بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّد الانبياء

والمرسلين محمّد وآله الطيبين الطاهرين ، لا سيّما

الإمام المبين وغياث المضطر المستكين عجّل الله تعالى

فرجه الشريف واللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.



مسألة (١)

لو باع من له نصف الدار نصف ملك (٢) [تلك] الدار

______________________________________________________

بيع نصف الدار

(١) هذه المسألة معنونة في كتب القوم ، و «النصف» من باب المثال ، ولا خصوصية له ، كعدم خصوصية الدار أيضا. فالثلث والربع وغيرهما من الكسور أيضا كذلك. كما أنّ البستان والدكان والخان ، بل المنقولات ـ من غير الحيوان ، ومن الحيوان ناطقة وصامتة ـ كذلك. فالنزاع في مسألة بيع نصف الدار يعمّ الجميع.

بل يندرج في البحث الصلح والهبة ، ونقل المنافع ، كما إذا آجر نصف الدار المشتركة بينه وبين غيره.

وعلى كلّ ، فإن باع أحد الشريكين حصّته للأجنبي ، فقال : «بعتك نصف الدار» كان له صور ثلاث ، إذ تارة يحرز قصده بيع النصف المملوك له ، ولا كلام في صحته.

واخرى يحرز قصد بيع حصّة الشريك من دون إذنه ، فيكون فضوليا. وحيث قلنا بصحة البيع الفضولي تأهّلا ، فإن أجاز المالك صح ، وإن ردّ بطل.

وثالثة لم يحرز قصده تفصيلا لبيع حصّته ، أو حصّة شريكه ، أو النصف المشاع بينهما بأن يبيع نصف النصف لنفسه ، وكذا لشريكه. وفي هذا الفرض احتمالان ، كما سيظهر بالتفصيل. والمقصود فعلا بيان وجه ارتباط هذه المسألة ببيع الفضولي وببيع ما يملك وما لا يملك ، إذ بناء على الصورة الثانية تكون المسألة من صغريات البيع الفضولي. وبناء على الصورة الثالثة تكون من «بيع ملك غيره مع ملك نفسه» لو قلنا بظهور «بيع النصف» في بيع نصف النصف من حصة نفسه ، ونصف النصف من حصة الشريك.

(٢) الإضافة بيانية بناء على نسخة «ملك الدار» أي : بيع نصف الدار.


فإن علم (*) أنّه أراد نصفه (١) أو نصف الغير (٢) عمل (٣) به (٤) ،

______________________________________________________

(١) أي : نصفه المختص به.

(٢) وهو مالك النصف الآخر.

(٣) جواب قوله : «فإن علم» وجملة الشرط والجزاء جواب قوله : «لو باع».

(٤) أي : بالمعلوم ، فإن كان نصفها المختص به كان البيع ماضيا ، وإن كان نصفها المملوك لشريكه ، وقف نفوذه على إجازته بناء على صحة عقد الفضولي.

__________________

(*) لا يخفى أنّه تارة يعلم مراده تفصيلا من اللفظ ، وأخرى لا يعلم ذلك ، فالبحث يقع في مقامين :

أحدهما : أن يعلم مراده تفصيلا ، ويتبع حينئذ حكمه. فإن كان نصفها المملوك له ، فالبيع صحيح فعلي ، ويترتب عليه أثره ، فيجب عليه الوفاء به من إقباضه.

وإن كان نصفها المملوك لشريكه كان البيع فضوليا ، ويتوقف نفوذه على إجازة شريكه.

وإن كان نصفها المشاع بينه وبين شريكه لزم البيع في نصف حصته ، ووقف في نصف حصة شريكه على إجازته.

ثانيهما : أن يعلم إجمالا مراده إمّا بإرادة إحدى الصور المذكورة من دون علمنا بعينها ، وإمّا بإرادة مفهوم اللفظ عرفا من كون نصف الدار هو النصف المشاع بين الحصتين أو النصف المختص به أو بشريكه.

فلو فرض وضوح مفهومه فلا إشكال في البناء عليه وترتيب أثره الشرعي وإن لم يتضح مفهومه واشتبه ، فلا بدّ من تعيين مراده بالظهورات الكاشفة عن المرادات إن لم تكن معارضه ، إذ المفروض كون البائع مريدا لمعنى ، لا ساهيا ولا لاغيا ، فإنّ عبارة الساهي ليست موضوعة لهذا البحث.

ومن هنا ظهر عدم اختصاص هذا النزاع بما إذا علم إجمالا بمراد البائع بالخصوص من كون المبيع حصّته المختصة به أو بشريكه أو النصف المشاع بين الحصتين ، بل يعمّ ذلك ما إذا أراد مفهوم لفظ «نصف الدار» مثلا ، لا خصوص إحدى الصور المزبورة.


وإلّا (١) فإن علم أنّه لم يقصد بقوله : «بعتك نصف الدار» إلّا مفهوم هذا اللفظ (٢) ففيه احتمالان ، حمله (٣) على نصفه المملوك له ،

______________________________________________________

(١) أي : وإن لم يعلم المراد من النصف في قوله : «بعتك نصف الدار» من نصفه المختص به أو المختص بشريكه ، فان علم .. إلخ.

(٢) وهو «نصف الدار» فقط خاليا عن إضافته إلى نصفه المختص به أو إلى النصف المشاع بين الحصتين.

والفرق بين هذه الصور الثلاث ـ بعد اشتراكها في معرفة المراد ـ هو : أن المعرفة في الأوليين تفصيلية ، وفي الثالثة إجمالية ، إذ مراده فيها مفهوم اللفظ من حيث إنّه حاك عن الواقع الذي هو مراده ، لا المفهوم بما هو مفهوم.

وعليه فالمراد بقول المصنف قدس‌سره : «وإلّا» أي : وإن لم يعلم تفصيلا خصوصية النصف من كونه نصيبه أو نصيب غيره. وليس المراد عدم العلم رأسا ، بقرينة قوله : «فإن علم أنّه لم يقصد بقوله : بعتك نصف الدار إلّا مفهوم هذا اللفظ».

كما ظهر أنّ مورد الكلام هو إحراز القصد الجدّي لبيع النصف ، ولكن لم يعلم المراد منه تفصيلا ، فيستكشف بالظهورات. وليس المقصود تعيين النصف حتى مع عدم إرادته الجدية ، إذ لو لم يقصد البيع جدّا كان كإنشاء الهازل في الفساد ، ولا معنى لحجية الظهور الكاشف عمّا ليس بمراد.

(٣) عطف بيان ل «احتمالان» وهذا أحد الاحتمالين ، ومحصله : أنّه يحمل قوله : «بعتك نصف الدار» على النصف المملوك له ، دون النصف المختص بغيره ، ودون النصف

__________________

وبالجملة : يعمّ النزاع ما إذا علم المراد إجمالا ، وما إذا علم أنّ مراده مفهوم اللفظ ، فإنّ مراده في كلتا الصورتين يحرز بالظهور الكاشف عنه لو لم يعارضه ظهور آخر.

لا يقال : إنّ البيع في صورة إجمال مفهوم اللفظ باطل ، ولا مجال للبحث عن صحته ، للجهل بالمبيع.

فإنه يقال : انّ المبيع معلوم وهو النصف ، والمالك مجهول ، ولا ضير فيه ، لعدم اعتبار العلم بالمالك في صحة البيع.


وحمله (١) على النصف المشاع بينه وبين الأجنبيّ.

ومنشأ الاحتمالين (٢) (*) إمّا تعارض ظاهر النصف ـ أعني الحصّة المشاعة في

______________________________________________________

المشاع بين الحصتين.

(١) معطوف على «حمله» وهذا ثاني الاحتمالين ، وملخّصه : حمل «نصف الدار» في قوله : «بعتك نصف الدار» على النصف المشاع بينه وبين شريكه.

(٢) وهما : احتمال حمل «النصف» على النصف المملوك للبائع ، واحتمال حمله على النصف المشاع بينه وبين شريكه.

ولعلّ الوجه في التعبير ب «الاحتمالين» ـ دون القولين ـ عدم الظفر بمن يقول بالاحتمال الثاني أعني به كون المبيع حصة مشاعة بينه وبين شريكه. وإنما ذكر في الكلمات وجها.

قال العلّامة قدس‌سره : «ولو باع مالك النصف النصف انصرف إلى نصيبه. ويحتمل الإشاعة ، فيقف في نصف نصيب الآخر على الإجازة» (١).

__________________

(*) لا يخفى أنّ منشأ الاحتمالين هو وجود الظهور في الإشاعة ، لإطلاق النصف وعدم تقيده بقيد ، ووجود ظهوره في النصف المختص لأجل التصرف وإنشاء البيع.

وليس منشأ الاحتمالين تعارض ظاهر النصف في الإشاعة مع هذين الظاهرين ، بل تعارضهما يوجب سقوطهما عن الاعتبار والرجوع إلى أدلة صحة البيع بالنسبة إلى نصف حصة البائع وهو ربع الدار ، للعلم بصحة البيع فيه ، لعدم مانع عن صحته فيه. وتقديم بعض الظهورات على بعضها الآخر أجنبي عن باب التعارض ومندرج في الجمع العرفي.

ولعلّ مراد المصنف قدس‌سره هو التعارض الصوري الموجود في جميع الجموع العرفية كالعامّ والخاص ، والمطلق والمقيد ، والأظهر والظاهر ، وغيرها. ولو قيل : بحكومة القرينة على ذيها لقدّمت على ذيها وإن كانت أضعف ظهورا من ذي القرينة ، كما قرّر ذلك في بحث الحكومة.

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٠.


مجموع النصفين (١) مع (٢) ظهور انصرافه في مثل (٣)

______________________________________________________

ونقل السيد العاملي هذين الاحتمالين عن نهاية الاحكام والإيضاح وجامع المقاصد أيضا ، ونقل عن فخر الدين والمحقق والشهيد الثانيين قدس‌سره ترجيح الاحتمال الأوّل ، بل الجزم به في بعض المواضع ، بل عن صلح المسالك نسبته إلى الأصحاب ، فراجع (١).

ثم لا يخفى أنّ البائع لنصف الدار تارة يكون أجنبيا عن شريكه في بيع حصته ، واخرى يكون وكيلا عنه أو وليّا عليه. ومورد الاحتمالين المذكورين في المتن هو الصورة الاولى. وأمّا الثانية فسيأتي حكمها في (ص ١٦).

(١) توضيحه : أنّ في قوله : «بعتك نصف الدار» ظهورات ثلاثة ، تقتضي أحدها الحمل على الإشاعة ، والآخران الحمل على النصف المختص. فالظهور الأوّل هو ظهور «النصف» في المشاع بين الحصتين. والظهوران الآخران ظهور المقام والكلام في بيع الحصة المختصة بالبائع ، كما سيظهر إن شاء الله تعالى.

(٢) منشأ ظهور «النصف» في المشاع في كلتا الحصتين هو إطلاقه ، وعدم تقيده ، بمقيّد ، إذ لم يقل : «بعتك نصف الدار ، وهي حصّتي ، أو : وهي حصة شريكي» فلأجل هذا الإطلاق الناظر إلى «النصف» ـ مع الغضّ عن كل قيد معه ـ يحمل على النصف المشاع في حصتي البائع وشريكه. كما أنّ سائر الكسور ظاهرة في الإشاعة أيضا.

وهذا الظهور معارض بأحد ظاهرين آخرين في النصف المختص بالبائع كما سيأتي.

(٣) متعلّق بقوله : «تعارض» وهذا أوّل الظاهرين المعارضين لظهور «النصف» في الحصّة المشاعة بين الشريكين ، ومحصله : الظهور المقامي لكلمة «النصف» في ما يختص بالبائع ، لا المختص بالشريك ، ولا المشاع بينهما. وذلك لاقتضاء مقام التصرف المعاملي كون المتصرّف سلطانا على ما يتصرّف فيه إمّا بالملك وإمّا بالولاية أو الوكالة. وحيث إنّ المفروض انتفاء الولاية والوكالة تعيّن وقوع البيع للمتصرف ، إذ لولاه كان فضوليا لو باع حصة شريكه كلّا أو بعضا ، وهو خلاف ما قامت عليه السيرة من اعتبار سلطنة

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

المتصرف في المال.

وعليه فالبيع ـ الذي هو من التصرفات التي لا بدّ أن تقع في الملك ـ يوجب صرف «النصف» إلى حصة البائع ، فإذا قال مالك نصف الدار : «بعت نصفها» فيقال : إنّه أراد نصفها المختصّ به ، دون النصف المشاع بين الحصتين ، بحيث يكون المبيع نصف الحصّتين.

وهذا الظهور الناشئ عن التصرف البيعي المتوقف على ملكية المبيع للبائع يوجب ظهور النصف في النصف المختص بالبائع ، دون النصف المشاع بينه وبين شريكه. ويعارض هذا الظهور ظهور النصف ـ بنفسه ـ في النصف المشاع بين الحصتين.

هذا كلّه في ظهور المقام للانصراف.

وهناك ظهور آخر في اختصاص المبيع بحصة البائع ، وهو ظهور الكلام أي : الإنشاء ، وبيانه : أنّ الإنشاء يتقوّم بالقصد إلى إيجاد المنشأ في وعاء الاعتبار ـ بالقول أو بالفعل ـ كما عليه المشهور من الالتزام بالتسبيب. فقول الموجب : «بعتك نصف هذه الدار» صالح لإرادة بيع الحصة المختصة به ، وبيع حصة شريكه. إلّا أنّ مقتضى عدم إضافة البيع إلى الغير وقوع البيع في حصة البائع ، لعدم توقفه على أزيد من قصد حقيقة البيع ، وهي مبادلة مال بمال. بخلاف وقوعه للغير ، لتوقفه على مئونة زائدة ، وهي إمّا قصد البيع للغير ، وإمّا قصد البيع لنفسه.

وبيانه : أنّ بيع مال الغير تارة يقصد به وقوعه لذلك الغير كما في الوكيل والولي والفضولي المتعارف ، حيث إنّ كلّا منهم يبيع المال بقصد خروجه من ملك المالك ، وحلول الثمن محلّه.

واخرى يقصد به وقوعه لنفسه كما تقدم تصوّره في ثالثة مسائل بيع الفضولي ، حيث إنّ البائع إمّا يعتقد ـ لشبهة ـ كون المال لنفسه ، فيقصد وقوعه لنفسه. وإمّا يبني عدوانا على تملكه للمال كالغاصب ، فيبيع لنفسه.

ولا ريب في انتفاء هذه الأمور في المقام ، إذ مفروض البحث هو العلم بأنّ مقصود البائع تمليك ما يفهم من لفظ «النصف» والجهل بخصوصية المبيع.

كما لا ريب في أنّ وقوع العقد للغير منوط بإضافته إليه في مقام الإنشاء ، بأن يقول :


المقام (١) ـ من مقامات التصرّف ـ إلى (٢) نصفه المختصّ ، وإن (٣) لم يكن له هذا الظهور في غير المقام ، ولذا (٤) يحمل الإقرار على الإشاعة كما سيجي‌ء (٥).

______________________________________________________

«بعتك نصف الدار وهو حصة الشريك» أو بالقصد ، على ما سبق تفصيله في مسألة اعتبار القصد ، وفي ثالثة مسائل بيع الفضولي.

وحيث إنّ البيع مطلق غير مضاف إلى الغير لفظا فهو عقد العاقد بالإضافة الأوّليّة.

والفرق بين ظهور المقام والكلام هو : أنّ الأوّل يحرز من الخارج أي من اقتضاء مقام المعاملة ، لكون المتصرف مريدا للتصرف النافذ الموضوع للأثر ، إمّا لأصالة الصحة في فعل المتصرف ، وإمّا لغلبة صدور التصرفات من الملّاك ، وإمّا لاعتبار سلطنة المتصرف في المال عرفا. وأنّ الثاني ناش من دلالة هيئة الجملة على كون التمليك لنفسه ، لا للغير.

وعليه فلا وجه لتوهم كون المعارض لظهور النصف في المشاع ظهور واحد ، وهو ظهور الفعل ـ أعني به التصرف ـ في كون المبيع النصف المختص بالبائع. هذا.

والمتحصل : أنّه بعد تعارض ظهور الكلام في بيع النصف المشاع مع ظهوره في بيع الحصة المختصة ، يصير المراد مجملا ، إلّا إذا أمكن رفع الإجمال بترجيح أحد الظهورين ليؤخذ به.

(١) وهو مقام التصرف المتوقف على الملك كالبيع والعتق والوقف.

(٢) متعلق بقوله : «انصرافه».

(٣) وصلية ، أي : وإن لم يكن للنصف هذا الظهور ـ أي ظهور في النصف المختص ـ في غير مقام التصرف المنوط بالملك كالبيع.

(٤) أي : ولعدم ظهور «النصف» في النصف المختص ـ في غير موارد توقف التصرف على الملك ـ يحمل مثل «النصف» في باب الإقرار على الإشاعة. فلو قال مالك نصف الدار : «نصف الدار لزيد مثلا» يحمل على المشاع في حصته وحصّة شريكه ، لما سيأتي.

(٥) بقوله في (ص ٤٠) : «فلا إشكال في أن لفظ النصف المقرّبة إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع يحمل على المشاع في نصيبه ونصيب شريكه» فإنّ الحمل هناك


أو مع (١) ظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه ، لأنّ (٢) بيع مال الغير لا بدّ فيه إمّا من نيّة الغير (٣) ، أو اعتقاد (٤) كون المال لنفسه ، وإمّا من بنائه على تملّكه للمال عدوانا كما في بيع الغاصب (٥). والكلّ خلاف المفروض هنا (٦).

وممّا ذكرنا (٧) يظهر الفرق.

______________________________________________________

على الإشاعة للإطلاق الذي لم تقم قرينة معيّنة على خلافه ، كما قامت هنا على خلافه ، وهو النصف المختص ، لظهور الفعل في تمليك مال نفسه ، وظهور إنشاء البيع لنفسه.

(١) معطوف على «مع ظهور» هذا هو الظاهر الثاني المعارض لظهور «النصف» في النصف المشاع بين الحصّتين. وتقريب هذا الظاهر المعارض هو : أنّ إنشاء البيع ظاهر في كون البيع لنفسه ، فيكون المبيع الحصّة المختصة به. وهذا الظاهر يعارض ظهور «النصف» في الحصة المشاعة بين الحصتين.

(٢) تعليل لظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه. ومحصل التعليل : أنّ صحة بيع مال الغير ـ مع تعينه في الخارج ـ لا تتوقف على تعيين مالكه. وأمّا مع عدم تعينه كالمقام وبيع الكلي الذمّي فلا بدّ من تعيّنه ، لأنّ المبيع الكلي لا يقع للغير إلّا بإضافة المبيع الذمّي إليه ، إذ بدون إضافته إلى الغير يقع البيع لنفسه. ففيما نحن فيه يقع البيع لنفسه.

(٣) هذا أحد الوجوه الثلاثة المشار إليها. وقد عرفت توضيحه.

(٤) هذا ثاني الوجوه الثلاثة المذكورة ، وهو : أن يعتقد كون المبيع ملكا له ، مع خطائه في اعتقاده ، فيبيع مال الغير مع هذا الاعتقاد الخطائي ، فينوي المعاوضة الحقيقية بحسب هذا الاعتقاد.

(٥) حيث إنّ الغاصب لا يبيع لنفسه إلّا بناء على أنّه مالك للمبيع عدوانا ، قضية لتطبيق مفهوم المعاوضة ، والمفروض أنّ هذا البناء أيضا مفقود فيما نحن فيه.

(٦) أي : في بيع نصف الدار ، إذ المفروض إرادة مفهوم لفظ «نصف الدار» مهما كان.

وقد تحصّل إلى هنا : أنّ تعيين مقصود البائع للنصف مشكل ، لإجمال «النصف» من جهة تعارض ظهوره في المشاع ، مع ظهور التصرف والإنشاء في نصيبه المختص به ، ولا ترجيح حسب الفرض لأحد الظهورين على الآخر.

(٧) من كون بيع النصف ذا احتمالين متكافئين. وغرضه من هذا الكلام منع ما أفاده


بين ما نحن فيه (١) وبين قول البائع : «بعت غانما» مع كون الاسم (٢) مشتركا بين عبده وعبد غيره ، حيث ادّعى فخر الدّين الإجماع على انصرافه (٣) إلى عبده ، فقاس (٤) عليه ما نحن فيه.

______________________________________________________

فخر المحققين ـ وتبعه بعض ـ من رفع إجمال النصف وتعيينه في حصة البائع ، وذلك بقياسه على ما ذكروه في مسألة ما إذا قال السيّد «بعت غانما» وكان المسمّى بغانم عبدين ، أحدهما ملك البائع ، وثانيهما ملك الغير. حيث قالوا بانصراف المبيع إلى مملوك البائع ، لأصالة التصرف المقتضية لوقوع البيع في ملكه.

وكذا يقال في المقام ، فيحمل «النصف» على الحصة المختصة بالبائع.

وناقش المصنف قدس‌سره فيه بمنع المقايسة ، للفرق بين ما نحن فيه وبين مثال بيع «غانم». توضيح وجه الفرق بينهما : أنّ حمل «الغانم» على عبده دون عبد غيره إنّما هو لأجل عدم ظهوره في عبد الغير حتى يعارضه الظهوران المقتضيان لوقوع البيع على عبده. كما كان الأمر كذلك في نصف الدار ، فإنّه كان ظاهرا في الإشاعة بين الحصتين ، للإطلاق وعدم التقييد ، ولذا عارضه هذان الظهوران.

فعليه يكون ظهور بيع «الغانم» وتصرفه فيما يملكه ويختص به سليما عن المعارض ، وهو ظهور «الغانم» في عبد الغير ، فيحكم بأنّ المبيع هو عبد البائع دون غيره.

وبالجملة : فليس في بيع الغانم ظهورات ثلاثة حتى يعارض اثنان منها ـ وهما ظهور التصرف في اختصاص المتصرف فيه بالمتصرف ، وظهور الإنشاء في كون البيع لنفسه ـ ظهور «غانم» في عبد الغير.

(١) وهو بيع نصف الدار.

(٢) وهو «غانم» المفروض اشتراكه بين عبد البائع وعبد غيره.

(٣) أي : انصراف «غانم» إلى عبده ، لا عبد غيره.

(٤) يعني : فقاس فخر الدين قدس‌سره على بيع العبد المسمّى ب «غانم» بيع نصف الدار ، وقال : إنّ وزان بيع نصف الدار وزان بيع الغانم. فكما أنّ بيع هذا العبد لا ينصرف إلى عبد آخر ، مع اشتراكهما في الاسم وهو «غانم» ، فكذلك بيع نصف الدار ، فإنّه لا ينصرف إلّا إلى بيع ما يملكه من نصف الدار ، ولا ينصرف إلى المشاع بين الحصتين (١).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤٢١ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٧.


إذ (١) ليس للفظ المبيع (٢) هنا ظهور في عبد الغير (*) فيبقى [فبقي] ظهور البيع في وقوعه لنفس البائع ، وانصراف (٣) لفظ المبيع في مقام التصرّف إلى مال المتصرف سليمين عن المعارض (٤) ، فيفسّر بهما (٥).

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «يظهر الفرق» فغرضه بيان الفرق بين ما نحن فيه من بيع نصف الدار وبين بيع العبد المسمّى بالغانم.

توضيحه : أنّ اشتراك «الغانم» لفظيا بين عبد البائع وعبد غيره أوجب الإجمال وعدم ظهوره في عبد غير البائع ، حتى يعارضه ظهور التصرف في ملكية المتصرف فيه للمتصرف ، وظهور الإنشاء في إنشاء البيع لنفسه. فيبقى هذان الظهوران سليمين عن المعارض ، وهو ظهور «غانم» في عبد غير البائع ، ويحكم بدوا بكون المبيع عبد نفس البائع ، لا عبد غيره. وهذا بخلاف بيع نصف الدار ، لما مرّ من الظهورات الثلاثة ، وفيه تعارض اثنين منها لأوّلها.

(٢) المراد بلفظ المبيع هنا لفظ «غانم» في قوله : «بعت غانما».

(٣) معطوف على «ظهور» والمراد بلفظ المبيع في مقام التصرف لفظ «غانم».

(٤) وهو ظهور «الغانم» في عبد الغير حتى يعارض ذينك الظهورين.

(٥) يعني : فيفسّر بدوا لفظ المبيع وهو «غانم» بظهور «بيع غانم» في وقوعه لنفس مالكه ، وبظهور التصرف في ملكية المال المتصرف فيه للمتصرف بلا معارض.

__________________

(*) الظاهر أنّ القياس في محله ، إذ ليس للفظ «النصف» أيضا ظهور في الإشاعة ، بل هو مجمل كالغانم ، لعدم ظهور وضعي ولا انصرافي له في الإشاعة ، بل النصف ولفظ «غانم» سيّان في الإجمال ، فليس للنصف ظهورات ثلاثة وللغانم ظهوران ، بل للنصف أيضا ظهوران.

ولو سلّم أنّ للنصف ظهورات ثلاثة لم يقدح في القياس أيضا ، لعدم فرق جوهري بينهما ، ضرورة أنّه لا فرق في كون المرفوع بالظهورين الكاشفين عن ملكية المبيع للبائع


.................................................................................................

__________________

ـ وكون البيع له ـ بين إجمال نصف الدار في نفسه ، وبين ظهوره في الإشاعة.

فالمتحصل : أنّ قياس فخر المحققين قدس‌سره في محله.

ثم إنّ هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها.

الأوّل : ما أشار إليه المصنف قدس‌سره بقوله : «ثم انّه لو كان البائع وكيلا ..» إلخ والحقّ فيه كما يظهر من البيانات السابقة واللاحقة في توضيح المتن : أنّ مقتضى أصالة البيع وعدم قصد البيع عن الغير هو كون البيع لنفسه ، وواقعا على النصف المختص به ، فلاحظ.

الثاني : أنّ الفضول إذا باع نصف الدار يحمل على المشاع في الحصتين ، للإطلاق ، وعدم القرينة على التعيين. والحمل على تمام إحدى الحصتين بالخصوص ترجيح بلا مرجح ، فنفوذ العقد منوط بإجازة الشريكين معا.

ويحتمل كفاية إجازة أحدهما تمام حصّته مع احتمال إرادة بيع كلّي النصف المنطبق على حصة كل من الشريكين.

الثالث : إذا وقع «النصف» في كلام أحد المالكين في مقام الإقرار ، وقال : «نصف هذه الدار لزيد» ولم تقم قرينة على مراده ، حمل على المشاع بين الحصتين ، إذ ليس الإقرار كالبيع قرينة على كون المبيع تمام حصة المقرّ ، لعدم كون الإقرار كالبيع تصرفا في المقرّ به حتى تكون أصالته قرينة على إرادة حصة المقرّ فقط ، فإنّ البيع والصلح تصرف في المال لإزالة إضافة الملكية ، دون الإقرار ، حيث إنّه إخبار عن خروج المقرّ به من أوّل الأمر عن ملكهما ، واختصاص شركتهما في ما عدا المقرّ به.

وعن كاشف الغطاء قدس‌سره : قرينية قوله : «أنا مقرّ بأنّ نصف الدار لزيد» على إرادة النصف المختص بالمقرّ ، بخلاف ما لو قال : «نصف هذه الدار لزيد» فإنّه يحمل على المشاع بين الحصتين.

لكنه مشكل ، لعدم ظهور لفظ الإقرار في ذلك. بل يحمل في كلتا الصورتين على الإقرار في نصف حصته ، والشهادة في نصف حصّة شريكه ونفوذها منوط باجتماع شرائط الشهادة.

الرابع : أنّ الظاهر جريان بحث بيع نصف الدار في النصف المقسوم ، كجريانه في


ثم إنّه لو كان البائع (١) وكيلا في بيع النصف أو وليّا عن مالكه ، فهل هو

______________________________________________________

(١) هذا شروع في حكم الصورة الثانية التي أشرنا إليها (في ص ٩) من أنّ البائع لنصف الدار قد يكون وكيلا عن مالك النصف الآخر ، أو وليا عليه ، في قبال ما تقدم في الصورة الأولى من كون البائع أجنبيا عن المالك.

وتوضيح ما أفاده هنا : أنّه إذا باع مالك نصف الدار نصفها ، وقال : «بعت نصف الدار» مع كونه وليا أو وكيلا عن مالك النصف الآخر في بيع حصته ، ففي كون المبيع تمام حصّة البائع ، وهي النصف المختص به ، ليكون البيع صحيحا لازما في تمام النصف ، أو كونه النصف المشاع بين الحصتين ، ليكون البيع لازما في نصف حصة البائع ، وهو ربع الدار ، ولازما أيضا في الربع الآخر بدون إجازة مالك النصف الآخر؟ وجهان مذكوران في بيع مالك النصف إذا كان أجنبيا عن النصف الآخر ، وهما : ظهور التصرف في كونه في ملكه ، وظهور أصالة البيع في كون البيع لنفسه.

فارتفاع ظهور النصف في الإشاعة إن كان بظهور التصرف في ملكية المال المتصرف فيه ، فالاحتمال واحد ، وهو نفوذ البيع في النصف المشاع ، إذ المفروض استيلاؤه على بيع تمام الدار ، نصفها بالملكية ، والنصف الآخر بالولاية أو الوكالة. فلا يلزم لغوية بيع النصف المشاع بين الحصتين حتى نحتاج في تصحيح بيعه ونفي لغويته إلى التشبث بظهور التصرف في ملكية المتصرف فيه للبائع ، لعدم توقف نفوذ بيع المشاع بين الحصتين على ملكية الكاشف عنها ظهور التصرف فيها.

وإن كان ظهور النصف في الإشاعة بظهور البيع في كونه لنفس البائع ، فهذا الظهور يعارضه ظهور «النصف» في الإشاعة.

ولمّا كان كلا الظهورين بالإطلاق ، ولم يترجح أحدهما على الآخر ، صار كل من

__________________

النصف المشاع. فكما حمل بيع النصف المشاع على النصف المختص بالبائع ، فكذلك في المقسوم ، بل فيه أظهر من حمل المشاع على المختص ، لوجود قرينتين على الحمل على المختص في المقسوم ، إحداهما : ظهور التصرف في الحمل على الاختصاص.

ثانيتهما : نفس الإفراز ، فإنّه بمنزلة أن يقول : بعت نصفي من هذه الدار.


كالأجنبيّ (١)؟ وجهان (٢) ، مبنيّان على أنّ المعارض لظهور النصف في المشاع هو انصراف (٣) لفظ المبيع إلى مال البائع في مقام التصرّف ، أو ظهور (٤) التمليك في الأصالة.

الأقوى هو الأوّل (٥) ،

______________________________________________________

النصف المختص بالبائع والنصف المشاع بين الحصتين محتملا. فالاحتمال بناء على ارتفاع ظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين ـ بأصالة البيع ـ ثنائيّ ، كثنائية الاحتمال في صورة أجنبية البائع عن النصف الآخر.

(١) في وجود احتمالين فيه ، أحدهما : احتمال حمل «النصف» على المشاع بين الحصتين ، لظهور النصف في الإشاعة.

وثانيهما : حمله على النصف المختص بالبائع ، لأصالة البيع.

(٢) مبتدء مؤخّر ، أي : في هذا الفرض وجهان ، أحدهما : وحدة حكم الصورتين ، وثانيهما : اختلاف حكمهما ، فيقال بالإجمال في البائع الأجنبي ، وفي الوكيل والولي بالظهور على تقدير ، وبالإجمال على تقدير آخر.

(٣) خبر قوله : «أنّ المعارض» يعني : انصراف إطلاق البيع مقاميّا إلى النصف المختص بالبائع.

(٤) معطوف على «انصراف» وهذا هو المعارض الثاني لظهور النصف في الإشاعة ، ومحصله : ظهور التمليك المضاف إلى البائع في قوله : «بعتك نصف الدار» في الأصالة ، وكون البيع لنفسه لا لغيره ، ومقتضاه كون المبيع النصف المملوك له ، دون المشاع بين الحصتين. ومع كون المبيع خصوص حصته لا ضير في إرادة الإشاعة منه ، لأنّ معنى الإشاعة إجمالا ـ إلى أن يجي‌ء تفصيلها ان شاء الله تعالى في بيع الصاع من الصبرة ـ هو أنّ مفهوم «نصف الدار» التي هي عين خارجية هو كلّ نصف فرض في هذه الدار ـ من النصف الشمالي والجنوبي والشرقي والغربي ـ ينطبق على حصة البائع ، لأنّ مالك الكلي مالك لمصداقه ، كمالكيته للكلي الذّمي. فبيع منّ من الحنطة ـ من دون إضافته إلى ذمة ـ يقع في ذمته ، ولا حاجة في إضافته إلى ذمته إلى قصد كونه في ذمته.

(٥) وهو كون المعارض لظهور «النصف» في الإشاعة هو ظهور انصراف المبيع


لأنّ (١) ظهور التمليك في الأصالة من باب الإطلاق ، وظهور النصف في المشاع وإن كان كذلك (٢) أيضا ، إلّا أنّ ظهور المقيّد (٣) وارد (*) على ظهور المطلق.

______________________________________________________

ـ أعني به نصف الدار ـ إلى ما يملكه البائع ، لظهور التصرف في ذلك ، والمتعين الأخذ بظهور «النصف» في الإشاعة تحكيما لظهور القيد على ظهور المطلق.

(١) هذا تعليل الأخذ بظهور النصف في الإشاعة ، ومحصله : أنّ ظهور النصف في الإشاعة ظهور القيد وهو النصف ، حيث إنّه مفعول «بعت» والمفعول من قيود الفعل. وظهور القيد وإن كان هو بالإطلاق كظهور التمليك في الأصالة ، لكنّه مقدّم على إطلاق المطلق ، وهو البيع ، لأنّه من تقديم ظهور القيد ـ وهو النصف ـ على ظهور المطلق أعني به البيع والتمليك.

(٢) أي : من باب الإطلاق أيضا.

(٣) وهو «النصف» الذي هو قيد للبيع في قوله : «بعت نصف الدار» ووجه وروده على المطلق وهو «بعت» : أنّ النصف لكونه مفعولا به ل «بعت» يكون قيدا له ، وظهور

__________________

(*) وربّما يوجّه هذا الورود بما في حاشية المحقق الخراساني قدس‌سره وغيرها من أنّ ظهور المتعلق مقدم على ظهور الفعل.

ولعلّه ـ كما في حاشية المحقق الأصفهاني قدس‌سره : «لأنّ استقرار الظهور منوط بتمامية الكلام ، فالمتعلق كالقرينة الصارفة للظهور الذاتي للفعل ، وإلّا لم يتوقف فعلية الظهور على تماميته» (١).

ولذا أورد على المصنف بمخالفته لما أفاده في باب عدم حجية الاستصحاب في المقتضي من تنظير مدلول «لا تنقض اليقين بالشك» ب «ما ضربت أحدا» لإطلاق الفعل ومتعلقة ، حيث إنّ الفعل شامل للمولم وغيره ، كما أنّ «أحدا» يشمل الحيّ والميّت ، إلّا أنّ ظهور الضرب في المولم محكّم على ظهور «أحدا» فيختص بالأحياء.

وهذا المبنى يقتضي أن يقال به في مثل «بعت نصف الدار» من تقديم أصالة البيع في «بعت» على ظهور «النصف» في المشاع ، مع أنّه حكّم في المتن ظهور «النصف» على ظهور

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٢٠٥.


وما ذكره الشهيد الثاني (١) ـ من عدم قصد الفضولي إلى مدلول اللفظ (١) ـ

______________________________________________________

القيد مقدّم على ظهور المطلق كما أشير إليه آنفا.

(١) هذا إشارة إلى دفع دخل مقدّر ، وحاصله : منع ما أفاده من تقديم ظهور «النصف» في المشاع ، تحكيما لظهور المقيّد على ظهور المطلق. ومبنى هذا الدخل كلام الشهيد الثاني قدس‌سره في بيع الفضولي من أنّ «الفضول قاصد للفظ دون مدلوله».

وعليه نقول في توضيح الاشكال : إنّ مجرّد ظهور القيد ـ وهو النصف ـ في المشاع ، وتقدمه على ظهور الفعل المطلق ـ وهو البيع ـ لا يقتضي الحمل على الإشاعة ، وكون المبيع نصف الحصتين. بل لا بدّ في الحمل المزبور من عدم مانع آخر. لكن المفروض وجوده ، وهو ظهور حال المتكلم في إرادة مدلول ما يتلفّظ به ، وهو بيع النصف المختص به. وذلك قرينة مقامية مانعة عن إرادة بيع المشاع بين الحصتين ، إذ لازم ظهور حال المتكلم عدم إرادة بيع نصف حصة الشريك ، بناء على مبنى الشهيد الثاني قدس‌سره ، لفرض انتفاء قصد المدلول في الفضولي. فيتحقق هنا ظهوران متنافيان.

أحدهما : ظهور حال المنشئ في إرادة بيع النصف جدّا ، وثانيهما ظهور «النصف» في المشاع بينهما.

وحيث إنّ الثاني معلّق على الفضولية ، وهي متوقفة على عدم قصد المدلول ـ كما قرّره الشهيد ـ وكان ظهور الحال في قصد المدلول منجّزا غير منوط بشي‌ء ، تعيّن حمل «النصف» على الحصة المختصة بالبائع. وبهذا يوهن ما أفاده المصنف بقوله : «الأقوى هو الأوّل».

__________________

الإنشاء لنفسه (٢).

لكن يمكن أن يقال : بأنّ صريح المتن ورود ظهور المقيّد على ظهور المطلق ، وليس من باب تقديم ظهور المتعلق على الفعل لينافي كلامه في الاستصحاب.

مضافا الى : أنّ الظاهر إرادة مادة «النقض» من كلمة «الفعل» في باب الاستصحاب ، وليس المراد هيئة «لا تنقض» حتى يورد عليه بالتنافي بين كلاميه هنا وهناك.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٥٦.

(٢) حاشية المكاسب ، للمحقق الخراساني ، ص ٨٧.


وإن كان مرجعه (١) إلى ظهور وارد (٢) على ظهور المقيّد ، إلّا (٣) أنّه مختصّ بالفضولي ، لأنّ القصد الحقيقي موجود في الوكيل والوليّ (٤) (*)

______________________________________________________

(١) أي : مرجع ما ذكره الشهيد الثاني قدس‌سره إلى ظهور وارد .. إلخ.

(٢) وجه وروده على ظهور المقيّد ـ وهو النصف ـ في المشاع هو : أنّ مقتضى ظهور حال المتكلم عدم إرادة مدلول ما يتكلّم به ، ومع عدم إرادته لا يبقى مجال لظهور المقيّد ـ وهو النصف ـ في النصف المشاع ، ولا لظهور المطلق ـ وهو البيع ـ في الأصالة ليكون ظهور النصف في المشاع واردا على ظهور البيع في الأصالة ، ويجعل المبيع النصف المشاع بين الحصتين ، بل لا بدّ من كون المبيع النصف المختص بالبائع.

هذا ما يظهر من بعض أجلة المحشين. لكن لا يبعد أن يكون مراد المصنف قدس‌سره من قوله : «وإن كان مرجعه إلى ظهور وارد ..» هو إسقاط ظهور خصوص القيد ـ وهو النصف ـ في المشاع ، وإبقاء ظهور المطلق ـ وهو بعت ـ بحاله ، لأنّ الظاهر الوارد ـ أعني به أصالة القصد في المتصرف ـ يعيّن المراد من النصف ، ويمنعه من ظهوره في المشاع بين الحصتين.

(٣) خبر قوله : «وما ذكره» وهذا دفع الاشكال ، وحاصله : أنّ اعتراض الشهيد قدس‌سره يختص مورده بالفرض الأوّل ، وهو ما إذا كان بائع النصف أجنبيا عن النصف الآخر ، ولم يكن وكيلا عن مالكه في بيعه ، ولا وليّا عليه فيه ، دون هذا الفرض ، وهو كون البائع وليّا على مالك النصف الآخر أو وكيلا عنه ، لأنّ قصد المدلول موجود في البائع.

(٤) ظاهر العبارة ـ بل صريحها ـ انتفاء القصد الجدّي في الفضولي والمكره على ما ورد في كلام الشهيد الثاني قدس‌سره ، يعني : أنّ المراد الاستعمالي ليس مرادا جدّيا لهما. هذا كله في دفع الاشكال المتوهّم من عبارة الشهيد.

__________________

(*) كان المناسب التعرض لهذا الاشكال ودفعه في فرض كون بائع النصف أجنبيا عن مالك النصف الآخر ، إذ يتّجه حينئذ البحث عن استقرار ظهور النصف في المشاع كما ذكره المصنف ، وعدمه بناء على ما يظهر من الشهيد. ثم الجواب عنه بما تقدم مفصّلا في بحث المكره والفضولي. وأما في فرض وكالة البائع أو ولايته فيتمشّى القصد الجدّي من


فالأقوى فيهما (١) الاشتراك في المبيع [البيع] تحكيما (٢) لظاهر «النصف» إلّا (٣) أن يمنع

______________________________________________________

ولا يخفى أن ظاهر المصنف تسليم الإشكال بالنسبة إلى الصورة الأولى بناء على مقالة الشهيد قدس‌سره ، والظاهر أنّه تنزّل منه ، وإلّا فقد سبق في بيع المكره وغيره توجيه كلام الشهيد ، وأنّ الفضولي قاصد للمدلول جدّا ، فراجع (١).

(١) أي : في الوكيل والولي ، وهذا متفرع على قوله : «الأقوى هو الأوّل».

فالمتحصّل : أنّ الأقوى عند المصنف قدس‌سره كون المبيع النصف المشاع بين الحصتين ، وقد مرّ آنفا أنّ الأوفق بالقواعد كون المبيع في كلا الفرضين ـ وهما الأجنبية والوكالة والولاية ـ صحة البيع في خصوص حصة البائع ، ولزومه فعلا ، والله العالم.

(٢) تعليل لقوله : «فالأقوى فيهما» ، وحاصله : أن ورود ظاهر «النصف» وهو المشاع بين الحصتين على ظاهري البيع وأصالته ـ المقتضيين لكون المبيع خصوص حصة البائع ـ تقتضي اشتراك المبيع بين الحصتين ، وورود البيع على نصف حصة كل من الشريكين.

(٣) هذا عدول عمّا قوّاه ـ من اشتراك بائع نصف الدار وموكّله أو المولّى عليه في المبيع ـ بمنع ظهور «النصف» في الإشاعة بين الحصتين حتى يكون المبيع النصف المشاع منهما. بل الظاهر أنّ المراد بالنصف هو المشاع في المجموع القابل لانطبقاه على كلّ واحدة من الحصتين ، فإنّ ظاهر «نصف الدار» عرفا هو النصف المشاع في مجموع الدار ، لأنّ العين

__________________

البائع ، فلا موضوع للاستشهاد بكلام الشهيد.

ثم إنّ تقرير الاشكال بما في المتن لا يخلو من شي‌ء ، لما بين التعبير بالورود وعدم القصد الحقيقي في الفضولي من التنافي ظاهرا ، إذ انتفاء القصد يسقط ظهور «النصف» في المشاع بين الحصتين ، لعدم كونه مرادا جديّا حسب الفرض ، ومعه لا مجال لجعل ظهور حال المتكلم واردا على ظهور «النصف» في المشاع ، مع اقتضاء التقديم بالورود وشبهه حجية المورود لولا الدليل الوارد ، كما مثّلوا له بتقدم خبر الثقة مثلا على «حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان» لكون الخبر بدليل اعتباره بيانا رافعا لموضوع قاعدة القبح حقيقة بعناية التعبد ، ولولا هذا التقدم كان الحكم العقلي متبعا في الشبهات البدوية. فتأمل في العبارة حقّه.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٦٦ و ١٠١ و ١٦٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

بما هي ليس لها إلّا نصفان على وجه الإشاعة. لا النصف المشاع من الحصتين ، إذ المفروض عدم تعلق القصد إلّا بمفهوم النصف ، ولم يتعلّق بالنصف المشاع من الحصتين ، ولم يلاحظ أصلا ، بل لحاظه خلاف الفرض وهو تعلق قصده بمفهوم النصف.

وبعبارة أخرى : كلمة «النصف» وإن كانت ظاهرة في المشاع ، إلّا أنّه لا ظهور له في ما تقدم من النصف المشترك بين المالكين. وذلك لأنّ «النصف» كلّي له مصاديق ثلاثة ، إذ تارة يراد به المشاع في مجموع الدار ، وهو قابل الانطباق على حصة البائع خاصة ، وعلى حصة الشريك.

واخرى يراد به المركّب من الحصتين ، بمعنى كون المبيع نصف الدار وهو مؤلّف من ربعها من حصّته ، وربعها من حصة صاحبه. وهذا الاحتمال الأخير هو مبنى ما تقدم في المتن من ظهور «النصف» في المشاع بين الحصتين ، ولهذا صارت المسألة من موارد بيع ما يملك وما لا يملك.

وغرض المصنف قدس‌سره منع ظهور «النصف» في هذا الاحتمال بالخصوص ، والوجه في المنع : كون عنوان «النصف» كلّيا ، ولا وجه لصرفه إلى ملك الغير في مورد الوكالة عنه ، أو الولاية عليه منضما إلى ملك البائع ، أو منفردا ليقع البيع للشريك.

وعليه فيكون بيع الوكيل أو الولي نظير بيع العبد المسمّى ب «غانم» في قابلية المبيع للانطباق على كلّ من العبدين ، لكن بمقتضى الأصالة يحمل على مملوك نفسه ، لا مملوك الغير.

فإن قلت : إنّ لفظ «النصف» وإن كان كلّيا قابلا للانطباق على النصف المختص بالبائع ، والنصف المشاع بين الشريكين ، إلّا أنّه يترجح إرادة الاحتمال الثاني من جهة أنّ البائع لاحظ حقّ المالكين ، فقصد بيع النصف المشاع من الحصتين ، لا بيع تمام حصته ، ولا تمام حصة شريكه. ومن المعلوم أنّ هذه الملاحظة ترجّح ظهور «النصف» في المشاع بينهما ، وتمنع من ظهوره في الحصة المختصة به.

قلت : الترجيح بملاحظة حق المالكين خلاف الفرض ، لأنّ موضوع هذه المسألة هو ما لو باع النصف قاصدا لمفهوم لفظ «النصف» من دون إحراز قصده لحصته أو لحصة


ظهور النصف إلّا في النصف المشاع في المجموع (١).

وأمّا (٢) ملاحظة حقّي المالكين إرادة الإشاعة في الكلّ (٣) من حيث إنّه مجموعهما ، فغير (٤) معلومة ، بل معلومة العدم بالفرض (٥).

______________________________________________________

صاحبه ، أو المركّب من الحصّتين. والمدّعى صدق «النصف» على حصته ، فيحكم بوقوع البيع لنفسه.

وأمّا الحكم بكون المبيع النصف المشاع بين الشريكين ، فيتوقف على مئونة زائدة ثبوتا وإثباتا.

أما ثبوتا فلتوقفه على ملاحظة «النصف» مضافا إلى حصتين ، أي قصد تمليك ربع الدار من حصته ، وربعها من حصة صاحبه ، والمفروض عدم هذا اللحاظ ، إذ المقصود مفهوم النصف ، لا شي‌ء آخر.

وأمّا إثباتا فلتوقفه على أن يكون إطلاق «النصف» مقتضيا لإضافته إليهما معا ، ليقع البيع لهما ، وهذا الاقتضاء ممنوع ، لأنّ مفاد الإطلاق عدم إضافة النصف إلى كل منهما بالخصوص ، وهذا لا يستلزم إضافته إليهما معا ، فعدم التقييد بما يدلّ على أحدهما لا يكون دالا على التقييد بهما.

(١) أي : في النصف المشاع في مجموع العين ، لا في النصف المشاع من الحصتين.

(٢) غرضه أنّ استناد القول بالاشتراك إلى ملاحظة حقّي المالكين ممنوع ، لتوقف هذه الملاحظة على مئونة زائدة على الإشاعة المحضة الثابتة للعين بما هي هي. وقد تقدم توضيحه آنفا بقولنا : «إن قلت .. قلت».

(٣) يعني : حتى يقع البيع في ربع الدار من البائع ، وربعها من الشريك.

(٤) جواب الشرط في «وأمّا ملاحظة».

(٥) إذ المفروض إرادة البائع مفهوم نصف الدار ، لا خصوص فرد من أفراد كلّي النصف المشاع ، فعدم لحاظ النصف المشاع بين الحصتين للبائع معلوم ، ومعه كيف يمكن الحكم بكون المبيع النصف المشاع في الحصتين؟

ولا يخفى أن المصنف قدس‌سره اقتصر على بيان فقد المقتضي الثبوتي ، ومعه لا حاجة إلى قصور مقام الإثبات. ولكن ذكرنا في «قلت» عدم المقتضي للإشاعة بين الحصتين ثبوتا وإثباتا.


ومن المعلوم (١) أنّ النصف المشاع بالمعنى المذكور (٢) يصدق على نصفه المختصّ ، فقد (٣) ملّك كليّا يملك مصداقه. فهو كما (٤) لو باع كلّيّا سلفا ، مع كونه مأذونا في بيع ذلك من غيره أيضا ، لكنّه (٥) لم يقصد إلّا مدلول اللفظ من غير ملاحظة وقوعه

______________________________________________________

(١) هذا متمّم الرد على القول باشتراك الوكيل أو الولي في البيع.

(٢) وهو النصف المشاع في المجموع ، لا النصف المشاع في الحصتين. وصدق كلّي النصف المشاع على النصف المختص بالبائع وقابليته للانطباق عليه كاف في كون المبيع تمام حصته ، لصدق نصف الدار عليه. وقد مرّ سابقا أنّه الحقّ.

(٣) هذا تفريع على صدق الكلّي ـ وهو النصف المشاع ـ على النصف المختص به ، يعني : أنّ مجرد الصدق والقابليّة كاف في تمليك الكلي المنطبق على حصة البائع ، فإنّ مالك الكلي مالك لمصداقه ، وتعيينه فيه.

(٤) غرضه الاستشهاد للمقام ، بما يقال في السّلف ، ومحصله : أنّه لو أراد بيع عشرين منّا من الحنطة سلما بمائة دينار لنفسه ، ووكّله شخص في بيع هذا المقدار بنفس العوض ، ثم أنشأ البيع من دون إضافة المبيع إلى ذمة نفسه أو عهدة موكّله. كما أنّه لم يقصد أحد الأمرين ، بل اقتصر على قوله للمشتري : «أسلمت إليك عشرين منّا من الحنطة بكذا» فالمبيع الكلّي قابل للانطباق على ما في عهدة نفسه وما في عهدة موكّله. فيحكم بوقوع البيع لنفسه ، لكونه مالكا لما في ذمته ، وأنّ وقوعه للموكّل متوقف على مئونة زائدة وهي إضافة العقد في الإنشاء إليه أو قصده.

وقد نبّه صاحب المقابس على هذا في مسألة اعتبار القصد من لزوم تعيين من يقع له البيع أو الشراء ، وأنّه ينعقد لنفسه أو لغيره من موكّل أو مولّى عليه ، فراجع (١).

وكيف كان فهذا الفرع شاهد على كفاية انطباق كلّيّ «النصف» على خصوص حصة البائع في العين الخارجية المشتركة.

(٥) أي : بائع الكلي سلفا لم يقصد إلّا مدلول بيع الكلي ـ كعشرين منّا من الحنطة ـ من دون إضافته إلى نفسه أو موكّله ، فإنّ الظاهر الناشئ من الانصراف وغيره وقوعه لنفسه ، فإنّ البيع عن الغير في غير العين الشخصية الخارجية منوط بقصد الغير.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ١٠٤ ـ ١٠٧.


عنه أو عن غيره ، فإنّ (١) الظاهر وقوعه لنفسه ، لأنّه (*) عقد (٢) على ما يملكه (**)

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «فهو كما لو باع» أي : فإنّ وقوع البيع لنفس البائع.

(٢) أي : لأنّ البائع عقد على ما قبل الانطباق على ما يملكه ، فقوله قدس‌سره : «لأنّه عقد على ما يملكه» لا يخلو من مسامحة ، فإنّه لو عقد على ما يملكه بأن قال للمشتري : «بعتك عشرين منّا من الحنطة في ذمتي» لم يكن إشكال ، وكان خارجا عن مورد البحث ، للقطع بكون البيع لنفسه ، ولا وجه لإثبات كون البيع له بالتشبث بما يوجب الظهور الذي لا يفيد إلّا الظن.

__________________

(*) ظاهر هذا التعليل قطعية وقوع العقد على ما يملكه ، وهو لا يناسب قوله : «فان الظاهر وقوعه» بل المناسب أن يقال : «فان المقطوع به وقوعه لنفسه».

(**) ويمكن توجيه الحمل على النصف المختص بالبائع بما ذكروه (١) من وجوه :

أوّلها : أنّ الأصل والغالب إرادة المملوك عند دوران الأمر بين إرادته وإرادة غيره.

ثانيها : تبادر ذلك إلى الفهم.

ثالثها : كون التمليك ظاهرا في وقوعه في ماله.

رابعها : أنّ مقام التصرف يجعله ظاهرا في ماله. وهذه قرينة مقامية.

خامسها : أنّ خصوص التصرف البيعي يوجب هذا الظهور.

سادسها : أنّ الأصل في العقود اللزوم على ما يقتضيه قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وعقد نصف الدار من العقود ، فيحكم بلزومه ، فتأمّل.

سابعها : ظهور مطلق الإنشاء في كون متعلّقه مملوكا.

وقد استندوا لصحة القول بالحمل على النصف المملوك للبائع إلى هذه الوجوه السبعة ، وإن كان إنكار أصل الظهور في بعضها وإنكار اعتبار بعضها لمحكوميته بغيره في محله. لكن مجموعها ربما يوجب الظن المتآخم بالعلم بإرادة النصف المختص بالبائع.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣١٧.


فصرفه (١) إلى الغير من دون صارف لا وجه له.

ولعلّه (٢) لما ذكرنا ذكر جماعة كالفاضلين (٣) والشهيدين

______________________________________________________

(١) أي : فصرف البيع إلى غيره من دون صارف لا وجه له.

(٢) الضمير للشأن ، والمراد بالموصول في قوله : «لما ذكرنا» هو حمل نصف الدار على النصف المختص بالبائع ، لا النصف المشاع في الحصتين ، لما قلنا من عدم منافاة حمل النصف على المختص بالبائع لظهور النصف في الإشاعة ، فتمليكه تمليك للكلّي الذي كان البائع مالكا لمصداقه ، فالواجب دفعه إلى المشتري.

والغرض من قوله : «ولعلّه لما ذكرنا» بيان نظير لحمل نصف الدار على النصف المشاع المختص ، دون المشاع بين الحصتين. وذلك النظير هو ما ذكره جماعة من «أنّه لو أصدق المرأة عينا ، فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق ، استحقّ الزوج بالطلاق النصف الباقي» فإنّهم حملوا النصف الموهوب على النصف المختص بها الذي استقرّ للزوجة بمجرّد العقد ، كحمل النصف المبيع من الدار على النصف المختص بالبائع. والنصف الآخر الذي هو النصف المشاع للعين بما هي ملك متزلزل لها ، واستقرار ملكيته لها منوط بالدخول. وهذا النصف المشاع استحقّه الزوج بسبب الطلاق.

والظاهر أنّ التنظير إنّما يكون في مجرد كون الإشاعة مضافة إلى نفس العين المملوكة للزوجة ، غاية الأمر ملكية نصفها بنحو الاستقرار ، ونصفها الآخر بنحو التزلزل ، وهذا المتزلزل المشاع بوصف الإشاعة انتقل بالطلاق قبل المواقعة إلى الزوج ، والنصف الموهوب انطبق على النصف المختص بها المستقرّ بالعقد.

(٣) قال المحقّق قدس‌سره : «العاشرة : لو وهبته نصف مهرها مشاعا ، ثم طلّقها قبل الدخول ، فله الباقي ، ولم يرجع عليها بشي‌ء ، سواء كان المهر دينا أو عينا ، صرفا للهبة إلى حقّها منه» (١).

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٣٣٠ ، ويستفاد من كلام العلامة في إرشاد الأذهان ، ج ٢ ، ص ١٧ ، وجعله في القواعد أحد الاحتمالين. كما في ج ٣ ، ص ٨٦ ، اللمعة الدمشقية ، ص ١٩٧ ، الروضة البهية ، ج ٥ ، ص ٣٦٧ ، مسالك الأفهام ، ج ٨ ، ص ٢٥٥.


وغيرهم (١) : أنه لو أصدق المرأة عينا فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق ، استحقّ الزوج بالطلاق النصف الباقي (٢) ، لا نصف الباقي وقيمة (٣) نصف الموهوب ، وإن ذكروا ذلك (٤) احتمالا. وليس (٥) إلّا من جهة صدق «النصف» على الباقي ، فيدخل في قوله تعالى «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ».

______________________________________________________

(١) كفخر المحققين والفاضل السبزواري ، وصاحب الرياض والجواهر (١).

(٢) الذي هو نصف العين ، لا نصف الحصتين ، إذ لو كان هو نصف النصيبين لزم أن يكون المردود إلى الزوج بالطلاق نصف الباقي ، وقيمة نصف النصف الموهوب ، حيث إنّه تلف بالهبة ، فينتقل إلى القيمة.

(٣) معطوف على «نصف» ويمكن كون «الواو» للمعية ، أي : مع قيمة النصف.

(٤) أي : استحقاق الزوج لنصف الباقي وقيمة ربع العين الذي هو نصف الموهوب. لكن فتواهم على الأوّل. فذكرهم لاستحقاق الزوج لنصف الباقي وقيمة ربع العين يكون بطور الاحتمال.

(٥) يعني : وليس إفتاؤهم باستحقاق الزوج للنصف الباقي من العين إلّا لأجل صدق «النصف» على الباقي ، كصدقه على نصف الدار كما تقدم ، فيشمله «النصف» المذكور في الآية الشريفة (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) (٢).

فكما يكون قوله : «أعطوا زيدا نصف أموالي» ظاهرا في المشاع ، فكذا في الآية ، وحيث إنّها وهبت نصفا مشاعا من العين ، وكان الباقي نصفا مشاعا أيضا ، صدق عليه «أنّه نصف ما فرضتم» (٣).

__________________

(١) لاحظ : إيضاح الفوائد ، ج ٣ ، ص ٢٣٣ ، كفاية الأحكام ، ص ١٨٢ ، رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ١٤٦ ، جواهر الكلام ، ج ٣١ ، ص ١٠٤ و ١٠٥.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٣٣٧.

(٣) الذاكر لهذا الاحتمال جماعة ، منهم العلامة في القواعد ، ج ٣ ، ص ٨٦ ، والسيد العميد في كنز الفوائد ، ج ٢ ، ص ٥٠٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ، ج ٨ ، ص ٢٥٥ ، وفي الروضة البهية ، ج ٥ ، ص ٣٦٨.


وإن (١) كان يمكن توجيه هذا الحكم (٢) منهم بأنّه (٣) لمّا كان الربع الباقي للمرأة من الموجود (٤) مثلا للربع التالف من الزوج ومساويا له من جميع الجهات ، بل لا تغاير بينهما إلّا بالاعتبار (٥) ، فلا (٦) وجه لاعتبار القيمة (٧) ،

______________________________________________________

(١) غرضه من هذه العبارة إخراج هذا الفرع عن كونه نظيرا لما نحن فيه من بيع نصف الدار. توضيحه : أنّه يمكن توجيه إفتائهم باستحقاق الزوج للنصف الباقي لا لأجل إرادة الإشاعة في العين حتى يستحق النصف الباقي ، بل للإشاعة في حصّتي المرأة والزوج ، بأن يقال في وجه كون النصف الباقي للزوج المطلق : إن ملكيته لنصف هذا النصف تستند إلى أنّ للزوج ربع العين الموجود عند المرأة ، وله أيضا ربع آخر ، وهو نصف النصف الموهوب الذي هو عند الموهوب له. والربع الموجود للمرأة مثل الربع الذي أتلفته بسبب هبتها نصف العين ، ومساو له من جميع الجهات. وهذا الربع يدفع إلى الزوج ، ولا تصل النوبة إلى دفع قيمة الربع الموهوب إليه.

وبالجملة : فالنصف المعطى إلى الزوج المطلق يكون نصفه ـ وهو ربع العين ـ حقّه ، ونصفه الآخر بدلا عن حقّه ، وهو الربع التالف بالهبة.

(٢) وهو حكم الفقهاء باستحقاق الزوج للنصف الباقي.

(٣) متعلق ب «توجيه» وبيان للتوجيه الذي اتّضح بقولنا : «توضيحه أنّه يمكن .. إلخ».

(٤) أي : من النصف الباقي عندها بعد هبة النصف ، فإنّ هذا الرّبع مثل الربع التالف.

(٥) وهو اعتبار كون هذا الربع للمرأة ، وذلك الربع للرجل المطلق.

(٦) جواب الشرط في قوله : «لمّا كان».

(٧) يعني : مع المماثلة في جميع الجهات إلّا في الأمر الاعتباري ـ وهو المالكية ـ لا وجه لاعتبار قيمة الربع التالف بسبب الهبة وإن كان ذلك من القيميات ، لأنّ مثل التالف من جميع الجهات أقرب إليه من القيمة التي هي أقرب إليه في جهة واحدة وهي المالية فقط.

نظير دفع المديون نفس العين المقترضة إلى الدائن ، فإنّ دفعها إليه يوجب براءة ذمة المديون ، ولا تتوقف براءتها على بذل قيمتها وإن كانت قيمية.

وهذه المسألة تعرّض لها المصنف في ضمان المثلي بالمثل ، فقال في جملة كلامه :


نظير (١) ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة مع كونها قيميّة.

لكن (٢) الظاهر أنّهم لم يريدوا

______________________________________________________

«نعم ذهب جماعة منهم الشهيدان إلى جواز ردّ العين المقترضة إذا كانت قيميّة» فراجع (١).

(١) هذا نظير للمقام في مجرد براءة الذمة بدفع العين المقترضة إلى المقرض ، لا في إلزام المديون بدفع العين ، لصيرورة العين ملكا للمقترض ، ولا يستحق المقرض إلّا بدلها من المثل أو القيمة.

وهذا بخلاف المقام ، فإنّهم يلزمون الزوجة بدفع ما بقي من عين الصداق إن كان الصداق عينا خارجية.

(٢) هذا إضراب على قوله : «ولعلّه لما ذكرنا» توضيحه : أنّ الظاهر عدم كون حكم الفقهاء «باستحقاق الزوج للنصف الباقي من الصداق» مبنيّا على أنّ المراد بالنصف هو المشاع في العين ـ لا المشاع بين الحصتين ـ بل أرادوا أنّ استحقاقه للنصف الباقي ينشأ من كون الربع الباقي للمرأة مماثلا للربع من الزوج ، الذي أتلفته الزوجة بالهبة. وذلك بقرينة تعليلهم استحقاق الزوج للنصف الباقي ب «بقاء مقدار حصته» فإنّ هذا التعليل يناسب الكلي في المعيّن ، إذ لو أرادوا المشاع في العين ـ دون الإشاعة في الحصتين ، ودون الكلّي في المعيّن ـ لكان الصواب أن يعلّلوا ذلك ببقاء حقّه ، لا «مقدار حقه» لأنّه بناء على الإشاعة في العين بما هي يكون النصف الموجود عين حقه ، لأنّه مصداقه ، لا مقدار حقه. كما أنّ النصف الموهوب عين حق الزوجة.

وبعبارة اخرى : كان الغرض من نقل فتوى الفقهاء باستحقاق الزوج للنصف الباقي من الصداق هو الاستشهاد للمقام من ظهور «النصف» في المشاع في تمام العين ، لا المشاع بين الحصّتين. والوجه في الاستشهاد : ظهور كلمة «النصف» في الآية المباركة «فنصف ما فرضتم» في النصف المشاع من الصداق ، وحيث إنّها وهبت نصفا مشاعا وهي ملكها المستقرّ لها بالعقد ، كان النصف الباقي بتمامه ملكا للزوج بالطلاق.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٣٤٩.


هذا الوجه (١) ، وإنّما علّلوا استحقاقه للنصف الباقي ببقاء مقدار حقّه ، فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام (٢) (*).

______________________________________________________

ولكن يشكل هذا الاستشهاد بأنّ حكم الفقهاء باستحقاق النصف الباقي يمكن أن يستند إلى ما ذكر من ظهور «النصف» في المشاع في تمام العين ، فيصدق على الباقي بعد الهبة «أنّه نصف ما فرضتم» ويتم الاستشهاد المزبور.

ويمكن أن يستند إلى أمر آخر ، وهو كون حقّ الزوج نصفا مشاعا بين الحصتين ، أو كلّيّا في المعيّن كصاع من صبرة.

ويترجّح هذا الاحتمال الثاني على الاحتمال الأوّل ، لمناسبة تعليلهم استحقاق الزوج للنصف الباقي «بأنّه مقدار حقه» وبيانه : أنّ «النصف الباقي» لو كان متعيّنا بنفسه للزوج ـ من جهة أنّ الزوجة وهبت حقّها وهو النصف المشاع من تمام الصداق ـ لكان الباقي نفس حقّ الزوج ، لا مقدار حقه. فالتعليل ببقاء المقدار يلائم أحد احتمالين آخرين :

الأوّل : أنّ الزوجة وهبت نصف حصّتها من الصداق ـ أي ربعه ـ وربعا من حصّة الزوج ، فبقي نصف الصداق مشاعا بينهما إلى حين الطلاق ، فيكون الباقي مقدار حقّ الزوج ، لكونه مشاعا بين الزوجين.

الثاني : أنّ الزوج يستحق النصف بنحو الكلّي في المعيّن ، أي : نصف هذا الصداق المعيّن خارجا ، فيكون الباقي بعد الهبة مقدار حقّ الزوج ، فيتعيّن فيه قهرا.

وبناء على هذين الاحتمالين لا يبقى مجال للاستشهاد للمقام بما ذكروه في هبة الزوجة نصف المهر قبل الطلاق.

(١) وهو استحقاق الزوج للنصف الباقي على الإشاعة في العين ، وكون النصف الباقي هو حقّه ، لانطباق النصف المشاع عليه.

(٢) أي : مقام بيع نصف الدار ، غرضه أنّ حمل الفقهاء بيع نصف الدار على النصف المختص بالبائع ـ بناء على الإشاعة في العين ، لا الإشاعة في الحصتين ـ ينافي حملهم نصف

__________________

(*) لا يخفى أن الوجوه المحتملة ثبوتا في النصف الذي يستحقه الزوج بالطلاق قبل الدخول ثلاثة :

أحدها : النصف الباقي بناء على الإشاعة في العين لا في الحصتين ، فإنّ النصف المشاع


ونظيره (١) في ظهور المنافاة

______________________________________________________

الصداق للزوج على الإشاعة بين الحصتين أو على الكليّ في المعيّن.

(١) يعني : ونظير حكمهم في هبة نصف الصداق ـ في ظهور المنافاة لكلامهم في

__________________

في العين ينطبق على النصف الباقي. فهذا النصف نفس حقه كما أفتى به الفقهاء ، لا نصف حقه ، ونصفه الآخر ـ وهو ربع العين ـ بدل حقه الفائت بالهبة كما هو مقتضى الإشاعة بين الحصتين.

ثانيها : النصف من الباقي والتالف ، وهو الذي حكاه المصنف قدس‌سره احتمالا عن جماعة.

ثالثها : النصف بنحو الكلي في المعيّن ، وهو يتعين بالمقدار الباقي ، لا أنّه مقدار حقه ، بل هو نفس حقه ، بناء على الكلّي في المعيّن ، وعلى الإشاعة في العين ، لا الإشاعة بين الحصتين. وقد تقدم آنفا أنّ الظاهر في مقام الإثبات هو الإشاعة في العين كما هو ظاهر فتوى جماعة كالفاضلين والشهيدين وغيرهم قدس‌سرهم مع الغض عن تعليلهم لها ببقاء مقدار حقه ، إذ مع النظر إليه يحتمل كل من الإشاعة بين الحصتين والكلي في المعين.

إذ على الأوّل لمّا كان الربع التالف بالهبة مثل الربع الباقي في جميع الجهات ذهبوا إلى تعيّن النصف الباقي ، معلّلين ذلك ببقاء مقدار حقه ، لا ببقاء نفس حقه.

وعلى الثاني يتعيّن حقّه بالمقدار الباقي قهرا ، كما في سائر موارد الكلّي في المعيّن مع تلف ما عدا المقدار الذي أنشأ عليه العقد كصاع من الصبرة إذا تلفت الصيعان إلّا واحدا. وهو المناسب للتعليل ببقاء مقدار حقه.

والفرق بينه وبين المشاع بين الحصتين هو : أنّ النصف الباقي متعيّن في حقيّته للزوج بناء على الكلّي في المعيّن. بخلاف الإشاعة بين الحصّتين ، فإنّه لا يتعيّن حق الزوج في النصف الباقي بناء على هذا المبنى ، إذ يجوز للزوجة دفع قيمة الربع التالف بالهبة ، ولا يتعيّن عليها دفع نفس الربع الباقي ، وإن كان أقرب إلى التالف من جميع الجهات.

وبالجملة : يدور حكمهم باستحقاق الزوج للنصف الباقي ـ مع تعليله ببقاء مقدار حقه ـ بين ابتنائه على الإشاعة بين الحصتين والكلّي في المعين. وعلى التقديرين يتحقق التنافي بين حكمهم في بيع نصف الدار بكون المبيع حصة البائع ، وبين حكمهم بكون حصة الزوج النصف الباقي ، لكونه بمقدار حقه.


لما هنا (١) ما (٢) ذكروه في باب الصلح (٣) من «أنّه إذا أقرّ من بيده المال لأحد المدّعيين

______________________________________________________

مسألة بيع نصف الدار ـ حكمهم في باب الصلح بأنّ المراد بصلح النصف هو النصف المشاع ، وأنّ المراد بالنصف في بيع نصف الدار هو النصف المختص بالبائع كما تقدم تفصيله ، فحكمهم في باب الصلح ينافي أيضا حكمهم في باب البيع.

(١) أي : في باب بيع نصف الدار. والمراد بالموصول حكمهم ببيع النصف المختص في بيع نصف الدار.

(٢) هذا خبر «نظيره» وبيان له ، توضيحه : أنّه إذا كان مال كدار بيد زيد مثلا ، وادّعاها شخصان كعمرو وبكر ، وقد أقرّ زيد لأحد المدّعيين بسبب موجب للشركة ، ككون الدار ملكا لأبيهما المتوفى ، وانتقالها إلى المدعيين إرثا بالمناصفة ، مع فرض انحصار الورثة بهما. فإذا صالح المقرّ له حينئذ مع المقرّ على ذلك النصف المقرّ به كان ذلك النصف مشاعا بين نصيبهما ، وكان الصلح بالنسبة إلى الربع الذي هو نصيب المقرّ له لازما ، وبالنسبة إلى ربع شريكه موقوفا على إجازته.

وهذا الحكم ـ أي الإشاعة بين الحصتين ـ مناف لما أفتوا به في بيع نصف الدار من كون المبيع خصوص حصة البائع.

(٣) هذا الفرع مذكور في صلح الشرائع بقوله : «ولو ادّعى اثنان دارا في يد ثالث ، بسبب موجب للشركة كالميراث ، فصدّق المدّعى عليه أحدهما ، وصالحه على ذلك النصف بعوض. فإن كان بإذن صاحبه صحّ الصلح في النصف أجمع ، وكان العوض بينهما. وإن كان بغير إذنه صحّ في حقّه ، وهو الرّبع ، وبطل في حصة أو حصته الشريك ، وهو الرّبع الآخر» (١). وقريب منه عبارة القواعد.

وظاهر المتن من قوله : «ما ذكروه» كون الحكم مشهورا أو متفقا عليه ، وهو كذلك كما يظهر من السيد العاملي وصاحب الجواهر قدس‌سرهما ، قال في مفتاح الكرامة : «وفي الأخير ـ أي كفاية الأحكام ـ أنه المشهور. وكأنّه أشار بذلك الى ما ستسمعه من

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٢٢ ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٧٦.


للمال بسبب (١) موجب للشركة كالإرث ، فصالحه (٢) المقرّ له على ذلك النصف ، كان (٣) النصف (٤) مشاعا في نصيبهما. فإن أجاز شريكه (٥) نفذ في المجموع (٦) ، وإلّا (٧) نفذ في الربع» فإنّ (٨) مقتضى ما ذكروه هنا (٩)

______________________________________________________

المسالك ، وإلّا فلا خلاف في ذلك» (١).

(١) متعلق ب «المدّعيين» ويحكم بهذا الإقرار بملكية النصف ظاهرا للمقرّ له ، وبملكية النصف الآخر ظاهرا أيضا لذي اليد. وأمّا ملكيته واقعا فهي مردّدة بينه وبين المدّعي الآخر.

(٢) أي : فصالح المقرّ له من كان بيده المال ـ كالدار ـ على ذلك النصف المقرّ به.

(٣) جواب الشرط في قوله : «إذا أقرّ».

(٤) أي : كان النصف المقرّ به مشاعا في نصيب المدعيين للمال إرثا من أبيهما.

(٥) أي : شريك المقرّ له الذي ثبتت ملكيته لنصف الدار مع المقرّ له ، لاعترافه بالإرث الموجب للشركة.

(٦) أي : في مجموع النصف الذي وقع عليه الصلح.

(٧) أي : وإن لم يجز شريكه الصلح الواقع على نصف حصته ـ وهو الربع ـ نفذ الصلح في خصوص الربع الذي هو نصف نصيب المصالح دون غيره.

(٨) هذا بيان وجه المنافاة التي أشار إليها بقوله : «ونظيره في ظهور المنافاة» توضيحه : أنّ حمل «النصف» في الإقرار على الإشاعة بين النصيبين ـ السارية إلى صلح النصف أيضا ـ ينافي ما ذكروه في بيع نصف الدار من كون المبيع خصوص النصف المختص بالبائع ، فإنّ «للنصف» في البيع والصلح والإقرار معنى واحدا ، ولا وجه للتفكيك بينها بإرادة النصيب المختصّ بالبائع في مسألة بيع نصف الدار ، وإرادة المشاع بين الحصتين في مسألتي الإقرار والصلح.

(٩) أي : في بيع نصف الدار. والمراد بالموصول في «ما ذكروه» كون النصف مشاعا في نصيبهما.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٤٩٢ ، ولاحظ جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ٢٣٨.


اختصاص (١) المصالح بنصف المقرّ له ، لأنّه (٢) إن أوقع الصلح على نصفه الذي أقرّ له به ، فهو كما لو صالح نصفه قبل الإقرار مع غير المقرّ أو معه. وإن أوقعه (٣) على مطلق النصف المشاع انصرف أيضا إلى حصّته ، فلا وجه لاشتراكه (٤) بينه وبين شريكه ، ولذا (٥) اختار سيّد (٦) مشايخنا قدّس الله أسرارهم اختصاصه (٧) بالمقرّ له.

______________________________________________________

(١) خبر «فإن مقتضى».

(٢) أي : لأنّ المصالح ، وهذا تعليل لقوله : «فإنّ مقتضى» وملخّصه : أنه يحمل «النصف» على النصف المختصّ به إذا أوقع الصلح على نصفه المقرّ به ، كما لو صالح قبل الإقرار مع غير المقرّ ، أو معه. وإذا أوقعه على مطلق النصف المشاع انصرف أيضا إلى حصته المختصة به ، بقرينة التصرف الصلحي الذي هو كالتصرف البيعي.

(٣) أي : وإن أوقع المصالح الصلح على مطلق النصف انصرف الصلح إلى حصة المصالح ، كما لو أوقع الصلح على خصوص النصف المقرّ به.

(٤) أي : فلا وجه لاشتراك النصف الذي وقع عليه الصلح ، فإنّ هذه الشركة مبنية على الإشاعة بين النصيبين ، لا الإشاعة في العين كما هي مبنى بيع نصف الدار.

(٥) أي : ولأجل الانصراف وعدم وجه لاشتراك النصف بين حصّتي الشريكين المدّعيين ـ اختار .. إلخ.

(٦) الظاهر أنّه السيد المجاهد قدس‌سره ، حيث قال ـ في المناقشة في ما أورده المحقق الأردبيلي على الشهيد الثاني قدس‌سرهم ـ ما لفظه : «بل الأقرب أن يفصّل ، فيقال .. وإن وقع الصلح على النصف المشاع الذي هو كلّي ، وليس بمتشخص في الخارج بوجه من الوجوه ، ويستحقه المقرّ له باعتقاد المقرّ ـ وهو المدعى عليه ـ واعتقاد صاحبه المشارك له في السبب ، فيختص المقرّ له بما وقع الصلح عليه ، ولا يشاركه أحد في شي‌ء. وذلك لأنّه مقتضى الأصول والقواعد الشرعية كما لا يخفى ، وليس لها هنا معارض من شي‌ء من الأدلة الأربعة .. إلخ» (١) فراجع.

(٧) أي : اختار اختصاص النصف المصالح عليه بالمقرّ له وهو المصالح ، كاختصاص النصف بالبائع في بيع نصف الدار.

__________________

(١) المناهل ، ص ٣٥٨.


وفصّل في المسالك (١) بين ما لو وقع الصلح على نصفه أو مطلق النصف ، وبين ما إذا وقع على النصف الذي أقرّ به ذو اليد. فاختار مذهب المشهور في

______________________________________________________

(١) محصل تفصيل الشهيد قدس‌سره في المسالك هو : أنّ الصلح تارة يقع على نصفه ، كأن يقول المقرّ له : «صالحت على نصفي الذي هو ملكي من الدار» وأخرى يقع على النصف بنحو الإطلاق ، كأن يقول : «صالحت على نصف الدار» وثالثة يقع على النصف الذي أقرّ به ذو اليد ، كأن يقول : «صالحت على النصف الذي أقرّ لي ذو اليد به».

فإن وقع الصلح على الوجه الثالث ـ وهو النصف الذي أقرّ به ذو اليد ـ فاختار فيه الشهيد مذهب المشهور ، وهو حمل النصف المصالح عليه على النصف المشاع بين النصيبين ، فيكون النصف المصالح عليه مشتركا بين المقرّ له وشريكه.

وإن وقع الصلح على أحد الوجهين الأوّلين اختصّ بنصفه ، لا المشاع بين النصيبين ، وهذا مخالف لمذهب المشهور. وأمّا وجه الاختصاص في هذين الوجهين فسيأتي قريبا.

ولا بأس بنقل جملة من كلامه قدس‌سره ، فإنه بعد الاستدلال للمشهور ـ من أنّ إقرار ذي اليد مقتض لشركة المدعيين ، لوحدة السبب المملّك لهما ـ قال : «وفيه بحث ، لأنّ هذا لا يتمّ إلّا على القول بتنزل البيع والصلح على الإشاعة ، كالإقرار. وهم لا يقولون به ، بل يحملون إطلاقه على ملك البائع والمصالح .. بخلاف الإقرار ، فإنّه إخبار عن ملك الغير بشي‌ء ، فيستوي فيه ما هو ملكه وملك غيره. وحينئذ فاللازم هنا أن ينصرف الصلح إلى نصيب المقرّ له خاصة ، فيصحّ في جميع الحصة بجميع العوض ، وتبقى المنازعة بين الآخر والمتشبّث.

هذا إن وقع الصلح على النصف مطلقا ، أو النصف الذي هو ملك المقرّ له. أمّا لو وقع على النصف الذي أقرّ به المتشبّث توجّه قول الجماعة ، لأنّ الإقرار منزّل على الإشاعة ، والصلح وقع على المقرّ به ، فيكون تابعا له فيها. وعلى هذا ينبغي حمل كلامهم ، لئلّا ينافي ما ذكروه من القاعدة التي ذكرناها .. إلخ» (١).

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٤ ، ص ٢٧٢.


الثالث (١) ، لأنّ (٢) الإقرار منزّل على الإشاعة ، وحكم (٣) بالاختصاص في الأوّلين (٤) ، لاختصاص (٥) النصف وضعا في الأوّل

______________________________________________________

(١) وهو وقوع الصلح على النصف الذي أقرّ به ذو اليد.

(٢) هذا كلام الشهيد الثاني قدس‌سره ، وهو تعليل لمذهب المشهور ، ومحصله : أنّه لمّا كان المقرّ له معترفا بكون العين ملكا له ولشريكه بنحو الإشاعة ، كان إقرار المقرّ لأحد المدّعيين منزّلا على الإشاعة ، لأنّ الإقرار حقيقة إخبار عن صدق دعوى أحد المدّعيين ، والمفروض أنّ الدّعوى كانت على الإشاعة النصف ، فالإقرار يتعلّق بما ادّعاه المقرّ له من إشاعة النصف.

فحكم المشهور هنا بالإشاعة لا ينافي حكمهم في بيع نصف الدار بالاختصاص بحصّة البائع ، لأنّ حكمهم هنا بالإشاعة بين الحصّتين يكون مع القرينة ، وهي كون الإقرار إخبارا عن دعوى أحد المدّعيين للنصف المشاع. فلا منافاة بين هذه المسألة وبين مسألة بيع نصف الدار ، لأنّ الحمل على إشاعة العين هناك كان بلا قرينة ، والحمل على إشاعة الحصتين هنا يكون مع القرينة ، هذا (*).

(٣) يعني : وحكم الشهيد قدس‌سره بالاختصاص.

(٤) وهما : وقوع الصلح على نصفه ، ووقوعه على النصف المطلق.

(٥) تعليل لحكم الشهيد قدس‌سره باختصاص النصف ـ في الفرضين الأوّلين ـ بالمقرّ

__________________

(*) لم يظهر وجه قرينية دعوى أحد المدّعيين على الإشاعة بين الحصتين بعد ما مرّ من ظهور الإشاعة في الإشاعة في العين ، لا في انقسام العين إلى نصفين سواء أكان مالك العين متحدا أم متعددا.

وأمّا الإشاعة بين النصيبين ، فهي خلاف الظاهر إن لم يكن خلاف الوضع ، فتحتاج إرادتها إلى القرينة ، فبدونها تحمل الإشاعة على ظاهرها من الإشاعة في العين دون النصيبين. ولا قرينيّة في شي‌ء من دعوى المدّعيين ولا في إقرار المقرّ على إرادة الإشاعة بين الحصتين ، لأنّ المدّعى والمقرّ به هو المعنى الظاهر العرفي ، بل اللغوي. ولا وجه للعدول عنه إلّا بالقرينة ، وهي مفقودة هنا ، لعدم صلاحية ما ذكروه للقرينية.


وانصرافا (١) في الثاني إلى النصف المختصّ.

واعترضه (٢) في مجمع الفائدة «بأنّ (٣) هذا ليس تفصيلا ، بل مورد كلام المشهور هو الثالث (٤) ، لفرضهم (٥)

______________________________________________________

ومنشأ هذا الاختصاص في الفرض الأوّل ـ أعني به وقوع الصلح على نصفه ـ هو : أن إضافة «النصف» إلى «ياء» المتكلّم قرينة على وضع «النصف» لإشاعة نصف العين ، أي حصّته من العين ، لا للإشاعة بين النصيبين. ومنشأ الاختصاص في الفرض الثاني هو : أنّ التصرف الاعتباري في نصف العين منشأ للانصراف إلى النصف المختصّ به ، لا المشاع بين النصيبين.

(١) معطوف على «وضعا» وغرضه بيان منشأ الاختصاص بالمقرّ في الفرض الثاني.

(٢) الضمير المستتر راجع إلى المحقق الأردبيلي قدس‌سره ، والضمير البارز إلى تفصيل الشهيد الثاني المستفاد من قوله : «وفصّل في المسالك».

ولا يخفى أنّ ما في مجمع الفائدة وجوه ثلاثة من الاعتراض ، وما أشار إليه المصنف قدس‌سره هو الوجه الثالث ، قال المحقق الأردبيلي : «وأمّا ثالثا فلأنّه لا يحتاج هنا إلى بحث وتوجيه ، فإنّ كلامهم ظاهر ـ بل صريح ـ في أن المصالح عليه إنّما هو النصف المقرّ به ، إذ لم يصالح المقرّ إلّا عليه ، وما ثبت بحسب ظاهر الشرع للشريك المصالح إلّا ذلك .. إلخ» (١).

(٣) متعلق ب «اعترضه» وهذا تقريب الاعتراض ، ومحصله : أنّ كلام المشهور ليس مجملا حتى يفصّل بين الوجوه التي ذكرها الشهيد قدس‌سره ، بل مورد كلامهم هو وقوع الصلح على المقرّ به الذي لا بدّ من الحكم بالإشاعة فيه.

(٤) وهو وقوع المصالحة على ما أقرّ به ذو اليد.

(٥) أي : لفرض المشهور المصالحة على النصف المقرّ به ، وهو مورد البحث والنزاع.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٦ ، ص ٣٤٩.


المصالحة على ذلك النصف المقرّ به» (*). وتمام الكلام في محلّه (١).

______________________________________________________

(١) يعني : في كتاب الصلح.

__________________

(*) ينبغي أن يقال : إنّ الكسر المشاع كالنصف يقع تارة : في كلام أحد المالكين في مقام التصرف الاعتباري كالبيع والصلح والهبة وغيرها.

وأخرى : في كلام الأجنبي عن المالكين ، كبيع الفضولي نصف العين المشتركة بين شخصين على الإشاعة.

وثالثة : في كلام المقر ، كما إذا أقرّ أحد الشريكين في عين كدار أو دكان «بأن نصف هذه العين لزيد مثلا».

فإن وقع في كلام أحد المالكين في مقام التصرف الاعتباري حمل على النصف المختص به ، لا على الإشاعة بين الحصتين ، لأنّ الحمل على الإشاعة في الحصتين يكون للإطلاق وعدم القرينة. وأمّا معها ـ كما في المقام ـ فيحمل النصف على حصّته ، لا الإشاعة بين الحصتين ، حيث إنّ إنشاء البيع ونحوه قرينة عرفا على بيع أو صلح ما يملكه ويختص به ، إذ بيع مال غيره وإن كان موكّله أو من للعاقد ولاية عليه محتاج إلى مئونة زائدة.

والأصل يجري في عدم قصد البيع عن الغير ، وليس بمثبت ، لعدم إناطة صحة البيع لنفسه بقصد البيع لنفسه حتى يكون الأصل عدمه كي يلزم إثبات أحد الضدين بنفي الآخر ، أو تعارض الأصلين وتساقطهما.

والحاصل : أنّه لا يجري أصل عدم قصد البيع لنفسه حتى يلزم الإثبات والتعارض.

وعليه فما لم يقصد الغير يحمل على الحصة المختصة به ، لوجود المقتضي ، وهو وقوع العقد من مالك المال على عنوان صالح للانطباق على ماله ، مع وجود شرائط فعلية تأثير العقد ، وعدم مانع عن تأثيره. إذ المانع ـ وهو وقوع العقد عن الغير ـ محكوم بالعدم ، فيشمله عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

وإن وقع «النصف» في كلام الفضولي ، فلا بدّ من حمله على الإشاعة بين الحصتين ، لعدم قرينة على حمله على تمام حصة أحد الشريكين. فالإطلاق الموجب للحمل على إحدى الحصتين بالخصوص مفقود هنا ، ومقتضاه الحمل على الإشاعة في كلتا الحصتين. فالحمل على خصوص إحداهما ترجيح بلا مرجح.


.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن إجازة كل منهما هذا العقد الفضولي. فإن أجازا صحّ العقد في تمام النصف للشريكين ، لكلّ منهما ربع العين. وإن أجاز أحدهما صحّ في الربع ، وهو نصف حصته.

وإن وقع في كلام المقرّ ، فيحمل على الإشاعة بين الحصتين أيضا ، للإطلاق الموجب للحمل على الإشاعة بين الحصّتين ، وعدم كون الإقرار كالبيع أو الصلح قرينة على الاختصاص بتمام حصة المقرّ. وذلك لأنّ الإقرار ليس تصرفا في المقرّ به ، بل هو أمارة كاشفة عن ضيق دائرة ملك الشريكين بمقدار تعلق به الإقرار ، وكون ذلك خارجا من أوّل الأمر عن ملكهما ، وأنّ شركتهما تختص بما عدا النصف المشاع.

وهذا بخلاف البيع الذي هو إزالة الملك ، فإنّ هذا التصرف قرينة عرفية على التصرف في ملكه دون ملك غيره ، فيختص بملكه.

لكن الكلام في نفوذ الإقرار ، لعدم نفوذه في حصة غيره ، لكونه إقرارا على الغير.

وقد يقال كما عن كاشف الغطاء قدس‌سره : بأنّ المقرّ لو قال : «أنا مقرّ بأن نصف هذه الدار لزيد» يحمل على نصفه المختص ، بخلاف ما لو قال : «نصف هذه الدار لزيد» فإنّه يحمل على الإشاعة بين النصيبين ، هذا.

وفيه إشكال ، لعدم الفرق بينهما ، إلّا إذا كان قوله : «أنا مقرّ» ظاهرا فيما يكون نافذا ، وهو الحصة المختصة به. وذلك مشكل جدا ، لعدم ظهور الإقرار في ذلك. وإلّا إذا حمل قوله : «نصف هذه الدار لزيد» على الشهادة التي لا تقبل إلّا مع شرائطها. بل في كلتا الصورتين يحمل على الإقرار في نصف حصته ، وعلى الشهادة في نصف حصة شريكه.

نعم قوله : «أنا مقرّ» نصّ في الإقرار. لكنه ليس نصّا في كيفية المقرّ به ، وأنه النصف المختص به أو نصف النصيبين ، فإنّ الألفاظ الدالة على الإقرار مختلفة وضوحا وخفاء في الدلالة على نفس الإقرار ، مع عدم دلالتها على كيفية المقرّ به ، كما في قوله : «يجب إكرام زيد» فإنّه صريح أو أظهر في الوجوب من قوله : «أكرم زيدا» مع عدم دلالة شي‌ء منهما على نوع متعلق الأمر ، وأنّ المراد بالإكرام إضافة زيد أو تقبيل يده أو إعطاء الفلوس أو غيرها.

ومحل الكلام هو المراد من المقرّ به ، لا ما يدل على نفس الإقرار. وليس شي‌ء من العبارتين المزبورتين ما يبيّن المراد من النصف المقرّ به ، فيحمل في كلتا الصورتين على المشاع في الحصتين.


وعلى كلّ حال (١) فلا إشكال في أنّ لفظ «النصف» المقرّ به إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع ـ مجرّدا عن حال أو مقال يقتضي (٢) صرفه إلى نصفه ـ يحمل (٣) على المشاع في نصيبه ونصيب شريكه (٤) ، ولذا (٥) أفتوا ظاهرا على أنّه

______________________________________________________

(١) أي : سواء حمل النصف «في بيع نصف الدار» على المشاع في العين ، أم على النصف المختص بالبائع ـ كما هو المنسوب إلى المشهور ـ فلا إشكال في أنّ لفظ النصف الواقع في كلام المالك للنصف المشاع إن كان محفوفا بقرينة حالية أو مقالية توجب صرف لفظ «النصف» إلى نصفه المختص به ، كأن يقول : «صالحتك على نصفي» يحمل على النصف المختص به.

وإن كان مجرّدا عن القرينة يحمل على المشاع في نصيبه ونصيب شريكه.

(٢) صفة ل «حال أو مقال» وضمير «صرفه» راجع إلى النصف.

(٣) جواب الشرط في قوله : «إذا وقع» وجملة الشرط والجواب خبر لقوله : «ان لفظ».

(٤) هذا الضمير وضميرا «نصيبه ، نصفه» راجعة إلى المالك.

(٥) أي : ولأجل حمل لفظ «النصف» المقرّ به ـ إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع ـ على النصف المشاع في نصيبه ونصيب شريكه ، أفتوا ظاهرا ـ في مسألة إقرار أحد الرجلين الشريكين اللّذين لكلّ منهما يد على نصف عين كدار أو دكان أو غيرهما من الأعيان بكون ثلث هذه العين لزيد مثلا ـ بأنّه يحمل الثلث المقرّ به على «الثلث المشاع بين النصيبين» كما سيتضح.

ولا يخفى ظهور قول الماتن : «أفتوا ظاهرا» في الإجماع على حمل الثلث المقرّ به على المشاع بين حصتي الشريكين. ففرق بين بيع «النصف» المنصرف إلى حصة البائع بقرينة التصرف ، وبين الإقرار الذي هو إخبار عن ملك الغير لشي‌ء ، ولا يعتبر فيه وقوعه في ملك المقرّ ، لجواز الإخبار بما في يد الغير ، فيكون شهادة عليه ، فإن اجتمعت شروط الشهادة نفذ ، وإلّا فلا.

وهذه المسألة تعرّضوا لها في مقام الفرق بين فرعين.

أحدهما : ما سيأتي الإشارة إليه في المتن من الإقرار بالنسب ، كما لو أقرّ أحد الأخوين بأخت ، وكذّبه الآخر. فقالوا باستحقاقها لخمس حصة المقرّ ، وليس لها في حصة المنكر نصيب. وهذا الخمس هو الفاضل عمّا يستحقه المقرّ من التركة لو كانت الأخت وارثة مع الأخوين.


.................................................................................................

______________________________________________________

ثانيهما : ما لو أقرّ أحد الشريكين ـ المتصرفين في المال المشاع بينهما نصفين ـ بأنّ شخصا آخر يستحق ثلث المال ، ولكل واحد من المتصرّفين ثلثه لا نصفه. حيث إنّهم حكموا بأنّ النصف الذي يستحقه المقرّ يشترك فيه هو والمقرّ له على السواء ، فنصفه له ، ونصفه للمقرّ له.

وقد بيّن صاحب الجواهر الفرق بين المسألتين في مواضع.

فمنها : ما أفاده في مسألة بيع نصف الدار بقوله : «انّ الموافق للضابطة ما في باب الإقرار ، بدعوى : تنزيل المنكر تنزيل الغاصب القاصد غصب خصوص حصة الشريك المخصوص ، بناء على قيامه حينئذ مقام المالك في القسمة مع الشريك ، لحديث الضرار والسيرة وغيرها. على معنى : أن المالك في هذا الحال له إفراز ملكه عن ملك شريكه ، كما كان له ذلك في المال الزكوي ونحوه .. إلخ» (١).

ومنها ما أفاده في كتابي الصلح والإقرار فراجع (٢).

وتوضيح أصل المسألة : أنّه لو فرض اشتراك زيد وعمرو في دار ، ولكلّ منهما يد على نصف مشاع منها ، فأقرّ زيد بأنّ ثلث الدار لبكر ، وأنّ لكل من زيد وعمرو ثلث الدار لا نصفها.

ولا يخلو الأمر حينئذ من أنّ عمروا إمّا أن يصدّق زيدا ، ولا كلام في صيرورة الحصص أثلاثا. وإمّا أن يكذّبه ـ كما هو مفروض البحث ـ ولا يحكم على المنكر بشي‌ء ، بل له النصف المشاع من الدار ، لما تقرّر من تقدم قول المنكر. وأمّا المقرّ فيؤاخذ بمقتضى إقراره «لأنّ إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ونافذ» فيصير المقرّ له شريكا مع المقرّ في النصف المختص به.

لكن الكلام في تعيين ما يستحقه المقرّ له ، وأنّ حصّته ثلث ما للمقرّ ، بدعوى :

اعترافه بأنّ له ثلث المجموع ، وما زاد على هذا الثلث هو سدس المجموع ، وهو للمقرّ له.

فإذا كانت الدار اثني عشر سهما ، كان حصة المقرّ قبل الإقرار ستة أسهم ، وينقص بالإقرار إلى أربعة أسهم هي ثلث المجموع ، ويبقى سهمان فاضلان عن هذا الثلث ـ وهما سدس الدار ـ للمقرّ له.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣١٨.

(٢) المصدر ، ج ٢٦ ، ص ٢٣٩ وفي ج ٣٥ ، ص ١٦٥.


لو أقرّ أحد الرجلين الشريكين ـ الثابت يد كلّ منهما على نصف العين ـ بأنّ (١) ثلث العين لفلان ، حمل (٢) على الثلث المشاع في النصيبين ، فلو (٣) كذّبه (*) الشريك الآخر ،

______________________________________________________

أم أنّ حصة المقرّ له نصف حصة المقرّ ، ثلاثة أسهم ، وهي لا سهمان.

وهذا الاحتمال هو مبنى الاستشهاد بهذا الفرع على أنّ الكسور ـ كالنصف والربع والثلث ـ تنصرف عند الإطلاق إلى المشاع بين النصيبين. وظاهرهم الإجماع عليه. وهو يبتني على أمور مسلّمة.

الأوّل : ما تقرر في كتاب الشركة من توزيع الربح والخسران على الشريكين أو الشركاء بنسبة الحصص.

الثاني : أنّ إنكار أحد الشريكين ـ وهو عمرو في المثال ـ إتلاف لمقدار من الثلث الذي استحقه المقرّ له بإقرار المقرّ ، فحرمان المقرّ له من بعض ما يستحقه مسبّب عن تكذيب أحد الشريكين للآخر.

الثالث : ظهور الكسر في المشاع بين النصيبين.

وبناء على هذه يستحق المقرّ له نصف ما للمقرّ. وسيتضح في مطاوي شرح المتن.

(١) متعلق ب «أقرّ» في قوله : «لو أقرّ أحد الرجلين».

(٢) جواب «لو» يعني : أنّه يحمل «الثلث» المقرّ به على الثلث المشاع في النصيبين.

(٣) هذا متفرع على حمل الثلث المقرّ به على الثلث المشاع في النصيبين ، توضيحه : أنّه إذا كذّب الشريك الآخر وأنكر صدق إقرار المقرّ ، دفع المقرّ إلى المقرّ له نصف ما بيده. فإذا فرض أنّ العين المتنازع فيها اثنا عشر سهما ، وكانت ستة أسهم منها تحت يد المقرّ ، ومثلها تحت يد شريكه ، دفع المقرّ إلى المقرّ له ثلاثة أسهم التي هي نصف الستة التي بيده ، إذ مقتضى الإشاعة في الحصتين توزيع الثلث المقرّ به ـ وهو أربعة أسهم ـ على الستة التي هي نصيب المقرّ به ، والستة التي هي سهم الشريك المنكر. فثلث المقرّ به ـ وهو أربعة ـ يخرج من هاتين الستتين حتى يكون ثلث كلّ من الشركاء الثلاثة أربعة أسهم.

__________________

(*) لم يظهر وجه لهذا التفريع ، ضرورة أنّ الإقرار بالنسبة إلى نفس المقرّ لا يقتضي إلّا دفع ما زاد على النصف الذي بيده ، لأنّ نفوذ إقراره على نفسه يوجب دفع ما لا يستحقه ـ وهو ثلث ما بيده أعني الواحد من الثلاثة ـ لا نصف ما بيده ، وهو الواحد والنصف ، فإنّه


دفع المقرّ إلى المقرّ له نصف ما في يده ، لأنّ (١) المنكر بزعم المقرّ ظالم للسّدس بتصرّفه (٢) في النصف ، لأنّه (٣) باعتقاده إنّما يستحقّ الثلث ، فالسدس (٤) الفاضل في

______________________________________________________

(١) تعليل لدفع المقرّ إلى المقرّ له نصف ما في يده ، ومحصّله : أنّه بعد أن دفع المقرّ إلى المقرّ له سهمين يعني : سدس الاثني عشر ، وهذا السدس نصف الثلث المقرّ به ، يتلف من سهم المقرّ له سهمان ـ وهما : سدس الاثني عشر ـ بسبب تكذيب الشريك وإنكاره لإقرار المقرّ ، فهو باعتقاد المقر ظالم وغاصب لهذا السدس. ومقتضى ما في الشركة من «أنّ ما حصل حصل لهما وما توى توى عليهما» هو احتساب التالف وهو السدس ـ أعني السهمين ـ على المقر والمقر له ، حسب استحقاقهما أي على كل منهما سهم.

وبالجملة : فسهمان ـ وهو السدس ـ يخرج من ستة أسهم متعلقة بالمقرّ ، وسهم أيضا يخرج من سهمه ، لكون التالف ـ وهو سهمان ـ على المقرّ والمقر له.

(٢) أي : بسبب تصرف المنكر في النصف أي نصف ثلث المقرّ له ، وهو سدس الكل.

(٣) أي : لأنّ المقرّ باعتقاده يستحق المقر له ثلثا من العين.

(٤) يعني : فالسدس في يد المنكر ـ وهو سهمان من اثني عشر سهما ـ نسبته إلى المقرّ والمقرّ له على حد سواء.

__________________

خارج عن حيطة الإقرار على النفس. فاللازم على المقرّ دفع ما زاد عن حقه ـ وهو السدس ـ إلى المقرّ له. كما أنّ اللازم على المنكر دفع السدس الآخر الذي عنده إليه. وليس شي‌ء من هذا السدس على المقرّ أصلا.

ودعوى «أن قاعدة الشركة تقتضي ورود الضرر على كلّ من المقرّ والمقرّ له ، فيوزّع السدس الذي هو عند المنكر عليهما بالمناصفة» غير مسموعة ، إذ فيه أوّلا : أنّ مورد الضرر على الشريكين في النصوص هو الدّين.

وثانيا : أنّ التعدّي من الدّين إلى العين إنّما يكون في مال أقرّ اثنان بأنّه مشترك بينهما وتلف ، أو غصب بعضه ، فإنّ مقتضى إقرارهما بشركة المال بينهما كون الضرر عليهما.

فإن تمّ إجماع ـ كما ادّعاه صاحب الجواهر قدس‌سره ـ فهو ، وإلّا فيشكل استحقاق النصف.


يد المنكر نسبته إلى المقرّ والمقرّ له على حدّ سواء (١) ، فإنّه (٢) قدر تالف من العين المشتركة ، فيوزّع على الاستحقاق.

ودعوى (٣) : أنّ مقتضى الإشاعة تنزيل المقرّ به (٤) على ما في يد كلّ منهما ، فيكون في يد المقرّ سدس (٥) ، وفي يد المنكر سدس ، كما لو صرّح بذلك (٦) ، وقال :

______________________________________________________

(١) أي : نصفه ، وهو سهم واحد من اثني عشر للمقر ، ومثله للمقرّ له ، حتى يكون مجموع حصة كل منهما ثلثا ، وهو أربعة أسهم من اثني عشر.

(٢) أي : السدس الباقي عند المنكر هو القدر التالف من العين ، فيوزّع على المقرّ والمقرّ له بمقدار استحقاقهما ، وهو التنصيف.

(٣) الغرض من هذه الدعوى جعل مسألة إقرار أحد الشريكين نظير مسألة إقرار بعض الورثة بوارث آخر ، في أنّ القاعدة في الجميع تقتضي صيرورة المقرّ له مستحقا لما يفضل من حصة المقرّ. ففي المقام يلزم دفع السدس ـ وهو نصف الثلث فقط ـ إلى المقر له ، وعدم لزوم دفع أزيد منه إليه.

توضيحه : أنّ مقتضى الإشاعة في النصيبين هو تنزيل المقرّ به على ما في يد كلّ من الشريكين ، فإذا كان الثلث المقرّ به أربعة أسهم ـ كما هو المفروض ـ وزّع على سهمي المقرّ والمقرّ له على السويّة ، فيخرج سهمان وهو نصف الثلث من ستة أسهم المقرّ للمقرّ له ، ولا يخرج منها شي‌ء زائد عليه ، وهو سهم واحد من السهمين التالفين بسبب تصرف المنكر في السدس الزائد على الثلث.

(٤) وهو ثلث المجموع الذي أقرّ به أحد الشريكين.

(٥) وهو نصف الثلث ، وكذا في يد المنكر ، فالخارج من سهم المقر سدس فقط.

(٦) أي : كما لو صرّح المقرّ بالسدسين ، وغرضه من هذا التشبيه إثبات أنّه ليس في ذمة المقرّ إلّا السدس ، وكذا على المنكر.

تقريبه : أنّ المقرّ إذا صرّح بالسدسين ، وقال : «انّ للمقرّ له في يد كل من المقرّ والمنكر سدسا» كواحد من الستة ـ والمفروض أنّ إقرار المقر بالنسبة إلى الغير غير مسموع ، لعدم كونه إقرارا على النفس ـ لم يجب على المقر إلّا دفع السدس ـ وهو نصف الثلث ـ إلى المقرّ له.


«إنّ له في يد كلّ منهما سدسا» وإقراره بالنسبة إلى ما في يد الغير (١) غير (٢) مسموع ، فلا يجب إلّا أن يدفع (٣) إليه ثلث ما في يده ، وهو (٤) السدس المقرّ به ، وقد تلف السدس الآخر (٥) بزعم المقرّ على المقرّ له بتكذيب المنكر.

مدفوعة (٦) بأنّ

______________________________________________________

(١) وهو الشريك المنكر ، وضمير «له» راجع إلى المقر له ، وضمير «منهما» إلى المقر والمنكر ، وضمير «إقراره» إلى المقرّ.

(٢) خبر «وإقراره». ووجه عدم سماعه عدم كونه إقرارا على نفس المقرّ ، كما مرّ.

(٣) يعني : فلا يجب إلّا أن يدفع المقرّ إلى المقرّ له ثلث ما في يده ، وهو واحد من الثلاثة التي بيده فيما إذا كانت العين ستة أسهم.

(٤) أي : ثلث ما بيده هو السدس المقرّ به أعني به الواحد من ستة أسهم.

(٥) وهو نصف الثلث أيضا قد تلف بزعم المقرّ على المقرّ له بسبب تكذيب المنكر ، وعدم تصديق المقرّ في مقالته.

فنتيجة هذه الدعوى : عدم وجوب شي‌ء على المقرّ إلّا دفع نصف الثلث وهو سدس الستة أسهم إلى المقرّ له ، وعدم لزوم دفع نصف ما بيده وهو الواحد ونصفه ، لأنّه نصف الثلاثة التي بيده ، وربع الستة.

(٦) خبر قوله : «ودعوى» ودفع لها ، وملخّص الدفع : أنّ قياس المقام على ما لو صرّح المقرّ «بأنّ للمقر له في يد كل من المقرّ والمنكر سدسا» مع الفارق ، لأنّ ما في يد الغير فيما نحن فيه ليس مفروزا ومتميّزا عمّا في يد المقر حتى يكون كما لو صرّح المقرّ «بأنّ سدس دار وسدس دار غيري لزيد» في قبول إقراره في داره ، وعدم قبوله في دار غيره. بل ما في يد الغير ـ وهو المنكر ـ حصة مشاعة كحصتي المقر والمقرّ له باعتقاد المقرّ ، فبإنكار المنكر يتلف سدس مشاع ، وهو واحد من الستة ، ويوزّع على المقرّ والمقرّ له بالمناصفة.

وعليه فاللازم على المقرّ أن يدفع إلى المقرّ له نصف ما في يده ، وهو واحد ونصف من الستة ، لا ثلث ما في يده ، وهو الواحد من الثلاثة.


ما في يد الغير (١) ليس عين ماله (*) ، فيكون (٢) كما لو أقرّ شخص بنصف كلّ من داره ودار غيره ، وهو (٣) مقدار حصّته المشاعة ، كحصّة المقرّ وحصّة المقرّ له بزعم المقرّ ، إلّا أنّه (٤) لمّا لم يجبر المكذّب على دفع شي‌ء ممّا في يده ، فقد تلف سدس مشاع (٥) يوزّع على المقرّ والمقرّ له ، فلا معنى لحسابه (٦) على المقرّ له وحده ، إلّا على احتمال ضعيف (٧) ، وهو تعلّق الغصب بالمشاع ، وصحّة تقسيم الغاصب مع الشريك ،

______________________________________________________

(١) المراد بالغير هو المنكر والمكذّب لمقالة المقرّ.

(٢) أي : ليكون. ولعلّ الأولى أن يقال : «حتى يكون كما لو أقرّ .. إلخ».

(٣) أي : ما في يد الغير ، ولعلّ الأولى أن يقال : «بل هو مقدار» ليكون إضرابا عن قوله : «ليس عين ماله».

(٤) الضمير للشأن ، والغرض من قوله : «إلّا أنّه لما لم يجبر المكذّب» إثبات كون السدس موزّعا على المقرّ والمقرّ له ، بتقريب : أنّ السدس لمّا صار تالفا من العين المشاعة ـ إذ لا موجب لدفعه على المنكر ، لعدم نفوذ إقرار المقرّ في حقه ، ولكونه ذا يد على العين ، واليد أمارة الملكية ظاهرا ـ فالتالف يوزّع على كلّ من المقرّ والمقرّ له ، فالسدس التالف وهو الواحد من الستة ينصّف عليهما.

(٥) هذا هو السدس الذي عند المنكر ، وقد عرفت أنّه لا يجبر على دفع شي‌ء ممّا في يده ، لكونه ذا اليد ، ولعدم نفوذ إقرار المقرّ في حقه.

(٦) أي : لحساب السدس الذي يكون عند المنكر على المقرّ له وحده.

(٧) مذكور في كتاب الغصب ، وهو تعلق الغصب بالمشاع ، وصحة تقسيم الغاصب مع الشريك ، فإنّه بناء على هذا الاحتمال يكون التالف على المقرّ له فقط ، وليس على المقر إلّا دفع ثلث ما بيده إلى المقرّ له.

وينبغي أوّلا توضيح ما ذكروه في باب الغصب ، ثم وجه ابتناء ما نحن فيه عليه. فنقول وبه نستعين : أنّه إذا كانت دار مثلا مشتركة بين شخصين على وجه الإشاعة ،

__________________

(*) بل هو محكوم ظاهرا بمقتضى اليد بكون ما في يده ملكا له ، فإقرار المقرّ لا يكون نافذا في حق المنكر ، فالسدس الذي عند المنكر يحسب تالفا على المقرّ له فقط ، فلا وجه لاحتسابه عليه وعلى المقرّ معا.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأخرج ظالم أحدهما من الدار وتصرّف فيها بانيا على غصب حصته منها ، ثم بنى على تقسيم الدار ، وقسّمها. ففي مثله يتجه مسألتان.

إحداهما : أنّه هل يعتبر في صدق الغصب والاستيلاء على مال الغير كون المال مقسوما معيّنا؟ أم لا يعتبر ذلك ، فيتحقق غصب المال المشترك المشاع بين اثنين أو أزيد.

ثانيتهما : أنّه بعد صدق الغصب بالنسبة إلى المشاع هل ينفذ تقسيم المال من قبل الغاصب ، فيستقلّ هو بحصة المغصوب منه ، ويستقل الشريك الآخر بحصته؟ أم أنّ أمر التقسيم بيد الحاكم لو رجع إليه الطرف لدفع الحرج عن نفسه.

وهذا ـ كما أفاده الفقيه المامقاني قدس‌سره ـ «أمر يعمّ البلوى به ، لكثرة ما يتفق من غصب المتجاهرين بالظلم وغيرهم حصّة أحد المتشاركين في القرى والعيون والعقار والأعيان. بل قد يتفق غصب ثلث الميت من وصيّه ، وأنّ الزكاة يأخذه السلطان ، وإن كان أخذه لها ـ إن كان مسلما مقدّما للشيخين ـ لا يوجب الإشكال في حصة المالك» (١).

أمّا المسألة الأولى فالأكثر ـ كما في المسالك (٢) ، بل في الجواهر «لا نجد فيه خلافا محقّقا» (٣) ـ على صدق «الغصب» عرفا على الاستيلاء على المال المشترك كالمقسوم ، ويكون الغاصب ضامنا ، إلّا بناء على اعتبار الاستقلال باليد في الغصب كما ربّما يظهر من المحقق قدس‌سره حيث تردّد في حكم شيخ الطائفة بضمان النصف (٤). قال في المبسوط : «غصب المشاع يصح ، كما يصحّ غصب المقسوم ، وذلك أن يأخذ عبدا بين شريكين ، ويمنع أحد الشريكين من استخدامه ، ولا يمنع الآخر ، فيكون قد غصب حصّة الذي منعه منه.

وكذلك إذا كان شريكان في دار ، فدخل غاصب إليها ، فأخرج أحدهما ، وقعد مع شريكه ، فيكون غاصبا لحصّة الشريك الذي أخرجه. فإذا ثبت هذا وحصل المال المشترك في يد الغاصب وأحد الشريكين ، ثم إنّهما باعا ذلك المال ، مضى البيع في نصيب

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٤١١.

(٢) مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ١٥٢.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ٢٣.

(٤) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٢٣٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

البائع ، ولا يمضي بيع الغاصب ، كما نقول في تفريق الصفقة» (١). وحكم قدس‌سره في كتاب الغصب بضمان النصف كما هنا لو هجم الغاصب على دار غيره وكان صاحبها فيها (٢).

وأما المسألة الثانية فلها صورتان ، الاولى : أن يطلب الشريك الآخر من المغصوب منه قسمة المال. بأن يعيّنا برضاهما نصفا معيّنا للغاصب ، ونصفا للشريك ، فيفرز المشاع بينهما.

والظاهر جواز طلب القسمة ، فإن أجابه المغصوب منه فهو ، وإلّا رفع الشريك أمره إلى الحاكم ، ليجبره على الإفراز.

الثانية : أن يقتسم الغاصب والشريك العين المغصوبة ، بلا مراجعة إلى المغصوب منه ولا الحاكم ، فهل يتعيّن النصف المفرز للشريك بحيث تصحّ تصرفاته فيه كما لو لم يكن مشاعا أصلا ، أم أنّه يجب على الشريك الاستئذان من المغصوب منه في التصرف ، كما يضمن له نصف المنافع المستوفاة؟ مقتضى القاعدة بطلان هذه المقاسمة ، لتوقفها على رضا الشريكين أو الولي عليهما أو على أحدهما ، ولا تكون إرادة الغاصب بنفسها معيّنة لحصة الشريك.

لكن حكي قول بنفوذ القسمة عن الشيخ الفقيه الشيخ حسن كاشف الغطاء قدس‌سره في كتابه أنوار الفقاهة. حيث قال : «ولو أراد غاصب غصب حصّة الشريك فقط ، فلا يبعد جواز مقاصة الشريك الآخر مع الغاصب ، ولا رجوع للمغصوب منه على ما بيد شريكه وإن كان غائبا» (٣). وحكاه عنه صاحب الجواهر في كتاب الشركة ، قائلا : «لكنه كما ترى ، وقد تقدّم لنا بحث في ذلك» (٤) وأشار إليه في مسألة جواز شراء ما يأخذه الجائر باسم الزكاة ، فراجع (٥). وذكره في مسألة بيع نصف الدار تاركا لتضعيفه ، وقد تقدم كلامه في (ص ٤١) فراجع.

إذا اتضح ما ذكروه في كتاب الغصب وغيره ، فاعلم : أنّ كلام المصنف : «إلّا على

__________________

(١) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٣٥٥.

(٢) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٧٣.

(٣) أنوار الفقاهة ، مخطوط ، والعبارة منقولة عن غاية الآمال ، ص ٤١١ و ٤١٢.

(٤) جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ٣١٥.

(٥) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٠٢.


فيتمحّض ما يأخذه الغاصب للمغصوب منه ، وما يأخذه الشريك لنفسه. لكنّه احتمال مضعّف في محلّه (١) ،

______________________________________________________

احتمال مضعّف» إشارة إلى قول صاحب أنوار الفقاهة ـ في المسألة الثانية ـ بنفوذ هذه القسمة ، وأنّه يصير نصف المال ملكا محضا للشريك. ومحصله : أنه لو بني على صحة التقسيم ، ففي ما نحن فيه ـ وهو إقرار أحد الشريكين بكون ثلث المال للغير ـ يكون السدس الباقي عند المالك المنكر لصحة إقرار المقرّ محسوبا على المقرّ له فقط ، لأنّ ثلث المقرّ له صار بسبب التقسيم عند المالكين الآخرين الغاصبين ، وأحدهما ـ وهو المقرّ ـ دفع السدس الذي كان عنده إلى المقرّ له ، وبقي السدس الآخر عند المنكر الغاصب ، فالسدس التالف محسوب على المقرّ له فقط ، إذ المفروض صحة التقسيم ، وصيرورة ثلث المقرّ له عند المقرّ والمنكر. والمقرّ دفع السدس الذي عنده ، وبقي السدس الآخر عند المنكر.

(١) من كتاب الغصب. والوجه في ضعفه ضعف ما استند إليه صاحب أنوار الفقاهة من وجهين.

أحدهما : قاعدة نفي الحرج ، بتقريب : أنّ منع الشريك من التصرف في حصّته حرج عليه ، مع كثرة الغاصبين للأملاك ، وهذا المنع مرفوع عنه ، فيسوغ التقسيم مع الغاصب ، ويستقلّ الشريك بالحصة المفرزة له.

ثانيهما : السيرة المستمرة إلى عصر المعصوم عليه‌السلام الكاشفة عن إمضاء عمل العرف.

أما ضعف الوجه الأول فلأنّه ـ لو سلّم الحرج في المنع ـ لا تصلح القاعدة لتشريع جواز القسمة المزبورة ، لكونها نافية للحكم لا مثبتة له.

وأما ضعف الوجه الثاني فلعدم إحرازها ، بل يحتمل الردع عنها بفتوى الأكثر. بل المتفق عليها كما حكي.

وبهذا ظهر أنّ قول المصنف «إلّا على احتمال مضعّف» لا يراد به ضعف تعلّق الغصب بالمشاع ، كما قد يلوح من العبارة بدوا. لما عرفت من عدم ضعفه ، بل المراد بالاحتمال ما تقدّم من صاحب أنوار الفقاهة في صحة تقسيم المغصوب المشاع.

والشاهد على إرادة هذا الاحتمال قوله : «لكنه احتمال مضعّف في محلّه» فإنّ


وإن قال به (١) أو مال (٢) إليه بعض على ما حكي (٣) للحرج أو السيرة.

نعم (٤) يمكن أن يقال : بأنّ التلف في هذا المقام (٥) حاصل (٦) بإذن الشارع للمنكر الغاصب (٧) لحقّ المقرّ له باعتقاد (٨) المقرّ ، والشارع إنّما أذن له (٩) في أخذ

______________________________________________________

المضعّف هو نفوذ هذه القسمة ، لا ضمان الغاصب للمشاع.

(١) أي : باحتمال صحة تقسيم الغاصب مع الشريك.

(٢) الترديد بين القول والميل نشأ من تعبير صاحب الجواهر «بل ربما احتمل أو قيل ..» (١) وإلّا فظاهر عبارة أنوار الفقاهة هو الفتوى ، لا مجرّد الاحتمال. بل حكى الفقيه المامقاني قدس‌سره عن بعض مشايخه : أنه سمع من صاحب الأنوار مشافهة نفي البعد عن صحة القسمة المزبورة (٢).

(٣) الحاكي لكلامه صاحب الجواهر ، وردّه في بعض المقامات ، وسكت عنه في مقام آخر.

(٤) بعد أن ضعّف المصنف قدس‌سره الاحتمال المذكور ـ المقتضي لكون السدس الذي عند المنكر محسوبا على المقرّ له وحده ـ تمسّك بوجه آخر لاحتساب السدس عليه.

ومحصل هذا الوجه : أنّ المنكر ـ الذي هو غاصب باعتقاد المقر ـ قد أخذ المال بانيا على أنّه من المقرّ له ، دون المقر ، إذ المفروض أنّه يدفع بمقتضى إقراره السدس الذي عنده ، والشارع قرّره ظاهرا بمقتضى اليد على ذلك ، ولازم هذا التقرير كون التلف على المقرّ له وحده.

(٥) أي : في مقام إقرار أحد الشريكين بكون ثلث الدار لزيد.

(٦) خبر «ان» في قوله : «بأن» وقد مرّ تقريبه آنفا بقولنا : «ومحصل هذا الوجه».

(٧) أي : الغاصب بزعم المقر ، لا واقعا ، إذ لا يتصور الإذن له من الشارع.

(٨) متعلّق بالغاصب ، أي : كون المنكر غاصبا إنما هو باعتقاد المقرّ ، وليس ثابتا في الواقع ، لاحتمال كذب المقرّ.

(٩) أي : للمنكر الغاصب ، وإذن الشارع ظاهرا إنّما هو لأجل أمارية اليد.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ٣١٥.

(٢) غاية الآمال ، ص ٤١٢.


ما يأخذه على أنّه من مال المقرّ له (١) ، فالشارع إنّما حسب السدس في يد المنكر على المقرّ له (٢) ، فلا يحسب منه (٣) على المقرّ شي‌ء.

وليس (٤) هذا كأخذ الغاصب جزءا معيّنا من المال عدوانا بدون إذن الشارع حتّى يحسب على كلا الشريكين.

والحاصل (٥) : أنّ أخذ الجزء [لما] (٦) كان بإذن الشارع ، وإنّما [فإنّما] أذن له

______________________________________________________

(١) دون المقر ، لما عرفت آنفا من أنّه لأجل إقراره يدفع السدس الذي عنده إلى المقر له.

(٢) الوجه في احتسابه على المقرّ له فقط هو : أنّ يد المنكر داخلية ، وهي حجة على اليد الخارجية التي هي يد المقرّ له ، وليست حجة على اليد الداخلية التي هي يد المقرّ. وعليه فلا وجه لضمان المقرّ شيئا من السّدس الذي يكون عند المنكر.

(٣) أي : من السّدس الذي يكون عند المنكر ، لما مرّ من أنّه يدفع السّدس الذي لديه إلى المقرّ له ، ولا يدفع أزيد منه.

(٤) هذا دفع توهم. أمّا التوهم فهو : أنّه إذا أخذ الغاصب جزءا معينا من مال يحسب على كلا الشريكين لا على واحد منهما ، كما إذا غصب غاصب جزءا من دار مشتركة بين شخصين ، فإنّه يحسب الجزء المغصوب على كليهما ، لا على واحد منهما. فليكن السدس المغصوب هنا محسوبا أيضا على المقرّ والمقرّ له معا.

وأمّا الدفع فهو : أنّ أخذ الغاصب هنا للسدس المقرّ به لمّا كان بإذن الشارع ، لا يكون كالأخذ الذي ليس بإذنه. ففي الأخذ المقرون بإذن الشارع لا ضمان ، بخلاف غير المأذون فيه ، الذي فيه الضمان.

(٥) يعني : وحاصل ما ذكرناه في مسألة الإقرار بثلث الدار وإنكار أحد الشريكين لذلك هو : أنّ أخذ المنكر للسدس كان بإذن الشارع له على أن يكون من مال المقرّ له ، وأنّه لا يجب على المقر إلّا دفع ثلث ما بيده ، لا نصفه.

(٦) في بعض النسخ زيادة هذه الكلمة ، والمناسب حينئذ «فإنّما» كما في النسخة المصححة لتكون جوابا للشرط ، والأولى ما أثبتناه.


على أن يكون من مال المقرّ له. ولعلّه لذا (١) ذكر الأكثر بل نسبه (٢) في الإيضاح إلى

______________________________________________________

(١) يعني : ولأجل كون أخذ المنكر للسدس بإذن الشارع على أن يكون من مال المقرّ له ـ وعدم لزوم دفع المقرّ أزيد من الواحد الذي هو ثلث ما بيده ، وعدم وجوب دفع الواحد والنصف الذي هو ربع ستة أسهم ، ونصف ما بيده أيضا ـ ذكر أكثر الأصحاب : أنّ أحد الأخوين إذا أقرّ بأخ ثالث لهما وأنكره الآخر ، دفع المقرّ إلى الأخ المقرّ له الواحد الذي هو ثلث ما بيده ، لأنّ المقر باعتقاده لا يستحق إلّا اثنين من ستة أسهم ، فالزائد على الاثنين خارج عن حيطة استحقاقه ، وهو نصف حق أخيه المقرّ له ، فيجب على المقرّ دفع الواحد الذي هو ثلث ما بيده ، لأنّه بمقتضى إقراره لا يستحقّ إلّا ثلث ما بيده من الثلاثة التي هي نصف الستة ، لأنّ العين تكون أثلاثا بين الإخوة الثلاثة ، لكل واحد منهم اثنان ، فثلث ما بيده ـ وهو الواحد ـ مال المقرّ له.

ولا يخفى أنّ الفرع المزبور ونظائره شاهد على أنّ الإشاعة في باب الإقرار بالنسب يكون بالنسبة إلى مجموع الحصتين أو الحصص ، ولا يكون في مجموع المال ليختص بحصة المقرّ ، كما كان بيع نصف الدار منصرفا إلى الحصة المختصة بالبائع. ولذا تصدّوا لبيان الفارق بين البابين بإجماع أو غيره ، فراجع (١).

(٢) قاله فخر المحققين في شرح الفرع السابع ممّا عنونه العلّامة في فروع الإقرار بالنسب ، وهو إقرار أخ الميت بأخ له من الأمّ ، وأقرّ الأخ الأمّي بأخوين آخرين ، وأنّ حصة الأخوين هل تكون في خصوص حصة الأخ الأمّي ، أو توزّع على حصة الأخ الآبي أيضا؟ فقال الفخر : «وجه الأوّل : أنّ الوارث إذا أقرّ بآخر دفع الزائد عمّا في يده عن حقه. هكذا نصّ الأصحاب» (٢).

والفرع المذكور يختلف عمّا أثبته المصنّف قدس‌سره في المتن ، من كون الوارث أخوين ، ويكون التركة بينهما ، ثم أقرّ أحدهما بأخ ثالث ليكون المال أثلاثا بينهم ، وأنكره الأخ الآخر كما أوضحناه.

لكن الجهة المشتركة بين هذين الفرعين ونظيرهما موجودة ، وهي إقرار بعض

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣١٨.

(٢) لاحظ : قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٢٩ ، إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٤٦٨.


الأصحاب في مسألة الإقرار بالنسب : أنّ (١) أحد الأخوين إذا أقرّ بثالث ، دفع (٢) إليه الزائد عمّا يستحقّه باعتقاده وهو (٣) الثلث ، ولا يدفع (٤) إليه نصف ما في يده. نظرا (٥) إلى أنّه أقرّ بتساويهما في مال المورث ، وكلّ ما حصل كان لهما ،

______________________________________________________

الورثة بوارث آخر في طبقته ، كما في إقرار أحد الأخوين بأخ ثالث ، أو إقرار أحد الولدين بولد ثالث ، أو إقراره بوارث في طبقة سابقه ، كما لو أقرّ أحد الأخوين بولد ، وهكذا.

ولعل الأصل في دعوى الإجماع شيخ الطائفة ، حيث قال في الخلاف : «إذا مات رجل ، وله ابنان ، فأقرّ أحدهما بأخ ثالث ، فأنكره الآخر ، لا خلاف أنه لا يثبت نسبه. وإنّما الخلاف في أنه ـ أي المقرّ له ـ يشاركه في المال أم لا؟ فعندنا أنّه يشاركه ، ويلزمه أن يردّ عليه ثلث ما في يده. وقال مالك وابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة يشاركه بالنصف ممّا في يده ، لأنّه يقرّ أنّه يستحق من المال مثل ما يستحقه ، فيجب أن يقاسمه المال .. وقال الشافعي : لا يشاركه في شي‌ء ممّا في يده .. دليلنا : إجماع الفرقة. وأيضا : فإنّه يقرّ بأنّه يستحق من التركة ثلثها ، وهو ثلث ما في يده ، وما زاد عليه فللّذي أقرّ له به ، فوجب تسليمه إليه ، لأنّ الإقرار قائم مقام البينة ، ولو قامت البيّنة لم يلزمه أكثر من ثلث ما في يده» (١).

(١) متعلق بقوله : «ذكر الأكثر».

(٢) أي : دفع الأخ المقرّ إلى الأخ الثالث ثلث ما بيده ، وهو الواحد من الثلاثة.

(٣) بيان ل «الزائد» وهذا الثلث سدس الكل الذي هو ستّة أسهم.

(٤) يعني : ولا يدفع المقرّ إلى أخيه المقرّ له نصف ما بيده ، وهو الواحد والنصف أي ربع الستة ، وإلّا لزم أن يكون استحقاقه حال الاجتماع أزيد من حقه ـ وهو الثلث ـ حال التفريق ، وهو كما ترى.

(٥) الظاهر أنه بقرينة قوله : «وكل ما توى كان كذلك» تعليل للمنفيّ ، وهو لزوم

__________________

(١) الخلاف ، ج ٣ ، ص ٣٧٨ ، المسألة ٢٩ ، ونقل السيد العاملي الإجماع عن الحلّي والعلّامة والمحقق الثاني قدس‌سرهم أيضا ، فراجع مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٣٤٧.


وكلّ ما توى كان كذلك (١). هذا.

ولكن لا يخفى ضعف هذا الاحتمال (٢) ، من (٣) جهة أنّ الشارع ألزم بمقتضى

______________________________________________________

دفع نصف ما في يد المقرّ إلى المقرّ له ، وعدم كفاية دفع ثلث ما بيده إليه.

ومحصله : أنّ إقرار المقر يقتضي تساوي المقرّ والمقرّ له في متروكات الميّت ، والمفروض أنّ الورثة إخوة ثلاثة ، فالمال يقسّم بينهم أثلاثا ، لكلّ منهم ثلث ، وهو سدسان من الستة ، فأحد سدسي الأخ المقرّ له عند أخيه المقرّ ، وسدسه الآخر عند المنكر. وحيث إنّه ذو اليد ـ ويده حجة شرعية على ملكية هذا السّدس له ـ فلا موجب لانتزاعه عن يده ، فيعدّ هذا السدس محسوبا على المقرّ والمقرّ له ، لكون الضرر بمقتضى قاعدة الشركة عليهما.

وبالجملة : فليس على المقرّ دفع السدس فقط ، بل عليه دفع نصف ما بيده إلى المقرّ له ، وذلك النصف ربع الستة أسهم.

(١) أي : يكون التلف عليهما ، فالسدس الذي يكون عند المنكر ـ وهو ملكه ظاهرا لأجل اليد ـ يعدّ تالفا ، فيحسب عليهما ، لأنّه مقتضى «كل ما توى توى عليهما» لا على المقرّ له فقط.

(٢) وهو ما أفاده بقوله : «نعم يمكن أن يقال» الذي محصّله : احتساب السدس الذي بيد المنكر على المقرّ له فقط.

وملخص وجه ضعف هذا الاحتمال : أنّ الإقرار الذي هو إخبار عن الواقع إن كان صدقا فهو بمنزلة العلم بالواقع ، ومن المعلوم أنّ مقتضى الواقع هو كون ما في يد المقرّ على حسب إقراره بالمناصفة بينه وبين المقرّ له ، إذ المفروض عدم تقسيم المال بعد ، ولا ريب في أنّ الإشاعة تقتضي ورود الربح والخسارة على الشركاء بنسبة حصصهم.

وعليه فلا وجه لدفع سدس ما بيد المقرّ إلى المقرّ له ، بل اللازم دفع النصف.

هذا حال المقرّ. وأمّا الأخ المنكر العالم فيكون المال الذي بيده مشتركا ، ولا يحلّ له إلّا بمقدار حصته ، وهو اثنان من الستة ، والزائد وهو السدس حقّ للمقرّ والمقرّ له.

(٣) تعليلية متعلقة ب «ضعف» وبيان لضعف الاحتمال ، وهو مؤلف من أمرين :

أحدهما : أنّ نفوذ الإقرار شرعا يقتضي ترتيب آثار الواقع على المقرّ به.


الإقرار معاملة المقرّ مع المقرّ له بما (١) يقتضيه الواقع الذي أقرّ به (٢) ، ومن المعلوم أنّ مقتضى الواقع ـ لو فرض العلم بصدق المقرّ ـ هو كون ما في يده على حسب إقراره بالمناصفة (*). وأمّا المنكر عالما (٣) فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحلّ له منه إلّا ما قابل حصّته عمّا في يدهما ، والزائد (٤) حقّ لهما عليه.

______________________________________________________

ثانيهما : أنّ مقتضى هذا الواقع المقرّ به كون ما بيده مشاعا بينه وبين المقرّ ، فيلزم ترتيب أثره.

(١) متعلق ب «معاملة».

(٢) من كون ثلث المال للمقرّ له.

(٣) وأما المنكر جاهلا بالحال فكذا يكون ما بيده مشتركا ، لكنه لا يخاطب بالتكليف وإن خوطب بالوضع.

(٤) أي : الزائد عن حصة المنكر ـ وهو السدس ـ حقّ للمقرّ والمقرّ له على المنكر.

فالنتيجة من تضعيف احتمال احتساب السدس الذي عند المنكر على المقرّ له وحده ـ وعدم وجوب دفع المقرّ نصف ما بيده إلى المقرّ له ، وكفاية دفع ثلث ما بيده إليه ـ هي : لزوم دفع نصف ما في يده إليه ، وهو ربع الستة.

__________________

(*) لم يظهر مراده قدس‌سره ، فإنّ مرجع إقراره إلى كون العين أثلاثا بنحو الإشاعة بين الثلاثة ، ومقتضاه كون الزائد على ما يستحقه ـ وهو سهم واحد من الثلاثة التي بيده ـ للمقرّ له ، لا نصف ما بيده ، فإن الإقرار بالثلث ينفذ في نصف الثلث وهو السدس ، والسدس الآخر في سهم الشريك المنكر.

وكونه كالتالف لعدم انتزاعه عنه ـ لعدم نفوذ إقرار المقرّ في حقه ، ولأماريّة يده على الملكية ـ لا يوجب أن يكون ضمانه على المقرّ والمقرّ له ، بل يرد الضرر على خصوص المقرّ له ، لأنّه جزء حقه على تقدير صدق الإقرار ولو على الإشاعة ، فإنّ إذن الشارع في تصرف الشريك المنكر إفراز لنصيبه ، ولذا لا ينتزع السّدس الفاضل الذي عنده عنه ، وأخذ السدس عن المقرّ إنّما هو لأجل إقراره النافذ عليه.


وأمّا مسألة الإقرار بالنسب (١) ، فالمشهور وإن صاروا إلى ما ذكر (٢) ، وحكاه الكليني عن الفضل (٣) بن شاذان على وجه الاعتماد ، بل ظاهره جعل فتواه كروايته ، إلّا أنه (٤) صرّح جماعة ممّن تأخّر عنهم بمخالفته ،

______________________________________________________

(١) هذه المسألة هي التي جعلها المصنف قدس‌سره مؤيّدة احتمالية ـ لضمان المقرّ للمقرّ له ثلث ما بيده ـ بقوله : «ولعلّه لذا ذكر الأكثر بل نسبه في الإيضاح .. إلخ».

ومحصل ما أفاده في تضعيفه : أنّ المشهور وإن ذهبوا إلى أنّه إذا أقرّ أحد الأخوين بأخ ثالث دفع إلى الأخ الثالث السدس الزائد عما يستحقّه ، وهو الواحد أعني ثلث ما بيده لا نصف ما بيده ، وحكاه الكليني عن الفضل على وجه الاعتماد لا مجرد النقل. لكنه صرّح جماعة من المتأخرين بمخالفة هذا الحكم المشهوري للقاعدة ، أي قاعدة الإقرار المقتضية لإعطاء المقرّ نصف ما بيده ـ وهو ربع ستة أسهم ـ لا ثلثه أعني الواحد الذي هو سدس الستة.

(٢) من إعطاء المقرّ ثلث ما بيده لا نصفه.

(٣) هو من أصحاب أبي جعفر الثاني ، وقيل الرضا عليهما‌السلام أيضا ، وكان ثقة ، ومن الفقهاء والمحدثين.

قال ثقة الإسلام قدس‌سره في باب الإقرار بوارث آخر ـ ما لفظه : «قال الفضل بن شاذان : إن مات رجل وترك ابنتين وابنين .. وإن ترك ابنين ، فادّعى أحدهما أخا ، وأنكر الآخر ، فإنّه يردّ هذا المقرّ على الذي ادّعاه ثلث ما في يديه» (١).

(٤) الضمير للشأن ، حاصله : أنّ المشهور وإن ذهبوا إلى إعطاء المقرّ ثلث ما بيده لا نصفه ، إلّا أنّ جماعة من متأخري عصر هذين المحدّثين الجليلين خالفوا المشهور ، وذهبوا إلى إعطاء المقرّ نصف ما بيده. قال السيد العاملي قدس‌سره ـ بعد حكاية قرب الاختصاص بنصيب المقرّ كالبيع عن التحرير ـ ما لفظه : «وقوّاه في الكفاية تبعا لنهاية المرام ، تبعا للمسالك في آخر الباب ، حيث قال : لعلّه أجود. وقد رجّح قبل ما عليه الأصحاب. وفي الرياض : انه لا يخلو عن قوة» (٢).

__________________

(١) الكافي ، ج ٧ ، ص ١٦٦ و ١٦٧.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٣٤٨.


للقاعدة (١) ، حتّى (٢) قوّى في المسالك الحمل على الإشاعة ، وتبعه سبطه (٣)

______________________________________________________

(١) أي : قاعدة الإقرار القاضية بلزوم إعطاء نصف ما بيده إلى المقرّ له ، لا ثلث ما بيده.

(٢) هذا ترقّ ، يعني : أنّ الشهيد الثاني قدس‌سره قوّى إعطاء المقرّ نصف ما بيده إلى المقرّ له ، فإنّ الإشاعة تقتضي أن يكون النصف الذي يكون بيد المقرّ ـ وهو الثلاثة من الستة ـ منصّفا بينه وبين المقرّ له ، فإنّ الموجود من التركة بمقتضى إقرار المقرّ مشاع بينهما ، فتأمّل.

وهذا المطلب قد أفاده في شرح قول المحقق : «لو أقرّ بزوج للميّتة ، ولها ولد ، أعطاه ربع نصيبه ، وإن لم يكن لها ولد أعطاه نصفه» فقال الشهيد الثاني قدس‌سره : «فلو كان المقرّ أحد الأبوين مع البنت ، دفع إليه نصف الثمن ، لأنّ نصيبه على تقدير عدم الزوج الربع اثنا عشر من ثمانية وأربعين ، وعلى تقدير وجوده تسعة ، فالتفاوت بينهما ثلاثة هي نصف الثمن. ويمكن تنزيل كلام الجماعة هنا على حمل الإقرار على الإشاعة ، فيقتضي الإقرار بالزوج أن يكون له في كلّ شي‌ء ربعه أو نصفه .. وهذا حسن ، إلّا أنه لا يطابق ما سلف من الفروض ، فإنّهم لا ينزّلوها على الإشاعة ، فلا بدّ من تنقيح الحكم في أحد الجانبين. ولعلّ ما ذكروه هنا أجود ممّا سلف ، لأنّ الوارث يستحق في كل جزء من أجزاء التركة سهمه ، فلا يختصّ بفرضه في بعض دون بعض» (١).

والمحقق الثاني نبّه على الإشكال أيضا ، لكنه رجّح الالتزام بما قاله الأصحاب ، فراجع (٢).

(٣) وهو السيّد الفقيه السيّد محمّد العاملي صاحب المدارك قدس‌سره ، حيث قال : «وقيل : انّ النصف يقسّم بين المقرّ والثالث بالسويّة ، لاعتراف المقرّ بأنّه لا يستحق زيادة عن الثالث .. وإلى هذا القول ذهب جدّي قدس‌سره في المسالك في آخر هذا البحث ، مع أنّه رجّح المشهور أوّلا ، وقوّة هذا القول ظاهرة» (٣).

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ١١ ، ص ١٤٤ ، شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١٥٩.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٣٥٦ و ٣٦٩.

(٣) نهاية المرام (مخطوط) ، ص ٤٣٠ ، لم يطبع كتاب الإقرار من هذا الكتاب ـ مع الأسف ـ اعتمادا على اشتمال مجمع الفائدة على باب الإقرار ، كما صرّح به لجنة التحقيق ، فلاحظ مقدمة نهاية المرام ، ج ١ ، المقدمة ص ٦.


وسيّد (١) الرياض في شرحي النافع (٢).

والظاهر أنّ مستند المشهور (٣) بعض الروايات الضعيفة المنجبر (٤) بعمل أصحاب الحديث ، كالفضل والكليني ، وغيرهما (٥) ، فروى الصدوق مرسلا والشيخ مسندا (٦) عن أبي البختري (١) وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل مات وترك ورثة فأقرّ أحد الروثة بدين على أبيه : أنّه (٧) يلزم ذلك (٨) في حصّته بقدر (٩) ما ورث ،

______________________________________________________

(١) وهو الفقيه العظيم السيّد علي الطباطبائي قدس‌سره.

(٢) هما شرحان للمختصر النافع ، أحدهما لصاحب المدارك ، والآخر لصاحب الرياض (٢).

(٣) القائلين بإعطاء الثلث للمقرّ له دون نصف ما بيد المقرّ.

(٤) صفة ل «بعض» وانجبار ضعف السند بعمل المشهور هو المشهور المنصور.

(٥) كالصدوق وشيخ الطائفة والحميري.

(٦) قال في الوسائل : «محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبي عبد الله عن السندي بن محمّد عن أبي البختري وهب بن وهب».

(٧) مفعول به ل «قضى» فهو مأوّل بالمصدر ، وضمير «أنّه» للشأن.

(٨) أي : يلزم الدين المقرّ به في حصة المقرّ بمقدار ما ورث ، فإذا أقرّ أحد الورثة بدين على المورّث ـ كأربعين دينارا ـ وكان الوارث أخوين ، فحصّة المقرّ من التركة نصفها ، فيلزم عليه أن يدفع نصف الدّين إلى الدائن.

فيستفاد من هذه الجملة من الرواية ورود الضرر ـ في مسألة الإقرار بالدّين ـ على خصوص المقرّ بالدين ، بنسبة سهمه من التركة من النصف أو الثلث أو غيرهما.

(٩) أي : بنسبة حصّته من الكسور كالثلث وغيره من التركة.

__________________

(١) كذا في الوسائل ، وبعض نسخ الكتاب ، وفي النسخة المصححة «عن وهب بن وهب أبي البختري».

(٢) رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٢٤٦ ، وكذلك لاحظ كفاية الأحكام للفاضل السبزواري ، ص ٢٣٢.


ولا يكون ذلك (١) في ماله كلّه. وإن أقرّ اثنان من الورثة ، وكانا عدلين أجيز ذلك (٢) على الورثة ، وإن لم يكونا عدلين ألزما في حصّتهما (١) بقدر ما ورثا. وكذلك (٣) إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت إنّما يلزمه في حصّته» (٢).

______________________________________________________

(١) أي : لا يكون الدّين ـ الذي أقرّ به أحد الورثة على أبيه ـ في جميع مال الميت.

(٢) أي : ذلك الدين كلّه على جميع الورثة ، لقيام البينة على الدّين ، لا على خصوص المقر.

(٣) يعني : وكذلك في إلزام المقرّين بالدفع ـ بقدر ما ورثا ـ إقرار بعض الورثة بأخ إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت ، فإنّه يلزمه في حصّته لا في جميع مال الميت.

ومحل الشاهد قوله : «وكذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت» فإنّ مقتضى تشبيهه بالدين هو : أنّ للمقرّ له ثلث التركة ، لكون الورثة بمقتضى إقرار المقرّ إخوة ثلاثة ، ولكل منهم ثلث التركة وهو اثنان من الستة ، والمقرّ يدفع ثلث ما بيده من الثلاثة ، وهو الواحد من الستة ، فإنّ نسبة هذا الواحد ـ الذي هو سدس الستة ـ إلى الثلاثة التي بيده نسبة نصيبه إلى التركة وهو الثلث. وعلى الأخ الآخر دفع ثلث ما بيده من الثلاثة وهو الواحد أيضا إلى المقرّ له حتى يكمل نصيبه وهو ثلث التركة.

وبالجملة : فتشبيه الإقرار بالأخ والأخت بالإقرار بالدّين على الميت يقتضي أن يكون ذلك في حصّة المقرّ بقدر ما ورث ، فلا ينبغي الإشكال في الاستشهاد بقوله عليه‌السلام : «وكذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت» على مذهب المشهور من دفع المقرّ ثلث ما بيده ، لا دفع نصف ما بيده ، وهو الواحد والنصف الذي هو ربع الكل.

فالمناقشة في الاستدلال به في حاشية السيد قدس‌سره بما حاصله : «سكوت الرواية عن مقدار الضرر الوارد على المقرّ في قوله عليه‌السلام : إنّما يلزمه ذلك في حصته ، وعدم دلالتها إلّا

__________________

(١) كذا في وسائل الشيعة ، وبعض نسخ الكتاب ، وما في كثير منها من «حقهما» لعلّه من سهو الناسخ.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٤٠٢ ، الباب ٢٦ ، ح ٥.


وبالإسناد (١) : قال : قال علي عليه‌السلام : «من أقرّ لأخيه فهو شريك في المال ، ولا يثبت نسبه. فإن أقرّ اثنان (٢) فكذلك ، إلّا أن يكونا عدلين ، فيثبت نسبه ، ويضرب في الميراث معهم» (١).

وعن قرب الإسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد ، وتمام الكلام في محلّه من كتاب الإقرار والميراث إن شاء الله تعالى.

______________________________________________________

على أنّ الضرر في حصته بدون تعيين مقداره» (٢) مندفعة بعدم قصور التشبيه بالدّين عن الدلالة على مقدار الضرر الوارد على المقرّ ، وهو كون الضرر في حصته بقدر ما ورث.

نعم دعوى قصور الدلالة على مقدار الضرر الوارد على المقرّ في الرواية الثانية في محلها ، لعدم دلالة قوله عليه‌السلام : «فهو شريك في المال» على مقدار الشركة في المال.

لكن الرواية الأولى صالحة لرفع إجماله ، وتعيين مقدار الشركة في المال.

(١) أي : الإسناد السابق الذي كان مسندا عن أبي البختري.

(٢) يعني : إنّ أقرّ اثنان بأخ ، فالمقرّ له شريك في حصة المقرّين بمقدار ما ورثه كلّ واحد منهما ، من دون أن يثبت نسبه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٤٠٢ ، الباب ٢٦ ، ح ٦.

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٩٦.


مسألة (١)

لو باع ما يقبل التملّك وما لا يقبله ـ كالخمر والخنزير (*) ـ صفقة (٢) بثمن

______________________________________________________

بيع ما يملك وما لا يملك

(١) هذه المسألة ذكرت استطرادا ، وليست مرتبطة بمسائل العقد الفضولي إلّا بناء على شمولها لبيع ملكه مع ملك الغير.

(٢) أي : في عقد واحد ، لا بيع كل منهما بعقد مستقل وثمن واحد لكليهما أعني المملوك وغيره.

__________________

(*) هذان مثالان لما لا يكون مالا شرعا ويكون مالا عرفا. والظاهر أنّ العنوان أعمّ من ذلك ، فكلّ ما لا يقبل التملك سواء أكان لعدم ماليته شرعا مع كونه مالا عرفا كالخمر والخنزير ، أم لعدم ماليته عرفا أيضا كالخنافس ، فإنّه لا إشكال في عدم صحة البيع في كلتا الصورتين في ما لا يقبل التملك مطلقا.

وإن شئت فقل : إنّ عدم التملك تارة يكون لعدم قابليّته ذاتا للتملك ، سواء أكان مالا عرفا كالخمر والخنزير أم لم يكن كالخنافس. واخرى لعارض كالوقف ، فإنّه يسقط العين الموقوفة عن صلاحية التملّك ، مع صلاحية الموقوفة كالأرض ذاتا للتملك ، إلّا أنّ عروض عنوان الوقف عليها أسقطها عن هذه الصلاحية فعلا.

وكيف كان فقد استدلّ على صحة بيع المملوك وعدم صحته في غير المملوك بإطلاق المكاتبة الشامل لبيع المملوك وغيره.

وقد أورد على الاستدلال به بوجوه :

أحدها : انصراف الإطلاق إلى بيع ماله مع مال غيره ، لا مع غير المملوك ، فهو دليل على مسألة بيع ماله مع مال غيره.


واحد ، صحّ (١) في المملوك «عندنا» كما في جامع المقاصد ، و «إجماعا» كما عن الغنية (٢).

______________________________________________________

(١) هذا جواب «لو» وحاصله : أنّ البيع صحيح «عندنا» في ما يقبل التملك ، كما في جامع المقاصد. لكن لم أظفر به ـ بعد الفحص في مواضع منه ـ كما لم أجد نسبته إليه في مفتاح الكرامة والجواهر.

ولعلّ المصنف ظفر به في غير هذه المسألة ، وهي بيع ما يملك وما لا يملك. أو استفاد الحكم من كلام المحقق الثاني قدس‌سره في بيع المملوك وغير المملوك ، وهو : «فلا سبيل إلى القول بالبطلان في الأخير عندنا» فراجع (١).

(٢) يعني : ادّعى السيد ابن زهرة الإجماع صريحا على بيع ما يجوز بيعه إذا بيع معه ـ في صفقة واحدة ـ ما لا يجوز بيعه. فقال : «ويدل على ذلك بعد إجماع الطائفة ظاهر قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)» (٢).

__________________

ثانيها : كون البيع غرريا ، لعدم العلم بمقدار الثمن المقابل للجزء المملوك.

ثالثها : تخلف القصد ، لأنّ ما قصد ـ وهو بيع المجموع ـ لم يقع ، وما وقع وهو بيع المملوك لم يقصد.

رابعها : أنّ اللفظ الواحد لا يقبل التبعيض. وفساد الجزء غير المملوك يسري إلى الجزء المملوك ، فيبطل البيع في الجميع.

خامسها : أنّ الجمع بين بيع ما يقبل التملك وما لا يقبله كالجمع بين الأختين في عقد واحد.

والكلّ كما ترى. إذ في الأوّل ما مرّ في التوضيح.

وفي الثاني : أنّ الغرر المبطل للبيع هو ما إذا كان ذاتا لا عرضا ، كحكم الشارع بعدم وقوع بعض الثمن بإزاء المبيع.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٤٣٢.

(٢) الجوامع الفقهية ، ص ٥٢٣ ، الغنية ، ص ٢٠٩.


ويدلّ عليه إطلاق مكاتبة الصفّار المتقدّمة (١).

______________________________________________________

(١) في أدلة بطلان بيع الفضولي ، وهي : روى الشيخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفار «أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن بن على العسكري عليهما‌السلام : في رجل باع قرية ، وإنّما له فيها قطاع أرضين ، فهل يصلح للمشتري ذلك ، وقد أقرّ له بكلّها. فوقّع عليه‌السلام : لا يجوز

__________________

مضافا إلى ما قيل من : أنّ الغرر القادح في صحّة البيع هو الغرر في حال التسليم والتسلم ، لا حال العقد كما فيما نحن فيه ، لارتفاع الغرر بالتقسيط.

لكنه مشكل ، إذ لازمه صحة بيع كل مجهول يؤول إلى العلم به بعد ذلك. مع القطع بفساده.

وفي الثالث : أنّ قصد بيع المملوك موجود ، لكنه ضمنا لا مستقلّا ، ولا دليل على اعتبار استقلال القصد في العقود. فالانحلال هنا كانحلال التكاليف.

نعم تخلف وصف الانضمام يوجب الخيار في تبعض الصفقة الناشئ من تخلف الشرط الضمني.

وفي الرابع : أنّ اللفظ الواحد إذا أنشأ به أمور متعددة فلا مانع من تبعيضها ، إذ المدار في الانحلال على تعدد متعلق الإنشاء ، كقوله : «أكرم العلماء» فإنّ الأمر ينحل بتعدد العلماء. «فبعت المملوك وغيره» ينحلّ الى بيعين : أحدهما يتعلق بالمملوك ، فيصح ، والآخر : بغير المملوك ، فيبطل.

ويكفي دليلا على الانحلال في مقام الإثبات قوله عليه‌السلام في المكاتبة المزبورة : «وقد وجب الشراء على ما يملك» وإن لم يحتج ذلك إلى مثل هذه المكاتبة ، لكونه من الأمور الارتكازية العقلائية الدائرة بينهم.

وفي الخامس : أنّ فساد عقد الأختين جمعا يستلزم بطلان عقد إحداهما أيضا ، لعدم ترجيح إحداهما على الأخرى. بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ بطلان عقد المجموع لا يقتضي بطلان عقد خصوص المملوك الجامع لشرائط الصحة ، الأجنبي عن الترجيح بلا مرجح.

وإن شئت فقل : انّ الجمع بين الأختين لمّا كان من تقارن السببين المتزاحمين في التأثير ـ مع تساويهما في اقتضائه ـ فلا محالة يسقطان عن التأثير. ومعه يكون المانع عنه ثبوتيا ، فلا مجال لاختيار أحد العقدين بالقرعة كما قيل.


ودعوى (١) انصرافه (٢) إلى صورة كون بعض القرية المذكورة فيها مال الغير ، ممنوعة (٣) (*) ،

______________________________________________________

بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء على ما يملك» (١).

فإنّ إطلاق «ما ليس يملك» ـ الناشئ من ترك الاستفصال ـ يشمل ما لا يكون قابلا في نفسه للتملك كالوقف ، وما لا يكون قابلا له لكونه مملوكا للغير. وقوله عليه‌السلام : «وقد وجب الشراء على ما يملك» يدل على صحة البيع فيما يملكه البائع.

(١) هذا إشكال على إطلاق قوله عليه‌السلام : «لا يجوز بيع ما ليس يملك» وحاصله : أنّ هذا الإطلاق منصرف إلى خصوص بيع مال الغير مع مال نفسه ، فلا يشمل بيع ما يملكه مع ما لا يقبل التملك. وذلك خلاف فرض المسألة ، وهو بيع ما يملكه مع ما لا يصلح للتملك.

(٢) أي : انصراف إطلاق المكاتبة إلى صورة .. إلخ.

(٣) خبر «دعوى» ودفع لها ، ومحصل الدفع : أنّه لا وجه للانصراف المزبور ، حيث إنّ منشأه غلبة وجود الملك على الوقف ، ومثل هذا الانصراف لا يصلح لتقييد الإطلاق. هذا.

مضافا إلى : أنّه يحتمل أن يكون «يملك» في قوله عليه‌السلام : «لا يجوز بيع ما ليس

__________________

(*) بل الظاهر أنّ السؤال عن بيع ما يملكه من القرية منضمّا إلى ملك الغير. فالمراد من قوله عليه‌السلام : «ليس يملك» ـ بناء على قراءة «يملك» مبنيّا للفاعل كما هو الظاهر ـ مال الغير الّذي لا يملكه البائع ، فتكون المكاتبة دليلا على صحة بيع مال نفسه مع مال الغير ، لا بيع ما يقبل التملك مع ما لا يقبله الذي هو مفروض مسألتنا.

وبالجملة : فلا إطلاق في البين حتى يتجه دعوى انصرافه إلى كون بعض القرية مال الغير ، بل هو ظاهر الكلام.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٥٢ ، الباب ٢ ، ح ١. والصفار من أصحاب أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما‌السلام ، وتقدمت الرواية في ج ٤ من هذا الشرح ، ص ٤٨٨.


بل (١) لا مانع من جريان قاعدة الصحّة ـ بل اللزوم ـ في العقود ، عدا ما يقال (٢) من : أنّ التراضي والتعاقد إنّما وقع على المجموع الذي لم يمضه الشارع قطعا ، فالحكم بالإمضاء (٣) في البعض

______________________________________________________

يملك» بصيغة المجهول. فإن كان كذلك كانت دلالته أظهر ، ولا يبقى موضوع لدعوى الانصراف.

(١) لم يظهر وجه لهذا الإضراب. فلعلّ الأولى إبداله ب «فلا مانع» متفرعا على شمول إطلاق المكاتبة للمسألة ، يعني : بعد أن صار بيع الجزء المملوك مشمولا لإطلاق المكاتبة لم يكن مانع من التمسك بالأدلة العامة أيضا على صحته ولزومه ، من «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» و «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» وغيرها.

(٢) هذا أحد موانع الصحة في بيع مال نفسه مع ما لا يقبل التملك ، ومحصله : أنّ شرط صحة التجارة بالنسبة إلى بيع المملوك ـ وهو التراضي ـ مفقود ، ضرورة أنّ التراضي وقع على المجموع من بيع المملوك وغيره ، ولم يقع على خصوص بيع البعض المملوك حتى يصحّ.

وليعلم أنّ هذا الاشكال هو الذي أشير إليه في بيع الفضولي (١) مال نفسه منضما إلى مال غيره. وقد ذكره في جامع المقاصد وجها لتقوية العلّامة بطلان البيع بالشرط الفاسد حتى إذا لم يستلزم الجهل بأحد العوضين. ثم نقض المحقق الثاني عليه باستلزامه بطلان البيع في موردين آخرين ، أحدهما : بيع المملوك وغير المملوك ، والآخر : بيع موصوف عند تخلف الوصف ككتابة العبد. مع أنّهم لم يلتزموا بفساد البيع فيهما ، ثم قال : «مع أن التراضي لم يتحقق إلّا على الوجه الذي ليس بواقع. وفي الفرق بينهما عسر» (٢).

(٣) يعني : فحكم الشارع بإمضاء بيع البعض المملوك وصحته ـ مع عدم كونه مقصودا إلّا في ضمن المركّب من المملوك وغيره ـ يحتاج إلى دليل خاص غير الأدلة العامّة الدالة على حكم العقود والشروط والتجارة عن تراض. وذلك الدليل الخاص هو الإجماع أو النص.

__________________

(١) لاحظ : هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ٦٠٢.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٤٣١ و ٤٣٢.


ـ مع عدم كونه (١) مقصودا إلّا في ضمن المركّب ـ يحتاج إلى دليل آخر (*) غير ما دلّ على حكم العقود والشروط والتجارة عن تراض ، ولذا (٢) حكموا بفساد العقد بفساد شرطه. وقد نبّه عليه (٣) في جامع المقاصد في باب فساد الشرط ، وذكر (٤) «أنّ في الفرق بين فساد الشرط والجزء عسرا» (٥).

______________________________________________________

(١) يعني : مع عدم كون البعض المملوك مقصودا بالاستقلال ، بل هو مقصود في ضمن المجموع المركّب من المملوك وغيره ، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

(٢) أي : ولاحتياج الحكم بإمضاء البيع في البعض المملوك إلى دليل آخر ـ غير الأدلة العامة الدالة على صحة العقود والشروط ـ حكم الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم بفساد العقد بفساد شرطه ، كما نبّه على ذلك في جامع المقاصد في باب فساد الشرط ، وقال : «انّ في الفرق بين الشرط والجزء ـ كالمقام ، لعدم جواز بيع غير المملوك الذي هو جزء المبيع ـ عسرا».

(٣) أي : نبّه على فساد العقد بفساد الشرط المحقق الثاني قدس‌سره في جامع المقاصد.

(٤) أي : ذكر صاحب جامع المقاصد رفع مقامه : أنّ في الفرق .. إلخ.

(٥) لأنّ الشرط مع خروجه عن حقيقة العقد إن كان فساده مفسدا للعقد كان فساد الجزء كالمقام مفسدا للعقد بطريق أولى ، مع أنّهم يقولون بصحة البيع في الجزء المملوك.

__________________

(*) نعم ، لكن يكفي إطلاق المكاتبة في كونه دليلا على ذلك ، حيث إنّها ـ بعد البناء على حجيّتها وتسليم إطلاقها ـ واضحة الدلالة على صحة بيع البعض المملوك ، وانحلال بيع المجموع إلى بيعين بيع المملوك وبيع غيره. بل مع هذا الإطلاق لا حاجة إلى التمسك بعمومات الصحة.

فالإشكال على صحة بيع المملوك «بانتفاء شرط الصحة ، وهو وجود الرضا ببيع البغض بالخصوص ، بل عدم المقتضي لعدم تحقق عقد وبيع بالنسبة إلى المملوك» مندفع بقوله عليه‌السلام في المكاتبة المتقدمة : «وقد وجب الشراء على ما يملك» فإنّه يثبت البيع والعقد بالنسبة إلى المملوك وإن لم يقصد بيعه مستقلا.


وتمام الكلام في باب الشروط (*).

ويكفي هنا (١) الفرق بالنصّ والإجماع.

نعم (٢) ربما يقيّد

______________________________________________________

(١) يعني : ويكفي النصّ والإجماع في الفرق بين الجزء الفاسد الذي لا يفسد البيع في هذه المسألة التي يكون أحد جزئي المبيع فيها ما لا يقبل التملك ، وبين الشرط الفاسد الذي يفسد العقد.

أما النصّ فهو صحيح الصفار المتقدم. وأمّا الإجماع فهو ما أشار إليه المصنف قدس‌سره بقوله في صدر المسألة : «صحّ في المملوك عندنا .. وإجماعا كما عن الغنية».

وبالجملة : فعدم مفسدية الجزء الفاسد للعقد في هذه المسألة مستند الى النص والإجماع.

(٢) استدراك على إطلاق صحة بيع المملوك ، وحاصله : أنّه قيّد بعض الفقهاء صحة البيع في المملوك وبطلانه في غير المملوك بصورة جهل المشتري بعدم كون الجزء الآخر

__________________

(*) وإجماله أوّلا : أنّ مفسدية الشرط الفاسد للعقد ممنوعة ، لعدم كون الشرط قيدا لأصل البيع حتى ينتفي المنشأ بانتفائه ، كتعليق الملكية والتدبير على الموت. بل التزام في ضمن الالتزام العقدي. ففساد الشرط لا يفسد الالتزام العقدي ، بل يوجب الخيار. فمفسدية الشرط الفاسد للعقد غير ثابتة حتى يقاس عليه فساد الجزء.

وثانيا : أنّه ـ بعد تسليم مفسدية الشرط الفاسد للعقد ـ لا يقاس عليه الجزء الفاسد ، لكونه مع الفارق ، حيث إنّ الشرط لا يقع بإزاء شي‌ء من الثمن وإن أوجب زيادة في مالية المشروط ، ككتابة العبد ، والعقد إنّما وقع على المشروط به. ففاقد الشرط لم يقع عليه العقد ، فيبطل بيع العبد المشروط بالكتابة مع انتفائها.

وهذا بخلاف الجزء الفاسد ، فإنّه يقع بإزائه الثمن ، فإذا فسد بطل البيع بالنسبة إلى الجزء الفاسد ـ وهو الجزء غير المملوك ـ بماله من الثمن الذي يخصّه ، سواء أكان بيع الجزء المملوك صحيحا أم فاسدا ، لعدم ارتباط بينهما عينا وثمنا.

وثالثا : أنّ الفارق بين الجزء والشرط هو النصّ والإجماع كما أشار إليه في المتن.


الحكم (١) بصورة جهل المشتري (٢) (*) ، لما (٣) ذكره في المسالك (١) وفاقا للمحكيّ في

______________________________________________________

من المبيع قابلا للتملك. مستدلّا على ذلك بما حاصله : أنّه مع علم المشتري بعدم كون بعض المبيع مملوكا للبائع يلزم فقدان شرط من شروط صحة البيع ، وهو العلم بمقدار الثمن الواقع في مقابل الجزء المملوك من المبيع ، فيصير البيع حينئذ غرريّا ، وهو منهي عنه.

(١) أي : يقيّد الحكم بصحة البيع ـ في الجزء المملوك ـ بصورة جهل المشتري بعدم كون بعض المبيع غير قابل للتملك.

(٢) أي : جهله بعدم مملوكية جزء من المبيع.

(٣) تعليل لتقييد الحكم بصورة جهل المشتري ، وقد مرّ آنفا محصل هذا التعليل بقولنا : «مستدلا على ذلك بما حاصله».

قال العلّامة قدس‌سره : «لو كان المشتري جاهلا بأن المضموم ملك الغير أو حرّا أو مكاتبا أو أمّ ولد ، ثم ظهر له ، فقد قلنا : إنّ البيع يصحّ في ما هو ملكه ، ويبطل في الآخر إن لم يجز المالك. ويكون للمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء فيما يصحّ بيعه بقسطه من الثمن ، لأنّه لم يسلم له المعقود عليه ، فكان له الفسخ. ولو كان عالما صحّ البيع أيضا ولا خيار له. وقطع الشافعي بالبطلان في ما إذا كان عالما .. وليس بعيدا عندي البطلان .. إلخ» ما في المتن.

ووافقه في هذا التقييد جماعة كالفاضل الآبي والسيوري والشهيدين. بل قال السيد العاملي قدس‌سره : «وقد يظهر ذلك من الباقين أو يلوح منهم ..» (٢).

__________________

(*) اعتبار الجهل بمملوكية بعض العوضين لا يختص بالمشتري ، بل لا بدّ من اعتباره في كلا المتبايعين حتى يكون اعتقاد مملوكية كلا الجزءين موجبا لحصول الإنشاء بثمن معلوم ، إذ مع العلم بعدم مملوكية بعض المبيع لا يعلم الثمن حين الإنشاء ، فالتقييد بالمشتري غير ظاهر.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٣ و ١٦٤.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٩ و ٢١٠.


التذكرة (١) عن الشافعي (٢) من (١) جهة إفضائه إلى الجهل بثمن المبيع (*). قال في التذكرة بعد ذلك (٢) «وليس عندي بعيدا من الصواب الحكم (٣) بالبطلان فيما إذا علم المشتري حرمة الآخر (٤) ،

______________________________________________________

(١) بيان ل «ما» الموصول في قوله : «لما ذكر في المسالك» وضمير «إفضائه» راجع إلى العلم المستفاد من المقام.

(٢) أي : بعد حكايته عن الشافعي الحكم بالصحة في صورة جهل المشتري.

(٣) اسم «ليس» ، و «بعيدا» خبره ، يعني : وليس الحكم بالبطلان عندي بعيدا عن الصواب.

(٤) أي : حرمة الجزء الآخر من المبيع كالخمر إذا بيع مع الخلّ.

__________________

(*) يمكن أن يقال : انّ الجهل المطلق بالثمن يختص بما إذا لم يكن لغير المملوك مالية عرفا ولا شرعا ، ومع هذا الجهل يكون إنشاء البيع العرفي متمشّيا.

واما إذا كان عالما بعدم كونه مالا عرفا وشرعا فلا يتمشى البيع إلا صوريا.

بخلاف ما إذا كان «ما لا يملك» غير مال شرعا لا عرفا كالخمر والخنزير ، فإنّ بيعهما مع «ما يملك» بيع عرفي وإن لم يعلم المشتري ما يقابل المملوك من الثمن ، بناء على أنّ الشرط هو العلم بالعوضين في المعاملة ، دون العوضين الواقعيّين اللذين نفذت معاملتهما.

فإطلاق حكم المشهور بصحة بيع المملوك مع غير المملوك يقيّد بما إذا كان المشتري جاهلا بعدم كون غير المملوك مالا لا عرفا ولا شرعا ، حتى يعتقد مملوكية كلا جزئي المبيع وينشأ العقد على الثمن المعلوم.

كما يقيّد إطلاق تقييد الحكم بصحة بيع المملوك بما إذا كان المشتري جاهلا بما لا يملك عرفا وشرعا. فإذا كان عالما بعدم مملوكيته شرعا لا عرفا ، فلا ضير في صحة بيع المملوك ، لحصول إنشاء البيع العرفي حينئذ ، وإن كان النافذ خصوص الإنشاء المتعلق بالجزء المملوك بما يخصّه من الثمن.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٥٦٥ ، ج ١١ ، ص.

(٢) راجع المجموع ، ج ٩ ، ص ٤٦٩ و ٤٧٣.


أو كونه (١) ممّا لا ينقل إليه (٢) بالبيع» انتهى.

ويمكن دفعه (٣) بأنّ اللازم هو العلم بثمن المجموع (٤) الذي قصد (٥) إلى نقله

______________________________________________________

(١) معطوف على «حرمة» يعني : إذا علم المشتري كون الجزء الآخر من المبيع ممّا لا ينقل إليه شرعا ، كما إذا كان وقفا وباعه مع ماله.

(٢) أي : إلى المشتري.

(٣) يعني : دفع إشكال العلامة ، وهو : أنّ علم المشتري بعدم قابلية بعض المبيع للتملك يفضي إلى الجهل بمقدار الثمن الواقع في مقابل ما يقبل التملك.

ومحصل هذا الدفع هو : أنّ الجهل الموجب للغرر المفسد للبيع ـ للإجماع والنبوي ، وهو نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر أو عن بيع الغرر ـ هو الجهل بتمام الثمن.

وأمّا إذا كان تمام الثمن معلوما وهو ما وقع بإزاء جميع المبيع ـ وإن كان مقدار كل جزء منه يقع في مقابل جزء من المبيع مجهولا ـ لم يكن ذلك غررا ، كما في جلّ البيوع بل كلها. فلا يقدح في المقام الجهل بمقدار ما يقع من الثمن بإزاء الجزء المملوك ، بعد حكم الشارع ببطلان البيع في الجزء غير المملوك ، فإنّ هذا الجهل الطارئ بحكم الشارع ببطلان البيع في بعض المبيع لا ينافي قصد المتعاقدين وقوع تمام الثمن بإزاء مجموع المبيع ، كما في بيع ماله مع مال غيره ، فإنّ البيع صحيح ، مع عدم العلم بما يقابل مال نفسه من الثمن.

ثم إنّ الجواب المزبور يستفاد أيضا من كلام صاحب الجواهر في ردّ تقييد الصحة بالجهل ، حيث قال : «وفيه : أنّ الغرر مدفوع بالعلم بالجملة كما عرفته في ضمّ المملوك إلى مملوك غيره ، الذي لا فرق فيه نصّا وفتوى بين رجاء الإجازة وعدمها ، والنهي إنما يفيد الفساد في الجهة التي تعلق بها ، لا مطلقا» فراجع (١).

(٤) أي : مجموع المبيع من المملوك وغير المملوك ، فإنّه مقصود ومعلوم للمتعاقدين.

(٥) أي : قصد المشتري إلى نقل ثمن المجموع وإن علم المشتري الناقل بعدم إمضاء الشارع لبيع المجموع ، إذ المفروض عدم إمضاء الجزء غير المملوك.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٢٠.


عرفا ، وإن علم الناقل بعدم إمضاء الشارع له ، فإنّ (١) هذا العلم غير مناف لقصد النقل [البيع] حقيقة. فبيع (٢) الغرر المتعلّق لنهي الشارع (٣) ـ وحكمه عليه بالفساد ـ هو ما كان غررا في نفسه مع قطع النظر عمّا يحكم عليه من الشارع.

مع (٤) أنّه لو تمّ ما ذكر لاقتضى صرف مجموع الثمن إلى المملوك ، لا البطلان (٥) ، لأنّ (٦) المشتري القادم على ضمان المجموع بالثمن (٧) ـ مع علمه بعدم سلامة البعض له ـ

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى دفع ما ذكره من التنافي بين العلم بعدم إمضاء الشارع لبيع الجزء غير المملوك ـ الموجب للجهل بثمن المملوك الذي هو الغرر ـ وبين قصد النقل حقيقة.

ومحصل الدفع : أنّ بيع الغرر المنهي عنه شرعا هو الغرر الذي حكم به العرف مع الغضّ عن حكم الشارع ، ومن المعلوم أنّ بيع الخلّ والخمر بثمن واحد ليس بيعا غرريا عرفا ، فيصح بيع الخلّ الذي هو المملوك.

(٢) هذا متفرّع على أنّ علم المشتري بعدم إمضاء الشارع لبيع مجموع المبيع ـ من المملوك وغيره ـ لا يوجب كون البيع غرريّا.

(٣) وهو نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر ، وضمير «عليه» راجع إلى بيع الغرر.

(٤) هذا جواب آخر عن إشكال العلامة قدس‌سره ، وهو : أنّه لو لم يقيد الحكم بصحة بيع المملوك بالجهل لأفضى إلى الجهل بالثمن.

توضيح هذا الجواب : أنّ مقتضى ما أفاده العلّامة قدس‌سره هو صحة بيع الجزء المملوك وجعل تمام الثمن بإزائه ، لا بطلان البيع رأسا ، وذلك لإقدام المشتري ـ العالم بعدم مملوكية بعض المبيع ـ على ضمان المملوك وحده بتمام الثمن ، إذ المفروض علم المشتري بذلك ، فقاعدة الإقدام تقتضي عدم ضمان البائع لشي‌ء من الثمن ، وكون جميعه بإزاء الجزء المملوك.

(٥) معطوف على «صرف» بالمفعولية ل «اقتضى».

(٦) تعليل لصرف مجموع الثمن إلى الجزء المملوك ، لا البطلان ، وقد مرّ توضيحه بقولنا : «وذلك لإقدام المشتري».

(٧) أي : بتمام الثمن مع علم المشتري بعدم سلامة بعض المبيع ، وهو الجزء غير المملوك له.


قادم (١) على (*) ضمان المملوك وحده بالثمن كما صرّح به (٢) الشهيد في محكيّ الحواشي المنسوبة إليه ، حيث قال : «إنّ هذا الحكم (٣) مقيّد بجهل المشتري بعين المبيع وحكمه (٤) ، وإلّا (٥) لكان البذل بإزاء المملوك ، ضرورة (٦) أنّ القصد إلى الممتنع كلا قصد» انتهى (١) (٧).

لكن ما ذكره (٨) رحمه‌الله مخالف لظاهر

______________________________________________________

(١) خبر «أن» في «لأنّ المشتري القادم».

(٢) أي : بضمان المملوك وحده بالثمن.

(٣) أي : الحكم بصحة البيع في المملوك ، وبطلانه في غير المملوك ، وتقسيط الثمن عليهما.

(٤) أي : جهل المشتري بالمبيع موضوعا وحكما.

(٥) أي : وإن لم يكن المشتري جاهلا ـ بأن كان عالما بالمبيع موضوعا وحكما ـ لكان الثمن كلّه بإزاء المملوك ، كالشاة المنضمة إلى الخنزير مثلا ، كما حكي عن حواشي الشهيد رحمه‌الله.

(٦) تعليل لكون تمام الثمن بإزاء الجزء المملوك مع علم المشتري بعدم مملوكية بعض المبيع ، وحاصله : أنّ قصد الشي‌ء الممتنع ـ وهو امتناع تملك بعض المبيع أعني به غير المملوك ـ كلا قصد.

(٧) والحاصل : أنّ الشهيد قدس‌سره قائل باختصاص الحكم بصحة البيع في المملوك ، وبطلانه في غيره ـ وتقسيط الثمن عليهما ـ بالجاهل بالمبيع موضوعا وحكما.

(٨) يعني : لكن ما ذكره العلامة قدس‌سره ـ من اختصاص الحكم بالجاهل ـ مخالف لما ذهب

__________________

(*) بل يمكن أن يقال : إنّه قادم على ضمان الجزء المملوك من المبيع بجزء من الثمن ، ودافع لجزئه الآخر بلا ضمان. لكن جهالة الجزء المدفوع على وجه الضمان تفسد البيع بالنسبة إلى الجزء المملوك أيضا.

__________________

(١) الحاكي لكلام الشهيد هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٩ و ٢١٠.


المشهور (١) ، حيث حكموا بالتقسيط ، وإن كان (٢) مناسبا لما ذكروه في بيع مال الغير من العالم (٣) «من (٤) عدم رجوعه بالثمن إلى البائع ، لأنّه (٥)

______________________________________________________

إليه المشهور من إطلاق الحكم بصحة بيع المملوك ـ المنضم إلى غير المملوك ـ لصورتي العلم والجهل بعدم مملوكية بعض المبيع ، حيث إنّ حكمهم بتقسيط الثمن المدفوع إلى البائع ـ بجعل مقدار منه إزاء المملوك ومقدار منه إزاء غير المملوك ـ يشهد بصحة بيع الجزء المملوك ، إذ مع فرض بطلانه لا معنى لجعل جزء من الثمن في مقابله ، بل لا بدّ من ردّ عينه إلى مالكه.

(١) قال في الجواهر : «وعلى كل حال فظاهر الأصحاب عدم الفرق في الصحة بين حالي العلم والجهل. كما أنّه لا فرق بين ما يصلح للمقابلة عند العصاة والكفار كالخمر والخنزير ونحوهما ، وبين ما لا يكون كذلك ، ولكن له نظير يقابل بالثمن كالحرّ» (١).

وظاهر العبارة الإجماع ، لكن المصنف اقتصر على الشهرة ، ولعلّه لأجل تصريح الشهيد وغيره بتقيّد الصحة في ما يملك بجهل المشتري.

(٢) يعني : وإن كان ما أفاده الشهيد قدس‌سره ـ من الفرق بين العلم والجهل ، بالبطلان في الأوّل ، والصحة في الثاني ـ مناسبا لما ذهب إليه المشهور في بيع مال الغير فضولا ، على ما تقدّم تفصيله في أحكام الرد من عدم رجوع المشتري ـ العالم بالغصبية ـ بالثمن على البائع ، معلّلا ذلك بأنّ المشتري سلّطه على إتلاف الثمن ، وهذا يناسب بطلان بيع مال الغير ، كبطلان بيع المملوك على ما أفاده العلّامة قدس‌سره (٢).

(٣) أي : من المشتري العالم بكون المبيع لغير البائع ، ومع ذلك يشتريه ، ويدفع الثمن إلى البائع.

(٤) بيان ل «ما» الموصول في قوله : «لما ذكروه».

(٥) هذا تعليل لعدم رجوع المشتري على البائع ، فإنّ المشتري سلّط البائع على

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٢٠.

(٢) لاحظ : هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ٥١٦.


سلّطه عليه مجّانا (١)» فإنّ (٢) مقتضى ذلك عدم رجوع المشتري بقسط غير المملوك. إمّا (٣) لوقوع المجموع في مقابل المملوك كما عرفت من الحواشي. وإمّا (٤) لبقاء ذلك القسط له (٥) مجّانا ، كما قد يلوح من جامع المقاصد والمسالك (١).

إلّا أنّك قد عرفت (٦) أنّ الحكم هناك لا يكاد ينطبق على القواعد.

______________________________________________________

الثمن مجّانا ، ومع التسليط المجّاني ليس للمشتري الرجوع على البائع بالثمن.

(١) ظاهر العبارة التزام المشهور بعدم رجوع المشتري العالم بغصبية المبيع مطلقا ، سواء أكان الثمن تالفا أم باقيا ، ولكن المراد صورة تلف الثمن بيد البائع ، وأما في صورة بقاء الثمن فله استرداده. قال المصنف في أحكام الرد : «وإن كان عالما بالفضولية ، فإن كان الثمن باقيا استردّه .. وأمّا لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري ، بل المحكي عن العلامة وولده والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم الاتفاق عليه» فراجع (٢).

(٢) يعني : فإنّ مقتضى ما ذكره المشهور في بيع مال الغير مع علم المشتري بكونه مال الغير ـ من عدم رجوع المشتري على البائع ، للتسليط المجاني ـ هو عدم رجوع المشتري على البائع بجزء من الثمن إزاء غير المملوك في فرض علمه بعدم مملوكية بعض المبيع.

(٣) هذا أحد فردي التعليل وهو كون الثمن في مقابل المملوك كما عن حواشي الشهيد المتقدمة آنفا.

(٤) هذا ثاني فردي التعليل.

(٥) أي : للبائع مجّانا ، لتسليط المشتري إيّاه على ما يقابل الجزء غير المملوك مجّانا.

(٦) في مسألة حكم المشتري مع الفضولي ، حيث قال في فرض تلف الثمن : «وبالجملة : فمستند المشهور في مسألتنا لا يخلو من غموض ، ولذا لم يصرّح أحد بعدم الضمان في بعتك بلا ثمن. مع اتفاقهم عليه هنا ..» (٣).

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٨٢ ـ ٨٣ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٤.

(٢) هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ٤٧٨ ـ ٤٨٣.

(٣) المصدر ، ص ٥٠٦.


ثمّ إنّ طريق تقسيط الثمن على المملوك وغيره يعرف ممّا تقدّم (١) في بيع ماله مع مال الغير من (٢) : أنّ العبرة بتقويم كلّ منهما منفردا ، ونسبة قيمة المملوك (٣) إلى مجموع القيمتين (٤).

لكنّ الكلام هنا (٥) في طريق معرفة قيمة غير المملوك (*)

______________________________________________________

طريق تقويم المملوك وغير المملوك

(١) هذا إشارة إلى جهة أخرى من جهات البحث في هذه المسألة ، وهي : أنّه ـ بعد الفراغ من صحة بيع المملوك منضما إلى ما لا يملك ـ يقع الكلام في كيفية تقسيط الثمن المسمّى على المبيع كالخل والخمر ، فأفاد المصنف قدس‌سره : أنّ ما ذكرناه من طريقي التقسيط ـ في مسألة بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره ـ يجري هنا ، والمختار هو أن يقوّم كلّ منهما منفردا ، وتلاحظ نسبة قيمة المملوك إلى مجموع القيمتين.

وتختص هذه المسألة بإشكال ، محصّله : أنّ أحد المبيعين غير متموّل كالحرّ والخنزير والخمر ، فلا سبيل لتقويم كلّ من المالين منفردا حتى تلاحظ نسبته إلى مجموع القيمتين. وسيأتي بيان حلّ الاشكال.

(٢) بيان ل «ما» الموصول في قوله : «ممّا تقدم» فإذا كانت قيمة مال البائع ستة دنانير ، وقيمة مال غيره ثلاثة دنانير ، فنسبة قيمة ماله إلى مجموع القيمتين ـ أعني التسعة ـ ثلثان ، فإن كان الثمن ستة دنانير يؤخذ ثلثاه ، وهما أربعة دنانير للبائع.

(٣) المراد به مال البائع ، لا المملوك في مقابل غير المملوك كما هو المراد في مسألتنا وهي بيع المملوك كالخل مع غير المملوك كالخمر ، لأنّه في مقام تفسير ما تقدّم في مسألة بيع ماله مع مال غيره ، إلى قوله : «مجموع القيمتين».

فلعلّ الأولى إبدال «المملوك» ب «ماله».

(٤) كالتسعة ـ في المثال المذكور ـ التي هي مجموع قيمتي مال البائع ومال غيره.

(٥) أي : في بيع المملوك كالخل وغير المملوك كالخمر ، وكالشاة والخنزير.

__________________

(*) فإنّ غير المملوك على أقسام :

أحدها : ما فيه اقتضاء المالية عرفا ، مع عدم مانع عرفي يمنع ماليّته ، كالخمر والخنزير والسموك التي لا فلس لها.

ثانيها : ما ليس فيه اقتضاء المالية أصلا كالخنافس والديدان.


وقد ذكروا (١) (١) أنّ الحرّ يفرض عبدا بصفاته (٢) ويقوّم ، والخمر والخنزير يقوّمان بقيمتهما عند من يراهما (٣) مالا ، ويعرف تلك القيمة بشهادة عدلين (٤) مطّلعين على

______________________________________________________

والإشكال إنّما هو في تقويم غير المملوك ، إذ المفروض أنّه لا مالية له شرعا ، فكيف يقوّم؟

(١) يعني : وقد ذكروا طريقا لمعرفة قيمة غير المملوك ، وهو : أن يفرض غير المملوك مملوكا ، فإذا باع عبدا وحرّا فيفرض الحرّ عبدا بماله من الصفات من الكتابة والخياطة وغيرهما ويقوّم.

فإن كان قيمة كلّ منهما عشرة دنانير ، فقيمة مجموعهما عشرون دينارا. فلو كان الثمن عشرة دنانير استردّ المشتري من البائع نصف الثمن وهو خمسة دنانير ، لأنّ نسبة العشرة التي هي قيمة الحر ـ المفروض عبدا ـ إلى العشرين التي هي مجموع القيمتين هي النصف ، فيستردّ المشتري من البائع نصف الثمن وهو الخمسة إزاء الجزء غير المملوك من المبيع.

وكذا الحال في تقويم الخمر والخنزير.

(٢) أي : يفرض الحرّ المتّصف بالصفات الكمالية عبدا ، ويقوّم.

(٣) أي : مستحلّيهما.

(٤) لكون التقويم من الموضوعات التي لا بدّ من ثبوتها بالبينة ، وهي شهادة عدلين خبيرين بالقيم والأسعار حتى تجوز لهما الشهادة.

__________________

ثالثها : ما فيه اقتضاء المالية عرفا ، مع اقترانه بالمانع العرفي أيضا كالحرّ ، فإنّه بنظر العرف ـ كالعبد ـ مال ، لكن الحرّية مانعة عندهم عن ماليته فعلا.

وهذا هو الفارق بين هذا القسم والقسم الأوّل ، حيث إنّهما يشتركان في وجود المقتضي للمالية ، ويفترقان في وجود المانع عرفا عن المالية في هذا القسم ، وعدمه في القسم الأول. وكلام الشهيد قدس‌سره في كون الثمن بتمامه بإزاء الجزء المملوك متّجه في القسم الثاني الذي ليس فيه اقتضاء المالية أصلا ، دون ما فيه اقتضاء المالية كالقسم الأوّل والثالث.

__________________

(١) الذاكر جماعة ، فلاحظ : جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٨٣ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٢ ، مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٦٣ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢١٠ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٢١.


ذلك ، لكونهما (١) مسبوقين بالكفر ، أو مجاورين للكفّار.

ويشكل تقويم الخمر والخنزير بقيمتهما (٢) إذا باع الخنزير بعنوان أنّه شاة ، والخمر بعنوان أنّها خلّ ، فبان الخلاف ،

______________________________________________________

(١) تعليل لاطّلاع العدلين على قيمة غير المملوك كالخمر مع كونه مسلما عادلا ، والسبب في اطّلاعهما على قيمة الخمر مثلا هو كون إسلامهما مسبوقا بالكفر ، أو كونهما مجاورين لبلاد الكفار ، فإنّ سبق الكفر أو المجاورة يوجب الاطّلاع على قيم الخمر والخنزير ، ونظائرهما من المحرّمات.

(٢) أي : قيمة الخمر والخنزير. وقوله : «يشكل» إشارة إلى الخلاف في كيفية تقويمهما ، بعد نفي الاشكال عن تقويمهما عند مستحلّيهما فيما إذا بيعا بعنوان الخمر والخنزير. بخلاف ما إذا بيعا بعنوان الخلّ والشاة ، فإنّ في تقويمهما حينئذ خمرا وخنزيرا عند مستحلّيهما إشكالا ، بل جزم بعض بوجوب تقويمهما قيمة المملوك وهو الخل والشاة ، كتقويم الحرّ بعد فرض كونه عبدا.

وجه الاشكال : أنّ لعنوان المبيع ـ وهو الخل والشاة ـ دخلا في القيمة الملحوظة حال الإنشاء ، فيقوّمان بعنوان المبيع ، لا بعنوان واقعهما وهو الخمر والخنزير بتقويمهما عند مستحلّيهما. لكن الصحيح تقويمهما بعنوانهما الذاتي ، وهو الشاة والخل ، لتقدم الإشارة وهي قول البائع : «بعتك هذين بعنوان الخنزير والخمر» على العنوان الذي هو من قبيل الدواعي التي لا يضرّ تخلفها بتقويم العنوان الذاتي المشار إليه ، ضرورة أنّ العنوان الذكري لا يغيّر العنوان الواقعي.

فالمتحصل : أنّه لا بدّ من تقويم الخمر والخنزير عند مستحلّيهما ، لا تقويمهما بعنوان الخلّ والشاة ، وإن قصد هذان العنوانان حين إنشاء البيع ، فإنّ العناوين الجنسية وإن كانت مناطا للمالية ، وتخلفها موجبا لبطلان البيع ، إلّا أنّها في باب التقويم دواع ، وتخلفها لا يقدح في تقويم ما هو واقعه. فالشاة والخنزير وإن بيعا بعنوان الشاة ، لكن الخنزير يقوّم بعنوانه الذاتي عند مستحلّيه ، لا بعنوان الشاة ، فإنّ المدار في التقويم على واقع الشي‌ء ، لا على العنوان الذي لا يغيّر الواقع كعنوان الشاة.


بل جزم بعض هنا (١) بوجوب تقويمهما قيمة الخلّ والشاة كالحرّ (٢).

______________________________________________________

(١) أي : في صورة بيعهما بعنوان الشاة والخلّ ، والظاهر أنّ الجازم بالبطلان هو الفاضل النراقي قدس‌سره كما نسبه اليه السيّد قدس‌سره في الحاشية ـ قال في المستند : «ولا يخفى أنّ تقويم الخمر والخنزير عند مستحلّيهما إنّما هو عند علم المتبايعين بكونه خمرا أو خنزيرا. أمّا مع ظنّ كونهما خلّا أو شاة فيقوّم مثله لو كان شاة أو خلّا على ما هو من الأوصاف. ويقع الاشكال فيما لم يكن اتحاد الأوصاف» (١).

(٢) في فرض كونه عبدا مع ما له من الصفات.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٩٧ ، مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٣٠٠.


مسألة (١)

يجوز للأب والجدّ أن يتصرّفا في مال الطفل بالبيع والشراء.

______________________________________________________

أولياء التصرف ١ ـ ولاية الأب والجدّ

(١) هذه المسألة من فروع مسألة شروط المتعاقدين ، حيث قال : «ومن شروطهما أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع ، فعقد الفضولي لا يصحّ» (١) وتقدم هناك ما يترتب على بيع غير المالك بدون إذنه من كونه فضوليا متوقفا على الإجازة. والمراد بالمأذون من قبل المالك هو الوكيل ، والمراد بالمأذون من قبل الشارع هو الولي كالأب والجدّ والحاكم الشرعي ومنصوبه وعدول المؤمنين.

وولاية كل واحد منهم جعلية ، بمعنى انّه لو لم يعتبر الشارع جواز التصرف للأب كان كالأجنبي في كونه فضوليا. وليست ولايته قهرية إجباريّة وإن كانت إضافة النبوّة والأبوّة تكوينية.

وكيف كان فقد عقد المصنف قدس‌سره مسائل ثلاث للبحث عن ولاية الأولياء ومضيّ تصرّفهم في أموال من يتولّون أمره. فاستدلّ في المسألة الأولى بوجوه ثلاثة على ثبوت ولاية الأب والجدّ ـ للأب لا للامّ ـ على مال الصغير في الجملة ، ثم تعرّض لفروع المسألة ، وهي اعتبار العدالة ، ورعاية المصلحة ، وتقديم أحدهما عند المزاحمة ، وشمول الأدلة لأب الجد وجدّ الجدّ ، وهكذا. وسيأتي الكلام في كلّ منها إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) لاحظ هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٣٤٤.


ويدلّ عليه (١) ـ قبل الإجماع ـ الأخبار المستفيضة (٢) المصرّحة في موارد

______________________________________________________

(١) أي : على جواز تصرّف الأب والجدّ في مال الطفل بالبيع والشراء. والوجه الأوّل هو الإجماع المتكرر في كلماتهم.

قال المحقق الثاني قدس‌سره : «والذي يقتضيه النظر أنّ ولايته ـ أي الأب ـ ثابتة بالنّص والإجماع» (١).

وقال المحقق الأردبيلي قدس‌سره : «الظاهر أنّه لا خلاف ولا نزاع في جواز البيع والشراء وسائر التصرفات للأطفال .. من الأب والجدّ للأب ، لا للأمّ» (٢). بل في بعض الكلمات : «كون ولايتهما من ضروريات الفقه» أو «من واضحات الفقه» كما في بعضها الآخر.

وعليه فالإجماع متحقق صغرى ، إنّما الكلام في حجيّته وكشفه عن رأي المعصوم عليه‌السلام مع فرض احتمال استناد المجمعين إلى النصوص المستفيضة الآتية. ولعلّ تعبير المصنف ب «قبل الإجماع» إشارة إلى شبهة كونه مدركيّا.

(٢) هذا ثاني الوجوه ، أعني به الأخبار المستفيضة الدالة على مضيّ تصرف الأب والجد ، وهي على مضامين مختلفة :

منها : نصوص تقويم الأب جارية الابن على نفسه ، فإنّ ظاهر التقويم هو نقل الجارية إلى نفسه بالبيع ليقع الوطء في ملك الواطئ. كصحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الرّجل يكون لبعض ولده جارية ، وولده صغار ، هل يصلح أن يطأها؟ فقال عليه‌السلام : يقوّمها قيمة عدل ، ثم يأخذها ، ويكون لولده عليه ثمنها» (٣). وقريب منها غيرها.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ١١ ، ص ٢٧٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٥٧ ، ولاحظ «عدم الخلاف» أيضا في الرياض ، ج ١ ، ص ٥٩٢ ، ومفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٤ و ٢١٣ ، وج ٥ ، ص ٢٥٦ ، والحدائق ، ج ١٨ ، ص ٤٠٤ ، والجواهر ، ج ٢٢ ، ص ٣٢٢ ، وفي المناهل ، ص ١٠٥ «ظهور الاتفاق على ذلك» فلاحظ.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٤٣ ، الباب ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث : ١.


كثيرة. وفحوى (١) سلطنتهما على بضع البنت في باب النكاح.

______________________________________________________

فإنّ تقويم مال الغير من لوازم الولاية ، لانتفاء غيرها من الملك والوكالة وشبههما. فتدلّ الصحيحة بالدلالة الالتزامية على نفوذ تملك الأب لمال ولده الصغير بإزاء قيمته.

ومنها : أخبار الوصية الدالة على جواز تصرفات الوصي ، مثل ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده ، وبمال لهم ، وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال ، وأن يكون الربح بينه وبينهم. فقال عليه‌السلام : لا بأس به ، من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك ، وهو حيّ» (١).

بتقريب : أنّ جواز تصرف الوصي في مال الصغير ـ بإذن الموصى ـ يكون من شؤون ولاية الأب الموصى على مال ولده الصغير.

ومنها : أخبار الاتجار بمال اليتيم ، كرواية أبي الربيع ، قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون في يديه مال لأخ له يتيم ، وهو وصيّه ، أيصلح له أن يعمل به؟ قال : نعم ، كما يعمل بمال غيره ، والربح بينهما. قال : قلت : فهل عليه ضمان؟ قال : لا ، إذا كان ناظرا له» (٢). وتقريب الاستدلال كما في الطائفة السابقة.

ومنها : روايات حلّ مال الولد للوالد ، وكونه له ، وسيأتي بعضها في (ص ٩٠).

فهذه النصوص ـ بطوائفها ومضامينها المتعددة ـ تدلّ على نفوذ تصرف الأب في مال ولده الصغير.

(١) معطوف على «الأخبار» وهذا ثالث الوجوه المستدل بها على ولاية الأب والجدّ ، وهي أولوية جواز التصرف في المال من تسلّطه على بضع بنته الصغيرة ، كما دلّ عليه مثل ما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصبية يزوّجها أبوها ، ثم يموت وهي صغيرة ، فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، يجوز عليها

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٤٧٨ ، الباب ٩٢ من كتاب الوصايا ، الحديث : ١.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٥٧ ، الباب ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث : ١. وتقدّم بعض الكلام في بيع الفضولي حول ما يدلّ على جواز اتّجار الولي بمال اليتيم ، فراجع هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٤٤٣.


والمشهور (١) عدم اعتبار العدالة ،

______________________________________________________

التزويج ، أو الأمر إليها؟ قال عليه‌السلام : يجوز عليها تزويج أبيها» (١).

بتقريب : أنّ تسلط الأب على البضع مع أهميته يدل على تسلطه على ماله بالأولوية.

وبالجملة : الأخبار المشار إليها قد استدلّ بها لولاية الأب على ولده الصغير من الذكر والأنثى. لكن نوقش في دلالتها على المدّعى بوجوه تذكر في التعليقة إن شاء الله تعالى.

ولا يخفى أنّ الجدّ لم يذكر في النصوص ، والدليل عليه هو الإجماع كما ادعاه العلّامة وغيره (٢).

عدم اعتبار العدالة في ولاية الأب والجدّ

(١) بعد وفاء الدليل بإثبات نفوذ تصرف الأب والجدّ ـ في مال الصغير ـ في الجملة ، تعرّض قدس‌سره لفروع المسألة ، أوّلها : أن العدالة معتبرة فيهما ، أم يمضي تصرفهما مطلقا وان كانا فاسقين؟ فيه قولان.

ثمّ إن نسبة الحكم ـ بعدم الاشتراط ـ إلى المشهور إنّما هي لإطلاق كلمات كثير من الأصحاب وعدم تقييد ولايتهما بالعدالة ، وصرّح المتأخرون بعدم اعتبارها. قال السيد المجاهد قدس‌سره ـ بعد التعرض لكون المسألة ذات قولين ـ ما لفظه : «يظهر من إطلاق النافع والشرائع والتبصرة والإرشاد والتذكرة والدروس واللمعة وكنز العرفان والمسالك والرّوضة والكفاية : الثاني ـ أي عدم اعتبار العدالة ـ بل الأخير كالصّريح فيه ، بل صرّح به في جامع المقاصد ومجمع الفائدة. وصرّح فيه وفي الكفاية بأنّ أكثر العبارات خالية عن اشتراط العدالة فيهما ، بل صرّح بعض هؤلاء بأنه اعتبار جلّة من محققي متأخري

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٠٧ ، الباب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث : ١.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٨٠ ، كفاية الأحكام ، ص ١١٣.


للأصل (١)

______________________________________________________

المتأخرين ، وبأنّه الظاهر من كلام الأصحاب أيضا .. إلخ» (١).

واستدلّ المصنف قدس‌سره على عدم اشتراط ولايتهما بالعدالة بالأصل والإطلاق والفحوى وسيأتي.

(١) هذا أوّل ما استدل به على عدم اعتبار العدالة في نفوذ تصرف الأب والجدّ في مال الصغير ، وهو مذكور في كلمات جمع كالمحقق الأردبيلي والفاضل السبزواري والسيد المجاهد قدس‌سرهم (٢).

وفي الجواهر : «ولعلّ التحقيق عدم اشتراط العدالة ، للأصل والإطلاق» (٣).

ويحتمل في ما يراد بالأصل في مثل هذه المسألة وجهان :

الأوّل : الأصل اللفظي ، وهو إطلاق الأدلة الاجتهادية ، إمّا ما دلّ على الأمر بالوفاء بالعقود وحلّ البيع والتجارة عن تراض ، فإنّ إطلاقها ينفي دخل العدالة في ترتب الأثر ، كما احتمله السيد المجاهد. وإمّا ما دلّ من النصوص على ولايتهما من دون تقييدها بالعدالة ، كما صرّح بهذا الاحتمال بعض الأجلة على ما حكاه السيد المجاهد عنه.

وعلى كلّ من تقريري أصالة الإطلاق يكون عطف «الإطلاقات» على «الأصل» تفسيريا ، وهو مقتضى حكومة الدليل الاجتهادي على الأصل العملي حتى مع وحدة المفاد.

الثاني : الأصل العملي ، أعني به استصحاب عدم الاشتراط ، أو البراءة عن شرطية العدالة بناء على جريانها في مثل الشرطية. وهذا الاحتمال مقتضى مغايرة المعطوف للمعطوف عليه. وعليه يكون الغرض الإشارة إلى دليلين أحدهما الأصل العملي ، والآخر الإطلاق اللفظي.

__________________

(١) المناهل ، ص ١٠٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٩ ، ص ٢٣٣ ، كفاية الأحكام ، ص ١١٣ ، المناهل ، ص ١٠٥.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ١٠٢.


والإطلاقات (١) ، وفحوى (٢) الإجماع المحكي عن التذكرة على ولاية الفاسق في التزويج.

______________________________________________________

لكن لمّا كان الأصل اللفظي حاكما على العملي تعيّن توجيه كلام المصنف بابتنائه إمّا على المماشاة مع القوم كما تقدم في عبارة الجواهر. وإمّا على مجرّد الفرض ، بالتشكيك في إطلاق الأدلة الاجتهادية ، وإن كان هذا في غاية البعد بعد تمسكه بالإطلاق.

(١) الظاهر أنّ المراد إطلاق النصوص المتقدمة ـ ونحوها ـ الدالة على ولاية الأب ، لعدم التفصيل فيها بين كون المتصرف عادلا أو فاسقا ، خصوصا مع توفر الدواعي لبيان الاشتراط لو كانت العدالة معتبرة شرعا في نفوذ التصرّف. فلاحظ قول أبي عبد الله عليه‌السلام في صحيحة أبي الصباح الكناني : «يقوّمها قيمة عدل ثم يأخذها» حيث أناط عليه‌السلام جواز تصرف الأب بتقويم الجارية قيمة عادلة فحسب.

وكذا قوله عليه‌السلام في رواية محمّد بن مسلم الواردة في تصرف الوصي في مال اليتيم : «من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك ، وهو حيّ» حيث انّ إذن الأب تمام الموضوع لنفوذ تصرف الوصي بلا دخل قيد العدالة فيه.

(٢) هذه إشارة إلى دليل آخر على عدم اشتراط ولاية الأب والجد بالعدالة ، وتقريبه : أنّ ولاية الأب الفاسق على تزويج البنت الصغيرة ـ مع اهتمام الشارع بالنكاح ـ تستلزم ولايته في العقود المالية بالأولوية.

أمّا ثبوت ولاية الفاسق على التزويج فللإجماع المدّعى في التذكرة من قوله : «الفسق لا يسلب ولاية النكاح عند علمائنا. فللفاسق أن يزوّج ابنته الصالحة البالغة بإذنها ، والصغيرة والمجنونة مطلقا» (١).

وأمّا أولوية نفوذ تصرّفه في أموال الصغير فلاهتمام الشارع بالأعراض أشد منه في الأموال ، وقد سبق تفصيله في البيع الفضولي ، كما تقدّم هناك المناقشة في الفحوى ، بخبر العلاء بن سيابة ، فراجع (٢).

__________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٢٥٧ ، راجع تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٥٩٩.

(٢) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٤٠٧ ـ ٤١٤.


خلافا للمحكيّ عن الوسيلة والإيضاح ، فاعتبراها (١) فيهما ، مستدلّا في الأخير (٢) «بأنّها ولاية على من لا يدفع عن نفسه

______________________________________________________

(١) يعني : فاعتبر صاحبا الوسيلة والإيضاح قدس‌سرهما العدالة في الأب والجدّ له.

والحاكي عنهما هو السيد العاملي قدس‌سره ، حيث قال ـ بعد اقتضاء كثير من العبارات عدم اعتبار العدالة ـ ما لفظه : «قلت : قد تردّد المصنف ـ أي العلّامة ـ في ذلك في وصايا الكتاب ـ أي القواعد ـ وفي الوسيلة : اشتراطها فيه. وفي الإيضاح : أنّ الأصحّ أنه لا ولاية للأب أو الجد ما دام فاسقا (١).

(٢) وهو الإيضاح ، وعبارته المحكية في مفتاح الكرامة أيضا هي ـ بعد نقل وجهي المسألة ـ : «والأصح عندي أنّه لا ولاية له ما دام فاسقا» (٢).

ومحصل استدلاله هو : أنّ الولاية على الصغير عبارة عن إصلاح أموره بالدفاع عن نفسه والتصرف في أمواله ، إذ لا يتمكن الصغير على شي‌ء من ذلك. فلا بدّ من كون المتصدي لتلك الأمور أمينا قادرا على إنفاذها بالنحو اللّائق الموافق للصواب ، لاستحالة تولية الفاسق في حكمته تعالى شأنه.

وبعبارة اخرى : أنّ الصغير مسلوب العبارة ومحجور عن التصرف في أمواله ، ولا يستطيع دفع الضرر عن نفسه. وهذا القصور يستدعي جعل من يتصدّى لإصلاح أمره ، بأن يكون أمينا وثقة ، حتى تمنعه أمانته عن تضييع أموال الصبي ، وتوجب قبول إخباره في تصرفاته ، ومن المعلوم أنّ الفاسق لا يقبل إخباره بشي‌ء ، لأنه تعالى أمر بالتبين عن نبأ الفاسق. وعليه فلا بد من كون الولي ـ سواء أكان هو الأب أم الجد أم غيرهما كالوصي ـ عادلا حتى يقبل إخباره بما تصرف فيه من أموال الصبي ، هذا.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٢٥٧ ، إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٦٢٨. ولم نعثر على اشتراط ولاية الأب بالعدالة في الوسيلة صريحا. نعم اعتبرها في الوصي ، كما اعتبر الوثاقة فيه على ما حكاه عنه في الإيضاح ، ثم قال ولاية التصرف في مال اليتيم : «ثم الحاكم إذا لم يكن له جدّ ولا وصي ، أو كانا غير ثقة» والمراد بالوثاقة هي الثقة في الدين كما في إمام الجماعة ، فتكون مساوقة للعدالة. ولعلّ السيد العاملي استظهر اعتبار العدالة في الأب والجدّ من موضع آخر لم نقف عليه. فراجع الوسيلة ص ٧٤٩ و ٧٧١ من الجوامع الفقهية.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٦٢٨.


ولا يصرف عن ماله (١) ، ويستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا يقبل إقراراته (٢) وإخباراته (٣) عن (٤) غيره مع نصّ القرآن على خلافه» (٥) انتهى (١).

ولعلّه (٦) أراد بنصّ القرآن آية الركون

______________________________________________________

(١) كذا في نسخ الكتاب ، وهو نقل بالمعنى ، وإلّا فنصّ عبارة الإيضاح المحكية في مفتاح الكرامة أيضا هي : «ولا يعرب عن حاله». وهذا أنسب بما اشتهر عندهم من كون الصبيّ مسلوب العبارة.

(٢) كإقرار الولي بأنّه استوفى دين الصغير من مديونه.

(٣) كإخباره بأنّ الطفل أتلف مال الغير بنحو يوجب الضمان.

(٤) كذا في نسخ الكتاب ، والصحيح كما في الإيضاح : «على غيره» وهو متعلق ب «إقراراته».

(٥) غرضه أن جعل الفاسق أمينا ـ مضافا إلى استحالته في حكمة الصانع تعالى ـ يكون على خلاف نصّ القرآن الكريم ، وهو آية الركون إلى الظالم ، حيث يقول عزّ من قائل (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ) (٢).

هذا بناء على كون قول الإيضاح : «مع نصّ القرآن» إشارة إلى إقامة دليل نقلي على اعتبار العدالة في الأب والجدّ ، كما أنّ المنافاة لحكمه الصانع دليل عقلي على اعتبارها.

(٦) أي : ولعلّ فخر المحققين قدس‌سره أراد بنصّ القرآن الآية الشريفة الناهية عن الركون الى الظالم.

ولا يخفى أنّ الفخر استدل على اعتبار العدالة في الوصي ـ حتى يقبل إقراره ـ بآيتين :

إحداهما : كون الفاسق ظالما ، ولا شي‌ء من الظالم يركن إليه.

وثانيتهما : آية النبإ ، بتقريب : أنّ الوصي يعتبر إقراره بالاتفاق ، مع أنّه لا عبرة بإقرار الفاسق ، لقوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٣).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٦٢٨.

(٢) سورة هود ، الآية ١١٤.

(٣) الحجرات ، الآية ٦.


إلى الظالم (١) التي أشار إليها في جامع المقاصد (٢). وفي دلالة الآية (٣) نظر.

وأضعف منها (٤) ما ذكره في الإيضاح من الاستحالة

______________________________________________________

والظاهر أنّ نظره في اشتراط ولاية الأب بالعدالة إلى كلتا الآيتين ، أو إلى خصوص آية النبإ ، لقوله قدس‌سره : «وأمّا الأب فهل ينعزل بفسقه؟ يحتمل ذلك ، لأنّ الولاية تتضمّن الأمانة ، والفاسق ليس أهلا لها. ويحتمل عدمه ، لأنّ المقتضي لثبوت الولاية الأبوّة. ولأنّ شفقة الأب تمنعه عن ضياع مال الابن عليه ، بخلاف الوصي الفاسق. والأصحّ عندي أنّه لا ولاية له ما دام فاسقا ، لأنّها ولاية على من لا يدفع عن نفسه ..» إلى آخر ما في المتن. وعليه فمقصوده قدس‌سره اتّحاد الوصي والأب الفاسقين في عدم قبول إقرارهما وأخبارهما ، فراجع الإيضاح.

(١) تقدّم آنفا الاستدلال بها ، من أنّ ولاية الفاسق على الطفل ركون إلى الظالم ، وهو منهي عنه بمقتضى الآية الشريفة ، فكيف يجعل وليّا على الطفل وأمواله؟

(٢) حيث قال في وجه منع ولاية الأب الفاسق : «ومن حيث إنّ الفاسق لا يركن إليه ، وليس أهلا للاستئمان ..». لكن قد عرفت في ما نقلناه من عبارة الإيضاح احتمال أن يريد بنصّ القرآن آية النبإ النافية لاعتبار قول الفاسق ونبأه ، فكيف يقبل إقرار الولي غير العدل ـ وإخباره ـ في حقّ ولده الصغير؟

(٣) يعني : وفي دلالة الآية على كون ولاية الفاسق على الطفل ركونا إلى الظالم نظر.

ولعلّ وجه النظر إرادة حكّام الجور والظلم من «الظالم».

أو وجه النظر ـ مع الغضّ عن هذا المعنى ـ عدم صدق الركون إلى الظالم على بيع وشراء الولي بمال الطفل ، وإلّا كانت المعاملة مع الفاسق ركونا إلى الظالم.

بل يمكن أن يقال : إن معاملة الأب بمال الطفل بمقتضى قوله عليه‌السلام : «أنت ومالك لأبيك» معاملة بمال نفسه ، فهو كأنّه يتعامل بمال نفسه.

(٤) يعني : وأضعف من آية الركون ـ في الاستدلال بها على اعتبار العدالة في الأب


إذ المحذور (١) يندفع كما في جامع المقاصد : «بأنّ (٢) الحاكم متى ظهر عنده بقرائن الأحوال اختلال حال الطفل (٣) عزله (٤) ومنعه من التصرّف في ماله وإثبات اليد عليه. وإن (٥) لم يظهر (٦) خلافه فولايته ثابتة. وإن لم يعلم (٧) استعلم حاله بالاجتهاد وتتبّع سلوكه وشواهد أحواله» انتهى (١).

______________________________________________________

والجدّ للأب ـ الاستدلال لاعتبارها فيهما بالاستحالة العقلية التي أشار إليها في الإيضاح بقوله : «ويستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا» وحاصله : أنّ حكمة الصانع تعالى شأنه تقتضي استحالة جعل الفاسق الخائن أمينا ووليّا على غيره ، فلا بدّ أن يكون الولي عادلا.

(١) حاصل وجه اندفاع هذا المحذور : أنّه إذا ظهر من الولي خيانته عزله الحاكم الشرعي ، ومنعه من التصرف في مال الطفل وإثبات يده على مال الطفل. وإن لم يظهر اختلال حال أبي الطفل وخيانته فولايته ثابتة بحالها.

