما وجده ، وفاقا للمحكي عن الشيخ في
المبسوط وابني زهرة وإدريس والفاضل والشهيدين والكركي والمقداد وغيرهم ، بل عن
الغنية الإجماع عليه» .
ثم قال مازجا
للشرح بالمتن : «ولكن يرجع الغانم بقيمتها على الإمام عليهالسلام ، كما صرّح به غير واحد ، مطلقين ذلك ، لخبر طربال
المنجبر سنده بفتوى من عرفت» .
(١) ليست هذه
الجملة منصوصة بنفسها ، لكنها مضمون رواية طربال ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سئل عن رجل كان له جارية ، فأغار عليه المشركون
، فأخذوها منه. ثم إنّ المسلمين بعد غزوهم ، فأخذوها فيما غنموا منهم. فقال : إن
كانت في الغنائم وأقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم ، فأخذوها منه ردّت
عليه. وإن كانت قد اشتريت وخرجت من المغنم فأصابها ، ردّت عليه برمّتها. واعطي
الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه. قيل له : فإن لم يصبها حتى تفرّق الناس
وقسّموا جميع الغنائم فأصابها بعد؟ قال : يأخذها من الذي هي في يده إذا أقام
البيّنة ، ويرجع الذي هي في يده ـ إذا أقام البينة ـ على أمير الجيش بالثمن» .
ودلالتها على
كون الجارية ـ بعد الأسر ـ لمولاها مطلقا ظاهرة ، سواء وجدها في الغنائم قبل
تقسيمها ، أم وجدها في يد من اشتراها من المقاتلين بعد تقسيم الغنائم بينهم ، وعلى
كلّ فرقبتها ملك مولاها ، وعلى أمير الجيش إعطاء الثمن لمن اشتراها من المقاتلين.
__________________
ومنها (١) : ما
إذا خرج مولاها عن الذمّة (٢) وملكت أمواله التي هي منها.
ومنها (٣) : ما
إذا كان مولاها ذمّيّا وقتل مسلما ،
______________________________________________________
قال في الوسائل
: «قد عمل به الشيخ وجماعة ، وحملوا ما خالفه على التقية» .
هذا ما يتعلق
بالمورد السادس.
٧ ـ خروج مولاها عن
الذمة
(١) معطوف على
قوله : «فمن موارد القسم الأوّل» وهذا مورد سابع ، قال في المقابس : «الثامنة عشر
: إذا خرج مولاها عن الذمة ، وملكت أمواله التي هي ـ أي أمّ ولده ـ منها ، فيتصرّف
فيها بالبيع وغيره. والقول باستثناء ذلك منقول في الروضة عن بعض الأصحاب ، وإنّما
فرض في الذّمّي ، لأنّه هو الذي تجري عليه أحكام المسلمين ، ويحكم باستيلاد أمته.
وأمّا المستأمن فليس كذلك ... الخ» .
(٢) إمّا بعدم
أداء الجزية ، وإمّا بمحاربته للمسلمين ، وإمّا بارتكابه للمنكرات جهرا ، وإمّا
بإعانة الكفار عليهم ، وإمّا بغير ذلك ، فإنّ الذّمّي إذا خرق الذمة صار حربيا ،
ويجري عليه حكم الحربي من إباحة أمواله ودمه ، فلا مانع من استرقاق أمّ ولده
وبيعها.
٨ ـ إذا قتل مولاها
الذمي مسلما
(٣) معطوف أيضا
على قوله : «فمن موارد القسم الأوّل» وهذا مورد ثامن مما استثني من عموم منع نقل
أمّ الولد ، والمستثنى له صاحب المقابس. قال قدسسره في الصورة الرابعة والثلاثين : «إذا كان مولاها ذمّيّا
، وقتل مسلما ، فيدفع هو وأمواله إلى أولياء المقتول كما هو المشهور بين الأصحاب
والمنقول عليه الإجماع في الانتصار والسرائر
__________________
فإنّه يدفع (١) هو وأمواله إلى أولياء المقتول.
هذا ما ظفرت به
من موارد القسم الأوّل ، وهو ما إذا عرض لأمّ الولد حقّ للغير أقوى من الاستيلاد.
______________________________________________________
وغيرهما ، والمرويّ في الصحيح وغيره. فإذا استرقّوا القاتل وملكوا أمواله
فامّ الولد منها ، لكونها مملوكة ، ولهم التصرف فيها بما شاءوا. وإن قتلوه وقلنا
بأنّ لهم حينئذ ماله بتمامه بمجرّد الدفع بل القتل ، فكذلك ... الخ» .
وما نسبه إلى
الأصحاب ـ من حكم جناية الذمي على مسلم ـ مذكور في باب القصاص ، ومورده قتل المسلم
عمدا كما في الجواهر . وقد دلّ على الحكم غير واحد من النصوص ، ففي صحيح ضريس
الكناسي عن أبي جعفر قدسسره : «في نصراني قتل مسلما ، فلمّا اخذ أسلم. قال : اقتله
به. قيل : وإن لم يسلم؟ قال يدفع إلى أولياء المقتول ، فإن شاءوا قتلوا ، وإن
شاءوا عفوا ، وإن شاءوا استرقّوا. قيل : وإن كان معه عين [مال]؟ قال : دفع إلى
أولياء المقتول هو وماله» .
ثم قال في
الجواهر : «والظاهر أن ذلك حكم قتله المسلم ، لا لخروجه بذلك عن الذمة المبيح
لنفسه ـ قتلا واسترقاقا ـ ولماله ، كما في كشف اللثام ... وإلّا لجاز لغير أولياء
المقتول ، وهو خلاف النص والفتوى» .
والمقصود أنّ
جواز استرقاق القاتل الذمي وأمّ ولده منصوص بخصوصه ومعقد الإجماع كذلك ، ولذا لم
يعدّ من صغريات المورد السابق ، وهو تخلف الذمي عن شروط الذمة.
(١) أي : يدفع
المولى الذمي وأمواله ـ التي منها أمّ ولده ـ إلى أولياء المقتول ، كما هو المشهور
نقلا وتحصيلا ، على ما في الجواهر .
__________________
وأمّا القسم
الثاني (١) ـ وهو ما إذا عرض لها حقّ لنفسها أولى بالمراعاة من حقّ الاستيلاد ـ
فمن موارده :
ما إذا أسلمت
وهي أمة ذمّيّ (٢) ،
______________________________________________________
هذا ما يتعلق
بجملة من صور الاستثناء التي جعلها المصنف في القسم الأوّل ، والجامع بينها تعلق
حق الغير بامّ الولد. وتقدّم أنّ مناط الجواز في بعضها قصور دليل المنع عن شموله
للتملّك القهري الناشئ عن الاسترقاق ، وبعد حصول الملكية للمسترق يجوز له بيعها ،
لاختصاص عدم الجواز بمن استولدها.
واعتذر صاحب
المقابس قدسسره عن إهمال عدّة من الصور في كتب الفقهاء ـ مع التزام
كثير منهم بجواز بيع أمّ الولد في جملة منها ـ بأنّ مقصودهم الاقتصار على المنصوص
بخصوصه ، والغالب وقوعه ، وأنّ مرادهم أنه لا يجوز للمولى ومن بحكمه كالوارث أن
يبيعها باختياره ، ولا ريب في خروج كثير من الصور عن ذلك .
موارد القسم الثاني
(١) أي : القسم
الثاني من مواضع الاستثناء الأربعة ، وقوله : «وأما» معطوف على قوله : «فمن موارد
القسم الأول» وكان الأنسب بالسياق أن يقول هنا : «ومن موارد القسم الثاني» أو
تصدير القسم الأول بقوله : «أما القسم الأوّل فموارد منها ...».
وكيف كان فقد
جمع المصنف قدسسره تحت هذا العنوان موارد أربعة سيأتي بيانها.
١ ـ إذا أسلمت وهي
أمة ذمّي
(٢) هذا هو
المورد الأوّل ، وعقد له صاحب المقابس الصورة السابعة والعشرين ، فقال : «إذا كانت
مستولدة ذمّيّ ، ثم أسلمت دونه ، فتباع عليه ...» وأشار إلى فتوى جماعة ببيعها على
مولاها قهرا ، كالشيخ والحلي والفاضلين والشهيدين والسيوري والصيمري وغيرهم ،
فراجع .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قال ابن إدريس قدسسره : «ولا خلاف بين أصحابنا : أنّ الذمي إذا كانت عنده
جارية ذميّة ، فأسلمت ، فإنّها تباع عليه بغير اختياره ، ويعطى ثمنها ، لقوله
تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ
اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً). وهذا مذهب شيخنا في مبسوطه» .
وظاهر «عندنا»
في المبسوط هو الإجماع ، لا كون بيعها على الذمي رأيه خاصة.
ولا يخفى أنّ
الحكم بوجوب بيعها قهرا على مولاها مورد لتعارض دليلين بالعموم من وجه :
أحدهما : ما
دلّ على وجوب بيع العبد المسلم على مولاه الكافر ، من النّص والإجماع المتقدمين في
مسألة منع نقل العبد المسلم إلى كافر ، ومن المعلوم أنّ المنهي عنه هو نقل مطلق المملوك سواء
أكان عبدا أم أمة ، وسواء أكانت الأمة ذات ولد أم لم تكن.
ثانيهما : ما
دلّ على منع بيع أمّ الولد رعاية لحقّ الاستيلاد ، وإطلاق المنع يعمّ ما لو كان
مولاها مسلما أو كافرا.
ومادة اجتماع
العامّين من وجه هي أمّ ولد أسلمت عن مولى ذمّيّ.
وحينئذ فإن كان
لأحد المتعارضين حكومة على الآخر ، أو مرجّح يوجب تقديمه على الآخر ، فهو. وإن لم
يكن شيء منهما فمقتضى قاعدة التعارض تساقطهما في مورد الاجتماع ، والرجوع إلى
دليل آخر ، وهو إمّا عموم ما يقتضي صحة بيعها ، وإمّا استصحاب منع البيع.
__________________
فإنّها تباع عليه (١) ، بناء (٢) على أنّ حقّ إسلامها المقتضي (٣) لعدم
سلطنة الكافر عليها أولى من حقّ الاستيلاد المعرّض للعتق. ولو فرض تكافؤ دليلهما (٤)
______________________________________________________
وحكم المصنف قدسسره بصحة بيعها ، إما لترجيح أحد المتعارضين على الآخر
بوجوه ثلاثة ، وإمّا لمرجعية عمومات الصحة لو فرض تكافؤ العامين من وجه في مادة
الاجتماع ، وسيأتي بيان كلا الوجهين إن شاء الله تعالى.
(١) أي : فإنّ
أمّ الولد ـ التي أسلمت ـ تباع على مولاها الذمي قهرا ، وفي المسألة أقوال اخرى
نقلها في المقابس والجواهر ، والجهة المشتركة بين الكل نفي سلطنة الكافر عليها.
فمنها : أنّها
لا تقرّ في يده ، بل تكون عند امرأة مسلمة تتولّى القيام بحالها ، ويؤمر بالإنفاق
عليها ما دام ولدها باقيا ، كما عن الخلاف وموضع من المبسوط.
وعن ابن سعيد :
أنّ الحاكم يتركها عند من يرى تركها عنده مصلحة.
ومنها : ما عن
التذكرة من أنه يحال بينها وبين مولاها ، وتكسب في يد غيره له ، ويؤخذ منه النفقة.
ومنها : ما عن
المختلف من أنّها تستسعى في قيمتها ، فإذا أدّتها عتقت.
ومنها : وجوب
دفع قيمتها من الزكاة أو من بيت المال لتعتق. وإلّا بيعت.
ومنها : غير
ذلك ، فراجع .
(٢) لا ريب في
ابتناء وجوب البيع على تقديم حق الإسلام على حق الاستيلاد ، ووجه التقديم امور
ثلاثة سيأتي بيانها. فلو قيل بتكافئ الحقّين وتساقطهما أو بالجمع بينهما مهما أمكن
ـ كما يراه بعض القائلين بعدم تعيّن البيع ـ لم يتجه القول بوجوب البيع بهذا
الطريق ، فإن تمّ الطريق الثاني فهو ، وإلّا أشكل الأمر.
(٣) صفة لحقّ
إسلام أمّ الولد.
(٤) وتساقطهما
في المجمع ، وهذا إشارة إلى إثبات صحة البيع بنحو آخر ، أي
__________________
كان المرجع عمومات صحة البيع ، دون قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم»
المقتضية (١) لعدم جواز بيعها عليه ، لأنّ (٢) المفروض : أنّ قاعدة «السلطنة»
______________________________________________________
العموم المقتضي للصحة. وتقريب التمسك به هو كون الشك في التخصيص الزائد ،
إذ لو كان دليل حقّ إسلامها مقدّما على دليل حق الاستيلاد لم يلزم تخصيص في عمومات
صحة البيع. وإن كان حقّ الاستيلاد مقدّما على حقّ إسلامها لزم تخصيص فيها ، هذا (*).
(١) وذلك لأنّ
مقتضى سلطنة المالك على ماله عدم نفوذ تصرف اعتباري فيه من دون رضاه ، وحرمة
مزاحمته. فالحكم بوجوب بيع الأمة ـ قهرا ـ على مولاها مع فرض بقائها بعد الإسلام
على ملكه تقييد لإطلاق سلطانه ، وبعد تكافؤ حقّي الإسلام والاستيلاد وتساقطهما
يرجع إلى قاعدة السلطنة المانعة عن بيعها عليه قهرا. ولا تصل النوبة إلى عموم حلّ
البيع وصحة العقود.
(٢) تعليل
لقوله : «كان المرجع عمومات صحة البيع دون قاعدة السلطنة» وتوضيحه : أنّ مرجعية
قاعدة السلطنة في المقام منوطة بعدم وجود دليل حاكم عليها ، والمفروض حكومة قاعدة «نفي
سلطنة الكافر على المسلم» على قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم».
ولعلّ وجه
الحكومة : أنّ قاعدة نفي السبيل وإن لم تكن شارحة بمدلولها اللفظي لما يراد من
قاعدة السلطنة ، إلّا أنه يكفي في الحكومة أن يتعرض الدليل الحاكم إلى عقد الوضع
أو عقد الحمل في الدليل المحكوم. وهذه الضابطة تنطبق على قاعدة نفي السبيل ،
وينتفي بها سلطنة الكافر على مملوكه المسلم. وبعد سقوط
__________________
قد ارتفعت بحكومة أدلة نفي سلطنة الكافر على المسلم (*). فالمالك ليس
مسلّطا قطعا (١) ، ولا حقّ له في عين الملك جزما (٢).
______________________________________________________
قاعدة السلطنة لا يبقى مانع من الرجوع إلى عموم ما دلّ على حلّ البيع ووجوب
الوفاء بالعقود.
(١) وإن كان
مالكا لأمّ ولده قطعا ، لعدم خروجها عن ملك الكافر بمجرّد قبول الإسلام ، وإلّا لم
يكن معنى للبيع عليه ، فإنّ إلزامه بالبيع شرعا دليل كونها ملكا له.
(٢) لانتقال
حقّه إلى ثمنها لو بيعت.
وقد تحصّل إلى
هنا : أنّ أمّ الولد المسلمة ليست موردا لتعارض قاعدة نفي
__________________
__________________
إنّما الكلام
في تعارض حقّي أمّ الولد (١) من حيث كونها مسلمة (٢) ، فلا يجوز كونها مقهورة بيد
الكافر ، ومن حيث (٣) كونها في معرض العتق ، فلا يجوز إخراجها عن هذه العرضة.
والظاهر أنّ
الأوّل (٤) أولى ، للاعتبار ،
______________________________________________________
السبيل مع قاعدة السلطنة ، لحكومة الاولى على الثانية. نعم يتزاحم فيها حقّان
كما سبق التنبيه عليه ، وسيأتي تقديم الأهم منهما.
(١) غرضه من
هذا الكلام تثبيت الأولوية التي أفادها بقوله : «بناء على أنّ حقّ إسلامها المقتضي
لعدم سلطنة الكافر عليها أولى من حق الاستيلاد». ووجه الأولوية امور ثلاثة ستأتي
في المتن.
(٢) يعني : لا
من حيث حقّ سلطنة المالك عليها.
(٣) معطوف على «من
حيث» وهذا حق آخر لام الولد.
(٤) وهو حق
الإسلام. لمّا كان المقام من تزاحم الحقين ، والحكم فيه تقديم الأهم منهما على
المهم إن كان ، وإلّا فالتخيير ، أخذ في إثبات أهمية حق الإسلام من حق الاستيلاد
المقتضي لبقائها إلى أن تنعتق من نصيب ولدها. وقد أثبت المصنف قدسسره أهميته بوجوه :
الوجه الأوّل :
الاعتبار ، بتقريب : أنّ المولى الحكيم لا يرضى بأن يكون من أسلم وانقاد له مقهورا
تحت استيلاء الكافر.
والظاهر أن
مراد المصنف قدسسره ما جعلوه دليلا أو مؤيّد القاعدة نفي السبيل ، ففي
العناوين : «وثالثها : الاعتبار العقلي ، فإنّ شرف الإسلام قاض بأن لا يكون صاحبه
مقهورا تحت يد الكافر ، ما لم ينشأ السبب من نفسه ، فإنّه حينئذ أسقط احترام نفسه.
وهذا وإن لم يكن في حدّ ذاته دليلا ، لكنّه مؤيّد قوي مستند إلى فحوى ما ورد في
الشرع» .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وعليه فيقال في
تقديم قاعدة حقّ الإسلام على حق الاستيلاد : إنّ نفي السبيل ووجوب البيع يكون
باقتضاء شرافة الإسلام وحرمة الإيمان. وهذا من قبيل حقّ الله سبحانه وتعالى ، كما
حكي عن الشهيد قدسسره الميل إليه وعن الشهيد الثاني القطع به. ومن المعلوم
أنّ ما كان كذلك لا معنى لتخصيصه ببعض الأفراد ، ولا لتقييده بحال دون حال. ومع
الإباء عن التخصيص والتقييد يتقوّى ظهور هذا العام أو المطلق ، فيكون أظهر في
العموم والشمول لمادة الاجتماع من العام الآخر أعني به منع بيع أمّهات الأولاد (*).
الوجه الثاني :
حكومة قاعدة نفي السبيل على جلّ الأحكام الأوّلية ، وكونها من مبطلات العقود ، «كعدم
صحة وصايته على مال مسلم أو على مولّى عليه محكوم بإسلامه حتى بالاشتراك مع وليّ
مسلم ، وفسخ النكاح لو أسلمت زوجته ولم يسلم هو في العدّة» كما في العناوين .
وحيث كان منع
بيع أمّ الولد ـ رعاية لحقّها ـ موجبا لثبوت السبيل لمولاها الكافر عليها ، لزم
بيعها تقديما لقاعدة نفي السبيل.
الوجه الثالث :
النبوي المنجبر بعمل المشهور الدال على عدم علوّ الكافر على المسلم ، وهو يقتضي
تقديم حق الإسلام على حق الاستيلاد عند التزاحم ، فتباع أمّ الولد على الكافر
قهرا.
__________________
__________________
وحكومة (١) قاعدة «نفي السبيل» على جلّ القواعد ، ولقوله (٢) صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» .
وممّا ذكرنا (٣)
ظهر : أنّه لا وجه للتمسّك باستصحاب المنع قبل إسلامها ،
______________________________________________________
والمتحصل : أن
الدليل الاجتهادي يقتضي بيع أمّ الولد في هذه الصورة ، ولا تصل النوبة إلى التمسك
بالأصل العملي.
(١) معطوف على «اعتبار»
أي : ولحكومة ... وهذا هو الوجه الثاني.
(٢) معطوف على «للاعتبار»
وهذا هو الوجه الثالث.
(٣) يعني : ومن
جواز البيع إمّا لتقديم حقّ الإسلام على حقّ الاستيلاد المقتضي لعدم جواز البيع ،
وإمّا لمرجعية عمومات صحة البيع عند تكافؤ دليلي الحقّين ، ظهر : أنّه لا مجال
للتمسك باستصحاب منع البيع ، بأن يقال : إنّه لا ريب في موضوعية الاستيلاد لمنع
البيع والتصرف الناقل فيها. ويشك في طروء الرافع ، وهو الحق المقدّم على الاستيلاد
ـ كحق الإسلام ـ بحيث يزيل ذلك المنع ، ومقتضى الاستصحاب عدم طروئه ، فيحكم
باستمرار ذلك المنع بعد إسلامها ، ونتيجته عدم جواز بيعها مطلقا ، لا باختيار
مولاها الكافر ، ولا قهرا عليه ، هذا.
واعترض المصنف قدسسره عليه بوجوه ثلاثة :
الأوّل : أن
الدليل الاجتهادي على جواز البيع موجود ، وهو إمّا عمومات الصحة ، وإمّا حقّ
الإسلام ، ومعه لا يبقى شك في المنع حتى تصل النوبة إلى الأصل
__________________
__________________
لأنّ (١) الشك إنّما هو في طروء ما هو مقدّم على حقّ الاستيلاد ، والأصل
عدمه (٢).
مع إمكان (٣)
معارضة الأصل بمثله لو فرض (٤) ـ في بعض الصور ـ تقدّم الإسلام على المنع عن
البيع.
______________________________________________________
العملي. للقطع بعدم سلطنة الكافر على الأمة المسلمة ، هذا. وسيأتي الوجهان
الآخران.
(١) هذا تقريب
جريان استصحاب المنع ، وتقدم بيانه آنفا.
(٢) أي : عدم
طروء حقّ لأمّ الولد المسلمة مقدّم على حق الاستيلاد.
(٣) هذا وجه
ثان لعدم المجال للتمسك بالاستصحاب ، وحاصله : أنّ استصحاب المنع قبل إسلامها لا
يوافق المدّعى ، وهو عدم الجواز في جميع الصور ، فيكون الدليل أخص من المدعى.
توضيحه : أنّه
إذا كان إسلامها بعد الوطء وقبل استقرار النطفة في الرحم ـ بناء على صيرورتها أمّ
ولد باستقرارها في الرحم ـ تعارض استصحاب المنع مع استصحاب الجواز ، ويتساقطان.
وكذا لو أسلمت
، ثم وطأها مولاها شبهة ، فحملت منه ، فيتعارض استصحابا المنع والجواز.
وكذا لو تقدم
الإسلام على ما هو متمّم لمانعية الاستيلاد عن البيع ، كما لو استولدها ، ولكن جاز
بيعها في ثمن رقبتها لإعسار المولى ، فأسلمت ، وتجدّد اليسار قبل أن يجبره الحاكم
الشرعي على البيع ، فيستصحب وجوب البيع عليه قبل يساره ، كما يستصحب منع البيع
الحادث بالاستيلاد مع تجدد اليسار ، فيتعارض الاستصحابان ، ويتساقطان.
(٤) أي : لو
فرض تقدم الإسلام على منع بيعها للاستيلاد.
ومع إمكان (١)
دعوى ظهور قاعدة «المنع» في عدم سلطنة المالك ،
______________________________________________________
(١) مقتضى
السياق كون هذا إشكالا ثالثا على استصحاب المنع ، وغاية تقريبه أن يقال : إنّ
القضية المشكوكة غير المتيقنة ، إذ عدم الجواز قبل الإسلام كان لأجل مصلحة المالك
، فالبيع لمصلحة المالك ومراعاة مالكيته غير جائز. وهو غير البيع لأجل تقديم حق
الإسلام على حقها الآخر. فالمنع المتيقن سابقا غير المنع المشكوك لاحقا ، ومع
إختلاف القضية المتيقنة والمشكوكة لا مجال للاستصحاب ، هذا.
لكن فيه ما لا
يخفى ، حيث إنّ المتيقن والمشكوك ـ وهو المنع ـ واحد ، غايته أنّ علة بقائه غير
علة حدوثه. وإختلاف علّتي الحدوث والبقاء لا يقدح في الوحدة ، ولا تنثلم به. نظير
ما إذا علم بجلوس زيد في المسجد إلى الزوال بداعي الصلاة فيه ، وشك في بقاء جلوسه
بعد الزوال للشك في حدوث داع آخر يقتضي استمراره ، فلا ينبغي الإشكال في جريان
الاستصحاب حينئذ.
هذا ما يقتضيه
سوق العبارة من جعل قوله : «ومع إمكان ... الخ» إشكالا ثالثا على استصحاب المنع.
لكن الأولى
جعله راجعا إلى أصل المطلب ـ وهو تقديم حق الإسلام على حق الاستيلاد ـ بأن يقال :
إنه لا تعارض بين دليلي الحقين حتى تصل النوبة إلى الاستصحاب ، وذلك لأنّ دليل منع
البيع لا إطلاق له بحيث يشمل صورة وجود حقّ آخر مجوّز للبيع حتى يقع لهذا الإطلاق
التعارض بين دليلي الحقين. بل دليل المنع لا يدلّ على أزيد من مانعية حق الاستيلاد
عن البيع ، فهو لا يقتضي نفي حقّ آخر كحق الإسلام المقتضي لجواز البيع بناء على
مذهب المصنف وغيره ، ومن المعلوم عدم المعارضة بين المقتضي واللّامقتضي ، فيقدّم
حق الإسلام على حق الاستيلاد (*).
__________________
وتقديم (١) حقّ الاستيلاد على حقّ الملك ، فلا ينافي (٢) تقديم حقّ آخر (٣)
لها على هذا الحقّ (٤).
______________________________________________________
(١) معطوف على «عدم»
أي : ظهور قاعدة المنع في تقديم حق الاستيلاد.
(٢) لأنّ
المنافاة فرع الدلالة ، كما إذا ورد دليل على وجوب صلاة الجمعة مثلا وآخر على
حرمتها ، فإنّهما متعارضان ، لدلالة كل منهما التزاما على نفي مدلول الآخر. وفي
المقام لمّا فرض عدم دلالة دليل المنع على نفي حقّ آخر ، فإذا ثبت بدليل حق آخر لم
يقع التنافي بينهما ، لعدم المعارضة بين البيان واللابيان ، هذا.
(٣) كحقّ
الإسلام فيما نحن فيه.
(٤) وهو حقّ
الاستيلاد.
والحاصل : أنّ
هنا ـ أي أمّ الولد التي أسلمت عن مولى كافر ـ حقوقا ثلاثة ، حق المالك ، وحق
الاستيلاد ، وحق الإسلام. وينتفي حقّ المالك بسبب الاستيلاد لتقدمه عليه ، وحقّ
الإسلام مقدّم على حق الاستيلاد ، فلا منافاة بين تقديم حق الاستيلاد على حق
المالك ، وبين تقديم حق الإسلام على حق الاستيلاد.
هذا تمام
الكلام في المورد الأوّل من القسم الثاني ، وتحصّل من كلمات المصنف قدسسره وجوب بيعها على الكافر رعاية لشرف الإسلام وعظمته. وهو
موافق لما ذهب إليه صاحب الجواهر في مسألة بيع العبد المسلم ، ولكنه قدسسره قوّى خلافه في مستثنيات بيع أمّ الولد ، فراجع .
__________________
__________________
ومنها (١) : ما
إذا عجز مولاها عن نفقتها ولو بكسبها ، فتباع على من
______________________________________________________
٢ ـ إذا عجز مولاها
عن نفقتها
(١) معطوف على
قوله : «فمن موارده» أي : ومن موارد القسم الثاني عجز مولاها عن نفقتها ، ويتحقق
العجز بأن لا يكون للمولى مال من نفسه بمقدار نفقة أمّ الولد ، وأن لا تقدر هي على
الكسب لتكون نفقتها من كسبها.
وفي هذا المورد
قال جمع بجواز بيعها ، بأن يكون المشتري موسرا قادرا على الإنفاق عليها. وقيّد
الشهيد الثاني قدسسره جواز بيع تمام رقبتها بعدم تأدية بيع بعضها بنفقتها ،
وإلّا وجب الاقتصار على بيع البعض «وقوفا فيما خالف الأصل على موضع الضرورة» . وربما يستفاد جواز بيعها في هذه الصورة ـ كما في
المقابس ـ من المحقق والعلّامة قدسسره في التحرير ، فلاحظ ما نقله عنهما في الصورة الخامسة
والعشرين. وفي المسألة وجوه اخر كما في المقابس والجواهر ، فراجع.
وكيف كان فلعلّ
وجه حكمهم ببيعها على من ينفق عليها هو قاعدة نفي الضرر الحاكمة على الأحكام
الأوّلية ، فإنّ منع البيع لحقّ الاستيلاد ضرري ، فيرفع بقاعدته ، نظير حقّ بقاء
العذق لسمرة في حائط الأنصاري ، فكما ينفى حقّ بقاء العذق وسلطنة سمرة على بقائه
في الحائط ، فكذلك حق الاستيلاد ، لكونه ضرريا. وارتفاع المنع عن بيعها يلازم
جوازه. ولا فرق في الحكم الضرري المرفوع بقاعدة الضرر بين التكليفي والوضعي.
ومما ذكر يظهر
عدم الوجه فيما قد يقال : من أنّ قاعدة الضرر نافية للحكم لا مثبتة له. وذلك لأنّ
المرفوع هو عدم جواز البيع ، وارتفاعه ليس إلّا الجواز الثابت بعمومات صحة البيع ،
فتدبّر.
__________________
ينفق عليها ، على ما حكي عن اللمعة وكنز العرفان وأبي العبّاس والصيمري
والمحقق الثاني .
وقال في
القواعد : «لو عجز عن الإنفاق على أمّ الولد امرت بالتكسّب ، فإن عجزت انفق عليها
من بيت المال ، ولا يجب عتقها. ولو كانت الكفاية بالتزويج وجب. ولو تعذّر الجميع
ففي البيع إشكال» (١) .
وظاهره عدم
جواز البيع مهما أمكن الإنفاق من مال المولى (٢) ، أو كسبها ،
______________________________________________________
(١) حاصله :
أنّه بعد عجز المولى عن الإنفاق عليها وعجزها عن التكسب لا يجب عتقها على المولى ،
بل إما أن ينفق عليها من بيت المال ، وإمّا أن تتزوج. فإن تزوّجت دواما وجب نفقتها
على الزوج ، وإن تزوّجت انقطاعا أنفقت على نفسها من عوض بضعها. وإن تعذّر كل من
الإنفاق من بيت المال والتزويج ، فهل يجب بيعها على مولاها أم لا؟ فيه وجهان ،
فوجه الجواز حفظ نفسها عن الهلاك ، وهو أولى لها من إبقائها متمسكة بالحرية.
ووجه المنع
عموم النهي عن بيع أمّ الولد. كذا أفاده في الإيضاح وكشف اللثام .
(٢) تقدّم آنفا
أنّ العلّامة قدسسره اقتصر على الإنفاق عليها من بيت المال والتزويج ، ولكن
المصنف وفاقا لصاحب المقابس قدسسرهما استظهر التعميم ، رعاية لحق الاستيلاد المانع عن بيعها
مهما أمكن.
قال في المقابس
ـ بعد نقل عبارة القواعد ـ : «وحاصله : اعتبار عدم حصول الإنفاق ، وانسداد أبوابه
مطلقا من ماله وكسبه ، ومالها ـ على القول بملكيتها ـ
__________________
[أو مالها] (١) ، أو عوض بضعها ، أو وجود من يؤخذ (٢) بنفقتها ، أو بيت
المال. وهو (٣) حسن.
ومع عدم ذلك
كلّه (٤) فلا يبعد المنع عن البيع أيضا ،
______________________________________________________
وكسبها ، وعوض بضعها دواما ومتعة ، بل وتحليلا إن كان المحلّل له ينفق
عليها ، وكذلك المتمتع بها. وإن كان عوض البضع لا يفي بالنفقة ، ومن بيت المال
ووجوه الخيرات ، وتبرع المنفقين ، وإنفاق من يجب عليهم للرّحم ، وقبول الهبة
وغيرها من أنواع التمليكات الممكنة ، فمع التمكن من ذلك بما يتحمّل عادة وجب الصبر
على ذلك ...» .
(١) هذه الكلمة
مشطوب عليها في نسختنا ، ولكنها ثابتة في سائر النسخ ، والأولى إثباتها ، لكونها مذكورة
في عبارة المقابس المتقدمة التي لا يبعد كونها مأخذا لما في المتن. وعلى كلّ
فالمراد بالمال ما حصل لها من غير جهة الكسب ـ بناء على القول بمالكيتها ـ سواء أكان
سابقا على عجز مولاها عن الإنفاق أم لا حقا له.
(٢) وهو الزوج
الدائم ، لأنّه يؤخذ بنفقة الزوجة الدائمة دون المنقطعة ، فإنّه لا نفقة لها عليه
، وإنّما تستحق عليه عوض البضع فقط. وعبارة القواعد ـ وهي التزويج ـ مشتملة على
عوض البضع ومن يؤخذ بنفقتها ، فإنّ المأخوذ بالنفقة ليس إلّا الزوج في النكاح
الدائم. فالمراد بعوض البضع هو المهر في النكاح المنقطع.
واحتمال أن
يراد ب «من يؤخذ بنفقتها» الحاكم ، ممنوع ، لتقدم ذكره في القواعد بقوله : «انفق
عليها من بيت المال» لوضوح أن ولاية التصرف فيه تكون للحاكم.
(٣) يعني : وما
ذكره في القواعد ـ من عدم جواز البيع مهما أمكن ـ حسن.
(٤) أي : ومع
عدم إمكان شيء ممّا ذكر ـ من الكسب والمال وعوض البضع والزوج وبيت المال ـ فلا
يبعد منع بيع أمّ الولد ، كما منع منه إن أمكن شيء من سبل
__________________
وفرضها (١) كالحرّ في وجوب سدّ رمقها كفاية على جميع من اطّلع عليها.
ولو فرض (٢)
عدم ذلك
______________________________________________________
الإنفاق عليها.
(١) معطوف على
المنع ، أي : لا يبعد فرضها كالحرّ في كون سدّ رمقها واجبا كفاية على المسلمين
المطّلعين على حالها.
وهذا موافق لما
في الجواهر من قوله : «ضرورة أنّ ذلك لا يقتضي تقييد دليل المنع ، إذ النفقة حينئذ
تجب على المسلمين كفاية ، أو في بيت المال ، كالحرّ العاجز عنها» .
هذا إذا وجد من
المسلمين من يسدّ رمقها ، وأمّا مع فقده فسيأتي.
(٢) هذا ثالث
فروض المسألة وآخرها ، وهو ما إذا لم يقم أحد من المسلمين بالإنفاق على أمّ الولد
، أو قام به ولكن استلزم ذلك ضررا عظيما عليها لا يتحمّل عادة ، لكونه نقصا في
شأنها وشرفها. وحكم هذا الفرض جواز البيع ، لوجوه ثلاثة :
الأوّل : قاعدة
نفي الضرر الحاكمة على منع بيعها من جهة حقّ الاستيلاد ، وتقدم تقريبه في (ص ٤٣٩).
الثاني : قاعدة
نفي الحرج ، فإنّ بقاءها على هذه الحالة ـ رجاء أن تنتعق من نصيب ولدها ـ حرج
عليها ، وهو منفي بالآية الشريفة (*).
الثالث : تنظير
المقام بالمورد السابق ، من جواز بيع أمّ الولد إذا أسلمت عند
__________________
__________________
أيضا (١) ، أو كون ذلك ضررا عظيما عليها ، فلا يبعد الجواز ، لحكومة (٢)
أدلة نفي الضرر ، ولأنّ (٣) رفع هذا عنها أولى من تحمّلها ذلك (٤) رجاء أن تنعتق
من نصيب ولدها. مع جريان (٥) ما ذكرنا أخيرا في الصورة السابقة : من احتمال ظهور
أدلة المنع في ترجيح حقّ الاستيلاد على حقّ مالكها (٦) ، لا على حقّها (*) الآخر ،
فتدبّر.
______________________________________________________
مولى ذمّيّ ، وذلك لأنّ قاعدة منع بيعها إنّما هو لتقديم حق الاستيلاد على
حق المالك ، فلو حصل لها حقّ يوجب البيع ـ كالإسلام ـ لم يناف حقّ الاستيلاد.
وكذا يقال في
المقام ، والحقّ الثالث هنا هو حفظ النفس من الهلاك مهما أمكن ، فإنّ حفظ حياتها
مقدّم قطعا على حقّ الاستيلاد ، فعدم جواز بيعها ـ لكونها متشبثة بالحرية ـ لا
ينافي جوازه رعاية لحق الحياة وعدم تلفها.
وعليه فلا مورد
للتمسك هنا بعموم منع البيع حتى ينحصر جواز بيعها في حكومة قاعدتي الضرر والحرج
عليه.
(١) أي : كما
عدم الفرض الأوّل ، وهو كسبها أو تزويجها.
(٢) هذا إشارة
إلى الوجه الأوّل.
(٣) هذا إشارة
إلى الوجه الثاني ، وهو نفي الحرج.
(٤) المشار
إليه هنا وفي «هذا» هو الضرر.
(٥) هذا إشارة
إلى الوجه الثالث.
(٦) فلا إطلاق
في أدلة المنع بالنسبة إلى حدوث حقّ للأمة ـ غير حق الاستيلاد ـ كي تتزاحم الحقوق
أو تتعارض الأدلة.
__________________
ومنها (١) :
بيعها على من تنعتق عليه ـ على ما حكي عن الجماعة المتقدم إليهم الإشارة ـ لأنّ فيه (٢) تعجيل حقّها.
______________________________________________________
٣ ـ بيعها على من
تنعتق عليه
(١) معطوف أيضا
على قوله في (ص ٤٢٨) : «فمن موارده» وهذا مورد ثالث من القسم الثاني الذي يكون
جواز بيع أمّ الولد لأجل عروض حقّ لها أولى بالمراعاة من حقّ الاستيلاد. وهو بيعها
من قريبها بحيث تنعتق على المشتري ، ولا يستقرّ تملكه لها ، كما لو اشتراها أبوها
أو أخوها أو ابن أخيها أو ابن اختها ، أو غيرهم ممّن لا يتملّكها. وقال بجواز
بالبيع هنا جماعة ، واختاره صاحب المقابس أيضا.
قال قدسسره في الصورة التاسعة والعشرين : «فإنّه ـ أي البيع ـ صحيح
، على ما اختاره الشهيد في اللمعة ، والسيوري في كنز العرفان ، وأبو العباس ،
والصيمري ، والمحقق الكركي. ويظهر من الشهيد في الدروس : أنه مسبوق بهذا القول.
وهذا هو الظاهر من الروضة والمسالك ، واللازم من قول من جوّز بيع المسلم على
الكافر إذا كان ممّن ينعتق عليه».
ثم استدلّ على
الجواز بوجود المقتضي ثبوتا ، وفقد المانع عنه ، وسيأتي توضيحه. واستدلّ في المتن
بوجوه ثلاثة ، كما سيظهر.
(٢) أي : في
البيع ، وهذا أوّل الوجوه ، وهو مذكور في شرح اللمعة بقوله : «فيكون تعجيل خير
يستفاد من مفهوم الموافقة ، حيث إن المنع عن البيع لأجل العتق» وعبارة المقابس شرح له. ومحصّله : وجود المقتضي وفقد
المانع.
أمّا الأوّل
فلأنّ المعتبر في البيع كون البائع والمشتري أهلا للتمليك والتملك ، والمبيع
مملوكا ، وهو متحقق حسب ، الفرض.
__________________
وهو (١) حسن لو
علم أنّ العلّة حصول العتق. فلعلّ الحكمة انعتاق خاص.
اللهم (٢) إلّا
أن يستند إلى ما ذكرنا أخيرا في ظهور أدلة المنع .
أو يقال (٣):
______________________________________________________
وأمّا الثاني
فلأنّ المانع عن بيعها تمسكها بالحرية ، والغاية من منع بيعها هو الانعتاق من نصيب
الولد بعد وفاة السيد. فإذا فرض حصول الانعتاق معجلا في حياته فقد تحققت الغاية ،
وامتنع بقاء منع البيع بحاله ، هذا.
وناقش المصنف
فيه بعدم إحراز كون الانعتاق المطلق علّة لمنع بيعها حتى يقال بامتناع بقاء
المعلول ـ وهو منع البيع ـ بالتعجيل في عتقها. فلعلّ الحكمة في عدم جواز نقلها عن
ملك السيد هي الانعتاق الخاص أي انتقالها إلى ولدها بالإرث ، ثم الانعتاق عليه
قهرا من نصيبه.
وعليه فعموم
منع البيع محكّم ، ولا يكون مجرد تعجيل حق الانعتاق مخرجا عنه.
(١) أي :
وتعليل جواز البيع ـ بأنّ فيه تعجيل حقّها ـ حسن لو علم أنّ علة منع بيعها في حياة
السيد هو الانعتاق ، ولا سبيل لإحراز المناط القطعي حسب الفرض.
(٢) هذا ثاني
الوجهين لجواز بيعها على من تنعتق عليه ، اختاره المصنف قدسسره اعتمادا على ما تقدم في المورد الأوّل ، من ظهور أدلة
المنع في تقديم حق الاستيلاد على خصوص سلطنة المالك من حيث حقه المالكي ، لا على
حقها الآخر كحقّ الإسلام. فدليل المنع قاصر عن شموله لصورة وجود حقوق اخر لها
مقتضية للبيع ، ومن تلك الحقوق حق التحرّر معجّلا ، وعدم انتظار وفاة السيّد.
(٣) هذا ثالث
وجوه الجواز ، وهو ناظر إلى خروج هذا المورد عن عموم دليل منع بيع أمّ الولد
موضوعا ، وبيانه : أنّ نقلها إلى المشتري وإن كان بيعا صورة ، لكنه
__________________
إنّ هذا عتق في الحقيقة (*).
ويلحق بذلك (٢)
بيعها بشرط العتق.
______________________________________________________
عتق حقيقة ، لامتناع دخولها في ملك المشتري حتى يتحقق المبادلة بين المالين
في الملكية. فالغرض إنقاذها من ذلّ الرقيّة ، ولذا التزم بعضهم بصرف الشراء إلى
الاستتفاذ وعدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى العين ، وتقدم الإشارة إليه في مسألة بيع
العبد المسلم من الكافر ، وسيأتي في مستثنيات خيار المجلس إن شاء الله تعالى
أيضا.
٤ ـ بيعها بشرط العتق
(٢) أي : ويلحق
بصحة بيع أمّ الولد على من تنعتق عليه : بيعها على أجنبي بشرط أن يعتقها. حكي عن
غير واحد ، قال المحقق الشوشتري في الصورة الحادية والثلاثين : «إذا بيعت بشرط
العتق ، فيجوز على ما نصّ عليه المحقق الكركي في الشرح ، والسيوري في الكنز.
واستقربه الشهيد في اللمعة ، واحتمله في الدروس ، ومنع منه أبو العباس في المهذّب
كما هو ظاهر المعظم. وربما يلزم الجواز على القول به في بيع العبد المسلم من
الكافر. والأقرب المنع في الموضعين عملا بعموم الدليل المانع السالم عن المعارض».
ثم وجّه صحة
البيع من جهة اقتضاء دليل الشرط وجوب الوفاء به ، وعدم
__________________
__________________
فلو لم يف المشتري (١) احتمل وجوب استردادها (*) كما عن الشهيد الثاني (٢) . ويحتمل (٣) إجبار الحاكم أو العدول للمشتري على
الإعتاق ،
______________________________________________________
إسقاط شرط العتق لكونه حقّا له تعالى ، ثم رجّح المنع مرّة اخرى ، فراجع .
(١) يعني :
بناء على صحة البيع بشرط العتق ـ إمّا لكونه تعجيل خير وإمّا لكونه عتقا حقيقة كما
تقدم في المورد السابق ـ فإن وفى المشتري بالشرط وأعتقها فهو ، وإن تخلّف عن
الإعتاق احتمل وجوه ثلاثة :
الأوّل : أنه
يجب على البائع فسخ البيع وإعادة أمّ الولد إلى ملكه ، لتنعتق بعد وفاته.
ثانيها : أنّ
المشتري يلزم بالإعتاق ، فإن وجد الحاكم الشرعي أجبره عليه ، وإن لم يوجد أجبره
عدول المؤمنين.
الثالث : أنّه
لا حاجة إلى الإجبار ، بل مجرد امتناع المشتري عن العمل بالشرط يحقّق ولاية الحاكم
على إعتاقها عليه قهرا ، من دون إناطته بإجباره عليه وإبائه عنه.
(٢) كما احتمل قدسسره وجوب الفسخ على الحاكم. ولعلّ وجه وجوب استردادها من
المشتري هو : أنّ بيع أمّ الولد كما يكون ممنوعا تكليفا مطلقا أي بدون شرط العتق ،
فكذا مع شرطه إن لم يتعقبه العتق خارجا ، فإذا تحقق البيع المشروط بالعتق ولم
يتعقبه لزم حلّ ذلك البيع باسترداد الأمة.
(٣) معطوف على «احتمل»
وهذا هو الاحتمال الثاني ، ووجه ولاية الحاكم
__________________
__________________
أو إعتاقها (١) عليه قهرا.
وكذلك (٢)
بيعها ممّن أقرّ بحرّيتها.
______________________________________________________
على الممتنع.
(١) معطوف على «وجوب»
وهذا هو الاحتمال الثالث ، احتمله في المقابس بناء على صحة البيع.
٥ ـ بيعها على من
أقرّ بحرّيتها
(٢) يعني :
ويلحق ببيعها على من تنعتق عليه : بيعها على من أقرّ بأنّها حرّة فعلا وليست أمة ،
فيكون شراؤها مقدمة لتعجيل انعتاقها.
قال في المقابس
: «الثلاثون : إذا بيعت ممّن أقرّ بحرّيّتها ، وهذه أولى بالجواز وإن لم ينصّوا
عليها هنا ، لأنّ هذا البيع لا يقتضي تملكا في حقّ المشتري بحسب ظاهر إقراره.
ويحتمل المنع هنا ، لاحتمال كذب المقرّ ، فيؤدّي إلى رقيّتها واقعا. والحرية
الواقعية وإن تأخّرت أولى من ذلك» .
والوجه في
إلحاق هذا المورد بالبيع على من تنعتق عليه هو كون المعاملة طريقا إلى حريتها من
دون استقرار الملكية للمشتري .
وأمّا تصوير
البيع هنا ـ مع علم المشتري بعدم دخول المبيع في ملكه ، وتقوّم البيع بالتمليك
والتملّك ـ فيمكن بالالتزام بكفاية القصد إلى النقل في نظر المشتري وإن لم يمضه
الشارع ، كما تعقلوه في مسألة الفضولي إذا كان غاصبا وقصد البيع لنفسه ، من كفاية
الملكية الادعائية. وكذا في المقام ، فالمشتري من حيث كونه مقرّا بحرية المبيع فهو
مسلّط للبائع على الثمن مجانا ، ولا مانع منه .
هذا تقريب صحة
بيعها ممن أقرّ بحريتها. ولكن اعترض المصنف على جواز
__________________
ويشكل (١)
بأنّه إن علم المولى صدق المقرّ لم يجز له البيع وأخذ الثمن في مقابل الحرّ (٢).
وإن علم (٣) بكذبه لم يجز أيضا (٤) ، لعدم جواز بيع أمّ الولد. ومجرّد (٥)
صيرورتها حرّة على المشتري في ظاهر الشرع مع كونها ملكا له في
______________________________________________________
البيع بما سيأتي بيانه.
(١) توضيح
الإشكال : أنّ المولى إمّا أن يعلم بصدق المقرّ من كون هذه المرأة حرّة واقعا ،
وإمّا أن يعلم بكذبه وكونها أمة وقد استولدها. وإمّا أن يشك في صدقه وكذبه. ولم
يتعرض المصنف لحكم الشك.
وعلى الأوّلين
يعلم البائع بفساد البيع ، إمّا لكونها حرّة ، ومن المعلوم أنّ الحرّ لا يملك ولا
يباع ، وإمّا لكونها أمّ ولده.
ودعوى جواز
بيعها ـ لما فيه من تعجيل الخير ، وهو عتقها من جهة إقرار المشتري بحرّيتها ـ
ممنوعة ، لعدم حصول الغرض وهو العتق ، وذلك لأنّ المشتري وإن كان مأخوذا بإقراره
في ظاهر الشرع ، فيحكم بانعتاقها عليه ظاهرا ، لكنها صارت بالشراء ملكا له واقعا ،
فيلزم بقاؤها على الرقية ـ في نفس الأمر ـ إلى أن يحصل موجب لحريتها. ولو دار
الأمر بين بقائها على ملك المولى المستولد لتتحرّر ـ واقعا ـ بعد وفاته من نصيب
ولدها ، وبين بيعها وانعتاقها ظاهرا ـ وإن كانت رقا في الواقع ـ كان المتعين هو
الأوّل.
وعليه فالغاية
المقصودة من بيعها على من تنعتق عليه ـ وهي تعجيل العتق ـ لا تترتّب على بيعها
ممّن أقرّ بحرّيّتها.
(٢) لأنّ تملك
الثمن بعنوان العوضية منوط بتمليك المثمن ، والمفروض عدم دخول الحرّ في الملك.
(٣) هذا هو
الفرض الثاني ، وهو علم المولى بكذب المقرّ.
(٤) أي : كما
لم يجز للمولى البيع في فرض علمه بصدق المقرّ.
(٥) يعني : ومع
تعقل قصد البيع جدّا صارت رقّا للمشتري واقعا ، بمقتضى كون البيع نقلا وتمليكا.
الواقع وبقائها (١) في الواقع على صفة الرقية للمشتري لا يجوّز (٢) البيع ،
بل الحرية الواقعية وإن تأخّرت أولى من الظاهرية (٣) وإن تعجّلت.
ومنها (٤) : ما
إذا مات قريبها وخلّف تركة ، ولم يكن له وارث سواها ،
______________________________________________________
(١) معطوف على «كونها»
وضمير «له» راجع إلى المشتري.
(٢) خبر قوله :
«ومجرّد صيرورتها» ووجه عدم الجواز ما تقدم آنفا من أنّ المقصود بالبيع ـ في مثل
البيع على من تنعتق عليه ـ هو الانعتاق واقعا ، وزوال الرقية عنها بالمرّة ، لا
مجرّد حريتها في ظاهر الشرع بحسب الإقرار.
مضافا إلى : أن
تشبث أمّ الولد بالحرية حكمة ، وليست علّة ليدور جواز نقلها عن ملك المولى مدارها.
(٣) لكون
الحرية الظاهرية في معرض الزوال برجوع المقرّ عن إقراره ، بخلاف الواقعية المترتبة
على موت المولى ونصيب الولد منها.
ثم إن المصنف قدسسره تعرض لنظير هذا المورد في مستثنيات بيع العبد المسلم من
الكافر المقرّ بحريته ، وعلّل فساد البيع بخلل إما في المبيع لو كان حرّا
واقعا ، أو في المشتري إن كان كاذبا ، فيلزم دخوله في ملكه ، والمفروض انتفاء
السبيل على المسلم. وهذا التعليل لتكفّله لحكم جهل البائع بصدق المقرّ لعلّه أولى
مما أفاده هنا ، فتدبّر.
٦ ـ إذا مات قريبها
وله مال ، وهي وارثته
(٤) معطوف على
قوله : «فمن موارده» أي : ومن موارد القسم الثاني : ما إذا مات قريبها من أب أو أخ
أو اخت ، وخلّف تركة ، ولم يكن للميت وارث سوى أمّ الولد.
والحكم في كلّي
المملوك هو وجوب شرائه من التركة وإعتاقه ، ولو فضل شيء من الإرث كان له. ونقل
الإجماع عليه مستفيض ، ففي المستند : «وادعى
__________________
فتشترى من مولاها لتعتق (١) [للعتق] وترث قريبها.
______________________________________________________
الإجماع عليه في الانتصار والسرائر والشرائع والقواعد والتنقيح والروضة
والمسالك والمفاتيح» .
وفي الجواهر ـ
بعد قول المحقق : «وإذا لم يكن للميت وارث سوى المملوك ، اشتري المملوك من التركة
، واعتق ، واعطي بقية المال» ـ ما لفظه : «بلا خلاف أجده فيه في الجملة ، بل الإجماع بقسميه عليه» .
وأمّا أمّ
الولد فقد صرّح جماعة بأنّها كسائر المماليك تشترى بالقيمة السوقية ، وتعتق وترث
ما بقي من التركة. وادّعى ابن فهد قدسسره عليه الإجماع كما نقله عنه في المقابس.
قال المحقق
الشوشتري في الصورة السادسة والعشرين : «والقول باستثنائها خيرة الشهيدين في
الروضة واللمعة والمسالك ، والسيوري في كتابيه ، وأبي العباس ، والمحقق الكركي ،
واختاره ابن سعيد في النزهة أيضا ، ونقله من العماني. وحكى أبو العباس في المهذّب
إجماع الأصحاب. وليس ببعيد ، فإنّه الظاهر من إطلاق فتاوى الأصحاب في كتاب
المواريث». ثم استدل عليه بالنصوص وبوجوه اعتبارية ، فراجع .
وذهب المصنف قدسسره أيضا إلى وجوب شرائها من مولاها لتنعتق ، واستدل عليه
بما سيأتي في المتن.
(١) كذا في بعض
النسخ ، وهو موافق لما في المقابس الذي يكون كالأصل لكلمات المصنف في هذه المسألة.
وفي نسختنا «للعتق» والمعنى واحد.
__________________
وهو (١) مختار
الجماعة السابقة وابن سعيد في النزهة ، وحكي عن العماني. وعن المهذب : إجماع الأصحاب عليه.
وبذلك (٢) يمكن
ترجيح أخبار «الإرث» على قاعدة «المنع».
______________________________________________________
(١) أي : جواز
البيع ، والمراد به الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب ، لأنّه مختار الجماعة ،
لا الإباحة.
(٢) أي :
وبإجماع الأصحاب على وجوب الشراء يمكن ترجيح ... الخ. وهذا هو الوجه الأوّل.
والمراد بأخبار الإرث : ما دلّ على «أنّ الحر إذا مات ولم يكن له وارث حرّ ، وله
قرابة رقّ ، اجبر مولاه على بيعه بقيمة عدل ، فيشترى ويعتق».
وليس المراد
بها ما دلّ على مانعية الرق من الإرث ، وأنه يجب التنزل إلى الطبقة المتأخرة. إن
لم يكن له وارث حرّ في طبقة ذلك الرق.
فمن تلك
الأخبار ما ورد في شراء «المملوك» من دون خصوصية كونه أبا للميت أو ابنا له أو
امّا أو غيرها ، وهو خبر واحد رواه في دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليهالسلام : «أنّه قال : إذا مات الميت ولم يدع وارثا وله وارث
مملوك ، قال : يشترى من تركته ، فيعتق ، ويعطى باقي التركة [بالميراث]» .
ومنها : ما ورد
في خصوص الأب أو الامّ أو البنت. وأكثر النصوص المعتبرة متكفل لشراء الامّ ،
كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : في الرجل الحرّ يموت وله أمّ مملوكة ، قال :
تشترى من مال
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ابنها ، ثم تعتق ، ثم يورثها» . بإلقاء خصوصية الامّ والبنت ونحوهما ، وإرادة «المملوك»
من الجميع.
والنسبة بين
هذه النصوص وبين ما دلّ على منع بيع أمّ الولد ـ كما في المقابس وحاشية المحقق
صاحب الكفاية قدسسره ـ عموم من وجه ، لأنّ دليل المنع يقتضي منع بيع أمّ الولد مطلقا ، سواء أكانت
وارثة أم لم تكن. ودليل «شراء المملوك من تركة قريبه» مطلق أيضا يشمل كون الوارث
أمّ ولد وغيرها من الأب والابن والبنت والاخت ، فيجتمعان فيما إذا كان قريب الميت
أمّ ولد.
فإمّا إن يخصّص
عموم منع نقل أمّ الولد ، ويقال بجوازه لو كانت وارثة لقريبها. وإمّا أن يخصّص
عموم وجوب شراء المملوك ، ويقال بعدم جواز شراء أمّ الولد لو كانت وارثة. وإمّا أن
يتساقط الدليلان ، ويرجع إلى دليل آخر من عموم صحة البيع ، أو استصحاب المنع.
ورجّح المصنف قدسسره الاحتمال الأوّل بالإجماع.
__________________
__________________
مضافا إلى
ظهورها (١) في رفع سلطنة المالك ، والمفروض هنا (٢) عدم كون البيع باختياره ، بل
تباع عليه لو امتنع.
ومن [موارد]
القسم الثالث (٣) ـ وهو ما يكون الجواز لحقّ سابق على الاستيلاد ـ ما إذا كان
علوقها بعد الرّهن (٤) ، فإنّ المحكيّ عن الشيخ والحلّي وابن زهرة والمختلف
والتذكرة واللمعة والمسالك والمحقق الثاني والسيوري
______________________________________________________
(١) هذا ثاني
وجهي ترجيح أخبار الإرث على عموم منع بيع أمّ الولد ، ومحصله : أنّ قاعدة منع
بيعها ظاهرة في كون المولى ممنوعا عن النقل الاختياري دون القهري ، فلا إطلاق في
أدلة المنع يشمل النقل القهري حتى يقع التعارض بينها وبين دليل شراء المملوك ليرث
قريبه.
(٢) أي : في ما
لو مات قريبها ولم يخلّف غير أمّ الولد ، حيث إنّها تشترى منه إمّا برضى مولاها
وإمّا قهرا عليه.
هذا ما يتعلق
بموارد الاستثناء في القسم الثاني.
القسم الثالث : بيعها
لحقّ سابق على الاستيلاد
(٣) معطوف على
قوله : «فمن موارد القسم الأوّل» المتقدم في (ص ٢٩٦) وتعرّض في هذا القسم لموارد
سبعة يجمعها : تعلّق حقّ بها سابق على الاستيلاد ، فتتزاحم الحقوق.
١ ـ إذا كان الحمل
بعد الرهن
(٤) هذا هو
المورد الأوّل ، وهو ما إذا صارت الأمة مرهونة على دين ، ثم حملت من مولاها. وجواز
بيعها منوط بتمامية أمرين :
أحدهما : عدم
بطلان الرهن بنفسه بمجرد الاستيلاد الموجب لخروج الأمة عن الطّلق.
وثانيهما : عدم
وجوب إبدالها بعد الحمل بمال آخر ليكون وثيقة للدين.
والأمر الأوّل
متفق عليه ، والثاني مشهور كما ذكره في المقابس.
وأبي العبّاس والصيمري : جواز بيعها حينئذ (١).
ولعلّه (٢)
لعدم الدليل على بطلان حكم الرهن السابق
______________________________________________________
فبناء عليهما يقع الكلام في جواز بيعها لو لم يؤدّ الدين ، وعدمه.
قال المحقق
الشوشتري في الصورة الثامنة : «انّه إذا بقيت مرهونة مطلقا على المشهور ، ومع
الإعسار عن غيره ـ أي على غير المشهور ـ ففي جواز بيعها للرهن حيث يجوز البيع له ،
أقوال : الأوّل جوازه مطلقا ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط والخلاف» إلى آخر من
سمّاهم في المتن.
(١) أي : حين
كون الحمل بعد الرهن ، والمقصود تجويز بيعها في الجملة ، إمّا مطلقا كما عليه ابن
إدريس وغيره ، وإمّا مع التفصيل بين كون الراهن موسرا ومعسرا كما اختاره شيخ
الطائفة في الخلاف والعلّامة في التذكرة.
(٢) أي : ولعلّ
جواز البيع ، استدلّ له في الكلمات بلزوم الأخذ بأسبق الحقّين ، وهو في المقام حق المرتهن في العين المرهونة ببيعها
لاستيفاء حقّه. كما أشار إليه المحقق في عبارته الآتية ، فالمقصود ترجيح حق الرهن
على حق الاستيلاد.
وحيث إنّ مجرّد
السبق الزّماني ليس من مرجحات التزاحم ، فلو كان الحق المتأخر أهمّ من المتقدم
قدّم على المتقدم.
نعم في صورة
عدم إحراز أهمية أحدهما يكون الحكم على طبق السابق للاستصحاب ، فلذا عدل المصنف
إلى التمسك به.
__________________
بالاستيلاد (١) اللاحق ، بعد تعارض أدلّة حكم الرّهن وأدلة المنع عن بيع
أمّ الولد في دين غير ثمنها (٢).
خلافا (٣)
للمحكي عن الشرائع والتحرير ، فالمنع مطلقا (٤).
وعن الشهيد (٥)
في بعض تحقيقاته : الفرق بين وقوع الوطء بإذن المرتهن ،
______________________________________________________
توضيحه : أنّ
إطلاق دليل الرهن يقتضي جواز بيع العين المرهونة سواء أكانت أمّ ولد أم لا ، ودليل
الاستيلاد يقتضي عدم جواز بيعها ـ إلّا في ثمن رقبتها ـ سواء أكانت مرهونة أم لا.
ففي المجمع ـ وهو أمّ الولد المرهونة ـ يتعارض الدليلان ، وبعد التساقط يرجع إلى
استصحاب حكم الرهن أعني به جواز البيع ، هذا.
(١) متعلق
بالبطلان.
(٢) استثناء
خصوص «بيعها في ثمنها» إنّما هو لوروده في بعض أدلة منع بيع امهات الأولاد كصحيحة
عمر بن يزيد وروايته المتقدمتين في (ص ٢٩٩ ـ ٣٠١) وأمّا سائر مواضع جواز بيعها
فتستفاد من المخصص أو المقيد المنفصلين.
(٣) عدل لقوله
: «فإنّ المحكي عن الشيخ ... جواز بيعها». وهذا إشارة إلى القول الثاني ، اختاره
المحقق والعلّامة في التحرير ، ففي الشرائع : «ولو وطأ الراهن فأحبلها ، صارت أمّ
ولده ، ولا يبطل رهنها. وهل تباع؟ قيل : لا مام دام الولد حيّا.
وقيل : نعم ،
لأنّ حق المرتهن أسبق. والأوّل أشبه» . ووجه المنع تقديم حق الاستيلاد تغليبا لجانب الحرية.
(٤) المقصود
بالإطلاق ما يقابل تفصيل الشهيد قدسسره بين كون الوطء بإذن المرتهن فيمنع من يبعها ، وبين كونه
بدون إذنه ، فيجوز بيعها.
(٥) معطوف على «عن
الشرائع» أي : وخلافا للمحكي عن الشهيد. وهذا إشارة إلى القول الثالث في المسألة ،
ووجه الفرق : أنه مع إذن المرتهن يسقط حقه
__________________
ووقوعه بدونه.
وعن الإرشاد (١)
والقواعد : التردّد. وتمام الكلام في باب الرّهن (٢).
ومنها (٣) : ما
إذا كان علوقها
______________________________________________________
على تقدير وجود الولد ، بخلافه بدون الإذن. وقال السيد العاملي بعد حكايته
: «وهو قوي موافق للأصول والاعتبار إن لم يكن خارقا للإجماع على الخلاف» .
(١) هذا أيضا
معطوف على «عن الشرائع» وهذا إشارة إلى قول رابع ، وهو التردد في حكم المسألة ،
وعدم ترجيح منع البيع أو جوازه ، قال به جمع كالعلّامة في الإرشاد والقواعد. بل
استظهر السيد العاملي قدسسره كون التوقف مقتضى اقتصار آخرين على نقل الخلاف من دون
ترجيح كالعلّامة في التلخيص ، وفخر المحققين ، وابن السيد العميد في تخليص التخليص
، والشهيد في الدروس وغاية المراد ، والفاضل السبزواري في الكفاية .
(٢) إذ المسألة
محرّرة هناك ، وإن تعرّض صاحب المقابس لتفصيل الكلام هنا. فراجع .
٢ ـ إذا كان الحمل
بعد إفلاس المولى والحجر عليه
(٣) معطوف على
قوله : «ومن القسم الثالث» وتأنيث الضمير باعتبار موارد القسم الثالث. فالمقصود
بيان حكم بيع أمّ الولد ـ لو حجر الحاكم أموال سيّدها ـ بشرطين :
أحدهما : أن
يكون العلوق والحمل بعد الحجر ، فلو تأخّر الحجر عن الاستيلاد لم يصحّ بيعها لأداء
حقّ الغرماء.
ثانيهما : أن
تكون أمّ الولد فاضلة عن مستثنيات الدين ، فلو كانت خادمة
__________________
بعد (١) إفلاس المولى والحجر عليه ، وكانت (٢) فاضلة عن المستثنيات في أداء
الدين ، فتباع حينئذ (٣) ، كما في القواعد (٤) واللّمعة وجامع المقاصد ، وعن المهذّب وكنز العرفان وغاية المرام ، لما ذكر (٥) من سبق حقّ الدّيّان بها ،
______________________________________________________
لمولاها ـ مع كونه أهلا للإخدام ـ كانت من جملة المستثنيات ، كما تقدم في
الصورة الاولى بقوله : «ومما ذكر يظهر أنه لو كان نفس أمّ الولد مما يحتاج إليها
المولى للخدمة فلا تباع في ثمن رقبتها» فراجع (ص ٣٢١).
فإن تحقق
الشرطان فهل تكون كسائر أموال المفلّس تباع في حقّ الغرماء أم لا؟ ذهب العلّامة في
القواعد وجماعة ممّن تأخر عنه إلى الجواز ، ومقتضى عدم عدّ غيرهم هذه الصورة من
المستثنيات عدم جواز بيعها.
(١) هذا إشارة
إلى الشرط الأوّل.
(٢) هذا إشارة
إلى الشرط الثاني.
(٣) أي : حين
كون العلوق بعد الإفلاس والحجر ، وكونها زائدة على مستثنيات الدين.
(٤) الموجود في
القواعد ـ كما نبّه عليه المحقق صاحب المقابس قدسسره أيضا في الصورة التاسعة ـ هو اشتراط جواز بيعها بأن
تكون آخر ما يباع من أموال المفلّس ، رعاية لحق الاستيلاد مهما أمكن ، قال
العلّامة قدسسره فيه : «ولا يمنع من وطء مستولدته. وفي وطء غيرها من
إمائه نظر ، فإن أحبل فهي أمّ ولد. ولا يبطل حق الغرماء منها مع القصور ، دونها».
(٥) يعني : في
المورد السابق من تدافع حق الرهن وحق الاستيلاد إذا تأخّر عن الرهن زمانا.
__________________
ولا دليل على بطلانه (١) بالاستيلاد.
وهو (٢) حسن مع
وجود الدليل على تعلّق حقّ الغرماء بالأعيان. أمّا لو لم يثبت إلّا الحجر على
المفلّس في التصرف ووجوب (٣) بيع الحاكم أمواله في الدّين ، فلا يؤثر (٤) في دعوى
اختصاصها بما هو قابل للبيع في نفسه ، فتأمّل (٥).
وتمام الكلام
في باب الحجر إن شاء الله.
