بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّد الانبياء والمرسلين محمّد وآله الطيبين الطاهرين ، لا سيّما الإمام المبين وغياث المضطر المستكين عجّل الله تعالى فرجه الشريف واللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.



القول في الإجازة والرّد (١)

أمّا الكلام في الإجازة فيقع تارة في حكمها وشروطها ، وأخرى في المجيز ، وثالثة في المجاز.

أمّا حكمها فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي ـ بعد اتفاقهم على توقفها

______________________________________________________

القول في الإجازة والرّد

(١) لا يخفى أنّ ما تقدم من مباحث البيع الفضولي ، والقول بصحته ، وتوقفه على الإجازة ناظر إلى تمامية المقتضي لصحته ، في قبال القائلين ببطلانه رأسا ، ولغوية إنشائه. ومن المعلوم توقف صحته الفعلية على إجازة من بيده أمر العقد ، ولذلك تصل النوبة إلى المباحث المتعلقة بالإجازة والرّد. فعلى تقدير الإجازة تنتهي الصحة الاقتضائية إلى الفعلية ، وعلى تقدير الرّد يصير العقد كالعدم.

وقدّم المصنف قدس‌سره الكلام في الإجازة ، وعقد مواضع ثلاثة لاستقصاء جهات البحث فيها ، ففي الموضع الأوّل تعرّض لكونها كاشفة أو ناقلة ، وما يترتب على كل منهما من ثمرات. وفي الموضع الثاني تكلّم عمّا يتعلّق بالمجيز وما يعتبر فيه ، وفي الموضع الثالث بحث عن المجاز عند ما تتعدّد العقود الفضولية على الثمن أو المثمن أو كليهما. وسيأتي الكلام في كلّ منها مفصّلا إن شاء الله تعالى.

وما أفاده في الموضع الأوّل يتضمن مقامات ثلاثة ، أوّلها في حكمها من حيث كونها كاشفة أو ناقلة ، ثانيها في الثمرة بين أنحاء الكشف ، وبين الكشف والنقل ، ثالثها في تنبيهات الإجازة ، وسيأتي البحث عنها بالترتيب إن شاء الله تعالى. والكلام فعلا في المقام الأوّل.


على (١) الإجازة ـ في (٢) كونها كاشفة (٣) بمعنى (٤) أنّه يحكم بعد الإجازة بحصول آثار العقد من حين وقوعه حتّى كأنّ الإجازة وقعت مقارنة للعقد ،

______________________________________________________

الإجازة كاشفة أو ناقلة

(١) هذا من قيود موضوع الإجازة ، إذ لو لم تكن الإجازة مؤثّرة في صحة العقد ـ بأن كان عقد الفضولي باطلا ، وغير قابل للإجازة ـ لم يبق موضوع لهذا البحث. ولذا قال المصنف قدس‌سره : «فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي».

ثمّ إنّ مرجع كاشفية الإجازة إلى اتصال الإجازة المتأخرة بالعقد كاتصال الاذن به ، وإلى فرض تخلّل الزمان بينها وبين العقد كالعدم. ومرجع ناقلية الإجازة إلى اتصال العقد بها.

فالإجازة بناء على الكشف متصلة بالعقد حدوثا كاتصال الإذن به ، فيقع العقد حال الإجازة كوقوعه حال الإذن. وعلى النقل متصلة به بقاء ، فكأنّ الإجازة وقعت حال العقد.

(٢) متعلق بقوله : «اختلف».

(٣) وهو المشهور ، على ما حكي ، وسيظهر قريبا إن شاء الله تعالى.

ثم إن المراد بالإجازة هنا ما يقابل الإذن الذي هو الترخيص في إيجاد فعل من الأفعال التي يترتب عليها أحكام وآثار ، فالإجازة تنفيذ لما وقع سابقا ، فهي متأخرة. وإن كانت قد تستعمل بمعنى الإذن في بعض الموارد ، كما في إجازات نقل الروايات مثل «أجزت له أن يروي عنّي» فإنّ معناه «أذنت له».

وكيف كان فالإجازة والرّد يردان على ما يقبل كليهما ، وهو العقد الصادر من الفضولي

(٤) هذا هو الكشف الحقيقي المترتب على تنزيل الإجازة منزلة الإذن المقارن للعقد ، فكأنّ الإجازة وقعت كالإذن مقارنة للعقد ، فأثّر العقد من حين وقوعه. بخلاف النقل ، حيث إنّ العقد كأنّه وقع حال الإجازة المتأخّرة زمانا ، ولذا يؤثّر من حين حصول الإجازة.

والثمرة بين الكشف والنقل تظهر في النماءات الحاصلة في الزمان المتخلل بين


أو ناقلة (١) ـ بمعنى ترتّب آثار العقد من حينها حتى كأنّ العقد وقع حال الإجازة ـ على (٢) قولين. فالأكثر على الأوّل (٣) (*).

______________________________________________________

صدور العقد والإجازة. فعلى القول بالكشف تكون نماءات كل من الثمن والمثمن لصاحبيهما ، بمعنى كون نماءات المثمن للمشتري ، ونماءات الثمن للبائع ، لصيرورتهما ملكا لهما تبعا للعين حين صدور العقد. وعلى القول بالنقل يكون نماء المثمن للبائع ، ونماء الثمن للمشتري ، تبعا للعينين اللّتين هما باقيتان على ملك البائع والمشتري إلى زمان وقوع الإجازة.

(١) معطوف على «كاشفة». والقائلون بالنقل جماعة ، منهم فخر المحققين والمحقق الأردبيلي والفاضل النراقي قدس‌سرهم ، فإنّهم التزموا بالنقل بعد التنزّل عن مختارهم من بطلان بيع الفضولي رأسا. قال فخر المحققين ـ بعد نقل دليل الكشف والنقل ـ ما لفظه : «والأخير ـ أي النقل ـ هو الأجود إن قلنا بصحة بيع الفضولي ، ومنعه عندي أشبه» (١).

وكذلك اختاره الفاضل الأصفهاني في نكاح الفضولي بقوله : «بل هو ـ أي الإجازة ـ أحد جزئي علّة الإباحة» (٢).

(٢) متعلق بقوله : «اختلف وضمير «حينها» راجع إلى الإجازة.

(٣) وهو الكشف ، بل هو المشهور على ما حكي. وهو «مذهب جماعة» كما حكي عن فخر المحققين (٣) ، أو «مذهب الأكثر» كما في المتن وفاقا للمحقق الأردبيلي وموضع من

__________________

(*) ينبغي التكلم هنا في مقامين : أحدهما : ثبوتي ، والآخر : إثباتي.

أمّا المقام الأوّل فمحصله : أنّه قيل بامتناع كل من الكشف والنقل.

أمّا الأوّل فلاستلزامه كون الإجازة شرطا متأخرا ، وهو محال ، ضرورة كون الشرط من

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤٢٠ ، مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٥٩ ، مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٨٤.

(٢) كشف اللثام ، ج ١ ، كتاب النكاح ، ص ١٧ ، السطر ٢٧ (الطبعة الحجرية).

(٣) نسبه إليه في المناهل ، ص ٢٩٠


.................................................................................................

______________________________________________________

جامع الشتات (١). أو «أنه الأشهر» كما في الرياض وموضع آخر من جامع الشتات (٢). قال السيد العاملي قدس‌سره : «كما هو ظاهر جماعة وصريح الدروس وحواشي الكتاب واللمعة والتنقيح وجامع المقاصد وإيضاح النافع والميسية والمسالك والروضة والرياض ..» (٣).

__________________

أجزاء العلّة الّتي تقدّمها على المعلول من الواضحات ، وإلّا يلزم تأخّر ماله دخل في وجود المعلول عن المعلول ، وليس هذا إلّا التناقض ، لأنّه يلزم دخل الشرط في وجود المشروط ، وعدم دخله فيه.

وبالجملة يلزم بناء على الكشف وجود المعلول ـ وهو النقل والانتقال في بيع الفضولي ـ قبل شرطه ، وهو الإجازة.

وأمّا الثاني فلاستلزامه تأثير المعدوم ـ وهو العقد ـ في الموجود أعني به الملكية أو النقل. أمّا انعدام العقد حال الإجازة فلكونه متصرم الوجود. وأما تأثيره في الوجود فلأنّ المفروض حصول الأثر وهو النقل والانتقال حال الإجازة الواقعة بعد انعدام العقد. ولا يعقل تأثير العدم في الوجود ، لعدم السنخيّة بينهما.

وهذا من غير فرق بين كون العقد تمام السبب المؤثر في النقل والانتقال ، وبين كونه جزء السبب ، إذ لا بدّ في وجود الأثر من وجود المؤثر مطلقا ، سواء أكان تمام السبب أم جزئه.

ولازم امتناع كل من الكشف والنقل الالتزام ببطلان عقد الفضولي ، وعدم إمكان تصحيحه بالإجازة ، هذا.

ولكن ادّعي وقوع كليهما ـ والوقوع أدلّ دليل على الإمكان ـ فيقع الكلام هنا تارة في الشرط المتأخر ، واخرى في تأثير المعدوم في الموجود.

أمّا الأوّل فحاصل البحث فيه : أنّه قد ادّعي وقوعه في موردين :

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٥٩ ، جامع الشتات (الطبعة الحجرية) ، ج ١ ، ص ١٦٤.

(٢) رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١٣ ، جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٥٥.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٩.


.................................................................................................

__________________

أحدهما : الإجزاء ، كأجزاء العبادات الارتباطية كالصلاة ، فإنّ كلّ واحد من أجزائها جزء في نفسه وشرط لغيره من الأجزاء المتقدمة عليه والمتأخرة عنه. فتكبيرة الإحرام مثلا جزء في نفسها وشرط لما يتعقّبه من الأجزاء. كما أنّ التشهد أيضا جزء في نفسه ، وشرط لما سبقه ويلحقه من الأجزاء. ففي المركبات العبادية الارتباطية يكون كلّ من الشرط المتقدم والمتأخر والوجوب المعلّق موجودا.

وثانيهما : الشرائط ، كشرطية غسل المستحاضة بعد الفجر للصوم ، فإنّ جزءا من صوم النهار يقع قبل الغسل الذي هو شرط ، فيتحقق الشرط بعد المشروط. بل كغسلها الليلي أيضا لصوم النهار الماضي كما عن بعض ، وإن كان هذا القول شاذّا.

وكيف كان فيمكن أن تكون الإجازة في عقد الفضولي من هذا القبيل. وعليه فليست كاشفية الإجازة من المحالات.

أقول : منشأ الإشكال في الشرط المتأخر هو حصول المشروط قبل تحقق شرطه ، بحيث يصح المشروط ويسقط أمره لتحقق المشروط قبل الشرط. وهذا الاشكال لا يندفع مع فرض كون الشرط من أجزاء العلة التي تقدمها رتبة بجميع أجزائها وشرائطها على المعلول من البديهيات. من دون فرق في ذلك بين كون المشروط أمرا خارجيا تكوينيا وأمرا اعتباريا تشريعيا ، مع فرض كون الشرط مؤثّراً في وجود المشروط ، إذ لا يعقل تأخر المؤثر عن المتأثر الضعيف الوجود الذي هو من رشحات فيض وجود المؤثّر. واعتبارية المتأثر لا تسوّغ تأخر المؤثر ، وإلّا يلزم الخلف والمناقضة.

فإذا أناط الشارع وجوب زكاة الأنعام بمضيّ عام عليها اقتضت هذه الإناطة عدم الوجوب قبل مضيّها ، لأنّ تشريع الوجوب قبله يوجب الخلف أي خلاف فرض شرطية مرور العام ، والمناقضة ، وهي دخل الحول في الوجوب وعدم دخله فيه.

والحاصل : أنّ امتناع الشرط المتأخر من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص. ولذا التجأ جماعة إلى جعل الشرط عنوان التعقب ، فالتكبيرة التي يتعقبها القراءة والركوع وغيرهما واجبة ، فالشرط لحوقها بالتكبيرة لا أنفسها. وقالوا : إنّ اللحوق شرط مقارن لا متأخر.


.................................................................................................

__________________

ولعلّ هذا أيضا مقصود صاحب الجواهر من قوله : «ان الشروط الشرعية ليست كالعقلية». لا أنّ الشروط الشرعية يمكن جعلها متأخرة عن المشروطات ، فإنّ ذلك ممّا لا يليق صدوره من هذا العلّامة الكبير.

لكن فيه : أنّ شرطية عنوان اللحوق خلاف ظاهر الأدلة.

إلّا أن يقال : إنّ دلالة الاقتضاء ألجأتهم إلى الالتزام بذلك.

لكن جعل الشرط عنوان التعقب ليس دافعا للإشكال ، بل هو اعتراف به ، والتزام بامتناع تأخر الشرط عن المشروط. فليس الالتزام بجعل الشرط وصف التعقب دافعا لإشكال الشرط المتأخر ، بل هو اعتراف به.

كما التجأ غير واحد أيضا إلى دفع إشكال الشرط المتأخر بجعل الشرط هو اللحاظ لا وجوده الخارجي ، فلحاظ الإجازة شرط في صحة عقد الفضولي ، ولحاظ الغسل الليلي شرط في صحة صوم المستحاضة ، لا نفس الإجازة والغسل بوجودهما العيني الخارجي.

وهذا أيضا كسابقه في الضعف ، حيث إنّ الشرط وجوده العيني دون اللحاظي ، ضرورة أن الإجازة بوجودها الخارجي شرط للحكم الوضعي وهو الملكية. وكذا شرائط الحكم التكليفي كالاستطاعة التي هي شرط وجوب الحج. وكذا شرائط المأمور به ، كغسل المستحاضة في الليل لصوم يومها الماضي ، فإنّ الغسل بوجوده العيني شرط لصحة صومها لا بوجوده اللحاظي.

نعم لحاظ الشرائط والعلم بها شرط لتحقق الداعي إلى تشريع الحكم وإنشائه. وأمّا فعلية الحكم فهي منوطة بوجود موضوعه خارجا بجميع ما يعتبر فيه شطرا وشرطا. فشروط إنشاء الحكم المسمّى بالجعل هي اللحاظ والوجود العلمي ، وشرائط المجعول ـ أعني به فعلية الحكم من التكليفي والوضعي ـ هي الأمور التي تكون بوجوداتها الخارجية دخيلة في الحكم ، كالإجازة في عقد الفضولي ، فإنّها بوجودها العيني شرط في تأثير عقده. ولا أثر لوجودها اللحاظي في تأثير العقد في النقل أصلا.

وكذا لا يندفع إشكال الشرط المتأخر بما أفاده سيّدنا الأستاد الشاهرودي قدس‌سره في مجلس الدرس من «أن امتناع تخلف المعلول عن العلة إنّما يكون في المؤثر والمتأثر


.................................................................................................

__________________

الحقيقيين ، دون الأحكام الشرعية التي هو أمور اعتبارية مجعولة لموضوعاتها ، وليست رشحات لها ، لما ثبت في محله من امتناع جعل السببية. فكلّ من الدلوك والعقد ونحوهما موضوع للوجوب والملكية والزوجية ، لا سبب وعلّة لها ، إذ لو كانت أسبابا لم تكن الأحكام أفعالا اختيارية للشارع ، بل كانت من رشحات أسبابها ، كالمعلولات التكوينية التي هي رشحات عللها التكوينية. فالشروط دخيلة في موضوع الحكم الشرعي ، ولا تأخر لشي‌ء من الشروط عن الحكم حتى يقال بامتناعه ، إذ لا يحكم الشارع بحكم فعلي إلّا بعد تمامية موضوعه مع فرض كون كلّ شرط موضوعا» (١).

وجه عدم اندفاع إشكال الشرط المتأخر بما أفاده قدس‌سره : أن مرجع هذا الوجه إلى إنكار الشرط المتأخر ، لا إلى دفع إشكاله مع تسليم وجوده. ولكنه متين في نفسه ، لتوقف الحكم على موضوعه كتوقف المعلول على علّته. ولا محيص عن الالتزام بإناطة فعلية كل حكم بفعلية موضوعه.

وعليه فالنقل والانتقال في عقد الفضولي لا يتحقّق إلّا بعد حصول جميع شرائطه الّتي منها إجازة المالك. وكذا الحال في أجزاء العبادات والشروط كغسل المستحاضة ، فإنّ الحكم بصحة كل جزء من أجزاء العبادات وسقوط أمره الضمني منوط بوجود غيره من الأجزاء. ومحذور الشرط المتأخر لا يلزم إلّا على القول بصحة كلّ جزء ، وامتثال أمره بمجرد وجوده مع البناء على شرطية ما يلحقه من الأجزاء.

والحاصل : أنّ غائلة الشرط المتأخر لا تندفع بشي‌ء من الوجوه المذكورة في الكتب الأصولية. وقد تعرضنا لجلّها في الجزء الثاني من شرحنا على الكفاية مع بعض ما يتعلّق بها (٢).

وقد تحصل من جميع ما ذكرناه في المقام الأوّل ـ المتكفل لامتناع الكاشفية والناقلية وإمكانهما ـ استحالة كاشفية الإجازة ، وعدم صحة ما استدلّ به على وقوع الشرط المتأخّر في أجزاء العبادات الارتباطية كالصلاة ، والشرائط كالأغسال الليلية للمستحاضة

__________________

(١) نتائج الأفكار ، وهو تقرير بحث الأصول للسيد الشاهرودي قدس‌سره.

(٢) راجع منتهى الدراية ، ج ٢ ، ص ١٣٧ ـ ١٤٤.


.................................................................................................

__________________

الكثيرة لصحة صوم يومها الماضي ، هذا.

وأما ناقلية الإجازة فلا وجه لاستحالتها عدا ما يتوهم من صغرويتها لكبرى تأثير المعدوم في الموجود ، حيث إنّ المؤثّر في النقل والانتقال ـ وهو العقد ـ معدوم حال الإجازة التي هي ظرف تأثير العقد ، وتأثير العدم في الوجود محال.

لكنه مدفوع بأنّ المعدوم هو ألفاظ العقد التي هي من متصرمات الوجود ، دون ما يوجد بها في وعاء الاعتبار ، إذ العاقد الفضولي يوجد بالعقد النقل والانتقال في عالم الاعتبار ، والمالك يجيز ما أنشأه العاقد ، والإجازة والرد كالفسخ ترد على الشي‌ء الموجود لا المعدوم ، فإنّ حقيقة الإجازة تنفيذ ما وقع ووجد ، فلا يلزم تأثير المعدوم في الموجود. وعليه فلا ينبغي الارتياب في إمكان ناقلية الإجازة.

فتلخص ممّا ذكرناه في المقام الأوّل استحالة كاشفية الإجازة ، وإمكان ناقليتها ، هذا.

وأمّا المقام الثاني ـ وهو مرحلة الإثبات والاستظهار من أدلة صحة عقد الفضولي ـ فمحصل البحث فيه : أنّه قد تقدم في المقام الأوّل امتناع كاشفية الإجازة ، لابتنائها على الشرط المتأخر ، ولذا التزم غير واحد كصاحب الفصول وأخيه والمحقق النائيني قدس‌سرهم بكون الشرط هو التعقب ، لكونه مقارنا للعقد كما قيل ، لا نفس الإجازة ، حتى تندرج في الشرط المتأخر المحال.

ولكن فيه ما لا يخفى ، إذ عنوان السبق واللحوق والتقدم والتأخر ـ مضافا إلى كونها خلاف ظاهر الأدلة ـ من الأمور المتضايفة ، فلا يتصف العقد فعلا بالملحوقية ، إذ الاتصاف بها كذلك منوط بتحقق الإجازة خارجا ، كما أنّ اتصاف الإجازة بالمسبوقية منوط بوجودها فعلا في زمان متأخر عن زمان العقد ، فيعود إشكال الشرط المتأخر.

ولا يندفع بجعل الشرط اللحوق ، حيث إنّ السبق واللحوق متضايفان ، فهما متكافئان في القوة والفعلية ، فقبل حصول الإجازة لا يعقل اتصاف العقد فعلا بالملحوقية ، كما لا يتصف الإجازة قبل وجودها باللاحقية كذلك.

وعليه فلا يكون التعقب شرطا مقارنا للعقد حتى يندفع به محذور الشرط المتأخر.

وقيل : إنّ دلالة الاقتضاء دعت جماعة إلى رفع اليد عن ظاهر ما دلّ على شرطية نفس


.................................................................................................

__________________

الإجازة المتأخرة عن العقد ، والالتزام بكون الشرط هو التعقب.

لكن لا حاجة إلى هذا التمحّل غير المفيد وارتكاب خلاف الظاهر ، مع إمكان الأخذ بظاهر الأدلة ، وهو كون الشرط نفس الإجازة ، لا عنوان التعقب. ولا جعل الإجازة كاشفة عن الرّضا التقديري ، كما عن المحقق الرّشتي قدس‌سره ، لما فيه من المنع صغرى وكبرى.

أمّا الصغرى فلعدم كلّيتها ، إذ قد لا يرضى المالك حين العقد لو التفت ، لعدم المصلحة في ذلك الوقت. وأمّا الكبرى فلعدم دليل على اعتبار الرضا التقديري.

وذلك لما مرّ آنفا من امتناع جعل السببية ، وكون الشروط راجعة إلى الموضوع ، ومن المعلوم أنّ فعلية الحكم إنّما تكون بفعلية موضوعه. فالحكم لا يصير فعليا إلّا بوجود الموضوع وشرائطه التي منها الإجازة في عقد الفضولي ، فلا يحكم بتأثير العقد في الملكية إلّا بعد الإجازة. وإشكال الشرط المتأخر أجنبي عن الإجازة ، إذ مورده تأثير الشرط قبل وجوده في المشروط. وليس المقام كذلك ، إذ المفروض أنّ الأثر الشرعي وهو النقل لا يترتب على عقد الفضولي إلّا بعد حصول الإجازة.

فالصواب ما أفاده سيّدنا الأستاذ المتقدم قدس‌سره من عدم كون الشروط الشرعية كالشروط الحقيقية مؤثّرة في وجود المشروط ، بل هي دخيلة في موضوع الحكم الشرعي ، لدخلها في الملاك الداعي إلى الجعل والتشريع.

والعجب من المحقق النائيني قدس‌سره أنّه ـ مع التزامه برجوع كل شرط إلى الموضوع ـ ذهب إلى شرطية التعقب دون نفس الإجازة (١). مع أنّ مقتضى رجوع كل شرط الى الموضوع هو كون نفس الإجازة شرطا ، والالتزام بناقليتها.

وكيف يلتزم هو قدس‌سره بشرطية التعقب دون نفس الإجازة؟ مع أنّه أولا : خلاف مبناه من رجوع كل شرط الى الموضوع.

وثانيا : أنّ التعقب عنوان انتزاعي لا يقوم به الملاك الداعي إلى التشريع.

وثالثا : أنّ التعقب كما مرّ آنفا من الأمور المتضايفة ، فلا يتصف العقد بالملحوقية فعلا قبل تحقق الإجازة ، لأنّ المتضايفين متكافئان فعلا وقوة.

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٢٢٨.


واستدل عليه (١) ـ كما عن جامع المقاصد والروضة ـ

______________________________________________________

ما استدل به على القول بالكشف

(١) أي : واستدلّ على الكشف ، وينبغي تمهيد أمر قبل توضيح الدليل ، وهو : أنه لا ريب في امتناع تخلف المسبب عن سببه التام من المقتضي والشرط وعدم المانع ، سواء أكان تخلفه عنه بتقدمه عليه زمانا أم بتأخره عنه كذلك. وكذا يمتنع تخلف الحكم عن موضوعه التام. كما لا ريب في أنّ النقل البيعي منوط بوجود المقتضي ، وهو العقد ، وبوجود شرطه كرضا المالك ، وانتفاء المانع كالحجر. فإن اجتمعت أجزاء العلة التامة امتنع انفكاك الأثر عنها.

وعلى هذا فإن كان العاقد هو المالك المختار ترتّب النقل على العقد ، لاستحالة تخلف الحكم عن موضوعه ، وإن كان العاقد هو الفضولي لم يترتب أثره عليه ، لفقد الشرط أعني به رضا مالك أمر العقد.

وحينئذ فإن قيل بأن الإجازة ناقلة للملك من حينها لم يلزم إشكال ، إذ بانضام الشرط إلى المقتضي يتمّ موضوع الأثر. وإن قيل بأنّ الإجازة كاشفة عن حصول الأثر

__________________

وعليه فلا يكون التعقب شرطا مقارنا ، بل يكون كنفس الإجازة متأخرا ، لا مقارنا للعقد ، حتى لا يرد عليه محذور الشرط المتأخر.

وكيف كان فالمظنون قوّيا أنّ مراد صاحب الجواهر بقوله : «إن الشروط الشرعية ليست كالعقلية» هو ما أفاده سيّدنا الأستاد ، لا أنّ مراده جواز ترتيب الأمور الاعتبارية ـ ومنها الأحكام الشرعية ـ قبل تحقق شروطها ، وأنّ عدم جواز ترتيب الأثر قبل شرطه مختص بالشروط العقلية ، فإنّ هذا المعنى ممّا لا يليق بعلوّ مقامه العلمي. فإنّ ملاك الإشكال في الشرط المتأخر هو تحقق المشروط قبل شرطه بناء على جعل السببية ، أو فعلية الحكم قبل وجود موضوعه بناء على جعل الحكم عند تحقق موضوعه ، فإنّ الشرط دخيل في موضوع الحكم ، وقبل حصوله لا يتمّ الموضوع حتى يصير حكمه فعليا.

فالإجازة بنفسها شرط ، ومقتضى شرطيتها عدم ترتب الأثر على عقد الفضولي إلّا بعد الإجازة ، فلا محيص عن الذهاب إلى ناقلية الإجازة.


بأنّ (١) العقد سبب تامّ في الملك ، لعموم (*) قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وتمامه (٢) في الفضولي إنّما يعلم بالإجازة ،

______________________________________________________

من حين العقد لزم ترتب المشروط على العقد قبل وجود شرطه. وهذا المحذور دعا القائلين بالكشف تقرير الدليل بنحو يسلم من الإشكال.

إذا اتضح هذا قلنا : إنّ المصنف قدس‌سره نقل وجوها ثلاثة للقول بالكشف ، ثم ناقش فيها كما سيظهر إن شاء الله تعالى.

والدليل الأوّل حكاه السيد المجاهد وغيره عن المحقق والشهيد الثانيين قدس‌سرهم (١) ، وتقريبه : أنّ العقد بنفسه ـ بدون ضمّ ضميمة ـ سبب أي موضوع تامّ للملكية ، لكونه تمام الموضوع لوجوب الوفاء بمقتضى قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وينكشف تماميته في عقد الفضولي بإجازة ولىّ أمر البيع ، فإذا أجاز علم وجوب الوفاء به ، ولزم ترتيب الآثار على صحته ، إذ لو لم يترتب عليه الأثر لزم أن لا يكون موضوع وجوب الوفاء نفس العقد فقط ، بل هو مع شي‌ء آخر ، وذلك خلاف الفرض.

(١) متعلق ب «استدل» وهذا أوّل وجهي الاستدلال ، وقد أوضحناه بقولنا «ان العقد بنفسه .. إلخ».

(٢) مبتدء ، وخبره «إنّما يعلم» وضميره راجع إلى العقد ، والأولى أن يقال : «وتماميته» يعني : وتمامية العقد إنّما تعلم بالإجازة. وقوله : «يعلم» ظاهر في كون الإجازة أمارة كاشفة عن تمامية العقد ، من دون أن تكون مؤثّرة في سببيّة العقد.

__________________

(*) هذا لا يخلو من إشكال التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، إذ تمامية العقد الموجبة لاندراج عقد الفضولي في العموم المزبور أوّل الكلام ، لاحتمال اعتبار مقارنة الرضا للعقد في موضوعيته لوجوب الوفاء به كما هو ظاهر التجارة عن تراض.

__________________

(١) المناهل ، ص ٢٩٠ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٤ و ٧٥ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٢٩ وحكاه السيّد العاملي عن القائلين بالكشف في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٩.


فإذا أجاز تبيّن (١) كونه تامّا يوجب ترتّب الملك (٢) عليه ، وإلّا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصّة ، بل به مع شي‌ء آخر.

وبأنّ (٣) الإجازة متعلّقة بالعقد ،

______________________________________________________

(١) هذا كالصريح ـ بل نفسه ـ في تمامية العقد قبل الإجازة ، وكون الإجازة كاشفة عنها ، وإلّا كان اللازم أن يقول : «فإذا أجاز صار العقد تامّا» أو : «فإذا أجاز فقد تمّ العقد». وهذا ينطبق على الكشف الحقيقي.

(٢) لعلّ الأولى إبدال «الملك» بالتبديل ، لأنّه أشمل ، بل هو نفس مفهوم البيع كما تقدم في تعريف البيع بأنه «مبادلة مال بمال».

نعم لا بأس به على مبنى المحقق الثاني قدس‌سره في تعريف البيع ب «نقل الملك بالصيغة المخصوصة».

(٣) معطوف على قوله : «بأن العقد» وهذا إشارة إلى ثاني وجهي الاستدلال على كاشفية الإجازة ، استدلّ به صاحب الرياض والمحقق القمي قدس‌سرهما (١). وهو مؤلّف من أمور ثلاثة :

أحدها : أنّ متعلق الإجازة كالرد والفسخ هو العقد.

ثانيها : أنّ مضمون العقد المنشأ من الفضولي هو النقل من زمان وقوعه.

ثالثها : أنّ الإجازة رضا بمضمون العقد.

ومقتضى هذه الأمور نفوذ العقد من زمان وقوعه ، والحكم بتحقق مضمونه ـ أعني نقل العوضين ـ من حين إنشاء البيع ، لأنّ متعلق إجازة المالك وإمضاء الشارع هو إنشاء الفضولي لا أمر آخر ، فالإجازة تصحّح استناد البيع إلى المالك المجيز ، ويضاف إليه بها ، ويصير موضوعا لخطاب الشارع «أيّها الملاك أوفوا بعقودكم». ومن المعلوم أنّ ما أنشأه الفضولي هو النقل حال العقد ، لا النقل المتأخر عن العقد ، فلا بدّ أن تكون إجازة المالك منفّذة لذلك النقل المقيد ، وإمضاء الشارع ممضية له أيضا ، وهذا هو الكشف المدّعى.

ثم إنّ هذا الدليل مبيّن لوجه كون عقد الفضولي سببا تامّا كما ادّعاه جامع المقاصد

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١٣ ، جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٥٥ (الطبعة الحجرية).


فهي (١) رضا بمضمونه ، وليس إلّا نقل العوضين من حينه.

وعن فخر الدين في الإيضاح : الاحتجاج لهم (٢) «بأنّها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود ، لأنّ العقد حالها (٣) عدم» انتهى.

______________________________________________________

والروضة في الدليل الأوّل. فالدليل الأوّل بمنزلة المدّعى ، والدليل الثاني بمنزلة برهانه ، لأنّه يثبت تقيد النقل والانتقال بزمان وقوع العقد.

(١) أي : فالإجازة متعلقة بالعقد ، ونتيجة تعلقها بالعقد هي كونها رضا بمضمونه وتنفيذا له ، والمفروض أنّ مضمونه ليس إلّا نقل العوضين من حين وقوع العقد.

(٢) أي : للقائلين بالكشف ، مضافا إلى الدليلين المتقدمين. والحاكي هو السيّد المجاهد قدس‌سره ، قال : «ومنها : ما حكى الاحتجاج به فخر الإسلام عن القائلين بأنّ الإجازة كاشفة من أنّها لو لم تكن كاشفة ..» (١) إلى آخر ما في المتن. وظاهره : أن القائل بالكشف احتج بهذا الوجه الثالث ، لا أنّ فخر المحققين احتجّ لهم به كما هو ظاهر المتن.

قال في الإيضاح : «احتج القائلون بكونها كاشفة بأنه لولاه لزم تأثير المعدوم في الموجود .. إلخ» (٢). وعليه فكان الأحسن أن يقال : «وعن فخر الدين في الإيضاح حكاية احتجاجهم بأنّها ..».

وكيف كان فمحصّل هذا الوجه الثالث هو : أنّه لو لم تكن الإجازة كاشفة عن تأثير العقد من زمان وقوعه ، وكان تأثيره من زمان وقوع الإجازة ، لزم تأثير المعدوم ـ وهو العقد الزماني المتصرم ـ في الموجود وهو النقل والانتقال ، ضرورة أنّ العقد حال تأثيره ـ وهو زمان الإجازة ـ معدوم ، ومن المعلوم أنّ العدم ليس ، فكيف يترشح منه الأيس؟

(٣) هذا الضمير وضمير «بأنّها» راجعان إلى الإجازة.

هذا ما نقله المصنف عن القائلين بالكشف من وجوه ثلاثة ، وستأتي المناقشة فيها.

__________________

(١) المناهل ، ص ٢٩٠ ، ونقله السيّد العاملي من دون إسناده إلى فخر المحققين ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٠.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٩.


ويرد على الوجه الأوّل (١) : إنّه (٢) إن أريد (*) بكون العقد سببا تامّا كونه (٣) علّة تامّة للنقل إذا صدر عن رضا المالك ،

______________________________________________________

المناقشة في ما استدل به على القول بالكشف

(١) أي : أوّل وجوه الاستدلال على الكشف ، وهو قول الثانيين قدس‌سرهما : «أنّ العقد سبب تام في الملك .. إلخ» ومحصل إشكال المصنف قدس‌سره عليه هو : أنّه إن كان المراد «بكون العقد سببا تاما» كونه علّة تامّة للنقل والانتقال إذا صدر عن رضا المالك ، فذاك مسلّم. إلّا أنّ مجرد ذلك لا يجدي في المقام ما لم تدلّ الإجازة على تحقق ذلك السبب التام ، ولا تدلّ عليه ، إلّا إذا دلّت على حصول العقد مقارنا للرضا الفعلي ، ولا تدلّ على ذلك أصلا ، خصوصا مع عدم اطلاعه على هذا العقد ، لغيبته أو سفره أو جنونه. الّا أنّ أدلّة صحة عقد الفضولي تنزّل عقده منزلة العقد المقارن للرضا ، فللإجازة دخل في هذا التنزيل ، فقبل حصول الإجازة لا يتحقق هذا التنزيل ، فلا يترتب الأثر على العقد.

والحاصل : أنّ أدلة صحة الفضولي تقيم الإجازة مقام شرط تأثير العقد ، وهو مقارنة الرضا للعقد ، فترتّب الأثر على عقد الفضولي مشروط بالإجازة ، فلا وجه لترتب الأثر على العقد قبلها ، فلا بدّ حينئذ من الالتزام بناقلية الإجازة.

وإن أريد بكون العقد سببا تامّا كونه علّة تامة للنقل ـ ولو لم يحرز رضا المالك ـ فهو ممنوع ، لمنافاته لما يعترف به الكلّ من دخل رضا المالك في تأثير العقد في النقل والانتقال.

وبهذا ظهر بطلان الوجه الأوّل المتقدم عن المحقق والشهيد الثانيين قدس‌سرهما.

(٢) الضمير للشأن ، والجملة فاعل لقوله : «يرد».

(٣) نائب فاعل «أريد».

__________________

(*) لا يخفى : أنّ قول المصنف قدس‌سره : «إن أريد بكون العقد سببا تامّا .. إلخ» يقتضي أن يكون له عدل ، ولم يذكره في الكلام ، ولا بدّ أن يكون عدله هذا : «وإن أريد كون العقد بمجرده علّة تامة للتبديل من دون رضا المالك ، فهو مناف لشرطية الرضا المدلول عليها بقوله عليه‌السلام : لا يحل مال امرء مسلم إلّا عن طيب نفسه».


فهو (١) مسلّم ، إلّا أنّ بالإجازة لا يعلم (٢) تمام ذلك السبب ، ولا يتبيّن كونه (٣) تامّا ، إذ الإجازة لا تكشف عن مقارنة الرضا. غاية الأمر أنّ لازم صحّة عقد الفضولي كونها قائمة مقام الرضا المقارن (٤) (*) ، فيكون لها دخل [مدخل] في تماميّة السبب كالرضا المقارن ، فلا معنى لحصول الأثر قبلها (٥).

______________________________________________________

(١) أي : فكون الإجازة كاشفة مسلّم. والجملة جواب الشرط في «إن أريد».

(٢) في العبارة مسامحة ، والأولى أن يقال : «لا يعلم أنّه ..» حتى يكون اسما مؤخّرا ل «أنّ».

(٣) أي : ولا يعلم كون العقد سببا تامّا.

(٤) تقوم الإجازة مقام الرضا المقارن في كفايتها في صحة العقد وتأثيره بعد حصولها ، لا في جعل العقد مؤثرا من حين وقوعه كما ادّعاه المحقق الكركي قدس‌سره. فدليل صحة عقد الفضولي حاكم على دليل اعتبار مقارنة الرضا للعقد حكومة موسّعة ، فالشرط مطلق الرضا وإن تأخّر عن العقد.

(٥) هذا الضمير وضميرا «كونها ، لها» راجعة إلى الإجازة.

__________________

(*) لا يخفى أنّه ـ بناء على اعتبار مقارنة الرضا في صحة العقد ، وبناء على كون البيع بمعناه المصدري ـ يكون عقد الفضولي حينئذ على خلاف القاعدة. وأمّا بناء على معناه الاسم المصدري يكون الرضا مقارنا دائما ، من غير فرق فيه بين عقد الأصيل والفضولي.

فقوله : «ان لازم صحة عقد الفضولي .. إلخ» غير ظاهر بنحو الإطلاق ، إذ لا يتمّ إلّا بناء على اعتبار مقارنة الرضا لنفس العقد ، لا لأثره الذي لا ينفك عنه أصلا في شي‌ء من الموارد من الأصيل المكره والفضولي وغيرهما ، إذ الأثر ـ وهو النقل والانتقال ـ يترتب دائما على الرضا ، ولا يتأخر الرّضا عنه.

ولا يبعد حكومة دليلي صحة عقدي المكره والفضولي بعد حصول الطيب والإجازة حكومة شارحة لما دلّ بظاهره على اعتبار مقارنة الرضا ، كآية التجارة عن تراض ، بأن يقال : إنّهما يدلّان على تحقق المقارنة بين الرضا وبين نقل العوضين الذي هو المعنى الاسم المصدري ، فلا يلزم تخصيص في أدلة اعتبار المقارنة ، ولا تصرّف في معنى التجارة ،


ومنه (١) يظهر فساد

______________________________________________________

(١) يعني : وممّا أوردناه على أوّل وجهي استدلال المحقق والشهيد الثانيين على الكشف يظهر فساد .. إلخ. والظاهر أنّ مقصود المصنف ممّن قرّر دليل الكشف بما في المتن هو الشيخ الفقيه الشيخ محسن الأعسم قدس‌سره في شرحه على الشرائع الموسوم بكشف الظلام ، على ما حكاه العلّامة الشهيدي (١) قدس‌سره عن بعض ، وليس المراد من هذا المقرّر الشهيد الثاني في الروضة وإن كان أصل الدليل مذكورا فيها ، لأنّ الموجود في الروضة وجه واحد ، وقد أشار إليه المصنف في أوّل الاستدلال بقوله : «واستدل عليه كما في جامع المقاصد والروضة» فينبغي أن يراد تقرير الدليل بوجه آخر.

وكيف كان فالأولى نقل جملة من كلام الشيخ الأعسم وقوفا على حقيقة مرامه ، فإنّه قدس‌سره جمع وجوها سبعة للقول بالكشف ، وقال : «احتج الكاشفون بأمور : الأوّل : أن السبب الناقل للملك هو العقد المشروط بشرائط ، وكلّها حاصلة إلّا رضى المالك ، فإذا حصل الشرط عمل السبب التام. واشتراط المقارنة في تأثير العقد محتاج إلى الدليل بعد عموم الأمر بالوفاء بالعقود. فلو توقف العقد على أمر آخر لزم أن [لا] يكون الوفاء بالعقد خاصة ، بل هو مع الأمر الآخر.

فإن قلت : إنما أمر بالوفاء بالعقود المرضية عند المتعاقدين لا مطلقا. وحينئذ فلا يتوجه الأمر بالوفاء به إلى المالك إلّا بعد الإجازة الواقعة بعد العقد. فالآية إنّما أمرت بالعقد المقيّد على أنه جزء من الملك أو شرط فيه وإن كان مستفادا من خارج الآية من آية أخرى وغيرها.

__________________

فإنّ معناها عرفا هو النقل والتبديل ، والقول والفعل آلة الإنشاء لا نفس التجارة. فمقتضى هذه الحكومة اعتبار مقارنة الرضا للتجارة بمعناها العرفي أي الاسم المصدري ، وهو انتقال العوضين. والمقارنة بهذا المعنى موجودة في جميع موارد انتقال الأموال ، سواء أكان المتعاملان أصيلين أم وليّين أم وكيلين أم فضوليين.

__________________

(١) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب ، ص ٢٨٦ ، ويستظهر هذا التقرير من الفاضل النراقي ، فراجع : مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٨٣


تقرير الدليل (١) : «بأنّ (٢) العقد الواقع جامع لجميع الشروط ، وكلّها (٣) حاصلة إلّا رضا المالك ،

______________________________________________________

قلت : العقد لمّا وقع أفاد التمليك من حينه كما هو قضية إنشاء معناه ، غاية ما هناك أنه معلق متزلزل إلى الإجازة ، والإجازة إنما أفادت الرضى بمقتضى العقد من التمليك والتملك من ذلك الوقت. ولو كانت مفيدة ملكا جديدا احتاجت إلى قبول كذلك ، إذ رضى كل من المتعاقدين شرط في تأثير ما يصدر منه أو جزء كذلك.

والحاصل : أنّ العقد المرضي سبب تام وإن تأخر الرضى فعلا ، فيكون العقد مراعى غير معلوم صحته أو فساده إلى حين الإجازة ، فإذا تحققت حصل العلم بأنّ العقد جامع للشرائط. وبهذا يجاب عما ذكره بعضهم في الرد على الدليل المذكور من أن العقد سبب تام .. ووجه دفعه بما ذكرناه واضح» (١).

ومحصل هذا التقرير : أن العقد الواقع من الفضولي جامع لجميع الشروط المعتبرة في صحته إلّا رضا المالك ، فإذا حصل رضاه بالإجازة عمل السبب التام ـ وهو العقد ـ عمله ، وأثّر أثره من حين وقوع العقد.

والفرق بين التقريرين : أن الإجازة المتأخرة في عبارة المحقق الثاني كاشفة عن وجود الرضا حال العقد الفضولي ، لأنّه قدس‌سره جعلها أمارة على تحقق الشرط أعني به طيب نفس المالك ، ومعناه كون الإجازة محرزة لكون عقد الفضولي تمام السبب الناقل ، حيث قال في تقرير الدليل : «وتمامه في الفضولي إنّما يعلم بالإجازة».

ولكن الإجازة في التقرير الثاني ليست أمارة على وجود الرضا حال العقد ، كما أنّها ليست جزء السبب المملّك ، وإنّما تكون رضا بسببية العقد للملك شرعا. هذا.

(١) أي : الدليل الأوّل الذي نقله المصنف عن الثانيين قدس‌سرهما في (ص ١٥) بقوله : «بأنّ العقد سبب تام في الملك .. إلخ».

(٢) متعلق ب «تقرير» ومبيّن له ، وقد عرفته آنفا.

(٣) أي : وكلّ شروط الإمضاء حاصلة إلّا رضا المالك.

__________________

(١) كشف الظلام ، مجلّد المتاجر ، نقلا من نسخة مخطوطة في قسم المخطوطات من مكتبة آية الله السيد المرعشي قدس‌سره بقم المقدسة.


فإذا حصل بالإجازة عمل السبب عمله (١)» فإنّه (٢) إذا اعترف أنّ رضا المالك من جملة الشروط فكيف يكون كاشفا عن وجود المشروط (٣) قبله؟

ودعوى (٤) ، أنّ الشروط الشرعية ليست كالعقلية ، بل هي بحسب

______________________________________________________

(١) يعني : من حين وقوعه ، لأنّه مقصود القائل بالكشف.

(٢) هذا إشكال المصنف قدس‌سره على هذا التقرير ، وحاصله : أنّه إذا كان رضا المالك ـ باعتراف المستدل ـ من شرائط صحة العقد ، كان له دخل موضوعي في صحته كسائر الشروط ، نظير البلوغ والعقل وغيرهما ، ولا يثبت الرضا المقارن بالإجازة ، لتأخرها عن العقد. بل الحاصل بالإجازة ـ كما هو ظاهر قوله : «فإذا حصل بالإجازة» وإلّا كان اللازم أن يقول : «فإذا انكشف بالإجازة» ـ هو الرضا المتأخر وجوده عن العقد. ومقتضاه تأثير العقد من حين حصول الإجازة كما هو مقتضى ناقلية الإجازة ، لا من حين إنشاء العقد ، كما هو مقتضى كاشفيّتها التي أرادها المستدلّ.

والحاصل : أنّ شرطية الرضا للعقد تقتضي إناطة وجود الأثر ـ وهو نقل العوضين ـ بوجود الرضا ، ومع هذه الإناطة الموجبة لتأخر النقل عن الرضا كيف يكون الرضا كاشفا عن وجود المشروط أعني النقل قبل الرضا؟ وليس هذا إلّا من تقدّم المشروط على الشرط ، والمعلول على بعض أجزاء علّته.

(٣) وهو نقل العوضين قبل الرضا الحاصل بالإجازة ، بل لا بدّ أن يقال «موجبا» بدل «كاشفا» فيكون الرضا موجبا لوجود المشروط بعده.

هذا ما يتعلق بالدليل الأوّل على الكشف بذلك التقرير الآخر ، وقد اتضح عدم تماميته.

(٤) هذه الدعوى من صاحب الجواهر قدس‌سره ، وغرضه منها دفع محذور الشرط المتأخر ، وتصحيح القول بالكشف ، حيث قال ـ بعد الاستدلال على مختاره بأنّ الإجازة رضا بمقتضى العقد الذي هو النقل من حينه ـ ما لفظه : «مضافا إلى ظهور ما دلّ في تسبيب العقد مسبّبه ، وأنّه لا يتأخّر عنه ، السّالم عن معارضة ما دلّ على اشتراط رضا المالك ، بعد احتمال كون المراد من شرطيته في المقام : المعنى الّذي لا ينافي السببية المزبورة ، وهو الشرط الكشفي الذي لا مانع من تصوره في العلل الشرعية التي هي بحكم العلل العقلية.


.................................................................................................

______________________________________________________

إن لم يكن هناك مانع من الشرع ما يقتضي خلاف ذلك ، كما جاء في تقديم غسل الجمعة يوم الخميس ..» إلى آخر ما نقله الماتن عنه.

ثم قال : «وقد عرفت الفرق بينها ـ أي بين العلل العقلية ـ وبين ما نحن فيه من العلل الشرعية التي لا غرابة في تأخر الشرائط فيها في عبادة ولا معاملة ، لكن على الوجه المزبور. بل يمكن كونه مثلها بناء على أنّ الشرط أن يحصل الرضا ، لا حصوله فعلا» (١).

ومحصّل ما أفاده يرجع إلى أحد وجهين.

الأوّل : أنّ الشروط الشرعية تابعة لكيفية جعلها شرعا ، فيمكن جعل شي‌ء غير موجود شرطا ، أي : يلاحظ إناطة وجود شي‌ء بما يوجد في المستقبل ، حيث إنّ الأحكام الشرعية ليست من الأمور التكوينية التي يتوقف وجودها على عللها الموجودة قبلها رتبة ، بل هي من الأمور الاعتبارية التي حقيقتها عين الاعتبار ، فلا مانع من أن يعتبر الشارع شيئا شرطا متأخرا غير موجود لأمر متقدّم ، وكيفية اعتبار الأمور الاعتبارية بيد معتبرها.

وكذا الحال في جعل السببية لشي‌ء. وعليه فلا مانع من اعتبار سببية إهلال شوّال لجواز إعطاء الفطرة قبله ، وجعل الشرطية للأغسال الليلية لصوم اليوم الماضي للمستحاضة على القول به.

وبالجملة : فمرجع هذا الوجه إلى : أنّ الشروط الاعتبارية ليست كالشروط العقلية ، فلا مانع من اعتبار الشرع السبب أو الشرط متأخرا عن المسبب أو المشروط ، هذا.

الثاني : أن يكون الشرط عنوان التعقب واللحوق ، لا نفس الإجازة بوجودها الخارجي ، وهذا العنوان شرط مقارن للعقد ، لا متأخر عنه ، فتخرج الإجازة على هذا الوجه عن الشرط المتأخر ، وتندرج في الشرط المقارن.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٥ ـ ٢٨٧


ما يقتضيه جعل الشارع ، فقد يجعل الشارع ما يشبه تقديم المسبّب (١) على السبب كغسل الجمعة يوم الخميس (٢) ، وإعطاء الفطرة قبل وقتها (٣) ـ فضلا (٤) عن تقدّم المشروط على الشرط ، كغسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة (٥) ، وكغسل العشائين لصوم اليوم الماضي على القول به» (٦).

______________________________________________________

(١) التعبير بالشبه لأجل عدم تسبّب الأحكام ـ تكليفية أم وضعية ـ عن موضوعاتها ، وإنّما تترتّب عليها بجعل الشارع تأسيسا أو إمضاء. فوجه الشباهة امتناع فعلية الحكم قبل فعلية موضوعه.

(٢) قال المحقق قدس‌سره : «ويجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء» (١).

(٣) بإعطائها زكاة قبل هلال شوّال ، قال الشهيد الثاني : «فإنّ المشهور جواز تقديمها زكاة من أوّل شهر رمضان» (٢) ، واختاره قدس‌سره. وهذا هو مراد صاحب الجواهر ، وأما إعطاؤها قرضا للمستحق بقصد الزكاة فهو الأحوط بلا ريب.

(٤) التعبير ب «فضلا» لأجل أنّ تقديم ما كان من قبيل المسبب على سببه أشدّ إشكالا من تقديم المشروط على الشرط ، لوجود بعض أجزاء العلة ـ وهو المقتضي ـ في باب الشرط ، بخلاف السبب.

(٥) يعني : أنّ المستحاضة التي يجب عليها الغسل ـ وهي المتوسطة والكثيرة ـ يجوز لها تأخير الغسل إلى بعد طلوع الفجر ، فتكون في آن طلوعه صائمة ومحدثة بالاستحاضة ، قال في الجواهر : «كما أنّ الأقوى أيضا عدم وجوب تقديم غسل الفجر عليه ، وفاقا لظاهر المعظم وصريح البعض ، لتبعية حصوله للصوم لحصوله للصلاة» (٣).

ثم حكى إيجاب تقديم الغسل على الفجر عن الذكرى ومعالم الدين ، لئلّا يلزم تقديم المشروط على شرطه.

(٦) يعني : أن صحة صوم اليوم الماضي ـ من المستحاضة ـ مشروطة بأن تغتسل في

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ١ ، ص ٤٤

(٢) مسالك الأفهام ، ج ١ ، ص ٤٥٢

(٣) جواهر الكلام ، ج ٣ ، ص ٣٦٦


مدفوعة (١) بأنّه لا فرق فيما فرض شرطا أو سببا بين الشرعي وغيره ، وتكثير الأمثلة لا يوجب (٢) وقوع المحال العقلي ، فهي (٣) كدعوى أنّ التناقض الشرعي بين الشيئين (٤) لا يمنع عن اجتماعهما (٥) ، لأنّ النقيض الشرعي غير العقلي.

______________________________________________________

الليلة اللاحقة للعشائين. فكما أنّ صلاتها الليلية مشروطة بالغسل ، فكذا صيام نهارها الماضي مشروط به ، وهذا من أظهر موارد الشرط المتأخر. والمسألة وإن كانت خلافية ، ولم يلتزم صاحب الجواهر بالاشتراط ، لكن يكفي في الاستشهاد به التزام البعض به كالفاضل النراقي قدس‌سره ، حيث قال : «ويحتمل قويّا عدم الحكم بالبطلان إلّا مع ترك جميع الأغسال النهارية والليلية الماضية والمستقبلة ، ودعوى القطع بعدم مدخلية الليلة المستقبلة غير مسموعة» (١).

(١) خبر «ودعوى» وإنكار وردّ لها ، ومحصله : أنّه لا فرق في استحالة تأخّر الشرط عن المشروط بين الشرط الشرعي والعقلي. والمراد بالشرط الشرعي ما جعله الشارع شرطا ، وبعد اتصافه بالشرطية يكون كالشرط العقلي في امتناع تأخره عن المشروط ، لأنّه من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص.

(٢) خبر قوله : «وتكثير» يعني : أن تكثير الأمثلة لا يوجب إمكانه فضلا عن وقوعه ، فلا بدّ من علاج تلك الأمثلة المذكورة في كلام صاحب الجواهر قدس‌سره.

(٣) أي : فدعوى «أن الشروط الشرعية» تكون في المنع نظير دعوى إمكان التناقض في المجعولات الشرعية.

(٤) كجعل الحدث شرعا مناقضا للطّهارة ، فإنّه لا ريب في حكم العقل بعد ذلك باستحالة اجتماع الحدث والطهارة. ولا يوجب كون التناقض شرعيا تصرف الشارع في حكم العقل بامتناع الاجتماع وتبديله بالجواز.

(٥) تعليل لدعوى عدم منع التناقض الشرعي بين الشيئين عن الاجتماع ، بتوهم أن النقيض الشرعي غير العقلي.

__________________

(١) مستند الشيعة ، ج ٣ ، ص ٣٨ و ٣٩.


فجميع (١) ما ورد ممّا يوهم ذلك (٢) [أنّه] لا بدّ [فيه] من التزام أنّ المتأخّر ليس سببا أو شرطا ، بل السبب والشرط [هو] الأمر المنتزع (٣) من ذلك (٤).

لكن ذلك (٥) لا يمكن فيما نحن فيه (٦) بأن يقال : إنّ الشرط (٧) ، تعقّب الإجازة ولحوقها بالعقد. وهذا (٨) أمر مقارن للعقد على تقدير (٩) الإجازة ،

______________________________________________________

(١) هذا نتيجة وحدة حكم الشرط والسبب الشرعيين والتكوينيّين في امتناع تقدم المشروط والمسبب عليهما.

(٢) أي : تأخر الشرط عن المشروط الذي هو محال عقلي.

(٣) وهذا الأمر المنتزع قد التزم به صاحب الجواهر وغيره ، وهو ثاني الوجهين المذكورين في كلامه ، وتقدم نقله في (ص ٢٣) بقولنا : «بل يمكن كونه مثلها بناء على أن الشرط أن يحصل الرضا ، لا حصوله فعلا» وغرض المصنف قدس‌سره إمكان الالتزام بهذا الأمر الانتزاعي في الأمثلة المذكورة ، دون الإجازة.

وعليه فشي‌ء من الوجهين المذكورين في الجواهر لا ينهضان بإثبات الكشف.

(٤) أي : من المتأخر الذي سمّي بالشرط المتأخر ، لكنه ليس شرطا ، بل الشرط هو الأمر المنتزع منه ، وذلك المنتزع في الأمثلة التي ذكرها صاحب الجواهر قدس‌سره ونظائرها هو التعقب واللحوق. فالشرط في غسل يوم الخميس تعقّبه بيوم الجمعة ، وفي إعطاء الفطرة ـ قبل وقتها ـ تعقّبه بالإهلال ، وفي صوم المستحاضة تعقبه بالغسل بعد الفجر. ومن المعلوم أنّ وصف التعقب أمر مقارن على ما قيل ، لا متأخر عنه.

(٥) أي : لكن الأمر المنتزع ـ وهو عنوان التعقب ـ لا يجري في الفضولي وإن جرى في تلك الأمثلة ، لمخالفته لدليل شرطية الرضا وطيب النفس ، الظاهر في شرطية نفس الرضا ، لا الوصف الانتزاعي.

(٦) وهو عقد الفضولي ، بأن يقال : إنّ الشرط فيه هو تعقبه بالإجازة.

(٧) أي : أن الشرط في عقد الفضولي هو لحوق الإجازة بالعقد.

(٨) أي : تعقب الإجازة ولحوقها بالعقد مقارن للعقد على ما قيل ، لا متأخر عنه.

(٩) أي : على تقدير صدور الإجازة من المالك الأصيل ، وأمّا على تقدير الرّد فلا منشأ لانتزاع وصف التعقب بالإجازة ، بل ينتزع تعقب العقد بالرّد.


لمخالفته (١) الأدلّة (*).

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم إمكان كون لحوق الإجازة شرطا على تقدير صدورها من المالك. وحاصل التعليل : أنّ جعل الشرط أمرا منتزعا ـ وهو التعقب ـ خلاف ظاهر أدلة الاعتبار ، حيث إنّها تدل على شرطية التراضي وطيب النفس الظاهرين في موضوعيتهما ، دون الأمر الانتزاعي وهو التعقب المطلوب في كاشفية الإجازة.

__________________

(*) لا يخفى أن جعل المؤثر في العقد هو وصف التعقب لا نفس الإجازة بوجودها الزماني المتأخر عن العقد لا يلتئم مع ما تقرّر عندهم من تكافؤ المتضايفين فعلا وقوة ، وحيث إن المتعقّب ـ وهو الإجازة ـ معدوم في أفق الزمان ، فالوصف الانتزاعي معدوم أيضا.

والانصاف أنّ العويصة في المتضايفين المتدرجين وجودا ـ كالسابق واللاحق ـ قد يشكل حلّها ، لكون أحد الطرفين معدوما في ظرف وجود المضائف الآخر. والتعويل على أن المتفرقات في هذه النشأة مجتمعات في وعاء الدهر مشكل أيضا ، لأنّ المتصف بالسابق واللاحق هما الموجودان الزمانيان لا الخارجان عن أفق الزمان.

وقد تصدّى المحقق الأصفهاني لحلّ العويصة في كلّ من الزمان والزماني.

أمّا في الزمان فبكفاية جمعية الوجود غير القارّ باتصاله ، يعني أن الزمان موجود تدريجي متصل بعض أجزائه ببعض ، ولا ينفك بعضها عن بعض. وبهذا اللحاظ يقال انه وجود واحد. ويكفي في معيّة أجزاء الزمان الموصوفة بالتقدم والتأخر اتصال بعضها ببعض.

وأمّا في الزماني ـ كالعقد المتقدم زمانا والإجازة المتأخرة كذلك ـ فبأنّ اتصافهما بالمتقدم والمتأخر ليس بلحاظ نفسهما ، بل هو بالعرض ، فهما وصفان بحال المتعلّق ، فالموصوف بهما هو الزمان السابق واللاحق. وحيث كان الوصف بحال المتعلق صحّ تعنون العقد بالمتعقّب مع تأخر المتعقّب ، لأنّ الوحدة الجامعة لهما هي الزمان ، وهو واحد جمعي متصل (١) ، هذا.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٤٦


اللهم (١) إلّا أن يكون مراده بالشرط ما يتوقّف تأثير السبب المتقدّم في

______________________________________________________

(١) هذا توجيه لما أفاده قدس‌سره من مخالفة شرطية لحوق الإجازة لظواهر الأدلة بوجه لا يخالفها. ومرجع هذا التوجيه إلى جعل اتصاف الرضا بالشرطية من الوصف بحال المتعلق ، بتقريب : أنّ الشرط نفس الرضا كما هو ظاهر الأدلّة ، وغير مخالف له ، لكنّه مخالف لظاهر الشرطية ، حيث إنّها اصطلاحا عبارة عمّا يتوقف تأثير السبب على نفسه ، لا على عنوان لحوقه وتعقبه كما هو المقصود من كاشفية الإجازة ، حيث إنّ تأثير العقد ـ بناء على الكشف ـ إنّما هو بسبب لحوق الإجازة لا نفسها ، إذ تأثيره بنفس الإجازة هو مقتضى ناقليتها.

وأمّا تأثيره من زمان وقوعه فهو لأجل ملحوقيته بالإجازة ، والملحوقية شرط مقارن للعقد على ما زعموا. فتوصيف الرضا حينئذ بالشرطية يكون بحال متعلقة. وعليه فيتصرف في معنى الشرطية.

والحاصل : أنّ الشرط الحقيقي ـ وهو اللحوق ـ غير متأخر ، بل مقارن ، والمتأخر ـ وهو نفس الرضا ـ ليس بشرط. فإطلاق الشرط عليه مبني على المسامحة ، ومن قبيل المجاز في الكلمة ، لأنّ معنى الشرط اصطلاحا هو ما يتوقف تأثير المقتضي على نفسه ، لا على لحوقه كما هنا ، إذ إرادة الشرط من كلمة «الرضا» ليست إرادة لمعناه المصطلح ، فإن الشرط ـ وهو اللحوق ـ غير الرضا.

__________________

أقول : بناء على تسليم ما قرّره قدس‌سره لحلّ المعضلة في الزمان ، فقد يشكل تسليمه في الزماني بإرجاعه إلى الزمان ، وذلك لأنّ جعل الوصف بحال المتعلق يقتضي صحة سلبه عن الزماني السابق واللاحق ، كصحة سلب الحركة عن جالس السفينة باعتبار ثبوتها بالذات للسفينة ، مع أنّ اتصاف المتضايفين الزمانيين بالسابق واللاحق حقيقة عقلا وعرفا ، وبلحاظ نفسهما ، كحملهما على الزمان المتقدم والمتأخر. ولو صحّ هذا الإرجاع لزم إنكار الموجودات التدريجية ، لفرض أنّ الموصوف بالسابق واللاحق هو الزمان الذي فرضناه موجودا واحدا جمعيّا ، فلا بدّ أنّ تكون المتصرّمات مجتمعة الأجزاء في الوجود.

والظاهر أن الاشكال لا يندفع إلّا بالتصرف فيما يراد بالفعلية في قولهم : «المتضايفان متكافئان فعلية وقوة» بأن يراد فعلية كل منهما في ظرفه ، لا مطلقا حتى في ظرف وجود المضائف الآخر. لكنه ممّا يأباه أهل الفن أيضا. والله العالم بحقائق الأمور.


زمانه على لحوقه (١).

وهذا (٢) ـ مع أنّه (٣) لا يستحقّ إطلاق الشرط عليه ـ غير (٤) صادق على الرضا ، لأنّ المستفاد من العقل والنقل اعتبار رضا المالك في انتقال ماله ، لأنّه لا يحلّ لغيره بدون طيب النفس ، وأنّه (٥) لا ينفع لحوقه في حلّ تصرّف الغير وانقطاع سلطنة المالك.