(٢) متعلق ب «يندفع» وقد مرّ توضيح وجه الاندفاع بقولنا : «حاصل وجه الاندفاع».

(٣) سقط من عبارة جامع المقاصد قوله : «إذا كان للأب ولاية عليه عزله ..».

(٤) جواب : «متى ظهر» أي : عزله الحاكم ، ومنعه من التصرف في مال الطفل.

(٥) معطوف على «متى ظهر» يعني : وإن لم يظهر اختلال حال الطفل.

(٦) كذا في نسخ الكتاب ، ولكن في جامع المقاصد : «وإن ظهر خلافه». أيّ : وإن بان عدم اختلال حال الطفل فولاية الأب ثابتة.

(٧) يعني : وإن لم يعلم الحاكم اختلال حال أبي الطفل استعلم حال الأب بالاجتهاد والتفحّص.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ١١ ، ص ٢٧٦.


وهل (١) يشترط في تصرفه المصلحة ، أو يكفي عدم المفسدة ، أم لا يعتبر شي‌ء؟

______________________________________________________

اشتراط جواز تصرف الأب والجد برعاية المصلحة وعدمه

(١) هذا شروع في ثاني الفروع المترتبة على ثبوت ولاية الأب والجدّ في الجملة ، ومحصّله : أنّه هل يشترط نفوذ تصرفهما بكونه مصلحة للطفل ، أم يكفي عدم المفسدة فيه ، ولا يعتبر الغبطة ، أم لا يعتبر شي‌ء منهما ، فلهما الولاية المطلقة على مال الصغير كما قيل بها في تصرف المولى في مال مملوكه ، لسلطنته عليه؟ فيه وجوه ثلاثة.

والقائل بالاحتمال الأوّل هو المشهور ، بل ادّعى غير واحد الإجماع عليه (١).

والقائل بالاحتمال الثاني جمع ، منهم كاشف الغطاء قدس‌سره وإن احتاط في شرح القواعد برعاية المصلحة ، قال في العناوين : «ان تصرف الولي مشروط بالمصلحة بالإجماع وظواهر الأدلة ، ولأنّ المتيقن من أدلة الولايات إنّما هو ذلك. وقيل : في الأب والجد باشتراط عدم المفسدة ، وعدم اعتبار المصلحة. ويرشد إلى ذلك إطلاق أدلة ولايتهما ، غايته خروج المفسدة بالدليل ، ولا دليل على اعتبار المصلحة» (٢).

ولم أجد في الكلمات قائلا بالاحتمال الثالث. نعم يتراءى ذلك من كلمات المحقق قدس‌سره في البيع والحجر ، كقوله : «والأب والجدّ يمضي تصرفهما ما دام الولد غير رشيد» (٣) لعدم تقييد جواز التصرف برعاية المصلحة ، أو عدم المفسدة.

لكن قيل : إنّ الظاهر سوق العبارة لبيان أصل ولايتهما في الجملة ، وليس في مقام بيان الخصوصيات حتى يكون إهمال شرطية المصلحة أو عدم المفسدة بيانا لعدم الدخل. ولذلك حمل صاحب الجواهر عبارة الشرائع على أحد القولين الأوّلين ، حيث قال بعدها : «المقرون بالمصلحة أو عدم المفسدة ، على اختلاف القولين في مال الطفل ..» (٤) فلاحظ.

__________________

(١) شرح القواعد للشيخ الفقيه كاشف الغطاء (مخطوط) الورقة : ٧١ ، العناوين ، ج ٢ ، ص ٥٥٩ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢١٧ وج ٥ ، ص ٢٥٦ ، واستظهر الإجماع من عبارة التذكرة في ص ٢٦٠ ، فلاحظ.

(٢) شرح القواعد ، الورقة ٧١ ، وحكاه صاحب الجواهر عنه في ج ٢٢ ، ص ٣٣٢.

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٥ و ١٠٢ ، المختصر النافع ، ص ١١٨ و ١٤١.

(٤) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٢٢.


وجوه ، يشهد للأخير (١) إطلاق ما دلّ على «أنّ مال الولد للوالد» كما في رواية سعيد بن يسار (٢) ، و «أنّه (٣) وماله لأبيه» كما في النبويّ المشهور (٤) ، وصحيحة ابن مسلم : «أنّ الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء» ، وما (٥) في العلل عن محمّد بن

______________________________________________________

ويشهد للتقييد بالغبطة قوله في رهن الشرائع : «ولا يجوز له ـ أي لولي اليتيم ـ إقراض ماله ، إذ لا غبطة» (١). وقوله : «ويجوز لولي الطفل رهن ماله ـ إذا افتقر إلى الاستدانة ـ مع مراعاة المصلحة ..» (٢).

وكيف كان فاستدل المصنف قدس‌سره للاحتمال الثالث بوجوه ، أوّلها : إطلاق النصوص كالنبوي المشهور «أنت ومالك لأبيك» بتقريب : أنه كما لا ريب في جواز تصرف الأب في مال نفسه مطلقا وإن لم ينتفع به ، بل حتى مع الإفساد والإقدام على الضرر ، فكذا لا يشترط جواز التصرّف في مال ابنه بشي‌ء منهما ، لظهور النصّ في تنزيل مال الابن منزلة مال الأب ، هذا.

(١) وهو عدم اعتبار شي‌ء ـ من المصلحة وعدم المفسدة ـ في تصرف الولي.

(٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيحجّ الرّجل من مال ابنه وهو صغير؟ قال عليه‌السلام : نعم. قلت : يحجّ حجّة الإسلام ، وينفق منه؟ قال : نعم ، بالمعروف. ثم قال : يحجّ منه وينفق منه ، إنّ مال الولد للوالد ، وليس للولد أن يأخذ من مال والده إلّا بإذنه» (٣).

(٣) معطوف على «أن» أي : إطلاق ما دلّ على أنّ الولد وماله لأبيه.

(٤) الوارد في جملة من النصوص ، منها : صحيحة محمّد بن مسلم المشار إليها في المتن ، كقول أبي عبد الله عليه‌السلام فيها : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لرجل : أنت ومالك لأبيك» (٤).

(٥) معطوف على «ما» أي : إطلاق صحيحة محمّد بن مسلم.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٧٩.

(٢) المصدر ، ص ٧٨.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٥ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث : ٤.

(٤) المصدر ، الحديث : ١ ، وكذا ورد كلام النبي (ص) في الحديث : ٢ و ٨ و ٩.


سنان عن الرضا عليه‌السلام من (١) «أنّ علّة تحليل مال الولد لوالده أنّ الولد موهوب للوالد في (٢) قوله تعالى (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ).

ويؤيّده (٣)

______________________________________________________

(١) مفسّر ل «ما» الموصول في قوله : «وما» والموجود في المتن يختلف يسيرا عن نصّ الحديث ، وهو «أنّ الرضا عليه‌السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله وعلّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه ـ وليس ذلك للولد ـ لأنّ الولد موهوب للوالد في قوله عزوجل (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) ، مع أنّه المأخوذ بمؤنته صغيرا وكبيرا ، والمنسوب إليه والمدعوّ له ، لقوله عزوجل (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ). ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك. وليس للوالدة مثل ذلك ، لا تأخذ من ماله شيئا إلّا بإذنه أو بإذن الأب. ولأنّ الوالد مأخوذ بنفقة الولد ، ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها» (١).

(٢) متعلّق ب «موهوب» وقوله : «ان الولد» خبر قوله : «ان علة».

(٣) أي : ويؤيّد الأخير ـ وهو عدم اشتراط شي‌ء من المصلحة أو عدم المفسدة في تصرف الولي ـ أخبار جواز تقويم الجارية ، فإنّ إطلاقها ينفي اعتبار شي‌ء منهما فيه ، فيجوز للأب أن يتملّك جارية ابنه ببيع أو صلح لتقع المباشرة في ملكه ، ولا فرق في جواز هذا التقويم بين أن يكون بصلاح الابن ، أم بضرره ، أم بتساوي الطرفين بأن لا يترتب شي‌ء من الصلاح والفساد عليه.

واستدلّ صاحب الجواهر قدس‌سره بهذه الطائفة من النصوص على عدم اعتبار المصلحة في جواز تصرف الأب والجدّ ، فقال : «فإنّ النصوص واضحة الدلالة في جواز الاقتراض لهما ، والمعاملة ، وتقويم الجارية ، ونحو ذلك ، من غير اعتبارها» (٢).

ولكن المصنف قدس‌سره جعل هذه الأخبار مؤيّدة لإطلاق نفوذ تصرف الأب والجدّ ، ولم يجعلها دليلا على المدّعى. ولعلّ وجه التأييد أنها وإن دلّت على نفوذ شراء جارية الابن سواء أكان بصلاح الولد أم بضرره أم بعدم شي‌ء منهما ، لكنها أخصّ من المدّعى ، وهو ولاية الأب على التصرف في جميع أموال الابن ، لاحتمال كون الجواز هنا حكما خاصا لخصوصية في البضع تقتضي حليّة تملّك الجارية ، وهذه الخصوصية مفقودة في

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٧ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث : ٩.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٢.


أخبار جواز تقويم جارية الابن على نفسه (١).

لكن (٢) الظاهر منها تقييدها بصورة حاجة الأب ، كما يشهد له (٣) قوله عليه‌السلام في

______________________________________________________

سائر الموارد.

ودعوى إلغاء خصوصية المورد ، ممنوعة بعدم إحراز المناط. كما لا وجه لدعوى أولوية غير البضع بجواز التصرف.

(١) كما في صحيح أبي الصباح المتقدم في (ص ١٨٠) وخبر الحسن بن محبوب ، قال : «كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : أنّي كنت وهبت لابنة لي جارية حيث زوّجتها ، فلم تزل عندها وفي بيت زوجها ، فرجعت إليّ هي والجارية ، أفيحلّ لي أن أطأ الجارية؟ قال عليه‌السلام : قوّمها قيمة عادلة وأشهد على ذلك ، ثم إن شئت فطأها» (١). فليس في هذا الحديث اعتبار شي‌ء من المصلحة أو عدم المفسدة.

(٢) هذا استدراك على ما استشهد به لعدم اشتراط تصرف الأب بشي‌ء من المصلحة وعدم المفسدة ، من إطلاق ما دلّ على «أنّ مال الولد للوالد» كما في رواية سعد ابن يسار.

ومحصل الاستدراك : أنّ إطلاق تلك الروايات مقيّد بما يفيد صحة الوجه الثاني ، وهو اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب في أموال الطفل ، حيث إنّ الزائد على قوته سرف ، وهو فساد في مال الطفل ، لكونه خارجا عن مورد اضطرار الأب. وعليه فلا تصلح الإطلاقات المزبورة لأن تكون دليلا على عدم اشتراط تصرف الأب ـ في مال الطفل ـ بشي‌ء من المصلحة وعدم المفسدة.

فقوله قدس‌سره : «لكن الظاهر» تضعيف للوجه الأخير ، وتقوية للوجه الثاني ، وهو اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب.

(٣) أي : يشهد لتقييد الإطلاقات قول أبي عبد الله عليه‌السلام في ما رواه الحسين بن أبي العلاء .. إلخ. ووجه الشهادة : أنّ الأب حينما تصرّف في ما ورثه الولد من امّه كان محتاجا إلى هذا المال للإنفاق به على نفسه وولده. وفي مثله حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٨ ، الباب ٧٩ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث : ١.


رواية الحسين بن أبي العلاء «قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما يحلّ للرجل من مال ولده؟ قال (١) قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه. قال (٢) فقلت له : فقول (٣) [قول] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للرجل الذي أتاه فقدّم أباه ، فقال (٤) له : أنت ومالك لأبيك؟ فقال (٥) إنّما جاء بأبيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ، هذا أبي [وقد] (٦) ظلمني ميراثي من أمّي ، فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه ، فقال النبي (٧) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل شي‌ء ، أو كان (٨) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبس الأب للابن؟» (١).

______________________________________________________

الولد «بأنّك ومالك لأبيك». ولو كان الرجل غنيّا متمكّنا من سدّ خلّته من مال نفسه لم يجز له صرف ما ورثه الولد من امّه ، وكان ضامنا له.

وعليه فهذه الرواية وما بمضمونها تقيّد ان إطلاق جواز التصرف ـ المستفاد من روايتي ابن مسلم وابن يسار وغيرهما ـ بصورة حاجة الأب ، هذا.

(١) يعني : قال أبو عبد الله عليه‌السلام.

(٢) يعني : قال السائل وهو الحسين بن علاء.

(٣) كذا في الوسائل وفي بعض نسخ الكتاب. وفي نسختنا : «قول رسول الله».

(٤) أي : فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للرجل الذي شكا أباه إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك.

(٥) أي : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، يعني فصار الامام عليه‌السلام بصدد بيان خصوصية حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الولد ب «أنت ومالك لأبيك» وهي احتياج الأب إلى المال للإنفاق على نفسه وعائلته.

(٦) كلمة «قد» غير موجودة في نسختنا ، وإنّما أثبتناها لموافقته للمصدر ولما في بعض النسخ.

(٧) كذا في نسختنا ، ولم تذكر كلمة «النبي» في الوسائل.

(٨) كذا في نسختنا ، وفي الوسائل «أفكان».

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٦ ـ ١٩٧ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث : ٨.


ونحوها (١) صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لرجل (٢) أنت ومالك لأبيك ، ثمّ قال عليه‌السلام : لا نحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما يحتاج إليه ممّا لا بدّ منه ، إنّ (اللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ)» (١).

فإنّ الاستشهاد بالآية يدلّ على إرادة الحرمة من عدم الحبّ دون الكراهة ، وأنه (٣) لا يجوز له التصرّف بما فيه مفسدة للطفل.

هذا كلّه ، مضافا إلى عموم قوله (٤) تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ،

______________________________________________________

(١) أي : ونحو رواية الحسين صحيحة أبي حمزة الثمالي ، فإنّها ـ خصوصا بقرينة الاستشهاد بالآية المباركة ـ ظاهرة في الحرمة ، وفي اعتبار عدم المفسدة في جواز تصرف الأب في مال الطفل. فإرادة الكراهة من «عدم الحبّ» وإن كان صحيحا في موارد أخر ، إلّا أن استشهاده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالآية لا يلائم الكراهة ، ويتعيّن في الحرمة.

(٢) كذا في الوسائل وفي بعض النسخ ، وليست كلمة «لرجل» في نسختنا.

(٣) معطوف على «إرادة» أي : أنّ الاستشهاد بالآية الشريفة يدلّ على أنه لا يجوز للأب .. إلخ.

(٤) هذا دليل آخر على الاحتمال الثاني ، وهو اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب والجدّ في مال الصغير. وتقريبه يتمّ ببيان أمرين :

أحدهما : أنّ المراد باليتيم من فقد أباه قبل بلوغه ، كما عرّفه بذلك غير واحد من أهل اللغة ، قال الراغب : «اليتم انقطاع الصبي عن أبيه قبل بلوغه» (٢) فالصغير الفاقد لأبيه يتيم وإن كان جدّه حيّا متمكنا من التصدي لأمور الطفل.

ثانيهما : أن المراد ب «الأحسن» إمّا ظاهره ، وهو التفضيل ، والتصرف الجائز في مال

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٥ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به الحديث : ٢ ، والحديث هكذا : «قال : ان رسول الله (ص) قال لرجل : أنت ومالك لأبيك ، ثم قال أبو جعفر (ع) : ما أحبّ [لا تحبّ] أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه .. إلخ». والآية في سورة البقرة : ٢٠٥ وليس فيها «إنّ».

(٢) مفردات ألفاظ القرآن الكريم ، ص ٥٥٠ ، لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٦٤٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

اليتيم هو خصوص ما كان أصلح بحاله ، وأنفع له. فلا يجوز بيع شي‌ء من أموال اليتيم إلّا إذا عاد نفع اليه ، فلو لم ينتفع بالبيع حرم ذلك على الولي. وإمّا خصوص الحسن ، بانسلاخ صيغة التفضيل عن معناه.

والمراد بالحسن إما مطلق الخير والصلاح ـ لا خصوص الأحسن كما كان في الاحتمال الأوّل ـ فلو كان في بيع مال اليتيم من زيد مصلحة له جاز وإن كان بيعه من عمرو أنفع. وإمّا ما يقابل المفسدة والنقص ، فإن كان التصرف موجبا لتضرر الصبي لم يحز ، وإن لم يوجبه جاز وإن لم تعد فائدة إلى الطفل. هذا إجمال محتملات الآية ، وسيأتي تفصيلها في ولاية عدول المؤمنين ، فلاحظ (ص ٢٥٢).

وهذا الاحتمال الأخير هو مبنى الاستدلال بالآية المباركة على جواز تصرّف الولي في مال الصغير ـ وان لم ينتفع به المولّى عليه ـ ما لم يستلزم الفساد ، واحتمله صاحب الجواهر قدس‌سره في الاتّجار بمال الطفل ، فراجع (١).

وبناء على هذين الأمرين يقال في دلالة الآية المباركة على اشتراط جواز التصرف في أموال اليتامى بعدم الإفساد : إنّ المخاطب بحرمة القرب إلى مال اليتيم بما يكون مفسدة فيه عامة المكلفين ، حتى الجدّ ، لما عرفت من صدق «اليتيم» مع حياة جدّه ، فيشترط جواز التصرف في أموال اليتيم برعاية ما هو أحسن أي بخلوّه عن الفساد والنقص المالي.

وعليه فإطلاق صحة التصرف حتى مع الإفساد ـ المستفاد من إطلاق مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك» ـ يقيّد بهذه الآية ، بعد عدم دلالتها على اشتراط رعاية الأصلح أو ما هو الصلاح.

فإن قلت : إنّ مفاد الآية الشريفة أخص من المدّعى وهو اعتبار جواز تصرف الأب والجد بعدم المفسدة ، والوجه في الأخصية خروج الأب عن موضوع النهي ، لكون المخاطب من يتصرف في مال اليتيم ، وهو فاقد الأب. فالآية تثبت الشرط المزبور بالنسبة إلى الجدّ ، دون الأب.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ١٥ ، ص ٢٢.


فإنّ (١) إطلاقه يشمل الجدّ ، ويتمّ في الأب بعدم الفصل (٢).

ومضافا (٣) إلى ظهور الإجماع على اعتبار عدم المفسدة. بل (٤) في مفتاح الكرامة استظهر الإجماع ـ تبعا لشيخه في شرح القواعد ـ على إناطة جواز تصرّف الوليّ بالمصلحة.

______________________________________________________

قلت : نعم وإن كان الأب خارجا عن الآية موضوعا ، لكن يعمّه الحكم ببركة عدم الفصل بينه وبين الجدّ ، لأن عدم المفسدة إن كان شرطا في نفوذ التصرف في مال الصغير لم يختلف حكم الأب والجدّ فيه. وإن لم يكن معتبرا فكذلك. وعليه فالنهي عن القرب بما فيه الفساد يشمل الجدّ بالإطلاق المستفاد من «لا تقربوا» ويلحق به الأب للإجماع المركّب.

(١) يعني : فإنّ إطلاق النهي يشمل جدّ الطفل ، بناء على صدق «اليتيم» على من له الجدّ ، وعدم انصراف الآية عن الجدّ. فهي تدلّ على حرمة التصرف في مال اليتيم مع المفسدة ، سواء أكان «الأحسن» بمعناه التفضيلي ، أم منسلخا عنه ولمحض معنى ثبوت الوصف.

(٢) لعدم صدق «اليتيم» مع وجود الأب ، فلا تشمله الآية ، فلا بدّ من الإجماع على إلحاق الأب بالجدّ حكما ، وقد تقدم توضيحه آنفا بقولنا : «ان قلت .. قلت».

(٣) هذا دليل آخر على اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب والجدّ في مال الطفل ، وهو الإجماع وظاهره كونه محصّلا لا منقولا وإن كان قد ادعاه صاحب العناوين بقوله : «وظاهر الوفاق على جوازهما ـ أي : جواز الاقتراض من مال الطفل وجواز تقويم جاريته على نفسه ـ من دون مصلحة بشرط عدم المفسدة» (١).

(٤) غرضه التّرقي ـ من دعوى الإجماع على كفاية عدم المفسدة ـ إلى ما تضافر نقله من الاتفاق على اشتراط تصرف الأولياء بما فيه صلاح المولّى عليهم ، وعدم كفاية خلوّه عن الفساد المالي ، فالسيد الفقيه العاملي تبعا لشيخه كاشف الغطاء قدس‌سرهما استظهر

__________________

(١) العناوين ، ج ٢ ، ص ٥٦٠.


وليس (١) ببعيد ، فقد صرّح به في محكيّ المبسوط ، حيث قال : «ومن يلي أمر الصغير والمجنون خمسة ، الأب والجدّ للأب ووصيّ الأب والجدّ والحاكم (٢) ومن (٣) يأمره. ثمّ قال (٤) «وكلّ هؤلاء الخمسة لا يصحّ تصرّفهم إلّا على وجه الاحتياط والحظّ (٥) للصغير (٦) ، لأنّهم (٧) إنّما نصبوا لذلك ، فإذا تصرّف (٨) فيه على

______________________________________________________

الإجماع على توقف جواز تصرف الولي على المصلحة ، لا مجرّد عدم المفسدة (١).

وعليه فيقوى الوجه الأوّل ، وهو القول بإناطة نفوذ تصرف الأب والجدّ برعاية المصلحة أو ما هو الأصلح.

(١) يعني : وليس استظهار الإجماع ـ على إناطة جواز التصرف بالمصلحة ـ ببعيد ، كما يظهر بملاحظة كلمات الفقهاء ، وعدم تعرّضهم لمخالف في المسألة ، وقد نقل المصنف قدس‌سره عبارة شيخ الطائفة وابن إدريس قدس‌سرهما ، وأشار إلى أنظار جمع كالمحقق والعلّامة والشهيدين وغيرهم.

(٢) هذه العبارة تختلف عمّا في المبسوط بما لا يغيّر المعنى ، كقوله بدل ـ الحاكم ـ : «والامام أو من يأمره الإمام».

(٣) يعني : ومن يأمره الحاكم الشرعي للتصدي لأمر الصغير والمجنون.

(٤) أي : قال الشيخ في المبسوط : وكلّ هؤلاء .. إلخ.

(٥) معطوف على «الاحتياط» والمقصود من الحظّ هو المصلحة والغبطة للصغير ، بأن ينتفع بتصرّف الولي في ماله.

(٦) في المبسوط زيادة كلمة «المولّى عليه» هنا.

(٧) أي : لأنّ هؤلاء الخمسة نصبهم الشارع للتصرف على وجه الاحتياط والحظّ للصغير.

(٨) عبارة المبسوط هكذا : «فإذا تصرّف على وجه لا حظّ له فيه كان باطلا ، لأنّه خالف ما نصب له».

__________________

(١) شرح القواعد (مخطوط) الورقة : ٧١ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢١٧.


وجه لا حظّ فيه كان باطلا ، لأنّه (١) خلاف ما نصبوا له» انتهى (١).

وقال الحلّي في السرائر : «لا يجوز (٢) للوليّ (٣) التصرّف في مال الطفل إلّا بما يكون فيه صلاح المال ويعود نفعه (٤) إلى الطفل ، دون المتصرّف فيه. وهذا هو الذي يقتضيه أصول المذهب» (٥) انتهى (٢).

وقد صرّح بذلك (٦) أيضا (٧) المحقّق (٨).

______________________________________________________

(١) أي : لأن التصرف لا على وجه الاحتياط مخالفة للغرض الذي نصبهم الشارع له. ولا يخفى صراحة عبارة المبسوط في اشتراط تصرف الأولياء برعاية مصلحة الصغير.

(٢) أي : لا يصحّ ولا ينفذ ، إذ مقتضى شرطية المصلحة في تصرف الولي في مال الطفل هو بطلان التصرف الفاقد لمصلحة الطفل المولّى عليه ، فصارت النتيجة اعتبار المصلحة في تصرف الأب والجدّ في مال اليتيم.

(٣) عبارة السرائر هكذا : «لا يجوز للولي والوصي أن يتصرّف في المال المذكور إلّا ..».

(٤) أي : يعود نفع المال إلى الطفل ، لا إلى المتصرف في المال وهو الولي.

(٥) في السرائر : «أصل المذهب».

(٦) أي : باعتبار المصلحة في تصرف الولي في مال الطفل.

(٧) يعني : كما صرّح شيخ الطائفة وابن إدريس قدس‌سرهما باشتراط نفوذ تصرف الولي بعود نفع إلى الطفل.

(٨) كقوله في كتاب الرّهن : «ويجوز لوليّ الطفل رهن ماله ، إذا افتقر إلى الاستدانة ، مع مراعاة المصلحة» (٣).

__________________

(١) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٢٠٠ ، ونقل بعض العبارة السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ١١١ ، وصاحب الجواهر في ج ١٥ ، ص ٢٠.

(٢) السرائر ، ج ١ ، ص ٤٤١.

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٧٨ ، ونحوه في ص ١٧١ ، وفي المختصر النافع ، ص ١٣٧.


والعلّامة (١) والشهيدان (٢) والمحقّق الثاني (١) وغيرهم (٣) ، بل في شرح الروضة للفضال الهندي : «أنّ المتقدّمين عمّموا الحكم (٤) باعتبار المصلحة من غير استثناء» (٢). واستظهر (٥) في مفتاح الكرامة من عبارة التذكرة في باب الحجر نفي

______________________________________________________

(١) كقوله : «الضابط في تصرف المتولي لأموال اليتامى والمجانين اعتبار الغبطة ، وكون التصرف على وجه النظر والمصلحة ..» (٣).

(٢) كقول الشهيد قدس‌سره : «ويصحّ رهن مال الطفل مع المصلحة» (٤).

(٣) كالمحقق الأردبيلي والفاضل السبزواري والسيد الطباطبائي قدس‌سرهم ، وقد نقل السيد العاملي الكلمات في باب الرهن (٥) ، فراجع.

(٤) أي : الحكم باعتبار المصلحة في التصرف في مال الطفل. ووجه تعميم هذا الحكم هو : أنّهم اشترطوا المصلحة في تصرف الناس في مال اليتيم ، ولم يستثنوا الأب والجدّ من هذا الحكم ، حتى لا يكون تصرفهما فيه مشروطا بالمصلحة.

والظاهر أنّ غرض المصنف من الإتيان بكلمة «بل» التنبيه على إطباق الفقهاء على اعتبار غبطة الصغير ، وهذا الإجماع لم يستفد من الكلمات المشار إليها في المتن ، فأراد الفاضل الهندي دعوى اتفاق المتقدمين على هذا الحكم.

(٥) حيث قال بعد نقل عبارة التذكرة المتقدمة آنفا : «وظاهره أنه ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين .. إلخ» (٦).

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٨٧ ، وج ٥ ، ص ٧٢.

(٢) المناهج السوية (مخطوط) ، ص ٦.

(٣) تذكرة الفقهاء ، (الطبعة الحجرية) ج ٢ ، ص ٨٠ ، وتكرر أيضا في ص ١٤ و ٨١ و ٨٢ و ٨٣ ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢١ و ١١٢ وص ١٣٥ ، إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٣٦٠ و ٣٩٢

(٤) اللمعة الدمشقية ، ص ١١٨ (كتاب الرهن) ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٣١٨ و ٤٠٣ ، ولاحظ كلام الشهيد الثاني قدس‌سره في الروضة ، ج ٤ ، ص ٧٣ ، وفي المسالك ، ج ٣ ، ص ١٦٦ وج ٤ ، ص ٣٥.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٤ ، ص ١٤ وج ٦ ، ص ٧٧ وج ٨ ، ص ١٥٣ وج ٩ ، ص ١٥١ ، كفاية الأحكام ، ص ٨٩ و ١٠٨ ، رياض المسائل ، ج ٩ ، ص ٢٠٩ (الطبعة الحديثة) ، مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ١١١.

(٦) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٢٦٠.


الخلاف في ذلك (١) بين المسلمين.

وقد حكي (٢) (١) عن الشهيد في حواشي القواعد : «أنّ قطب الدين قدس‌سره نقل عن العلّامة رحمه‌الله : أنّه (٣) لو باع الوليّ بدون ثمن المثل لم لا ينزّل (٤) منزلة الإتلاف بالاقتراض؟ لأنّا قائلون بجواز اقتراض ماله ، وهو (٥) يستلزم جواز إتلافه. قال : (٦)

______________________________________________________

(١) أي : في اشتراط تصرف الولي في مال اليتيم بالمصلحة.

(٢) الظاهر أنّ الغرض من بيان ما حكاه الشهيد قدس‌سره : الإشارة إلى مناقشة العلامة قدس‌سره في اعتبار المصلحة في تصرف الأب والجدّ في مال الطفل ، وهي : أنّ الأصحاب القائلين باعتبار المصلحة قائلون بجواز اقتراض مال الطفل ، مع كونه في معرض التلف ، لاحتمال عدم الوفاء. وهذا يقتضي تنزيل البيع بدون ثمن المثل منزلة إتلاف مال الصغير بالاقتراض.

وعليه فلا يعتبر المصلحة في تصرف الأب والجدّ في مال الطفل. ولكن العلامة قدس‌سره توقف في الذهاب إلى عدم اعتبار المصلحة ـ في تصرفهما في ماله ـ حذرا عن مخالفة الأصحاب.

(٣) مفعول «نقل» ، وضمير «أنه» للشأن.

(٤) يعني : لم لا ينزّل بيع الولي بأقلّ من ثمن المثل منزلة الإتلاف بسبب الاقتراض؟

(٥) يعني : والحال أنّ جواز الاقتراض يستلزم جواز إتلاف مال الطفل.

(٦) يعني : قال قطب الدين : وتوقّف العلامة زاعما أنه لا يقدر على مخالفة الأصحاب.

__________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢١٧.


«وتوقّف زاعما أنّه لا يقدر على مخالفة الأصحاب» هذا (*).

ولكن الأقوى (١) كفاية عدم المفسدة ، وفاقا لغير واحد من الأساطين الذين عاصرناهم (٢) ،

______________________________________________________

(١) هذا مختار المصنف قدس‌سره ، ومحصله : أنّ الأقوى من الوجوه الثلاثة وسطها ، وهو كفاية عدم المفسدة في صحة تصرفات الأب والجدّ ، وعدم إناطتها بالمصلحة ، فضلا عن الأصلح.

(٢) كالشيخ الفقيه كاشف الغطاء ونجله صاحب أنوار الفقاهة والمحقق القمي. ففي كشف الغطاء : «ولولاية الإجبار كولاية الأب والجدّ ما ليس لغيرها ، فلا يعتبر فيها سوى عدم الفساد .. إلخ» ونحوه في شرح القواعد.

لكنّه قال ـ بعد ترجيح هذا القول على مراعاة المصلحة ـ ما لفظه : «والاقتصار على ما ذكره الفقهاء وتنزيل الروايات أوفق في النظر ، وأسلم من الخطر ..» (١).

وقال في أنوار الفقاهة : «وبحكم المالك : الأب النسبي .. والجدّ للأب .. فإنّ لهما معا .. ولاية إجبارية لا تراعى بالمصلحة. نعم لو أفسدا بطل تصرفهما فيما أفسدا به ..» (٢).

وقال المحقق القمي : «فنصب الولي إنما هو لأجل دفع الفساد وحفظ المال .. وفي خصوص الأب والجد دائرة الرخصة أوسع ، إذ لم يشترط فيه الملاءة كما بيّناه في المناهج

__________________

(*) الظاهر أنّ منشأ مناقشة العلامة قدس‌سره المقتضية للذهاب إلى ولاية الأب والجدّ ـ حتى مع المفسدة ـ هو الروايات الدالة على أنّ مال الولد للوالد. فكلّ تصرف ولو مع المفسدة من الأب والجدّ في مال الصغير جائز ، ولا يشترط فيه المصلحة.

لكن فيه : أنّه يقيّد بما إذا كانت المفسدة من جهة نفقة الأب والجدّ ، لا مطلقا ، فلا يعمّ جميع موارد المفسدة كالبيع بما دون ثمن المثل.

__________________

(١) كشف الغطاء (الطبعة الحجرية) البحث الثاني والأربعون من المقدمة ، شرح القواعد (مخطوط) الورقة ٧١

(٢) أنوار الفقاهة ، مجلّد المتاجر ، ص ١٠٠ (مخطوط).


لمنع (١) دلالة الروايات (٢) على أكثر من النهي عن الفساد ، فلا تنهض لدفع دلالة المطلقات المتقدّمة (٣) الظاهرة في سلطنة الوالد على الولد وماله.

وأمّا الآية الشريفة ، فلو سلّم دلالتها (٤)

______________________________________________________

في كتاب المكاسب ، والغنائم في كتاب الزكاة ..» فراجع (١).

وقال صاحب الجواهر قدس‌سره ـ بعد المناقشة في الإجماع على اعتبار المصلحة ـ ما لفظه : «فإنّ النصوص واضحة الدلالة في جواز الاقتراض لهما ـ أي للأبوين ـ والمعاملة ، وتقويم الجارية ، ونحو ذلك من غير اعتبارها ـ أي المصلحة ـ» إلى أن قال : «نعم قد يفهم في خصوص الأبوين التوسعة لهما ، مع أن الأحوط فيهما وفي غيرهما مراعاة المصلحة ، كما اعترف به الأستاد في شرحه» (٢).

وعلى هذا فلم يظهر ترجيح القول بكفاية عدم المفسدة من صاحب الجواهر (٣).

(١) تعليل لقوله : «لكن الأقوى» ومحصله : أنّ الروايات لا تدلّ على أكثر من النهي عن الفساد أي التصرف المقرون بالفساد ، فالمنهي عنه هو التصرف الفاسد. فعدم المفسدة كاف في صحة تصرف الأب والجد في مال الطفل ، وليس صحته مشروطة بالمصلحة فضلا عن الأصلح.

(٢) وهي : رواية الحسين بن أبي العلاء ، وصحيحة أبي حمزة الثمالي المتقدمتان.

(٣) وهي رواية سعيد بن يسار وصحيحة محمد بن مسلم ورواية محمّد بن سنان.

وهذه الأخبار مطلقة شاملة للوجوه الثلاثة من الأصلح والمصلحة وعدم المفسدة ، ولم يخرج منها إلّا صورة المفسدة ، فيجوز التصرف مع عدم المفسدة وإن لم يكن مصلحة.

(٤) أي : دلالة الآية على اعتبار المصلحة. غرضه من قوله : «فلو سلم» ما قيل أوّلا : من أنّه لا نسلّم دلالة الآية على اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم ، إمّا

__________________

(١) جامع الشتات (الطبعة الحجرية) ج ١ ، ص ١٩٢ و ١٩٣.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٢.

(٣) لاحظ ج ١٥ ، ص ٢٢ ، وج ٢٥ ، ص ١٦٥ وج ٢٨ ، ص ٢٩٧.


فهي (١) مخصّصة بما دلّ على ولاية الجدّ وسلطنته الظاهرة (٢) في أنّ له أن يتصرّف في مال طفله بما ليس فيه مفسدة له ، فإنّ (٣) ما دلّ على ولاية الجدّ في النكاح معلّلا بأنّ

______________________________________________________

لانصرافها إلى الأجانب ، وعدم شمولها للأجداد. وإمّا لاحتمال عدم صدق اليتيم على الطفل مع حياة جدّه.

مع أنّ كلمة «أحسن» في الآية الشريفة ليست مسوقة لبيان معناها التفضيلي ، بل سيقت لبيان غيره وهو الحسن المراد به عدم الحرج ، والتصرف غير المفسد حسن. وهذا يلائم عدم المفسدة.

وعليه فلا تدلّ الآية على اعتبار المصلحة في نفوذ تصرّف الولي في مال اليتيم.

وثانيا : ـ بعد تسليم دلالتها على اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم ـ أنّها مخصّصة بأدلة جواز تصرف الجدّ في مال الطفل مع عدم المفسدة. ومقتضى هذا التخصيص كفاية عدم المفسدة في جواز تصرف الجد في مال الطفل ، وعدم اعتبار المصلحة في جوازه.

(١) يعني : فالآية مخصّصة ، هذا هو الجواب الثاني المذكور آنفا بقولنا : «وثانيا بعد تسليم دلالتها .. إلخ».

(٢) الظاهر أنه نعت ل «ما الموصول» المراد به الأدلة ، وهي الإطلاقات الدالة على ثبوت الولاية. وليست «الظاهرة» صفة ل «سلطنته» لعدم ذكرها في الأدلة ، وإن كانت محتملة ، لاستفادة السلطنة من تلك الأدلة وإن لم تشتمل هي على لفظ السلطنة.

(٣) تعليل للظهور في أنّ للجدّ التصرف في مال الطفل بما ليس فيه مفسدة لمال الطفل ، وظهور الأدلة في جواز تصرف الجدّ في مال ولد ولده ـ بما ليس فيه مفسدة ـ إنّما هو بعد تقييدها بما دلّ على عدم جواز الإسراف ، ضرورة أنّها مع الغضّ عن هذا التقييد تعمّ جميع الصور حتى صورة وجود المفسدة.

ثم إنّ المصنف قدس‌سره استظهر ولاية الجدّ ـ بما ليس فيه مفسدة ـ من طوائف ثلاث من النصوص.

الاولى : ما دلّ على ولاية الجدّ في التزويج ، وتقدّم ما يختاره على ما يختاره الأب ،


.................................................................................................

______________________________________________________

كرواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، قال : «سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته ، فهوي أن يزوّج أحدهما ، وهوى أبوه الآخر ، أيّهما أحقّ أن ينكح؟ قال : الذي هوى الجدّ أحقّ بالجارية ، لأنّها وأباها للجدّ» (١) بتقريب : أنّ مورد السؤال دوران أمر تزويج البنت بين من يهواه الجدّ ، ومن يهواه الأب مع فرض عدم سبق عقد أحدهما عليها. وأجاب عليه‌السلام بتقديم رأي الجدّ ، معلّلا بأنّ البنت وأباها يتعلقان بالجدّ. ومن المعلوم أنّ أولوية الجدّ بأمر النكاح تقتضي أولويته من الأب في الأموال. نعم لا بدّ من تقييد إطلاق ولاية كل منهما ، بما لا يترتب عليه مفسدة كما لا يخفى.

الثانية : ما دلّ على أنّ الولد وماله للأب ، وهو النبوي المشهور المتقدم في عدة من النصوص : «أنت ومالك لأبيك».

وهذه الجملة تارة تدلّ بالمطابقة على جواز تصرّف الوالد في مال ولده ، كما في الأخبار التي استند الأئمة عليهم الصلاة والسلام إلى النبوي لإثبات مشروعية أخذ الوالد من أموال ولده ، كقول أبي عبد الله عليه‌السلام في رواية محمّد بن مسلم : «والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء .. وذكر ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لرجل : أنت ومالك لأبيك» فيجوز تصرف الأب في مال ابنه مطلقا وإن لم يكن فيه مصلحة ، نعم يقيّد الجواز بالتصرف المفسد.

واخرى بالفحوى ، بتقريب : أنّ سلطنة الجدّ على تزويج بنت ابنه تقتضي ـ بالأولوية القطعية ـ سلطنته على التصرف في الأموال. وهذه الولاية غير مقيدة بالغبطة والمصلحة ، فهي ثابتة مطلقا وإن لم تكن بصلاح المولّى عليه ، نعم يقيّد بما لا فساد فيه.

وتستفاد هذه الفحوى من رواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّي لذات يوم عند زياد بن عبد الله إذ جاء رجل يستعدي على أبيه ، فقال : أصلح .. الأمير ، إنّ أبي زوّج ابنتي بغير إذني. فقال زياد لجلسائه الّذين عنده : ما تقولون في ما يقول هذا الرجل؟ فقالوا : نكاحه باطل. قال : ثمّ أقبل عليّ ، فقال : ما تقول يا أبا عبد الله ، فلمّا سألني

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢١٩ ، الباب ١١ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ح ٨.


البنت وأباها للجدّ (١). وقوله (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك»

______________________________________________________

أقبلت على الّذين أجابوه ، فقلت لهم : أليس في ما تروون أنتم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّ رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك؟ قالوا : بلى. فقلت لهم : فكيف يكون هذا وهو وماله لأبيه ، ولا يجوز نكاحه؟ قال : فأخذ بقولهم ، وترك قولي» (١).

واستشهاد الامام عليه‌السلام بكلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظاهر في كون «مالك» بفتح اللام ، لكونه عليه‌السلام بصدد إثبات ولاية الجدّ على تزويج البنت ، وهو فعل متعلق بالبضع ، لا المال المعهود.

الثالثة : ما دلّ على ثبوت الولاية للجدّ على تزويج بنت ابنه ، ولم يعلّل بما علّل به في معتبرة علي بن جعفر المتقدمة ، ويتم ولايته في أموال الصغير بالفحوى ، كمعتبرة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه. ولابنه أيضا أن يزوّجها. فقلت : فإن هوى أبوها رجلا ، وجدّها رجلا؟ فقال : الجدّ أولى بنكاحها» (٢).

والحاصل : أنّ النصوص المتقدمة بطوائفها الثلاث تثبت ولاية الجدّ على التصرف في أموال الطفل مطلقا وإن لم يكن أحسن بحال المولّى عليه. فالآية الشريفة الناهية عن القرب بمال اليتيم إلّا بالتي هي أحسن تخصّص بهذه الأخبار الظاهرة في نفوذ التصرف ما لم يستلزم النقص والفساد ، وأما الصلاح والأصلح فغير معتبر ، هذا.

(١) هذا إشارة إلى الطائفة الأولى ممّا يصلح للتصرف في ظاهر الآية ، واختصاص القرب المنهي عنه بما يستلزم الفساد.

(٢) معطوف على الموصول في «ما دلّ» أي : فإنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. ، وهذا إشارة إلى الطائفة الثانية ، وهي استشهاد الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام بالحديث النبوي على نفوذ تصرف الأب في مال ولده.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢١٨ ، الباب ١١ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث : ٥.

(٢) المصدر ، ص ٢١٧ ، الحديث : ١.


خصوصا (١) مع استشهاد الإمام عليه‌السلام به (٢) في مضيّ نكاح الجدّ بدون إذن الأب ، ردّا على من أنكر ذلك (٣) ، وحكم (٤) ببطلان ذلك من (٥) العامّة في مجلس بعض الأمراء (٦) ، وغير ذلك (٧) ، يدلّ (٨) على ذلك (٩).

مع (١٠) أنّه لو سلّمنا عدم التخصيص وجب الاقتصار عليه في حكم الجدّ ،

______________________________________________________

(١) وجه الخصوصية ما عرفته آنفا من أنّ ولاية الجدّ على البضع ـ المدلول عليها بالنبوي ـ تقتضي ولايته على المال بالفحوى.

(٢) أي بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك».

(٣) أي : أنكر مضيّ نكاح الجد بدون إذن الأب ، والمنكر علماء العامة المجالسون للوالي.

(٤) معطوف على «أنكر» يعني : وحكم ذلك المنكر ببطلان نكاح الجدّ بدون إذن الأب.

(٥) هذا بيان ل «من» الموصول في قوله : «من أنكر».

(٦) هو زياد بن عبد الله المذكور في رواية عبيد بن زرارة المتقدمة.

(٧) أي : غير ما دلّ على ولاية الجد معلّلا ، وغير قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك» وهذا الغير إشارة إلى الطائفة الثالثة ممّا يقتضي تخصيص الآية الشريفة.

(٨) هذا خبر «إنّ» في قوله : «فإنّ ما دلّ» المتقدم في (ص ١٠٣).

(٩) أي : على كفاية عدم المفسدة في تصرفات الجد في مال الطفل.

(١٠) هذا جواب ثالث عن الاستدلال بالآية على رعاية مصلحة الصغير.

وحاصله : أنّه لو سلّمنا عدم تخصيص آية «ولا تقربوا» بما دلّ على جواز تصرف الجدّ في مال الطفل مع عدم المفسدة ، وقلنا بشمول إطلاق النهي في الآية المباركة مع دلالتها على اعتبار المصلحة للجدّ أيضا ، وجب الاقتصار على التصرف ذي المصلحة في الجد دون الأب ، إذ لا تشمله الآية ، لعدم اليتم مع وجود الأب ، فحينئذ يجوز للأب التصرف في مال طفله ولو بدون المصلحة. فلزوم مراعاة المصلحة ثابت في الجد دون الأب.


دون الأب. ودعوى (١) عدم القول بالفصل ممنوعة (٢) ، فقد حكي عن بعض (٣)

______________________________________________________

(١) الغرض من هذه الدعوى إثبات التساوي بين الأب والجدّ في عدم جواز التصرف في مال الطفل إلّا مع المصلحة استنادا إلى عدم القول بالفصل ، بدعوى : أنّه لم يفصّل بين تصرف الأب والجد في مال الطفل ، فلزوم مراعاة المصلحة ثابت في حقّ كلّ من الأب والجدّ ، ولا يختص بالجد.

(٢) خبر «دعوى» ودفع لها ، وحاصله : وجود القول بالفصل بينهما عن بعض متأخري المتأخرين ، حيث قال ذلك البعض بجواز اقتراض الأب المعسر ـ المحتاج ـ من مال الصغير ، دون الجدّ ، فإنّه لا يجوز له ذلك.

(٣) وهو المحقق الثاني قدس‌سره ، أفاد ذلك في شرح قول العلامة : «ولو ضمن ـ أي الولي ـ واتّجر لنفسه وكان مليّا ملك الربح ، واستحب له الزكاة. ولو انتفى أحدهما ضمن ، والربح لليتيم ولا زكاة» (١) فإنّ مقتضى إطلاق «الولي» عدم الفرق بين الأب والجدّ في الضمان على تقدير الإعسار ، كما يضمن غير الولي لو اتّجر بمال الطفل مع الملاءة. وعلّق عليه المحقق الثاني بقوله : «يستثنى من ذلك الأب وإن كان معسرا» (٢).

وظاهره اختصاص الأب ـ من سائر الأولياء ـ بحكم ، وهو جواز الاقتراض من مال ولده والاتّجار به وعدم ضمانه. ومقتضى هذه العبارة القول بالفصل بين الأب والجدّ ، فلا يجوز للجدّ المعسر أن يقترض من مال الطفل ليتّجر به ، بل يضمنه لو تلف.

وكيف كان فيكفي في منع دعوى الإجماع المركّب وجود القول بالفصل بين تصرف الأب والجدّ. وعليه فلا وجه لما تقدم في (ص ٩٦) في الاستدلال بالآية الشريفة من دعوى عدم القول بالفصل.

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ١ ، ص ٣٢٩.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٣ ، ص ٥ ، ولاحظ أيضا مفتاح الكرامة ، ج ٣ ، ص ٧ ، في اشتراط الملاءة ، لكنّه سوّى بين الأب والجد ، كما نسبه صاحب المدارك أيضا إلى المتأخرين ، فراجع ج ٥ ، ص ١٩ ، مع اقتصار المحقق الكركي على الأب خاصة.


متأخّري المتأخّرين القول بالفصل بينهما (١) في الاقتراض مع عدم اليسر.

ثمّ (٢) لا خلاف ظاهرا ـ كما ادّعي (٣) ـ في أنّ الجدّ وإن علا يشارك الأب في الحكم (٤).

______________________________________________________

(١) أي : بين الأب والجدّ. هذا تمام الكلام في الفرع الثاني وهو اشتراط صحة التصرف بالمصلحة أو بعدم المفسدة.

مشاركة الجدّ وإن علا للأب

(٢) هذا إشارة إلى فرع ثالث ممّا يتعلق بولاية الأب والجد على التصرف في أموال الصغير ، وهو تعدّي الحكم إلى أب الجدّ وجدّ الجد ، كما إذا كان للطفل أب وهو زيد ، وجدّ وهو عمرو ، وأب جدّ وهو بكر ، وجدّ جدّ وهو بشر ، فإنّه لا ريب ـ كما تقدم ـ في ثبوت الولاية لزيد وعمرو ، وهل يشارك بكر وبشر زيدا في الولاية وجواز المزاحمة كما جاز للجدّ وهو عمرو؟ أم أنّها مختصة بالجدّ الداني أعني عمرا؟

اختار المصنف وفاقا لغيره مشاركة أب الجدّ وجدّ الجد لوالد الطفل في ثبوت الولاية لهما على الصغير ، واستدلّ عليه ـ بعد حكاية الإجماع ـ بطائفتين من الأخبار ، وسيأتي بيانهما.

قال في الجواهر : «ثم إن الظاهر ثبوت جميع ما عرفت من الأحكام للجدّ ـ وإن علا ـ مع الأب ، للصدق ، فيندرج في جميع ما عرفته من الأدلة» (١).

(٣) المدّعي لعدم الخلاف هو السيّد المجاهد قدس‌سره ، لقوله : «المراد بالجدّ هنا أب الأب وإن علا ، كما صرّح به في التذكرة والروضة والمسالك والكفاية والرياض ، بل الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه» (٢).

(٤) وهو جواز التصرف في مال الصغير مع عدم المفسدة.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢١٠ ، ولكنه تنظر فيه في كتاب الحجر ، فراجع ج ٢٦ ، ص ١٠٢.

(٢) المناهل ، ص ١٠٥.


ويدلّ عليه (١) ما دلّ على أنّ الشخص وماله ـ الذي منه مال ابنه ـ لأبيه ، وما دلّ (٢) على أنّ الولد ووالده لجدّه.

ولو فقد (٣) الأب وبقي الجدّ ،

______________________________________________________

(١) أي : ويدلّ على أنّ الجدّ ـ وإن علا ـ يشارك الأب في الحكم ما دلّ .. إلخ. وهذا إشارة إلى الطائفة الاولى ، وهي رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «فقلت لهم : فكيف يكون هذا هو وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه؟» فإنّه عليه‌السلام استظهر من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك» أمرين :

أحدهما : كون مال الولد للوالد.

وثانيهما : كون نفس الإنسان وما بيده من المال ملكا لوالده ، أي لجدّ المولّى عليه.

وكذا يقال بالنسبة إلى أب الجدّ ، فإنّ جدّ الصغير وما بيده من أموال نفسه وولده وحفيده كلّها لأب الجدّ. ولو كان جدّ الجدّ حيّا كانت له الولاية على أب الجدّ وأولاده.

(٢) معطوف على «ما دلّ» وهذا إشارة إلى الطائفة الثانية ، وهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام المعلّلة بأنّ «الجارية وأباها للجدّ». فكذا يقال بمقتضى معمّميّة التعليل : إنّ الجدّ وولده وبنت ولده يكونون لأب الجدّ ، وهكذا بالنسبة إلى جدّ الجدّ.

وعلى هذا فلو هوى أب الجارية أن يزوّجها من رجل ، وهوى جدّ جدّها تزويجها من رجل آخر لم يكن عبرة بقول الأب. هذا في النكاح. وتثبت الولاية على الأموال بالفحوى ، كما تقدم في (ص ١٠٤).

لو فقد الأب وبقي الجدّ الأدنى والأعلى

(٣) هذا فرع رابع ممّا يتعلق بولاية الأب والجدّ ، وهو حكم ولاية الأجداد عند فقد الأب ، كما إذا كان لزيد ولد وأب وجدّ ـ وهو والد أبيه ـ ومات زيد ، فهل تكون ولاية ولد زيد لوالد زيد الذي هو جدّ الولد ، أم لوالد والد زيد ، الذي هو جدّ زيد؟ فيه قولان ، قال السيد المجاهد : «وهل الأجداد في مرتبة واحدة ، فكلّهم أولياء بالاستقلال ، أولا؟ بل الأقرب إلى الأب يمنع الأبعد. صرّح بالثاني في جامع المقاصد والمسالك


فهل أبوه وجدّه [أو جدّه (١)] يقوم مقامه (٢) في المشاركة أو يخصّ هو (٣) بالولاية؟ قولان : من (٤) ظاهر أنّ الولد ووالده لجدّه ، وهو المحكيّ عن ظاهر جماعة ،

______________________________________________________

والكفاية. ويظهر الأوّل من إطلاق الشرائع والنافع والتبصرة والإرشاد والتحرير والقواعد والتذكرة والدروس واللمعة وكنز العرفان والروضة والرياض» (١).

ومورد كلامه قدس‌سره وإن كان تزاحم الأجداد من دون تعرّض لموت الأب ، إلّا أنّ المقصود بيان من يقدّم قوله من الأجداد ، ولا فرق فيه بين وجود الأب وفقده بعد ثبوت أولوية الجدّ من الأب.

(١) اختلفت النسخ في عطف الجدّ على الأب بالواو ، وب «أو» ففي النسخة المصححة المعتمد عليها العطف ب «أو» ويكون مقصود المصنف قدس‌سره بيان أنّ أب المفقود تثبت له الولاية بالأصالة على ما تقدّم من كون الجدّ كالأب وليّا على الصغير ، ولكن هل تختص الولاية به؟ لفرض فقد الأب فيستقل بالتصرف ، أم يشاركه غيره ، وهذا الغير إمّا أب الجدّ وإمّا جدّ الجدّ.

وعلى هذا فالأنسب بسياق العبارة إرجاع ضميري «أبوه ، جدّه» إلى «الجدّ» ليكون الغرض تحديد من يشارك جدّ الطفل. ولو أرجعنا الضميرين إلى الأب المفقود لزم كون أحد المشاركين هو أب الأب ، من دون ذكر للمشارك ، مع أنّ أب الأب ـ وهو جدّ الطفل ـ له شركة في الولاية لو لم يختصّ بها. وعليك بالتأمل في العبارة.

(٢) أي : مقام الأب المفقود.

(٣) أي : أب المفقود ـ أعني به جدّ الصغير ـ يختصّ بالولاية.

(٤) هذا دليل ولاية أبي الميت وجدّه على الطفل ، وحاصله : أنّ مقتضى ما دلّ على أنّ «الولد ووالده لجدّه» هو كون ولاية الطفل لأبي الميت وجدّه ، كما حكي عن جماعة.

قال في الجواهر : «لكن قد يظهر من خبر عبيد بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام أولوية

__________________

(١) المناهل ، ص ١٠٥ ، وهو المراد من الحاكي في قول الماتن : «المحكي عن جماعة».


ومن (١) أنّ مقتضى قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) (١) كون القريب أولى بقريبه من البعيد. فنفى (٢) ولاية البعيد ، وخرج منه (٣) الجدّ (٤) مع الأب ، وبقي الباقي (٥).

______________________________________________________

الجدّ ، باعتبار ولايته على الأب الذي هو ابنه بلا واسطة أو بوسائط» (٢).

(١) هذا دليل القول الثاني ، وهو : اختصاص الولاية بأبي الميت الذي هو الجدّ الأدنى للطفل ، ومحصل هذا الدليل : أنّ مقتضى قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) أولوية القريب من البعيد ، والقريب هنا هو أبو الميت الذي هو الجدّ الأوّل للطفل ، فإنّه أقرب إلى الطفل من جدّ الميت الذي هو الجدّ الثاني للطفل.

فإن قلت : الآية الشريفة ـ بمقتضى كون الأولوية فيها تعيينية لا تفضيلية ـ تنفي ولاية البعيد مع وجود القريب ، ولازمه عدم مشاركة الجدّ أصلا للأب ، لظهور الآية في اختصاص القريب بالولاية ، ومن المعلوم أنّ القريب إلى الطفل هو الأب ، ومعه لا وجه لولاية الجدّ أصلا ، سواء أكان هو الأدنى أم الأعلى.

قلت : نعم ، الأولوية التعيينية تنفي ولاية ما عدا الأب ، حتى الجدّ القريب ، لكن النصوص أخرجت هذا الجدّ من العموم ، وحكمت بولايته على الحفيد ، وأمّا سائر الجدود فلا ولاية لهم بمقتضى الآية.

(٢) يعني : فنفى قوله تعالى ولاية البعيد ، أي : الجدّ العالي ، وهو جدّ الأب المتوفّى.

(٣) أي : خرج من عموم قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) وقد عرفت توضيح هذا الخروج بقولنا : «ان قلت .. قلت».

(٤) أي : جدّ الصغير ، إذ له الولاية المشتركة مع أب الطفل لو كان الأب حيّا.

(٥) وهو أبو الجدّ وجدّ الجدّ ، فإنّه لا ولاية لهم ، لأنّ القريب إلى المولّى عليه هو الجدّ الأدنى لا سائر الجدود.

__________________

(١) الأنفال ، الآية ٧٥ ، الأحزاب ، الآية ٦.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢١١.


وليس (١) المراد من لفظ «الأولى» التفضيل مع الاشتراك في المبدء ، بل هو نظير قولك : «هو أحقّ بالأمر من فلان» ونحوه (٢). وهذا (٣) محكيّ عن جامع المقاصد والمسالك والكفاية.

______________________________________________________

(١) هذا دفع توهم ، وهو : أنّ الآية تدلّ على ولاية اولي الأرحام ، الّذين منهم جدّ الأب ، مع أحقيّة بعضهم ـ وهو أب الأب ـ وهذا ضدّ المقصود ، أعني به نفي الولاية عن جدّ الأب ، وإثباته لأبيه.

ومحصل الدفع : أنّ هذا التوهم ناش من إرادة المعنى التفضيلي من كلمة «أولى» لكنه ليس كذلك ، لإرادة التعيين منها ، كما في آية الإرث ، وكما في قولك : «فلان أحقّ بالخلافة من فلان» وكقوله عليه‌السلام : «فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات» وكما في الزوجة المتوفى عنها زوجها بعد العدة من قوله عليه‌السلام : «هي أملك بنفسها» فإنّ صيغة التفضيل يراد منها أصل الوصف ، من دون النظر إلى زيادته بالنسبة إلى فرد آخر.

(٢) نظير قوله تعالى حكاية عن يوسف على نبينا وآله وعليه‌السلام «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ» فإنّ «الأحبّ» منسلخ عن المعنى التفضيلي ، وإلّا يلزم حبّه عليه‌السلام بما أرادته تلك المرأة منه ، ويوسف عليه‌السلام منزّه عن ذلك.

(٣) يعني : وهذا القول الثاني حكاه السيد المجاهد قدس‌سره ـ في عبارته المنقولة آنفا ـ عن المحقق والشهيد الثانيين والفاضل السبزواري. قال في المسالك : «وأمّا إقامة الجدّ مع أبيه مقام الأب مع الجدّ فعدمه أقوى».

ولم أجد تصريح المحقق الثاني بالعدم ، وإنما قال : «وهل يكون للجدّ الأعلى مع الجدّ الأدنى ولاية؟ فيه نظر» (١). ولعل السيد المجاهد ظفر بكلام آخر في جامع المقاصد أو فوائده على الشرائع أو غيره ، فنسب القول بالعدم إليه. كما لم أجد في الكفاية ـ بعد التتبع في البيع والحجر والوصية والنكاح ـ ما يدلّ على المطلب ، فراجع.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٧ ، ص ١٧١ ، جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ١٨٧.


وللمسألة (١) مواضع أخر تأتي إن شاء الله (*).

______________________________________________________

(١) أي : ولمسألة ولاية الأب والجدّ على الطفل مواضع أخر كالزكاة والحجر والنكاح ، فما تقدّم من الأبحاث ليس استقصاء لجميع أطراف المسألة ، فلاحظ.

__________________

(*) ينبغي قبل التعرض لأدلة ولاية الأب على الصغير بيان ما هو الأصل في المسألة ، فنقول وبه نستعين :

لا إشكال في أنّ مقتضى الأصل عدم سلطنة أحد على غيره ، لا في نفسه ولا في ماله. وأمّا بعد أن ثبتت بإطلاق أدلتها ، فلو شك في اعتبار شي‌ء في ولاية الأب والجدّ فمقتضى الإطلاقات عدم اعتباره.

فالمراد بالأصل هو الإطلاق اللفظي ، لا الأصل العملي كما هو ظاهر المتن ، وذلك لأنّ الأصل العملي يقتضي عدم نفوذ التصرف في مال أحد بلا وجه شرعي. فالأصل يثبت اعتبار العدالة في الولي ، لأنّ المتيقّن من التصرف هو تصرف العادل ، ولا يثبت عدم اعتبارها بالأصل. وعطف «الإطلاقات» على الأصل كالنص في أنّ المراد بالأصل هو الأصل العملي.

لكن لم يظهر المراد منه ، إذ لو أريد به أصالة عدم اشتراط الولاية بالعدالة ، فإن رجعت إلى إطلاق أدلة الولاية فليست دليلا على حدة في مقابل الإطلاق. وإن رجعت إلى غيره فلا أصل له ، لحكومة ما دلّ على عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه.

وبالجملة : فالدليل على عدم اعتبار العدالة هو إطلاق أدلة الولاية. ومع الغض عنه يقتضي الأصل العملي اعتبارها.

ثم إنّه قد استدل على الولاية بأخبار مستفيضة مشتملة على طوائف أشير إليها في التوضيح.

ونوقش في الاستدلال بها. أمّا في الطائفة الاولى وهي نصوص تقويم الأب جارية الابن على نفسه فبأخصيّتها من المدّعى ، وعدم المجال لدعوى عدم الفرق بين موردها وبين غيره. وذلك لاحتمال كون جواز التقويم لأجل احتياجه إلى الجارية ، كما في الإنفاق على نفسه ، هذا.

لكن هذه المناقشة مندفعة ، إذ في أخصيّتها أوّلا : أنّ تقويمها قيمة عدل يدلّ على لزوم


.................................................................................................

__________________

حفظ ماليّة مال الصغير عادلة على الولي ، وهو الأب. وهذا هو الضابط والمعيار في جواز تصرفه في مال الطفل ، فلا خصوصية في الموارد.

وثانيا : أنّه لا وجه للحمل على الحاجة أوّلا ، لكونه خلاف الظاهر ، بل السؤال عن حكم العنوان الأوّلي دون الثانوي الاضطراري.

وبعبارة أخرى : وقع السؤال عن جواز وطئها بالعنوان الأوّلي.

وثانيا : أنّه لا دليل على كون حاجته مجوّزة للتقويم المزبور.

هذا كله مضافا إلى : أنّه بعد تسليم الأخصية لا مانع من التعدّي عن مورده بالأولوية ، لأهمية البضع من المال. فالتمسك بنصوص تقويم الأب جارية الابن على نفسه لإثبات ولاية الأب على الطفل في محلّه ، هذا.

وأما في الطائفة الثانية ـ وهي أخبار الوصية ـ فبعدم دلالتها على جواز تصرف الوصي في مال كان للصغير في حال حياة الأب ـ كإرثه من أمّه ، لأنّها إنّما تدل على جواز تصرفه في مال يملكه الطفل من تركة أبيه ، هذا.

لكن فيه : أنّ ظاهر قول السائل : «وبمال لهم» هو التوصيف الفعلي ، وكون الظرف مستقرّا ، يعني : وبمال ثابت لهم ، لا بمال يحصل لهم بموت أبيه. فتدلّ هذه الطائفة على جواز تصرف الوصي في مال الطفل في حال حياة الموصى ، لا بعد موته حتى يقال : إنّ تصرف الوصي في مال الطفل هو تصرف الوصي بالتسبيب.

وأمّا الطائفة الثالثة ـ وهي أخبار التجارة بماله ـ فبما مرّ في الطائفة الثانية من عدم دلالتها على التجارة بمال الطفل زمان حياة أبيه ، وإنّما تدل على جواز التجارة بماله بعد موت أبيه ، وهذا تصرف من أبيه ، للوصية الموجبة لاتصال تصرفات حياته بتصرفاته بعد موته.

لكن قد عرفت ما فيه.

وأمّا الطائفة الرابعة ـ التي لا بدّ من البحث في مفادها حتى يتضح صحة الاستدلال بها على ثبوت ولاية الأب والجد على الطفل وعدم ثبوتها ـ فهي على صنفين :

أحدهما : ما يدلّ على حلية مال الولد للوالد مثل معتبرة محمّد بن مسلم عن


.................................................................................................

__________________

الصادق عليه‌السلام ، قال : «سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه؟ قال : يأكل منه ما شاء بغير سرف. وقال في كتاب على عليه‌السلام : إنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلّا بإذنه ، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء ..» (١) الحديث ، وغير ذلك من الروايات.

وثانيهما : ما يدل على : أنّ مال الولد للوالد بدون ذكر الولد ، كرواية يسار ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أيحجّ الرجل من مال ابنه وهو صغير؟ قال : نعم. قلت : يحجّ حجة الإسلام وينفق منه؟ قال : نعم بالمعروف. ثم قال : نعم يحج منه وينفق منه ، إنّ مال الولد للوالد» (٢).

أو مع ذكر الولد ، كما في النبوي المعروف في رجل استعدى أباه : «أنت ومالك لأبيك» وقد وقع في جملة من الأخبار (٣).

أمّا الصّنف الأوّل فالظاهر أنّه ليس في مقام إثبات الولاية للأب على ابنه ، بل سيق لبيان جواز أخذ الأب مقدار نفقته من مال ولده ، لأنّه مع فقره ممّن تجب نفقته على الولد الغني. فهو أجنبي عن مسألة ولاية الأب عليه.

وأمّا الصّنف الثاني فلا بد من التكلم فيه حتى يظهر حقيقة الحال ، فنقول وبه نستعين : إنّ اللام في نفسها في «لأبيك» تصلح للملك والولاية والسلطنة على الانتفاع بالولد وبماله ، لكن لا يمكن إرادة الملك منها هنا ، إذ المفروض حرّية الولد وعدم صيرورته ملكا لأحد. وكذا ماله المضاف إليه ، فإنّه لا يعقل كون مال واحد في زمان واحد مضافا بهذه الإضافة بنحو الاستقلال إلى شخصين.

وحمل اللّام على الولاية ينافيه ورود «لأبيك» تارة في خصوص الولد الكبير ، لعدم ولاية الأب على ولده الكبير ولا على ماله شرعا قطعا ، وإخراج المورد قبيح. واخرى في

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٥ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث : ١ ونحوه الحديث : ٢.

(٢) المصدر ، الحديث : ٤.

(٣) المصدر ، ص ١٩٧ ، الحديث ٨ و ٩.


.................................................................................................

__________________

الأعم منه ومن الصغير.

وحمل اللام على السلطنة على الانتفاع به وبماله لا يثبت الولاية ، وينافيه تقويم الجارية على نفسه بمعنى بيعها من نفسه ، لأنّ مجرد الانتفاع بالولد وماله لا يوجب سلطنته على بيع ماله ، بل صحة بيعه منوطة بولايته ، إذ يعتبر في المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالكين أو مأذونين من الشارع ، كالأب والجد والفقيه الجامع للشرائط.

ولأجل الإشكال على حمل اللام على المعاني المذكورة التجأ بعض إلى حمل اللام على معنى يناسب جميع الموارد من الولد الكبير الرشيد ، ووجوب الإعطاء على الولد مقدار حاجة الوالد ، وعدم حبس الأب بإتلافه مال الولد وإن كان كبيرا ، وولاية الأب على جميع التصرفات الراجعة إلى الولد وماله إذا كان صغيرا. وذلك المعنى المناسب هو جعل اللام للتعليل ، والغرض منه الإشارة إلى كون الولد موهوبا للأب ، وأنّ الأب من معدّات تكوّن الولد ووجوده ، فللأب دخل إعدادي في تكوين الولد.

فكلّ ما للولد ـ كنفسه ـ من آثار وجود الأب وتكوّن الولد من الأب ، وكونه من آثار وجوده يوجب ترتب آثار شرعية عليه ، من جواز الانتفاع بماله إذا كان فقيرا ، ومن عدم جواز حبسه بإتلاف ماله ولده وإن كان كبيرا ، ومن ولايته على جميع التصرفات الراجعة إلى ولده وماله إذا كان صغيرا.

كما يدلّ عليه مكاتبة محمّد بن سنان : «انّ الرضا عليه‌السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : وعلّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه ـ وليس ذلك للولد ـ لأنّ الولد موهوب للوالد في قوله عزوجل (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) ، مع أنّه المأخوذ بمؤنته صغيرا وكبيرا ، والمنسوب إليه والمدعوّ له ، لقوله عزوجل (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ). ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك. وليس للوالدة مثل ذلك ، لا تأخذ من ماله شيئا إلّا بإذنه أو بإذن الأب. ولأنّ الوالد مأخوذ بنفقة الولد ، ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٧ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث : ٩.


.................................................................................................

__________________

ولو نوقش في هذا المعنى لكلمة اللام «بأنّ الحمل على أمر تكويني إخبار عن أمر خارجي ، لا إنشاء حكم شرعي كما هو وظيفة الشارع» فغايته أنّه يصير هذا الكلام مجملا ، وهو لا يقدح في الاستدلال بسائر جمل الروايات الظاهرة في الولاية المشتملة على «أنت ومالك لأبيك».

مضافا إلى : ما تقدم في الطائفة الاولى والثانية من إنّها ظاهرة في ثبوت الولاية للأب ، فلا ينبغي الإشكال في ثبوت الولاية للأب على ولده الصغير.

ثم إن هنا أمور ينبغي التنبيه عليها :

التنبيه الأوّل : أنّه هل يعتبر العدالة في ولاية الأب على التصرف في مال الطفل أم لا؟ المنسوب إلى المشهور العدم ، لوجوه :

الأوّل : الأصل. وقد تقدم أنّ الأصل يقتضي اعتبار العدالة ، اقتصارا في مخالفة الأصل على القدر المتيقن ، وهو كون الولي عادلا.

وقد يقرر الأصل بوجوه :

منها : أنّ الأصل عدم تعلق الجعل الشرعي بقيد الولاية المجعولة شرعا قطعا. نظير الشك في جعل قيد في المركّبات الارتباطية كالصلاة ، فكما يجري الأصل هناك ، فكذلك هنا.

وفيه : أنّ أصالة عدم تعلق الجعل الشرعي بقيد الولاية لا يثبت كون الأب وليّا مطلقا وإن لم يكن عادلا إلّا على القول بالأصل المثبت.

إلّا أن يقال : إنّ إثبات شرط للمركّب أو نفيه عنه بالبراءة ليس مثبتا ، كاستصحاب الطهارة ، فإنّ من يستصحبها يصير واجدا للشرط ، وأثره جواز الصلاة مع هذه الطهارة المستصحبة. وليس عنوان «المتطهّر» موضوعا للحكم حتى يقال : إنّه لا يثبت باستصحاب الطهارة إلّا على القول بالأصل المثبت.


.................................................................................................

__________________

لا يقال : إنّ أصالة عدم شرطية العدالة في الولاية تعارض بأصالة عدم جواز التصرف في مال الطفل. فالمرجع حينئذ أصالة عدم الولاية ، أو عدم نفوذ معاملة الأب في مال الطفل ، كما هو مقتضى أصالة الفساد.

فإنّه يقال : الشك في نفوذ المعاملة وفسادها ناش من الشك في شرطية العدالة وعدمها في الولاية. ومع جريان أصالة عدم الشرطية فيها يرتفع الشك في صحة المعاملة وفسادها. ومن الواضح حكومة الأصل السببي على المسببي.

ومنها : استصحاب عدم شرطية العدالة أزلا.

وفيه : عدم اعتبار الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، لما فيه من الإشكالات المذكورة في محلها.

ومنها : غير ذلك من الوجوه المقررة في الأصل غير الخالية عن الإشكال.

ثم إنّ التشبّث بالأصل إنّما يصحّ بعد فرض عدم الدليل الاجتهادي ، إذ معه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي كما لا يخفى.

الوجه الثاني : الإطلاقات التي تقدّمت جملة منها.

قيل : ويمكن أن يراد بها الأعم الشامل لإطلاقات العقود ، لشمول «العقد» لما إذا صدر من الأب والجدّ غير العادلين في مال الطفل.

لكن الظاهر أنّ إطلاقات العقود سيقت لبيان حكم آخر ، وهو نفوذ العقود ولزومها ، وليست في مقام بيان ما يعتبر في المتعاقدين حتى يكون لها إطلاق من هذه الجهة.

الوجه الثالث : نفي الخلاف كما عن المفاتيح من قوله : «ويشترط فيهما الإسلام والعقل لا العدالة ، بلا خلاف. وقيل : بل يجوز ولاية الكافر إذا كان المولّى عليه كافرا ولم يكن له وليّ مسلم. وهو حسن».


.................................................................................................

__________________

لكن يشكل الاعتماد على ما ادعى عليه من نفي الخلاف مع وجود المخالف ، والقول باعتبار العدالة في الأب والجدّ كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الرابع : السيرة القطعية المستمرة من زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زماننا على عدم التفتيش عن كيفية تصرفات آباء الأطفال والأجداد في أموالهم ، وعدم معاملة الأجنبي معهم حتى يثبت عدالتهم هذا.

وقيل : باعتبار العدالة فيهما كما عن الوسيلة والإيضاح ، فاستدل في الأخير بما حاصله : أنه يستحيل من الحكيم تعالى شأنه أن يجعل فاسقا خائنا وليّا على القاصر الذي لا يستطيع على إصلاح أموره ، فلا بدّ أن يكون الوليّ عادلا ليكون أمينا صائنا لنفس الطفل وماله.

وفيه : أنّ مقتضى هذا الوجه اعتبار الأمانة في الولي ، لا اعتبار العدالة فيه إلّا على نحو الموضوعية كإمام الجمعة والجماعة. وذلك غير ثابت.

واستدل له أيضا بآية الركون الى الظالم.

وفيه : أنّ الظاهر إرادة حكّام الجور من الظالم أوّلا. وعدم صدق الركون الى الظالم على ولي الطفل ثانيا. وعدم كون المعاملة بمال الطفل معاملة بمال الغير ، بل معاملة بمال نفسه بمقتضى «أنت ومالك لأبيك» ثالثا.

فتلخص ممّا ذكرنا : عدم نهوض دليل معتدّ به على اعتبار العدالة ، في الأب والجد ، هذا.

التنبيه الثاني : هل يعتبر في تصرف الأب والجد في مال الطفل المصلحة؟ أو عدم المفسدة ، أم لا يعتبر شي‌ء منهما ، فيصح التصرف حتى مع المفسدة ، وجوه.

قد يوجه الأخير بإطلاق الأدلة ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك» و «أنّ الولد وماله موهبة من الله سبحانه لأبيه» كما ورد في التعليل المروي عن مولانا الامام الرضا صلوات الله وسلامه عليه : أنّ علة تحليل مال الولد لوالده هي كون الولد موهوبا للوالد ، كما في قوله


.................................................................................................

__________________

تعالى (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) ومثل هذا الإطلاق ينفي اعتبار وجود المصلحة وعدم المفسدة.

كما يوجّه اعتبار عدم المفسدة بما يقيّد إطلاق أدلة الولاية ، كصحيحة أبي حمزة الثمالي ورواية أبي الحسين بن أبي العلاء المذكورتين في المتن ، فإنّهما ظاهرتان في تحديد التصرف في مال الطفل ، وأنّه لا بدّ أن لا يكون موجبا للفساد ، بقرينة الاستشهاد بالآية المباركة. فالتصرف في مال الطفل إن كان مقرونا بالفساد لا ينفذ ولا يصح ، هذا.

ويوجّه اعتبار المصلحة في صحة تصرف الأب والجد في مال الطفل بوجوه :

الأوّل : الأصل ، إذ المتيقن من جواز التصرف في مال الغير هو التصرف الذي يكون مصلحة للطفل.

الثاني : قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فإنّ الأحسن إن أريد به معناه التفضيلي فيدل على اعتبار الأصلح فضلا عن المصلحة وإن أريد به غير معناه التفضيلي فالظاهر أنّ المراد بالحسن هو المصلحة.

الثالث : أنّ دليل ولاية عدول المؤمنين يدلّ على اعتبار المصلحة في ولايتهم. والظاهر أنّ المناط فيها ـ وهو قصور الطفل عن إدارة شؤونه وحفظ مصالحه ـ موجود في ولاية الأب والجدّ ، مع عدم دليل يدل في المقام على خلافه. ولا بدّ من الإشارة إلى روايات الباب حتى يظهر ما هو الحق والصواب ، فنقول وبه نستعين :

إنّ الأخبار على طوائف :

منها : ما تشتمل على قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك» الوارد في كل من التصرف الاعتباري كالتزويج ، كروايتي عبيد بن زرارة وعلي بن جعفر تعليلا لنفوذ تزويج الجد ، وتقدمه على الأب «بأنّ الأب وماله لوالده» أو «أنّ الابنة ووالدها لجدّها» ، والتصرف الخارجي في مال الطفل ، كرواية العلل المتقدمة في (ص ٩١) ورواية سعيد بن يسار المتقدمة في (ص ٩٠) الدالتين على جواز الأخذ من مال الولد للوالد ، ورواية محمّد بن مسلم المتقدمة في (ص ٨١) المتضمنة لإذن الأب في المضاربة ، ومقتضى عموم التعليل


.................................................................................................

__________________

بكون إذن الأب نافذا هو نفوذ الإذن في مطلق تصرفات الأب في مال الابن ، وإن كان مضرّا ، فضلا عن عدم كونه مصلحة. فمن هذه الطائفة يستفاد إطلاق تصرفات الأب والجدّ في مال الصغير.

ومن طوائف الأخبار ما تدل على تقيد التصرف بالضرورة والاحتياج ، كرواية الحسين بن أبي العلاء المتقدم في (ص ٩٣) وصحيحة أبي حمزة الثمالي المذكورة في (ص ٩٤). والظاهر أنّهما ليستا من أدلة ولاية الأب والجد على مال الصغير ، بل هما في مقام بيان جواز أخذ النفقة من مال الطفل ، إذ نفقة الأب الفقير على ولده الغني. فموردهما التصرف الخارجي ، لا الاعتباري ، حتى يثبت لهما ولاية التصرف في المعاملات المتعلقة بأموال الطفل. هذا.

ومن تلك الطوائف ما تدل على اعتبار مراعاة عدم الضرر في التصرف في مال الطفل ، كصحيحة الكناني المتقدمة في (ص ٨٠) الدالة على تقويم الجارية قيمة عدل.

ويستفاد منها اعتبار عدم الضرر في تصرف الأب في مال الطفل ، وعدم النقص المالي في ماله.

وبتقييد الإطلاقات بمثل هذه الصحيحة يستفاد اعتبار عدم لزوم الضرر في تصرفات الأب ، وكفاية عدم المفسدة في نفوذ تصرفاته في مال الطفل.

لكن رفع اليد عن ظاهر الآية الشريفة ـ وهو مراعاة الأحسن ـ مشكل.

التنبيه الثالث : في ولاية الجد ، والكلام فيها يقع في جهات. وقبل التعرض لها ينبغي التكلم فيما يقتضيه الأصل العملي إن فقد الدليل الاجتهادي ، ووصلت النوبة إلى الأصل ، فنقول :

إنّ مقتضى الأصل العملي عدم ولاية الجد الأعلى إذ المتيقن من الجدّ هو أبو الأب ، فولاية الجدّ العالي خالية عن الدليل. إلّا إذا ثبت إجماع على مساواة الأب مع آبائه في الولاية على الطفل كما ادّعي.

لكنه غير ثابت ، لاحتمال استناد المجمعين إلى بعض الروايات ، فلا بدّ حينئذ من الرجوع إليها ، لسقوط الإجماع عن الاعتبار.


.................................................................................................

__________________

نعم أصل ثبوت ولاية الجدّ مشهور بين الأصحاب كما قيل.

ويمكن الاستدلال على ولايته بصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : «سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته ، فهوي أن يزوّج أحدهما ، وهوى أبوه الآخر ، أيّهما أحقّ أن ينكح؟ قال : الذي هوى الجد أحقّ بالجارية ، لأنّها وأباها للجد» (١).

لكنه مختص بالنكاح ، ويشكل التعدي عنه الى التصرفات المالية ، لمنع الأولوية لولاية الأب والجدّ على نكاح البكر البالغة الرشيدة مع عدم ولايتهما على التصرف في مالها.

وأمّا ذكر قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رواية عبيد بن زرارة فهو في مقام إلزام من حضر في مجلس بعض الأمراء ، لا في مقام إثبات ولاية الجد حتى تثبت ولايته في المال والنكاح معا.

لكن هنا روايات سبع تدل على ولاية الجد للأب على تزويج الصغيرة (٢).

الّا أنّ موردها النكاح الذي هو أخصّ من المدّعى ، إذ المقصود إثبات الولاية للجد في التصرفات المالية أيضا.

نعم يمكن إثباتها بالسيرة ، كما يمكن إثباتها بقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن جعفر المتقدمة آنفا : «لأنّها وأباها للجد» بتقريب : أنّه تعليل لثبوت ولايته في النكاح وفي غيره ، فإنّ هذا التعليل صالح لأن يكون علّة لجعل الولاية المطلقة للجدّ ، فليتأمّل.

وبالجملة : فلا ينبغي الإشكال في ولاية الجد ، فإن لم يمكن إثباتها بنحو الإطلاق من الروايات ، فلا مانع من إثبات إطلاقها بالسيرة القطعية الثابتة ، لولاية الجد في جميع شؤون الطفل من النكاح والتصرفات المالية من صدر الإسلام من غير نكير إلى زماننا هذا.

وأمّا الجهات المتعلقة بهذا التنبيه :

فمنها : أنّ ولاية الجدّ هل هي عرضية أم طولية؟ المحكي عن كثير من القدماء إناطة ولاية الجد بحياة الأب في عقد النكاح ، استنادا إلى رواية الفضل بن عبد الملك عن

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢١٩ ، الباب ١١ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ح ٨.

(٢) المصدر ، ص ٢١٨ ـ ٢١٩.


.................................................................................................

__________________

أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الجد إذا زوّج ابنة ابنه وكان أبوها حيّا وكان الجد مرضيا جاز ، قلنا : فإن هوي أبو الجارية هوى ، وهوى الجد هوى ، وهما سواء في العدل والرضا؟ قال : أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجد» (١).

ولكن لا مفهوم لهذه القضية الشرطية ، بل هي سيقت لتحقيق الموضوع.

مضافا إلى ضعف سندها وإعراض الأصحاب عنها ، لما تقدّم عن العلّامة من دعوى الإجماع على ولاية الفاسق في التزويج.

فإن قلت : نصوص ولاية الجد على نكاح الطفل دلّت على ولايته في حال حياة أبي الطفل ، ولا دليل على ولايته بعد موته ، فيرجع إلى أصالة عدم الولاية. فما عن كثير من القدماء من اختصاص ولاية الجد بحال حياة ابنه متين.

قلت : لا مانع من استصحاب ولايته الثابتة حال حياة ابنه ، ولا مجال لأصالة عدم الولاية ، لأنّ الشك ليس في حدوثها ، بل الشك في بقائها ، وهو مجرى الاستصحاب ، والشك هنا من مصاديق الشك في رافعية الموجود ، وهو الموت.

نعم تجري أصالة عدم الولاية إن لم تثبت ولايته سابقا ، كما إذا كان الولد نطفة حين موت والده ، فإنّ الجدّ ليس وليّا على الطفل الذي هو نطفة حين وفاة أبيه. وهذا شك في حدوث الولاية ، فالجاري فيه أصالة عدم الولاية.

هذا مع الغضّ عن السيرة ، وإلّا فلا تصل النوبة الى الأصل العملي.

فتلخص : أنّ ولاية الجد عرضيّة ومستقلة ، ولا تناط بحياة ابنه ولا بموته.

ومن تلك الجهات : أنّ مقتضى الروايات الثمانية الدالة على ولاية الأب والجدّ في تزويج الطفل هو كون ولاية الجد في عرض ولاية الأب.

لكن ظاهر العلّامة في وصايا التذكرة خلاف ذلك ، حيث قال : «ولاية الأب مقدّمة على ولاية الجد ، وولاية الجدّ مقدّمة على ولاية الوصي للأب ، والوصي للأب أو الجد أولى

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢١٨ ، الباب ١١ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ح ٤.


.................................................................................................

__________________

من الحاكم» (١). فإن ظاهره طولية ولاية الجد وتأخرها رتبة عن ولاية الأب. وهو خلاف ظهور تلك الروايات في عرضيّة ولاية الجد للأب ، لا طوليتها.

ومن تلك الجهات : أنّ الجدّ إذا تعدّد ، فهل الولاية تثبت للجميع أم تختص بالجد القريب؟ فإن كان المستند في ولاية الجد الأخبار ثبتت الولاية لجميعهم ، وإن كان هو السيرة فالمتيقن هو أقرب الأجداد.

ومن تلك الجهات : أنّ الظاهر اختصاص الولاية بالأب والجدّ النسبيين دون الرضاعيين ، لأنّهما ـ على فرض صدق الأب والجد عليهما حقيقة ـ تنصرف الأدلة عنهما ، ولم نقف على تعرض أحد للحوق الرضاعيين بالنسبيين. ودليل تنزيل الرضاع منزلة النسب ناظر إلى الأوصاف والأحكام الظاهرة. وعلى فرض الشك في شمول دليل الولاية لهما فمقتضى الأصل عدمها.

وأمّا ولاية الأب والجدّ على من ولد منهما بالزنا ، فالظاهر ثبوتها لهما ، لصدق الأب والجد عليهما حقيقة بالنسبة إلى هذا الولد. وهذه المعاني الحقيقيّة العرفية موضوعات للأحكام الشرعية.

وأولى بثبوت الولاية للأب والجد ما إذا كان تولد الولد منهما على الوجه المحرّم غير الزنا ، كالتولد من وطي محرّم بالعرض كالوطي في حال الحيض والإحرام والصوم ، أو من تلقيح ماء أجنبي في جوف المرأة ، فإنّ الولد في جميع هذه الصور لصاحب الماء ، ومقتضى موضوعية المعاني العرفية للأحكام الشرعية ثبوت الولاية وغيرها من الأحكام الشرعية للأب والجدّ إلّا ما خرج كالإرث ، فإنّ الزنا مانع عنه.

وهل للولي من الأب والجدّ ولاية على الطلاق ، وهبة مدة المتعة ، وفسخ عقد النكاح بأحد موجباته أم لا؟ المسألة مبنية على وجود الإطلاق أو العموم في أدلة الولاية وعدمه.

فعلى الأوّل تثبت ولايته في جميع أمور الطفل. وعلى الثاني لا تثبت لأنّ السيرة دليل لبّيّ لا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقن منه.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٥١٠ ، السطر ٢٢.


مسألة (١)

من جملة أولياء التصرّف في مال من (٢) لا يستقلّ [١] بالتصرّف في ماله الحاكم (٣) ،

______________________________________________________

٢ ـ ولاية الفقيه

(١) ذكرنا في (ص ٧٩) أن المأذون شرعا في التصرف في مال القاصر هو الأب والجدّ ، والحاكم الشرعي والعدول ، وتقدّم الكلام في ولاية الأب والجدّ ولم يتعرض المصنف لحكم الوصي من قبل أحدهما لكونه موكولا إلى باب الوصية ، وشرع في حكم ولاية الفقيه ، وبسط الكلام فيه بعد تحديد الموضوع ، وهو المجتهد الجامع لشرائط التقليد والفتوى.

(٢) يعني : أنّ للحاكم الشرعي التصرف في مال من لا يكون أهلا شرعا للتصرّف في ماله مستقلّا ، كاليتيم الذي لا جدّ له ، ولم يعيّن أبوه أو جدّه وصيّا عليه. وكذا السفيه والمجنون في الجملة ، والمفلّس.

(٣) مبتدء لقوله : «من جملة» والمراد بالتصرف أعم من الخارجي والاعتباري.

__________________

(*) لعلّ إبداله ب «من لا سلطنة له على التصرف في ماله» أولى ، لكونه أشمل ، لشموله لمن ليس له اقتضاء التصرف في ماله أصلا حتى مع الإذن أو الإجازة من ولي الأمر كالمجنون والصبي غير المميز. بخلاف عنوان المتن ، فإنّ ظاهره خصوص من لا ينفذ تصرفه بالاستقلال ، ويكون شرط نفوذه إذن الولي ، ولا يشمل من لا ينفذ تصرفه حتى مع الإذن أو الإجازة ، فتدبّر.


والمراد منه : الفقيه الجامع لشرائط الفتوى (١).

وقد رأينا هنا (٢) ذكر مناصب الفقيه امتثالا لأمر أكثر حضّار مجلس المذاكرة ، فنقول مستعينا بالله :

للفقيه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة :

أحدها : الإفتاء (*) فيما يحتاج إليه العاميّ (٣) في عمله. ومورده (٤) المسائل الفرعيّة (٥) والموضوعات الاستنباطيّة (٦) من حيث ترتّب حكم فرعيّ عليها.

ولا إشكال ولا خلاف في ثبوت هذا المنصب (٧) للفقيه ، إلّا ممّن (٨) لا يرى

______________________________________________________

(١) التي عمدتها الاجتهاد والعدالة ، وأكثر ما عداهما من الشرائط مبني على الاحتياط كما قرّر في محلّه.

(٢) أي : مبحث ولاية الفقيه الذي هو من مباحث أولياء التصرف.

(٣) وهو من لم يبلغ رتبة الاجتهاد وإن كان له حظّ من العلم.

(٤) أي : ومورد الإفتاء ـ الذي هو أحد المناصب الثلاثة للفقيه ـ المسائل الفرعية.

(٥) وهي الأحكام الخمسة التكليفية ، وكذا الأحكام الوضعية.

(٦) كالغناء والآنية والمفازة ، فإنّها ـ لترتب الأحكام الفرعية عليها ـ تكون موردا لإفتاء الحاكم الشرعي. وأمّا الماهيات المخترعة الشرعية كالصلاة والصوم ونحوهما فهي بأنفسها مورد للإفتاء كنفس الأحكام الشرعية ، لأنّ ماهياتها مأخوذة من الشارع كأحكامها.

(٧) وهو الإفتاء ، حيث إنّ الفقيه هو العالم بالأحكام ، فهو المرجع فيها.

(٨) وهو بعض الأخباريين المانع عن التقليد ، وبعض الأصوليين القائل بوجوب الاجتهاد عينا (١).

__________________

(*) ليس نفس الإفتاء والإخبار عمّا اعتقده من الفتوى ـ كما هو ظاهر العنوان «الأحكام» ـ مرادا ، بل المقصود حجية الفتوى ، وجواز أو وجوب العمل بها.

__________________

(١) نقلنا بعض كلماتهم في شرحنا على الكفاية ، فراجع منتهى الدراية ، ج ٨ ، ص ٥٢٦.


جواز التقليد للعامي.

وتفصيل الكلام في هذا المقام (١) موكول إلى مباحث الاجتهاد والتقليد.

الثاني : (٢) الحكومة ، فله الحكم بما يراه حقّا في المرافعات وغيرها في الجملة (٣). وهذا المنصب (٤) أيضا ثابت له بلا خلاف فتوى ونصّا. وتفصيل الكلام فيه (٥) من حيث شرائط الحاكم والمحكوم به والمحكوم عليه موكول إلى كتاب القضاء.

الثالث (٦) ولاية (٧) التصرّف في الأموال والأنفس ، وهو (٨) المقصود بالتفصيل هنا ، فنقول : الولاية تتصوّر على وجهين :

الأوّل : استقلال (٩) الولي بالتصرّف

______________________________________________________

(١) أي : مقام إفتاء المجتهد ، أي : جواز العمل بفتواه ، لا مجرّد جواز الإفتاء وإظهار فتواه ، فإنّه ليس منصبا ، ولا يتوقف جوازه على جواز تقليده.

(٢) أي : المنصب الثاني. والمراد بالحكومة هو الحكم بين الناس بالحقّ والعدل.

سواء أكان في الخصومات والمرافعات أم غيرها كثبوت الهلال والحجر للفلس.

(٣) إشارة إلى الخلاف الواقع في بعض الموارد كحكم الحاكم بثبوت الهلال.

(٤) أي : منصب الحكومة كمنصب الإفتاء ثابت للفقيه بلا خلاف نصّا وفتوى.

(٥) أي : في منصب الحكومة من حيث شرائط الحاكم كالعدالة والفقاهة وغيرهما ، ومن حيث شرائط المحكوم به كالزوجيّة والملكيّة والرقيّة وغيرها ، ومن حيث شرائط المحكوم عليه من كون حكمه نافذا على الكلّ حتى على مجتهد آخر ، أو نافذا على خصوص المتخاصمين.

(٦) أي : المنصب الثالث للفقيه ـ الذي هو المقصود الأصلي من البحث هنا ـ هو ولاية التصرف في النفوس والأموال بحيث يكون الفقيه أولى من الناس بالتصرف في أموالهم وأنفسهم.

(٧) خبر قوله : «الثالث».

(٨) أي : والمنصب الثالث هو المقصود بالتفصيل هنا أي مبحث ولاية الفقيه.

(٩) بمعنى عدم توقف نفوذ تصرفه على إذن الغير أو إجازته ، بل هو تامّ الاختيار


مع قطع النظر (١) عن كون تصرّف غيره منوطا بإذنه أو غير منوط به ، ومرجع هذا (٢) إلى كون نظره سببا في جواز تصرّفه.

الثاني (٣) عدم استقلال غيره بالتصرّف ، وكون (٤) تصرّف الغير منوطا بإذنه وإن لم يكن هو (٥) مستقلّا بالتصرّف. ومرجع هذا (٦) إلى كون نظره شرطا في جواز

______________________________________________________

في تصرّفه ، كولايته على الأوقاف التي لا وليّ لها ، وعلى القصّر كالصبيان والمجانين ، فإنّ الفقيه وليّ في هذه الموارد ، فله التصدّي لها مطلقا ، سواء أكان مباشرة أم تسبيبا بالإذن لغيره ، أو بنصبه وليّا.

وليس لازم هذا الاستقلال إناطة جواز تصرف الغير بإذن الفقيه. فليس كل مورد يستقل الفقيه فيه بالتصرف لا يجوز تصرف غيره ، إلّا بالإذن ، بل يجوز لغيره التصرف بدون إذنه ، كالزكاة ، حيث إنّ للمالك تزكية ماله بدون إذن الفقيه ، فهو كالحاكم مستقل في إخراج الزكاة ، وليس جواز فعله منوطا بنظر الحاكم.

(١) وجه عدم النظر هو اجتماع استقلال الحاكم بالتصرف مع كون تصرف الغير منوطا بإذنه ، ومع عدم إناطة تصرفه بإذن الحاكم ، كما إذا كان له أيضا ولاية التصرف بالاستقلال كالزكاة على ما مرّ آنفا.

(٢) أي : الوجه الأوّل من وجهي الولاية ، ومحصله : أنّ نظر الفقيه سبب تام لجواز تصرفه ، وليس لشي‌ء آخر دخل في سببيّة نظره.

وببيان آخر : ليس جواز تصرفه مشروطا بشي‌ء آخر غير إرادته ، فهي علّة تامة لجوازه.

(٣) أي : الوجه الثاني من وجهي الولاية عدم استقلال غير الفقيه بالتصرف ، بأن يكون جواز تصرّفه منوطا بإذن الفقيه وإن لم يكن الفقيه مستقلّا بالتصرّف ، كالتّقاصّ ، فإنّه على ما قيل : يجوز لغير الحاكم بإذنه وإن لم يجز ذلك للحاكم بالاستقلال.

(٤) معطوف على «عدم» عطفا تفسيريا ، ومرجع ضمير «بإذنه» هو الفقيه.

(٥) أي : وإن لم يكن الفقيه مستقلّا بالتصرف كالتقاص على قول كما مرّ آنفا.

(٦) أي : الوجه الثاني ، وهو عدم استقلال غير الفقيه بالتصرف ، وحاصله : أنّ نظر


تصرّف غيره (١).

وبين موارد الوجهين (٢) عموم من وجه.

ثمّ إذنه (٣) المعتبر في تصرّف الغير : إمّا أن يكون على وجه الاستنابة ، كوكيل الحاكم.

______________________________________________________

الفقيه شرط في صحة تصرف غيره كصلاة الميت الذي لا وليّ له ، فإن صحة صلاة غيره منوطة بإذنه ، دون وجوبها ، لأنّها واجبة كفائيّا على الجميع.

(١) هذا الضمير وضمير «نظره» راجعان إلى الفقيه.

(٢) وهما وجها ولاية الفقيه من استقلاله بالتصرف ، ومن عدم استقلال غيره بالتصرف. والأولى إسقاط كلمة «موارد» بأن يقال : «وبين الوجهين عموم من وجه».

وكيف كان فمادة اجتماعهما هي التصرف في سهم الإمام عليه‌السلام ، فإنّ الفقيه مستقل في التصرف فيه على الأظهر ، وتصرف غيره فيه منوط بإذنه. وكذا التصرف في مجهول المالك على الأقوى.

ومادة الوجه الأوّل استقلال الحاكم في التصرف في الزكاة ، وعدم اشتراط تصرف غيره بإذنه.

ومادة الوجه الثاني هي التقاص ، فإنّ تصرف غير الفقيه فيه منوط بإذنه ، مع عدم استقلال الحاكم بالتصرف فيه على ما قيل.

(٣) مبتدء ، وخبره جملة «إما أن يكون ..» وغرضه بيان كيفية إذن الحاكم لغيره في التصرف على كلا الوجهين : من استقلال الفقيه في التصرّف ، ومن إناطة تصرف الغير بإذنه. توضيحه : أنّ استقلال الحاكم بالتصرّف يقتضي أن يكون هو المتصرّف سواء أكان تصرفه بالمباشرة كتصدّيه بنفسه لأمور الأوقاف ، أم بالتسبيب كتوكيل غيره في التصدي لها ، فإنّ التوكيل تفويض سلطنة الموكّل ، ففعل الوكيل يضاف إلى الموكّل. وكنصبه متولّيا على الوقف.

والفرق بين الوكيل والمتولّي هو : أنّ الوكيل ينعزل بموت الموكل ، لأنّه مقتضى العقود الإذنية التي منها الوكالة. والمتولّي ينعزل بموت من نصبه على ما قيل ،


وإمّا (١) أن يكون على وجه التفويض والتولية ، كمتولّي الأوقاف من قبل الحاكم.

وإمّا (٢) أن يكون على وجه الرضا ، كإذن الحاكم لغيره في الصلاة على ميّت لا وليّ له.

إذا عرفت هذا فنقول : مقتضى الأصل (٣) عدم ثبوت الولاية لأحد بشي‌ء من

______________________________________________________

لكنه لا يخلو من تأمل.

وكيف كان ففعل المتولّي والوكيل يضاف إلى الحاكم نحو إضافة في مقابل فعله المباشري.

والحاصل : أنّ التولية والتوكيل من شؤون استقلال الحاكم بالتصرف ، بخلاف كون الإذن على وجه الرضا ، فإنّ مورده فعل الغير المشروط صحته بإذن الحاكم. ومن المعلوم أنّ مجرد الإذن لا يجعل الفعل من أفعال الآذن ، كصلاة الميت الفاقد للولي ، فإنّ الصلاة فعل المصلّي ، ولا تصير فعل الحاكم بمجرد إذنه له فيها. نعم صحتها منوطة بإذنه.

(١) معطوف على «إمّا» وهذا وما قبله من شؤون استقلال الفقيه بالتصرف ، لا من شؤون توقف تصرف الغير على إذن الحاكم كما مرّ مفصّلا.

(٢) معطوف على «إمّا» وهذا هو الشق الثالث الذي يكون من شؤون إناطة صحة فعل الغير بإذن الفقيه ، فإذن الحاكم على وجه الرضا يكون في صورة اشتراط جواز تصرف الغير بإذنه.

(٣) غرضه بيان الأصل في مسألة الشك في ثبوت الولاية للفقيه مع قطع النظر عن الأدلة الاجتهادية ، أو فرض قصورها ووصول النوبة إلى الأصول العملية.

والمصنف قدس‌سره أجرى الأصل الموضوعي ، وهو أصل عدم ثبوت الولاية لأحد في شي‌ء من الأمور المذكورة ، حيث إنّ الولاية على الغير نحو استيلاء عليه ، والأصل عدمه. ومقتضاه عدم نفوذ شي‌ء من التصرفات العقدية والإيقاعية المترتبة على الولاية. ولو لم يجر هذا الأصل الموضوعي لجرى الأصل الحكمي ، وهو أصالة الفساد أي عدم ترتب الأثر.


الوجوه المذكورة ، خرجنا عن هذا الأصل (١) في خصوص النبيّ والأئمّة «صلوات الله عليهم أجمعين» بالأدلّة الأربعة ، قال الله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (١) ، و (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ

______________________________________________________

الكلام في ثبوت الولاية للنبي والأئمة عليهم‌السلام

(١) أي : خرجنا عن أصل عدم ثبوت الولاية في خصوص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة المعصومين «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» بالأدلة الأربعة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل.

ثم إنّ المصنّف قدس‌سره جعل البحث في مقامين :

أحدهما : الولاية بمعنى الاستقلال بالتصرف ، والآخر : الولاية بمعنى توقف تصرف الغير على إذن الفقيه.

أمّا المقام الأوّل ، فقد استدل عليه بالأدلة الأربعة :

الأوّل : الكتاب ، وقد ذكر جملة من الآيات في المتن.

والانصاف أنّ أكثرها تدلّ على المطلوب ، ودعوى «أنّ الأولوية من الأنفس لا تدلّ على الأولوية من الأموال» مدفوعة أوّلا : بالأولوية ، لأنّ الولاية في الأموال أهون من الولاية في النفوس.

وثانيا : أنّ الامتنان على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتضي إرادة العموم.

وكذا إطلاق نفي الاختيار في الآية الثانية يقتضي العموم للتصرفات المالية.

وكذا إطلاق «أمره» في الآية الثالثة ـ الذي هو مفرد مضاف ـ يقتضي العموم للأمور المتعلقة بالأموال.

والاشكال عليها وعلى مثلها ممّا يدل على لزوم الإطاعة «بأنّ دلالتها على المدّعى

__________________

(١) الأحزاب ، الآية ٦.


أَمْرِهِمْ) (١) ، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ (١) أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢) ، و (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٣) ، و (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) .. (٤) الآية ،

______________________________________________________

منوطة بدعوى الملازمة بين وجوب الإطاعة والولاية. وهي ممنوعة ، لانفكاكهما كما في وجوب إطاعة الامّ على الولد ، مع وضوح عدم ولايتها عليه. وكذا وجوب إطاعة الولد الكبير الرشيد لوالده ، مع عدم ولايته عليه» مندفع بأنّ ذلك في غير أمره سبحانه وتعالى والنبي وآله المعصومين «عليهم الصلاة والسلام» الّذين هم علل التكوين ، ومبدأ الموجودات الإمكانية ، ومجاري الفيض على جميع ما اكتسى ثوب الوجود.

فالملازمة بين إطاعة الله عزوجل والنبي والأئمّة الطاهرين عليهم أفضل صلوات المصلين وبين ولايتهم عليهم‌السلام في غاية الوضوح ، فلا ينبغي أن يقال : إنّ ما دلّ على وجوب إطاعتهم عليهم‌السلام أجنبي عن مسألة الولاية.

(١) بناء على رجوع الضمير إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال في المجمع : «حذّرهم سبحانه وتعالى عن مخالفة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٥) ونقل في البحار عن تفسير فرات : «قيل : يا با جعفر حدّثني في من نزلت؟ قال : نزلت في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجرى مثلها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأوصياء في طاعتهم» (٦).

وأمّا بناء على رجوع الضمير في «أمره» إليه تعالى كان الخطاب للمعرضين عن أوامره ونواهيه عزوجل ، ولا تكون الآية حينئذ دليلا على لزوم إطاعة أولياءه في غير جهة التبليغ.

__________________

(١) الأحزاب ، الآية ٣٦.

(٢) النور ، الآية ٦٣.

(٣) النساء ، الآية : ٥٩.

(٤) المائدة ، الآية : ٥٥.

(٥) مجمع البيان ، ج ٧ ، ص ٢٤٩.

(٦) بحار الأنوار ، ج ٢٤ ، ص ٣٠١ و ٣٠٢ ، الحديث : ٥٨.


وغير ذلك (١) (*).

______________________________________________________

(١) مثل ما استدلّ به في برهان الفقه على ذلك بقوله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) وقوله تعالى (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (١).

ويدل عليه أيضا قوله تعالى (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٢) بضميمة ما ورد في تفسير الملك العظيم بفرض الطاعة وأنّ «من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم» (٣).

وقوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) (٤) وغير ذلك من الآيات الكثيرة

__________________

(*) لا يخفى أنّ غرض المصنف قدس‌سره الخروج عن أصل عدم الولاية بكلا معنييها ـ وهما الاستقلال بالتصرف وتوقف تصرف الغير على إذنه ـ في خصوص النبي والأئمة المعصومين «صلى الله عليه وعليهم أجمعين». وعلى هذا فالأولى كما في بعض الحواشي سوق العبارة هكذا : «خرجنا عن هذا الأصل في الولاية بكلا معنييها في خصوص النبي وآله أوصيائه المعصومين «صلوات الله عليهم أجمعين إلى يوم الدين». أمّا بالمعنى الأوّل فبالأدلة الأربعة .. وأمّا بالمعنى الثاني فبأخبار خاصة تدلّ على وجوب الرجوع إليهم .. إلخ».

وكيف كان فالداعي إلى البحث عن ولايتهم «عليهم الصلاة والسلام» مع خروج ذلك عن وظيفتنا ، ووضوح نفوذ كل تصرف يصدر منهم «عليهم الصلاة والسلام» في الأموال والأنفس ، كما إذا باع احد منهم «صلوات الله عليهم» مال زيد من عمرو ، فإنّه نافذ سواء رضي

__________________

(١) برهان الفقه ، كتاب الصوم ، بحث ثبوت الهلال بحكم الحاكم ، والآيتان في سورة النساء : ٦٥ و ٥٩.

(٢) النساء ، الآية ٥٤.

(٣) بحار الأنوار ، ج ٢٣ ، ص ٢٩٠ ، ح ١٧ ، وص ٢٨٥ ، ح ١ ، وص ٢٨٧ ، ح ٧ ـ ١١ وص ٢٩١ ـ ٢٩٢ ح ٢١ الى ٢٥ ، وص ٣٠١ ، ح ٥٧.

(٤) آل عمران ، الآية ١٠٣.


وقال النبي (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في رواية أيّوب بن عطية (٢) «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه». وقال في يوم غدير خم : «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى ، قال : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» (١).

والأخبار في افتراض طاعتهم وكون معصيتهم كمعصية الله كثيرة ، يكفي في ذلك (٣) منها مقبولة (٤) عمر بن حنظلة

______________________________________________________

والأخبار المتواترة الدالة على وجوب إطاعتهم ومتابعتهم ، والمحذّرة عن مخالفتهم ، فراجع غاية المرام والبحار.

(١) هذا شروع في الاستدلال بالسّنة.

(٢) وهو الحذّاء ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

أنا أولى .. إلخ» (٢).

(٣) أي : في ولايتهم عليهم‌السلام وافتراض طاعتهم ، وضمير «منها» راجع إلى الأخبار.

(٤) فاعل «يكفي» أي : يكفي في ثبوت ولايتهم عليهم‌السلام من الأخبار مقبولة عمر بن حنظلة ، التي ورد فيها ـ بعد بيان صفات القاضي الإمامي ـ : «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم الله ، وعلينا ردّ ، والرّادّ علينا الرّاد على الله» (٣).

__________________

زيد بذلك أم لا. وكما إذا زوّج هو «سلام الله عليه» بنت زيد ، فإنّ تزويجه عليه‌السلام نافذ ، سواء أكانت صغيرة أم كبيرة ، مع البناء على ولاية أبيها عليها ، وسواء رضي الأب أم لا ، فإنّ نفس تصرفهم كاشف عن ولايتهم مع عصمتهم «عليهم أفضل الصلاة والسلام» وعدم صدور مثل

__________________

(١) الحديث من المتواترات بين الفريقين ، انظر كتاب الغدير للوقوف على مصادره ج ١ ، ص ١٤ ـ ١٥٨.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٥٥١ ، الباب ٣ من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ، ح ٤.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٩٨ ـ ٩٩ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، ح ١.


ومشهورة أبي خديجة (١) ، والتوقيع الآتي (١) (*) ، حيث علّل فيها حكومة الفقيه وتسلّطه على الناس «بأنّي (٢) قد جعلته كذلك (٣) وأنّه (٤) حجتي عليكم» (**).

وأمّا الإجماع (٥) فغير خفيّ.

______________________________________________________

(١) وفيها : «فإنّي قد جعلته عليكم قاضيا» (٢).

(٢) متعلّق بقوله : «علّل» وقوله : «حيث» تقريب لولايتهم عليهم‌السلام ، حيث إنّ الفقيه جعل حاكما من قبله عليه‌السلام ، وأنّه حجة عنه عليه‌السلام ، ولا يمكن هذا الجعل إلّا مع كونه عليه‌السلام واجدا لهذا المنصب العظيم الشامخ.

(٣) أي : مسلّطا على الناس.

(٤) معطوف على «انّي» والضمير راجع إلى الفقيه.

(٥) بل هو من الضروريات ، لكن لا مسرح للاستدلال بالإجماع هنا ، لعدم كونه دليلا مستقلّا حينئذ.

__________________

هذه الأفعال منهم «صلوات الله عليهم» لا يدلّ على عدم ولايتهم على الأموال والأنفس هو إثبات ولايتهم عليهم‌السلام لإثباتها للفقيه لو دلّ دليل على ولايته.

(*) لم يظهر وجه المناسبة لذكر هذه الروايات الثلاث هنا ، إذ المبحوث عنه هو إثبات الولاية المطلقة للمعصومين «عليهم الصلاة والسلام». وهذه الروايات قد استدلّ بها على ولاية الفقيه. إلّا أن يراد بها إثبات ولايتهم عليهم‌السلام بالبرهان الإنّي ، حيث إنّ ولاية الفقيه تدلّ على ولايتهم عليهم‌السلام إنّا ، لأنّ الفاقد لا يعطي. ولعلّه أشار إليه بقوله : «حيث علّل فيها حكومة الفقيه .. إلخ».

(**) لكن الظاهر أنّ هذه الروايات الثلاث في مقام جعل منصبي القضاء والإفتاء للفقيه ، دون الولاية المطلقة. نعم تثبت الولاية الثابتة لقضاة العامة في زمان صدور

__________________

(١) الآتي في ص ١٧٢.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ١٠٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، ح ٦.


وأمّا العقل القطعي ، فالمستقلّ (١) منه حكمه بوجوب شكر المنعم (*) بعد معرفة أنّهم أولياء النّعم ، والغير المستقلّ حكمه بأنّ الأبوّة إذا اقتضت وجوب إطاعة

______________________________________________________

(١) المراد بالعقل المستقلّ هو حكمه مع الغضّ عن حكم الشرع. بخلاف العقل غير المستقلّ ، فإنّه تابع لحكم الشرع ، فإنّ وجوب إطاعة الأب شرعا على الابن اقتضى وجوب إطاعة الإمام عليه‌السلام على الرّعيّة بالأولوية.

وتقريب حكم العقل المستقل بإطاعتهم والانقياد لهم هو : أنّه لا ريب في كون ذواتهم المقدّسة وسائط الفيض الإلهي ، فهم أولياء النعم ، كما لا ريب في أنّهم عليهم‌السلام أمناء الله على حلاله وحرامه. والعقل مستقلّ بلزوم شكر المنعم ، ولا يتحقق إلّا بإطاعتهم والتسليم لهم ، هذا.

__________________

الروايات لقضاتنا ، دون الولاية المطلقة. فهذه الروايات لا تدلّ إلّا على إعطاء هذين المنصبين للفقيه ، ولا تدلّ على ولاية الإمام عليه‌السلام كما هو مقصود المصنف قدس‌سره فضلا عن ولاية الفقيه ، فتدبّر.

(*) لم يظهر معنى لكون ولايتهم «صلوات الله عليهم» ـ بمعنى نفوذ تصرفاتهم ـ مصداقا للشكر الواجب عقلا على المكلف ، بل مصداقه أعني فعل المكلف هو إطاعته لهم عليهم‌السلام ، لا فعلهم وهو تصرفهم عليهم‌السلام.

إلّا أن يقال : إنّ الشكر الواجب عقلا على المكلف هو تنفيذ تصرفاتهم عليهم‌السلام ، وعدمه كفران النعمة القبيح عقلا.

مضافا إلى : أنّه إن أريد بالشكر الواجب عقلا إطاعة المنعم بما هو منعم اختصّ ذلك بإطاعة الأوامر والنواهي الإلزامية التكليفية ، لأنّ في ترك إطاعتها خطر العقاب ، ومن المعلوم أنّ همّ العقل تحصيل المؤمّن منه. ولا يشمل حينئذ الوضعيات ، كالعقود والإيقاعات الصادرة منهم عليهم‌السلام في أموال الناس وغيرها ، فإنّ نفوذها خارج عن حكم العقل بلزوم الإطاعة.


الأب على الابن في الجملة ، كانت (١) الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الإمام على الرعيّة بطريق أولى ، لأنّ (٢) الحقّ

______________________________________________________

(١) جواب الشرط في «إذا اقتضت».

(٢) تعليل لحكم العقل غير المستقل ، ومحصله : أنّ حقّ الأب على الابن ـ وهو مجرد كونه مقدّمة إعدادية لوجود الابن وتكونه ـ إذا كان مقتضيا لوجوب إطاعة أوامره الشخصية شرعا ، كان اقتضاؤه لوجوب إطاعتهم عليهم‌السلام شرعا لأوامرهم الشخصية بالأولوية ، لأقوائيّة مقدّميّتهم في مجاري الفيض التكويني والتشريعي من الأب ، كما يتضح ذلك بملاحظة بعض الأدعية المأثورة (*).

__________________

وإن أريد بالشكر الخضوع التام للمنعم في جميع الأمور ، فلا بأس بشموله للوضعيات أيضا. لكن لا يعهد هذا الحكم من العقل.

فالاستدلال بوجوب شكر المنعم على الولاية المطلقة للمعصومين عليهم‌السلام حتى تثبت للفقيه بأدلة الولاية مشكل ، وإن كان في غيره من سائر الأدلة غنى وكفاية.

(*) الظاهر أنّ مراد المصنف قدس‌سره بالأولوية ما ذكرناه من كون أقوائية مقدمية الإمام عليه‌السلام في علل التكوين من مقدّمية الأب للولد في التكوّن والوجود ـ التي هي بنحو الإعداد ـ موجبة لأولوية وجوب إطاعة الإمام عليه‌السلام في أوامره الشخصية من وجوب إطاعة الولد لأبيه. ويشهد لإرادة المصنف لما ذكرناه قوله قبيل ذلك : «بعد معرفة أنّهم أولياء النعم» فإنّ حكم العقل المستقل وغير المستقل مبني على كونهم أولياء النعم ووسائط الفيض على الخلق كله.

فكأنّه قال : «كانت الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الإمام الذي هو من أولياء النعم على الرعية بطريق أولى».

وبالجملة : فظاهر عبارة المتن كون مناط الأولوية هو أقوائية مقدمية الإمام عليه‌السلام في مرحلة التكوين من مقدمية الأب في تكوين الولد ، والتعبير عن الخلق بالرّعيّة للتنبيه على تفوقهم على جميع الخلق ، وسلطنتهم على جميع شؤونهم.


هنا (١) أعظم (٢) بمراتب ، فتأمّل (٣).

والمقصود من جميع ذلك (٤)

______________________________________________________

(١) أي : في مسألة النبوة والإمامة.

(٢) إذ ليس الأب إلّا كونه معدّا من معدّات وجود الابن وتكوّنه كما عرفت ، بخلافهم «صلوات الله عليهم» ، فإنّهم علل التكوين ومجاري الفيوضات والنعم بأسرها. فلا بد أن تكون إطاعتهم عليهم‌السلام أولى من إطاعة الابن لأبيه ، وبيمنه عليه‌السلام رزق الورى وبوجوده عليه‌السلام ثبتت الأرض والسماء.

(٣) لعله إشارة إلى : أنّ لزوم الإطاعة ـ الذي هو مفاد الأدلة ـ لا يثبت الولاية المقتضية لنفوذ التصرف في الأنفس والأموال ، لعدم التلازم بينهما.

أو إشارة إلى : أنّ وجوب إطاعة الأب على الابن لعلّه تعبد محض ، وليس بمناط ثبوت حقّ له حتى يتعدّى منه إلى الامام عليه‌السلام بالأولوية. نظير وجوب إطاعة المملوك لمالكه مع عدم ثبوت حقّ له عليه في تكونه أو غيره.

أو إشارة إلى : عدم صحة قياس لزوم إطاعة الإمام عليه‌السلام بإطاعة الأب ، لعدم الدليل على وجوب إطاعته حتى يقاس عليه وجوب طاعة الإمام عليه‌السلام بالأولوية ، إذ الثابت هناك هو حرمة الإيذاء ، فلا مانع من ترك إطاعة الأب إن لم يكن تركها إيذاء له.

(٤) أي : والمقصود من الاستدلال بالأدلة الأربعة دفع توهّم اختصاص وجوب

__________________

لا أنّ مناط الأولوية كون حقّ الامام على الرعية أعظم ، كما استظهره من المتن بعض مدققي المحشين قدس‌سره بقوله : «وهذا التقريب أولى ممّا ذكره قدس‌سره من كون حق الامام على الرعية أعظم ، فإنّ حيثية الإمامة والرّعية حيثية التربية الرّوحانية بإخراجهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، فهو ملاك آخر غير ملاك الأبوّة والمقدمية للتكوين. فاقتضاء حقّ لوجوب الإطاعة لا يلازم اقتضاء حقّ آخر لوجوب الإطاعة شرعا بالمساواة فضلا عن الأولوية» (١) قوله : «فاقتضاء حق ـ وهو الأبوّة مثلا ـ لوجوب الإطاعة لا يلازم اقتضاء حق آخر ـ وهو حق الإمامة والرعية ـ لوجوب الإطاعة شرعا بالمساواة فضلا عن الأولوية» فلاحظ وتدبّر.

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني ، ج ١ ، ص ٢١٣.


دفع ما يتوهّم من (١) أنّ وجوب إطاعة الإمام مختصّ بالأوامر الشرعية ، وأنّه (٢) لا دليل على وجوب إطاعته في أوامره العرفية أو سلطنته (٣) على الأموال والأنفس.

وبالجملة (٤) فالمستفاد من الأدلّة الأربعة بعد التتبّع والتأمّل أنّ للإمام سلطنة مطلقة على الرعيّة من قبل الله تعالى ، وأنّ تصرّفهم نافذ على الرّعية ماض مطلقا (٥) (*).

هذا كلّه في ولايتهم (٦) بالمعنى الأوّل (٧).

______________________________________________________

إطاعة الإمام عليه‌السلام بالأوامر الشرعية ، وعدم الدليل على وجوب إطاعته في الأوامر العرفية أو سلطنته على الأموال والأنفس.

وبالجملة : الغرض من الاستدلال بالأدلة الأربعة إثبات الولاية المطلقة للإمام عليه‌السلام على الرعية من الله سبحانه وتعالى ، وأنّ كل تصرف منهم عليهم‌السلام نافذ في الأموال والأنفس.

(١) بيان ل «ما» الموصول في «ما يتوهم».

(٢) معطوف على «ان» والضمير (أنّه) للشأن.

(٣) معطوف على «وجوب» وضمائر «طاعته ، أوامره ، سلطنته» راجعة الى الإمام.

(٤) يعني : وحاصل كلام المصنف قدس‌سره هو : أنّ المستفاد من الأدلة الأربعة المتقدمة ـ بعد التتبع والتأمل ـ الولاية العامة والسلطنة المطلقة للإمام على الرّعية من قبل الله سبحانه وتعالى ، ونفوذ تصرفاته في الأموال والأنفس ، وينبغي أن يكون ذلك من الواضحات وإن كان استظهاره من بعض الأدلة مشكلا ومخدوشا.

(٥) أي : في الأنفس والأموال. وقوله : «وأنّ» معطوف على «أنّ».

(٦) أي : ولاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة المعصومين عليهم‌السلام.

(٧) وهو : استقلال المولى بالتصرف.

__________________

(*) قد عرفت في التعليقة عدم تمامية دلالة بعض تلك الأدلة على مدعاه قدس‌سره ، والعمدة ما دلّ على أولوية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمؤمنين من أنفسهم ، ويتمّ في الأئمة عليهم‌السلام بعدم الفصل ، وفي الأموال بالأولوية وعدم الفصل.


وأمّا بالمعنى الثاني ـ أعني اشتراط تصرّف الغير بإذنهم (١) ـ فهو (٢) وإن كان مخالفا للأصل (٣) ، إلّا أنّه قد ورد أخبار (٤) خاصّة بوجوب الرجوع إليهم ، وعدم جواز الاستقلال لغيرهم بالنسبة إلى المصالح المطلوبة للشارع غير المأخوذة على شخص معيّن (*) من الرّعية ، كالحدود والتعزيرات ، والتصرّف في أموال

______________________________________________________

(١) أي : بإذن المعصومين عليهم‌السلام.

هذا تمام الكلام في المقام الأول ، أما المقام الثاني ـ وهو إثبات ولايتهم بمعنى دخل إذنهم في فعل الغير ـ فسيأتي.

(٢) أي : المعنى الثاني من الولاية وهو اشتراط تصرف الغير بإذنهم.

(٣) وهو أصل عدم اشتراط تصرف الغير بإذنهم «صلوات الله عليهم» والأولى أن يقال : «وان كان مخالفا للأصل أيضا».

(٤) وهي بين ما يدلّ على وجوب طاعة الأئمة «عليهم الصلاة والسلام» مثل ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قال : ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى : الطاعة للإمام بعد معرفته ، ثم قال : إنّ الله تبارك وتعالى يقول : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ، وَمَنْ تَوَلّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (١)» (٢) وغير ذلك ممّا ورد بهذا المضمون (٣).

__________________

(*) بل المأخوذة أيضا على أشخاص معيّنين ، كصلاة الميت التي هي واجبة كفاية على جميع المكلّفين ، غاية الأمر أنّها تسقط بفعل بعضهم ، فلا تختص الولاية بمعناها الثاني بالمصالح المطلوبة للشارع غير المأخوذة على شخص معيّن. وليس هذا جامعا لما يشترط صحته بإذنهم عليهم‌السلام.

ولعلّ مراد المصنف قدس‌سره بقوله : «غير المأخوذة على شخص معيّن» ما يشمل الواجب الكفائي ، لصدقه على عدم أخذه على شخص معيّن ، في مقابل أخذه على الجميع ، فتدبّر.

__________________

(١) النساء ، الآية ٨.

(٢) الكافي ، ج ١ ، ص ١٨٥ و ١٨٦ باب فرض طاعة الأئمة عليهم‌السلام ، ح ١.

(٣) المصدر ، ح ٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

وبعضها كرواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام تضمّن آيتي الإطاعة وولاية الأمر ، قال : «ذكرت له عليه‌السلام قولنا في الأوصياء : أنّ طاعتهم مفترضة. قال : فقال :

نعم هم الّذين قال الله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١) وهم الّذين قال الله عزوجل (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٢)» (٣).

وقريب من ذلك سائر روايات الباب (٤).

وبين ما يدلّ على أنّ الأئمة عليهم‌السلام هم أهل الذكر الّذين أمر الله الخلق بسؤالهم ، كرواية عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر عليه‌السلام «في قول الله عزوجل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٥) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الذّكر أنا ، والأئمة أهل الذكر. وقوله عزوجل (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) (٦). قال أبو جعفر عليه‌السلام : نحن قومه ، ونحن المسؤولون (٧).

وكرواية عبد الرحمن بن كثير ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، قال : الذكر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن أهله المسؤولون. قال : قلت : قوله : وإنّه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ، قال : إيّانا عنى ، ونحن أهل الذكر ونحن المسؤولون» (٨).

وقريب منهما سائر روايات الباب (٩).

ومحصل ما يستفاد من مجموع روايات البابين : أمران :

__________________

(١) النساء ، الآية ٥٩.

(٢) المائدة ، الآية ٩١.

(٣) الكافي ، ج ١ ، ص ١٨٧ ، باب فرض طاعة الأئمة عليهم‌السلام ، ح ٧.

(٤) المصدر ، الحديث : ٨ و ١٠ و ١٢ وص ١٨٨ ، ح ١٢.

(٥) النحل ، الآية ٤٥.

(٦) الزخرف ، الآية ٤٣.

(٧) الكافي ، ج ١ ، ص ٢١٠ ، باب أنّ أهل الذّكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة عليهم‌السلام ، ح ١.

(٨) المصدر ، ح ٢.

(٩) المصدر ، ص ٢١١ ، ح ٣ و ٤ و ٧.


القاصرين ، وإلزام الناس بالخروج عن الحقوق ، ونحو ذلك (١).

ويكفي في ذلك (٢) ما (٣) دلّ على أنّهم أولوا الأمر وولاته ، فإنّ الظاهر من

______________________________________________________

أحدهما : أنّ أهل الذكر في الكتاب العزيز هم الأئمة المعصومون «صلوات الله عليهم أجمعين».

والآخر : وجوب إطاعتهم على الخلق ، لأنّ الأمر بالسؤال عنهم عليهم‌السلام يستلزم وجوب قبول جوابهم. ولا يستفاد منها إلّا وجوب الإطاعة. ولا تدل على موضوع وجوبها ، وأنّه ممّا يستقل به الإمام عليه‌السلام أو ممّا يشترط في صحته إذنه عليه‌السلام.

ولعل مراد المصنف قدس‌سره بالأخبار الخاصة روايات اخرى.

ولعلّ ما يكون منها بكلمة «اللام» ـ نظير ما ورد في الحدود والتعزيرات من «أنّها لإمام المسلمين» ـ ظاهرا في الولاية بالمعنى الأوّل ، وهو الاستقلال بالتصرف ، لظهور اللام في الاختصاص. وما يكون منها بلفظ الأولوية أو الأحقية ونحوهما ـ نظير ما ورد في صلاة الجنائز من «أن سلطان الله أحقّ بها من كل أحد» ـ ظاهرا في الولاية بالمعنى الثاني ، وهو اشتراط تصرف الغير بإذنه ، لكون صلاة الميّت واجبة كفائيّا على الجميع ، وصحّتها من الغير مشروطة بإذن السلطان.

(١) كالتصرف فيما هو ملك المسلمين قاطبة كالأراضي الخراجية ، وغير ذلك ممّا علم بوجوب التصرف فيه أو بمشروعيته ، إذ مع العلم بمشروعيته والشك في إطلاقها أو اختصاصها بالإمام عليه‌السلام يكون مقتضى الأصل اعتبار إذنه عليه‌السلام ، لكون الشك في سقوط التكليف بعد العلم بثبوته ، وأصالة التعيينية تقتضيها ، فليتأمل (*).

(٢) أي : في عدم جواز الاستقلال لغيرهم عليهم‌السلام بالنسبة إلى المصالح المطلوبة للشارع التي لا يرضى الشارع بتعطيلها.

(٣) فاعل «يكفي» وقد ورد ذلك في نصوص كثيرة ، مثل ما رواه جابر الجعفي في

__________________

(*) وجهه : أنّه إن كان ذلك في زمان الحضور فلا بدّ من الرجوع إليه عليه‌السلام ، للتمكن من رفع الجهل بالرجوع إليه ، وإن كان ذلك في زمان الغيبة ، فيرجع إلى إطلاق الدليل إن كان. والّا فلا مانع من أصالة عدم اشتراط الإذن الحاكمة على أصالة الاشتغال ، لتسبّب الشك في الاشتغال عن الشك في الاشتراط الذي يرجع فيه إلى أصالة عدمه.


.................................................................................................

______________________________________________________

تفسيره عن جابر الأنصاري ، قال : «سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) عرفنا الله ورسوله ، فمن اولي الأمر؟ قال : هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين بعدي ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم عليّ بن الحسين ، ثم محمّد بن على المعروف في التوراة بالباقر ، وستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام. ثم الصادق جعفر بن محمّد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم عليّ بن موسى ، ثم محمّد بن علي ، ثم عليّ بن محمّد ، ثم الحسن بن عليّ ، ثم سميّي وكنيّي [وذو كنيتي] حجة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ ، الذي يفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته [وأوليائه] غيبة لا يثبت [فيها] على القول في إمامته ، إلّا من امتحن .. قلبه بالإيمان» (١).

وتقريب الاستدلال : أنّ إطاعة اولي الأمر خصوصا مع اقترانه بطاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقتضي لزوم الرجوع إليهم في الأمور العامة الّتي يرجع فيها إلى من بيده أزمّة الأمور.

وليس المراد ما قيل : من خصوص الأمور الراجعة إلى السلطنة والخلافة ، بدعوى «ظهور الأمر في ـ أولي الأمر ـ في الخلافة حتى يختصّ ذلك بما يتعلّق بشؤون السلطنة ، كأخذ الخراج من الأراضي الخراجية ، وجمع العسكر ، وحفظ الثغور ، وتجهيز الجيوش ، وغير ذلك ممّا يتعلّق بأمر السلطنة والخلافة ، ولا يشمل كثيرا من الأمور غير المرتبطة بشؤون السلطنة ، كالتصرف في أموال القصّر والتصدي للأوقاف العامة التي ليس لها متولّ منصوص من قبل واقفيها ، وغير ذلك من الأمور الحسبية التي ليست هي من شؤون السلطنة ، وعليه فالدليل أخص من المدّعى ، لخروج هذه الأمور الحسبية عن مفاد آية اولى الأمر».

وذلك لما عرفت من ظهور إطاعة اولى الأمر في جميع الأمور سواء أكانت متعلقة بأمر الخلافة والسلطنة أم غيره. ولا تكون الإضافة إلى الأمر قرينة على إرادة خصوص

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٢٣ ، ص ٢٨٩ ، الباب ١٧ من كتاب الإمامة ، ح ١٦ ، رواه عن اعلام الورى والمناقب ، ولاحظ الحديث ٢ و ٣ و ١٣ و ١٧ و ٢٨ و ٢٩ و ٣٠ و ٤١ و ٤٨ و ٤٩ و ٥٣ و ٦٠ ، ولاحظ الكافي أيضا ، ج ١ ، ص ٢٠٥ باب أن الأئمة عليهم‌السلام ولاة الأمر.


هذا العنوان (١) عرفا من يجب الرجوع إليه في الأمور العامّة الّتي لم تحمل في الشرع على شخص خاصّ.

وكذا (٢) ما دلّ على وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلى رواة الحديث معلّلا «بأنّهم حجّتي عليكم وأنا حجة الله» (١) (*)

______________________________________________________

الأمور القائمة بالخلافة والسلطنة ، إذ مع الشك في قرينيّتها يتمسك بأصالة العموم أو الإطلاق الدافعة للشك في وجود القرينة وقرينية الموجود ، من دون فرق بينهما ، لحجية العام فيهما. وعدم رفع اليد عن الحجة إلّا بالحجة ، نظير حجية العام في المخصص المجمل المفهومي المردّد بين الأقل والأكثر ، كمفهوم «الفاسق» المردّد بين مرتكب مطلق المعصية ، ومرتكب الكبيرة ، فإنّه مع احتمال قرينية الفاسق بمعناه المطلق على التخصيص يتمسّك بالعام ، ولا يعبأ بهذا الاحتمال. فلا وجه لدعوى حجية العام في خصوص الشك في وجود القرينة.

(١) أي : عنوان اولى الأمر ، فإنّ الرجوع إلى هذا العنوان ظاهر في الرجوع إلى اولى الأمر في الأمور العامة التي لم تحمل على شخص خاص. وهذا يشمل الواجب الكفائي وغيره ، ولا يشمل الواجب العيني الذي حمل على كل شخص بعينه.

(٢) معطوف على «ما دلّ على أنّهم أولو الأمر» وهذا هو الدليل الثاني على الولاية بالمعنى الثاني ، وحاصله : أنّ التعليل في التوقيع الرفيع «بأن رواة الحديث ـ المراد بهم الفقهاء ـ حجتي عليكم وأنا حجة الله» يدلّ على أنّ الامام عليه‌السلام هو المرجع الأصلي في

__________________

(*) قد يقال : «الحجيّة تكون في تبليغ أمر ، فيختص مدلولها في المقام بتبليغ الأحكام الشرعية ، ولا يشمل التصرفات الشخصية في الأموال والنفوس ، أو تصدّي المصالح العامة من الحكومة وفصل الخصومة ، أو إجراء الحدود ، فإنّ كلّ ذلك أجنبي عن مفهوم الحجية التي هي من الاحتجاج .. إلى أن قال : فالتوقيع الشريف أجنبي عن المدّعى» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ١٠١ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، ح ٩ ، رواه عن الصدوق في إكمال الدين وعن الشيخ في الغيبة.

(٢) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ١٥٦.


فإنّه دلّ على أنّ الإمام هو المرجع الأصلي (*).

______________________________________________________

الحوادث ، وأنّ الفقهاء ـ وهم الرواة المذكورون في التوقيع الشريف ـ منصوبون من قبله عليه‌السلام. والمراد بالحوادث هي الأمور التي تحتاج إلى الرأي والنظر ، كامور القاصرين ، وتصدّي الأوقاف التي لا متولّي لها.

وليس المراد بها المسائل الشرعية ، بأن يكون الرواة أي الفقهاء مراجع في أحكامها.

إذ فيه أوّلا : أنّ المناسب حينئذ أن يقول عليه‌السلام : «فإنهم حجج الله» كما يقال : الامناء على أحكامه ، أو على حلاله وحرامه».

__________________

أقول : لازم ما أفاده قدس‌سره الالتزام بكون «الحجة» في قوله عليه‌السلام : «وأنا حجة الله» بمعنى التبليغ فقط ، مع شيوع إطلاق الحجة عليه وعلى كل واحد من الأئمة المعصومين «عليهم الصلاة والسلام». ولا وجه للتفكيك في معنى كلمة «الحجة» في التوقيع بين إطلاقها على الإمام عليه‌السلام وعلى الرواة. فهل يمكن أن يقال : إنّ المراد بقوله عليه‌السلام : «وأنا حجة الله» خصوص تبليغ الأحكام؟

فليس المراد بالحجة معناها اللغوي ، بل معناها العرفي العام الموجب لإرادة معنى واحد من الحجة فيه عليه‌السلام وفي سائر الأئمة عليهم‌السلام وفي الرواة. والفرق إنّما هو في الإضافة ، حيث إنّ حجيّة الإمام عليه‌السلام مضافة إلى الله سبحانه وتعالى ، كما قال عجّل الله تعالى فرجه الشريف : «وأنا حجة الله» وحجية الرواة مضافة إلى نفسه المقدسة ، لقوله صلوات الله عليه : «فإنّهم حجتي عليكم» ومن وحدة مفهوم الحجة عرفا في حجية الامام والرواة ينفتح باب بحث ولاية الفقيه ، ويثبت له ما للإمام عليه‌السلام من الولاية العامة ، إلّا ما خرج بالدليل ، فتأمّل جيّدا.

(*) لكن قد يدّعى إجمال «الحوادث» بتقريب : أنّ اللّام للعهد ، فهو إشارة إلى الحوادث المذكورة في السؤال ، وتلك الحوادث مجهولة لنا ، لعدم وصول الأسئلة إلينا ، فالتوقيع لإجماله يسقط عن الاعتبار.

وفيه : أنّ توصيف الحوادث ب «الواقعة» يدفع هذه الدعوى ، إذ المراد بالواقعة ما يقع


وما (١) عن العلل بسنده إلى الفضل بن شاذان عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في علل حاجة الناس إلى الإمام عليه‌السلام ، حيث قال بعد ذكر جملة من العلل :

______________________________________________________

وثانيا : أنّ رجوع الجاهل الى العالم أمر ارتكازي عقلائي لا يحتاج إلى السؤال خصوصا من مثل إسحاق بن يعقوب حتى يجعله من المسائل التي أشكلت عليه. بخلاف الرجوع في المصالح العامة ، إذ يمكن أن لا يكون كلّ أحد مرجعا فيها ، بأن يوكّل شخصا معيّنا من ثقاته للنظر في تلك الوقائع. ولذا سأله عن ذلك ، فأجاب عليه‌السلام بالرجوع إلى الرواة وهم الفقهاء ، لا الرواة من حيث هم رواة ، وإلّا كان المناسب أن يقول عليه‌السلام : «فارجعوا فيها إلى رواياتنا» ، لأنّها المرجع الأصلي حينئذ. والنظر إلى الرواة طريقي.

(١) معطول على «ما دلّ على أنّهم أولوا الأمر» وهذه الرواية كغير واحدة من الروايات تدلّ على الولاية التشريعية للإمام عليه‌السلام بكلام معنييها ، من ولايته عليه‌السلام بالاستقلال كالأمور القائمة بالسلطنة والخلافة ، ومن ولايته عليه‌السلام على الاستيذان منه في بعض الأفعال ، مع أنّ المصنف جعل هذه الرواية من أدلّة الولاية بالمعنى الثاني ، فلاحظ قوله قدس‌سره : «وأمّا بالمعنى الثاني أعني اشتراط تصرف الغير بإذنهم .. إلخ».

__________________

في المستقبل ، فليس اللام للعهد ، بل للاستغراق ، هذا.

مضافا إلى : أنّه يمكن أن يقال : إنّ أصالة العموم تدفع الشك في وجود القرينة وقرينية الموجود ، وترفع الإجمال ، فيكون المراد كلّ حادثة ، سواء أكانت ممّا يرجع فيه إلى الامام عليه‌السلام بالاستقلال ، أم ممّا يرجع فيه إليه للاستيذان منه ، لتوقف صحة العمل على إذنه. فلا يختص التوقيع بالولاية بمعناها الثاني ، كما هو ظاهر كلام المصنف قدس‌سره ، بل يشملها بكلا معنييها ، لأنّ الرجوع إلى الفقيه أعمّ ممّا يكون له الولاية عليه بالاستقلال ، أو يكون إذنه شرطا في صحة عمل الغير.

وبالجملة : عموم «الحوادث» المحلّى باللام ، وإطلاق الرجوع يقتضيان إرادة الولاية بكلا معنييها.


«ومنها : أنّا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملّة من الملل عاشوا وبقوا (١) إلّا بقيّم ورئيس ، لما لا بدّ لهم منه في أمر الدين والدنيا ، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق بما (٢) يعلم أنّه (١) لا بدّ لهم منه ، ولا قوام لهم إلّا به» (٣).

هذا ، مضافا (٢) إلى ما ورد في خصوص الحدود (٣) والتعزيرات (٤) والحكومات (٥) ،

______________________________________________________

(١) الضمير للشأن ، وضميرا «منه ، به» راجعان إلى القيّم.

(٢) هذا دليل آخر على الولاية بالمعنى الثاني ، وهو : اشتراط صحة عمل الغير بإذنه عليه‌السلام.

لكن الولاية في الحدود والتعزيرات ونحوهما إنّما هي بمعنى الاستقلال بالتصرف ، لا بالمعنى الثاني المزبور. نعم تكون ولايته على صلاة الجنازة بالمعنى الثاني.

(٣) كقوله عليه‌السلام في معتبرة بريد بن معاوية الواردة في حدّ المحارب : «ذلك إلى الإمام يفعل ما يشاء». الحديث (٤).

(٤) مثل ما رواه سماعة في تعزير شهود الزور : «يجلدون حدّا ليس له وقت ، فذلك إلى الإمام» (٥).

(٥) كقول أبي عبد الله عليه‌السلام : «اتّقوا الحكومة ، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء ، العادل في المسلمين لنبيّ [كنبيّ] أو وصيّ نبيّ» (٦).

__________________

(١) كذا في النسخة ، وفي العلل : «بقوا وعاشوا».

(٢) كذا في النسخة ، وفي المصدر «مما يعلم».

(٣) علل الشرائع ، ص ٢٥٣ ، الباب ١٨٢ ، ذيل الحديث : ٩ ، ورواه في البحار عنه وعن عيون أخبار الرضا ، فراجع ، ج ٢٣ ، ص ٣٢ ، باب الاضطرار إلى الحجة ، ح ٥٢.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٥٣٣ ، الباب ١ من أبواب حدّ المحارب ، ح ٢.

(٥) المصدر ، ص ٥٨٤ ، الباب ١١ ، الحديث : ١.

(٦) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٦ ، الباب ٣ من أبواب صفات القاضي.


و «أنّها لإمام المسلمين (*)». وفي (١) الصلاة على الجنائز من (٢) «أنّ سلطان الله أحقّ بها (٣) من كلّ أحد» وغير ذلك (٤)

______________________________________________________

(١) معطوف على «في» في قوله : «في خصوص الحدود» يعني : وما ورد في الصلاة على الجنائز.

(٢) بيان ل «ما ورد في الصلاة».

(٣) أي : بالصلاة ، وكلمة «من كل أحد» غير موجودة في النصوص وإن كانت مستفادة من حذف المفضّل عليه في ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا حضر سلطان من سلطان الله فهو أحقّ بالصلاة عليها إن قدّمه وليّ الميت ، وإلّا فهو غاصب» (١).

ودلالة هذه الرواية على ما رامه المصنف قدس‌سره من اشتراط صحة الصلاة على الجنازة بإذن الإمام عليه‌السلام ـ ولو في خصوص فرض تقديم وليّ الميت ـ واضحة.

وفي رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا حضر الإمام الجنازة فهو أحقّ الناس بالصلاة عليها» (٢). وظاهر إطلاق «الأحقيّة» عدم اشتراطها بتقديم وليّ الميت وإذنه. والتفصيل موكول إلى محلّه.

(٤) من الأمور الحسبية التي يتوقف جواز تصدّيها على إذنهم «صلوات الله عليهم». وأمّا الأمور الراجعة إلى السلطنة فهي من الولاية بمعنى الاستقلال.

__________________

(*) قد مرّ في بعض الحواشي المتعلقة بالمقام : أنّ أدلة الولاية ان كانت مشتملة على كلمة (اللام) نظير «أنّها لإمام المسلمين» فهو ظاهر في الولاية بمعناها الأوّل.

وإن كانت بكلمة «الأولى والأحق» ونحوهما ممّا يدلّ على الاشتراك في المبدء فهو ظاهر في الولاية بالمعنى الثاني.

ومنه يظهر : أنّ ما أفاده المصنف قدس‌سره ـ من أدلة الولاية بالمعنى الثاني ـ لا يختصّ بها ، بل يعمّ الولاية بكلا معنييها ، فتأمّل في عباراته.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٢ ، ص ٨٠١ ، الباب ٢٣ من أبواب صلاة الجنازة ، ح ٤.

(٢) المصدر ، ح ٣.


ممّا يعثر عليه المتتبّع (١).

______________________________________________________

(١) مثل ما ورد في حكم الزوجة المفقود زوجها ـ مع انقطاع خبره وعدم إنفاق وليّ الزوج عليها ـ من : أنّها ترفع أمرها إلى الامام. ففي موثق سماعة : «وإن لم تعلم أين هو من الأرض كلّها ، ولم يأتها منه كتاب ولا خبر ، فإنّها تأتي الإمام ، فيأمرها أن تنتظر أربع سنين .. فإن لم تجد له أثرا حتى تمضي أربع سنين أمرها أن تعتدّ أربعة أشهر وعشرا ، ثم تحلّ للأزواج ..» (١).

وقال في الجواهر : «إنّ ظاهر هذه النصوص انحصار تدبير أمرها في زمان انبساط يد الإمام عليه‌السلام لا حال قصورها ..» (٢).

وفي بعض النصوص التعبير «بالوالي والسلطان» بدل «الامام» لكنه غير قادح في المقصود ، لورود نظير ذلك في ما يتعلق بالحدود والتعزيرات أيضا ، مع أنّ المصنف جعلها من أدلة ولاية الإمام العامة.

وما ورد في تقسيم الخمس بين الأصناف ، كقوله عليه‌السلام في معتبرة البزنطي : «أرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف يصنع؟ أليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الامام» (٣).

وما ورد في الأنفال من قوله عليه‌السلام : «وكل أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» (٤).

وما ورد في إجبار المولى على أحد الأمرين ـ من الرجوع أو الطلاق ـ مثل ما عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجعل له حظيرة من قصب ، ويجعله [ويحبسه] فيها ، ويمنعه من الطعام والشراب حتى يطلّق» (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٣٩٠ ، الباب ٤٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ح ٢ وبمضمونه نصوص اخرى وردت في ج ١٥ ، ص ٣٨٩ الباب ٢٣ من أبواب أقسام الطلاق.

(٢) الجواهر ، ج ٣٢ ، ص ٢٩٠.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٢ ، الباب ٢ من أبواب قسمة الخمس ، ح : ١.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٤ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ، ج ١٥ ، ص ٥٤٥ ، الباب ١١ من أبواب الإيلاء ، ح ١ ، ونحوه سائر أخبار الباب ، فراجع. والخطيرة «الموضع الذي يحاط بالقصب والخشب .. تعمل للإبل من شجر لتقيها البرد والريح» لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٢٠٣ وقريب منه في مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ٢٧٣.


وكيف (١) كان فلا إشكال في عدم جواز التصرّف في كثير من الأمور العامّة (٢) بدون إذنهم ورضاهم (٣). لكن لا عموم (٤) يقتضي أصالة توقّف كلّ تصرّف على الإذن.

نعم (٥) الأمور التي يرجع فيها كلّ قوم إلى رئيسهم ، لا يبعد الاطّراد

______________________________________________________

وكقوله عليه‌السلام في الحكم بالهلال : «ذاك إلى الإمام ، إن صمت صمنا» (١) بعد وضوح كون التقية في تطبيق العنوان على مثل الدوانيقي اللعين ، وليس التقية في ثبوت أصل المنصب للإمام الحق ، كما قرر في محلّه.

(١) يعني : سواء أكان الدليل وافيا بإثبات ولاية الإمام عليه‌السلام في بعض الموارد الخاصة أم غير واف به ، فإنّه لا إشكال في ثبوت ولايته عليه‌السلام في كثير من الأمور العامة ، وحرمة تصدّي الغير بدون إذنه.

(٢) دون الأمور الشخصية الراجعة إلى العباد بأشخاصهم كواجباتهم العينية ، ومعاملاتهم من عقودهم وإيقاعاتهم.

(٣) أي : بدون إذن الأئمة عليهم‌السلام ورضاهم. والوجه في عدم جواز التصرف بدون إذنهم «صلوات الله عليهم» هو امتناع الرجوع ـ في عدم اعتبار الإذن ـ إلى أصالة عدم الاشتراط ، إذ المفروض إمكان إزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام عليه‌السلام ، كعدم الرجوع إلى إطلاق دليل لو كان للزوم الفحص عن المقيّد.

وبالجملة : فاللازم حينئذ الاحتياط ، وعدم الرجوع إلى أصالة عدم الاشتراط.

(٤) يعني : لا عموم في شي‌ء من أدلة تلك الأمور العامة يقتضي أصالة توقف كل تصرف على الإذن حتى يرجع إليها عند الشك في اعتبار الإذن.

(٥) استدراك على قوله : «لكن لا عموم» وحاصله : أنّه وإن لم يكن هنا دليل يقتضي عموم توقف كل تصرف على الإذن. إلّا أنّه تمكن دعوى اطّراد الإذن في كل أمر يرجع فيه كلّ قوم إلى الرئيس ، بأن يكون ذلك الأمر من وظائف وخصائص اولي الأمر ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٧ ، ص ٩٥ ، الباب ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح ٥.


فيها (١) بمقتضى كونهم (٢) أولى الأمر وولاته ، والمرجع (٣) الأصليّ في الحوادث الواقعة ، والمرجع في غير ذلك (٤) من موارد الشك (٥) إلى (٦) إطلاقات تلك التصرّفات إن وجدت على الجواز (٧) أو المنع ، وإلّا (٨) فإلى الأصول العملية.

لكن حيث كان الكلام في اعتبار إذن الإمام أو نائبه الخاصّ مع التمكّن منه (٩)

______________________________________________________

دون الرّعية ، فإنّ مقتضى اختصاصه بوليّ الأمر عدم جواز تصرف غيره بدون إذنه «سلام الله عليه».

(١) هذا الضمير وضمير «فيها» المتقدم راجعان إلى : الأمور.

(٢) أي : الأئمة عليهم‌السلام ، فإنّهم رؤساء ، لكونهم اولى الأمر وولاته.

(٣) معطوف على «اولي الأمر» يعني : بمقتضى كون الأئمة المرجع الأصلي.

(٤) أي : في غير تلك الأمور التي يرجع فيها كل قوم إلى رئيسهم. والأولى أن يقال : «تلك» بدل «ذلك».

(٥) أي : الشك في اعتبار إذن الإمام عليه‌السلام في صحة تصرف الغير وعدمه.

(٦) خبر «والمرجع» توضيحه : أنّ الأمور إن كانت ممّا يرجع فيه كل قوم إلى رئيسهم توقّف صحّتها على الإذن. وإن لم تكن من تلك الأمور ، وشكّ في اعتبار الإذن فيها ، فيرجع فيها إلى أدلة تلك التصرفات. فإن وجد فيها إطلاق يدل على جواز تصرف الغير بدون الإذن ، أو يدلّ على عدم جواز تصرف الغير بدون إذنه عليه‌السلام فهو المتّبع.

وإن لم يوجد فيها إطلاق ، وشكّ في اعتبار الإذن فيها فالمرجع الأصل العمليّ. وهو أصالة عدم اعتبار الإذن.

لكن المفروض في المقام هو التمكّن من الرجوع إلى الإمام عليه‌السلام أو نائبه الخاص ، وإزالة الشبهة ، فلا تصل النوبة إلى الأصل العملي الذي لا يرجع إليه مع وجود الدليل. فلا بد في إحراز صحة العمل من الاحتياط.

(٧) أي : جواز تصرف الغير بدون إذنه عليه‌السلام ، أو منع التصرف بدون الإذن.

(٨) أي : وإن لم توجد إطلاقات على الجواز أو المنع ، فيرجع إلى الأصول العملية.

(٩) أي : من الرجوع إلى كل واحد من الإمام أو نائبه الخاص.


لم يجز إجراء الأصول ، لأنّها (١) لا تنفع مع التمكّن من الرجوع إلى الحجّة ، وإنّما تنفع (٢) مع عدم التمكّن من الرجوع إليها (٣) لبعض العوارض.

وبالجملة : فلا يهمّنا التعرّض لذلك (٤) ، إنّما المهمّ التعرّض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدّمين (٥) ، فنقول :

أمّا الولاية (٦) على الوجه الأوّل ـ أعني استقلاله في التصرّف ـ فلم يثبت بعموم عدا ما ربما يتخيّل (٧) من أخبار واردة في شأن العلماء ،

______________________________________________________

(١) أي : لأنّ الأصول لا تجري مع التمكن من الرجوع إلى الحجة ورفع الشبهة بها.

(٢) يعني : وإنّما تنفع الأصول العملية مع عدم التمكن من الرجوع إلى الحجة.

(٣) أي : إلى الحجة لبعض العوارض كالتقية ، أو الحبس الموجب لحرمان الشيعة عن التشرف بمحضره الشريف.

(٤) أي : لثبوت ولاية الإمام عليه‌السلام بل لا ينبغي لنا التعرض لذلك.

(٥) وهما : الاستقلال في التصرف ، واشتراط تصرف الغير بإذنه.

(٦) المراد بالولاية التي يبحث عن ثبوتها للفقيه وعدمه هو الاعتبارية التشريعية دون التكوينية التي هي من لوازم ذواتهم النورية ، وليست من المناصب المجعولة الشرعية ، ولا ملازمة بينهما ، ولذا لا تكون الولاية التكوينية للفقيه ، وليس لأحد ادّعاء ذلك ، وإن قلنا بثبوت الولاية المجعولة شرعا له.

كما أنّه لا سنخية بينهما ، لكون التكوينية حقيقية ، والتشريعية اعتبارية ، فهما متباينتان. فلا يقال : إنّ الولاية التكوينية التي هي أشد تستلزم الولاية التشريعية التي هي أضعف بالأولوية. بل ثبوتها محتاج الى الدليل ، ولا تثبت بالأولوية المذكورة ، لتوقفها على اندراجها تحت حقيقة واحدة ليجري فيها التشكيك بالشدة والضعف.

ما استدل به على ولاية الفقيه بمعنى الاستقلال في التصرف

(٧) المتخيّل هو الفاضل النراقي قدس‌سره ، حيث إنّه جعل وظيفة الحاكم الشرعي في مقامين : «أحدهما : أنّ كلّ ما كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام عليه‌السلام فهو للفقهاء ، إلّا ما أخرجه الدليل. وثانيهما : أنّ كل فعل متعلّق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم ، ولا بدّ من الإتيان به


.................................................................................................

______________________________________________________

ولا مفرّ منه ، إمّا عقلا ، أو عاد من جهة توقف أمور المعاد أو المعاش لواحد أو جماعة عليه ، وإناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به. أو شرعا من جهة ورود أمر به ، أو إجماع ، أو نفي ضرر أو إضرار ولم يجعل وظيفته لمعيّن واحد أو جماعة ، ولا لغير معيّن ـ أي واحد ـ لا بعينه بل علم لابديّة الإتيان به أو الإذن فيه ، ولم يعلم المأمور به ولا المأذون فيه فهو وظيفة الفقيه ، وله التصرف فيه والإتيان به» (١).

ثم استدلّ على ثبوت المنصب الأوّل للفقيه بالإجماع الذي نصّ به كثير من الأصحاب ، بحيث يظهر منهم كونه من المسلّمات. وبالتصريح به في الأخبار من كونه وارث الأنبياء أو أمين الرسل .. وغيرهما ممّا سيذكره المصنّف عنه.

ووافقه صاحب العناوين قدس‌سره في أصل الدعوى ، اعتمادا على الإجماع وعلى بعض النصوص التي استند إليها في العوائد ، وسيأتي ذكرها في المتن وإن ناقش في جملة منها بقصور الدلالة.

واستظهر صاحب العناوين هذه الولاية العامة من كلمات الأصحاب بالتتبّع في أبواب متفرقة ، لا بأس بالإشارة إلى جملة منها ، كدفع ما بقي من الزكاة في يد ابن السبيل بعد الوصول إلى بلده إلى الحاكم.

ووجوب دفع الزكاة ابتداء أو بعد الطلب إليه.

وولايته في مال الامام عليه‌السلام.

وتوقف إخراج الودعي الحقوق على إذنه.

وتوقف حلف الغريم على إذنه.

وولايته في أداء دين الممتنع من ماله.

وفي القبض في الوقف على جهات عامّة.

وفي بيع الوقف حيث يجوز ولا وليّ له.

وفي بيع الرهن المتسارع إليه الفساد بإذنه.

وفي إجبار الوصيّين على الاجتماع.

وفي ضمّ المعين إلى الوصي العاجز.

__________________

(١) عوائد الأيام ، ص ٥٣٦.


مثل (١) «أنّ (٢) العلماء ورثة الأنبياء ، وأنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما ولكن أورثوا أحاديث من أحاديثهم (*) ،

______________________________________________________

وفي فرض المهر لمفوّضة البضع ، وغيرها من الفروع. فراجع (١).

وإن كان قدس‌سره قد جمع فيها بين ولاية الفقيه بمعنى استقلاله في التصرف وبين توقف تصدّي الغير على إذنه ، وكان ينبغي الفرق بين المقامين ، فراجع العوائد والعناوين متأمّلا فيهما.

(١) بيان ل «ما» وحاصله : أنّه لا عموم في البين يثبت الولاية بمعناه الأوّل بنحو الضابط الكلي إلّا ما يتخيل من أخبار واردة في شأن العلماء ، استدل بها بعض على ولاية الفقيه ، وقد نقل المصنف قدس‌سره جملة من تلك الأخبار.

(٢) وهو ما رواه في الكافي وأمالي الصدوق بأسانيد عديدة عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وأنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به ، وأنّه يستغفر لطالب العلم من في السماء» إلى أن قال : «وأنّ العلماء ورثة الأنبياء ، أنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما ، ولكن ورثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر».

تقريب الاستدلال به هو : أنّ قاعدة الإرث تقتضي انتقال كل ما للمورّث من مال

__________________

(*) لا يخفى أنّ إطلاق الوراثة وإن كان مقتضيا لانتقال جميع ما للمورّث إلى الوارث ، إلّا أنّ الإطلاق هنا غير مراد قطعا ، للتصريح بأنّ الموروث ليس هو الدينار والدرهم ، بل ميراث الأنبياء هو العلم ، فلا يدلّ هذا الحديث على ثبوت شي‌ء من الولاية بمعنييها للفقيه أصلا.

وليس عدم دلالته على ولاية الفقيه لأجل إرادة الأئمة عليهم‌السلام من العلماء ، وذلك لما في نفس الحديث من «أنّ الملائكة لتضع أجنحتها ..» فإنّ هذه الجملة وما بعدها قرينة قطعية على عدم إرادة الأئمة الأطهار عليهم‌السلام من العلماء. وتبيّن أيضا المراد من الوراثة ، وأنّها هي العلم دون غيره من الولاية على الأنفس والأموال التي هي مورد البحث.

__________________

(١) العناوين ، ج ٢ ، ص ٥٦٢ و ٥٦٣.


فمن أخذ بشي‌ء منها أخذ بحظّ وافر» (١).

و «أنّ (١) العلماء أمناء الرسل».

______________________________________________________

أو حقّ أو غيرهما إلى الوارث. فالولاية المطلقة التي هي للأنبياء تنتقل الى العلماء الّذين هم ورثتهم هذا.

لكن فيه : أنّ الحديث يبيّن موضوع الوارثة وهو خصوص العلم ، فلا إطلاق في الوراثة حتى يشمل الولاية ، فهو أجنبيّ عن ثبوت الولاية في الأنفس والأموال.

(١) معطوف على قوله : «ان العلماء ورثة الأنبياء» ولم أجد في عدة من كتب الأخبار رواية باللفظ المذكور في المتن ، وإن روي ذلك في بعض كتب العامة.

ولعلّ المصنف قدس‌سره جمع بين روايتين أوردهما الفاضل النراقي ، إحداهما : رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : «العلماء أمناء» (٢).

والأخرى رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل : يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال : اتّباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم» (٣).

تقريب الاستدلال به : أنّ الأمين هو الحافظ لما أودع عنده ، والودائع التي أودعت عند العلماء من الرّعية هو جميع الشؤون المتعلقة بالرّعية ، فالعلماء أمناء على جميع أمورهم وحفظ مصالحهم ودفع مفاسدهم ، والولاية من أعظم تلك الشؤون ، هذا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٥٣ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٢ ، لكن الموجود في الوسائل عن الكافي : «وذاك أن الأنبياء» نعم ورد في رواية القداح عن الصادق عن رسول الله أنه قال : «وأن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورّثوا .. دينارا ولا درهما ، ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر» البحار ، ج ١ ، ص ١٦٤ ، الباب ٢ من أبواب العلم وآدابه ، فراجع. واقتصر الفاضل في العوائد على الجملة الاولى وهي : «العلماء ورثة الأنبياء ..» والظاهر أنّ المصنف جمع بين الروايتين ، فلاحظ.

(٢) أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٣٣ باب صفة العلم وفصله وفضل العلماء ، ح ٥.

(٣) المصدر ، ص ٤٦ ، باب المستأكل بعلمه والمباهي به ، ح ٥ ، ورواه في مستدرك الوسائل عن نوادر الراوندي ، فراجع ، ج ١٣ ، ص ١٢٤ ، الباب ٣٥ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٨.


وقوله (١) عليه‌السلام : «مجاري الأمور بيد العلماء بالله ، الأمناء على حلاله وحرامه» (١).

______________________________________________________

وفيه : أنّ الظاهر كون المراد بالأمانة هو الدين أعني به الأحكام ، والعلماء أمناء الرسل في تبليغ الأحكام إلى الرعية ، واتّباع السلطان يوجب الخيانة ، ولذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاحذروهم على دينكم» أي : أحكامكم ، لصيرورتهم خائنين.

(١) معطوف على «أن» فهو مجرور بإضافة «مثل» إليه ، وهو ما روي عن مولانا الامام الشهيد أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه : «مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله والامناء على حلاله وحرامه ، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة ، وما سلبتم ذلك إلّا بتفرقكم عن الحق ، واختلافكم في السنة بعد البيّنة الواضحة. ولو صبرتم على الأذى وتحمّلتم المئونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد ، وعنكم تصدر ، وإليكم ترجع. ولكنّكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم ، وأسلمتم أمور الله في أيديهم ..» الحديث.

تقريب الاستدلال به : أنّ عطف «الأحكام» على «الأمور» ظاهر في المغايرة. كما أنّ المراد بالعلماء هم الفقهاء دون الأئمة المعصومين «صلوات الله عليهم أجمعين» لشهادة أكثر الجمل المذكورة فيه بذلك كما هو واضح لا يحتاج إلى البيان. فاحتمال إرادة الأئمة عليهم‌السلام من العلماء ـ كما قيل ـ ضعيف غايته.

فيدلّ الحديث على أنّ مجاري الأمور المتعلقة بالحكومة الإسلامية ـ وكذا الأحكام الشرعية ـ يلزم أن تكون بيد العلماء ، حيث إنّ الظاهر وقوع الجملة الخبرية في مقام الإنشاء.

وبالجملة : فظهور الحديث في ولاية الفقيه ممّا لا ينبغي إنكاره. نعم ضعف سند الرواية يمنع الاعتماد عليها.

__________________

(١) تحف العقول طباعة طهران عام ١٣٧٧ ، ص ٢٣٨ من كلام سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه أو أمير المؤمنين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورواه عنه في البحار ، ج ١٠ ، ص ٨٠ ، ح ٢٧.


وقوله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل» (١).

وفي المرسلة (٢) المرويّة في الفقه الرضويّ : «إنّ منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل» (٢).

وقوله (٣) عليه‌السلام في نهج البلاغة : «أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به ، (إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) الآية» (٣).

______________________________________________________

(١) عدّ من أدلة ولاية الفقيه هذا النبوي ، والظاهر أنّ وجه الشبه فيه ليس هو الولاية على الأموال والأنفس ، لعدم ثبوتها في حق أنبياء بني إسرائيل ، فإنّهم كما قيل كانوا مبلّغين لشريعة موسى عليه‌السلام. وعليه فوجه الشبه هو الفضيلة وعلوّ الدرجات.

ويؤيّده ما روي من : «أنّ العلماء أفضل من أنبياء بني إسرائيل».

(٢) يعني : وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المرسلة المروية في الفقه الرضوي. ودلالة هذا الرضوي على ولاية الفقيه في زمان عدم بسط يد الامام عليه‌السلام ظاهرة. لكنها منوطة بثبوت الولاية على الأنفس والأموال لأنبياء بني إسرائيل ، وذلك غير ثابت. مضافا إلى ضعف السند.

ثم إنّ الأولى بمقتضى السياق أن يقال : «وقوله في المرسلة» ولعلّ حذف كلمة «قوله» لكون المرسلة من كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا.

(٣) هذا أيضا معطوف على «أنّ العلماء» أي : مثل قول أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» وتقريب دلالته : أنّ مقتضى أولوية الأعلم بالأنبياء هو ثبوت جميع ما للأنبياء عليهم‌السلام من الشؤون المتعلقة برسالتهم ـ التي منها الولاية على الأمّة ـ لأعلم الناس بما جاؤوا به ، فإنّ الولاية التشريعية المجعولة من الشارع التي هي المبحوث عنها تكون من جملة ما جاء به

__________________

(١) عوالي اللئالى ، ج ٤ ، ص ٧٧ ، ح ٦٧ ، وعنه في البحار ، ج ٢ ، ص ٢٢ ، ح ٦٧ ، وعنه ونقله المحدث النوري في المستدرك ج ١٧ ، ص ٣٢٠ ، ح ٣٠ عن العلامة في التحرير ، ج ١ ، ص ٣. ولكن ما في العوائد يختلف عمّا في المتن يسيرا ، لقوله : «ما رواه في جامع الأخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : أفتخر يوم القيامة بعلماء أمّتي فأقول : علماء أمّتي كسائر الأنبياء قبلي» عوائد الأيام ، ص ٥٣٢.

(٢) الفقه المنسوب الى الامام الرضا عليه الصلاة والسلام ، ص ٣٣٨ ، وعنه في البحار ، ج ٧٨ ، ص ٣٤٦.

(٣) نهج البلاغة ، ص ٤٨٤ ، باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه‌السلام الحكمة ٩٦ ، والآية من سورة آل عمران : ٦٨.


وقوله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثا : «اللهم ارحم خلفائي. قيل : ومن خلفاؤك يا رسول الله؟ قال : الّذين يأتون بعدي ويروون حديثي وسنّتي» (١).

وقوله (٢) عليه‌السلام في مقبولة ابن حنظلة : «قد جعلته عليكم حاكما» (٢).

______________________________________________________

الأنبياء عليهم‌السلام ، فجميع ما جاؤوا به من عند الله تعالى ثابت لأعلم الناس. فدعوى ظهور هذا الكلام في ثبوت الولاية قريبة جدّا.

لكن فيه : أنّه راجع إلى ولاية الأئمة عليهم‌السلام لا الفقيه ، لأنّ أعلم الناس بما جاء به الأنبياء عليهم‌السلام ليس إلّا الأئمة الأطهار «عليهم صلوات الله الملك الغفار». فينبغي أنّ يعدّ هذا من أدلة ولايتهم عليهم‌السلام لا ولاية الفقيه.

(١) تقريب الاستدلال به : أنّ الخلافة وإن كانت من الكلّيّات المشكّكة ، إلّا أنّ مقتضى إطلاقها وعدم تقييدها بشأن خاص ـ كالقضاء بين الناس في قطع الدعاوي والخصومات ـ هو ثبوت الولاية المطلقة الشرعية التي كانت للنبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لخلفائه عليهم‌السلام. والمراد بالخليفة كان واضحا ، ولذا لم يسأل الراوي عن مفهومها ، وسأل عن أوصاف الخليفة وعلائمها.

فلا يرد عليه : «أنّه في مقام بيان أنّ الخلفاء هم الرواة ، وليس في مقام بيان ما فيه الخلافة ، فيؤخذ القدر المتيقن وهو تبليغ الأحكام ونقل الأحاديث». وذلك لما عرفت من وضوح معنى الخليفة عرفا. وأمّا توصيفهم بأنّهم يروون حديثي فلأجل إخراج العلماء الّذين لا يستندون في علمهم إلى أحاديثهم عليهم‌السلام ، بل يستندون إلى الأقيسة والاستحسانات.

وبالجملة : فدلالة هذا الحديث على ولاية الفقيه مطلقا إلّا ما خرج لا بأس بها ، والله العالم.

(٢) هذا أيضا معطوف على «أنّ العلماء» والاستدلال بالمقبولة على ولاية الفقيه منوط بعدم إرادة القاضي من الحاكم ، وإلّا كان مساوقا لقوله عليه‌السلام : «قاضيا» في مشهورة أبي خديجة. ومن المعلوم إطلاق الحاكم على القاضي كثيرا ، كما يظهر من الوسائل في كتاب القضاء ، ومن تفسير الحكّام في الآية الشريفة (وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ) بما في

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ١٠٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، ح ٧.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٩٨ ـ ٩٩ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، ح ١.


وفي مشهورة أبي خديجة : «جعلته عليكم قاضيا» (١).

وقوله (١) عجّل الله فرجه : «هم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله» (٢).

______________________________________________________

المكاتبة من أنّه عليه‌السلام كتب بخطّه : «الحكام القضاة». فالمستفاد المتيقن من المقبولة والمشهورة هو منصب القضاء ، دون الولاية المطلقة للفقيه (*).

(١) يدل هذا التوقيع الشريف على أنّ الراوي ـ المراد به الفقيه ـ هو المرجع والحاكم في كلّ حادثة يرجع فيها كلّ قوم إلى رئيسهم. ومن المعلوم أنّ في «الحوادث» السياسيات والشرعيات. ولا فرق فيها بين ما يرتبط بشخص خاصّ أو بنظام المجتمع كالمعاهدة مع الأجانب في إخراج المعادن وإجراء عقد الذمة وأخذ الجزية من أهل الذمة ، وغير ذلك ممّا يرجع فيه إلى الحكومة. وهذا معنى كون الفقيه حاكما مطلقا من ناحية من هو حجة من الله تعالى ومسلّط على عوالم الوجود كلّها ، أرواحنا فداه وعجّل

__________________

(*) إلّا أن يقال : انّ لفظ «الحاكم» في صدر المقبولة ظاهر في السلطان الذي يحكم بين الناس بالسيف والسّوط ، وليس ذلك شأن القاضي. فالحاكم وإن أطلق أحيانا على القاضي ، إلّا أنّ المراد به هنا هو السلطان بقرينة العطف الظاهر في المغايرة في كلام السائل ، حيث قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا تنازعا في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان ، أو إلى القضاة أيحلّ ذلك؟» والامام عليه‌السلام قرّره على ذلك.

والحاصل : أنّ مغايرة المعطوف والمعطوف عليه قرينة على عدم إرادة القاضي من السلطان ، فإذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا. وجعل السلطان حاكما ظاهر في الولاية العامة الموجبة لإقامة الجمعة وإجراء الحدود ، وأخذ الزكاة قهرا ، ونظم البلاد ، وغير ذلك ممّا هو شأن الحكومة ، دون القاضي.

وعليه فما ذكرناه في (ص ١٣٥) من قولنا : «لكن الظاهر أنّ هذه الروايات الثلاث في مقام جعل منصبي القضاء والإفتاء للفقيه دون الولاية المطلقة .. إلخ» لا يخلو من شي‌ء ، فإنّ الأوفق بالقواعد العربية ما ذكرناه هنا ، فتأمّل جيّدا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ١٠٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، ح ٦.

(٢) إكمال الدين ، ص ٤٨٤ ، الباب ٤٥ ، ح ٤ ، وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ١٠١ ، ح ٩ ، رواه عن إكمال الدين والغيبة.


إلى غير ذلك ممّا يظفر به المتتبّع (١).

لكنّ الإنصاف بعد ملاحظة سياقها ـ أو صدرها أو ذيلها ـ يقتضي الجزم بأنّها (٢) [١] في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية ،

______________________________________________________

الله عزوجل فرجه الشريف. وإشكال إجمال الحوادث قد تقدم مع دفعه في التعاليق السابقة ، فلاحظ (ص ١٤٥ ـ ١٤٦).

فالمتحصل : أنّ كل ما ثبت لحجة الله تعالى ثبت للفقهاء الّذين هم حجج حجة الله ، والتفاوت بينه أرواحنا فداه وبين الفقهاء إنّما هو في إضافة الحجية ، لأنّها بالنسبة إليه عليه‌السلام مضافة إلى الله تعالى ، لقوله صلوات الله عليه : «وأنا حجة الله». وبالنسبة إلى الفقهاء مضافة إلى نفسه المقدسة ، لقوله عليه‌السلام : «فإنّهم حجّتي عليكم». والظاهر بحسب الفهم العرفي أنّه لا تفاوت بينهما بحسب الحكم ، فلا يوجب اختلاف الإضافة اختلافا في مفهومها ولا في حكمها.

(١) ممّا جعله الفاضل النراقي قدس‌سره في عداد الأدلة.

مثل ما رواه الكراجكي عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنه قال : «الملوك حكّام على الناس ، والعلماء حكّام على الملوك» (١).

وما رواه الشهيد قدس‌سره في المنية «أنه تعالى قال لعيسى : عظّم العلماء ، واعرف فضلهم ، فإنّي فضّلتهم على جميع خلقي إلّا النبيّين والمرسلين ، كفضل الشمس على الكواكب ، وكفضل الآخرة على الدنيا ، وكفضلي على كل شي‌ء» (٢). وغيرهما ، فراجع العوائد (٣).

(٢) أي : بأنّ الروايات المذكورة. وغرض المصنف قدس‌سره بيان ما استفاده من تلك الروايات ، وتضعيف ما تخيّله البعض من دلالتها على ولاية الفقيه المطلقة.

__________________

(*) لكن ظاهر بعضها كالتوقيع الرفيع ثبوت الولاية المطلقة للفقيه كما أشرنا إليه في التوضيح ، حيث إنّ التفاوت في إضافة الحجية ، وذلك لا يوجب تفاوتا في مفهومها ولا في حكمها ، فكل ما يثبت للحجة «صلوات الله عليه» من التبليغ والولاية يثبت للفقيه إلّا ما خرج بالدليل.

__________________

(١) كنز الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣٣.

(٢) منية المريد ، ص ١٢١.

(٣) عوائد الأيام ، ص ٥٣١ ـ ٥٣٣.


لا كونهم (١) كالنبيّ والأئمّة «صلوات الله عليهم» في كونهم أولى الناس في أموالهم. فلو (٢) طلب الفقيه الزكاة والخمس من المكلّف فلا دليل على وجوب الدفع إليه شرعا.

نعم (٣) لو ثبت شرعا اشتراط صحّة أدائهما بدفعه إلى الفقيه

______________________________________________________

وحاصله : أنّ المستفاد منها ـ بعد ملاحظتها سياقا أو صدرا أو ذيلا ـ هو الجزم بأنّ تلك الروايات في مقام بيان وظيفة الفقهاء من حيث تبليغهم للأحكام الشرعية ، وعدم كونها في مقام بيان أنّ الفقهاء كالنبي والأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام في كونهم أولى الناس بأنفسهم وأموالهم كما هو المطلوب من ولاية الفقيه.

أمّا ما يدلّ سياقا من تلك الروايات على كون وظيفة الفقهاء تبليغ الأحكام الشرعية ـ ولا يدلّ على ولاية الفقيه ـ فهو كرواية الكافي وأمالي الصدوق عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سلك طريقا يطلب فيه علما .. إلخ» فإنّ سياقه يشهد بأنّ المراد به العلماء المبلّغون للأحكام الشرعية ، دون الأئمة عليهم‌السلام. ونظيره غيره.

وإمّا ما يدلّ على ذلك صدرا فهو كالتوقيع ومقبولة ابن حنظلة ومشهورة أبي خديجة.

وأمّا ما يدلّ عليه ذيلا فهو ما ورد في تعيين ما ورثه العلماء من الأنبياء من العلم ، لا الدرهم والدينار.

(١) عطف على «بيان» أي : لا في مقام كونهم .. إلخ.

(٢) هذا متفرع على كون وظيفة الفقهاء تبليغ الأحكام الشرعية فقط ، وعدم ولايتهم ، لأنّ وجوب الدفع إلى الفقيه ـ مع طلبه الخمس والزكاة ممّن وجبا عليه ـ منوط بدليل آخر كالولاية ، غير الدليل الأوّلي الدال على وجوبهما على المكلف ، بل مقتضى إطلاق وجوبهما عليه هو اعتبار المباشرة ، إلّا إذا قام الدليل على عدم اعتبارها.

(٣) استدراك على قوله : «فلا دليل» وحاصله : أنّه يمكن أن يكون وجوب الدفع إلى الفقيه من جهة أخرى غير ولاية الفقيه ، وهي فتوى الفقيه باشتراط صحة أدائهما بالدفع الى الفقيه ، فإنّه حينئذ يجب على المكلف اتباعه إن كان أعلم بناء على وجوب تقليد الأعلم ، فإنّه يجب تقليده ابتداء ، أو يجب تقليده بعد الاختيار ، كما إذا تعدّد الفقهاء ولم يثبت أعلمية أحدهم ، أو ثبتت ولكن لم يثبت وجوب تقليد الأعلم ، فإنّه بعد الاختيار يجب تقليده تعيينا ، بناء على كون التخيير ابتدائيا لا استمراريا.


مطلقا (١) أو بعد (٢) المطالبة ، وأفتى بذلك الفقيه ، وجب (٣) اتّباعه إن كان ممّن يتعيّن تقليده ابتداء أو بعد الاختيار (٤) ، فيخرج (٥) عن محلّ الكلام (٦).

هذا ، مع (٧) أنّه لو فرض العموم فيما ذكر من الأخبار ، وجب حملها على إرادة

______________________________________________________

(١) يعني : سواء طلب الفقيه ، أم لا ، فاشتراط صحة أدائهما بالدفع الى الفقيه مطلق ، ولا يتوقف على طلبه.

(٢) يعني : أو كان اشتراط صحة أدائهما بالدفع الى الفقيه بعد المطالبة.

(٣) جواب الشرط في قوله : «لو ثبت».

(٤) قد عرفت المراد بهما فلا نعيد.

(٥) أي : فيخرج اشتراط صحة أدائهما ـ بدفعه الى الفقيه ـ عن محل الكلام.

(٦) إذ محلّ الكلام هو ثبوت الولاية للمجتهد حتى يجب دفع الخمس والزكاة إليه مطلقا سواء طلبهما الفقيه أم لا ، وسواء قلّده المكلف أم لا.

ولعلّ الأولى بسوق العبارة أن يقال : «أو بعد الاختيار ، لكنه خارج عن محل الكلام».

(٧) هذا وجه آخر لعدم استفادة كون الفقهاء كالنبي والأئمة «صلوات الله عليهم أجمعين». ومحصل هذا الوجه مع الغضّ عن الوجه الأوّل ـ من أنّ تلك الروايات تدل بملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها على أنّها في مقام بيان وظيفة الفقهاء من حيث الأحكام الشرعية ـ هو : أنّه لو فرض دلالة الأخبار المذكورة على كون الفقهاء كالنبي والأئمة الطاهرين «عليهم الصلاة والسلام» في عموم الآثار ، وأنّهم كالمعصومين حتى في الولاية على الأنفس والأموال ، وجب حمل تلك الأخبار على خلاف ظاهرها ، وهو أظهر الآثار أعنى وظيفته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حيث الرسالة والتبليغ ، إذ لو لم تحمل على هذا الأثر الخاص لزم تخصيص أكثر أفراد العام ، وهو الولاية على الأموال والأنفس ، لوضوح عدم سلطنة الفقيه على أموال الناس وأنفسهم إلّا في موارد قليلة كالتصرف في أموال القصّر. وهذا المحذور يوجب صرف الكلام عن هذا الظهور ، وحمله على إرادة الأثر الأظهر وهو تبليغ الأحكام ، لأنّه يناسب الرسالة.


العام من الجهة [على إرادة الجهة] المعهودة المتعارفة من وظيفته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حيث كونه رسولا مبلّغا ، وإلّا (١) لزم تخصيص أكثر أفراد العامّ ، لعدم سلطنة الفقيه على أموال الناس وأنفسهم إلّا في موارد قليلة (٢) بالنسبة إلى موارد عدم سلطنته (٣).

وبالجملة (٤) فأقامه الدليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام ـ إلّا ما خرج بالدليل ـ دونه خرط (٥) القتاد (*).

______________________________________________________

(١) أي : وإن لم تحمل تلك الأخبار على الجهة المعهودة المتعارفة لزم تخصيص الأكثر ، لعدم سلطنة الفقيه على الأنفس والأموال ، فليس له الأمر بسكنى شخص في محل خاص ، أو النهي عنها ، وأمره بتزويج بنته بشخص خاص ، أو نهيه عنه ، ونحو ذلك من الموارد التي لا تحصى.

(٢) كالتصرف في أموال القاصرين والأموال المجهول ملّاكها ونحو ذلك ، وهذه الموارد في غاية القلة بالنسبة إلى الموارد التي لا سلطنة للفقيه عليها كما لا يخفى.

(٣) أي : سلطنة الفقيه.

(٤) غرضه أنّ الأخبار المذكورة قاصرة عن إثبات الولاية ووجوب طاعة الفقيه كإطاعة النبي والإمام «صلوات الله وسلامه عليهما» ، وليس فيها دليل عام يدلّ على ولاية الفقيه بحيث يرجع إليه عند الشك في ولايته في مورد.

فصار المتحصل إلى هنا : أنّ المصنف قدس‌سره لا يقول بولاية الفقيه بمعناها الأوّل.

وعليه فمار امه الفاضل النراقي وغيره ـ من إثبات ولاية الحاكم الشرعي مطلقا ـ قد عرفت عدم وفاء الدليل به.

(٥) خبر قوله : «فأقامه» وهذا إشارة إلى صعوبة إثبات ولاية الفقيه ، لعدم دليل تامّ عليها ، لا من الأخبار المتقدمة ولا غيرها.

__________________

(*) قدم تقدم في بعض التعاليق : أنّ بعض الروايات التي ذكرت في المتن تدلّ على ولاية الفقيه كالتوقيع الرفيع بعد دفع إشكال إجمال الحوادث.

نعم يبقى إشكال ضعف السند ، لعدم ذكر محمّد بن إسحاق في كتب الرجال بمدح.


بقي الكلام في ولايته على الوجه الثاني أعني توقّف تصرّف الغير على إذنه فيما كان متوقّفا على إذن الإمام عليه‌السلام (١). وحيث إنّ موارد التوقّف على إذن الإمام عليه‌السلام غير مضبوطة ، فلا بدّ من ذكر ما يكون كالضابط لها (٢) ، فنقول :

كلّ (٣) معروف علم من الشارع إرادة وجوده (٤) (*).

______________________________________________________

ولاية الفقيه بمعنى إناطة تصرف الغير بإذنه

(١) بحيث يكون جواز تصدّي الغير له مشروطا بإذن الفقيه في الموارد التي يشترط فيها إذن الإمام «عليه الصلاة والسلام» ، ولا يكون الغير مستقلّا بالتصرف فيه.

(٢) أي : لتلك الموارد التي تكون الولاية فيها على الوجه الثاني ثابتة له عليه‌السلام.

(٣) مبتدء ، خبره جملة الشرط والجزاء ، وهي «إن علم كونه ..».

(٤) أي : وجود المعروف ، وجملة «علم من الشارع» صفة ل «معروف».

__________________

وإن تكلف بعض لإثبات وثاقته ببيان بعض الوجوه ، من نقل محمّد بن يعقوب الكليني الذي هو أخو إسحاق بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي المرسل بادّعائه إلى الناحية المقدسة بواسطة أحد نوّاب الناحية. ولو كان إسحاق مجهولا عنده كان من البعيد جدّا نقل التوقيع عنه بلا إشارة إلى حاله.

ومن نقل الشيخ الصدوق الرجالي المولود بدعاء صاحب الأمر أرواحنا فداه عن الكليني هذه الواقعة في إكمال الدين. ولذا نقل شيخ الطائفة هذا التوقيع في كتاب الغيبة. وكذا الطبرسي في الاحتجاج ، مع عدم إشارة هؤلاء الأجلاء على حاله.

وبالجملة : هذه الوجوه وغيرها ممّا ذكروه إن أوجبت الاطمئنان بوثاقة الرجل فهو ، وإلّا فضعف السند باق على حاله.

(*) ظاهر العبارة أنّ المقسم هو كلّ معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج بحيث لا يرضى بتركه. فإن كان كذلك فلا يكون قوله : «وان لم يعلم ذلك واحتمل .. إلخ» قسما من هذا المقسم ، بل يكون قسيما له ، إذ المفروض عدم العلم بإرادة الشارع إيجاده في الخارج. واحتمال اشتراط جوازه أو وجوبه بنظر الفقيه.

وعليه فلا تخلو العبارة من اضطراب ، لأنّ قوله : «وإن لم يعلم ذلك» بمقتضى السياق


في الخارج (١) إن علم كونه وظيفة شخص خاصّ كنظر الأب في مال ولده الصغير ، أو صنف خاصّ كالإفتاء والقضاء ، أو كلّ من يقدر على القيام به كالأمر بالمعروف

______________________________________________________

(١) بحيث لا يرضى بتركه ، بل لا بدّ من إيجاده في الخارج ، سواء أكان إيجاده وظيفة شخص خاص كالأب ، حيث إن وظيفته النظر في مال ولده الصغير. أم كان إيجاده وظيفة صنف خاص كالإفتاء والقضاء اللذين هما وظيفتا الفقيه الجامع للشرائط. أم كان إيجاده وظيفة كلّ مكلف قادر عليه ، كالأمر بالمعروف مع شرائطه.

__________________

عدل لقوله : إن علم كونه وظيفة شخص خاص» مع أنّه ليس بسديد ، لأنّه لو كان كذلك لزم أن يكون لقوله : «كل معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج» فردان :

أحدهما : أن يكون وجوده في الخارج وظيفة شخص أو صنف ، أو كلّ قادر على القيام به.

وثانيهما : أن لا يعلم إرادة الشارع وجوده في الخارج.

وهذا بمكان من الفساد ، لاستلزامه فرديّة كلا المتناقضين لشي‌ء واحد ، وهو ما علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج ، فلا محالة يكون قوله : «وإن لم يعلم ذلك» عدلا لمعروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج. وليس عدلا لما علم كونه وظيفة شخص خاصّ .. إلخ.

فالأولى إنشاء العبارة هكذا «كل معروف إن علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج من شخص خاص كالأب .. أو صنف خاص كالفقيه ، أو كلّ من يقدر على القيام به ، فلا إشكال في شي‌ء من ذلك. وان لم يعلم ذلك أي : لم يعلم إرادة الشارع وجوده في الخارج واحتمل .. إلخ.

فيكون قوله : «وان لم يعلم ذلك» عدلا لقوله : «إن علم من الشارع .. إلخ» ومعطوفا عليه حتى لا يلزم خلل في المطلب ، فلا بد من دخول إن الشرطية على قوله : «علم من الشارع» حتى يكون : «وإن لم يعلم» عدلا له.


فلا إشكال (١) في شي‌ء من ذلك (٢). وإن لم يعلم ذلك (٣) واحتمل كونه مشروطا في جوازه أو وجوبه بنظر الفقيه ، وجب (٤) الرجوع فيه إليه.

ثمّ (٥) إن علم الفقيه من الأدلّة جواز تولّيه ، لعدم إناطته بنظر خصوص الإمام أو نائبه الخاصّ ، تولّاه (٦) مباشرة أو استنابة (*) إن كان ممّن يرى الاستنابة فيه.

______________________________________________________

(١) يعني : لا إشكال في عدم توقف هذه الأمور على إذن الفقيه ، وعدم احتياج جواز تصدّيها إلى إذنه.

(٢) أي : في تلك الأمور.

(٣) أي : وإن لم يعلم إرادة الشارع وجود معروف في الخارج مطلقا ، واحتمل كون ذلك المعروف مشروطا جوازه أو وجوبه بنظر الفقيه ، وجب الرجوع إليه في ذلك المعروف المحتمل اشتراط وجوبه أو جوازه بنظر الفقيه. وذلك لعدم العلم بإرادة الشارع وجوده في الخارج ، فلو تصدّى لفعله بدون الرجوع إلى الفقيه كان ذلك تشريعا محرّما. ودليل مشروعية «كل معروف حسن» لا يشمله ، لكون الشبهة موضوعية.

(٤) جواب «إن لم يعلم» وقد مرّ وجه وجوب الرجوع فيه إلى الفقيه.

(٥) بعد عدم جواز التصدي لما يحتمل اشتراط وجوبه أو جوازه بنظر الفقيه ووجوب الرجوع إليه ، فإذا رجع إلى الفقيه في ذلك ، فإن استنبط من الأدلة عدم إناطته بنظر الامام عليه‌السلام أو نائبه الخاص تصدّاه الفقيه بنفسه ، أو بالاستنابة إن كان ممّن يجوّز الاستنابة فيه.

(٦) جواب الشرط في «إن علم» وضميره البارز وضمير «تولّيه» راجعان إلى كلّ معروف.

__________________

(*) هذا صحيح ، لكنه يلائم الولاية بالمعنى الأوّل وهو الاستقلال بالتصرف ، لا بمعناها الثاني أعني به توقف تصرف الغير على إذن الفقيه الذي هو مورد البحث. ولعلّ مراده من جواز تولّي الفقيه له مباشرة أو استنابة هو أنّ هذا المورد من موارد توقف تصدّي الغير على إذن الفقيه ، فتدبّر.


وإلّا (١) عطّله (*) فإنّ (٢) كونه معروفا

______________________________________________________

(١) أي : وإن لم يعلم الفقيه جواز تولّيه وتصدّيه من الأدلة ، واحتمل إناطته بنظر الامام عليه‌السلام أو نائبه الخاص وعدم كفاية إذن نائبه العام ، عطّله ، لفقدان شرطه.

(٢) إشارة إلى إشكال ودفعه. أمّا الإشكال فهو : أنّه مع فرض كون المورد معروفا كيف يجوز تعطيله؟ كما إذا كان الأمر بالمعروف موجبا لجرح تارك المعروف ، فإنّ كونه

__________________

(*) التعطيل قرينة على كون قوله : «وإن لم يعلم ذلك .. إلخ» عدلا لقوله : «كل معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج» كما تقدّم آنفا ، إذ لو كان عدلا لقوله : «إن علم كونه وظيفة شخص خاص ..» لم يلائم قوله : «عطّله» إذ لا معنى للتعطيل ، مع كون المورد ممّا علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج ، فيكون قوله : «وإن لم يعلم ذلك» قسيما لقوله : «كل معروف» لا قسما له ، لامتناع كونه قسما له كما مرّ آنفا.

وبالجملة : لو كان قوله : «وإن لم يعلم» قسما لمعروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج ، لم يكن وجه لتعطيل الواقعة ، بل كان على الفقهاء أو عموم المسلمين إنفاذ حكمها ، لتوجه التكليف إليهم ، إذ المفروض العلم بإرادة الشارع وجوده في الخارج مطلقا وإن كان الإمام عليه‌السلام غائبا أو متعذر الوصول إليه.

وبما ذكرنا ـ من كون قوله : «وإن لم يعلم ذلك» قسيما لما علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج ـ يظهر عدم توجه إشكال العلامة الإيرواني قدس‌سره على ما أفاده المصنف قدس‌سره من تعطيل الواقعة بتعذر الوصول إلى الامام عليه‌السلام. وحاصل الاشكال : أنّه مع فرض إرادة الشارع وجود الواقعة في الخارج لا وجه للتعطيل ، بل لا بدّ من إيجادها الواجب على كافة المسلمين ، أو خصوص الفقهاء (١).

نعم يرد هذا الإشكال بناء على كون قول المصنف : «وان لم يعلم» قسما لمعروف علم من الشارع إرادة وجوده ، لا قسيما له. وقد عرفت أنّه قسيم له ، لا قسم له.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٥٧.


لا ينافي (١) إناطته بنظر الإمام عليه‌السلام والحرمان (٢) عنه عند فقده (٣) ، كسائر (٤) البركات التي حرمناها بفقده عجّل الله تعالى فرجه.

ومرجع هذا (٥) إلى الشكّ في كون المطلوب مطلق وجوده ، أو وجوده من موجد خاصّ (٦).

أمّا (٧) وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور المذكورة ، فيدلّ عليه ـ مضافا إلى

______________________________________________________

معروفا ينافي تعطيله.

(١) وأمّا دفع الإشكال فهو ما أشار إليه بقوله : «لا ينافي» وحاصله : أنّه لا ينافي معروفية المعروف إناطته بنظر الامام عليه‌السلام ، كما إذا كان الإذن شرطا لصحته كصلاة الميت التي هي من المعروف ، ومع ذلك تكون صحتها مشروطة بإذن الولي. فمجرد كونه معروفا لا يسوّغ تصديه.

(٢) مبتدء خبره «كسائر» وهذا إشارة إلى إشكال ودفعه.

أمّا الإشكال فهو : أنّه مع كون الفعل معروفا كيف يجوز للفقيه ترك التصدي له؟ فإنّ تركه حرمان. وضمير «عنه» راجع الى المعروف.

(٣) أي : فقد الامام عليه‌السلام.

(٤) وأمّا دفعه فهو ما أشار إليه بقوله «كسائر البركات» وحاصله : أنّ هذا الحرمان كالحرمان عن سائر البركات التي حرمنا عنها بسبب غيبته «عجل الله تعالى فرجه الشريف» ، فلا يختص الحرمان بهذا الأمر المعروف المشروط بإذنه عليه الصلاة والسلام.

(٥) أي : بكون مرجع علم الفقيه من الأدلة بجواز تولّي الحكم ـ وعدم علمه به ـ إلى الشك في مطلوبية وجوده من أيّ شخص حصل ، أو من شخص خاصّ وهو الإمام عليه‌السلام حتى لا يجوز لغيره التصدّي له.

(٦) وهو الامام صلوات الله عليه أو نائبه الخاص.

(٧) غرضه إقامة الدليل على وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور التي لا تناط بنظر الإمام أو نائبه الخاص. وأشار إليها بقوله : «ثم ان علم الفقيه من الأدلة جواز تولّيه لعدم إناطته بنظر خصوص الإمام أو نائبه الخاصّ .. إلخ».


ما يستفاد من جعله (١) حاكما ، كما في مقبولة ابن حنظلة (١) الظاهرة في كونه (٢) كسائر الحكّام المنصوبة في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة في إلزام الناس بإرجاع الأمور المذكورة (٣) إليه ، والانتهاء فيها (٤) إلى نظره (٥). بل (٦) المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما وجوب الرجوع في الأمور العامّة المطلوبة للسلطان إليه (٧). وإلى (٨) ما تقدّم

______________________________________________________

(١) أي : من جعل الفقيه حاكما.

(٢) أي : كون الفقيه في قوله عليه‌السلام : «قد جعلته عليكم حاكما» وحاصل ما أفاده قدس‌سره : أنّ جعل الفقيه حاكما في مقبولة ابن حنظلة ظاهر ـ بمعونة نصب الحكّام في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في إلزام الناس بإرجاع الأمور العامّة المطلوبة للسلطان إلى الحاكم ، في وجوب الرجوع في تلك الأمور إلى الفقيه ، كوجوب الرجوع فيها إلى الحكّام المنصوبين في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) أي : الأمور التي يرجع فيها كلّ قوم إلى رئيسهم.

(٤) أي : في الأمور المذكورة ، وضمير «إليه» راجع إلى الحاكم.

(٥) أي : نظر الحاكم ، وبالجملة : فيكون الفقيه المنصوب من قبل الامام عليه‌السلام كالحاكم المنصوب في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجوب الرجوع إليه في جميع الأمور المذكورة.

(٦) توضيحه : أنّ نفس نصب السلطان حاكما ـ مع قطع النظر عن نصب الحكّام في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ظاهر عرفا في ذلك ، وهذا هو الفارق بين هذا التقريب وسابقه ، فإنّ دعوى الظهور في التقريب الأوّل مستندة إلى لحاظ كيفية نصب الحكّام في زمان الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخلاف دعوى الظهور في التقريب الثاني ، فإنّها مستندة إلى ظهور نفس النصب عرفا في ذلك.

(٧) أي : إلى الحاكم المنصوب من السلطان.

(٨) معطوف على قوله : «إلى ما يستفاد» يعني : ومضافا إلى ما تقدم من قوله .. إلخ.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٩٩ ، الباب ١١ ، ح ١.


من (١) قوله عليه‌السلام : «مجاري الأمور بيد العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه» (١) (٢) ـ التوقيع (٣) (*) المرويّ في إكمال الدين وكتاب الغيبة واحتجاج (٢) الطبرسي الوارد (٤) في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب ،

______________________________________________________

(١) مفسّر ل «ما» الموصول.

(٢) قد تقدم ما يستفاد من هذه الأدلة في (ص ١٥٤ الى ١٦٠).

(٣) فاعل قوله في (ص ١٦٨) : «فيدل» يعني : فيدلّ على وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور المذكورة التوقيع الرفيع.

(٤) صفة ل «التوقيع».

__________________

(*) لا يخفى أنّه قد أورد على الاستدلال بهذا التوقيع الشريف بوجوه :

الأوّل : ضعف السند ، لعدم ذكر محمّد بن إسحاق في كتب الرجال بمدح. وقد تقدم في (ص ١٦٤) بعض ما يتعلق بترجمته.

الثاني : إجمال الحوادث الواقعة ، لاحتمال إرادة حوادث خاصة مذكورة في الأسئلة التي لم تصل إلينا. قال سيّدنا الأستاذ قدس‌سره : «وأما التوقيع الرفيع فإجمال الحوادث المسؤول عنها مانع من التمسك به .. إلخ» (٣). وقد تقدم في (ص ١٤٥) هذا الاشكال ودفعه ، فلاحظ.

الثالث : أنّ الثابت بهذا التوقيع وجوب الرجوع إلى الفقهاء في تعلّم الأحكام الشرعية ، لأنّه المناسب للحجة التي هي بمعنى الاحتجاج كما أشير إليه سابقا.

وفيه : أنّ الثابت به كلّ ما يرجع فيه إلى الامام عليه‌السلام من الأحكام التكليفية والوضعية وغيرها ، فيندرج فيها جميع المسائل المستحدثة من إحداث الشوارع في أملاك الناس كالدور والخانات والدكاكين ، وفي الموقوفات العامة والخاصة ، وتوسعة المساجد

__________________

(١) تقدم مصدره في ص ١٥٦.

(٢) إكمال الدين ، ص ٤٨٤ ، الباب ٤٥ ، ح ٤ ، كتاب الغيبة ، ص ٢٩ ، الفصل ٤ ، ح ٢٤٧ ، الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٢٨٣ ، ونقله عنها صاحب الوسائل في ج ١٨ ، ص ١٠١ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، ح ٩.

(٣) نهج الفقاهة ، ص ٣٠٠ و ٣٠١.


التي ذكر «إنّي سألت العمري (١) رضى الله عنه أن يوصل إلى الصاحب عجّل الله فرجه الشريف كتابا فيه (٢) تلك المسائل التي قد أشكلت عليّ ، فورد التوقيع بخطّه عليه آلاف الصلاة والسلام

______________________________________________________

(١) هو ثاني النوّاب الأربعة ، وهم : أبو عمرو عثمان بن سعيد الأسدي ، وأبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، وأبو القاسم حسين بن روح النوبختي ، وأبو الحسن علي بن محمّد السّمري «رضوان الله تعالى عليهم».

(٢) أي : في ذلك الكتاب.

__________________

والمشاهد والبلاد التي تترتب عليها أحكام خاصة. فهل يترتب على ما الحق بها تلك الأحكام أم لا؟

وكذا يندرج فيها مسائل التشريح والتأمين والسرقفلية ، والمعاهدة مع الأجانب في استخراج المعادن من النفط والذهب والفضة وغيرها ممّا لا يحصى كثرة ، فإنّ عموم الجمع المحلّى باللام ـ وهي الحوادث ـ يشمل الجميع بلا عناية. كشمول سائر ألفاظ العموم لجميع مصاديق معانيها ، هذا.

ثم إنّ هنا احتمالين :

أحدهما : أنه يبعد سؤال مثل إسحاق عن الأحكام الشرعية ، مع كون السؤال عنها مركوزا عند العقلاء ، فلا ينبغي أن يقال : إنّ إسحاق سأل عن الأحكام الشرعية الثابتة للحوادث الواقعة.

وفيه : أنّ احتمال إرجاع الإمام عليه‌السلام في أحكام تلك الحوادث إلى شخص معيّن من ثقاته كاف في صحة السؤال. هذا مضافا إلى سؤال غير واحد من فقهاء الرواة عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام ، كما لا يخفى على من راجع تراجم الرواة. كسؤال أحمد بن إسحاق ـ الذي هو من الأجلة ـ وإرجاعه إلى العمري وابنه.

وثانيهما : ما في المتن من : «أنّ الظاهر وكول نفس الحادثة إليه ليباشر أمرها .. إلخ» وسيأتي ما فيه عند شرح المتن إن شاء الله تعالى.


في أجوبتها ، وفيها (١) «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله».

فإنّ (٢) المراد «بالحوادث» ظاهرا مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا إلى الرئيس ، مثل (٣) النظر في أموال القاصرين لغيبة (٤) أو موت أو صغر أو سفه.

______________________________________________________

(١) أي : وفي الأجوبة قوله عليه‌السلام : «وأمّا» ، وضمير «أجوبتها» راجع الى المسائل.

(٢) هذا تقريب الاستدلال ، وحاصله : أنّ المراد بالحوادث ليس خصوص الأحكام الشرعية ، بل مطلق الأمور التي لا محيص عن الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا إلى الرئيس ، فالرجوع إلى الفقيه في الحوادث الواقعة ـ بما لها من الشؤون ـ مأمور به ، من دون خصوصية لأحكامها الشرعية.

وبالجملة : الرجوع إلى الفقيه في الحوادث الواقعة لا يراد به الرجوع إليه في إيجادها ، إذ المفروض وقوعها خارجا ، فالأمر بإيجادها أمر بتحصيل الحاصل ، فلا بدّ أن يراد بالرجوع إليه الرجوع في شؤون الحوادث الواقعة. وحيث إنّه لم يعيّن شي‌ء من تلك الشؤون ، فلا محيص عن إرادة جميعها ممّا يرجع فيها إلى الإمام «عجل الله تعالى فرجه الشريف» من الأحكام الشرعية وغيرها من العرفية ، كتأمين الطرق والبلاد ، والعقلية كالمعاهدات الدولية ، ونحو ذلك ممّا يرجع فيه إلى الرئيس.

ولا وجه لرمي الحوادث بالإجمال مع كون الامام عليه‌السلام في مقام بيان الوظيفة.

ومنه يظهر غموض ما أفاده سيّدنا الأستاد قدس‌سره من قوله : «فالمراد إمّا إيكال حلّها ، أو إيكال الشأن اللازم فيها إليه. وتعيّن الثاني غير ظاهر» (١).

(٣) هذا مثال الحكم الشرعي.

(٤) متعلق ب «القاصرين» ومبيّن لمنشإ القصور.

__________________

(١) نهج الفقاهة ، ص ٣٠١.


وأمّا تخصيصها (١) بخصوص المسائل الشرعية ، فبعيد من وجوه :

منها (٢) أنّ الظاهر (*) وكول نفس الحادثة إليه ليباشر أمرها مباشرة أو استنابة ، لا الرجوع (٣) في حكمها (٤) إليه.

ومنها (٥) التعليل «بكونهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله» فإنّه (٦) إنّما يناسب

______________________________________________________

(١) أي : تخصيص «الحوادث» بخصوص المسائل الشرعية كما قيل ـ وعدم شمولها لسائر شؤونها ، حتى يدلّ التوقيع على الولاية ـ بعيد من وجوه.

(٢) أي : من تلك الوجوه المبعّدة : أنّ الظاهر وكول نفس الحادثة إلى الفقيه. وقد مر في التعليقة امتناعه.

(٣) معطوف على «نفس» أي : لا وكول الرجوع في حكم الحادثة إلى راوي الحديث المراد به الفقيه الجامع للشرائط.

(٤) أي : حكم الحادثة إلى الفقيه ، كما ذهب إليه بعض كسيدنا الأستاد قدس‌سره ، كما تقدم في (ص ١٧٢).

(٥) أي : ومن الوجوه ـ المبعّدة لإرادة المسائل الشرعية من «الحوادث» ـ هذا التعليل ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : «فإنّهم حجّتي عليكم».

(٦) أي : فإنّ التعليل. وهذا تقريب الاستدلال به على عدم إرادة المسائل الشرعية من «الحوادث» وحاصله : أنّ إضافة الرواة إلى نفسه المقدسة بقوله عليه‌السلام : «فإنّهم حجّتي عليكم» ظاهرة في أنّ المرجوع إليهم هو النظر والرأي دون الأحكام الشرعية ، وإلّا كان المناسب إضافتهم إلى الله تعالى ، بأن يقول عليه‌السلام : «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا في أحكامها الشرعية إلى رواة حديثنا ، لأنّهم حجج الله».

__________________

(*) كيف يكون هذا ظاهر الكلام مع ما أشير إليه في التوضيح من أنّ إيكال نفس الحادثة إلى الفقيه عبارة أخرى عن الأمر بتحصيل الحاصل؟ فلا بدّ من إرادة شؤون الحادثة ، كما مرّ في التوضيح. مع أنّ العبارة الوافية بإرجاع نفس الحادثة إلى الفقيه هي كلمة «فأرجعوها» بصيغة باب الإفعال.


الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي والنظر (*) ، فكان هذا (١) منصب ولاة الإمام من قبل نفسه. لا أنّه (٢) واجب من قبل الله سبحانه على الفقيه بعد غيبة الإمام ، وإلّا كان المناسب أن يقول : «إنّهم حجج الله عليكم» كما وصفهم في مقام آخر (٣) بأنّهم أمناء الله على الحلال والحرام.

______________________________________________________

(١) أي : كون المرجع في تلك الأمور هو الرأي والنظر منصب ولاة الامام عليه‌السلام من قبل نفسه المقدسة.

(٢) يعني : لا أنّ هذا المنصب واجب من قبله سبحانه وتعالى على الفقيه بعد غيبة الإمام عليه‌السلام ، وإلّا كان المناسب أن يقول : «إنّهم حجج الله» كما وصفهم الامام بذلك في حديث آخر.

(٣) وهو ما تقدم في (ص ١٥٦) عن تحف العقول ممّا روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أو عن السبط الشهيد عليه‌السلام فراجع.

__________________

(*) التعليل بكونهم «حجتي عليكم» يدل على استناد حجية الفقهاء إلى نفسه المقدّسة ، وأنّهم وسائط بينه عليه الصلاة والسلام وبين الخلق ، كما أنّه «عجل الله تعالى فرجه الشريف» واسطة بين الله تعالى شأنه وبين عوالم الوجود كلّها. ولا يستفاد من إضافة حجية الفقهاء إلى نفسه المقدّسة أزيد من ذلك.

وأمّا الأمور التي يرجع فيها إلى الفقهاء فهي تستفاد من عموم الحوادث ، وإطلاق الأمر بالرجوع إليهم. وقد مرّ في بعض التعاليق أنّ الأمور التي يرجع فيها إلى الفقيه هي جميع شؤون الحوادث ، كما أفاده المصنف قدس‌سره في (ص ١٧٢) بقوله : «بل مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا إلى الرئيس».

ثم إنّه لم يظهر منشأ لقوله قدس‌سره : «فإنّه إنما يناسب الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي والنظر». فإن كان منشؤه نفس لفظ «الحجة» ففيه : أنّ التفكيك في معناها بين إطلاقها عليه عليه‌السلام وإطلاقها على الفقهاء منوط بدليل مفقود ، بل وحدة السياق تقتضي اتحاد المراد منها في كلا الإطلاقين. وإن كان منشؤه إضافة الحجة إلى نفسه المقدسة ، بقوله : «فإنهم حجتي عليكم» ففيه : أنّه يكفي في صحة الإضافة كون الفقهاء وسائط بينه عليه‌السلام وبين الخلق ، من دون حاجة إلى التصرف في معنى الحجة.


ومنها (١) أنّ وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء الذي (٢) هو من بديهيّات الإسلام من السّلف إلى الخلف ممّا (٣) لم يكن يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب حتّى يكتبه (٤) في عداد مسائل أشكلت عليه. بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامّة إلى رأي أحد ونظره ، فإنّه (٥) يحتمل أن يكون الإمام عليه‌السلام قد وكله (٦) في غيبته إلى (٧) شخص أو أشخاص من ثقاته في ذلك الزمان (٨).

______________________________________________________

(١) أي : ومن الوجوه الدالة على بعد إرادة خصوص المسائل الشرعية من «الحوادث» : أنّ وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء ممّا لا يحتاج الى البيان ، لكونه من بديهيات الإسلام ، ولا ممّا يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب ، حتى يكتبه في جملة المسائل التي أشكلت عليه. وهذا بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامة إلى شخص ونظره ، إذ من المحتمل أن يكل عليه‌السلام وجوب الرجوع فيها إلى البعض المعيّن من ثقاته عليه‌السلام في زمان الغيبة. وهذا الاحتمال يصلح أن يكون داعيا إلى السؤال.

والحاصل : أنّ هذا الوجه يقتضي أن يكون الرجوع إلى الرواة الفقهاء في المصالح العامة التي يرجع كل قوم فيها إلى رئيسهم ، دون المسائل الشرعية.

(٢) صفة ل «وجوب الرجوع».

(٣) خبر قوله : «أن وجوب» والمراد بالموصول المسائل الشرعية.

(٤) الضمير المستتر راجع إلى إسحاق ، والضمير البارز إلى وجوب الرجوع.

(٥) الضمير للشأن.

(٦) أي : وكل الإمام عليه‌السلام وجوب الرجوع في المصالح العامة ـ في عصر غيبته ـ إلى شخص أو أشخاص من ثقاته.

(٧) هذا وكذا «في غيبته» متعلّقان ب «وكله».

(٨) أي : في زمان غيبته عجّل الله تعالى فرجه الشريف.


والحاصل (*) : أنّ الظاهر أنّ لفظ «الحوادث» ليس مختصّا بما اشتبه حكمه (١) ، ولا بالمنازعات (٢).

ثمّ (٣) إنّ النسبة بين مثل هذا التوقيع (٤) وبين العمومات الظاهرة في إذن الشارع في كلّ معروف لكلّ أحد (٥)

______________________________________________________

(١) حتى يكون التوقيع مختصا بباب رجوع الجاهل إلى العالم ، وهو التقليد.

(٢) حتى يختصّ بباب القضاء وفصل الخصومة.

(٣) الغرض من بيان هذا المطلب دفع توهم ، وهو : أنّ أدلة ولاية الفقيه وإن دلّت على ولاية الفقيه في الأمور المذكورة ، لكنها تسقط بمعارضتها بالعمومات الظاهرة في إذن الشارع في كلّ معروف ، وعدم توقفه على الرجوع إلى الفقيه والاستيذان منه ، وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

(٤) وهو التوقيع الصادر لإسحاق بن يعقوب ، والمراد بمثل هذا التوقيع سائر أدلّة الولاية المتقدمة.

(٥) الظاهر في العموم الاستغراقي الشامل لموارد ولاية الفقيه.

__________________

(*) مقتضى السياق هو كون «الحاصل» خلاصة الوجه الثالث من الوجوه المبعّدة لإرادة المسائل الشرعية من الحوادث. وعليه فحاصل ما يقتضيه السياق هو أنّ ما يرجع فيه إلى الفقيه هو خصوص الأمور العامة. وهذا غير الحاصل الذي ذكره في المتن.

نعم ما أفاده فيه بقوله : «ان الظاهر أنّ لفظ الحوادث ليس مختصّا بما اشتبه حكمه ..» هو الحق الموافق لما أفاده في (ص ١٧٢) بقوله : «فان المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها .. إلخ».

ولا يبعد أن يكون مراده بقوله : «والحاصل» ما استظهره بقوله : «فإن المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور .. إلخ» وإن كان ذلك خلاف السياق ، خصوصا مع عدم رد هذا الوجه المبعّد.