______________________________________________________
(١) أي : على
بطلان حق الديان بصيرورة الأمة أمّ ولد ، لعدم إحراز أهمية حق الاستيلاد من حقّ
الديّان ، فلا مانع من استصحاب حقّهم الثابت قبل الاستيلاد.
(٢) أي : وجواز
البيع لحقّ الديان حسن مع وجود الدليل ... الخ.
ناقش المصنف قدسسره ـ وفاقا لما في المقابس في جواز البيع هنا ـ بما حاصله : أنّ صغروية المورد
لتعلق حقّين بامّ الولد مبنية على تعلق حق الغرماء بأعيان الأموال التي منها أمّ
الولد ، إذ تكون حينئذ موردا لحقّين : حقّ الغرماء وحقّ الاستيلاد ، ويرجّح الأوّل
للسبق مع فرض عدم إحراز أهمية حق الاستيلاد منه.
وأمّا بناء على
عدم تعلق حق الدّيان بالأعيان بل بذمة المفلّس ، وبيع الحاكم أمواله للصرف في
ديونه ، لم يكن المورد من تعلّق الحقين ، بل تعلق حقّ واحد وهو الاستيلاد المقتضي
لعدم جواز بيعها. وتعلّق حقّ الديان بذمة المفلّس لا يشرّع قابلية أمّ الولد للبيع
، ضرورة أنّ الحجر يوجب بيع الأموال القابلة للبيع مع الغض عن حق الديان ،
والمفروض عدم قابلية أمّ الولد في نفسها للبيع ، فلا يجوز بيعها.
وبالجملة : فلا
يؤثر الحجر في جواز بيع ما ليس قابلا في نفسه للبيع.
(٣) معطوف على «الحجر»
أي : لم يثبت إلّا وجوب بيع الحاكم ... الخ.
(٤) جواب الشرط
في «أما لو لم يثبت» يعني : فلا يؤثر الحجر في دعوى اختصاص الأموال التي يبيعها
الحاكم بالأموال القابلة للبيع في نفسها. والمراد بالتأثير تشريع القابلية للبيع
فيما لا يقبل البيع بنفسه.
(٥) لعلّه
إشارة إلى عدم الفرق في جواز البيع قهرا على مولى أمّ الولد بين تعلق حق الديان
بالأعيان ، وبين تعلقه بالذمة ، إذ جواز البيع القهري الثابت قبل الاستيلاد
ومنها (١) : ما
إذا كان علوقها بعد جنايتها. وهذا في (٢) الجناية التي لا تجوّز البيع لو كانت لا
حقة ، بل يلزم المولى الفداء. وأمّا لو قلنا (٣) بأنّ الجناية اللّاحقة أيضا ترفع
المنع لم يكن فائدة في فرض تقديمها.
______________________________________________________
يستصحب ، فلا ثمرة حينئذ بين القولين.
أو إشارة إلى :
أنّ القابلية للبيع حين الحجر كافية في جواز البيع ، وهي حاصلة ، إذ المفروض تأخر
الاستيلاد عن الحجر.
٣ ـ إذا حملت بعد
الجناية على غير مولاها خطأ
(١) معطوف أيضا
على قوله : «ومن القسم الثالث» وهو ما إذا حملت من مولاها بعد ما جنت على أجنبي
خطأ ، وجواز البيع هنا مبني على ما حكاه صاحب المقابس عن موضع من المبسوط والتهذيب
والمختلف ـ فيما لو جنت بعد الاستيلاد ـ من تعيّن الفداء على المولى ، خلافا لما
نسب إلى المشهور من التخيير بينه وبين تسليمها إلى المجنيّ عليه.
وأمّا بناء على
المشهور من أن الجناية اللاحقة للاستيلاد ـ كالسابقة عليه ـ ترفع منع بيعها ، فلا
ثمرة في فرض سبق الجناية على الاستيلاد ، لجواز بيعها على كلّ منهما.
وتعرّض صاحب
المقابس لهذا المورد في الصورة العاشرة ، وأحال التفصيل إلى الصورة الرابعة .
(٢) أي : جواز
البيع في الجناية السابقة على الاستيلاد إنّما هو لو قلنا بالتفصيل بين سبق
الجناية ولحوقها ، وأنه يتعين في اللاحقة الفداء على المولى ، فيقال بجواز البيع
في السابقة على الاستيلاد ، فيحصل الفرق بين الجناية السابقة واللاحقة.
(٣) كما هو
المشهور ، فلا جدوى في فرض تقديم الجناية ، لأنّ جنايتها مطلقا توجب التخيير بين
الفداء وبين دفعها إلى المجني عليه.
__________________
ومنها (١) : ما
إذا كان علوقها في زمان خيار بائعها ، فإنّ المحكي عن الحلّي جواز استردادها (٢)
______________________________________________________
٤ ـ إذا بيعت الأمة
فحملت من المشتري في مدة الخيار
(١) أي : ومن القسم
الثالث ، وهو ما إذا كان العلوق في زمان خيار البائع ، بأن كان مغبونا في بيعها ،
واستولدها المشتري ، ثم علم البائع بالغبن ، ففسخ العقد ، فهل يجوز استردادها أخذا
بأسبق الحقّين وهو حق الخيار ، أم يتعيّن استرداد قيمتها ، لمانعية الاستيلاد عن
انتقالها من ملك سيّدها إلى ملك غيره؟
ذهب بعض إلى
ثبوت حق الفسخ للبائع ، ومقتضى إطلاقه ـ وعدم تقييده بأخذ القيمة من المشتري بدلا
من العين ـ هو جواز استرداد الرقبة. وحكى صاحب المقابس قدسسره هذا القول عن شيخ الطائفة وأبي المكارم والقاضي والحلّي
قدسسرهم.
ولكن المصنف قدسسره لم ينسبه إلّا الحلّي. ووجهه ـ كما نبّه عليه في
السرائر والمقابس ـ ذهاب الشيخ ومن تبعه إلى توقف الملك في العقود الخيارية على
انقضاء مدة الخيار ، ولا يحصل الملك بنفس العقد ، ومن المعلوم أنّ استيلاد المشتري
تصرف في ملك البائع الذي له الخيار ، فاسترداد العين لا يتوقف على فسخ العقد ليعود
المبيع إلى ملك البائع.
نعم ، بناء على
مسلك الحلّي من حصول الملك بنفس العقد ـ وكون المبيع في زمان خيار البائع ملكا
للمشتري ـ يتجه البحث عن جواز استرداد العين.
وعلى القول
بجواز الاسترداد فمقتضاه خروج أمّ الولد عن ملك سيّدها قهرا عليه.
(٢) لم يرد في
عبارة السرائر تصريح باسترداد العين ، وإنّما نسب ذلك إلى ابن إدريس من جهة
التزامه بالفسخ ونفي ما نقله عن الشيخ ـ من لزوم رد قيمة الولد وعشر قيمة الجارية
إن كانت بكرا ، ونصف العشر إن كانت ثيّبا ـ لوضوح أنّ إثبات حق الفسخ للبائع مع
السكوت عن استرداد الجارية أو قيمتها ، ظاهر في اقتضاء
مع كونها (١) ملكا للمشتري ، ولعلّه (٢) لاقتضاء الخيار ذلك ، فلا يبطله
الاستيلاد.
خلافا للعلّامة
(٣) وولده ، والمحقق والشهيد الثانيين ، وغيرهم ، فحكموا بأنّه إذا فسخ رجع بقيمة أمّ الولد. ولعلّه (٤)
لصيرورتها بمنزلة التالف.
______________________________________________________
الفسخ عود الأمة إلى ملكه وإن صارت أمّ ولد للمشتري.
قال في السرائر
: «والذي يقتضيه اصول مذهبنا : أن المشتري لا يلزمه قيمة الولد ، ولا عشر قيمة
الجارية بحال ، سواء فسخ البائع البيع أم لم يفسخ ...» .
(١) أي : كانت
ملكا له قبل الاسترداد ، وإلّا فالفسخ يحصل بكلّ من القول والفعل كما هو واضح.
(٢) أي : ولعلّ
جواز إعادتها في ملك البائع لاقتضاء حق الخيار السابق على حق الاستيلاد ، فلا يبطل
السابق باللاحق.
(٣) قال قدسسره في القواعد : «ليس للمشتري الوطء في مدة الخيار المشترك
أو المختص بالبائع على إشكال. فإن فعل لم يحدّ ، والولد حرّ ولا قيمة عليه. فإن
فسخ البائع رجع بقيمة الامّ خاصة ، وتصير أمّ ولد» .
(٤) أي : ولعلّ
حكمهم بالرجوع إلى القيمة ـ لو فسخ البائع ـ لأجل أنّ الاستيلاد يجعل الجارية
بمنزلة التالف ، فكما أن تلف المبيع الخياري مانع عقلي عن ردّه إلى البائع لو فسخ
البيع ، ويتعيّن ردّ البدل إلى ذي الخيار ، فكذا الاستيلاد الموجب لتشبثها بالحرية
مانع شرعي عن ردها إلى البائع. ومقتضى الجمع بين حقّ الخيار وحقّ الجارية هو
الانتقال إلى البدل ، وهو هنا القيمة.
فإن قلت :
الرجوع إلى القيمة مناف لما يقتضيه الفسخ ، من جعل العقد السابق
__________________
والفسخ (١) بنفسه لا يقتضي إلّا جعل العقد من زمان الفسخ (٢) كأن لم يكن. وأمّا
وجوب ردّ العين فهو من أحكامه (٣) لو لم يمتنع عقلا أو شرعا ، والمانع الشرعي
كالعقلي.
نعم (٤) ، لو
قيل : إنّ الممنوع إنّما هو نقل المالك
______________________________________________________
كالعدم ، فكأنّه لم يحصل سبب لخروج المبيع عن ملك البائع ، ولا لخروج الثمن
عن ملك المشتري. ومن المعلوم أنّ قيمة أمّ الولد لم يتعلق بها البيع كي يجب ردّها
إلى البائع بدلا عن العين ، بل اللازم ردّ ما يقتضيه الفسخ إليه ، وهو نفس المبيع.
قلت : معنى
الفسخ جعل العقد السابق بمنزلة العدم. وأمّا وجوب ردّ العين أو بدلها فهو من أحكام
الفسخ ، فإن لم يكن مانع عقلي أو شرعي عن ردّ العين وجب ، وإلّا انتقل إلى البدل ،
والمفروض وجود المانع الشرعي وهو الاستيلاد.
(١) هذا دفع
دخل مقدر ، تقدم بقولنا : «فإن قلت ... قلت».
(٢) بمعنى أنّ
الفسخ ـ في أيّ زمان ـ يجعل العقد من حينه كالعدم.
(٣) أي : من
أحكام الفسخ وآثاره ، لا من مقتضياته غير المنفكّة عنه حتى يتجه الإشكال.
(٤) استدراك
على قوله : «رجع بقيمة الولد» وغرضه قدسسره توجيه رجوع أمّ الولد إلى ذي الخيار لو فسخ العقد ،
وذلك لانتفاء المانع الشرعي ، إذ الممنوع هو النقل الاختياري ، وهو مفقود في
المقام ، إذ لا ينقلها المشتري إلى البائع اختيارا ، بل هو يستردّها بحكم الشارع
قهرا على المشتري. ومن المعلوم اختصاص أدلة منع نقل أمّ الولد بموردين :
أحدهما : نقل
المالك لها باختياره.
ثانيهما :
نقلها عن ملك سيّدها في ديونه عدا دين رقبتها.
والمفروض في
فسخ ذي الخيار انتفاء كلا الموردين ، وعليه فلا منافي لحقّ البائع في استرداد
العين.
أو النقل من قبله لديونه (١) ، أمّا (٢) الانتقال عنه بسبب ـ يقتضيه الدليل
ـ خارج (٣) عن اختياره ، فلم يثبت (٤) ، فلا مانع (٥) شرعا من استرداد عينها.
والحاصل (٦) :
أنّ منع الاستيلاد عن استرداد بائعها لها يحتاج إلى دليل مفقود.
اللهم إلّا أن
يدّعى (٧) : أنّ الاستيلاد حقّ لأمّ الولد مانع عن انتقالها عن
______________________________________________________
(١) أي : غير
ثمن رقبتها ، وإلّا فيجوز بيعها فيه كما ورد في صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة في (ص
٢٩٩).
(٢) يعني :
أمّا منع الانتقال عن المالك بسبب خارج عن اختيار السيد فغير ثابت ، كما لو جنت
على غير مولاها عمدا ، حيث يجوز للمجني عليه أو وليّه الاسترقاق ، كما سبق في مورد
القسم الأوّل ، فراجع (ص ٣٨٩).
(٣) هذا و«يقتضيه»
وصفان ل «سبب».
(٤) جواب «أما
الانتقال» والضمير المستتر راجع إلى الانتقال باعتبار مضافه المحذوف وهو المنع.
(٥) جواب «لو
قيل».
(٦) هذا حاصل
قوله : «نعم ، لو قيل ... فلا مانع شرعا من استرداد عينها» يعني : أنّ حق ذي
الخيار بفسخ العقد واسترداد أمّ الولد معلوم ، ومانعية الاستيلاد عن استرداد العين
ـ حتى يرجع إلى البدل ـ منوطة بدليل مفقود ، إذ المفروض اختصاص دليل المنع بالنقل
الاختياري ، وعدم إطلاق له يشمل النقل القهري ، كانتقال المبيع إلى البائع بسبب
الفسخ.
(٧) الغرض من
هذه الدعوى ترجيح الانتقال إلى القيمة على حقّ الفسخ المقتضي لجواز استرداد العين
، ومحصلها : أنّ الاستيلاد يحدث حقّا للأمة ، موجبا لسلب سلطنة المولى على
التصرفات الناقلة لها عن ملكه ، سواء أكان الإخراج عن الملك لرعاية حق مالكيته ،
أم لرعاية حقّ غيره كالراهن إذا جعلت رهنا على دين
ملك المولى لحقّه أو لحقّ (١) غيره ، إلّا أن يكون (٢) للغير حقّ أقوى أو
سابق يقتضي انتقالها مع الإمكان شرعا ، والمفروض (٣) أن تعلق حقّ أمّ الولد مانع
شرعا كالعتق والبيع على القول بصحتهما (٤) في زمان الخيار ، فتأمّل (٥).
______________________________________________________
سوى ثمن رقبتها. ولا يرفع اليد عن هذه الكلّيّة إلّا في موردين :
أحدهما : ثبوت
حقّ أقوى من حق الاستيلاد ، فيقدّم على الاستيلاد بمناط الأهمية.
وثانيهما :
ثبوت حقّ سابق زمانا على حقّ الاستيلاد كحق الديان.
ففي هذين
الموردين يقال بجواز نقلها عن ملك سيّدها.
ولكن لم يثبت
شيء منهما في المقام ، بشهادة التزامهم بالانتقال إلى البدل فيما لو تصرف من عليه
الخيار بعتق المملوك الذي اشتراه ، أو بنقله إلى الغير بالعقد اللازم كالبيع ـ
بناء على نفوذ التصرف المخرج عن الملك في مدة الخيار ـ فلو فسخ من له الخيار انتقل
حقّه إلى البدل ، واستردّ المثل أو القيمة.
(١) هذا و«لحقّه»
متعلقان ب «انتقالها» والمقصود أنّ الممنوع هو انتقالها عن ملك المولى ، أو لمصلحة
غيره.
(٢) استثناء من
«مانع عن انتقالها» وإشارة إلى جواز نقلها في مورد أهمية الحق أو سبقه ، لو أمكن
النقل في نفسه.
(٣) ومع وجود
المانع الشرعي عن استرداد العين يتعيّن استرداد القيمة. كما إذا أعتق ذو الخيار
المبيع أو نقله إلى غيره بالبيع أو الصلح.
(٤) وأمّا على
القول بعدم نفوذ هذه التصرفات ممّن عليه الخيار لم يكن العتق والبيع مثالا لوجود
المانع الشرعي عن استرداد العين.
(٥) لعله إشارة
إلى : منع كون الاستيلاد مانعا عن انتقالها عن ملك سيّدها مطلقا وإن لم يكن باختياره
، فإنّه أوّل الكلام ، بل الظاهر من دليل المنع هو النقل الاختياري الراجع إلى
مصلحة المولى ، دون الانتقال القهري ، كخروج المبيع عن ملك
ومنها (١) : ما
إذا كان علوقها بعد اشتراط أداء مال الضمان منها ،
______________________________________________________
المشتري بفسخ البائع. وعليه فلا مانع من استرداد أمّ الولد بالفسخ.
٥ ـ إذا اشترط أداء
مال الضمان منها ، ثم حملت
(١) معطوف أيضا
على قوله : «ومن القسم الثالث» وتوضيحه : أنّ الضمان عندنا عقد يفيد نقل ذمة إلى
ذمة اخرى ، أي : نقل ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن ، كما إذا كان زيد
مديونا لعمرو بكذا ، فضمنه بكر. ويجوز في عقد الضمان اشتراط أداء الدين من مال
معين ، كما إذا شرط المضمون له على الضامن ـ أو شرط الضامن عليه ـ كون هذه الجارية
المملوكة للضامن مال الضمان ، ثم استولدها الضامن ، فهل يجب بيعها لأداء الدين
المضمون. وتقديم حق الضمان على حق الاستيلاد ، أم لا يجوز بيعها رعاية لجانب
الحرية؟
ومبنى المسألة
هو : أنّ في شرط الأداء من مال خاص احتمالات ثلاثة :
الأوّل : أن
الشرط يقتضي تعلق حق شرعي به ، زيادة على اشتغال ذمة الضامن للمضمون له.
الثّاني : أنه
يقتضي مجرّد التكليف بالوفاء بتفريح الذمة بالمال المعيّن ، من دون المنع عن نفوذ
التصرف فيه ، فيكون التصرف حراما تكليفا وإن كان صحيحا وضعا.
الثالث : أنّ
الشرط لا يقتضي حدوث وضع ولا تكليف ، فلو تصرف الضامن في المال الخاص صحّ وضعا
وجاز تكليفا ، ولكنه أوجب انقلاب لزوم عقد الضمان إلى الجواز ، فله الفسخ ، ويلزم
حينئذ رجوع المضمون له إلى المضمون عنه.
والقول بجواز
بيع أمّ الولد التي اشترط كونها مال الضمان ـ رعاية لأسبق الحقّين ـ منوط
بالالتزام بالاحتمال الأوّل ، لتحقق حقّين حينئذ.
وأما على
الثاني فالاستيلاد محرّم تكليفا ، ومن المعلوم أن ترتب حكم الاستيلاد ـ من منع
نقلها عن ملك مولاها ـ غير مشروط بحلية المباشرة من هذه الجهة.
بناء (١) على ما استظهر (٢) الاتفاق عليه من جواز اشتراط الأداء من مال
معيّن ، فيتعلّق به (٣) حقّ المضمون له. وحيث فرض (٤) سابقا على الاستيلاد فلا
يزاحم به (*) على قول محكيّ في الروضة (٥).
______________________________________________________
وأما على
الثالث ، فمانعية الاستيلاد أوضح وجها.
(١) وجه
التقييد : أنّه لو قيل بعدم صحة هذا الشرط في نفسه لم يتعلّق حقّ بالجارية حتى
يتزاحم الحقّان.
(٢) المستظهر
صاحب المقابس ، قال قدسسره : «وقد اتفقوا على جواز اشتراط كون الضمان من مال معيّن
من أموال الضامن ، كما هو الظاهر ، ويتعلق به حقّ المضمون له. ووقع الإشكال في أنّ
تعلقه كتعلق الدين بالرهن ، فلا يسقط الحق عن ذمة الضامن بتعلقه ، أو كتعلق الأرش
بالعبد الجاني حيث يسقط الحق بموته؟» انتهى موضع الحاجة .
(٣) أي :
بالمال المعيّن.
(٤) أي : وحيث
فرض كون الحق الناشئ من الشرط سابقا على حق الاستيلاد ، لم يزاحم ذلك الحقّ السابق
بحق الاستيلاد.
(٥) قال في
الروضة : «وتاسع عشرها : إذا شرط أداء الضمان منها قبل الاستيلاد ، ثم أولدها ،
فإنّ حقّ المضمون له أسبق من حق الاستيلاد كالرهن والفلس السابقين» .
__________________
__________________
ومنها (١):
______________________________________________________
٦ ـ لو نذر المولى
جعل أمته صدقة ، ثم حملت
(١) معطوف أيضا
على قوله : «ومن القسم الثالث» وهذا المورد ، مما أضافه صاحب المقابس على موارد
الاستثناء كما صرح به في الصورة الرابعة عشر بقوله : «ولم أجد من تعرّض لهذه
الصورة ، وكان ينبغي ذكرها كنظائرها» .
توضيحه : أنّ
نذر الصدقة تارة يكون بنحو شرط النتيجة ، وأخرى بنحو شرط الفعل ، وهو إيجاد التصدق
والإتيان به. وكل منهما إمّا مطلق وإمّا مشروط.
فمثال شرط
النتيجة أن يقول : «لله عليّ أن تكون جاريتي صدقة على فلان أو على الفقراء» ، وكذا
لو علّقه على شرط بأن يقول بعده : «إن شفى الله المريض أو إن قدم زيد من الحج»
ونحوهما.
ومثال شرط
الفعل أن يقول : «أن أتصدق بها» بدل «صدقة» فينشئ النذر هكذا : «لله عليّ أن أتصدق
بجاريتي» إمّا مطلقا ، وإمّا معلّقا على شرط.
وعدّ هذا
المورد من تزاحم الحقّين مبني على خروج المال المنذور عن ملك الناذر ، إمّا بمجرد
النذر إن كان مطلقا ، وإما بحصول الشرط إن كان مشروطا ، كما استظهره صاحب المقابس قدسسره من كلماتهم ، فلو باشر السيد جاريته واستولدها بعد
النذر ـ في المطلق ـ وبعد تحقق الشرط في المشروط ، لم يكن من تزاحم الحقّين ، لعدم
كونها ملكا له حسب الفرض في وقت العلوق والحمل.
إنّما الكلام
فيما لو باشرها ـ في النذر المعلّق ـ قبل حصول المعلّق عليه ، لبقائها على ملكه ،
فحقّ النذر يقتضي خروجها عن ملكه بعد تحقق الشرط ، وحق الاستيلاد يقتضي بقاءها على
ملك السيد لتنعتق بعد وفاته من نصيب ولدها. فهل يؤخذ بأسبق الحقين ـ أعني به النذر
ـ وتنتقل إلى ملك المنذور له ، أم بحق الاستيلاد ، أم يحكم بأنّ
__________________
ما إذا كان علوقها بعد نذر جعلها (١) صدقة ، إذا كان النذر مشروطا بشرط لم
يحصل قبل (٢) الوطء ، ثم حصل بعده ، بناء (٣) على ما ذكروه من خروج المنذور كونها
صدقة عن ملك الناذر بمجرّد النذر في المطلق ، وبعد حصول الشرط في المعلّق ، كما
حكاه (٤) صاحب المدارك عنهم في باب الزكاة.
______________________________________________________
الاستيلاد بمنزلة إتلاف العين ، فيتصدق بقيمتها؟ وجوه.
(١) مقصود
المصنف بيان حكم نذر النتيجة ، بقرينة قوله بعد أسطر : «ولو نذر التصدق بها» ولذا
فالأولى ـ كما في المقابس ـ أن يقال : «بعد نذر كونها صدقة» لأنّ «جعلها صدقة» شرط
الفعل لا النتيجة ، مع أنّه فعلا بصدد بيان نذر النتيجة.
(٢) إذ لو حصل
الشرط قبل النذر خرج المنذور عن ملكه ، كما ذكروه ، فلا حكم للعلوق حينئذ.
(٣) قيد لمحذوف
علم من السياق ، وهو تقديم حق النذر على حق الاستيلاد ، يعني : أنّ كون هذا المورد
من موارد تقديم حقّ على حقّ الاستيلاد منوط بحصول الملكية للمنذور له بعد تحقق
الشرط. قال في المقابس : «والقول بذلك قوي عندي ، وإن قلنا ببقائها في الملك ـ كما
يظهر من جماعة من الأصحاب ـ فإذا أحبلها قبل التصدق ، فالحكم كما سبق» يعني تصير أمّ ولد.
(٤) يعني : كما
حكى صاحب المدارك قدسسره عن الأصحاب خروج المنذور ـ كونها صدقة ـ عن ملك الناذر
، حيث قال ـ بعد تعيّن النصاب للصدقة لو نذر الصدقة أثناء الحول ـ ما لفظه : «وأولى
منه ما لو جعله ـ أي النصاب ـ صدقة بالنذر ، لخروجه عن ملكه بمجرّد النذر فيما قطع
به الأصحاب» .
ومقصوده نذر
النتيجة ، كما أنّ المراد بنذر الصدقة نذر الفعل.
__________________
ويحتمل (١) (*)
كون استيلادها كإتلافها ، فيحصل الحنث (٢) ، ويستقرّ القيمة جمعا بين حقّي أمّ
الولد والمنذور له.
______________________________________________________
(١) هذا
الاحتمال في قبال ما تقدم من تقديم حق النذر على حق الاستيلاد ، وحاصله : أنّه
تقرّر في باب النذر حرمة تعجيز الناذر نفسه عن فعل المنذور ، وإيجابه لحنث النذر ،
واستقرار الكفارة عليه. وممّا يتحقق به العجز هو إتلاف المال المنذور صرفه في موضع
، أو الصدقة به على شخص أو جهة. ويمكن إلحاق استيلاد الأمة بالإتلاف ، لكونه مانعا
عن إخراجها عن ملك المستولد ، وعن التصدق بها.
وحينئذ يمكن
الجمع بين حق المنذور له وبين حقّ أمّ الولد ، بأن يقال : ببقاء أمّ الولد على ملك
المولى ، ووجوب دفع قيمتها إلى المنذور له. وحصول الحنث بامتناع ردّ العين لا يوجب
عدم دفع القيمة إلى المنذور له.
(٢) المقصود
بالحنث ليس مخالفة النذر بالمرّة ، بل مخالفته بالنسبة إلى التصدق برقبة الجارية ،
مع إمكان ردّ البدل.
__________________
ولو نذر التصدق
بها (١) ، فإن كان مطلقا ، وقلنا بخروجها عن الملك بمجرد ذلك (٢) ـ كما حكي عن بعض
(٣) ـ فلا حكم (٤) للعلوق.
______________________________________________________
(١) هذا شروع
في حكم نذر الفعل ، وهو أن يتصدق بالجارية ، وقد فصّل ـ كما في المقابس أيضا ـ بين
صور ثلاث :
الاولى : كون
النذر مطلقا ، مع القول بخروج المنذور التصدق به عن ملك الناذر بمجرد النذر.
الثانية : كون
النذر مطلقا ، مع بقاء المال على ملكه ، وإنّما يجب الوفاء بالنذر تكليفا بتمليك
المال للمنذور له.
الثالثة : كون
النذر معلّقا على فعل اختياري أو غير اختياري ، والمباشرة مع الأمة قبل حصول
المعلّق عليه. وسيأتي حكم كلّ منها.
(٢) أي : بمجرد
النذر ، وهذه هي الصورة الاولى ، وحكمها عدم صيرورة الأمة أمّ ولد حينئذ ، لعدم
وقوع الوطء في ملكه ، مع اعتبار ذلك فيها. ومنه يظهر عدم جواز شيء من التصرفات ـ
التي منها الاستيلاد ـ فيها.
(٣) لعلّ مراده
بالبعض هو ابن إدريس والعلّامة على ما حكاه عنهما صاحب المقابس في نذر الإهداء
والتصدق ، بناء على كون المقصود نذر الفعل لا النتيجة ، قال قدسسره : «وفي الأخيرين ـ وهما نذر الإهداء والتصدق ـ وجهان.
وقد تقدّم عن العلّامة في نذر الإهداء أنّه يخرج عن الملك بمجرد النذر ، مدّعيا
أنه لا يعلم خلافا فيه ، فراجع .
وقوّى في مسألتنا
هذا ، حيث قال : «والقول بذلك ـ أي بالخروج عن الملك بمجرد النذر ـ قوي عندي» .
(٤) جواب الشرط
في «ولو نذر».
__________________
وإن قلنا (١)
بعدم خروجها عن ملكه ، احتمل : تقديم (٢) حقّ المنذور له في العين ، وتقديم (٣)
حقّ الاستيلاد ، والجمع (٤) بينهما بالقيمة.
ولو كان معلّقا
(٥) ، فوطأها قبل حصول الشرط ، صارت أمّ ولد ، فإذا حصل الشرط وجب التصدّق بها ،
لتقدم سببه (٦).
______________________________________________________
(١) معطوف على «وقلنا»
يعني : وإن كان نذر التصدق مطلقا ، وقلنا ببقاء المنذور على الملك قبل إنشاء
الصدقة به فأحبلها المالك ، ففيه احتمالات ثلاث.
(٢) هذا هو
الاحتمال الأوّل ، ومحصله : تقديم حق المنذور له ، بناء على مرجحية السبق الزماني
في باب التزاحم. وقد مرّ ضعفه.
(٣) هذا هو
الاحتمال الثاني : ومحصله : تقديم حق الاستيلاد ، إذ المفروض كون الوطء في ملكه.
ووجوب الوفاء بالنذر لا يوجب إلّا الحرمة التكليفية ، فالوطء حرام ، لكن لا يشترط
حلية الوطء تكليفا في صيرورتها أمّ ولد ، بل المعتبر فيها هي الملكية للمستولد ،
والمفروض حصولها في المقام.
(٤) هذا هو
الاحتمال الثالث ، ومحصله : الجمع بين الحقين ، بإبقاء رقبتها في ملكه رعاية لحق
الاستيلاد ، والتصدق بقيمتها رعاية للنذر.
(٥) معطوف على
قوله : «فإن كان مطلقا» يعني : إن كان العلوق بعد حصول الشرط ، فحكمه حكم النذر
المطلق. وإن كان قبل حصول الشرط صارت أمّ ولد. فلو حصل الشرط احتمل فيه وجوه ثلاثة
:
الأوّل : كونه
مندرجا في تقديم أسبق الحقين المتزاحمين ، وحيث إن سبب وجوب التصدق ـ وهو النذر ـ
مقدّم على سبب الاستيلاد ـ وهو العلوق في الملك ـ تعيّن التصدق بها.
(٦) أي : سبب
وجوب التصدق ، وهذا مبني على مرجحية التقدم الزماني في باب التزاحم. لكنه غير
ثابت.
ويحتمل (١)
انحلال النذر ، لصيرورة التصدق مرجوحا بالاستيلاد ، مع
______________________________________________________
(١) معطوف على «وجب
التصدق» وهذا الاحتمال متضمن لنحوين :
الأوّل :
انحلال النذر بالنسبة إلى أمّ الولد ، ووجهه اعتبار رجحان المتعلّق ـ أعني به
التصدق ـ حين الوفاء بالنذر ، والمفروض مرجوحيته بالاستيلاد ، فينحلّ النذر ،
ويتعيّن ترتيب آثار الاستيلاد عليها. ولكن يجب دفع القيمة إلى المنذور له جمعا بين
الحقّين.
الثاني :
انحلال النذر مطلقا سواء بالنسبة إلى العين وإلى القيمة ، فلا يلزم دفع قيمتها إلى
المنذور له. نظير تلف المال المنذور الصدقة أو التصدق ، الموجب للانحلال.
وبالجملة :
فملخص بحث النذر : أنّه إمّا نذر نتيجة ، وإمّا نذر فعل ، وكلاهما إمّا مطلق وإمّا
مشروط بشرط.
فالأوّل : إن
كان مطلقا ، خرج المنذور بمجرد النذر عن ملك الناذر ، فلا يجوز له شيء من
التصرفات لا تكليفا ولا وضعا. فلو استولدها الناذر لم تصر بذلك أمّ ولد.
وإن كان معلّقا
، فإن استولدها بعد حصول الشرط فكالمطلق. وإن استولدها قبل حصوله ، فيحتمل انحلال
النذر ، ويحتمل تقدم حق النذر ، وكون الاستيلاد كالإتلاف موجبا للانتقال إلى
القيمة. ولتحقيق المسألة مقام آخر.
والثاني ـ وهو
نذر الفعل ـ فإن كان مطلقا ، وقلنا بخروج المنذور عن ملك الناذر بمجرد النذر ،
فكنذر النتيجة المطلق في عدم جواز تصرف الناذر فيه تكليفا ووضعا. فلو استولدها لم
يترتب عليه الآثار الشرعية المترتبة على أمّ الولد.
وإن لم نقل
بخروجه عن ملك الناذر بمجرد النذر ، بل قلنا بخروجه عنه بتسليم المنذور إلى
المنذور له كما هو الحق ـ لعدم تعلق النذر بالنتيجة بل بالفعل أعني به التصدق ـ
ففي تقديم حق الاستيلاد وانحلال النذر وصيرورته كأن لم يكن ، أو الانتقال إلى
القيمة ، لكون الاستيلاد كالإتلاف ، وعدم كونه موجبا للانحلال ، أو تقديم حق النذر
ووجوب تسليم العين لا بدلها إلى المنذور له ، أو الجمع بينهما بدفع
الرجوع إلى القيمة (١) أو بدونه (٢). وتمام الكلام يحتاج إلى بسط (٣) لا
يسعه الوقت.
ومنها (٤) : ما
إذا كان علوقها
______________________________________________________
القيمة إلى المنذور له ، وجوه ، بل أقوال. وتنقيح المسألة منوط ببسط في
البحث ، ولا مجال له فعلا ، لضيق الوقت ، هذا.
(١) هذا إشارة
إلى أوّل وجهي الاحتمال ، فهو الوجه الثاني في المسألة.
(٢) أي : بدون
الرجوع ، وهذا إشارة إلى ثاني وجهي الاحتمال ، وهو ثالث الوجوه في المسألة.
(٣) وقد بسط
المحقق الشوشتري قدسسره الكلام في الصورة الرابعة عشر كما تعرض لجملة من أحكام
نذر التصدق في سادس أسباب خروج المال عن الملك الطلق ، وهو تعلق حق النذر به ،
فراجع.
٧ ـ إذا حملت من
مكاتب مشروط ثم فسخت كتابته
(٤) معطوف على
قوله : «ومن القسم الثالث» وهذا آخر موارده ، وهو : ما إذا كانت الأمة ملكا لعبد ،
كاتب مولاه كتابة مشروطة ـ أي يتوقف تحرّره على أداء تمام مال الكتابة ، ولا ينعتق
منه شيء بنسبة النجوم ـ ثم عجز عن أداء مال الكتابة ، ففسخت ، وقد حملت أمته منه
قبل حلّ عقد الكتابة. فحكى الشهيد الثاني قدسسره عن بعض الأصحاب أنه يجوز لمولى العبد بيع هذه الأمة
المستولدة. وتعرّض صاحب المقابس لتفصيل الكلام في الصورة الخامسة عشر ، فراجع .
ولمّا كان
الكلام في موارد القسم الثالث أعني به جواز بيع أمّ الولد لسبق حقّ على الاستيلاد
، وكان الاستثناء مخرجا عن الحكم مع بقاء الموضوع وهو صدق أمّ الولد ، وكان صغروية
علوقها من المكاتب للقسم الثالث غير خالية عن الخفاء ، فلا بأس بتوضيح صغرويته له
، فنقول وبه نستعين ، وبوليّه الإمام المهدي المنتظر صلّى الله عليه وعلى آبائه
الطاهرين ـ ما طلعت الشمس وأضاء القمر ـ نستجير :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إنّه يشترط في
صدق أمّ الولد في هذا المثال امور :
الأوّل : أن
يكون المكاتب مالكا للأمة بناء على مالكية العبد مطلقا أو خصوص المكاتب ، إذ لو لم
يكن مالكا لها لم تصر الأمة بوطيه لها أمّ ولد ، لما تقدم في أوّل المسألة من
اعتبار مالكية المستولد للأمة في تحقق عنوان «أمّ الولد».
الثاني :
اعتبار حرية ولد الأمة تبعا لحرّية أبيه ، إذ من أحكام أمّ الولد حرية ولدها وعدم
جواز بيعها ، ومن المعلوم نشو حرية الولد عن حرّية أبيه ، والمفروض أنّ المكاتب
ليس حرّا فعليا حتى يتبعه الولد في الحرية ، بل اقتضائيا ، فلا بد في إجراء حكم
أمّ الولد من الالتزام بكون الحرّية الاقتضائية كالفعلية في إيجابها حرّية الولد ،
فالكتابة توجد حالة في المكاتب متوسطة بين الحرية والرقية.
فلو توقف صدق
عنوان «أمّ الولد» بالنسبة إلى المكاتب على حريته المنوطة بأداء مال الكتابة لم
تصر أمّ ولد له ، إذ المفروض عوده إلى الرقية المحضة بسبب فسخ المكاتبة ، فلا وجه
لجعله من موارد جواز بيع أمّ الولد ، لخروجها عن «أمّ ولد» موضوعا.
وقد أشار
المصنف قدسسره إلى هذا الشرط بقوله : «بناء على ان مستولدته أمّ ولد
بالفعل الخ».
الثالث : أن لا
يختص المنع عن البيع بالمستولد ، إذ على الاختصاص لا يكون جواز بيع المولى خارجا
ومستثنى عن المنع ، لعدم شمول دليل المنع له حتى يخرج عنه ، فلا بدّ من تعميم دليل
المنع للمستولد وغيره حتى يصح استثناء المولى عنه.
الرابع :
اعتبار كون المستولدة ملكا للمولى ، إذ على فرض خروجها عن ملكه لا يكون عدم جواز
بيعها لحق الاستيلاد ، بل لعدم الملك. فالاستثناء موقوف على كون المولى مالكا
للأمة المستولدة.
وإلى هذا الشرط
أشار المصنف بقوله : «ثم فسخت كتابته» إذ الفسخ يوجب
من مكاتب مشروط (١) ، ثم فسخت كتابته ، فللمولى أن يبيعها ـ على ما حكاه في
الروضة عن بعض الأصحاب ـ بناء (٢) على أنّ مستولدته أمّ ولد بالفعل غير معلّق على
عتقه (٣) ، فلا يجوز له (٤) بيع ولدها.
______________________________________________________
عود كل من المستولد والمستولدة إلى الرقية المحضة للمولى ، فيجوز بيعها
حينئذ ، لسبق حقه المتعلق بالأمة ، لكونه مالكا لها قبل الاستيلاد. فهذا الحق
لتقدمه على حق الاستيلاد يجوّز بيعها. هذا توضيح صغروية هذا المثال للقسم الثالث.
إلّا أنّ
صيرورة المستولدة قبل عتق المستولد أمّ ولد محلّ إشكال كما لا يخفى على من راجع
الكتب المبسوطة.
(١) التقييد
بالمشروط لأجل تحرّر المكاتب المطلق بنسبة ما يؤديه إلى المولى.
نعم لو لم يؤدّ
شيئا من المال كان كالمشروط ، كما في المقابس.
(٢) هذا
التقييد لإفادة موضوع جواز البيع ـ أعني كون الأمة أمّ ولد ـ إذ فيه قولان
للعلّامة ، على ما حكاه عنه في المقابس.
أحدهما : ما في
القواعد ، وهو كون الأمة أمّ ولد بالفعل بالنسبة إلى المكاتب ، فلا يصح له بيعها
ما دام ولدها موجودا ، لكون المكاتب مالكا ظاهرا للأمة ، ويجري على ولده حكم
الحرّية في عدم جواز البيع ، ولذا لو أدّى مال الكتابة حكم بكونها أمّ ولد من أوّل
الأمر. مع أنّ الملك لو كان حاصلا بأداء تمام مال الكتابة لم يجد في صيرورة الأمة
المستولدة أمّ ولد ، لوضوح اعتبار الملكية حين العلوق.
ثانيهما : ما
في التحرير ، وهو عدم ثبوت حكم الاستيلاد للأمة إلّا بعد انعتاق المكاتب بأداء
جميع المال ، ووجهه ـ كما في المقابس أيضا ـ أنّ حرية الولد متوقفة على حرية
المكاتب ، وأمّ ولدية الامّ متوقفة على حريتهما جميعا ، فما دام الأب رقا ـ لعدم
أداء تمام المال ـ لا تصير أمته أمّ ولد ، ولا يصير ولده حرّا ، فلا موضوع
للاستيلاد أصلا.
(٣) أي : على
عتق المكاتب المشروط بأداء مال الكتابة.
(٤) أي : لا
يجوز للمولى بيع الولد ، للحكم بحريته من جهة كون علوقه في حال
والقسم الرابع (١)
وهو ما كان إبقاؤها في ملك المولى غير معرّض لها
______________________________________________________
كتابة أبيه.
القسم الرابع : عدم كون إبقائها في ملك المولى معرّضا لعتقها
(١) معطوف على
قوله في (ص ٢٩٦) : «فمن موارد القسم الأوّل» وكان مقتضى السياق أن يقال : «ومن
القسم الرابع ...» أو «وأمّا القسم الرابع» ليكون قرينا لقوله : «وأما القسم
الثاني».
كما أن الأولى
حذف الواو ، ليكون قوله : «هو ما كان ...» خبرا للقسم الرابع.
وكيف كان
فالمقصود بالقسم الرابع هو عدم تحقق الحكمة المانعة عن النقل ، لكون المناط في منع
بيعها انعتاقها على ولدها ، ومن المعلوم توقف الانعتاق على أن يرث الولد أباه ،
فإذا حرم من الإرث لم يؤثر بقاؤها ـ في ملكه ـ في حريّتها ، فجاز بيعها.
والحرمان من
الإرث إمّا لعدم ثبوت المقتضي للإرث ، وهو النسب الشرعي. وإمّا لوجود المانع منه.
والأوّل ـ أي :
عدم ثبوت النسب ـ إمّا أن يكون من طرف الأب ، وإمّا من طرف الامّ ، وفي كلّ منهما
فقد يكون واقعيا كالفجور طوعا أو إكراها عليه ، وقد يكون ظاهريا بمقتضى الإقرار ،
كما سيأتي توضيح الكلّ.
والثاني ـ وهو
وجود المانع عن الإرث ـ لا فرق فيه بين كونه القتل ، بأن قتل الولد أباه ، أو
الارتداد ، أو الرّقّية.
وأجمل المصنف قدسسره الكلام في هذا القسم ، وفصّله صاحب المقابس قدسسره في صور ست ، وهي الصورة التاسعة عشر ، إلى الرابعة
والعشرين ، وأشار إلى من استثنى جميعها أو بعضها من عموم منع بيع أمّ الولد. فراجع
.
__________________
للعتق ، لعدم توريث الولد من أبيه لأحد موانع الإرث ، أو لعدم ثبوت النسب (١)
من طرف الأمّ واقعا ، لفجور (٢) ، أو ظاهرا (٣) باعتراف.
______________________________________________________
(١) هذا ناظر
إلى انتفاء المقتضي للإرث ، في قبال ما تقدم من وجود المانع عنه.
(٢) أمّا
الفجور من طرف الامّ ، فكما إذا تشبّهت أمته المزوّجة أو المحلّلة للغير بأمته
التي لم يزوّجها ولم يحلّلها للغير ، ولم يعلم المولى به ، فوطأها ، فإنّ الولد لا
يلحق شرعا بامّه وإن لحق بأبيه ، لكونه من وطء شبهة.
وأمّا الفجور
من طرف الأب ، فكما إذا تشبّه مولاها بزوجها أو بمن جاز له وطؤها بالتحليل ، ولم
يعلم بها الأمة ، فوطأها. فإنّه بناء على اعتبار ملكية البضع في صيرورة الأمة أمّ
ولد لا يجري على الأمة التي استولدها المولى فجورا ـ منه أو من نفس الأمة ـ حكم
أمّ الولد ، فإنّ الولد لا يلحق بالزاني أو الزانية.
وكيف كان ففي
جعل هذا المورد من المستثنيات بناء على اعتبار ملكية البضع ـ مضافة إلى اعتبار
ملكية الرقبة ـ منع ، إذ المفروض عدم صيرورتها أمّ ولد حتى تخرج عن حكمها.
(٣) معطوف على «واقعا»
إي : عدم ثبوت النسب في مرحلة الظاهر ، بأن اعترف المولى بأنّ أمته المزوّجة
تشبّهت بأمته غير المزوجة ، أو اعترف بأنّه تشبّه بزوج أمته.
ويمكن فرض
المورد فيما إذا لم يكن الواطئ مالكا للأمة حين الوطء ، كما إذا أكرهته على الزنا
ثم ملكها ، فإنّه يصدق بعد تملكه لها «أنّها أمّ ولد حرّ» وإن لم يكن الولد ملحقا
بالامّ. هذا في فجور الامّ.
وأمّا فجوز
الأب ، فكما إذا أكرهها على الزنا ثم اشتراها ، فإنّ أمّ الولد تصدق عليها بناء
على ما عن الشيخ قدسسره من كفاية علوقها بولد حرّ لمولاها في صدق أمّ الولد.
وكيف كان ، فإن
كان الفجور من طرف الأب لم يلحق به الولد ليرث منه امّه
ثم إنّا لم
نذكر في كل مورد من موارد الاستثناء إلّا قليلا من كثير ما يتحمّله من الكلام ،
فيطلب تفصيل كلّ واحد من مقامه (١).
______________________________________________________
لتنعتق عليه. وإن كان الفجور من طرف الامّ ، فالولد وإن كان ملحقا بالأب
ويرث أمواله التي منها الامّ ، لكنّها لا تنعتق عليه ، لعدم كونها امّه شرعا.
فإبقاء أمّ
الولد وعدم بيعها خال عن الحكمة ـ وهي انعتاقها من نصيب ولدها ـ مطلقا ، إذ مع
فجور الأب لا يلحق الولد به حتى يرث منه أمّه لتنعتق عليه. ومع فجور الامّ يلحق
الولد بالأب ويرث منه ، لكن لا تنعتق عليه ، لعدم الامومة شرعا.
لكن المنع عن
الإرث الذي يترتب عليه الانعتاق مختص بصورة فجوز الأب الموجب لانتفاء الولد عنه.
ومن هنا يظهر
أنّ فجور الأمة لا دخل له في المقام ، لأنّ المناط في عدم لحوق الولد بالأب ـ حتى
يرثه وينعتق من نصيبه امّه ـ هو فجور الأب ، لأنّه النافي للإرث وأمّا فجوز الامّ
فلا يوجب انتفاء الإرث عن الأب ، فتدبّر في عبارة المتن.
(١) كالمقابس
فقد استقصى جهات البحث في كثير من مواضع الاستثناء ، جزاه الله عن الإسلام وأهله
خير الجزاء.
هذا ما أفاده
المصنف قدسسره في القسم الرابع من مواضع الاستثناء من عموم بيع أم
الولد ، وبه تم الكلام في ثاني موانع كون الملك طلقا ، وسيأتي الكلام في المانع
الثالث وهو كون المال مرهونا إن شاء الله تعالى.
مسألة ومن أسباب
خروج الملك عن كونه طلقا : كونه مرهونا (١) (*)
______________________________________________________
بيع الرّهن
(١) هذا ثالث
موجبات منع المالك عن التصرف في ملكه ، وهو كونه رهنا لازما من قبل الراهن ، بأن
أقبضه من المرتهن ، وتعلّق به حق الرهانة ، فينتزع منه «عدم الطّلق» على ما تقدّم
قبيل بيع الوقف من معنى «طلقية الملك» وأن المانع تعلق حقّ الغير بالمال. وعليه
فالرهن يوجب عدم استقلال المالك في بيعه ، فإن أذن له المرتهن في البيع صحّ ،
وإلّا لم ينفذ فعلا.
والمصنف قدسسره بعد الإشارة إلى تسلّم عدم استقلال الراهن في التصرف ،
تعرّض لجهات :
الاولى : في ما
يراد بمنع الراهن عن البيع ، هل هو فساده من أصله ، وعدم صحته التأهلية حتى يجديه
إجازة المرتهن المتأخرة؟ أو أنه يكون كالبيع الفضولي موقوفا على الإجازة ، بناء
على صحته كما عليه المشهور.
الثانية : في
أنّ إجازة المرتهن هل تكون كإجازة البيع الفضولي دائرة بين الكشف والنقل؟ أم أنها
في المقام متمحضة في النقل.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الثالثة : في
أن إسقاط حق الرهانة أو فك الرهن بأداء الدين هل يقوم مقام الإجازة ، أم أن صحة
بيع الراهن موقوفة على خصوص الإجازة؟ وسيأتي الكلام في كلّ منها إن شاء الله
تعالى.
__________________
فإنّ (١) الظاهر
______________________________________________________
(١) تعليل لكون
الرهن سببا لخروج الملك عن الطّلقية ، وحاصله : اتّفاق الكلّ
__________________
__________________
ـ بل (١) المقطوع به ـ الاتّفاق على عدم استقلال المالك في بيع ملكه
المرهون.
وحكي (٢) عن
الخلاف : إجماع الفرقة وأخبارهم على ذلك ، وقد حكي الإجماع عن غيره (٣) أيضا.
______________________________________________________
على عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون ، سواء قيل بالبطلان رأسا أم
بالوقوف على الإجازة.
(١) الوجه في
الإتيان ب «بل» هو : أنّ نسبة عدم الاستقلال إلى كافة الفقهاء إن كان لأجل
الاعتماد على الإجماع المدعى في الخلاف ، جاء احتمال عدم تحقق اتفاق الكلّ. وإن
كان لأجل تضافر نقل الإجماع ، وإمكان تحصيله بملاحظة كلماتهم ، كان ذلك مقطوعا به
، فإنّها كما في الجواهر «بين صريحة في الإجماع ، وبين ظاهرة فيه ، وبين مشعرة به
، ومعه لا بأس بدعوى تحصيل الإجماع» .
(٢) غرضه
الاستشهاد على ما ادّعاه ـ من الاتّفاق ـ بكلام شيخ الطائفة قدسسره ، المتضمن لأمرين ، أحدهما : إجماع الفرقة ، وثانيهما :
الأخبار الدالة على عدم استقلال المالك في بيع ماله المرهون.
ولكنه قدسسره لم يشر في الخلاف إليها ، كما لم يذكرها في كتابي
الأخبار ، ولعلّ مراده قدسسره ـ كما قيل ـ الأخبار الواردة في منع التصرف في المال المتعلّق لبعض الحقوق.
(٣) أي : عن
غير الخلاف. والظاهر إرادة تكرّر دعوى الإجماع على منع مطلق التصرف ، لا خصوص عدم
جواز بيع المرهونة ، فالشيخ قدسسره في المبسوط ادّعى الإجماع على منع أنحاء التصرف ، فقال
: «وأما استخدام العبد المرهون ، وركوب الدابة المرهونة ، وزراعة الأرض المرهونة ،
وسكنى الدار المرهونة ، فإنّ ذلك كله غير جائز عندنا ، ويجوز عند المخالفين» .
__________________
وعن المختلف (١)
ـ في باب تزويج الأمة المرهونة ـ أنّه أرسل عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنّ الراهن والمرتهن ممنوعان من التّصرّف».
______________________________________________________
وفي السرائر : «لأنّا
قد أجمعنا بغير خلاف على أن الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن» .
وحكى السيد
الفقيه العاملي قدسسره الإجماع على عموم المنع عن السيد أبي المكارم والعلّامة
في المختلف والتذكرة ، وعن المفاتيح والرياض ، فراجع .
(١) هذا إشارة
إلى وجه آخر استدل به على عدم استقلال المالك في التصرف في العين المرهونة ،
وحاصله : أنّ العلّامة قدسسره تمسّك بالنبوي المرسل ـ الظاهر في حجر الراهن والمرتهن
عن التصرف في الرهن ـ على عدم جواز بعض التصرفات ، كتزويج الأمة المرهونة. فإنّه ـ
بعد نقل فتوى الشيخ في الخلاف والمبسوط ـ قال : «وهو ـ أي عدم جواز التزويج ـ
المعتمد ، لنا : قوله عليهالسلام : الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن.
والتزويج نوع تصرّف» ثم قال : «ولو قيل : له العقد دون التسليم والتمكين من الوطء
، كان وجها» ، فراجع.
ثم إنّ التصرف
الممنوع ـ كما صرّح به في بعض العبائر ـ أعم من المزيل للملك كالبيع والهبة ، ومن
المنافي لحق المرتهن ، كما إذا رهنها المالك عند شخص آخر ، ومن المعرّض للنقص ،
كوطء الجارية أو تزويجها ، أو إيجار العين الموجب لقلّة الرغبة في شرائها مسلوبة
المنفعة ، إن كان الدين حالا ، أو مؤجلا ولكنه يحلّ قبل انقضاء مدة الإجارة.
وأما التصرف
بما يعود به النفع إلى المرتهن ـ كمداواة المريض ـ ورعي
__________________
وإنّما الكلام (١)
في أنّ بيع الراهن هل يقع باطلا من أصله؟ أو يقع موقوفا على الإجازة (٢) ،
______________________________________________________
الحيوان وتأبير النخل ، وسقي الأشجار ، وتجفيف الثمار ونحوها ـ فلا يمنع
الراهن منه .
(١) يعني : لا
كلام في عدم الاستقلال ، وإنّما الكلام في أنّ أثر عدم الاستقلال هل هو البطلان
رأسا أم التوقف على الإجازة؟
وهذا شروع في
الجهة الاولى ، وأشار إلى إختلاف كلماتهم ، كما سيأتي التنبيه عليه.
(٢) الظاهر أنه
إشارة إلى إختلاف القائلين بعدم بطلان بيع الراهن من أصله ـ وكونه موقوفا ـ في كون
الموقوف عليه هو إجازة المرتهن خاصة ، أو هو افتكاك الرهن خاصة ، أو أحدهما على
التخيير ، كما ذكر ذلك كلّه في المقابس ، فقال : «وذهب آخرون إلى أنها لا تبطل من
الأصل ، وهؤلاء بين قائل بأنّها تقف على إجازة المرتهن ، فإن أجاز صحّت ولزمت ،
وإلّا بطلت ، وقائل بأنّها تلزم من طرف الراهن من حين وقوعها ، فمتى ارتفع المانع
بأن يجيز المرتهن أو ينفك الرّهن نفذت. وقائل بأنّها تلزم بالإجازة أو الانفكاك ،
ولم يتعرض لغير ذلك. ومتردّد في لزومها بالانفكاك» ثمّ نقل عبائر أرباب الأقوال
المزبورة ، فراجع .
ولم يتعرّض في
عبارته لما إذا أسقط المرتهن حقّ الرهانة ، وإنّما أضافه المصنف قدسسره استقصاء للاحتمالات ، من جهة كونه من الحقوق القابلة
للإسقاط. وربّما يستفاد من بعض توقف عقد الراهن على إسقاط المرتهن حقّه ، وعدم
العبرة بإجازته ، لعدم كونه مالكا ، كما نقله صاحب الجواهر قدسسره وناقش فيه ، فراجع .
__________________
أو سقوط (١) حقه بإسقاطه أو بالفكّ.
فظاهر عبائر
جماعة من القدماء (٢) وغيرهم (٣) الأوّل ، إلّا أنّ صريح الشيخ في النهاية (٤)
وابن حمزة في الوسيلة (٥)
______________________________________________________
(١) فالسقوط
عدل للإجازة ، ويتحقق تارة بإسقاط المرتهن حقه ، واخرى بفكّ الرهن.
(٢) كالشيخ
المفيد ، وشيخ الطائفة في الخلاف والمبسوط ، وسلّار ، والقاضي في المهذّب ، وابن
إدريس قدسسرهم ، وقد نقل صاحب المقابس عبائرهم ، فراجع .
ففي المقنعة : «فإذا
رهن الإنسان شيئا وقبضه المرتهن منه ، لم يكن للراهن والمرتهن أن يتصرّفا فيه ...
ثم قال : فإن باع الراهن العقار كان بيعه مفسوخا ، وإن أستأنف إجارته كانت باطلة» .
(٣) يعني :
جماعة من المتأخرين ، ولم أظفر بمن حكم بفساد بيع الراهن بدون إذن المرتهن ، إلّا
ما يظهر من الدروس ، ولم أجد نسبة القول إليهم في مفتاح الكرامة والمقابس .
نعم ، حكم
المحقق قدسسره في البيع بمنع بيع الرهن بدون الإذن ، وإطلاقه ينفي صحته لو لحقه الإجازة. ولكنه صرّح في
كتاب الرهن بوقوف بيع الراهن على الإجازة ، وهو أعلم بما قال.
(٤) لكون الشيخ
قدسسره قائلا ـ في كتاب النهاية ـ بجواز العقد الفضولي ،
ويتفرع عليه صحة بيع الراهن موقوفا على الإجازة.
(٥) نسب كلا
القولين إلى ابن حمزة ، فقال السيد العاملي قدسسره : «وممّا وافق
__________________
وجمهور المتأخرين (١) ـ عدا شاذّ منهم (٢) ـ
______________________________________________________
النهاية ـ في توقفه على إذن المرتهن وإجازته ـ الوسيلة وغيرها ممّا تأخر
عنها ، وهو كثير» .
وعدّ صاحب
المقابس ابن حمزة من أصحاب القول الأوّل مستظهرا ذلك من قوله : «فإن أذن المرتهن
له في التصرف صح» .
وعلى كلّ فدعوى
المصنف قدسسره صراحة عبارة الوسيلة في وقوع البيع موقوفا على الإجازة
، متوقفة على ظهور «الإذن» في الرضا أعمّ من أن يكون سابقا على البيع أو لا حقا له
، وإلّا فمع مقابلة الإذن والإجازة واختصاص الأوّل بالسابق يشكل دعوى الظهور فضلا
عن الصراحة.
(١) ففي مفتاح
الكرامة : «إذا تصرف الراهن بما يمنع منه ، فإن كان بعقد أو بعتق كان موقوفا على
إجازة المرتهن ، كما في النهاية وجامع الشرائع والشرائع والنافع والتذكرة والتحرير
والإرشاد ، وشرحه لولده ، واللمعة ، والمقتصر ، وغاية المرام ، والميسية ، وإيضاح
النافع ، والمسالك ، والروضة ، والكفاية ، والرياض» .
(٢) لعلّ مراده
بالشاذ هو الشهيد قدسسره على ما حكاه صاحب المقابس عن الدروس ، فإنّه جوّز بيع المرتهن إن كان بإذن الراهن
أو بإجازته ، واقتصر في بيع الراهن على إذن المرتهن. وظاهره عدم كفاية لحوق
الإجازة في الصحة ، فيكون الشهيد قدسسره موافقا للقدماء القائلين بالبطلان.
قال في الدروس ـ
بعد حكمه بمنع الراهن عن إجارة العين المرهونة ، وعتق المملوك ـ : «ولو أذن
المرتهن في ذلك كله جاز. وكذا لا يتصرّف فيه المرتهن إلّا
__________________
هو كونه (١) موقوفا.
وهو الأقوى (٢)
، للعمومات (*) السليمة عن المخصّص ،
______________________________________________________
بإذن الراهن ، أو إجازته ، إلّا العتق ، فإنّه باطل إن لم يأذن» .
ويؤيّده أن
السيد العاملي قدسسره لم يعدّ ـ في عبارته المتقدمة ـ الدروس من القائلين
بالوقوف على الإجازة.
(١) أي : كون
بيع الراهن ـ بدون إذن المرتهن ـ موقوفا على إجازته.
(٢) اختار
المصنف قدسسره القول الثاني ، وهو صحة بيع الراهن تأهّلا ، وتوقف
نفوذه على إجازة المرتهن ، واستدل عليه بوجوه ثلاثة :
الأوّل : عموم
وجوب الوفاء بالعقود ، وإطلاق حلّ البيع ، والتجارة عن تراض. والمانع من شمولها
لبيع الراهن هو تعلق حق المرتهن بالمبيع ، ويسقط بإجازته المتعقبة ، فيلزم البيع.
فإن قلت :
التمسك بعمومات إمضاء العقود والبيع موقوف على انتفاء المخصّص ، والمفروض دلالة
الإجماع والأخبار على منع الراهن والمرتهن عن التصرف ، ومع قيام المخصّص لا مجال
للتمسك بالعموم ، بل يتعين الحكم ببطلان بيع
__________________
__________________
لأنّ (١) معقد الإجماع والأخبار (٢) الظاهرة في المنع عن التصرف هو
الاستقلال ، كما يشهد به (٣) عطف «المرتهن» على «الرّاهن» مع (٤) ما ثبت في محلّه
من وقوع تصرّف المرتهن موقوفا ، لا باطلا. وعلى تسليم (٥) الظهور في بطلان
______________________________________________________
الراهن رأسا كما ذهب إليه جمع.
قلت : لا يصلح
الإجماع والنص لتخصيص العمومات ، وذلك لوجهين :
أحدهما : أنّ
المراد بمنع الراهن عن التصرف هو الاستقلال ، وعدم الاستجازة من المرتهن. والشاهد
على إرادة عدم الاستقلال عطف «المرتهن» على «الراهن» مع تسالمهم على صحة تصرفه في الرهن
تأهّلا ، وتوقف نفوذه على إجازة الراهن.
ومن المعلوم أن
مفاد «المنع» في المعطوف والمعطوف عليه واحد ، وهو نفي الاستقلال ، لا الفساد.
ثانيهما : أنه
لو سلّم ظهور الإجماع في بطلان التصرف رأسا ، لم يصلح لتخصيص العمومات ، من جهة
القطع بعدم تحقق الاتفاق على البطلان ، لكثرة القائلين بالصحة وبالوقوف على
الإجازة.
وكذا الحال في
الأخبار ، فإن ظهورها في البطلان موهون بإعراض جمهور المتأخرين ، والتزامهم بكون
بيع المرتهن كالفضولي موقوفا على الإجازة.
هذا تقريب
الوجه الأوّل ، وسيأتي الوجهان الآخران.
(١) تعليل
لسلامة العمومات عن خروج فرد منها ، وإشارة إلى دفع دخل مقدّر ، تقدم بيانهما
بقولنا : «فإن قلت ... قلت».
(٢) المراد بها
إما الأخبار التي ادّعاها شيخ الطائفة في الخلاف ، فهي كرواية مرسلة بالنسبة إلينا
، وإمّا النبوي المرسل في المختلف.
(٣) أي : يشهد
بأنّ ظاهر «المنع» هو الاستقلال : عطف المرتهن على الراهن.
(٤) يعني : مع
ملاحظة ما ثبت ، فهو تفسير لكيفية الدلالة على نفي الاستقلال.
(٥) كذا في
النسخ ، والأولى : «ولو فرض تسليم ...».
التصرف رأسا ، فهي موهونة بمصير جمهور المتأخرين على خلافه (١).
هذا كلّه ،
مضافا إلى ما يستفاد من صحّة نكاح العبد بالإجازة (٢) ، معلّلا ب «أنّه لم يعص
الله وإنّما عصى سيّده» إذ المستفاد منه (٣) : أنّ كل عقد كان النهي عنه لحقّ
الآدمي (٤) فيرتفع [يرتفع] المنع (٥) ، ويحصل التأثير بارتفاع المنع
______________________________________________________
(١) أي : خلاف
بطلان التصرف رأسا.
(٢) هذا ثاني
الوجوه ، ومحصله : استفادة عدم بطلان بيع الراهن رأسا من التعليل الوارد في صحيحة
زرارة الواردة في مملوك تزوّج بغير إذن مولاه ، حيث علّل الإمام أبو جعفر الباقر عليهالسلام صحة النكاح بالإجازة ب «أنه لم يعص الله ، إنّما عصى
سيّده ، فإذا أجازه فهو له جائز» فإنّه يتضمن كبريين : وهما : أنّ سبب اختلال
العقد إن كان أمرا محرّما بالأصالة ، فهو يمنع عن الصحة ، إذ لا يتصور الرضا منه
سبحانه وتعالى بمعصيته.
وإن كان عصيان
المخلوق بعدم رعاية حقّه لم يوجب الفساد ، لإمكان زوال كراهته وحصول الرّضا. هذا
مفاد التعليل.
ولا ريب في
اقتضاء عموم العلة صحة بيع الراهن ، لأنّه لم يرتكب محرّما شرعيا ، وإنّما أهمل حق
الرهانة ، ولم يستأذن من المرتهن ، فإن أجاز نفد بيع الراهن.
(٣) أي : من
التعليل ، ومقصوده من الاستفادة الاستظهار. وهو ربما ينافي عدّ هذا التعليل مؤيّدا
لصحة البيع الفضولي ، لا دليلا عليه ، فراجع .
(٤) فإنّ حقّ
السيد أن يتولّى نكاح عبده ، فمبادرته وعدم الاستيذان من المولى معصية له ، ولكنها
تزول بلحوق الرضا والإجازة.
(٥) أي : المنع
عن هذا العقد ، وهو نكاح العبد بغير إذن مولاه.
__________________
وحصول الرّضا ، وليس ذلك (١) كمعصية الله أصالة في إيقاع العقد ، التي لا
يمكن أن يلحقها رضا الله تعالى.
هذا كلّه ،
مضافا إلى فحوى أدلة صحة الفضولي (٢).
لكن الظاهر من
التذكرة : أنّ كلّ من أبطل عقد الفضولي أبطل العقد هنا (٣).
______________________________________________________
(١) أي : وليس
معصية السيد نظيرا لعصيان الخالق بإيقاع العقد المنهي عنه ـ كبيع الخمر ـ حتى
يمتنع نفوذه بالرضا المتأخر.
(٢) هذا ثالث
الوجوه ، وتقريب الفحوى : أن المبيع في الفضولي ليس ملكا للبائع ، فصحته تستلزم
صحة البيع الأولوية فيما كان المبيع ملكا للبائع ، غاية الأمر أنّه ليس طلقا له ،
لتعلق حقّ المرتهن به ، ومن المعلوم أن إضافة الحقّ أضعف من الملك.
ويمكن تقريب
الفحوى بأن يقال : ان الإجازة في البيع الفضولي تفيد أمرين ،
أحدهما :
استناد العقد إلى المالك ، ليتحقق موضوع وجوب الوفاء بالعقد ، لوضوح اختصاص الخطاب
به بالمالك.
ثانيهما :
الرضا المعتبر في العقد.
ولمّا كان
العقد صادرا من الراهن المالك ، كانت الإجازة دالة على الرضا خاصة ، ومن المعلوم
اقتضاء ما دلّ على صحة البيع الفضولي صحة بيع الراهن بالأولوية (*).
(٣) غرضه
المناقشة في الفحوى بما أفاده العلّامة قدسسره من إنكار الأولوية ، لأنّه
__________________
__________________
وفيه (١) نظر ،
لأنّ من استند في البطلان في الفضولي إلى مثل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا بيع إلّا في ملك» لا يلزمه (٢) البطلان هنا ، بل
الأظهر ما سيجيء (٣) عن إيضاح النافع : من أنّ الظاهر وقوف هذا العقد وإن قلنا
ببطلان الفضولي.