وممّا ذكرنا (٦) يظهر ضعف ما احتمله في المقام

______________________________________________________

(١) أي : لحوق الشرط ، وهو متعلق ب «يتوقف». واللحوق مذهب الفصول وغيره.

(٢) هذا إشكال على التوجيه المذكور ، وهو يكون على وجهين :

أحدهما : أنّ هذا التوجيه لا يوجب استحقاق إطلاق الشرط على الرضا ، إذ اللحوق المفروض كونه شرطا غير الرضا ، فإطلاق الشرط على «الرضا» غير جدير.

ثانيهما : عدم صدق اللحوق على الرضا ، لأنّ المستفاد من العقل والنقل هو اعتبار الرضا في الملكيّة بنحو الشرط المتقدم ، لا اعتباره بنحو الشرط المتأخر.

(٣) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل المتقدم بقولنا : «أحدهما : أن هذا التوجيه .. إلخ».

(٤) هذا إشارة الوجه إلى الثاني الذي تعرّضنا له بقولنا : «ثانيهما عدم صدق اللحوق .. إلخ».

(٥) معطوف على «لانه» ووجه عدم نفع لحوق الرضا في حل تصرف الغير هو ظاهر قوله عليه‌السلام : «لا يحل مال امرء لغيره الا بطيب نفسه» لظهوره في إناطة حدوث الطيب بالرضا ، وهو دال على توقف حلية تصرف الغير على الطيب ، فلا بد من اعتبار الطيب على نحو الشرط المتقدم. ولذا لم يجز التصرف إلّا بعد إجازة المالك. ولو كان الشرط هو اللحوق لجاز التصرف قبل الإجازة ، هذا.

ولكن حكى في المتن عن بعض جواز ترتيب آثار الصحة على العقد قبل تحقق الإجازة مع العلم بحصولها فيما بعد كما سيصرح به المصنف قدس‌سره.

(٦) أي : ومن عدم إمكان كون الوصف المنتزع ـ وهو التعقب ـ شرطا يظهر ضعف ما احتمله بعض الأعلام من : أنّ معنى شرطية الإجازة مع بنائهم على كاشفيتها شرطية وصف التعقب.


بعض الأعلام (١) ، بل التزم به غير واحد من المعاصرين

______________________________________________________

(١) المراد به ظاهرا صاحب الحاشية على المعالم ، على ما نقله الفاضل المامقاني عن المصنف بقوله : «وسمعت منه شفاها في بعض أبحاثه حكايته عن شرح التبصرة للشيخ الجليل المحقق محمد تقي الأصبهاني» (١). واختار شرطية التعقب صاحب المستند (٢).

ولعلّ مقصود المصنف قدس‌سره من قوله : «غير واحد من المعاصرين» هو أصحاب الفصول والجواهر وأنوار الفقاهة قدس‌سرهم. أما صاحب الفصول فلقوله : «ومن هذا القبيل كل شي‌ء يكون وقوعه مراعى بحصول شي‌ء آخر كالصحة المراعاة بالإجازة في الفضولي ، فإنّ شرط الصحة فيه كون العقد بحيث يتعقبه الإجازة ، وليست مشروطة بنفس الإجازة ، وإلّا لامتنعت قبلها» (٣).

وأمّا صاحب الجواهر فلأنّه جعل شرطية التعقب أحد الوجهين لتصحيح الكشف (٤) ، وسيأتي نقل كلامه في (ص ٣٢ و ٣٣).

وأمّا الشيخ الفقيه الشيخ حسن كاشف الغطاء فلأنه بيّن احتمالين للكشف وقوّى أوّلهما ، حيث قال : «انّ الإجازة ناقلة من حينها .. أو كاشفة عن الصحة المتقدمة ، بمعنى : أنّ الصحة الثابتة من قبل انكشف بها ، لأنها موقوفة على حصول الشرط ، وهو الرضا في أحد الأزمنة ولو متأخرا ، فبالإجازة بان حصوله. أو بمعنى أنّ الإجازة أثّرت في صحة العقد الماضي حين صدوره ، فبها انكشف أنّ العقد الأوّل كان صحيحا من حينه؟ وجوه أقواها الواسط ، وربّما كان هو المشهور (٥).

ونحوه كلامه في إجازة النكاح الفضولي.

والعبارة وإن لم تكن صريحة في شرطية الوصف المنتزع ، لكن يمكن استفادته منها كما استفيد من تعبير صاحب الجواهر قدس‌سره : «إذ الشرط الحصول فعلا ولو في

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣٧٥

(٢) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٨٣.

(٣) الفصول الغروية ، ص ٨٠.

(٤) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٧

(٥) أنوار الفقاهة (مخطوط) نقلا من نسخة موجودة في مكتبة آية الله السيد المرعشي قدس‌سره بقم المقدسة.


من (١) : أنّ معنى شرطية الإجازة ـ مع كونها (٢) كاشفة ـ شرطية (٣) الوصف المنتزع منها ، وهو (٤) كونها لاحقة للعقد في المستقبل ، فالعلّة التامّة : العقد الملحق به الإجازة ، وهذه (٥) صفة مقارنة للعقد وإن كانت نفس الإجازة متأخّرة عنه (٦).

وقد التزم بعضهم (٧)

______________________________________________________

المستقبل».

ولعلّ مقصود المصنف جماعة أخرى من معاصريه ممّن لم نقف على كلامهم.

(١) بيان ل «ما» الموصولة في قوله : «ما احتمله».

(٢) يعني : مع بنائهم على كون الإجازة كاشفة ، المقتضي لشرطية نفس الإجازة ، لا الوصف ، وهو «تعقب الإجازة للعقد».

(٣) خبر قوله : «انّ معنى».

(٤) الضمير راجع الى الوصف المنتزع ، أي : أنّ الوصف المنتزع عبارة عن كون الإجازة لاحقة للعقد في الزمان المستقبل. ويسمى هذا الوصف في لسان جماعة بالتعقّب. وعليه فيكون المؤثر التام هو العقد الملحق به الإجازة فيما بعد ، وهذا الوصف من الأوصاف المقارنة للعقد ، فلا مانع من كون الإجازة كاشفة بهذا المعنى ، لعدم ترتب محذور الشرط المتأخر عليه.

(٥) أي : ولحوق الإجازة بالعقد صفة مقارنة للعقد ، لا متأخرة عنه حتى يرد عليه محذور الشرط المتأخر ، وإن كانت نفس الإجازة متأخرة ، لكنّها ليست شرطا ، إذ الشرط على الفرض هو لحوق الإجازة لا نفسها.

(٦) أي : عن العقد.

(٧) أي : بعض الملتزمين بشرطية التعقب واللحوق ، وهذا البعض صاحب الجواهر قدس‌سره حيث التزم بما يتفرّع على جعل التعقب شرطا في تأثير العقد ، من جواز ترتيب الأثر على بيع الفضولي لو علم بحصول رضا المالك ـ بهذا البيع ـ في المستقبل.

قال قدس‌سره ـ بعد الاشكال على كون الرضا شرطا للعلم بالانتقال لا لنفس الانتقال ـ ما لفظه : «نعم لو أخبر المعصوم بأنّه يحصل الرضا فعلا من المالك الذي يؤثر رضاه ، كفى ذلك في ترتب الآثار الآن عليه ، لتحقق الشرط حينئذ كتحققه بنفس وقوعه ، إذ الشرط


بما يتفرّع على هذا (١) (*) من (٢) «أنّه إذا علم المشتري أنّه المالك للمبيع سيجيز العقد ، حلّ له التصرّف فيه بمجرّد العقد».

وفيه (٣) ما لا يخفى من المخالفة للأدلّة.

______________________________________________________

الحصول فعلا ولو في المستقبل. ولا ريب في تحقق الحصول في المستقبل بالإخبار» (١).

وقال بعد أسطر في بيان مختاره من محتملات الكشف : «الثالث وهو التحقيق : أن يكون الشرط حصول الرضاء ولو في المستقبل ، الذي يعلم بوقوعه من المالك مثلا ، أو بإخبار المعصوم ، أو نحو ذلك. والمراد شرطية الرضاء على هذا الوجه ، وكان هذا هو المتعيّن ..» (٢).

(١) أي : على كون الشرط هو الوصف الانتزاعي أعني به لحوق الإجازة بالعقد.

(٢) بيان ل «ما» الموصولة في قوله : «بما يتفرّع» وحاصل هذا الفرع المتفرع على شرطية الوصف الانتزاعي هو : جواز تصرف المشتري بمجرد العقد في المبيع الذي باعه العاقد الفضولي ، إذا كان المشتري عالما بأنّ عالما بأنّ مالك المبيع يجيز العقد في المستقبل ، فإنّ لازم شرطية الأمر الانتزاعي ـ الذي هو مقارن للعقد ـ حليّة التصرف قبل تحقّق الإجازة.

(٣) أي : وفي التزام بعضهم بحلّية التصرف بمجرّد العقد فيما لو علم المشتري بأنّ المالك سيجيز العقد ـ مع البناء على شرطية وصف التعقب ـ ما لا يخفى من الاشكال. ومحصّل النظر والاشكال في هذا الالتزام هو مخالفة حلية التصرفات ـ بمجرّد العقد ـ للأدلة الدالة على إناطة جواز التصرف في مال الغير بطيب نفسه الذي لا يحصل إلّا

__________________

(*) ظاهر كلامه قدس‌سره ترتب هذا الفرع على خصوص الكشف التعقبي ، بأن يكون الشرط خصوص التعقب فقط. مع أنّه ليس كذلك ، لتفرعه على الشرط المتأخر أيضا ، ضرورة أنّه بناء عليه تكون الملكية حاصلة قبل تحقق الإجازة التي تجي‌ء في المستقبل. ولعلّه قدس‌سره لاستحالة الشرط المتأخر فرّع هذا الفرع على خصوص شرطية التعقب.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٨.

(٢) المصدر ، ص ٢٨٩.


ويرد (١) على الوجه الثاني أوّلا : أنّ (٢) الإجازة وإن كانت رضا بمضمون العقد ، إلّا أنّ مضمون العقد

______________________________________________________

بإجازة المالك. فقبل الإجازة الكاشفة عن الرضا وطيب النفس لا يحلّ التصرف ، فعدم صحة الالتزام بهذا الفرع يكشف عن عدم صحة الالتزام بالأصل ، وهو شرطية التعقب.

(١) معطوف على قوله في (ص ١٨) : «ويرد على الوجه الأوّل» وهذا إشكال على ثاني الوجهين اللذين احتج بهما صاحب الرياض وغيره للقول بالكشف ، وحكاه المصنف قدس‌سره بقوله : «وبان الإجازة متعلقة بالعقد فهي رضا بمضمونه .. إلخ».

(٢) قد أورد المصنف قدس‌سره على ثاني وجهي الاستدلال بوجوه ثلاثة :

الأوّل : أنّ الإجازة وإن كانت متعلّقة بالعقد ورضا بمضمونه ، إلّا أنّ مضمون العقد ليس هو نقل العوضين من حين وقوع العقد حتى يكون هذا المضمون موردا للإجازة والرضا ، ويلتزم لأجله بالكشف ، بل مضمون العقد نفس النقل من دون تقيّده بزمان وقوعه ، فالزمان ظرف لوقوعه ، حيث إنّ العقد كغيره من الزمانيّات والمكانيّات ـ المحتاجتين في وجودهما إلى زمان ومكان ـ لا بدّ أن يقع في زمان ومكان ، من دون أن يكون شي‌ء منهما قيدا له.

وبعبارة أخرى : ما تقدم في تقرير الدليل من «أن مضمون العقد ليس إلّا نقل العوضين من حين العقد» ممنوع ، فإنّ المنشأ هو الملكية المرسلة ، لا المقيّدة بحصولها من زمان العقد ، ومن المعلوم الفرق بين تمليك شي‌ء للمشتري مقيدا بزمان العقد ، وبين تمليكه إيّاه وحصول الملكية له حين العقد.

وإن شئت فلاحظ نظيره في العلل التكوينية ، فالحرارة مثلا معلولة للنار ، لكنّها غير مقيّدة بها زمانا ومكانا ، وإنما توجد في زمان ومكان من جهة أن الموجود المادّي لا يخلو منهما.

وعليه فوقوع الزماني في الزمان لا يستلزم كون الزمان قيدا له ، بل قد يكون قيدا وقد يكون ظرفا محضا. والمدّعى هو أنّ الملكية الحاصلة بالإنشاء الفضولي معرّاة عن اعتبار الزمان قيدا ، وغير مقيده بحصولها من زمان الإنشاء. وحينئذ تتعلق إجازة المالك بأصل التمليك ، وهو الممضى شرعا ، لا الملكية من زمان الإنشاء حتى يثبت القول بالكشف.


ليس هو النقل من حينه (١) حتّى يتعلّق الإجازة والرضا بذلك النقل المقيّد بكونه في ذلك الحال (٢) ، بل هو (٣) نفس النقل مجرّدا عن ملاحظة وقوعه في زمان ، وإنّما الزمان من ضروريات إنشائه (٤) ، فإنّ قول العاقد : «بعت» ليس «نقلت من هذا (*) الحين (٥)» وإن كان النقل المنشأ به واقعا في ذلك الحين ، فالزمان ظرف

______________________________________________________

ويشهد لكون المنشإ طبيعة الملكية ـ لا المقيدة ـ أمور :

أحدها : مورد الإيجاب والقبول ، فإنّ تمليك الموجب بقوله : «بعت» لو كان مقيّدا بحصوله من حينه لزم تحقق الملكية للمشتري في وعاء الاعتبار قبل انضمام القبول اليه. مع أنه ليس كذلك قطعا ، إذ لم يقل أحد بأنّ القبول كاشف عن حصول الملك حال الإيجاب. فلا مناص من كون الملكية المقصودة للموجب هو الملكية المرسلة ، أي غير مقيدة بزمان الإيجاب ولا بزمان القبول.

ثانيها : الفسخ ، وثالثها الإجازة ، وسيأتي بيان الكلّ إن شاء الله تعالى.

فتحصّل : أن الدليل الثاني على الكشف مبني على تأثير العقد في الملكية المقيدة ، حتى تتعلّق بها إجازة المالك ، ثم إمضاء الشارع. وقد اتّضح منع المبنى المزبور ، فلا وجه للكشف ، هذا.

(١) أي : من حين العقد ، حتى يكون ذلك النقل المقيّد متعلّقا للإجازة والرضا.

(٢) أي : حال العقد.

(٣) يعني : بل مضمون العقد نفس النقل بدون تقيّده بزمان وقوعه.

(٤) لكون الإنشاء من الزمانيات التي لا بدّ من وقوعها في الزمان وقوعها في المكان ، فكما أنّ المكان ليس قيدا للنقل ، فكذلك الزمان.

(٥) يعني : ليس مفهوم «بعت» النقل المقيّد بالزمان ، بل مجرّد النقل بدون قيد الزمان.

__________________

(١) نعم ليس الزمان مأخوذا في مفهوم «بعت» إلّا أنّ قرينة التعارف تخرجه عن الإهمال ، وتوجب ظهوره عرفا في النقل حال الإنشاء ، بحيث لو أنكر منشئ العقد عدم إرادة النقل حين الإنشاء لا يسمع إنكاره. فللقائل بالكشف أن يدّعي هذا الظهور العرفي ، بحيث يكون مضمون «بعت» نقلت في هذا الآن. والمفروض أنّ الإجازة تتعلّق بهذا


.................................................................................................

__________________

المضمون.

وعليه فما أنشأه الفضولي هو نقل العوضين إنشائيّا في زمان تحقق العقد ، والإجازة تتعلق بهذا المضمون. فالنتيجة كاشفية الإجازة ، هذا.

فالحق في الجواب عن هذا الوجه الثاني أن يقال : إنّ الفضولي أنشأ النقل ، وهذا النقل الإنشائي جزء لموضوع حكم الشارع بالملكية الفعلية ، وجزؤه الآخر إجازة المالك ، فإذا أجاز صار موضوع حكم الشارع تامّا ، فيحكم الشارع بالنقل الفعلي.

وببيان آخر : يصير النقل الإنشائي الصادر من العاقد الفضولي فعليّا بإجازة المالك. فإمضاء المالك للنقل الإنشائي موضوع لحكم الشارع بالنقل الفعلي ، وهذا ينطبق على ناقلية الإجازة.

ثمّ إنّ المحقق الايرواني قدس‌سره أورد على المتن ـ من كون الملكية المنشئة مهملة غير مقيّدة بوقوعها من زمان الإنشاء ليتجه القول بالكشف ـ تارة بأنّه إن كان غرض المصنف إهمال المنشئ في مقام القصد كما هو ظاهر العبارة فهو باطل بالضرورة ، إذ لازمه بطلان المعاملة وعدم وقوعها في شي‌ء من الأزمنة ، فإنّ إنشاء النقل في زمان مّا لا يوجب وقوعه فعلا بالإجازة ، كما أنّها تبطل لو أنشأ وقوعها في زمان متأخر عن العقد ، فيتعيّن أن يكون مقصود المنشئ حصول النقل فعلا.

وإن كان الغرض الإهمال في العبارة وعدم التصريح بحصول النقل من زمان الإنشاء ، فهو وإن كان صحيحا ، لكنه لا يضرّ القائل بالكشف ، لكفاية إطلاق العقد حينئذ في تعيين النقل حال العقد ، كتعيين كون المعاملة نقدا بهذا الإطلاق.

واخرى بأنّ كلام المصنف في الجواب أخصّ من المدّعى ، لإمكان تقييد النقل والتمليك بزمان الإنشاء ، فيقول : «بعتك هذه الدار فعلا» فيلزم أن يلتزم المصنف بالكشف ، لفرض تعلق الإجازة بهذا النقل المقيد ، مع أن غرضه قدس‌سره إبطال دليل الكشف أصلا ورأسا (١).

أقول : لا ريب في امتناع الإهمال من المنشئ ، لكون الإنشاء فعلا اختياريا منوطا

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٢٧.


للنقل لا قيد له (١).

فكما أنّ (٢) إنشاء مجرّد النقل الذي هو مضمون العقد

______________________________________________________

(١) أي : للنقل ، حتى يدل على حدوث النقل حين تحقق إنشاء العقد من الفضولي ، ويكون دليلا على كاشفية الإجازة.

(٢) غرضه قدس‌سره تضعيف القول بالكشف بتنظير الإجازة بنفس العقد الفضولي وبإمضاء الشارع من جهة كون الزمان ظرفا في الجميع ، وليس قيدا في شي‌ء منها. وبيانه : أنّ العقد إمّا يصدر ممّن له ولاية أمره ، وامّا من الأجنبي. فإن صدر من الأوّل اقتضى ترتب أثره ـ وهو النقل ـ في زمان وقوعه ، لأنّه عقد صدر من أهله ، وتقتضي أدلة الإمضاء حصول أثره فورا. لكن لا لأجل كون المنشأ هو النقل المقيّد بحال العقد ـ

__________________

بالقصد والالتفات ، فلا يخلو إمّا أن يقصد النقل المقارن للإنشاء أو المتأخر عنه ، والثاني باطل بالضرورة ، فيتعين كون النقل في حال العقد.

وهذا وإن كان صحيحا ، لكنه لا يرد على المصنف شي‌ء من الإيرادين :

أمّا عدم ورود الأوّل فلأنّ المصنف لم يدّع كون المنشئ قاصدا للنقل في الجملة حتى يكون تقييده ببعض الأزمنة كزمان العقد بلا مرجّح ، وإنّما غرضه إنشاء النقل المرسل المعرّى عن الزمان كلّية ، فليس الزمان مأخوذا في الإنشاء أصلا لا في الجملة ولا بالجملة. ومعه لا موضوع للإيراد عليه بأنّ النقل في زمان في الجملة لا يتعيّن وقوعه فعلا بالإجازة.

وعليه فالشق الأوّل من الإيراد ممنوع ، لابتنائه على أخذ زمان مّا في الإنشاء حتى يمتنع وقوعه فعلا. وقد عرفت أنّه مخالف لتصريح المصنف ، كقوله : «إلّا أنّ مضمون العقد ليس هو النقل من حينه .. بل هو نفس النقل مجرّدا عن ملاحظة وقوعه في زمان».

وأمّا الإشكال الثاني فهو وإن كان متجها على المصنف ظاهرا ، لكن يمكن منعه بما سيأتي منه بأنّ قصد المنشئ الفضولي لا يترتب عليه أثر أصلا ، لأنّ موضوع إمضاء الشارع للبيع الفضولي هو العقد المستند إلى المالك بإجازته. ولمّا كان المتّبع دلالة دليل الإمضاء ، وكان ظاهره وقوع البيع من زمان الإجازة ، لم يقدح تخلف قصد الفضولي من وقوع النقل حال العقد ، هذا.


في زمان (١) يوجب وقوعه من المنشئ في ذلك الزمان (٢) ، فكذلك (٣) إجازة ذلك النقل في زمان يوجب وقوعه (٤) من المجيز في زمان الإجازة.

وكما أنّ (٥) الشارع إذا أمضى نفس العقد (٦) وقع النقل من زمانه ، فكذلك إذا أمضى إجازة المالك وقع النقل من زمان الإجازة (٧).

______________________________________________________

بحيث يكون لوقوعه فيه دخل ـ بل لأجل أنّ هذا الإنشاء المؤثر أمر زماني وقع في زمان ، فلا بدّ أن يحصل أثره في ذاك الزمان.

وإن صدر من الثاني وهو الفضولي لم يؤثر في النقل ، لتوقفه على إجازة المالك وإمضاء الشارع ، فإن أجاز لزم حصول الأثر من زمان الإجازة الذي هو ظرف الإمضاء الشرعي. ولكن لا بمعنى تقيّد النقل بزمان الإجازة ، بل لأنّ النقل والتمليك أمر زماني يقع في ظرف وجود الإجازة. فتكون الإجازة مفيدة للنقل لا الكشف.

والحاصل : أنّ الزمان كما لم يؤخذ قيدا في الإجازة ولا في إمضاء الشارع ، فكذا لم يؤخذ في إنشاء العقد سواء من المالك لأمره ، أم من الأجنبي وهو الفضولي ، فلا وجه لجعل الإجازة كاشفة عن حصول النقل من حين إنشاء الفضولي ، هذا.

(١) متعلق ب «إنشاء» حيث إنّ الإنشاء ـ الذي هو أمر زماني ـ يقتضي وقوع النقل في زمان الإنشاء ، من جهة ظرفية الزمان ، لا قيديته له.

(٢) أي : زمان إنشاء النقل. وقوله : «يوجب» خبر قوله : «ان إنشاء».

(٣) متعلق ب «فكما» وهذا يفيد النقل في زمان الإجازة ، لا في زمان العقد.

(٤) هذا الضمير وضمير «وقوعه» المتقدّم راجعان إلى النقل ، والمراد بالوقوع وقوع المظروف في الظرف ، من دون تقييده به.

(٥) ما أفاده بقوله : «فكما أنّ إنشاء» كان ناظرا إلى اختلاف نفس العقد والإجازة في الأثر ، مع كون الزمان ظرفا في كليهما. وما أفاده بقوله : «وكما» ناظر إلى اختلاف مفاد الإمضاء ، فإن كان العقد صادرا من أهله فمعنى صحته ترتب الأثر عليه من حينه. وإن كان صادرا من غير أهله كانت صحته من حين الإجازة ، لا من زمان العقد.

(٦) أي : العقد الصادر من أهله.

(٧) كما في عقد الفضولي ، فإنّ النقل يقع من حين إجازة المالك التي أمضاها الشارع.


ولأجل ما ذكرنا (١) لم يكن مقتضى القبول وقوع الملك من زمان الإيجاب ، مع أنّه (٢) ليس إلّا رضا بمضمون الإيجاب. فلو كان مضمون الإيجاب النقل من حينه (٣) وكان القبول رضا بذلك ، كان (٤) معنى إمضاء الشارع للعقد الحكم بترتّب الأثر من حين الإيجاب ، لأنّ (٥) الموجب ينقل من حينه ، والقابل يتقبّل

______________________________________________________

(١) من عدم أخذ الزمان قيدا للنقل الذي أنشأه الفضولي. وكذا من قوله : «فكما أنّ إنشاء مجرّد النقل الذي هو مضمون العقد إلخ» ومن قوله : «فكذلك اجازة ذلك النقل» ومن قوله : «وكما أنّ الشارع إذا أمضى نفس العقد .. إلخ» وقوله : «فكذلك إذا أمضى إجازة المالك».

يظهر من ذلك كله : أنّ مقتضى القبول وإن كان رضا بمضمون الإيجاب ، لكنّه ليس قبولا للملك الواقع من زمان الإيجاب ، إذ ليس مضمون الإيجاب النقل المقيّد من حينه حتى يكون القبول رضا بذلك ، ويكون معنى إمضاء الشارع حينئذ للعقد الحكم بترتّب الأثر من حين الإيجاب ، بأن يقال : إنّ الموجب ينقل المبيع إلى المشتري من حين الإيجاب ، والمشتري يتقبل ذلك ويرضى به.

وعليه فحال الإجازة حال القبول الذي لا يقتضي حصول النقل من زمان الإيجاب ، ولا يكون كاشفا عن ترتب الأثر حين إنشاء الموجب. بل النقل منوط بانضمام القبول فيما كان المتعاقدان أصيلين ، وبلحوق الإجازة فيما كان أحدهما فضوليّا ، أو كلاهما فضوليين ، فكيف تقتضي الإجازة حصول النقل من حين العقد؟

ولا يخفى أن تنظير الإجازة بالقبول هو الشاهد الأوّل على بطلان الكشف ، لاشتراكهما في الرضا بالإيجاب والعقد ، وقد تقدم توضيحه في (ص ٣٤).

(٢) يعني : مع أنّ مقتضى القبول ليس إلّا الرضا بمضمون الإيجاب.

(٣) أي : من حين الإيجاب ، وكان القبول رضا بهذا المضمون ، أي النقل من حين الإيجاب.

(٤) جواب «فلو كان» وقوله : «الحكم» خبر «كان معنى».

(٥) تعليل للحكم بترتب الأثر من حين الإيجاب ، إذ الموجب ينقل متاعه إلى المشتري من حين الإيجاب.


ذلك (١) ويرضى به (*).

ودعوى (٢) «أنّ العقد سبب للملك ، فلا يتقدّم (٣) عليه» مدفوعة (٤)

______________________________________________________

(١) أي : يتقبّل نقل المال إليه ويرضى به من حين نقل الموجب ، وهو زمان إنشائه العقد. مع أنّ الأمر ليس كذلك ، إذ لا يترتب الأثر الشرعي إلّا بعد تمامية العقد ، لا خصوص الإيجاب. كما أنّ المال في البيع الفضولي ينتقل إلى المشتري حين صدور الإجازة من المالك ، لا من حين صدور العقد من العاقد الفضولي.

(٢) هذه الدعوى إشكال على استشهاد المصنف قدس‌سره ـ بعدم حصول الملك من زمان الإيجاب ـ على عدم أخذ النقل من حين الإيجاب في مفهومه.

وحاصل الاشكال هو الفرق بين الإيجاب والعقد ، حيث إنّ الإيجاب بنفسه ليس سببا للملك ، بل السبب له هو الإيجابا المنضمّ معه القبول المعبّر عنه بالعقد ، فبعد انضمام القبول إليه يتم العقد ، ويترتّب عليه الأثر. وهذا بخلاف عقد الفضولي ، فإنّه سبب للملك ، والمجيز ينفّذ هذا المضمون ، فتكون إجازته كاشفة.

وبعبارة أخرى : الفارق بين القبول والإجازة هو : أنّ القبول وإن كان رضى بفعل الموجب المتكفل لإنشاء تمليك عين بمال ، إلّا أنّ القبول جزء السبب المملّك ، ويمتنع عقلا تقدم المسبب على سببه التام وهو العقد. فلم يتحقق شي‌ء ـ في وعاء الاعتبار ـ بمجرّد الإيجاب حتى يكون القبول كاشفا عنه ، فلا معنى للالتزام بالنقل من حين الإيجاب. وهذا بخلاف الإجازة ، لفرض تمامية السبب ، ولم يحصل من المجيز إلّا الرضا بمضمون العقد ، فيتجه كونها كاشفة عن تحقق النقل من حين العقد.

والحاصل : أنّه لا يصح الاستشهاد بالقبول على منع كاشفية الإجازة ، لكون القبول جزء السبب ، والإجازة تنفيذا للسبب.

(٣) يعني : فلا يتقدم الملك ـ الذي هو المسبب ـ على سببه أعني به العقد.

(٤) هذا دفع الإشكال المذكور ، ومحصل دفعه : أنّ الفرق المزبور بين الإيجاب

__________________

(*) الأولى تنظير الإجازة بمقابلها وهو الفسخ ، فكما أنّ الفسخ حلّ العقد من حينه لا من حين وقوع العقد ، فكذلك الإجازة ، فإنّها تنفيذ العقد من حين وقوعها ، لا من حين وقوع العقد حتى تدل على الكشف.


بأنّ سببيته (١) للملك ليست إلّا بمعنى إمضاء الشارع لمقتضاه ، فإذا فرض مقتضاه مركّبا من نقل في زمان (٢) ورضا بذلك (٣) النقل ، كان (٤) مقتضى العقد الملك بعد الإيجاب (٥).

______________________________________________________

والعقد غير سديد ، إذ كما أنّ الإيجاب بنفسه ليس سببا للملك ، كذلك عقد الفضولي ، فإنّه لا يترتب عليه الأثر إلّا برضا المالك ، فكلّ من القبول والرضا جزء علّة الملك ، غاية الأمر أنّ القبول جزء المقتضي ، والرضا شرط تأثير المقتضي.

وعلى هذا فلا فرق في كون العقد سببا تامّا بين الإجازة والقبول ، إذ المراد بالسببية التامة هو إمضاء الشارع للعقد ، والحكم بتحقق مقتضاه في وعاء الاعتبار ، والمفروض تركّب هذا السبب التام من إيجاب وقبول ، ومقتضى الإيجاب هو النقل من زمانه ، ومقتضى القبول هو الرضا بذلك النقل الخاص. وبتحقق هذا الإيجاب والقبول يتم موضوع إمضاء الشارع ـ الذي هو منشأ انتزاع سببية العقد ـ ووقوع مضمون العقد على حسب مقتضاه ، وهو النقل في زمان الإيجاب ، ويتعيّن كون القبول رضا بهذا النقل الخاص.

ويتجه الاستشهاد بالقبول على عدم كون الإجازة كاشفة ، إذ لم يقل أحد بأنّ وجوب الوفاء بالعقود يقتضي ترتيب الأثر ـ كالنقل والانتقال ـ على الإيجاب من زمان وقوعه ، فلا بدّ أن يكون وجوب الوفاء بعقد الفضولي بعد الإجازة مقتضيا لترتب مقتضاه عليه من زمان لحوق الإجازة ، لا من زمان العقد.

(١) أي : سببية العقد للملك ، وضمير «لمقتضاه» في الموضعين راجع الى «العقد».

(٢) وهو زمان الإيجاب.

(٣) أي : النقل الحاصل من زمان الإيجاب ، والمراد بالرضا هو القبول.

(٤) جواب الشرط في قوله : «فإذا فرض».

(٥) والحاصل : أنّ الزمان غير مأخوذ في الإيجاب إلّا ظرفا لا قيدا ، إذ لو كان مدلول إنشاء الموجب «بعتك الكتاب بدينار» هو تمليكه من هذه الحال ، وكان القبول رضا بهذا الإيجاب لزم كون إمضاء الشارع ـ سببية العقد للتمليك ـ من حين الإيجاب ، إذ ليس الإمضاء إلّا تنفيذا للإيجاب والقبول. مع أنّه لا سبيل للالتزام بحصول الملك من


ولأجل ما ذكرنا (١) أيضا (٢) لا يكون فسخ العقد إلّا انحلاله من زمانه (٣) ، لا من زمان العقد ، فإنّ الفسخ نظير الإجازة ، والرد (٤) لا يتعلّق إلّا بمضمون العقد ، وهو النقل من حينه (٥). فلو كان زمان وقوع النقل مأخوذا في العقد على

______________________________________________________

زمان الإيجاب. فليكن الأمر في عقد الفضولي كذلك ، أي : حصول الملك من حينها لا من زمان العقد.

هذا تمام الكلام في النقض بالقبول ، واتحاد حكمه مع الإجازة في عدم كاشفيتهما عن ترتب الأثر قبل تحققهما.

(١) أي : ولأجل ما ذكرنا ـ من فرض مقتضى العقد مركّبا من نقل في زمان ورضا بذلك النقل ، وكون مقتضى العقد الملك بعد الإيجاب ـ لا يكون فسخ العقد إلّا انحلاله من زمان الفسخ.

وغرضه إقامة شاهد آخر على عدم سببية العقد للملكية المقيّدة بحصولها من حين العقد حتى تكون الإجازة كاشفة عنها ، وبيان هذا الشاهد : انّهم قالوا بكون الفسخ في العقد الخياري حلّا للعقد من زمان الفسخ ، حيث إنّ الفسخ في مقابل الإجازة. فكما أنّ الإجازة تثبت العقد وتوجب الملك من حين الإجازة ، فكذلك الفسخ ينفي العقد ويزيله من حين تحقق الفسخ.

فلو كان الزمان دخيلا في مفهوم العقد لزم كون الفسخ مزيلا للملك الحاصل بالعقد ، فكأنّه لم يوجد العقد أصلا ، مع أنّهم جعلوا الفسخ انحلالا له من حينه ، لا من حين العقد. وهذا كاشف عن عدم كون العقد مملّكا من حينه بنحو التقييد ، وإنّما هو سبب للملكية المرسلة المعرّاة عن اعتبار الزمان ، فكذلك لا تكون الإجازة كاشفة عن حصول الملك حال العقد.

(٢) يعني : كما لا يكون القبول قبولا للملك من حين الإيجاب ، فكذا الفسخ .. إلخ.

(٣) أي : من زمان الفسخ.

(٤) مبتدء ، و «لا يتعلق» خبره ، و «من حينه» متعلق «بمضمون». يعني : والرّد لا يتعلق بشي‌ء إلّا بمضمون العقد من حين الرّد ، لا من حين إنشاء العقد.

(٥) يعني : بنحو القضية الحينية لا على وجه القيدية ، إذ لو كان الزمان قيدا للنقل كان الفسخ موجبا لنفي الآثار والأحكام من حين العقد. مع أنّه ليس كذلك ، إذ المسلّم


وجه القيديّة لكان ردّه وحلّه موجبا للحكم بعدم الآثار من حين العقد.

والسّرّ في جميع ذلك (١) ما ذكرنا من عدم كون زمان النقل إلّا ظرفا ، فجميع ما يتعلّق بالعقد من الإمضاء والرّد والفسخ إنّما يتعلّق بنفس المضمون (٢) ، دون المقيّد بذلك الزمان.

والحاصل (٣) : أنّه لا إشكال في حصول الإجازة بقول المالك : «رضيت بكون مالي لزيد بإزاء ماله» أو «رضيت بانتقال مالي إلى زيد»

______________________________________________________

عند الأصحاب كون الفسخ حلّا للعقد وقاطعا لاستمراره من حين حصول الفسخ ، لا حلّا لأصل العقد من حين وقوعه ، فالمقابل للفسخ هو إبقاء العقد والالتزام به.

(١) أي : من عدم تعلق الإجازة بمضمون العقد من زمان وقوع العقد ، ومن كون الفسخ انحلال العقد من زمان الفسخ ، ومن أنّ الرّد لا يتعلّق إلّا بمضمون العقد من حين الرد.

ومحصل الوجه في جميع ذلك هو عدم تقيد مضمون العقد بالزمان بحيث لا يكون زمان إنشاء العقد قيدا له ، بل ظرفا له ، فلا محالة يتعلق الإمضاء والرد والفسخ بنفس مضمون العقد مجرّدا عن الزمان.

(٢) أي : بدون ملاحظة تقيده بزمان وقوع العقد.

(٣) أي : حاصل ما تقدم ـ من عدم قيدية الزمان للنقل ، ومن عدم قيدية الزمان لمفهوم الإيجاب ـ هو : أنّه لا إشكال .. إلخ. وهذا الحاصل يتضمن نقضا ثالثا على أخذ الزمان قيدا في العقد.

وبيانه : أنه سيأتي في ثاني تنبيهات الإجازة جواز إنشائها بكلّ ما يدلّ على الرضا بنفس العقد الفضولي أو بنتيجته ، فيجوز تنفيذ العقد بمثل قوله : «أجزت أو رضيت بالعقد». ويجوز تنفيذ نتيجة العقد إمّا بالقول كأن يقول : «رضيت بكون مالي لزيد بكذا» أو «رضيت بانتقال مالي لزيد». أو بالفعل الدال عليه ، بأن يسلّم المبيع إلى المشتري ، أو بتمكين المرأة ـ المزوّجة فضولا ـ نفسها من الزوج. فإنّ الفعل كاشف عن الرضا بأثر العقد ، لا بنفسه حتى يدلّ على اجازة العقد المقيّد بالزمان.

وبناء على هذا نقول : لو كان الزمان ملحوظا قيدا في العقد لزم أحد أمرين


وغير (١) ذلك من الألفاظ (٢) التي لا تعرّض فيها لإنشاء الفضولي فضلا عن زمانه (٣).

كيف (٤)؟ وقد جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها إجازة منها.

______________________________________________________

لا سبيل للالتزام بشي‌ء منهما :

الأوّل : إنشاء الإجازة بخصوص الألفاظ الدالة على تنفيذ العقد الفضولي مثل «أجزت أو أنفذت العقد» حتى يكون مفاده الرضا بالنقل المقيّد بزمان عقد البيع ، فلا يجوز إنشاء الإجازة بما يدلّ على قبول نتيجة العقد.

الثاني : التفصيل في ألفاظ الإجازة ، بأن يقال : بجواز إنشائها بكل ما يقتضي الرضا بالعقد وبأثره ، لكنها إن تعلّقت بالعقد كقوله : «أجزت العقد» كانت كاشفة عن النقل المقيّد بزمان العقد. وإن تعلّقت بنتيجة العقد كقوله : «رضيت بكون مالي لزيد بكذا» لم تكشف عن النقل المقيّد ، بل تكشف عن نفس النقل.

وكلا الأمرين ممنوع. أمّا الأوّل فلتصريحهم بجواز إنشاء الإجازة بالفعل كالتمكين ممّا لا يكشف إلّا عن الرضا بمضمون العقد.

وأمّا الثاني فلأنّ القائل بكاشفية الإجازة لم يفرّق بين ألفاظها من حيث ظهور اللفظ في إمضاء العقد أو أثره.

وببطلان الأمرين يظهر عدم صحة المبنى ، وهو كون العقد سببا للنقل المقيّد بزمانه.

(١) معطوف على «قول المالك» أي : وبغير «رضيت» من ألفاظ الإجازة التي لا تتعرّض لإنشاء الفضولي.

(٢) مثل «قبلت نقل مالي إلى زيد بكذا» حيث إنه غير متعرض لتنفيذ إنشاء الفضولي حتى يدل على زمان حصول النقل.

(٣) أي : زمان الإنشاء.

(٤) يعني : كيف يمكن اعتبار دلالة ألفاظ الإجازة على زمان إنشاء العقد؟ مع أنّ الفقهاء جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها إجازة منها لعقد نكاحها ، مع أنّ التمكين فعل


ونحو (١) ذلك. ومن المعلوم أنّ الرضا يتعلّق بنفس نتيجة (٢) العقد من غير ملاحظة زمان نقل الفضولي.

______________________________________________________

لا يدلّ على الرضا بالنكاح المقيّد بوقوعه في زمان كذا.

قال المحقق قدس‌سره ـ فيما لو زوّج الأخوان أختهما من دون أن توكّلهما في ذلك ـ ما لفظه : «وإن لم تكن أذنت لهما أجازت عقد أيّهما شاءت. وبأيّهما دخلت قبل الإجازة كان العقد له».

وقال الشهيد الثاني في شرح المسألة : «ويعلم من ذلك أنّ الإجازة تصحّ أن تكون فعلية. فلو تصرّف المالك في ثمن ما بيع من ماله فضولا بعد علمه بالحال ، أو في المثمن المشتري له كذلك ، كان إجازة بطريق أولى ، لأنّ النكاح أولى بمراعاة جانب الاحتياط ، وصيانة تصرف المسلم عن المحرّم مشترك بينهما» (١).

والمقصود أنّ الأخ لمّا لم يكن له ولاية على تزويج أخته كان العقد فضوليا ، والمفروض أنّ كلّ واحد من الأخوين زوّج أخته من رجل ، فلها إجازة أيّهما شاءت ، أو ردّهما معا ، فإن أجازت بقولها : «أجزت عقد الأخ الأكبر» مثلا فلا كلام.

وإن مكّنت نفسها من أحد الزوجين كان تمكينها إجازة فعليّة. وغرض المصنف من التعرض لهذا الفرع الاستشهاد به على كفاية إمضاء نتيجة العقد في الإجازة ، وعدم اعتبار تنفيذ الزوجية المنشئة بالعقد من حينه.

(١) معطوف على «تمكين» أي : ونحو التمكين ، كسكوتها إذا عقد عليها من دون إذنها السابق ، فإنّه يكفي هذا السكوت في الإمضاء ، ولا حاجة الى الإجازة القولية. قال المحقق قدس‌سره : «ويقتنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها» (٢).

(٢) وهي معنى الاسم المصدري ، كانتقال كلّ من العوضين عن صاحبه إلى الآخر.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، مسالك الأفهام ، ج ٧ ، ص ١٩٤ ، ولا حظ أيضا جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢٣٢ ، ونحوه كلامه في ص ٢٣٧.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٧٨.


وبتقرير آخر (١) (*) : أنّ الإجازة من المالك قائمة مقام رضاه وإذنه المقرون بإنشاء الفضولي ، أو مقام نفس إنشائه ، فلا يصير المالك بمنزلة العاقد إلّا

______________________________________________________

(١) محصل هذا التقرير ـ المغاير للتقرير الأوّل الذي مناطه عدم قيدية الزمان لمضمون العقد ـ هو : أنّ إجازة المالك قائمة مقام رضا المالك وإذنه المقرون بإنشاء الفضولي ، وموجبة لصيرورة المالك منزلة العاقد. فالإجازة إمّا شرط للعقد ، لكونها قائمة مقام الإذن الذي هو شرط للعقد. وإما جزء سبب الملك ، لكونها قائمة مقام إنشاء نفس المالك بناء على كون الإجازة عقدا جديدا ولو من حيث الإيجاب على ما عن بعض.

فهذا التقريب ملزوم التقريب السابق ، لأنّ بناء هذا التقريب على شرطية الإجازة للعقد ، كشرطية الإذن والرضا له ، أو على جزئيتها للعقد.

وبناء التقريب السابق على ظرفية الزمان للنقل لا قيديته له ، ومقتضاه وقوع النقل من زمان الإجازة. ووقوعه من حين الإجازة من لوازم دخل الإجازة جزءا أو شرطا في العقد ، إذ لو لم يكن للإجازة دخل أصلا ـ لا جزءا ولا شرطا ـ كان وقوع النقل قبل الإجازة.

__________________

(*) لا يخفى أنّ السيد قدس‌سره أورد على هذا التقرير بأنّه وجه آخر ، وليس له ، ربط بالتقرير الذي مناطه عدم دخل الزمان في مفهوم العقد ، حيث إنّه يجتمع مع فرض دخل الزمان في مفهومه. فهذا التقرير وجه آخر وجواب مستقل عن دليل المحقق الثاني قدس‌سره هذا (١).

لكن الظاهر اتّحاد التقريرين ، ورجوع الثاني إلى الأوّل ، لكون الثاني ملزوما للأوّل ، حيث إنّ دخل الإجازة في تأثير العقد ـ لكونها جزء السبب أو شرطا اصطلاحيا له ـ يوجب إناطة المشروط أو المسبب بها ، وامتناع حصوله قبل الإجازة ، وإلّا لزم الخلف ، ولازم هذه الإناطة عدم أخذ الزمان دخيلا في مفهوم العقد ، وإلّا كانت الإجازة كاشفة عن تحقق أثر العقد حين صدوره من الفضولي ، لا مؤثرة فيه بسببيتها أو شرطيتها.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٥١.


بعد الإجازة ، فهي (١) إمّا شرط أو جزء سبب للملك.

وبعبارة أخرى : المؤثّر هو العقد المرضيّ به ، والمقيّد من حيث إنّه مقيّد لا يوجد إلّا بعد القيد (٢) ، ولا يكفي في التأثير وجود ذات المقيّد (٣) المجرّدة عن القيد.

وثانيا (٤) : أنّا [فلأنّا] لو سلّمنا عدم كون الإجازة

______________________________________________________

(١) أي : الإجازة إمّا شرط أو جزء سبب الملك كما مرّ آنفا.

(٢) وهو رضا المالك ، والمراد بالمقيّد هو العقد المرضي به.

(٣) وهي عقد الفضولي ، فإنّه لا يؤثر بدون قيده وهو رضا المالك.

(٤) معطوف على قوله : «أوّلا : أنّ الإجازة وإن كانت رضا بمضمون العقد ، إلّا أنّ مضمون العقد .. إلخ» وهذا ثاني الوجوه الثلاثة التي أجاب بها عن ثاني الأدلة على كاشفية الإجازة.

__________________

والحاصل : أنّ دخل الإجازة ـ التي هي كالإذن ـ في تأثير العقد يكشف عن كون مضمون العقد هو صرف النقل ونتيجته من دون تقيّده بزمان.

وبهذا البيان يرجع قوله قدس‌سره : «وبتقرير آخر ان الإجازة من المالك» إلى الوجه الأوّل ، ويصير بيانا آخر له ، لا جوابا مستقلّا ، فتدبّر.

ويمكن أن يكون التقرير الآخر بيانا ثانيا لما ذكره بقوله : «والحاصل» لا تقريرا لأصل الإيراد المتقدم بقوله : «أوّلا». وبيانه ـ على ما أفاده المحقق الأصفهاني قدس‌سره ـ : أن الإجازة لمّا كانت جزء السبب المؤثر أو شرطه امتنع تعلّقها بنفس العقد الذي مدلوله النقل المقيّد بالزمان ، بل لا بدّ من تعلّقها بنتيجة العقد ، وهي الملكية الخالية عن اعتبار الزمان ، لئلّا يلزم محذور تأخر العلّة عن معلولها ، وذلك لأنّ الإجازة إن أثّرت في حصول الملكية المقيدة لزم تأخر العلة عن معلولها. وإن أثّرت في حصول الملكية حال الإجازة لزم عدم كونها إجازة لمضمون العقد ، الذي فرض تقيده بزمان العقد ، بل كانت إجازة لبعض مضمونه وهو أصل الملكية ، مع أنّه لا وجه لهذا التبعيض. فيتعيّن تعلق الإجازة دائما بنتيجة العقد ، وهي معرّاة عن اعتبار زمان خاصّ (١).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٤٧


.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا الوجه الثاني ناظر إلى منع الأمر الثاني من الأمور الثلاثة التي تألّف منها دليل المحقق القمي ، وذلك الأمر هو قوله قدس‌سره (في ص ١٦ و ١٧) : «فهي رضا بمضمونه ، وليس إلّا نقل العوضين من حينه» ولكنه ببيان آخر كما سيتّضح إن شاء الله تعالى.

وينبغي قبل توضيح أصل الإيراد تقديم أمر يتضمن بيان كيفية دخل الإجازة في العقد ، وأنّه بنحو الاشتراط أو الانقلاب ليمتاز مبنى هذا الإيراد عمّا كان عليه الإيراد الأوّل ، فنقول وبه نستعين : إنّ الإجازة تارة تكون بنفسها وبوجودها المتأخر ـ عن وجود العقد ـ دخيلة دخل الشرط في حصول المشروط. وقد تقدم في الإيراد الأوّل امتناعه ، لاستحالة تأخر المشروط عن الشرط. واخرى لا تكون الإجازة شرطا لحصول الملكية ، لفرض كون السبب المؤثر فيه نفس العقد ، ولكن الإجازة متمّمة للعقد الذي هو السبب المستقل في التأثير ، فهي تجعله سببا تامّا.

وهذا يتصور على نحوين : فتارة تكون الإجازة علّة لتمامية العقد من حين صدوره ، بحيث تستند تماميته في السببية إلى الإجازة المتأخرة ، وهذا أيضا ممتنع بمناط استحالة تأخر العلة التامة عن معلولها وهو الملكية. واخرى يكون العقد علّة ناقصة إلى زمان الإجازة ، ولا يترتب الملكية عليه. ولكن بمجرد تحققها ينقلب العقد عمّا وقع عليه ـ من صفة عدم التأثير ـ ويترتب الملك عليه من حينه ، لا من حين الإجازة.

وهذا النحو من الكشف الانقلابي جعله المصنف قدس‌سره محورا للايرادين ، فأورد عليه باستحالته ثبوتا كما سيأتي في قوله : «وثالثا» ، وبعدم وفاء مقام الإثبات به ، كما أفاده في قوله : «وثانيا .. لكن نقول ..»

ومن هنا يظهر أنّ المناسب تقديم المحذور الثبوتي على الإثباتي ، لتقدمه عليه طبعا ، بأن يذكر في الإيراد الثاني امتناعه ثبوتا ، فيبطل أساس القول بالكشف بعد استقصاء أنحاء دخل الإجازة. وأن يذكر في الإيراد الثالث قصور مقام الإثبات. وهذا غير مهم ، إنّما اللازم تحقيق أصل المطلب.

إذا عرفت ما ذكرناه من مبنى هذا الإيراد الثاني فنقول : محصّل ما أفاده المصنف قدس‌سره فيه : أنّا وإن سلّمنا كون مضمون العقد هو النقل المقيّد بالزمان ، وسلّمنا أيضا تعلق الإجازة بهذا المضمون. إلّا أنّه لا يترتّب عليه الملكية الشرعية ، لتوقفها على


اصطلاحيا (١) ـ ليؤخذ فيه تقدّمه على المشروط ، ولا جزء (٢) سبب ، وإنّما (٣) هي من المالك محدثة للتأثير في العقد السابق ، وجاعلة له سببا تامّا حتّى كأنّه وقع (٤) مؤثّرا ، فيتفرّع عليه (٥) أنّ مجرّد رضا المالك بنتيجة العقد أعني محض الملكيّة

______________________________________________________

إمضاء الشارع ، ومن المعلوم أنّ هذا الإمضاء يتوقف على إجازة المالك حتى يصير عقد الفضولي عقده كي يشمله مثل عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فالملكية الشرعية تحدث في زمان الإمضاء ، لا في زمان الإنشاء ، فكيف تكون الإجازة كاشفة عن حصول النقل حال العقد؟

(١) حتى يتوقف وجود المشروط على تقدم وجود الشرط عليه عقلا. وهذا هو أوّل أنحاء دخل الإجازة في سببية العقد للملكية ، وهو مبنى الإيراد الأوّل.

(٢) معطوف على «شرطا» وليس المراد بجزء السبب ما هو ظاهره من كون الإجازة ناقلة ، لكونها بعض المؤثر ، وبعضه الآخر هو العقد ، بل المراد به ما يلتئم مع كاشفية الإجازة ، وهو النحو الثاني المتقدم بيانه آنفا ، أعني به كون سبب الملكية هو العقد فحسب ، ولكن الإجازة المتأخرة متمّمة لسببيته من حين صدوره.

وقلنا باستحالته لامتناع تأخر العلّة التامة ـ أي العقد الذي تؤثر الإجازة في تمامية عليته للملكية ـ عن معلولها.

(٣) أي : وإنّما الإجازة محدثة للتأثير وجاعلة له سببا تامّا من حين صدوره ، بعد أن كان سببا ناقصا إلى زمان الإجازة فبالإجازة تتقلب العلة الناقصة إلى التامّة. وهذا ثالث أنحاء دخل الإجازة بنحو الكشف ، وهو مبنى هذا الإيراد الثاني كما تقدّم آنفا.

(٤) يعني : وقع العقد مؤثّرا من زمان وقوعه.

(٥) أي : فيتفرّع على القول بأنّ الإجازة تكون محدثة للتأثير في العقد السابق : أنّ مجرّد الرضا .. إلخ. وغرض المصنف قدس‌سره بيان لازم ثالث أنحاء دخل الإجازة في العقد.

وتقريبه : أنّ كون الإجازة موجبة لانقلاب العقد الناقص بالتام يتوقف على إجازة نفس العقد بأن يقول المجيز : «نفّذت عقد الفضولي» ونحوه. ولا يكفي إنشاء الرضا بأثر العقد بأن يقول : «رضيت بأن يكون مالي لزيد بكذا» وجه عدم الكفاية : أن المقصود من الإجازة تتميم السبب الناقص بالانقلاب ، والسبب هو العقد لا نتيجته ، فالرضا بالنتيجة لا ينفع القائل بكاشفية الإجازة.


من (١) غير التفات إلى وقوع عقد سابق ، ليس (٢) بإجازة ، لأنّ (٣) معنى إجازة العقد : جعله جائزا نافذا ماضيا (٤) ـ لكن (٥) نقول : لم يدلّ دليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك على هذا الوجه (٦) (*).

______________________________________________________

ولا يخفى أنه قد تقدم (في ص ٤٤ ـ ٤٢) في ردّ ثاني وجهي الكشف فساد التفصيل بين تعلق الإجازة بالعقد وبين تعلقه بنتيجته ، وهو كاف لبطلان ما نحن فيه أعني به كون الإجازة جاعلة للعقد سببا تامّا مؤثرا من حين وقوعه.

(١) متعلق برضا المالك بنتيجة العقد ، بأن لا تكون الإجازة رضا بالعقد.

(٢) خبر قوله : «انّ مجرّد».

(٣) تعليل لعدم كون الرضا بالنتيجة إجازة مفيدة ، فلا يترتب أثر الصحة على العقد الفضولي الذي تعلقت إجازة المالك بنتيجة العقد.

(٤) مع أنّه لا وجه للالتزام به ، لتصريحهم بكفاية إظهار الرضا بالعقد أو بأثره.

(٥) استدراك على قوله : «فلأنّا لو سلّمنا» وهذا هو الإيراد الثاني ، ومحصله : أنه ـ بعد تسليم كون مضمون العقد مقيدا بالزمان ، وأنّ الإجازة متمّمة لسببية العقد ـ أنه لا يمكن القول بترتب الملكية الشرعية من زمان العقد حتى يجب على المالك المجيز الوفاء بالعقد ، وذلك لأنّ الملكية الشرعية منوطة بإمضاء الشارع ، وهو متوقف على إجازة المالك ، حتى يصير العقد بسببها عقد المالك ، لأنّ المخاطب بوجوب الوفاء هو المالك الذي أضيف إليه العقد ، ومن المعلوم إناطة هذه الإضافة بالإجازة ، وبإجازته يتحقق موضوع إمضاء الشارع.

ولا دليل على كون إمضاء الشارع لإجازة المالك موجبا للملكية الشرعية من زمان العقد ، بل هو موجب للملكية الشرعية بعد إجازة المالك.

وبالجملة : فتقيد مضمون العقد بالزمان وعدم كون الإجازة شرطا اصطلاحيا لا يوجبان كاشفية الإجازة.

(٦) أي : جعل العقد السابق ماضيا ونافذا من حين حدوثه.

__________________

(*) يكفي في دلالة دليل الإمضاء على جعل العقد السابق نافذا من حين حدوثه كون إنشاء الملك من العاقد الفضولي في زمان ، وتعلّق الإجازة بذلك الإنشاء دون غيره ، إذ


لأنّ (١) وجوب الوفاء بالعقد تكليف يتوجّه إلى العاقدين ، كوجوب الوفاء بالعهد

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم إمضاء الشارع إجازة المالك على هذا الوجه ، ومحصله : أنّ فعلية كل حكم منوطة بوجود موضوعه ، ومن المعلوم أنّ وجوب الوفاء بالعقد حكم تكليفي منوط بوجود موضوعه وهو العاقد. ولا ريب في أنّ المالك الأصيل لا يصير عاقدا ـ حتى يشمله عموم وجوب الوفاء بالعقود ـ إلّا بعد أن يجيز عقد الفضولي ، إذ الإجازة توجب إضافة العقد إليه ، وصحة حمل «العاقد» عليه ، وتوجّه وجوب الوفاء بالعقد إليه ، وانتزاع الملك الشرعي من هذا الحكم الشرعي وهو وجوب الوفاء.

وبالجملة : فالملكية الشرعية الفعلية مترتبة على الحكم التكليفي أعني به وجوب الوفاء الذي موضوعه العاقد الذي هو صفة المالك بالإجازة. وهذه السلسلة المترتبة تقضي بتوقف الملكية الفعلية الشرعية على الإجازة. وعليه فلا ملكية قبل الإجازة حتى تكون الإجازة كاشفة عن تحققها بالعقد حين صدوره من الفضولي.

__________________

المفروض وجود المعلول بمجرد وجود علّته ، وعدم إمكان إهمال المعلول وهو الملكية الإنشائية. وحيث إنّ هذه الملكية هي الملكية المرضية للمالك الممضاة شرعا فلا مانع من اعتبار الملكية الشرعية أيضا من حين حدوث العقد.

ولا غرو في كون الاعتبار متأخّرا والمعتبر متقدّما ، فإنّ الأمر الاعتباري الذي لا وعاء له إلّا عالم الاعتبار يوجد في وعائه بنفس الاعتبار. فقد يكون زمان الاعتبار والمعتبر ومتعلقة متّحدا كوجوب الصلاة عند الدلوك ، فإنّ زمان الاعتبار والمعتبر ـ وهو الحكم ـ وزمان المتعلق وهو الصلاة واحد ، لكون زمان جميعها ـ وهو الزمان المتخلل بين الزوال والغروب ـ متحدا.

وقد يكون زمان الاعتبار متقدما وزمان المعتبر متأخرا ، كالوصية ، فإنّ الموصى يعتبر فعلا مالكية الموصى له للمال بعد موته ، فالإعتبار قبل الموت فعلي ، والمعتبر وهو الملكية تعليقي ، ولا يصير فعليّا إلّا بعد الموت.

والفرق بين الوصية والواجب التعليقي هو : أن المعتبر ـ وهو الوجوب في الواجب التعليقي ـ فعليّ ، ومتعلّقه أمر متأخر استقبالي ، ولذا يجب تحصيل مقدمات الواجب


والنذر ، ومن المعلوم أنّ المالك لا يصير عاقدا أو بمنزلته إلّا بعد الإجازة ، فلا يجب الوفاء إلّا بعدها. ومن المعلوم أنّ الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي ، فما لم يجب الوفاء فلا ملك (١) (*).

وممّا ذكرنا (٢) يعلم عدم صحّة الاستدلال للكشف بدليل وجوب الوفاء

______________________________________________________

(١) إذ المفروض ترتبه على وجوب الوفاء المتوقف على الإجازة. فقبل الإجازة لا ملك حتى تكشف هي عنه ، لعدم وجود منشأ لانتزاعه وهو الحكم التكليفي.

(٢) أي : ومن تبعية الملك الشرعي للحكم الشرعي ـ وهو وجوب الوفاء ـ يعلم عدم صحة الاستدلال ـ كما عن جماعة لكاشفية الإجازة ـ بدليل وجوب الوفاء بالعقود ،

__________________

المعلّق ، بخلاف باب الوصيّة ، فإنّ المعتبر ـ وهو ملكية المال للموصى له فيه ـ غير فعلي ومتأخر عن الاعتبار ، لإناطته بالموت.

وقد يكون الاعتبار متأخرا والمعتبر متقدما ، فيعتبر في هذا الآن الملكية قبل شهر مثلا. ومع إمكان هذا الاعتبار لا مانع من الالتزام بذلك في عقد الفضولي ، والقول بحصول اعتبار الملكية حين تحقق عقد الفضولي بعد صدور الإجازة من المالك.

أقول : هذا الذي أفاده سيدنا الخويي قدس‌سره ـ على ما في تقرير بحثه الشريف (١) ـ متين في نفسه. لكن تطبيقه في المقام مشكل ، إذ المفروض دخل رضا المالك في اعتبار الملكية جزءا أو شرطا ، فإذا كان اعتبار الملكية منوطا برضاه ، فكيف يصح اعتبارها في الأزمنة السابقة على رضاه؟ فإنّ لازم صحة اعتبار الملكية في الزمان المتقدم على الرضا هو إلغاء دخل الرضا في اعتبار الملكية. وهذا خلاف ما فرضناه من دخل الرضا في اعتبارها بنحو من أنحاء الدخل ، فيلزم تقدم الحكم على الموضوع ، وهو في الاستحالة كتقدم المعلول على علته التكوينية.

(*) إذ الملكية بناء على ما أفاده قدس‌سره منتزعة من الحكم التكليفي. وفيه بحث مذكور في الأصول.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ٤ ، ص ١٤١ ـ ١٤٣.


بالعقود ، بدعوى (١) «أنّ الوفاء بالعقد والعمل بمقتضاه هو الالتزام بالنقل من حين العقد».

وقس (٢) على ذلك ما لو كان دليل الملك عموم (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) فإنّ (٣) الملك ملزوم (*) لحلّية التصرّف ، فقبل الإجازة لا يحلّ التصرّف ، خصوصا (٤)

______________________________________________________

وتقدّم الاستدلال بهذه الآية على الكشف في ما نقله عن جامع المقاصد والروضة وغيرهما.

(١) متعلق ب «الاستدلال» وتقريب له ، وحاصله : أنّ الوفاء بالعقد الواقع من الفضولي بعد حصول الإجازة من المالك يتحقق بالالتزام بالنقل من حين وقوع العقد لا من حين الإجازة.

(٢) هذا الكلام من المصنف قدس‌سره ، يعني : وقس على الاستدلال بآية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ـ على كاشفية الإجازة ـ ما لو كان دليل الملك عموم (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ).

(٣) هذا وجه عدم الاستدلال بآية (أَوْفُوا) ونظائرها ، وحاصله : أنّ الملك يتبع التكليف وهو الحلّ الذي يتوقف على الإجازة ، فقبل الإجازة لا ملكية حتى تكون الإجازة كاشفة عنها ، خصوصا مع العلم بعدم رضا المالك ، فإنّه لا إباحة أيضا للتصرف ، لانتفائها مع العلم بعدم الرضا ، أو مع التردد في الفسخ والإمضاء ، إذ لا بدّ في جواز التصرف من إحراز الرضا.