مثل قوله عليه‌السلام : «كلّ معروف صدقة» (١) وقوله عليه‌السلام : «عون الضعيف من أفضل الصدقة» (٢) وأمثال ذلك (١) وإن كانت (٢) عموما من وجه ،

______________________________________________________

(١) لعلّ المقصود منه ما سيأتي في ولاية عدول المؤمنين (ص ١٩٥) من كلام الشهيد قدس‌سره ، من جواز أن يتولّى المؤمنون التصرف عند تعذر الحكّام ، لما دلّ على الأمر بالتعاون بالبرّ والتقوى (٣) ، وللنبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (٤). إذ المستفاد منها كون إعانة الضعيف من أفضل الصدقة ، فيجوز لكلّ أحد التصدّي لذلك ، فراجع (٥).

(٢) خبر قوله : «إن النسبة» وبيان كون النسبة عموما من وجه هو : أنّ لدليلي الولاية والإحسان والإعانة مورد اجتماع وموردي افتراق ، كما هو شأن العامّين من وجه في سائر الموارد.

أمّا مورد اجتماعهما فكبيع أموال القاصرين ونحوه من الأمور الحسبية التي هي إحسان وإعانة ، فإنّ دليل ولاية الفقيه يقتضي جواز تصدّيها لخصوص الفقيه دون غيره ، ودليل الإحسان والإعانة يقتضي جواز التصدي لكلّ أحد ، وعدم توقفه على إذن الفقيه.

وأمّا مورد الافتراق من طرف دليل الإحسان ، فكالمستحبات من الصدقات ، وإصلاح ذات البين ، وزيارة الأموات ، وغيرها ، فإنّها إحسان لا يتوقف جواز فعلها على إذن الفقيه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٥٢٢ ، الباب ١ من أبواب فعل المعروف ، ح ٥ وص ٥٢٢ ، ح ١٠ ، وج ٦ ، ص ٣٢٣ ، الباب ٤٢ من أبواب الصدقة ، ح ٤ ، وص ٣٢١ ، ح ١ و ٢.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ١٠٨ ، الباب ٥٩ من أبواب جهاد العدو ، ح ٢ ، وفيه : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عونك الضعيف .. فلاحظ.

(٣) المائدة ، الآية ٢.

(٤) نقل عن سنن ابن ماجة ، ج ١ ، ص ٨٢ ، الباب ١٧ من أبواب المقدمة ، ح ٢٢٥.

(٥) القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٤٠٦ و ٤٠٧.


إلّا (١) أنّ الظاهر حكومة هذا التوقيع عليها (٢) ، وكونها (٣) بمنزلة المفسّر الدالّ على وجوب الرجوع (٤) إلى الإمام عليه‌السلام أو نائبه في الأمور العامّة التي يفهم عرفا دخولها تحت الحوادث الواقعة وتحت عنوان الأمر (٥) في قوله (أُولِي الْأَمْرِ).

______________________________________________________

وأمّا من طرف دليل الولاية فكمنصبي الإفتاء والقضاء ، فإنّه ليس لغير الفقيه التصدي لهما.

والتعارض في مورد الاجتماع يوجب سقوط الدليلين ، فلا يبقى لولاية الفقيه دليل ، هذا حاصل التوهم.

(١) هذا إشارة إلى دفع التوهم المذكور ، وحاصله : منع التعارض ، وإثبات حكومة توقيع إسحاق على أدلة الإحسان والإعانة.

(٢) أي : على العمومات الدالة على الإحسان والإعانة ونحوهما.

(٣) معطوف على «حكومة» وضميره راجع إلى التوقيع ، والأولى تذكيره وإرجاعه إلى «حكومة» ـ كما قيل ـ غير مناسب كما لا يخفى.

وكيف كان فتقريب حكومة التوقيع ـ ومثله من أدلة ولاية الفقيه ـ هو : أنّ التوقيع ونظائره تضيّق دائرة موضوع تلك العمومات وتقيّده بانّ للإمام عليه‌السلام أو نائبه حقّا في تلك الأمور ، بحيث لا تكون إحسانا وإعانة بدون الرجوع إليه عليه‌السلام أو نائبه ، لأنّهما بدون رعاية هذا الحق ليسا بإحسان ولا إعانة. فنتيجة هذه الحكومة هي خروجهما عن عنوانهما بدون إذن الامام عليه‌السلام أو نائبه.

وبالجملة : الإحسان والإعانة لا يحسنان مع مزاحمة حقّ الغير ، فمع المزاحمة لا تشملهما عمومات الإحسان والإعانة حتى يقع التعارض بينها وبين أدلة ولاية الفقيه حتى تتساقطا ولا يبقى لولاية الفقيه دليل.

(٤) بحيث يكون هذا الرجوع قيدا مقوّما لموضوعات عمومات الإحسان والإعانة.

(٥) كما في قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقد تقدم في (ص ١٣٢ و ١٤١).


وعلى تسليم التنزّل (١) عن ذلك ، فالمرجع بعد تعارض العمومين إلى أصالة عدم مشروعيّة ذلك المعروف مع (٢) عدم وقوعه عن رأي وليّ الأمر ، هذا.

لكن المسألة (٣) لا تخلو عن إشكال ، وإن كان الحكم به (٤) مشهوريّا.

وعلى أيّ تقدير (٥) فقد ظهر ممّا (٦) ذكرنا : أنّ ما دلّت عليه

______________________________________________________

(١) يعني : وبناء على التنزل عن حكومة التوقيع على عمومات أدلة الإحسان والإعانة ـ وتسليم التعارض بين التوقيع وتلك العمومات ـ يكون المرجع بعد التساقط أصالة عدم مشروعية ذلك المعروف ، لا أصالة عدم اعتبار إذن الإمام عليه‌السلام ، لأنّه إنّما يكون فيما إذا علم بإرادة الشارع إيجاده في الخارج ، وكان الشك في اعتبار إذن الامام عليه‌السلام فيه.

ثم إنّ نتيجة أصالة المشروعية اعتبار إذن الإمام عليه‌السلام أو نائبه في ذلك المعروف.

(٢) متعلق بأصالة عدم مشروعية ذلك المعروف ، فكأنه قال : «فالمرجع إلى أصالة .. حين عدم وقوع ذلك المعروف عن رأي وليّ الأمر».

(٣) أي : مسألة الولاية المطلقة للفقيه لا تخلو عن إشكال ، وإن كان الحكم بثبوت الولاية للفقيه مشهورا بين الأصحاب. بل يظهر من الفاضل النراقي قدس‌سره كون المسألة إجماعية ، حيث قال «حيث نصّ به كثير من الأصحاب بحيث يظهر منهم كونه من المسلّمات» (١).

(٤) أي : بوجوب الرجوع في الأمور المذكورة إلى الفقيه الذي هو مقتضى الولاية.

(٥) أي : سواء قلنا بحكومة التوقيع أم بتعارض العمومين ، والرجوع إلى أصالة عدم مشروعية المعروف بدون إذن الفقيه ، فقد ظهر .. إلخ.

(٦) الموصول إشارة إلى ما ذكره في (ص ١٦٩) بقوله : «في مقبولة ابن حنظلة الظاهرة في كونه كسائر الحكّام المنصوبة في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة في إلزام الناس بإرجاع الأمور المذكورة إليه .. إلخ».

__________________

(١) عوائد الأيام ، ص ٥٣٦.


هذه الأدلّة (١) هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي تكون مشروعيّة إيجادها في الخارج مفروغا عنها ، بحيث لو فرض عدم الفقيه كان على الناس القيام بها كفاية.

وأمّا (٢) ما يشكّ في مشروعيته ـ كالحدود لغير الإمام ، وتزويج الصغيرة لغير الأب والجدّ ، وولاية المعاملة على مال الغائب بالعقد عليه ، وفسخ العقد الخياريّ عنه (٣) ، وغير ذلك ـ ، فلا يثبت من تلك الأدلّة (٤) مشروعيّتها للفقيه ، بل لا بدّ للفقيه من استنباط مشروعيّتها من دليل آخر (٥).

نعم (٦) ،

______________________________________________________

(١) وهي أدلة الولاية ، وحاصله : أنّ مدلول أدلة ولاية الفقيه هو ولايته في الأمور التي ثبتت مشروعية إيجادها في الخارج ، كتجهيز الأموات التي لا وليّ لها ، وحفظ أموال القاصرين ، والموقوفات التي ليس لها متولّ منصوص من قبل واقفيها ، ونحو ذلك ممّا علم بمشروعية إيجادها في الخارج ، وعدم جواز تعطيلها وإهمالها ، بحيث لو فرض عدم فقيه وجب على الناس القيام بها كفاية. هذا إذا علم بمشروعية إيجادها في الخارج.

(٢) وأمّا إذا شكّ في مشروعية إيجادها في الخارج بدون إذن الإمام عليه‌السلام ـ كالحدود والتعزيرات ، وتزويج الصغيرة بدون إذن الأب والجدّ ، ومعاملة مال الغائب ببيعه ونحوه ، وفسخ العقد الخياري عن الغائب ، إذا كان له خيار في عقد ـ فلا يثبت من أدلة ولاية الفقيه مشروعيتها للفقيه ، بل لا بدّ من استنباط مشروعيّتها له من دليل آخر غير أدلة الولاية.

(٣) أي : عن الغائب ، وقوله : «فلا يثبت» جواب قوله : «وأمّا ما يشك».

(٤) أي : أدلة ولاية الفقيه ، وضمير «مشروعيتها» راجع إلى الأمور المذكورة من الحدود وتزويج الصغيرة ، إلى آخر ما هناك.

(٥) أي : غير أدلة ولاية الفقيه.

(٦) استدراك على عدم ثبوت مشروعية الحدود وغيرها ممّا ذكر للفقيه من أدلة ولاية الفقيه. وحاصل الاستدراك : أنّ تلك الأمور تثبت الولاية عليها وعلى غيرها ـ كالولاية على الأنفس والأموال ـ للإمام عليه‌السلام.


الولاية على هذه (١) وغيرها ثابتة للإمام عليه‌السلام بالأدلّة المتقدّمة (٢) المختصّة به ، مثل آية أولى بالنّاس من أنفسهم (١). وقد تقدّم (٣) أنّ إثبات عموم نيابة الفقيه عنه في هذا النحو (٤) من الولاية على الناس ـ ليقتصر في الخروج عنه (٥) على ما خرج بالدليل ـ دونه خرط القتاد.

وبالجملة (٦) فهاهنا مقامان :

______________________________________________________

(١) أي : الأمور المذكورة من الحدود وتزويج الصغيرة وغيرها.

(٢) وهي الكتاب والسنة والإجماع والعقل. وهذه الولاية هي الولاية المطلقة الثابتة للإمام عليه‌السلام بالخصوص دون غيره ، فإنّها ثابتة له ، ومختصة به عليه‌السلام بمثل قوله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ).

(٣) في (ص ١٦٣) بقوله : «وبالجملة فأقامه الدليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام إلّا ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد».

لا يقال : إنّ الآية المذكورة تثبت ولاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومفروض الكلام هو ولاية الإمام عليه‌السلام.

فإنّه يقال : قد ثبت بالأدلة أنّ الامام كالنبيّ عليهما‌السلام في الولاية المطلقة بلا كلام ولا إشكال.

(٤) وهو الولاية العامّة كولاية الإمام عليه‌السلام على الناس حتى يكون الخروج عن عمومها محتاجا إلى الدليل الخاصّ ، كغيره من العمومات.

(٥) أي : عن عموم ولاية الفقيه الجامع للشرائط.

(٦) وحاصل الكلام : أنّ في ولاية الفقيه بالمعنى الثاني ـ وهو توقف تصرف الغير على إذنه ـ مقامين ثبوتا :

أحدهما : وجوب إيكال المعروف المأذون فيه ـ أي المعروف الذي ثبت إيجاد مشروعيته في الخارج ـ إلى الفقيه ، على ما مرّ منه في (ص ١٦٤).

__________________

(١) الأحزاب ، الآية ٦ ، وهي : «النبي أولى بالمؤمنين» لا «بالناس» كما في المتن.


أحدهما : وجوب إيكال المعروف المأذون (*) فيه إليه (١) لتقع (٢) خصوصيّاته (٣) عن نظره ورأيه (٤) كتجهيز الميّت الذي لا وليّ له ، فإنّه يجب (٥) أن تقع خصوصيّاته (٦) ـ من (٧) تعيين الغاسل والمغسل ، وتعيين شي‌ء من تركته للكفن ، وتعيين المدفن ـ عن (٨) رأي الفقيه.

الثاني (٩) : مشروعيّة تصرّف خاصّ في نفس أو مال أو عرض.

______________________________________________________

(١) متعلق ب «إيكال» والضمير راجع الى الفقيه.

(٢) تعليل لوجوب إيكال المعروف الى الفقيه.

(٣) هذا الضمير وضمير «فيه» راجعان الى المعروف.

(٤) هذا الضمير وضمير «نظره» راجعان إلى الفقيه.

(٥) أي : يجب بمقتضى ولايته ـ أي : توقف المعروف على إذنه ـ أن تقع عن إذنه خصوصيات التجهيز الذي هو من المعروف الذي ثبتت مشروعيّة إيجاده في الخارج.

(٦) أي : خصوصيات التجهيز.

(٧) بيان ل «خصوصياته».

(٨) متعلق ب «تقع».

(٩) أي : المقام الثاني من مقامي ولاية الفقيه ثبوتا هو : استقلاله بتصرف خاص في نفس ، كإجراء حدّ أو في مال كبيع مال غائب ، أو في عرض كتزويج صغيره لا وليّ لها. والأنسب بالسياق أن يقول : «ثانيهما» في مقابل «أحدهما».

__________________

(*) لعلّ الأولى تبديله ب «المعروف المحتاج إلى إذن الفقيه» أو ب «المعروف الذي ثبتت مشروعية إيجاده في الخارج» حيث إنّه مورد ولاية الفقيه ، إذ لو كان المراد بالمأذون فيه مشروعية إيجاد المعروف لغير الفقيه لم يصحّ جعله بنحو الإطلاق موردا لولاية الفقيه ، كالمستحبات من الصدقات وغيرها ممّا ليس موردا لولايته حتى يجب إيكاله إلى الفقيه ، لما مرّ مرارا من أنّ مورد ولاية الفقيه الجامع للشرائط هو كلّ معروف ثبتت مشروعية إيجاده في الخارج بحيث لا يرضى الشارع بتركه ، حتى لو لم يكن فقيه وجب على المؤمنين إيجاده.


والثابت (١) بالتوقيع وشبهه هو الأوّل دون الثاني ، وإن كان الإفتاء في المقام الثاني بالمشروعيّة وعدمها أيضا من وظيفته (٢) ، إلّا أنّ المقصود عدم دلالة الأدلّة السابقة (٣) على المشروعيّة.

نعم (٤) لو ثبتت أدلّة النيابة عموما تمّ (٥) ما ذكر (٦).

ثمّ إنّه قد اشتهر في الألسن وتداول في بعض الكتب رواية (٧) «أنّ السلطان وليّ من لا وليّ له».

______________________________________________________

(١) هذا مقام الإثبات ، وحاصله : أنّ الثابت بأدلة ولاية الفقيه من توقيع إسحاق بن يعقوب المتقدم في (ص ١٧٢) وغيره من أدلتها هو المقام الأوّل الذي ثبتت مشروعية إيجاده في الخارج ، دون المقام الثاني الذي لم تثبت مشروعيّته كذلك ، وإن كان الحكم بمشروعيّته وعدمها أيضا من وظائف الفقيه ، إلّا أنّ أدلة الولاية التي هي من أدلة الأحكام الثانوية تقصر عن الدلالة على الأحكام الأولية ، فلا بدّ من استنباط المشروعية وعدمها من أدلة أخرى.

(٢) أي : وظيفة الفقيه.

(٣) أي : أدلة ولاية الفقيه من التوقيع الرفيع وغيره.

(٤) استدراك على قوله : «إلّا أنّ المقصود عدم دلالة الأدلة السابقة». وحاصل الاستدراك : أنّ أدلة النيابة إن كان لها عموم بأن تدلّ على عموم النيابة للفقيه ـ بمعنى دلالتها على أنّ كلّ ما ثبت من الولاية للإمام عليه‌السلام ثابت للفقيه ـ جاز للفقيه أن يتصرف في الأنفس والأموال والأعراض ، ولا نحتاج في إثبات مشروعيتها إلى أدلة أخرى ، بل نفس عموم أدلة النيابة كاف في إثباتها.

(٥) جواب «لو ثبتت» و «عموما» تمييز ل «ثبتت» أي : من جهة عمومها.

(٦) من مشروعية المقام الثاني من الولاية ـ وهي استقلال الفقيه بالتصرف في الأنفس والأعراض والأموال ـ بسبب عمومات أدلة الولاية.

وبالجملة : فمشروعية المقام الثاني من الولاية منوطة بعموم دليل الولاية.

(٧) فاعل «اشتهر وتداول» وهذه الرواية عدّها الفاضل النراقي قدس‌سره من أدلة ولاية الفقيه ، لقوله : «السابعة عشر ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتب الخاصة والعامة أنّه قال :


.................................................................................................

______________________________________________________

السلطان وليّ من لا وليّ له».

واستدلّ به في المستند على ولاية الحاكم على تزويج فاسد العقل ، فقال : «والمراد من له السلطنة ، والنائب العام كذلك» (١).

وذكره العلّامة والشهيد الثاني وغيرهما قدس‌سرهم ، واعتمد عليه في الجواهر ، فراجع (٢). قال العلّامة في أولياء العقد : «ولا نعلم خلافا بين العلماء في أنّ للسلطان ولاية تزويج فاسد العقل ، وبه قال مالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيده وأصحاب الرأي. لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السلطان وليّ من لا ولي له» ثم قال : «قد بيّنا أنّ المراد بالسلطان هو الإمام أو حاكم الشرع ، أو من فوّضا إليه. وليس لوليّ البلد ولاية النكاح ، لأنّ الولاية عندنا مشروطة بإذن الإمام أو نائبه».

وقال السيد العلامة المراغي قدس‌سره قدس‌سره في العناوين : «ومنها ـ أي من أدلة ولاية الفقيه ـ ما دلّ على أنّ العلماء أولياء من لا ولي له ..» (٣). ولكن لم أظفر في الكتب الفقهية ولا في إرشاد الديلمي على هذا المتن ، ولعلّه قدس‌سره ظفر بذلك أو نقله بالمعنى.

وكيف كان فلا ريب في أنّ المراد بالسلطان هو من له السلطنة الحقة على غيره ، لبدلية «اللام» عن المضاف إليه المحذوف ، وهو الله عزوجل ، فهو نظير ما تقدم في (ص ١٤٨) من التصريح بالمضاف إليه كما في رواية السكوني : «إذا حضر سلطان من سلطان الله فهو أحقّ بالصلاة عليه». ومن المعلوم أنّ جعل السلطنة للولي الجائر لا يلائم هذه الإضافة.

__________________

(١) عوائد الأيام ، ص ٥٣٤ ، مستند الشيعة ، ج ١٦ ، ص ١٤٣ ، ووردت هذه الجملة في إرشاد القلوب للديلمي قدس‌سره في ما يراد من كلمة «الولي» فقال : «كقولهم : لا نكاح إلّا بولي ، والسلطان وليّ من لا وليّ له» وظاهر العطف صدور الجملتين من المعصوم عليه‌السلام ، فلاحظ : إرشاد القلوب ، ج ٢ ، ص ٢٥٢. ونقل عن جملة من كتب العامة كمسند احمد وسنن أبي داود والبيهقي وغيرها ، فراجع هامش المسالك والعوائد.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٥٩٢ (الحجرية) ، مسالك الأفهام ، ج ٧ ، ص ١٤٧ ، كشف اللثام ، ج ١ ، كتاب النكاح ، ص ١٠ (الحجرية) ، جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ١٨٨.

(٣) العناوين ، ج ٢ ، ص ٥٧٠


وهذا (١) أيضا بعد

______________________________________________________

ولكن اختلف الفقهاء قدس‌سرهم في أنّ من له الولاية على غيره هل هو خصوص الإمام الأصل أي المعصوم عليه‌السلام ، أم عموم من له السلطنة الحقة ، فيشمل الفقيه المأمون؟ مقتضى كلام غير واحد ـ من توقف ولاية الفقيه في بعض الموارد كقبض سهم الامام عليه‌السلام من الخمس ، وتزويج البالغ غير الرشيد ونحوهما ـ هو الاختصاص. قال السيد الطباطبائي قدس‌سره : «ويزوّجهما مع فقدهما ـ أي : فقد الأب والجدّ ـ مع الغبطة إجماعا ، لأنّه ـ أي الحاكم ـ وليّهما في المال ، فيتولّى نكاحهما». ثم استدل بالنبوي ، وقال : «ويلحق به ـ أي بالسلطان ـ نوّابه لعموم أدلة النيابة» (١).

ومقتضى كلام جماعة ـ ممّن عدّ هذا الحديث دليلا على ولاية الحاكم الشرعي ـ هو الثاني ، كما استفيد من عبارة التذكرة ، والمسالك والعوائد والعناوين. وعليه فيكون للسلطان فردان :

أحدهما : الإمام المعصوم عليه‌السلام ، لكونه المصداق الأتم لمن جعلت له الولاية والسلطنة على غيره.

وثانيهما : الفقيه العادل. ومن المعلوم أنّ الاستدلال به على ولاية الفقيه ـ في ما كان للإمام المعصوم عليه‌السلام ولاية عليه ـ منوط بظهوره في الاحتمال الثاني ، هذا.

(١) ناقش المصنف قدس‌سره في الاستدلال بها الحديث بوجهين ، الأوّل : وهنها سندا ومضمونا. والثاني ظهور لفظ «السلطان» في الإمام المعصوم عليه‌السلام.

أمّا الوجه الأوّل فتوضيحه : أن سند الحديث ضعيف بالإرسال ، ومن المعلوم أنّ الاعتماد عليه منوط بانجبار ضعفه بعمل المشهور ، وهو لا يخلو من تكلّف ، لعدم انحصار ما يدلّ على ولاية الإمام عليه‌السلام في الموارد الخاصة في هذا المرسل. ومعه لا سبيل لإحراز استنادهم إليه ليندرج في موارد الجبر بالعمل ، كما استندوا إلى مثل حديث «على اليد» و «الناس مسلّطون» ونحوهما من المراسيل المعمول بها.

هذا مضافا إلى احتمال عدم كون جملة «السلطان وليّ من لا وليّ له» نصّ كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه منقول بالمعنى كبعض القواعد الفقهية المتصيّدة من النصوص ، مثل

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ١١ ، ص ١٠٠.


الانجبار (١) سندا أو مضمونا (٢)

______________________________________________________

«من حاز ملك» ولعلّ الأصل فيها «العلماء أولياء من لا وليّ له» كما عبّر به في العناوين ، ثم نقل رواية تحف العقول ، وهي قوله عليه‌السلام : «مجاري الأمور بيد العلماء بالله».

وكلمة «العلماء» وإن كانت شاملة للفقهاء ، بل هي ظاهرة فيهم بدوا ، إلّا أنّه يحتمل قويّا اختصاصها في هذه الرواية بالمعصوم عليه‌السلام ، لما تفطّن له المحقق الخراساني قدس‌سره ، بشهادة سائر فقرات الرواية «الّتي سيقت في مقام توبيخ الناس على تفرقهم عنهم عليهم‌السلام ، حيث إنّ تفرقهم عنهم صار سببا لغصب الخلافة ، وزوالها عن أيدي من كانت مجاري الأمور بأيديهم» (١) فلاحظ تمام الخبر في تحف العقول ، وما فيه من القرينة المتصلة على إرادة أئمة الهدى عليهم‌السلام ، دون الفقهاء وتقدّم بعضه في (ص ١٥٦).

والغرض من ذلك كله : أنّه لا سبيل لإحراز صدور نفس كلمة «السلطان» منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليقال بصدقه على كلّ من الامام المعصوم والفقيه العادل.

وأمّا الوجه الثاني ، فتوضيحه : أنّه ـ بعد تسليم جبر ضعف السند والمضمون ، وأنّ الصادر هو «السلطان» ـ يمنع من صدقه على الفقيه ، إذ المتبادر منه هو الإمام الأصل ، كما اعترف به غير واحد منهم صاحب الحدائق (٢) ، ولذا تمسّك صاحب الرياض لإثبات ولاية الفقيه على النكاح بما دلّ على نيابته عنه عليه‌السلام ، لا بشمول لفظ «السلطان» للحاكم. ولا أقلّ من الشك في الصدق ، ومعه لا مجال للاستدلال.

وعليه فالولاية للإمام عليه‌السلام ، وإثباتها للفقيه محتاج إلى أدلة عموم النيابة كالمقبولة وغيرها ممّا تقدم في (ص ١٦٩ ـ ١٧٠) وصرّح المصنف هناك بأنّ استفادة عموم ولاية الحاكم الشرعي منها دونها خرط القتاد.

(١) هذا إشارة إلى أوّل وجهي الإشكال في الاستدلال بالمرسلة ، وهو الوهن سندا ومضمونا.

(٢) منشأ الترديد هو الشك في كون متن الحديث نفس العبارة المذكورة ، فالحديث منقول باللفظ ، أو مضمونها ، فالحديث منقول بالمعنى.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٩٤.

(٢) الحدائق الناضرة ، ج ٢٣ ، ص ٢٣٩.


يحتاج (١) إلى أدلّة عموم النيابة. وقد عرفت (٢) ما يصلح أن يكون دليلا عليه ، وأنّه (٣) لا يخلو عن وهن في دلالته ، مع (٤) قطع النظر عن السند ، كما اعترف به (٥) جمال المحقّقين في باب الخمس بعد الاعتراف بأنّ المعروف بين الأصحاب كون الفقهاء نوّاب الإمام عليه‌السلام.

______________________________________________________

وعن بعض نسخ المتن العطف بالواو بدل «أو» فإن كان هذا صحيحا فالرواية موهونة من جهتين سندا ومضمونا. أمّا الأوّل فلأنّها مرسلة. وأمّا الثاني فلكونها منقولة بالمعنى.

(١) خبر «وهذا» وهو إشارة إلى ثاني وجهي المناقشة. وقد عرفت آنفا وجه الحاجة إلى أدلة عموم النيابة ، وأنّ الحديث على فرض اعتباره لا يدلّ على ولاية الفقيه أصلا ، بل على ولاية الإمام عليه‌السلام.

(٢) يعني : وقد عرفت في بيان أدلة ولاية الفقيه ما يصلح أن يكون دليلا على عموم ولايته وما لا يصلح لذلك.

(٣) معطوف على «ما» الموصول ، يعني : وقد عرفت أنّ ما استدلّ به على عموم نيابة الفقيه لا يخلو عن وهن في دلالته ، واستشهد المصنف قدس‌سره لهذا الوهن بكلام جمال المحققين والمحقق الكركي قدس‌سرهما.

(٤) يعني : مضافا إلى ضعف سند ما استدلّ به على الولاية العامة للفقيه.

(٥) أي : كما اعترف بما ذكر ـ من وهن الدلالة وضعف السند ـ جمال المحققين واستادهم الآقا جمال الخوانساري قدس‌سره في باب الخمس ، حيث إنّه جعل مستند المشهور من كون الفقهاء نوّابا للإمام عليه‌السلام مقبولة عمر بن حنظلة ومشهورة أبي خديجة ، وناقش فيهما سندا ، لكنه جبر ضعف السند بعمل المشهور بهما ، فقال في المقبولة : «وبالجملة : فهذه الرواية مع ما فيها من ضعف السند قد تلقّاها الأصحاب بالقبول .. فاعتقدوا أنّ ضعفها منجبر بذلك» وكذلك جبر ضعف سند رواية أبي خديجة بعمل الأصحاب.

ثم ناقش في دلالتهما على نيابة الفقهاء عنه عليه‌السلام بقوله : «ثم إنّ غاية ما يدلّ عليه


ويظهر ذلك (١) من المحقّق الثاني أيضا في رسالته الموسومة بقاطع اللجاج (١) في مسألة جواز أخذ الفقيه أجرة أراضي الأنفال (٢) من المخالفين كما يكون ذلك (٣) للإمام عليه‌السلام إذا ظهر (٤) ، للشك (٥) في عموم النيابة.

وهو (٦) في محلّه.

______________________________________________________

الروايتان وجوب العمل بحكم الفقهاء من أصحابنا في المنازعات والخصومات. وأمّا كونهم وكلاء لهم في ضبط أموالهم وحقوقهم ـ كما توهمه عبارة الشارح ـ فلا دلالة لهما عليه ..» الى أن قال : «وللمناقشة فيها مجال ، والله يعلم» فراجع (٢).

(١) أي : يظهر من المحقق الثاني قدس‌سره أيضا الوهن في دليل عموم نيابة الفقيه عن الامام عليه‌السلام ، قال قدس‌سره : «فإن قيل : فهل يجوز لمن استجمع صفات النيابة حال الغيبة جباية شي‌ء من ذلك ـ أي الخراج ـ قلنا : إن ثبت أنّ جهة نيابته عامّة احتمل ذلك. وإلى الآن لم نظفر بشي‌ء فيه ، وكلام الأصحاب قد يشعر بالعدم ، لأنّ هذا خاصّة الامام ..».

(٢) التي هي مال الإمام عليه‌السلام. فإن ثبت نيابة الفقيه عن الامام عليه‌السلام في كلّ ما له عليه‌السلام جاز للفقيه إيجار أرض الأنفال ـ المختصة بالإمام عليه‌السلام ـ من المخالف.

(٣) أي : جواز أخذ أجرة أراضي الأنفال ـ من المخالفين ـ للإمام عليه‌السلام.

(٤) يعني : إذا ظهر الحجة المنتظر «عجّل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا فداه».

(٥) تعليل لوهن ما استدلّ به على ولاية الفقيه ، فإنّ هذا الوهن يوجب الشك في عموم ولايته ، الموجب للشك في جواز أخذه لاجرة أراضي الأنفال من المخالفين.

(٦) أي : الشك في عموم نيابة الفقيه المذكور في كلام المحقق الثاني في محله. وهذا أحد المواضع التي ذكر المصنف قدس‌سره فيها تردّده في الولاية العامة.

__________________

(١) كذا في نسخ الكتاب ، والمعروف تسميتها ب «قاطعة اللجاج» كما عبّر عنها المصنف غير مرة في مسألة جوائز السلطان ، طبعت ضمن رسائل المحقق الكركي ، ج ١ ، ص ٢٥٧

(٢) حاشية الروضة ، ص ٣٢٠ ، الروضة البهية ، ج ١ ، ص ١٨٣ ، طبعة عبد الرحيم.


ثمّ (١) إنّ قوله عليه‌السلام : «من لا وليّ له» في المرسلة المذكورة ليس مطلق من

______________________________________________________

فتحصّل : أنّ الاستدلال بالمرسلة المتقدمة على ولاية الفقيه ـ كما ذهب إليه جمع من الأصحاب ـ ممنوع.

(١) غرضه قدس‌سره بيان التفاوت بين مدلولي التوقيع الرفيع وهذه المرسلة ـ لو سلّم دلالتها على ولاية التصرف للمعصوم عليه‌السلام ، وببركة أدلة خلافة الفقيه عنه عليه‌السلام تثبت له أيضا ـ ومحصّله : أن «من لا وليّ له» الذي يكون السلطان وليّا له ، هل هو الفاقد للولي على نحو السلب المقابل للإيجاب ، وإن لم يكن من شأنه جعل وليّ له؟ أم هو المولّى عليه الذي له قابلية نصب وليّ له شرعا ، فعدم الوليّ يكون في قبال الملكة.

فبناء على الأوّل تشمل ولاية السلطان للبالغ العاقل الذي له سلطنة تامّة على أموره ، وليس لأحد ولاية عليه. والوجه في ثبوت ولاية السلطان بالنسبة إلى هذا البالغ هو صدق «أنّه لا وليّ له» فيكون السلطان وليّه.

وبناء على الاحتمال الثاني تختص الولاية والسلطنة بمن له شأنية نصب وليّ له. ومن المعلوم أنّ البالغ المزبور غير قابل لجعل وليّ له ، فتختص المرسلة بمورد الشأنية لأن يكون له وليّ.

وهذا المطلب صرّح به الفاضل النراقي أيضا في نفي ولاية الحاكم ـ بالاستقلال ـ على نكاح الكبير ، حيث قال : «إن معناه أنه ـ أي السلطان ـ وليّ من لا وليّ له ويحتاج إلى الولي ، لا أنه وليّ من لا وليّ له سواء كان محتاجا إلى الولي أم لا» (١).

وكيف كان فهذه الشأنية على أنحاء ، فتارة تكون بحسب الشخص. وهذا لا يفرض فيما نحن فيه ، لعدم مورد للولاية على شخص بخصوصه بحيث لا يتعدّى عنه إلى غيره.

نعم يكون ذلك في غير المقام ، كعدم اللحية في زيد الكوسج ، فإنّه يتعدّى إلى غيره ممّن هو مثله.

__________________

(١) عوائد الأيام ، ص ٥٧٦.


لا وليّ له ، بل المراد عدم الملكة ، يعني : أنّه وليّ من من شأنه أن يكون له وليّ بحسب شخصه أو صنفه أو نوعه أو جنسه (١). فيشمل (٢) الصغير الذي مات أبوه ، والمجنون بعد البلوغ (٣) ، والغائب (٤) والممتنع (٥) والمريض (٦) والمغمى عليه ، والميّت الذي لا وليّ له ، وقاطبة (٧) المسلمين إذا كان لهم ملك كالمفتوح عنوة ،

______________________________________________________

واخرى تكون بحسب الصنف كعدم السواد في الزّنجي.

وثالثة تكون بحسب النوع كالعمى ، فإنّه عدم البصر فيمن من شأنه أن يكون بصيرا بحسب النوع.

ورابعة تكون بحسب الجنس ، كعمى العقرب ، فإنّ شأن العقرب أن يكون بصيرا بحسب الجنس.

(١) هذه الضمائر الستة من «شأنه» إلى «جنسه» راجعة إلى الموصول في «من من».

(٢) يعني : فيشمل من من شأنه أن يكون له وليّ الصغير الذي مات أبوه ، فإنّ له شأنية أن يكون له وليّ يحفظ مصالحه. وهذا مثال للصنف.

(٣) هذا مثال للنوع ، والتقييد ب «بعد البلوغ» لأجل عدم ولاية الفقيه على المجنون المتصل جنونه بالبلوغ ، وإنّما ولايته للأب والجدّ.

(٤) هذا أيضا مثال للنوع ، والمراد به الغائب عن ماله بحيث لا يقدر على التصرف فيه.

(٥) هذا أيضا مثال للنوع ، والمراد به من يمتنع عن أداء دين الغير أو حقّه مع التمكّن منه.

(٦) الذي لا يقدر على إدارة شؤونه. وهذا والمغمى عليه أيضا مثالان للنوع. ويمكن أن يكونا مثالين للصنف. وكذا الميت الذي لا وليّ له ، إذ لو كان له وليّ خاصّ لا تصل النوبة إلى السلطان الذي هو الولي العام.

(٧) معطوف على «الصغير» يعني : فيشمل «من شأنه أن يكون له وليّ» الصغير وقاطبة المسلمين إذا كان لعمومهم ملك كالأرض المفتوحة عنوة المعمورة حال الفتح. وهذا مثال للجنس.


والموقوف (١) عليهم في الأوقاف العامّة (٢) ، ونحو ذلك.

لكن (٣) يستفاد

______________________________________________________

(١) معطوف على المفتوح عنوة.

(٢) كالوقف على الفقهاء أو الفقراء ونحوهما.

والحاصل : أن «السلطان» إن كان مختصّا بالمعصوم فتثبت له الولاية بهذه المرسلة ، وبأدلة النيابة تثبت للفقيه. وإن كان شاملا للفقيه من أوّل الأمر ثبتت له الولاية بها بلا حاجة إلى أدلة النيابة.

(٣) غرضه قدس‌سره إبداء الفرق بين ما يستفاد من التوقيع الرفيع الآمر بإرجاع الحوادث إلى الرواة وبين هذه المرسلة ـ مع كون مدلولها ثبوت ولاية التصرف للسلطان على من له شأنية نصب وليّ له ـ بعد اشتراكهما في دلالتهما على ولاية الفقيه.

ومحصّل الفرق أمران ، أحدهما : أنّ إضافة كلمة «وليّ» إلى «من لا وليّ له» ظاهرة في كونها لامية أي : «وليّ لمن لا وليّ له» و «اللام» هنا للانتفاع ، فتدل المرسلة على مشروعية كل شي‌ء فيه مصلحة المولّى عليه ومنفعته. وهذا بخلاف التوقيع ، إذ ليس فيه إضافة حتى يستفاد منه هذا العموم ، بل تختص ولاية رواة الأحاديث بالواقعة التي يجب إرجاعها إليهم.

ثانيهما : أنّ مقتضى المرسلة استقلال السلطان بالتصرف في ما يتعلّق بالمولّى عليه ، سواء ارجع إليه شي‌ء من أمور المولّى عليه أم لا ، والوجه في استقلاله هو كفاية قابلية نصب وليّ للشخص في ثبوت المنصب للسلطان ، ولم يشترط ولايته بكون ذلك التصرف من الأمور الحسبية التي لا بدّ من تحققه والقيام به ، بل يجوز للولي التصدي وإن لم تكن هناك ضرورة للمولّى عليه تقتضي التصرف ، كما إذا لم يترتب ضرر على تركه.

وهذا بخلاف التوقيع الرفيع الظاهر في جواز تصدّي الفقيه للأمر بعد الرجوع إليه في خصوص ما أنيط بإذن الإمام عليه‌السلام ، ولا يدلّ على استقلاله في التصرف.

وبناء على ما ذكر ـ من أعمية مدلول المرسلة من التوقيع ـ فيجوز للفقيه تزويج الصغيرة الفاقدة للأب والجدّ والوصي من قبل أحدهما ، مع اقتضاء مصلحتها له. وكذا يجوز له بيع مال الغائب إن كان فيه مصلحته وإن لم يتضرر بترك البيع. وهكذا سائر


منه (١) ما لم يكن [لم يمكن] يستفاد من التوقيع المذكور (*) ، وهو (٢) الإذن في فعل

______________________________________________________

التصرفات المشروعة التي لم يدلّ التوقيع على استقلال الحاكم فيها بدون سبق إرجاعها إليه.

(١) أي : من حديث «السلطان ولي من لا ولي له» أو من المرسلة بناء على تأنيث الضمير كما في بعض النسخ.

(٢) أي : وما لم يكن يستفاد من التوقيع المذكور هو الإذن في فعل كل مصلحة لهم.

__________________

(*) أورد المحقق الايرواني قدس‌سره عليه بالتهافت بين ملاحظة نسبة المرسلة مع التوقيع وبين ما تقدم في المناقشة من استظهار اختصاص «السلطان» بالمعصوم عليه‌السلام.

وجه التنافي : أنه بناء على الاختصاص به عليه‌السلام تكون النسبة بين الروايتين التباين ، لا الأعمية ، لأنّ الولاية في المرسلة للسلطان ، وفي التوقيع لرواة الحديث ، ومع تعدد الموضوع لا وجه لملاحظة النسبة. وبناء على أعمية السلطان من الفقيه يتجه بيان النسبة ولكنه عدول عمّا ناقش به في الاستدلال من اختصاص المرسلة بالمعصوم عليه‌السلام (١).

أقول : الأمر كما أفاده قدس‌سره من التهافت ظاهرا لكن لا يبعد أن يكون كلام المصنف بعد المناقشة : «ثم إن قوله : من لا وليّ في المرسلة المذكورة .. إلخ» ناظرا إلى الإغماض عن الخدشة ، وتسليم دلالتها على ولاية الفقيه مماشاة لمن استدلّ به.

نعم إشكال التهافت وارد على مثل الفاضل النراقي قدس‌سره في العوائد ، حيث انه ـ كما عرفت في التوضيح ـ عدّها من أدلة ولاية الفقيه ، المستلزم لجعل «السلطان» أعم من المعصوم عليه‌السلام والفقيه ، إذ الغرض من عدّ الأدلة وفاء كلّ منها بالمطلوب. ولكنه في ذكر بعض موارد ولايته ـ وهو النكاح ـ قال : «وما يمكن أن يستدلّ به للثبوت .. النبوي المشهور بضميمة عموم النيابة المتقدم ثبوته» (٢) فإنه كالصريح في اختصاص السلطان بالمعصوم عليه‌السلام. وعلى تقدير الاختصاص يشكل عدّ المرسلة من أدلة الولاية ، لاحتياجها حينئذ إلى ضمّ أدلة عموم النيابة.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٥٨.

(٢) عوائد الأيام ، ص ٥٦٧.


كلّ مصلحة لهم ، فثبت به (١) مشروعيّة ما لم يثبت مشروعيّته بالتوقيع المتقدّم ، فيجوز (٢) له القيام بجميع مصالح الطوائف المذكورين.

نعم (*) ليس له فعل شي‌ء لا يعود مصلحته إليهم ، وإن كان ظاهر «الوليّ» يوهم ذلك (٣) ، إذ (٤) بعد ما ذكرنا

______________________________________________________

(١) أي : بما روي من قوله عليه‌السلام : «السلطان وليّ من لا وليّ له».

(٢) هذا متفرع على جواز تصدي السلطان لكل شي‌ء فيه مصلحة للمولّى عليه من الصغير والمجنون والغائب ، وسائر الطوائف المذكورين.

(٣) أي : يوهم كون الولي وليّا على المولّى عليه ـ من الصغير والمجنون وغيرهما ـ في كل عمل وإن لم يكن فيه مصلحة للمولّى عليه.

(٤) تعليل لقوله : «نعم ليس له فعل شي‌ء» وحاصل التعليل : أنّه ـ بعد أن تبيّن المراد بالولي ، وهو القائم بمصالح من يحتاج إلى الولي ـ لا بدّ أن يكون حافظا لمصالح المولّى عليه ، وغير متجاوز عنها ، وليس وليّا إجباريا حتى يكون أمره نافذا عليه مطلقا وإن لم يكن ذا مصلحة.

وبالجملة : فيستفاد من هذه المرسلة أمران :

أحدهما : جواز تصدّي الولي لكلّ أمر فيه مصلحة للمولّى عليه.

والآخر : عدم توقف جواز تصديه على الرجوع إليه ، بل يجوز له ذلك وإن لم يرجع المولّى عليه ـ أو غيره ـ إلى الولي.

__________________

(*) الأولى إبدال «نعم» بالواو أو الفاء ، بأن يقال : «وليس ـ أو فليس ـ له فعل شي‌ء .. إلخ» إذ مقتضى ما أفاده من دلالة المرسلة على اعتبار وجود المصلحة في ما تصدّاه من أمور المولّى عليه هو عدم جواز تصدي الولي لما ليس فيه مصلحة للمولّى عليه. ومن المعلوم أنّ المناسب حينئذ هو «فاء» التفريع ، أو «الواو» عطفا على «فيجوز» دون الاستدراك بكلمة «نعم».

والأولى من ذلك أيضا أن يقال : «ولا يجوز له فعل شي‌ء ..».


ـ من (١) أنّ المراد ب «من لا وليّ له» من من شأنه أن يكون له وليّ ـ يراد به (٢) كونه ممّن ينبغي أن يكون له من يقوم بمصالحه ، لا بمعنى أنّه ينبغي أن يكون عليه وليّ ، له (٣) عليه ولاية الإجبار بحيث يكون تصرّفه ماضيا عليه (٤).

والحاصل (٥) أنّ الوليّ المنفيّ هو الوليّ للشخص لا عليه ، فيكون المراد بالوليّ المثبت ذلك (٦) أيضا. فمحصّله : أنّ الله جعل الوليّ ـ الذي يحتاج إليه الشخص وينبغي أن يكون له ـ هو السلطان (٧) ، فافهم (٨).

______________________________________________________

(١) بيان ل «ما» الموصول.

(٢) يعني : بعد ما ذكرنا من .. إلخ يراد ب «من لا وليّ له» كونه ممّن ينبغي أن يكون له من يقوم بمصالحه. لا أنّه ينبغي أن يكون على المولّى عليه وليّ يكون لذلك الولي على المولّى عليه ولاية الإجبار ، بحيث يكون تصرفه ماضيا مطلقا وإن لم يكن مصلحة لمن يلي أمره.

(٣) أي : للولي ، وهو متعلق بمحذوف ، نعت ل «ولي» وضمير «عليه» راجع إلى «من» المراد به المولّى عليه ، يعني : أن يوصف هذا الولي بأن يكون له على المولّى عليه ولاية الإجبار ، بأن يمضي تصرفه مطلقا وإن لم يكن هذا مصلحة له.

(٤) أي : على المولّى عليه مطلقا.

(٥) يعني : وحاصل البحث في حديث «السلطان وليّ من لا وليّ له» أنّ المراد بالولي إثباتا ونفيا هو الولي للشخص أي لحفظ مصالحه وجلب منافعه ، لا على الشخص أي على ضرره. والولي الذي جعله الله تعالى ونصبه لمصالح من يحتاج إلى الولي هو السلطان.

فهذا الحديث حاكم على أصالة عدم الولاية التي تقدّمت في أوائل بحث الولاية ، ومبيّن للموضوع ، وهو الولاية لمصالح الشخص لا لمضارّه.

(٦) أي : الولي للشخص ، لا عليه.

(٧) مفعول «جعل» كأنه قيل : جعل الله الوليّ الكذائي هو السلطان. والضمير للفصل ، مثل : جعلت زيدا هو الحاكم.

(٨) يحتمل أن يكون إشارة إلى أنّ جعل الولي للشخص ـ لا عليه ـ مبني على كون


.................................................................................................

______________________________________________________

اللام في حديث «من لا وليّ له» للنفع ، في مقابل الضرر. وأمّا إذا كان اللّام للصلة كقوله : «الامام وارث من لا وارث له» فلا يستفاد منه اختصاص الولاية بخصوص مصالح المولّى عليه ، ولا قرينة على كون اللام للنفع ، كوقوعه في مقابل «على» المستعمل في الضرر.

مع أنّ لازمه عدم ثبوته ولاية الفقيه في موارد كون التصرف موجبا لتضرر المولّى عليه ونقص ماله ، منها : أداء دين في ذمة الصغير والمجنون والمغمى عليه والمريض والممتنع ، واستيفاء حقوق الناس من أموالهم.

ومنها : الحجر على المفلّس ومنعه من التصرف في ماله.

ومنها : التصرف في مال الغائب بالإنفاق على زوجته ، ونحوها ممّا يكون ولاية التصرف مستلزما للضرر ، ولم ينتفع به ، مع وضوح عدم الالتزام بهذا اللازم.

وعليه فاستفادة الاختصاص المزبور من هذا الحديث مشكلة. كإشكال استفادته من الأدلة السابقة ، بل مقتضى إطلاقها ثبوت الولاية مطلقا ـ من غير فرق بين المصالح وغيرها ـ ما لم يشمله دليل نفي الضرر. إلّا أن يمنع الإطلاق ويدّعى انصراف الأدلة إلى خصوص منافع المولّى عليه ، أو إلى ما لا ضرر فيه ، كبيع ماله بثمن مساو له في المالية.


مسألة :

في ولاية (١) عدول المؤمنين

______________________________________________________

٣ ـ ولاية عدول المؤمنين

(١) التي هي متأخرة عن ولاية الفقيه التي تقدمت في المسألة السابقة ، ولم يشر المصنف قدس‌سره هنا إلى كون المسألة خلافيّة أم اتفاقية ، ولكن ظاهر صاحب العناوين تعدد الأقوال ، لقوله : «إذا تعذّر الأولياء أو فقدت حتى الحاكم ، فهل الولاية للعدول مطلقا ، أو ليس لهم مطلقا ، أو في ما لا يمكن التأخير فيه لهم ولاية ، دون غيره ..؟ وجوه ، بل أقوال». ثم جعل البحث في مقامين :

أحدهما : في جواز تصرف العدول في ما هو وظيفة الحاكم لو كان موجودا مع ضيق الوقت وعدم إمكان التفصّي.

وثانيهما : في وجوب مباشرة العدول في الفرض المزبور ، فراجع (١).

ونقل السيد الفقيه العاملي قدس‌سره قولين في المسألة :

أحدهما : المشهور ، بل عن الحدائق الإجماع عليه.

والآخر : عدم ولاية ما عدا الفقيه ، نقله عن ابن إدريس وغيره (٢).

وكيف كان فقد استقصى المصنف قدس‌سره البحث في هذه المسألة بالنظر في جهات سيأتي بيانها بالترتيب ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) العناوين ، ج ٢ ، ص ٥٨٠ و ٥٨١.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٢٥٧ و ٢٥٨.


اعلم أنّ ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه ، وهو (١) ما كان تصرّفا مطلوب الوجود للشارع إذا كان الفقيه متعذّر الوصول ، فالظاهر جواز تولّيه (٢) لآحاد المؤمنين ، لأنّ (٣) المفروض كونه مطلوبا

______________________________________________________

الاولى : في متعلق الولاية.

الثانية : في الدليل على ثبوت هذا الحكم الوضعي المجعول للمؤمن العدل.

الثالثة : في اعتبار العدالة في المؤمن المتولّي للمعروف.

الرابعة : في أنّ جواز تصرف المؤمن تكليف وجوبي أو ندبي ، وليس على وجه النيابة عن الفقيه.

ويتفرّع عليه جواز مزاحمة مؤمن لمثله في التصدّي للمعروف.

الخامسة : في اشتراط ولاية المؤمن برعاية مصلحة المولّى عليه ، وعدمه.

ثم تعرّض بالتفصيل لما يراد من آية (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). وكان مقتضى الترتيب تقديم البحث عمّن هو موضوع للولاية ـ والخصوصيات الدخيلة فيه كالعدالة ـ على بيان الدليل على الحكم. والأمر سهل.

(١) يعني : وما ذكرناه هو التصرف الذي يكون مطلوبا للشارع بحيث لا يرضى بتركه ، كالتصرف في أموال القصّر والأوقاف العامة الفاقدة لمتولّ خاصّ وعامّ ، وهو الفقيه الجامع للشرائط ، وغيرهما من الأمور المعبّر عنها بالأمور الحسبية.

(٢) أي : تولّي ما كان تصرفا مطلوب الوجود للشارع ، وحاصله : أنّ الظاهر جواز تولّي آحاد المؤمنين للتصرف المطلوب للشارع إذا كان الفقيه متعذّر الوصول ، إذ مع إمكان الوصول إليه لا تصل النوبة إلى المؤمنين. وكذا مع إمكان الوصول إلى وكيله والمأذون من قبله.

(٣) تعليل لجواز تولّي المؤمنين ، وحاصله : أنّ المفروض كون ذلك التصرف مطلوبا للشارع ، بحيث لا يرضى بتعطيله. ومقتضى مطلوبيّته للشارع وعدم رضاه بتركه هو لزوم فعله على كل حال. فإن كان الفقيه موجودا فهو المتصدّي له ، وإلّا فعدول المؤمنين.


للشارع غير مضاف إلى شخص (١). واعتبار (٢) نظارة الفقيه فيه ساقط (٣) بفرض التعذّر. وكونه (٤) شرطا مطلقا له ـ لا شرطا اختياريا ـ مخالف (٥) لفرض العلم

______________________________________________________

ويدلّ على مطلوبية وجوده شرعا قوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (١) وغيره من الآيات الشريفة. وكذا النصوص المتضافرة ، مثل ما روي عن القمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أيّها الناس مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقرّبا أجلا ، ولم يباعدا رزقا» الحديث (٢).

(١) كالأمور التي علم من الشارع مطلوبيتها له في جميع الأزمان ، ولم يدلّ دليلها على صدورها من شخص خاص. فإن كان الفقيه موجودا تعيّن هو للقيام بها ، إمّا لولايته عليها بأدلتها العامة ، وإمّا لتعيّنه من بين المسلمين ، وإمّا لعدم لزوم الهرج والمرج.

وإن لم يكن الفقيه موجودا جاز لغيره من المؤمنين القيام به.

(٢) إشارة إلى وهم ودفعه. أمّا الوهم فهو : أنّه مع فرض اعتبار نظر الفقيه في ذلك التصرف كيف يجوز لغيره التصرف في ذلك الأمر؟ هذا.

وأمّا دفعه فهو : أنّ تعذر الوصول إلى الفقيه أسقط اعتبار نظره في ذلك التصرف ، وسوّغ تصرف غيره.

(٣) خبر «اعتبار» و «الباء» في «بفرض» للسببيّة ، ودفع للتوهم.

(٤) أي : وكون اعتبار نظارة الفقيه شرطا مطلقا للتصرف مخالف .. إلخ. وهذا إشكال على سقوط اعتبار نظر الفقيه بالتعذر.

ومحصل الإشكال : أنّه على فرض كون نظر الفقيه شرطا مطلقا ـ غير مقيّد بحال الاختيار حتى يسقط اعتباره في حال التعذر ـ لم يجز لأحد التصدي لذلك التصرف.

(٥) خبر «وكونه» ودفع للإشكال ، وحاصله : أنّ إطلاق شرطية نظر الفقيه حتى مع تعذره مخالف للعلم بكون ذلك التصرف مطلوب الوجود مطلقا حتى مع تعذر

__________________

(١) آل عمران ، الآية ١٠٤.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٣٩٩ ، الباب ١ من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما ، ح ٢٤.


بكونه (١) مطلوب الوجود مع تعذّر الشرط (٢) ، لكونه (٣) من المعروف الذي أمر بإقامته في الشريعة.

نعم (٤) لو احتمل كون مطلوبيّته مختصّة بالفقيه أو الإمام ، صحّ الرجوع إلى أصالة عدم المشروعية ، كبعض مراتب النهي عن المنكر ، حيث إنّ إطلاقاته (٥) لا تعمّ ما إذا بلغ حدّ الجرح.

قال الشهيد رحمه‌الله في قواعده (٦) «يجوز للآحاد مع تعذّر الحكّام تولية آحاد التصرّفات الحكميّة (٧)

______________________________________________________

الشرط ، وذلك لأجل كون ذلك التصرف من المعروف الذي أمر الشارع بإقامته في الشريعة. ومع هذا العلم كيف تصح دعوى إطلاق شرطية نظارة الفقيه؟

(١) الضمير راجع إلى الموصول في قوله : «ما كان تصرفا».

(٢) وهو نظارة الفقيه.

(٣) أي : لكون «ما كان تصرفا» من المعروف. وهذا تعليل لقوله : «لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود» ومحصله ـ كما أشرنا إليه ـ : أنّه مع العلم بكون ذاك التصرف كحفظ مال القصّر مطلوب الوجود للشارع حتى مع تعذر الفقيه ، لا بدّ من جواز تصدّي آحاد المؤمنين له.

(٤) استدراك على قوله : «لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود» وحاصله : أنّه لو لم يحصل العلم بكون ذلك التصرف مطلوبا للشارع مطلقا ، واحتمل اختصاص مطلوبيته بالإمام أو الفقيه ، صحّ الرجوع حينئذ إلى أصالة عدم المشروعية.

(٥) أي : إطلاقات النهي عن المنكر.

(٦) الظاهر أنّ الغرض من بيان كلام الشهيد رحمه‌الله هو كون ولاية عدول المؤمنين ثابتة عند الأصحاب مع تعذر الفقهاء ، بمعنى ترتب ولايتهم وتأخّرها عن ولاية الحكّام ، لا عرضيتها لها.

وتعرّض الشهيد قدس‌سره لمتعلق ولاية آحاد المؤمنين أيضا ، كما سيأتي التنبيه عليه.

(٧) بكسر «الحاء» أي : التصرفات المقرونة بالحكمة والمصلحة.


على الأصح (١) ، كدفع ضرورة اليتيم (٢) ، لعموم (٣) (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) (١) ، وقوله (٤) عليه‌السلام : «والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (٢) ، وقوله (٥) صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كلّ معروف صدقة» (٣).

وهل (٦)

______________________________________________________

(١) ومقابل الأصحّ هو : عدم جواز تولّي آحاد المؤمنين لتلك التصرّفات.

(٢) نظير بيع ما يحتاج إليه اليتيم من أمواله.

(٣) استدلّ الشهيد قدس‌سره على ولاية عدول المؤمنين بوجوه :

الأوّل : قوله تعالى شأنه (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) ، بتقريب : أنّ دفع ضرورة اليتيم إعانة على البرّ ، فهو ممّا ندب الشارع إليه ، والمخاطب بالتعاون عامّة المكلفين بلا خصوصية للفقيه.

(٤) هذا هو الوجه الثاني ، والحديث في المصدر هكذا : «والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه».

وفي المستدرك : «وعن القطب الراوندي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» (٤).

وعلى كلّ فظهور الحديث في الحثّ والترغيب على إعانة المؤمن ممّا لا ينكر.

(٥) معطوف على «عموم» أو على «تعاونوا» وهذا هو الوجه الثالث ممّا استدل به الشهيد قدس‌سره. وتقريبه : ترتب أثر الصدقة ـ وهو الأجر ـ على فعل المعروف كدفع ضرورة اليتيم. وبما أنّ الصدقة متمشية من العالم والعامي ، فكذلك ما جعله الشارع بمنزلته في الأجر.

(٦) أي : لعدول المؤمنين. هذا راجع إلى متعلق ولاية عدول المؤمنين ، وحاصله : أنّ

__________________

(١) المائدة ، الآية ٣.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٥٨٦ ، الباب ٢٩ من أبواب فعل المعروف ، ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٥٢١ ، الباب ١ ، من أبواب فعل المعروف ، ح ٢.

(٤) مستدرك الوسائل ، ج ١٢ ، ص ٤٢٩ ، الباب ٣٤ من أبواب فعل المعروف ، ح ١٠.


يجوز أخذ (١) الزكوات والأخماس من الممتنع وتفريقها في أربابها (٢).

وكذا (٣) بقية وظائف الحكّام غير ما يتعلّق بالدعاوي؟ فيه وجهان. وجه (٤) الجواز ما ذكرنا (٥) ، ولأنّه (٦) لو منع من (٧) ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال (٨) ، وهي مطلوبة لله تعالى.

وقال بعض متأخّري العامّة (١) : إنّ (٩) القيام بهذه المصالح (١٠)

______________________________________________________

ولايتهم هل تعمّ آخذ الزكوات والأخماس ممّن يمنعها ولا يؤدّيها إلى أهلها بلا عذر شرعي؟ أم تختص هذه الولاية بالفقيه.

(١) الموجود في نسخة القواعد المطبوعة «قبض» بدل «أخذ».

ثم إن في بعض نسخ القواعد «وصرفها» بدل «وتفريقها».

(٢) أي : أرباب الزكوات والأخماس ، وهم مستحقوها من السادة والفقراء.

(٣) يعني : وهل يجوز لعدول المؤمنين سائر وظائف الحكّام غير ما يتعلّق بالدعاوي؟

(٤) في القواعد : «ووجه الجواز».

(٥) من قوله تعالى «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» وقوله عليه‌السلام : «والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل معروف صدقة».

(٦) هذا دليل ثان للجواز ، وحاصله : أنّه لو منع عدول المؤمنين من أخذ الزكوات والأخماس لفاتت مصالح صرفها ، وهي انتظام أمور معاشهم الموجب لقدرتهم على أداء وظائفهم الفردية والاجتماعية.

(٧) كلمة «من» غير موجودة في القواعد.

(٨) وهي الزكوات والأخماس ، والحال أنّ تلك المصالح مطلوبة لله تعالى شأنه.

(٩) في القواعد : «لا شك أنّ».

(١٠) وهي : انتظام أمور السادة والفقراء ، وتمكّنهم من أداء ما عليهم من الوظائف من تسديد حوائجهم المادية ، والإنفاق على من يعولونه ، وغيرهما.

__________________

(١) هو كما في هامش القواعد. عز الدين بن عبد السلام في قواعد الأحكام ، ج ١ ، ص ٨٢.


أهمّ (١) من ترك (٢) تلك الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقّها ، ويصرفونها إلى غير مستحقّها.

فإن توقّع (٣) إمام يصرف ذلك في وجهه ، حفظ المتمكّن (٤) تلك الأموال (٥) إلى حين تمكّنه من صرفها إليه (٦). وإن يئس (٧) من ذلك كما في هذا الزمان (٨) ، تعيّن صرفه على الفور في مصارفه ، لما في إبقائه (٩)

______________________________________________________

(١) في بعض نسخ القواعد «أتم» بدل «أهم».

(٢) أي : من إبقاء الزكوات والأخماس بأيدي الظلمة ، وهم أرباب الأموال التي تعلّق بها الأخماس والزكوات ، فإنّ منعهما عن مستحقيهما ظلم وجور منهم على السادة والفقراء.

ثم إنّ التعبير بالأهمّ مسامحة ، لأنّ إبقاء تلك الأموال بأيدي المالكين ظلم ، لا أنّه مهمّ حتى يكون صرفها في مصارفها أهمّ. فالأولى التعبير بالمهمّ.

(٣) الظاهر ـ كما سيأتي من المصنف قدس‌سره ـ أن هذه الجملة إلى آخر العبارة كلام الشهيد لا بعض العامة.

(٤) أي : المتمكن من حفظ الأموال يحفظها إلى زمان تمكنه من صرفها إلى الإمام عليه‌السلام ، ومع اليأس من الوصول إليه عليه‌السلام ـ كما في زمان الغيبة الكبرى ـ وجب فورا صرفها في مصارفها الشرعية.

(٥) وهي الأخماس والزكوات ، وضمير «صرفها» راجع الى الأخماس والزكوات.

(٦) أي : إلى «امام» وضمير «تمكنه» راجع إلى المتمكن ، فالمصدر مضاف إلى الفاعل.

(٧) معطوف على «فإن توقع» يعني : وإن يئس ولم يتوقع الوصول إلى الإمام عليه‌السلام تعيّن .. إلخ.

(٨) وهو زمان الغيبة الكبرى ، عجّل الله تعالى فرج صاحبها وجعلنا فداه.

(٩) أي : لما في إبقاء المال ـ وهو الخمس والزكاة ـ من التغرير أي : التعريض للهلاك والتلف.


من (١) التغرير وحرمان مستحقّيه (٢) [مستحقه] من (٣) تعجيل أخذه مع مسيس حاجتهم إليه.

ولو ظفر بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتّى يصل إليهم ، ومع اليأس يتصدق بها (٤) عنهم (٥) ، وعند العامّة تصرف في المصارف العامّة (٦)» انتهى (١).

والظاهر أنّ قوله : «فإن توقّع إلى آخره» من كلام الشهيد رحمه‌الله (٧).

ولقد أجاد (٨) فيما أفاد ، إلّا أنّه لم يبيّن وجه عدم الجواز (٩).

ولعلّ وجهه (١٠ أنّ مجرّد كون هذه الأمور من «المعروف» لا ينافي اشتراطها

______________________________________________________

(١) هذا تفسير «ما» الموصول ، وقوله : «وحرمان» معطوف على التغرير.

(٢) كذا في نسختنا ، ولكن في القواعد وفي بعض نسخ الكتاب «مستحقه» بالإفراد.

(٣) متعلق ب «حرمان» يعني : وحرمان مستحقّي الخمس والزكاة من أخذهما فورا مع إلجاء حاجتهم إلى أخذهما فورا.

(٤) هذا الضمير وضميرا «حفظها ، لأربابها» راجعة إلى أموال.

(٥) أي : عن أربابها ومالكيها. وفي القواعد زيادة كلمة «ويضمن».

(٦) كبناء المساجد والمدارس والقناطر ونحوها من المصالح العامة.

(٧) يعني : لا من كلام بعض متأخري العامة ، فقوله : «فإن توقع» من تتمة قول الشهيد : «وهل يجوز أخذ الزكوات والأخماس» ووجه الظهور : أنّ توقّع إمام يصرف الحقوق الشرعية في مواردها بعيد عن مذهب العامة في الخلافة والزعامة.

(٨) يعني : أجاد الشهيد فيما أفاده من وجوب حفظ الأموال إلى زمان يمكن إيصالها إلى الإمام عليه‌السلام ، ومع عدم إمكانه ـ كما في هذا الزمان لغيبته عليه‌السلام عن أعيننا ـ تصرف في مطلق الأمور الخيرية والمصالح العامة.

(٩) أي : وجه عدم جواز أخذ الزكوات والأخماس من الممتنع ، وتفريقهما في أربابهما.

(١٠) يعني : ولعلّ وجه عدم الجواز ـ الذي لم يذكره الشهيد قدس‌سره ـ هو : أنّ مجرّد كون

__________________

(١) القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٤٠٦ ـ ٤٠٨.


بوجود الإمام أو نائبه ، كما في قطع الدّعاوي ، وإقامة (١) الحدود. وكما في التجارة بمال الصغير الذي له أب وجدّ ، فإنّ كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلى شخص خاصّ (٢).

نعم (٣) لو فرض «المعروف» على وجه يستقلّ العقل بحسنه

______________________________________________________

الأمور المزبورة من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الإمام عليه‌السلام أو نائبه ـ ولو العامّ ـ وهو الفقيه الجامع للشرائط. لإمكان الجمع بين كون فعل معروفا في نفسه وبين إيكاله إلى نظر الإمام عليه‌السلام أو نائبه.

وعليه فيكون جمع الزكاة والحقوق الشرعية نظير فصل الخصومة وإقامة الحدود والتجارة بمال الصغير ، فإنّ هذه الأمور الثلاثة ممّا لا ريب في مطلوبيّتها شرعا ، مع اعتبار كون المتصدّي لها هو الامام عليه‌السلام أو الفقيه الجامع للشرائط. ويشك في صدق «المعروف» عليها لو صدرت من غيرهما.

ومعه لا وجه للتمسك بالدليل مع عدم إحراز الموضوع من الخارج ، لعدم تكفل الدليل الوارد بلسان القضية الحقيقية لتعيين موضوع نفسه ، وهو واضح.

(١) معطوف على «قطع» وقوله : «وكما في» معطوف على قوله : «كما في».

(٢) وهو الإمام عليه‌السلام ، والأولى تأنيث ضمير «وكوله» لرجوعه الى ما ذكره من الأمور الثلاثة من قطع الدعاوي وما بعده ، كتأنيث الضمير في «كونها ، اشتراطها» إلّا أن يرجع ضمير «وكوله» إلى المعروف والأمر سهل.

(٣) استدراك على عدم منافاة مجرّد معروفية هذه الأمور لاشتراطها بوجود الامام عليه‌السلام ، وغرضه من هذا الاستدراك استثناء صورتين ـ من موارد المعروف ـ يجوز لغير الحاكم الشرعي التصدي لهما.

الاولى : أن يكون «المعروف» من المستقلّات العقلية ، كحفظ اليتيم نفسا ومالا ، بحيث يكون رجحانه ومصلحته أهمّ من مفسدة التصرف في مال اليتيم ، ففي مثله لا يناط جواز التصدّي بإذن شخص خاصّ.

وبالجملة : إن كان المعروف من المستقلّات العقلية لا تحتاج مباشرته إلى إذن الامام عليه‌السلام ، لفرض استقلال العقل بحسنه.


مطلقا (١) كحفظ اليتيم من الهلاك الّذي (٢) يعلم رجحانه (٣) على مفسدة التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، صحّ (٤) المباشرة بمقدار (٥) يندفع به الضرورة.

أو فرض (٦) على وجه يفهم من دليله جواز تصدّيه لكلّ أحد. إلّا (٧) أنّه خرج

______________________________________________________

(١) يعني : سواء أكان الإمام حاضرا أم غائبا ، وأمكن الاستيذان منه أم لا.

(٢) صفة ل «حفظ».

(٣) أي : رجحان حفظ اليتيم ـ من الهلاك ـ على مفسدة التصرف في مال الغير بغير إذنه. يعني : إذا كان حفظ اليتيم عن الهلاك منوطا ببذل ماله ، فيجوز هذا التصرف المالي ، لرجحان حفظه عن التلف على مفسدة التصرف في مال الغير بغير إذنه.

(٤) جواب «لو» في قوله : «لو فرض» غرضه : أنّه تصحّ المباشرة بمقدار دفع الضرورة بلا إذن أحد.

(٥) التقييد بهذا المقدار للتنبيه على أنّه مورد حكم العقل المستقل ، دون غيره.

(٦) معطوف على قوله : «لو فرض» وهذا استدراك آخر على أنّ مجرّد معروفية هذه الأمور لا ينافي اشتراطها بوجود الامام عليه‌السلام.

ومحصل هذه الصورة الثانية : أنّ «المعروف» وإن لم يكن من المستقلّات العقلية ، لورود مطلوبيّته في الخطاب الشرعي ، إلّا أنه يجوز لكلّ أحد مباشرته ، إذ يستفاد من الدليل جواز ذلك ، سواء أمكن إرجاع الواقعة إلى الإمام عليه‌السلام أو الفقيه أم لا. نعم إطلاق هذا الدليل النقلي يقيّد بما دلّ على ولاية الفقيه مع إمكان الرجوع إليه والاستيذان منه.

وبالجملة : انّ معروفية الشي‌ء المعروف لا تنافي توقفها على مباشرة شخص خاص أو إذنه. كما أنه لا تتوقف معروفيته على إذن أحد في الصورتين المتقدمتين ، وهما استقلال العقل بحسن فعل مطلقا ، ودلالة دليل المعروف على جواز تصدّيه لكلّ أحد من غير إذن شخص خاص.

(٧) استدراك على عدم الاحتياج إلى مباشرة شخص خاص أو إذنه ، ومحصله : أنّ ولاية غير الحاكم من المؤمنين لمّا كانت مترتبة على ولاية الحاكم ، فمع التمكن منه لا بدّ من الرجوع إليه حتى يباشر ذلك المعروف ، أو يأذن لغيره في التصدّي له.


ما لو تمكّن من الحاكم ، حيث دلّت الأدلّة على وجوب إرجاع الأمور إليه (*) وهذا (١) كتجهيز الميّت (**) وإلّا (٢) فمجرّد كون التصرّف معروفا لا ينهض في تقييد ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال أحد أو نفسه.

ولهذا (٣) لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له

______________________________________________________

(١) أي : المعروف الذي يفهم من دليله جواز تصدّيه لكلّ أحد ، كتجهيز الميّت. ولعل الأولى ذكر قوله : «وهذا كتجهيز الميّت» قبل قوله : «الا انه خرج ما لو تمكن».

(٢) أي : وإن لم يكن المعروف ممّا يستقلّ بحسنه العقل مطلقا ، أو لم يكن دليل المعروف دالّا على جواز تصدّيه لكل أحد ، لم يصلح مجرّد كون التصرف معروفا لتقييد إطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال الغير أو على نفسه. فلا بدّ في تقييد الإطلاق المزبور من كون المعروف على أحد هذين الفرضين : من استقلال العقل بالحسن مطلقا ، أو دلالة دليل المعروف على جواز تصدّيه لكل أحد.

(٣) يعني : ولأجل عدم كون مجرّد المعروف مقيّدا لإطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على أموال الناس ، لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له ، وهو مالك المبيع فضولا ، مع

__________________

(*) يمكن أن يدّعى تخصيص هذه الأدلة بدليل المعروف الدال على جواز تصدّيه لكلّ أحد ، لأخصيّته من تلك الأدلة ، فيجب الرجوع إلى الحاكم في كل معروف إلّا المعروف الذي دلّ دليله على جواز تصدّيه لكلّ أحد.

إلّا أن يقال : بحكومة تلك الأدلة على دليل ذلك المعروف ، فلا تلاحظ النسبة حينئذ بينهما.

(**) كون هذا مثالا للمعروف الذي يدلّ دليله على جواز تصدّيه لكلّ أحد مبني على عدم ولاية الوارث على تجهيز الميت ، وكونه كالأجانب في هذا التكليف.

لكن هذا الاحتمال في غاية الوهن.

إلّا أن يراد بجواز تصدّيه لكلّ أحد صورة فقدان الولي ، أو تعذر الاستيذان منه ، فإنّ جميع المؤمنين حينئذ في تجهيز الميت سواء ، من غير فرق بين الفقيه وغيره.


بمجرّد كونه (١) معروفا ومصلحة ، ولا يفهم (٢) من أدلّة المعروف ولاية للفضولي على المعقود عليه (٣) ، لأنّ (٤) المعروف هو التصرّف في المال أو النفس على الوجه المأذون فيه من المالك أو العقل (٥) أو الشارع (٦) من (٧) غير جهة نفس أدلّة المعروف.

______________________________________________________

كون البيع من المعروف ومصلحة للمالك. فلو كان صرف كون البيع مصلحة للمالك كافيا في صحته ونفوذه ـ لكونه معروفا ـ لزم القول باستغناء مثل هذا البيع عن الإجازة ، بدعوى : أنّ الشارع ندب إلى كلّ ما هو معروف ، الصادق على هذا العقد الفضولي. مع أنه لا سبيل للالتزام به أصلا.

(١) أي : كون عقد الفضولي.

(٢) يعني : ولا يفهم أيضا من أدلة المعروف : ولاية للعاقد الفضولي على المعقود عليه.

(٣) وهو المال الذي عقد عليه الفضولي.

(٤) تعليل لعدم نهوض مجرد كون التصرف معروفا على تقييد إطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال غيره أو نفسه. ولعدم انفهام ولاية الفضولي على المال المعقود عليه فضولا من أدلة المعروف.

ومحصل التعليل : أنّ مجرّد التصرف ليس معروفا ، ولا دليله دالّا على جواز تصدّيه لكل أحد حتى يصلح لتقييد إطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال غيره أو نفسه. وذلك لأنّ المعروف ليس مجرّد التصرف في المال أو النفس ، بل هو التصرف المأذون فيه من قبل أحد الثلاثة : المالك أو العقل أو الشرع. فالمأذون فيه من ناحية المالك كما في عقد الفضولي ، فإنّ معروفيته منوطة بإجازة مالك المال الذي وقع عليه العقد.

(٥) كاستقلال العقل بنجاة اليتيم من الهلاك المنوطة بالتصرف في ماله أو مال غيره.

(٦) كقوله تعالى (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) وقوله عليه‌السلام : «كلّ معروف صدقة» وغيرهما.

(٧) متعلق بمحذوف وهو المأذون ، غرضه : أنّ إذن الشارع في المعروف لا بدّ أن يكون من غير أدلة المعروف ، لما مرّ آنفا من عدم دلالة دليل المعروف على ولاية التصرف لأحد على غيره.


وبالجملة (١) تصرّف غير الحاكم يحتاج إلى نصّ عقليّ ، أو عموم شرعيّ ، أو خصوص في مورد جزئي (٢) ، فافهم (٣).

بقي الكلام في اشتراط العدالة في المؤمن الذي يتولّى المصلحة عند فقد الحاكم ، كما هو (٤) ظاهر أكثر الفتاوى ، حيث يعبّرون بعدول المؤمنين.

______________________________________________________

(١) يعني : وملخص الكلام في ولاية عدول المؤمنين : أنّ تصرف غير الحاكم الشرعي في أموال الناس منوط بنصّ عقليّ كما في المستقلات العقلية ، أو عموم شرعي كآية التعاون على البرّ والتقوى ، و «عون المؤمن» وغيرهما ممّا تقدّم في (ص ١٩٥) أو دليل خاص شرعي في مورد جزئي كتجهيز الميت.

(٢) كدليل تجهيز الميّت الدالّ على جواز التصدي لتجهيز الميت لكلّ أحد من دون توقفه على إذن شخصي.

(٣) لعله إشارة إلى : أنّ ما تقدّم في الاستدراك من قوله : «وإلّا فمجرّد كون التصرف معروفا .. إلخ» منوط بكون «المعروف» هو التصرف المأذون عقلا أو شرعا. إذ يشكل التمسك بما دلّ على فعل المعروف ، من جهة الشك في الصدق. وأما بناء على إرادة ما يراه العرف العام معروفا وحسنا عندهم ـ في قبال المنكر والقبيح بنظرهم ـ لم تتجه شبهة صدق «المعروف» على بعض الأفعال حتى مع عدم إدراك العقل حسنه ، وعدم ورود دليل شرعي خاص عليه.

اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي

(٤) أي : اشتراط العدالة في ولاية المؤمنين ظاهر أكثر الفتاوى ، لتعبيرهم بعدول المؤمنين. وهذا شروع في ثالثة جهات البحث في المسألة.

ولا يخفى أنّ في بعض العبائر «من يوثق به» كما في كلام المحقق (١) ، أو «من يوثق بدينه وأمانته» كما عبّر به المحقّق الأردبيلي قدس‌سره (٢) ، وفي بعضها «عدول المؤمنين» كما في كلام الشهيد الثاني قدس‌سره ـ في مسألة ظهور عجز الوصيّ عن العمل بالوصية وفقد الحاكم المتمكن من الضمّ إليه ـ حيث قال : «فيجب على عدول المؤمنين الانضمام إليه

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٥٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٩ ، ص ٢٣٢.


وهو (١) مقتضى الأصل (*)

______________________________________________________

ومساعدته» (١). وعبّر في موضع آخر ب «من يوثق به» مع إرادة العادل منه ، لقوله بعده : «وتطرّق محذور التصرف في مال الطفل يندفع بوصف العدالة في المتولّي المانع له من الإقدام على ما يخالف مصلحته» (٢) ونحوه كلام جمع آخر ، فراجع (٣).

(١) أي : اعتبار العدالة مقتضى الأصل الأوّلي ، وهو عدم صحة تصرفات الفاسق في مال أحد ، إذ الجاري في الشك في صحة تصرف في المال هو أصالة الفساد.

فالمراد بالأصل هو العملي ، والتمسك به منوط بعدم وفاء الأدلة الاجتهادية بشي‌ء من الاشتراط وعدمه.

ويحتمل ـ كما قيل ـ إرادة الأصل اللفظي ، مثل ما ورد بلسان العموم على حرمة التصرف في مال الغير إلّا بإذنه ، سواء أكان المالك شخصا أم جهة كالسادة والفقراء مما يتوقف على ولاية المتصرّف على تلك الجهة.

وبناء على هذا الاحتمال يكون الفارق بين الأصل وما سيأتي من صحيحة ابن بزيع هو أنّها دليل بالخصوص على عدالة المؤمن المتصرف ، بخلاف الأصل المستفاد من عموم «لا يحل».

__________________

(*) وقد يقال : إنّه مقتضى عموم قوله عليه‌السلام : «لا يحلّ مال امرء إلّا بطيب نفسه» و «لا يجوز لأحد التصرف في مال الغير إلّا بإذنه».

لكن الظاهر أنّ مورد التشبث بهما هو ما إذا كان الشك في الاذن وطيب النفس ممّن يكون إذنه وطيب نفسه دخيلين في صحة التصرف ونفوذه. وأمّا من لا يكون كذلك ، بأن كان وجود إذنه كعدمه ـ كالطفل ونحوه من القاصرين ـ فالتمسك بالخبرين لبطلان التصرف محل التأمل.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٦ ، ص ٢٥٩.

(٢) المصدر ، ص ٢٦٥.

(٣) الحدائق ج ١٨ ، ص ٣٢٣ و ٤٠٣ و ٤٤٤ ، رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٥٩ ، ج ١٠ ، ص ٣٤٨ الطبعة الحديثة ، مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٢٥٧ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧٢ وج ٢٨ ، ص ٤٣٠.


ويمكن أن يستدلّ عليه (١) ببعض الأخبار أيضا (٢).

ففي صحيحة محمد بن إسماعيل : «رجل مات من أصحابنا بغير وصية (٣) ، فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصيّر عبد الحميد (٤) القيّم بماله ، وكان الرّجل خلّف ورثة صغارا ومتاعا وجواري. فباع عبد الحميد المتاع ، فلمّا أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهنّ ، إذ لم يكن الميّت صيّر إليه وصيّة ، وكان قيامه فيها بأمر القاضي ، لأنّهنّ فروج. قال (٥) [فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه‌السلام فقلت له : يموت الرجل من أصحابنا ولا يوصي إلى أحد ، ويخلّف جواري ، فيقيم القاضي رجلا منّا فيبيعهنّ ، أو قال : يقوم بذلك رجل منّا ـ ، فيضعف قلبه ، لأنّهنّ فروج] (٦) ، فما ترى في ذلك؟ قال : فقال عليه‌السلام : إذا كان القيّم [به] (٧) مثلك أو [و] مثل عبد الحميد فلا بأس» (٨)

______________________________________________________

وعلى كلّ فينبغي الإمعان فيما أفاده المصنف قدس‌سره هنا وفي مسألة ولاية الأب والجد ، حيث تمسّك هناك بالأصل لنفي اعتبار العدالة ، وجعل مقتضاه هنا الاشتراط.

(١) أي : على اشتراط العدالة في ولاية المؤمنين كما هو مقتضى بعض الأخبار.

(٢) أي : كما اقتضى الأصل اشتراط العدالة.

(٣) كذا في نسخ الكتاب ، ولكن في الوسائل : «إنّ رجلا من أصحابنا مات ولم يوص».

(٤) كذا في الوسائل نقلا عن الكافي والتهذيب ، ولكن الموجود في زيادات التهذيب «عبد الحميد بن سالم» (١). وكذا فيه «وكان رجلا» بدل «وكان الرّجل».

(٥) في التهذيب «قال محمّد» يعني ابن بزيع ، وكذا فيه «ولم يكن» بدل «إذ لم يكن».

(٦) هذه الجملة لم ترد في عدة من نسخ الكتاب. وفي التهذيب بعد قوله : فقلت : «جعلت فداك». وفيه أيضا «فلا يوصي» بدل «ولا يوصي».

(٧) نقلا من الوسائل ومن بعض نسخ الكتاب.

(٨) أي : فلا بأس ببيع الجواري. والمستفاد من جوابه عليه‌السلام ـ لأجل مفهوم الجملة الشرطية ـ وجود البأس لو كان المتصدّي غير مماثل لابن بزيع أو لعبد الحميد ، بناء على

__________________

(١) تهذيب الأحكام ، ج ٩ ، ص ٢٤٠ ، باب من الزيادات في الوصية ، ح ٢٥.


الخبر (١) (١).

بناء (٢) (*) على أنّ المراد من المماثلة أمّا المماثلة في التشيّع ، أو في الوثاقة

______________________________________________________

كون المماثلة المعتبرة هي المماثلة في مجرد العدالة ، أو الوثاقة ، فلو اعتبرت المماثلة في الفقاهة والنيابة العامة عن المعصوم عليه‌السلام كانت الصحيحة نافية لولاية المؤمن العامي العدل ، وسيأتي بيان المحتملات.

(١) كذا في نسختنا المعوّل عليها ، ولا حاجة إلى هذه الكلمة ، إذ المنقول تمام الخبر لا بعضه.

(٢) قيد لقوله : «ويمكن أن يستدل عليه ببعض الأخبار» يعني : أنّ الاستدلال بهذه الصحيحة مبنيّ على المماثلة بين القيّم وبين محمّد بن إسماعيل أو عبد الحميد ، فلا بدّ من بيان المراد بهذه المماثلة ، فنقول : إنّ محتملات المماثلة أربعة :

أحدها : التشيع.

ثانيها : الوثاقة الموجبة لرعاية غبطة اليتيم وإن لم يكن القيّم شيعيّا.

ثالثها : الفقاهة.

رابعها : العدالة.

والوجه في تطرّق هذه الاحتمالات إجمال المماثلة والمشابهة ، من جهة اجتماعها في محمّد بن إسماعيل بن بزيع.

__________________

(*) هذا التعبير لا يخلو من مسامحة ، إذ المقصود إثبات شرطية عدالة المؤمن ـ المتصدي للأمور الحسبية ـ بقوله عليه‌السلام : «إن كان القيّم مثلك .. فلا بأس» وهذا مبني على كون المشابهة والمماثلة في خصوص العدالة ، لأجنبية سائر المحتملات عن المدّعى.

فلعلّ الأولى أن يقال : «إنّ المماثلة تحتمل وجوها أربعة ، وبناء على إرادة العدالة يتم الاستدلال ..» والأمر سهل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٠ ، الباب ١٦ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يخفى أنّ الاستدلال منوط بكون الامام عليه‌السلام في مقام بيان الحكم الكلّي ، لا في مقام الإذن لمثل عبد الحميد في القيمومة كما هو محتمل أيضا ، لكونه من شؤون الإمامة أيضا ، إلّا أنّ المصنف أهمل هذه الجهة اتكالا على ظهور الكلام في بيان الحكم الإلهي.

ثم إن الظاهر أن عبد الحميد المنصوب قيّما هو ابن سالم العطار كما في وصايا التهذيب ، وهذا لا يعارض عدم تصريح ثقة الإسلام قدس‌سره في الكافي باسم أبيه. فلا يدور الأمر بينه وبين عبد الحميد بن سعد البجلي الكوفي الذي نقل النجاشي أن له كتابا ولكنه لم يوثق وذلك لتعيّنه هنا بتصريح شيخ الطائفة باسم أبيه كما تقدم في (ص ٢١٠).

ثم إنّ عبد الحميد بن سالم العطار ، عدّ من أصحاب الصادق والكاظم والرضا والجواد عليهم الصلاة والسلام ، وهو كوفي ثقة ، على ما يستفاد من كلام النجاشي في ترجمة ابنه محمّد ، حيث قال : «محمّد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر ، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين ، له كتاب النوادر .. إلخ» بناء على ما يقتضيه عطف «وكان» على «روى عبد الحميد» خلافا لما يظهر من بعض من جعل التوثيق راجعا إلى محمّد (١).

وكيف كان فيكفي في إثبات وثاقته وجلالته صحيحة ابن بزيع التي جوّز الإمام الجواد عليه الصلاة والسلام فيها قيمومته ، وجعله قرينا وعدلا لابن بزيع الذي هو من الفقهاء الثقات ، ومن مشايخ الفضل بن شاذان ، وممّن له كتاب (٢).

وأمّا استبعاد بقاء عبد الحميد إلى زمان إمامة الجواد عليه‌السلام فلا وجه له ، أمّا أولا :

فلأنه لم يثبت روايته عن الامام الصادق عليه‌السلام ، بل الظاهر كما تقدم في كلام النجاشي أنه من أصحاب الكاظم عليه‌السلام.

__________________

(١) لاحظ ترجمته في معجم رجال الحديث ، ج ١٥ ، ص ٩٥ ـ ٩٦ و ١٠٠.

(٢) معجم رجال الحديث ، ج ٩ ، ص ٢٧٤ و ٢٧٥.


وملاحظة مصلحة اليتيم وإن لم يكن شيعيّا ، أو في الفقاهة (١) بأن يكون من نوّاب الإمام عموما في القضاء بين المسلمين ، أو في العدالة (٢).

والاحتمال الثالث (٣) مناف لإطلاق المفهوم الدالّ على ثبوت البأس مع عدم الفقيه ولو مع تعذّره. وهذا (٤) بخلاف الاحتمالات الأخر ،

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «في التشيع» كعطف «في الوثاقة» عليه.

(٢) معطوف على «في التشيع».

(٣) وهو الفقاهة. ووجه تضعيف الاحتمال الثالث هو : أنّ مفهومه وهو «إن لم يكن القيّم مثلك أو مثل عبد الحميد في الفقاهة ففيه بأس» يشمل بإطلاقه عدم وجود الفقيه. مع أنّه لا بأس حينئذ بتصدي غير الفقيه. فلا يراد هذا الاحتمال الثالث المستلزم لتقييد إطلاق المفهوم ، بأن يقال : إنّ البأس مقيّد بوجود ففيه أمكن الوصول إليه.

(٤) أي : احتمال المعنى الثالث ـ المستلزم لتقييد إطلاق المفهوم. وهو البأس بصورة التمكن من الوصول الى الفقيه ـ يكون بخلاف الاحتمالات الثلاثة الأخر ، حيث إنّ مفهومها

__________________

وثانيا : أنه لو كان عمره عند وفاة الصادق عليه‌السلام خمسا وعشرين سنة مثلا ، وكان الفاصل بين وفاة الصادق عليه‌السلام وابتداء إمامة الجواد عليه‌السلام ستا أو سبعا أو ثماني وخمسين سنة ، وأدرك شيئا من زمان إمامة الجواد عليه‌السلام ، صحّ عدّه من أصحاب الجواد عليه‌السلام ، لبلوغ عمره يومئذ حدود تسعين سنة. وهذا عمر عادي.

هذا مضافا إلى ما أفاده بعض الأعاظم قدس‌سره من أن السائل ـ وهو محمّد بن إسماعيل بن بزيع ـ سأل الإمام عليه‌السلام عن كبرى المسألة التي ابتلي بها عبد الحميد بن سالم. ومن الممكن أن السؤال كان بعد وفاة عبد الحميد بزمان (١).

وعليه فالظاهر وثاقة الرجل ، وأمّا فقاهته فلم أظفر بها في ترجمته فالمماثلة في الفقاهة غير ثابتة.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ، ج ٩ ، ص ٢٧٥.


فإنّ (١) البأس ثابت للفاسق أو الخائن أو المخالف (٢) وإن تعذّر غيرهم (٣) ، فتعيّن أحدها الدائر (٤) بينها ، فيجب الأخذ في مخالفة الأصل (٥)

______________________________________________________

سليم من التقييد.

والحاصل : أنّه إذا دار الأمر بين تقييد مفهوم ورفع اليد عن إطلاقه ـ كما في المعنى الثالث ـ وبين إبقاء مفهوم على إطلاقه وعدم تقييده ـ كما في الاحتمال الأوّل والثاني والرابع لمعنى المماثلة ـ تعيّن الثاني ، وهو عدم التقييد ، وإبقاء المفهوم على إطلاقه ، كما في الاحتمالات الثلاثة الأخر.

(١) هذا تعليل لبقاء المفهوم في الاحتمالات الثلاثة على إطلاقه وعدم تقييده ، وذلك لثبوت البأس في المفهوم عند فقد المماثلة. فإن كان القيّم فاسقا في قبال العادل ـ الذي هو مثل ابن بزيع أو مثل عبد الحميد ـ ففي ولايته بأس.

وإن كان خائنا في قبال كونه ثقة فكذلك ، أي في ولايته لأمور القاصرين بأس.

وإن كان مخالفا في قبال كونه شيعيّا ففي ولايته بأس.

فالبأس موجود في المفهوم على الاحتمالات الثلاثة من دون لزوم تقييده بشي‌ء. بخلاف المفهوم بناء على إرادة الفقاهة من المماثلة كما مرّ آنفا.

(٢) هذا في مقابل الشيعي ، والخائن في مقابل الثقة ، والفاسق في مقابل العادل.

(٣) أي : غير الشيعي والثقة والعادل ، وهو الفقيه. غرضه أنّه مع تعذر إرادة الفقيه من المماثلة يتعيّن أحد الثلاثة ، وهي الشيعي والثقة والعادل ، لسلامة مفهومها عن التقييد. بخلاف إرادة الفقاهة من المماثلة ، فإنّ مفهومها يقيّد بالتمكن من الفقيه ، يعني : فيه بأس مع التمكن من الفقيه ، وعدم البأس مع عدم التمكن من الفقيه.

(٤) صفة لقوله : «أحدها» وضميرا «أحدها ، بينها» راجعان إلى الاحتمالات الأخر ، وهي الثلاثة التي هي غير الفقاهة من وجوه المماثلة.

(٥) اللفظي ، والعملي إن وصلت النوبة إليه. أمّا الأوّل فهو المستفاد من مثل قوله «عجّل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا فداه» :«لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه».

وأمّا الثاني فهو أصالة عدم ولاية أحد على غيره. أو أصالة الفساد وعدم ترتب


بالأخصّ (١) منها وهو العدل.

لكن (٢) الظاهر من بعض الروايات (٣) كفاية الأمانة وملاحظة مصلحة اليتيم ، فيكون (٤) مفسّرا للاحتمال الثاني في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة (٥).

ففي صحيحة علي بن رئاب (٦) «رجل مات وبيني وبينه قرابة ، وترك أولادا صغارا ، ومماليك (٧) [غلمانا] وجواري ، ولم يوص ، فما ترى (٨) فيمن يشتري منهم الجارية ويتّخذها (٩) أمّ ولد؟ وما ترى في بيعهم؟

______________________________________________________

أثر على تصرفه الاعتباري من عقد أو إيقاع إن لم تجر أصالة عدم ولاية أحد على غيره.

(١) والأخصّ من تلك الاحتمالات الثلاثة الأخر هو العدل ، لأنّه شيعي وثقة ، بخلافهما ، فإنّهما أعم منه للثقة غير العادل كبعض العامة ، والشيعي غير العادل كفسّاق الشيعة.

(٢) هذا عدول من المصنف قدس‌سره عمّا أفاده ـ من اعتبار العدالة في المؤمنين المتصدّين لأمور القاصرين ـ إلى الإكتفاء بالأمانة ، وعدم اعتبار العدالة.

(٣) وهو صحيحة علي بن رئاب وموثقة زرعة المذكورتان في المتن.

(٤) يعني : فيكون بعض الروايات مفسّرا للاحتمال الثاني وهو المماثلة في الوثاقة.

(٥) وهي صحيحة محمّد بن إسماعيل المذكورة في (ص ٢٠٥).

(٦) في الوسائل هكذا : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن رجل ..».

(٧) هذه الكلمة غير موجودة في النسخة التي بأيدينا ، ولكن أثبتناها لوجودها في الوسائل ، بل في وصاياه زيادة كلمة «له» بعد «مماليك» واختلاف في بعض ألفاظ الرواية ، ولكن ما في المتن أقرب إلى ما نقله صاحب الوسائل في كتاب البيع.

(٨) هذا سؤال عن حكم شراء الجارية للاستيلاد ، لا للتجارة كما أنّ قوله : «وما ترى في بيعهم» سؤال عن حكم البيع من المتصدّين له.

(٩) كذا في نسختنا ، ولكن في بيع الوسائل ووصاياه «فيتخذها» بمعنى : يجعلها أمّ ولد.


قال (١) [فقال :] «إن كان لهم وليّ (*) يقوم بأمرهم ، باع عليهم ونظر لهم وكان (٢) مأجورا [فيهم]. قلت : فما ترى (٣) فيمن يشتري منهم الجارية ويتّخذها (٤) أمّ ولد؟ فقال (٥) لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم بأمرهم (٦) الناظر فيما يصلحهم (٧) ، وليس (٨) لهم (٩) أن يرجعوا

______________________________________________________

(١) يعني : قال علي بن رئاب : فقال الامام عليه‌السلام. ولم ترد كلمة «فقال» في نسختنا ، كما لم ترد «قال» في وصايا الوسائل. وإنّما ورد «قال فقال» في بيع الوسائل.

(٢) هذا مطابق لما في الوسائل ، وفي وصاياه «كان» بدون «الواو» ، وفي نسختنا «كان مأجورا» بحذف العاطف ، وكذا كلمة «فيهم».

(٣) كذا في نسختنا ، بالفاء وهو موافق لما في بيع الوسائل ، ولكن في الوصايا «ما ترى».

(٤) كذا في نسختنا ، ولكن في موضعين من الوسائل «فيتخذها».

(٥) هذا مطابق لما في بيع الوسائل ، وفي الوصايا «قال».

(٦) كذا في نسخ الكتاب ، ولكن في الموضعين من الوسائل «القيّم لهم» بدل «القيّم بأمرهم». وعلى كلّ فالظرف متعلق ب «القيّم».

(٧) المستفاد منه اعتبار المصلحة في متعلق ولايته ، وأنّ عدم المفسدة غير كافية. وهذه الجملة هي المقصودة من نقل الصحيحة للاستشهاد بها على كفاية وثاقة المؤمن المتصدّي للأمر الحسبي ، وعدم خيانته.

(٨) هذا مطابق لما في وصايا الوسائل ، وإلّا ففي البيع «فليس».

(٩) يعني : وليس للصغار ـ بعد صيرورتهم كبارا ـ أن يرجعوا ، بأن يعترضوا على القيّم فيما فعله ، وأن يبطلوا عقوده وتصرفاته.

__________________

(*) إلّا أن المراد بالوليّ فيه ظاهرا هو الولي الشرعي ، بقرينة صحة عمله مع الأجر ، إذ ليس لعمل الوليّ غير الشرعي صحة ، ومن المعلوم أنّ الولي الشرعي هو المأذون من الفقيه الشيعي. ومعه لا تصل النوبة إلى ولاية المؤمنين المتأخرة عن ولاية الفقيه ، فيخرج عمّا نحن فيه ، ويصير أجنبيّا عنه.


فيما فعله (١) القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم» (١) الخبر (٢).

وموثقة (٣) زرعة عن سماعة «في (٤) رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار ، من (٥) غير وصيّة ، وله خدم ومماليك (٦) كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك (٧)؟

قال : إن قام رجل ثقة قاسمهم (٨) ذلك

______________________________________________________

(١) كذا في نسخ الكتاب ، ولكن في بيع الوسائل «فيما صنع» وفي وصيته «عمّا صنع» فالموجود في المتن مخالف لما نقله صاحب الوسائل في البيع والوصايا.

(٢) لا حاجة إلى هذه الكلمة ، إذ المذكور تمام الحديث لا بعضه.

(٣) عطف على : صحيحة علي بن رئاب.

(٤) كذا في النسخ ، وفي الوسائل «سألته عن رجل» وجملتا «وله بنون ، وله خدم» حاليّتان للرجل الميّت.

(٥) متعلق بقوله : «مات» ويستفاد من هذه الموثقة الإكتفاء بالأمانة ، لقوله عليه‌السلام في الجواب : «إن قام رجل ثقة».

(٦) في بعض نسخ الكتاب زيادة «وعقر» ـ بفتح العين ـ المراد به المنزل والقصر.

ولكن الموجود في الوسائل «وعقد». والظاهر أنه ـ كصرد ـ جمع «عقدة» بمعنى الضيعة كما في بعض كتب اللغة ، ففي اللسان : «وقال ابن الأنباري : قولهم : لفلان عقدة ، العقدة عند العرب الحائط الكثير النخل ، ويقال للقرية الكثيرة النخل : عقدة ..» (٢).

وعليه فالمراد بالسؤال : أنّ الميّت ورّث عقارا وقرى معمورة.

(٧) كذا في أكثر النسخ ، ولكن في الوسائل والكافي وغيرهما زيادة كلمة«الميراث».

(٨) فالمنطوق يدل على اعتبار وثاقة من يقوم بأمر التقسيم لئلّا يجحف ، كما أن

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٦٩ ، الباب ١٥ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ١ ، وج ١٣ ، ص ٤٧٤ ، الباب ٨٨ من أبواب الوصايا ، ح ١.

(٢) لسان العرب ، ج ٣ ، ص ٢٩٩ ، ونحوه في مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ١٠٤.


كلّه فلا بأس» (١) بناء على أنّ المراد من يوثق به ويطمئنّ بفعله عرفا وإن لم يكن فيه ملكة العدالة (١) (*).

لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد ما يدلّ على اشتراط تحقّق عنوان العدالة (٢) ، قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل يموت بغير وصيّة ، وله ولد صغار

______________________________________________________

مفهوم الشرط يدل على وجود البأس في تصدّي غير الثقة والأمين.

(١) وذلك مقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام : «ثقة» لأعميّة الثقة من العادل. فالمستفاد من هذه الموثقة كفاية الوثاقة في المتصدّي لأمور القاصرين.

وأما بناء على اعتبار الوثاقة في الدين ـ كما ورد في الصلاة خلف من تثق بدينه ـ فهي بمعنى العدالة ، لا أعم منها.

(٢) بعد أن أثبت كفاية الوثاقة في المؤمنين المتصدّين لأمور القاصرين ، استدرك

__________________

(*) لكن مورد الموثقة قسمة الميراث ، لا التصرفات الأخر التي هي مورد البحث. ولعلّ للقسمة التي هي تمييز سهام المالكين خصوصية ليست في انتقال سهامهم ، فلا قطع بعدم الخصوصية حتى يصحّ التعدي عن القسمة إلى المعاملات الناقلة للسهام.

والحاصل : أنّه أخصّ من المدّعى ، للاختصاص بالقسمة.

وأمّا صحيحة علي بن رئاب فموردها وإن كان هو التصرف الاعتباري ، لكن ظاهرها كون الولي القائم بأمرهم شرعيا. فإن كان كذلك فهو أجنبي عما نحن فيه ، لكون الولي المنصوب من الفقيه الإمامي مقدّما على المؤمنين ، لتقدم ولاية الحاكم والمنصوب من قبله عليهم.

وعلى هذا فتخرج هذه الصحيحة عن مورد البحث ، وهو ولاية المؤمنين ، وتكون أجنبية عنه. فلا يناسب ترجيح الاحتمال الثاني ـ وهو الوثاقة ـ بهذه الصحيحة وموثقة زرعة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٤٧٤ ، الباب ٨٨ من أحكام الوصايا ، ح ٢ ، الكافي ، ج ٧ ، ص ٦٧ ، باب من مات بغير وصية وله وارث ، ح ٣.


وكبار ، أيحلّ شراء شي‌ء من خدمه ومتاعه من غير أن يتولّى القاضي بيع ذلك؟ فإن تولّاه قاض قد تراضوا به ولم يستخلفه (١) الخليفة (٢) ، أيطيب الشراء منه (٣) أم لا؟ قال (٤) عليه‌السلام : إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك» (٥) (١).

______________________________________________________

وقال : لكنّه يظهر من بعض النصوص اعتبار العدالة في ولاية المؤمنين ، كصحيح إسماعيل بن سعد عن مولانا الرضا عليه الصلاة والسلام المذكور في المتن.

ولا يخفى أنّ هذه الصحيحة تتضمن أحكاما ثلاثة سألها إسماعيل بن سعد عن الامام الرضا صلوات الله وسلامه عليه ، فقال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل مات بغير وصية .. وعن الرجل يموت ..» الى آخر ما في المتن ، واقتصر المصنف على نقل السؤال الثالث المتكفل جوابه عليه‌السلام لاعتبار العدالة.

(١) كذا في النسخ ، ولكن في الكافي «ولم يستأمره» وفي الوسائل والتهذيب «ولم يستعمله» ومعناه لم يجعله خليفة أو أميرا أو عاملا.

(٢) أي : الخليفة بالحقّ ، فاللام للعهد الذهني. وكذا المراد من القاضي في قول السائل «من غير أن يتولّى القاضي».

(٣) أي : من القاضي الذي لم يستخلفه الخليفة بالحقّ ، بل تراضى الورثة بالقاضي المزبور.

(٤) كذا في النسخ ، وفي الوسائل «فقال» ، وهو الأنسب بالسؤال أوّلا والجواب ثانيا.

(٥) أي : في البيع. وهذا مورد الاستشهاد ، فإنّ هذه الصحيحة تدلّ على اعتبار العدالة في القيّم على أموال اليتيم ، وعدم كفاية مجرّد الوثاقة والأمانة فيه ، خلافا لما مرّ من الكفاية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٦٩ ، الباب ١٦ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ١ ، الكافي ، ج ٧ ، ص ٦٧ ، باب من مات على غير وصية وله وارث صغير ، ح ١ ، تهذيب الأحكام ، ج ٩ ، ص ٢٣٩ ، باب الزيادات من الوصية ، ح ٢٠.


هذا ، والذي ينبغي أن يقال (١)

______________________________________________________

(١) هذا رأي المصنف قدس‌سره حول اعتبار العدالة وعدمه في ولاية المؤمن في الأمر الحسبي عند تعذر الفقيه الجامع للشرائط ، وأنّه هل يجوز للفاسق التصدي له أم لا؟ وقد عرفت إلى هنا الاستدلال على اعتبار العدالة بوجهين ، وهما الأصل والنصوص بعد الجمع بينها.

وحاصل ما أفاده : أنّه قد ظهر ممّا تقدم أنّ ولاية المؤمن ثابتة في موردين :

أحدهما : أن يدلّ دليل على تصدّي المؤمن لمورد خاصّ من موارد المعروف ، كدليل تجهيز الميت ، الشامل للعدول والفساق. ولا ريب في صحة عمل الفاسق حينئذ.

وهذا بخلاف ما لو اقتضى الدليل تصدّي خصوص العدل للأمر الحسبي ، مثل ما تقدم في صحيحة سعد من قول مولانا الامام الرضا عليه‌السلام : «فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع وقام عدل بذلك» لظهور مفهوم الجملة الشرطية في البأس عن نفوذ البيع لو كان البائع فاسقا. وعليه ففي مورد قيام الدليل الخاص على التصدي يكون هو المعوّل في عموم الولاية للفاسق ، أو اختصاصها بالعدل.

ثانيهما : أن يدلّ دليل عامّ على جواز قيام كلّ واحد من المكلّفين بالأمر ، سواء العدل والفاسق. وهذا العموم قد يكون شرعيا كالآية المباركة الآمرة بالإعانة على البرّ والتقوى ، وما روي من أن «كل معروف صدقة» فالإعانة على البرّ وفعل المعروف مطلوبة من الكلّ ، ويكون تصدّي غير الفقيه للموارد لأجل دخولها في هذه العمومات الشاملة للفاسق أيضا.

وقد يكون عقليّا ، كلزوم إنجاء الطفل من الهلاك حتى لو توقف على التصرف في مال الغير بدون رضاه ، لاستقلال العقل به بالنسبة إلى كلّ من العدل والفاسق.

أمّا المورد الأوّل ـ وهو نهوض دليل بالنسبة إلى مورد خاص ـ فالمتّبع نفس الدليل ، فإن كان مقتضاه مطلوبية الفعل من كلّ أحد صحّ من الفاسق أيضا. وإن كان مفاده قيام العدل به لم يصحّ من غيره.

وأمّا المورد الثاني ـ وهو العموم الدال على جواز العمل من الجميع حتى الفاسق ـ


إنّك قد عرفت (١) أنّ ولاية غير الحاكم لا تثبت إلّا في مقام يكون عموم (٢) عقلي (٣) أو نقلي (٤) يدلّ (٥) على رجحان التصدّي لذلك المعروف. أو يكون (٦) هناك دليل خاصّ يدلّ عليه (٧).

فما ورد (٨) فيه نصّ خاصّ اتّبع ذلك النصّ عموما (٩) أو خصوصا (١٠ ، فقد يشمل الفاسق ، وقد لا يشمل.

______________________________________________________

ففيه بحثان : الأوّل في تكليف الفاسق في عمل نفسه ، وأنّه هل يكون مأذونا من الشارع في التصدّي أم لا؟

والثاني : في حكم فعل الغير المترتب على فعل الفاسق. وسيأتي بيانهما إن شاء الله تعالى.

(١) في قوله في (ص ٢٠٤) : «نعم لو فرض المعروف» إلى قوله في (ص ٢٠٨) : «وبالجملة : تصرف غير الحاكم يحتاج إلى نصّ عقلي أو عموم شرعي ، أو خصوص في مورد جزئي».

(٢) هذا إشارة إلى ما تقدّم توضيحه بقولنا : «ثانيهما أن يدل ..».

(٣) كلزوم حفظ النفس المحترمة من الهلاك ، كبيرا كان أو صغيرا ، توقّف على التصرف في مال الغير أم لا ، عادلا كان الحافظ أم فاسقا.

(٤) كالآية الشريفة ، وما روي من : أنّ كل معروف صدقة.

(٥) خبر قوله : «يكون» أي : يكون العموم دالّا على رجحان التصدّي .. إلخ.

(٦) معطوف على قوله : «يكون» وهذا إشارة الى ما تقدم بقولنا : «أحدهما : أن يدلّ دليل خاص ..» وإنّما قدّمناه في التوضيح ـ مع تأخر ذكره في المتن ـ لأجل وضوح حكمه ، وعدم بسط المقال فيه ، كما سيظهر في المتن.

(٧) الضمير راجع إلى «ولاية» فالأولى تأنيثه ، أو إرجاعه إلى : تولّي غير الحاكم.

(٨) هذا بيان حكم ما إذا ورد دليل ـ في واقعة خاصة ـ على التولية.

(٩) المراد به عمومه للعدل وغيره ، بقرينة قوله : «فقد يشمل الفاسق».

(١٠) أي : اختصاص الدليل الوارد بالعدل ، بقرينة قوله : «وقد لا يشمل».


وأمّا (١) ما ورد فيه العموم (٢) فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق (٣) وتكليفه (٤) بالنسبة إلى نفسه ، وأنّه (٥) هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة أم لا؟ وقد (٦) يكون بالنسبة إلى ما يتعلّق من فعله (٧) بفعل غيره إذا لم يعلم (٨) وقوعه على وجه المصلحة ، كالشراء (٩) منه مثلا.

أمّا الأوّل (١٠ ، فالظاهر جوازه ، وأنّ العدالة ليست معتبرة في منصب

______________________________________________________

(١) معطوف على «فما ورد». وضمير «فيه» في الموضعين راجع الى الموصول المراد به «المعروف».

(٢) كآية التعاون ، و «كل معروف صدقة» و «عون الضعيف من أفضل الصدقة».

(٣) هذا إشارة إلى البحث الأوّل ، وهو تكليف الفاسق بالنسبة إلى عمل نفسه ، كجواز أن يصلّي على الميت.

(٤) هذا الضمير وضميرا «نفسه ، يكون» راجعة إلى الفاسق.

(٥) معطوف على «جواز» ومفسّر له ، والضمير للشأن ، ويمكن رجوعه الى الفاسق.

(٦) معطوف على «قد يقع» والأولى بالنظر إلى سوق البيان إبدال «يكون» ب «يقع».

وكيف كان فهذا إشارة إلى البحث الثاني ، وهو ترتب فعل الغير على فعل الفاسق الذي لم يعلم وقوعه على وجه المصلحة ، كالشراء من الفاسق.

(٧) أي : فعل الفاسق كالبيع المتعلّق بفعل غيره ، وهو الشراء.

(٨) أي : لم يعلم الغير وقوع فعل الفاسق على وجه المصلحة.

(٩) هذا مثال لفعل غيره ، كأنّه قيل : «بفعل غيره كالشراء منه».

(١٠) أي : البحث الأوّل ، وهو مباشرة الفاسق وتكليفه بالنسبة إلى نفسه ، وحاصل ما أفاده : جواز مباشرة الفاسق بالنسبة إلى تكليف نفسه ، وعدم اعتبار عدالته في فعله المباشري ، وذلك لعموم أدلة ذلك المعروف الشامل للفاسق.


المباشرة ، لعموم أدلّة فعل ذلك المعروف (١) ، ولو (٢) مثل قوله عليه‌السلام : «عون الضعيف من أفضل الصدقة» (١) ، وعموم (٣) قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢) ، ونحو (٤) ذلك.

وصحيحة (٥) محمّد بن إسماعيل السابقة ، قد عرفت (٦) أنّها محمولة على صحيحة عليّ بن رئاب المتقدّمة ، بل (٧) موثّقة زرعة وغير ذلك

______________________________________________________

(١) كالصلاة على الميّت ، التي لا تعتبر العدالة فيمن يصلّيها.

(٢) وصلية ، أي : ولو كان الدليل مثل قوله عليه‌السلام .. إلخ.

(٣) معطوف على «قوله» في : «مثل قوله».

(٤) كقوله تعالى (تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) فإنّ هذه العمومات ظاهرة في عدم اعتبار العدالة في المباشر ، فيجوز للفاسق مباشرة الفعل.

(٥) مبتدء ، خبره «قد عرفت» وهذا دفع وهم. أمّا الوهم فحاصله : أنّه كيف يجوز للفاسق التصدي للأمور التي لا تحتاج إلى إذن الفقيه؟ مع دلالة صحيحة محمّد بن إسماعيل المتقدمة في (ص ٢١٠) على اعتبار العدالة ، بناء على إرادة العدالة من الوجوه الأربعة المذكورة للمماثلة.

(٦) وأمّا دفع الوهم ، فحاصله : أنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل ـ بناء على إرادة العدالة من وجوه المماثلة محمولة على صحيحة علي بن رئاب. المتقدمة في (ص ٢١٥) التي أريد فيها الأمانة من العدالة.

(٧) معطوف على «صحيحة» يعني : بل يحمل صحيحة محمّد بن إسماعيل أيضا على موثقة زرعة المذكورة في (ص ٢١٧) بناء على إرادة الأمانة من كلمة «ثقة» لا إرادة الاحتمال الآخر ، وهي العدالة التي هي من وجوه المماثلة في صحيحة محمّد بن إسماعيل

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ١٠٨ ، الباب ٥٩ من أبواب جهاد العدو ، ح ٢ ، ومتن الحديث فيه «عونك للضعيف ..».

(٢) سورة الانعام ، الآية ١٥٢ ، الإسراء ، الآية ٣٤.


ممّا سيأتي (١).

ولو ترتّب حكم الغير (٢) على الفعل الصحيح منه ـ كما إذا صلّى فاسق على ميّت لا وليّ له (٣) ـ

______________________________________________________

المتقدمة.

فالنتيجة : أنّ الشرط في تصدّي المؤمنين لأمور القاصرين هو الأمانة لا العدالة.

(١) كحسنة الكابلي الآتية.

(٢) أي : غير الفاسق المتصدّي للفعل كصلاة الميت ، وحاصله : أنّه لو ترتّب حكم الغير كسقوط التكليف عنه على الفعل الصحيح الصادر عن الفاسق ، وشكّ ذلك الغير في صحّة الفعل الصادر عن الفاسق ، فالظاهر سقوط الصلاة عن الغير ، لجريان أصل الصحة في فعل الفاسق ، لأنّه مسلم.

وبيانه : أنّ مثل الصلاة على الميت واجب كفائي على المكلفين ، ويسقط بإتيان بعضهم لو صدر منه صحيحا ، فإن أحرزت الصحة بالعلم أو الاطمئنان أو بأمارة شرعية ، فلا شبهة في سقوط التكليف عن الآخرين بما أتى به الفاسق.

وإن شكّ في صحة فعله ـ مع العلم بصدوره ـ أمكن الحكم بتحقق الامتثال استنادا إلى أصالة الصحة في فعل المسلم. فيكون المقام نظير الموضوعات المركّبة التي يحرز بعض أجزائها بالوجدان ، وبعضها بالتعبد ، كالضمان المترتب على وضع اليد على مال الغير بدون رضاه ، وكان الاستيلاء معلوما ، وشك في طيب نفس المالك ، فيستصحب عدم رضاه وعدم طيب نفسه ، ويترتب عليه الحكم بالضمان.

وكذا الحال في المقام ، لفرض أنّ الفاسق صلّى على الميت ، وشكّ في صحته وفساده ، ومقتضى أصل الصحة الحكم بصحته ، ويترتب عليه سقوط التكليف الكفائي عن الآخرين.

هذا كلّه لو أحرز صدور الفعل ، وكان الشك متمحضا في صحته. وأمّا لو شك في أصل الفعل وأخبر الفاسق بالصلاة على الميت فقبول إخباره مشكل.

(٣) أي : للميت ، وضمير «منه» راجع إلى الفاسق.


فالظاهر (١) سقوطها (٢) عن غيره إذا علم صدور الفعل منه وشكّ في صحته.

ولو شكّ (٣) في حدوث الفعل منه وأخبر به ، ففي قبوله إشكال (٤).

وأمّا الثاني (٥) فالظاهر اشتراط العدالة فيه ، فلا يجوز الشراء منه وإن ادّعى كون البيع مصلحة ، بل يجب أخذ المال من يده.

______________________________________________________

(١) جواب «لو» في قوله : «ولو ترتب».

(٢) أي : سقوط صلاة الميت عن غير الفاسق إذا علم الغير صدور الفعل من الفاسق ، وشكّ في صحة الفعل الصادر من الفاسق ، فإنّه يبنى على صحتها ، حملا لفعل المسلم على الصحيح.

والحاصل : أنّه لا يعتبر عدالة المباشر بالنسبة إلى فعل نفسه.

(٣) يعني : ولو شكّ الغير في صدور الفعل من الفاسق ، وأخبر الفاسق بصدور الفعل منه ، ففي قبول إخباره إشكال.

(٤) هذا الإشكال ناش من : أنّ إخباره فعل من أفعاله ، وعند الشك في الصحة ـ التي هي صدقة ـ يجب حمله على الصحة ، أي البناء على مشروعية خبره وصدقه.

ومن : أنّ إخباره نبأ ، فتشمله آية النبإ الآمرة بالتبيّن فيه. وبعد إحراز صدقة ـ أي مطابقته للواقع ـ يقبل ، ويترتب عليه أثره.

(٥) هذا إشارة إلى البحث الثاني. وهو : حكم فعل الفاسق إن كان متعلّقا بفعل غيره ، كما إذا تصدّى للأمر الحسبي كبيع مال اليتيم مع رعاية مصلحته ، فمثل هذا التصرف يتعلق بالغير ، لأن تمليك مال اليتيم بعوض منوط بتملك الغير له حتى يحلّ له التصرف فيه.

وحاصل ما أفاده في هذا البحث هو : أنّ الظاهر اشتراط العدالة فيه ، فلا يجوز شراء مال الطفل وسائر القاصرين من الفاسق وإن ادّعى كون البيع مصلحة للقاصر. وذلك لوجهين :

أحدهما : صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدمة في (ص ٢١٨) المتضمنة لقوله : «وقام عدل في ذلك». بل وموثقة زرعة المتقدمة في (ص ٢١٧) بناء على إرادة العدالة من الوثاقة.


ويدلّ عليه (١) ـ بعد صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدّمة ، بل (٢) وموثّقة زرعة ، بناء على إرادة العدالة من الوثاقة ـ : أنّ (٣) عموم أدلّة القيام بذلك المعروف لا يرفع اليد عنه بمجرّد تصرّف الفاسق ، فإنّ وجوب إصلاح مال اليتيم (٤) ومراعاة غبطته لا يرتفع عن الغير بمجرّد تصرّف الفاسق.

ولا يجدي هنا (٥) حمل فعل المسلم على الصحيح ،

______________________________________________________

(١) أي : على اشتراط العدالة في المتصدّي لأمور القاصرين.

(٢) أشار به إلى : أنّ في موثقة زرعة احتمالا آخر ، وهو : إرادة الوثاقة والاطمئنان لا العدالة. فالموثقة دليل على اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي لأمور القاصرين بناء على إرادة العدل من الثقة.

والظاهر أنّ «بل» هنا إمّا لمجرّد العطف ، وإمّا للانتقال من دلالة الصحيحة إلى دلالة الموثقة ، فإن الانتقال من غرض إلى غرض آخر ـ لا الإبطال ـ عدّ معنى لهذا الحرف (١).

(٣) جملة «انّ» مع اسمها وخبرها مرفوعة محلّا ، لكونها فاعلا لقوله : «ويدل عليه».

وهذا ثاني وجهي اعتبار العدالة في المتصدّي لأمور القاصرين بالنسبة إلى ترتب حكم الغير على الفعل الصحيح الصادر من العامل ، كسقوط صلاة الميّت عن غير المصلّي.

ومحصل هذا الوجه الثاني : أنّ الفاسق وإن جاز له التصرف بمقتضى عموم أدلة القيام بذلك المعروف ـ كبيع مال اليتيم ـ إلّا أنّه لا يسقط تكليف السائرين بإصلاح مال اليتيم بمجرّد تصرف الفاسق ، مع الشك في كون تصرفه إصلاحا لمال المولّى عليه القاصر. وأصالة الصحة لا تثبت كون التصرف إصلاحا لمال الطفل حتى يجوز للمشتري الشراء ، لأنّ الشك هنا في أصل الوجود ، لا في صحة الموجود ، حيث إنّ المأمور به هو الإصلاح الذي يكون مشكوك الوجود ، والأصل المصحّح لا يثبت أصل الوجود.

فالنتيجة : أنّ مجرد تصرف الفاسق لا يرفع التكليف عن الغير.

(٤) أو غيره من القاصرين ، فإنّ وجوب إصلاح ما لهم ثابت على الكل كفاية.

(٥) أي : بيع الفاسق وشراء الغير منه. وهذا إشارة إلى وهم ودفع.

__________________

(١) راجع مغني اللبيب ، ج ١ ، ص ١٥٢.


كما في مثال الصلاة المتقدّم (١) لأنّ (٢) الواجب هناك هي صلاة صحيحة ، وقد علم صدور أصل الصلاة من الفاسق ، وإذا شكّ في صحّتها أحرزت (٣) بأصالة الصحّة.

وأمّا الحكم فيما نحن فيه (٤) ، فلم يحمل على التصرّف الصحيح ، وإنّما حمل على موضوع هو إصلاح المال ، ومراعاة الحال ، والشكّ في أصل تحقّق ذلك (٥) ، فهو (٦) كما لو أخبر فاسق بأصل الصلاة مع الشك فيها.

______________________________________________________

أمّا الوهم فهو : أنّ الفاسق بمقتضى إسلامه يحمل فعله على الصحيح ، كما في المثال المتقدم وهو الصلاة. وحينئذ إذا حمل بيعه على الصحيح سقط وجوب القيام بالمعروف عن العادل.

(١) في (ص ٢٢٤) بقوله : «ولو ترتب حكم الغير على الفعل الصحيح منه كما إذا صلّى فاسق على ميّت لا وليّ له» فقوله : «كما» مثال للمنفي وهو إجداء أصالة الصحة.

(٢) هذا دفع التوهم المزبور ، ومحصّله : أنّه فرق بين الصلاة وبين إصلاح مال اليتيم ، وهو ما أشرنا إليه من : أنّ الشك في المثال المتقدم شك في صحة الموجود ، والمفروض أنّ الأثر ـ وهو السقوط عن غير الفاسق ـ منوط بصحة الصلاة. أي صلاة الميت. وصحتها تحرز بأصل الصحة في فعل المسلم ، فتسقط عن غير الفاسق.

وهذا بخلاف المقام ، فإنّ الواجب ـ وهو إصلاح مال القاصرين ـ مشكوك الوجود ، وأصالة الصحة لا تثبت الوجود ، بل تثبت وصفه وهو صحته ، ولا تثبت شيئا خارجيا كإصلاح مال القاصرين إلّا بناء على القول بالأصل المثبت.

(٣) يعني : أحرزت صحتها بأصالة الصحة الجارية في فعل المسلم.

(٤) وهو ارتفاع وجوب إصلاح مال اليتيم عن غير الفاسق ، فلم يحمل على التصرف الصحيح حتى تجري فيه أصالة الصحة ، بل حمل على موضوع وهو إصلاح المال ، والشكّ فيه شك في أصل وجوده ، فهو نظير إخبار الفاسق بأصل الصلاة مع شك الغير في صدقه. وقد تقدم في (ص ٢٢٥) الإشكال في قبوله.

(٥) أي : في تحقق الموضوع أعني به إصلاح المال الذي هو المعروف الواجب على الكل.

(٦) أي : فالشكّ في تحقق الموضوع ، وهو إصلاح المال ، كإخبار الفاسق بأصل


وإن شئت قلت (١) إنّ شراء مال اليتيم لا بدّ أن يكون مصلحة له (٢) ، ولا يجوز (٣) [ولا يحرز] ذلك (٤) بأصالة صحّة البيع من البائع ، كما لو شكّ

______________________________________________________

الصلاة أي بوجودها مع شكّ الغير في وجودها في عدم حمل خبره على الصحة ، فلا يقال : إنّ ما أخبر به من وقوع الصلاة صحيح.

(١) ظاهر العبارة تقريب منع أصالة الصحة في المقام ممّا يكون حكم الغير معلّقا على موضوع الإصلاح. وتوضيحه : أنّ من يشتري من الفاسق ما بيده من مال اليتيم ـ مثلا ـ يتصرّف في هذا المال بقبوله لإنشاء البائع ، ولا بدّ من إحراز وقوع القبول على وجه يكون أصلح بحال اليتيم ، فلو شك هذا المشتري في كون هذه المعاملة أحسن بحال اليتيم لم يجده إجراء أصالة الصحة في إيجاب البائع ، لأنّها لا تثبت إلّا صحة الإيجاب صحّة تأهليّة بحيث لو لحقه القبول لترتّب عليه النقل والانتقال. وبما أن المشتري شاكّ في تحقق المصلحة في هذا العقد ـ المؤلّف من الإيجاب والقبول ـ لم يكن له سبيل إلى إحراز كون قبوله واقعا على وجه أحسن حتى يترتب عليه أثره ، وهو الحكم بحصول النقل.

هذا ما أفاده المحقق الايرواني قدس‌سره في توضيح العبارة ، وجعلها وجها آخر للمنع من التمسك بأصالة الصحة هنا ، وقال : إنّه يمنع من ترتيب الأثر في كل مقام اشترك الشرط بين اثنين ، كالنقل المنوط بصحة الإيجاب والقبول ، المفروض اشتراطهما ـ في العقد على مال اليتيم ـ برعاية المصلحة (١).

(٢) أي : لليتيم ، ولا يحرز كون شراء المال ذا مصلحة لليتيم بإجراء أصل الصحة في إيجاب البائع ، كما أنّه لا يحرز بلوغ البائع ـ عند شك المشتري فيه ـ بأصالة الصحة ، بل يجري فيه استصحاب عدم البلوغ.

(٣) كذا في نسختنا ، والظاهر كما في بعض النسخ المصححة «ولا يحرز».

(٤) أي : كون شراء مال اليتيم ذا مصلحة.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٥٩.


المشتري في بلوغ (١) البائع ؛ فتأمّل (٢).

نعم (٣) (*) لو وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير ،

______________________________________________________

(١) حيث إنّ المشكوك فيه شرط صحة البيع ، وهو بلوغ البائع ، ومن المعلوم قصور أصل الصحة عن إثباته.

(٢) لعلّه إشارة إلى الفرق بين ما نحن فيه ـ وهو الشراء من الفاسق ـ وبين الشك في بلوغ البائع. ومحصل الفرق بينهما : أنّ مجرى أصالة الصحة هو العمل الذي يشكّ في أنّ عامله هل أتى به ناقصا بمعنى أنّه ترك شيئا نسيانا من أجزائه وشرائطه أم أتى به تامّا؟ فالشك يكون في أمر اختياري له من الفعل والترك.

وأمّا إذا كان المشكوك فيه أمرا غير اختياري كالبلوغ ، فلا تجري فيه أصالة الصحة.

وعليه فلا يجري أصل الصحة في الشك في البلوغ ، بل يجري فيه استصحاب عدم البلوغ. ويجري فيما نحن فيه ، وهو البيع مع مراعاة إصلاح مال اليتيم ، فإنّه أمر اختياري للبائع ، فتجري فيه أصالة الصحة.

ويحتمل أن يكون الأمر بالتأمل إشارة إلى ما قيل : من جريان أصل الصحة في البلوغ وغيره ، كما اختاره المصنف قدس‌سره في الأصول (١).

(٣) هذا استدراك على عدم جريان أصالة الصحة في مسألة شراء مال اليتيم من

__________________

(*) لا يخفى أنّ مقتضى قوله قدس‌سره : «والشك في أصل تحقق ذلك» إلى قوله : «ولا يجوز ذلك بأصالة صحة البيع من البائع» عدم جريان أصالة الصحة فيما أفاده بقوله : «نعم ..» لأنّ كلّا من الإيجاب والقبول لا بدّ أن يكون إصلاحا للمال. فالشك في الإصلاح بالنسبة إلى كلّ من الإيجاب والقبول شك في وجود الموضوع ، فلا تجري أصالة الصحة في شي‌ء منهما.

__________________

(١) راجع فرائد الأصول ، ج ٣ ، ص ٣٦٠ ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، ١٤١٩.


لم يلزم الفسخ (١) مع المشتري وأخذ (٢) الثمن من الفاسق ، لأنّ (٣) مال اليتيم الذي يجب إصلاحه وحفظه من التلف لا يعلم أنّه (٤) الثمن أو المثمن ، وأصالة صحّة المعاملة من الطرفين يحكم بالأوّل (٥) ، فتدبّر (٦).

______________________________________________________

الفاسق ، والغرض جريان أصل الصحة في مسألة أخرى ، وهي : وجدان ثمن مال الصغير في يد الفاسق ، فإنّ مقتضى أصالة الصحة ـ الجارية في بيع الفاسق مال الصغير وشرائه ـ كون مال الصغير هو الثمن ، ومال المشتري هو المثمن. فليس لشخص ثالث ـ أي ما عدا المتبايعين ـ إلزام البائع الفاسق على الفسخ مع المشتري ، وأخذ الثمن من البائع الفاسق ، واسترداد المبيع من المشتري ، ودفع الثمن إليه.

(١) لعل الأولى التعبير عن «الفسخ» بالاسترداد من المشتري ، لاختصاص الفسخ بحلّ العقد الصحيح ، إلّا أن يراد نتيجة الفسخ ، وهي استرداد المثمن من المشتري ، والأمر سهل.

(٢) معطوف على «الفسخ» يعني : لم يلزم الفسخ ، ولم يلزم أخذ الثمن من الفاسق حفظا لمال الصغير. والوجه في عدم لزوم الفسخ وأخذ الثمن من البائع الفاسق هو : أنّه لا يعلم أنّ مال اليتيم الذي يجب على الكل إصلاحه وحفظه من التلف هو المبيع الذي عند المشتري حتى يجب استرداده ، فالشبهة موضوعية لدليل وجوب إصلاح مال اليتيم.

ومعه لا وجه للاستدلال به لوجوب استرداد المبيع من المشتري ، بل مقتضى أصالة الصحة في المعاملة هو كون الثمن مال اليتيم.

(٣) تعليل لقوله : «لم يلزم الفسخ» وقد مرّ توضيحه آنفا بقولنا : «والوجه في عدم لزوم .. إلخ» ، وقوله : «لا يعلم» خبر «لأنّ».

(٤) أي : مال اليتيم. وهذا إشارة إلى كون الشبهة مصداقية ، فلا يصح الاستدلال بدليل وجوب حفظ مال اليتيم على لزوم استرداد المبيع من المشتري ودفع الثمن إليه.

(٥) وهو كون الثمن مال اليتيم.

(٦) لعله إشارة إلى الفرق بين هذه الصورة الجارية فيها أصالة الصحة ، والصورة السابقة التي لا تجري فيها أصالة الصحة.

وحاصل الفرق بينهما هو : أنّ إصلاح مال اليتيم شرط في صحة كلّ من الإيجاب والقبول ابتداء ، إذ كل منهما يتصرف في مال اليتيم بإعطاء البائع وأخذ المشتري ، ولذا


ثمّ إنّه حيث ثبت جواز تصرّف المؤمنين ، فالظاهر (١) أنّه على وجه التكليف

______________________________________________________

لو وقعت المبايعة بين شخصين ، وشكّ شخص ثالث في صحتها فله إجراء أصالة الصحة في فعلهما ، بخلاف ما نحن فيه ، لعدم وقوع قبول بعد حتى يجري فيه أصل الصحة. وجريانه في الإيجاب لا يجدي ، لأنّ أثره الصحة التأهلية أي الصالحة لانضمام القبول الصحيح إليه ، لا الصحة الفعلية.

هل يجوز لبعض المؤمنين مزاحمة غيره أم لا؟

(١) هذه الجهة الرابعة من جهات البحث في مسألة ولاية عدول المؤمنين ، وهي : أنّه لو أقدم بعضهم على إنجاز فعل ـ ممّا يصدق عليه عنوان «المعروف» ـ فهل يجوز لمؤمن آخر مزاحمته ومنعه من الإقدام أم لا؟

ومحصل ما أفاده قدس‌سره : أنّ منع المزاحمة مبني على كون جواز تصدّي المؤمنين لأمور القاصرين حكما وضعيّا أعني به الولاية المفوّضة من الامام عليه‌السلام أو من الفقيه. كما أن مبنى جواز المزاحمة هو ظهور الدليل في التكليف بمعنى أنّه يجب على المؤمنين القيام بالمعروف أو يستحب.

فهنا احتمالان ، واختار المصنف الثاني ، وأنّه ليس لعدول المؤمنين ولاية أصلا ، لا بعنوان النيابة ولا بعنوان آخر ، وإنّما هو تكليف محض ، فلا وجه لمنع المزاحمة أصلا.

ولعلّ وجهه تيقّنه ممّا دلّ على جواز تصدّي المؤمنين لأمور القاصرين ، فإنّ الولاية خلاف الأصل ، والدليل قاصر عن إثباتها لهم. فالمتيقن هو جواز التصدّي ، إمّا وجوبا كما في الصلاة على ميّت لا وليّ له ، ونحوه ممّا وجب كفاية. وإمّا ندبا كما في التصرف في مال اليتيم بقصد الاسترباح والاستمناء له استنادا إلى كونه إعانة على البرّ ، إذ الآية ـ كما قيل ـ لا تدل على الوجوب ، بل على الجواز أو الاستحباب ، لو صدق على ذلك عنوان «الإعانة على البرّ».

وعلى هذا فجواز تصدّي عدول المؤمنين يكون في الأثر نظير ولاية الأب والجد على الصغير ، في أنّه يجوز لكلّ منهما التصرّف بما يكون صلاحا له ، فلو أراد الأب مثلا بيع


الوجوبيّ أو الندبيّ ، لا على وجه النيابة من حاكم الشرع ، فضلا (١) عن كونه على وجه النصب من الإمام ، فمجرّد (٢) (*) وضع العدل يده على مال اليتيم

______________________________________________________

شي‌ء من أمواله جاز للجدّ مزاحمته قبل تصدّي الأب. فكذا لو أقدم المؤمن العدل على إنجاز واقعة جاز للعدل الآخر منعه ، وتصدّي الأمر بنفسه بزعم كون فعله أصلح من فعل الغير. لما عرفت من أن دليل جواز تصدّي المؤمنين ـ تكليفا ـ يعمّ الجميع على نهج واحد ، ولا مرجّح لسبق بعضهم ، هذا.

وقد فرّع المصنف قدس‌سره فرعين على جواز المزاحمة ، وسيأتي بيانهما.

(١) يعني لا ولاية هناك بالنسبة إلى المؤمن العدل ، لا من جهة النيابة العامة عن الفقيه الجامع للشرائط الذي له الولاية ـ بناء على ولايته على الأمور الحسبية كما تقدم ـ ولا على وجه الولاية المستقلة بالنصب من قبل المعصوم عليه‌السلام.

فإن كان جواز تصدّي العدول على وجه النيابة عن الفقيه الذي هن الولي الشرعي فحكمها زوالها بموت الفقيه. وإن كان على وجه النصب من قبل الامام عليه‌السلام كان ولاية مستقلة ناشئة من النصب ، وهي باقية بعد موت الامام عليه‌السلام.

وبهذا ظهر الوجه في التعبير ب «فضلا» لأن عدم كون المؤمن العدل نائبا عن الفقيه الذي هو الولي يقتضي هنا ـ بالأولوية ـ انتفاء ولايته المستقلة من جهة كونه منصوبا من قبله عليه‌السلام.

(٢) هذا متفرع على كون تصدّيهم على وجه التكليف ، لا على وجه النيابة ، إذ

__________________

(*) الظاهر أن جواز تصدي مؤمن آخر للواقعة مع تصدي مؤمن لها قبل ذلك وعدم جواز التصدي لها ـ بناء على كون جواز تصدي المؤمنين لأمور القصّر على وجه التكليف لا على وجه النيابة ـ مبنيّ على إطلاق دليل جواز التصدي وعدمه.

فعلى الأوّل يجوز التصدي للواقعة مع تصدي مؤمن آخر لها قبله.

وعلى الثاني لا يجوز ذلك.

فمجرد كون جواز تصدي المؤمنين من باب التكليف ـ لا من باب الولاية ـ لا يوجب منع المؤمن الآخر عن التصدي للواقعة التي وضع قبله مؤمن يده عليها.


لا يوجب (١) منع الآخر ومزاحمته (٢) بالبيع ونحوه.

ولو (٣) نقله بعقد جائز ، فوجد الآخر المصلحة في استرداده ، جاز الفسخ إذا كان الخيار ثابتا بأصل الشرع (٤) ، أو بجعلهما (٥) مع جعله لليتيم [للصغير] أو مطلق وليّه من غير تخصيص بالعاقد.

______________________________________________________

لو كان على وجه الولاية والنيابة أمكن أن يقال : إنّه بمجرّد وضع يد مؤمن على الواقعة يخرج المولّى عليه عن عنوان «من لا ولي له» فلا يبقى موضوع لتصدّي مؤمن آخر للواقعة.

(١) خبر «فمجرد».

(٢) معطوف على «منع» والضمير راجع الى الآخر.

(٣) هذا أوّل الفرعين ، والأولى إبدال «الواو» بالفاء ، بأن يقال : «فلو نقله» لأنه من فروع جواز منع الآخر ومزاحمته بالبيع ونحوه. يعني : ولو نقل العدل مال اليتيم بعقد جائز ، فوجد مؤمن آخر المصلحة في استرداده ، ففي جواز الفسخ وعدمه تفصيل بين صور المسألة ، وهي :

الاولى : أن يكون تزلزل العقد لأجل الخيار المجعول بحكم الشارع كخيار المجلس والحيوان والعيب والغبن.

الثانية : أن يكون تزلزل العقد لأجل خيار الشرط الثابت بجعل المتبايعين للصغير ، أو لمطلق الوليّ عليه.

ففي هاتين الصورتين يجوز للعدل الآخر الفسخ ، لصدق «الوليّ» عليه.

الثالثة : أن يكون تزلزل البيع لأجل خيار الشرط المجعول لخصوص العاقد ، لا لمطلق الولي ، فلا يمضي فسخ العدل الآخر ، ولا يجوز استرداد مال اليتيم ممّن انتقل إليه.

(٤) كخيارات : المجلس والحيوان والعيب والغبن.

(٥) معطوف على «بأصل» يعني : أو كان الخيار ثابتا بجعل المتبايعين ، مع جعل الخيار للصغير أو لوليّه مطلقا من غير خصوصية للعاقد ، إذ مع اختصاص الخيار بالمتعاقدين أو أحدهما ـ وعدم الخيار للصغير ولا لمطلق وليّه حتى يجوز لمؤمن آخر


ولو (١) [وأمّا لو] أراد بيعه من شخص وعرّضه لذلك ، جاز لغيره بيعه من آخر مع المصلحة ، وإن كان في يد الأوّل (٢).

وبالجملة (٣) فالظاهر أنّ حكم عدول المؤمنين لا يزيد على حكم الأب والجدّ من حيث جواز التصرّف لكلّ منهما ما لم يتصرّف الآخر.

وأمّا حكّام (٤) الشرع ، فهل هم كذلك (٥)؟ فلو عيّن فقيه من يصلّي على الميّت الذي لا وليّ له ، أو من (٦) يلي أمواله ، أو وضع (٧) اليد على مال يتيم ، فهل يجوز للآخر مزاحمته أم لا؟

______________________________________________________

فسخه ـ لا وجه لجواز فسخ غيرهما ممّن لا خيار له ، ولا للصغير المولّى عليه.

(١) معطوف على قوله : «ولو نقله» وهذا ثاني الفرعين المترتبين على كون تصدّي المؤمنين من باب التكليف لا النيابة والولاية ، ومحصله : أنّه لو أراد مؤمن بيع مال اليتيم ، وعرّضه لذلك ، جاز لمؤمن آخر بيع ذلك المال من شخص آخر إذا اقتضت المصلحة ذلك وإن كان المال في يد المؤمن الأوّل.

(٢) أي : المؤمن الأوّل الذي أراد بيع مال اليتيم وعرّضه لذلك.

(٣) يعني : وخلاصة البحث ـ في مزاحمة عدول المؤمنين ـ : أنّه يجوز التصرف لكل واحد من المؤمنين ما لم يتصرف الآخر فحكم عدول المؤمنين حكم الأب والجدّ في عرضيّة الولاية.

حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر

(٤) وهم الفقهاء العدول ، فهل هم كعدول المؤمنين في جواز التصرف لكلّ منهم ما لم يتصرف الآخر؟ فتجوز المزاحمة بينهم ، أم لا؟

(٥) أي : مثل عدول المؤمنين في جواز المزاحمة ، فعليه لو عيّن فقيه مؤمنا يصلّي على ميّت لا وليّ له ، أو عيّن من يلي أموال ميّت لا وليّ له ، أو وضع اليد على مال يتيم ، فهل يجوز لفقيه آخر مزاحمة هذا الفقيه أم لا؟

(٦) معطوف على الموصول في «من يصلّي».

(٧) معطوف على «عيّن» أي : فلو وضع فقيه يده على مال يتيم .. إلخ.


الذي (١) ينبغي أن يقال : إنّه إن استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدّم (٢) ، جاز المزاحمة قبل وقوع التصرّف اللازم (٣) ، لأنّ (٤) المخاطب بوجوب إرجاع الأمور إلى الحكّام هم العوامّ ، فالنهي (٥) عن المزاحمة يختصّ بهم.

______________________________________________________

(١) هذا مختار المصنف قدس‌سره في المقام ، وهو التفصيل بلحاظ دليل الولاية. ومحصّله : أنّه إن كان مستند ولاية الفقيه هو صدر التوقيع ـ أي مع الغض عن التعليل ـ وهو قوله عليه‌السلام : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا» جازت المزاحمة قبل تحقق العقد الذي لا يمكن فسخه وحلّه كالبيع اللازم ، إذ مع وقوعه ينتفي الموضوع لتصرف غيره. ولا يدلّ التوقيع على حرمة مزاحمة ففيه لمثله ، لأنّ المخاطب بوجوب الرجوع إلى الرواة هم العوامّ ، فلا يجوز لهم مزاحمة الفقهاء ، بل يجب عليهم تفويض الأمر إلى الفقهاء.

والحاصل : أنّ التوقيع يدلّ على أنّ كلّ واحد من الفقهاء حجّة على العوام ، ولا يدلّ على حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر نفيا وإثباتا أصلا. وعليه فكل واحد من الفقهاء حجة على العوام في عرض واحد ، كولاية الأب والجدّ.

(٢) في (ص ١٧٢) المتضمن لقوله : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا».

(٣) التقييد ب «اللازم» لأجل انتفاء الموضوع ، كالبيع اللازم الموجب لانتقال مال الطفل إلى المشتري ، بخلاف ما لو كان التصرف جائزا كالبيع الخياري ، لبقاء موضوع المزاحمة كما تقدم في مزاحمة عدول المؤمنين بعضهم بعضا.

(٤) تعليل لجواز المزاحمة ، وحاصله : أنّ المزاحمة المنهي عنها ـ بمقتضى التوقيع ـ مختصة بالعوامّ ، ولا تشمل الحكّام.

(٥) أي : النهي عن المزاحمة للفقيه ـ كالأمر بإرجاع الوقائع إلى الفقيه ـ مختص بالعوامّ المخاطبين بقوله «عجّل الله تعالى فرجه الشريف» : «فارجعوا» فيختص النهي عن المزاحمة بهم ، فلا يجوز للعوامّ أن يزاحموا الفقهاء في الحوادث الواقعة ، بل يجب عليهم إرجاعها إليهم. وأمّا الحكام فمقتضى التوقيع المتقدم كون كلّ منهم حجة من الإمام عليه‌السلام على الخلق. نظير ولاية كلّ من الأب والجدّ على الطفل. وحيث إنّ التوقيع لا يدلّ على


وأمّا الحكّام فكلّ منهم حجة من الإمام عليه‌السلام ، فلا يجب (١) (*) على كلّ واحد منهم إرجاع الأمر الحادث إلى الآخر ، فيجوز له (٢) مباشرته وإن كان الآخر دخل فيه (٣) ، ووضع يده عليه (٤). فحال كلّ منهم حال كلّ من الأب والجدّ في أنّ النافذ تصرّف السابق (**).

______________________________________________________

حكم المزاحمة جوازا ومنعا اقتضت حجية كلّ منهم جواز المزاحمة بينهم ، كجوازها للأب والجدّ.

(١) لما مرّ آنفا من أنّ المخاطب بالإرجاع هم العوامّ ، فيجوز لكلّ واحد من الفقهاء مباشرة الحادثة الواقعة ، لأنّهم المراجع في الحوادث الواقعة. وجواز المزاحمة مبنى على إطلاق دليل تصدّيهم للوقائع وعدمه. فيجوز التصدي لكلّ منهم سواء تصدّى غيره للواقعة أم لا. ومع إهمال الدليل مقتضى الأصل عدم النفوذ.

(٢) أي : لكلّ واحد من الحكام مباشرة الأمر الحادث.

(٣) أي : دخل الحاكم الآخر في الأمر الحادث قبل هذا الحاكم ، ولم يأت بالعمل تماما وأتى به الحاكم الثاني ، فالمتّبع هو حكم الحاكم الثاني. فحكم حكّام الشرع حكم الأب والجدّ في جواز المزاحمة.

والحاصل : أنّ التصرف النافذ هو التصرف التام سواء سبقه غيره بإيجاد المقدمات أم لا.

(٤) أي : على الأمر الحادث ، ولكن لم يتم العمل ، إذ مع الإتمام لا يبقى موضوع لإقدام الغير.

__________________

(*) لم يظهر وجه هذا التفريع على حجية كل واحد في ولاية عدول المؤمنين من الحكّام منه صلوات الله عليه. وإنّما المتفرع عليه هو قوله : «فيجوز له مباشرته» لأنّ أثر حجية كلّ منهم جواز تصدّي كلّ واحد منهم للواقعة ، لا عدم وجوب إرجاع كلّ واحد منهم الواقعة إلى الآخر. نعم لازم هذا الجواز عدم وجوب إرجاع كلّ منهم الحادثة إلى آخر.

(**) لعلّ الأولى إبدال العبارة هكذا : «تصرف الآتي بتمام الواقعة ، سواء سبقه غيره أم لحقه بإيجاد المقدمات أم لا» إذ لو لم يكن تصرف السابق تامّا ـ أي : لم يأت بتمام الواقعة ،


ولا عبرة (١) بدخول الآخر في مقدّمات ذلك وبنائه (٢) على ما يغاير تصرّف الآخر. كما يجوز (٣) لأحد الحاكمين تصدّي المرافعة قبل حكم الآخر ، وإن حضر المترافعان عنده ، وأحضر الشهود ، وبنى على الحكم (٤).

وأمّا (٥) لو استندنا في ذلك إلى عمومات النيابة ، وأنّ فعل الفقيه كفعل

______________________________________________________

(١) لأنّه بعد إتمام الواقعة ينتفي موضوع الولاية لغيره ، فلا أثر لما أتى به من المقدمات.

(٢) معطوف على «دخول» وضميره راجع إلى «الآخر».

(٣) هذا معادل قوله : «فيجوز له مباشرته» ولكن لم يظهر مغايرته لما قبله ، لأنّ المستفاد من كليهما واحد ، وهو تصدّي أحد الحاكمين للحكم وإن شرع الآخر في مقدمات الحكم من إحضار المترافعين والشهود. ولا بدّ من التأمل في العبارتين حتى يظهر مراده قدس‌سره منهما.

(٤) ولم يحكم بعد ، وحينئذ حكم الحاكم الآخر ، وهذا الحكم نافذ.

(٥) هذا معادل قوله : «إن استندنا في ولاية الفقيه إلخ» وحاصله : أنّ الظاهر حرمة المزاحمة إن استندنا في ولاية الفقيه إلى عمومات النيابة (١) نظير «العلماء ورثة الأنبياء» و «العلماء أمناء الرسل» و «مجاري الأمور بيد العلماء» وغيرها ، وأنّ فعل الفقيه كفعل الإمام ونظره كنظره ، في عدم جواز التعدي عنه ، لكونه مرجعا في الأمور الحادثة. وذلك بشهادة جعل رواة الحديث حججا من قبله ، لا من قبله تعالى ، إذ لم يقل : «فإنهم حجج الله» فإضافة حجية الفقهاء الى نفسه المقدسة تقتضي كون الفقيه كالإمام في حرمة

__________________

وأتى بتمامها غيره ـ كان النافذ عمل المؤمن الآتي بتمامه ، ولا أثر للمقدمات التي أتى بها غيره ، ولم يتمّ الواقعة.

__________________

(١) المتقدمة مع مصادرها في ص ١٥٤ ـ ١٥٩.


الإمام ، ونظره (١) كنظره الذي لا يجوز التعدّي عنه ـ لا (٢) من حيث ثبوت الولاية

______________________________________________________

مزاحمة أحد له.

وعليه فلا تجوز مزاحمة الفقيه الذي دخل في مقدمات التصرف ولكن لم يتصرف بعد ، لأنّ دخوله في المقدمات ـ كدخول الامام عليه‌السلام فيها ـ في عدم جواز المزاحمة. فأدلة النيابة لا تشمل التصرف المزاحم لتصرفه عليه‌السلام ، بل يعدّ ردّا له عليه‌السلام ، وهو حرام ، لأنّ الرّاد عليه كالرّاد على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله.

(١) معطوف على «فعل الفقيه» يعني : وأنّ نظر الفقيه كنظر الإمام عليه‌السلام الذي لا يجوز التعدي عنه.

(٢) يعني : ليس منشأ عدم جواز مزاحمة الحكام هو ثبوت ولاية الفقيه على الأنفس والأموال حتى يقال بعدم ثبوتها له ، ونتيجة عدم ثبوتها جواز المزاحمة. وتوضيح ما أفاده : أن مستند ولاية الفقيه إن كان عمومات النيابة عن المعصوم عليه‌السلام وتنزيل فعله منزلة فعله عليه‌السلام ففيه احتمالان :

أحدهما : نيابة الفقيه عن الامام عليه‌السلام في ولايته على الأموال والأنفس ، يعني : أن مثل قوله عليه‌السلام «مجاري الأمور بيد العلماء» يدلّ على نيابة العالم عن المعصوم في ولايته المطلقة إلّا ما أخرجه الدليل. وهذا الاحتمال قد تقدم في بحث ولاية الفقيه منعه ؛ لقوله هناك : «لكن الانصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها الجزم بأنّها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية ، لا كونهم كالنبي والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين في كونهم أولى الناس في أموالهم» فلاحظ (ص ١٦٠).

ثانيهما : نيابة الفقيه عن الامام عليه‌السلام بمعنى لزوم إرجاع الأمور العامة والحوادث إلى الفقيه على ما يستفاد من التعليل بقوله عليه‌السلام : «فإنّهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله» وليس معنى حجيّة الفقهاء من قبله عليه‌السلام ولايتهم على الأموال والأنفس. وبناء على هذا الاحتمال يقال بمنع المزاحمة.

والمتحصل : أنّ الاستناد هنا إلى عمومات النيابة ليس عدولا عمّا تقدم في بحث


له (١) على الأنفس والأموال حتّى يقال : إنّه قد تقدّم عدم ثبوت عموم يدلّ على النيابة في ذلك (٢). بل (٣) من حيث وجوب إرجاع الأمور الحادثة إليه المستفاد (٤) من تعليل الرجوع فيها إلى الفقيه بكونه حجة منه عليه‌السلام على الناس ـ

______________________________________________________

ولاية الفقيه من منع الولاية المطلقة. ووجه عدم كونه عدولا : أنّ لعموم النيابة احتمالين ، والممنوع هو الاحتمال الأوّل ، دون الثاني.

وعليه نقول : إنّ عمومات النيابة تقتضي منع مزاحمة فقيه لمثله.

(١) أي : للفقيه.

(٢) أي : في المذكور من الأنفس والأموال.

(٣) معطوف على «لا» فكأنّه قال : «ونظره كنظره عليه‌السلام الذي لا يجوز التعدي عنه ، وذلك لوجوب إرجاع الحوادث .. إلخ».

(٤) نعت ل «وجوب» وحاصله : أنّ وجوب إرجاع الوقائع الحادثة إلى الفقيه يستفاد من التعليل له بقوله عليه‌السلام : «فإنّهم حجّتي عليكم» حيث إنّه يدلّ على وجوب الإرجاع إليه عليه‌السلام ابتداء ، ثم إلى من جعله حجة من قبله للمرجعية ، وهم الفقهاء الإمامية أيّدهم الله تعالى ، وشكر مساعيهم.

فإن قلت : إنّ استناد المصنف قدس‌سره إلى التوقيع على كلّ واحد من التقديرين ـ وهما استفادة عموم النيابة من التوقيع ، واستفادته من سائر أدلة ولاية الفقيه الّتي من جملتها التعليل الوارد في التوقيع ـ لا يخلو من تناف ، فإنّ مدلول التوقيع واحد لا تعدد فيه ، فإمّا أن يستند إليه في الفرض الأوّل الذي جوّز مزاحمة الفقهاء فيه ، وإمّا في الفرض الثاني الذي منع من تزاحمهم.

قلت : لا تنافي في كلام المصنف ظاهرا ، وذلك لأنّ غرضه من قوله : «ان استندنا الى مثل التوقيع المتقدم» هو صدر التوقيع الآمر للعوام بإرجاع الحوادث إلى رواة الحديث. كما أنّ غرضه من قوله : «وأما لو استندنا» هو التعليل. ولا مانع من اشتمال كل جملة من التوقيع على أمر غير ما يتكفله الجملة الأخرى.


فالظاهر (١) عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر ، ووضع يده عليه ، وبنى فيه (٢) بحسب نظره على (٣) تصرّف وإن لم يفعل نفس ذلك التصرّف ،

______________________________________________________

هذا ما أفاده الفقيه المامقاني قدس‌سره لدفع التنافي (١) (*). ويرتفع به شبهة المنافاة بين قوله : «ان استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدم» وبين قوله : «المستفاد من تعليل الرجوع فيها الى الفقيه بكونه حجّة منه عليه‌السلام على الناس».

فما في حاشية العلامة الشهيدي قدس‌سره من «أن نظر المصنف في عمومات النيابة ليس إلى التوقيع كما قد يتوهم» (٢). غير ظاهر جدّا ، لعدم ذكر التعليل في ما عدا التوقيع ، فلا بدّ من حلّ التنافي بما أفاده في غاية الآمال ، فلاحظ وتدبّر.

(١) جواب «أمّا» في قوله : «وأمّا لو استندنا» وحاصله : أنّه مع استناد ولاية الفقيه إلى عمومات النيابة يكون الظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي وضع يده على أمر وبنى على إنفاذه بما يقتضيه نظره.

والدليل على منع المزاحمة أمران. أحدهما : أنّ دخول الفقيه في أمر كدخول الامام عليه‌السلام في عدم جواز المزاحمة معه. فالمستفاد من العمومات بنظر المصنف أن الفقهاء نوّاب الامام عليه‌السلام في الوقائع الحادثة ، وحكم النائب حكم المنوب عنه في عدم جواز المزاحمة.

والأمر الثاني اختلال النظام ، وسيأتي تقريبه في (ص ٢٤٤).

(٢) هذا الضمير وضمير «عليه» راجعان إلى «أمر».

(٣) متعلق بقوله : «بنى» والضمائر المستترة في «دخل ، وضع ، بنى» راجعة إلى الفقيه.

__________________

(*) إلّا أن يقال : إنّ هذا وإن تمّ بحسب الكبرى ، لكن تطبيقه على المقام مشكل ، من جهة أن الذيل تعليل لنفس الأمر بالرجوع إلى رواة الحديث ، المذكور في الصدر. فاستفادة حرمة المزاحمة من التعليل وسكوت الإرجاع عنها خفيّة ، ولا بدّ من مزيد التأمل.

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٤٢٢.

(٢) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب ، ص ٣٣٥.


لأنّ (١) دخوله فيه كدخول الإمام عليه‌السلام ، فدخول الثاني (٢) فيه وبناؤه على تصرّف آخر مزاحمة (٣) له ، فهو (٤) كمزاحمة الإمام عليه‌السلام ، فأدلّة (٥) النيابة عن الإمام عليه‌السلام لا تشمل (٦) ما كان فيه مزاحمة الإمام عليه‌السلام.

فقد ظهر ممّا ذكرنا (٧) : الفرق (٨) بين الحكّام وبين الأب والجدّ ، لأجل الفرق بين كون كلّ واحد منهم حجّة (٩) ،

______________________________________________________

(١) أي : لأنّ دخول الفقيه في أمر .. إلخ ، وهذا تعليل لقوله : «فالظاهر».

(٢) أي : دخول الفقيه الثاني في أمر وبناؤه على تصرف آخر مزاحمة للفقيه الأوّل الذي دخل في الأمر.

(٣) خبر قوله : «فدخول الثاني» وضمير «له» راجع الى الفقيه الأوّل.

(٤) أي : مزاحمة الفقيه الثاني للفقيه الأوّل تكون كمزاحمة الإمام عليه‌السلام. والأولى تأنيث الضمير.

(٥) مبتدء خبره «لا تشمل» وهذا إشارة إلى وهم ودفع. أمّا الأوّل فهو : أنّ إطلاق أدلة النيابة كاف في جواز المزاحمة ، لأنّ مقتضى إطلاقها ولاية كل فقيه ، سواء دخل غيره في إنفاذ الواقعة أم لا ، ولازم ذلك جواز المزاحمة.

(٦) وأمّا الثاني ـ وهو الدفع ـ فحاصله : أنّ أدلة النيابة لا تشمل صورة المزاحمة ، لأنّ مقتضى النيابة كون النائب كالمنوب عنه في الحكم. ومن المعلوم عدم جواز مزاحمة المنوب عنه وهو الامام عليه‌السلام ، فكذا نائبه ، فلا يجوز مزاحمة الفقيه إذا دخل في إنفاذ الواقعة.

(٧) من جواز المزاحمة بناء على الاستناد في ولاية الفقيه إلى مثل صدر التوقيع المتقدم ، وعدم جوازها بناء على الاستناد في ولايته إلى عموم أدلة النيابة.

(٨) فاعل «ظهر» وملخص الفرق بينهما هو : أنه بناء على استناد ولاية الفقيه الى صدر التوقيع تكون ولايته كولاية الأب والجدّ في جواز المزاحمة ، وبناء على استنادها إلى عمومات أدلة النيابة لا تجوز المزاحمة.

(٩) كما هو مقتضى التوقيع ، فتجوز المزاحمة كولاية الأب والجد. وهذا هو الحكم


وبين كون كلّ واحد منهم (١) نائبا.

وربما يتوهّم (٢) كونهم حينئذ (٣) كالوكلاء المتعدّدين في أنّ بناء واحد منهم (٤) على أمر مأذون فيه لا يمنع (٥) الآخر عن تصرّف مغاير لما بنى عليه الأوّل.

ويندفع (٦) بأنّ الوكلاء إذا فرضوا (٧) وكلاء في نفس التصرّف ـ لا في

______________________________________________________

الثاني أعني به كون الفقيه حجة.

(١) أي : من الفقهاء نائبا ، فإنّ مقتضى النيابة عدم جواز المزاحمة. وهذا هو الحكم الأوّل ، وهما من اللّف والنشر المشوّش ، فالأوّل للثاني ، والثاني للأوّل.

(٢) بعد أن رجّح المصنف قدس‌سره منع مزاحمة حاكم لآخر ، تعرّض لبيان توهّمين ربما يظهر منهما جواز المزاحمة ، ثم ردّهما.

ومحصل التوهّم الأوّل : أنّ حكم الحكّام حكم الوكلاء المتعددين في أنّ أحد الوكلاء إذا أقدم على أمر مأذون فيه من ناحية الموكّل جاز لغيره من الوكلاء أن يقدم على أمر مغاير لما أقدم عليه الوكيل الأوّل.

(٣) أي : حين كون الحكام نوّابا كالوكلاء المتعددين.

(٤) أي : من الوكلاء ، وضمير «كونهم» راجع الى الحكّام.

(٥) خبر «أنّ» يعني : أنّ بناء أحد الوكلاء على أمر ـ مأذون فيه من ناحية الموكّل ـ لا يمنع الوكيل الآخر عن تصرف مغاير للتصرف الذي بنى عليه الوكيل الأوّل.

(٦) يعني : ويندفع هذا التوهم بما محصّله : أنّ الوكلاء على قسمين :

أحدهما : أن يكونوا وكلاء عن شخص في نفس التصرف دون مقدماته ، كما لو كانوا وكلاء عن شخص في بيع داره فقط ، لا في مقدماته من المقاولة وغيرها. فما لم يتحقق البيع لا مانع من إقدام أحد الوكلاء على ذلك التصرف. فيحصل التعارض بينه وبين من أقدم قبله ، ويكون النفوذ لأسبق التصرفين. ومع فرض التقارن يسقط كلاهما عن الاعتبار ، لمقارنة السببين في التأثير.

وبالجملة : ففي هذا القسم الأوّل لا مانع من التزاحم.

(٧) هذا إشارة إلى القسم الأوّل من قسمي الوكلاء.


مقدّماته ـ فما (١) لم يتحقّق التصرّف من أحدهم كان الآخر مأذونا في تصرّف مغاير (٢) وإن بنى عليه الأوّل ودخل فيه.

أمّا (٣) إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد بحيث يكون إلزامهم كإلزامه ودخولهم في الأمر كدخوله ، وفرضنا (٤) أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم على الإذن في مخالفة نفس الموكّل ، والتعدّي عمّا بنى هو (٥) عليه مباشرة أو استنابة ، كان (٦) حكمه حكم ما نحن فيه (٧) من غير زيادة ولا نقيصة.

______________________________________________________

(١) الجملة جواب «إذا فرضوا» وضمير «أحدهم» راجع إلى الوكلاء.

(٢) أي : مغاير لتصرف الوكيل السابق ، وإن بنى الأوّل على التصرف ودخل فيه.

(٣) هذا ثاني قسمي الوكلاء ، وهو : أنّهم إذا كانوا وكلاء عن شخص واحد في التصرف ومقدماته أيضا كبيع داره مع مقدماته كالمقاولة ـ بحيث يكون فعلهم كفعله وإلزامهم كإلزامه ودخولهم في الأمر كدخوله فيه ، ولم يدلّ دليل وكالتهم على الإذن في مخالفة نفس الموكّل ، والتعدّي عما بنى هو عليه مباشرة أو استنابة في إنفاذ الواقعة ـ كان حكم هؤلاء الوكلاء حكم ما نحن فيه في عدم جواز المزاحمة.

(٤) معطوف على «فرضوا» والغرض من قوله : «فرضنا» بيان حكم ما نحن فيه ، وهو : أنّه بناء على كون الحكّام وكلاء عن المعصوم عليه‌السلام في نفس التصرف ـ لا في خصوص مقدماته ـ فإنّما تكون وكالتهم محدودة بعدم المخالفة للإمام عليه‌السلام الذي وكّلهم.

وحيث إن كل واحد منهم وكيل عنه عليه‌السلام لم تجز المزاحمة ، لكونها ممنوعة ، لمزاحمته عليه‌السلام.

(٥) أي : الموكّل ، وضمير «عليه» راجع الى الموصول في «ما بنى» المراد به التصرف.

(٦) جواب قوله : «إذا فرضوا» ومرجع ضمير «حكمه» حكميّ ، أي : حكم فرض تنزيل الوكلاء بمنزلة الموكّل ـ في كون دخولهم في الأمر كدخول الموكّل فيه ـ يكون حكم ما نحن فيه.

(٧) يعني : كان حكم كل واحد من الوكلاء حكم كل واحد من الفقهاء النائبين عن


والوهم (١) إنّما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعدّدين المتعلّقة (٢) بنفس ذي المقدّمة ، فتأمّل (٣).

هذا كلّه ، مضافا (٤) إلى لزوم اختلال نظام المصالح (*) المنوطة (٥) إلى الحكّام ،

______________________________________________________

الامام عليه‌السلام في عدم جواز المزاحمة بلا زيادة ولا نقيصة.

(١) يعني : والوهم المذكور ـ وهو قياس الحكّام بالوكلاء المتعددين ـ إنّما نشأ من لحاظ التوكيلات المتعارفة المتعلقة بنفس ذي المقدمة ، المستلزم لجواز المزاحمة في المقدمات ، وكون النفوذ للعقد السابق.

(٢) نعت لقوله : «التوكيلات».

(٣) لعله إشارة إلى : أنّ أدلة النيابة كأدلّة الوكالة لا تدلّ أيضا إلّا على النيابة في نفس ذي المقدمة ، فحال الحكّام حال الوكلاء المتعددين في التوكيلات المتعارفة في تعلق توكيلهم بنفس ذي المقدمة ، فيقع التعارض بينهم ، ويكون النفوذ للسابق منهم.

(٤) هذا دليل آخر على عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في واقعة لإنفاذها كما أشرنا إليه في (ص ٢٤٠) وخلاصة هذا الدليل : لزوم اختلال نظام المصالح ، الراجع تشخيصها ورعايتها في الوقائع الحادثة إلى الفقهاء العدول ، لاختلاف أنظارهم في تشخيصها الموجب لاختلال نظام المصالح ، ولا يناط نظامها إلّا بعدم المزاحمة ، وكون ولاية الفقيه من باب النيابة حتى لا تجوز المزاحمة ، لا من باب الحجية حتى تجوز المزاحمة.

(٥) صفة للمصالح ، فإنّ تشخيص المصالح يكون منوطا بنظر الحكّام ، ولعلّ الأولى تبديل «الى الحكام» ب «بالحكام».

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذا الدليل لو تمّ اقتضى أن تكون ولاية المؤمنين كولاية الفقهاء في عدم جواز المزاحمة. مع أنّهم قالوا بجوازها ، ويكون ولايتهم كولاية الأب والجدّ في جواز المزاحمة ، وأنّ النافذ هو التصرف السابق.

إلّا أن يقال : بعدم الولاية للمؤمنين ، وأنه ليس لهم إلّا الوجوب التكليفي. لكن محذور اختلال نظام المصالح لا يندفع بالوجوب التكليفي ، بل يندفع بعدم جواز المزاحمة.


سيّما في مثل هذا الزمان الذي شاع فيه القيام بوظائف الحكّام ممّن يدّعي الحكومة.

وكيف كان فقد تبيّن ممّا ذكرنا (١) [١] عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله في كلّ إلزام قوليّ (٢) أو فعليّ (٣) يجب الرجوع فيه إلى الحاكم ، فإذا (٤) قبض مال اليتيم من شخص أو عيّن شخصا لقبضه ، أو جعله ناظرا عليه (٥) ، فليس (٦) لغيره من الحكّام مخالفة نظره ، لأنّ (٧) نظره كنظر الإمام عليه‌السلام.

______________________________________________________

(١) من كون ولاية الفقيه من باب النيابة ، فلا تجوز مزاحمته ، لكونها مزاحمة للإمام عليه‌السلام. لا من باب الحجية حتى تجوز المزاحمة لحجيّة كل واحد من الفقهاء حينئذ.

(٢) كحكمه في المرافعات بأنّ هذا المال لزيد ، أو كون الحبوة أربعة أشياء ، أو بأن هذا اليوم أوّل الشهر.

(٣) كشروع فقيه في تجهيز ميّت لا وليّ له ، فلا تجوز لحاكم آخر مزاحمته.

(٤) هذا مثال لحرمة المزاحمة ، فإذا قبض حاكم مال القاصر ـ كاليتيم والمجنون ـ من شخص ، أو عيّن شخصا لقبض مال القاصر ، أو جعله ناظرا على مال اليتيم مثلا ، فليس لحاكم آخر مخالفة نظره.

(٥) أي : على مال اليتيم.

(٦) جواب «فإذا قبض» وضميرا «لغيره ، نظره» راجعان إلى الحاكم الذي قبض مال اليتيم.

(٧) تعليل لعدم جواز مخالفة نظر الحاكم الذي قبض مال اليتيم ، أو عيّن شخصا لقبضه. ومحصل التعليل هو كون نظر هذا الحاكم نظر الإمام عليه‌السلام ، إذ المفروض أنّ الحاكم نائبه عليه الصلاة والسلام.

__________________

(*) لم يختر سابقا عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر .. إلخ بل ذكره بنحو الفرض والتقدير ، حيث قال في (ص ٢٤٠) : «فالظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر ووضع يده عليه» جوابا لقوله في (ص ٢٣٧) : «وأمّا لو استندنا في ذلك على عمومات النيابة ..» فلاحظ.


وأمّا (١) جواز تصدّي مجتهد لمرافعة تصدّاها مجتهد آخر قبل الحكم فيها إذا لم يعرض (٢) عنها ـ بل بنى على الحكم فيها (٣) ـ فلأنّ (٤) وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم.

ثمّ إنّه (٥) هل يشترط في ولاية غير الأب والجدّ ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا؟

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى التوهم الثاني المشار إليه (ص ٢٤٢) وهو : أنّ ما اخترتم ـ من عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله ـ ينافي ما اختاره الفقهاء «رضوان الله تعالى عليهم» من جواز تصدّي مجتهد للحكم في مرافعة تصدّاها مجتهد آخر ، ولكنه لم يحكم فيها بعد. فجواز الحكم من المجتهد اللّاحق مزاحمة للمجتهد السابق الذي دخل في الواقعة بانيا على الحكم فيها ، وعدم الإعراض عنها ، إذ مع الإعراض تنتفي المزاحمة.

(٢) يعني : لم يعرض المجتهد الأوّل الذي بنى على الحكم في المرافعة.

(٣) هذا الضمير وضميرا «عنها ، فيها» راجعة إلى المرافعة.

(٤) جواب «وأمّا» ودفع للتوهم المذكور ، وحاصله : أنّه لا يلزم التزاحم في مورد التوهم المزبور ، لأنّ التزاحم فرع تعدد الحكم بتعدد الحكّام ، والمفروض أنّ وجوب الحكم على الحاكم في المرافعات مشروط بسؤال من له الحكم. ولمّا عدل من له الحكم عن الحاكم الأوّل إلى الحاكم الثاني ، فلا وجوب على الحاكم الأوّل حتى يلزم تعدد الحكم الموجب للتزاحم ، بل وجوب الحكم مختص حينئذ بالحاكم الثاني ، لاختصاص سؤال الحكم به.

فالنتيجة : عدم لزوم التزاحم في مورد الإشكال.

اشتراط المصلحة في غير الأب والجد وعدمه

(٥) الضمير للشأن ، وهذا إشارة إلى الجهة الخامسة من جهات البحث في مسألة ولاية المؤمنين. وهي : أنّه هل يعتبر في ولاية غير الأب والجد ـ وهم الفقهاء وعدول المؤمنين ـ ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا؟

وأما مراعاة غبطة الصغير في الأب والجدّ فقد سبق الكلام فيه مبسوطا ، فراجع (ص ٨٩).


ذكر الشهيد في قواعده : أنّ فيه وجهين (١)

______________________________________________________

(١) أي : أنّ في ولاية غير الأب والجدّ وجهين. وهذا نقل كلام الشهيد بالمعنى ، وسيأتي نصّ عبارته في (ص ٢٦٨) فلاحظ.

وكيف كان فلعلّ وجه الاشتراط أنّ المتقين من ولاية غير الأب والجدّ هو صورة ملاحظة غبطة المولّى عليه.

ووجه العدم هو إطلاق دليل الولاية ، وتقييده محتاج إلى الدليل.

ولا يخفى أنّ مورد كلام الشهيد قدس‌سره الآتي هو مطلق الولي الشامل للأب والجدّ أيضا ، إذ مقصوده من الولي هو من يقوم مقام المالك ، كما تعرّض له قبل هذه القاعدة بقوله : «وحكم المالك : الأب والجد ، والوكيل ، والوصي ، والحاكم ، والأمين .. وبعض المؤمنين في مال الطفل عند تعذر الولي ..» (١).

وعليه يكون مورد الوجهين ـ من اعتبار مراعاة المصلحة وعدمه ـ جميع الأولياء حتى الأب والجدّ. ولكن شيخنا الأعظم قدس‌سره لمّا تعرّض في ولاية الأب والجد لهذا البحث مفصّلا ، فلذا خصّ الكلام هنا بما عداهما ، لا للفرق بين ولايتهما وبين سائر الأولياء من الفقهاء والعدول.

ولعلّ المصنف استظهر عدم شمول «الولي» في عبارة القواعد للأب والجد ، بقرينة التعليل بقوله : «لأنه منصوب لها – أي لرعاية مصلحة المولّى عليه» (٢) بأن يقال : إنّ ولاية الأب والجد قهرية لا تتوقف على النصب ، بخلاف الوصي والفقيه وعدول المؤمنين.

وهذا المعنى ذكره السيد العلامة في العناوين جازما به ، حيث قال : «لكن كلام الأصحاب في اشتراط المصلحة في تصرف الولي مطلق. نعم ذكر عدم اشتراطها في الإجباري الشهيد رحمه‌الله في قواعده» (٣).

والظاهر أنّ منشأ النسبة هو ما سيأتي نقله من القواعد ، إذ لم جد تعرّضه لهذا

__________________

(١) القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٣٥١.

(٢) المصدر ، ص ٣٥٢.

(٣) العناوين ، ج ٢ ، ص ٥٦٠.


ولكن ظاهر كثير من كلماتهم أنّه (١) لا يصحّ إلّا مع المصلحة ، بل في مفتاح الكرامة : «أنّه إجماعي» (١).

وأنّ (٢) الظاهر من التذكرة في باب الحجر كونه اتفاقيّا بين المسلمين (٣).

وعن شيخه (٤) في شرح القواعد : «أنّه (٥) ظاهر الأصحاب».

وقد عرفت (٦) تصريح الشيخ والحلّي بذلك حتّى في الأب والجدّ (٢).

______________________________________________________

البحث في موضع آخر منه. ولكن قد عرفت في أوّل بحث الولاية أنّ نفوذ تصرف الأب والجدّ ـ كغيرهما ـ منوط بالجعل ، ولا يكفي تكوّن الولد منهما في ولايتهما عليه قهرا وإجبارا.

(١) أي : تصرف غير الأب والجدّ ـ من الفقهاء وعدول المؤمنين في مال اليتيم ـ لا يصح إلّا مع المصلحة ، بل ذكر السيد في مفتاح الكرامة : أنّ اعتبار ملاحظة المصلحة إجماعي.

(٢) معطوف على قوله : «إنّه إجماعي».

(٣) يعني : بين جميع المسلمين ، لا خصوص الشيعة.

(٤) أي : شيخ السيد صاحب مفتاح الكرامة ، وهو الفقيه الجليل الشيخ جعفر النجفي كاشف الغطاء قدس‌سره (٣).

(٥) أي : اشتراط ملاحظة المصلحة ظاهر الأصحاب.

(٦) يعني : في بحث ولاية الأب والجدّ. أمّا تصريح الشيخ فهو ما نقل عنه المصنف في (ص ٩٧) بقوله : «فقد صرّح به في محكي المبسوط ، حيث قال : ومن يلي أمر الطفل والمجنون خمسة .. إلخ».

وأمّا تصريح ابن إدريس فعند نقله عنه في (ص ٩٨) : «وقال الحلّي في السرائر :

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢١٧.

(٢) تقدمت المصادر في ص ٩٦ و ٩٩ و ١٠٠ فراجع.

(٣) شرح القواعد ، ص ٧١ (مخطوط).


ويدلّ عليه (١) ـ بعد ما عرفت (٢) من أصالة عدم الولاية لأحد على أحد ـ عموم (٣) قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١).

وحيث إنّ توضيح معنى الآية على ما ينبغي لم أجده (٤) في كلام أحد من المتعرّضين لبيان آيات الأحكام ، فلا (٥) بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام (٦) ، فنقول : إنّ القرب في الآية يحتمل معاني أربعة :

الأوّل : مطلق (٧) التقليب والتحريك حتّى من مكان إلى آخر ، فلا يشمل مثل إبقائه على حال أو عند أحد.

______________________________________________________

لا يجوز للوليّ التصرف في مال الطفل» الى آخر عبارته.

(١) أي : ويدلّ على اشتراط ملاحظة الغبطة لليتيم بعد الأصل ـ وهو أصالة عدم الولاية لأحد على أحد ـ عموم قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) على ما سيأتي من توضيح الاستدلال به إن شاء الله تعالى.

(٢) يعني في قوله في (ص ١٣٠) : «مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد بشي‌ء من الوجوه ..».

(٣) فاعل قوله : «يدل» وهذا دليل اشتراط ملاحظة المصلحة لليتيم.

(٤) خبر «أنّ توضيح».

(٥) جواب الشرط في «وحيث إنّ».

(٦) أي : مقام الاستدلال بالآية المباركة على اشتراط ملاحظة الغبطة في مال اليتيم.

وقد فصّل المصنف قدس‌سره البحث حول الآية الشريفة بالنظر في مقامين : أحدهما : مقام الثبوت وما يتطرق من الاحتمالات فيها ، وهي ستة عشر احتمالا ، وثانيهما : مقام الإثبات والاستظهار.

والبحث في المقام الأوّل يتم بالنظر في كلمتين ، وهما : القرب و «الأحسن» كما سيظهر إن شاء الله تعالى.

(٧) المراد به ـ بعد عدم إرادة القرب المكاني ـ مطلق الأمر الوجودي المتعلّق بمال

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ٣٤.


الثاني (١) وضع اليد عليه (٢) بعد أن كان بعيدا عنه ومجتنبا ، فالمعنى : تجنّبوا عنه ولا تقربوه إلّا إذا كان القرب أحسن ، فلا يشمل (٣) حكم ما بعد الوضع.

الثالث (٤) ما يعدّ تصرّفا عرفا ـ كالاقتراض والبيع والإجارة وما أشبه ذلك (٥) ـ فلا يدلّ (٦) على تحريم إبقائه بحاله تحت يده

______________________________________________________

اليتيم ، وإن كان مجرّد نقله من مكان الى آخر ، فيندرج فيه كل تصرف خارجي كالأكل والشرب واللبس وغيرها ، واعتباريّ كالبيع والإجارة ونحوهما. ولا يشمل التقليب الأمر العدمي كإبقاء المال على ما هو عليه وصفا ومكانا ، وعدم تعلق فعل به ، إذ التقليب أمر وجودي ، ولا يشمل العدمي ، وهو ترك القرب حتى لو ترتب تضرر اليتيم على هذا الترك ، لفرض اختصاص المدلول بالتقليب والتصرف.

(١) توضيحه : أنّ الأقرب إلى القرب المكاني ـ الذي لا يراد قطعا ـ هو مسّه ووضع اليد عليه. ويراد التصرف العرفي المحرّم بالأولوية ، إذ حرمة ما لا يعدّ تصرفا عرفا تستلزم حرمة ما يعد تصرفا عرفا بطريق أولى.

(٢) هذا الضمير وضمائر «لا تقربوه ، عنه» في الموضعين راجعة إلى مال اليتيم.

(٣) يعني : فلا يشمل قوله تعالى «وَلا تَقْرَبُوا» حكم ما بعد الوضع. وجه عدم شموله له : أنّ المنهي عنه هو الوضع ، واستفادة حكم ما بعد الوضع محتاجة إلى دليل آخر.

هذا لكنك قد عرفت إمكان استفادته بالأولوية.

ثم إنّ المعنى الأوّل أعمّ من الثاني ، لأنّ التقليب أعم من التصرف العرفي وغيره. بخلاف مجرّد وضع اليد عليه ، فإنّه ليس تصرفا عرفا.

(٤) حاصل هذا الاحتمال : أنّ المراد بالقرب المنهي عنه هو التصرف العرفي ، والظاهر أنّه أعم من الاعتباري كالأمثلة المذكورة في المتن ـ من الاقتراض والبيع والإجارة ـ والخارجي كالأكل والشرب واللبس والافتراش.

(٥) كالمضاربة والمزارعة والمساقاة.

(٦) يعني : فلا يدل قوله تعالى «وَلا تَقْرَبُوا» على تحريم إبقائه بحاله ، لأنّ الإبقاء


ـ إذا كان التصرّف فيه (١) أحسن منه ـ إلّا بتنقيح المناط.

الرابع (٢) مطلق الأمر الاختياريّ المتعلّق بمال اليتيم ، أعمّ (٣) من الفعل (٤) والترك (٥) ، والمعنى : لا تختاروا في مال اليتيم ـ فعلا أو تركا ـ إلّا ما كان أحسن من غيره. فيدلّ (٦) على حرمة الإبقاء

______________________________________________________

ـ وهو ترك التصرف ـ أمر عدمي ، وليس أمرا وجوديّا. كما أنّه لا يدلّ على وجوب القرب إليه بوجه أحسن ، لأنّ مدلوله عدم جواز القرب إلى مال اليتيم بوجه غير أحسن.

والحاصل : أنّ الآية الشريفة لا تدلّ على وجوب التصرف في مال اليتيم ـ إذا كان أحسن من تركه ـ إلّا بتنقيح المناط ، بأن يقال : إنّ مناط التصرف في مال اليتيم هو ملاحظة المصلحة ، فإن كان بيعه أحسن من الإجارة مثلا وجب بيعه ، وإن كان بيعه أحسن من إبقائه بحاله تحت يده وجب البيع أيضا.

(١) أي : التصرف في مال اليتيم أحسن من الإبقاء بحاله تحت يده.

(٢) محصل هذا الاحتمال الرابع هو : أنّ المراد بالقرب المنهي عنه مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم سواء أكان فعلا اعتباريّا كالبيع والإجارة ، أم خارجيا كالأكل والشرب واللبس ، أم أمرا عدميا كإبقاء مال اليتيم بحاله تحت يده.

والحاصل : أنّ المراد بالقرب في الاحتمال الرابع هو كل أمر اختياري وجودي أو عدمي متعلق بمال اليتيم. والمراد بالعدمي ما يرجع إلى الوجودي كالإبقاء والاستمرار ، إذ لا جامع بين الوجود والعدم.

ثم إنّ هذا المعنى الرابع أعم من جميع المعاني الثلاثة المتقدمة ، لشموله لكلّ من الوجودي والعدمي ، والتصرف الخارجي والاعتباري.

(٣) حال من «الأمر الاختياري».

(٤) سواء أكان خارجيا كالأكل والشرب أم اعتباريا كالبيع كما تقدم آنفا.

(٥) كإبقاء مال اليتيم بحاله تحت يده.

(٦) يعني : فيدلّ النهي في «لا تقربوا» بالدلالة اللفظية على حرمة الإبقاء في الفرض المزبور ، وليست دلالته بتنقيح المناط الذي هو جهة الدلالة في المعنى الثالث.


في الفرض المذكور (١) ، لأنّ (٢) إبقاءه قرب له بما ليس أحسن.

وأمّا لفظ «الأحسن» (٣) في الآية ، فيحتمل (٤) أن يراد به ظاهره من التفضيل ، ويحتمل (٥) أن يراد به الحسن.

وعلى الأوّل (٦)

______________________________________________________

(١) وهو كون التصرف في مال اليتيم أحسن من إبقائه بحاله.

(٢) تعليل للنهي عن الإبقاء تحت اليد ، وحاصله : أنّ الإبقاء قرب للمال بما ليس أحسن ، وهو حرام.

(٣) بعد أن بيّن محتملات القرب أراد أن يذكر محتملات «الأحسن» حتى يظهر تقريب الاستدلال بالآية المباركة ، ومحتملاته أربعة أيضا كما سيظهر.

(٤) هذا أحد المعاني المحتملة في كلمة «الأحسن» وحاصله : أن يراد ما هو ظاهره من التفضيل.

(٥) هذا ثاني معاني «الأحسن» وهو إرادة معناه منسلخا عن التفضيل ، وهو الحسن. فكأنّه قيل : «ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالكيفية التي هي حسنة». وهذا التجريد هو ما أفاده المحقق نجم الأئمة الشارح الرضي الأسترابادي قدس‌سره بقوله : «واعلم أنّه يجوز استعمال ـ أفعل ـ عاريا عن اللام والإضافة ومن ، مجرّدا عن معنى التفضيل ، مؤوّلا باسم الفاعل والصفة المشبهة ، قياسا عند المبرّد وسماعا عند غيره ، وهو الأصح .. وتقول : الأحسن والأفضل بمعنى الحسن والفاضل» (١).

(٦) وهو إرادة التفضيل من كلمة «أحسن» ومحصله : أنّه بناء على إرادة معنى التفضيل من كلمة «أحسن» يحتمل وجهان في المفضّل عليه :

أحدهما : أن يكون ذلك ترك الأحسن ، بمعنى كون بيع مال اليتيم أحسن من تركه.

ثانيهما : أن يكون المفضّل عليه أعم من تركه وغيره من التصرفات ، كما إذا كان بيع

__________________

(١) شرح الكافية في النحو ، ج ٢ ، ص ٢١٧ ، المطبوعة بطهران بالاوفست على طبعة عام ١٣١٦.


فيحتمل (١) التصرّف الأحسن من تركه ، كما يظهر من بعض ، ويحتمل (٢) أن يراد به ظاهره وهو الأحسن مطلقا من تركه ومن غيره من التصرّفات.

______________________________________________________

مال اليتيم أحسن بقول مطلق ، بأن يكون أحسن من تركه ومن كلّ تصرف غير البيع.

(١) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل الذي تقدّم بقولنا : «أحدهما أن يكون ذلك ترك الأحسن».

وهذا الاحتمال حكاه الفاضل النراقي قدس‌سره بقوله : «قيل» (١).

ويظهر من صاحب الجواهر قدس‌سره اختياره ، حيث إنّه بعد نفي إرادة ما هو الأحسن بقول مطلق ـ أي الفرد الأعلى من التصرف الذي لا أحسن منه ، ضرورة اقتضاء ذلك تعطيل مال الطفل ، إذ ما من حسن إلّا وهناك أحسن منه ـ قال : «بل المراد مطلق الأحسن من عدم القرب». ثم جعل لازمه التخيير بين أفراد التصرف وإن تفاوتت من حيث كون بعضها صالحا وبعضها أصلح ، فراجع (٢).

(٢) معطوف على قوله : «فيحتمل» في قوله : «فيحتمل التصرف» وهذا إشارة إلى الوجه الثاني المتقدم آنفا بقولنا : «ثانيهما أن يكون المفضّل عليه أعم من ..».

ويظهر من الفاضل النراقي قدس‌سره اختيار هذا الاحتمال ، من باب الجمع بين الآية الشريفة وما دلّ على جواز بيع الحاكم ، حيث إنّ الآية خصّصت بالمخصص المجمل المنفصل ـ وهو دليل ولاية الحاكم ـ ولم يعلم أنّ الخارج من الآية هو الأكثر أعني به التصرف الأولى من الترك حتى يكتفى بأصل وجود المصلحة في التصرف ، أم أنّ الخارج هو الأقل وهو التصرف الأحسن مطلقا أي : من الترك ومن سائر أفراد التصرف ، فراجع العوائد متأملا في العبارة (٣).

__________________

(١) عوائد الأيام ، ص ٥٦٠ ، والظاهر أن القائل هو المحقق الأردبيلي في زبدة البيان ، ص ٣٩٤.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ١٦١.

(٣) عوائد الأيام ، ص ٥٦١.


وعلى الثاني (١) ، فيحتمل أن يراد ما فيه مصلحة ، ويحتمل (٢) أن يراد به ما لا مفسدة فيه ، على ما قيل (٣) من أنّ أحد معاني الحسن ما لا حرج في فعله.

ثم (٤) إنّ الظاهر من احتمالات «القرب»

______________________________________________________

(١) معطوف على «وعلى الأول» توضيحه : أنّه بناء على الاحتمال الثاني ـ وهو تجريد الأحسن عن معنى التفضيل ـ يحتمل أيضا فيه وجهان :

أحدهما : أن يراد به ما فيه مصلحة وإن كان هناك ما هو أصلح منه ، كما إذا بيع مال اليتيم بثمن رابح ، مع إمكان بيعه بثمن أزيد منه.

وثانيهما : أن يراد به ما لا مفسدة فيه ، كما إذا كان في بيع مال اليتيم مصلحة ، وفي إجارته عدم المفسدة. فعلى الاحتمال الثاني ـ وهو عدم المفسدة ـ تجوز إجارته ولا يجب البيع. وعلى الاحتمال الأوّل يجب البيع ولا تجوز الإجارة.

(٢) معطوف على «فيحتمل» وإشارة إلى الوجه الثاني الذي تقدم بقولنا : «وثانيهما : أن يراد به ما لا مفسدة فيه ..» ، هذا.

ثمّ إنّ الاحتمالات الحاصلة من ضرب أربعة «القرب» في أربعة «الأحسن» ستة عشر احتمالا.

(٣) لعلّ مقصوده ما حكاه الشهيد الثاني قدس‌سره عن الجمهور في معنى الحسن والقبيح ، من قوله : «أو أنّ ما نهى الشارع عنه فهو قبيح ، وإن لم ينه عنه فهو حسن ، سواء أمر به كالواجب والمندوب ، أم لا كالمباح» (١).

وعلى هذا فلو انسلخ «الأحسن» في الآية المباركة عن التفضيل ، ولم يعتبر في صدقه النفع والمصلحة ، كفى فيه عدم استلزام التصرف في مال اليتيم للمفسدة ، فيجوز القرب فيما يخلو من النفع والضرّ. هذا كله ما يتعلق بالمقام الأوّل وهو بيان محتملات الآية المباركة.

(٤) بعد بيان الاحتمالات الراجعة إلى كلمة القرب والأحسن ثبوتا أراد أن يبيّن مقام الإثبات والاستظهار ، ومحصل ما أفاده هو : أنّ الظاهر من الاحتمالات المذكورة للقرب هو المعنى الثالث أعني به التصرف عرفا. ومن احتمالات «الأحسن» هو الاحتمال

__________________

(١) تمهيد القواعد ، ص ٤١ ، القاعدة : ٥.


هو الثالث (١) ، ومن احتمالات «الأحسن» هو الاحتمال الثاني (٢) ، أعني التفضيل المطلق (٣).

وحينئذ فإذا (٤) فرضنا أنّ المصلحة اقتضت بيع مال اليتيم ، فبعناه بعشرة دراهم ، ثمّ فرضنا أنه لا يتفاوت لليتيم إبقاء الدراهم أو جعلها دينارا ، فأراد الوليّ جعلها دينارا ، فلا يجوز ، لأنّ هذا التصرّف (٥) ليس أصلح من تركه ، وإن (٦) كان

______________________________________________________

الثاني أعني به التفضيل المطلق. فالمعنى حينئذ : «لا تتصرّفوا في مال اليتيم بالبيع ونحوه إلّا إذا كان ذلك التصرف أحسن من غيره. سواء أكان ذلك الغير الذي هو المفضّل عليه تركه أم تصرفا آخر» فإذا فرض كون التصرف البيعي أحسن من إبقاء مال اليتيم الذي هو ترك البيع كان إبقاؤه حراما ، إذ المفروض كون بيعه أحسن من غيره ، سواء أكان ذلك الغير إبقاء أم تصرفا كالإجارة والقرض والمضاربة وغيرها.

(١) وهو الذي أفاده في (ص ٢٥٠) بقوله : «الثالث : ما يعدّ تصرّفا عرفا كالاقتراض».

(٢) أي : الاحتمال الثاني من الاحتمالين المتطرقين في الاحتمال الأوّل ، وهو قوله : «ويحتمل أن يراد ظاهره وهو الأحسن مطلقا من تركه ومن غيره من التصرفات».

(٣) وهو أن يكون المفضّل عليه أعم من تركه ومن غيره من الأضداد الوجودية.

(٤) أي : وحين كون القرب بمعنى التصرف وكون الأحسن بمعنى التفضيل المطلق ، فإذا .. إلخ. وغرضه بيان ما يتفرع على الاستظهار من الكلمتين ، وحاصله : أنّه إذا اقتضت المصلحة بيع مال اليتيم ، فبيع بعشرة دراهم ، وفرض عدم التفاوت بحال اليتيم بين إبقاء الدراهم وبين تبديلها بدينار ، وأراد الولي إبدالها بدينار ، لم يجز هذا التبديل ، لأنّه تصرف ليس أصلح من تركه. إذ المفروض عدم التفاوت لليتيم بين الدراهم والدينار.

(٥) وهو جعل الدراهم العشرة دينارا ، وقوله : «لأنّ» تعليل لعدم جواز تبديل الدراهم بدينار ، وقد مرّ تقريبه بقولنا : «لأنّه تصرف وليس أصلح من تركه .. إلخ».

(٦) وصلية ، وكأنّه دفع توهم ، وهو : أنّه إذا كان بيع مال اليتيم بالدينار من أوّل الأمر جائزا ، فلا مانع من جعل مال اليتيم دينارا في المعاملة الثانية أيضا. هذا


يجوز لنا من أوّل الأمر بيع المال بالدينار ، لفرض (١) عدم التفاوت بين الدراهم والدينار بعد تعلّق المصلحة بجعل المال نقدا.

أمّا (٢) لو جعلنا الحسن بمعنى ما لا مفسدة فيه (٣) ، فيجوز.

وكذا (٤) لو جعلنا القرب بالمعنى الرابع ، لأنّا إذا فرضنا أنّ القرب يعمّ إبقاء

______________________________________________________

هذا تقريب التوهم.

وأمّا دفعه فهو : أنّ المصلحة اقتضت تبديل مال اليتيم الذي كان عروضا بالدراهم. وأمّا تبديل الدراهم بالدينار فليس فيه مصلحة ، فلا يجوز ، لأنّه أيضا معاملة جارية في مال اليتيم يتوقف صحتها على المصلحة ، والمفروض عدمها ، لما مرّ من مساواة الدينار والدراهم. وعدم التفاوت بينهما لليتيم.

(١) تعليل لجواز بيع المال ابتداء بالدينار ، وحاصله : وجود المصلحة في تبديل العروض بالنقد ، وهو الجامع بين الدرهم والدينار فيجوز. وبعد حصول التبديل بأحد الفردين ـ وهي الدراهم ـ وعدم المصلحة في تبديل هذا الفرد من جامع النقد بفرده الآخر وهو الدينار لا يجوز هذا التبديل الثاني الذي هو معاملة جديدة ، لتوقف صحتها على المصلحة المفقودة بالفرض.

(٢) غرضه أنّه يجوز تبديل الدراهم بالدينار بناء على جعل «الحسن» بمعنى ما لا مفسدة فيه ، بداهة أنّه يجوز تبديل الدراهم بالدينار في المثال المذكور ، فيجوز التبديل حينئذ.

(٣) وهو ما أفاده بقوله في (ص ٢٥٤) :«ويحتمل أن يراد به ما لا مفسدة فيه».

(٤) يعني : وكذا يجوز تبديل الدراهم العشرة بالدينار بناء على جعل «القرب» بالمعنى الرابع ، وهو مطلق الأمر الاختياري المتعلّق بمال اليتيم. والوجه في ذلك تعليله بقوله : «لأنّا إذا فرضنا ..».

وحاصله : أن القرب حسب الفرض يعمّ إبقاء مال اليتيم على حاله ، كما هو مقتضى الاحتمال الرابع من محتملات القرب ، فيجوز تبديل الدراهم بالدينار ، إذ المفروض كون «الأحسن» جعل المال العروض نقدا ، من غير فرق بين فرديه وهما الدينار


مال اليتيم على حاله كما هو الاحتمال الرابع (١) ، فيجوز (٢) التصرّف المذكور (٣) ، إذ (٤) بعد كون «الأحسن» هو جعل مال اليتيم نقدا ، فكما أنّه مخيّر في الابتداء (٥) بين جعله دراهم أو دينارا ، لأنّ (٦) القدر المشترك (٧) أحسن من غيره ، وأحد الفردين فيه (٨) لا مزيّة لأحدهما (٩) على الآخر ، فيخيّر ، فكذلك (١٠ بعد جعله دراهم إذا كان كلّ من

______________________________________________________

والدرهم. ولذا كان الولي من أوّل الأمر مخيّرا بين بيع مال اليتيم بالدرهم أو الدينار. وهذا التخيير باق بعد التبديل بالدرهم ، فيجوز حينئذ بيع الدراهم بالدينار ، لعدم تفاوت في تبديل مال اليتيم بين الدراهم والدينار.

(١) وهو كل أمر اختياري متعلّق بمال اليتيم ، سواء أكان فعلا أم تركا ، وهو إبقاء المال على حاله من دون تعلق فعل اختياري منه بالمال ، فالتبديل بالدينار إبقاء مال اليتيم ـ وهو النقد المشترك بين الدراهم والدينار ـ بحاله.

(٢) جواب الشرط في «إذا فرضنا».

(٣) وهو تبديل الدراهم بالدينار.

(٤) تعليل لجواز التصرف المذكور ، وقد اتّضح بقولنا : إذ المفروض كون الأحسن .. إلخ.

(٥) وهو بيع المال العروض بالدراهم.

(٦) تعليل لقوله : «فكما أنّه مخيّر في الابتداء».

(٧) المراد به النقد الجامع بين الدرهم والدينار ، فإنّ هذا القدر المشترك أحسن من غيره ، أي من غير القدر المشترك أعني به بيع العروض بمثله لا بالنقد.

(٨) أي : في القدر المشترك ، وهو عنوان النقد ، فإنّه لا مزيّة لأحد فرديه ـ وهما الدرهم والدينار ـ على الآخر.

(٩) كذا في النسخ ، والأولى تبديله ب «له».

(١٠) هذا معادل قوله : «فكما أنّه مخير» يعني : فكما أنّ الوليّ مخيّر في الابتداء ، فكذلك بعد جعل المال العروض دراهم ، إذا كان كلّ من إبقاء الدراهم وإبدالها بالدينار مصداقا للقرب بمعناه الرابع المتقدّم.


إبقاء الدراهم على حالها وجعلها دينارا قربا (١) ، والقدر (٢) المشترك أحسن من غيره ، فأحد (٣) [وأحد] الفردين لا مزيّة فيه على الآخر ، فهو مخيّر بينهما (٤).

والحاصل (٥) أنّه كلّما يفرض التخيير بين تصرّفين في الابتداء ، لكون القدر المشترك (٦) بينهما أحسن ، وعدم (٧) مزيّة لأحد الفردين ، تحقّق (٨) التخيير لأجل ذلك

______________________________________________________

(١) أي : قربا بالمعنى الرابع ، وهو تعلق كل أمر اختياري بمال اليتيم وإن كان تركا كإبقاء مال اليتيم بحاله.

(٢) معطوف على «كل» يعني : وكان القدر المشترك بين الدراهم والدينار أحسن من غيره.

(٣) كذا في نسختنا ، وفي بعض النسخ «وأحد» وهو أولى ، لكونه تتمة لأحسنيّة القدر المشترك ، لا نتيجة له ، وإنّما نتيجته قوله : «فهو مخيّر».

(٤) أي : بين الفردين من طبيعة النقد ، وهما الدراهم والدينار.

(٥) هذا خلاصة ما تقدم من استظهار الاحتمال الثالث أو الرابع في القرب ، واستظهار التفضيل المطلق في «الأحسن».

يعني : وحاصل الكلام في مثل بيع الدراهم بالدينار هو : أن أحسنية الجامع بين الفردين مع تساويهما ـ وعدم مزية لأحد فرديه على الآخر ـ كما توجب التخيير ابتداء بين الفردين ، كذلك توجبه استدامة.

فعلى هذا يجوز بيع الدراهم ـ التي كانت ثمنا لبيع المال العروض ـ بالدينار ، لكون الدينار فردا لطبيعة النقد التي كانت أحسن في بيع العروض بالدراهم. فأحسنية الجامع توجب استمرار التخيير وبقاءه. حتى بعد بيع العروض بالدراهم.

(٦) وهو جامع النقد المشترك بين الدراهم والدينار الذي كان بيع المال العروض به أحسن من بيعه بغير النقد.

(٧) معطوف على «لكون» يعني : لأحسنية القدر المشترك ، ولعدم مزية أحد فردي الجامع حتى يمنع ذلك عن التخيير.

(٨) جواب «كلما» يعني : تحقّق التخيير لأجل عدم المزية لأحد الفردين استدامة.


استدامة (١) ، فيجوز العدول من أحدهما بعد فعله (٢) إلى الآخر إذا كان العدول مساويا للبقاء بالنسبة إلى حال اليتيم ، وإن كان فيه (٣) نفع يعود إلى المتصرّف.

لكن (٤) الإنصاف أنّ المعنى الرابع للقرب مرجوح في نظر العرف بالنسبة إلى المعنى الثالث ، وإن (٥) كان الذي يقتضيه التدبّر (*) في غرض الشارع ومقصوده

______________________________________________________

(١) أي : من حيث الاستدامة ، فهو تمييز ل «التخيير».

(٢) أي : بعد فعل أحدهما. والأولى أن يقال : بعد البيع به إلى الآخر إذا كان العدول من أحد الفردين كالدراهم إلى الفرد الآخر كالدينار مساويا لبقاء مال اليتيم ، بمعنى عدم تفاوت حال اليتيم بين تبديل ماله بالدراهم أو الدينار.

(٣) يعني : وإن كان في العدول عن أحد الفردين نفع يعود إلى المتصرف ، وهو المشتري للدراهم. كما إذا كان اشتراء متاع بالدراهم ذا ربح كثير.

(٤) استدراك على قوله : «وكذا لو جعلنا القرب بالمعنى الرابع» وحاصله : أنّ المعنى الرابع للقرب مرجوح في نظر العرف بالنسبة إلى المعنى الثالث الذي يقتضيه مناسبة الحكم للموضوع.

وعليه فالظاهر من احتمالات القرب هو المعنى الثالث أعني به التصرف العرفي.

(٥) وصليّة ، وقوله : «الذي» اسم «كان» وخبره جملة : «أن لا يختاروا» وغرضه : أنّ المعنى الرابع للقرب وإن كان مرجوحا في نظر العرف ، لكنّه قريب بالنظر إلى غرض الشارع ومقصوده في التصرف في مال اليتيم ، فغرض الشارع أن لا يختاروا في أمر مال اليتيم شيئا من الفعل والترك إلّا ما كان أحسن من غيره.

فيستفاد من قول المصنف قدس‌سره «وان كان الذي يقتضيه التدبر .. إلخ» ميلة إلى المعنى الرابع من معاني القرب ، لموافقته لغرض الشارع بعد أن جعله مرجوحا في نظر العرف.

__________________

(*) لكن مجرد هذا التدبر لا يوجب المصير إلى المعنى الرابع ما لم يكن اللفظ ظاهرا فيه عرفا ، إلّا إذا قام دليل على ذلك ، ولو كان ذلك قرينة عقلية حافّة بالكلام.


من مثل هذا الكلام (١) أن لا يختاروا في أمر مال اليتيم إلّا ما كان أحسن من غيره.

نعم (٢) ، ربما يظهر من بعض الروايات أنّ مناط حرمة التصرّف هو الضرر ، لا أنّ مناط الجواز هو النفع.

ففي حسنة الكاهلي ، قال (٣) لأبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّا لندخل (٤) على أخ لنا في بيت أيتام ، ومعه خادم لهم ، فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ، ويخدمنا خادمهم (٥) ، وربما طعمنا فيه (٦) الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك؟ قال عليه‌السلام (٧) : إن كان في دخولكم عليهم (٨) منفعة لهم فلا بأس ، وإن كان فيه

______________________________________________________

(١) وهو قوله سبحانه (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فعلى هذا يكون غرض الشارع ومقصوده المعنى الرابع للقرب.

(٢) استدراك على ما مال إليه من اعتبار المصلحة ـ وهي التفضيل المطلق ـ في مال اليتيم ، وعدول عنه ، واختيار للمعنى الثاني من معاني القرب ، وهو اعتبار عدم المفسدة.

والوجه في هذا الاستدراك هو ما يظهر من بعض الروايات كحسنة الكاهلي ورواية ابن المغيرة من كون مناط حرمة التصرف في مال اليتيم هو الضرر ، فجواز التصرف منوط بعدم المفسدة لا وجود المصلحة.

(٣) كذا في نسختنا ، ولكن في الوسائل : «قال : قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام».

(٤) كذا في نسختنا ، وفي الوسائل : «ندخل».

(٥) هذا الضمير وضمائر «لهم ، بساطهم ، مائهم» راجعة إلى «أيتام».

(٦) أي : في بيت الأيتام ، وضمير «وفيه» راجع الى الطعام ، يعني : وفي طعام صاحبنا شي‌ء من طعام الأيتام.

(٧) كذا في النسخة ، وفي الوسائل : «فقال».

(٨) أي : إن كان في دخولكم على الأيتام منفعة لهم فلا بأس ، وإن كان في دخولكم على الأيتام ضرر عليهم ففيه بأس.


ضرر فلا» الحديث (١) (١).

بناء (٢) على أنّ المراد من منفعة الدخول

______________________________________________________

(١) وتتمة الحديث : «وقال عليه‌السلام : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) ، فأنتم لا يخفى عليكم ، وقد قال الله عزوجل (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ).

(٢) غرضه أنّ الاستدلال بهذه الحسنة على كون مناط حرمة التصرف هو الضرر أي المفسدة ـ دون أن يكون مناط الجواز وجود النفع ـ مبنيّ على أن يراد من منفعة الدخول على الأيتام ما يساوي عوض ما يتصرفونه من مال اليتيم ، إذ لو أريد بها ما هو أزيد ممّا يساويه لكان دليلا على اعتبار المصلحة ، لا على كفاية عدم المفسدة كما هو المقصود. فيراد بالذيل «وإن كان فيه ضرر فلا» عم مساواة المال الذي يبذله المتصرفون للمال الذي تصرفوه من الأيتام.

فالمراد بالصدر المساواة لمال الأيتام ، وبالذليل عدم المساواة له. فلا تنافي بين الصدر والذيل ، إذ التنافي بينهما مبني على إرادة المنفعة من الصدر ، وعدم كفاية عدم الضرر ، وإرادة الضرر من الذيل ، وإناطة حرمة التصرف بالضرر ، فيتعارض الصدر والذّيل في تصرّف لا يضرّ ولا ينفع ، إذ مقتضى حرمة التصرف عدم جوازه ، لعدم المنفعة ، ومقتضى الذيل جوازه ، لعدم الضرر ، فلا يصح الاستدلال بهذه الرواية على هذا المورد.

وبعبارة أخرى : انّ جوابه عليه‌السلام مؤلف من جملتين شرطيتين :

إحداهما : قوله عليه‌السلام : «ان كان في دخولكم منفعة لهم فلا بأس» وهي ظاهرة في إناطة جواز الأكل من مال اليتيم بوصول نفع إليه. ومفهومها وجود البأس عند عدم عود النفع والزيادة في المال ، سواء أكان العائد إلى اليتيم مساويا لما أكله القيّم أم أقل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ژ ٧ ص ١٨٤ ، الباب ٧١ من أبواب ما يكتسب به ، ح ١ رواه ثقة الإسلام في الكافي عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، قال : «قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام .. إلخ» ولا ريب في صحة السند إلى عبد الله. والتعبير بالحسنة لأجل كونه إماميا ممدوحا بما لم يبلغ حدّ الوثاقة ، كقول النجاشي : «كان عبد الله وجها عند أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، ووصّى به علي بن يقطين .. إلخ» مضافا إلى رواية بعض أصحاب الإجماع عنه ، فلاحظ ترجمته في معجم رجال الحديث ، ج ١٠ ، ص ٣٧٩


.................................................................................................

______________________________________________________

وثانيتهما : قوله عليه‌السلام : «وإن كان فيه ضرر فلا» وهذه الشرطية ظاهرة في وجود البأس والمنع عن الأكل الموجب للنقص في مال اليتيم ، ومفهومها جواز الأكل غير المضرّ بحاله ، سواء أكان ما يعود إلى اليتيم من البدل مساويا لذلك الطعام أم أزيد.

ثم إن في قوله عليه‌السلام في الصدر ـ وهو أولى الشرطيتين ـ «ان كان في دخولكم عليهم منفعة» احتمالين :

الاحتمال الأوّل : أن يكون المنفعة الواردة ما يقابل النقص والضرر ، سواء أكان هناك زيادة أم لا ، فكأنّه عليه‌السلام قال : «إن كان ما تبذلونه لليتيم بدل الطعام وخدمة خادمهم لا يقلّ ماليّته عمّا طعمتوه فلا بأس» وعلى هذا يكون مفهوم الجملة الشرطية : وجود البأس في مورد واحد ، وهو كون البدل الواصل الى اليتامى أقلّ ممّا صرفه القيّم من طعامهم. وهذا المفهوم مطابق لمنطوق الشرطية الثانية الحاكمة بالبأس في مورد تضرّر اليتيم.

وبناء على هذا الاحتمال يتّجه ما أراده المصنف قدس‌سره من أن حسنة الكابلي تدل على كفاية عدم الإفساد في مال اليتيم في جواز التصرف ، وتوجب ترجيح الاحتمال الرابع في الحسن ، وهو ما لا حرج ولا قبح فيه.

الاحتمال الثاني : أن يكون «النفع» بمعنى خصوص الزيادة ، لا المساوي ، فمعنى المنطوق : جواز الأكل من مال اليتيم بشرط أن يعود منفعة إليه ، بأن يكون البدل أزيد ممّا استفادة القيّم من الطعام والخدمة.

وعليه يدلّ المفهوم على حرمة التصرف في صورتين :

إحداهما : كون المبذول مساويا لما انتفع به القيّم.

وثانيتهما : كونه أقلّ منه. وهذه الصورة الثانية موافقة لمنطوق الشرطيّة الثانية.

ولكن الصورة الأولى مخالفة له ، فيقع التعارض بين إطلاق مفهوم الشرطية الأولى المانع عن التصرّف لو لم ينتفع به اليتيم حتى في صورة المساواة. وبين مفهوم الشرطية الثانية الظاهر في جواز التصرّف غير المضرّ وإن لم ينتفع به.

وهذا الاحتمال الثاني يوجب إجمال الرواية ـ لو لم يرجّح أحد الاحتمالين على الآخر ـ ويتعيّن الرجوع إلى دليل آخر كإطلاق «الأحسن» في الآية المباركة.


ما يوازي (١) عوض ما يتصرّفون من مال اليتيم عند دخولهم ، فيكون المراد بالضرر في الذيل (٢) أن لا يصل (٣) إلى الأيتام ما يوازي ذلك ، فلا تنافي (٤) بين الصدر والذيل على ما زعمه بعض المعاصرين (٥) من أنّ الصدر دالّ على إناطة الجواز بالنفع ، والذيل (٦) دالّ على إناطة الحرمة بالضرر ، فيتعارضان في مورد يكون التصرّف غير نافع ولا مضرّ.

وهذا (٧) منه مبنيّ على أنّ المراد بمنفعة الدخول (٨) النفع الملحوظ بعد وصول

______________________________________________________

(١) أي : يساوي عوض ما صرفوه من طعام الأيتام في المالية. فإن كانت منفعة دخولهم على الأيتام مساوية لمالية ما انتفعوا به من طعام الأيتام جاز الدخول معهم ، وإلّا فلا يجوز الدخول معهم.

(٢) وهو «وإن كان فيه ضرر فلا».

(٣) خبر «فيكون» وقوله «ما يوازي» فاعل «لا يصل».