______________________________________________________
ادّعى أن كل من قال ببطلان عقد الفضولي قال ببطلان العقد هنا ، وهذا ينافي
الأولوية. لاقتضائها صحة عقد الراهن ولو مع القول بفساد عقد الفضولي.
(١) أي : وفي
ما يظهر من التذكرة نظر ، وهذا إشكال على دعوى المساواة بين عقد الفضولي وعقد
الراهن. ومحصل الإشكال : أنّ مستند بطلان بيع الفضولي هو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا بيع إلّا في ملك» ومن المعلوم أنه لا يصلح لإثبات
بطلان عقد الراهن ، لكونه مالكا للمبيع. ومنشأ البطلان في عقد الفضولي ـ على ما هو
ظاهر الرواية ـ فقدان الملكية ، والمفروض وجودها في عقد الراهن ، فيمكن تصحيح عقده
دون عقد الفضولي.
نعم ، إن كان
مستند بطلان بيع الفضولي غير هذا النبوي ـ من النصوص والإجماع وحكم العقل بقبح
التصرف في ملك الغير ـ أمكن استظهار المساواة.
ولكن الظاهر
أنّ عمدة دليل القائل ببطلان البيع الفضولي هو النبوي المذكور في المتن ، ولذا منع
المصنف قدسسره دعوى المساواة بوجود الفارق ، وهو كون الراهن مالكا ،
فلا يخاطب بالنهي عن البيع.
والمتحصل من
الوجوه الثلاثة : صحة بيع الراهن اقتضاء ، وتوقفه على الإجازة.
(٢) خبر قوله :
«من استند» والضمير البارز راجع إلى الموصول.
(٣) يعني : أن
الفحوى التي ادعاها المصنف قدسسره حكيت عن الفاضل القطيفي أيضا كما في مفتاح الكرامة . لكن لم أجد في المباحث القادمة نقل هذا المطلب عن
__________________
وقد ظهر من ذلك
(١) ضعف ما قوّاه بعض من عاصرناه من القول بالبطلان ، متمسّكا بظاهر الإجماعات
والأخبار المحكية على المنع والنهي ، قال : «وهو موجب للبطلان وإن كان لحقّ الغير
، إذ العبرة بتعلق النهي بالعقد (٢)
______________________________________________________
إيضاح النافع ، ولا بد من مزيد التتبع.
(١) أي : وقد
ظهر من الوجوه المتقدمة ـ الدالة على صحة عقد الراهن ـ ضعف القول الآخر الذي
اختاره صاحب المقابس قدسسره ، فإنّه ذكر أوّلا اقتضاء الأصل والعمومات والأولوية
الصحة ، ثم قال : «ولا يخفى أنّ هذه الأدلة بأسرها مدخولة ، لما تقدم من نقل جماعة
منهم الإجماع على كونه ـ أي الراهن ـ ممنوعا من التصرف ، واتفاق كلمة الأصحاب عليه
، كما سبق ، وحكاية الشيخ ورود الأخبار بذلك ، ونقل العلّامة رواية نبوية فيه.
وظهر أنّه ـ أي المنع ـ المناسب للغرض الباعث على وضع عقد الرهن ، فإذن لا محيص من
القول بالمنع ، وهو موجب للبطلان وإن كان لحقّ الغير ...» إلى آخر ما نقله المصنف عنه.
وكلامه يقع في
مقامين ، أحدهما : استدلاله على فساد بيع الراهن ، وثانيهما : ردّ الوجوه المستدلّ
بها على الصحة.
(٢) هذا شروع
في المقام الأوّل ، وتوضيحه : أنّ النهي المتعلق بالمعاملة لأمر داخل فيها ـ
كالنهي عنها لصيرورة أحد العوضين متعلق حق غير المتعاقدين ، كتعلق حق المرتهن
بالمبيع الموجب للنهي عن بيعه ـ يوجب فسادها.
نعم ، إذا
تعلّق بأمر خارج عنها كالنهي عن المعاملة وقت النداء ـ إذ النهي عنها يكون لأجل
الصلاة ، لا لتعلق حق شخص بأحد العوضين ـ لم يقتض فسادها.
فكأنّه قال :
النهي تعلق بالمعاملة لأمر داخل فيها ، وكلّما كان كذلك يفسدها ، فبيع الراهن باطل
لا موقوف ، كالنهي عن بيع الوقف وأمّ الولد ، لتعلق حق الموقوف عليه بالموقوفة ،
وتعلق حق الاستيلاد بامّ الولد.
__________________
ـ لا لأمر خارج عنه ـ وهو (١) كاف في اقتضاء الفساد ، كما اقتضاه في بيع
الوقف (٢) وأمّ الولد (٣) وغيرهما (٤) ، مع استواء الجميع (٥) في كون سبب النهي
حقّ الغير».
ثمّ أورد على
نفسه بقوله : «فإن قلت (٦) : فعلى هذا يلزم بطلان عقد الفضولي وعقد المرتهن ، مع
أنّ كثيرا من الأصحاب ساووا بين الراهن والمرتهن (٧) في المنع
______________________________________________________
(١) أي : تعلق
النهي بالأمر الداخل في العقد كاف في اقتضاء الفساد.
(٢) كقوله عليهالسلام : «لا يجوز شراء الوقف» المقتضي للفساد.
(٣) مثل النهي
المستفاد من إنكار بيعها في رواية السكوني التي ورد فيها : «من يشتري منّي أمّ
ولدي؟».
(٤) كالنهي عن
بيع الخمر والخنزير وبيع الربا.
(٥) أي : أنّ
سبب البطلان في الوقف وأمّ الولد تعلق حق الغير ، وهو متحقق في بيع الراهن أيضا ،
فلا بد من فساد بيعه.
(٦) هذا إشكال
على اقتضاء النهي عن العقد للفساد ، وحاصله : أنّه على تقدير اقتضاء النهي المتعلق
بالمعاملة ـ لأمر خارج عنها ـ للفساد يلزم الحكم ببطلان عقد الفضولي وعقد المرتهن
، لكون النهي فيهما أيضا لا لأمر خارج ، بل لمراعاة حق المالك ، مع أنّهما موقوفان
على إجازة المالك ، لا أنّهما باطلان. فلا بد من الحكم بالصحة في الجميع أو
البطلان كذلك. ولا وجه للتفكيك بين بيع الراهن وبين بيع المرتهن والفضولي ،
بالفساد في الأوّل ، والصحة ـ بإجازة المالك ـ في الأخيرين. كما لم يفكك أكثر
الأصحاب بين بيع الراهن وبين بيع المرتهن ، وجعلوهما بوزان واحد في تعلق النهي
بهما.
(٧) حيث عبّر
بعضهم بعدم جواز التصرف ، وآخر بعدم الصحة ، وثالث بالمنع.
ـ كما دلّت عليه الرواية (١) ـ فيلزم (٢) بطلان عقد الجميع أو صحته ،
فالفرق تحكّم. قلنا (٣) : إن التصرف المنهي عنه إن كان انتفاعا بمال الغير فهو
محرّم ، ولا تحلّله
______________________________________________________
(١) وهي
المرسلة المروية في المختلف.
(٢) هذا نتيجة
مساواة عقد الراهن والمرتهن في المنع.
(٣) هذا جواب
الإشكال ، وتوضيحه : أنّ التصرف المتعلق به النهي تارة يكون تصرفا خارجيا ،
كالانتفاع بالأكل أو الشرب أو غيرهما من الأفعال الخارجية المتعلقة بالأعيان.
واخرى يكون تصرفا اعتباريا كالعقد أو الإيقاع.
أمّا الأوّل
فيكون حراما ، ولا تؤثّر الإجازة في حليته.
وأمّا الثاني ،
فإن وقع بنحو الاستقلال من دون إضافته إلى المالك ، فالظاهر أنّه حرام أيضا ، ولا
يجدي في صحته الإجازة ، لأنّ الفعل لا يتغيّر عمّا وقع عليه. وإن وقع على وجه
النيابة عن المالك لم يعدّ تصرّفا منهيّا عنه ، ولا يكون حراما.
فالعقد الصادر
من الفضولي أو المرتهن حرام إن كان على وجه الاستقلال ، ولا يجديه الإجازة. وجائز
إن كان على وجه النيابة عن المالك ، وتجديه الإجازة ، فعقد الفضولي والمرتهن
يتصوّر على نحوين حرام وجائز.
وأمّا المالك
فلا يتصور في عقده النيابة والاستقلال حتى يكون حراما تارة وجائزا اخرى ، بل
المتصور فيه هو الاستقلال فقط ، لانحصار الملكية فيه ، فهو إمّا جائز تكليفا ونافذ
وضعا كما إذا لم يكن محجورا عن التصرف في ماله بأحد موجبات الحجر. وإمّا حرام وغير
نافذ إن كان محجورا فيه ، كما إذا تعلق به حق المرتهن ، فتخصّص العمومات المقتضية
للصحة بالإجماعات والأخبار الناهية عن التصرف في العين المرهونة ، إذ ليس مطلق
الملك مسوّغا للبيع ، بل المسوّغ هو الملك غير المحجور عن التصرف فيه ، ولذا لا
يجوز بيع أمّ الولد ونحوها مما يكون متعلق حق غير المالك ، الموجب لنقص سلطنة
المالك.
الإجازة المتعقبة (١).
وإن كان (٢)
عقدا أو إيقاعا ، فإن وقع (٣) بطريق الاستقلال ـ لا على وجه النيابة عن المالك ـ
فالظاهر أنّه (٤) كذلك ، كما سبق في الفضولي ، وإلّا (٥) فلا يعدّ
______________________________________________________
فمحصل مرام
المقابس هو الالتزام ببطلان بيع الراهن ، إذ لا يتصور تصرفه على وجه النيابة عن
المالك حتى يكون موقوفا على الإجازة. ففرق بين عقد الراهن وعقد المرتهن ، وصحة
الثاني لا تستلزم صحة الأوّل.
(١) يعني : أن
التصرف الخارجي في مال الغير محرّم لكونه بغير إذنه ، ولا توجب الإجازة اللاحقة
انقلاب الحرمة التكليفية إلى الحلية ، لأنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه. ولذا
يبطل الوضوء بماء الغير مع كراهته ، وإن رضي بعده.
(٢) أي : وإن
كان التصرف المنهي عنه ـ في مال الغير ـ بالعقد عليه من بيع أو تزويج أو هبة ، فله
صورتان.
(٣) هذا إشارة
إلى الصورة الاولى ، وموردها الغالب بيع الغاصب ، وحكم هذا التصرف الاعتباري حكم
التصرف الخارجي في عدم انقلاب المنع إلى الجواز بالإجازة المتأخرة.
(٤) أي : أن
هذا التصرف بالعقد والإيقاع محرّم ، وباطل كما سبق تفصيله في الموضع الثاني ـ من
بيع الفضولي ـ الذي عقده صاحب المقابس لحكم بيع الغاصب ، حيث قال : «فإذا بطلت هذه
الوجوه بأسرها تعيّن بطلان العقد من أصله» . وعقد المصنف قدسسره ثالثة مسائل البيع الفضولي لحكم بيع الغاصب ، فراجع .
(٥) هذا إشارة
إلى الصورة الثانية أي : وإن لم يقع بطريق الاستقلال ـ بل على وجه النيابة عن
المالك ـ كان خارجا موضوعا عن التصرف المنهي عنه في مال
__________________
تصرفا يتعلق به النهي. فالعقد (١) الصادر عن الفضولي قد يكون محرّما ، وقد
لا يكون كذلك (٢).
وكذا (٣) الصادر
عن المرتهن إن وقع (٤) بطريق الاستقلال المستند إلى البناء على ظلم الراهن وغصب
حقّه ، أو إلى زعم التسلّط عليه بمجرّد الارتهان ، كان (٥) منهيّا عنه. وإن كان (٦)
بقصد النيابة عن الراهن في مجرّد إجراء الصيغة (٧) ، فلا يزيد (٨) عن عقد الفضولي
، فلا يتعلّق به (٩) نهي أصلا.
______________________________________________________
الغير ، بل هو جائز ، فإن أجازه المالك نفذ ، وإن ردّه بطل.
(١) هذا إجمال
صورتي التصرف في مال الغير.
(٢) أي :
محرّما.
(٣) معطوف على
العقد الصادر من الفضولي. وغرضه أن عقد المرتهن له صورتان ، فقد يقصد الاستقلال
ووقوع البيع لنفسه ، فيكون ممنوعا للنهي عنه. وقد يقصد النيابة عن الراهن ، ليقع
البيع له ، فيكون فضوليا قابلا للنفوذ بإجازة الراهن.
(٤) يعني : أن
قصد الاستقلال المفسد للبيع يستند تارة إلى البناء على العدوان والغصب ، وقد يستند
إلى الجهل ـ بالحكم أو الموضوع ـ فيزعم المرتهن ثبوت السلطنة له على بيع العين
المرهونة بدون مراجعة الراهن. ولا فرق في البطلان بين الفرضين.
(٥) جواب الشرط
في «إن وقع».
(٦) معطوف على «إن
وقع» يعني : أن العقد الصادر من المرتهن إن كان بقصد النيابة كان فضوليا قابلا
للصحة بلحوق إجازة الراهن به.
(٧) إذ المعهود
من «الفضولي» هو إنشاء الإيجاب والقبول ، ويكون أمر الوفاء بمقتضى العقد ـ كالقبض
والإقباض ـ بيد من له الولاية عليه بعد الإجازة.
(٨) جواب الشرط
في «وإن كان».
(٩) أي :
بالصادر عن المرتهن ، أي العقد الصادر منه.
وأمّا المالك (١)
، فلمّا حجر على ماله برهنه ، وكان عقده لا يقع إلّا مستندا إلى ملكه ، لانحصار
المالكية فيه ، ولا معنى لقصده النيابة (٢) ، فهو (٣) منهي عنه ، لكونه (٤) تصرفا
مطلقا ، ومنافيا للحجر (٥) الثابت عليه. فيخصّص (٦) العمومات بما ذكر. ومجرّد
الملك لا يقضي بالصحة (٧) ، إذ الظاهر (٨) بمقتضى التأمّل :
______________________________________________________
(١) غرض صاحب
المقابس قدسسره إثبات بطلان بيع الراهن ، وعدم كونه قابلا للصحة ، لا
من جهة كونه مندرجا في عنوان «الفضولي» ليصح بالإجازة اللاحقة ، ولا من جهة كونه
بيع المالك المستقل في التصرف.
أمّا الأوّل
فلان صحة الفضولي متوقفة على قصد النيابة عن المالك ، والمفروض امتناع تمشّي هذا
القصد من الراهن ، لكونه مالكا ، فلا ينوي إلّا وقوعه لنفسه ، لا للمرتهن ولا
لغيره.
وأمّا الثاني
فلعدم استقلاله في التصرف بعد اقتضاء أدلة الرهن حجر الراهن عنه ، مع أنّه لا يكفي
في البيع ملك العين ، بل لا بد من السلطنة على التصرف أيضا ، وهي مفقودة حسب
الفرض. فيبطل حينئذ.
وعليه فلا سبيل
لتصحيح بيع الراهن لا بعنوان كونه فضوليا ولا بعنوان كونه أصيلا. ويتعين تخصيص
عموم الأمر بالوفاء وحلّ البيع بما دلّ على حجر الراهن ، هذا.
(٢) كما تقدم
آنفا بقولنا : «أمّا الأول فلأن صحة الفضولي ...».
(٣) جواب الشرط
في «فلمّا حجر» والضمير راجع إلى العقد.
(٤) أي : لكون
عقد الراهن تصرفا غير مسبوق بإذن المرتهن.
(٥) كذا في
النسخ ، وفي المقابس «ومنافاته للحجر» والمعنى واحد.
(٦) هذا نتيجة
عدم ولاية الراهن على التصرف في العين المرهونة.
(٧) تقدم آنفا
عدم كفاية ملك العين في البيع.
(٨) هذه الجملة
منقولة بالمعنى ، والعبارة في المقابس هكذا : «إذ الظاهر بمقتضى
أنّ الملك المسوّغ للبيع هو ملك الأصل مع ملك التصرف فيه ، ولذا (١) لم
يصحّ البيع في مواضع وجد فيها سبب الملك وكان ناقصا ، للمنع عن التصرف».
ثم قال : «وبالجملة
(٢) : فالذي يظهر من تتبّع الأدلة [بالتتبع في الأدلة] : أنّ العقود ما لم تنته
إلى المالك ، فيمكن وقوعها موقوفة على إجازته (٣). وأمّا إذا انتهت إلى إذن المالك
أو إجازته ، أو صدرت منه ، وكان تصرفه (٤) على وجه الأصالة ، فلا تقع على وجهين (٥)
، بل تكون فاسدة أو صحيحة لازمة إذا كان
______________________________________________________
التأمل الصادق : أن المراد بالملك المسوّغ للبيع هو ملك الأصل مع التصرف
فيه ، ولذلك لم يصح البيع ... الخ».
(١) أي : ولأجل
أن الملك المسوّغ للبيع هو ملك الأصل وملك التصرف ، لم يصحّ بيع ما كان الملك
ناقصا فيه ، للحجر عن التصرف لسفه أو فلس مثلا.
(٢) هذا ملخّص ما
أفاده صاحب المقابس من اقتضاء القاعدة فساد بيع الراهن بدون إذن المرتهن.
(٣) يعني : إن
كانت العقود على وجه النيابة ، لا على وجه الاستقلال ، وإلّا فتبطل.
وبالجملة :
التصرفات الصادرة من المالك أو بإذنه إمّا صحيحه لازمة ، وإمّا باطلة غير قابلة
للإجازة ، فلا تقع موقوفة.
وعليه فبيع
الراهن للمرهونة باطل ، بخلاف بيع المرتهن والفضولي إذا أوقعاه على وجه النيابة ،
فإنّه قابل للإجازة ، وإمّا إذا أوقعاه على وجه الاستقلال ، فيكون حراما وباطلا.
(٤) هذا الضمير
وضمير «منه» راجعان إلى المالك.
(٥) وهما :
وقوع القعود بنحو الاستقلال حتى تحرم وتفسد كما إذا أوقعها الفضولي لنفسه. ووقوعها
بقصد النيابة عن المالك ، فتكون موقوفة على الإجازة.
وضع ذلك العقد على اللزوم (١).
وأمّا التعليل (٢)
المستفاد من الرواية المرويّة في النكاح ـ من قوله : لم يعص الله وإنّما عصى (٣)
سيّده ... إلى آخره ـ فهو جار في من لم يكن مالكا ، كما أنّ العبد لا يملك أمر
نفسه. وأمّا المالك المحجور عليه ، فهو عاص لله بتصرفه (٤).
______________________________________________________
(١) وأما إذا
كان عقد المالك جائزا كما إذا وهب المرهون بإذن المرتهن ، كانت هبته جائزة لا
لازمة.
(٢) هذا شروع
في المقام الثاني ، وهو المناقشة في دليل القائلين بالصحة ، وحاصله : أنّ
الاستدلال على الصحة بالتعليل المستفاد من رواية النكاح مخدوش ، لأنّ مورد التعليل
هو غير المالك كالعبد ، فلا يجري في المالك المحجور عن التصرف العاصي لله تعالى ـ
دون المرتهن ـ بتصرفه ، فلا يقال : «إنّه عاص للمرتهن» لأنّه ليس مالكا. نعم منع
الله تعالى عن تفويت حقه. وكذا كل مالك محجور لعارض. فالتعدي عن مورد التعليل إلى
غيره كالمالك المحجور عن التصرف في ماله قياس باطل.
هذا ما يتعلق
بمنع التعليل. وأمّا فحوى صحة بيع الراهن من عقد الفضولي ، فقد منعها صاحب المقابس
قدسسره قبل قوله : «وبالجملة» بما لفظه : «وتمنع دعوى الأولوية
أيضا ، فإنّ الحجر هو الفارق بين المقامين». وأما عمومات الصحة فقد تقدم في كلامه
أيضا كونها مخصّصة بما دلّ على حجر الراهن عن التصرف.
(٣) المراد
بمعصية العبد لسيّده هو التخطي عن وظيفة العبودية بعدم الاستيذان ، فيكون أمر
الصحة والبطلان بيد السيد ، فإن أجاز نفذ ، وإن ردّ لغا.
(٤) مع كونه
ممنوعا من التصرف ، يعني : أن المرتهن إن كان مالكا للعين المرهونة ـ كالسيد
المالك لرقبة العبد ـ صدق على بيع الراهن «أنه معصية للمرتهن» فيصحّ بإجازته. وإن
لم يكن مالكا ـ كما هو الفرض ـ كان بيع الراهن عصيانا له تعالى ، فيقع فاسدا ، ولا
تنفعه الإجازة. كما أن العبد لو تزوّج بذات عدة كان باطلا ولم يجده إجازة السيد.
وبهذا ظهر أجنبية التعليل ـ الوارد في نكاح العبد ـ عن بيع الراهن.
ولا يقال : إنّه عصى المرتهن ، لعدم (١) كونه مالكا. وإنّما منع الله من
تفويت حقّه بالتصرّف.
وما ذكرناه (٢)
جار في كلّ مالك متولّ لأمر نفسه إذا حجر على ماله لعارض كالفلس وغيره (٣) ، فيحكم
بفساد الجميع.
وربما يتّجه
الصحة (٤) فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة (*).
______________________________________________________
(١) تعليل ل «لا
يقال» وتقدم بيانه آنفا.
(٢) غرض صاحب
المقابس قدسسره من هذه الجملة عدم اختصاص فساد البيع ببيع الراهن ،
وعمومه لتصرف سائر الملّاك المحجورين ، لكونه عصيانا للنهي الشرعي ، فيقع باطلا ،
ولا سبيل لتصحيحه بالإجازة اللاحقة له ، كالمفلّس الممنوع من التصرف في أمواله
بحكم الحاكم ، فلو باع أو اشترى وأجازه الغرماء لم يصح.
وكذا السيد
المستولد لجاريته ، فإنّ منع إخراجها عن ملكه يقتضي فساد النقل وإن ارتفع المانع
كما إذا مات ولدها ـ بعد البيع ـ في حياة السيد.
(٣) كالسّفه.
(٤) حاصله :
أنّه إذا كان منشأ منع المالك عن البيع على وجه الاستقلال ـ بحيث لا يزاحمه أحد ـ
هو مصلحة الغير كعدم تضرر الشريك الآخذ بالشفعة ، لم يكن مانع من صحة بيع المالك
مع ثبوت حق الشفعة للشريك. كما إذا كانت دار ملكا مشاعا لاثنين ، فباع أحدهما حصته
من أجنبي ، فلا يجوز للمشتري بيع حصّته ،
__________________
فالقول (١) بالبطلان هنا ـ كما اختاره أساطين الفقهاء ـ هو الأقوى» انتهى
كلامه ، رفع مقامه.
ويرد عليه ـ
بعد منع (٢) الفرق في الحكم بين بيع ملك الغير على وجه
______________________________________________________
وهذا النهي لأجل مصلحة الشريك ليتمكن من الأخذ بالشفعة وضمّ المبيع إلى حصة
نفسه. فلو باعها المشتري من شخص ، وأجازه ذو الحق ـ وهو الشفيع ـ صحّ. وهذا بخلاف
الراهن ، الذي يقع بيعه باطلا رأسا.
(١) هذا نتيجة
البحث في بيع الراهن. وعليه فهذه الجملة مرتبطة بما قبل قوله : «وربما يتجه الصحة»
فلا تغفل.
هذا تمام كلام
صاحب المقابس ، وأورد المصنف قدسسره عليه بوجوه ، سيأتي بيانها.
(٢) هذا أوّل
الوجوه ، وتوضيحه : أنّ حقيقة البيع هي المبادلة بين المالين اللّذين هما ركنا
البيع ، ولا دخل لقصد خصوصية البائع أو المشتري في إنشاء المبادلة أصلا كما تقدم
في بحث الفضولي ، فقصد البيع لنفسه أو لغيره خارج عن حيّز المعاملة.
فما أفاده صاحب
المقابس قدسسره في قوله : «قلنا : ان التصرف ...» من الكبرى ، وهي : أن
صحة عقد الفضولي بالإجازة المتعقبة منوطة بقصد النيابة عن المالك ، فلو وقع بقصد
الاستقلال ـ كما في الغاصب ـ كان باطلا رأسا ممنوع ، لعدم دخل قصد الاستقلال
والنيابة عن المالك في حقيقة البيع ، فالمهمّ لحوق إجازة المالك ووقوع البيع له ،
سواء قصد المنشئ النيابة أو الاستقلال.
فإن قلت :
النزاع هنا بين المصنف وصاحب المقابس مبنائي ، لأنه قدسسره بنى بطلان بيع الراهن على ما أسّسه في بيع الغاصب من
فساد البيع الفضولي لو لم يقصد وقوعه للمالك ولا توقّعا لإجازته. والمصنف قدسسره بنى الصحة على عدم دخل قصد النيابة والاستقلال. ومن
المعلوم أنّ الإشكال المبنائي لا يجدي إلّا بتحقيق المبنى.
قلت : نعم ،
وإن كان صريح عبارة المقابس : «كما سبق في الفضولي» تسلّم بطلان بيع الغاصب لأجل
استقلاله في التصرف وعدم الاستجازة من المغصوب منه ،
الاستقلال وبيعه (١) على وجه النيابة ، ومنع (٢) اقتضاء مطلق النهي
______________________________________________________
فيبطل بيع الراهن هنا من جهة امتناع قصد النيابة ، وكونه مالكا ، إلّا أن
غرض المصنف قدسسره منع المبنى بما فصّله في المسألة الثالثة من بيع
الفضولي ، ولعلّه قدسسره ترك الإشارة إلى ما حقّقه هناك لقرب العهد ، ولا بأس
بنقل جملة منه ، وهي : «فالأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز ... فعلم من
ذلك أنّ قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب حتى يتردّد الأمر في
هذا المقام بين المحذورين ، بل مفهوم الإيجاب هو تمليك المثمن بعوض ، من دون تعرض
لمن يرجع إليه العوض» فراجع .
(١) معطوف على «بيع»
والضمير راجع إلى ملك الغير.
(٢) معطوف على «منع»
وهذا ثاني الوجوه ، وحاصله : أنّ كل نهي لا لأمر خارج عن المعاملة لا يقتضي الفساد
، بل الدال على الفساد خصوص الإرشادي لا المولوي الذي هو ظاهر المنع في ما دلّ على
أنّ «الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف».
فهذا الجواب
راجع إلى منع الكبرى ، وهي «اقتضاء النهي الراجع إلى أحد العوضين للفساد» والصغرى
هي : تعلق النهي بما يرجع إلى أحد العوضين ، حيث إنّ المبيع صار متعلق حق المرتهن
، ولذا نهي الراهن عن التصرف فيه ، وبيعه تصرف فيه ، فهو منهي عنه.
والمصنف قدسسره منع كلّية الكبرى ، وأنّ كلّ نهي لا يقتضي الفساد ، بل
إذا كان إرشادا إلى المانعية. وليس كذلك إذا تعلق النهي بمتعلق حق الغير ، فإنّ
المراد به نفي الاستقلال ، لا البطلان ، ضرورة أنّه صحيح ولازم بلا إشكال مع إذن
المرتهن قبل البيع ، ولا دليل على اعتبار مقارنة الرضا من ذي الحق في صحة المعاملة
، كما تقدم في بحث الفضولي. فالإجازة اللاحقة أيضا تنفّذ المعاملة ، هذا.
__________________
لا لأمر خارج (١) للفساد ـ :
أوّلا (٢):
______________________________________________________
(١) تقدم في (ص
٤٩٣) مثال النهي عن نفس العقد ، والنهي عن خارجه.
(٢) هذا ثالث
الوجوه ، وهو ناظر إلى منع ما في المقابس من عدم قصد النيابة في بيع الراهن حتى
يمكن تنفيذه بإجازة المرتهن ، حيث قال : «وكان عقده لا يقع إلّا مستندا إلى ملكه ،
لانحصار المالكية فيه ، ولا معنى لقصده النيابة ، فهو منهي عنه».
وتوضيح إيراد
المصنف قدسسره عليه : أنّ معاملة الراهن تتصور أيضا بنحوين ، وهما :
قصد الأصالة وعدمها ، كما يتصوّران في الفضولي والمرتهن.
أمّا قصد
الاستقلال فكما إذا باع ماله المرهون بانيا على عدم الاستجازة من المرتهن ، وهذا
ما تصوّره صاحب المقابس وجعله تصرفا منهيا عنه.
وأمّا قصد عدم
الاستقلال ، فكما لو باع برجاء إجازة المرتهن ، من دون نية الاستقلال حال العقد.
وقد يقصد
الاستقلال مع عدم النهي عنه ، لأن الغصب هو التصرف العدواني في مال الغير ، ومن
المعلوم توقف عنوان الاعتداء على تنجز حرمة التصرف في الرهن لتعلق حق المرتهن به.
فمع عدم تنجزه ينبغي صحة بيع الراهن أصالة ، كما يتصور في موارد :
منها : ما لو
باع ماله المرهون جاهلا بكونه رهنا ، كما إذا استدان الوليّ للصبي ، وجعل ماله
رهنا على الدين ، ولم يعلم به الصبي حتى بلغ وباع المال زاعما كونه طلقا ، فتبيّن
كونه رهنا.
ومنها : ما لو
علم بالرهن ، وجهل حكمه من كونه ممنوعا من التصرف فيه.
ومنها : ما لو
علم بالحكم وموضوعه ، ولكنه نسي كونه رهنا ، فباع قاصدا للأصالة.
أنّ (١) نظير (٢) ذلك (٢) يتصوّر في بيع الرّاهن ، فإنّه (٤) قد يبيع رجاء
لإجازة المرتهن ، ولا ينوي الاستقلال. وقد يبيع [استقلالا] (٥) جاهلا بالرّهن ، أو
بحكمه (٦) ، أو ناسيا. ولا حرمة في شيء من ذلك (٧) ، فتأمّل (٨).
______________________________________________________
(١) الجملة في
محلّ رفع على أنّها فاعل لقوله : «ويرد عليه».
(٢) التعبير «بالنظير»
لأجل أنّ بيع الراهن بتوقّع الإجازة ليس من النيابة الجارية في بيع الفضولي
والمرتهن كما هو واضح ، بل هذا المثال نظيرهما في مجرد عدم الاستقلال ، كما لا
يخفى.
(٣) أي : وقوع
البيع تارة بقصد الأصالة ، واخرى بقصد النيابة.
(٤) أي : فإنّ
الراهن العالم بالرهن وبحكمه يمكن أن يبيع لنفسه متوقعا لإجازة ذي الحق ، وهو
المرتهن.
(٥) هذه الكلمة
غير مذكورة في نسختنا ، وأثبتناها عن بعض النسخ المصححة. وهو الأولى ، للفرق بين
الراجي للإجازة وبين الجاهل بالرهن ، فالأوّل يبيع متوقعا للإجازة ، بخلاف الجاهل
والناسي ، فهما يبيعان أصالة ، ولكن ليس بيعهما عدوانا على المرتهن ، لعدم تنجز
النهي عليهما.
(٦) يعني : إذا
كان الجهل بالحكم قصوريا ، لا تقصيريا.
(٧) أي : في
بيع الجاهل ـ بالرهن أو بالحكم ـ أو في بيع الناسي.
(٨) هذه الكلمة
مذكورة في نسختنا دون سائر النسخ ، والأولى إثباتها ، وكتب السيد الاستاد قدسسره في الهامش : «وجه التأمل على ما نقل عنه رحمهالله في الدرس : أنّه يمكن المناقشة في غير المثال الأوّل
بأنّ الموجب للفساد النهي الواقعي ، وعدم تأثيره في الصور المذكورة في الحرمة لا
ينفع في الحكم بالصحة ، مع عدم العذر عنه الجهل بالحكم أو لنسيانه» .
__________________
وثانيا (١) :
أنّ المتيقن من الإجماع
______________________________________________________
وهو كذلك ،
ضرورة أنّ دلالة النهي على الفساد غير مترتبة على تنجزه. ووجه كون النهي واقعيا هو
تعلق حق المرتهن بالعين المرهونة.
(١) هذا رابع
الوجوه ، وغرضه قدسسره منع كبرى «دلالة النهي عن المعاملة لأمر داخل فيها على
الفساد».
وحاصله : أنّ
النهي في معاقد الإجماعات والأخبار لا يدل على الفساد ، لقيام قرينة على ذلك ، وهي
عطف «المرتهن» على «الراهن» وقد تقدم أنّ المنع عن بيع المرتهن إنّما يكون على وجه
الاستقلال ، دون ما إذا كان على وجه النيابة ، فإنّه يصح وينفذ بالإجازة. فالراهن
أيضا كذلك.
وتوضيحه : أنّ
المقتضي لصحة بيع الراهن تأهّلا موجود ، والمانع مفقود.
أما وجود
المقتضي في مقام الإثبات فهو عموم الأمر بالوفاء بالعقود ، وإطلاق حلّ البيع
والتجارة عن تراض ، إذ لا قصور في شمولها لبيع الراهن المفروض كونه مالكا للمبيع.
وأمّا فقد
المانع فلأنّ المانع هو النبوي المرسل من «منع الراهن والمرتهن عن التصرف في الرهن»
والإجماع على هذا المضمون.
ولكن لا يصلح
شيء منهما للمنع عن الصحة. أمّا المرسل فلتعلّق «المنع» بتصرف كلّ من الراهن
والمرتهن ، والمفروض قيام القرينة على أن المقصود بمنع المرتهن هو عدم الاستقلال ،
لا الفساد رأسا ، فلو باع موقوفا على إجازة الراهن صحّ بلا إشكال. ومقتضى وحدة
السياق إرادة هذا المعنى بالنسبة إلى الراهن ، فلو باع برجاء إجازة المرتهن ،
وأجازه ، لم يكن مشمولا للمنع الوارد في المرسلة.
ولو شكّ في
عموم «المنع» لما إذا باع متوقعا للإجازة ، تعيّن الرجوع إلى عمومات الصحة ، لكونه
من موارد إجمال المقيّد ، لدورانه بين الأقلّ والأكثر ، فيقتصر في التقييد على ما
إذا باع ولم يجزه المرتهن.
والأخبار (١) على منع الراهن كونه (٢) على نحو منع المرتهن ، على ما يقتضيه
عبارة معقد الإجماع والأخبار ، أعني قولهم : «الراهن والمرتهن ممنوعان» ، ومن
المعلوم (٣) أنّ المنع في المرتهن إنّما هو على وجه لا ينافي وقوعه موقوفا ،
وحاصله (٤) يرجع إلى منع العقد على الرهن والوفاء (٥) بمقتضاه على سبيل الاستقلال وعدم
مراجعة صاحبه في ذلك (٦). وإثبات المنع (٧) أزيد من ذلك
______________________________________________________
وأما الإجماع
على منع التصرف فكذلك ، لذهاب المجمعين إلى صحة تصرف المرتهن بإجازة الراهن ، وعدم
بطلانه رأسا ، فيكون قرينة على المراد من منع الراهن. ولو شكّ لزم الأخذ بالمتيقن
من الدليل اللّبي ، وهو الحكم بالفساد على تقدير عدم تعقب الإجازة.
(١) الظاهر أن
المراد بالأخبار هو ما ادّعاه شيخ الطائفة قدسسره في الخلاف ، لا خصوص ما أرسله العلّامة في المختلف ،
فإنّه خبر واحد بهذا المضمون.
(٢) يعني : لم
ينهض دليل بالخصوص على منع الراهن عن التصرف ، وإنّما ورد المنع عن تصرفهما معا في
دليل واحد.
(٣) غرض المصنف
قدسسره إقامة القرينة على أنّ المنع في الراهن ليس بمعنى
البطلان ، وهي : أنّ المنع في المرتهن متعلق بالاستقلال ، كما تقدم آنفا.
(٤) أي : وحاصل
منع الراهن والمرتهن ـ بقرينة السياق وبضميمة تسلّم الحكم في تصرف المرتهن ـ هو
منعهما عن التصرف على وجه الاستقلال ، وعدم لحوق الإجازة من الآخر.
(٥) معطوف على «العقد»
أي : منع الوفاء على وجه الاستقلال.
(٦) أي : في
العقد على العين المرهونة ، والوفاء به.
(٧) أي :
وإثبات منع تصرّفهما في الرهن أزيد من العقد ـ على وجه الاستقلال ـ يحتاج إلى دليل
، وهو مفقود.
يحتاج إلى دليل ، ومع عدمه يرجع إلى العمومات (١) (*).
وأمّا ما ذكره ـ
من منع جريان التعليل في روايات العبد فيما (٢) نحن فيه مستندا (٣) إلى الفرق
بينهما ـ فلم أتحقّق (٤) الفرق بينهما ،
______________________________________________________
(١) لحجية
أصالتي العموم والإطلاق في الشك في التخصيص الزائد ، والتقييد كذلك.
(٢) متعلق ب «جريان»
والمراد ب «ما نحن فيه» بيع الراهن العين المرهونة.
(٣) حال ل «منع».
(٤) جواب الشرط
في قوله : «وأمّا ما ذكره». وهذا خامس وجوه الاعتراض على ما في المقابس ، وهو ناظر
إلى ما أفاده قدسسره من منع دلالة التعليل ـ الوارد في نكاح العبد بغير إذنه
ـ على نفوذ بيع الراهن بإجازة المرتهن ، حيث قال : «وأمّا
__________________
بل الظاهر (١) كون النهي في كلّ منهما (٢) لحقّ الغير ، فإنّ منع الله جلّ
ذكره من تفويت حقّ الغير ثابت في كلّ ما كان النهي عنه لحقّ الغير ، من غير فرق
بين بيع الفضولي ، ونكاح العبد ، وبيع الراهن.
وأمّا ما ذكره ـ
من المساواة بين بيع الراهن وبيع الوقف وأمّ الولد ـ ففيه (٣) : أنّ الحكم فيهما
تعبّد ،
______________________________________________________
التعليل المستفاد من الرواية المرويّة في النكاح ... فهو جار في من لم يكن
مالكا ...».
وملخص إشكال
المصنف قدسسره عليه هو : أنّه لم يظهر فرق بين مورد التعليل أعني
النكاح ، وبين المقام والفضولي وغير ذلك مما يكون النهي لتعلق حق الغير بأحد
العوضين ، إذ منشأ النهي هو تعلق حق الغير ، ومن المعلوم أنّه موجود في الكل ولا
فرق بين مورد التعليل من عدم كون العبد مالكا ، وبين بيع الراهن من كونه مالكا
محجورا عن التصرف ، رعاية لحق المرتهن ومصلحته.
وعليه فالحقّ
صحة التمسك ـ على صحة بيع الراهن ـ بالعلة المزبورة.
(١) إذ لا
خصوصية ـ بنظر العرف ـ للمورد ، بل العبرة بعموم التعليل الوارد ، كما في مثل «لا
تأكل الرمان لأنه حامض».
(٢) أي : من
نكاح العبد وبيع الراهن.
(٣) هذا سادس
الوجوه ، وهو ناظر إلى ما أفاده صاحب المقابس قدسسره من مساواة بيع الراهن لبيع الوقف وأمّ الولد في دلالة
النهي في الجميع على الفساد ، حيث قال : «وهو كاف في اقتضاء الفساد ، كما اقتضاه
في بيع الوقف وأمّ الولد وغيرهما ، مع استوائهما في كون سبب النهي حق الغير».
وحاصل إشكال
المصنف قدسسره عليه : عدم كون مناط المنع ـ في الجميع ـ واحدا ، وذلك
لأنّ فساد البيع في الوقف وأمّ الولد تعبد محض ، ولذا لا يجدي الإذن السابق أيضا
في صحتهما. فلو كان النهي عن بيعهما لمراعاة حق الغير لكان الإذن
ولذا (١) لا يؤثّر الإذن السابق في صحة البيع ، فقياس الرهن عليه (٢) في
غير محلّه.
وبالجملة (٣) :
فالمستفاد من طريقة الأصحاب
______________________________________________________
السابق من ذي الحق كافيا في صحتهما. وهذا بخلاف بيع الراهن ، لصحته بإذن
المرتهن.
(١) أي : ولأجل
كون المنع تعبديا في الوقف وأمّ الولد ـ لا لرعاية الحقّ القابل للإسقاط ـ لا يؤثر
... الخ.
(٢) أي : على
كل واحد من بيع الوقف وأمّ الولد.
(٣) هذا ملخّص
ما أفاده في الجهة الاولى من قوله : «وإنّما الكلام في أن بيع الراهن هل يقع باطلا
من أصله ، أو يقع موقوفا على الإجازة» ثم قوّى الثاني واستدل عليه بوجوه ثلاثة ،
وناقش في كلام صاحب المقابس بوجوه ستة تقدمت.
وهذه الخلاصة
نبّه عليها صاحب المقابس في آخر عبارته المتقدمة واحتمل فيها الصحة ، حيث قال : «وما
ذكرناه جار في كل مالك متوّل لأمر نفسه إذا حجر على ماله لعارض ...» فكلام المصنف
هنا لا يخلو من تعريض بهذه الكبرى.
ومحصّله : أنّ
النهي عن معاملة تارة يكون تعبدا محضا وإن تضمّن مصلحة الغير أحيانا ، فيبطل كبيع
أمّ الولد والوقف ، فلا أثر لرضا الأمة والواقف والموقوف عليه بالبيع.
واخرى يكون
رعاية لمصلحة الغير بنحو يصح إسقاط حقّه ، ففي هذا القسم لا يبطل العقد رأسا ، بل
يقع موقوفا على إجازة ذي الحق. وله نظائر :
الأوّل : عقد
الفضولي ببيع مال الغير أو إجارته أو هبته أو الصلح عليه ، وكذا في غير العقود
المعاوضية كالنكاح الفضولي.
الثاني : عقد
الراهن بناء على ما حققه المصنف من صحته التأهلية ، ودخل إجازة المرتهن في تأثير
السبب.
ـ بل الأخبار (١) ـ أنّ المنع من المعاملة إن كان لحقّ الغير (٢) الذي يكفي
إذنه السابق (٣) ، لا يقتضي (٤) الإبطال رأسا ، بل إنّما يقتضي (٥) الفساد ،
______________________________________________________
الثالث : تصرّف
المفلّس في أمواله ، بعد حجر الحاكم الشرعي ، فلا يفسد ، بل أمره بيد الغرماء ،
إجازة وردّا.
الرابع : تصرف
المريض ـ في مرض الموت ـ في الزائد على الثلث ، فإنّه وإن كان مالكا لأمواله ، لكن
نفوذ تصرفه موقوف على إجازة الوارث.
الخامس : إذا
عقد الزوج على بنت أخ زوجته أو على بنت اختها ، فنفوذه موقوف على إمضاء ذات الحق
وهي العمة أو الخالة.
السادس : إذا
عقد ـ من له زوجة حرّة ـ على أمة ، فلا يقع فاسدا ، بل موقوفا على إجازة الحرة ،
فإن نفّذته صح ، وإن ردّته بطل.
والحاصل : أنّ
المنع في هذه الموارد يراد به عدم الاستقلال في تأثير العقد ، وسببيّته لترتب
الأثر عليه من دون المراجعة إلى من له الحق ، والاستجازة منه.
(١) يعني :
الأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة ، وتقدم جملة منها في بيع الفضولي دلالة
وتأييدا ، وكذا ما ورد في نكاح الفضولي ، وتصرفات المريض
والمفلّس ، والعقد على بنت أخ الزوجة وعلى بنت اختها ، وغير ذلك.
(٢) يعني :
الحق القابل للإسقاط ، وإلّا فالنهي عن بيع أمّ الولد يكون إكراما لها ، ولكنه ليس
قابلا للإسقاط ، فهو بحسب الاصطلاح حكم لا حقّ ، على ما تقدم في أوّل البيع من
الفرق بينهما.
(٣) فإن كفى
إذنه السابق ، فقد كفت إجازته اللاحقة.
(٤) خبر قوله :
«ان المنع» والجملة خبر قوله : «فالمستفاد».
(٥) أي : يقتضي
المنع الفساد ، والمراد بالفساد عدم الاستقلال في التأثير ، لا البطلان رأسا.
__________________
بمعنى عدم ترتب الأثر عليه مستقلّا من دون مراجعة ذي الحقّ. ويندرج في ذلك (١)
: الفضوليّ وعقد الراهن ، والمفلّس ، والمريض ، وعقد الزوج لبنت اخت زوجته أو
أخيها ، وللأمة على الحرّة ، وغير ذلك (٢) ، فإنّ النهي في جميع ذلك (٣) إنّما
يقتضي الفساد بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود من العقد عرفا ، وهو صيرورته سببا
مستقلا لآثاره من دون مدخلية رضا غير المتعاقدين.
وقد يتخيّل (٤)
وجه آخر لبطلان البيع هنا ،
______________________________________________________
(١) أي : يندرج
في ما إذا كان المنع عن المعاملة رعاية لحقّ الغير.
(٢) كما إذا
اشترى سلعة حالا ، وباعها قبل تسليم الثمن ، فهو من مصاديق الفضولي ، فإن أجاز
البائع صحّ ، وإلّا بطل. وكذا لو باع المرتهن الرهن ، فإنه موقوف على إجازة
الراهن.
(٣) أي : في
عقد الفضولي والراهن والمفلّس ... الخ.
هذا تمام
الكلام في الوجه الأوّل على بطلان بيع الراهن ، والمناقشة فيه ، ويأتي تقريب الوجه
الثاني.
(٤) المتخيّل
صاحب المقابس قدسسره ، وهذا وجه ثان للقول ببطلان بيع الراهن رأسا ، أفاده
في ما لو باع الراهن وافتكّ الرهن قبل إجازة المرتهن ، فهل يلزم العقد لزوال
المانع ، أو يبطل ، لتعذر شرطه ، حيث قال في جملة كلامه : «ولو قلنا بأنّ من باع
شيئا فضولا ، ثم انتقل إليه ، لزم العقد من حين النقل ، فيكون لازما هنا بطريق
أولى. ومن هنا تبيّن وجه قوة القول بالبطلان ، لامتناع صحة صدور عقدين منه
متنافيين مع كونهما لازمين ، فتجويز أحدهما دليل المنع من الآخر» .
ومبنى الإشكال
الالتزام بكون إجازة بيع الفضولي كاشفة عن ترتب النقل على العقد ، وهو الكشف
الحقيقي على ما تقدّم تفصيله في مسألة «من باع ثم ملك» ، فراجع.
__________________
بناء على ما سيجيء (١) ، من أنّ ظاهرهم كون الإجازة هنا كاشفة ، حيث إنّه
يلزم منه (٢) كون مال غير الرّاهن ـ وهو المشتري ـ رهنا للبائع.
وبعبارة اخرى (٣)
: الرّهن والبيع متنافيان ، فلا يحكم بتحققهما في زمان
______________________________________________________
وكيف كان
فتوضيح ما قرّره المصنف قدسسره من الإشكال هو : أنّ إجازة المرتهن كاشفة عن تأثير بيع
الراهن ـ من حين العقد ـ كما سيأتي تحقيقه في المتن. ويترتب عليه صيرورة العين ـ
قبل تحقق إجازة المرتهن مع كونها ملكا للمشتري ـ رهنا للبائع ، حيث إنّ المفروض
بناء على الكشف هو انتقال العين إلى المشتري بمجرد العقد. وأمّا حق الرهن فلا يسقط
إلّا بإجازة المرتهن ، فيلزم كون المبيع في الزمان المتخلّل بين العقد والإجازة
رهنا للبائع مع صيرورته ملكا للمشتري بنفس البيع.
مثلا لو باع
الراهن الرهن يوم السبت بدون إذن المرتهن ، وأجازه يوم الأحد ، فمن جهة كون
الإجازة كاشفة يلزم دخول الرهن في ملك المشتري في يوم السبت ، وسقوط حق الرهانة عن
المال الخارج عن ملك الراهن. ومن جهة اخرى تتوقف صحة الإجازة على بقاء حق الرهن
إلى يوم الأحد ليتمشّى إجازة المرتهن ، وهو يتوقف على كون مال المشتري رهنا عند
المرتهن ، وهو ممنوع كما سيأتي في قوله : «وبعبارة اخرى».
(١) سيأتي في (ص
٥١٩) تصريح المصنف بأن «القول بالكشف هناك ـ أي في البيع الفضولي ـ يستلزمه هنا
بالفحوى» وصرّح صاحب المقابس به أيضا بقوله : «لاحتمال كون الإجازة ناقلة في
الفضولي ، لكونها جزء المقتضي للنقل ... بخلافها هنا ، فإنّها كاشفة قطعا» وعليه
فمبنى الإشكال كأنّه مسلّم عند الكلّ.
(٢) أي : من
كون إجازة المرتهن كاشفة عن تأثير البيع من زمان وقوعه.
(٣) هذه
العبارة أظهر ـ من سابقتها ـ في إثبات التنافي بين الرهن والبيع ، وأنّ لازم القول
بالكشف اجتماع مالكين على مال واحد في المدة المتوسطة بين بيع الراهن وإجازة
المرتهن. والمنافاة ـ التي ادعاها المتخيّل ـ مبنية على اعتبار بقاء العين
واحد ، أعني : ما قبل الإجازة (١). وهذا (٢) نظير ما تقدّم في مسألة «من
باع شيئا ثمّ ملكه» من (٣) أنّه على تقدير صحّة البيع يلزم كون الملك
______________________________________________________
المرهونة على ملك مالكها في بقاء حق الرهن ، فإذا خرجت عن ملك مالكها خرجت
عن الرهنية ، ومن المعلوم امتناع الجمع حينئذ بين بقائها على الرهنية وبين
صيرورتها ملكا للمشتري بنفس العقد كما هو قضية كاشفية الإجازة ، فإنّ الجمع بينهما
جمع بين المتنافيين كما لا يخفى ، فلا محالة يقع البيع فاسدا (*).
(١) يعني : في
الزمان المتخلل بين بيع الراهن وإجازة المرتهن.
(٢) يعني : أنّ
اجتماع المالكين ـ وهما البائع بناء على اعتبار الملكية في المرهونة ، والمشتري
بناء على كشف الإجازة عن مالكية المشتري للمبيع بنفس العقد ـ نظير الإشكال المتقدم
في «من باع شيئا ثم ملكه» من أن المبيع يكون ملكا لشخصين : أحدهما المجيز ، لتوقف
صحة الإجازة على كونه مالكا ، والآخر : المشتري الذي اشتراه من الفضولي ، على ما تقتضيه
كاشفية الإجازة ، فقبل تحقق الإجازة يكون المبيع ملكا لشخصين ، كما هو الحال في كل
عقد فضولي كما ذكروه في محله من بحث الفضولي.
(٣) بيان
للموصول في «ما تقدم» وغرضه الإشارة إلى ما أفاده صاحب المقابس في رابع الوجوه
التي وجّهها على القول بالصحة في ما لو باع الفضولي مال غيره ثم ملكه ، حيث قال : «ان
العقد الأوّل إنّما صح وترتب عليه أثره بإجازة الفضولي ، وهي متوقفة على صحة العقد
الثاني ، المتوقفة على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي ، فتكون صحة الأوّل
مستلزمة لكون المال المعيّن ملكا للمالك ، وملكا
__________________
لشخصين (١) في الواقع.
ويدفعه (٢) :
أنّ القائل يلتزم بكشف الإجازة عن عدم الرهن في الواقع (٣) ، وإلّا (٤) لجرى
______________________________________________________
للمشتري معا في زمان واحد ، وهو محال» .
(١) الأوّل :
المشتري من الراهن ، لصيرورته مالكا من يوم السبت بعد الإجازة الكاشفة عن صحة
البيع. والثاني : الراهن ، لتوقف صحة إجازة المرتهن على مالكيته حتى يتعلق حق
الرهانة بالرهن.
هذا تقريب
الوجه الثاني لفساد البيع.
(٢) أي : ويدفع
تخيّل بطلان البيع ، وهذا ردّ الوجه الثاني ، وحاصله : أنّ إجازة المرتهن تكشف عن
زوال الرّهن آنا مّا قبل البيع ، بحيث وقع البيع على غير المرهون ، فلا يلزم محذور
اجتماع المالكين ـ وهما البائع والمشتري ـ في الزمان المتخلل بين العقد وبين إجازة
المرتهن ، إذ المفروض انكشاف بطلان الرهن بسبب الإجازة قبل البيع آنا مّا ، فيكون
المالك بعد العقد واحدا وهو المشتري.
وأمّا احتمال
انكشاف بطلان الرهن من أصله بالإجازة فلا موجب له ، بل مقتضى الاستصحاب خلافه كما
لا يخفى.
(٣) بأن تكون
الاجازة كاشفة عن إسقاط حقه.
(٤) يعني : وإن
لم تكن الإجازة كاشفة يلزم هذا المحذور فيما إذا كان العاقد فضوليا غير الراهن ،
لاجتماع المالكين أيضا ، كما لو باع الفضولي مال زيد يوم السبت وأجازه يوم الأحد ،
فلازم الكشف كون المشتري هو المالك من يوم السبت ، ولازم إناطة الإجازة بالملك كون
المجيز هو المالك إلى زمان الإجازة ، فيلزم محذور اجتماع المالكين في كل عقد فضولي
بناء على الكشف.
__________________
ذلك (١) في عقد الفضولي أيضا (٢) ، لأنّ (٣) فرض كون المجيز مالكا للمبيع
نافذ (٤) الإجازة يوجب (٥) تملّك مالكين لملك واحد قبل الإجازة.
وأمّا ما يلزم (٦)
في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» فلا يلزم في مسألة
______________________________________________________
(١) أي :
التنافي بين البيع والرهن.
(٢) يعني : كما
جرى في إجازة المرتهن بيع الراهن.
(٣) تعليل
لجريان محذور اجتماع المالكين في كل عقد فضولي ، وتقدم بيانه آنفا.
(٤) خبر ثان ل «كون
المجيز» أو حال عن المجيز.
(٥) خبر قوله :
«لأن فرض».
(٦) غرضه قدسسره أنّ ملكية العين المرهونة ـ في الزمان المتوسط بين
العقد والإجازة ـ للبائع والمشتري ، تكون نظير الإشكال الساري في كل عقد فضولي ،
وهو اجتماع مالكين على ملك واحد.
وأمّا الإشكال
المختص بمسألة «من باع شيئا فضوليا ثم ملكه» فلا يجري في المقام. فافترق مورد
النفي والإثبات ، إذ الإشكال الجاري في المقام هو الإشكال العام الوارد في مطلق
الفضولي. وهذا مورد الإثبات.
وأمّا مورد
النفي فهو الإشكال المختص بمسألة «من باع شيئا ثم ملكه» وذلك الإشكال المختص هو ما
أفاده صاحب المقابس ـ في تلك المسألة ـ ذيل الإشكال الرابع بقوله :
«فإنّ قلت :
مثل هذا لازم في كل عقد فضولي ، لأنّ صحته موقوفة على الإجازة المتأخرة ، المتوقفة
على بقاء ملك المالك بعده ، والمستلزمة لملك المشتري كذلك ، فيلزم كونه بعد العقد
ملك المالك والمشتري معا في آن واحد ، فيلزم إمّا بطلان عقد الفضولي مطلقا ، أو
بطلان القول بالكشف ، فلا اختصاص للإيراد بما نحن فيه.
قلنا : يكفي في
الإجازة ملك المالك ظاهرا ، وهو الحاصل من استصحاب
إجازة المرتهن. نعم (١)
______________________________________________________
تملكه السابق ، لأنّها في الحقيقة رفع لليد وإسقاط للحق ، ولا يكفي المالك
الصوري في صحة العقد الثاني ، فتدبر» . انتهى كلامه رفع مقامه.
فملخص الإشكال
المختص بمسألة «من باع شيئا ثم ملكه» هو اجتماع المالكين حقيقة على ملك واحد في آن
واحد ، لاعتبار الملكية حقيقة في البيع ، بخلاف الملكية في الإجازة ، فإنّ الصوري
منها كاف في نفوذ الإجازة. فاجتماع المالكين في سائر العقود الفضولية ليس حقيقيا ،
وفي مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» يكون حقيقيا. هذا في صورة إجازة البائع الذي باع
فضوليا ثم ملك وأجاز.
وأمّا إذا لم
يجز ذلك ، فالمانع عن صحته هو أنّ نفس انتقال المبيع إلى الفضولي ليس إمضاء لمضمون
العقد الذي أوقعه فضولا حتى يقال : بترتب الأثر على عقد الفضولي من حين وقوعه ، بل
على القول بصحته لا بدّ من الالتزام بترتب أثره من زمان انتقال المبيع إلى العاقد
الفضولي ، ومع عدم طيب نفسه كيف يحكم بصحة العقد ولو من حين انتقال المبيع إليه؟
فمقتضى القاعدة البطلان.
وهذا الإشكال
المختص بمسألة «من باع شيئا ، ثم ملك ولم يجز» لا يجري في المقام ، إذ المفروض
تحقق الإجازة من المرتهن ، وهي تكشف عن أمرين :
أحدهما :
انتقال المبيع إلى المشتري حين بيع الراهن.
وثانيهما :
انتهاء زمان الرهن ، وخروج العين عن كونها وثيقة.
نعم ، يجري
فيما إذا سقط حق المرتهن بالافتكاك ، إذ لا إجازة حينئذ ، مثل من «باع شيئا ثم ملك
ولم يجز» وسيأتي ذلك.
(١) استدراك
على قوله : «فلا يلزم» يعني : أن محذور مسألة «من باع شيئا ثم ملكه فأجاز» يجري في
ما لو باع الراهن ولم تلحقه إجازة المرتهن ، ولكن افتك
__________________
يلزم (١) في مسألة افتكاك الرهن ، وسيجيء (٢) التنبيه عليه إن شاء الله
تعالى.
ثم إنّ الكلام (٣)
في كون الإجازة من المرتهن كاشفة أو ناقلة هو الكلام في
______________________________________________________
الرهن ، فإنّ حق الرهانة وإن كان يسقط بإجازة المرتهن وبإسقاط حقّه وبإبراء
الدين وبافتكاك الرهن ، إلّا أن مبدء سقوط الحق ـ في الإجازة لكونها كاشفة ـ هو
زمان بيع الراهن. ولكن مبدء انتهاء الرهن في الفك والإبراء هو زمان حصول أحدهما ،
فيكون الفك نظير إجازة الفضولي على النقل.
وعليه فلو باع
الراهن وافتك الرهن بعده لزم كون ملك المشتري رهنا في الواقع على دين البائع إلى
زمان الافتكاك ، وهذا هو إشكال لزوم كون مال غير الراهن رهنا للبائع. وسيأتي بيان
ذلك عند التعرض لشرح كلام المصنف إن شاء الله تعالى.
(١) يعني :
بناء على عدم كون الفكّ بعد البيع بمنزلة الإجازة.
(٢) يعني : في (ص
٥٢٨) بقوله : «ويحتمل عدم لزوم العقد بالفك ...» فانتظر.
هذا ما يتعلق
برد الوجه الثاني على بطلان بيع الراهن ، وبه تمّ الكلام في الجهة الاولى.
(٣) هذا شروع
في الجهة الثانية ، وهي تحقيق كون إجازة المرتهن كاشفة أو ناقلة ، ومحصله : أنه
تقدم في إجازة بيع الفضولي اقتضاء قاعدة امتناع تقدم المسبب على سببه للقول بالنقل
، وعدم ترتب الأثر على مجرد العقد من زمان وقوعه ، لكن استفيد الكشف من بعض الأدلة
الخاصة كصحيحة أبي عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين ، قال المصنف قدسسره : «نعم صحيحة أبي عبيده الواردة في تزويج الصغيرين
فضولا الآمرة بعزل الميراث ـ من الزوج المدرك الذي أجاز فمات ـ للزوجة غير المدركة
حتى تدرك وتحلف ، ظاهرة في قول الكشف» أي الكشف الحقيقي بمناط الشرط المتأخر ، في قبال الحكمي
والتعقبي.
__________________
مسألة الفضولي (١) ، ومحصّله (٢) : أن مقتضى القاعدة النقل ، إلّا أنّ
الظاهر من بعض الأخبار (٣) هو الكشف. والقول بالكشف هناك يستلزمه هنا بالفحوى ،
لأنّ (٤) إجازة المالك أشبه بجزء المقتضي ، وهي هنا من قبيل رفع المانع (*).
______________________________________________________
وبناء على هذا
فالالتزام بكون إجازة المرتهن كاشفة عن دخول العين المرهونة في ملك المشتري من
زمان تحقق بيع الراهن ، أولى ، ضرورة أنّ إجازة المالك ـ في البيع الفضولي ـ تكون
بمنزلة الإيجاب الذي هو جزء المقتضي أعني به العقد. وإجازة المرتهن تكون في رتبة
عدم المانع ، لأنّ حق الرهانة من موانع تأثير تصرف المالك ، فإجازة المرتهن رفع
للمانع. فإذا جاز تقدم المسبب على المقتضي جاز تقدمه على عدم المانع بالأولوية
القطعية ، لتأخر رتبة عدم المانع عن رتبة المقتضي والشرط.
(١) فمن قال في
البيع الفضولي بالنقل قال به هنا ، ومن قال ثمة بالكشف فكذا هنا ، لوحدة المناط.
(٢) أي :
ومحصّل الكلام : أن مقتضى تقدم أجزاء السبب على المسبب هو النقل.
(٣) كصحيحة
محمد بن قيس الواردة في بيع الوليدة بغير إذن السيد ، وصحيحة أبي عبيدة المشار إليها آنفا ، وغيرهما ، فراجع.
(٤) هذا تقريب
الفحوى ، وحاصله : أنّ رتبة عدم المانع متأخرة عن رتبة المقتضي.
__________________
__________________
ومن أجل ذلك (١)
جوّزوا (٢) عتق الراهن هنا مع تعقب إجازة المرتهن (٣) ، مع أنّ الإيقاعات عندهم لا
تقع مراعاة (٤).
______________________________________________________
(١) أي : ومن
أجل كون إجازة المرتهن من قبيل رفع المانع عن تأثير بيع الراهن ـ ولا دخل لها في
المقتضي ـ جوّزوا للرّاهن عتق مملوكه المرهون إذا تعقبه إجازة المرتهن. مع أن
العتق إيقاع ، وادعي الإجماع على عدم جريان الفضولية في الإيقاعات. فلو كانت إجازة
المرتهن ناقلة لزم وقوع العتق مراعى بمعنى تأخره وانفصاله عن صيغته.
وعليه فصحة
العتق مراعى بإجازة المرتهن تشهد بأنّ مرادهم من منع الإيقاع الفضولي هو ما إذا
كان القصور في المقتضي ، كما إذا لم يكن المعتق مالكا أو من يقوم مقامه.
(٢) ظاهره كون
الجواز مذهب الكل أو الجلّ ، وهو كذلك ، فإنّ السيد العاملي قدسسره لم يحك الخلاف إلّا عن شيخ الطائفة وأتباعه كابني زهرة
وحمزة وسلّار ، وهو جار على مبناهم من عدم جواز الفضولي مطلقا.
نعم قد يشكل
مخالفة الشهيد قدسسره في محكّي الدروس. وقد يوجّه ـ كما في الجواهر ـ بأن يكون مراد الجميع مع عدم تعقب الإجازة ، فتأمّل.
(٣) قال المحقق
قدسسره : «وفي صحة العتق مع الإجازة تردد ، والوجه الجواز» .
(٤) مقصوده
بالمراعى هو الموقوف ، أي : لا تقع موقوفة على الإجازة ، وإلّا فاصطلاحهم في
المراعى هو وقوع الشيء صحيحا في نفس الأمر ، ويكون وجود الموقوف عليه كاشفا محضا
عن صحته من حين وقوعه. واصطلاحهم في الموقوف هو ما بقي من علته التامة جزء لم
يتحقق بعد .
__________________
والاعتذار (١)
______________________________________________________
وبعبارة اخرى :
الفرق بينهما أن الرعاية ناظرة إلى مقام الإثبات ، والوقف إلى مقام الثبوت.
(١) توضيحه :
أنّه لو جني على عبد مرهون ، فعفا المولى ـ وهو الراهن ـ عن الجناية في الخطاء ،
أو عفا عن الجناية وعن المال ـ في العمد ـ الذي هو بدل عنها وعن الإتلاف ، فهل يصح
عفوه ، أي إسقاط حقّه ، أم لا يصح رعاية لحق المرتهن ، مع أن العفو مسقط لحقّه؟
ذهب العلّامة في القواعد إلى وجوب أخذ بدل الجناية ، ثم العفو ، فإن افتكّ الرهن
بعد ذلك كشف عن صحة العفو ، وإن استمرّ الرهن ـ لبقاء الدّين في ذمة الراهن ـ لم يصحّ
العفو ، قال قدسسره : «فإن عفا الراهن فالأقرب أخذ المال في الحال لحقّ
المرتهن ، فإن انفك ظهر صحة العفو ، وإلّا فلا» وبيّن وجهين في التذكرة .
وأضاف المحقق
الثاني قدسسره إلى عفو الراهن عن الجناية : ما لو أعتق الراهن عبده
المرهون ، فقال : «ومثل هذا ـ أي ما تقدم في العفو ـ يأتي في ما لو أعتق الراهن.
إلّا أن يفرّق بأنّ عناية الشارع بالفكّ من الرّق ـ فكان مبنيّا على التغليب ـ
أخرجته عن ذلك ، فبقي الحكم هنا الذي يدل عليه الدليل هو البطلان ، لوجود حقّ
المرتهن المنافي لوقوع العفو» .
وغرض المصنف قدسسره منع توجيه جامع المقاصد لصحة عتق الراهن ـ دون عفوه ـ
بابتنائه على تغليب الشارع لجانب الحرية على الرقية.
ووجه المنع :
أن القائلين بصحة عتق الراهن استندوا إلى إطلاق النصوص
__________________
عن ذلك (١) ببناء (٢) العتق على التغليب ـ كما فعله المحقق الثاني في كتاب
الرهن ، في مسألة عفو الراهن عن جناية الجاني على العبد المرهون ـ مناف (٣)
لتمسّكهم في العتق بعمومات العتق ، مع أنّ العلّامة (٤) قدسسره في تلك المسألة قد جوّز العفو
______________________________________________________
المرغّبة في التحرير ـ كما في الجواهر أيضا ـ كمعتبرة زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أعتق مسلما أعتق الله العزيز الجبار بكلّ عضو منه
عضوا من النار» . فلو لا هذا الإطلاق لم يجد مجرّد بناء العتق على
التغليب في الخروج عن إجماعهم على عدم وقوع الإيقاعات مراعاة.
(١) أي : عن
وقوع عتق الراهن موقوفا على إجازة المرتهن.