(٤) الوجه في الخصوصية واضح ، إذ المستفاد من مثل «لا يحل لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» هو اعتبار إحراز الإذن بإظهاره بقول أو فعل. نعم لو علم رضا المالك بالتصرف فيما اشتراه من الفضولي أمكن القول بخروجه موضوعا عن عقد الفضولي ، على ما تقدّم تفصيله في أوّل المسألة ، أو القول بجواز التصرف للعلم برضاه. وأما إذا علم كراهته لما صنعه الفضولي أو علم تردّده بين فسخه وإمضائه لم تبق ذريعة للتصرف في ماله ، لكفاية حديث الحلّ في إثبات حرمته.

__________________

(*) الظاهر أن الأولى إبداله ب «لازم» بناء على ما تقدّم منه قدس‌سره من أنّ الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي.


إذا علم عدم رضا المالك باطنا ، أو تردّده في الفسخ والإمضاء.

وثالثا (١) : سلّمنا دلالة الدليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك على طبق مفهومها (*) اللغوي والعرفي أعني جعل العقد السابق جائزا ماضيا ،

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «أوّلا : بأن الإجازة وإن كانت رضا بمضمون العقد .. إلخ» وهذا ثالث الوجوه الثلاثة التي أجاب بها عن ثاني أدلة الكشف المتقدم في (ص ١٦). وهذا الوجه الثالث ناظر إلى ردّ ثالث الأمور التي تألّف منها هذا الدليل.

ومحصله : أنّه ـ بعد تسليم كون مورد إمضاء الشارع العقد المجاز ، وأنّ مفهوم الإجازة جعل العقد السابق ماضيا ونافذا من حين وقوعه ، كما هو مقتضى كلام المحقق القمي : «وليس إلّا نقل العوضين من حينه» وأنّ معنى الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه بمعنى ترتيب الأثر عليه من زمان صدوره من العاقد الفضولي ـ نقول : فيه أوّلا : أنّ الإجازة وإن كانت موجبة لنفوذ العقد السابق ، لكنّها لا توجب نفوذه من حين وقوعه. كما أنّ مفهوم القبول مع كونه رضا بمفهوم الإيجاب لا يوجب ترتب الأثر عليه من زمان الإيجاب.

وثانيا : أنّه لو كانت الإجازة موجبة لنفوذ العقد من حين وقوعه ، فلا بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور ، لكونه غير معقول ، لاستحالة انقلاب الشي‌ء عمّا وقع عليه ، فإنّ عقد الفضولي لم يقع حين حدوثه مؤثّرا ، فكيف يصير مؤثرا بعد ذلك من زمان وقوعه؟

وبالجملة : فدلالة الاقتضاء تصرفه إلى ما يمكن الالتزام به من ترتيب آثار الملك على العقد المجاز كما سيتضح ذلك عند تعرض المصنف له.

__________________

(*) لا يخفى أنّ المستدلّ لم يدّع دلالة إجازة المالك على تأثير العقد من حين وقوعه ، حتى يدل دليل الإمضاء على إمضاء ما يدلّ عليه الإجازة. بل ادّعى أنّ مضمون نفس العقد هو تأثيره من حين وقوعه. لا أن مفهوم الإجازة ذلك ، ووقع إمضاء الشارع على طبق مفهوم الإجازة. فجوابه حينئذ ما تقدّم سابقا من منع قيدية الزمان للعقد.

نعم قوله : «سلّمنا دلالة الدليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك» وارد على الاستدلال على الكشف بدليل وجوب الوفاء بالعقود ، بدعوى : أنّ الوفاء بالعقد هو الالتزام بالنقل من حين العقد.


بتقريب (١) أن يقال : إنّ معنى الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه ومؤدّاه العرفي (٢) ، فإذا صار العقد بالإجازة (٣) كأنّه (٤) وقع مؤثّرا ماضيا ، كان (٥) مقتضى العقد المجاز عرفا ترتّب (٦) الآثار من حينه (٧) ، فيجب شرعا العمل به على هذا الوجه (٨). لكن نقول : ـ بعد الإغماض (٩) عن أنّ مجرّد كون الإجازة بمعنى جعل العقد السابق جائزا نافذا لا يوجب (١٠) كون مقتضى العقد ومؤدّاه العرفي

______________________________________________________

(١) هذا التقريب هو مدّعى القائل بالكشف ، وقد تقدم آنفا بقوله : «بدعوى أن الوفاء بالعقد ، والعمل بمقتضاه .. إلخ».

(٢) وهو النقل المجرّد عن لحاظ زمان وقوعه.

(٣) الباء للسببيّة ، يعني : إذا صار العقد بسبب الإجازة كأنّه وقع مؤثرا ماضيا ـ بعد أن لم يكن في نفسه مؤثرا ـ كان مقتضى العقد المجاز ترتيب الآثار من حين وقوعه.

(٤) جملة «كأنّه وقع مؤثرا ماضيا» خبر قوله : «صار العقد».

(٥) جواب الشرط في قوله : «فإذا صار» غرضه أنّ مؤثرية العقد من حين حدوثه ناشئة من الإجازة العارضة له ، لما مرّ آنفا من كون الزمان ظرفا للعقد ، لا قيدا له ، وتقيده بالزمان نشأ من ناحية الإجازة الموجبة لكون العقد مؤثّرا من زمان حدوثه.

(٦) خبر قوله : «كان مقتضى».

(٧) أي : من حين العقد ، لأنّ الإجازة جعلته مؤثرا من حينه ، على ما ادّعاه المستدلّ.

(٨) أي : جعل العقد السابق المجاز ماضيا مؤثّرا من حين صدوره من الفضولي.

(٩) هذا إشارة إلى الجواب الأوّل الذي بيّناه بقولنا : «فيه أوّلا : أنّ الإجازة وإن كانت موجبة لنفوذ العقد السابق .. إلخ» وهو نقض الإجازة بالقبول ، وقد تقدم تفصيله في (ص ٣٤) عند مناقشة دليل الكشف ، فراجع.

(١٠) خبر «أن مجرّد» ووجه عدم الإيجاب هو : أن معنى الإجازة لغة وعرفا ليس ترتب الأثر من حين العقد. كما أنّ العقد أيضا ليس الزمان قيدا له ، والمفروض أنّ ترتب الأثر من حين وقوع العقد منوط بأحد الأمرين ، وهما قيدية الزمان للعقد ، ودخله في مفهوم الإجازة لغة أو عرفا.


ترتّب (١) الأثر من حين العقد ، كما أنّ كون مفهوم القبول رضا بمفهوم الإيجاب وإمضاء له لا يوجب ذلك (٢) حتّى يكون مقتضى الوفاء بالعقد ترتيب الآثار من حين الإيجاب ، فتأمّل (٣) ـ إنّ (٤) هذا المعنى (٥) على حقيقته (٦) غير معقول ، لأنّ (٧) العقد الموجود على صفة عدم التأثير (٨)

______________________________________________________

(١) خبر قوله : «كون مقتضى».

(٢) أي : لا يوجب ترتب آثار العقد من حين الإيجاب ، بأن تكون الملكية مثلا حاصلة من الإيجاب.

(٣) لعلّه إشارة إلى الفرق بين الإيجاب الملحق به القبول ، وبين العقد الملحق به الإجازة ، حيث إنّ الإيجاب المجرّد عن القبول لا يحصل به الأثر كالملكية. بخلاف العقد ، فإنّه صالح لذلك ، غاية الأمر أنّه مشروط بإجازة المالك.

وإن شئت فقل : إنّ الإيجاب كالقبول جزء المقتضي ، والعقد مقتض للتأثير ، والإجازة شرط له.

(٤) مقول لقوله : «لكن نقول بعد الإغماض» وهذا إشارة إلى الجواب الثاني الذي تقدم بقولنا : «وثانيا : أنّه لو كانت الإجازة موجبة لنفوذ العقد .. إلخ» وهذا الامتناع الثبوتي هو المقصود بيانه في الإيراد الثالث ، كما أشرنا إليه (في ص ٤٧) من استحالة الانقلاب.

(٥) وهو ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه.

(٦) وهي ترتب الأثر ـ كنفس الملكية ـ على العقد ، وهو الكشف الحقيقي ، لا ترتب أثر الملكية وحكمها وهو الكشف الحكمي على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

(٧) تعليل لعدم معقولية ترتب أثر العقد عليه حقيقة حين صدوره من العاقد الفضولي ، ومحصل وجه عدم المعقولية هو : خروج الشي‌ء عمّا وقع عليه ، فإنّ المفروض وقوع العقد غير مؤثر ، فكيف ينقلب إلى المؤثرية من حين وقوعه؟ وليس ذلك إلّا التناقض ، إذ مقتضى ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه بعد تحقق إجازة المالك له كون العقد حين وقوعه مؤثّرا وغير مؤثر ، وهذا تناقض مستحيل.

(٨) خبر قوله : «لأن العقد» وجه الاستحالة عدم وجود شرط التأثير ـ وهو رضا المالك ـ حين وقوع العقد.


يستحيل لحوق صفة التأثير له (١) ، لاستحالة خروج الشي‌ء عمّا وقع عليه (٢). فإذا (٣) دلّ الدليل الشرعي على إمضاء الإجازة على هذا الوجه غير المعقول ، فلا بدّ (٤) من صرفه بدلالة الاقتضاء (٥) إلى (٦) إرادة معاملة العقد (*) بعد الإجازة معاملة (٧) العقد الواقع مؤثّرا من حيث ترتّب الآثار الممكنة ،

______________________________________________________

(١) أي : للعقد ، بأن يتصف بالسببيّة التامة ـ من زمان وقوعه ـ بلحوق الإجازة.

(٢) من عدم كونه مؤثرا ، لفقدان شرط تأثيره وهو رضا المالك الأصيل.

(٣) هذه نتيجة الاستحالة المزبورة ، وحاصل ذلك : أنّه مع فرض دلالة دليل إمضاء إجازة المالك على هذا الوجه المستحيل ، فلا بدّ ـ صونا لكلام الحكيم عن اللغوية ـ من صرف هذه الدلالة إلى ترتيب آثار صحة العقد ـ مثل أحكام الملك ـ بقدر الإمكان ، لا البناء على ثبوت نفس الملك.

ومراد المصنف قدس‌سره بالدليل هو الأدلة الخاصة مثل صحيحة محمّد بن قيس وأبي عبيدة الآتيتين في (ص ٦٦ و ٧٠) وظاهرهما الكشف الحقيقي ، وترتب البيع والنكاح على العقدين الفضوليين. ويتعيّن صرفهما عن ظاهرهما إلى ترتيب خصوص ما يمكن ترتيبه على العقد ، لا جعل نفس العقد سببا تامّا من حين وقوعه.

(٤) جواب الشرط في قوله : «فإذا دلّ».

(٥) وهي التي تلجئنا إلى صرف الدليل عن ظاهره المستحيل إلى معنى يمكن الالتزام به ، وهو ما عرفته من ترتيب آثار الملك ـ لا نفسه ـ بمقدار الإمكان.

(٦) متعلق ب «صرفه».

(٧) مفعول به ل «إرادة».

__________________

(*) بل لا بد من طرحه والرجوع إلى القواعد ، لأنّ الظاهر لا يصادم حكم العقل الضروري. لا حمله على معنى ، فإنه حمل تبرعي خارج عن طريقه الاستدلال. فاستظهار الكشف الحكمي من عدم معقولية ترتب الأثر على العقد من زمان وقوعه مشكل جدا. ولا يمكن أن يكون الحمل التبرعي الناشئ عن عدم معقولية ظاهر الدليل دليلا على الكشف الحكمي ، هذا.


فإذا (١) أجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد إلى المشتري وإن كان أصل الملك قبل الإجازة للمالك (٢) ، ووقع (٣) النماء في ملكه.

والحاصل (٤) : أنّه يعامل بعد الإجازة معاملة (٥) العقد الواقع مؤثّرا من حينه (٦) بالنسبة إلى من أمكن من الآثار (٧).

______________________________________________________

(١) هذا بيان لترتيب الآثار الممكنة.

(٢) لتوقف انتقال الملك عنه إلى غيره على إجازته التي لم تكن حاصلة حين العقد.

هذا تمام ما أفاده المصنف في الإيراد الثالث على ثاني دليلي الكشف ، وغرضه فيما يأتي تقريب الكشف الحكمي الذي قال به أستاده شريف العلماء المازندراني قدس‌سره.

(٣) ولو قال : «ووقوع النماء» لكان أحسن ، ليكون معطوفا على «أصل» من عطف المفرد على المفرد.

(٤) يعني : وحاصل المعنى الذي تقتضيه دلالة الاقتضاء ـ التي هي قرينة عقلية على صرف دليل الإمضاء شرعا عن ظاهره المستحيل ـ هو تنزيل العقد الذي لم يكن مؤثرا حين وقوعه منزلة العقد المؤثر من زمان حدوثه في الآثار التي يمكن ترتيبها ، كالحكم بأنّ النماءات الحاصلة ـ بين زماني حدوث العقد وصدور الإجازة من المالك الأصيل ـ إن كانت نماءات المبيع فهي للمشتري ، وإن كانت نماءات الثمن فهي للبائع. وإن كانت نفس المثمن والثمن باقيتين على ملك البائع والمشتري إلى زمان صدور الإجازة.

ولذا لو تصرّف مالك المبيع في ماله ببيعه من شخص آخر أو هبته له أو وقفه ، كان صحيحا وموجبا لردّ العقد الفضولي ، وهذا دليل على بقاء رقبة المال على ملكه.

ولكنه لو لم يتصرف فيه بهذا النحو والتفت إلى وقوع عقد عليه فضولا وأجازه ، أمكن الالتزام بالكشف الحكمي أي ترتيب بعض آثار صحة العقد دون بعض. وهذا المعنى من الكشف معقول ممكن في نفسه ، ولكن الالتزام به منوط بمساعدة الدليل عليه.

(٥) مفعول مطلق نوعي لقوله : «يعامل».

(٦) أي : من حين العقد.

(٧) كالنماءات التي توجد في المدة المتخللة بين زماني وقوع العقد وصدور الإجازة كما مرّ آنفا.


وهذا (١) نقل حقيقي (٢) في حكم الكشف من بعض الجهات (٣) ، وستأتي الثمرة بينه (٤) وبين الكشف الحقيقي (٥). ولم أعرف من قال بهذا الوجه من الكشف (٦) إلّا الأستاد شريف العلماء قدس‌سره فيما عثرت عليه من بعض تحقيقاته.

وإلّا فظاهر كلام القائلين بالكشف أنّ (٧) الانتقال في زمان العقد ، ولذا (٨)

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ معاملة عقد الفضولي بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا وماضيا ـ من حين وقوعه ـ نقل حقيقي ، إذ المفروض حصول الملكية بالنسبة إلى كل من العوضين بالإجازة ، وبقاء كل من المالين على ملك صاحبه حتى تصدر الإجازة.

(٢) لما مرّ من توقف انتقال كل من المالين عن مالكه إلى الآخر على الإجازة ، وهذا نقل حقيقي.

(٣) للحكم بانتقال نماء المثمن إلى المشتري ، ونماء الثمن إلى البائع قبل الإجازة ، ونشأ هذا التفكيك بين العين والنماء من اقتضاء الأدلة الخاصة للقول بالكشف ، وليس هذا كشفا حقيقيا ، وإنما هو حكمي.

(٤) أي : بين هذا النقل الحقيقي الذي هو بحكم الكشف ، وسيأتي بيان الثمرة في (ص ٧٧).

(٥) وهو الكشف عن وقوع الملك وآثاره للمشتري ، وكذا للبائع من حين وقوع العقد ، بعد صدور الإجازة من المالك الأصيل.

(٦) وهو الكشف الحكمي الذي هو نقل حقيقي وكشف حكمي.

(٧) خبر قوله : «فظاهر» أي : الانتقال مطلقا ، من نفس العوضين ونماءاتهما ، وهو الكشف الحقيقي ، لا انتقال خصوص نماءاتهما المتخللة بين زماني صدور العقد والإجازة ، وانتقال العينين بعد الإجازة الذي هو الكشف الحكمي. وظاهر كلمات القائلين بالكشف هو الكشف الحقيقي الذي تقدّم امتناعه ثبوتا وإثباتا.

(٨) أي : ولأجل ظهور كلمات القائلين بالكشف في الانتقال من زمان صدور العقد ، عنون العلّامة قدس‌سره الخلاف بينهم في الكشف والنقل بقوله : «وفي وقت الانتقال إشكال ، ويترتب النماء» (١) ، فإنّ هذا العنوان ظاهر في إرادة الكشف الحقيقي ، لأنّ انتقال العين

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩ ، طبعة مركز مؤسسة النشر الإسلامي بقم المقدسة.


عنوان العلّامة رحمه‌الله في القواعد مسألة الكشف والنقل بقوله : «وفي زمان الانتقال إشكال» فجعل النزاع في هذه المسألة نزاعا في زمان الانتقال (١).

وقد تحصّل ممّا ذكرنا (٢) : أنّ كاشفية الإجازة على وجوه ثلاثة (*) قال بكلّ منها قائل :

______________________________________________________

ونماءها إنّما يتّجه بناء على الكشف الحقيقي.

(١) غرضه : أنّ النزاع في زمان الانتقال يكشف عن كون مرادهم بالكشف هو الكشف الحقيقي ، لأنّ انتقال ملك العينين ونمائهما في زمان صدور العقد لا ينطبق إلّا على الكشف الحقيقي ، فمن قال به جعل زمان الانتقال زمان العقد ، ومن قال بالنقل جعله زمان الإجازة.

(٢) أي : في حكم الإجازة بقوله : «أمّا حكمها فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي بعد اتفاقهم على توقفها على الإجازة .. إلخ» إلى هنا. حيث إنّه تعرّض لنقل أدلة ثلاثة على الكشف ، وناقش في اثنين منها بالتفصيل ، وفي أثناء الإيراد على الدليل الأوّل تعرّض للكشف الحقيقي بمناط شرطيّة التعقب الذي التزم به جماعة. وفي ذيل الإيراد الثالث على الدليل الثاني تعرّض لكلام أستاده الشريف من القول بالكشف الحكمي.

ويتحصّل من المجموع وجوه ثلاثة من القائلين بالكشف.

أحدها : المشهور ، وهو الكشف الحقيقي.

وثانيها : قول جماعة من معاصري المصنف وغيرهم ، وهو الكشف التعقبي.

وثالثها : الكشف الحكمي ، وهو المعزيّ إلى المحقق شريف العلماء

__________________

(*) بل خمسة :

أحدها : الكشف الحقيقي المعتمد على شرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخر. وهو المنسوب إلى المشهور كما في المتن.

ثانيها : الكشف الحقيقي المعتمد على شرطية وصف التعقب ، بزعم كونه شرطا مقارنا للعقد. وقد ذهب إليه جمع من المحققين كصاحب الفصول وأخيه والمحقق النائيني قدس‌سرهم.

ثالثها : الكشف الحقيقي المعتمد على كفاية الرضا التقديري ، بمعنى : أنّ المالك


.................................................................................................

__________________

لو التفت لكان راضيا ، والإجازة كاشفة عنه ككشف شاهد الحال عنه. وقد ذهب إليه المحقق الرشتي في كتاب الإجارة.

وهذه الوجوه الثلاثة مشتركة في دلالتها على انتقال المال عن مالك العوض حين تحقق العقد.

رابعها : الكشف الحقيقي الانقلابي المعتمد على كون الإجازة رضا بمضمون العقد ، وتأثيره من حين صدوره بناء على دخل الزمان في مضمون العقد ، وتقيد النقل به.

ولا محذور فيه إلّا محذور الانقلاب ، فإنّ الشي‌ء الزماني لا يمرّ عليه الزمان مرّتين حتى يتصف تارة بصفة التأثير واخرى بصفة عدم التأثير.

ولكن فيه ما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى.

وهذا الوجه يفترق عن الوجوه الثلاثة المتقدمة في أنّها توجب الانتقال حين حدوث العقد قبل تحقق الإجازة. بخلاف هذا الوجه الرابع ، فإنّ الانتقال فيه يكون بسبب الإجازة ، فقبل الإجازة يكون كل واحد من العوضين باقيا على ملك مالكه الأصلي ، وبسبب الإجازة تنقلب الملكية ، وتنتقل ملكية العوض إلى من اشتراه من حين العقد. وبهذه المناسبة يسمّى بالكشف الانقلابي.

وقيل : إنّ هذا الكشف يستفاد من ثاني أدلة الكشف الذي نقله المصنف في (ص ١٦) بقوله : «وبأن الإجازة متعلقة بالعقد ، فهي رضا بمضمونه ، وليس إلّا نقل العوضين من حينه».

خامسها : الكشف الحقيقي الذي يظهر من عبارة الجواهر ، وهو : أنّ الشرط نفس الإجازة وإن كانت متأخرة ، لأنّ امتناع تأخر الشرط عن المشروط في العلل العقلية لا يقتضي امتناعه في العلل الشرعية.

وبعبارة أخرى : لا يراد بالشرط الشرعي معناه الاصطلاحي.

سادسها : الكشف الحقيقي ، وجعل الإجازة طريقا وواسطة في العلم بحصول النقل ، من دون دخل للإجازة في تأثير العقد في النقل.

وإن شئت فقل : إنّ الإجازة أمارة وعلامة على حصول النقل. وقد نسب هذا القول


.................................................................................................

__________________

إلى صاحب مفتاح الكرامة قدس‌سره حيث جعل الإجازة شرطا للعلم بانتقال المال ، لا شرطا لنفس الانتقال ، قال قدس‌سره : «إنّ العقد سبب تام مع الإجازة وإن تأخّرت عنه فعلا ، فهو مراعى لا موقوف ، فإن حصلت كشفت عن تأثيره من حين وقوعه .. وفي جامع المقاصد ما يشير إلى هذا الجواب» (١).

واحتمله بعض معاصريه أيضا في شرحه على اللمعة من أن الإجازة تكون نظير التبادر علامة كاشفة عن وضع اللفظ للمعنى المتبادر منه ، وكعلامات البلوغ (٢).

وأشار إلى هذا القول في الجواهر أيضا ، فراجع (٣).

والظاهر رجوع هذا الوجه السادس إلى الوجه الثالث ، بل هو عينه.

وعليه فتكون الإجازة طريقا إلى العلم بتحقق النقل من دون دخل ثبوتي فيه.

وإن شئت فقل : إنّ الإجازة علّة للعلم بحصول النقل.

لكن الحق بطلان هذا القول ، لأنّ مقتضى مثل قوله تعالى (إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ولا يحل مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه وغيرهما من الأدلة دخل الرضا في الحلّ ، وعدم كونه مجرّد علامة.

سابعها : الكشف الحكمي ، وهو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان. هذا تمام الكلام في مقام الثبوت.

وأمّا مقام الإثبات ، فيبحث فيه تارة عما يقتضيه الأدلة العامة ، واخرى عمّا تقتضيه الأدلة الخاصة.

أمّا البحث الأوّل فمحصّله : أنّ العمومات «ك (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ولا يحل مال امرء إلا بطيبة نفسه» ونحوها ـ الظاهرة في شرطية الرضا في صحة المعاملة ـ تقتضي ناقلية الإجازة الكاشفة عن الرضا وطيب النفس ، حيث إنّ العناوين المأخوذة في

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٠.

(٢) شرح اللمعة (مخطوط) للشيخ جواد ملّا كتاب. وهو من تلامذة الشيخ الأكبر كاشف الغطاء قدس‌سرهما. لاحظ : الذريعة ، ج ١٤ ، ص ٤٧.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٨.


أحدها : ـ وهو المشهور ـ الكشف الحقيقي (١) ، والتزام كون الإجازة فيها (٢)

______________________________________________________

(١) وهو ـ كما تقدم آنفا ـ كشف الإجازة عن تأثير العقد من حين وقوعه ، وحصول الملك من زمان تحققه.

(٢) أي : في كاشفيتها. وقوله : «والتزام» معطوف على «الكشف».

__________________

الخطابات الشرعية ظاهرة عرفا في الفعلية ، دون التقديرية التي هي معدومة حال إنشاء المعاملة ، ودون الطريقية والأمارية ، لظهور العناوين في الموضوعية.

وعليه فصحة المعاملات الفضولية منوطة بطيب النفس فعلا ، ومع هذه الإناطة لا محيص عن الالتزام بناقلية الإجازة.

وأمّا البحث الثاني ـ وهو مقتضى الأدلّة الخاصّة ـ فيرجع فيه إلى ما أفاده المصنف قدس‌سره ، فلاحظ.

أقول : لا يبعد استفادة قاعدة كلية من عزل الإرث للجارية بعد بلوغها وحلفها كما في صحيح أبي عبيدة الذي سيشير إليه في المتن. وكذا من عزل الإرث للحمل.

والمراد بتلك القاعدة هو جعل الاحتياط في كلّ مورد وجد فيه مقتضي الحكم الشرعي التكليفي كوجوب الحج ، والوضعي كملكية المال في الإرث ، أو في حيازة المباحات ، كما إذا حجّر أرضا ميتة ، فإنّ احتمال إحيائها الموجب لملكيتها أوجب له حقّ الاختصاص ، بحيث يحرم على غيره مزاحمته في ذلك.

وكذا في الاستطاعة المالية إذا كان للمستطيع مانع عن الحج مباشرة ، ولو كان غير المرض الذي لا يرجى زواله ، فإنّه يجب عليه الاستنابة.

والحاصل : أنّ وجود المقتضي للحكم مع احتمال حصول شرطه يوجب الاحتياط. وهذا مقدّم على أصالة عدم المانع ، وإن كانت قاعدة المقتضي والمانع حجة. كما أنّ هذا الاحتياط يقدّم على أصالة عدم الإجازة في باب عقد الفضولي. ولا غرو في تشريع الاحتياط في موارد وجود المقتضي للحكم مع احتمال حصول شرطه ، كما شرّع في الموارد الثلاثة الدماء والأعراض والأموال.


شرطا متأخّرا (١). ولذا (٢) اعتراضهم جمال المحقّقين في حاشيته على الروضة : «بأنّ الشرط لا يتأخّر» (١) (٣).

الثاني : الكشف الحقيقي ، والتزام كون الشرط تعقّب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة (٤) فرارا (*) عن لزوم تأخّر الشرط عن المشروط ،

______________________________________________________

(١) إذ الالتزام بدخل الإجازة في الملكية ـ مع فرض تأثير العقد من حين وقوعه ـ يوجب لا محالة كون الإجازة شرطا متأخرا.

(٢) أي : ولأجل كون الإجازة في الكشف الحقيقي شرطا متأخّرا اعترض عليهم المحقق الخوانساري قدس‌سره.

(٣) وجه عدم تأخر الشرط عن المشروط هو كون الشرط من أجزاء علته التي يكون تقدمها رتبة على المشروط من البديهيات.

ثم إن العبارة المذكورة في المتن نقل بالمعنى ، إذ الموجود في حاشية الروضة معترضا على الشارح هو قوله : «لا يخفى أنه إذا اعترف بأنّ رضاء المالك من الشرائط ، فإذا حصل عمل السبب التام أثره ، فيلزم أن لا يتحقق أثره ـ وهو نقل الملك ـ إلّا عند حصوله. وهذا دليل على نقيض ما رامه. وكأنّه زعم أنّ الشرط ما يتوقف عليه التأثير ، ولكن ليس جزء المؤثر ، بل تحققه يوجب تحقق تأثير السبب في وقت وإن كان قبل تحقق الشرط بخلاف الجزء ، فإنّه لا بدّ من مقارنته ومدخليّته في التأثير. وهذا كما ترى .. إلخ».

(٤) هذا هو الفارق بين هذا الكشف والكشف الحقيقي المتقدّم ، بعد اشتراكهما في ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه. وحاصل الفرق بينهما هو : أنّ الشرط في الكشف الحقيقي الأوّل نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر ، وفي الكشف الحقيقي الثاني وصف التعقب الذي هو شرط مقارن لا متأخّر ، على ما قيل.

__________________

(*) قد عرفت في (ص ١٣ و ٢٧) أنّ جعل الشرط وصف التعقب ـ فرارا عن محذور الشرط المتأخر ـ ليس بسديد ، لأنّ وصف التعقب لا يعرض العقد إلّا بعد صدور الإجازة من

__________________

(١) حاشية الروضة ، ص ٣٥٨ وهو موجود في هامش الروضة طبعة عبد الرحيم ، ج ١ ، ص ٣١٢.


والتزم (١) (*) بعضهم بجواز التصرّف قبل الإجازة لو علم تحقّقها فيما بعد.

الثالث : الكشف الحكمي ، وهو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان (٢) ، مع عدم تحقّق الملك في الواقع إلّا بعد الإجازة.

وقد تبيّن من تضاعيف كلماتنا (٣) أنّ الأنسب بالقواعد والعمومات هو النقل (٤).

______________________________________________________

(١) الملتزم به صاحب الجواهر ، وتقدم نصّ كلامه في (ص ٣١). إذ مراده من قوله : «كفى ذلك في ترتب الآثار الآن عليه» هو مثل جواز تصرف الأصيل في ما اشتراه من الفضولي ، بعد العلم بلحوق إجازة المالك.

(٢) كانتقال النماء إلى المشتري حين العقد بعد صدور الإجازة ، وإن كان أصل ملك العين قبل الإجازة للمالك ، فانتقال النماء يكون من حين العقد ، وانتقال العين بعد صدور الإجازة.

(٣) أي : من ردّ دليل المحقق الثاني قدس‌سره في كاشفية الإجازة ، ومن ردّ من استدلّ على القول بالكشف بآية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وآية (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ).

(٤) أي : النقل الحقيقي ، وذلك لأنّ مقتضى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» و «التجارة عن تراض» وعموم «عدم حلّ مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه» ونحوها من

__________________

المالك ، ضرورة أنّ التعقب من الأمور المتضايفة ، ومن المعلوم تكافؤ المتضايفين قوة وفعلا ، فلا يتصف العقد فعلا بكونه متعقبا بالإجازة إلّا بعد صدورها من المالك. كما أنّ الإجازة لا تتصف بكونها متأخرة عن العقد إلّا بعد صدورها منه.

(*) هذا الالتزام وجيه بناء على كون وصف التعقب الذي جعل شرطا حاصلا للعقد حين تحققه بحيث يكون شرطا مقارنا له.

لكنه ليس كذلك ، لما تقدّم في التعليقة السابقة وغيرها ، فلاحظ. ومجرّد العلم بحصول الإجازة فيما بعد لا يوجب فعلية التعقب وكونه وصفا مقارنا للعقد ، بل يوجب العلم باتصاف العقد فيما بعد بهذا الوصف. وهذا لا يكفي في جواز التصرف فعلا ، لعدم تحقق الشرط وهو التعقب الذي أنيط به تأثير العقد في النقل والانتقال.


ثمّ بعده الكشف الحكمي (١).

وأمّا الكشف الحقيقي ـ مع كون نفس الإجازة من الشروط (٢) ـ فإتمامه بالقواعد في غاية الإشكال (٣). ولذا (٤) استشكل فيه العلّامة في القواعد ، ولم يرجّحه (٥) المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد ، بل عن الإيضاح اختيار خلافه (٦) تبعا للمحكيّ عن كاشف الرموز (٧) (١).

______________________________________________________

الأدلة هو دخل الرضا في الحلّ ، فبدونه لا يحلّ التصرف في مال الغير. ومع دخل الرضا في صحة المعاملة كيف يحكم بكون الإجازة معرّفة لتمامية المعاملة؟ والمفروض أنّ تماميتها منوطة بالرضا.

(١) جمعا بين ما دلّ على ترتيب أحكام النقل والانتقال قبل صدور الإجازة من المالك ، وبين ما دلّ على شرطية الرضا في الانتقال ، الموجبة لتوقفه على وجود الرضا ، فيقال : بترتب أحكام النقل قبل الإجازة ، وحصول النقل بعد الإجازة.

(٢) أي : من شروط العقد على حدّ سائر الشروط.

(٣) لأنّ الإجازة حينئذ من أجزاء العقد الذي هو علّة للنقل والانتقال ، ولا بدّ من تقدم أجزاء العلة على المعلول ، فكيف يمكن حصول المشروط قبل وجود شرطه؟ فإشكاله إشكال الشرط المتأخر.

(٤) أي : ولأجل أنّ إتمام الكشف الحقيقي بالقواعد مشكل استشكل العلّامة قدس‌سره في الكشف في القواعد (٢) ، لقوله فيها : «وفي زمان الانتقال إشكال» وكذا لم يرجّح الكشف المحقق الثاني قدس‌سره في حاشية الإرشاد (٣).

(٥) وإن رجّحه في جامع المقاصد.

(٦) أي : خلاف الكشف ، وهو النقل ، وتقدم كلامه في (ص ٧) فراجع.

(٧) حيث إن الفاضل الآبي جعل الإجازة عقدا مستقلّا ومستأنفا ، بناء على إرادة

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤٢٠ ، كشف الرموز ، ج ١ ، ص ٤٤٥ ـ ٤٤٦ ، والحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٩.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩.

(٣) حاشية الإرشاد ، مخطوط ، الورقة ٢١٩.


وقوّاه (١) في مجمع البرهان (١) ، وتبعهم كاشف اللّثام في النكاح (٢).

هذا (٢) بحسب القواعد والعمومات.

وأمّا الأخبار (٣) ، فالظاهر من صحيحة محمّد بن قيس (٤) الكشف ، كما صرّح به في الدروس (٣) ، وكذا (٥) الأخبار التي بعدها.

______________________________________________________

النقل من هذا التعبير ، وإلّا فظاهره قول ثالث مقابل الكشف والنقل ، وتقدم تفصيله في بيع الغاصب لنفسه ، فراجع (٤).

(١) أي : وقوّى مختار صاحب الإيضاح المحقق الأردبيلي قدس‌سره في شرح الإرشاد.

(٢) أي : عدم القول بالكشف الحقيقي إنّما هو بحسب القواعد والعمومات الدالة على اعتبار الرضا وطيب النفس في التجارة.

(٣) يعني : وأمّا بحسب الأخبار ، فظاهر بعضها ـ وهو صحيحة محمّد بن قيس ـ الكشف.

(٤) وجه ظهور الصحيحة في الكشف هو : أنّ الحكم بأخذ المشتري للولد بدون دفع قيمته إلى مالك الجارية يلائم تكوّن الولد في ملكه ، لا في ملك سيّدها. وهذا ينطبق على الكشف ، إذ على القول بالنقل يكون الولد لمالك الجارية ، لأنّه نماء ملكه. وعلى المشتري دفع قيمة الولد إليه لو وطأ الجارية شبهة.

(٥) معطوفة على «فالظاهر من صحيحة» وضمير «بعدها» راجع إلى «صحيحة».

وقد تقدم ذكر هذه الأخبار ـ استدلالا وتأييدا واستيناسا ـ في اولى مسائل البيع الفضولي فراجع (٥).

فمنها : ما دلّ على صحة نكاح الفضولي في الحرّ والعبد بعد لحوق الإجازة ، فإنّها

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٥٩.

(٢) تقدم تخريجه في ص ٧ ، فراجع.

(٣) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٢٣٣.

(٤) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٥٦٩.

(٥) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٤٠٧ الى ص ٤٦٨.


لكن لا ظهور فيها (١) للكشف بالمعنى المشهور (٢) ، فتحتمل الكشف الحكمي (٣) (*).

______________________________________________________

ظاهرة في صحته من حين العقد ، لا من حين الإجازة ، كقوله عليه‌السلام في نكاح العبد : «فإذا أجاز جاز» أي : نفذ العقد.

ومنها : ما دلّ على تقسيم الربح بين ربّ المال وبين العامل في باب المضاربة إذا خالف العامل ما اشترط عليه ـ بناء على كونه من موارد الفضولي ، وتوقف ملك ربّ المال للربح على إجازته ، لا للتعبد على ما سبق تفصيله هناك ـ فإنّ ظاهره كون الإجازة كاشفة عن صحة معاملات العامل ، وترتب الأثر عليها من حين وقوعها ، وأنّ حصّة كل واحد منهما من الربح كانت له من حين ظهوره ، وهو زمان البيع والشراء برأس المال ، لا من حين الإجازة.

ومنها : ما ورد في اتجار غير الولي بمال اليتيم ، بناء على حملها على صورة إجازة الولي حتى يندرج موضوعا في باب الفضولي. وتقريب الكشف كما تقدم آنفا. وهكذا سائر الأخبار الخاصة المذكورة في المسألة الأولى ، فراجع.

(١) أي : في الأخبار المذكورة بعد صحيحة محمّد بن قيس.

(٢) وهو الكشف الحقيقي المعتمد على شرطية نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر.

(٣) لصلاحية ما ذكر فيها من الأحكام لكلّ من الكشف الحقيقي والحكمي.

__________________

(*) بل لا يبعد الكشف الانقلابي. ولا يخفى أنه لا مانع من طروء عنوان على شي‌ء وجد مجرّدا عن عنوان كعقد الفضولي ، فإنّه وجد مجرّدا عن صفة المؤثرية ، فيمكن حينئذ أن يطرء عليه عنوان كإجازة المالك الأصيل لهذا العقد ، الموجبة لصيرورته مرتبطا بالمالك وعقدا له. وهذا العنوان يوجب كون العقد مؤثرا من حين وقوعه.

فالإشكال عليه تارة بعدم المعقولية «لأنّ العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له» إلى آخر ما أفاده المصنف قدس‌سره في (ص ٥٥). واخرى بلزوم اجتماع مالكين على مال واحد في زمان واحد ، وهو ما بين زماني تحقق العقد وصدور الإجازة.

مندفع في الأوّل بما مرّت الإشارة إليه من أنّ الاستحالة المزبورة إنّما هي في


.................................................................................................

__________________

الأعراض الخارجية ، لاستحالة انقلاب بياض الجسم الذي كان ملوّنا به من طلوع الفجر إلى الزوال مثلا إلى السّواد في ذلك الزمان المتخلل بين طلوع الفجر والزوال. لا في الأمور الاعتبارية التي منها الملكية ، فإنّ للملكية أثرا حاليا واستقباليا كما لا يخفى.

وفي الثاني بعد لزوم اجتماع المالكين ، بل المالك واحد ، وهو المجيز إلى زمان الإجازة ، وبسبب الإجازة ينقلب مالكيته الثابتة له فيما قبل الإجازة إلى مالكية شخص آخر ، وهو المجاز له في ما قبل الإجازة ، فإنّ اختلاف العناوين الطارئة على شي‌ء يوجب اختلاف الاعتبار ، فإنّ طروء الإجازة على العقد أوجب اعتبار المؤثرية له من حين وقوعه. ولا غرو في اختلاف الاعتبار الناشئ من اختلاف الطوارئ. فإنّ أجزاء العبادات كذلك ، ضرورة أنّ أجزاء الصلاة مثلا لا تتّصف حين وجودها بالجزئية ، بل بعد وجود تمام الصلاة بشرائطها تتصف بها ، لأنّ جزئية كل من الأجزاء مشروطة بوجود الجزء الآخر. فالتكبيرة مثلا لا تعنون بالجزئية إلّا بعد الإتيان بسائر الأجزاء. وكذا سائر المركبات التدريجية الارتباطية كالحج.

ونظير ذلك الصوم ، فإنّ المكلف إذا أمسك بدون نية الصوم ، ثم نوى الصوم قبل الزوال في الواجب غير المعيّن ، أو قبل الغروب في الصوم المندوب ، كفى وإن لم يكن الزمان السابق على النية معنونا بعنوان الصوم ، لكنّه صار معنونا بعنوانه بسبب النيّة المتأخرة عنه.

ومن هذا القبيل ثبوت طهارة ماء أو ثوب في الساعة الاولى من النهار ، مثلا بقاعدة الطهارة ، وقيام بينة بعد ذلك على نجاسته قبل الساعة الاولى من النهار ، فإنّ الاستصحاب يقتضي نجاسته في الساعة الاولى ، مع أنّه كان محكوما فيها بالطهارة لقاعدتها. وليس اختلاف الحكم إلّا لأجل اختلاف الطواري.

وقد ظهر ممّا ذكرنا : أنّ الأوفق بالفهم العرفي هو الكشف الحقيقي الانقلابي ، إذ الإجازة تتعلق بمضمون العقد ـ وهو الانتقال حين وقوعه ـ وإن لم يكن زمان إنشاء العقد قيدا له ، بل كان ظرفا له ، لكن العرف يحكم بأن مضمون العقد والمسبب عنه كالمسببات الحقيقية المترتبة على أسبابها في المقارنة وعدم الانفكاك زمانا عن أسبابها. وهذا الحكم الارتكازي العرفي قرينة على حمل العمومات على تنفيذ عقد الفضولي المجاز من حين وقوعه.


نعم (١) صحيحة أبي عبيدة (٢) ـ الواردة في تزويج الصغيرين فضولا ،

______________________________________________________

(١) استدراك على ما أفاده آنفا من عدم دلالة الأخبار ـ المستدل بها على صحة البيع الفضولي ـ على خصوص الكشف الحقيقي ، لاحتمال الكشف الحكمي فيها.

وأمّا صحيحة أبي عبيدة فظاهرة في خصوص الكشف الحقيقي ، كما سيأتي ان شاء الله تعالى.

(٢) وهي ما رواه أبو عبيدة ، قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية

__________________

وقد ظهر ممّا ذكرنا : أنّ الأقرب من أقسام الكشف الحقيقي هو الانقلابي ، لا الحكمي ، إذ مع فرض عدم المعقولية يخرج عن العمومات خروج الفرد عن حيّز العموم ، لا أنّه يحمل على النفوذ الحكمي ، لأنّه تصرف غير عرفي في العام من دون قرينة عليه. هذا بالنسبة إلى العمومات.

وأمّا بالنسبة إلى الأخبار الخاصة ، فرواية عروة ـ بعد فرض دلالتها على كون موردها عقد الفضولي ـ ظاهرة في الكشف الحقيقي ، لا الانقلابي ولا الحكمي ، لأنّه تصرف تصرفا خارجيا من قبض الدينار وإقباض الشاة ، فهذا يناسب اعتبار الملكية قبل حصول الإجازة. وهذا هو الكشف الحقيقي غير الانقلابي ، كما لا يناسب الكشف الحكمي فضلا عن النقل.

وصحيحة محمّد بن قيس ظاهرة في الكشف من غير ظهور لها في أحد أقسامه ، في مقابل النقل ، لأنّه على تقدير النقل يلزم أخذ الولد الذي هو نماء ملك السيد الأوّل مجّانا ، لعدم وقوع الوطي في ملكه حقيقة أو حكما. كما لا تصير الجارية أمّ ولد ، ولا يلحق به الولد ، لأنه زان.

وصحيحة أبي عبيدة الواردة في نكاح الصغيرين ـ إذا مات أحدهما قبل أن يجيز الآخر ـ ظاهرة بل صريحة في الكشف ، إذ لا معنى لناقلية الإجازة مع موت أحد الزوجين. لكن لا يظهر أنّه أيّ قسم من أقسام الكشف.

وبالجملة : فلو لم يثبت كون الإجازة كاشفة بأنحاء الكشف المتقدمة ، أو ناقلة ، ووصلت النوبة إلى الأصل العملي ، فمقتضى أصالة الفساد عدم ترتيب آثار صحة العقد إلّا بعد الإجازة ، وهذا ينطبق على ناقليتها ، فإنّ استصحاب الملكية إلى زمان الإجازة جار بلا مانع ، فمالكية المالك الأصيل باقية إلى زمان الإجازة.


.................................................................................................

______________________________________________________

زوّجهما وليّان لهما ، وهما غير مدركين؟ قال : فقال : النكاح جائز ، أيّهما أدرك كان له الخيار ، فإن ما تا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلّا أن يكونا قد أدركا ورضيا.

قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال : يجوز ذلك عليه ، إن هو رضي.

قلت : فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية ، أترثه؟ قال : نعم ، يعزل ميراثها منه حتى تدرك وتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر.

قلت : فإن ماتت الجارية ولم يكن إدراك ، أيرثها الزوج المدرك؟ قال : لا ، لأنّ لها الخيار إذا أدركت.

قلت : فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟ قال : يجوز عليها تزويج الأب ، ويجوز على الغلام ، والمهر على الأب للجارية» (١).

ومحصّل مدلول الصحيحة : أنّ أبا عبيدة الحذّاء سأل الإمام أبا جعفر الباقر عليه الصلاة والسلام عن حكم تزويج الصغيرين بأن يزوّج وليّ الصغيرة صغيرا ، فيقبل وليّه. وللسؤال موردان يختلف حكمهما ، فتارة يكون الوليّ هو الأب ، ولا يتوقف تزويجه على إجازة الصبي أو الصبية بعد البلوغ ، واخرى يكون المزوّج وليا شرعا كالوصي والحاكم الشرعي ممّن ليس له ولاية على نكاح الصغير. والمراد بالولي في صدر الرواية هو هذا بقرينة ذيل الرواية من نفوذ تزويج الأب.

وعليه فإذا زوّج الحاكم الشرعي مثلا طفلة من طفل ، توقّفت صحته على إجازة كل منهما بعد بلوغه ، فإن أجازاه فهو ، وإن لم يجزه أحدهما بطل.

ومن فروع المسألة أن يدرك الزوج قبل أن تدرك الزوجة الصغيرة ، فأجاز الرجل العقد ومات. فأجاب عليه الصلاة والسلام بأنّه يجب عزل نصف المهر وحصّة الزوجة من الإرث ، وينتظر بلوغها ، فإن ردّت العقد بطل النكاح ، ولم يكن لها شي‌ء من أموال الزوج ولا المهر. وإن رضيت بعقد النكاح الواقع حال صغرها طلب منها الحلف على أنّ الداعي إلى إظهار قبول النكاح هو الرضا بكونه زوجا لها لو كان حيّا لا الطمع في أمواله.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٥٢٧ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث ١.


الآمرة (١) بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي أجاز فمات ـ للزوجة (٢) غير المدركة حتّى تدرك ، وتحلف ، ظاهرة (٣) في قول الكشف (٤).

______________________________________________________

فإن حلفت كان لها نصف المهر ونصيبها من الإرث ، هذا.

والشاهد في ظهور حكمه عليه الصلاة والسلام بعزل نصيبها ـ إلى أن تدرك وتجيز العقد الفضولي ـ في كون الإجازة كاشفة حقيقة ، وأنّ الزوجة صارت مالكة للمهر ، وتحققت زوجيتها حال العقد. مع أنّ موت أحد المتعاقدين قبل القبول مبطل للعقد.

ولولا كاشفية الإجازة لم يتجه أمره عليه‌السلام بالعزل مطلقا ، بل كان اللازم تقييده بما إذا رضي ورثة الزوج بإفراز مقدار من أمواله حتى تبلغ زوجته الصغيرة ، كي تجيز أو تردّ. فالأمر بالعزل بقول مطلق شاهد على أنّ الزوجة ورثت كسائر الورثة من زمان العقد ، وهذا هو الكشف الحقيقي.

(١) هذا و «الواردة» نعتان للمبتدء وهو «صحيحة». والأمر بالعزل يستفاد من الجملة الخبرية في مقام الإنشاء ، وهي قوله عليه‌السلام : «نعم يعزل ميراثها».

(٢) متعلق ب «عزل» وقوله : «حتى تدرك» قيد للعزل.

(٣) خبر قوله : «صحيحة أبي عبيدة».

(٤) أي : في الكشف الحقيقي المثبت للزوجية حين العقد ، لأنّها هي التي توجب الإرث. والاستدلال بهذه الصحيحة على الكشف الحقيقي منوط بمقدمتين :

الاولى : بقاء عموم قاعدة السلطنة على حالها ، وعدم ورود تخصيص عليها ، إذ لو قلنا بتخصيص هذا العموم لا يبقى مجال لاستظهار الكشف الحقيقي.

وبيانه : أنّ قاعدة الإرث المستفادة من قوله عليه‌السلام : «ما تركه الميت فلوارثه» تقتضي انتقال جميع أموال الزوج إلى ورثته الموجودين حال الموت ، وهم ما عدا هذه الزوجة الصغيرة التي لم يعلم كونها زوجته واقعا. ومقتضى قاعدة السلطنة استقلال الورثة بجميع ما تركه الزوج ، وعدم جواز مزاحمتهم فيه.

إلّا أنّ صحيحة أبي عبيدة أمرت بعزل نصيب الزوجة من الميراث ، إلى أن تدرك ، فإن أجازت العقد كان لها نصيبها من الإرث ، وإن ردّته كان المال المعزول


.................................................................................................

______________________________________________________

لسائر الورثة. وهذا الأمر بالعزل يحتمل فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون تخصيصا لعموم قاعدة السلطنة ، بأن يقال : إنّ المال المعزول ملك للورثة ، إلّا أنّهم محجورون عن التصرف فيه ، نظير حجر الملّاك عن أموالهم كالصبي والمجنون ونحوهما ممّن لا سلطنة له على التصرف في ملكه. وبناء على هذا الاحتمال لا تصلح الصحيحة لإثبات الكشف ، لفرض انتقال المال إلى الورثة بمجرّد الموت ، واستحقاق الزوجة لنصيبها بالإجازة لا يدلّ على الكشف الحقيقي حينئذ ، وإنّما يجب على الورثة تسليم حصّتها من الإرث ، وهو يناسب الكشف الحكمي والنقل.

ثانيهما : أن يكون حرمة تصرف الورثة في حصة الزوجة ـ وهو المال المعزول ـ أجنبيّا عن تخصيص قاعدة السلطنة ، لكونه من باب التخصّص ، بأن تتلقّى الزوجة المهر ـ وحصّتها من الإرث ـ من الزوج بمجرّد موته ، فلم ينتقل حصّتها إلى الورثة بالموت ، حتى يكون المنع من التصرف فيه تخصيصا لقاعدة السلطنة. يعني : أنّ الزوجة الصغيرة استحقّت هذا المال المعزول من حين موت الزوج ، فكأنّها كانت زوجة كبيرة ورثت زوجها بموته.

وبناء على هذا الاحتمال تدل الصحيحة على الكشف الحقيقي ، لكشف الإجازة عن ثبوت الزوجية من زمان العقد ، وترتب آثارها من حينه.

فإن قلت : بعد تكافؤ احتمالي التخصيص والتخصّص في قاعدة السلطنة لا سبيل لاستظهار الكشف الحقيقي ، لاحتمال الكشف الحكمي ، بأن يكون الأمر بالعزل تخصيصا في قاعدة السلطنة ، فالمال بتمامه ملك الورثة ، ولكنّه يحرم عليهم التصرف في بعضه وهو حصة الزوجة ، ولا معيّن لاحتمال التخصّص حتى يستفاد الكشف الحقيقي منه.

قلت : إنّ عموم قاعدة السلطنة وإن كان قابلا للتخصيص شرعا كما خصّص في موارد حجر الملّاك ، إلّا أنّ المتعيّن في المقام هو الالتزام بأنّ منع الورثة عن المال المعزول خارج عن قاعدة السلطنة موضوعا ، وذلك لما قرّره المصنف قدس سرّه في الأصول من حجية أصالة العموم في إحراز حال الفرد غير المحكوم بحكم العام ، لو تردّد أمره بين الخروج موضوعا أو حكما ، وأنّه يحكم على الفرد بخروجه تخصّصا عن العموم.


إذ (١) لو كان مال الميّت قبل إجازة الزوجة باقية (٢) على ملك سائر الورثة ، كان (٣) العزل مخالفا لقاعدة تسلّط الناس على أموالهم. فإطلاق (٤) الحكم بالعزل

______________________________________________________

ومثّل له هناك بطهارة الغسالة ، ودورانها بين تخصيص «كل نجس منجس» يعني أنّها نجس غير منجّس ، وبين طهارتها واقعا وعدم مصداقيتها لخطاب «النجس منجّس».

وبناء على هذا الأصل المقرّر يقال في المقام : إنّ الورثة ممنوعون من التصرف في المال المعزول ، وهذا المنع مردّد بين كون المال لهم وحجرهم عنه حتى تخصّص قاعدة السلطنة. وبين كون المال أجنبيّا عنهم وأنّه للزوجة ، فحرمة تصرفهم فيه ليس للحجر ، بل لعدم كونه مملوكا لهم. ويتعيّن الاحتمال الثاني ، لحجية أصالة العموم لإحراز حال الفرد ، هذا.

المقدّمة الثانية : إلغاء احتمال خصوصيّة المورد ، فإنّ الصحيحة وإن دلّت على الكشف الحقيقي ، لكن يحتمل اختصاصه بموردها وهو نكاح الصغيرة ، أو مطلق النكاح. فالتعدّي منه إلى العقود المالية الفضولية منوط بإسقاط خصوصية المورد ، إمّا لمساواتهما ملاكا ، وإمّا لأهميّة الأعراض من الأموال.

وهذه المقدمة الثانية وإن لم يصرّح بها في المتن ، لكنها تستفاد من نصوص نكاح العبد وغيره مما تقدّم في أدلّة صحّة البيع الفضوليّ ، فراجع.

(١) هذا تقريب دلالة الصحيحة على كاشفية الإجازة ، وحاصله : أنّه لو كان مال الميت باقيا على ملك سائر الورثة قبل الإجازة ـ كما هو مقتضى ناقلية الإجازة ـ كان العزل مخالفا لقاعدة تسلط الناس على أموالهم ، إذ للورثة المنع عن هذا العزل.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب «باقيا» ، لكونه خبر «مال».

(٣) جواب الشرط في قوله : «لو كان».

(٤) هذا منشأ الحكم بكاشفية الإجازة كشفا حقيقيا ، وحاصله : أنّ إطلاق الحكم بالعزل وعدم تقييده برضا الورثة وإذنهم ـ مع حفظ عموم قاعدة سلطنة الناس على أموالهم ، وعدم تخصيصه ـ يقتضي أن يكون العزل لاحتمال صحة النكاح وصيرورة الصغيرة زوجة من حين وقوع العقد ، ووارثة في الواقع كما هو مقتضى الكشف الحقيقي.


منضمّا (١) إلى عموم الناس مسلّطون على أموالهم (*) يفيد (٢) أنّ العزل لاحتمال كون الزوجة المدركة وارثة في الواقع ، فكأنّه (٣) احتياط في الأموال قد غلّبه الشارع على أصالة عدم الإجازة ، كعزل نصيب الحمل (٤) وجعله (٥) أكثر ما يحتمل.

______________________________________________________

فهذا الاحتمال أوجب الاحتياط في الأموال ، وحكّمه على أصالة عدم الإجازة المقتضية لعدم تحقق الزوجية.

وهذا العزل نظير عزل نصيب الحمل في الزوجة الحامل التي مات زوجها ، فإنّه يحتاط في الإرث ، ويعزل للحمل نصيب ذكرين احتياطا ، على التفصيل المحرّر في كتاب الميراث.

(١) حال ل «إطلاق» يعني : مع التحفظ على عموم قاعدة السلطنة ، وعدم تخصيصه بهذه الصحيحة. والوجه في عدم التخصيص عند دوران الأمر بينه وبين التخصّص ما تقرّر في الأصول من حجية أصالة العموم لإحراز حال الفرد غير المحكوم بحكم العام.

(٢) خبر قوله : «فإطلاق» ، وقوله : «لاحتمال» خبر : «ان العزل».

(٣) أي : فكأنّ العزل احتياط في الأموال.

(٤) المماثلة تكون في مراعاة الاحتمال ، فكما أنّ احتمال تولد الحمل حيّا أوجب الاحتياط بعزل نصيب ذكرين له من تركة الميت ، فكذلك احتمال حصول الزوجية في المقام أوجب الاحتياط بعزل نصيب الزوجية حتى يتبين الحال.

(٥) معطوف على «عزل» أي : وكجعل نصيب الحمل أكثر من نصيب ذكر ، حيث

__________________

(*) مخالفة قاعدة السلطنة منوطة بدخول المال المعزول في ملك الورثة ، حتى يكون تلقّي الزوجة لنصيبها منهم مخالفا لقاعدة سلطنتهم على أموالهم. وأمّا بناء على عدم دخوله في ملكهم فلا يلزم إلّا مخالفة قاعدة «ما تركه الميت فلوارثه».

هذا مضافا إلى منافاة استظهار الكشف الحقيقي من هذه الصحيحة لما تقدّم منه في (ص ٥٥) من كونه غير معقول ، فلا بدّ من توجيه الصحيحة على الوجه المعقول ، وهو الكشف الحكمي أو الانقلابي.

وإلى : أن مبنى الكشف الحقيقي هو التحفظ على عموم قاعدة السلطنة. مع أن المبنى ممنوع ، كما قرر في الأصول.


بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته (١) والنقل ، فنقول :

أمّا الثمرة على الكشف الحقيقي (٢) بين كون نفس الإجازة شرطا ، وكون الشرط تعقّب العقد بها ، ولحوقها له ، فقد (٣) يظهر في جواز تصرّف كلّ منهما (٤) فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي إذا علم (٥) إجازة المالك

______________________________________________________

إنّه يعزل له نصيب ذكرين كما مرّ آنفا.

وقد تحصّل ممّا أفاده المصنف في المقام الأوّل : دلالة صحيحة أبي عبيدة على الكشف الحقيقي ، هذا.

الثمرة بين أنحاء الكشف

(١) الثلاثة المتقدمة في مقام الثبوت. وهذا شروع في المقام الثاني ، وهو ثمرة القولين ، ولكنّه بيّن أوّلا الثمرة بين أقسام الكشف ، ثمّ بين الكشف والنقل. فتارة يبحث عن الثمرة بين قسمي الكشف الحقيقي ، واخرى بين الكشف الحقيقي والحكمي ، وثالثة بين الكشف والنقل ، فهنا جهات ثلاث.

الثمرة بين قسمي الكشف الحقيقي

(٢) هذه هي الجهة الاولى ، وهي الثمرة المختصة بكلا قسمي الكشف الحقيقي المذكورين في المتن ، وهما : كون نفس الإجازة شرطا ، وكون الشرط تعقب العقد بالإجازة. وتظهر الثمرة بينهما في جواز تصرف كل منهما فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي إذا علم إجازة المالك فيما بعد بناء على شرطية التعقب ، وعدم الجواز بناء على شرطية نفس الإجازة بوجودها الخارجي حتى مع العلم بصدور الإجازة من المالك فيما بعد.

(٣) جواب «أمّا» والتعبير ب «قد» ـ الظاهر في التقليل ـ إنّما هو لاحتمال كون التعقب وصفا للعقد مطلقا ، أو حين حصول الإجازة ، أو العلم بتحققها فيما بعد. وإلّا فمع توقف وصف التعقب على وجود الإجازة خارجا تنتفي الثمرة بين شرطية نفس الإجازة وشرطية التعقب ، لعدم حصول شرط الملكيّة ـ وهو الإجازة أو التعقّب ـ حتّى يجوز التصرف.

(٤) أي من المتعاقدين.

(٥) كما صرّح به صاحب الجواهر في عبارته المتقدمة في (ص ٣١).


فيما بعد (*) (١).

______________________________________________________

(١) لا تخلو العبارة من قصور ، فلا بدّ أن ينضمّ إلى المتن جملة «بناء على الثاني دون الأوّل».

أقول : إنّ ترتب هذه الثمرة على القسمين المذكورين منوط بكون وصف التعقب ثابتا للعقد بنحو الشرط المقارن. وهذا مشكل كما ذكرناه في التعليقة.

وعليه فالإجازة والتعقب بوزان واحد من حيث الشرطية. فالملكية التي هي موضوع جواز التصرف منوطة بوجود الإجازة خارجا ، سواء أكان الشرط نفس الإجازة أم التعقب ، لحصول كليهما بصدور الإجازة.

فالمتحصل : عدم جواز التصرف قبل وجود الإجازة مطلقا ، سواء أكان الشرط

__________________

(*) ينبغي أن يقال : إنّ الكشف الحقيقي تارة يكون بشرطية التعقب بالإجازة ، مع الالتزام بكون التعقب وصفا مقارنا للعقد. فالعلم بحصول الإجازة فيما بعد علم بتحقق الشرط فعلا ، وهو التعقب ، والعلم به علم بالمشروط فعلا وهو الملكية ، فيجوز التصرف حينئذ أي قبل حصول الإجازة ، لفعلية الشرط الموجبة لفعلية المشروط.

واخرى يكون بشرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخر المصطلح عليه. ووزان هذه الصورة وزان شرطية التعقب في فعلية الشرط والمشروط ، إذ مع فرض جواز الشرط المتأخر يكون كل من الشرط والمشروط مع العلم بحصول الإجازة فعليّا ، فلا مانع من التصرف.

وثالثة يكون بشرطية الإجازة المتأخرة الموجبة للانقلاب. ومن المعلوم أنّ العلم بحصول سبب الانقلاب ـ وهو الإجازة فيما بعد ـ لا يكون علما بالانقلاب فعلا حتى يترتب عليه الملك الذي هو سبب جواز التصرف.

وقد ظهر من هذا البيان ترتب الثمرة على هذه الأقسام من الكشف الحقيقي ، لجواز التصرف قبل صدور الإجازة في القسمين الأوّلين ، لفعلية الشرط والمشروط في كليهما على التفصيل المتقدم. بخلاف القسم الثالث ، ضرورة أنّ الإجازة بوجودها الخارجي سبب للانقلاب ، فالعلم بصدورها فيما بعد علم بحصول السبب فيما بعد ، وذلك ليس علما بفعلية سبب الانقلاب حتى يترتب عليه الملكية التي أنيط بها جواز التصرف.


وأمّا الثمرة بين الكشف الحقيقي (١) والحكمي مع كون نفس الإجازة شرطا ، [فإنّه] (٢) يظهر في مثل ما إذا وطأ المشتري الجارية قبل إجازة مالكها ، فأجاز

______________________________________________________

نفس الإجازة أم التعقب. والثمرة المذكورة ليست ثمرة للكشف الحقيقي المعتمد على شرطية نفس الإجازة أو التعقب.

الثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي

(١) وهو كون الشرط نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر أو تعقب العقد بها ، وهذا شروع في الجهة الثانية ، وهي الثمرة المترتبة على كلّ من الكشف الحقيقي ـ بكلا قسميه ـ والحكمي.

(٢) محصّل الثمرة المستفادة من كلام المصنف قدس‌سره هو : أنه إن اشترى شخص من البائع الفضولي جارية ، وتصرّف فيها قبل المراجعة إلى المالك ليظهر أنه يجيز البيع أو يردّه ، ثم أجاز المالك. فيقع الكلام في جواز استمتاعه بها ، ثم فيما يتفرع عليه من فرعين :

أحدهما : صيرورة الجارية أمّ ولد.