(٤) قد تقدّم تقريب المنافاة بقولنا : «إذ التنافي بينهما مبني على إرادة المنفعة».

(٥) وهو ـ كما في حاشية العلامة السيد الاشكوري قدس‌سره ـ صاحب الجواهر (١).

(٦) معطوف على «الصدر».

(٧) أي : التنافي بين الصدر والذيل بمن بعض المعاصرين مبنيّ على أن يراد بالمنفعة : الزائد على المال المساوي لمالية الطعام الذي تصرف فيه الداخلون على الأيتام. فمدلول الرواية حينئذ إناطة جواز التصرف في مال اليتيم بالمصلحة أي المنفعة ، وهي ما زاد على مالية مال اليتيم. فإذا كانت مالية الطعام الذي تصرّف فيه الداخلون على اليتيم درهما مثلا ، وبذل المتصرف فيه درهما ونصفا جاز ذلك. وإن لم يكن كذلك ، بأن كان مساويا لماليته ـ فضلا عن نقصان ماليته عنه ـ لم يجز ذلك.

(٨) أي : منفعة الدخول على الأيتام هو النفع الملحوظ زائدا على ما يوازي مال

__________________

(١) بغية الطالب ، ج ١ ، ص ١٣٠ ، لكن لم أظفر به في الجواهر في مظان التعرض له ، كالزكاة والبيع والقرض والرهن والوصية ولا بد من مزيد التتبع.


ما بإزاء مال اليتيم إليه (١) ، بمعنى (٢) أن تكون المنفعة في معاوضة ما (٣) يتصرّف من مال اليتيم بما (٤) يتوصّل (*) إليهم من ماله ، كأن يشرب ماء فيعطي فلسا بإزائه ، وهكذا (٥).

______________________________________________________

اليتيم ، كالنفع الملحوظ في المعاملات ، فإنّ المراد به ما يزيد على رأس المال.

(١) متعلق ب «وصول» وضميره راجع إلى اليتيم.

(٢) هذا مفسّر لقوله : «ان المراد بمنفعة الدخول .. إلخ» ومحصله : كون المعاملة الواقعة بين ما يتصرّفون فيه من مال اليتيم ـ وبين المال الذي يبذله المتصرفون عوضا عنه ـ معاملات ذات منفعة ، كالمثال المتقدم آنفا ، وهو الدرهم والدرهم ونصفه.

(٣) أي : مال اليتيم كالماء في مثال المتن ، فإنه يتصرف فيه بالشرب ، وحاصله : أن تكون المعاوضة بين ما يتصرّفونه من مال اليتيم ـ وبين المال الذي يبذله المتصرفون بإزائه ـ معاملة نافعة كسائر المعاملات الرابحة.

(٤) متعلق ب «معاوضة» فكأنّه قيل بمعاوضة الماء بالفلس ، يعني : مع فرض أكثرية مالية الفلس من مالية الماء.

(٥) يعني : وهكذا بقية أموال اليتيم من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها.

__________________

(*) لا تخلو العبارة من سوء التأدية ، فإنّ المقصود منها هو لحاظ المنفعة في المعاوضة بين الماء الذي هو مال اليتيم وبين الفلس الذي هو مال الشارب. فحقّ العبارة أن تكون هكذا : في معاوضة ما يتصرّف من مال اليتيم كالماء بالفلس الذي يصل إلى اليتيم من مال المتصرف وهو الشارب في المثال.

وبالجملة : فلا بدّ أن تكون هذه المعاوضة ذات منفعة أي زائدة على رأس المال ، لا مساوية له.


وأنت خبير (١) بأنّه لا ظهور (٢) للرواية (*) حتّى يحصل التنافي.

وفي رواية (٣) ابن المغيرة : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ لي ابنة أخ يتيمة ، فربّما اهدي لها الشي‌ء فآكل منه ، ثمّ أطعمها بعد ذلك الشي‌ء من مالي ، فأقول : يا ربّ هذا

______________________________________________________

(١) غرضه دفع التعارض الذي زعمه بعض معاصري المصنف بين صدر الرواية وذيلها ، وقد تقدم تقريب التعارض في (ص ٢٦١) بقولنا : «إذ التنافي بينهما مبني على إرادة المنفعة من الصدر .. إلخ».

(٢) هذا دفع التعارض ، وحاصله : أنّه لا ظهور في قوله عليه‌السلام : «إن كان في دخولكم عليهم منفعة» في اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم.

ولعلّ وجه منع الظهور هو التصريح بأحد فردي مفهوم الشرطية ـ أعني قوله عليه‌السلام : «وان كان فيه ضرر فلا» إذ لو أريد بالمنفعة المصلحة كان لمفهوم الشرطية فردان :

أحدهما : كون التصرف في مال اليتيم ضررا أي نقصا في ماله.

والآخر : عدم كون التصرف نافعا ولا ضارّا ، كما إذا بيع برأس المال ، فلا ربح ولا خسران.

والتصريح بالفرد الأوّل قرينة على إرادة عدم الضرر من المنفعة. فلا تهافت بين الصدر والذيل. هذا كلّه ما يتعلق بدلالة حسنة الكاهلي على كفاية عدم المفسدة. وستأتي الرواية الثانية.

(٣) معطوف على قوله : «ففي حسنة الكاهلي».

__________________

(*) منع الظهور خلاف الإنصاف ، فإنّ الاستعمالات المتعارفة تشهد بذلك ، إذ لا يقال : «إنّ معاملاتنا في هذه السنة كانت رابحة أو نافعة» إلّا إذا وقعت زائدة على رأس المال ، فلا بدّ في رفع اليد عن هذا الظهور من قرينة على عدم حجيته ، لا رفع اليد عن أصله ، مع انفصال القرينة.

ويمكن أن يدّعى كون غلبة النفع والضرر في المعاملات ، وندرة المعاملات الواقعة على رؤوس الأموال من غير زيادة ونقصان موجبة لعدم انعقاد الإطلاق في القضية الشرطية ،


بهذا (١) ، قال عليه‌السلام : لا بأس» (١).

فإنّ (٢) ترك الاستفصال عن مساواة العوض وزيادته يدلّ على عدم اعتبار الزيادة (*).

______________________________________________________

(١) كذا في النسخة ، وفي الوسائل : «بذا».

(٢) هذا تقريب الاستدلال بالرواية على عدم اعتبار المصلحة ، وكفاية عدم المفسدة في التصرف في مال اليتيم ، وحاصله : أنّ ترك الاستفصال من مساواة عوض ما أكله ـ ممّا أهدي إلى اليتيمة ـ وزيادته يدلّ على عدم اعتبار الزيادة ، وهو عدم المفسدة الذي أراده المصنف قدس‌سره من رواية أبي المغيرة.

__________________

حتى يشمل المعاملات التي لا تضرّ ولا تنفع كي يقع التعارض فيها بين الصدر والذّيل.

فاستظهار معاصر الشيخ من إرادة ظاهر المنفعة صحيح بدون لزوم التعارض المزبور ، لأنّ الغلبة تمنع من إرادة الإطلاق الناشئ من التعارض. فالرواية متكفلة لحكم قسمين من المعاملة ، وهما : المعاملة الرابحة ، والمعاملة الخاسرة ، وأنّ الجائز هو الرابحة ، والباطل هو الخاسرة.

(*) بل يدلّ على عدم اعتبار المساواة أيضا ، لشمول الإطلاق الناشئ عن ترك الاستفصال لجميع الصور ، من المساواة والزيادة والنقيصة.

إلّا أن يقال : إنّ ظهور «المعاوضة» المستفادة من قول السائل : «يا ربّ هذا بهذا» في صورة تساوي المالين ، أو أكثرية العوض من المعوّض في المالية يمنع شمول الإطلاق لصورة النقصان.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٨٤ ، الباب ٧١ ، من أبواب ما يكتسب به ، ح ٢ ، رواه ثقة الإسلام عن محمد ابن يحيى عن محمد بن الحسين ، عن ذبيان بن حكيم الأزدي ، عن علي بن المغيرة ، والتعبير بالرواية لضعفها من جهة ذبيان ، لعدم التوثيق وإن روى الثقات عنه.


إلّا (١) أن يحمل (*) على الغالب من (٢) كون التصرّف في الطعام المهدي إليها وإعطاء (٣) العوض بعد ذلك أصلح (٤) ، إذ (٥) الظاهر أنّ الطعام المهدي إليه (٦) [إليها] هو المطبوخ وشبهه.

وهل يجب (٧) مراعاة الأصلح أم لا؟ وجهان. قال الشهيد رحمه‌الله في القواعد :

______________________________________________________

(١) استدراك على قوله : «يدل» وحاصله : المنع عن دلالة ترك الاستفصال على عدم اعتبار الزيادة. ووجه المنع هو كون الغلبة مانعة عن الإطلاق الشامل لعدم الزيادة ، وذلك لأنّ الغالب كون العوض عن الطعام المطبوخ المهدي إلى اليتيمة أصلح وأزيد ممّا أكله. وهذه الغلبة تمنع الإطلاق الشامل لعدم الزيادة ، فترك الاستفصال لا يدلّ على عدم اعتبار الزيادة.

(٢) بيان للغالب ، وضمير «إليها» راجع إلى اليتيمة.

(٣) معطوف على «التصرف» والمشار إليه في «ذلك» هو التصرف.

(٤) خبر «كون التصرف».

(٥) تعليل للأصلحية ، فإنّ تعويض الطعام وشبهه من الفواكه أحسن ، لكونه في معرض الفساد.

(٦) كذا في نسختنا ، والصواب كما في بعض النسخ المصححة «إليها» لرجوع الضمير إلى اليتيمة.

(٧) هذا إغماض عن أمرين : أحدهما : ما استظهره من حسنة الكاهلي من كون المدار في حرمة التصرف هو الضرر ، وفي جوازه عدم الضرر.

ثانيهما : ما استظهره أوّلا بقوله : «ومن احتمالات الأحسن الاحتمال الثاني» وهو التفضيل المطلق المتقدم في (ص ٢٥٥) ، فبناء على اعتبار مصلحة المولّى عليه يتّجه الاستشهاد بذيل كلام الشهيد من وجوب مراعاة الأصلح وعدمه.

__________________

(*) لا يخفى أنّ الرواية ـ بناء على هذا الحمل ـ تكون على خلاف المطلوب أدلّ ، لأنّ مورد الرواية حينئذ هو أصلحية التصرف ، وعدم كفاية عدم المفسدة في جواز التصرف في مال اليتيم. وهو خلاف المقصود.


هل يجب على الوليّ مراعاة المصلحة في مال المولّى عليه ، أو يكفي نفي المفسدة؟ يحتمل الأوّل (١) لأنّه (*) منصوب لها ، ولأصالة (٢) بقاء الملك على حاله ، ولأنّ (٣) النقل والانتقال لا بدّ لهما من غاية ، والعدميّات (٤) لا تكاد (**) تقع غاية.

وعلى هذا (٥) هل يتحرّى الأصلح (٦) أم يكتفي بمطلق المصلحة؟

______________________________________________________

(١) وهو مراعاة المصلحة ، لوجوه :

أحدها : أنّ الولي منصوب لمراعاة مصلحة المولّى عليه. فإنّ المتيقن من ولايته المجعولة من قبل الشارع هو صورة كون تصرفه في مال المولّى عليه مصلحة له.

(٢) ثانيها : أنّ مقتضى الأصل العملي ـ وهو أصالة الفساد الجارية في العقود ـ هو بقاء ملك كلّ من العوضين على ملك مالكه في صورة عدم المصلحة ، وأنّ ملك المولّى عليه لم ينتقل عنه.

(٣) ثالثها : أنّ عدم المفسدة من الأعدام غير القابلة لأن تكون غاية للشي‌ء ، فلا يصلح أن يكون عدم المفسدة غاية لبيع مال اليتيم ، بل لا بدّ أن تكون الغاية أمرا وجوديّا.

(٤) التي منها عدم المفسدة ، فلا تقع غاية لشي‌ء من بيع وغيره.

(٥) أي : وبناء على اعتبار وجود المصلحة في التصرف في مال اليتيم هل تعتبر المرتبة العالية من المصلحة أم مرتبة ما منها؟

وبعبارة أخرى : هل تعتبر المصلحة المطلقة ، أم مطلق المصلحة؟

(٦) وهو المصلحة المطلقة ، وهذا مورد الاستشهاد بكلام الشهيد قدس‌سره لقوله :

__________________

(*) فيه ما أفاده المحقق القمي قدس‌سره من أنّه أوّل الدعوى ، وأنّ المسلّم كونه منصوبا لدفع المفسدة وحفظ ماله عن التلف (١).

(**) هذا في الأعدام المطلقة. وأمّا الأعدام المضافة ـ كعدم الخسارة في بيع مال

__________________

(١) جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٩٣ (الطبعة الحجريّة).


فيه (١) وجهان. نعم ، لمثل (٢) ما قلنا ، لا (٣) لأنّ (٤) ذلك لا يتناهى (*).

وعلى كلّ تقدير (٥) لو ظهر في الحال الأصلح والمصلحة ، لم يجز العدول عن الأصلح.

______________________________________________________

«وهل يجب مراعاة الأصلح؟».

(١) أي : في وجوب تحرّي الأصلح وجهان : أحدهما الوجوب ، والآخر عدمه.

(٢) هذا وجه وجوب تحرّي الأصلح المدلول عليه بقوله : «نعم» ومحصل هذا الوجه ـ المشار إليه بقوله : «لمثل ما قلنا» ـ هو ما ذكره من الوجوه الثلاثة لاعتبار أصل المصلحة بقوله : «لأنه منصوب لها ، ولأصالة بقاء الملك .. إلخ».

(٣) هذا معادل قوله : «نعم» فكأنه قيل : «فيه وجهان ، أحدهما : نعم يعني : يجب التحرّي ـ والآخر : لا ، يعني : لا يجب التحرّي للأصلح».

(٤) تعليل لقوله ، «لا» ومحصله : أنّ الأصلح من الكلّيات المشكّكة التي لا تتناهى أفرادها ، إذ الأصلح في هذا المكان شي‌ء ، وفي غيره شي‌ء آخر. وفي هذه المملكة شي‌ء ، وفي غيرها شي‌ء آخر ، وهكذا. فإنّ الأصلح يختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة ، فأفراد الأصلح غير متناهية عرفا.

(٥) أي : سواء قلنا باعتبار الأصلحية أم بكفاية أصل المصلحة يترتب عليه : أنّه لو ظهر الأصلح والمصلحة ـ كما إذا فرض أنّ مال المولّى عليه يباع بدينارين في مكان ، وبدينار في موضع آخر قريب منه ـ لم يجز العدول عن الأوّل إلى الثاني ، لكونه إفسادا لمال المولّى عليه ، أو لكون المعاملة سفهيّة.

__________________

يكون معرضا لتنزّل السعر ـ فتقع غاية ، فإنّ هذا العدم يكون غرضا وداعيا عقلائيا للبيع حتى لا يرد على المالك خسارة.

(*) مجرّد عدم التناهي العرفي ـ ما لم يصل إلى حدّ العسر والحرج ـ لا يسقط وجوب التحرّي شرعا. فلعلّ التعليل بالعسر أولى من التعليل بعدم التناهي. ولا يبعد أن يكون هذا الذي ذكرناه مراده قدس‌سره.


ويترتّب على ذلك (١) أخذ الوليّ بالشفعة للمولّى عليه حيث لا مصلحة ولا مفسدة (٢) ، وتزويج (٣) المجنون حيث لا مفسدة ، وغير ذلك» انتهى (١).

والظاهر (٤) أنّ فعل الأصلح ـ في مقابل ترك التصرّف رأسا ـ غير لازم ، لعدم الدليل عليه (٥). فلو (٦) كان مال اليتيم

______________________________________________________

(١) أي : على نزاع كفاية عدم المفسدة أو اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم ، فعلى القول بكفاية عدم المفسدة يجوز للولي الأخذ بالشفعة فيما إذا باع شريك اليتيم في الدار مثلا نصيبه منها على أجنبي.

وعلى القول باعتبار وجود المصلحة فيه لا يجوز للولي الأخذ بالشفعة إن لم يكن مصلحة له في الأخذ بالشفعة.

(٢) لصدق «عدم المفسدة» فيما لم يكن فيه صلاح وفساد.

(٣) معطوف على «أخذ» يعني : ويترتب على النزاع المذكور أيضا جواز تزويج الولي المجنون إن لم يكن فيه مفسدة ، بناء على كفاية عدم المفسدة. وعدم الجواز إن لم يكن فيه مصلحة بناء على اعتبار المصلحة فيه.

(٤) غرض المصنف قدس‌سره أنّ المراد بالأصلح ـ بناء على وجوبه ـ هو فعله ، في مقابل التصرفات الوجودية كالبيع والإجارة وغيرهما. وأما فعله في مقابل ترك التصرف فيه رأسا ـ بأن يبقى مال اليتيم عنده ، ولا يتصرف فيه ـ فغير لازم ، لعدم الدليل على فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف فيه رأسا.

نعم يتجه ذلك بناء على المعنى الرابع للقرب ، وهو عدم كل أمر اختياري ـ من فعل أو ترك ـ إلّا أن يكون أحسن من غيره.

(٥) أي : على فعل الأصلح ، في مقابل ترك التصرّف.

(٦) هذا متفرع على عدم لزوم فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف رأسا ، وحاصله : أنّه لو كان مال اليتيم موضوعا عند الولي ، وكان الاتّجار به أصلح من ترك

__________________

(١) القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٣٥٢ ، القاعدة : ١٣٣.


موضوعا عنده (١) ، وكان الاتّجار به أصلح منه ، لا يجب (٢) [لم يجب] إلّا إذا قلنا بالمعنى الرابع من معاني القرب في الآية ، بأن (٣) يراد : لا تختاروا في مال اليتيم أمرا من الأفعال أو التروك إلّا أن يكون (٤) أحسن من غيره.

وقد عرفت (٥) الإشكال في استفادة هذا المعنى ، بل (٦) الظاهر التصرّفات الوجوديّة ، فهي (٧) المنهيّ عن جميعها ، لا ما (٨) كان أحسن من غيره (٩) ومن الترك ،

______________________________________________________

التصرف ، لم يجب الاتّجار به إلّا بناء على القول بالمعنى الرابع من معاني القرب في آية (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) والمراد بالمعنى الرابع هو الذي تقدم في (ص ٢٥١).

(١) أي : عند الولي ، وضمير «به» راجع الى مال اليتيم.

(٢) جواب «فلو كان» وضمير «منه» راجع إلى ترك التصرف.

(٣) هذا بيان المعنى الرابع للقرب ، وقد تقدم توضيحه.

(٤) يعني : إلّا أن يكون ذلك الأمر المختار أحسن من غيره.

والحاصل : أنّه بناء على رابع معاني القرب يجب الاتّجار به ، ولا يجوز ترك التصرف.

(٥) يعني : ولكن قد عرفت الإشكال ـ في (ص ٢٥٩) بقوله : «لكن الإنصاف أنّ المعنى الرابع للقرب مرجوح .. إلخ» ـ في استفادة هذا المعنى الرابع للقرب.

لكنّه أيّده بقوله : «وإن كان الذي يقتضيه التدبر في غرض الشارع ومقصوده من مثل هذا الكلام .. إلخ».

(٦) يعني : بل الظاهر من المعاني الأربعة المتقدمة للقرب هو المعنى الثالث أعني التصرفات الوجودية ، لا ما هو أعمّ منها ومن الترك.

(٧) يعني : فالتصرفات الوجودية هي المنهيّ عنها ، لا كلّ أمر اختياريّ من فعل أو ترك.

(٨) معطوف على التصرّفات الوجوديّة.

(٩) أي : من الأمر الوجودي والترك ، بل الظاهر هو خصوص الأمور الوجودية.


فلا (١) يشمل ما إذا كان فعل أحسن من الترك.

نعم (٢) ثبت بدليل خارج حرمة الترك إذا كان فيه مفسدة.

وأمّا (٣) إذا كان في الترك مفسدة ، ودار الأمر بين أفعال ـ بعضها (٤) أصلح من بعض ـ فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه ، بل ربما يعدّ العدول (٥) في بعض المقامات إفسادا ، كما إذا اشتري في موضع بعشرة ، وفي موضع آخر قريب منه بعشرين ، فإنّه يعدّ بيعه في الأوّل إفسادا للمال ، [و] لو ارتكبه عاقل عدّ سفيها ليست فيه ملكة إصلاح المال.

______________________________________________________

(١) يعني : فلا يشمل ثالث معاني القرب ـ في قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وهي التصرفات الوجودية ـ ما إذا كان هناك فعل أحسن من الترك. فإذا كان بيع مال اليتيم أحسن من تركه ، لم يجب حينئذ العدول ، عن الترك إلى الفعل.

(٢) إشارة إلى دفع ما يتوهم في المقام ، وهو : أنّه إذا لم يشمل القرب الترك ، واختصّ بالتصرفات الوجودية ، فلازم ذلك جواز الترك وإبقاء مال اليتيم بحاله ، ولو كان في الترك مفسدة.

وحاصل دفع هذا التوهم : أنّ هذا الترك حرام بدليل آخر غير الآية الشريفة ، فإنّ جواز الترك الموجب للفساد ينافي تشريع الولاية ، إذ الغرض من تشريعها حفظ مال اليتيم ودفع المفسدة عنه.

(٣) غرضه أنّه إذا دارت الأصلحية بين التصرفات الوجودية مع كون الترك مفسدة فظاهر الآية ـ بناء على كون القرب في الآية المباركة بمعناه الثاني ، وهو التجنب وعدم القرب منه إلّا إذا كان القرب أحسن ـ عدم جواز العدول عنه.

(٤) الجملة مجرورة محلّا صفة ل «أفعال» وقوله : «فظاهر» جواب «وأمّا».

(٥) أي : يعدّ العدول عن بعض الأفعال في بعض المقامات إفسادا كمثال المتن ، وهو ما إذا اشتري مال اليتيم في موضع بعشرة دراهم ، وفي موضع آخر قريب منه بعشرين


وهذا (١) هو الذي أراده الشهيد بقوله : «ولو ظهر في الحال .. إلخ».

نعم (٢) قد لا يعدّ العدول من (٣) السفاهة ، كما لو كان بيعه مصلحة (٤) ، وكان بيعه في بلد آخر أصلح مع إعطاء الأجرة منه (٥) أن ينقله إليه ، والعلم (٦) بعدم الخسارة ، فإنّه قد لا يعدّ ذلك (٧) سفاهة.

______________________________________________________

درهما ، فإنّ بيعه بعشرة يعدّ إفسادا لمال اليتيم. ولو ارتكبه عاقل عدّ سفيها ، كما يعدّ البيع سفهيّا. وهذا خلاف الغرض من تشريع الولاية على اليتيم.

(١) أي : عدّ العدول عن الأصلح إلى المصلحة في بعض المقامات إفسادا لمال اليتيم هو المقصود من كلام الشهيد قدس‌سره في (ص ٢٦٩) بقوله : «وعلى كل تقدير لو ظهر في الحال الأصلح والمصلحة لم يجز العدول عن الأصلح».

(٢) يعني : قد لا يعدّ العدول عن الأصلح من السفاهة حتى لا يجوز العدول ، كما إذا كان بيع مال اليتيم في بلده مصلحة كبيعه فيه بدينارين ، وفي بلد آخر ـ إذا نقل المتاع إليه بأجرة من مال اليتيم ـ بأربعة دنانير. فإن كانت الأجرة دينارا ، ووضعت عن أربعة دنانير ، زاد دينار واحد على دينارين ، فأصلحية بيعه في غير بلد اليتيم من بيعه في بلده تكون بدينار. ولا يعدّ هذا العدول من السفاهة.

(٣) متعلّق ب «يعدّ» لا ب «العدول».

(٤) أي : مصلحة في بلد اليتيم ، وكان بيعه في بلد آخر غير بلد اليتيم أصلح.

(٥) أي : مع إعطاء الأجرة من مال اليتيم إن كان في نقله اجرة ، مع العلم بعدم الخسارة بسبب النقل كالمثال المزبور.

(٦) معطوف على «إعطاء» يعني : مع إعطاء الأجرة ، ومع العلم بعدم الخسارة.

(٧) أي : لا يعدّ بيع مال اليتيم في البلد الأوّل سفاهة.

وبعبارة أخرى : ليس العدول ـ عن البلد الآخر ـ إلى بيعه في البلد الأوّل سفاهة.


لكن ظاهر الآية وجوبه (١) (*).

______________________________________________________

(١) أي : وجوب البيع في البلد الآخر ، وذلك لعدم كفاية مجرّد عدم السفاهة في صحة البيع في هذا المقام ، إذ المدار على كونه أصلح من غيره ، فالأصلحية معتبرة في بيع مال اليتيم.

__________________

(*) ينبغي التكلم في جهات :

الأولى : في بيان الموضوع ، وهو عدول المؤمنين.

الثانية : في دليل الحكم أعني به الولاية التي هي حكم مجعول شرعي وضعي.

الثالثة : في اعتبار العدالة في ولاية المؤمنين ، وعدمه.

الرابعة : في متعلق الولاية.

الخامسة : في اعتبار المصلحة فيما يتصدّاه المؤمن وعدمه.

السادسة : في حكم تزاحم الولايتين.

أمّا الجهة الأولى : فنخبة الكلام فيها : أنّه قال في مجمع البحرين : «والايمان لغة هو التصديق المطلق اتفاقا من الكل ، ومنه قوله تعالى (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) ، وشرعا على الأظهر هو التصديق بالله بأن يصدّق بوجوده وبصفاته وبرسله ، بأن يصدّق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله وبكتبه» إلى ان قال : «وفي الحديث : وقد سئل عليه‌السلام عن أدنى ما يكون العبد مؤمنا؟ فقال : يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، ويقرّ بالطاعة ، ويعرف إمام زمانه ، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن» الى ان قال : «قال المحقق الشيخ علي رحمه‌الله : المؤمن من كان يعتقد اعتقاد الإمامية وإن لم يكن عنده دليل» (١).

وحيث إنّ الولاية حكم شرعي ، فلا بدّ من إثباتها بالدليل ، ومع الشك يجري أصل البراءة.

وعليه فإذا شكّ في ولاية غير الإمامي الاثني عشري ـ سواء أكان من المخالفين أم من

__________________

(١) مجمع البحرين ، ج ٦ ، ص ٢٠٤ ـ ٢٠٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

فرق الشيعة ـ جرت فيه أصالة عدم الولاية.

وبالجملة : فموضوع هذه الولاية هو المؤمن الاثني عشري.

وأمّا الجهة الثانية فهي : أنّهم استدلوا على ولاية عدول المؤمنين بوجوه :

أحدها : قوله تعالى «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى».

ثانيها : قول مولانا الصادق عليه‌السلام : «والله في عون المؤمن» المذكور في المتن ، وفي التوضيح.

ثالثها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل معروف صدقة».

ولا يرد على الاستدلال بها : أنّها في مقام الترغيب في فعل المعروف ، والتعاون على البرّ والتقوى ، من دون بيان المصداق. فالتمسك بها فيما إذا شك في كونه معروفا وصدقة غير صحيح عند الأصوليين ، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، هذا.

وجه عدم الورود : أنّ ألفاظ العون والصدقة والبرّ والتقوى ليس لها حقائق شرعية ، والمراد بها هي معانيها العرفية الواضحة ، من دون أن يكون فيها إجمال ، فلا شبهة في مفاهيمها حتى يتصوّر فيها شبهة كي يكون التمسك بتلك الأدلة تشبّثا بها في الشبهة الموضوعية.

نعم هنا شبهة اخرى وهي : أنّ مقتضى هذه الأدلة مساواة المكلفين من الفقهاء وعدول المؤمنين في مباشرة أمور القاصرين ، وعرضيّة ولاية المؤمنين لولاية الفقهاء ، وعدم توقف ولايتهم على تعذر الفقهاء.

اللهم إلّا أن يقال بتسالم الأصحاب على عدم نفوذ تصرفات عدول المؤمنين مع وجود الحاكم ، وتقدمه عليهم.

فصار المتحصل : صحة الاستدلال بالوجوه الثلاثة المتقدمة مع هذا التسالم.

فالنتيجة : نفوذ مباشرة عدول المؤمنين لأمور القاصرين ، إلّا إذا كان هناك حاكم ، فإنّه لا بد حينئذ من مباشرته ، أو الاستيذان منه.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الجهة الثالثة ، فحاصل الكلام فيها : أنّه قد استدلّ على اعتبار العدالة في ولاية المؤمنين بصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة في المتن (ص ٢١٠) بتقريب : أنّ محتملات المماثلة أربعة : أحدها : المماثلة في التشيع ، ثانيها : المماثلة في الفقاهة ، ثالثها : المماثلة في الوثاقة ، رابعها : المماثلة في العدالة. حيث إنّهما كانا من ثقات الشيعة وعدولهم.

والاحتمال الأوّل غير مراد قطعا ، لعدم كفاية مجرّد التشيع في الولاية.

والاحتمال الثاني أيضا غير مراد ، لأنّ مفهومه ينفي ولاية المؤمنين مع تعذر الفقيه ، ويسقطها ، مع أنّه ليس كذلك ، لولايتهم مع تعذر الفقيه.

فيدور الأمر بين الاحتمالين الأخيرين. والنسبة بينهما وإن كانت عموما من وجه ، إلّا أنّ العدل أيضا لا بدّ أن يراعي المصلحة. فالعدالة هنا أخصّ من الوثاقة. ففي الدوران بينهما تقدم العدالة ، لتيقنها في الخروج عن مقتضى أصالة عدم الولاية مع الغضّ عن التصريح باعتبار العدالة في صحيحة إسماعيل بن سعد المذكورة في المتن. وإلّا فبها يقيّد صحيحة علي بن رئاب وموثقة زرعة الظاهرتان في كفاية الوثاقة ، لأنّهما قابلتان للتقييد بالعدالة.

ومنه يظهر أنّ العدالة شرط تعبدي لولاية المؤمنين بمعنى موضوعيتها ، كاعتبارها في إمام الجماعة.

والحاصل : أنّ الروايات بين ما يدلّ على كفاية الوثاقة ، وما يدلّ على اعتبار العدالة. وإطلاق الوثاقة قابل للتقييد بالعدالة ، فيقيّد به ، وإن كانت النسبة بين العدالة والوثاقة عموما من وجه ، وذلك لأنّ العدالة نصّ أو أظهر من الوثاقة ، فتحمل الوثاقة المستفادة من صحيحة عليّ بن رئاب وموثقة زرعة ـ المذكورتين في المتن ـ على العدالة.

ولو فرض التعارض بين الروايات ، ووصلت النوبة إلى الأصل العملي ، فمقتضى الأصل اعتبار العدالة في المؤمنين المباشرين لأمور القاصرين ، لأنّه المتيقن في الخروج عمّا دلّ على عدم ولاية أحد على غيره.

فالمتحصل : اعتبار العدالة في المؤمن المباشر لأمور القاصرين ، وفاقا للأكثر ، وخلافا للآخرين.

ثم إنّ المصنف قدس‌سره استظهر من صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ـ من الوجوه


.................................................................................................

______________________________________________________

الأربعة للمماثلة ـ العدالة ، وأنّ المعتبر في ولاية المؤمنين هي العدالة. ثم استظهر من بعض الروايات كفاية الأمانة في ولاية المؤمنين ، وجعلها مفسّرة لاعتبار الوثاقة التي هي الاحتمال الثاني من الاحتمالات الأربعة في المماثلة. والمراد من بعض الروايات صحيحة علي بن رئاب وموثقة زرعة المذكورتان في المتن (ص ٢١٥ ـ ٢١٧) هذا.

لكن لا يخلو هذا الاستظهار من المناقشة. إذ في صحيحة علي بن رئاب : أنّ الظاهر من الولي المذكور فيها هو الولي الشرعي ، بقرينة قوله عليه‌السلام : «باع عليهم ونظر لهم» حيث إنّ نفوذ البيع وثبوت الأجر للبائع الولي لا يناسب إلّا الولي الشرعي ، وهو المنصوب من الحاكم الشرعي ، إذ المفروض أنّ المورّث لم يوص. فحينئذ لا تكون هذه الصحيحة نحن فيه ، لأنّ المنصوب أو المأذون من الحاكم كنفس الحاكم في تقدم رتبة ولايته على ولاية المؤمنين ، وكلامنا في ولاية المؤمنين لا في ولاية الحاكم ، فهذه الصحيحة أجنبيّة عمّا نحن فيه.

هذا مضافا إلى أنّ المصنف قدس‌سره يريد أن يجعل هذه الصحيحة مفسّرة للاحتمال الثاني من الوجوه الأربعة للمماثلة المذكورة في صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع أعني به الوثاقة ، والمستفاد من الصحيحة هي الأمانة ، والنسبة بينها وبين الوثاقة هي العموم من وجه ، لاجتماعهما في من يكون ثقة في جميع أفعاله وأقواله ، فإنّه أمين وثقه. وافتراقهما في من يكون أمينا في أموال الناس فقط ، فإنّه أمين غير ثقة ، وفي من يكون ثقة في الأقوال وغير أمين في الأموال ، فإنّه ثقة غير أمين. فتفسير الوثاقة بالأمانة مع هذه النسبة لم يظهر له وجه.

بل يمكن أن يقال : إنّ الصحيحة في مقام بيان اعتبار كون تصرف الولي مصلحة للورثة من غير نظر إلى كون الولي عادلا أو ثقة أو أمينا ، فينبغي عدّ هذه الصحيحة من أدلة اعتبار المصلحة في تصرفات الولي ، لا في ما يعتبر في الولي من الوثاقة أو غيرها.

وبالجملة : فالمناقشة في صحيحة عليّ بن رئاب ترجع إلى وجوه ثلاثة :

أحدها : كون الولي شرعيا ، وهو أجنبي عما نحن فيه من ولاية المؤمنين.

ثانيها : عدم مساواة الأمانة والوثاقة حتى تفسّر الوثاقة بالأمانة.


.................................................................................................

______________________________________________________

ثالثها : أنّ الصحيحة في مقام بيان ما يعتبر في متعلق الولاية ، لا ما يعتبر في نفس الولي من الوثاقة أو غيرها. هذا ما يتعلّق بصحيحة ابن رئاب.

وأمّا موثقة زرعة فهي وإن اشتملت على كلمة «الثقة» إلّا أنّ موردها هو القسمة التي هي تمييز الحصص وإفرازها ، ومن المعلوم مغايرة القسمة للمعاملات الناقلة. ومورد البحث جميع التصرفات المتعلقة بأموال القاصرين ، فالموثقة أخص من المدّعى.

فالمتحصل : أنّ شيئا من صحيحة ابن رئاب وموثقة زرعة لا يصلح لترجيح الاحتمال الثاني ـ وهو الوثاقة ـ من الاحتمالات الأربعة في المماثلة.

فالإنصاف : أنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع مجملة ، لعدم اتضاح وجه المماثلة ، وعدم صلاحية صحيحة ابن رئاب وموثقة زرعة لرفع إجمالها كما مرّ آنفا. فلا بدّ من الرجوع إلى دليل آخر في اعتبار العدالة أو غيرها في المؤمنين المتصدّين لأمور القاصرين ، هذا.

ويمكن أن يستدلّ على اعتبار العدالة فيهم بصحيحة إسماعيل بن سعد المذكورة في المتن ، إذ فيها قول مولانا الرضا عليه الصلاة والسّلام : «فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع ، وقام عدل في ذلك» ودلالتها على اعتبار العدالة في المتصدّي للبيع واضحة.

وقد يورد عليه بأنّ المراد بالعدل كون التصرف عدلا لا جورا ، إذ لو كان المراد به كون المتصرف عدلا فلا بدّ أن يقال : «عادل» بصيغة الفاعل ، وتبديل «وقام» ب «كان» وتبديل «في ذلك» ب «بذلك» بأن يقال : «وكان عادلا بذلك» فالعدل صفة التصرف لا المتصرّف.

وعليه فلا تدلّ هذه الصحيحة على اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي لأمور القاصرين.

لكن الحقّ صحة الاستدلال بها. أمّا استعمال العدل في الشخص فهو في غاية الكثرة في الإطلاقات المتعارفة ، بحيث لا تحتاج إرادته من لفظ العدل إلى قرينة حتى يحمل بدونها على معناه المصدري.

وببيان آخر : ظهور لفظ «العدل» في الشخص العادل بمثابة يمنع إرادة معناه المبدئي


.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا بالقرينة.

وأمّا إبدال «في» بالباء ، فليس بلازم ، لمجي‌ء «في» بعد مادة القيام كثيرا ، فيصحّ أن يقال : إنّ فلانا قام في الحرب مع الكفار.

وبالجملة : فالاستدلال بهذه الصحيحة على اعتبار العدالة في المؤمن المتصدي لأمور القاصرين وجيه.

نعم يبقى هنا شي‌ء ، وهو : أنّ العدالة المعتبرة فيما نحن فيه هل هي على نحو الموضوعية كالعدالة المعتبرة في إمام الجماعة والشاهد ، أم على نحو الطريقية؟ مقتضى القاعدة في كلّ ما يؤخذ في الخطابات هو الموضوعية ، بمعنى كونه بذاته مطلوبا لا بعنوان كونه حاكيا عن الغير ، ومرآتا له ، فإرادته بهذا النحو محتاجة إلى القرينة.

ويمكن أن يقال : إنّ المراد بالعدالة هنا هي الطريقيّة ، لقرائن موجودة في نفس الروايات : إحداها وثانيتها : ما في صحيحة علي بن رئاب من قوله عليه‌السلام : «ونظر لهم» وقوله : «الناظر فيما يصلحهم».

وثالثتها : ما في موثقة زرعة من قوله : «ان قام رجل ثقة قاسمهم» إذ المراد من يوثق به ويطمئن بفعله. فالمدار في صحة تصرفات المؤمن في مال الصغير وغيره هو كونها مصلحة ، فلا بدّ في ترتيب الأثر على تصرفاته من إحراز كون التصرف صلاحا للقاصر. فاعتبار العدالة أو الوثاقة إنّما هو لإحراز الصلاح. فالعدالة أخذت طريقا لإحراز كون التصرف صلاحا للقاصر.

ثم إنّ المصنف ـ بعد أن اختار كفاية الأمانة في المؤمن المتصدي لأمور القاصرين ـ قال : «والذي ينبغي أن يقال .. إلخ» وحاصله : أنّ الموارد التي يجوز فيها التصرف لغير الفقيه إن كان دليلها خاصّا به فهو المتّبع ، سواء أكان عامّا لكلّ من العادل والفاسق ، أم خاصّا بالعادل ، وإن كان عاما كآية التعاون و «كل معروف صدقة» ونحوهما ، ففيه تفصيل ، وهو : أنّ الفاسق لولايته كالعادل يكون تصرفه نافذا.

ولو ترتّب حكم الغير كسقوط التكليف الكفائي عنه ـ كصلاة الميت إذا أتى بها الفاسق على الوجه الصحيح ـ سقط وجوبها الكفائي عن غيره.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا تصرّف الفاسق في مال اليتيم ، فسقوط وجوب إصلاح ماله عن سائر المكلفين منوط بإحراز كون تصرف الفاسق إصلاحا لمال اليتيم. فالشك في صحة إيجابه البيع شك في وجود الإصلاح ، ولا تجري فيه أصالة الصحة ، لجريانها في صحة الموجود لا في أصل الوجود. نظير شك المشتري في بلوغ البائع في عدم جريان أصالة الصحة. هذا ملخص ما أفاده في قوله : «والذي ينبغي أن يقال» إلى «فتأمل».

لكن يتوجه عليه : أنّ إصلاح مال اليتيم ليس مقوّما للبيع العرفي حتى يكون الشك فيه شكّا في وجود البيع ، ولا تجري فيه أصالة الصحة ، لأنّ البيع العرفي ـ وهو مبادلة مال بمال ـ موجود في بيع الفاسق مال اليتيم ولو بدون الإصلاح ، فالإصلاح شرط شرعي كسائر الشروط الشرعية التي تجري فيها أصالة الصحة عند الشك فيها.

وعليه ففي شك المشتري في إصلاح البائع الفاسق مال الطفل في إيجاب البيع تجري أصالة الصحة ، كجريانها في ما أفاده بقوله : «نعم لو وجد في يد الفاسق» وهو ما إذا شكّ ثالث في كون البيع ـ إيجابا وقبولا ـ إصلاحا لمال الطفل ، فإنّ مقتضى الاشكال المتقدم أعني به كون الشك في وجود المأمور به ـ وهو إصلاح المال ، ولذا لا تجري فيه أصالة الصحة ـ هو عدم جريانها في كلتا المسألتين ، لاشتراكهما في الإشكال ، أي : كون الشك في وجود المأمور به الذي هو إصلاح المال ، ضرورة توقف إصلاحه على كل من الإيجاب والقبول ، وعدم حصوله بالإيجاب فقط.

فالحقّ جريان أصالة الصحة في كلا الفرعين بعد فرض ولاية الفاسق كالعادل على أمور القاصرين ، لأنّ الشك في وجود الشرط الشرعي وهو الإصلاح.

وأمّا الشك في بلوغ البائع ، فلو لم يجز فيه أصل الصحة ، فذلك لأجل عدم كون البلوغ من الأمور الاختيارية المشكوكة التي تجري فيها أصل الصحة. هذا تمام الكلام في الجهة الثالثة المتعلقة بالعدالة.

وأمّا الجهة الرابعة الراجعة إلى جواز المزاحمة وعدمه ، فحاصل الكلام فيها : أنّ المصنف قدس‌سره ابتنى الجواز وعدمه على كون التصدي على نحو التكليف أو الوضع وهو


.................................................................................................

______________________________________________________

الولاية. فعلى الأوّل يجوز ، وعلى الثاني لا يجوز.

ولعلّ الأولى ابتناء الجواز وعدمه على إطلاق الدليل أحواليّا وعدمه ، سواء أكان التّصدي على وجه التكليف أم على وجه الوضع.

وإن لم يكن للدليل إطلاق أحوالي ، بأن كان مهملا من هذه الجهة أي المزاحمة ، فهل يستصحب جواز التصدي الذي كان له قبل تصدي الآخر للواقعة؟ أو يقال بعدم الجواز اقتصارا في تخصيص عموم ما دلّ على عدم ولاية أحد على غيره على ما هو المتيقن ، وهو ولاية كل واحد من المؤمنين إن لم يسبقه غيره ، فولاية كلّ منهم مقيّدة بعدم سبق الآخر.

وهذا هو الأظهر ، لقيام الدليل الاجتهادي على المورد. ومعه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي ، وهو الاستصحاب.

ومع الغضّ عن هذا البيان يمكن أن يقال : إنّه في الأمور الحسبية التي لا يرضى الشارع بإهمالها وتعطيلها إذا أقدم مؤمن على إنجاز الواقعة خرجت عن الإهمال ، فلا يجوز لغيره الإقدام على إنفاذها ، لعدم إحراز رضا الشارع بذلك ، الذي هو الدليل على وجوب التصدي.

فالمتحصل : عدم جواز المزاحمة.

وهنا بيان آخر ، وهو أنّ ولاية الفقيه تارة تستفاد من صدر التوقيع المتضمن لإرجاع الناس في الوقائع الحادثة إلى الرواة الفقهاء ، واخرى من ذيله ، وهو قوله عليه‌السلام : «فإنّهم حجتي عليكم» وثالثة من سائر الأدلة.

أمّا الصدر فمقتضاه لزوم الرجوع إلى الفقهاء ، وإيكال الحادثة الواقعة إليهم ، وعدم مزاحمته. ولا دلالة فيه على حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر. لكن مقتضى مرجعية كل واحد من الفقهاء في عرض واحد جواز المزاحمة كالأب والجد.

وأمّا الذيل أعني به «فإنّهم حجّتي عليكم» المعلّل به الصدر ـ وهو الأمر برجوع الناس إلى الفقهاء الذين هم رواة حديثهم عليهم‌السلام في الحوادث الواقعة ـ فيدلّ بلحاظ إضافتهم إلى نفسه المقدّسة على نيابتهم عنه عليه‌السلام. فالذّيل بلحاظ هذه الإضافة يصير وزانه وزان غيره


.................................................................................................

______________________________________________________

من أدلة النيابة. ويقتضي الذيل ما تقتضيه تلك الأدلة من أنّ نيابة الفقيه عن الامام عليه‌السلام وصيرورته بمنزلته توجب أن يكون الردّ عليه ردّا على الامام عليه‌السلام ، ومزاحمته مزاحمة له عليه‌السلام. وهذا أثر نيابته ، لا مجرد مرجعيته وولايته المستفادة من صدر التوقيع.

وبالجملة : فالمستفاد من صدر التوقيع مرجعية الفقيه في الوقائع الحادثة ، ومن الذيل الذي هو علّة للصدر كون الفقيه نائبا عنه «عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلّى عليه» ومقتضى النيابة عدم جواز المزاحمة ، لأنّ المفروض أنّ كل واحد من الفقهاء نائب عنه عليه‌السلام ، فمزاحمة فقيه لمثله كالمزاحمة مع الامام عليه‌السلام في عدم الجواز.

ولا بأس بهذا الاستظهار ، كما لا بأس بهذا السند. وإن قيل : إنّ إسحاق بن يعقوب مجهول لا نعرفه في الرجال ، وذلك لإمكان استظهار وثاقته من رواية الكليني عنه ، ومن رواية المشايخ الثلاثة عنه ، بل ومن نفس متن التوقيع أيضا. وتقدّم في (ص ١٦٤) ما يتعلّق بالسند ، فراجع.

فالمتحصل : اعتبار التوقيع الشريف سندا ودلالة. والمستفاد منه عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله. ولا يلاحظ مزاحمة إمام لمثله حتى يقال : إنّ حرمتها غير ثابتة ، فكذلك مزاحمة أحد الفقهاء لمثله ، وعلى هذا فحرمة المزاحمة بين نوابه عليه‌السلام أيضا غير ثابتة.

وجه عدم اللحاظ عدم تعدد الإمام في عصر واحد على مذهبنا من أنّ في كل عصر إماما واحدا.

هذا مضافا إلى عدم علمنا بتكاليف الأئمة عليهم‌السلام ، فلا وجه لأن يقال : إن حرمة مزاحمة إمام لمثله غير معلومة ، وكذا مزاحمة الفقهاء الّذين هم نوّابه عليه‌السلام.

فالمتحصل : حرمة المزاحمة بين الحكّام.

ثمّ إنّ التمسك بالعمومات المشار إليها في التوضيح مثل «العلماء ورثة الأنبياء» على نيابة الفقهاء عن الامام عليه‌السلام كما صنعه المصنف قدس‌سره غير ظاهر ، لعدم إحراز كونها في مقام بيان هذه الجهة ، بل سيقت لبيان علوّ مقام العلماء ، وكونهم مراجع للأنام. وأمّا نيابتهم عن الأئمة عليهم الصلاة والسّلام فلا تظهر من تلك العمومات.


.................................................................................................

______________________________________________________

فالنتيجة : عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله ، لأنّه مقتضى النيابة عن الامام على ما هو ظاهر ذيل التوقيع.

فتلخص من جميع ما ذكرناه في مزاحمة الأولياء جوازها في ولاية الأب والجدّ وفي ولاية عدول المؤمنين ، وعدم جوازها في ولاية الفقهاء ، والله العالم.

وأمّا الجهة الخامسة ـ وهي اشتراط ولاية غير الأب والجد بملاحظة الغبطة لليتيم وعدمه ـ فحاصل الكلام فيها : أنّ فيه وجهين بل قولين :

أحدهما : عدم الاعتبار ، لإطلاق دليل الولاية.

والآخر اعتبارها ، لعدم الإطلاق ، ولزوم الاقتصار على المتيقن ، وهو ملاحظة الغبطة ، ولأصالة عدم الولاية فيما عدا القدر المتيقّن ، وهو ملاحظة الغبطة.

وهذا القول منسوب إلى الأكثر ، بل في مفتاح الكرامة «أنّه إجماعي» بل في التذكرة في كتاب الحجر «أنّه اتفاقي بين المسلمين» يعني : لا خصوص الشيعة ، بل قد تقدم في المتن تصريح الشيخ والحلّي باعتبار ملاحظة الغبطة في الأب والجدّ أيضا.

وكيف كان فقد استدلّ على اعتبار الغبطة في غير الأب والجدّ بقوله سبحانه : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) والاستدلال بها يتوقف على التكلّم في مقامين الأوّل في مرحلة الثبوت ، والثاني في مرحلة الإثبات.

أما المقام الأوّل ، فملخصه : أنّ في «لا» الناهية احتمالين أحدهما : المولوية ، والآخر : الإرشادية ، وفي كلمة «القرب» احتمالات أربعة ، وكذا في معنى كلمة «أحسن» احتمالات أربعة ، تعرّض لها المصنف قدس‌سره وأوضحناها في التوضيح ولا نعيدها ، ومجموع احتمالات القرب والأحسن الحاصلة من ضرب أربعة «القرب» في أربعة «الأحسن» ستة عشر احتمالا.


مسألة (١)

يشترط في من ينتقل إليه العبد المسلم

______________________________________________________

نقل العبد المسلم إلى الكافر

(١) الغرض من عقد هذه المسألة في مباحث شروط المتعاقدين هو استناد بطلان «بيع العبد المسلم من الكافر» إلى فقدان شرط من شروطهما ، وهو إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم من المتعاقدين. وإن كان من الممكن ـ كما قيل ـ جعله من شروط العوضين ، بأن يقال : إنّ شرط صحة بيع العبد المسلم هو إسلام من ينتقل إليه العبد ، كشرطية معلومية العوضين ومقدورية تسليمهما.

لكن الأظهر كونه من شرائط المتعاقدين لا العوضين ، لأنّ الشرط الذي هو الإسلام قائم بمن ينتقل إليه العبد من المتعاقدين ، فإنّ الشرط يضاف إلى ما يقوم به قياما صدوريّا أو حلوليّا كمعلوميّة العوضين ، فيقال إنّها من شرائط العوضين ، أي من الشروط القائمة بالعوضين.

وعليه فإسلام من ينتقل إليه العبد المسلم يعدّ من شرائط المتعاقدين كما هو صريح قوله : «يشترط في من ..» لا العوضين.

وكيف كان فقد تعرّض المصنف قدس‌سره تبعا للقوم للبحث عن جهات :

الاولى : في العقد على العبد المسلم بنقل العين أو المنفعة ، أو غيرهما. وما استدل به على المنع.

الثانية : في ما يراد بالكافر في هذه المسألة.

الثالثة : في الموارد المستثناة من تملّك الكافر للعبد المسلم.

الرابعة : في جواز تملّك الكافر للعبد المسلم ابتداء بسبب قهري ، ولكنّه يجبر على


ـ ثمنا (١) أو مثمنا (٢) ـ أن يكون مسلما ، فلا (٣) يصحّ نقله إلى الكافر عند أكثر علمائنا ، كما في التذكرة ، بل عن الغنية «عليه (٤) الإجماع» ، خلافا للمحكي في التذكرة عن بعض علمائنا (٥) (١) ،

______________________________________________________

بيعه. وسيأتي الكلام في كلّ منها بتبع المتن إن شاء الله تعالى.

والكلام فعلا في الجهة الاولى ، وقد تعرّض فيها أوّلا لحكم تملك الكافر لرقبة العبد ابتداء بالشراء أو بالبيع ، ثم بالاتهاب ونحوه ، وثانيا لتملك منفعته بالإجارة ، وثالثا لجعله وثيقة عند الكافر على دين ، ورابعا للانتفاع به عارية ، وخامسا لجعله وديعة عند الكافر ، وسادسا لحكم أن يوقف الكافر عبده على كافر أو على مسلم. هذا.

وبدأ المصنف قدس‌سره بحكم نقل رقبة العبد المسلم إلى كافر بالشراء ، كما سيظهر.

(١) بأن ينتقل العبد المسلم إلى الكافر بعنوان الثمن ، كما إذا باع الكافر دكّانه بإزاء العبد المسلم ، فإنّه انتقل إلى الكافر ثمنا أي عوضا عن مبيعه وهو دكّانه.

(٢) بأن ينتقل العبد المسلم إلى الكافر مثمنا ، كما إذا اشترى العبد المسلم بمائة دينار ، فإنّه انتقل إلى الكافر مثمنا.

(٣) هذا متفرّع على شرطيّة إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم ، فبطلان بيع العبد المسلم من الكافر مستند إلى انتفاء شرط صحّته ، وهو إسلام من ينتقل إليه.

(٤) أي : على عدم صحة نقله إلى الكافر.

(٥) لم أقف على القائل بعينه ، وعبّر المحقق عنه ب «وقيل : يجوز ولو كان كافرا ، ويجبر على بيعه من مسلم» (٢). والأصل في ذلك دعوى شيخ الطائفة الخلاف في المسألة بقوله : «وفيه خلاف» (٣).

ويظهر من تعبير العلامة «واحتج الآخرون» (٤) أن القائل بالجواز غير واحد من

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٣ (ج ١٠ ، ص ١٩) الطبعة الحديثة.

(٢) الغنية ، ص ٢١٠ ، والحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٥ ، قال : «وفي الغنية الإجماع عليه».

(٣) المبسوط ، ج ٢ ، ص ١٦٧ ، شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٦.

(٤) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٩.


وسيأتي عبارة الإسكافي (١) في المصحف.

واستدلّ المشهور (٢) تارة بأنّ (٣)

______________________________________________________

أصحابنا ، واحتمل الصحة في النهاية (١).

وعليه فالمسألة ذات قولين : أحدهما ـ وهو المشهور ـ عدم الجواز ، والآخر : الجواز والإجبار على البيع.

(١) المذكورة في مسألة بيع المصحف الآتية المشعرة بجواز رهن العبد الكبير ، حيث إنّه خصّص عدم جواز الرهن عند الكافر بالصغير من الأطفال ، فلاحظ (ص ٣٧٨).

وكيف كان فلا يدل جواز رهن الكبير ـ بعد تسليم ظهور كلامه فيه ـ على جواز بيعه.

أدلة المشهور على بطلان النقل

(٢) أي : استدلّ المشهور ـ وهو القول بعدم صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر ـ بوجوه :

الأوّل : الملازمة بين الاستدامة والابتداء. توضيحه : أنّه منع من ملكية العبد المسلم للكافر استدامة ، كما إذا أسلم عبد المولى الكافر ، ولذلك يجبر مولاه على بيعه من المسلمين ، لما ورد في خبر حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ان أمير المؤمنين عليه صلوات الله أتي بعبد ذميّ قد أسلم ، فقال : اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ، ولا تقرّوه عنده» (٢).

وكذلك منع عن إحداث ملكية العبد المسلم للكافر. فإنّ النهي عن إبقائه عند الكاف يدلّ على مبغوضية بقائه عند الكافر. ولمّا لم يكن للبقاء خصوصية كان الحدوث كالبقاء مبغوضا أيضا. فنقله إلى الكافر منهي عنه ، والنهي يوجب الفساد. فالنهي عن الإبقاء كالنهي عن إبقاء النجاسة في المسجد في الدلالة على النهي عن الإحداث.

(٣) هذا أوّل الوجوه المستدلّ بها على قول المشهور ، وقد مرّ تقريبه بقولنا : «توضيحه : أنه منع من ملكية العبد المسلم للكافر استدامة .. إلخ» وهو مذكور في

__________________

(١) نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٥٦.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٨٢ ، الباب ٢٨ من أبواب عقد البيع ، ح ١ ، وج ١٦ ، ص ٦٩ ، الباب ٧٣ ، ح ١.


الكافر يمنع من استدامته (١) ، لأنّه (٢) لو ملكه قهرا بإرث ، أو أسلم (٣) في ملكه ، بيع (٤) عليه ، فيمنع من ابتدائه كالنكاح (٥).

واخرى (٦) بأنّ الاسترقاق سبيل على المؤمن ، فينتفي بقوله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١).

______________________________________________________

التذكرة بقوله : «ولأنه يمنع استدامة ملكه فيمنع من ابتدائه كالنكاح» (٢).

(١) أي : من استدامة ملك العبد المسلم للكافر.

(٢) هذا بيان وجه منع الاستدامة ، أي : لأنّ الكافر لو ملك العبد المسلم قهرا بإرث ـ كما إذا ورثه كافر من كافر ـ كان على المسلمين إجباره على البيع ، ولكن مات قبل تحقق البيع ، فانتقل إلى وارثه الكافر ، لعدم وارث مسلم له ، فحينئذ يجبر الوارث الكافر على بيع العبد المسلم الذي انتقل إليه بالإرث.

(٣) معطوف على «ملكه» يعني : أو أسلم العبد في ملك الكافر ، فإنّ العبد المسلم في هاتين الصورتين ـ اللتين هما من صغريات كون العبد المسلم ملكا للكافر استدامة ـ يباع على مالكه.

(٤) جواب الشرط في قوله : «لو ملكه» يعني : بيع العبد المسلم على الكافر.

(٥) أي : كحرمة نكاح الكافر بالمسلمة ابتداء كما هو واضح ، واستدامة كارتداد الزوج المسلم ، فإنّه يمنع بقاءها على الزوجية.

(٦) هذا ثاني الوجوه التي استدلّ بها المشهور على عدم صحة بيع العبد المسلم من الكافر ، وتقريبه : أنّ تملك الكافر للمسلم استرقاق له ، والاسترقاق سبيل للكافر على المؤمن وسلطنة له عليه ، وهو منفي بالآية المباركة (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً). والمستدل بهذه الآية هو شيخ الطائفة والعلامة وغيرهما ، وفي الجواهر بعد ذكر الآية الشريفة : «الذي هو معظم عمدة دليل الأصحاب على ذلك» (٣).

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٤٠.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ١٩.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٥ ، راجع المبسوط ، ج ٢ ، ص ١٦٧ ، التذكرة ، ج ١٠ ، ص ١٩ ، نهاية الاحكام ، ج ٢ ، ص ٤٥٦ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٥.


وبالنبوي (١) المرسل في كتب أصحابنا المنجبر بعملهم (٢) ـ واستدلالهم (٣) به

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «بأنّ الاسترقاق» وهذا ثالث الوجوه التي استدلّ بها على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر ، والمستدل هنا بهذا النبوي صاحب الجواهر وغيره.

(٢) وبشهرته بين الفريقين على ما شهد به الأعلام. ويظهر من تعبير الشيخ الصدوق قدس‌سره الجزم بنسبة الجملة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنه قال : وقال عليه‌السلام : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» (١).

وعلى هذا فهو من المراسيل المعتبرة الّتي يصحّ الاستناد إليها.

وتقريب الاستدلال به : أنّ مالكية الكافر للمسلم علوّ على المسلم ، والإسلام ينفيه. بل هذا أولى من الاستدلال به على عدم جواز إعلاء بناء الكافر على بناء المسلم كما هو ظاهر ، إذ ليس في مجرد علوّ دار الكافر على دور المسلمين سلطنة واستيلاء له عليهم. بخلاف مالكية الكافر لرقبة العبد المسلم ، أو لمنافعه بالإجارة ، أو للانتفاع به بالعارية ، فإنّها علوّ له على المسلم ، لاستحقاقه الاستخدام والأمر والنهي.

وعليه فالحديث بمقتضى حذف المتعلّق يفيد نفي كافة أنحاء علوّ الكفر على الإسلام حتى لو كان علوّه من جهة إباحة ارتفاع بناء دار الكافر الذمي على أبنية المسلمين. فهو ممنوع ومحرّم.

ولمّا كان المعتبر علوّ الإسلام فلذا استدلّوا بالنبوي على حرمة المساواة أيضا. وبهذا ظهر وجه تعبير المصنف قدس‌سره ب «بل».

(٣) معطوف على «عملهم» ومبيّن له ، وقوله : «المنجبر» صفة للنبوي. ومقصوده قدس‌سره أن هذا النبوي وإن لم يذكر له سند في طرقنا ، وإنّما أرسله الصدوق قدس‌سره في الفقيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن هذا الإرسال غير قادح في الوثوق بصدوره ، وذلك لأنّ جماعة من الفقهاء أسندوه إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في موارد متعددة بعنوان «لقوله» أو «قال» ممّا يكشف عن الاطمئنان بكونه كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسننقل بعض عبائرهم.

نعم لو عبّروا عنه ب «لما روي عنه» أمكن التشكيك في إحراز الصدور.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٧٦ ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، ح ١١.


في موارد متعددة (١) حتّى (٢) في عدم جواز علوّ بناء الكافر على بناء المسلم ، بل عدم

______________________________________________________

(١) منها : ما لو دبّر الكافر عبده ، فأسلم العبد ، فإنّه يباع عليه العبد سواء رجع السيد عن تدبيره ، أم لا. واستدل شيخ الطائفة قدس‌سره عليه بالإجماع والأخبار ، ثم قال : «وأيضا قوله عليه‌السلام : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. ولو لم يبع عليه ، وكان لمولاه عليه طاعة لكان قد علاه وهو كافر ، وذلك ينافي الخبر» (١).

ووافقه العلّامة بقوله : «والمعتمد الأوّل ، لما تقدم» (٢).

وكذا استدلّ غيرهما على إلزام الكافر بالبيع بهذا النبوي ، فراجع (٣).

ومنها : عدم إرث الكافر من المسلم ، قال شيخ الطائفة قدس‌سره : «لا يرث الكافر المسلم بلا خلاف. وعندنا : أنّ المسلم يرث الكافر .. دليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ..» (٤).

ومنها : عدم ولاية الكافر على المسلم في النكاح ، سواء أكان أبا أو جدّا أو غيرهما ، قال الشهيد الثاني قدس‌سره في شرح قول المحقق : «إذا كان الولي كافرا فلا ولاية له» ما لفظه : «وشمل إطلاق المصنف ما لو كان المولّى عليه مسلما وكافرا. والأمر في الأوّل واضح ، والحكم به إجماعي. ويدل عليه ـ مضافا إلى ما سبق ـ قوله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً). وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» (٥).

ومنها : غير ذلك من الفروع التي استندوا في نفي ولاية الكافر على المسلم ـ حتى مثل انتفاع المستعير بخدمة العبد المسلم ـ إلى هذا النبوي.

(٢) هذا أيضا من الفروع التي استدلّوا عليها بالنبوي. قال شيخ الطائفة قدس‌سره في حكم إحداث أهل الذمة دورا ما لفظه : «فأمّا المحدثة ، فهو أن يشتري عرصة يستأنف فيها بناء ، فليس له أن يعلو على بناء المسلمين ، لقوله عليه‌السلام : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. فإن

__________________

(١) الخلاف ، ج ٦ ، ص ٤١٨ ، المسألة : ٢٠.

(٢) مختلف الشيعة ، ج ٨ ، ص ٩١.

(٣) الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٣٠ ، مسالك الأفهام ، ج ١٠ ، ص ٣٨٦.

(٤) الخلاف ، ج ٦ ، ص ٤١٨ ، المسألة : ٢٠ من كتاب الفرائض ، وكذا استدل به هنا في المسالك ج ١٣ ، ص ٢٠ ، وفي جواهر الكلام ، ج ٣٤ ، ص ٢١٦.

(٥) مسالك الأفهام ، ج ٧ ، ص ١٦٧ ، جامع المقاصد ، ج ١٢ ، ص ١٠٧ ، جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢٠٦.


جواز مساواته ـ وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» ، ومن المعلوم أنّ ما نحن فيه أولى بالاستدلال عليه (١) به.

لكن الإنصاف (٢) أنّه لو أغمض النظر عن دعوى الإجماع المعتضد بالشهرة (٣) واشتهار (٤) التمسّك بالآية

______________________________________________________

ساوى بناء المسلمين ولم يعل عليه ، فعليه أن يقصره عنه. وقيل يجوز ذلك. والأوّل أقوى» (١).

ونحوه كلام العلامة في التذكرة. وقال أيضا في منع المساواة بعد الاستدلال بالخبر : «ومع تسويغ المساواة لا يتحقق علوّ الإسلام» فراجع (٢).

(١) أي : على ما نحن فيه ـ وهو بيع العبد المسلم من الكافر ـ به ، أي بالنبوي المرسل المزبور.

(٢) هذا شروع في تضعيف الوجوه المذكورة التي استدلّ بها المشهور على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر. تقريبه : أنّه لو أغمض عن دعوى الإجماع ـ المعتضد بالشهرة ، واشتهار التمسك بآية نفي السبيل على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر ـ لم تصلح الوجوه المذكورة لإثبات القول المشهور. فالعمدة في دليل هذا الحكم هو الإجماع المذكور. وسيأتي وجه الاشكال فيها.

(٣) كما في الجواهر ، لقوله ـ في مقام تخصيص العمومات الحاكمة بصحة بيع العبد المسلم من الكافر ـ «بالإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة ..» (٣).

(٤) كذا في بعض النسخ ، وفي نسختنا العطف ب «أو» والأولى ما أثبتناه ، وهو معطوف على «الشهرة» يعني : المعتضد بالشهرة وباشتهار التمسك بآية نفي السبيل على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر.

ويمكن عطفه على «دعوى» والغرض من العطف دعوى أمرين أحدهما : كون الإجماع معتضدا بالشهرة ، وثانيهما : شهرة التمسك بالآية على الحكم.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٤٦.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٩ ، ص ٣٤٤ ، ونحوه في : مختلف الشيعة ، ج ٤ ، ص ٤٤٤ ، جامع المقاصد ، ج ٣ ، ص ٤٦٣ ، جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ٢٨٤.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٣٤.


ـ حتّى (١) أسند في كنز العرفان (١) إلى الفقهاء ، وفي غيره إلى أصحابنا ـ لم يكن (٢) ما ذكروه من الأدلّة خاليا عن الإشكال في الدلالة (٣).

أمّا قياس (٤) حكاية الابتداء على الاستدامة ، فغاية توجيهه (٥) أنّ المستفاد (٦)

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ اشتهار التمسك بالآية على عدم الجواز يكون بمثابة أسند الفاضل المقداد قدس‌سره هذا التمسك إلى الفقهاء ، وأسند في غير كنز العرفان إلى أصحابنا ، ففي زبدة البيان «واحتج به أصحابنا» (٢). وفي الجواهر «الذي هو معظم عمدة دليل الأصحاب على ذلك» (٣) أي على بطلان بيع العبد المسلم من الكافر.

(٢) جواب «لو» في قوله : «لو أغمض» ، والمراد بالأدلة هي الأدلة الثلاثة المتقدّمة للمنع.

(٣) يعني : في الدلالة على المقصود ، وهو عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر ، وزيّف المصنف الوجوه التي احتجّ بها المشهور على عدم الجواز.

(٤) هذا أوّل تلك الوجوه ، ووجّهه أوّلا بنحو يصحّ الاستدلال به على عدم الجواز ، ثم ضعّفه.

أمّا التوجيه فتوضيحه : أنّ وجه دلالة المنع عن الاستدامة على عدم جواز النقل ابتداء هو : أنّ المنع عن الاستدامة يدلّ عرفا على عدم رضا الشارع بأصل وجوده مطلقا ، من غير فرق بين الحدوث والبقاء ، كدلالة أمر المولى بإخراج شخص من الدار أو بإزالة النجاسة عن المسجد ، فإنّه يدلّ عرفا على عدم جواز الإدخال ، لمبغوضية وجوده للمولى ، بلا فرق بين الحدوث والبقاء.

(٥) أي : توجيه قياس حكاية الابتداء على الاستدامة.

(٦) هذا تقريب كيفية منع الاستدامة ، وقد مرّ آنفا بقولنا : «أمّا التوجيه فتوضيحه .. إلخ».

__________________

(١) كنز العرفان ، ج ٢ ، ص ٤٤.

(٢) زبدة البيان ، ص ٤٣٩.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٣٤.


من منع الشارع عن استدامته عدم (١) رضاه بأصل وجوده (٢) حدوثا وبقاء ، من غير مدخليّة لخصوص البقاء ، كما لو أمر المولى بإخراج أحد من الدار ، أو بإزالة النجاسة عن المسجد ، فإنّه يفهم (٣) من ذلك عدم جواز الإدخال.

لكن (٤) يرد عليه : أنّ هذا (٥) إنّما يقتضي كون عدم الرضا بالحدوث على نهج عدم الرضا (٦) بالبقاء. ومن المعلوم أنّ عدم رضاه بالبقاء مجرّد تكليف بعدم إبقائه ،

______________________________________________________

(١) خبر «إنّ» يعني : أنّ المستفاد من منع الشارع عن الاستدامة هو عدم رضا الشارع بأصل وجود كون المسلم ملكا للكافر حدوثا وبقاء من دون دخل للبقاء فيه ، لأنّ مقتضى مبغوضية أصل الوجود عدم خصوصية للبقاء في الحكم.

(٢) أي : وجود كون المسلم ملكا للكافر.

(٣) أي : يفهم عرفا من أمر المولى بإخراج أحد من الدار ـ أو بإزالة النجاسة عن المسجد ـ عدم جواز الإدخال.

(٤) وأمّا تضعيف التوجيه المزبور فتوضيحه : أنّ قياس الابتداء على الاستدامة ـ الموجب لبطلان النقل الابتدائي ، وعدم مالكية الكافر للعبد المسلم ـ إنّما يصحّ بناء على كون الإسلام في المقيس عليه رافعا لملكية المسلم للكافر ، ومخرجا له عن ملكه ، حتى يكون مانعا عن دخوله في ملك الكافر ابتداء ، وموجبا لبطلان نقله الابتدائي.

وأمّا بناء على كون الإسلام في المقيس عليه ـ وهو إسلام العبد بعد كفره ـ موجبا لوجوب إخراجه عن ملك الكافر تكليفا مع بقاء الحكم الوضعي ـ وهو ملكيّته للكافر ـ فلا يصح ، إذ غاية ما يدلّ عليه قياس الابتداء على الاستدامة هي النهي التكليفي عن النقل مع صحة العقد الناقل الموجب لحدوث الملكية للكافر. والمستفاد من النص هو الثاني ، لعدم حكمهم بزوال ملك الكافر عن عبده المسلم بمجرّد إسلامه. فالإستدلال بقياس الابتداء على الاستدامة ـ على بطلان النقل الابتدائي ـ في غير محله.

وقد اتضح بما ذكرناه أنّ قوله : «على نهج» بيان لكبرى مماثلة الحدوث والبقاء ، وقوله : «من المعلوم» بيان لصغرى المماثلة وهي مجرد التكليف ، مع أن كلامنا في الحكم الوضعي.

(٥) أي : التوجيه المزبور لقياس الحدوث بالبقاء.

(٦) أي : عدم رضا الشارع بالبقاء.


وبإخراجه عن ملكه (١). وليس معناه (٢) عدم إمضاء الشارع بقاءه (٣) حتّى يكون العبد المسلم خارجا بنفسه (٤) شرعا عن (٥) ملك الكافر ، فيكون (٦) عدم رضاه بالإدخال

______________________________________________________

(١) أي : ملك الكافر ، وضميرا «إبقائه ، إخراجه» راجعان الى العبد المسلم.

(٢) أي : معنى عدم رضا الشارع بالبقاء هو عدم إمضائه بقاءه ، الموجب لزوال ملك الكافر.

(٣) أي : بقاء العبد في ملك الكافر ، والمراد بعدم إمضاء الشارع بقاءه هو خروجه بمجرّد الإسلام عن ملك الكافر بدون الحاجة إلى بيع ونحوه من النواقل الشرعية. وهذا هو الحكم الوضعي.

لكنه ليس بمراد ، لعدم ذهاب أحد إلى خروجه عن ملك الكافر بمجرّد الإسلام ، بل العبد الذي أسلم في ملك الكافر باق على ملكه ، ولا يخرج عن ملكه إلّا بأحد النواقل الشرعية.

(٤) أي : بمجرد الإسلام بدون ناقل شرعي.

(٥) متعلّق ب «خارجا».

(٦) هذا متفرع على بقاء العبد ـ الذي أسلم ـ على ملك مولاه الكافر ، والنهي عن إبقاءه تحت يده مجرّد حكم تكليفي لا يترتب عليه حكم وضعي ، وهو خروج العبد عن ملك الكافر.

هذا حال النهي عن الإبقاء. ومثله عدم رضا الشارع بالإدخال ، فإنّ النهي عن الإدخال نهي تكليفي محض ، وذلك لا ينافي الحكم الوضعيّ وهو صحة النقل الابتدائي.

فتلخص : أنّ قياس الابتداء بالاستدامة لا يجدي في إثبات الحكم الوضعي أعني به فساد نقل العبد المسلم إلى الكافر ابتداء ، وإنّما يجدي في النهي عنه تكليفا والنهي لا يوجب الفساد الذي هو مذهب المشهور.

نعم لو دلّت روايات النهي عن البقاء على خروج العبد المسلم عن ملك الكافر بالانعتاق ، لدلت أيضا على عدم حدوث الملك للكافر ابتداء. لكنّه ليس كذلك ، لما عرفت من أنّها متعرضة للحكم التكليفي ، وهو حرمة الإبقاء في ملك الكافر.


على هذا الوجه (١) ، فلا يدلّ (٢) على عدم إمضائه (٣) لدخوله في ملكه (٤) ليثبت بذلك (٥) الفساد (*).

______________________________________________________

(١) خبر «فيكون» والمراد بهذا الوجه هو النهي التكليفي لا الوضعي.

فالنتيجة : أنّ نقل العبد المسلم إلى الكافر حرام ، لا باطل.

(٢) يعني : فلا يدلّ عدم رضا الشارع بإدخال العبد المسلم كإبقائه على الحكم الوضعي ـ وهو عدم إمضائه لدخوله في ملك الكافر ابتداء ـ حتى يثبت به فساد المعاملة كما هو المشهور.

(٣) أي : إمضاء الشارع ، وضمير «لدخوله» راجع الى العبد المسلم.

(٤) أي : في ملك الكافر.

(٥) أي : بعدم إمضاء الشارع فساد النقل إلى الكافر.

__________________

(*) وفيه : أنه يمكن أن يقال ـ كما قيل ـ : إنّ النهي عن الحدوث وإن كان تكليفيا كما أفاده قدس‌سره ، إلّا أنّه لرجوعه إلى ناحية المسبّب ـ وهو ملكية العبد المسلم للكافر ـ يدلّ لا محالة على الفساد كما ثبت في علم الأصول ، وهو مختاره فيه أيضا. وليس النهي عن المسبّب كالنهي عن السبب في عدم الدلالة على الفساد كالبيع وقت النداء. ومن المعلوم أنّ النهي عن إبقاء العبد المسلم بعد إسلامه عند الكافر ليس إلّا لأجل مبغوضية المسبب وهو تملك الكافر له ، وهذه المبغوضية توجب دلالة النهي على الفساد.

ويؤيّده : أنّ فساد البيع المنهي عنه حدوثا ممّا تقتضيه شرطية إسلام من انتقل إليه العبد المسلم ، وإلّا لم يكن شرطا. وهذا خلف. بل هذه الشرطية تقتضي خروج العبد إذا أسلم عن ملك مولاه الكافر ، كعدم دخوله في ملكه.

لكن هذا الاحتمال ـ وهو رجوع النهي إلى المسبّب الذي مقتضاه فساد البيع ـ وإن كان في نفسه صحيحا ، لكنه مخالف للنص والإجماع على بقاء العبد بعد إسلامه على ملك الكافر ، غاية الأمر أنّه يجب على المسلمين إخراجه عن ملكه بإجبار الكافر على نقله إلى المسلمين ببيع أو غيره من النواقل الشرعية.

فالحقّ ما أفاده المصنف من كون النهي تكليفيا فقط من دون استتباعه للحكم


والحاصل (١) أنّ دلالة النهي عن الإدخال في الملك تابعة لدلالة النهي عن الإبقاء في الدلالة (٢) على إمضاء الشارع لآثار المنهيّ عنه ، وعدمه (٣) ، والمفروض انتفاء الدلالة في المتبوع (٤).

وممّا ذكرنا (٥) يندفع التمسّك للمطلب بالنصّ الوارد في عبد كافر أسلم ، فقال

______________________________________________________

(١) يعني : وحاصل الإشكال ـ الذي أوردوه على توجيه قياس الابتداء على الاستدامة ـ هو : تبعيّة دلالة النهي عن إدخال العبد المسلم في ملك الكافر لدلالة النهي عن الإبقاء ، في الدلالة على إمضاء الشارع لآثار البقاء الذي هو المنهي عنه وعدمه.

(٢) متعلق ب «تابعة» ومبيّن للمراد من تبعية دلالة النهي عن الإدخال لدلالة النهي عن الإبقاء.

(٣) معطوف على «إمضاء» يعني : ودلالة النهي عن الإدخال تابعة لدلالة النهي عن الإبقاء على عدم إمضاء الشارع آثار المنهي عنه ـ وهو البقاء ـ حتى يخرج العبد بإسلامه عن ملك الكافر ، ويكون الدخول مثله في عدم حصول الملك الابتدائي.

وعلى تقدير إمضاء الشارع آثار البقاء يكون الإدخال في ملك الكافر مثله في تحقق الملك الابتدائي ، وكون النهي عن الدخول نهيا تكليفيا فقط.

(٤) وهو الإبقاء. فصار المتحصل : حرمة بيع العبد المسلم من الكافر لا بطلانه ، كحرمة المتبوع وهو الإبقاء ، وعدم زواله بمجرّد إسلام العبد عند الكافر.

(٥) من منع قياس الابتداء بالاستدامة. والمتمسّك غير واحد ، فراجع الحدائق والجواهر (١).

__________________

الوضعي. فبيعه من كافر ابتداء صحيح ، غاية الأمر أنّه حرام.

وتوهم «لغويّة جعل الملكية للكافر مع فرض وجوب الإخراج عن ملكه كما هو مقتضى كلام المصنف قدس‌سره ، حيث إنّه جعل النهي عن إبقائه في ملك الكافر تكليفا محضا» فاسد ، لأنّ اللغوية إنّما تلزم مع نفي جميع آثار الملكية ، دون بقاء بعضها كانتقاله إلى ورثته ، وأداء ديونه منه ، ولا تلزم مع نفي بعض آثار الملكية كحجره عن التصرفات مباشرة.

فالمتحصل : أنّ ما أفاده في المتن ـ من كون النهي تكليفا محضا غير مستتبع للحكم الوضعي ـ متين.

__________________

(١) راجع الحدائق ، ج ١٨ ، ص ٤٢٦ ، وجواهر الكلام ، ج ٢٢ ، و ٣٣٤.


أمير المؤمنين عليه‌السلام : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ، ولا تقرّوه عنده» (١) (*) بناء (١) على أنّ تخصيص البيع بالمسلمين ـ في مقام البيان والاحتراز (٢) ـ يدلّ (٣) على المنع من بيعه من الكافر ، فيفسد.

توضيح الاندفاع (٤) أنّ التخصيص بالمسلمين إنّما هو من جهة أنّ الداعي

______________________________________________________

(١) هذا تقريب الاستدلال على البطلان ، توضيحه : أنّ تخصيص البيع بالمسلمين في مقام البيان يدلّ على فساد البيع من المشتري الكافر ، وإلّا لم يكن وجه للتقييد بالمسلمين وهذا التقييد يدلّ على المنع من بيعه من غير المسلمين ، لفساده وعدم ترتب الملكية عليه ، فيتم حينئذ الاستدلال بهذا النصّ على فساد بيع العبد المسلم من الكافر.

(٢) معطوف على «البيان» يعني : وفي مقام الاحتراز عن بيع العبد المسلم من غير المسلمين.

(٣) خبر «ان» في قوله قدس‌سره : «ان تخصيص البيع».

(٤) هذا توضيح قوله : «يندفع التمسك» ومحصل وجه الاندفاع هو : أنّ التخصيص بالمسلمين ليس لأجل اختصاص مورد الصحة ببيعه من المسلمين حتى يدلّ على شرطية إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم ، ويكون بيعه من الكافر فاسدا ، لفقدان الشرط وهو إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم. بل لأجل الإشارة إلى أنّ الداعي إلى الأمر بالبيع هي إزالة ملك الكافر ، غايته أنّها لا تحصل إلّا ببيعه من المسلمين.

__________________

ثم إنّه على تقدير دلالة النصوص على فساد بيع العبد المسلم من الكافر تكون تلك النصوص مخصّصة للعمومات الدالة على صحة البيع ، ومقيّدة لمطلقاتها ، لأخصية النصوص منها كما لا يخفى.

(*) عدّ هذا النصّ دليلا مستقلّا للمشهور غير ظاهر ، بل هو دليل على أوّل أدلة المشهور ، وهو قياس الحدوث بالبقاء ، حيث إنّ هذا النصّ يدلّ على حرمة الإبقاء الذي هو المقيس عليه ، فلاحظ.

وكيف كان فمورد الاستدلال جملتان ، إحداهما «فبيعوه من المسلمين» وثانيتهما : «ولا تقرّوه عنده» فإنّهما تدلّان على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر.

__________________

(١) تقدم مصدره في ص ٢٨٦.


على الأمر بالبيع هي إزالة ملك الكافر ، والنهي (١) عن إبقائه (٢) عنده ، وهي (٣) لا تحصل بنقله إلى كافر آخر ، فليس تخصيص المأمور به (٤) لاختصاص مورد الصحّة به (٥) ، بل لأنّ الغرض (٦) من الأمر لا يحصل إلّا به (*) ، فافهم (٧).

______________________________________________________

(١) الأولى تقديمه ـ على تقدير ثبوته في النسخة الأصلية ـ على قوله : «هي إزالة ملك الكافر» بأن يقال : «إنّ الداعي على الأمر بالبيع والنهي عن إبقائه عنده هي إزالة ملك الكافر» والمظنون أن التقديم من الناسخ. وعلى هذا يكون «والنهي» معطوفا على «الأمر بالبيع» عطفا تفسيريا.

(٢) أي : إبقاء العبد المسلم عند الكافر.

(٣) أي : وإزالة ملك الكافر لا تحصل بنقل العبد المسلم إلى كافر آخر ، بل لا بدّ من نقله إلى مسلم.

(٤) وهو بيع العبد المسلم من المسلمين.

(٥) أي : بكون مورد صحة البيع خصوص البيع من المسلمين ، حتى يثبت مدّعى المشهور ، وهو شرطية إسلام من انتقل إليه العبد المسلم.

(٦) وهو إزالة ملك الكافر لا يحصل إلّا ببيع العبد المسلم من المسلمين.

(٧) لعلّه إشارة إلى : أنّه لا وجه لاستفادة الاختصاص بالمسلمين إلّا التشبث بمفهوم الوصف حتى يدلّ على عدم صحة بيعه بغير المسلمين ، ويصح الاستدلال به على اعتبار الإسلام في من ينتقل إليه العبد المسلم.

أو إشارة إلى : أنّ الأمر بإزالة الملك مستلزم لبطلان البيع ، لصيرورته سفهيّا. فالنهي وإن كان تكليفيا ، لكنه يوجب الفساد.

إلّا أن يقال : إنّ المراد بالسفاهة ما يكون سفاهة عرفا مع الغض عن حكم

__________________

(*) بل يحصل الغرض ـ وهو إزالة ملك الكافر ـ بعتقه أو وقفه ، بناء على صحتهما من الكافر ، فلا يتوقف حصول هذا الغرض على بيعه من المسلمين. فاستفادة الانحصار ببيعه من المسلمين ـ حتى يكون دليلا على قول المشهور ـ منوطة بمفهوم الوصف على القول به.


وأمّا الآية (١) فباب الخدشة فيها واسع : تارة من جهة دلالتها في نفسها (٢) ولو (٣) بقرينة

______________________________________________________

الشارع ، لأنّ السفاهة من الألفاظ التي يرجع فيها إلى العرف ، فلا بدّ أن تكون المعاملة سفهية مع الغض عن حكم الشارع بوجوب الإزالة.

(١) هذا شروع في الخدشة في الاستدلال بآية نفي السبيل لمذهب المشهور ، ولا يخفى أن للمصنف قدس‌سره خدشات ثلاث في الاستدلال بالآية الشريفة.

الخدشة الاولى : أنّ إرادة الملكية من السبيل ـ كما هو مبنى استدلال المشهور بالآية على اعتبار الإسلام في من ينتقل إليه العبد المسلم ـ تستلزم تخصيصها بموردين حكي الإجماع على مالكية الكافر للعبد المسلم فيهما.

أحدهما : الملك الابتدائيّ القهريّ ، كانتقال العبد المسلم إلى الكافر بالإرث وإن أجبر على بيعه من الراغب في شرائه ، ومع عدمه يحال بين العبد ومولاه الكافر الى أن يوجد الراغب.

وثانيهما : الملك الاستدامي ، كما لو أسلم العبد عند مولاه الكافر ، أو ارتدّ المولى بعد كونه هو وعبده مسلمين.

ففي هذين الموردين يملك الكافر العبد المسلم ، ولا بدّ من تخصيص الآية ، بأن يقال : «لن يجعل الله الكافر مالكا للمسلم إلّا في هذين الموردين» مع وضوح إباء الآية المباركة عن التخصيص. ووجه الإباء عنه ظهورها في كون الإيمان تمام العلّة في الحكم بنفي السبيل ، ويمتنع انفكاكه عنه.

وعلى هذا لا بدّ من إرادة معنى آخر من الآية المباركة حتى لا يلزم منه التخصيص أصلا ، بأن تكون في مقام بيان شرف الإيمان ونفي السلطنة على المؤمن في الآخرة.

(٢) يعني : مع الغضّ عن الرواية الواردة في تفسيرها ، وهي رواية العيون الآتية.

(٣) وصلية ، يعني : ولو كانت دلالة نفس الآية بقرينة السياق.

وليس المراد من قوله : «ولو بقرينة سياقها» الإشارة إلى أنّ منع دلالة الآية على الملك ـ مع الغضّ عما ورد في تفسيرها ـ يستند إلى أمور ثلاثة. أحدها عدم دلالتها في نفسها ، ثانيها : إباء سياقها. ثالثها : قرينة ما قبلها الدال على نفي السبيل في الآخرة.


سياقها (*) الآبي (١) عن التخصيص ، فلا بدّ (٢) من حملها على معنى لا يتحقّق فيه تخصيص ، أو بقرينة (٣) ما قبلها الدالّة على إرادة [أنّ] نفي الجعل في الآخرة.

واخرى (٤) من حيث تفسيرها (٥) في بعض الأخبار بنفي الحجّة للكفّار على

______________________________________________________

(١) المراد بالسياق الآبي عن التخصيص هو ما يذكره بعد أسطر بقوله : «في الآية الشريفة المسوقة لبيان أن الجعل شي‌ء لم يكن ولن يكون .. إلخ» فإنّ كلمة «لن» لنفي التأييد الناشئ هنا عن احترام المؤمن وشرفه. وهذا لا يقيّد بحال دون حال.

فالنتيجة : أنّ هذه الآية المباركة ـ بناء على إرادة الملك من السبيل ـ لا تدلّ على قول المشهور.

(٢) هذه نتيجة إشكال التخصيص مع فرض إرادة الملك من السبيل وإبائه عن التخصيص ، يعني : فلا بدّ من حمل الآية على معنى لا يرد فيه تخصيص.

(٣) معطوف على «قرينة سياقها» يعني : أنّه لا يراد من السبيل المنفي الملكية ، أمّا لسياقها الآبي عن التخصيص اللازم هنا ، إذ المفروض ملك الكافر للمسلم في موردين تقدّما بقولنا : «فإنّ الكافر يملك العبد المسلم في هذين الموردين». وإمّا لقرينة ما قبل هذه الآية ، وهو قوله تعالى (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فإنّ نفي السبيل في الآخرة أجنبي عن الملكية المبحوث عنها في المقام.

(٤) هذه هي الخدشة الثانية ، وهذه الخدشة كالأولى راجعة إلى دلالة الآية.

(٥) قال في مجمع البيان : «قيل فيه أقوال : أحدها : أنّ المراد لن يجعل الله لليهود على المؤمنين نصرا ولا ظهورا عن ابن عباس.

وقيل : (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) بالحجة وإن جاز أن يغلبوهم

__________________

(*) لا يخفى أنّ سياقها يأبى عن التخصيص مطلقا سواء أريد من السبيل في الآية المباركة خصوص الملك أم مطلق تسلط الكافر على المؤمن ولو بغير الملك ، كما إذا استقرض من الكافر ، فإنّه يتسلط على المؤمن بالمطالبة ، بل بالحبس إذا كان مماطلا مع يسره وقدرته على الأداء. فلا محيص عن حمل الآية على معنى يسلم من التخصيص الذي يأباه سياقها.


المؤمنين ، وهو ما روي في العيون عن أبي الحسن عليه‌السلام ردّا على من زعم أنّ المراد بها (١) نفي تقدير الله سبحانه بمقتضى الأسباب العاديّة تسلّط الكفّار على المؤمنين ، حتّى أنكروا لهذا المعنى الفاسد الذي لا يتوهّمه ذو مسكة أنّ الحسين بن علي عليهما‌السلام لم يقتل ، بل شبّه لهم (٢) ،

______________________________________________________

بالقوة. لكن المؤمنين منصورون بالدلالة والحجة ، عن السدّي والزجاج والبلخي. قال الجبائي : ولو حملناه على الغلبة لكان ذلك صحيحا ، لأنّ غلبة الكفّار للمؤمنين ليس ممّا فعله الله ، فإنّه لا يفعل القبيح. وليس كذلك غلبة المؤمنين للكفار ، فإنّه يجوز أن ينسب إليه سبحانه.

وقيل : لن يجعل لهم في الآخرة عليهم سبيلا ، لأنّه مذكور عقيب قوله : فالله يحكم بينكم يوم القيامة. بيّن الله سبحانه أنّه إن يثبت لهم سبيل على المؤمنين في الدنيا بالقتل والقهر والنهب والأسر وغير ذلك من وجوه الغلبة ، فلن يجعل لهم يوم القيامة عليهم سبيلا بحال» (١).

(١) أي : بآية نفي السبيل ، فإنّهم جعلوا السبيل المنفي : القدرة التكوينية العاديّة ، يعني : أنّ الكافرين ليس لهم قدرة وتسلط خارجي على المؤمنين.

والشاهد لإرادة الحجة من الآية الشريفة قول مولانا أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في الرواية المزبورة : «وأمّا قوله عزوجل (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ، فإنّه يقول : لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجة» وهذه الجملة ردّ على من زعم أنّ المراد بنفي السبيل نفي القدرة التكوينية.

(٢) لكن يرد على من زعم ذلك المعنى الفاسد أنّ الشبيه الذي قتل في كربلاء ـ وهو حنظلة بن سعد الشامي ـ كان مؤمنا.

إلّا أن يقال : انّهم لا يعتقدون بإيمان حنظلة الذي هو من شهداء كربلاء ، لكنه كما ترى.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ١٢٨.


ورفع كعيسى «على نبيّنا وآله وعليه‌السلام» (١).

وتعميم (٢) الحجّة

______________________________________________________

(١) لا بأس بنقل نصّ رواية العيون ممّا يتعلّق بالمقام ، وهو أنّ الهروي ـ والظاهر أنّه عبد السلام بن صالح ـ قال : «قلت : يا ابن رسول الله وفيهم ـ أي في سواد الكوفة ـ قوم يزعمون أنّ الحسين بن علي عليه‌السلام لم يقتل ، وأنّه القي شبهه على حنظلة بن أسعد الشامي ، وأنّه رفع إلى السماء ، كما رفع عيسى بن مريم عليهما‌السلام ، ويحتجون بهذه الآية (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).

فقال : كذبوا ، عليهم غضب الله ولعنته ، وكفروا بتكذيبهم لنبيّ الله في إخباره بأنّ الحسين بن علي عليهما‌السلام سيقتل. والله لقد قتل الحسين ، وقتل من كان خيرا من الحسين ، أمير المؤمنين والحسن بن علي. وما منّا إلّا مقتول ، وأنا والله لمقتول بالسّمّ باغتيال من يغتالني ، أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من رسول الله أخبره به جبرئيل عن ربّ العالمين.

وأما قول الله عزوجل (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) فإنّه يقول : ولن يجعل الله لكافر على مؤمن حجّة. ولقد أخبر الله عزوجل من كفّار قتلوا النبيّين بغير الحقّ ، ومع قتلهم إيّاهم لم يجعل الله لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجة» (١).

(٢) مبتدء خبره قوله : «لا يخلو». وهذا إشارة إلى كلام صاحب العناوين وغيره ممّن أيّد استدلال المشهور بالآية الشريفة على منع بيع العبد المسلم من الكافر ، والغرض منه دفع الخدشة الثانية المتقدمة بقوله : «واخرى».

وبيانه : أنّ صاحب الحدائق قدس‌سره اعترض على المشهور المستدلّين بالآية الشريفة بوجوه ثلاثة ، وثالثها هو الاستشهاد بخبر العيون على أنّ السبيل المنفي في الآية المباركة ليس بمعنى السلطنة والملك ، فقال : «والخبر كما ترى صريح في تفسير السبيل المنفي في الآية بالحجة والدليل» (٢).

وأجاب صاحب العناوين قدس‌سره عنه ـ انتصارا للمشهور ـ بوجوه عديدة أشار المصنف قدس‌سره إلى اثنين منها :

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ٢ ، ص ٢٠٣ ، طبعة طهران عام ١٣٧٧ ، عنه في البحار ، ج ٤٤ ، ص ٢٧١ ، ح ٤.

(٢) الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٤٢٤ و ٤٢٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

الوجه الأوّل : أنّ تفسير «السبيل» بالحجة ـ كما في الخبر ـ لا ينافي التمسك بالآية ، إذ للحجة معنى عام يشمل الملكية ، ولا ينحصر معناها في البرهان والدليل ، فالحجة «ما تكون به الغلبة للكافر على المسلم» ومن المعلوم أنّ الملكية إذا كانت سبيلا كانت ممّا به غلبة الكافر على المسلم في تصرفه كيف يشاء.

وعلى هذا فتملك الكافر للعبد المسلم وسلطنته على الاستخدام والأمر والنهي حجة له على المسلم ، فتكون منفيّة بمقتضى الآية. قال في العناوين : «مضافا إلى أنّا نقول : إنّ الكافر لو كان مالكا للمسلم ونحو ذلك من طرق السّبل الذي تنفيها القاعدة لكان ذلك أيضا من أعظم الحجج للكافر على المسلم ، فإنّ حجه الملك والولاية من أعظمها. فالخبر الدال على نفي الحجة دال على ذلك ـ أي نفي الملك والولاية ـ أيضا ، فلا تذهل» (١).

وبهذا الوجه دفع صاحب الجواهر أيضا كلام صاحب الحدائق ، فقال : «يدفعها ـ أي يدفع المناقشة ـ صحة الاستدلال بها على هذا التقدير ، ضرورة كون الدخول في الملك أعظم حجة له عليه» (٢).

الوجه الثاني : أن «السبيل» وإن فسّر بالحجة ، وأنّها ليست مطلق ما يكون به الغلبة ، بل هي الغلبة في مورد المخاصمة والمحاجّة ، فلا تشمل الملكية ، ولكن نقول : ليس الخبر في مقام حصر السبيل المنفي في خصوص الحجة ، بل الخبر ـ لخصوصية المورد ـ طبّق السبيل العامّ على أحد أفراده ، وهو البرهان والدليل ، ومن المعلوم أنّ المورد لا يخصّص عموم الوارد. قال في العناوين : «والجواب أوّلا : أن السبيل المنفي عام شامل للحجة وغيرها ، والخبر لم يدلّ على الانحصار ، فنقول بدخوله في العموم ، غايته أنّ ذلك هو المورد ، وهو لا يخصّص .. فحمل الخبر على بيان أحد أفرادها أجود كما هو الغالب في أخبار التفاسير» (٣).

والفرق بين الوجهين : أن الأوّل مبني على ترادف «السبيل والحجة» بمقتضى ظاهر الخبر ، ولكن يدّعى أنّ الحجة غير منحصرة في البرهان والدليل ، بل يشمل

__________________

(١) العناوين للعلامة السيد مير فتاح الحسيني المراغي ، ج ٢ ، ص ٣٥٨.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٦.

(٣) العناوين للعلامة السيد مير فتاح الحسيني المراغي ، ج ٢ ، ص ٣٥٨.


على معنى (١) يشمل الملكية ، أو [و] تعميم (٢) السبيل على وجه يشمل الاحتجاج والاستيلاء ، لا يخلو (٣) عن تكلّف.

وثالثة (٤) من حيث تعارض عموم الآية مع عموم ما دلّ على صحّة البيع (١) ووجوب الوفاء بالعقود (٢) ، وحلّ أكل المال بالتجارة (٣) ، وتسلّط الناس على أموالهم (٤) ،

______________________________________________________

الملكية والسلطنة أيضا. والوجه الثاني مبني على إنكار الترادف ، وجعل الحجة من أفراد معنى السبيل ، ومن المعلوم أنّ تفسير العامّ ببعض أفراده غير قادح في عموم ذلك العامّ ، فللسبيل معنى عام يشمل الاحتجاج والاستيلاء الملكي معا. هذا كلّه في توضيح الوجهين ، وسيأتي مناقشة المصنف فيهما ، وتثبيت قصور دلالة الآية على المقام.

(١) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل. وقد عرفت اختيار صاحب الجواهر له أيضا.

(٢) هذا إشارة إلى الوجه الثاني ، وقد تقدم الفرق بينه وبين الوجه الأوّل.

(٣) خبر قوله «وتعميم» ودفع للوجهين. أمّا الأوّل ، ففيه : أنّ الملكية إضافة خاصّة بين المال والمالك ، وهي تنشأ بالإنشاء. و «الحجة» ظاهرا هي الغلبة على الخصم في مورد المخاصمة ، لا مطلق ما يكون به الغلبة على أحد ولو لم تكن مخاصمة.

مضافا إلى : أنّ هذا المعنى العام للحجة مستلزم لتخصيص نفي جعل الملكية للكافر بالملك الابتدائي القهري والملك الاستدامي المتقدمين سابقا ، والمفروض أنّ الآية آبية عن التخصيص كما مرّ آنفا.

وأمّا الوجه الثاني ففيه أيضا : أنّ أصل معنى السبيل هو السلطنة ، فتعميمه إلى ما ورد في الخبر من الاحتجاج وإقامة الدليل ـ حتى يتطابق المدّعى والدليل ـ غير ظاهر.

(٤) هذه هي الخدشة الثالثة ، توضيحها : أنّه ـ بعد الغضّ عن المناقشتين المتقدمتين الراجعتين إلى دلالة الآية الشريفة ، وتسليم دلالتها على عدم جعل ملكية العبد المسلم

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٧٥.

(٢) سورة المائدة ، الآية ١.

(٣) سورة النساء ، الآية ٢٩.

(٤) عوالي اللئالي ، ج ١ ، ص ٢٢٢ ، ح ٩٩.


وحكومة (١) الآية عليها غير معلومة (٢) (*). وإباء (٣) سياق الآية عن التخصيص

______________________________________________________

للكافر ـ يرد على الاستدلال بها : أنّها تعارض العمومات الدالة على صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر ، والنسبة بينهما عموم من وجه ، لاجتماعهما في بيع العبد المسلم من الكافر ، فإنّ آية نفي السبيل تقتضي فساده ، والعمومات تقتضي صحته. وافتراق العمومات في بيع العبد المسلم من المسلم. وافتراق الآية في الملك القهري ، إذ العمومات ناظرة إلى الملك الاختياري. والمعارضة تسقط المتعارضين ، وتصل النوبة إلى الأصل العملي الذي هو أصالة الفساد في العقود.

فالنتيجة : بطلان نقل المسلم إلى الكافر كما هو المشهور ، وهذا ضدّ مقصود المصنف قدس‌سره من إثبات صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر.

(١) مبتدء ، وخبره «غير معلومة» والغرض من هذا الكلام دفع إشكال المعارضة ، بتقريب : أنّ آية نفي السبيل حاكمة على عمومات الصحة ، وتقدّم عليها ، ولا تلاحظ نسبة العموم من وجه بينهما. وهذه الحكومة توجب صحة الاستدلال بالآية على مذهب المشهور ، وهو عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكفار.

(٢) لأنّ المصنف قدس‌سره يعتبر في الحكومة تعرّض الحاكم بمدلوله اللفظي لما يراد من المحكوم ، وهو مفقود هنا. ومع عدم الحكومة لا يصحّ الاستدلال بالآية على بطلان بيع العبد المسلم من الكافر ، لمعارضتها مع عمومات الصحة.

(٣) مبتدء ، وخبره «يقرّب» توضيح ما أفاده في المناقشة الثالثة هو : أنّ مجرد التعارض ـ وعدم الحكومة على عمومات الصحة ـ لا يكفي في سقوط المتعارضين حتى يرجع إلى أصالة الفساد التي هي المرجع في العقود وخيرة المشهور. بل مدار سقوطهما على إمكان تخصيص كلّ من المتعارضين بالمجمع ، وإخراجه عن كلّ منهما ، وعدم رجحان

__________________

(*) لا ينبغي الإشكال في الحكومة ، لما قرّر في محلّه من عدم اعتبار دلالة الحاكم لفظا على ما يراد من المحكوم. لكنه مع ذلك لا يستقيم الاستدلال بالآية على عدم تملك الكافر للعبد المسلم ، لأجل إباء الآية عن التخصيص ، مع القطع بتخصيصها بموارد يكون الكافر مالكا فيها للعبد المسلم.


ـ مع وجوب الالتزام به (١) في طرف الاستدامة ، وفي (٢) كثير من الفروع في الابتداء ـ يقرّب (٣) (*) تفسير السبيل بما لا يشمل الملكيّة ، بأن يراد من السبيل السلطنة ،

______________________________________________________

لتخصيص أحدهما بالخصوص على الآخر. ك «أكرم العلماء ولا تكرم الأمراء» فإنّ مورد اجتماعهما ـ وهو العالم الأمير ـ يمكن إخراجه عن كلّ من هذين الدليلين من دون رجحان لأحدهما بالخصوص على الآخر.

والمفروض فقدان هذا الشرط ـ وهو عدم رجحان أحد التخصيصين على الآخر ـ هنا ، وذلك لإباء الآية المباركة عن التخصيص ، مع وضوح تخصيصها بالملك الابتدائي القهري كالإرث ، والاستدامي كإسلام العبد مع مولاه الكافر ، أو ارتداد مولاه مع إسلام العبد.

وهذا الإباء مع هذين التخصيصين ـ بل وغيرهما من الفروع ـ يكشف إنّا عن عدم إرادة الملك من السبيل ، بل المراد من السبيل المنفي في الآية المباركة نفس السلطنة. ومن المعلوم أنّ نفيها لا ينفي الملكية ، بل تجتمع الملكية مع عدم السلطنة كما في المحجورين ، فإنّهم مع كونهم مالكين لأموالهم محجورون عن التصرف فيها.

وعليه فالكافر يمكن أن يكون مالكا للعبد المسلم مع عدم سلطنته عليه. فالآية أجنبية عن نفي الملكية ، ولا تعارضها عمومات صحة العقود ، لأنّ الآية لا تنفي الملكية حتى تعارضها أدلة ترتب الملكية على العقود الصحيحة.

(١) أي : الالتزام بالتخصيص في طرف الاستدامة.

(٢) معطوف على «في» يعني : مع وجوب الالتزام بالملك في طرف الابتداء ، كالتملك القهري بالإرث ، وكصحة بيعه على من ينعتق عليه. وما لو قال الكافر للمسلم : «أعتق عبدك عنّي» لتملكه آنا ، وما لو اشترط على الكافر عتقه حين البيع.

(٣) خبر قوله : «وإباء» والتفسير بما لا يشمل الملكية يسقط الاستدلال بالآية

__________________

(*) نعم لا إشكال في كونه مقرّبا لتفسير «السبيل» بغير الملكية. لكنه لا يناسب ذكره هنا ، أي في إشكال المعارضة ، لأنّ فرض الإشكال إنّما هو بناء على إرادة نفي الملك من عدم السبيل حتى يعارض العمومات الدالة على تحقق الملك. وما ذكره من قوله : «يقرّب تفسير


فيحكم بتحقّق الملك وعدم تحقّق السلطنة ، بل يكون محجورا عليه (١) مجبورا على بيعه (٢).

وهذا (٣) وإن اقتضى التقييد في إطلاق ما دلّ على استقلال الناس في أموالهم ، وعدم حجرهم بها (٤).

لكنّه (٥) مع ملاحظة وقوع

______________________________________________________

على عدم مالكية الكافر للعبد المسلم ، ويخرج الآية المباركة عن موضوع التعارض ، لتعدد الموضوع ، لأنّ موضوع العمومات هو الملكية ، وموضوع الآية هو السلطنة. وبينهما عموم من وجه.

(١) أي يكون المالك الكافر كسائر المحجورين المالكين لأموالهم.

(٢) أي : يجبر الكافر على بيع العبد المسلم من مسلم.

(٣) يعني : تحقق الملك للكافر بدون السلطنة له على العبد المسلم. وهذا إشارة إلى دفع وهم.

أمّا الوهم فهو : أنّ الآية وإن كانت سليمة من التخصيص مع إرادة الملك بدون السلطنة ، إلّا أنّ لازمه تقييد إطلاق دليل السلطنة ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس مسلطون على أموالهم» الدال على عدم حجرهم وعدم جبرهم على بيعها.

وبالجملة : يلزم ارتكاب خلاف ظاهر دليل على كل حال ، إمّا تخصيص الآية ، وإمّا تقييد إطلاق دليل السلطنة ، هذا. وأمّا دفع الوهم فسيأتي.

(٤) مرجع الضمير حكمي ، وهو ما يوجب الحجر من الصغر والجنون والسفه وغيرها.

(٥) أي : ولكنّ التقييد ، وهذا دفع الوهم ، وحاصله : تقديم التقييد على التخصيص فيما إذا دار الأمر بينهما ، لكثرة تقييد إطلاق دليل السلطنة ، كحجر المالك القاصر لصغر ،

__________________

السبيل ..» إنكار لإرادة الملك من السبيل.

فالأولى ذكر قوله : «يقرّب» وما قبله في الخدشة الأولى الراجعة إلى دلالة الآية الشريفة ، فلاحظ.


مثله (١) كثيرا في موارد الحجر على المالك أهون من ارتكاب التخصيص في الآية المسوقة (٢) لبيان أنّ الجعل شي‌ء لم يكن ولن يكون ، وأنّ (٣) نفي الجعل ناش عن احترام المؤمن الذي لا يقيّد بحال دون حال.

هذا ، مضافا (٤) إلى أنّ استصحاب الصحّة في بعض المقامات يقتضي الصحّة ، كما (٥) إذا كان الكافر مسبوقا بالإسلام ـ بناء على شمول الحكم (٦) لمن كفر عن الإسلام ـ أو كان (٧) العبد مسبوقا بالكفر ، فيثبت (٨) في غيره بعدم الفصل.

______________________________________________________

أو جنون ، أو سفه ، أو فلس ، أو زمن.

فالنتيجة : أنّ التقييد أهون من التخصيص في الآية.

(١) أي : مثل هذا التقييد ، و «أهون» خبر «لكنه».

(٢) هذه قرينة السياق التي أشار إليها في الخدشة الأولى بقوله في (ص ٢٩٩) : «ولو بقرينة سياقها الآبي عن التخصيص».

(٣) معطوف على «أنّ الجعل» والمراد نفي جعل السبيل مؤبّدا ، ومنشؤه احترام المؤمن الذي هو ثابت دائما ، وليس مقيّدا بحال دون حال ، ولذا يكون عدم السبيل آبيا عن التخصيص.

(٤) يعني : ويدلّ على صحة بيع العبد المسلم من المشتري الكافر ـ مضافا إلى الأدلة السابقة ـ استصحاب الصحة في بعض الموارد ، وقد ذكر المصنف قدس‌سره لذلك موردين.

(٥) هذا هو المورد الأوّل ، وتقريبه : أنّ هذا الكافر المشتري المسبوق بالإسلام كان قبل كفره يصحّ بيع العبد المسلم منه ، وبعد كفره كما كان ، والاستصحاب هنا تعليقيّ.

(٦) وهو عدم صحة بيع العبد المسلم من الكافر الذي يكون كفره بارتداده عن الإسلام.

(٧) معطوف على «كان» في قوله «إذا كان الكافر .. إلخ» وهذا هو المورد الثاني ، وتقريبه : أنّ عبدا كافرا إذا أسلم ، فقبل إسلامه كان بيعه من الكافر صحيحا ، ونشكّ في صحة بيعه منه بعد إسلامه ، فنستصحب الصحّة السابقة ، وهذا الاستصحاب أيضا تعليقي.

(٨) أي : فيثبت جواز بيع العبد المسلم من الكافر ـ في غير مورد استصحاب


ولا (١) يعارضه أصالة الفساد في غير هذه الموارد (٢) ، لأنّ (٣) استصحاب الصحّة مقدّم عليها (*) فتأمّل (٤) (**).

______________________________________________________

الصحة ـ بعدم القول بالفصل بين مورد الاستصحاب وغيره ، فمن قال بالجواز في مورد الاستصحاب قال به في سائر الموارد.

(١) إشارة إلى وهم ودفعه. أمّا الوهم فهو : أنّ أصالة الفساد ـ أي : استصحابه ـ يعارض استصحاب الصحة ، كما إذا كان الكافر أصليّا والعبد مسلما ، فيثبت الفساد في غيره بعدم الفصل. فاستصحاب الفساد يعارض استصحاب الصحة في مورده ، وفي غيره بعدم الفصل.

(٢) الظاهر كون العبارة «في غير هذين الموردين» لأنّهما موردا الاستصحاب.

(٣) وأمّا دفع الوهم الذي أشير إليه بقوله : «لأن استصحاب الصحة» فحاصله : أنّ أصالة الصحة حاكمة على أصالة الفساد ، وإلّا تلزم لغوية جعلها ، وذلك لوجود أصالة الفساد أعني به بقاء كل مال على ملك مالكه في جميع موارد أصالة الصحة.

ويمكن أن يكون وجه تقدمها على أصالة الفساد كونها أصلا موضوعيا ، لجريانها في السبب الناقل لإثبات تماميته. بخلاف أصالة الفساد ، فإنّها أصل حكمي مثبت لبقاء المالين على ملك مالكيهما.

(٤) لعلّه إشارة إلى منع الحكومة ، لعدم تسبّب أحد الشكّين عن الآخر ، كتسبّب

__________________

(*) لا يخفى أنّه يقع الكلام في أنّ الإسلام شرط أو الكفر مانع ، وتظهر الثمرة في الشك. فعلى المانعية يمكن إحراز عدم المانع ـ أعني الكفر ـ بأصالة العدم ، فإذا شكّ في كفر من يشتري العبد المسلم أمكن إحراز عدمه بالأصل المزبور. بل يكون هذا المورد من صغريات قاعدة المقتضي والمانع.

وبناء على شرطية إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم لا بدّ من إحرازه في صحة البيع ، وبدونه لا يحكم بصحته.

(**) لم يتعرّض المصنف قدس‌سره للخدشة في الاستدلال بالنبوي «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» ولعلّه اتكالا على ما تقدم من المناقشة في الاستدلال بآية نفي السبيل. أو لأنّ


.................................................................................................

______________________________________________________

الشك في طهارة الثوب المتنجس ـ المغسول بالماء المستصحب الطهارة ـ عن الشك في طهارة الماء الذي غسل به الثوب.

أو إلى عدم جريان استصحاب الصحة ، لتبدّل الموضوع ، حيث إنّ الكفر والإيمان أخذا في الأحكام بنحو الموضوعية ، نظير المسافر والحاضر ، فإنّ جواز شراء العبد المسلم مختصّ بالمسلم ، فإذا زال الإسلام فلا مجال لاستصحاب الصحة ، لتبدل الموضوع ، وهو إسلام المشتري بالكفر. وكذلك العبد الذي يجوز بيعه من الكافر فإنّما هو لأجل الكفر ، فإذا زال وأسلم العبد فقد تبدّل الموضوع ، فلا يجري استصحاب الصحة.

__________________

الجملة خبريّة ، ولا موجب لحملها على الإنشاء والنهي عن علوّ الكافر على المسلم بشي‌ء من الأسباب.

مع أنّ الحمل على الإنشاء لا يخلو من محذور ، للزوم التخصيص مع إباء السياق عنه ، أو لأنّه لا يجدي في إثبات بطلان نقل العبد المسلم الى الكافر. وبيانه على ما أفاده المحقق الأصفهاني قدس‌سره : أن الجملة إن كانت مسوقة لنفي كلّ ما كان مصداقا للعلوّ من المجعولات الشرعية كالملكية والزوجية والسلطنة فكأنه قيل : «ان المجعولات الشرعية الموجبة للعلوّ ثابتة في حق المسلم على الكافر ، دون العكس» فالخبر وإن كان متكفلا لعدم تملك الكافر للعبد المسلم بالبيع وشبهه. ولكن يرد عليه أوّلا لزوم تخصيصه بموارد ثبوت الملكية للكافر على ما تقدم.

وثانيا : أنّه لا يلتئم مع استدلال غير واحد من الفقهاء به في باب الجهاد على منع علوّ بناء دار الكافر على دار المسلم ، والوجه فيه : أن المفروض إرادة نفي العلو من حيث المجعول الشرعي. وأمّا إعلاء البناء خارجا فليس من مصاديق العلو المنفي شرعا. وجواز الإعلاء وإن كان قابلا للنفي ، إلّا أنه ليس مصداقا للعلوّ. وسلطنة الكافر على إعلاء بنائه سلطنته على فعله لا على سلطنة المسلم ليكون مصداقا للعلو على المسلم.

وإن كانت الجملة مسوقة للحكم بعدم العلوّ على المسلم ـ بأنحاء العلوّ الاعتباري والتكويني ـ فتدل على عدم تملك الكافر للمسلم ابتداء ، وعلى وجوب إزالته عند ثبوته بإرث وشبهه. وعلى عدم سلطنة الكافر على المسلم ، وعلى عدم جواز إعلاء بنائه على بناء المسلم ، إلّا أنّه لا يجدي في إثبات فساد بيع العبد المسلم من الكافر ، لعدم اقتضاء حرمته


ثمّ إنّ الظاهر (١) أنّه لا فرق بين البيع وأنواع التمليكات كالهبة والوصيّة.

______________________________________________________

أو إلى : أنّ عدم القول بالفصل لا يكفي في التعدّي من موردي استصحاب الصحة إلى سائر الموارد ، إذ المجدي في التعدّي هو قيام الحجة على التلازم بين الحكمين واقعا كالقصر والإتمام. وذلك مفقود هنا ، لكون الأحكام في المقام ظاهرية ، لا واقعية ، والتفكيك فيها كثير ، كالتوضؤ غفلة بماء مردّد بين الماء والبول ، فإنّ طهارة الأعضاء تلازم ارتفاع الحدث. مع أنّهم يفتون ببقاء الحدث وطهارة الأعضاء ، لاستصحابهما.

مضافا إلى : أنّ مرجع عدم القول بالفصل إلى إثبات حكم موضوع لموضوع آخر ، وهو قياس باطل ، كما قيل ، فليتأمّل.

هذا تمام الكلام في حكم نقل رقبة العبد المسلم إلى الكافر بالبيع أو الشراء ، وسيأتي حكم نقلها بمثل الهبة والصلح والوصية.

نقل العبد المسلم الى الكافر بغير البيع

(١) وجه هذا الظهور هو وجود ملاك جعل نفي السبيل ـ أعني به احترام المؤمن ـ

__________________

المولوية للفساد ، سواء أكان تعلق النهي بعنوان المعاملة مثل «لا تبع العبد المسلم من الكافر» أم بعنوان عام وهو العلوّ المنطبق على التملك (١).

ولو كان النهي عن المسبّب بالنقل ـ وهو التملك كما سيأتي في (ص ٣٦١) ـ لاقتضى الفساد. فالأولى منع كون اعتبار الملكية علوّا كما لو ورث الكافر المصحف ، أو وضع عند مسلم إلى أن يوجد الراغب في الشراء منه.

هذا كله بناء على دلالة الجملة على الإنشاء ، لو تعذر الأخذ بظاهره من الاخبار بعلوّ معالم الدين الحنيف وموافقتها للفطرة الإلهية ، وقوّة حجته. ولصاحب العناوين قدس‌سره بحث مفصّل حول مدلول هذا الحديث ، فراجعه (٢).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٢٢٩.

(٢) العناوين ، ج ٢ ، ص ٣٥٣ ـ ٣٥٦.


وأمّا تمليك المنافع (١) (*) ففي الجواز مطلقا (**) كما يظهر من التذكرة (١).

______________________________________________________

في جميع أنحاء التمليكات من الهبة والوصية والصلح وغيرها ، فإنّ احترام المؤمن وكرامته ينافي المسبّب وهو التمليك ، من غير فرق بين أسبابه كالبيع وغيره.

مضافا إلى دلالة قوله عليه‌السلام : «لا تقرّوه عنده» وقوله عليه‌السلام : «بيعوه من المسلمين» على عدم جواز تملك الكافر للمسلم مطلقا ، سواء أكان قراره عند الكافر بالشراء من مسلم أم بسائر نواقل الأعيان.

هذا كله في تمليك رقبة العبد للكافر ، وسيأتي الأمر الثالث وهو حكم إجارته من الكافر.

تمليك منافع المسلم للكافر

(١) هذا في قبال نقل رقبة العبد إلى الكافر ، يعني : تمليك منافع المسلم من الكافر ، بأن يؤجر الحرّ المسلم نفسه من الكافر ، أو يؤجّر السيد عبده المسلم من الكافر لإنفاذ أعماله وقضاء حوائجه ، فهل يكون هذا التمليك جائزا أم لا؟ فيه أقوال أربعة كما ستأتي.

والمراد بقوله : «مطلقا» ما يقابل التفصيل الآتي بقوله : «أو مع وقوع الإجارة .. إلخ».

__________________

(*) يعني : منافع العبد المسلم. ولا يخفى أنّ هذا العنوان لا يصلح أن يكون مصبّ الأقوال الأربعة التي ذكرها في المتن ، لأنّ منها التفصيل بين كون الأجير المسلم حرّا وبين كونه عبدا ، بجواز الإجارة في الأوّل دون الثاني. بل لا بدّ أن يكون المصبّ عمل المسلم حتى يصحّ انقسامه إلى الأقسام المذكورة.

(**) لا يخفى أنّه بناء على إرادة السلطنة من «السبيل» دون الملك ، لا بدّ من صحة تمليك المنافع ، لأنّه ليس بأولى من تمليك العين ، إذ المفروض أنّ الملك بدون السلطنة ليس سبيلا منفيّا عنه فضلا عن تعلق الحق وعن تمليك المنافع.

فالبحث هنا ليس في الكبرى ، بأن يقال : إن آية نفي السبيل لا تشمل جميع أقسام

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٢١.


ومقرّب النهاية (١) (١) ، بل ظاهر المحكيّ عن الخلاف (٢) ، أو مع (٢) وقوع الإجارة على الذمّة كما عن الحواشي وجامع المقاصد والمسالك (٣) (٣) ،

______________________________________________________

ولا يخفى أنّ تمليك العين بنفسه بدون السلطنة إن لم يكن سبيلا منفيا شرعا ، فلا بدّ أن يكون تمليك المنافع جائزا مطلقا.

(١) يعني : جعل العلّامة قدس‌سره الجواز أقرب ، حيث قال في النهاية : «يجوز أن يستأجر الكافر المسلم ، على عمل في الذمة .. وإن وقعت على العين فالأقرب الجواز ، حرّا كان الأجير أو عبدا ، لأنّها لا تفيد ملك الرقبة ، ولا تسلّطا تامّا ، بل نفسه في يده أو يد مولاه. وإنّما يستوفى منفعته بعوض. ويحتمل البطلان .. إلخ».

(٢) هذا مقابل قوله : «مطلقا» وحاصله : أنّ جواز تمليك المنافع للكافر مشروط بوقوع الإجارة على الذمة ، بأن يستأجر المسلم لعمل كالخياطة مطلقا مباشرة أو تسبيبا ، بخلاف ما إذا استؤجر لعمل مباشرة ، فإنّ المستأجر في الأوّل ليس له سلطنة على الأجير ، بخلاف الثاني ، فإنّ للمستأجر سلطنة عليه لاستيفاء حقه منه مباشرة.

(٣) قال الشهيد الثاني قدس‌سره : «وفي حكم البيع ـ أي في البطلان ـ الإجارة الواقعة

__________________

السبيل ، وأنّ بعضها خارج عنها ، بل يكون البحث صغرويا ، وفي تمييز السبيل عن غيرها.

وعلى هذا فلا بدّ من التأمّل في أنحاء الإجارات حتى يتميّز السبيل عن غيرها. فنقول : إنّ في إجارة الأموال قد تكون العين تحت يد المستأجر كالدكان والدار ، وقد لا تكون تحت يده كالسفينة والسيارة والطائرة ، والسبيل في الأوّل صادق دون الثاني.

وكذا الحال في إجارة الأعمال ، فإنّها تارة تقتضي كون العامل تحت استيلاء الكافر المستأجر سواء أكان الأجير حرّا أم عبدا كالإجارة المطلقة الشاملة لجميع منافع الأجير حرّا كان أم عبدا. واخرى لا تقتضيه ، فينبغي التفصيل بين موارد الإجارة كما سيأتي في (ص ٣١٨).

__________________

(١) نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٥٧.

(٢) الخلاف ، ج ٣ ، ص ١٩٠ ، كتاب البيوع ، المسألة : ٣١٩ ، والحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٨.

(٣) الحاكي عن حواشي الشهيد وعن جامع المقاصد والمسالك هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٨ ، ولاحظ جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٣ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٧.


أو مع (١) كون المسلم الأجير حرّا [كما عن ظاهر الدروس] (٢) ، أو المنع (٣) مطلقا [كما (٤) هو ظاهر القواعد (٥) ومحكيّ الإيضاح] أقوال (٦).

أظهرها الثاني (٧) ،

______________________________________________________

على عينه. أمّا على ذمّته فالأجود الصحة».

(١) معطوف على «أو مع» وهذا إشارة إلى قول ثالث في المسألة وحاصله : جواز تمليك منافع المسلم للكافر إذا كان الأجير حرّا ، وأمّا إذا كان عبدا فلا يجوز.

وحكي هذا القول عن الدروس ، ولعلّه استفيد من قوله ـ بعد منع إجارة العبد المسلم من الكافر مطلقا ـ «وجوّزها ـ أي الإجارة ـ الفاضل في الذمة. والظاهر أنّه أراد إجارة الحرّ المسلم» وقال السيد الفقيه العاملي قدس‌سره بعد حكاية العبارة : «ويلوح منه الفرق بين إجارة الحرّ والعبد» (١).

(٢) هذه الجملة شطب عليها في نسختنا ، وأثبتناها لذكرها في نسخ اخرى ، ولا بأس به ، لتعرض الشهيد قدس‌سره له في الدروس.

(٣) معطوف على «الجواز» في قوله : «ففي الجواز مطلقا». والحاصل : أنّ الأقوال في تمليك منافع المسلم للكافر أربعة ، أوّلها الجواز مطلقا ، وثانيها : المنع مطلقا ، وثالثها : الجواز مع وقوع الإجارة على الذمة ، دون العين. ورابعها : الجواز مع كون الأجير حرّا.

(٤) هذه الجملة أيضا شطب عليها في نسختنا ، ولا بأس بذكرها كما في الجملة السابقة.

(٥) قال في القواعد : «وهل يصحّ له استيجار المسلم أو ارتهانه؟ الأقرب المنع» وقال السيد العاملي في شرحه : «ومقتضى العبارة في الاستئجار المنع مطلقا سواء كانت في الذمة أو على عين كما هو خيرة الإيضاح والدروس» (٢).

(٦) مبتدء مؤخّر لقوله : «ففي الجواز مطلقا».

(٧) وهو وقوع الإجارة على الذمة ، كما إذا آجر مسلم نفسه لخياطة ثوب لكافر ، أو آجر السيد عبده المسلم كذلك.

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٩ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٩.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٧ ، إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٣ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٨.


فإنّه (١) كالدين ليس ذلك سبيلا ، فيجوز.

ولا فرق (٢) بين الحرّ والعبد ، كما هو (٣) ظاهر إطلاق كثير : كالتذكرة وحواشي الشهيد وجامع المقاصد ، بل ظاهر المحكيّ عن الخلاف نفي الخلاف فيه ، حيث قال فيه : «إذا استأجر كافر مسلما (٤) لعمل في الذّمّة صحّ ، بلا خلاف. وإذا استأجره مدّة من الزمان شهرا أو سنة ليعمل عملا (٥) صحّ أيضا عندنا» انتهى (١).

______________________________________________________

والوجه في الجواز : أنّ مجرد اشتغال ذمة مسلم لكافر ليس سبيلا له على مسلم ، وإنّما تكون هذه الإجارة كاقتراض المسلم من الكافر في عدم كونه سبيلا للكافر عليه كاقتراض مسلم من مثله.

(١) يعني : فإنّ وقوع الإجارة على الذمة يكون كالدين في عدم كونه سبيلا للكافر على المسلم.

(٢) يعني : ولا فرق في صحة الإجارة من الكافر بين كون الأجير المسلم حرّا وعبدا ، إذ بعد فرض عدم كون الإجارة على الذمة سبيلا منفيّا لا وجه للتفصيل بين كون الأجير حرّا وعبدا ، ولا لتخصيص الجواز بالحرّ كما كان ظاهر الدروس.

(٣) يعني : كما أنّ عدم الفرق بين الحرّ والعبد ظاهر إطلاق كثير من الفقهاء. بل في خلاف الشيخ قدس‌سره نفي الخلاف في هذا الإطلاق. لا أنّ الإطلاق ظاهر كثير كالتذكرة.

وعليه فقوله : «كالتذكرة و..» بيان للكثير. قال العلامة : «يجوز أن يستأجر الكافر مسلما في ذمته ..» والشاهد في إطلاق «مسلما» وشموله للحر والعبد.

(٤) فإنّ إطلاق قوله : «مسلما» يشمل الحرّ والعبد ، فهو منشأ قوله : «ظاهر إطلاق كثير كالتذكرة .. إلخ».

(٥) هذا هو العمل المباشري المقابل لوقوع الإجارة في الذمة الذي قال فيه في الخلاف : «صح بلا خلاف» لظهور قوله : «ليعمل عملا» في العمل مباشرة. فالإجارة على

__________________

(١) تقدمت المصادر آنفا.


وادّعى (١) في الإيضاح «أنّه لم ينقل من الأمّة فرق بين الدين وبين الثابت في الذمّة بالاستيجار».

خلافا للقواعد وظاهر الإيضاح ، فالمنع مطلقا (٢) ، لكونه سبيلا.

وظاهر الدروس التفصيل بين العبد والحرّ ، فيجوز في الثاني دون الأوّل ، حيث ذكر بعد أن منع إجارة العبد المسلم للكافر مطلقا (٣) ، قال (٤) «وجوّزها الفاضل ، والظاهر (٥) أنّه أراد إجارة الحرّ المسلم» انتهى (١).

______________________________________________________

عمل مباشريّ صحيحه أيضا عند الأصحاب كما في الخلاف ، لظهور قوله : «عندنا» في الإجماع لكن لا إجماع مع كون المسألة خلافية.

(١) الغرض من نقل كلام الإيضاح تأييد ما اختاره من القول الثاني ، وهو وقوع الإجارة في ذمة المسلم ، لا وقوعها على المسلم مباشرة. وحاصله : أنّ اشتغال ذمّة المسلم للكافر بسبب الإجارة يكون كاشتغال ذمته للكافر بسبب الاقتراض منه في الجواز وعدم الاشكال ، لعدم كون مجرّد اشتغال ذمة المسلم للكافر سبيلا له عليه.

هذا ما استدل به فخر الدين قدس‌سره للقول بالجواز ، ولكنه لم يرتضه ، لذهابه إلى المنع في الإجارة والرهن معا ، فلاحظ.

(٢) يعني : سواء أوقعت الإجارة على الذمة أم على وجه المباشرة ، لكون الإجارة مطلقا سبيلا. وسواء أكان الأجير حرّا أم عبدا ، وهذا الإطلاق يكون في قبال تفصيل الدروس بين العبد والحرّ بالجواز في الثاني دون الأوّل.

(٣) سواء أوقعت الإجارة على العين أم على الذمة.

(٤) يعني قال الشهيد قدس‌سره في الدروس : «وجوّز الفاضل الإجارة». والعبارة لا تخلو من سماجة ، وكان الأولى بسلاستها أن يقول المصنف : «حيث قال بعد أن منع .. : وجوّزها ..» إذ لا حاجة إلى الجمع بين الذّكر والقول.

(٥) هذا أيضا كلام الشهيد ، وغرضه توجيه كلام الفاضل ـ وهو العلامة قدس‌سره ـ بأنّه أراد إجارة الحرّ المسلم دون العبد المسلم ، فحينئذ يتفق الفاضل والشهيد بناء على ما استظهره الشهيد من عبارته في جواز استيجار الحرّ المسلم.

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٩.


وفيه (١) نظر ، لأنّ ظاهر الفاضل في التذكرة جواز إجارة العبد المسلم مطلقا (*) ولو كان على العين.

نعم (٢) يمكن توجيه الفرق بأنّ يد المستأجر على الملك (٣) الذي ملك منفعته. بخلاف الحرّ ، فإنّه لا يثبت للمستأجر يد عليه ولا على منفعته ، خصوصا (٤) لو قلنا

______________________________________________________

(١) يعني : وفي استظهار الدروس جواز استيجار الحرّ المسلم من كلام الفاضل ـ دون العبد المسلم ـ نظر وإشكال. وجه النظر : أنّ الفاضل في كتاب التذكرة ذكر ما ظاهره جواز إجارة العبد المسلم من الكافر ، ومع هذا الظهور كيف يستظهر من عبارته جواز إجارة الحرّ المسلم دون العبد المسلم؟

(٢) استدراك على ما أورده على الشهيد بقوله : «وفيه نظر ، لأنّ ظاهر الفاضل ..». وحاصله : أنّه يمكن توجيه الفرق ـ بين جواز إجارة الحرّ المسلم وعدمه في العبد المسلم ـ بأنّ يد المستأجر ثابتة على الملك الذي ملك منفعته ، ويترتب عليه آثار اليد. وهذا يكون في العبد المسلم ، وهو سبيل منفي بالآية المباركة. بخلاف الحرّ ، فإنّه لا يدخل تحت اليد لا نفسا ولا منفعة حتى يثبت للمستأجر سبيل على الأجير ، ولذا يجوز للكافر استيجار الحرّ المسلم دون العبد المسلم.

(٣) خبر قوله : «أن يد» أي : أن يد المستأجر الكافر ثابت على العبد المسلم.

(٤) وجه الخصوصية : أنّه لا ملكية للمنفعة حينئذ حتى يقال : إنّ الكافر لا يملك منفعة الحرّ.

__________________

(*) قد يقال : إنّه لا مورد لبيان هذا الإطلاق ، لأنّ محلّ البحث هو التعميم والتخصيص من حيث الحرّية والعبودية ، لا من حيث وقوع الإجارة على العين أو الذمة ، لتقدم بحثه سابقا ، هذا (١).

لكنّه لا ضير في بيان هذا الإطلاق بعد وضوح كون التعميم والتخصيص من حيث مورد الإجارة أيضا محلّ البحث والخلاف ، وإن كان خارجا عن جهة البحث ، وهي التعميم والتخصيص من حيث الحرية والعبودية.

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ١٦٢.


بأنّ إجارة الحرّ تمليك الانتفاع لا المنفعة (*) ، فتأمّل (١).

______________________________________________________

(١) لعلّه إشارة إلى عدم الفرق في ثبوت السلطنة ـ التي هي السبيل ـ بين تمليك المنفعة وتمليك الانتفاع.

أو إشارة إلى : أنّه لا يبقى حينئذ فرق بين الإجارة والإعارة.

إلّا أن يقال : إنّ في الإعارة ليس إلّا مجرد الإذن والإباحة في الانتفاع من دون تمليك. بخلاف الإجارة ، فإنّها تمليك المنفعة أو الانتفاع.

أو إشارة إلى : أنّ الاستيلاء المقصود في المقام غير اليد التي يكون إخبار ذيها حجة ، فإنّ تلك اليد مختصة بالمملوك. وأمّا الاستيلاء الذي يكون مقدمة لاستيفاء المال فهو ثابت على كلّ من الحرّ والعبد.

هذا ما يتعلق بإجارة العبد ، وسيأتي الكلام في الأمر الرابع ، وهو حكم جعله رهنا بيد الكافر.

__________________

(*) لا يخفى أنّه بناء على إرادة السلطنة من السبيل المنفي في الآية المباركة ـ والبناء على إبائها عن التخصيص ـ لا بدّ أن يكون النزاع في جواز إجارة العبد المسلم وإعارته وغيرهما من الكافر صغرويّا ، إذ المفروض إباء السبيل عن التخصيص ببعض أفراده حتى يكون النزاع كبرويّا. فاللازم تنقيح الصغرى ، وتعيين ضابط لها حتى يظهر حال الأقوال فيها ، فنقول وبه نستعين :

إنّ السبب الموجب لارتباط الكافر اعتبارا بالمسلم تارة يكون مقتضيا لاستيلائه على المسلم ، فلا يصح. واخرى : لا يكون مقتضيا لذلك ، فيصح بلا إشكال.

ويتطرّق هذان النحوان في باب الإجارة ، فإجارة الأعيان قد تقتضي استيلاء المستأجر عليها كإجارة الدار والدكّان ونحوهما من الأعيان التي يستوفي المستأجر منفعتها إذا كانت تحت يده ، وقد لا تقتضي الإجارة استيلاء المستأجر عليها ، كإجارة السيارة والسفينة للحمل.

وكذلك إجارة الأعمال ، فإنّها قد تقتضي استيلاء المستأجر الكافر على الأجير المسلم كالإجارة المتعلقة بجميع منافع المسلم حرّا كان أو عبدا ، بحيث يملك الكافر جميع منافع


.................................................................................................

______________________________________________________

المسلم ، فإنّ هذه الإجارة سبيل له على الأجير المسلم حرّا كان أو عبدا ، فلا تصح.

وكذا الأجير الخاص ، كما لو استأجر الكافر مسلما لعمل خاص كخياطة ثوب بمباشرته ، بحيث لا يكون للأجير أن يعمل في مدة الإجارة لغير المستأجر الكافر ، فإنّه سبيل له على المسلم ، فلا تصح هذه الإجارة.

وقد لا تقتضي إجارة الأعمال استيلاء المستأجر الكافر على المسلم ، كما إذا استأجر الكافر مسلما لعمل في ذمّته كخياطة ونجارة. أو آجر السيد عبده كذلك ، فإنّ هذه الإجارة لا توجب سبيلا للكافر على المسلم ، بل هي نظير الاقتراض من الكافر في أنّ مجرد مطالبة دينه من المسلم المقترض منه لا يكون سبيلا له على المسلم.

وبالجملة : فلا محيص عن مراعاة هذا الضابط في غير الإجارة من العقود أيضا. فكلّ عقد يقتضي استيلاء الكافر على المسلم لا يصحّ ، لكونه سبيلا له على المسلم. وكلّ عقد لا يقتضي ذلك ـ ولو بمعونة الشرط كارتهان العبد المسلم عند الكافر بشرط أن يكون عند مسلم ـ يصح ، لعدم كونه سبيلا على المؤمن.

وعليه فإطلاق عقد الرهانة يقتضي أن تكون العين المرهونة عند المرتهن وثيقة لدينه ، فلا يصح هذا الرهن. وأمّا مع شرط كون المرهونة عند المسلم فيصح الرهن.

والمراد باقتضاء العقد دلالة العقد بذاته أو بمعونة الشرط على معنى يستلزم سلطنة الكافر على المؤمن أو عدمها ، كاقتضاء إطلاق عقد الرهن لكون العين المرهونة عند المرتهن وثيقة لدينه. وهذا يقتضي سلطنة الكافر على المسلم ، وهي سبيل منفي بالآية الشريفة. كما أنّ شرط كون الرهينة عند مسلم لا عند المرتهن الكافر يوجب انتفاء سلطنة الكافر عليه.

فالنتيجة : أنّ الارتهان عند الكافر غير صحيح على الأوّل ، لكونه سبيلا له على المؤمن ، وصحيح على الثاني ، لانتفاء السبيل فيه.

ولو شكّ في تحقق السبيل في بعض العقود ، كإجارة الأموال فيما إذا توقف استيفاء المستأجر منفعة العين كالدكان على أن تكون بيده ، لاحتمال كون هذه اليد سلطنة منفية بالآية الشريفة ، وكونها وسيلة لأخذ حقّه ، نظير مطالبة الدائن دينه من المديون في عدم كون ذلك سلطنة له على المديون ، فالمرجع ـ بعد عدم أصل موضوعي ـ هو أصالة عدم مانعية هذه اليد


وأمّا (١) الارتهان عند الكافر ، ففي جوازه مطلقا (٢) كما عن ظاهر نهاية الإحكام (٣) ،

______________________________________________________

رهن العبد المسلم عند الكافر

(١) أي : جعل العبد المسلم عند الكافر وثيقة للدّين. وهذا رابع الأمور المتعلقة بالعبد المسلم من حيث العقد عليه مع الكافر ، وهو جعله رهنا للدين. وفيه وجوه ـ بل أقوال ـ أربعة كما نقله المصنف قدس‌سره عن الأصحاب.

(٢) هذا الإطلاق في قبال التفصيل الآتي بين وضع العبد تحت يد الكافر ، فلا يجوز الرهن ، وبين وضعه عند مسلم إلى أداء الدين ، فيجوز.

(٣) قال العلّامة قدس‌سره فيه : «يصحّ للكافر أن يرتهن العبد المسلم ، إذ لا تسلط فيه عليه» (١).

__________________

التي يتوقف عليها استيفاء منفعة الدار أو الدكان.

ومثل إيداع العبد المسلم عند الكافر في الجواز وعدم المنع ـ لعدم كونه سبيلا للكافر على المسلم ـ توكيل مسلم كافرا في بيع العبد المسلم من مسلم ، أو شرائه له. وكذا في غيره من سائر التجارات. وكذا في استيفاء الديون والحقوق للدّيّان وذوي الحقوق ، فإنّ ذمة المسلم إذا اشتغلت بمال للكافر بسبب بيع السلف أو النسية أو الاقتراض أو غيرها يجوز للكافر استيفاء ما في ذمة المسلم مباشرة وتسبيبا ولو بتوكيل كافر مثله.

وليست هذه التسليطات سبيلا منفيّا ، لعدم كونها سلطنة على التصرف في رقبة العبد ، بل ليس له إلّا حقّ المطالبة بتفريغ ذمته عن مال الغير ، كمطالبة مسلم من مثله ، فلا مانع من تفويض هذا الحق إلى كافر مثله ، هذا في الديون.

وأمّا الحقوق كالخيار والشفعة وغيرهما ، فلا مانع أيضا من أن يوكّل المسلم أو الكافر المستحق لها كافرا مثله في استيفائها.

وبالجملة : فكل ما يجوز للكافر مباشرة يجوز له تسبيبا. فإذا كان لكافر حقّ الشفعة على مسلم جاز له أن يوكّل كافرا في استيفائه منه. وإذا كان حق الشفعة لمسلم ووكّل كافرا في استيفائه ، فأولى بالجواز ، لأنّ السبيل لمسلم على مسلم.

__________________

(١) نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٥٨ ، والحاكي عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٩.


أو المنع (١) كما في القواعد والإيضاح ، أو التفصيل (٢) بين ما لم يكن تحت يد الكافر ، كما إذا وضعاه (٣) عند مسلم كما عن ظاهر المبسوط والقواعد والإيضاح في كتاب الرهن (٤) ، والدروس وجامع المقاصد والمسالك (١) ، أو التردّد (٥) كما عن التذكرة ،

______________________________________________________

(١) معطوف على «جوازه» وظاهره المنع مطلقا أيضا ، كما تقدم نقل عبارة بيع القواعد في (ص ٣١٣) (٢).

(٢) معطوف أيضا على «جوازه» وهذا قول ثالث في المسألة.

(٣) يعني : كما إذا وضع المولى والكافر المقرض العبد المسلم عند مسلم ، حتى لا يكون للكافر الدائن يد على العبد المسلم.

(٤) التقييد بكتاب الرهن للتنبيه على تعدد رأي العلامة وفخر المحققين في جواز رهن العبد المسلم عند الكافر ، ففي كتاب البيع من القواعد رجّحا المنع مطلقا ، كما تقدم آنفا ، وفي كتاب الرهن منه يستفاد التفصيل المذكور في المتن. قال : «ولا ـ أي : ولا يصح رهن ـ العبد المسلم أو المصحف عند الكافر ، فإن وضعا على يد مسلم فالأقرب الجواز» (٣). ورجّحه المحقق الثاني ، ومنع ما تقدم في بيع القواعد ، فراجع.

(٥) معطوف أيضا على «جوازه» يعني : أو التردد في جواز ارتهان العبد المسلم عند الكافر وعدمه ، والتوقف في حكم المسألة.

ولم أقف على تردّد العلامة في التذكرة بعد ملاحظة البيع والرهن ، ولا في مفتاح الكرامة. ولعلّ المصنف استظهر ذلك من عدم ترجيح أحد الوجهين ، حيث قال : «في صحة ارتهان الكافر المسلم وجهان للشافعي ، وسيأتي» (٤). ولكنه منع ذلك في باب

__________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٨٣ ، ولاحظ : المبسوط ، ج ٢ ، ص ٢٣٢ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٣٩٠ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٣ ، وج ٥ ، ص ٥١ ، مسالك الأفهام ، ج ٤ ، ص ٢٤.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٧ ، إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٣.

(٣) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١١٠ ، إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ١١.

(٤) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٢١ (الطبعة الحديثة) ج ١ ، ص ٤٦٣ (الطبعة الحجرية) وكذلك ج ٢ ، ص ١٩.


وجوه (١). أقواها الثالث (٢) ، لأنّ (٣) استحقاق الكافر لكون المسلم في يده سبيل ، بخلاف استحقاقه لأخذ حقّه من ثمنه (٤).

وأمّا إعارته (٥) من كافر ، فلا يبعد المنع وفاقا لعارية القواعد (٦)

______________________________________________________

الرهن فقال : «فالأقرب المنع ، لما فيه من تعظيم شأن الإسلام ..».

(١) مبتدء مؤخر لقوله : «ففي جوازه».

(٢) وهو التفصيل بين كون العبد المسلم المرهون عند المسلم ، فيجوز ، وبين كونه عند الكافر فلا يجوز. والوجه في ذلك ثبوت السبيل للكافر على المسلم في الصورة الثانية ، وهي كون المسلم عند الكافر ، لأنّ استحقاقه لكون المسلم عنده سبيل له على المسلم. بخلاف الصورة الأولى ، فإنّ مجرد استحقاق الكافر لأخذ حقّه من ثمن العبد المسلم ليس سبيلا للكافر عليه ، كاستحقاقه لمطالبة دينه من المسلم الذي اقترض منه في عدم كونه سبيلا للكافر على المسلم.

(٣) تعليل لما اختاره من الوجه الثالث ، وقد اتّضح بقولنا : «والوجه في ذلك ثبوت السبيل للكافر على المسلم». وهذا بخلاف استحقاق الكافر لأخذ دينه من ثمن العبد المسلم ، لأنّه ليس سبيلا للكافر على المسلم ، نظير استحقاقه لمطالبة دينه من المسلم الذي اقترض منه.

(٤) أي : من ثمن العبد المسلم.

إعارة العبد المسلم من كافر

(٥) يعني : إعارة العبد المسلم من كافر. وهذا خامس الأمور المتعلقة بالتصرف في العبد المسلم ، وهو جعله عارية عند كافر.

والمصنف قدس‌سره تبعا لجماعة نفى البعد عن منعها ، لأنّ الإعارة تسليط للكافر على الانتفاع بالمسلم ، وهو سبيل منفيّ بالآية الشريفة.

(٦) قال فيها : «ويحرم إعارة العبد المسلم من الكافر» (١).

والتقييد ب «عارية القواعد» للتنبيه على إجمال ما في بيع القواعد ، لقوله :

__________________

(١) قواعد الاحكام ، ج ٢ ، ص ١٩٣ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٥.


وجامع المقاصد والمسالك ، بل (١) عن حواشي الشهيد رحمه‌الله «أنّ الإعارة والإيداع أقوى منعا من الارتهان» (١).

وهو (٢) حسن في العارية ، لأنّها تسليط على الانتفاع ، فيكون سبيلا وعلوّا. ومحلّ (٣) نظر في الوديعة ؛

______________________________________________________

«والأقرب جواز الإيداع له والإعارة عنده» (٢). فهل المراد جواز جعل العبد المسلم عارية عند الكافر كما استفاده السيد العميد (٣) ، فيكون مخالفا لما في عارية القواعد ، ولذا قال المحقق الثاني قدس‌سره في كتاب العارية : «هذا عدول عمّا ذكره في التجارة ، إلّا على بعض المحامل التي نزّلنا عليها العبارة هناك» (٤). أم جواز جعل المسلم عبده الذّمّي عارية عند المسلم أو عند الكافر ، وحينئذ فلا تدلّ العبارة على صحة إعارة العبد المسلم للكافر؟ كما حكي عن حواشي الشهيد قدس‌سره ، فلا يكون هناك عدول ـ عمّا في بيع القواعد ـ إلى المنع الذي هو صريح عاريته. أم أنّ المراد شي‌ء آخر ، فراجع جامع المقاصد ومفتاح الكرامة (٥).

(١) الوجه في الإتيان ب «بل» هو ظهور كلام العلّامة والمحقق الثاني قدس‌سرهما في استواء الرهن والعارية في المنع. ولكن الشهيد قدس‌سره جعل المنع في العارية والوديعة أقوى في الرهن ، لأنّ المرتهن ممنوع من التصرف واستخدام العبد ، فقد يخفى صدق «السبيل» فيه. بخلاف العارية التي يثبت بها التسلط على الانتفاع ، وهو سبيل بلا ريب ، والمفروض كون مطلق السبيل منفيا بالآية الشريفة.

(٢) يعني : وكون المنع أقوى حسن في العارية دون الوديعة ، لتحقق السبيل والعلو في الإعارة كما مرّ آنفا ، وعدم تحقق السلطنة والاستيلاء في الوديعة حتى تشملها الآية المباركة.

(٣) معطوف على «حسن» يعني : وكون المنع أقوى محل نظر في الوديعة.

__________________

(١) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٠.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٧.

(٣) كنز الفوائد ، ج ١ ، ص ٣٨٣.

(٤) جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٦٢.

(٥) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٢ ـ ٦٥ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٩ و ١٨٠.


لأنّ التسليط (١) على الحفظ ، وجعل (٢) نظره إليه مشترك بين الرهن والوديعة ، مع زيادة (٣) في الرهن

______________________________________________________

(١) هذا بيان لوجه النظر ، وتوضيحه : أنّ وجه المنع مشترك بين الرهن والوديعة. لكون كلّ من المرتهن والودعي مسلّطين على العين المرهونة والوديعة ، ويكون نظر كلّ منهما متّبعا في حفظهما. إلّا أنّ الفارق بين الأمرين ـ حيث قالوا بمنع رهن العبد المسلم من الكافر دون إيداعه عنده ـ هو : أنّ في الرهن زيادة لم تتحقق في الوديعة ، وهي : أنّ المرتهن منع الراهن المالك للعبد من التصرف فيه إلّا بإذنه ، وكذا له إلزام السيد ببيع العبد لاستيفاء الدين ، وهذه الزيادة أوجبت بطلان رهن العبد المسلم عند الكافر ، لكونه سبيلا له عليه.

بخلاف تسلط الودعي على الحفظ ، لكونه محض استئمان ويرجع إلى نفع المسلم ، لا إلى ضرره كي يكون سبيلا عليه ، فلذا يسهل الأمر في جواز إيداع العبد المسلم عند الكافر.

(٢) معطوف على «التسليط» وضمير «نظره» راجع إلى العبد المسلم ، وضمير «إليه» راجع إلى الكافر. وقوله : «مشترك» خبر «لأنّ».

(٣) تظهر هذه الزيادة من كلمات القائلين بصحة رهن العبد المسلم من الكافر لو وضع عند مسلم ، وقد ذكرها السيد العاملي قدس‌سره في مقام الاحتجاج لصحة هذا الرهن. إلّا أن صاحبي الرياض والحدائق تشبّثا بهذه الزيادة في مقام الإيراد على من قال بجواز رهن العبد المسلم عند الكافر إذا وضع عند مسلم ، وببطلان جعل الخمر رهنا عند المسلم إذا وضعها الراهن عند ذمّيّ.

قال سيّد الرياض : «ومن هنا ينقدح الوجه في المنع عن رهن العبد المسلم والمصحف عند كافر ولو وضع عند مسلم ، فإنّ رهنهما عنده نوع تسليط له عليهما منفيّ آية واتفاقا. وقيل بالجواز فيهما بعد الوضع في يد المسلم ، لانتفاء السبيل بذلك .. وفيه نظر ، مع غموض الفرق بينه وبين الخمر التي قد منع عن رهنها القائل المزبور» (١).

ونحوه كلام المحدّث البحراني في النقض على الأكثر القائلين ببطلان جعل الخمر رهنا عند مسلم ولو بالوضع عند ذمّيّ ، فراجع (٢).

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ٩ ، ص ١٩٦ (ج ١ ، ص ٥٨٢) الحجرية.

(٢) الحدائق الناضرة ، ج ٢٠ ، ص ٢٥٠.


ـ التي قيل من أجلها بالمنع (١) ـ وهي (٢) التسلّط على منع المالك عن التصرّف فيه إلّا بإذنه ، وتسلّطه (٣) على إلزام المالك ببيعه.

وقد صرّح في التذكرة (١) بالجواز في كليهما (٤).

وممّا ذكرنا (٥) يظهر عدم صحّة وقف الكافر عبده المسلم

______________________________________________________

والمتحصل من كلامهما : أنّ يد الودعي يد المودع ، فكما أنّ جعل الخمر وديعة عند الذّميّ لا تنفي سلطنة المسلم عليها ، فكذا سلطنة الكافر المرتهن للعبد المسلم على البيع باقية ولو كان العبد في المدّة عند مسلم ، فما الفارق بين المسألتين؟

والظاهر أنّ تعبير المصنف ب «قيل» إشارة إلى ضعفه ، وأنّ مجرّد منع المالك عن التصرف في العين المرهونة وتسلّط الراهن على إلزام المالك بالبيع ، لا يقتضي بطلان الرهن. قال السيد الفقيه العاملي قدس‌سره : «ولا يستلزم ـ أي الرهن ـ استحقاق تملك ، وإنّما يستلزم منع المالك عن التصرف. وذلك لا يستلزم سبيلا للغير ، لأنّه ممنوع أيضا ، ويستلزم إيفاء دينه من ثمنه .. والبائع هو الوكيل أو الحاكم. وعلى كلا التقديرين هو ليس بسبيل» (٢).

(١) أي : منع رهن العبد المسلم من الكافر.

(٢) أي : الزيادة التي تكون في الرهن عبارة عن منع المالك عن التصرف في العين المرهونة إلّا بإذن المرتهن ، وهو الكافر هنا.

(٣) معطوف على «التسلط» والضمير راجع إلى المرتهن.

(٤) الضمير راجع إلى العارية والوديعة ، والأولى أن يقال : «كلتيهما».

هذا تمام الكلام في حكم وضع العبد المسلم ـ عند الكافر ـ عارية أو وديعة.

وسيأتي الكلام في الوقف.

وقف الكافر عبده المسلم

(٥) أي : من عدم جواز إعارة المسلم من الكافر لكونه تسليطا على الانتفاع ـ وهو

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٢٢.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٨٣.


على أهل ملّته (١).

ثمّ إنّ (٢) الظاهر من الكافر (*)

______________________________________________________

سبيل له على المسلم ، وذلك منفي بالآية المباركة ـ يظهر عدم صحة وقف الكافر العبد المسلم على أهل ملّته ، وهم الكفار. وذلك لأنّ الوقف عليهم تسليط منهم على المسلم ، وهو السبيل المنفي في الشريعة.

(١) أي : ملّة الكافر ، والملّة هي الشريعة أو الدّين.

وقيل في الفرق بين الملّة والدين : إنّ الملّة هو المنزّل من الله تعالى إلى أنبيائه ، والدّين هو العمل بذلك المنزّل. هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.

المقصود من الكافر هنا

(٢) هذا شروع في ثانية جهات البحث في هذه المسألة ، والغرض من التعرض له تنقيح الموضوع ، وهو الكافر والمسلم المجعولان لأحكام ، فيقع الكلام في مقامين.

وحاصل ما أفاده المصنف قدس‌سره في المقام الأوّل : أنّ الظاهر من الكافر هو كلّ من حكم بنجاسته وإن انتسب إلى الإسلام كالنواصب ، وهم المتدينون ببغض مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وليس المراد من الكافر هنا خصوص المنكر للتوحيد أو الرسالة كما قيل : إنّه الظاهر من الكافر.

__________________

(*) لا يخفى أنّ الكفر لغة هو الجحود ، ففي المجمع : «(وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) ، أي : أوّل من كفر به وجحد» إلى أن قال : «فقد كفر بالله جحد ، فالكافر الجاحد للخالق .. والكفور الجحود ، يجحد الخالق مع هذه الأدلة الواضحة» (١).

وعلى هذا فاستعمال الكفر في الجحود مطلقا ـ من جحود الخالق والرّسول وإنكار الضروري ـ استعمال في معناه اللغوي ، لكونه استعمالا في أفراد المعنى الكلّي اللغوي ، ولم يثبت له حقيقة ثانوية تخصّصية أو تخصيصية ، وإن كان جحود خاص موضوعا لأحكام شرعية كالسفر والحضر. لكنه لا يوجب وضعا ثانويا له.

__________________

(١) مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ٤٧٤.


كلّ من حكم بنجاسته (*) ولو انتحل الإسلام ، كالنواصب والغلاة والمرتدّ ، غاية الأمر عدم وجود هذه الأفراد في زمان نزول الآية (١) ، ولذا (٢) استدلّ الحنفيّة ـ على ما حكي عنهم ـ ب «لن يجعل» على حصول [لحصول] البينونة بارتداد الزوج (١).

وهل يلحق بذلك (٣) أطفال الكفّار؟

______________________________________________________

(١) لا ضير في عدم وجود هذه الأفراد ـ في عصر النزول ـ بعد كون القضية حقيقية.

(٢) أي : ولأجل كون الظاهر من الكافر كلّ من حكم بنجاسته ـ لا خصوص المنكر للتوحيد أو الرسالة ـ استدلّ الحنفية بالآية على حصول البينونة وانقطاع علقة الزوجية بسبب ارتداد الزوج مطلقا ولو بإنكار ضروريّ من ضروريّات الدين.

فلو كان المراد من الكافر في آية نفي السبيل خصوص المنكر للتوحيد أو الرسالة لم يصح الاستدلال المذكور ، لعدم كون المنكر لضروريّ مطلقا منكرا للتوحيد أو الرسالة. وتعرض المصنف لاستدلال الحنفية إنّما هو لأجل كونهم من أهل اللسان كغيرهم ممّن هو فاسد المذهب إذا كان من أهل اللسان ، فلا يرد عليه ما في بعض الحواشي من عدم حجية فهم الحنفية.

(٣) أي : هل يلحق بالكفّار أطفالهم في الأحكام ، كعدم جواز تمليك العبد المسلم وعدم تمليك منفعته ، وارتهانه ، وإعارته من الكافر؟ أم لا يلحق أطفالهم بكبارهم.

وفرض المسألة هو : أن يكون المتصدّي لشراء العبد المسلم لطفل الكافر مسلما ، كما إذا كان وصيّا له من قبل أبيه أو جدّه الكافرين ، فإنّه يتجه البحث عن حكم هذا

__________________

وعليه فتعريف الكافر بما في المتن تعريف باللازم ، لا بالذاتي ، بل ليس تعريفا باللازم أيضا ، لعدم تسلّم نجاسة الكافر مع اختلافهم في نجاسة الكتابي.

(*) لا يخفى أنّ مقتضى عكس نقيضه هو «كلّ من لا يحكم بنجاسته ليس بكافر» مع أنّه يمكن أن يكون كافرا ولا يكون نجسا ، كما قيل بطهارة الكتابي.

__________________

(١) راجع الفقه على المذاهب الأربعة ، ج ٤ ، ص ٢٢٣ ، وفيه «لأنه لا يحل للكافر أن يستولي على المسلمة بحال من الأحوال ، ويفرّق بينهما عاجلا بدون قضاء».


فيه اشكال (١).

ويعمّ (٢) المسلم المخالف ،

______________________________________________________

الشراء صحة وفسادا. وأمّا لو كان المتصدي لشراء العبد المسلم ـ بمال الطفل الكافر ـ كافرا ، فهو مشمول للبحث السابق من منع سبيل الولي الكافر على العبد المسلم.

(١) من عدم صدق «الكافر» حقيقة على أطفالهم ، سواء أكان الكفر وصفا وجوديّا مضادّا للإيمان ، أم عدميّا.

أمّا على الأوّل فواضح. وأمّا على الثاني فلأنّ الكفر بمعنى عدم الإسلام ، ومن المعلوم أنّ التقابل بين الإسلام والكفر تقابل العدم والملكة ، لا تقابل السلب والإيجاب. وعدم الملكة منتف في أطفال الكفار ، فلا يلحق الأطفال بالبالغين.

ومن كون المراد بالكافر أعمّ من الحقيقي والحكمي ، فيلحقون بكبارهم ، لأنّ هذه الأعمية مقتضى حكومة (*) ما دلّ على كون أطفالهم بمنزلة كبارهم في الأحكام والآثار.

ولو شك في شمول أدلة المنع لأطفالهم فمقتضى عمومات الصحة صحة انتقال المسلم إلى طفل الكافر ، لمرجعيّة العام في المخصص المجمل المفهومي الدائر بين الأقل والأكثر ، وللاقتصار في التخصيص على القدر المتيقن وهو الكافر البالغ.

(٢) هذا هو المقام الثاني ممّا تعرّض له في الجهة الثانية ـ أي المراد بالمسلم في هذه المسألة ـ ومحصله : أنّ المراد بالمؤمنين في آية نفي السبيل ما يعم السنّي الفاقد للولاية ، ولا يختص بالشيعي ، وذلك لأنّه مسلم ، فيعلو ولا يعلى عليه. واختصاص إطلاق «المؤمن» على الشيعي صار من زمان الصادقين عليهما‌السلام. فالمؤمن الذي يطلق على الشيعي إمّا منقول ، وإمّا مشترك لفظي ، وإمّا مجاز مشهور ، والثاني غير بعيد.

__________________

(*) هذه الحكومة غير ظاهرة ، لتوقفها على عموم دليل تنزيل الأطفال منزلة البالغين. ولم نعثر ـ إلى الآن ـ على هذا الدليل. والمتيقن هو ثبوت بعض الأحكام للأطفال كالنجاسة ، والتبعية في السّبي. فآية نفي السبيل لا تشمل أطفال الكفار ، فنقل العبد المسلم إلى طفل الكافر بتوسط وليّه المسلم لا بأس به. نعم يشكل ذلك إذا كان بتوسط وليّه الكافر ، لتحقق السبيل حينئذ للكافر على المؤمن.


لأنّه مسلم (١) ، فيعلو ولا يعلى عليه.

والمؤمن (٢) في زمان نزول آية «نفي السبيل» لم يرد به (٣) إلّا المقرّ بالشهادتين.

ونفيه (٤) عن الأعراب «الّذين قالوا آمنّا» بقوله (٥) تعالى (وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (١) إنّما (٦) كان لعدم اعتقادهم بما أقرّوا (٧). فالمراد بالإسلام

______________________________________________________

وعليه فالعبد المسلم ـ سواء أكان إماميّا أم عاميّا ـ يحرم بيعه من الكافر.

(١) حيث إنّه مقرّ بالشهادتين ، وهو المناط في إسلام شخص.

(٢) مبتدء خبره جملة «لم يرد» وهذا إشارة إلى إشكال ودفع. أمّا الإشكال فهو : أنّ المذكور في آية نفي السبيل هو المؤمن المغاير للمخالف ، فبأيّ وجه يشمل المخالف ، ويقال : بعدم جواز انتقال العبد السّنّي إلى الكافر؟

وأمّا الدفع فهو : أنّ المراد بالمؤمن في زمان نزول الآية هو المقرّ بالشهادتين ، فالمسلم أعمّ مطلقا من المؤمن المصطلح الحادث ، إذ كلّ مؤمن مسلم ، ولا عكس.

(٣) أي : بالمؤمن في آية نفي السبيل. وهذا إشارة إلى الدفع الّذي اتضح بقولنا : «واما الدفع فهو ان المراد .. إلخ».

(٤) مبتدء خبره جملة «إنما كان» أي : ونفي الإيمان عن الأعراب. ثم إنّ هذا إشارة إلى وهم ودفع. ومحصل الوهم هو : أنّ إرادة المقرّ بالشهادتين فقط من المؤمن في آية نفي السبيل ـ بدون زيادة الاعتراف بالإمامة على ذلك ـ تنافي نفي الإيمان عن الأعراب الذين قالوا : آمنّا واعترفنا بالشهادتين ، بقوله تعالى (وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ).

(٥) متعلق ب «نفيه».

(٦) هذا دفع الوهم المذكور ، وحاصله : أنّ نفي الإيمان عن الأعراب ليس لبيان الفرق بين الايمان والإسلام ، بل نفيه عنهم إنّما هو لأجل عدم اعتقادهم بما أقرّوا به ، فالمنفي هو الاعتقاد بالشهادتين ، والمثبت هو التلفّظ بهما.

(٧) كذا في النسخ ، والمناسب إضافة «به» إليه حتى يتحقق العائد إلى الموصول في «بما».

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ١٤.


هنا (١) أن يسلم نفسه لله ورسوله في الظاهر لا الباطن. بل (٢) قوله تعالى (وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) دلّ على أنّ ما جرى على ألسنتهم من الإقرار بالشهادتين كان إيمانا في خارج القلب.

والحاصل : أنّ الإسلام والإيمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد (٣).

وأمّا (٤) ما دلّ على كفر المخالف بواسطة إنكار الولاية ، فهو (٥) لا يقاوم

______________________________________________________

(١) أي : في آية نفي السبيل ، فالإسلام مع عدم اعتقادهم بما أقرّوا به من الشهادتين ظاهريّ لا باطني ، بأن يسلّموا أنفسهم لله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الظاهر وعند الناس ، لا الباطن.

(٢) يعني : بل يطلق الإيمان أيضا على الإسلام الصوري على ما يستفاد من قوله تعالى (وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) حيث إنّ الجاري على ألسنتهم من الشهادتين إيمان في خارج القلب ، كما أنّ الاعتقاد بالشهادتين إيمان في داخل القلب. فكل من المتلبّس بالايمان اللساني والقلبي موضوع لنفي السبيل المذكور في الآية الشريفة ، لكون كل منهما مؤمنا. فالمؤمن في الآية هو المقرّ بالشهادتين سواء أكان إيمانه قلبيا أم لسانيا.

(٣) وهو الإقرار بالشهادتين مطلقا سواء أكان مع الاعتقاد بهما أم بدونه.

(٤) إشارة إلى إشكال ، وهو : أنّ تعميم المسلم للمخالف لكونه مقرّا بالشهادتين ينافي ما دلّ من الروايات على كفر المخالف بسبب إنكاره للولاية كما ذهب إليه جمع (١) استنادا إلى النصوص المستفيضة ، مثل ما رواه ثقة الإسلام بسنده عن مولانا الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام. قال : «إنّ الله عزوجل نصب عليّا عليه‌السلام علما بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمنا ، ومن أنكره كان كافرا ، ومن جهله كان ضالّا ، ومن نصب معه شيئا كان مشركا ، ومن جاء بولايته دخل الجنة» (٢) لظهور كفر المنكر ـ بقرينة مقابلته لضلالة الجاهل ـ في جحود الحقّ عنادا واستكبارا بعد قيام الأدلة عليه في ذلك.

(٥) هذا جواب «أمّا» وجواب الإشكال المذكور ، وحاصله : أنّ تلك الروايات الدالة على كفر المخالفين لا تصلح للمعارضة ولا تقاوم مع ما دلّ على إسلام المخالف

__________________

(١) راجع الحدائق الناضرة ، ج ٥ ، ص ١٧٥ ـ ١٨٨.

(٢) الكافي ، ج ١ ، ص ٤٣٧ ، كتاب الحجة ، باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية ، ح ٧.


بظاهره لما دلّ على جريان جميع أحكام الإسلام عليهم (١) ، من (٢) التناكح والتوارث ، وحقن الدماء ، وعصمة الأموال ، وأنّ (٣) الإسلام ما عليه جمهور الناس.

______________________________________________________

لكونه مقرّا بالشهادتين ، وجريان جميع أحكام الإسلام عليه ، وأنّ الإسلام ما عليه جمهور الناس ، وهم المخالفون.

وجه عدم المقاومة : أنّ الكفر مقابل للإسلام ، ولهما بحسب الآيات والروايات معان متعددة. فقد يطلق الإسلام على مجرّد إظهار الشهادتين ، والكفر المقابل له ـ الموضوع لآثار شرعية كالنجاسة وعدم التوارث وغير ذلك ـ هو الشرك والتهوّد والتنصّر.

وقد يطلق على ما يرادف الإيمان ـ وهو التصديق القلبي ـ مضافا إلى الإقرار باللسان. والكفر المقابل له شامل لمن يظهر الشهادتين.

وقد يطلق على غير ذلك ، كما أنّ للإيمان إطلاقات.

ومن المعلوم أن الآثار المترتبة على الكفر بالمعنى الأوّل ـ وهو المقابل للإسلام بالإقرار اللساني ـ لا تترتب على الكفر بالمعنى الثاني ، لتعدد الموضوع حسب الفرض.

وعليه فتكفير منكر مطلق الامام عليه‌السلام لا يكفي بنفسه للحكم بترتب أحكام الكافر بالمعنى الأوّل ـ عليه (١).

هذا مع الغض عمّا قيل من : أنّ لسان ما دلّ على كفر المخالف لسان التنزيل في الآثار الأخروية ، كما تدلّ عليه رواية حمران الآتية ، فيكون أجنبيّا عن الأحكام الشرعية الدنيوية (٢) ، ولا حاجة حينئذ إلى الجمع الدلالي بين النصوص ، أو تضعيف أخبار النجاسة بإعراض الأصحاب عنها ، ونحوه.

(١) أي : على المخالفين ، وكان الأولى إفراد الضمير ، لرجوعه إلى المخالف.

(٢) بيان لأحكام الإسلام.

(٣) معطوف على «جريان».

__________________

(١) راجع جواهر الكلام ، ج ٦ ، ص ٦٠.

(٢) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني ، ج ١ ، ص ١٦٣.


ففي رواية حمران بن أعين : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : الإيمان ما استقرّ في القلب (*) وأفضى به (١) إلى الله تعالى ، وصدّقه (٢) العمل بالطاعة لله ، والتسليم. لأمر الله. والإسلام (٣) ما ظهر من قول أو (٤) فعل ، وهو (٥) الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه (٦) جرت المواريث ، وجاز (٧) النكاح ، واجتمعوا (٨) على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ فخرجوا بذلك (٩) من الكفر ، وأضيفوا إلى الإيمان .. إلى أن قال (١٠ فهل للمؤمن فضل على المسلم في شي‌ء من

______________________________________________________

(١) أي : بلغ وانتهى به إلى الله تعالى.

(٢) أي : وصدّق الايمان العمل ، فالإيمان اعتقاد بالجنان وعمل بالأركان.

(٣) معطوف على «الايمان» وحاصله : أنّ الإسلام هو العمل الجوارحي من قول ، وهو الإقرار بالشهادتين ، وفعل وهو الإتيان بالصلاة وسائر العبادات.

(٤) كذا في المصدر وبعض النسخ ، وفي نسختنا العطف بالواو ، وهو غير موافق لما في الكافي.

(٥) أي : والإسلام ، فإنّه هو الإسلام الذي عليه جميع فرق المسلمين.

(٦) هذا الضمير وضمير «به» راجعان إلى الإسلام.

(٧) كذا في الكافي ، وبعض النسخ المصححة ، وما في نسختنا «من جازت» خطأ.

(٨) معطوف على «حقنت» يعني : وبالإسلام حقنت الدماء واجتمعوا على الصلاة والزكاة.

(٩) أي : بالإسلام خرجوا من الكفر وأضيفوا إلى الإيمان.

(١٠) أي : قال الراوي : فهل للمؤمن .. إلخ. والمراد بالفضائل ظاهرا المستحبات ،

__________________

(*) فالإيمان على هذا من صفات النفس ، بخلاف الإسلام ، فإنّه من صفات الجوارح ، لكونه من السّلم والانقياد ، كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام : «والإسلام ما ظهر من قول وفعل» فليس الإسلام والايمان بمعنى واحد ، ومن الألفاظ المترادفة كما هو صريح قوله : «والحاصل أن الإسلام والايمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد».


الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك؟ قال : (١) لا [بل] (٢) هما يجريان في ذلك (٣) مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم في إعمالهما ، وما يتقرّبان به إلى الله تعالى» (١).

ومن جميع ما ذكرنا (٤) ظهر أنّه لا بأس ببيع المسلم من المخالف ولو كان

______________________________________________________

وبالأحكام التكاليف الإلزامية.

(١) يعني : قال الامام عليه الصلاة والسلام : هما ـ أي المؤمن والمسلم ـ يجريان .. إلخ.

(٢) كذا في نسختنا ، وليس في الكافي كلمة «بل».

(٣) حاصله : أنّه لا فضل للمؤمن على المسلم في الخطابات الإلهية ، وإنّما الفضل له في آثار الأعمال في الآخرة.

(٤) أي : ظهر من جميع ما ذكرنا ـ من أنّ الإسلام ما عليه جمهور الناس ، وأنّ الإسلام ما ظهر من قول وفعل ـ أنّ العبد المسلم السّنّي لا يصح نقله إلى الكافر ببيع وغيره ، كعدم صحة نقل العبد المسلم الشيعي إلى الكافر ، من دون تفاوت بينهما.

وهذا الذي ذكرناه يظهر من عبارة المصنف قدس‌سره وإن لم يصرّح به هنا ، والذي صرّح به هنا هو : أنّ مقتضى ما ذكره من معنى الإسلام ، وأنّه الإقرار بالشهادتين هو كون المخالف مسلما ، فيجوز بيع المملوك الشّيعي من مسلم مخالف وإن كان المبيع جارية ، إذ المفروض إسلام كليهما.

نعم إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف لروايات تأتي الإشارة إليها اقتضت فحواها حرمة بيع الجارية المؤمنة من الكافر.

توضيح الفحوى : أنّ تزويج المخالف بالمؤمنة تسليط منه على بضعها فقط ، فإذا حرم التسليط على بضعها كذلك بالزواج حرم تسليط المخالف عليها بالشراء بالأولوية ، لأنّه بالشراء يصير مالكا لها مسلّطا على جميع شؤونها الحياتية ، وتقع هي تحت سيطرة تمام أوامره ونواهيه. وهذا أعظم سبيل للمخالف على المؤمنة ، فتكون هذه الفحوى دليلا على حرمة نقل المملوك الشيعي إلى السني بعد عدم الفصل بين العبد والأمة.

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٢٦ ، ح ٥.


جارية (١) ، إلّا (٢) إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف ، لأخبار دلّت على ذلك (٣) ، فإنّ فحواها (٤) (*)

______________________________________________________

(١) يعني : ولو كان المبيع المسلم جارية مؤمنة ، فإنّه يجوز بيعها من المخالف ، وهو المسلم السّني.

(٢) استثناء من قوله : «لا بأس ببيع المسلم من المخالف». أي : إلّا إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة الشيعية من المسلم المخالف ، كما نقله في الجواهر عن أستاذه كاشف الغطاء من «أنه لا يبعد اشتراطه ـ أي اشتراط الإيمان بالمعنى الأخص وهو الاعتقاد بالولاية ـ في الإماء ، لظاهر بعض النصوص» ثم أشار صاحب الجواهر إلى نصوص النكاح. وهو وإن لم يلتزم به لكنه جعله موافقا للاحتياط الذي لا ينبغي تركه (١).

نعم اختار السيد العاملي المنع استنادا إلى العلة المنصوصة ، فقال : «والعلة المنصوصة في عدم تزويج المؤمنة من المخالف تدل على ذلك» (٢) ويحتمل إرادة كلّ من المساواة والأولوية.

(٣) أي : على حرمة التزويج المزبور وبطلانه. فمن تلك الأحاديث رواية الفضيل بن يسار : «قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نكاح الناصب ، فقال : لا والله ما يحلّ. قال فضيل : ثم سألته مرّة أخرى ، فقلت : جعلت فداك ما تقول في نكاحهم؟ قال : والمرأة عارفة؟ قلت : عارفة ، قال : إنّ العارفة لا توضع إلّا عند عارف» (٣). ودلالة ذيل هذا الحديث على حرمة تزويج المؤمنة بالمخالف ـ أي السّني ـ ظاهرة.

(٤) أي : فحوى تلك الأخبار تدلّ على المنع عن بيع الجارية المؤمنة من المخالف

__________________

(*) قد يورد على هذه الفحوى بأنّ المحرّم إن كان هو السلطنة على الوطي في الزواج كانت الفحوى في محلّها ، لأنّ السلطنة على الوطي في المورد أقوى ، لكونها بزيادة

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٨.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٨.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٤٢٤ ، الباب ١٠ من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ، الحديث ٥ ، ونحوه الحديث ٣ ، وفيه «ولا يتزوج المستضعف مؤمنة».


تدلّ على المنع من بيع الجارية المؤمنة (١).

لكن (٢) الأقوى عدم التحريم.

ثمّ إنّه قد أستثني (*) من عدم جواز تملّك الكافر (٣) للعبد المسلم مواضع :

______________________________________________________

وقد مرّ تقريب الفحوى بقولنا : «توضيح الفحوى : أنّ تزويج المخالف .. إلخ».

ويمكن أن يكون وجه الأولوية أنّ المملوكة تأخذ من دين سيّدها أكثر مما تأخذه الزوجة من دين زوجها ، فحرمة تملك المخالف لها أولى من تزويجها ، فتأمّل.

(١) أي : بيع الجارية المؤمنة من المخالف.

(٢) هذا مختار المصنف المنسوب إلى المشهور. وعليه فلا مجال للفحوى المزبورة.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية ، وسيأتي البحث في مستثنيات حرمة تملك الكافر للعبد المسلم.

موارد جواز تملك الكافر للعبد المسلم

(٣) يعني : بناء على مذهب المشهور من عدم جواز تملك الكافر للمسلم ، يستثنى من عدم الجواز مواضع. وهذا بيان لثالثة جهات البحث في هذه المسألة.

__________________

ملك الرقبة. وأمّا إن كان المحرّم عنوان الزّواج لا حكمه ـ وهو جواز الوطي ـ والمفروض أن حقيقة الزواج مغايرة للمملوكيّة وغير موجودة فيها ، فلا مساواة فضلا عن الأولوية ، هذا (١).

ويمكن أن يقال : إنّ الزّواج وإن كان حقيقة غير المملوكية ، لكن لمّا كان أظهر آثاره جواز الوطي ، فمنصرف الدليل هو الوطي ، فتصحّ حينئذ دعوى الفحوى ، بأن يقال : إن لم يكن وطؤها بالزواج جائزا فعدم جوازه بالملك أولى ، فليتأمّل.

(*) التعبير بالاستثناء لا يخلو من المسامحة ، لأنّه إخراج حكمي ، كإخراج «زيد» من «القوم» في قوله : «جاء القوم إلّا زيدا» فإنّ «زيدا» خارج عن حكم القوم وهو المجي‌ء ، لا عن أصل الموضوع وهو القوم. فلو كان الملك الآنيّ التطرقي غير الملك المستقر الذي هو موضوع عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم كان الإخراج موضوعيا لا حكميّا حتى يكون من باب الاستثناء.

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ٢٣٤.


منها (١) ما إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق ، بأن يكون ممّن ينعتق على الكافر قهرا واقعا كالأقارب (٢) ، أو ظاهرا (٣) كمن أقرّ بحرّية مسلم ثمّ اشتراه ، أو بأن (٤) يقول الكافر للمسلم : «أعتق عبدك عنّي بكذا» فأعتقه. ذكر ذلك العلّامة

______________________________________________________

(١) أي : من تلك المواضع المستثناة ـ من عدم جواز تملك الكافر للمسلم ـ ما إذا كان شراؤه مستعقبا لانعتاقه ، والمذكور في الموضع الأوّل موارد ثلاثة :

أوّلها : من ينعتق على المشتري قهرا واقعا كالعمودين ، فإذا اشترى الكافر أباه المسلم أو ولده ، ملكه بالشراء ، ولكن ينعتق عليه. وحيث إنّ العتق متوقف على الملك ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا عتق إلّا بعد ملك» (١) فلا بدّ من دخول العبد المسلم في ملك أبيه أو ولده حتى ينعتق فهذا من موارد تملّك الكافر للعبد المسلم أو الأمة المسلمة.

(٢) كالعمودين : الآباء والأولاد. وهذا الانعتاق قهري واقعي ليس باختيار مالكه الذي اشتراه.

(٣) معطوف على «واقعا» يعني : أنّ انعتاق الأقارب حكم واقعي. وهذا مورد ثان من الموضع الأوّل ممّا استثنى من عدم تملك الكافر للمسلم ، وهو : ما إذا أقرّ كافر بحريّة عبد مسلم ، ثم اشتراه من مولاه ليستنقذه من ذلّ العبودية ، ويستخرجه من سجن الرقية.

وهذا البيع صحيح للاستنقاذ ، بمعنى : أنّ الكافر المشتري يملك هذا المسلم الذي أقرّ بحرّيّته ، لاستنقاذه على حسب إقراره بالحرية.

وهذا الانعتاق حكم ظاهري مستند إلى إقرار المشتري بحرّيّة المسلم الذي اشتراه من مولاه.

(٤) معطوف على قوله : «بأن يكون» وهذا مورد ثالث من الموضع الأوّل ممّا استثني من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم ، وحاصله : أنّه إذا قال الكافر لمسلم : «أعتق عبدك المسلم عنّي بدينار» مثلا ، فأعتقه ، صحّ بيعه ، لوكالته في بيع العبد من الكافر ، ثم وكالته عن الكافر في عتقه. كلّ ذلك بدلالة الاقتضاء كما قرّر في محلّه.

وبالجملة : فصار العبد ملكا للكافر ، ولذا صحّ عتقه عنه أيضا ، فالكافر يصير

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ٧ ، الباب ٥ من أبواب العتق ، ح ٢.


في التذكرة (١) ، وتبعه جامع المقاصد والمسالك.

والوجه في الأوّل (١) واضح ، وفاقا للمحكي (٢) عن (٢) الفقيه والنهاية والسرائر مدّعيا (٣) عليه الإجماع ، والمتأخّرين كافّة ، فإنّ (٤) مجرّد الملكيّة غير

______________________________________________________

مالكا للعبد المسلم ، ثم يعتق. فهذا أيضا من الموارد المستثناة من عدم جواز تملك الكافر للمسلم ، والملكية في هذه الموارد الثلاثة استطراقية.

(١) وهو كون العبد المسلم ممّن ينعتق على الكافر قهرا واقعا كالأقارب. وجه الوضوح : أنّ العتق منوط بالملك ، فلا بدّ أن يصير الكافر مالكا للعبد حتى ينعتق.

فالوجه في تملك الكافر للعبد المسلم في الفرض الأوّل ـ وهو الانعتاق القهري على الكافر ـ واضح.

(٢) قال في مفتاح الكرامة : «وفي المقنعة والنهاية والسرائر والشرائع والتذكرة والإرشاد وشرحه لفخر الإسلام : أنه يملك من ينعتق عليه. فإذا اشتراه انعتق عليه في الحال».

(٣) حال من صاحب السرائر ، وقوله : «والمتأخرين» معطوف على «للمحكي» يعني : وفاقا للمتأخرين كافّة.

(٤) هذا بيان لوجه وضوح صحة الشراء ، تقريبه : أنّ الملكية التطرقية التي لا استقرار لها ليست منهيّا عنها ، لعدم كونها سبيلا منفيّا بالآية المباركة ، فلا وجه لعدم جوازها.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٢٠ و ٢١ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٢ و ٦٣ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٧.

(٢) الحاكي عن هذه الكتب ـ ما عدا الفقيه ـ هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٧ ، ولعلّ الفقيه تصحيف «المقنعة».

وعلى كلّ فلاحظ المقنعة ، ص ٥٩٩ ، النهاية ، ص ٤٠٨ و ٥٤٠ ، السرائر ، ج ٢ ، ص ٣٤٣ ، وفيه دعوى الإجماع ، وج ٣ ، ص ٧ ، شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٦ ، مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٩ ، إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٣٦٠ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٩ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٢ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٧ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٤٤.


المستقرّة لا يعدّ سبيلا ، بل (١) لم يعتبر الملكية إلّا مقدّمة للانعتاق.

خلافا للمحكيّ (١) عن المبسوط والقاضي ، فمنعاه (٢) ، لأنّ الكافر لا يملك حتّى ينعتق ، لأنّ التملّك بمجرّده سبيل (*) ، والسيادة علوّ.

______________________________________________________

(١) غرضه من هذا الإضراب إخراج الملكية التطرقية عن موضوع آية نفي السبيل ، بتقريب : أنّ المراد بالسبيل هي الملكية المستقرة التي تترتب عليها السلطنة الاعتبارية والخارجية. وهذه الملكية مفقودة في تملك الكافر للمسلم المتعقب بالانعتاق.

لكن على هذا لا ينبغي أن تعدّ هذه الملكية التطرقية الآنية من المواضع المستثناة من عدم جواز تملك الكافر للمسلم ، لأنّها ليست تلك الملكية التي أريدت من السبيل المنفي في الآية المباركة.

(٢) يعني : أنّهما قدس‌سرهما منعا شراء الكافر العبد المسلم الذي ينعتق عليه ، معلّلين له : بأنّ الكافر لا يملك المسلم حتى ينعتق ، لأنّ التملك بنفسه أي إضافة الملكية بمجرّدها سبيل منفي بالآية. وسيادة الكافر على المسلم علوّ منفي بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه».

__________________

(*) بل السبيل عليه ، لا له على المسلم ، ضرورة أنّه بمجرّد دخوله في ملك الكافر يخرج عن ملكه ، فلا يشمله ما استدلّ به على بطلان بيع العبد المسلم من الكافر من آية نفي السبيل ، والرواية المرويّة عن المولى أمير المؤمنين عليه وعلى أولاده المعصومين أفضل صلوات المصلّين.

أمّا الآية فلأنّ المراد بالملكية فيها هو الملكية المستقرة التي يترتب عليها الآثار ، والسلطنة الاعتبارية والخارجية. وأمّا الملكية التي تزول بمجرد حدوثها ولا تبقى ، فلا توجب سبيلا للكافر على المسلم ، بل توجب سبيلا عليه ، لا له.

وأمّا الرواية المتقدمة (في ص ٢٩٦) المشتملة على قوله عليه‌السلام : «ولا تقرّوه عنده»

__________________

(١) الحاكي هو العلامة في المختلف ج ٥ ، ص ٥٩ ، ولاحظ : المبسوط ، ج ٢ ، ص ١٦٨ ، جواهر الفقه ، ص ٦٠ ، المسألة : ٢٢٢.


إلّا (١) أنّ الإنصاف أنّ السلطنة غير متحقّقة في الخارج ، ومجرّد (٢) الإقدام على شرائه لينعتق منّة من الكافر على المسلم ، لكنّها (٣) غير منفيّة.

وأمّا الثاني (٤) ، فيشكل بالعلم بفساد البيع على تقديري الصدق والكذب (٥) ،

______________________________________________________

(١) هذا إشكال على التعليل المزبور «لأن الكافر لا يملك» وحاصل الاشكال : أنّ السلطنة المنفيّة في الآية غير متحققة في الملك التطرّقي إذ لا أثر له إلّا الانعتاق ، ولا يترتب عليه سلطنة أصلا ، والمفروض أنّ المنهي عنه هي الملكية التي يترتّب عليها السلطنة ، فلا تشملها الآية المباركة.

(٢) مبتدء خبره «منّة» وهذا اعتراض من الخصم ، وحاصله : أنّ السلطنة وإن لم تكن متحقّقة ، إلّا أنّ منّة الكافر على العبد المسلم ـ بسبب شرائه لينعتق ـ متحقّقة ، وهي كالسلطنة منفيّة ومانعة عن تملك الكافر.

(٣) هذا دفع الاعتراض المزبور ، ومحصله : أنّ المنّة متحققة ، لكنها ليست كالسلطنة منفيّة حتى تمنع تملك الكافر.

(٤) وهو كون الشراء مستعقبا للانعتاق ظاهرا ـ كالكافر الذي أقرّ بحرّية مسلم ثم اشتراه ـ فيشكل خروجه عن عدم جواز تملك الكافر للمسلم ، لأنّ خروجه عنه منوط بصحة البيع حتى يصير الكافر مالكا للمسلم ، ثم ينعتق عليه. والمفروض وجود العلم التفصيلي بفساد البيع ، إمّا لخلل في أحد العوضين وهو المبيع ، لحريته على تقدير صدق إقراره بحرّيته ، والحرّ ليس قابلا للبيع. وإمّا لخلل في أحد المتعاقدين ، وهو المشتري ، لكونه كافرا ، والكافر لا يملك المسلم ، فلا يتصور صورة صحيحة لهذا البيع.

(٥) أي : تقديري صدق إقرار الكافر بحرّية المسلم الذي يشتريه ، وكذبه.

__________________

فلأنّ المنهي عنه فيها هو استقرار العبد المسلم تحت يد الكافر ، والمفروض أنّه لا استقرار لملكية المسلم للكافر ، بل بمجرد حدوثها تزول.

ولو شكّ في شمول الآية والرواية للمورد فالمرجع عمومات صحة البيع ، دون الآية والرواية ، لكون الشبهة فيهما في تخصيصهما لتلك العمومات زائدا على المتيقن.


لثبوت (١) الخلل : إمّا في المبيع ، لكونه حرّا ، أو في المشتري ، لكونه كافرا (٢) ، فلا يتصوّر صورة صحيحة لشراء من أقرّ بانعتاقه (٣). إلّا أن يمنع اعتبار مثل هذا العلم الإجمالي (٤) (*)

______________________________________________________

(١) تعليل للعلم بفساد البيع ، وقد تقدم توضيحه آنفا بقولنا : «إمّا لخلل في المبيع لحريته».

(٢) والكافر لا يملك المسلم.

(٣) يعني : فلا يتصوّر خروج شراء «من أقرّ الكافر بحريته» من عدم جواز تملك الكافر للمسلم.

(٤) وهو العلم الإجمالي بخلل في المبيع ، أو في المشتري.

والمراد بقوله : «مثل هذا العلم الإجمالي» هو : ما إذا علم إجمالا بخطاب مردّد بين خطابين ، كما إذا علم أنّ هذا المائع إمّا خمر وإمّا خلّ مملوك للغير ، فيعلم حينئذ بخطاب مردّد بين «اجتنب عن الخمر ، ولا تغصب» فهذا العلم الإجمالي غير منجّز على مذهب بعض كصاحب الحدائق (١).

وإنّما المنجّز عنده هو العلم التفصيلي بخطاب ومتعلقة ، وتردّد مورده بين شيئين. كما إذا علم بنجاسة أحد الإنائين ، فإنّ العلم بخطاب «وجوب الاجتناب عن النجس» تفصيلي ، وموضوعه مردّد بين إنائين. فالإجمال يكون في مورد الخطاب لا في نفسه ولا في متعلقة.

والمقام نظير القسم الأوّل ، إذ الخطاب فيه مردّد بين خطابين ، وهما : «لا يجوز شراء الحرّ ، ولا يجوز تملك الكافر العبد المسلم» ومثل هذا العلم الإجمالي لا أثر له.

__________________

(*) قد يقال في وجه منع هذا العلم الإجمالي بأنّه لا علم بفساد البيع على كل تقدير ، بل على تقدير خاصّ ، وهو تقدير الحرية واقعا ، لأنّه على هذا الفرض لا يصلح للملكية.

وأمّا على تقدير كذب الإقرار ورقيّة المبيع ، فهو صالح للملكية بدون مانع ، إذ المانع ـ وهو السبيل ـ مفقود ، حيث إنّ الملكية الواقعية المحكومة ظاهرا بعدمها للمقرّ ليست سبيلا

__________________

(١) الحدائق الناضرة ، ج ١ ، ص ٥١٧.


فتأمّل (١).

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّه إشارة إلى عدم الفرق في تنجيز العلم الإجمالي بين العلم التفصيلي بالخطاب وتردد موضوعه بين شيئين ، وبين تردد الخطاب بين خطابين ، كما تعرض له

__________________

له على المسلم ، فلا مانع من بيعه ، فيصحّ بيعه من البائع ، لحجية يده على الملكية ظاهرا ، وعدم قدح إقرار المقرّ بالحرّية في ذلك ، لكونه إقرارا في مال الغير ظاهرا على ما تقتضيه اليد ، ويصحّ الشراء أيضا من المشتري ، لعدم مانع وهو السبيل ، فيخرج الثمن من كيسه واقعا وظاهرا ، ويدخل في ملكه المبيع واقعا لا ظاهرا ، لأنّه مقتضى إقراره الذي أثره عدم صيرورته مالكا للمقرّ به ظاهرا.

وهذا التقريب غاية ما يمكن أن يقال في وجه استثناء المورد الثاني من موارد عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم (١).

لكن يشكل ما ذكر ـ من صحة البيع وصيرورة الثمن ملكا للبائع وخروجه عن ملك المشتري واقعا وظاهرا ـ بما حاصله : أنّ ملكيّة الثمن واقعا وظاهرا للبائع مترتبة على البيع المنوط بالقصد ، كغيره من العقود التابعة للقصود ، ومن المعلوم فقدان قصد البيع مع إقرار المشتري بعدم قابلية المقرّ به للبيع ، فلا يتحقق البيع الناقل. وبدون البيع لا ينتقل الثمن إلى البائع ، فيكون إعطاء الثمن إلى البائع لاستنقاذ الشخص عن الرقية الصورية ، لا بعنوان كونه ثمنا.

نعم يد البائع لكونها أمارة على الملكية ـ إن لم يكن عالما بخلافه ـ توجب تمشّي قصد إيجاب البيع منه. إلّا أنّه لا يتمشى قصد الشراء من المشتري لاعترافه. ومن المعلوم اعتبار حصول القصد من كلا المتعاقدين ، لتقوم العقد عرفا بقصدهما معا.

فالمتحصل : أنّه لم يثبت كون المورد الثاني ـ وهو إقرار المشتري الكافر بحرّيّة المسلم المحكوم ظاهرا بالرقية ـ من المواضع المستثناة من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم ، لعدم البيع الموجب للملكية مطلقا من الاستطراقية والاستقرارية.

فما في تقرير المحقق النائيني «من أنّ الحكم فيه ـ أي في المورد الثالث ـ أيضا هو الصحة» (٢) غير ظاهر.

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني ، ج ١ ، ص ٢٣٤.

(٢) المكاسب والبيع ، بقلم العلامة الآملي قدس‌سره ، ج ٢ ، ص ٣٥٣.


وأمّا الثالث (١) ، فالمحكيّ (١) عن المبسوط والخلاف التصريح بالمنع ، لما (٢) ذكر في الأوّل (*).

______________________________________________________

المصنف قدس‌سره في فرائده في الشبهة المحصورة (٢).

(١) وهو قول الكافر للمسلم : «أعتق عبدك عني» فقيل كما في المبسوط والخلاف : بمنع تملك الكافر للمسلم آنا ما حتى يصحّ عتقه عنه ، لتوقف العتق على الملك ، فبدونه لا يصح العتق ، والمفروض عدم تملك الكافر له. قال في المبسوط : «إذا قال كافر لمسلم : أعتق عبدك عن كفارتي ، فأعتقه ، صحّ إن كان العبد كافرا. وإن كان مسلما لم يصحّ ، لأنّه لا يملك مسلما ..».

(٢) تعليل لمنع صحة البيع في المورد الثالث ، وهذا التعليل هو الذي ذكر في الوجه الأوّل ، من : أنّ التملك بمجرده سبيل ، والسيادة علوّ. وهذه العلّة هي التي حكاها المصنف عن المبسوط والقاضي اللّذين منعا شراء الكافر العبد المسلم الذي ينعتق عليه.

__________________

(*) إلّا أن يقال : إنّ قوله عليه‌السلام : «لا عتق إلّا في ملك» لا يقتضي إلّا كون المعتق مالكا ، ولا يقتضي كون المعتق عنه مالكا. وعليه فلا يقتضي استدعاء العتق تمليكا وتملكا ضمنيا ليكون سبيلا منفيّا. فتعليل المتن للمنع بذلك منوط باقتضاء الاستدعاء المذكور.

وعلى فرض اقتضائه لذلك وحصول التمليك الضمني لا ينبغي الإشكال في صحة تملك الكافر المترتب عليه العتق ، لعدم كونه سبيلا منفيّا ، فيكون هذا المورد الثالث كالأوّل مستثنى من عدم جواز تملك الكافر للمسلم ، خلافا للشيخ والقاضي ، كما تقدم في (ص ٣٣٧).

__________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٧ ، المبسوط ، ج ٢ ، ص ١٦٨ ، الخلاف ، ج ٣ ، ص ١٩٠ ، كتاب البيوع ، المسألة ٣١٧.

(٢) فرائد الأصول ، ج ٢ ، ص ٢٠٩ ، نشر مجمع الفكر الإسلامي ، عام ١٤١٩.


ومنها (١) ما لو اشترط البائع عتقه ، فإنّ الجواز هنا محكيّ (١) عن الدروس والروضة.

وفيه (٢) نظر ، فإنّ ملكيّته قبل الانعتاق سبيل وعلوّ ،

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «منها ما إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق» يعني : ومن مواضع الاستثناء ـ من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم ـ : ما لو اشترط بائع العبد المسلم على مشتريه الكافر عتقه ، فإنّ جواز تملك الكافر له مع هذا الشرط محكي عن الدروس والروضة.

والظاهر عدم الفرق بين شرط النتيجة ، بأن يقول للكافر : «بعتك هذا العبد المسلم بكذا بشرط أن ينعتق» وبين شرط الفعل ـ أي الإعتاق ـ كأن يقول له : «بشرط أن تعتقه».

فبناء على صحة شرط النتيجة يحصل الانعتاق قهرا ، ولم تكن ملكية الكافر آنا سبيلا على العبد المسلم ، والمفروض صحة الشرط ، لكونه سائغا في نفسه.

وبناء على بطلان اشتراط النتائج لا بدّ أن يكون المشروط على المشتري الكافر هو الإعتاق بعد العقد. والظاهر من كلام الشهيدين هو هذا ، ولذا فرّعوا عليه كما في الجواهر ـ بأنّ الكافر إن وفي بالشرط فهو ، وإن لم يف به فإمّا أن يجبر على الإعتاق ، وإمّا أن يفسخ البائع.

(٢) أي : وفي جواز تملك الكافر للعبد المسلم هنا قبل العتق نظر ، لوضوح توقف العتق على الملك بمقتضى قوله عليه‌السلام : «لا عتق إلّا في ملك» والمفروض امتناع تملك الكافر للعبد المسلم قبل انعتاقه ، لكونه سبيلا وعلوّا له على المسلم ، وذلك منفي شرعا.

وعليه فلا يملكه الكافر حتى يصحّ شرط عتقه ، إذ لا مورد لهذا الشرط مع فرض عدم تحقق الملكية للكافر.

__________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي وصاحب الجواهر ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٧ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٤١ ، ولاحظ الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٩ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٤٤.


بل (١) التحقيق أنّه لا فرق بين هذا (٢) وبين إجباره (٣) على بيعه في (٤) عدم انتفاء السبيل بمجرّد ذلك (٥).

والحاصل (٦) أنّ السبيل فيه ثلاثة احتمالات ـ كما عن حواشي الشهيد ـ مجرّد

______________________________________________________

(١) غرض المصنف منع كلام الشهيدين بالنقض عليهما بما لا يلتزمان به ، وبيانه : أنّه لو كان اشتراط البائع عتق العبد المسلم على مشتريه الكافر كافيا في صحة بيعه من الكافر ، لكان إجبار الكافر على بيع العبد المسلم من مسلم كافيا في صحة بيعه من الكافر أيضا ، إذ لا فرق بين الاشتراط وبين الإجبار بعد اشتراكهما في حصول الملك الذي هو السبيل في الآية المباركة للكافر على المسلم. وفي عدم استقرار ملك الكافر في كلّ من الاشتراط والإجبار.

(٢) وهو اشتراط البائع عتق العبد المسلم على الكافر الذي يشتريه.

(٣) أي : إجبار الكافر على بيع العبد المسلم.

(٤) متعلق ب : «لا فرق» وجه عدم الفرق بينهما هو : أنّ الاشتراط لا يفيد إلّا جواز الإجبار على البيع ، ومن المعلوم وجود هذا الجواز من الشارع ، لقوله عليه‌السلام : «لا تقرّوه عنده وبيعوه من المسلمين» فإن لم يكف الإجبار الشرعي في صحة تملك الكافر ، فالإجبار الناشئ من ناحية الشرط أيضا كذلك.

(٥) أي : بمجرد اشتراط البائع عتقه على الكافر ، يعني : أنّ مجرد اشتراط العتق على الكافر لا ينفي سبيل الكافر على المسلم حتى يجوز بيعه من الكافر.

(٦) الغرض من بيان هذا الحاصل الإيراد على الشهيد في حكمه بالجواز هنا ـ مع ملاحظة كلامه في محتملات السبيل ـ ولكن رتّب المصنف عليها غير ما صرّح الشهيد به ، فيكون مقصود المصنف بيان أصل الاحتمالات الثلاثة ، وما يقتضيها كل منها بنظره مع الغضّ عمّا رتّبه الشهيد عليها.

والأولى نقل نصّ عبارة الحواشي المنقولة في مفتاح الكرامة ، وهي : «أن السبيل المنفي بالآية الشريفة قد فسّر بثلاثة تفاسير ، بمجرد الملك وبالملك القارّ وبقابليته. فعلى الأوّل يمتنع شراء من ينعتق عليه. وعلى الثاني والثالث يصح. ومشروط العتق يبطل على الأوّل والثاني ، ويصحّ على الثالث» (١).

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٨.


الملك (١) ، ويترتّب عليه (٢) عدم استثناء ما عدا (٣) صورة الإقرار بالحرّيّة.

والملك (٤) المستقر ولو بالقابليّة ـ كمشروط العتق ـ ويترتّب عليه (٥) استثناء

______________________________________________________

وهي صريحة في أن صحة البيع بشرط العتق متوقفة على كون السبيل المنفي بقاء الملك أو القابلية وإن لم يكن ملك فعلا. وأمّا بناء على كون السبيل المنفي أصل التملك ـ ولو آنا ـ فيبطل البيع المزبور.

(١) هذا أوّل احتمالات السبيل في الآية المباركة ، والمراد به إضافة الملكية مجردة عن الاستقرار وعدمه ، فنفس الملكية سبيل للكافر على المسلم ، فلا يملكه الكافر ولو مع اشتراط العتق ، لأنّه لا يسوّغ تملك الكافر للعبد المسلم.

(٢) أي : على الاحتمال الأوّل ، وهو مجرّد إضافة الملكية ، وحاصل ما يترتّب على هذا الاحتمال : عدم استثناء ما عدا صورة الإقرار بالحرية ، وهو الصورة الاولى أعنى بها انعتاق من ينعتق على الكافر قهرا.

والصورة الثالثة أعني بها : قول الكافر للمسلم «أعتق عبدك عنّي».

توضيح وجه عدم الاستثناء من الاحتمال الأوّل ـ وهو مجرد إضافة الملكية ـ : أنّ الملكية المجرّدة ثابتة في هاتين الصورتين ، لتوقف الانعتاق على الملك ولو آنا ما ، فلا يستثنى شي‌ء منهما من السبيل المنفي في الآية المباركة.

فالمستثنى من هذا الاحتمال هي الصورة الثانية أعني بها صورة إقرار الكافر المشتري بالحرية ، حيث إنّه لا يملك العبد ، لاعترافه بحرّيته ، فلا تشملها الآية المباركة ، لانتفاء السبيل له على المسلم بسبب اعترافه بحرّيته. والمراد بالاستثناء الخروج الموضوعي لا الحكمي ـ كما هو ظاهر الاستثناء ـ لإباء آية السبيل عن التخصيص الذي هو إخراج حكمي.

(٣) قد عرفت أنّ ما عدا صورة الإقرار بالحريّة : الصورتان الاولى والثالثة.

(٤) معطوف على : «مجرّد الملكية» وهذا هو الاحتمال الثاني من احتمالات السبيل المذكور في الآية المباركة ، والمراد به هو الملكية المستقرة ولو بالقابلية ، لا الفعليّة كمشروط العتق ، فإنّه بالشرط لا يخرج عن قابليته للاستقرار ، وإنّما تخرج عن فعلية الاستقرار ، على ما أفاده المصنف قدس‌سره.

(٥) يعني : ويترتّب على هذا الاحتمال الثاني خروج واستثناء الصور الثلاث


ما عدا صورة اشتراط العتق.

والمستقرّ (١) فعلا ، ويترتّب عليه (٢) استثناء الجميع (*).

وخير الأمور أوسطها (٣).

______________________________________________________

المذكورة عن السبيل ، وهي صورة الانعتاق القهري كالأقارب ، وصورة الاعتراف بحرّيّة مسلم ، ثم شراؤه ، وصورة قول الكافر للمسلم : «أعتق عبدك عنّي» حيث إنّ الملكية المستقرة ـ ولو بالقابلية ـ غير ثابتة في هذه الصور ، فلا تشملها آية نفي السبيل ، لخروجها عن مدلول الآية الشريفة.

وأمّا صورة اشتراط العتق فتشملها الآية المباركة ، لأنّ الشرط لا يخرج الملكية عرفا عن قابلية الاستقرار.

(١) معطوف أيضا على «مجرّد الملكية» وهذا هو الاحتمال الثالث ، والمراد به الملكية المستقرة فعلا ، يعني : أنّ المنفي للكافر هو الملكية المستقرة الفعلية.

(٢) يعني : ويترتب على الاحتمال الثالث : استثناء جميع الصور الأربع ، وخروجها عن السبيل المذكور في آية نفي السبيل ، لعدم استقرار الملكية الفعلية في شي‌ء منها.

(٣) وهو الملكية المستقرّة ولو بالقابلية. وهذا مختار المصنف قدس‌سره من المعاني الثلاثة المحتملة في السبيل المنفي في الآية الشريفة. فالآية تنفي الملكية المستقرّة ولو بالقابلية ، ولا تنفي الملكية الفعلية المستقرة غير الدائمة ، ولا مجرّد الملكية ، فإنّ هاتين الملكيّتين ليستا سبيلا حتى تنفيا بالآية المباركة. وبهذا ينتهي الكلام في الجهة الثالثة.

__________________

(*) كيف يترتب على المستقر الفعلي استثناء الجميع؟ مع أنّ الظاهر عدم رافعية العتق لفعلية الملكية واستقرارها ، إذ قبل حصول البيع من الكافر المشروط عليه العتق يكون ملكه باقيا على الفعلية والاستقرار. فتشمل آية نفي السبيل اشتراط العتق ، ولا يستثنى منها ، فلا يملك الكافر العبد المسلم المشروط عتقه ، لكون ملكه مستقرّا ولو بالقابلية على ما صرّح به المصنف قدس‌سره.


ثمّ (١) إنّ ما ذكرنا (٢) كلّه حكم ابتداء تملّك الكافر المسلم اختيارا.

أمّا التملّك القهريّ فيجوز ابتداء ، كما لو ورثه الكافر من كافر أجبر (٣) على البيع ، فمات قبله ، فإنّه (٤) لا ينعتق عليه ولا على الكافر الميّت ، لأصالة (٥) بقاء رقّيّته

______________________________________________________

حكم تملك الكافر للمسلم قهرا

(١) هذا شروع في الجهة الرابعة في هذه المسألة ، وهي حكم دخول العبد المسلم في ملك الكافر ابتداء بسبب قهري كالإرث.

(٢) أي : ما ذكرناه ـ من عدم تملك الكافر للعبد المسلم بجميع أنحاء الملكية ـ إنّما هو حكم ابتداء تملك الكافر للمسلم اختيارا. أمّا التملك القهري فيجوز ابتداء ، كما إذا ورث العبد المسلم كافر من كافر اجبر على بيعه ومات قبل تحقق البيع ، فإنّ هذا العبد ينتقل إلى الوارث الكافر ، ولا ينعتق عليه ولا على الكافر الميت الذي أجبر على بيعه.

(٣) نعت ل «كافر» يعني : مات الكافر الذي أجبر على البيع قبل تحقق البيع منه ، فانتقل عبده المسلم إلى وارثه الكافر.

(٤) أي : فإنّ العبد المسلم لا ينعتق على الوارث الكافر ولا على الكافر الميت الذي انتقل عنه العبد المسلم إلى وارثه الكافر.

أمّا عدم انعتاقه على الميّت فلليقين به ، لعدم الوجه في انعتاقه عليه.

وأمّا عدم انعتاقه على الوارث فلعدم كونه ملكا للوارث حتى ينعتق عليه. ولو شكّ في انقلاب هذا العدم جرى استصحاب عدمه.

وكيف كان فانتقال العبد المسلم إلى الوارث الكافر ملك ابتدائي قهري.

(٥) أي : استصحاب بقاء رقيّته ، وإنّما يرجع إلى هذا الأصل العملي لعدم الدليل الاجتهادي ، حيث إنّ دليل نفي السبيل يقتضي عدم تملك الكافر العبد المسلم ، وعموم دليل الإرث يقتضي تملك الوارث لما تركه الميت وإن كان الوارث كافرا ، وكان ما تركه الميت عبدا مسلما ، فيتعارض الدليلان وهما متكافئان ، وبعد تساقطهما يرجع إلى استصحاب رقيّته.

وهذا الاستصحاب هو القسم الثالث من استصحاب الكلي ، حيث إنّ رقّيّته للمورّث زالت بالموت قطعا ، وحدوثها للوارث مقارنا لزوالها مشكوك فيه. وهذا


بعد تعارض (١) (*) دليل نفي السبيل وعموم أدلّة الإرث ، لكن لا يثبت بهذا الأصل تملّك الكافر (٢).

______________________________________________________

الاستصحاب ليس حجّة عند المصنف وغيره من المحققين.

(١) المقصود منه تنافي المتكافئين ، وأنّه بعد تساقطهما يرجع الى الأصل العملي.

وهذا لا يخلو من تعريض بصاحب الجواهر الذي رجّح دليل الإرث على دليل نفي السبيل ، وحكم بتملك الكافر للعبد المسلم به ، وخصّ دليل نفي السبيل بالملك الاختياري الابتدائي لا المستدامي ، فلاحظ قوله : «وبذلك افترق عن الملك المستدام الذي كان مقتضى الاستصحاب بقاءه ، والموروث الذي أدلته في غاية القوة» (١). ولكن يجبر على بيعه إن كان المشتري موجودا ، وإلّا حيل بين العبد وبين مولاه إلى أن يوجد الراغب.

وعلى هذا يكون قول الماتن : «بعد تعارض» إيرادا عليه بأنّ الآية وأدلّة الإرث متكافئان دلالة ، فيسقطان في المجمع ، وهو العبد المسلم الذي كان ملكا لمولى كافر ، فانتقل إلى وارثه الكافر ، وليس الدليلان متفاضلين حتى يؤخذ بالراجح منهما.

(٢) أي : الوارث الكافر. ووجه عدم ثبوته بهذا الأصل عدم حجيّته كما مرّت الإشارة إليه.

مضافا إلى : أنّه على فرض حجيته لا يثبت به تملك الكافر الوارث إلّا على القول بالأصل المثبت.

__________________

(*) الظاهر أنّ التعارض مبني على إرادة الملك من «السبيل» في الآية الشريفة حتى يتحد موضوع المتعارضين ومورد النفي والإثبات. وأمّا إذا كان المراد بالسبيل السلطنة دون الملك فلا تعارض ، إذ أدلة الإرث لا تدلّ إلّا على انتقال ملك التركة ـ على النحو الذي كان الميّت مالكا لها ـ إلى وارثه. ومن المعلوم أنّ العبد المسلم كان ملكا للميت الكافر الذي أجبر على بيعه ، والآية الشريفة لا تنفي هذه الملكية. ودليل الإرث يثبتها بذلك النحو ، فيجبر

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٥ ونحوه في ص ٣٣٧.


فيحتمل (١) أن ينتقل إلى الإمام عليه‌السلام ، بل هو (٢) مقتضى الجمع بين الأدلّة ، ضرورة (٣) أنّه إذا نفي إرث الكافر

______________________________________________________

(١) هذا متفرع على تعارض آية نفي السبيل وأدلة الإرث وتساقطهما ، وحاصله : أنّه بعد التساقط يحتمل أن ينتقل هذا العبد المسلم إلى الامام عليه‌السلام ، لأنّه عليه‌السلام وارث من لا وارث له ، والمفروض أنّ الميّت هنا بالنسبة إلى هذا العبد ممّن لا وارث له ، بمقتضى منع آية السبيل مالكية الوارث الكافر لهذا العبد المسلم.

(٢) أي : بل الانتقال إلى الامام عليه‌السلام مقتضى الجمع بين طوائف ثلاث.

أولاها : عدم جعل سبيل للكافر على المسلم.

وثانيتها : عموم «ما تركه الميت من مال أو حقّ فهو لوارثه» سواء أكان المال عبدا مسلما أم شيئا آخر.

وثالثتها : أنّ الامام عليه‌السلام وارث من لا وارث له.

(٣) تعليل للانتقال إلى الإمام عليه‌السلام ، وقد تقدم تقريبه آنفا.