(٢) متعلق
بالاعتذار ، وهذا مضمون كلام المحقق الثاني قدسسره ، وتقدّم آنفا.
(٣) خبر قوله :
«والاعتذار» ووجه المنافاة : أنه لو كان العتق لأجل بنائه على التغليب لكان اللازم
التمسك به لا بعمومات العتق ، هذا (*).
(٤) ظاهر
العبارة بحسب السياق أنّه إشكال آخر على الاعتذار المزبور ، وحاصله : أنّ العلّامة
قدسسره ألحق العفو عن الجناية ـ الذي هو من الإيقاعات ـ بالعتق
__________________
__________________
مراعى بفكّ الرّهن.
هذا (١) إذا
رضي المرتهن بالبيع وأجازه. أمّا إذا أسقط حقّ الرّهن ، ففي كون الإسقاط كاشفا أو
ناقلا كلام يأتي في افتكاك الرهن أو إبراء الدّين.
ثمّ (٢) إنّه
لا إشكال في أنّه لا يقع الرد بعد الإجازة ، وهو واضح.
وهل ينفع
الإجازة بعد الرّد؟ وجهان :
______________________________________________________
في النفوذ بالإجازة. فلو كان نفوذ العتق بالإجازة لخصوصية في العتق وبنائه
على التغليب ، لم يكن وجه للتعدي عن العتق إلى العفو ، فالتعدي كاشف عن خصوصية في
الإجازة وكونها من رفع المانع لا جزء المقتضي ، فوزان إجازة المرتهن وزان إجازة
المالك. كما أنّ فكّ الرهن كالإجازة رفع للمانع ، ولذا اتجه التعدي المزبور كما لا
يخفى.
والحاصل : أن
صحة العفو عن الجاني مراعى بالفك في المستقبل توجب الخدشة في ما تقدم ، من أن
الإيقاعات عندهم لا تقع مراعى.
(١) أي : نفوذ
بيع الراهن ـ وانتقال الرهن إلى المشتري بنفس العقد ـ إذا رضي المرتهن بالبيع
وأجازه. وأمّا إذا لم يجز البيع وإنّما أسقط حقّ الرهانة ليصير مال الراهن بعد
الإسقاط طلقا ، فهل يكون الإسقاط كالإجازة كاشفا عن تأثير البيع في زمان وقوعه ،
أو يكون ناقلا؟ سيأتي البحث فيه في الجهة الثالثة ، كما سيأتي فيها الفرق بين
الإجازة والإسقاط.
(٢) تعرض
المصنف قدسسره هنا لفرعين :
أحدهما : أنّه
لو أجاز المرتهن بيع الراهن ، ثم ردّه ، لغا الثاني ، لأنّ الإجازة تمّمت تأثير
العقد ، ولم يبق بعدها شيء في وعاء الاعتبار ليتعلّق به الرد والرضا ، وهو واضح.
ثانيهما : أنّه
لو ردّ المرتهن فأجاز ، فهل تنفع الإجازة المسبوقة بالرد في صحة بيع الراهن ، أم
تلغو؟ وجهان يأتي بيانهما.
من أنّ الرّد (١)
في معنى عدم رفع اليد (*) عن حقّه.
______________________________________________________
(١) هذا وجه
تأثير الإجازة بعد الرد ، وحاصله : أنّ للمرتهن حقّا في العين المرهونة ، ومعنى
ردّ بيع الراهن إبقاء حقّه ، وعدم الإعراض عنه ، وله إسقاط حقّه فيما بعد ، كما هو
شأن كل ذي حق.
فإن قلت : بيع
الراهن نظير بيع الفضولي في التوقف على الإجازة ، ومن المعلوم أنّ إجازة المالك
المسبوقة بالردّ لا تجدي في تأثير عقد الفضولي ، لسقوطه عن الصحة التأهلية بالرد.
ولمّا كان مقتضى حقّ الرهانة سلطنة المرتهن على الإمضاء والردّ ، كان ردّه موجبا
لجعل عقد الراهن بمنزلة العدم ، فلم يبق شيء في وعاء الاعتبار حتى تلحقه الإجازة.
قلت : الفرق
بين إجازة بيع الفضول والراهن هو : أنّ المجيز لعقد الفضول مالك ، وإجازته تجعله
أحد طرفي العقد ، وتصحّح انتسابه إليه حتى يخاطب بوجوب الوفاء بعهده. وقد تقرّر
أنّ البائع الأصيل لو رفع يده عن الإيجاب ـ قبل انضمام القبول إليه ـ لم يبق موضوع
للقبول.
وعليه فردّ
المالك مبطل لإنشاء الطرف الآخر ، لكونه بمنزلة ردّ الموجب قبل لحوق القبول به.
وهذا بخلاف
المقام ، ضرورة أنّ طرفي العقد هما الراهن والمشتري ، وإجازة المرتهن وإن كانت
دخيلة في التأثير ، ولكنها لا تجعل عقد الراهن عقدا للمرتهن ، لكونه أجنبيا عن
المبيع كأجنبيته عن الثمن ، فردّه لا يوجب سقوط الإنشاء عن
__________________
فله إسقاطه (١) بعد ذلك (٢). وليس ذلك (٣) كردّ بيع الفضولي (*) ، لأنّ (٤)
المجيز هناك (٥) في معنى أحد المتعاقدين (٦) ، وقد تقرّر (٧) أنّ ردّ أحد
المتعاقدين مبطل لإنشاء العاقد الآخر ، بخلافه (٨) هنا ، فإنّ المرتهن أجنبي له
حقّ في العين.
______________________________________________________
الصحة التأهلية ، ولذا لا مانع من الرضا به ، وترتب الأثر عليه.
(١) أي : إسقاط
الحق ، وضميرا «حقّه ، له» راجعان إلى المرتهن.
(٢) أي : بعد
الرّد.
(٣) أي : وليس
ردّ المرتهن نظيرا لردّ المالك البيع الفضولي. وهذا إشارة إلى دخل ، تقدّم بيانه
بقولنا : «إن قلت ...».
(٤) تعليل
لقوله : «وليس» وهو دفع الدخل ، وتقدم بقولنا : «قلت ...».
(٥) أي : في
بيع الفضولي ، حيث قال في تنبيهات الإجازة : «انّ الإجازة إنما تجعل المجيز أحد
طرفي العقد ، وإلّا لم يكن مكلّفا بالوفاء بالعقد» .
(٦) يعني : أن
المجيز وإن لم يكن صورة أحد المتعاقدين ، لقيام الإنشاء بالفضول والأصيل ، ولكن
حيث إنّ المخاطب بوجوب الوفاء هو المجيز ، فإجازته تصحّح انتساب العقد إليه ،
وتجعله أحد المتعاقدين لبّا.
(٧) يعني : في
أحكام الصيغة ، حيث قال : «والأصل في جميع ذلك : أنّ الموجب لو فسخ قبل القبول لغا
الإيجاب السابق ...» وعلّله بعدم تحقق معنى المعاقدة.
(٨) أي : بخلاف
الرد هنا يعني : في مسألة بيع الراهن بدون إذن المرتهن ، فإنّ هذا الرد غير مبطل
لإنشاء الراهن ، لكون المرتهن أجنبيا عن المبيع أي غير مالك له وإن كان حقه متعلقا
به.
__________________
__________________
ومن (١) أنّ
الإيجاب المؤثّر إنّما يتحقق برضا المالك والمرتهن ، فرضا كلّ منهما جزء مقوّم
للإيجاب المؤثّر (٢). فكما أنّ ردّ المالك في الفضولي مبطل للعقد بالتقريب المتقدم
، كذلك ردّ المرتهن. وهذا (٣) هو الأظهر من قواعدهم.
ثم إنّ (٤)
الظاهر أنّ فكّ الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة ، لسقوط حقّ
______________________________________________________
(١) هذا وجه
عدم نفع الإجازة المسبوقة بالرد ، وحاصله : أنّ العين المرهونة ليست ملكا طلقا
للراهن لتعلق حق المرتهن بها ، فمن له السلطنة على نقلها إلى المشتري هو الراهن
والمرتهن معا ، ولا يكفي فيه رضا خصوص المالك قطعا. وحينئذ يندرج المقام في
الضابطة المقررة في بيع الفضولي من قدح تخلّل رد المالك بين العقد والإجازة ، بناء
على أن المراد بالمالك من يكون رضاه دخيلا في ترتب الأثر ، إذ لا ريب في دخل رضا
المرتهن في تصرفات الراهن. فكذا يكون ردّه مسقطا لعقد الراهن عن قابلية التأثير.
(٢) فليس إيجاب
الراهن ـ بمجرّده ـ إيجابا مؤثرا على تقدير انضمام القبول به ، بل تأثيره مشروط
برضا المرتهن المستكشف بإذنه أو إجازته.
(٣) أي : عدم
نفع الإجازة بعد الرد هو الأظهر ... الخ ، لأنّه مقتضى دخل الإجازة جزءا أو شرطا
في موضوع الحكم الشرعي أعني به الملكية ، أو غيرها مما يترتب على العقد ، ومن
المعلوم أنّ انعدام جزء أو شرط من الموضوع يسقط سائر أجزائه وقيوده عن قابلية
التأثير ، لكونه كالمركب الارتباطي ، هذا.
(٤) هذه ثالثة
جهات البحث في المسألة ، وهي : أنّ الراهن لو باع الرهن بلا إذن من المرتهن ، ثم
فكّ الرهن بأداء الدين أو بإبراء الدائن ، فهل يكفي سقوط حقّ المرتهن في نفوذ
البيع ، أم ينحصر تصحيح العقد بإجازة المرتهن حتى بعد سقوط حق الرهانة؟ فيه قولان
: أحدهما كون الفك بمنزلة الإجازة ، والآخر التردد في كونه بمنزلتها.
المرتهن بذلك (١) ، كما صرّح به (٢) في التذكرة (٣) ، وحكي (٤) عن فخر
الإسلام
______________________________________________________
(١) أي :
بالفكّ ، هذا وجه السقوط ، وتوضيحه : أنّ المانع عن نفوذ العقد الصادر من المالك
الراهن منحصر في حق المرتهن ، فإذا سقط ارتفع المانع عن نفوذه ، وقد تقدّم اعتراف
المصنف قدسسره بكون إجازة المرتهن من قبيل رفع المانع. ولا فرق في
ارتفاعه بين روافعه من الإجازة والافتكاك أو الإسقاط ، فلا ينبغي التأمل في لزوم
المعاملة بسقوط حق المرتهن كما هو جماعة منهم العلّامة وولده والشهيد ، والمحقق
والشهيد الثانيين.
وبعبارة اخرى :
إضافة العين إلى المرتهن إضافة ـ يعبّر عنها بحق الرهانة ـ أحدثت سلطنة مزاحمة
لسلطنة الراهن على العين ، فإذا ارتفعت هذه السلطنة بأيّ رافع أثّرت سلطنة المالك
، لصيرورتها تامة حينئذ. فإنشاء الراهن تمليك العين وتبديلها يصير بلا مزاحم ،
فيؤثّر أثره.
ومن هنا يتضح
الفرق بين المقام وبين «من باع شيئا ثم ملك» حيث إنّ إنشاء التبديل هناك حدث قبل
إضافة الملكية المتقدمة رتبة على إنشاء المبادلة ، بخلافه هنا ، فإنّ إنشاء
التبديل وقع بعد إضافة الملكية الملحوظة قبل الإنشاء ، غاية الأمر أنّ هذا الإنشاء
زوحم بمانع ، وهو سلطنة الراهن ، فإذا زال المزاحم لا يبقى مانع عن التأثير.
(٢) أي : بكون
الفك كالإجازة ، وسقوط حق المرتهن.
(٣) قال فيها :
«ولو باع ـ أي الراهن ـ ولم يعلم المرتهن ، ففكّ ، لزم البيع ، لانتفاء المعارض» واحتمل الصحة في كتاب الرهن .
(٤) الحاكي عن
الفخر والشهيد والمحقق الكركي هو السيد العاملي قدسسرهم بقوله :
«وقد قوّى
اللزوم في العقود الفخر في الإيضاح والشهيد في حواشيه والمحقق الثاني ،
__________________
والشهيد في الحواشي ، وهو (١) الظاهر من المحقق والشهيد الثانيين.
ويحتمل عدم
لزوم العقد بالفكّ ـ كما احتمله في القواعد (٢) ـ بل
______________________________________________________
لأنها لازمة في أصلها ...» .
(١) أي : كون
الفك بمنزلة الإجازة ملزما لبيع الراهن ظاهر ... الخ ، قال المحقق الثاني ـ في شرح
قوله العلّامة قدسسرهما : «فلو افتك الرهن ففي لزوم العقود نظر» بعد بيان
الوجهين ـ ما لفظه : «إذ تصرفه قبل الانفكاك غير محكوم ببطلانه ، فكيف يحكم
ببطلانه بعده؟ وبهذا يظهر أنّ الحكم باللزوم هو الأقوى» .
وقال الشهيد
الثاني قدسسره في شرح عبارة الشرائع : «وفي عتقه مع إجازة الراهن تردد»
ما لفظه : «وعلى هذا ، لو لم يبطله المرتهن إلى أن افتك الرهن لزم» ونحوه في الروضة. والظاهر عدم خصوصية للعتق جوازا
ومنعا.
(٢) لقوله في
الجملة المنقولة عنه آنفا : «نظر» وكذلك احتمل الوجهين في رهن التذكرة ، كما أشرنا
إليه أيضا. أمّا لزوم العقود بالفك فقد نقدم.
وأما عدم
لزومها به فلوجوه ثلاثة ذكرها المصنف ثم ناقش فيها :
الأوّل : أنّ
بيع الراهن ـ حال حصوله ـ لم يكن مشمولا لدليل الإمضاء كوجوب الوفاء بالعقود ،
وحلّ البيع ، لكونه تصرفا في متعلق حق المرتهن ، والمفروض عدم لحوق إجازته به حتى
تنفّذه ، ويصير سببا تامّا للنقل. فالمانع من التأثير مقترن بالبيع ، والذي حصل
بعده هو سقوط حقّ الرهانة بسبب الفك أو بموجب آخر ، ولكن لا دليل على كفاية السقوط
، ضرورة اختصاص التعليل المذكور في صحيحة زرارة ـ الواردة في نكاح العبد بلا إذن
السيد ـ بالإجازة ، ولا وجه للتعدي عنها إلى سقوط الحق.
__________________
بمطلق (١) السقوط الحاصل بالإسقاط (٢) أو الإبراء (٣) أو بغيرهما (٤) ،
نظرا (٥) إلى أنّ الراهن تصرّف فيما فيه حقّ المرتهن (٦) ، وسقوطه (٧) بعد ذلك لا
يؤثّر في تصحيحه.
والفرق (٨) بين
الإجازة والفكّ : أن مقتضى ثبوت الحقّ له هو صحة
______________________________________________________
ونتيجة ذلك :
أن بيع الراهن حين صدوره كان مقترنا بالمانع ، وخارجا عن أدلة الإمضاء ، وفي زمان
انتفاء المانع ـ بسقوط حق الرهانة ـ لا عقد حتى يعمّه خطاب «أَوْفُوا». وسيأتي بيان الوجهين الآخرين.
(١) لمّا كان
مورد تنظّر العلّامة قدسسره خصوص فك الرهن بعد بيع الراهن ، نبّه المصنف قدسسره على جريان الاحتمالين في مطلق موجبات سقوط حقّ الرهانة
، ولا خصوصية للفكّ. وعليه فليس المراد ب «بل» الترقي ، بل المقصود مجرد التعميم.
(٢) أي : إسقاط
المرتهن حقّ الرهانة مع بقاء الدين في ذمة الراهن.
(٣) أي : إبراء
المرتهن عهدة الراهن من الدّين ، ويتبعه خروج العين عن كونها رهنا.
(٤) كما لو ضمن
شخص دين الراهن ، فانتقل إلى ذمة الضامن ، فتخرج العين عن حق الرهانة أيضا.
(٥) هذا وجه
احتمال عدم لزوم العقد ، وتقدم توضيحه آنفا.
(٦) نظير تصرف
العاقد الفضولي ببيع مال الغير فضولا ، فانتقاله إليه باشترائه من المالك لا يصحّح
العقد الذي أوقعه فضولا قبل الاشتراء.
(٧) يعني :
سقوط حق المرتهن بعد تصرف الراهن لا يؤثر في تصحيح تصرفه.
(٨) إشارة إلى
توهم ودفعه.
أمّا التوهم
فهو : أنّ الملاك في عدم تأثير العقد إن كان وقوعه على ما فيه حق المرتهن ، وعدم
تغير العقد عمّا وقع عليه ، فهذا الملاك بعينه موجود فيما إذا أجاز المرتهن أيضا ،
إذ الإجازة كالفكّ لا تؤثر في العقد الذي وقع على متعلق حق المرتهن.
وأمّا دفع
التوهم فقد أشار إليه بقوله : «ان مقتضى ثبوت الحق» وتوضيحه :
إمضائه للبيع الواقع في زمان حقّه. وإن لزم (١) من الإجازة سقوط حقّه.
وبالجملة (٢) :
فالإجازة تصرّف من المرتهن في الرهن حال وجود حقّه ـ أعني حال العقد ـ بما يوجب
سقوط حقّه ، نظير إجازة المالك (٣). بخلاف الإسقاط أو السقوط بالإبراء أو الأداء (٤)
، فإنّه (٥) ليس فيه دلالة على مضيّ العقد حال وقوعه.
______________________________________________________
أنّ من لوازم الحق سلطنة ذيه على إسقاطه بإمضاء العقد الواقع على متعلق حقه
، فبإمضائه يلزم العقد ويسقط حقّه. وهذا بخلاف سقوط الحق بالافتكاك أو غيره ،
فإنّه ليس فيه دلالة على إمضاء العقد وتنفيذه ، فمجرّد سقوط الحق لا يقتضي لزوم
العقد.
(١) يعني : أن
الإجازة تصرّف من المرتهن ، ويترتب عليه سقوط الحقّ ، لانتهاء بيع الراهن إلى
اللزوم بسبب هذه الإجازة.
(٢) هذه الجملة
بيان للفرق بين الإجازة وسقوط حقّ الرهانة ، ومحصلها ما تقدم من : أن للإجازة
متعلّقا وهو عقد الراهن ، فهو المجاز ، فإن المرتهن الملتفت إلى بيع الراهن له
السلطنة على إمضائه وفسخه. ولكن إسقاط الحق لا دلالة فيه على إمضاء العقد وإعمال
الحق أصلا ، بل قد لا يعلم المرتهن به حتى يجيزه أو يردّه.
فمن هذه الجهة
يكون إسقاط الحق نظير ما إذا باع الغاصب مالا بقصد دخول الثمن في ملكه ، ثم تملّك
المال بإرث أو اتّهاب ، فإنّ المغصوب منه ـ لجهله بتصرف الغاصب ـ لا يتمشى منه
الإجازة والرد.
(٣) لكون كل
منهما سلطانا على عقد الفضولي والراهن ، فله الإجازة والرّد.
(٤) يعني :
أداء الدين ، الموجب لفكّ الرهن ، كما يوجبه الإبراء والإسقاط وغيرهما.
(٥) أي : فإنّ
كل واحد ـ من الإسقاط والسقوط ـ لا تعلّق له بعقد الراهن حتى يمضى به.
فهو (١) أشبه شيء ببيع الفضولي أو الغاصب لنفسهما ثم تملّكهما ، وقد تقدم
الإشكال فيه عن جماعة (٢).
مضافا إلى :
استصحاب (٣) عدم اللزوم الحاكم على عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»
______________________________________________________
(١) هذا نتيجة
الفرق بين إجازة المرتهن وبين سقوط حقّ الرهانة ، يعني : فبيع الراهن ثم سقوط حقه
يكون شبيها بمسألة «من باع ثم ملك» فكما استشكل جماعة في تلك فكذا في هذه.
(٢) والمصنف قدسسره أيضا رجّح هناك القول بالبطلان ، حيث قال : «فالأقوى : العمل
بالروايات ، والفتوى بالمنع عن البيع المذكور» ، وهي ما لو باع الفضولي لنفسه ثم
اشتراه من المالك ، وأجاز. وكذا لو لم يجز ، فراجع .
(٣) هذا ثاني
الوجوه على ما احتمله العلّامة قدسسره من عدم لزوم بيع الراهن بمجرد الفكّ ، وهو استصحاب ما
كان قبل فك الرهن من عدم لزوم العقد ، لعدم تعقبه بالإجازة قبل الفك ، ولا سلطنة
للمرتهن بعد الفك حتى تنفعه الإجازة ، فيبطل.
فإن قلت : إن
المقتضي لصحة بيع الراهن ـ وهو صدوره من المالك ـ موجود ، والمانع من اللزوم هو حق
المرتهن ، فمع سقوطه يندرج العقد في عموم الأمر بالوفاء ، ويلزم.
قلت : لا مجال
للرجوع إلى العموم في المقام ، لحكومة الاستصحاب عليه.
وجه الحكومة :
أنّ الاستصحاب منقّح للموضوع ، ويحرز الخاص ، كما إذا شك في فاسقية زيد بعد سبقها
، فتستصحب ، ويحرز بالاستصحاب موضوع الخاص ، فلا يكون محكوما بحكم العام ك «أكرم
العدول أو صلّ خلفهم». فعدم جريان العموم في مثل المقام إنما هو لأجل إحراز عنوان
الخاص ، فلا شك في التخصيص حتى يتمسك بالعام.
وعليه ، فلا
وجه للإشكال على حكومة الاستصحاب على العام كما في بعض
__________________
بناء (١) على أن هذا العقد غير لازم (٢) ، فيستصحب حكم الخاصّ.
وليس (٣) ذلك
محلّ التمسك بالعام ، إذ (٤) ليس في اللفظ عموم زماني حتى يقال : إنّ المتيقن
خروجه هو العقد قبل السقوط ، فيبقى ما بعد السقوط داخلا في العامّ.
______________________________________________________
الحواشي. نعم هذه الحكومة ظاهرية لا واقعية كما هو واضح.
(١) إذ بناء
على بطلان بيع الراهن بدون إذن المرتهن ـ كما يراه صاحب المقابس قدسسره ـ لا مجال لهذا الاستصحاب ، ضرورة عدم إجداء الإجازة فضلا عن الفك
والإسقاط.
(٢) هذا تقريب
الاستصحاب ، والغرض منه إثبات فساد بيع الراهن ، لا صحته وتزلزله كما في البيوع
الخيارية. فالمقصود استصحاب عدم الملكية.
ولعلّ الأولى
في تقريبه ما حكاه صاحب الجواهر قدسسره عن المستدلّ به ، حيث قال : «مضافا إلى استصحاب حال
العقد قبل الفك من عدم التأثير» .
(٣) أي : وليس
بيع الراهن ـ بعد الفك وسقوط حقّ المرتهن ـ محلّا للتمسك بالعام. وهذا إشارة إلى
توهم منع التمسك بالاستصحاب ، وتقدم بقولنا : «فإن قلت ...».
(٤) تعليل
لقوله : «ليس» ودفع للتوهم المزبور ، وتوضيحه : أنّ الزمان لم يؤخذ مفرّدا ومكثّرا
للموضوع ليكون العقد في كل زمان موضوعا مستقلا لحكم العام حتى يقال : إنّ العقد
المقيد بزمان معيّن قد خرج عن حيّز العام ، ويشك في خروجه في غير ذلك الزمان ،
فيتمسك بالعام ، لكونه من الشك في التخصيص الزائد. بل الزمان اخذ ظرفا للحكم ،
فإذا خرج فرد كان ذلك فردا واحدا ، ولا يكون خروجه في زمان آخر تخصيصا زائدا
ليتمسك بالعام.
فتلخص : أنّ
سقوط حق المرتهن ليس كالإجازة ملزما للعقد ، بل العقد باق
__________________
ويؤيّد ما
ذكرناه (١) ـ بل يدلّ عليه (٢) ـ : ما يظهر من بعض الروايات من
______________________________________________________
على ما كان عليه من عدم اللزوم.
(١) أي :
ويؤيّد عدم صيرورة بيع الراهن لازما بالفك ما يظهر ، وهذا ثالث الوجوه ، وتوضيحه :
أن النصوص الخاصة دلّت على عدم نفوذ نكاح العبد لو تزوّج بغير إذن السيّد ، وعلم
به ولم يلحقه إجازته.
وقد أشار إليها
في مبحث إجازة الفضولي .
فمنها : صحيحة
ابن وهب : «جاء رجل إلى أبي عبد الله عليهالسلام ، فقال : إني كنت مملوكا لقوم ، وإنّي تزوّجت امرأة
حرّة بغير إذن مولاي ، ثم أعتقوني بعد ذلك. فاجدّد نكاحها حين اعتقت؟ فقال عليهالسلام : أكانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال
: نعم ، وسكتوا عنّي ، ولم يغيّروا عليّ ، فقال عليهالسلام : سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم ، أثبت على نكاحك
الأوّل» .
وجعله المصنف قدسسره في بادئ الأمر مؤيّدا لا دليلا ، لاحتمال دخل الإجازة
بالخصوص فيما لم يكن اللزوم لعدم المقتضي ، وكون القصور لأجله ، لا لأجل وجود
المانع ، فإنّ العبد لا مقتضي لنفوذ تصرفاته ، لكونه مسلوب السلطنة ولا يقدر على
شيء. بخلاف الراهن السلطان على التصرف في ماله ، غاية الأمر أنّ حق المرتهن صار
مانعا عن نفوذ تصرفاته ، فإذا ارتفع المانع أثّر المقتضي في المقتضى.
وهذا الاحتمال
يوجب سقوط الاستدلال بالصحيحة على نفوذ بيع الراهن بسقوط حق المرتهن ، فتكون
الصحيحة مؤيدة.
(٢) وجه
الدلالة : ظهور الرواية في أن عقد النكاح لمّا لم يجب الوفاء به حال حدوثه ـ لكونه
تصرفا في ملك السيد بغير إذنه ـ كان كذلك بقاء ، ولا يقتضي العتق دخول هذا العقد
في عموم وجوب الوفاء بالعقود. والظاهر عدم الفرق في هذه الجهة
__________________
عدم صحة نكاح العبد بدون إذن سيّده بمجرّد (١) عتقه ما لم يتحقق الإجازة (٢)
ولو بالرضا (٣) المستكشف من سكوت السيّد مع علمه (٤) بالنكاح ، هذا.
ولكنّ الإنصاف
ضعف الاحتمال المذكور (٥) ، من جهة أنّ (٦) عدم تأثير بيع المالك في زمان الرهن
ليس إلّا لمزاحمة حقّ المرتهن المتقدّم على حقّ المالك
______________________________________________________
بين نكاح العبد وبين بيع الراهن ، فتكون هذه النصوص دليلا على عدم تأثير
فكّ الرهن في ترتب الأثر على البيع السابق.
(١) متعلق ب «صحة».
(٢) أي : إجازة
السيد قبل العتق ، فيكون من أنحاء العقد الفضولي.
(٣) متعلق
بالإجازة وإشارة إلى الفرد الخفيّ منها ، إذ قد تحصل بقول السيد : «أجزت» وقد تحصل
بالفعل الدال على الرضا بنكاح العبد كإهداء شيء لزوجته ، وقد تحصل بمجرد السكوت
وعدم إظهار الكراهة.
(٤) إذ لو لم
يعلم السيد بالنكاح لم يكن سكوته إجازة قطعا ، لعدم دلالته على الرضا.
(٥) وهو احتمال
عدم لزوم بيع الراهن بالفك المتقدم في (ص ٥٢٨) ، ومنشأ ضعفه عدم تمامية الوجوه
الثلاثة المتقدمة ، كما سيظهر.
(٦) هذا منع
الوجه الأوّل ، وحاصله : أنّ عدم نفوذ بيع الراهن إنّما هو لأجل المانع لا لعدم
المقتضي ، فإذا ارتفع المانع أثّر المقتضي. مثلا : إذا القي الثوب الذي فيه رطوبة
مانعة عن الاحتراق في النار ، فما دامت الرطوبة باقية لا يحترق الثوب ، وأمّا بعد زوال
الرطوبة فيحترق بها.
وفي المقام
تكون أدلة الإمضاء مقتضية لتأثير بيع الراهن في النقل ، وعدم فعلية التأثير إنّما
هو لوجود المزاحم وهو حق المرتهن المفروض سبقه على البيع ، ولكن لا ريب في أن
مزاحمة المانع ما دامية لا مطلقة ، فمع سقوط حقّه بقي وجوب الوفاء بالبيع بلا
مزاحم ، فيؤثّر.
بتسليط (١) المالك ، فعدم الأثر ليس لقصور في المقتضي (٢) ، وإنّما هو (٣)
من جهة المانع ، فإذا زال أثّر المقتضي.
ومرجع ما ذكرنا
(٤) إلى : أنّ أدلة سببية البيع ـ المستفادة من نحو (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) و«الناس مسلّطون على أموالهم» ونحوه ذلك (٥) عامّة (٦) ، وخروج زمان الرّهن يعلم أنّه
من جهة مزاحمة حق المرتهن الذي هو أسبق ، فإذا زال المزاحم وجب تأثير السبب (٧).
ولا مجال
لاستصحاب عدم تأثير البيع (٨) ،
______________________________________________________
(١) متعلق ب «حق
المرتهن» أي : حقّه الحاصل في الرهن بسبب تسليط الراهن.
(٢) المقتضي في
مقام الثبوت هو الملك ، والمقتضي في مقام الإثبات هو عمومات الصحة ، من آية الوفاء
وحديث السلطنة.
(٣) أي : عدم
الأثر ، وهو النقل والانتقال.
(٤) أي : كون
عدم تأثير بيع الراهن لمزاحمة حق المرتهن ، لا لقصور المقتضي.
(٥) كآية
التجارة عن تراض ، وحلّ البيع.
(٦) فبيع المال
المملوك صحيح ، سواء أكان مرهونا أم لم يكن.
(٧) فلو لم
يؤثّر لزم عدم كون البيع سببا للتمليك ، وهو خلف.
(٨) هذا منع
الوجه الثاني ، وحاصله : عدم جريان استصحاب عدم التأثير هنا ، لأن البناء على
تأثير البيع السابق ـ بعد سقوط حق المرتهن ـ يكون من نقض اليقين باليقين ، لا من
نقض اليقين بالشك ، وذلك لأنّ مناط المستصحب ـ أعني به جواز العقد ـ هو حقّ
المرتهن المزاحم للزوم ، والمفروض سقوط حقّه والعلم بارتفاعه ، ومن المعلوم تبعية
الحكم بالجواز لمناطه ، فيرتفع بانتفاء المناط.
__________________
للعلم (١) بمناط المستصحب وارتفاعه. فالمقام (٢) من باب وجوب العمل بالعام
، لا من مقام استصحاب حكم الخاص ، فافهم (٣).
وأمّا قياس ما
نحن فيه (٤) على نكاح العبد بدون إذن سيّده ، فهو قياس
______________________________________________________
وبعبارة اخرى :
يعتبر في صدق «نقض اليقين بالشك» وحدة موضوع القضية المتيقنة والمشكوكة ، كاليقين
بعدالة زيد يوم الجمعة ، والشك في بقائها يوم السبت. وهذا الأمر غير متحقق في
المقام من جهة تبدل الموضوع ، لأن المتيقن السابق عدم تأثير بيع الرهن ، لكونه
متعلق حق الرهانة ، والمشكوك اللاحق هو بيع المال الطّلق ، لسقوط حق المرتهن عنه ،
ويعمه الأمر بالوفاء حينئذ.
وبهذا ردّ صاحب
الجواهر الاستصحاب ، فراجع .
(١) تعليل ل «لا
مجال» والمناط حق المرتهن ، والمستصحب هو عدم التأثير.
(٢) هذا نتيجة
عدم كون المورد موضوعا لدليل الاستصحاب ، وأنّه بعد ارتفاع المانع يرجع إلى
العموم.
(٣) لعلّه
إشارة إلى : أنّ مجرد العلم بارتفاع مناط الحدوث لا يكفي في العلم بارتفاع الحكم
الناشئ عنه ، لاحتمال كون المناط حكمة غير مطردة ، لا علة يدور الحكم معها وجودا
وعدما. فالشكّ في بقاء الحكم موجود مع وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة.
فالأولى أن
يقال : إنّ التخصيص لمّا كان من الأوّل ، فبعد زمان التخصيص يرجع إلى العام وإن لم
يكن له عموم زماني كما ثبت في الاصول ، بعد كون العقد عقد المالك ، بخلاف عقد
الفضولي وإجازته بعد التملك .
(٤) غرضه قدسسره منع الوجه الثالث ، وهو استفادة الحكم من بطلان نكاح
العبد
__________________
مع الفارق ، لأنّ المانع عن سببية نكاح العبد بدون إذن سيّده قصور تصرّفاته
عن الاستقلال في التأثير ، لا مزاحمة حق السيّد لمقتضى النكاح (١) ، إذ (٢) لا
منافاة بين كونه عبدا وكونه زوجا.
ولأجل ما ذكرنا
(٣) لو تصرّف العبد لغير السيّد ببيع أو غيره ، ثمّ انعتق العبد ، لم ينفع في
تصحيح ذلك التصرف. هذا (*).
______________________________________________________
بمجرد العتق ، وتوضيحه : أنّ القياس مع الفارق ، حيث إنّ عقد العبد ليس فيه
مقتضى الصحة. فعدم نفوذ عقده لأجل عدم المقتضي ، لا لأجل المزاحمة مع حق السيّد
ليكون من قبيل المانع ، كحق الرهن الذي هو مانع عن نفوذ عقد الراهن.
ولأجل عدم
المقتضي لا يصح سائر تصرفاته ولو لغير المولى بعد انعتاقه. فلو كان عدم النفوذ
لأجل المزاحمة مع حق السيد لكان اللازم نفوذه بمجرد ارتفاع المزاحم أعني الرقية
وصيرورته حرّا.
(١) حتى يصح
نكاح العبد بارتفاع المزاحم وإجازة السيد أو عتقه ، كما يصح بيع الراهن بسقوط حق
المرتهن أو إجازته.
(٢) تعليل لعدم
المزاحمة ، وأنّ منشأ بطلان نكاح العبد هو قصور المقتضي ، ومن المعلوم أن سقوط
المانع ـ وهو حقّ السيد ـ لا يجبر قصور المقتضي ، ولا يوجب تماميته في التأثير.
(٣) يعني :
ولأجل عدم المقتضي لنفوذ تصرفات العبد ، لا ينفع انعتاقه في نفوذ تصرفه لغير
المولى أيضا ، كما لو اشترى أو باع لزيد بلا إذن مولاه ولا إجازته ، فمجرد سقوط حق
العبودية بالانعتاق لا يصحّح ذلك التصرف.
هذا ما يتعلّق
برد الوجوه الثلاثة المستدل بها على بطلان عقد الراهن بدون إذن المرتهن وإجازته ،
وعدم الجدوى في سقوط حق الرهانة.
__________________
ولكن مقتضى ما
ذكرنا (١) كون سقوط حقّ الرهانة بالفكّ أو الإسقاط أو الإبراء أو غير ذلك (٢)
ناقلا
______________________________________________________
(١) أي : مقتضى
كون عدم تأثير بيع المالك لأجل مزاحمة حق المرتهن ـ وإناطة تأثيره بسقوط حقه ـ هو
ناقلية سقوط حق الرهانة لا كاشفيته ، لأن المزاحم وهو حق المرتهن مانع عن التأثير
، فما دام موجودا يمتنع تأثير المقتضي ، فلا محالة يكون ترتب الأثر من حين سقوط
الحق لا من زمان وقوع العقد.
وغرضه قدسسره من هذا الكلام التنبيه على إشكال كون فك الرّهن ناقلا ،
وهو منافاته لما ذهب إليه القائلون بلزوم العقد بالفك من جعله كاشفا عن صحة عقد
الراهن. فحال الفكّ عندهم حال الإجازة في البيع الفضولي ، مع أنّ مقتضى الصناعة
الالتزام بالنقل ، لئلّا يلزم تعلق حق الرهانة بمال انتقل إلى المشتري ، كما تقدم
تقريبه في (ص ٥١٣) بقوله : «حيث إنه يلزم منه كون مال غير الراهن وهو المشترى رهنا
للبائع».
والمصنف قدسسره قرّب كون الفك ناقلا ، ونظّره بالإجازة الكاشفة في
مسألة «من باع ثم ملك» ثمّ قال بتعين القول بالكشف للإجماع.
(٢) من موجبات
سقوط حق الرهانة ، كوفاء الدين ، وكضمان الغير له ،
__________________
__________________
ومؤثّرا (١) من حينه ، لا كاشفا عن تأثير العقد من حين وقوعه ـ خصوصا (٢)
بناء على الاستدلال على الكشف بما ذكره جماعة (٣) ممّن قارب عصرنا : من أنّ مقتضى
مفهوم الإجازة إمضاء العقد من حينه ـ فإنّ (٤) هذا غير متحقق في افتكاك الرهن ،
فهو (٥) نظير بيع الفضولي ، ثم تملكه للمبيع ، حيث إنّه لا يسع
______________________________________________________
وكالحوالة ، والإقالة المسقطة للثمن إن كان الرهن على ثمن في ذمة المشتري.
(١) هذا معنى
النقل ، لأنّ الإسقاط والسقوط كالإيجاد والوجود ، فلا يؤثّر السقوط المتأخر عن
العقد إلّا حال تحققه ، لا سابقا عليه.
(٢) مقصوده
بهذه الكلمة أن الكشف في الإجازة على نحوين ، فتارة يقال باقتضاء نفس مفهومها
إمضاء العقد من حينه ، كما هو مختار جماعة. واخرى بأنّ مقتضى القاعدة في الإجازة
هو النقل ، وإنّما قيل بالكشف في خصوص البيع الفضولي لأجل التعبد ، كما هو مختار
المصنف قدسسره.
وعلى كلا
القولين في الإجازة لا بدّ من القول بالنقل في الفك والسقوط ، ولكن بناء على القول
الأوّل تتأكد مخالفة الفك للإجازة الكاشفة ، لحصول المباينة بين مفهوم الفك الذي
هو رفع المانع ، وبين مفهوم الإجازة الذي هو إمضاء العقد.
(٣) كالسيد
الطباطبائي والمحقق القمي قدسسرهما ، وتقدم كلامهما في أوّل بحث الإجازة ، فراجع .
(٤) تعليل
لقوله : «لا كاشفا عن تأثير العقد» يعني : فإنّ اقتضاء الإجازة ـ مفهوما أو تعبدا
لإمضاء العقد من حينه ـ غير جار في الفك والإسقاط.
(٥) أي : فبيع
الراهن ثم فكّه يكون نظيرا لمسألة «من باع ثم ملك».
ووجه المماثلة
بينهما : أنه ـ بناء على كاشفية الإجازة في مطلق العقود الفضولية ـ لا بد من التصرف
في مدلولها بجعل إجازة الفضولي ـ الذي تملّك المبيع ـ
__________________
القائل بصحته (١) إلّا التزام تأثير العقد من حين انتقاله عن ملك المالك
الأوّل (٢) ، لا من حين العقد (٣) ، وإلّا (٤) لزم في المقام كون ملك الغير رهنا
لغير مالكه ، كما كان يلزم في تلك المسألة كون المبيع لمالكين في زمان واحد لو
قلنا بكشف الإجازة للتأثير من حين العقد ، هذا.
ولكن (١)
______________________________________________________
كاشفة عن انتقال المال إلى المشتري من زمان دخوله في ملك الفضولي ، كما لو
باع زيد يوم الخميس مال عمرو من بكر ، ثم اشتراه يوم الجمعة من عمرو ، وأجاز يوم
السبت بيع يوم الخميس ، فانتقال المبيع إلى بكر يكون من يوم الجمعة لا من يوم
الخميس ، إذ لو كشفت إجازته عن دخول المال في ملك بكر من يوم الخميس لزم اجتماع
مالكين على مال واحد ، وهو ممتنع.
(١) أي : بصحة
بيع الفضولي ثم تملكه للمبيع. وأما القائل ببطلانه كالمحقق صاحب المقابس ففي سعة
من محذور اجتماع المالكين.
(٢) وهو عمرو
في المثال المتقدم ، الذي انتقل المال عنه يوم الجمعة إلى الفضولي.
(٣) وهو عقد
الفضولي يوم الخميس.
(٤) أي : وإن
كان فكّ الرهن كاشفا عن تأثير بيع الراهن حال حدوثه لزم كون ملك المشتري رهنا
للبائع.
(٥) أي : لو
قلنا بكاشفية الإجازة في «مسألة من باع ثم ملك وأجاز» عن تأثير بيع الفضول حال
حدوثه ـ أي يوم الخميس ـ لزم اجتماع مالكين على المبيع ، أحدهما المشتري بمقتضى
كاشفية الإجازة ، والآخر المالك ـ وهو عمرو ـ ليصحّ منه البيع يوم الجمعة.
(١) استدراك
على قوله : «ولكن مقتضى ما ذكرنا كون سقوط حقّ الرهانة بالفك ناقلا ...» يعني : أن
القاعدة تقتضي ناقلية فك الرهن وسقوطه ، ولكن مصير
ظاهر كلّ من قال بلزوم (١) العقد هو القول بالكشف.
وقد تقدّم عن
القواعد ـ في مسألة عفو الرّاهن عن الجاني على المرهون ـ : أنّ الفكّ يكشف عن
صحّته (٢).
ويدلّ على
الكشف أيضا (٣) : ما استدلّوا به على الكشف في الفضولي : من أنّ العقد سبب تامّ ...
إلى آخر ما ذكره في الروضة وجامع المقاصد (٤).
______________________________________________________
القائلين بصحة بيع الراهن ـ المتعقب بالفك ـ إلى الكشف يمنعنا من جعل الفك
ناقلا. وعليه يكون حاله حال إجازة المرتهن وإجازة العقود الفضولية.
(١) أي : لزومه
بالفك. والحاصل : أن الفقهاء على قولين ، أحدهما : لزوم عقد الرهن ، واستكشافه
بالفك. وثانيهما : بطلان عقده وعدم تصحيحه بالفك.
فالقول الثالث ـ
وهو الصحة وكون الفك ناقلا ـ ممّا لا قائل به. وإن شئت التفصيل فراجع رهن الجواهر .
(٢) أي : عن
صحة العفو ، وتقدم كلامه في (ص ٥٢١) والغرض منه ظهور قوله : «فإن انفك ظهر صحة
العفو» في كون الفك كاشفا.
(٣) يعني : كما
دلّ عليه ظاهر كلّ من قال بلزوم العقد بالفك ، وصرّح به العلّامة قدسسره ، وغرضه أن بعض أدلة كاشفية الإجازة في البيع الفضولي
يقتضي ـ بالأولوية ـ أن يكون فكّ الرهن كاشفا ، لأنّهم استدلّوا هناك «بأنّ العقد
سبب تام في التأثير ...» ومن المعلوم أنّ عقد الراهن ـ لكونه مالكا ـ أولى
بالسببية ، إذ لا مزاحم إلّا حق المرتهن.
(٤) نقله
المصنف عنهما في أوّل بحث الإجازة بقوله : «ان العقد سبب تام في الملك ، لعموم
قوله تعالى : (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) وتمامه في الفضولي إنما يعلم بالإجازة ، فإذا أجاز
تبيّن كونه تاما يوجب ترتب الملك عليه ، وإلا لزم أن لا يكون الوفاء
__________________
ثم (١) إنّ
لازم الكشف ـ كما عرفت (٢) في مسألة الفضولي ـ لزوم العقد قبل إجازة المرتهن من
طرف الراهن (٣) ،
______________________________________________________
بالعقد خاصة ، بل به مع شيء آخر. وبأنّ الإجازة متعلقة بالعقد فهو رضي
بمضمونه وليس إلّا نقل العوضين من حينه» .
(١) بعد ترجيح
كون الفكّ كاشفا عن تأثير بيع الراهن ، تعرّض المصنف قدسسره لفرع يترتب عليه ، وهو : أنه هل يجب على الراهن فك
الرهن إمّا بأداء الدين ، وإما بتبديله برهن آخر ليتمكن من الوفاء بعقد البيع
وتسليم المبيع للمشتري ، أم لا يجب ذلك؟
وتقدم نظيره في
ثمرات الكشف والنقل بالنسبة إلى وظيفة الأصيل المتعامل مع الفضولي ، فلو كان
البائع فضوليا كان المشتري هو الأصيل ، فقيل بوجوب الانتظار والتربص عليه حتى يجيز
المالك أو يرد ، بناء على الكشف ، وبجواز نقض العقد بناء على النقل.
ففي المقام لا
يجوز للراهن ـ قبل فكّ الرهن ـ الإقدام على ما يناقض البيع ، إمّا بفسخه قولا أو
فعلا وردّ الثمن إلى المشتري ، وإمّا بإبطاله بأن يأذن للمرتهن في بيع المرهونة
ليستوفي دينه أو لجهة اخرى. والوجه في عدم جواز فعل المنافي هو كون البيع عقدا
للمالك ، ولازما من قبله ، فيجب الوفاء به حتى ينكشف تماميته بالفك أو سقوط حقّ المرتهن
بمسقط آخر.
(٢) حيث قال في
الثمرات : «ومنها : جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النقل وإن قلنا بأنّ
فسخه غير مبطل لإنشائه ... وأمّا على القول بالكشف فلا يجوز التصرف فيه ، على ما
يستفاد من كلمات جماعة» .
(٣) وهو أحد
الأقوال في المسألة ، قال العلّامة قدسسره : «والأقرب اللزوم ـ أي
__________________
كالمشتري (١) الأصيل ، فلا يجوز له (٢) فسخه ، بل ولا إبطاله بالإذن (٣)
للمرتهن في البيع.
نعم ، يمكن أن
يقال (٤) : بوجوب فكّه من مال آخر ، إذ لا يتمّ الوفاء بالعقد
______________________________________________________
لزوم العقود ـ من جهة الراهن قبل الفك» .
وقال السيد
العاملي قدسسره في شرحه : «كما هو خيرة الإيضاح وجامع المقاصد ، لأنه
صدر منه العقد في حال كونه مالكا ، فحقّه أن يكون لازما ، ولا مقتضى للجواز إلّا
حق المرتهن ، وهو منحصر في جانبه ، فيختص به ، لأنّ العقد فضولي بالنسبة إليه خاصة
، دون العاقد الآخر مع الفضولي ، فالعقد فيما نحن فيه لازم من جهة الراهن البائع ،
والمشتري ، وجائز من جهة المرتهن خاصة» . واختاره صاحبا المقابس والجواهر ، فراجع .
(١) يعني :
كلزوم البيع على المشتري من الراهن ، ولعلّ المقصود لزوم العقد على المشتري من
البائع الفضولي.
(٢) أي :
للراهن. والفرق بين الفسخ والإبطال أن الفسخ إيقاع منوط بالإنشاء ولو فعلا ، بخلاف
الإبطال فقد يتحقق بالإذن للمرتهن غفلة عمّا أنشأه بنفسه من البيع.
(٣) سواء أذن
للمرتهن بيع الرهن مرة اخرى من نفس المشتري من الراهن ، أو من غيره ، وسواء أكان
بقصد استيفاء الدين أم لغاية اخرى.
(٤) هذا في
مقام الترقي ، يعني : لا يجوز للراهن فسخ البيع ولا إبطاله ، بل يمكن أن يقال
بوجوب فك المرهونة على الراهن من مال آخر ، لتوقف وجوب الوفاء ببيعه على ذلك ،
فوجوب الفك يكون من باب المقدمة.
ومن هنا يظهر
أن حقّ التعبير أن يكون هكذا : «بل يمكن أن يقال بوجوب
__________________
الثاني (١) إلا بذلك (٢) ، فالوفاء بمقتضى الرهن غير مناف للوفاء بالبيع.
ويمكن أن يقال (٣)
: إنّه إنّما يلزم الوفاء بالبيع بمعنى عدم جواز نقضه. وأمّا دفع حقوق الغير
وسلطنته فلا يجب (٤) ، ولذا (٥) لا يجب على من باع مال
______________________________________________________
فكه ... الخ» لا «نعم» لظهوره في الاستدراك على ما سبق من وجوب الوفاء ، مع
أنّ مقصوده تثبيته وحرمة نقض البيع.
(١) وهو بيع
الراهن ، لكونه عقدا ثانيا بالنسبة إلى عقد الرهن.
(٢) أي : إلّا
بفك هذا الرهن ـ المبيع حسب الفرض ـ لتسليمه للمشتري.
(٣) غرضه
التأمل في وجوب الفك ، المتقدم بقوله : «نعم يمكن أن يقال». وحاصله : أنّ وجوب
الوفاء لا يقتضي رفع سلطنة الغير ، بل مقتضاه عدم نقض البيع. فإن كان المحل خاليا
عن حق الغير وسلطنته ترتّب اللزوم على العقد ، وإلّا فوجوب الوفاء ليس إلّا حرمة
نقضه ، لا إفراغ المحلّ عن سلطنة الغير.
وعليه ، فلا
يقتضي وجوب الوفاء بالعقد فكّ الرهن.
(٤) لعدم كونه
من مقتضيات وجوب الوفاء بالعقد ، لا مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما.
(٥) أي : ولأجل
أن معنى لزوم الوفاء عدم جواز النقض ـ لا إتمام العقد بتحصيل السلطنة أو طلب
الإسقاط من ذي الحق ـ لا يجب ... الخ.
وتوضيح هذا
الفرع الذي جعله شاهدا على المقام هو : أنّ الفضول لو باع مال الغير بقصد وقوعه
لنفسه ، ففيه احتمالان :
أحدهما : كون
هذا البيع كسائر العقود الفضولية من أن من بيده أمر العقد إن أجاز ، وقع العقد له
، ووجب عليه الوفاء به ، ولا شأن للفضولي أصلا. وإن ردّه كان إنشاء الفضولي عقدا
صوريا ، لا عبرة به.
وثانيهما : كون
هذا البيع لازما على الفضولي ، ويجب الوفاء به ، ولكن لا يجب عليه شراء المال من
مالكه مقدمة لإيجاد الشرط ـ وهو الملك ـ وتسليم المبيع للمشتري ، بل إن اتفق دخوله
في ملك الفضولي وجب الوفاء بعقده ، وإن
الغير لنفسه أن يشتريه (١) من مالكه ، ويدفعه إليه (٢) (*) ، بناء على (٣)
لزوم العقد بذلك (٤).
وكيف كان (٥) ،
فلو امتنع ،
______________________________________________________
لم يتفق ذلك لم يجب.
وما أفاده
المصنف قدسسره ـ من جعل هذا الفرع شاهدا للمقام ـ مبني على الاحتمال الثاني ، فيقال : كما
لا يجب على الأجنبي إيجاد شرط الوفاء بالعقد ، فكذا لا يجب على الراهن إعدام
المانع عن نفوذ بيعه ، بتخليص المبيع من حقّ الرهانة ، هذا.
(١) الجملة في
محل رفع على الفاعلية ل «يجب» وضمائر «يشتريه ، مالكه ، يدفعه» راجعة إلى مال
الغير.
(٢) أي : إلى
المشتري ، المستفاد من السياق.
(٣) وأما بناء
على بطلان هذا البيع رأسا ، أو كونه موقوفا على إجازة المالك ـ كما ربما يظهر من
فروع «من باع ثم ملك» ـ فلا مجال للاستشهاد به ، فكونه شاهدا مبني على الاحتمال الثاني المتقدم
بقولنا : «ثانيهما ...».
(٤) أي : بمجرد
بيع مال الغير لنفسه.
(٥) يعني :
سواء قلنا بوجوب الفك على الراهن أو عدم وجوبه ، فلو امتنع الراهن البائع من فكّ
الرهن بعد بيعه وكان له مال آخر ـ سوى الرهن ـ يمكن فكّ الرهن به ، ففيه وجهان :
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أحدهما :
اقتضاء حق المرتهن جواز بيع العين المرهونة مقدمة لاستيفاء الدّين ، ومن المعلوم
أنّ لازم جواز البيع قهرا على الراهن هو إبطال العقد الصادر من الراهن والمشتري.
ثانيهما : عدم
جواز البيع ، ولكن بجبر الراهن على فك الرهن بأداء الدين من سائر أمواله.
أمّا جريان
الوجهين ـ بناء على احتمال وجوب فك الرهن ـ فلما أفاده المحقق الأصفهاني قدسسره بما توضيحه : أمّا بيع الرهن ـ قهرا على الراهن ـ
فلجوازه عند الامتناع من فكّ الرهن وأداء الدين ، والامتناع المجوّز للبيع عليه
أعمّ من الاختياري والقهري الناشئ من مبادرته بنقل الرهن إلى غيره بالبيع ، فجاز
بيع خصوص العين المرهونة لتعلق حق المرتهن بها سابقا على نقل الراهن. ولا يلزم
حينئذ بفكّ الرهن من مال آخر.
وأمّا الوجه
الثاني ـ وهو الإجبار على الفك بمال آخر ـ فلأنّ الواجب على الراهن الذي باع الرهن
أن يفكّها منه حتى يسلّم العين للمشتري ، وحيث إنّه يمتنع عن الفك ، جاز للحاكم أن
يجبره عليه ، لكونه وليّا على الممتنع.
وأمّا جريان
الوجهين ـ بناء على احتمال عدم وجوب الفك ـ فلما أفاده الفقيه المامقاني قدسسره بقوله : «وأمّا على تقدير عدم وجوبه ، فالبيع عليه أيضا
لا إشكال فيه ، وإنّما الإشكال في إجباره. ووجه دفعه ما أشار إليه المصنف قدسسره بقوله : جمعا بين حق المشتري والمرتهن اللازمين على
الراهن البائع» .
والظاهر أنه قدسسره استظهر من التعليل «بالجمع بين الحقّين» جواز الإجبار
على البيع ، وهو كذلك. ويبقى الإجبار على الفك خاليا عن الدليل ، بعد فرض كون مبنى
__________________
فهل يباع عليه (١) ، لحقّ المرتهن ، لاقتضاء الرهن ذلك (٢) ، وإن لزم من
ذلك (٣) إبطال بيع (٤) الرّاهن ، لتقدم (٥) حق المرتهن ، أو يجبر (٦) الحاكم
الراهن على فكّه من مال آخر ، جمعا (٧) بين حقّي المشتري والمرتهن (٨) اللازمين (٩)
على الراهن البائع؟ وجهان (١٠) (*).
______________________________________________________
الإجبار على البيع والفك هو الاحتمال الثاني أعني به عدم وجوب الفكّ. فكيف
يعلّل وجوب الفك بالجمع بين الحقين؟
(١) أي : يباع
على الراهن رعاية لحق المرتهن السابق على بيع الراهن.
(٢) أي : بيع
الرهن قهرا على الراهن الممتنع من أداء دينه وفكّ ماله المرهون.
(٣) أي : من
بيع الرهن ـ قهرا على الراهن ـ لغاية حق المرتهن.
(٤) أي : بيع
الرهن من المشتري من دون رضا المرتهن.
(٥) تعليل لقوله
: «يباع عليه».
(٦) هذا هو
الوجه الثاني المتقدم بقولنا : «ثانيهما».
(٧) تعليل
لجواز الإجبار.
(٨) أما حق
المرتهن ، فلكون العين وثيقة على ما يستحقه من الدين. وهو لازم على الراهن. وأما
حقّ المشتري فلاستحقاقه المبيع الذي اشتراه من الراهن ببيع لازم. فالجمع بين هذين
الحقين يقتضي إلزام الراهن بفك الرهن من مال آخر ليخلص المبيع للمشتري.
(٩) صفة ل «حقّي»
يعين : أنّ الحقّين ثابتان ـ للمشتري والمرتهن ـ على عهدة الراهن.
(١٠) مبتدء
مؤخر لقوله : «يباع عليه ، أو يجبر» ومجموع الجملة جواب للشرط في قوله : «فلو
امتنع».
__________________
ومع انحصار (١)
المال في المبيع فلا إشكال في تقدم حق المرتهن (٢).
______________________________________________________
(١) يعني : أن
مصبّ الوجهين المتقدمين هو تملك الراهن مالا آخر ـ غير الرهن ـ ليقال بوجوب فكّ
الرهن بذلك المال. وأما مع انحصار ماله في العين المرهونة فلا إشكال في تقديم حق
المرتهن ، وبطلان بيع الراهن.
(٢) لتعين حقه
في المبيع ، إذ ليس للراهن مال آخر حتى يكون مخيرا في وفاء الدين من المرهونة
وغيرها.
__________________
مسألة (١)
إذا جنى العبد
عمدا بما (٢) يوجب قتله أو استرقاق كلّه (٣) أو بعضه (٤) ،
______________________________________________________
بيع العبد الجاني
عمدا
(١) عدّ بعض
الفقهاء تعلق حق المجني عليه برقبة العبد الجاني رابع الامور المخرجة للمال عن
الطّلق ، وتقدّم في (ص ٣٨٩ و ٣٩٦) ـ فيما لو جنت أمّ الولد على غير مولاها ـ بيان
حكم جنايتها عمدا وخطأ ، كما تقدم حكم جناية مطلق المملوك ، فراجع.
والمقصود
بالبحث هنا مجرّد كون حق الجناية مانعا عن صحة البيع أو عن لزومه ، وعدمه.
والأقوال مبنية على بقاء الجاني على ملك مولاه ، وعدم اقتضاء الجناية العمدية
دخوله قهرا في ملك المجنيّ عليه أو في ملك وليّه ، نعم يجوز له الاسترقاق كلّا أو
بعضا بقدر الجناية ، كما يجوز قتله قصاصا.
(٢) أي :
باجتماع شرائط القصاص ، بأن يكون المجني عليه حرّا مسلما ، وتقدم في (ص ٣٨٩)
الإشارة إلى بعض شرائط القصاص.
(٣) كما إذا
قتل العبد ـ عمدا ـ حرّا أو حرّة ، أو عبدا أو أمة ، أو جنى على طرف من الأطراف ،
وكانت ديته مستوجبة لقيمة الجاني ، فإنّ المجني عليه أو وليّه مخيّر بين قتل
الجاني وبين استرقاقه.
(٤) كما إذا
جنى العبد على طرف من الأطراف ، وكانت ديته أقلّ من قيمة العبد ، فيسترقّ المجنيّ
عليه أو وليّه من الجاني بالنسبة ، والتفصيل في محلّه.
فالأقوى صحة بيعه (١) ، وفاقا للمحكيّ عن العلّامة (٢) والشهيد والمحقق
الثاني وغيرهم (٣) ، بل في شرح الصيمري : أنّه المشهور (٤) ،
______________________________________________________
(١) قال السيد
العاملي قدسسره : «واختيرت صحته ـ أي : صحة البيع ـ في نهاية الاحكام
والتحرير والدروس واللمعة وجامع المقاصد والمسالك والروضة. وقد سمعت ما في
التذكرة. وهو ظاهر جماعة من المحشين والشارحين ، وفي الحدائق : أنّه المشهور.
قالوا : والبيع حينئذ يكون موقوفا على رضا المجني عليه أو وليه ...» .
(٢) قال في
القواعد : «ويجوز بيع الجاني وإن كان عمدا وعتقه ، ولا يسقط حق المجني عليه عن
رقبته في العمد» .
وقال في
التذكرة : «الأقوى بين علمائنا صحة بيع الجاني ، سواء كانت جنايته عمدا أو خطأ
أوجبت القصاص أو لا ، على النفس أو ما دونها» .
والمستفاد من
كلمات الأصحاب : أن الأقوال في بيعه ثلاثة :
أحدها : الصحة
على وجه الجواز.
ثانيها : هي مع
اللزوم.
ثالثها :
البطلان.
(٣) كفخر
المحققين قدسسره لعدم التعليق على ما في القواعد ، وكصحابي الحدائق
والجواهر .
(٤) قال في
المقابس : «لكنه ـ أي الصيمري ـ نسب الجواز ـ أي جواز البيع ـ
__________________
لأنّه (١) لم يخرج باستحقاقه للقتل أو الاسترقاق عن ملك مولاه ،
______________________________________________________
إلى المشهور ، واستدلّ عليه بما يكشف عن اختياره أو الميل إليه» .
(١) أي : لأن
العبد الجاني لم يخرج عن ملك مولاه ، وهذا دليل ما قوّاه من صحة بيع الجاني على
وجه الجواز ، أي موقوفا على افتكاكه من القتل والاسترقاق ، وذلك لبقاء الملكية
والمالية ، إذ مجرّد تعلق الجناية بالعبد لا يخرجه عنهما ، فسلطنة المالك على بيعه
بلا مزاحم.
والحاصل : أنّه
لا منافاة بين البيع وبين حق الجناية ، لتعلقه بالجاني بما أنه جان ، لا بما أنّه
مملوك لسيده المعيّن. وليس كحق الرهانة ، فإنّه ـ على ما قيل ـ يتعلق بالمرهونة
بما أنها مملوكة للراهن ، فالبيع مناف له. وبهذا يتضح الفرق بين حق الرهانة وبين
حق الجناية.
فإن قلت : إنّ
القول ببقاء العبد الجاني على ملك سيّده لا يكفي في الحكم بصحة بيعه معلّقا على
الافتكاك ، وذلك لأن من شروط البيع قابلية الانتفاع بالمبيع ، فلو خرج عن قابليته
بطل بيعه رأسا ، لا وقوعه موقوفا على إمكان الانتفاع ، كالتزامهم ببطلان بيع العبد
الآبق من جهة كونه بمنزلة التالف ، وكبيع الحيوان المريض المشرف على الموت كما
قيل. ولمّا كانت جناية العبد عمدا معرّضة له للقتل أو الاسترقاق ـ لاستحقاق المجني
عليه أو وليّه ذلك ، وجواز المطالبة بأحد الأمرين ـ كان الجاني ملكا لا ينتفع به ،
بل ساقطا عن التموّل ، هذا.
قلت : أوّلا :
إنّ جواز القصاص أو الاسترقاق لا يوجب نقصا في جهة من الجهات الدخيلة في النقل
والانتقال ـ من خروج المبيع عن ملك السيد ، أو سقوطه عن المالية ، أو كونه مما لا
يبذل بإزائه المال ، لكون ملكيته في معرض الزوال بالقصاص ، أو لكونه متعلقا لحقّ
الاسترقاق المنافي للنقل عن ملك السيد ـ وذلك :
أمّا عدم خروجه
عن ملك السيد بمجرد تحويز استرقاقه ، فلأنّ معناه جواز أن
__________________
على ما هو المعروف عمّن عدا الشيخ في الخلاف كما سيجيء (١).
وتعلّق (٢) حقّ
المجنيّ عليه به لا يوجب خروج الملك عن قابلية الانتفاع
______________________________________________________
يتملكه المجني عليه ، وليس معناه دخول العبد الجاني في ملك المجني عليه
قهرا. كما أن تجويز القصاص ليس بمعنى إسقاط ملكيته ، وخروجه عن طرف إضافته إلى
السيّد ، بل معناه تجويز إعدام الملك. وتقدم نظير هذا في بيع الوقف من أن تجويز
بيعه بطروء المسوّغ لا يترتب عليه بطلان الوقفية ، بل المبطل هو بيعه خارجا.
وأمّا عدم
سقوطه عن المالية ـ مع كونه مالا في حد ذاته ـ فلأنّ تجويز القصاص ترخيص في إعدام
المال ، لا إسقاطه عن المالية فعلا.
وأمّا عدم قبول
العبد الجاني لبذل المال بإزائه ، فممنوع أيضا ، ضرورة عدم تعيّن القتل أو
الاسترقاق ليكون بذل المال بإزائه سفهيا وأكلا للمال بالباطل ، وذلك لإمكان العفو
، بل ربما يكون العفو موثوقا به .
وأمّا منافاة
حقّ المجنيّ عليه للبيع فقد تقدم آنفا في الفرق بين حقّي الجناية والرهانة.
وثانيا : أن
تعلق حق المجني عليه لا يقتضي فساد بيع الجاني من أصله ، بل يوجب عدم نفوذه فعلا ،
وتوقّفه على افتكاك العبد عمّا يستحقه المجني عليه من القتل أو الاسترقاق ، فإن
افتك لزم ، وإن لم يفتك ـ بل قتل أو استرق ـ كشف عن بطلان بيع السيد عبده الجاني.
(١) سيأتي في (ص
٥٦٢) نقل إجماع الخلاف ـ على خروجه عن ملك السيد ـ بما لفظه : «فإنّه لا خلاف
بينهم أنّه إذا كانت جنايته عمدا ينتقل ملكه إلى المجني عليه».
(٢) هذا دفع
دخل مقدّر ، تقدّما بقولنا : «فإن قلت ... قلت» ومقصود المصنف قدسسره ردّ ما أفاده صاحب المقابس قدسسره بقوله : «والتحقيق : أنّه وإن قلنا بكونه مملوكا للمولى
صورة ، إلّا أنه ليس له أثر معلوم ، ولا نفع متبيّن مقداره ، لإمكان
__________________
به (١) ، ومجرّد (٢) إمكان مطالبة أولياء المجنيّ عليه له في كلّ وقت
بالاسترقاق أو القتل لا يسقط (٣) اعتبار ماليّته.
وعلى تقدير
تسليمه (٤) ،
______________________________________________________
مطالبة أولياء المقتول بأحدهما ـ أي القصاص أو الاسترقاق ـ في كلّ وقت.
ومثل هذا يسقط اعتبار ماليّته ، وترفع صلاحيته لما ذكر ، إذ مقتضاها الدوام
والاستمرار ، كما أشرنا إليه في حكم البيع سابقا» .
(١) حتى يكون
بذل المال بإزاء هذا الملك ـ الخارج عن قابلية الانتفاع به ـ سفهيا.
(٢) غرض
المستشكل من هذه الجملة إسقاط العبد الجاني عن المالية المقومة للبيع.
(٣) خبر قوله :
«ومجرّد» ودفع لتوهم سقوطه عن المالية ، كما لا مجال لتوهم خروجه عن ملك السيد.
(٤) هذا ثاني
الوجهين المتقدم بقولنا : «وثانيا» والظاهر رجوع الضمير إلى «خروج الملك عن قابلية
الانتفاع به» فالمعنى : أنّ تسليم خروج الملك عن قابلية الانتفاع ، كما تقدم في
كلام المقابس آنفا ـ مع الالتزام بتعلق حق الغير برقبته ـ لا يوجب سقوط إضافة الملكية.
فالمقصود نقص الملك فعلا ، وكون السيد مسلوب السلطنة على عبده الجاني من جهة كون
الأمر ـ في قتله أو استرقاقه أو قبول الفداء أو العفو مجانا ـ راجعا إلى المجني
عليه أو وليّه.