وثانيهما : فيما إذا نقل المالك هذه الجارية ـ التي استولدها المشتري ـ إلى الغير ببيع أو هبة مثلا قبل أن يجيز بيع الفضولي.

أمّا ظهور الثمرة في حكم الاستمتاع بها قبل إجازة المالك ، فبيانه : أنّه بناء على كون الإجازة ناقلة لا يجوز التصرف قبل الإجازة واقعا وظاهرا. وكذا بناء على الكشف الحكمي مع شرطية نفس الإجازة ، سواء أكان عالما بلحوق الإجازة أو بعدمه ، أم كان شاكّا في لحوقها.

أمّا على الأوّل فلعدم تحقق سبب الجواز فعلا. والعلم بتحققه فيما بعد لا يوجب فعلية السبب. وأمّا على الثاني فلأصالة عدم الإجازة. وهذا حكم ظاهري ، فيكون تصرفه تجريا ، لحرمته ظاهرا وإن كان حلالا واقعا.

وأمّا بناء على الكشف الحقيقي ـ مع كون وصف التعقب شرطا ـ فمع العلم


فإنّ (١) الوطء على الكشف الحقيقي حرام ظاهرا ، لأصالة عدم الإجازة ، وحلال

______________________________________________________

بلحوق الإجازة يجوز التصرف (*) ، لحصول انتزاع وصف التعقب بالعلم بحصول الإجازة.

وأمّا مع كون الشرط نفس الإجازة ، فظاهر المصنف قدس‌سره عدم الجواز ظاهرا كالنقل ، سواء أكان عالما بتحقق الإجازة أم شاكّا فيه.

إذ على الأوّل ليس السبب كاملا وإن علم باستكماله فيما بعد ، لكنه لا يجدي في جواز التصرف قبل استكمال السبب كما في النقل.

وعلى الثاني يستند عدم الجواز إلى أصالة عدم تحقق الإجازة.

وأمّا الحكم الواقعي فهو الجواز مع فرض تحقق الإجازة.

ويترتب على الجواز الواقعي والمنع الظاهري ما يترتب عليهما من الأحكام. فالمتصرف ـ بناء على عدم الجواز ظاهرا ـ فاسق ، فيستحقّ التعزير والعقاب بناء على القول بثبوته على المتجري.

كما أنّ الولد حرّ وملحق به ، لأنّ الرقية ـ كوجوب الحد ـ من آثار عدم الجواز الظاهري والواقعي معا. فلو جاز أحدهما كان كافيا في الحرية والإلحاق وسقوط الحد ، فالولد حرّ وملحق به على احتمالات الكشف.

نعم على القول بالنقل يكون رقّا ، لعدم جواز الوطي ظاهرا ، وعدم صيرورته ملكا له قبل الإجازة. بل يجب عليه الحد أيضا. هذا حكم غير الاستيلاد. وأمّا الاستيلاد فسيأتي حكمه.

(١) تعليل لقوله : «يظهر» وبيان للفارق ـ بين الكشف الحقيقي والحكمي ـ في شراء الجارية فضولا.

__________________

(*) بل لا يجوز التصرف ، لعدم كفاية العلم بحصول الإجازة في انتزاع وصف التعقب ، لأنّ منشأ انتزاع هذا الوصف هو وجود الإجازة خارجا ، دون العلم بوجودها فيما بعد ، كما مرّ سابقا.


واقعا ، لكشف الإجازة (١) عن وقوعه (٢) في ملكه.

ولو أولدها (٣) صارت أمّ ولد على الكشف الحقيقي والحكمي ،

______________________________________________________

(١) أي : الإجازة الصادرة من المالك ، فإنّها كاشفة عن وقوع الوطء في ملكه.

(٢) يعني : عن وقوع الوطء في ملك المشتري ، وهذا بخلاف الكشف الحكمي ، حيث إنّ الوطي حرام ، لوقوعه في غير ملكه.

فعلى القول بإجراء الأحكام الممكنة ـ كما مرّ في كلام المصنف قدس‌سره ـ لا يمكن إجراؤها هنا ، لعدم إمكان الحلّ في التصرف الواقع في ملك الغير (*).

(٣) أي : ولو أولد المشتري الجارية صارت أمّ ولد ، ولا يجوز بيعها حينئذ. وهذا شروع في أوّل الفرعين المترتبين على وطي الجارية ـ المشتراة فضولا ـ قبل إجازة المالك.

وينبغي تقديم أمر قبل توضيح المتن ، وهو : أنّهم حكموا في كتاب الاستيلاد بأنّ أمّ الولد مملوكة ، ولكن لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيّا ، إلّا في بعض الموارد. فإن مات مولاها ـ وولدها حيّ ـ جعلت في نصيب ولدها وعتقت عليه (١).

واشترطوا في صيرورتها أمّ ولد أن تحمل من حرّ ، وأن تكون مملوكة له حال الوطء ، سواء أكان الوطء مباحا ، أم محرّما كالوطء في حال الحيض وشبهه. فلو حملت ـ وهي غير مملوكة له ـ لم تكن أمّ ولد ، سواء حملت من مملوك بالزنا أم من حرّ غير مالك لها واقعا كالمغرور ، والمشتري لجارية ظهرت مستحقّة للغير.

قال المحقق قدس‌سره : «فلو أولد أمة غيره مملوكا ، ثم ملكها لم تصر أمّ ولده ولو أولدها حرّا ثم ملكها ، قال الشيخ : تصير أمّ ولده. وفي رواية ابن مارد : لا تصير أمّ ولده» (٢).

__________________

(*) لكن الحق بناء على الكشف الحكمي حلّيّة الوطي ، لأنّ مقتضى تنزيل غير الملك منزلة الملك هو حلية الوطي ، فإنّ دليل التنزيل حاكم على ما دلّ على اعتبار الملك في حلية الوطي ، أو كونه موجبا لصيرورة الأمة أمّ ولد لواطئها ، كسائر التنزيلات الشرعية كالاستطاعة البذلية والمسافة التلفيقية.

__________________

(١) راجع : شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١٣٩.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١٣٨ ، ولاحظ جواهر الكلام ، ج ٣٤ ، ص ٣٧٢ و ٣٧٣.


لأنّ (١) مقتضى جعل الواقع ماضيا ترتّب (٢) حكم وقوع الوطء في الملك.

ويحتمل (٣) عدم تحقّق الاستيلاد على الحكمي ، لعدم (٤) تحقّق حدوث الولد

______________________________________________________

والمستفاد منه أنّ ترتب أحكام أمّ الولد على الأمة منوط بكون ولدها حرّا ، وحرّيّته تتوقف على الملك ، سواء أكان الوطء مباحا أم حراما لعارض ، فلو لم تكن مملوكة للواطي كان ولدها مملوكا تابعا لامّه ، ولا تصير محكومة بأحكام أمّ الولد.

ويقع الكلام في أنّ الملكية المستكشفة بإجازة المالك كافية في صدق «أمّ الولد» عليها ، أم لا بدّ من الملكية الثابتة قبل المباشرة ، فنقول : إنّ حاصل ما أفاده قدس‌سره : انّه لا إشكال في تحقق الاستيلاد بناء على الكشف الحقيقي ، لكشف الإجازة عن وقوع الوطء في ملك الواطئ ، فتصير الأمة أمّ ولد له. كما لا ينبغي الإشكال في عدم صيرورتها أمّ ولد للمشتري بناء على ناقلية الإجازة ، لوقوع الوطي في ملك الغير.

وأمّا على القول بالكشف الحكمي ففيه وجهان :

أحدهما : الاستيلاد ، نظرا إلى لزوم ترتيب أحكام الملكية السابقة التي منها صيرورة الأمة أمّ ولد للمشتري.

ثانيهما : عدم الاستيلاد ، لوقوع الوطي في ملك الغير الذي هو محكوم بالبقاء إلى أن تصدر الإجازة من مالك الأمة ، فلا تصير حينئذ أمّ ولد للمشتري.

(١) تعليل لصيرورتها أمّ ولد بناء على الكشف الحكمي ، لأنّ قوله قدس‌سره : «ترتب حكم وقوع الوطي في الملك» كالصريح في عدم وقوع الوطي في الملك حقيقة ، بل نزّل منزلة وقوعه في الملك ، فحكمه حكم الوطي الواقع في الملك حقيقة في كونه موجبا لصيرورة الأمة أمّ ولد.

(٢) خبر قوله : «لأنّ» أي : مقتضى جعل العقد الفضولي نافذا هو ترتب .. إلخ.

(٣) هذا إشارة إلى الوجه الثاني الذي تعرضنا له بقولنا : «ثانيهما : عدم الاستيلاد .. إلخ».

(٤) تعليل لعدم تحقق الاستيلاد بناء على الكشف الحكمي ، لظهور بعض النصوص في أنّ صيرورة الأمة أمّ ولد منوطة بحدوث الولد في الملك ، أي كونها مملوكة للسيد حين تكوّن الولد ، فلو لم تكن مملوكة لسيدها في تلك الحالة لم تصر أمّ ولد ، وإن حكم الشارع


في الملك ، وإن حكم بملكيّته (١) للمشتري بعد ذلك (*).

______________________________________________________

بترتب آثار الملكية عليها في حال تكوّن الولد.

ففي معتبرة محمّد بن مارد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الرجل يتزوّج الأمة ، فتلد منه أولادا ، ثم يشتريها ، فتمكث عنده ما شاء الله ، لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها ، ثم يبدو له في بيعها. قال : هي أمته ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك ، وإن شاء أعتق» (١). فإن قوله عليه‌السلام : «هي أمته ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك» ـ أي بعد ما ملكها ـ كالصريح في اشتراط صيرورتها أمّ ولد بحدوث الولد في ملكه. وهذا لا يصدق على من لم تكن ملكا للواطى حين الحمل ، وإنّما صارت ملكه بعد تحقق الإجازة كما في مورد البحث.

(١) أي : بملكية الولد بعد صدور الإجازة من المالك الأصيل ، لأنّه حينئذ نماء ملكه.

__________________

(*) لا يخفى أنّه بناء على جميع وجوه الكشف تصير الأمة أمّ ولد ، لأنّها وإن لم تكن ملكا للمشتري حال الوطء بناء على الكشف الانقلابي والحكمي ، لكنها لصيرورتها بعد إجازة عقد الفضولي ملكا حقيقة أو حكما للمشتري ـ الذي اشتراها من الفضولي ـ صارت أمّ ولد للمشتري.

وأمّا سائر وجوه الكشف الحقيقي الستة التي ذكرناها في مرحلة الثبوت ، فتفصيله : أنّه مع العلم بحصول الإجازة من المالك يجوز التصرف لكل منهما قبل صدور الإجازة واقعا وظاهرا على الوجه الأوّل والثاني والثالث والخامس والسادس ، لوجود الشرط فيها حين العقد.

أمّا على الوجه الأوّل والخامس ـ وهما شرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخر ـ فلوجود المشروط فعلا ، إذ المفروض جواز تقدم المشروط على الشرط العقلي في الأوّل ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٨٩ ، الباب ٨٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١ ، والظاهر تمامية السند وإن كان يخدش فيه في بعض الكلمات من جهة ضعف إسناد الشيخ الى ابن محبوب بابن بطة. وجه الصحة شهادة الشيخ في الفهرست بأنّ له سندا صحيحا إلى جميع كتب ابن محبوب ورواياته.

ولا إشكال من جهة سائر الرواة كما لا يخفى على من راجع تراجمهم.


.................................................................................................

__________________

والشرعي في الخامس الذي ارتضاه صاحب الجواهر قدس‌سره ، فيجوز التصرف لكليهما قبل حصول الإجازة.

وكذا على الوجه الثاني الذي يكون الشرط فيه وصف التعقب بناء على كونه وصفا مقارنا للعقد. والوجه الثالث الذي يكون الشرط فيه الرضا التقديري. والوجه السادس الذي يكون الإجازة فيه مجرّد العلامة والأمارة على حصول النقل والانتقال بنفس العقد ، إذ بناء على الوجوه الثلاثة يكون العقد من حين وقوعه تامّا مؤثرا.

وأمّا الكشف الانقلابي والحكمي فقد عرفت صيرورة الأمة أمّ ولد فيهما بعد الإجازة. هذا كلّه بحسب الحكم الواقعي.

وأمّا الحكم الظاهري فهو عدم جواز التصرف في جميع أنحاء الكشف ، لأصالة عدم الإجازة ، إذ مع عدم العلم بلحوق الإجازة يكون مقتضى الأصل عدم جواز التصرف.

وأمّا مع العلم بلحوقها فلا إشكال في جواز التصرّف في صورتي شرطية التعقب وشرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخّر ، وفي صورتي شرطية الرضا التقديري ، وأمارية الإجازة على تأثير العقد ، وحصول النقل والانتقال من دون دخل للإجازة في تأثير العقد.

وأمّا الكشف الانقلابي والحقيقي الذي تقدّم من صاحب الجواهر فلا يكفي العلم بوجود الإجازة فيما بعد ، إذ المفروض دخل الإجازة بوجودها الخارجي في الملكية التي يترتّب عليها جواز التصرف ، والعلم تعلّق بما يصير بعد ذلك سببا لجواز التصرف. وهذا لا يكفي في فعلية سبب جواز التصرف حتى يصير مسبّبه فعليا.

ثم إنّه قد يمنع ما أفاده المصنف قدس‌سره ـ من صيرورة الأمة أمّ ولد بناء على الكشف الحكمي ـ بما في تقرير السيد المحقق الخويي قدس‌سره من : أنّ الشارع وإن حكم بعد إجازة المالك بكون الأمة ملكا للمشتري من الفضولي ، وأنّ الولد تكوّن في ملكه ، إلّا أنّ ظاهر الأدلة المتكفلة لأحكام أمّ الولد ـ كحرمة بيعها ـ هو حدوث الولد في ملك الواطى ، والمفروض أنّ هذه الأمة لم تكن ملكه حين الوطي ، وإنّما صارت ملكه بقاء أي بعد إجازة المالك ، فلم يتحقق الاستيلاد في ملك المشتري ، ومثلها غير مشمول لتلك الأدلة.

وهذا نظير أخبار مبطلية الزيادة ، فإنّها مختصة بما إذا اتصف الفعل ـ كقراءة الآية أو


ولو نقل المالك الولد [أمّ (١) الولد] من ملكه

______________________________________________________

(١) وهي التي بيعت فضولا. وهذا إشارة إلى ثمرة ثانية ـ بين الكشف الحقيقي والحكمي ـ تظهر في بيع جارية الغير فضولا ، التي أولدها المشتري. بأن باعها الفضولي في الساعة الاولى ، ثم أخرجها السيد عن ملكه في الساعة الثانية ، ثم أجاز بيعها فضولا في الساعة الثالثة.

__________________

السورة ـ بأنّه زائد حين وقوعه ، لا ما إذا اتصف به بعد وقوعه ، لظهور الدليل في أحداث الزائد ، لا جعل الحادث سابقا زائدا بعد حدوثه (١).

أقول : ولعلّ من هذا الباب حكمه قدس‌سره باعتبار خروج البدن كلّا أو بعضا من الماء في الغسل الارتماسي ، وعدم كفاية الارتماس لغرض آخر ، ثم نية الغسل في هذه الحالة ، فإنّ المراد من الاغتسال إحداثه وإيجاده ، ولا يصدق عند كونه مرتمسا (٢).

وكيف كان ، فيمكن منع ما أفاده قدس‌سره. أمّا في مبطلية الزيادة فلأنّ دعوى اختصاصها بقصد الزيادة من حين الشروع في الزائد محل تأمل ، لإطلاق «من زاد» الدال على إخلال الزيادة العمدية في الصلاة. فلو شرع في سورة ثم عدل عنها إلى أخرى ، صدق عنوان الزائد على الاولى ، لكنها مغتفر فيها ، للنص الدال على جواز العدول إلى سورة أخرى قبل بلوغ النصف ، لا لعدم صدق الزائد على المأتيّ به أوّلا ، فإنّ الزيادة المخلّة تتوقف على قصد الجزئية ، والمفروض تحققه في مثل السورة. لكن لا بدّ من تقييد إطلاق «من زاد». ودعوى الانصراف الى خصوص الزيادة الحدوثية ممنوعة أيضا.

كما أنّه يمكن التأمل في وجوب إخراج معظم البدن من الماء في الغسل ، بدعوى : أنّ المكث فيه بقصد الغسل فعل اختياري يتعلق به قصد امتثال الأمر. ولو شك في اعتبار أمر زائد عليه ينفى بالأصل. هذا في المقيس عليه.

وأمّا الأمة فالظاهر أنّها محكومة بكونها أمّ ولد بمقتضى الكشف الحكمي والانقلابي كما تقدم. هذا كله بحسب القاعدة. ولكن يمكن استفادة اعتبار ملكيّتها في منع بيعها من معتبرة محمّد بن مارد المتقدمة في التوضيح.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ٤ ، ص ١٥٧ و ١٥٨.

(٢) منهاج الصالحين ، ج ١ ، ص ٥٦ ، المسألة : ١٥٣ من كتاب الطهارة.


.................................................................................................

______________________________________________________

وينبغي التنبيه على أمر قبل توضيح الثمرة ، وهو : أنّ الموجود في كثير من نسخ الكتاب ـ حتى النسخة المصححة التي نعتمد عليها ـ هو : «ولو نقل المالك الولد من ملكه» وكذا بتذكير الضمير فيما سيأتي من قوله : «وعلى المجيز قيمته» لكن كتب فوق كلمة «الولد» كلمة «أمّ» مع علامة «ظاهرا». ولم يتّضح أنّ الصادر من قلم شيخنا الأعظم قدس‌سره هو «نقل الولد» أو «نقل أمّ الولد».

واختلفت أنظار أعلام الشراح والمحشين في ما هو الأرجح في ضبط العبارة. فمنهم من اعتمد على نسخة «ولو نقل المالك أمّ الولد» فشرح العبارة أو اعترض عليها (١). ومنهم من جعل الأنسب بما ذكره المصنف قدس‌سره في ضابط الكشف الحكمي هو نسخة «ولو نقل المالك الولد» (٢).

وكيف كان فينبغي توضيح المتن بناء على كلتا النسختين ، ثم التعرض في التعليقة لما يظهر بالتأمل في كلمات المصنف ، فنقول وبه نستعين :

أمّا بناء على نسخة «أمّ الولد» فتظهر الثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي ، لو نقل السّيد أمّ الولد عن ملكه ببيع أو هبة قبل أن يجيز عقد الفضولي ، ثم أجازه. فبناء على الكشف الحقيقي يحتمل كل من صحة هذا النقل وبطلانه ، وبناء على الكشف الحكمي يصح نقلها كما يصح بيعها فضوليا بالإجازة.

وليعلم ـ قبل تقريب الصحة والبطلان ـ أنّ محلّ الوجوه المزبورة هو جهل سيّد الأمة ـ حين نقل أمته ـ بأنّها بيعت فضولا ، إذ لو كان عالما ببيعها فضولا كان نقلها إلى الغير بهبة أو ببيع ردّا لذلك البيع الفضولي.

وبعد وضوح محل النزاع نقول : بناء على الكشف الحقيقي يحتمل أمران بطلان النقل وصحته.

__________________

(١) لاحظ : غاية الآمال ، ص ٣٨٠ ، حاشية السيد ، ج ١ ، ص ١٥٤ ، منية الطالب ، ج ٢ ، ص ٢٤٣ ، واحتمل الميرزا النسخة الأخرى ، لكن المستفاد منه ترجيح كون المنقول هو الأم ، حاشية المكاسب للمحقق الايرواني ، ج ١ ، ص ١٢٩.

(٢) حاشية السيد الاشكوري ، ج ١ ، ص ٨٦ ، حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني ، ج ١ ، ص ١٥١


.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الاحتمال الأوّل وهو بطلان النقل ، فلأنّ الإجازة المتأخرة كشفت عن دخول أمّ الولد في ملك من اشتراها من الفضولي من حين بيعها منه ، فنقل السيد لها نقل لمال الغير ، وهو غير نافذ إلّا بإجازته.

وأمّا الاحتمال الثاني ـ وهو صحة نقل السيد لامّ الولد ، وبطلان الإجازة المتأخرة ـ فلأنّ الأمة تكون ملكا لسيّدها قبل إجازة بيعها فضولا ، ولم يتعلّق بها بعد حقّ مانع من نفوذ نقله ، فلا يبقى موضوع للإجازة ، لما سيأتي في ثالث تنبيهات الإجازة (في ص ١٨١) من توقف تأثير الإجازة على عدم تخلّل ردّ المالك بين العقد الفضولي وبين إجازته. كما سيأتي أيضا في أحكام الرّد إنشاء الرّد بكلّ من القول والفعل. فراجع (ص ٤٤٥ ـ ٤٤٦).

وبناء عليه يحتمل كون نقل أمّ الولد ردّا لذلك البيع الفضولي ومفوّتا لمحلّ الإجازة ، ومن المعلوم أنّ الرّد الفعلي كالقولي في عدم بقاء موضوع الإجازة. هذا بناء على الكشف الحقيقي.

وأمّا بناء على الكشف الحكمي فيصحّ نقل أمّ الولد. لبقائها على ملك سيّدها ، فإذا أجاز بيعها فضولا فقد تملّك ثمنها بإجازته ، فيتحقق عقدان صحيحان. ولمّا لم يتمكن السيد من الوفاء بكلا العقدين ـ لكون المنقول والمبيع واحدا شخصيا وهو الأمة ـ تعيّن تسليم العين للمشتري من الفضولي ، ودفع قيمتها إلى من نقلها السيد اليه.

أمّا تسليم الأمة للمشتري من الفضولي فلأنّه مقتضى تنفيذ بيع الفضولي بإجازته ، وصيرورة ذلك البيع مضافا إلى نفس السيد بالإجازة المتأخرة.

وأمّا تسليم القيمة إلى الثاني ، فلكونه مقتضى صحة نقله الواقع قبل حكم الشارع بصيرورة الأمة ملكا للمشتري من الفضولي ، ومن المعلوم أنّه عند تعذر تسليم العين لصاحبها يلزم ردّ البدل وهو المثل في المثلي والقيمة في القيمي.

ونظير هذه المسألة ـ من الحكم بصحة البيع الفضولي ونقل المالك ، وتسليم العين لأحد المشتريين والبدل إلى الآخر ـ هو تصرّف من عليه الخيار في المبيع الخياري بناقل لازم إذا فسخ ذو الخيار بعد ذلك ، حيث إنّهم حكموا بصحة ذلك التصرف الناقل كحكمهم بصحة الفسخ ، واشتغال ذمة من عليه الخيار بالبدل ، وسيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.

هذا توضيح الثمرة بناء على كون المنقول هو الأمّ المبيعة فضولا.


قبل الإجازة (١) ، فأجاز ، بطل (٢) النقل على الكشف الحقيقي ، لانكشاف وقوعه (٣) في ملك الغير. مع احتمال (٤) كون النقل بمنزلة الرد. وبقي (٥) صحيحا على الكشف

______________________________________________________

وأمّا بناء على نسخة «ولو نقل الولد» فتوضيح الثمرة : أنّه بناء على الكشف الحقيقي يبطل نقل الولد ، إذ الإجازة المتأخرة كشفت عن كون الأمة وولدها ملكا للمشتري من الفضولي ، لتبعية النماء للعين ، فهو ملك الغير ، ونقل مالك الأمة له ـ قبل الإجازة ـ تصرّف في ملك الغير.

وبناء على الكشف الحكمي يصحّ نقل الولد ، لأنّه نماء ملكه ، ولم يتعلق به حق أحد بعد. ولكن حيث أجاز البيع الأمة فضولا فقد أتلف على المشتري نماءها ، فيضمن المالك بدله ، فيجب دفع قيمة الولد إلى المشتري من الفضولي.

فإن قلت : لم لا يكون نقل الولد ردّا فعليا لبيع الأمة؟ حتى لا يبقى محل لإجازة البيع ، ولا موضوع لدفع البدل إلى المشتري.

قلت : لا يكون نقل الولد منافيا لإجازة بيع الأمة ، لأنّ مصبّ البيع الفضولي هو نفس الأمة لا نماؤها ، فالإجازة والردّ يتعلقان بمورد ذلك البيع ، لا بما هو خارج عنه. وعليه فنقل الولد لا يزاحم إجازة بيع الامّ ، ويتجه حينئذ وجوب دفع قيمته إلى المشتري ، فيمكن الالتزام بصحتهما معا.

(١) أي : قبل أن يجيز المالك بيع أمته فضولا.

(٢) جواب «ولو نقل» أي : بطل النقل الذي أنشأه مالك الأمة بناء على الكشف الحقيقي. والمراد بالبطلان كونه فضوليا موقوفا على إجازة المشتري من الفضولي ، وليس المراد بطلان النقل رأسا وخروجه عن قابلية الصحة حتى لو أجاز المشتري.

(٣) أي : وقوع نقل السيد ـ للأمة ـ في ملك الغير ، وهذا الغير هو المشتري من الفضولي.

(٤) تقدم توضيح هذا الاحتمال بقولنا : «ويحتمل كون نقل الامّ ردّا لذلك البيع الفضولي ..».

(٥) معطوف على «بطل» يعني : أنّ النقل الصادر من المالك باطل على الكشف الحقيقي وصحيح على الكشف الحكمي ، لبقاء المال المبيع فضولا على ملكه ، فوقع النقل في ملكه.


الحكمي ، وعلى المجيز (١) قيمته (٢) [قيمتها] لأنّه (٣) مقتضى الجمع (*) بين جعل

______________________________________________________

(١) وهو المالك الأصيل المجيز لبيع الفضولي بعد نقل أمّ الولد عن ملكه إلى الغير.

(٢) اختلفت النسخ في ضبط هذه الكلمة أيضا ـ كما أشرنا إليه ـ ففي كثير منها «قيمته» وهو يناسب كون مصبّ الثمرة نقل الولد. لكنها صحّحت ب «قيمتها» ليناسب كون المنقول هو الامّ ، لا الولد.

(٣) أي : لأنّ ثبوت قيمة أمّ الولد على المالك هو مقتضى الجمع بين جعل عقد الفضولي ماضيا ونافذا من حين وقوعه ، وبين صحة نقل المالك الأصيل أمّ الولد الذي وقع قبل حكم الشارع بنفوذ بيع الفضولي ، فإنّ مقتضى الجمع بين صحة عقد الفضولي وبين صحة النقل المزبور هو تسليم أمّ الولد إلى المشتري الثاني الذي

__________________

(*) هذا التعليل يناسب كون المنقول هو الأمّ ، فإنّ الولد وإن كان تابعا لأمّه في الملكية ـ لتبعية النماء للعين ـ إلّا أنّ الجمع بين مقتضى الكشف الحكمي وصحة النقل يقتضي كون موضوع البيع الفضولي ونقل المالك واحدا حتى يجمع بينهما ، إذ لو كان المنقول هو الولد ، والمجاز بيع امّه ، لم يكن تناف بينهما ، بل المتعين دفع قيمة الولد ، لكون نقله إتلافا له على مالكه.

وكذا ما تقدم من قوله : «مع احتمال كون النقل بمنزلة الردّ» يلتئم أيضا مع كون المنقول هو الامّ ، لما سيأتي بعد أسطر من أنّ التصرف المنافي للبيع الفضولي المفوّت لمحلّ الإجازة يكون ردّا فعليا للعقد ، ومن المعلوم أنّ مورد الإجازة والرد هو بيع الأمة ، فلو كان المنقول هو الولد لم يكن منافيا لبيع الامّ ، وإنّما يجب عليه البدل ، لكون هذا النقل إتلافا لنماء العين التي تترتب عليها أحكام الملك من زمان العقد. ولو كان المنقول هو الامّ كان ردّا لبيع الفضول.

ولعلّ الأكثر لأجل هاتين الجملتين التزموا بأنّ المنقول هو الأمّ.

إلّا أن الظاهر من التعليل الآتي في قوله : «وضابط الكشف الحكمي ..» كون المنقول هو الولد لا الام. قال المحقق الأصفهاني قدس‌سره : «وهذا ـ أي كون المنقول الولد ـ هو الأنسب بما صرّح به على الكشف الحكمي من أنّه لا موقع للإجازة وترتيب الأثر مع تفويت محلّ


العقد ماضيا من حين وقوعه (١) ، وبين مقتضى صحّة النقل الواقع قبل

______________________________________________________

اشترى أمّ الولد من مالكها الأصيل ، وإعطاء قيمتها إلى المشتري الذي اشتراها من البائع الفضولي.

وما نحن فيه نظير بيع من عليه الخيار ـ كمن يشتري دكّانا مثلا بثمن معيّن ـ مع جعل الخيار للبائع في مدة معينة ، ثم يبيع المشتري ـ الذي عليه الخيار المجعول للبائع ـ ذلك الدّكان في زمان الخيار بيعا لازما ، فإنّ على المشتري الذي عليه الخيار أن يدفع قيمة الدكان الذي باعه ، إلى من له الخيار ، لأنّ بيع من عليه الخيار المتعلق الخيار إتلاف له على من له الخيار ، فعليه دفع قيمته إلى ذي الخيار.

هذا وجه صحة كلّ من البيع الفضولي بالإجازة ، ونقل المالك للأمّ إلى شخص آخر ، ووجوب دفع قيمتها إلى الأوّل.

وإن كان المنقول هو الولد فوجوب دفع قيمته أوضح وجها ، وقد تقدم بيانه (في ص ٨٦) بقولنا : «وبناء على الكشف الحكمي يصح نقل الولد ، لأنه نماء ملكه .. إلخ».

(١) لا يخفى اقتضاء جميع أقسام الكشف جعل العقد ماضيا من حين وقوعه ، في

__________________

الإجازة شرعا أو عقلا ، فإنّ الجارية محلّ الإجازة ومورد العقد ، فلا ملك للمجيز حال إجازته حتى يجيز ، ويجب ترتيب آثار العقد الصحيح من الأوّل. بخلاف نقل الولد أو مطلق نمائه ، فإنّه ليس مصبّا للعقد وموردا للإجازة ، فتصحّ الإجازة ، ويرجع بالإضافة إلى منافعه ونمائه إلى البدل. ومن المعلوم أنّ مورد الكشف الحقيقي والحكمي أمر واحد ، وليس هو إلّا الولد ..» (١).

وما أفاده قدس‌سره ـ من اقتضاء كلام المصنف في ضابط الكشف الحكمي كون المنقول هو الولد ـ متين جدّا ولا غبار عليه. إلّا أنّه لا يلتئم مع الجملتين المتقدمتين الظاهرتين في كون المنقول هو الأمّ. فالإنصاف عدم خلوّ العبارة في بيان هذه الثمرة ـ من تشويش ، وهو أعلم بما أفاد.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٥١.


حكم الشارع (١) بهذا الجعل. كما في الفسخ بالخيار مع انتقال متعلّقه بنقل لازم (٢) (*).

______________________________________________________

قبال النقل. ولمّا كان المقصود ترتيب الثمرة على الكشف الحكمي ، فلا بدّ من أن يراد من قوله : «جعل العقد ماضيا من حين وقوعه» الحكم بترتيب آثار الملكية من حين العقد ، في قبال الكشف الحقيقي الموجب لاعتبار نفس الملكية من زمان العقد.

(١) إذ لو وقع النقل بعد حكم الشارع بنفوذ عقد الفضولي فلا إشكال في بطلانه ، لوقوعه في ملك الغير ، حيث إنّ الإجازة ـ سواء أكانت كاشفة بأنحاء الكشف ، أم ناقلة ـ أوجبت ملكية المبيع فضولا لمن اشتراه من البائع الفضولي ، فالمالك الأصيل صار أجنبيا عن المبيع ، بحيث لا سلطنة له على نقله إلى الغير.

(٢) إذ لو كان بنقل جائز جاز لذي الخيار فسخه ، لأنّ النقل الجائز لا يسقط الخيار.

__________________

(*) الظاهر صحة النقل حتى على الكشف بجميع أنحائه ، إلّا بناء على كفاية الرضا التقديري وكون الإجازة كاشفة عنه.

توضيحه : أنّه بناء على النقل وقع نقل المالك الأصيل في ملكه ، فلا مانع من صحته ، إذ بيع الفضولي لا يترتب عليه أثر قبل إجازة المالك ، والمفروض عدم حصولها قبل النقل ، فيصحّ نقل المالك ، لوقوعه في ملكه ، ويكون رافعا لموضوع الإجازة.

وبناء على الكشف بأقسامه ـ سوى كفاية الرضا التقديري ـ يصح أيضا نقل المالك ، وذلك لأنّ صحة عقد الفضولي منوطة بإجازة المالك المنوط نفوذها ببقاء مالكيته حين الإجازة. وحيث إنّ النقل لم يكن نفوذه مشروطا بشي‌ء ، فحين وقوعه أثّر وخرج المبيع عن ملكه ، ولا يبقى معه موضوع للإجازة.

وإن شئت فقل : إنّ نفوذ عقد الفضولي مشروط بالإجازة من مالك أمر هذا العقد ، ونقل المالك الأصيل للمبيع فضولا إلى غير من اشتراه من البائع الفضولي أخرجه عن ملكه ، وجعله أجنبيا عن المبيع ، فلو أجاز بعد هذا النقل وقع هذه الإجازة في غير ملكه ، فلا تنفذ ، وتكون كالعدم.

والحاصل : أنّ صحة عقد الفضولي معلّقة على تقدير ، ونقل المالك يهدم ذلك


.................................................................................................

__________________

التقدير ، وهو إجازته حين كونه مالكا ، فإنّ نقله ـ حيث إنّه مطلق غير معلّق على شي‌ء ـ أوجب خروج المبيع عن ملكه ، ودخوله في ملك من اشتراه منه ، وعدم صلاحيته لأن يصير ملكا لمن اشتراه من البائع الفضولي.

نعم بناء على كفاية الرضا التقديري ـ وجعل الإجازة طريقا محضا إلى ذلك الرضا ـ يشكل صحة نقل المالك الأصيل ، إذ المفروض انتقال المبيع فضولا إلى من اشتراه من العاقد الفضولي ، فيقع نقل المالك في غير محلّه ، لوقوعه في غير ملكه.

لكن المبنى فاسد ، لما مرّ سابقا ، كفساد طريقية الإجازة وأماريتها على الرضا وطيب النفس من دون دخل لنفس الإجازة ، إذ لازمه خروج صورة العلم برضا المالك عن عقد الفضولي ، وهو خلاف مذهبهم من كونه من صغريات عقد الفضولي.

وقد ظهر ممّا ذكرنا ـ من رافعية نقل المالك الأصيل للمبيع فضولا لموضوع الإجازة ـ عدم اجتماع عقدين وتزاحمهما حتى نحتاج إلى الجمع بينهما بتسليم عين الأمة إلى من اشتراها من مالكها ، ودفع قيمتها إلى من اشتراها من الفضولي.

وبالجملة : تصرف المالك الأصيل في ماله الذي بيع فضولا قبل إجازته رافع لموضوع الإجازة ، حيث إنّ الإجازة منوطة بمالكية المجيز لأمر العقد ردّا وإجازة حين الإجازة ، وتصرفه فيه قبل الإجازة رافع لموضوعها.

وقياس المقام بفسخ من له الخيار لمتعلّق العقد الخياري ـ بعد نقل من عليه الخيار ـ في غير محلّه ، لأنّ لذي الخيار حقّا في متعلقة ، فليس لمن عليه الخيار نقله ، فإذا نقله فقد أتلف متعلق حق ذي الخيار ، فيضمن بدله. وهذا بخلاف المقام ، فإنّ المالك مسلّط على ماله ، فتصرفه فيه نافذ بلا مانع.

هذا مضافا الى ما أفيد من «أن الفسخ متعلق بالعقد من حينه لا من حين العقد ، والإجازة متعلقة به من حينه على الكشف ، لا من حينها» (١).

وحاصل الكلام : أنّ النقل إمّا يقع قبل الإجازة ، وإمّا يقع بعدها. وعلى التقديرين إمّا تكون الإجازة كاشفة أو ناقلة.

__________________

(١) نهج الفقاهة ، ص ٢٣٧.


وضابط (١) الكشف الحكمي الحكم بعد الإجازة بترتّب آثار ملكية المشتري من حين العقد ، فإن ترتّب شي‌ء من آثار ملكية المالك قبل إجازته ـ

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّه قدس‌سره أراد من بيان هذا الضابط ـ مع عدم كونه من الثمرات المترتبة على الكشف والنقل ـ تعليل ما ذكره من الحكم بصحة البيع الفضولي والنقل بناء على الكشف الحكمي. وبيانه : أنّ تصرف المالك قبل الإجازة يكون على صورتين :

إحداهما : أن لا يكون التصرف منافيا لإجازة البيع الفضولي. ومثّل له بإتلاف نماء

__________________

فإن وقع النقل بعد الإجازة ، فلا أثر له أصلا ، سواء أكانت الإجازة كاشفة أم ناقلة كما هو واضح.

وإن وقع النقل قبل الإجازة ، فإن قلنا بناقليتها فلا ينبغي الإشكال في جواز النقل تكليفا ووضعا ، لوقوعه في ملكه.

وإن قلنا بكاشفيتها ، فالمصنف قدس‌سره ذهب إلى الجمع بين نقل المالك وبين مقتضى الإجازة بالرجوع إلى البدل ، فإنّ صحة النقل والإجازة تقتضي الرجوع إلى بدل الأمة لمن اشتراها من الفضولي ، لأنّ مالكها الأصيل جعلها بسبب نقلها كالتالف ، فيضمن المالك قيمتها له ، ويدفع الأمة إلى المشتري الذي اشتراها من نفسه. نظير بيع من عليه الخيار للمبيع في زمن الخيار ، في لزوم دفع قيمة المبيع إلى ذي الخيار.

لكن قد عرفت في صدر التعليقة صحة النقل الواقع قبل الإجازة مطلقا.

أمّا بناء على النقل فواضح ، لوقوع النقل في ملك مالكه لأذى له سلطنة تامة على ماله. وأمّا على الكشف بأقسامه سوى كفاية الرضا التقديري ـ فلتوقف تأثير الإجازة في العقد وتنفيذها له على اعتبارها المنوط بعدم تصرف المالك في المال الذي وقع عليه عقد الفضولي. ومع تصرّفه فيه لا يبقى موضوع للإجازة ، سواء التفت المالك إلى عقد الفضولي أم لا. غاية الأمر أنّ تصرفه فيه مع الالتفات ردّ لعقد الفضولي ، وبدون الالتفات مفوّت لموضوع الإجازة ورافع له.

نعم في صورة كفاية الرضا التقديري في الكشف لا يصحّ النقل ، لوقوعه في ملك الغير ، وهو من اشتراه من العاقد الفضولي.


كإتلاف (١) النماء ونقله ولم يناف الإجازة ـ جمع (٢) بينه (٣) وبين مقتضى الإجازة

______________________________________________________

المبيع ، وبنقله إلى الغير ، ثم تنفيذ البيع الفضولي. وفي هذه الصورة يجمع بين صحة البيع والتصرف في النماء ، فتترتب بالإجازة آثار ملكية المشتري من الفضولي من حين شراء الأمة ، ويحكم بتبعية النماء للعين ، وبصحة نقل النماء أيضا ، ويضمن قيمته للمشتري من الفضولي ، لكون نقله بحكم الإتلاف.

وثانيتهما : أن يكون تصرف المالك منافيا لإجازة البيع الفضولي ، كما إذا تصرّف في نفس المبيع ، بأن أعتق الأمة أو باعها من شخص آخر ، فإنّ هذا النحو من التصرف مزيل لموضوع الإجازة ومفوّت لمحلّها ، فيبطل البيع الفضولي ، ويصح تصرف المالك بالنقل أو بالعتق.

وهذا التفصيل بين الصورتين قد أفاده في مباحث الرد كما سيأتي إن شاء الله تعالى في (ص ٤٤٦) وهو يناسب كون المنقول هو الولد لا الامّ.

والوجه في كون هذا التفصيل أنسب بنسخة «ولو نقل المالك الولد» هو : أنّه بناء على الكشف الحكمي لا منافاة بين تصرف المالك في نماء المبيع فضولا وبين إجازة البيع ، فيصحّ بيع الامّ ، ويصح نقل الولد أيضا ، لكنه يوجب الانتقال إلى البدل. بخلاف التصرف في نفس المبيع ، فإنّه مفوّت لمحل الإجازة ومبطل للعقد الفضولي رأسا.

وبناء على الكشف الحقيقي لا يصح نقل الولد ، لأنّ الإجازة اللّاحقة كشفت عن كونه ملكا للمشتري الأوّل تبعا للأمة ، فنقله إلى الثاني تصرف في مال الأوّل ، فإن أجاز صحّ ، وإلّا وقع باطلا. هذا توضيح ما أفاده في ضابط الكشف الحكمي.

(١) يعني : أنّ إتلاف نماء الملك ونقل النماء إلى الغير يكون جائزا لكلّ مالك بمقتضى سلطنته على شؤون ماله ، وهذا المقدار غير مناف لإجازة بيع العين فضولا ولا مفوّت لمحلّها.

(٢) جواب الشرط في قوله : «فإن ترتّب شي‌ء». ووجه تعيّن الجمع بين صحّة بيع العين وجواز تصرف المالك في النّماء هو : إعمال كلّ من دليل نفوذ البيع الفضولي بالإجازة ، ودليل سلطنة المالك ، وقاعدة الضمان بالإتلاف وشبهه.

(٣) أي : بين الشي‌ء الذي هو من آثار ملكية المالك الأصيل ـ كإتلاف النماء ونقله ببيع وصلح ونحوهما ـ وبين مقتضى الإجازة.


بالرجوع (١) إلى البدل. وإن (٢) نافى الإجازة ـ كإتلاف العين عقلا أو شرعا كالعتق ـ فات (٣) محلّها (*).

______________________________________________________

(١) متعلق ب «جمع» يعني : أنّ الرجوع ببدل المنقول هو مقتضى الجمع بين صحة النقل والإجازة.

(٢) معطوف على «لم يناف» يعني : وإن ترتّب شي‌ء من آثار ملكية المالك ونافى ذلك الترتب إجازة المالك لبيع الفضولي ، فقد فات محلّ الإجازة ، ويبطل البيع.

ومثال التصرّف المفوّت لمحلّ الإجازة إتلاف العين المبيعة فضولا ، إمّا إتلافا حقيقيا بإعدامها عن صفحة الوجود. وإمّا إتلافا شرعيا ، ومثّل له المصنف هنا بعتق المملوك ، لامتناع ردّه إلى الرقية بعد تحرّره. ولكن لا خصوصية في العتق ، بل المراد من التصرف المفوّت لمحلّ الإجازة ـ كما صرّح به في مباحث الردّ ـ هو كلّ فعل مخرج عن ملكه كالبيع والهبة.

وكذا الفعل المنافي لتأثير الإجازة في صحة العقد من حينه ، كما إذا بيعت أمته فضولا ، ثمّ زوّجها المالك ، ثمّ أجاز ذلك البيع ، فإنّ التزويج وإن لم يكن إخراجا عن الملك لكنه ينافي انتقال الأمة إلى المشتري من حين العقد.

ولا بدّ أن يكون مراده هنا من الإتلاف الشرعي ما يعمّ مثل البيع والهبة ، إذ الكلام في صحة نقل المالك ، ومنافاته للإجازة.

وقد تحصل ممّا أفاده بقوله : «وضابط الكشف الحكمي» أنّ تصرف المالك إن كان في نماء المبيع فضولا ، لم يكن منافيا لإجازة بيع العين ذات النماء. وإن كان في نفس العين المبيعة فضولا كان ردّا فعليا للبيع ، ورافعا لموضوع الإجازة.

(٣) جواب الجملة الشرطية ، وهي «وإن نافى».

__________________

(*) أورد غير واحد على جعل إتلاف العين عقلا أو شرعا منافيا للإجازة : بأنّه ما الفرق بين إتلافها كذلك ، وبين نقل المالك العين عن ملكه قبل الإجازة ، حيث حكم هناك بصحة الإجازة واستحقاق المشتري للبدل ، وحكم هنا ببطلان الإجازة ، وجعل استحقاق البدل احتمالا (١).

__________________

(١) حاشية السيد الطباطبائي ، ج ١ ، ص ١٥٤ ، حاشية المكاسب للمحقق الايرواني ، ج ١ ، ص ١٢٩.


مع احتمال (١) الرجوع إلى البدل ،

______________________________________________________

(١) يعني : كما تقدم من تعيّن الرجوع إلى بدل النماء ، فكذلك يحتمل الرجوع إلى

__________________

أقول : المناقشة بالتنافي بين كلامي المصنف قدس‌سره قد أوردها الفقيه المامقاني قدس‌سره على المتن أيضا ، لكنه دفعها ببيان الفارق بين نقل الأمة إلى الغير وبين عتقها ، بمنع كون البيع إتلافا شرعا ، لإمكان إعادة المبيع إلى الملك بالفسخ والإرث والنقل الجديد كالهبة والشراء ، ونحوها ، فلا يكون نقلها إتلافا. بخلاف العتق ، لعدم كونه مجرّد إخراج العين عن الملك حتى يتحد حكمه مع البيع ، بل فيه زيادة عليه ، وهي امتناع إعادة المعتق إلى الرّقيّة شرعا ، فلذا يكون عتق الأمة إتلافا مفوّتا لمحلّ الإجازة. بخلاف نقلها ، لإمكان الجمع بين تنفيذ البيع الفضولي ونقلها إلى الآخر بتسليم العين إلى المشتري من المالك ، وتسليم البدل إلى المشتري من الفضولي ، هذا (١).

لكن الظاهر عدم اندفاع التهافت بين كلامي المصنف بهذا البيان ، وذلك لأنّه ـ مضافا إلى تصريح المصنف قدس‌سره في أحكام الردّ بأنّ وزان البيع والهبة وزان العتق في تفويت محلّ الإجازة ، ومنافاة كل منها لصحة البيع الفضولي ـ ينافي تنظيره وجوب دفع القيمة بناء على الكشف الحكمي بالفسخ بالخيار مع انتقال متعلقة بعقد لازم ، فإنّ هذا التنظير قرينة على أنّ مراده بالإتلاف الشرعي ليس خصوص العتق ، بل كل ما يخرج المبيع فضولا عن الملك ، وإلّا لم يكن وجه للانتقال إلى البدل ، إذ لو أجاز المالك بيع أمته فضولا لم تصل النوبة إلى دفع بدلها إلى المشتري ، بل أمكن تكليف المالك بفسخ النقل الثاني ، بالإقالة أو الاتّهاب ، أو شرائها منه ليسلّمها إلى المشتري من الفضولي.

فحكمه قدس‌سره بصحّة النقل ، والانتقال إلى البدل ، وعدم إلزامه بإعادتها في ملكه لا يتمشّى إلا بجعل الإتلاف أعمّ من العتق ومن النقل اللازم.

وعليه فالظاهر عدم خلوّ كلمات المصنف قدس‌سره من التهافت ، ولذلك قلنا إنّ ما أفاده في دفع القيمة يناسب كون النسخة «نقل الامّ» وما أفاده بقوله : «وضابط الكشف الحكمي ..» يناسب نقل الولد. وهو أعلم بما قال.

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣٨٠.


وسيجي‌ء (١).

ثم إنّهم ذكروا للثمرة بين الكشف والنقل مواضع (٢):

______________________________________________________

البدل في التصرف المنافي للإجازة. وعليه فيصح نقل المالك في كلتا الصورتين ، وهما التصرف في العين والنماء ، ولا يفوت محلّ الإجازة لو تصرف في العين ، بل يرجع إلى البدل.

ولا يخفى أنّ هذا الاحتمال غير معتنى به ، ولذا لم يذكره في مباحث الرد ، وجزم هناك بانّ التصرف في العين ردّ فعليّ للبيع الفضولي.

(١) يعني : وسيجي‌ء في أحكام الرد تفصيل الكلام في التصرف المنافي المفوّت لمحلّ الإجازة ، حيث قال : «وكذا يحصل ـ يعني الردّ ـ بكلّ فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف وشبههما كالعتق والبيع والهبة والتزويج ونحو ذلك .. وأمّا التصرف غير المخرج عن الملك كاستيلاد الجارية وإجارة الدار وتزويج الأمة فهو وإن لم يخرج الملك عن قابلية وقوع الإجازة عليه ، إلّا أنه مخرج له عن قابلية وقوع الإجازة من زمان العقد .. إلخ» فراجع (ص ٤٤٦ و ٤٤٧).

وكيف كان فلم يتعرّض المصنف هناك لاحتمال الرجوع إلى البدل ، بل جزم بكون التصرف المنافي ردّا فعليا لعقد الفضولي.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية المتكفلة للثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي. وسيأتي الكلام في الثمرة بين الكشف والنقل.

ثمرات الكشف والنقل

(٢) ذكرنا في (ص ٧٥) أنّ المقام الثاني من مباحث الإجازة ـ يتكفل بيان ثمرات الكشف والنقل ، وتقدم الكلام في جهتين ، وهما ثمرة قسمي الكشف الحقيقي ، وثمرة الكشف الحقيقي والحكمي. ويقع الكلام في الجهة الثالثة ، وهي ثمرات الكشف ـ مطلقا ـ والنقل ، وجملتها مذكورة في الجواهر وفي شرح القواعد أيضا. وقدّم المصنف قدس‌سره ثمرات ثلاث معروفة ، ثم تعرض لثمرات اخرى ذكرها كاشف الغطاء قدس‌سره وتبعه في أنوار الفقاهة وكشف الظلام.


منها (١) : النماء ، فإنّه على الكشف بقول مطلق (٢) لمن انتقل إليه العين ، وعلى النقل لمن انتقلت عنه (٣).

وللشهيد الثاني في الروضة عبارة (٤) ،

______________________________________________________

الاولى : النماء

(١) أي : من تلك المواضع التي ذكروها للثمرة بين الكشف والنقل.

(٢) أي : بأقسامه الثلاثة المذكورة سابقا في كلام المصنف قدس‌سره من الكشف الحقيقي ، مع كون الشرط فيه نفس الإجازة بناء على إمكان الشرط المتأخر. ومن الكشف الحقيقي مع كون الشرط فيه الوصف المنتزع وهو التعقب. ومن الكشف الحكمي الذي هو نقل حقيقي وكشف حكمي ، أعني به القول بانتقال النماء إلى المشتري ، مع القول ببقاء الملك على ملك مالكه إلى زمان الإجازة.

ومحصل هذه الثمرة هو : أنّ النماء على القول بالكشف ـ مطلقا ـ يكون لمن انتقل إليه العين بالعقد الفضولي.

وعلى القول بالنقل يكون لمن انتقل عنه وهو المالك الأصلي ، إذ لم يترتب أثر على العقد الفضولي حتى يكون النماء لمن انتقل إليه.

(٣) لأنّه نماء ملكه.

(٤) مبتدء مؤخر ، وخبره «وللشهيد الثاني» وعبارة الرّوضة هي «وتظهر الفائدة في النماء. فإن جعلناها كاشفة فالنماء المنفصل المتخلل بين العقد والإجازة الحاصل من المبيع للمشتري ، ونماء الثمن المعين للبائع. ولو جعلناها ناقلة فهما للمالك المجيز» (١).

ولمّا كان قوله : «فهما للمالك المجيز» مخالفا لما تسالموا عليه ـ من أنّ نماء كل واحد من العوضين تابع لأصله ، وهو لمالكه ـ فلذا أشار إليه المصنف قدس‌سره ، وأنّه لا بدّ من توجيهه بما يطابق القاعدة. وقد وجّهه المحقق الخوانساري قدس‌سره بوجوه ثلاثة ، حكم على الأوّل منها بالتكلف ، على الثاني بالبعد ، وعلى الثالث بالإشكال. ووجّهه السيد الفقيه العاملي قدس‌سره بوجه آخر.

__________________

(١) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٢٩ ـ ٢٣٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

وينبغي نقل كلام الفقيهين ، ثم النظر في أولوية أحدهما من الآخر ، فنقول : قال المحقق الخوانساري ـ بعد شرح عبارة الروضة ـ ما لفظه : «فقوله : ـ فهما للمالك المجيز ـ كما ترى ، إلّا أن يفرض كون العقد فضوليا من الطرفين ، ويكون المراد بكونهما للمالك المجيز كون كل منهما لمالك أصله المجيز. وفيه تكلف.

أو يقال : إنّ المراد أن كلّا منهما للمالك المجيز ولو في صورتين. فنماء المبيع للبائع عند كونه فضوليا من قبله ، ونماء الثمن للمشتري إذا كان فضوليا من قبله. ولم يتعرّض لنماء الطرف الآخر ، لظهوره بالمقايسة. ولا يخفى بعده.

ويمكن أن يقال في صورة كون أحد الطرفين فضوليا : إنّ الطرف الآخر قد رضي وأجاز من حين العقد ، فوقع الانتقال من طرفه ، وإنّما يبقى التزلزل من الطرف الآخر ، فلا ينتقل منه إلّا بعد الإجازة ، وحينئذ فيكون نماء كل منهما قبل الإجازة للمالك المجيز. وفيه إشكال .. إلخ» (١).

وقال السيد العاملي بعد نقل عبارة الروضة : «وفيه خفاء. أمّا نماء المبيع فظاهر. وأمّا الثمن فلأنّه انتقل عن المشتري من حين العقد بقبوله. وتصرف المشتري في ملكه لا يتوقف على إجازة غيره» (٢).

وهذا البيان قريب من الوجه الثالث المتقدم في عبارة المحقق الخوانساري.

وكيف كان فغرض المصنف قدس‌سره ترجيح أوّل الوجوه الثلاثة التي أفادها المحقق الخوانساري ، وهو : أنّ المراد بالمالك كلّي المجيز الذي له فردان ، مع فرض الكلام في كون كلا الطرفين فضوليا. فالنتيجة حينئذ : أنّ نماء المبيع لمالكه الذي من شأنه الإجازة إذا كان الفضولي من طرفه ، ونماء الثمن للمالك الذي من شأنه الإجازة إذا كان الفضولي من طرفه.

والحاصل : أنّ نماء المبيع المتكوّن بين زمان العقد والإجازة ـ بناء على ناقلية الإجازة ـ يكون للبائع الذي هو المالك المجيز إذا كان الفضولي من طرفه. ونماء الثمن

__________________

(١) حاشية الفقيه المحقق جمال الدين على الروضة ، ص ٣٥٨ ، وتجدها أيضا في هامش شرح اللمعة ، طبعة عبد الرحيم ١٣٠٩ ، ج ١ ، ص ٣١٢.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٠.


توجيه (١) المراد منها ـ كما فعله بعض ـ أولى من توجيه حكم ظاهرها ، كما تكلّفه (٢) آخر (٣) (*).

______________________________________________________

كذلك يكون للمشتري الذي هو المالك المجيز إذا كان الفضولي من طرفه ، وهذا التوجيه على طبق القاعدة ، إذ بناء على ناقلية الإجازة يكون كل من العوضين مع نمائهما باقيا على ملك مالكه إلى زمان صدور الإجازة.

وأمّا كون هذا التوجيه خلاف ظاهر عبارة الروضة ، فلأنّ ظاهرها كون النماءين كليهما ـ بناء على النقل ـ للمالك المجيز. وهذا الظاهر خلاف القاعدة المقتضية لبقاء كلّ من النماءين ـ تبعا لنفس العوضين ـ على ملك مالكه إلى صدور الإجازة.

(١) مبتدء وخبره «أولى» والجملة صفة للعبارة.

(٢) أي : تكلّف التوجيه بعض آخر وضميرا «منها ظاهرها» راجعان إلى العبارة.

(٣) وهو صاحب مفتاح الكرامة ومن تبعه ، ومحصل ما أفاده في ذلك : أنّه فسّر المالك المجيز بالبائع ، وقال في وجه كون نماء المبيع له «انّه ظاهر» حيث إنّه لم ينقل البائع قبل الإجازة المبيع إلى غيره ، فهو وما يتبعه من النماء باق على ملكه إلى أن يجيز. وأمّا وجه كون نماء الثمن له ، فلأنّ المشتري الذي هو مالك الثمن قد سلّط البائع عليه وعلى ما يتبعه من النماء ، كتسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن مع علم المشتري بغاصبية البائع ، في أنّه هو المسلّط للغاصب على إتلاف الثمن بدون الضمان.

وهذا التوجيه وإن كان إبقاء لظاهر عبارة الشهيد «فهما للمالك المجيز» على حالها ، لكن إرادة رضى المشتري بتصرف البائع في الثمن ونمائه مشكلة ، فإنّ السبب الناقل لم يتم بعد بالنسبة إلى الثمن ، فكيف بنمائه؟ لأنّ قبول المشتري لا يترتب عليه أثر ما لم تتحقق

__________________

(*) ومن الثمرات التي لم يتعرّض لها المصنف ما أفاده الفاضل المامقاني قدس‌سره من : لزوم المعاطاة ، ولغوية رجوع أحد المتعاطيين فيها بناء على كاشفية الإجازة ، وصحة رجوعه وعدم لغويته بناء على ناقليتها (١).

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣٨٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

الإجازة المتأخرة ، والمفروض أنّ الرضا الموجود حين العقد هو الرضا المعاملي ، لا مطلق الرضا بالتصرف ، فتسليم الثمن إلى البائع الفضولي يكون بعنوان الوفاء بالمعاملة.

مضافا إلى : ما أورده المحقق القمي قدس‌سره (١) عليه بأنّه أخصّ من المدّعى من جهتين :

إحداهما : عدم جريانه فيما كان المشتري فضوليا أيضا ، إذ لا أثر لرضاه بالتصرّف في الثمن ونمائه ، ثم أجاز المالكان.

وثانيتهما : اختصاص فرض رضا المشتري بعلمه بكون البائع فضوليا ، إذ يقال بأنّه نقل الثمن إليه مجّانا. ولا يتم في المشتري الجاهل بفضولية البائع ، فإنّه لا ينقل المال إليه إلّا

__________________

توضيح ذلك : أنّه لو اشترى زيد في الساعة الاولى من عمرو بالبيع المعاطاتي ، ثم باع بكر فضولا في الساعة الثانية ذلك الكتاب من بشر ، ثم رجع عمرو في الساعة الثالثة إلى المبيع ، وهو ذلك الكتاب ، ثم أجاز زيد المشتري هذا البيع الفضولي في الساعة الرابعة.

فعلى القول بالكشف صار الكتاب ملكا لبشر في الساعة الثانية قبل رجوع عمرو ، فيلغو رجوعه ، لوقوعه بعد التصرف الملزم للمعاطاة ، وهو بيع بكر فضولا في الساعة الثانية الذي أجازه زيد.

وعلى القول بالنقل يصح رجوع عمرو إلى المبيع ، لوقوع رجوعه قبل التصرّف الملزم للمعاطاة ، لوقوع الإجازة الناقلة للعين بعد رجوع عمرو ، فينحل به البيع المعاطاتي ، ولا أثر للإجازة.

والحاصل : أنّ البيع المعاطاتي يلزم بناء على كاشفية الإجازة ، لصيرورة بيع الفضولي ـ بسبب إجازة زيد المشتري للكتاب بالمعطاة له ـ بيعا لازما ، وتصرفا ملزما موجبا للزوم المعاطاة ، ولغوية رجوع عمرو ، لوقوعه بعد التصرف الناقل الذي هو أحد ملزمات المعاطاة.

وبناء على ناقلية الإجازة يصح الرجوع ، وتنحلّ به المعطاة ، لوقوع إجازة عقد الفضولي بعد بطلان المعاطاة ، وانفساخها برجوع عمرو الذي هو أحد المتعاطيين أي بائع الكتاب.

__________________

(١) جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٥٦ (الطبعة الحجرية) وج ٢ ، ص ٢٨١ الطبعة الحجرية.


ومنها (١) : أنّ فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له (٢) على القول بالنقل دون الكشف (*) بمعنى : أنّه (٣) لو جعلناها ناقلة كان فسخ

______________________________________________________

على وجه المعاوضة التي لم تتحقق بعد ، فالثمن ونماؤه باقيان على ملك المشتري واقعا ، ولا رضا إلّا بالمعاوضة المنتفية حسب الفرض.

فتحصّل مما ذكرناه : أنّه لا بدّ من التصرّف في كلام الشهيد الثاني قدس‌سره ليخرج عن مخالفة المتسالم عليه بينهم من «أنّ نماء المبيع للبائع ، ونماء الثمن للمشتري بناء على كون الإجازة ناقلة».

والأولى حمل العبارة على خلاف ظاهرها بدعوى : أنّ المراد الجدّي هو كون كلا المتعاملين فضوليا. ولولاه يلزم التكلف في إبقاء العبارة على ظاهرها ، مع عدم تمامية توجيه هذا الظاهر في نفسه. هذا تمام الكلام في الثمرة الاولى من ثمرات الكشف والنقل.

الثانية : جواز فسخ الأصيل ، بناء على النقل

(١) أي : ومن المواضع التي ذكروها للثمرة بين الكشف والنقل : أنّ فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر ـ فيما إذا كان أحد المتعاقدين فضوليّا ـ يوجب بطلان العقد بناء على النقل ، دون الكشف ، لأنّه بناء على النقل يكون فسخه مبطلا للعقد ، لما حكي من الإجماع على جواز إبطال أحد المتعاقدين لإنشائه قبل إنشاء الآخر ، بل قبل تمامية شرائط صحة العقد كالقبض في المجلس فيما يعتبر فيه القبض.

وبناء على الكشف لا يكون فسخه مبطلا للعقد ، لكون العقد تامّا من طرف الأصيل وإن كان الآخر مسلّطا على فسخه.

(٢) أي : للعقد ، وضمير «جعلناها» راجع إلى الإجازة.

(٣) الضمير للشأن ، وغرضه من قوله : «بمعنى» تفسير النقل.

__________________

(*) لا يخفى أنّ المسلّم من جواز الإبطال قبل إنشاء الآخر إنّما يكون في مورد عدم صدق العقد عليه ، كإبطال الإيجاب قبل تحقق القبول. وأمّا مع صدق العقد فجواز إبطال إنشائه لفقدان شرط من شرائط الصحة غير معلوم ، لأنّه خلاف إطلاق أدلة الصحة واللزوم ، حيث إنّ إطلاقها الأحوالي يقتضي عدم بطلان إنشاء الأصيل بفسخه قبل إجازة الآخر.


.................................................................................................