ثم إنّ قوله : «إذا نفي إرث الكافر بآية نفي السبيل» لا يخلو من منافاة لقوله قبل قليل : «بعد تعارض دليل نفي السبيل وعموم أدلة الإرث».

وجه المنافاة : أنّه قدس‌سره فرض في العبارة السابقة تكافؤ آية نفي السبيل وأدلة الإرث ، وجعل التعارض بينهما في المجمع ـ وهو العبد المسلم الذي مات مولاه ـ موجبا

__________________

الوارث على بيعه كإجبار مورّثه.

وأمّا بناء على التعارض والتساقط ، فيمكن استصحاب رقّية هذا العبد أو عدم حرّيته إلى زهوق روح سيّده ، وعدم صيرورته حرّا ، فيشمله عموم «ما تركه الميت فلوارثه» بدون إشكال الإثبات ، إذ لا تضاف رقّية العبد إلى شخص حتى يقال : إنّ خروجه عن ملك سيّده حين موته قطعي ، ودخوله في ملك غيره مشكوك فيه. بل يقال : إنّ هذا العبد باق على رقّيّته ، واستصحاب رقيّته أو عدم حرّيته من استصحاب الشخص ، لا من استصحاب الكلّي. فلا يكون من استصحاب القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي. فموت السيّد من قبيل الشك في رافعية الموجود ، ولا شك في حجية الاستصحاب فيه.


بآية نفي السبيل (*) كان الميّت بالنسبة

______________________________________________________

لتساقطهما ، والرجوع إلى الأصل العملي. وكلامه هنا من نفي إرث الكافر للعبد المسلم تمسّكا بآية نفي السبيل ظاهر في عدم تساقط المتعارضين ، وإنّما يقدّم دليل نفي السبيل على دليل الإرث ، ومقتضى هذا التقديم عدم بقاء الموضوع للتمسك باستصحاب مملوكية العبد المسلم ، هذا.

ويمكن دفع المنافاة بوجهين :

أحدهما : أنّ قوله : «بعد تعارض دليل نفي السبيل وعموم أدلة الإرث» مبني على ما أفاده في أوّل المسألة من المناقشة في دلالة آية نفي السبيل على عدم جواز تمليك العبد المسلم للكافر ، حيث قال بعدها : «وحكومة الآية عليها ـ أي على عمومات صحة العقود ـ غير معلومة» فتكون الآية مكافئة دلالة لأدلة الإرث ، فيتساقطان.

كما أنّ قوله هنا : «إذا نفي إرث الكافر» مبني على الالتزام بتحكيم الآية على أدلة أسباب التملك من البيع وغيره ، ونتيجة هذه الحكومة تخصيص عمومات أدلة العقود.

ومن المعلوم عدم ملاحظة قوة الدلالة وضعفها بين الحاكم والمحكوم ، ولا يبقى وجه لما تقدم من صاحب الجواهر من قوة أدلة الإرث ، ولذا رجّح كلام الشهيدين.

ثانيهما : أنّ التعارض ناظر إلى لحاظ الآية من حيث هي مع الغضّ عن شهرة الاستدلال بها على اشتراط إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم عينا أو منفعة. كما أنّ كلامه هنا من نفي الإرث ناظر إلى شهرة تقدمها على غيرها.

والظاهر من قوله : «بل» هو الالتزام بتقديم الآية الشريفة على أدلة الإرث بالحكومة ، ويكون قوله قبله : «بعد تعارض دليل نفي السبيل» لمجرّد نفي ما ادّعاه بعض من تقديم أدلة الإرث على الآية.

__________________

(*) لا يخفى أنّ آية نفي السبيل لا تنفي الوارث بقول مطلق حتى يرثه الامام عليه‌السلام ، بل تنفي وراثة الكافر فقط ، فلو كان في بعض الطبقات مسلم لكان هو الوارث للعبد المسلم ، فلا يصدق حينئذ على الكافر الميّت : «أنّه ممّن لا وارث له ، حتى يرثه الامام عليه‌السلام.


إلى هذا المال (١) ممّن لا وارث (*) له ، فيرثه الإمام عليه‌السلام.

وبهذا التقرير (٢) يندفع (٣) ما يقال (١) : إنّ إرث الإمام مناف لعموم أدلّة ترتيب طبقات الإرث.

توضيح الاندفاع : أنّه إذا كان مقتضى نفى السبيل عدم إرث الكافر ، يتحقّق نفي الوارث الذي هو مورد إرث الإمام عليه‌السلام ، فإنّ (٤) الممنوع من الإرث كغير الوارث.

______________________________________________________

(١) وهو العبد المسلم الذي مات عنه مولاه الكافر.

(٢) وهو نفي وارثية الكافر للعبد المسلم بآية نفي السبيل وصيرورته كالعدم. وقد يستشكل في إرث الإمام عليه‌السلام بأنّه مناف لترتيب طبقات الإرث. حيث إنّ إرث الإمام عليه‌السلام متأخر عن موجبات الإرث من النسب والسبب والولاء ، فكل طبقة سابقه منها متقدمة على المتأخرة عنها ، ولا تكون وارثة مع وجود السابقة.

(٣) اندفاعه منوط بدلالة آية نفي السبيل على أنّ الميّت الّذي لا وارث له مسلم في جميع طبقات الوارث. وهذه الدلالة غير ظاهرة ، بل مدلولها عدم إرث وارث كافر له. فإن كان في طبقات الإرث مسلم ينتقل إليه العبد المسلم ، ولا ينتقل إلى الإمام عليه‌السلام ، فلا بدّ من تقييد إرثه عليه‌السلام بعدم مسلم في جميع الطبقات.

(٤) تعليل لقوله : «يتحقق نفي الوارث» وحاصله : أنّ نفي الوارث أعمّ من عدمه

__________________

(*) بناء على صدق عنوان تركة الميت على العبد ، وعنوان «التركة» لا يصدق عليه إلّا ببقائه على الرقّيّة ، وعدم خروجه عنها بالموت ، لعدم صدق «ما تركه الميت» حينئذ عليه ، لحريته. واستصحاب الرقية لا يثبت هذا العنوان.

نعم بناء على تركّب التركة ـ من الموت وبقاء المالية في مال الميت ـ لا مانع من استصحاب رقيته ، فيقال : إنّ هذا الموضوع المركّب يحرز أحد جزئية ـ وهو الموت ـ بالوجدان ، والآخر ـ وهو بقاء العبد على الرقية التي هي ماليته ـ بالأصل ، فلا يلزم إشكال المثبتية. وحينئذ إن كان في طبقات الوراث مسلم كان هو الوارث ، وإلّا فيرثه الامام عليه‌السلام.

__________________

(١) لم أعثر على القائل.


فالعمدة (١) في المسألة ظهور الاتّفاق المدّعى صريحا في جامع المقاصد.

ثمّ هل يلحق بالإرث كلّ ملك قهريّ (٢) ، أو لا يلحق ، أو يفرّق بين ما كان

______________________________________________________

ومن محجوبيّته شرعا ، فإذا كان للميّت ولد ، ولم يكن أحد من طبقات الإرث إلّا الإمام عليه‌السلام ، وكان الولد قاتلا لأبيه ، ورثه الإمام عليه‌السلام ، لأنّ حجب الولد عن الإرث ـ بسبب القتل ـ يكون كعدم الولد خارجا ، في وصول نوبة الإرث إلى الامام عليه‌السلام.

والحاصل : أنّ مقتضى هذا التقريب انتقال العبد المسلم في مفروض مسألتنا إليه عليه‌السلام. لكن قد مرّ آنفا لزوم تقييده بما إذا لم يكن في طبقات الإرث مسلم ، وإلّا كان هو الوارث.

(١) يعني : فالعمدة في دليل إرث الكافر العبد المسلم من كافر ظهور الاتفاق المدّعى صريحا في جامع المقاصد. قال المحقق الثاني قدس‌سره في أثناء شرح قول العلامة قدس‌سره : «إلّا أباه ومن ينعتق عليه» ما لفظه : «لأنّ الله تعالى نفى جعل السبيل للكافر على المسلمين فلو أراد به مطلق ما يترتب على الملك لامتنع إرث الكافر العبد المسلم من كافر آخر ، والتالي باطل اتفاقا» (١).

والمراد بالتالي امتناع إرث الكافر العبد المسلم من كافر آخر ، وقد اتّفق الفقهاء على بطلان التالي ، وعلى أنّ العبد المسلم ينتقل إرثا من كافر إلى كافر آخر.

(٢) بعد ما تقدم من اقتضاء الإجماع دخول العبد المسلم ـ قهرا بالإرث ـ في ملك الكافر ، يتجه البحث عن اختصاصه بالإرث وعدمه ، والوجوه المحتملة في المسألة ثلاثة.

الوجه الأوّل إلحاق كلّ ملك قهري بالإرث ، فيختص نفي السبيل بالأسباب الاختيارية من البيع والهبة ونحوهما ممّا تقدّم في المقام الأوّل.

الوجه الثاني : عدم إلحاق شي‌ء من الأسباب القهرية بالإرث ، فحكمها حكم الأسباب الاختيارية ، فيمنع من تملك الكافر للعبد الإسلام في ما عدا الإرث.

الوجه الثالث : التفصيل بين كون مقدمة الملك القهري اختياريّة ، وكان حصول الملك محتاجا إلى سبب قهري ، فلا يلحق ، وبين كونها غير اختيارية فيلحق بالإرث.

وقد ذكروا أمثلة لكل واحد من القسمين ، فمن أمثلة السبب الاختياري ، ما حكي عن الشيخ الفقيه الأعسم من : أنّه لو كان للكافر عبد وأمة كافران ، فزوّج أمته من

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٣.


سببه اختياريا (١) أو غيره (٢)؟ وجوه (٣) ، خيرها أوسطها (٤) ثمّ أخيرها (٥).

______________________________________________________

عبده ، وأسلما ، فيجبر مولاهما على بيعهما من مسلم ، ولكن حملت الأمة قبل بيعهما ، فإنّ الولد لكونه نماء لملكه يتملّكه المولى قهرا ، والمفروض أنّ مقدمة هذا التملك فعله الاختياري أعني به التزويج الذي هو أوّل مقدمة معدّة لدخول الولد في ملكه.

ومنها : ما لو أسلم عبد الكافر ، فباعه من مسلم ببيع خياري ، وفسخ المشتري ، فإنّ الفسخ فعل اختياريّ يترتب عليه تملك الكافر للعبد قهرا.

ومن أمثلة التملك القهري بالسبب غير الاختياري ما لو وطأ العبد المسلم أمة مولاه الكافر شبهة ، فحملت منه ، فإنّ الولد ملك قهري للمولى بسبب غير اختياري ، فإنّ الوطي وان كان فعلا اختياريا لكن تعنونه بكونه شبهة غير اختياري.

وكذا لو باع المولى الكافر عبده المسلم ، ومات قبل تسليمه للمشتري ، فإنّ التلف قبل القبض يوجب انفساخ العقد وعود المبيع إلى ملك بائعه آنا ما قبل التلف كما هو المشهور. وهذا التملك ملك جديد قهري لا بسبب اختياري ، لعدم كون البيع مقدمة للتلف الذي هو سبب رجوع الملك إلى البائع.

وكذا الحال لو كان في البيع المزبور خيار للمشتري ، فتلف العبد في زمان الخيار.

(١) كالمثالين المذكورين أوّلا بقولنا : «فمن أمثلة السبب الاختياري ..».

(٢) أي : غير الاختياري ، فيلحق بالإرث ما يكون سببه غير اختياري ، دون ما يكون سببه اختياريا.

(٣) مبتدء مؤخّر ، وخبره مقدر ، وهو : «فيه» أي : في الإلحاق وعدمه وجوه.

(٤) وهو عدم الإلحاق مطلقا ، سواء أكان سببه اختياريا أم غيره ، إذ لا وجه للإلحاق بعد كون الدليل في التملك بالإرث هو الإجماع الّذي لا بدّ من الاقتصار على مورده ، وهو الإرث.

فدليل نفي السبيل كما يكون مقدّما على دليل التملك الاختياري ببيع وشبهه ، فكذا يتقدم على أدلة الملك القهري. ويختص الإجماع بالتملك القهري بالإرث.

(٥) وهو التفصيل بين كون سببه اختياريّا وغيره ، بالإلحاق في الثاني دون الأوّل ، بدعوى أنّ السبب غير الاختياري ـ كما في مثل تلف المبيع قبل القبض ـ يكون بحكم


ثمّ (١) إنّه لا خلاف ولا إشكال في أنّه لا يقرّ المسلم على ملك الكافر (٢) ، بل يجب بيعه عليه (٣) ، لقوله عليه‌السلام في عبد كافر أسلم : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا إليه ثمنه ولا تقرّوه عنده» (٤).

ومنه (٥) يعلم أنّه لو لم يبعه (*).

______________________________________________________

الإرث ، لعدم استناد التملك الحادث إلى فعل الكافر ، وهذا بخلاف السبب الاختياري.

(١) هذا ناظر إلى حكم ما تقدم في (ص ٣٤٦) بقوله : «أما التملك القهري فيجوز ابتداء .. كما لو ورثه الكافر من كافر ..» وغرضه أنّ التملك القهري الابتدائي لا يقتضي بقاء العبد على ملك مولاه الكافر ، بل يجب إزالة ملكه ، وذلك لدليلين : الأوّل نفي الخلاف ، والثاني المرفوعة المروية عن أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين.

(٢) لأنّ ملكه المستقرّ سبيل له على المسلم ، وهو منفيّ.

(٣) الظرف متعلق ب «يجب» والضمير راجع إلى الكافر ، يعني : أنّ المخاطب ببيع العبد المسلم اثنان ، ففي المرتبة الأولى يجب على المولى الكافر. فإن باع فهو ، وإن أبى وجب على الحاكم الذي هو وليّ الممتنع.

وهذا الترتيب يستفاد من قوله : «ومنه يعلم أنّه لو لم يبعه باعه الحاكم» لظهوره في إناطة ولاية الحاكم ـ على البيع ـ بامتناع نفس المولى الكافر عن البيع. وقال في التذكرة في ما لو أسلم العبد دون مولاه : «أمره الحاكم بإزالة الملك عنه ..» ثم قال : «لو امتنع الكافر من إزالة الملك حيث يؤمر باعه الحاكم بثمن المثل» (١).

(٤) هذا الضمير وضمير «إليه» راجعان إلى «كافر».

(٥) أي : ومن قول الإمام عليه‌السلام : «اذهبوا فبيعوه» فإن أمر المسلمين ببيعه ظاهر في توجّه الخطاب إلى عامّة المسلمين ، وأنّ بيعه واجب عليهم ، ولا يرضى الشارع بإهماله. وفي مثل هذه الواجبات لا بدّ من تصدّي الحاكم لها ، لأنّه القدر المتيقن.

__________________

(*) قد يستشكل في جواز تصدّي المولى الكافر لبيع عبده المسلم من المسلمين

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٢٢ و ٢٣.


باعه الحاكم (١). ويحتمل (٢) أن يكون ولاية البيع للحاكم مطلقا (٣) ، لكون (٤) المالك

______________________________________________________

(١) لولايته في الأمور العامّة التي لا يرضى الشارع بإهمالها وتعطيلها.

(٢) هذا الاحتمال في قبال تأخّر ولاية الحاكم عن ولاية نفس الكافر ، حيث قال : «ومنه يعلم أنه لو لم يبعه باعه الحاكم» ومنشأ هذا الاحتمال وجهان :

أحدهما : أنّ بيعه استيلاء على المسلم ، وسبيل له عليه ، وذلك منفي بالآية المباركة.

وثانيهما : كون المأمور ببيعه ـ في الحديث المذكور ـ المسلمين ، لا مولاه الكافر ، فلا ولاية له على بيعه. هذا.

لكن كلا الوجهين ممنوع ، لما ذكر في التعليقة ، فلاحظ.

(٣) يعني : من غير فرق بين امتناع الكافر عن بيع عبده المسلم وعدم امتناعه عنه ، فإنّ للحاكم الشرعي ولاية على البيع مطلقا ، وهذا الاحتمال هو الأظهر.

(٤) هذا تعليل لإطلاق ولاية الحاكم على البيع في كلتا صورتي امتناع الكافر عن البيع وعدمه ، وحاصله : أنّ المالك الكافر لا سلطنة له على هذا المال وهو العبد المسلم ، لأنّها سبيل منفي بالآية المباركة. وتملكه للمسلم إنّما هو لأجل النص والفتوى.

ويمكن تأييد إطلاق ولاية الحاكم بإطلاق الأمر ببيعه في الحديث المزبور ، حيث إنّ إطلاقه يشمل صورتي امتناع الكافر عن البيع وعدمه. وهذا الإطلاق يكشف عن

__________________

بما حاصله : أنّ سلطنة مالكه على بيعه سبيل وسلطنة للكافر على المسلم ، وذلك منفي شرعا ، ولذا خوطب المسلمون ببيعه ، هذا.

لكنه مندفع بأنّ السبيل المنفي هو السلطنة على المؤمن والاستيلاء عليه ، ومن المعلوم أن بيع السيد عبده من المسلمين إزالة للملك ورفع لسلطنته عليه. وهذا ضدّ السبيل.

وأمّا أمر المسلمين ببيعه على مولاه الكافر ، فلأنّه لعدم اعتقاده بوجوب إخراجه عن ملكه في شرع الإسلام لا يبيع عبده ، هذا.

لكن الأظهر أنّ ولاية البيع للحاكم ، لظهور قوله : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين» في عدم ولاية المالك الكافر على البيع كما تقدمت الإشارة إليه في التوضيح آنفا ، وثبوت الولاية لغيره.


غير قابل للسلطنة على هذا المال ، غاية الأمر أنّه دلّ النص (١) والفتوى (٢) على تملّكه له (٣) ، ولذا (٤) ذكر فيها (٥)

______________________________________________________

عدم قابلية الكافر للبيع.

(١) وهو قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المذكور : «فبيعوه» حيث إنّ البيع منوط بالملك.

(٢) هي فتوى فقهائنا الإماميّة (شكر الله مساعيهم الجميلة) بمالكية الكافر للعبد المسلم بالملك القهري كالإرث.

(٣) أي : للعبد المسلم ، وضمير «تملكه» راجع إلى الكافر.

(٤) هذا تعليل لعدم قابلية الكافر للاستيلاء والعلوّ على العبد المسلم. توضيحه : أنّه لأجل عدم قابلية الكافر للسلطنة على المسلم لم يذكر الفقهاء «رضوان الله عليهم» مباشرة الكافر لبيع العبد المسلم ، بل ذكروا في فتاواهم «أنّه يباع عليه قهرا» وهذه الفتوى كقوله عليه‌السلام : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين» ـ ولم يقل : «ألزموه بالبيع» ـ تكشف عن عدم قابلية المالك لبيع عبده المسلم.

(٥) أي : في الفتوى ، ومقصوده مطابقة فتوى الأصحاب هنا لما ورد في النصّ من إلزام الكافر بإزالة الملك. والظاهر أنّه نقل بالمعنى ، إذ الموجود في الفتاوى «اجبر على بيعه من مسلم» كما في الشرائع (١).

أو «طولب ببيعه» كما في القواعد (٢) ، أو «ولو امتنع الكافر من البيع حيث يؤمر ، باع الحاكم» (٣) كما في موضع آخر منه.

وفي الدروس «بيع عليه قهرا» (٤).

نعم نقل السيد العامليّ عن حواشي الشهيد : «أنه يباع» (٥). وتقدمت عبارة التذكرة من أنه بعد الأمر والامتناع «باعه الحاكم».

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٥٦.

(٢) قواعد الاحكام ، ج ٢ ، ص ١٧.

(٣) المصدر ، ص ١٨.

(٤) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٩.

(٥) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٠.


«أنّه (١) يباع عليه» بل (٢) صرّح فخر الدين رحمه‌الله في الإيضاح (١) بزوال ملك السيّد عنه (٣) ، ويبقى له حقّ استيفاء الثمن منه. وهو (٤) مخالف لظاهر النصّ والفتوى ، كما عرفت.

وكيف كان (٥) (*) فإذا تولّاه المالك

______________________________________________________

والمقصود أنّ فتاوى الأصحاب تدل على أمرين : أحدهما : بقاء العبد المسلم على ملك مولاه الكافر ، وثانيهما : بيعه عليه قهرا ، إمّا في خصوص مورد الامتناع ، أو مطلقا.

(١) أي : أن العبد يباع على الكافر.

(٢) يعني : بل زاد فخر المحققين قدس‌سره ـ على عدم قابلية الكافر لبيع عبده المسلم وانقطاع سلطنة البيع ـ زوال ملكه عن المسلم أيضا ، وأنّه لا يبقى له إلّا حقّ استيفاء ثمنه من المسلم الذي يشتريه.

وهذا نظير إرث الزوجة من قيمة الأبنية ، وحرمانها عن أعيانها.

والوجه في التعبير ب «بل» هو أنّ مقتضى كلام المشهور بقاء ملك الكافر وبيعه عليه. ولكن صريح كلام الفخر قدس‌سره زوال إضافة الملكية ، وانتقال الحق إلى البدل وهو الثمن ، ومن المعلوم أن سلطنة البيع حينئذ لا تكون إلّا للحاكم. قال قدس‌سره : «الأقوى عندي أن الكافر إذا أسلم يباع على سيده من مسلم ، لأنه قد زال ملك السيد عنه ..».

(٣) أي : عن العبد المسلم.

(٤) أي : زوال ملك السيد الكافر عن العبد المسلم مخالف للنص المتقدم من قول أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» : «فبيعوه» ومخالف للفتوى المتقدمة ، وهي فتوى علماء الإمامية : بأنّ الكافر يملك العبد المسلم بالملك القهري كالإرث ، وقد تقدّم كلّ من النص والفتوى آنفا.

(٥) يعني : سواء أقلنا بتملّك الكافر للعبد المسلم ، وقلنا بأنّه المخاطب أوّلا بالبيع ،

__________________

(*) هذا لا يخلو من شي‌ء ، وهو : أنّه بناء على عدم ولاية المالك الكافر على بيع عبده

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٤.


بنفسه (١) (*) ،

______________________________________________________

لا الحاكم ، أم قلنا بعدم تملكه له ـ كما اختاره فخر المحققين قدس‌سره من زوال ملكه عنه ـ فإذا تولّى المولى البيع فهل يثبت له حقّ إعادة العبد المسلم في ملكه بفسخ ذلك البيع أم لا؟ فالغرض من هذا الكلام إلى آخر المسألة تحقيق الجهة الخامسة ، وهي حكم الخيار في بيع العبد المسلم ، وقد ذكر المصنف قدس‌سره وجوها ـ وجملة منها أقوال ـ نشير إليها ، وسيأتي التفصيل في شرح العبارة.

الأوّل : أنّه لا يثبت شي‌ء من الخيارات ، سواء أكان ثابتا بجعل الشارع تعبدا كخيار المجلس ، أم بجعل المتبايعين كخيار الشرط. وسواء أكان مستند الخيار قاعدة نفي الضرر كخيار الغبن أم الأدلة الخاصة.

الثاني : الثبوت مطلقا.

الثالث : التفصيل المبتني على ما حكي عن بعض العامة من : أنّ الزائل العائد هل هو كالذي لم يزل ، فيثبت الخيار ، أم أنه كالذي لم يعد ، فلا يثبت؟

الرابع : التفصيل بين الخيار المستند إلى قاعدة نفي الضرر مع كون المتضرر هو المسلم المشتري للعبد ، فيثبت له الخيار ، وبين الخيارات الأصلية غير المستندة إلى قاعدة نفي الضرر ، أو استندت إليه ، ولكن كان المتضرر هو المولى الكافر ، فلا يثبت.

الخامس : التفصيل في ثبوت خيار العيب خاصّة بين القيمة دون العين. هذه وجوه المسألة ، وسيأتي تفصيل كلّ منها.

(١) لعل تقييد تولّي البيع بنفسه ـ مع أنّه لا خيار في هذا البيع للمشتري ولا للحاكم إذا كان هو المتصدّي للبيع ـ لأجل أنّ جعل الخيار للمولى الكافر سبيل فعليّ

__________________

المسلم ـ كما هو أحد الأمرين المشار إليهما بقوله : «وكيف كان ..» ـ يكون البيع فضوليّا وغير صحيح ، فليس موردا للخيار قطعا. إلّا أن يراد بيعه بإذن الحاكم. لكنه غير فرض ولاية المالك على بيع العبد كما لا يخفى.

فينبغي أن تكون العبارة بهذا النحو : «ثم إنّه بناء على ولاية الكافر على البيع إذا باع المولى الكافر عبده المسلم فالظاهر .. إلخ».

(*) لكن قد يورد عليه تارة بمنافاة هذا التقييد للتعليل الآتي بقوله : «لأنه إحداث ملك فينتفي بعموم نفي السبيل» لظهوره في أنّ المنفي شرعا هو المسبب أعني به تملك


فالظاهر (١) أنه لا خيار له ولا عليه ، وفاقا للمحكيّ

______________________________________________________

العبد المسلم حتى إذا لم يؤل إلى الفسخ وإعادة العبد في ملكه ، والمفروض نفي السبيل بقول مطلق.

ولا فرق في عدم ثبوت الخيار بين كون الخيار متعلقا بالعقد ، ويلزمه حينئذ جواز استرداد العين ، أم كان متعلقة العين ، أي : حق استرداد العين وانتزاعها ابتداء ، وانفساخ العقد قهرا.

(١) جواب «فإذا تولّاه» وهذا إشارة إلى الوجه الأوّل ، وهو نفي مطلق الخيارات في بيع العبد المسلم ، فلا يستحق البائع ولا المشتري فسخ هذا البيع ، ليعود العبد في ملك مولاه الكافر.

__________________

الكافر للمسلم ، سواء أكان بسبب إعمال الخيار أم بغيره. ومن المعلوم ترتب هذا اللازم على ما إذا كان الخيار للمشتري أو للحاكم إن كان هو البائع ، ضرورة عود العبد إلى ملك الكافر لو فسخ كلّ منهما. مع أنّ السلطنة على الفسخ أو الاسترداد للمسلم لا للكافر.

وعليه فلا وجه لتقييد منع الخيار بما إذا كان المتولّي هو الكافر (١).

وأخرى بأنّ الخيار بنفسه ليس سبيلا ، ولا هو مستلزم للسبيل ، فلا يعارض دليله دليله ، لعدم استلزام الخيار استرداد العوضين ، وإنّما هو حلّ العقد ابتداء ، فإن صادف هذا الحل حال قيام العوضين مع عدم المانع من استردادهما استردّا ، وإن صادف تعذره بالتلف ، أو حصل المانع الشرعي منه انتقل الحق إلى القيمة. والمقام من هذا القبيل ، لأنّ دليل نفي السبيل يمنع عن قابلية عين العبد المسلم للرجوع إلى ملك الكافر ، ولا يمنع استرداد قيمته ، فيأخذها جمعا بين الدليلين (٢).

إلّا أن يقال بما في تقرير شيخ مشايخنا الميرزا النائيني قدس‌سره من عدم ثبوت الخيار هنا من جهة امتناع رجوع العين إلى الكافر ، سواء قلنا بتعلّق الخيار بالعقد ابتداء أم باسترداد

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني ، ج ١ ، ص ٢٣٦.

(٢) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني ، ج ١ ، ص ١٦٤.


عن الحواشي (١) في خيار المجلس والشرط ، لأنّه (٢) إحداث ملك فينتفي (٣) بعموم (٤) [لعموم] نفي السبيل ، لتقديمه على أدلّة الخيار ، كما يقدّم على أدلّة البيع.

______________________________________________________

والوجه فيه : أنّ المولى الكافر لا ولاية له على البيع ، وإنّما يباع العبد عليه قهرا كما قيل. وعلى فرض ولايته عليه تختصّ ولايته بإخراج العبد من ملكه إخراجا قطعيا لا يبقى معه علاقة وتزلزل ، ومن المعلوم أنّ ثبوت الخيار في هذا البيع يوجب تزلزل العقد ، فيعود سبيل الكافر على المسلم ، وهو منفي حسب الفرض.

(١) قال السيد العاملي قدس‌سره : «وفي حواشي الشهيد : أنّه يباع ، ولا يثبت له خيار المجلس والشرط» (١).

(٢) تعليل لعدم خيار الكافر إذا باشر البيع بنفسه ، وحاصله : أنّ جعل الخيار للكافر ليتمكّن من الفسخ يوجب جواز رجوع الملك إليه ، وهو إيجاد ملك جديد له ، والمفروض انتفاء هذه الملكية الجديدة بعموم نفي السبيل ، حيث إنّه عامّ يشمل الملكية مطلقا من المستقرّة والمستحدثة.

(٣) أي : إحداث الملك ، وضميرا «لتقدمه» والمستتر في «يقدّم» راجعان إلى نفي السبيل.

(٤) تعليل لانتفاء الملك ، وحاصله : أنّ عموم نفي السبيل مقدّم حكومة على أدلة الخيار ، كما يقدّم على أدلة البيع. فكما لا يجوز تمليك العبد المسلم للكافر بالبيع ، فكذا لا يجوز تمليكه إيّاه بفسخ البيع.

__________________

العين. وذلك لأنّ مورد الرجوع إلى البدل هو إمكان استرداد العين بالفسخ أوّلا حتى ينتهي الأمر ـ بعد تعذر تسليمه ـ إلى البدل ، والمفروض في المقام امتناع الرجوع إلى العين ، لما ورد من الأمر بالبيع وعدم إقراره في يد الكافر ، فلا موقع للرجوع إلى البدل ، هذا (٢).

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٠.

(٢) المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ٣٦٢.


ويمكن أن يبتني (١) على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد (٢) (*). فإن قلنا بالأوّل (٣) ثبت الخيار ، لأنّ (٤) فسخ العقد يجعل الملكيّة

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى وجه ثان في حكم الخيار ، أي : يبتني وجود الخيار وعدمه ـ للبائع الكافر أو المشتري ـ على : أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل أي كأنّه باق ولم ينعدم ، أو كالذي انعدم وتجدد ، ولم يعد ذلك الوجود السابق.

فعلى الأوّل يثبت الخيار ، لأنّ الملكية بعد الفسخ هي الملكية السابقة الممضاة شرعا ، والتي أمر المسلمون بإزالتها.

وعلى الثاني لا يثبت الخيار ، لأنّ الملكية المتجددة الحاصلة بالفسخ غير الملكية السابقة الممضاة شرعا ، والملكية المتجددة سبيل منفيّ بآية نفي السبيل.

ثم إن هذه القاعدة وما يتفرع عليها من فروع ـ كالفسخ بالخيار ـ نقلها الشهيد قدس‌سره في القواعد ، ولم يظهر منه ترجيح أحد الاحتمالين ، فقال : «طريان الرافع للشي‌ء هل هو مبطل له ، أو بيان لنهايته؟ .. وقد يعبّر عنها بأنّ الزائل العائد هل هو كالذي لم يزل؟ أو كالّذي لم يعد ، فإنّ القائل بأنها كالذي لم يزل يجعل العود بيانا لاستمرار الحكم الأوّل ، والقائل بأنّها كالذي لم يعد يقول برفع الحكم الأوّل بالزوال ، فلا يرجع حكمه بالعود» (١).

(٢) يعني : بل هو ملك متجدد غير الملك الأوّل.

(٣) وهو كون الزائل العائد كالذي لم يزل.

(٤) تعليل لثبوت الخيار ، وقد مرّ توضيحه بقولنا : «لأنّ الملكية بعد الفسخ هي الملكية .. إلخ».

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذه الجملة وإن كانت كلاما معجبا جميلا ، لكن لا عبرة بها ، لعدم كونها آية ولا رواية ولا معقد إجماع.

مضافا إلى : أنّها لا تنطبق على المقام ، لأنّ موردها هو ما إذا كان هناك زوال وعود ، حتى يصحّ أن يقال : إنّ هذا الذي زال وعاد هل هو كالّذي لم يزل أو كالذي لم يعد؟ كما إذا

__________________

(١) القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٢٦٨ ، القاعدة ٨٥.


السابقة كأن لم تزل ، وقد أمضاها الشارع وأمر بإزالتها ، بخلاف (١) ما لو كانت الملكيّة الحاصلة غير السابقة ، فإنّ الشارع لم يمضها (٢).

______________________________________________________

(١) يعني : بخلاف ما لو كانت الملكية المتجددة مغايرة للملكية السابقة ، فلا يثبت فيها الخيار ، حيث إنّ الشارع لم يمضها ، لأنّها سبيل منفي كما تقدم آنفا.

(٢) لكونها من السبيل المنفي شرعا.

__________________

باع زيد دكّانه مثلا من عمرو بشرط أن يكون له إلى سنة خيار فسخ هذا البيع ، ثم باع المشتري عمرو في مدة الخيار ـ قبل وقوع الفسخ من البائع ذي الخيار ـ ذلك الدّكان من بكر. فزال ملك الدّكان من عمرو المشتري ، حتى إذا فسخ زيد حينئذ بيع الدكان لم يكن له مطالبة عين الدكان من عمرو ، بل يستحق بدله. فإذا فرض عود الدكان إلى ملك عمرو بسبب ناقل فهل لزيد مطالبة عين الدكان من عمرو ، بدعوى : أنّ الزائل العائد كأنّه لم يزل؟ أم ليس له مطالبة العين ، لأنّ الزائل كأنّه لم يعد. ففي هذا المثال يوجد كلّ من الزوال والعود ، فيكون من موارد هذه الجملة ومصاديقها.

وأمّا مقامنا فليس كذلك ، لأنّه ليس فيه عود مسلم حتى يبحث في كونه كأن لم يزل ، أو كأن لم يعد حتى يكون كالمثال المذكور ، حيث إنّ ثبوت الخيار للبائع الكافر حتى يترتب على فسخ البيع بذلك الخيار عود المبيع وهو العبد المسلم إلى بائعه الكافر ـ حتى يقال : إنّ هذا العود هو الوجود السابق أو وجود حادث ـ غير مسلّم. بل قد تقدّم أنّ ولاية المالك الكافر على بيع عبده المسلم غير ثابتة ، بل عدمها ثابت.

فعلى هذا يكون المقام أجنبيا عن مفاد هذه الجملة : «الزائل العائد كالذي لم يزل .. إلخ».

والحق أنّ الخيارات لكلّ من البائع الكافر والحاكم ساقطة ، من غير فرق بين الخيارات المجعولة شرعا كخياري المجلس والحيوان ، والمجعولة بجعل المتعاقدين ، ومن غير فرق بين الخيارات الناشئة من قاعدة الضرر ، ومن تخلّف الشرط الضمني كخيار الغبن على الخلاف من كونه لأجل قاعدة الضرر ، أو تخلّف الشرط الضمني.

وذلك لحكومة قاعدة نفي السبيل على أدلة الخيار مطلقا ، وإباء نفي السبيل عن


.................................................................................................

______________________________________________________

التخصيص.

مضافا إلى أنّ المستفاد من قوله عليه‌السلام : «لا تقروه» هو النهي عن المسبّب أعني الملكية بقاء ، وبعد إلغاء خصوصية البقاء ـ التي هي مورد الحديث ـ يفهم العرف بأنّ المبغوض المنهي عنه هو نفس الملكية من غير فرق بين حدوثها وبقائها. والنهي الدال على الفساد يدلّ على فساد كلّ سبب يتسبب به إلى ذلك المسبّب ، سواء أكان بيعا أم صلحا أم فسخا أم غيرها.

والحاصل : أنّ كلّ ما يوجب ملكية العبد المسلم للكافر حدوثا وبقاء فاسد.

ولا يترتب عليه الملكية أصلا. وبذلك تسقط التفاصيل التي ذكروها من الخيارات الأصلية كخياري المجلس والحيوان ، والخيارات الناشئة من أدلة نفي الضرر ، بالسقوط في الأوّل ، لحكومة دليل نفي السبيل على أدلة الخيارات الأصلية ، والثبوت في الثاني ، بتوهم : تقدم دليل نفي الضرر لقوّته على دليل نفي السبيل.

وكذا يسقط التفصيل بين ضرر المشتري المسلم وبين ضرر البائع الكافر ، بثبوت الخيار للأوّل ، لقاعدة الضرر ، وعدم ثبوته في الثاني أي الكافر ، لأنّه لكفره بسوء اختياره أقدم على ضرره ، فلا تشمله قاعدة الضرر.

وجه سقوط هذا التفصيل : عدم جريان قاعدة نفي الضرر في كليهما ، لحكومة نفي السبيل على قاعدة الضرر بعد وضوح عدم تخصيص نفي السبيل بها ، لإبائها عن التخصيص ، هذا.

وأمّا ما ذكروه من خروج الإقدام عن قاعدة الضرر ، وعدم شمولها لمورد الإقدام الحاصل باختيار الكفر ، ففيه : أنّ الخارج عن قاعدة الضرر إنّما هو الاقدام على نفس الضرر ، كالإقدام على المعاملات الغبنية مع العلم بالغبن. وأمّا الإقدام على شي‌ء يترتب عليه الضرر أحيانا وقد لا يترتب ـ كالإقدام على الكفر فيما نحن فيه ـ فهو أجنبي عن قاعدة الإقدام.

فالمتحصل : أنّ جميع الخيارات ساقطة ، ولا يترتب شي‌ء منها على بيع العبد المسلم من المسلم ، سواء أكان المباشر للبيع نفس المولى الكافر أم حاكم الشرع.


لكن هذا المبني (١) ليس بشي‌ء ، لوجوب (٢) الاقتصار [١] في تخصيص نفي السبيل على المتيقّن (٣).

نعم (٤) يحكم بالأرش (٥) لو كان العبد

______________________________________________________

(١) أي : جملة «الزائل العائد .. إلخ» ليس بشي‌ء.

(٢) تعليل لعدم صحة جملة «الزائل العائد .. إلخ» ومحصّله : أنّ عموم نفي السبيل يشمل الملكية مطلقا ، حتى الملكية التي لا تزول ، وهذا العموم ليس قابلا للتخصيص. والمتيقّن من تخصيصه هو ثبوت الملكية القهرية الابتدائية للكافر كالإرث.

وبالجملة : فالملكية الزائلة العائدة مشمولة لعموم نفي السبيل ، ولا مخرج لها منه ، لعدم دليل على اعتبار هذه الجملة حتى يخرج بها عن عموم دليل نفي السبيل.

وبهذا ظهر أنّ نظر المصنف هو منع الكبرى التي هي مبنى التفصيل ، لا منع صغروية المقام ـ وهو الفسخ بالخيار ـ لها.

(٣) وهو ثبوت الملكية القهرية الابتدائية فقط للكافر كالإرث ، دون الملكية الحاصلة بالفسخ ، فإنّها مغايرة للملكية القهرية. فخروجها عن عموم آية نفي السبيل مشكوك ، فالعموم يشملها.

(٤) بعد منع الخيار المجوّز للرّد ، استدرك عليه بأنّه في خصوص خيار العيب الموجب للرّد أو الأرش يحكم بالأرش ، لتعذر الرد ، كسائر الواجبات التخييرية التي تعذّر أحد عدليها. كما إذا باع الكافر عبده المسلم بثوب ، وكان أحد العوضين معيبا حال العقد ، فإن كان المعيب هو العبد جاز للمشتري المسلم مطالبة الأرش من الكافر. وإن كان المعيب هو الثوب جاز للكافر أخذ الأرش من المشتري.

وعلى كلّ فالبيع من حيث حقّ الرد والفسخ لازم ، لا سلطنة لأحدهما على حلّه. بل يثبت ما يختص بخيار العيب وهو الأرش.

(٥) هو جزء من الثمن ـ لو كان العيب في المبيع ـ يكون نسبته إلى الثمن كنسبة

__________________

(١) لعلّ الأولى التعليل بعدم اعتباره أوّلا ، وعدم انطباقه على المقام ثانيا ، لعدم العلم بالموضوع وهو الزوال والعود كما أوضحناه في التعليقة ، فلاحظ.


أو ثمنه (١) معيبا.

ويشكل (٢) في الخيارات الناشئة عن الضرر ،

______________________________________________________

التفاوت بين الصحيح والمعيب ، كما إذا فرض أنّه اشترى المبيع بخمسة دنانير ، وكانت قيمته السوقية صحيحا عشرة دنانير ، وقيمته كذلك معيبا ثمانية دنانير ، فالتفاوت بين الصحيح والمعيب اثنان ، وهما خمس العشرة ، فيؤخذ خمس الثمن ، وهو الواحد من الخمسة.

هذا كله في الوجه الأوّل ، وهو نفي الخيار بقول مطلق ، إلّا خيار العيب بالنسبة إلى الأرش. كما تقدّم التفصيل المبتني على قاعدة «الزائل العائد» ، وسيأتي الكلام في تفصيل آخر.

(١) المراد به الثمن المعيّن ، لا ما هو فرد من الثمن الكلّي ، إذ في الثمن الكلّي لا بدّ من تسليم الثمن الصحيح ، ولا مورد للخيار.

(٢) يعني : ويشكل الحكم ـ بعدم ثبوت شي‌ء من الخيارات ـ في الخيارات الناشئة من الضرر.

وهذا إشارة إلى التفصيل بين الخيارات بلحاظ أدلّتها ، فيقال : بعدم ثبوت الخيار المستفاد من دليل خاص ، كخيار المجلس والحيوان والشرط ، وبثبوت الخيار المستند إلى قاعدة نفي الضرر بشرط كون المتضرر هو المسلم.

أمّا عدم ثبوته في القسم الأوّل فلأنّ دليل خيار المجلس ـ مثلا ـ لا يقاوم ما دلّ على نفي السبيل ، ويكون محكوما به ، ونتيجة هذه الحكومة اختصاص خيار المجلس بما إذا لم يكن المبيع عبدا مسلما باعه مولاه الكافر ، فكأنّه قيل : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا إلّا إذا باع الكافر عبده المسلم من مسلم ، فإنّه لا خيار للمتبايعين» إذ لو كان لأحدهما الخيار لزم جواز تملك الكافر للعبد المسلم ، وهو سبيل منفيّ شرعا.

وأمّا ثبوت الخيار في القسم الثاني كخيار الغبن ، فلأنّ قاعدة نفي الضرر وإن تعارضت مع قاعدة نفي السبيل ، في ما لو تضرّر أحد المتبايعين في بيع العبد المسلم ـ لاقتضاء قاعدة نفي السبيل انتفاء الخيار ولزوم العقد ، واقتضاء قاعدة نفي الضرر التزلزل ـ الّا أنّ الترجيح لدليل نفي الضرر ، لقوة الدلالة وإن استفيدت من الشهرة العملية


من (١) جهة قوّة أدلّة نفي الضرر ، فلا يبعد (٢) الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرّر من لزوم البيع ، بخلاف ما لو تضرّر الكافر ، فإنّ هذا الضرر إنّما حصل من كفره (٣) الموجب لعدم قابليّته تملّك المسلم إلّا فيما خرج بالنص.

______________________________________________________

على ثبوت الخيار.

واللازم من تقديم قاعدة نفي الضرر وإن كان ثبوت الخيار لمن تضرّر ـ سواء أكان المتضرر هو الكافر كما إذا باع العبد بأقلّ من قيمته السوقية ، أم المشتري كما إذا اشتراه بأزيد من ثمن المثل ـ إلّا أنّ القاعدة مختصّة بعدم إقدام المتضرر على ضرر نفسه. وبما إنّ الكافر بسوء اختياره للكفر أقدم على الإضرار بنفسه لعلمه بعدم قابليته لتملك العبد المسلم ، فلم يكن هذا الضرر مستندا إلى الشارع حتى ينفى بالقاعدة ، إذ الضرر عنوان للحكم المجعول شرعا ، كلزوم العقد ، ولا يشمل ما استند إلى المقدم على إزالة ملكه عن العبد.

هذا توضيح نظر المصنف قدس‌سره في هذا التفصيل. وإن أمكن التأمل فيه كما تقدم في التعليقة ، ولا أقلّ من منع كون قاعدة نفي الضرر أقوى من قاعدة نفي السبيل ، وحاكمة عليها ، بعد اعترافه في أوّل المسألة بإبائها عن التخصيص ، مع أن لازم تقديم «لا ضرر» ثبوت حقّ الفسخ وإثبات السبيل مرّة أخرى للكافر ، هذا.

(١) متعلق ب «يشكل» وقوله : «من جهة قوّة أدلة .. إلخ» ناظر إلى حكومة القاعدة على نفي السبيل.

(٢) هذه نتيجة قوة أدلة الضرر ، فإنّ تقديم قاعدة الضرر على نفي السبيل يقتضي ثبوت الخيار للمسلم المتضرر من ناحية لزوم البيع. بخلاف تضرر الكافر ، فإنّ هذا الضرر إنّما حصل من اختياره الكفر الذي أوجب عدم قابليته لتملك المسلم إلّا فيما خرج بالنص ، وهو ما تقدم من قول مولانا أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ، ولا تقرّوه عنده».

(٣) يعني : أنّ الضرر نشأ بسوء اختياره الكفر الذي أوجب عدم قابليته لتملك المسلم ، إلّا فيما خرج بالنص المتقدم آنفا ، ولم ينشأ الضرر بجعل الشارع.


ويظهر ممّا ذكرنا (١) حكم الرجوع في العقد الجائز ، كالهبة.

وخالف في ذلك (٢) كلّه جامع المقاصد ، فحكم بثبوت الخيار والردّ بالعيب تبعا للدروس (٣) ، قال (٤) «لأنّ العقد لا يخرج

______________________________________________________

(١) أي : يظهر من عدم الخيار ـ للكافر وللمشتري ـ حكم الرجوع في العقد الجائز ، وهو عدم جواز الرجوع. فإذا وهب الكافر عبده المسلم لمسلم ، ثم رجع عن الهبة. لم يصحّ له الرجوع ، لا لعدم قابلية الهبة للرجوع ، بل لعدم قابلية الكافر لأن يرجع العبد المسلم إلى ملكه.

(٢) أي : في عدم الخيار للكافر والمشتري ، وفي عدم جواز رجوع الكافر إلى عبده المسلم إذا وهبه لمسلم هبة جائزة.

وهذا في قبال ما تقدّم أوّلا من المصنف من سقوط جميع الخيارات ، سواء أكان الخيار أصليّا كخياري المجلس والحيوان ، أم جعليّا بجعل المتعاقدين كخيار الشرط ، وسواء نشأ من دليل نفي الضرر ، أم من تخلّف الشرط الضمني.

وفي قبال ما تقدم من التفصيلين.

فالغرض هنا التعرض لقولين آخرين :

أحدهما : مختار الشهيد والمحقق الثاني قدس‌سرهما من جريان كافة الخيارات ، وجواز الرجوع في الهبة.

وثانيهما : سقوط الخيارات بالنسبة إلى العين ، فلا يجوز للكافر استرداد العبد المسلم بالفسخ في العقد اللازم ، وبالرجوع في العقد الجائز ، وبقاء حقه الفسخ في القيمة ، كما سيظهر.

(٣) قال الشهيد قدس‌سره : «ولو أسلم عبد الكافر بيع عليه قهرا بثمن المثل .. ويجري فيه أحكام العقد من الخيار والرّد بالعيب فيه أو في ثمنه المعيّن ، فيقهر على بيعه ثانيا» (١).

(٤) أي : قال المحقق الثاني في جامع المقاصد ، ومحصل ما أفاده من التعليل لثبوت الخيار : أنّ العقد لا يخرج عن مقتضاه ، وهو جواز الرد بالعيب ، ولا نرفع اليد عن هذا

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٩.


عن مقتضاه [١] بكون (١) المبيع عبدا مسلما لكافر ، لانتفاء (٢) المقتضي ، لأنّ (٣)

______________________________________________________

المقتضي لأجل كون المبيع عبدا مسلما لكافر ، فلا بأس بأن يردّ المشتري العبد المسلم المبيع المعيب إلى بائعه الكافر. لا أن يأخذ الأرش منه بإزاء العيب والنقيصة.

(١) الباء للسببية ، يعني : لا يخرج عن مقتضى العقد بسبب كون المبيع عبدا مسلما لكافر.

(٢) تعليل لعدم خروج العقد عن مقتضاه ، يعني : لا مقتضي للخروج عن مقتضى العقد ، وهو الخيار الموجب لجواز الرد.

(٣) تعليل لانتفاء المقتضي ، ومحصله : أنّ نفي السبيل لو كان مقتضيا لخروج العقد عن مقتضاه ـ وهو جواز الردّ بالعيب ، ورجوع المبيع إلى بائعه ـ لكان مقتضيا لخروج العبد عن ملك الكافر أيضا ، لعدم التفاوت بينهما مع وجود السبيل في كليهما. ومن المعلوم بطلان التالي ، وهو خروج العبد عن ملك الكافر ، فإنّ بيع العبد عليه ـ ودفع ثمنه إليه كما هو مقتضى النص ـ دليل على بقاء ملكه.

وكذا الملزوم ـ وهو خروج العقد عن مقتضاه أعني به جواز الرد بالعيب ـ فإنّه

__________________

(١) لا يبعد أن يكون مراد صاحب جامع المقاصد عينية الملكية المترتبة على فسخ العقد مع الملكية السابقة على العقد ، حيث إنّ العرف يحكم بذلك بسبب الفسخ الّذي هو حلّ العقد ، وإن لم يحكم العقل بالعينية ، لاختلاف المشخّصات. والمفروض أنّ الملكية السابقة الإرثية لم تكن مشمولة لآية نفي السّبيل. فلا بدّ أن تكون الملكية الآتية من فسخ العقد أيضا كذلك ، لأنّها عينها عرفا. فإذا لم تكن منفيّة بآية نفي السبيل لم يكن مانع من ترتب مقتضى العقد عليها ، لفرض عينية الملكية الفسخية مع الملكية الإرثية. فترتب الخيار حينئذ ليس لاقتضاء العقد له اقتضاء عقليّا غير منفكّ عنه ، ولا لأقوائيّة دليله من آية نفي السبيل ، هذا.

لكن العينية العرفية غير كافية بعد كون الموضوع الملك الإرثي ، وهذا العنوان لا يصدق على الملك المترتب على الفسخ ، لأنّه ملك جديد لم ينتقل إليه بالإرث ، فيشمله عموم آية نفي السبيل.


نفي السبيل لو اقتضى ذلك (١) لاقتضى خروجه عن ملكه (٢).

فعلى هذا (٣) لو كان البيع معاطاة فهي على حكمها (٤).

ولو أخرجه (٥) عن ملكه بالهبة جرت فيه أحكامها.

نعم (٦) لا يبعد أن يقال : للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس ، أو مطالبته (٧) بسبب ناقل يمنع الرجوع

______________________________________________________

باطل أيضا ، كبطلان خروج العبد عن ملك الكافر.

(١) أي : لو اقتضى رفع اليد عن مقتضى العقد لاقتضى .. إلخ ، وفي جامع المقاصد زيادة «بمجرّده».

(٢) كذا في النسخ ، وفي جامع المقاصد : «عن الملك بالإسلام».

(٣) يعني : فبناء على ثبوت الخيار ـ والرّد بالعيب ـ لو كان البيع واقعا بنحو المعاطاة لجرى فيه أحكام البيع المعاطاتي ، كجواز ترادّ العينين ما دامتا باقيتين ، لكونها عند المحقق الثاني قدس‌سره تفيد الملك الجائز (١) ، وتقدّم تفصيله في بحث المعاطاة ، فراجع.

(٤) أي : حكم المعاطاة كجواز التراد كما مرّ آنفا ، سواء قلنا بما هو المشهور عند القدماء من إفادتها للإباحة ، أم بما اختاره المحقق الثاني من الملك المتزلزل.

(٥) أي : ولو أخرج الكافر العبد المسلم عن ملكه بعنوان الهبة جرت عليه أحكام الهبة من عدم جواز الرجوع فيها إن كانت لذي رحم ، وجواز الرجوع إن كانت لغير ذي رحم.

وقوله : «ولو أخرجه» وكذا قوله : «لو كان البيع معاطاة» متفرعان على ما في جامع المقاصد من ثبوت الخيار في بيع العبد المسلم ، إذا تولّاه مولاه الكافر بنفسه.

(٦) هذا من كلام جامع المقاصد ، وهو استدارك على ما أفاده من ثبوت الخيار والرد للكافر. وحاصل الاستدراك : أنّ للحاكم الشرعي إسقاط حق الخيار للكافر في خيار المجلس.

(٧) معطوف على «إلزامه» يعني : للحاكم مطالبة الكافر بأن ينقل ثمن العبد إلى غيره بسبب ناقل لازم من النواقل الشرعية حتى لا يرجع المشتري بسبب خياره إلى الثمن ،

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٥٨.


إذا لم يلزم (١) منه تخسير للمال» انتهى (١).

وفيما ذكره (٢) نظر ، لأنّ (٣) نفى السبيل لا يخرج منه إلّا الملك الابتدائي (٤) ، وخروجه لا يستلزم خروج عود الملك إليه (٥) بالفسخ. واستلزام (٦) البيع للخيارات

______________________________________________________

فينفسخ البيع ، وتعود ملكية العبد إلى بائعه الكافر.

(١) يعني : إذا لم يلزم منه ـ أي : من كلّ واحد من إلزام الحاكم بإسقاط الخيار أو مطالبته ـ خسارة مالية على الكافر ، كما إذا كانت قيمة العبد مائة دينار ، وباعه بستين دينارا ، فإنّ إلزامه بإسقاط الخيار أو مطالبته بنقل الثمن يوجب الخسارة على الكافر ، فيقيّد الإلزام والمطالبة بعدم الخسارة.

(٢) يعني : وفيما ذكره المحقق الثاني قدس‌سره من أنّ العقد لا يخرج عن مقتضاه ـ وهو جواز الرد والفسخ بالخيار ـ نظر. وقد ناقش المصنف قدس‌سره في مواضع من كلام جامع المقاصد.

منها : قوله : «لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه .. الى قوله لاقتضى خروجه عن ملكه» تقريب المناقشة فيه : أنّ تخصيص عموم نفي السبيل بالملك الابتدائي القهري لا يلازم تخصيصه بالملك الحاصل للكافر بالفسخ ، حيث إنّ العام المخصّص حجة في الباقي. وعليه فعموم نفي السبيل ينفى ملكية العبد المسلم للكافر بسبب الفسخ ، لأنّه تخصيص زائد ينفيه العموم.

(٣) تعليل للنظر والمناقشة. وقد مرّ توضيحه آنفا بقولنا : «تقريب المناقشة فيه».

(٤) القهري كالإرث ، وضمير «وخروجه» راجع الى الملك الابتدائي.

(٥) أي : إلى الكافر ، وحاصله : أنّ خروج الملك الابتدائي القهريّ كالإرث عن عموم نفي السبيل لا يستلزم خروج عود ملك العبد المسلم إلى الكافر عنه بسبب الفسخ ، لكونه تخصيصا زائدا.

(٦) هذا إشارة إلى المناقشة في موضع آخر من كلام المحقق الثاني ، وهو قوله : «ان العقد لا يخرج عن مقتضاه وهو الخيار حتى إذا كان المبيع عبدا مسلما والبائع كافرا ، فإنّ

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٥.


ليس عقليّا ، بل تابع لدليله الذي هو أضعف من دليل صحّة العقد (١) الذي خصّ بنفي السبيل. فهذا (٢) [فهذه] أولى بالتخصيص به.

مع (٣) أنّه على تقدير المقاومة يرجع إلى أصالة الملك ، وعدم (٤) زواله بالفسخ والرجوع (٥) ، فتأمّل (٦).

______________________________________________________

الخيار ثابت له وعليه».

ومحصل المناقشة هو : أنّ اقتضاء العقد للخيار ليس عقليا حتى يكون الخيار لازما غير مفارق للعقد ، بل يكون الخيار بجعل الشارع وتابعا لدليله ، ومن المعلوم أنّ دليل الخيار أضعف من دليل صحة نفس العقد الذي خصّص بدليل نفي السبيل. فتخصيص دليل الخيار بآية نفي السبيل لضعفه أولى بالتخصيص بالآية من دليل الصحة.

(١) كأوفوا بالعقود ، وأحل الله البيع ، وتجارة عن تراض ، وغيرها.

(٢) يعني : فدليل الخيار أولى بالتخصيص ـ بنفي السبيل ـ من دليل صحة أصل البيع.

فالنتيجة : أنّه لا تعارض بين دليل نفي الخيار ودليل نفي السبيل ، بل دليل نفي السبيل حاكم عليه ، فلا تخرج الملكية المستحدثة بالخيار من عموم نفي السبيل ، وإنّما الخارج منه خصوص الملك القهري الابتدائي كالإرث.

(٣) غرضه منع الخيار رأسا للكافر ـ وإن لم نقل بتقديم آية نفي السبيل على دليل الخيار ، وسلّمنا المعارضة بين دليلي الخيار ونفي السبيل وتساقطهما ـ حيث إنّه بناء على التساقط لا وجه للخيار ، بل المرجع حينئذ الأصل العملي ، وهو أصالة بقاء الملك على ملك المشتري ، وعدم زواله بفسخ الكافر ورجوعه.

ولا يرجع إلى أصالة الفساد ، لأنّ الشك ليس في الصحة والفساد ، بل في انفساخ العقد الصحيح وزواله. فالمرجع استصحاب بقاء العقد وأثره وهو الملك.

(٤) معطوف على «الملك» أي : يرجع إلى أصالة عدم زوال الملك بالفسخ والرجوع.

(٥) معطوف على الفسخ.

(٦) لعلّه إشارة إلى : أنّ تسليم المعارضة ـ والغضّ عن حكومة نفي السبيل على دليل صحة البيع ـ يقتضي الرجوع إلى أصالة الفساد ، لأنّ الشك حينئذ في أصل صحة عقد البيع ، لا في بقائه حتى يستصحب ملكية العبد المسلم لمشتريه المسلم.

وبالجملة : فلا يرجع حينئذ إلى أصالة بقاء ملك المشتري بعد فسخ البائع الكافر.


وأمّا (١) ما ذكره أخيرا بقوله : «لا يبعد» ففيه : أنّ إلزامه (٢) بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع (٣) [١] ، فيكون خروج المسلم من ملك الكافر إلى ملك المسلم بمنزلة (٤)

______________________________________________________

أو إشارة إلى : ما سيذكره من قوله : «إلا أن يقال : انّ مقتضى الجمع بين أدلة الخيار ونفي السبيل .. إلخ» وحاصله : أنّ الجمع بين دليلي نفي السبيل والخيار يقتضي ثبوت الخيار والحكم بالقيمة ، لأنّ نفي السبيل مانع شرعي من استرداد المثمن أعني به العبد.

أو إشارة إلى غير ما ذكر.

والحقّ جريان أصالة بقاء ملك المشتري ، وعدم تأثير فسخ البائع الكافر في انحلال العقد ، ورجوع ملك العبد المسلم إلى بائعه الكافر.

(١) هذا إشارة إلى المناقشة في موضع ثالث من كلام المحقق الثاني ، وهو قوله : «لا يبعد أن يقال للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس .. إلخ».

وحاصل مناقشة الشيخ قدس‌سره فيه هو : أنّ إلزام البائع الكافر بإسقاط الخيار ونحوه ليس بأولى من الحكم بنفي الخيار وعدم جواز الرجوع ، لتعذر الرجوع من جهة المانع ، وهو أن خروج العبد المسلم عن ملك الكافر إلى ملك المسلم من التصرف المانع من الفسخ.

(٢) أي : أنّ إلزام الحاكم للكافر بإسقاط الخيار أو بالمطالبة ليس بأولى .. إلخ.

(٣) أي : بعدم الخيار الموجب لجواز الفسخ والرجوع من أوّل الأمر حتى نحتاج إلى الاستدراك بإلزام الكافر بإسقاط نحو خيار المجلس.

ويمكن أن يقال بأولويته ، لكونه جمعا بين دليل نفي السبيل وأدلة الخيارات.

(٤) خبر قوله : «فيكون» والظرف في «من ملك ، إلى ملك» متعلق ب «خروج».

__________________

(١) ظاهره الإشارة إلى ما ذكره سابقا في (ص ٣٥٦) من قوله : «فإذا تولّاه المالك بنفسه فالظاهر أنّه لا خيار له ولا عليه». وهذه العبارة كالصريح في عدم جعل الخيار أصلا للبائع الكافر. فيفهم منها دفع الخيار بمعنى عدم تشريعه وعدم حدوثه. ولا يلائم هذا المعنى ما فرّعه عليه بقوله : «فيكون خروج المسلم» لأنّ هذا التفريع يناسب وجود الخيار ،


التصرّف (*) المانع من الفسخ والرجوع.

وممّا ذكرنا (١) يظهر أنّ ما ذكره في القواعد ـ من قوله : «ولو باعه من مسلم بثوب ، ثمّ وجد في الثوب [الثمن] عيبا جاز ردّ الثمن [الثوب]. وهل يستردّ (٢) العبد

______________________________________________________

(١) من قولنا في (ص ٣٥٦) : «فإذا تولّاه المالك بنفسه فالظاهر أنّه لا خيار له ولا عليه» مع تأييده بقوله في (ص ٣٧١) : «ففيه : أن إلزامه بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع ، فيكون خروج المسلم من ملك الكافر .. إلخ» وغرضه التعرض لآخر الأقوال والوجوه الموجودة في المسألة ، وهو تفصيل العلّامة قدس‌سره في القواعد.

ومحصله : أنّه لو باع الكافر العبد المسلم من مسلم بثوب ، ثمّ وجد في الثوب عيبا ، جاز للبائع ردّ الثوب. وهل يستردّ البائع الكافر نفس المبيع ـ وهو العبد المسلم ـ أم يستردّ بدله أعني القيمة؟ فيه نظر ، ينشأ من كون استرداد العبد تملكا للمسلم اختيارا ، فلا يجوز استرداده. ومن كون الرد بالعيب موضوعا على القهر كالإرث ، حيث إنّه من حكم الشارع ، وليس باختيار البائع ، فيجوز استرداد العبد بعينه.

(٢) يعني : وهل يسترد البائع الكافر العبد أم القيمة؟ فيه نظر.

__________________

ضرورة أنّ التصرف المانع من الفسخ مسقط للخيار ورافع له ، لا مانع من حدوثه. وقد تقدم أنّ المانع من حدوث الخيار للبائع الكافر قوله عليه‌السلام : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين».

مضافا إلى كون الخيار موجبا للسلطنة على حلّ العقد ، وهذه السلطنة منفيّة بآية نفي السبيل.

(*) لم يظهر مراده قدس‌سره من مانعية هذا الخروج للخيار ، وكونه بمنزلة التصرف المانع من الفسخ ، فإنّ الخروج من ملك الكافر إلى ملك المسلم موضوع الخيار ، فكيف يكون رافعا للخيار ، فإنّ الموضوع مقتض لحكمه وكالعلّة له ، ولا يعقل أن يكون مقتضى الشي‌ء رافعا له ، فلا بدّ أن يكون التصرف المانع عن الفسخ غير التصرف البيعي الذي هو موضوع للخيار. فتعليل عدم جواز الرجوع والفسخ بلزوم السبيل المنفيّ أولى.


أو القيمة؟ فيه نظر ينشأ من (١) كون الاسترداد تملّكا للمسلم اختيارا ، ومن (٢) كون الردّ بالعيب موضوعا على القهر كالإرث» انتهى (١) ـ محلّ (٣) تأمّل (٤).

إلّا (٥) أن يقال : إنّ مقتضى الجمع بين أدلّة الخيار ونفي السبيل ثبوت الخيار ، والحكم بالقيمة ، فيكون (*) نفي السبيل مانعا شرعيّا من استرداد المثمن (٦) ، كنقل المبيع (٧) في زمان الخيار ،

______________________________________________________

(١) هذا وجه عموم جواز استرداد العبد ، وقد تقدم آنفا توضيحه.

(٢) هذا وجه الجواز ، وقد مرّ بيانه.

(٣) خبر «ان» في قوله : «ان ما ذكره في القواعد».

(٤) وجه التأمل : أنّ جواز ردّ الثمن يدلّ على ثبوت الخيار للكافر ، وقد تقدم في (ص ٣٧١) عدم ثبوته له ، حيث قال : «انّ إلزامه بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع .. إلخ».

(٥) استثناء من عدم ثبوت الخيار للكافر ، وإثبات للخيار له ، ببيان : أنّ مقتضى الجمع بين أدلة الخيار ودليل نفي السبيل ثبوت الخيار للكافر ، لكن لا باسترداد شخص العبد ، بل بأخذ قيمته ، لأن نفي السبيل مانع شرعي من استرداد شخصه ، وموجب للحكم بأخذ قيمته.

(٦) وهو العبد المسلم ، حيث إنّ رجوعه إلى ملك الكافر البائع ـ بسبب الفسخ بالخيار ـ سبيل للكافر على المؤمن ، وهو منفي بالآية المباركة.

(٧) هذا تنظير لمانعية السبيل من استرداد نفس المبيع ، فإنّ نقل المثمن في زمان الخيار بأحد النواقل الشرعية مانع عن استرداد عين المبيع بالخيار ، بل لا بدّ من الأخذ

__________________

(*) لعلّ الأولى أن تكون العبارة هكذا : «والحكم بأخذ القيمة دون العين ، لكون نفي السبيل مانعا شرعيا من استرداد المثمن» و «ذلك لأنّ «الفاء» في «فيكون» طاهر في تفرع ما بعده على ما قبله ، مع وضوح أنّه ليس كذلك ، ضرورة أنّ الحكم بالقيمة دون استرداد عين المبيع مبنيّ على مانعية نفي السبيل من استرداد العين. فنفي السبيل علّة للحكم بالقيمة

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٨.


وكالتلف (١) الذي هو مانع عقليّ.

وهو (٢) حسن إن لم يحصل السبيل بمجرّد استحقاق الكافر للمسلم المنكشف (٣) باستحقاق بدله (*). ولذا (٤) حكموا بسقوط الخيار في من ينعتق على المشتري ،

______________________________________________________

ببدله من المثل أو القيمة. فإذا باع متاعه بشرط الخيار ، ونقل المشتري ـ الذي عليه الخيار ـ ذلك المتاع في زمن الخيار الى غيره ، وأخذ البائع بالخيار ، وفسخ ، لم يكن له مطالبة عين المبيع ، بل له البدل ، لأنّ نقل من عليه الخيار للمبيع مانع عن الرجوع إلى العين.

(١) هذا تنظير ثان لمانعية السبيل من استرداد عين المبيع ، فإنّ التلف السماوي يوجب الانتقال إلى البدل.

(٢) أي : الاستثناء المزبور ـ وهو قوله : «الا ان يقال ان مقتضى الجمع بين أدلة الخيار .. إلخ» ـ حسن إن لم يرد عليه إشكال نفي السبيل ، حيث إنّ استحقاق البدل كاشف عن استحقاق المبدل أي العبد ، وهو علوّ وسبيل للكافر على المسلم ، وذلك منفي بالآية.

(٣) نعت ل «استحقاق» يعني : المنكشف هذا الاستحقاق بسبب استحقاق بدل العبد ، وهو الثمن ـ أو الثوب ـ في مثال العلّامة رحمه‌الله في القواعد الذي مرّ آنفا.

(٤) أي : ولأجل كشف البدل عن استحقاق المبدل ـ وتفرّع استحقاق البدل عليه ـ حكم الفقهاء بسقوط خيار المجلس مطلقا حتى بالنسبة إلى البدل في من ينعتق على المشتري كالعمودين ، حيث إنّ الحكم بثبوت الخيار بالنسبة إلى البدل يستلزم استحقاقه للمبدل كما هو مقتضى الكشف والتفرع ، وذلك ينافي عدم ملكية العبد لمن ينعتق عليه إلّا للانعتاق.

__________________

لا معلول له ، ومتفرع عليه كما هو ظاهر الفاء.

(١) لا يخفى أنّه بناء على هذا الجمع لا يكشف استحقاق البدل عن استحقاق المبدل ، حيث إنّ دليل نفي السبيل ينفي استحقاق المبدل ، إذ هو مقتضى الجمع بينه وبين أدلة الخيار. ومع الدليل على نفي الاستحقاق كيف يكشف استحقاق البدل عن استحقاق المبدل. ومع الغضّ عن ذلك وتسليم كشف استحقاق البدل عن استحقاق المبدل لا ضير في هذا الاستحقاق ، لأنّه كنفس إضافة الملكية مجرّدة عن السلطنة في عدم كونها سبيلا منفيّا.

وبالجملة : فمجرد استحقاق المبدل لا يكون سبيلا.


فتأمّل (١).

______________________________________________________

وبالجملة : مقتضى الكشف والتفرع امتناع استحقاق البدل بدون استحقاق المبدل. قال المحقق الشوشتري قدس‌سره : «أسقط العلّامة في التذكرة والقواعد هذا الخيار ـ أي خيار المجلس ـ في شراء القريب. وتبعه الصيمري والمحقق الكركي والشهيد الثاني والأردبيلي. وظاهر المسالك : أنّه محل وفاق ..» (١).

(١) لعلّه إشارة إلى : أنّ دليل خيار المجلس قاصر عن شموله لهذا المورد ، حيث إنّه ظاهر في اعتبار بقاء الملكية إلى زمان اللزوم ، وهو زمان الافتراق ، والمفروض أنّه ليس كذلك ، ضرورة أنّه بمجرّد حصول الملكية بعقد البيع ينعتق العبد المبيع على المشتري ، فلا تبقى الملكية إلى زمان الافتراق حتى يحصل الخيار للبائع الكافر ، هذا.

أو إشارة إلى عدم صدق السبيل للكافر على المؤمن بمجرّد استحقاق المبدل ، المنكشف باستحقاق البدل ، فإنّ هذا الاستحقاق كنفس إضافة الملكية ـ المجردة عن السلطنة ـ في عدم السبيل.

أو إشارة إلى : أنّ سقوط الخيار بالنسبة إلى العين وثبوته بالنسبة إلى القيمة إنّما هو مقتضى الجمع بين أدلة الخيار والدليل الدالّ على أنّ الحرّ لا يعود رقّا ، فإنّ المعتق كالتالف. فعلى المشتري الذي انتقل إليه العبد أن يدفع قيمته يوم الانعتاق إلى البائع ، ويسترد الثمن منه.

ولعلّ أقرب هذه الوجوه المحتملة هو الوجه الأوّل ، لأنّه ظاهر نفس دليل خيار المجلس ، حيث إنّ جعل الافتراق سببا للزوم البيع يتوقف على بقاء الملكية الجائزة الخيارية إلى حصول الافتراق الذي هو سبب لزوم الملكية ، فلا بدّ من بقاء الملكية إلى زمان الافتراق في ثبوت الخيار.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٧٦ ولاحظ مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٥٤٨ ، جواهر الكلام ، ج ٢٣ ، ص ١٨ و ١٩.


مسألة :

المشهور عدم جواز نقل (١) المصحف إلى الكافر ،

______________________________________________________

حرمة نقل المصحف الى الكافر

(١) عنوان المسألة «عدم جواز تملك الكافر للمصحف الشريف بشي‌ء من النواقل الاختيارية من البيع وغيره ، والقهرية كالإرث» فلو ارتدّ المسلم وكان مالكا للمصحف خرج عن ملكه بمجرّد الارتداد. وهل يدخل في ملك الإمام عليه‌السلام أو المسلمين أم يصير مباحا كالمباحات الأصلية؟ كلّ من هذه الوجوه محتمل ثبوتا ، وإثبات بعضها منوط بدلالة الدليل عليه.

والحاصل : أنّ عنوان المسألة من النقل الاختياري ـ كما هو ظاهر المتن ـ أخص من العنوان المبحوث عنه في كلمات الأصحاب هذا.

ثم إنّ المصنف قدس‌سره تعرّض لهذه المسألة في خاتمة بحث الأجرة على الواجبات ، فإنّه قدس‌سره ذكر في الخاتمة مسألتين ، إحداهما : مسألة بيع المصحف ، والأخرى : مسألة جوائز السلطان. وقد اختار المصنف في المسألة الاولى عدم الجواز ، وقال في صدر المسألة : «صرّح جماعة كما عن النهاية والسرائر والتذكرة والدروس وجامع المقاصد بحرمة بيع المصحف».

والظاهر أنّ غرضه من تعرض هذه المسألة في الخاتمة هو بيان أن بيع المصحف هل هو كبيع مشاعر العبادة ـ كالمشعر وعرفات ومنى ـ في عدم قابليّته للبيع ونحوه من النواقل الشرعية؟ أم هو ممّا يقبل البيع في نفسه ، إلّا أن يكون هناك مانع كالكفر.

ولهذه الجهة ذكر هذه المسألة في مباحث شرائط المتعاقدين ، على أن يكون عدم جواز بيع المصحف مستندا إلى كفر من ينتقل إليه المصحف ، كاستناد عدم جواز نقل العبد


ذكره الشيخ (١) والمحقّق (٢) في الجهاد ، والعلّامة في كتبه (١) ، وجمهور من تأخّر عنه (٢).

______________________________________________________

المسلم إلى الكافر إلى كفره ، ولذا استدلّ على عدم جواز بيع المصحف من الكافر هنا بغير ما استدلّ به على عدم جواز بيعه في الخاتمة ، فلاحظ وتدبّر (*).

(١) عنونه العلّامة قدس‌سره في كتاب البيع ، وقال في جهاد التذكرة أيضا : «ونمنع المشرك من شراء المصاحف إعزازا للقرآن ، فإن اشترى لم يصح البيع» (٣). والتعليل بالإعزاز والإعظام جار في غير المسلم مطلقا سواء أكان مشركا أم كتابيّا.

(٢) أي : عن العلّامة ، كفخر المحققين في الإيضاح وشرح الإرشاد ، والشهيد في الدروس واللمعة ، والشهيد الثاني في المسالك والروضة ، والمحقق الكركي ، كما في مفتاح الكرامة ، فراجع (٤).

__________________

(*) ثم إنّ محصّل ما ينبغي أن يقال في بيع المصحف ـ المذكور في الخاتمة ـ هو حرمة بيع المصحف بمعنى النقوش ، وجواز بيع الورق بدون النقوش ، بحيث لا يكون كلامه تعالى جزءا ولا قيدا ، بأن يكون المبيع الورق والغلاف والحديد مجرّدة عن النقوش.

وهذا الكلام هو ما يستفاد من النصوص بلا تعارض بينها حتى يجمع بينها بحمل النصوص المانعة على الكراهة الذي هو جمع حكمي ، فإنّ نفس النصوص ظاهرة في جواز بيع ما عدا كلامه سبحانه وتعالى. وحرمة بيع نفس كلامه تعالى شأنه ، ولا تدلّ على جواز بيع ذلك أصلا.

واشتمال تلك النصوص على كتابة القرآن بترتيب خاص لا يدل على جواز تملك القرآن بتلك الكيفية. وتفصيل البحث في هذا المقام يطلب مما ذكره في الخاتمة.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٦٢.

(٢) الشرائع ، ج ١ ، ص ٣٣٤.

(٣) تذكرة الفقهاء ، ج ٩ ، ص ٣٨٩ وج ١٠ ، ص ٢٣ ، قواعد الاحكام ، ج ٢ ، ص ١٧ ، نهاية الاحكام ، ج ٢ ، ص ٤٥٦ ، إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٣٦٠.

(٤) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٦ ، ولاحظ الدروس ، ج ٣ ، ص ١٩٩ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٤٣ ، مسالك الافهام ، ج ٣ ، ص ٨٨ ، وص ١٦٦ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٣٣.


وعن الإسكافي (١) أنّه قال : «ولا اختار أن يرهن الكافر مصحفا ، و [أو] ما يجب على المسلم تعظيمه ، ولا (٢) صغيرا من الأطفال». انتهى (١) (*).

______________________________________________________

(١) حكاه عنه العلامة في المختلف ، وفيه «ولا ما يجب» بدل «وما يجب» والمؤدّى واحد.

(٢) هذا وقوله : «وما يجب» معطوفان على «مصحفا» والمراد بالأطفال أطفال العبيد المسلمين ، لا أطفال المسلمين الأحرار ، كما لا يخفى. ومقصود ابن الجنيد قدس‌سره بيان حرمة البيع بالفحوى ، إذ لو كان رهن المصحف وغيره ممّا يجب على المسلم تعظيمه حراما ، كان تملك الكافر غير جائز بالأولوية.

__________________

(*) لا يخفى أنّ في المسألة جهات من البحث.

الاولى : أنّ المراد بالنقل هل هو خصوص النقل الاختياري كالبيع كما هو ظاهر العنوان؟ أم أعم منه حتى غير الاختياري كالإرث.

الثانية : أنّ المراد بالمصحف هل هو خصوص الخطوط؟ أم ما بين الدّفتين.

الثالثة : أنّ المراد بحرمة النقل هل هي الحرمة التكليفية أم الوضعية أم كلتاهما؟

أما الجهة الأولى فالظاهر أنّها هي المقصودة من البيع الوارد في النصوص ، بقرينة ما في بعضها من قوله عليه‌السلام : «لا تشتر كلام الله» فإنّ قوله عليه‌السلام : «كلام الله» مشعر بالتعظيم ، والمناسب للتعظيم عدم نقل كلامه تعالى كنقل سائر الأمتعة. فدعوى كون موضوع الحكم مطلق النقل ، لا خصوص النقل البيعي ، قريبة جدّا. بل دعوى كون موضوع الحكم مطلق الانتقال ـ ولو غير الاختياري ـ ليست ببعيدة.

فالمراد التملك بالسبب الاختياري وغيره كما صرّح به في أنوار الفقاهة بقوله : «ولا فرق بين البيع وجميع النواقل معاوضية أو مجانية. ولو باع على الكافر كتابا وفيه آيات من القرآن بطل البيع أو تبعضت الصفقة ..» وقال أيضا : «ولو كفر المسلم زال حكم الملك عنه على الأظهر. ولا يجري عليه حكم العبد المسلم في قهر الكافر على بيعه ، لثبوت ملكه له» فراجع (٢).

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٤٢٢.

(٢) أنوار الفقاهة (مخطوط) ، مجلّد التجارة ، ص ٤٧.


واستدلّوا عليه (١) بوجوب (٢) احترام المصحف ، وفحوى (٣) المنع من بيع العبد

______________________________________________________

(١) أي : استدلّوا على عدم جواز نقل المصحف الشريف إلى الكافر بوجهين.

(٢) متعلق ب «استدلّوا» توضيح هذا الدليل : أنّ وجوب احترام المصحف الشريف يقتضي حرمة إهانته شرعا ، وقبحها عقلا. وحرمة الإهانة توجب فساد البيع ، والمفروض أن بيع المصحف من الكافر إهانة منهيّ عنها ، إمّا لكون الإهانة والاحترام من الضدّين اللذين لا ثالث لهما. وإمّا لكون الإهانة نقيضا للاحترام ، فيبطل البيع.

ثم إنّ هذا الوجه ورد الاستدلال به في كلام شيخ الطائفة وجلّ من تأخر عنه كالمحقق والعلامة وفخر المحققين وغيرهم (١).

(٣) معطوف على «وجوب» وهذا دليل ثان على حرمة نقل المصحف إلى الكافر ، تمسك به في أنوار الفقاهة بقوله : «لفحوى ما تقدم من الأدلة ان لم تكن هي القرآن أولى» (٢).

__________________

وأمّا الجهة الثانية فالمراد بها هي الخطوط كما عن الدروس التصريح بها ، لا مطلق ما بين الدّفتين. ولا بدّ أن يكون كذلك ، لأنّ قوله عليه‌السلام : «لا تشتر كلام الله» لا ينطبق على غير الخطوط ، فإنّ الورق ليس كلام الله تعالى. بل هو ظرف له ، وإطلاق المصحف على الورق إنّما هو بعلاقة الظرفية.

وأمّا الجهة الثالثة فحاصلها : أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي كون النهي هنا دالّا على الفساد ، لأنّ المناسب للنهي عن بيع كلام الله تعالى هو عدم انتقال إضافة ملكيّته إلى أحد ، بل نفس قولهم عليهم‌السلام : «لا تشتروا كلام الله» يشعر بل يدلّ على فساد بيعه ، فإنّ قوله عليه‌السلام : «لا تشتروا كلام الله» كقوله : «لا تشتروا بيت الله» في انفهام عدم القابلية للبيع والشراء ، هذا.

مضافا إلى : أنّ النهي عن أحد ركني العقد كالنهي عن بيع الخمر والخنزير يدلّ على الفساد ، كما قرّر في محلّه. وفي بعض النصوص «لن تشترى المصاحف» فإنّ النفي المزبور يدلّ على عدم قابلية المصاحف للشراء ، كسائر الأموال القابلة للبيع والشّراء.

__________________

(١) تقدمت الإشارة إلى المصادر آنفا.

(٢) أنوار الفقاهة (مخطوط) مجلد التجارة ، ص ٩٨.


المسلم من الكافر.

وما ذكروه (١) حسن ، وإن كان وجهه (٢) لا يخلو من تأمّل أو منع (*).

______________________________________________________

وذكره صاحب الجواهر في مناقشة ما ذهب إليه المحقق في كتاب الجهاد من جواز بيع الأحاديث النبوية ـ على كراهة ـ على الكافر ، فقال : «وفيه : أنّه مناف للدليل المشترك بين الجميع ، وهو وجوب التعظيم وحرمة الإهانة ، وأنّ ملك الكافر للمحترم مناف لذلك ، كما يومي إليه ما تقدّم من عدم تملكه للعبد المسلم الذي ما نحن فيه أولى منه من وجوه ، .. إلخ» (١). لكنه تأمّل فيه في آخر كلامه ، فراجع.

وكيف كان فتقريب الفحوى : أنّ حرمة بيع العبد المسلم من الكافر تقتضي حرمة نقل المصحف إلى الكافر بالأولوية ، لأنّ مجرّد الإضافة إلى الإسلام إن كان موجبا لحرمة النقل إلى الكافر ، فالقرآن المجيد الذي هو أقوى من العبد في هذه الإضافة ـ بل قيل : إنّه حقيقة الإسلام ـ يكون أولى منه بعدم جواز النقل إلى الكافر ، فإنّ القرآن مصدر الإسلام ، والعبد المسلم مورده.

(١) من عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر.

(٢) يعني : وجه ما ذكروه لا يخلو من تأمل أو منع ، لأنّ تعظيم المصحف الشريف

__________________

(*) لأنّ وجوب الاحترام حكم تكليفي محض ، ومخالفته لا تقتضي فساد البيع ، فتأمّل.

مضافا إلى : أنّه أخص من المدّعى ، لأنّا نفرض كون المصحف تحت يد المسلم وفي مكتبته ، لا تحت يد الكافر حتى يلزم هتك المصحف ، إذ ليس مجرّد الملكية الاعتبارية إهانة وهتكا للاحترام. قال في الجواهر : «بل لا يخلو أصل المسألة ـ وهو منع بيع المصحف من الكافر ـ من ذلك ـ أي من بحث لا مكان منع منافاة ملكية الكافر للاحترام ، خصوصا إذا اتخذه على جهة التّبجيل والتبرك والاحترام ، كما يصنعه بعض النصارى في تراب الحسين عليه‌السلام عند الطوفان ..» (٢).

وإلى : أنّه لم يثبت وجوب الاحترام زائدا على حرمة الإهانة بحيث ينافي صحة المعاملة.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٣٨ و ٢٣٩.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٤٠.


وفي إلحاق الأحاديث النبويّة بالمصحف ـ كما صرّح به (١) في المبسوط (١) ـ

______________________________________________________

وغيره من المقدّسات الإلهيّة وإن كان حسنا عقلا بلا شبهة ، إلّا أنّ قبح ترك التعظيم ما لم ينطبق عنوان قبيح عليه ـ كالإهانة ـ غير ثابت. ومجرد إضافة الملكية إلى الكافر بدون ترتيب أثر خارجي واعتباري ليس إهانة حتى يكون قبيحا.

(١) أي : بالإلحاق ، فيحرم تملك الكافر للأحاديث النبوية كالمصحف الشريف وحكي أيضا عن المحقق الثاني (٢).

__________________

هذا ما يرجع إلى الدليل الأوّل ، وهو وجوب احترام المصحف.

وأما الدليل الثاني ، ففيه : أنّ الأولوية متوقفة على دلالة آية نفي السبيل على عدم جواز بيع العبد المسلم من الكافر. وقد ذكر المصنف قدس سره منع دلالة الآية على حرمة بيع العبد المسلم من الكافر ، وقال في (ص ٢٩٨) : «وأما الآية فباب الخدشة فيها واسع». ومع الخدشة في الاستدلال بالآية على الأصل لا يبقى مجال لدعوى الفحوى.

وبالجملة : فلا يتمّ الاستدلال بآية نفي السبيل على حرمة نقل المصحف الى الكافر ، لا من جهة السّبيل ، لما مر سابقا من عدم كون مجرد إضافة الملكية سبيلا منهيّا عنه.

ولا من جهة العلّة المستنبطة ، لاحتمال كون المحترم المنفي عنه السبيل هو إيمان المسلم ، أي : تصديقه بالعقائد الحقّة القائم بنفس المؤمن. لا ما آمن به خصوصا مع تعميمه لوجوده العلمي الموجود في صدر المؤمن ، ولوجوده الخارجي الذي هو بين الدّفتين. ومع عدم العلم بالعلّة لا يصحّ الاستدلال بها ولو كانت مظنونة ، لكونه من القياس الممنوع استشمام رائحته ، هذا.

ولا من جهة الفحوى ، للإشكال في دلالة آية نفي السبيل على عدم جواز الأصل ، وهو تملك الكافر للعبد المسلم. ومع هذا الاشكال لا مجال لدعوى الفحوى كما تقدم آنفا.

وأما الاستدلال بالنبوي «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» فهو مبني على كون مجرّد الملكية علوّا للكافر على المصحف. وقد مرّ غير مرّة عدم كون ذلك سبيلا وعلوّا ، فلا يتم الاستدلال به أيضا.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٦٢.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٦.


أو الكراهة (١) (*) كما هو صريح الشرائع (١).

______________________________________________________

(١) معطوف على «إلحاق الأحاديث» ولعلّ الأولى أن تكون العبارة هكذا : «وفي إلحاق الأحاديث النبوية بالمصحف فالحرمة ـ كما في المبسوط التصريح به. وعدمه فالكراهة كما هو صريح الشرائع ، بل نسبه الصيمري إلى المشهور قولان».

__________________

ومع الشك في صدق السبيل والعلوّ على ملكية المصحف الشريف للكافر لا يمكن التمسك بالآية والنبوي ، لكون الشك في الموضوع ، ومن المعلوم عدم حجية الدليل مع الشك في موضوعه.

فالنتيجة : أنّه لم ينهض دليل تامّ على عدم جواز تملك الكافر للمصحف الشريف.

ولو كان مجرّد إضافة الملكية علوّا وسبيلا كان تعليم المصحف للكافر ووضعه في مكتبته ـ مع مراعاة آداب الاحترام والتعظيم ـ علوّا منهيّا عنه. وهو كما ترى.

فلم يبق في البين إلّا المرتكزات المتشرعية إن كانت بمثابة تصلح لتقييد الإطلاقات وتخصيص عمومات صحة البيع ببيع المصحف من الكافر ، وإلّا فلا دليل على بطلان بيع المصحف منه. والوجوه الاستحسانية لا عبرة بها ، هذا.

ولا يخفى أنّ مقتضى بعض الروايات التي ذكرها المصنف قدس‌سره في الخاتمة ـ التي أشرنا إليها آنفا مثل «لن تشترى المصاحف» ونظيره مما يدلّ عليه النفي المؤبّد ـ هو عدم قابلية المصحف في نفسه للبيع مع الغضّ عمّن ينتقل إليه المصحف من حيث الإسلام والكفر. والمعتمد إجمالا هو تلك الروايات.

فالنتيجة : أنّ المصحف ـ وهو نفس الخطوط والنقوش ـ غير قابل للنقل والانتقال.

(*) لا يخفى أن القول بالكراهة مشكل ، لأنّه بناء على تمامية الحكم في الأصل بالوجوه المتقدمة وصحة الإلحاق لا محيص عن الحكم بالحرمة. وبناء على عدم تماميته وعدم صحة الإلحاق لا بدّ من الحكم بالجواز بلا كراهة ، لكون المقام مشمولا لأدلة صحة البيع ، كسائر الموارد ، وعدم نصّ خاصّ يدلّ على الكراهة هنا ، هذا.

ثم إنّه بناء على الجمود على ظاهر لفظ «كلام الله» في النصوص لا دليل على الإلحاق

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ١ ، ص ٣٣٥.


ونسبه الصيمريّ (١) إلى المشهور ، قولان (٢) ، تردّد بينهما العلّامة في التذكرة (٣).

ولا يبعد (٤) أن تكون الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق الآحاد

______________________________________________________

(١) قال في غاية المرام ـ بعد نقل المنع عن الشيخ ـ : «والمشهور الكراهية ، لأصالة الجواز ، ولأنّ حرمتها ـ أي احترامها ـ أقل من حرمة المصاحف ..» (١).

(٢) مبتدء مؤخر لقوله : «وفي إلحاق».

(٣) لقوله قدس‌سره : «وفي أخبار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندي تردد» (٢).

(٤) ظاهر إطلاق النسبة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعمّ ممّا يشمله دليل الحجية ، بأن يدّعى أنّ مجرد النسبة يوجب احترام الحديث وحرمة هتكه.

لكن قد تقدم الإشكال في أصل المسألة ، أي عدم نهوض دليل تامّ على حرمة نقل المصحف إلى الكافر. فالإلحاق مشكل.

ثم إنّه بناء على الإلحاق يكون معلوم الصدور منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملحقا بالمصحف ، وكذا ما يشمله دليل حجية الخبر الواحد ، فإنّه ـ مع شمول دليل الحجية له ـ بمنزلة معلوم الحجية في ترتيب جميع آثار الحجية التي منها حرمة نقله إلى الكافر ، لأنّ العلم طريقي يقوم مقامه الأمارات والأصول التنزيلية كما ثبت في محلّه ، إن لم يكن دليل الحجية ناظرا

__________________

إلّا دعوى كون العلّة في عدم جواز تملك الكافر للمصحف هو الاحترام الموجود في الأحاديث النبوية والولوية.

لكن هذه الدعوى غير تامة ، لاحتمال دخل لخصوصية كلام الله تعالى في الحكم ، فتكون هذه العلة من العلة المستنبطة الظنيّة التي لا تخرج عن القياس المسدود بابه.

نعم بناء على إرادة الأعم من ظاهر القرآن وباطنه كانت الأحاديث النبوية والولوية ملحقة بالمصحف ، بل هي نفسه ، لكونها مفسّرة للقرآن حقيقة. لكن إرادة ذلك محتاجة إلى القرينة.

__________________

(١) غاية المرام ، مخطوط ، ص ٢٦٨.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٢٣.


حكمها حكم ما علم صدوره منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وإن كان ظاهر (١) ما ألحقوه بالمصحف هو أقوال النبي المعلوم صدورها عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكيف كان (٢) فحكم أحاديث الأئمة صلوات الله عليهم حكم أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

______________________________________________________

إلى ترتيب آثار المؤدّى ، كما هو مورد آية النبإ ، لا مطلق الآثار حتّى آثار العبارة الصادرة من المعصوم من حرمة نقلها ، وذلك لأنّ دليل حجية الخبر ناظر إلى طريقيته للمؤدّي وإثباته بما له من الأحكام ولذا يقال : إنّ دليل حجيته إمضاء لما في الطريقة العقلائية.

(١) لعلّ منشأ الظهور هو تعبيرهم بكتب الأحاديث. وفي المبسوط : «وهكذا حكم الدفاتر التي فيها أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» لظهور إضافة الأحاديث إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العلم بصدورها منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٢) يعني سواء قلنا بأنّ المراد من أحاديث النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الأقوال المعلوم صدورها عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أم الأحاديث المرويّة عنه من طرق الآحاد ، فحكم أحاديث الأئمة الأطهار «صلوات الله عليهم أجمعين» حكم أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرمة نقلها إلى الكفّار على الأحوط ، مراعاة لاحتمال لحوق الأحاديث مطلقا بالمصحف.

هذا ، وقد حكى صاحب الجواهر عن شيخه كاشف الغطاء قدس‌سرهما إلحاق ما هو أعم من نصوص أقوال الأئمة «عليهم الصلاة والسلام» بالمصحف في حرمة البيع ، فقال : «انه يقوى إلحاق كتب الحديث والتفسير والمزارات والخطب والمواعظ والدعوات والتربة الحسينية ، وتراب الضرائح المقدسة ، ورضاض الصناديق الشريفة وثوب الكعبة» (١).

هذا تمام الكلام في هذه المسألة وبذلك تم البحث في شرائط المتعاقدين.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٩.


يشترط (*) في كلّ منهما (١)

______________________________________________________

الكلام في شرائط العوضين

الأوّل : التموّل

(١) أي : في كلّ من العوضين في البيع ، وهما المثمن والثمن.

ثم إنّ شروط العقد المؤثر على أقسام :

أحدها : الشرط العرفي المقوّم للعقد العرفي كمالية العوضين ، فإنّها معتبرة عرفا في البيع.

ثانيها : الشرط الشرعي كبلوغ المتعاقدين.

ثالثها : الشرط في الجملة.

والثمرة بين الشرط العرفي والشرعي تظهر في الشك. فإذا شكّ في أنّ الشي‌ء الفلاني شرط عرفا في العقد العرفي أو لا ، لم يجز التمسك في نفيه بالعمومات المقتضية للصحة ، لأنّ موضوع أدلة الصحة هو الشك في شرطية شي‌ء للعقد بعد إحراز صدقه عرفا ، فمع الشك في صدق العقد العرفي لا وجه للتمسك بالعمومات لدفعه ، بل لا بدّ من

__________________

(١) لا يخفى أنّه بناء على كون ماهية البيع «مبادلة مال بمال» تكون مالية العوضين من مقوّمات البيع العرفي ، ومقوّم الماهية أجنبي عن الشرط الخارج عن الماهية. فالتعبير عن مقوّم الماهية بالشرط لا يخلو من المسامحة. نعم يصح تعبير الشرط بالمال الشرعي بعد كونه مالا عرفا. فلو أبدل قوله : «يشترط» ب «يعتبر» كان أولى ، لشمول لفظ الاعتبار لكلّ من مقوّم الماهية والشرط الخارج عنها.


كونه متموّلا (١) ، لأنّ (٢) البيع لغة «مبادلة مال بمال» (١).

______________________________________________________

إجراء أصالة الفساد.

وأمّا إذا شك في شرطية شي‌ء شرعا في العقد بعد إحراز عرفيته فلا مانع من التمسك بالعمومات لدفعه ، وإثبات عدم اعتباره.

(١) المراد بالمال ما تنافس عليه العقلاء ، لاحتياجهم إليه في أمور الدنيا أو العقبى.

ويعتبر في تحقق مفهومه أمران ، الأوّل : احتياج الناس إليه. الثاني : توقف الوصول إليه على عمل. ومن هنا لا يعدّ الماء على الشط مالا.

والتعريف المزبور ـ وهو «ما تنافس عليه الناس» ـ تعريف باللازم. وأمّا حقيقة المال وماهيته فهي الخصوصية التكوينية الثابتة في العين المتنافس عليها العقلاء. وتسمّى تلك الخصوصية بالخاصية إن توقف وجودها على ذهاب العين كالإشباع ، فإنّ استيفاءه منوط بإتلاف المأكول من الخبز ونحوه.

وتسمّى بالمنفعة إن لم يتوقف وجودها على ذهاب العين ، كاستيفاء منافع المساكن والدواب ونحوهما ، فإنّ استيفاء منافعها من السكنى والركوب والحمل لا يتلف أعيانها ، بل ينتفع بها مع بقاء أعيانها.

ولا فرق في استيفاء الخصوصية بين كونه أمرا عاديّا ، كاقتناء المأكول من الحنطة وغيرها للاقتيات ، وبين كونه نادرا مختصا ببعض الحالات كالأدوية التي لا تستعمل إلّا في حال المرض.

والتعريف المذكور تعريف للمال عرفا ، وأمّا المال الذي يترتب عليه الآثار الشرعية من النقل والانتقال وجواز الاستعمال ، فيشترط فيه أن لا يقع موردا لنهي الشارع ، وإلّا فوجود ما فيه من الخصوصية كالعدم كالخمر والخنزير.

(٢) تعليل لشرطية المالية في العوضين ، وأنّ وجه شرطيتها فيهما هو مفهوم البيع لغة.

__________________

(١) المصباح المنير ، ص ٦٩ ، وتقدم الكلام في اعتبار المالية في الجزء الأول من هذا الشرح ، فراجع ج ١ ، ص ١٧ و ٢٣.


وقد احترزوا بهذا الشرط (١) عمّا لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء ، محلّلة (٢) في الشرع ، لأنّ (٣) الأوّل (٤) ليس بمال عرفا كالخنافس والديدان ، فإنّه (٥) يصحّ عرفا سلب المصرف لها ، ونفي الفائدة عنها. والثاني (٦) ليس بمال شرعا كالخمر والخنزير.

ثمّ قسّموا عدم الانتفاع (٧) إلى ما يستند

______________________________________________________

(١) أي : شرطية مالية العوضين.

(٢) نعت ل «منفعة» وهذا القيد لإخراج المالية العرفية فقط ، حيث إنّها لا تكفي في ترتيب الآثار الشرعية وإن كان فيه الخصوصية الموجبة للمالية العرفية ، فإنّ وجودها مع النهي الشرعي كعدمها في عدم المالية شرعا ، فهو في ترتب الأثر كعدم المال عرفا.

(٣) تعليل للاحتراز ـ بشرطية المالية في العوضين ـ عمّا لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء ، وحاصل التعليل : أنّ ما لا ينتفع به كذلك ليس بمال عرفا كالخنافس والديدان ، والمفروض اعتبار المالية في العوضين.

(٤) وهو ما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء.

(٥) الضمير للشأن ، وغرضه إثبات مجازيّة استعمال «المال» ـ فيما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء ـ بصحة السلب التي هي من علامات المجاز ، لوضوح صحة سلب المال عن الخنافس والديدان ، حيث إنّ سلب المصرف عنه ـ أي سلب الحاجة عنه الذي هو ممّا يتوقف تحقق مفهوم المال عليه ـ يكشف عن عدم كونه مالا عرفا.

(٦) معطوف على «الأوّل» والمراد بالثاني قوله : «محلّلة في الشرع» فإنّ الخمر والخنزير وإن كانا مالا عرفا ، لكنهما ليسا مالا شرعا ، ولذا لا تصحّ المعاملة بهما.

(٧) هذا التقسيم ناظر إلى منشأ عدم الانتفاع ، فإنّ منشأه إمّا خسّة الشي‌ء كالحشرات ، وهي هوامّ الأرض وصغار دوابّها. وإمّا قلّته كحبّة حنطة وشعير وعدس ونحوها ، فإنّ الحبّة منها ملك وليست مالا ، إذ النسبة بين المال والملك عموم من وجه ، لاجتماعهما في الدور والدكاكين ونحوهما ، فإنّها مال وملك ، وافتراقهما في المباحات الأصلية كالحيتان والمعادن قبل حيازتها ، فإنّها أموال وليست أملاكا. وفي الحبة من الحنطة ونحوها ، فإنّها ملك وليست مالا ، فيفترقان.

ثم إنّ هذا التقسيم يستفاد ممّا فرّعوه على اشتراط المنفعة والملك ، ففي التذكرة :


إلى خسّة الشي‌ء (*) كالحشرات ، وإلى ما يستند إلى قلّته كحبّة حنطة (١) ، وذكروا أنّه (٢) ليس مالا وإن كان يصدق عليه الملك (٣) ، ولذا (٤) يحرم غصبه إجماعا.

______________________________________________________

«لا يجوز بيع مالا منفعة فيه ، فلا يؤخذ في مقابلته المال ، كالحبة والحبّتين من الحنطة». وقال أيضا : «لا يجوز بيع ما لا ينتفع به من الحيوانات ، كالخفّاش .. لخسّتها» (١).

وقال السيد العاملي قدس‌سره : «ولخلوّ الشي‌ء عن المنفعة سببان : القلّة والخسّة ، فالقلّة كالحبة والحبّتين من الحنطة ، والزبيبة الواحدة .. وأما ما لا منفعة فيه لخسّته فكالحشار ..» (٢).

(١) قال السيد العاملي قدس‌سره في الحبة من الحنطة : «وليس المراد أنها لا تملك أصلا لأنّه خلاف الإجماع ، لأنّه لا يجوز أخذها غصبا إجماعا ، نقله هو ـ أي المحقق الثاني ـ في جامع المقاصد .. بل الإجماع على الملكية لا ريب فيه» (٣).

(٢) أي : أنّ ما يستند إلى قلّته ليس مالا وإن كان مصداقا للملك ، فيفترق الملك عن المال.

(٣) ظاهر نقل هذا الكلام عن الفقهاء وعدم ردّه ارتضاؤه عدم ترادف المال والملك.

(٤) يعني : ولأجل صدق «الملك» على القليل كالحبة يحرم غصبه إجماعا ، كما تقدم

__________________

(*) لعلّ استناد عدم الانتفاع إلى عدم المقتضي في الحشرات أولى من استناده إلى خسّتها ، فإنّ الدود المسمى في الفارسية ب «زالو» مع خسّته يكون مالا ، لإخراجه الدم الفاسد من الإنسان بالامتصاص. وهذا هو الخصوصية التي خلقت فيه ، وتجلب رغبات الناس إليه ، وبذل المال لشرائه. فمجرّد الخسّة لا يوجب عدم الانتفاع ، بل عدم الانتفاع إنّما هو لأجل عدم تلك الخصوصية فيه المقتضية لرغبات الناس إليه.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٣٥.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٢٠.

(٣) نفس المصدر.


وعن (١) التذكرة أنّه لو تلف لم يضمن أصلا.

واعترضه (٢) غير واحد ممّن تأخّر عنه بوجوب ردّ المثل.

والأولى (٣) أن يقال : إنّ ما تحقّق أنّه ليس بمال عرفا ،

______________________________________________________

دعواه آنفا من السيد العاملي ، لأنّ حدّ الغصب ـ وهو الاستيلاء على ما للغير من مال أو حقّ عدوانا ـ صادق عليه. فالحبّة من الحنطة مثلا تضمن ، لكن لا تباع ، لعدم ماليتها.

ولا تنافي بين الضمان وعدم جواز البيع ، لأنّ موضوع الضمان الاستيلاء على مال الغير أو حقّه. ومن المعلوم أنّ الحبّة لو لم تكن مالا وملكا لكن تكون متعلّقة للحق ، وهو حقّ الاختصاص ، وذلك كاف في ثبوت الضمان. بخلاف البيع ، لاعتبار المالية في العوضين ، والمفروض عدم مالية الحبّة ، فلا يجوز بيعها.

(١) الغرض من نقل كلام التذكرة بيان منافاته للإجماع المدّعى على حرمة غصب حبة حنطة أو زبيبة ، وضمان الغاصب ، فالعلّامة يظهر منه التفصيل ، فيقول بحرمة أخذ الحبّة ووجوب ردّها ، لكن لا ضمان لعدم تموّلها. قال في التذكرة : «ومع هذا فلا يجوز أخذ حبة من صبرة الغير ، فإن أخذت وجب الرد ، فإن تلفت فلا ضمان ، لأنّه لا مالية لها» (١).

(٢) يعني : واعترض على العلّامة قدس‌سره غير واحد ممّن تأخّر عنه : بوجوب ردّ مثل الحبّة ، فالضمان في غصب الشي‌ء القليل الذي لا مالية له ثابت ، خلافا للعلّامة قدس‌سره (٢).

(٣) هذا تحقيق المصنف في اشتراط التموّل ، يعني : والأولى أن يقال ـ في اعتبار مالية كلّ واحد من العوضين ـ : إنّ هنا وجوها ثلاثة :

أحدها : أن يحرز عدم مالية شي‌ء عرفا كالخنافس والديدان. وحكمه عدم جواز جعله أحد العوضين في البيع بلا إشكال ولا خلاف.

ثانيها : أن لا يحرز عدم ماليته ، بأن كانت مشكوكة ، وهو يتصور على وجهين :

أحدهما : حكم العرف فيه بكون بذل المال في مقابله وعوضا منه أكلا للمال

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٣٥.

(٢) كما في الدروس ، ج ٣ ، ص ٢٠١ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٠ ، مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٦٧ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٤٧ ، وفي مفتاح الكرامة كما تقدم آنفا.


فلا إشكال (١) ولا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين ، إذ (٢) لا بيع إلّا في ملك (*).

______________________________________________________

بالباطل ، فالظاهر فساد المقابلة وعدم صحة المعاملة ، نظير العقرب الذي يعالج بلسعه بعض الأمراض الناشئة من الحرارة ، فإنّ ماليته العرفية بحيث يصحّ بذل المال في مقابله مشكوكة.

ثانيهما : أنّ لا يثبت كون بذل المال ـ بإزاء ما لم يحرز ماليته عرفا ـ أكلا للمال بالباطل. وحينئذ فإن قام دليل من نصّ أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو المتّبع كالميتة ، فإنّ النص كرواية السكوني (١) وإجماع المنتهى والتنقيح (٢) ـ على عدم صحة المعاوضة على الميتة ـ يدلّان على عدم جواز بيع الميتة ، وإن لم يقم دليل على عدم جواز بيعه ، فيرجع فيه إلى عمومات صحة البيع والتجارة ك «أحل الله البيع» و «تجارة عن تراض» وغيرهما.

(١) خبر قوله : «انّ ما تحقق» ولا حاجة إلى الفاء ، لعدم دخولها على الخبر عند مشهور النحاة.

(٢) هذا تعليل لعدم جواز جعل ما ليس مالا عرفا أحد العوضين ، ولا يستقيم هذا التعليل إلّا بتساوي الملك والمال. وليس الأمر كذلك ، لوضوح أنّ النسبة بينهما عموم من وجه.

فالأولى التعليل بهذه العبارة «لا بيع إلّا في ملك» ـ التي هي متن الحديث ـ لاعتبار الملكية في العوضين ، لا لاعتبار المالية فيهما. ولم يظهر وجه نظر المصنف قدس‌سره إلى تعليل اعتبار المالية في العوضين بهذه العلة.

__________________

(*) هذا ظاهر في ترادف المال والملك ، لتوقّف حسن التعليل عليه. وهو ينافي ارتضاءه عدم الترادف بقوله : «وذكروا أنه ليس مالا وإن كان يصدق عليه الملك».

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٦٢ ، الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٥.

(٢) منتهى المطلب ، ج ٢ ، ص ١٠٠٩ ، التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٥.


وما (١) لم يتحقّق فيه ذلك (٢) ، فإن كان أكل المال في مقابله أكلا بالباطل عرفا ، فالظاهر فساد المقابلة. وما لم يتحقّق فيه (٣) ذلك (٤) ، فإن ثبت دليل من نصّ أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو ، وإلّا (٥) فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحّة البيع والتجارة (*) ،

______________________________________________________

وكيف كان فهذا التعليل راجع إلى الصورة الأولى ، وهي ما ثبت عدم مالية شي‌ء.

(١) منصوب محلّا بالعطف على «ما تحقق» وهذا إشارة إلى الصورة الثانية ، وهي ما لم يتحقق فيه المالية ، ولم تحرز.

(٢) أي : عدم ماليته عرفا ، أي الجهل بماليّته وعدمها.

(٣) هذه هي الصورة الثالثة أعني بها عدم إحراز كون أكل المال في مقابله أكلا للمال بالباطل ، وقد تقدّمت بقولنا : «ثانيهما أن لا يثبت كون بذل المال بإزاء .. إلخ».

(٤) أي : كون أكل المال في مقابله أكلا له بالباطل. والأنسب بالمقابلة أن يقال : «وإن لم يكن أكل المال في مقابله أكلا بالباطل ، فإن ثبت .. إلخ».

(٥) أي : وإن لم يثبت دليل على عدم جواز بيعه ، وجب الرجوع إلى أدلة صحة البيع والتجارة ، لكن فيه إشكال نبهنا عليه في التعليقة.

__________________

(١) بل الأوفق بالقواعد هو الحكم ببطلان البيع في صورة عدم إحراز كون أكل المال في مقابله أكلا له بالباطل ، لعدم إحرازها ماليّته ، سواء أكان هناك دليل خاصّ على البطلان أم لم يكن. ومع عدم الدليل الخاصّ على البطلان لا وجه للرجوع إلى أدلة صحة المعاملة بعد البناء على اعتبار المالية في العوضين عرفا وشرعا ، فإنّه مع الشك في المالية كيف يصح التمسك بأدلة صحة البيع؟

بل نفس دليل شرطية المالية يقتضي اعتبار إحرازها في صحة البيع.

بل لو كانت المالية شرطا عرفيا ـ كما هو كذلك ـ كان التمسك بأدلة صحة البيع تشبثا بالدليل في الشبهة الموضوعية ، لعدم إحراز البيع العرفي الذي هو موضوع أدلة الصحة شرعا.

والحاصل : أنّه مع الشك في مالية شي‌ء لا يمكن التمسك فيه بأدلة صحة البيع. والعرف إذا شك في مالية شي‌ء فلا محالة يشك في كون بذل المال بإزائه أكلا بالباطل. ولا يتصور حكمه بكون بذل المال بإزائه حلالا مع شكّه في المالية. فالضابط في حكمه


وخصوص (١) (*) قوله عليه‌السلام في المروي عن تحف العقول : «وكلّ شي‌ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات ، فكلّ ذلك حلال بيعه» إلى آخر الرواية (١). وقد تقدّمت (٢) في أوّل الكتاب.

ثمّ إنّهم احترزوا باعتبار الملكيّة (**) في العوضين من (٣) بيع

______________________________________________________

(١) معطوف على «عمومات» يعني : فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات الصحة ، وإلى خصوص قوله عليه‌السلام في تحف العقول .. إلخ ، الدال على أنّ كلّ ما كان فيه الصلاح من جهة مّا حلال ، وإن شكّ في كونه مالا ، وفي حلية أكل المال في مقابله.

(٢) حيث نقل المصنف قدس‌سره هذا الحديث بطوله ـ بعد الحمد والصلاة ـ عن كتاب تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة ، وذكر أكثر الحديث هنا في نسختنا ، لكن كتب عليها «زائد» فلذا تركنا إيرادها في المتن.

(٣) متعلق ب «احترزوا».

__________________

بالبطلان هو إحراز عدم المالية أو الشك فيها ، لأنّه مقتضى شرطية المالية.

ومن هنا يظهر ضعف ما أفاده بقوله : «فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحة البيع والتجارة» بل المرجع حينئذ أصالة الفساد.

(*) لا يخفى أنّ الاستدلال به ـ بعد البناء على اعتباره وشمول دليل حجية الخبر له ـ مبني على عدم تقيد إطلاق قوله : «الصلاح» بما دلّ على اعتبار المالية في ما فيه الصلاح من جهة من الجهات ، إذ مع تقييده بالمالية لا يصحّ التمسك به مع الشك فيها ، ومن المعلوم لزوم تقييده بما دلّ على اعتبار المالية في عوضي البيع كما لا يخفى.

(**) لم يذكر اعتبار الملكية قبل ذلك حتى يحترز بها عن المباحات قبل حيازتها ، والمفروض أنّ الاحتراز عنها مترتب على اعتبار الملكية في العوضين ، ولم يظهر وجه الاحتراز عن المباحات مع عدم ذكر اعتبار الملكية قبله.

وإن أراد قدس‌سره بقوله «الملكية» المالية فالاحتراز غير ظاهر ، لوضوح كون المباحات قبل حيازتها أموالا.

__________________

(١) تحف العقول ، ص ٣٣٣ ، ورواه عنه في الوسائل ، ج ١٢ ، ص ٥٤ ، الباب ٢ من أبواب ما يكتسب به ، ح ١


ما يشترك (١) فيه الناس كالماء والكلاء ، والسموك والوحوش قبل اصطيادها (٢) ، لكون هذه كلّها غير مملوكة (٣)

______________________________________________________

الاحتراز بقيد «الملك» عن بيع ما يشترك فيه الكلّ

(١)أي : اشتراكا إباحيّا لا ملكيّا ، وإلّا لا يصح الاحتراز باعتبار الملكية عن المباحات الأصلية.

(٢) هذا الضمير راجع إلى الماء والكلاء والسموك والوحوش ، لكن المظنون قويّا أنّ العبارة «اصطيادهما» بالضمير المثنّى ، لعدم صحة رجوع الضمير إلى الكل.

فالأولى أن تكون العبارة هكذا «قبل الحيازة والاصطياد» بل يكفي لفظ الحيازة من دون حاجة إلى الاصطياد ، لكفاية الحيازة في تحقق الملك في الجميع.

(٣) تعليل للاحتراز عن بيع ما يشترك فيه الناس ، كأنّه قيل : احترزوا بقيد الملكية عن بيع المباحات قبل حيازتها ، لأنّ المباحات الأصلية وإن كانت أموالا ، لكنها غير مملوكة بالفعل لأحد ، والمفروض اعتبار ملكية العوضين كاعتبار ماليّتهما.

__________________

ثمّ إنّه قيل في توضيح حال هذا القيد ما محصله : إن اعتبار ملكية العوضين يوجب خروج بعض أفراد البيع عن حقيقة البيع ، كخروج بيع الكلي مثمنا وثمنا ، لجواز بيع الكلي الذمي بمثله ، مع تسالم الجل بل الكل على فرديّته وصحته ، حيث إنّ الكلي قبل إضافته إلى ذمّة ليس ملكا. وهذه الإضافة تحصل بنفس البيع ، فلا يقع البيع على المبيع المملوك قبل إنشائه. وهذا يكشف عن عدم تقوم ماهية البيع بالملكية وإن أفادها ، لكنه لا ينبعث عنها ، فلا يعتبر فعلية للملكية في المبيع للبائع ، ولا فعلية الملكية في الثمن للمشتري ، بل المعتبر قابلية المثمن لملكيته للمشتري ، وقابلية الثمن لملكيته للبائع. فبيع الكلي غير المضاف إلى ذمة ، وبيع المباحات قبل حيازتها مشتركان في جهة ، ويختص الأوّل بجهة.

أمّا الجهة المشتركة فهي عدم جواز بيع الكلّي غير المضاف إلى ذمّة ، لعدم سلطانه عليه ، لعدم تعهده في ذمّته ، فلا سلطنة له على بيعه. وكذا المباحات قبل حيازتها ، فإنّها متساوية النسبة إلى الناس من البائع وغيره ، فلا سلطنة لأحد على بيعه ، فليس لأحد أن يبيع أو يشتري شيئا من المباحات قبل حيازتها ، كعدم جواز بيع الكلي بلا إضافته إلى ذمة ، فلا ينفذ البيع في شي‌ء منهما ، لعدم سلطانه عليهما ، وعدم كونه مالكا لأمرهما. فليس أمر بيعها بيد أحد ، إذ نفوذ التمليك من البائع متوقف على مالكية البائع لإنشاء البيع وإن لم يكن


.................................................................................................

______________________________________________________

مالكا لرقبة المبيع.

والحاصل : أن بيع الكلي غير المضاف إلى ذمة ، والمباحات الأصلية قبل حيازتها سيّان في عدم الجواز. والمراد بقولهم عليهم‌السلام : «لا بيع إلّا في ملك» هو مالكية أمر البيع ، لا مالكية الرقبة.

وأمّا الجهة المختصة بالكلي غير المضاف فهي : أنّ المبيع لا بدّ أن يكون له نحو تعين ذمّي أو خارجي ، ومن المعلوم أنّه لا تعيّن للكلي غير المضاف ، لا خارجيا ولا ذميّا. بخلاف الكلّي المضاف إلى ذمّة ، فإنّ له نحو تعيّن في الذمة ، فيصحّ بيعه ، لسلطنته على نفسه بأن يملّك شيئا في ذمته لغيره. وبخلاف المباحات الأصلية ، فإنّ لها تعينا خارجيا ، إلّا أنّه لا يجوز بيعها ، لعدم السلطنة عليها مع تساوي البائع والمشتري بالنسبة إلى المباحات كما تقدم آنفا (١).

والحاصل : أنّ غرض هذا المحقق أنّه لا دليل على اعتبار الملكية في عوضي البيع ، هذا.

أقول : الظاهر أنّه لا دليل على اعتبار الملكية في العوضين إلّا الحديث المعروف «لا بيع في ما لا يملك» (٢). ويحتمل أن يكون المراد به الملك المقابل للوقف بأقسامه من المساجد والحسينيات والمدارس العلمية. فغير الأوقاف بأنحائها يجوز بيعه.

لكنه بعيد جدّا ، إذ لازمه جواز بيع المباحات قبل حيازتها.

إلّا أن يقال : إنّ عدم جوازه إنّما هو لأجل عدم الولاية مع فرض عدم الحيازة وتساوي الناس بالنسبة إلى المباحات ، فتدبّر.

ويحتمل أن يراد بالملك في الحديث المزبور الملك الاعتباري. لكنه بعيد أيضا ، لاستلزامه تخصيص الأكثر ، لخروج البيوع الواقعة على الكلّيّات الذميّة عن البيع ، لما مرّ من عدم وقوعها على ملك المتعاقدين ، وإن أفاد بيعها ملكية المعوّض للمشتري ، وملكية العوض للبائع.

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ٢٤٠.

(٢) مستدرك الوسائل ، ج ١٥ ، ص ٢٩٣ ، الباب ١٢ من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، ح ١٥ ، رواه عن عوالي اللئالي ، وفيه «ولا بيع إلّا في ما تملك» فراجع ج ٢ ، ص ٢٤٧ ، ح ١٦.


بالفعل (١).

واحترزوا به (٢) أيضا عن الأرض المفتوحة عنوة (*) ، ووجه (٣) الاحتراز

______________________________________________________

(١) أي : قبل الحيازة ، ولا تصير مملوكة بالفعل إلّا بالحيازة.

(٢) الاحتراز بالملك عن بيع الأرض المفتوحة عنوة أي : احترزوا باعتبار ملكية العوضين أيضا ـ يعني : كالاحتراز به عن المباحات الأصلية قبل حيازتها ـ عن الأرض المفتوحة عنوة أي قهرا وغلبة على أهلها.

(٣) يعني : وتقريب الاحتراز باعتبار الملكية عن الأرض المفتوحة عنوة هو : أنّ تلك الأرض ليست ملكا لملّاكها على حدّ سائر الأملاك ، بأن يكون لكل واحد منهم جزء معيّن من عين الأرض وإن قلّ ذلك الجزء.

__________________

أو استلزامه خروجها عن ماهية البيع تخصّصا ، وهو خلاف قول الجلّ بل الكلّ من كونها من أفراد البيع. فمصداقيتها لمفهوم البيع قرينة على إرادة سلطنة البيع من قولهم عليهم‌السلام : «لا بيع إلّا في ملك». فعليه لا يمكن إرادة الملكية الاعتبارية من هذا الحديث.

فالنتيجة : عدم إمكان الالتزام باعتبار ملكية العوضين للبائع والمشتري قبل البيع كما هو ظاهر المتن.

ولا يخفى أنّه بناء على اعتبار الملك في العوضين لا يلزم إلّا الخروج الموضوعي دون الخروج الحكمي ، ضرورة أنّ التخصيص خروج حكمي ، ومع فرض اعتبار الملك يكون خروج بيع الكلّيات الذمّية عن حريم البيع موضوعيّا أي تخصيصيّا ، لا تخصيصيّا.

(*) الاحتراز باعتبار الملك في العوضين لا يصحّ إلّا عن غير الملك ، الذي هو نقيض الملك ، فإنّ الاحتراز بوجود شي‌ء يكون عن نقيضه ، فالاحتراز المزبور لا بدّ أن يكون عن عدم ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين بجميع أنحاء الملكية حتى يصحّ الاحتراز المزبور ، بأن تكون المفتوحة عنوة من باب التحرير كالمسجد ، غاية الأمر أنّ لوليّ الأمر صرف منافعها في مصالح المسلمين. والمفروض عدم كون المفتوحة عنوة من فكّ الملك ،


عنها أنّها غير مملوكة لملّاكها على نحو سائر الأملاك ، بحيث يكون لكلّ منهم جزء

______________________________________________________

بل هي ملك للمسلمين ، بشهادة أنّه عند الحاجة يجوز لوليّ الأمر بيعها وصرف ثمنها في مصالحهم. إلّا أنّه ليس لغير وليّ الأمر هذا التصرف.

فالاحتراز بالملك المعتبر في العوضين لا بدّ أن يكون عن غير الملك كالمباحات الأصلية قبل حيازتها ، والأوقاف العامة من المدارس والخانات الموقوفة على المسافرين ، ونحوهما مما يكون من فكّ الملك.

فالأولى تفريع خروج الأراضي المفتوحة عنوة على اعتبار الطلق في ملكية العوضين ، لأنّ المفقود في الأرض المفتوحة عنوة هو الطّلقية لا الملكية.

ثم إنّه يمكن أن يكون مقتضى الجمع بين الروايات ملكية الأرض المفتوحة عنوة وقهرا لطبيعيّ المسلمين ، لا لآحادهم. وهذا الملك لا يختص بزمان دون زمان ، بل يعمّ جميع الأزمنة ، ولذا يصحّ أن يقال : إنّه ملك لجميع المسلمين ممّن وجد وممّن لم يخلق بعد.

ويفترق عن الخمس والزكاة ـ اللّذين هما ملكان لطبيعي السيّد والفقير ، ويصيران ملكا شخصيّا بالقبض ـ في أنّ المتولّي لإخراجهما مختار في صرفهما إلى أفراد السّادة والفقراء. وفي كونهما من الملك النوعي الذي يصير ملكا شخصيّا بالقبض ، فإنّ السيّد والفقير يملكان الخمس والزكاة بالقبض ملكا شخصيّا ، ويضمنان بالغصب ، لأنّهما مالان مملوكان للسيد والفقير ، فيصدق عليه حدّ الغصب. بخلاف الأرض المفتوحة عنوة ، فإنّ منافعها تصرف في مصالح المسلمين العامة دون غيرها ، ولا يملك آحاد المسلمين شيئا من منافعها بالقبض.

ويفترق أيضا ملك الأرض المفتوحة عنوة عن الوقف الخاص ـ الذي هو من الملك النوعي أيضا ـ في أنّ الموقوف عليهم يملكون منافعها ملكا شخصيا من دون توقف الملكية على قبضهم ، لأنّهم ملكوا المنافع بنفس الوقف ، ولذا يصحّ للموقوف عليهم المعاوضة عليها ، وتجب عليهم الزكاة لو كانت جنسا زكويا ، وبلغت حصة كلّ منهم النصاب ، ويضمنها من غصبها.


معيّن من عين الأرض وإن قلّ ، ولذا (١) لا تورّث.

بل (٢) ولا من قبيل الوقف الخاص على معيّنين ، لعدم تملّكهم للمنفعة مشاعا.

ولا (٣) كالوقف على غير معيّنين ، كالعلماء والمؤمنين.

ولا (٤) من قبيل تملّك الفقراء للزكاة ، والسادة للخمس ،

______________________________________________________

(١) أي : ولكون الأراضي المفتوحة عنوة غير مملوكة لملّاكها ـ على نحو سائر الأملاك ـ لا تورث ولا تباع ولا توهب.

(٢) يعني : وليست الأراضي المفتوحة عنوة كالوقف الخاصّ على معيّنين ، كالوقف على الذرية ، فإنّ الموقوف عليهم يملكون منافع الوقف الخاصّ ، بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة ، لأنّ المسلمين لا يملكون منافع تلك الأراضي بنحو الإشاعة ، ولذا لا تنتقل إلى الورثة ، بل تصرف في مصالح المسلمين.

(٣) يعني : وليست الأراضي المفتوحة عنوة كالأوقاف العامة ، حيث إنّ الموقوف عليهم يملكون منافعها بالقبض ، بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة ، فإنّ المسلمين لا يملكون منافعها به.

(٤) يعني وليست الأراضي المفتوحة عنوة من قبيل تملّك السادة للخمس ، والفقراء للزكاة ، فإنّ الخمس والزكاة ملك لطبيعي السيد والفقير ، ويصير كلّ من الخمس والزكاة بالقبض ملكا شخصيا لأفراد الطبيعة. بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة ، فإنّ المسلمين لا يملكون منافعها بالقبض ، بل لا بدّ من صرفها في مصالح المسلمين العامة ، كبناء المدارس الدينية والقناطر والمستشفيات وغيرها ممّا يحتاج إليه المسلمون.

__________________

والحاصل : أنّ الملك النوعي تارة يكون شخصيا كالخمس والزكاة بالقبض.

واخرى لا يصير شخصيا كالوقف على الذريّة بنحو تمليك المنفعة ، كوقف البستان على الذرية على أن يكون منفعتها ملكا لهم ، فإنّ أفراد الذرية يملكون ـ شخصا ـ منافع البستان بنفس الوقف ، لكنهم لا يملكون نفس البستان شخصيا ، بل ملكهم له نوعي ، ولكن منافعه ملك لهم شخصيا.


بمعنى كونهم (١) مصارف له (٢) ، لعدم (٣) تملّكهم منافعه بالقبض ، لأنّ مصرفه منحصر في مصالح المسلمين ، فلا يجوز تقسيمه عليهم من دون ملاحظة مصالحهم.

فهذه الملكيّة (٤) نحو مستقلّ من الملكيّة قد دلّ عليها الدليل ، ومعناها صرف حاصل الملك في مصالح الملّاك (*).

______________________________________________________

(١) أي : كون السادة والفقراء مصارف للخمس والزكاة.

(٢) الأولى تثنية الضمير ، لرجوعه إلى الخمس والزكاة.

(٣) تعليل لعدم كون الأراضي المفتوحة عنوة كالأوقاف العامة والخمس والزكاة. وحاصل التعليل : أنّ الأوقاف العامة والخمس والزكاة تملك ملكا شخصيا بالقبض ، بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة ، فإنّ منافعها لا تملك ملكا شخصيا بالقبض ، بل تصرف في المصالح العامة للمسلمين كما مرّ آنفا.

والاحتراز باعتبار الملكية في العوضين عن الأراضي المفتوحة عنوة ـ مع كونها ملكا للمسلمين ـ إنّما هو باعتبار كون الملكية المعتبرة في العوضين هي الملكية الشخصية التي تترتب عليها السلطنة الاعتبارية والخارجية. وهذه الملكية منفية في الأراضي المفتوحة عنوة ، ولذا احترزوا عنها.

وأمّا بناء على إرادة مجرّد إضافة الملكية من اعتبار الملك في عوضي البيع ، فيتعيّن الاحتراز عن الأراضي المفتوحة عنوة بقيد الطلقية ، وسيأتي في (ص ٤٨٣).

(٤) أي : ملكية الأراضي المفتوحة عنوة نحو خاصّ من الملكية قد قام عليها الدليل ، ومعناها : صرف حاصل الملك ومنافعه في مصالح المالكين.

__________________

(*) وهل يعتبر في كون الأرض المفتوحة عنوة من الأراضي الخراجية إذن الإمام عليه‌السلام أو نائبه الخاص في مشروعية الجهاد أم لا؟ قد استدل للاعتبار بوجهين :

أحدهما : الإجماع. وفيه : عدم ثبوته ، لعدم تعرض جماعة للمسألة ، ولذا استشكل السبزواري في الكفاية في الحكم بقوله : «ويشترط في وجوب الجهاد وجود الامام عليه‌السلام أو من نصبه ، على المشهور بين الأصحاب. ولعلّ مستنده أخبار لم تبلغ درجة الصحة ، مع


.................................................................................................

______________________________________________________

معارضتها بعموم الآيات ففي الحكم به إشكال» (١).

نعم الجهاد في عصر الحضور يعتبر فيه إذن وليّ الأمر من النبي أو الوصي عليهما الصلاة والسلام.

ثانيهما : الروايات ، والعمدة فيها روايتان.

إحداهما : رواية سويد القلاء عن بشير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : قلت له : إنّي رأيت في المنام أنّي قلت لك : إنّ القتال مع غير الامام المفترض طاعته حرام ، مثل الميتة والدم ولحم الخنزير. فقلت لي : نعم هو كذلك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام هو كذلك ، هو كذلك» (٢).

وفيه : مناقشة سندا ودلالة. أمّا السند فلأنّ البشير الواقع فيه لم يظهر أنّه هو بشير الدهان أو غيره ، مع تعدد المسمى بهذا الاسم ، ووحدة الطبقة ، وعدم المائز.

مع أنّه إن كان هو الدّهان ـ كما صرّح به في سند آخر لهذا الحديث ـ لم يجد أيضا ، لعدم إحراز وثاقته إلّا بالاعتماد على عموم شهادة ابن قولويه قدس‌سره ، وهو لا يخلو من بحث أو منع.

وأمّا الدلالة ، فلأنّ ظاهره هو حرمة القتال بأمر غير الامام المفترض الطاعة من الأعداء المدّعين للخلافة الباطلة ، ولا تدل هذه الرواية على حرمة القتال على المسلمين مع الكفار إذا رأى المسلمون ذوي العقول والآراء في الجهاد مع الكفار مصلحة مهمة عامة للإسلام ، ورفع أعلامه وإعلاء كلمة الحقّ.

لكن يمكن أن يقال : إنّه لو كان المراد ذلك لكان الأولى أن يقال : «القتال مع الجائر أو مع الامام غير المفترض الطاعة حرام» إذ كلمة «غير» تشمل مطلق غير الامام العادل ، ولو كان جمعا من المسلمين ذوي العقول والعدل.

إلّا أن يدّعى : أنّ كلمة «مع غير الامام» تدلّ على أنّ المعية ظاهرة في نشؤ القتال والأمر به من غير الامام ، وهذا لا يشمل قتال جماعة من المسلمين ، بحيث ينشأ القتال من رأيهم واعتقادهم كون القتال صلاحا للإسلام والمسلمين ، لا من شخص واحد.

__________________

(١) كفاية الأحكام ، ص ٧٥.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٣٢ الباب ١٢ من أبواب جهاد العدو ، ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه فلا تشمل الرواية قتال المسلمين إذا رأوا كون القتال صلاحا للمسلمين.

ثانيتهما : رواية عبد الله بن مغيرة : «قال محمّد بن عبد الله للرضا عليه‌السلام وأنا أسمع : حدّثني أبي عن أهل بيته عن آبائه : أنّه قال له بعضهم : إنّ في بلادنا موضع رباط يقال له قزوين ، وعدوّا يقال له الديلم ، فهل من جهاد أو هل من رباط؟ فقال : عليكم بهذا البيت فحجّوه. فأعاد عليه الحديث ، فقال : عليكم بهذا البيت فحجّوه. أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته وينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا ، فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول الله بدرا. وإن مات منتظرا لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا صلوات الله عليه» (١).

وقد أورد على دلالته : بأنّ الظاهر أنّها في مقام بيان الحكم الموقّت ، لا الحكم الدائم ، بمعنى أنّه لم يكن في الجهاد أو الرباط صلاح في ذلك الوقت الخاص. ويشهد على ذلك ذكر الرباط تلو الجهاد ، مع أنّه لا شبهة في عدم توقفه على إذن الامام عليه‌السلام وثبوته في زمان الغيبة.

أقول : حمله على وقت خاصّ ـ حتى يكون عدم الجواز لأجل عدم المصلحة في وقت خاص ، لا لأجل عدم إذن الإمام عليه‌السلام كما يقول المستدلّ به على اعتبار إذن الامام عليه‌السلام في مشروعية الجهاد ـ خلاف الظاهر وبلا قرينة. وما ذكره من ذكر الرباط لا يشهد بذلك ، حيث إنّه من توابع القتال وإن كان في نفسه جائزا.

نعم لا بأس بأن تكون الرواية ناظرة إلى عدم الجواز ، لكون القتال في ذلك الزمان بأمر خلفاء الجور ، فلا تدلّ على عدم جواز قتال المسلمين المعتقدين بكون الجهاد صلاحا للإسلام والمسلمين حتى يكون عدم الجواز لأجل اعتبار إذن الامام عليه‌السلام في مشروعية الجهاد. وهذا الحكم ـ أعني به عدم الجواز لا يدلّ على اعتبار إذن الامام عليه‌السلام في جواز القتال.

فالمتحصل : أنّه لم يظهر دليل واضح على اعتبار إذنه عليه‌السلام في جواز القتال حتى لا يكون قتال المؤمنين في عصر الغيبة جائزا. فإذا شك في اعتباره يتمسك في دفع اعتباره بالعمومات القرآنية.

وإن نوقش في العمومات بأنّها في مقام تشريع أصل الجهاد ، وليست في مقام بيان الخصوصيات الدخيلة فيه ، فالمرجع أصالة عدم شرطية إذنه عليه‌السلام في مشروعية الجهاد ، هذا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٣٣ الباب ١٢ من أبواب جهاد العدو ، ح ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

لكن لمّا كان المورد من الموارد الثلاثة التي انقلبت فيها أصالة البراءة إلى أصالة الاحتياط ، فلا بدّ من الرجوع إليها ، ومقتضاها اعتبار إذنه عليه‌السلام في وجوب الجهاد.

ثم انه على تقدير شرطية إذن الامام عليه‌السلام في مشروعية الجهاد حال حضوره ، فهل المراد بالاذن مجرّد الرضا الباطني كما في التصرفات الخارجية كالأكل والشرب واللبس ونحوها؟ أم إنشاء الإذن ، كما في التصرفات الاعتبارية كالإجازة في العقود كبيع الفضولي ، حيث إنّ المعتبر فيه هو إنشاء الإجازة فيه ، وعدم الاكتفاء بمجرّد الرضا الباطني كما قرر في محلّه ، حتى يعدّ ولاة الجهاد والغزاة منصوبين من قبل الإمام عليه‌السلام.

مقتضى بعض النصوص هو الأوّل ، كما في رواية الخصال عن أبي جعفر عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ القائم بعد صاحبه ـ يعني عمر ـ كان يشاورني في موارد الأمور ومصادرها ، فيصدرها عن أمري ، ويناظرني في غوامضها ، فيمضيها عن رأيي» (١).

فإنّ ظاهره ـ كما قيل ـ كفاية رضا الامام عليه‌السلام في مشروعية الجهاد الذي يترتّب عليه الآثار من كون الأرض المأخوذة بهذا القتال خراجية ، وعدم توقف اتصافها بالخراجية على إنشاء الإذن والأمر بالجهاد ، بحيث يكون هو وليّ أمر الجهاد وناصبا لغزاته. ويشهد بذلك النصوص الدالة على «أنّ أرض السواد للمسلمين» مع بداهة أنّ فاتحها لم يكن منصوبا من ناحية المعصوم عليه‌السلام ، ولا مأمورا من قبله عليه‌السلام ، هذا.

لكن الإنصاف ظهور قوله عليه‌السلام : «فيصدرها عن أمري» في الأمر الحقيقي ، لا مجرّد الاذن ، حتى يقال بعدم كفاية مجرّد الإذن في مشروعية الجهاد ، وترتيب آثاره من صيرورة الأرض المغنومة بهذا الجهاد خراجية ، هذا.

ثم إنّه وقع الكلام في اعتبار العمران حال الفتح في خراجية الأراضي المفتوحة عنوة بحيث لو كانت مواتا حال الفتح لم تكن خراجية وكانت من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام يظهر من الشرائع أنّ الموات حال الفتح للإمام عليه‌السلام خاصة ، ولا يجوز إحياؤه إلّا بإذنه إن كان موجودا. ولو تصرف فيها من غير إذنه كان على المتصرف طسقها ، ويملكها المحيي عند عدمه (٢) أي غيبة الإمام عليه‌السلام.

__________________

(١) الخصال ، ج ٢ ، ص ١٣٥ ، باب السبعة ، ح ٤٥.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ١ ، ص ٣٢٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

وقال في الجواهر ـ بعد نقل كون الموات من الأرض وقت الفتح للإمام عليه‌السلام ـ : «بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه. مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الدالة على أنّ موات الأرض مطلقا من الأنفال للإمام عليه‌السلام» (١).

والحاصل : أنّ اعتبار العمران حال الفتح في ملكية الأرض المفتوحة عنوة لقاطبة المسلمين مشهور ، بل المجمع عليه. ونصوص الباب على طوائف :

منها : ما تدل على أنّ الموات كلها للإمام عليه‌السلام ، كمرسلة أحمد بن محمد (٢).

ومنها : ما تدلّ على «أنّ كل أرض لا ربّ لها للإمام عليه‌السلام» كموثقة إسحاق بن عمّار ورواية أبي بصير (٣).

ومنها : ما تدلّ على «أن كل أرض ميتة لا ربّ لها له عليه‌السلام» كمرسلة حمّاد (٤).

ومنها : غير ذلك.

والنسبة بين دليل ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين الشامل للموات حين الفتح ، وبين دليل ملكية الموات مطلقا ـ وإن كان من المفتوحة عنوة للإمام عليه‌السلام ـ عموم من وجه ، لأنّ ما دلّ على كون المفتوحة عنوة للمسلمين شامل لكلّ من الموات والعامر ، وما دلّ على «أنّ الموات للإمام عليه‌السلام» شامل للمفتوحة عنوة وغيرها. وفي المجمع ـ وهو موات المفتوحة عنوة ـ يتعارضان ، إذ مقتضى دليل المفتوحة عنوة هو كون مواتها كعامرها ملكا لقاطبة المسلمين ، ومقتضى دليل الموات كونها من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام.

لكن يقدّم دليل الموات ، لأنّ دلالته على كون الموات للإمام عليه‌السلام بالوضع ، ودلالة دليل المفتوحة عنوة بالإطلاق الناشئ عن مقدمات الحكمة ، ومن المعلوم تقدم الظهور الوضعي على الإطلاقي. فما عن المشهور «من كون موات المفتوحة عنوة من الأنفال ، واختصاص عامرها بالمسلمين» متين.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٦٩.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٩ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ١٧.

(٣) المصدر ، ص ٣٧١ ، ح ٢٠ وص ٣٧٢ ، ح ٢٨.

(٤) المصدر ، ص ٣٦٥ ، ح ٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

فتلخص من جميع ما ذكرنا : أنّ ملكية الأرض المغنومة من الكفار لقاطبة المسلمين مشروطة بأمور ثلاثة :

الأوّل : أن يكون استيلاء المسلمين على الأراضي بالقهر والغلبة ، أو بالصلح مع الكفار على أن تكون أراضيهم ملكا لعامّة المسلمين.

الثاني : أن يكون الاستيلاء المزبور بإذن الإمام عليه‌السلام.

الثالث : أن تكون الأراضي معمورة حال الفتح ، إذ الموات منها من الأنفال التي هي ملك الامام عليه‌السلام ، سواء أكان موتانها أصليا أم عارضيا ، بأن كانت عامرة ثم ماتت ، فمن أحياها ملكها. وذلك لإطلاق النصوص الدالة على تملك محي الأرض بالإحياء ، كصحيحتي الفضلاء عن أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليهما‌السلام : «قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحيى أرضا مواتا فهي له» (١). فإذا ماتت الأرض المفتوحة عنوة ، وأحياها شخص ، ملكها ، إذ المفروض أنّ أرض المسلمين متقومة بالحياة ، لما تقدم آنفا من تقدم دليل ملكية الموات من الأرض المفتوحة عنوة للإمام عليه‌السلام على دليل ملكيته للمسلمين.

ومن هنا يسهل الأمر في من يكون بيده فعلا أرض كانت معمورة حال الفتح ، وشكّ في بقائها على حالة العمران ، حيث إنّ استصحاب بقائها بوصف الحياة وإن كان جاريا في نفسه ، إلّا أنّ قاعدة اليد حاكمة عليه ، وقاضية بأنّها ملك المتصرف فعلا ، فإنّ احتمال خروجها عن ملك المسلمين بالشراء أو الهبة ، أو عروض الموت عليها وقيام هذا الشخص بإحيائها موجود ، وهو يحقق موضوع قاعدة اليد التي مقتضاها ملكية الأرض المذكورة فعلا للمحيي ، هذا.

ثم إنّه إذا أحرزت العناوين المذكورة فلا إشكال. لكنه لا يمكن إحرازها بالعلم الوجداني ، ولا بالأمارات غير المعتبرة التي منها التواريخ ، خصوصا مع تعارضها. ولا بالأصول العملية ، لأنّها نافية لوجود تلك العناوين الوجودية لا مثبتة لها ، فلا يمكن إحراز وجودها بالأصل أيضا.

كما أنّ إحراز عدمها لنفي الحكم الشرعي المترتب على وجودها غير ممكن ، لأنّ

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٧ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

ترتب عدم الحكم على نفي موضوعه عقلي لا شرعي ، هذا.

مسألة : إذا أحيى شخص أرضا مواتا ، وبنى فيها أبنية ، ثم خربت وصارت ميتة ، ثم أحياها محي آخر ، فهل تكون الأرض ملكا للمحيي الأوّل أم الثاني؟ فيه تفصيل.

فإن كان المحيي الأوّل وملك الأرض بشراء ونحوه لم يزل ملكه عنها إجماعا ، نقله الشهيد الثاني رحمه‌الله عن العلامة في التذكرة «عن جميع أهل العلم» (١).

وإن ملكه المالك الأوّل بالإحياء ففيه خلاف.

وقال المحقق التقي الشيرازي قدس‌سره : «تفصيله : أنّه اختلف أقوال العلماء في أنّ الموات من الأرض بعد الإحياء المملّك هل يجوز إحياؤه ثانيا لغير المحيي الأوّل أم لا» (٢). فالخلاف يكون فيما إذا كانت ملكية الأرض للمحي الأوّل بسبب الإحياء ، لا ببيع ونحوه ، وإلّا فلا تخرج الأرض عن ملك المحيي الأوّل بسبب الخراب ولا بإحياء المحيي الثاني.

فنصرف الكلام إلى ما إذا كانت ملكية الأرض للمحيي الأوّل بالإحياء لا بالبيع ونحوه ، فنقول وبه نستعين :

إنّه قد استدلّ على صيرورة الأرض ملكا للمحيي الثاني بروايات.

منها : رواية معاوية بن وهب «قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيّما رجل أتى خربة بائرة ، فاستخرجها ، وكرى أنهارها ، وعمّرها ، فإنّ عليه فيها الصدقة. فإن كانت أرض لرجل قبله ، فغاب عنها وتركها فأخربها ، ثم جاء بعد يطلبها ، فإنّ الأرض لله ولمن عمّرها» (٣).

ومنها : عموم قولهم عليهم‌السلام : «من أحيى أرضا مواتا فهي له» (٤) فإنّ عمومه يشمل المحيي الثاني. وإطلاق الأرض ـ إن لم نقل بعمومه المستفاد من وقوع النكرة في سياق الموصول الدالة على العموم ـ يشمل الأرض الموات المسبوق بالإحياء ، فيدلّ على صيرورة الأرض المذكورة ملكا للمحيي الثاني بسبب إحيائه ، وهو المطلوب.

وأورد عليه بما حاصله : أنّ الأرض الميتة قيّدت بعدم المالك لها قطعا ، للنص الدال

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ٥٩ ، تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٠١ (الطبعة الحجرية).

(٢) حاشية المكاسب ، ص ١٤.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٨ الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٧ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

على «أنّ من أحيى أرضا ميتة لا ربّ لها فهي له» فالأرض المملوكة إذا كانت ـ أو صارت ـ خرابا لا تملك بإحياء غير المالك جزما. ولا تخرج عن ملكه إلّا بالنواقل الشرعية غير الاحياء. وكذا الأرض التي هي محل الكلام بناء على عدم خروجها عن ملك المحيي الأوّل بالموت والخراب ، والمفروض أنّ القائلين بملك المحيي الثاني يدّعون الخروج عن ملك المحيي الأوّل.

بل لعلّه لا خلاف بينهم في عدم صيرورته ملكا للثاني لو لم يخرج عن ملك الأوّل بالخراب ، بأن يكون الإحياء الثاني ناقلا عن ملك الأوّل إلى ملك الثاني.

وحينئذ فالشك في بقائها بعد الموت على ملك مالكه الأوّل وعدمه كاف في عدم جواز التمسك بالعموم المزبور ، لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص. بل مقتضى استصحاب ملك المحيي الأوّل ذلك. بل إطلاق دليل ملكيته ، حيث إنّ الظاهر من اللام في قوله عليه‌السلام : «فهي له» هو إطلاق الثبوت والاختصاص المقتضي للملكية الدائمة المنافي للملكية الموقتة ، هذا.

ويمكن أن يجاب عنه بعدم إرادة نفي المالك مطلقا حتى ممّن ملك الأرض بالإحياء ، فيصير خروج من ملك بالإحياء مشكوكا فيه ، فيرجع فيه إلى عموم قوله عليه‌السلام : «من أحيى أرضا ميتة فهي له» لا إلى إطلاق دليل القيد ، إذ المفروض عدم إطلاقه بعد خروج من ملك الأرض بالشراء ونحوه ـ بإجماع العلماء وتسالمهم ـ عن إطلاق دليل القيد ، فيصير خروج من ملك الأرض بالإحياء عن عموم «من أحيى» مشكوكا فيه ، والعموم حجة في الشك في التخصيص الزائد كحجيته في الشك في أصل التخصيص.

فالنتيجة : أن إحياء الأرض الميتة بعد الإحياء المملّك يوجب ملكيتها للمحيي الثاني. لكن الأحوط الأولى مراعاة حقّه إلى ثلاث سنين ، لروايتي يونس (١) عن العبد الصالح وأبي عبد الله عليهما‌السلام. لكنهما ضعيفان سندا ، فراجع.

وأمّا إحياؤها مع كون ملكيتها للمالك الأوّل بغير الإحياء ـ كالشراء والهبة ونحوهما ـ فمقتضى ما تقدم من الإجماع المحكي عن العلامة قدس‌سره ورواية معاوية بن وهب المتقدمة عدم صيرورتها ملكا للثاني ، وبقاؤها على ملك الأوّل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٤٥ ، الباب ١٧ من أبواب إحياء الموات ، ح ١ و ٢.


ثمّ (١) إنّ كون هذه الأرض للمسلمين ممّا ادّعي عليه الإجماع (٢) ، ودلّ عليه النصّ ، كمرسلة حمّاد الطويلة (٣) وغيرها (٤).

______________________________________________________

(١) غرضه قدس‌سره إقامة الدليل على ما هو المعروف من ملكية الأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين.

(٢) المدّعي للإجماع أو عدم الخلاف جماعة ، كشيخ الطائفة (١) والعلّامة (٢) والفاضل السبزواري (٣) ، وأصحاب الرياض ومفتاح الكرامة والمستند والجواهر (٤).

قال السيد العاملي قدس‌سره في الأرض التي فتحت عنوة : «وهذه للمسلمين قاطبة بإجماع علمائنا قاطبة ، وقد نقل الإجماع على ذلك في الخلاف والتذكرة والمنتهى».

وفي جهاد الجواهر : «بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا» (٥). وفي البيع :

«إجماعا محكيا عن الخلاف والتذكرة ، وهي إن لم يكن محصّلا» (٦) فراجع.

(٣) وفيها : «والأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب ، فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمّرها ويحييها» (٧) ، فإنّها تدلّ على الكبرى ، وهي أن الأرض المفتوحة عنوة ملك المسلمين ، وأنّها موقوفة وممنوعة عن التصرفات الاعتبارية كالبيع والهبة والصلح.

(٤) كرواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا تشتر من أرض السواد شيئا ، فإنّما هو في‌ء للمسلمين» (٨). وظهورها في منع بيع جزئيّ ممّا هو مفتوح عنوة ـ أعني أرض العراق ـ ممّا لا ينكر.

__________________

(١) الخلاف ، ج ٢ ، ص ٦٧ ـ ٧٠ ، كتاب الزكاة ، المسألة ٨٠.

(٢) منتهى المطلب ، ج ٢ ، ص ٩٣٤ ، وفي التذكرة : «ذهب إليه علماؤنا أجمع» ج ٩ ، ص ١٨٤.

(٣) كفاية الأحكام ، ص ٧٥.

(٤) رياض المسائل ، ج ٨ ، ص ١١٤ (ج ١ ، ص ٤٩٥ الحجرية) ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٣٩ ، مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢١٦.

(٥) جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٥٧.

(٦) المصدر ، ج ٢٢ ، ص ٣٤٧.

(٧) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٨٥ ، الباب ٤١ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، ح ٢.

(٨) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٤ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع ، ح ٥ وكذا الحديث ٤ و ٩.


وحيث جرى الكلام في ذكر بعض أقسام الأرضين (١) ، فلا بأس بالإشارة إجمالا إلى جميع أقسام الأرضين وأحكامها ، فنقول ومن الله الاستعانة :

الأرض إمّا موات ، وإمّا عامرة ، وكلّ منهما إمّا أن يكون كذلك أصليّة ، أو عرض لها ذلك ، فالأقسام أربعة لا خامس لها (٢).

الأوّل (٣) ما يكون مواتا بالأصالة ، بأن لم تكن مسبوقة بعمارة.

ولا إشكال ولا خلاف منّا في كونها للإمام عليه‌السلام. والإجماع عليه محكيّ (٤)

______________________________________________________

(١) أي : الموت والعمران ، فلكلّ منهما قسمان : الموات بالأصالة والعرض ، وكذا العامرة.

(٢) لكون الحصر عقليا ، حيث إنّه دائر بين النفي والإثبات ، لأنّ الأرض لا تخرج عقلا عن هذه الحالات الأربع ، وهي كونها مواتا بالأصل أو بالعرض ، أو عامرة كذلك ، فلا يتصوّر قسم خامس.

أقسام الأراضي وأحكامها

القسم الأوّل : الموات بالأصالة

(٣) يعني : أوّل هذه الأقسام الأربعة هو الموات بالأصالة ، بمعنى عدم كونها مسبوقة بعمارة معمّر في زمان من الأزمنة. ولا إشكال ولا خلاف في كون هذا القسم من الأراضي للإمام عليه‌السلام. ودعوى الإجماع على ذلك متكرّرة في كلامهم كما نقله المصنف.

(٤) الحاكي للإجماع صريحا وظاهرا هو السيد العاملي قدس‌سره ، قال في حكم الأرض الموات ـ وأنّها للإمام عليه‌السلام لا تملك بمجرد الإحياء ـ ما لفظه : «أمّا أنّ الميت للإمام فقد طفحت به عباراتهم في الباب وغيره ، وحكى عليه الإجماع في الخلاف والغنية وجامع المقاصد والمسالك ، وظاهر المبسوط والتذكرة والتنقيح والكفاية» (١). وكذا نقله صاحب الجواهر عن جملة منها وعن محكيّ بعضها ، فراجع (٢).

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٤ ، ولاحظ الخلاف ، ج ٣ ، ص ٥٢٥ ، كتاب إحياء الموات ، المسألة ٣ ، الغنية ، ص ٢٩٣ ، جامع المقاصد ، ج ٧ ، ص ٩ ، مسالك الافهام ، ج ١٢ ، ص ٣٩١.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٣٨ ، ص ١١.


عن الخلاف والغنية وجامع المقاصد والمسالك ، وظاهر (١) جماعة أخرى ، والنصوص بذلك مستفيضة (٢) (*) ،

______________________________________________________

(١) معطوف على «الخلاف» ويمكن عطفه على «محكي» وعلى كلّ فالتعبير بالظاهر لقولهم : «عندنا» كما في المبسوط والتذكرة ، ففي المبسوط : «الأرضون الموات عندنا للإمام خاصة لا يملكها أحد بالإحياء إلّا أن يأذن له» (١) ونحوه في التذكرة (٢). وفي الكفاية : «لا أعرف فيه خلافا» (٣) وفي الرياض «بلا خلاف» (٤).

(٢) كما في مفتاح الكرامة والجواهر (٥) وغيرهما ، ومنها : رواية حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الأنفال ما لم يوجف بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا بأيديهم. وكل أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو

__________________

(*) ظاهره استفاضة النصوص بذلك أي : بكون الموات بالأصالة للإمام عليه‌السلام. لكنها ممنوعة فضلا عن تواترها ، فإنّ لسان النصوص مختلف ، ولم ترد على عنوان واحد ، إذ بعضها وارد في «أنّ الأرض الخربة للإمام عليه‌السلام».

وبعضها تضمّن «أنّ الخربة التي باد أهلها للإمام عليه‌السلام» ومن المعلوم أنّهما لا يشملان الموات بالأصل الذي هو مورد البحث ، بل موردهما هو الموات بالعرض.

وبعضها تضمّن «أنّ الأرض التي لا ربّ لها للإمام عليه‌السلام».

وبعضها تضمّن «أنّ الأرض الميتة الّتي لا ربّ لها للإمام عليه‌السلام».

نعم دعوى استفاضتها أو تواترها بالنسبة إلى الأنفال غير بعيدة.

وبالجملة : لم يظهر استفاضة النصوص فضلا عن تواترها بالنسبة إلى كون الموات بالأصالة ـ بما هي موات ـ للإمام عليه‌السلام.

وأمّا النبويّان المذكوران في المتن فهما مرويّان من غير طريقنا. لكن الحكم ـ وهو

__________________

(١) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٢٧٠ ، وفي ص ٢٧٨ أيضا بالنسبة إلى الأرض المفتوحة عنوة.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٠٠ (الطبعة الحجرية).

(٣) كفاية الأحكام ، ص ٢٣٨ ، السطر الأخير.

(٤) رياض المسائل ، ج ١٤ ، ص ١٠٧ ج ٢ ، ص ٣١٨ (الحجرية).

(٥) مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٤ ، جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٦٩.


بل قيل (١) إنّها متواترة.

وهي (٢) من الأنفال.

نعم (٣) أبيح (*) التصرّف فيها بالإحياء بلا عوض. وعليه (٤) يحمل ما في

______________________________________________________

للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» (١).

(١) القائل ـ ظاهرا ـ هو صاحب الجواهر ، وفيه بعد دعوى الإجماع المحصّل : «مضافا إلى النصوص التي يمكن دعوى تواترها» (٢).

(٢) أي : الأرض الموات بالأصالة تكون من الأنفال التي هي للإمام عليه‌السلام.

(٣) يعني : أنّ الأرض الموات بالأصل وإن كانت ملكا للإمام عليه‌السلام ، ومقتضى حكم العقل والنقل عدم جواز التصرف فيها. لكن أبيح التصرف فيها شرعا بالإحياء مجّانا ، كما هو ظاهر ما في النبويين المذكورين في المتن ، فإنّ ظاهر «ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» هو الإذن بالتصرف للمسلمين ، أو تملكهم لها بلا عوض ، فلا تجري هنا قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه.

(٤) أي : وعلى كون إباحة التصرف فيها بالإحياء بلا عوض يحمل ما في النبويين.

وغرضه قدس‌سره دفع توهم. وحاصل التوهم : التنافي بين ما دلّ على كون الأرض الميتة ملكا

__________________

كون الموات بالأصل للإمام عليه‌السلام ـ متفق عليه.

(*) بل يستفاد من جملة من الروايات مملكية التصرف الإحيائي لرقبة الأرض مجّانا للمخالف والكافر ، ففي مضمرة محمّد بن مسلم : «وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها ، وهي لهم» (٣).

وفي رواية أخرى عنه عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» (٤).

وفي رواية أخرى عنه عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها ، وهي لهم» (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٤ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ١.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٣٨ ، ص ١١.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٦ ، الباب ١ من كتاب إحياء الموات ، الحديث : ١.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٧ ، الباب ١ من كتاب إحياء الموات ، الحديث : ٣.

(٥) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٧ ، الباب ١ من كتاب إحياء الموات ، الحديث : ٤.


النبوي [النبويين] (١) «موتان الأرض لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» (١).

ونحوه الآخر : «عادي (٢) الأرض لله ولرسوله ، ثمّ هي لكم منّي» (٢).

وربما (٣) يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجها إلى الإمام عليه‌السلام كما في

______________________________________________________

للمعصوم عليه‌السلام ، وأنّهم عليهم‌السلام أباحوا التصرف فيها بالإحياء بلا عوض من اجرة ونحوها ، وبين النبويين الظاهرين في أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل هذه الأرض ملكا للمسلمين من بعده ، أو مباحة لهم ، بلا دخل للإعمار في ذلك أصلا.

وحاصل الدفع : أنّ اللام في النبوي «هي لكم منّي» وإن كان ظاهرا في كون الأرض ملكا للمسلمين مطلقا سواء أحيوها أم لا ، وسواء بذلوا العوض أم لا. إلّا أن المراد الترخيص في التصرف بلا عوض ، فتكون كالملك في جواز الانتفاع ، لا حصول الملك مطلقا ولو بدون الإحياء ، فإنّه مخالف للنص والإجماع. ولا منافاة حينئذ بين النبوي وبين ما دلّ على «أنّ الأرض الميتة ملك المعصوم عليه‌السلام ، وإنّما أباح إحياءها».

نعم هناك منافاة بين إطلاق جواز الإحياء وبين اعتبار بذل الخراج ، وسيأتي وجه الجمع.

(١) كذا في نسختنا ، والأولى الأفراد كما في سائر النسخ ، ليتمّ العطف عليه بقوله : «ونحوه الآخر».

(٢) قال العلّامة الطريحي : «والعادي : القديم ، والبئر العادية : القديمة ، كأنّها نسبة إلى عاد قوم هود ، وكل قديم ينسبونه إلى عاد وإن لم يدركهم» (٣). ومعنى الحديث : كل أرض لم تعمّر فهي لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) غرضه أنّ ما ذكر ـ من الإباحة بلا عوض ـ معارض ببعض النصوص الظاهرة في وجوب أداء الخراج إلى الامام عليه‌السلام كما في صحيحة الكابلي ، فإنّ ظاهر قوله عليه‌السلام :

__________________

(١) هذا النبوي مروي بطرق العامة ، كما قاله العلامة قدس‌سره : في التذكرة ، ج ٢ ، ص ٤٠٠ ، سنن البيهقي ، ج ٦ ، ص ١٤٣ ، كنز العمال ، ج ٢ ، ص ١٨٥.

(٢) مجمع البحرين ، ج ١ ، ص ٢٨٧.

(٣) عوالي اللئالي ، ج ٣ ، ص ٤٨١ ، ح ٥ ، ورواه عنه في المستدرك ، ج ١٧ ، ص ١١٢ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات ، ح ٥.


صحيحة الكابلي ، قال : «وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام (إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، أنا (١) وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتّقون ، والأرض كلّها لنا ، فمن أحيى أرضا (٢) من المسلمين فليعمّرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها» (١) الخبر (٣).

ومصحّحة (٤) عمر بن يزيد

______________________________________________________

«وليؤدّ خراجها إلى الامام من أهل بيتي» هو وجوب أداء الخراج إلى الامام عليه‌السلام ، وكون إباحة التصرف مع العوض.

ولا بدّ من علاج هذا التعارض ، وقد عالجه المصنف قدس‌سره بأحد وجهين آتيين.

(١) كذا في الوسائل ، وفي نسختنا زيادة «قال : أنا ..».

(٢) كذا في الوسائل ، وفي نسختنا «من الأرض».

(٣) بقية الحديث : «فإن تركها وأخربها ، فأخذها رجل من المسلمين من بعده ، فعمّرها وأحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها حتى يظهر القائم عليه‌السلام من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها ، ويخرجهم منها كما حواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنعها ، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا ، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم».

(٤) معطوف على «صحيحة». وهذه رواية ثانية دلّت على أنّ الترخيص في الإحياء مشروط بأداء العوض إلى الامام عليه‌السلام. وقد عبّر عنها بالصحيحة كما في جملة من الكتب (٢) ولعلّه لأجل انصراف عمر بن يزيد إلى عمر بن محمد بن يزيد بيّاع السابري ، الثقة ، لكثرة رواياته وشهرته ، فلا يراد منه هنا عمر بن يزيد الصيقل الذي لم يرد فيه توثيق.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٩ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، ح ٢.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٤٣ ، مستند الشيعة ، ج ١٠ ، ص ١٤٨ ، جواهر الكلام ، ج ١٦ ، ص ١٣٧ وج ٣٨ ، ص ٢٥ ، وكذا عبّر صاحب الحدائق عن الرواية الآتية بصحيحة عمر بن يزيد في حديث مسمع بن عبد الملك» ، فلاحظ الحدائق الناضرة ، ج ١٢ ، ص ٤٣٥.


«أنّه (١) سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها ، فعمّرها ، وأجرى (٢) أنهارها ، وبنى فيها بيوتا ، وغرس فيها نخلا وشجرا. فقال (٣) أبو عبد الله عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من أحيى أرضا من المؤمنين فهي (٤)

______________________________________________________

ولكن المصنف عبّر عنها بالمصحّحة لأجل أنّ الراوي عن عمر هو الحسن بن محبوب المعدود من الّذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم. ولمّا كان سند الرواية صحيحا إلى ابن محبوب فلذا عبّر عنها بالمصححة ، حيث إنّ رواية ابن محبوب عنه كافية في حجية روايته هنا كما قيل.

وكيف كان فالغرض من الاستشهاد بهذه الرواية دلالة قوله عليه‌السلام : «وعليه طسقها يؤتى به إلى الامام عليه‌السلام» على إناطة جواز التصرف والإحياء ببذل العوض ـ وهو خراجها ـ إلى الإمام عليه‌السلام.

فإن قلت : السؤال في هذه المصحّحة عن حكم إحياء الأرض الموات بالعرض ، لا بالأصل ، لقول السائل : «تركها أهلها فعمّرها» فهي كانت محياة ، ثم عرض عليها الموت. وجوابه عليه‌السلام : «هي له وعليه طسقها» ناظر إلى حكم هذه الأرض. ومن المعلوم أنّه أجنبي عمّا نحن فيه ، وهو الأرض الموات بالأصل. وعليه فلا وجه للاستشهاد بهذه المصححة على وجوب بذل العوض في قبال إحياء الأرض الموات بالأصل.

قلت : نعم ، وإن كان السؤال عن ذلك ، إلّا أن جوابه عليه‌السلام : «من أحيى أرضا» مطلق شامل للموات بالأصل أيضا. والمناط في استظهار الحكم الشرعي هو الجواب ، لا ما ورد في خصوص السؤال.

(١) صدر الرواية كما في الوسائل هكذا : «قال ـ أي عمر بن يزيد ـ سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام : عن رجل .. إلخ».

(٢) كذا في نسخ الكتاب ، ولكن في الوسائل : «وكرى أنهارها».

(٣) في الوسائل : «قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام».

(٤) جواب الموصول في «من أحيى» المتضمن للشرط.


له ، وعليه طسقها (١) يؤدّيه إلى الإمام عليه‌السلام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه» الخبر (١).

ويمكن (٢) حملها (*) على بيان الاستحقاق ووجوب إيصال الطّسق إذا طلبه (٣) الإمام عليه‌السلام ، لكنّ (٤) الأئمة عليهم‌السلام بعد أمير المؤمنين عليه‌السلام حلّلوا شيعتهم ، وأسقطوا ذلك عنهم ، كما يدلّ عليه (٥) قوله عليه‌السلام : «وما كان لنا فهو لشيعتنا» (٢) ،

______________________________________________________

(١) الطّسق ـ بالفتح كفلس ـ ما يوضع من الوظيفة على الجربان من الخراج المقرّر على الأرض ، وهي فارسي معرّب (٣).

(٢) هذا أوّل وجهي علاج التعارض بين الطائفتين الدالة إحداهما على كون التصرف في الموات بالأصل بلا عوض ، والأخرى على كون التصرف فيها مع العوض.

وحاصل هذا الوجه : أنّ ما دلّ على وجوب أداء العوض مشروط بطلب الامام عليه‌السلام ، وبدون الطلب لا يجب أداؤه.

(٣) أي : طلب الإمام عليه‌السلام ذلك الطّسق.

(٤) يعني : أنّ وجوب إيصال الطّسق إلى الامام عليه‌السلام قد أسقطه الأئمة الطاهرون بعد مولانا أمير المؤمنين «على جميعهم أفضل صلوات المصلين» وهذا الإسقاط حكم ولائي. ويمكن أن يكون ذلك في زمان بعض الأئمة عليهم‌السلام دون بعض.

(٥) أي : يدل على أنّهم عليهم‌السلام حلّلوا شيعتهم من ذلك الطّسق وأسقطوه عنهم

__________________

(*) لكن يأبى هذا الحمل قوله عليه‌السلام في رواية الكابلي : «وليؤدّ خراجها إلى الامام» وقوله عليه‌السلام في مصححة عمر بن يزيد «وعليه طسقها يؤديه الى الامام» فإنّ ظاهرهما إطلاق وجوب أداء الخراج ، وعدم إناطته بمطالبة الإمام. نعم هو صالح للتقييد ، لكن لا دليل عليه ، ومجرد الصلاحية له ثبوتا لا يكفي في مقام الإثبات.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٨٢ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، ح ١٣ ، ولا وجه لكلمة «الخبر» إذ المنقول تمام الحديث.

(٢) المصدر ، ص ٣٨٤ ، ح ١٧.

(٣) مجمع البحرين ، ج ٥ ، ص ٢٠٦ ، لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٢٢٥.


وقوله عليه‌السلام : في رواية مسمع بن عبد الملك : «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض ، فهم فيه محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا ، فيجبيهم (١) طسق ما (٢) كان في أيدي سواهم ، فإنّ كسبهم في الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا ويأخذ الأرض من أيديهم ، ويخرجهم عنها صغرة» (١).

نعم (٣) ذكر في التذكرة : «أنّه لو تصرّف في الموات أحد بغير إذن الإمام كان عليه طسقها» (٢).

ويحتمل (٤) حمل هذه الأخبار المذكورة

______________________________________________________

قول مولانا أبي عبد الله عليه‌السلام في خبرين ، روى أحدهما معلّى بن خنيس عنه : «وما كان لنا فهو لشيعتنا» والآخر أبو سيّار مسمع بن عبد الملك.

(١) هو من جباية الخراج ، يعني : يجمع الخراج ويأخذه منهم ، ويترك الأرض في أيديهم. هذا بناء على ما في المتن من قوله : «فيجبيهم» ولكن في الوسائل : «فيجيبهم».

(٢) كذا في نسختنا ، وهو موافق لما رواه في الوسائل عن التهذيب. ولكنه نقل عن الكافي زيادة ، وهي «فيجيبهم طسق ما كان في أيديهم ، وترك الأرض في أيديهم ، وأمّا ما كان ..».

(٣) هذا استدراك على قوله : «لكن الأئمة عليهم‌السلام .. حلّلوا شيعتهم».

وحاصل الاستدراك : أنّ العلّامة قدس‌سره خالف مضمون هاتين الروايتين ، وحكم بوجوب أداء الطّسق على من تصرّف في هذه الأرض بدون إذن الامام عليه‌السلام ، هذا.

(٤) معطوف على قوله قبل أسطر : «ويمكن حملها». وهذا ثاني وجهي علاج التعارض بين ما دلّ على كون التصرف في الموات بالأصل مجّانا ، وما دلّ على كونه بالعوض.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٨٢ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، ح ١٢ ، و «الصغرة» جمع صاغر بمعنى الذليل. وفي بعض نسخ التهذيب بالفاء ، فيكون بكسر الصاد على وزن «حبر» ومعناه الخالي. لكن يبعده ما في المجمع من أنّ «الصفر» بمعنى الخالي لا يدخل عليه هاء التأنيث «بل يستعملونه على صيغته هذه في المذكر والمؤنث والتثنية والجمع» فراجع مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص .٣٦٧

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٠٢.


على حال الحضور (*) ، وإلّا (١) فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال الإمام (٢) [مال للإمام] في الأراضي في حال الغيبة ، بل (٣) الأخبار متّفقة على أنّها لمن أحياها (٤). وستأتي (٥) حكاية إجماع المسلمين على صيرورتها

______________________________________________________

وحاصل هذا الوجه : حمل الأخبار الدالة ـ على كون التصرف في الأرض الموات مع العوض ـ على حال الحضور ، وحمل الأخبار الدالة على كون التصرف فيها مجانا على حال الغيبة.

(١) أي : ولو لم تحمل الأخبار على حال الحضور ، تعيّن رفع اليد عنها ، لمخالفتها للإجماع على عدم وجوب شي‌ء للإمام عليه‌السلام في عصر الغيبة في تلك الأراضي. ولعلّ الأولى أبدال «وإلّا فالظاهر» ب «إذ الظاهر ..».

(٢) كذا في نسختنا ، والأولى ما في نسخة اخرى من قوله : «مال للإمام».

(٣) يعني : بل الأخبار متفقة على خروج الأرض عن ملكه عليه‌السلام ودخولها في ملك المحيي في عصر الغيبة ، كقوله عليه‌السلام في مصححة عمر بن يزيد المتقدمة في (ص ٤١٢) : «من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له».

وعليه فلا يبقى موضوع لوجوب الطّسق.

(٤) هذا الضمير وضمير «أنها» راجعان إلى الأراضي.

(٥) أي : وستأتي حكاية إجماع المسلمين على صيرورة تلك الأراضي ملكا

__________________

(*) لا يخفى ما في هذا الحمل أيضا ، لمنافاته لما في ذيل رواية الكابلي من قوله عليه‌السلام : «حتى يظهر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف» ولما في ذيل رواية مسمع : «حتى يقوم قائمنا» ، لأنّهما يدلّان على أنّ زمان الاحياء مع الأجرة ينتهي إلى عصر الحضور فالإحياء في زمان الغيبة لا يكون مجانا.

ولعلّ الجمع بين الأخبار المزبورة يقتضي القول بجواز الإحياء لغير الكفار مع العوض. فإن كان شيعيا تشمله أخبار التحليل ، وإلّا فيجب عليه دفع الطسق في عصر الغيبة إلى نائبها ، إن لم يكن إجماع على عدم وجوب دفعه في زمان الغيبة ، وإلّا كان الإحياء في عصرها مجانا ، بل ادعي الإجماع على مالكية المحيي مطلقا وإن كان كافرا ، كما دلّت عليه جملة من النصوص أيضا ، فلا يبقى حينئذ مجال للعمل بروايات الطّسق.


ملكا بالإحياء (*).

______________________________________________________

بالإحياء. والظاهر أنّ غرضه من الإجماع ما نقله في القسم الثالث ـ وهو ما عرض له الحياة بعد الموت ـ بقوله : «بإجماع الأمة ..» فلاحظ (ص ٤٣٦).

__________________

(*) ينبغي الكلام في أوّل أقسام الأراضي في مواضع :

الأوّل : في معنى الموات بالأصل ، إذ فيه احتمالان ، فبناء على تفسيره «بعدم كون الأرض مسبوقة بعمارة» يمكن إحرازه بالاستصحاب القهقرى. وبناء على تفسيره بالأرض الّتي خلقت مواتا ، وكانت باقية على هذه الحالة ، ولم تعمّر إلى الآن ، فإحرازه بالاستصحاب مشكل ، لعدم العلم مع احتمال خلقتها معمورة كما لا يخفى.

نعم بناء على جريان الأصل في الأعدام الأزلية يجري استصحاب عدم عمرانها حين خلقتها. لكن في اعتباره بحث مذكور في محلّه.

لكن الظاهر عدم المجال لهذه الأبحاث ، لعدم موضوع لها ، إذ الموضوع في النصوص عنوان «الموات» بلا قيد الأصالة ، والأرض التي لا ربّ لها.

وكذا لا مجال لهذه الأبحاث بناء على أن يراد من الموات بالأصالة الموت في صدر الإسلام حال استيلاء المسلمين على أراضي الكفار ، وذلك لإمكان إحراز مواتها بالأصل إن كانت حالتها المعلومة قبل الإسلام عدم العمران.

الموضع الثاني : في كون الموات بالأصل ملكا للإمام عليه‌السلام ، وهو ممّا لا إشكال فيه ، فإنّه من الأنفال التي اتّفقت الكلمة على أنّها له عليه الصلاة والسلام ، وإن لم تكن النصوص بعنوان «الموات بالأصل» متواترة ولا مستفيضة ، ولكنها تدل عليها بعنوان آخر ، وهو كاف في المسألة. ولا يناط حكم الموات بالأصل بتواتر النصوص أو استفاضتها بعنوانه.

الموضع الثالث : في أنّه هل يعتبر في صيرورة الموات ملكا أو مباحا للمحيي إذن الامام أم لا؟ لا ريب في أنّ القاعدة العقلية والنقلية تقتضي عدم جواز التصرف إلّا بالإذن ، سواء أكان عليه‌السلام مالكا للموات بالإمامة ، أو ملكا شخصيّا له يرثه الوارث ، أم وليّا على الموات ، فإنّ اللازم الاستيذان منه في التصرف على كل تقدير ، فإنّ الوليّ وإن لم يكن مالكا ، لكن يلزم الاستيذان منه ، كما في التصرف في أموال القصّر من الأطفال والمجانين والغيّب.


.................................................................................................

______________________________________________________

وبدون الاستيذان يكون المتصرف آثما وغاصبا ، فإنّ التصرف في مورد سلطان الغير حرام ، لاقتضاء سلطنته ذلك ، فيجب الاستيذان منه في حال الحضور وبسط اليد ، وفي حال الغيبة من نائبه العامّ ، وهو الفقيه الجامع للشرائط بناء على ولايته العامّة. فالإحياء بدون إذنه عليه‌السلام أو نائبه لا أثر له لا ملكا ولا إباحة.

والحاصل : أنّ قاعدتي العقل والنقل تقتضيان اعتبار الإذن ولو من الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة ، هذا.

وهنا قولان آخران :

أحدهما : اعتبار الاستئذان في حال الحضور دون الغيبة.

ثانيهما : سقوط اعتبار الإذن مطلقا ، بل امتناعه في زمان الغيبة.

ولعلّ وجه الأوّل إمكان الاستيذان حال الحضور ، فيجب للقاعدة ، بخلاف زمان الغيبة ، فيجوز بلا إذن بعد البناء على عدم ولاية نائب الغيبة على الاذن.

ووجه الثاني : إمّا كفاية إذن مالك الملوك في جواز الإحياء ، وعدم الحاجة الى إذن المالك الشرعي كما في حقّ المارة. ونظيره في التملك بالاحياء التملك بالالتقاط ، فإنّ الملتقط بعد التعريف يتملكه بإذنه تعالى شأنه ، لا بإذن مالكه الشرعي.

وإمّا عدم الفرق بين الحضور والغيبة ، مع البناء على امتناع الاذن ، لعدم ولاية الفقيه على الإذن ، هذا.

ثم إنّ القائل باعتبار الإذن مطلقا يدّعي صدور الإذن منه عليه‌السلام بحيث لا يصدر الإحياء بدون الإذن أصلا حتى في زمان الغيبة ، أو عدم بسط اليد ، رعاية لقاعدتي العقل والنقل القاضيتين بعدم جواز الإحياء بدونه ، كسائر النواقل الشرعية المنوطة بالاذن.

ولإثبات الإذن طرق.

منها : نفس النص الدال على سببية الإحياء للملكية ، كقولهم عليه‌السلام : «من أحيى أرضا ميتة فهي له» بتقريب : أنّ الإذن في تشريع الإحياء ـ لصدوره عن المالك ـ يكون إذنا مالكيا أيضا ، فيكون دالّا على تشريع الإحياء والإذن فيه. نظير قوله : «من دخل داري أو مسجدي مثلا فله كذا» فإنّه كما يدلّ على سببية الدخول للجزاء ، كذلك يدل على الإذن المالكي في


.................................................................................................

______________________________________________________

الدخول. وهذا هو الفارق بين دليل الإحياء وأدلة سائر الأسباب الناقلة.

ومنها : أنّ دلالة الاقتضاء تقتضي اقتران الإحياء بالإذن ، وإلّا يلزم لغوية تشريع الإحياء.

توضيحه : أنّ تشريع الإحياء المشروط بالإذن مع امتناع تحققه في زمان ممتدّ ـ وهو زمانا الغيبة الكبرى وعدم بسط اليد ، مع مطلوبية إحياء الأرض في جميع الأزمنة ، وتعميرها شرعا كذلك ، وعدم إبقائها خربة كما دلّت عليه الآيات والنصوص ـ لغو. ولا تندفع اللغوية إلّا بالالتزام باقتران كلّ إحياء بالإذن المالكيّ ، وهو المطلوب.

ومنها : أخبار التحليل ، خصوصا رواية مسمع بن عبد الملك ، حيث قال عليه‌السلام : «وكلّ ما كان من الأرض في أيدي شيعتنا فهم فيه محلّلون يحلّ [ومحلل] لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا» (١) الخبر. لأنّ ظهورها في حلية التصرف الكاشفة عن الاذن والرضا به ممّا لا ينكر ، فتكون الملكية أو الإباحة بالإحياء المأذون فيه. وأمّا مشروعيّة نفس الإحياء المملّك ، فتستفاد من أدلة أخرى.

ومنها : النبويّان المذكوران في المتن ، لكونهما كالصريح في التمليك عن الرضا المالكي ، غاية الأمر أنّه لا بدّ من تقييد الملكية بأدلة الإحياء ، إذ التمليك بدون الإحياء لا يندرج تحت أحد الأسباب المملكة الشرعية. لكن هذين النبويّين ضعيفان ، لعدم كونهما مرويّين من طرقنا.

ومنها : ما عن كاشف الغطاء قدس‌سره من دلالة شاهد الحال على رضاهم بالإحياء وطيب نفسهم بعمارة الأرض ، وعدم رضاهم ببقائها على الخراب.

توضيحه : أنّ دليل تشريع الإحياء يكشف عن وجود مصلحة في عمارة الأرض ، وحيث إنّها ملك الامام عليه‌السلام ، والقاعدة تقتضي اعتبار إذنه ، فلو لم يكن في الواقع إذن منه عليه‌السلام كان هذا التشريع لتلك المصلحة لغوا ، لعدم ترتب تلك المصلحة على تشريع الإحياء ، مع عدم إمكان الاستيذان منه عليه‌السلام في زماني الغيبة وعدم بسط اليد ، فتبقى الأرض مخروبة غير محياة. وهذا خلاف ما أرادوه من إحياء الأرض وتعميرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٨٢ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، ح ١٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

ودعوى إمكان الاستيذان من نائبه العام غير مسموعة ، لأنّ المسلّم من نيابة الفقيه هو كونه نائبا عنه عليه‌السلام فيما يرجع إلى أمور المسلمين التي تكون وظيفة الإمام عليه‌السلام بما هو رئيس أن يتصدّى لها. وأمّا ما يتعلق باموره الشخصية كأمواله مثل الموات من الأرض وسهم الامام عليه‌السلام فليس من الأمور النظامية الراجعة إلى المجتمع حتى يجري فيها النيابة.

وبالجملة : فمجموع ما ذكر من القرائن كاف في الدلالة على الإذن ، وإثبات أنّ إحياء الموات في الأراضي الميتة مأذون فيه.

ومع هذه الوجوه الظاهرة في اقتران الإحياء بالإذن المالكي لا يبقى مجال لدعوى سقوط اعتبار الإذن في الإحياء ـ مع كون السقوط على خلاف القاعدة ـ استنادا في ذلك تارة إلى امتناع اعتباره في زمان الغيبة ، مع عدم نيابة الفقيه في مثل هذه الأمور.

وجه عدم المجال : أنّه مع ظهور الوجوه المزبورة في صدور الاذن منهم عليهم‌السلام لا وجه لدعوى الامتناع وسقوط اعتبار الإذن.

وأخرى : إلى كفاية إذن مالك الملوك في جواز الإباحة أو التملّك ، نظير حقّ المارة والتملك بالالتقاط بعد التعريف في عدم اعتبار إذن المالك الشرعي ، وكفاية إذن المالك الحقيقي ، استنادا إلى ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من غرس شجرا أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد ، أو أحيى أرضا ميتة ، فهي له ، قضاء من الله ورسوله» (١).

وذلك لأنّه قياس لا يصلح الاستناد إليه في سقوط اعتبار الإذن في المقام ، ومخالفة قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه.

وأمّا الرواية فبعد الغض عن ضعف سندها يصلح إطلاقها للتقييد ، لأنّ ظهور قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كفاية القضاء وعدم الحاجة إلى إذن الامام عليه‌السلام إنّما يكون بالإطلاق الذي يقيّد بما دلّ على اعتبار إذن الامام عليه‌السلام. نظير قوله : «من اشترى شيئا ملكه» في صحة تقييده بما إذا كان ذلك الشي‌ء معلوما أو بما إذا لم يكن خمرا وخنزيرا ، وهكذا.

فالمتحصل : من جميع ما ذكرناه في الموضع الثالث : افتقار الإحياء إلى إذن الامام عليه‌السلام

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٨ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

في كلا زماني الحضور والغيبة ، وتحقق الإذن منه عليه‌السلام في كلا الزمانين كما تقدم.

ثم إنّه وقع الكلام في أنّ الإذن في الإحياء هل يختصّ بالشيعة ، أم يعمّ سائر المسلمين ، أم يعمّ غير المسلمين؟ وينبغي قبل التعرّض للروايات التي هي دليل اجتهادي على حكم المسألة بيان الأصل العملي على فرض عدم تمامية الدليل الاجتهادي ، فنقول وبه نستعين :

إنّ مرجع الشك في المقام إلى إطلاق الإذن لكلّ محي ، سواء أكان شيعيّا أم مخالفا أم كافرا ، وعدمه. فإن لم يكن لدليل الإذن إطلاق يشمل الجميع فلا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن ، وهو خصوص الشيعة الاثني عشرية كثّرهم الله تعالى في البريّة. وأمّا غير هم فيشك في شمول دليل الإذن لهم ، والمرجع حينئذ استصحاب عدم الإذن ، حيث إنّه من الحوادث المسبوقة بالعدم ، وبه يتم الموضوع المركّب من الاستيلاء الإحيائي المحرز بالوجدان ، وعدم الاذن المحرز بالتعبد وهو الاستصحاب ، كسائر الموضوعات المركبة التي يحرز بعض أجزائها بالوجدان ، وبعضها بالأصل.

فالنتيجة : عدم جواز إحياء غير الشيعي ، وكونه غاصبا ومرتكبا للحرام.

إذا تقرّر هذا ، فاعلم : أنّ روايات الباب على طائفتين :

إحداهما : ما تدل على اختصاص الإذن بالشيعة.

وثانيتهما : ما تدلّ على عموم الاذن لغير الشيعة من الكافرين فضلا عن المخالفين.

أمّا الطائفة الأولى ، فهي بين ما يختلّ فيه كلتا أصالتي الصدور والظهور ، أمّا الأوّل فلعدم المقتضى ، وذلك لضعف السند. وأمّا الثاني فلوجود المانع ، وهو الإعراض المانع عن حجيته كما سيجي‌ء.

أما اختلال أصالة الصدور فكما في رواية عمر بن يزيد ، فإنّ عمر بن يزيد مشترك بين الثقة وهو عمر بن يزيد بياع السابري ، وبين من لم يرد فيه توثيق وهو عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل ، فإنّ في تلك الرواية «كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ، ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ، وترك الأرض في


.................................................................................................

______________________________________________________

أيديهم. وأمّا ما كان في أيدي غيرهم فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم» (١).

وأمّا اختلال أصالة الظهور ـ بمعنى الإعراض عنه وعدم العمل به مع وجوده ـ فوجهه : أنّ الرواية تشتمل على الطّسق الذي هو خلاف الفتوى المعروفة بينهم ، بل ادعي عدم الخلاف في عدم وجوب مال الإمام في الأراضي في حال الغيبة.

والحاصل : أنّ هذه الرواية وإن كان لها ظهور عرفي في اختصاص الإذن بالشيعة ، إلّا أنّ هذا الظهور ليس حجة ، لما مرّ من اشتمالها على الطسق الذي يكون مخالفا للفتوى بعدمه.

وكرواية يونس بن ظبيان أو المعلّى بن خنيس المتضمنة لأنّ «ما سقت أو استقت منها ـ أى من ثمانية أنهار فهو لنا ، وما كان لنا فهو لشيعتنا ، وليس لعدوّنا منه شي‌ء (٢).

وكالمنقولة عن تفسير فرات بن إبراهيم (٣). أمّا يونس بن ظبيان فضعيف ، وأبان بن مصعب البجلي لم يوثق.

وبين ضعيف السند الموجب لعدم جريان أصالة الصدور وعدم الدلالة ، الموجب لعدم جريان أصالة الظهور فيه ، كرواية الحرث بن المغيرة ، قال : «دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فجلست عنده ، فإذا نجيّة قد استأذن عليه ، فأذن له ، فدخل ، فجثى على ركبتيه ، ثم قال : جعلت فداك ، إنّي أريد أن أسألك عن مسألة ، والله ما أريد بها إلّا فكاك رقبتي من النار. فكأنّه رقّ له ، فاستوى جالسا ، فقال له : يا نجيّة سلني ، فلا تسألني اليوم عن شي‌ء إلّا أخبرتك. قال : جعلت فداك! ما تقول في فلان وفلان؟ قال : يا نجيّة! إنّ لنا الخمس في كتاب الله ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو الأموال. وهما والله أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله ، وأوّل من حمل الناس على رقابنا ، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت ، وإنّ الناس ليتقلبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت .. إلى أن قال : اللهم إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا. قال : ثم اقبل علينا بوجهه ، فقال : يا نجيّة ما على فطرة إبراهيم غيرناه غير شيعتنا» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٨٢ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، ح ١٢.

(٢) المصدر ، ص ٣٨٤ ، ح ١٧.

(٣) المستدرك ، ج ٧ ، ص ٣٠٢ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، ح ١.

(٤) تهذيب الأحكام ، ج ٤ ، ص ١٤٥ ، الباب ٣٩ (الزيادات) ح ٢٧ ورواه في الوسائل بإسقاط بعض الجمل في ج ٦ ، ص ٣٨٣ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، ح ١٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا ضعف سنده فبجعفر بن محمد بن حكيم ، لما روي في رجال الكشي من «أنه ليس بشي‌ء» (١). فتأمّل.

وأمّا عدم ظهور الدلالة ، فلأنّ قوله عليه‌السلام : «إنّ الناس ليتقلبون في حرام» لم يظهر أنّه لأجل غصب الخمس فقط ، أو لأجله مع صفو المال ، أو لأجلهما مع الأنفال. لكنّه على جميع التقادير ظاهر في حصر الحلّ للشيعة ، لظهور قوله عليه‌السلام : «اللهم إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا» خصوصا مع قوله عليه‌السلام : «ما على فطرة إبراهيم غيرنا .. إلخ» بعد قوله عليه‌السلام : «إنّ الناس ليتقلّبون في حرام» في اختصاص التحليل بالشيعة ، وهو لا يقبل الإنكار. ومقتضى الحصر حرمة التصرف على غير الشيعة. إلّا أن يكون هناك نص أو أظهر ـ في دلالة الحلّ لغيرهم ـ من هذا الحصر الظاهر في الاختصاص بهم ، فيقدم عليه.

هذا بناء على اعتبار هذه الرواية سندا ، لكن قد عرفت ضعفه ، فلا تصل النوبة إلى اعتبارها ، وتقديم غيرها عليها بالنصوصية أو الأظهرية.

وكرواية الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وفيها : «انّ الله جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي‌ء ، فقال تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) .. الى أن قال : فنحن أصحاب الخمس والفي‌ء ، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا» (٢).

وضعف سنده إنّما هو بالحسن بن عبد الرحمن ، حيث إنّه لم يرد فيه توثيق. وأمّا ضعف دلالته فلأنّ مورده الخمس بقرينة الاستشهاد بآية الخمس ، ولا ربط له بما نحن فيه من الأرض الموات بالأصل. فهذه الرواية ضعيفة أيضا سندا ودلالة.

وكصحيحة الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفيها : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لفاطمة عليها‌السلام : أحلّي نصيبك من الفي‌ء لآباء شيعتنا» (٣).

لكن الموضوع في هذا التحليل ظاهرا هو الفدك ، ولم يكن ذلك مواتا ، بل كان

__________________

(١) راجع ترجمته في معجم رجال الحديث ، ج ٤ ، ص ١٠٩.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٨٥ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، ح ١٩.

(٣) المصدر ، ص ٣٨١ ، ح ١٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

معمورا ، فهذه الصحيحة أجنبية عن موضوع بحثنا.

وتحديد الفدك بما يشمل جملة من الموات كما في رواية علي بن أسباط (١) غير مجد ، لضعف سندها بالسياري ، أو لإرسالها ، فلا وجه للاستدلال بها على اختصاص الإذن في إحياء الموات بالأصل بالشيعة.

وكرواية عمر بن يزيد ، قال : «سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها ، فعمّرها وكرى أنهارها ، وبنى فيها بيوتا ، وغرس فيها نخلا وشجرا. قال : فقال : أبو عبد الله عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها يؤدّيه الى الامام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه» (٢).

فإنّ قوله : «من المؤمنين» يدلّ على اعتبار الإيمان أي الاعتقاد بإمامة الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، فإحياء غير المؤمنين لا أثر له ، هذا.

لكن دلالته على الحصر كما هو المدّعى في حيّز المنع ، فتأمل.

مضافا إلى ما فيه من ضعف سنده ، لاشتراك عمر بين الثقة والمجهول كما تقدّم في (ص ٤٢٠).

ومن : احتمال كون المراد من قوله : «أحيى أرضا» خصوص الأرض التي ورد السؤال عنها ، وهي الأرض التي خربت بعد العمارة ، لا الأرض الموات بالأصالة التي هو مورد البحث.

ومن : اشتمالها على أداء الطّسق ، وهو خلاف الفتوى.

ومن : أنّ جملة «إذا ظهر القائم .. إلخ» مخالف لما دلّت عليه الروايات من أن الأرض متروكة في أيدي الشيعة حال الظهور.

فصار المتحصل : أنّ هذه الطائفة من الروايات لا تدلّ على اختصاص الإذن في إحياء الأرض الموات بالشيعة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٦ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ٥.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٨٢ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، ح ١٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا لا تدلّ رواية الكابلي على اختصاص الإذن بالمسلمين ، وهي ما رواه الكابلي عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) المتقدمة في المتن (ص ٤١١) فإنّ الكابلي الذي اسمه «وردان» وكنيته «أبو خالد» لا يظهر من ترجمته وثاقته ، فراجع.

ومع الغض عنه لا يدلّ على الاختصاص بالمسلمين ، لعدم المفهوم له حتى لا يجوز لغير المسلم إحياء الموات. ولو احتمل كون موردها الأرض الخراجية لخرجت عن موضوع البحث ، وهو إحياء الموات بالأصالة ، هذا.

وأمّا النبويان المذكوران في المتن ـ المرويّان من غير طريقنا ـ الدالّان على «أنّها منّي للمسلمين» فلا عبرة بهما ، لمنافاتهما لما دلّت عليه الروايات الكثيرة المعتمدة من : أنّ الأنفال بعد الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

والحاصل : أنّ هذه الطائفة من الروايات لا تدلّ على اختصاص الإذن بالشيعة ، هذا.

وأمّا الطائفة الثانية الدالة على الاذن لمطلق الناس ولو كان كافرا ، فهي روايات :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : «سألته عن الشراء من أرض اليهود والنصارى؟ قال : ليس به بأس ، وقد ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أهل خيبر ، فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملون بها ويعمّرونها ، فلا أرى بها بأسا لو أنّك اشتريت منها شيئا. وأيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعملوها فهم أحقّ بها ، وهي لهم» (٢). فإنّ جواز الشراء من اليهود والنصارى يدلّ على ملكهم للأرض ولو بالإحياء والتعمير ، وهذا يكشف عن الإذن في الإحياء لمطلق الناس وإن كان كافرا.

ومع الغض عن ذلك ، ودعوى إهمال الصدر من جهة سبب تملكهم للأرض ، ففي الكبرى المذكورة ذيلا المتضمنة لكون إحياء كل قوم وإن كانوا كفّارا موجبا للأحقية غنى وكفاية. فإحياء الكافر كإحياء المسلم مقرون بإذن مالك الأرض ، لحرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه شرعا وقبحه عقلا. فلا يختصّ الإذن بالمسلم أو خصوص الشيعي.

فليس إحياء الموات كحيازة المباحات ، فإنّ قولهم عليهم‌السلام : «من حاز ملك» ظاهر في

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٩ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ١١٨ ، الباب ٧١ من أبواب الجهاد العدو ، ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

السببية التامة لملكية المباحات ، من دون إناطة سببيتها بشي‌ء ، بخلاف إحياء الموات ، فإنّه مشروط بالإذن ، لكون الموات ملكا للإمام عليه‌السلام. بخلاف المباحات ، فإنّها ليست ملكا له عليه‌السلام ، فلا تحتاج سببية الحيازة إلى الإذن.

ومنها : رواية الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : «قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحيى أرضا مواتا فهي له» (١).

ومنها : ما بمضمون هذا الخبر ، فإنّ تشريع الإحياء من مالك الأرض إذن مالكيّ في الإحياء كما تقدّم تقريبه ، وتنظيره بإذن المالك بالدخول في داره.

وبالجملة : لا قصور في دلالة هذه الطائفة على الإذن في الإحياء لمطلق الناس وإن كان كافرا ، والله العالم.

الموضع الرابع : ما تعرض له المصنف بقوله : «وستأتي حكاية إجماع المسلمين على صيرورتها ملكا بالإحياء» وهذا الحكم وإن كان اتفاقيا كما في المتن ، إلّا أنّ الروايات مختلفة ، فإنّ جملة منها ظاهرة في ملكية الأرض المحياة للمحيي ، كقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رواية الفضلاء المتقدمة آنفا ، وغيرها (٢).

وكرواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من غرس شجرا أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد ، أو أحيى أرضا ميتة فهي له ، قضاء من الله ورسوله» (٣).

وكصحيحة محمّد بن مسلم «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحقّ بها ، وهي لهم» (٤).

وكصحيحته الأخرى (٥) المتقدمة في صدر الطائفة الثانية المشتملة على الاشتراء

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٧ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ٥.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٧ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ٦.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٨ ، الباب ٢ من أبواب إحياء الموات ، ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٦ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ٤.

(٥) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ١١٨ ، الباب ٧١ من أبواب جهاد العدو ، ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

من أرض اليهود والنصارى. فإنّ ظاهرها اشتراء نفس الأرض ، فلا بدّ أن تكون الأرض ملكا لهم.

وظهور هذه الروايات في ملكية الأرض المحياة لمحييها مما لا يقبل الإنكار.

وجملة أخرى منها ظاهرة في إباحة المحياة للمحيي ، كروايتي الكابلي وعمر بن يزيد المتقدمتين ـ في روايات الطائفة الأولى ـ الدالتين بظهور قوي على عدم الملكية ، وأنّ الإحياء لا يفيد إلّا إباحة التصرف. لكنهما لضعف السند وعدم العمل لا يصلحان للمعارضة.

وكذا خبر مسمع بن عبد الملك المذكور في المتن (ص ٤١٤) المشتمل على قوله عليه‌السلام : «كلّما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم» الخبر. وذلك لإعراض المشهور عن هذه الرواية ونظائرها ، فلا يشملها دليل الحجية حتى يقع التعارض بينهما ، أو يمكن الجمع بينهما.

وعلى هذا فلا وجه للجمع ـ بين ما دلّ على كون التصرف بلا عوض ، وما دلّ على كونه مع العوض ـ بما في المتن تارة من حمل الثاني على الاستحقاق الطبيعي الاقتضائي غير المنافي للسقوط الفعلي بإسقاط مستحقه ، إذ منع الاستحقاق الفعلي لا يجدي في الحكم بنفي الملك ، بل يجدي في نفي فعلية وجوب دفع الخراج.

مضافا إلى : أنّه ليس جمعا عرفيا ، ولا ممّا له شاهد.

واخرى : من حمله على حال الحضور. أما في حال الغيبة فيكون التصرف بلا عوض ، ففي عصر الحضور يجب دفع الطسق دون زمان الغيبة.

إذ فيه : أنّ هذا الحمل ينافي ما في روايتي الكابلي وعمر بن يزيد من وجوب أداء الخراج إلى الامام عليه‌السلام كما في رواية الكابلي ، ومن «أن عليه طسقها يؤتى به الى الامام عليه‌السلام في حال الهدنة» كما في رواية عمر بن يزيد. وليس وجوب دفع الطسق مشروطا بمطالبة الإمام عليه‌السلام كما قيل ، بل هو تكليف فعلي غير مشروط بشي‌ء.

والحاصل : أنّ نصوص الإباحة وإن كان ظهورها في الإباحة قويّا جدّا ، إلّا أنّ


الثاني (١) ما كانت عامرة بالأصالة أي لا من معمّر.

والظاهر أنّها (٢) أيضا للإمام عليه‌السلام وكونها (٣) من الأنفال ، وهو (٤) ظاهر

______________________________________________________

٢ ـ ما كانت عامرة بالأصالة

(١) أي : القسم الثاني من الأقسام الأربعة ـ التي أشار إليها في (ص ٤٠٧) بقوله : «فالأقسام أربعة لا خامس لها» ـ هو الأرض العامرة بالأصل أي : لا من معمّر ، كشواطئ الأنهار وبعض الجبال الملتفّ بالأشجار. وقد تعرض في هذا القسم لجهتين :

إحداهما : كون هذه الأراضي العامرة ملكا للإمام عليه‌السلام.

وثانيتهما : أنّ حيازتها مملّكة للحائز أم لا؟

(٢) أي : أنّ الأرض العامرة بالأصل تكون للإمام عليه‌السلام كالقسم الأوّل ، وهو الموات بالأصل ، وأنّها من الأنفال ، لانطباق عنوان «الأرض التي لا ربّ لها» عليها.

(٣) معطوف على «أنّها» يعني : والظاهر كونها ـ أي الأرض العامرة بالأصالة ـ من الأنفال.

(٤) أي : وكون الأرض العامرة بالأصالة للإمام عليه‌السلام ومن الأنفال هو ظاهر إطلاق قولهم : «وكلّ أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهو للإمام عليه‌السلام».

ووجه الإطلاق أنّ الفقهاء لم يقيّدوا مالكية الإمام ـ للأرض التي لم يجر عليها يد مسلم ـ بما إذا كانت مواتا. ومقتضى الإطلاق كون هذه الأرض من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام ، سواء أكانت مواتا أم عامرة.

__________________

إعراض المشهور عنها أسقطها عن الحجية. فلا موجب للجمع بينها ، ولا لإجراء أحكام التعارض فيها.

فتلخص من جميع ما ذكرناه في الموضع الرابع من مباحث الموات بالأصالة : أنّ المحيي ولو كان كافرا يملك الأرض المحياة مجانا. هذا تمام الكلإ في القسم الأوّل وهو الموات بالأصالة.


إطلاق قولهم : «وكلّ أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهي للإمام عليه‌السلام» (١).

وعن التذكرة (٢) الإجماع عليه ، وفي غيرها «نفي الخلاف عنه (٣)». لموثّقة (٤) أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمّار المحكيّة عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه‌السلام ، حيث عدّ من الأنفال : «كلّ أرض لا ربّ لها» (١).

ونحوها (٥) المحكي عن تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢).

______________________________________________________

(١) قال المحقق قدس‌سره : «وكذا ـ أي وللإمام عليه‌السلام ـ كل أرض لم يجر عليها يد مسلم» ونحوه كلام العلامة (٣). وقال صاحب الجواهر في شرح العبارة : «بلا خلاف أجده فيه ، بل قيل : إنه طفحت به عباراتهم» ومراده بالقائل هو السيد العاملي المدّعي لعدم الخلاف من أحد ، فراجع (٤).

(٢) حيث قال في عدّ الأنفال : «وكل أرض مملوكة من غير قتال ، وانجلى أهلها عنها .. وهذه كلّها للإمام يتصرف فيها كيف شاء ، عند علمائنا أجمع» (٥).

(٣) أي : عن كون هذه الأرض للإمام عليه‌السلام كما في الرياض ، لقوله في عدّ الأنفال : «أو مطلق الأرض ـ أي لا خصوص الموات ـ التي لم يكن لها أهل معروف .. بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده» (٦).

(٤) تعليل لكون الأرض العامرة بالأصل للإمام عليه‌السلام ، لإطلاق «الأرض» وعدم اختصاصها بالموات.

(٥) أي ونحو موثقة أبان ما حكي عن تفسير العيّاشي في كون الأراضي العامرة بالأصل والّتي لا ربّ لها للإمام عليه‌السلام ، وأنّها من الأنفال.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٧١ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ٢٠ ، تفسير القمي ، ج ١ ، ص ٢٥٤.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٧٢ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ٢٨.

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٢٧٢ ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٧٢.

(٤) جواهر الكلام ، ج ٣٨ ، ص ١٩ ، مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٩.

(٥) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٠٢.

(٦) رياض المسائل ، ج ٥ ، ص ٢٥٤ (ج ١ ، ص ٢٩٧ ، الطبعة الحجرية).


ولا يخصّص (١) عموم ذلك بخصوص (٢) بعض الأخبار ،

______________________________________________________

وبالجملة : فالمستفاد من عموم هذه الأخبار هو كون الأرض العامرة بالأصل للإمام عليه‌السلام ومن الأنفال ، كالموات بالأصل.

(١) إشارة إلى توهّم ، وهو : أنّ التمسك بعموم ما دلّ على «أنّ الأرض التي لا ربّ لها للإمام» لكون الأرض العامرة بالأصل للإمام عليه‌السلام غير وجيه ، لأنّ العموم المذكور مخصّص بما دلّ على كون الأرض الميتة التي لا ربّ لها للإمام عليه‌السلام. ومقتضى تخصيص الأرض بالميتة عدم كون الأرض المحياة للإمام عليه‌السلام ، وعدم كونها من الأنفال.

والظاهر أنّ المدّعي لهذا التخصيص جمع ، منهم صاحب الجواهر قدس‌سره فقد تعرّض له في كتاب الخمس ، وأشار إليه في إحياء الموات أيضا ، قال ـ بعد نقل عموم الأنفال للموات بالأصل وبالعرض ـ ما لفظه : «لكن الإنصاف أنّه مع ذلك كله لا يخلو من إشكال ، من حيث ظهور كلمات أكثر الأصحاب في اختصاص الأنفال بالموات .. أمّا غير الموات الذي لم يكن لأحد يد عليه ، ومنه ما نحن فيه ـ وهو سيف البحار ـ فلا دلالة في كلامهم على اندراجه في الأنفال ، بل ظاهره العدم» (١).

وقد نقل المصنف قدس‌سره في كتاب الخمس تقييد الأصحاب إطلاق «كلّ أرض لا ربّ لها» بما ورد من «كل أرض ميتة أو خربة باد أهلها» أو «كل أرض ميتة لا ربّ لها» ولم يعترض عليهم ، فراجع (٢).

(٢) متعلق ب «يخصّص» يعني : أنّ إطلاق رواية تفسير القمي ـ من «أن كل أرض ميتة لا ربّ لها للإمام عليه‌السلام» ـ يقيّد بما ورد في مرسلة حماد بن عيسى عن العبد الصالح عليه‌السلام في عدّ الأنفال : «وكل أرض ميتة لا ربّ لها». وعليه فالأرض العامرة بالأصل ليست من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ١٦ ، ص ١٢٠ ، ولاحظ ص ١١٨ أيضا ، وج ٣٨ ، ص ١١.

(٢) كتاب الخمس ، ص ٣٥٣ و ٣٥٤.


حيث جعل فيها (١) من الأنفال «كلّ أرض ميتة لا ربّ لها» بناء (٢) على ثبوت المفهوم للوصف (٣) المسوق للاحتراز. لأنّ (٤) الظاهر ورود الوصف مورد الغالب (*) ، لأنّ الغالب في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتا.

______________________________________________________

(١) أي : في بعض الأخبار.

(٢) هذا مبنى التخصيص المتوهّم ، وحاصله : أنّ «الميتة» ـ التي هي صفة الأرض وقيد احترازي لها ـ يكون مفهومها : أنّ الأرض غير الميتة ـ وهي المحياة ـ ليست للإمام عليه‌السلام.

(٣) وهو لفظ «الميتة» المسوق للاحتراز ، لا للتوضيح الذي لا مفهوم له.

(٤) هذا تعليل لقوله : «ولا يخصص» ودفع للتوهم المزبور ، ومحصله : أنّه يعتبر في مخصّصية الوصف أن لا يكون واردا مورد الغالب ، نظير «حجوركم» في قوله تعالى (وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) فإذا ورد الوصف مورد الغالب فلا مفهوم له.

ولفظ «الميتة» في المقام كلفظ «حجوركم» ورد مورد الغالب ، لأنّ الغالب في الأراضي غير المملوكة هو الموات ، فلا يصلح لتخصيص العمومات المقتضية لكون

__________________

(١) كون غلبة القيد مانعة من احترازيته الموجبة للتقييد ممّا لم ينهض عليه دليل من عقل أو نقل ، ولا بناء من أبناء المحاورة على ذلك ، وإلّا كان اللازم البناء على عدم قيدية الدخول في قوله تعالى (مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) مع كون الدخول بالنساء من الوصف الغالبي. وأمّا قيد «حجوركم» فوجه عدم احترازيته دلالة النصّ على عدم قيديته. ولو لا ذلك لقلنا باحترازيته. وليس عدم قيديته لأجل وروده مورد الغالب.

فعلى هذا مقتضى القاعدة تخصيص عموم ما دلّ على «أنّ كلّ أرض لا ربّ لها للإمام عليه‌السلام» بكونها ميتة.

فالنتيجة : أنّ الأرض العامرة بالأصالة ليست من الأنفال ، وليست ملكا له عليه‌السلام ، هذا.


وهل تملك هذه (١) بالحيازة (٢)؟ وجهان ، من (٣) كونه مال الإمام عليه‌السلام ، ومن (٤) عدم منافاته للتملّك بالحيازة ، كما يملك الأموات بالإحياء مع كونها مال الإمام ، فدخل (٥) في عموم النبوي «من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحقّ به (*)» (١).

______________________________________________________

الأرض العامرة ملكا للإمام عليه‌السلام.

فالنتيجة : أنّ كلّا من الأرض العامرة والموات بالأصل ملك الامام عليه‌السلام.

(١) يعني : وهل تملك الأرض العامرة بالأصل ـ التي هي ملك الامام عليه‌السلام ـ بالحيازة التي هي من أسباب الملك أم لا؟ فيه وجهان.

(٢) التعبير بالحيازة ـ دون الإحياء ـ لأجل عدم مورد للإحياء مع عمران الأرض ، فالمقصود مملّكية وضع اليد على الأرض العامرة.

(٣) هذا وجه عدم كون الحيازة مملّكة للأرض العامرة ، وحاصله : عدم الدليل على مملّكية الحيازة لملك الغير المفروض عمرانه.

(٤) هذا وجه مملكية الحيازة للأرض العامرة بالأصل ، وحاصله أوّلا : أنّه لا منافاة ثبوتا بين مملّكية الحيازة وبين كون المحوز ملك الغير ، كما في تملك الأرض الموات بالإحياء مع كونها ملك الامام عليه‌السلام.

وثانيا : أنّه في مقام الإثبات قام عليه الدليل ، وهو عموم النبوي «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحقّ به» بناء على أنّ المراد بالحق هو الملك ، لا مجرد الأولوية وحرمة مزاحمة الغير له.

(٥) هذا مقام الإثبات الذي مرّ آنفا بقولنا : «وثانيا : أنه في مقام الإثبات .. إلخ».

__________________

(*) الظاهر أنّ القسم الثاني من أقسام الأرضين الأربعة ـ وهو العامرة بالأصالة أي لا من معمّر ، بل خلقت عامرة كالشواطي ـ لم يرد بهذا العنوان في النصوص ، كالموات

__________________

(١) عوالي اللئالي ، ج ٣ ، ص ٤٨٠ ، ح ٤ ، وعنه في مستدرك الوسائل ، ج ٧ ، ص ١١٢ ، الباب ١ من كتاب إحياء الموات ، ح ٤ ، سنن البيهقي ، ج ٦ ، ص ١٤٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

بالأصل ، بل تندرج في عناوين أخر ، كالأرض التي لا ربّ لها ، أو : الأرض التي لم يجر عليها ملك مسلم ، ونحو ذلك.

وكيف كان يقع البحث فيه من جهات.

الاولى : أنّ الأرض العامرة بالأصل من الأنفال ، لا من المباحات الأصلية ، فهي كالموات بالأصل في كونها من أموال الإمام عليه‌السلام ، وعدم جواز التصرف فيها إلّا بإذنه عليه‌السلام.

واستدلّ عليه ـ بعد حكاية الإجماع عن التذكرة وعدم الخلاف عن غيرها ـ بروايات :

منها : قول مولانا الصادق عليه‌السلام في حديث إسحاق بن عمار في تعداد الأنفال : «وكل أرض لا ربّ لها» (١).

وقول مولانا أبي جعفر عليه‌السلام في حديث أبي بصير : «وكلّ أرض لا ربّ لها» (٢).

ومنها النبوي : «من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم فهو أحقّ به» (٣).

وربّما يورد على الاستدلال بمثل عموم «كلّ ارض لا ربّ لها» بأنّه مخصّص بما في مرسلة حمّاد من قوله عليه‌السلام : «وكل أرض ميتة لا ربّ لها» (٤) ، فالأرض العامرة مع هذا التخصيص ليست من الأنفال ، بل من المباحات.

وقد أجاب المصنف قدس‌سره عن هذا الإيراد بأنّه يعتبر في الوصف الذي له مفهوم أن لا يكون ذلك واردا مورد الغالب كالحجور في «ربائبكم اللّاتي في حجوركم» فلا ينثلم العموم بالميتة ، ولا يخصّص بها. فكلّ أرض لا ربّ لها ـ سواء أكانت عامرة أم ميتة ـ تكون من الأنفال التي هي مال الامام عليه‌السلام ، هذا.

لكن أورد على هذا الجواب ـ كما تقدّم في (ص ٤٣٠) ـ بأنّ غلبة الوصف لا تمنع المفهوم ، وعدم المفهوم للحجور إنّما هو للنص الدالّ على حرمة الربيبة مطلقا ، سواء أكانت في الحجر أم لم تكن ، هذا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٧١ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ٢٠.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٧٢ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ٢٨.