وعليه فالعبد
الجاني باق على ملك مولاه متعلقا به حق الغير ، كبقاء الرهن على ملك الراهن متعلقا
به حق المرتهن. فلو باعه السيد صحّ ، لكن لا منجزا ، بل موقوفا على افتكاكه عن حقّ
المجني عليه ، فإن افتك ـ بالفداء أو العفو ـ كشف عن لزوم البيع ، وإلّا كشف عن
بطلانه.
__________________
فلا ينقص ذلك (١) عن بيع مال الغير ، فيكون (٢) موقوفا على افتكاكه (*) عن
القتل والاسترقاق ، فإن افتكّ لزم ، وإلّا (٣) بطل البيع من أصله.
______________________________________________________
ويشهد لبقاء
صفة الملكية ـ وعدم زوالها بالجناية ـ قوله بعد أسطر : «ان المبيع إذا كان متعلقا
لحقّ الغير فلا يقبل» إذ لو كان مراده من ضمير «تسليمه» خروج العبد عن ملك السيد
لم يتجه ذلك.
(١) أي : بيع
العبد الجاني مع فرض خروج الملك عن قابلية الانتفاع به فعلا. ووجه عدم كونه أسوأ
حالا من البيوع الفضولية المعهودة هو كون الفضولي أجنبيا عن العوضين ، ولا ولاية
لا عليهما ، بخلاف المقام ، لفرض بقاء الجاني على ملك السيد ، وإن كانت رقبته
متعلّق حقّ المجني عليه.
(٢) أي : فيكون
بيع العبد الجاني موقوفا على افتكاك العبد عن القتل أو الاسترقاق.
(٣) أي : وإن
لم يفتك ـ بأن قتله المجنيّ عليه أو استرقّه ـ كشف عن بطلان البيع من أصله.
__________________
ويحتمل أن يكون
البيع غير متزلزل (١) ،
______________________________________________________
(١) هذا إشارة
إلى القول الثاني في المسألة ، وهو صحة بيعه منجزا ، لا موقوفا
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
على الفك أو الإجازة ، والمحتمل صاحب المقابس قدسسره ، ويظهر من قصاص الجواهر وجود القائل به كما نقله فيه عن الفاضل الأصفهاني قدسسره .
قال المحقق
الشوشتري فيما لو باع المولى عبده الجاني أو رهنه : «وإن كان ـ أي التصرف ـ بيعا
أو رهنا فلا ريب في أنه لا يرفع الخيار الثابت للولي ... وهل يبطل البيع من أصله؟
أو ينفسخ من حينه ، أو يكون كالتلف الطارئ على المبيع ، فيثبت الخيار للمشتري مع
جهله ، للعيب السابق على البيع ، لا مع علمه ، فيكون كبيع المريض الذي يخاف عليه
من الموت إذا مات بعد البيع والقبض ، وبيع الأرمد الذي يخاف عليه من العمى ، فعمي
بعدها وانعتق بذلك ، أو يفرّق ... الخ» ثم اختار البطلان ، وردّ الاحتمالات الاخرى
، فراجع .
وكيف كان
فتوضيح ما في المتن من الصحة المنجزة هو : أنّ شرط صحة البيع ولزومه ـ أعني به كون
المبيع ملكا للبائع ـ موجود ، ومقتضاه انتقال الرقبة إلى ملك المشتري ، فإن رضي
وليّ المجني عليه بالفداء أو عفا فلا كلام. وإن اقتصّ من العبد أو استرقّه جاز.
فإن كان المشتري عالما بجنايته الموجبة للقتل أو الاسترقاق كان التلف عليه ، ولا
يستحق الرجوع إلى البائع بالثمن. وإن كان جاهلا ثبت له الخيار ، لأنّ كون العبد
معرضا للقتل أو الاسترقاق عيب يوجب الخيار. نظير شراء عبد أرمد مشرف على العمى ،
لكونه عيبا فيه يستحق المشتري الجاهل به الفسخ.
وحينئذ فإن كان
القتل أو الاسترقاق في زمن الخيار ـ أي قبل علم المشتري بالحال ـ كان على البائع.
وإن كان بعده فهو على المشتري.
__________________
فيكون تلفه (١) من المشتري في غير زمن الخيار (٢) ، لوقوعه (٣) في ملكه ،
غاية الأمر أنّ كون البيع عرضة لذلك (٤) عيب يوجب الخيار مع الجهل ، كالمبيع (٥)
الأرمد (٦). إذا عمي ، والمريض إذا مات بمرضه.
ويردّه (٧) :
أنّ المبيع إذا كان متعلّقا لحقّ الغير فلا يقبل أن يقع لازما (٨) ،
______________________________________________________
(١) المراد من
تلفه قتله أو استرقاقه ، فلا يسلم المبيع للمشتري حينئذ.
(٢) إذ لو كان
التلف في زمن الخيار كان على البائع ، لقاعدة «التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار
له».
(٣) تعليل لكون
التلف من المشتري لا البائع ، وذلك في صورتين :
إحداهما : علم
المشتري حال البيع بحال المبيع.
وثانيتهما :
جهله به حاله ، ولكن علم به بعده ولم يفسخ البيع ، لسقوط خيار العيب حينئذ.
(٤) أي : كون
المبيع عرضة للتلف عيب موجب لخيار المشتري الجاهل بالعيب المشرف عليه.
(٥) كذا في نسخ
الكتاب ، والأنسب ـ كما تقدم عن المقابس ـ «كبيع الأرمد».
(٦) الذي هو في
معرض العمى الموجب للانعتاق ، وقد عمي بعد البيع ، وانعتق بذلك. وكذا المريض الذي
يخاف عليه من الموت ، وقد مات بعده ، فإنّ جهل المشتري بالعيب يوجب الخيار.
(٧) أي : ويردّ
احتمال صحة البيع على وجه اللزوم : أنّ المبيع ـ وهو العبد الجاني ـ قد تعلق به حق
الغير ، فوقوع بيعه لازما يوجب سقوط الحق ، وهو باطل. فلا محيص عن الالتزام بأحد
الأمرين ، إما بطلان البيع رأسا ، أو وقوفه على الإجازة.
والمتعين هو
الثاني. أمّا الصحة فلكون السيد مالكا ، وأما إجازة المجني عليه فلتعلق حقه
بالعبد.
وعلى كلّ فلا
وجه للالتزام بكون بيع السيد لازما كما زعمه المحتمل.
(٨) كما تقدم
في حقّ الرهانة أيضا.
لأدائه (١) إلى سقوط حق الغير. فلا بدّ إمّا أن يبطل ، وإمّا أن يقع مراعى.
وقد عرفت (٢)
أن مقتضى عدم استقلال البائع في ماله ، ومدخليّة الغير فيه وقوع بيعه مراعى ، لا
باطلا.
وبذلك (٣) يظهر
الفرق بين ما نحن فيه وبين المريض الذي يخاف عليه من الموت ، والأرمد الذي يخاف
عليه من العمى الموجب للانعتاق ، فإنّ (٤) الخوف في المثالين لا يوجب نقصانا في
سلطنة المالك مانعا عن نفوذ تمليكه منجّزا ، بخلاف تعلق حقّ الغير (٥).
اللهم إلّا أن
يقال (٦) : إن تعلّق حقّ المجنيّ عليه
______________________________________________________
(١) أي : لأداء
لزوم البيع إلى سقوط حق الغير من المجني عليه والمرتهن.
(٢) حيث قال في
(ص ٥٥٤) : «فلا ينقص ذلك عن بيع مال الغير ، فيكون موقوفا على افتكاكه ... الخ»
وغرضه قدسسره تعيين الشق الأخير ، وهو الصحة الموقوفة على الافتكاك.
(٣) يعني :
وبتعلق حق الغير بالعبد الجاني يظهر الفرق بينه وبين المثالين المتقدمين في كلام
المحتمل ، وهما : بيع المريض المشرف على الموت ، والأرمد المشرف على العمى ، حيث
إنّ خوف الموت والعمى لا يوجب قصورا في سلطنة المالك ، بخلاف حق الغير ، فإنّه
يزاحم سلطنة المالك ، فيمنع من لزوم العقد.
(٤) تعليل
لظهور الفرق وبيان له. فالحيوان المريض بمرض يخشى منه الموت يصحّ بيعه لتمام سلطنة
المالك عليه ، والمشتري الجاهل بالحال يثبت له الخيار.
(٥) وهو المجني
عليه ، فإنّ حقه مانع عن نفوذ تمليك السيّد وبيعه منجّزا.
(٦) غرضه تأييد
ما تقدم في قوله : «ويحتمل» من صحة بيع السيد منجزا وعدم توقفه على فك العبد من
حقّ المجنيّ عليه ، وكون بيع العبد الجاني والمريض والأرمد من باب واحد. وحاصله :
أن حق الجناية قائم برقبة الجاني أينما كانت ، سواء بقي العبد رقّا لسيّده أم
انتقل إلى غيره ببيع أو هبة. وللمجني عليه الأخذ بحقّه
لا يمنع من نفوذ تمليكه (١) منجّزا ، لأنّ للبائع سلطنة مطلقة (٢) عليه ،
وكذا للمشتري ، ولذا (٣) يجوز التصرف لهما فيه من دون مراجعة ذي الحق ، غاية الأمر
أنّ له (٤) التسلّط على إزالة ملكهما ، ورفعه (٥) بالإتلاف أو التملّك (٦) [التمليك].
وهذا (٧) لا يقتضي وقوع العقد مراعى ، وعدم استقرار الملك.
وبما ذكرنا (٨)
ظهر الفرق بين حقّ المرتهن المانع من تصرّف الغير ،
______________________________________________________
ـ من القصاص أو الاسترقاق ـ أينما وجد العبد.
وعليه فمقتضى
سلطنة المالك على ماله نفوذ بيع العبد الجاني ، من دون مراعاته بإجازة المجني عليه
، أو بافتكاكه. كما أنّ للمشتري سلطنة التصرف فيه بذلك ما لم يكن مفوّتا.
(١) أي : تمليك
المولى العبد الجاني منجّزا ، لا مرعيّا بالافتكاك.
(٢) بمقتضى حذف
المتعلق في حديث «الناس مسلطون على أموالهم» مع عدم نهوض حجة على التقييد.
(٣) أي : ولأجل
ثبوت السلطنة المطلقة ـ للبائع والمشتري ـ على العبد الجاني ، ينفذ تصرفهما فيه
منجزا.
(٤) أي : أنّ
لذي الحق سلطنة على إزالة ملك البائع والمشتري ، لثبوت الولاية للمجني عليه شرعا.
(٥) معطوف على «التسلط»
أي : له رفع ملك البائع أو المشتري بالإتلاف ، وهو قتل العبد الجاني.
(٦) أي :
الاسترقاق. وما في نسختنا أولى ممّا في أكثر النسخ من «التمليك».
(٧) أي : ثبوت
التسلّط للمجني عليه ـ على إزالة الملك ـ لا يقتضي تزلزل ملك المشتري ، وكون لزومه
مراعى بالافتكاك. وعليه فلا يبقى فرق بين ما نحن فيه وبين الخوف في المثالين ـ
وهما بيع الأرمد والمريض ـ في كون البيع منجّزا.
(٨) أي : بعدم
مانعية حق الجناية عن نفوذ التمليك المنجّز ـ لكون البائع سلطانا مستقلا في التصرف
في ماله ـ ظهر الفرق بين حق الجناية وبين حق الرهانة ،
وحقّ (١) المجنيّ عليه غير المانع فعلا ، غاية الأمر أنّه (٢) رافع [مانع]
شأنا.
وكيف كان (٣) ،
فقد حكي عن الشيخ في الخلاف البطلان ، فإنّه قال فيما حكي عنه : «إذا كان لرجل عبد
، [جان] (٤) فجنى ، فباعه مولاه بغير إذن المجنيّ عليه ، فإن كانت جنايته (٥) [جناية]
توجب القصاص فلا يصح البيع ،
______________________________________________________
حيث إنّ المالك الراهن محجور عن التصرف في المرهونة بدون إجازة المرتهن أو
إذنه ، هذا.
لكن الإنصاف
أنّ هذا الفرق بحسب القواعد غير فارق ، لعدم منافاة بين حق الرهانة وبين بيع
المرهون ، لإمكان تعلق الحق بالعين أينما كانت كحق الجناية. فالأولى الاستناد في
الفرق بينهما إلى ما ثبت بالتعبد من ممنوعية الراهن والمرتهن عن التصرف.
(١) معطوف على «حق
المرتهن» فحق المجنيّ عليه لا يمنع صحة تصرف البائع والمشتري فعلا بحيث يكون مراعى
بإجازة ذي الحق أو الافتكاك.
(٢) أي : أنّ
حق المجني عليه رافع شأني ، وله اقتضاء رفع تصرف السيد ـ بالبيع ـ أو المشتري. ومن
المعلوم أن المانع الشأني ـ أي قبل الأخذ بحقّ الجناية بالقتل أو الاسترقاق ـ لا
يزاحم تأثير بيع السيد في النقل إلى الغير.
وقد تحصّل إلى
هنا اقتضاء القاعدة للقول بلزوم بيع العبد الجاني ، هذا.
(٣) أي : سواء
قلنا بالصحة الفعلية أو المرعية ، فقول شيخ الطائفة قدسسره مخالف لكليهما ، لأنّه ذهب إلى عدم صحة بيع العبد
الجاني عمدا.
وغرض المصنف قدسسره التعرض للقول الثالث في المسألة ، وهو الفساد ، المبني
على انتقال العبد عن ملك السيد إلى المجني عليه أو وليّه.
(٤) كذا في
نسختنا ، وفي بعض النسخ كالمصدر «فجنى».
(٥) كذا في
النسخ ، ولكن في الخلاف ـ في الموضعين ـ «جناية» يعني : كانت
وإن كانت (١) جنايته [جناية] توجب الأرش صحّ (٢) إذا التزم مولاه الأرش».
ثم استدلّ (٣) «بأنّه
إذا وجب (٤) عليه القود فلا يصحّ بيعه ، لأنّه قد باع منه (٥) ما لا يملكه (٦) ،
فإنّه حقّ للمجنيّ عليه. وأمّا إذا وجب عليه الأرش صحّ (٧) ، لأنّ رقبته سليمة ،
والجناية أرشها ، فقد التزمه (٨) السيد ، فلا وجه يفسد البيع» انتهى .
______________________________________________________
جناية العبد عمديّة ، فيكون أثرها ثبوت حق القصاص لولي المجني عليه.
(١) معطوف على «فإن
كانت» وهذا حكم الجناية الخطائية ، لأن الخيار للمولى بين الأرش وتسليم الجاني
للمجني عليه.
(٢) كذا في
المقابس ، وفي الخلاف : «فإنّه يصح بيعه إذا ...».
(٣) يعني : قال
الشيخ : «دليلنا : أنه إذا وجب».
(٤) يعني : أن
العبد الجاني إذا ثبت عليه القصاص لم يصح للمولى بيعه ، لأنّه باع ما لا يملكه ،
ويشمله النهي في : «لا تبع ما ليس عندك» فيبطل.
(٥) أي : من
قبل نفسه ـ لا من طرف المجني عليه ـ والمراد : أن السيد باع من ما لا يملكه.
(٦) كذا في
النسخ ، وفي الخلاف : «ما لا يملك ، لأن ذلك حق المجني عليه» وعلى تقدير ثبوت
الضمير في «يملكه» فالمرجع والمشار إليه ل «ذلك» هو الموصول المراد به العبد
الجاني.
(٧) في الخلاف
: «فإنّه يصح بيعه ، لأنّ رقبته سليمة من العيب».
(٨) كذا في
النسخ ، وفي الخلاف : «فقد التزامها».
__________________
وقد حكي (١) عن
المختلف : «أنّه حكى (٢) عنه في كتاب الظهار : التصريح بعدم بقاء ملك المولى على
الجاني عمدا ، حيث قال : «إذا كان عبد قد جنى جناية (٣) ، فإنّه لا يجزئ عتقه عن
الكفارة ، وإن كان خطأ جاز ذلك (٤). واستدلّ بإجماع الفرقة ، فإنّه (٥) لا خلاف
بينهم أنّه إذا كانت جنايته عمدا ينتقل (٦) ملكه إلى المجنيّ عليه ، وإن كان خطأ
فدية ما جناه على مولاه» (٧) انتهى.
وربما يستظهر
ذلك (٨) من عبارة الإسكافي المحكية عنه في باب الرهن ،
______________________________________________________
(١) الحاكي
صاحب المقابس ، نقله في القول الأوّل ، وهو بطلان بيع العبد الجاني
عمدا وعتقه ورهنه.
(٢) أي : حكى
العلّامة في المختلف عن شيخ الطائفة في ظهار الخلاف.
(٣) كذا في
النسخ ، ولكن في الخلاف والمختلف والمقابس «جناية عمد ، فإنّه لا يجزئ إعتاقه».
(٤) أي : جاز
عتق العبد الجاني عمدا في كفارة الظهار.
(٥) كذا في نسخ
الكتاب ، ولكن في الخلاف والمختلف والمقابس «لأنّه».
(٦) كذا في
النسخ والمقابس ، وفي الخلاف والمختلف «أنّه ينتقل» وهذه الجملة هي مبنى حكم شيخ
الطائفة بفساد عتق العبد الجاني عمدا ، لانتقاله قهرا إلى ملك المجني عليه ، وحيث
إنه «لا عتق إلّا في ملك» فيبطل عتق السيد.
(٧) تتمة عبارة
الخلاف هي : «لأنّه عاقلته ، وعلى هذا لا شك فيما قلناه».
(٨) أي البطلان
، والمستظهر هو المحقق الشوشتري قدسسره ، فإنّه بعد نسبة البطلان إلى شيخ الطائفة والعلّامة قدسسرهما ، قال : «وأيضا هو الظاهر من ابن الجنيد ، حيث قال ...»
.
__________________
وهي : أنّ من شرط الرّهن أن يكون الراهن مثبتا لملكه إيّاه ، غير خارج
بارتداد أو استحقاق الرقبة بجنايته على ملكه» انتهى.
وربما يستظهر (١)
البطلان من عبارة الشرائع أيضا في كتاب القصاص ، حيث قال : «إنّه إذا قتل العبد
حرّا عمدا ، فأعتقه مولاه ، صحّ ، ولم يسقط القود. ولو قيل : لا يصحّ لئلّا يبطل
حقّ الولي من الاسترقاق ، كان حسنا. وكذا (٢) بيعه وهبته» انتهى.
لكن يحتمل
قويّا (٣) أن يكون مراده بالصحة : وقوعه لازما غير متزلزل
______________________________________________________
(١) المستظهر صاحب
المقابس أيضا ، حيث قال : «وربما يظهر ـ يعني البطلان ـ من باب القصاص من الشرائع
أيضا كما سيأتي ، وكذا من الغنية والمهذّب».
والوجه في
التعبير ب «ربما» ما نقله في المقابس عن المحقق قدسسره من أنه في كتاب البيع تردّد في جواز بيع العبد الجاني
مطلقا ، وفي كتاب الرهن تردّد في جواز رهنه ، ثم قال : «والأشبه الجواز» ويظهر من
القصاص ترجيح المنع ، ثم نقل عبارة الشرائع المذكورة في المتن ، ثم قال : «ويمكن
أن يكون هذا رجوعا عمّا ذكره في الرهن ـ يعني من ترجيح الجواز ـ كما أنه رجوع عن
تردّده في جواز البيع في كتاب البيع. وكان هذا أولى» .
(٢) كذا في
النسخ والمقابس ، وفي الشرائع : «وكذا البحث في بيعه وهبته» يعني : أنّ حكم بيع
العبد الجاني عمدا وهبته حكم عتقه ، فلو قيل بعدم الصحة في الجميع كان حسنا.
(٣) غرضه
الخدشة فيما استظهره صاحب المقابس من كلام المحقق في القصاص ، من بطلان بيع العبد
الجاني عمدا ، وأنّ المحتمل قويا أن يريد بقوله : «ولو قيل لا يصحّ» أنّه لا يقع
لازما ، لظهور تعليل بطلان العتق ـ بكونه مفوّتا لحق وليّ
__________________
كوقوع (١) العتق ، لأنّه (٢) الذي يبطل به حقّ الاسترقاق ، دون وقوعه مراعى
بافتكاكه عن القتل والاسترقاق.
وكيف كان (٣) ،
فالظاهر من عبارة الخلاف الاستناد في عدم الصحة إلى عدم الملك ، وهو (٤) ممنوع ،
لأصالة بقاء ملكه ،
______________________________________________________
المجني عليه ـ في أن المبطل للحق هو اللزوم ، وحيث إنّ العتق لا يقع موقوفا
ومراعى فيلغو من أصله. وهذا بخلاف البيع ، لإمكان وقوعه مراعى بالافتكاك عن حقّ
المجني عليه ، فلا مانع من صحته متزلزلا.
وعليه فنسبة
فساد البيع إلى المحقق قدسسره لا تخلو من خفاء.
(١) أي : كوقوع
العتق لازما أو باطلا ، وليس بينهما متوسط ، وهو العتق المراعى بالافتكاك أو
الإجازة.
(٢) أي : لأن
وقوع البيع لازما يبطل حق الاسترقاق وإن لم يبطل حق القصاص.
(٣) يعني :
سواء أكان مقصود المحقق من عدم صحة بيع العبد الجاني بطلانه رأسا كما استظهره صاحب
المقابس ، أو صحته مراعى بالافتكاك كما احتمله المصنف ، فالظاهر أن منشأ البطلان
عند شيخ الطائفة هو عدم كون السيد مالكا للعبد الجاني متعمدا ، لقوله تارة : «لأنّه
قد باع منه ما لا يملكه» واخرى : «ينتقل ملكه إلى المجني عليه» ، ومن المعلوم
اشتراط البيع بالملك.
(٤) أي : وعدم
الملك ممنوع ، ومقصود المصنف الخدشة في دعوى الشيخ بوجهين :
أحدهما :
استصحاب ملكية العبد ، للشك في ارتفاعها بالجناية العمدية ، فتستصحب الملكية.
وثانيهما :
ظهور لفظ «الاسترقاق» في النصوص في بقائه على ملك سيّده بعد الجناية ليسترقّه
المجني عليه أو وليّه ، إذ لو انتقل العبد إليه بمجرد الجناية لم يبق
ولظهور [وظهور] (١) لفظ «الاسترقاق» في بعض الأخبار (٢) في بقاء الملك.
نعم في بعض
الأخبار (٣) ما يدلّ على الخلاف.
______________________________________________________
موضوع للاسترقاق المملّك.
(١) معطوف على «أصالة»
وهذا إشارة إلى الوجه الثاني ، وفي بعض النسخ «ولظهور» وهما بمعنى.
(٢) كصحيح
زرارة عن أحد هما عليهما الصلاة والسلام : «في العبد إذا قتل الحرّ دفع إلى أولياء
المقتول ، فإن شاءوا قتلوه ، وإن شاءوا استرقوه» .
ونحوه غيره .
(٣) كخبر علي
بن عقبة عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «سألته عن عبد قتل أربعة أحرار ، واحدا بعد
واحد؟ قال : فقال : هو لأهل الأخير من القتلى ، إن شاءوا قتلوه ، وإن شاءوا
استرقوه ، لأنّه إذا قتل الأوّل استحق أولياؤه ، فإذا قتل الثاني استحق من أولياء
الأوّل ، فصار لأولياء الثاني. فإذا قتل الثالث ، استحق من أولياء الثاني ، فصار
لأولياء الثالث. فإذا قتل الرابع استحقّ من أولياء الثالث ، فصار لأولياء الرابع ،
إن شاءوا قتلوه ، وإن شاءوا استرقوه» .
__________________
__________________
ويمكن أن يكون (١)
مراد الشيخ بالملك السلطنة عليه ،
______________________________________________________
واستدل به صاحب
المقابس قدسسره على مدعاه من اقتضاء الجناية دخول المملوك في ملك أولياء
المجني عليه ، وأن المراد بالاسترقاق ـ الذي جعل مقابلا للقصاص ـ الرضا ببقائه
رقّا.
وقال في ذيل
هذا الخبر : «وفيه دلالة على المطلوب من وجوه عديدة» .
فمنها : قوله عليهالسلام : «هو لأهل الأخير» لظهور اللام في الملك ، بناء على أن
يكون «استرقوه» بمعنى إبقائه في الرق لا التملك.
ومنها : قوله عليهالسلام : «استحق أولياؤه» و«استحق من أولياء الأوّل» و«استحق
من أولياء الثاني ...».
ومنها : «فصار
لأولياء الثاني ...» لظهور الاستحقاق والصيرورة في التملك القهري.
لكن هذا الخبر
معارض بغيره ، والتفصيل في القصاص.
(١) غرضه قدسسره توجيه فتوى شيخ الطائفة قدسسره ـ لمخالفته للمشهور ـ باحتمال أن يكون مراده من انتقال ملك العبد الجاني
إلى المجني عليه هو انتقال السلطنة إليه مع بقاء الرقبة على ملك السيد ، فيكون
نظير ملك حق الفسخ في بابي الخيار والشفعة ، بمعنى كون ذي الخيار والشفيع مالكا
لأمر البيع ، وله الفسخ والإمضاء ، فكذا المجني عليه ، لتسلطه شرعا على القصاص أو
الاسترقاق أو الرضا بالفداء أو العفو مجانا.
وربما يكون
تعبيره في الخلاف بعد قوله : «قد باع منه ما لا يملكه» ب «فإنّه حق للمجني عليه»
ظاهرا في هذا الحمل ، بأن أراد من عدم الملك عدم الملك التام المستتبع للسلطنة
عليه فعلا (*).
__________________
__________________
فإنّه (١) ينتقل إلى المجنيّ عليه ، ويكون (٢) عدم جواز بيعه من (٣) المولى
مبنيّا على المنع عن بيع الفضولي ، المستلزم (٤) للمنع عن بيع كل ما يتعلق به حق
الغير ينافيه (٥) السلطنة المطلقة من المشتري عليه ، كما في الرّهن (٦).
______________________________________________________
وحينئذ فيكون
بطلان بيعه ـ كما ذهب إليه بعض آخر ـ إمّا لرعاية حق المجنيّ عليه ، كما استدلّ به
على فساد عتقه ، وإما لبطلان الفضولي مطلقا.
(١) أي : فإنّ
التسلط على العبد الجاني ينتقل إلى المجني عليه ، ويكون السيد كالمحجور عن ماله.
(٢) هذا نتيجة
الحمل المزبور ، يعني : وإن كانت الرقبة ملكا للسيد ، إلّا أنّ تعلق الحقّ به يوجب
كون بيعه فضوليا ، والمعروف عن الشيخ في الخلاف بطلان الفضولي رأسا.
(٣) أي : البيع
الناشئ من المولى ، فحرف الجر نشويّة.
(٤) صفة ل «المنع»
يعني : أنّ بطلان بيع الفضولي مال الغير يستلزم بطلان بيع متعلّق حق الغير ، إذ لو
صحّ نقله إلى الغير لزم عدم سلطنة المشتري على المبيع سلطنة مطلقة ـ لتعلق حق
المجني عليه به ـ مع أنّ مقتضى المبادلة تسلطه عليه مطلقا كتسلط البائع على الثمن.
(٥) يعني : أن
سلطنة المشتري المطلقة تنافي حقّ الغير المتعلق بالمبيع.
(٦) حيث إنّ
سلطنة المشتري التامة تنافي حق المرتهن ، ولذا قيل ببطلان بيع الرهن ، كما تقدم.
__________________
مسألة (١)
إذا جنى العبد
خطأ صحّ بيعه على المشهور (٢) ، بل (٣) في شرح الصيمري : «أنّه لا خلاف في جواز
بيع الجاني إذا كانت الجناية خطا أو شبه عمد (٤) ، ويضمن المولى أقلّ الأمرين من
قيمته ودية الجناية (٥).
______________________________________________________
بيع العبد الجاني خطأ
(١) تقدم في
حكم جناية أمّ الولد على غير مولاها خطأ حكم جناية مطلق المملوك كذلك ، وأنّ
الخيار للسيد بين الفداء وتسليم الجاني إلى المجني عليه للاسترقاق أو البيع ،
فراجع (ص ٣٩٦).
(٢) كما في
الحدائق ، ويقابله القول بالبطلان إلّا إذا فداه السيد كما عن
ابن إدريس ، أو أجازه المجني عليه أو وليه كما عن ابن الجنيد.
(٣) غرضه
الترقي من شهرة صحة البيع إلى كونها إجماعية ، في دعوى الفاضل الصيمري قدسسره.
(٤) نقل السيد
العاملي قدسسره عنهم ـ في وجه إلحاق غير العمد بالخطإ ـ ما لفظه : «لأنه
حق غير مستقر في الجاني ، لأنّ للمالك أداؤه من غيره. ولأنّه تعلق به من غير
اختيار المالك هنا ، فلم يمنع البيع ، كالزكاة» .
(٥) فلو كانت
دية جناية العبد أكثر من قيمته لم يضمنها المولى ، لأن العبد
__________________
ولو امتنع (١) كان للمجني عليه أو لوليّه انتزاعه ، فيبطل البيع. وكذا (٢)
لو كان المولى معسرا ، فللمشتري (٣) الفسخ مع الجهالة ، لتزلزل ملكه ما لم يفده
المولى» انتهى .
وظاهره (٤)
أنّه أراد نفي الخلاف عن الجواز قبل التزام السيد.
إلّا أنّ
المحكيّ عن السرائر والخلاف : أنّه لا يجوز (٥) إلّا إذا فداه المولى أو
______________________________________________________
لا يجني بأكثر من قيمة نفسه ، وليس المولى عاقلته حتى يضمن الزيادة.
(١) يعني : لو
امتنع المولى من أن يفدي عبده بأقل الأمرين ، جاز للمجني عليه انتزاع العبد ، فإن
كان المشتري جاهلا بجناية العبد ثبت له الخيار ، وإلّا فلا.
(٢) معطوف على «امتنع»
يعني : ويجوز للمجني عليه انتزاع العبد من يد المشتري لو لم يمتنع السيد من الفداء
بل التزم به ، ولكن عجز عن البذل من جهة الإعسار.
(٣) هذا نتيجة
بطلان البيع بانتزاع العبد من يد المشتري ، وله خيار العيب ، فيستحق الفسخ
واسترداد الثمن من السيد ، سواء أكان جهله بامتناع المولى عن أداء أقل الأمرين ،
أو بإعسار المولى ، وعدم قدرته على الفداء.
(٤) غرضه قدسسره أنّ مقتضى إطلاق معقد الإجماع هو صحة بيعه سواء أكان
قبل التزام السيد بالفداء أم بعد التزامه به ، وإلّا فجواز البيع بعد ضمان أقلّ
الأمرين ـ من الأرش ودية الجناية ـ هو المتيقن من الجواز. فالمهمّ إحراز الجواز
قبل التزام السيد بالفداء.
ولكن قد يتأمّل
في الإجماع بما حكي عن ابن إدريس قدسسره من منع بيع العبد الجاني خطأ قبل أن يفديه السيد أو
يلتزم به. وليس نفس البيع التزاما قهريا بالفداء لينفذ.
(٥) أي : لا
يجوز البيع ، ولكن الضمير يعود إلى كلّ تصرف فيه ، ولا خصوصية
__________________
التزام (١) بالفداء ، لا أنه (٢) إذا باع ضمن (٣).
والأوفق
بالقواعد أن يقال بجواز البيع (٤) ، لكونه ملكا لمولاه ، وتعلّق حقّ
______________________________________________________
للبيع ، والعبارة منقولة عن ابن إدريس بالمعنى ، لأنّه قال في حكم الجاني
خطأ : «ولا يجب على السيد سوى تسليمه إلى أولياء المقتول ... إلّا أن يتبرّع
المولى ويفديه الدية. فإذا فداه وضمن عنه ما جناه جاز له حينئذ عتقه والتصرف فيه. وقبل
ذلك لا يجوز له شيء من ذلك ... وشيخنا أبو جعفر قائل بذلك ، موافق عليه» ثم نقل
كلام شيخ الطائفة في رهن الخلاف ، فراجع.
(١) لم يظهر من
عبارة السرائر كفاية الالتزام بالفداء ، لظهور قوله : «يفديه بالدية» في دفع الدية
قبل إنشاء البيع ، إلّا أن يستفاد كفايته من عطف «ضمن عنه» على «فداه».
(٢) أي : لا
أنّ السيد إذا باع ضمن الفداء ـ قهرا ـ ليصح البيع.
(٣) خلافا
لجماعة ذهبوا إلى عدم اشتراط صحة بيع السيد بأحد الأمرين قبله من الفداء والالتزام
، لكون نفس التصرف بالبيع والعتق وشبههما التزاما وضمانا بالفداء ، ففي بيع
القواعد : «ويكون ـ أي البيع ـ في الخطأ التزاما للفداء» .
وقال السيد
العاملي قدسسره : «أما كون بيعه في الخطأ التزاما للفداء ، فقد صرّح به
في التذكرة ونهاية الاحكام واللمعة والروضة والمسالك. وفي المبسوط : انه الذي
ينبغي ، لأنّ الخيار للسيد ، فإذا باعه فقد اختار الفداء ، فتعيّن عليه ... واحتمل
في نهاية الاحكام عدم التزام السيد بالفداء ، وقوّاه في موضع من التحرير ، لأنّ
أكثر ما فيه أنّه التزام بالفداء ، فلا يلزمه الفداء ، كما لو قال الراهن : أنا
أقضي الدين» .
(٤) محصله ـ
كما تقدم في بيع العبد الجاني عمدا أيضا ـ هو صحة بيع السيد
__________________
الغير لا يمنع عن ذلك (١) ، لأنّ كون المبيع مال الغير لا يوجب بطلان البيع
رأسا ، فضلا (٢) عن تعلّق حقّ الغير.
ولعلّ ما (٣)
عن الخلاف والسرائر مبنيّ على أصلهما من بطلان الفضولي وما أشبهه من كلّ بيع يلزم
من لزومه بطلان حقّ الغير ، كما يؤمي إليه (٤) استدلال الحلّي على بطلان البيع قبل
التزامه وضمانه : بأنّه (٥) قد تعلّق برقبة العبد الجاني ، فلا يجوز إبطاله (٦).
ومرجع هذا المذهب (٧) إلى أنّه لا واسطة بين
______________________________________________________
قبل الفداء ، موقوفا على فك رقبته من حق الجناية. وجه الصحة : أن تعلق حق
الغير بالعبد مع كونه ملكا له لا يوجب بطلان البيع ، بل يجعله فضوليا منوطا برضا
المجني عليه أو وليّه.
نعم من يقول
ببطلان العقد الفضولي رأسا ـ حتى لو كان المبيع ملكا للبائع ، وإنما تعلق به حق
الغير ـ قال به هنا أيضا. ولعلّ منشأ حكم ابن إدريس بعدم جواز البيع قبل تخليص
الرقبة من حق الجناية هو منع العقد الفضولي مطلقا.
وهو غير قادح
بناء على صحته ووقوفه على الإجازة كما يراه المعظم.
(١) أي : عن
جواز البيع.
(٢) تقدم آنفا
وجه الأولوية المعبّر عنها ب «فضلا».
(٣) وهو عدم
جواز بيع العبد الجاني خطأ قبل بذل الفداء.
(٤) أي : إلى
بطلان كل بيع يوجب لزومه ونفوذه ذهاب حق الغير.
(٥) متعلق ب «استدلال»
والضمير راجع إلى حقّ المجني عليه.
(٦) أي : إبطال
حق المجني عليه.
(٧) أي : مذهب
شيخ الطائفة والحلي من بطلان بيع ملك الغير أو متعلّق حقه. فإنّ مآله إلى إنكار
الواسطة بين اللزوم والبطلان ، فإن صحّ البيع كان لازما ، وإن فسد لم يترتب عليه
أثر. وأما الصحة المراعاة بالإجازة أو إسقاط الحق فلا يلتزم بها.
لزوم البيع وبطلانه ، فإذا صحّ البيع أبطل حقّ الغير (١).
وقد تقدّم غير
مرّة (٢) : أنّه لا مانع من وقوع البيع مراعى بإجازة ذي الحقّ أو سقوط (٣) حقّه ،
فإذا باع المولى فيما نحن فيه قبل أداء الدية أو أقل الأمرين ـ على الخلاف (٤) ـ
وقع مراعى ، فإن فداه المولى أو رضي المجنيّ عليه بضمانه فذاك (٥) ، وإلّا (٦)
انتزعه المجنيّ عليه من المشتري.
وعلى هذا (٧)
فلا يكون البيع موجبا لضمان البائع حقّ المجنيّ عليه.
______________________________________________________
(١) وحيث إنه
لا يصح إبطال حق الغير لم يصح البيع ، كما تقدم في دعوى القائل ببطلان بيع الراهن
قبل الاستيذان.
(٢) كقوله في (ص
٥١٠) : «وبالجملة : فالمستفاد من طريقة الأصحاب ـ بل الأخبار ـ أن المنع عن
المعاملة إذا كان لحقّ الغير الذي يكفي إذنه السابق لا يقتضي الإبطال رأسا ، بل
إنما يقتضي الفساد ، بمعنى عدم ترتب الأثر عليه مستقلّا من دون مراجعة ذي الحق».
وقوله في (ص
٥٥٧) : «ان المبيع إذا كان متعلقا لحق الغير فلا يقبل أن يقع لازما ... وقد عرفت
أنّ مقتضى عدم استقلال البائع في ماله ... وقوع بيعه مراعى ، لا باطلا».
(٣) معطوف على «إجازة»
أي : مراعى بسقوط حق ذي الحق.
(٤) تقدم في (ص
٣٩٧) التعرض لاختلاف كلمات شيخ الطائفة قدسسره في أنّ السيد لو اختار الفداء ، فهل الواجب عليه دية
الجناية مهما بلغت؟ أو أقل الأمرين من قيمة العبد والدية.
(٥) أي : فصار
البيع لازما.
(٦) أي : وإن
لم يبذل السيد الفداء ولم يرض المجنيّ عليه بضمان السيد لأقل الأمرين والتزامه به
، جاز للمجني عليه انتزاع العبد الجاني من المشتري.
(٧) يعني :
فعلى فرض جواز انتزاعه من المشتري ـ لعدم مانع من وقوع البيع
قال في كتاب
الرهن من القواعد (١) : «ولا يجبر السيّد على فداء الجاني وإن رهنه أو باعه ، بل
يتسلّط المجنيّ عليه (٣) ،
______________________________________________________
مراعى ـ لا يوجب البيع ضمان البائع لحق المجني عليه ، إذ الضمان موقوف على
بطلان حق المجنيّ عليه عن العين بسبب البيع ونفوذه ، والمفروض عدم لزوم البيع
بمثابة يوجب سقوط حق المجني عليه عن العين ، فلا ضمان على البائع بمجرد البيع ، من
جهة إتلاف حق المجني عليه.
(١) الظاهر أن
الغرض من نقل عبارة القواعد الاستشهاد بها على قوله : «فلا يكون البيع موجبا لضمان
البائع حق المجني عليه» لصراحة قول العلّامة قدسسره : «ولا يجبر السيد» في عدم استلزام صحة بيعه ورهنه
استقرار حق المجني عليه على عهدة السيّد ، حتى لا يجوز لذي الحق انتزاع العبد من
المرتهن أو من المشتري.
(٢) حاصله :
أنه لو رهن السيد عبده الجاني ـ بعد جنايته الموجبة لصيرورته متعلق حق الغير ـ فإن
فكّه المولى بأداء قيمة العبد إلى المجني عليه ، أو أداء الدية إليه ، فلا كلام في
صحة الرهن. وإن لم يفكّه ـ ولم يكن نفس الرهن ضمانا للفداء ـ تسلّط المجنيّ عليه
على انتزاع العبد الجاني من يد المرتهن لاستيفاء حقّه. فإن استوعبت الجناية قيمة
العبد بطل الرهن ، إذ لم يبق منه شيء للسيد ليرهنه. وإن لم تستوعبها بطل الرهن في
ما يقابل الجناية ، كما لو كان قيمة العبد مائة دينار ، ودية الجناية خمسين ،
فيبطل الرهن بالنسبة إلى نصف العبد ويصح في النصف الآخر.
ووجه بطلان
الرهن ـ كلّا أو بعضا ـ تقدم حق الجناية على حق الرهانة.
(٣) حذف هنا
لفظ «عليه» أو «على العبد» المتعلق ب «يتسلط» فكأنّ العبارة هكذا «يتسلط المجنيّ
عليه عليه» أي : على العبد الجاني ، لكن حذف حذرا من تكرار كلمة «عليه». كذا وجّهه
في جامع المقاصد ومفتاح الكرامة .
__________________
فإن استوعب الجناية (١) القيمة بطل الرّهن ، وإلّا (٢) ففي المقابل» انتهى .
لكن (٣) ظاهر
العلّامة في غير هذا المقام وغيره (٤) هو : أن البيع بنفسه التزام بالفداء. ولعلّ
وجهه (٥) : أنّه يجب على المولى حيث تعلّق بالعبد ـ وهو
______________________________________________________
(١) كذا في
النسخ الكتاب ، والموجود في نسخ القواعد «استوعب الأرش القيمة».
(٢) يعني : وإن
لم يستوعب الأرش قيمة العبد بطل الرهن فيما يقابل الأرش ، وصحّ في ما لا يقابله.
(٣) غرض المصنف
قدسسره بيان تضارب آراء العلّامة قدسسره في أن بيع العبد الجاني أو رهنه التزام بالفداء أم لا ،
ففي رهن القواعد لم يجعلهما التزاما به ، ولكن في بيع القواعد تصريحه بالالتزام ، وتقدم في (ص ٥٦٨) نقل عبارة السيد العاملي قدسسره.
(٤) يعني :
وغير العلّامة ، كشيخ الطائفة والشهيدين ، على ما نسب إليهم .
(٥) أي : وجه
كون نفس البيع التزاما بالفداء أنّه يجب ... الخ. وتوضيحه : أنّ التخيير بين تسليم
الجاني إلى المجني عليه ، وبين دفع أقل الأمرين من القيمة أو خصوص الدية ـ على
الخلاف ـ ثابت للمولى مع إمكان العدلين له ، كما هو الحال في الواجبات التخييرية ،
وأمّا مع عدمه وتعذّر أحد العدلين يتعيّن الآخر لا محالة.
وفي المقام
لمّا تعذّر تسليم العين إلى المجني عليه ـ لأنّ وجوب الوفاء بالبيع أوجب تعذر
التسليم ، فإنّ المانع الشرعي كالعقلي ـ فيتعيّن الفداء.
فعلى هذا يتجه
كلام العلّامة من أنّ البيع التزام بالفداء ، هذا.
ولا يخفى أن
صاحب المقابس قدسسره وجّه ـ بمثل ما في المتن ـ عتق السيد قبل
__________________
مال من أمواله ، وفي يده ـ حقّ (١) يتخيّر (٢) المولى في نقله عنه إلى
ذمّته ، أن (٣) يوفّي حقّ المجني عليه ، إمّا من العين (٤) أو من ذمّته. فيجب عليه
إمّا تخليص العبد من المشتري بفسخ أو غيره (٥) ، وإمّا أن يفديه من ماله. فإذا
امتنع المشتري من ردّه ـ والمفروض عدم سلطنة البائع على أخذه قهرا ، للزوم (٦)
الوفاء بالعقد ـ وجب (٧) عليه دفع الفداء.
ويرد عليه (٨):
______________________________________________________
الفداء وإلزامه به ، فقال : «وبوجه آخر : انّه لمّا كان مكلّفا بأحد
الأمرين ـ الدفع والفداء ـ ولمّا أعتق لم يجز له إبطاله ، لوجوب الوفاء بكل عهد
وعقد مطلقا ، فيتعذّر الدّفع ، كما لو أتلفه ، فتعيّن الآخر ، وهو المطلوب» .
(١) فاعل قوله
: «تعلّق».
(٢) أي : يتخير
المولى في نقل الحقّ عن رقبة العبد إلى ذمة نفسه ليبذل الفداء.
(٣) مؤوّل
بالمصدر ، وهو فاعل قوله : «يجب» أي : على المولى أداء حق المجني عليه.
(٤) وهو العبد
الجاني ، والمراد بما في ذمة المولى هو كلّي الفداء الذي التزم به.
(٥) من إقالة ،
أو ابتياعه من المشتري ، أو اتهابه منه ، أو الصلح عليه.
(٦) تعليل
لانتفاء سلطنة البائع على استرداد العبد ـ قهرا ـ من المشتري.
(٧) جواب الشرط
في «فإذا امتنع» والمراد بهذا الوجوب هو التعييني ، من جهة تعذر عدله ـ وهو دفع
العين إلى المجني عليه ـ كما عرفته آنفا.
(٨) أي : على
الوجه المتقدم بقوله : «ولعلّ وجهه» وحاصل الرد : أنّه لا يجب على المولى أن يضمن
فداء العبد الجاني قبل بيعه ، لأنّ اشتغال ذمة السيد بالفداء إمّا لاقتضاء جناية
العبد وجوب الفداء عليه تعيينا ، وإما لكون بيعه إتلافا.
ولم يثبت شيء
منهما. أما الفداء فلم يجب على المولى تعيينا ، لكونه مخيّرا بينه
__________________
أنّ فداء العبد غير لازم (*) قبل البيع ، وبيعه ليس إتلافا له (**) حتى
يتعيّن عليه الفداء (١). ووجوب الوفاء (٢) بالبيع لا يقتضي إلّا (٣) رفع يده ، لا
رفع يد الغير (٤).
بل هذا (٥)
أولى بعدم وجوب الفكّ من الرّهن الذي تقدم في آخر مسألته
______________________________________________________
وبين تسليم العبد للمجني عليه. وأما الإتلاف فلا موضوع له في المقام ، لعدم
كون إخراج العبد عن ملك السيد تضييعا لحقّ المجني عليه ، حتى تشتغل العهدة بقيمة
العبد.
فإن قلت : إنّه
يجب على المولى الوفاء بالبيع شرعا ويحرم عليه نقضه ، ومن المعلوم أن الممتنع شرعا
كالممتنع عقلا ، فيكون نفس بيع العبد الجاني إتلافا له على المجني عليه. فإمّا أن
يبطل البيع ليتمكن ذو الحق من استيفاء حقّه ، وإمّا أن يصحّ ، ويلزم تعهد السيد
بالفداء. ولمّا كان بيعه صحيحا إجماعا تعيّن كونه التزاما بالفداء.
قلت : إن وجوب
الوفاء لا يوجب تعذر استرقاق المجني عليه أو وليّه للجاني حتى يتعين لأجله وجوب
الفداء على المولى ، وذلك لأنّ مقتضى وجوب الوفاء بالعقد هو حرمة رفع يده ، لا رفع
يد الغير ، فللمجني عليه رفع اليد عن بيع المولى واسترقاق الجاني.
(١) كما تقدم
توضيحه بقولنا : «وأما الإتلاف فلا موضوع له ... الخ».
(٢) هذا دفع
دخل تقدّما بقولنا : «فإن قلت ... قلت».
(٣) كذا في
النسخ ، والظاهر سقوط لفظ «الحرمة» قبل «رفع يده».
(٤) المراد به
المجني عليه ، فإنّه غير مخاطب بوجوب الوفاء ببيع مولى الجاني حتى يحرم عليه رفع
اليد.
(٥) أي : العبد
الجاني ، وغرضه الترقي من عدم لزوم فداء العبد قبل البيع ، إلى
__________________
الخدشة في وجوب الفكّ على الراهن بعد بيعه (١) ، لتعلّق (٢) الدّين هناك
بالذّمّة ، وتعلق الحق هنا بالعين ، فتأمّل (٣).
ثمّ (٤) إن
المصرّح به في التذكرة ،
______________________________________________________
أنّ عدم وجوب فك رقبته أولى من عدم لزوم فك الرهن. وجه الأولوية كون متعلق
الدين هو ذمة الراهن ، وكون متعلق حق الجناية رقبة الجاني ، ينتقل معه حيثما
انتقل.
(١) حيث قال في
(ص ٥٤٤) : «ويمكن أن يقال : إنّه إنما يلزم الوفاء بالبيع ... وأما دفع حقوق الغير
وسلطنته فلا يجب».
(٢) فيجب
الوفاء الذي يتحقق به افتكاك الرهن ، بخلاف المقام ، فإنّ الحقّ تعلق بنفس العين
لا بذمة المولى حتى يجب عليه الوفاء ليتحقق به الافتكاك.
(٣) لعلّه
إشارة إلى منع الأولوية ، حيث إنّ الدين وإن كان متعلقا بالذمة ، لكنّ حق
الاستيفاء للدائن تعلّق بالعين ، فتكون العين المرهونة كالعبد الجاني أيضا متعلقة
للحق.
أو إشارة إلى :
كون البيع بمنزلة التلف موجبا لتعين الفداء على المولى.
أو إشارة إلى :
سائر الوجوه المحتملة.
(٤) هذا من
فروع المسألة ، وهو أنه لو أقدم المشتري على بذل الفداء إلى المجني عليه تخليصا للعبد
من الاسترقاق والبيع ، فإن كان بإذن البائع استحق الرجوع عليه ، وإن لم يكن بإذن
السيد فلا.
هذا لو لم يقصد
التبرع ، فلو قصده فأولى بعدم الرجوع على البائع.
قال العلّامة قدسسره : «ولو اختار المشتري الفداء ، فله ، والبيع بحاله ،
لقيامه مقام البائع في التخيير. وحكمه في الرجوع فيما فداه به على البائع حكم قضاء
الدين عنه» .
__________________
والمحكيّ عن غيرها (١) : أنّ للمشتري فكّ العبد. وحكم رجوعه إلى البائع حكم
قضاء الدين عنه (٢).
______________________________________________________
(١) قال المحقق
الشوشتري قدسسره : «وقال في التحرير : يرجع به عليه مع الإذن خاصة ، وبه
نصّ في المسالك» .
(٢) من التفصيل
بين كون الأداء بإذن من عليه الحق ، فيرجع ، وبين عدم كونه بإذنه ـ سوا قصد التبرع
ـ أم لا. قال العلّامة قدسسره : «ومن أدّى دين غيره من غير ضمان ولا إذن لم يرجع ،
وإن أدّاه بإذنه بشرط الرجوع ، رجع» .
هذا تمام
الكلام في بيع العبد الجاني ، وبه تمّ الكلام في اشتراط العوضين بكونهما طلقا.
__________________
مسألة الثالث (١)
من شروط العوضين : القدرة على التسليم (٢).
______________________________________________________
القدرة على التسليم
(١) والشرطان
الأوّلان هما المالية والملكية. وأما الطلقية فممّا يعتبر في الملك ، فهي شرط
الشرط.
(٢) أي : كون
تسليم العوضين مقدورا للمتبايعين حال العقد ـ عند الإطلاق وعدم تقييد القبض
وتأخيره إلى مدة ـ كما يعتبر كونهما معلومين لهما كذلك ، فلو كان البائع قادرا على
التسليم حين تحقق العقد وطرأ العجز عنه بعده ثبت الخيار للمشتري.
وعليه فتعذر
التسليم المانع عن الصحة هو المتحقق حين حدوث العقد ، والموجب للخيار هو المتجدد
بعده.
ثمّ إنّ عدّ
القدرة على التسليم والتسلم من شرائط العوضين ـ مع أن القدرة عليهما كالعلم بهما
من صفات المتعاقدين ـ لعلّه من جهة غلبة كون العجز لقصور في العين كالحمام الطائر
من قفصه ولا يرجى عوده إليه ، والسمكة الواقعة في النهر بعد صيدها ، والعبد الآبق
، والجمل الشارد ، ونحوها.
فلو كان العجز
لقصور في المتعاقدين ـ كما لو تعاوضا على عين معيّنة وهما في سجن لا يرجى إطلاقهما
منه ـ لم يكن مانعا عن صحة البيع من هذه الحيثية.
فإنّ الظاهر
الإجماع على اشتراطها في الجملة (١) ، كما في جامع المقاصد (٢) ، وفي التذكرة : «أنّه
إجماع» (٣). وفي المبسوط : «الإجماع على عدم جواز بيع السمك في الماء ، ولا الطير
في الهواء» (٤).
وعن الغنية «أنه
إنّما اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدورا عليه تحفّظا ممّا لا يمكن فيه (٥)
ذلك (٦) ، كالسمك في الماء ، والطّير في الهواء ، فإنّ ما هذه
______________________________________________________
(١) أي : على
وجه الإيجاب الجزئي ، فلا يرد عليه بخروج بيع العبد الآبق مع الضميمة الذي ادعي
الاتفاق على جوازه مع عدم القدرة على تسليمه.
ثمّ إنّ دعوى
الإجماع مبنية على عدم قدح خلاف الفاضل القطيفي المنكر لشرطية القدرة على التسليم
والتسلم مع علم المشتري بالحال ورضاه بذلك.
(٢) يعني : أن
المحقق الثاني قدسسره ادّعى الإجماع في الجملة على اشتراط القدرة على التسليم
، حيث قال : «فيمكن أن يقال : اشتراط القدرة على التسليم في الجملة ... للإجماع
على اشتراط هذا الشرط» .
(٣) قال فيها :
«وهو إجماع في صحة البيع» .
(٤) كذا في
المبسوط ، ولكن الظاهر أنّ البطلان لانتفاء الملك قبل الحيازة.
والأولى
للاستشهاد ـ على اشتراط التمكن من التسليم ـ هو قوله قدسسره : «إذا باع طيرا في الهواء قبل اصطياده لم يجز ، لأنّه
بيع ما لا يملكه ولا يقدر على تسليمه. وإن كان اصطاده وملكه ثمّ طار من يده لم يجز
بيعه ، لأنه لا يقدر على تسليمه» .
(٥) الضمير
راجع إلى الموصول المراد به المعقود عليه.
(٦) أي : أن
يكون مقدورا عليه ، والمقصود القدرة على تسليمه للمشتري.
__________________
حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف (١)» .
واستدل (٢) في
التذكرة على ذلك ، بأنّه : «نهى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن بيع الغرر» وهذا غرر .
______________________________________________________
(١) هذه الكلمة
هي مقصود المصنف قدسسره من نقل عبارة الغنية.
والمتحصل من
هذه الكلمات تظافر دعوى الإجماع على اعتبار القدرة على التسليم ، وسيأتي التعرض
لسائر ما استدل به على الحكم.
(٢) الاستدلال
بهذا النبوي على بطلان بيع ما لا قدرة على تسليمه منوط بمقدمات ثلاث :
الاولى : إحراز
صدور الخبر منه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وظاهر تعبير العلّامة في التذكرة ب «لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن بيع الغرر» ذلك ، بل في المصابيح ـ ونقله في
الجواهر بلفظ قيل ـ : «وقد أجمع عليه المؤالف والمخالف ، القائل بحجية خبر الواحد
وغيره ، كالسيد المرتضى وابني زهرة وإدريس» .
الثانية :
اقتضاء النهي عن بيع الغرر للفساد ، لا مجرد الحرمة تكليفا غير المنافية للصحة.
وقد ادّعى فخر المحققين قدسسره الإجماع عليه ، لقوله في بيع المجهول : «فيدخل تحت
النهي عن بيع الغرر ، الذي يدل على الفساد إجماعا» .
الثالثة :
صغروية العجز عن التسليم للغرر. وهي ثابتة بوجهين :
أحدهما :
استدلال كثير من الفقهاء بالنبوي على حكم بيع مثل السمك في الماء ، لظهوره في
إحراز غررية بيع ما لا قدرة على تسليمه ، وكونه خطريا.
ثانيهما : أنّ
معنى الغرر «عمل ما لا يؤمن معه من الضرر» كما في المرسل
__________________
والنهي (١) هنا يوجب الفساد إجماعا ، على الظاهر (٢) المصرّح به في موضع من
الإيضاح ، واشتهار (٣) الخبر بين الخاصة والعامة يجبر إرساله.
أمّا كون ما
نحن فيه غررا (٤) فهو الظاهر من كلمات كثير من الفقهاء وأهل اللغة ، حيث مثّلوا
للغرر ببيع (٥) السمك في الماء والطّير في الهواء ،
______________________________________________________
عن أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين. وما ذكره أهل اللغة في معنى هذه
الكلمة صادق على بيع غير المقدور تسليمه ، وسيأتي في المتن نقل كلمات جماعة من
اللغويين.
وبناء على هذه
المقدّمات يتجه الاستدلال بالخبر على اعتبار القدرة على تسليم العوضين.
(١) هذا إشارة
إلى كبرى استلزام النهي عن المعاملة للفساد ، كما تقدم في المقدمة الثانية.
(٢) يعني : أنّ
الظاهر انعقاد الإجماع على الاستلزام ، وإن كان هذا الإجماع مصرّحا به في الإيضاح
كما تقدم آنفا.
(٣) هذا إشارة
إلى المقدمة الاولى ، وهي أصالة الصدور ، ومقصوده أنّ الخبر المرسل ينجبر ضعفه
بشهرته عندنا ، والمفروض أنّ هذا النبوي مما رواه الفريقان ، كما في المستند ، فلا يقصر عن الخبر الواحد الموثوق صدوره عن المعصوم عليهالسلام. ووصفه في الجواهر بأنّه مشهور معتبر متلقّى بالقبول .
(٤) هذا في
مقام إثبات الصغرى ، وهي كون غير مقدور التسليم من موارد الغرر ، وتقدم آنفا في
المقدمة الثالثة.
(٥) التمثيل
بهما ناظر إلى جهة عدم القدرة ، فإنّ الخطر نشأ منه ، فلا يرد عليه «بأنّ بيعهما
إن كان قبل حيازتهما فلا يصح لعدم الملكية».
__________________
مع أنّ (١) معنى الغرر (٢) ـ على ما ذكره أكثر أهل اللغة ـ صادق عليه ،
والمروي (٣) عن أمير المؤمنين عليهالسلام : «أنّه عمل ما لا يؤمن معه من الغرور (٤) [الضرر]» .
و(٥) في الصحاح
: «الغرّة : الغفلة ، والغارّ : الغافل ، وأغرّه ، أي أتاه على
______________________________________________________
ويمكن أن يقال
: إنّ بيعهما يكون بعد الحيازة وفرارهما ، فلا يرد عليه ما ذكر من عدم الصحة لعدم
الملكية.
(١) غرضه قدسسره أن تمثيل الفقهاء وأهل اللغة ببيع السمك في الماء إنّما
هو لصدق معنى «الغرر» اللغوي عليه ، لا لخصوصية في المثالين.
(٢) المراد
بهذا المعنى هو الخطر ، فإنّ بيع السمك في الماء والطير في الهواء خطري.
(٣) يعني : ومع
أنّ المروي ... الخ. أمّا صدق المروي عنه عليه الصلاة والسلام على بيعهما فهو في
غاية الوضوح.
(٤) كذا صحّحت
في نسختنا ، وهو موافق لما في الطبعة الحجرية من الجواهر (ص ٨٥) ولكن الموجود في
الطبعة الأخيرة في النجف الأشرف ـ وفقا لما في المصابيح ـ كلمة «الغرر» ولم نقف
على ما في المتن من كلمة «الضرر».
(٥) هذا مكان
الفاء لا الواو كما لا يخفى.
وكيف كان فما
يستفاد من كلام أهل اللغة في معنى الغرر ـ مع الإدغام وبدونه ـ ثلاثة معان :
الغفلة ، والخدعة ، والخطر. والمناسب من هذه المعاني للنبوي المذكور هو الخديعة ،
لأنّ النهي يقتضي مقدورية متعلقه ، والغفلة والخطر بمعنى الهلاك ـ اللذان هما
معنيان لغرّ لازما لا متعديا ـ لا يتعلّق بهما النهي.
فالمتعين كون
الغرر في النبوي بمعنى الخديعة. ولا ينافي ذلك في ما كلام
__________________
غرّة منه ، واغترّ بالشيء ، أي : خدع به ، والغرر : الخطر ، ونهى رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن بيع الغرر ، وهو (١) مثل بيع السمك في الماء والطّير
في الهواء ... إلى أن قال (٢) : والتغرير : حمل النفس على الغرر» انتهى .
وعن القاموس ما
ملخّصه : «غرّه غرّا وغرورا وغرّة ـ بالكسر ـ فهو مغرور وغرير ـ كأمير ـ : خدعه
وأطعمه في الباطل (٣) [بالباطل] ... إلى أن قال (٤) : غرّ بنفسه تغريرا وتغرّة :
أي عرّضها للهلكة ، والاسم : الغرر محركة ... إلى أن قال : والغارّ الغافل ،
واغترّ : غفل ، والاسم : الغرّة بالكسر» انتهى .
وعن النهاية ـ
بعد تفسير الغرّة بالكسر بالغفلة ـ «أنّه نهى عن بيع الغرر ، وهو ما كان له ظاهر
يغرّ المشتري ، وباطن مجهول. وقال الأزهري : بيع الغرر ما كان على غير عهدة ولا
ثقة (٥) ، ويدخل فيه البيوع التي لا يحيط
______________________________________________________
اللغويين من التمثيل لبيع الغرر ببيع السمك في الماء والطير في الهواء ،
لصدق الخديعة عليهما ، فإنّ الخدعة تناسب ما ذكروه في كلماتهم من أنّ الغرر هو «ما
له ظاهر محبوب وباطن مكروه» أو «توهم حسن ما هو قبيح واقعا».
(١) أي : وبيع
الغرر يكون مثل بيع السمك في الماء.
(٢) أي : قال
صاحب الصّحاح.
(٣) كذا في
نسختنا ، وفي المصدر وبعض نسخ الكتاب «بالباطل».
(٤) الضمير
الفاعل المستتر هنا وفي «قال» الآتي راجع إلى صاحب القاموس.
(٥) يعني : أنّ
العنوان الجامع للبيوع الغررية المنهيّ عنها شرعا هو عدم تعهد البائع بحصول المبيع
في يد المشتري ، وعدم وثوقه بالحصول ، وأظهر الأمثلة بيع
__________________
بكنهها المتبايعان من كلّ مجهول. وقد تكرّر (١) في الحديث. ومنه حديث مطرّف
: إنّ لي نفسا واحدة ، وإنّي لأكره أن اغرّر بها ، أي : أحملها على غير ثقة ، وبه (٢)
سمّي الشيطان غرورا ، لأنّه يحمل الإنسان على محابّه ، ووراء ذلك (٣) ما يسوؤه»
انتهى .
وقد حكي أيضا (٤)
عن الأساس والمصباح والمغرب والمجمل والمجمع :
______________________________________________________
السمك في الماء. ويشمل عنوان «بيع الغرر» بيع المجهول ، وهو ما لا إحاطة
للمتبايعين بكنهه وحقيقته.
(١) غرض
الأزهري إقامة الشاهد على أن بيع الغرر «ما كان على غير عهدة ولا ثقة» ، ويكون
معنى جملة «لأكره أن اغرّر بها» كراهة حمل النفس على ما تحب وتشتهي ، مع عدم الأمن
من وقوعها في ما يسوؤها ويضرّ بها.
(٢) أي : بسبب
أنّ الغرر هو حمل الإنسان على محابّه ـ في هذه النشأة الفانية ـ سمّي الشيطان
غرورا.
(٣) أي : وراء
المحاب والمشتهيات ـ التي تغرّر الإنسان بها ـ ما يسوؤه.
(٤) يعني : كما
حكي عن الصحاح والنهاية. والحاكي عن الجميع صاحبا المصابيح والجواهر ، ففي الجواهر
: «والغرر فيه ـ أي في الحديث ـ الخطر ، قاله في الصحاح والمصباح والأساس والمغرب
والمجمل ، يقال : هو على غرر ، أي : على خطر» إلى أن قال : «والظاهر أنّ المراد
بالمجهول ما يعمّ مجهول الأصل ، ومجهول الحصول ، فيوافق ما تقدّم في الصحاح
والمجمل والمغرب ومجمع البحرين من تمثيل بيع الغرر ببيع السمك في الماء ، والطير
في الهواء ، وهو نصّ في المدّعى» .
والمقصود من
نقل عبارة الجواهر الإشارة إلى أن تفسير الغرر بالخطر غير
__________________
تفسير الغرر بالخطر ، ممثّلا (١) له في الثلاثة الأخيرة (٢) ببيع السمك في
الماء والطّير في الهواء.
وفي التذكرة (٣)
: «أنّ أهل اللغة فسّروا بيع الغرر بهذين». ومراده من التفسير التوضيح بالمثال (٤).
وليس في المحكي عن النهاية منافاة لهذا التفسير (٥) ، كما يظهر بالتأمّل.
______________________________________________________
مصرّح به في مجمع البحرين ، ولكن يستفاد منه ذلك كما استفاده صاحب الجواهر قدسسره ، وحكاه المصنف عنه ، ولو نوقش في الاستظهار فالعهدة
على الحاكي لا على الماتن. والأمر سهل.
(١) حال من «تفسير»
أي : أن تفسير الغرر بالخطر مقترن بمثال بيع السمك في الماء.
(٢) وهي المغرب
للمطرزي ، والمجمل لابن فارس ، والمجمع للعلّامة الطريحي قدسسره.
(٣) عبارة
التذكرة : «وفسّر بأنّه بيع السمك في الماء والطير في الهواء» .
(٤) كما في
المصابيح والجواهر أيضا ، لقوله : «وهو محمول على التمثيل». وغرض المصنف قدسسره : أن اللغويين لم يحدّدوا مفهوم الغرر بذكر المثالين ،
بل مقصودهم توضيح المفهوم ببيان المثال وذكر المصداق ، فيمكن أن يصدق مفهوم الغرر
على غير المثالين لسعته.
(٥) مراده بهذا
التفسير هو الخطر. ووجه التنافي بين ما نقله العلّامة قدسسره من تفسير الغرر في اللغة بالمثالين بأن يكون معناه
الخطر ، وبين ما في النهاية من كون
__________________
وبالجملة :
فالكلّ متفقون (١) على أخذ «الجهالة» في معنى الغرر ، سواء تعلّق الجهل بأصل وجوده
، أم بحصوله في يد من انتقل إليه ، أم بصفاته كمّا وكيفا (٢).
وربما يقال (٣)
: إنّ المنساق من الغرر المنهي عنه : الخطر ، من حيث الجهل
______________________________________________________
الغرر «ما فيه ظاهر غار وباطن مجهول» هو : عدم صدق الغرر على بيع الطير في
الهواء ، إذ ليس فيه ظاهر يغرّ المشتري وباطن مجهول مغترّ به ، بل باطنه غير خفي
على المشتري كظاهره. مع صدق المعنى المعروف ـ وهو الخطر ـ لعدم العلم بحصول الطير
في يد المشتري. وعليه فلا جامع بين المعنيين.