__________________

إلّا أنّه قيل بأن الإجماع المنعقد على شرطية عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب اقتضى جواز إبطال أحد المتعاقدين إنشاءه قبل إنشاء الآخر ، بل وبعده قبل وجود شرط الصحة ، كالقبض في الهبة والوقف والصدقة وبيع الصرف والسلم. فلو بني على جواز إبطال الإنشاء قبل حصول شرط الصحة جاز للأصيل إبطال إنشائه قبل الإجازة ، حيث إنّها شرط صحة العقد بناء على النقل ، لاقتضاء الإجماع المزبور ذلك. بخلاف الكشف الحقيقي ، حيث إنّ الإجازة بناء عليه ليست شرطا لصحة العقد ، فلا يشمله الإجماع ، بل يرجع فيه إلى الإطلاقات المقتضية لعدم البطلان.

فالنتيجة : أنّ مقتضى الإجماع جواز إبطال الأصيل إنشاءه قبل الإجازة بناء على النقل دون الكشف.

أقول : لا يخفى عدم تمامية هذه الثمرة في الكشف الانقلابي والحكمي ، والكشف على نحو الشرط المتأخر ، لكون الإجازة في هذه الأقسام من شرائط صحة العقد ، فلو أبطل الأصيل إنشاءه قبل الإجازة جاز ذلك ، للإجماع المتقدم.

وعليه فلا يختصّ جواز إبطال الأصيل إنشاءه بالنقل ، بل يجوز إبطاله أيضا بناء على الكشف ، فهذه الثمرة ساقطة ، هذا.

ثم إنّ الفقيه المامقاني قدس‌سره نقل عن بعض الأفاضل «أنّ المصنف قدس‌سره كان يعلّل جواز إبطال الإنشاء في مجلس البحث بأنّ العقد عبارة عن المعاهدة المعبّر عنها بالفارسية بقولهم : پيمان ، ومن المعلوم أنّ الموجب إذا رجع عن مضمون الإيجاب قبل القبول أو قبل وجود ما هو من شرائط صحة العقد كالقبض ونحوه انتفى معنى المعاهدة التي ليس قوام العقد إلّا بها ، فينتفي العقد ، وهو معنى بطلانه» (١).

قلت : ما حكي عن المصنف متين جدّا بالنسبة إلى رجوع الموجب عن مضمون الإيجاب قبل القبول ، لعدم صدق العقد عرفا عليه حتى تشمله أدلة الصحة واللزوم ، ويحكم بعدم جواز رجوع الموجب عن إنشائه قبل القبول. فخروج هذا عن أدلة الصحة واللزوم موضوعيّ لا حكمي تخصيصي ، إذ لا ينبغي الإشكال في عدم صدق العقد العرفي عليه.

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣٨٠.


.................................................................................................

__________________

فالفرق بين الإجماع وهذا الوجه : أنّ الإجماع إخراج حكميّ ، وهذا الوجه إخراج موضوعيّ.

وأمّا بالنسبة إلى فقدان شرط الصحة ، فجواز إبطال الإنشاء غير ظاهر بعد صدق العقد عرفا ، لشمول أدلة الصحة له. وخروجه عن تلك الأدلة بالإجماع المذكور غير ثابت ، إذ المتيقن من معقده هو صورة عدم صدق العقد عرفا.

إلّا أن يدّعى عدم صدقة أيضا مع فقدان شرط الصحة ، أو الشك في صدق العقد الموجب للشك في اندراجه في تلك الأدلة.

لكن الظاهر صدق العقد عرفا على فاقد شرط الصحة كالقبض في بيع الصرف والسلم وغيرهما ممّا يعتبر القبض في صحته ، إذ لا ينبغي الارتياب في صدق العقد عرفا عليها مع فقد شرط الصحة كالقبض فيها ، حيث إنّ أسامي المعاملات موضوعة للأعمّ من الصحيحة.

نعم لا إشكال في عدم صدق العقد عرفا مع فسخ الموجب إنشاءه قبل إنشاء القبول ، لكون إنشائه أحد ركني العقد عرفا.

ولا يخفى أنّ الفقيه المامقاني قدس‌سره بعد نقل العبارة المتقدّمة عن الشيخ قدس‌سره قال : «ولا يخفى عليك أنّ هذا وجه اعتباري غير مستلزم للمدّعى ، إذ لا مانع من تجويز الشارع تعقيب الإيجاب المعدول عنه بالقبول ، وجعله مثل ذلك الإيجاب والقبول من قبيل الأسباب الشرعية. فالعمدة هو الوجه الأوّل ، وهو تسالمهم على ذلك» (١).

وفيه : أنّ مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) خطاب لأهل العرف ، وموضوع حكمه العقد العرفي ، ومن المعلوم عدم صدقه عرفا على الإيجاب المعدول عنه المتعقب بالقبول. واحتمال جعله من الأسباب التعبدية متوقف على العدول عن العقد العرفي. ولو بني على الاعتداد بهذا الاحتمال لانسدّ باب التمسك بتلك الإطلاقات ، لعدم إحراز موضوعها مع هذا الاحتمال ، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة. ومن المعلوم تمسك الأصحاب قديما وحديثا بمثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) في موارد الشك في دخل شي‌ء في صحة العقد العرفي ، وهذا التمسّك مبني على إرادة العقد العرفي من الأدلة.

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣٨٠.


الأصيل كفسخ (١) الموجب قبل قبول القابل في كونه ملغيا لإنشائه السابق. بخلاف ما لو جعلت (٢) كاشفة (*) ، فإنّ العقد تامّ من طرف الأصيل ، غاية الأمر تسلّط الآخر على فسخه. وهذا (٣) مبنيّ على ما تسالموا عليه من جواز إبطال

______________________________________________________

(١) خبر قوله : «كان». وقوله : «في كونه ملغيا» متعلق ب «فسخ الموجب».

(٢) أي : جعلت الإجازة كاشفة.

(٣) أي : وكون فسخ الأصيل لإنشائه مبطلا للعقد مبنيّ على ما تسالموا عليه من جواز إبطال أحد المتعاقدين إنشاءه قبل إنشاء الآخر ، بل فوق ذلك ، وهو قبل تحقق شرط من شروط صحة العقد كالقبض في الهبة والوقف والصدقة وغيرها.

قال الشهيد الثاني قدس‌سره في شرح قول المحقق في عقد النكاح : «إذا أوجب الولي ثمّ جنّ أو أغمي عليه ، بطل حكم الإيجاب .. وكذا في البيع» ـ ما لفظه : «وجهه : أنّ العقد اللازم قبل تمامه يكون بمنزلة الجائز ، يجوز لكلّ منهما فسخه ، ويبطل بما يبطل به الجائز .. ولا فرق بين النكاح والبيع وغيرهما من العقود اللازمة في ذلك» (١).

وقال في الجواهر : «بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به بعضهم» (٢).

__________________

(*) لا يخفى أنّ العقد على الكشف لو كان تامّا نافذا من طرف الأصيل كان كذلك على النقل أيضا ، إذ التفاوت بين الكشف والنقل ـ في دخل الرضا في التأثير بنحو الشرط المتقدّم على النقل ، والشرط المتأخر على الكشف ـ لا يوجب تفاوتهما في تمامية العقد من ناحية الأصيل ، وعدم تماميته.

بل لو قلنا بكون الإجازة أمارة محضة على تمامية العقد من دون أن تكون مؤثرة في صحته ، كانت تمامية العقد بالنسبة إلى الأصيل والفضولي أيضا ، لاستواء نسبة العقد إليهما.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٧٤ ، مسالك الافهام ، ج ٧ ، ص ١٠٠.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٤٧ ولاحظ كلامه أيضا في جواز رجوع الموصى عن الوصيّة في ج ٢٨ ، ص ٢٦٥.


أحد المتعاقدين لإنشائه قبل إنشاء صاحبه (١) ، بل (٢) قبل تحقّق شرط صحّة العقد كالقبض في الهبة (٣) والوقف والصدقة.

فلا (٤) يرد ما اعترضه

______________________________________________________

(١) هذا من موارد عدم صدق العقد عرفا.

(٢) معطوف على «قبل إنشاء» يعني : تسالموا على جواز إبطال أحد المتعاقدين إنشاءه قبل تحقق شرط صحة العقد.

والوجه في الإتيان بكلمة «بل» هو الترقي من جواز الإبطال في أحد الفردين ـ ممّا يكون حكمه واضحا ـ إلى جوازه في الفرد الآخر الذي لا يكون الحكم فيه بتلك المثابة من الوضوح. وبيانه : أنّ المقتضي للملكية هو العقد المؤلّف من الإيجاب والقبول. فتسالمهم على جواز إبطال الإيجاب قبل انضمام القبول معناه المنع عن وجود المقتضي للملكية ، ولا محذور فيه.

وأمّا جواز إبطال العقد قبل انضمام الشرط إليه ، فمعناه إبطال ذلك المقتضي للتأثير ، ومن المعلوم توقف إلغاء هذا المقتضي على دليل ، وهو التسالم الذي أشار إليه بقوله : «بل».

(٣) بناء على كون القبض شرطا لصحتها كما هو المعروف من مذهب الأصحاب ـ كما في جامع المقاصد (١) ـ لا شرطا للزومها ، كما حكي عن جماعة (٢).

(٤) هذا متفرع على ما أفاده من جواز إبطال الإنشاء بناء على النقل ، للإجماع على جواز إبطاله مع فقد بعض شرائط صحة العقد ، ورد على الاعتراض «بأنّ منع جواز إبطال الإنشاء لا يختص بالكشف ، بل يطّرد في النقل أيضا ، ويقال بعدم جواز إبطاله بناء عليه».

أمّا تقريب الاعتراض ، فهو : أنّ ترتب الأثر على جزء السبب ـ وهو العقد ، أو إنشاء الأصيل بعد انضمام الجزء الآخر وهو الإجازة ـ من الأحكام الوضعية ،

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ١٤٨.

(٢) لاحظ جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ١٦٤.


بعض (١) من منع جواز الإبطال على القول بالنقل ، معلّلا بأنّ ترتّب الأثر على

______________________________________________________

ولا يعتبر فيه اختيار الأصيل لترتّبه وإرادته له وعدم رجوعه عن إنشائه.

وبعبارة اخرى : أنّ تأثير العقد في النقل والانتقال يكون نظير تأثير العلة التكوينية في معلولها في عدم دخل الإرادة والاختيار في وجود المعلول ، وامتناع تخلفه عنه بمجرد اجتماع أجزاء العلّة من المقتضي والشرط وعدم المانع ، كاحتراق الثوب بالنار عند المماسة وفقد الرطوبة.

وكذا الحال في العقد والإجازة ، فالإيجاب والقبول جزء السبب المؤثر في باب الفضولي ، والمفروض تحققه ، فإذا انضمّ رضا المالك المجيز إلى العقد ترتّب عليه النقل قهرا ، سواء رجع الأصيل عن إنشائه قبل إجازة المجيز أم لم يرجع ، فإنّ اتصاف الإيجاب والقبول بعنوان «جزء السبب» قهري ، كاتصاف النار بكونها مقتضية للإحراق.

وعليه فلمّا كان العقد بناء على النقل جزء المؤثّر لم ينفكّ عنه هذا الاقتضاء. فلا فرق في عدم تأثير فسخ الأصيل بين الكشف والنقل ، هذا توضيح نظر المحقق القمي قدس‌سره.

وأما تقريب ردّه ، فهو ما أفاده المصنف قدس‌سره من مخالفة هذا الكلام لما تسالموا عليه من اعتبار عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب ، فانضمام الجزء الآخر ـ من دون تحقق هذا الشرط ـ لا يجدي في وجود المسبب ، وهو النقل والانتقال.

وببيان آخر : أنّ تأثير العقد في حصول الملكية وإن كان حكما وضعيا كما أفاده المحقق القمي ، إلّا أنّه لمّا لم يكن إهمال في التأثير دار أمر هذا الاقتضاء الناقص بين كونه مطلقا ، أي سواء تحقق شرط التأثير أم لم يتحقق ، ويتجه كلام الميرزا القمي قدس‌سره حينئذ. وبين كونه مقيّدا بوجود الشرط المتسالم عليه ، أعني به عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب. وهذا هو المتعيّن.

وعليه فلو فسخ الأصيل لم يترتب أثر على انضمام إجازة المالك إلى العقد.

(١) وهو المحقق القمي قدس‌سره (١).

وتلخّص ممّا تقدم أمور :

__________________

(١) راجع جامع الشتات ، ج ٢ ، ص ٢٨١ ، الطبعة الحديثة ، وج ١ ، ص ١٥٦ ، السطر ٢٠ ، الطبعة الحجرية ، وغنائم الأيام ، ص ٥٤٣.


جزء السبب بعد انضمام الجزء الآخر (١) من (٢) أحكام الوضع ، لا مدخل لاختيار المشتري فيه.

وفيه (٣) : أنّ الكلام في أنّ عدم تخلّل الفسخ بين جزئي السبب شرط (٤) ، فانضمام الجزء الآخر من دون تحقّق الشرط غير مجد في وجود المسبّب.

فالأولى (٥) في سند المنع دفع احتمال اشتراط عدم تخلّل الفسخ

______________________________________________________

الأوّل : جواز إبطال الأصيل إنشاءه قبل الإجازة على النقل دون الكشف.

الثاني : أنّ دليل جواز الإبطال هو الإجماع على اعتبار عدم تخلل فسخ أحد المتعاقدين إنشاءه قبل إنشاء صاحبه.

الثالث : اعتراض المحقق القمي قدس‌سره بعدم اختصاص حرمة إبطال الإنشاء بالقول بالكشف ، بل هو ثابت على القول بالنقل أيضا.

الرابع : ردّ هذا الاعتراض بالإجماع على شرطية عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب.

الخامس : بطلان هذه الثمرة كما ذكر في التعليقة.

(١) وهو الإجازة المنضمة إلى جزء السبب وهو العقد.

(٢) خبر قوله : «بأنّ» يعني : أنّ ترتب الأثر على جزئي المؤثر يكون من الأحكام الوضعية التي لا مدخل لاختيار المشتري فيها.

(٣) هذا ردّ الاعتراض المذكور ، والأنسب بملاحظة قوله : «فلا يرد ما اعترضه بعض .. إلخ» أبدال «وفيه» ب «إذ فيه» أو «وذلك» أو «لأن الكلام» فإنّ هذا ما يقتضيه سوق البيان.

ومحصل الرد هو : أنّ مقتضى أدلة الصحة واللزوم وإن كان هو عدم بطلان إنشاء الأصيل بفسخه قبل الإجازة ، لكن الإجماع قام على أنّ فسخ الأصيل إنشاءه قبل إجازة الآخر مبطل للعقد ومقيّد لإطلاقات الصحة واللزوم ، وعليه فانضمام الجزء الآخر ـ وهو الإجازة ـ لا يجدي في ترتب المسبّب وهو الأثر المقصود من العقد.

(٤) خبر قوله : «أن عدم» ووجه شرطيته كونه متسالما عليه.

(٥) بعد أن ردّ المصنف قدس‌سره استدلال المحقق القمي على عدم جواز إبطال الأصيل


بإطلاقات (١) صحّة العقود ولزومها.

ولا يخلو (٢) من إشكال (٣).

ومنها (٤) : جواز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه (٥) بناء على النقل ، وإن (٦) قلنا

______________________________________________________

إنشاءه قبل إجازة الآخر ، أراد أن يستدلّ على ذلك بوجه ، يكون أولى من وجه استدلّ به المحقق المتقدم.

ومحصل هذا الوجه هو الاستدلال بالإطلاقات الدالة على صحّة العقود ولزومها ، بتقريب : دفع احتمال اعتبار عدم تخلّل الفسخ بين جزئي السبب ـ وهما إنشاء الأصيل وإجازة الآخر ـ بإطلاقات صحة العقود ولزومها ، فيثبت بتلك الإطلاقات أنّ فسخ الأصيل لإنشائه لا يبطل العقد بناء على النقل ، فلا فرق حينئذ في عدم بطلان العقد بفسخ الأصيل لإنشائه بين الكشف والنقل.

(١) متعلق ب «دفع» يعني : أنّ الإطلاقات دافعة للاحتمال المزبور.

(٢) أي : ولا يخلو دفع احتمال شرطية عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب بإطلاقات الصحة عن إشكال.

(٣) كما سيأتي التصريح به في الثمرة الثالثة في (ص ١٠٩). وجه الاشكال هو المنع عن صدق العقد العرفي مع رجوع الأصيل عن إنشائه وفسخه له قبل الإجازة ، ومعه لا يمكن التمسك بالإطلاقات ، لعدم كون هذا الإيجاب والقبول موضوعا لها.

الثالثة : تصرف الأصيل فيما انتقل عنه

(٤) أي : ومن تلك الثمرات المترتبة على القول بالكشف والنقل جواز تصرف العاقد الأصيل في ماله الذي انتقل عنه بناء على القول بالنقل ، إذ لا ينتقل المال عنه إلّا في زمان صدور الإجازة ، فتصرفه فيه تصرف في ملكه ، ولا يخرج عن ملكه إلّا بالإجازة. بخلاف القول بالكشف ، فإنّ تصرفه باطل لو أجاز المالك ، لكونه تصرفا في ملك غيره.

(٥) المراد ب «ما انتقل عنه» هنا ليس خصوص المبيع أو الثمن ، بل كل ما تعلّق به العقد ، وذلك بقرينة التنظير له بالنكاح الفضولي.

(٦) وصلية ، يعني : لا فرق في جواز تصرف الأصيل ـ بناء على النقل ـ بين القول بأنّ فسخ الأصيل مبطل لإنشائه ، فلا يبقى موضوع للإجازة ، وبين قول المحقق القمي قدس‌سره


بأنّ فسخه (١) غير مبطل لإنشائه.

فلو (٢) باع جارية من فضوليّ جاز له وطؤها ، وإن استولدها صارت أمّ ولد ، لأنّها ملكه. وكذا لو زوّجت نفسها من فضوليّ جاز لها التزويج من الغير. فلو حصلت الإجازة في المثالين (٣) لغت ، لعدم بقاء المحلّ (٤) قابلا.

والحاصل (٥) : أنّ الفسخ القوليّ وإن قلنا إنّه غير مبطل لإنشاء

______________________________________________________

من عدم بطلان إنشاء الأصيل بفسخه.

وعليه فجواز تصرف الأصيل ـ بناء على النقل ـ غير متفرع على ما تقدم في الثمرة الثانية ، وذلك لأنّه بناء على كون فسخه مبطلا لإنشائه ـ كما هو رأي ما عدا الميرزا القمي ـ يجوز له التصرف في ماله ، لعدم خروجه عن ملكه ، لأنّ المخرج له عن ملكه هو العقد غير المتحقق حسب الفرض. وبناء على كون فسخه غير مبطل لإنشائه ـ كما ذهب إليه المحقق القمي قدس‌سره ـ فكذا يجوز للأصيل التصرف في ماله ، لبقائه على ملكه إلى أن يجيز المالك ، فيكون تصرفه في ملكه.

(١) أي : بأن فسخ الأصيل غير مبطل لإنشاء نفسه كما اختاره المحقق القمي قدس‌سره.

(٢) هذا متفرع على جواز تصرف الأصيل في متعلق العقد قبل الإجازة ـ بناء على النقل. واستشهد المصنف بفرعين ، أحدهما بيع الأمة ، والآخر تزويج الحرّة. وفي كليهما يكون الفضولي في جانب القابل كالمشتري في باب البيع ، والزوج في باب النكاح.

والفرع الأوّل هو : أنّه لو باع الجارية مالكها الأصيل من فضوليّ ، بمعنى كون المشتري فضوليا ، جاز له وطؤها ، لأنّها ملكه ، ولم تخرج بعد عن ملكه ، فلو استولدها صارت أمّ ولد له ، ويفوت محلّ الإجازة حينئذ.

والفرع الثاني هو : أنّ الحرّة لو زوّجت نفسها من زيد فقبل عمرو عنه فضولا ، جاز لها تزويج نفسها من بكر قبل إجازة زيد ، وتلغو إجازة زوجها الأوّل وهو زيد ، لعدم بقاء المحلّ.

(٣) وهما بيع الجارية من فضوليّ ، وتزويج المرأة نفسها من فضولي.

(٤) بعد الوطء في المثال الأوّل ، وبعد التزويج من الغير في المثال الثاني.

(٥) غرضه من هذا الحاصل بيان الفرق بين ما إذا فسخ الأصيل بقوله : «فسخت


الأصيل (١) ، إلّا أنّ له (٢) فعل ما ينافي انتقال المال عنه على وجه (٣) يفوت محلّ الإجازة (٤) ، فينفسخ العقد بنفسه (٥) بذلك (٦).

وربما احتمل عدم جواز التصرّف على هذا القول (٧) أيضا (٨).

______________________________________________________

العقد ورجعت عمّا أنشأته مع الفضولي» ، وبنى تصرّفه ـ في ما انتقل عنه بذلك العقد ـ بما يتوقف على مالكيته له ، وينافي انتقاله عنه ، فيفوت بذلك محل الإجازة.

ومحصّل الفرق بين الفسخ القولي والتصرّف هو : أنّ الفسخ متعلق بالعقد ، لأنّه حلّ العقد ، فاحتمال شرطية عدم تخلل الفسخ بين إنشاء الأصيل والإجازة يدفع بمثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فلا يبطل الفسخ إنشاء الأصيل قبل الإجازة والتصرف متعلق بالمال ، فيعمّه عموم دليل السلطنة وخصوص أدلة نفوذ التصرفات الخاصة.

وعليه فالتصرف جائز تكليفا ووضعا ، وحيث إنّ موضوع الأمر بالوفاء بالعقود مقيّد بتراضي الطرفين ، فقبل الإجازة لا يتعلق بالأصيل وجوب الوفاء حتى يمنع عن نفوذ التصرفات. وبعد البناء على جواز التصرفات وضعا وتكليفا لا يبقى للحوق الإجازة أثر حتى يبطل التصرف ، لأنّ صحة أحد المتنافيين تنافي وقوع المنافي الآخر صحيحا ، فلا جرم ينفسخ العقد قهرا.

(١) وفاقا للمحقق القمي قدس‌سره كما تقدم في الثمرة الثانية.

(٢) هذا الضمير وضمير «عنه» راجعان إلى الأصيل ، والجملة خبر قوله : «انّ الفسخ».

(٣) متعلق ب «ينافي» أي : التصرف المنافي لانتقال المال عنه بالعقد الفضولي يكون مفوّتا لمحلّ الإجازة. وعلى هذا فقوله : «على وجه» مبيّن للمنافاة والتفويت ، وليس للتنويع ، بأن يكون المنافي مفوّتا تارة لمحل الإجازة ، وغير مفوّت له اخرى.

(٤) فلا تقع الإجازة مؤثّرة بعد وقوع التصرفات صحيحة.

(٥) لانتفاء موضوعه بالتصرّف الجائز تكليفا ووضعا.

(٦) أي : بسبب الفعل المنافي المفوّت لمحلّ الإجازة ، كالوطء والتزويج من الغير.

(٧) وهو كون الإجازة ناقلة. وقوله : «وربما احتمل» في قبال قوله : «ومنها جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه .. إلخ».

(٨) أي : كعدم جواز التصرف الأصيل فيما انتقل عنه على القول بالكشف.


ولعلّه (١) لجريان عموم وجوب الوفاء بالعقد في حقّ الأصيل وإن لم يجب (٢) في الطرف الآخر ، وهو (٣) الذي يظهر من المحقّق الثاني في مسألة شراء الغاصب بعين المال المغصوب ، حيث قال : «لا يجوز للبائع ولا للغاصب التصرّف في العين (٤) ، لإمكان (٥).

______________________________________________________

(١) أي : ولعلّ وجه عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه على القول بالنقل هو كون عقد الفضولي جامعا لجميع الشرائط سوى الرضا ، فيشمله عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فيجب على الأصيل الوفاء بالعقد ، ومقتضاه عدم جواز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه.

(٢) لإناطة وجوب الوفاء على الطرف الآخر بأن يجيز العقد.

(٣) أي : وعدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه على القول بالنقل لأجل جريان عموم وجوب الوفاء بالعقد هو الذي يظهر من المحقق الثاني. والعبارة منقولة بالمعنى ، وإليك نصّها : «وليس لكل من البائع والغاصب التصرف في العين ، لإمكان إجازة المالك ، خصوصا على القول بأنّ الإجازة كاشفة».

(٤) وهي عين المبيع المنتقلة عن البائع الأصيل ، فإنّ الظاهر من حكم المحقق الثاني قدس‌سره بعدم جواز تصرف البائع في العين المنتقلة عنه إنّما هو لأجل كونه أصيلا ، وتمامية العقد مع إضافته إليه الموجبة لحرمة تصرفه فيما انتقل عنه. وأمّا عدم جواز تصرف المشتري الغاصب فلعدم انتقال المبيع إليه ، وكونه أجنبيا عنه ، لأنّ المبيع في صورة إجازة المغصوب منه يكون ملكا له ، وفي صورة عدم الإجازة يكون باقيا على ملك البائع ، فتصرف المشتري الغاصب فيه عدواني على كلا التقديرين.

(٥) تعليل لعدم جواز تصرف البائع في المبيع ، وحاصله : أنّه مع احتمال لحوق الإجازة من المغصوب منه ـ وهو مالك الثمن ـ وصيرورته ملكا لمالك الثمن ، لا يجوز للبائع التصرف فيه ، رعاية لهذا الاحتمال ، فكأنّ هذا الاحتمال يحجر المالك عن التصرف في ماله.


الإجازة (*) ولا سيّما على القول بالكشف» انتهى (١).

وفيه (١) : أنّ الإجازة على القول بالنقل له (٢) مدخل في العقد شرطا أو شطرا ، فما لم يتحقّق الشرط أو الجزء لم يجب الوفاء على أحد من المتعاقدين ، لأنّ المأمور به بالوفاء هو العقد المقيّد الذي لا يوجد إلّا بعد القيد. وهذا (٣) كلّه على النقل.

______________________________________________________

(١) أي : وفي احتمال عدم جواز تصرف الأصيل. والغرض من هذا الكلام دفع احتمال عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النقل نظرا إلى عموم وجوب الوفاء بالعقد.

توضيح وجه الدفع هو : أنّ الإجازة على القول بالنقل لها دخل في العقد جزءا أو شرطا ، فقبل حصول الإجازة لا يجب الوفاء على أحد من المتعاقدين ، لعدم تماميّة موضوع وجوب الوفاء وهو العقد المقيّد بالإجازة ، ومن المعلوم أنّ المقيد لا يوجد إلّا بعد قيده.

(٢) خبر : «أنّ الإجازة».

(٣) أي : البحث عن جواز تصرف الأصيل وعدمه فيما انتقل عنه بناء على النقل.

وقد تحصل : أنّ الحق جواز تصرف الأصيل على النقل ، وسيأتي حكم تصرفه بناء على الكشف.

__________________

(*) هذا التعليل عليل جدّا ، إذ لا دليل عقلا ولا نقلا ـ بعد وضوح عدم خروج المال عن ملك الأصيل بناء على النقل ـ على مانعية العلم بلحوق الإجازة ـ فضلا عن احتماله ـ عن تصرف المالك في ماله. نعم بناء على بعض أنحاء الكشف يتجه ما أفاده المحقق الثاني قدس‌سره ، وهو ما يكون الإجازة فيه كاشفة عن تمامية العقد من حين وقوعه ، بأن تكون الإجازة واسطة في الإثبات فقط من دون دخل لها في مؤثرية العقد.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٣٣١.


وأمّا على القول بالكشف (١) فلا يجوز التصرّف (٢) فيه ، على ما يستفاد من كلمات جماعة ، كالعلّامة والسيّد العميدي والمحقّق الثاني ، وظاهر غيرهم (١).

______________________________________________________

(١) بأقسامه الثلاثة ، من قسمين للكشف الحقيقي ، وقسم للكشف الحكمي. أمّا قسما الحقيقي فهما : كون الشرط نفس الإجازة بناء على الشرط المتأخر ، وكون الشرط الوصف المنتزع ، وهو تعقب الإجازة ولحوقها.

وأمّا الكشف الحكمي فهو : انتقال النّماء إلى المشتري مع بقاء أصل المال على ملك مالكه إلى زمان صدور الإجازة من المالك الأصيل.

ومحصّل ما أفاده بناء على الكشف هو عدم جاز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه على ما يظهر من جماعة.

(٢) أي : تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه. والظاهر أنّ المسألة معنونة في النكاح لا في البيع ، وإن كانا متحدين مناطا. وسيأتي في (ص ١٢٨) نقل كلام العلامة في فروع النكاح الفضولي ، ومحصّله : أنّه إذا كان الزوج ـ مثلا ـ أصيلا ، وزوّج المرأة فضوليّ ، وجب على الزوج ترتيب أحكام العقد الصحيح ، فتحرم عليه أخت المعقودة عليها وبنتها وأمّها في الزمان المتخلل بين العقد والإجازة أو الفسخ.

وقال المحقق الثاني في شرحه : «وإنّما قلنا إنه يلزم في حق المباشر بناء على أنّ الإجازة كاشفة عن ثبوت العقد ولزومه من حين وقوعه ، كما أنّ عدمها كاشف عن عدم ذلك. فلو فسخ المباشر ثم أجاز الآخر تبيّنا أنّ فسخه وقع بعد ثبوت العقد ولزومه فلم يؤثر شيئا ..».

ويظهر من فخر المحققين والفاضل الأصفهاني قدس‌سرهما ابتناء حرمة الخامسة والأخت ـ على الأصيل ـ على كون الإجازة كاشفة ، فراجع (٢). وإن كانت عندهما ناقلة كما ذكرناه في (ص ٧).

فالمتحصل : أنّ حرمة تصرف الأصيل في متعلق العقد بما ينافيه مسلّمة عند جماعة بناء على الكشف.

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٣ ، ص ١٦ (طبعة مركز النشر الإسلامي) ، كنز الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣٢٢ و ٣٥٧ جامع المقاصد ، ج ١٢ ، ص ١٦٠ و ٢٩٧ و ٢٩٨.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ٣ ، ص ٢٨ و ٣٠ ، كشف اللثام ، ج ١ ، كتاب النكاح ، ص ١٨ و ٣١.


وربما اعترض عليه (١) بعدم (٢) المانع له من التصرّف ، لأنّ مجرّد احتمال انتقال المال عنه في الواقع لا يقدح في السلطنة الثابتة له ، ولذا (٣) صرّح بعض المعاصرين بجواز التصرّف مطلقا (٤).

نعم إذا حصلت الإجازة (٥) كشفت عن بطلان

______________________________________________________

(١) أي : على عدم جواز تصرف الأصيل ـ فيما انتقل عنه ـ على الكشف. وهذا الاعتراض يستفاد ممّا حكاه صاحب الجواهر في النكاح الفضولي بقوله : «لكنه قد يناقش ـ يعني في تحريم المصاهرة ـ باعتبار تحقق النكاح في تحريم ذلك. وليس ، إذ الفرض عدم حصول الإجازة من الآخر. واحتمال حصولها غير كاف في تحققها. بل الأصل يقتضي عدمها ، بل مقتضاه جواز ذلك كله له حتى تحصل ، وإن انكشف بعد حصولها بطلان التصرف الحاصل بين العقد وبينها. فمن باع ماله من فضوليّ لم يمتنع عليه الانتفاع به ولو المتلف» (١). لكن تأمّل فيه صاحب الجواهر بمثل ما سيأتي في المتن ، فراجع.

(٢) متعلق ب «اعترض» وتقريب للاعتراض. توضيحه : أنّه لا مانع من جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه قبل الإجازة ، إذ المانع المتوهّم هو احتمال انتقال المال عن ملكه ، وذلك ليس بمانع عن السلطنة الثابتة له على ماله بمقتضى قاعدة سلطنة الناس على أموالهم ، ولذا صرّح بعض بجواز التصرف للأصيل مطلقا من غير فرق بين الكشف بكلا قسميه والنقل.

(٣) أي : ولأجل عدم قدح مجرّد احتمال انتقال المال عن الأصيل في السلطنة الثابتة له ، صرّح بعض المعاصرين .. إلخ.

(٤) أي : سواء أكان التصرف والانتفاع متلفين للعين أم لا ، فإن لم يكن التصرف متلفا ردّ العين بعد الإجازة ، وإلّا ردّ بدله كما سيصرّح به.

(٥) بعد تصرف الأصيل فيما انتقل عنه ، فالإجازة تكشف عن بطلان كل تصرف مناف لانتقال مال الى المجيز ، لأنّه تصرّف في مال غيره بدون إجازته.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢١٧ و ٢١٨.


كلّ تصرّف مناف (١) لانتقال (٢) المال إلى المجيز ، فيأخذ (٣) المال مع بقائه ، وبدله مع تلفه ، قال (٤) : «نعم لو علم (٥) بإجازة المالك لم يجز له التصرّف» (١) انتهى.

أقول (٦) : مقتضى عموم وجوب الوفاء

______________________________________________________

(١) صفة ل «تصرف».

(٢) متعلق ب «مناف» يعني : يبطل كلّ تصرّف يكون منافيا لانتقال المال إلى المجيز وملكية ذلك المال له ، كعتق العبد المبيع ، فإنّه ينافي ملكية هذا العبد للمجيز ، فيبطل العتق.

(٣) يعني : فيأخذ المجيز. وهذه نتيجة كشف الإجازة عن بطلان التصرف المنافي لملكية المال للمجيز.

(٤) يعني : قال بعض المعاصرين.

(٥) يعني : لو علم الأصيل بإجازة المالك لم يجز له التصرف. وهذا مبني على الكشف الحقيقي التعقبي ، ضرورة كفاية العلم بحصول إجازة المجيز في ترتيب أحكام العقد من زمان وقوعه.

(٦) هذا تأييد لعدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على الكشف ، وردّ للاعتراض بعدم مانع من جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه.

وتوضيح ما أفاده المصنف قدس‌سره هو : أنّ مقتضى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وجوب وفاء الأصيل بعهده ، ولزوم العقد من ناحيته ، ضرورة انحلال هذا الخطاب إلى كلّ من له عقد والتزام. والفضولي وإن لم يخاطب بالوفاء ، لكونه أجنبيّا عن العوضين. إلّا أن طرفه الأصيل ـ لكونه وليّا على عقده ـ يجب عليه البقاء على التزامه بنقل ماله إلى المجيز ، فلا وجه لجواز تصرفه فيما انتقل عنه ، بل عليه التربص إلى تحقق الإجازة أو الرّد من المالك الذي عقد الفضولي على ماله.

__________________

(١) لم أظفر بهذه العبارة في الجواهر والمستند وأنوار الفقاهة وكشف الظلام. لكن المنع من التصرف في صورة العلم بلحوق الإجازة قد التزم به صاحب الجواهر فيما سبق من كلامه في (ص ٣١) فراجع. فلعلّ ما في المتن نقل له بالمعنى ، وإن كان ظاهره حكاية نصّ كلام القائل.


وجوبه (١) على الأصيل ، ولزوم (٢) العقد وحرمة (٣) نقضه من جانبه. ووجوب الوفاء عليه (٤) ليس مراعى بإجازة المالك ، بل مقتضى العموم وجوبه (٥) حتّى مع العلم بعدم إجازة المالك (٦).

______________________________________________________

(١) خبر «مقتضى». وهذا ظاهر في كون وجوب الوفاء تكليفيّا ، كما يقتضيه ظاهر صيغة الأمر. خصوصا مع تفسير العقود بالعهود كما في صحيحة ابن سنان ، ومن المعلوم أعميّة العهد من العقد ، لشموله للالتزام والتعهد من طرف واحد كما في النذر والعهد.

(٢) لزوم العقد خطاب وضعي ينتزع من التكليف بناء على ما حققه المصنف في بحث الأحكام الوضعية من الاستصحاب. وليس المراد جعل الأمر بالوفاء إرشادا إلى الحكم الوضعي من الصحة أو اللزوم.

(٣) هذا يناسب وجوب الوفاء تكليفا ، كما أنّ عدم نفوذ الفسخ يناسب اللزوم الوضعي.

(٤) هذا دفع دخل ، حاصله : أنّه لا وجه لتحريم تصرف الأصيل في ماله تمسكا بالأمر بالوفاء. وذلك لعدم تنجز هذا الخطاب في حقه قبل الإجازة ، فإن حصلت الإجازة كشفت عن بطلان كل تصرف ، وإن لم تحصل صحّ التصرف ، وحيث إنّه لم يعلم تحقق الإجازة لم يحرز توجه خطاب الوفاء إلى الأصيل ، هذا.

ومحصّل دفعه : أنّ الأصيل يجب عليه الوفاء بمجرّد عقده مع الفضولي ، وليس الوجوب في حقّه مراعى بإجازة المالك ، لما عرفت من انحلال الأمر ، وعدم كونه من قبيل الارتباطيين. فلو شك الأصيل في أنّ الآخر يجيز عقد الفضول أم يردّه ، حرم عليه التصرف أيضا.

(٥) أي : وجوب الوفاء. والوجه في الترقي واضح ، فإنّه مع العلم بعدم إجازة الطرف الآخر يعلم الأصيل بعدم انتقال ماله عن ملكه ، فيتجه جواز تصرفه فيه. ولكن المصنف قدس‌سره منع من التصرف في هذه الصورة أيضا ، لأنّ تمام المناط هو تحقق العقد ووجوب الوفاء به ، والمفروض حصول الإيجاب والقبول بين الأصيل والفضولي عن قصد جدّي للبيع.

(٦) يعني : لا ينحلّ العقد إلّا بردّ المالك ، فما لم ينحل بردّه كانت المعاملة من


ومن هنا (١) يظهر أنّه لا فائدة في أصالة عدم الإجازة (*).

______________________________________________________

طرف الأصيل تامّة واجبة الوفاء ، وإن علم بأنّها لا تتم من الطرف الآخر أصلا ، لعدم إجازة المالك للمعاملة. فوجوب الوفاء على الأصيل لا يرتفع إلّا بردّ المالك للمعاملة ، ولا يرتفع بمجرد عدم إمضاء المالك لها. فالمعاملة تامة من ناحية الأصيل ، فيجب عليه الوفاء بالعقد من حيث إنّه عقد ، لا من حيث إنّه مؤثر في الملكية ، ولا يرتفع وجوب الوفاء بالعقد إلّا بالردّ الذي متعلّقه العقد كالإجازة والفسخ.

(١) أي : ومن كون مقتضى العموم وجوب الوفاء على الأصيل ـ حتى مع العلم بعدم إجازة المالك ـ يظهر منع ما أفاده القائل بجواز تصرّف الأصيل على القول من التمسك بأصالة عدم الإجازة.

وجه المنع أنّه لا فائدة في إجراء أصالة عدم الإجازة في ظرف الشك فيها بعد عدم إجداء العلم بعدم تحققها في إثبات جواز التصرف ، لعدم ترتب أثر شرعي على الإجازة حتى يصح جريان الأصل في عدمها كما لا يخفى.

__________________

(*) قد يقال : بأنّ الإجازة ليست ممحّضة في انتساب عقد الفضول إلى المالك ، بل هي محقّقة لحقيقة العقد أيضا ، إذ العقد متقوم بقرارين معامليين ، والقرار يتقوّم بمن يقوم به القرار. فإن كان المنشئ ممّن له ولاية التصرف في المال كان إنشاؤه محقّقا لعنوان العقد والعهد. وإن لم يكن له ولاية التصرف كان إنشاؤه محقّقا لاعتباره فقط ، ولا عهد ولا عقد له عرفا وشرعا. وعليه فللأصيل التصرف في ما انتقل عنه ، إذ لا قرار معاملي له حقيقة عند كون الطرف فضوليا. هذا.

لكن يمكن أن يقال : إنّ إناطة صدق العقد بلحوق الإجازة يوجب إنكار البيع الفضولي رأسا وبطلان مبنى الكشف ، مع أنّهم جعلوا ولاية التصرف من شرائط المتعاقدين لا العقد.

مضافا إلى : لزوم ارتكاب خلاف الظاهر في الأدلة المتكفلة لتصحيح العقود الفضولية بالإجازة ، كما في صحيحة محمّد بن قيس ، لقوله عليه‌السلام : «فلما رأي سيد الوليدة ذلك أجاز بيع ابنه» إذ لا بدّ من حمله على نوع من المجاز باعتبار أول إنشاء الابن الى البيع


لكن ما ذكره (١) البعض المعاصر صحيح على مذهبه في الكشف من كون العقد مشروطا بتعقّبه (٢) بالإجازة ، لعدم (٣) إحراز الشرط مع الشك ، فلا يجب الوفاء به على أحد من المتعاقدين.

وأمّا على المشهور في معنى الكشف ـ من كون نفس الإجازة المتأخرة شرطا (٤) لكون (٥) العقد السابق بنفسه (٦)

______________________________________________________

(١) من جواز تصرف الأصيل في العين المنتقلة عنه مطلقا ، من دون فرق بين الكشف والنقل.

(٢) الذي هو وصف انتزاعي مقارن للعقد على ما قيل ، كما تقدم سابقا.

(٣) تعليل لقوله : «صحيح على مذهبه» وحاصل التعليل : أنّه مع الشك في الشرط ـ وهو التعقب ـ للشك في حصول الإجازة ، لا يجب الوفاء بالعقد ، لأنّ موضوع وجوب الوفاء خصوص العقد المقيّد بتعقبه بها ، فالعقد المجرّد عن القيد لا يجب الوفاء به.

(٤) أي : بنحو الشرط المتأخر الذي يكون مشروطه متقدّما على شرطه بناء على إمكانه.

(٥) متعلق ب «شرطا» ، وشرطية نفس الإجازة في مقابل شرطية الأمر الانتزاعي أعني به وصف التعقب الذي هو مختار جماعة.

(٦) أي : من دون ضمّ ضميمة ـ وهي الإجازة ـ إليه ، فلا شأن للإجازة إلّا جعل العقد نفسه سببا تامّا لحصول الملكية ، حيث إنّ الإجازة لكونها إنفاذا وإمضاء تقتضي التأثير في الملكية. فموضوع وجوب الوفاء نفس العقد من حيث إنّ العقدية تقتضي ذلك ،

__________________

بإجازة الأب. وهو كما ترى. وكذا الحال في نصوص نكاح الفضولي من العبد والصغير وغيرهما ، ولا وجه لرفع اليد عن هذا الظهور. وعليه فلا يتوقّف القرار المعاملي على ولاية التصرف.

نعم ما أفاده المصنف من حرمة التصرف حتّى مع العلم بعدم لحوق الإجازة مشكل ، إذ بناء على الكشف يعلم بعدم تأثير العقد أصلا ، ومثله خارج موضوعا عن عموم الأمر بالوفاء


مؤثّرا (*) تامّا (١) ـ فالذي (٢) يجب الوفاء به هو نفس العقد (٣) من غير تقييد (٤) ،

______________________________________________________

فليس وجوب الوفاء من مقتضيات الملك. فيمتاز مقام الموضوعية لوجوب الوفاء عن مقام السببية للملكية ، فإنّ الإجازة على الكشف الانقلابي تؤثّر في انقلاب العقد وصيرورته مؤثّرا من حين وقوعه ، فللإجازة دخل في سببية العقد للملكية ، لا في وجوب الوفاء ، هذا.

لكن لا يخفى أنّ التفكيك بين موضوع وجوب الوفاء والسببية للملك ـ بعد وضوح كون الوفاء بالعقد هو العمل على طبقه ومضمونه الذي هو المبادلة مثلا ـ في غاية الإشكال ، فتدبّر.

(١) من حين وقوعه على ما هو مقتضى الشرط المتأخر ، حيث إنّ لازم الشرط المتأخّر وجود المشروط قبل شرطه.

(٢) جواب الشرط في قوله : «وأما على المشهور».

(٣) يعني : من حيث إنّه عقد ، لا من حيث إنّه سبب للملكيّة ، كما مرّ آنفا.

(٤) أي : موضوعية العقد لوجوب الوفاء ليست مقيّدة بالإجازة ، وإنّما المقيّد بها هو سببيّة العقد للملك.

__________________

(*) لم يظهر مراده قدس‌سره من هذه العبارة ، فإنّ شرطية نفس الإجازة تنافي استقلال العقد وكونه بنفسه مؤثّرا تامّا ، حيث إنّ مقتضى سببيّته التامة في التأثير عدم دخل شي‌ء في تأثيره ، وإلّا لم يكن تامّا ، بل كان العقد ناقصا ومنوطا تأثيره بذلك الشي‌ء ومشروطا به ، وليس هذا إلّا التناقض.

إلّا أن يقال : بما أفاده المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره : من عدم كون الإجازة قيدا للعقد ، بل هي شرط لصيرورة العقد مقتضيا وسببا وعلّة تامّة للتأثير ، فالإجازة جهة تعليلية لحدوث المقتضي للتأثير في العقد ، نظير علّيّة التغير والملاقاة لصيرورة الماء مقتضيا للتنجس بهما (١).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٦٤


وقد تحقّق (١) ، فيجب (٢) على الأصيل الالتزام به ، وعدم (٣) نقضه إلى أن ينقض. فإنّ ردّ المالك فسخ للعقد [فسخ العقد] من طرف الأصيل (٤) ، كما أنّ إجازته (٥) إمضاء له من طرف الفضولي.

والحاصل : أنّه إذا تحقّق العقد فمقتضى العموم (٦) ـ على القول بالكشف (٧) المبني على كون ما يجب الوفاء به هو العقد من دون ضميمة شي‌ء شرطا أو شطرا ـ حرمة (٨) نقضه على الأصيل مطلقا (٩) ، فكلّ (١٠) تصرّف يعدّ نقضا لعقد المبادلة

______________________________________________________

(١) يعني : وقد ثبت العقد الذي يجب الوفاء به بإنشاء العاقد الفضولي له.

(٢) هذه نتيجة ثبوت العقد الذي يجب الوفاء به. وضمير «به» راجع الى العقد.

(٣) معطوف على «الالتزام» ومفسّر له.

(٤) غرضه أنّ العقد لا يبطل من طرف الأصيل إلّا بردّ المالك ، لأنّه يوجب بطلان العقد.

(٥) أي : كما أنّ إجازة المالك إمضاء للعقد من طرف الفضولي ، وحاصله : أنّ رد المالك فسخ للعقد ، وإجازته إمضاء له من ناحية الفضولي.

(٦) أي : عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

(٧) الظاهر أنّ المراد بالكشف ما عدا الحقيقي منه المبني على كون الإجازة شرطا متأخرا ، وذلك بقرينة قوله : «من دون ضم ضميمة شي‌ء شرطا أو شطرا» لوضوح كون الإجازة شطرا بناء على النقل ، وشرطا متأخرا بناء على الكشف الحقيقي.

(٨) خبر لقوله : «فمقتضى» وضمير «نقضه» راجع إلى العقد.

(٩) أي : سواء علم بصدور الإجازة من المالك ، أم علم بعدم صدورها منه ، أم شكّ في ذلك.

(١٠) هذه نتيجة وجوب الوفاء بالعقد من دون ضمّ شي‌ء شطرا أو شرطا إليه ، وحاصله : أنّ عقد المبادلة والالتزام بها يقتضي حرمة كل تصرف يعدّ نقضا لما التزم به العاقد الأصيل ورافعا له ، بحيث لا يجتمع ذلك التصرف الناقض مع صحة العقد. فإذا اشترى الأصيل متاعا من البائع الفضولي اقتضى التزامه الشرائي أن لا يتصرف في الثمن ، فإن تصرّف فيه تصرفا يتوقف على الملك ـ بل وغيره ـ ممّا ينافي التزامه بخروجه عن ملكه وسلطنته ، كان ذلك التصرف نقضا لالتزامه الشرائي وإبطالا له.


ـ بمعنى عدم (١) اجتماعه مع صحّة العقد ـ فهو (٢) غير جائز.

ومن هنا (٣) تبيّن فساد توهّم أنّ العمل بمقتضى العقد كما يوجب (٤) حرمة تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه ، كذلك (٥) يوجب جواز تصرّفه فيما انتقل إليه ، لأنّ (٦) مقتضى العقد مبادلة المالين ، فحرمة التصرّف في ماله مع حرمة التصرّف في عوضه تنافي (٧) مقتضى العقد أعني المبادلة (٨).

______________________________________________________

(١) أي : عدم اجتماع التصرف مع صحة العقد.

(٢) خبر قوله : «فكلّ تصرف» والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط.

(٣) أي : ومن كون مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقد لزوم التزام الأصيل بالعقد وحرمة نقضه عليه ، ظهر فساد توهم آخر ، وهو : أنّ لوجوب العمل بالعقد والوفاء به اقتضائين.

أحدهما : حرمة تصرف الأصيل فيما انتقل عنه كما ذكر.

وثانيهما : جواز تصرّفه فيما انتقل إليه ، لاقتضاء عقد المعاوضة ذلك ، ضرورة أنّ التزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه لم يكن التزاما به مجّانا ، بل كان بعنوان العوضية والبدلية ، ومقتضى هذا العنوان خروج ماله عن ملكه ، ودخول مال غيره بدلا عنه في ملكه. ولازم ذلك جواز تصرفه فيما انتقل إليه ، وحرمة تصرفه فيما انتقل عنه.

(٤) هذا هو الاقتضاء الأوّل المذكور بقولنا : «أحدهما حرمة تصرف الأصيل ..».

(٥) خبر «أنّ العمل» وهذا هو الاقتضاء الثاني المتقدّم بقولنا : «وثانيهما جواز تصرفه».

(٦) تعليل للتوهم وتثبيت له ، وقد مرّ توضيح ذلك بقولنا : «لاقتضاء المعاوضة ذلك ضرورة .. إلخ».

(٧) خبر قوله : «فحرمة التصرف».

(٨) حيث إنّ حقيقة العقد المعاوضي ـ وهي المبادلة بين المالين ، وعوضية كل واحد من المالين عن الآخر ـ تقتضي ما ذكره المتوهم من حرمة التصرف فيما انتقل عنه ، وجوازه فيما انتقل إليه.


توضيح الفساد (١) : أنّ الثابت من وجوب وفاء العاقد بما التزم (٢) على نفسه من المبادلة حرمة نقضه والتخطّي (٣) عنه. وهذا (٤) لا يدلّ إلّا على حرمة التصرّف في ماله ، حيث (٥) التزم بخروجه عن ملكه ولو بالبدل. وأمّا دخول البدل في ملكه فليس ممّا التزمه على نفسه (٦) ، بل ممّا جعله لنفسه. ومقتضى الوفاء بالعقد حرمة

______________________________________________________

(١) محصله : أنّ التوهم المزبور مبنيّ على استفادة حكمين من وجوب وفاء العاقد الأصيل بما التزم به ، وهما حرمة التصرف فيما انتقل عنه ، وجوازه فيما انتقل إليه. وليس الأمر كذلك ، لأنّ ما يدلّ عليه وجوب الوفاء بما التزم به من المبادلة ليس إلّا حكما واحدا ، وهو حرمة التصرف في ماله الذي انتقل عنه ، لأنّ هذه الحرمة هي مقتضى التزامه بخروج ماله عن ملكه.

ولا يدلّ وجوب الوفاء على حكم عوض ماله ، لأنّه خارج عن محيط التزامه ، ضرورة أنّه جعل على نفسه الالتزام بخروج ماله عن ملكه. وأمّا دخول مال غيره في ملكه بدلا عن ماله فليس ذلك من الالتزام على نفسه ، بل هو ممّا جعله لنفسه ، فلا يشمله دليل وجوب الوفاء بالعقد.

والحاصل : أنّ نقض الالتزام بخروج ماله عن ملكه يتحقق بالتصرف فيه ، فيحرم ، ولا يتحقق بترك التصرف في بدله ، لكونه خارجا عن حيّز التزامه.

(٢) يعني : العاقد الأصيل. وقوله : «من المبادلة» مفسّر ل «ما» الموصول. ولعلّ الأولى إبدال العبارة ، بأن يقال : «بما ألزمه على نفسه» أو «بما التزم به من المبادلة».

(٣) معطوف على «نقضه» ، وقوله : «حرمة نقضه» خبر قوله : «أن الثابت».

(٤) أي : ما ثبت على الأصيل من وجوب الوفاء ـ وهو حرمة النقض والتخطّي ـ لا يدلّ .. إلخ.

(٥) تعليل لعدم دلالة وجوب الوفاء إلّا على حرمة التصرف ، وحاصله : أنّ الالتزام على نفسه الموجب للوفاء هو الالتزام بخروج المال عن ملكه ولو مع البدل ، وذلك الالتزام لا يقتضي إلّا حرمة التصرف في المال الذي انتقل عنه ، إذ جواز تصرفه فيه ينافي التزامه بخروجه عن ملكه ، ولا يقتضي جواز تصرفه في المال الذي انتقل إليه.

(٦) حتى يجوز للأصيل التصرف فيما انتقل إليه ، ويحرم عليه نقضه بعدم جواز التصرف فيه كما زعمه المستشكل.


رفع اليد عمّا التزم على نفسه (١). وأمّا قيد كونه (٢) بإزاء مال فهو (٣) خارج عن الالتزام على نفسه وإن كان داخلا في مفهوم المبادلة. فلو لم يتصرّف في مال صاحبه لم يكن ذلك (٤) نقضا للمبادلة ، فالمرجع في هذا التصرّف (٥) فعلا وتركا إلى (٦) ما يقتضيه الأصل ، وهي أصالة عدم الانتقال.

ودعوى (٧):

______________________________________________________

(١) لا ما جعله لنفسه من دخول البدل في ملكه ، فإنّه خارج عن دائرة التزامه.

(٢) أي : كون ما التزمه على نفسه بخروج المال عن ملكه. غرضه : أنّ تقيد خروج ماله عن ملكه بإزاء مال غيره لا يوجب أن يكون عدم تصرف الأصيل في مال صاحبه نقضا لالتزامه بخروج ماله عن ملكه ، وذلك لأجنبية دخول مال الغير في ملكه عن التزامه بخروج ماله عن ملكه ، وهو موظّف بعدم نقض ما ألزمه على نفسه فقط ، وهو التزامه بخروج ماله عن ملكه.

(٣) جواب «أمّا» والضمير راجع إلى «قيد» وجملة «وإن كان» وصليّة.

(٤) أي : لم يكن عدم تصرف الأصيل في المال المنتقل إليه نقضا للمبادلة ، للخروج عن دائرة التزامه.

(٥) أي : تصرف الأصيل في مال صاحبه. بعد أن أثبت المصنف قدس‌سره بدليل وجوب الوفاء بالعقد الذي هو دليل اجتهادي حرمة نقض التزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه بالتصرف فيه ـ ولم يثبت به حكم تصرّف الأصيل في مال صاحبه ـ أراد أن يبيّن حكمه على ما يقتضيه الأصل العملي ، وحكم بأنّ استصحاب عدم انتقاله إلى الأصيل يثبت بقاءه على ملك مالكه ، المستلزم لحرمة تصرف الأصيل فيه.

(٦) خبر قوله : «فالمرجع» ، والظاهر عدم الحاجة إلى كلمة «إلى» لأنّ المرجع هو الدليل على الحكم كالخبر ، لا نفس الحكم ، ومن المعلوم أنّ ما يقتضيه الأصل هو نفس الحكم لا دليله ، وهي أصالة عدم الانتقال. وعليه فلعلّ الأولى أن يقال : «فالمرجع في حكم هذا التصرف .. هو الأصل ، وهي أصالة .. إلخ» وهي تقتضي حرمة التصرف.

(٧) الغرض من هذه الدعوى إثبات جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه وعدم حرمته ، بتقريب : أنّ التزامه بخروج ماله عن ملكه لم يكن مطلقا حتى يحرم تصرّفه فيه


«أنّ الالتزام المذكور (١) إنّما هو على تقدير الإجازة ودخول (٢) البدل في ملكه. فالالتزام (٣) معلّق على تقدير لم يعلم تحقّقه ، فهو كالنذر المعلّق على شرط ، حيث حكم جماعة بجواز التصرّف في المال المنذور قبل تحقّق الشرط إذا لم يعلم بتحقّقه (٤).

______________________________________________________

بمقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود ، بل كان معلّقا على تقدير الإجازة ودخول مال الغير في ملكه. وهذا الالتزام نظير النذر المعلّق على شرط لم يحصل بعد ، حيث إنّ جماعة حكموا بجواز تصرّف الناذر في المال المنذور قبل تحقق شرطه ، من دون لزوم حنث.

(١) وهو التزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه.

(٢) معطوف على «الإجازة» وضمير «ملكه» راجع إلى الأصيل.

(٣) يعني : فالتزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه ليس مطلقا ، بل هو معلّق على تقدير حصول الإجازة التي لا يعلمها الأصيل ، فيكون التزام الأصيل المعلّق على الإجازة كالنذر المعلّق على شرط لم يعلم بتحققه في جواز التصرف في المال المنذور قبل تحقق الشرط مع الجهل بحصوله. فكما لا يعدّ التصرّف في المال المنذور حينئذ عند جماعة حنثا ، فكذلك لا يعد تصرف الأصيل في ماله المنتقل عنه قبل العلم بتحقق الإجازة أو قبل تحقق نفسها نقضا لالتزامه.

(٤) مقتضى هذه الجملة الشرطية عدم جواز تصرف الناذر في المال المنذور بما ينافي النذر لو علم بتحقق الشرط ، فمورد جواز التصرف المنافي هو الشك في حصول الشرط أو العلم بعدمه. كما أن المراد بالتصرف الجائز أعم من الانتفاع ومن الإخراج عن الملك.

ولا يخفى أن هذه المسألة تعرّض لها صاحب المقابس قدس‌سره في السبب السادس من أسباب نقض الملك ، وفصّل بين كون الشرط المعلّق عليه معلوم الوقوع وبين محتمله ، فقال بعد نقل خلاف العلامة والفخر قدس‌سرهما : «وعندي أنّه إن كان النذر مشروطا صريحا أو ضمنا ـ بما إذا وجد الشرط ، والمنذور باق في ملكه ـ فإخراجه من الملك قبله جائز قطعا ، لأنّ الالتزام بالنذر حينئذ بالنسبة إلى بقاء المنذور في الملك كالواجب المشروط ، ولا يجب تحصيل مقدمته إجماعا.

ويدلّ عليه أيضا ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن


.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما عليهم‌السلام قال : سألته عن الرجل تكون له الأمة ، فيقول : يوم يأتيها فهي حرّة ، ثم يبيعها من رجل ، ثم يشتريها بعد ذلك ، قال : لا بأس بأن يأتيها ، قد خرجت من ملكه (١).

وقد حمله الأصحاب على صورة النذر ، كما ذكره في الدروس والتنقيح والمسالك. وزاد في المسالك : أنّه ما وقف على رادّ لها إلّا ما يظهر من ابن إدريس. وفيه دلالة على جواز البيع ، وعلى سقوط النذر به وإن عادت إلى ملكه ..» (٢).

وقال المحقق قدس‌سره : «لو نذر عتق أمته إن وطأها صحّ. فإن أخرجها من ملكه انحلّت اليمين. ولو أعادها بملك مستأنف لم تعد اليمين» (٣).

واستدلّ عليه كما في المسالك والجواهر وغيرهما (٤) بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة.

وكيف كان فالاستدلال بها على ما نسبه المصنف إلى جماعة ـ من جواز التصرف في المنذور المشروط بمحتمل الوقوع ـ منوط بأمرين.

أحدهما : دلالتها على حكم النذر ، مع عدم تصريح في السؤال بأنّ السيد نذر عتق أمته لو أتاها. والظاهر ثبوته بشهادة حمل الأصحاب لها على النذر حتى من توقّف عن الفتوى بمضمونها كابن إدريس والعلّامة في بعض كتبه (٥).

ثانيهما : التعدّي من مورد الصحيحة ـ وهو وطأ الأمة المنذور عتقها ـ إلى غيره كما إذا نذر التصدّق بمال معيّن معلّقا على شفاء مريض أو قدوم مسافر ، ونحوهما.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ٦٠ ، الباب ٥٩ من كتاب العتق ، الحديث ١.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١١١ و ١١٢.

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١٠٨ ، ونحوه في المختصر النافع ، ص ٢٣٧ ، وقال به جمع أيضا ، كالمقنع ، ص ١٥٧ ، النهاية ونكتها ، ج ٣ ، ص ١٤ ـ ١٥ ، الجامع للشرائع ، ص ٤٠٣ ، إرشاد الأذهان ، ج ٢ ، ص ٦٧ ، الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٠٥ ، المهذب ، ج ٢ ، ص ٣٦٠ ، الروضة البهية ، ج ٦ ، ص ٩٦ ، نهاية المرام ، ج ٢ ، ص ٢٦٧.

(٤) مسالك الافهام ، ج ١٠ ، ص ٣٠٦ و ٣٠٧ ، جواهر الكلام ، ج ٣٤ ، ص ١٣١ وج ٣٥ ، ص ٤١٢

(٥) السرائر ، ج ٣ ، ص ١٢ و ١٣ ، مختلف الشيعة ، ج ٨ ، ص ٣١ و ٣٢ ، قواعد الاحكام ، ج ٣ ، ص ٢٠٣.


فكما أنّ التصرّف حينئذ (١) لا يعدّ حنثا ، فكذا التصرّف فيما نحن فيه قبل العلم بتحقّق الإجازة لا يعدّ نقضا لما (٢) التزمه ، إذ (٣) لم يلتزمه (٤) في الحقيقة إلّا معلّقا» مدفوعة (٥)

______________________________________________________

والظاهر ثبوته أيضا ، لما يستفاد من قوله عليه‌السلام : «قد خرجت عن ملكه» الذي هو كتعليل الحكم بجواز المباشرة. قال الشهيد الثاني قدس‌سره : «والمتجه التعدّي ، نظرا إلى العلّة. ويتفرّع على ذلك أيضا جواز التصرف في المنذور المعلّق على شرط لم يوجد. وهي مسألة إشكالية. والعلّامة اختار في التحرير عتق العبد لو نذر إن فعل كذا فهو حرّ ، فباعه قبل الفعل ، ثم اشتراه ، ثم فعل. وولده استقرب عدم جواز التصرف في المنذور المعلّق على الشرط قبل حصوله. وهذا الخبر حجة عليهما» (١).

فالمتحصل : أنه يجوز للأصيل التصرف في ما انتقل عنه ـ بالبيع الفضولي ـ تنظيرا له بجواز تصرف الناذر في متعلق نذره المشروط قبل تحقق الشرط.