(٣) تقدم مصدره آنفا ، في ص ٤٣١.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٥ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّ المحقق النائيني قدس‌سره منع المفهوم بنحو آخر ، وهو : أنّ شرط التقييد في المثبتين وحدة التكليف المتعلّق بصرف الوجود كمثال الظهار المعروف ، فإنّ التكليف فيه تعلّق بصرف الوجود من العتق. فمقتضى إطلاق الأمر بعتق الرقبة هو إجزاء عتق رقبة وإن كانت كافرة ، ومقتضى الأمر بعتق المؤمنة عدم إجزاء عتق الكافرة. والإجزاء وعدمه متناقضان ، فلا محيص من تقييد إطلاق الرقبة بالمؤمنة.

وأمّا في المقام فلم يتعلق التكليف بصرف الوجود ، بل تعلّق بالطبيعة السارية ، فلا موجب للتقييد ، فيحكم بأنّ الأرض مطلقا سواء أكانت عامرة أم ميتة من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام (١).

أقول : يشكل ما أفاده الميرزا قدس‌سره بأنّ المقام ليس من المثبتين حتى يعتبر في تقييد الإطلاق فيهما إحراز وحدة التكليف ، بل هو من تعارض المثبت والنافي. أمّا النافي فهو مفهوم قوله عليه‌السلام في مرسلة حماد : «كل أرض ميتة لا ربّ لها» فإنّ مفهومه «أنّ الأرض غير الميتة ليست من الأنفال».

وأمّا المثبت فهو سائر النصوص المثبتة منطوقا لكون الأرض العامرة من الأنفال. فلا بدّ من تقييد النافي للمثبت.

فالنتيجة : أنّ الأرض الميتة من الأنفال ، دون العامرة ، فإنّها من المباحات.

والظاهر أنّه لا يمكن الفرار من هذا التقييد إلّا بالالتزام بأنّ جملة «كل أرض ميتة» من مرسلة حمّاد معرض عنها عند المشهور ، لما مرّ في صدر البحث من إجماع التذكرة ونفي الخلاف عن غيرها على كون الأرض العامرة بالأصل من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام.

فالنتيجة : أنّه لم تقيّد الأرض التي هي من الأنفال بكونها ميتة ، بل هي مطلقا مال الامام عليه‌السلام ، سواء أكانت عامرة أم ميتة.

فتلخص مما ذكر في هذه الجهة الأولى : أنّ الأرض العامرة بالأصل من الأنفال.

الجهة الثانية : في أنّ هذه الأرض العامرة بالأصل هل تملك بالحيازة أم لا؟ ظاهر

__________________

(١) المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ٣٦٧ و ٣٦٨.


.................................................................................................

______________________________________________________

جملة من النصوص التي منها النبوي «من سبق الى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» ذلك.

والاشكال عليه تارة بما في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره «من كون الإطلاق مسوقا لبيان أحقية السابق ، لا لبيان جواز السبق إلى ما لم يسبق إليه أحد ، الذي هو المطلوب» (١).

واخرى : بأنّ الأحقيّة لا تقتضي الملكية ، بل ظاهرة في الأولوية.

وثالثة : بأنّ هذا النبوي يقتضي جواز السبق إلى ملك كل أحد ولو غير الامام عليه‌السلام ، وإن كان المسبوق غير الأرض أيضا ، ولازم ذلك جواز السبق إلى سائر أمواله عليه‌السلام ، وأموال سائر الخلق ، لأنّه ليس كدليل الإحياء إذنا مالكيا مختصّا بالأراضي ، بل يعمّ جميع الأموال من الأراضي والمنقولات. وهو كما ترى (٢).

مندفع ، إذ في الإشكال الأوّل : أنّ أحقية السابق من غيره تستلزم عدم جواز مزاحمة له ، وإلّا لم يكن معنى للأحقية ، فيكون مساوقا لقوله : «من أحيى أرضا ميتة فهو أحق بها ، وهي له» فيستفاد من النبوي المزبور الترخيص الشرعي في الإحياء ، وأنّه سبب للأحقيّة أو الملكيّة.

وفي الاشكال الثاني : أنّ الارتكاز العرفي الناشئ من استقرار السيرة العقلائية الثابتة من صدر الإسلام ـ بل قبله ـ على إحياء الأراضي التي لا ربّ لها ، وترتيب آثار الملك عليها كما هو بناء الدول أيضا ، والشارع لم يردعهم عن ذلك ، بل أمضى طريقتهم.

وبالجملة : فالإرتكاز المزبور يمنع احتمال غير الملك من الأحقيّة كالإباحة ، بل المراد بها الأحقيّة في الملكية.

وفي الاشكال الثالث : أنّه لا منشأ لاحتمال إرادة معنى عامّ يشمل غير الأراضي من سائر أموال الإمام عليه‌السلام فضلا عن أموال غيره عليه‌السلام ، وذلك للارتكاز المزبور ، ولكون مورد الإحياء ملك الإمام بالإمامة ، لا ملكه الشخصي الذي يرثه الوارث ، ولا مال غيره. والسبق إلى

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ١٠٥.

(٢) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني ، ج ١ ، ص ٢٤٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

مال الامام عليه‌السلام لا ينطبق إلّا على الموات من الأرض والمحياة ذاتا ، وعلى ما فيها من الأشجار والنبات.

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في دلالة النبوي على تملك الأرض العامرة بالحيازة.

لكن ضعف السند يمنعه عن الاعتبار.

ومن تلك النصوص : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال فيها : «وأيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها وهي لهم» (١).

ومنها : صحيحته الأخرى عنه عليه‌السلام : «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» (٢). وقريب منهما غيرهما (٣).

ومنها : موثقة السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من غرس شجرا ، أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد ، أو أحيى أرضا ميتة فهي له قضاء من الله ورسوله» (٤) فإنّ التعمير والعمل في الأرض ـ بحفر بئر أو قناة أو غرس شجر ونحوها ـ يوجبان الملك ، ويصدق الإحياء عليها وإن كانت في الأرض العامرة بالأصل ، إذ للإحياء مراتب ، فلا يختص الإحياء بالموات.

نعم يختص ملكية الموات بالإحياء ، ولا يحصل ملكيته بمجرد الحيازة ، لعدم صدق الإحياء عليها ، والمفروض أنّ قولهم : «من أحيى أرضا فهي له» لا يصدق على مجرد الحيازة والاستيلاء ، فلا يترتب على الحيازة إلّا الأولوية.

الجهة الثالثة : الظاهر عدم اختصاص جواز الحيازة بالشيعة ، وكونه عاما لجميع الناس ولو كان كافرا ، لعموم «من سبق إلى ما لا يسبق إليه مسلم» وغيره ، الشامل للكافر أيضا ، فالأرض العامرة بالأصل يجوز لكل أحد حيازتها والتصرف الإحيائي فيها بحفر قناة وغرس شجر وغيرهما.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٦. الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ١.

(٢) المصدر ، ح ٣.

(٣) المصدر ، ح ٤.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٨ ، الباب ٢ من أبواب إحياء الموات ، ح ١.


الثالث (١) ما عرض له الحياة بعد الموت.

وهو (٢) ملك للمحيي ، فيصير ملكا له بالشروط المذكورة في باب الإحياء (٣) «بإجماع الأمّة» (٤)

______________________________________________________

٣ ـ ما عرض له الحياة بعد الموت

(١) أي : القسم الثالث من الأقسام الأربعة التي ذكرها المصنف قدس‌سره بقوله في (ص ٤٠٧) «فالأقسام أربعة لا خامس لها». والمراد بهذا القسم الثالث هو الأرض التي عرض لها الحياة بعد الموت بالأصالة. وبعبارة أخرى : العامرة بالعرض لا بالأصالة.

وحكمه أنّه ملك للمحيي بالشروط المذكورة في باب الإحياء.

وأمّا إحياء الأرض التي طرء عليها الموات ـ أي ما كانت عامرة ثم ماتت ـ فسيأتي حكمها. كما أن صريح قوله : «ملك للمحيي» كون الإحياء بسبب الإنسان ، لا بسبب سماوي ، لكونه به ملك الامام عليه‌السلام.

(٢) أي : ما عرض له الحياة بعد الموت ملك للمحيي.

(٣) وهي خمسة : أحدها : أن لا يجري على الأرض المذكورة يد مسلم.

ثانيها : أن لا تكون حريما لأرض عامرة من بستان ، أو دار أو قرية ، أو مزرعة أو غيرها مما يتوقّف الانتفاع بالعامرة على الحريم.

ثالثها : أن لا تكون ممّا سمّاها الشرع مشعرا للعبادة كعرفات ومنى ومشعر.

رابعها : أن لا تكون ممّا أقطعه الإمام عليه‌السلام.

خامسها : أن لا يسبقه إليها سابق بالتحجير ، حيث إنّه يفيد الأولوية.

(٤) يعني : أنّ الأرض العامرة بعد الموت ملك للمحيي «بإجماع الأمة إذا خلت من المانع» كما في المهذب و «بإجماع المسلمين» كما في التنقيح.

__________________

فتلخص من جميع ما ذكرناه في القسم الثاني من أقسام الأرضين الأربعة : أنّ الأرض العامرة بالأصل من الأنفال لا من المباحات ، وأنّها تملك بالحيازة ، وأنّ مملكية الحيازة لا تختص بالشيعة ، بل تعمّ كل حائز وإن كان كافرا. ولفظ «المسلم» في النبوي المتقدم من قبيل «المسلم» الوارد في الرواية الدالة على عدم جواز تصرف أحد في مال مسلم إلّا بطيب نفسه في عدم دوران الحكم مدار إسلام المالك. والله العالم.


كما عن المهذّب ، و «بإجماع المسلمين» كما عن التنقيح. و «عليه (١) عامّة فقهاء الأمصار» كما عن التذكرة (١).

لكن ببالي من المبسوط (٢) كلام يشعر بأنّه يملك التصرّف ، لا نفس الرقبة ، فلا بدّ من الملاحظة (٣) (*).

______________________________________________________

(١) أي : وعلى كون المحياة بعد الموت للمحيي عامة فقهاء الأمصار كما في التذكرة.

(٢) لمّا كان معاقد الإجماع تملّك المحيي بالإحياء ، أراد التنبيه على وجود المخالف ، وهو شيخ الطائفة ، ويستفاد الأحقية وأولوية التصرف ـ دون ملك الرقبة ـ من غير موضع من المبسوط ، كقوله في كتاب الجهاد : «فأمّا الموات فإنّها لا تغنم ، وهي للإمام خاصة ، فإن أحياها أحد من المسلمين كان أولى بالتصرف فيها ، ويكون للإمام طسقها» (٢).

وقال في إحياء الموات : «إذا تحجّر أرضا وباعها لم يصحّ بيعها .. لأنّه لا يملك رقبة الأرض بالإحياء ، وإنّما يملك التصرف بشرط أن يؤدّي إلى الامام ما يلزمه عليها» (٣).

والشاهد في تعليله بعدم مملّكية الإحياء ، وإن كان التحجير مغايرا للإحياء ، كما صرّح به قبله بأسطر ، فراجع المبسوط.

(٣) تقدّم أن عبارتي المبسوط غير مشعرتين بملك التصرف ، بل هما ظاهرتان ـ لو لا صراحتهما ـ في نفي ملك رقبة الأرض. لكنه لمخالفته للإجماع يشكل القول به.

__________________

(*) تفصيل الكلام في القسم الثالث من الأقسام الأربعة ـ وهي الأرض التي عرض لها الحياة بعد موتها الأصلي ـ هو : أنّه تقدّم الكلام في القسم الأوّل أي الموات بالأصالة ، وقلنا : إنّها لمحييها سواء أكان مسلما أم كافرا ، وأنّ ملك المحيي لا يزول إلّا بناقل شرعيّ ، أو بتملك شخص لها بعد إعراض محييها عنها ، لأنّ ذلك مقتضى القواعد.

فالكلام في الفروع المترتبة على المحيي لهذه الأرض الميتة بالأصل من حيث الكفر والإسلام.

__________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٣ ، لاحظ المهذب البارع ، ج ٤ ، ص ٢٨٥ ، التنقيح الرائع ، ج ٤ ، ص ٩٨ ، تذكره الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٠٠.

(٢) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٢٩.

(٣) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٢٧٣ ، ونقله صاحب الجواهر في ج ٣٨ ، ص ٧٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

فإن كان المحيي مسلما ، فلا يزول ملكه إلّا بناقل شرعي ، أو بطروء الخراب بناء على القول به ، سواء أكانت الأرض في بلاد الإسلام أم الكفر.

وإن كان كافرا وكانت الأرض في دار الإسلام ، وقلنا بعدم اعتبار إسلام المحيي ـ كما تقدّم ـ فكذلك ، أي لا يزول ملك المعمّر إلّا بالناقل أو بالخراب.

وأمّا بناء على اعتبار الإسلام في المحيي ، فالأرض باقية على ملك الامام عليه‌السلام ولم تنتقل إلى المحيي. هذا إذا كانت الأرض في دار الإسلام.

وإن كانت في دار الكفر ، فملك الكافر يزول عنها بما يزول به ملك المسلم من الناقل الشرعي ، أو طروء الخراب ، أو الاغتنام ، لكونها من الغنائم التي يملكها المسلمون بالقتال كسائر الأموال التي يتملكونها بالاغتنام.

ثمّ إنّ ما ملكه الكافر من الأرض بالإحياء ، إمّا أن يسلم عليها طوعا فتبقى الأرض المحياة على ملكه كسائر أملاكه ، وذلك كالمدينة والبحرين وبعض أطراف اليمن على ما قيل ، فيجوز له أيّ تصرف شاء من بيع ونحوه. وليس عليه إلّا الزكاة مع الشرائط ، فإنّ الإسلام يحقن الدم والمال.

ويدل على ذلك ـ بعد عدم وجدان الخلاف فيه كما في الجواهر (١) ـ ما في صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : «ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام الخراج وما سار به أهل بيته ، فقال : العشر ونصف العشر مما عمر منها ، وما لم يعمر منها أخذه الوالي يقبله ممّن يعمره ، وكان للمسلمين ، وليس فيما كان أقل من خمسة أوسق شي‌ء» (٢).

والحاصل : أنّ كل أرض أسلم أهلها عليها طوعا ورغبة فهي لهم يتصرفون فيها بما شاؤوا من بيع وغيره.

وإمّا أن يصالحوا على أن تكون الأرض للكافرين ، وباقية على ملكهم ، بأن لا يكون للمسلمين حقّ لا في العين ولا في المنفعة ، فإنّ الأرض في هذه الصورة لمالكيها الكفّار.

نعم لو صولحوا على أن تكون الأرض للمسلمين ، وللكافرين السكنى ، وعلى أعناقهم الجزية ، كانت هذه الأرض محكومة بحكم الأرض المفتوحة عنوة ، بأن يكون

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٧٥.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ١٢٠ ، الباب ٧٢ من أبواب جهاد العدو ، ح ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

عامرها للمسلمين ، ومواتها للإمام عليه‌السلام. قال في الجواهر : «بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم ، بل ولا إشكال» (١).

هذا كلّه إذا كانت الأرض تحت يد الكافر.

وإن ارتفعت يده عنها، فإن كان بانجلائه عنها أو بموته وعدم الوارث له انتقلت الأرض إلى الامام ، لصيرورتها حينئذ من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

وإن كان ارتفاع يده عن الأرض بالقتال وغلبة المسلمين عليها ، فهي وما فيها كالأشجار والأبنية للمسلمين كافّة ، إجماعا ونصّا. وهذه الأراضي هي الأراضي المفتوحة عنوة. وينبغي البحث فيه في مقامات.

الأوّل : في كيفية هذا الملك. ولمّا كان الأصل في ذلك النصوص الواردة في هذا الباب ، فالمعوّل على ما يستفاد منها ، كصحيحة الحلبي ، قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السواد ما منزلته؟ قال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد» الحديث (٢).

ومنها : ما يشتمل على «إنّما أرض الخراج للمسلمين» (٣) ، وأنها «أرض المسلمين» (٤).

ويحتمل في النصوص وجوه :

أحدها : أنّ الأرض ملك فعلا لجميع المسلمين من الموجودين وممّن سيوجد وممّن يصير مسلما من الكفار. ولا إشكال في بطلان هذا الاحتمال ، لعدم ملكية الأرض للكفار حال كفرهم ، وعدم ملكيتها فعلا للمعدومين حال عدمهم. ولازمه وجود العرض و ـ هي إضافة الملكية ـ قبل وجود المعروض ، ووجود الحكم قبل الموضوع ، مع كون الموضوع بمنزلة العلة للحكم ، فيتأخر العلة عن المعلول ، كما لا يخفى.

لا يقال : إنّ الملكية أمر اعتباري يصح اعتبارها للمعدوم.

فإنّه يقال : وإن كانت إضافة الملكية أمرا اعتباريّا ، لكنّه لا يعقل تقوّم الأمر الموجود الاعتباري بالمعدوم الذي لا يعقل الإشارة إليه، فلا يصحّ أن يقال: هذا المسلم المعدوم مالك

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٧٤.

(٢ و ٣) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٤ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع ، ح ٤.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ١١٨ ، الباب ٧١ من أبواب جهاد العدو ، ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

فعلا. وأمّا الوقف على الذرية أو الجهات العامة فيعتبر فيهما عنوان عام قابل للانطباق على الطبقات المتأخرة ، وعلى أبناء الواقف في الوقف على الذرية.

ويرد على الملك الفعلي للموجودين والمعدومين ـ مضافا إلى ما ذكر من عدم تعقل قيام إضافة الملكية الاعتبارية بالمعدوم ـ أنّ لازم الملكية الفعلية انتقال حصص الموجودين إلى وارثيهم بالإرث ، وإلّا لكان منافيا لقاعدة الإرث. مع أنّ الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم لا يلتزمون بالإرث ، فيكشف عدم الإرث عن عدم كون ملكية الأرض المفتوحة عنوة من الملكيات المتعارفة ، هذا.

ويرد عليه أيضا : أنّ مقتضى ملكيتها الفعلية سلطنة المسلمين على الأرض المفتوحة عنوة ، لقاعدة سلطنة الناس على أموالهم ، وعدم ولاية أحد عليهم. مع أنّه ليس كذلك ، لولاية اولي الأمر على التصرف في الأرض المفتوحة عنوة ، وعدم جواز تصرفهم مباشرة فيها.

ثاني الوجوه المحتملة في النصوص : أن تكون الأرض ملكا لجميع المسلمين على نحو القضية الحقيقية ، فالمعدوم بعد وجوده والكافر بعد إسلامه يملكان الأرض ، وليسا مالكين فعلا حتى يلزم تقوم الموجود بالمعدوم ، وتقدم الحكم على الموضوع. فلا يرد عليه إشكال الاحتمال الأوّل.

لكن يرد عليه : أنّ لازمه عدم مالكية المعدوم حال الفتح ، إذ مقتضى القضية الحقيقية فعلية الملكية حين وجود المالك لا قبله ، فغير الموجود حال الفتح لا ملكية له.

والحاصل : أنّ القضية الحقيقية لا تثبت الملكية الفعلية ـ التي هي ظاهر الرواية ـ لغير الموجود حين الفتح.

ثالث الوجوه المحتملة في النصوص ، كون الأرض المفتوحة عنوة ملكا للجهة ، بأن يكون المالك عنوان «جميع المسلمين» كالوقف على الجهات العامة كالفقهاء والفقراء.

وفيه : أنّه خلاف ظاهر الرواية «لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام» إذ ظاهرها الملكية الفعلية للمعدومين ، وظاهر موضوعية الجهة العامة عدم الحكم الفعلي بالملكية إلّا بوجود مصاديق العنوان العام. فهذا الاحتمال أيضا خلاف ظاهر الرواية جدّا.

وهناك وجوه اخرى غير المحتملات المذكورة ، لكنها خلاف ظاهر الروايات أيضا ، فلا موجب للتعرض لها ، هذا.

ويمكن أن يقال ـ جمعا بين الروايات والآثار ـ : إنّ الأرض المفتوحة عنوة ملك


.................................................................................................

______________________________________________________

لطبيعي المسلمين لا لآحادهم ، والمراد بما ورد من «أنّها ملك لجميع المسلمين من الموجودين والمعدومين» عدم اختصاص ملك الطبيعي بزمان دون زمان ، وقابلية كلّ واحد من المسلمين لانطباق الطبيعي عليه.

لكنه مع الفرق بين تعلق الخمس والزكاة بطبيعي السيد والفقير ، بأنّ المتولي لأمر الخمس والزكاة هو من وجبا عليه ، فإنّه يقبضهما إلى من شاء من السادة والفقراء. بخلاف مالكي الأرض المفتوحة عنوة ، فإنّه ليس لمالكيها حق التصرف لا عينا ولا منفعة ، بل كل ذلك لولي الأمر. فإن اقتضت المصلحة بذل العين أو منفعتها لشخص جاز ذلك. وإن اقتضت بناء مسجد أو مدرسة في الأرض المفتوحة عنوة ، وكان ذلك مصلحة عامة للمسلمين ، جاز ذلك كله.

ومن هنا يسهل الخطب في الدور والخانات وغيرهما ممّا هو في تصرف المسلمين حتى مع العلم بكونها معمورة حال الفتح ، فإنّ اليد مع العلم بعمرانها حين الفتح حجة مع الاحتمال المزبور ، وهو جواز إعطاء وليّ الأمر نفس الأرض أو منفعتها لشخص. وهذه اليد حجة على الملكية ، ويجوز الاعتماد عليها في جميع التصرفات الخارجية والاعتبارية.

المقام الثاني : في اعتبار إذن الامام عليه‌السلام في صيرورة الأرض خراجية وعدمه.

وقد ظهر ممّا تقدّم اعتباره ، وثبت تحققه في زمان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه. كما يدلّ عليه مرسلة العباس الوراق عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : إذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا ، كانت الغنيمة كلها للإمام. وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» (١).

وإنّما الإشكال في الأراضي المفتوحة عنوة بعد عصره عليه أفضل الصلاة والسلام ، فإنّ الإذن فيها غير محرز. ومقتضى الأصل عدمه ، وكونها من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام ، وعدم جريان أحكام الأراضي المفتوحة عنوة عليها ، وأنّ من أحيى شيئا منها ملكه.

فإن كان الموضوع لآثار المفتوحة عنوة وأحكامها مركّبا من الحرب مع الكفار مقرونا بإذن الإمام عليه‌السلام ، أمكن إحراز عدم الإذن بالأصل ، وإحراز الفتح بالوجدان ، وهذا هو موضوع الأنفال.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٩ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ١٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا إذا كان القيد الآخر ـ وهو كون الأرض محياة ـ مشكوكا فيه ، فيثبت عدم كونها محياة ـ حال الفتح ـ بالاستصحاب.

وكذا في الشكّ في بعض العناوين الأخر مع سبق عدمها ، كالشك في وقوع الصلح عليها على أن تكون الأرض للمسلمين ، أو على أن تكون للكفّار ، وعليهم الجزية ، فإنّ استصحاب عدم وقوع الصلح عليها وعدم كونها ممّا يوجف عليه بخيل وركاب يقتضي كونها من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام.

والحاصل : أنّ المعتبر في الأرض الخراجية قيود ثلاثة :

أحدها : كونها مفتوحة عنوة.

ثانيها : كون الفتح بإذن الإمام.

ثالثها : كونها محياة حال الفتح. وهذا هو المشهور بين الأصحاب. والأصل في جميعها يقتضي العدم ، فتصير الأرض بناء على هذا من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام.

المقام الثالث : في طريق ثبوت الموضوع من الفتح عنوة ، وإذن الامام ، وحياة الأرض حال الفتح. لا إشكال في ثبوتها بما يثبت به سائر الموضوعات من العلم الحاصل من الشياع ، والاطمئنان الذي هو علم عقلائي ، والبينة المستندة إلى العلم. وأمّا الظن الحاصل من الشياع أو غيره فلا عبرة به.

ويشترط في الشياع المفيد للعلم أن يكون الشياع في كل طبقة إلى زمان وقوع القضية ، فلو كانت قضية شائعة في عصر كمال الشيوع ، لكن كان الشياع مستندا إلى عدد قليل من أهل التاريخ مثلا ، لم يحصل به العلم بنفس القضية ، وإن حصل العلم بوجودها في كتب التاريخ ، لكنه لا يفيد شيئا.

وأمّا البينة فلا بدّ في اعتبارها من قيامها على بينة سابقه عليها سماعا ، وتلك السابقة على سابقتها سماعا أيضا ، وهكذا إلى زمان وقوع القضية. وإلّا كما إذا شهد عدلان في عصرنا بما حدث في صدر الإسلام ، واستندت شهادتهم وعلمهم إلى ما لا يوجب العلم بالقضية ، كانت حجية هذه البينة محل التأمل والمنع ، إذ لا بدّ في حجية البينة من استنادها إلى الحسّ.


.................................................................................................

______________________________________________________

المقام الرابع : قد عرفت عدم طريق لإحراز الشروط الثلاثة المذكورة في الأراضي المفتوحة عنوة ، كما عرفت مقتضى الأصول النافية فيها. لكن الشيخ الأعظم قدس‌سره قد تشبّث لثبوت الاذن في أرض العراق بوجوه :

أحدها : ما دلّ على أنّها ملك المسلمين.

ثانيها : رواية الخصال المتقدمة (في ص ٤٠١).

ثالثها : ما اشتهر من حضور أبي محمد الحسن المجتبى عليه‌السلام في بعض الغزوات ، ودخول بعض خواصّ أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه من الصحابة ـ كعمّار رضوان الله عليه ـ في أمرهم.

رابعها : إمكان الإكتفاء عن الإذن ـ المنصوص في مرسلة الورّاق المتقدمة في (ص ٤٤١) ـ بالعلم من شاهد الحال برضاهم صلوات الله عليهم بالفتوحات الإسلامية الموجبة لتأيّد هذا الدين وقوّته.

خامسها : حمل ما صدر من الغزاة من فتح البلاد الإسلامية على الوجه الصحيح ، وهو كونه بأمر الإمام عليه‌السلام ، هذا.

أمّا الوجه الأوّل ، ففيه : أنّ ما استدلّ به الشيخ قدس‌سره من الروايات الدالة على أنّ العراق ملك المسلمين كصحيحة الحلبي (١) وفي‌ء للمسلمين» كرواية أبي الربيع الشامي (٢) على : أنّ أرض العراق مفتوحة بإذن الإمام عليه‌السلام غير ظاهر ، لاحتمال عدم اعتبار إذنه في خصوص أرض السواد كما قيل ، فتأمّل. أو في الأرض مطلقا. ولاحتمال عدم اعتباره إذنه في زمان عدم بسط يده عليه‌السلام. ولاحتمال إلحاقها بالأراضي الخراجية حكما لا موضوعا تقية أو لمصلحة المسلمين.

ومع هذه الاحتمالات كيف يدلّ النص على كون الحرب بإذن الإمام عليه‌السلام؟

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٤ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع ، ح ٤.

(٢) المصدر ، ح ٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الوجه الثاني ـ وهو رواية الخصال ـ ففيه : أنّه لا يدلّ على كون الحرب بإذنه عليه‌السلام.

وأمّا الوجه الثالث ـ وهو حضور الامام المجتبى عليه‌السلام ـ ففيه أولا : عدم ثبوت حضوره عليه‌السلام في الحرب.

وثانيا ـ بعد تسليمه ـ لا يدلّ على الإذن والرضا ، لقيام احتمال التقية.

وأمّا الوجه الرابع : ففيه : أنّ مقتضى مرسلة الوراق المتقدمة في (ص ٤٤١) ومقتضى صحيحة معاوية بن وهب (١) اعتبار أمير أمّره الإمام عليه‌السلام. والعلم بالرضا على فرض تحققه لا يثبت شيئا من الإذن ، وأمر أمير أمّره الإمام عليه‌السلام ، بل مقتضاهما عدم كفاية الرضا في خراجية الأرض. بل الرضا يوجب كون الغنيمة ـ من المنقول وغيره ـ ملك الامام عليه‌السلام.

وأمّا الوجه الخامس ، ففيه أوّلا : أنّ الحرب لا تتصف بالصحة والفساد ، لأنّ مورد الصحة والفساد ـ بمعنى التمامية والنقصان ـ هو المركّبات ذوات الأجزاء ، والحرب ليست من المركبات.

وثانيا : أنّ كلّا من الإذن وعدمه ذو أثر شرعي ، وهو ملكية الأرض للمسلمين بناء على ثبوت الإذن ، وملكية الأرض للإمام عليه‌السلام وكونها من الأنفال بناء على عدم الاذن ، فالحمل على أحدهما لا وجه له.

وثالثا : أنّ مورد الحمل على الصحة هو ما إذا كان الفاعل معتقدا للشرط ، وبدون اعتقاده للشرط لا تجري قاعدة الصحة. والمفروض أنّ المتصدّين للحرب لا يرون إذن الامام شرطا حتى يحمل فعلهم على الصحة ، وهو كون الحرب بإذن الإمام عليه‌السلام ، بل هم لا يعتقدون بإمامتهم فضلا عن اعتبار إذنهم.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في تصرفات المسلمين في أرض السواد وغيرها من الأراضي المفتوحة عنوة ، سواء علم باجتماع الشرائط فيها من الحرب والقتال وإذن الامام عليه‌السلام والعمران حال الحرب ، أم لم يعلم بوجودها ، أم علم بوجود بعضها دون الكل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٨٤ ، الباب ٤١ من أبواب جهاد العدو ، ح ١.


.................................................................................................

______________________________________________________

وجه عدم الاشكال هو : أنّه مع العلم بوجود الشرائط من القتال والإذن والحياة تكون الأرض مفتوحة العنوة موضوعا ، وهي وإن كانت ملكا لكافة المسلمين ، إلّا أنّه يجوز لولي المسلمين بعض التصرفات فيها من الإقطاع وإخراج خمسها منها ، بناء على تعلق الخمس بالأرض كتعلقه بالغنائم المنقولة. ومع هذا الاحتمال تكون اليد حجة.

ولا مجال معها لاستصحاب بقائها على ملك المسلمين ، أو عدم انتقالها عنهم ، لحكومة اليد عليه. فكلّ من جرت يده على قطعة من الأرض المفتوحة عنوة حكم بملكيتها له ، وصحة نقلها وانتقالها عنه بإرث وغيره.

ومع العلم بفقدان الشرائط كلّا أو بعضا تكون الأرض من الأنفال المختصة بالإمام صلوات الله عليه ، فمن أحياها ملكها ، وتنتقل بالسبب الاختياري والقهري إلى غيره.

ولا يصغى إلى دعوى العلم الإجمالي بكون كثير من أرض العراق محياة حال الحرب ، فلا بدّ من الاحتراز عن كلّ العراق. وذلك لأنّه مع العلم التفصيلي بعمران أرض العراق لا مانع من التصرف ، لجواز الإقطاع أو إخراج خمسها ، فضلا عن العلم الإجمالي.

ومع الغضّ عنه لا أثر للعلم الإجمالي هنا أيضا ، لخروج بعض أطرافه عن مورد الابتلاء. ولاحتمال كونها من موات أرض العراق التي هي ملك الامام عليه‌السلام ، ويملكها من يحييها.

والحاصل : أنّ التصرف في أرض العراق ولو فرض كلّها ـ فضلا عن معظمها ـ عامرة حين الفتح لا إشكال فيه. فيد كلّ من استولى على قطعة من قطعاتها حجة كسائر الأيدي المالكية.

هذا كله في الطبقة الأولى التي ملكت قطعات الأرض المفتوحة عنوة ، ثم انتقلت إلى الطبقة الثانية بالناقل الاختياري أو القهري ، وهكذا إلى هذه الطبقة المعاصرة ، فجميع هذه التصرفات نافذة ، والله العالم.


الرابع (١) ما عرض له الموت بعد العمارة.

فإن كانت (٢) العمارة أصلية ، فهي مال الإمام عليه‌السلام. وإن كانت (٣) العمارة من معمّر ، ففي بقائها على ملك معمّرها أو خروجها عنه وصيرورتها ملكا لمن عمّرها ثانيا خلاف (٤) معروف في كتاب إحياء الموات ،

______________________________________________________

٤ ـ ما عرض له الموت بعد العمارة

(١)أي : القسم الرابع من الأقسام الأربعة التي ذكرها المصنف في (ص ٤٠٧) هو الأرض التي عرض لها الموت بعد العمارة. وهذا القسم يتصور على نحوين :

أحدهما : أن تكون عمارة الأرض أصلية لا من معمّر ، ثم عرضها الموت.

والآخر : أن تكون عمارتها من معمّر ، ثم عرضها الموت.

فإن كانت عمارتها أصلية ، فهي ملك الإمام عليه‌السلام ، كما كانت ملكه عليه‌السلام في حال عمرانها. وقد تقدم في القسم الثاني دليل كون العامرة بالأصل ملك الامام عليه‌السلام ، فإنّه يصدق عليها بعد الموتان «أنّها أرض لا ربّ لها» وهذا العنوان من الأنفال.

(٢) هذا هو النحو الأوّل الذي تقدم بقولنا : «أحدهما : أن تكون عمارة الأرض .. إلخ».

(٣) هذا إشارة إلى النحو الثاني ، وهو كون العمارة من معمّر لا أصلية ، ففي بقائها على ملك معمّرها ، أو خروجها عن ملكه وصيرورتها ملكا للمعمّر الثاني خلاف ، منشؤه اختلاف الأخبار.

(٤) مبتدء مؤخّر ، وخبره «ففي بقائها» يعني : اختلف الفقهاء في حكم الأرض المعمورة التي خربت مع كون المعمّر أو وارثه معلوما ، فعمّرها شخص آخر ، وأنّها تبقى على ملك الأوّل أم يتملّكها المحيي الثاني؟

وقد نقل السيد الفقيه العاملي قدس‌سره بعض كلماتهم ، وأشار إلى آراء جماعة آخرين ، فقال : «ففي المبسوط والمهذّب : أنّها في حكم العامر. وفي الجامع [الخلاف] أنّها لا تملك. وفي التحرير واللمعة : أنّها لا تخرج بإحياء الغير عن ملك الأوّل. وبالثلاثة صرّح في السرائر. وفي جامع المقاصد : أنّه لا يجوز إحياؤها مطلقا ولا تملك بالإحياء .. وبه ـ أي بعدم ملكية المحيي الثاني ـ صرّح في النهاية وجهاد الشرائع والنافع والكتاب


منشؤه اختلاف الأخبار (١) (*).

______________________________________________________

ـ أي القواعد ـ والتحرير والإرشاد والمختلف. ونسبه في المسالك إلى الأكثر».

ثم قال : «قلت : لم نجد الخلاف نحن من أحد قبل المصنف في التذكرة ، فإنّه نقل عن مالك : أنّ المحيي الثاني يملك. وقال ـ أي العلامة ـ لا بأس بهذا القول عندي. وحكاه عنه في بعض فتاواه في المسالك ، واختاره هو في موضعين منه والروضة. وفي الكفاية : أنه أقرب. وفي المفاتيح : أنه أوفق بالجمع بين الأخبار .. إلخ» فراجع (١).

(١) حيث إنّها على طائفتين : إحداهما تدلّ على بقائها على ملك المعمّر الأوّل ، كرواية سليمان بن خالد ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الأرض الخربة ، ويستخرجها ، ويجري أنهارها ويعمّرها ويزرعها ، ماذا عليه؟ قال عليه‌السلام : الصدقة. قلت : فإن كان يعرف صاحبها؟ قال : فليؤدّ إليه حقّه» (٢) وقريب منها غيرها (٣).

ثانيتهما : تدلّ على أنّها للمعمّر الثاني ، كعموم الأخبار الدالة على أنّ «من أحيى أرضا ميتا فهي له» (٤) الشامل لإحياء ما عرضه الموت. وخصوص صحيحة الكابلي المتقدمة في (ص ٤١١) ، والمراد بالخراب الخراب العرضي ، إذ يطلق على الخراب الأصلي كلمة «الميّت والميتة».

واختلاف الأخبار صار منشأ للخلاف ، وصيرورة المسألة ذات قولين ، أحدهما : أن الأرض لمعمّرها الأوّل ، وثانيهما : أنّها للمعمّر الثاني.

__________________

(*) لا إشكال في كون القسم الرابع ـ وهو ما عرض له الموت بعد العمارة الأصلية له ، ولم يتملكه أحد قبل صيرورته مواتا ـ مال الامام عليه‌السلام ، لعدم حدوث سبب ملكيته لأحد حتى يخرج عن ملكه عليه‌السلام. وأمّا إذا تملكه أحد قبل الموات ، وكذا الموات بالأصل إذا ملكه

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٩ و ١٠ ، وحكى هذه الأقوال في الجواهر بقوله : «فالمحكي عن ..» فلاحظ جواهر الكلام ، ج ٣٨ ، ص ٢٢ و ٢٣.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٦ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ٢.

(٣) المصدر ، ص ٣٢٩ ، الباب ٣ ، ح ٣.

(٤) المصدر ، الحديث : ١ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

شخص بالإحياء ثم عرضها الموات ، ففي بقائها على ملكه مطلقا ، فلا يجوز تصرف أحد إلّا بإذنه؟ أو زوالها كذلك ، وصيرورتها ملكا للإمام عليه‌السلام ولمن عمّرها ، بناء على كون الخراب مزيلا للملكية ، أو بقائها على ملك المحيي ، لكن يجوز للغير إحياؤها ، وبه يصير أحقّ بها ، وعليه أجرة الأرض أو زوالها إذا كان تملكها بالإحياء ، وبقائها إذا كان تملكها بغير الإحياء كالشراء ونحوه. وجوه بل أقوال.

لعلّ الأوفق منها بالقواعد ـ الذي هو مقتضى الجمع العرفي بين شتات الروايات أيضا ـ أن يقال : ببقاء الأرض على ملك المحيي ، وعدم خروجها عنه بمجرّد الخراب ، وإنّما تخرج عنه بالإعراض ، فإذا أحياها شخص بعد إعراض المحيي الأوّل ملكها.

فإنّ روايات الباب المشتملة على قيود وعناوين ـ «كالأرض الخربة التي هي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللإمام عليه‌السلام» كصحيحة حفص بن البختري (١) وصحيحة محمّد بن مسلم (٢) وغيرهما (٣). و «كالأرض التي جلا أهلها» (٤) و «كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها» (٥) وكقوله عليه‌السلام : «كل أرض خربة باد أهلها» (٦) وقوله عليه‌السلام : «وهي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها» (٧) وغير ذلك (٨) من قبيل هذه القيود التي هي في مقام تحديد الأراضي الأنفال ، الظاهر في اعتبارها في الموضوع وفي ثبوت المفهوم لها ـ تقيّد المطلقات ، ونتيجة التقييد هي : أنّ الأرض التي لا مالك لها ـ كالتي هلك أهلها ولا وارث لهم ، أو كان لها

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٤ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ١.

(٢) المصدر ، ص ٣٦٨ ، ح ١٢.

(٣) المصدر ، ص ٣٦٧ ، ح ١٠.

(٤) المصدر ، ح ٩.

(٥) المصدر ، ح ٧ ، وص ٣٧٢ ، ح ٢٥.

(٦) المصدر ، ص ٣٦٥ ، ح ٤.

(٧) المصدر ، ص ٣٧١ ، ح ٢٠.

(٨) المصدر ، ص ٣٦٧ ، ح ١٠ وغيره.


.................................................................................................

______________________________________________________

مالك ولكن أعرض عنها ـ تكون في كلتا الصورتين ملك الامام ، فمن أحياها ملكها. وهذا الإعراض يستفاد من روايتين :

إحداهما : صحيحة معاوية بن وهب (١) والأخرى رواية الكابلي (٢).

إذ في الأولى : «فإن كانت أرض لرجل قبله ، فغاب عنها وتركها فأخربها ، ثم جاء بعد يطلبها ، فإنّ الأرض لله ولمن عمّرها».

وفي الثانية : «فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها ويؤدّ خراجها إلى الامام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها. فإن تركها وأخبرها ، فأخذها رجل من المسلمين من بعده ، فعمرها وأحياها ، فهو أحق بها من الذي تركها».

فإنّ مورد هاتين الروايتين هو الترك ، ومن المعلوم أنّ المراد بهذا الترك هو رفع اليد عن الملك والإعراض عنه ، إذ من الواضح عدم صدق الترك على من ذهب إلى سفر مريدا للرجوع عنه إلى محله ، وتعمير الخربة ، ولا يقال : انّه غاب عنها وتركها ، بل يقال : إنّه سيشتغل بتعمير هذه الخربة وإحيائها. ويستفاد الإعراض من ترك الأرض بقول مطلق ، إذ لا يقال لمن ترك زرع أرض سنة أو سنتين ـ لإصلاح الأرض وإعدادها للزرع الأحسن ـ : إنّه ترك الأرض.

وبالجملة : المستفاد من النصوص على اختلافها عنوانان :

أحدهما : الأرض التي لا ربّ لها.

والآخر : الأرض التي أعرض عنها مالكها ، وهذا أيضا راجع إلى سابقه ، لأنّ رفع المانع عن تملك الغير كرفع اليد عن أصل الملكية ، فمن أحيى أرضا لا ربّ لها أو أرضا أعرض عنها مالكها ملكها. فلو دلّ نص على الترك الأعمّ من الإعراض ـ كصحيح الحلبي ورواية الكابلي اللذين مفادهما أعمّ من الإعراض ـ فيقيّد بما ظاهره عدم الإعراض ، كصحيحتي الحلبي وسليمان ، فيقيّد بهما إطلاق صحيح الحلبي ورواية الكابلي.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٨ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، ح ١.

(٢) المصدر ، ص ٣٢٩ ، ح ٢.


ثمّ القسم الثالث (١) إمّا أن تكون العمارة فيه من المسلمين ، أو من الكفّار ، فإن كان (٢) من المسلمين فملكهم لا يزول إلّا بناقل أو بطروء الخراب ، على أحد القولين (٣).

وإن كان (٤) من الكفّار

______________________________________________________

أحكام القسم الثالث

(١) أعني به : ما عرض له الحياة بعد الموت الأصلي ، وهذا الكلام تمهيد لبيان حكم الأرض المفتوحة عنوة.

لما كانت مملّكية إحياء الأرض الموات إجماعيا في الجملة ، فلذا تصدّى للبحث عن فروع المسألة من اعتبار شرط في أصل التملك ، ككون المعمّر مسلما ، وعدمه.

ومن زوال الملك بطريان الخراب وعدمه.

ومن كون الأرض المحياة في دار الكفر أو في دار الإسلام. وغير ذلك مما سيأتي بالتفصيل.

وحاصل ما أفاده المصنف قدس‌سره هو : أنّه لا يخلو إمّا أن يكون معمّر هذه الأرض مسلما وإمّا أن يكون كافرا. فإن كان مسلما فملكه لا يزول إلّا بأحد أمرين :

الأوّل : الناقل الشرعي من بيع أو صلح أو غيرهما.

الثاني : طروء الخراب على الأرض ، فإنّه مزيل للملك بناء على أحد القولين المتقدمين في القسم الرابع من صيرورتها بالموت من المباحات ، فتكون ملكا لمن عمّرها ثانيا.

وأمّا بناء على بقائها على ملك المحيي الأوّل لم يكن طروء الخراب مزيلا للملك.

وإن كان المعمّر كافرا فسيأتي حكمه.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب «كانت» لرجوع الضمير إلى العمارة ، وكذا في «كان» الآتي.

(٣) اللّذين أشار إليهما في (ص ٤٤٦) بقوله : «وإن كانت العمارة من معمّر ، ففي بقائها على ملك معمّرها ، أو خروجها عنه .. خلاف معروف ..» (١).

(٤) معطوف على «إن كان من المسلمين» يعني : إن كان معمّرها من الكفار ، فحكمه

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٩ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، الحديث : ٣ و ١.


فكذلك (١) إن كان في دار الإسلام ، وقلنا بعدم اعتبار الإسلام ، وإن اعتبرنا (٢) الإسلام كانت باقية على ملك الإمام عليه‌السلام.

وإن (٣) كان في دار الكفر فملكها يزول بما يزول به ملك المسلم (٤) ، وبالاغتنام (٥) ، كسائر أموالهم.

ثمّ (٦) ما ملكه الكافر من الأرض : إمّا أن يسلم عليه طوعا ، فيبقى على ملكه

______________________________________________________

كالسابق من عدم زوال ملكه إلّا بالناقل أو الخراب إن كان في دار الإسلام ، وقلنا بعدم اعتبار الإسلام في المعمّر. وإن قلنا باعتبار الإسلام في معمّرها كان باقيا على ملك الامام عليه‌السلام.

(١) أي : لا يزول ملك المعمّر إلّا بالناقل أو بالخراب إن كان في دار الإسلام ، وقلنا بعدم اعتبار الإسلام في المحيي.

وإن اعتبرنا الإسلام فيه ـ للنبوي : «موتان الأرض لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عادي الأرض لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم هي لكم منّي أيّها المسلمون» ـ كان باقيا على ملك الإمام عليه‌السلام.

(٢) معطوف على «وقلنا» والترديد لأجل كون المسألة خلافية ، فمنهم من اعتبر إسلام المحيي ، ومنهم من لم يعتبره.

(٣) معطوف على «إن كان في دار الإسلام» وحاصله : أنّه إن كانت الأرض المحياة ـ بعد الموت ـ في دار الكفر التي يكون فيها الكفار ، زال ملكها بمزيل ملك المسلم ، وبالاغتنام.

(٤) من زواله بناقل شرعي أو بطروء الخراب ، على أحد القولين ، كما مرّ آنفا.

(٥) معطوف على «بما» يعني : يزول ملك الكافر بما يزول به ملك المسلم ، وبالاغتنام أيضا ، إذ تكون هذه الأرض العامرة بعد الموت من الغنائم التي يتملّكها المسلمون بالغنيمة ، كسائر أموال الكفار التي تملك بالغنيمة.

(٦) كان البحث المتقدم في حكم الأراضي باعتبار العمران والموتان ، ويكون


كسائر أملاكه.

وإمّا أن لا يسلم عليه طوعا.

فإن بقي يده عليه كافرا (١) فهي (٢) [فهو] أيضا كسائر أملاكه تحت يده.

وإن (٣) ارتفعت يده عنها ، فإمّا أن يكون بانجلاء المالك عنها (٤) وتخليتها للمسلمين ، أو بموت (٥) أهلها وعدم الوارث ،

______________________________________________________

البحث فعلا في أحكامها باعتبار المالكين ، وتفصيله : أنّ الأرض التي ملكها الكافر إن أسلم عليها طوعا ، فتبقى على ملكه كسائر أملاكه. وإن لم يسلم عليها طوعا ، وكانت تحت يده ، فهي أيضا ملكه كسائر أملاكه.

وإن لم تكن الأرض تحت يده وارتفعت عنها ، ففيه صور :

إحداها : انجلاء المالك عنها.

ثانيتها : موت أهلها وعدم الوارث له. والأرض في هاتين الصورتين ملك الامام عليه‌السلام ، لأنّها من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

ثالثتها : ارتفاع أيدي أهلها عنها قهرا وعنوة ، والأرض في هذه الصورة كغيرها ممّا لا ينقل ـ كالأشجار والأبنية ـ ملك لكافة المسلمين بالإجماع والنص. وهذه الأراضي هي المسماة بالمفتوحة عنوة.

(١) وهو كما إذا استولى عليها المسلمون ، وصالحوا الكفّار على أن تكون الأرض ملكا لهم.

(٢) كذا في نسختنا والأولى بمرجع الضمير ـ وهو الموصول في «ما ملكه» ـ تذكير الضمير كما في بعض النسخ.

(٣) معطوف على «فان بقي» وتأنيث الضمير في «عنها» باعتبار المرجع وهو الأرض.

(٤) إشارة إلى الصورة الأولى التي تقدّمت بقولنا : «إحداها انجلاء المالك عنها» والضمير المستتر في «يكون» راجع إلى الارتفاع. يعني : إما أن يكون ارتفاع يدهب بانجلاء المالك أي خروجه وإعراضه عنها ، وإمّا بموت أهلها بدون وارث لهم.

(٥) معطوف على «بانجلاء» وهذه إشارة إلى الصورة الثانية المتقدمة بقولنا :


فيصير (١) ملكا للإمام عليه‌السلام ، ويكون من الأنفال الّتي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

وإن رفعت (٢) يده عنها قهرا وعنوة ، فهي كسائر ما لا ينقل من الغنيمة ـ كالنخل والأشجار والبنيان ـ للمسلمين كافّة إجماعا (٣) ، على ما حكاه غير واحد ، كالخلاف والتذكرة وغيرهما. والنصوص به مستفيضة.

ففي رواية أبي بردة المسؤول فيها عن بيع أرض الخراج ، قال عليه‌السلام : «من يبيعها؟ هي أرض المسلمين. قلت : يبيعها الذي هي في يده؟ قال : يصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثمّ قال : لا بأس أن يشتري (٤) حقّه منها ، ويحوّل حقّ المسلمين

______________________________________________________

«ثانيتها موت أهلها .. إلخ».

(١) يعني : فتصير الأرض في هاتين الصورتين ملكا للإمام عليه‌السلام. وينبغي تأنيث جميع الضمائر الراجعة إلى الأرض.

(٢) معطوف على «وإن ارتفعت» ولعلّ الأولى أن تكون العبارة هكذا «أو بارتفاع يده عنها قهرا وعنوة» ليكون معطوفا على «بانجلاء» ، كعطف «بموت» عليه.

(٣) هذا هو الدليل الأوّل على كون الأرض المفتوحة عنوة ملكا لجميع المسلمين ، وقد ادّعاه جماعة كشيخ الطائفة والسيد أبى المكارم والعلّامة والسيد العاملي وغيرهم قدس‌سرهم (١).

لكن صحة الاستدلال به على المطلب منوطة بعدم استناد المجمعين إلى الروايات ، وإلّا كانت هي الحجة على المقصود. واحتمال استنادهم إلى النصوص كاف في عدم حجية الإجماع. فحينئذ لا بدّ من البحث فيما يستفاد من النصوص التي ادعي أنّها مستفيضة. منها : رواية أبي بردة المذكورة في المتن.

(٤) كذا في النسخة ، وفي الوسائل : «اشترى».

__________________

(١) الخلاف ، ج ٢ ، ص ٦٧ ـ ٧٠ ، كتاب الزكاة ، المسألة : ٨٠ ، غنية النزوع ، ص ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، تذكرة الفقهاء ، ج ٩ ، ص ١٨٤ ، وادّعاه العلامة في المنتهى أيضا ، ج ٢ ، ص ٩٣٤ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٣٩ ، جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٥٧.


عليه ، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم منه» (١).

وفي مرسلة حمّاد الطويلة : «ليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين ، وما غلبوا عليه ، إلّا ما حوى العسكر (١) .. إلى أن قال : والأرض التي أخذت بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمّرها ويحييها ، ويقوم عليها على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج ، النصف (٢) أو الثلث أو الثلثين ، على قدر ما يكون لهم صالحا (٣) ولا يضرّ بهم. فإذا أخرج منها ما أخرج ، بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا (٤) ، ونصف (٥) العشر ممّا سقي بالدوالي (٦) والنواضح (٧) .. إلى أن قال : فيؤخذ ما (٨) بقي بعد العشر ، فيقسّم بين الوالي وبين شركائه الّذين هم عمّال الأرض وأكرتها (٩) ،

______________________________________________________

(١) في الوسائل : «ولا ما غلبوا عليه الّا ما احتوى عليه العسكر».

(٢) هذا و «الثّلث والثّلثين» عطف بيان أو بدل ل «الخراج» والمراد به نصف غلّة الأرض أو ثلثها أو ثلثيها.

(٣) كذا في النسخة ، وفي الوسائل : «صلاحا».

(٤) أي : بالماء الجاري على وجه الأرض (٢).

(٥) معطوف على «العشر» أي : أخرج معمّر الأرض نصف العشر إن كان سقيها بالدوالي والنواضح.

(٦) جمع الدالية ، وهي الناعورة.

(٧) جمع «ناضح» وهو البعير الذي يحمل الماء من النهر أو البئر للسقي (٣).

(٨) في الوسائل : «يؤخذ بعد ما بقي العشر».

(٩) معطوف على «عمال» وهو بفتح الألف والكاف والراء ، جمع «آكر» ك «حفدة» جمع «حافد» مأخوذ من «أكر» بمعنى الحفر والحرث والزرع (٤) فالمراد هنا الزارعون.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ١١٨ ، الباب ٧١ من أبواب جهاد العدو ، ح ١.

(٢) مجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ٣٧٧ ، لسان العرب ، ج ٢ ، ص ٤٩٢.

(٣) المصدر ، ص ٤١٩ ، ولسان العرب ، ج ٤ ، ص ٦١٩.

(٤) مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ٣٠٨ ، لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٢٦.


فيدفع عليهم أنصباؤهم (١) على قدر ما صالحهم عليه ، ويأخذ الباقي ، فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين الله ، وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد ، وغير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة ، ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير» الخبر (١).

وفي صحيحة الحلبي ، قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السواد ما منزلته؟ قال : هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم ، ولمن يدخل (٢) [دخل] في الإسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعد (٣). فقلنا : أنشتريه من الدّهاقين؟ قال : لا يصلح إلّا أن تشتريها منهم على أن تصيّرها للمسلمين ، فإن شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها. قلت : فإن أخذها منه؟ قال : يردّ عليه رأس ماله ، وله ما أكل من غلّتها بما عمل» (٢).

ورواية ابن شريح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج؟ فكرهه ، وقال (٤) [قال] إنّما أرض الخراج للمسلمين. فقالوا له : فإنّه يشتريها الرجل وعليه خراجها. فقال : لا بأس ، إلّا أن يستحيي من عيب ذلك» (٥) (٣).

______________________________________________________

(١) بفتح الهمزة وسكون النون ، جمع «نصيب».

(٢) كذا في الوسائل وفي بعض نسخ الكتاب ، وفي نسختنا «دخل».

(٣) هذه الجملة صريحة في أنّ الأرض المفتوحة عنوة ـ كالعراق ـ ملك لجميع المسلمين ، وأنّ شراءها من الدّهاقين ليس بمعنى تملكها منهم ، بل بمعنى جعلها للمسلمين وأن يكون الأمر مفوّضا إلى الوالي.

(٤) كذا في الوسائل وبعض نسخ الكتاب ، وفي نسختنا «قال».

(٥) يعني : أن يستحيي المشتري من عيب هذه الأرض. والمراد بالعيب صيرورة

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٨٤ ، الباب ٤١ من أبواب جهاد العدو ، ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٤ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ٤.

(٣) المصدر ، ص ٢٧٥ ، ح ٩.


ورواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، ففيها : «وسألته عن رجل اشترى أرضا من أراضي الخراج ، فبنى بها أو لم يبن ، غير أنّ أناسا من أهل الذمّة نزلوها ، له أن يأخذ منهم أجور البيوت إذا أدّوا (١) جزية رؤوسهم؟ قال : يشارطهم ، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال [أخذها] (٢) (١).

______________________________________________________

المشتري كالكفار في دفع الجزية ، ومن المعلوم أن في دفع الخراج نوع حقّة على المسلم. فإن ترك الشراء لأجل هذا العيب فهو ، وإن تحمّله واشتراها فلا بأس.

وعلى كلّ فالشاهد في قوله عليه‌السلام : «إنّما أرض الخراج للمسلمين» الدال على عدم تملك آحاد المسلمين للأرض المفتوحة عنوة ، وأنّ المقصود من الترخيص في الشراء هو تفويض حق الانتفاع ، لا تمليك رقبة الأرض.

(١) يعني : إذا أدّوا جزية رؤوسهم إلى وليّ أمر المسلمين.

(٢) كذا في نسختنا ، ولم ترد هذه الكلمة في الوسائل وفي بعض نسخ الكتاب ، ولعلّه الصواب ، لرجوع ضمير «هو» إلى المأخوذ.

وتوضيح دلالة الرواية على منع بيع الأرض المفتوحة عنوة هو : أنّ السؤال عن جواز أخذ الأجرة من أهل الذمة الّذين نزلوا في بيوت مبنيّة في الأرض الخراجية لأجل الحرث والزرع ، وهم يؤدّون جزية رؤوسهم إلى وليّ المسلمين.

ولعلّ منشأ السؤال احتمال سقوط اجرة البيوت ، لأنّ المسلم الذي بيده الأرض عند ما يبذل اجرة عمل الزارع يجعل شيئا من الأجرة بدلا عن سكناهم في تلك الأبنية ، فليس له أخذ أجرة السّكنى فيها.

فأجاب عليه‌السلام : بأنّ جواز مطالبة الأجرة من أولئك العاملين في الأرض منوط بالاشتراط في عقد الإجارة بين المسلم الذي تكون الأرض بيده وبين أهل الذمة الزارعين فيها. فإن اتفق الطرفان على بذل بدل السكنى فهو ، وإلّا لم يجز أخذ شي‌ء من العاملين.

وهذه الرواية سؤالا وجوابا أجنبية ظاهرا عمّا رامه المصنف من نقل النصوص

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٥ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ١٠.


وفي خبر أبي الربيع : «لا تشتر من أرض السواد شيئا ، إلّا من كانت له ذمّة (١) ، فإنّما هي في‌ء للمسلمين» (١).

إلى غير ذلك (٢).

وظاهره (٣) كما ترى عدم جواز بيعها حتّى تبعا للآثار المملوكة

______________________________________________________

الدالة على كون الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين ، ولا يجوز تملك رقبتها.

لكن يمكن توجيه الاستدلال بها بما أفاده بعض أجلّه المحشّين من : أنّ مفهوم قوله عليه‌السلام : «يشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال» هو حرمة أخذ الأجرة بدون الشرط ، ولا وجه لحرمة الأخذ حينئذ إلّا كون الأرض ملكا للمسلمين كافة لا لخصوص هذا المتصرّف ، والمفروض أنّ العمّال الذّميّون قد أدّوا جزية رؤوسهم إلى الوالي ، وخرجوا عن الحق الثابت عليهم ، فلا موجب لأخذ شي‌ء آخر منهم. وأما حلّ الأخذ في ما اشترط ، فلعلّه لكونه بإزاء إذنه لهم في التصرف في البيوت التي تعلّق حقّه بها ، هذا ما أفيد (٢).

(١) حاصله : أنّه لا بدّ أن يكون البائع كافرا ذمّيا ، فإنّ أمواله ـ التي منها هذه الأرض ـ محترمة ، والمفروض قيامه بعهدة خراج الأرض ، وهذا بخلاف المسلم ، فإنّه لا يصحّ أن يبيعها ، لعدم كونها ملكا له.

(٢) كمضمرة محمّد بن مسلم ، قال : «سألته عن شراء أرضهم ، فقال : لا بأس أن تشتريها ، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم ، تؤدي فيها كما يؤدون فيها» (٣).

(٣) كذا في النسخ ، والأولى تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى النصوص في قوله : «والنصوص به مستفيضة». أي : ظاهر النصوص المستفيضة ـ لإطلاق المنع فيها الشامل للأرض منفردة ومنضمّة مع الآثار ـ هو عدم جواز بيع أرض الخراج مطلقا حتى تبعا

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٤ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع ، ح ٥.

(٢) حاشية المكاسب ، للمحقق الايرواني ، ج ١ ، ص ١٦٨ ، وأشار إليه العلامة السيد الاشكوري في بغية الطالب ، ج ١ ، ص ١٤٤.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٥ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع ، ح ٧.


فيها (١) على أن تكون جزءا من المبيع ، فيدخل في ملك المشتري.

نعم (٢) يكون للمشتري على وجه كان (٣) للبائع ، أعني (٤) مجرّد الأولويّة وعدم جواز مزاحمته (٥) إذا (٦) كان التصرّف وإحداث تلك الآثار بإذن الإمام أو بإجازته ولو لعموم الشيعة ، كما (٧) إذا كان التصرّف بتقبيل السلطان الجائر ، أو بإذن الحاكم

______________________________________________________

للآثار المملوكة فيها من الأبنية والأشجار ، على أن تكون الأرض جزءا من المبيع حتى تدخل الأرض لهذه التبعية في ملك المشتري.

(١) هذا الضمير وضمير «بيعها» والمستتر في «تكون ، فيدخل» راجعة إلى أرض الخراج. والأولى «فتدخل» بدل «فيدخل».

(٢) استدراك على عدم جواز بيع رقبة أرض الخراج ، بحيث يكون بيعها كبيع سائر الأموال المملوكة في ترتب ملكية الرقبة عليه.

وحاصل الاستدراك : أنّه يترتب على هذا البيع أولوية المشتري بأرض الخراج ، كأولويّة البائع بها ، وعدم جواز مزاحمته إن كان تصرفه وإحداث الآثار من الأبنية والأشجار بإذن الإمام عليه‌السلام حين التصرف ، أو بإجازته بعد التصرف ، ولو كان الإذن بلسان العموم ، كقولهم عليهم‌السلام : «ما كان لنا فهو لشيعتنا» و «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيها محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم .. إلخ».

(٣) الضمير المستتر فيه وفي «يكون» راجعان إلى الأرض ، فالأولى «تكون ، كانت».

(٤) هذا بيان لقوله : «على وجه» يعني : ذلك الوجه هو الأولويّة ، لا الملكيّة.

(٥) أي : مزاحمة البائع ، ولفظ «عدم» عطف تفسيري للأولوية ، ويمكن عطفه على مجرد.

(٦) قيد للأولويّة وعدم جواز المزاحمة ، يعني : أنّ أولوية البائع بأرض الخراج من غيره منوطة بأن يكون تصرفه وإحداث الآثار فيها ـ من البنيان والأشجار ـ بإذن الإمام عليه‌السلام أو إجازته ولو بنحو العموم للشيعة كما مرّ آنفا.

(٧) مثال للإذن والإجازة ، يعني : أنّ التصرف بإذن الحاكم الشرعي أو تقبيل السلطان المخالف يكون من التصرف الجائز المأذون فيه.


الشرعي ، بناء (١) على عموم ولايته لأمور المسلمين ، ونيابته عن الإمام عليه‌السلام.

لكن (٢) ظاهر عبارة المبسوط إطلاق المنع عن التصرّف فيها (٣) ، قال : «لا يجوز التصرّف فيها ببيع ولا شراء ولا هبة ولا معاوضة (٤). ولا يصحّ (٥) أن يبني فيها دورا ومنازل ومساجد وسقايات (٦) ولا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك.

______________________________________________________

(١) هذا قيد لإذن الحاكم الشرعي ، فإنّ نفوذ إذنه موقوف على ولايته لأمور المسلمين.

(٢) استدراك على قوله : «نعم يكون للمشتري .. إلخ» وحاصل الاستدراك : أنّ ظاهر عبارة المبسوط إطلاق المنع عن التصرف في الأرض المفتوحة عنوة بشي‌ء من التصرفات الاعتبارية كالبيع والهبة ونحوهما ، والخارجية كبناء الدور والدكاكين والمساجد وغير ذلك ، فلا ينتقل شي‌ء من البائع إلى المشتري حتى الأولوية.

وبالجملة : فكلّ تصرف يتوقف على الملك حرام وباطل ، ويكون حكم الشي‌ء الذي بنى في الأرض المفتوحة عنوة حكم أصل الأرض ، وهو كونه ملكا لعامّة المسلمين.

ولا يخفى أن المصنف بقوله : «لكن ظاهر» شرع في نقل الأقوال في المسألة ، وهي أربعة ، وكلام المبسوط أوّلها.

(٣) أي : في الأرض المفتوحة عنوة.

(٤) هذا من عطف العام على الخاص ، والعبارة منقولة بالمعنى ، وإلّا فنصّ المبسوط هو : «ولا يصحّ بيع شي‌ء من هذه الأرضين ولا هبته ولا معاوضته ولا تمليكه ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا إرثه. ولا يصح .. إلخ».

(٥) الأولى التعبير بعدم الجواز ، فإنّ الصحة والفساد من أوصاف المركبات ، لا البسائط كالملكية.

(٦) جمع «سقاية» ولها معان ، منها «الموضع الذي يتخذ فيها الشراب في المواسم وغيرها» (١) فالمراد هنا بناء مكان يوضع فيه الماء للشرب.

__________________

(١) لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ٣٩٢.


ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرّف باطلا (١) ، وهو (٢) على حكم الأصل» (١).

ويمكن حمل كلامه (٣) على صورة عدم الإذن من الإمام عليه‌السلام حال حضوره.

ويحتمل (٤) إرادة التصرّف بالبناء على وجه الحيازة والتملّك.

______________________________________________________

(١) الأولى أن يقال : «حراما» لكون المنهي عنه في عبارة المبسوط مطلق التصرف من الخارجي والاعتباري ، ومن المعلوم عدم اتصاف بناء الدور والسقاية بالبطلان. وعلى كلّ فالوجه في البطلان كون الأرض للمسلمين لا للمتصرّف ، فلا ينفذ شي‌ء من تصرفاته فيها.

(٢) هذه الجملة منقولة بالمعنى أيضا ، ففي المبسوط : «وهو باق على الأصل» يعني : أنّ الشي‌ء الذي فعله المتصرف في هذه الأرض المفتوحة عنوة من الأبنية تابع لأصل الأرض في كونها فيئا للمسلمين.

(٣) أي : حمل كلام صاحب المبسوط قدس‌سره المانع عن مطلق التصرف في الأرض المفتوحة عنوة. وحاصل هذا التوجيه : أنّ كلامه محمول على صورة عدم إذن الإمام عليه‌السلام في التصرف مع حضوره. وحينئذ يكون المنع عن مطلق التصرف في محله ، إذ لا بدّ من إذن وليّ الأمر في التصرف في الأرض.

وهذا الحمل مذكور في مفتاح الكرامة ، لقوله ـ بعد نقل إجماع المسالك على المنع من التصرف ـ : «ويمكن حمل هذا الإجماع وما ضاهاه على أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف فيها بشي‌ء قبل أن يسلّمها إليه الامام .. وهذا ممّا لا ريب فيه ، لأنّه إذا فتحها الامام عليه‌السلام كان أمرها إليه ..» (٢).

(٤) هذا توجيه ثان لكلام الشيخ في المبسوط ، ومحصله : أنّه يمكن أن يكون مورد المنع عن التصرف هو التصرف الذي أريد به الحيازة والتملك ، لا مجرّد الأولوية.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٣٤ ، وحكي هذا المطلب عن جماعة آخرين ، فلاحظ مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٤٠ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٤٨ و ٣٤٩.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٤٤.


وقال في الدروس (١) «لا يجوز التصرّف في المفتوحة عنوة إلّا بإذن الإمام ، سواء كان بالبيع أو الوقف أو غيرهما (٢).

______________________________________________________

(١) غرضه أنّ الشهيد رحمه‌الله فصّل بين زماني الحضور والغيبة ، بنفوذ التصرفات في زمان الغيبة ، وعدم نفوذها في عصر الحضور إلّا بإذنه عليه‌السلام.

وعبارة الدروس تضمّنت أقوالا ثلاثة :

أحدها : المنع مطلقا ، وهو كلام الشيخ في المبسوط. وقد تقدم.

وثانيها : التفصيل بين الأرض وبين الآثار المحدثة فيها ، بمنع التصرف في نفس الأرض ، وبالجواز في الثاني ، وهو مختار الحلّي قدس‌سره.

وثالثها : التفصيل بين زماني الحضور والغيبة ، وهو مختار الشهيد ، واختاره المحقق الثاني أيضا.

وهل مرادهما من جواز البيع والوقف في زمن الغيبة جواز بيع رقبة الأرض على الاستقلال ومجرّدة عن الأبنية المحدثة فيها؟ أم أنّ المراد بيعها تبعا للآثار بحيث لا يصحّ بيعها مستقلّا. فيه احتمالان ، استظهر السيد العاملي قدس‌سره الأوّل ، فنسب إلى الشهيد والمحقق الثاني التزامهما بالتفصيل بين عصر الحضور والغيبة ، بمنع البيع والوقف في زمان حضوره عليه‌السلام ، وبجوازهما في هذه الأزمنة.

قال قدس‌سره في مفتاح الكرامة : «وقضيّة ما في الدروس أنه يصح بيعها منفردة في زمن الغيبة ، ونحوه ما في جامع المقاصد» ثم نقل عبارة الدروس المذكورة في المتن (١).

وعليه فاستظهر السيد قدس‌سره من عبارتيهما جواز التصرف في رقبة الأرض على نحو الاستقلال في عصر الغيبة ، هذا.

ولكن المصنف ناقش في هذا الاستظهار ، بأنّ غرض الشهيد قدس‌سره من جواز البيع في زمن الغيبة ليس بيع رقبة الأرض مجردة عن الآثار ، بل مقصوده جعل الأرض جزءا من المبيع أو الموقوفة ، واستشهد لذلك بما أفاده الشهيد الثاني قدس‌سره وسيأتي.

(٢) المراد من هذه الجملة بنظر المصنف هو جواز بيع الأرض ووقفها ـ في زمن

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٤٠ ، ونحوه في ص ٢٤٣ وكذا نسبه الى الدروس صاحب الجواهر ، فراجع ، ج ٢٢ ، ص ٣٥٠.


نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك (١).

وأطلق (٢) (*) في المبسوط : أنّ التصرّف فيها لا ينفذ.

وقال (٣) ابن إدريس : إنّما نبيع ونوقف تحجيرنا وبناءنا (٤) وتصرّفنا ، لا نفس الأرض» انتهى (١).

وقد ينسب (٥) إلى الدروس التفصيل بين زماني الغيبة والحضور ، فيجوز التصرّف في الأوّل (٦) ولو بالبيع والوقف ، لا في الثاني (٧) إلّا بإذن الإمام عليه‌السلام.

وكذا (٨) إلى جامع المقاصد.

______________________________________________________

الغيبة ـ تبعا للآثار ، لا مطلقا ولو بتمليك رقبة الأرض للمشتري بدون ما أحدثه فيها من بناء أو غرس أو زرع.

(١) يعني : ينفذ كلّ تصرف في حال الغيبة.

(٢) هذا الإطلاق ناظر إلى زماني الحضور والغيبة ، فلا ينفذ تصرفه في كلا الزمانين.

(٣) حاصله : أنّ ابن إدريس قدس‌سره فصّل بين الأرض وبين ما يتعلّق بها ، بجواز التصرف فيما يتعلق بها من حقّ التحجير والأبنية المبنية فيها ، وعدم جوازه في نفس الأرض.

(٤) هذه الجملة أقرب إلى ما في السرائر ، ولكن المنقول عنه في الدروس هو «انما يباع ويوقف تحجيرنا وبناؤنا .. إلخ».

(٥) الناسب هو السيد العاملي كما عرفت في عبارته المتقدمة.

(٦) وهو زمان الغيبة ، وقوله : «ولو بالبيع ..» إشارة إلى التصرفات المتوقفة على الملك.

(٧) وهو زمان الحضور ، فلا ينفذ التصرف فيها إلّا بإذن الإمام عليه‌السلام.

(٨) يعني : ونسب أيضا هذا التفصيل إلى المحقق الثاني قدس‌سره فيجوز التصرف

__________________

(*) لا يخفى أنّ مقتضى هذا الإطلاق رضا الشارع ـ بل أمره ـ بتعطيل الأراضي الخراجية. وهو كما ترى.

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٤١ ، السرائر ، ج ١ ، ص ٤٧٨.


وفي النسبة نظر (١) ، بل (٢) الظاهر موافقتهما لفتوى جماعة (٣) من جواز التصرّف فيه (٤) في زمان الغيبة بإحداث الآثار ، وجواز (٥) نقل الأرض تبعا للآثار ،

______________________________________________________

في زمان الغيبة دون زمان الحضور إلّا بإذن الإمام عليه‌السلام ، قال قدس‌سره معلّقا على قول العلامة قدس‌سره : «ولا يصح بيعها ـ أي الأرض المفتوحة عنوة ولا وقفها ..» ما لفظه : «هذا في حال ظهور الامام عليه‌السلام. أما في حال الغيبة فينفذ ذلك كلّه ، كما صرّح به في الدروس ، وصرح به غيره» (١).

(١) يعني : وفي نسبة التفصيل بين زماني الحضور والغيبة إلى الشهيد والمحقق الثاني نظر. ووجه النظر ما سيأتي من الاستشهاد بكلام الشهيد الثاني قدس‌سره.

(٢) يعني : بل الظاهر موافقة الدروس وجامع المقاصد لفتوى جماعة من الفقهاء من جواز التصرف في الأرض المفتوحة عنوة في زمان الغيبة بإحداث الآثار من الأبنية وغرس الأشجار فيها ، وجواز نقل نفس الأرض أيضا تبعا للآثار ، لا مستقلّا. فالأرض تصير مملوكة أيضا تبعا لها ، فإذا ذهبت الآثار انقطع حق المشتري عن الأرض رأسا.

(٣) قال السيد العاملي قدس‌سره ـ بعد نقل عبارة المبسوط وعدّ جماعة ممّن منع من التصرف في رقبة الأرض ببيع وشبهه ـ ما لفظه : «وفي موضع آخر من التذكرة والتحرير : أنه يجوز بيعها تبعا لآثار المتصرّف. ونحوه ما في السرائر في موضع منها ، والمختلف والمنتهى وحواشي الكتاب ـ أي حواشي الشهيد على القواعد ـ واللمعة والروضة ، وقوّاه في موضع من المسالك ، وفي آخر منه نسبته إلى جمع من المتأخرين ، وأنّ العمل عليه» (٢).

وقال العلّامة في بيع التذكرة : «نعم يصحّ بيعها ـ أي الأرض الخراجية ـ تبعا لآثار التصرف» (٣).

(٤) أي : في الأرض ، والأولى تأنيث الضمير ، و «بإحداث» متعلق بالتصرف.

(٥) معطوف على «جواز التصرف» الذي هو جواز تكليفي ، وجواز النقل جواز وضعي.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٣ ، ص ٤٠٣ ، ونسب إلى حاشيته على الشرائع أيضا ، ص ٣٠١ كما في هامش المسالك. ويستفاد من كلامه في حكم بيع بيوت مكة المشرفة ، فلاحظ ج ٤ ، ص ٩٧.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٤٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٣٩.


فيفعل (١) ذلك بالأرض تبعا للآثار ، والمعنى (٢) أنّها مملوكة ما دامت الآثار موجودة. قال (٣) في المسالك ـ في شرح قول المحقّق : «ولا يجوز بيعها ولا هبتها ولا وقفها» ـ : «إنّ (٤) المراد لا يصحّ ذلك في رقبة الأرض مستقلّة. أمّا لو (٥) فعل ذلك (٦) بها (٧) تبعا لآثار التصرّف من بناء وغرس وزرع ونحوها فجائز على الأقوى».

قال (٨) : «فإذا باعها بائع مع شي‌ء من هذه الآثار دخل (٩) في المبيع على سبيل التبع ، وكذا الوقف وغيره (١٠. ويستمرّ كذلك ما دام شي‌ء من الآثار باقيا ،

______________________________________________________

(١) أي : فيفعل النقل بالأرض تبعا للآثار. والظاهر أنّ هذه الجملة مستدركة ، للاستغناء عنها بقوله : «وجواز نقل الأرض تبعا للآثار».

(٢) يعني : ومعنى التبعية أنّ الأرض مملوكة ما دامت الآثار موجودة ، فتنعدم الملكية بانعدامها.

(٣) الغرض من نقل عبارة المسالك الاستشهاد بها على ثبوت الفتوى التي نسبها إلى جماعة من جواز بيع أرض الخراج ونقلها تبعا للآثار.

(٤) هذا كلام المسالك ، وحاصله : أنّ مراد المحقق من عدم جواز البيع وغيره هو عدم صحة البيع وشبهه في رقبة الأرض بنحو الاستقلال ، وأمّا بنحو التبعية للآثار فلا بأس به.

(٥) كلمة «لو» لم تذكر في نسختنا ، وإنّما ذكرت في المسالك وفي بعض نسخ الكتاب.

(٦) المراد بالمشار إليه هنا وفي قوله : «لا يصح ذلك» هو بيع رقبة الأرض.

(٧) أي : برقبة الأرض.

(٨) أي : قال الشهيد الثاني في شرح عبارة الشرائع : فإذا باع الأرض المفتوحة عنوة بائع مع شي‌ء من الآثار التي أنشئت فيها دخلت نفس الأرض في المبيع على سبيل التبعية.

(٩) كذا في النسخ ، والصواب كما في المسالك «دخلت» لرجوع الضمير الفاعل المستتر إلى الأرض.

(١٠) كالهبة ، فالوقف والهبة ثابتان للأرض تبعا ، وتستمرّ هذه التبعيّة ما دام شي‌ء


فإذا ذهبت أجمع انقطع حقّ المشتري والموقوف عليه وغيرهما عنها. هكذا ذكره جمع (١) ، وعليه العمل» انتهى (١).

نعم (٢) ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع والشراء في نفس الرقبة ، حيث قال (٣) «إن قال قائل : إنّ (٤) ما ذكرتموه إنّما دلّ على إباحة التصرّف في هذه الأرضين ، ولا يدلّ على صحّة تملّكها (٥) بالشراء والبيع ، ومع عدم صحّته (٦) لا يصحّ ما يتفرّع عليهما [عليها].

______________________________________________________

من الآثار باقيا ، فإذا ذهبت الآثار أجمع انقطع حقّ المشتري والموقوف عليه ـ وغيرهما كالمتّهب ـ عن الأرض ، لارتفاع التبعية بارتفاع موضوعها وهو الآثار.

(١) الظاهر أنّ هذه الجمع هي «الجماعة» المتقدمة في المتن (ص ٤٦٣) ، وعدّهم السيد العاملي في ما تقدم من كلامه.

(٢) استدراك على الملك التبعي للأرض المفتوحة عنوة ، وإشارة إلى قول رابع في المسألة ، بأن يقال : إنّه ربما يظهر من عبارة التهذيب جواز البيع والشراء في نفس رقبة الأرض ، لا جواز بيعها تبعا للآثار.

(٣) يعني : قال الشيخ مستشكلا على نفسه بما حاصله : إنّ مقتضى ما ذكرتموه من أدلة أحكام الأرض المفتوحة عنوة هو إباحة التصرف فيها ، لا ملكيّتها بالبيع والشراء ، وبدون تحقق ملكيّتها كيف يصح تفريع ما يتوقف على الملكية ـ كالبيع والوقف ـ على الأرض المذكورة؟

ولا يخفى أنّ العبارة المنقولة في المتن تغاير ما في التهذيب يسيرا ، كما سنذكره.

(٤) في التهذيب : «ان جميع ما ذكرتموه إنّما يدلّ على إباحة التصرف لكم ..».

(٥) في التهذيب : «ولم يدلّ على أنّه يصح لكم تملكها بالشراء والبيع ، فإذا لم يصحّ الشراء والبيع فما يكون فرعا عليه أيضا لا يصح مثل الوقف والنحلة والهبة وما يجري مجرى ذلك».

(٦) أي : ومع عدم صحة تملّك هذه الأرض لا يصحّ ما يتفرّع على الملكية كالبيع

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ٥٦.


قلنا (١) إنّا قد قسّمنا الأرضين على ثلاثة أقسام ، أرض أسلم أهلها عليها ، فهي ملك لهم يتصرّفون فيها ، وأرض (٢) تؤخذ عنوة ، أو يصالح (٣) أهلها عليها ، فقد أبحنا شراءها (٤) وبيعها ،

______________________________________________________

ونحوه. هذا بناء على ما نقله المصنف في المتن. ولكن عرفت صراحة عبارة التهذيب في ما يتفرع على البيع والشراء ، ولذا صحّحت نسختنا ب «عليهما» بدلا عمّا في غالب النسخ من «عليها».

(١) هذا أيضا يغاير ما في التهذيب. من قوله : «قيل له : إنّا قد قسّمنا الأرضين في ما مضى على ثلاثة أقسام ، أرض يسلم أهلها عليها ، فهي تترك في أيديهم ، وهي ملك لهم ، فما يكون حكمه هذا الحكم صحّ لنا شراؤها وبيعها. وأمّا الأرضون التي تؤخذ عنوة ..» إلى آخر ما في المتن.

وكيف كان فهذا جواب الإشكال الذي تعرّض له بقوله : «إن قال قائل» ومحصل الجواب : أنّ الأرضين على ثلاثة أقسام :

أحدها : الأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا ، وهي ملك لهم يتصرّفون فيها كتصرف سائر الملّاك في أملاكهم.

ثانيها : الأرض التي تؤخذ من الكفار عنوة ، وهذه الأرض ملك لكافّة المسلمين ، وقد أبيح لهم بيعها وشراؤها ، لأنّها ملك لهم. والمتصدي لبيعها يكون من المسلمين.

ثالثها : أرض الصلح ، وهي التي يصالح أهلها عليها مع المسلمين.

(٢) معطوف على «أرض أسلم» وهذا هو القسم الثاني من أقسام الأرضين.

(٣) معطوف على «تؤخذ» يعني : أو أرض يصالح أهلها عليها ، وهذا هو ثالث أقسام الأرضين.

(٤) يعني : شراء الأرض المأخوذة عنوة وبيعها. وهذه الجملة ظاهرة ـ بل صريحة ـ في جواز بيع وشراء الأرض المفتوحة عنوة.

والوجه في إباحة بيعها وشرائها هو : أنّ لنا في تلك الأراضي نصيبا ، لأنّها أراضي المسلمين. والمتصدّي للبيع والشراء أيضا من المسلمين ، فيتصرف فيما هو ملك له.


لأنّ (*) لنا في ذلك قسما ، لأنّها (١) أراضي المسلمين ، وهذا القسم (٢) أيضا يصحّ الشراء والبيع فيه على هذا الوجه (٣).

وأمّا الأنفال (٤) وما يجري مجراها ، فلا يصحّ تملّكها بالشراء (٥) ، وإنّما أبيح لنا التصرّف فيها (٦) حسب» (١).

ثمّ استدلّ (٧) على أراضي الخراج برواية أبي بردة السابقة (٢) الدالّة على جواز

______________________________________________________

(١) الضمائر في «شرائها ، بيعها ، لأنّها» راجعة إلى الأرض.

(٢) يعني : الأرض المأخوذة عنوة أيضا كالأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا في أنّه يصحّ بيعها وشراؤها.

(٣) أي : على وجه كون هذه الأراضي المفتوحة عنوة ـ أو التي صولح عليها ـ ملكا للمسلمين ، فالتصرف في الأرض المفتوحة عنوة جائز بأيّ نحو كان ، كالتصرف في الأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا.

(٤) هذا كلام التهذيب أيضا ، وغرضه بيان حكم الأنفال وما يجري مجراها كالأرض التي هلك أهلها ، فلا يصحّ تملكها بالشراء ، لأنّها ملك خاص للإمام عليه‌السلام. نعم أبيح لنا التصرف فيها فقط.

(٥) في التهذيب : «بالشراء والبيع ، وإنّما أبيح لنا التصرف فحسب».

(٦) هذا الضمير وضميرا «مجراها ، تملكها» راجعة إلى الأنفال.

(٧) أي : استدلّ الشيخ في التهذيب ـ على حكم الأراضي الخراجية ـ برواية

__________________

(*) لا يخفى ما في هذا التعليل ، إذ ليست ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين من الملكيات المتعارفة الموضوعة لتسلط الملّاك على أملاكهم ، بل هي نحو خاصّ من الملك دلّ عليه النص. وليس هو موضوعا لقاعدة السلطنة ، ولا يصح التعليل المزبور إلّا إذا كان الملك موضوعا لقاعدة السلطنة ، ومن المعلوم أنّ ملك المسلمين للأرض المفتوحة عنوة ليس كذلك ، فالتعليل المذكور عليل.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ، ج ٤ ، ص ١٤٥ ـ ١٤٦ ، ذيل الحديث : ٤٠٥.

(٢) تقدمت في ص ٤٥٣.


بيع آثار التصرّف دون رقبة الأرض. ودليله (١) قرينة على توجيه (*) كلامه.

وكيف كان (٢) فما ذكروه من حصول الملك تبعا للآثار ممّا لا دليل عليه إن

______________________________________________________

أبي البردة ، المذكورة في (ص ٤٥٣) الدالة على جواز بيع آثار التصرف ، المعبّر عنه «ببيع حقّه منها» دون بيع رقبة الأرض. لكن الرواية مرميّة بضعف السند ، لجهالة أبي بردة.

(١) يعني : ودليل شيخ الطائفة قدس‌سره قرينة على توجيه كلامه الظاهر في جواز بيع نفس أرض الخراج وشرائها مستقلة. توضيحه : أنّ ما يستفاد ما رواية أبي بردة شراء الحق ، لقوله عليه‌السلام : «لا بأس أن يشتري حقّه منها ، ويحوّل حقّ المسلمين عليه» ضرورة أنّه لو كان المراد بيع نفس رقبة الأرض لم يكن للمسلمين حقّ حتى يحوّله على المشتري. فالمراد باشتراء الحقّ بيع الآثار وشراؤها لا رقبة الأرض.

فمقصود شيخ الطائفة قدس‌سره من قوله : «فقد أبحنا شراءها وبيعها» هو بيع آثار الأرض المفتوحة عنوة ، لا بيع رقبتها ، حتى يوافق مدّعاه دليله الذي مفاده بيع الآثار ، لا بيع نفس الرقبة.

(٢) أي : سواء أكانت الرواية مطابقة لكلام الشيخ في التهذيب أم لم تكن مطابقة له ، فما ذكروه من حصول ملك الرقبة تبعا للآثار ممّا لم يقم عليه دليل إن أرادوا بالملك انتقال ملكية رقبة الأرض من شخص إلى غيره ، بل دلّت النصوص السّت المتقدمة على عدم نفوذ بيع الأرض المفتوحة عنوة.

__________________

(١) لا يخفى أنّ التوجيه ـ وهو إرادة خلاف الظاهر ـ لا بدّ من ارتكابه هنا ، ودليله قرينة على التوجيه ، فإنّ قوله : «أبحنا شراءها وبيعها» لرجوع الضميرين إلى نفس الأرض ، وكذا تعليله بقوله : «لأن لنا في ذلك قسما» كالصريح في إرادة بيع نفس الرقبة ، وذلك يلائم بيع وشراء نفس الرقبة ، لأنّ نصيب كل مسلم من عين الأرض.

مضافا إلى جعل الأرض المفتوحة عنوة كالأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا ، في جواز كل تصرف ـ من بيع الرقبة وغيره ـ في أرض الإسلام الطوعي.

وعليه ، فلا بدّ من توجيه بيع العين وشرائها ، وصرفها إلى بيع الآثار وشرائها بما يصلح أن يكون قرينة عليه. واستدلاله بالرواية واختياره لمضمونها قرينة على إرادة خلاف ظاهر كلامه.


أرادوا الانتقال. نعم (١) المتيقّن هو ثبوت حقّ الاختصاص (٢) للمتصرّف ما دام شي‌ء من الآثار موجودا.

فالذي (٣) ينبغي أن يصرف الكلام إليه هو بيان الوجه الذي يجوز التصرّف معه حتّى يثبت حقّ الاختصاص ، فنقول :

أمّا في زمان الحضور والتمكّن من الاستئذان ، فلا ينبغي الإشكال (*) في توقّف التصرّف على إذن الإمام ، لأنّه وليّ المسلمين ، فله نقلها عينا ومنفعة. ومن الظاهر أنّ كلام الشيخ ـ المطلق في المنع عن التصرّف ـ محمول على صورة عدم إذن الإمام عليه‌السلام مع حضوره.

______________________________________________________

(١) استدراك على عدم الدليل على حصول الملك لرقبة الأرض تبعا للآثار ، وحاصل الاستدراك : أنّ المتيقن من الأدلة هو ثبوت حق الاختصاص للمتصرف ما دام شي‌ء من الآثار موجودا ، وهذا الحق قابل للانتقال إلى الغير.

(٢) يعني : لا ملكية رقبة الأرض للمتصرّف ، وهذا الحقّ باق ببقاء الآثار ، فمع ارتفاعها ينتفي الحق.

(٣) بعد أن ضعّف المصنف قدس‌سره بيع الأرض المفتوحة عنوة ولو تبعا للآثار ، صار بصدد تحقيق المطلب بالنظر في جهتين :

الأولى : في التصرف في نفس الأرض.

الثانية : في حكم ما ينفصل عنها كأثمار الأشجار وأخشاب الأبنية.

والكلام فعلا في الجهة الاولى ، وهي بيان الوجه المجوّز للتصرف الموجب لحقّ الاختصاص ، فنقول : أمّا في زمان الحضور والتمكن من الاستيذان فلا ينبغي الإشكال في توقف جواز التصرف في الأرض المفتوحة على إذن الامام عليه‌السلام ، لأنّه وليّ المسلمين.

__________________

(١) بناء على عدم انصراف ما دلّ على «حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه أو إذن وليّه» عن هذا السّنخ من الملك الذي ليس لمالكه شي‌ء من التصرف ، وإنّما التصرف لوليّه. لكن لا مطلقا ، بل التصرف في منافعه بصرفها في خصوص المصلحة العامّة لملّاكه ، إذ مع هذا الانصراف يرجع إلى الأصل العملي ، وهو أصالة الإباحة.


وأمّا في زمان الغيبة ، ففي عدم جواز التصرّف إلّا فيما أعطاه السلطان الذي حلّ قبول الخراج والمقاسمة منه.

______________________________________________________

ومقتضى ولايته عدم جواز التصرف فيها إلّا بإذنه.

والظاهر أنّ إطلاق كلام الشيخ في التهذيب ـ في المنع عن التصرف ـ محمول على صورة عدم إذن الامام عليه‌السلام مع حضوره والتمكن من استيذانه. وأمّا في زمان الغيبة ، ففي التصرف فيه وجوه خمسة :

أحدها : عدم جوازه إلّا في الأرض التي أعطاها السلطان الذي حلّ قبول الخراج والمقاسمة منه ، وهو السلطان المخالف المدّعي للخلافة ، كما ذهب إليه ـ في مسألة ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج والمقاسمة ـ بقوله : «والحاصل : أنّ أخذ الخراج والمقاسمة لشبهة الاستحقاق في كلام الأصحاب ليس إلّا الجائر المخالف» (١).

وقال في جواز أخذ الخراج منه بعد الاستدلال بصحيحة الحذاء : «والمراد بالحلال هو الحلال بالنسبة إلى من ينتقل إليه ، وإن كان حراما بالنسبة إلى الجائر الآخذ له» (٢).

وكيف كان فهذا الوجه الأوّل حكاه صاحب الجواهر عن المحقق الثاني ، وهو قوله : «ولو لم يكن عليها ـ أي على الأرض ـ يد لأحد فقضية كلام الأصحاب توقف جواز التصرف فيهما على إذنه ، حيث حكموا بأنّ المقاسمة والخراج منوط برأيه ، وهما كالعوض عن التصرف ، وإذا كان العوض منوطا برأيه كان المعوّض كذلك» (٣).

ويدلّ على هذا القول النصوص المستفيضة الواردة في أحكام تقبّل الأرض الخراجية ، التي يستفاد منها كون أصل التقبّل من السلطان مفروغا عنه ومسلّم الجواز عندهم ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا بأس أن يتقبل الرجل الأرض وأهلها من السلطان ..» (٤).

__________________

(١) كتاب المكاسب ، ج ٢ ، ص ٢٣٠ ، طبعة مجمع الفكر الإسلامي.

(٢) المصدر ، ص ٢٠٤.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٦٤ ، نقله عن فوائد الشرائع للمحقق الثاني ، وحكاه عنه سيدنا الأستاذ قدس‌سره في نهج الفقاهة ، ص ٣٣٦.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٢١٤ ، الباب ١٨ من أبواب أحكام المزارعة ، ح ٣.


أو جوازه (١) مطلقا (٢) ، نظرا إلى عموم ما دلّ على تحليل مطلق الأرض للشيعة (٣) ، لا خصوص (٤) الموات التي هي مال الإمام عليه‌السلام.

______________________________________________________

ثانيها : جوازه مطلقا ، لعموم دليل تحليل مطلق الأرض للشيعة ، وخصوص الموات التي هي من الأنفال التي هي ملك الإمام عليه‌السلام.

وقال بهذا غير واحد كشيخ الطائفة في التهذيب ، حيث قال : «وأما أراضي الخراج والأنفال والتي قد انجلى أهلها عنها فإنّا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الامام عليه‌السلام مستترا» (١). واستدل عليه بالنصوص كصحيحة عمر بن يزيد.

وحكاه الفاضل النراقي عن ظاهر الكفاية (٢) ، وقوّاه صاحب الجواهر أيضا (٣). ونسب إلى المحقق القمي (٤).

(١) معطوف على «عدم جواز» وهذا ثاني الوجوه المتقدم بقولنا : «ثانيها : جوازه مطلقا .. إلخ».

(٢) أي : سواء أكانت الأرض ممّا أعطاه السلطان أم لا ، وسواء أكان التصرف بإذن الحاكم أم لا.

(٣) كقوله عليه‌السلام : «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم ..» الحديث (٥) فإنّ «الأرض» مطلق تشمل الأراضي الخراجية ، ولا تختص بأرض الأنفال.

(٤) معطوف على «مطلق الأرض» وغرضه دفع توهم اختصاص التحليل بأرض الموات التي هي من الأنفال ، وهذا الاختصاص يظهر من بعض كلمات صاحب الجواهر قدس‌سره ، كقوله : «وربّما كان المراد منها ـ أي : من نصوص التحليل ـ خصوص الموات الذي هو من الأنفال ، أو غير ذلك دون الأراضي الخراجية ..» (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ، ج ٤ ، ص ١٤٤.

(٢) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٢٢ ، كفاية الأحكام ، ص ٧٧.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ١٩٧.

(٤) جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٢٤ (الحجرية).

(٥) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٨٢ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، ح ١٢.

(٦) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ١٩٧.


وربما يؤيّده (١) جواز قبول الخراج الذي هو كاجرة الأرض ، فيجوز التصرّف في عينها (٢) مجّانا.

أو عدم (٣) جوازه إلّا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام.

أو التفصيل (٤) بين من يستحقّ اجرة

______________________________________________________

وارتضاه المصنف في كتاب الخمس بقوله : «فالظاهر أنّ ما عدا الموات من الأنفال لم يحصل لنا اطمئنان بجواز التصرف فيه لأيّ شخص وبأيّ وجه» (١).

وعليه فكلامه هنا عدول عمّا استظهره هناك. كما أنّه تعريض بما في الجواهر.

(١) يعني : ويؤيّد الاحتمال الثاني ، وهو جواز التصرف مطلقا في الأرض الخراجية. ومحصل وجه التأييد : أنّ النصوص دلّت على جواز تقبّل الشيعي خراج الأرض لنفسه من السلطان ، والخراج بالنظر الى الواقع يكون أجرة الأرض الخراجية ، والتصرف في أجرتها يوجب جواز التصرف في عينها.

(٢) أي : في عين الأرض الخراجية ، والتعبير بالتأييد إنّما هو لأجل احتمال كون الخراج حكما تعبديا.

(٣) معطوف على «عدم جواز» وهذا هو الاحتمال الثالث ، وحاصله : عدم جواز التصرف في الأرض المفتوحة عنوة في زمان الغيبة إلّا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام عليه‌السلام وجعل المصنف قدس‌سره في (ص ٤٧٦) هذا الاحتمال أوفق بالقواعد.

وهو ظاهر الشهيد الثاني قدس‌سره ، وقد نقل المصنف كلامه في بحث الخراج والمقاسمة ، فراجع (٢).

(٤) معطوف أيضا على «عدم» وهذا هو الاحتمال الرابع ، وحاصله : التفصيل في جواز التصرف بين من يستحق أجرة الأرض الخراجية وبين غيره ممّن يجب عليه حقّ الأرض ، بجواز التصرف في الأوّل ، لأنّه على ما في رواية أبي بكر الحضرمي : «ذو نصيب في بيت المال» وهو يقتضي جواز تصرفه في الأرض. وبعدم جواز التصرف في الأرض لغير من يستحق أجرة الأرض.

وهذا التفصيل يظهر من المحقق الثاني وغيره ، على ما نقله المصنف عنه في بحث

__________________

(١) كتاب الخمس ، ص ٣٧٣.

(٢) كتاب المكاسب ، ج ٢ ، ص ٢٢٢ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ٥٥.


هذه الأرض (١) ، فيجوز له التصرّف فيها ، كما (٢) [لما] يظهر من قوله عليه‌السلام للمخاطب في بعض أخبار حلّ الخراج : «وإنّ لك نصيبا في بيت المال» (١) ، وبين (٣) غيره الذي يجب عليه حقّ الأرض. ولذا (٤) أفتى غير واحد ـ على ما حكي (٥) ـ بأنّه لا يجوز

______________________________________________________

الخراج والمقاسمة بقوله بعد نقل رواية الحضرمي المشار إليها هنا : «فالاستشهاد بالتعليل المذكور في الرواية المذكورة .. على اعتبار استحقاق الآخذ لشي‌ء من بيت المال كما في الرسالة الخراجية محل نظر» (٢).

والفرق بين هذا الاحتمال والاحتمال الأوّل : أن جواز التصرف في الأوّل منوط بإعطاء السلطان ، سواء أكان المتصرف مستحقا أم لا. بخلاف الاحتمال الرابع ، فإنّ الجواز يدور مدار الاستحقاق ، سواء أكان بإعطاء السلطان أم باستقلال المتصرّف ، وعدم استيذانه منه.

(١) أي : الأرض المفتوحة عنوة ، وضمير «فيها» راجع إلى الأرض.

(٢) كذا في نسختنا ، وفي بعض النسخ «لما» وهذا تعليل لجواز التصرف في الأرض لمن يستحقّ أجرتها.

(٣) معطوف على «بين من يستحق» وضمير «غيره» راجع إلى «من يستحق».

(٤) أي : ولأجل التفصيل بين مستحقّ اجرة هذه الأرض وبين غيره ـ بجواز التصرف في الأوّل ، وعدمه في الثاني ـ أفتى غير واحد من الفقهاء «رضوان الله عليهم» بعدم جواز حبس الخراج ، وعدم جواز سرقته عن السلطان المخالف. وهذا دليل على أنّ من لا حقّ له في الخراج يحرم عليه أن يتصرف في أرض الخراج بدون إذن الحاكم الشرعي ، ومن دون التقبل من السلطان.

والحاصل : أنّ غير المستحق للخراج يحرم عليه التصرف في الأرض.

(٥) الحاكي غير واحد ، كالمحقق الكركي في الرسالة الخراجية ، حيث قال : «ما زلنا

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٥٧ ، الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٦.

(٢) كتاب المكاسب ، ج ٢ ، ص ٢٣٧ ، ولاحظ قاطعة اللجاج ، ج ١ ، ص ٢٨٣ ، وفيها : «فهل تكون ـ أي الخراج والمقاسمة والزكاة ـ حلالا للآخذ مطلقا ، حتى لو لم يكن مستحقا للزكاة ، ولا ذا نصيب في بيت المال حين وجود الإمام؟ أو إنّما يكون حلالا بشرط الاستحقاق .. وتعليلهم للآخذ نصيبا في بيت المال ، وأنّ هذا حقّ لله يشعر بالثاني. وللتوقف فيه مجال».


حبس الخراج وسرقته عن السلطان الجائر والامتناع عنه (١). واستثنى (٢) بعضهم ما إذا دفعه إلى نائب الإمام عليه‌السلام.

أو بين (٣) ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح ،

______________________________________________________

نسمع من كثير ممّن عاصرناهم لا سيّما شيخنا الأعظم الشيخ على بن هلال قدس‌سره أنه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته ، ولا جحوده ، ولا منعه ، ولا شي‌ء منه ، لأنّ ذلك حقّ واجب عليه» (١).

(١) أي : عن الخراج ، أي عن أدائه إلى السلطان الجائر.

(٢) يعني : واستثنى بعض الفقهاء ـ كأصحاب الرياض والمناهل ومفتاح الكرامة والجواهر قدس‌سرهم ـ من عدم جواز منع الخراج عن السلطان الجائر : ما إذا دفعه إلى الحاكم الشرعي الذي هو نائب عن الإمام عليه‌السلام ، قال في الجواهر : «فلو فرض عدمها ـ أي عدم التقية ـ في بعض الأحوال والأمكنة والأزمنة ، ولو بالنسبة الى بعض الخراج ، دفعه إلى الحاكم المنصوب من قبلهم عليهم‌السلام في زمن الغيبة ..» (٢).

(٣) معطوف على قوله : «بين مستحق الأجرة» وهذا إشارة إلى الاحتمال الخامس ، ومحصّله : التفصيل في الأرض بين عروض الموت لها بعد أن كانت محياة حين الفتح ، وبين بقائها على عمارتها ، بجواز إحياء الأوّل ، لعموم أدلة الإحياء ، فإنّ قولهم عليهم‌السلام : «من أحيى أرضا ميتة فهي له» يشمل هذه الأرض التي عرض لها الموت إن لم تكن منصرفة إلى خصوص الأنفال التي هي مال الامام عليه‌السلام. وإن كانت الأرض تحت ولايته كالمفتوحة عنوة التي هي ملك قاطبة المسلمين.

ويستفاد هذا الاحتمال الخامس ممّا نقله صاحب الجواهر قدس‌سره عن المحقق الكركي من قوله : «ما يوجد من هذه الأرض ـ أي المفتوحة عنوة ـ مواتا في هذه الأزمنة ، إن

__________________

(١) قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) ج ١ ، ص ٢٨٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ، ج ٣ ، ص ٥٥ و ٥٦ وتقدم أيضا في المكاسب المحرّمة ، ج ٢ ، ص ٢١٤.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ١٩٥ ، رياض المسائل ، ج ٨ ، ص ١١٧ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٤٥ ، المناهل ، ص ٣١٣.


وبين (١) الباقية على عمارتها من حيث الفتح ، فيجوز إحياء الأوّل (٢) ، لعموم (٣) أدلّة الإحياء ، وخصوص رواية سليمان بن خالد (٤) ونحوها (١).

______________________________________________________

دلّت القرائن على أنّه كان معمورا من القديم ومضروبا عليه الخراج ككثير من أرض العراق ، يلحق بالمعمور وقت الفتح. وحيث إنّه لا أولوية لأحد عليه ، فمن أحياه كان أحقّ به ، وعليه الخراج والمقاسمة» ثم قال في الجواهر : «بل ظاهره المفروغية من ذلك» فراجع (٢).

(١) معطوف على «بين» في قوله : «أو بين ما عرض له الموت».

(٢) وبالإحياء يصير أولى من غيره بهذه الأرض.

وأهمل المصنف قدس‌سره حكم ما لو كانت عمارة الأرض باقية ، وذلك اتكالا على وضوحه ، من أنّها ملك للمسلمين قاطبة ، وليس بعضهم أولى بها من بعض ، لكونها معمورة حسب الفرض ، ولا مورد لإحداث عمارة فيها توجب حقّ الاختصاص.

(٣) مثل ما في معتبرة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» (٣).

والتعبير بالعموم من جهة إطلاق «شيئا من الأرض» لما كانت مواتا بالأصل ، ولما طرأ عليها الخراب ، بخلاف ما سيأتي في صحيحة سليمان بن خالد من كون موضوعها عمران الأرض الموات بالعرض.

(٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الأرض ، فيستخرجها ، ويجري أنهارها ويعمّرها ويزرعها ، ماذا عليه؟ قال عليه‌السلام : الصدقة. قلت : فإن كان يعرف صاحبها؟ قال عليه‌السلام : فليؤدّ إليه حقّه» (٤).

فإنّ تأدية الحقّ إلى صاحبها تكشف عن بقاء ملك المالك الأوّل وعدم زواله بالموت. فصدرها دليل على مملّكية الإحياء للمحيي ، وذيلها يدلّ على أنّ الأرض الميتة

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٦ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ٢.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٦٥.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٦ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٩ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، ح ٣.


وجوه (١) ، أوفقها بالقواعد الاحتمال الثالث (٢) ، ثمّ الرابع (٣) ، ثمّ الخامس (٤).

______________________________________________________

إن كان لها مالك لا تخرج عن ملكه بعروض الموت عليها.

ووجه الخصوصية : أنّ مورد الرواية خصوص الأرض الخربة المسبوقة بالعمارة التي هي موضوع البحث ، ودلالتها على المقام إنّما هي بالإطلاق الشامل لها ولغيرها.

(١) مبتدء مؤخّر لخبر مقدّم ، وهو قوله : «ففي عدم جواز التصرف».

(٢) وهو عدم جواز التصرف إلّا بإذن الحاكم ، لأنّه وليّ أمور المسلمين في عصر الغيبة ، كما هو شأن كل مال مملوك للنوع ك «المسلمين» فإنّ أمره بيد الولي ، وهو الإمام عليه‌السلام في زمان حضوره ، وفي عصر الغيبة هو الفقيه الجامع لشرائط الحكم والفتوى. ولا وجه لسائر الأقوال.

(٣) وهو التفصيل بين من يستحق اجرة هذه الأرض ، فيجوز له التصرف ، وبين غير المستحق فلا يجوز.

والوجه فيه ـ أنه بعد التنزل عن الاستئذان من الفقيه ـ يتجه الفرق بين الفقير فيحلّ له التصرف والانتفاع بالأرض ، لقوله عليه‌السلام : «وإنّ لك نصيبا في بيت المال» فإذا حلّ أخذ شي‌ء من بيت المال ـ المؤلّف من الخراج والمقاسمة اللذين هما نماء الأرض ـ جاز التصرف في رقبتها. وبين الغنيّ فلا يحلّ ، إذ لا نصيب له في بيت مال المسلمين.

(٤) وهو التفصيل بين ما عرض له الموت ـ من الأرض المحياة حال الفتح ـ وبين الباقية على عمارتها.

والوجه فيه : أمّا بالنسبة إلى المنع ـ مع بقاء العمارة ـ فلكون الأرض ملكا لجميع المسلمين. وأمّا بالنسبة إلى المحيي ـ مع فرض طروء الموت عليها ـ فلما دلّ على ثبوت الحقّ بالإحياء.

ولعلّ وجه كون هذا الاحتمال الخامس بعيدا ـ بالقياس إلى الاحتمال الثالث والرابع ـ هو ابتناؤه على استفادة الإذن من أدلة الإحياء حتى بالنسبة إلى الأراضي التي ليست رقبتها للإمام عليه‌السلام ، وإنّما هو وليّ على ملّاكها ، فلا يبعد اختصاص أدلة الإحياء بغير مملوك الناس.


وممّا ذكرنا (١) يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة ، كأوراق الأشجار وأثمارها ، وأخشاب الأبنية ، والسقوف الواقعة ، والطين المأخوذ من سطح الأرض ، والجصّ والحجارة ونحو ذلك ، فإنّ مقتضى القاعدة (٢) كون ما يحدث بعد الفتح من الأمور المنقولة ملكا للمسلمين ، ولذا (٣) صرّح جماعة كالعلّامة والشهيد

______________________________________________________

وعلى كلّ فلا وجه للاحتمال الأوّل والثاني. أمّا الأوّل فلعدم ولاية السلطان الجائر حتى ينفذ في ما أعطاه إلى شخص.

وأمّا الثاني فلمنافاته لعموم ولاية الفقيه في زمان الغيبة.

حكم ما ينفصل عن الأرض المفتوحة عنوة

(١) هذه هي الجهة الثانية التي أشرنا إليها في (ص ٤٦٩). أي : ومن ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين كافة ـ وعدم جواز التصرف فيها إلّا بمراجعة الحاكم الشرعي أو السلطان الجائر ـ يعلم حال ما ينفصل عن تلك الأرض كأوراق الأشجار وأثمارها ، إلى غير ذلك ، وأنّ المنفصل عنها كأجزائها المتصلة في حرمة التصرف فيها إلّا بمراجعة من عرفت.

وقد تعرض المصنف في الأجزاء المنفصلة لوجهين ، هذا أحدهما ، وسيأتي الوجه الثاني بقوله : «ويحتمل» ورجّحه بالسيرة.

(٢) وهي : استصحاب ملكية المنفصلات للمسلمين ، لكون الاتصال والانفصال من الحالات المتبادلة ، لا من مقوّمات الموضوع. فلا وجه للإشكال في هذا الاستصحاب بتبدل الموضوع.

ويمكن جريان الأقوال المذكورة ـ في نفس الأرض ـ فيما ينفصل عنها.

(٣) أي : ولأجل القاعدة المذكورة صرّح جماعة بأنّ جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة مشروط بأن لا تكون آلات تلك الأبنية من تراب الأرض ، إذ لو كانت من ترابها كانت بحكم نفس الأرض ، وملكا لقاطبة المسلمين.

قال صاحب الجواهر ـ في رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة وأشجارها ـ


والمحقّق الثاني وغيرهم ـ على ما حكي عنهم ـ بتقييد (١) جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة بما (٢) إذا لم تكن الآلات من تراب الأرض (٣).

نعم (٤) ، الموجودة فيها حال الفتح للمقاتلين (٥) ، لأنّها (٦) ممّا ينقل.

______________________________________________________

ما لفظه : «وقد قيّد جماعة البناء بما إذا لم يكن معمولا من ترابها ، وإلّا كان حكمه حكمها» (١) يعني في عدم الجواز.

(١) متعلّق ب «صرّح».

(٢) متعلق ب «تقييد».

(٣) حكاه السيد العاملي عن هؤلاء صريحا بقوله : «مع التقييد في الأربعة الأخيرة ـ وهي التذكرة والدروس وجامع المقاصد ومجمع البرهان ـ بما إذا لم يكن البناء معمولا من ترابها» (٢).

وقد نسبه صاحب الجواهر أيضا إلى جماعة كما تقدم آنفا. ولكن لم أظفر بهذا التقييد في الدروس وجامع المقاصد بعد ملاحظة مواضع منهما. نعم هو مصرّح به عن العلّامة والمحقق الأردبيلي قدس‌سرهما. ولا بدّ من مزيد التتبع.

(٤) حاصله : أنّ ما تقدم من أوراق الأشجار وغيرها كان ممّا يحدث بعد فتح الأرض. وأمّا إذا كانت تلك الأشياء موجودة في الأرض حال الفتح ، فهي لخصوص المقاتلين ، لأنّها من الغنائم المنقولة التي هي ملك المقاتلين فقط. وقاعدة حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه تقتضي عدم جواز التصرف إلّا بإذن الحاكم أو السلطان.

(٥) خبر لقوله : «الموجودة» وضمير «فيها» راجع إلى الأرض».

(٦) تعليل لكون الموجودة في الأرض المفتوحة للمقاتلين ، وقد مرّ توضيحه آنفا بقولنا : «لأنّها من الغنائم .. إلخ».

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ١٢٩.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٨٢ ، تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ١٧ (الحجرية) ؛ مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٩ ، ص ١٤٥.


وحينئذ (١) مقتضى القاعدة (٢) عدم صحّة أخذها إلّا من السلطان الجائر ، أو (٣) من حاكم الشرع.

مع (٤) إمكان أن يقال : لا مدخل لسلطان الجور ، لأنّ القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض ، لا أجزاؤها ، إلّا أن يكون الأخذ على وجه الانتفاع

______________________________________________________

(١) يعني : وحين البناء على كون الموجودة في الأراضي الخراجية حال الفتح للمقاتلين كلّهم ، فمن أراد من المسلمين غير المقاتلين أن يأخذ هذه الآثار الموجودة حال الفتح ، فيعتبر أن يكون الأخذ بإجازة من السلطان الجائر ، أو الحاكم الشرعي ، لأنّ المفروض أنّ الموجودة في الأرض المفتوحة عنوة ملك للمقاتلين. فمقتضى قاعدة عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه لزوم كون التصرف بالإذن.

(٢) وهي حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه.

(٣) الترديد ـ مع أنه قدس‌سره رجّح الاحتمال الثالث ، وهو : إناطة جواز التصرف بإذن خصوص الفقيه ـ إمّا لأجل بيان الحكم بناء على الاحتمال الأوّل أو الرابع ، وإمّا لأجل عدم إمكان الاستيذان من الحاكم الشرعي.

(٤) هذا وجه لعدم الحاجة في أخذ الأشياء ـ المذكورة في المتن ـ إلى إجازة الجائر أو حاكم الشرع. ومحصل هذا الوجه : خروج الأمور المذكورة عن دائرة ما يتوقف جواز أخذه على إجازة الحاكم أو الجائر ، بأن يقال : إنّ مورد التوقف على الإجازة هو منفعة الأرض ، لا أجزاؤها كالأشياء المذكورة. إلّا أن يكون أخذها على وجه الانتفاع لا التملك ، فحينئذ يجوز الأخذ بإجازة السلطان ، مع فرض أنّ الشارع أمضى تصرفاته في عصر الغيبة.

وبعبارة أخرى : الغرض من قوله : «مع إمكان أن يقال» منع ما أفاده قبل أسطر من كون الأجزاء المنفصلة عن الأرض المفتوحة عنوة بحكم نفس الرقبة في توقف التصرف فيها على إذن السلطان الجائر.

ووجه المنع : أنّ مورد نفوذ إذن الجائر هو ما حلّ أخذه منه ، على ما ذكرناه في توضيح قوله : «إلّا فيما أعطاه السلطان الجائر الذي حلّ قبول الخراج منه».

وحيث إنّ الخراج كالمقاسمة أجرة الأرض ، كان حكم الأجزاء المنفصلة عن الأرض أجنبيا عما دلّ على اعتبار إذن السلطان في حلّ التصرف في الأرض المفتوحة


لا التملّك ، فيجوز (١) (*).

ويحتمل (٢) [٢] كون ذلك بحكم المباحات ،

______________________________________________________

عنوة. وذلك لعدم صدق «المنفعة والخراج» على ما ينفصل من الأرض حتى يلزم الرجوع إلى الجائر في تملّك ما يكون فيها نعم من خشب البناء المهدوم ، أو يتولّد منها.

نعم لو قصد المتصرّف مجرّد الانتفاع بتلك الأجزاء لا تملكها جاز الاستيذان من الجائر الذي أمضى الشارع إعطاءه الأرض المفتوحة عنوة للانتفاع بها.

ولا فرق في ما ذكر ـ من التفصيل بين قصد التملك وقصد الانتفاع ـ بين كون الأجزاء المنفصلة مقوّمة للأرض المعمورة بما هي معمورة ، كأجزاء الدار من الجدران والأخشاب ، وبين منافع الأرض وإن كانت هي أعيانا كالأشجار النابتة فيها والجصّ المطبوخ منها ، والطين والآجر المعمولين منها.

ووجه عدم الفرق ما ذكر آنفا من : أنّ مورد اعتبار إذن الجائر هو الانتفاع لا التملّك.

(١) يعني : فيجوز الأخذ من السلطان للانتفاع دون التملك.

(٢) هذا راجع إلى الاحتمال الآخر في المسألة ، أعني به ما ينفصل عن الأرض

__________________

(١) يمكن القول بعدم الجواز أيضا ، لأنّ الانتفاع خارج عن المنفعة التي هي مورد إجازة السلطان ، وداخل في المحرّم الذي هو الركون إلى الظالم.

نعم يمكن أن تكون الأشياء المذكورة داخلة فيما أحلّه الأئمة الطاهرون عليهم أفضل الصلاة والسلام للشيعة إن لم يختص ذلك بالأنفال.

(٢) هذا الاحتمال بعيد جدّا ، لأنّه مخالف لقاعدة تبعية المنفعة للعين في الملكية ، وذلك لأنّ منافع الأرض كنفسها مملوكة للمسلمين ، لقاعدة التبعية ، غاية الأمر أنّه يجوز بيعها وصرف ثمنها في مصالح المسلمين ، كصرف سائر منافعها في مصالحهم.

بخلاف نفس الأرض المفتوحة عنوة ، فإنّها مملوكة للمسلمين ، لكن لا يجوز بيعها وشراؤها.


لعموم (*) «من سبق إلى ما لم يسبق (١) [يسبقه] إليه مسلم فهو أحقّ به» (١).

ويؤيّده (٢) ـ بل يدلّ عليه ـ استمرار السيرة خلفا عن سلف على بيع الأمور المعمولة من تربة أرض العراق من الآجر والكوز والأواني (**) وما عمل من التربة الحسينية (***).

______________________________________________________

المفتوحة عنوة من الأجزاء. وحاصل هذا الاحتمال هو كون تلك الأجزاء بحكم المباحات الأصلية في عدم الحاجة في تملكها إلى إجازة أحد ، بل من سبق إليه فهو أحقّ من غيره به.

(١) كذا في نسختنا ، وفي المستدرك وبعض نسخ الكتاب «لم يسبقه».

(٢) أي : ويؤيّد احتمال كون الأجزاء المنفصلة عن الأرض المفتوحة عنوة بحكم

__________________

ولا سبيل إلى الخروج عن قاعدة التبعية بالنسبة إلى منافع الأرض المفتوحة عنوة ، فلا وجه لتملكها بالحيازة كحيازة المباحات ، لاختصاص دليل الحيازة بغير أملاك الناس.

(*) لكنه لا يفيد الملكية ، بل الأولوية. مع أنه سيق لبيان حكم آخر ، وهو أولوية السابق من اللاحق ، فلا إطلاق له بالنسبة إلى المفتوحة عنوة وغيرها.

(**) يمكن دعوى انصراف الأدلة عن مثل هذه التصرفات ، فيرجع فيها إلى قاعدة الحل.

(***) يمكن أن يقال ـ بعد الغض عن دعوى الانصراف المتقدمة ـ : إنّ ما دلّ على الحثّ والترغيب في أخذ التربة الحسينية والتبرك بها في الصلاة وغيرها إذن عامّ ، ومعه لا حاجة إلى إجازة الفقيه أو السلطان الجائر ، هذا.

ثمّ إنّ التمسك بالسيرة إنّما يتجه فيما إذا أحرز كون موردها الأشياء المعمولة من أرض العراق المحياة في حال الفتح. ولا سبيل إلى إحرازه.

فالمستند في جواز الأمور المذكورة هو قاعدة الحل الجارية في الشبهات الموضوعية التي منها مورد بحثنا ، إذ لا يعلم أنّ تلك الأمور معمولة من قسم المعمور من المفتوحة عنوة ، أو من قسم الموات منها.

__________________

(١) عوالي اللئالى ، ج ٣ ، ص ٤٨٠ ، ح ٤ ، ورواه عنه في مستدرك الوسائل ، ج ١٧ ، ص ١١٢ ، ح ٤.


ويقوّي هذا الاحتمال (١) بعد انفصال هذه الأجزاء من الأرض (٢).

______________________________________________________

المباحات ـ بل يدلّ عليه ـ استمرار السيرة واستقرارها خلفا عن سلف على بيع ما يعمل من تربة أرض العراق من الآجر والكوز والأواني ، وكذا بيع ما يعمل من التربة الحسينية على ساكنها أفضل الصلاة والتحية ، فإنّ هذه السيرة المتصلة بزمان أصحاب الأئمة عليهم‌السلام دليل على إباحة التصرف فيها ، وعدم الحاجة إلى إجازة الحاكم أو الجائر.

وهذه السيرة ذكرها السيد العاملي قدس‌سره بقوله : «وقد يقال بالجواز في ذلك ـ أي بجواز رهن بناء الأرض المفتوحة عنوة المأخوذ من ترابها ـ كما هو ظاهر إطلاق الباقين ، عملا بما استمرّت عليه السيرة من بيع الأباريق والحجلات ـ وهي الزقاق للشرب ـ والحبوب والسبح الحسينية على مشرّفها السلام ، وغير ذلك مما يعمل من ترابها» (١) لكنه قدس‌سره أمر بالتأمّل. ولعلّه لذا عبّر المصنف بالتأييد أوّلا ، لكنه لقوة السيرة عدل إلى الدلالة.

(١) يعني : ويؤيّد احتمال كون الأجزاء المنفصلة عن الأرض بحكم المباحات بعد بقائها بعد انفصالها على جزئيتها من الأرض.

(٢) العبارة لا تخلو من اضطراب ، إذ لو كان انفصال هذه الأجزاء عن الأرض بعيدا لزم الحكم عليها بما يحكم على نفس الأرض من كونها ملكا للمسلمين ، ولا وجه لتقوية الإباحة ، مع أنّ مقصوده قدس‌سره تأييد احتمال الإباحة.

فالأولى أن يقال : «بعد كون هذه الأجزاء من الأرض بعد انفصالها».

هذا تمام الكلام في حكم الأراضي ، وبذلك تمّ البحث عن اشتراط البيع بالملك ، وسيأتي الكلام في اشتراط الطلق إن شاء الله تعالى.

__________________

فإن كان من القسم الثاني صار الآخذ لها مالكا لها. والعلم الإجمالي بوجود قطعات معمورة حال الفتح في أرض العراق لا أثر له بعد خروج بعضها عن الابتلاء. فقاعدة الحلّ تجري فيها بلا مانع ، كجريانها في الشبهات البدوية غير المقرونة بالعلم الإجمالي.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٨٢.


واعلم أنّه ذكر الفاضلان (١) وجمع (٢) ممّن تأخّر عنهما في شروط العوضين بعد الملكية : كونه (٣) طلقا. وفرّعوا عليه (٤) عدم جواز بيع الوقف إلّا فيما استثني ، ولا الرّهن (٥) إلّا بإذن المرتهن

______________________________________________________

الثالث من شروط العوضين : كون الملك طلقا

(١) وهما المحقق والعلّامة قدس‌سرهما ، فإنّهما جعلا الطّلقية شرطا آخر من شرائط العوضين. قال المحقق : «الثاني : أن يكون طلقا» (١).

وقال العلّامة : «ويشترط في الملك التمامية» ولم نعثر على من اعتبر هذا الشرط قبلهما ، ولذا قال المحقق الكبير التستري قدس‌سره في المقابس : «والعبارتان ـ أي الطلق والتمامية ـ متداولتان بين متأخري الأصحاب» (٢).

(٢) كالشهيدين والمحقق الثاني والفاضل السبزواري والمحدّث البحراني والفاضل النراقي قدس‌سرهم (٣).

(٣) أي : كون كلّ من العوضين طلقا.

(٤) أي : فرّعوا على اعتبار طلقية الملك في العوضين : عدم جواز بيع الوقف إلّا في الموارد المستثناة التي سيأتي تفصيل البحث فيها.

(٥) يعني : وفرّعوا أيضا على اعتبار طلقية الملك : عدم جواز بيع العين المرهونة إلّا بإذن المرتهن أو إجازته ، حيث إنّ الرهن يخرج المرهونة عن الطّلقية ، ويوجب تعلق حق المرتهن بها بحيث لا يصحّ البيع إلّا بإذنه أو إجازته.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧ ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٣.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٢.

(٣) الروضة البهية (اللمعة وشرحها) ج ٣ ، ص ٢٥٣ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٧ ، كفاية الأحكام ، ص ٨٩ ، الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٤٣٨ ، مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٣٠٧.


أو إجازته (١) ، ولا (٢) أمّ الولد إلّا في المواضع المستثناة.

والمراد بالطّلق (٣) (*) تمام السلطنة على الملك ، بحيث يكون للمالك أن يفعل بملكه ما شاء ، ويكون (٤) مطلق العنان في ذلك (٥).

لكن هذا المعنى (٦) في الحقيقة راجع إلى كون الملك ممّا يستقلّ المالك بنقله ،

______________________________________________________

(١) الفرق بين الإذن والإجازة هو السبق واللحوق ، فإن أظهر المرتهن رضاه قبل أن يبيع الراهن كان إذنا له ، وإن كان بعده كان إمضاء وإجازة ، نظير إجازة بيع الفضولي.

(٢) يعني : وفرّعوا على اعتبار طلقية الملك عدم جواز بيع أمّ الولد إلّا في مواضع سيأتي التعرض لها إن شاء الله تعالى.

(٣) بعد بيان آثار شرطية الطّلق ـ من الاحتراز عن البيع في موارد ـ أراد أن يبيّن مفهوم الشرط وهو الطلق ، ومحصله : أنّ المراد بالطّلق هو السلطنة التامة للمالك على ملكه ، بأن يفعل بملكه ما شاء وأراد ، بلا توقف على إذن أحد أو إجازته.

وبعبارة أخرى : الطّلق هو الذي يكون مالكه مطلق العنان في التصرف في ملكه ، من غير فرق في ذلك بين التصرف الخارجي والاعتباري.

(٤) معطوف على «يكون» والضمير المستتر فيه راجع إلى المالك.

(٥) أي : في فعله بملكه ما شاء.

(٦) أي : تمام السلطنة على الملك. وهذا تمهيد للإشكال على تفسير «الطلق» بما ذكر ،

__________________

(١) الأولى أن يقرّر هكذا : إن أريد بالطلق السلطنة التامة على الملك بجميع أنحاء التصرفات الاعتبارية والخارجية ، فعدم اعتباره غنيّ عن البيان ، لوضوح عدم اعتباره في صحة البيع. فإذا حلف على عدم هبة ماله الخاصّ مطلقا أو من شخص خاصّ ، فلا إشكال في جواز بيعه وصحته حينئذ ، مع عدم السلطنة التامة على هذا المال ، لمكان الحلف.

وإن أريد به السلطنة التامة على البيع وإن لم يكن له سلطنة على غير البيع من التصرفات ، فمرجعه إلى اشتراط صحة البيع بصحة بيع متعلقة للمالك مستقلّا. وهذا لا معنى له ، لأنّه من قبيل جعل الشي‌ء مشروطا بنفسه.

فالطّلق بعنوانه ليس شرطا ، بل الشرط حقيقة هو انتفاء الحقوق الخاصّة المانعة عن تصرف المالك في ملكه. والطّلق منتزع عن انتفاء تلك الحقوق ، فيصحّ أن يقال : يشترط في صحة البيع أن لا يكون المبيع وقفا أو مرهونا ، وهكذا.


ويكون نقله (١) ماضيا فيه ، لعدم (٢) تعلّق حقّ به مانع (٣) عن نقله بدون (٤) إذن ذي الحقّ ، فمرجعه (٥) إلى أنّ من شرط البيع أن يكون (٦) متعلّقه ممّا يصحّ للمالك بيعه مستقلّا. وهذا [ممّا] لا محصّل له.

فالظاهر (٧) أنّ هذا العنوان

______________________________________________________

وحاصله : أنّ مرجع تفسير «الطلق» ـ بما مرّ ـ إلى استقلال المالك بنقل ملكه إلى غيره ومضيّه ، لعدم تعلق حقّ أحد به يكون مانعا عن نقله بدون إذنه.

فمآل هذا الشرط إلى اشتراط صحة البيع بأن يكون متعلّقه ممّا يصح للمالك بيعه مستقلّا ، لأنّ وجود كل ممكن ـ حتى الموجود الاعتباري ـ منوط بعدم المانع ، فلو تحقق المانع امتنع وجود الممنوع ، كالرطوبة المانعة عن وجود الإحراق.

فهو نظير أن يقال : يشترط في صحة الصلاة أن تكون الصلاة صحيحة ، ويشترط في جواز البيع جواز بيع المبيع.

(١) يعني : ويكون نقل المالك ماضيا في ملكه.

(٢) تعليل لمضيّ الحق ونفوذه.

(٣) صفة ل «حق» وضمير «نقله» راجع الى الملك.

(٤) متعلق ب «نقله».

(٥) أي : مرجع قيدية «الطلق» إلى : أنّ من شرائط صحة البيع صحة بيع متعلّقه للمالك مستقلّا ، وهذا كما في المتن لا محصّل له ، إذ لا معنى له إلّا اعتبار صحة بيع المبيع في صحة البيع ، نظير أن يقال : جواز البيع مشروط بجواز بيع المبيع.

(٦) منصوب محلّا ، لكونه اسم «ان» وخبره المقدّم هو «من شرط».

(٧) بعد أن استشكل المصنف قدس‌سره بقوله : «لكن هذا المعنى في الحقيقة .. إلخ» على اعتبار الطّلق في البيع ، استظهر عدم اعتبار عنوان الطّلق بالمعنى المذكور في البيع ، وقال : إنّ عنوان الطّلق في نفسه ليس شرطا في صحة البيع حتى يتفرّع عليه عدم جواز بيع الوقف وغيره ، بل الشرط هو انتفاء كلّ حقّ يمنع المالك عن التصرف في ماله كالنذر والشرط والرهن وغيرها.

فليس الطّلق شرطا وجوديّا كالماليّة وغيرها من شرائط العوضين ، بل «الطلق» منتزع عن عدم تعلق حق أحد بالعوضين يمنع المالك عن التصرّف في ملكه. فحينئذ يصحّ أن يقال : يشترط في صحة البيع أن لا يكون العوضان متعلّقين لحق شخص


ليس في نفسه شرطا (*) ليتفرّع عليه عدم جواز بيع الوقف والمرهون وأمّ الولد ، بل (١) الشرط في الحقيقة انتفاء كلّ من تلك الحقوق الخاصّة (٢) وغيرها ممّا ثبت منعه عن تصرّف المالك ، كالنذر والخيار ونحوهما. وهذا العنوان (٣) منتزع من انتفاء تلك الحقوق.

______________________________________________________

مانع عن تصرف المالك في ملكه.

وهذا التوجيه أفاده صاحب المقابس أيضا ـ بعد الاعتراض على جعل الطلق شرطا ـ بقوله : «ويمكن أن يقال : إنّهم قصدوا بذلك ما ذكروه مفصّلا من عدم كونه وقفا ولا رهنا ولا غير ذلك مما يأتي بيانه .. ووجه التعبير بالعنوان المشترك قصد الاختصار والضبط» (١).

(١) استدراك على قوله : «فالظاهر أنّ هذا العنوان ليس في نفسه شرطا».

(٢) وهي : بيع الوقف والمرهونة وأمّ الولد ، يعني : ليس تعلق مطلق الحق مانعا من صحة البيع ، حتى ينتزع شرط كلي مطّرد بعنوان «الطلق» من عدم تعلق الحق.

والوجه في انتزاعه من انتفاء بعض الحقوق هو التزامهم بصحة البيع في جملة من الموارد كالعين المنذورة لمصرف خاص ، وكالمبيع بالبيع الخياري الذي تعلّق به حقّ من له الخيار ، وغير ذلك.

(٣) أي : كون الملك طلقا ـ بحيث لا يكون المالك محجورا عن التصرف فيه ـ منتزع من انتفاء الحقوق المانعة عن نفوذ التصرف فيه ، فالطّلق أمر عدميّ أي عدم مانع من التصرف فيه ، فيصح أن يقال : يشترط في البيع أن لا يكون العوض فيه متعلّقا لحق الغير.

__________________

(*) خلافا للمحقق النائيني قدس‌سره ، حيث إنّه جعل الطلق شرطا وجوديّا ، وهو مرسليّة الملك بالنسبة إلى مالكه ، بأن يكون له تمام السلطنة عليه فيما يشاء من بيعه وإجارته وجميع تقلباته. وليس مرجعه إلى جواز البيع حتى يردّ بأنّه لا معنى لاشتراط جواز البيع بأن يكون المبيع جائز البيع. الى آخر ما أفاده المقرر وهو العلامة الآملي قدس‌سره (٢).

ولا يخفى أنّ ما أفاده الميرزا قدس‌سره من تفسير الطلق بمرسلية الملك بالنسبة إلى

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٢.

(٢) المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ٣٧٣.


فمعنى الطّلق أن يكون المالك مطلق العنان في نقله ، غير محبوس عليه (١) لأحد (٢) الحقوق التي ثبت منعها (٣) للمالك عن التصرّف في ملكه. فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع (٤) تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرّف ، لا تأسيس لشرط (٥)

______________________________________________________

(١) أي : على النقل.

(٢) متعلق ب «محبوس» وضميره راجع الى الملك المستفاد من العبارة.

(٣) هذا الضمير راجع إلى الحقوق ، يعني : ثبتت مانعية تلك الحقوق عن تصرف المالك في ملكه.

(٤) وهو الطّلق ، حيث إنّه منتزع عن عدم تعلّق حقوق بالملك مانعة عن تصرف المالك في ملكه ، وليس عنوانا متأصّلا. فكأنّه قيل : يعتبر في البيع أن لا يكون العوضان متعلقين لحقوق تمنع المالك عن التصرف في ملكه ، فالمانع حقيقة عن صحة البيع هو تلك الحقوق التي عدمها منشأ انتزاع عنوان الطلق ، فعدمها شرط صحته ، لا أنّ الطلق المنتزع عن عدمها شرط.

(٥) على حدّ سائر شرائط العوضين حتى يتفرع عليه ما بعده من الوقف والرهن

__________________

المالك ، بأن يكون له تمام السلطنة عليه فيما يشاء ، وكذا تفسير «الطلق» بكون الملك مطلق العنان للمالك ، وكون سلطنته عليه تامة في مقابل السلطنة الناقصة.

فيه أوّلا : أنّ مرسلية الملك وتمام السلطنة ونظائرهما من التعبيرات منتزعة عن عدم تعلق حق به يمنع عن تصرف المالك ، إذ مع تعلق حق كذائي به لا يصحّ هذه التعبيرات. فالمدار على منشأ الانتزاع ، وهو عدم تعلق حق به يمنع المالك عن التصرف بدون إذن ذي الحق.

وثانيا ـ بعد الغض عنه ـ : ليس الطلق بهذا المعنى الوسيع شرطا لصحة البيع ، بل الشرط هو عدم تعلق حق به مانع عن بيع المالك ، لا كلّ حقّ كحلف المالك على عدم هبة ماله ، أو عدم بيعه من شخص خاص ، أو غير ذلك من الحقوق غير المانعة عن بيعه.

فما أفاده المصنف قدس‌سره من كون الشرط عدم تعلق حقّ مانع عن البيع متين جدّا.


ليكون ما بعده فروعا ، بل الأمر في الفرعيّة والأصالة بالعكس (١).

ثمّ إنّ أكثر من تعرّض لهذا الشرط (٢) لم يذكر من الحقوق إلّا الثلاثة (٣) المذكورة ، ثمّ عنونوا حقّ (٤) الجاني ، واختلفوا في حكم بيعه (٥).

______________________________________________________

وأمّ الولد.

(١) يعني : أنّ الأصل في الشرطية هي الأمور المذكورة ، و «الطّلق» فرع ، لا أنّه الأصل وتلك فروع. فالمراد بالعكس هو كون الوقف وأخواته أصلا ، والطلق فرعا.

(٢) وهو كون الملك طلقا ، بحيث لا يكون المالك محجورا عن التصرف في ماله.

(٣) أحدها : حق الطبقات اللاحقة في العين الموقوفة.

وثانيها : حقّ المرتهن المتعلق بالعين المرهونة.

وثالثها : حق انعتاق الأمة بتشبثها بالحرية بصيرورتها أمّ ولد.

وممّن اقتصر على مانعية هذه الحقوق الثلاثة المحقق والعلّامة وصاحبا الكفاية والمستند (١). واقتصر الشهيدان في اللمعة وشرحها على حق الوقف وأمّ الولد (٢).

(٤) هذا من إضافة الحق إلى من عليه الحقّ ، وإلّا فالحقّ للمجني عليه لا للجاني ، ولذا قال العلّامة «ويجوز بيع الجاني .. ولا يسقط حق المجني عليه عن رقبته في العمد» (٣).

(٥) فجوّزه العلامة وجماعة ، كما في مفتاح الكرامة ، مع توقفه على إجازة المجني عليه ـ في صورة العمد ـ وتردد فيه المحقق (٤) ، وتعرّض له صاحب الحدائق أيضا (٥).

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧ ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٣ ، كفاية الأحكام ، ص ٨٩ ، السطر الأخير ، مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٣٠٧.

(٢) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٣ و ٢٥٦.

(٣) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٣.

(٤) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٦٥ و ٢٦٦.

(٥) الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٤٥٨.


والظاهر أنّ الحقوق المانعة أكثر من هذه الثلاثة أو الأربعة ، وقد أنهاها بعض (١) من عاصرناه إلى أزيد من عشرين ، فذكر ـ بعد الأربعة المذكورة في عبارة الأكثر (٢) ـ النذر (٣) المتعلّق بالعين قبل البيع ،

______________________________________________________

(١) وهو المحقق الشوشتري في المقابس ، وقد أنهاها إلى اثنين وعشرين سببا ، وتكلّم المصنف في الأربعة المعروفة مفصّلا ، وأشار إلى أربعة عشر منها ، وأهمل أربعة منها.

أوّلها : تعلق حق الغرماء بمال المفلّس أو الميت.

ثانيها : تعلق حق المضمون له بالمال إذا شرط أداء الضمان منه.

ثالثها : عدم تمامية سبب الملك في المتبرعات ، كالهبة والهدية والصدقة قبل القبض بناء على كون القبض شرط اللزوم لا الصحة.

رابعها : عدم تمامية سبب الملك في المعاوضات كبيع الصرف قبل القبض بناء على كونه شرطا للزوم لا الصحة.

(٢) يعني : أنّ صاحب المقابس زاد على الحقوق الأربعة المعروفة أمورا اخرى عدّها من أسباب نقص الملك. وليس المراد أنّه قدس‌سره قدّم هذه الأربعة في الذّكر ، ثم تعرض لغيرها. إذ المبحوث عنه في المقابس مرتّبا هو الوقف وأمّ الولد والعبد الجاني والارتداد والرهن والنذر ، وهكذا ، فالنذر سبب سادس في المقابس ، وخامس في المتن. كما أنّ الارتداد سبب رابع هناك وسابع في المتن.

فغرض المصنف قدس‌سره الإشارة إلى نفس الحقوق المذكورة في المقابس مع الغضّ عن ترتيبها.

(٣) مفعول قوله : «فذكر». قال في المقابس في عدّ أسباب نقص الملك : «السبب السادس : تعلق حق النذر وشبهه ، كقوله : لله عليّ أو عليّ عهد لله أنّ هذا المال المعيّن أو ما في حكمه صدقة للفقراء ، أو لفلان. أو الغنم أضحية أو هديا ، أو هذا العبد حرّا. أو تكون ـ أي تكون صيغة النذر أو العهد ـ لله عليّ أو عليّ عهد الله أن أتصدّق بهذا المال على الفقراء ..» (١).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٠٩.


والخيار (١)

______________________________________________________

(١) معطوف على «النذر» قال في المقابس : «الثاني عشر : ثبوت الخيار للبائع أو للمشتري ، أو كليهما ، أو غيرهما. أمّا الأوّل ـ وهو ثبوت الخيار للبائع خاصة ـ فإنّه يمنع من تصرّف المشتري في المبيع بنقله أو نقل منافعه أو تعريضه لذلك كالرهن ، وإن كان ملكا له وجاز له الانتفاع بغير النقل كما هو الأصح ، وإنّما منع من النقل ، لمنافاته حقّ البائع من الخيار ، فلا ينفذ كما نصّ عليه العلّامة في القواعد» (١).

وتوضيحه : أنّهم اختلفوا في كون متعلّق الخيار هو العقد ، فلا أثر لبقاء العوضين وتلفهما في ثبوته ، أم هو العوضين. وتفصيل هذا البحث موكول إلى أحكام الخيار إن شاء الله تعالى. لكن لا بدّ من بيان المطلب إجمالا ، والوجه في عدّ حقّ الخيار من موانع الطّلق ، أو من أسباب نقص الملك ، فنقول :

بناء على قيام حق الخيار ابتداء بنفس العوضين ، فوجه منع من عليه الخيار من التصرف المنافي لحقّ ذي الخيار في المدّة المضروبة واضح ، لكون تصرفه تضييعا لحقّ محترم ، فلا ينفذ كما نقله صاحب المقابس عن العلّامة.

وبناء على قيام حق الخيار بالعقد ، كما لعلّه المستفاد من تعريفه بأنّه «ملك فسخ العقد وإقراره» فلأنّ من له الحق وإن جاز له الفسخ ، سواء أكانت العين باقية فيستردها ، أم تالفة فيستردّ بدلها ، ولا يتوقف استيفاء الحق على بقاء العين ، إلّا أنّ العقد المتعلّق للخيار له تعلّق بالعوضين من حيث إرجاعهما إلى مالكيهما بحلّ العقد ، فلا يجوز لمن عليه الخيار التصرف المنافي لحقّ ذي الخيار ، ولا ينفذ.

هذا بالنسبة إلى كافة أقسام الخيار. وقد يجب على من عليه الخيار إبقاء العين في المدة المضروبة من باب وجوب الوفاء بالشرط الضمني ، كما في بيع الخيار ـ المبحوث عنه في خيار الشرط ـ من أنّه لو شرط البائع على المشتري حفظ المبيع في المدة المعيّنة ليتمكّن من استرداده بعد ردّ الثمن إلى المشتري ، لزمه الوفاء به ومنع من التصرف فيه.

ثم إنّ صاحب المقابس بعد نقل كلمات القوم ، قال : «ولا يبعد أنّ للمشتري نقله عن الملك وعتقه ، ويصحّ ، ولا يتوقف على إجازة ذي الخيار .. ولكنه لا يجوز الإتلاف ،

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٢٠.


المتعلّق به (١).

والارتداد (٢).

والحلف (٣) على عدم بيعه.

______________________________________________________

لمنافاته لحقّ ذي الخيار» (١).

(١) أي : بالعين ، فالأولى تأنيث الضمير. والتقييد بالعين إمّا لتعلق كافة الخيارات بالعوضين ابتداء ، أو بواسطة تعلّقها أوّلا بالعقد ، وثانيا بهما. وإمّا للاحتراز عمّا لو جعل البائع الخيار لنفسه مطلقا سواء بقي المبيع بحاله ، أم أتلفه المشتري أو نقله إلى غيره ، لبقاء الخيار بعد التلف والنقل ، فيسترد البائع البدل. بخلاف ما لو اشترط بقاء العين ، فإنّه لا يجوز للمشتري نقله إلى الغير صيانة لحقّ البائع.

(٢) معطوف على «النذر» قال في المقابس : «السبب الرابع من أسباب النقص : الارتداد ، وكلّ ما حدّه القتل من المحاربة واللواط وبعض أقسام الزنا. أمّا الارتداد ففي منعه عن البيع أقوال ..» (٢).

والمراد به ارتداد المملوك. فإن كان عن فطرة فحكمه القتل. وإن كان عن ملّة فحكمه الاستتابة ثم القتل إن لم يتب. هذا حكم الرجل المرتدّ بقسميه (*). وأمّا المرأة مطلقا فحكمها الحبس والضّرب أوقات الصلاة إلى أن تتوب أو تموت.

(٣) معطوف أيضا على «النذر» ومثل الحلف على عدم البيع هو الإيصاء به كما في المقابس ، حيث قال : «السبب السابع من أسباب النقص : أن يكون منهيّا عن بيعه لحلف

__________________

(*) إن كانت المعاملة سفهية أو ممّا يوجب أكل المال بالباطل ، لسقوطه بسبب وجوب القتل عن المالية عرفا ، فلا إشكال في بطلان البيع ، وإلّا ففيه إشكال ، بل منع ، لإمكان خروج المعاملة عن السفهية وعن أكل المال بالباطل بأن يشتريه من عليه كفارة ، فيعتقه ، ثم يقتل ، فتدبّر.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٢١.

(٢) المصدر ، ص ١٠٣.


وتعيين (١) الهدي للذّبح.

واشتراط (٢) عتق العبد في عقد لازم ،

______________________________________________________

أو وصيّة. فالأوّل كما لو حلف أن لا يبيعه ، أو لا يخرجه عن ملكه. والأصحّ أنّه يصحّ بيعه ، وإن أثم بذلك ، ووجبت عليه الكفارة مع العمد والعلم. ويلزم على قول من أفسد البيع وقت النداء أن يحكم بفساده ـ أي بفساد البيع هنا ـ أيضا».

إلى أن قال : «والثاني : كما لو أوصى بمال لشخص ، وشرط في الوصية أن لا يخرجه عن ملكه أو لا يبيعه ، فإذا انتقل إلى الموصى له وجب عليه العمل بمقتضى الوصية ، عملا بالعمومات. ولو باع فسد بيعه ، لكون التمليك وقع على نحو خاصّ كما في الوقف ، لا مطلقا ، ولأنّ حكمة النهي لا تتمّ إلّا بإبطاله» (١).

ففرّق صاحب المقابس بين الحلف على عدم البيع ، فرجّح صحة البيع لو باعه. وبين الوصية بعدم البيع ، فحكم بالبطلان لو باعه الموصى له.

وكيف كان ففي مورد الحلف يتوقف بطلان البيع على أمرين ممنوعين :

أحدهما : اقتضاء الأمر بالوفاء بالحلف ـ على عدم البيع ـ للنهي التكليفي عن ضده الخاص وهو البيع.

وثانيهما : اقتضاء الحرمة التكليفية للوضع أعني به الفساد.

(١) معطوف أيضا على «النذر» والمقصود تعيين الهدي بالإشعار أو التقليد ، لصحيحة الحلبي المعمولة بها (٢).

قال في المقابس في السبب الثامن : «تعيين الهدي للذبح ، وسياقه بإشعاره أو تقليده ، فإنّه لا يخرج بذلك عن ملك سائقه ، لكنّه لا يجوز له إبطاله ونقله عن الملك ، بل يجب ذبحه بمنى إن كان في إحرام الحج ، وفي مكة إن كان في إحرام العمرة» (٣).

(٢) هذا أيضا معطوف على «النذر» والمراد به أن يبيع عبدا ويشترط على المشتري عتقه ، أو اشتراط عتقه في ضمن عقد لازم غير البيع ، كالإجارة والصّلح ، قال

__________________

(١) مقابس الأنوار ، ص ١١٩.

(٢) وسائل ، ج ١٠ ، ص ١٢٦ ، الباب ٢٧ من أبواب الذبح ، ح ١.

(٣) مقابس الأنوار ، ص ١١٩.


والكتابة (١) المشروطة أو المطلقة

______________________________________________________

في المقابس : «وهذا ـ أي بطلان البيع لو باعه المشتري ـ بناء على صيرورة الشرط لازما يجب الوفاء به بعد أخذه في العقد مطلقا أو في خصوص هذا الشرط ، لتعلّق حقّ الله تعالى به والعبد ، وعدم اختصاصه بالبائع ـ حتى يجوز البيع بإسقاط حقّه ـ أو عدم استحقاقه ـ أي البائع ـ لذلك. فعلى هذا لو باعه كان باطلا ..» (١) (*).

وعلى هذا فالبطلان مبني على كون الشرط موجبا لحدوث حقّ للمشروط له ، بحيث يكون العبد متعلّقا لحقّه ، وإلّا فلا.

(١) معطوف على «النذر» وهذا سابع الحقوق الموجبة لنقص الملك ، قال في المقابس : «السبب العاشر : المكاتبة المشروطة أو المطلقة في غير ما تحرّر منه بالأداء ، فإنّها تمنع المولى من التصرف فيه .. إلخ» (٢).

وتوضيحه : أنّ الكتابة عقد لازم يقع بين المولى والمملوك ، وهي معاملة مستقلة بينهما ثمرتها تحرّر المملوك بعد أداء مال الكتابة ، وهي على قسمين مطلقة ومشروطة ، فالمطلقة أن يقول المولى : «كاتبتك على عوض كذا في مدة كذا ، فإذا أدّيت فأنت حرّ» فإن أدّى المملوك من مال الكتابة شيئا تحرّر منه بحسابه.

__________________

(*) واستدلّ على صحة البيع ـ بعد الأصل والعمومات ـ برواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الذي يحلف على المتاع أن لا يبيعه ولا يشتريه ، ثم يبدو له ، فيكفّر عن يمينه» (٣). فهي تدل على صحة البيع مع الكفارة. بل بدونها كما في رواية أخرى «يبيع ولا يكفّر» (٤) لكن لا مجال للعمل بها ، لمخالفتها للقواعد ، مع الإعراض عنها.

والضابط المطّرد في بطلان البيع في الموارد المذكورة في المقابس وغيرها هو كون المبيع متعلّق حق الغير ، بحيث يتوقف صحة بيعه على إذن ذي الحق ، أو دلالة دليل خاص على البطلان ، وإلّا فمجرد النهي التكليفي لا يكفي في إثبات البطلان.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١١٩.

(٢) مقابس الأنوار ، ص ١١٩ و ١٢٠.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ١٤٧ ، الباب ١٨ من كتاب الايمان ، ح ١١.

(٤) المصدر ، ح ١٠.


بالنسبة (١) إلى ما لم يتحرّر منه ، حيث إنّ المولى ممنوع عن التصرّف بإخراجه عن ملكه قبل الأداء.

والتدبير (٢) المعلّق على موت غير المولى ،

______________________________________________________

والمشروطة هي أن يقول المولى لمملوكه ـ زيادة على ذلك : «فإن عجزت عن الأداء فأنت ردّ في العتق» (١).

وفي كلا القسمين يكون المولى ـ في مدة الكتابة ـ ممنوعا من إخراج المملوك عن ملكه. مع فرق بين القسمين ، وهو : أنّ المنع في المشروطة يكون بالنسبة إلى تمام الرقبة ، وفي المطلقة يكون بالنسبة إلى ما لم يتحرّر منه ، كما إذا اتفقا على كون العوض مائة دينار ، فأدّى المملوك خمسين دينارا ، فقد تحرر نصفه وبقي نصفه رقّا.

وفي كلا القسمين يستمرّ منع المولى من إخراج المكاتب عن ملكه إلى أن تنفسخ الكتابة لأحد أمرين ، إمّا لعدم الأداء ، لعجز المملوك مثلا ، وإمّا لاتفاقهما على التقايل وفسخ الكتابة بناء على صحته. فإن انفسخت صار المكاتب رقّا يجوز للمولى نقله عن ملكه.

هذا توضيح ما أفاده صاحب المقابس. ثم نبّه على أمر ، وهو : أنّ جعل الكتابة من أسباب نقص الملك مبني على أمرين ، أحدهما : كون عقد الكتابة لازما حتى في المشروطة ، خلافا لما عن بعض من جوازها في المشروطة.

وثانيهما : كونه عقدا مستقلا ، لا بيعا ولا عتقا بعوض ، إذ لو كانت أحدهما كان عدم جواز بيع المكاتب لأجل انتفاء شرط أصل الملك ، لا تماميته ، فراجع (٢).

(١) قد عرفت أنّ هذا القيد ملحوظ في المطلقة ، إذ لم يتحرّر شي‌ء في المشروطة قبل أداء جميع العوض.

(٢) هذا أيضا معطوف على «النذر» وهو ثامن الموانع المذكورة في المتن ، قال في المقابس : «السبب الحادي عشر : التدبير ، وهو يوجب نقص الملك ، والمنع من التصرف في مواضع .. الثاني : إذا علّق عتقه على موت غير المولى كزوج الأمة ، ومن جعل له

__________________

(١) راجع شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١٢٥.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٢٠.


بناء (١) على جواز ذلك ، فإذا مات المولى ولم يمت (٢) من علّق عليه العتق كان مملوكا للورثة (٣) ممنوعا من التصرّف فيه.

وتعلّق (٤) حقّ الموصى له بالموصى به بعد موت الموصى وقبل قبوله ،

______________________________________________________

الخدمة مدّة حياته ..» (١).

وتوضيحه : أنّ التدبير هو تعليق عتق المملوك على وفاة المولى ، قال المحقق قدس‌سره : «وفي صحة تدبيره بعد وفاة غيره ـ أي غير المولى ـ كزوج المملوكة ، ووفاة من يجعل له خدمته تردد ، وأظهره الجواز ، ومستنده النقل» (٢).

وعلى هذا فإن قال المولى للملوك : «أنت حرّ بعد وفاتي» جاز له الرجوع عنه ، فإذا باعه صحّ. وإن قال : «أنت حرّ بعد وفاة زيد» بأن كان التحرّر متوقفا على موت زيد. فإن مات زيد فلا كلام في حصول الحرية.

وإن مات المولى وبقي زيد حيّا ـ وهو موضوع البحث ـ انتقل العبد المدبّر إلى ملك ورثة مولاه ، ولكنّهم ممنوعون من التصرف فيه. وذلك لأنّ للمدبّر حق التحرر ـ الحاصل بالتدبير ـ وهو موجب لنقص ملكية الورثة له.

(١) إذ لو قلنا ببطلان هذا التدبير واختصاص مشروعيته بتعليق الحرية على موت المولى ـ لا الأجنبي ـ كان خارجا عن البحث ، لكون المملوك رقّا ، ولم يتشبّث بالحرّية أصلا.

(٢) إذ لو مات كلّ من المولى ومن علّق التدبير عليه ، فقد تحرّر المدبّر.

(٣) أي : لورثة المولى المدبّر.

(٤) معطوف أيضا على «النذر» وهذا تاسع الحقوق الموجبة لنقص الملك. قال في المقابس : «الثالث عشر من الأسباب : تعلق حقّ الموصى له بالموصى به قبل قبوله .. إلخ» (٣).

وتوضيحه : أنّ الوصية التمليكية تقتضي دخول المال في ملك الموصى له معلّقا على موت الموصى ، ولا يكفي إنشاء الوصية في حصول الملك المنجّز. والأمران ـ أعني بهما

__________________

(١) مقابس الأنوار ، ص ١٢٠.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١١٧.

(٣) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٢٥.


.................................................................................................

______________________________________________________

الإيجاب والموت ـ لا كلام فيهما. إنّما الكلام في دخل قبول الموصى له في تملكه للموصى به. فإن كانت الوصية لجهة عامّة كالفقراء والمساجد انتقل المال إليها بوفاة الموصى ، ولم يفتقر إلى القبول بلا خلاف كما في المسالك (١).

وإن كانت الوصية لمعيّن ـ كزيد ـ اعتبر قبوله أو عدم ردّه.

وبناء على اعتبار القبول ، اختلفوا في كيفية دخله على أوجه ثلاثة ذكرها صاحب المقابس. وعدّ الوصية من موجبات نقص الملك ناظر إلى بعضها.

الأوّل : كون القبول كالموت شرطا في انتقال المال إلى الموصى له ، فلو سبق قبوله موت الموصى أو قارنه تملّكه ، وإن تأخّر القبول عن الموت دخل في ملك الوارث ملكية متزلزلة. فإن قبل الموصى له انتقل إليه ، وإن ردّ الوصية صار ملكا لازما للوارث. فإن باعه الوارث قبل قبول الموصى له احتمل فساده رأسا ، لتعلق حق الغير به.

واحتمل صحة البيع ، لكنّها موقوفة على أحد الأمرين : إمّا على إجازة الموصى له ـ لو قبل الوصية ـ فيقع البيع له. وإمّا على ردّه للوصية ، فيقع البيع للوارث.

ويحتمل التفصيل بين ردّ الوصية ، فيصح البيع ، ويقع للوارث ، لاستقرار الملك له حينئذ. وبين قبول الوصية ، فيبطل البيع حتى لو أجازه ، لعدم كون الموصى حال البيع مالكا للمبيع بعد فرض انتقال المال إلى الوارث بموت الموصى وعدم قبول الموصى له.

وقد تقدم في مسألة «من باع ثم ملك» اعتبار كون المجيز أهلا للإجازة حين البيع ، وعدم كفاية أهليته لها حال الإجازة (٢).

الاحتمال الثاني : أنّ القبول شرط للزوم الملك لا الصحة الوصية ، فالمال ينتقل بالموت إلى الموصى له قبل قبوله ، كتملّك الوارث قهرا بموت مورّثه. فإن قبل الموصى له كان بيع الوارث فضوليا منوطا بإجازة من اوصى له. وإن ردّ الوصية اندرج بيع الوارث في مسألة «من باع ثم ملك».

الاحتمال الثالث : أنّ القبول كاشف عن انتقال المال بموت الوصي إلى الموصى له ،

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٦ ، ص ١٢١.

(٢) راجع هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ٢٤٤ ـ ٣٣٦.


بناء (١) على منع الوارث من التصرّف قبله (٢).

وتعلّق (٣) حقّ الشفعة بالمال ، فإنّه مانع من لزوم التصرّفات الواقعة من

______________________________________________________

كما أنّ ردّ الوصية كاشف عن تملك الوارث له. وحينئذ فلو باعه الوارث بعد الموت ـ وقبل الرّد والقبول ـ كان صحته منوطا بتحقق القبول من الموصى له وإجازته للبيع. أو ردّه للوصية فيقع للوارث.

وكان فساد البيع في صورة واحدة ، وهي إمضاء الوصية وردّ البيع.

ولو كان البائع غير الوارث كان فضوليّا على كلّ من تقديري قبول الوصية وردّها. هذا توضيح ما أفاده صاحب المقابس.

وهناك احتمال رابع في قبول الوصية يبتني على كون القبول جزء السبب الناقل للملك كما استظهره الشهيد الثاني من عبارة الشرائع (١) ، أو شرطا محضا كالموت ، كما استظهره شيخنا الأعظم قدس‌سره منها (٢) ، والتفصيل موكول إلى محلّه.

(١) يعني : بناء على الاحتمال الأوّل ، وهو انتقال المال إلى الوارث ، ومنعه من بيعه لتعلق حقّ الوصية به. وأمّا بناء على ما عدا الاحتمال الأوّل فليس بيع الموصى به من صغريات نقص الملك كما عرفت.

(٢) أي : قبل قبول الوصية.

(٣) معطوف أيضا على «النذر» وهذا عاشر الحقوق الموجبة لنقص الملك ، قال في المقابس : «الثامن عشر : تعلق حقّ الشفعة بالمال ، والتملك بها قبل الاستقرار. أمّا الأوّل فمانع من لزوم تصرفات من انتقل إليه المال مطلقا ما دام الحقّ ثابتا ..» (٣).

وتوضيحه : أنّ المذكور في العبارة مما يتعلق بحق الشفعة أمران ، أشار المصنف إلى الأوّل منهما ، ونقتصر على توضيحه ، وهو : أنه لو كانت دار مثلا مشتركة بين زيد وعمرو ، فباع زيد حصّته منها من بكر ، ثبت حق الشفعة لعمرو ، فلو بادر بكر الى التصرف في حصّته ببيع أو هبة أو صلح أو غيرها جاز لعمرو إبطال هذه التصرفات المنافية لحقّه ، فإنّها وإن وقعت في ملك المتصرّف ، لكنه ممنوع من التصرف فيه ، لتعلّق

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٦ ، ص ١١٧ و ١١٨.

(٢) كتاب الوصايا والمواريث ، ص ٣٢ ، ولاحظ جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٢٥٠ ـ ٢٥٢.

(٣) مقابس الأنوار ، ص ١٣١.


المالك ، فللشفيع بعد الأخذ بالشفعة إبطالها (١).

وتغذية (٢) الولد المملوك بنطفة سيّده فيما إذا اشترى أمة حبلى ، فوطأها ،

______________________________________________________

حقّ الشفيع بالحصة المبيعة ، فلو أخذ الشفيع بحقّه بدفع الثمن إلى بكر وضمّ المبيع إلى حصّته ، بطل ما صنعه المشتري.

(١) أي : إبطال تصرفات المشتري في حصّته. وهو مبتدء مؤخّر ، وخبره المقدّم «فللشفيع».

(٢) معطوف أيضا على «النذر» وهذا حادي عشر موجبات النقص ، قال في المقابس : «التاسع عشر : كونه مملوكا ، له ولد من أمة قد اشتراها مولاها وهي حبلى ، فإنّه لا يحلّ له وطيها حتى يمضي عليها أربعة أشهر ، ويجب عليه العزل لو وطأ بعد ذلك. فإن وطأها قبل مضيّ الأربعة أشهر ، أو بعد ذلك ولم يعزل عنها ، فإنّه لا يحلّ له حينئذ بيع الولد ، لأنّه قد غذّاه وأنماه بنطفته ..» (١).

وتوضيح حقّ تغذّي الحمل ـ المانع من بيعه ـ هو : أنّه لو كان لزيد أمة حبلى فأراد السيّد بيع أمته ثبت حقّ منع بيع الحمل لو اجتمعت أمور :

الأوّل : أن لا يكون الجنين متكوّنا من المولى حتى يكون حرّا ، بل من مملوك ، كما إذا كان للسيد عبد ، فزوّج أمته من عبده ، فحملت منه ، فإنّ الحمل مملوك ـ كوالديه ـ للسيّد.

الثاني : أن يشترط المشتري على البائع دخول الحمل في المبيع وكونه ملكا له ، فباعها السيد مع حملها ، ولم يستثن الحمل.

الثالث : أن لا ينقضي من زمان الحمل أزيد من أربعة أشهر ، كما إذا باعها في الشهر الثالث من مدة الحمل.

الرابع : أن يباشر المشتري هذه الأمة قبل مضيّ أربعة أشهر.

فبتحقق هذه الأمور يثبت حقّ للحمل يمنع من بيعه ، وهو تغذّيه من نطفة

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٣١.


فأتت بالولد ، بناء على عدم جواز بيعها (١).

______________________________________________________

المشتري ، فيعتق به (*).

(١) كذا في نسختنا ، ومعناه : أنّ هذه الأمة وإن جاز بيعها ، لأنّها ولدت من مملوك ، لا من حرّ ، فليست هي بحكم أمّ الولد كي يمنع بيعها ، إلّا أنّ بيع الولد ممنوع ، وأنّه يجب عتقه على المشتري.

ولكن الأنسب موافقا لما في المقابس من قوله : «فإنّه لا يحلّ له حينئذ بيع الولد» أن يقال : «بناء على عدم جواز بيعه» حتى يكون إشارة إلى الخلاف الذي أشار إليه في المقابس من القول بحرمة بيع الولد كما هو المشهور ، والقول بكراهته كما ذهب إليه بعض المتأخرين.

__________________

(*) كما عن الديلمي في المراسم وأبي الصلاح في الكافي. هذا بدون العزل ، وأمّا معه فلا بأس ببيع الولد ، هذا.

وبعضهم قيّد الحكم بالوطي في الفرج مع الانزال قبل انقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام كما عن الشيخ في النهاية. لكن النصوص خالية عن التقييد بالمدة بأحد الحدّين المزبورين.

وكيف كان فقد علّل عدم جواز بيع الولد في النصوص بأنّ الواطي قد غذّاه وأنماه بنطفته ، كما في صحيح إسحاق بن عمّار ، قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية حاملا ، وقد استبان حملها ، فوطأها؟ قال : بئس ما صنع. إلى ان قال : إن كان عزل منها فليتق الله ، ولا يعد ، وإن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد ، ولا يورثه ، ولكن يعتقه ويجعل له شيئا من ماله يعيش به ، فإنّه قد غذاه بنطفته» (١).

وفي رواية السكوني : «لأنّ نطفتك غذّت سمعه وبصره ولحمه ودمه» (٢).

ولتنقيح المسألة مقام آخر ، والغرض الإشارة إلى الأقوال والمدارك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٠٧ ، الباب ٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ١.

(٢) المصدر ، ح ٣.


وكونه (١) مملوكا ولد من حرّ شريك في أمّة حال (٢) الوطء ،

______________________________________________________

(١) أي : وكون الولد مملوكا لشريك الواطئ ، وهذا أيضا معطوف على «النذر» وأشار به إلى الحقّ الثاني عشر الموجب لنقص الملك ، قال في المقابس : «العشرون : كونه مملوكا ولد من حرّ شريك في أمّة حال الوطي ، أو كان وطؤه لشبهة نكاح أو ملك .. إلخ» (١).

وتوضيحه : أنّه لو اشترك اثنان ـ كزيد وعمرو ـ في شراء أمة ، فباشرها زيد من دون أن يستأذن عمروا ، فحملت الأمة منه وولدت ، ففي المسألة قولان :

أحدهما : انعقاد الولد حرّا تبعا لأبيه ، ويضمن الواطي للشريك قيمة ولد رقّ ، لإتلافه عليه نماء الأمة بإيجاد الولد غير القابل للملك ، فيفرض الولد رقّا ، ويقوّم على الواطئ ، وتؤخذ قيمة الولد منه وتعطى الشريك الآخر وهو عمرو. وبناء على هذا القول تكون المسألة أجنبية عن موجبات نقص الملك ، إذ لا ملك حتى يتمّ أو ينقص.

ثانيهما : انعقاد الولد رقّا تبعا لامّه ، لعدم حلية البضع للواطي ، لا بالنكاح ، ولا بالملك المستقل ، ولا بالتحليل ، فيحكم بأنّ الولد مملوك للشريك الآخر غير الواطي ، لكنه ممنوع عن بيعه من غير الواطي ، فعليه تقويمه وأخذ القيمة من الواطي ، وتسليم الولد إليه.

وبالجملة : فالولد وإن كان رقّا ، لكن ليس لمولاه غير الواطى شي‌ء من التصرفات فيه ، إلّا التقويم وأخذ قيمته من الشريك الذي وطأ الأمة المشتركة بلا استئذان من الآخر. فبناء على هذا القول يكون ما نحن فيه ـ وهو الولد الرّق ـ من صغريات نقص الملك ، لانعتاقه بمجرّد التقويم ، أو بأداء قيمته إلى الشريك ، وهو عمرو في المثال.

وألحق صاحب المقابس بوطي أحد الشريكين ما لو وطأها أجنبي لشبهة حصلت له من نكاح أو ملك فحملت منه ، فإنّ الولد لو قيل بحرّيته فلا موضوع للبحث. وإن قيل برقيّته يمنع السيد من بيعه ، بل يقوّم الولد ، وتؤدّى قيمته إلى السيد ، وينعتق.

(٢) التقييد بالشركة حال الوطي ، لأجل أنّ هذه الحالة هي حال تكوّن الولد المعدود نماء للأمة ، وإلّا فالشركة السابقة على الوطء ـ بحيث كان الواطي مالكا مستقلا حين المباشرة ـ لا توجب شبهة انعقاد الولد رقا. كما أنّ الشركة اللاحقة للوطء كذلك.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٣٥.


فإنّه (١) مملوك له ، لكن (٢) ليس له التصرّف فيه إلّا بتقويمه وأخذ قيمته.

وتعارض (٣) السبب المملّك والمزيل للملك ،

______________________________________________________

فالمناط هو الشركة في حال المباشرة ليكون من التصرف في ملك الغير بغير إذنه.

(١) أي : فإنّ الولد مملوك للشريك الآخر الذي لم يطأها.

(٢) يعني : وإن كان الولد مملوكا للشريك الآخر ، إلّا أنّه ممنوع من بيعه وهبته ووقفه ، فليس له إلّا التقويم وأخذ قيمة الولد.

(٣) معطوف أيضا على «النذر» وهذا إشارة إلى الحقّ الثالث عشر الموجب لنقص الملك ، قال في المقابس : «الحادي والعشرون : تدافع السبب المملّك والمزيل له دائما. والمسألة مفروضة فيما لو قهر حربي حربيّا ينعتق عليه وأراد بيعه ، فأطلق ابن حمزة في كتاب العتق من الوسيلة : أنّه يجوز تملّك من سبي ومن سرق ومن اشتري من آبائهم وقراباتهم وأزواجهم ومن سباهم [و] إن كان كافرا» (١).

توضيحه : أنّ الاستيلاء يوجب تملّك الكافر الحربي الذي هو كالمباح الأصلي في صيرورته ملكا لكلّ من استولى عليه وإن كان المستولي كافرا حربيا مثله. فإذا قهر حربيّ أباه كان القهر سببا لملكية المقهور دائما ، والقرابة الخاصة سببا لزوال الملكية.

ومع تعارض السبب المملّك والمزيل يشكل البيع ، إذ لا بيع إلّا في ملك ، والمفروض هنا توارد السببين في جميع الآنات على الكافر المقهور ، ولا موجب لترجيح أحدهما على الآخر. ولذا قيل : إنّ جواز شرائه للمسلم بمعنى الاستنقاذ ، ومعناه بذل عوض للكافر الحربي القاهر بإزاء رفع يده عن المقهور. كما يظهر من بعض الكلمات المنقولة في المقابس ، كقول العلّامة : «والتحقيق صرف الشراء إلى الاستنقاذ وثبوت الملك للمشتري بالتسلّط. وفي لحوق أحكام البيع حينئذ نظر» (٢).

وسيأتي في مستثنيات خيار المجلس بعض الكلام في كون شراء المسلم للكافر الحربي ـ من مثله ـ شراء حقيقة أو استنقاذا ، أو أنّه استنقاذ من أحد الطرفين وهو كالبيع من الطرف الآخر.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٣٥.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٩.


كما لو قهر (١) حربيّ أباه.

والغنيمة (٢) قبل القسمة ، بناء (٣) على حصول الملك بمجرّد الاستيلاء ـ دون

______________________________________________________

(١) حيث إنّ الغلبة على الحربي مملّكة ، والقرابة بالأبوّة موجبة للانعتاق ، فيتعارضان.

(٢) معطوف أيضا على «النذر» وهذا هو الرابع عشر من موجبات نقص الملك ، قال في المقابس : «الثاني والعشرون : اشتراك يقتضي رجوع الأمر في القسمة إلى غير المالك ، وعدم تمكنه من البيع قبله لا معيّنا ولا مشاعا ، وذلك كالغنيمة قبل القسمة ، فإنّها مشتركة بين الغانمين ، وقسمتها إلى الإمام. فإن قلنا بأنّ الملك موقوف على القسمة وتعيين السّهام فلا يجوز البيع قبله ، لعدم الملك. وإن قلنا بحصوله بمجرد الاستيلاء لامتناع بقاء المال بلا مالك ـ وليس هو للحربي ولا للإمام ـ فتعيّن أن يكون للغانمين ..» (١).

وتوضيحه : أنّ ما غنمه المسلمون ـ من الأموال المنقولة ـ من الكفار هل تدخل في ملكهم بمجرد حيازتهم لها وجمعها ، أم يتوقف تملكهم لها على قسمة الامام عليه‌السلام؟ فبناء على توقف التملك على القسمة تكون المسألة خارجة عن المقام ـ أي من موجبات نقص الملك ـ إذ لا ملك حقيقة قبل القسمة.

وبناء على الأوّل ـ وهو التملّك بمجرد احتواء المسلمين عليها ـ تندرج في ما نحن فيه ، فكلّ جزء من هذه الأموال المغنومة ملك مشاع بين المقاتلين ، لكنه لجهالة حصّة كلّ منهم يمنع من التصرف فيه ، بل يتوقف على قسمة الإمام لها.

ووجه كونها ملكا للجميع هو خروجها عن ملك الكفار بمجرّد استيلاء المسلمين عليها ، فلو بقيت بلا مالك إلى زمان القسمة لزم بقاء المال بلا مالك ، وهو ممتنع ، فلا بدّ من دخولها في ملك المجاهدين ، ويستقرّ ملكهم لها بالقسمة.

(٣) اتّضح وجه التقييد بحصول الملك بالاستيلاء ، إذ بناء على القول الآخر ـ وهو إناطة الملك بالقسمة ـ يكون منع بيع الغنيمة قبل القسمة لأجل انتفاء الملك لا طلقيّته.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٣٧.


القسمة ـ لاستحالة (١) بقاء الملك بلا مالك.

وغير (٢) ذلك ممّا سيقف عليه المتتبّع ، لكنّا نقتصر على ما اقتصر عليه الأصحاب ، من ذكر الوقف ، ثمّ أمّ الولد ، ثمّ الرّهن ، ثمّ الجناية ، إن شاء الله.

______________________________________________________

(١) تعليل لترجيح القول بالتملك بالاغتنام على القول بتوقفه على القسمة ، وحاصله : أنّ الغنائم أموال مملوكة للكفّار ، ولا تصير من المباحات بحيازتها ، فلو توقّف تملّكها على القسمة المتأخرة عن الاغتنام ـ للزوم جمعها وتبديل ما لا يقبل التقسيم منها ـ لزم بقاء الملك بلا مالك ، وهو ممتنع.

(٢) معطوف أيضا على «النذر» وما بعده من الحقوق. والمراد بالغير أمور أربعة ذكرها المحقق الشوشتري وأشرنا إليها في (ص ٤٨٩) فراجع.


مسألة (١)

لا يجوز بيع الوقف (*)

______________________________________________________

بيع الوقف

(١) الغرض من عقد هذه المسألة التعرض لإحدى موجبات نقص الملك مع بقاء أصله. وهذا مبني على القول بكون العين الموقوفة ملكا للموقوف عليه ، وتعلق حقّ الغير ـ كالبطن المعدوم ـ بها. وأمّا بناء على القول بانتقال العين إليه تعالى كان أصل الملك منتفيا ، لا طلقيته ، كما نبّه على ذلك صاحب المقابس قدس‌سره (١) ، ويظهر من كلام شيخه قدس‌سره في وقف كشف الغطاء ، كقوله : «وهو بقسميه ـ عامّة وخاصّة ـ مفيد للاختصاص دون الملك ، فإنّه لله ، والقول بانفصال الملك في القسم الثاني الموقوف عليه غير بعيد كما مال أعاظم الفقهاء إليه ، وإن كان الأقوى خلافه ، وجريان الأحكام فيه على نحو جريانها في الوقف العام ، وفي متعلقات النذور ، فإنّ الأقوى خروجها عن ملّاكها ، ورجوعها كباقي الكائنات إلى من بيده أزمة الأمور. وملك الفوائد والمنافع ليس بمقتض لملك العين ولا مانع ..» (٢).

__________________

(*) عرّف الوقف في كلمات الأصحاب تبعا لما في النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المروي في عوالي اللئالي (٣) بأنّه «عقد ثمرته تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة» كما في

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٢.

(٢) كشف الغطاء (الطبعة الحجرية) كتاب العبادات الداخلة في العقود ، الباب الأوّل ، البحث الأوّل.

(٣) عوالي اللئالي ، ج ٣ ، ص ٢٦١ ، ح ٥ ، رواه عنه في مستدرك الوسائل ، ج ١٤ ، ص ٤٧ ، الباب ٢ من أبواب الوقوف ، ح ١.


إجماعا (١) محقّقا في الجملة ، ومحكيّا

______________________________________________________

(١) استدل المصنّف قدس‌سره على حرمة بيع الوقف بوجوه :

الأوّل : الإجماع ، محصّلا ومنقولا. أمّا المحصّل فهو ثابت في الجملة ، وغرضه من قيد «في الجملة» ما عدا الصور التي يجوز فيها البيع لطروء المسوّغ.

قال في المقابس : «وإيجابه ـ أي إيجاب الوقف ـ لفساد البيع في الجملة ثابت بالإجماع من الخاصة والعامة» (١).

وأما المنقول فقد ادّعي مطلقا على حرمة البيع ، ومن دون التقييد ببعض الصور كما سيأتي في (ص ٥٤٤). وفي الجواهر : «ومن هنا اتفق الأصحاب على أن الأصل فيه ـ أي في بيع الوقف ـ المنع ، وإن اختلفوا فيما خرج عنه بالدليل ، أو بزعمه. بل في السرائر :

نفى الخلاف عن عدم جواز بيعه إذا كان مؤبّدا ، ونزّل خلاف الأصحاب في المنقطع منه ..» (٢).

والمقصود من نقله أنّ دعوى الإجماع على منع بيع الوقف موجود في بعض الكلمات ، خصوصا لو قيل بأنّ الوقف المنقطع حبس حقيقة ، لاشتراط التأييد في الوقف

__________________

الشرائع (٣) وبعض آخر ، أو أنّه «عقد يفيد تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة» كما في القواعد (٤). أو أنه «تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة» كما حكي عن المبسوط وغيره (٥) بحذف «العقد» وتبديل الإطلاق بالتسبيل ، ولعلّه أولى كما في الجواهر «لإشعاره باعتبار القربة فيه ، وأنّه من الصدقات» (٦).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٢.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٥٨.

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢١١.

(٤) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٣٨٧.

(٥) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٢.

(٦) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

فالمنقطع إمّا باطل أصلا ، وإمّا صحيح حبسا لا وقفا مصطلحا.

وقد تحصّل : أنّ الإجماع محقّق في المسألة ، إنّما الكلام في حجيته مع احتمال استناد المجمعين إلى النصوص المعتبرة التي لم يستبعد صاحب الجواهر تواترها (١).

__________________

وعلى كلّ فالتعاريف المزبورة تناسب تفسير الوقف في اللغة بالحبس كما في اللسان وغيره (٢) ، فمعنى قوله : «وقفت داري على كذا» بعد تعذر إيقاف نفس الدار على الموقوف عليه هو حبسها عليهم. إنّما الكلام في ما يراد بالحبس ، لما فيه من احتمالين.

أحدهما : الممنوعية من التصرفات الناقلة ، بمعنى : أنّ الواقف ينشئ منع التقلب في العين وحركتها في وعاء الاعتبار من الموقوف عليه الى غيره. ومقتضاه بطلان الوقف بطروء ما يجوّز بيعه شرعا وإن لم يتحقق البيع خارجا ، كما سيأتي من الفقيه الكبير في شرح القواعد وجمع. قال السيد العاملي قدس‌سره : «إذ المراد به ـ أي بالتحبيس ـ المنع من التصرف فيه تصرفا ناقلا» (٣) ونحوه في الرياض (٤).

ثانيهما : إيقاف ملكية العين على الموقوف عليهم بحيث لا تتجاوزهم إلى غيرهم. هذا في الوقف على الأشخاص أو العناوين القابلة للتملك ، وإلّا فالمراد إيقاف الاختصاص بالموقوف عليه.

قال المحقق التقي الشيرازي قدس‌سره : «إن الظاهر من قول القائل : ـ وقفت داري مثلا بعد عدم صحة اعتبار معناه الحقيقي من إرادة إيقاف نفس العين ـ أن يكون الإيقاف باعتبار الملكية .. ثم إذا قامت قرينة أخرى على عدم اعتبار ذلك انتقلنا من ذلك إلى إرادة نوع خاصّ من الاختصاص يصحّ اعتباره في الأوقاف العامة وأمثاله» (٥).

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٥٧ ، ونقل في غيره عن ابن إدريس أيضا ، فلاحظ : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٨ ، وج ٩ ، ص ٨٤ ، مقابس الأنوار ، ص ٤٨.

(٢) لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٣٥١ ، المصباح المنير ، ص ٦٦٩ ، مجمع البحرين ، ج ٥ ، ص ١٢٩.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٢.

(٤) رياض المسائل ، ج ١٠ ، ص ٩١.

(٥) تعليقة المكاسب (القسم الثاني) ص ٢٢.


.................................................................................................

______________________________________________________

والملكية الحاصلة من أيّ سبب وإن كانت حقيقة واحدة ، إلّا أنّ حكمها يختلف في الوقف عمّا عداه من جهة حكم الشارع بعدم الانتقال عن موضوعها وهو الموقوف عليه.

ويترتب على هذا الاحتمال بقاء الوقف على ما كان عليه بعد عروض مسوّغ بيعه ، إذ لا منافاة بين قصر ملكية العين أو اختصاصها ، وبين جواز النقل ، لعدم كون المنع من التصرف مأخوذا في حقيقة الوقف.

نعم تتحقق المنافاة بين حكمين ، وهما جواز البيع بعد طروء السبب ، وبين حرمته التي كانت قبله. وهي توجب انقلاب لزوم الوقف إلى الجواز ، لا الصحة إلى البطلان.

ولعلّ هذا مبنى ما سيأتي من المصنف بقوله : «ثم إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف ..» فانتظر.

وكيف كان فاختار المحقق الأصفهاني قدس‌سره الاحتمال الثاني ، لما في كون الحبس منعا من التصرف الناقل من محذور ، سواء أريد به المنع المالكي أم الشرعي ، تكليفيا أم وضعيا.

وحيث إنّ المناط ملاحظة إنشاء الواقف ، لفرض كون الأدلة الشرعية إمضاء له بمعنى جعل المماثل ، فالأولى الاقتصار على توضيح استدلاله بوجهين على عدم كون الحبس منعا عن التصرفات ، وسلامة كلامه عمّا أورد عليه. فنقول وبه نستعين :

الوجه الأوّل : أنّ منع الغير عن التصرف في العين وإن كان قابلا للإنشاء كإنشاء الإباحة ، إلّا أنه لكونه من الإيقاعات القائمة بطرف واحد لا يعقل أن يتوقف وجوده في موطن الاعتبار على قبول الغير. مع أنّه لا شبهة في قابلية إنشاء الوقف للقبول ، بل المعروف اعتباره سيّما في الوقف الخاص.

ففي الجواهر بعد تقوية اعتبار القبول في الوقف مطلقا : «فالوحدة المزبورة حينئذ تقتضي اعتباره أيضا» (١). فالمقصود أن الوقف من سنخ المعاني القابلة للحوق القبول به ، سواء قيل بدخله فيه أم لا ، فهو كالوصية القابلة للرد والإمضاء. مع أنّ المنع المالكي إيقاع كترخيصه.

الوجه الثاني : أنّ المنع المالكي إن أريد به ممنوعية الموقوف عليه عن بيع الوقف ونقله إلى الغير ، ففيه : أنّه لا يتصور هذا المنع إلّا في ظرف بقاء العين على ملك المانع ، إذ لا معنى

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٦ و ٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

للمنع عمّا هو أجنبي عنه ولا مساس له به ، مع أنّ خروج العين عن ملك الواقف مما لا كلام فيه.

وإن أريد به ممنوعية نفسه عن التصرف ، ففيه : أنّ معناه التزامه بعدم تصرفه في العين بعد إنشاء الوقف ، وأمّا ممنوعية الموقوف عليه فلا موجب لها ، فإنّ نفوذ الوقف شرعا معناه أنّ للشارع اعتبارا مماثلا لما أنشأه الواقف.

هذا توضيح ما أفاده قدس‌سره في منع كون الحبس منعا عن التصرف الناقل. ولا يتجه شي‌ء ممّا ذكر على جعل الحبس بمعنى كون الملكية ـ في مورد قابلية الموقوف عليه للتملك ـ مقصورة على أشخاص أو عنوان ، أو اختصاصها مقصورا على جهة أو فعل كما في وقف مال للصرف في الإحجاج أو الإرسال إلى زيارة المشاهد المقدّسة. قال قدس‌سره : «ومرجع قصر العين ملكا أو اختصاصا قصر ملكيتها على شخص ، المساوق لعدم زوالها عنه ، لا أنّ المنشأ والمتسبّب إليه نفس اعتبار الملكية ، فإنّه غير مناسب لمفهوم الوقف» (١).

إلّا أن يناقش في الوجه الثاني بما أفيد من «أنّ إيقاع المنع وإنشاءه يكون في زمان مالكيته. فلو كان الحبس هي الممنوعية لكان حصول الممنوعية وخروج العين عن ملكه بإنشائها في زمان مالكيته. ولا يعتبر في جعل المالك وتصرفه في ملكه إلّا كونه ملكا له حال التصرف. نظير الشرائط في ضمن العقد. فلو شرط على المشتري عدم بيعه أو شرط إجارته في رأس السنة الآتية صحّ وإن لم يكن ملكا له في رأسها ، وهو واضح» (٢). هذا.

فإن كان المنع المالكي نظير باب الشرط الضمني الذي يكفي فيه الملك حين الشرط وإن زالت العلقة بعده فالأمر كما أفيد. وإن كان المنع والترخيص المالكيّان دائرين مدار الملك حدوثا وبقاء ـ أي يلزم بقاء الإضافة حين التصرف ـ لم يتجه تنظير إنشاء الواقف ـ بناء كون الحبس منعا عن التصرف الناقل ـ بباب الشرط الضمني ، والمسألة محتاجة إلى مزيد التأمّل.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٢٥٣ و ٢٥٤.

(٢) كتاب البيع ، ج ٣ ، ص ٨٠.


ولعموم (١) قوله عليه‌السلام : «الوقوف على حسب

______________________________________________________

(١) معطوف على «إجماعا» فكأنه قال : «لا يجوز بيع الوقف للإجماع ولعموم» وهذا دليل ثان على منع بيع الوقف. وهو ما ورد في مكاتبة الصفّار ـ بألفاظ متقاربة ـ عن الإمام العسكري «صلوات الله وسلامه عليه» ، فروى الشيخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفار ، قال : «كتبت إلى أبي محمّد عليه‌السلام : أسأله عن الوقف الذي يصحّ كيف هو؟ فقد روي : أنّ الوقف إذا كان غير موقّت فهو باطل مردود على الورثة ، وإذا كان موقّتا فهو صحيح ممضى.

قال قوم : إنّ الموقّت هو الذي يذكر فيه أنّه وقف على فلان وعقبه ، فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

قال : وقال آخرون : هذا موقت إذا ذكر أنّه لفلان وعقبه ما بقوا ، ولم يذكر في آخره : للفقراء والمساكين إلى أن يرث .. الأرض ومن عليها. والذي هو غير موقّت أن يقول : هذا وقف ، ولم يذكر أحدا. فما الذي يصحّ من ذلك؟ وما الذي يبطل؟ فوقّع عليه‌السلام : الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء الله» (١).

واستظهر العلّامة المجلسي قدس‌سره صحة جميع الشقوق (٢). ولعلّه لإطلاق الجواب وعدم التفصيل بين الصور المفروضة في سؤال الصفّار.

وروى الصدوق بإسناده إلى الصفار «أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن عليهما‌السلام في الوقف وما روى فيها عن آبائه عليهم‌السلام ، فوقّع : الوقف تكون على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله تعالى» (٣).

وروى ثقة الإسلام عن محمّد بن يحيى ، قال : «كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمّد عليه‌السلام في الوقوف وما روي فيها ، فوقّع عليه‌السلام : الوقوف على حسب ما يقفها أهلها إن شاء الله» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، الباب ٧ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، الحديث : ٢ ، تهذيب الأحكام ، ج ٩ ، ص ١٣٢ و ١٣٣ ، الحديث ٩ من أبواب الوقوف والصدقات.

(٢) ملاذ الأخيار ، ج ١٤ ، ص ٤٠٤ ـ ٤٠٥ ، ولاحظ أيضا كلام والده في روضة المتقين ، ج ١١ ، ص ١٥٠.

(٣) الفقيه ، ج ٤ ، ص ١٧٩ ، ح ١٠ ، ورواه عنه في وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٢٩٥ ، الباب ٢ من أحكام الوقوف ، ح ١ ، لكنه لم يذكر فيه كلمة «تعالى».

(٤) الكافي ، ج ٧ ، ص ٣٧ ، باب ما يجوز من الوقف والصدقة ـ من كتاب الوصايا ـ ح ٣٤ ، ورواه عنه في الوسائل ، ج ١٣ ، ص ٢٩٥ ، ح ١.


ما يوقفها (١) أهلها» (*)

______________________________________________________

وهذه الرواية وإن كانت معتبرة سندا ، لصحة إسناد الصدوق والشيخ إلى الصفار ، وكذا بطريق الكافي ، إلّا أنّ جواب الإمام عليه‌السلام مذكور في كلّ منها بلفظ. وإن كان الاختلاف يسيرا غير مؤثر في المعنى.

كما ظهر بما نقلناه من ألفاظ الرواية عدم موافقه ما نقله المصنف في المتن لشي‌ء منها نعم هو أوفق بنقل الصدوق قدس‌سره.

(١) هذا الكلمة منقولة في الفقيه والتهذيب بصيغة باب الإفعال ، لكنها في الكافي بصيغة الثلاثي المجرّد ، ولعلّ الأولى ما في الكافي ، قال العلّامة الطريحي قدس‌سره : «وقد تكرّر ذكر الوقف في الحديث ، وهو تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة. يقال : وقفت الدار للمساكين وقفا. و : أوقفتها لغة رديّة» (١).

وكيف كان فتقريب دلالة هذه المعتبرة على عدم جواز بيع الوقف هو : أنّ الوقف ـ كما صرّح به المصنف قدس‌سره في (ص ٥٢٥) يوجب تعلق حقّ كلّ من الواقف والموقوف عليه بالعين الموقوفة ، فحقّ الواقف هو حبس ماله عن النقل والانتقال ، وحق الموقوف عليه هو الانتفاع بالعين واختصاصها به. وهذا الغرض ممضى شرعا بالتوقيع الشريف ، ومن المعلوم أنّ جواز بيع الوقف ينافي هذا المقصود ، فلا يجوز.

والوجه في التعبير عن مكاتبة الصفار بالعموم هو عدم التصريح بحرمة البيع والشراء فيها ، كما صرّح بمنع الشراء بالخصوص في ما سيأتي من رواية ابن راشد ، ورواية ربعي الحاكية لصورة وقف مولانا أمير المؤمنين «عليه أفضل صلوات المصلين» لداره الواقعة في بني زريق. فيستفاد ـ من هذه المكاتبة ـ منع البيع والصلح والهبة ونحوها ، لأنّ الشارع أمضى قصد الواقف ونفّذه.

__________________

(*) الاستدلال به على عدم جواز بيع الوقف مشكل ، لأنّه في مقام إمضاء الكيفيات التي يجعلها الواقفون في الوقف من الجهات الراجعة إلى نفس العين الموقوفة من كيفية بنائها وعمارتها ، والموقوف عليه من الصفات الخاصة ، إلى غير ذلك ممّا يتعلق بالوقف.

__________________

(١) مجمع البحرين ، ج ٥ ، ص ١٢٩ ، وكذا في لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٣٦٠


ورواية (١) أبي علي بن راشد ، قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام قلت : جعلت فداك ،

______________________________________________________

(١) معطوف على «عموم» وهذا دليل ثالث على حرمة بيع الوقف ، وهو ما رواه ثقة الإسلام عن محمّد بن جعفر الرزاز عن محمد بن عيسى عن أبي علي بن راشد ـ وهو الحسن بن راشد ـ عن الإمام الهادي عليه‌السلام. والظاهر اعتبار هذا السند ، لوثاقة رواته ،

__________________

وأمّا عدم جواز بيعها فليس في عداد تلك الجهات المجعولة من الواقف ، إذ لو كان كذلك فلازمه جواز اشتراط بيعها أيضا ، لأنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها. فإذا وقفها على أن تباع رأس خمسين سنة ينفذ هذا الشرط ، مع أنّه واضح البطلان ، إذ المقصود إثبات عدم جواز البيع في نوع الوقف ، لا في شخصه.

والحاصل : أنّ ظهور مثل قولهم عليهم‌السلام : «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» في إمضاء مجعولات الواقفين الخارجة عن حقيقة الوقف ومفهومه ، وعن المجعولات التي جعلها الشارع ، ممّا لا سبيل إلى إنكاره. فمثل هذا الدليل مساق لدليل إمضاء الشروط الذي هو أجنبي عن أدلة نفوذ أصل المعاملة ، مثل (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وغيرهما.

وقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما في بعض الحواشي من الاستدلال بعموم «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» بتقريب : أنّ حقيقة الوقف هي التحبيس والمنع عن خروج العين الموقوفة عن الحبس ، وكونها غير قابلة للبيع وغيره من التصرفات الناقلة ، والواقف لمّا أنشأ هذا المفهوم والتزم به وبنى عليه ، فالشارع أمضى هذا البناء والالتزام بمثل الحديث المزبور ، هذا.

وجه ضعفه : أنّ دليل إمضاء هذا البناء هو «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ونحوه ممّا يدلّ مطابقة على وجوب الوفاء بعقد الوقف ، لا ما جعله الواقف في ضمن الوقف.

فالأولى جعل مثل هذا الحديث من أدلّة إمضاء الكيفيّات المجعولة من الواقفين ، لا من أدلة إمضاء نفس عقد الوقف. والنصوص الخاصة الدالة على عدم جواز بيع الوقف ـ كرواية أبي عليّ بن راشد ـ كافية في المطلب.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولذا عبّر في الحدائق عنه ب «بالقوي» (١) وصاحب المقابس ب «ما رواه الصدوق في الحسن كالصحيح ، والكليني والشيخ في القوي» (٢). وصاحب المستند بالصحيحة (٣).

فالتعبير عنها بالرواية ـ الموهم للخدشة في السند ـ لم يظهر وجهه. ولعلّ منشأه توصيف العلّامة المجلسي قدس‌سره له بقوله : «مجهول هنا ، وفي الفقيه صحيح» (٤) مع أنّ إسناد الشيخ إلى ثقة الإسلام الكليني ، وإسناد الصدوق إلى محمّد بن عيسى معتبر ، كما يظهر بمراجعة مشيخة الفقيه والتهذيب (٥). هذا مع أنه لا حاجة إلى ملاحظة الإسناد بعد ذكر الرواية مسندة في الكافي.

وكيف كان ، فمضمون الرواية : أنّ الحسن بن راشد سأل عن حكم أرض موقوفة اشتراها بألفي درهم جاهلا بوقفيّتها. فأجاب عليه الصلاة والسلام بالنهي عن الشراء وبوجوب صرف الغلّة في الموقوف عليه.

وتقريب الاستدلال ـ كما في المقابس ـ بوجهين :

أحدهما : أنّ قوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف» يشمل مورد السؤال ـ وهو الأرض ـ وغيره ، ضرورة إفادة نفي الجنس للشمول. هذا بناء على كون النسخة بلفظ المفرد. وأمّا بناء على ما نقله صاحب المقابس من «لا يجوز شراء الوقوف» فالشمول وضعي ، لدلالة الجمع المحلّى باللام على العموم.

ثانيهما : أنّ قوله عليه‌السلام : «ولا تدخل الغلة في ملكك» مطلق ، حيث إنّه عليه‌السلام لم يستفصل من السائل عن حال بائع الأرض الموقوفة ، وأنّه كان هو الواقف أو هو الموقوف عليه أو المتولّي أو المأذون من قبل أحدهم ، أم غير مأذون. كما أنه عليه‌السلام لم يستفصل عن كون هذا البيع أنفع بحال الموقوف عليه أم لا. فحكمه عليه‌السلام بعدم تملّك

__________________

(١) الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٤٤٤.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٩.

(٣) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٣٠٧.

(٤) ملاذ الأخيار ، ج ١٤ ، ص ٣٩٧.

(٥) تهذيب الأحكام ، ج ١٠ ، (المشيخة) ص ٨ ، من لا يحضره الفقيه ، ج ٤ ، ص ٤٩٢.


إنّي (١) اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي ، فلمّا عمّرتها خبّرت أنّها وقف ، فقال : لا يجوز شراء الوقف ، ولا تدخل الغلّة في ملكك ، ادفعها إلى من أوقفت عليه. قلت : لا أعرف لها ربّا. قال : تصدّق بغلّتها (٢)» (١).

وما ورد (٣) من حكاية وقف أمير المؤمنين عليه‌السلام

______________________________________________________

الغلّة وبقائها على ملك الموقوف عليه ـ ووجوب إيصالها إليه إن كان معلوما ، أو التصدق به إن لم يعلم ـ ظاهر في أنّ حكم طبيعي الوقف بطلان بيعه وشرائه.

هذا توضيح ما في المقابس في بيان الاستدلال.

ثم تعرّض قدس‌سره لكلام شيخ الطائفة في التهذيب والاستبصار من احتمال عدم كون البائع هو الموقوف عليه أو المأذون من قبله ، فلا إطلاق حينئذ في الرواية ، وأجاب عنه ، فراجع (٢).

(١) هذه الجملة مغايرة لما في الكافي والتهذيب والوسائل من قول السائل : «اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم ، فلمّا وفيت [وفّرت] خبّرت أنّ الأرض وقف» والمراد بتوفير الثمن إقباضه للبائع تامّا. هذا بناء على ما في التهذيب. وفي الكافي «وفيت المال» وهو واضح.

لكن يظهر من كلام العلّامة المجلسي اختلاف نسخ الكافي في ضبط هذه الكلمة ، لقوله : «وفي بعض نسخ الكافي : وفيت ، وفي بعضها : وزنت. وهما أظهر» (٣).

(٢) هذا الضمير وضمائر «عمّرتها ، أنّها ، ادفعها ، لها» راجعة إلى الأرض.

(٣) معطوف على «رواية» وهذا دليل رابع على حرمة بيع الوقف ، وهو كرواية ابن راشد من الأدلة الخاصة ، للتصريح فيها بعدم البيع ، وإن ضمّ إليه الهبة ، وكذا الإرث في بعضها.

قال المحقق الشوشتري ـ في عدّ حجة المانعين عن بيع الوقف مطلقا ـ ما لفظه :

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٣٠٣ ، الباب ٦ من أحكام الوقوف والصدقات ، ح ١ ، الكافي ، ج ٧ ، ص ٣٧ الفقيه ، ج ٤ ، ص ١٧٩ ، ح ١٠ ، التهذيب ، ج ٩ ، ص ١٣٠.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٩.

(٣) ملاذ الأخيار ، ج ١٤ ، ص ٣٩٨.


وغيره (١) من الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين ، مثل : ما عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام في صورة وقف أمير المؤمنين عليه‌السلام : «بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تصدّق به عليّ بن أبي طالب وهو حيّ سويّ ، تصدّق بداره التي في بني زريق (٢) ، صدقة لا تباع ولا توهب حتّى يرثها الله الذي يرث السماوات والأرض ،

______________________________________________________

«ومنها ما روي في كيفية أوقاف الأئمة عليهم‌السلام ، كوقف عليّ لبعض الأراضي ، ووقفه الآخر لبعض الدور ، ووقف الكاظم عليه‌السلام لبعض الأراضي. وذكر في الأوّل ـ أي وقف أمير المؤمنين لبعض الأراضي ـ أنّه صدقة لاتباع ولا توهب ولا تورث ، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» إلى أن قال : «وهي أخبار متكثرة صحيحة الأسانيد .. وهي تدلّ على بطلان بيع المؤبّد مطلقا من وجوه متقاربة».

وهي وجوه ثلاثة ، قال في ثانيها : «ان الظاهر أن ما ذكر فيها من لعن البائع وعدم حلية البيع بمنزلة الأحكام للأوقاف المؤبّدة ، ولا خصوصية لها بتلك الأوقاف. والغرض الإشارة إلى ذلك القسم المعروف من الصدقة أي الوقف ، وبيان لوازمه ، وتأكيد الأمر في ذلك .. إلخ» (١). وسيأتي تقريب الاستدلال.

(١) كحكاية وقف الإمام الكاظم عليه‌السلام كما في معتبرة ابن الحجاج ، وفيها : «تصدّق موسى بن جعفر عليه‌السلام بصدقته هذه ، وهو حيّ صحيح صدقة حبسا بتّا بتلا مبتوتة لا رجعة فيها ولا ردّ ، ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، لا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها أو يبتاعها ، ولا يهبها ولا ينحلها ..» (٢).

(٢) قال الفقيه المامقاني قدس‌سره : «بضمّ الزاي المعجمة وفتح الراء المهملة : جماعة من الأنصار» (٣). وعلى هذا فالمقصود كون الدار المتصدق بها واقعة في محلّة سمّيت ب «بني زريق».

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٨.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٣١٤ و ٣١٥ ، الباب ١٠ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، ح ٥.

(٣) غاية الآمال ، ص ٤٣٨.


وأسكن (١) فلانا هذه الصدقة ما عاش وعاش عقبه ، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين ..» الخبر (٢).

فإنّ (٣) الظاهر من الوصف كونها صفة لنوع الصدقة ،

______________________________________________________

(١) كذا في نسخ الكتاب ، وهو موافق لما في المقابس من رواية عجلان بن صالح ، لا رواية ربعي المذكورة في المتن ، إذ ذيلها في الوسائل : «وأسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن وما عاش عقبهنّ ، فإذا انقرضوا فهي لذي الحاجة ..» (١).

نعم في الاستبصار : «وأنّه قد أسكن صدقته هذه فلانا وعقبه» (٢).

(٢) المذكور في المتن تمام خبر ربعي الموجود في الكافي والتهذيب والوسائل.

فلا حاجة إلى كلمة «الخبر» إلّا بناء على ما رواه الصدوق ، إذ فيه بعد كلمة المسلمين «شهد ..» أي : شهد بذلك فلان وفلان كما أفاده المحدث المجلسي في شرحه (٣).

(٣) هذا تقريب الاستدلال برواية ربعي الحاكية لصورة وقف أمير المؤمنين «عليه أفضل صلوات المصلّين» لداره التي كانت في بني زريق ، والشاهد في هذه الرواية على حرمة بيع الوقف هو قوله عليه‌السلام : «تصدّق .. صدقة لا تباع ولا توهب» ولم يرد فيها مثل ما تقدم في رواية ابن راشد من كون متعلق النهي شراء العين الموقوفة وعدم تملك منفعتها.

فلا بدّ من استفادة حكم الوقف من الجملة المزبورة ، فنقول :

إن عنوان «الصدقة» يطلق على معان.

الأوّل : الزكاة ، كما في قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) (٤).

الثاني : الصدقة المصطلحة ، وهي تمليك مال للغير تبرعا بقصد القربة ، فتمتاز عن سائر أنحاء التمليك المجاني ـ من الهبة والهدية والعطية ـ باعتبار التطوع فيها دون أخواتها. وهي بهذا المعنى تشمل الوقف المفيد للملك بناء على اعتبار القربة فيه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٣٠٤ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، ح ٤ ، الكافي ، ج ٧ ، ص ٣٩ ، ح ٤٠ ، التهذيب ، ج ٩ ، ص ١٣١ ، ح ٥٥٨.

(٢) الاستبصار ، ج ٤ ، ص ٩٨ ، ح ٣٨٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه ، ج ٤ ، ص ٢٤٨ ، ح ٥٥٨٨ ، روضة المتقين ، ج ١١ ، ص ١٧١.

(٤) سورة التوبة ، الآية ١١.


.................................................................................................

______________________________________________________

الثالث : ما يعمّ الوقف المصطلح ـ بجميع أقسامه ـ وأخواته من السكنى والعمرى والرقبى.

الرابع : خصوص الوقف الذي هو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة ، وإطلاق «الصدقة» على الوقف شائع في النصوص ، كالحاكية لأوقاف الأئمة عليهم‌السلام. وتوصف هذه الصدقة ب «الجارية».

الخامس : فعل الخير مطلقا وإن لم يتعلق بالأموال كما تقدم في بحث الولاية (ص ١٩٥) من مثل «كل معروف صدقه» وما روي أيضا من قوله عليه‌السلام : «إماطتك الأذى عن الطريق صدقة ، وإرشادك الضال صدقة» (١).

وحيث أطلقت «الصدقة» على معان ، قلنا في تقريب الاستدلال بالرواية : انّ الإمام عليه‌السلام وصف صدقته بأنّها «لا تباع ولا توهب» ، وهي مقابلة للصدقة التي حقيقتها التمليك القربى التي يجوز للمتصدّق عليه بيعها وهبتها. ويحتمل في هذا التوصيف أمران :

أحدهما : كون الوصف صفة لشخص الصدقة التي تصدق بها عليه‌السلام. فالمعنى : أنّه لا يجوز للمتصدّق عليه بيع الدار الواقعة في بني زريق. وبناء على هذا الاحتمال لا تقتضي ذات الصدقة وطبيعيّها المنع من النقل إلى الغير بالبيع ونحوه ، وإلّا لما احتاج عدم البيع إلى الاشتراط. وعليه تكون الرواية أجنبية عن حكم بيع الوقف كلّية ، لفرض اختصاص موردها بالصدقة المشروط فيها عدم البيع ، ولا يعمّ الصدقة التي لم يشترط فيها البيع.

ثانيهما : كون الوصف بيانا لما هو لازم ماهية هذه الصدقة ونوعها ، يعني : أنّ من خواصّ طبيعيّ هذه الصدقة عدم نقلها إلى الغير ، وأنّ شأنها الدوام ليتحقق غرض المتصدّق. وعلى هذا يكون المنع من البيع لازما لا ينفك ، وفصلا مميّزا للوقف عن الصدقة التي يجوز بيعها وهبتها.

وهذا الاحتمال هو المجدي في استظهار الحكم من الرواية ، وقد رجّحه المصنف بوجوه ثلاثة :

الأوّل : ظهور السياق ، وبيانه : أنّ الأصل في القيود وإن كان هو الاحترازية.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، ج ٧ ، ص ٢٤٢ ، الباب ٧ من أبواب الصدقة ، ح ١.


لا لشخصها (١) ، ويبعد كونها (٢) شرطا خارجا عن النوع مأخوذا في الشخص.

مع (٣) أنّ سياق الاشتراط يقتضي تأخّره عن ركن العقد ، أعني الموقوف

______________________________________________________

لا التوضيحية ، وهذا الأصل متّبع في كلّ قيد ما لم يقم هناك ما يصرفه عن ظاهره. إلّا أنّ المدّعى وجود الصارف هنا ، وهو ظهور المفعول المطلق النوعي ـ أعني به قوله عليه‌السلام : صدقة ـ في كون الوصف مقوّما للنوع ، لا مشخّصا للمورد ، وخارجا عن طبيعيّ المفعول المطلق حتى يكون احترازيا.

وبعبارة أخرى : فرق بين أن يقال : «هذه الدار صدقة لا تباع ولا توهب» وبين أن يقال : «هذه الدار صدقة ، والتزم فيها عدم بيعها». فالأوّل ظاهر في اقتضاء ذات هذا النوع من الصدقة لعدم قبول النقل ، والثاني ظاهر في أنّ منشأ عدم البيع هو شرط الشارط. ومن المعلوم أنّ الاشتراط منوط في مقام الإثبات بما يدلّ عليه.

(١) أي : لشخص الصدقة ، والمراد بالشخص هو تصدّق أمير المؤمنين عليه‌السلام بداره المعيّنة على خالاته وعقبهنّ. فلو كان قوله عليه‌السلام : «لا تباع ولا توهب» وصفا لشخص هذه الصدقة تعيّن أن يؤخذ في مقام الإنشاء بلسان الشرط ، لفرض عدم اقتضاء نفس الصدقة للمنع عن البيع ، مع أنّ قوله عليه‌السلام «لا تباع ولا توهب» بعيد عن سياق الاشتراط.

(٢) أي : كون الصفة. وقد تقدم وجه البعد ، وهو ظهور المفعول المطلق النوعي في كون القيد مقوّما للنوع.

(٣) هذا وجه ثان لاستظهار كون القيد قيدا للنوع لا الشخص ، وحاصله : أنّ سياق الشرط الخارج عن النوع يقتضي تأخره عن ركن العقد ، لأنّ الشرط التزام في التزام ، فلا بدّ أوّلا من تحقق الالتزام الظرفي ـ وهو العقد ـ حتى يتحقق الالتزام المظروفي. فالعبارة الوافية به هكذا : «وقفت هذه الدار على الفقهاء مثلا ، واشترطت عليهم أن لا يبيعوها» إذ الالتزام الوقفي متقوّم بالموقوف عليه ، لكون الوقف حبسا على بطن أو على جهة أو شبههما. ولا ينبغي بيان الشرط قبل تمامية المشروط.

وليس الأمر في المقام كذلك ، ضرورة أن الشرط وقع قبل أحد ركني الوقف أعني به الموقوف عليهم. فالالتزام الشرطي وقع قبل تمامية الالتزام العقدي ، وهذا يقتضي أن


عليهم ، خصوصا مع كونه (١) اشتراطا عليهم.

مع أنّه (٢) لو جاز البيع في بعض الأحيان

______________________________________________________

يكون الشرط قيدا للنوع ، لا للشخص ، هذا.

ولا فرق في اقتضاء الاشتراط تأخّر ذكر الشرط عن ركن العقد بين كون المشروط عليه هو الواقف أو الموقوف عليه. ولكن يتأكّد تأخير الشرط فيما لو كان المشروط عليه هو الموقوف عليه ، لكونه الممنوع من البيع والهبة هنا ، فيشكل إلزامه بشي‌ء قبل تعيينه.

نعم لو كان الشرط على الواقف أمكن جواز تقديمه على ركن العقد أو الإيقاع ، بأن يقول : «تصدقت بداري كذا ، وشرطت على نفسي أن اعطي في كل شهر كذا من المال ، والمتصدق عليه خالاتي وعقبهن».

(١) أي : مع كون الشرط شرطا على الموقوف عليهم لا على الواقف ، ووجه الخصوصية واضح ، فإنّ الشرط من قبيل الحكم على الموضوع ، وتوقف الحكم على الموضوع بديهي ، فلا بدّ في جعل الشرط قيدا للشخص من ذكر الموقوف عليه قبل الشرط.

(٢) الضمير للشأن ، وهذا وجه ثالث لاستظهار كون القيد مقوّما للنوع ، وحاصله : أنّه لو كان قيدا للشخص لزم كون الشرط مخالفا للمشروع ، فيبطل ، بل يبطل الوقف أيضا ، بناء على مفسديّة الشرط الفاسد ، بداهة أنّ البيع في موارد طروء الطواري جائز بلا إشكال ، وإطلاق الشرط ـ وهو قوله صلوات الله عليه : «صدقة لا تباع ولا توهب» ـ يخالف جواز البيع في تلك الموارد ، فلا بد من جعله شرطا وقيدا للنوع حتى لا يكون فاسدا من جهة مخالفته للسنة ، وهي جواز بيع الوقف في بعض الحالات. فيقال : إنّ نوع الوقف يحرم نقله ـ لا خصوص الدار الواقعة في بني زريق ـ وهذا التحريم لا ينافي جواز البيع بطروء المسوّغ.

وهذا الوجه الثالث أفاده المحقق الشوشتري أيضا بقوله : «أنّه لو كان الوقف ممّا يصحّ بيعه في بعض الأحوال خصوصا .. لكان يلزم استثناء تلك الحالة أو الأحوال من


كان اشتراط عدمه (١) على الإطلاق فاسدا ، بل مفسدا ، لمخالفته (٢) للمشروع من جواز بيعه في بعض الموارد ، كدفع (٣) الفساد بين الموقوف عليهم أو رفعه ، أو طروء الحاجة ، أو صيرورته (٤) ممّا لا ينتفع به أصلا.

إلّا أن يقال (٥) إنّ هذا الإطلاق نظير الإطلاق المتقدّم في رواية ابن راشد

______________________________________________________

ذلك العموم أو الإطلاق ، وإذ لم يستثن منه أصلا علم استحكام العموم» (١).

وبالجملة : فالمصنف قدس‌سره أثبت كون الشرط قيدا للنوع بهذه الوجوه الثلاثة ، وسيأتي منه مناقشة الوجه الثالث.

(١) أي : اشتراط عدم البيع على الإطلاق ، وهذا الاشتراط المطلق هو مدلول قوله عليه‌السلام : «لا تباع ولا توهب» إذ لم يقيّد بعدم طروء مسوّغ بيع الموقوفة. ولا ريب في مخالفة هذا الإطلاق لما ثبت من جواز البيع في الجملة. كما لا ريب في فساد الشرط المأخوذ في شخص هذا الوقف.

(٢) أي : مخالفة اشتراط عدم البيع لما هو المشروع من جواز بيع الوقف أحيانا.

(٣) أي : المنع عن تحقق الفساد ، في قبال رفعه الذي هو إعدامه بعد تحققه.