ووجه دفع
التنافي : أن التمثيل ببيع الطير والسمك لأجل توضيح معنى الغرر ، ولا إختلاف بين
التفسيرين ، وذلك لظهور بيع الطير في الهواء في قدرة البائع على التسليم ، فإذا
ظهر عدمها صدق عليه : أن ظاهره غارّ وباطنه مجهول ، فيغتر المشتري بإقدامه على
الشراء مع عدم حصول المبيع في يده. وبهذا يظهر وحدة المراد من التفسيرين.
قال في الجواهر
بعد نقل عبارة النهاية : «والظاهر أن المراد بالمجهول ما يعم مجهول الأصل ومجهول
الحصول».
(١) يعني : أن «الجهالة»
تستفاد من تعبيرهم تارة ب «ما له ظاهر غارّ ، وباطن مجهول» كما عن النهاية ، واخرى
ب «عدم الثقة» كتعريف الأزهري ، وثالثة ب «الخطر الذي لا يوثق بالأمن منه» فلاحظ.
(٢) فيدل
النبوي على اشتراط العلم بالعوضين كمّا وكيفا فيما كان للعلم بالصفات دخلا في
المالية.
(٣) القائل
صاحب الجواهر ، وغرضه الخدشة في دلالة النبوي صلىاللهعليهوآلهوسلم على فساد بيع ما لا قدرة على تسليمه ، ومحصل ما أفاده قدسسره : أن «الغرر» المنهي عنه وإن كان مطلقا شاملا لكلّ من
الجهل بأصل حصول العين والجهل بصفاتها ، إلّا أنّه
بصفات المبيع (١) ومقداره (٢) ، لا مطلق (٣) الخطر الشامل لتسليمه وعدمه ،
ضرورة (٤) حصوله في بيع كلّ (٥) غائب ، خصوصا (٦) إذا كان في بحر ونحوه (٧) ، بل
هو (٨)
______________________________________________________
لا بدّ من تقييد كلام اللغويين بخصوص الجهل بصفات المبيع ومقداره ، لا مطلق
الخطر الشامل للتسليم وعدمه ، لانتقاضه بموارد يكون أصل الحصول مشكوكا فيه فيها
ومع ذلك يجوز البيع ، كالمال الغائب ، خصوصا إذا كان في البحر أو الطريق المخوف
مثلا ، وكالثمار والزرع مع جواز بيعهما. فلو كان الجهل عامّا لأصل الحصول لم يكن
البيع في هذه الموارد جائزا أصلا ، مع جوازه الكاشف عن عدم الخطر في بيع المجهول
حاله من جهة التسليم والتسلّم. خصوصا مع جبر الخطر المحتمل بخيار المشتري لو تعذّر
التسليم.
وعليه فالغرر
المنهي عنه لا يشمل الجهل بأصل الحصول كبيع الطير في الهواء أو السمك في الماء.
(١) نظير شراء
مقدار معلوم من حنطة غير مرئية ، مع الجهل ببعض الصفات الدخيلة في المالية.
(٢) كشراء صبرة
من حنطة مجهولة الوزن والكمّ.
(٣) معطوف على «الخطر
من حيث ...» وضمير «تسليمه» راجع إلى المبيع.
(٤) تعليل لكون
المنساق من الغرر المنهي عنه هو الجهل بالمبيع كمّا أو كيفا ، لا ما يعم الجهل
بالتسليم.
(٥) أي : حصول
الخطر في بيع كل مبيع غائب عن مجلس البيع أو عن بلد العقد.
(٦) وجه
الخصوصية : أنّ الخطر في تسليم المتاع المجهول في السفينة الجارية في اللّجة أعظم
من الخطر في تسليم المبيع الموجود في مكان قريب من مجلس المعاملة ، كما إذا دنت
القافلة من البلد ، أو اقتربت السفينة من الساحل.
(٧) من الطرق
التي يشتد خوف التلف والسرقة فيها كالجبال والفلوات.
(٨) أي : بل
الجهل بالتسليم يكون أوضح شيء في بيع الثمار بعد بدوّ
أوضح شيء في بيع الثمار والزرع ونحوهما.
والحاصل (١) :
أنّ من الواضح عدم لزوم المخاطرة في مبيع مجهول الحال بالنسبة (٢) إلى التسلّم
وعدمه ، خصوصا بعد جبره (٣) بالخيار لو تعذّر» .
وفيه (٤) : أنّ
الخطر من حيث حصول المبيع في يد المشتري أعظم من الجهل
______________________________________________________
صلاحها ، وبيع الزرع قبل الحصاد وبعده ، لاحتمال إصابة آفة بهما ، فيعجز
البائع عن التسليم. وكذا الحال في غيرهما من المنتوجات المبيعة حالا أو سلفا.
فلو كان بيع
مجهول الحال ـ من جهة التسليم ـ ممنوعا لأجل الغرر ، لزم الحكم بالبطلان ، مع جواز
بيعها قطعا الكاشف عن عدم صدق الغرر.
(١) هذا من
كلام الجواهر أيضا ، أفاده بعد نقل النبوي المروي في الدعائم.
(٢) يعني :
يكون متعلق الجهل هو إمكان التسلّم وعدمه ، فلا جهل في خصوصيات المبيع وصفاته كمّا
وكيفا.
(٣) أي : جبر
الخطر الموجود في بيع مجهول الحال. ووجه خصوصية جواز بيعه عدم تضرر المشتري أصلا ،
لتمكنه من الفسخ بتعذر التسليم.
(٤) ناقش المصنف
قدسسره في كلام الجواهر بوجهين :
الأوّل : أنّه
لا وجه لكون الغرر المنهي عنه مختصا بالخطر الناشي من الجهل بصفات المبيع كمّا أو
كيفا ، مع وضوح أنّ الخطر المترتب على جهالة الحصول أعظم مما يترتب على الجهل
بالأوصاف. فالنهي عن الغرر من ناحية الوصف يستلزم ـ بالأولوية ـ النهي عن بيع ما
لا قدرة على تسليمه ، فيثبت إطلاق «الغرر» لكل من الجهل بأصل الحصول وبالصفة.
فإن قلت : يمكن
منع الإطلاق ، لاختصاص الغرر ـ لغة ـ بالجهل بالصفات ، فهو المنهي عنه ، دون الجهل
بأصل الحصول ، فيبقى بيع ما لا قدرة على تسليمه
__________________
بصفاته (١) مع العلم بحصوله (٢). فلا وجه (٣) لتقييد كلام أهل اللغة ،
خصوصا (٤) بعد
______________________________________________________
مندرجا في عمومات الصحة كحلية البيع والتجارة عن تراض ، ووجوب الوفاء
بالعقود.
قلت : لا وجه
لرفع اليد عن إطلاق «الخطر» الذي فسّر به الغرر ، لتوقف رفع اليد عن أصالة الإطلاق
ـ المعوّل عليها عرفا ـ على قرينة ، وهي مفقودة. بل القرينة على شمول «الخطر» لكلّ
من الجهل بالحصول وبالصفة موجودة في كلمات اللغويين ، وهي التمثيل لما لا قدرة على
تسليمه ببيع السمك في الماء والطير في الهواء.
واحتمال أن
يكون التمثيل بهما لاعتبار العلم بالمبيع صفة ، مندفع باشتهار ذكرهما في كلمات
الفقهاء مثالا للعجز عن التسليم.
والحاصل : أنّه
لا موجب لجعل الغرر المنهي عنه مختصّا بالجهل بالصفات كما أفاده صاحب الجواهر قدسسره.
الثاني : أنّ
الفريقين استدلّوا بالنبوي المتقدم على اعتبار القدرة على التسليم ، كما يظهر من
عبارة الانتصار ، ومن المعلوم منافاة استدلالهم لدعوى اختصاص الغرر فيه بالجهل
بمقدار المبيع. فلو سلّم ظهور النبوي في النهي عن خصوص الجهل بالصفات ـ كما ادعاه
في الجواهر ـ كان ساقطا من جهة إعراض الجميع عنه ، إذ لا فرق في كونه موهنا بين
السند والدلالة.
(١) هذا الضمير
وضمير «بحصوله» راجعان إلى المبيع.
(٢) الذي
ادّعاه صاحب الجواهر قدسسره بقوله : «ان المنساق من الغرر المنهي عنه ... الخ».
(٣) هذا متفرع
على إطلاق الغرر لكلا القسمين من الجهل بالحصول ، والجهل بالمقدار ، وليس متفرعا
على كون الغرر من ناحية الحصول أعظم منه من ناحية الجهل بالصفات.
(٤) وجه
الخصوصية : أنّ التمثيل يوجب صيرورة اللفظ كالنصّ في المثال أعني
تمثيلهم بالمثالين المذكورين.
واحتمال (١)
إرادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده ، يدفعه (٢) ملاحظة
اشتهار التمثيل بهما (*) في كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم ، لا للجهالة بالصفات
، هذا.
مضافا إلى (٣)
: استدلال الفريقين من العامة والخاصة بالنبوي المذكور على (٤) اعتبار القدرة على
التسليم ، كما يظهر من الانتصار ، حيث قال فيما حكي عنه : «وممّا انفردت به الإماميّة
: القول بجواز شراء العبد الآبق مع
______________________________________________________
به الجهل بالحصول. فكأنّ المفهوم من لفظ «الغرر» هو مورد المثال ، أو القدر
المتيقن منه ، على تقدير الإطلاق.
(١) الغرض من
الاحتمال منع قول المصنف : «خصوصا» وجه المنع : أنّ المثالين أجنبيان عن كون منشأ
الغرر والخطر الجهل بالحصول ، وإنّما ذكر هما اللغويون مثالا للجهل بالمقدار ،
فيتجه مختار صاحب الجواهر قدسسره.
(٢) خبر قوله :
«واحتمال» وتقدم توضيح المطلب بقولنا : «واحتمال أن يكون التمثيل بهما ... مندفع
باشتهار ...».
(٣) هذا وجه
آخر للمناقشة في كلام الجواهر ، وتقدم بقولنا : «الثاني : أن فقهاء الفريقين
استدلّوا ...».
(٤) متعلق ب «استدلال».
__________________
الضميمة [ولا يشترى (١) وحده ، إلّا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري (٢)]
وخالف باقي الفقهاء في ذلك (٣) ، وذهبوا إلى أنّه لا يجوز بيع الآبق على كلّ حال
... إلى أن قال : ويعوّل مخالفونا في منع بيعه على أنّه بيع غرر ، وأنّ نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن بيع الغرر (٤) ... إلى أن قال : وهذا (٥) ليس
بصحيح ، لأنّ البيع يخرجه عن أن يكون غررا : انضمام [لانضمام] (٦) غيره إليه»
انتهى .
وهو (٧) صريح
في استدلال جميع العامة بالنبوي على اشتراط القدرة على التسليم. والظاهر اتّفاق
أصحابنا ـ أيضا (٨) ـ على الاستدلال به له ، كما يظهر
______________________________________________________
(١) هذه الجملة
إلى قوله : «المشتري» لم تكن في نسختنا ، وإنّما أثبتناها عن نسخة اخرى ، كما في
الانتصار.
(٢) يعني :
يكفي في صحة البيع قدرة المشتري على التسلّم وإن كان البائع عاجزا عن التسليم.
(٣) أي : في
جواز بيع العبد الآبق مع الضميمة.
(٤) هذه الجملة
تشهد بأمرين ، أحدهما : عمل المخالفين بالنبوي ، وثانيهما : دلالته على فساد بيع
ما لا يقدر البائع على تسليمه ، وهو المقصود من نقل عبارة الانتصار.
(٥) أي : مذهب
المخالفين ـ من منع بيع الآبق مع الضميمه ـ ليس بصحيح.
(٦) كذا في
نسختنا والمصدر ، والأولى ما في بعض النسخ من «انضمام» ليكون فاعلا ل «يخرجه».
(٧) أي : ما
حكي عن السيد في الانتصار صريح ، لقوله : «ويعوّل مخالفونا».
(٨) أي : كالمخالفين
، وغرضه من هذه الجملة إثبات ما ادعاه بقوله : «مضافا إلى استدلال الفريقين ...»
وتقدم في (ص ٥٨١) ما نقله صاحب الجواهر عن
__________________
للمتتبع ، وسيجيء في عبارة الشهيد التصريح به (١).
وكيف كان (٢) ،
فالدعوى المذكورة ممّا لا يساعدها اللغة ولا العرف ، ولا كلمات أهل الشرع.
وما أبعد ما
بينه (٣) وبين ما عن قواعد الشهيد قدسسره ، حيث قال : «الغرر لغة : ما كان له ظاهر محبوب وباطن
مكروه. قاله بعضهم (٤).
______________________________________________________
المصابيح من إجماع المؤالف والمخالف على هذا النبوي ، واستدلالهم به
لاعتبار القدرة على التسليم.
(١) أي : بكون
الغرر شرعا عدم القدرة على التسليم ، لقوله بعد أسطر : «وشرعا هو جهل الحصول»
وقوله أيضا : «ويتعلق الغرر والجهل ... وتارة بالحصول ...».
(٢) يعني :
سواء ثبت استدلال الجميع بالنبوي على شرطية القدرة على التسليم ، أم لم يثبت ،
فدعوى الاختصاص بالجهل بالمقدار ممنوعة.
(٣) أي : ما
بين تقييد الغرر بالجهل بالمقدار ـ كما تقدم عن الجواهر ـ وبين ما عن الشهيد قدسسره. ووجه كمال البعد بينهما كون كلام الشهيد مقابلا لكلام
الجواهر ، حيث إنّ الشهيد خصّ الغرر شرعا بالجهل بأصل الحصول دون الجهل بغيره من
الصفات ، وصاحب الجواهر خصّ الغرر بالجهل بالصفات دون الجهل بأصل الحصول.
ثمّ إنّ الشهيد
قدسسره نبّه في كلامه على امور ثلاثة :
أحدها : معنى
الغرر في مصطلح الشرع.
ثانيها :
النسبة بينه وبين معناه اللغوي.
ثالثها : عدّ
موارد من الجهل بالعوضين ، سواء قيل ببطلان العقد فيها أم لا.
(٤) أي : بعض
اللغويين ، وتقدم هذا التفسير عن ابن الأثير ، فراجع (ص ٥٨٤).
وقيل : إن
المراد بالبعض هو القاضي عياض.
ومنه (١) قوله تعالى : متاع الغرور ، وشرعا (٢) هو جهل الحصول. وأمّا المجهول
المعلوم الحصول ومجهول الصفة (٣) فليس غررا. وبينهما (٤) عموم وخصوص من وجه ،
لوجود الغرر بدون الجهل (٥) في العبد الآبق إذا كان معلوم الصفة من قبل ، أو وصف
الآن (٦). ووجود (٧) الجهل بدون الغرر في المكيل
______________________________________________________
(١) أي : ومن
الغرر ـ بمعناه اللغوي ـ قوله تعالى ... الخ.
(٢) ظاهره كون
جهل الحصول مصطلحا شرعيا للغرر ، وهذا ينافي ما تقدم عن الجواهر من عدم صدق الغرر
على ما لا قدرة على تسليمه.
(٣) خلافا لما
في الجواهر من تعيّن الغرر في مجهول المقدار.
(٤) أي : بين
الغرر الشرعي وبين الجهل بالصفة عموم من وجه ، لتصادقهما على العبد الآبق المجهول
الصفة ، وتفارقهما في موردين :
أحدهما : العبد
الآبق المعلوم الصفة ، لصدق الغرر الشرعي عليه دون الجهل بالصفة.
وثانيهما :
المتاع المقدر بالكيل أو الوزن أو العدّ ، مع عدم اعتباره بشيء منها بعد ، لصدق «الجهل»
عليه دون الغرر ، لحصوله والقدرة على تسليمه حسب الفرض.
وبالجملة :
فعلى ما أفاده الشهيد قدسسره من اختصاص الغرر بالجهل بأصل الحصول لا يستقيم
الاستدلال بالنبوي لاعتبار معرفة العوضين كمّا وكيفا ، بل يختص بالقدرة على
التسليم.
(٥) هذا مورد
الافتراق من جهة صدق الجهل بالحصول ، مع العلم بالوصف ، لكونه مشاهدا سابقا ، أو
موصوفا في زمان إباقه بما يخرجه عن كونه مجهولا كمّا أو كيفا.
(٦) كذا في
النسخ ، وفي القواعد : «أو بالوصف الآن» في قبال العلم بوصفه سابقا على العقد.
(٧) معطوف على «وجود
الغرر» وهذا مورد الافتراق من ناحية عدم صدق
والموزون والمعدود إذا لم يعتبر. وقد يتوغّل في الجهالة ، كحجر لا يدرى
أذهب ، أم فضّة ، أم نحاس ، أم صخر (١). ويوجدان معا في العبد الآبق المجهول الصفة
(٢).
ويتعلّق (٣)
الغرر والجهل
______________________________________________________
الغرر الشرعي ـ للعلم بالحصول ـ مع كونه مجهول المقدار والوصف. والمذكور في
العبارة للجهل بالوصف مثالان :
أحدهما : عدم
العلم بكيل المتاع الحاضر مع تيسّر الكيل والوزن ، وإزاحة الجهل بالمقدار.
ثانيهما :
التوغل في الجهالة ، كما إذا كان أحد العوضين حجرا لم يعلم ـ قبل التصفية والتخليص
من الزوائد ـ أنه ذهب حتى يكون ثمينا ، أم فضة أم نحاس أم صخر أم غير ذلك مما
تختلف أسعارها بما لا يتسامح عرفا ، فيصدق الغرر بمعنى الجهل بالوصف ، دون الغرر
الشرعي.
(١) في بعض نسخ
القواعد : «أم صفر» ويكون الفرق بينه وبين مطلق النحاس أنه النحاس الجيّد ، أو نوع
منه ، كما في اللسان .
(٢) هذا مادة
اجتماع الغرر الشرعي واللغوي ، للجهل بكلا الأمرين : الحصول والوصف.
(٣) هذا شروع
في الأمر الثالث ، وهو عدّ موارد من الجهل ، وقسّم الشهيد قدسسره الغرر بلحاظ الموضوع ، وعدّ له موارد سبعة ، ثمّ بيّن
أحكامها.
وعلى كلّ
فالظاهر أنّ مراده بالغرر الذي جعله مقسما لأقسام عديدة هو مطلق الجهل ، فيكون عطف
«الجهل» على «الغرر» تفسيريا.
وليس المراد به
خصوص معناه الشرعي ، وهو «الجهل بالحصول» إذ عليه يشكل التقسيم ، لأنّ جملة من
الموارد مما يعلم بحصولها ، فيلزم منه تقسيم الشيء إلى
__________________
تارة بالوجود (١) كالعبد الآبق ، وتارة بالحصول (٢) كالعبد الآبق المعلوم
الوجود [وجوده] وبالجنس (٣) كحبّ لا يدرى ما هو ، وسلعة (٤) من سلع مختلفة وبالنوع
(٥) كعبد من عبيد. وبالقدر (٦) ككيل لا يعرف قدره ،
______________________________________________________
نفسه وإلى غيره. وهو كما ترى. ولا يلزم هذا المحذور لو كان المقسم هو الغرر
بمعنى مطلق الجهل ، إذ المقصود حينئذ استيفاء صور الجهل.
(١) هذا المورد
الأوّل ، وهو الجهل بأصل الوجود ، بمعنى عدم العلم بحياة العبد الآبق.
(٢) هذا المورد
الثاني ، وهو الغرر الشرعي بنظر الشهيد قدسسره ، للعلم بأصل الوجود ، والشك في حصوله بيد المشتري.
(٣) معطوف على «بالوجود».
ولعلّ الأولى بالسياق أن يقال : «وثالثة بالجنس» وكذا ما بعدها.
وكيف كان فهذا
هو المورد الثالث ، والظاهر أنّ مراده بالجنس ـ بقرينة التمثيل بالحبّة ـ هو
الحقيقة والطبيعة النوعية ، لا الجنس المنطقي المندرج فيه حقائق مختلفة ، لوضوح أن
حبّ الحنطة نوع من جنس الحب ، وحبّ الشعير نوع آخر منه ، وهكذا سائر الحبوب.
كما أنّ المراد
بالنوع في المورد الرابع هو الصنف ، لا النوع المقول في المنطق على مثل الإنسان ،
لأنّ مغايرة العبد الزنجي للرومي بما هو خارج عن الحقيقة الإنسانية ، فلكلّ نوع
أصناف بلحاظ العوارض.
(٤) معطوف على «حبّ»
كما إذا وضع متاع في صندوق لم يعلم أنّه ذهب أو فضة أو كتاب أو قماش أو شيء آخر.
فالجهل بحقيقته غرر مفسد للبيع.
(٥) معطوف على «بالوجود»
أي : ويتعلق الغرر والجهل رابعة بالنوع أي بالصنف.
(٦) معطوف أيضا
على «بالوجود» أي : ويتعلق الجهل خامسة بالمقدار ، كما
والبيع (١) إلى مبلغ السهم. وبالعين (٢) كثوب من ثوبين مختلفين (٣).
وبالبقاء (٤)
______________________________________________________
إذا علم وجود الشيء وحصوله وجنسه ونوعه ، ولكن جهل مقداره ، إمّا لكونه
مكيلا بكيل يعرف قدره في بلد ، دون بلد آخر ، لإمكان إختلاف المكاييل كاختلاف
الأوزان ، كالرطل العراقي والمدني والمكّي ، فربما يكال الطعام بما لا يكون معلوما
للمتبايعين أو لأحدهما.
هذا بناء على
ما في نسخ الكتاب من قوله : «ككيل». ولكن في القواعد : «كمكيل لا يعرف قدره» وهو
أولى ، كما إذا بيع الطعام ـ من الحنطة والشعير ـ في بلد بالكيل ، ولم يكل بعد ،
فلا يصح بيعه إلّا بعد ضبط مقداره بالكيل.
(١) معطوف على «كيل»
أي : وقد يكون الجهل بقدر مساحة الأرض المبيعة ، إذ لا بد من ضبطها بالأذرع أو
بالأمتار أو بالجربان ، فلا يصح لو بيعت أرض مقدّرة مساحتها بمبلغ رمي سهم مجهول ،
لعدم انضباط حدّه في قدر معيّن ، لاختلافه زيادة ونقصا بإختلاف السهام والقسّي
والرّماة ، فيبقى المبيع مجهول المقدار.
ولمّا كانت
مساحة الأرض دخيلة في ماليّتها كان بيعها قبل تعيين مسحها بالمقياس ـ كالأذرع
والأمتار ـ غرريا. نعم لو كان مبلغ السهم معلوما نوعا جاز بيعها ، لخروج المبيع عن
المجهولية.
(٢) معطوف أيضا
على «بالوجود» يعني : ويتعلق الجهل والغرر سادسة بالعين ، كما إذا كان لدى البائع
ثوبان مختلفان قيمة ، بأن كان قيمة أحدهما دينارا ، والآخر دينارين ، فاشترى
أحدهما من دون تعيين شخصه ، فيبطل ، للغرر.
(٣) التقييد
باختلافهما قيمة واضح الوجه ، إذ لو لم يكن إختلاف في القيمة الناشئة من إختلاف
الخصوصيات الدخيلة في المالية ، صحّ البيع ، إذ لا غرر في البين.
(٤) معطوف أيضا
على «بالحصول» أي : وقد يكون الغرر سابعة في الجهل ببقاء المبيع ، مع اعتبار بقائه
لتسليمه إلى المشتري ، كبيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح.
فإن بيعت بشرط
أن يبدو صلاحها ـ مستقبلا ـ لم يصحّ عند الجميع ، لكونه
كبيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح عند بعض (١) الأصحاب. ولو شرط في العقد أن
يبدو الصلاح لا محالة كان غررا (٢) عند الكل ، كما (٣) لو شرط صيرورة الزرع سنبلا.
والغرر (٤) قد
يكون بما له مدخل ظاهر في العوضين (٥) ، وهو ممتنع إجماعا. وقد يكون بما يتسامح به
عادة لقلّته ، كاسّ الجدار (٦) وقطن الجبّة ، وهو معفوّ
______________________________________________________
غرريا ، من جهة أنه فعل الباري عزوجل ، وهو غير مقدور للبائع ، فيصير مجهول الحصول. وإن بيعت
من دون اشتراط بدوّ الصلاح ، لم يصح عند جماعة ، لكونه غرريّا عندهم.
قال ابن حمزة قدسسره : «والغرر الداخل في بيع السلف ، وهو بيع المجر ، وهو
بيع ما في الأرحام ، وثمرة شجرة بعينها قبل بدو صلاحها سنة» .
(١) كشيخ
الطائفة في النهاية وابن الجنيد والشيخ الصدوق قدسسرهم ، على ما حكاه مصحّح كتاب القواعد عنهم.
(٢) لأنّه فعل غيره
، المعلوم خروجه عن حيّز قدرته ، فيصير مجهول الحصول.
(٣) في كونه
غررا عند الكل ، لجهالة الحصول.
هذا كله في
تقسيم الغرر بلحاظ المتعلق.
(٤) غرض الشهيد
قدسسره بيان حكم الغرر ، أي : ما يكون منه قادحا في صحة
المعاملة إجماعا ، وما لا يكون كذلك ، وما هو محل الخلاف بينهم ، فالأقسام ثلاثة.
(٥) أي : له
دخل ظاهر في مالية العوضين بحيث لا يتسامح بها ، كالجهل بأنّ هذا الحجر حجر ذهب أم
فضة أم نحاس ، مع فرض اختلافها مالية بما لا يتسامح فيه عرفا ، فيبطل بيعه قبل
العلم بحقيقته.
(٦) أي : أساس
الجدار وأسفله الداخل في الأرض ، فلا يعلم استحكام الجدار
__________________
عنه إجماعا. وكذا (١) اشتراط الحمل. وقد يكون [مرددا] (٢) بينهما (٣) ، وهو
محل الخلاف (٤) ، كالجزاف في مال الإجارة (٥) والمضاربة (٦) ،
______________________________________________________
ومقدار استعداده للبقاء ، للجهل بكون الأساس من الطين أو الآجر أو غيرهما
ممّا يختلف به أمد بقاء الجدار في عمود الزمان. ولا غرر فيه عرفا.
وكذا لو اشترى
جبة ولم يعلم مقدار القطن المحشوّ فيها ، ولا كونه جيّدا أو رديئا. فهذا المقدار
من الغرر مغتفر فيه ، ولا يقدح في المعاملة.
(١) أي : ونحوه
في العفو اشتراط الحمل ، حيث إنّه تابع للحامل كتبعية الأساس للجدار ، كأن يشترط
المشتري على البائع كون ما في بطن الحيوان ـ من نتاج ـ له ، مع عدم العلم بخصوصيته
، فهذا غرر متسامح فيه.
(٢) لم ترد هذه
الكلمة في القواعد ، وإنّما وردت في بعض نسخ الكتاب.
(٣) أي : بين
ما له دخل ظاهر في مالية العوضين وعدم التسامح فيه ، وبين ما ليس له هذا الدخل ،
ولذا يتسامح فيه ، فإنّ ما هذا شأنه يكون موردا للخلاف. وهذا ثالث أقسام الغرر
بحسب الحكم ، وذكر له موارد أربعة.
(٤) كذا في
النسخ ، وفي القواعد زيادة «في مواضع الخلاف».
(٥) يعني : لو
كانت الاجرة من المكيل أو الموزون كفت مشاهدتها ، ولم يشترط صحة الإجازة بالعلم
بمقدارها بضبط كيلها أو وزنها.
قال المحقق قدسسره في شرائط الإجارة : «الثاني : أن تكون الاجرة معلومة
بالوزن أو الكيل ـ فيما يكال أو يوزن ـ ليتحقق انتفاء الغرر. وقيل : تكفي المشاهدة
، وهو حسن» . وغرض الشهيد الاستشهاد بما استحسنه المحقق من كفاية
المشاهدة عنده ، خلافا لمن اعتبر العلم بالمقدار.
(٦) يعني :
اختلفوا في كفاية المشاهدة في مال المضاربة ، وعدمها ، قال الشهيد الثاني قدسسره : «وحكى في المختلف عن الشيخ ـ يعني في مبسوطه ـ القول
بجواز المضاربة
__________________
والثمرة قبل بدوّ الصلاح (١) ، والآبق (٢) بغير ضميمة (٣)» انتهى .
وفي بعض كلامه
تأمّل (٤) ،
______________________________________________________
بالجزاف من غير تقييد بالمشاهدة. وقوّاه في المختلف ، محتجّا بالأصل ،
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : المؤمنون عند شروطهم» .
(١) هذا مورد
ثالث ممّا اختلفوا في كون جهالة المبيع قادحة في الصحة ، قال العلّامة قدسسره : «مسألة : إذا باع الثمرة بعد ظهورها قبل بدوّ الصلاح
سنة واحدة منفردة ـ بشرط التبقية أو مطلقا ـ اختلف علماؤنا في ذلك ، فذهب الشيخ في
التهذيب والإستبصار إلى جوازه على كراهية ، وبه قال المفيد وسلّار وابن إدريس ،
وقال الشيخ في النهاية : يبطل البيع ...» .
(٢) هذا مورد
رابع اختلفوا في غرريّته ، ففي المختلف : «قال الشيخان : لا يجوز بيع الآبق منفردا
، فإن بيع كان باطلا ... وقال ابن الجنيد : لا يشترى وحده ، إلّا إذا كان بحيث
يقدر عليه المشتري ، أو يضمن له البائع. وهو الأقرب» .
(٣) كذا في
القواعد ، وفي نسختنا «مع الضميمة» وهو سهو من الناسخ ، ونبّه السيد الاستاذ قدسسره على أنّ في القواعد : «بغير الضميمة».
(٤) إذ في
تفسير الغرر شرعا ب «جهل الحصول» ما عرفت من عدم اختصاص الغرر بذلك ، وشموله له
وللجهل بالصفات.
وكذا في جعل
ذلك معنى شرعيا للغرر ، إذ لم يعهد كون الغرر حقيقة شرعيّة في ذلك.
__________________
ككلامه الآخر (١) في شرح الإرشاد ، حيث ذكر في مسألة تعيّن الأثمان
بالتعيين
______________________________________________________
وكذا في جعل
الجزاف في مال الإجارة والمضاربة من موارد الخلاف ، إذ الظاهر عدم التسامح في ذلك
، والالتزام بالبطلان فيها عند المشهور.
(١) الغرض من
نقل كلام الشهيد قدسسره التنبيه على المسامحة في تعريف الغرر «بالاحتمال
المجتنب عنه عند العرف بحيث يوبّخ على مخالفته».
وتوضيح ما
أفاده في شرح الإرشاد هو : أنّهم ذكروا في فروع بيع الصرف أنّ الثمن يتعيّن
بالتعيين ، ولا يجوز للمشتري الإبدال ، بل عليه تسليم ما عيّنه ثمنا ، خلافا
لجماعة من أهل الخلاف ، حيث قالوا بعدم تشخصه ، وبقائه كلّيّا ، بدعوى صيرورة
البيع ـ مع كون الثمن شخصيّا ـ غرريّا ، فيفسد.
ووجه كونه
غرريا احتمال تلفه قبل إقباضه للبائع ، أو ظهور كونه مستحقا للغير ، فيبطل البيع.
بخلاف ما لو كان الثمن كلّيّا ، فإنّه لا بقدح في الصحة ، ويجب الوفاء بالعقد
بتسليم فرد آخر من الجنس.
قال العلّامة قدسسره : «الدراهم والدنانير تتعيّنان بالتعيين ، فلو باعه
بهذه الدراهم أو بهذه الدنانير لم يجز للمشتري الإبدال بمثلها ، بل يجب عليه دفع
تلك العين ، كالمبيع. ولو تلفت قبل القبض انفسخ البيع ، ولم يكن له دفع عوضها ـ
وإن ساواه ـ مطلقا ، ولا للبائع طلبه ... وبه قال الشافعي وأحمد ، لاختلاف الأغراض
بإختلاف الأشخاص ... وقال أبو حنيفة : لا يتعين بالعقد ، بل تتعين بالقبض ، ويجوز
إبدالها بمثلها ، وإذا تلفت قبل القبض لا ينفسخ العقد ...» .
ونقل الشهيد قدسسره استدلال القائل بعدم تعيّن الثمن ـ بتعيين المتبايعين ـ
بحديث النهي عن الغرر ، والمفروض انطباق الغرر عليه ، لاحتمال تلف هذا الشخص المعيّن
أو ظهور كونه ملكا لغير المشتري.
__________________
عندنا (١) : «قالوا ـ يعني المخالفين من العامة ـ : تعيينها غرر ، فيكون
منهيّا عنه.
أمّا الصغرى (٢)
، فلجواز عدمها (٣) أو ظهورها مستحقّة ، فينفسخ البيع. وأمّا الكبرى (٤) ، فظاهرة
... إلى أن قال : قلنا (٥) : نمنع الصغرى ، لأنّ الغرر احتمال مجتنب عنه في العرف (٦)
، بحيث لو تركه وبخّ عليه. وما ذكروه (٧) لا يخطر ببال
______________________________________________________
ثم اعترض قدسسره عليه بمنع الصغرى : أي عدم صدق الغرر ، إذ ليس «الغرر»
مطلق الجهالة ، بل هو الاحتمال الخاص ، أعني به ما يستحق فاعله اللوم والتوبيخ ،
ومن المعلوم عدم استحقاقهما على بيع شيء بثمن جزئي معيّن حتى يشمله إطلاق النهي
عن بيع الغرر ، هذا.
(١) قال في شرح
قول العلّامة : «والأثمان تتعين بالتعيين» ما لفظه : «أقول : هذا تنبيه على خلاف
بعض العامة ، فإنّ مذهبه أنّها لا تتعين بالتعيين ، بل يجوز أن يسلّم غير ما وقع
عليه العقد. والحقّ أنّها تتعيّن ، وإلّا لزم عدم الإيفاء بالعقود ... الخ».
(٢) أي : صدق
الغرر على تعيين الأثمان.
(٣) أي : لجواز
عدم الأثمان وفقدانها بسرقة ، أو سقوطها من كيسه ، فلا تكون موجودة عنده حين إنشاء
المعاملة.
(٤) وهي عموم
النهي عن بيع الغرر.
(٥) هذا اعتراض
شيخنا الشهيد قدسسره على بعض المخالفين ـ في هذه المسألة ـ من العامة.
(٦) حاصله :
أنّ الغرر ليس مطلق احتمال عدم الحصول وإن لم يعتد به العقلاء حتى يكون احتمال عدم
الثمن في المثال غررا ، بل خصوص الاحتمال العقلائي. فاحتمال عدم الثمن لا يعدّ
غررا ، فيصحّ معه البيع.
(٧) كذا في
نسختنا وأكثر نسخ الكتاب ، ولكن في غاية المراد : «وما ذكر».
فضلا عن اللّوم عليه (١)» انتهى .
فإنّ مقتضاه (٢)
: أنّه لو اشترى الآبق
______________________________________________________
(١) هذا ما
يتعلق بمنع صغرى الغرر ، ثم منع الشهيد قدسسره كبرى النهي عنه ، فراجع.
(٢) أي : فإنّ
مقتضى قوله قدسسره : «لأن الغرر احتمال ...» وهذا تعليل للتأمل في ما نقله
عن شرح الإرشاد من تحديد الغرر المنهي عنه بالاحتمال المجتنب عنه عرفا.
وجه التأمل :
أنّ مقتضى كون الغرر احتمال عدم الحصول احتمالا عقلائيا موجبا للوم والتوبيخ ـ لا
مطلقا ـ هو عدم صدق الغرر على موارد ثلاثة ، مع وضوح صدقه عليها ، مما يكشف عن
موضوعية مطلق جهالة الحصول وإن لم يستتبع توبيخا.
فمنها : شراء
العبد الآبق أو الحيوان الضالّ ـ المرجوّ الحصول ـ بثمن قليل ، كما إذا قوّم العبد
بألف دينار فأبق ، مع كونه مرجوّ الحصول ، فبيع بعشرة دنانير. فمقتضى اختصاص الغرر
بما يستحق اللوم على مخالفته عدم صدق الغرر عليه ، لعدم توبيخ العقلاء من أقدم على
ذلك ، لإقدامهم على الضرر اليسير رجاء للنفع الكثير ، مع أنّ المعروف عدم جواز بيع
الآبق بلا ضميمة.
ومنها : شراء
حجر من جواهر الأرض ـ مردّد بين ذهب ونحاس ـ بثمن بخس ، مع كون قيمة الذهب أضعاف
قيمة النحاس.
فإن اختصّ
الغرر بجهل الحصول ولم يصدق على الجهل بالصفة ـ كما تقدّم من الشهيد في قواعده من
كون الغرر شرعا جهل الحصول ـ فلا مانع من بيعه. وإن عمّمنا الغرر للجهل بالصفة ـ
كما هو المعروف ـ لزم صحة بيع الفلزّ المزبور
__________________
أو الضّال (١) المرجوّ الحصول بثمن (٢) قليل لم يكن (٣) غررا ، لأنّ
العقلاء يقدمون على الضرر القليل رجاء للنفع الكثير.
وكذا (٤) لو
اشترى المجهول المردّد بين ذهب ونحاس بقيمة (٥) النحاس ، بناء (٦) على المعروف من
تحقق الغرر بالجهل بالصفة.
______________________________________________________
بالثمن البخس ، لعدم اللوم عليه ، مع أنّه لا ريب في صدق الغرر عليه.
ومنها : شراء
المكيل أو الموزون أو المعدود ـ قبل العلم بالمقدار ـ بثمن المقدار المتيقن منه ،
كما إذا اشترى صبرة من طعام ـ مردّد بين كونه طنّا أو طنّين ـ بعشرة دنانير ، وهي
قيمة الطن الواحد ، فيلزم صحته لعدم استتباعه اللّوم ، مع أنّ الغرر صادق عليه.
وبالجملة : فلو
اختص الغرر بموارد استحقاق التوبيخ لزم عدم كون البيع في الموارد المتقدمة غرريا ،
مع فساد بيعها عند المشهور ، وليس إلّا للغرر.
(١) قال
العلّامة الطريحي قدسسره : «وفي المجمع : الضالّة : اسم للبقر والإبل والخيل
ونحوها. ولا يقع على اللقطة من غيرها. وفي النهاية : هي الضائعة من كل ما يقتنى من
الحيوان وغيره» .
والمراد
بالضّال هنا العبد الضائع المتوقع حصوله ، كما أنّ «الضالة» هي ما عدا الأناسي من
الحيوان ، أو مطلقا.
(٢) متعلق ب «اشترى».
(٣) جواب «لو
اشترى» واسم «يكن» ضمير راجع إلى الاشتراء.
(٤) معطوف على «لو
اشترى» وهذا هو المورد الثاني.
(٥) متعلق ب «اشترى».
(٦) وأما بناء
على اختصاص الغرر بالجهل بالحصول ـ كما فسّره الشهيد قدسسره به ـ فالمثال خارج موضوعا عن الغرر.
__________________
وكذا (١) شراء
مجهول المقدار بثمن المتيقّن منه ، فإنّ (٢) ذلك (٣) كلّه مرغوب فيه عند العقلاء ،
بل (٤) يوبّخون من عدل عنه (٥) اعتذارا بكونه (٦) خطرا.
فالأولى (٧) :
أنّ هذا النهي من الشارع لسدّ باب المخاطرة المفضية إلى التنازع في المعاملات (٨)
، وليس (٩) منوطا بالنهي من العقلاء ليخصّ مورده بالسفهاء أو المتسفّهة.
______________________________________________________
(١) معطوف أيضا
على «لو اشترى» وهذا هو المورد الثالث.
(٢) تعليل
لقوله : «لم يكن غررا».
(٣) أي :
الاشتراء في الموارد الثلاثة يكون مرغوبا فيه.
(٤) غرضه
الترقي من مجرد رغبة العقلاء في الشراء إلى توبيخ عدم الإقدام على شراء العبد
الآبق بثمن قليل ، ولو اعتذر عن ترك الشراء بكونه خطرا لم يقبل منه ، إذ لو ظفر به
فقد انتفع كثيرا ، ولو لم يظفر به فات منه شيء قليل ، والمفروض أن العقلاء يقدمون
على مثله.
(٥) أي : عن
اشتراء الآبق والضالّ ، والحجر المردد ، والمبيع المجهول المقدار.
(٦) أي : بكون
الاشتراء ـ في الموارد الثلاثة ـ خطرا ، والغرر مجتنب عنه عرفا.
(٧) غرض المصنف
قدسسره ـ بعد منع ما أفاده الشهيد من اختصاص الغرر المنهي عنه بالاحتمال المجتنب
عنه عند العقلاء ـ إثبات عموم النهي لكل ما يحتمل ترتب المخاطرة عليه ، سواء أكان
منشؤه الجهل بالحصول أو بالصفة أو بغيرهما.
وعليه فالغرر
الممنوع شرعا لا يدور مدار كون المعاملة سفهية عرفا ، بل يعمّ مثل الموارد الثلاثة
التي يقدم العقلاء عليها.
(٨) وإن كان
مورد إقدامهم عليه رجاء لتحصيل النفع الكثير.
(٩) أي : وليس
مناط النهي عن الغرر شرعا هو احتراز العقلاء عنه ليختص مورده بمعاملة السفهاء أو
المتسفهة.
ثم إنّه قد حكي
عن الصدوق في معاني الأخبار (١) : تعليل فساد بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية
ـ كبيع المنابذة والملامسة وبيع الحصاة ـ بكونها (٢) غررا . مع أنّه (٣) لا جهالة في بعضها (٤) كبيع المنابذة ،
______________________________________________________
(١) غرض الشيخ
الصدوق قدسسره تطبيق النهي عن بيع المنابذة والملامسة والحصاة على
القاعدة ، بأن يكون فسادها من باب الغرر والجهالة ، لا التعبد المحض ، وفقد الصيغة
المعهودة في البيع. ووجه صدق الغرر عدم العلم بأنّ المنبوذ أو ما أصابه الحصاة ذو
قيمة مرتفعة أو منخفضة ، فيبقى الجهل بالمبيع والثمن بحاله ، فيبطل.
(٢) متعلق ب «تعليل»
والضمير راجع إلى بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية.
(٣) ناقش
المصنف قدسسره في تعليل البطلان ـ بالغرر ـ بمنع الصغرى ، وتوضيحه : أن
الشيخ الصدوق قدسسره فسّر بيع المنابذة بأنه تعيين المبيع بالنبذ ، بأن يقول
المشتري لبائع الثوب «انبذه إليّ ، فإذا رميته فقد وجب البيع» أو يقول البائع
للمشتري : «أنبذه إليك فإذا رميته فقد لزم البيع». والظاهر كون الثوب المنبوذ معلوما
عندهما ، فلا جهالة فيه حتى يكون غرريا.
وكذا الحال في
بيع الحصاة ، لكون المبيع معيّنا عند المتبايعين ، ويكون إنشاء البيع برمي الحصاة
وإصابتها به.
ولمّا لم يكن
جهالة في المبيع ـ بناء على تفسير الغرر في كلام الشيخ الصدوق قدسسره بالنسبة إلى هذه البيوع الثلاثة ـ فلا بدّ من أن يكون
مقصوده جهالة خاصة مبطلة للبيع ، بأن لا يسبق تعيين المبيع قبل النبذ ، وإنّما
اريد تعيينه بنفس النبذ وإلقاء الحصاة عليه ، ولمسه ، وحينئذ يكون المبيع مجهولا ،
إذ التعيين إنّما يتحقق بأحد هذه الأمور ، لا أنّه يتعين قبل ذلك ، ثم يقع النبذ
أو غيره.
(٤) المراد
بالبعض هو بيع المنابذة والحصاة ، والاقتصار عليهما وعدم ضمّ بيع
__________________
بناء (١) على ما فسّره به (٢) من أنّه (٣) قول أحدهما لصاحبه : انبذ إليّ
الثوب أو أنبذه إليك ، فقد وجب البيع ، وبيع (٤) الحصاة ، بأن يقول : إذا نبذت
الحصاة فقد وجب البيع. ولعلّه (٥) كان على وجه خاصّ يكون فيه خطر ، والله العالم.
وكيف كان (٦) ،
فلا إشكال في صحة التمسّك لاعتبار القدرة على التسليم
______________________________________________________
الملامسة إليهما ، إمّا رعاية لما في كلام الشيخ الصدوق قدسسره من تفسير الغرر فيهما ، وسكوته عن استلزام الملامسة
للغرر ، فلم يعلم أنّ النهي عن بيع الملامسة هل يكون من ناحية الغرر كما في
المنابذة والحصاة ، أم من جهة التعبد؟
وإمّا لأنّ حكم
الجميع واحد ، وهو عدم الغرر في المبيع ، والاقتصار على الأوّلين من باب المثال لا
لخصوصية فيهما.
(١) وأمّا بناء
على كون منشأ النهي عن هذه البيوع الثلاثة فقد الإيجاب والقبول اللفظيين ، كان
أجنبيا عمّا نحن فيه ، حتى لو كان المبيع معلوما ومعيّنا ، كما تقدم في بحث
المعاطاة .
(٢) الضمير
راجع إلى الموصول ، المبيّن بقوله : «من أنّه ...».
(٣) أي : أنّ
بيع المنابذة هو قول أحدهما ... الخ.
(٤) معطوف على «بيع
المنابذة» أي : لا جهالة في بعضها كبيع الحصاة.
(٥) أي : ولعلّ
الغرر ـ الذي علّل الشيخ الصدوق قدسسره فساد البيوع الثلاثة به ـ كان على وجه خاص ، وهو ما
تقدم بقولنا : «تعيين المبيع بالنبذ وإلقاء الحصاة عليه».
(٦) أي : سواء
تمّ صدق الغرر على هذه البيوع الثلاثة أم لا ، فلا إشكال في دلالة النبوي على
اشتراط البيع بالقدرة على التسليم.
__________________
بالنبويّ المذكور ، إلّا أنّه (١) أخصّ من المدّعى ، لأنّ ما يمتنع تسليمه
عادة ـ كالغريق في بحر يمتنع خروجه منه عادة ونحوه ـ ليس في بيعه خطر ، لأنّ الخطر
إنّما يطلق في مقام يحتمل السلامة ولو ضعيفا (٢).
لكن هذا الفرد (٣)
يكفي في الاستدلال على بطلانه لزوم (٤) [بلزوم] السفاهة ، وكون (٥) أكل الثمن في
مقابله أكلا للمال بالباطل. بل (٦) لا يعدّ مالا
______________________________________________________
(١) أي : أنّ
النبوي أخصّ من المدّعى ، لكونه أعمّ من امتناع الحصول عادة ومن رجائه ، كالعبد
الآبق في بعض الأوقات ، والنبوي أخص ، إذ الغرر هو الخطر الذي يطلق غالبا في مقام
احتمال السلامة ولو احتمالا ضعيفا ، فلا يشمل الممتنع الحصول عادة ، مع وضوح بطلان
بيعه أيضا كالمتاع الملقى في البحر ، مما يمتنع الظفر به عادة.
(٢) فمع امتناع
الحصول عادة لا يصدق الخطر.
(٣) وهو ممتنع
الحصول عادة ، يعني : أنّ النبوي وإن لم يكن شاملا له ، لكن يكفي في بطلان بيعه
وجهان :
أحدهما : كون
المعاملة سفهية ومستلزمة لأكل المال بالباطل (*).
ثانيهما : أن
مثله ساقط عن التمول ، مع أن قوام البيع بمالية العوضين ، نعم لا ريب في بقائه على
ملك مالكه.
(٤) كذا في
نسختنا ، وهو فاعل «يكفي» وبناء على كون النسخة «بلزوم» فهو متعلق بالاستدلال.
(٥) معطوف على
السفاهة ، وتقريب لصدقها على بيع ممتنع التسليم عادة.
(٦) معطوف على «لزوم
السفاهة» وغرضه الترقي من كون البيع سفهيّا إلى
__________________
عرفا وإن كان (١) ملكا ، فيصحّ عتقه ، ويكون (٢) لمالكه لو فرض التمكّن منه
، إلّا أنّه (٣) لا ينافي سلب صفة التموّل عنه عرفا ، ولذا (٤) يجب على غاصبه ردّ
تمام قيمته إلى المالك ، فيملكه (٥) مع بقاء العين على ملكه
______________________________________________________
فقد قوام البيع أعني به التموّل ، فليس بذل الثمن بإزائه بيعا فضلا عن كونه
بيعا سفهيّا.
(١) أي : وإن
كان ممتنع التسليم ـ عادة ـ باقيا على ملك مالكه ، بشهادة أمرين :
أحدهما : صحة
عتق العبد الآبق في كفارة أو غيرها ، مع أنّه لا عتق إلّا في ملك.
ثانيهما : أنّه
لو فرض التمكن من هذا العبد الآبق أو المال الملقى في البحر لم يكن من المباحات
الأصلية التي تملك بالحيازة ، بل يجب ردّه إلى مالكه.
وعليه فلا
تنافي بين سقوط الممتنع التسليم عن المالية ، وبين بقاء صفة الملك.
(٢) معطوف على «فيصح»
وهذا إشارة إلى الشاهد الثاني على عدم زوال الملك.
(٣) أي : أن
كون ما يمتنع تسليمه ملكا لا ينافي عدم ماليّته.
(٤) يعني :
ولأجل سلب صفة التمول عنه مع بقاء ملكيته يجب على من غصبه قبل ذلك ردّ تمام قيمته
من باب بدل الحيلولة ، حيث إنّه بالغصب ضمن المالية والشخصية معا ، وتعذّر الثانية
لا يسقط الاولى ، هذا (*).
(٥) يعني :
فيملك المالك ـ من الغاصب ـ تمام قيمة المال الممتنع التسليم ، مع
__________________
على ما هو ظاهر المشهور (١).
ثمّ إنّه ربما
يستدلّ على هذا الشرط بوجوه اخر (٢):
منها (٣) : ما
اشتهر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «لا تبع ما ليس عندك»
______________________________________________________
بقاء العين على ملكه. لأنّ بدل الحيلولة غرامة ، لا عوض حتى يتوهم لزوم
اجتماع العوض والمعوّض في ملك العين.
(١) كما نبّه
عليه في بحث بدل الحيلولة ، كقوله : «أمّا لو خرج عن التقويم ـ مع بقائها على صفة
الملكية ـ فمقتضى قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة مع بقاء العين على ملك المالك ...»
فراجع .
الاستدلال على شرطية
القدرة على التسليم بوجوه اخر
(٢) وهي أربعة
، كما سيأتي ، وكلّها مذكورة في المصابيح والجواهر.
(٣) هذا أوّل
الوجوه ، قال الفاضل النراقي قدسسره : «والاستدلال بما دلّ على النهي عن بيع ما ليس عندك
كان حسنا ، لو لا معارضته مع ما دلّ على جوازه» .
وظاهره تمامية
المقتضي سندا ودلالة ، لكنه معارض.
وهذا النبوي
مروي بطرقنا أيضا ، ففي صحيح سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليهالسلام : «قال : نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك
، وعن ربح ما لا يضمن» .
ونقل صاحب
الجواهر قدسسره الاستدلال به على اشتراط القدرة بقوله : «فإنّه قد وجّه
الاستدلال به بأن ليس المنع عن بيع ما ليس عند البائع إلّا لاشتراط القدرة ، لا
لعدم حضور المبيع» . والموجّه هو السيد الطباطبائي في المصابيح.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وتوضيح الحال
منوط ببيان المعاني المشار إليها في المتن لكلمة «عند» وهي أربعة :
الأوّل :
الحضور في مقابل الغيبة. وقد أبطله بالإجماع على جواز بيع الغائب والسّلف.
الثاني : مجرد
الملكية ، وقد أبطلها بأن المناسب حينئذ ذكر اللام بأن يقال : «ما ليس لك» بدل «عندك».
الثالث : مجرد
السلطنة والقدرة على التسليم سواء أكانت حاصلة حين العقد أم بعده ، كما إذا باعه
ثم اشتراه من مالكه. فالمراد مطلق السلطنة.
وقد أبطله
المصنف بوجهين :
أحدهما : تمسّك
العامة والخاصة بهذا النبوي على عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير ثم
شرائها من مالكها ، فإنّه لو كان المراد مطلق السلطنة على التسليم لكان تمسكهم
المزبور منافيا لذلك ، لحصول السلطنة حينئذ ، خصوصا إذا كان وكيلا عن المالك في
بيعه ولو من نفسه. فتمسكهم المزبور يكشف عن عدم إرادة مطلق السلطنة من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما ليس عندك».
ثانيهما : أنّ
بيع العين المملوكة للغير مورد الرواية ، فلو كان المراد مجرد السلطنة على التسليم
لزم منه صحة بيعه ، لقدرته على التسليم بالقدرة على مقدمته أعني بيعه من نفسه ، إذ
المفروض كونه وكيلا في بيعه ولو من نفسه.
الرابع :
السلطنة التامة الفعلية المتوقفة على أمرين : أحدهما : الملكية ، والآخر كونه تحت
يده وقدرته وإن كان غائبا عنه.
ولمّا بطلت
المعاني الثلاثة المتقدمة تعيّن هذا المعنى الرابع ، فيدل النبوي على اعتبار أمرين
: الملكية ، والقدرة على التسليم ، فلا بأس بالاستدلال به على اعتبار القدرة على
التسليم.
بناء (١) على أنّ «كونه عنده» لا يراد به الحضور (٢) ، لجواز (٣) بيع
الغائب والسلف إجماعا ، فهي (٤) كناية ، لا (٥) عن مجرّد الملك ، لأنّ (٦) المناسب
حينئذ (٧) ذكر لفظة «اللّام». ولا (٨) عن مجرّد السلطنة عليه والقدرة على تسليمه ،
لمنافاته (٩) لتمسّك العلماء من الخاصة والعامة على عدم جواز بيع العين الشخصية
المملوكة للغير ، ثم شرائها من مالكها (١٠).
______________________________________________________
(١) هذا تقريب
الاستدلال.
(٢) هذا هو
المعنى الأوّل.
(٣) تعليل
لقوله : «لا يراد» وتقدم في بيع الفضولي البحث الدلالي ، فراجع .
(٤) يعني :
فالرواية كناية ، والأنسب بقوله : «لا يراد به» أن يقال : «بل هي كناية».
(٥) بعد نفي
إرادة الحضور الحسّي وتعيّن كون «عندك» كناية ، عدّد المعاني الكنائية الثلاثة ،
وهي الملك ، ومجرد السلطنة بدون الملك ، والسلطنة التامة.
(٦) تعليل لنفي
المعنى الكنائي الأوّل ، وهو الملك.
(٧) أي : حين
كون الرواية كناية عن مجرد الملك.
(٨) معطوف على «لا»
وغرضه نفي المعنى الكنائي الثاني ، بأن يكون مدلول الرواية «لا تبع ما لا سلطنة لك
عليه أصلا ـ لا حالا ولا مستقبلا ـ ولا قدرة لك على تسليمه».
(٩) أي :
لمنافاة كون «عندك» كناية ـ عن مطلق السلطنة عليه ـ لتمسّك العلماء ... الخ ، فهذا
تعليل لنفي المعنى الكنائي الثاني.
(١٠) مع تحقق
السلطنة على العين الشخصية والقدرة على تسليمها للمشتري ، إمّا ببيعها عن مالكها
فضولا ، وإمّا وكالة عنه.
__________________
خصوصا (١) إذا كان وكيلا عنه في بيعه ولو (٢) من نفسه ، فإنّ السلطنة
والقدرة على التسليم حاصلة هنا (٣) ، مع أنّه (٤) مورد الرواية عند الفقهاء.
فتعيّن (٥) أن
يكون كناية عن السلطنة التامّة الفعلية التي تتوقف على الملك مع كونه تحت اليد ،
حتّى كأنّه عنده وإن كان (٦) غائبا.
وعلى أيّ حال (٧)
(*) فلا بدّ من إخراج بيع الفضولي عنه
______________________________________________________
(١) وجه
الخصوصية واضح ، لتسلّط الوكيل على المبيع ، وكون تصرفه كالأصيل.
(٢) وصلية ، إذ
تارة يتوكّل في بيع المال للغير ، واخرى في بيعه مطلقا سواء اشتراه الوكيل لنفسه
أم لأجنبي.
(٣) أي : في
بيع العين الشخصية المملوكة للغير ، ثم يمضي لشرائها من مالكها وتسليمها إلى
المشتري.
(٤) هذا إشارة
إلى الوجه الثاني ، يعني : مع الغضّ عن تمسك الفقهاء بالرواية على حكم بيع العين
الشخصية غير المملوكة للبائع ، يكون مورد الرواية هو النهي عن بيع العين الشخصية
المملوكة للغير.
(٥) أي : بعد
نفي المعنيين الكنائيّين يتعيّن كون قوله : «كونه عنده» كناية عن السلطنة التامة
الفعلية.
(٦) الضمير
المستتر وضميرا «كونه ، كأنّه» راجعة إلى الملك.
(٧) يعني :
سواء أكان مفاد «لا تبع ما ليس عندك» كناية عن اعتبار مطلق
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
السلطنة على المبيع ، أو السلطنة المطلقة أي التامّة ، فلا بدّ ... الخ.
وهذا دفع دخل
مقدر ، حاصله : أنّه بناء على اشتراط السلطنة يلزم فساد بيع الفضولي رأسا ، وعدم
اقتضائها للصحة ، لانتفاء كلّ من الملك والقدرة على التسليم فيه ، مع التزام الجلّ
بكونه موقوفا على الإجازة ، وهذا كاشف عن إرادة معنى آخر من الرواية ، ولا يتجه
استظهار شرطية القدرة على التسليم في البيع منها.
ودفع المصنف
هذا الدخل بوجهين أجاب بهما عن الاستدلال بالنبوي على بطلان البيع الفضولي :
أحدهما : تخصيص
عموم «ما ليس عندك» بما دلّ على ترتب الصحة الاقتضائية على إنشاء الفضولي ، وعدم
كونه مسلوب الأثر ، وحيث إن هذا النبوي عام بالنسبة إلى أدلة صحة الفضولي ، خصّص
بها.
ثانيهما : حمل
النهي على الإرشاد ، بأن يراد من الفساد المدلول عليه بالنهي عدم وقوعه لبائعه
الفضولي ، لا مطلقا حتى لمالكه إذا أجاز.
ولكن هذا تصرف
مجازي ، بخلاف التخصيص ، فإنّه ليس مجازا على ما ثبت في محلّه.
__________________
__________________
بأدلّته (١) ، أو بحمله (٢) على النهي المقتضي لفساده ، بمعنى عدم وقوعه
لبائعه لو أراد ذلك (٣).
وكيف كان (٤) ،
فتوجيه الاستدلال بالخبر على ما نحن فيه ممكن (٥).
وأمّا الإيراد
عليه (٦) بدعوى :
______________________________________________________
(١) متعلق ب «إخراج»
والضمير راجع إلى بيع الفضولي. وهذا إشارة إلى الوجه الأوّل.
(٢) معطوف على «من
إخراج» أي : فلا بدّ من حمل النهي في «لا تبع ما ليس عندك» على ... الخ. وهذا
إشارة الى الوجه الثاني المتقدم آنفا.
(٣) أي : لو
أراد البائع الفضولي وقوع البيع لنفسه لا لمالك المبيع.
(٤) أي : سواء
أخرجنا بيع الفضولي من هذا النبوي تخصيصا أم تخصّصا ، فتوجيه دلالة قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «لا تبع ما ليس عندك» على منع بيع ما لا قدرة على تسليمه ممكن ، إذ المراد
به اعتبار السلطنة المطلقة المنوطة بالملكية والقدرة على التسليم معا.
(٥) ليس المراد
به مجرّد الاحتمال حتى لا يجدي في مقام الاستدلال ، بل المقصود ظهور الكلام في
المدّعى.
(٦) أي : على
الاستدلال بالنبوي ، والمورد صاحب الجواهر قدسسره ، قال بعد تقريب الاستدلال بالنبوي ـ كما في المتن ـ ما
لفظه : «ولكن قد يقال : إنّ المراد به الإشارة إلى ما هو مستعمل الآن وفي السابق
من بيع الشيء المخصوص ، مظهرا له أنّه ماله وعنده ، ثم يمضي بعد ذلك إلى صاحبه ،
ويشتريه منه بأنقص مما باعه ، ثم يدفعه إلى الذي باعه إيّاه أوّلا» .
وحاصله : أنّ
الخبر أجنبي عن المدّعى ، إذ مورده بيع مال الغير ثم تحصيله
__________________
«أنّ المراد به (١) الإشارة إلى ما هو المتعارف في تلك الأزمنة (٢) من بيع
الشيء الغير (*) المملوك ،
______________________________________________________
بالشراء من مالكه ودفعه إلى المشترى ، فيكون المنهي عنه بيع ما لا يملكه
البائع ، ومن المعلوم أنّه أجنبي عن بيع المالك لماله مع قدرته على التسليم ، هذا.
وأجاب عنه
المصنف قدسسره بما حاصله : أنّه لا وجه لهذا الاختصاص ، لأنّ المدار
على عموم الوارد لا خصوصية المورد ، لما ثبت في محله من عدم مخصصية المورد.
(١) أي : بصحيح
سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليهالسلام ، الحاكي لنهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن عدة امور ، منها بيع ما ليس عندك.
(٢) أي : أزمنة
صدور الروايات ، ومراد صاحب الجواهر عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
ثم تحصيله بشرائه ونحوه (١) ، ودفعه (٢) إلى المشتري» فمدفوع (٣) بعدم
الشاهد على اختصاصه بهذا المورد (٤) ، وليس في الأخبار المتضمنة لنقل هذا الخبر ما
يشهد باختصاصه بهذا المورد (*).
نعم (٥) ، يمكن
أن يقال : إنّ غاية ما يدلّ عليه هذا النبوي ـ بل النبوي
______________________________________________________
باعتبار ورود جملة «لا تبع ما ليس عندك» في نهي حكيم بن حزام عن بيع شيء
لا يملكه ، ثمّ يمضي ويشتريه ويسلّمه.
(١) أي : نحو
الشراء ، كالاتهاب من المالك ، أو التصالح معه عليه.
(٢) الضمائر في
«تحصيله ، بشرائه ، دفعه» راجعة إلى الشيء غير المملوك.
(٣) جواب الشرط
في «وأمّا الإيراد» وهذا ردّ كلام الجواهر ، وتقدم توضيحه آنفا.
(٤) أي : بمورد
بيع شيء لا يملكه البائع ، ثم يمضي ويشتريه من مالكه. والوجه في انتفاء الشاهد
على الاختصاص هو ورود الجملة ـ في حديث سليمان بن صالح ـ في سياق النهي عن بيوع
اخرى ، ولا قرينة على كون قوله عليهالسلام : «ونهى عن بيع ما ليس عندك» مختصا ببيع ما لا يملكه ،
ثم يشتريه من مالكه.
(٥) استدراك
على قوله : «فتوجيه الاستدلال بالخبر على ما نحن فيه ممكن»
__________________
__________________
الأوّل (١) أيضا (٢) ـ فساد البيع ، بمعنى (٣) عدم كونه علّة تامة لترتب
الأثر المقصود ،
______________________________________________________
وغرضه قدسسره ـ بعد دفع إيراد صاحب الجواهر قدسسره عليه ـ الإشكال على دلالة الخبر على فساد بيع ما لا قدرة
على تسليمه. والإشكال من وجهين :
أحدهما : أنّ
غاية ما يدلّ عليه النبوي هو فساد البيع بمعنى عدم كون العقد علة تامة لترتب الأثر
المقصود عليه ، لا عدم ترتب أثر عليه أصلا ، بحيث يكون وجوده كعدمه ، فيمكن أن يقع
مراعى بانتفاء الغرر ، وصيرورة المبيع مقدور التسليم.
وهذا نظير ما
تقدم في بيع الفضولي من عدم دلالة النبوي على البطلان رأسا حتى لا يجدي إجازة
المالك في ترتب الأثر على إنشاء الفضولي ، بل مفاده إسقاط عقد غير المالك عن
الاستقلال في التأثير ، فلا مانع من صحته تأهّلا.
قال : «وبعبارة
اخرى : نهي المخاطب عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثّرا في حقّه ، فلا يدلّ على
إلغائه بالنسبة إلى المالك حتى لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له» .
والحاصل : أنّ
بيع ما لا قدرة على تسليمه غير فاسد رأسا ، بل يقع مراعى ، فإن حصلت القدرة صحّ ،
وإلّا بطل.
هذا تقريب
الوجه الأوّل ، ويأتي بيان الوجه الثاني.
(١) وهو نهيه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الغرر.
(٢) يعني كهذا
النبوي ، وهو : «لا تبع ما ليس عندك» ومقصوده توجه المناقشة في الاستدلال بكلا
الخبرين.
(٣) غرضه تفسير
الفساد لئلّا يتوهم ظهور النبوي في الفساد مطلقا سواء حصلت القدرة على التسليم ـ بعد
البيع ـ أم لم تحصل ، وسواء تبيّن وجود القدرة حاله أم لم يتبيّن.
__________________
فلا ينافي (١) وقوعه مراعى بانتفاء صفة الغرر ، وتحقّق (٢) كونه عنده.
ولو أبيت (٣)
إلّا عن ظهور النبويّين في الفساد بمعنى لغويّة العقد رأسا
______________________________________________________
(١) يعني : أنّ
الفساد ـ بمعنى عدم العلية التامة ـ لا ينافي صحة البيع مراعى بانتفاء الغرر ، فإن
حصلت القدرة على التسليم صحّ ، وإلّا لم يصحّ.
(٢) هذا معنى
انتفاء صفة الغرر ، أي : تحقق كون المبيع مقدورا تسليمه.
(٣) هذا ثاني
الوجهين ، والتعبير ب «ولو أبيت» صريح في ابتناء الوجه الأوّل على إنكار ظهور
النبوي في فساد البيع من أصله.
وحاصل هذا
الوجه الثاني : أنّه بعد تسليم ظهور الخبر في بطلان بيع ما لا قدرة على تسليمه ـ
وعدم الجدوى في حصول القدرة عليه بعد العقد ـ يتعيّن رفع اليد عن الظهور المزبور ،
وحمل النهي «عن بيع ما ليس عندك» على عدم العلية التامة في التأثير ، وذلك لأنّه ـ
بناء على دلالة النهي في النبوي على الفساد واللغوية ـ يدور الأمر بين ارتكاب أحد
أمرين :
إمّا رفع اليد
عن الظهور في اللغوية ، والالتزام بجعل الفساد عبارة عن عدم العليّة التامة
للتأثير ، ولازمه صيرورة البيع مراعى بارتفاع الغرر.
وإمّا حفظ
الظهور في اللغوية ، والالتزام بتخصيص النبوي في موارد التزموا بوقوع البيع فيها
مراعى ـ كبيع الرهن ـ مع كون البائع في تلك الموارد عاجزا شرعا عن التسليم.