(١) أي : فكما أنّ تصرّف الناذر في المال المنذور ـ حين عدم علمه بتحقق الشرط الذي علّق عليه النذر ـ لا يعدّ حنثا ، فكذا التصرف في المقام.

(٢) أي : لا يعدّ تصرّف الأصيل ـ قبل تحقّق الإجازة ـ فيما انتقل عنه نقضا لما التزم به من المبادلة ، كما لا يعدّ تصرّف الناذر في المال المنذور قبل تحقق شرط النذر حنثا موجبا للكفارة.

(٣) تعليل لقول المدّعي : «لا يعدّ نقضا لما التزمه» وحاصل التعليل : أنّ التزامه بالمبادلة لم يكن مطلقا حتى يكون تصرفه في ماله المنتقل عنه نقضا لما التزم به ، بل كان معلّقا على أمر غير معلوم التحقق. ومثل هذا الالتزام المعلّق لا يوجب حرمة التصرف في المال قبل حصول المعلّق عليه.

(٤) الضمير الفاعل المستتر فيه راجع إلى الأصيل ، والضمير المفعول البارز راجع إلى الموصول في قوله : «لما التزمه».

(٥) خبر «ودعوى» وردّ لها ، ومحصل الرّد وجهان ، أحدهما : ناظر إلى التأمل في

__________________

(١) الروضة البهية ، ج ٦ ، ص ٢٩٦.


.................................................................................................

______________________________________________________

المقيس عليه ، وهو جواز التصرف في المنذور قبل حصول الشرط ، وثانيهما : إلى منعه في المقيس ، لوجود الفارق بين المسألتين.

أمّا الأوّل فتوضيحه : أنّ جواز التصرف في المال المنذور المشروط ـ قبل حصول شرطه ـ لا يخلو من الاشكال ، ولم يتسالم الأصحاب عليه ، فقد صرّح العلّامة والشهيد الثاني قدس‌سرهما بأنّ المسألة مشكلة ، بل التزم في التحرير بعتق العبد المنذور عتقه لو عاد إلى ملكه ، كما تقدم آنفا في عبارة الروضة.

بل في الجواهر : «ولو علّق نذر العتق على برء المريض مثلا ، ففي جواز بيعه قبل حصول الشرط قولان ذكرهما الصيمري في شرحه .. وربما يشهد للعدم ما سمعته في اليمين من أنّه لو حلف ليأكلنّ هذا الطعام غدا ، فأتلفه قبل الغد ، أثم به ، وتعلّق به الكفارة. ونسبه الصيمري إلى علمائنا. وليس إلّا لأنّ النذر قبل حصول الشرط له صلاحيّة التأثير ، وإخراجه عن ملكه يزيل صلاحية التأثير» (١).

والوجه في الاشكال ـ كما أفاده الفقيه المامقاني قدس‌سره ـ أنّ التصرف في المال المنذور قبل تحقق شرطه نقض للالتزام في ضمن النذر ، فيكون ممنوعا منه بحكم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالنذر. ومورد صحيح محمّد بن مسلم ليس التصرف المنافي لمقتضى النذر ، بل هو رفع الموضوع برفع الشرط ، أو التسبب لعدم حصوله من أوّل الأمر ، فراجع (٢).

وأمّا الوجه الثاني فهو : أنّ قياس المقام بباب النذر مع الفارق. توضيحه : أنّ الشرط في باب النذر شرط لنفس الالتزام النذري ، نظير الشرط في الواجبات المشروطة الذي هو شرط لنفس الوجوب. بخلاف الالتزام هنا ، فإنّه أحد طرفي العقد المركب من الالتزامين الصادرين من المتعاقدين من دون أن يكون أحدهما شرطا للآخر ومتقدّما عليه. فمع تحقق كلا الالتزامين يثبت العقد الذي يجب على كلّ منهما الوفاء به ، ويحرم عليه نقضه ، فلا يجوز للأصيل التصرّف في ما انتقل عنه مع بقائه على ملكه ، إذ خروجه عن

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٥ ، ص ٤١٢.

(٢) غاية الآمال ، ص ٣٨٧.


ـ بعد (١) تسليم جواز التصرّف في مسألة النذر المشهورة بالإشكال ـ بأنّ (٢) الفرق بينهما أنّ الالتزام هنا (٣) غير معلّق على الإجازة ، وإنّما التزم بالمبادلة متوقّعا للإجازة ، فيجب عليه الوفاء به (٤) ، ويحرم عليه نقضه (٥) إلى أن يحصل ما يتوقّعه من الإجازة ، أو ينتقض التزامه بردّ (٦) المالك.

ولأجل ما ذكرنا ـ من اختصاص حرمة النقض بما يعدّ من التصرّفات منافيا لما التزمه الأصيل على نفسه دون غيرها (٧) ـ

______________________________________________________

ملكه موقوف على الإجازة. ومنع الأصيل عن التصرف في ماله المنتقل عنه لا يستلزم جواز تصرفه فيما انتقل إليه ، لأنّه ليس له ولاية الالتزام بجعل مال الغير ملكا لنفسه ، بل ولايته تختص بمالكه.

فالنتيجة : أنّ الأصيل بمقتضى التزامه بكون ماله ملكا لغيره يحرم عليه التصرف في ماله الذي هو باق على ملكه ، لتوقف خروجه عن ملكه على الإجازة التي أنيط بها تأثير العقد في الملكية.

(١) هذا إشارة إلى الجواب الأوّل المتقدم بقولنا : «أما الأوّل فتوضيحه : أن جواز التصرف .. إلخ».

(٢) متعلق ب «مدفوعة» وهذا هو الجواب الأصلي عن الدعوى المذكورة ، وقد مرّ تقريبه آنفا بقولنا «توضيحه : أن الشرط في باب النذر شرط .. إلخ».

(٣) أي : التزام الأصيل بنقل ماله إلى الغير غير موقوف على إجازة المالك ، وإنّما هو مراعى ، بحيث تكشف الإجازة المتأخرة عن تحقق النقل والانتقال من زمان العقد.

(٤) أي : بالالتزام ، والضمير المستتر في «التزم» والبارز في «عليه» راجع إلى الأصيل.

(٥) يعني : مع بقاء المال على ملك الأصيل ، فليس حرمة التصرف فيه لأجل كونه مال الغير ، بل لأجل التزامه بصيرورته ملكا للغير ، فيحرم على الأصيل التصرف في ماله ، للالتزام المزبور.

(٦) متعلق ب «ينتقض». وضمير «التزامه» راجع إلى الأصيل.

(٧) أي : دون التصرفات غير المنافية لما ألزمه الأصيل على نفسه.


قال (١) في القواعد في باب النكاح : «ولو تولّى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حقّ المباشر تحريم المصاهرة (٢). فإن كان (٣) زوجا حرمت عليه الخامسة والأخت والأمّ والبنت (٤) إلّا إذا فسخت (*) (٥)

______________________________________________________

(١) أي : قال العلامة قدس‌سره. والغرض من نقل هذا الكلام الاستشهاد به على حرمة نقض ما التزمه الأصيل على نفسه.

(٢) لأنّ تحريمها مترتّب على النكاح الصحيح ، والمفروض تحققه بالنسبة إلى المباشر.

(٣) أي : فإن كان المباشر الأصيل زوجا ـ كما إذا فرضنا أنّ زيدا تزوّج بهند مثلا ، وقد زوّجها به عمرو فضولا ـ ثبت في حق زيد الذي هو العاقد الأصيل تحريم المصاهرة. فإن كانت المعقود عليها ـ وهي هند ـ زوجة رابعة لزيد حرمت عليه الخامسة ، إذ يتم بالمعقود عليها العدد المحلّل وهو الأربع. وكذلك حرمت عليه أخت المعقود عليها ، لكونه جمعا بين الأختين. وأمّها ، لكونها أمّ الزوجة. وبنتها ، لكونها ربيبة له. فإنّ تحريمهن على الأصيل إنّما هو لأجل حرمة نقض ما التزمه بسبب العقد على نفسه.

(٤) هذه الثلاثة راجعة إلى المعقود عليها ، أي : تحرم أخت المعقود عليها وأمّها وبنتها ، لمّا مرّ آنفا.

(٥) أي : فسخت المعقود عليها فضولا عقد الفضولي ، فإنّ ردّها لعقدها يرفع ما يقتضي التحريم وهو النكاح ، فبعد ردّ المعقود عليها عقد النكاح لا يكون تزويج زيد بغيرها تزويجا بالخامسة حتى تحرم. وكذا يجوز التزويج بأخت المعقود عليها ، إذ ليس حينئذ من الجمع بين الأختين ، فيجوز نكاح أختها. وكذا نكاح بنت المعقود

__________________

(*) لا يخفى أنّ الفسخ حلّ العقد ورفعه ، ولذا يكون من حينه لا من أصله ، كما أنّ الإمضاء إبقاء للعقد في مقابل الفسخ الذي هو إعدامه. والردّ دفع للعقد ومنع عن تحققه ، والإجازة إحداث للعقد.

وعلى هذا فلعلّ الأنسب إبدال قوله قدس‌سره : «فسخت» ب «ردّت» فإنّ الفسخ رفع والردّ دفع ، والفرق بينهما واضح ، فالفسخ في مقابل الإمضاء ، والردّ في مقابل الإجازة.


على إشكال في الأمّ (١). وفي الطلاق (٢) نظر ، لترتّبه على عقد لازم (٣) ، فلا يبيح (٤)

______________________________________________________

عليها ، لأنّ حرمتها منوطة بالدخول بأمّها ، والمفروض عدم تحققه ، فيجوز للمباشر الأصيل نكاحها. وأمّا حرمة أمّ المعقود عليها بعد ردّ بنتها ففيها كلام سيأتي.

(١) يعني : في تحريم أمّ المعقود عليها بعد ردّ بنتها لعقد الفضولي إشكال. وجه الاشكال : أنّ مقتضى نكاح البنت ـ ولو آنا ما ـ حرمة أمّها أبدا ، ومقتضى ردّ النكاح الموجب لعدم تحققه حدوثا عدم تحريمها ، لأنّ مناط تحريمها هو العقد الصحيح ، وردّ المعقود عليها ردّ لأصل النكاح ودفع له ، ولازمه عدم ترتب أحكامه عليه التي منها حرمة نكاح الام.

وهذا الوجه هو الصحيح ، لأنّ الحرمات مترتبة على صحة عقد النكاح المؤلف من الالتزامين الإيجابي والقبولي ، والتزام الأصيل لا يكفي في ترتب أحكام العقد وإن لزم عليه عدم نقض ما التزم به حتى يتبيّن الحال من الرّد والإجازة ، وهذا اللزوم لو قيل به حكم ظاهري.

(٢) أي : وفي كون طلاق الأصيل للمعقود عليها فضولا رافعا لحرمة أمّها وأختها وبنتها ، ونكاح الخامسة ، وإباحة تزويجهن ، نظر. وجه النظر هو : أنّ الطلاق إن كان رافعا لعلقة النكاح صحّ نكاحهن وأبيحت المصاهرة ، لأنّ الرد رافع لتلك العلقة. وإن كان رافعا لعلقة الزوجية فلا مورد للطلاق ، إذ لا زوجية حقيقة قبل الإجازة حتى ترتفع بالطلاق ، فالحرمة باقية ، ولا تباح المصاهرة إلّا بعد ردّ المعقود عليها أو إجازتها ، ثم الطلاق.

والأقوى هو الثاني ، إذ الطلاق لا يقع إلّا بالزوجة ، ولا تحصل علقة الزوجية إلّا بعد إجازة المعقود عليها فضولا للعقد ، فلا يملك الأصيل طلاقها قبل إجازتها ، لأنّه لا يملك أمرها إلّا إذا صارت زوجته ، ولا تصير زوجته إلّا بالإجازة.

(٣) أي : لازم من الطرفين حتى تتحقق الزوجية التي تتوقف صحة الطلاق عليها.

(٤) يعني : فلا تباح المصاهرة بالطلاق مع عدم لزوم عقد النكاح.


المصاهرة (١). وإن كان (١) زوجة لم يحلّ لها نكاح غيره ، إلّا إذا فسخ (٢) ، والطلاق هنا معتبر» (٣) انتهى (٢).

وعن كشف اللثام نفي الإشكال (٤).

______________________________________________________

(١) معطوف على «فإن كان» يعني : وإن كان المباشر زوجة لم يحلّ لها نكاح غير الزوج الذي اختير لها فضولا ، لكون العقد لازما من طرفها.

(٢) يعني : إلّا إذا فسخ الزوج المختار لها فضولا ، فيجوز لها حينئذ نكاح غيره.

(٣) لأنّ الطلاق المتوقف على الزوجية يكشف عن إجازة الزوج الفضولي عقد النكاح وصيرورته مالكا لأمر الطلاق ، فيصح الطلاق ويعتبر ، لوقوعه على الزوجة.

وبالجملة : فكاشفية الطلاق هنا ككاشفيته عن الزوجية في أمر السيد عبده الذي نكح بدون إذن مولاه ، فإنّه ورد في رواية ابن وهب «لأنّك حين قلت له : ـ طلّق ـ أقررت له بالنكاح».

(٤) قال شارحا لعبارة القواعد المذكورة في المتن : «ولو تولّى الفضوليّ أحد طرفي العقد وباشر الآخر بنفسه ـ أو وليّه أو وكيله ـ ثبت في حقّ المباشر تحريم المصاهرة إلى أن يتبيّن عدم إجازة الآخر ، لتمامية العقد بالنسبة إليه. فإن كان زوجا حرم عليه الخامسة والأخت بلا إشكال ، لصدق الجمع بين الأختين ونكاح أربع بالنسبة إليه ، ولا يجدي التزلزل. و ـ أي : وكذا يحرم ـ كلّ من الامّ والبنت المعقود عليها فضوليا. إلّا أنه قبل تبيّن حالها من الإجازة أو الفسخ لا إشكال في الحرمة ، لحرمة الجمع قطعا. وكذا إذا أجازت وأمّا إذا فسخت فلا حرمة بلا إشكال في البنت ، وعلى إشكال في الأمّ ، من أنّ الفسخ كاشف عن الفساد أو رافع له من حينه. والأوّل أصحّ ، فإنّ الأصحّ أنّ الإجازة إما جزء أو شرط» (٣).

__________________

(١) كذا في النسخة المصححة والقواعد المطبوعة بمركز النشر الإسلامي ، وفي بعض نسخ المكاسب «فلا يقع المصاهرة» والأولى ما أثبتناه.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٣ ، ص ١٦.

(٣) كشف اللثام ، ج ١ ، كتاب النكاح ، ص ١٨ (الطبعة الحجرية).


وقد صرّح أيضا (١) جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف الأصيل ، وفرّعوا عليه تحريم المصاهرة (١).

وأمّا مثل النظر (٢) إلى المزوّجة فضولا وإلى أمّها مثلا وغيره ممّا لا يعدّ تركه

______________________________________________________

وقد وافق قدس‌سره العلّامة في حكمه بحرمة البنت والامّ والأخت في مدة التربص. وكذا الخامسة لو كانت المعقود عليها فضولا زوجة رابعة للزوج الأصيل. وخالفه في جزمه بحلّيّة الأمّ لو فسخت بنتها المعقود عليها النكاح الفضولي.

وعلى هذا فإن كان مراد المصنف من قوله : «نفى الاشكال» ما أفاده الفاضل الأصفهاني من الحكم بحرمة البنت والأمّ والأخت والخامسة في مدّة التربّص وفاقا للعلّامة فهو متين. وإن كان مراده أنّ الفاضل نفى الاشكال المذكور في عبارة القواعد بالنسبة إلى حرمة الأمّ وحلّيّتها بعد فسخ العقد ـ ولعلّه المتعيّن ، إذ لم يستشكل العلامة في المحرّمات بالمصاهرة إلّا في الأمّ ـ فهو وإن كان صحيحا ، لكنه لم يجد المصنف الذي استشهد بكلام العلّامة على وجوب التزام الأصيل بالتزامه وعهده قبل الإجازة. وأمّا بعد الفسخ فلا شبهة في جوازه.

ولعلّ المصنف اعتمد في نقل كلام الفاضل الأصفهاني على مطلع كلام صاحب الجواهر من قوله : «بل في كشف اللثام نفي الاشكال فيه» (٢) ولم يلاحظه بتمامه.

وكيف كان فالمستفاد من عبارة كشف اللثام عدم الإشكال في حرمة نقض ما التزم به الأصيل ، ولازمه تحريم المصاهرة على المباشر ، فتحرم عليه الخامسة وغيرها ممّا ذكر.

(١) يعني : كصاحبي القواعد وكشف اللثام ، وهذا التصريح لازم ما التزم به الأصيل من النكاح.

(٢) من الآثار التي تكون للمباشر الأصيل لا عليه ، كالنظر إلى المرأة المزوّجة

__________________

(١) لاحظ جامع المقاصد ، ج ١٢ ، ص ١٥٩ ، الحدائق الناضرة ، ج ٢٣ ، ص ٢٨٨ و ٢٨٩ ولاحظ كنز الفوائد أيضا ، ج ٢ ، ص ٣٢٤.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢١٧.


نقضا لما التزم العاقد على نفسه ، فهو (١) باق تحت الأصول (٢) ، لأنّ ذلك (٣) من لوازم علاقة الزوجيّة غير الثابتة ، بل المنفيّة بالأصل (*). فحرمة (٤) نقض العاقد لما عقد على نفسه لا تتوقّف على ثبوت نتيجة العقد أعني علاقة الملك أو الزوجية ، بل ثبوت النتيجة تابع لثبوت حرمة النقض من الطرفين (٥).

______________________________________________________

فضولا ، وإلى أمّها وجدّتها ، وغير النظر مما لا يعدّ تركه نقضا لما التزم به العاقد الأصيل. ولمّا كان النظر ونظائره من آثار الزوجيّة ـ التي لم تثبت ، لكونها متقومة بكلا الالتزامين ـ فلا وجه لجوازها ، بل الحكم فيها عدم الجواز باستصحاب عدم الزوجية.

(١) جواب الشرط في قوله : «وأما مثل».

(٢) والمراد بالأصل هنا هو الاستصحاب كما أشير إليه آنفا.

(٣) أي : مثل جواز النظر ، وهذا تعليل لبقاء النظر ونظائره تحت الأصول.

وحاصل التعليل : أنّ جوازها منوط بوجود موضوعها أعني الزوجيّة التي لم توجد ، لترتبها على كلا التزامي الطرفين ، كما إذا كان المتعاقدان أصيلين.

(٤) هذه نتيجة ما أفاده من التفكيك بين الآثار التي تثبت على العاقد المباشر كحرمة الخامسة وغيرها ممّا ذكر ، وبين الآثار التي تكون للمباشر ، فإنّ نقض تلك الآثار حرام ، لكون موضوعها نفس الالتزام الذي التزم به الأصيل ، وجعله على نفسه. وأمّا الآثار الثابتة للمباشر فلمّا كان موضوعها نتيجة العقد المركّب من الالتزامين ـ كالملكية والزوجية ـ فلا تثبت له إلّا بعد تحقق نتيجة العقد ، ولذا لا يكون تركها نقضا لما ألزمه على نفسه.

فصار المتحصل : أنّ مثل النظر إلى المرأة المعقودة مترتّب على زوجيّتها ، لا مجرّد كونها معقودة.

(٥) كما إذا كان المتعاقدان كلاهما أصيلين. وهذا مفقود فيما نحن فيه ، إذ المفروض

__________________

(*) لا يخفى أنّ أصل عدم الإجازة إنّما يجري على الكشف الذي تكون الإجازة فيه شرطا متأخرا اصطلاحيا بمعنى تقدم المشروط على الشرط ، إذ القطع بوجود الإجازة فيما بعد يوجب لزوم ترتيب آثار الزوجية فعلا ، فالشك في وجودها يوجب جريان


ثمّ إنّ بعض متأخّري المتأخّرين (١) ذكر ثمرات أخر لا بأس بذكرها للتنبّه بها ، وبما يمكن أن يقال عليها (٢).

منها (٣) : ما لو انسلخت قابليّة التملك عن أحد المتبايعين

______________________________________________________

اختصاص حرمة النقض بالمباشر الأصيل ، لكون أحد المتعاقدين فضوليا. هذا تمام الكلام في الثمرة الثالثة.

(١) وهو الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدس‌سره في شرحه على القواعد ، حيث عدّ أمورا أربعة ثمرة للكشف والنقل ، وهي : انسلاخ أهلية المالك أو المملوك ، وتجددهما ، وفقد شرط العقد. وناقش صاحب الجواهر قدس‌سره فيها. ووافقه المصنف في الأخيرين دون الأوّلين.

فهنا أمور ثلاثة لا بدّ من بيانها ، أوّلها : تقرير الثمرة ، ثانيها : اعتراض صاحب الجواهر ، ثالثها : منع الاعتراض في بعضها ، وتسليمه في بعضها. وسيأتي بيان الكل بالترتيب إن شاء الله تعالى.

(٢) يعني : وبما يمكن أن يستشكل به في تلك الثمرات من وجوه.

الثمرة الرابعة : سقوط أحد المتبايعين عن أهلية التملك

(٣) أي : من تلك الثمرات خروج أحد المتعاقدين عن قابلية التملك ، وهذا الخروج عرفي تارة كالموت الموجب لخروج المال عن ملكه ودخوله في ملك الورثة ، وشرعي أخرى أي بتعبّد من الشارع. وهو إمّا مطلق بالنسبة إلى جميع أمواله ، كالمرتد الفطري الذي هو كالميّت ، وإما مقيّد ببعض الأموال كالمرتد الملّي الذي تنسلخ عنه أهلية تملك المصحف الشريف والعبد المسلم.

__________________

الاستصحاب في عدمها وترتب آثار عدم الزوجية.

وأمّا على الكشف الانقلابي فلا وجه لجريان الاستصحاب في عدم الإجازة ، إذ العلم بوجودها فيما بعد لا يجدي فضلا عن الشك فيه ، لعدم ترتب آثار الزوجية فعلا إلّا بعد وجودها ، فمع الشك في حصول الإجازة بعد ذلك نقطع بعدم ترتب آثار الزوجية فعلا ، ومع القطع لا أثر للاستصحاب حتى يجري في نفي الإجازة أو الزوجية.


بموته (١) قبل إجازة الآخر ، أو بعروض (٢) كفر بارتداد فطريّ أو غيره (٣) مع (٤) كون المبيع عبدا مسلما ، أو مصحفا ، فيصحّ حينئذ (٥) على الكشف دون النقل (*).

______________________________________________________

وحيث كان الخروج عن قابلية التملك بأحد الأمور الثلاثة فربّما يقال بظهور الثمرة بين الكشف والنقل ، وتقريبه : أن العاقد الأصيل سواء أكان بائعا أم مشتريا إذا أنشأ البيع أو الشراء ، وانسلخت عنه قابلية التملك قبل إجازة الطرف الآخر المالك لأحد العوضين ـ مع كون المبيع مصحفا أو عبدا مسلما ـ صحّت المعاملة بناء على الكشف ، لكون الإجازة حينئذ كاشفة عن سبق الملك على الانسلاخ المذكور ، لكونه حيّا حين العقد ، أو مسلما مالكا لأمواله. بخلاف القول بالنقل ، فإنّ المعاملة بناء على باطلة ، إذ المفروض ترتب النقل والانتقال على الإجازة المتأخرة عن الانسلاخ المزبور ، فلا تجدي في الصحة.

(١) متعلق ب «انسلخت» وضميره راجع الى أحد المتبايعين و «قبل» متعلق ب «موته».

(٢) معطوف على «بموته» وكلّ من الموت والارتداد سبب للانسلاخ.

(٣) وهو الارتداد الملّي المقابل للارتداد الفطري.

(٤) هذا القيد راجع إلى المرتد الملّي ، حيث إنّه يملك كل شي‌ء إلّا المصحف الشريف والعبد المسلم. فإن كان المبيع أحدهما لا يملكه المرتد الملّي ، فإنّ ارتداده يخرجه عن قابلية التملك للمصحف والعبد المسلم ، دون غيرهما من الأموال.

(٥) يعني : فيصح البيع أو الشراء حين انسلاخ قابلية التملك عن أحد المتعاقدين بناء على الكشف ، لما مرّ آنفا ، دون النقل ، لما تقدّم أيضا.

__________________

(*) قد يقال : إن عدم مالكية الكافر للعبد المسلم إن استند إلى آية نفي السبيل فهي بمقتضى ظهور حرف الاستعلاء تنفي الغلبة على المسلم والضرر عليه ، ومجرد مالكيته له بدون السلطنة عليه ليس سبيلا ، لكونه محجورا عن التصرف فيه. وإن استند إلى النبوي النافي للعلو على السلام ، فإن كان مدلوله الحرمة التكليفية أي عدم جواز الاستعلاء على


وكذا (١) لو انسلخت قابليّة المنقول

______________________________________________________

الثمرة الخامسة : سقوط أحد العوضين عن المالية

(١) هذه ثمرة ثانية من الثمرات التي ذكرها الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدس‌سره ومحصلها : أنّه تظهر الثمرة بين القولين لو انسلخت قابلية المال المنقول ـ عوضا أو معوّضا ـ للملكية من طرف الأصيل إمّا بسبب تلف ذلك المال ، أو عروض النجاسة عليه بحيث لا يقبل التطهير ، كما إذا كان دهنا مائعا غير قابل للتطهير ، ولا الانتفاع به بشي‌ء من وجوه الحلال.

فإذا اشترى زيد دهنا من بائع فضولي ، وقبل إجازة مالك الدّهن خرج الدهن عن الملكية بالتلف أو عروض النجاسة عليه مع ميعانه المانع عن تطهيره ، فعلى القول بالكشف يصح الشراء ، لأنّ المشتري صار مالكا للدهن قبل تلفه أو تنجّسه ، فيكون الضرر عليه لا على البائع.

وعلى القول بالنقل يكون الضرر على البائع ، لعدم انتقال المبيع قبل الإجازة إلى المشتري ، فوقع التلف ونحوه في ملك البائع ، بناء على بطلان بيع المتنجس مطلقا ، أو مع عدم المنفعة المحلّلة المقصودة للعقلاء.

__________________

المسلم كان دليلا على ملكية الكافر ، إذ لولا إمكان تملكه له لم يتجه النهي عنه ، غايته أنه تملك محرّم ، فلا بدّ من إعدامه بإجبار المالك على البيع.

وإن كان مدلوله عدم حدوث العلو لا عدم جوازه ، اتّجه القول بعدم قابلية الكافر للمسلم. هذا.

ولكن يمكن أن يقال : بدلالة الآية المباركة على عدم أهلية الكافر لتملك العبد المسلم ، ضرورة كون مملوكية المسلم له منقصة في شرفه وعزّته ، وهو سبيل منفي حتى لو كان محجورا عن استخدامه. وقد تقرر في حديث نفي الضرر عدم اختصاص المنفي بالمال خصوصا بملاحظة مورده وشموله للمهانة في الشرف والعرض. وعليه فلا فرق في عدم مالكية المرتد الملّي للعبد المسلم بين الآية والنبوي.


بتلف (*) أو عروض نجاسة له مع ميعانه (١) ، إلى غير ذلك.

وفي مقابله (٢) ما لو تجدّدت القابليّة قبل الإجازة بعد انعدامها حال العقد ، كما (٣) لو تجدّدت الثمرة وبدا صلاحها بعد العقد قبل الإجازة.

______________________________________________________

(١) المانع عن قابليته للتطهير والموجب لسقوطه عن المالية والملحق له بالتلف.

الثمرة السادسة : تجدد القابلية

(٢) يعني : وفي مقابل انسلاخ القابلية عن المال تجدّد القابليّة فيه قبل الإجازة بعد انعدام القابليّة حال العقد. فضمير «انعدامها» راجع الى القابليّة.

(٣) هذا مثال لتجدد القابلية في المال المنقول بعد أن كانت معدومة ، بأن باع الفضولي ثمرة الشجرة قبل بدوّ صلاحها ، فأجاز المالك بعد مدّة ظهرت الثمرة فيها. فعلى القول بالكشف يصح البيع. فلو كان الزرع زكويّا كانت زكاته على المشتري ، لأنّ بدوّ الصلاح كان في ملكه. وعلى القول بالنقل كانت زكاته على البائع ، لكون ظهور الثمرة وبدوّ الصلاح في ملكه.

__________________

(*) إن كان نظره إلى البيوع المتعارفة ممّا يكون الثمن بيد المشتري والمثمن بيد البائع قبل البيع اتجه عليه ما أفاده المحقق النائيني قدس‌سره من انتفاء الثمرة ، لفساد المعاملة لو تلف المثمن بيد البائع قبل إجازته ، لكونه من تلف المبيع قبل قبضه ، فمجرّد وجوده حين العقد لا يصحّح البيع بناء على الكشف (١).

وإن كان نظره إلى ترتب الثمرة بين الكشف والنقل في بعض الموارد ، كما إذا كان المبيع بيد المشتري أمانة كالعارية والوديعة والرهن ، فبيع فضولا وتلف بيده ، اتّجه ما أفاده من ترتب الثمرة عليه ، لصحته بالإجازة بناء على الكشف ، وفساده على النقل.

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٢٥٠.


وفيما (١) (*) قارن العقد فقد الشروط [الشرط] ،

______________________________________________________

الثمرة السابعة : فقد شرط العقد

(١) هذه ثمرة أخرى ، وعطف قوله : «وفيما» على ما قبله يكون من عطف العام على الخاصّ ، إذ المراد بقوله : «قارن العقد فقد الشرط» أعم من شروط المتعاقدين وشروط العوضين ، ومن المعلوم أنّ الثمرات الثلاث المتقدمة من أفراد هذا العام ، وليست خارجة عنه.

فكل شرط من شروط تأثير العقد إن كان مفقودا حين العقد وصار موجودا بعد العقد ، أو كان موجودا حين العقد ، وفقد بعده قبل الإجازة ، يكون العقد في الصورة الاولى ـ وهي فقدان الشرط حين العقد ووجدانه بعده ـ باطلا بناء على الكشف ، لوقوع العقد فاقدا للشرط. وبناء على النقل صحيحا ، لوقوع العقد واجدا للشرط.

وفي الصورة الثانية ـ وهي وجود الشرط عند العقد وفقدانه بعده قبل الإجازة ـ

__________________

(*) لعل الأولى إبدال العبارة هكذا «ومنها : ما لو انسلخت قابلية التملك .. إلخ. ومنها : ما لو انسلخت قابلية المنقول بتلف أو عروض نجاسة .. إلخ. ومنها : ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة بعد انعدامها .. ومنها : ما لو قارن العقد فقد الشرط .. إلخ».

والحاصل : أنّ السياق يقتضي تبديل العبارة بما ذكر ، لأنّ كل واحد من الأمور المذكورة ثمرة من الثمرات التي ذكرها في شرح القواعد. فالمناسب تكرير «منها» عطفا على «منها ما لو انسلخت قابلية التملك .. إلخ». أو إبدالها هكذا : «وما لو انسلخت قابلية المنقول .. وما لو تجددت القابلية قبل الإجازة .. إلخ. وما لو تجددت الثمرة .. إلخ. وما لو قارن العقد فقد الشرط .. إلخ».

والوجه في هذا الإبدال الثاني هو : أنّ الثمرات الثلاث المذكورة بعد الثمرة الاولى ـ وهي : «منها ما لو انسلخت قابلية التملك .. إلخ» ـ معطوفة على «ما» الموصول في «منها ما لو انسلخت قابلية التملك» وهذا العطف يقتضي سقوط «في» في قوله : «وفي مقابله» وفي قوله : «وفيما قارن العقد».


ثمّ حصل ، وبالعكس (١). (١).

وربما يعترض (٢) على الأوّل بإمكان دعوى ظهور الأدلّة في اعتبار استمرار القابليّة إلى حين الإجازة على الكشف ، فيكشف الإجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرّا إلى حين الإجازة.

______________________________________________________

يكون العقد بناء على الكشف صحيحا ، لوقوع العقد جامعا للشرائط ، وعلى النقل باطلا ، لوقوع العقد فاقدا لشرط الصحة.

(١) وهو وجود الشرط حين العقد ، وعدمه بعده قبل الإجازة.

(٢) المعترض صاحب الجواهر قدس‌سره ، والمراد بالأوّل هو الثمرة الاولى ، وهي قوله : «ما لو انسلخت قابلية التملك عن أحد المتبايعين» ومحصل الاعتراض على الثمرة الاولى هو : أنّ ظاهر أدلة صحة البيع والشراء اعتبار استمرار قابلية التملك من زمان صدور العقد إلى حين تحقق الإجازة على القول بالكشف كالنقل.

وعليه فإذا انسلخت قابلية التملك عن أحد المتعاقدين قبل الإجازة يبطل العقد بناء على الكشف والنقل معا ، فلا يصحّ جعل الثمرة الأولى ثمرة لكاشفية الإجازة وناقليّتها (٢).

وبعبارة اخرى : أنّ أدلة صحة البيع الفضولي ظاهرة في اعتبار اتصال قابلية التملك بين زماني العقد والإجازة ، حتى يستند خروج المال عن ملك كل واحد من المتبايعين إلى إجازة المجيز ، بحيث لولاها استمرّت الملكية ، ولم تنقطع الإضافة إلّا بالإجازة الموجبة لانتقال البدل إلى الطرف الآخر.

والشاهد على اعتبار بقاء صلاحية الأصيل للتملك بعض النصوص المستدل بها على صحة الفضولي ، كصحيحة محمّد بن قيس الواردة في بيع الوليدة بغير إذن سيّدها ، وموثقة جميل الواردة في مخالفة العامل لما اشترط عليه ربّ المال ، والأخبار الواردة في اتجار غير الولي بمال اليتيم (٣) ، إذ ظاهرها ـ بل صريح بعضها ـ بقاء الأصيل على

__________________

(١) شرح القواعد (مخطوط) الورقة ٦٢.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٣) تقدمت هذه النصوص في الجزء الرابع من هذا الشرح ، ص ٣٨٨ و ٤٢٧ و ٤٤٠.


وفيه (١) : أنّه لا وجه لاعتبار استمرار القابليّة ، ولا استمرار التملّك

______________________________________________________

أهلية التملك إلى ظرف الإجازة.

ومن المعلوم أنّ هذا الضابط مفقود في ما لو سقط الأصيل عن أهلية التملك قبل الإجازة ، لعدم استناد خروج المال عن ملكه إليها ، بل يستند إلى المانع عن اعتبار الملكية له عرفا كما في الموت ، أو شرعا كالارتداد عن فطرة.

وعليه فالفرض الذي أفاده كاشف الغطاء قدس‌سره خارج موضوعا عمّا تقتضيه أدلة صحة البيع الفضولي ، ولا تصل النوبة إلى ملاحظة مبنى الكشف والنقل ، لأنّ الإجازة ـ بناء على النقل أيضا ـ مرتبطة بالعقد ومنفذّة له ، وليست إنشاء مستأنفا.

ونتيجة هذا البيان اعتبار اتصال مالكية كلّ منهما لماله إلى زمان الإجازة ، وعدم سقوطه عن أهلية التملك في المدة المتخللة بينها وبين العقد.

فإن قلت : تقدّم في صحيحة الحذّاء ـ الواردة في تزويج الصغيرين فضولا ـ تملّك الزوجة للإرث إذا أجازت العقد بعد بلوغها ، وبعد أن بلغ الزوج وأجاز ومات (١). وهذا شاهد على عدم اشتراط صحة العقد الفضولي باستمرار الأهلية إلى زمان الإجازة ، وإلّا لزم عدم استحقاق الزوجة الصغيرة لحصّتها من الإرث.

قلت : نعم هذه الصحيحة وإن دلّت على عدم اعتبار بقاء أهلية التملك إلى حين الإجازة ، لكنها مختصة بموردها ، ولا يتعدّى منها إلى البيع الفضولي. قال في الجواهر : «وفيه : أنّ الأوّل وإن كان قد يشهد له خبر الصغيرين اللذين مات أحدهما. لكن يمكن الجمود عليه. ودعوى عدم الجواز في غيره بناء على الكشف أيضا ، ضرورة أنّه عليه يمكن دعوى ظهور الأدلة في اعتبار القابلية حاله كالنقل أيضا. وأنّه لولا الرضا لكان مالكا ، بل لا بدّ من اتصالها من حين العقد إلى حين الإجازة .. إلخ» (٢).

ثم إنه قدس‌سره منع من ترتب الثمرة الثانية ، وهي تلف العين عقلا أو شرعا ، وكذا الثمرة الثالثة وهي فقد بعض شرائط العقد ، وسيأتي بيانه.

(١) هذا ردّ اعتراض الجواهر قدس‌سره ، ومرجع هذا الرّد إلى وجهين ، أحدهما نقضي

__________________

(١) تقدمت في ص ٦٩ ، فراجع.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩١.


المكشوف عنه بالإجازة إلى حينها (١) ، كما (٢) لو وقعت بيوع متعدّدة على مال ، فإنّهم صرّحوا (١) «بأنّ إجازة الأوّل (٣) توجب صحّة الجميع» مع عدم بقاء مالكية الأوّل (٤) مستمرّا (٥).

______________________________________________________

بالنظر الى الفتاوى ، وثانيهما حلّي بالنظر إلى مفاد الأدلة.

أمّا النقضي فهو : أنّ القائلين بصحة البيع الفضولي بالإجازة تسالموا عليها في مسألة ما لو تسلسلت العقود على مال المجيز ـ كما سيأتي تفصيله في (ص ٤٠٩) ـ مع أنّ المجيز على القول بالكشف ليس مالكا حين إجازة العقد الأوّل ، لزوال ملكيته بها ، ولا تبقى حتى تصح العقود المتأخرة. وهذا شاهد على عدم اعتبار بقاء الملكية.

وقد التزم صاحب الجواهر قدس‌سره به ، فقال في جملة كلامه : «وأمّا ما بعده ـ أي : بعد العقد المجاز ـ من العقود فلا ريب في صحتها بناء على الكشف ، لوقوع التصرف حينئذ في الملك. وأمّا على النقل فيحتمل البطلان ، لتعذر الإجازة حينئذ من المالك. والصحة بلا إجازة ..» (٢).

وامّا الحلّي ، فهو : ظهور بعض الأخبار وصراحة الآخر في عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة ، وسيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.

(١) متعلّق ب «استمرار» أي : استمرار القابليّة إلى حين الإجازة.

(٢) هذا إشارة إلى الجواب النقضي المتقدم بيانه بقولنا : «أمّا النقضي فهو .. إلخ».

(٣) أي : البيع الأوّل ، فإنّ إجازته تصحّح جميع البيوع المترتبة عليه ، مع عدم بقاء مالكيته مستمرا حال تلك البيوع.

(٤) أي : البائع الأوّل ، فإنّه بعد البيع خرج المبيع عن ملكه ، ولم يبق على ملكه حين الإجازة ، مع أنّ الفقهاء صرّحوا بصحة جميع البيوع الواقعة عليه. وهذا التصريح لا يلائم اعتبار استمرار قابلية التملك إلى زمان صدور الإجازة.

(٥) يعني : مستمرا إلى زمان الإجازة.

__________________

(١) ولاحظ : جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٠ ، مسالك الافهام ، ج ٣ ، ص ١٥٨ مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩١.

(٢) المصدر ، ص ٢٩٢.


وكما يشعر به (١) بعض أخبار المسألة المتقدّمة ، حيث إنّ ظاهر بعضها وصريح الآخر عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة.

مضافا (٢) إلى فحوى خبر تزويج الصغيرين ،

______________________________________________________

(١) أي : بعدم اعتبار استمرار قابلية التملّك إلى زمان صدور الإجازة. وهذا إشارة إلى الجواب الحلّيّ ، ومحصّله : أنّه يستفاد ظهورا وصراحة من أخبار مسألة الفضولي عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة ، فما ذهب إليه صاحب الجواهر ـ من اعتبار اتّصال الملكية من زمان العقد إلى حين الإجازة ـ ممنوع ، لشهادة طائفتين من الأخبار بخلافه.

فالطائفة الأولى : ما تكون ظاهرة ـ بمقتضى إطلاقها ـ في نفي شرطية الاتصال ، وذلك كموثقة جميل الواردة في المضاربة التي خالف العامل للشرط ، حيث حكم الامام عليه‌السلام «بأنّ الربح ينقسم بين ربّ المال والعامل» بناء على استفادة حكم الفضولي منها ، وأنّ توزيع الربح بينهما يكون بعد إجازة ربّ المال للمعاملات التي أتى بها العامل ، فإنّ حكمه عليه‌السلام مطلق شامل لما إذا بقي الأصيل ـ الذي باع واشترى من عامل المضاربة ـ على أهلية التملك ، ولما إذا سقط عنها.

وكأخبار الاتجار بمال اليتيم ، فإنّ حكمه عليه‌السلام «بأنّ الربح لليتيم» ـ بناء على حملها على صورة إجازة الولي لتكون من أدلة صحة الفضولي ـ يعمّ صورتي استمرار ملكية الأصيل وزوالها.

والطائفة الثانية هي رواية ابن أشيم الواردة في العبد المأذون الذي اشترى أباه من مواليه وأعتقه ، فإنّها صريحة في نفي شرطية اتصال الملكية ، إذ المفروض فيها موت دافع المال إلى العبد ، مع أنّه عليه‌السلام حكم برقيّة أب العبد المأذون لورثة دافع المال لو أقاموا البينة على أنّ العبد المأذون اشترى أباه بمال مورّثهم.

والحاصل : أنّ سقوط الأصيل عن قابلية التملك بالموت غير مانع عن تنفيذ البيع الفضولي بالإجازة المتأخرة المستفادة من مطالبة كلّ من الورثة ، أو مولى العبد المأذون.

(٢) غرض المصنف المناقشة مع صاحب الجواهر بالنسبة إلى ترتب الثمرة الثانية على نزاع الكشف والنقل ، وتوضيحه : أنّ صاحب الجواهر قدس‌سره اعترض على شيخه كاشف الغطاء في ما لو انسلخت قابلية المنقول بتلف ، أو ما يسقطه عن المالية عرفا أو شرعا.


.................................................................................................

______________________________________________________

وحاصل الاعتراض : أنّ هذه الثمرة أولى بالمنع من الاولى ، وهي سقوط المالك عن أهلية التملك. وذلك لأنّ المعتبر في باب الفضولي اجازة المالك ورضاه بالعقد ، فلو انتفت قابلية العين للتملك كما إذا انقلب الخلّ خمرا بعد إنشاء الفضولي وخرجت عن ملك المجيز ، لم يصدق عليه «أنّه مالك» حتى تؤثّر إجازته في صحة بيع الفضولي. ولا فرق في هذا بين الكشف والنقل.

ووجه أولوية انتفاء هذه الثمرة : أنّ المالك مفروض الوجود في الثمرة الأولى ، غايته أنّه يتبدل من الأصيل إلى غيره. بخلاف هذه الثمرة ، لكون سقوط المال عن الملكية موجبا لانتفاء عنوان المالك رأسا ، لأنّ الملكية نسبة بين المالك والمملوك أو إضافة بينهما. هذا ما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره.

وناقش المصنف قدس‌سره فيه بتثبيت الثمرة ، وذلك لوجهين.

أحدهما : فحوى صحيحة الحذاء الواردة في تزويج الصغيرين ، فإنّ موردها وإن كان النكاح الفضولي ، إلّا أنّه لا يمنع من استفادة حكم البيع الفضولي منها ، وذلك لأنّ الزوجين ركنان في عقد النكاح كالعوضين في البيع وشبهه. والمفروض في الصحيحة موت الزوج الذي هو أحد الركنين ، وقد حكم عليه‌السلام بصحة العقد لو رضيت الزوجة بعد إدراكها وحلفها. وليكن البيع الفضولي صحيحا بإجازة المالك لو سقط المبيع عن المالية والملكية بعد العقد إمّا بالتلف الحقيقي بانعدام صورته النوعية ، وإمّا بما يسقطه عن المالية كتنجس الدهن بإصابة القذر به.

فيقال : إنّه بناء على كاشفية الإجازة يصح البيع ، لكون المال مملوكا حين العقد ، وقد عرض عليه التلف بعده ، فيتلف على المشتري. وبناء على النقل يتلف على البائع.

ويمكن أن يستفاد من هذه الصحيحة في الرد على صاحب الجواهر بالنسبة إلى الثمرة الاولى ، وذلك بالفحوى ، لأنّ تلف الركن لو لم يقدح في صحة العقد كان تلف غير الركن ـ وهما المتبايعان في باب البيع ـ أولى بعدم القدح. فلا يكون الموت والكفر مبطلين للمعاملة.

ثانيهما : الظهور الإطلاقي الناشئ من ترك الاستفصال في قضية عروة البارقي التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي. توضيح دلالتها على عدم اعتبار استمرار القابلية إلى زمان صدور الإجازة هو : أنّه لمّا أخبر عروة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما صنع ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :


الذي (١) يصلح ردّا لما ذكر في الثمرة الثانية ، أعني خروج المنقول عن قابليّة تعلّق إنشاء عقد أو إجازة به لتلف وشبهه ، فإنّ (٢) موت أحد الزوجين كتلف أحد العوضين في فوات أحد ركني العقد.

مضافا (٣) إلى إطلاق رواية عروة ، حيث لم يستفصل (*) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن موت الشاة أو ذبحه (٤) (**) وإتلافه.

______________________________________________________

«بارك الله لك في صفقة يمينك» ولم يستفصل عن موت الشاة أو ذبحها. وترك الاستفصال دليل على عدم اعتبار استمرار القابلية إلى زمان صدور الإجازة.

(١) صفة للخبر ، لا للفحوى.

(٢) هذا تقريب الفحوى ، وقد تقدم توضيحه آنفا ، وقوله : «كتلف» خبر «فإنّ».

(٣) هذا هو الوجه الثاني ، وقد تقدم آنفا بقولنا : «ثانيهما : الظهور الإطلاقي الناشئ من ترك الاستفصال .. إلخ».

(٤) معطوف على «موت». والأولى تأنيث الضمير في «ذبحه وإتلافه» لرجوعه إلى الشاة.

__________________

(*) أمارية ترك الاستفصال على الإطلاق أو العموم تختص بأمور جرت العادة على وقوعها ، والاعتداد بها ، فإذا قال المولى : «إذا سافرت فقصّر» ولم يعيّن وسيلة قطع المسافة من الطائرة أو السيّارة أو غيرهما مع جريان العادة على السفر بجميع تلك الوسائل النقّالة ، كان عدم التعيين دليلا على أنّ المسافرة بكل وسيلة من تلك الوسائل توجب القصر. ومن المعلوم أنّ موت الشاة في ذلك الزمان اليسير غير عادي حتى يكون ترك الاستفصال دليلا على عدم اعتبار بقاء القابلية إلى زمان صدور الإجازة كما هو مرام المصنف قدس‌سره في مقام الرّد على صاحب الجواهر قدس‌سره القائل باعتبار استمرار القابليّة إلى زمان الإجازة ، هذا.

(**) لا يخفى ما في عطف الذبح على الموت من المسامحة ، لعدم خروج الشاة بالذبح عن المالية والقابلية عرفا وشرعا ، لوضوح أنّ الموت يعدم الشاة ، والذبح يبدّل صفتها بصفة أخرى. وتبدل الوصف يغاير انعدام الموصوف ، بل الإتلاف الموجب للضمان أيضا. وعليه فالأولى الاقتصار في الانسلاخ عن المالية على الموت.


نعم ما ذكره أخيرا (١) من تجدّد القابلية بعد العقد حال الإجازة لا يصلح (٢) ثمرة للمسألة (٣) ، لبطلان (٤)

______________________________________________________

(١) يعني : ما ذكره كاشف الغطاء قدس‌سره ممنوع. وغرض المصنف قدس‌سره موافقة صاحب الجواهر في منع الثمرة الثالثة والرابعة المتقدمتين في (ص ١٣٦) بقوله : «وفي مقابله ما لو تجدّدت القابلية قبل الإجازة .. وفيما قارن العقد فقد الشرط ..». فقد منعهما في الجواهر بما لفظه : «وأوضح من ذلك فسادا فاقد القابلية للملك ، ثم وجدت قبل الإجازة ، فإنّه لا وجه للصحة على الكشف كما هو واضح. وعلى النقل أيضا ، لعدم قابلية العقد حال وقوعه للنقل ، فلا تنفعه الإجازة بعد أن كان في غير محله» (١).

وحاصله : أنّ العقد الفاقد لشرط من شروط الصحة باطل من أصله ، ولا يمكن تصحيحه بالإجازة ، لاعتبار اجتماع شرائط الصحة ـ إلّا الولاية على العقد ـ في عقد الفضولي ، حتّى يؤثّر بالإجازة المتأخرة. ولا فرق في ذلك بين كاشفية الإجازة وناقليّتها.

وبعبارة أخرى : العقد الفضولي يكون مقتضيا للتأثير ، وتتوقف فعلية التأثير على إجازة ولىّ أمر العقد ، وهذا الاقتضاء منوط باجتماع الشرائط حال الإنشاء. والفرق بين العقد الفضولي وعقد المالك أنّ الأوّل مقتض للتأثير ، والثاني سبب تامّ ، إلّا في مثل الصرف والسلم ممّا يكون القبض دخيلا فيه.

والعقد الفضولي لا يكون مقتضيا إلّا باستجماع شرائط الصحة ، فلو اختلّت بعضها لم يتحقق ذلك الاقتضاء حتى ينتهي إلى الفعلية بانضمام الإجازة.

وهذا البيان كما يمنع الثمرة الثالثة وهي تجدد القابلية ، كذلك يمنع الثمرة الرابعة ، وهي فقد شرط الصحة.

(٢) خبر قوله : «ما ذكره أخيرا».

(٣) وهي مسألة الكشف والنقل.

(٤) تعليل لقوله : «لا يصلح» وقد عرفت آنفا وجه عدم الصلاحية.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩١.


العقد ظاهرا على القولين (١). وكذا (٢) فيما لو قارن العقد فقد الشرط.

وبالجملة (٣) : فباب المناقشة وإن كان واسعا

______________________________________________________

(١) وهما القول بالكشف والقول بالنقل.

(٢) أي : وكذا لا يصلح ثمرة للمسألة فيما لو قارن العقد فقد الشرط.

(٣) قد اتضح أنّ الأقوال في الثمرة الاولى ـ وهي خروج أحد المتبايعين عن أهلية التملك قبل الإجازة ـ ثلاثة :

فالأوّل ما أفاده الشيخ الفقيه كاشف الغطاء من التفصيل بين الكشف والنقل ، ولذا جعله ثمرة للقولين في الإجازة.

والثاني : ما اختاره صاحب الجواهر قدس‌سره من اعتبار استمرار تملك المتبايعين إلى لحوق الإجازة بالبيع الفضولي مطلقا. فتنتفي الثمرة بين الكشف والنقل.

والثالث : ما استظهره المصنّف قدس‌سره من الأدلة من عدم الاعتبار.

والغرض ـ بعد بيان هذه الكبرى ـ المناقشة في كلام كاشف الغطاء من تنظيره للخروج عن القابلية بالموت والرّدة.

أمّا المناقشة في مثال الموت فلأنّه يتوقف على شراء الأصيل شيئا بثمن كلّي في ذمته ، وموته قبل إقباض الثمن ، فيقال بصحته بناء على الكشف ، دون النقل. فلو اشترى بعين خارجية ، فمات ، صحّ حتى بناء على الكشف ، وذلك لأنّ الثمن الشخصي ينتقل بموته إلى ورثته ، ولهم إجازة عقد المورّث ، فإن أجازوا وقعت المعاملة للمورّث ، ثم ينتقل إليهم المبيع بالإرث ، بناء على الكشف. وبناء على النقل تقع للورثة.

وعليه فلا يصح جعل الموت مطلقا صغرى للخروج عن قابلية التملك.

وأمّا المناقشة في مثال الارتداد الفطري ، فأمران :

أحدهما : ما تقدم آنفا من الشراء في ذمة نفسه ، فلو اشترى أو باع بعين خارجية لم تبطل المعاملة ، وإنّما تكون فضولية ، لانتقال أمواله إلى ورثته ، فبيدهم الرّد والإجازة ولا مانع من صحة البيع الفضولي إذا كان كلا الطرفين فضوليا.

وثانيهما : القول بانتقال جميع أمواله ـ حتى ما يتجدد له بعد الكفر باكتساب أو حيازة مباح ـ إلى ورثته بمجرد الارتداد ، فلو قيل بظهور الدليل ـ على تقسيم أمواله ـ في


إلّا أنّ الأرجح (١) في النظر ما ذكرناه (٢).

وربما يقال : بظهور الثمرة في تعلّق الخيارات (٣)

______________________________________________________

خصوص ما يملكه حال الرّدة ، لم تترتب الثمرة بين الكشف والنقل لو باع أو اشترى بما اكتسبه بعدها ، لشمول إطلاقات أدلة المعاملات له ، وعدم مانع من صحتها ونفوذها.

وأما المناقشة في التمثيل بالمرتد الملّي ـ بالنسبة إلى شراء المصحف الشريف والعبد المسلم ، أو بيعهما ـ فهي : أنّ ترتب الثمرة يتوقف على القول بخروجهما عن ملكه بمجرد الارتداد. فلو قيل بعدمه ، وإنما يجبر على نقلهما إلى مسلم ، لم تترتب الثمرة بين الكشف والنقل ، لفرض كونه مالكا لهما بعد الكفر.

هذا ما يرد على صغريات الثمرة الاولى ، وأنّها خارجة موضوعا عن الثمرة بناء على بعض التقادير ، ولكنّ الكبرى ـ وهي عدم اعتبار استمرار القابلية ـ تامّة.

(١) خبر قوله : «فباب المناقشة».

(٢) من عدم اعتبار استمرار القابليّة من حين العقد إلى زمان الإجازة ، وكذا عدم اعتبار استمرار التملّك إلى زمان الإجازة.

ثمرات اخرى للقول بالكشف والنقل

(٣) توضيح هذه الثمرة ـ التي ذكرها كاشف الغطاء قدس‌سره أيضا ـ أنّه إذا اختلف حال المبيع صحة وعيبا بأن كان صحيحا حين العقد المفروض وقوعه يوم الجمعة ، وصار معيبا حال الإجازة الصادرة يوم السبت مثلا. فعلى القول بالكشف يكون البيع لازما ، لحدوث العيب في ملك المشتري ، فلا خيار له. وعلى القول بالنقل يكون البيع جائزا ، لوقوع العيب في ملك البائع ، فيثبت الخيار للمشتري.

ولو انعكس الأمر ، بأن كان المبيع حين وقوع العقد معيبا ، وصار صحيحا عند صدور الإجازة ، فعلى القول بالكشف يثبت الخيار للمشتري ، لوقوع البيع على المعيب ، والعيب يوجب الخيار. وعلى القول بالنقل يكون العقد لازما ، لكون المبيع صحيحا عند صدور الإجازة المتممة للبيع ، هذا.

وكذا تظهر الثمرة في خيار الغبن ، كما إذا بيع المال فضولا بأكثر من قيمته السوقية ،


وحقّ الشفعة (١)

______________________________________________________

فصار المشتري مغبونا ، وترقّت قيمته حال الإجازة. فبناء على الكشف يثبت خيار الغبن للمشتري ، دون النقل.

ولو انعكس الأمر ، بأن بيع المال بأقلّ من قيمته الواقعية ، ثم انخفضت حال الإجازة. فعلى الكشف يثبت الخيار للبائع ، دون النقل.

وأمّا خيار المجلس ، فالظاهر عدم تعلّقه بعقد الفضولي ، لعدم انطباق ما في دليله من أنّه «إذا افترقا وجب البيع» عليه ، إذ لا عبرة بافتراق غير المتبايعين عن مجلس العقد ، وإن كان مجلس عقد الفضولي مجلس العقد. وعليه فيختص خيار المجلس بما يكون افتراق المتعاقدين عنه سببا للزوم البيع.

ودعوى «ظهور الثمرة فيما لو استمرّ مجلس البيع الفضولي إلى زمان حضور المجيز ، وأجاز ، فيثبت خيار المجلس ، لكونه مجلس البيع» غير ظاهرة ، إذ الكلام في حسبان مبدأ خيار المجلس ، وأنّه العقد أو الإمضاء ، والمفروض في المثال وحدة المجلسين ، ولا ريب في كون مبدأ الخيار تفرقهما عنه بعد الإجازة سواء على الكشف والنقل.

وسيأتي تفصيل الكلام ـ في اختصاص خيار المجلس بالأصيل ، دون الفضولي وكذا الوكيل في الإنشاء ـ في أوائل الخيارات إن شاء الله تعالى.

(١) يعني : في مورد تبدل الشريك ، كما إذا كانت الدار ملكا مشاعا لزيد وعمرو ، فباع الفضولي يوم السبت حصّة زيد ، وباع عمرو حصّته يوم الأحد ، وأجاز زيد يوم الاثنين. فبناء على الكشف يثبت حقّ الشفعة لعمرو ، لأنّ حصّة زيد انتقلت إلى من اشترى من الفضول من يوم السبت ، فلعمرو الأخذ بالشفعة وفسخ البيع الواقع يوم السبت ، وضمّ حصّة زيد ـ المبيعة فضولا ـ إلى حصته.

فإن أخذ بالشفعة فهو ، وإلّا يثبت حقّ الشفعة للمشتري من الفضولي ، وله الأخذ به وفسخ البيع الواقع يوم الأحد بين عمرو والمشتري منه ، لوقوع هذا البيع الثاني بعد تماميّة البيع الأوّل المجاز من يوم السبت وإن صدرت الإجازة يوم الاثنين ، وصيرورة المشتري من الفضولي شريكا للأصيل حينما باع حصته يوم الأحد.

وبناء على النقل ينعكس الأمر ، فيثبت حق الشفعة من يوم الأحد لزيد ،


واحتساب (١) (*) مبدأ الخيارات ، ومعرفة (٢) مجلس الصرف والسّلم ، والأيمان (٣)

______________________________________________________

لصيرورته شريكا مع المشتري من الأصيل وهو عمرو ، فله إعمال حقّه ، وتملك حصة عمرو ، ثم إجازة البيع الواقع على حصته. وحيث إنّ المفروض عدم أخذ زيد بحقّ الشفعة ـ وإنّما أجاز يوم الاثنين عقد الفضول ـ فقد سقط حقه ، ويثبت للمشتري من عمرو حقّ الشفعة على المشتري من الفضولي.

(١) كما إذا بيع حيوان فضولا ، فإن مبدأ الثلاثة من حين العقد بناء على الكشف ، ومن حين الإجازة بناء على النقل ، لتوقف تمامية البيع عليها.

وكذا الحال لو بيع دار فضولا ، واشترط المشتري لنفسه الخيار شهرا مثلا ، وأجاز المالك بعد أيام ، فبناء على الكشف يكون مبدأ الخيار حين العقد ، وبناء على النقل حين الإجازة.

(٢) فعلى القول بالكشف يكون المراد بالقبض في المجلس المعتبر في الصرف والسلم القبض في مجلس العقد ، وعلى القول بالنقل يكون المراد القبض في مجلس الإجازة.

(٣) كما إذا حلف زيد على أن يتصدّق بجميع أمواله في يوم الغدير مثلا ، وكان من جملة أمواله كتاب المكاسب الذي اشتراه من فضوليّ ، ولم يجز مالكه إلّا يوما بعد يوم الغدير. فعلى القول بالكشف يجب عليه التصدق بكتاب المكاسب ، لأنّه صار من أمواله حين الحلف. وعلى القول بالنقل لا يجب عليه التصدّق بالمكاسب ، لعدم صيرورته ملكا له يوم الغدير.

ولو انعكس الأمر ، بأن بيع شي‌ء من أمواله قبل الغدير فضولا ، وأجازه بعده. فعلى الكشف لا يجب عليه التصدق ، لخروجه عن ملكه قبل الغدير. وبناء على النقل

__________________

(*) يمكن أن يقال : إنّ مبدء الخيار من حين الإجازة مطلقا ولو على الكشف ، لأنّ الفسخ وإن كان هو حلّ العقد الذي أنشأه الفضولي قبل الإجازة بيوم أو أكثر. إلّا أنّ حلّ العقد وظيفة من كان العقد منسوبا إليه ، ومن المعلوم أنّ العقد لا ينسب ، إلى من له حلّه إلّا بالإجازة ، فمبدء الخيار من زمان الإجازة مطلقا.


والنذور (١) المتعلّقة بمال البائع أو المشتري.

وتظهر الثمرة أيضا (٢) في العقود المترتّبة على الثمن أو المثمن ، وسيأتي (٣) إن شاء الله.

______________________________________________________

يجب عليه التصدق.

(١) كما إذا نذر أن يعطي كتاب المكاسب مثلا لزيد المشتغل بتحصيل العلم ، وقد اشترى ذلك من فضوليّ يوم الخميس ، لكن لم يجزه مالكه إلّا يوم السبت. فعلى القول بالكشف يجب الوفاء بالنذر ، لكونه مالكا لكتاب يوم الجمعة. وعلى القول بالنقل لا يجب ، لعدم كونه مالكا للكتاب حال النذر.

ظهور الثمرة في العقود المترتبة

(٢) يعني : كالثمرات المتقدمة المترتبة على الكشف والنقل ، وحاصل هذه الثمرة : أنّه إذا باع من اشترى فضولا متاعا ، وكان بيعه له قبل إجازة مالك المتاع ، ثم أجازه مالكه. فعلى القول بالكشف يصحّ البيع الثاني للمشتري ، لوقوعه في ملكه ، بداهة أنّ الإجازة أوجبت صحة شرائه ، وصيرورة المتاع ملكا له ، ووقوع البيع الثاني للمشتري في ملكه. وعلى النقل يدخل البيع الثاني ـ الصادر من المشتري ـ في مسألة : من باع شيئا ثم ملكه.

(٣) في الأمر الثالث من الأمور المتعلقة بالمجاز إن شاء الله تعالى شأنه ، حيث قال في جملة كلامه : «وملخّص ما ذكرنا : أنّه لو ترتّبت عقود متعددة على مال المجيز ، فإن وقعت من أشخاص متعددة كان إجازة وسط منها فسخا لما قبله ، وإجازة لما بعده على الكشف ، وإن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر» فلاحظ (ص ٤١٤).

وبهذا يتمّ البحث في المقام الثاني المتكفّل لبيان الثمرات ، وسيأتي الكلام في المقام الثالث ، وهو تنبيهات الإجازة.