(٤) أي : صيرورة الوقف ممّا لا ينتفع به أصلا كما سيأتي تفصيله في الصورة الاولى والثانية.

(٥) ناقش المصنف قدس‌سره بأمور ثلاثة في الوجه الثالث المتقدم آنفا.

الأوّل : أنّه لا موضوع للتنافي بين جواز بيع الوقف في بعض الأحيان ، وبين إطلاق قوله عليه‌السلام : «لا تباع ولا توهب» حتى نلتجئ إلى جعل الوصف مقوّما للنوع ، دون الشخص. وذلك لأنّ التنافي فرع بقاء الإطلاق على حاله ، مع إمكان منع الإطلاق من جهة انصرافه إلى غير صورة العذر.

كما أنّ إطلاق قوله عليه‌السلام في رواية ابن راشد : «لا يجوز شراء الوقف» منصرف إلى عدم طروء مسوّغ البيع.

وعلى هذا فيكون قوله عليه‌السلام : «لا تباع» قيدا للشخص ، لا النوع. والإطلاق لصورة وجود العذر غير مقصود حتى يكون مخالفا للمشروع ، فلم يمنع عليه‌السلام عن بيع الوقف مطلقا ـ حتى مع عروض المسوّغ ـ حتى يكون مخالفا للسنّة ، هذا.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، ص ٤٩.


في (١) انصرافه إلى البيع لا لعذر.

مع (٢) أنّ هذا التقييد (٣) ممّا لا بدّ منه على تقدير كون الصفة فصلا للنوع أو شرطا خارجيّا (٤).

______________________________________________________

(١) متعلق ب «نظير» يعني : كما أنّ قوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف» منصرف إلى مورد انتفاء العذر ، فلا إطلاق حقيقة ، فكأنه قال : «لا يجوز شراء الوقف ما لم يعرض المسوّغ للبيع» فكذا قوله عليه‌السلام : «لا يباع» ناظر إلى عدم تحقق الحالات المجوّزة للبيع.

(٢) هذا ثاني وجوه المناقشة ، وحاصله : أنّه لا إطلاق في البين ـ حتى يكون دليلا على كون القيد قيدا للنوع ـ سواء أكان الشرط قيدا للنوع أم الشخص ، ضرورة جواز البيع مع طروء المسوّغ على كل حال ، فيصير الكلام مجملا ، لعدم ظهوره حينئذ في رجوعه إلى النوع أو الشخص.

وبعبارة أخرى : أراد صاحب المقابس قدس‌سره استفادة كون «لا تباع ولا توهب» فصلا مميّزا للوقف عن غيره ، من جهة أنّه لو كان وصفا لشخص ما تصدّق به عليه‌السلام لزم تقييده بعدم عروض حالة مجوّزة للبيع ، وحيث إنه لا مقيّد في الكلام فلا بدّ من جعل الوصف مقوّما لنوع الوقف ليتمّ الإطلاق.

ولكن يرد عليه : أنّ تقييد «لا تباع ولا توهب» لازم حتى لو جعلناه مقوّما للوقف وصفة للنوع. والوجه في لا بديّة التقييد هو : أنّ طبيعيّ الوقف ـ الذي لا يباع ـ قد ثبت من الشرع صحة بيعه في مورد الخراب أو اختلاف الموقوف عليهم وغيرهما ممّا سيأتي مفصّلا. ولمّا كان إطلاق «لا تباع» مخالفا للسنة لزم تقييده بعدم عروض المجوّز.

وعليه فعدم الإطلاق مشترك بين كون الوصف مقوّما للنوع وبين كونه شرطا للشخص.

(٣) أي : لا بدّ من تقييد إطلاق وصف «لا تباع ولا توهب» بعدم عروض المسوّغ حتى لو كان مقوّما لطبيعيّ الوقف.

(٤) أي : خارجا عن حقيقة الوقف ومأخوذا في شخص هذا الوقف من باب الشرط ، كما هو شأن مطلق الشروط المأخوذة في العقود من حيث كونها خارجة عن حقائق العقود.


مع احتمال (١) علم الإمام عليه‌السلام بعدم طروء هذه الأمور المبيحة (٢). وحينئذ (٣) يصحّ أن يستغني بذلك عن التقييد ، على (٤) تقدير كون الصفة شرطا. بخلاف

______________________________________________________

(١) هذا ثالث وجوه المناقشة ، وغرضه أنّه يمكن ترجيح الإطلاق ، وكون القيد قيدا للشخص ، وعدم لزوم مخالفة الإطلاق للمشروع حتى يقال بفساد الشرط ، بل ومفسديّته.

وبيانه : أنّه من المحتمل بقاء الصدقة المزبورة على حالها ، وعدم طروء مسوّغ عليها يجوّز بيعها ، مع علم الامام عليه‌السلام بذلك ، لعلمه الواسع ـ بإذن الله ـ بما كان وبما يكون إلى يوم القيامة ، فمن جهة علمه عليه‌السلام بالغيب لم يقيّد عدم بيع هذه الدار الموقوفة بعدم عروض مجوّز البيع.

وعليه فإطلاق عدم جواز البيع حينئذ لا محذور فيه ، لعدم كونه مخالفا للمشروع. بخلاف ما إذا كان قيدا للنوع ، فإنّ مجرد العلم بعدم طروء مسوّغ البيع في شخص هذا الوقف لا يصحّح الإطلاق ، لكون حكم نوع الوقف جواز بيعه بطروء المجوّز له ، هذا (*).

(٢) أي : المبيحة لبيع الوقف ، كالخراب وندرة المنفعة ، وتشاجر الموقوف عليهم ، ونحوها.

(٣) أي : وحين احتملنا اتّكاله عليه‌السلام ـ في إبقاء «لا تباع» على إطلاقه ـ على علمه بعدم عروض ما يبيح بيع الدار الواقعة في بني زريق ، صحّ أن يستغني الإمام بذلك العلم عن التقييد.

(٤) متعلق ب «يصح» أي : صحة الاستغناء عن التقييد بناء على كون «لا تباع» خارجا عن حقيقة الوقف ، ومأخوذا في شخص هذا الإنشاء من باب الشرط الذي هو التزام ضمن التزام آخر.

__________________

(*) أقول : بل الإطلاق في صورة كون الشرط قيدا للشخص مع العلم بعدم طروء المسوّغ للبيع غير متجه أيضا ، لأنّ الإطلاق عبارة عن عدم القيد. فالمعنى حينئذ يصير هكذا : لا يجوز بيع هذا الوقف مطلقا أي سواء عرض مسوغ للبيع أم لا ، ومن المعلوم عدم صحة هذا المعنى. نعم بناء على كون الإطلاق هو الدوام والاستمرار لا بأس به.


ما لو جعل (١) وصفا داخلا في النوع ، فإنّ (٢) العلم بعدم طروء مسوّغات البيع في الشخص لا يغني عن تقييد إطلاق الوصف في النوع ، كما لا يخفى.

فظهر (٣) أنّ التمسّك بإطلاق المنع عن البيع على (٤) كون الوصف داخلا في أصل الوقف ـ كما صدر عن بعض من عاصرناه ـ لا يخلو (٥) عن نظر. وإن كان (٦) الإنصاف ما ذكرنا : من ظهور سياق (٧) الأوصاف في كونها أوصافا للنوع (*).

______________________________________________________

(١) أي : جعل الوصف وصفا مميّزا للوقف عمّا عداه من الصدقات ، فإنّه لا يصحّ الاستغناء عن التقييد.

(٢) تعليل ل «لا يصحّ» المستفاد من قوله : «بخلاف ما لو جعل ..» يعني : لو كان عليه‌السلام في مقام بيان حكم الأوقاف من حرمة بيعها وشرائها ، كان المناسب أن يجعل بطلان البيع مختصا بما إذا لم يتحقق المسوّغ ، ولم يكن علمه عليه‌السلام بعدم طروئه في وقف خصوص الدار المعيّنة كافيا في بيان الحكم بنحو الإطلاق.

(٣) هذا نتيجة ما أفاده بقوله : «الا أن يقال» من وجوه الخدشة في الوجه الثالث المتقدم عن صاحب المقابس ، وهو ما ذكره المصنف بقوله : «مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان ..». فغرضه قدس‌سره الاعتماد على الوجهين الأوّلين في تثبيت كون عدم بيع الوقف فصلا مقوّما لطبيعي الوقف ، لا أمرا خارجا عنه مأخوذا شرطا في خصوص إنشائه عليه‌السلام.

(٤) متعلق ب «التمسك» والمراد بالدخول في أصل الوقف هو الفصل المنوّع كما عبّر به قبل أسطر بقوله : «كون الصفة فصلا للنوع».

(٥) خبر قوله : «انّ التمسك» والمراد بالبعض كما عرفت هو المحقق الشوشتري في مقابسه.

(٦) استدراك على قوله : «ان التمسك لا يخلو عن نظر» يعني : أنّ الإنصاف صحة المدّعى ، لكن لا من ناحية الإطلاق ، بل لظهور سياق الأوصاف.

(٧) هذه الكلمة قرينة على أن مراده من قوله في (ص ٥١٥) : «فإن الظاهر من الوصف» هو الظهور الإطلاقي الناشئ من سوق الإنشاء.

__________________

(١) وأمّا الوجه الثاني ـ وهو اقتضاء سياق الاشتراط تأخر الشرط عن الموقوف.


.................................................................................................

______________________________________________________

عليه ـ فيمكن منعه ، بقرينة ورود الوصف بعد ذكر الموقوف عليه مع كونه مقوّما لطبيعي الوقف لا للشخص ، ففي رواية أيوب بن عطية عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حكاية وقف أمير المؤمنين «عليه أفضل صلوات المصلّين» لعين ينبع : «هي صدقة بتّا بتلا في حجيج بيت الله وعابر سبيله لا تباع ولا توهب ولا تورث» (١) الحديث. حيث إنّ ذكر وصف عدم كونها مبيعة ولا موروثة متأخر عن الموقوف عليهم ، مع أنه ليس شرطا بمعنى الالتزام الخارج عن حقيقة الوقف.

وعليه فسبق الوصف على الموقوف عليه لا يقتضي التنويع ، كما أنّ تأخيره عنه لا يساوق الاشتراط.

فالمهمّ في جعل الوصف دخيلا في النوع هو الوجه الأوّل أعني به ظهور التوصيف.

نعم تعبير المصنف قدس‌سره تارة «بأنّ الصفة فصل للنوع» ، واخرى بأنّ «المنع من البيع تعبد شرعي خارج عن حقيقته» لا يخلو من تهافت ، لوضوح كون الفصل مقوّما لماهية المتفصّل ، بخلاف التعبد الشرعي الذي هو حكم محمول على موضوع محقّق.

وقد يوجّه بأنّ المراد بوصف النوع هو الخارج عن حقيقة الوقف ، ولكنه لازم لها ، ويصحّ الترديد بين كون وصف عدم المبيعية لازما للوقف ، وأنّ المتسبّب إليه بإنشاء الوقف هو حصة من طبيعي التمليك الملزوم شرعا للمنع عن أنحاء الانتقالات ، وبين كونه شرطا التزم به الواقف في ضمن عقد التصدق بماله على البطون. وعلى هذا ينبغي حمل كلام المصنف لدفع التنافي. هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدس‌سره (٢).

فإن أمكن حمل صريح المتن من «فصل النوع» على الخارج الملازم كالعرض الخاصّ فهو. وإلّا فالتهافت بين التعبيرين باق ، كما هو الظاهر. وليس أحد الكلامين مجملا حتى يمكن رفع إجماله بقرينة غيره ، بل كل منهما ظاهر ـ أو صريح ـ في مؤداه ، وبه يشكل الأمر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٣٠٣ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف ، ح ٢.

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٢٥٤.


وممّا (١) ذكرنا ظهر : أنّ المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة :

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّ المراد بالموصول رواية ربعي الحاكية لوقف أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين ، وإلّا لم يتقدم من المصنف قدس‌سره سوى عدم جواز بيع الوقف ، ولم يذكر منشأ هذا المنع ، وأنه تعلّق حقّ الله تعالى وحقّ الآدمي بالعين الموقوفة.

وعلى كلّ فيستفاد الحقوق الثلاثة المذكورة في المتن من رواية ربعي.

أمّا حق الواقف فلأنّه عليه‌السلام جعل ماله صدقة جارية ينتفع بها دائما ، وبيعه ينافي هذا الحق.

وأمّا حق البطون اللّاحقة ، فلقوله عليه الصلاة والسلام : «وعاش عقبه» فإنّه يدلّ على ثبوت الحق للبطون اللاحقة.

وأمّا كونه متعلق حق الله تعالى فلاعتبار القربة إنّ الوقف صدقة ، والصدقة يعتبر فيها قصد القربة. فهذه الحقوق الثلاثة تمنع عن البيع فيه.

ثم إنّ المحقق صاحب المقابس قدس‌سره نبّه على مانعيّة هذه الحقوق الثلاثة بقوله : «قد اجتمع في الوقف حق الواقف لدوام ثوابه بدوام الانتفاع بالعين ، وحقّ الله ، لأن الصدقات لله ، وحق الموجودين وباقي الطبقات .. إلخ» (١).

وتوضيح تعلق هذه الحقوق بالوقف هو : أمّا حقّه تعالى فيمكن أن يراد به أنّ له تعالى حقّ أن يعبد ، فكما أنّ جعل أرض مسجدا أو مكانا للعبادة يوجب حقّا للموقوف عليه بالعبادة فيه ، فكذا يوجب حقّا له بأن يعبد فيه. وهذا واضح في وقف مشاعر العبادة.

وكذا الحال في الوقف على الذرية ، فإنّ غرض الواقف التصدق على الذرية بنحو الاستمرار ، وهذه الصدقة عبادة مستمرة من الواقف ، فله تعالى حقّ أن يعبد به مستمرّا ويثاب به الواقف.

وأن يراد به أنّ الآخذ للصدقات ـ ومنها الوقف بأقسامه ـ هو تعالى ، بشهادة قوله عزّ من قائل (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) وما ورد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تقع صدقة المؤمن في يد السائل حتى تقع في يد الله. ثم تلا هذه الآية : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ)» (٢). والمستفاد منه أنّ الصدقة تكون له تعالى أوّلا ، ثم

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٢.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٠٣ ، الباب ٢٩ من أبواب الصدقة ، ح ٣.


حقّ الواقف ، حيث جعلها (١) بمقتضى صيغة الوقف صدقة جارية ينتفع بها. وحقّ البطون المتأخّرة عن بطن (٢) البائع. والتعبّد (٣) الشرعي المكشوف عنه بالروايات ، فإنّ الوقف متعلّق لحقّ الله ، حيث يعتبر فيه (٤) التقرّب ، ويكون لله تعالى عمله

______________________________________________________

للمتصدق عليه ثانيا.

وعليه فالتصرف في الوقف تصرف في ما للغير ، وهو ممنوع.

وأن يراد به ما ورد في بعض النصوص من قوله عليه‌السلام : «إنما الصدقة لله عزوجل ، فما جعل لله عزوجل فلا رجعة له فيه» (١) إذ المستفاد منه أنّ له تعالى حقّا في الصدقات ، فما كان صدقة حدوثا فهي صدقة بقاء ، ولا رجوع فيها. وكما لا معنى لرجوع المتصدق فكذا لا يجوز بيعها ولا هبتها ، لمنافاة ذلك كله لتعلق حقّ الخالق به.

وأما حقّ الواقف فلأنّ غرضه من الوقف بقاء العين الموقوفة لينتفع بها الموقوف عليه مادّيّا لينتفع هو بالمثوبة المعنوية. ومن المعلوم أنّ بيع الوقف يوجب انقطاع الفيض الإلهي بانتفاء موضوعه.

وأمّا حق الموقوف عليه فلأنّ العين حبست لتدرّ على البطن الموجود والبطون اللاحقة على السواء ، فلو باعها البطن الموجود كان إزالة لحقّ الطبقات المتأخرة ، وهو غير جائز.

(١) أي : جعل العين الموقوفة صدقة جارية ، فمرجع الضمير حكمي ، أو معنوي باعتبار ذكر «الوقف».

(٢) كذا في نسختنا وجملة من النسخ ، والأولى تعريف «بطن» ليكون «البائع» صفة له ، أي البطن الموجود البائع ، فإنّ بيعه تضييع لحقّ البطون المعدومة فعلا.

(٣) يعني : أنّ التعبد الشرعي يدلّ على تعلق حقّ الخالق بالعين الموقوفة ـ مع الغضّ عن حقّ المخلوق من الواقف والموقوف عليه ـ وهذا حقّ ثالث ينشأ من دلالة النص على اعتبار القربة في الوقف ، لكونه من الصدقة المتقومة بابتغاء وجهه تعالى ، ففي معتبرة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : لا صدقة ولا عتق إلّا ما أريد به وجه الله عزوجل» (٢).

(٤) أي : يعتبر في الوقف التقرب ، لكونه مندرجا في عنوان «الصدقة» المتقومة

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٣١٦ ، الباب ١١ من أحكام الوقوف والصدقات ، ح ١.

(٢) المصدر ، ص ٣١٩ ، الباب ١٣ ، ح ٢.


وعليه (١) عوضه.

وقد يرتفع بعض هذه الموانع (٢) فيبقى الباقي ، وقد يرتفع كلّها ، وسيجي‌ء التفصيل (*).

______________________________________________________

بالقربة.

(١) أي : على الله تعالى ، وضميرا «عمله ، عوضه» راجعان إلى الوقف.

(٢) كارتفاع حقّ الموقوف عليهم عن العين في موارد طروء المسوّغ للبيع ، وسيأتي التفصيل في صور جوازه.

__________________

(*) حاصله : مانعية الحقوق الثلاثة عن البيع. لكن للمناقشة فيها مجال ، كما نبّه عليه غير واحد من الأعلام من عدم ثبوت أصل الحق ، أو عدم صلاحية شي‌ء من هذه الحقوق عن البيع.

أمّا انتفاء حق الواقف ، فلأنّ الوقف يوجب انقطاعه عن العين الموقوفة ، وصيرورته أجنبيا عنها كغيره ، وإنّما يستحق الأجر والثواب. وكونها صدقة جارية لا يقتضي تعلق حقّ له بها حتى يكون مانعا عن بيعها. غاية الأمر انتفاعه بها ما دامت باقية لأجل خصوصية عمله ، مثل «من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» (١).

وأمّا قصد التقرّب المعتبر في الوقف فغير مانع عن البيع أيضا ، لعدم اقتضاء إضافة الوقف إليه تعالى تعلق حقّ له بالعين مانع عن التصرف فيها ، فإنّ الصدقة الواجبة والمستحبة تمليك للغير بداع إلهي ، مع أنّه يجوز للمتصدق عليه التصرّف فيها بالبيع والهبة كسائر أمواله. وليس الوقف كالخمس والزكاة ممّا يتعلّق حقّه تعالى بالعين أو بماليّتها.

نعم التعبّد الشرعيّ أي النهي عن بيع الوقف أمر مسلّم ، لكنه ليس بمعنى الحقّ القابل للإسقاط ـ المقابل للحكم ـ ومقتضاه وجوب صرف الوقف في ما عيّنه الواقف ، فالتعبير عنه بالحق لا يخلو من مسامحة.

وأمّا حقّ الموقوف عليه ـ أي البطون اللاحقة ـ فلو سلّم كون العين فعلا متعلّقة

__________________

(١) عوالي اللئالى ، ج ١ ، ص ٢٦٥ ، ح ١٣٦ ، وبمضمونه في البحار ، ج ٧١ ، ص ٢٥٨ ، ح ٥ و ٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

لحقّها ، فإنّما يكون مانعا عن بيعها على أن يكون الثمن ملكا طلقا للبطن الموجود ، لا على أن يتعلّق حقّهم بالبدل كتعلقه بالمبدل ، كما إذا كان البيع صلاحا للوقف.

وعليه فالمانع عن بيع الوقف هو الإجماع والأخبار ومنافاته لمقتضاه ، لكونه حبسا للأصل ، الذي لا معنى له إلّا الممنوعيّة من التصرّفات الناقلة أو المتلفة له. هذا ما أفاده المحقق الخراساني قدس‌سره (١) بتوضيح منّا.

وهو كذلك بالنسبة إلى حق الخالق والواقف. وأمّا بالنسبة إلى حقّ البطون فيمكن أن يقال : إنّ انتقال الحق إلى البدل منوط بعدم تعلّق حقّهم بنفس العين الموقوفة بما لها من الخصوصيّة ، وقيامه بماليّتها التي لا فرق فيها بين بقاء العين وبين بدلها. ولا تبعد دعوى تعلّق حقّ البطون بالعين بما لها من الخصوصية ، ومن المعلوم منافاة هذا الحقّ للبيع الذي يوجب انتقال الحقّ إلى ماليّتها وهو الثمن.

ولعلّه لهذا ذهب المحقق النائيني إلى تسلّم حق الموقوف عليه ، وصلاحيته في نفسه للمنع عن البيع ، لكنه قدس‌سره قال بعدم وصول النوبة إلى مانعيّة هذا الحق ، وذلك لقصور المقتضي. ومعه لا مجال للتمسّك بوجود المانع ، لما تقرر في محله من أنّ عدم المعلول يستند إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع.

والوجه في قصور المقتضي أنّ الملك في الوقف على الطبقات محبوس عن الحركة في وعاء الاعتبار ، فهو كمن قطعت رجلاه عاجز عن التحرك خارجا. ولذلك يختلف الوقف ـ في موارد إفادته الملك كالوقف الخاص ـ عن الرهن وأمّ الولد ممّا يستند عدم جواز البيع إلى وجود المانع. هذا (٢).

وسيأتي في (ص ٦٣٥) تقرير قدس‌سره قصور المقتضي بوجه آخر ، حاصله : أنّ الملكية المنشئة بالبيع ملكية مرسلة غير محدودة بزمان أو زماني ، لا موقتة ، لعدم معهودية بيع مال الى وقت معيّن ، والمفروض في المقام انتفاء إطلاق الملك وإرساله ، فإنّ الطبقة الموجودة من الموقوف عليهم وإن كانت مالكة للعين فعلا ، وليست هي مشاعة بينها وبين البطون

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ١٠٧.

(٢) المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ٣٧٦ ـ ٣٧٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

المتأخرة ، إلّا أنّ ملكيتها لها محدودة وموقتة بالحياة ، لفرض انتقال الوقف إلى الطبقة اللاحقة بانقراض السابقة. وحينئذ فإن نهض الدليل على كفاية إنشاء الملكية المحدودة قلنا بصحة البيع ، وإلّا فمقتضى اعتبار الملك المرسل بطلان بيع الوقف ، هذا.

وقد يقال : إنّه لا مانع من صحة البيع بناء على صحة البيع المحدود إلى انقراض الطبقة الحاضرة ، بأن يقال : كما يصحّ التمليك المحدود في الوقف ، كذلك يصح بيع الوقف وإن كان الملك مقيّدا.

ولو سلّم بطلان البيع ، لكون الملك محدودا غير مرسل ، أو للغرر ، للجهل بأمد البطن البائع ، أمكن نقل الوقف بمثل الصلح أو البيع غير محدود ، لكن بشرط الانفساخ عند انقراض الطبقة الموجودة ، بأن ينشأ النقل هكذا : «بعت العين الموقوفة على أن ينفسخ العقد عند انقراض هذه الطبقة» فالمنشأ تمليك مرسل ، ولكنّه مشروط بشرط الانفساخ.

ولو سلّم بطلان هذا النقل لأدائه إلى الغرر ، أمكن البيع مطلقا مجرّدا عن شرط الانفساخ ، غايته أنّ صحّته فعليّة ما دام البطن البائع موجودا ، وتأهلية بالنسبة إلى البطون المتأخّرة ، فإن أجازته صحّ بالفعل ، وإلّا بطل كما هو شأن البيع الفضولي مطلقا. هذا ما أفيد.

لكنه غير ظاهر. أمّا الأوّل فلعدم كون المحذور ثبوتيا حتى يقاس البيع بالوقف في كونه تمليكا للبطن الموجود محدودا بالانقراض ، بل هو إثباتي ، والمفروض وفاء الدليل بصحة التمليك المقيّد في الوقف على الطبقات ، وقصوره في البيع ، مع أنّ البائع للوقف يملّك ما ليس له وهو الملكية المرسلة.

وأما الثاني ـ فمع الغضّ عن إمكان اختصاص دليل نفوذ الشرط ووجوب الوفاء به بشرط الفعل ـ يشكل بأنّ نفوذ شرط النتيجة منوط بأخذه في عقد صحيح شرعا حتى يجب الوفاء بالشرط تبعا للوفاء بالعقد ، والمفروض في المقام عدم إحراز صحة بيع الوقف كي ينفسخ عند انقراض البطن البائع.

مع أنّ هذا الوجه مبتن على التنزل عن الوجه السابق ، وتسليم عدم الدليل على صحة البيع ، ولذا أريد تصحيحه من جهة شرط الانفساخ. وهو لا يخلو من شبهة الدور ، لتوقف جواز البيع على صحة شرط الانفساخ ، وتوقف الشرط على المشروط به.


ثمّ (١) إنّ جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع ،

______________________________________________________

عدم التنافي بين الوقف وجواز بيعه

(١) بعد الفراغ من الأدلّة المانعة عن بيع الوقف تصل النوبة إلى ذكر الأقوال في المسألة ، وأنّ عموم دليل المنع مخصّص ببعض الصور ـ على ما سيأتي تفصيله ـ أم لا. ولا ريب في جواز البيع في الجملة.

ويتجه حينئذ البحث عن أمر قبل التعرّض للأقوال والصور المستثناة من إطلاق دليل المنع ، وهو : أنّه بعد التسالم على أمرين ـ وهما حرمة البيع قبل عروض المجوّز ، وجواز البيع بعد عروضه ـ هل يبطل الوقف بمجرّد طروء أسباب خاصة مجوّزة للبيع ، أم أنّ صفة الوقفية تستمرّ إلى تحقق البيع خارجا ، ولا يزول عنوان «الوقف» بعروض المسوّغ؟ فيه قولان ، ذهب الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس‌سره وصاحب الجواهر إلى الأوّل ، وسيأتي تقريب كلاميهما.

واختار المصنف قدس‌سره الثاني مستدلّا عليه بما توضيحه : أنّ في الوقف ـ كسائر الأمور الإنشائية من العقود والإيقاعات ـ مرحلتين :

الاولى : إنشاء الواقف ، ومفاده اعتبار محبوسية العين عن التصرفات الناقلة أبدا.

__________________

وأمّا الثالث فلأنّ صحة العقد الفضولي بالإجازة منوطة بكون المجيز أهلا لإمضاء ما أنشأه الفضول ، كما هو الحال في البيوع الفضولية المتعارفة. وهذا غير متحقق في المقام ، ضرورة أنّ البطن اللاحق المجيز لذلك البيع لم يكن مالكا بالملكية المرسلة حتى تتعلّق إجازته بنفس ما أنشأه البطن السابق المفروض كونه فضوليا بالنسبة إلى البطون المتأخرة.

نعم لو قلنا بعدم اعتبار مطابقة الإجازة للمجاز في الخصوصيات كما تقدم في محلّه حتى مثل إرسال الملك ومحدوديته ، اتّجه صحة بيع الوقف بالإجازة.

وعلى هذا فالمحذور في بيع الوقف قصور المقتضي ، ولا مانع من ناحية قصد القربة والواقف والموقوف عليه ، وإن كان في الأخير تأمّل كما سبق ذيل كلام المحقق الخراساني قدس‌سره.


.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية : إمضاء الشارع له بمثل «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» كإمضاء ما أنشأه المتبايعان بمثل آية حلّ البيع. فدليل إمضاء الوقف ـ لولا المنافي ـ يقتضي لزومه وعدم جواز فسخه أصلا بطروء الأسباب والعوارض.

لكن لا ريب في تجويز بيع الوقف شرعا ، وهذا الجواز ينافي بقاء العين على صفة الوقفية ، لتضادّ ذلك المنع المالكي ـ الممضى شرعا ـ لجواز البيع.

وهذا التضادّ يوجب تخصيص دليل لزوم الوقف ، ونتيجته الحكم ببقاء عنوان الوقف بعد عروض المجوّز ، وإنّما يبطل بالبيع خارجا.

وهذا نظير تقييد سلطنة المتهب على ما انتقل إليه ـ المقتضية لحرمة انتزاع العين من يده إلّا بإذنه ـ بما دلّ على جواز رجوع الواهب ، فكما أنّ هذا الدليل غير مناف لحقيقة الهبة ، فكذا دليل جواز بيع الوقف لا يضادّ صحّته.

فإن قلت : مقتضى تضادّ جواز البيع والحبس ـ عن النقل والانتقال ـ بطلان الوقف بنفس عروض المسوّغ ، لا بقاؤه على الوقفيّة حتى يبطل بإيجاد البيع ، لكون التنافي بين اعتبارين ، وهما اعتبار محبوسية العين عن النقل وبين اعتبار جوازه.

قلت : نعم ، لا ريب في التضادّ المزبور ، إلّا أنّه موقوف على كون المجعول الشرعي عند طروء المسوّغ هو جواز البيع بنفسه وبعنوان أنّه بيع مشروع حتى يبطل الوقف بمجرّد ترخيص النقل. مع أنّ الأمر ليس كذلك ، لكون المقصود من جواز البيع جواز إبطال الوقف إمّا إلى بدل بأن يتصف ذلك البدل بالوقفية ويحلّ محلّ المبدل ، وإمّا لا إلى بدل كما في مورد شدّة الحاجة إلى صرف الثمن وإتلافه. ومن المعلوم أنّ جواز الإبطال ليس مبطلا ، بل المبطل هو ذلك التصرف والنقل الخارجي.

إلّا أن يقال : إن إبطال الوقف يكون من جملة التصرفات التي حبس العين عنها حين إنشاء الوقف وأمضاه الشارع ، فتجويز الإبطال ينافي حقيقة الوقف الذي هو حبس العين عن الحركة الاعتبارية.

لكنه يندفع بامتناع دخول الإبطال في جملة التصرفات المحبوسة عنها العين ، ووجه


فالوقف يبطل بنفس البيع ، لا بجوازه (١). فمعنى جواز بيع العين الموقوفة جواز (٢) إبطال وقفها إلى بدل (٣) أو لا إليه ، فإنّ (٤) (*) مدلول صيغة الوقف وإن أخذ فيه

______________________________________________________

الامتناع : تأخّر الإبطال عن المحبوسية ، لعروضه على عنوان الحبس ، ومن المعلوم تأخر العرض عن معروضه ، ويستحيل أخذ ما هو متأخر رتبة فيما هو متقدم رتبة.

ونتيجة هذا البيان : الحكم ببقاء الوقف في مورد عروض المسوّغ ، وإناطة بطلانه بتحقق البيع خارجا ، هذا.

(١) كما اختاره الفقيهان كاشف الغطاء وصاحب الجواهر عليهما‌السلام من بطلان الوقف بمجرد عروض المجوّز للبيع.

(٢) هذا مختار المصنف قدس‌سره من بقاء الوقف على ما كان عليه إلى أن يتحقق نقله خارجا.

(٣) بطلان الوقف وزوال صفة الوقفية عن العين تارة يكون في الجملة : أي بقيام بدل العين مقام المبدل ، كما إذا سقطت العين عن حيّز الانتفاع ، واخرى بالجملة أي انتفاء الوقف رأسا ، كما إذا احتاج الموقوف عليه إلى ثمنها. وسيأتي التفصيل في مطاوي الصور المسوّغة للبيع.

(٤) تعليل لتحقق التنافي بين الوقف ـ وهو الحبس المالكي الممضى شرعا ـ وبين البيع خارجا ، لا بين الحكمين ، وهما حبس العين والترخيص في بيعها ، وقد تقدّم توضيحه

__________________

(*) هذا التعليل ربما ينافي قوله : «ان جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف ..» الظاهر في أنّ عدم جواز البيع ليس مقوّما لمفهوم الوقف ، بل من أحكامه الشرعيّة. وقوله هنا : «فإنّ مدلول ..» ظاهر في كون عدم جواز البيع مقوّما لمفهوم الوقف ، فكيف التوفيق بينهما؟

ولكن يمكن دفع التنافي بأنّ قوله : «فانّ مدلول» ناظر إلى المنع المالكي ، مع الغضّ عن إمضاء الشارع ، ومن المعلوم أنّ دخل ذلك بنظر الواقف ـ إمّا بكونه مقوّما لإنشائه أو ملازما له ـ لا يجدي ما لم يمضه الشارع بذلك النحو. ولا فرق في هذا بين التصريح بالتأبيد ، وبين كونه مقتضى إطلاق الإنشاء.


الدوام والمنع عن المعاوضة عليه (١) ، إلّا أنّه (٢) قد يعرض ما يجوّز مخالفة هذا الإنشاء. كما أنّ مقتضى العقد الجائز كالهبة (٣) تمليك المتّهب المقتضي

______________________________________________________

آنفا بقولنا : «إنّ في الوقف كسائر الأمور الإنشائية».

(١) يعني : بلحاظ إنشاء الواقف. وغرض المصنف قدس‌سره تثبيت مختاره ـ من أنّ جواز البيع لا يبطل الوقف ـ حتى بملاحظة مبنى صاحب الجواهر من كون مفهوم الوقف «تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة» سواء أخذ قيد الدوام فيه مقام الإنشاء ، بأن يقول : «هذه الدار موقوفة دائما وأبدا» أم لم يؤخذ فيه ذلك. فعلى كلّ منهما يكون المنع من البيع ملحوظا في إنشاء الواقف. وأمّا إمضاء الشارع فقد يكون مماثلا له ، وقد يكون مغايرا له.

(٢) خبر «فإنّ مدلول» والضمير للشأن ، وهذا متعلّق ب «وإن أخذ» يعني : لا يلزم أن يكون المنع الشرعي عن التصرّف مماثلا للمنع المالكي ، بل يغايره عند طروء الحالة المجوّزة للبيع.

(٣) غرضه بيان نظير للوقف الذي يجوز إبطاله بعروض بعض الأسباب ، يعني : أنّ عقد الهبة لا يقتضي إلّا مجرّد التمليك الذي حكمه الشرعي التسلّط على العين الموهوبة. كما أنّ حكمه شرعا جواز انتزاع الموهوبة عن يد المتّهب. فكما أنّ جواز الرجوع في الهبة حكم شرعيّ ، فكذلك عدم جواز البيع في الوقف ، فإنّه حكم شرعي للوقف لا مقوّم لمفهومه.

__________________

وهذا بخلاف قوله في صدر العبارة : «لا ينافي بقاء» فإنّه ناظر إلى الحكم الشرعي ، وأنّ تجويز البيع مخصّص لدليل لزوم الوقف ، وعليه فلا تهافت بين العبارتين.

هذا مضافا إلى أنّ قوله : «فإنّ مدلول صيغة الوقف» ناظر إلى مبنى القائل بأنّ حقيقة الوقف هي الحبس عن التصرفات الاعتباريّة أبدا. وسيأتي من المصنف أنّ الوقف الخاص قسم من التمليك. وبناء عليه ليس المنع من البيع ملحوظا في الوقف أصلا ، هذا. ويبقى الجمع بينه وبين ما تقدّم من كون الصفة فصلا للنوع.


لتسلّطه المنافي (١) لجواز انتزاعه (٢) من يده ، ومع ذلك يجوز مخالفته وقطع سلطنته عنه ، فتأمّل (٣).

إلّا أنّه (٤) ذكر بعض في هذا المقام : «أنّ الّذي يقوى في النظر ـ بعد إمعانه ـ أنّ

______________________________________________________

(١) صفة للتسلط ، وقوله : «المقتضي» صفة ل «تمليك المتهب».

(٢) أي : انتزاع الموهوب من يد المتّهب.

(٣) لعلّه إشارة إلى الفرق بين الوقف والهبة ، بأنّ حقيقة الوقف هي الحبس عن التصرّفات الاعتباريّة من البيع وغيره ، وعن الحركة من ملك إلى ملك ، إلّا الحركة في ملك البطون على حسب ما أنشأه الواقف. وهذا بخلاف الهبة. فإنّ مفهومها كمفهوم البيع هو أصل التمليك ، ويكون اللزوم والجواز حكمين شرعيّين مترتبين عليهما ، كما تقدّم في مسألة لزوم المعاطاة بقوله : «فجواز الرجوع وعدمه من الأحكام الشرعيّة للسبب ، لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبب ..» فراجع (١).

وعليه فليست الهبة ـ من حيث اللزوم والجواز ـ نظيرا للوقف.

وأمّا ما أفاده المصنف في ما يقتضيه الوقف ـ بناء على كونه تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة ـ وعدم بطلانه بطروء المجوّز ، فهو تامّ لا شبهة فيه.

(٤) استدراك على قوله : «إنّ جواز البيع لا ينافي الوقف إلى أن يباع» والضمير للشأن. وغرضه نقل كلام صاحب الجواهر تبعا لشيخه كاشف الغطاء ثم المناقشة فيه ، وينبغي الإشارة إلى أمور لتوضيح ما في الجواهر.

الأمر الأوّل : أنّ الوقف ـ كما في النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ تحبيس الأصل. وحيث إنّ «الحبس» من المعاني ذات التعلّق والإضافة ، فالمحبوس عنه هو التصرفات الناقلة ، والحركة من ملك شخص إلى ملك شخص آخر ، إلّا بالنسبة إلى البطون التي جعل الواقف حركة العين فيها. فالمنشأ بصيغة الوقف منع النقل والمعاوضة بالبيع والصلح ونحوهما. وبما أنّ الشارع أمضى إنشاء الواقف كان إمضاؤه له منعا اعتباريا عن

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ١ ، ص ٤٩٢.


الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه (١) ، بل لعلّ جواز بيعه مع كونه وقفا من التضادّ (٢). نعم (٣) إذا بطل الوقف اتّجه حينئذ جواز بيعه».

______________________________________________________

المعاوضات.

الأمر الثاني : أنّ الأحكام الشرعية وإن كانت أمورا اعتبارية ، وليست من سنخ الجواهر والأعراض ، ولكن يمتنع اجتماع اثنين منها في فعل واحد ، كالوجوب والحرمة ، والجواز المنع ، ومن المعلوم أنّ استحالة اجتماع الضدين لا تختص بالموجودات التكوينية ، فيمتنع اعتبار الرخصة في فعل وممنوعيته أيضا.

الأمر الثالث : أنّ من شروط العوضين تماميّة الملك ، فما ليس طلقا لم يكن قابلا للمعاوضة عليه.

وبناء على هذه الأمور الثلاثة يقال في تقريب كلام صاحب الجواهر قدس‌سره : إنّ تجويز الشارع ـ عند طروء أسباب خاصّة ـ بيع العين الموقوفة يكشف عن بطلان الوقف ، ليتحقق شرط صحة البيع ، وهو كونه طلقا. فلو قيل ببقاء الوقف إلى أن يتحقق البيع خارجا لزم اجتماع الضدين الفعليّين ، وهما : إمضاء الشارع لما أنشأه الواقف من الحبس عن البيع ، وجواز البيع. ولا مناص من هذا المحذور إلّا استكشاف زوال ذلك المنع بتجويزه للبيع في مورد طروء المسوّغ (*).

وبهذا يظهر أنّ المتنافيين هنا هما الاعتباران الشرعيّان ، لا الحكم بالمنع والبيع خارجا حتى يقال ببقاء صفة الوقفية بعد عروض المجوّز وقبل تحقق النقل خارجا.

(١) لانتفاء شرط «الطّلق» لكون الوقف محبوسا عن التصرّفات الناقلة.

(٢) خبر «لعلّ جواز».

(٣) استدراك على «لا يجوز بيعه» ومقصوده إناطة جواز البيع يبطلان الوقف.

__________________

(*) هذا ما قيل في تقريب كلام الجواهر ، ويستظهر منه بدوا.

والأولى ما أفاده المحقق الأصفهاني قدس‌سره من أن عبارة الجواهر ـ بقرينة كلمة «بل» الدالة على الترقّي ـ تتضمّن وجهين ، وإن كانت الجهة المشتركة بينهما التنافي بين جواز البيع


ثمّ ذكر (١) بعض مبطلات الوقف المسوّغة لبيعه.

______________________________________________________

(١) يعني : ذكر صاحب الجواهر بعض المبطلات ، فمنها : ما لو اعتبر المنفعة في الوقف حدوثا وبقاء ، وقد زالت المنفعة ، فتنتفي حقيقة الوقف ، لانتفاء شرط الصحة ، كالحصير ـ الموقوف على مسجد ـ والجذع البالي مما لا منفعة معتدّا بها إلّا بالإحراق مثلا. وكالحيوان بعد ذبحه.

ومنها : ما لو انعدم العنوان المأخوذ في الوقف ، كما لو وقف بستانا ملاحظا فيه عنوان البستانية ، فخرب البستان ، فإنّه وإن لم تبطل منفعتها أصلا ، لإمكان الانتفاع بها دارا ، لكن عنوان الوقف ـ وهو البستان ـ قد زال.

ومنها : ما لو أدّى بقاء الوقف بحاله إلى الخراب ، فراجع (١).

وسيتعرض المصنف لكلامه في الصورة الثانية ، فانتظر.

__________________

والوقف.

الأوّل : أن موضوع جواز البيع مغاير لموضوع المنع ، إذ لمّا كانت حقيقة الوقف حبس العين عن التصرفات الناقلة ، فلا بدّ من حمل دليل جواز بيع الوقف على غير ظاهره ، وهو ما ليس وقفا ، بأن يكون دليل الجواز كاشفا عن بطلان الوقف بمجرّد وجود أحد المسوّغات ، ليتحقق شرط صحة البيع وهو كونه ملكا طلقا.

وبناء على هذا يكون دليل جواز البيع مخصّصا لدليل نفوذ الوقف من كونه حبسا أبدا ، وليس مخصّصا لدليل المنع عن البيع ، لفرض انتفاء الموضوع بنفس عروض المسوّغ ، ومع تعدد الموضوع لا مورد للتعارض حتى ينتهي الأمر إلى التخصيص.

الثاني : أنّ بيع الوقف ـ بعنوان أنّه بيع الوقف ـ محال ، لأنّ حقيقته محبوسية العين عن التصرفات ، وهي لا تجتمع مع جواز التصرفات ، لوضوح تضاد الممنوعية والترخيص (٢).

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٥٨ و ٣٥٩.

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٢٥٨.


وقد سبقه إلى ذلك (١) بعض الأساطين في شرحه على القواعد ، حيث استدلّ على المنع عن بيع الوقف ـ بعد النصّ والإجماع ، بل الضرورة ـ بأنّ (٢) البيع وأضرابه ينافي حقيقة الوقف ، لأخذ الدوام فيه ، وأنّ نفي المعاوضات مأخوذ فيه ابتداء (١) (*).

______________________________________________________

(١) أي : إلى أنّ الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه. وضمير المفعول في «سبقه» راجع إلى «بعض» المراد به صاحب الجواهر ، فالمراد بالسابق هو الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس‌سره. حيث استدلّ بوجوه أربعة على منع بيع الوقف ، وهي النصّ كرواية ابن راشد ، والإجماع المتكرر في الكلمات ، والضرورة الفقهية ، ورابعها منافاة البيع للحبس الذي هو مفهوم الوقف وحقيقته.

(٢) متعلق ب «استدل» ومحصله : أنّ البيع والوقف متنافيان ، والدليل على أحد المتنافيين دليل على عدم الآخر ، ولذلك تصحّ دعوى : أنّ صحة البيع تلازم بطلان الوقف. كما تصحّ دعوى : أنّ صحة الوقف تلازم بطلان البيع.

__________________

(*) وقيل بترتب الثمرة على القولين ، وهي : أنه لو لم ينقل الوقف بعد طروء المجوّز إلى أن ارتفع ، كما إذا عرضت حاجة شديدة إلى ثمن الوقف ، فارتفعت قبل البيع ، فبناء على بطلان الوقف بعروض المسوّغ لا مانع من البيع ، لزوال عنوان الوقف سابقا.

وبناء على مختار المصنف قدس‌سره يحتمل منع البيع ، لكون المقام من موارد عموم الدليل المانع عن بيع الوقف في غير المتيقن خروجه منه ، وهو إبطال الوقف بالبيع خارجا.

ويحتمل الجواز استصحابا لحكم المخصص ، لليقين بصحة البيع بطروء المسوّغ ، والشك في زواله وهو من الشك في رافعية الموجود أو وجود الرافع ، فيستصحب الجواز.

وعموم «الوقوف على حسب ..» غير مانع ، لكون المجعول حكما واحدا مستمرا ، ولم تتكثر الأفراد بحسب الأزمنة والحالات ، وبما أنّه جاز البيع فقد انقطع الدليل المانع ، فيستصحب الجواز.

__________________

(١) شرح القواعد (مخطوط) الورقة ٨٥.


وفيه (١) أنّه إن أريد من بطلانه انتفاء بعض (٢) آثاره ـ وهو جواز البيع المسبّب (٣) عن سقوط حقّ الموقوف عليهم عن (٤) شخص العين ، أو عنها وعن بدلها ،

______________________________________________________

(١) أي : وفيما ذكره بعض. ناقش المصنف قدس‌سره في كلامي العلمين بتحليل ما أراداه ـ من التضاد بين الوقف وجواز بيعه ، وأن فعلية الجواز مبطل للوقف ـ وأنّه لا يخلو من وجهين :

الأوّل : أن يكون المراد من بطلان الوقف بطروء مجوّز البيع ارتفاع بعض أحكام الوقف ، وهو منع نقل العين الموقوفة إلى الغير ، فيجوز البيع مع كونها باقية على صفة الوقف.

والوجه في حكم الشارع بجواز البيع انتفاء حقّ الموقوف عليهم ، إمّا عن شخص العين الموقوفة ، وانتقال حقّ البطون إلى البدل ، وإمّا سقوط الحقّ عن العين وبدلها ، بأن صار الثمن ملكا طلقا للبطن الموجود ، كما في الحاجة الشديدة إلى صرف الثمن.

فبناء على هذا الاحتمال يكون معنى بطلان الوقف بطروء المسوّغ : ارتفاع منع البيع بجواز البيع ، مع بقاء العين على الوقفية. وهذا أمر صحيح ومسلّم ، لكنه لا يحتاج إلى الدقة فضلا عن إمعان النظر ، ضرورة أنّ وجود أحد المتنافيين رافع للآخر بداهة. ولا ينبغي أن يكون هذا الاحتمال مرادا لهما ، مع بعده عن ظاهر عبارة الجواهر.

الوجه الثاني : أن يكون المراد من بطلان الوقف ما ظاهره من انتفاء صفة الوقف وعنوانه ، لا مجرّد ارتفاع حكم تعبدي من أحكام الوقف كما كان في الاحتمال الأوّل.

والشاهد على إرادة هذا الوجه جعل المنع من البيع من مقوّمات مفهوم الوقف الذي هو الحبس عن التصرفات الناقلة ، فجواز البيع مبطل له ، لانتفاء الحقيقة بانتفاء الفصل المقوّم. فبناء عليه يرد على بطلان الوقف بطروء المسوّغ أمران ، وسيأتي بيانهما إن شاء الله تعالى.

(٢) المراد به حرمة البيع ، وضمير «هو» راجع إلى الانتفاء باعتبار تأويله بالمنفي ، يعني : أنّ المنتفي هو جواز البيع.

(٣) صفة ل «جواز» يعني : أنّ منشأ انتفاء الوقف وجواز البيع هو سقوط بعض الحقوق المانعة عن التصرفات الاعتبارية.

(٤) متعلق ب «سقوط» يعني : أنّ سقوط حق الموقوف عليهم يختلف بحسب


حيث (١) قلنا بكون الثمن للبطن الذي يبيع ـ فهذا (٢) لا محصّل له ، فضلا عن أن يحتاج إلى نظر ، فضلا عن إمعانه.

وإن أريد به (٣) انتفاء أصل الوقف كما هو ظاهر كلامه ، حيث (٤) جعل المنع من البيع من مقوّمات مفهوم الوقف ، ففيه (٥) ـ مع كونه (٦) خلاف الإجماع ، إذ

______________________________________________________

الطواري ، فقد يسقط عن شخص العين دون ماليّتها كما في تبديل الموقوفة بمثلها ، وقد يسقط رأسا كما في الحاجة إلى البيع ، وصرف الثمن في الطبقة الموجودة.

(١) متعلق بسقوط الحق عن العين والبدل ، يعني بناء على كون الثمن للبطن الموجود ، وعدم تعلق حق البطون المتأخرة به.

(٢) جواب الشرط في «إن أريد» والوجه في عدم المحصّل له كون معناه حينئذ : أنّه متى جاز بيع الوقف جاز بيعه.

(٣) أي : ببطلان الوقف.

(٤) تعليل لكون ظاهر كلام الجواهر هو زوال عنوان الوقف بمجرّد عروض المسوّغ ، ومنشأ الاستظهار أنّ صاحب الجواهر قدس‌سره جعل المنع من البيع مقوّما لمفهوم الوقف. وهو مقتضى تفسير الحبس بالمنع عن النقل كما تقدم في (ص ٥٠٦) عن السيّدين صاحبي الرياض والمفتاح أيضا.

(٥) جزاء الشرط في «وإن أريد». وقوله : «فيه» خبر مقدّم ، والمبتدأ هو «أن المنع ..».

ثم إنّ المصنف أورد على القول ببطلان الوقف بطروء مجوّز البيع بوجهين ، أحدهما : ناظر إلى مخالفته للإجماع بعد تسليم المبنى من كون الوقف حبسا ومنعا عن المعاوضة. وثانيهما : ناظر إلى منع المبنى ، وأنّ الوقف الخاص تمليك لا حبس.

(٦) أي : كون انتفاء أصل الوقف مخالفا للإجماع. توضيح هذا الوجه الأول : أنّ القول بزوال عنوان الوقف بنفس عروض المجوّز ـ وإن لم تتحقق المعاوضة خارجا ـ لا سبيل للالتزام به ، لكونه مخالفا للإجماع ، بشهادة أنّ القائلين بجواز بيع الوقف في بعض الموارد لم يلتزموا ببطلان الوقف بالترخيص في بيعه ، حتى يعود إلى ملك الواقف إن كان حيّا أو إلى ملك وارثه إن كان ميّتا.


لم يقل أحد ممّن أجاز بيع الوقف في بعض الموارد ببطلان (١) الوقف وخروج الموقوف عن ملك الموقوف عليه إلى ملك الواقف ـ أنّ (٢) المنع عن البيع ليس

______________________________________________________

مع أنّ مقتضى بطلان الوقف إمّا صيرورة المال من المباحات ، وإمّا عوده إلى ملك الواقف ، وإمّا صيرورته ملكا طلقا للموقوف عليه. والكلّ ممنوع ، للإجماع على بقاء صفة الوقفيّة ما لم يتحقق النقل خارجا ، هذا.

(١) متعلّق ب «لم يقل» يعني : أنّ المجوّزين للبيع لم يقولوا ببطلان الوقف حتى تعود العين الى ملك الواقف أو وارثه. توضيحه : أنّ الوقف ـ بناء على كونه حبسا عن التصرفات ـ يلزمه خروج العين عن ملك الواقف ودخولها في ملك الموقوف عليه ، وهذا الملك يدور مدار الحبس. فلو انتفى الملزوم وهو الحبس بطروء أحد الأسباب ـ كما هو ظاهر الجواهر من بطلان الوقف به ـ انتفى اللازم وهو مالكية الموقوف عليه ، ولا بدّ من دخول العين في ملك الواقف مرّة أخرى ، لأنّ خروجها عن ملكه كان منوطا بالحبس. مع أنّ عودها إلى ملك الواقف مخالف للإجماع ، ويتعيّن حينئذ القول بعدم بطلان الوقف بمجرّد طروء المجوّز.

وهذا بخلاف القول ببطلان الوقف بالبيع وشبهه ، لاستحالة عود الوقف الى الواقف ، وإلّا لزم من وجود البيع عدمه.

كذا علّل المحقق الأصفهاني قدس‌سره فتواهم بأنّ المبطل للوقف هو بيعه خارجا ، لا عروض المسوّغ للبيع ، ثم ناقش فيه ، فراجع (١).

(٢) هذا هو الوجه الثاني الناظر إلى منع المبنى ، وتوضيحه : أنّ كلام الفقيهين كاشف الغطاء وصاحب الجواهر قدس‌سرهما مبني على كون حقيقة الوقف حبس العين عن المعاوضة عليها ، ورتّبا عليه منافاته لترخيص الشارع في البيع ، فيبطل بنفس الترخيص ، للتضاد.

ولكن هذا المبنى ممنوع ، وبيانه : أنّ الوقف ـ كما سيأتي تفصيله في (ص ٥٧٣) ـ على قسمين :

الأوّل : الوقف والعام ، وحقيقته فكّ الملك وتحريره من دون أن يتملّكه شخص أو جهة ، كالمساجد والمشاهد المشرفة والمدارس والرّبط ، فإنّ وقفها نظير العتق الذي هو تحرير رقبة المملوك ، وعدم قابليته لدخوله في ملك أحد.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٢٥٨.


مأخوذا في مفهومه ، بل هو ـ في غير المساجد وشبهها (١) ـ

______________________________________________________

لكن لا بمعنى صيرورته من المباحات ليتصرف فيه من سبق إليه بما شاء ، بل لا يجوز التصرف المنافي للوقف. وهذا القسم لا معنى لجواز بيعه ، لانتفاء شرطه وهو الملك.

القسم الثاني : الوقف الخاص ، كوقف دار أو بستان على الذّرية أو على جهة معيّنة كعلماء البلد.

ومحلّ البحث والنزاع في منع بيع الوقف ـ لانتفاء شرط الطلق ـ هو هذا القسم ، لكونه ملكا للموقوف عليهم دون القسم الأوّل.

ويقع الكلام في أنّ حقيقته حبس العين عن النقل والانتقال ، فيكون المنع عن البيع مقوّما له ، أم أنه تمليك للبطون أو للجهة؟ ذهب إلى الأوّل صاحب الجواهر ، وبنى عليه بطلان الوقف بنفس الترخيص في المعاوضة بطروء المسوّغ ، ورجّح المصنف قدس‌سره الاحتمال الثاني ، وأنّه تمليك خاصّ ، إذ التمليك على نحوين ، فقد يكون مطلقا كما في البيع والهبة والصلح. وقد يكون مقيّدا ، بأن يستمرّ ويدوم ولا ينقطع. وهذا حقيقة الوقف الخاص ، ولم يؤخذ فيه منع البيع ، وإنّما هو أثره الشرعي.

والشاهد على أنّ الوقف الخاص تمليك ـ لا حبس عن التصرف ـ أمران :

أحدهما : إطلاق «الصدقة» على الوقف في النصوص ، كما تقدم في رواية ربعي الحاكية لوقف الدار التي كانت لأمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين.

ثانيهما : فتوى الأصحاب بجواز إنشاء الوقف ب «تصدّقت» وجه الشهادة : أنّه لا ريب في كون الصدقة من العقود المملّكة كالهبة والهدية ، فإدراج الوقف في عنوان «الصدقة» إنّما هو لإفادة الملك ، لكنه ملك يقتضي بنفسه الاستمرار لو لم يطرء مجوّز البيع. وحيث كان الوقف تمليكا ـ لا حبسا ـ فهو باق على ملك الموقوف عليه إلى أن يبطل الوقف بالبيع. هذا حاصل ما أفاده المصنف في المناقشة الثانية. ولكلامه تتمة في ولاية الموقوف عليه على البيع إلى بدل أو لا إلى بدل ، وستأتي.

(١) كالمشاهد المشرّفة والمدارس والرّبط ، مما يكون الوقف فيها تحريرا ، ومعناه خروج العين عن ملك الواقف ، وعدم دخولها في ملك الغير.


قسم (١) من التمليك ، ولذا (٢) يطلق عليه الصدقة (*) ، ويجوز إيجابه بلفظ «تصدّقت» (٣). إلّا (٤) أنّ المالك له (٥) بطون متلاحقة ،

______________________________________________________

(١) خبر «هو» أي : الوقف الخاصّ قسم من التمليك ، وهو الذي يكون المالك له بطونا متلاحقة. فالوقف الخاص جعل مال ملكا للغير بنحو يقتضي دوام مالكيته وعدم انقطاعها.

(٢) أي : ولأجل أنّ الوقف الخاصّ تمليك أطلق عليه «الصدقة الجارية» في النصوص ، مع أنّه لا ريب في مملّكيتها ، كقول أبي عبد الله عليه‌السلام في معتبرة الحلبي : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته ، وصدقة مبتولة لا تورث ، أو سنة هدى يعمل بها بعد موته ، أو ولد صالح يدعو له» (١).

(٣) يعني : لا مطلقا ، بل مع قصد الوقف. قال المحقق قدس‌سره : «أمّا حرمت وتصدّقت فلا يحمل على الوقف إلّا مع القرينة ، لاحتمالهما مع الانفراد غير الوقف. ولو نوى بذلك الوقف من دون القرينة دين بنيّته» (٢). والظاهر أنّ الأخذ بنية الواقف إجماعي.

وفي الجواهر بعد حكاية الفتوى عن محكي جماعة من القدماء والمتأخرين : «بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به بعض مشايخنا» (٣).

(٤) متعلّق ب «قسم من التمليك» ومبيّن للمراد من هذا القسم ، وهو : أنّ المالك ليس شخصا واحدا ولا جماعة خاصة في عصر واحد ـ كما في الملك المشاع ـ بل المالك بطون متلاحقة ، فالبطن الموجود مالك فعلا ، والمعدوم مالك شأنا.

(٥) أي : للوقف.

__________________

(*) لا شهادة في ذلك ، لصدق الصدقة الجارية على المساجد والخانات ونحوهما من الأوقاف العامّة أيضا. نعم إذا أطلق التصدق بالعين الموقوفة ربّما يشهد بالملكية ، فتأمّل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٢٩٢ ، الباب ١ من أبواب الوقوف والصدقات ، ح ٢ ، ونحوه نصوص أخرى في نفس الباب وما بعده.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢١١.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٣.


فإذا (١) جاز بيعه مع الإبدال كان البائع (٢) وليّا عن جميع الملّاك في إبدال مالهم بمال آخر.

وإذا (٣) جاز لا معه كما إذا بيع لضرورة البطن الموجود ـ على القول بجوازه (٤) ـ فقد (٥) جعل الشارع لهم حقّ إبطال الوقف ببيعه لأنفسهم (٦) (*)

______________________________________________________

(١) هذا من آثار كون المالك طبقات متلاحقة ، يعني : أنّ البطن الموجود إمّا أن يجوز له بيع العين وتبديلها بأخرى تكون وقفا بدلا عن الأولى ، فيكون البائع وليّا على تبديل مالهم بمال آخر. وإمّا أن يجوز له البيع بدون التبديل كما في الحاجة الشديدة إلى ثمن الوقف ، فيكون للبائع حقّ إبطال الوقف.

فإن بيع بطل ، وإن لم يبع وارتفعت حاجة البطن الموجود بقي الوقف على حاله. ولا وجه لبطلانه ـ بمجرّد عروض الحاجة ـ قبل أن يباع.

(٢) سيأتي في (ص ٦٦٢) أنّ المتولّي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم الوليّ على المعدومين.

(٣) معطوف على «فإذا جاز» أي : وإذا جاز لا مع الإبدال ، وغرضه بيان ولاية البطن الموجود على البيع الذي هو إبطال للوقف حقيقة ، لفرض عدم وجوب الإبدال مع الحاجة إلى الثمن.

(٤) إشارة إلى الخلاف في جواز بيع الوقف ، واختار المصنف المنع ، وسيأتي التفصيل في الصورة الخامسة.

(٥) جواب الشرط في «وإذا جاز» والباء في «ببيعه» للسببيّة.

(٦) أي : بأن يكون الثمن ملكا طلقا للبطن البائع ، ولا حظّ للبطون اللاحقة فيه.

__________________

(١) يمكن أن يقال : انّ ما استدلّ به على جواز البيع في فرض حاجة البطن الموجود هو قوله عليه‌السلام في رواية جعفر بن حنّان ـ الآتية في الصورة الرابعة ـ : «نعم إذا رضوا كلّهم وكان البيع خيرا لهم باعوا» وهذا يدل على ولاية البطن الموجود على كل من بيع الموقوفة وصرف الثمن في حوائجهم ، ومن المعلوم عدم ظهور كلامه عليه‌السلام في ولاية البطن الموجود على جعل العين ملكا طلقا لهم ليقع البيع في ملكهم ، بحيث لو فرض فسخ العقد عاد المبيع إلى ملكهم طلقا حتى مع ارتفاع الحاجة إلى الثمن عند حصول الفسخ. لوضوح أعمية جواز


فإذا لم يبيعوا لم يبطل (١). ولذا (٢) لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع ، أو لم يتّفق البيع ، كان الوقف على حاله. ولذا (٣) صرّح في جامع المقاصد بعدم جواز رهن الوقف وإن بلغ حدّا يجوز بيعه ، معلّلا (٤) باحتمال طروّ اليسار للموقوف

______________________________________________________

(١) لما تقدّم في مناقشة كلام الجواهر من أنّ معنى جواز البيع جواز الإبطال ، والمبطل للوقف هو البيع لا جوازه.

(٢) أي : ولأجل عدم بطلان الوقف إذا لم يبعه البطن الموجود ـ لو فرض ارتفاع الحاجة إلى ثمن الوقف ، بأن حصل لهم مال آخر ، أو ارتفعت الحاجة من دون توقّفها على بذل مال أصلا ـ كان الوقف على حاله.

(٣) أي : ولأجل عدم بطلان الوقف بطروء المسوّغ صرّح المحقق الثاني ، وغرضه إقامة الشاهد على عدم بطلان الوقف بنفس جواز البيع ، إذ مع فرض البطلان به يمتنع عود الباطل صحيحا.

وتوضيحه : أنّ المحقق الثاني قدس‌سره صرّح بمنع جعل العين الموقوفة رهنا عند الدائن حتى إذا كانت حال الرهن قد جاز بيعها لشدة حاجة الموقوف عليهم إلى الثمن. والدليل على المنع أنّ الحاجة الشديدة المجوّزة للبيع وإن كانت حاصلة فعلا ، وهي تقتضي جواز جعلها رهنا كجواز بيعها ، إلّا أنّه لا يصحّ رهنها ، وذلك لاحتمال طروء اليسار ، فإذا طرء اليسار ارتفع سبب جواز البيع ، فيؤول الوقف إلى ما كان عليه من عدم جواز بيعه ، فلا يمكن استيفاء الغرض المقصود من الرهن ـ وهو جعله وثيقة للدين ، بحيث يمكن أداء الدين منه ـ من هذا الوقف المرهون.

(٤) حال من المصرّح بمنع رهن الوقف ، وهو المحقق الثاني قدس‌سره ، وقد عرفت التعليل الظاهر في بقاء الوقف على ما كان عليه بعد عروض المجوّز. ولو بطل بنفس تجويز الشارع للبيع ـ كما ادّعاه صاحب الجواهر قدس‌سره ـ لم يكن لمنع الرهن وجه ، ضرورة صيرورته طلقا ،

__________________

البيع وصرف الثمن من كون البطن البائع وليّا على جميع الملّاك في إبطال الوقف وجعله ملكا له ، كجواز صرف سهم الامام عليه‌السلام في مورد إحراز رضاه صلوات الله وسلامه عليه ، مع عدم كونه ملكا لمن صرفه. فما أفاده المصنف قدس‌سره من «أن الشارع جعل لهم حقّ إبطال الوقف ببيعه لأنفسهم» لا يخلو من تأمّل.


عليهم عند إرادة بيعه في دين المرتهن (١).

إذا عرفت أنّ مقتضى العمومات (٢) في الوقف عدم جواز البيع ، فاعلم أنّ لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة (٣) أقوالا :

أحدها : عدم الخروج عنه (٤) أصلا ، وهو الظاهر من كلام الحلّي ، حيث قال في السرائر ـ بعد نقل كلام المفيد ـ قدس‌سره ـ : «والذي يقتضيه مذهبنا : أنّه بعد وقفه

______________________________________________________

فتصح أنحاء التصرفات فيه ، الّتي منها جعله وثيقة لدين ، بحيث لو لم يؤدّ الدين استوفى المرتهن حقّه ببيع الرهن.

(١) الأولى نقل نصّ العبارة ، قال في شرح كلام العلامة : «ولا رهن الوقف» ما لفظه : «وإن بلغ مرتبة يجوز بيعه ، إمّا لخلف بين أربابه ، أو لغير ذلك. لأنّ ما يباع للخلف يشترى بثمنه ما يوقف ، وما يباع للحاجة قد يتطرّق إليه في وقت الاحتياج إلى بيعه للرهن عدمها ـ أي عدم الحاجة ـ فلا يكون مقصود الرهن حاصلا» (١).

هذا تمام ما أفاده المصنف في مناقشة كلام صاحب الجواهر قدس‌سره. وسيأتي بيان الأقوال إن شاء الله تعالى.

(٢) المتقدمة في (ص ٥١٠ ـ ٥١٣) مثل «لا يجوز شراء الوقف» و «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها».

(٣) قيد ل «الخروج» أي : خروج بعض صور الوقف عن عموم منع البيع ، فاختلف الأصحاب في هذا البعض المستثنى من عموم المنع.

الأقوال في بيع الوقف

(٤)أي : عن عموم المنع ، والظاهر أنّ المراد بكلمة «أصلا» هو منع البيع مطلقا ، سواء أكان مؤبّدا أم منقطعا ، كما يستفاد من عبارة السرائر ، حيث إنّه نقل كلاما عن الشيخ ، واعترض عليه بأنّه لا إجماع على جواز البيع بعد خراب الوقف واختلاله ، وهذا لا ينافي دعواه الإجماع على منع بيع المؤبّد ، كما سيأتي في المتن.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ٥١.


وتقبيضه (١) لا يجوز الرجوع فيه ، ولا تغييره عن وجوهه وسبله ، ولا بيعه ، سواء كان بيعه أدرّ (٢) عليهم أم لا ، وسواء خرب الوقف ، ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان وغيره (٣) ، أو يحصل (٤) بحيث لا يجدي نفعا ، أم لا (٥)» (١).

قال الشهيد رحمه‌الله (٦) ـ بعد نقل أقوال المجوّزين ـ : «وابن إدريس سدّ الباب ، وهو نادر مع قوّته» (٢).

وقد ادّعى في السرائر عدم (٧) الخلاف في المؤبّد ، قال : «إنّ (٨) الخلاف الذي

______________________________________________________

(١) أي : تسليم المال للموقوف عليه أو للمتولّي.

(٢) أي : كان البيع أنفع بحال الموقوف عليهم من بقاء العين الموقوفة والانتفاع بها.

(٣) كعدول المؤمنين.

(٤) أي : يصير الوقف عديم المنفعة.

(٥) ليست كلمة «أم لا» في السرائر ، وإنما قال : «لأنّا قد اتفقنا جميعا على أنه وقف ، وأنّه لا يجوز حلّه ولا تغييره عن وجوهه وسبله. فمن ادّعى حكما شرعيا ، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، لأنّه لا إجماع منّا على ذلك .. ولا يرجع في مثل هذا الإجماع والأصل إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا».

(٦) الظاهر أنّ نقل كلام الشهيد قدس‌سره هنا لأجل ميلة إلى منع بيع الوقف مطلقا كما ذهب إليه ابن إدريس ، بقرينة قوله : «مع قوّته» وإن كان قولا نادرا.

(٧) تقدم آنفا أنّه لا منافاة بين دعوى الإجماع على منع بيع الوقف المؤبّد ، وبين ما تقدم أوّلا من منع بيع الوقف مطلقا ، فإنّ غير المؤبد مختلف فيه وإن كان رأيه فيه المنع كما في الدائم ، ولذا ادّعى صاحب المقابس قدس‌سره : «أن الحلّي وفخر الإسلام صرّحا بتعميم المنع» (٣).

(٨) في السرائر : «هذا» بدل «أنّ».

__________________

(١) السرائر ، ج ٣ ، ص ١٥٣.

(٢) الدروس ، ج ٢ ، ص ٢٧٩.

(٣) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٨.


حكيناه بين أصحابنا إنّما (١) هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين ، وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم ، وأمّا (٢) إذا كان الوقف على قوم ومن بعدهم على غيرهم ، وكان الواقف قد اشترط رجوعه إلى غيره (٣) إلى أن يرث الله الأرض ، لم يجز (٤) بيعه على وجه (٥) ، بغير خلاف بين أصحابنا» انتهى.

وفيه نظر (٦) يظهر ممّا سيأتي من ظهور أقوال كثير من المجوّزين في المؤبّد.

وحكي المنع مطلقا عن الإسكافي وفخر الإسلام أيضا (٧) إلّا في آلات الموقوف وأجزائه التي انحصر طريق الانتفاع بها في البيع.

______________________________________________________

(١) غرضه بيان الفرق بين الوقف المنقطع والدائم ، فالدائم هو المشترط فيه رجوعه إلى غير الموقوف عليهم ، بأن يقول : «فإن انقرضوا فهي وقف على ذوي الحاجة من المسلمين مثلا» فإذا كان الوقف متضمنا لهذا الشرط كان مؤبّدا ، وإلّا كان منقطعا.

(٢) كذا في النسخ ، وفي السرائر : «فأمّا إذا كان الوقف على قوم ، وعلى من بعدهم».

(٣) في السرائر «إلى غير ذلك» أي : غير الموقوف عليه أوّلا.

(٤) جواب الشرط في «وأمّا إذا كان» والأولى اقتران جواب «أمّا» بالفاء كما في الذكر الحكيم من النهي عن قهر اليتيم ، وحاصل كلام الحلّي قدس‌سره : منع بيع الوقف إجماعا لو كان مشتملا على شرط الوقف على آخرين غير من أوقف عليه أوّلا ، كما تقدم نظيره في وقف أمير المؤمنين داره في بني زريق على خالاته ، ثم على ذوي الحاجة من المسلمين.

(٥) في السرائر : «على وجه من الوجوه». وقال في موضع آخر في منع بيع النخلة المنقلعة أو المكسورة من بستان موقوف : «وقد بيّنا أن الوقف لا يجوز بيعه» (١).

(٦) غرضه المناقشة في الإجماع صغرويّا ، وذلك لذهاب كثير في الوقف المؤبّد إلى الجواز ، كما سيأتي.

(٧) يعني كما ذهب ابن إدريس إلى المنع مطلقا بالنسبة إلى عين الموقوفة ، وإن خالفاه في جواز بيع الآلات (٢).

__________________

(١) السرائر ، ج ٣ ، ص ١٦٧.

(٢) حكاه في مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٨.


قال الإسكافي ـ على ما [فيما] حكي عنه في المختلف : «إنّ الموقوف عليه [عينه] رقيقا أو غيره (١) لو بلغ حاله إلى زوال ما سبّله من منفعته ، فلا بأس ببيعه وإبدال مكانه بثمنه إن أمكن (٢) ، أو صرفه فيما كان تصرف إليه منفعته أو ردّ ثمنه على منافع ما بقي من أصل ما حبس معه إذا كان في ذلك صلاح (٣)» (١) انتهى.

وقال فخر الدّين في الإيضاح في شرح قول والده قدس‌سرهما : «ولو خلق حصير المسجد ، وخرج عن الانتفاع به ، أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الإحراق ، فالأقرب جواز بيعه» قال (٤) ـ بعد احتمال المنع بعموم النصّ في المنع ـ : «والأصحّ عندي جواز بيعه (٥) وصرف ثمنه في المماثل (٦) إن أمكن ، وإلّا ففي غيره» (٢).

______________________________________________________

(١) العبارة تغاير ما في المختلف لفظا ، كقوله : «والموقف رقيقا أو ما يبلغ حاله إلى زوال ..».

(٢) في المختلف : «إن أمكن ذلك».

(٣) في المختلف «الصلاح» والمستفاد من قوله : «من أصل ما حبس معه» أنّ العين الموقوفة تتضمّن أجزاء وآلات كالنخلة المنقلعة أو المكسورة من بستان موقوف ، فتباع هذه الآلة ويصرف ثمنها في نفس البستان إذا كان المتولّي يرى الصلاح في بيع الآلات ، التي لا ينتفع بها إلّا بالبيع ، وصرف الثمن في أصل العين الموقوفة.

وعليه فهذه الجملة تدلّ على منع بيع الوقف كالبستان ، وهو موافق لكلام الحلّي ، لكن تجويز بيع الآلات مخالف له.

(٤) كذا في النسخ ، ولا حاجة إليها بعد ورودها في قوله : «وقال فخر الدين».

(٥) في الإيضاح : «جواز البيع».

(٦) بأن يشترى به حصير آخر للمسجد إن احتاج إليه ، وإلّا ففي غير المماثل مما يحتاج إليه المسجد كالإضاءة.

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣١٦.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٤٠٧.


ونسبة (١) المنع إليهما على الإطلاق (٢) لا بدّ (٣) أن تبنى على خروج مثل هذا (٤) عن محلّ الخلاف.

وسيظهر هذا (٥) من عبارة الحلبي في الكافي أيضا ، فلاحظ.

الثاني (٦) الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة خاصّة دون المؤبّد ،

______________________________________________________

(١) غرضه أنّ عبارتي الإسكافي وفخر الإسلام صريحتان في جواز بيع آلات الوقف ، وإن منعا عن بيع أصل الموقوفة ، مع أنّ صاحب المقابس قدس‌سره نسب إليهما ـ في الصورة الأولى وهي كون البيع أنفع للموقوف عليهم من تركه ـ القول بمنع بيع الوقف.

وهذه النسبة إن قصد بها بيع نفس الموقوفة فهي تامّة ، وإن قصد بها المنع مطلقا حتى بالنسبة إلى الآلات فهي ممنوعة بعد تصريحهما بجواز بيع الآلات. قال في المقابس : «القول الثالث : أنه لا يصح البيع بذلك ـ أي بكونه أنفع من بقائه على حاله ـ وهؤلاء منهم من أنكر بيع الوقف من أصله كالإسكافي وأتباعه ، إلّا أن الإسكافي أطلق المنع .. والحلّي وفخر الإسلام صرّحا بتعميم المنع» (١).

وأراد المصنف قدس‌سره توجيه نسبة منع البيع إلى الإسكافي وفخر الإسلام بأنّ مقصود الناسب منع بيع نفس العين الموقوفة. وهي في محلها ، وليست المقصود نسبة منع بيع الآلات إليهما ، ضرورة وضوح جواز بيع الآلات ، وإنّما الكلام في بيع أصل الموقوفة. هذا.

(٢) تقدم أنّ المراد بالإطلاق هو «منع بيع الوقف» الشامل للعين وللآلات.

(٣) هذا توجيه المصنف لما نسبه صاحب المقابس إلى الإسكافي والفخر قدس‌سرهما.

(٤) أي : مثل بيع الآلات خارج عن محل الخلاف.

(٥) المشار إليه هو منع بيع العين الموقوفة ، ولم ينقل المصنف فيما سيأتي كلامه ، ونقله صاحب المقابس ، وقال : «وأمّا الحلبي فنصّ على بطلان ذلك ، وخصّ بيع المنقطع بصورة الشرط ، وأبطله فيما عداه» (٢).

(٦) أي : القول الثاني ، والأولى بوحدة السياق أن يقال : «ثانيها» في مقابل

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٨ ، ولاحظ الكافي في الفقه ، ص ٣٢٥.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٨ ، ولاحظ الكافي في الفقه ، ص ٣٢٥.


وهو المحكيّ عن القاضي (١) ، حيث قال في محكيّ المهذّب : «إذا كان الشي‌ء وقفا على قوم ، ومن بعدهم على [إلى] غيرهم (٢) ، وكان (٣) الواقف قد اشترط رجوعه إلى غير ذلك ، إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، لم يجز (٤) بيعه على وجه من الوجوه. فإن كان (٥) وقفا على قوم مخصوصين وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم (٦) حسب ما قدّمناه ، وحصل الخوف من هلاكه (٧) أو فساده ، أو كان (٨) بأربابه حاجة ضروريّة يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم ، أو يخاف (٩) من وقوع خلف بينهم يؤدّي إلى فساده ، فإنّه (١٠) حينئذ (١١) يجوز بيعه وصرف ثمنه في

______________________________________________________

«أحدها».

(١) قال السيد العاملي في عدّ من قال بجواز بيع الوقف إذا خيف وقوع فتنة وخلف بين أربابه موجب للفساد : «لكن القاضي في المهذّب ذكر ذلك في المنقطع» (١).

(٢) الظاهر إرادة الوقف على الطبقات.

(٣) معطوف على «كان» والمقصود باشتراط الرجوع إلى غير الموقوف عليه لو انقرضوا هو الوقف المؤبّد ، وتقدم نظيره في كلام ابن إدريس قدس‌سره.

(٤) جواب الشرط في «إذا كان».

(٥) هذا عدل لقوله : «إذا كان الشي‌ء وقفا» والمقصود هو الوقف المنقطع.

(٦) حيث إنّ شرط رجوع الوقف إلى غير الموقوف عليه يجعله مؤبّدا ، بخلاف ما لو قال : «هذا وقف على أولادي» فانقرضوا.

(٧) أي : هلاك الوقف وخرابه ، وهو إحدى الصور المجوّزة للبيع.

(٨) معطوف على «حصل» وإشارة إلى مجوّز آخر للبيع.

(٩) معطوف أيضا على «حصل» وإشارة إلى صورة ثالثة.

(١٠) جواب الشرط في قوله : «فإن كان».

(١١) أي : يجوز البيع حين حصول كلّ من خوف هلاك الوقف أو الحاجة إلى البيع ، أو خوف النزاع المؤدّي إلى فساد الوقف.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٨٦.


مصالحهم على حسب استحقاقهم. فإن لم يحصل (١) شي‌ء من ذلك لم يجز بيعه على وجه من الوجوه. ولا يجوز هبة الوقف ، ولا الصدقة به أيضا (٢)» (١).

وحكي (٣) عن المختلف وجماعة نسبة التفصيل إلى الحلبي.

لكنّ العبارة المحكيّة عن كافية لا تساعده (٤) ،

______________________________________________________

(١) المستفاد من هذه الجملة : التفصيل في خصوص الوقف المنقطع بين الصور الثلاث المجوّزة للبيع ، وبين غيرها. وأمّا الوقف المؤبّد فلا يجوز بيعه. وبهذا يثبت ما رامه المصنف بقوله : «الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة».

(٢) يعني : كما لا يجوز بيعه.

(٣) الحاكي لهذا التفصيل عن العلّامة وجماعة هو المحقق صاحب المقابس ، قال قدس‌سره : «وأمّا الحلبي ، ففي المختلف : أنّه فصّل كما فصّل القاضي. وكذلك نقل عن التذكرة وغاية المراد والتنقيح والمهذّب البارع وغاية المرام وظاهر جامع المقاصد» (٢).

وقال في التذكرة بعد نقل جملة من الكلمات : «فقد اتفق هؤلاء العلماء من أصحابنا على جواز بيعه في الجملة» (٣).

وكذلك نسب التفصيل بين المنقطع والمؤبّد إلى الحلبيين المحقق الثاني ، فقال : «وجعلها ـ أي : جعل العلامة رواية ابن حنّان ـ دليلا لمن جوّز بيع الوقف الذي ليس بمؤبّد ، وهو أبو الصلاح وابن البرّاج» (٤).

(٤) أي : لا تساعد التفصيل بين الوقف المنقطع بجواز البيع ، والمؤبّد بمنعه ـ كما نسب إليه في كلام العلامة وجمع ممّن تأخر عنه. والوجه في عدم مساعدة عبارة الكافي هو ما أفاده في المقابس ـ بعد العبارة المتقدمة ـ بقوله : «والظاهر أنّ المأخذ ـ أي مأخذ نسبة التفصيل بين المنقطع والمؤبّد إلى الحلبي قدس‌سره ـ كتاب الكافي ، وهو على ما في النسخة

__________________

(١) المهذب ، ج ٢ ، ص ٩٢.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٥ ، ولاحظ : مختلف الشيعة ، ج ٦ ، ص ٢٨٧ ، تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٤ ، غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٢٥ ، التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٢٩ ، المهذب البارع ، ج ٣ ، ص ٦٥ ، جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٧٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٤.

(٤) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٧٠.


بل ربما استظهر منه (١) المنع على الإطلاق ، فراجع.

وحكي التفصيل المذكور (٢) عن الصدوق. والمحكيّ عن الفقيه : أنّه قال

______________________________________________________

الموجودة عندي يقتضي التفصيل بغير ما ذكروه ، فإنّه قسّم الصدقة أوّلا إلى ما يقتضي تمليك الرقبة ، وما يقتضي إباحة المنافع. ثم قال : والثاني على ضربين : مشترط ومؤبّد ، والمشترط على ضروب» الى أن قال : «والمؤبد : أن يحبس الرقبة ويجعل منافعها لموجود معيّن من نسله ، أو غيرهم من الأقارب أو الأجانب ، وعلى من يتجدد من ولده ، وولد ولده أبدا ما تناسلوا. أو إلى غاية معلومة». إلى أن قال : «ويؤبّدها ، ويحرّم بيعها ونقلها عن جهاتها. فإذا وقعت الصدقة على هذا الوجه وجب إمضاؤها على شروطها ، وحرم تغيير شي‌ء منها».

ثم قال صاحب المقابس : «ومقتضاها عدم جواز بيع المؤبّد مطلقا. وأما غيره ، فإن وقع مطلقا أو مشروطا برجوعه إلى ملكه بعد الانقطاع فهذا يجب إرجاعه إليه. ولا يجوز للموقوف عليه أن يبيعه أبدا. وإن كان مشروطا بأن يكون له بيعه عند الحاجة أو خرابه جاز له ذلك» .. الى أن قال : «أمّا بعد الوقف ففي جواز الإذن في ذلك ، ومنعه قبل الانقطاع كلام آخر لم ينصّ عليه. وظاهره المنع من ذلك إلى أن يحصل الانقطاع.

وبالجملة : فكلامه صريح في أنّ الموقوف عليه ليس له البيع بمجرّد الوقف مطلقا ، فيكون مذهبه هو مذهب الإسكافي وأتباعه» (١).

(١) أي : من الكافي ، والمستظهر كما عرفت صاحب المقابس قدس‌سره ، فاستظهار المنع ترقّ من عدم مساعدة التفصيل.

(٢) وهو التفصيل بين الوقف المؤبّد والمنقطع ، بجواز بيع الثاني دون الأوّل. والحاكي جماعة كالفاضل المقداد وابن فهد والشهيد والمحقق الثاني ، ففي جامع المقاصد : «وجوّز الصدوق بيع المنقطع الآخر ، دون المؤبّد» (٢).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٥ و ٤٥ ، وراجع الكافي في الفقه ، ص ٣٢٤ و ٣٢٥.

(٢) لاحظ التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٢٠ ، المهذب البارع ، ج ٣ ، ص ٦٥ ، غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٢٣ جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٦٩.


ـ بعد رواية عليّ بن مهزيار الآتية (١) ـ : «إنّ هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم. ولو كان عليهم وعلى أولادهم ما تناسلوا ، ومن بعد على فقراء المسلمين إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، لم (١) يجز بيعه أبدا (٢).

ثمّ (٢) إنّ جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة في المنقطع لا يظهر من كلام الصدوق والقاضي ، كما لا يخفى.

ثمّ (٣) إنّ هؤلاء إن كانوا ممّن يقول برجوع الوقف المنقطع إلى ورثة الموقوف

______________________________________________________

(١) جواب الشرط في «ولو كان» والعبارة ظاهرة في ما نسب إليه من التفصيل بين الوقف المؤبد والمنقطع.

(٢) لمّا كان مختار الصدوق والقاضي جواز بيع الوقف المنقطع ، فهل يختص ذلك بالبطن الأخير أم يجوز البيع لمن تقدّمهم أيضا؟ ظاهر كلاميهما كون المتصدّي هو البطن الأخير.

أمّا كلام الصدوق قدس‌سره فهو «أن هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم» ومن المعلوم أنّه لا ينطبق إلّا على الطبقة الأخيرة ، إذ لا يصدق «دومن من بعدهم» إلّا على الطبقة الأخيرة.

وأمّا كلام القاضي فهو «فإن كان وقفا على قوم مخصوصين .. إلخ» فإنّه ـ خصوصا بملاحظة قوله : «وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم» ـ ظاهر في كون المتصدّين للبيع هؤلاء المخصوصين الذين لا يكون الوقف راجعا إلى غيرهم.

(٣) هذه العبارة ـ إلى الشروع في القول الثالث ـ تتضمّن أمورا ثلاثة ترتبط بمقالة أرباب القول الثاني ، أعني به جواز بيع الوقف المنقطع دون المؤبد. وهم الصدوق والقاضي ابن البراج وأبو الصلاح الحلبي قدس‌سرهم.

__________________

(١) تأتي في الصورة العاشرة من صور بيع الوقف.

(٢) من لا يحضره الفقيه ، ج ٤ ، ص ٢٤١ ، ذيل الحديث : ٥٥٧٥.


عليه ، فللقول بجواز بيعه وجه (١). أمّا إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى الواقف أو ورثته ، فلا وجه (٢) للحكم (٣) بجواز بيعه وصرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم.

وقد حكي القول بهذين (٤) عن القاضي.

______________________________________________________

الأمر الأوّل : ما يرد على بعضهم من الإشكال ، وبيانه : أنّ الوقف المنقطع إمّا أن يبقى على ملك الواقف ، وتكون المنفعة أو الانتفاع للموقوف عليهم ، نظير حبس المال مدّة على طبقات معيّنة. وإمّا أن يكون الوقف تمليكا للبطون.

فبناء على الثاني يتّجه جواز بيع البطن الأخير العين الموقوفة مطلقا ، أو في الجملة ، لكون العين ملكا لهم. وبناء على الأوّل يشكل ذلك ، لفرض بقاء العين على ملك الواقف ، وبانقراض الموقوف عليهم تعود إليه أو إلى ورثته.

ومع وجود هذين القولين ـ بين المجوّزين لبيع الوقف المنقطع ـ لا وجه للقول بمصير كلّهم إلى الجواز. وسيأتي بيان الأمرين الآخرين.

(١) لكون البطن الأخير مالكا بالفعل للعين الموقوفة ، فله بيعها مطلقا أو في الجملة.

(٢) جواب «أمّا» الشرطية التفصيلية التي هي عدل قوله : «إن كانوا».

(٣) توضيح وجه عدم الجواز هو : أنه بناء على عود الموقوف في الوقف المنقطع ـ بعد انقراض الموقوف عليهم ـ إلى ملك الواقف أو ورثته ، ليس للموقوف عليهم بيعه وصرف ثمنه في مصالحهم ، بل لا بدّ من إبقائه رعاية لحقّ الواقف أو ورثته لينقل الوقف إليه.

(٤) أي : بهذين الأمرين :

أوّلهما : رجوع الوقف في المنقطع بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الواقف أو وارثه.

وثانيهما : جواز بيع الموقوف عليهم له ، وصرف ثمنه في مصالحهم.

وحكاية هذين الأمرين عن القاضي ، ونسبتهما إليه مذكورة في المقابس ـ في حكم الوقف المنقطع ـ بقوله : «وقد وافق القاضي على رجوعه بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الواقف وورثته ، وحكم مع ذلك بصحة بيع الوقف في جملة من الصور المذكورة ، وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم».


إلّا أن يوجّه (١) بأنّه لا يقول ببقائه على ملك الواقف حتّى يكون حبسا ، بل هو (٢) وقف حقيقيّ وتمليك للموقوف عليهم مدّة وجودهم. وحينئذ (٣) فبيعهم له

______________________________________________________

ثم اعترض المحقق الشوشتري على القاضي ـ في تجويز بيع الوقف المنقطع الموقوف عليه ـ بقوله : «وهذا عجيب منه ، لأنّ الوقف المؤبّد مملوك للموقوف عليه الموجود ، وما عداه معدوم ، فلجواز البيع حينئذ وجه ، لانحصار المالك الموجود في البائع. وأمّا المنقطع فليس ملكا له ، والمالك الموجود غيره ، فلا وجه لصحة البيع حينئذ ..» (١).

(١) استثناء من قوله : «فلا وجه للحكم بجواز بيعه» وهذا إشارة إلى الأمر الثاني ، وهو توجيه جواز بيع الوقف المنقطع.

وحاصل التوجيه : أنّ التهافت المزبور مبنيّ على كون الوقف المنقطع حبسا لا فكّا للملك ، إذ بناء على الحبس يكون باقيا على ملك الواقف ، ومع بقائه على ملكه لا وجه لجواز بيع الموقوف عليهم ، وصرف ثمنه في مصالحهم ، إذ ليس لهم إلّا المنفعة أو الانتفاع بالعين ، ولا سلطنة لهم على بيعها.

وأمّا بناء على خروجها عن ملك الواقف حين الوقف وصيرورتها ملكا موقّتا للموقوف عليهم ما داموا موجودين ، ورجوعها ملكا إلى الواقف أو وارثه ، فلا مانع حينئذ عن بيعهم لها ، إذ المفروض كون الموقوف ملكا لهم ، غاية الأمر أنّه متعلّق لحقّ الواقف ، بحيث لو لم يبعها الموقوف عليهم ، وبقيت على حالها من الوقفية حتى انقرض الموقوف عليهم رجعت إلى ملك الوارث. فيكون تعلّق حقّ الواقف نظير تعلق حقّ البطون اللاحقة بها في الوقف المؤبّد ، وهو لا يصلح للمنع عن البيع مع طروء المسوّغ له ، هذا.

(٢) أي : الوقف المنقطع تمليك للبطون كالوقف المؤبّد.

(٣) أي : وحين كون الوقف المنقطع تمليكا للعين ـ لا حبسها للمنفعة أو الانتفاع ـ فبيع الموقوف عليهم للوقف يكون نظير بيع البطن الأوّل في الوقف المؤبّد ، في أنّ تعلق حقّ سائر البطون أو تعلق حق الواقف لا يمنع من صحة البيع.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٤.


ـ مع تعلّق حقّ الواقف ـ نظير (١) بيع البطن الأوّل مع تعلّق حقّ سائر البطون في الوقف المؤبّد.

لكن هذا (٢) الوجه لا يدفع الإشكال عن الحلبي المحكيّ عنه القول (٣) المتقدّم ، حيث إنّه يقول ببقاء الوقف مطلقا (٤) على ملك الواقف (*).

الثالث (٥) الخروج عن عموم المنع ، والحكم بالجواز في المؤبّد في الجملة (٦).

______________________________________________________

(١) خبر «فبيعهم» و «في الوقف» متعلق ب «تعلّق حق».

(٢) هذا هو الأمر الثالث ، وغرضه عدم إجداء التوجيه المزبور لدفع الإشكال عن أبي الصلاح وإن كان دافعا له عن ابن البرّاج ، وجه عدم الإجداء : التزام أبي الصلاح قدس‌سره بعدم مالكية الموقوف عليهم للموقوفة حتى يصحّ لهم بيعها.

(٣) نائب فاعل «المحكيّ» والمراد بالقول هو : جواز بيع الموقوف عليهم للوقف المنقطع ، مع بنائه على بقائه على ملك الواقف مطلقا سواء في المؤبّد والمنقطع.

(٤) يستفاد هذا الإطلاق من جعل الصدقة تمليك الرقبة ، وجعل الوقف إباحة المنافع ، سواء في المشترط والمؤبّد ، فراجع (١).

(٥) هذا القول الثالث تفصيل بين الوقف المؤبد بجواز البيع في الجملة ، مع اختلاف أرباب هذا القول في حكم الوقف المنقطع ، فبعضهم سكت عنه ، ويظهر من بعضهم عموم الجواز ، ويظهر من ثالث المنع عن بيع المنقطع ، لرجوعه إلى ورثة الواقف.

(٦) عكس ما تقدّم في القول الثاني من جواز بيع المنقطع في الجملة. وسيأتي نقل

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذا التوجيه غير مرتبط بكلام القاضي ، إذ المنسوب إليه هو رجوع الموقوف في الوقف المنقطع إلى الواقف ، فلا بدّ من التزامه بخروجه بمجرّد الوقف عن ملك الواقف ، ودخوله في ملك الموقوف عليه. فالتهافت حينئذ يكون بين تعلق حق الواقف ـ وهو عود الموقوف بعد الانقراض إلى ملكه ـ وبين جواز بيع الموقوف عليه له ، فهذا التوجيه أجنبي عنه كما لا يخفى.

__________________

(١) الكافي ، ص ٣٢٤.


وأمّا المنقطع فلم ينصّوا عليه (١) ، وإن ظهر من بعضهم التعميم (٢) ، ومن بعضهم التخصيص (٣) ، بناء (٤) على قوله (٥) برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف ، كالشيخ وسلّار قدس‌سرهما. ومن (٦) حكم برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى وجوه البرّ ـ كالسيّد أبي المكارم ابن زهرة (١) ـ فلازمه جعله كالمؤبّد.

______________________________________________________

كلام جماعة من أرباب هذا القول كالشيخ والديلمي وابن سعيد والشهيد قدس‌سرهم.

(١) يعني : لم ينصّ ـ القائلون بالجواز في المؤبّد ـ على جواز البيع في المنقطع. وحقّ العبارة إضافة «فيه» إليه ، بأن يقال : «لم ينصّوا عليه فيه».

(٢) أي : تعميم جواز البيع للمنقطع ، ويستفاد التعميم من السيد أبي المكارم قدس‌سره. بل ادّعى السيد العاملي قدس‌سره «أنّ كلام جماعة كثيرة عام شامل للمؤبّد وغيره ، وإن صرّح بعضهم بجواز بيع المؤبد» فراجع (٢).

(٣) أي : اختصاص الجواز بالمؤبّد.

(٤) يعني : أنّ الاختصاص بالمؤبّد عند هذا البعض مبنيّ على التزامه برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف ، فلا ملك للموقوف عليه حتى يباع.

وهذا البعض شيخ الطائفة ومن تبعه ، حيث قال : «ومتى وقف الإنسان شيئا في وجه من الوجوه ، أو على قوم بأعيانهم ، ولم يشترط بعد انقراضهم عوده على شي‌ء بعينه ، فمتى انقرض أرباب الوقف رجع الوقف على ورثة الواقف» (٣). وهذا صريح في عود الوقف المنقطع إلى الواقف أو ورثته.

(٥) هذا وجه اختصاص الجواز بالمؤبّد ، وهو واضح.

(٦) مبتدء متضمن معنى الشرط ، وقوله : «فلازمه» خبره. ومقصوده : أنّ مثل السيد أبي المكارم ـ القائل برجوع الوقف المنقطع إلى وجوه البرّ وصرفه فيها ـ لا بدّ أن

__________________

(١) الغنية ، ص ٢٩٩.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٨.

(٣) النهاية ، ص ٥٩٥ ، المراسم لسلّار الديلمي ، ص ١٩٧ ، الوسيلة لابن حمزة الطوسي ، ص ٧٧٠ من الجوامع الفقهية.


وكيف كان (١) ، فالمناسب أوّلا نقل عبائر هؤلاء ، فنقول :

قال المفيد في المقنعة (٢) «الوقوف في الأصل صدقات ، لا يجوز الرجوع فيها ، إلّا أن يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم والتقرّب إلى الله بصلتهم (٣) ، أو يكون (٤) تغيير الشروط في الموقوف أدرّ عليهم وأنفع لهم من تركه على حاله.

______________________________________________________

يلتزم بجواز بيع المنقطع كالمؤبّد عند طروء المسوّغ.

(١) يعني : سواء أكان حكم السيد أبي المكارم بصرف الوقف في وجوه البرّ ـ بعد انقراض الموقوف عليهم ـ مستلزما لاتحاد حكم الوقف المؤبّد والمنقطع في جواز البيع ، أم لم يكن مستلزما له ، فالمناسب نقل عبائر أرباب القول الثالث للوقوف على مرادهم.

(٢) محصّل كلام الشيخ المفيد أعلى الله مقامه الشريف : أنّ الوقف صدقة جارية ، فإن أراد الواقف الرجوع عن وقفه ، فتارة يكون قبل إقباضها من الموقوف عليهم ، واخرى بعد الإقباض منهم.

فعلى الأوّل لا يجوز الرجوع إلّا في صورتين :

الاولى : أن يرتكب الموقوف عليهم منكرا يمتنع معونتهم شرعا ، كالارتداد والإفساد في الأرض.

الثانية : أن يكون تغيير شرط من شرائط الوقف ـ كالدوام وعدم البيع ـ أنفع بحال الموقوف عليهم. ففي ما عدا هاتين الصورتين لا يجوز للواقف الرجوع عمّا أنشأه من الوقف ، ليحلّ له بيعه.

وعلى الثاني لا يجوز الرجوع إلّا في ثلاث صور ، سيأتي بيانها.

(٣) هذا إشارة إلى الصورة الاولى ، وهي تعذر التقرب إليه تعالى بالوقف عليهم لينتفعوا به ، فيجوز رجوع الواقف قبل تسليم العين إلى الموقوف عليهم ، لعدم استحقاقهم شرعا للمعونة.

(٤) هذا إشارة إلى الصورة الثانية المتقدمة آنفا.


وإذا أخرج (١) الواقف الوقف عن يده إلى من وقف عليه ، لم يجز له الرجوع في شي‌ء منه ، ولا تغيير شرائطه ، ولا نقله عن وجوهه وسبله (٢). ومتى (٣) اشترط الواقف في الوقف : أنّه (٤) متى احتاج إليه في حياته ـ لفقر ـ كان له بيعه وصرف ثمنه في مصالحه ، جاز له فعل ذلك.

وليس (٥) لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف أن يتصرّفوا فيه ببيع أو هبة أو يغيّروا شيئا من شروطه ، إلّا أن (٦) يخرب الوقف ، ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان أو غيره.

أو يحصل (٧) بحيث لا يجدي نفعا ، فلهم حينئذ بيعه والانتفاع بثمنه.

وكذلك (٨) إن حصلت لهم [بهم] ضرورة إلى ثمنه كان لهم حلّه. ولا يجوز

______________________________________________________

(١) هذه الجملة قرينة على أنّ ما تقدم ـ من الصورتين لجواز الرجوع عن الوقف ـ ناظر إلى قبل إقباض العين.

(٢) محصل ما أفاده الشيخ المفيد قدس‌سره في الوقف بعد إقباضه من الموقوف عليهم : أنّه تارة يشترط الواقف ـ في مقام إنشاء الوقف ـ جواز بيع الموقوفة لو احتاج إلى صرف ثمنها في مصالح نفسه ، فيصحّ الوقف والشرط ، وللواقف البيع عند الحاجة. فإن باع فهو ، وإن لم يبع حتى مات صار وقفا لازما لم يجز للموقوف عليه بيعه إلا بطروء المسوّغ. وهذا خارج عن مورد البحث.

واخرى لا يشترط ذلك ، ولا يجوز له ولا لغيره البيع حينئذ ، إلّا في صور ثلاث :

الاولى : خراب الوقف ، وعدم قيام أحد بعمارته.

الثانية : أن لا يكون نافعا بحال الموقوف عليه وإن لم يخرب بعد.

الثالثة : الحاجة الشديدة إلى ثمنه ، وأما ما عدا هذه الصور فلا يصح بيع الوقف.

(٣) مبتدء متضمن معنى الشرط ، و «جاز» خبره.

(٤) الجملة في موضع نصب مفعول ل «اشترط» وقوله : «كان» خبر «متى احتاج».

(٥) هذا حكم الوقف الدائم ، وهو حرمة بيعه إلّا بطروء المجوّز.

(٦) استثناء من «ليس» وغرضه بيان مستثنيات منع بيع الوقف ، وأوّلها الخراب.

(٧) معطوف على «أن يخرب» والفرق بين الخراب وعدم إجداء النفع واضح.

(٨) هذا إشارة إلى الصورة الثالثة.


ذلك (١) مع عدم ما ذكرناه من الأسباب والضرورات» (١) انتهى كلامه رحمه‌الله.

وقد استفاد (٢) من هذا الكلام في غاية المراد تجويز [جواز] بيع الوقف في خمسة مواضع. وضمّ (٣) صورة جواز الرجوع وجواز تغيير [تغيّر] الشرط إلى (٤) المواضع الثلاثة المذكورة بعد وصول الموقوف إلى الموقوف عليهم ، ووفاة الواقف ، فلاحظ وتأمّل (٥).

______________________________________________________

(١) أي : لا يجوز التصرف ـ ببيع أو هبة ـ بدون إحدى الحالات الثلاث المتقدمة.

(٢) الغرض من هذه العبارة التنبيه على الخلاف في ما يستظهر من عبارة المقنعة ، فقد يستفاد منها جواز العدول عن الوقف في صورتين ، لو كانتا قبل إقباض العين للموقوف عليهم. وجواز أن يبيعه الموقوف عليهم في صور ثلاث لو تحققت بعد الإقباض.

وقد يستفاد من عبارة المقنعة جواز البيع في صور خمس بضمّ ما كان قبل القبض إلى ما بعده. والمستفيد هو الشهيد والمحقق الثاني قدس‌سرهما. قال في غاية المراد : «قال المفيد : يجوز بيع الوقف إذا خرب ولم يوجد له عامر ، أو يكون غير مجد نفعا ، أو اضطرّ الموقوف عليه إلى ثمنه ، أو كان بيعه أعود عليهم ، أو يحدثون ما يمنع الشرع من معونتهم ، والتقرب إلى الله بصلتهم. فهذه خمسة مجوّزة للبيع ، ليس بعضها مشروطا ببعض» (٢). ونحوه عبارة المحقق الثاني (٣).

(٣) هذا منشأ استفادة الشهيد قدس‌سره مواضع خمسة لجواز البيع من عبارة الشيخ المفيد ، وهو ضمّ ما كان قبل القبض إلى ما بعده.

(٤) متعلق ب «ضمّ» وقوله : «جواز تغيير» معطوف على «جواز الرجوع».

(٥) لبعد ما استفاده الشهيد قدس‌سره من كلام المفيد ـ من جواز البيع في موارد خمسة ـ لخروج الصورتين المفروضتين قبل القبض ، وهما : الرجوع عن الوقف ، وتغيير الشرط. إذ الوجه في خروجهما : إمّا عدم تمامية الوقف بناء على دخل القبض في الصحة. وإمّا

__________________

(١) المقنعة ، ص ٦٥٢ ـ ٦٥٣.

(٢) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٢٤ ونقله عنه في المقابس ، ص ٤٣.

(٣) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٦٨ و ٦٩.


ثمّ إنّ العلّامة ذكر في التحرير : «انّ قول المفيد ـ بأنّه : لا يجوز الرجوع في الوقف إلّا أن يحدث .. إلى قوله : أنفع لهم من تركه على حاله ـ متأوّل» (١). ولعلّه (١) من شدّة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد.

وقال في الانتصار ـ على ما حكي عنه ـ : «وممّا انفردت الإماميّة به : القول بأنّ الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه والانتفاع بثمنه ، وأنّ أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم

______________________________________________________

جواز الوقف وعدم لزومه بناء على دخل القبض في اللزوم ، فليست هاتان الصورتان كالصور الثلاث المذكورة بعد القبض كما لا يخفى.

(١) أي : ولعلّ كونه متأوّلا هو مخالفته .. إلخ ، ووجه مخالفته للقواعد ما عرفته من دخل القبض في اللزوم أو الصحة ، ومعه لا حاجة في جواز الرجوع إلى خروج الموقوف عليه عن قابلية المعونة شرعا. ولأجل هذا قال العلامة قدس‌سره بلزوم تأويل كلام المفيد لئلّا ينافي القواعد المسلّمة.

وعليه فالعلّامة ـ كالشهيد ـ ادّعى ظهور عبارة المقنعة في جواز بيع الوقف في صور خمس ، ولكنه في التحرير قال بعدم إرادة هذا الظاهر ، وأنّه لا بدّ من توجيهه بأن يراد من الجواز في قول المفيد : «لا يجوز الرجوع فيها إلّا أن يحدث» هو الجواز بالمعنى الأخص أي الإباحة ، فالمعنى : «أنه يكره الرجوع إلّا أن يحدث ، فالرجوع مباح حينئذ ، وليس بمكروه».

والداعي لهذا التوجيه هو أنّ فقاهة الشيخ المفيد وجلالة شأنه مانعتان عن الأخذ بظاهر كلامه من حرمة رجوع الواقف قبل القبض إلّا في صورتين ، لأنّ جواز الرجوع قبل القبض من المسلّمات ، ولا يتوقف على إحدى الصورتين.

فتحصّل : أن الشيخ المفيد قدس‌سره يقول بجواز بيع الوقف المؤبّد في الجملة أي في ثلاث صور ، وكذا في مورد اشتراط الواقف جواز بيعه في صيغة الوقف. وأمّا المنقطع فيرجع بعد انقراض الموقوف عليه إلى ورثته كما صرّح به.

__________________

(١) تحرير الأحكام ، ج ١ ، ص ٢٨٤.


بيعه. ولا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة» (١) ثمّ احتجّ باتّفاق الإمامية ، ثمّ ذكر (٢) خلاف ابن الجنيد ، وردّه بكونه مسبوقا وملحوقا بالإجماع ، وأنّه «إنّما عوّل في ذلك على ظنون له (٣) ، وحسبان (٤) ، وأخبار شاذّة لا يلتفت إلى مثلها» انتهى (٥).

ثمّ قال : «وأمّا إذا صار الوقف بحيث لا يجدي نفعا ، أو دعت أربابه الضرورة إلى ثمنه لشدّة فقرهم ، فالأحوط (*) ما ذكرناه : من جواز بيعه ، لأنّه إنّما جعل لمنافعهم ، فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض منه ، ولم يبق منفعة فيه إلّا من الوجه الذي ذكرناه (٦)» انتهى (١).

______________________________________________________

(١) حاصل كلام السيد المرتضى قدس‌سره : دعوى الإجماع على منع بيع الوقف الدائم ، وجوازه في صورتين ، وهما خراب الوقف ، والحاجة الشديدة إلى ثمنه. ثم تعرّض لرأي الإسكافي المانع من البيع مطلقا ، وردّه السيد بتوهين مستنده ، وبمخالفته للإجماع.

(٢) قال في الانتصار : «فإن قيل : فقد خالف أبو علي بن الجنيد في ما ذكرتموه ، وذكر : أنه لا يجوز للواقف أن يشترط لنفسه بيعه له على وجه من الوجوه. وكذلك في من هو وقف عليه : أنّه لا يجوز له أن يبيعه. قلنا : لا اعتبار بابن الجنيد ، وقد تقدّمه إجماع الطائفة وتأخّر عنه أيضا ، وإنّما عوّل» الى آخر ما في المتن.

(٣) مع النهي عن متابعة الظن في الكتاب والسنة.

(٤) المراد به الحدس المبتني على الاستحسان والاعتبارات التي لا تفيد إلّا الظّن.

(٥) لا حاجة إلى هذه الكلمة هنا ، لبقاء بعض كلام السيد.

(٦) وهو البيع والانتفاع ببدله أو بثمنه.

__________________

(*) لم يظهر وجه عدوله قدس‌سره عن الفتوى إلى الاحتياط ، مع قوله : «ومما انفردت الإمامية به .. إلخ» فلاحظ وتأمّل.

مع أنّ الأحوط بناء على الوجه الذي ذكرناه وجها للاحتياط ليس في بيعه ، بل في إجارته سنين ، وصرف أجرته في تعميره ، لأنّ غرض الواقف تعلّق بالانتفاع به مع بقاء عينه ، لا مطلق الانتفاع ولو ببدله.

__________________

(١) الانتصار ، ص ٢٢٦ و ٢٢٧.


وقال في المبسوط : «وإنّما يملك (١) الموقوف عليه بيعه على وجه عندنا ، وهو : أنّه (٢) إذا خيف على الوقف الخراب ، أو (٣) كان بأربابه حاجة شديدة ولا يقدرون على القيام به ، فحينئذ يجوز لهم بيعه. ومع عدم ذلك (٤) لا يجوز بيعه» انتهى (١) ، ثمّ احتجّ (٥) على ذلك بالأخبار.

وقال سلّار ـ في ما حكي عنه ـ : «ولا يخلو الحال (٦) في الوقف والموقوف

______________________________________________________

(١) المراد به السلطنة على البيع أي جوازه شرعا. والمقصود استثناء صورتين من منع البيع ، إحداهما : خوف الخراب ، وثانيتهما : الحاجة الشديدة إلى الثمن ، وعجزهم عن القيام بشؤون الوقف.

وكلمة «الموقوف عليه» غير مذكورة في المبسوط ، لذكرها في الجملة المعطوف عليها.

(٢) لم تذكر هذه الكلمة في المبسوط ، ولا حاجة إليها.

(٣) المنقول يختلف عمّا في المبسوط ، من «وكان» بدل «أو كان» و «أو لا يقدرون» بدل «ولا يقدرون».

(٤) أي : ومع عدم الخراب ـ أو حاجة الموقوف عليهم حاجة شديدة ـ لا يجوز بيع الوقف.

(٥) يعني : احتج شيخ الطائفة قدس‌سره بالأخبار على منع بيع الوقف. ولكن هذه النسبة سهو من قلمه الشريف ، إذ لم يستدلّ بالأخبار في المبسوط ، وإنّما ورد في كتاب الخلاف ـ في جواز بيع الوقف إذا خرب ـ ما لفظه : «دليلنا : الأخبار المروية عن الأئمة» (٢).

وكذا نقله صاحب الجواهر من الخلاف ، ثم قال : «واحتجّ على ذلك بالأخبار» (٣).

(٦) حاصله : أنّه تارة : يتغيّر الموقوف عليه ، كما إذا جعل داره أو ضيعته وقفا على أولاده الفقراء ، فاستغنوا ، أو ما داموا مقيمين في هذا البلد ، فهاجروا عنه.

واخرى : يتغيّر الوقف ، كما إذا كانت دارا ، فخربت ، أو قلّ الانتفاع بها لجهة أخرى.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٢٨٧.

(٢) الخلاف ، ج ٣ ، ص ٥٥١ ، المسألة ٢٢ من كتاب الوقف.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٢.


عليهم : من أن يبقى ويبقوا على الحال التي وقف فيها ، أو يتغيّر الحال.

فإن لم يتغيّر الحال (١) فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف ولا هبته ولا تغيير شي‌ء من أحواله. وإن تغيّر (٢) الحال في الوقف حتّى لا ينتفع به على أيّ وجه كان ، أو لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة ، جاز بيعه وصرف ثمنه فيما هو أنفع لهم» انتهى (١).

وقال في الغنية ـ على ما حكي عنه ـ : «ويجوز عندنا بيع الوقف (٣) للموقوف عليه إذا صار بحيث لا يجدي نفعا وخيف خرابه ، أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه.

______________________________________________________

وثالثة : لم يتغير الوقف ولا الموقوف عليه ، ولكن احتاج الموقوف عليه إلى صرف ثمنها في ما هو أنفع له.

ورابعة : لم يتغيّر الوقف ولا الموقوف عليه ، ولا حاجة إلى ثمنها.

ففي الصورة الرابعة لا يجوز تغيير ما اشترطه الواقف ، ولا التصرف المنافي للوقف من بيع أو هبة.

وفي الثالثة جاز البيع لرفع الضرورة اللاحقة بالموقوف عليهم.

وفي الثانية يجوز البيع أيضا. ولم يذكر في عبارة المراسم حكم تغيير الموقوف عليه ، ولعلّه يعود إلى ورثة الواقف أو الموقوف عليه ، على الخلاف في الوقف المنقطع.

(١) هذا إشارة إلى الصورة الرابعة المتقدمة آنفا.

(٢) معطوف على «فإن لم يتغير» وهذا يتضمن صورتين يجوز فيهما البيع ، إحداهما : تغيير الوقف بالخراب ، وثانيتهما : الحاجة إلى ثمنه.

والحاصل : أنّ الشيخ الديلمي قدس‌سره قائل بجواز بيع الوقف في المؤبّد في الجملة ، ولم يظهر منه حكم المنقطع.

(٣) مورد كلام السيد هو الوقف المؤبّد ، لما في المقابس من قوله : «وأمّا أبو المكارم فإنّه عدّ من شرائط الوقف أن يكون مؤبّدا غير منقطع» (٢).

__________________

(١) المراسم ، ص ١٩٧ ، والحاكي عنه هو المحقق الشوشتري ، مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٦ ، وصاحب الجواهر ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٢.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٧.


بدليل (١) إجماع الطائفة. ولأنّ غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه ، فإذا لم يبق له منفعة إلّا على الوجه الذي ذكرنا جاز» انتهى (١).

وقال في الوسيلة : «ولا يجوز بيعه ـ يعني الوقف ـ إلّا بأحد شرطين : الخوف من خرابه ، أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكنه معها القيام به» انتهى (٢).

وقال الراوندي في فقه القرآن ـ على ما حكي عنه ـ : «وإنّما يملك بيعه على وجه عندنا ، وهو : إذا خيف على الوقف الخراب ، أو كان بأربابه حاجة شديدة» (٣) [انتهى].

وقال في الجامع ـ على ما حكي عنه : «فإن خيف خرابه ، أو كان بهم حاجة شديدة ، أو (٢) خيف وقوع فتنة بينهم تستباح بها الأنفس ، جاز بيعه» (٤) انتهى.

وعن النزهة : «لا يجوز بيع الوقف إلّا أن يخاف هلاكه ، أو تؤدّي المنازعة فيه بين أربابه إلى ضرر عظيم ، أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة ، ويكون بيع

______________________________________________________

(١) استدلّ السيد على جواز بيع الوقف المؤبّد بوجهين ، أحدهما : الإجماع ، والآخر : ملاحظة غرض الواقف من عود النفع إلى الموقوف عليهم ، ومن المعلوم أنّ عدم انتفاعهم بالعين يوجب الانتقال إلى البدل ، تحقيقا لغرضه.

(٢) زاد ابن سعيد الحلي قدس‌سره في كتابيه على الصورتين المذكورتين في كلام من تقدّمه ـ من خوف الخراب والحاجة إلى الثمن ـ صورة ثالثة ، وهي المنازعة المؤدّية إلى ضرر عظيم ، يعني : الفتنة التي تستباح بها الأنفس.

__________________

(١) الغنية ، ص ٢٩٨ ، والحاكي عنه صاحبا المقابس والجواهر ، فلاحظ : مقابس الأنوار ، ص ٤٧ ، وجواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٢ و ٣٦٣.

(٢) الوسيلة ، ص ٣٧٠.

(٣) فقه القرآن ، ج ٢ ، ص ٢٩٣ ، والحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٥

(٤) الجامع للشرائع ، ص ٣٧٢ ، وحكاه عنه وعن النزهة في الجواهر ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٣.


الوقف أصلح لهم» (١).

وقال في الشرائع : «ولا يصحّ بيع الوقف ما لم يؤدّ بقاؤه إلى خرابه ، لخلف بين أربابه ، ويكون البيع أعود» (٢).

وقال في كتاب الوقف : «ولو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه. ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه ، بل كان البيع أنفع لهم ، قيل : يجوز بيعه ، والوجه المنع (١)» (٣) انتهى.

ومثل عبارة الشرائع في كتابي البيع والوقف عبارة القواعد (٤) في الكتابين (٢).

وقال في التحرير : «لا يجوز بيع الوقف بحال. ولو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف ، ولم يجز بيعها. ولو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه على ما رواه أصحابنا».

ثمّ ذكر كلام ابن إدريس ، وفتواه على المنع مطلقا ، وتنزيله (٣) قول بعض الأصحاب بالجواز على المنقطع ، ونفيه الخلاف على المنع في المؤبّد.

______________________________________________________

(١) فالمحقّق قدس‌سره اقتصر على الاختلاف المؤدّي إلى خراب الوقف. وأمّا مجرد كون البيع أعود وأصلح بحال الموقوف عليه فلا يجوّز البيع ، لعدم الدليل على الجواز. ومع الشك يستصحب المنع ، بناء على إجمال دليل المنع ، وعدم شموله لهذه الصورة ، وإلّا فالمرجع عموم المنع ، لكون الشك في التخصيص الزائد.

(٢) قال صاحب المقابس بعد نقل عبارة وقف الشرائع : «وتبعه العلّامة في القواعد ، وقال : ـ بدل : قيل .. إلخ ـ لم يجز بيعه أيضا على رأي» (٥).

(٣) معطوف على «كلام» وقوله : «على المنقطع» متعلق بالتنزيل المراد به الحمل والتوجيه.

__________________

(١) نزهة الناظر ، ص ٧٤.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧ ، وفيه «فلا يصح» لتفريعه على اشتراط الطّلق.

(٣) المصدر ، ص ٢٢٠ ، وحكاه في المقابس ، ص ٥٧.

(٤) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٣ و ٣٩٥.

(٥) مقابس الأنوار ، ص ٥٧.


ثمّ قال : «ولو قيل بجواز البيع إذا ذهب منافعه بالكلّية ـ كدار انهدمت وعادت مواتا ، ولم يتمكّن من عمارتها ـ ويشترى بثمنه ما يكون وقفا ، كان وجها» (١) انتهى.

وقال في بيع التحرير : «ولا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا. ولو أدّى بقاؤه إلى خرابه جاز. وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه على الوقف» (٢) انتهى.

وعن بيع الإرشاد (١) «لا يصحّ بيع الوقف إلّا أن يخرب ، أو يؤدّي إلى الخلف بين أربابه على رأي» (٣).

وعنه في باب الوقف : «لا يصحّ بيع الوقف (٢) ، إلّا أن يقع بين الموقوف عليهم خلف [و] يخشى به الخراب» (٤).

وقال في التذكرة في كتاب الوقف ـ على ما حكي عنه (٥) ـ : «والوجه أن يقال :

______________________________________________________

(١) الحاكي لعبارتي الإرشاد هو صاحب المقابس ، لكنه قدس‌سره نقل «ويؤدّي إلى الخلف» بالعطف بالواو ، كما في الإرشاد المطبوع ، فلذا تصدى لتوجيهه ، لمخالفته لرأي العلّامة في سائر كتبه ولرأي سائر الأصحاب ، ولأنه لا مستند له ، واستقرب كون «الواو» بمعنى «أو» لو لم تكن النسخة الأصلية بلفظ «أو» فراجع (٦).

ويشهد لكون العاطف «الواو» كلام المحقق الثاني من قوله : «وفي الإرشاد اعتبر الخراب والخلف معا» (٧).

(٢) في المقابس : «لا يجوز بيعه» وفي الإرشاد : «ولا يجوز بيع الوقف».

__________________

(١) تحرير الأحكام ، ج ١ ، ص ٢٩٠.

(٢) تحرير الأحكام ، ج ١ ، ص ١٦٥.

(٣) إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٣٦١.

(٤) إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٤٥٥.

(٥) الحاكي غير واحد ، منهم صاحب المقابس ، ص ٥٧ ، وفيه : «والوجه أنه يجوز بيعه مع خرابه» وما في المتن موافق لما في الأصل : تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٤ ، س ١٦.

(٦) مقابس الأنوار ، ص ٥٧.

(٧) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٧.


يجوز بيع الوقف مع خرابه وعدم التمكّن من عمارته ، أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد» انتهى.

وقال في كتاب البيع : «لا يصحّ بيع الوقف ، لنقص الملك فيه ، إذ القصد منه التأبيد. نعم ، لو كان بيعه أعود عليهم ، لوقوع خلف بين أربابه وخشي تلفه ، أو ظهور فتنة بسببه جوّز أكثر علمائنا بيعه» (١) انتهى.

وقال في غاية المراد : «يجوز (١) بيعه في موضعين : خوف الفساد بالاختلاف ، وإذا كان البيع أعود مع الحاجة» (٢).

وقال في الدروس : «لا يجوز بيع الوقف إلّا إذا خيف من خرابه ، أو خلف أربابه المؤدّي إلى فساده» (٣).

وقال في اللمعة : «لو أدّى بقاؤه إلى خرابه لخلف أربابه ، فالمشهور الجواز» (٤) انتهى.

وقال في تلخيص الخلاف ـ على ما حكي عنه ـ : «إنّ لأصحابنا في بيع الوقف أقوالا متعدّدة ، أشهرها : جوازه إذا وقع بين أربابه خلف وفتنة ، وخشي خرابه ، ولا يمكن سدّ الفتنة بدون بيعه. وهو (٢) قول الشيخين ، واختاره نجم الدين والعلّامة» (٥) انتهى.

______________________________________________________

(١) لم أقف على هذه العبارة في البيع والوقف ، ولكنّها محصّل كلامه في البيع ، حيث إنّه قدس‌سره نقل مكاتبة ابن مهزيار ، الظاهرة في جواز البيع لخوف الفساد بالاختلاف ، ورواية جعفر بن حيّان المتضمنة لكون البيع أعود مع الحاجة ، ثم قال في آخر كلامه : «والأجود العمل بما تضمّنه الحديثان السالفان أوّلا» أي : الاقتصار في جواز بيع الوقف على الموردين المذكورين في المتن.

(٢) يعني : أن جواز بيع الوقف في مورد اختلاف الموقوف عليهم وخوف الفتنة من

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٤١.

(٢) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٣٠ (ج ١ ، ص ٤٦٥ الحجرية) وعبارة المتن منقولة في الجواهر ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٤.

(٣) الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٧٩.

(٤) اللمعة الدمشقية ، ص ٩٤.

(٥) تلخيص الخلاف للفاضل الصيمري ، ج ٢ ، ص ٢٢١ ، وحكاه عنه في الجواهر ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٥.


وقال في التنقيح ـ على ما حكي عنه ـ : «إذا آل إلى الخراب لأجل الاختلاف بحيث لا ينتفع به أصلا ، جاز بيعه» (١).

وعن تعليق الإرشاد : «يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الأنفس» (٢).

وعن إيضاح النافع : أنّه جوّز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافا يخاف معه القتال ، ونهب الأموال ، ولم يندفع إلّا بالبيع. قال : «فلو أمكن زواله ولو بحاكم الجور لم يجز ، ولا اعتبار بخشية الخراب وعدمه» انتهى.

ومثله كلامه المحكي عن تعليقه على الشرائع (٣).

وقال في جامع المقاصد ـ بعد نسبة ما في عبارة القواعد (١) إلى موافقة الأكثر ـ : «إنّ المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع :

أحدها : إذا (٢) خرب واضمحلّ بحيث لا ينتفع به ، كحصر [كحصير] المسجد إذا اندرست (٣) ، وجذوعه إذا انكسرت.

______________________________________________________

بقائه على حاله وخشية الخراب هو قول الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والمحقق والعلّامة قدس‌سرهم.

(١) من جواز بيع الوقف إن أدّى بقاؤه إلى خرابه ، لخلف أربابه ، ويكون البيع أعود.

والمراد به كما في جامع المقاصد اندفاع الخلف بالبيع ، وإلّا فلا وجه لجوازه حينئذ.

(٢) في جامع المقاصد : «ما إذا خرب» وكذا في ما بعده.

(٣) في جامع المقاصد : «كحصر المسجد إذا رث ، وجذعه إذا انكسرت».

__________________

(١) التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٣٠ ، والحاكي عنه هو السيد العاملي ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٦ ، وصاحب الجواهر ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٥

(٢) تعليق الإرشاد للمحقق الكركي ، مخطوط ، الورقة ٢٢٠ ، وحكاه عنه في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٦ ، وفي المقابس ، ص ٥٨

(٣) الحاكي عنهما هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٦ ، ونسب ذلك إلى كتابيه في ج ٩ ، ص ٨٦ ، وإيضاح النافع وتعليقة الشرائع للفاضل القطيفي مخطوطان.


ثانيها : إذا حصل خلف بين أربابه يخاف منه تلف الأموال ، ومستنده صحيحة علي بن مهزيار (١).

ويشترى بثمنه في الموضعين (١) ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف ، تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الإمكان ، ويتولّى ذلك الناظر الخاصّ إن كان ، وإلّا فالحاكم.

ثالثها : إذا لحق بالموقوف عليه (٢) حاجة شديدة ولم يكن ما يكفيهم من غلّة وغيرها ، لرواية (٢) جعفر بن حنّان (٣) عن الصادق عليه‌السلام» (٣) انتهى كلامه رفع مقامه.

وقال في الروضة : «والأقوى في المسألة ما دلّ (٤) عليه صحيحة (٥) عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه‌السلام من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد. وعلّله عليه‌السلام بأنّه (٦)

______________________________________________________

(١) في جامع المقاصد : «ويشترى في الموضعين بثمنه .. إلخ».

(٢) في جامع المقاصد : «ما إذا لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة».

(٣) كذا في النسخ ، وهو الموافق لما في الوسائل ، وفي الكافي «حيّان» ، فما في جامع المقاصد من «حسّان» سهو من الناسخ. وسيأتي نقل الرواية في الصورة الرابعة ، حيث استدلّ بها على جواز بيع الوقف لو كان ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا مدة وجود الموقوف عليه.

(٤) كذا في النسخ ، وفي الروضة : «دلّت».

(٥) سيأتي نقلها في الصورة العاشرة ، وهي بيع الوقف من جهة استلزام بقائه فسادا يستباح به الأنفس.

(٦) فيكون جواز البيع حينئذ للمزاحمة مع ما هو أهمّ من حرمة بيع الوقف ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٣٠٥ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف ، ح ٦.

(٢) المصدر ، ص ٣٠٦ ، ح ٨.

(٣) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٧ و ٩٨.


ربّما جاء فيه (١) تلف الأموال والنفوس (١). وظاهره (٢) أنّ خوف أدائه إليهما وإلى (٣) أحدهما ليس بشرط ، بل هو مظنّة لذلك». قال (٤) «ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه وإن احتاج إليه أرباب الوقف ولم تكفهم غلّته ، أو كان أعود ، أو غير ذلك ممّا قيل ، لعدم دليل صالح عليه» (٢) انتهى.

ونحوه (٥) ما عن الكفاية (٣).

______________________________________________________

فيندرج في باب التزاحم ، مع أهمية أحد المتزاحمين.

(١) أي : في الاختلاف ، كما هو المنصوص.

(٢) غرض الشهيد الثاني قدس‌سره : أنّ المناط ـ في جواز بيع الوقف لأجل اختلاف أربابه ـ ليس العلم بترتب تلف الأموال والنفوس على الاختلاف أو الاطمئنان به ، لندرة حصول هذا العلم ، بل المدار في الجواز هو الظن بتأدية الاختلاف إلى التلف. بحيث يخشى من حصوله. فتعبير بعض ب «خوف الأداء إلى تلف الأموال والنفوس» الظاهر في العلم بوقوع التلف أو الاطمئنان به غير متّجه.

(٣) كذا في نسخ الكتاب ، والصحيح كما في الروضة وكذا فيما حكاه عنه السيد العاملي : «أو إلى» فيكون المراد ب «إليهما» خوف أداء بقاء الوقف إلى تلف الأموال والنفوس معا ، في قبال خوف أدائه إلى تلف أحدهما.

(٤) يعني : قال الشهيد الثاني قدس‌سره باختصاص جواز البيع بظنّ التلف المترتب على الاختلاف ، خلافا لمن جوّز بيع الوقف في حاجة أرباب الوقف إلى الثمن ، أو كان بيعه أنفع لهم من بقائه والانتفاع بغلّته.

(٥) أي : ونحو ما في الروضة ـ من الاقتصار في جواز بيع الوقف على ظنّ التلف بسبب اختلاف أرباب الوقف ـ ما حكي عن الفاضل السبزواري قدس‌سره. والحاكي هو السيد العاملي والمحقق الشوشتري ، قال في الكفاية : «والمذكور في كلام الامام مجرّد

__________________

(١) تقدم مصدرها آنفا.

(٢) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٥.

(٣) كفاية الأحكام ، ص ١٤٢ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٦ ، ومقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٥٨.


هذه جملة من كلماتهم المرئيّة ، أو المحكيّة.

والظاهر (١) أنّ المراد بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه : حصول الظّنّ بذلك ،

______________________________________________________

الاختلاف ، فلعلّ الوجه العمل به».

لكن في النسبة تأمّلا ، لأنّ هذه الجملة أوردها الفاضل في ردّ من قال من الأصحاب بإناطة جواز البيع بأمرين ، أحدهما : حصول الاختلاف ، والآخر خوف الخراب.

وأمّا جواز بيع الوقف في مورد الحاجة ، أو كون البيع أنفع بحال الموقوف عليهم فلم ينكره الفاضل السبزواري ، بل ظاهره اختياره له ، لقوله : «ولو لم يقع خلف وكان البيع أنفع لهم ، قيل : يجوز بيعه ، وقيل : لا ، والذي وصل إليّ في هذا الباب صحيحة علي ابن مهزيار ..» ثم ذكر نصوصا اخرى. ولم يتأمّل فيها دلالة أو سندا.

والمتحصل : أنّ الجزم باتحاد رأي الشهيد الثاني والفاضل السبزواري قدس‌سرهما مشكل ، فراجع الكفاية متدبّرا فيها.

(١) هذا الاستظهار موافق لعبارة الروضة المتقدمة من أنّ المراد بالتأدية هو الظن بذلك ، غايته أنّ مورد كلام الشهيد الثاني قدس‌سره هو الظن بتلف الأموال والنفوس المترتب على بقاء الوقف الذي اختلف أربابه فيه. ومورد كلام المصنف هو الظن بخراب العين الموقوفة.

ومقصوده توجيه كلمات القوم المتقدمة ، لتعبير بعضهم ب «الخراب» كما في المقنعة والانتصار وبيع الإرشاد ووقف التذكرة. وبعضهم ب «خوف الخراب» كما في المبسوط والغنية والوسيلة وجامع الشرائع والنزهة والدروس وجامع المقاصد. وبعضهم ب «بتأدية البقاء إلى الخراب» كما في بيع التحرير. وبعضهم ب «يخشى خرابه» كما في الشرائع وإيضاح النافع (١).

فالمراد بالخراب والتأدية إليه وخوفه وخشيته أمر واحد ، وهو حصول الظن بالخراب. ويشهد لوحدة مفاد هذه التعابير ـ وعدم كون النزاع معنويا ـ تعبير فقيه واحد في كتاب تارة بتأدية البقاء إلى الخراب كما في بيع الشرائع والقواعد ، واخرى ب «يخشى خرابه» كما في وقفهما.

__________________

(١) تقدمت مصادر الأقوال في ص ٥٥٦ ـ ٥٦٨ فراجع.


الموجب لصدق الخوف ، لا التأدية على وجه القطع ، فيكون (١) عنوان «التأدية» في بعض تلك العبارات متّحدا مع عنوان «خوفها» و «خشيتها» في بعضها الآخر (*).

ولذلك (٢) (**) عبّر فقيه واحد تارة بهذا ، واخرى بذاك كما اتّفق للفاضلين ، والشهيد. ونسب بعضهم عنوان «الخوف» إلى الأكثر كالعلّامة في التذكرة (٣) ، وإلى «الأشهر» كما عن إيضاح النافع ، وآخر (٤) عنوان «التأدية» إلى الأكثر كجامع المقاصد ، أو إلى «المشهور» كاللمعة.

فظهر من ذلك (٥) أنّ جواز البيع بظنّ تأدية بقائه إلى خرابه ممّا تحقّقت فيه الشهرة بين المجوّزين ، لكن المتيقّن من فتوى المشهور : ما كان من أجل اختلاف أربابه (٦).

______________________________________________________

(١) هذا متفرّع على كون المراد بالتأدية إلى الخراب وخوفه وخشيته واحدا ، وهو المظنون ، لا التأدية الواقعية المعلومة بالوجدان.

(٢) أي : ولاتّحاد العناوين الثلاثة عبّر فقيه واحد .. إلخ. فالشهيد في الدروس عبّر بخوف الخراب ، وفي اللمعة بتأدية بقائه إلى الخراب (١).

(٣) حيث قال : «نعم لو كان بيعه أعود .. وخشي تلفه .. جوّز أكثر علمائنا بيعه».

(٤) معطوف على «بعضهم» أي : نسب آخر عنوان التأدية .. إلخ.

(٥) أي : من كون العناوين المذكورة متحدة معنى.

(٦) لا ما كان لأجل تأدية بقاء الوقف إلى الخراب ، فإنّ جواز بيعه مختلف فيه.

__________________

(*) مقتضى الجمع العرفي كون الخوف طريقا إلى الموضوع ، لا أن يكون بنفسه موضوعا.

(**) هذا لا يشهد بإرادة فقيه واحد ذلك ، لإمكان عدوله عمّا ذكره أوّلا. وعلى تقدير الشهادة يكون شاهدا على وحدة المراد من عبارتي هذا الفقيه ، لا وحدة المراد من عبارة النصّ ، بل مرجعه إلى استظهار الوحدة من النصّ ، ومن المعلوم عدم حجية هذا الاستظهار لغيره.

__________________

(١) مخطوط ، ولم نقف عليه ولا على من حكاه عنه. نعم حكى صاحب الجواهر كون جواز البيع أشهر عن كتاب تلخيص الخلاف ، وهو للصيمري لا للقطيفي ، فراجع جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٥


اللهم إلّا أن يستظهر من كلماتهم ـ إ ـ كون الاختلاف من باب المقدّمة ، وأنّ الغاية (١) المجوّزة هي مظنّة الخراب.

إذا عرفت (٢) ما ذكرنا ، فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبّد (٣) ، واخرى في المنقطع.

أمّا الأوّل ، فالّذي ينبغي أن يقال فيه :

إنّ الوقف على قسمين : أحدهما : ما يكون ملكا للموقوف عليهم (٤) ، فيملكون منفعته ، فلهم استيجاره ،

______________________________________________________

(١) يعني : كما يستظهر من النص ـ كصحيحة ابن مهزيار ـ أنّ الغاية المجوّزة للبيع هي ظنّ الخراب ، سواء أكان منشؤه اختلاف الموقوف عليهم ، أو فقدهم وعدم وجود عامر للموقوفة. هذا تمام الكلام في الأقوال الثلاثة في المسألة وأربابها.

(٢) أقسام الوقف بعد الفراغ من بيان الأقوال الثلاثة في بيع الوقف ، تصدّى المصنف قدس‌سره لبيان مختاره في المسألة ، بذكر أقسام الوقف ، وأنّ مورد المنع والجواز أيّ واحد منها.

ومحصله : أنّ للوقف أقساما ثلاثة ، لأنّه إمّا منقطع وإمّا مؤبّد. والمؤبّد إمّا أن ينشأ فيه فكّ الملك وتحريره كالمسجد ، لا جعله ملكا لشخص أو جهة ، وإمّا أن ينشأ فيه تمليك العين لجماعة طبقة بعد طبقة كالأولاد ما تعاقبوا.

أمّا القسم الأوّل ـ وهو المنقطع ـ فسيأتي الكلام فيه بعد بيان حكم المؤبّد والصور المستثناة من منع بيعه.

وأمّا القسم الثاني فلا يصح بيعه ، لانتفاء شرط الملك في المبيع.

وأما الثالث فهو محلّ البحث في بيع الوقف منعا أصالة ، وجوازا بالعرض ، وسيأتي.

(٣) تقدم الفرق بين المنقطع والمؤبّد في مطاوي الأقوال ، فلا حاجة إلى الإعادة.

(٤) وهو الوقف الخاص ، فهو ملك للموقوف عليهم ، وكذلك المنفعة تكون ملكا لهم بالتبع ، ويتفرع على تملك المنفعة أمران :

أحدهما : جواز إجازة العين الموقوفة ، فتدخل الأجرة في ملك الموقوف عليهم.

ثانيهما : تملك اجرة المثل لو انتفع بها من ليس من الموقوف عليهم إن كان انتفاعه بها بغير رضاهم.


وأخذ أجرته ممّن انتفع به بغير حقّ (١).

والثاني : ما لا يكون ملكا لأحد (٢) ، بل يكون فكّ ملك نظير التحرير ، كما في المساجد (٣) والمدارس والرّبط ، بناء (٤) على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين ،

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ الانتفاع به بغير حقّ يوجب الضمان الذي هو كاشف عن الملكية ، وإلّا لم يكن ضمان ، كما في التصرف في المساجد ونحوها من الأوقاف التي تكون من التحرير.

(٢) يعني : كما أنّ تحرير العبد والأمة فكّ رقبتهما عن طوق الرقية والمملوكية ، فكذلك وقف المسجد معناه تحرير العرصة والبناء عن إضافتهما إلى المالك ، وعدم انتقال الإضافة إلى غيره ، فالمصلّون والعابدون في المساجد غير مالكين للعين ولا للمنفعة ، بل لهم حقّ الانتفاع بالصلاة والعبادة فيه. وكذلك الحال في المشاعر المشرّفة.

(٣) الظاهر أنّ الخروج عن ملك الواقف وعدم دخوله في ملك غيره مجمع عليه في المسجد. قال العلامة قدس‌سره : «أمّا إذا جعل البقعة مسجدا أو مقبرة فهو فكّ عن الملك كتحرير الرقيق ، فتنقطع عنه اختصاصات الآدميين» (١).

وقال المحقق الشوشتري قدس‌سره : «ان كل وقف عامّ كان الغرض من وقفه تمليك الانتفاع للموقوف عليهم ـ دون العين أو منافعها ـ فلا يصحّ بيعه ما دام وقفا بوجه من الوجوه. وقد أجمع الأصحاب على ذلك في المسجد .. وكذلك المشهد والمقابر المبنية إذا خربت ، والمدارس والخانات والقناطر الموقوفة على الطريقة المعروفة ، والكتب الموقوفة على المنتفعين ، والعبد المحبوس على خدمة الكعبة ونحوها ، والأشجار الموقوفة لانتفاع المارّة ، والبواري الموضوعة لصلاة المصلّين ، وغير ذلك ممّا قصد بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين ونحوهم من غير المحصورين ، لا تحصيل المنافع بالإجارة ..» (٢).

(٤) الظاهر أنّه قيد للمدارس والرّبط ، لا للمساجد ، قال المحقق الثاني قدس‌سره : «ويمكن أن يكون إفراد المصنف المسجد بحكم ليس لأنّ الملك فيه ليس على نهج ما اختاره في الوقف على الجهات العامة ، لأنّ كلّا منهما الملك فيه لله تعالى. بل لأنّ حكم المسجد والمقبرة متفق عليه. وأمّا الحكم في الجهات العامة فمختلف فيه» (٣).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٠ ، س.١٧

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٣ و ٦٤.

(٣) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٦٥.


كما هو (١) مذهب جماعة (١) ، فإنّ (٢) الموقوف عليهم إنّما يملكون الانتفاع دون المنفعة ، فلو سكنه أحد بغير حقّ فالظاهر أنّه ليس عليه اجرة المثل (*).

______________________________________________________

(١) أي : كما أنّ عدم دخول المدارس والرّبط في ملك المسلمين مذهب جماعة.

(٢) تعليل لعدم دخول القسم الثاني من الوقف في ملك أحد عينا ومنفعة ، وإنّما يحلّ للموقوف عليه الانتفاع ، كالمستعير المتسلط على الانتفاع ، وليس مالكا للمنفعة ، فالموقوف عليه يجوز له السكنى في المدرسة والنزول في الخان الموقوف على عنوان «الزائر» لمشاهدهم عليهم الصلاة والسلام ، والعبور على القنطرة. والثمرة المترتبة على ملك الانتفاع دون المنفعة عدم ضمان المتصرف غير المستحق للانتفاع ، هذا.

__________________

(*) صريح العبارة انقسام الوقف المؤبد إلى قسمين ، أحدهما تمليكي ، والآخر تحريري كما في المسجد وما الحق به.

لكن سيأتي في كلامه وجود قسم ثالث ، وهو ما يكون وقفا على المسجد ، وأنّ منافعه ملك طلق للمسلمين وإن لم تكن الرقبة ملكا لهم ، لوضوح عدم انطباق ضابط القسمين المذكورين عليه.

بل ربما ينافي هذا التقسيم الثنائي ما نسبه بعض الأجلة (٢) إلى المصنف في كتاب الوقف من تثليث الأقسام ، وهو ما لا يكون وقف منفعة ولا انتفاع ، وجعل منه المسجد.

وفرّق بينه وبين وقف الانتفاع ـ كما في القناطر والرّبط والخانات ـ بأنّ الانتفاع في هذه مدخول «لام» العاقبة إذ يقال : «وقفته لأن يسكن فيه أو ليمرّ عليه أو ليصلّي فيه».

وهذا بخلاف الانتفاع بالمسجد بالعبادة ، فإنّه من الفوائد المترتبة عليه ، ولذا لا يقال في وقف المسجد : وقفته ليصلّي فيه» بل يقال : «وقفته مسجدا» فالغاية نفس المسجدية ،

__________________

(١) منهم العلامة في التذكرة كما سبق ، وفي قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٣٩٤ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣٩١ ، والشهيد في الدروس ، ج ٢ ، ص ٢٧٢ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣١١ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٦٢ و ٦٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ، ج ٥ ، ص ٣٧٧ ولاحظ تفصيل الأقوال في مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٧٩ ، ٨٠

(٢) وهو العلامة السيد أبو القاسم الاشكوري في تعليقته على الكتاب المسماة ببغية الطالب ، ج ١ ، ص ١٥٤.


والظاهر أنّ محلّ الكلام في بيع الوقف (١) إنّما هو القسم الأوّل. وأمّا الثاني فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه ، لعدم الملك.

وبالجملة : فكلامهم هنا (٢) فيما كان ملكا غير طلق ، لا فيما لم يكن ملكا.

______________________________________________________

(١) يعني : ما تقدم من الأقوال في حكم بيع الوقف ـ لو أدّى بقاؤه أو خلف أربابه إلى الخراب ـ يكون موردها الوقف الخاص الذي هو ملك للموقوف عليهم. وأمّا الوقف التحريري فلا ريب في عدم جواز بيعه ، لانتفاء شرط البيع ، وهو الملك ، إذ ليس هو ملكا لشخص معيّن ، ولا لأشخاص معيّنين ، ولا لعنوان كلّي ، ولا لجهة معيّنة.

(٢) أي : في باب البيع ، إذ المفروض تفريع عدم جواز بيع الوقف على اعتبار الطلقية ، مضافا إلى اعتبار الملكية ، ومن المعلوم أنّ صحة هذا التفريع منوطة بانتفاء الطلقية وبقاء الملكية ، وإلّا يكون عدم جواز بيع الوقف متفرعا على اعتبار الملكية.

ثمّ إنّ ما أفاده المصنف ـ من هنا إلى بيان صور جواز بيع الوقف ـ يرتبط بأحكام المسجد الذي عرض عليه الخراب من حيث البيع والإجارة جوازا ومنعا ، وقد عقد الكلام في مواضع ثلاثة :

__________________

لكون موضوع الآثار الشرعية ـ من فضل العبادة فيه وحرمة تنجيسه ونحوهما ـ نفس عنوان «المسجد» ولذا لا يصح تخصيص وقف المسجد ببعض دون بعض ، مع صحة تخصيص فائدة القنطرة ـ وهي المرور ـ بجماعة كالمسلمين أو الزوّار أو أهل بلد معيّن.

ولعلّ قوله في المتن : «بناء على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين» إشارة إلى شبهة الفرق بين المسجد وما عداه من الأوقاف العامة ، وإن كان سكوته عن إلحاق جماعة المدارس والرّبط والقناطر بالمسجد مؤذن بل ظاهر في الالتزام به ، ولذا فرّع عليه عدم ضمان من سكن المدرسة ظلما.

وكيف كان فالظاهر أنّ للوقف بحسب لحاظ الواقف وما يترتب عليه شرعا من ملك العين أو المنفعة أو الانتفاع أو غير ذلك أقساما. هذا في ما قصد عود منافع الوقف إلى موقوف عليه من شخص أو عنوان أو جهة. وقد يكون المقصود إيجاد عنوان وحبس العين عليه من دون لحاظ موقوف عليه ، ليتملّك العين أو المنفعة أو الانتفاع كما في المساجد والمشاهد المقدسة.


وحينئذ (١) فلو خرب المسجد وخربت القرية (٢) وانقطعت المارّة عن الطريق الذي فيه المسجد (٣) ، لم يجز (٤) بيعه وصرف ثمنه في إحداث مسجد آخر ، أو تعميره.

والظاهر عدم الخلاف في ذلك كما اعترف به (٥) غير واحد.

______________________________________________________

الأوّل : في أرضه بعد خراب البناء.

والثاني : في ما يوقف للمسجد لانتفاع المصلّين من الحصر والبواري ، والفرش ، والوسائد ، وآنية الماء ونحوها.

الثالث : في أجزاء المسجد كالآجر والجذع والأخشاب الموضوعة في البناء ، ونحوها.

والكلام فعلا في الموضع الأوّل ، وهو حكم بيع أرض المسجد والمشهد ونحوهما من الأوقاف العامة. واختار قدس‌سره عدم جواز بيعها وإجارتها ، خلافا لما يظهر من الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس‌سره ، وسيأتي.

(١) أي : وحين كون محلّ الكلام هنا هو الملك غير الطلق ، لا عدم الملك رأسا ، فيتفرّع عليه فساد بيع المسجد لو خرب.

(٢) التي فيها مسجد ، فالمقصود خراب المجموع.

(٣) بأن تغيّرت طريق السفر ، فبقي المسجد في الطريق الاولى عديم الفائدة ، إذ لا مارّ به حتى يصلّي فيه.

(٤) جواب «فلو خرب».

(٥) أي : بعدم الخلاف في منع بيع المسجد الخراب ، والمعترف جماعة كالسيد العاملي والمحقق الشوشتري والسيد المجاهد وصاحب الجواهر قدس‌سرهم (١). ففي مفتاح الكرامة : «بلا خلاف من أحد إلّا من أحمد» وفي المقابس : «وقد أجمع الأصحاب على ذلك في المسجد ، وقالوا : بأنه إذا خرب لم يخرج عن كونه وقفا إذا لم تكن أرضه من الأراضي الخراجية ، أو بقيت آثار المسجد ..».

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ١٠٠ ، مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٣ ، المناهل ، ص ٥٠٨ ، جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ١٠٧.


نعم (١) ، ذكر بعض الأساطين ـ بعد ما ذكر أنّه لا يصحّ بيع الوقف العامّ ، لا لعدم تمامية الملك ، بل لعدم أصل الملك ، لرجوعها إلى الله ، ودخولها في مشاعره ـ أنّه (٢) مع اليأس عن الانتفاع به

______________________________________________________

(١) استدراك على عموم منع التصرفات في الأوقاف العامة من البيع والصلح والهبة والإجارة ، وغرضه استثناء إجارة الأوقاف العامة من أنحاء التصرفات الممنوعة ، كما ذهب إليه الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدس‌سره في شرح القواعد ـ عند اليأس من الانتفاع في الجهة المقصودة ـ من التفصيل بين العرصة بجواز إجارتها بشرطين سيأتي بيانهما ، وبين آلات الموقوفة.

وأفاد نحو هذا بالنسبة إلى أرض الموقوفة في باب الوقف من كشف الغطاء ، فقال : «ان جميع الأوقاف العامة من مساجد ومدارس ومقابر وربط ونحوها إذا خربت وتعطّلت جاز للحاكم إيجارها لوضع آخر ، مع ضبط الحجج والإشهاد ، ولئلّا يغلب وضعها على أصلها (١).

(٢) الجملة منصوبة محلّا على المفعولية ل «ذكر بعض الأساطين» وتوضيح كلام الشيخ الكبير هو : أنّ الوقف العام كالمسجد والمشهد والمقبرة لا يجوز بيعه ، لانتفاء الملك كما تقدم من كون الوقف في هذا القسم فكّ الملك وتحريره ، ولكن يمكن الانتفاع به بعد الخراب ، بأن توجر الأرض لزراعة وشبهها بشرطين :

أحدهما : رعاية الآداب اللازمة المختصة بتلك الموقوفة إن كانت مسجدا ، كعدم تلويث العرصة ، ومكث من يحرم المكث فيه ، ونحوهما.

وثانيهما : إحكام السّجلّات ، والمقصود كتابة وثيقة على كونها مسجدا ، والإشهاد حين الإجارة على ذلك ، حذرا من نسيان ذلك مرّ الأيام ، فيقضى بكونها ملكا للمستأجر أو لورثته بمقتضى اليد التي هي أمارة الملكية.

فإن تحققت الإجارة ، فإمّا أن يوجد وقف مماثل ، وإما أن لا يوجد المماثل.

فإن وجد لزم صرف الأجرة فيه ، كما إذا كانت الموقوفة المستأجرة مسجدا ، فيجب صرف الأجرة في مسجد آخر إن كان ، مع رعاية أمور ثلاثة :

__________________

(١) كشف الغطاء ، كتاب العبادات الداخلة في العقود ، الباب الأوّل ، البحث الثالث عشر ، الأمر الأربعون (الحجرية).


في الجهة المقصودة (١) تؤجر للزراعة ونحوها (٢) ، مع المحافظة على الآداب اللّازمة لها إن كانت مسجدا مثلا ، وإحكام (٣) السّجلّات ، لئلّا يغلب اليد فيقضى بالملك. وتصرف (٤) فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف

______________________________________________________

أوّلها : كونه أقرب إلى مصرف الوقف ، فلو تعدّدت المساجد وكانت حاجتها إلى الأجرة المزبورة على السواء لم يجز صرفها في ما عدا الأقرب.

وثانيها : كونه أشد حاجة ، فلو تساوى مسجدان في القرب إلى المصرف ، لزم صرف الأجرة في الأحوج منهما إليها.

وثالثها : كونه أفضل ممّا عداه ، فلو تساوى مسجدان في القرب والحاجة ، ولكن كان أحدهما أفضل من الآخر ـ لكونه مسجدا جامعا والآخر مسجدا للسوق أو للقبيلة ـ تعيّن صرف الأجرة في الجامع.

ولو تعارض القرب والحاجة ، أو تعارض الحاجة والفضيلة ، أو تعارض القرب والفضيلة ، قدّم الراجح كما سيأتي توضيحه.

ولو كانت الموقوفة المستأجرة مقبرة درست آثارها لزم صرف الأجرة في مقبرة أخرى مع رعاية الأقرب والأحوج والأفضل.

وإن فقد المماثل ـ كما إذا خرب مسجد القرية ولم يكن فيها مسجد آخر ـ لزم صرف الأجرة في موقوفة اخرى كالمقبرة والحسينية والمشهد. فإن تعذّر صرف الأجرة في ذلك صرفت في مصالح المسلمين كبناء جسر أو قنطرة مما ينتفع به الجميع.

هذا كله بالنسبة إلى إيجار العرصة التي كانت مسجدا أو مقبرة. وأما الآلات فسيأتي كلام الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدس‌سره فيها.

(١) وهي الصلاة في المسجد ، والدفن في المقبرة ، وإقامة مجالس العزاء وتعظيم شعائر الله في الحسينيات ، ونزول الحجاج والمسافرين في الخانات ، وهكذا.

(٢) كإجارته لدوس الزرع ، أو دقّ الأرز ، أو تشييد مصنع فيه ، كلّ ذلك مع رعاية الآداب الشرعية.

(٣) معطوف على «المحافظة» وهذا إشارة إلى الشرط الثاني المتقدم بقولنا : «ثانيهما إحكام السّجلات ..».

(٤) معطوف على «تؤجر» يعني : بعد تحقق الإجارة ـ بشرطيها ـ يجب صرف الأجرة


مقدّما للأقرب والأحوج (١) والأفضل احتياطا. ومع التعارض (٢) فالمدار على الراجح. وإن تعذّر (٣) صرف إلى غير المماثل كذلك. فإن تعذّر (٤) صرف في مصالح المسلمين.

وأمّا غير الأرض (٥) من الآلات والفرش والحيوانات وثياب الضرائح

______________________________________________________

في الوقف المماثل إن كان.

(١) يعني : يشترط في صرف الأجرة في المماثل تقديم الأقرب ، والأحوج إلى الأجرة ، والأفضل على سائر المساجد. وهذا التقديم مبني على الاحتياط.

(٢) يعني : ومع تعارض كلّ من الثلاثة بعضها مع بعض قدّم الراجح ، ولهذا التعارض صور :

الاولى : أن يكون أحد المسجدين أقرب إلى مصرف الوقف ، والآخر أحوج إلى الأجرة وإن كان أبعد من حيث المصرف.

الثانية : أن يكون أحد المسجدين أحوج ، والآخر أفضل.

الثالثة : أن يكون أحد المسجدين أقرب إلى المصرف والآخر أفضل.

وحكم هذه الصور ملاحظة الراجح ، بأن كانت الأحوجية في إحدى المساجد غالبة على مقدار ما في ثانيها من الأقربية ، وفي ثالثها من الأفضلية.

ومقتضى تقدم الأحوج أنّه مع التساوي في الحاجة يتخير في صرف أجرة أرض المسجد في أيّ واحد من المساجد الثلاثة المفروضة في كلامه من كون بعضها أقرب وبعضها أحوج وبعضها أفضل.

(٣) أي : وإن تعذّر صرف الأجرة في المماثل ـ وهو المسجد ـ صرف في موقوفة أخرى كالمشهد والحسينية والمدرسة مع تقديم الأقرب والأحوج والأفضل على غيره كما روعي التقديم في نفس المساجد أيضا.

(٤) أي : فإن تعذّر صرف الأجرة في غير المماثل تعيّن صرفه في المصالح العامة.

هذا كله حكم الأرض الموقوفة مسجدا أو مقبرة ونحوهما ممّا يكون حقيقته فكّ الملك. وسيأتي الكلام في حكم ما يتعلّق بها من آلات وأثاث.

(٥) توضيح ما أفاده الشيخ الكبير قدس‌سره في حكم آلات الوقف ـ كالجذع الباقي بعد


ونحوها ، فإن بقيت على حالها وأمكن الانتفاع بها في خصوص المحلّ الذي أعدّت له ، كانت (١) على حالها ، وإلّا (٢) جعلت في المماثل ، وإلّا (٣) ففي غيره ، وإلّا (٤) ففي المصالح ، على نحو ما مرّ (٥).

______________________________________________________

انهدام بناء المسجد ، أو البساط والفرش الموضوعين فيه ، والحيوان الذي ينتفع به أو بأجرته ، وثياب الضرائح المشرفة إذا استغني عنها ونحو ذلك ـ هو : أنّ الانتفاع بها باقية على حالها إمّا أن يكون ممكنا ، وإمّا متعذرا. فإن أمكن الانتفاع بنفس أعيانها فله صور :

الأولى : الانتفاع بها في المحلّ الّذي أعدّت له ، ويجب إبقاؤها فيه لينتفع بها في الجهة المقصودة ، كافتراش البساط الموقوف في مسجد انهدم.

الثانية : الانتفاع بأعيانها في مكان آخر مماثل لما أعدّت له ، كوضع الفرش في مسجد آخر ، أو جعل ثوب ضريح ثوبا لضريح آخر ، ويجب النقل مع مراعاة الأمور الثلاثة ، وهي كون المنتقل إليه أقرب وأحوج وأفضل.

الثالثة : الانتفاع بأعيانها في مكان آخر غير مماثل ، كافتراش بساط المسجد في مشهد أو حسينية ، ويجب النقل مع مراعاة المراتب الثلاثة المتقدمة.

الرابعة : الانتفاع بأعيانها في مصالح المسلمين العامّة بعد تعذر الانتفاع بها في الصور الثلاث المتقدمة ، وهي الاستفادة منها في موضعها المعدّ لها أوّلا ، وكذا في المماثل ، وفي غير المماثل.

وإن تعذّر الانتفاع بالآلات والأثاث فسيأتي.

(١) جواب «فإن بقيت» يعني : وجب إبقاؤها في المحلّ الذي أعدّت له ، وهذا إشارة إلى الصورة الأولى.

(٢) أي : وإن امتنع الانتفاع بها في المحلّ الذي أعدّت له جعلت في المماثل ، كما تقدم في الصورة الثانية.

(٣) أي : وإن امتنع جعلها في المماثل وجب جعلها في غير المماثل ، كما تقدّم في الصورة الثالثة.

(٤) أي : وإن امتنع جعلها في غير المماثل والانتفاع بأعيانها لزم صرفها في مصالح المسلمين. كما تقدم في الصورة الرابعة.

(٥) يعني : مع ما مرّ ـ في صرف أجرة الأرض ـ من تقدم الأقرب والأحوج والأفضل.


وإن تعذّر (١) الانتفاع بها باقية على حالها بالوجه المقصود منها أو ما قام مقامه ، أشبهت (٢) الملك بعد إعراض المالك ، فيقوم فيها احتمال الرجوع (٣) إلى حكم الإباحة ، والعود (٤) ملكا للمسلمين ليصرف في مصالحهم ، والعود (٥) إلى المالك. ومع اليأس عن معرفته تدخل في مجهول المالك.

ويحتمل (٦) بقاؤه على الوقف ويباع ، احترازا عن التلف والضرر ، ولزوم

______________________________________________________

(١) معطوف على «أمكن الانتفاع بها» يعني : لو بقيت آلات الوقف ولم تضمحلّ ، ولكن تعذّر الانتفاع بأعيانها ـ من آلات وأثاث ـ مطلقا سواء في نفس الجهة المقصودة ، أو في ما يقوم مقامها من الصرف في المصالح العامة ، جرى في حكمها احتمالات :

الأوّل : تكون كالمباحات الأصلية ، تملك بالحيازة.

الثاني : تصير ملكا للمسلمين ، وتصرف في مصالحهم.

الثالث : تعود إلى ملك الواقف ، فإن عرف شخصه أو وارثه فهو ، وإن لم يعرف كانت من مجهول المالك ، يتصدّق به.

الرابع : تبقى وقفا ، كما أن أرض المسجد لم تخرج عن الوقفية بطروء الخراب ، فتباع الآلات ، ويصرف ثمنها في المماثل مقدّما للأقرب فالأحوج فالأفضل.

وإن لم يوجد المماثل صرف في غير المماثل مع رعاية الأمور الثلاثة. وإن لم يوجد ففي مصالح المسلمين.

(٢) جواب الشرط في «وإن تعذّر».

(٣) هذا هو الاحتمال الأوّل ، فكما أنّ إعراض المالك يجعل ماله كالمباحات الأصلية ، فيتملّكه الحائر له ، فكذا آلات الوقف بعد سقوطها عن الانتفاع بها تصير من المباح.

(٤) معطوف على «الرجوع» وهذا ثاني الاحتمالات ، ولعلّه أقرب إلى مقصود الواقف.

(٥) معطوف على «الرجوع» وهذا هو الاحتمال الثالث ، وقد تقدم توضيحه.

(٦) معطوف على «فيقوم» وهذا في قبال الاحتمالات الثلاث المتقدمة المبنية على بطلان الوقف. والوجه في وجوب البيع هو الجمع بين دليلين.

أحدهما : الاحتراز عن ضياع المال وتلفه ، الموجب لتضرر المسلمين.


الحرج ، وتصرف (١) مرتّبا على النحو السابق. وهذا (٢) هو الأقوى ، كما صرّح به بعضهم (١)» (٢) انتهى.

وفيه : أنّ إجارة الأرض (٣)

______________________________________________________

وثانيهما : لزوم الحرج على المتولّي من إبقاء هذه الآلات على حالها مع عدم الانتفاع بأعيانها مطلقا ، لا في محلها الأوّل ولا في محلّ آخر.

(١) معطوف على «يباع».

(٢) أي : احتمال بقاء الآلات على الوقف ـ ووجوب بيعها وصرف ثمنها في المماثل ، ثم في غيره ، ثم في المصالح العامة ، مع رعاية الترتيب في الكل ـ هو الأقوى.

هذا تمام ما أفاده الشيخ الكبير ، وسيأتي إيراد المصنف عليه.

(٣) ناقش المصنف قدس‌سره في كلام بعض الأساطين ـ من إجارة أرض موقوفة طرأ عليها الخراب كالمسجد المنهدم ، وبيع الآلات ـ بما حاصله : أنّه لا ريب في إناطة البيع والإجارة بالملك. وليس المراد به خصوص الملك المعيّن والمشاع ، بل يعمّ ما إذا لم يتملك العين أصلا ، ولكن يصرف منفعته وما يعود منه في مصلحة المالك ، كما هو الحال في مالكية المسلمين للأراضي المفتوحة عنوة ، إذ ليست هي ملكا مشاعا لآحادهم كي تتعيّن حصصهم بالتقسيم والإفراز ، وإنّما تصرف منافعها فيما يصلح لهم بإذن الولي وهو الحاكم الشرعي.

وحيث إنّ الكلام في الأوقاف العامة التي حقيقتها تحرير الملك ـ أي خروجها عن ملك الواقف ، وعدم دليل على دخولها في ملك المسلمين ـ فجواز بيعها وإجارتها منوط بدليل خاص عليه ، والمفروض عدمه. ولو شكّ فمقتضى الاستصحاب عدم دخولها في ملك الموقوف عليهم. وبانتفاء الملك لا وجه لصحة البيع والإجارة. نعم القدر المتيقن من دليل الوقف إباحة انتفاع المسلمين بالأوقاف العامة في الجهة المقصودة ، لا غير. ومن المعلوم عدم اقتضاء حلية الانتفاع الخاص لجواز بيعها وإجارتها المتوقفين على الملك.

فالنتيجة : أنّ ما أفاده الشيخ الكبير قدس‌سره ـ من جواز إجارة الأرض وبيع الآلات في الأوقاف العامة ـ لا يساعده دليل في مقام الإثبات وإن كان ممكنا ثبوتا.

__________________

(١) لاحظ تفصيل البحث في الجواهر ، ج ١٤ ، ص ٩٤.

(٢) شرح القواعد ، مخطوط ، الورقة ٨٤ ـ ٨٥.


وبيع الآلات حسن (١) لو ثبت دليل على كونها ملكا للمسلمين (٢) ، ولو على نحو الأرض المفتوحة عنوة (٣). لكنّه (٤) غير ثابت ، والمتيقّن (٥) خروجه عن ملك مالكه ، أمّا دخوله في ملك المسلمين فمنفيّ بالأصل (٦).

نعم (٧) يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين ، لأصالة الإباحة (*).

______________________________________________________

(١) لكونه أقرب إلى نظر الواقف عند فوات استعماله في مورد الوقف.

(٢) كون الوقف العام ملكا للمسلمين إمّا بأن تكون الرقبة مملوكة للمسلمين على نحو الإشاعة ، كما في الوقف الخاص. وإمّا بأن يجب صرف منافعها في مصالحهم. وحيث إن الملكية بالمعنى الثاني أخفى من ملكية العين بنحو الإشاعة ، فلذا أتى بكلمة «ولو» ويترتب على هذه الملكية ضمان المتصرّف فيها بغير إذن الحاكم الشرعي.

وعلى كلّ ، فالمفروض انتفاء كلا الفردين في الوقف العام.

(٣) فإنّ معنى مالكية المسلمين لها وجوب صرف منافعها في مصالحهم ، كما تقدم في بحث الأراضي بقوله : «فهذه الملكية نحو مستقلّ من الملكية قد دلّ عليه الدليل ، ومعناها صرف حاصل الملك في مصالح الملّاك» فراجع (ص ٣٩٨).

(٤) أي : لكن كون الوقف العام ملكا للمسلمين ـ بمعنييه ـ غير ثابت.

(٥) أي : والمتيقن من دليل الوقف العام خروجه عن ملك مالكه.

(٦) وهو الاستصحاب ، لليقين بعدم كونه ملكا للمسلمين قبل إنشاء الوقف ، والشك في دخوله في ملكهم بعد الإنشاء ، والأصل يقتضي عدمه.

(٧) استدراك على قوله : «أمّا دخوله في ملك المسلمين» وغرضه أنّ ملكية العين والمنفعة منتفية في مثل المسجد ، ولكنّ حقّ الانتفاع ثابت للمسلمين ، لأصالة إباحة كلّ فعل شكّ في حرمته وحليّته.

__________________

(*) فيه : أنّ أصالة الإباحة هنا محكومة باستصحاب حرمة الانتفاع الثابتة حال عدم التعذر. ودعوى تبدل الموضوع مدفوعة بكون التعذر وعدمه من الحالات المتبادلة على الموضوع لا المقوّمة له.

ثمّ إنّه لا بأس بالتعرض هنا لبعض الفروع المبتلى بها ، وهو حكم المساجد


ولا يتعلّق (١) عليهم اجرة.

______________________________________________________

(١) أي : لا يكون المنتفع ضامنا لاجرة ما استوفاه من المنفعة ، لأنّ الضمان تابع للتصرف في مال الغير عينا أو منفعة ، والمفروض أنّ الثابت في مثل وقف المسجد حلّية الانتفاع في الجهة المقصودة ، لا ملك المنفعة حتى تضمن ـ بأجرة المثل ـ لسائر المسلمين.

هذا تمام ما يتعلق بكلام كاشف الغطاء قدس‌سره.

__________________

والأوقاف العامة الواقعة في الشوارع المستحدثة قهرا بأمر الحكومات الإسلامية وغيرها ، فنقول وبه نستعين :

ينبغي الكلام في مقامين ، أحدهما في المساجد ، وثانيهما : في سائر الموقوفات.

أما المقام الأوّل ، فملخّص الكلام فيه : أنّ المعروف بين الأصحاب ـ بل الظاهر عدم الخلاف بينهم ـ في عدم بطلان المسجدية بالخراب ، وإن حكي عن بعض العامة رجوعه بعد الخراب إلى ملك الواقف قياسا على كفن الميت الذي أخذه السّيل ، لرجوع كفنه حينئذ إلى ملك الوارث أو غيره ممّن بذله له.

لكنّه قياس مع الفارق ، حيث إنّ بذل الكفن حكم تكليفي منوط ببقاء موضوعه أعني به الميت. فإذا ذهب الموضوع بالحرق أو الغرق أو غيرهما يسقط هذا التكليف. وهذا بخلاف المسجدية ، فإنّها من الوضعيات الثابتة لنفس الأرض الباقية وإن زالت آثارها وأبنيتها ، لأنّ المسجدية كالملكية من الأمور الاعتبارية القائمة بنفس الأرض ، ولا تنفكّ عنها بالخراب ، إذ المسجدية كالملكية من الاعتباريات التي لها في حدّ ذاتها بقاء واستمرار ، فلا ترتفع إلّا برافع ، إذ لا يكون الشك في بقائها لأجل الشك في مقتضيها. فإذا شكّ فيها جرى فيها الاستصحاب بلا كلام.

ولكن لا تصل النوبة إلى الاستصحاب بعد كشف السيرة عن كون المسجدية كالحرية غير قابلة للزوال. فالشكّ في بقاء المسجدية من ناحية الشكّ في الرافع غير متصوّر أيضا.

ويدلّ على ذلك السيرة القطعية القائمة على بقاء أحكام المسجدية للمساجد الخربة التي لم يبق لها آثار أصلا ، فإنّ هذه السيرة تكشف عن كون المسجدية من الاعتبارات والعناوين القائمة بنفس الأرض ، وأنّ وقف أرض مسجدا غير وقفها مدرسة أو مكانا للزّوّار


.................................................................................................

______________________________________________________

والمسافرين ، أو معبدا للمتعبدين ، أو مكانا للراكعين أو الساجدين ، أو ما أشبه ذلك ، فإنّ هذه العناوين جهات تبطل الوقفية بفواتها.

وليست المسجدية منها ، إذ المقصود من وقف المسجد ليس حفظ جهة الصلاة أو مطلق العبادة ، حتى يقال ببطلان المسجدية بفوات الجهة المقصودة ، بل المقصود حفظ عنوان خاص ، وهو ما يسمى مسجدا أو جامعا أو بيتا لله تعالى أو ما يؤدّي معناها من لغات شتى. فليس منه ما يصنع في البيوت في بعض البلدان من إعداد مكان للصلاة ويسمّى بالمصلّي ، وبالفارسية ب «نمازخانه» فإنّه ليس مسجدا.

وممّا ذكرنا من بقاء عنوان المسجدية وعدم ذهابه بزوال الآثار يظهر ما في المسالك «من اختصاص بقاء المسجدية وأحكامها بالمساجد المبنية في غير الأراضي المفتوحة عنوة. وأمّا ما فيها حيث يجوز وقفها تبعا لآثار المتصرف ، فإنّه ينبغي حينئذ بطلان الوقف بزوال الآثار ، لزوال المقتضي للاختصاص ، وخروجه عن حكم الأصل» (١).

وجه الظهور : أنّ عنوان المسجدية من العناوين القائمة بنفس الأرض ، ولا يبطل بذهاب الآثار أصلا.

نعم إن كان نظره قدس‌سره إلى عدم صحة جعل المسجدية في الأراضي المفتوحة عنوة ـ لعدم صحة تملكها حتى تجعل مسجدا ، بل المسجدية قائمة بالآثار ، والأرض ليست حقيقة مسجدا ، بل هي مسجد حكما. وهذا الحكم منوط ببقاء الآثار ـ فهو متين كما تقدم في حكم الأراضي المفتوحة عنوة ، فيصير النزاع مع المسالك على هذا التقدير صغرويا.

لكن هذا الكلام يجري في العامرة حال الفتح دون الموات حاله ، فإنّ بقاء عنوان المسجدية في المساجد المبنية في مواتها مما لا ينبغي الإشكال فيه.

ودعوى السيرة القطعية على اتخاذ المساجد في العراق وغيره من المفتوحة عنوة كما في الجواهر «والعلم بترتيب آثار المسجدية عليها حتى بعد الخراب» (٢) غير مسموعة في مطلق المساجد ، بل في خصوص المبنية منها في مواتها ، فإنّ المتيقن منها هي المساجد

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٣٩٧.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ١٠٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

المبنية في موات المفتوحة عنوة. وأمّا في المبنية منها في معمورتها فالسيرة فيها غير ثابتة. فدعوى بطلان مسجديتها بذهاب الآثار في غاية القرب.

وممّا ذكرنا من عدم زوال عنوان المسجدية باندراس الآثار يظهر بقاء جميع الأحكام الثابتة لعنوان المسجد حين وجود الأبنية ، وعدم ارتفاعها باندراس الآثار ، لما مرّ من أنّ عنوان المسجدية من الاعتباريات التي لا تزول بزوال الآثار ، لقيامها بنفس الأرض ، من دون دخل للآثار في مسجديتها. بل المسجد إمّا معمور وإما مغمور ، بلا مساس للعمارة في طروء المسجدية للأرض ، فليس العمران مقوّما لعنوان المسجدية ولا شرطا له.

ومن هنا يظهر أنّ نظر العرف في ذهاب عنوان المسجدية العرفية بذهاب الآثار ليس متّبعا في ترتيب الأحكام الشرعية الثابتة للمسجد ، إذ الموضوع هو ما عرفت ممّا استفيد من السيرة القطعية القائمة على بقاء أحكام المسجدية على نفس الأرض ولو بعد زوال جميع الآثار والأبنية ، إذ السيرة تكشف عن عدم إحالة الشارع تمييز مفهوم المسجد إلى العرف حتى يكون نظرهم في ذلك متّبعا شرعا.

فاتّضح من جميع ما ذكرنا عدم الوجه في التفكيك بين الآثار الشرعية ، كما يظهر من العروة الوثقى ، حيث قال : «مسألة : إذا تغيّر عنوان المسجد بأن غصب وجعل دارا ، أو صار خرابا بحيث لا يمكن تعميره ولا الصلاة فيه ، وقلنا بجواز جعله مكانا للزرع ، ففي جواز تنجيسه وعدم وجوب تطهيره كما قيل إشكال. والأظهر عدم جواز الأوّل ، بل وجوب الثاني أيضا» (١).

وقال شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدس‌سره في حاشيته على هذه العبارة ما لفظه : «إذا خرج عنوان المسجدية وبطل رسمه بالكلية ، فالأظهر عدم وجوب تطهيره ، وإن كان جواز التنجيس لا يخلو عن إشكال» (٢).

وعبارة العروة المتقدمة وإن كان ظهورها البدوي في التفكيك بين الحكمين لا ينكر ،

__________________

(١) العروة الوثقى ، كتاب الطهارة ، أحكام النجاسات ، فصل اشتراط الصلاة بإزالة النجاسة عن الثوب والبدن ، المسألة ١٣.

(٢) تعليقة العروة ، ص ٩ ، طبعة عام ١٣٤٠ (الحجرية).


.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا أنّ قوله قدس‌سره في المسألة العاشرة من ذلك الفصل : «لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا وإن لم يصلّ فيه أحد ، ويجب تطهيره إذا تنجيس» قرينة على عدم التفكيك بين وجود التطهير وحرمة التنجيس ، هذا.

مضافا إلى : أنّ نفس العبارة ظاهرة بعد التأمل اليسير في الملازمة بين الحكمين ، غاية الأمر أنه قدس‌سره نبّه على أن في المسألة إشكالا عند بعض الأصحاب. فغرض صاحب العروة التنبيه على القول بالتفكيك ، لا أنّه يلتزم ويقول به.

فالحري حينئذ التعرض للمنشإ الاشكال. ولعلّه ملاحظة أنّ المسجدية وإن كانت من قبيل الملكات ، إلّا أنّ صدقها منوط بالإعداد للصلاة وغيرها من العبادات ، كالمفتاح ، فإنّ صدقه على حديد مثلا منوط بكونه معدّا للفتح ، وبدونه لا يصدق عنوان المفتاح عليه. نعم لا يتوقف صدقة على التلبس الفعلي الخارجي بالمبدء ، كما هو الشأن في سائر المبادي التي تكون من الملكات ، لكفاية إعدادها في الصدق المزبور. هذا.

وقد عرفت أنّ المسجدية الموضوعة للأحكام الخاصة الشرعية المستفادة من السيرة المتقدمة لا يعتبر فيها الإعداد للصلاة أو غيرها ، وإن حكم العرف باعتبار إعداد الأرض للصلاة في المسجدية العرفية.

لكن الرجوع إلى العرف في تشخيص موضوع الحكم الشرعي على ما هو قضية الإطلاق المقامي منوط بعدم بيان الشارع صريحا أو التزاما لتحديد موضوع حكمه كما في المقام ، إذ السيرة القائمة على ترتب أحكام المسجد على المعمورة والمغمورة تدلّ التزاما على كون المسجدية التي جعلت موضوعا لأحكام خاصّة عبارة عمّا لا ينفكّ عن الأرض ولو بعد الخراب ، ولذا تكون المسجدية من قبيل التحرير.

فالمتحصّل : أن عبارة السيد قدس‌سره في كتاب الطهارة ظاهرة في بقاء حكم المسجد بعد خرابه أو غصبه. لكنه ذهب في كتاب الوقف إلى سقوط عنوان المسجد باندراس أثره ، أو باستيلاء جائر عليه ، وجعله دارا ونحوها. فإنه قدس‌سره وإن حكم بدوا بعدم خروج العرصة عن المسجدية إذا خرب البناء ، وبحرمة بيعها وحرمة تنجيسها مع إمكان الصلاة فيها للمارّة


.................................................................................................

______________________________________________________

وغيرهم ، إلّا أنّه نفى البعد عن زوال عنوان المسجد ، بشهادة أنّه لو خرب المسجد المبنى في الأرض المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين خرج عن كونه مسجدا. الى أن قال : «بل يمكن أن يقال بجواز بيعه وإخراجه عن المسجدية إذا غلب الكفار عليه ، وجعلوه خانا أو دارا أو دكانا. بل الأولى أن يباع إذا جعلوه محلّا للكثافات ، أو جعلوه بيت خمر مثلا ، صونا لحرمة بيت الله عن انتهاك. والحاصل : أنه لا دليل على أن المسجد لا يخرج عن المسجدية أبدا» (١).

وكذلك صرّح في (مسألة ٣٨) بجواز بيع المساجد كسائر الموقوفات العامة والخاصة في موارد جواز بيع الوقف (٢). وفي (مسألة ٣٩) ببطلان الوقف بزوال العنوان ، فيباع. فراجع (٣).

ولكنه لا يخلو عن غموض ، لأنّ مجرّد الإمكان لا يكفي في الحكم بخروج العرصة عن المسجدية مع فرض كون المقصود جعلها مسجدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. بل السقوط منوط بالدليل. وما أفاده من زوال العنوان لو خرب المسجد المبنى في الأرض المفتوحة عنوة غير ظاهر أيضا ، إذ لو كان جعلها مسجدا من قبل وليّ المسلمين وهو الامام المعصوم عليه‌السلام أو نائبه العام ـ بناء على ثبوت عموم ولاية الفقيه ـ فما الوجه لاقتضاء الخراب أو غصب الظالم أو استيلاء الكفار على بلاد المسلمين لزوال عنوان المسجد؟ مع فرض عدم تحديد إنشاء المسجدية بزمان معيّن أو زماني كذلك. وكذا لا إهمال من حيث الدوام والتوقيت ، والحالات الطارئة عليه ، ولذا لا تعدد في المطلوب كما في الأوقاف الخاصة حتى ينتقل الوقف إلى البدل بعد عدم وفاء العين بغرض الواقف ، فيتعيّن الإطلاق ثبوتا وإثباتا.

ومنه يظهر غموض ما فرّعه قدس‌سره على بطلان وقف المسجد من جواز بيعه صونا لحرمته عن الهتك.

وما أفاده قدس‌سره في (مسألة ٣٨) : في أوّل إشكالاته الأربعة على شيخنا الأعظم «من كون

__________________

(١) ملحقات العروة الوثقى ، ج ٢ ، ص ٢٤٧.

(٢) المصدر ، ص ٢٥٧.

(٣) المصدر ، ص ٢٦٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

الوقف ملكا له تعالى على نحو ملكه لسدس الخمس في آية الخمس ، فلا مانع من بيعه مع المسوّغ ، وأمره راجع إلى الحاكم الشرعي» (١) غير ظاهر أيضا ، فإنّ «اللام» بناء على ظهوره في الملك ـ لا في مطلق الاختصاص ـ دلّ على ملكية هذا السدس له تعالى بالملكية الاعتبارية ، ولم ينهض عليها في الوقف. والمقصود بقوله تعالى «الْمَساجِدَ لِلّهِ» هو التوحيد في العبادة ، هذا مع الغض عمّا ورد من إرادة مواضع السجود.

فتلخّص : أنّ أحكام المسجد تترتب على المساجد المعمورة والمغمورة على نسق واحد ، فتنجيس أنقاض المساجد الباقية في الشوارع حرام ، وتطهيرها على تقدير تنجسها واجب ، لما مرّ من السيرة على عدم الفرق في جريان أحكام المساجد بين عامرها وخرابها. ومع هذه السيرة لا يبقى شك في بقاء أحكام المسجد بعد طروء الخراب حتى نحتاج إلى الاستصحاب ، ويستشكل في جريان استصحاب وجوب التطهير بكونه تعليقيا.

بل يمكن أن يقال : بعدم شكّ هنا حتى نحتاج إلى الاستصحاب ، إذ لو كان الموضوع ما ذكرناه من معنى المسجدية ، فلا ريب في بقاء أحكام المسجد بعد الخراب ، لعدم زوال عنوان المسجدية باندراس الآثار. ولو كان ما يراه العرف من إعداده للصلاة ، فلا شك في ارتفاعه حتى يجرى فيه الاستصحاب.

ومع فرض الشكّ في الموضوع وعدم تمييزه ـ وأنّه هل المسجدية الشرعية التي تستفاد من السيرة المتقدمة؟ أم العرفية التي يعتبر فيها الإعداد للصلاة ، وبدونه لا يعتبر العرف عنوان المسجدية للأرض ، كما فيما جعل جزء من الشارع أو محلّا للمكائن مثلا ـ لا مجال أيضا للاستصحاب ، للشك في بقاء الموضوع ، إذ لو كان الموضوع المسجدية الشرعية الأبدية فلا شكّ في بقاء الموضوع الموجب للعلم ببقاء الأحكام التنجيزية والتعليقية. وإن كان الموضوع المسجدية العرفية ، فلا إشكال في انتفائه الموجب للقطع بارتفاع الأحكام مطلقا.

إلّا أن يقال : إنّ الموضوع ذات الأرض ، وعنوان المسجدية من الجهات التعليلية ، فمنشأ الشك حينئذ هو كون هذه العلة محدثة ومبقية ، أو محدثة فقط ، هذا.

__________________

(١) ملحقات العروة الوثقى ، ج ٢ ، ص ٢٥٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

لكنه خلاف ظاهر الأدلة المثبتة للأحكام لعنوان المساجد ، فإنّ ظاهر الإسناد هو كون المسجدية جهة تقييدية لا تعليلية ، فينسدّ باب الاستصحاب من هذه الناحية أيضا.

هذا كلّه مضافا إلى : أنّه ليس وجوب التطهير من الأحكام التعليقية حتى يشكل جريان الاستصحاب فيها ، لأنّ هذا الحكم يستفاد من مثل قولهم عليهم‌السلام : «جنبوا مساجدكم النجاسة» (١) فإنّ المستفاد من مثل هذا الكلام هو وجوب تبعيد النجاسة وحرمة تقريبها حدوثا وبقاء. وعصيان وجوب تبعيد النجاسة عن المسجد تارة يتحقق بتنجيسه ، واخرى بترك تطهيره مع التمكن منه. فالتكليف المستفاد من الكلام المذكور واحد ومنجّز ، فالمقام أجنبي عن الحكم التعليقي الذي لا يجري فيه الاستصحاب على مذهب بعض.

فتلخص من جميع ما ذكرنا : أنّ الأقوى ترتب أحكام المسجد على المساجد الواقعة في الشوارع ، سواء أكانت في الأراضي المفتوحة عنوة أم غيرها ، وسواء وقعت في المعمورة حال الفتح أم في مواتها.

نعم الّذي يسهّل الخطب في كثير ممّا يقع من المساجد في الشوارع : أنّ نفس أرض المسجد تقع تحت التراب والتبليط غالبا ، بحيث لا تؤثّر النجاسة في نفس الأرض ، فالمتنجس غير أجزاء المسجد ، كما إذا تنجّس آجر من خارج المسجد ، ثم أدخل إلى المسجد ، أو العكس. وإن كان الفضاء أيضا من المسجد. إلّا أنّ معروض النجاسة هو الأرض ، إذ لا معنى لنجاسة الفضاء.

إلّا أن يقال : إنّ ما دلّ على حرمة إدخال النجاسة في المسجد يشمل إدخالها في الفضاء أيضا. فحينئذ تجب إزالة النجاسة عن المبلّط ، كوجوب إزالتها عن نفس أرض المسجد ، هذا.

لكن الإنصاف أنّ استفادة هذا المعنى منوطة بظهور أدلة حرمة إدخال النجاسة إلى المسجد في حرمته وإن لم تكن النجاسة متعدية ، وهو محل بحث وكلام ، لقوّة احتمال إرادة التلويث من إدخال النجاسة. والمفروض فقدان التلويث في المقام.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٣ ، ص ٥٠٤ ، الباب ٢٤ من أبواب أحكام المساجد ، ح ٢ ، رواه عن الكتب الاستدلالية ، وفي التذكرة : «ولقوله عليه‌السلام : جنّبوا ..» ج ٢ ، ص ٤٣٣ ، الطبعة الحديثة.


.................................................................................................

______________________________________________________

وإذا شكّ في إرادة مطلق إدخال النجاسة وإن لم تكن متعدية ، فالأصل يقتضي جوازه ، إلّا إذا استلزم هتك المسجد. ولا بدّ من التأمّل ومراجعة أدلة إدخال النجاسة إلى المسجد ليتضح الحال ، وفقنا الله تعالى لذلك عاجلا.

ولنختم الكلام في المساجد بما يتعلق بالبيع والكنائس الواقعة في الشوارع ، فنقول : إنّ البحث في البيع والكنائس المبنية في غير بلاد المسلمين ، إذ ما يبنى منهما في بلادهم لا يترتب عليهما أثر أصلا ، لكون بنائهما فيها مخالفا لشرائط الذمّة ، فيبطل وقفهما ، فيكون بناؤهما كالعدم ، فلا إشكال في جواز العبور فيما يقع منهما في الشوارع.

وأمّا فيما يبنى منهما في ممالك الكفار سواء أكان بناؤهما قبل تشريع الدين الإسلامي أم بعده ، فإن كان حقيقتهما حفظ عنوان المسجدية وإن كان يسمّى عندهم بالبيع أو الكنائس ، فيرجع هذا الكلام إلى اتحاد المسجد والبيعة والكنيسة مفهوما وإن اختلفت اسما. لكن هذا الاختلاف لا يقدح في حقيقتها ، لكون الاسم عنوانا مشيرا لا يختلف المعنون باختلاف العناوين المشيرة ، ويلزمه ترتب جميع أحكام المسجد عليهما بناء على صحة هذا الوقف من غير المؤمن ، كما يظهر من صحة وقف الكافر على البيع والكنائس ، أو أحد الكتابين كما في الشرائع (١) وفي الجواهر : «بلا خلاف أجده فيه كما عن المقتصر الاعتراف به ، بل عن ظاهر التنقيح الإجماع عليه» (٢).

لكن في المسالك ما محصله : «هو يتم بناء على عدم اشتراط القربة ، أمّا معه فمشكل ، من حيث إنّ ذلك معصية في الواقع ، فلا يتحقق معنى القربة» (٣).

أقول : المراد بالقربة في الوقف هو جعله لله تعالى. فإن أراد الكافر هذا المعنى من القربة فلا بأس به ، واعتبار صلاحية الفاعل للتقرب بفعله لا دليل عليه ، فوقف الكافر من ناحية قصد القربة صحيح.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢١٤.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٣٥.

(٣) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٣٣٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

وحينئذ نقول : إنّ لوقف أرض من الكافر للعبادة احتمالات ثلاثة :

الأوّل : أن يقصد جعل مكان لله تعالى ، لا بنحو يكون وقفا على عبادة أو متعبدين كما تقدم في وقف المسجد ، فهذا الوقف ليس إلّا وقف المسجد.

الثاني : أن يقصد وقفية المكان على العبادة الصحيحة عند الله تبارك وتعالى ، غايته أنّه يتخيّل انطباقها على عباداتهم.

الثالث : أن يقصد وقفيته على عباداتهم بتخيّل أنّها هي العبادة الصحيحة عنده تعالى شأنه.

والوقف على النحوين الأوّلين صحيح. أمّا الأوّل فلكونه من وقف المسجد حقيقة.

وأمّا الثاني فلأنّ غاية الوقف ـ وهي العبادة الصحيحة الواقعية ـ غرض عقلائي محلّل ، فلا مانع من الوقف لها.

وعلى النحو الثالث باطل ، لبطلان غايته ، فإنّ العبادة الباطلة حرام ، والوقف عليها وقف على جهة محرّمة كالوقف على عبادة الأصنام مثلا. ولا إشكال في بطلان الوقف على الجهات المحرّمة. هذا في مقام الثبوت.

وأمّا مرحلة الإثبات ، فإن أحرز كيفية الوقف فلا إشكال ، وإن شك فيها فمقتضى الاستصحاب عدم صيرورة المكان مسجدا. ولا يعارض باستصحاب عدم جعل المكان وقفا على العبادة. وذلك لعدم ترتب الأثر على هذا الاستصحاب ، إذ وجوب التطهير وحرمة التنجيس مثلا من أحكام خصوص المسجد ، لا كلّ موقوفة.

فالمتحصل من جميع ما ذكرنا : جواز الاستطراق في الكنائس والبيع الواقعة في الشوارع المستحدثة ، وعدم حرمة تنجيسها ، كعدم وجوب تطهيرها.

وأمّا المقام الثاني ـ أعني به سائر الموقوفات غير المساجد ـ فالظاهر أنّ الأوقاف الموقوفة على جهات خاصة كالمدارس والخانات والحسينيات والدور والبساتين التي وقفها أربابها على الطلبة والزوار والمآتم وغيرها تبطل وقفيتها بتعذر الانتفاع بها في الجهة المقصودة من الوقف ، سواء أكان السقوط عن الانتفاع في تلك الجهة بتخريب قاهر كما في المقام ، أم بخرابها طبعا ، فإنّ الوقف يبطل بخروج الموقوفة عن الانتفاع الخاص ، وتصير


ثمّ إنّه ربما ينافي (١) ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني

______________________________________________________

(١) التنافي مبني على توهم التلازم ـ في عدم جواز البيع ـ بين نفس العين الموقوفة وبين الآلات والفرش وغيرهما ممّا يتعلق بها. وغرضه قدس‌سره بيان وهم ودفعه.

أمّا الوهم فهو : أنّ ما تقدم ـ من منع بيع الوقف التحريري كالمسجد وما بحكمه ـ ينافيه ورود الدليل في موردين على جواز بيع هذا القسم من الوقف :

أحدهما : الخبر الدال على جواز بيع ثوب الكعبة ، مع أنه موقوف وليس ملكا لأحد.

وثانيهما : ما ذكره الفقهاء من جواز بيع حصير المسجد إذا خلق ، وكذا جذوعه إذا خرجت عن الانتفاع.

وعليه لا وجه لمنع بيع المسجد وأجزائه ، وما يتعلّق به من أثاث.

وأمّا الدفع فسيأتي.

__________________

أرضها صدقة مطلقة تصرف في مطلق الوجوه البريّة ، أو في خصوص ما هو أقرب إلى غرض الواقف ، فمقتضى القاعدة عدم المنع عن العبور في أرض تلك الموقوفات بعد هدمها وجعلها طرقا وشوارع.

وأمّا المقابر ، فإن كانت مملوكة ، فالعبور فيها تصرف في ملك الغير منوط بإذن مالكه كما هو حكم المملوكات الواقعة في الشوارع ، فحكمها حكم المملوكات. وإن لم تكن مملوكة ـ بل كانت مسبّلة ، بأنّ جعلها مالكها موقوفة على دفن المسلمين فيها ـ فالعبور فيها لا بأس به.

كما لا إشكال في جواز الاستطراق في المقابر الفعلية التي لم تقع في الشوارع ، فإنّ الوقفية للدفن لا تمنع عن الاستطراق غير المزاحم لجهة الوقف.

نعم مع المزاحمة لا يجوز ، لاقتضاء نفس دليل الوقف حرمة التصرفات المنافية له. إلّا أنّها إن وقعت في الشوارع تصير ساقطة عن الانتفاع بها في الجهة المقصودة من الوقف ، كسائر الموقوفات على جهات خاصّة.


من الوقف ما ورد (١) في بيع ثوب الكعبة وهبته (٢) ، مثل (٣) رواية مروان بن (٤) عبد الملك ، قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل اشترى من كسوة الكعبة ما قضى ببعضه حاجته ، وبقي بعضه في يده ، هل يصلح له أن يبيع ما أراد؟ قال : يبيع (٥) ما أراد ، ويهب (٦) ما لم يرد ،

______________________________________________________

(١) فاعل «ينافي» وقد تقدم وجه المنافاة آنفا بقولنا : «أمّا الوهم ..».

(٢) أي : هبة ثوب الكعبة.

(٣) بيان ل «ما ورد» والتعبير بالمثل لأجل ورود جواز بيع ثوب الكعبة في غير هذه الرواية أيضا ، كما في معتبرة عبد الملك بن عتبة ، فراجع (١).

(٤) كذا في موضعين من الوسائل وفي المقابس أيضا ، ولكن في التهذيب والكافي : «مروان عن عبد الملك» (٢).

(٥) يحتمل في جواز بيع كسوة الكعبة ما قيل : من عدم كونها وقفا ، بل تكون من قبيل الحبس ، فهي مبذولة لأن يكتسى بها البيت سنة مثلا ، ثم تباع ويصرف ثمنها في الخدمة. وعلى هذا تكون باقية على ملك الباذل لها ، مع إذنه في التصرف فيها وفي ثمنها على النهج المعهود من بيعها بعد مدّة.

ويحتمل أن تكون مشتراة من منافع الأملاك الموقوفة لمصالح البيت المكرّم ، فتكون نظير ما سيأتي من حصير المسجد المشتري من منافع دكّان موقوف لمصالحه ، فإنّ أمر البيع بيد الناظر العامّ.

(٦) ظاهر جوابه عليه‌السلام جعل ثوب الكعبة المعظّمة قسمين ، بأن يبيع قسما ، ويهب قسما آخر منه.

ولكن يحتمل في جملتي «ينتفع ، يطلب» عطفهما على «يهب» فيكون المراد انتفاع المشتري ـ لكسوة الكعبة ـ بالهبة.

ويحتمل عطفهما على «يرد» فيكون المعنى : أنّ ما لا يريد الانتفاع

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٢ ، ص ٧٥٢ ، الباب ٢٢ من أبواب التكفين ، ح ٣ ، وكذا ح ٢.

(٢) الكافي ، ج ٣ ، ص ١٤٨ ، باب ما يستحب من الثياب للكفن وما يكره ، ح ٥ ، التهذيب ، ج ١ ، ص ٤٣٤ ، ح ٣٦ من باب ٢٣.


وينتفع (١) به ، ويطلب بركته. قلت : أيكفّن به الميت؟ قال : لا (٢)» (١).

قيل (٣) وفي رواية أخرى : «يجوز استعماله ، وبيع بقيّته [نفسه]».

وكذلك (٤) ما ذكروه في بيع حصر المسجد إذا خلقت ، وجذوعه إذا خرجت عن الانتفاع.

اللهم إلّا أن يقال (٥) إنّ ثوب الكعبة وحصير المسجد ليسا من قبيل

______________________________________________________

به مباشرة ولا طلب بركته يهبه للغير لينتفع به. ولعلّ الأقرب هو الاحتمال الأوّل.

(١) كذا في نسخ الكتاب ، ولكن في الوسائل والكافي والتهذيب «ويستنفع به» أي : بالثوب.

(٢) لعلّ النهي عن التكفين به لأجل كونه حريرا محضا كما احتمله العلّامة المجلسي قدس‌سره (٢).

(٣) قال في الوسائل والمقابس : «وقال الكليني : وفي رواية اخرى : أنه يجوز استعماله وبيع بقيّته» (٣).

(٤) معطوف على الموصول في «ما ورد» وهذا إشارة إلى المورد الثاني ، وهو فتوى الأصحاب. يعني : ينافي ما ذكرناه ـ من عدم جواز البيع ـ ما ذكروه من بيع حصير المسجد .. إلخ. وهذا التنافي كسابقه أيضا مبني على التلازم المزبور.

(٥) غرضه من هذا دفع توهم المنافاة المذكورة في المقامين. وفيه تعرّض للموضع الثاني المشار إليه في (ص ٥٧٧) ، وهو حكم آلات المسجد والأثاث الموضوعة فيه.

وحاصل ما أفاده : أنّ ثوب الكعبة وحصير المسجد إن كانا كنفس الكعبة والمسجد لكان لما ذكر من التنافي وجه. لكنّه ليس كذلك ، إذ الأموال الموقوفة للكعبة والمساجد تكون مملوكة للموقوف عليهم ، فللمتولّي التصرف فيها بما يراه مصلحة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٢ ، ص ٧٥٢ ، الباب ٢٢ من أبواب التكفين ، ح ١ ، ج ٩ ، ص ٣٦٠ ، الباب ٢٦ من أبواب مقدمات الطواف ، ح ٣ ، مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٤

(٢) ملاذ الأخيار ، ج ٣ ، ص ٢٣٤

(٣) وسائل الشيعة ، ج ٩ ، ص ٣٥٩ ، الباب ٢٦ من أبواب مقدمات الطواف ، ح ٢ ، مقابس الأنوار ، ص ٦٤ ولم تظفر بها في الكافي المطبوع. والظاهر اختلاف نسخ الكافي ، بشهادة نقل هذين العلمين عنه.


المسجد (١) ، بل هما مبذولان للبيت والمسجد ، فيكون (٢) كسائر أموالهما. ومعلوم أنّ وقفيّة أموال المساجد والكعبة من قبيل القسم الأوّل (٣) ، وليس (٤) من قبيل نفس المسجد ، فهي ملك للمسلمين ، فللناظر العامّ التصرّف [فيه] (٥) فيها بالبيع.

نعم (٦) ، فرق بين ما يكون ملكا طلقا كالحصير المشتري من مال المسجد ،

______________________________________________________

بخلاف نفس المسجد والكعبة ، فإنّهما ليسا مملوكين لأحد ، فلا يجوز بيعهما.

(١) في كون وقف المسجد تحرير الملك ، لا تمليكه للمصلّين والعابدين.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب «فيكونان» ليطابق تثنية الضمير في «أموالهما».

(٣) يعني : يكون تمليكا للموقوف عليهم.

(٤) الأولى : «وليست» لأنّ اسمها ضمير راجع إلى الوقفية.

(٥) كذا في نسختنا ، والأولى «فيها» كما في نسخة اخرى.

(٦) استدراك على قوله : «ليسا من قبيل المسجد ، بل هما مبذولان للبيت والمسجد ..» وغرضه قدس‌سره التفصيل في مثل ثوب البيت وحصير المسجد ، وتقييد إطلاق جواز البيع ، وبيانه : أنّ الحصير قد يشترى من منافع موقوفة وقفها صاحبها لصرف منافعها في ما يحتاج إليه المسجد ، كما إذا أوقف شخص بستانا على مسجد ، لتسدّ به ما يحتاجه من فرش وضوء وماء واجرة خادم ، وهكذا.

وقد يشتريه شخص من ماله فيوقفه في المسجد.

وما ذكرناه من أنّ حصير المسجد مبذول له ويجوز بيعه ـ وليس وقفه فكّ الملك ـ ناظر إلى القسم الأوّل دون الثاني ، وذلك لأنّ منافع الأوقاف الموقوفة على المساجد كالدكاكين والبساتين وغيرهما ليست أوقافا ، وإنّما الموقوف نفس الدكاكين والبساتين وغيرهما من الأصول ، فالمنافع مملوكة للمسلمين ، غايته أنّها تصرف في مصرف خاص وهو المساجد. فبيع المنافع وكذا تبديل أثمانها بما يراه المتولي مصلحة للمسجد جائز.

وهذا بخلاف الحصر التي يشتريها الرجل ويضعها في المسجد ، وكذا الثوب الذي يلبس به البيت ، فإنّهما مملوكان للمسلمين ، ولا يجوز بيعهما إلّا بطروء مسوّغ له.

وبعبارة أخرى : الفرق بين شراء شخص حصيرا ووقفه على المسجد ، وبين شراء الحصير من عوائد بستان أوقف على المسجد هو : أنّ مقصود المشتري للحصير الانتفاع


فهذا يجوز للناظر بيعه مع المصلحة ولو لم يخرج عن حيّز الانتفاع ، بل (١) كان جديدا غير مستعمل ، وبين (٢) ما يكون من الأموال وقفا (٣) على المسجد كالحصير الذي يشتريه الرجل ويضعه في المسجد. والثوب الذي يلبس البيت ، فمثل هذا يكون ملكا للمسلمين لا يجوز لهم تغييره عن وضعه إلّا في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف.

______________________________________________________

بعينه في المسجد بالصلاة ونحوها من الأمور العبادية ، فلا يجوز للمتولّي بيعه إلّا بطروء المسوّغ. وهذا بخلاف شراء حصير من عوائد موقوفة كالبستان ، فإنّ الحصير لم ينشأ وقفيته من قبل واقف البستان ، وإنّما صار وقفا من جهة ابتياعه بغلّة الموقوفة.

ومن المعلوم أنّ دليل المنع عن بيع الوقف وشرائه كقوله عليه‌السلام : «لا تباع ولا توهب ، ولا يجوز شراء الوقف» مختص بما ورد عليه الوقف ، وليس فيه دلالة على المنع عن بيع ما اشترى بعائدات الوقف. فحكم هذا الحصير حكم سائر ما يحصل من البستان من جواز صرف أعيانها في المسجد ، وجواز تبديلها بما هو أصلح بحاله.

قال الشهيد الثاني قدس‌سره : «ولو لم يكن أصله موقوفا ، بل اشتري للمسجد مثلا ، أو بذله له باذل صحّ للناظر بيعه مطلقا ، مع المصلحة» (١).

(١) يعني : فلا يدور جواز بيعها مدار خروجها عن حيّز الانتفاع بها ، بل المدار فيه نظر المتولّي ، وكون البيع أكثر نفعا للمسجد.

(٢) معطوف على «بين» وهذا هو القسم الثاني الذي ينشأ فيه وقفيته على الجهة ، ولا يجوز تبديله.

(٣) أي : ما يكون من الأموال وقفا على المسجد ابتداء ـ لا باشترائه من مال المسجد ـ يكون ملكا للمسلمين محبوس بعينه عليهم ، فلا يجوز بيعه إلّا في موضع يسوغ فيه بيع الوقف كصيرورته خلقا ، أو عدم الانتفاع به من جهة أخرى.

هذا كله ما يتعلق بردّ التنافي بين منع بيع الوقف التحريري ، وبين جواز بيع الحصير وثوب البيت المعظّم. وسيأتي بيان الفارق بينهما بعد اشتراك كليهما في جواز

__________________

(١) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٤ ، ولاحظ مقابس الأنوار أيضا ، كتاب البيع ، ص ٦٣.


ثمّ الفرق بين ثوب الكعبة وحصير المسجد (١) أنّ الحصير يتصوّر فيه كونه وقفا على المسلمين (٢) ، ولكن يضعه في المسجد ، لأنّه أحد وجوه انتفاعهم ، كالماء المسبّل الموضوع في المسجد. فإذا خرب المسجد أو استغني عنه جاز الانتفاع به ولو في مسجد آخر ، بل يمكن الانتفاع به (٣) في غيره ولو مع حاجته.

لكن يبقى الكلام في مورد الشكّ (٤) ، مثل ما إذا فرض حصيرا في المسجد ، أو

______________________________________________________

البيع في الجملة.

(١) حاصله : أنّ الفرق بينهما في صورة وقفهما بأن يقفهما شخص من ماله على الكعبة والمسجد ـ لا في صورة اشترائهما من عائدات أوقاف المسجد ، حيث إنّ الثوب والحصير حينئذ ليسا موقوفين ، بل الموقوف أصول تلك العائدات ـ هو : أنّ الحصر توقف على المسلمين بحيث ينتفعون بها في وجوه الانتفاع ، ووضعها في المسجد لأجل كونه أحد وجوه انتفاعهم ، كالماء المسبّل الموضوع في المسجد. وهذا بخلاف ثوب الكعبة ، فإنّه موقوف على جهة خاصة وانتفاع مخصوص ، هذا.

ولا يخفى أنّ هذا بحسب المتعارف ، وإلّا فيمكن في ثوب الكعبة ما ذكرناه في حصير المسجد أيضا.

(٢) فإذا كان وقفا على المسلمين جاز الانتفاع به في مطلق المسجد ، فوضعه في مسجد خاص كالجامع أو السوق ليس لخصوصية بنظر الواقف ، بل لانطباق الانتفاع في الجهة المقصودة عليه. وهذا نظير الماء المسبّل ، فإنّ مقصود المسبّل سقيه للمؤمنين والمصلّين سواء أكانوا في هذا المسجد أم في غيره. فوضع حبّ الماء مثلا في مسجد ليس قرينة على أنّ تمام المطلوب هو تسبيل الماء لمن حضر في خصوص هذا المسجد دون غيره.

وعليه فإذا خرب المسجد ، أو فرش فيه سجاد ـ بحيث لم يحتج إلى هذا الحصير الموقوف ـ لزم نقله إلى مسجد آخر لينتفع به. بل يجوز نقله في الفرض إلى مسجد آخر حتى مع حاجة المسجد السابق ، لعدم تقييد وقف الحصير بوضعه في مسجد خاص.

(٣) أي : الانتفاع بالحصير في غير المسجد الأوّل حتى مع حاجته إليه.

(٤) يعني : ما إذا لم يعلم تقيّد وقف الحصير بمسجد خاصّ ، ولا عدم تقيده به ، بأن


وضع حبّ ماء فيه ، وإن كان الظاهر في الأوّل (١) الاختصاص ـ وأوضح من ذلك التّرب الموضوعة فيه ـ وفي الثاني (٢) العموم ، فيجوز التوضؤ منه وإن لم يرد الصلاة في المسجد.

والحاصل (٣) أنّ الحصير (٤) وشبهها ـ الموضوعة في المساجد وشبهها (٥) ـ يتصوّر فيها أقسام كثيرة (٦) يكون الملك فيها للمسلمين ، وليست من قبيل نفس

______________________________________________________

كان مقصود الواقف انتفاع المصلّين سواء في هذا المسجد أو غيره.

وكذا لو شكّ ـ في وضع حبّ الماء في مكان خاص ـ أنّه مقيّد بما وضع فيه للشرب والتوضؤ أم أنّه لا خصوصية في موضع دون آخر. ويمكن التمسك بقاعدة الحلّ في المشكوك ، لكونه شبهة موضوعية.

(١) وهو الحصير الموضوع في مسجد ، فإنّ الغلبة توجب الظهور في الاختصاص به. وأوضح منه التّرب الحسينية ـ على مشرّفها أفضل الصلاة والسلام ـ الموضوعة في مسجد ، فلا يجوز نقلها منه إلى غيره وإن احتيج إليها.

(٢) وهو حبّ الماء ، ولو أحرز الاختصاص لم يجز التوضؤ منه ، والصلاة في مسجد آخر.

(٣) هذا حاصل ما أفاده من قوله : «ثم الفرق بين ثوب الكعبة وحصير المسجد .. إلخ».

(٤) كذا في النسخ ، والمناسب «الحصر» بصيغة الجمع.

(٥) كالمشاهد المشرّفة والحسينيات ونحوها من الأوقاف العامة.

(٦) أحدها : أن تكون مشتراة من منافع أوقاف المسجد ، وقد عرفت جواز بيعها اختيارا مع المصلحة التي يراها ناظر الوقف.

ثانيها : أن يشتريها الناس من أموالهم للمسجد ونحوه ، على أن تكون موقوفة على المسلمين في جميع وجوه الانتفاعات التي منها وضعها في المسجد للصلاة عليها.

ثالثها : أن تكون موقوفة على المسلمين في جهة خاصة كالصلاة فقط ، وفي مكان خاص كالمسجد الفلاني.


المسجد وأضرابه ، فتعرّض الأصحاب لبيعها لا ينافي ما ذكرناه (١).

نعم (٢) ما ذكرناه لا يجري في الجذع المنكسر من جذوع المسجد الّتي (٣) هي من

______________________________________________________

(١) من عدم جواز بيع الموقوف المؤبّد غير المملوك. ووجه عدم المنافاة : أنّ ما لا يجوز بيعه هو نفس الموقوفة كالمسجد ، لكون وقفه تحريرا ، فلا ملك حتى يباع. وما يصحّ بيعه كالحصير ملك للمسلمين لو اشتري بعوائد موقوفة ، ويجوز لمتولّي المسجد بيعه إن كان أصلح بحال المسجد. ومع تعدد الموضوع لا تنافي بين منع بيع أرض المسجد وبين جواز بيع الحصير في بعض الصور.

قال المحقق الثاني قدس‌سره في حكم بيع حصير المسجد إذا خلق ، وجذعه إذا تكسّر ما لفظه : «وهل يفرّق بين ما كان من ذلك وقفا ، وبين ما اشتري من الوقف ، أو قبل المتولّي بيعه حتى يجوز بيع الثاني عند الحاجة؟ فيه احتمال. وذكر في التذكرة : أنّه لا خلاف بين العامة في جواز بيع هذا القسم ، لأنّه ملك. ولم يفت هو بشي‌ء. وجواز البيع في هذا القسم لا يخلو من قوة. فإذا بيع لم يتعيّن شراء مثله ، بل يصرف في مصالح المسجد من غير تعيين» (١).

(٢) استدراك على جواز بيع مثل حصير المسجد لو اشتري بعوائد موقوفة عليه. وهذا إشارة إلى الموضع الثالث ، وهو حكم أجزاء المسجد. يعني : أنّ ما ذكرناه ـ من جواز بيع الآلات كالحصر ونحوها ممّا يتعلق بالأوقاف المؤبّدة غير المملوكة ـ لا يجري في أنقاض المسجد من الأخشاب والجذوع المنكسرة والآجر مما لا ينتفع به فيه.

وجه عدم جريانه في مثل الجذع المنكسر هو كون الجذع وأمثاله أجزاء من الموقوفة ، ومن المعلوم أنّ الحكم الثابت للكلّ ثابت لأجزائه ، لأنّه عينها ، فيلزم الحكم بعدم جواز بيع أجزائه كنفس العرصة ، لكون وقفها فكّا للملك. مع أنّ العلّامة وغيره حكموا بجواز بيع الجذع المنكسر ونحوه ، ولا بدّ من توجيه تجويزهم لمثله بأن يقال : بالفرق بين أرض المسجد وبين أجزاء البناء ، بمنع بيع الأرض ، وجواز بيع الأجزاء ، كما سيأتي.

(٣) وصف للجذوع ، والمسجد هو العرصة وبناؤها ، فالجذوع أجزاء للمسجد ،

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ١١٧.


أجزاء البنيان. مع (١) أنّ المحكيّ (١) عن العلّامة وولده والشهيدين والمحقّق الثاني : جواز بيعه ، وإن اختلفوا (٢) في تقييد الحكم وإطلاقه كما سيجي‌ء (٣).

إلّا أنّه (٤) [أن] نلتزم بالفرق بين أرض المسجد ، فإنّ وقفها وجعلها مسجدا

______________________________________________________

فلا يجوز بيعها.

(١) متعلق ب «لا يجري» يعني : أنّ مقتضى القاعدة منع بيعها ، ولكن خالف العلامة وجماعة فيه ، وقالوا بجواز بيع الجذع المنكسر.

(٢) يعني : أنّ العلامة ومن تبعه اتفقوا في أصل جواز بيع الجذع المنكسر ، واختلفوا في إطلاقه وتقييده. فقال العلامة في الجذع المنكسر : «الأقرب بيعه وصرف ثمنه في مصالح المسجد» (٢) ووافقه فخر المحققين (٣).

وقيّد الشهيد قدس‌سره جواز البيع بما إذا لم يكن الانتفاع بعينه في مسجد آخر (٤).

وقيّده المحقق الثاني قدس‌سره بتعذر أن يشترى بثمنه بدله ، وفإن تعذّر شراء البدل صرف الثمن في مصالح المسجد (٥).

وقيّده الشهيد الثاني بما إذا لم يكن صرف العين في الوقود لمصالح المسجد كالآجر ، فلو أمكن لم يجز البيع (٦).