فلا بدّ أن
يقال : «بيع ما ليس عندك فاسد رأسا ، إلّا بيع الرهن ، وبيع ما لا يملكه حين البيع
، وبيع المحجور ، وبيع العبد الجاني عمدا» فإنّها تقع مراعى بإجازة من له الأمر.
ولا ريب في عدم
المجال لهذا التخصيص ، وذلك لأن التخصيص وإن كان أولى من المجاز في سائر المقامات
، إلّا أنّه في المقام لكثرته ليس أرجح من المجاز أعني
المنافية (١) لوقوعه مراعى ، دار (٢) الأمر بين ارتكاب خلاف هذا الظاهر (٣)
، وبين إخراج بيع الرهن (٤) ، وبيع ما يملكه بعد البيع (٥) وبيع العبد الجاني عمدا
(٦) ، وبيع المحجور (٧) لرقّ أو سفه أو فلس ،
______________________________________________________
به ارتكاب خلاف الظاهر في النهي بحمله على الفساد ، بمعنى عدم العلّية
المنحصرة. ومع عدم أرجحية التخصيص من المجاز وبالعكس يتساوى الاحتمالان ، فيصير
الكلام مجملا ، فلا يصح معه الاستدلال.
وعليه فالتمسك
بالنبوي على اعتبار القدرة على التسليم ليس في محله ، ولا مانع حينئذ من التمسك
بالقواعد العامة المقتضية للصحة.
(١) صفة ل «لغويّة»
وضمير «لوقوعه» راجع إلى العقد.
(٢) جواب الشرط
في «ولو أبيت».
(٣) وهو الفساد
بمعنى اللغوية وعدم ترتب الأثر.
(٤) كما لو باع
الرّهن ، لتعذّر التسليم فعلا من جهة كونه وثيقة على الدين ، مع صحة البيع مراعى
بالافتكاك. فلو قيل بلغوية بيع غير المقدور تسليمه حال العقد لزم تخصيص عموم النهي
، وإخراج بيع الرهن منه.
(٥) هذا مورد
آخر مما يصحّ البيع مع العجز عن التسليم حال العقد ، لعدم كونه مالكا للمبيع ،
فباعه فضولا ثم تملّكه ، وأجاز ، فيصحّ البيع ، مع كونه موردا لعموم النهي عن بيع
ما ليس عندك.
(٦) هذا مورد
ثالث مما يصحّ البيع فيه مراعى ، ولا يبطل رأسا. كما تقدم تفصيله في محلّه ، فلو
باعه المولى لم ينفذ ، لكون أمر القصاص والاسترقاق بيد المجني عليه أو وليّه ، فإن
افتكت رقبته من حق المجني عليه ـ بالعفو أو بقبول الفداء من المولى ـ وتمكن المولى
من تسليمه صحّ البيع ، وإلّا فلا.
(٧) هذا رابع
الموارد مما لا يبطل فيه البيع رأسا ، بل يقع بيع الرّق موقوفا على
فإنّ (١) البائع في هذه الموارد عاجز شرعا عن التسليم (٢). ولا رجحان (٣)
لهذه التخصيصات. فحينئذ (٤) لا مانع عن التزام وقوع بيع كلّ ما يعجز عن تسليمه
______________________________________________________
إجازة المولى ، وبيع السفيه موقوفا على إجازة وليّه ، وبيع المفلّس على
إجازة الغرماء.
ولا يخفى أنّهم
اصطلحوا «المراعى» على الجهل بوجود الشيء حال القعد ، في قبال «الموقوف» المراد
به دخل أمر آخر في تأثير العقد كالإجازة في الفضولي. ولكن المراد بالمراعى ـ
بقرينة الأمثلة المذكورة ـ ما هو أعم من كون المتأخر العلم بوجود الشيء ، كما إذا
جهل بقدرته على التسليم فانكشف وجودها ، ومن وجود شيء بعد العقد.
(١) تعليل للشق
الثاني من المنفصلة ، وهو التخصيص المدلول عليه بقوله : «وبين إخراج».
(٢) مع عدم
بطلان البيع فيها رأسا ، بل يقع مراعى.
(٣) يعني : لا
مرجّح للشق الثاني ـ أعني به تخصيص عموم النهي ـ على الشقّ الأوّل ، وهو إرادة عدم
العلية التامة ، وإن كان خلاف ظهور النبوي بدوا.
(٤) أي : فحين
عدم رجحان التخصيص على ارتكاب خلاف الظاهر ، يلزم إجمال النهي في النبويّين
بالنسبة إلى بيع ما يعجز البائع عن تسليمه مع رجاء القدرة على تسليمه ، ومن
المعلوم عدم صلاحية المجمل لتقييد إطلاق حلّ البيع ونحوه من أدلة الإمضاء (*).
__________________
ـ مع رجاء التمكّن منه ـ مراعى (١) بالتمكّن منه في زمان لا يفوت الانتفاع
المعتدّ به (٢).
وقد صرّح
الشهيد (٣) في اللمعة بجواز بيع الضّالّ (٤) والمجحود ـ من غير إباق (٥) ـ مراعى
بإمكان التسليم ، واحتمله (٦) في التذكرة.
لكن الإنصاف (٧)
: أنّ الظاهر من حال الفقهاء اتّفاقهم على فساد بيع الغرر
______________________________________________________
(١) مفعول
لقوله : «وقوع» وضمير «منه» في الموضعين راجع إلى «تسليمه».
(٢) فلو فات
زمان الانتفاع المعتدّ به بالمبيع لم يصح ، لكونه سفهيّا.
(٣) الغرض من
الاستشهاد بكلام الشهيد تأييد ما أفاده بقوله : «فلا مانع» من أن المراد بالفساد
عدم العلية التامة للعقد ، لا عدم ترتب الأثر رأسا. قال في اللمعة : «أما الضال
والمجحود ، فيصح البيع ، ويراعى بإمكان التسليم ، وإن تعذّر فسخ المشتري إن شاء» .
(٤) وهو ـ
بقرينة قوله : «من غير إباق» ـ العبد الضال الذي يرجى الظفر به.
(٥) هذا
التقييد لإخراج العبد الضال والمجحود عن عنوان الإباق الذي ادعي الإجماع على عدم
جواز بيعه منفردا.
(٦) يعني :
واحتمل العلّامة جواز بيع الضال والمجحود من غير إباق.
لكن الموجود في
عبارة التذكرة احتمال صحة بيع الضال فقط ، ولم يعطف عليه المجحود ، فقال قدسسره : «الضال يمكن حمله على الآبق ... والعدم» .
وبالجملة :
فصرح الشهيد قدسسره بجواز بيع الضال والمجحود مراعى بإمكان التسليم يؤيّد
إرادة عدم العلية التامة للعقد من الفساد ، لا عدم ترتب الأثر رأسا.
(٧) هذا
استدراك على قوله : «فحينئذ لا مانع عن التزام ... الخ» وحاصله :
__________________
بمعنى عدم تأثيره رأسا ، كما عرفت (١) من الإيضاح .
ومنها (٢) :
أنّ لازم العقد وجوب تسليم كلّ من المتبايعين العوضين (٣)
______________________________________________________
أنّ ما استظهرناه من معنى الفساد ـ وهو عدم العلية التامة لا عدم ترتب
الأثر رأسا ـ خلاف ظاهر حال الفقهاء ، لأنّ ظاهرهم الاتفاق على كون فساد البيع عبارة
عن عدم ترتب الأثر أصلا. وهذا كاشف عن كون المراد بالنبويين هو الفساد محضا ، فلا
يصح حملهما على ما ذكرناه من عدم العلية التامة.
(١) حيث قال في
صدر المسألة : «والنهي هنا يوجب الفساد إجماعا على الظاهر المصرّح به في موضع من
الإيضاح» بأن يكون المراد بالفساد اللغوية رأسا.
(٢) أي : ومن
الوجوه الأخر المستدل بها على اعتبار القدرة على التسليم هو : أن لازم العقد ...
الخ.
وتوضيحه : أنّ
مضمون العقد ـ وهو نقل كل من العوضين عن مالكه إلى صاحبه وصيرورته ملكا للآخر الذي
هو حكم وضعي ـ مستلزم لوجوب تسليم كلّ منهما ما انتقل عنه إلى مالكه ، وحرمة حبسه
، لأنّه ظلم. وهذا الوجوب كسائر التكاليف يقتضي مقدورية متعلقه ، فلا بد من كون
التسليم الواجب مقدورا ، وإلّا يلزم التكليف بالممتنع ، وهو قبيح ، فثبت اعتبار
القدرة على التسليم.
وبعبارة اخرى :
أن البيع الصحيح يستلزم وجوب التسليم تكليفا ، وهو متوقف على القدرة ، وحيث إنه لا
قدرة حسب الفرض على التسليم ، فلا وجوب ، وبطلان اللازم يكشف عن بطلان الملزوم وهو
البيع. وهذا مقتضى القياس الاستثنائي.
(٣) حق العبارة
أن يقال : «كلّا من العوضين» أو «ما انتقل عنه إلى صاحبه» كما في الجواهر . وفي المصابيح : «وجوب تسليم كل من المتبايعين ما انتقل
عنه
__________________
إلى صاحبه ، فيجب أن يكون مقدورا ، لاستحالة التكليف بالممتنع.
ويضعّف (١)
بأنّه : إن اريد أنّ لازم العقد وجوب التسليم
______________________________________________________
بالبيع إلى صاحبه».
(١) نسب الفقيه
المامقاني قدسسره هذا التضعيف والاعتراض عليه وجوابه إلى العلّامة
الطباطبائي قدسسره في المصابيح ، وأثبته صاحب الجواهر قدسسره ـ في ردّ الوجه الثالث ـ بلفظه ، وهو : «أنّه إن اريد إثبات اشتراط القدرة
على التسليم بوجوب التسليم منجّزا ، فذلك باطل ، لأنّه مشروط بالبيع. وإن اريد
إثبات اشتراطها بوجوب الإقدام على ما يتمكن معه من فعل الواجب إذا وجب ، منعنا
الوجوب على الإطلاق ، فإنّ التكليف مشروط بالقدرة. والعجز السابق على البيع
كالمتجدد ، فكما لا يجب التسليم في الثاني ، فكذا في الأوّل» .
وتوضيحه : أنّ
صحة البيع وضعا ـ بمعنى تأثيره في نقل كل من العوضين إلى الآخر ـ وإن كانت مستلزمة
لوجوب الوفاء به تكليفا بمعنى ترتيب آثاره عليه من تسليم المبيع للمشتري ، والثمن
للبائع ، إلّا أنّ استفادة شرطية القدرة الفعلية على التسليم ـ حال العقد ـ من
الأمر بالوفاء ممنوعة ، وذلك لأنّ وجوب التسليم إما أن يراد به وجوبه الفعلي
المنجّز بحيث يكشف العجز عنه عن الحكم الوضعي في الملزوم أعني بطلان العقد. وإما
أن يراد به مطلق وجوبه الشامل للوجوب المطلق وللمشروط بالقدرة.
فإن اريد
الأوّل اتجه منع الملازمة بين الحكم الوضعي ـ وهو نفوذ البيع ـ وبين التكليفي أعني
وجوب التسليم ، ضرورة عدم اقتضاء الحكم الوضعي للتكليفي إلّا في الجملة ، فيستفاد
صحة البيع من إطلاق حلّه ومن التجارة عن تراض ،
__________________
وجوبا مطلقا (١) ، منعنا الملازمة (٢). وإن اريد (٣) مطلق وجوبه ، فلا
ينافي (٤) كونه مشروطا بالتمكّن ، كما لو تجدّد العجز بعد العقد (٥).
______________________________________________________
ونحوهما ، ولا يستفاد إطلاق التكليف بالتسليم من وجوب الوفاء بالعقد بعد
دخل القدرة على المتعلق في مطلق الخطابات الشرعية.
وإن اريد
الثاني ، وهو استلزام صحة البيع وجوب التسليم في الجملة ـ أي مشروطا بالقدرة عليه ـ
فالملازمة بين الوضع والتكليف محققة ، ومعناه ترتب وجوب التسليم على العقد منوطا
بالتمكن منه. ومن المعلوم أنّ الوجوب المشروط بالقدرة قاصر عن إثبات اشتراط صحة
العقد بالقدرة على التسليم.
وعليه فحكم
القدرة على التسليم حال العقد وبعده واحد. فلو كان متمكنا من تسليم المبيع حين
البيع ثم طرأ عليه العجز ، لم يجب عليه ، ولا يستلزم بطلان العقد ، بل يتخيّر
المشتري بين الفسخ والتربص. فكذا لو كان عاجزا عن التسليم حال البيع ، وتمكّن منه
في المستقبل. فلا تكليف به فعلا.
هذا توضيح
المناقشة ، وسيأتي تقرير الاعتراض عليها والدفع.
(١) أي :
منجّزا من جهة تحقق شرطه المعلّق عليه ، كما ورد التعبير به في كلام صاحب المصابيح
، وليس المراد وجوب التسليم مطلقا بالنسبة إلى القدرة أي سواء تمكّن منه أم لم
يتمكن ، ضرورة اشتراط كل تكليف بها عقلا ، ولا معنى للإطلاق من هذه الجهة.
(٢) أي : بين
صحة العقد وضعا وبين وجوب التسليم تكليفا ، وتقدم وجه المنع.
(٣) معطوف على «إن
اريد» وضمير «وجوبه» راجع إلى التسليم.
(٤) أي : أنّ
وجوب التسليم ـ بنحو مطلق الوجوب ـ لا ينافي وجوب التسليم مشروطا بالتمكن.
(٥) فإنّ عدم
وجوب التسليم لو تجدّد بعد العقد لا يستلزم بطلانه.
وقد يعترض (١)
بأصالة عدم تقيّد الوجوب ، ثم يدفع (٢) بمعارضته بأصالة عدم تقيّد البيع بهذا
الشرط.
وفي الاعتراض
والمعارضة نظر واضح (٣) ،
______________________________________________________
(١) يعني :
يعترض على التضعيف المزبور بمنع الشق الثاني منه ، وهو جعل وجوب التسليم مشروطا
بالقدرة عليه.
وجه المنع أنّ
تقييد الوجوب بالتمكن منه مخالف لأصالة عدم تقيد الوجوب ، ويتعيّن الشق الأوّل ،
وهو كون وجوب التسليم فعليا بنفس العقد ، ويترتب عليه انكشاف انتفاء الملزوم من
انتفاء اللازم. قال في المصابيح في تقرير الاعتراض : «لا يقال : الأصل في الوجوب
عدم التقييد ، وقد ثبت بالقياس إلى العجز المتجدد ، بخلاف السابق ، لأنّ القدرة
على التسليم إذا كانت شرطا كان الوجوب بالقياس إليها مطلقا ، لكونها مفروضة الحصول
على هذا التقدير».
(٢) أي : يدفع
الاعتراض. قال العلّامة الطباطبائي قدسسره في دفعه : «لأنّ هذا الأصل معارض بمثله في جانب البيع ،
فإنّ الأصل عدم اشتراطه بالقدرة على التسليم ، فيجب تقييد وجوب التسليم بحصول
القدرة السابقة كاللاحقة» .
ومحصله : أن
دليل الصحة ـ كآية حلّ البيع ـ لم يقيّد بالقدرة على التسليم ، فلو شكّ في التقييد
جرى أصالة عدم اشتراطه بها ، وهذا الأصل العملي معارض لأصالة إطلاق وجوب التسليم ،
وبعد التساقط يبقى إطلاق دليل حلّ البيع بحاله ، ويقال بصحة البيع حتى مع العجز عن
التسليم حال العقد ، تمسكا بإطلاق دليل الإمضاء.
(٣) أمّا وجه
النظر في الاعتراض فهو : أنّ أصالة عدم التقييد إن اريد بها الأصل العملي ، ففيه :
أنّه لا أصل لها. وإن اريد بها أصالة الإطلاق ، ففيه : أنّها من
__________________
فافهم (١).
ومنها (٢) :
أنّ الغرض من البيع انتفاع كلّ منهما بما يصير إليه ،
______________________________________________________
شئون ظواهر الألفاظ كالعموم والحقيقة وغيرهما ، كما إذا قال المولى : «أكرم
عالما» وشك في تقيده بالعدالة. بخلاف ما لو كان الدليل عليه لبيّا. والوجوب فيما
نحن فيه ـ حسب الفرض ـ ليس مستفادا من اللفظ حتى يتمسك في الشك في تقييده بأصالة
الإطلاق ، فإنّ الاستدلال المزبور ينادي بأن الوجوب من لوازم العقد ، هذا.
وأمّا وجه
النظر في المعارضة فهو : أنّ أصالة الإطلاق ـ بناء على جريانها في ناحية وجوب
التسليم ـ حاكمة على أصالة عدم تقيد البيع بهذا الشرط ، لما ثبت في محله من حكومة
أصالة الإطلاق في المقيّد على أصالة الإطلاق في المطلق.
(١) لعله إشارة
إلى : أنّه بناء على كون القدرة على التسليم من مقوّمات المالية لا من شرائط
المتعاقدين ـ كما يؤمي إليه تعرضهم لها في شرائط العوضين ، لا في شرائط المتعاقدين
ـ ينهدم أساس الملازمة بين الحكم الوضعي وبين وجوب التسليم المستكشف منه اعتبار
القدرة على التسليم ، وذلك لأنّ مضمون العقد لا يتحقق حينئذ في الخارج ، لتقوم
المعاوضة بمالية العوضين ، وبدونها لا يمكن تأثير إنشاء المعاملة حتى يدّعى
التلازم بين مضمون العقد وبين وجوب التسليم ، فتدبّر.
(٢) أي : ومن
الوجوه الاخر المستدل بها على اعتبار التمكن من التسليم هو : أن الغرض ... الخ.
وهذا الوجه
الثالث مركّب من دعويين :
إحداهما : كون
الغرض من البيع منحصرا في انتفاع كل من المتعاقدين بما ينتقل إليه.
ثانيتهما :
توقف الانتفاع ـ المترقب ـ على التسليم. فالتسليم مقدمة للغرض الداعي إلى
المعاملة.
والأولى في
جوابه أن يقال : إنّ الأغراض الداعية إلى الإنشاءات لا تؤثر
ولا يتمّ (١) إلّا بالتسليم.
ويضعّفه (٢) :
منع توقف مطلق الانتفاع على التسليم ، بل منع (٣) عدم كون الغرض منه إلّا الانتفاع
بعد التسليم ، لا الانتفاع المطلق (٤).
ومنها (٥) :
أنّ بذل الثمن على غير المقدور سفه ، فيكون ممنوعا ،
______________________________________________________
في صحة المعاملات ، بمعنى أنّ تخلّفها لا يبطلها.
(١) أي : ولا
يتمّ الانتفاع ، فيجب التسليم مقدمة له ، فلا بدّ من القدرة عليه ، لئلّا يلزم نقض
الغرض.
(٢) أي :
ويضعّف هذا الوجه : منع ... الخ ، وقد ضعّفه بأمرين ، هذا أوّلهما ، وتوضيحه : أنّ
الغرض من البيع وإن كان هو الانتفاع ، إلّا أنّ توقف مطلق الانتفاع على التسليم
ممنوع ، بشهادة جواز انتفاع المشتري بعتق العبد الآبق ، مع عدم توقف هذا الانتفاع
الخاص على التسليم ، فالدليل أخصّ من المدّعى.
ولو قيل : إنّ
مطلق الانتفاع وإن لم يكن منوطا بالتسليم ، إلّا أنّ الغرض من البيع هو الانتفاع
الخاص أعني المتوقف على التسليم ، لا مطلق الانتفاع.
يقال عليه :
إنّ الانتفاع المطلق صالح لكونه غرضا من البيع.
(٣) معطوف على «منع»
وهذا ثاني الأمرين ، ومحصله : أنّ الغرض من البيع وإن كان هو الانتفاع ، لكنه لا
يلزم نقض الغرض بالعجز عن التسليم ، فإنّ الشرط هو الانتفاع الخاص الحاصل بعد
التسليم ، لا مطلق الانتفاع ولو قبل التسليم حتى يكون تعذره قادحا.
(٤) العبارة لا
تخلو من تعقيد ، ولا موجب له ، والأولى كما في المصابيح والجواهر : «منع كون الغرض
من البيع الانتفاع مطلقا ، بل بعد تسليمه» .
(٥) أي : ومن
الوجوه الاخر المستدل بها على اعتبار القدرة على التسليم في
__________________
وأكله (١) أكلا بالباطل.
وفيه (٢) : أنّ
بذل المال القليل في مقابل المال الكثير المحتمل الحصول ليس سفها (٣) ، بل تركه (٤)
اعتذارا بعدم العلم بحصول العوض سفه ، فافهم (٥).
______________________________________________________
البيع هو هذا الوجه الرابع ، المؤلّف من صغرى وكبرى.
فالصغرى هي :
أنّ بذل الثمن بإزاء المبيع غير المقدور على تسليمه للمشتري يكون سفهيّا وتضييعا
للمال.
والكبرى : أنّ
البيع السفهي ممنوع شرعا ، لكونه من موارد أكل مال الغير بالسبب الباطل ، لا
بالتجارة عن تراض ، هذا.
(١) يعني :
وتملّك الثمن والتصرف فيه ـ مع العجز عن تسليم المثمن ـ أكل له بالباطل المنهي
عنه.
(٢) هذا ردّ
الوجه الأخير ، قال في المصابيح والجواهر : «وعلى الثالث : المنع من لزوم السفه
والتضييع على الإطلاق ، فإنّ بذل القليل من المال في مقابلة الخطير المتوقع الحصول
ممّا يقدم عليه العقلاء ، ولا يعدّ مثله سفها ولا تضييعا ...» .
وتقدم نظيره من
المصنف قدسسره في الإيراد على كلام الشهيد في شرح الإرشاد ، فراجع (ص
٦٠٤).
(٣) وعلى تقدير
كونه سفها يكون أخص من المدّعى ، إذ لا ريب في عدم السفاهة في بعض الموارد ، فلا
يكون الدليل عامّا لجميع أفراد الدعوى.
(٤) أي : ترك
البذل ـ بزعم عدم اليقين بحصول عوض المال ـ سفه ، والغرض أن الاستدلال بالسفاهة
ينتج عكس المطلوب في بعض الموارد.
(٥) لعلّه
إشارة إلى عدم صحة التمسك بالسفاهة لإثبات وجوب التسليم ، إذ النسبة بين السفاهة
وبين التسليم عموم من وجه ، لعدم السفاهة مع إمكان الانتفاع بدون تسلم المبيع
كالعتق.
__________________
ثم إنّ (١)
ظاهر معاقد الإجماعات ـ كما عرفت (٢) ـ كون القدرة شرطا ، كما هو (٣) كذلك في
التكاليف ، وقد اكّد الشرطية في عبارة الغنية المتقدّمة (٤) ، حيث (٥) حكم بعدم
جواز بيع ما لا يمكن فيه التسليم ، فينتفي المشروط (٦) عند انتفاء الشرط. ومع ذلك (٧)
كلّه فقد استظهر بعض من تلك العبارة : أنّ العجز مانع ،
______________________________________________________
هذا تمام
الكلام في الوجوه المستدل بها على دخل القدرة على التسليم في البيع ، وسيأتي
التنبيه على امور ترتبط بالمسألة.
(١) هذا هو
التنبيه الأوّل ، الباحث عن أنّ مقتضى أدلة دخل القدرة هل هو جعلها شرطا في صحة
البيع كشرطيتها في التكاليف؟ أم جعل العجز مانعا ، وما يترتب على الاحتمالين من
ثمرة ، وكلام المصنف قدسسره هنا توطئة لردّ من جعل العجز عن التسليم مانعا ، ولم
يجعل القدرة شرطا كما سيأتي.
(٢) تقدم نقل
بعض دعاوى الإجماع في (ص ٥٨٠) مما صريحه أو ظاهره شرطية القدرة ، فراجع.
(٣) أي : كون
القدرة شرطا في التكاليف ، فإنّه مما لا ريب فيه ، وإن اختلفوا في كونه باقتضاء
الخطاب أو بحكم العقل.
(٤) هي قوله : «إنّما
اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدورا عليه» فراجع (ص ٥٨٠).
(٥) هذا تقريب
التأكيد ، لأنّ صاحب الغنية حكم بالانتفاء عند الانتفاء ، وهذا ما يعبّر به عن
الشرط. وأمّا المانع فيعبر عنه بالانتفاء عند الوجود ، لأنّ المانع يمنع عن وجود
المقتضي.
(٦) وهو جواز
البيع ، فينتفي بانتفاء شرطه ، أعني به القدرة على التسليم.
(٧) أي : ومع
ظهور معاقد الإجماعات في الشرطية ، وتأكيدها في عبارة الغنية ، فقد استظهر بعض ـ
وهو صاحب الجواهر قدسسره ـ من عبارة الغنية وغيرها مانعية العجز دون شرطية القدرة ، حيث قال ما لفظه
: «نعم قد يظهر من هذه العبارة ـ أي
لا أنّ القدرة شرط ، قال (١) : «ويظهر الثمرة في موضع الشّكّ» ثمّ ذكر (٢)
إختلاف
______________________________________________________
عبارة الغنية ـ بل وغيرها عند التأمل : أنّ المراد من هذا الشرط عدم جواز
بيع ما يعجز عن تسليمه كالأمثلة السابقة. وقد يطلق اشتراط القدرة على إرادة كون
العجز مانعا ، نحو ما ذكروه في كون القدرة شرطا في التكاليف» .
(١) قال في
الجواهر : «وتظهر الثمرة في المشكوك فيه» فإنّه بناء على شرطية القدرة يمتنع بيعه
، بخلافه بناء على مانعية العجز.
(٢) يعني : ذكر
المستظهر لمانعية العجز : إختلاف الأصحاب ، حيث قال : «ومما يرشد إلى ذلك : أنّهم
قد ذكروا الإجماع كما عرفت على اشتراط القدرة ، مع أنهم قد حكوا الخلاف في امور ،
منها : بيع الضال ، فإنّه قد قيل فيه وجوه ...» إلى أن قال :
ومنها : بيع
الضالة ، وفيها احتمالات ، أوّلها الصحة ...» .
ولا يخفى أنّ
المستفاد من عبارة الجواهر امور :
الأوّل : أن
المراد بالقدرة في المقام هو عدم العجز ، يعني : أنّ العجز مانع.
الثاني : قياس
الوضع بالتكليف ، حيث إنّ المراد بالقدرة المعتبرة في التكليف هو عدم العجز ، لا
شرطية القدرة ، وإلّا فلا مجال لقاعدة الاشتغال مع الشك في القدرة ، بل لا بدّ من
جريان البراءة فيه كما لا يخفى.
الثالث : أنّ
الثمرة بين شرطية القدرة ومانعية العجز تظهر في موارد الشك ، فإنّه بناء على
اعتبار القدرة لا يصح البيع إلّا بعد إحرازها. وبناء على مانعية العجز يصح حتى
يحرز العجز. فلو باع بزعم عدم القدرة على التسليم ، فبان التمكن منه صحّ بناء على
مانعية العجز ، كما صرّح به في موضع آخر .
الرابع : أنّ
الوجه في حمل معاقد الإجماعات وغيرها على مانعية العجز هو
__________________
الأصحاب في مسألة الضالّ (١) والضّالّة ، وجعله (٢) دليلا على أنّ القدر
المتفق عليه ما إذا تحقّق العجز.
وفيه (٣) ـ مع (٤)
______________________________________________________
اختلافهم في فروع ، ولا يستقيم هذا الخلاف منهم ـ مع الإجماع المزبور ـ
إلّا بحمل معقد الإجماع على كون المراد بهذا الشرط مانعية العجز الثابت ، فيكون
مورد اتفاق الغنية وغيرها هو العجز المتحقق. ومورد الخلاف هو العجز المشكوك فيه.
وبعبارة اخرى :
لو كانت القدرة على التسليم شرطا إجماعا ، لم يتّجه اختلافهم في بيع الضال والضالة
، لأنّ مقتضى لزوم إحراز وجود الشرط بطلان بيعهما ، ولا مجال للاختلاف فيه. وهذا
بخلاف كون العجز مانعا ، فإن احرز العجز لم يصح البيع ، وإن شكّ فيه جاز ، لأصالة
عدم المانع ، هذا.
(١) المراد به
المملوك وهو العبد ، إذا ضاع. والمراد بالضالة ما عداه ، كالبعير والفرس ونحوهما.
(٢) يعني : جعل
صاحب الجواهر إختلاف الأصحاب ـ في مسألة بيع الضال والضالّة ـ دليلا ... الخ.
(٣) أورد
المصنف قدسسره على ما في الجواهر ـ من مانعية العجز ـ بوجوه أربعة :
الأوّل : أنّ
استظهار مانعية العجز من كلمات الأصحاب ممنوع ، لمنافاته لظهور بعضها وصريح الآخر
، قال العلّامة قدسسره : «الشرط الرابع ـ من شرائط العوضين ـ القدرة على
التسليم ، وهو إجماع في صحة البيع ، ليخرج البيع عن أن يكون بيع غرر» . ومن المعلوم أنّ حمل شرطية القدرة على مانعية العجز
نصرّف في الدلالة بلا موجب.
(٤) كذا في
نسختنا وبعض النّسخ ، وفي بعضها «وفيه ما عرفت» والظاهر سقوط كلمة «مع أو مضافا»
ليكون قوله : «ان العجز» مبتدء مؤخّرا كما لا يخفى.
__________________
ما عرفت (١) من أنّ صريح معاقد الإجماع خصوصا (٢) عبارة الغنية المتأكدة
بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء ، هي (٣) شرطية القدرة ـ : أنّ (٤) العجز أمر
عدمي ، لأنّه (٥) عدم القدرة عمّن من شأنه ـ صنفا (٦)
______________________________________________________
(١) يعني : في
أوّل المسألة ، فراجع (ص ٥٨٠).
(٢) وجه
الخصوصية صراحة عبارة الغنية في الشرطية ، من جهة تفريع بطلان بيع غير مقدور
التسليم على انتفاء الشرط. ولو كان العجز مانعا عن الصحة كان المناسب أن يقال : «فينتفي
البيع عند وجود المانع» لوضوح استناد بطلان البيع إلى وجود المانع حينئذ ، لا إلى
عدمه.
(٣) خبر قوله :
«ان صريح».
(٤) هذا ثاني
الوجوه ، ومحصله : أنّ تعريف «المانع» لا ينطبق على العجز.
وتوضيحه : أنّ
المانع هو الأمر الوجودي المزاحم لتأثير المقتضي في مقتضاه ، كالرطوبة المانعة عن
تأثير النار في المحترق. والعجز أمر عدمي لا يصحّ اعتبار مانعيته عن البيع.
ثم إنّ تقابل
العجز والقدرة يكون من تقابل العدم والملكة كالعمى والبصر ، فالعجز هو عدم التمكن
من فعل فيمن تتمشّى منه القدرة عليه ، سواء أكانت شأنية القدرة عليه باعتبار جنس
العقد ، كما إذا كان مقتضى العقد التسليم والإقباض ، وإن لم يشتمل على المعاوضة
كالهبة. أم كانت باعتبار نوع العقد بأن كان معاوضيّا مقتضيا للتسليم كالبيع
والإجارة والصلح المفيد فائدتهما. أم كانت باعتبار صنف العقد بأن كان بيعا حالا ،
إذ من شأنه التمكن من التسليم. فيطلق العاجز في هذه الموارد الثلاثة لو لم يقدر
العاقد على الوفاء والإقباض.
(٥) أي : لأن
العجز هو العدم في المحلّ القابل للتمكن.
(٦) كما في
البائع الذي يباشر بيع ماله ، فإنّ صنف البائعين المباشرين لبيع أموالهم ممّن يقدر
على تسليم المبيع ، فالقدرة تكون من حيث الصنف.
أو نوعا (١) أو جنسا (٢) ـ أن يقدر ، فكيف يكون (٣) مانعا ، مع أنّ المانع
هو الأمر الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم؟
ثمّ لو سلّم (٤)
صحة إطلاق «المانع»
______________________________________________________
(١) كمن يبادل
ماله بمال ، سواء أكان ببيع أم صلح أم غيرهما ، فالقدرة ثابتة لهذا الشخص بحسب
النوع.
(٢) كقدرة هذا
العاقد على التسليم من حيث كونه عاقدا وإن لم يكن مالكا ، بل كان وكيلا.
(٣) أي : فكيف
يطلق «المانع» على العجز مع أنّ «المانع» المصطلح وجودي لا عدمي؟
(٤) هذا ثالث
الوجوه ، وحاصله : أنّه لو سلّم إطلاق «المانع» على العجز ـ لعدم كونه من العدم
المطلق ، بل من المضاف الذي له حظ من الوجود ـ قلنا : إنّ الثمرة التي ذكرها
الجواهر بين شرطية القدرة ومانعية العجز لا تترتب على النزاع المزبور ، وذلك لأنّ
الشك في القدرة والعجز إمّا مسبوق بالعلم بأحدهما ، وإمّا غير مسبوق به.
فعلى الأوّل
يستصحب ما كان سابقا. فإن كانت الحالة السابقة هي القدرة ، فيستصحب القدرة أو عدم
العجز. وإن كانت هي العجز فيستصحب العجز أو عدم القدرة.
ولا فرق بين
الاستصحابين نتيجة ، إذ بناء على شرطية القدرة أو مانعية العجز إن كانت الحالة
السابقة المعلومة هي القدرة ، فيستصحب القدرة أو عدم العجز. وإن كانت هي العجز
فيستصحب العجز أو عدم القدرة. وعلى كل حال لا تبقى ثمرة للقول بشرطية القدرة
ومانعية العجز.
ولا فرق في
انتفاء الثمرة ـ بين شرطية القدرة ومانعية العجز ـ بين أنحاء الشبهة من كونها
موضوعية أو مفهومية أو حكمية.
وبيانه : أن
الشك تارة في انطباق المفهوم المبيّن على ما في الخارج ، كما إذا
عليه (١) لا ثمرة فيه (٢) ، لا في صورة الشك الموضوعي أو الحكمي ، ولا في
غيرهما (٣) ، فإنّا إذا شككنا في تحقق القدرة والعجز (٤) مع سبق القدرة فالأصل
بقاؤها ، أو (٥) لا معه فالأصل عدمها ـ أعني العجز ـ سواء جعل القدرة شرطا أو
العجز مانعا (*).
______________________________________________________
علم بحدود مفهوم القدرة ، وأنّه «ما لا يصل إلى حدّ الاستحالة العادية»
ولكن شكّ في خصوص المورد أنّه هل يكون محالا عاديّا بالنسبة إليه أم لا.
واخرى في حدود
المفهوم وسعته وضيقه ، وأن القدرة تختص بغير الخارج عن الأسباب العادية أو تعمّ الخارج
عن المتعسّر وإن لم يصل إلى حدّ المحال العادي.
وثالثة يشكّ
فيما خرج عن حيّز عمومات الصحة ، من أنّه العجز المستمر أو خصوص العجز حين العقد.
(١) أي : على
العجز وعدم القدرة.
(٢) أي : في
النزاع بين شرطية القدرة ومانعية العجز.
(٣) كالشك
المفهومي ، الملحق بالحكمي.
(٤) هذا إشارة
إلى الشبهة الموضوعية ، يعني ـ بعد الإحاطة بمفهوم القدرة والعجز ، وأنّه تعذر
التسليم مثلا لا تعسّره ـ لو شك في تحققها ، فتارة تكون الحالة السابقة محرزة ،
وهي إمّا القدرة فتستصحب ، ويصحّ البيع ، وإما العجز فيستصحب ويحكم بالفساد. واخرى
لا تكون محرزة ، ولم يتعرض المصنف قدسسره لحكمها ، وقد ذكرناه في التعليقة.
(٥) معطوف على «سبق»
أي : لا مع سبق القدرة ، بل مع سبق عدم القدرة ، فيستصحب العجز.
__________________
وإذا شككنا (١)
في أنّ الخارج عن عمومات الصحة هو العجز المستمرّ أو العجز في الجملة ، أو شككنا (٢)
في أنّ المراد بالعجز
______________________________________________________
(١) معطوف على «إذا
شككنا» وإشارة إلى الشبهة الحكمية ، بأن علمنا بتخصيص عمومات الصحة بمثل النهي عن
بيع الغرر ، وأنّ القدرة على التسليم شرط في الجملة أو أنّ العجز مانع كذلك ، ولكن
لم نعلم بأنّ المانع هو العجز المستمر في مدة طويلة ، أم هو العجز في الجملة أي في
مدة قصيرة بعد العقد.
والمرجع في غير
القدر المتيقن من المخصّص عن عمومات الإمضاء ، فيحكم بالصحة لو كان العجز في فترة
قصيرة وأمكن التسليم بعدها.
(٢) معطوف أيضا
على قوله : «إذا شككنا» وإشارة إلى حكم الشبهة المفهومية ، بأن علم دخل القدرة أو
عدم العجز ، ولكن شك في أنّ القدرة المعتبرة هي ما تقابل تعذر التسليم عرفا ، أم
تعم ما يقابل التعسّر كذلك ، بحيث لو كان في التسليم مشفة صدق عليه العجز أو عدم
القدرة.
والشبهة
المفهومية كالحكمية من مرجعية عمومات الصحة في غير القدر المتيقن.
__________________
ما يعمّ التعسّر ـ كما حكي (١) ـ أم خصوص التعذّر ، فاللازم (٢) التمسك
بعمومات الصحة ، من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا أو العجز مانعا.
والحاصل (٣) :
أنّ التردّد بين شرطية الشيء ومانعيّة مقابله
______________________________________________________
(١) الحاكي
صاحبا المصابيح والجواهر ، والمحكي عنه شيخ الطائفة قدسسره ، ففي الخلاف : «إذا كانت له أجمة ، يحبس فيها السمك ،
فحبس فيها سمكا وباعه ، لا يخلو من أحد أمرين : إمّا أن يكون قليلا ... والأمر
الآخر : أن يكون الماء كثيرا صافيا ، والسمك مشاهدا ، إلّا أنّه لا يمكن أخذه إلّا
بمئونة وتعب حتى يصطاده ، فعندنا أنه لا يصح بيعه ، إلّا أن يبيعه مع ما فيه من
القصب ... الخ» .
وحكى العلّامة
عدم جواز بيع ما في تسليمه مشقة عن الشافعي في أحد قوليه ، فراجع .
وعبّر صاحب
الجواهر عمّا يقابل التعذر بالمشقة والتعسّر .
وعليه فالظاهر
أن مقصودهم من «التعب والمشقة والعسر وما فيه مئونة» أمر واحد ، وهو ما قابل
التعذر.
(٢) جواب الشرط
في قوله : «وإذا شككنا في أن الخارج» وهذا بيان حكم الشبهتين الحكمية والمفهومية ،
سواء أكانت القدرة شرطا أم العجز مانعا.
(٣) هذا حاصل
ما تقدم في الوجهين الثاني والثالث ، من أنّه لا يصح تردد ما هو دخيل في البيع بين
شرطية أمر وجودي وهو التمكن من التسليم ، وبين مانعية أمر عدمي وهو العجز ، مع أنّ
المقابلة تكون بين الوجوديين المعبّر عنهما بالضدين.
ولو سلّم كون
العجز مانعا لم يجد هنا ، لاختصاص ثمرة البحث بما إذا كان
__________________
إنّما يصحّ (١) ويثمر (٢) في الضدين مثل الفسق (٣) والعدالة ، لا (٤) فيما
نحن فيه وشبهه كالعلم والجهل.
وأمّا إختلاف (٥)
الأصحاب في مسألة الضّالّ والضّالّة فليس لشكّ المالك
______________________________________________________
محتمل الشرطية والمانعية وجوديّا كالضدين ، كما إذا شك في كون العدالة شرطا
في إمامة الجماعة ، أو كون الفسق مانعا عنها. فعلى الاشتراط لا بدّ من إحرازها
بحجة ، وإلّا جرى أصالة عدم كونه عادلا ، فلا يجوز الصلاة خلف مجهول الحال. وعلى
المنع تصح الصلاة خلفه ، لاستصحاب عدم كونه فاسقا.
وهذا بخلاف
المقام ، إذ لو كانت الحالة السابقة هي القدرة على التسليم صحّ البيع استصحابا لها
، ولو كانت هي العجز لم يصحّ ، سواء قلنا بشرطية القدرة أم بمانعية العجز.
(١) هذا إشارة
إلى الوجه الثاني ، وهو عدم كون العجز مانعا.
(٢) هذا إشارة
إلى الوجه الثالث ، وهو انتفاء الثمرة.
(٣) بناء على
كون الفسق أمرا وجوديا لا عدميا ، بأن يكون عدم العدالة ومقابلا لها تقابل العدم
والملكة.
(٤) معطوف على «في
الضدين» يعني : لا يثمر في المقام ، كما لا يثمر في الشك في شرطية العلم لوجوب
إكرام زيد مثلا ، أو مانعية الجهل عنه ، لكون الجهل عدميا لا وجوديا ، مع أنّ «المانع»
عنوان للأمر الموجود.
(٥) هذا هو
الوجه الرابع ، والغرض منه نفي ما استشهد به صاحب الجواهر لإثبات مانعية العجز ،
لأنّه قدسسره جعل هذا الاختلاف في مقابل اتفاقهم على عدم جواز بيع
السمك في الماء والطير في الهواء دليلا على مانعية العجز المعلوم ، إذ لو كانت
القدرة الفعلية معتبرة في صحة البيع لم يكن وجه للاختلاف في صحة البيع وبطلانه في
الموارد التي أشار إليها الجواهر في كلامه ، بل كان اللازم الحكم بالبطلان في
الجميع ،
في القدرة والعجز ، ومبنيّا على كون القدرة شرطا أو العجز مانعا ـ كما (١)
يظهر من أدلتهم على الصحة الفساد ـ بل لما سيجيء عند التعرض لحكمها (٢).
______________________________________________________
لاشتراكها في عدم الشرط ، وهو القدرة الفعلية على التسليم ، إمّا وجدانا
وإما تعبدا لأصالة عدم تحقق الشرط.
فالاختلاف شاهد
على مانعية العجز المعلوم في السمك والطير في الماء والهواء دون العبد الضال
والدابة الضالة ، إذ يتجه الاختلاف في بيعهما لو شك المالك في القدرة على تسليم
المبيع ، فإنّ القائل بالجواز يتمسك بأصالة عدم تحقق المانع عن صحة العقد ،
والقائل بالبطلان يعتمد على النبوي الناهي عن الغرر.
ومحصّل إيراد
المصنف قدسسره عليه هو : أنّ اختلافهم في بيع الضال لا يشهد بكون
العجز مانعا ، فالقائل بالبطلان تمسّك بالنهي عن الغرر ، والقائل بالصحة منع الغرر
، مدّعيا : أنّ المبيع قبل قبضه يكون في ضمان البائع لا المشتري ، فلو تعذّر
تسليمه بطل البيع من زمان ظهور العجز ، لا من حين العقد. ومن المعلوم أن مقتضى
مانعية العجز الواقعي بطلان البيع من أوّل الأمر.
(١) هذا قيد
للنفي لا المنفي ، وحاصله : أنّه يظهر من الأدلة التي أقاموها على صحة البيع
وفساده عدم ابتناء الخلاف على ما زعمه صاحب الجواهر ، بل على ما سيأتي في تلك
المسألة إن شاء الله تعالى.
أمّا أدلتهم
على الفساد فهي حديث الغرر والإجماع على القدرة على التسليم.
وأما أدلتهم
على الصحة فهي المناقشة في الإجماع بتردد مدّعيه ـ كالعلّامة في التذكرة ـ في صحة
بيع الضال منفردا ، فإنّ هذا التردد يوهن الإجماع.
وفي الحديث
بأنّ الغرر لا يلزم مع فرض كون تلف المبيع قبل القبض من البائع كما سيأتي الكلام
في ذلك.
(٢) أي : لحكم
المسألة ، وسيأتي ـ في بيع العبد الآبق ـ بقوله : «وأمّا الضال والمجحود والمغصوب
ونحوها ... فالأقوى فيها عدم الجواز ، وفاقا لجماعة ، للغرر المنفي ، المعتضد
بالإجماع».
ثمّ (١) إنّ
العبرة في الشرط المذكور إنّما هو في زمان استحقاق التسليم (٢) ، فلا ينفع (٣)
وجودها حال العقد إذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم ، كما
______________________________________________________
(١) هذا هو
التنبيه الثاني ، والمقصود من التعرض له تحقيق مورد اعتبار القدرة على التسليم في
البيع ، وأنه شرط في مطلق البيوع أم في بعضها.
ومحصل ما أفاده
: أنّ قدرة البائع ـ حال العقد ـ على تسليم المبيع منوط بامور :
الأوّل : أن لا
تكون العين عند المشتري ، فلو كانت عنده قبل البيع ، لعارية أو إجارة أو غصب أو
غير ذلك ، لم يعتبر تمكن البائع من التسليم ، ولم يكن عجزه عنه مانعا أصلا.
الثاني : أن
يعتبر التسليم في البيع كما هو الغالب ، فلو لم يشترط فيه صحّ وإن كان عاجزا عن
الإقباض ، كما لو اشترى من ينعتق عليه كالعمودين ، ولم يكن المبيع حاضرا عند
البائع ، لتحرّره بالعقد المملّك ، ولا دخل لتسلّم المشتري له فيه أصلا.
الثالث : أن
يستحق المشتري تسلّم المبيع بنفس العقد ، كما في بيع العين الشخصية التي يقتضي
إطلاق العقد تسليمها للمشتري ، وكذا العين الكلية الحالة كصاع من صبرة. فلا يشترط
البيع بالقدرة على التسليم حال العقد لو لم يستحقه المشتري إمّا لاشتراط تأخيره
مدة ، وإمّا لتزلزل العقد من جهة كون البائع فضوليا ، فلا يستحق التسليم قبل إجازة
المالك بناء على النقل. وإمّا لكون المبيع عينا مرهونة إذا باعها الراهن بدون إذن
، فلا يستحق المشتري قبضها قبل الفك أو إجازة المرتهن.
هذا إذا كان
التسليم معتبرا من جهة كونه وفاء بالعقد. وأما إذا اعتبر من جهة دخله في السبب المملّك
، فسيأتي.
(٢) إذ لا وجوب
قبل الاستحقاق ، ولا يلزم كون البيع غرريا مع فرض حصول القدرة على التسليم في زمان
متأخر عن العقد.
(٣) لصدق «الغرر»
المنهي عنه مع فرض العجز عن التسليم في زمان استحقاقه المتأخر عن البيع ، ولا ينفع
قدرته عليه حال العقد.
لا يقدح عدمها (١) قبل الاستحقاق ولو حين العقد.
ويتفرّع على
ذلك (٢) : عدم اعتبارها أصلا إذا كانت العين في يد المشتري (٣) ، وفيما (٤) لم
يعتبر التسليم فيه رأسا ، كما إذا اشترى من ينعتق عليه ، فإنّه ينعتق بمجرّد
الشراء ، ولا سبيل لأحد عليه. وفيما (٥) إذا لم يستحق التسليم بمجرّد العقد ، إمّا
لاشتراط تأخيره (٦) مدّة ، وإمّا لتزلزل العقد ، كما إذا اشترى فضولا ، فإنّه (٧)
لا يستحقّ التسليم إلّا بعد إجازة المالك ، فلا يعتبر القدرة على التسليم قبلها (٨).
______________________________________________________
(١) فلو كانت
القدرة معدومة حال العقد ، وموجودة في زمان استحقاق التسليم ، صحّ البيع.
هذا ما أفاده
المصنف قدسسره من الضابطة في شرطية القدرة ، وقد أدرجناها في الامور
الثلاثة ، وسيأتي ما يتفرّع على كلّ منها.
(٢) أي : على
كون العبرة ـ في الشرط المذكور ـ بالقدرة في زمان الاستحقاق.
(٣) تقدم
تفريعه على الأمر الأوّل.
(٤) معطوف على «إذا
كانت» وهذا هو الأمر الثاني ، ويتفرع عليه صحة بيع من ينعتق على المشتري لو عجز
البائع عن تسليمه إليه.
(٥) معطوف أيضا
على «إذا كانت» وهذا ثالث الامور الدخيلة في شرطية القدرة على التسليم.
(٦) أي : تأخير
تسليم المبيع ، كما إذا باع داره واشترط تأخير تسليمها إلى المشتري ثلاثة أشهر ،
فيكفي في صحة البيع تمكن البائع من التسليم عند الأجل ، ولا يجدي قدرته حال العقد.
(٧) أي : فإنّ
المشتري لا يستحق التسليم بنفس الإيجاب والقبول ، لعدم تأثيره فعلا في النقل
والانتقال.
(٨) أي : قبل
إجازة المالك ، الموجبة لانتساب العقد إليه ، ولذا يعتبر تمكنه من
لكن يشكل على
الكشف (١) ، من حيث (٢) إنّه لازم من طرف الأصيل ، فيتحقق الغرر بالنسبة إليه (٣)
إذا انتقل إليه ما لا يقدر (٤) على تحصيله. نعم هو (٥) حسن في الفضولي من الطرفين.
______________________________________________________
التسليم حال الإجازة.
(١) غرضه
الإشكال على عدّ بيع الفضولي من أمثلة ما لا يعتبر القدرة على التسليم فيه حال
العقد ، وكفايته حال الإجازة. ومنشأ الإشكال ما ذكروه في ثمرات الكشف والنقل من
أنّ تمام الموضوع لوجوب الوفاء ـ والمؤثّر في الملكية ـ هو العقد ، ويكون الأصيل
مأمورا بالوفاء في المدة المتخللة بين العقد والإجازة ، وممنوعا من التصرف في ما
انتقل عنه وما انتقل إليه.
وبناء عليه
يكون البيع غرريا بالنسبة إليه ، لعدم وجوب التسليم على المالك قبل الإجازة ، وعدم
قدرة المشتري من الفضولي على تحصيله ، فيلزم الغرر.
نعم لا يلزم
الغرر في موردين :
أحدهما : ما لو
كان كلا المتبايعين فضوليا ، لوضوح أن التمكن من التسليم ملحوط في من يخاطب بوجوب
الوفاء ، وهو الأصيل والمجيز ، لا الفضولي.
ثانيهما : ما
لو بنينا في الإجازة على النقل ، لعدم تمامية السبب المملّك قبل لحوق الإجازة ،
فللأصيل الرجوع عن التزامه وحلّ العقد.
(٢) هذا تقريب
الإشكال بناء على كون الإجازة كاشفة حقيقة عن تأثير العقد من حينه.
(٣) أي :
بالنسبة إلى الأصيل المشتري من الفضولي.
(٤) لكون المال
عند مالكه الذي لم يجز بعد عقد الفضول.
(٥) أي : عدم
اعتبار القدرة على التسليم حسن في الفضولي من الطرفين ، لتزلزل العقد بالنسبة
إليهما معا.
ومثله (١) بيع
الرهن قبل إجازة المرتهن أو فكّه.
بل (٢) وكذا لو
لم يقدر على تسليم ثمن السّلم ، لأنّ (٣) تأثير العقد قبل التسليم في المجلس موقوف
على تحقّقه (٤) ، فلا يلزم غرر.
ولو تعذّر
التسليم بعد العقد (٥) رجع إلى تعذّر الشرط ،
______________________________________________________
(١) أي : ومثل
العقد الفضولي بيع الراهن قبل إجازة المرتهن ، والمراد مماثلته له في كلا الأمرين
، وهما : عدم اعتبار القدرة على التسليم حال العقد ، وإشكال لزوم الغرر بناء على
كون إجازة المرتهن كاشفة.
نعم بناء على
النقل أو كون المشتري من الراهن فضوليا لا يلزم الغرر.
هذا كله في عدم
اعتبار التمكن من التسليم فيما يكون وجوبه تكليفيا ، للوفاء بالعقد. وسيأتي حكمه
فيما لو كان التسليم معتبرا في تأثير العقد.
(٢) الأولى أن
يقال : «بل وكذا لا يعتبر القدرة على تسليم ثمن السلم حين العقد» يعني : بل يمكن
الالتزام بعدم اعتبار القدرة على التسليم فيما يكون لها دخل في تأثير العقد ، بحيث
لا يترتب مضمونه إلّا بالتسليم والإقباض ، وذلك لعدم الغرر مع عدمها ، إذ الغرر
يلزم فيما إذا تحقق مضمون العقد ، وترتّب النقل والانتقال على العقد ، وأمّا إذا
توقف تأثير العقد على القبض في المجلس ـ لا في حال العقد ـ فلا غرر.
(٣) تعليل لعدم
اعتبار التمكن من القبض حال العقد.
(٤) أي : تحقّق
التسليم.
(٥) حاصله :
أنّه إذا تعذر التسليم ـ المعتبر في تأثير العقد وصحته ـ بعد العقد كالقبض في بيعي
الصرف والسلم ، رجع إلى تعذر شرط الصحة ، فيبطل العقد ، إذ المؤثّر هو العقد
المتعقب بالقبض ، فتعذّره يوجب بطلان العقد ، إلّا إذا صار ممكن الحصول بعد العقد
بعد أن كان متعذرا حينه ، فإنّه متى حصل الجزء الأخير للموضوع ترتب عليه الحكم
الشرعي.
ومن المعلوم (١) أنّ تعذّر الشرط المتأخّر حال العقد غير قادح ، بل (٢) لا
يقدح العلم بتعذّره فيما بعده في تأثير العقد إذا اتّفق حصوله (٣) ، فإنّ الشروط
المتأخرة (٤) لا يجب إحرازها حال العقد ، ولا العلم بتحقّقها فيما بعد.
والحاصل (٥) :
أنّ تعذر التسليم مانع في بيع يكون التسليم من أحكامه ،
______________________________________________________
(١) يعني : أنّ
تعذر الشرط المتأخر عن العقد ـ المعتبر في صحته ـ غير قادح ، سواء أكان تعذره حين
العقد بعد أن كان مقدورا قبله ، أم كان بعد القعد بعد أن كان مقدورا حال العقد.
فإن حصل الشرط بعد العقد ولو بعد زمان كفى في صحته ، لما عرفت من أنّ القبض جزء
المؤثّر ، فما لم يتحقق لا يؤثر العقد ، ولذا لا يقدح ذلك مع العلم بعدم القدرة
حال العقد ، هذا.
ثم إنّ العبارة
لا تخلو عن حزازة ، لأنّ المصنف قدسسره في مقام بيان وجه عدم القادحية فيما إذا تعذر التسليم
بعد القعد ، وقوله : «ومن المعلوم أنّ تعذر الشرط المتأخر ... الخ» بيان لوجه عدم
قدح الشرط المتعذر حال العقد لا بعده ، حيث إنّ قوله : «حال العقد» ظرف لتعذر
الشرط ، كما لا يخفى.
(٢) هذا ترقّ
من عدم قدح تعذر الشرط المتأخر بعد العقد مع الجهل بتعذره ، وحاصله : أنّه لو علم
في بيع السلم بتعذر تسليم الثمن بعد العقد ، واتفق حصوله بعد البيع ، لم يكن العلم
المزبور مانعا عن تأثير العقد ، إذ لا دخل لقبض الثمن في نفس الإيجاب والقبول حتى
يقدح تعذره المعلوم حال الإنشاء وبعده ، والمفروض كفاية حصول الشرط المتأخر ـ
اتفاقا ـ في الصحة قبل انقضاء المجلس.
(٣) أي : حصول
الشرط المتأخر.
(٤) كالإجازة
في عقد الفضولي ، إذ لا يجب العلم بتحققها بعد العقد ، بل يكفي حصولها الاتفاقي.
(٥) هذا حاصل
ما أفاده من قوله : «ثم إن العبرة في الشرط المذكور ... الخ» من بيان حكم التمكن
من التسليم في القسمين ـ وهما كونه من أحكام العقد ، وكونه
لا من شروط تأثيره. والسّرّ فيه (١) : أنّ التسليم فيه جزء الناقل ، فلا
يلزم غرر من تعلّقه (٢) بغير المقدور.
وبعبارة اخرى (٣)
: الاعتبار بالقدرة على التسليم بعد تمام الناقل ،
______________________________________________________
شرطا للتأثير ـ ومحصله : أن التسليم في غير بيع السلم والصرف والهبة يكون
من أحكام العقد وآثاره ، إذ المؤثر في المنشأ هو نفس العقد ، وبعد التأثير يجب
ترتيب الأثر عليه ، ومنه تسليم كل منهما ما انتقل عنه إلى صاحبه وعدم حبسه ، لكونه
ظلما محرما. فتعذر التسليم حينئذ يكون مانعا عن لزوم العقد.
وأما إذا كان
القبض جزء الناقل ـ بحيث لا يؤثّر العقد إلّا في ظرف وجوده ـ لم يكن تعذره مانعا ،
بل موجبا لنقصان في المقتضي.
(١) أي :
والسّرّ في عدم كون تعذر التسليم مانعا عن صحة مثل بيع السّلم هو : أنّ القبض جزء
السبب الناقل ، فلا يلزم محذور الغرر لو تبيّن العجز عن التسليم ، لانكشاف عدم
وقوع العقد الناقل حينئذ.
(٢) أي : تعلّق
العقد.
(٣) هذه
العبارة تقريب آخر لاختصاص شرطية القدرة على التسليم بما يكون العقد تامّا في
التأثير ، وحاصله : أنّه لا موضوع للشرطية في ما يكون القبض جزء الناقل ، بشهادة
عدم قدح عجز البائع عن التسليم حين العقد لو علم بتجدد القدرة بعده.
ولمّا كان
القبض في مثل بيع السّلم دخيلا في السبب الناقل ، لم يعتبر التمكن منه حال الإنشاء
، وحينئذ فإن لم يتحقق القبض في المجلس فلا عقد حتى يبحث عن غرريته بعدم التسليم ،
وإن تحقق فيه لم يبق موضوع للشرطية ، لحصول الثمن في يد البائع سلما. ومعه لا معنى
للبحث عن اعتبار القدرة على التسليم.
وعليه يختص
الاشتراط بما إذا كان القبض واجبا من جهة الوفاء بالعقد ، بعد تماميته ، وأمّا بيع
الصرف والسلّم فلا موضوع لشرطية القدرة فيهما ، لكون القبض دخيلا في الصحة ، كدخل
الإجازة في وجوب الوفاء بالعقد الفضولي.
ولهذا (١) لا يقدح كونه عاجزا قبل القبول إذا علم بتجدّد القدرة بعده ،
والمفروض (٢) أنّ المبيع بعد تحقق الجزء الأخير من الناقل ـ وهو القبض ـ حاصل في
يد المشتري (٣) ، فالقبض مثل الإجازة (٤) بناء على النقل ، وأولى منها بناء على
الكشف (٥).
وكذلك (٦)
الكلام في عقد الرهن ، فإنّ اشتراط القدرة على التسليم فيه ـ بناء (٧) على اشتراط
القبض (٨) ـ
______________________________________________________
(١) أي : ولأجل
كون التمكن من التسليم معتبرا بعد تمام السبب الناقل ، لم يقدح عجز البائع قبل
القبول ، لعدم تمامية الناقل حسب الفرض.
(٢) يعني : أنّ
ما ذكرناه حكم عدم دخل القبض في تأثير العقد. وأمّا في بيع الصرف فلا جدوى في
شرطية القدرة على التسليم ، بعد حصول المبيع في يد المشتري.
(٣) وكذا بيع
السلم بعد حصول الثمن في يد البائع.
(٤) يعني : في
كونه جزء الناقل.
(٥) وجه
الأولوية عدم كون الإجازة ـ بناء على الكشف ـ جزء المؤثر ، والمفروض كون القبض جزء
الناقل ، فيكون أولى من الإجازة الكاشفة.
(٦) يعني : كما
لا تعتبر القدرة على التسليم ـ حال العقد ـ في بيع الصرف ، فكذا في عقد الرهن بناء
على دخل القبض في صحته بمقتضى الآية الشريفة (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) فإن حصلت بعد العقد وتحقق القبض خارجا صحّ العقد ولزم
من جانب الراهن ، وإن لم تحصل بطل العقد ، لا أنّه يصحّ ويكون غرريّا.
(٧) وأمّا بناء
على عدم اشتراط الرهن بالقبض ، بأن كان من أحكامه ، كان الرهن نظير ما عدا بيع
الصرف والسلم ، من عدم اعتبار القدرة عليه حال العقد.
(٨) قال المحقق
قدسسره : «وهل القبض شرط فيه؟ قيل : لا ، وقيل نعم ، وهو
الأصحّ» .
__________________
إنّما (١) هو من حيث اشتراط القبض ، فلا يجب إحرازه حين الرّهن ، ولا العلم
بتحققه (٢) بعده ، فلو رهن (٣) ما يتعذر تسليمه ثم اتفق حصوله في يد المرتهن أثّر
العقد أثره ، وسيجيء الكلام في باب الرّهن (٤).
اللهم إلّا أن
يقال (٥) : إنّ المنفي في النبوي هو كلّ معاملة تكون بحسب العرف غررا ، فالبيع (٦)
المشروط فيه القبض ـ كالصّرف والسّلم ـ إذا وقع على عوض مجهول قبل القبض (٧) أو
غير مقدور ،
______________________________________________________
(١) خبر قوله :
«فإنّ اشتراط».
(٢) أي : بتحقق
القبض بعد عقد الرهن.
(٣) هذا متفرّع
على كون القبض شرطا في عقد الرهن ـ صحة أو لزوما ـ كشرطية قبض الثمن في بيع
السّلم.
(٤) لم أظفر
بكتاب الرهن للمصنف قدسسره حتى يعلم رأيه في اشتراطه بالقبض وعدمه. كما لم يظهر
ذلك مما أفاده في أحكام القبض ، فراجع آخر الكتاب.
(٥) هذا
استدراك على قوله : «ان تعذر الشرط المتأخر حال العقد غير قادح» وحاصله : إثبات
اشتراط التمكن من التسليم في السّلم والرهن ونحوهما ، فيبطل العقد بالعجز عنه ،
توضيحه : أنّ الغرر المنهي عنه لا يختص بما إذا كان التسليم من أحكام العقد لا من
شرائط تأثيره ، إذ الغرر لا يراد به إلّا مفهومه العرفي ، وهو أعم من الغرر الشرعي
، فيصدق الغرر العرفي على كل قبض غير مقدور وإن لم يكن بغرر شرعا ، لتوقف الانتقال
على القبض ، فلا غرر شرعا ما لم يتحقق الانتقال. فالبيع المنوطة صحته بالقبض ـ
كالصرف والسّلم ـ غرري إن لم يكن المبيع مقدور التسليم ، والمراد من متعلق النهي
هو المفهوم العرفي.
(٦) هذا متفرع
على كون النبوي مانعا عن كل معاملة غررية بنظر العرف ، فالمرجع في صدق «الغرر» هو
العرف ، لا الشرع.
(٧) يعني :
وكان مقدار العوض معلوما بعد قبضه ، فيبطل البيع من جهة جهالة
غرر (١) عرفا ، لأنّ (٢) اشتراط القبض في نقل العوضين شرعي لا عرفي ، فيصدق
(٣) الغرر والخطر عرفا وإن لم يتحقّق شرعا ، إذ (٤) قبل التسليم لا انتقال ، وبعده
(٥) لا خطر ، لكن النهي والفساد يتبعان بيع الغرر عرفا.
ومن هنا (٦)
يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك إذا باع لنفسه ـ لا عن
______________________________________________________
الثمن. وذكر العوض المجهول للتنبيه على اشتراك الغرر بين الجهل بالعوض وبين
العجز عن التسليم ، لاستناد كليهما إلى صدق الغرر.
(١) خبر قوله :
«فالبيع» فيصدق الغرر عرفا وإن لم يصدق شرعا ، لعدم تمامية العقد الناقل من جهة
توقفه على القبض.
(٢) تعليل لصدق
الغرر العرفي على عدم تحقق قبض العوضين.
(٣) هذا نتيجة
كون الغرر المنفي عرفيا لا شرعيا.
(٤) تعليل لعدم
صدق الغرر الشرعي في مثل بيع السلم ، قبل قبض الثمن.
(٥) يعني :
وبعد تسليم الثمن لا خطر ، ولازم انتفاء الغرر والخطر هو الصحة ، ولكن المنهي عنه
هو عنوان الغرر المستتبع لفساد البيع ، ومن المعلوم صدق «الغرر» عرفا في بيع الصرف
والسلم إن لم يكن التسليم مقدورا فيهما.
(٦) أي : ومن
كون الغرر المنهي عنه عرفيا ـ لا شرعيا ـ يتجه فساد بيع الفضولي البائع لنفسه ،
فإنّه عاجز عن تسليم المبيع للمشتري ، قبل إجازة المالك ورضاه بالبيع ، وهي غير
معلومة الحصول. ولو فرض حصول الإجازة وبتبعها التمكن من التسليم ، لم ينفع
الفضوليّ ، لأنّ إمضاء المالك يوجب انتساب العقد إليه ، لا إلى الفضولي.
هذا بناء على
عدم دخل رضا المالك ـ عرفا ـ في العقد الفضولي ، ويكون اعتبار إجازته كاعتبار
القبض في الصرف والسلم شرعيّا.
وأمّا بناء على
دخل رضاه عرفا فيه يشكل تنظير الغرر الشرعي ببيع الفضولي لنفسه.
المالك (١) ـ ما لا يقدر على تسليمه.
اللهم (٢) إلّا
أن يمنع الغرر العرفي بعد الاطّلاع على كون أثر المعاملة شرعا على وجه لا يلزم منه
خطر ، فإنّ (٣) العرف إذا اطّلعوا على انعتاق القريب بمجرّد شرائه لم يحكموا
بالخطر أصلا ، وهكذا (٤).
______________________________________________________
ولو قيل : إنّ
المقصود من الفضولي البائع لنفسه هو الغاصب المستقل في التصرف ، المتمكن من
التسليم بلا حاجة إلى مراجعة المالك ، قلنا : لا وجه حينئذ لاستناد بطلانه إلى
النهي عن الغرر عرفا ، بعد كون بيعه بيعا عندهم.
(١) إذ لو باع
للمالك أمكن حصول القدرة على التسليم بإجازة العقد ، فمحذور الغرر العرفي كأنّه
مختصّ بقصد وقوع البيع لنفس الفضولي.
(٢) هذا
استدراك على ما أفاده من اقتضاء النهي في النبوي فساد ما كان غررا عرفا ، فيعم
بيعي الصرف والسّلم إن كان التسليم غير مقدور.
وحاصل
الاستدراك : أنّ الغرر وإن كان عرفيا ، إلّا أنّه لا يترتب عليه بطلان البيعين ،
وذلك لأنّ الشارع يخطّئ العرف في زعم «الغرر» فيما لو عجز المشتري عن تسليم الثمن
حال العقد في بيع السّلم. نظير التخطئة في عدّ أكل المارة باطلا ، فيكون جواز
الأكل خارجا موضوعا عن النهي عن الأكل بالسبب الباطل ، حتى مع بقاء الباطل على
معناه العرفي ، وعدم إرادة معنى آخر منه كالباطل الواقعي أو الشرعي.