وينبغي التنبيه على أمور (١):

الأوّل (٢):

______________________________________________________

تنبيهات الإجازة

(١) وهي أمور تتعلق بنفس الإجازة سواء قيل بالكشف أو النقل ، مثل اعتبار قصد خصوص ما يعتقده ، واعتبار إظهارها بالألفاظ الدالّة عليها عرفا ، أو كفاية الكناية والفعل ، واعتبار عدم سبق الردّ عليها ، وغير ذلك ممّا سيبحث عنه في التنبيهات الآتية إن شاء الله تعالى.

الخلاف في الكشف والنقل حكمي لا مفهوميّ

(٢) الغرض من عقد هذا الأمر بيان منشأ الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ، ثم النظر فيما يترتب على ما لو خالف المجيز معتقده ، كما لو اعتقد ـ اجتهادا أو تقليدا ـ كونها كاشفة ، فقصد كونها ناقلة ، أو بالعكس.

وقد تعرّض لهذا البحث الفقيه الأكبر كاشف الغطاء قدس‌سره وتبعه صاحب الجواهر ، ومحصله : أنّ منشأ الخلاف في الكشف والنقل هو الاستظهار من الأدلّة. ووافقهما المصنف في المبنى ، وخالفهما في ما يترتب عليه من بطلان الإجازة ولغويّتها لو قصد المجيز خلاف معتقده.

قال في شرح القواعد : «وهل بناء القولين على مقتضى الظاهر ، فيجوز الانصراف


.................................................................................................

______________________________________________________

عن كلّ منهما بعد وجود الصارف من قبل العاقد ، أو من خارج (*). أو على اللزوم ، فإذا تعذّر أحدهما ، أو صرّح بخلافه بطلت؟ وجهان ، أقواهما الثاني» (١).

وتوضيح المطلب : أنّ منشأ الشبهة في الكشف والنقل يمكن أن يكون أحد أمور ثلاثة :

الأوّل : الشك في المفهوم ، بأن لا يكون معنى الإجازة واضحا ، فيدّعي القائل بالكشف أنّها بمعنى الكشف عن ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه ، لأنّها تنفيذ مضمون العقد لا غير. ويدّعي القائل بالنقل أنّها الرضا بمضمون العقد ، ومقتضى هذا المفهوم اللغوي حصول الأثر من زمان تحقق الإجازة.

الثاني : أن لا يكون النزاع في المعنى اللغويّ ، بل يكون في منصرف الإطلاق ، بأن يقال : إنّ مفهوم الإجازة هو طبيعي الرضا بالعقد ، وهو لا يقتضي بنفسه الكشف والنقل ، لصلاحيته لكلّ منهما. ولكن يزعم القائل بالكشف انصراف هذا الإطلاق إلى ترتب أحكام المعاملة من حين العقد ، كما يدّعي القائل بالنقل الانصراف إلى حصة أخرى ، وهي تحقق الآثار من حين الإجازة. وهذا نظير انصراف إطلاق العقد إلى كون الثمن نقد بلد المعاملة.

__________________

(*) الظاهر أنّ مراده من الخارج ما إذا امتنع كون الإجازة كاشفة ، فإنّه خارج عن موضوع هذا البحث ، كما إذا باع شيئا ثم ملكه ، فإنّ إجازة بيع نفسه لا توجب انتقال المال إليه من زمان بيعه فضولا. وكذا لو لم يتمشّى نزاع الكشف والنقل ، كما مثّل له كاشف الغطاء ببيع الصرف والسلم فضولا ، ثم إجازته قبل القبض ، قال قدس‌سره في محكي شرح القواعد : «إنّ من إجازة الفضولي ما هو صحيح ، ولكنه غير متصف بكونه كاشفا ولا بكونه ناقلا. مثلا الإجازة اللاحقة لبيع الصرف أو السلم الواقع فضولا قبل القبض ، فإنّها صحيحة مؤثرة ، وليست بكاشفة ولا ناقلة ..» (٢).

__________________

(١) شرح القواعد ، مخطوط ، والعبارة منقولة في حاشية المكاسب للسيد الطباطبائي ، ج ١ ، ص ١٥٨ ، وفي غاية الآمال ، ص ٣٨٩.

(٢) غاية الآمال ، ص ٣٩٠.


.................................................................................................

______________________________________________________

وبناء على هذا الاحتمال يصحّ صرف الإطلاق بقرينة إلى أحد الفردين ، كما لو أقام القائل بالكشف قرينة على إرادة كونها ناقلة في هذا البيع الفضولي ، أو امتنع كونها كاشفة كما في مسألة : من باع شيئا ثم ملكه.

الثالث : أن لا يكون منشأ الشبهة الوضع اللغوي ولا انصراف الإطلاق ، بل يستند اختلاف الفقهاء في الكشف والنقل إلى الأدلة الشرعية ، فالقائل بالكشف يدّعي أنّ الشارع حكم ـ بنحو الإلزام ـ بكونها كاشفة ، وألزم المتعاقدين بترتيب آثار الصحة من حين العقد ، لكون الرضا معتبرا بنحو الشرط المتأخر مثلا ، أو بأخذ وصف التعقب في العقد ، كما أنّ القائل بالنقل يزعم دلالة الأدلة الشرعية على ترتب أثر العقد من حين صدور الإجازة ، لكون الرضا شرطا مقارنا. ومن المعلوم أنّ كيفية الاستظهار مما دلّ على اعتبار الرضا في المعاملة أجنبية عن المفهوم اللغوي ، لعدم أخذ خصوصية الكشف والنقل فيه.

وبعبارة أخرى : ليس معنى الإجازة إلّا إمضاء ما وقع بلا اشكال فيه ، إنّما الكلام في أنّ مقتضى الإطلاقات والعمومات وأدلّة الطيب هل هو كشف الرضا المتأخر عن تمامية السبب أعني به العقد ـ كما هو مقتضى القول بالكشف ـ أم هو كون الرضا المكشوف عنه بالإجازة جزء السبب كما هو مقتضى القول بالنقل؟

إذا اتضحت هذه الاحتمالات الثلاث ظهر الفرق بينها في الثمرة ، وهي : أنّه لا ريب في كون الإجازة من الأمور الاعتبارية المنوطة بالقصد ، لكونها من الإيقاعات. فالقائل بالكشف يقصد ترتب الأثر على العقد ، كما أنّ القائل بالنقل يريد ترتب الأثر من حين صدور الإجازة.

وحينئذ لو خالف كل منهما ما يعتقده ، بأن أراد الكشفي حصول الأثر من زمان الإجازة ، وأراد النّقلي تحققه من حين العقد ، فهل يلغو هذا القصد ، وتؤثر الإجازة بناء على الكشف أثرها من زمان العقد ، ومن حينها بناء على النقل ، أم يكون تأثيرها تابعا لقصد المجيز ، أمّ أنّها تبطل رأسا ، ويبقى العقد الفضولي متوقفا على إجازة أخرى؟ وجوه تتفرّع على أنّ منشأ نزاع الكشف والنقل هو المفهوم أو الشرع.


أن الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي ومعنى الإجازة وضعا (١) أو انصرافا (٢) ، بل في حكمها الشرعي (٣) (*) بحسب ملاحظة

______________________________________________________

فإن كان النزاع في مفهوم الإجازة لغة كان العقد فاسدا بقصد الخلاف ، لأنّ القائل بالكشف يزعم أنّ معناها الحقيقي إنفاذ العقد ، ومقتضاه نفوذه من حين وقوعه ، ولا بدّ أن يقصد هذا المعنى حتى تؤثّر في العقد ، فلو أراد المجيز حصول الأثر من زمان إجازته لم يكن قاصدا لمعنى الإجازة حقيقة ، لأنّ قصد النقل أجنبي عن معناها الحقيقي ، فلم يكن العقد مجازا بحقيقة الإجازة.

وكذا يجري هذا التعليل لو قصد القائل بالنقل حصول مضمون العقد من حينه.

وإن كان النزاع في ما ينصرف إليه إطلاق اللفظ بمعنى أنّ طبيعي معنى الإجازة لا يقتضي شيئا من خصوصيتي الكشف والنقل ، وكان انسباق أحدهما للإرسال والانصراف ، لزم صحة العقد على النحو الذي قصده ، لأنّ الانصراف إلى الشي‌ء لا ينافي تقييده بما ينافي مقتضي الانصراف.

وإن كان النزاع في الاستظهار من الأدلة ، فقد جزم الفقيهان كاشف الغطاء وصاحب الجواهر قدس‌سرهما ببطلان هذه الإجازة ولغويتها ، واقتصر المصنف على إبداء احتمالي الصحة والبطلان من دون ترجيح بينهما.

(١) هذا و «انصرافا» تمييزان ، أي : من جهة الوضع أو الانصراف ، وقوله : «وضعا» إشارة إلى الاحتمال الأوّل ، أي : كون منشأ النزاع الشبهة المفهومية ، والجهل بالموضوع له لغة.

(٢) هذا إشارة إلى الاحتمال الثاني ، وهو كون الموضوع له طبيعي الإمضاء والإنفاذ ، وإنّما ينصرف إلى أحد المعنيين.

(٣) هذا إشارة إلى الاحتمال الثالث ، يعني : أنّ منشأ الخلاف في الكشف والنقل هو جعل الشارع.

__________________

(*) بل منشأ الخلاف في الكشف والنقل هو الخلاف في مضمون العقد ، وأنّه طبيعة النقل ، أم النقل المقيد بزمان وقوعه؟ والإجازة إجازة لمفهوم العقد بلا إشكال. فاختلاف مفهوم العقد يسري قهرا إلى الإجازة ، فينبغي إجراء النزاع في مفهوم العقد ، لا في الحكم


اعتبار رضا المالك (١) ، وأدلّة (٢) وجوب الوفاء بالعقود ، وغيرهما (٣) من الأدلّة الخارجيّة. فلو (٤) قصد المجيز الإمضاء من حين الإجازة على القول بالكشف ، أو الإمضاء من حين العقد على القول بالنقل ، ففي صحّتها وجهان (٥).

______________________________________________________

(١) يستفاد اعتبار رضا المالك من آية «التجارة عن تراض» ومن حديث «لا يحل مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه».

(٢) معطوف على «اعتبار».

(٣) كصحيحتي محمّد بن قيس والحذّاء المستدلّ بهما على الكشف. وعليه فالمراد بالدليل الخارجي ما يقابل إطلاق حلّ البيع والوفاء بالعقود.

(٤) هذا تفريع على كون منشأ النزاع الاستظهار من الأدلة ، وقد تقدّم توضيحه آنفا.

(٥) وجه الصحة : أنّ متعلق الإجازة مضمون العقد لا حكمه ، والمفروض حصول العقد وإجازته ، فالسبب تام ، وبه يحصل المسبب قهرا. وقصد ترتب حكم غير الحكم الشرعي على العقد لغو ، لا أثر له ، لعدم تقيد مضمون العقد ولا حكمه بما يكون الواقع مغايرا للعقد المجاز.

ووجه البطلان في كل من الكشف والنقل عدم كون المجاز هو الواقع ، وعدم كون الواقع هو المجاز ، إذ في الأوّل يكون المنشأ النقل حين العقد ، والإجازة تعلقت به من حين الإجازة. وفي الثاني يكون المنشأ النقل المطلق ، وقد أجيز مقيّدا بحين العقد ، فالمجاز غير الواقع ، والواقع غير المجاز.

وهذا الاحتمال قوّاه الشيخ الفقيه الشيخ حسن كاشف الغطاء قدس‌سره (١).

__________________

الشرعي للإجازة إذ مقتضى أدلة طيب النفس ووجوب الوفاء بالعقود ليس إلّا تنفيذ مضمون العقد ، فاللازم تشخيص مضمونه ، لأنّه متعلّق الإجازة.

__________________

(١) أنوار الفقاهة ، كتاب البيع ، ص ١٠٦ (مخطوط).


ـ الثاني (١):

أنّه (*) يشترط (٢) في الإجازة أن تكون باللفظ الدالّ عليها على

______________________________________________________

هل يشترط في الإجازة التلفظ بها؟

(١) هذا ثاني الأمور التي نبّه عليها المصنف قدس‌سره. والغرض من عقده تحقيق جهة أخرى مما يتعلق بالإجازة ، وهي أنّها مجرّد الرضا الباطني بالعقد الواقع فضولا على ما له ولاية عليه ، أم أنها لمّا كانت من الأمور الإنشائية توقّف حصول أثرها على إنشائها. وعلى الثاني فهل يكفي مجرّد الفعل الدال على الرضا ، أم يعتبر إبرازه باللفظ. وعلى الثاني فهل يكفي اللفظ الكنائي ، أم لا بد من الصراحة العرفية؟ في المسألة وجوه أربعة سيأتي التعرّض لها إن شاء الله تعالى.

(٢) هذا الاشتراط إنّما يكون بعد الفراغ عن عدم كفاية الرضا الباطني في صحة عقد الفضولي وتأثيره. والحاجة إلى الإجازة لإسناد العقد إلى المجيز ، إذ لا يكفي مجرّد الرضا الباطني في الإضافة إليه. وبعد إثبات الافتقار إلى الإجازة والحاجة إلى إنشائها يقع الكلام في أنّ الدال عليها لا بدّ أن يكون هو اللفظ أو يقع بالفعل أيضا. واعتبار اللفظ الظاهر هو القول الأوّل في المسألة ، وسيأتي وجهه.

__________________

(*) في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره ما محصله : أنّ الحاجة إلى الإجازة إن كانت لمجرّد حصول الرضا وطيب النفس بالعقد ، فنفس لحوق الرضا ممّن اعتبر رضاه في نفوذ العقد ـ كما في نكاح العبد بدون إذن سيده ، وبيع الراهن للعين المرهونة بدون إذن المرتهن ـ كاف في تأثير العقد كما في بيع المكره ، للاكتفاء في تأثيره بمجرّد لحوق رضاه.

وإن كانت لتصحيح إسناد العقد الى المجيز علاوة على ذلك ـ كما إذا عقد على ماله فضولا ـ فالظاهر عدم كفاية مجرّد لحوق الرضا في ذلك ، بل لا بدّ في صحة العقد من إنشاء إمضاء العقد وإجازته ، ولذا بنوا على عدم خروج عقد غير المالك على ماله بدون إذنه ـ ولو مع العلم برضاه ـ عن الفضولية ، وإن كان هذا البناء بنحو الإجماع لم يثبت ، فتدبّر (١) ، هذا.

أقول : لم يظهر وجه لعدم كفاية لحوق الرضا في إسناد العقد إلى المجيز ، مع كون

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٦٥


وجه الصراحة العرفية (١) (*) كقوله : «أمضيت ، وأجزت ، وأنفذت ، ورضيت»

______________________________________________________

(١) التي هي أعم من النص والظاهر الذي يكون حجة عند أبناء المحاورة.

__________________

رضاه رضا بالمعنى الاسم المصدري القائم بماله ، فرضاه رضا المالك بما أنّه مالك. فإن لم يكن هذا الرضا موجبا لإضافة العقد إليه ، فهل يصلح مجرد لفظ «أجزت» أن يكون محصّلا لهذه الإضافة؟

والحاصل : أنّ الرضا بانتقال ماله الى الغير بسبب عقد الفضولي لا معنى له عرفا إلّا كون سبب الانتقال وهو عقد الفضولي مضافا إليه وعقدا له. نعم انتسابه وإضافته إلى المجيز يكون بقاء ، وإضافة عقد المكره إلى المكره تكون حدوثا وذاتا ، لأنّه منشؤه. بخلاف عقد الفضولي ، فإنّ إضافته إلى المالك عرضيّة ، فتدبر.

وما أفاده أخيرا من نفي البعد عن كفاية الإنشاء القلبي فيما يتوقف على الإمضاء والإجازة غير متضح المراد ، فإنّ الإنشاء عنده من أنحاء استعمال الألفاظ في معانيها ، وأنّه بقصد الحكاية إخبار ، وبقصد إيجاد المعنى في نفس الأمر إنشاء ، كاستعمال «ملّكتك» فيهما بداعيين ، وعرّفه في الفوائد بأنّه «القول الذي يقصد به إيجاد المعنى في نفس الأمر» (١) ومن المعلوم أنّ الاستعمال الذي هو إفناء اللفظ في المعنى من الكيف المسموع ولا ربط له بفعل القلب.

مضافا إلى : أنّ القابل للإنشاء هو الأمر الاعتباري كالملكية والزوجية ، لا الصفة النفسانية. نعم يمكن إظهارها وإبرازها باللفظ والفعل. وأمّا الإنشاء المفروض كونه إيجادا فلا. وهو قدس‌سره أعلم بما أفاده من الإنشاء القلبي.

(*) تقدّم أنّ محتملات الإجازة أربعة ، ولعل الأولى أن يقال في عنوان المسألة :

إنّ الكلام يقع في مقامين ، الأوّل في مقام الثبوت ، والثاني في مقام الإثبات.

أما المقام الأوّل فحاصله : أنه يحتمل اعتبار الإنشاء في الإجازة قولا صريحا ، أو كفاية الكناية ، أو كفاية الفعل. ويحتمل عدم اعتبار الإنشاء فيها ، وكفاية الرضا الباطني ولو بدون دالّ عليه.

وببيان أوضح : هل يشترط الإنشاء في الإجازة أم لا؟ وعلى الأوّل : هل يعتبر أن

__________________

(*) الفوائد المطبوعة مع حاشية الرسائل ، ص ٢٨٥ (الطبعة الحجرية).


وشبه ذلك (١). وظاهر رواية البارقي وقوعها بالكناية (٢) ، وليس (٣) ببعيد إذا أتّكل

______________________________________________________

(١) كقوله : «قبلت أو صححت هذا العقد» ونظائرهما في الدلالة على المقصود.

(٢) لأنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بارك الله لك في صفقة يمينك» كناية عرفا عن الإجازة المستفادة من «أجزت وأنفذت».

(٣) يعني : وليس وقوع الإجازة بالكناية ببعيد إذا أتّكل العرف على الكناية في الدلالة على الإجازة ، وهذا إشارة إلى الاحتمال الثاني في المسألة.

__________________

يكون الإنشاء بالقول ، أم يكتفي فيه بالفعل؟ وعلى تقدير اعتبار القول هل يشترط فيه الصراحة أم يكفي الكناية؟

وببيان أوضح : هل يشترط الإنشاء في الإجازة أم لا؟ وعلى الأوّل : هل يعتبر أن يكون الإنشاء بالقول ، أم يكتفى فيه بالفعل؟ وعلى تقدير اعتبار القول هل يشترط فيه الصراحة أم يكفي الكناية؟

وأما المقام الثاني فنخبة الكلام فيه : أنّه قد يستدلّ على كفاية الإنشاء الكنائي بظاهر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعروة البارقي : «بارك الله لك في صفقة يمينك» فإنّه عرفا كناية عن الإجازة لو لم يكن في نظر العرف من عبارات الإجازة كقوله : «أحسنت» فتأمّل.

وعلى كفاية الفعل الكاشف عن الرضا كتصرف مالك المبيع فضولا في الثمن ، فإنّ هذا التصرف كاشف عرفا عن إمضاء البيع. وكتمكين المرأة ـ المزوّجة فضولا ـ من الدخول بها كما صرّح به العلامة قدس‌سره.

كما أنّه قد استدلّ على اعتبار اللفظ في الإجازة ـ مضافا إلى شبهة الإجماع على اعتباره فيها ـ بأنّ الإجازة كالبيع في استقرار الملك ، فما يعتبر في البيع من اللفظ يعتبر في الإجازة أيضا ، لاشتراكهما في إيجاد استقرار الملك ، كما سيأتي ذلك في شرح قول المصنف : «واستدل عليه بعضهم بأنّها كالبيع في استقرار الملك .. إلخ».

وفيه ما سيأتي في التوضيح بقولنا : «إذ سبب النقل مطلقا حتى في عقد الفضولي ولو على النقل هو العقد ، والإجازة شرط تأثيره .. إلخ».

ولعلّ نظر هذا المستدل إلى : أنّ الإجازة من الأمور التسبيبية المتوقفة على الإنشاء.

وفيه : أنّ الإجازة ليست من الأمور التسبيبية ، وإنّما الأمور التسبيبية ـ وهي البيع والصلح والهبة وغيرها المتوقفة على الإنشاء ـ حاصلة في عقد الفضولي كعقد الأصيل


عليه (١) عرفا.

والظاهر (٢) أنّ الفعل الكاشف عرفا عن الرضا بالعقد كاف (٣) ،

______________________________________________________

(١) كذا في نسخ الكتاب ، والأولى تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى الكناية.

(٢) هذا إشارة إلى الاحتمال الثالث ، وهو جواز الاقتصار في الإجازة على الفعل الدال عليها ، واستشهد المصنف قدس‌سره له بما ذكروه في مقامين :

أحدهما : إمضاء بعض العقود المتعددة على عوض المبيع فضولا.

وثانيهما : تمكين الزوجة المعقود عليها فضولا ، فإنّ الإمضاء والتمكين فعلان صالحان لإظهار الرضا النفساني بالعقد الصادر من الفضولي.

(٣) خبر «أنّ» أي : كاف في وقوع الإجازة بدون لفظ.

__________________

بلا تفاوت بينهما أصلا.

وقد يستدل أيضا على اعتبار الإنشاء في الإجازة تارة بعدم صدق العناوين كالبيع والصلح وغيرهما إلّا بإنشاء الإجازة ، حيث إنّ الإجازة في الفضولي كالقبول في غيره ، فكما يكون العقد مركبا من الإيجاب والقبول ، وهما ركنان في العقد ، فكذلك الإجازة في الفضولي كالقبول.

وبالجملة : فصدق العناوين منوط بإنشاء الإجازة كإنشاء القبول.

واخرى بأنّ المعتبر في عقد الفضولي صيرورته عقدا للأصيل ، لأنّ معنى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» أوفوا بعقودكم ، فلا يشمل عموم «أَوْفُوا» ـ وكذا سائر الأدلة ـ عقد الفضولي إلّا أن يصير عقد الأصيل ، ولا يصير عقدا له إلّا بإنشاء الإجازة ، لكون الانتساب إلى الأصيل كالبيع أمرا تسبيبيا لا يحصل إلّا بالإنشاء ، ولا يتحقق بالرضا أو إبرازه.

وأنت خبير بما في كلا الوجهين من الإشكال. إذ في أوّلهما : عدم توقف صدق عنوان البيع مثلا ، على إجازة الأصيل ، إذ لا شبهة في صدق عنوانه على عقد الفضولي مطلقا سواء إجازة الأصيل أم ردّه ، لصدق مفهوم البيع ـ وهو المبادلة ـ على عقد الفضولي ، ولا دخل لترتب الأثر في صدقه ، وإلّا لم تكن البيوع الفاسدة كالبيع الربوي والغرري ونحوهما بيعا.

وقياس الإجازة على القبول في غير محله ، لأن القبول ركن العقد ، وبدونه لا يتحقق العقد المعنون بعنوان البيع.

وفي ثانيهما : أنّ الإنشاء الصادر من الفضولي فعل الفضولي حقيقة ، ولذا يحمل


.................................................................................................

__________________

«العاقد» عليه ، ولا يحمل على الأصيل ، فلا يقال : الأصيل عاقد ـ سواء أجازه أم ردّه ـ إلّا مجازا.

نعم يقال : «عقد الفضولي مرضيّ للأصيل» فلو كان موضوع وجوب الوفاء عقد المالك الأصيل لم يصر عقد الفضولي بسبب الإجازة عقد المالك ، ولا يشمله عموم وجوب الوفاء.

وبالجملة : فالإجازة لا توجد المضاف أي عنوان البيع ونحوه ، ولا الإضافة أي صيرورة العقد عقد المالك ، فإنّ الإجازة ليست إلّا إمضاء فعل الغير وإنفاذه ، ولا دليل على اعتبار الإنشاء في الإجازة. ولو شكّ في اعتباره فيها ، فمقتضى إطلاق أدلة اعتبار الرضا عدم اعتباره. كاقتضاء إطلاقها عدم اعتبار مقارنة الرضا للعقد.

فالمتحصل : عدم دلالة شي‌ء من الوجوه المذكورة على اعتبار الإنشاء باللفظ الصريح في الإجازة.

هذا كله بملاحظة الأدلة العامة. وقد عرفت عدم دلالتها على اعتبار الإنشاء في إجازة عقد الفضولي باللفظ الدالّ عليه صراحة أو كناية ، لو لم نقل بدلالتها بمقتضى الإطلاق على عدم اعتبار الإنشاء مطلقا في الإجازة ، لأنّ التراضي وطيب النفس اللّذين هما من شرائط التجارة صفتان قائمتان بالنفس ، كالكراهة ، وليستا من الأمور الاعتبارية المحتاجة إلى الإنشاء ، كنفس عناوين العقود والإيقاعات كالبيع والصلح والطلاق والعتق ونحوها ، فإنّها تنشأ بإنشاء الفضوليّ كما هو المفروض.

وأمّا بملاحظة الأدلة الخاصة كقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة أبي عبيدة الحذاء في غلام وجارية غير مدركين زوّجهما وليّان لهما : «النكاح جائز أيّهما أدرك كان له الخيار ، فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلّا أن يكونا قد أدركا ورضيا. قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال : يجوز ذلك عليه إن هو رضي» الحديث (١).

وغيره من النصوص التي تأتي الإشارة إليها إن شاء الله تعالى عند شرح كلام المصنف قدس‌سره. فلا يستفاد منها إلّا اعتبار نفس الرضا.

غاية الأمر أنّه لا بدّ في ترتيب آثار الصحة ظاهرا على العقد من إحراز الرضا بمحرز

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٥٢٧ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث ١.


.................................................................................................

__________________

من قول أو فعل دالّ عليه ، وإن كان كتحريك رأسه أو يده ونحوه ممّا يبرز الرضا النفساني الذي هو الشرط حقيقة ، ويكون الفعل كاشفا عنه.

لا أن يكون الشرط هو الفعل تعبّدا ، إذ يلزم منه حرمة تلك الأفعال كتمكين المزوّجة فضولا من الدخول بها. وكتصرف مالك المبيع فضولا في الثمن ، سواء أكان التصرف خارجيا أم اعتباريا ، ضرورة أنّ نفس التصرف إن كان إنشاء الإجازة لم تحصل الملكية والزوجية إلّا بعد تمامية العمل الذي يتحقق به الإنشاء ، فلا محالة يقع العمل قبل تحقق الملكية والزوجية ، وهو حرام ، إذ المفروض توقف الملكية والزوجية على تحقق العمل الذي يحصل به الإنشاء ، ولا يحلّ التصرف إلّا إذا كان كاشفا عن الرضا النفساني الذي هو شرط حقيقة.

فصار المتحصل من جميع ما ذكرنا في مقام الإثبات : أنّ ظاهر الأدلة عمومها وخصوصها ـ وكذا كثير من الفتاوى ـ عدم اعتبار الإنشاء في الإجازة ، وأنّ الشرط هو الرضا النفساني : غاية الأمر أنّه لا بدّ من إحرازه في ترتيب آثار صحة العقد ، سواء أكان المبرز لفظا أم فعلا ، إذ أصالة عدم تحقق الرضا تقتضي عدم جواز ترتيب آثار الصحة ظاهرا ، فجواز التصرف ظاهرا منوط بإحراز الرضا الذي هو الشرط. فيسقط البحث عن اعتبار الإنشاء في الإجازة ، وعن اعتبار كون الإنشاء باللفظ الصريح أو الكنائي ، لما مرّ من أنّ الشرط هو الرضا ، وليس ذلك من الأمور الاعتبارية المحتاجة إلى الإنشاء.

بقي في المقام ـ وهو كون الشرط مجرّد الرضا ، وأنّ الأفعال كالتصرف في ثمن المبيع ، فضولا وتمكين المزوّجة فضولا من الدخول بها وغير ذلك من التصرفات محرزات للرضا ، وليس لها موضوعية أصلا ـ إشكال ، وهو : أنّ شرطية نفس الرضا وعدم اعتبار الإنشاء فيه تقتضي كفاية الرضا المقارن لعقد الفضولي في خروجه عن حكم الفضولية ، فإذا علم زيد برضاء عمرو ببيع بضاعته ، فباعها بدون إذنه لم يكن البيع فضوليا ، وكان لازما ، لأنّ ما يؤثر بلحوقه يؤثر بمقارنته بطريق أولى ، لانحفاظ احتمال اعتبار مقارنة الرضا للعقد مع السبق والمقارنة ، دون الرضا اللاحق ، لانتفاء هذا الاحتمال في الرضا اللاحق. مع أنّ الظاهر عدم التزام الأصحاب بذلك ، لبنائهم على عدم خروج ذلك عن عقد الفضولي موضوعا وحكما.

ولعلّ نظر الأصحاب إلى دخل ما يحرز الرضا في الشرطية ولو بنحو دخل الجزئية


.................................................................................................

__________________

في الموضوع.

أو إلى : أنّه لا بدّ في لزوم العقد من إضافته إلى المجيز ، ولا يضاف إليه بمجرّد الرضا.

ثمّ أيد المصنف قدس‌سره هذا الإشكال بأنّه لو كان مجرّد الرضا كافيا في لزوم العقد لزم منه كون الكراهة فسخا للعقد. فاللازم عدم وقوع بيع الفضولي مع نهي المالك الكاشف عن كراهته ولو آنا ما حين العقد.

والحاصل : أن هذا التأييد مبني على الملازمة بين ملزمية الرضا وفاسخية الكراهة ، هذا.

ويمكن دفع إشكال كون الرضا المقارن موجبا للزوم عقد الفضولي ـ وخروجه عن الفضولية ـ بعدم الدليل على ذلك ، إذ دليل شرطية الرضا في لزوم عقد الفضولي مختص بالرضا اللاحق ، وتسريته إلى الرضا المقارن قياس لا نقول به. مع وضوح صدق تعريف الفضولي عليه. مضافا إلى شبهة التسالم على عدم كون الرضا المقارن كاللاحق.

فالنتيجة : عدم خروج العقد المقرون بالرضا عن الفضولية حكما. وهذه الشبهة لا أقل من أنّها توجب التوقف في خروجه عن الفضولية حكما. ومقتضى الأصل بقاء كلّ من المالين على ملك مالكه.

وأمّا الالتزام بلزومه وخروجه عن الفضولية حكما بمجرّد مقارنته لرضا المالك الأصيل مع بقائه فيه موضوعا قطعا ـ كما في كلام بعض الأجلّة (١) ـ فلم يظهر له وجه ، بعد ما مرّ من اختصاص دليل شرطية الرضا في عقد الفضولي بالرضا اللاحق دون المقارن.

فما عن جماعة بل المشهور ـ من عدم خروج عقد الفضولي المقرون بالرضا المقارن عن الفضولية حكما لا موضوعا ـ هو الأقوى.

وأمّا التأييد بأنّه لو كان مجرد الرضا كافيا في لزوم العقد لزم منه كون الكراهة فسخا ، وعدم صحة عقد المكره بالرضا اللاحق ، لعدم تحقق العقد مع اقترانه بالكراهة. ففيه : أنّه فرق بين الكراهة والرضا.

ومحصل الفرق هو : أنّ الفسخ أمر تسبيبي إنشائي كنفس العقد ، لأنّ الفسخ حلّ للعقد ، فلا يحصل إلّا بإنشائه ، ولا يتحقق بمجرّد الكراهة. وهذا بخلاف الرضا ، فإنّه شرط

__________________

(١) كتاب البيع ، ج ٢ ، ص ٢٠٨.


.................................................................................................

__________________

تأثير الأمر التسبيبي الحاصل في الخارج بإنشاء الفضولي. والمفروض تحقق الرضا ، فلا وجه لعدم اللزوم.

والحاصل : أنّه لا يلزم من مجرّد كون الرضا ملزما أن يكون مجرّد الكراهة فسخا ، كما أفاده المصنف قدس‌سره.

فتلخص من جميع ما ذكرناه أمور :

الأوّل : أنّ شرط تأثير عقد الفضولي ليس إلّا مجرد الرضا الذي هو موجود حقيقي لا اعتباري إنشائي كالأمور الاعتبارية الإنشائية ـ نظير الإجازة ـ حتى يبحث في أنّها لا تنشأ إلّا باللفظ الصريح ، أو يكفي في إنشائها اللفظ الكنائي.

الثاني : أنّه لا بدّ من إحراز الرضا في ترتيب آثار الصحة على عقد الفضولي ، من غير فرق في المحرز بين كونه قولا وفعلا ، بعد فرض ظهوره عرفا في الكشف عن الرضا.

الثالث : أنّ وجه الحاجة إلى إحراز الرضا ـ مع كون الشرط نفس الرضا ـ هو : أنّ الحكم الظاهري بمقتضى أصالة عدم الرضا عدم ترتب آثار الصحة على عقد الفضولي حتى يحرز شرط صحته وهو الرضا. فما يدلّ على الرضا من قول أو فعل طريق محض ، وليس له موضوعية أصلا.

الرابع : عدم كفاية العلم برضا المالك مقارنا لعقد الفضولي في لزوم العقد وخروجه عن حكم عقد الفضولي.

الخامس : عدم التلازم بين ملزمية الرضا لعقد الفضولي وفاسخية الكراهة له.

السادس : أنّه لا فرق في كفاية الرضا في نفوذ عقد الفضولي بين كون قصور العقد لأجل عدم المقتضي كبيع مال الغير فضولا ، وبين كون قصوره لوجود المانع كبيع الراهن العين المرهونة بدون إذن المرتهن ، وكبيع المفلّس أمواله بدون إذن الغرماء ، فإنّه إذا كان طيب النفس من المالك كافيا في نفوذ الفضولي مع كون قصوره لأجل عدم المقتضي فكفايته فيما إذا كان قصوره لأجل وجود المانع ـ وهو تعلق حقّ الغير بالمال ـ تكون أولى ، فإنّ حقّ المالك أقوى من حقّ غيره كالمرتهن والغرماء ، وإذن العمة والخالة في عقد بنت الأخ والأخت ، ولا غرو في سقوط الحق برضا صاحبه. وعلى تقدير حاجة سقوطه إلى الإنشاء يكفي في إنشائه كل ما يدلّ عليه من قول أو فعل.


كالتصرّف في الثمن (١). ومنه (٢) إجازة البيع الواقع عليه كما سيجي‌ء (٣). وكتمكين (٤) الزوجة من الدخول بها إذا زوّجت فضولا ، كما صرّح به العلّامة رحمه‌الله.

وربما يحكى (٥) عن بعض اعتبار اللفظ ،

______________________________________________________

(١) كما إذا باع فضولا متاع زيد بدينار ، فأخذ زيد ذلك الدينار من البائع الفضولي وتصرّف فيه ، كما إذا اشترى به كتابا ، فإنّ مثل هذا التصرّف من المالك كاف عن الإجازة اللفظية.

(٢) أي : ومن التصرف إجازة البيع الواقع على ثمن المتاع الذي بيع فضولا ، كما إذا باع الفضولي مكاسب زيد بكتاب الفرائد ، ثمّ باع فضوليّ آخر كتاب الفرائد بكتاب نهاية الشيخ ، فأجاز زيد بيع كتاب الفرائد الذي هو ثمن كتاب المكاسب.

(٣) يعني : في الأمر الثالث ممّا يتعلق بالمجاز ، حيث قال في ما لو أجاز المالك بعض العقود الواقعة على عوض ماله : «وأمّا إجازة العقد الواقع على العوض ـ أعني بيع الدرهم بالرغيف ـ فهي ملزمة للعقود السابقة عليه .. إلخ» فراجع (ص ٤١٢).

(٤) معطوف على قوله : «كالتصرف» فإنّ تمكينها من الدخول بها أقوى إجازة فعلية للنكاح الفضولي. وهذه الفتوى صرّح بها العلّامة قدس‌سره في فرعين من النكاح الفضولي ، فقال فيما لو زوّج أخوان أختهما فضولا : «استحب لها إجازة عقد الأكبر. ولها أن تجيز عقد الآخر. ولو دخلت بأحدهما قبل الإجازة ثبت عقده» (١).

وقال المحقق الكركي قدس‌سره : «ومتى حصل الدخول بأحدهما تعيّن نكاحه ، فإنّ الدخول يجب صيانته عن التحريم مهما أمكن ، فيكون محسوبا إجازة» (٢).

وقال العلامة في مسألة أخرى : «ولو ادّعى إذنها ـ أي : ادّعى الزوج إذن المرأة للعاقد ـ فأنكرت قبل الدخول قدّم قولها مع اليمين .. وبعده فالأقرب تقديم قوله ، لدلالة التمكين عليه» (٣).

(٥) الحاكي هو السيد العاملي ، والمحكي عنه هو الفاضل المقداد ، قال في التنقيح ـ بعد نفي كفاية السكوت في مقام الإجازة : «بل لا بدّ من لفظ يدل عليها ، لأنّها كالبيع

__________________

(١ و ٣) قواعد الأحكام ، ج ٣ ، ص ١٧.

(٢) جامع المقاصد ، ج ١٢ ، ص ١٦٦ و ١٦٩.


بل نسب (١) إلى صريح جماعة وظاهر آخرين. وفي النسبة نظر (٢).

واستدلّ عليه (٣) بعضهم بأنّها كالبيع في استقرار الملك. وهو (٤) يشبه

______________________________________________________

في استقرار الملك» (١).

(١) الناسب هو السيد العاملي والشيخ الأعسم ، قال في مفتاح الكرامة : «والأصح أنّه لا بدّ من اللفظ كما هو صريح جماعة وظاهر آخرين» والظاهر أنّ مقصوده من «ظاهر آخرين» استفادة اعتبار اللفظ من حكمهم بعدم كفاية السكوت (٢).

(٢) لعلّ وجه النظر أنّ المصرّح باعتبار اللفظ هو بعض الأصحاب كالفاضل والمقداد والشهيد الثاني والمحقق القمي (٣). وهذا المقدار لا يجدي في تحقق الإجماع ما لم ينضمّ اليه ظواهر كلمات الآخرين ، والمفروض منع ظهورها في اعتبار اللفظ ، وذلك لإمكان حمل عدم كفاية السكوت على صورة عدم العلم بالرضا ، كما احتمله السيد العاملي بقوله : «وكلامهم قد ينزّل على عدم العلم بالرضا» (٤).

وعليه فليس نفي السكوت مثبتا لاعتبار خصوص اللفظ الدال على الإجازة. قال المحقق الأردبيلي قدس‌سره : «ويعلم ممّا تقدم أنّه لو علم الرضا يكفي ذلك لصحة البيع ، ولا يحتاج إلى التصريح والتوكيل سابقا» (٥) ويشهد له ما تقدم من حكمهم بكفاية التصرف في الثمن وبتمكين الزوجة المعقود عليها فضولا.

(٣) أي : على اعتبار اللفظ في الإجازة ، والمستدل هو الفاضل المقداد كما عرفت آنفا. وتقريب الاستدلال هو : أنّ الإجازة كالبيع ، فكما أنّ البيع يوجب استقرار الملك ، فكذلك الإجازة ، حيث إنّ استقرار الملك يكون بعد صدورها ، إذ لا يحصل الاستقرار بإنشاء الفضولي ، فما يعتبر في البيع من اللفظ يعتبر في الإجازة أيضا ، لاشتراكهما في إيجاد استقرار الملك.

(٤) أي : والاستدلال المزبور يشبه المصادرة ، لما قيل في تقريب المصادرة من : أنّ

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٨ ، التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٢٧.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٨ ، كشف الظلام (مخطوط).

(٣) جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٥٤ (الطبعة الحجرية) ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٣٤.

(٤) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٨.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٦٠.


المصادرة (*).

ويمكن أن يوجّه (١) بأنّ الاستقراء في النواقل الاختيارية اللازمة ـ كالبيع وشبهه ـ يقتضي اعتبار اللفظ ، ومن المعلوم (٢) أنّ النقل الحقيقيّ العرفيّ من المالك يحصل بتأثير الإجازة (٣).

وفيه (٤) نظر ، بل لولا شبهة الإجماع الحاصلة من عبارة

______________________________________________________

كون الإجازة مثل البيع في اعتبار اللفظ فيه أوّل الكلام ، لما مرّ سابقا من وقوع البيع بالمعاطاة.

(١) أي : يوجّه الاستدلال المزبور بوجه يخرجه عن المصادرة ، ويدرجه في الاستدلال بالكلي على جزئيّ من جزئياته. ومحصّل التوجيه : أنّه ثبت بالاستقراء اعتبار اللفظ في جميع النواقل الاختياريّة اللّازمة كالبيع والصلح والإجارة ونحوها ، ومن المعلوم أنّ بيع الفضولي لا يوجب النقل الحقيقي العرفي من المالك إلّا بإجازته ، فهو من أفراد النواقل اللّازمة المتوقفة على إجازته الصادرة باللفظ ، لأنّ تأثير عقد الفضولي منوط بها.

(٢) هذا تقريب صغرويّة الإجازة لكليّ النقل اللازم المعتبر فيه اللفظ على حسب الاستقراء المدّعى.

(٣) كتأثير البيع في النقل اللازم ، فلا بدّ أن تكون الإجازة حينئذ كالبيع باللفظ.

(٤) أي : وفي هذا التوجيه نظر. ولعل وجه النظر هو : منع اعتبار اللفظ في الإجازة وإن سلّمنا اعتباره في النواقل الاختيارية اللازمة ، وذلك لاحتمال كون الإجازة شرطا للناقل ، لا نفس الناقل ، إذ سبب النقل مطلقا حتى في عقد الفضولي ـ ولو على النقل ـ هو العقد ، والإجازة شرط تأثيره.

ودعوى «اعتبار اللفظ في الناقل بجميع أجزائه وشرائطه» خالية عن البيّنة ، بل

__________________

(*) لعل الأولى تبديل العبارة هكذا وفيه أوّلا : أنّه قياس. وثانيا : أنّ الحكم في المقيس عليه غير ثابت ، بل خلافه ثابت ، لما مرّ في المعاطاة من صحة البيع بالمعاطاة ، بل تجري المعاطاة في سائر العقود اللازمة أيضا. فالاستقراء المدّعى غير تامّ. فالنتيجة عدم وجاهة التوجيه.


جماعة من المعاصرين (١) تعيّن (٢) القول بكفاية نفس الرضا (٣) إذا علم حصوله من أيّ طريق ، كما يستظهر (٤) من كثير من الفتاوى والنصوص ، فقد (٥) علّل جماعة

______________________________________________________

البرهان على خلافها ، لكفاية سكوت البكر في إجازة عقد النكاح. مع ما في النكاح من لزوم مراعاة الاحتياط.

ويحتمل قويّا أن يكون وجه النظر ما ذكرناه في التعليقة من عدم ثبوت الحكم في المقيس عليه ، لجريان المعاطاة في البيع وغيره من العقود اللازمة عند كثير ، بل الأكثر.

(١) ظاهر العبارة أن كلمات جماعة من المعاصرين وإن لم تكن صريحة ولا ظاهرة في الإجماع على اعتبار اللفظ في الإجازة ، إلّا أنّه يتحصّل من مجموعها شبهة انعقاد اتفاقهم عليه ، كقول الشيخ الفقيه الأعسم قدس‌سره ـ بعد نفي دلالة عبارة الشرائع وكتب العلّامة على اعتبار اللفظ ـ : «خلافا لصريح جماعة وظاهر آخرين في لا بدية ذلك».

وكقول صاحب الجواهر قدس‌سره : «بل إن لم يقم الإجماع أمكن الاكتفاء هنا بتحقق الرضا» (١).

ولم أقف على كلمات غيرهما من معاصري المصنف قدس‌سرهم ممّن يستفاد الإجماع منه ، نعم قال صاحب أنوار الفقاهة : «ان الاقتصار على اللفظ هو الأحوط».

(٢) جواب «لولا» يعني : لو لم تكن شبهة الإجماع على اعتبار اللفظ في الإجازة لقلنا بكفاية الرضا الباطني ، وعدم الحاجة إلى الإنشاء اللفظي ، كما هو أحد الأقوال في المسألة.

(٣) الذي هو فعل نفساني ، ولا حاجة في شرطيّته للعقد إلى الإنشاء اللفظي ، فالشرط نفس الرضا ، والقول أو الفعل محرز للشرط ، لا أنّه شرط.

(٤) أي : يستظهر كفاية الرضا القلبي من النصوص والفتاوى. واستشهد المصنف قدس‌سره بموارد ستة من الفتاوى ـ ثم بالنصوص ـ على أنّ الشرط هو الرضا المحرز ، لا الإجازة المتلفظ بها.

(٥) هذا هو المورد الأوّل ، وهو الاستشهاد بما ورد في كلام جماعة من القائلين باعتبار التلفظ بالإجازة ، حيث إنّهم علّلوا هذا الاشتراط بمثل «لأنّ السكوت كما يحتمل

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩٤ ، كشف الظلام ، وأنوار الفقاهة مخطوطان.


عدم كفاية السكوت في الإجازة بكونه (١) أعمّ من الرضا ، فلا يدلّ عليه (٢). فالعدول (٣) عن التعليل بعدم اللفظ إلى عدم الدلالة كالصريح فيما ذكرنا (٤).

وحكي (٥) عن آخرين أنّه إذا أنكر الموكّل الإذن فيما أوقعه الوكيل من

______________________________________________________

الرضا يحتمل غيره» كما في تعبير العلّامة (١) ، و «لأنّ السكوت أعمّ من الرضا ، فلا يدلّ عليه» كما في كلام الشهيد الثاني قدس‌سره (٢).

وتقريبه : أنّ تعليل عدم كفاية السكوت بكونه أعمّ من الرضا ـ ومع أعميته لا يكشف عنه ـ يدلّ على أنّ الشرط هو الرضا ، لا أنّ الشرط هو اللفظ ، وإلّا كان حق التعبير التعليل بعدم اللفظ الذي هو الشرط ، لا بعدم الدلالة التي هي جهة إحراز الشرط.

(١) متعلق ب «علّل» وضميره وكذا ضمير «يدل» راجعان إلى السكوت.

(٢) أي : على الرضا.

(٣) مبتدء ، وخبره «كالصريح» وهذا وجه استظهار كفاية الرضا من كلام من علّل بأعمية السكوت من الرضا ، وعدل عن التعليل بعدم اللفظ ، وقد اتضح هذا من البيانات المتقدمة آنفا.

(٤) من كفاية الرضا القلبي ، وعدم الحاجة إلى الإنشاء اللفظي.

(٥) هذا هو المورد الثاني ، وهو نقل فتوى جمع آخر في كفاية الرضا القلبي في الإجازة ، وهي حكمهم في مخالفة الوكيل لما وكّل فيه.

قال في الجواهر : «بل قيل : إنّهم قالوا في باب الوكالة : لو قال الوكيل : وكّلتني على شراء الجارية بألفين ، فقال الموكّل : بل بألف ، وكان الشراء بعين ماله ، إنّه يحلف على نفي ما ادّعاه الوكيل وينفسخ العقد ، ولا يكون فضوليا ، لأنّ حلفه يدل على عدم رضاه» (٣).

__________________

(١) نهاية الاحكام ، ج ٢ ، ص ٤٧٥ و ٤٧٦

(٢) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٣٤

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩٥ ، وحكاه السيد المجاهد في المناهل عن الغنية والشرائع والنافع والتبصرة والإرشاد والقواعد والتحرير والمسالك ومجمع الفائدة والكفاية والرياض ، فلاحظ المناهل ، ص ٤٦٦ ، وكذا نقله السيد العاملي عنهم ـ عدا السيد ابن زهرة ـ وعن اللمعة ، فراجع مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٦٣١


المعاملة ، فحلف ، انفسخت (١) ، لأنّ الحلف يدلّ على كراهتها.

وذكر بعض (٢) أنّه يكفي في إجازة

______________________________________________________

ومحصله : أنّه إذا أوقع الوكيل معاملة ، وأنكر الموكل الإذن فيها ، فحلف ، انفسخت المعاملة ، وذلك لأنّ الحلف يدلّ على كراهة الموكّل للمعاملة ، إذ لو كان راضيا بها لما حلف. والكراهة التي هي ضدّ الرضا إذا كانت موجبة لفساد المعاملة ، فالتقابل بين الكراهة والرضا يقتضي صحة المعاملة بالرضا لا باللفظ ، لأنّه ليس مقابل الكراهة التي هي من الصفات النفسانية إلّا الرضا الذي هو أيضا صفة نفسانية ، دون لفظ «أجزت وأمضيت» ونظائرهما. فكلام هؤلاء يدلّ أيضا على كفاية الرضا.

(١) جواب «إذا أنكر» ومورد انفساخ المعاملة بالحلف وعدم وقوعوها لأحدهما ظاهرا وباطنا هو تسمية الموكّل في العقد ، أو الشراء بعين ماله فلو اشترى في الذمة ولم يسمّ الموكّل وقعت للوكيل ظاهرا وباطنا ، أو ظاهرا خاصة ، والتفصيل في محله.

(٢) هذا ثالث موارد الاستشهاد بالفتاوى على كفاية الرضا بالعقد ولو بإحرازه بالسكوت ، قال المحقق في ما لو عقد على الصبيّة ـ صغيرة أو كبيرة ـ غير أبيها وجدّها : «لم يمض إلّا مع إذنها أو إجازتها بعد العقد ، ولو كان أخا أو عما ، ويقنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها ، وتكلّف الثيب النطق». وفي الجواهر : «عند المشهور بين الأصحاب» (١).

وليكن هذا هو المراد من البعض ، لا النادر ، لأن غرضه الاستشهاد على كفاية الرضا ، ومن المعلوم أن المناسب الاستناد إلى فتوى المشهور أو جماعة معتدّ بها ، لا فتوى مخالفة للمشهور تفرّد بها بعض.

وكيف كان فتوضيح هذا المورد الثالث : أنه قال غير واحد بكفاية سكوت البكر المعقود عليها فضولا. ولا يتوهّم من ذلك أنّ هذا البعض القائل بكفاية السكوت قال بعدم احتياج عقد البكر فضولا إلى الإجازة أصلا ، فإنّ هذا التوهم ممّا لا يمكن التفوّه به ، لما ثبت من دخل الإجازة في تأثير عقد الفضولي شطرا أو شرطا.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٧٨ ، جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢٠٣.


البكر (١) ـ للعقد الواقع عليها فضولا ـ سكوتها ، ومن المعلوم (٢) أن ليس المراد من ذلك (٣) أنّه لا يحتاج إلى إجازتها ، بل (٤) المراد كفاية السكوت الظاهر (٥) في الرضا وإن لم يفد القطع (٦) ، دفعا (٧) للحرج عليها وعلينا.

ثمّ (٨) إنّ الظاهر أنّ كلّ من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا كأكل

______________________________________________________

بل مراده أنّ سكوت البكر ـ مع علمها بالعقد عليها ـ يدلّ عرفا على رضاها بذلك. فالسكوت الظاهر عرفا هنا في الرضا هو الإجازة.

وبالجملة : فلو كان اللفظ معتبرا في الإجازة لم يكن وجه للاكتفاء بسكوتها ، فالشرط هو الرضا ، والسكوت في هذه الحالة محرز عرفي للرضا.

(١) التقييد بالبكر لأجل أنّ الثيب تكلّف النطق كما صرّح به المحقق قدس‌سره.

(٢) هذا إشارة إلى التوهم المزبور.

(٣) أي : من كفاية سكوت البكر عن إجازة العقد الواقع عليها فضولا.

(٤) هذا دفع التوهم المذكور ، واتضح بقولنا : «إذ المراد أنّ سكوت البكر مع علمها .. إلخ».

(٥) ظهوره في الرضا عرفيّ لقرائن مقامية ، لا وضعيّ حتى يناقش فيه.

(٦) لما مرّ من أعمّيّة السكوت من الرضا فلا يفيد القطع به ، بل يفيد الظهور في الرضا.

(٧) مفعول لأجله ، وتعليل لكفاية سكوتها في الإجازة ، وحاصل التعليل : أنّ لزوم الحرج عليها وعلينا من تكليفها بالتلفظ بألفاظ الإجازة اقتضى الإكتفاء بالسكوت الظاهر في الرضا القلبي بالنكاح. أمّا لزوم الحرج عليها من التلفظ فلاستحيائها من التصريح بالتزويج ، فالتلفظ بالتزويج حرج عليها ، فلا بدّ من الالتزام بكفاية السكوت عن الإجازة ، وأمّا لزوم الحرج علينا فلصعوبة استنطاقها علينا بعد حرجيّة تكلّمها للاستحياء.

(٨) هذا إشارة إلى المورد الرّابع ، وغرضه من هذه العبارة إثبات شرطيّة نفس الرضا ، وأنّه موضوع الشرطيّة ، من دون دخل الإنشاء القولي أو الفعلي فيه ، وأنّ كلّ من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا كان مقصوده شرطية الرضا المدلول عليه بذلك


الثمن (١) وتمكين الزوجة ، اكتفى (٢) به من جهة الرضا المدلول عليه به ، لا من (٣) جهة سببيّة الفعل تعبّدا (٤).

وقد صرّح (٥) غير واحد بأنّه لو رضي المكره بما فعله صحّ ، ولم يعبّروا بالإجازة.

______________________________________________________

الفعل ، وأنّ الفعل كالقول طريق ومحرز للرضا الذي هو الشرط حقيقة.

(١) أي : ثمن المتاع الّذي بيع فضولا ، فإنّ تصرف مالك المبيع في الثمن كاشف عن رضاه بما باعه الفضولي له. وكذا تمكين الزوجة المعقود عليها فضولا من الدخول بها ، بل هو أقوى بمراتب من الإنشاء القولي من حيث الكشف عن الرضا.

(٢) خبر «انّ» في قوله : «أنّ كل من قال» أي : اكتفى بالفعل الكاشف عن الرضا.

(٣) معطوف على «من جهة الرضا» وضمير «به» راجع الى «الفعل الكاشف».

(٤) حتى ينافي ما ادّعيناه من شرطية نفس الرضا وطريقيّة الفعل الكاشف له ، فالاكتفاء بالفعل الكاشف إنّما هو لدلالته على الرضا ، لا لكونه سببا تعبديّا ، إذ لازم سببيته وحصول إنشاء الإجازة به حرمة التصرف وتمكين المرأة المزوجة فضولا ، وغيرهما من الأفعال ، وذلك لأنّ حصول الملكية والزواج منوط بتحقق العمل الذي يحصل به إنشاء الإجازة ، فقبل تحقق العمل خارجا يقع التصرف ـ في الثمن ـ في مال الغير بدون إذنه ، وهو حرام. وكذا يحرم التمكين على المرأة وإن وقع به الزواج. والالتزام بهذا اللازم كما ترى.

(٥) هذا إشارة إلى المورد الخامس ، وهو الاستشهاد بظاهر عبارات غير واحد في شرطية نفس الرضا من دون حاجة إلى إنشاء قولي ، وحاصله : أنّه صرّح غير واحد من الأصحاب «بأنّ المكره على البيع إذا رضي بما اكره عليه صحّ ذلك» ولم يعبّروا بالإجازة ، وعدم التعبير بالإجازة كاشف عن كون الشرط نفس الرضا. قال المحقق في شرائط المتعاقدين : فلا يصح بيع الصبي .. والمكره ولو رضي كلّ منهم بما فعل بعد زوال عذره ، عدا المكره للوثوق بعبارته» (١).

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٤.


وقد ورد (١) فيمن زوّجت نفسها في حال السّكر : «أنّها (٢) إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فذلك رضا منها» (*).

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى بعض النصوص التي أشار إليها في (ص ١٦٦) بقوله : «كما يستظهر من كثير من الفتاوى والنصوص» فإنّه قد ورد في حديث : كون موضوع الشرطية هو نفس الرضا ، وأنّ الفعل دالّ عليه وكاشف عنه. وكان المناسب ذكر هذا النص عند التعرض للروايات بعد الفراغ من كلمات الأصحاب.

وكيف كان فهذا نص الحديث : روى محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ ، فسكرت ، فزوّجت نفسها رجلا في سكرها ، ثم أفاقت ، فأنكرت ذلك ، ثم ظنّت أنه يلزمها ففزعت منه ، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، إحلال هو لها ، أم التزويج فاسد لمكان السكر ، ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال : إذا أقامت معه بعد أن أفاقت فهو رضا منها. قلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال : نعم» (١) فإنّ حمل الرضا على الإقامة في قوله : عليه‌السلام : «فهو رضا منها» مع مباينة الفعل الخارجي ـ وهو الإقامة ـ للفعل النفساني وهو الرضا إنما هو باعتبار كشف الإقامة عنه ، فالمدار في الشرطية على المنكشف لا على الكاشف.

(٢) الجملة فاعل «ورد». وقوله : «فذلك» جواب : «إذا أقامت».

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذه الصحيحة قد يشكل الأخذ بها من جهة تضمنها إمضاء عقد السكرى بالإجازة بعد الإفاقة ، مع أنّ السكرى مسلوبة العبارة ، لفقد القصد المقوّم للعقد ، ولو تمشّى منها لم يحتج إلى إجازة ، خصوصا مع وقوعها بعد إنكارها الذي هو ردّ له ، ولذا لم يعمل بها المشهور كما قيل.

ولا بأس بالإشارة إلى بعض المحامل وإن كان التفصيل موكولا إلى محله ، فنقول :

الأوّل : ما أفاده العلّامة قدس‌سره من حملها على عدم بلوغ السّكر إلى حدّ عدم التحصيل. فقال : «وإن لم يبلغ السّكر إلى ذلك الحدّ صحّ العقد مع تقريرها إيّاه. وعليه تحمل

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٢١ ، الباب ١٤ من أبواب عقد النكاح ، الحديث ١. رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن بزيع ، والسند صحيح. ورواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن محمّد بن إسماعيل ، وفي العيون أيضا.


.................................................................................................

__________________

الرواية» (١).

وناقش فيه الشهيد الثاني قدس‌سره بما حاصله : أنّ الحمل المزبور خلاف ظاهر الرواية ، ومخالف للقواعد العامة المقتضية لصحة العقد مع قصد العاقد ، من دون حاجة إلى الإجازة بعده. ولمّا كانت السكرى حسب الفرض قاصدة للمدلول كان توقف نفوذ عقدها على الإجازة تخصيصا للقواعد بلا موجب. فهذا الحمل يستلزم ارتكاب محذورين :

أحدهما خلاف ظاهر الرواية.

والآخر تخصيص القواعد. وإذا دار الأمر بين ارتكابهما وبين طرح الرواية كان الثاني أولى (٢).

ويمكن الذب عن كلام العلّامة قدس‌سره بعدم كونه خلاف الظاهر ، إذ ليس في الرواية إطلاق يشمل جميع مراتب السّكر حتى يكون إرادة خصوص السكر غير الرافع للمشاعر حملا للرواية على خلاف ظاهرها ، بداهة أنّ منشأ الإطلاق هو ترك الاستفصال من السائل عن حدّ السّكر ، ولكن قوله : «فزوّجت نفسها» ظاهر في خصوص السّكر غير السالب للالتفات.

نعم الحكم بتوقف عقدها على الإجازة مخالف للقواعد مع فرض كونها قاصدة للمدلول ، لكنه أخفّ مئونة من حمل السّكر على الإطلاق ، لاستلزامه صحة عقد السّكرى في حال عدم الالتفات وعدم تمشّي قصد الإنشاء ، وكون صحته تعبدا محضا ولو لم يصدق عليه العقد عرفا ، وهي مخالفة مستبشعة للقواعد جدّا.

الثاني : ما أفاده الفاضل الأصفهاني قدس‌سره من حملها على مقام الإثبات ، والحكم الظاهري في مقام التداعي والتنازع ، لا الحكم الواقعي ، فلو تنازعا في وقوع العقد حال الالتفات والقصد فادّعى عليها الزوج ذلك ، وأنكرت المرأة وقالت : «إنّي لم أزوج نفسي في حال العقل» كان الحكم الظاهري القيام معه. قال قدس‌سره : «ويمكن العمل بالخبر ـ مع القول بقضية الأصل التي هي فساد العقد ـ بأن يكون الزوج جاهلا بسكرها ، فإنّه حينئذ وإن لم يقع نكاح في الواقع ، لكنه لا يسمع في حقه قول المرأة خصوصا بعد التمكين من

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٧ ، ص ١١٥.

(٢) مسالك الأفهام ، ج ٧ ، ص ٩٩.


وعرفت (١) أيضا استدلالهم على كون الإجازة كاشفة : بأنّ العقد مستجمع

______________________________________________________

(١) عند نقل كلام جامع المقاصد في (ص ١٥) في الاستدلال على القول بالكشف ، وهذا سادس موارد الاستشهاد بالكلمات ، وهو قول المحقق الكركي قدس‌سره : «بأنّ العقد الواقع جامع لجميع الشروط ، وكلها حاصلة إلّا رضا المالك ..» فإنّ هذا الكلام أيضا ظاهر في كون الشرط هو الرضا من دون حاجة إلى اللفظ.

__________________

الدخول ..» (١).

لكن هذا الحمل لا يخلو من بعد ، لظهور الرواية في بيان الحكم الواقعي ، لا الظاهري ، لعدم ظهور قوله : «فأنكرت» في نفي التزويج حتى يكون من باب الدعوى والخصومة ، بل ظاهره الاستيحاش من هذا التزويج ، لعدم التكافؤ بينها وبين زوجها ، أو لجهة أخرى توجب عدم المصلحة في هذا التزويج.

الثالث : ما أفاده السيد قدس‌سره في الحاشية : من حملها على أنّها وكّلت غيرها في التزويج وهي سكرى ، وحيث إنّ التوكيل باطل لفقد القصد ، فلذا كان تزويجها فضوليا موقوفا على الإجازة ، والإقامة مع الزوج إجازة فعلية ، إلّا أنّها مسبوقة بالرد ، لقول الراوي «فأنكرت ذلك» والمراد بالإنكار وإن كان هو الكراهة والوحشة ممّا صدر منها ، لكنه كاف في الرد ، فلا عبرة بالإجازة بعده.

ولكنه قدس‌سره عمل بها في العروة ، فقال : «وأمّا عقد السكرى إذا أجازت بعد الإفاقة ، ففيه قولان ، فالمشهور أنه كذلك. وذهب جماعة إلى الصحة مستندين إلى صحيحة ابن بزيع. ولا بأس بالعمل بها وإن كان الأحوط خلافه ، لإمكان حملها على ما إذا لم يكن سكرها بحيث لا التفات لها إلى ما تقول ..» (٢).

ووافقه سيّدنا الأستاد قدس‌سره في الشرح ، مع أنّه ذهب في حاشية المكاسب إلى عدم إمكان العمل بظاهرها ، فراجع (٣).