(٣) سيأتي أصل جواز بيعه في الصورة الثالثة في حكم النخلة المنقلعة ، ويستفاد من مفهوم قوله في (ص ٦٠٤) : «فبناء على ما تقدم من أنّ الوقف في المسجد وأضرابه فك ملك ، لم يجز بيعه».

(٤) كذا في نسختنا ، والأولى ما في بعض النسخ مجرّدا عن ضمير الشأن.

وكيف كان فهذا توجيه لفتوى الجماعة بجواز بيع مثل الجذع ولو في بعض

__________________

(١) حكاه عنهم في المقابس ، كتاب البيع ، ص ٦٣ ، وكذلك حكاه السيد العاملي عن العلامة والفخر والشهيد والمحقق الثاني ، في ج ٩ ، ص ١٢٧.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٠١ ، ونحوه في تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٣.

(٣) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٤٠٧.

(٤) الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٧٩ و ٢٨٠.

(٥) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٧ وج ٩ ، ص ١١٦.

(٦) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٧٠ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٤.


فكّ ملك ، بخلاف ما عداها من أجزاء البنيان كالأخشاب والأحجار ، فإنّها تصير ملكا للمسلمين (١) ، فتأمّل (٢).

وكيف كان (٣) ، فالحكم في أرض المسجد مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا هو إبقاؤها (٤) مع التصرّف في منافعها ـ كما تقدّم عن بعض الأساطين ـ

______________________________________________________

الحالات ، وقد تقدم توضيحه آنفا.

(١) فيجوز للمتولّي بيعها.

(٢) لعلّه إشارة إلى إشكال التفكيك بين وقف الأرض وبين وقف البنيان مع وحدة إنشاء وقف الجميع بمثل : «وقفت هذا مسجدا» فإنّ صيغة الوقف ترد على مجموع العرصة والبنيان على نهج واحد.

(٣) يعني : سواء تمّ توجيه التفكيك بين المسجد وبين أجزائه بما تقدم من قوله : «إلّا ان نلتزم ..» أم لم يتم كما تأمّل فيه ، فالحكم .. إلخ ، وهذا صفوة الكلام في حكم الانتفاع بأرض المسجد وأجزائه ، ومحصله : أنّ أرض المسجد المنهدم إما أن ينتفع بها بإيجارها كما ذهب إليه الشيخ الكبير ، وإمّا أن تبقى على حالها بدون الانتفاع كما هو المختار.

وأمّا أجزاء المسجد ففيها صور ثلاث :

الاولى : أن يرى المتولّي والناظر المصلحة في صرف أعيان الأجزاء في نفس المسجد ، بأن يستفاد منها في إعمار البناء مرّة أخرى ، فيتعيّن ذلك ، لأنّ مقصود الواقف الانتفاع بالعين الموقوفة مهما أمكن ، والمفروض وجوب العمل بالوقف شرعا على حسب ما أوقفه. فإن توقف إبقاؤها على بذل مال صرف من مال المسجد إن كان له مال ، وإلّا فمن بيت المال ، وإلّا لم يجب على المتولّي صرف شي‌ء من أموال نفسه لإبقاء تلك الأجزاء.

الثانية : أن لا يرى المتولّي المصلحة في ردّ مثل الجذع المنكسر جزءا للمسجد ، وحينئذ فإن قلنا بجواز بيعها كما حكي عن العلّامة وجمع فلا كلام ، وإن قلنا بعدم الجواز ـ كما هو المختار ـ ففيه صورتان :

الأولى : القول بوجوب مراعاة الأقرب إلى مقصود الواقف ، فيجب صرفه في مصالح نفس هذا المسجد ، كإحراقه لطبخ آجره.

الثانية : القول بعدم وجوب مراعاة الأقرب إلى نظر الواقف ، ويجب حينئذ صرفه في سائر مصالح المسلمين.

(٤) أي : أنّ الإبقاء يكون تارة مع التصرف في منافع الأرض كما ذهب إليه


أو بدونه (١).

وأمّا إجزاؤه ـ كجذوع سقفه وآجره من حائطه المنهدم ـ فمع (٢) المصلحة في صرف عينه (٣) فيه (٤) تعيّن ، لأنّ مقتضى وجوب إبقاء الوقوف وأجزائها [وإجرائها] على حسب (٥) ما يوقفها أهلها وجوب (٦) إبقائه جزءا للمسجد. لكن لا يجب صرف المال من المكلّف لمئونته (٧) ، بل يصرف من مال المسجد أو بيت المال.

وإن لم يكن (٨) مصلحة في ردّه جزءا للمسجد ، فبناء (٩) على ما تقدّم من أنّ الوقف في المسجد وأضرابه فكّ ملك ، لم يجز بيعه ، لفرض عدم الملك.

______________________________________________________

كاشف الغطاء ، ويكون اخرى بدون الانتفاع بأجرة الأرض ، لعدم الدليل على جواز الإجارة.

(١) أي : بدون التصرف في المنافع ، فتبقى العرصة على حالها إلى أن يبعث الله من يجدّد بناء المسجد.

(٢) جواب الشرط في «وأما أجزاؤه» وهذا إشارة إلى الصورة الأولى المتقدمة آنفا.

(٣) كذا في النسخ ، ولا بدّ من التأويل بإرجاع الضمير إلى «جزء» والأولى تأنيث الضمائر الآتية الراجعة إلى «أجزاء».

(٤) أي : تعيّن الانتفاع بذلك الجزء في نفس المسجد المنهدم حسب الفرض.

(٥) متعلق ب «إبقاء» وبناء على ما في بعض النسخ من «إجرائها» فالظرف متعلق به ، و «الإجراء» عطف تفسير للإبقاء.

(٦) خبر «أنّ مقتضى» وضمير «إبقائه» راجع إلى الجذع ونحوه ممّا كان جزءا للمسجد.

(٧) أي : لمئونة الإبقاء ، لأصالة براءة الذمة عن وجوب الصّرف.

(٨) معطوف على «فمع المصلحة» وضمير «ردّه» راجع إلى مثل الجذع ممّا كان جزءا للمسجد.

(٩) وبناء على ما حكي عن جماعة ـ كالعلّامة ومن تبعه ـ جاز بيعه ، ولا يبقى موضوع للصورتين الأخيرتين.


وحينئذ (١) فإن قلنا بوجوب مراعاة الأقرب إلى مقصود الواقف فالأقرب تعيّن صرفه في مصالح ذلك (٢) ، كإحراقه لآجر المسجد (٣) ، ونحو ذلك كما عن الروضة (٤) ، وإلّا (٥) صرف في مسجد آخر كما في الدروس (١) ، وإلّا صرف في سائر مصالح المسلمين.

قيل (٦) بل لكلّ أحد حيازته وتملّكه.

______________________________________________________

(١) أي : وحين المنع من البيع ووجوب الانتفاع بعين الجذع ، فإن قلنا .. إلخ.

وهذا إشارة إلى الصورة الثانية من الصور الثلاث.

(٢) أي : ذلك المسجد المنهدم ، وقوله : «تعيّن» جواب الشرط في «فإن قلنا».

(٣) مقدمة لتشييد بناء المسجد مرة أخرى.

(٤) قال الشهيد الثاني قدس‌سره في الحصير البالي والجذع المنكسر ـ بحيث لا يمكن صرفهما بأعيانهما في الوقوف لمصالحه ، كآجر المسجد ـ «فيجوز بيعه حينئذ ، وصرفه في مصالحه ، إن لم يمكن الاعتياض عنه بوقف» (٢).

(٥) أي : وإن لم نقل بوجوب مراعاة ما هو أقرب إلى نظر الواقف وجب صرف مثل الجذع والآجر في المماثل إن احتاج مسجد آخر إليه. وإن لم يحتج مسجد إلى هذا الجذع المنكسر أصلا وجب صرفه في سائر مصالح المسلمين.

(٦) أفاده المحقق الشوشتري قدس‌سره ـ في حكم أجزاء الأوقاف العامة وآلاتها ـ بقوله : «وأمّا إذا بلغت حدّا لا ينتفع بها في تلك الجهة أصلا ، فالوجه أنّها تصرف في سائر القرب. بل لكلّ أحد من الموقوف عليهم حيازته وتملكه كأجزاء جلود الكتاب التي لا ينتفع بها في الجلد. وأجزاء الورق الساقطة بعد التصحيف .. وأجزاء الصناديق وشبابيك المشاهد المشرفة بعد الاستغناء عنها .. وذلك لأنّها قد جعلت لله سبحانه ، وإنّما يجب على أرباب الوقف الانتفاع بها في تلك الجهة الخاصة ، وعدم التعدّي عنها مع التمكن ،

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٨٠ ، والحاكي عنه وعن الروضة هو صاحب المقابس ، ص ٦٣

(٢) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٤


وفيه نظر (١).

وقد الحق (٢) بالمساجد المشاهد والمقابر والخانات والمدارس والقناطر الموقوفة على الطريقة المعروفة ، والكتب الموقوفة على المشتغلين ، والعبد المحبوس في خدمة الكعبة ونحوها ، والأشجار الموقوفة لانتفاع المارّة ، والبواري الموضوعة لصلاة المصلّين ، وغير ذلك (٣) ممّا قصد بوقفه الانتفاع العامّ لجميع الناس أو للمسلمين (٤) ونحوهم من غير المحصورين ، لا لتحصيل (٥) المنافع بالإجارة ونحوها وصرفها في مصارفها كما في الحمّامات والدكاكين ونحوها (٦) ،

______________________________________________________

والفرض تعذر ذلك ، فجاز لهم الانتفاع بها مطلقا» (١).

(١) لعلّ وجه النظر أنّ الرجوع إلى الإباحة لا دليل عليه وإن قلنا ببطلان الوقف ، لقوّة احتمال صيرورته ملكا للواقف أو ورثته. ومعه فمقتضى أصالة الفساد عدم ترتب الملكية على الحيازة.

(٢) الملحق هو المحقق الشوشتري قدس‌سره ، والعبارة المنقولة في المتن تغاير ـ يسيرا ـ لما في المقابس ، وقد تقدم كلامه في (ص ٥٧٣).

والوجه في الإلحاق ـ مع عدم كون المنشأ في هذه الأمور فكّ الملك وتحريره هو جعلها من المباحات التي يجب إبقاؤها على حالها.

(٣) فكما لا يصحّ بيع أرض المسجد وإجارتها ، فكذا في ما الحق به. وحكم الأجزاء والآلات أيضا حكم أجزاء بناء المسجد وآلاته.

(٤) فمثل البواري للصلاة عليها موقوفة للمسلمين ، والأشجار الموقوفة لانتفاع المارّة ـ خصوصا في البلاد يكثر فيها أهل الذمة ـ موقوفة لانتفاع الناس سواء أكانوا مسلمين أم من أهل الكتاب.

(٥) فالفرق بين وقف المدارس والحمامات هو : أنّ المدرسة توقف للانتفاع بالسكنى فيها ، والحمّام يوقف ليؤجر ، وتصرف إجارتها في الجهة التي عيّنها الواقف ، ولذا يعبّر عنه في بعض الكلمات بالوقف الصرفي.

(٦) كالمخازن الموقوفة التي تستأجر لإيداع البضائع فيها.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٤.


لأنّ (١) جميع ذلك صار بالوقف كالمباحات بالأصل ، اللازم إبقاؤها على الإباحة كالطرق العامّة والأسواق (١).

وهذا كلّه (٢) حسن على تقدير كون الوقف فيها فكّ ملك ، لا تمليكا.

ولو أتلف (٣) شيئا من هذه الموقوفات أو أجزائها متلف ، ففي الضمان وجهان :

______________________________________________________

(١) هذا مضمون تعليل صاحب المقابس لإلحاق المشاهد ونحوها بالمساجد حكما.

(٢) أي : وهذا الإلحاق حسن بناء على كون معنى الوقف فيها فكّ الملك ، لا تمليك العين أو المنفعة للموقوف عليه ، وإنّما يملك الانتفاع. وربما يشعر قوله : «على تقدير» بعدم كون وقف الأمور المذكورة فكّ الملك ، فيكون مفاده التأمّل في إلحاق صاحب المقابس.

ولكنه ليس كذلك ، لما تقدم منه من التصريح بالتحرير ، كقوله في (ص ٥٤٠) : «بل هو في غير المساجد وشبهها قسم من التمليك» إذ ليس المراد بشبه المسجد إلّا المقابر والمشاهد ونحوهما.

وكذا قوله في (ص ٥٧٤) في أقسام الوقف : «بل يكون فك ملك نظير التحرير كما في المساجد والمدارس والرّبط بناء على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين كما هو مذهب جماعة ، فان الموقوف عليهم إنما يملكون الانتفاع دون المنفعة».

(٣) عنون هذا الفرع صاحب المقابس قدس‌سره بعد إلحاق الأوقاف العامة على الجهات بالمساجد ، فقال : «ولو أتلفها متلف على غير جهة الانتفاع المعلومة أثم قطعا. وفي مطالبته بالقيمة أو المثل إشكال ، من أنّ ما يطلب بقيمة عينه يطلب بمنافعها. ومن المعلوم أنّه لو منع شخص الناس من الانتفاع إلى أن فاتت جملة من منافعها ، أو انتفع بها في غير الجهة الموضوعة له ـ كما لو جعل المسجد مسكنا له ـ أثم ، ولكن لم يطلب بها ، فكذا لو أتلف العين. ولعدم وضوح الدليل على الضمان إلّا في الأملاك المنسوبة إلى الناس ، وهذه صارت ملكا لله ، وإنّما للناس الانتفاع خاصة. ومن عموم : على اليد ما أخذت حتى تؤدّي. وتأدية المثل أو القيمة ـ مع تعذر الأصل ـ معدودة من التأدية» (٢).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٣ و ٦٤.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٤.


.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيح المطلب : أنّ الاعتداء على الوقف تارة يكون بإعدامه كهدم تمام بناء المسجد ، وجعله قاعا صفصفا ، وتغيير تراب أرضه ، وأعدادهما لإحداث بناء آخر ، أو للزرع فيها ، أو هدم بعض بيوت المسجد ، وإبقاء بعضها. وكذا الحال بالنسبة إلى الخان والمدرسة والقنطرة كلّا أو بعضا.

واخرى يكون بالتصرف فيه واستيفاء منفعته في غير الجهة المقصودة للواقف ، كما إذا سكن الظالم بنفسه في المدرسة ، أو أسكن عمّاله فيها بعد إخراج المشتغلين منها. وكذا الحال في التصرف العدواني على غيرها كالمسجد والخان والرباط.

وثالثة يكون بتفويت منافع الوقف ، كما إذا أغلق الظالم باب المسجد ، ومنع المؤمنين من الصلاة والعبادة فيه ، ولم ينتفع هو أيضا به. وكذا لو أخرج الطّلاب من المدرسة ولم يسكن أحدا فيها ، بل سدّ بابها.

ومحلّ البحث هنا في الضمان وعدمه هو الأوّل أي : إتلاف عين الموقوفة كلّا أو بعضا.

وأمّا الثاني ـ وهو استيفاء المنفعة ـ فقد تقدم في (ص ٥٧٥) حكمه ، وهو عدم الضمان ، حيث قال : «فإنّ الموقوف عليهم إنّما يملكون الانتفاع دون المنفعة ، فلو سكنه أحد بغير حقّ فالظاهر أنّه ليس عليه اجرة المثل».

ومنه يظهر عدم الضمان في الفرض الثالث ، وهو تفويت منفعة الموقوفة.

فالكلام فعلا في الإتلاف ، وفي الضمان احتمالان.

أحدهما : ذلك ، لعموم «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» بتقريب : أنّ المناط في الضمان واشتغال الذمة هو كون اليد عدوانية ، والمال محترما ، وهما متحققان في المقام.

أما كون اليد معتدية ، فلعدم جواز تغيير الموقوفة عن الكيفية التي أنشأها الواقف ، وأمضاه الشارع بمثل قوله عليه‌السلام : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» فضلا عن الهدم والإتلاف.

وأمّا كون المال محترما فواضح ، إذ ليس الوقف من المباحات الأصلية حتى لا يضمن ، بل هو أكثر حرمة من جهة تعلق حقّه تعالى به.

وعليه فعهدة المتلف مشغولة ببدل ما أتلفه ، ويجب عليه أداء قيمته ليصرف


من (١) عموم «على اليد» فيجب صرف قيمته في بدله. ومن (٢) أنّ ما يطلب (٣) بقيمته يطلب بمنافعه ، والمفروض (٤) عدم المطالبة بأجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم ، كما لو جعل المدرسة بيت المسكن ، أو محرزا (٥). وأنّ الظاهر (٦) من التأدية في حديث «اليد» الإيصال إلى المالك (٧) ، فيختصّ بأملاك الناس. والأوّل أحوط (٨) ،

______________________________________________________

في بدله.

ثانيهما : عدم الضمان ، وذلك لمقدمتين.

الاولى : عدم ضمان منافع الوقف العام المستوفاة.

الثانية : الملازمة بين العين والمنفعة في الضمان ، وحيث لا تضمن المنفعة مطلقا ـ استوفيت أو فاتت ـ فلا تضمن العين أيضا.

فإن قلت : حديث «على اليد» مثبت للضمان ، فتنتفي الملازمة بين العين والمنفعة.

قلت : لا موضوع للحديث في الوقف العام ، لاختصاص مفاده بضمان الأملاك ، أي وضع اليد على الأموال المضافة إلى الملّاك ، بقرينة وجوب أداء البدل إليهم. وحيث إنّ الوقف العام كالمسجد فكّ للملك ـ لا تمليك للمصلّين والعابدين ـ كان خارجا عن الحديث موضوعا.

هذا مبنى الوجهين. وقوّى صاحب المقابس الضمان ، وجعله المصنف أحوط.

(١) هذا وجه الضمان ، وقد تقدّم توضيحه آنفا.

(٢) هذا وجه عدم ضمان إتلاف الوقف العام ، وقد تقدم أيضا بقولنا : «ثانيهما : عدم الضمان .. إلخ».

(٣) هذا إشارة إلى الملازمة بين ضمان العين ومنافعها ، وهي المقدمة الثانية.

(٤) هذا إشارة إلى نفي الصغرى ، أي : عدم ضمان منافع الوقف لو استوفاها من لا يستحقّها.

(٥) المراد به مكان خزن الأموال والبضائع فيه.

(٦) هذا ردّ لما استدلّ به للضمان ، وقد تقدّم بقولنا : «فإن قلت .. قلت».

(٧) ولا مالك للعين الموقوفة حتى يؤدّى البدل إليه ، لتحرر هذه الأوقاف العامة عن الإضافة إلى مالك.

(٨) الوجه في كون الضمان أحوط هو احتمال كفاية إضافة مّا في الضمان ، وهذه


وقوّاه بعض (١).

إذا عرفت جميع ما ذكرناه (٢) ، فاعلم أنّ الكلام في جواز بيع الوقف يقع في صور :

______________________________________________________

الإضافة متحققة في الوقف العام ، لثبوت حق الانتفاع للموقوف عليهم وإن لم يتملّكوا العين ومنافعها.

ولعلّه يمكن الاستشهاد لكفاية إباحة الانتفاع بما ورد من ضمان «من أضرّ بطريق المسلمين» مع عدم كونها ملكا لهم ، وإنّما يباح لهم الانتفاع بالاستطراق فيها. مضافا إلى السيرة القطعية على الضمان.

(١) وهو صاحب المقابس قدس‌سره ، حيث قال بعد بيان مستند الوجهين : «وهذا هو الأصحّ» (١).

صور جواز بيع الوقف

(٢)أي : ما ذكرناه من أوّل مسألة بيع الوقف إلى هنا ، ومحصّله أمور :

الأوّل : الاستدلال على منع البيع بالإجماع والنصوص.

الثاني : انقسام الوقف إلى مؤبّد ومؤقّت ، والمؤبّد إلى ما يكون فكّا للملك وتحريرا له كالمسجد وما الحق به ، وما يكون تمليكا للموقوف عليه ، وأنّ البحث في جواز بيعه بطروء الأسباب مختصّ بالوقف التمليكي ، لا التحريري.

الثالث : نقل كلمات الفقهاء ، وما يستفاد منها من أقوال ثلاثة.

فبعد الفراغ من حرمة بيع الوقف في الجملة تعرّض المصنف قدس‌سره للصور التي قيل بجواز البيع فيها ، وجمعها صاحب المقابس قدس‌سره في ثمان صور (٢) ، وجعلها في المتن عشرة.

واستفاد صاحب الجواهر قدس‌سره من أقوال الفقهاء اثني عشر أمرا ، وإن كان بعضها مختصّا بالوقف المنقطع ، فراجع (٣).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٤.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٣ ـ ٦٣.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٦ و ٣٦٧.


الاولى : أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه (١) ،

______________________________________________________

الصورة الأولى : أن يخرب بحيث لا ينتفع به

(١) ينبغي بيان أمرين قبل توضيح المتن.

الأوّل : أنّ المصنف قدس‌سره خصّ البحث عمّا يتعلق بخراب الوقف في صور أربع من الصور العشر ، وهي الصور الثلاث الأول والصورة الثامنة ، إلّا أنّ المبحوث عنه في الثامنة هو الأداء إلى الخراب لا الخراب الفعلي ، بخلاف الصور الثلاث. والجامع بينها هو عدم الانتفاع أو ندرته بما يلحق بالمعدوم ، وذكر «الخراب» لمقدميته لسقوط الوقف عن قابلية الانتفاع به في الجهة المقصودة.

ويستفاد هذا من الكلمات المنقولة ، كقولهم : «متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه والانتفاع به» (١).

وسيأتي كلام المصنف في الصورة الثانية من أنّ المناط هو عدم النفع حتى لو كان لعارض غير الخراب.

وقال في المقابس : «الصورة الرابعة : أن يباع بعد خرابه ، وما في حكم ذلك ، بأن يصير بحيث لا يجدي نفعا» (٢).

وحيث كان الخراب الفعلي مشتركا بين الصور الثلاث الأول ، فنقول في الفرق بينها : إنّ العين إمّا أن تسقط عن قابلية الانتفاع المقصود كلية ، كما إذا نحرت الناقة الموقوفة ، فلم يبق موضوع للانتفاع منها بالركوب ونحوه ، فالباقي هو اللحم ، والانتفاع بإعدامه بالأكل أو ببيعه ، وإلّا فيفسد وينتن ، فتنتفي قابلية الأكل أيضا. وهذا مورد الكلام في الصورة الاولى.

وإمّا أن تسقط العين عن مقدار معتدّ به من المنفعة ، فما بقي منها كالمعدوم عرفا

__________________

(١) هذا نصّ كلام السيد في الانتصار ، كما تقدم في (ص ٥٦٠) وبمضمونه كلمات جماعة ، فراجع الأقوال المنقولة في المتن ، في ص ٥٥٨ ـ ٥٧٠.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٢.


كالحيوان المذبوح (١) ، والجذع البالي ، والحصير الخلق.

______________________________________________________

لا بالدقة ، مع استعداد البقاء كالدار المنهدمة التي يقلّ الانتفاع بعرصتها. وهذا مورد الصورة الثانية ، وسيأتي فيها التفصيل بين فرضين.

وإمّا أن يكون خراب الوقف بحيث تقلّ منفعته بالنسبة إلى ما كانت عليه قبل عروض الخراب. فما بقي من المنفعة لم يكن في القلّة كالمعدوم ليلحق بالصورة الثانية ، ولم يكن مسلوبا بالمرّة ليلحق بالصورة الأولى.

الأمر الثاني : أنّ سقوط العين عن قابلية الانتفاع ـ في الصورة الأولى ـ يراد به تعذر انتفاع البطون اللاحقة لو ترك الوقف بحاله ، كما مثّل له بالحيوان المذبوح ، فإنّه على شرف الضياع لو لم يبع ، لا سقوطها عن إمكان الانتفاع حتى بالنسبة إلى البطن الموجود ، إذ معه لا مالية لها ، مع أنّ البيع مبادلة مال بمال. فالمراد صيرورة الوقف بحيث لو جاز للبطن الموجود الانتفاع بالعين لكان ذلك بإتلافها.

والشاهد على أن المراد بالخراب هنا ـ بحيث لو انتفع البطن الموجود كان بإتلاف العين ـ هو قوله بعد أسطر : «والحاصل : أنّ الأمر دائر بين تعطيله حتى يتلف بنفسه ، وبين انتفاع البطن الموجود به بالإتلاف ..».

إذا تمهّد هذان الأمران ، فنقول : إنّ المصنف قدس‌سره استدلّ في الصورة الأولى أوّلا على جواز البيع ، وثانيا لما يترتّب عليه من أمور :

منها : حكم الثمن من جهة اختصاصه بالبطن الموجود ، وعدمه.

ومنها : توقف وقفية الثمن على إنشاء الوقف ، وعدمه.

ومنها : وجوب إبدال الثمن بما هو أصلح للبطون.

ومنها : في المتولّي لبيع الموقوفة الخربة.

ومنها : ما لو تعذّر شراء بدل العين. وتعرّض في آخر المسألة لحكم ما لو خرب بعض الوقف ، وبقي بعضه. وسيأتي الكلام في كلّ منها بتبع المتن.

(١) كالناضح الموقوف على المسجد إذا اقتضت المصلحة نحره ، أو الشاة الموقوفة عليه أيضا إذا ذبحت ، بحيث لو لم ينتفع البطن الموجود بلحم الحيوان ببيعه مثلا ، خرج عن


والأقوى جواز بيعه (١) ، وفاقا لمن عرفت ممّن تقدّم نقل كلماتهم (٢) ،

______________________________________________________

حيّز الانتفاع به حقيقة. وكذا الحال في الجذع البالي والحصير الخلق.

(١) هذا شروع في إقامة الدليل على الخروج من عموم منع بيع الوقف ، وقد تقدم أنّ جواز بيع الوقف بنظر المصنف قدس‌سره حكم تعبّدي لا ينافي حقيقته ، ولا يوجب بطلانه. وتقدّم أيضا في جملة الأقوال المنقولة في المتن استثناء صورة خرابه من عموم المنع ، فالقول بجواز البيع في هذه الصورة لا يخالف المشهور ، وإن حكي المنع عن جماعة ، قال في المقابس في عدّ الأقوال : «أحدها : المنع مطلقا ، وهو قول المانعين مطلقا ، والقاضي والشيخ في النهاية وابن سعيد والطوسي» (١).

وأمّا الدليل على جواز البيع ، فالظاهر عدم نهوض ما يجوّزه في خصوص حال الخراب ، فالمقصود النظر في ما تقتضيه القاعدة ، فنقول : اقتصر في المتن هنا على نفي المانع ، أي : قصور ما احتجّوا به على عدم جواز بيع الوقف. وسيأتي تفصيله.

وحيث إنّ إثبات جواز البيع منوط بوجود المقتضي وفقد المانع ، فلا بدّ من بيان المقتضي أوّلا ، ثم إبطال وجوه المنع. ولم يظهر مراد الماتن قدس‌سره من المقتضي لجواز البيع ، وهو لا يخلو من أحد وجهين.

الأوّل : أن يكون مراده هو المقتضي في كلّ من مقام الثبوت والإثبات. أمّا المقتضي الثبوتي فهو الملك ، لفرض كون العين الموقوفة ملكا للموقوف عليهم ، فصغرى «لا بيع إلّا في ملك» محقّقة. وأمّا المقتضي الإثباتي فهو إطلاق حلّ البيع ، والأمر بالوفاء بالعقود ، والتجارة عن تراض.

الثاني : أن يكون مراده خصوص المقتضي الثبوتي ، وهو ما سيأتي في (ص ٦١٩) بقوله : «والحاصل : أن الأمر دائر بين تعطيله .. إلخ».

وكيف كان فالمقصود فعلا عدم شمول الأدلة المانعة ـ وهي ثلاثة ـ للمقام ، كما سيظهر.

(٢) كالمفيد والسيّد والعلّامة في التذكرة قدس‌سرهم ، حيث عبّروا بالخراب ، وكسلّار القائل بأنّه «لو تغيّر الحال في الوقف حتى لا ينتفع به» وكالسيّد أبي المكارم المجوّز للبيع

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٢.


لعدم جريان أدلّة المنع.

أمّا الإجماع فواضح (١).

وأمّا قوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف» (١) فلانصرافه إلى غير هذه الحالة (٢) (*).

______________________________________________________

في لو ما «صار بحيث لا يجدي نفعا» وغيرهم ، فراجع (ص ٥٦١ ـ ٥٦٣ ـ ٥٦٦).

(١) أمّا أوّلا ، فلمنع تحققه على عدم جواز بيع الوقف مطلقا ، مع ذهاب معظم المجمعين إلى جواز بيعه عند الخراب وسلب المنفعة ، وقد تقدمت كلماتهم.

ولا أقلّ من الشك في شمول الإجماع لما إذا خرب الوقف. وحيث إنّه دليل لبّي فالمتعين الاقتصار على المتيقن من مورده ، وهو ما عدا صورة الخراب.

وأمّا ثانيا ، فلاحتمال كونه مدركيا ، فلا عبرة به حينئذ ، لعدم كشفه عن رأي المعصوم عليه‌السلام ولا عن دليل معتبر.

(٢) يعني : أنّ النهي عن بيع الوقف في رواية علي بن راشد وإن كان إطلاقه شاملا لما إذا خربت الموقوفة ، إلّا أنّه ينصرف إلى ما ينتفع به البطن الموجود فعلا ، وما يكون قابلا لانتفاع البطن اللاحق. فصيرورته مسلوب المنفعة غير مندرج في منع بيع الوقف.

وقد سبق التنبيه على هذا الانصراف في (ص ٥٢٠) بقوله : «ان هذا الإطلاق نظير الإطلاق المتقدم في رواية ابن راشد في انصرافه إلى البيع لا لعذر» وعدّ من موارد العذر عدم الانتفاع به أصلا ، فراجع.

فإن قلت : لا وجه للانصراف في رواية ابن راشد ، لكون السؤال عن حكم أرض

__________________

(*) لكنّه ليس بمثابة تطمئنّ به النفس ويقيّد الإطلاق ، لعدم كون غلبة الوجود خارجا صارفا للطبيعة إلى فردها الغالب ، وهو الوقف العامر ، ما لم توجب الغلبة التشكيك في الصدق. بل يمكن منع ندرة الوجود هنا ، فإنّ كل عين موقوفة مآلها إلى البوار والخراب عادة ، فليست حالة الخراب قليلة بالقياس إلى حالة العمران.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٣٠٣ ، الباب ٦ من أبواب الوقوف ، ح ١٠.


وأمّا قوله عليه‌السلام : «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (١) فلا يدلّ (١) على

______________________________________________________

خربة عمّرها المشتري جاهلا بالحال. فالالتزام بجواز بيع الوقف بطروء الخراب ينافي النهي عن الشراء بالنسبة إلى مورد السؤال.

وبعبارة أخرى : لو كان قوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف» غير مسبوق بالسؤال اتّجه انصراف النهي إلى صورة وجود المنفعة فعلا ، وخروج مورد عدم انتفاع الموقوف عليهم عن إطلاق النهي. لكنّ سبق السؤال ـ وموافقة الجواب له ـ يمنع الانصراف المزبور.

وعليه فالحكم بمنع شراء الوقف إمّا مختص بمورد السؤال وهو الأرض الميتة ، وإمّا هو حكم طبيعي الوقف ، سواء أكان ذا منفعة فعلا أم مسلوب المنفعة كذلك.

قلت : نعم ، وإن كان النهي عن شراء الوقف واردا في الأرض الميتة ، إلّا أنّ المقصود الاستدلال بإطلاق النهي ، والمدّعى الانصراف عمّا إذا سقط عن قابلية الانتفاع رأسا ، وذلك لأنّ غرض الواقف بقاء الموقوفة لتكون صدقة جارية ينتفع بها الموقوف عليه أبدا ، ويمتاز الوقف عن أقسام التصدق بالدوام ، فلا بد من قابلية البقاء ليترتب عليه حكم الوقف ، والمفروض في الصورة الأولى سقوط العين عن الانتفاع.

وعليه فلا مانع من انصراف إطلاق النهي إلى ما إذا كانت المنفعة موجودة بالفعل كالأرض المشغولة بالزرع ، أو أمكن الانتفاع بها كالأرض البائرة فعلا مع إمكان الزرع فيها ، كما هو مورد السؤال. فلو لم تكن مزروعة بالفعل ولم تصلح للزرع ـ كما إذا انقطع الماء عنها ـ فهي ميتة ، ويلحقها حكمها ، هذا.

والحاصل : أنّ النهي عن شراء الوقف ليس مطلقا ، بل ما دام الانتفاع به ممكنا ، والمفروض انتفاء الثمرة رأسا ، فشمول النهي له حينئذ لا يخلو من قصور.

(١) ناقش المصنف قدس‌سره في دلالة مكاتبة الصفار على منع بيع الوقف ـ الساقط عن قابلية الانتفاع به ـ بوجهين :

الأوّل : أنّ قوله عليه الصلاة والسلام : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» ليس دليلا تعبديا على منع بيع الوقف كي يتمسّك بإطلاقه لحرمة بيعه حتى في مورد سلب المنفعة تماما ، بل هذا الحديث ـ بملاحظة سبق السؤال عن خصوصيات مأخوذة في إنشاء

__________________

(١) تقدمت مصادر الحديث وألفاظه في ص ٥١٠ ، فراجع.


المنع هنا (١) ، لأنّه (٢) مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفيّة المرسومة في إنشاء الوقف ، وليس منها (٣) عدم بيعه ، بل (٤) عدم جواز البيع من أحكام الوقف وإن ذكر في متن العقد ، للاتفاق (٥) على أنّه (٦) لا فرق بين ذكره فيه (٧) وتركه ، وقد تقدّم ذلك (٨) ،

______________________________________________________

الواقفين ـ ناظر إلى إمضاء الوقف على حسب ما رسمه الواقف ، من تعيين الموقوف عليهم عموما وخصوصا ، وكيفية صرف المنفعة فيهم ، وغير ذلك مما قرّره من قيود وشروط. ومن المعلوم أنّ عدم جواز بيع الوقف حكم تعبدي سواء ذكر في الإنشاء ، كما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام : «صدقة لا تباع ولا توهب» أم لم يذكر ، كما لو اقتصر الواقف على قوله : «هذه الدار وقف على أولادي بطنا بعد بطن ، فإن انقرضوا كانت للفقراء مثلا».

وعليه فالإستدلال بإطلاق الحديث الشريف على حرمة بيع الوقف حتى لو سقط عن الانتفاع به ، غير ظاهر ، لعدم كونه متكفّلا لحكم منع أصل البيع فضلا عن إطلاقه لمورد الخراب. هذا توضيح أوّل الوجهين ، وسيأتي الوجه الثاني.

(١) أي : في الصورة الاولى ، وهي خراب الوقف بحيث لا ينتفع بعينه إلّا بالإتلاف أو البيع.

(٢) أي : لأنّ قوله عليه‌السلام : «الوقوف ..» غير ناظر إلى منع بيع الوقف حتى يتشبث بإطلاقه للمقام ، بل هو مسوق لإمضاء ما رسمه الواقف.

(٣) أي : وليس من الكيفية المرسومة عدم بيعه ، ضرورة عدم الفرق في كون منع البيع حكما شرعيا ـ لا مقوّما للوقف ـ بين أخذه في الإنشاء وعدمه.

(٤) ظاهره العطف على قوله : «وليس منها عدم بيعه» وغرضه إثبات أنّ منع بيع الوقف وإن كان مسلّما ، لكنه ليس لأجل لحاظه في الإنشاء ، بل لأجل استفادته من أدلة أخرى حتى لو لم يصرّح الواقف به.

(٥) تعليل لكون منع البيع حكما تعبديا ولا ربط له بجعل الواقف.

(٦) الضمير للشأن ، ويمكن رجوعه إلى عدم البيع.

(٧) أي : في متن العقد ، وضميرا «ذكره ، تركه» راجعان إلى عدم البيع.

(٨) أي : تقدّم في (ص ٥٣٩) كون عدم جواز البيع من أحكام الوقف ، حيث قال في مناقشة الجواهر : «إنّ المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه».


وتضعيف (١) قول من قال ببطلان العقد إذا حكم بجواز بيعه (*).

ولو سلّم (٢) أنّ المأخوذ في الوقف إبقاء العين ، فإنّما (٣) هو مأخوذ فيه من حيث كون المقصود انتفاع البطون به (٤) مع بقاء العين ، والمفروض (٥) تعذّره هنا.

______________________________________________________

(١) معطوف على «ذلك» أي : تقدّم تضعيف قول كاشف الغطاء وصاحب الجواهر قدس‌سرهما من منافاة جواز بيع الوقف لماهيته وحقيقته ، حيث قال في (ص ٥٣٨) : «وإن أريد به انتفاء أصل الوقف ـ كما هو ظاهر كلامه ـ حيث جعل المنع من البيع من مقوّمات مفهوم الوقف ، ففيه ..».

(٢) هذا ثاني وجهي المناقشة في المكاتبة ، وتوضيحه : أنّه لو أغمض عن كون منع بيع الوقف حكما تعبديا ـ والتزم بكونه ملحوظا للواقف في مقام الإنشاء ، لأنّ غرضه من حبس الأصل وتسبيل المنفعة إبقاء العين على حالها ، بحيث لا تنتقل من الموقوف عليهم إلى الغير ، والمفروض إمضاء الشارع له ـ قلنا في جوابه : إنّ اعتبار بقاء العين في متن العقد لا يمنع من بيع الوقف لو صار مسلوب المنفعة ، لكون مقصود الواقف انتفاع البطون بالعين ، فمع سقوطها عن قابلية الانتفاع بها لا غرض له في إبقائها. وعليه فلا مانع من بيعها من جهة رعاية نظر الواقف وشرطه في الإنشاء.

(٣) جواب «لو سلّم» وضمير «هو» راجع الى إبقاء العين.

(٤) هذا الضمير وضمير «فيه» راجعان إلى الوقف.

(٥) يعني : ومفروض كلامنا في الصورة الاولى هو تعذّر انتفاع البطون اللّاحقة بالعين الموقوفة ، كالحيوان المذبوح.

__________________

(١) لا يخفى منافاة كلامه هنا لما سبق في أوّل المسألة من الاستدلال بالمكاتبة على عدم جواز بيع الوقف كما نبّه عليها جلّهم ، سواء أكان المنع مدلولا مطابقيا للحديث بجعل الوقف متقوما بالمنع عن البيع ، وهو الّذي نفاه هنا ، لكون حرمة التصرفات الناقلة من الأحكام الشرعية لا مقوّما لحقيقته. أم مدلولا التزاميّا له ، بجعل إبقاء العين على حالها لازما لحبس العين وتسبيل المنفعة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وهو ـ كما أفيد ـ مبنى الاستدلال به في صدر المسألة ، لامتياز الوقف ـ عمّا عداه من التصدق ـ بكونه صدقة جارية.


.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يوجّه التنافي المزبور بما في حاشية الفقيه المامقاني قدس‌سره من : أنّ كلام المصنف قدس‌سره هنا متضمن لوجهين :

أحدهما : ما أفاده بقوله : «لأنّه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة في إنشاء الوقف ، وليس منها عدم بيعه» بأن يراد من الجملة الأخيرة أنّ عدم بيعه في حال الخراب ـ بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه ـ ليس من الكيفية المرسومة في إنشاء الوقف ، فلا مانع من ناحية إنشاء الواقف من البيع في حال الخراب. وهذا لا ينافي كون عدم جواز بيعه ـ مع قابلية الانتفاع به ـ مرسوما في العقد.

ثانيهما : ما أفاده بقوله «بل عدم جواز البيع من أحكام الوقف» إذ مقصوده من الإضراب والترقي أنّ أخذ عدم البيع غير دخيل أصلا في المنع ، لكونه حكما تعبديا.

ولا يخفى أن المنافي لما في صدر المسألة هو هذا الوجه الثاني دون الأوّل ، فإنّ مبنى الاستدلال بالحديث على عدم جواز البيع هو أخذه في أصل الوقف وموضوعه ، وإن كان على خلاف مذهب المصنف ، فتأمّل (١).

لكن يمكن أن يقال : إنّ حمل العبارة على إفادة وجهين خلاف الظاهر ، لظهور كلمة «بل» في كون ما بعدها تتمة لما سبقها ، لا أنّها وجه آخر. خصوصا بملاحظة أنّ حمل قول المصنف «وليس منها عدم بيعه» على «عدم بيعه في حال الخراب» ربما ينافي ما سيأتي في الوجه الثاني من قوله : «ولو سلّم أنّ المأخوذ في الوقف إبقاء العين» لظهوره في ابتناء الوجه الأوّل على عدم أخذ بقاء العين في الوقف. ومعه يشكل حمله على أخذ عدم البيع في الصيغة إلّا في حال الخراب. ولعلّ أمره قدس‌سره بالتأمل إشارة إلى ما ذكرناه.

ويشكل كلام المصنف قدس‌سره هنا بأنّ الحديث لو كان إمضاء لما يرسمه الواقف كان مقتضى الإطلاق الحكم بعدم جواز البيع المدلول عليه مطابقة أو التزاما ، ولا موجب لاختصاص الإمضاء بما عدا المنع عن البيع ، هذا.

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٤٥٠.


والحاصل (١) أنّ جواز بيعه هنا (٢) غير مناف لما قصده الواقف في وقفه (٣) ، فهو ملك للبطون (٤) يجوز لهم البيع إذا اجتمع إذن البطن الموجود مع أولياء سائر البطون ، وهو الحاكم ، أو المتولّي (٥).

والحاصل (٦) أنّ الأمر دائر بين تعطيله حتّى يتلف بنفسه ، وبين انتفاع البطن

______________________________________________________

(١) هذا حاصل ما أفاده بقوله : «ولو سلّم» وتوضيحه : أنّ قوله عليه‌السلام : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» لمّا كان مسوقا لإمضاء ما قرّره الواقف ، وليس ناظرا إلى تأسيس حكم تعبدي كمنع البيع ، وكان غرض الواقف من تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة دوام المنفعة ، ولم يتعلق قصده ببقاء العين التي انقطعت ثمرتها ، فلا مانع من هذه الجهة عن البيع ، إذا تصدّاه المالك ، وهو صنفان : أحدهما : البطن الموجود المالك للموقوفة فعلا ، وثانيهما : البطون اللاحقة المالكة شأنا حسب ما عيّنه الواقف من جعل العين ملكا للبطون بترتيب خاص ، والوليّ عليهم إمّا المتولّي للوقف إن كان ، وإمّا الحاكم الشرعي.

وقد تحصّل إلى هنا : انتفاء المانع عن بيع الوقف في صورة الخراب.

(٢) أي : في الصورة الاولى ، وهي سقوط العين عن حيّز الانتفاع كالحيوان المذبوح.

(٣) حتى يقال بلزوم رعاية الكيفية المرسومة في الوقف ، وعدم جواز بيعه.

والوجه في عدم المنافاة ما تقدم من أن الواقف لم يقصد حبس العين حتى حال خرابها ، ولا إطلاق لإنشائه لهذه الحالة.

(٤) أي : أعم من البطن الموجود والبطون المعدومة ، فالوقف كسائر الأملاك المشتركة يبيعه الملّاك بأنفسهم أو أولياؤهم ، أو الجميع كما في المقام.

(٥) كما سيأتي تفصيله في (ص ٦٦١) بقوله : «ثم إن المتولّي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم ..».

(٦) هذا الحاصل كما نبّه عليه غير واحد ـ منهم المحقّقان الأصفهاني (١)

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٢٦٤.


الموجود به بالإتلاف ، وبين تبديله بما يبقى وينتفع به الكلّ.

______________________________________________________

والإيرواني (١) قدس‌سرهما ـ ليس متحصّلا من كلامه السابق ، لكون ما تقدم متمحّضا في دفع الموانع عن جواز بيع الوقف إذا خرب. مع أنّ المذكور بقوله : «والحاصل» إثبات للمقتضي لجواز البيع أو للزومه.

نعم قال المحقق الايرواني : «إلّا أن يكون غرضه التمسك بعموم أدلة المعاملات ، مثل : أوفوا ، و : أحلّ ، بدفع مزاحماتها» فتأمّل في العبارة حقّه.

وكيف كان فتوضيح ما أفاده قدس‌سره : أنّ المقتضي لجواز البيع ـ من جهة غرض الواقف عند عروض ما يسقطه عن الانتفاع ـ موجود ، وذلك لدوران أمر الوقف بين شقوق ثلاثة :

أوّلها : إبقاؤه معطّلا حتى يتلف بنفسه ، كعدم الانتفاع بلحم الحيوان المذبوح حتى ينتن ، وكترك الحصير الخلق حتى يتلاشى ، وهكذا.

ثانيها : الحكم بجواز انتفاع البطن الموجود به بإتلافه ، كأكل لحم الحيوان المذبوح ، وجعل الحصير والجذع البالي وقودا.

ثالثها : الحكم بجواز البيع وتبديله بما يبقى لينتفع به الكلّ ، سواء البطن الموجود والبطون المتأخرة.

أمّا الشق الأوّل فبطلانه واضح ، لأنّ تعطيل الوقف حتى يتلف تضييع للمال الذي تعلّق به حقوق ثلاثة ، وهي حقّه تبارك وتعالى ، لنهيه عن فساد المال والإسراف والتبذير. وحقّ الموقوف عليه بالانتفاع المادّي ، وحقّ الواقف بأن يثاب معنويّا.

وأمّا الثاني ـ وهو اختصاص البطن الموجود بجواز الانتفاع به وإتلافه ـ فممنوع أيضا ، لأنّه وإن كان مالكا بالفعل له ، إلّا أنّ المنشأ هو الملك الترتيبي لكافّة الطبقات ، فلها حقّ في العين ، ومن المعلوم منافاة جواز الإتلاف لذلك الحقّ. ولو جاز للبطن الموجود إتلافه لجاز بيعه وصرف ثمنه ، لاشتراك البيع والإتلاف في حرمان البطون المتأخرة من الوقف.

وأمّا الثالث ـ وهو جواز تبديله بالبيع ـ فهو المتعيّن ، لما فيه من مراعاة الحقوق الثلاثة ، لينتفع كافة البطون ، فإنّ الواقف وإن قصد حبس العين دائما ، ولذلك قد يقترن

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٧٤.


والأوّل (١) تضييع مناف لحقّ الله وحقّ الواقف وحقّ الموقوف عليه.

______________________________________________________

الوقف بمثل قوله : «حتى يرث الله الأرض ومن فيها» إلّا أنّ العين لمّا كان مآلها إلى الخراب والفناء عادة ، فلا بد وأن يكون الملحوظ حال الإنشاء حبسها ما أمكن الانتفاع بها ، ولو تعذّر فببدلها ، وهكذا إلى أن ينتفي الموضوع بطروء التلف. ورعاية هذا الغرض لا تحصل إلّا بجواز التبديل بمعناه الأعم الصادق على الوجوب أيضا.

(١) وهو تعطيل الوقف المشرف على التلف حتى يتلف بنفسه ، فإنّه تضييع للمال وإتلاف له ، وهو من الإسراف المحرّم.

قال الفاضل النراقي ـ بعد جعل الإسراف تضييعا للمال ، أو صرفه في ما لا يليق بحاله ، أو في ما لا يحتاج إليه ـ ما لفظه : «أمّا التضييع فمصداقه واضح ، وهو إتلافه ، كإهراق الماء ، وطرح النواة ، وإهراق اللبن والدّبس ، ونحو ذلك ممّا لا يعدّ خرجا وصرفا للمال أيضا. بل يقال : إنه جعله بلا مصرف ، أو صرفه على وجه لا تترتب عليه فائدة أصلا ، لا دينية ولا دنيوية» (١).

فإن قلت : إنّ ما دلّ على حرمة التضييع مطلقا ـ وقفا كان أو غيره ـ معارض بالعموم من وجه بما دلّ على منع بيع الوقف ، الشامل بإطلاقه لمثل المقام ، وهو خرابه وسقوطه عن حيّز الانتفاع به. وفي مثله لا مجال للتشبث بعموم النهي عن إتلاف المال وإفساده ، إلّا بوجود مرجّح له على حرمة بيع الوقف ، ولولاه لم يتجه التمسك بعموم حرمة التضييع على جواز البيع هنا ، بل يمكن تخصيص عموم النهي ، لكون الإتلاف مستندا إلى نهي الشارع عن البيع ، فيكون كأمره بإتلاف المال في الهدي ، وإعدام آلات اللهو ، وغيرهما ، هذا.

قلت : لا مورد للمعارضة في المقام فضلا عن تقديم الأدلة المانعة عن بيع الوقف. وذلك لأنّ كلام المصنف : «والحاصل : أن الأمر دائر ..» إمّا أن يكون بيانا لوجود المقتضي لجواز بيع الوقف الخراب ـ كما لا يبعد وفاقا لمن أشرنا إليه ـ وإمّا أن يكون دليلا ثانيا على الجواز كما اختاره البعض. ولا معارضة على كلا الاحتمالين أصلا.

أمّا على الاحتمال الأوّل فلأنّ المصنف قدس‌سره منع من شمول الأدلة الناهية عن بيع الوقف للمقام ، فلم يبق إلّا عموم حرمة التضييع والإتلاف.

__________________

(١) عوائد الأيام ، ص ٦٣٣.


.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا على الاحتمال الثاني فلأنّه لا مجال للمعارضة فضلا عن التخصيص ، لوجود المرجّح ، وهو ثبوت حرمة الإسراف والتضييع بضرورة الدين وبالآيات الكثيرة والأخبار المتضافرة ، كقوله تعالى (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (١) و (أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النّارِ) (٢) و (لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) (٣) وغيرها (٤).

وكقول أبي عبد الله عليه‌السلام فيما رواه ابن أبي يعفور عنه : «قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما من نفقة أحبّ إلى الله عزوجل من نفقة قصد ، ويبغض الإسراف إلّا في الحجّ والعمرة» (٥). وعدّه من الكبائر في رواية العيون (٦).

ومن المعلوم أنّ النهي عن شراء الوقف ـ لو سلّم إطلاقه لصورة الخراب ـ قاصر عن معارضة الكتاب الصريح في حرمة الإسراف ومبغوضيته (*).

وبالجملة : إن المقتضي لحرمة تعطيل الوقف ـ حتى يتلف بنفسه ـ موجود ، لكونه تضييعا محرّما ، ومنافيا للحقوق المتعلقة بالعين الموقوفة. والمانع مفقود ، لما عرفت من قصور الدليل المانع من بيع الوقف عن شموله لفرض الخراب ، ولو سلّم شموله له لم يصلح للمعارضة مع ما هو قطعي الدلالة والسند.

__________________

(*) هذا بناء على كون تضييع المال وإفساده وتبذيره من المفاهيم الملقاة إلى العرف وإمكان تخصيص عموم النهي عنه ، فيكون مثل الأمر بإتلاف آلات اللهو تضييعا

__________________

(١) الأنعام ، الآية ١٤١ والأعراف ، الآية ٣١.

(٢) الغافر ، الآية ٤٣.

(٣) الإسراء ، الآية ٢٦ و ٢٧.

(٤) راجع عوائد الأيام ، ص ٦١٥ و ٦١٦.

(٥) وسائل الشيعة ، ج ٨ ، ص ١٠٧ ، الباب ٥٥ من أبواب وجوب الحج ، ح ١ ، وص ٣٠٥ ، الباب ٣٥ من أبواب آداب السفر الى الحج ، ح ١.

(٦) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ٢ ، ص ١٢٧ ، وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٢٦١ ، الباب ٤٦ من أبواب جهاد النفس ، ح ٣٣.


وبه (١) يندفع استصحاب المنع ،

______________________________________________________

(١) أي : وبكون تعطيل الوقف تضييعا محرّما منافيا للحقوق الثلاثة يندفع استصحاب المنع. وتقريب الاستصحاب : أنّه ـ بناء على عدم تمامية الإطلاق في مثل رواية ابن راشد ـ لا ريب في موضوعية الوقف لحرمة الشراء في الجملة ، ويشكّ في زوال الحرمة بصيرورته مسلوب المنفعة ، فيستصحب المنع ، ومن المعلوم عدم الفرق في منع بيع الوقف بين كون الدليل عليه أمارة كإطلاق قوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقوف» الشامل للعامر والخراب ، وبين كونه أصلا عمليّا.

وناقش المصنف قدس‌سره فيه بوجهين :

الأوّل : أنّ الأصل محكوم بالدليل الاجتهادي المجوّز للبيع ، وهو حرمة تضييع المال وإتلافه ، وبقيام الحجة على انتقاض الحرمة المتيقنة سابقا لا معنى للاستصحاب.

__________________

تشريعا ، وإعدامها خارجا تضييعا تكوينا.

وكذا بناء على إباء لسان الأدلة الناهية عن الإسراف والتبذير عن الاستثناء والتخصيص ، فإنه مرجّح لأحد المتعارضين على الآخر.

وإن أمكن التأمل في هذا الوجه بأنّ استثناء صرف المال في الحج والعمرة ونحوه ـ ممّا ورد الترخيص شرعا في التجاوز عن الحدّ ـ ظاهر في وحدة الموضوع ، لا تخطئة نظر العرف والخروج الموضوعي ، وللكلام موضع آخر.

ثمّ إنّه قد يشكل ما أفاده هنا ـ من جواز بيع الوقف لكونه تضييعا محرّما ـ بمنافاته لما سيأتي في حكم الصورة السابعة من منع صدق الإضاعة على ترك بيع الوقف ، حيث قال : «ان المحرّم هو إضاعة المال المسلّط عليه ، لا ترك المال الذي لا سلطان له عليه إلى أن يخرب».

لكن سيأتي هناك أنّ التضييع والإضاعة وإن اتّحدا معنى لغة كما صرّح به في اللسان وغيره ، إلّا أنّ الفارق بين الصورتين إناطة صدق الإضاعة بالإتيان بعمل وجودي يتسبب به الى تلف المال ، فلا تصدق على مجرّد الترك.

مضافا إلى : اعتبار كون المال تحت سلطنة الشخص ، فلو انتفى الأمران ـ أي لم يتصرف ، وكان المتروك خارجا عن السلطان ـ لم يصدق الإضاعة.


مضافا (١) إلى كون المنع السابق في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف ، وهو انتفاع جميع البطون بعينه ، وقد ارتفع قطعا ، فلا يبقى ما كان في ضمنه (٢).

وأمّا الثاني (٣)

______________________________________________________

الثاني : أنّ الركن الثاني ـ وهو الشك في البقاء ـ مفقود هنا ، لأنّ حرمة بيع الوقف كانت في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف ، وهو انتفاع جميع البطون بالعين الموقوفة بناء على اقتضاء الأمر بشي‌ء النهي عن ضده. ولمّا كانت حرمة بيع الوقف لأجل وجوب العمل بمقتضى الوقف ـ ومن المعلوم انتفاء هذا الوجوب ، لعدم القدرة على العمل بمقتضى الوقف بعد خرابه ـ فهي مرتفعة أيضا. ومع القطع بارتفاعها لا معنى لاستصحابها.

نعم يحتمل تحريم البيع بجعل آخر ، ولكن الأصل عدمه. كما تقرّر في القسم الثاني ثالث أقسام استصحاب الكلّي ، وهو احتمال حدوث فرد من الكلّي مقارنا لزوال الفرد السابق.

(١) هذا إشارة إلى الوجه الثاني من الخدشة في الاستصحاب.

(٢) أي : في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف.

(٣) معطوف على «والأوّل» ولا حاجة إلى كلمة الشرط رعاية لوحدة سياقه مع ما سبقه وما لحقه ، وهما الأوّل والثالث.

وكيف كان ، فالمراد بالثاني جواز الإتلاف بانتفاع البطن الموجود به خاصة كأكل اللحم وحرق الحصير الخلق ، بحيث لا يبقى موضوع ليتعلّق به حق البطون المتأخرة.

وتمسّك المصنف بوجهين لنفي هذا الاحتمال.

الأوّل : منافاته لحقّ سائر الطبقات ، لما تقدّم من أنّ التمليك في الوقف نحو خاصّ ، فهو ملك فعلي للبطن الموجود ، وشأني لغيره من المعدومين. وعليه فلو جاز الانتفاع بإعدام العين كان تضييعا لحقّ سائر البطون ، والمفروض تعلق غرض الواقف برعاية حقّهم ، فلا يجوز اختصاص الطبقة الموجودة بالإتلاف.

الثاني : أنّ جواز اختصاص البطن الموجود بإتلاف العين يستلزم جواز بيعها والاستقلال بالتصرف في ثمنها حتى في غير حال طروء الخراب عليها.

ووجه الاستلزام كون إتلاف الوقف وبيعه تصرّفا في مال تعلّق به حقّ الغير


ـ فمع منافاته (١) لحقّ سائر البطون (*) ـ يستلزم (٢) جواز [٢] بيع البطن الأوّل ، إذ (٣) لا فرق بين إتلافه ونقله.

______________________________________________________

أعني به البطون المتأخرة. ولا ريب في منع نقل الوقف إلى الغير مع قابليته لانتفاع كافة الطبقات به تحقيقا لغرض الواقف ، فيتعيّن منع الشقّ الثاني ، وهو جواز إتلافه بانتفاع الطبقة الموجودة.

(١) أي : مع منافاة الثاني ـ وهو أن يجوز للبطن الموجود إتلاف الوقف واستقلاله بالانتفاع به ـ لحقّ سائر البطون. وهذا هو الوجه الأوّل المتقدم آنفا.

(٢) هذا ثاني الوجهين المتقدمين. ووجه الاستلزام ما عرفته من كون كلّ من البيع والإتلاف تصرّفا في مال متعلّق لحقّ الغير.

(٣) تعليل للاستلزام المزبور.

__________________

(*) يمكن أن يقال : إنّ حقّ البطون اللّاحقة منوط ببقاء العين مع إمكان الانتفاع بها. وأمّا إذا خرجت عن الانتفاع فلم يثبت حقّهم ، هذا.

ثم إنّه كان المناسب التعليل بتضييع حقّ الله وحق الواقف في هذه الصورة ، وعدم الاكتفاء بمنافاته لحق سائر البطون.

نعم تقدم الكلام في مانعية هذه الحقوق عن البيع ، فراجع (ص ٥٢٦).

(**) لم يظهر وجه هذا الاستلزام. فإن كان طروء الخراب على الوقف في زمان البطن الأوّل ، كان حالهم حال البطن اللاحق في جواز بيع الوقف لهم. وإن لم يطرء الخراب في زمان البطن الأوّل ، فما الموجب لجواز بيعهم للوقف؟

وبالجملة : الاستلزام المزبور في غاية الخفاء ، هذا.

لكن يتضح وجه الاستلزام بما ذكر في التوضيح من أنّ الظاهر إرادة جواز البيع في حال عمران الوقف ، ضرورة أنّه لو جاز التصرف بالإتلاف لجاز بالبيع ، إذ لا فرق بينهما من جهة صدق التصرف. نعم لا ملازمة بينهما كلّية ، فإنّ المباحات الأصلية أو المالكية يجوز إتلافها دون بيعها.


والثالث (١) هو المطلوب.

نعم ، يمكن أن يقال (٢) إذا كان الوقف ممّا لا يبقى بحسب استعداده العاديّ (٣) إلى آخر البطون ، فلا وجه لمراعاتهم (٤) بتبديله بما يبقى لهم (٥) ، فينتهي (٦) ملكه إلى من أدرك آخر أزمنة بقائه ، فتأمّل (٧).

______________________________________________________

(١) معطوف على «والأوّل» والمراد بالثالث جواز بيع الوقف الخراب وتبديله بما يبقى لينتفع به الكلّ.

(٢) استدراك على ما أفاده من اقتضاء حرمة تضييع المال ـ ومنافاته للحقوق الثلاثة ـ لجواز البيع والتبديل. وحاصل الاستدراك : منع تعلق الحقّ مطلقا وفي جميع الموارد ، لكون الدليل أخصّ من المدّعى.

وبيانه : أنّ بعض الأوقاف يستعدّ البقاء إلى أمد معيّن ، وينتهي أمره إلى الخراب والبوار ، والواقف وإن اعتبر الدوام في إنشائه لينتفع به البطون المعدومة ، إلّا أنّه لعلمه بعدم بقاء العين إلى الأبد يقصد حبسها إلى زمان قابليتها للبقاء عادة. فإذا كان بناء الدار الموقوفة ممّا يبقى مائة عام كان الموقوف عليهم بطونا ثلاثة مثلا لا أزيد ، فإن خربت في عهد البطن الثالث فهي ملك لهم ، ولا حقّ للطبقات المتأخرة فيها حتى يجب تبديلها بوقف آخر ، بل يجوز للبطن البائع التصرف في الثمن بتمامه.

وكذا الحال في وقف الحيوان الذي يعيش عادة الى أمد ، ويفنى.

(٣) لأنّ مصير الموجود المادّي إلى الفناء والبوار.

(٤) أي : لمراعاة البطون التي اعتبر الواقف انتفاعها بالوقف ، كقوله : «هذه الدار وقف لأولادي نسلا بعد نسل ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها» مع استعداد بقائها مائة عام مثلا ، فلا حقّ للبطن الرابع والخامس حتى يجب رعايته بتبديل الدار الخربة بمثلها ، أو بما يكون أقرب إلى غرض الواقف.

(٥) أي : للبطون المتأخرة عن عمر الوقف بحسب العادة.

(٦) يعني : فيصير الوقف الخاص ملكا طلقا للبطن الذي أدرك آخر أزمنة بقاء الوقف ، فيستقلّ به ، ولا حقّ للبطن المعدوم ـ كالرابع والخامس في المثال المتقدم ـ فيه.

(٧) لعلّه إشارة إلى منع عدم تعلق حقّ البطون اللاحقة بما انتهى أمده ، ضرورة أنّ ماليته باقية ، ولا مانع من تعلق حقّهم بماليّته ، فيشترى بثمنه ما يبقى للبطون المعدومة.

ولو سلّم عدم تعلق حقّهم به بالنسبة إلى ما بعد زمان استعداد البقاء ، لم يكن وجه


وكيف كان (١) ، فمع فرض ثبوت الحقّ للبطون اللاحقة ، لا وجه [فلا وجه] لترخيص البطن الموجود في إتلافه.

وممّا ذكرنا (٢) يظهر أنّ الثمن على تقدير البيع (٣) لا يخصّ به البطن الموجود ،

______________________________________________________

لصيرورته ملكا للبطن الموجود ، بل اللازم الحكم بعوده إلى الواقف أو وارثه ، لانتفاء السبب المخرج للوقف عن ملك الواقف إلى ملك آخر من ينتفع بالوقف ، فهو كالوقف المنقطع ، ويعود إلى الواقف ، إلّا بقيام الدليل على عدم عوده إليه.

وعلى هذا فما تقدّم ـ من جواز البيع والتبديل رعاية للحقوق الثلاثة ـ هو المتعيّن.

(١) يعني : سواء قلنا بتعيّن بيع الوقف أم بجوازه ، فلا وجه لتجويز إتلافه للبطن الموجود ، لفرض تعلق حق البطون اللاحقة به ، بل يدور الأمر ـ بناء على عدم تعيّن النقل ـ بين جواز البيع وتركه بحاله حتى يتلف. هذا.

والعبارة لا تخلو من شي‌ء ، ولعلّ الأولى إسقاط : «وكيف كان».

هذا تمام الكلام في إثبات جواز بيع الوقف في الصورة الاولى ، وسيأتي ما يتفرّع عليه.

(٢) أي : ومن كون العين الموقوفة متعلقة لحقّ البطون المعدومة يظهر أن الثمن ..

إلخ. وهذا أوّل الفروع المترتبة على جواز البيع ، وهو : أنّ العوض هل يختص بالبطن الموجود ، أم هو ملك للبطون على حذو ملكيّة المعوّض؟ فيه قولان :

أحدهما : انتقال الثمن إلى الطبقة الموجودة خاصة ، وهو ظاهر عبائر جمع ، كما سيأتي ذكره في المتن.

ثانيهما : أنّ الثمن قائم مقام المبيع في كونه ملكا فعليا للموجودين من الموقوف عليهم ، وشأنيا للمعدومين منهم ، وهو ظاهر جماعة ، واختاره شيخنا الأعظم مستدلّا عليه بأنّه مقتضى بدلية الثمن عن المثمن ، وسيأتي توضيحه.

(٣) كذا في النسخ ، لكن في حاشية المحقق الإيرواني قدس‌سره «على تقدير المنع» وفسّره بقوله : «يعني : على تقدير منع البطن الموجود من إتلاف العين الذي من مصاديقه بيعه وصرف ثمنه ..» (١) والمفاد واحد ، وهو عدم استقلال الطبقة الموجودة بالثمن لو بيع الوقف.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٧٥.


وفاقا لمن تقدّم ممّن يظهر منه ذلك ـ كالإسكافي (١) ، والعلّامة (٢) ، وولده (٣) ، والشهيدين (٤) ، والمحقّق الثاني (٥) ، وحكي عن التنقيح والمقتصر ومجمع الفائدة (٦)

______________________________________________________

(١) حيث قال في كلامه المتقدم في (ص ٥٤٧) : «.. لو بلغ حاله إلى زوال ما سبّله من منفعته ، فلا بأس ببيعه ، وإبدال مكانه بثمنه إن أمكن» لدلالة الجملة الأخيرة على إبدال العين الموقوفة بما يقوم مقامها ليسبّل منفعتها.

(٢) كقوله في التحرير : «ولو قيل بجواز البيع .. ويشترى بثمنه ما يكون وقفا كان وجها» فراجع (ص ٥٦٥ ـ ٥٦٦).

(٣) كقوله : «.. والأصحّ عندي جواز بيعه ، وصرف ثمنه في المماثل» فراجع (ص ٥٤٧).

(٤) لم يتقدّم في ما نقله المصنف عن الشهيد قدس‌سره في اللمعة وغاية المراد والدروس ما يظهر منه حكم الثمن. ولكنّه قدس‌سره صرّح به في غاية المراد في مسألة الجناية على العبد الموقوف ـ بعد الاستدلال عليه بأنّ القيمة بدل من العين ، وأنّ الإبدال أقرب إلى التأبيد الذي هو مراد الواقف ـ بقوله : «والأقرب أنّ البدل يجب كونه من جنس الموقوف ، لأنّه أقرب إلى الوقف .. وحينئذ تجب المساواة في الذكورة والأنوثة ، وإن أمكن المساواة في باقي الصفات أو معظمها فهو أولى» (١).

وحكى السيد العاملي عن حواشيه وجوب شراء المماثل إن أمكن ، فراجع (٢).

وكذا صرّح الشهيد الثاني قدس‌سره بوجوب صرف الثمن في شراء ما يكون وقفا على ذلك الوجه ، فراجع (٣).

(٥) صرّح به في عبارته المتقدمة في (ص ٥٦٩) فراجع.

(٦) الحاكي عن الفاضل المقداد وأبي العباس ابن فهد والمحقق الأردبيلي قدس‌سرهم هو السيد العاملي قدس‌سره ، في البيع والوقف (٤). وحكاه صاحب المقابس قدس‌سره عن التنقيح

__________________

(١) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤١ و ٤٤٢.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٩.

(٣) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٧٠ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٥ ، حاشية الإرشاد المطبوعة مع غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤٢.

(٤) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٩ ، وج ٩ ، ص ٨٩ ، لاحظ التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٣٠ ، المقتصر ، ص ٢١٢ ، مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٦٩.


لاقتضاء البدليّة ذلك (١) ، فإنّ (٢) المبيع إذا كان ملكا للموجودين

______________________________________________________

والمقتصر ، فراجع (١).

(١) أي : عدم اختصاص الثمن بالبطن الموجود ، وكونه مشتركا بين الكلّ.

ثم إنّ ظاهر كلام المصنف قدس‌سره الاستدلال على الاشتراك في الثمن بوجه واحد ، وهو قوله : «فإنّ المبيع .. إلخ» إلّا أنّه يظهر بالتأمّل فيه ـ كما نبّه عليه المحقق الأصفهاني قدس‌سره (٢) وجهان :

أحدهما : ناظر إلى عدم المقتضي للاختصاص ، وهو ما سيأتي بقوله : «وفيه أن ما ينقل إلى المشتري ..».

وثانيهما : ناظر إلى وجود المانع عنه ، أعني به تعلّق حق المعدومين بالعين. وهو قوله : «فإنّ المبيع ..» ثمّ أكّد المصنف الاشتراك بالأولوية من موردين ، وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله تعالى.

(٢) تعليل لكون مقتضى البدلية اشتراك البطون في الثمن ، لوجود المانع من الاختصاص ، وتوضيحه ببيان أمرين :

أحدهما : أنّ ما أنشأه الواقف ـ في الوقف الخاص ـ من جعل العين ملكا ترتيبيا للطبقات ينحلّ إلى نحوين من الملكية.

الأوّل : كون الوقف ملكا فعليا للبطن الموجود.

الثاني : كونه ملكا شأنيا للطبقات المعدومة حال الإنشاء ، وتتوقف فعليته على انقضاء البطن السابق.

والوجه في الالتزام بالملك الشأني هو امتناع فعلية الملكية مع كون المالك معدوما فعلا ، فإنّ الملك نسبة بين المالك والمملوك. لكن الملك الشأني ممكن ، وهو مقتضى جعل الواقف.

ثانيهما : أنّ البيع مبادلة مال بمال في جهة ما لكلّ من المالين من إضافة إلى صاحبه. فلا يتصوّر خروج المثمن عن ملك شخص وعدم دخول الثمن في ملكه ، أو دخوله في

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٦.

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٢٦٥.


بالفعل (١) وللمعدومين بالقوّة ، كان (٢) الثمن كذلك ، فإنّ (٣) الملكيّة اعتبار عرفي أو شرعي (٤) يلاحظها المعتبر عند تحقّق أسبابها (٥). فكما أنّ الموجود مالك له فعلا ما دام موجودا بتمليك الواقف ، فكذلك المعدوم مالك له شأنا بمقتضى تمليك الواقف. وعدم تعقّل (٦) الملك للمعدوم إنّما هو في الملك الفعلي لا الشأني.

______________________________________________________

ملك شخص آخر ، ولذا وجّهوا مسألة من قال : «اشتر بهذا المال طعاما لنفسك» بالتوكيل ونحوه ممّا لا ينافي حقيقة المعاوضة ، كما تقدم تفصيله في تنبيهات المعاطاة (١).

وبناء على هذين الأمرين يتعيّن القول بصيرورة الثمن مشتركا بين الموجود والمعدوم من البطون ، فهو ملك فعلي للموجود وشأني للمعدوم ، فلا يجوز صرفه وإتلافه للطبقة الحاضرة ، لمنافاته لما اعتبره الواقف ، والمفروض أنّ الوقوف على حسب ما يقفها أهلها ، هذا.

(١) متعلق ب «ملكا» أي : ملكا فعليا للموجودين من الموقوف عليهم. ومنشأ كون الوقف ملكا فعليا للموجود وشأنيا للمعدوم هو اعتبار الواقف وجعله العين ملكا للطبقات.

(٢) جواب «إذا كان» والوجه في الملازمة بين الشرط وجوابه هو اقتضاء حقيقة المعاوضة تعنون الثمن بما كان للمثمن من عنوان وإضافة.

(٣) هذا تقريب انحلال إنشاء الواقف بمثل «هذا وقف على ذرّيّتي» إلى ملكيتين فعلية وشأنية ، ومحصّله : أنّ الملكية المبحوث عنها ليست من الأمور المقولية المتأصلة ، بل هي أمر اعتباري ، أمرها بيد المعتبر. نعم قد تختلف الأنظار ، فقد يعتبرها العرف دون الشرع ، لكن في مثل المقام ورد الدليل على إمضاء ما عليه العرف ، لكون الوقف من الاعتباريات المتداولة عند العقلاء والملل.

(٤) كاعتبار ملكية الوارث شرعا عند ارتداد المورّث ، وكاعتبار ملكية الخمر عرفا لا شرعا.

(٥) من حيازة مباح ، أو عقد بيع ، أو موت مورّث ، وغيرها من الأسباب المملّكة عرفا أو شرعا ، كالوقف.

(٦) هذا دفع توهم استحالة كون البطون اللاحقة مالكة كمالكية البطن الموجود ،

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ١٠٤.


ودعوى (١) أنّ الملك الشأني ليس شيئا محقّقا موجودا ، يكذّبها (٢) إنشاء الواقف له (٣) كإنشائه لملك الموجود.

فلو جاز (٤) أن تخرج العين الموقوفة إلى ملك الغير

______________________________________________________

إذ الملكية نسبة قائمة بالمنتسبين ، ولا ملك للمعدوم.

ومحصل الدفع : أنّ الممتنع هو الملكية الفعلية ، لا الشأنية ، فإنّها ممكنة بل واقعة خارجا ، ويترتب الأثر عليها شرعا.

(١) غرض المدّعي : أنه سلّمنا إمكان الملك الشأني للمعدوم ، إلّا أنّه ليس شيئا محقّقا موجودا ، والموجود في وعاء الاعتبار هو الملك الفعلي للطبقة الموجودة. وعليه فلو طرء مسوّغ البيع اختصت هي بالثمن ، ولم يشاركها البطون المتأخرة حتى يجب التبديل.

وأجاب المصنف قدس‌سره عن الدعوى بمخالفتها للوجدان ، فإنّ الواقف يجعل العين ملكا للموجود والمعدوم. ولو لم يكن مقصوده ملكيتها اقتضائيا للمعدومين ـ والمفروض استحالة ملكيتهم بالفعل ـ لزم اختصاص العين بالموجودين حال عمرانها وقبل طروء الخراب ، مع أنّ تعلق ملك البطون بها إجماعي. ولو كانت الملكية الشأنية ممتنعة لم يعقل الفرق بين حالتي العمران والخراب. وعليه فلا مجال لإنكار مالكية المعدوم شأنا.

(٢) خبر «دعوى» والحاصل : أنّ تسلّم أمرين يلزمنا القول بالملك الشأني.

أحدهما : كون الملكية من اعتبارات العرف والشرع ، فقد يكون المعتبر فعليا ، وقد يكون شأنيا ، وقد يكون مؤلّفا منهما كما في المقام بحسب الطبقات.

ثانيهما : كون إنشاء الواقف متكفّلا لكلّ من الملك الفعلي والشأني ، والمفروض مطابقة الإمضاء للإنشاء.

(٣) أي : للملك الشأني للمعدومين ، كإنشائه للملك الفعلي للموجودين.

(٤) هذا متفرع على كون تمليك العين للطبقات اعتبارا للملك الفعلي للموجود ، وللشأني للمعدوم. وهو قياس اقتراني مؤلّف من ملزوم ولازم ، وحيث إنّ اللازم ـ وهو التالي ـ باطل جزما ، فكذا المقدم ، ويثبت المطلوب وهو اشتراك الثمن بين الكلّ.

وبيانه : أنّه لو قيل باختصاص الثمن بالموجود ، ولم نقل بملكيته الشأنية للمعدومين ، لزم عدم تحقق مفهوم المعاوضة ، وحيث لم تصدق المبادلة والمعاوضة فلا بدّ من الالتزام


بعوض لا يدخل (١) في ملك المعدوم على نهج (٢) دخول المعوّض ، جاز (٣) أن تخرج بعوض لا يدخل (٤) في ملك الموجود. وإليه (٥) أشار الشهيد قدس‌سره في الفرع الآتي ، حيث قال : «إنّه ـ يعني الثمن ـ صار مملوكا على حدّ الملك الأوّل (٦) ، إذ يستحيل (٧) أن يملك لا على حدّه» (١).

خلافا (٨) لظاهر بعض العبائر المتقدّمة ،

______________________________________________________

بخروج الوقف عن ملك الطبقة الحاضرة وعدم دخول الثمن في ملكها فعلا.

ووجه الملازمة : أنّه بعد تسلّم كون الوقف ملكا فعليا وشأنيا ، فإن قام البدل مقام المبدل في الفعلية والشأنية فلا كلام. وإن لم يحلّ محلّه ـ أي لم يكن ملكا شأنيا للمعدوم ـ لم يتحقق عنوان المعاوضة ، فليكن الثمن باقيا على ملك المشتري ولم ينتقل إلى البطن الموجود فعلا ، كما لم ينتقل إلى المعدوم شأنا ، إذ المهم عدم صدق البيع والمبادلة بين المالين.

مع أنّه لا ريب في فساد هذا التالي ، وأنه لا بدّ من قيام الثمن مقام المثمن في ما كان له من إضافة في ملك ـ فعلا أو شأنا ـ أو في حقّ ، أو في غيرهما.

(١) صفة للعوض.

(٢) متعلق ب «ملك» أي : دخول العوض في ملك المعدومين شأنا ، كما كان شأن المعوّض قبل البيع.

(٣) جواب الشرط في «فلو جاز» وقد تقدم وجه الملازمة آنفا.

(٤) صفة للعوض ، وضمير «تخرج» راجع إلى العين الموقوفة.

(٥) الظاهر رجوع الضمير إلى عدم اختصاص الثمن بالموجودين ، وسيأتي كلام الشهيد قدس‌سره في (ص ٦٤٥).

(٦) وحدّه كونه مشتركا بين الموجود والمعدوم.

(٧) وجه الاستحالة اقتضاء مفهوم المعاوضة قيام الثمن مقام المثمن بما له من الخصوصية.

(٨) هذا عدل لقوله : «وفاقا لمن تقدّم» وغرضه الإشارة إلى القول الثاني في

__________________

(١) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤٢.


واختاره (١) المحقّق في الشرائع في دية العبد الموقوف المقتول.

______________________________________________________

المسألة ، وهو اختصاص الثمن بالبطن الموجود ، كقول الشيخ المفيد قدس‌سره في (ص ٥٥٧) : «إلّا أن يخرب الوقف .. فلهم حينئذ بيعه والانتفاع بثمنه ، وكذلك إن حصلت لهم ضرورة إلى ثمنه كان لهم حلّه». فإنّ ظاهره اختصاص الثمن بالموجودين ، خصوصا مع اقترانه بجواز البيع عند الحاجة الشديدة إلى الثمن ، الّذي حكموا فيه بكون الثمن لهم. ونحوه قول السيد قدس‌سره في (ص ٥٥٩) : «وممّا انفردت الإمامية به : القول بأن الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا ، جاز لمن هو وقف عليه بيعه والانتفاع بثمنه» ولا يبعد استفادته من كلام الديلمي ، فراجع (ص ٥٦٣).

(١) يعني : اختار المحقق اختصاص بدل الموقوفة بالبطن الموجود ، كما تعرّض له في مستحقّ دية العبد الموقوف المقتول. وحيث إنّه لا خصوصية للعبد الموقوف كان اختصاص الثمن بالبطن الموجود حكم الوقف مطلقا عبدا كان أو دارا أو غيرهما.

قال قدس‌سره في العبد الموقوف ـ إن لم يقتصّ من الجاني ، وإنّما تجب عليه الدية كما إذا كان حرّا ـ ما لفظه : «وإن أوجبت ـ أي الجناية ـ دية أخذت من الجاني. وهل يقام بها مقامه؟ قيل : نعم ، لأنّ الدية عوض رقبته ، وهي ملك للبطون. وقيل : لا ، بل تكون للموجودين من الموقوف عليهم. وهو أشبه ، لأنّ الوقف لم يتناول القيمة» (١).

وقال السيد العاملي قدس‌سره ـ في شرح ما احتمله العلّامة قدس‌سره من اختصاص الدية بالموجودين ـ ما لفظه : «كما جزم به في التبصرة ، وقوّاه في المبسوط ، وفي الشرائع : أنه أشبه. وفي التحرير : أقرب. وفي الإيضاح : أنه قوي ، لأنّ الوقف ابتداء متعلق بالعين ، وقد بطلت بإتلافه ، فامتنع أن يكون لمن سيوجد من البطون فيه حق ، لأنّهم حال الجناية غير مستحقين ، وإذا صاروا مستحقين يخرج التالف عن كونه وقفا ..» (٢).

وقريب منه ما في الجواهر ، فراجع (٣).

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢١٩.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٩٧.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٩٨.


ولعلّ وجهه (١) أنّ الوقف ملك للبطن الموجود ، غاية الأمر تعلّق حقّ البطون اللاحقة به ، فإذا فرض جواز (٢) بيعه انتقل الثمن إلى من هو مالك له فعلا ، ولا يلزم (٣) من تعلّق الحقّ بعين المبيع تعلّقه بالثمن ، ولا دليل عليه (٤). ومجرّد (٥) البدليّة لا يوجب ترتّب جميع اللوازم ، إذ لا عموم لفظيّ يقتضي البدلية والتنزيل ، بل هو بدل له في الملكيّة وما يتبعها (٦) من حيث هو ملك.

وفيه (٧) : أنّ ما ينقل إلى المشتري

______________________________________________________

(١) أي : وجه اختصاص البدل بالموجودين ، وهذا الوجه ـ كما تقدّم آنفا ـ أشار إليه فخر المحققين قدس‌سره ، ومحصله : أنّ العين الموقوفة ملك فعلي للموجودين ، وليس للمعدومين إلّا حقّ في العين ، وحيث إنّ المفروض جواز بيعها ، فإن نهض دليل على قيام البدل مقام المبدل في جميع الخصوصيات التي منها استحقاق المعدومين له على حدّ استحقاقهم للمبدل فهو. وإن لم تقم حجة على إطلاق البدلية كما هو المفروض ، وكذلك لم تقتض نفس البدلية لترتب جميع آثار المبدل ، على البدل ، لم يكن موجب للقول باشتراك جميع الطبقات في الثمن. هذا.

(٢) لما عرفت من أنّ إبقاء الوقف إلى أن يتلف بنفسه تضييع محرّم.

(٣) هذا دفع توهم اقتضاء نفس البدلية ـ ثبوتا ـ لترتيب لوازم المبدل على البدل. فإذا كان الثمن بدلا عن الوقف كان كالمثمن ملكا للجميع.

ومحصل الدفع ما عرفته من منع اقتضاء البدلية الشركة في كافة الآثار ، كما لا دليل عليه في مرحلة الإثبات.

(٤) أي : على تعلق حقّ البطون بالثمن.

(٥) هذا بيان لما أفاده من عدم استلزام تعلق الحق بالوقف تعلقه بالثمن.

(٦) أي : ما يتبع الملكية من ثبوت السلطنة على الثمن وجواز التصرف المشروعة فيه.

(٧) غرضه المناقشة في ما وجّه به اختصاص الثمن ـ أو دية العبد المقتول ـ بالموجودين ، وتوضيحها ببيان أمرين :

الأوّل : أنّ ملكية الوقف للموجودين من الموقوف عليهم وإن كانت فعلية ، لكنها تختلف عن الملكية الحاصلة بأسباب اخرى كالحيازة والإرث والعقود الناقلة من البيع وشبهه.


.................................................................................................

______________________________________________________

والفارق هو : كونها في الوقف محدودة ببقاء الطبقة الاولى ، وبانقضائها يصير الوقف ملكا فعليا للطبقة الثانية ، وهكذا ، والكلّ يتلقّون الملك من الواقف ، وليس كالإرث بحيث ينتقل الوقف من السابق إلى اللّاحق. والموجب لكون ملكية الموقوف عليهم موقّتة ـ من حيث المنتهى ـ بحال حياة الطبقة الحاضرة هو جعل الواقف وتمليك ماله لهم بهذا النحو ، ولذا لا يجوز للبطن الفعلي التصرف في الوقف بما يزيد على زمان حياته ، كما إذا آجر الدار الموقوفة لمدة خمسين عاما وقد انقرض الموجر بعد أربعين عاما ، فإنّ الإجارة فضولية بالنسبة إلى عشرة أعوام ، وللبطن المتأخر الإجازة والرّد.

قال المحقق قدس‌سره : «إذا آجر البطن الأوّل الوقف مدّة ، ثم انقرضوا في أثنائها. فإن قلنا : الموت يبطل الإجارة فلا كلام. وإن لم نقل ، فهل يبطل هنا؟ فيه تردد ، أظهره البطلان ، لأنّا بيّنا أن هذه المدة ليست للموجودين ، فيكون للبطن الثاني الخيار بين الإجازة في الباقي ، وبين الفسخ فيه» (١).

وقوله : «فيكون .. بالخيار» قرينة على أنّ المراد بالبطلان في قوله : «أظهره البطلان» عدم اللزوم ، لكون الإجارة فضولية ، وليس مراده الفساد المقابل للصحة فعلا وتأهّلا.

الثاني : أنّهم اعتبروا في البيع إنشاء التمليك المرسل غير المحدود بزمان أو زماني ، فلا يصح بيع المال إلى عشر سنين.

وبناء على هذين الأمرين نقول : إنّه لا مقتضي للقول باختصاص الثمن بالموجودين ، وذلك لأنّ البطن البائع إمّا أن يملّك الوقف ـ للمشتري ـ مقيّدا باختصاصه وهو ملكه الفعلي المختص بزمان حياته ، وإمّا أن يملّكه مرسلا وغير محدود ، أي نقل العين بمالها من الاختصاص الفعلي به ، والشأني بالبطون اللاحقة. فينشئ البيع لنفسه بالأصالة لكونه مالكا بالفعل ، وللمعدومين بالولاية الحاصلة من إذن الحاكم الشرعي مثلا.

فعلى الأوّل يلزم كون تملّك المشتري مغيّا ببقاء البطن البائع ، لفرض اقتصاره على نقل ملكيته الفعلية ، وتنتهي بالموت ، ولا بد من عود المبيع إلى الطبقة اللاحقة ، وصيرورته ملكا لها لكونها مالكة بالفعل. مع أنه لا سبيل للالتزام بهذا التالي الباطل.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٢١.


إن كان هو الاختصاص الموقّت (١) الثابت للبطن الموجود ، لزم (٢) منه رجوع المبيع بعد انعدام البطن السابق [البائع] إلى البطن اللّاحق ، فلا يملكه المشتري ملكا مستمرّا (٣). وإن كان (٤) هو مطلق الاختصاص المستقرّ الذي لا يزول إلّا بالناقل (٥) ، فهو (٦) لا يكون إلّا بثبوت جميع الاختصاص الحاصلة للبطون له ، فالثمن لهم على

______________________________________________________

وعلى الثاني ـ وهو نقل الوقف بجميع اختصاصاته إلى المشتري ـ يثبت المطلوب ، وهو قيام الثمن مقام المثمن ، لكونه مقتضى المعاوضة. فيصير ملكا فعليا للموجودين وشأنيا لغيرهم ، ولا موجب لاختصاصه بالبطن البائع. ويجب شراء شي‌ء آخر بهذا الثمن ليكون وقفا ينتفع به جميع الطبقات ، هذا.

ومما ذكر ظهر أنّ المناقشة المزبورة ناظرة إلى نفي المقتضي لاختصاص الثمن بالموجودين ، لكون ملكية كل طبقة محدودة بحياتها ، كما أنّ ما تقدّم من الوجه الأوّل في (ص ٦٢٩) ناظر إلى وجود المانع عنه ، فلاحظ.

(١) المراد بالاختصاص الموقّت هو ملك البطن الموجود فعلا ، والمفروض امتناع وقوع البيع عليه.

(٢) جواب الشرط في «إن كان» ووجه اللزوم ما تقدّم آنفا من أن التمليك المحدود ينتهي ببلوغ أمده ، وحيث كان الثمن مقابل هذا التمليك المؤقّت ، فلا بد من رجوع المبيع ـ بعد انقراض البطن البائع ـ إلى مالكه الفعلي وهو البطن اللاحق. مع أن بطلان هذا الرجوع من الواضحات.

هذا مضافا إلى ما ينبّه عليه الماتن هنا من أنّ التمليك في البيع مرسل لا مقيّد بزمان أو زماني.

(٣) مع أنّه لا دليل على صحة تملك المشتري للمبيع في مدّه موقتة.

(٤) معطوف على «إن كان» وإشارة إلى الشقّ الثاني المتقدم آنفا ، ولازمه أن يسدّ الثمن مسدّ المبيع في كونه ملكا فعليا للموجودين وشأنيا للمعدومين.

(٥) كالبيع والهبة والإرث ، ولا يزول بانقراض البطن البائع ، لكون ملك المشتري مرسلا حسب الفرض.

(٦) أي : فاختصاص المبيع بالمشتري اختصاصا مستمرا مستقرا ـ لا ينقطع بموت البطن البائع ـ لا يكون إلّا بثبوت جميع الاختصاصات .. إلخ.


نحو المثمن (١).

وممّا ذكرنا (٢) تعرف أنّ اشتراك البطون في الثمن أولى

______________________________________________________

(١) فهو ملك فعلي للموجودين وشأني للمعدومين.

هذا ما استدلّ به المصنف قدس‌سره على اشتراك الثمن ، واستشهد عليه بالأولوية من الاشتراك في موردين كما سيأتي ، وهما دية العبد المقتول ، وبدل الرهن.

(٢) أي : من أنّ المنقول إلى المشتري لمّا كان مرسلا غير محدود بحياة الطبقة الموجودة ، فلا بدّ من كون الثمن مشتركا بين الكل. وغرضه قدس‌سره التمسك بالأولوية لإثبات شركة جميع الطبقات في ثمن الوقف. وبيانه : أنّ الفقهاء اختلفوا في حكم دية العبد الموقوف المقتول على قولين ، فمنهم من خصّها بالموجودين كما تقدم في (ص ٦٣٣) من المحقّق وجماعة ، ومنهم من جعلها للجميع ، فهي ملك فعلي للموجودين وشأني للمعدومين كنفس العين الموقوفة.

قال الشهيد الثاني قدس‌سره : «انّ الدية عوض رقبته ، والرقبة ليست ملكا تامّا للموجودين ، بل للبطون فيها حقّ وإن لم يكن بالفعل ، لكنّه بالقوة القريبة منه ..

فلا سبيل إلى إبطال حقّهم ، وحينئذ فيجب أن يشترى به ـ أي بالعوض وهو الدية ـ عبد أو بعض عبد يكون وقفا ، إبقاء للوقف بحسب الإمكان ، وصيانة له عن الإبطال .. إلخ» (١). ومحصّله : أنّ الدية بدل رقبة العبد الموقوف المقتول ، فتقوم مقام العبد في الوقفية واشتراك الكلّ فيها.

ووجه أولوية المقام ـ أعني به ثمن الوقف المبيع ـ من الدية هو : أنّ الدية بدل شرعي حكم بها بعد تلف العين ، ونفس بدليتها لا تقتضي اتحادها مع الرقبة حكما.

فإن قامت الحجة على الاتحاد ـ كما ادّعاه الشهيد الثاني قدس‌سره ـ قيل بالشركة تعبدا.

وإن لم تقم ـ كما ذهب إليه جمع ـ قيل باختصاص بالبطن الموجود ، وعدم سراية حكم العبد إلى ديته. وهذا بخلاف ثمن الوقف ، فإنّ مقتضى مفهوم المعاوضة وحدة حكم الثمن والمثمن ، ولا يعقل اختصاص العوض بالموجودين مع عدم اختصاص المعوّض بهم.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٣٨٥ ، وقواه في تعليقه على الإرشاد ، لاحظ غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤١


من اشتراكهم (١) في دية العبد المقتول ، حيث إنّه (٢) بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا (٣) عن تلف الوقف ، فجاز (٤) عقلا منع سراية حقّ البطون اللاحقة إليه (*).

______________________________________________________

والحاصل : أن وجوب الدية أمر ، وكونها بدلا عن العبد في جميع خصوصياته أمر آخر ، والدليل على الأوّل قاصر عن إثبات الثاني. بخلاف عوض المبيع ، لاقتضاء المعاوضة بدليّة العوض في كلّ إضافة قائمة بالمعوّض.

(١) يلوح من هذه الكلمة ابتناء أولوية ثمن الوقف من الدية على القول باشتراك البطون فيها. وأمّا بناء على اختصاصها بالموجودين فالوجه في الشركة في الثمن قضاء مفهوم المبادلة.

(٢) هذا الضمير وضمير «به» راجعان إلى الدية ، وتذكير الضمير باعتبار الخبر وهو «بدل».

(٣) إذ لا معنى لدية النفس إلّا بعد تلف العبد الموقوف ، وهذا بخلاف الثمن ، لعدم تأخّر عوضية الثمن عن معوضية المبيع.

(٤) هذا متفرع على كون الدية بدلا شرعيا لا تقتضيه ذات الجناية على العبد الموقوف ، بل تتوقف على الجعل والتعبد.

__________________

(*) لا يخفى ما فيه ، إذ لم يدّع أحد استحالة منع السراية حتى لا يسمع بدعوى إمكان منع السراية.

وبالجملة : لا امتناع عقلا في شي‌ء من السراية وعدمها حتى يقال بإمكان عدم السراية. لكن مجرّد إمكان عدم السراية عقلا لا يكفي في عدم السراية بعد اقتضاء قاعدة البدلية سراية حق البطون اللاحقة اليه.

ودعوى كون الدية حكما شرعيا لا عوضا حقيقيا ، كما ترى ، لأنّ دية العبد هي قيمته إن لم تتجاوز دية الحرّ ، وإلّا ردّت إليها. فدية العبد هي ماليته. نعم دية الحرّ مجرّد حكم شرعي بالغرامة ، لأنّه ليس مالا مملوكا حتى تكون الدية قيمته.

والحاصل : أنّه لا فرق في كون بدل الوقف كالمبدل متعلّقا لحق البطن الموجود والبطون المعدومة بين الثمن وبين قيمته المسمّاة بالدية.


بخلاف الثمن ، فإنّه يملكه من (١) يملكه (٢) بنفس خروج الوقف عن ملكهم (٣) على (٤) وجه المعاوضة الحقيقية ، فلا يعقل اختصاص العوض بمن لم يختصّ بالمعوّض (٥).

ومن هنا (٦) اتّضح

______________________________________________________

(١) فاعل «يملكه» والمراد بالموصول هو الموقوف عليهم مطلقا ، الموجود منهم والمعدوم.

(٢) الضمير البارز في «يملكه» في المعوضين راجع إلى الثمن. وضمير «فإنّه» للشأن.

(٣) الضمير راجع إلى «من» والجمع باعتبار المعنى أي الموقوف عليهم.

(٤) متعلق ب «يملكه» يعني : أنّ المعاوضة الحقيقية تقتضي الشركة في الثمن.

(٥) المراد بالموصول هو البطن الموجود الذي لم يختص بالمعوّض وإن كان مالكا له بالفعل. ووجه عدم الاختصاص تعلق حق البطون به.

(٦) أي : ومن أولوية ثمن الوقف ـ في عدم الاختصاص بالموجودين ـ من دية العبد اتضح .. ، وهذا بيان لمورد آخر حكموا فيه بقيام البدل مقام المبدل ، وتكون الشركة في ثمن الوقف أولى منه.

توضيحه : أنّ أحكام الوثيقة كما تثبت في الرهن تثبت في عوضها ، فحقّ الرهانة ينتقل إلى البدل.

قال المحقق قدس‌سره : «ولو أتلف الرهن متلف الزم بقيمته ، وتكون رهنا ، ولو أتلفه المرتهن» (١). وصرّح الشهيد الثاني قدس‌سره بعدم الفرق بين كون المتلف هو الراهن أو المرتهن أو الأجنبي (٢). وقال السيد الفقيه العاملي قدس‌سره : «وكأنّ الحكم إجماعي ، إذ لا نجد فيه خلافا» (٣).

والوجه في تعلق حق الرهانة بالعوض : أنّ الغرض من الرهن الاستيشاق بالعين ليستوفى الدين من قيمتها. فإن بقيت العين على حالها استوفى المرتهن حقّه منها. وإن تلفت ـ على نحو يوجب الضمان ـ كان البدل رهنا ، لأنّه وإن لم يجر عليه عقد الرّهن ، وإنّما

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٨٤ ، ونحوه في قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٢٠ و ١٢٥.

(٢) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٦٨.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ١٩٦.


أيضا (١) أنّ هذا أولى بالحكم من بدل الرهن الذي حكموا بكونه (٢) رهنا ، لأنّ (٣) حقّ الرهنيّة متعلّق بالعين من حيث (٤) إنّه ملك لمالكه الأوّل ، فجاز أن يرتفع (٥) ـ لا إلى بدل ـ بارتفاع (٦) ملكيّة المالك الأوّل. بخلاف (٧) الاختصاص الثابت للبطن المعدوم ،

______________________________________________________

جرى على المبدل المتلف ، إلّا أنّ مجرّد عوضيّته عن الرهن يقتضي قيام البدل مقامه في كونه وثيقة.

ووجه كون المقام أولى ممّا حكموا به في الرهن هو : أنّ إنشاء الرهن قد تعلّق بالمبدل بما أنّه ملك للمديون ، والمفروض زوال ملكه عنه بسبب التلف ، فيمكن زوال حق الرهانة عنه ، وأن لا يتعلق ببدله الذي هو ملك حادث ، وإنّما أقيم مقامه حفظا لحقّ المرتهن. وهذا بخلاف الوقف ، ضرورة استناد اختصاصه بكل واحد من البطون إلى الواقف ، فهو المملّك للموجودين فعلا ، وللمعدومين شأنا ، ولم يتفرّع حقّ الطبقات اللّاحقة على ملكية الموجودين ليكون نظيرا للرهن ، بل منشأ استحقاق الموقوف عليهم ـ الموجودين والمعدومين ـ هو جعل الواقف. وحينئذ فثبوت حق الطبقات بالثمن على نهج تعلقه بالمبيع أولى من تعلق حق الرهانة بالبدل.

(١) يعني : كما اتّضح أولوية الشركة في ثمن الوقف من اشتراك البطون في دية العبد الموقوف المقتول.

(٢) أي : بكون البدل رهنا بلا خلاف كما ادّعاه السيد العاملي قدس‌سره.

(٣) تعليل لقوله : «أولى» وقد تقدّم توضيح الأولوية آنفا.

(٤) يعني : أنّ هذه الحيثية تقييدية ، فيدور الحق مدارها ، فانتفاؤها يكون من انتفاء الموضوع ، ومن المعلوم انتفاء الحق المتعلق به أيضا.

نعم إن لم يكن الأمر كذلك ، بل كان موضوع الحقّ نفس العين ـ لا من حيث كونها ملكا لشخص خاص كحقّ الجناية ـ فانتقاله عن مالكه إلى غيره لا يوجب سقوط الحق.

(٥) أي : جاز أن يرتفع حقّ الرهانة بانتفاء موضوعه ، وعدم انتقاله إلى البدل.

(٦) متعلق ب «يرتفع».

(٧) وبعبارة أوضح : انّ نسبة البطن المعدوم إلى الوقف كنسبة البطن الموجود إليه في أنّ كلّا منهما يتلقّى الملك من الواقف في رتبة واحدة وإنشاء واحد. فإذا تبدّلت العين


فإنّه (١) ليس قائما بالعين من حيث إنّه ملك البطن الموجود ، بل اختصاص موقّت نظير (٢) اختصاص البطن الموجود ، منشأ بإنشائه (٣) ، مقارن له بحسب الجعل ، متأخّر (٤) عنه في الوجود (*).

______________________________________________________

الموقوفة بعين اخرى كانت الثانية مثل الاولى في تعلّق حقوق جميع البطون من الموجودة والمعدومة بها.

(١) أي : فإنّ الاختصاص الثابت للبطن المعدوم.

(٢) هذا و «منشأ ، مفارق ، متأخر» صفات ل «اختصاص». والمقصود بكون اختصاص المعدومين نظيرا للموجودين ليس كونه ملكا فعليا للجميع ، لاستحالته كما مرّ مرارا ، بل المراد كون كل واحد من الاختصاصين مجعولا بجعل الواقف ، وملك المعدوم شأنا مقارن ـ في مقام الإنشاء ـ لملك الموجود فعلا ، وكلّ من الملكيتين موقتة.

(٣) أي : بإنشاء اختصاص البطن الموجود.

(٤) إذ اختصاص البطن المعدوم يكون في طول اختصاص البطن الموجود ومتأخّر عنه بحسب الوجود الخارجي. وحيث زال الاختصاصان ببيع العين الموقوفة تعيّن حدوث اختصاصين في الثمن ، بمقتضى مفهوم المبادلة.

هذا تمام الكلام في أوّل الفروع المترتبة على جواز البيع في الصورة الأولى ، وهو شركة الجميع في البدل ، ويقع الكلام في أمر آخر ، وهو وجوب تبديل الثمن بالأصلح وعدمه.

__________________

(*) ظاهره لو لا صريحه أنّ المانع من التزام الملك الفعلي للمعدوم هو عدم اعتبار العرف والشرع ذلك. وأمّا الملك الشأني فلا محذور فيه ثبوتا ، وإنشاء الواقف كاف في تحققه إثباتا.

لكن لا ملكية للطبقة المتأخرة الموجودة ما لم تنقرض الطبقة السابقة ، فينبغي التنبيه على اختصاص الملك الفعلي بالبطن السابق ، لا لكونها موجودة ، بل رعاية لنظر الواقف.

هذا كلّه بناء على القول بالملك الشأني كما هو مقتضى القول بالاستصحاب التعليقي ،


.................................................................................................

______________________________________________________

ونظيره ملكية الموصى له شأنا وإن كان المالك بالفعل هو الموصى. والمناط في الجميع أنّ للأمور الاعتبارية مرتبتين ـ وهما الاقتضاء والفعلية ـ يتعلق الجعل بكلّ منهما. هذا.

لكن قد يمنع من الملك الشأني تارة في خصوص المقام من أنّ الواقف وإن أنشأ ملكية البطون ، إلّا أنّ موردها بقاء العين إلى زمانهم ، فلو لم تبق كذلك لم تكن ملكهم اقتضاء.

وأخرى مطلقا ، بأن الملكية اعتبار بسيط يدور أمرها بين الوجود والعدم ، وليس الملك الشأني سنخا من الملك الاعتباري ، وإنّما يراد به قابليته لأن يصير ملكا. وإنشاء الواقف إنّما يكون سببا لحصول الملكية للطبقات المتأخرة حين وجودها بلا حالة منتظرة ، كما في الوجوب المعلّق على أمر متأخر ، ووجود الإنشاء لا يستلزم وجود المنشأ ، هذا. ومجرّد القابلية ليست من الحقوق المتعلقة بالمبيع لتسري إلى بدله.

فالأولى لإثبات اشتراك البطون في الثمن إمّا الالتزام بتعدد المطلوب ، ويكون الوقف بحسب حقيقته ذا مرتبتين. وأنّ ما قصده الواقف وأنشأه ـ بصيغة الوقف ـ حبس العين للانتفاع بها مهما أمكن ، وببدلها في ما لم يمكن. وإمّا الالتزام بقصور المقتضي للاختصاص ، لأنّ ملك البطن الموجود ليس طلقا ، بل محدود بحياته ، لعدم كون المنشأ ملكية مرسلة لخصوص الطبقة الحاضرة.

وبعبارة أخرى : ملكية العين للواقف مرسلة غير محدودة بشي‌ء ، ولكنّه بسطها بالوقف على الطبقات ، فلكلّ بطن ملكية محدودة ببقائه ، ومن المعلوم أنّ إعطاء هذه الملكية المحدودة للغير ليس بيعا.

مع أنّ لازم تفويض الملكية الموقتة بحياة البطن البائع عود المبيع ـ بعد الانقراض ـ إلى البطن اللاحق ، فلا يملكه المشتري ملكا مستمرّا. وإن أعطى الملكية المرسلة المنبسطة على جميع الطبقات ولاية على المعدومين كان مقتضى المعاوضة دخول الثمن في ملك الجميع على نحو ملكيتهم للمثمن ، هذا.

ودعوى كونه معاملة مستقلة فلا يقدح عدم صدق البيع عليها ـ كما أفيد ـ وإن كانت ممكنا ثبوتا ، إلّا أنّه لا دليل على صحتها إثباتا ، لأنّ التجارة إمّا البيع خاصة أو مع الشراء ، ولم يعلم كون نقل الوقف معاملة مستقلة غير البيع كي يشملها عموم «العقود».


وقد تبيّن ممّا ذكرنا (١) أنّ الثمن حكمه حكم الوقف في كونه ملكا لجميع البطون على ترتيبهم (٢). فإن كان ممّا يمكن أن يبقى وينتفع به البطون على نحو المبدل ، وكانت مصلحة البطون في بقائه (٣) أبقى (٤).

______________________________________________________

(١) من أنّ مقتضى المعاوضة ثبوت ما للوقف ـ من الاختصاص الفعلي بالموجود والشأني بالمعدوم ـ للثمن ، فيكون ملكا فعليا للبطن الموجود وشأنيا للمعدومين.

وغرضه قدس‌سره من هذا الكلام التعرض لجهة أخرى ممّا يتعلّق بثمن الوقف على تقدير البيع ، وبيانه : أنّ البدل حيث كان مشتركا بين جميع البطون ، فلا يخلو من صورتين :

الاولى : أن يكون ممّا يبقى وينتفع به الطبقات ، فيجب إبقاؤه كما وجب إبقاء المبدل قبل طروء المسوّغ ، كما إذا أوقف دارا على علماء بلد لسكناهم ، فخربت ، وارتفعت قيمة العرصة ـ لقربها من الشارع العام مثلا ـ فأبدلت بدار أخرى ، فإنّه يجب إبقاء هذا البدل لينتفع الموقوف عليهم بسكناها ، لوفائها بالغرض المقصود من الوقف ، واقتضاء مصلحة البطون بقاءها.

الثانية : أن يباع الوقف الخراب بعوض لا يقتضي البقاء مدّة مديدة كي ينتفع به الطبقات اللاحقة ، وإنما ينتفع به البطن البائع خاصة ، كما إذا بيعت الدار الخربة بمنفعة خان عشر سنين ، لانتفاء الثمن بانقضاء زمان تملك المنفعة ، فلا يبقى ، فإنّه يجب تبديل هذه المنافع بما يستعدّ البقاء كدار صغيرة.

وكذا لو كان الثمن ممّا يبقى ، ولكن لم تكن مصلحة البطون المعدومة في خصوص هذا الثمن ، كما لو بيعت الدار الموقوفة الخربة بالسجّاد القابل للبقاء مدّة مديدة ، إلّا أنّ مصلحة البطون المعدومة تكون في تبديلها خوفا من السرقة والضياع. ففي مثله لزم تبديل الثمن بما هو أصلح ، رعاية لمقصود الواقف.

(٢) لاقتضاء حقيقة المعاوضة ذلك كما تقدم مفصّلا.

(٣) هذا الضمير وضمير «به» والمستتر في «كان» راجعة إلى الثمن.

(٤) فوجوب إبقاء الثمن منوط بأمرين : أحدهما : قابليته للبقاء إلى زمان الطبقات المتأخرة.

وثانيهما : اقتضاء مصلحتهم بقاء هذا الثمن بشخصه ، وهذا إشارة إلى الصورة الأولى المتقدمة.


وإلّا (١) أبدل مكانه ما هو أصلح.

ومن هنا (٢) ظهر عدم الحاجة إلى صيغة الوقف في البدل ، بل نفس البدليّة

______________________________________________________

(١) أي : وإن لم يمكن بقاء الثمن للانتفاع به ، أو كان مستعدا للبقاء ولكن لم تكن مصلحة المعدومين في إبقاء شخص الثمن ، فإنّه يجب الإبدال بما هو أصلح ، وهذا إشارة إلى الصورة الثانية المتضمنة لوجوب الإبدال في موردين.

(٢) أي : ومن اقتضاء مفهوم المعاوضة قيام البدل مقام المبدل ، ظهر .. ،

وغرضه قدس‌سره : أنّ البدل وإن كان وقفا كالمبدل ، لكنّه يفترق عنه من جهتين :

إحداهما : استغناء البدل عن صيغة الوقف. والثانية جواز تبديله لو كان أصلح بحال الموقوف عليهم.

أمّا الجهة الأولى ، فهي : أنّ البدلية قاضية بانتقال الإضافة ـ القائمة بالمبدل ـ إلى البدل ، وثبوت أثره له. ولمّا كانت الموقوفة متعلقة لحقّ البطون اللاحقة ، فكذا بدلها. ولا موجب لتوقف صيرورة البدل وقفا على تجديد صيغة الوقف ، بل ربما كان اعتباره من قبيل تحصيل ما حصل بالبيع.

هذا ما عليه جماعة ، كما حكاه صاحب المقابس عن فخر المحققين والشهيدين والمحقق الثاني والفاضل الصيمري ، خلافا لما يظهر من بعض كالفاضل المقداد (١) من لزوم تجديد الصيغة.

قال في الإيضاح في ـ شراء عبد بقيمة العبد المقتول ـ : «العبد المشتري هل يصير وقفا بالشراء ، أم لا بدّ من عقد جديد؟ الأقوى الأوّل ، لأنّه بالشراء للمصرف ينصرف إلى الوقف» (٢).

واقتصر العلّامة في التذكرة على نقل الوجهين من غير ترجيح ، فراجع (٣).

وعلّل الشهيد قدس‌سره (٤) عدم الحاجة إلى تجديد الصيغة بأنّ مقتضى نفس المبادلة صيرورة البدل وقفا ، هذا وأما الجهة الثانية فستأتي.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٧.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣٩٦.

(٣) تذكرة الفقهاء ، ج ٣ ، ص ٤٤٣

(٤) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤٢


تقتضي كونه كالمبدل. ولذا (١) علّله الشهيد قدس‌سره في غاية المراد بقوله : «لأنّه صار مملوكا على حدّ الملك الأوّل ، إذ يستحيل أن يملك (٢) لا على حدّه» (١) (*).

ثمّ (٣) إنّ هذه

______________________________________________________

(١) أي : ولأجل اقتضاء البدلية وقفية البدل قهرا علّل الشهيد عدم الحاجة ـ إلى صيغة وقف البدل ـ بأنّ البدل صار مملوكا على حدّ مملوكية الموقوفة المبيعة ، من كونها ملكا فعليا للموجودين وشأنيا للمعدومين.

(٢) أي : أن يملك البدل لا على حدّ المبدل. ووجه الاستحالة عدم صدق المعاوضة والمبادلة لو لم يقم البدل مقام المبدل في ماله من وجوه الاختصاص.

(٣) هذا إشارة إلى الجهة الثانية ، ومحصّلها : أنّ البدل وإن كان كالمبدل ملكا فعليا للموجودين وشأنيا للمعدومين ، لكنّه ليس كالوقف الابتدائي الذي لا يباع إلّا لعذر.

والفارق بينهما هو : أنّ للعين الموقوفة خصوصية تعلّق غرض الواقف ببقاء

__________________

(*) وبيانه : أنّ المبادلة إن اقتضت وقفية الثمن فاعتبار تجديد صيغة الوقف لغو ، إذ لا معنى لإنشاء وقفية ما هو وقف بالفعل. وإن لم تقتض المبادلة ذلك ، بل قيل بلزوم تجديد الإنشاء ، فإمّا أن يكون البدل قبل إيقافه من المباحات الأصلية التي يتملكها الحائز ، وهو باطل قطعا ، مضافا إلى امتناع وقف المباح ، فإنه لا وقف إلّا في ملك.

وإمّا من الأملاك ، وهو إما ملك الواقف أو الموقوف عليهم.

ولكن دخوله في ملك الواقف بلا سبب مملّك ممنوع ، مضافا إلى عدم الدليل على جعل هذا الملك الحادث وقفا.

ودخوله في ملك الموقوف عليهم إن كان على نحو الملكية الطّلقة أي يختص بالموجودين كان منافيا للبدلية المقتضية لقيام البدل مقام المبدل ، ولو فرض ذلك لم يكن وجه للزوم تجديد الإنشاء لكونه ملكا لهم يتصرفون فيه بما شاءوا.

وإن كان ملكية الموقوف عليهم غير طلق على حدّ ملكية المبدل من كونه ملكا فعليا للموجودين ومتعلّقا لحقّ المعدومين فقد ثبت المطلوب ، وهو استغناء البدل عن الصيغة ، بل يصير وقفا بنفس إنشاء وقفية المبدل.

__________________

(١) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤٢.


العين (١) حيث صارت ملكا للبطون ، فلهم (٢) أو لوليّهم

______________________________________________________

شخصها للانتفاع بها ، والمفروض سقوط الخصوصية بطروء الخراب عليها ، ولزم تبديلها حذرا من تضييع المال ورعاية لحقّ الواقف والموقوف عليه.

والدليل المانع عن بيع الوقف كقوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف» مختص بما تعلّق به إنشاء الواقف ، وهو خصوصية العين الموقوفة. ولكن لا إطلاق فيه بالنسبة إلى كون البدل كالمبدل في خصوصياته وأحكامه حتى لا يجوز بيعه ونقله إلّا بطروء الخراب. بل الأمر موكول إلى وليّ البطون ، فإن كان إبقاء هذا البدل أصلح للبطون أبقاه ، وإن كان تبديله أصلح جاز له ذلك.

وبعبارة أخرى : النهي عن بيع الوقف حكم شرعي ، ومتعلقة ومورده ـ بحسب الانصراف ـ هو الوقف الابتدائي ، ولا يعمّ ما كان وقفا بسبب المبادلة والمعاوضة.

ولا فرق في عدم سراية هذا الحكم من المبدل إلى البدل بين تصريح الواقف بمثل «أنها صدقة لا تباع ولا توهب ..» وبين عدم تصريحه به. ووجه عدم الفرق هو : أنّ الاشتراط المزبور مختص بنفس العين الموقوفة ، وحيث خربت وجاز بيعها ، فإن دلّ دليل على اشتراك البدل في هذا الحكم أيضا فهو ، وإلّا فمقتضى القاعدة جواز التبديل ، هذا.

(١) ليس المراد بها العين الموقوفة ، لأنّها بيعت حسب الفرض ، بل المراد بدلها من عروض أو نقود.

(٢) أي : إن كان الموجودون كاملين بالبلوغ والعقل جاز لهم التصرف في بدل العين الموقوفة بما يرونه مصلحة لجميع البطون ، فإن كان الصلاح في إبقائه ابقي ، وإلّا أبدل.

وإن كان الموجودون قاصرين كان النظر في البدل إلى الوليّ عليهم من وصيّ أو متولّ عيّنه الواقف أو الحاكم الشرعي. هذا.

والمناسب ضمّ الوليّ على سائر البطون إلى البطن البائع أو الوليّ عليه. نعم لو كان وليّ الموجودين الحاكم الشرعي كفى في الإبدال لو كان أصلح. وهذا مقصوده ـ وإن لم تف العبارة به ـ بقرينة ظهور قوله قدس‌سره : «بحسب مصلحة جميع البطون» وصريحه في (ص ٦٦١) من قوله : «ثم إن المتولي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم القيّم من قبل سائر البطون».


أن ينظر فيه (١) ، ويتصرّف فيه بحسب مصلحة جميع البطون ولو بالإبدال (٢) بعين أخرى أصلح لهم (٣). بل قد يجب (٤) إذا كان تركه يعدّ تضييعا للحقوق. وليس (٥) مثل الأصل ممنوعا عن بيعه (*) إلّا لعذر ، لأنّ (٦) ذلك كان حكما من أحكام الوقف الابتدائي. وبدل (٧) الوقف إنّما هو بدل له في كونه (٨) ملكا للبطون ، فلا يترتّب عليه جميع أحكام الوقف الابتدائي.

______________________________________________________

(١) أي : في البدل ، والأولى تأنيث الضمير لرجوعه إلى العين.

(٢) هذا و «بحسب» متعلقان ب «يتصرف».

(٣) أي : للبطون.

(٤) أي : قد يجب الإبدال. والوجه في وجوبه هو حرمة تضييع الحقوق ، المترتب على ترك الإبدال حسب الفرض. وبهذا ظهر وجه الإضراب ـ عن ثبوت حقّ تغيير بدل الوقف ـ إلى وجوبه حذرا من تضييع المال.

(٥) يعني : وليس بدل الوقف مثل نفس العين الموقوفة في منع بيعها بدون طروء المسوّغ.

(٦) تعليل لقوله : «وليس مثل الأصل» أي : لأنّ منع بيع العين الموقوفة ـ بلا عذر ـ يكون من آثار الوقف الابتدائي ، ولا يسري المنع إلى بدله.

(٧) غرضه أنّ البدلية لا تقتضي إلّا كون البدل كالمبدل مشتركا بين البطون ، وأمّا الآثار التعبدية الثابتة للوقف ـ كحرمة البيع ـ فلا تترتب على البدل ، إذ لا إطلاق على : أنّ كل ما للمبدل ثابت للبدل ، هذا.

(٨) أي : كون البدل ، والظرف متعلق ب «بدل» وضمير «له» راجع إلى الوقف.

__________________

(*) لم يظهر له وجه بعد بنائه قدس‌سره على إطلاقه البدلية في جميع الآثار حتى في عدم احتياج وقفية البدل إلى الصيغة ، ولا وجه لتقييده إلّا دعوى انصراف مثل قوله عليه الصلاة والسلام : «لا يجوز شراء الوقف» إلى الوقف الابتدائي ، لا مطلقا حتى بدله. لكنّها كما ترى.

فالحقّ كون البدل كالمبدل في عدم جواز بيعه إلّا مع العذر.


وممّا (١) ذكرنا أيضا (٢) يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف ـ كما هو (٣)

______________________________________________________

(١) لعلّ مراده من الموصول قوله : «ثمّ إنّ هذه العين حيث صارت ملكا للبطون ، فلهم أو لوليّهم أن ينظر فيه ..» وغرضه التعرض لجهة أخرى ممّا يتعلّق بالبدل ، وهي :

أنّ البدل إن كان مماثلا للعين الموقوفة وكانت المصلحة في إبقائه فلا كلام. وإن لم يكن مماثلا ـ كما إذا بيعت الدار الخربة بالنقود الرائجة كالدراهم والدنانير ، أو بيعت بعوض آخر كالكتب والسجاد ونحوهما من الأعيان المتمولّة ـ ففيه أقوال ثلاثة :

الأوّل : وجوب صرف الثمن ، وشراء دار مماثلة للموقوفة مطلقا كما صرّح به جماعة كما سيأتي.

الثاني : عدم الوجوب مطلقا ، كما ذهب إليه المصنف وجماعة.

الثالث : التفصيل بين ما إذا عيّن الواقف جهة معيّنة كالسكنى في الدار ، فيجب شراء المماثل ، وبين ما إذا لم يعيّن ذلك وإنّما أوقفها للانتفاع بها كيف ما اتفق ، فلا يجب حينئذ ، بل يصرف الثمن في ما يراه المتولّي من المصلحة للبطون. كما قوّاه المحقق النائيني قدس‌سره (١).

واستدلّ المصنف قدس‌سره على مختاره بنحو ما تقدّم في البدل من جواز تبديله أو وجوبه ، ومحصله : أنّ ثمن الوقف ملك جميع البطون ، ويجب ملاحظة مصلحتهم. فإن اقتضت الإبقاء ابقي ، وإن اقتضت التبديل أبدل. ولا دليل على وجوب شراء المماثل للوقف ، إلّا كونه أقرب إلى مقصود الواقف ، ولكن لا ملزم لرعاية غرضه ما لم يؤخذ في إنشاء الوقف ، هذا.

(٢) يعني : كما ظهر عدم الحاجة إلى إنشاء وقفية البدل ، وكذا جواز تبديله عند اقتضاء المصلحة ، فكذلك يظهر عدم وجوب شراء المماثل.

(٣) أي : عدم وجوب شراء المماثل ظاهر التذكرة. لكن لم أظفر فيها على كلام ظاهر في ذلك ، ولا على من نسب ذلك إلى العلّامة ، فإنّه قدس‌سره وإن عبّر «بأن شراء المماثل أولى» كما في المختلف وفي عبارة التذكرة الآتية في (ص ٦٥٥). لكن مراده من الأولوية هو الوجوب ، لتصريحه به بقوله : «وإذا لم يمكن تأبيده ـ أي تأبيد الوقف ـ بحسب الشخص وأمكن بحسب النوع وجب» (٢) وكذا في المختلف.

__________________

(١) المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ٣٩١

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٤ ، ونحوه كلامه في المختلف ، ج ٦ ، ص ٢٨٩ ، ولاحظ مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٩ وج ٩ ، ص ٨٨ و ٨٩ ، ومقابس الأنوار ، ص ٦٦


ظاهر التذكرة والإرشاد (١) وجامع المقاصد (٢) والتنقيح (٣)

______________________________________________________

ونحوه كلامه في بدل العبد الموقوف المقتول ، حيث قال : «والوجه عندي شراء عبد بالقيمة يكون وقفا ، لأنّه ملك لا يختص به الأوّل أي البطن الأوّل ـ فلم يختصّ ببدله ، كالعبد المشترك والمرهون .. إلخ» (١).

ولعلّ المصنف قدس‌سره ظفر بكلام آخر في التذكرة دال على عدم وجوب شراء المماثل ، فلا بدّ من مزيد التتبع.

(١) لعدم تقييد شراء البدل بكونه كالمبيع في الصفات ، قال قدس‌سره : «ولو شرط بيع الوقف عند حصول ضرر كالخراج والمؤن من قبل الظالم ، وشراء غيره بثمنه ، فالوجه الجواز» (٢).

(٢) لا يخفى أن المحقق الثاني تعرّض للمسألة في موضعين : أحدهما في كتاب البيع ، وقد تقدم نقله في (ص ٥٦٩) والآخر في كتاب الوقف. وحكم في الموضع الأوّل بوجوب شراء البدل إذا كان المسوّغ للبيع هو الخراب أو الخلف (٣). والظاهر اعتماد المصنف على إطلاق كلامه ، وعدم تقييده باعتبار المماثلة.

وحكم في الموضع الثاني بوجوب شراء البدل ، وبوجوب التوصل إلى ما يكون أقرب إلى غرض الواقف (٤). واستفاد السيّد الفقيه العاملي قدس‌سره منه إرادة المماثل ، فلذا قال : «وفي جامع المقاصد الحكم بالوجوب في المقامين» (٥). ومراده بالمقامين بقرينة وقوعه بعد كلام السيوري هو أصل شراء شي‌ء بدلا عن الوقف ، ووجوب المماثلة.

(٣) قال الفاضل المقداد قدس‌سره فيه : «إذا أمكن شراء غيره يكون وقفا وجب ، وإذا أمكن شراء مثله يكون أولى». وقال السيد العاملي قدس‌سره بعد نقله : «فقد حكم في الأوّل

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٢ ، السطر : ٣٩.

(٢) إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٤٥٥.

(٣) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٧.

(٤) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٧١.

(٥) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٨٩.


والمقتصر (١) ومجمع الفائدة (٢) (١) ـ بل (٣) قد لا يجوز إذا كان غيره أصلح ، لأنّ (٤) الثمن إذا صار ملكا (٥) للموقوف عليهم الموجودين والمعدومين ، فاللازم ملاحظة مصلحتهم. خلافا (٦) للعلّامة وولده (٧)

______________________________________________________

بالوجوب ، دون الثاني» (٢).

(١) قال ابن فهد قدس‌سره : «ومهما أمكن المماثلة كان أولى» (٣) ودلالته على رجحان المماثلة وعدم تعيّنها واضحة.

(٢) دلالة كلام المحقق الأردبيلي قدس‌سره إنّما هي لاقتصاره على وجوب شراء البدل إن أمكن ، وإطلاقه ينفي اعتبار الشباهة والمساواة في الصفات.

وقال الفاضل السبزواري قدس‌سره ـ بعد نقل وجوب تحصيل الأقرب إلى الوقف عن بعض ـ : «ولا أعلم على ذلك حجة ، والنصّ غير دالّ عليه» (٤).

(٣) غرضه الترقّي من عدم وجوب شراء المماثل ـ لعدم اتحاد البدل مع أصل الوقف في جميع الجهات ـ إلى عدم جوازه في بعض الموارد ، إذ المناط في بدل الوقف رعاية ما هو الأصلح بحال الموقوف عليهم ، لا نظر الواقف.

(٤) هذا تعليل لعدم اعتبار المماثلة ، لعدم المقتضي له ، لفرض صيرورة البدل ملكا للبطون ، فيلزم رعاية مصلحتهم فقد يلزم شراء المماثل ، وقد يلزم شراء غير المماثل.

(٥) بمقتضى المبادلة والمعاوضة.

(٦) عدل لقوله : «كما هو ظاهر التذكرة .. إلخ» وقد تقدم آنفا أنّ كلام العلّامة في التذكرة والمختلف صريح في اعتبار المماثلة.

(٧) قال فخر الدين في شرح قول والده قدس‌سرهما في بيع الحصير الخلق والجذع المتكسّر ـ ما لفظه : «والأصحّ عندي جواز البيع ، وصرف ثمنه في المماثل إن أمكن ..» (٥).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٦٩.

(٢) التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٣٠ ، مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٨٩.

(٣) المقتصر ، ص ٢١٢.

(٤) كفاية الأحكام ، ص ١٤٢.

(٥) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٤٠٧.


والشهيد (١) وجماعة (٢) ، فأوجبوا المماثلة مع الإمكان ، لكون (٣) المثل أقرب إلى مقصود الواقف.

وفيه (٤) ـ مع عدم انضباط غرض الواقف ، إذ قد يتعلّق غرضه بكون

______________________________________________________

وحكى السيد العاملي قدس‌سره عن شرح الإرشاد تصريحه ـ في شراء عبد بقيمة العبد المقتول ـ بوجوب المساواة في الذكورة والأنوثة ، فراجع (١).

(١) قال في غاية المراد : «والأقرب أن البدل يجب كونه من جنس الموقوف ، لأنّه أقرب إلى الوقف. وكلام المصنف هنا ـ يعني في كتاب الإرشاد ـ يشمل الجنس وغيره. وحينئذ تجب المساواة في الذكورة والأنوثة. وإن أمكن المساواة في باقي الصفات أو معظمها فهو أولى» (٢).

ونسب السيد العاملي ذلك إلى حواشيه على القواعد أيضا ، كما نسبه إلى تعليق الإرشاد للمحقق الثاني ، فراجع (٣).

(٢) كالفاضل الصيمري على ما في المقابس (٤) ، والشهيد الثاني كما فيه أيضا (٥).

(٣) سيأتي هذا التعليل في عبارة التذكرة في (ص ٦٥٧) ووجه القرب : أنّ غرض الواقف ـ لو وقف بستانا مثلا ـ هو الانتفاع بثمرته والتنزه فيه ، فلو أبدل ـ بعد طروء مجوّز البيع ـ بدار لم يتحقق غرضه من الوقف.

وكذا لو أوقف عمارة لإقامة الزوّار فيها ، فبيعت وأبدلت بدكاكين مثلا ، لتصرف عوائدها في الزوّار ، فإنّه يلزم مخالفة غرضه من الوقف ، مع أنّ حقّ الواقف يقتضي رعاية نظره مهما أمكن.

(٤) ناقش المصنف قدس‌سره في التعليل المتقدم بوجهين ، أحدهما ناظر إلى منع الصغرى ، والآخر إلى منع الكبرى.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٩٨.

(٢) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤٢.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٥٩ ، وج ٩ ، ص ٨٩.

(٤) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٦.

(٥) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٧٠ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٥ و ٢٥٦ ، وفي تعليقته على الإرشاد ، لاحظ : غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤١.


الموقوف عينا خاصّة (١) ، وقد يتعلّق بكون منفعة الوقف

______________________________________________________

أمّا منع الصغرى ـ وهي كون المثل أقرب إلى مقصود الواقف ـ فبيانه : أنّه لم يظهر أقربية شراء المماثل إلى مقصوده ، لاختلاف دواعي الواقفين في مقام إنشاء الوقف.

فقد يكون غرض الواقف من وقف داره على ذريّته بقاء شخص الدار بيدهم والانتفاع بها ، لكونها دار آبائه ، ورثها منهم ، وله عناية ببقاء خصوصية العين الموقوفة. وكذا لو ورث كتابا كان بخطّ سلفه ، فأراد بقاء عينه ، فوقفه ليمنع ورثته من التصرفات الناقلة فيه ببيع أو صلح أو هبة.

وقد يكون غرضه إصلاح حال ذريته وعدم وقوعهم في ذلّ الفقر والمسكنة ، فيوقف الدار عليهم لينتفعوا باجرتها ، وليس مقصوده سكناهم فيها.

وقد يكون غرضه تسبيل خاص وإيصال نفع معيّن إلى الموقوف عليهم من دون تعلّق نظره بخصوصية العين ، كما لو أوقف بستانا للانتفاع بثمرته ، فبيع لغور مائه ، أو لوقوعه في الطريق العام ، ودار الأمر بين شراء المماثل أي بستان آخر في مكان يصعب الوصول إليه لاقتطاف ثمرته ، وإن أمكن بيع الثمرة بأقل من قيمة ثمرة البستان الأوّل. وبين شراء دار أو خان أو أرض زراعية تصل منافعها واجورها إلى الموقوف عليهم.

ولا وجه للقول بأنّ شراء البستان أقرب إلى مقصود الواقف ، خصوصا مع إحراز أنّ غرضه من الوقف إيصال النفع إليهم ، ولا نظر له إلى خصوصية العين.

وعلى هذا فالنسبة بين المماثل وبين غرض الواقف عموم من وجه ، فقد يجتمعان ، كما لو وقف دارا لسكنى العلماء فخربت وأبدلت بدار اخرى فسكنها بعضهم. وقد يفترقان ، فلا يكون المماثل موافقا للغرض في جميع الموارد ، بل يكون غير المماثل وافيا به. ومن المعلوم أنه لا وجه ـ مع الشك في غرض الواقف وعدم إحرازه ـ للتمسك بلزوم رعاية نظره ، لكونه من التشبث بالدليل في الشبهة الموضوعية ، فإنّه يتجه في ما لو أحرز مقصود الواقف.

فالنتيجة : أنّ اللازم رعاية مصلحة الموقوف عليهم بعد بيع الموقوفة وسقوط خصوصية العين. هذا توضيح الوجه الأوّل ، وأما الوجه الثاني ـ وهو منع الكبرى ـ فسيأتي.

(١) يعني : من دون عناية بمنفعة العين ، فضلا عن النظر إلى مقدار معيّن من المنفعة ، فالمقصود كلّه حبس العين عن التصرفات الناقلة ، أو تغيير هيئتها الفعلية.


مقدارا معيّنا (١) من دون تعلّق غرض بالعين (٢) ، وقد يكون (٣) الغرض خصوص الانتفاع بثمرته ، كما لو وقف بستانا لينتفعوا بثمرته ، فبيع ، فدار الأمر بين أن يشترى بثمنه بستان في موضع لا يصل إليهم إلّا قيمة الثمرة (٤) ، وبين أن يشترى ملك آخر يصل إليهم اجرة منفعته (٥) ، فإنّ الأوّل (٦) وإن كان مماثلا ، إلّا أنّه (٧) ليس أقرب إلى غرض الواقف ـ : أنّه (٨) لا دليل على وجوب ملاحظة الأقرب إلى

______________________________________________________

(١) هذا نحو آخر من دواعي الوقف ، وقد تقدم بقولنا : «وقد يكون غرضه إصلاح حال ذرّيته ..».

(٢) فلو حصل ما قصده من النفع المعيّن فقد تحقق غرضه ، سواء أكان من مماثل الموقوفة أو من غيره.

(٣) معطوف على «قد يتعلّق» وهذا نحو ثالث ممّا يمكن أن يكون غرضا للواقف.

(٤) لبعد الطريق أو لخوف من ظالم ، أو لغيرهما من الموانع ، فيتعيّن بيع الثمرة وصرف الثمن في الموقوف عليهم.

(٥) أي : منفعة الملك الآخر ولو كان دارا أو عمارة أو غيرهما.

(٦) أي : البستان الثاني المفروض تعذّر وصول ثمرته إلى الموقوف عليهم.

(٧) أي : أنّ الأوّل ـ وهو المماثل ـ ليس أقرب إلى الغرض.

(٨) الضمير للشأن ، والجملة مبتدء مؤخّر لقوله : «وفيه» وهذا ثاني وجهي المناقشة في التعليل المتقدم ، ومحصله : أنّه لو سلّمنا كون المماثل أقرب إلى مقصود الواقف ، إلّا أنّه لا دليل على وجوب مراعاة مقاصد الواقف وأغراضه الداعية إلى الوقف ، فإنّها من قبيل الملاكات الخارجة عن حيّز الأحكام ، والواقعة فوقها لا تحتها حتى تجب مراعاتها ، فأغراض الواقف خارجة عن حيّز إنشاء الوقف. وكلّ ما كان كذلك لا يجب مراعاته.

نعم إذا وقع شي‌ء من أغراضه في حيّز الإنشاء بحيث كان مدلولا لصيغة الوقف وجب الوفاء به كسائر ما أنشأه في الوقف ، بأن يقول : «هذا وقف ، وإن طرء عليه ما يوجب بيعه ، فليكن بدله مماثلا له».


مقصوده ، إنّما اللازم ملاحظة مدلول كلامه (١) في إنشاء الوقف ، ليجري الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

فالحاصل (٢) أنّ الوقف ما دام موجودا بشخصه لا يلاحظ فيه إلّا مدلول كلام الواقف ، وإذا بيع وانتقل الثمن إلى الموقوف عليهم لم يلاحظ فيه إلّا مصلحتهم (*) هذا.

قال (٣) العلّامة في محكي التذكرة :

______________________________________________________

(١) هذا الضمير وضمير «مقصوده» راجعان إلى الواقف.

(٢) هذا الحاصل محصّل قوله : «وممّا ذكرنا أيضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل» إلى ما أفاده هنا.

(٣) الغرض من نقل عبارة التذكرة التنبيه على أنّ العلامة قدس‌سره حكم في موارد بيع الوقف بصرف الثمن في أمور ثلاثة مرتّبة ، واستدلّ على رعاية هذا الترتيب بوجهين ، وهذا كلّه مخالف لما تقدم من المصنف إلى هنا من قولين : أحدهما وجوب شراء المماثل ، والآخر عدمه ، وصرف الثمن في مصلحة الموقوف عليه.

ثم لا يخفى أنّ الماتن قدس‌سره قد نسب في (ص ٦٤٨) إلى التذكرة القول بعدم وجوب

__________________

(*) تقدّم أنّ البدل وإن كان ملكا للبطون ، لكنّه على حدّ ملكية المبدل لهم ، لا على نحو آخر. والخروج عن إطلاق البدلية بلا موجب.

فالحقّ وفاقا لجماعة كالعلّامة وولده والشهيد وغيره وجوب شراء المماثل مع الإمكان. لكن لا لما نسب إليهم من كون المثل أقرب إلى مقصود الواقف. وذلك لما فيه من المنع صغرى وكبرى ، بل لأنّ العين الموقوفة توقف بما لها من المشخصات الفردية والأوصاف النوعية والجنسية ، نظير الضمان الواقعي الذي يكون المضمون فيه جهاته الشخصية والنوعية والجنسية. وتعذّر الأوصاف الشخصية لا يوجب سقوط سائر الجهات.

وعليه فتعذر بقاء العين وقفا لا يوجب سقوط اعتبار الصفات النوعية ، فيجب شراء المثل. وإن شئت فقل : إنّ المماثل يكون من مراتب الموقوفة ، فنفس إنشاء الوقف يدلّ على وجوب شراء المماثل.


«كلّ مورد (١) جوّزنا بيع الوقف ، فإنّه يباع ويصرف الثمن إلى جهة الوقف. فإن أمكن (٢) شراء مثل تلك العين ممّا ينتفع به كان أولى (٣). وإلّا (٤) جاز شراء كلّ ما يصحّ وقفه ، وإلّا (٥) صرف الثمن إلى الموقوف عليه يعمل به [فيه] ما شاء ، لأنّ (٦) فيه (٧)

______________________________________________________

شراء المماثل ، وهو محتمل ـ أو ظاهر ـ أوّل كلام العلامة ، ولكنّه صرّح بالوجوب بعد ذلك ، فمن العجب نسبة عدم الوجوب إليه.

كما لا يخفى أن ما في المتن منقول عن المقابس ، وهو محصل كلام العلامة في التذكرة ، وبعضه نصّ عبارة المختلف ، كما سيظهر.

(١) في التذكرة : «كل صورة جاز بيع ..» وعنه في المقابس «كل صورة جوّزنا ..».

(٢) هذا بيان كيفية صرف الثمن إلى جهة الوقف ، فالمرتبة الاولى شراء المماثل.

(٣) استفيد من هذه الكلمة مطلق الأولوية ، وأنّه لا تدل على التعيين ، فلذا نسب المصنف قدس‌سره إلى التذكرة عدم وجوب تحصيل المماثل.

(٤) أي : وإن لم يمكن شراء المثل جاز شراء غير المثل ، فيكون وقفا بدل المبيع. وهذه مرتبة ثانية.

ولا يخفى أنّه سقط هنا من عبارة التذكرة قوله : «وهل يكون ـ أي شراء مثل العين ـ واجبا؟ قال بعض العامة : لا يجب ، بل أيّ شي‌ء اشتري بقيمته ممّا يرد على أهل الوقف ..» الى أن قال : «وما قلناه أولى ، لما فيه من متابعة شرط الواقف بحسب الإمكان. إذا عرفت هذا ، فإنّه إن أمكن شراء شي‌ء بالثمن يكون وقفا على أربابه يكون أولى. فإن اتّفق مثل الوقف كان أولى ، وإلّا جاز ..» إلى آخر ما نقله المصنف.

(٥) في التذكرة : «وإن لم يمكن صرف الثمن» وهذه مرتبة ثالثة.

(٦) لم أجد هذه العبارة في التذكرة ، وهي منقولة من المختلف ، حيث علّل الترتيب المذكور ـ في التذكرة أيضا ـ بقوله : «ولأنّ فيه جمعا بين التوصّل إلى غرض الواقف في نفع الموقوف عليه على الدوام ، وبين النصّ على عدم تجويز مخالفة الواقف حيث شرط التأبيد. وإذا لم يمكن تأبيده بحسب الشخص ..» (١) إلى آخر ما في المتن.

(٧) أي : في الترتيب المزبور ، وهذا أوّل الوجهين اللّذين استدلّ العلّامة بهما على

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٦ ، ص ٢٨٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

رعاية المراتب الثلاثة ، ومحصله : أنّ هذا الترتيب مقتضى الجمع بين أمرين :

أحدهما : مراعاة غرض الواقف من انتفاع البطون بالموقوفة مؤبّدا ، ولذا قد يؤخذ قيد الدوام في صيغة الوقف.

وثانيهما : أنّ الشارع أمر بالعمل بما عيّنه الواقف من كيفية وشرط ، لقوله صلوات الله وسلامه عليه : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها».

وعلى هذا ، فإن أمكن إبقاء شخص الموقوفة والانتفاع بها في الجهة التي عيّنها الواقف لم يجز بيعها. وإن امتنع وبيعت لزم صرف ثمنها في المماثل ، لكونه إبقاء للعين بحسب نوعها ، لفرض تساويهما في الصفات ، وكون المنفعة العائدة من البدل والمبدل واحدة.

وإن تعذّر تحصيل المثل وجب صرف الثمن في عين اخرى لتدرّ منافعها على الموقوف عليهم ، فيكون البدل إبقاء لجنس الوقف وإن لم يكن إبقاء لنوعه.

وإن تعذّر شراء عين أخرى لقلّة الثمن ـ أو لجهة أخرى ـ وجب على المتولي للبيع دفع الثمن إلى البطن الموجود ، فيتصرف فيه بما شاء ، لكونه عملا بالميسور من غرض الواقف وإن فات غرضه الأقصى ، وهو الانتفاع بشخص الموقوفة.

فإن قلت : لا وجه للترتيب المزبور ، فإنّ غرض الواقف الانتفاع بالعين على الدوام ، وإمضاء الشارع لهذا المقصود يقتضي إبقاء العين على حالها ، حتى تسقط بنفسها عن الانتفاع ، ولم يتعلّق غرضه بالتبديل بالمماثل أو بغيره ، فلو فرض بيع الوقف لم يكن صرف الثمن في المماثل أولى من صرفه في غيره.

قلت : ما ذكر من الترتيب متعلّق غرض الواقف أيضا ، لأن أخذ قيد الدوام من جهة ، وخراب شخص الموقوفة من جهة أخرى ، يوجب الالتزام بإبقاء الوقف بحسب نوعه وإن تعذر بقاء شخصه ، لتعدد مطلوب الواقف.

ولو فرض إبقاء شخص الوقف حتى يضمحلّ بالمرّة ـ بحيث يمتنع حينئذ تبديله بشي‌ء آخر مماثل أو غير مماثل ـ لزم فوات غرض الواقف بأجمعه. ومن المعلوم أنّ حفظ بعض مطلوبه أولى من تركه كلّية.


جمعا بين التوصّل إلى غرض الواقف من (١) نفع الموقوف عليه على الدوام ، وبين النّصّ (٢) الدالّ على عدم جواز مخالفة الواقف ، حيث شرط التأبيد ، فإذا لم يمكن (٣) التأبيد بحسب الشخص وأمكن بحسب النوع وجب (٤) ، لأنّه (٥) موافق لغرض الواقف ، وداخل (٦) تحت الأوّل الذي وقع العقد عليه. ومراعاة (٧) الخصوصية

______________________________________________________

وعليه فحفظ الغرض يقتضي إلغاء الخصوصية ، ورعاية التأبيد في النوع ، بل في ماليّته أيضا. فإذا تعذّر شراء المماثل انتقل إلى غير المماثل مما يكون أصلح بحال الموقوف عليهم.

(١) بيان لغرض الواقف ، وهو التأبيد ودوام الوقف.

(٢) وهو مكاتبة الصفّار عن الإمام العسكري صلوات الله وسلامه عليه (١).

(٣) هذا ناظر إلى تعدد مطلوب الواقف ، وأنّ أحد مطلوبية بقاء شخص الوقف ، والآخر بقاء نوعه أو جنسه.

(٤) أي : وجب التأبيد بحسب النوع ، ولا يخفى نصوصية قوله : «وجب» في وجوب شراء المماثل ، ومع التصريح بالوجوب ـ المذكور في كلّ من التذكرة والمختلف ـ يلزم إرادة التعيين من قوله في أوّل العبارة : «أولى» لا مطلق الرجحان.

(٥) أي : لأنّ النوع ، والمراد به مصداق الطبيعي ، المعبّر عنه بالمثل.

(٦) معطوف على «موافق» أي : أنّ الواقف حبس العين الموقوفة مؤبّدة ، بأن تكون خصوصيّتها الشخصية محفوظة ما دامت ممكنة ، وبانتفائها لا تنتفي الوقفية ، بل يزول التأبيد بالنسبة إلى الشخص ، ويبقى بالنسبة إلى جهتها النوعية. فالتأبيد منشأ بالإضافة إلى نوع العين الموقوفة بإنشاء الوقفية للشخص ، فتأبيد النوع هو تأبيد الشخص الذي وقع عليه العقد ، فتدبّر.

(٧) يعني : ومراعاة التأبيد بالنسبة إلى خصوص العين الموقوفة ـ من دون مراعاة جهتها النوعية ـ توجب فوات الغرض بأجمعه.

__________________

(١) تقدّمت مصادرها في ص ٥٠٩ ، فلاحظ.


الكليّة تفضي إلى فوات الغرض بأجمعه (*).

ولأنّ (١) قصر الثمن على البائعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه ، مع أنّه (٢) يستحقّون من الوقف كما يستحقّ البطن الأوّل (٣) ،

______________________________________________________

(١) والعبارة دفع دخل مقدر ، وقد تقدم توضيحهما في (ص ٦٥٦) بقولنا : «فإن قلت .. قلت ..».

(٢) معطوف على «لأنّ فيه جمعا» وهذا ثاني الوجهين المستدلّ بهما على وجوب صرف الثمن في المماثل ، وبيانه : أنّه لا ريب في كون الوقف الخاصّ متعلّقا لحقّ المعدومين كالموجودين. فلو جاز للبطن الموجود ـ بعد طروء الحالة المسوّغة للبيع ـ التصرف في الثمن وإتلافه وعدم شراء شي‌ء به بدلا عن المبيع ، لزم منه تضييع حقّ المعدومين. مع أنّ الواقف جعلهم مستحقّين لمنفعة الموقوفة كاستحقاق الطبقة الموجودة لها ، ومن المعلوم توقف حفظ غرض الواقف وحقّ البطون المتأخرة على صرف ثمن الوقف فيما يبقى لينتفع به الجميع ، هذا.

ولا يخفى أنّ هذا الوجه ينفي المرتبة الثالثة ، وهي صرف الثمن في الموجودين ، وأنّه لا بدّ من شراء بدل للوقف ، ولا يثبت تقدّم المماثل رتبة على غير المماثل.

ولعلّ المصنف قدس‌سره استظهر من هذا التعليل عدم وجوب شراء المماثل ، ولكنه لا بدّ من رفع اليد عنه بعد تصريح العلّامة قدس‌سره بالوجوب في الوجه الأوّل.

(٣) كذا في النسخ ، ولكن في التذكرة والمقابس : «مع أنّهم» وهو الصحيح ، لرجوع الضمير إلى البطون.

(٤) لأنّ الواقف جعل العين الموقوفة لجميع البطون بإنشاء واحد ، فلا موجب لاستقلال البطن الموجود بالثمن.

__________________

(١) لكن لم يظهر وجه فوات الغرض بأجمعه في صورة مراعاة الخصوصية بالكلية إذ لا يلزم من مراعاتها إلّا فوات الغرض بالنسبة إلى غير الموجود من البطون. ولعلّ مقصوده فوات الغرض بأجمعه بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، لا فوات الغرض بأجمعه من الوقف. ولا بدّ من مزيد التأمّل في استظهار مراده قدس‌سره.


ويقدّر [تعذّر] وجودهم حال (١) الوقف.

وقال (٢) بعض علمائنا والشافعية (٣) إنّ ثمن الوقف كقيمة الموقوف إذا تلف ، فيصرف الثمن على الموقوف عليهم ملكا على رأي (٤)» (١) انتهى.

ولا يخفى عليك (٥)

______________________________________________________

(١) في التذكرة والمقابس «حالة الوقف». ومقصود العلّامة : أنّ عدم وجود البطون المتأخرة لا يمنع من استحقاقهم للوقف ، فإنّهم وإن لم يتملّكوه بالفعل ، لكن الواقف فرض وجودهم ، وجعلهم شركاء للموجودين.

(٢) غرض العلّامة قدس‌سره من نقله التنبيه على وجود المخالف في وجوب شراء بدل الوقف ، قياسا لباب المعاوضة على باب الضمان ، وقد تقدّم بيان اختصاص البدل بالموجودين في (ص ٦٣٣ و ٦٣٧) وهو : أنه لو قتل حرّ عبدا موقوفا ضمن قيمته للموقوف عليهم ، فذهب بعض الفقهاء كشيخ الطائفة قدس‌سره إلى أنّ القيمة للموجودين خاصة. واختار العلّامة : أنّها مشتركة بين الجميع.

قال قدس‌سره : «والوجه عندي : شراء عبد بالقيمة يكون وقفا ، لأنّه ملك لا يختصّ به الأوّل ـ أي البطن الموجود ـ فلم يختص يبدله ، كالعبد المشترك والمرهون. وعدم اختصاصه ظاهر ، فإنّه تعلّق به حقّ البطن الثاني فلم يجز إبطاله» (٢).

(٣) في التذكرة وكذا في المقابس : «وبعض الشافعية».

(٤) متعلق ب «يصرف» والرأي الآخر هو شراء بدل المتلف ليكون وقفا.

(٥) لم يتعرض المصنف قدس‌سره بالتفصيل لتحقيق ما ورد في عبارة التذكرة من مواضع الصحة والتأمّل ، ولكنه أحال ذلك إلى ما أفاده من عدم وجوب شراء المماثل ، وما ناقش به في دليل القائل بوجوبه بمناط كونه أقرب إلى غرض الواقف ، فلاحظ. وسنذكر ما يتعلق بكلام العلامة من مواقع الرد والقبول.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٤ ، والحاكي عنه صاحب المقابس قدس‌سره ، كتاب البيع ، ص ٦٦ ولكنّه قدس‌سره لفّق كلام العلامة من التذكرة والمختلف.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٢٢ ، ونظيره في المختلف ، ج ٦ ، ص ٣١٧ و ٣١٨ ، ولاحظ المبسوط ، ج ٣ ، ص ٢٨٩


مواقع الرّد (١) والقبول (٢) في كلامه قدس‌سره.

______________________________________________________

(١) فمنها : حكمه بوجوب شراء المثل على ما صرّح به بقوله : «وأمكن بحسب النوع وجب» إذ فيه : ما تقدم مفصّلا من عدم وجوبه.

ومنها : قوله : «وإلّا جاز شراء كل ما يصحّ وقفه في صورة تعذر شراء المثل» إذ فيه : أنّ اللازم حفظ الثمن ليشترى به المثل ، إذ بناء على وجوب شراء المماثل ـ لما نسب إلى العلّامة وغيره ـ لا وجه لسقوطه ، ووجوب شراء كلّ ما يصح وقفه. هذا.

مضافا إلى : أنّه ـ على تقدير عدم إمكان شراء المماثل ـ لا بدّ من شراء ما يكون أقرب إلى مقصود الواقف ، أو ما يكون أعود للموقوف عليهم ، مراعاة لحق الواقف والموقوف عليهم.

ومنها : قوله : «وإلّا صرف الثمن في الموقوف عليهم» إذ فيه : أنّ الواجب حينئذ ـ كما سيذكره المصنف قدس‌سره ـ حفظ الثمن إلى زمان التمكن من شراء عين اخرى.

ومنها : قوله : «لأنّ فيه جمعا» إذ فيه : أنّ منافاة الدوام والتأبيد لصرف الثمن في البطن الموجود ـ الموجب لحرمان المعدومة ـ من البديهيات ، فكيف يكون صرف الثمن في الموجودين وجه جمع بين نفع الموقوف عليه على الدوام ، وبين النص الدال على عدم جواز مخالفة الواقف؟

(٢) منها : قوله : «فإنّه يباع ويصرف الثمن إلى جهة الوقف» ووجه قبوله كون البيع حفظا للحقوق ، ولذا صرّح المصنف في (ص ٦٦٧) بوضع الثمن عند أمين حتى يتمكن من شراء بدل الوقف.

ومنها : قوله : «ومراعاة الخصوصية بالكلية يفضي الى فوات غرض الواقف بأجمعه» وهو متين أيضا ، لأنّ إبقاء الوقف بحاله تضييع محرّم.

ومنها : قوله : «ولأنّ قصر الثمن على البائعين يقتضي إلى فوات خروج البطون اللاحقة» وهو صحيح أيضا ، لأنّ الواقف جعل العين ملكا للطبقات مرتّبا ، فلا يختص بدله بالموجودين.

هذا بعض الكلام في حكم عوض الوقف لو بيع ، وله تتمة ستأتي ، ويقع البحث في المتولّي للبيع.


ثمّ (١) إنّ المتولّي للبيع

______________________________________________________

(١) تقدم في ص (٦١٢) أنّ في بيع الوقف ـ إذا خرب ـ أمورا ، منها : أنّه بعد ثبوت جواز بيعه ، هل يكون المتصدّي للبيع خصوص البطن الموجود ، أو الحاكم أو غيرهما؟

وغرض المصنف قدس‌سره تحقيق هذا الأمر ، وأنّ ولاية البيع تكون للبطن الموجود بضميمة الحاكم الشرعي الذي يتولّى أمر البطون المتأخرة. واحتمل أن يكون المتولّي هو الناظر الذي عيّنه الواقف إن كان ، ثم تأمّل فيه.

ولا بأس بالإشارة إلى الأقوال في المسألة ثم توضيح المتن.

فمنها : التفصيل بين كون الوقف ملكا له تعالى ، فالمتولّي للبيع وشراء البدل هو الحاكم ، وبين كونه ملكا للموقوف عليه فالمتولي هو الموقوف عليه. وبين كونه ملكا للواقف ففيه وجهان. هذا ما ذكره العلامة قدس‌سره في شراء عبد بقيمة العبد الموقوف المقتول (١).

ومنها : أنّ المتولّي هو الحاكم مطلقا ، سواء قلنا بأنّ الملك له تعالى أو للموقوف عليه أو للواقف ، لأنّ الحاكم وليّ الكل. وإن تعذّر الحاكم فالولاية للموقوف عليه. قوّاه فخر الإسلام في الإيضاح (٢).

ومنها : أنّه الناظر الخاص إن كان ، وإن تعذّر فالناظر العام ، وإن تعذّر فالموقوف عليه. استجوده الشهيد قدس‌سره في غاية المراد معلّلا له بقوله : «قضيّة للشرط في النظر ، وعموم حكم الحاكم على البطون ، وأولوية الموقوف عليه» (٣).

ومنها : أنّه الناظر الخاص إن كان ، وإلّا فالحاكم ، اختاره المحقق الثاني قدس‌سره (٤).

وعليه فلا ولاية للموقوف عليهم. وحكى صاحب المقابس مثله عن الفاضل السيوري (٥).

ومنها :. أنّه الناظر الخاص إن كان ، أو الموقوف عليه إن كان منحصرا ، وإلّا فالناظر العام ، وهو صريح الشهيد الثاني قدّس سرّه في المسالك ، ولكنه في الروضة جعل ولاية الموقوف

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٣ ، السطر ٢ و ٣.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣٩٦.

(٣) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤٢.

(٤) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٧ وج ٩ ، ص ٧٩.

(٥) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٧.


.................................................................................................

______________________________________________________

عليه مترتبة على عدم الناظر الخاص (١).

ومنها : أنّه هو الموقوف عليه مطلقا ـ أي سواء أمكن تولّي الحاكم أم لا ـ لأنّ الملك للموقوف عليه ، وحقّ الباقين تابع له ، فإن تعذّر الموقوف عليه لحجر أو شبهه فالمتولي هو الواقف أو بعض المؤمنين حسبة. وهذا ما احتمله فخر المحققين ، وحكى صاحب المقابس عن الفاضل الصيمري اختياره في كتابه الجواهر (٢).

ومنها : أنّ المباشر هو الحاكم برضاء الموقوف عليه ، أو العكس. اختاره المحقق صاحب المقابس ، ووافقه المصنف قدس‌سره في العكس أي كون التولية للبطن الموجود بضميمة الحاكم ، فلا يستقل كلّ منهما بالبيع.

وتوضيحه : أنّ البيع منوط بكون البائع وليّا عليه إما بالملك غير المحجور عنه ، وإمّا بالولاية من قبل الشارع كالأب والجدّ له ، والحاكم الشرعي ، وإمّا من قبل المالك كالمأذون في المعاملة. والكلام في تعيين من له الولاية في الوقف الخاص الذي جاز بيعه للخراب.

وحيث إنّه ملك فعلي للبطن الموجود ، وشأني للمعدوم ، فمقتضى سلطنة المالك على التصرف المشروع في ماله هو ثبوت هذا الحقّ للطبقة الحاضرة ، إن لم يكن في البين حجر لصغر ونحوه من الموانع. ولكن لا يستقلّ البطن المالك بالبيع ، لكون اختصاصه بالعين موقّتا بحياته ، وتعلّق حق المعدومين بالمبيع ، مع أنّ البيع إعطاء الملكية المرسلة للمشتري. فلا بدّ من ضمّ المتولّي على البطون المعدومة المالكة شأنا للموقوفة ، وهو الفقيه الجامع للشرائط المتولّي لأمر الغائب والقاصر والممتنع ، والمعدوم إمّا غائب كما ورد في تعبير العلّامة قدس‌سره (٣) ، وإمّا قاصر ، وإن كان قصوره من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، والمناط في ولاية الحاكم حسبة هو منعه عن ضياع حقّ.

فالنتيجة : أنّ المتولّي لتبديل الموقوفة هو البطن الموجود والحاكم ، بحيث يكون نظر كلّ منهما دخيلا في أمر البيع والشراء ، بلا فرق بين تعيين الناظر من قبل الواقف

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٧٠ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٦.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٧.

(٣) مختلف الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣١٨.


هو البطن الموجود (١) (*) بضميمة الحاكم القيّم (٢) من قبل سائر البطون.

ويحتمل (٣) أن يكون هذا (٤) إلى الناظر إن كان (٥) ، لأنّه (٦) المنصوب لمعظم الأمور الراجعة إلى الوقف.

______________________________________________________

وعدمه. هذا تقريب مختار المصنف قدس‌سره وسيأتي احتمال كون التولية للناظر إن كان.

(١) لكونه مالكا بالفعل وإن كانت الملكية محدودة بحياته.

(٢) هذا وجه اعتبار ضمّ الحاكم إلى البطن الموجود.

(٣) هذا الاحتمال مختار الشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم قدس‌سرهم كما سبق في الأقوال.

بل قال السيد العلّامة الاشكوري قدس‌سره : «يستظهر الإجماع من كاشف الظلام على تقديم الناظر على غيره. وهو لا يخلو عن وجه» (١).

والوجه في هذا القول هو كون الناظر منصوبا من قبل الواقف لرعاية شؤون الوقف ، وإطلاق النظارة يشمل كلّا من التصرف في نفس العين ـ من إجارة وترميم وصرف المنافع في الجهة المعيّنة ـ ومن تبديلها عند عروض المسوّغ للبيع ، هذا.

(٤) أي : تولية البيع.

(٥) هذا من الشرط المحقّق للموضوع ، إذ بدون نصبه يتعيّن كون المتولّي للبيع هو الموقوف عليه أو الحاكم مستقلا أو منضما ، كما تقدّم في الأقوال.

(٦) أي : لأنّ الناظر منصوب لمعظم شؤون الوقف ، الّتي منها إبقاؤه بنوعه أي ببدله.

__________________

(*) إن كان هو المتولّي ، وإلّا فذلك وظيفة من جعله الواقف متوليا ، إن كان إطلاق كلام الواقف شاملا لكل تصرف له حتى ولاية البيع والتبديل عند طروء المسوّغ. وإن لم يكن شاملا له لا ظهورا ولا صراحة فيرجع إلى الحاكم ، لأنّه مع الشك في ولايته على مثل هذا التصرف يكون المرجع أصالة الفساد ، فلا بدّ من مراجعة الحاكم.

وبالجملة : فالمدار في جواز التصدي للمتولي وعدمه هو ظهور كلام الواقف في تعميم دائرة ولايته وعدمه.

__________________

(١) بغية الطالب ، ج ١ ، ص ١٦١.


إلّا أن يقال (١) بعدم انصراف وظيفته المجعولة من قبل الواقف إلى (٢) التصرّف في نفس العين (٣).

والظاهر (٤) سقوط نظارته عن بدل الوقف. ويحتمل بقاؤه ، لتعلّق حقّه

______________________________________________________

(١) هذا تضعيف للاحتمال المزبور ، ومحصّله : أنّ سعة دائرة النظارة وضيقها تابعة للجعل وقبول الناظر ، ولا كلام لو قامت قرينة على اختصاصها بالعين ، أو شمولها للبدل. ومحل البحث هو استفادة سعة دائرة النظارة من مجرّد قول الواقف : «جعلتك ناظرا للوقف» وظاهره جعل القيّم على الوقف مع حفظ عنوانه ، لا جعل من يتصدّى إزالة الوقف وإبطاله ، لفرض كون البيع مبطلا له.

وعليه فلا إطلاق في جعله ناظرا ، خصوصا مع كون جواز البيع حكما شرعيّا يثبت للوقف قهرا ، وليس أمره بيد الواقف ليفوّضه إلى الناظر.

(٢) متعلق ب «انصراف» ومقصوده التشكيك في إطلاق حقّ النظارة بالنسبة إلى إعدام موضوع النظارة ببيع وشبهه. وهذا التشكيك أشار إليه في المقابس بقوله : «وأمّا في الوقف الخاص ففي شمول النظارة للبيع والشراء نظر» (١).

(٣) مقصوده قدس‌سره حقّ التصرف في العين ببيعها وتبديلها ، فإنّه مشكوك ، والأصل عدمه. وليس المراد التصرف في شؤون العين كالإيجار والترميم وإيصال العوائد إلى الموقوف عليهم ، لثبوتها للناظر بلا ريب.

(٤) هذا متفرع على ما تقدّم من أنّ ولاية البيع هل تكون للموقوف عليه بضميمة الحاكم ، أم للناظر؟ وحاصله : أنّه بعد بيع الوقف الذي آل إلى الخراب وتبديله بالمماثل أو بغير المماثل ، فهل تسقط نظارة الناظر عن البدل ، لاختصاصها بالأصل؟ أم تبقى ، فيه وجهان ، استظهر المصنف قدس‌سره السقوط ، لأنّ ما أنشأه الواقف هو جعل عين خاصة وقفا ، وجعل ناظر لها ، والمفروض زوال العنوان بالبيع ، ولا دليل على اقتضاء البدلية قيام البدل مقام المبدل في ما كان له من خصوصية.

وعلى هذا فيكون النظر إلى الموقوف عليه والحاكم.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٧.


بالعين الموقوفة ، فيتعلّق ببدلها (١) (*).

ثمّ إنّه لو لم يمكن شراء بدله (٢)

______________________________________________________

(١) يعني : فيتعلّق حقّ الناظر ببدل الموقوفة ، وذلك لأنّ العين ملك للموقوف عليهم ومتعلّق حقّ الناظر ، وكما تصير البدل بالبيع ملكا لهم ، فكذا ينتقل حق النظارة إلى البدل أيضا. كما يقال في نظيره من انتقال حقّ الوصاية إلى البدل لو أتلف الموصى به متلف ، فإنّ أمره بيد الوصي ، ولا يزول حقّه بإعدام العين الموصى بها.

قال المحقق ـ في الجنابة على مماليك أوصى المولى بأحدهم لشخص ـ ما لفظه : «فإن قتلوا لم تبطل ـ أي الوصية ـ وكان للورثة أن يعيّنوا له ـ أي للوصي ـ من شاءوا ، أو يدفعوا قيمته إن صارت إليهم ، وإلّا أخذها ـ أي أخذ الوصي القيمة ـ من الجاني» (١) وعلّله في الجواهر بانتقال حقّ الوصية إلى البدل ، فراجع (٢).

(٢) هذا من جملة الأمور المتعلقة بالثمن ، فكان المناسب التعرض له قبل تحقيق متولّي البيع.

وكيف كان فكلامه قدس‌سره هنا يتضمّن فروعا :

الأوّل : أنّ الوقف الخراب إذا بيع بالنقود الرائجة ، وتعذّر فعلا شراء المماثل ، أو مطلق البدل ، فهل يجوز للمتولي دفع الثمن إلى البطن الموجود ، أم يوضع عند أمين إلى زمان التمكن من تحصيل البدل؟

__________________

(*) فيه : أنّ مجرّد الاحتمال غير كاف في جواز التصدي بعد كون مقتضى الأصل الفساد. والفرق بين المقام والوصية أن حق الوصاية وإن تعلّق بعين مشخّصة ، لكن لا من حيث تشخصها ، بل لكونها مالا للموصي فيتعلّق الحقّ بالبدل أيضا ، لأنّ ضمان المتلف اعتبار بقائه بما هو مال. بخلاف حقّ النظارة ، فإنّه حق في العين بما هي وقف ابتدائي بجعل الواقف ، لا بما هي مال ، فلا وجه لقيام الحق بالبدل إلا إطلاق البدلية الممنوع.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٠١.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٣٤٧ ، ولاحظ المسالك ، ج ٥ ، ص ٣٠٢ و ٣٠٣.


ولم يكن الثمن ممّا ينتفع به مع بقاء عينه ـ كالنقدين (*) ـ

______________________________________________________

الثاني : أنّ البطن الموجود لو طالب ـ في مدة الانتظار والتفحص عن البدل ـ شراء ما ينتفع به موقّتا بالبيع الخياري ، فهل يجب إجابته؟ أم لا يجب ، بل ينتظر وجود البدل الدائم.

الثالث : أنّ الاتّجار بالثمن جائز إن كان صلاحا لجميع البطون؟ أم يتعيّن شراء عين اخرى تكون وقفا بدلا عن المبيع.

وتوضيح الفرع الأوّل : أنّ الوقف إذا آل إلى الخراب ، فتارة يبدل بعين اخرى ذات منفعة مقصودة ، كما إذا عوّضت الدار الخربة بدار عامرة ينتفع الموقوف عليه بسكناها أو بإيجارها ، وهذا خارج عن محلّ الكلام ، وتقدّم في (ص ٦٤٣) في قوله : «فإن كان مما يمكن أن يبقى وينتفع به البطون ابقي».

واخرى يبدل ـ أي يباع ـ بالنقود من الذهب والفضة المسكوكين ، والأنواط الرائجة. وحيث إن مقصود الواقف تسبيل منفعة العين أعمّ من شخصها ونوعها ، ولا منفعة يعتدّ بها في مثل الذهب والفضة ـ لندرة مثل التزيّن ـ فإن أمكن تبديل الثمن بعين اخرى تعيّن ذلك إبقاء للوقف ، إمّا لكونه أقرب إلى غرض الواقف كما قال به جمع ، وإما لكونه أصلح بحال الموقوف عليهم كما نبّه عليه المصنف قدس‌سره في (ص ٦٤٤).

وإن لم يمكن شراء بدل ، لعدم وجوده فعلا ، ولكن توقّع حصوله بعد مدّة ، وجب وضع الثمن عند أمين ، ولم يجز دفعه إلى البطن الموجود ، ليتصرّف فيه على حدّ تصرفه في نفس الموقوفة ، وذلك لكون الثمن مشتركا بين جميع البطون ، لتعلق حق الطبقات اللاحقة به ، ولا سلطنة للموجودين عليه ، وإنّما كانت سلطنة الانتفاع بالمبدل ، فدفع إليهم للانتفاع به بلا مزاحم ، وكذلك لهم السلطنة على البدل. ولكن المفروض أن الثمن لا منفعة فيه ليثبت سلطنتهم عليه ، ويجب دفعه إليهم لذلك.

__________________

(*) قد يتوهم وقفية نفس النقدين بأن يتّجر بهما ، ويكون الربح للموقوف عليهم.

لكنه فاسد ، لعدم صدق حدّ الوقف ـ وهو كون الموقوف عينا ينتفع بها مع بقائها ـ عليه ، ومن المعلوم أنّ النقدين ليس كذلك ، بل يقعان في صراط الوقف.


فلا يجوز (١) دفعه (٢) إلى البطن الموجود ، لما (٣) عرفت من كونه (٤) كالمبيع مشتركا بين جميع البطون. وحينئذ (٥) فيوضع عند أمين حتّى يتمكّن (٦) من شراء ما ينتفع به

______________________________________________________

(١) جواب الشرط في «لو لم يكن» وقد تقدم أنّ حرمة دفع الثمن للبطن الموجود منوطة بأمرين :

أحدهما : عدم الانتفاع بنفسه ذهبا أو نوطا.

وثانيهما : رجاء حصول البدل أو الاطمئنان به ، وهذا يستفاد من قوله : «حتى يتمكن من شراء ما ينتفع به» لبعد شموله لمورد اليأس من حصوله.

(٢) تقدم أنّ المراد من الدفع المحرّم هو وقوع الثمن تحت يده في مدّة الانتظار وإمساكه لينتفع به. ووجه عدم الجواز عدم سلطنته عليه.

وليس المراد من الدفع أن يكون الثمن للبطن الموجود خاصة. وذلك لوضوح بطلانه ، لعدم كونه ملكا طلقا له حتى يجوز التصرف فيه كيف ما شاء.

والحاصل : أنّ الغرض حرمة إعطاء الثمن للبطن الموجود لينتفع بعوائده في مدة التفحّص عن المماثل. أما لو لم يتصرف فيه وكان أمينا في حفظه فهو كسائر الأمناء.

(٣) تعليل لعدم جواز الدفع ، وقد أوضحناه آنفا.

(٤) أي : كون الثمن. ولكن الفارق بينه وبين المبيع أنّ المبيع ـ كالدار الموقوفة ـ وإن اشترك البطون فيه ، لكن للبطن الموجود حقّ الانتفاع ، فلا بدّ من تسلّطه على العين ، بخلاف الثمن ، إذ لم يسبّل منفعته ليستحق الانتفاع به والتسلّط عليه.

(٥) أي : وحين عدم جواز دفع الثمن إلى البطن الموجود فيتعيّن على متولّي البيع وضع الثمن عند أمين.

(٦) يعني : أنّ وضع الثمن عند أمين يعمّ صورتين : إحداهما : أن لا يحصل في مدة التفحص عن البدل مماثل للوقف ليشترى سواء وجد بدل موقّت ببيع خياري أم لا.

ثانيتهما : أن يحصل في تلك المدة مماثل موقّت ، كما إذا بيعت الدار الخربة بخمسمائة دينار ، ولم يف هذا الثمن بدار مماثلة تباع بالبيع اللازم ، ولكن وجد من يبيع داره بخمسمائة دينار بخيار إلى سنة مثلا ، فيشتريها المتولّي وينتفع بها البطن الموجود. فإن فسخ البائع ردّ الثمن ويوضع عند الأمين كما كان. وإن أمضى البيع قام البدل مقام المبدل ،


ولو (١) مع الخيار إلى مدّة.

ولو طلب ذلك (٢) البطن الموجود فلا يبعد وجوب إجابته (٣) ، ولا يعطّل (٤) الثمن حتّى يوجد ما يشترى به من غير خيار (٥).

نعم (٦) لو رضي الموجود بالاتّجار به وكانت المصلحة في التجارة ،

______________________________________________________

فينتفع به الموجودون والمعدومون.

(١) والفرد الآخر هو التمكن من الشراء اللازم لا الخياري ، فيؤخذ الثمن من الأمين حينئذ.

(٢) يعني : ولو طلب البطن الموجود ـ من المتولّي ـ شراء عين مع الخيار لم يبعد وجوب إجابته. وهذا هو الفرع الثاني المتقدم في (ص ٦٦٦). والوجه في وجوب قبول الطلب أنّ الانتفاع بالبدل الموقّت ـ في مدة الخيار ـ حقّ له بالخصوص من غير مزاحم ، فله اشتراء ما ينتفع به بالبيع الخياري. ولو خولف كان تعطيل الثمن تضييعا لحقّ البطن الموجود ، وتفويت منفعة عليه بلا عذر.

فإن فسخ البائع فقد تحقق غرض الواقف من حبس العين ـ الشامل للشخص والنوع ـ وتسبيل الثمرة ، وإن كان موقتا لا دائما. ويعود الثمن كما كان ينتفع به الكلّ.

وإن لم يفسخ كان البيع بالنسبة إلى البطن الموجود لازما. وإذا وصلت النوبة إلى البطن اللّاحق جاز الإبقاء والتبديل ، لأنّ حرمة بيع الوقف مختصة بالوقف الابتدائي ، كما تقدم في (ص ٦٤٧) ولا تسري إلى الأبدال. وعليه فلا يلزم ضرر على البطون المتأخرة لو اشتري بثمن الوقف بدل بالبيع الخياري.

(٣) أي : إجابة طلب البطن الموجود.

(٤) لأنّ تعطيل الثمن عند الأمين تضييع لحقّ الموقوف عليهم.

(٥) أي : بالبيع اللازم ليكون بدلا دائما عن الموقوفة.

(٦) هذا هو الفرع الثالث ممّا يترتب على تعذّر البدل ، وحاصله : أنّه لو وافق البطن الموجود في الاتّجار بثمن الوقف المبيع في مدّة الانتظار ـ إلى أن يتمكن المتولّي من شراء البدل ـ جاز ذلك بشرط كون الاتجار صلاحا للموقوف عليهم ، لأنّ الثمن ـ كالوقف ـ ملك لهم ، ومقتضى قاعدة السلطنة هو الجواز برضاهم ، بشرط رعاية مصلحتهم.


جاز مع المصلحة (١) إلى أن يوجد البدل (٢). والرّبح تابع (٣) للأصل ، ولا يملكه (٤)

______________________________________________________

وحينئذ فالربح العائد من التجارة هل يكون مختصّا بالبطن الموجود ، كمنفعة الموقوفة قبل بيعها ، أم مشتركا بين جميع الطبقات كنفس الثمن غير المختص بالموجودين؟ وجهان ، اختار المصنف الثاني ، لوجود المقتضي للتعميم ، وفقد المانع عنه.

أمّا وجود المقتضي ، فلأنّ الثمن بدل الموقوفة المشتركة بين البطون ، ومجموع ما اشتري بالثمن وبيع بأزيد منه وقع بإزاء الثمن الذي هو بدل الوقف ، فلا محالة يعمّ جميع الطبقات. كما إذا بيع الوقف الخراب بمائة دينار ، واتّجر المتولي بالثمن ، فاشترى به متاعا فباعه بمأتين ، فإنّ حال المجموع من الثمن والربح ـ أعني المأتين ـ حال نفس الثمن المفروض كونه مائة ، وكان للبطون ، وكذا المتاع المشتري به ، وكذا المائتان اللتان هما بدل المتاع ، لاقتضاء البدلية ثبوت اختصاصات المبدل للبدل ، على ما تقدم تفصيله في (ص ٦٣٦) فيكون وقفا.

وأمّا فقد المانع ، فلأنّ ما يتوهّم كونه مانعا عن الاشتراك هو قياس هذا الربح بفوائد نفس الموقوفة ، بأن يقال : إنّ البطن الموجود لو آجر الدار سنة بمائة دينار كانت الأجرة مختصة به ، ولا حقّ لسائر البطون فيها. وكذا لو أوقف حيوانا على البطون ، فأنتج ، فإنّ النتاج ملك لخصوص الطبقة الحاضرة.

ولكن القياس مع الفارق ، لأنّ الواقف جعل منفعة العين الموقوفة مختصة بكلّ واحد من البطون مدة حياته ، ولا وجه لشركة الجميع فيها. وهذا بخلاف الربح الحاصل بالتجارة بثمن الوقف ، لعدم كون الزيادة منفعة لنفس الموقوفة ، بل لبدلها ، فيجري عليها حكم البدل من كونه ملكا فعليا للموجود وشأنيا للمعدوم. بمقتضى البدلية ، ولا وجه للتبعيض ، بجعل ما يعادل أصل الثمن مشتركا بين الكل ، وما زاد عليه مختصا بالموجودين.

(١) الظاهر زيادة هذه الكلمة ، للاستغناء عنها بقوله : «وكانت المصلحة».

ويحتمل بعيدا أن تكون «المصلحة» قيدا للتجارة بقاء إلى أن يوجد البدل. فالمصلحة في قوله : «وكانت المصلحة» قيد للتجارة حدوثا ، وهنا قيد لها بقاء ، فتدبّر.

(٢) فبمجرد التمكن من تحصيل البدل لا يجوز التجارة وإن كانت مربحة.

(٣) لكونه ربحا للثمن المشترك بين الجميع.

(٤) يعني : ولا يملك الموجودون الربح ملكا طلقا ، كما كانت منفعة نفس العين الموقوفة ملكا طلقا للموجودين.


الموجودون ، لأنّه (١) جزء من المبيع ، وليس كالنماء الحقيقي (٢).

ثمّ لا فرق في جميع ما ذكرنا (٣) من جواز البيع مع خراب الوقف بين عروض

______________________________________________________

(١) أي : لأن الربح ، توضيحه : أنّ النماء الحقيقي يكون من باب التوالد ، فإنّ الثمرة تتولّد من الشجرة ، بخلاف الربح ، فإنّه أمر اعتباري ، مثلا : إذا اشترى بثمن الوقف ـ الذي هو ماءة دينار ـ عشرين طغارا من التمر ، فإذا فرض ارتفاع قيمة التمر بحيث صارت مالية عشرين طغارا مأتي دينار ، فالربح ـ وهو عشرة طغارات ـ أمر اعتباري محض ، إذ المفروض أنّه جزء المبيع الذي هو بدل الثمن ، وليس غيره ومتولّدا منه. بخلاف الثمرة كما عرفت.

(٢) في كونه ثمرة مسبّلة من قبل الواقف مختصة بمن وجد من البطون. هذا ما يتعلّق بالفروع الثلاثة المترتبة على تعذر شراء بذل الوقف فورا.

(٣) كان موضوع ما تقدّم من جهات البحث في الصورة الاولى ـ إلى هنا ـ هو خراب العين الموقوفة وسقوطها عن المنفعة المعتدّ بها. ويقع البحث في حكم خراب بعض الوقف وبقاء بعضه عامرا قابلا لانتفاع البطن الموجود به ، وله صورتان :

فتارة يكون عمارة النصف فالباقي بحيث يستعدّ البقاء لينتفع به البطن اللاحق.

واخرى يكون بحيث يمكن انتفاع البطن الموجود به خاصة ، ويخرب بعده.

والكلام فعلا في الصورة الأولى ، كما لو انهدم نصف الدار الموقوفة ، وبقي نصفه الآخر عامرا قابلا للسكنى فيه فعلا ، من دون أن يتوقف استيفاء المنفعة ـ المقصودة للواقف ـ منه على صرف ثمن ذلك النصف فيه ، ولا إشكال في جواز بيع الخراب ، وشراء دار اخرى ـ وإن كانت صغيرة ـ لينتفع بها ، تحقيقا لغرض الواقف ، كما كان جواز البيع والتبديل حكم سقوط كلّ الموقوفة عن المنفعة.

ولكن يفترق خراب البعض عن خراب الكلّ بجواز صرف ثمن البعض بأحد نحوين :

الأوّل : صرفه في إعمار ما بقي بإحداث غرفة أخرى أو طابق مستقل بحيث يكون موجبا لتوفير منفعة هذا النصف الباقي. كما إذا كانت أجرته قبل الصرف خمسين دينارا ، وبعده سبعين دينارا ، وكانت منفعة دار صغيرة اخرى ـ لو اشتريت بثمن النصف


الخراب لكلّه أو بعضه ، فيباع البعض المخروب ويجعل بدله ما يكون وقفا (١).

ولو كان (٢) صرف ثمنه في باقيه (٣) بحيث (٤) يوجب زيادة منفعة [منفعته] جاز (٥) مع رضا الكلّ ،

______________________________________________________

الخراب ، ـ عشرة دنانير ، إذ من المعلوم أنّ غرض الواقف من حبس الدار وتسبيل منفعتها وهي السكنى أو الانتفاع باجرتها يحصل بشراء دار مستقلّة ، وبصرف الثمن في مصلحة النصف الباقي ، مع فرض زيادة المنفعة في الثاني.

نعم يشترط في جواز صرف الثمن في النصف الباقي أمران :

أحدهما : زيادة المنفعة على ما يحصل بشراء بدل للنصف الخراب.

وثانيهما : رضا الموقوف عليهم بهذا النحو من الصرف ، وعدم شراء بدل مستقلّ.

والدليل على اعتبار رضاهم كون ثمن النصف الخراب ملكا لهم ، فلهم التصرف فيه بما يرونه من المصلحة.

النحو الثاني : صرف الثمن في عين أخرى موقوفة على نفس هذه الطبقات بحيث تزداد نفعا. وذلك بشرطين :

أحدهما : كون جهة الوقف في كلتيهما واحدة ، كما إذا كانت تلك دارا لسكنى البطون أو للانتفاع باجرتها. فلو كانت الموقوفة الأخرى دكانا أو خانا أو حمّاما لم يجز صرف ثمن نصف الدار فيها وإن اتّحد المنتفع بكلا الوقفين.

ثانيهما : رضا جميع أفراد البطن الموجود بالصرف المزبور.

(١) كما كان في خراب الكلّ. وما تقدم فيه ـ من عدم حاجة وقفية البدل إلى تجديد صيغة الوقف ، ومن كونه كالمبدل ملكا فعليا للبطن الموجود وشأنيا للمعدوم ، ومن كون المتولّي للبيع هو الطبقة الحاضرة بضميمة الحاكم ، وغير ذلك من الأحكام ـ جار في خراب البعض ، لوحدة المناط.

(٢) هذا إشارة إلى امتياز خراب البعض بجواز صرف الثمن بأحد نحوين ، وعدم تعيّن التبديل بعين أخرى.

(٣) أي : في باقي الوقف ، كما تقدّم آنفا من انهدام نصف الدار ، وبقاء نصفها الآخر.

(٤) هذا إشارة إلى أوّل الشرطين.

(٥) جواب الشرط في «ولو كان» وقوله : «مع رضا الكل» إشارة إلى الشرط


لما عرفت (١) من كون الثمن ملكا للبطون ، فلهم التصرف فيه على ظنّ المصلحة.

ومنه (٢) يعلم جواز صرفه في وقف آخر عليهم على (٣) نحو هذا الوقف ، فيجوز صرف ثمن ملك مخروب في تعمير وقف آخر عليهم (٤).

ولو خرب (٥) بعض الوقف ،

______________________________________________________

الثاني. والمراد من الكلّ الحاكم الشرعي الولي على المعدومين ، وكبار البطن الموجود ، فلو كان فيهم صغير كان الحاكم وليّا عليه أيضا.

(١) تعليل لجواز صرف ثمن المبيع في إعمار ما بقي من الوقف بالشرطين المتقدمين ، ومحصله : أنّ الثمن كالمثمن ملك البطون ، فيجوز للبطن الموجود ـ بضميمة الحاكم ـ التصرف فيه بما هو صلاح له وللبطون اللاحقة.

(٢) أي : ومن جواز صرف ثمن البعض ـ المبيع ـ بالشرطين المزبورين يعلم جواز صرف الثمن في مورد آخر ، وهو ما تقدم توضيحه بقولنا : «النحو الثاني : صرف الثمن في عين أخرى ..».

(٣) صفة ل «وقف آخر» وغرضه الإشارة إلى أوّل الشرطين ، وأنّه لا يكفي في جواز صرف الثمن في وقف آخر كون كليهما موقوفين على هذه البطون ، بل لا بدّ من اتحادهما نوعا ، كدارين ، أو خانين ، وهكذا.

ولم يصرّح المصنف بالشرط الثاني ـ وهو رضا الموجودين والحاكم ـ تعويلا على وضوحه ، واستفادته من قوله : «ومنه يعلم».

(٤) أي : كان الموقوف عليه في الوقف الأوّل ـ الذي بيع نصفه الخراب ـ وفي الوقف الثاني واحدا.

(٥) هذا ما أشرنا إليه من الصورة الثانية ، وهي خراب نصف الوقف ، وكون النصف الباقي العامر فعلا ممّا لا يبقى إلى زمان البطن اللّاحق ، كما إذا كان اقتضاء بقاء عمارته عشرين سنة ، وينقرض البطن الموجود في هذه المدة ، فيسقط عن حيّز الانتفاع في زمان انتقاله إلى البطن اللاحق ، فهل يجب فعلا صرف ثمن النصف الخراب في مصلحة النصف العامر وترميمه ، ليستمرّ عمرانه وتتمكن الطبقة المتأخرة من الانتفاع به ،


وخرج (١) عن الانتفاع ، وبقي بعضه محتاجا إلى عمارة لا يمكن (٢) بدونها انتفاع البطون اللّاحقة ، فهل (٣) يصرف ثمن المخروب (٤) إلى (٥) عمارة الباقي وإن لم يرض (٦) البطن الموجود (٧)؟ وجهان (٨) (*)

______________________________________________________

أم لا يجب هذا الصرف ، فلهم الانتفاع بالنصف العامر ، وتبديل ثمن النصف الخراب بعين اخرى ، ولا يجب حفظ الوقف للبطون اللاحقة لينتفعوا به؟ وجهان ، ولم يرجّح المصنف قدس‌سره هنا أحدهما ، ولكنّه قوّى الثاني في الصورة العاشرة بزيادة قيد ، وهو عدم اشتراط الواقف إصلاح الوقف من منفعته مقدّما على الموقوف عليه. فلو اشترط الواقف ذلك وجه صرف الثمن في مصلحة النصف العامر ليبقى إلى زمان البطن اللّاحق. وهذا في الحقيقة وجه ثالث ، وسيأتي في الصورة العاشرة التعرض له إن شاء الله تعالى.

(١) أي : خرج بعض الوقف ـ بسبب الخراب ـ عن انتفاع البطن الموجود.

(٢) الجملة صفة ل «عمارة» أي : عمارة النصف الباقي تكون رعاية للبطن اللاحق ، وإلّا فانتفاع الموجودين غير متوقف على إعماره.

(٣) الجملة جواب الشرط في قوله : «ولو خرب».

(٤) أي : ثمن البعض المخروب بعد بيعه.

(٥) متعلق ب «يصرف» والمراد بالباقي هو البعض الباقي ، كنصف الموقوفة أو ثلثها أو ربعها.

(٦) أي : لم يرض بهذا الصرف ، بأن أراد تبديل ثمن الخراب بعين اخرى ينتفع بها كما ينتفع بالبعض العامر من الوقف.

(٧) لم يذكر المصنف عدلا لوجوب الصرف ، اتكالا على وضوحه ، والتقدير :

أم لا يصرف بدون رضى البطن الموجود.

(٨) لدوران الأمر بين عدم انتفاع البطن الموجود بالجزء البائر بتبديله بما ينتفع به ، والمفروض أنّ جواز بيع الخراب مبني على كونه ملكا للبطن الموجود فعلا ، وإطلاق

__________________

(١) أوجههما وجوب الصرف ، لعدم اختصاص الثمن بالموجودين ، وعدم انتفاع البطن الموجود بالثمن حينئذ لا ضير فيه بعد أن كان ذلك لاحتياج نفس الموقوف إلى التعمير


آتيان (١) فيما إذا احتاج إصلاح الوقف ـ بحيث (٢) لا يخرج عن قابليّة انتفاع البطون اللاحقة ـ إلى (٣) صرف منفعته الحاضرة التي يستحقّها البطن الموجود ، إذا لم (٤) يشترط الواقف (*)

______________________________________________________

«الناس مسلّطون على أموالهم» يقتضي جواز صرف الثمن في مصالح نفسه ، ولا ملزم له لصرف الثمن في عمارة ما بقي من الوقف رعاية لحال البطون المتأخرة. وعليه فلا يجب الصرف المزبور.

وبين عدم انتفاع البطن اللاحق بالعين ، مع تعلق غرض الواقف بتسبيل منفعتها للطبقات على السواء. وعليه فيجب على الموجود إعمار الباقي.

(١) قال في الصورة العاشرة : «ولو دار الأمر بين بيعه والإبدال به ، وبين صرف منفعته الحاصلة مدّة من الزمان لتعميره ، ففي ترجيح حقّ البطن الذي يفوته المنفعة ، أو حقّ الواقف وسائر البطون المتأخرة ، المتعلّق بشخص الوقف؟ وجهان ، لا يخلو أوّلهما عن قوّة إذا لم يشترط الواقف إصلاح الوقف من منفعته مقدّما على الموقوف عليه».

(٢) صفة للوقف المحتاج إلى الإصلاح.

(٣) متعلق ب «احتاج» والمراد بالمنفعة الحاضرة ما يعود إلى البطن الموجود بتبديل الثمن بعين اخرى ينتفع بها.

(٤) قيد ل «الوجهين الآتيين» يعني : أنّ مورد احتمال الوجهين في تلك المسألة ـ وهي قسمة عوائد الوقف على الموقوف عليهم بعد إخراج المؤن من منافعه ـ هو عدم اشتراط الواقف. وأما مع شرطه فالمتعيّن صرف فوائد الوقف في مئونته.

__________________

لزوم صرف المنفعة الحاضرة في إصلاح الوقف ، فإنّ حفظ تأبيد الوقف أهمّ من حق البطن الموجود الموجب مراعاته لذهاب حقوق البطون اللاحقة.

(١) يمكن أن يقال : إنّ حقوق البطون متأخرة عمّا يرجع إلى حفظ نفس الوقف ، لأنّ بقاءه بمنزلة الموضوع لحقوقهم ، والبقاء موقوف على صرف مئونة فيه ، فتخرج المئونة أوّلا ، ثمّ تقسّم عوائده على الموقوف عليهم ثانيا.

وعلى هذا فتصرف المنفعة الحاضرة في إصلاح الوقف ، فتأمّل.


إخراج مئونة الوقف عن منفعته قبل قسمته (١) في الموقوف عليهم.

وهنا فروع أخر (٢) يستخرجها الماهر بعد التأمّل.

______________________________________________________

وهكذا في المقام ، فيجب صرف ثمن بعض الوقف في إعمار بعضه الآخر.

(١) كذا في النسخ ، والأولى «قسمتها» لرجوع الضمير إلى المنفعة.

(٢) منها : أنّه بناء على وجوب شراء المماثل إذا لم يكن الثمن وافيا بشراء مماثل تام ، ودار بين شراء ناقص منه ، وبين شراء تامّ من غيره ، فهل يقدّم المماثل الناقص أم التام من غيره؟

ومنها : أنّه إذا زاد الثمن عن المماثل ، فهل يصرف الزائد في شراء مماثل ناقص ، لعدم وفائه بمماثل تامّ؟ أم في شراء تام غير مماثل.

ومنها : أنّه إذا كان شراء المثل صلاحا للموجودين ، وشراء غيره صلاحا للمعدومين ، فهل يرجّح حق الموجودين أم حق المعدومين؟

ومنها : أنّه إذا كان المثل صلاحا للمعدومين ، ولكن كان صلاحا في الجملة للموجودين ، كما إذا كانت عوائد المثل في جزء من الزمان ـ كسنتين مثلا ـ قليلة ، وفيما بعده تصير كثيرة ، بحيث ينتفع بها الموجودون انتفاعا معتدّا به ، فهل يصرف الثمن في شراء هذا المثل؟ أم يصرف في شراء تامّ غير مماثل.

ومنها : ما إذا كان المماثل بعيدا عن محل الموقوف عليهم مع كون غير المماثل قريبا بمكانهم وأعود بحالهم ، فالمصلحة في كلّ منهما موجودة ، غايته أنّ غير المماثل أنفع وأصلح لهم ، فهل يجب شراؤه أم شراء المماثل؟

إلى غير ذلك من الفروع المتصورة في هذا المقام.

هذا تمام الكلام في اولى صور بيع الوقف.



«الفهرست»

بيع نصف الدار................................................................. ٥

حمل «النصف» على النصف المختص بالبائع أو على المشاع بين المالكين............. ٧

الفرق بين النصف وبين مثل «بعت غانما»...................................... ١٣

لو كان البائع وكيلا في بيع النصف............................................. ١٦

لو وهبت المرأة نصف صداقها ـ المعين ـ قبل الطلاق ، استحق الزوج النصف الباقي... ٢٦

الاقرار بالنصف للغير في المال المشترك........................................... ٣٢

اقتضاء القاعدة حمل النصف على المشاع في نصيبه نصيب شريكه.................. ٤٠

لو أقر أحد الأخوين بأخ ثالث دفع إليه الزائد عما يستحقه لا نصف ما بيده....... ٥٢

تحقيق مسألة الاقرار بالنسب.................................................. ٥٦

بيع ما يملك وما لا يملك...................................................... ٦١

صحة البيع فيما يقبل التملك خاصة........................................... ٦٢

دعوى تقييد الحكم بصورة جهل المشتري ودفعها................................. ٦٧

طريق تقسيط الثمن على ما يملك وما لا يملك................................... ٧٥

طريق معرفة قيمة غير المملوك.................................................. ٧٦


كلام الفاضل النراقي قدس سره في تقويم ما لا يملك بقيمة ما يملك عند المستحل..... ٧٨

ولاية الأب والجد............................................................. ٧٩

ما استدل به على نفوذ تصرفهما في مال الصغير................................. ٨٠

عدم اشتراط ولايتهما بالعدالة.................................................. ٨٢

اشتراط ولايتهما برعاية المصلحة وعدمه......................................... ٨٩

تقوية المصنف كفاية عدم المفسدة............................................ ١٠١

مشاركة الجد وإن علا للأب................................................. ١٠٨

تحقيق جهات البحث في ولاية الأب والجد..................................... ١١٣

فروع ولاية الأب والجد...................................................... ١٢٤

ولاية الفقيه................................................................. ١٢٥

عد مناصب ثلاثة للفقيه ، الافتاء والحكومة وولاية التصرف...................... ١٢٦

ولاية التصرف تتصور بنحوين ، استقلاله بالتصرف وعدم استقلال غيره به........ ١٢٧

مقتضى الأصل العملي عدم ولاية أحد على غيره............................... ١٢٩

ما دل على ولاية النبي والإمام «عليهم الصلاة والسلام» المطلقة.................. ١٣١

ما دل على ولايتهم بمعنى إشتراط تصرف الغير بإذنهم........................... ١٤٠

ما استدل به على ولاية الفقيه بمعنى الاستقلال في التصرف...................... ١٥٢

المناقشة في دلالة الأخبار على المدعى......................................... ١٦٠

النسبة بين ما دل على ولاية الفقيه وما دل على الإذن في فعل المعروف لكل أحد... ١٧٦

حكومة التوقيع على عموم أدلة الاحسان والإعانة.............................. ١٧٨

اقتضاء الأدلة ولاية الفقيه فيما أحرز مشروعية إيجاده........................... ١٨٠

الاستدلال على عموم ولاية الفقيه بمرسلة «السلطان ولي من لا ولي له» والنظر فيه.. ١٨٣

تحقيق مدلول المرسلة........................................................ ١٨٥

ولاية عدول المؤمنين........................................................ ١٩٦


١ ـ مورد ولاية العدول كل معروف علم من الشارع مطلوبيته...................... ١٩٨

٢ ـ الدليل على جواز تولي العدول............................................ ١٩٧

نقل كلام الشهيد في ما يتعلق بولاية العدول.................................... ١٩٩

٣ ـ اشتراط العدالة في ولاية المؤمنين ، وعدمه................................... ٢٠٨

الاستدلال بصحيحة ابن بزيع عل اعتبار العدالة................................ ٢٠٩

دلالة بعض النصوص على كفاية الوثاقة والأمانة................................ ٢١٥

ظهور صحيحة إسماعيل بن سعد في اعتبار العدالة.............................. ٢١٨

مختار المصنف.............................................................. ٢٢٠

عدم إشتراط العدالة في التصدي للمعروف بالنسبة إلى جواز تصديه له............ ٢٢٢

إشتراط العدالة في المتصدي بالنسبة إلى ترتب حكم الغير على الفعل الصحيح...... ٢٢٥

عدم جريان أصل الصحة لو شك في كون تصرف الفاسق إصلاحا لمال اليتيم...... ٢٢٦

التمسك بأصل الصحة فيما لو باع الفاسق وكان الثمن بيده..................... ٢٢٨

٤ ـ تولي المؤمنين تكليف وجوبي أو ندبي ويحرم مزاحمة الغير للمتصدي.............. ٢٣١

لو نقل العدل مال اليتيم بعقد جائز فهل يجوز للآخر فسخه أم لا؟............... ٢٣٣

لو أراد أحدهما البيع جاز للآخر التصرف بما يراه مصلحة........................ ٢٣٤

حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر................................................. ٢٣٤

التفصيل بين الاستناد إلى أدلة النيابة والتعليل في التوقيع......................... ٢٣٥

الفرق بين الأولياء والوكلاء................................................... ٢٤٢

حرمة المزاحمة لاستلزامها اختلال النظام........................................ ٢٤٤

جواز تصدّي مجتهد لمرافعةٍ تصداها غيره ولم يحكم فيها بعدء...................... ٢٤٦

٥ ـ هل يشترط في ولاية العدول ملاحظة غبطة اليتيم أم لا؟..................... ٢٤٦

الاستدلال على اعتبار المصلحة بالآية الناهية عن قرب مال اليتيم................. ٢٤٩

تحقيق مفاد الآية الشريفة في مقامين ثبوتاً وإثباتاً................................ ٢٤٩

المقام الاول : احتمالات أربعة في معنى «القرب»............................... ٢٤٩

احتمالات أربعة في معنى «الأحسن»......................................... ٢٥٢


المقام الثاني : استظهار كون القرب بمعنى التصرف ، و «الأحسن» التفضيل المطلق.. ٢٥٤

ترجيح كون القرب بمعنى عدم المفسدة بالنصوص................................ ٢٦٠

هل يجب مراعاة الأصلح أم يكتفى بمطلق المصلحة؟............................. ٢٦٧

كلام الشهيد قدس سره في القواعد........................................... ٢٦٨

تحقيق المسألة....................................................... ٢٨٣ ـ ٢٧٤

١ ـ المراد بالمؤمن هو الامامي................................................. ٢٧٤

٢ ـ تمامية ما استدل به على ولاية عدول المؤمنين................................ ٢٧٥

٣ ـ الدليل على اعتبار العدالة في المؤمن المتصدي............................... ٢٧٦

جريان أصالة الصحة لو شك في كون تصرف الفاسق إصلاحاً لمال اليتيم.......... ٢٨٠

٤ ـ هل يجوز لبعض المؤمنين أن يزاحم المؤمن المتولّي أم لا؟....................... ٢٨٠

عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله.................................................. ٢٨١

٥ ـ إشتراط تصرف الفقيه وعدول المؤمنين بالمصلحة وعدمه...................... ٢٨٣

نقل العبد المسلم إلى الكافر ، وفيه جهات................................... ٢٨٤

الاولى : استدلال المشهور بوجوهٍ على المنع..................................... ٢٨٦

الأول : الملازمة بين الاستدامة والابتداء..................................... ٢٨٦

الثاني : آية نفي السبيل.................................................. ٢٨٧

الثالث النبوي : «الاسلام يعلو ولا يعلى عليه».............................. ٢٨٨

مناقشة المصنف في مستند المشهور مع الغض عن الاجماع........................ ٢٩٠

الخدشة في التمسك بالنص الوارد في بيع عبد كافر أسلم ومولاه كافر.............. ٢٩٥

المناقشة في التمسك بآية نفي السبيل بوجوه ثلاثة............................... ٢٩٨

كلام صاحب العناوين في تصحيح الاستدلال بالآية وإيراده على صاحب الحدائق.. ٣٠٢

تعارض الآية مع عمومات الصحة ، وتساقطهما................................ ٣٠٣

دعوى حكومة الآية على عمومات الصحة ، والنظر فيها........................ ٣٠٤

اقتضاء الاستصحاب التعليقي صحة تملك الكافر للعبد المسلم في موردين ، وتعميمه للتملك الابتدائي بعدم الفصل ٣٠٧


حكومة استصحاب الصحة على أصالة الفساد................................ ٣٠٨

عدم الفرق في نقل رقبة العبد المسلم إلى الكافر بين البيع وغيره كالهبة.............. ٣١٠

إجارة العبد المسلم من الكافر................................................ ٣١١

إجارة الحر المسلم من الكافر................................................. ٣١٤

تفصيل الشهيد قدس سره بين إجارة الحر والعبد................................ ٣١٥

تحقيق حكم إجارة العبد المسلم ورهنه وايداعه وإعارته............................ ٣١٧

الأقوال في رهن العبد المسلم من الكافر........................................ ٣١٩

منع إعارة العبد المسلم من الكافر............................................. ٣٢١

بطلان وقف الكافر لعبده المسلم............................................. ٣٢٤

الثانية : المقصود من الكافر والمسلم في هذه المسألة............................. ٣٢٥

إلحاق أولاد الكفار بآبائهم في حرمة نقل العبد المسلم إليهم ، وعدمه.............. ٣٢٦

شمول «المسلم» للإمامي والمخالف............................................ ٣٢٧

المراد بالاسلام ما عليه جمهور الناس........................................... ٣٣١

جواز تمليك العبد المؤمن للمخالف............................................ ٣٣٢

استدلال بعض بنصوص منع تزويج الجارية المؤمنة من المخالف على حرمة بيع المملوك منه ٣٣٣

الثالثة : موارد الاستثناء من تملك الكافر للعبد المسلم............................ ٣٣٤

١ ـ كون الشراء مستعقبا للانعتاق ، وذلك في موارد ثلاثة........................ ٣٣٥

حكم المورد الأول ، وهو شراء الكافر لأقاربه................................... ٣٣٦

حكم المورد الثاني ، وهو إقرار الكافر بحرية العبد الذي اشتراه..................... ٣٣٨

حكم المورد الثالث ، وهو طلب الكافر من المسلم عتق عبده عنه................. ٣٤١

٢ ـ إشتراط البائع على عتق العبد المسلم الذي اشتراه الكافر..................... ٣٤٢

محتملات «السبيل» المنفي بالآية الشريفة...................................... ٣٤٣

الرابعة : تملك الكافر للعبد المسلم قهرا بالإرث................................. ٣٤٦

اقتضاء الجمع الأدلة للانتقال إلى الإمام عليه السلام لو لا الاجماع................ ٣٤٨


إلحاق الملك القهري بالإرث وعدمه........................................... ٣٥١

وجوب إخراج العبد المسلم من ملك الكافر الذي تملكه قهرا...................... ٣٥٣

ثبوت ولاية الحاكم على البيع لو امتنع الكافر منه ، بل مطلقا.................... ٣٥٤

الخامسة : حكم ثبوت الخيار في إخراج العبد المسلم من ملك الكافر بالبيع......... ٣٥٦

استظهار نفي الخيار مطلقا ، لا للبائع ولا للمشتري............................. ٣٥٨

احتمال بناء المسألة على أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد ، ومنع المبنى ٣٦٠

الحق سقوط كافة الخيارات في هذا البيع........................................ ٣٦١

الحكم بالأرش ـ دون الرد ـ لو كان المبيع أو ثمنه معيبا............................ ٣٦٣

التفصيل بين الخيار المستند إلى الضرر فيثبت للمسلم ، والمستند إلى دليل خاص فينتفي ٣٦٤

المناقشة في مواضع من كلامه................................................. ٣٦٩

كلام العلامة في القواعد في جريان خيار العيب لو كان في أحد العوضين عيب ، والنظر فيه       ٣٧٢

القول في شرائط العوضين............................................ ٦٧٦ ـ ٣٨٥

الشرط الأوّل : التمول............................................... ٣٩٢ ـ ٣٨٥

عدم مالية الشئ لخسته تارة ولقتله أخرى...................................... ٣٨٧

مختار المصنف.............................................................. ٣٨٩

الشرط الثاني : الملك....................................................... ٣٩٢

الاحتراز بالملك عن المباحات قبل حيازتها وعمّا يشترك بين الكل.................. ٣٩٢

الاحتراز بالملك عن الأراضي المفتوحة عنوة..................................... ٣٩٥

ملكية الأرض المفتوحة عنوة تغاير سائر أقسام الملك............................. ٣٩٧

هل يعتبر في كون الأرض مفتوحة عنوة إذن المعصوم عليه السلام أم لا؟............ ٣٩٨


مسألة : حكم الأرض الموات التي أحياها ، ثم خربت فأحياها آخر............... ٤٠٤

الإشارة إلى الدليل على كون الأرض المفتوحة عنوة ملكا للمسلمين................ ٤٠٦

تفصيل الكلام في أقسام الاراضي الأربعة وأحكامها..................... ٤٨٢ ـ ٤٠٧

القسم الأوّل : الموات بالأصالة.............................................. ٤٠٧

دلالة الاجماع والنصوص على كونها من الانفال................................. ٤٠٧

إباحة إحيائها بلا عوض.................................................... ٤٠٩

أخبار دفع الخراج ، والجمع بينها وبين أخبار التحليل بوجهين..................... ٤١٠

المناقشة في وجهي الجمع..................................................... ٤١٥

تحقيق حكم الأرض الموات بالاصالة بالنظر في مواضع........................... ٤١٦

الموضع الأوّل : معنى الموات بالأصل........................................... ٤١٦

الموضع الثاني : كون الموات بالأصل ملكاً للامام عليه السلام..................... ٤١٦

الموضع الثالث : في إشتراط مالكية المحيي بإذنه عليه السلام ، وعدمه............. ٤١٧

طرق إثبات الإذن.......................................................... ٤١٨

اختصاص الإذن في الاحياء بالشيعة ، وعمومه لغيرهم.......................... ٤٢٠

الموضع الرابع : تملك المحيي لندوة الأرض....................................... ٤٢٦

القسم الثاني : الأرض العامرة بالأصل......................................... ٤٢٧

دلالة النصوص على أنها ملك الإمام عليه السلام............................... ٤٢٨

هل تملك هذه الأرض بالحيازة أم لا؟.......................................... ٤٣١

تحقيق جهات البحث في الأرض العامرة بالاصل................................ ٤٣٢

الاولى : أنها من الانفال..................................................... ٤٣٢

الثانية : أنها تملك بالحيازة.................................................... ٤٣٣

الثالثة : تملك الحائز سواء أكان من الشيعة أم من غيرهم........................ ٤٣٥

القسم الثالث : الأرض التي عرض لها الحياة بعد الموت....................... ٤٣٦

تحقيق ما يتعلق بهذا القسم من البحث في مقامات.............................. ٤٣٧

الأول : ما يستفاد من النصوص في كون هذه الأرض ملكا للمسلمين............. ٤٣٩


الثاني : في اعتبار إذن الإمام في صيرورتها خراجية............................... ٤٤١

الثالث : طريق احراز الفتح عنوة.............................................. ٤٤٢

القسم الرابع : ما عرض له الموت بعد العمران................................. ٤٤٦

تفصيل أحكام القسم الثالث................................................ ٤٥٠

دلالة النصوص على كون الأرض المفتوحة من الكفار للمسلمين.................. ٤٥٣

منع بيع الرقبة وجواز نقل حق الأولوية......................................... ٤٥٨

أقوال الفقهاء في حكم التصرف في هذه الأرض................................ ٤٥٩

ترجيح المصنف القول بلزوم الاستيذان من الحاكم............................... ٤٧٦

حكم ما ينفصل عن الأرض المفتوحة عنوة..................................... ٤٧٧

الشرط الثالث : كون الملك طلقا............................................. ٤٨٣

المراد بالطلق تمام السلطنة عن الملك........................................... ٤٨٤

ما فرعوه على اشتراط الطلق من حقوق ثلاثة................................... ٤٨٨

ما أفاده المحقق الشوشتري من الحقوق الموجبة لنقص الملك................. ٥٠٣ ـ ٤٨٩

١ ـ تعلق النذر بالعين....................................................... ٤٨٩

٢ ـ ثبوت الخيار............................................................ ٤٩٠

٣ ـ إرتداد بالمملوك......................................................... ٤٩١

٤ ـ الحلف على عدم بيع العين............................................... ٤٩١

٥ ـ تعيين الهدى للذبح...................................................... ٤٩٢

٦ ـ إشتراط العتق في عقد لازم............................................... ٤٩٢

٧ ـ الكتابة المشروطة أو المطلقة............................................... ٤٩٣

٨ ـ التدبير المعلق على موت غير المولى......................................... ٤٩٤

٩ ـ تعلق حق الموصى له بالعين بعد موت الموصي وقبل قبوله الموصى له............ ٤٩٥

١٠ ـ تعلق حق الشفعة بالعين................................................ ٤٩٧


١١ ـ تغذية الحمل المملوك بنطفة سيده........................................ ٤٩٨

١٢ ـ كون الولد مملوكا ولد من حر شريك للواطئ في الأمة....................... ٥٠٠

١٣ ـ تعارض السبب المملك والمزيل للملك.................................... ٥٠١

١٤ ـ الغنيمة قبل القسمة................................................... ٥٠٢

بيع الوقف.................................................................. ٥٠٤

أدلة منع بيع الوقف........................................................ ٥٠٤

الأول : الاجماع محصلا ومنقولا............................................... ٥٠٥

تحقيق ما يراد من الحبس في تحديد الوقف...................................... ٥٠٦

الثاني : مكاتبة الصفار...................................................... ٥٠٩

الثالث : رواية على بن راشد................................................. ٥١١

الرابع : ما ورد من حكاية وقف بعض الأئمة عليهم السلام...................... ٥١٣

تقريب الاستدلال بوصف «لا تباع ولا توهب» بوجوه ثلاثة..................... ٥١٥

المناقشة في الوجه الثالث..................................................... ٥١٩

مانعية حقوق ثلاثة عن بيع الوقف ، والنظر فيها............................... ٥٢٤

بطلان الوقف ببيعه خارجا لا بجواز بيعه بطروء مسوغ البيع...................... ٥٢٩

كلام صاحب الجواهر في بطلان الوقف بطروء السبب المجوز للبيع................ ٥٣٣

النظر في كلام الجواهر وشيخه كاشف الغطاء قدس سرهما........................ ٥٣٧

الأقوال في بيع الوقف....................................................... ٥٤٤

الأوّل : عدم جواز البيع مطلقاً ، وهو مختار الحلّي قدّس سرّه...................... ٥٤٤

الثاني : التفصيل بين المؤبد والمنقطع ، بمنع بيع المؤبد وجوازه في المنقطع............. ٥٤٨

الثالث : جواز بيع المؤبد في الجملة ، وعدم وضوح حكم المنقطع.................. ٥٥٥

نقل كلمات الفقهاء........................................................ ٥٥٧

انقسام الوقف إلى مؤبد ومنقطع ، والمؤبد إلى تمليكي وتحريري..................... ٥٧٣

حكم بيع المسجد وإجارته بعد خراب البناء.................................... ٥٧٦

كلام كاشف الغطاء في جواز إجازة الأرض.................................... ٥٧٨


المناقشة في كلام كاشف الغطاء.............................................. ٥٨٣

بيع أجزاء المسجد.......................................................... ٥٩٦

بيع آلات المسجد.......................................................... ٦٠١

إلحاق الأوقاف العامة بالمساجد ، وعدمه...................................... ٦٠٦

ضمان إتلاف الوقف العام.................................................. ٦٠٧

صور بيع الوقف............................................................. ٦١٠

الصورة الأولى : إذا خرب الوقف بحيث لا ينتفع به............................ ٦١١

فقد المانع عن جواز البيع في هذه الصورة....................................... ٦١٢

وجود المقتضي لجواز البيع.................................................... ٦١٩

حكم الثمن وقيامه مقام المثمن في كونه مشتركا بين البطون....................... ٦٢٧

حكم الثمن من جهة إبقائه وتبديله بما يبقى لانتفاع البطون...................... ٦٤٣

عدم إناطة وقفية الثمن بتجديد صيغة الوقف.................................. ٦٤٤

عدم وجوب شراء المماثل للوقف.............................................. ٦٤٨

المتولي لبيع الوقف هو الحاكم والبطن الموجود................................... ٦٦١

تعذر شراء بدل الموقوفة فورا ، ووضع الثمن عند أمين............................ ٦٦٥

لو أمكن شراء بدل بعقد خياري وطلب البطن الموجود ذلك ، وجب الشراء........ ٦٦٨

حكم خراب بعض الوقف وعمران بعضه...................................... ٦٧٠

ختام البحث في الصورة الأولى من صور جواز بيع الوقف........................ ٦٧٥

الفهرست................................................................. ٦٧٧

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ٦

المؤلف:
الصفحات: 686