وعليه فمع
إحاطة العرف بما نبّه به الشارع ـ من عدم تمامية السبب الناقل في بيعي الصرف
والسلم قبل القبض ـ لا يرى غرريّتهما لو باع غير قادر حال العقد.
(٣) تعليل لمنع
الغرر ـ بنظر العرف ـ بعد اطّلاعهم على عدم توقف البيع على التسليم في جميع
الموارد حتى يكون العجز عنه غررا عرفيا مفسدا للعقد ، كما إذا علم بانعتاق القريب
بمجرد شرائه ، فاشتراه من ينعتق عليه ، فانعتق ، فإنّه لا غرر في عدم القدرة على
التسليم أصلا.
(٤) يعني :
وهكذا سائر الأمثلة التي لا يعتبر فيها التمكن من التسليم مطلقا أو
فالمناط (١) صدق الغرر عرفا بعد ملاحظة الآثار الشرعية للمعاملة ، فتأمل (٢).
ثم إنّ الخلاف (٣)
في أصل المسألة لم يظهر إلّا من الفاضل القطيفي المعاصر
______________________________________________________
حال العقد ، وقد تقدّمت في (ص ٦٤٠) بقوله : «ثم إن العبرة في الشرط المذكور
إنّما هو في زمان استحقاق التسليم ... الخ».
(١) يعني : أنّ
مناط مانعية الغرر عن صحة البيع هو صدقه العرفي بعد الإحاطة بحكم الشارع من أنّه
يعتبر القبض في البيع أم لا يعتبر.
(٢) لعلّه
إشارة إلى : أنّ المفهوم العرفي لا يناط بالآثار الشرعية ، لأنّ العرف بما هو عرف
لا نظر له إلى الحكم الشرعي الثابت للموضوع العرفي ، فلا يلاحظ في مقام تحديد
المفهوم ـ المتّبع عندهم ـ الحكم الشرعي المترتب على ذلك الموضوع.
هذا ما يتعلق
بالتنبيه الثاني.
(٣) السياق قاض
بأنّ هذا تنبيه آخر مما يتعلق باعتبار القدرة ، ولكنه ليس كذلك ، إذ المبحوث عنه
هو مخالفة الفاضل الشيخ إبراهيم بن الشيخ سليمان القطيفي ـ المعاصر للمحقق الثاني
، والمناظر معه في جملة من المباحث كمسألة الخراج ـ في أصل الشرطية ، وكان المناسب
التعرض لكلامه قبل الخوض في التنبيهات ، بعد إقامة الدليل على دخل التمكن من
التسليم في صحة البيع.
وكيف كان فكلام
صاحب إيضاح النافع يتضمن امورا :
الأوّل : نفي
ما صنعه الفقهاء من جعل القدرة في عداد شروط العوضين ، وقال بأن الغرض من اعتبارها
رعاية مصلحة المشتري ، وفرّع على عدم دخلها في البيع صحة العقد في موردين :
أحدهما : تمكن
المشتري من التسلّم مع عجز البائع عن التسليم.
ثانيهما :
إقدام المشتري ـ على المعاملة ـ عالما بعجز البائع عن التسليم.
الثاني : بطلان
البيع إذا لم يكن من شأن المبيع أن يقبض عرفا كالطائر الذي فرّ من القفص ، والسمك
في النهر ونحوهما ، لأنّ أكل المال في قباله أكل له بالباطل ، وهو منهي عنه. نعم
يحتمل جواز المصالحة عليه إن كان فيه غرض عقلائي.
للمحقق الثاني ، حيث حكي عنه أنّه قال في إيضاح النافع : «إنّ القدرة على
التسليم من مصالح المشتري فقط (١) ، لا أنّها (٢) شرط في أصل صحة البيع ، فلو قدر (٣)
على التسلّم صحّ البيع وإن لم يكن البائع قادرا عليه (٤) ، بل (٥) لو رضي
______________________________________________________
الثالث : أنّ
إطلاق حكم المحقق قدسسره في المختصر النافع ـ ببطلان بيع الآبق من دون ضميمة ـ
ممنوع ، بل يختص الفساد بموارد :
أحدها : عدم
رضا المشتري ، فيستند البطلان إلى عدم كون التجارة عن تراض.
ثانيها : عدم
علم المشتري بالإباق ، فلو أقدم على الشراء عالما بالإباق صح البيع ، ولو تعذّر
الظفر به لم يكن له الرجوع على البائع واسترداد الثمن منه.
ثالثها : عدم
علم المشتري بالعجز عن الظفر به ، فلو علم بالإباق ولكنه تمكّن عرفا من تحصيله
صحّ.
هذا محصّل كلام
الفاضل القطيفي رحمهالله ، ولعلّه لزعم أن الغرر بمعنى «الخدعة» المنتفية مع علم
المشتري بالحال ، لا بمعنى الخطر ، ولذا فصّل بين علم المشتري وجهله. وسيأتي ما
أورده المصنف قدسسره عليه.
(١) فلو لم
تقتض مصلحة المشتري تسلّم المبيع لم يقدح عجز البائع عن التسليم في صحة البيع.
(٢) أي : لا
أنّ القدرة شرط صحة البيع ، كما يظهر من عناوين الكتب الفقهية ، فقالوا : «ومن
شرائط العوضين : القدرة على التسليم».
(٣) هذا متفرع
على كون القدرة مصلحة للمشتري خاصة.
(٤) أي : على
تسليم المبيع.
(٥) الوجه في
الإضراب هو أنّ ما قبله صورة عدم علم المشتري بعجز البائع عن التسليم ، فمقصود
الفاضل تصحيح البيع حتى في صورة إحراز العجز ، فضلا عما إذا كان مشكوكا فيه.
بالابتياع مع علمه بعدم تمكّن البائع من التسليم جاز ، وينتقل إليه (١).
ولا يرجع على البائع ـ لعدم (٢) القدرة ـ إذا كان البيع على ذلك (٣) مع العلم ،
فيصحّ (٤) بيع المغصوب ونحوه (٥).
نعم (٦) ، إذا
لم يكن المبيع من شأنه أن يقبض عرفا ، لم يصحّ المعاوضة عليه بالبيع ، لأنّه (٧)
في معنى أكل مال بالباطل. وربما احتمل إمكان المصالحة عليه (٨).
______________________________________________________
(١) أي :
وينتقل المبيع ـ المتعذّر تسليمه ـ إلى المشتري.
(٢) علة للمنفي
وهو الرجوع على البائع ، يعني : لا يثبت خيار للمشتري لأجل عدم قدرة البائع على
التسليم.
ولكن قيل بجواز
رجوعه على البائع من باب تلف المبيع قبل القبض.
وفيه : أنّ
مورده التلف ، وصدقه على غير مقدور التسليم محل تأمّل.
(٣) يعني : إذا
كان البيع مبنيّا على رضا المشتري بالابتياع ـ مع علمه بعدم قدرة البائع على
التسليم ـ صحّ.
(٤) هذا متفرع
على إلغاء شرطية القدرة على التسليم ، وكفاية تمكن المشتري من التسلّم ، أو
الإقدام على الشراء عالما بعجز البائع عن استنقاذ المال من الغاصب.
(٥) كالمجحود ،
فهو كالمغصوب من حيث عدم قدرة البائع على تسليمه للمشتري.
(٦) هذا
استدراك على قوله : «لا أنها شرط في أصل صحة البيع» وتقدم توضيحه بقولنا : «الثاني
بطلان البيع ... الخ».
(٧) تعليل
لقوله : «لم يصح» والضمير راجع إلى البيع والتعاوض ، المستفاد من العبارة.
(٨) أي : على
المبيع الذي لا يتمشّى قبضه عرفا. ووجه جواز المصالحة عليه : عدم كون الصلح مبادلة
مال بمال ، حتى لا تصدق في المقام ، بل حقيقة الصلح التسالم ، وهو متحقق هنا.
ومن هنا (١)
يعلم أنّ قوله ـ يعني المحقق في النافع ـ : «لو باع الآبق منفردا لم يصح» إنّما (٢)
هو مع عدم رضا المشتري ، أو مع عدم علمه ، أو كونه (٣) بحيث لا يتمكّن منه (٤)
عرفا. ولو أراد (٥) غير ذلك فهو غير مسلّم» انتهى .
وفيه (٦) : ما
عرفت من الإجماع ،
______________________________________________________
(١) أي : ومن
عدم كون القدرة شرطا في صحة البيع ـ بل هي مصلحة للمشتري ـ يعلم منع إطلاق حكم
المحقق قدسسره ببطلان بيع الآبق منفردا.
(٢) خبر قوله :
«ان قوله» يعني : لا بد من حمل منع المحقق ـ عن البيع ـ على أحد الفروض الثلاثة.
(٣) هذا الضمير
وضمير «علمه» راجعان إلى المشتري.
(٤) أي : من
الآبق.
(٥) يعني : ولو
أراد المحقق قدسسره بمنع البيع غير هذه الفروض أشكل قبوله.
(٦) منع المصنف
كلام الفاضل بوجهين :
أحدهما : مخالفته
للإجماع ـ سابقا عليه ولا حقا له ـ على اعتبار التمكن من التسليم في البيع ، ومعه
لا وجه لجعل القدرة عليه من مصالح المشتري.
ثانيهما : لزوم
الغرر لو باع ما يعجز عن تسليمه للمشتري ، وقد تقدم في (ص ٥٨١) استدلال الفريقين
بالنبوي ـ الناهي عن بيع الغرر ـ على اعتبار القدرة على التسليم. بعد كون الغرر
بمعنى الخطر ، ولا ريب في عدم اندفاعه بمجرد علم المشتري بعجز البائع ، لوضوح أنّ
غرض الشارع من النهي عنه المنع عن الإقدام على الخطر مطلقا سواء علم به أم لم
يعلم.
فإن قلت : يمكن
منع دلالة النبوي على شرطية القدرة على التسليم مطلقا
__________________
ولزوم (١) الغرر غير (٢) المندفع بعلم المشتري ، لأنّ (٣) الشارع نهى عن
الإقدام عليه. إلّا أن يجعل الغرر هنا (٤) بمعنى الخديعة ، فيبطل في موضع تحقّقه ،
وهو عند جهل المشتري (٥). وفيه (٦) ما فيه.
______________________________________________________
سواء أكان المشتري عالما بعجز البائع عن التسليم أم جاهلا به ، لكونه أخص
من المدّعى ، وذلك لابتناء الاستدلال على كون «الغرر» المنهي عنه بمعنى الخطر ،
وهو أوّل الكلام ، لأنّ اللغويين عدّوا من معانيه «الخدعة» ويحتمل إرادتها هنا ،
ومن المعلوم عدم صدقها في صورة علم المشتري بعجز البائع.
وعليه يختص
بطلان البيع ـ من جهة مانعية الغرر ـ بما إذا كان المشتري جاهلا بعجزه حتى يصدق :
أنّ البائع خدعه.
قلت : إنّ
الخدعة وإن كانت من معاني الغرر كما تقدم في أوّل المسألة ، إلّا أنّ معناه الشائع
المفهوم عند الفقهاء هو الخطر ، الصادق على صورتي علم المشتري وجهله بعدم قدرة
البائع على التسليم.
(١) معطوف على «الإجماع»
وهذا إشارة إلى ثاني وجهي المنع.
(٢) هذا إشارة
إلى أنّ معنى الغرر هو الخطر ، ومن المعلوم صدقه في حالتي علم المشتري بالعجز ،
وجهله به. ولو كان بمعنى الخدعة لاختص بصورة الجهل به.
(٣) تعليل لعدم
جدوى رضا المشتري في صورة علمه بعجز البائع ، إذ مع نهي الشارع عن الإقدام على
الخطر لا يكون الأمر بيد المشتري حتى ينفعه رضاه.
(٤) أي : في
الحديث الناهي عن الغرر. وتقدم توضيح هذا الإشكال بقولنا : «فإن قلت ...».
(٥) ولا موجب
لبطلانه في موضع عدم تحقق الخدعة ، بأن كان المشتري عالما بالحال.
(٦) أي : وفي
جعل الغرر بمعنى الخدعة إشكال ، كما تقدم تقريبه بقولنا : «قلت : ان الخدعة ...
الخ».
ثمّ إنّ الظاهر
(١) ـ كما اعترف به بعض الأساطين ـ أنّ القدرة على التسليم ليست مقصودة بالاشتراط إلّا بالتبع (٢) ، وإنّما
المقصد الأصلي هو التسلّم ، ومن هنا (٣) لو كان المشتري قادرا دون البائع كفى في
الصحة ،
______________________________________________________
(١) هذا تنبيه
ثالث ممّا يتعلق بالمسألة ، ومحصله : أنّ اشتراط القدرة على التسليم في البيع ليس
مقصودا بالأصالة ، بل يكون تبعيا ، لمقدميته لحصول المبيع عند المشتري ، فالشرط ـ
في الحقيقة ـ تمكّن المشتري من المبيع إمّا بنفسه وإما بواسطة البائع ، سواء أكانت
قدرته بلا واسطة أحد أو بواسطة المشتري أو الأجنبي.
ويتفرع عليه
صحة البيع في موردين كما أفتى بها جماعة :
الأوّل : عجز
البائع عن التسليم ، وتمكّن المشتري من تحصيل المبيع.
الثاني : عجز
المتبايعين معا عن التسليم والتحصيل ، ولكن يوثق حصوله عند المشتري في زمان
الاستحقاق ، كالحمام الطائر إذا اعتاد العود إلى العشّ أو البرج.
ويحتمل بطلان
البيع في هذا المورد كما عن نهاية العلّامة قدسسره ، لاعتبار تمكن المشتري من التسلّم أو التحصيل ،
والمفروض انتفاء القدرة فيه ، ولا عبرة باعتياد العود ممّا لا عقل له.
ولكن يردّ هذا
الاحتمال : أنّ العادة باعثة على العود ، وهي كافية في حصول الوثوق به. هذا كله في
حصول المبيع عند المشتري في زمان استحقاق التسلم.
وأمّا لو لم
يقدرا عليه في مدة فسيأتي حكمه من الصحة أو الفساد.
(٢) أي : بتبع
كون المبيع عند المشتري ، وتسلّمه له.
(٣) أي : ومن
كون المقصد الأصلي تسلّم المشتري لا تسليم البائع ، صحّ البيع لو تمكّن المشتري ـ
خاصة ـ من التسلّم.
__________________
كما عن (١) الإسكافي والعلّامة وكاشف الرّموز (٢) والشهيدين والمحقق الثاني .
وعن ظاهر
الانتصار «أن صحة بيع الآبق على من يقدر على تسلّمه ممّا انفردت به الإماميّة».
وهو (٣) المتّجه ، لأنّ ظاهر معاقد الإجماع (٤) ـ بضميمة (٥) التتبّع في كلماتهم
وفي استدلالهم (٦) بالغرر وغيره ـ
______________________________________________________
(١) الحاكي
عنهم وعن غيرهم هو السيد العاملي ، والحاكي لكلام الإسكافي هو العلّامة ، ففي المختلف : «وقال
ابن الجنيد : لا يشتري ـ أي العبد الآبق ـ وحده ، إلا إذا كان بحيث يقدر عليه
المشتري ، أو يضمن له البائع» واستقربه العلّامة قدسسره .
(٢) قال الفاضل
الآبي : «العبد الآبق إمّا أن يكون بحيث يقدر عليه صاحبه أم لا. فالثاني لا يجوز
بيعه منفردا بلا خلاف. والأوّل قد أجازه المرتضى ، نظرا إلى أنّه لا يسمّى آبقا
عرفا. وهو حسن» .
(٣) أي : كون
قدرة المشتري كافية في صحة البيع متّجه.
(٤) تقدّم
حكاية الإجماع عن جماعة في أوّل المسألة ، فراجع (ص ٥٨٠).
(٥) ولو لا هذه
الضميمة لكان ظاهر معاقد الإجماع هو اعتبار القدرة على التسليم فقط ، وعدم كفاية
قدرة المشتري على التسلم. لكن الضميمة المزبورة أوجبت ظهورا ثانويّا في معاقد
الإجماع ، كسائر الظهورات الناشئة من القرائن لذويها.
(٦) أي :
بالتتبع في استدلالهم بالغرر وغيره ، كالاستدلال : «بأنّ الغرض من
__________________
مختصّ (١) بغير ذلك (٢).
ومنه (٣) يعلم
أيضا (٤) : أنّه (٥) لو لم يقدر أحدهما على التحصيل ، لكن يوثق بحصوله في يد
أحدهما عند استحقاق المشتري للتسليم ـ كما لو اعتاد الطائر العود ـ صحّ ، وفاقا
للفاضلين (٦) ، والشهيدين ، والمحقق الثاني وغيرهم (٧).
______________________________________________________
البيع انتفاع كل من المتبايعين بما ينتقل إليه» وكالاستدلال «بأنّ بذل
الثمن على غير المقدور سفه».
(١) خبر قوله :
«لأن ظاهر» وحاصله : أن دليل اشتراط القدرة لا يثبته في مورد تمكن المشتري من
التسلّم.
(٢) أي : بغير
من يقدر على التسلم ، وإن كان البائع عاجزا عن التسليم.
(٣) أي : ومن
عدم كون القدرة على التسليم مقصودة بالأصالة يعلم جواز البيع في المورد الثاني ،
وهو عجزهما معا عن التسليم والتسلّم ، والوثوق بالحصول.
(٤) أي : كما
علم جواز البيع لو كان المشتري قادرا على التسلّم والتحصيل.
(٥) الضمير
للشأن.
(٦) قال المحقق
قدسسره : «ويصحّ بيع ما جرت العادة بعوده كالحمام الطائر ،
والسموك المملوكة المشاهدة في المياه المحصورة» .
(٧) حكاه السيد
العاملي عن المحقق الأردبيلي والمحدث الفيض ، والفاضل السبزواري ، فراجع .
__________________
نعم (١) عن
نهاية الاحكام : احتمال العدم (٢) ، بسبب انتفاء القدرة في الحال على التسليم ،
وأنّ عود الطائر غير موثوق به ، إذ ليس له عقل باعث (٣) .
وفيه (٤) : أنّ
العادة باعثة كالعقل ، مع أنّ الكلام على تقدير الوثوق.
ولو لم يقدرا
على التحصيل (٥) ، وتعذّر عليهما إلّا بعد مدّة مقدّرة
______________________________________________________
(١) استدراك
على قوله : «صحّ» والوجه في الاستدراك توقف الجزم بالصحة على منع ما في نهاية
العلّامة قدسسره من احتمال البطلان ، وتقدم توضيحه في (ص ٦٥٥).
(٢) يعني :
احتمل العلّامة قدسسره في النهاية كلّا من الصحة والبطلان.
(٣) أي : على
العود.
(٤) هذا ردّ
الاحتمال ، ومحصله وجهان :
أحدهما : كفاية
العادة ـ وغريزة الحيوان ـ على العود في حصول الوثوق بحصول الطائر عند المشتري. بل
العادة أقوى من العقل في محركيته على العود. قال العلّامة الطباطبائي قدسسره في المصابيح ـ في مناقشة احتمال النهاية ـ : «وفيه :
وجود الباعث ، وهو الالف ببرجه ، والانس بالفه وإن انتفى العقل» .
وثانيهما : أنّ
مورد فتوى المجوّزين هو حصول الوثوق بالعود ، فلا وجه للمناقشة في موجبات الوثوق ،
بل لا بد من التكلم في حكمه بعد فرض وجوده.
(٥) حاصل هذا
الفرع ـ الراجع إلى تأخير التسليم عن العقد ـ : أن المبيع لو كان عينا شخصية ، ولم
يقدر البائع على تسليمه ولا المشتري على تسلّمه وتحصيله حال العقد ولا بعده ـ في
مدة قليلة يتسامح في تعذر التسليم فيها ـ فتارة تكون مدة التعذر محصورة ومقدرة
بحسب العادة كسنة ، واخرى لا تكون منضبطة ، كما إذا أنفذ عبده في حاجة يطول زمانها
، لكونها في بلد بعيد كالهند.
__________________
عادة (١) ، وكانت ممّا لا يتسامح فيه ، كسنة أو أزيد ، ففي (٢) بطلان البيع
، لظاهر (٣)
______________________________________________________
ففي الصورة
الاولى يحتمل كل من البطلان رأسا ، والصحة مع الخيار لو كان المشتري جاهلا بالحال.
ووجه البطلان أمران :
أحدهما :
الإجماع المحكي على كون القدرة على التسليم شرطا في صحة البيع ، فيبطل بفقدها.
ثانيهما : كون
تعذر الحصول في مدة مديدة غررا ، وهو منهي عنه ، فيبطل البيع.
ووجه الصحة :
وجود المقتضي ، وهو العقد الصادر من أهله في محله ـ كما في الجواهر ـ وفقد المانع من الإجماع والغرر.
أما الإجماع
فلأن مورده ما إذا تعذّر التسليم رأسا ، والمفروض إمكانه ، وتعذره الفعلي غير
قادح.
وأمّا الغرر
فغير محقّق ، لأنّ المشتري إمّا أن يعلم بالحال وفوات منفعة المبيع مدة مديدة كسنة
، فيجب عليه الصبر. وإما إن يجهل ذلك ، فيجبر ضرره بخيار تعذر التسليم.
وعليه فالمتجه
هو الصحة في الفرض.
وفي الصورة
الثانية يحتمل أيضا كل من الصحة والبطلان ، وإن استشكل المصنف في الصحة ، كما
سيأتي بيانه.
(١) هذا إشارة
إلى الصورة الاولى ، وفرقها مع الثانية في ضبط المدة المديدة هنا ، دونها في
الثانية.
(٢) خبر مقدّم
لقوله : «وجهان» والجملة بتمامها جواب الشرط في قوله : «ولو لم يقدرا».
(٣) هذا وجه
البطلان ، وتقدم تقريب الإجماع والغرر.
__________________
الإجماعات المحكية ، ولثبوت الغرر ، أو صحته (١) ، لأنّ (٢) ظاهر معقد
الإجماع التعذّر رأسا ، ولذا (٣) حكم مدّعيه بالصحة هنا ، والغرر (٤) منفيّ مع
العلم بوجوب الصبر عليه إلى انقضاء مدّة ، كما (٥) إذا اشترط تأخير التسليم مدّة ،
وجهان ، بل قولان (٦) ، تردّد فيهما (٧) في الشرائع ،
______________________________________________________
(١) معطوف على «بطلان»
أي : ففي صحة البيع.
(٢) هذا وجه
الصحة ، وحاصله : منع وجهي البطلان ، والمفروض وجود المقتضي للصحة ثبوتا وإثباتا
للعمومات.
(٣) أي :
ولظهور معقد الإجماع في التعذر رأسا حكم ... الخ ، وغرضه إقامة الشاهد على خروج
هذه الصورة عن الإجماع موضوعا ، لأنّ مدّعي الإجماع على اعتبار القدرة على التسليم
ـ كالعلّامة قدسسره ـ رجّح الصحة هنا ، وهو كاشف عن اختصاص معقد الإجماع بالتعذر بقول مطلق ،
أي حالا ومستقبلا.
(٤) معطوف على «ظاهر»
أي : ولأّنّ الغرر منفي ... الخ.
(٥) فكما لا
يقدح تأخير التسليم عن العقد ، إذا شرطه البائع على المشتري ، فكذا لا يقدح مع
علمه به.
(٦) أحدهما :
المنع ، ولعلّه المستفاد من مفهوم عبارة التحرير : «ولو باع ما يمكن تسليمه في
ثاني الحال ـ لا فيه ـ فالوجه جوازه ، ويتخير المشتري» لظهوره في المنع بتعذر
التسليم بعد العقد ، سواء أكانت المدة قصيرة أم مديدة.
وثانيهما :
الصحة ، وهو المشهور ، بل في الجواهر ـ بعد توجيه عبارة التحرير ـ «فلا خلاف محقّق
في المسألة» .
(٧) يعني :
تردد المحقق في الوجهين ، حيث قال : «ولو باع ما يتعذر تسليمه إلّا بعد مدّة ، فيه
تردد. ولو قيل بالجواز مع ثبوت الخيار للمشتري كان قويّا» .
__________________
ثمّ قوّى الصحة (١) ، وتبعه في محكّي التحرير والمسالك والكفاية وغيرها .
نعم (٢) ،
للمشتري الخيار مع جهله بفوات منفعة الملك عليه مدّة.
ولو كان مدة
التعذر غير مضبوطة عادة (٣) ـ كالعبد المنفذ إلى هند لحاجة لا يعلم زمان
______________________________________________________
(١) يعني :
وتبع المحقق في تقوية الصحة العلّامة في محكي التحرير ، والشهيد الثاني والفاضل
السبزواري والمحدث الكاشاني وغيرهم قدسسرهم كصاحبي المصابيح والجواهر .
(٢) لمّا رجّح
المصنف قدسسره الصحة أراد التنبيه على عدم لزوم البيع إن كان المشتري
جاهلا بتأخر التسليم عن العقد مدة لا يتسامح فيها عرفا.
(٣) هذا شروع
في الصورة الثانية ، وهي عدم ضبط مدة تأخير التسليم عن العقد ـ ولو كانت قصيرة ـ
بما لا يتسامح العرف في فوات منفعة المبيع فيها ، كبيع الغائب ، مثل العبد الذي
أرسله مولاه إلى بلد بعيد لقضاء حاجة تطول مدّته ، ولم يكن زمان عوده وتسليمه إلى
المشتري مضبوطا ، بأن كان دائرا بين شهر أو شهرين.
ومثل الدابة
التي أرسلها صاحبها إلى السوق ، فباعها جاهلا بوقت عودها ـ كما إذا تردّد بين
ساعتين وثلاث ساعات ، ولم يكن تفاوت ساعة مغتفرا عرفا في بيع الدواب.
ويحتمل في حكم
هذه الصورة كل من الصحة والبطلان.
فوجه الصحة ما
في الجواهر من قوله : «للعموم المؤيّد بإطلاق الفتوى ، فإنّهم لم يشترطوا ـ في بيع
ما يتعذر تسليمه في الحال ـ انضباط المدة التي يمكن التسليم بعدها بحسب العادة ،
كما لم يشترطوا تعيّنها في أصل البيع. وكلامهم ـ أي العموم
__________________
قضائها ـ ففي (١) الصحة إشكال : من حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلّقة
المعتدّة بالأقراء ، لجهالة وقت تسليم العين. وقد تقدّم بعض الكلام فيه (٢) في بيع
______________________________________________________
المؤيّد بكلامهم ـ في جواز بيع الغائب والوديعة والعارية والمغصوب والآبق
والسمك ، ضرورة عدم انضباط المدة في ذلك ، واختلافها زيادة ونقصا اختلافا فاحشا.
ولا غرر في ذلك بعد إمكان التسليم. وفوات المنفعة مدة التعذر ليس من الغرر في
المبيع ، وإنّما هو غرر في غيره ... الخ» .
ووجه البطلان
ما أفاده المصنف قدسسره ، وسيأتي.
(١) خبر مقدّم
لقوله : «إشكال» والجملة جواب الشرط في قوله : «ولو كان». ووجه الإشكال : عدم
انضباط المدة عادة ، فيلزم الغرر المبطل للبيع.
والشاهد على
كون الجهل بوقت التسليم غررا ما ذكروه في باب الطلاق من بطلان بيع المنزل الذي
تسكنه المطلّقة بالأقراء ، من جهة دوران العدة بين المدة الطويلة والقصيرة ، فلم
يعلم مدة استحقاقها للسكنى ، ويلزمه جهل المشتري بزمان استحقاق التسليم ، وقد
أوضحنا المسألة في الوقف المنقطع ، فراجع (ص ٢١١).
(٢) أي : في
الجهل بوقت تسليم العين.
__________________
__________________
الوقف المنقطع (١).
ثمّ (٢) إنّ
الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين ،
______________________________________________________
(١) حيث قال : «وفي
جوازه ـ أي البيع ـ للواقف مع جهالة مدّة استحقاق الموقوف عليهم إشكال ، من حيث
لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التام على وجه ينتفع به» ثم ذكر مسألة بيع
مسكن المطلّقة المعتدية بالأقراء.
هذا وجه
البطلان ، وكان المناسب التنبيه على وجه الصحة ، وهو ما نقلناه عن الجواهر آنفا.
ولكن قد ينافيه حكمه في كتاب الطلاق ببطلان بيع مسكن المعتدة بالأقراء ، فراجع .
(٢) هذا هو
التنبيه الرابع ، ومحصله : أنّ محتملات ما هو شرط صحة البيع ثلاثة :
الأوّل : أن
الشرط هو القدرة على التسليم بوجودها الواقعي سواء احرزت أم كانت مشكوكة.
الثاني : أن
الشرط هو العلم بالقدرة بمعنى كون الإحراز تمام الموضوع وإن تبيّن العجز. والمراد
بالعلم هنا هو الوثوق ، لا اليقين الوجداني غير المجتمع مع احتمال العجز ، ولا
مطلق الظنّ غير البالغ حدّ الاطمئنان.
الثالث : أنّ
الشرط هو القدرة المعلومة ، بمعنى كون العلم جزء الموضوع ، وجزءه الآخر نفس القدرة
بوجودها الواقعي ، نظير شرطية الطهارة المحرزة.
واختاره المصنف
قدسسره ، لأنّ عمدة الدليل على اعتبار القدرة هو النهي عن بيع
الغرر ، ومن المعلوم توقف الأمن من الوقوع في المخاطرة على القدرة المحرزة لا
الواقعية.
ويتفرّع على
شرطية القدرة المعلومة صحة البيع لو باع معتقدا التمكّن من
__________________
لأنّ (١) الغرر لا يندفع بمجرّد القدرة الواقعية (*).
ولو باع ما
يعتقد التمكّن [منه] فتبيّن عجزه في زمان البيع وتجدّدها بعد ذلك ، صحّ (**). ولو
لم يتجدّد بطل (٢).
والمعتبر هو
الوثوق (٣) ، فلا يكفي مطلق الظّن (٤) ، ولا يعتبر اليقين (٥).
______________________________________________________
التسليم ، فبان عجزه حال العقد ، ولكن تجددت القدرة بعده. بخلاف ما لو كان
الشرط القدرة الواقعية ، لاقتضاء فقد الشرط البطلان.
(١) هذا تقريب
دلالة الحديث النبوي على كون الشرط القدرة المعلومة ، لا الواقعية.
(٢) لانتفاء
الموضوع ـ وهو القدرة المعلومة ـ بانتفاء كل من الموصوف والوصف. ولو كان الشرط
العلم بالقدرة صحّ البيع في الفرض وثبت الخيار للمشتري الجاهل بالحال ، لوجود
الشرط وهو إحراز القدرة.
(٣) المعبّر
عنه بالعلم العادي النظامي ، والوجه في كفايته هو ارتفاع الغرر به.
(٤) لعدم
ارتفاع الغرر به.
(٥) لعدم
الدليل على اعتباره بالخصوص.
__________________
ثم لا إشكال في
اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا (١) ، لا ما إذا كان وكيلا
______________________________________________________
(١) هذا خامس
تنبيهات المسألة وآخرها ، والغرض من التعرض له تحقيق من يعتبر قدرته على التسليم ،
توضيحه : أنّ العاقد قد يكون مالكا ، فيشترط تمكنه من التسليم كما تقدم ، وقد يكون
وكيلا عن المالك ، وهل يعتبر قدرته على الإقباض أم تعتبر في موكّله؟ فيه تفصيل بين
نحوي التوكيل.
فإن كان وكيلا
في مجرد إجراء الصيغة ـ لا في مقدمات العقد ولوازمه ـ اعتبر تمكن الموكّل ، لأنّه
المخاطب بالوفاء بالعقد ، دون الوكيل ، لانتهاء مهمّته بنفس الإنشاء. فلو عجز
الموكّل عن التسليم وتمكّن الوكيل منه بطل البيع.
وإن كان وكيلا
مفوّضا في التصرف في أموال الموكّل ، أو كان مأذونا في إجراء العقد ولوازمه
كالتسليم والأخذ بالخيار ونحوهما ، بحيث يصدق عليه عرفا أنه أحد المتبايعين ـ وكان
الموكّل أجنبيا عن هذه المعاملة ـ كفى قدرة هذا الوكيل ، ضرورة أن الشرط ـ وهو
التمكن ـ أعم من كونه بالمباشرة وبالاستنابة ، فإقباض الوكيل إقباض موكّله.
ولو كان الوكيل
المأذون في لوازم العقد عاجزا عن التسليم ، وموكّله متمكنا منه ، ففيه احتمالات :
الأوّل : كفاية
قدرة المالك ، وعدم قدح عجز العاقد ، لأعمية التسليم المعتبر من المباشري
والاستنابي.
الثاني : عدم
كفايتها ، فيبطل البيع.
الثالث :
التفصيل بين كون المشتري عالما بعجز العاقد وبقدرة المالك فيصحّ ، وبين عدم علمه
بذلك فيبطل. وهذا الوجه مختار المصنف ، بلا فرق بين رضا المالك برجوع المشتري عليه
للتسلّم ، أو رضا المشتري برجوعه إلى المالك ، وبين عدم رضا كل منهما بالرجوع إلى
الآخر ، خلافا لمن قيّد الصحة بالرضا كما سيأتي.
في مجرّد العقد ، فإنّه (١) لا عبرة بقدرته ، كما لا عبرة بعلمه.
وأمّا لو كان
وكيلا في البيع ولوازمه (٢) ـ بحيث (٣) يعدّ الموكّل أجنبيا عن هذه المعاملة ـ فلا
إشكال (٤) في كفاية قدرته (٥).
وهل يكفي قدرة
الموكّل (٦)؟ الظاهر نعم ، مع علم المشتري بذلك (٧) إذا علم بعجز العاقد (٨) ،
______________________________________________________
(١) الضمير
للشأن ، أي : فلا عبرة بقدرة الوكيل ، لأنّه أجنبي عن المتبايعين ، فلا عبرة بقدرة
غيرهما ، كما لا عبرة بعلمه بالقدرة ، لعدم توجه خطاب وجوب التسليم إلى الأجنبي.
(٢) المراد
باللوازم آثار العقد من القبض والإقباض ، وحلّ النزاع في الثمن والمثمن ، والأخذ
بالخيار ، والمطالبة بالوفاء بالشرط إن كان ، ونحوها.
(٣) هذا بيان
الوكالة المطلقة أي في البيع ولوازمه ، فإنّها توجب صدق «البيّع» على الوكيل.
(٤) جواب الشرط
في قوله : «وأما لو كان».
(٥) أي : قدرة
الوكيل ، لكونه مخاطبا بوجوب التسليم ، فيكفي قدرته عليه.
(٦) يعني ـ في
صورة كون العاقد وكيلا في البيع ولوازمه ـ هل يكفي قدرة الموكّل على التسليم أم لا؟
بل لا بدّ من قدرة الوكيل على ذلك.
(٧) التقييد
بالعلم بقدرة الموكل لأجل كون الشرط القدرة المعلومة لا الواقعية.
(٨) حاصله :
أنّ اعتبار علم المشتري بقدرة الموكل في الاكتفاء بها إنّما يكون في صورة علم
المشتري بعجز العاقد ، إذ لا بدّ حينئذ من علم المشتري بقدرة الموكّل ليصح البيع.
فلو اعتقد بقدرة العاقد العاجز واقعا ، لم يشترط حينئذ علم المشتري بقدرة الموكّل
في كفايتها ، بل يكفي وجودها الواقعي ، وذلك لأنّ الغرر يرتفع باعتقاد المشتري
بقدرة العاقد ، ولذا قال المصنف قدسسره : «فإن اعتقد قدرته لم يشترط علمه بذلك» أي : بقدرة
الموكل.
فإن اعتقد قدرته لم يشترط علمه بذلك.
وربّما قيّد
الحكم بالكفاية (١) بما إذا رضي المشتري بتسليم الموكّل ، ورضي المالك برجوع
المشتري عليه. وفرّع (٢) على ذلك رجحان الحكم بالبطلان في الفضولي. لأنّ (٣)
التسليم المعتبر من العاقد غير ممكن قبل الإجازة.
______________________________________________________
(١) أي : الحكم
بكفاية قدرة الموكّل في الصحة ـ مضافا إلى الشرط الذي ذكره من علم المشتري بقدرة
الموكل ـ والمقيّد العلّامة الطباطبائي قدسسره ، وصاحب الجواهر قدسسره نقل عبارته بطولها ، لكنّه لم يصرّح بالقائل.
قال في
المصابيح : «ولو كان أحد المتعاقدين وكيلا على البيع وما يتبعه من اللوازم ، وعلم
الآخر بذلك ورضي بتسليم الموكّل ، كفى في صحة البيع قدرة أحدهما إن رضي الموكّل
برجوعه عليه ، فلو عجزا معا بطل البيع» .
وكيف كان
فملخّص ما أفاده هذا القائل هو : أنّه يعتبر في كفاية قدرة الموكّل في الصحة ـ في
صورة كون العاقد وكيلا في البيع ولوازمه ـ أمران :
أحدهما : علم
المشتري بقدرة الموكّل ، إذ المعتبر هو القدرة المعلومة.
والآخر : رضا
المشتري بتسليم الموكّل ، ورضا المالك برجوع المشتري عليه.
(٢) حاصله :
أنّ المقيّد المزبور فرّع بطلان الفضولي على اعتبار رضا المشتري بتسليم الموكّل ،
ورضا المالك برجوع المشتري عليه.
قال في
المصابيح ـ بعد عبارته المتقدمة ـ : «وأما الفضولي فهذا الشرط غير متحقق فيه ، ومن
ثمّ ترجّح بطلانه ، وذلك لأن إجازة المالك غير معلومة الحصول ، إذ قد لا تحصل
القدرة على التسليم مطلقا ، وقد تحصل ، لكن بالقياس إلى نفس العقد دون لوازمه ،
فلا تحصل من العاقد» إلى آخر ما حكاه عنه في المتن .
(٣) حاصله :
أنّ التسليم الصحيح ـ وهو التسليم برضا المالك ـ يمتنع من العاقد
__________________
وقدرة (١) المالك إنّما تؤثّر لو بنى العقد عليها وحصل التراضي بها حال
البيع ، لأنّ بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الآذن مطلقا ، بل مع الشرط المذكور (٢)
، وهو (٣) غير متحقق في الفضولي. والبناء على القدرة الواقعية باطل ، إذ الشرط هي
القدرة المعلومة دون الواقعية ... إلى أن قال (٤):
______________________________________________________
قبل الإجازة ، وإلّا يكون إجازة.
(١) هذا إلى
آخر العبارة نصّ ما في الجواهر والمصابيح. وهذه الجملة دفع دخل مقدّر.
حاصل الدخل :
أنّ قدرة الفضولي على التسليم وإن لم تكن معلومة ، لكن هذا المقدار لا يوجب بطلان
عقده ، لفرض قدرة المالك المجيز على التسليم ، وهي كافية في الصحة.
وحاصل الدفع :
أن المالك وإن كان قادرا على التسليم ، إلّا أنّ تمكنه الواقعي لا يؤثر في صحة عقد
غير المالك ، إلّا إذا اعتقد المشتري تمكّن المالك منه ، ووقع الشراء مبنيّا عليه
، والمفروض أنّ المشتري الجاهل بالحال لم يعتقد قدرة المالك على التسليم ، ولم يرض
بتسليم غير العاقد الفضولي.
ويشهد لعدم
كفاية قدرة المالك واقعا : أنّه لو أذن المالك لغيره في البيع ، اعتبر في صحة
الشراء من المأذون رضا المالك بالتسليم ، ورضا المشتري بالتسلّم منه ، والمفروض
فقدان هذا الرضا في بيع الفضولي.
(٢) وهو رضا
المشتري بتسليم المالك.
(٣) يعني : أنّ
الشرط المذكور ـ وهو رضا المشتري بتسليم الموكّل ورضا المالك برجوع المشتري عليه
في التسليم ـ غير متحقق في الفضولي. أمّا مع الجهل بالفضولية فواضح. وأمّا مع
العلم بها فلكون رضا المالك برجوع المشتري عليه في التسليم ملازما للرضا بالبيع ،
ومخرجا له عن الفضولية ، وهو خلف.
(٤) يعني : قال
هذا المقيّد ، وهو صاحب المصابيح.
«والحاصل : أنّ القدرة قبل الإجازة لم توجد (١) ، وبعدها إن وجدت لم تنفع (٢)».
ثم قال (٣) : «لا
يقال (٤) : إنّه قد يحصل الوثوق للفضولي بإرضاء المالك ، وأنّه (٥) لا يخرج عن
رأيه ، فيتحقق له (٦) بذلك القدرة على التسليم حال العقد.
لأنّ (٧) هذا
الفرض يخرج الفضولي عن كونه فضوليا ، لمصاحبة الإذن للبيع. غاية
______________________________________________________
(١) أمّا من
العاقد فلعدم إذن المالك في التسليم. وأمّا من المالك فلانتفاء شرط كفايتها ، وهو
رضا المالك والمشتري بالتسليم.
(٢) كما إذا
استأذن العاقد من المالك ـ بعد العقد ـ تسليم المال ، فإنّ هذا التسليم لا ينفع في
صحة العقد ، لاعتبار القدرة عليه حين القعد لا بعده.
فالمتحصل :
أنّه ـ بناء على اعتبار رضا المشتري بتسليم المالك ورضا المالك برجوع المشتري عليه
في التسليم ـ يبطل عقد الفضولي ، لعدم قدرة العاقد على التسليم الصحيح شرعا قبل
الإجازة. ومجرد قدرة المالك بدون علم المشتري بها غير مفيد ، لما عرفت من اعتبار
القدرة المعلومة ، لا الواقعية المجرّدة عن العلم. وأما بعد الإجازة فلا تنفع
القدرة ، لكونها بعد البيع لا حينه.
(٣) الضمير
يرجع إلى «المقيّد» المستفاد من قوله : «وربما قيّد».
(٤) توضيحه :
أنّه يمكن تصحيح الفضولي بأنّه قد يثق العاقد الفضولي برضا المالك ، وأنّه يرضى
بتصرفات هذا الفضولي ، فيحصل للعاقد القدرة على التسليم حين العقد.
(٥) أي : وأنّ
المالك لا يخالف الفضولي.
(٦) أي :
فيتحقق للفضولي ـ بسبب حصول الوثوق بأنّ المالك يمضي ويجيز العقد ـ القدرة على
التسليم ، فيصح البيع.
(٧) تعليل
لقوله : «لا يقال» وقد دفع الإشكال بوجهين ، هذا أولهما ، وحاصله : أنّ البيع وإن
صار صحيحا بما ذكر ، لكنه يخرج عن موضوع البحث أعني
الأمر حصوله (١) بالفحوى وشاهد الحال (٢) ، وهما (٣) من أنواع الإذن ، فلا
يكون فضوليّا (٤) ، ولا يتوقف صحته (٥) على الإجازة.
ولو سلّمنا (٦)
بقاءه (٧) على الصفة فمعلوم أن القائلين بصحّة الفضولي
______________________________________________________
به الفضولي ، لاندراجه في بيع المأذون عن المالك ، غاية الأمر أنّ الإذن
هنا يكون بالفحوى وشاهد الحال ، دون الإذن الصريح اللفظي. ومن المعلوم عدم الفرق
في الخروج عن موضوع الفضولي بين حصول الإذن المالكي بالتصريح أو بالفحوى.
(١) أي : حصول
الإذن ، واستكشافه يكون تارة من تصريح الآذن ، واخرى من الفحوى.
(٢) كذا في نسخ
الكتاب والجواهر ، ولكن في نسخة مصوّرة من المصابيح «أو شاهد الحال» وهو أنسب
بقوله : «وهما».
(٣) يعني :
والفحوى وشاهد الحال يكونان من أنواع الإذن ، كما أن التصريح بالإذن نوع آخر منه.
(٤) بل يكون
مأذونا فيه ، ولا ريب في نفوذ هذا البيع.
(٥) أي : صحة
بيع المأذون لا تتوقف على الإجازة ، لاقترانه بالإذن ، فوقع صحيحا لا موقوفا على
الإجازة.
(٦) هذا ثاني
الوجهين ، وتوضيحه : أنّه مع الغض عن الجواب الأوّل ـ وهو الخروج عن الفضولية
وتسليم بقائه على الفضولية ـ نقول : إنّ التصحيح المزبور أخص من المدّعى ، إذ
القائلون بصحة عقد الفضولي لا يخصّصون الحكم بالصحة بخصوص هذه الصورة ، وهي الوثوق
بإرضاء المالك ، بل يحكمون بالصحة مطلقا وإن لم يثق الفضولي بإرضاء المالك.
فالتصحيح المزبور لا يعمّ جميع العقود الفضولية حتى يصحّح جميعها ، بل يختص ببعضها.
(٧) أي : بقاء
البيع على صفة الفضولية.
لا يقصرون الحكم على هذا الفرض (١)» .
وفي ما ذكره (٢)
من مبنى (٣) مسألة الفضولي ، ثم في تفريع الفضولي ، ثم في
______________________________________________________
(١) أي : على
فرض وثوق الفضولي بإرضاء المالك ، بل يقول الفقهاء بصحة عقد الفضولي مطلقا بلحوق
الإجازة. هذا تمام ما في الجواهر.
(٢) ناقش
المصنف قدسسره في العبارة المنقولة عن المصابيح من بدئها إلى ختمها ،
كما سيظهر.
(٣) المراد
بالمبنى هو اعتبار رضا المشتري بالتسليم ـ في مسألة الوكالة ـ وعدم كفاية قدرة
المالك الموكّل على التسليم ، فإنّ هذا المبنى يستلزم بطلان عقد الفضولي ، لعدم
إحراز هذا الشرط.
أمّا وجه النظر
في نفس المبنى فهو : أنّ التقييد بالرضا ممّا لا دليل عليه ، ومقتضى العمومات عدم
اعتباره ، والغرر المانع عن الصحة يرتفع بقدرة المالك مطلقا ، فلا غرر هنا حتى
يمنع عن الرجوع إلى العمومات.
وبعبارة اخرى :
رضا المالك والمشتري ليس دخيلا في مفهوم القدرة على التسليم ، ولا شرطا لاعتبارها
، لعدم الدليل ، فرضاهما بدون القدرة لا يؤثّر أصلا ، فالمؤثّر هو نفس القدرة.
وأمّا وجه
النظر في تفريع الفضولي عليه ، فهو : أجنبية الفضولي عن العاقد الوكيل في العقد
ولوازمه ، فاعتبار القدرة فيه لا يلازم اعتبارها في العاقد الفضولي ، فلا ملازمة
بينهما حتى يترتب عليها بطلان عقد الفضولي ، لعدم قدرة العاقد الفضولي على التسليم
المعتبر شرعا.
نعم إن قلنا
باعتبار رضا الموكّل والمشتري ـ حتى في الوكيل في مجرد إجراء العقد ـ يتوجه حينئذ
بطلان عقد الفضولي.
__________________
الاعتراض الذي ذكره ، ثم في الجواب عنه أوّلا وثانيا ، تأمّل ، بل نظر ،
فتدبّر.
______________________________________________________
وأمّا وجه
النظر في الاعتراض فهو : أنّ الوثوق بإرضاء المالك لا يوجد القدرة على التسليم حين
العقد ، بل بعده. والشرط هو القدرة حينه لا بعده أعني الزمان المتأخر عن زمان رضى
المالك.
وأمّا وجه
النظر في الجواب الأوّل ، فهو : أنّ وثوق الفضولي بإرضاء المالك لا يوجب مقارنة
العقد للرضا حتى يخرج هذا العقد عن الفضولية ، بل غايته تعقب العقد بالرضا ، وأين
هذا من المصاحبة؟ فالفضولية باقية على حالها.
وأمّا وجه
النظر في الجواب الثاني الذي ذكره بقوله : «ولو سلمنا بقاءه على الصفة ... الخ»
فهو : أنّه مبنيّ على المبنى المزبور ، وهو رضا المشتري بالتسليم ، وعدم كفاية
قدرة المالك على التسليم في صحة البيع ، وقد عرفت ضعف كل من المبنى والابتناء ،
فتدبّر.
هذا تمام
الكلام في شرطية القدرة على التسليم ، ويأتي الكلام في بعض فروعه كبيع الآبق إن
شاء الله تعالى.
الفهرست
بيع
الوقف.............................................................. ٢٣٨
ـ ٧
الصورة
الثانية : إذا خرب الوقف بحيث يسقط عن النفع المعتد به............ ٥٠ ـ ٧
تحقيق الفرق بين هذه
الصورة والصورة الثالثة....................................... ٨
التفصيل بين صورتين........................................................... ٩
ما استدل به على منع
البيع في هذه الصورة...................................... ١٠
ما استدل به على جواز
البيع ، والنظر فيه....................................... ١١
جواز البيع لو كان
النفع قليلا ملحقا بالمعدوم.................................... ١٩
قلة المنفعة لعارضٍ
آخر غير الخراب............................................. ٢٢
كلام صاحب الجواهر
قدّس سرّه والنظر فيه..................................... ٢٢
كلامه فيما لو انعدم عنوان
الوقف رأسا......................................... ٣٠
مناقشة المصنف في ما
أفاده صاحب الجواهر..................................... ٣٩
الصورة الثالثة : خراب الوقف بحيث يقل نفعه............................. ٥٥ ـ ٥١
الاقوى منع البيع في
هذه الصورة............................................... ٥١
حكم قلة المنفعة من
غير جهة الخراب........................................... ٥٥
الصورة
الرابعة : إذا كان بيع الوقف أنفع للموقوف عليه.......................... ٥٦
الأقوى منع البيع في
هذه الصورة............................................... ٦٠
ما استدل به على جواز
البيع من روايتي ابن حيان والحميري........................ ٦٣
الخدشة في دلالة رواية
ابن حيان............................................... ٧٥
ما أجاب به العلامة عن
رواية ابن حيان والنظر فيه............................... ٨٠
الخدشة في دلالة رواية
ابن حيان............................................... ٨٥
مخالفة الروايتين
للقواعد....................................................... ٨٧
الصورة الخامسة : إذا لحقت ضرورة شديدة بالموقوف عليهم.................... ٨٩
الاستدلال برواية ابن
حيان على جواز البيع والمناقشة فيه.......................... ٩٠
كلام صاحب المقابس........................................................ ٩٣
الاشكال في الإجماع
المدعى على الجواز......................................... ٩٤
الصورة السادسة : إذا اشترط الواقف جواز البيع في
الإنشاء...................... ٩٦
اختلاف الفقهاء في
جواز البيع................................................. ٩٩
مختار المصنف في هذه
الصورة................................................ ١٠٦
الاستدلال بصورة وقف
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام على جواز البيع عند الاشتراط ١١٤
الصورة السابعة : أداء بقاء الوقف إلى خرابه علما أو ظنا....................... ١٢٣
الخراب قد يكون
بسقوطه عن النفع رأسا وقد يكون بنقص النفع................. ١٢٤
الصورة
الثامنة : وقوع خلف بين الموقوف عليهم لا يؤمن معه تلف المال أو النفس ١٢٦
الصورة
التاسعة : أداء الاختلاف إلى ضرر عظيم............................... ١٢٨
الصورة
العاشرة : أن يلزم من بقاء الوقف فساد تستباح فيه الانفس.............. ١٢٩
حكم
الصور الاربع................................................... ٢٠٠
ـ ١٢٩
ما استدل به المصنف
على الجواز في مورد الاستثناء.............................. ١٣٠
لو دار الأمر بين
البيع والابدال............................................... ١٣٢
استدلال الفاضل
المقداد على جواز البيع ، والنظر فيه........................... ١٣٥
استدلال العلامة على
الجواز ، والنظر فيه...................................... ١٤٥
استدلال المصنف على
منع البيع في القسم الثاني والصدر الثلاث الأخرى بوجهين... ١٤٩
استدلال الفقهاء
بمكاتبة ابن مهزيار على جواز البيع............................. ١٥٥
تقريب الاستدلال بها
على الجواز في الصورة العاشرة ، ومنعه...................... ١٧٢
اختلاف الفقهاء في
الاستظهار من المكاتبة..................................... ١٧٤
تحقيق مدلول المكاتبة....................................................... ١٧٥
دعوى اعراض المشهور
عنها.................................................. ١٧٧
دعوى عدم ظهور
المكاتبة في الوقف المؤبد..................................... ١٨١
كلام العلامة المجلسي
في أن مورد المكاتبة عدم تحقق القبض...................... ١٨٣
منع ظهور المكاتبة في
الوقف المنقطع ، وعدم الاقباض........................... ١٨٥
الإيراد على المكاتبة
من جهة أخرى ، والجواب عنه.............................. ١٨٩
القدر المتيقن من
المكاتبة..................................................... ١٩٥
المراد من «التلف» في
المكاتبة................................................ ١٩٦
حكم الثمن على تقدير
البيع................................................ ١٩٧
الوقف المنقطع............................................................. ٢٠١
صحة هذا القسم من
الوقف................................................. ٢٠٢
حكم البيع بناء على
بقائه على ملك الواقف................................... ٢٠٩
المحكي عن جماعة صحة
بيع السكنى المؤقتة بعمر الساكن أو المسكن.............. ٢١٢
الاستدلال بصحيحة ابن
نعيم على الجواز..................................... ٢١٥
بيعه من الموقوف عليه
المختص بمنفعة الوقف................................... ٢١٧
بيعه من الأجنبي............................................................ ٢١٩
لو كان للموقوف عليه
حق الانتفاع دون ملك المنفعة........................... ٢٢٦
حكم البيع بناء على
صيرورته ملكا مستقرا للموقوف عليهم...................... ٢٢٨
حكم البيع بناء على
عوده إلى ملك الواقف.................................... ٢٢٩
كلام القاضي وما أورده
صاحب المقابس عليه من التنافي بين كلاميه، ودفعه........ ٢٣٠
حكم البيع بناء على
صيرورته في سبيله تعالى................................... ٢٣٣
حكم بيع بعض البطون مع
وجود من بعدهم................................... ٢٣٧
مسألة : من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا صيرورة الأمة
أم ولد............ ٢٣٩
عدم جواز بيع أم الولد
في الجملة من المسلمات................................. ٢٤٠
إلحاق العقود الناقلة
أو المستلزمة للنقل بالبيع................................... ٢٤١
الاستشهاد بكلمات
الفقهاء على ذلك........................................ ٢٤٢
قول السيد المجاهد
بعدم عموم المنع ، والنظر فيه................................ ٢٤٨
اختصاص منع البيع
ببقاء الولد حيا إلى موت السيد............................ ٢٥٥
اعتبار انفصال الولد ،
وعدمه................................................ ٢٦١
صدق الحمل بالمضغة
والعلقة................................................. ٢٦٧
حكم إلقاء الجسد الذي
لا تخطيط فيه........................................ ٢٧١
حكم إلقاء النطفة قبل
استقرارها في الرحم وبعده............................... ٢٧١
ثمرة إلقاء ما في
بطنها بطلان البيع الواقع قبل الإلقاء............................. ٢٧٦
تحقق العلوق بالمساحقة
كالمباشرة.............................................. ٢٨٠
اشتراط امكان الحاق
الولد بالواطئ........................................... ٢٨٢
اعتبار كون الحمل
بالملك ، لا بالنكاح........................................ ٢٨٢
المنع عن بيع أم الولد
قاعدة كلية مستفادة من الأخبار والإجماع................... ٢٨٦
مرجعية عموم المنع ما
لم يقم دليل خاص على جواز البيع........................ ٢٩١
مواضع الاستثناء عن عموم المنع ، وهى أربعة أقسام........................... ٢٩٥
القسم الاوّل ، وله موارد :........................................... ٤٢٧ ـ ٢٩٦
المورد الأوّل : إذا
كان دين على مولاها ، ولم يكن له ما يؤديه به ، وفيه صور....... ٢٩٦
الاُولى : كون الدين
ثمن رقبتها مع فرض موت المولى............................. ٢٩٦
جواز البيع في هذه
الصورة ، للإجماع المدعى والنص............................. ٢٩٧
الاستدلال بصحيحة عمر
بن يزيد وروايته على الجواز........................... ٢٩٩
الثانية : جواز بيعها
مع حياة المولى............................................ ٣٠١
توهم المنع لتقييد
رواية ابن يزيد بصحيحته ، ودفعه.............................. ٣٠٦
كلام صاحب المقابس في
منع عموم المنع ، والنظر فيه........................... ٣١٠
توهم معارضة عموم
المنع بوجوب أداء الدين ، ومرجعية قاعدة السلطنة............ ٣١٢
انتصار المصنف للمشهور
وحل المعارضة بين روايتي ابني يزيد ومارد................. ٣١٣
فروع تتعلق بجواز
بيعها في حياة السيد وبعد وفاته........................ ٣٤٠
ـ ٣١٨
أ : هل يعتبر عدم ما
يفي بالدين ولو من المستثنيات أو مما عداهاأم لا؟............ ٣١٨
ب : لو كانت أم الولد
مما يحتاج إليها المولى لخدمة أو غيرها...................... ٣٢١
ج : حكم ما إذا كان
الثمن دينا أو استدان المولى ثمنها لشرائها................... ٣٢٣
د : عدم جواز بيعها
قبل حلول الأجل لو كان الثمن مؤجلا...................... ٣٢٦
ه : هل يكفي في جواز
بيعها مجرد استحقاق الثمن أم يعتبر مطالبة البائع به........ ٣٢٨
و : لو تبرع متبرع
بأداء الثمن................................................ ٣٢٩
ز : دوران الأمر بين
بيعها ممن تنعتق عليه أو بشرط العتق وبين البيع من أجنبي...... ٣٣١
ح : لو أدى الولد ثمن
نصيبه بعد موت السيد................................. ٣٣٢
ط : ما لو أدى ثمن
جميعها بالإقباض إلى البائع أو بالشراء....................... ٣٣٤
ي : لو امتنع المولى
من أداء الثمن من غير عذر................................ ٣٣٥
ك : المراد بالثمن
مطلق عوض أم الولد لا خصوص عوض البيع.................. ٣٣٧
ل : لحوق الشرط الضمني
بالثمن وعدمه في جواز البيع وعدمه................... ٣٣٨
الثالثة : منع بيعها
في دين آخر غير ثمن رقبتها في حياة المولى...................... ٣٤١
الرابعة : حكم بيعها
في الدين بعد موت المولى.................................. ٣٤٢
تفصيل شيخ الطائفة قدس
سره بين استغراق الدين وغيره ، والوجه فيه............. ٣٤٥
المناقشة في كلامه بما
أفاده الشهيد الثاني قدس سره.............................. ٣٤٦
انتصار صاحب المقابس
لشيخ الطائفة ، ودفع مناقشة الشهيد بوجوه أربعة......... ٣٤٩
تنظر المصنف في الوجوه
الأربعة............................................... ٣٦٠
المورد الثاني : بيعها
في كفن مولاها............................................ ٣٧٦
حكم جنايتها عمدا........................................................ ٣٨٩
كلام صاحب الجواهر
والنظر فيه............................................. ٣٩١
حكم جنايتها خطأ......................................................... ٣٩٦
المراد بكون جنايتها
على سيدها.............................................. ٤٠٠
معارضة اطلاق حكم
جناية المملوك بإطلاق المنع عن بيعها ، ودفعها.............. ٤٠٤
المورد الرابع : إذا
جنت على مولاها ، وأنها تصير ملكا طلقا أم لا؟................ ٤٠٩
توجيه جواز الاسترقاق
بوجوه ثلاثة كما في المقابس ، والنظر فيه................... ٤١١
إذا جنت على مولاها
خطأ.................................................. ٤١٥
المورد الخامس : إذا
جنى حر عليها بما فيه ديتها................................. ٤١٧
المورد السادس : إذا
لحقت بدار الحرب ثم استرقت.............................. ٤٢٢
المورد السابع : إذا
خرج مولاها الذمي عن الذمه................................ ٤٢٦
المورد الثامن : إذا
قتل مولاها الذمي مسلماً.................................... ٤٢٦
القسم الثاني : عروض حق لها أولى بالمراعاة من حق
الاستيلاد ، وفيه موارد : ٤٥٤ ـ ٤٢٨
المورد الاوّل : ما
اذا اسلمت وهي أمة ذميّ.................................... ٤٢٨
المورد الثاني : ما
إذا عجز مولاها عن نفقتها.................................... ٤٣٩
المورد الثالث : بيعها
على من تنعتق عليه...................................... ٤٤٤
المورد الرابع : بيعها
بشرط العتق.............................................. ٤٤٦
المورد الخامس : بيعها
على من أقر بحريتها...................................... ٤٤٨
المورد السادس : إذا
مات قريبها وخلف تركة ولم يكن له وارث سواها ٤٥٠
القسم الثالث : وجود حق سابق على الاستيلاد مجوّز لبيعها
، وفيه موارد : ٤٧٦ ـ ٤٥٤
المورد الأول : إذا
كان حملها من السيد بعد ما رهنها على دين.................... ٤٥٤
المورد الثاني : إذا
كان حملها بعد إفلاس المولى والحجر عليه....................... ٤٥٧
المورد الثالث : إذا
كان حملها بعد جنايتها...................................... ٤٦٠
المورد الرابع : إذا
كان حملها من السيد في زمان خيار البائع....................... ٤٦١
المورد الخامس : إذا
كان حملها بعد اشتراط أداء مال الضمان منها................. ٤٦٦
المورد السادس : إذا
كان حملها بعد نذر جعلها صدقة إن كان النذر مشروطا بما لم يحصل قبل الوطء ٤٦٨
المورد السابع : إذا
كان حملها من مكاتب مشروط ، ثم فسخت كتابته............. ٤٧٤
القسم الرابع : ما إذا كان إبقاؤها في ملك المولى غير
معرف لها للعتق ، لعدم التوريث ٤٧٧
مسألة : من أسباب خروج
الملك من الطلق كونه مرهونا......................... ٤٨٠
الدليل على عدم
استقلال المالك في بيع الرهن.................................. ٤٨٣
مختار المصنف عدم
بطلان بيع الرهن ، وأنه موقوف............................. ٤٨٨
كلام صاحب المقابس من
بطلان بيع الرهن والنظر فيه.......................... ٤٩٣
مناقشة المصنف في
كلامه بوجوه.............................................. ٥٠٢
تخيل وجه آخر للبطلان
، ودفعه.............................................. ٥١٢
إجازة المرتهن كاشفة
أو ناقلة؟................................................ ٥١٨
لو رد المرتهن ثم أجاز
فهل تجدي الإجازة أم لا؟................................. ٥٢٣
فك الرهن بعد البيع
بمنزلة الإجازة............................................ ٥٢٦
احتمال الفرق بين
الإجازة والفك والنظر فيه................................... ٥٢٩
سقوط حق الرهانة كاشف
أو ناقل؟.......................................... ٥٣٨
لازم الكشف لزوم العقد
قبل الإجازة.......................................... ٥٤٢
لو باع الراهن فهل يجب
فك الرهن من مال آخر أم لا؟......................... ٥٤٣
مسألة : بيع العبد الجاني عمدا............................................... ٥٤٩
جواز مطالبة أولياء
المجني عليه لا يسقط مالية العبد الجاني........................ ٥٥١
الأقوى وقوع البيع
مراعى لا باطلا............................................ ٥٥٤
الفرق بين حق المرتهن
وحق المجني عليه......................................... ٥٥٩
الاستدلال على بطلان
البيع بعدم الملك ، والنظر فيه............................ ٥٦٠
توجيه كلام شيخ
الطائفة قدس سره........................................... ٥٦٦
مسألة : بيع العبد الجاني خطأ................................................ ٥٦٨
جواز البيع ، والدليل
عليه................................................... ٥٧٠
لو باع المولى فهل
يكون بيعه التزاما بالفداء أم لا؟............................... ٥٧٢
إختلاف كلمات العلماء
في كون البيع التزاما بالفداء ، وعدمه.................... ٥٧٣
مسألة : الثالث من شروط العوضين : القدرة على التسليم...................... ٥٧٩
الاستدلال عليه
بالإجماع وبالنبوي الناهي عن بيع الغرر.......................... ٥٨٠
معنى الغرر عند
اللغويين..................................................... ٥٨٣
أخذ الجهالة في معنى
الغرر................................................... ٥٨٧
كلام صاحب الجواهر من
أن الغرر جهل صفة المبيع ومقداره ، والنظر فيه.......... ٥٨٧
استدلال الفريقين
بالنبوي على شرطية القدرة على التسليم....................... ٥٩١
كلام الشهيد في
القواعد في معنى الغرر وبيان موارده............................. ٥٩٣
كلامه في شرح الإرشاد..................................................... ٦٠١
الاستدلال بالنبوي أخص
من المدعى......................................... ٦٠٨
الاستدلال على اشتراط
القدرة بوجوه اُخر............................... ٦٢٩
ـ ٦١٠
١ ـ النبوي الناهي عن
بيع ما ليس عندك...................................... ٦١٠
محتملات معنى «عند»...................................................... ٦١١
إيراد صاحب الجواهر
على الاستدلال بهذا النبوي والنظر فيه..................... ٦١٥
٢ ـ استحالة التكليف
بالممتنع ، والمناقشة في الاستدلال بها...................... ٦٢٣
٣ ـ عدم الانتفاع بما
تعذر تسليمه ، ورده...................................... ٦٢٧
٤ ـ لزوم السفاهة ،
ومنعه................................................... ٦٢٨
البحث بين صاحب
الجواهر والمصنف في أن القدرة شرط أم العجز مانع........... ٦٢٨
العبرة بالقدرة في
زمان الاستحقاق لا العقد ، وما يتفرع عليه..................... ٦٣٠
اعتبار القدرة بعد
تمام الناقل................................................. ٦٤٥
فساد بيع غير المالك
إذا باع لنفسه ما لا يقدر على تسليمه...................... ٦٤٨
نفي شرطية القدرة عند
الفاضل القطيفي ، والنظر فيه........................... ٦٥٠
القدرة على التسليم
شرط بالتبع ، والمقصود الأصلي تسلم المشتري................ ٦٥٥
حكم قدرة المشتري على
تحصيل المبيع بعد مدة مقدرة عادة...................... ٦٥٨
حكم عدم ضبط مدة
التعذر عادة............................................ ٦٦١
الشرط هي القدرة
المعلومية للمتبايعين ، لا الواقعية ولا لعلم بها.................... ٦٦٣
هل العبرة بقدرة
الموكل أو الوكيل؟............................................. ٦٦٥
كلام صاحب المصابيح في
المسألة ، والنظر فيه................................. ٦٦٧
الفهرست................................................................... ٦٧٣
|