__________________

(١) كشف اللثام ، ج ١ ، كتاب النكاح ، ص ٩ (الطبعة الحجرية).

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٥٨ و ١٥٩ ، العروة الوثقى ، كتاب النكاح ، المسألة ١٣ من فصل العقد وأحكامه.

(٣) مستمسك العروة الوثقى ، ج ١٤ ، ص ٣٨٨ ، نهج الفقاهة ، ص ٢٤٥.


للشرائط عدا رضا المالك ، فإذا حصل عمل السبب (١) التامّ عمله (٢).

وبالجملة (٣) : فدعوى الإجماع في المسألة (٤) دونها خرط القتاد.

وحينئذ (٥) فالعمومات المتمسّك بها لصحّة الفضولي السالمة (٦) عن ورود مخصّص عليها ـ عدا ما دلّ على اعتبار رضا المالك في حلّ ماله وانتقاله إلى الغير ورفع (٧) سلطنته عنه ـ أقوى (٨) حجّة في المقام (٩).

مضافا (١٠) إلى ما ورد في عدّة أخبار من «أنّ سكوت المولى بعد علمه بتزويج

______________________________________________________

(١) وهو العقد التام برضا المالك.

(٢) وهو الأثر المرغوب منه كالنقل والانتقال في العقد المعاوضي.

(٣) يعني : وحاصل الكلام : أنّ دعوى الإجماع على اعتبار اللفظ في الإجازة وعدم كفاية الرضا الباطني فيها ـ مع ما عرفت من الفتاوى والنصوص الظاهرة في عدم اعتبار اللفظ في الإجازة ـ في غاية الإشكال.

(٤) أي : في مسألة توقف عقد الفضولي على إنشاء الإجازة باللفظ.

(٥) أي : وحين عدم ثبوت الإجماع على اعتبار اللفظ في الإجازة ـ إذا شكّ في اعتبار اللفظ فيها ـ فلا مانع من التمسك بالعمومات التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي ، إذ هي سالمة عن كل مخصّص ، إلّا ما دلّ على اعتبار رضا المالك في حلّ ماله للغير والانتقال إليه ، وليس اللفظ مقوّما للرضا الذي هو من أفعال النفس. وعليه فلا دليل على اعتبار اللفظ في الإجازة ، بل يكفي الرضا الباطني.

(٦) نعت ل «فالعمومات».

(٧) هذا و «انتقاله» معطوفان على «حلّ» ، وضمير «سلطنته» راجع الى «المالك».

(٨) خبر «فالعمومات».

(٩) وهو عدم اعتبار اللفظ في الإجازة.

(١٠) بعد التمسك بالأدلة العامة يريد التشبث بالأدلة الخاصة ، وهي النصوص

__________________

ولا يبعد القول بما أفاده العلّامة قدس‌سره ، وحمل إنكارها بعد الإفاقة على الدهشة ممّا أنشأتها في حال سكرها. وليس هذا الإنكار ظاهرا في الرد حتى يكون إقامتها مع الزوج بعده من الإجازة بعد الردّ التي لا تجدي في صحة العقد ، والمسألة محتاجة إلى مزيد التأمل.


عبده إقرار منه له عليه» (١).

وما (٢) دلّ على أنّ قول المولى لعبده المتزوّج بغير إذنه : «طلّق» يدلّ (٣) على الرضا بالنكاح ، فيصير إجازة.

وعلى (٤) أنّ المانع من لزوم نكاح العبد بدون إذن مولاه

______________________________________________________

المتفرقة التي جعلها ـ كالفتاوى ـ شاهدة على شرطية نفس الرضا ، وعدم اعتبار اللفظ.

وكيف كان فالنصوص المذكورة في المتن طوائف.

أوّلها : ما ورد في عدة أخبار من كون سكوت المولى بعد علمه بتزويج عبده إقرارا منه للعبد على تزويجه. مثل ما رواه معاوية بن وهب ، قال : «جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إنّي كنت مملوكا لقوم ، وإنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مواليّ ، ثم أعتقوني بعد ذلك ، فأجدّد نكاحي إيّاها حين أعتقت؟ فقال له : أكانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال : نعم ، وسكتوا عنّي ولم يغيّروا عليّ. قال ، فقال : سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم ، اثبت على نكاحك الأوّل» (١).

(١) أي : إقرار من المولى للعبد على تزويجه.

(٢) معطوف على قوله : «ما ورد» وهذا إشارة إلى الطائفة الثانية من النصوص ، وهو ما روي صحيحا عن ابن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن علي صلوات الله وسلامه عليه «أنّه أتاه رجل بعبده ، فقال : إنّ عبدي تزوّج بغير إذني فقال عليّ عليه‌السلام لسيّده : فرّق بينهما ، فقال السيد لعبده : يا عدوّ الله طلّق ، فقال علي عليه‌السلام : أمّا الآن فإن شئت فطلّق وإن شئت فأمسك. فقال السيد : يا أمير المؤمنين أمر كان بيدي فجعلته بيد غيري؟ قال : ذلك لأنّك حين قلت : طلّق أقررت له بالنكاح» (٢).

(٣) خبر قوله : «أنّ قول المولى».

(٤) معطوف على «انّ» يعني : وما دلّ على أنّ المانع .. إلخ ، وهذا إشارة إلى الطائفة الثالثة الدالة على عدم اعتبار اللفظ في إجازة عقد الفضولي ، ومحصله : أنّه قد دلّ بعض النصوص على كون الرضا النفساني ـ من دون اعتبار القول معه ـ رافع لمانع لزوم نكاح

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٥ ، الباب ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١ ، ونحوه الحديث ٢ و ٣.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٦ ، الباب ٢٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث : ١.


معصية (١) المولى التي ترتفع بالرضا.

وما (٢) دلّ على أنّ التصرّف من ذي الخيار رضا منه ، وغير (٣) ذلك (*).

______________________________________________________

العبد بدون إذن مولاه ، وأنّ معصية المولى ترتفع برضاه.

وذلك النص قول زرارة : «فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فإنّه في أصل النكاح كان عاصيا ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنّما أتى شيئا حلالا ، وليس بعاص لله ، إنّما عصى سيّده ولم يعص الله عزوجل ، إنّ ذلك ليس كإتيانه ما حرّم الله عليه من نكاح في عدّة وأشباه ذلك» (١).

(١) خبر «أنّ المانع».

(٢) معطوف على «ما دلّ على» وهذا إشارة إلى الطائفة الرابعة ، ومحصّله : أنّه دلّ بعض النصوص على كون تصرف ذي الخيار رضا منه ببقاء العقد الذي تعلّق به الخيار ، فيسقط الخيار به.

وذلك النصّ هو ما رواه علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أم لم يشترط ، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيّام فذلك رضا منه ، فلا شرط. قيل له : وما الحدث؟ قال : إن لامس أو قبّل أو نظر منها ما كان يحرم عليه قبل الشراء» (٢).

(٣) معطوف على الموصول في قوله : «إلى ما دلّ». ولعلّ مراده بهذا الغير ما أشار إليه في الجواهر بقوله : «ولفحوى بعض نصوح النكاح الفضولي : أنه يحلف على عدم الرضا في نفسه فيما بينه وبين الله تعالى» (٣).

__________________

(*) قد يورد عليه بأنّ هذه النصوص أجنبية عن المدعى وهو كفاية الرضا ، وذلك أمّا ما ورد في خيار الحيوان وفي تزويج السكرى فلتحقق الكاشف عن الرضا كلمس الجارية وإقامة المرأة مع الزوج ، فهما شاهدان على كفاية الفعل ونفي اعتبار اللفظ مطلقا في

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، باب تزويج العبد بغير اذن سيده ، الحديث : ٢.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٥١ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديث : ١.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩٤.


بقي (١) في المقام أنّه إذا قلنا بعدم اعتبار إنشاء الإجازة باللفظ ،

______________________________________________________

والظاهر أنّه قدس‌سره أشار إلى ما ورد في صحيحة أبي عبيدة الحذّاء من قوله عليه الصلاة والسلام : «فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا الرّضا بالتزويج» (١) ، فإنّ الموضوع لجواز أخذ الإرث هو رضاها بالتزويج المحرز بالحلف. هذا بناء على عدم خصوصية في النكاح الفضولي ، فيجري في البيع ما ثبت في النكاح من ترتيب آثار العقد بالرضا المتأخر.

هذا تمام الكلام في ما استند إليه المصنف قدس‌سره من الفتاوى والنصوص على عدم اعتبار التلفظ بالإجازة. وسيأتي العدول عنه.

(١) غرضه من هذا الكلام اعتبار إنشاء الإجازة وعدم كفاية مطلق الرّضا في تحققها ، واستدلّ عليه بوجه ، وأيده بوجه.

أمّا الدليل فهو : أنه لو قلنا بكفاية مطلق الرضا في صحة البيع الفضولي كان لازمه كفاية تحقق الرضا السابق على العقد أو المقارن له ، وعدم توقفه على خصوص الرضا اللاحق ، فلو أحرز رضا المالك بقول أو فعل قبل إنشاء العقد الفضولي لزم القول بصحته واستغنائه عن الإجازة المتأخرة ، إذ المفروض شرطية مطلق الرضا ، وقد أحرز وجوده. بل يلزم أولوية هذا العقد بالصحة من الفضولي المعهود وهو ما إذا لم يعلم طيب نفس المالك حال الإنشاء ، وعلم به بعده بالإجازة.

__________________

الإجازة. وأمّا ما ورد في رضا السيد بنكاح العبد فلأنّ موضوع النفوذ ليس مجرّد رضاه به ، لقوله عليه‌السلام : «فإذا أجاز جاز» فالمناط هو الإجازة ، ومقتضى الجملة الشرطية فساد نكاحه بدونها. وصدقها على الرضا النفساني أوّل الكلام ، هذا.

لكن يمكن أن يقال : إن قوله عليه‌السلام : «فذاك رضا منه» ظاهر في كون تمام الموضوع لسقوط خيار المشتري هو الرضا ، وتنزيل إحداث الحدث منزلته. واللمس والتقبيل وإن كانا فعلين مظهرين للرضا ، إلّا أن ظاهر كلامه عليه‌السلام دوران سقوط الخيار مدار نفس الرضا بلا ضمّ شي‌ء آخر معه. وكذلك الحال في صحيحة ابن بزيع ، من جعل المناط رضاها بالعقد ، وإن كانت أظهرته بالإقامة معه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٥٢٧ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث : ١


وكفاية (١) مطلق الرضا أو الفعل الدالّ عليه ، فينبغي (٢) أن يقال بكفاية وقوع مثل ذلك (٣) مقارنا للعقد أو سابقا. فإذا (٤) فرضنا أنّه علم رضا المالك بقول أو فعل (٥) يدلّ على رضاه ببيع ماله ، كفى (٦) في اللزوم ، فأنّ ما يؤثّر بلحوقه يؤثّر بمقارنته بطريق أولى (٧).

______________________________________________________

مع أنّه لا سبيل للالتزام بكفاية مطلق الرضا في صحة العقد ، لمخالفته لمذهب الأصحاب من اعتبار الإذن السابق في الخروج عن الفضولية ، سواء أكان المالك راضيا حال العقد أم لا. وأنّ مورد إحراز رضا المالك ـ بلا إذن منه ـ مشمول لعنوان الفضولي ، ويتوقف نفوذه على الإجازة اللاحقة. فلزوم العقد إمّا بالإذن المقارن له ، وإمّا بالإجازة المتأخرة عنه.

وعليه فلا وجه للاقتصار على مطلق الرضا في الصحة. هذا تقرير الدليل. وأمّا المؤيّد للمطلب فسيأتي.

(١) معطوف على «عدم اعتبار» يعني : إذا قلنا بكفاية مطلق الرضا .. إلخ.

(٢) جواب «إذا» وحاصله : أنّ كفاية مطلق الرضا تقتضي خروج عقد الفضولي ـ المقارن لرضا المالك ـ عن حكم الفضولي. لكن الظاهر عدم التزام الأصحاب بذلك ، لحكمهم بعدم خروجه عن حكم الفضولي.

(٣) أي : مثل مطلق الرضا أو الفعل الدالّ عليه مقارنا للعقد أو سابقا على العقد.

(٤) هذه نتيجة كفاية مطلق الرضا أو الفعل الدالّ عليه ، وحاصله : أنّ لازم ذلك كفاية العلم برضا المالك بقول دالّ عليه كأن يقول : «أرجو أن يباع متاعي عاجلا» أو فعل يدلّ على ذلك ، كأن يجعل داره بيد الدلّال للبيع.

كذا قيل ، لكن فيه : أنّه من المأذون من قبل المالك ، وليس من الفضولي أصلا.

(٥) قد عرفت آنفا كلّا من القول والفعل الدالين على الرضا بالبيع.

(٦) جواب «فإذا فرضنا» وجه الكفاية : تماميّة العقد بتحقق شرطه وهو الرضا.

(٧) وجه الأولوية : أنه لو كان اللحوق مؤثّرا ـ مع احتمال اعتبار المقارنة في مؤثّريته ـ فلا بدّ أن تكون مؤثريته في حال الاقتران بالعقد أولى ، لوجود المقارنة التي تحتمل شرطيتها وفقدانها في فرض اللحوق.


والظاهر (١) أنّ الأصحاب لا يلتزمون بذلك (٢) ، فمقتضى ذلك (٣) أن لا يصحّ الإجازة إلّا بما لو وقع قبل العقد كان إذنا مخرجا للبيع عن بيع الفضوليّ.

ويؤيّد ذلك (٤) أنّه لو كان مجرّد الرضا ملزما

______________________________________________________

(١) هذا وجه عدم الالتزام بكفاية الرضا المقارن للعقد في الخروج عن الفضولية ، ولازم ذلك عدم كفاية مطلق الرضا في صحة العقد الفضولي ، بل لا بدّ من دالّ عليه.

(٢) أي : بلزوم المعاملة بمجرّد رضا المالك سواء أكان مقارنا أم لاحقا ، بل يلتزمون بكون المعاملة المقرونة بالعلم برضا المالك فضولية ما لم يأذن فيها. وقد سبق التنبيه على رأي الأصحاب في أوّل بحث الفضولي بقوله : «وكيف كان فالظاهر شموله لما إذا تحقق رضا المالك للتصرف باطنا ، وطيب نفسه بالعقد من دون حصول إذن منه صريحا أو فحوى ..» فراجع (١).

(٣) أي : عدم التزام الفقهاء بلزوم المعاملة بمجرّد رضا المالك ـ سابقا على العقد أو مقارنا له ـ يقتضي أن لا يصحّ الإجازة إلّا بشي‌ء لو وقع قبل العقد كان إذنا من المالك ، بحيث يخرج البيع عن بيع الفضولي. وعليه فلا فرق بين الإجازة والإذن إلّا بالسبق واللحوق ، ومن المعلوم أنّ مجرد الرضا قبل العقد لا يكون إذنا مخرجا للعقد عن عقد الفضوليّ ، فلا بدّ أن لا يكون ذلك إجازة أيضا إذا وقع بعد العقد.

(٤) أي : ويؤيّد عدم كفاية مطلق الرضا. وتوضيح هذا المؤيّد : أنّه لو كان مجرّد الرضا كافيا في لزوم البيع ومخرجا له عن الفضولية فلازمه كون مجرد الكراهة المقابلة للرضا فسخا للعقد ومزيلا له ، مع أنّه يمتنع الالتزام بهذا اللازم ، لما تقرّر في موردين :

أحدهما : صحة البيع الفضولي المسبوق بنهي المالك ، كما تقدم تفصيله في المسألة الثانية (٢). مع أنّ كفاية عدم الرضا في تحقق فسخ العقد تقتضي البطلان ، لأنّ المالك أظهر كراهته بنهيه عن البيع ، ومن المعلوم تأثير هذه الكراهة المقارنة للعقد في فساده. فذهاب المشهور إلى صحة هذا القسم من بيع الفضولي شاهد على عدم العبرة بالكراهة الموجودة حال العقد. وبما أنّ الكراهة مقابلة للرضا ، فلا بدّ من عدم تأثير هذا الرضا المقارن في الصحة أيضا.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٣٥٣.

(٢) المصدر ، ص ٥٢٤.


كان مجرّد الكراهة فسخا (*) ، فيلزم عدم وقوع بيع الفضولي مع نهي المالك (١) ، لأنّ الكراهة الحاصلة حينه وبعده ـ ولو (٢) آنا ما ـ تكفي في الفسخ ،

______________________________________________________

ثانيهما : صحة بيع المكره الملحوق بالرضا ، كما تقدم في بيع المكره. مع كونه كارها للبيع وغير راض به أصلا ، وإنّما يأتي به خوفا من الضرر المتوعّد به. فلو كان الرضا المقارن مصحّحا لبيع الفضولي لزم فساد عقد المكره ، وعدم تأثير الرضا المتأخر في صحته. وحيث إنّهم بنوا على صحته بهذا الرضا استكشف منه عدم ترتب أثر على الرضا والكراهة المقارنين للعقد ، بل لا بدّ من الإجازة الدالة على الرضا (١).

والوجه في التعبير بالتأييد ـ دون الدلالة ـ إمكان منع الملازمة بين الرضا والكراهة في الآثار المتقابلة المترتبة عليهما ، وسيأتي بيانه.

(١) لما مر آنفا من كشف النهي عن الكراهة المانعة عن وقوع العقد ، فإنّ بقاء الكراهة آنا ما بعد العقد كاف في ردّه والمنع عن تأثيره. وقد تقدم توضيح هذا اللازم بقولنا : «أحدهما : صحة بيع الفضولي المسبوق بنهي المالك ..».

(٢) هذا راجع إلى قوله «وبعده» يعني : أنّ الكراهة الباقية بعد العقد آنا ما تكفي في ردّ عقد الفضولي ، الذي عبّر عنه في المتن بالفسخ.

__________________

(*) لعل الأولى إبداله ب «ردّا» لأنّ الفسخ كما تقدّمت الإشارة إليه هو رفع العقد الموجود ، والردّ هو الدفع والمنع عن تحقق الوجود له. وعليه فكراهة المالك قبل العقد دافعة للعقد ، وبعده رافعة له.

ثم إنّ التأييد المزبور مبني على الملازمة بين ملزمية الرضا وفاسخية الكراهة. لكن الملازمة ممنوعة ، لأنّ الفسخ حلّ العقد. فكما أنّ العقد أمر تسبيبي منوط بالإنشاء ، فكذلك حلّه بالفسخ ، فإنّه أمر تسبيبي أيضا محتاج إلى الإنشاء. بخلاف الرضا ، فإنّه موجود حقيقي يحصل في النفس بمقدماته التكوينية ، وليس متوقّفا على الإنشاء ، لعدم كونه من الاعتباريات المتوقّفة عليه.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٢٦٧.


بل (١) يلزم عدم وقوع بيع المكره أصلا. إلّا (٢) أن يلتزم بعدم كون مجرّد الكراهة فسخا وإن كان مجرّد الرضا إجازة.

الثالث (٣):

من شروط الإجازة (*) أن لا يسبقها الرد ، إذ مع الرد ينفسخ العقد ، فلا يبقى

______________________________________________________

(١) هذا ثاني الموردين مما يستكشف منه عدم كون مجرّد الرضا ملزما ، وحاصل هذا الوجه ـ كما تقدم آنفا ـ أنّه لو كان صرف الرضا كافيا في تأثير عقد الفضولي لزم من ذلك كون ضدّه وهو الكراهة النفسانية كافيا في ردّ عقد الفضولي وإبطاله. ولازم هذا عدم وقوع عقد المكره أصلا ، لوجود الكراهة حين عقده ، فلا يجدي الرضا اللاحق في صحته ونفوذه ، إذ المفروض عدم وقوع عقد في الخارج مع الكراهة حتى يصحّ وينفذ بالرضا اللّاحق ، هذا.

(٢) هذا استدراك على قوله : «لو كان مجرد الرضا ملزما كان مجرّد الكراهة فسخا» ومحصّله : إنكار الملازمة بين ملزمية مجرّد الرضا لعقد الفضولي وبين مبطلية مجرّد الكراهة ومانعيتها عن تأثير العقد ونفوذه.

ووجه الإنكار هو عدم الدليل على مانعيّة مجرّد الكراهة النفسانية ، لأنّ ما دلّ على ملزمية الرضا للعقد لا مفهوم له حتى يدلّ على مانعية الكراهة لصحة العقد ونفوذه ، لأنّه من اللّقب الذي لا مفهوم له.

اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد

(٣) الغرض من عقد هذا التنبيه بيان شرط آخر ممّا يعتبر في تأثير الإجازة ، وهو : أن لا يسبقها الردّ ، لكون الردّ مسقطا للعقد عرفا عن قابليته للتأثير بالإجازة ، فمع سقوطه وانتفائه لا يبقى موضوع للإجازة ، فإنّ الرد إعدام لقابلية العقد للتأثير ، كما أنّ الإجازة إيجاد لمؤثريته.

__________________

(*) فإنّ الإجازة لا بدّ أن تكون موجبة لإضافة العقد إلى المجيز حتى يصير عقد الفضولي عقدا له على ما قيل. ويشمله عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فإن لم تكن مسبوقة بالرد كانت صالحة لإضافة العقد إليه ، وإلّا لم تكن صالحة لذلك. ولو شكّ في صلاحيته لذلك مع مسبوقيّتها بالردّ لم يصح التمسك بعموم «أَوْفُوا» لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.


ما تلحقه الإجازة.

والدليل (*) عليه (١) بعد ظهور الإجماع ـ بل التصريح به في كلام بعض مشايخنا ـ أنّ (٢) الإجازة إنّما تجعل المجيز أحد طرفي العقد ، وإلّا لم يكن مكلّفا

______________________________________________________

(١) أي : والدليل على اعتبار عدم كون الإجازة مسبوقة بالردّ وجوه :

الأوّل : ظهور الإجماع ـ بل التصريح به ـ على أن لا تكون الإجازة مسبوقة بالرد ، وإلّا لم تؤثّر الإجازة وكانت لغوا.

قال السيد المجاهد قدس‌سره : «فلو أجاز بعد الرّد لم ينفع ، ويبقى العقد على بطلانه. والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه بين القائلين بصحة بيع الفضولي ، كما أشار إليه في الرياض» (١).

وكذلك حكى في الجواهر الإجماع عمّن اعترض على الاستدلال بصحيحة محمّد بن قيس على صحة الفضولي. ولم يناقش صاحب الجواهر في الإجماع ، وظاهره تسليم اتفاق الأصحاب عليه ، فراجع.

(٢) خبر «والدليل» وهذا هو الوجه الثاني ، ومحصله : أنّ الإجازة تجعل المجيز أحد طرفي العقد ، فإن كان البيع فضوليّا تجعله بائعا. وإن كان الشراء فضوليا تجعله مشتريا ، إذ لو لم يجعل المجيز أحد طرفي العقد لم يكلّف بوجوب الوفاء بالعقد ، لأنّ هذا الوجوب متوجّه إلى المتعاقدين دون غيرهما. فالإجازة تجعل المجيز أحد المتعاقدين.

__________________

(*) قال المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره ما محصله : إنّ الظاهر أنّ اعتبار ذلك إنّما هو لأجل أن الإجازة مع سبقه بالرد لا توجب صحة إسناد العقد عرفا إلى المجيز ، والموجب لإسناده إلى المجيز هو الإجازة غير المسبوقة بالرد ، ولا أقلّ من الشك في إسناده إليه مع سبق الإجازة به ، فلا دليل حينئذ على نفوذ هذا العقد على المجيز ، لأنّ التمسك بالعمومات مع هذا الشك تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية ، هذا (٢).

__________________

(١) المناهل ، ص ٢٨٩ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧٨. ولعلّ مراد المصنف ب «بعض مشايخنا» هو السيّد المجاهد ، كما عبّر به في سادس تنبيهات المعاطاة أيضا ، وإن عبّر عنه في بيع أم الولد ب «بعض سادة مشايخنا» وفي خيار الشرط ب «سيد مشايخنا». كما أن الغالب التعبير عن صاحب الجواهر ب «بعض المعاصرين» وإن أطلق عليه «بعض مشايخنا المعاصرين» كما في مسألة حرمة القمار ، أو «شيخنا المعاصر» كما في بحث حرمة الاكتساب بالأعيان النجسة ، وعلى كلّ فالجزم بمراده قدس‌سره منوط بالتتبع التام في مصطلحاته.

(٢) حاشية المكاسب ، ص ٦٦.


بالوفاء بالعقد ، لما عرفت (١) من أنّ وجوب الوفاء إنّما هو في حقّ العاقدين ، أو من قام مقامهما. وقد (*) تقرّر (٢) أنّ من شروط الصيغة أن لا يحصل (٣) بين طرفي

______________________________________________________

(١) يعني : في المناقشة الثانية في ثاني وجوه الكشف ، حيث قال : «لأنّ وجوب الوفاء بالعقد تكليف يتوجه إلى العاقدين ..» فراجع (ص ٥٠). ومراده بالعاقدين هنا هو المالكان بقرينة قوله : «أو من قام مقامهما» كالولي والوكيل.

(٢) غرضه ـ بعد إثبات صيرورة المجيز بسبب الإجازة أحد المتعاقدين ـ أن يثبت بعض أحكام العقد وشروطه لعقد الفضولي ، وهو : أنّ من شروط العقد أن لا يتخلّل بين الإيجاب والقبول ما يسقطه عن صدق العقد كالفصل بالسكوت أو بالكلام الأجنبي ، فإن تخلّل ذلك سقط عنوان عقديته ، فلا يشمله مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). ولا ريب في أنّ الرّد قبل الإجازة مانع عن ارتباط أحد الالتزامين بالآخر.

(٣) الجملة في محلّ نصب على أنّها اسم «أنّ».

__________________

أقول : إنّ الإجازة لا تجعل عقد الفضولي عقد المجيز ، ضرورة أنّ إنشاء العقد فعل مباشري للفضولي ، وليس فعلا مباشريا للمجيز كما هو بديهيّ ، ولا تسبيبيا له ، لعدم انطباق ضابط التسبيبي عليه ، إذ ليس عقد الفضولي أثرا قهريا للمجيز ، بل هو فعل إرادي اختياري للفضولي. وليست الإجازة إلّا إنفاذ العقد الفضولي. وصيرورة عقده مضافا إلى المجيز ومسندا إليه ممّا لا يدلّ عليه الإجازة لا مفهوما ولا حكما ، فتدبّر.

نعم ولاية أمر العقد من حيث الإجازة والرّد للمجيز ، فلو شك في بقاء هذه الولاية له بعد الرّد أمكن الحكم ببقائها بالاستصحاب. فتأمّل.

والحاصل : أنّه لا دليل على اعتبار إضافة عقد الفضولي إلى المجيز حتى يقال : إنّ الرّد يسقطه عن قابلية إضافته إلى المجيز بالإجازة المسبوقة بالرد. وأمّا الإضافة بمعنى ارتباط مّا للعقد بمالك الأصيل فهي حاصلة بتعلق إنشاء الفضولي بمال المالك. وهذه الإضافة القهرية كافية في ارتباط العقد بالمالك.

(*) الظاهر أجنبية قوله : «وقد تقرر أنّ من شروط الصيغة .. إلخ» عن المقام ، وذلك لأنّ اعتبار عدم تخلل ما يسقط العقد عن صدق العقد إنّما هو لأجل دخله في صدقه عرفا ، إذ مع وجوده لا يصدق العقد ، مثلا إذا رفع الموجب يده عن إيجابه لم يجد إنشاء القبول بعده.

وهذا بخلاف المقام ، لأنّ العقد قد تحقق ، والإجازة دخيلة في صحته وترتب الآثار الشرعيّة


العقد ما يسقطهما عن صدق العقد الذي هو في معنى المعاهدة (١) ، هذا.

مع (٢) أنّ مقتضى سلطنة الناس على أموالهم ، تأثير الردّ في قطع (*) علاقة

______________________________________________________

(١) يعني : وتخلّل ذلك المانع يمنع تحقق المعاهدة التي هي حقيقة العقد.

(٢) هذا ثالث الوجوه الدالة على أنّ من شروط الإجازة أن لا يسبقها الردّ ، ومحصّله : أنّ مقتضى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» تأثير ردّ من عقد على ماله فضولا ـ لعقد الفضولي ـ في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه ، فإذا باع الفضولي مال زيد على عمرو ، فإنّ مقتضى سلطنة زيد على ماله كون ردّه لعقد الفضولي قاطعا لعلقة المشتري عن مال زيد ، فلا يبقى حينئذ عقد تلحقه الإجازة ، لزواله بالردّ.

__________________

عليه ، لا في أصل صدق العقد ، إذ لا ريب في حصوله بإنشاء الفضولي.

فقوله قدس‌سره : «وقد تقرر .. إلخ» لا يناسب المقام الذي تمّ إنشاء العقد من الفضولي ، وتحققت به المعاهدة والمعاقدة العرفية ، وليست إجازة المجيز إلّا شرطا لتأثيره.

لكن هذا الاشكال مندفع بأنّ قوله قدس‌سره مبني على كون المجيز بسبب الإجازة أحد طرفي العقد ، فإذا صار أحد طرفي العقد كان قوله قدس‌سره : «وقد تقرر .. إلخ» في محله.

فالإشكال عليه كما في بعض الحواشي «بأنّه لا دخل لذلك في المقام ، ضرورة أنّ اعتبار ذلك لتحقق العقد هناك ، وقد كان العقد محققا هاهنا ، والإجازة إنّما تكون لتصحيح إضافته ، لا لأصل تحققه» غير ظاهر لأنّ مقتضى كون المجيز أحد طرفي العقد تحقق العقد بالإجازة ، فيشترط فيه ما يشترط في غيره من العقود ، فردّ مالك أمر العقد ردّ بين الإيجاب والقبول ، ومانع عن تحقق العقد.

(*) الأولى إبداله هكذا : «تأثير الرد في سقوط عقد الفضولي عن قابلية لحوق الإجازة به» إذ لا يتحقق علاقة لطرف الفضولي بالمال المعقود عليه فضولا حتى تنقطع بالرد ، لجريان قاعدة السلطنة فيه.

ثم انّ المحقق النائيني قدس‌سره نبّه على أمر في المقام ، لا بأس ببيانه ، وهو : أنّ قاعدة السلطنة تقتضي سلطنة المالك على إمضاء العقد ، وعدم إمضائه ، لوضوح أن السلطنة على الشي‌ء لا تصدق إلّا بالقدرة على طرفيه. إنّما الكلام في أنّ طرف الإجازة هو الرد أو عدم


الطرف الآخر عن ملكه (١) ،

______________________________________________________

(١) أي : عن ملك من عقد على ماله فضولا ، كزيد في المثال المزبور.

__________________

الإجازة؟

وبعبارة أخرى : هل تكون الإجازة وعديلها متقابلين بتقابل التضاد ، فهما أمران وجوديّان ، أم أنّهما متقابلان بتقابل السلب والإيجاب؟

ويتفرّع على هذين الاحتمالين أنّه بناء على التقابل بنحو التناقض لا يسقط العقد عن قابلية لحوق الإجازة به بعد ردّ المالك له ، وذلك لأنّ عدم الإجازة أمر عدمي حاصل من زمان إنشاء الفضول ، ولا خصوصية للرّد ، والمالك مخيّر بين الإجازة وعدم الإجازة ، والردّ لا يسقط حقّ الإجازة ، لاستواء حال المالك ـ ما بعد الردّ وما قبله ـ بالنسبة الى عدم تحقق الإجازة ، فكما أن عدم الإجازة قبل الردّ لا يمنع عن الإجازة ، فكذلك بعد الرد. والمهم أنّ الردّ أجنبي عن متعلق سلطنة المالك ، فوجوده كعدمه.

وبناء على احتمال كون التقابل بنحو التضاد يسقط الرد العقد عن قابلية تأثير الإجازة فيه ، لأنّه بمجرد الردّ قد أعمل حقّه واستوفاه ، ولا تبقى له سلطنة على العقد حتى يجيزه.

والصحيح من هذين الاحتمالين هو كون عديل الإجازة وبديلها هو الرّد ، لا عدم الإجازة ، وذلك لأنّه لو كان طرفا السلطنة الإجازة وعدمها لزم قصر سلطنة المالك بخصوص الإجازة ، فإنه وإن كان مخيّرا بين أن يجيز وأن لا يجيز ، إلّا أنّ رفع تلك الإضافة الاقتضائية ليست بيده ، لما تقدم من أنّ عدم الإجازة حاصل من حين العقد ، ولا يؤثر إنشاء الرد فيه أصلا. فإن أجاز لزم العقد ، وإن لم يجز بقيت قابلية لحوق الإجازة على حالها.

وهذا بخلاف كون طرفي السلطنة الإجازة والرد ، فإنّ قاعدة السلطنة كما تقتضي كونه سلطانا على إنفاذ إنشاء الفضول ليستند العقد إلى نفسه ، كذلك تقتضي سلطنته على هدمه وإعدامه وجعله كأن لم يكن. ومن المعلوم أنّ تحديد سلطنة المالك بخصوص طرف الإمضاء تقييد للإطلاق بلا مقيّد. وحيث كان عديل الإجازة هو الردّ قلنا بعدم تأثير الإجازة بعده ، لسقوط حقه بالرّد (١).

__________________

(١) المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ١٣١.


فلا يبقى ما تلحقه الإجازة ، فتأمّل (١) (*).

______________________________________________________

(١) لعلّه إشارة إلى ما قيل من معارضة قاعدة السلطنة بمثلها ، بتقريب : أنّ مقتضاها تأثير الإجازة بعد الرد ، هذا.

أقول : لم يظهر وجه للمعارضة بعد البناء على جريان قاعدة السلطنة في الرد ، إذ مقتضاها زوال العقد وانحلاله بالرد. كما أنّ مقتضاها بقاء العقد ونفوذه بالإجازة. ومعه لا يبقى مورد للإجازة حتى تجري فيها قاعدة السلطنة

نعم للمعارضة مجال فيما إذا حصل الردّ والإجازة في زمان واحد ، كما إذا كان لمالك المال المعقود عليه فضولا وكيلان أجاز أحدهما عقد الفضولي وردّه الآخر في آن واحد.

ويمكن أن يكون إشارة إلى عدم جريان قاعدة السلطنة في الرّد ، حيث إنّ موردها هي التصرفات النافذة في الأموال ، وليست في مقام بيان أنحاء السلطنة وتشريعها. والمقام ليس من تلك التصرفات ، بل من تشريع سببيّة الرد لانحلال العقد ، وهذا من الأحكام ، وليس الناس مسلّطين على الأحكام ، فقاعدة السلطنة لا تجري في الرد.

__________________

(*) قد أورد على الاستدلال بقاعدة السلطنة تارة : بأنّه لم يثبت علاقة للطرف الآخر حتى يكون الردّ بمقتضى قاعدة سلطنة المالك على ماله قاطعا لتلك العلاقة ، ومع انقطاعها لا يبقى مورد للإجازة ، فلو أجاز بعد الرد كانت الإجازة غير مؤثرة ، لعدم موضوع لها.

وأخرى : بأنّ إسقاط عقد الفضولي بسبب الرد راجع إلى حكم شرعي وضعي ، وهو سببية الردّ لسقوط العقد عن قابلية لحوق الإجازة به ، وهذا الحكم الشرعي ليس سلطنة على المال حتى تشمله قاعدة السلطنة ، بل سلطنة على الحكم ، وهي أجنبية عن مفاد القاعدة ، إذ مفادها عدم محجورية الناس عن التصرفات الجائزة في أموالهم ، وسببية الرّد ليست من أنحاء السلطنة على المال ، فلا تجري القاعدة في الردّ ، لعدم كونه موضوعا لها.

وثالثة بأنّه على فرض كون الردّ من أنحاء السلطنة على المال لا تشمله قاعدة السلطنة أيضا ، لأنّها لا تشرّع السلطنة التي شكّ في مشروعيتها ، لما ثبت من أنّ القاعدة لا تشرّع أنحاء السلطنة ، بل تدل على عدم محجورية المالك عن التصرفات المشروعة في ماله.

ورابعة بأنّ قاعدة السلطنة ـ بناء على شمولها للردّ ـ تشمل الإجازة أيضا ، فإنّ كلّا من


.................................................................................................

__________________

الردّ والإجازة مشمول لقاعدة السلطنة ، فيصير الردّ بالتعارض كالعدم ، فلو أجاز المالك بعد ذلك كانت الإجازة حينئذ مؤثرة.

هذا ما قيل أو يقال في الاشكال على جريان قاعدة السلطنة لإثبات كون الرد مانعا عن تأثير الإجازة في نفوذ عقد الفضولي. ولعلّ المصنف قدس‌سره أراد هذه الإشكالات أو بعضها بقوله : «فتأمّل».

أقول : أمّا الإشكال الأوّل فلا موضوع له ، لعدم تحقق علاقة شرعا لطرف الفضولي بالمال المعقود عليه فضولا ، بل المال بعد عقد الفضولي باق على ما كان عليه قبل عقد الفضولي من حيث عدم تعلق علاقة أحد به ، فلا وجه لإجراء قاعدة السلطنة لقطع علاقة الطرف عنه حتى لا يبقى مورد للإجازة.

وأمّا الإشكال الثاني والثالث ففيهما : أنّه لا إشكال في كون الردّ كالإجازة من التصرفات المالية دون الأحكام ، ويكفي في مشروعيتهما العمومات الدالة على جواز التصرف خارجيا واعتباريا لكل مالك في ماله. بل وكذا أدلّة نفوذ بيع الفضولي بإجازة المالك ، فإنّ جواز البيع بإجازته يستلزم جواز إبطاله بردّه ، فيكون المالك مسلّطا على بيع ماله بالمباشرة ، وبإجازة العقد الواقع على ماله ورده.

وبالجملة : فلا ينبغي الارتياب في جريان قاعدة السلطنة في الردّ وانحلال العقد به.

وأمّا الإشكال الرابع ففيه : أنّ مقتضى قاعدة السلطنة في الردّ هو بطلان العقد وعدم صلاحيته للحوق الإجازة به ، فلا يبقى مورد للإجازة. وليس المراد بالسلطنة السلطنة على الجمع بين الرد والإجازة ، لأنّه جمع بين الضدين ، فإذا اختار أحدهما لا يبقى مورد للآخر. كاختيار ذي الخيار الفسخ أو إقرار العقد ، فلا معنى لمعارضة قاعدة السلطنة في الردّ والإجازة.

وأمّا ما أفاده بعض الأجلّة من «أنّ إنشاء الفضولي ليس فعل المجيز حتى يؤثر ردّه في زواله ، فوجود الردّ كعدمه. فإذا أجاز المالك الأصيل بعد ردّه صحّت الإجازة وترتبت آثار الصحة على العقد» (١). ففيه : أنّ الإنشاء وإن كان فعل الفضولي ، إلّا أنّ نفوذه بإجازة المالك ، فإذا ردّ المالك سقط الإنشاء عن التأثير ، وبعد سقوطه لا معنى لعوده ، فتأمّل.

__________________

(١) كتاب البيع ، ج ٢ ، ص ٢١١.


.................................................................................................

__________________

اللهم إلّا أن يقال : إنّ وزان الإجازة في عقد الفضولي وزان شرائط العلل التكوينية ، والرّد رافع للشرط وهو الإجازة ، وليس رافعا لاقتضاء المقتضي ، بل المقتضي باق على اقتضائه ، فإذا وجد الشرط بعد انعدامه أثّر المقتضي أثره. مثلا تكون النار مقتضية للإحراق بشرط يبوسة الجسم ، فمع رطوبته لا يحترق ، وإذا ارتفعت الرطوبة احترق الجسم بلا ريب ، لتمامية المقتضي بارتفاع المانع وهي الرطوبة وحصول الشرط وهو اليبوسة. والظاهر أنّ الرّد فيما نحن فيه كالرطوبة مانع عن تأثير المقتضي وهو العقد ، فإذا ارتفع الرد وتبدّل بالإجازة أثّر العقد أثره.

وقياس الرد بفسخ ذي الخيار الموجب لزوال العقد رأسا ـ بحيث لا يبقى موضوع لإمضائه ـ في غير محله ، لأنّ الخيار هو ملك إزالة العقد وإقراره ، فإذا فسخ ذو الخيار كان فسخه رافعا لأصل المقتضي ، ومع ارتفاعه لا عقد حتى يصحّ إقراره بالإمضاء. بخلاف الإجازة والردّ ، فإنّهما في رتبة الشرط والمانع مع بقاء المقتضي في حال وجودهما.

أمّا كون الإجازة والردّ في رتبة الشرط والمانع فهو ظاهر مثل قوله تعالى (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) حيث إنّ ظاهره كون التراضي شرطا للتجارة التي هي مقتضية لتبادل الأموال ، والردّ الحاكي عن الكراهة في رتبة الإجازة الكاشفة عن التراضي.

فالنتيجة : نفوذ الإجازة في عقد الفضولي بعد الردّ.

إلّا أن يقال : إنّه فرق بين المقام والعلل التكوينية ، وحاصل الفرق : أنّه في العلل التكوينية ـ كالنار في المثال المذكور ـ وإن كان حدوث الشرط فيها كاليبوسة بعد ارتفاع المانع وهو الرطوبة موجبا لتأثير المقتضي أعني به النار في احتراق الجسم ، لكنه في العلل التشريعية لا بدّ من متابعة الدليل في كيفية شرطية الشرط ومانعية المانع ، كجعل مانعية «ما لا يؤكل» في خصوص حال العلم بكون الحيوان ممّا لا يؤكل ، فإنّ الشرطية والمانعية من الأمور الاعتبارية الشرعية التابعة لكيفية اعتبارها شرعا سعة وضيقا.

وعليه فلا محيص عن الالتزام بأنّ الردّ بمقتضى إطلاق قاعدة السلطنة مانع عن تأثير الإجازة ، لاقتضاء إطلاقها الأحوالي تأثير الردّ مطلقا سواء لحقته الإجازة أم لا. كما أنّ اقتضاءها بالنسبة إلى الإجازة أيضا كذلك ، فإذا أجاز الأصيل عقد الفضولي فليس له بعد الإجازة ردّه.

فصار المتحصل : أنّ الرّدّ مانع مطلقا ، وليست مانعيّته كمانعية الموانع التكوينية


.................................................................................................

__________________

المرتفعة بوجود الشرائط ، وقد ثبت إطلاق مانعية الردّ بالإطلاق الأحوالي الثابت لقاعدة السلطنة. وعليه فلا أثر للإجازة بعد الرد.

اللهم إلّا أن يقال : إنّ قاعدة السلطنة لا إطلاق لها ، لأنّها في مقام بيان إثبات عدم محجورية المالك عن التصرفات المشروعية في ماله على النحو الذي شرّعت ، فلا بدّ من مراجعة أدلة مشروعيتها ، وأنّه هل لها إطلاق أم لا؟ فإن ثبت لها إطلاق فلا إشكال.

وإلّا فالوجه في عدم تأثير الإجازة المسبوقة بالرد إمّا عدم إضافة عقد الفضولي إلى المالك عرفا ، فلا يشمله مثل عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» كما أفاده صاحب الكفاية (١). وإمّا استصحاب عدم نفوذ العقد حين الرد ، إذ الشك إنّما هو في صيرورة العقد نافذا بالإجازة ، فلا مانع من استصحاب عدم نفوذه.

فالمتحصل : أنّه لا دليل على نفوذ عقد الفضولي بالإجازة المسبوقة بالرد.

فتلخص من جميع ما ذكرنا : أنه لا أثر للإجازة المسبوقة بالرد ، وأنّها كالعدم ، لا لكون الوجه في ذلك إطلاق قاعدة السلطنة أحواليّا ، ولا لقياس مانعيّة الردّ بمانعية الموانع التكوينية ، لما عرفت فيهما من الإشكال. بل لعدم إضافة عقد الفضولي عرفا بعد الردّ إلى المالك الأصيل حتى يشمله «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ولا أقل من الشك في الشمول ، فيندرج الاستدلال به في التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية كما في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره على المتن (٢).

ولو لم يتمّ هذا الوجه أيضا فلا مانع من التشبث بالاستصحاب كما أشرنا إليه آنفا ، ضرورة أنّه كان العقد حين الردّ غير نافذ قطعا ، وبعد صدور إجازة المجيز يشكّ في ارتفاع عدم النفوذ وانتقاضه بالنفوذ ، فيستصحب عدمه. وهذا الاستصحاب حجة ، لكونه من الشك في رافعية الموجود ، كالشك في رافعية المذي مثلا للطهارة الحديثة.

بقي الكلام فيما يستأنس به أو يستظهر منه نافذية الإجازة المسبوقة بالرد ، وهو أمران :

أحدهما : ما أفاده بعض الأجلّة ، وهو ما أشرنا إليه آنفا من أنّ إنشاء الفضولي ليس فعل المجيز حتى يؤثر ردّه في زواله ، فمع بقائه تؤثّر الإجازة في نفوذ عقد الفضولي.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٦٦.

(٢) حاشية المكاسب ، ص ٦٦.


.................................................................................................

__________________

وفيه : ما عرفته من أنّ المراد بالردّ زوال قابلية الإنشاء للنفوذ بسبب الإجازة ، لا زوال نفس الإنشاء المتحقق بألفاظ خاصة ، إذ لا ريب في عدم كونه فعلا مباشريا ولا تسبيبيا للمالك الأصيل ، فإنّ إنشاء الوكيل أو الولي مع كمال ارتباطه بالمالك لا يكون فعلا له ، بل يقال : إنّه فعل العاقد مع طيب نفس المالك به.

وثانيهما : روايات.

منها : صحيحة محمّد بن قيس (١) المتقدمة في أدلة صحة البيع الفضولي ، فإنّه قد ادّعي ظهورها في نفوذ الإجازة بعد الرد ، بتقريب : أنّ أخذ السيّد جاريته وابنها بأمر الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه من المشتري الذي اشترى الجارية فضولا من ابن سيدها ردّ فعليّ لعقد ابن السيد فضولا ، ومع هذا الردّ الفعلي جعل إجازة السيد لعقد ابنه البائع للوليدة فضولا نافذة ، حيث إنّ الامام عليه‌السلام جعل فكاك البائع الفضولي عن حبس المشتري منوطا بإجازة السيّد عقد ابنه ، وهذه الإجازة تكون بعد تحقق الردّ.

وبالجملة : هذه الصحيحة تدلّ على صحة عقد الفضولي ونفوذه بالإجازة المسبوقة بالرد ، كدلالتها على أصل صحة عقد الفضولي ، ودلالتها على كون الإجازة كاشفة. وهذه الدلالة تنافي ما تقدم من عدم تأثير الإجازة المسبوقة بالردّ في صحة عقد الفضولي. وقد تقدم تقريب هذه الدلالات الثلاث عند الاستدلال بهذه الصحيحة (٢).

والعمدة فعلا هي البحث عن عدم تحقق الرد في هذه الصحيحة حتى تدلّ على نفوذ الإجازة بعد الردّ. وليعلم أنّ هذا البحث منوط بمقدمتين.

إحداهما : كون الردّ أعمّ من القولي والفعلي.

ثانيتهما : كون الأخذ في الصحيحة ظاهرا في الردّ. والاولى ثابتة ، والثانية غير ثابتة.

ومنها : معتبرة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المتقدم في (ص ١٧١) بتقريب : أنّ قوله : «فأنكرت ذلك» وقوله : «ففزعت منه» ظاهران في إظهار المخالفة والتنفر للنكاح. وهذا كاف في الردّ ، إذ لا يعتبر في الردّ أن يقول : «رددت». ولا يراد بقوله : «أنكرت» إنكار أصل العقد

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٩١ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ١ ، وتقدّمت في الجزء الرابع من هذا الشرح ، ص ٣٨٨.

(٢) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٣٩١ ـ ٣٩٩.


.................................................................................................

__________________

حتى يخرج عن مورد البحث ، وهو ردّ العقد المسلّم وجوده ، فالمراد بالإنكار هو الكراهة في مقابل الرضا ، فالفزع هو إبراز عدم الرضا ، وهذا ردّ فعليّ.

لا يقال : ان قوله : «فزوّجت نفسها» ظاهر في تزويج نفسها مباشرة لا توكيلا في تزويجها ، وهذا غير الفضولي الذي هو مورد البحث.

فإنّه يقال : ـ مضافا إلى شيوع التوكيل في التزويجات في العصور ، بحيث ينصرف الذهن إلى التزويج التوكيلي ، فترك الاستفصال حينئذ يدلّ على عدم الفرق في الحكم بين المباشرة والتوكيل ـ إنّ جهة السؤال في هذه الرواية هي : أنّ الردّ هل يؤثر في انهدام العقد أم لا؟ وهذه الحيثية لا فرق فيها بين الإنشاء المباشري وغيره كإنشاء الفضولي.

كما لا يرد على الاستدلال بهذه الرواية بطلان العقد في نفسه لأجل السّكر المزيل للعقد ، والموجب لعدم فهم معاني الألفاظ ، فالإنشاء حينئذ لا يصلح للحوق الإجازة به ولنفوذه بها.

وجه عدم الورود هو : أنّ للسّكر مراتب ، وليس بجميع مراتبه رافعا للعقل بحيث ، يرفع التمييز والالتفات إلى معاني الألفاظ ، إذ لو كان كذلك لم يتحقق العقد رأسا ، لعدم حصول المعاهدة مع فقد التمييز وعدم الالتفات إلى معاني الألفاظ. فقول الامام عليه‌السلام : «نعم» جوابا لقول السائل : «قلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟» يدل على عدم زوال عقلها بحيث لا تميّز الألفاظ ومعانيها.

أقول : قد عرفت سابقا : أنّ النزاع صغروي ، بمعنى أنّ النزاع في صغروية الأفعال ـ من أخذ الوليدة وابنها كما في صحيحة محمّد بن قيس المتقدمة ، وإنكار المرأة وفزعها كما في هذه الرواية ـ للردّ الفعلي ، فإن ثبتت صغرويتها له ووقعت الإجازة بعد الردّ الفعلي صارت الروايتان مخالفتين للإجماع أو الشهرة ، ولا بدّ من طرحهما ، للإعراض الرافع لحجيتهما ، فلا سبيل إلى القول بنفوذ الإجازة المسبوقة بالردّ ، هذا.

ولكن قد تقدّم الإشكال في استفادة صغروية تلك الأفعال للرّد الفعلي من الروايتين ، فلا تدلّان على نفوذ الإجازة بعد الرّد ، كما هو مقصود من استدلّ بهما.

وأمّا ما أفاده بعض الأجلّة من قوله : «ثم لو شككنا في أنّ الرد موجب للفسخ ، فاستصحاب بقاء العقد لا مانع منه ، لكونه عقدا مرضيّا به حينئذ ، كسائر الموضوعات المركبة التي يحرز بعض أجزائها بالتعبد ، والآخر بالوجدان ، فيترتب عليه الأثر» (١) فهو مناف لما

__________________

(١) كتاب البيع ، ج ٢ ، ص ٢١٨.


نعم (١) الصحيحة الواردة في بيع الوليدة ظاهرة في صحّة الإجازة بعد الرّدّ.

اللهم (٢) إلّا أن يقال : إنّ الردّ الفعليّ ـ كأخذ المبيع مثلا ـ غير كاف ، بل لا بدّ من إنشاء الفسخ.

______________________________________________________

(١) استدراك على ما أفاده من اعتبار عدم كون الإجازة مسبوقة بالردّ ، وأنّه لا مورد للإجازة بعد الرد. وحاصل الاستدراك : أنّ صحيحة محمّد بن قيس الواردة في بيع الوليدة ظاهرة في صحة الإجازة بعد الرّد ، حيث إنّ المولى أخذ الجارية وابنها كما أمره الإمام عليه الصلاة والسلام ، وأخذهما ردّ فعليّ ، ومع ذلك أجاز المولى بيع ابنه الذي باع وليدته فضولا ، على ما حكاه أبو جعفر عليه‌السلام بقوله : «فلمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه».

(٢) غرضه : أنّ الرد الفعلي كأخذ المبيع ـ وهو الوليدة في صحيحة ابن قيس المتقدمة ـ لا يكفي في الردّ المانع عن تأثير الإجازة. فالكبرى ـ وهي مانعية الردّ عن

__________________

أفاده قبيل ذلك من : «أنّ إنشاء الفضولي ليس فعل المجيز حتّى يؤثر ردّه في زواله ، فوجود الردّ كعدمه ، فإذا أجاز المالك الأصيل بعد ردّه صحت الإجازة».

وجه المنافاة : أنّ الردّ لمّا لم يكن متعلّقا بنفس العقد وكان أجنبيّا عنه ، لكون العقد فعل الغير ، لم يزل بردّ الأصيل ، فلا وجه للشك في بقاء العقد بسبب الردّ حتى يستصحب. فالشكّ لا بدّ أن يتعلق بقابلية العقد للنفوذ بإجازة المجيز.

وحينئذ فإذا ارتفعت به القابلية فهو المطلوب ، أي : لا يؤثر الإجازة ، لعدم ورودها في محل قابل للإجازة. وإلّا يلزم عدم ارتفاع القابلية بالرد أصلا ، لوحدة حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز. ويلزم عدم كون ردّ قابلية العقد تحت قدرة المالك في شي‌ء من الأزمنة ، وهو كما ترى.

فالمتحصل : أنّ الرد يرفع قابلية العقد للنفوذ بالإجازة المتأخرة عن الرد ، فالإجازة المسبوقة بالردّ كعدمها في عدم تأثيرها في عقد الفضولي. وهذا من غير فرق بين كاشفية الإجازة بأنحاء الكشف وناقليتها ، إذ بعد البناء على ارتفاع قابلية العقد للنفوذ بسبب الرد لا يبقى محل قابل للإجازة.


ودعوى (١) «أنّ الفسخ هنا (٢) ليس بأولى من الفسخ في العقود اللازمة ، وقد صرّحوا بحصوله (٣) فيها بالفعل» يدفعها (٤) أنّ الفعل الذي يحصل به الفسخ هو فعل لوازم ملك المبيع كالوطء والعتق ونحوهما ، لا مثل (٥) أخذ المبيع.

وبالجملة (٦) : فالظاهر [من الأصحاب] هنا (٧) وفي جميع الالتزامات عدم الاعتبار بالإجازة الواقعة عقيب الفسخ ،

______________________________________________________

الإجازة ـ مسلّمة ، لكن الكلام في صغرويّة الردّ الفعلي لها ، حيث إنّه لا بدّ في تحقق الردّ من إنشاء الفسخ ، والفعل من حيث هو ليس ردّا ، بل لا بد من إنشاء الردّ به.

(١) الغرض من هذه الدعوى إثبات كون الفعل كالقول ردّا ، حيث إنّ الرد الفعلي الموجب لانحلال عقد الفضولي ليس بأولى من انحلال العقود اللازمة بالرد الفعلي ، فإنّهم صرّحوا بحصول الفسخ فيها بالفعل. ولا فرق بين العقود اللازمة وبين عقد الفضولي ، بل هذا أولى من العقود اللازمة من انحلاله بالرّد الفعليّ.

(٢) أي : عقد الفضولي.

(٣) أي : بحصول الفسخ في العقود اللازمة بالفعل ، فحصول الفسخ بالفعل في عقد الفضوليّ يكون بطريق أولى ، من دون حاجة الفسخ فيه إلى اللفظ.

(٤) خبر قوله : «ودعوى» أي : يدفع الدعوى المزبورة ، ومحصل دفعها : أنّ كل فعل لا يصلح لأن يكون ردا للعقد ، بل لا بدّ أن يكون ذلك الفعل من لوازم ملك المال المعقود عليه فضولا. فإذا زوّج الفضولي من زيد امرأة ، فرتّب زيد آثار الزوجية ـ من الوطء وغيره ـ على العقد بعد اطّلاعه عليه. أو اشترى الفضولي له بعدا ، فلمّا علم بذلك أعتقه ، إلى غير ذلك من التصرفات والأفعال التي تدل على الرضا بما عقد له الفضولي.

وعليه فلا يكفي مجرّد أخذ المال العقود عليه فضولا من دون دلالة له على تملكه لذلك المال.

(٥) معطوف على «فعل لوازم».

(٦) يعني : وحاصل الكلام : أنّ الظاهر في جميع الالتزامات العقدية عدم تأثير الإجازة الواقعة بعد الفسخ ، وأنّ المعتبر في تأثير الإجازة عدم مسبوقيّتها بالردّ.

(٧) يعني : في عقد الفضولي ، وقوله : «عدم الاعتبار» خبر قوله : «فالظاهر».


فإن سلّم (*) ظهور الرواية (١) في خلافه (٢) فلتطرح (٣) أو تأوّل (٤).

______________________________________________________

(١) وهي صحيحة محمّد بن قيس المذكورة في أدلّة بيع الفضولي (١).

(٢) وهو صحّة الإجازة بعد الردّ ، بأن يقال : إنّ إجازة بيع الوليدة من سيّدها صدرت بعد الردّ الحاصل بأخذ السيد الوليدة وابنها بحكم المولى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، ولمّا أخذ مشتري الوليدة البائع الفضوليّ ـ وهو ابن سيد الوليدة ـ اضطرّ السيد إلى أن يجيز بيع الوليدة ليستردّ ابنه البائع الفضولي من المشتري ، فأجاز السيد بيع الوليدة. فهذه الإجازة صدرت بعد الردّ الناشئ من أخذ الوليدة وابنها.

والحاصل : أنّ هذه الصحيحة تخالف ما دلّ على أنّه يعتبر في تأثير الإجازة عدم مسبوقيتها بالردّ.

(٣) غرضه : أنّ صحيحة ابن قيس المشار إليها ـ بعد تسليم ظهورها في صحة الإجازة بعد الردّ ـ لا تصلح لرفع اليد عمّا بنى عليه الأصحاب من اشتراط تأثير الإجازة بأن لا يسبقها الردّ ، وذلك لمخالفتها لعمل الأصحاب ، فلا بدّ من طرحها للإعراض ، أو تأويلها.

(٤) أي : تأويلها بما هو خلاف ظاهرها ، كحملها على كون سيّد الوليدة كاذبا في دعواه عدم الإذن لابنه في بيع الوليدة ، فراجع ما ذكره المصنف في توجيه هذه الصحيحة. واقتصر هناك على لزوم تأويلها دون طرحها ، لأنّه قدس‌سره جعلها من أدلّة صحة بيع

__________________

(*) ولا يسلّم ظهور الرواية في الردّ حتى تكون الإجازة بعد الردّ ، وذلك لعدم صدور قول ولا فعل يدلّ على الردّ. وأخذ السيّد الوليدة وابنها لا يدلّ عليه ، وإنّما غاية ما يدلّ عليه هي الكراهة ، وهي غير الردّ. وحبس ابن الوليدة مع كونه حرّا ـ لحرية أبيه المشتري ، لتولده شبهة أو من نكاح صحيح ـ إنّما هو لأخذ قيمة الولد ، وثمن الجارية الذي أخذه البائع الفضولي ، حيث إنّ غالب الأولاد يتصرّفون في أموال آبائهم تصرّف الملّاك في أموالهم ، ولذا أخذ السيد الوليدة وابنها حتى يستوفي ثمن الوليدة وقيمة ابنها من المشتري.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٣٨٨.


الرابع (١):

الإجازة أثر من آثار سلطنة (*) المالك (**) على ماله ، فموضوعها

______________________________________________________

الفضولي ، فلاحظ قوله : «والحاصل : أن ظهور الرواية في ردّ البيع ممّا لا ينكره المصنف ، إلّا أن الانصاف أن ظهور الرواية في أنّ أصل الإجازة مجدية في الفضولي .. فلا بدّ من تأويل ذلك الظاهر» (١).

الإجازة لا تورث

(١) هذا رابع التنبيهات المتعلقة بالإجازة ، والغرض من عقده ـ على ما قيل ـ دفع ما يتوهم من بعض العبارات من كون الإجازة والردّ من الحقوق الموروثة.

ومحصل ما أفاده هو : كون الإجازة حكما لا حقّا ، حيث إنّها من آثار سلطنة المالك على ماله ، فموضوع الإجازة هو المالك ، فيصح أن يقال : «للمالك أن يجيز»

__________________

(*) من آثار الملك ، لا من آثار السلطنة على الملك ، إذ المراد بالسلطنة هو القدرة الشرعية على كلّ تصرف تسبيبي ومباشري جائز شرعا بالجواز التكليفي والوضعي ، وعدم الحجر عنه ، سواء أكان التصرف خارجيا أم اعتباريا. فجواز التصرف مطلقا موضوع للسلطنة. فمعنى القاعدة هو القدرة على جميع التصرفات المشروعة في المال ، ومنها إجازة البيع كنفس البيع ، فالإجازة كإنشاء نفس البيع والصلح وغيرهما من آثار الملك. وليست القاعدة مشرّعة لأنحاء السلطنة حتى تكون الإجازة من آثارها.

وهذا مراد المصنف أيضا بقرينة قوله : «مثل قولنا : له أن يبيع» فإن جواز البيع حكم الملك. فينبغي إبدال «من آثار السلطنة» ب «من آثار الملك وأحكامه» فالسلطنة من لوازم جواز التصرف في الملك. فجواز التصرف فيه من الإجازة وغيرها ملزوم لقاعدة السلطنة.

(**) لعلّ الأولى إبدال «المالك» بمن له ولاية العقد ، ليكون أشمل ، فإنّ المرتهن ولىّ أمر عقد الراهن على العين المرهونة بدون إذن المرتهن ، ولذا لا ينفذ إلّا بإجازة

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٣٩٩.


.................................................................................................

______________________________________________________

كما يصح أن يقال : «له أن يبيع» ومرجع الكلّ إلى السلطنة على التصرف المشروع في ماله.

ومقتضى كون الإجازة حكما لا حقّا عدم انتقالها الى الوارث ، إذ موضوع الإرث هو المال والحقّ ، كحقّ الخيار والتحجير وغيرهما ، والإجازة ليست مالا ولا حقّا. والحكم الشرعي لا ينتقل إلى الوارث ، والمنتقل إليه نفس المال الذي هو موضوع الإجازة التي هي حكم لا حقّ.

__________________

المرتهن ، مع أنّه ليس مالكا للمبيع. واحتمال إرادة المصنف قدس‌سره من «المالك» مالك أمر البيع في غاية البعد ، إذ ينافيه قوله : «على ماله» والظاهر إرادة المصنف ما هو الغالب من عقد الفضولي في الخارج وهو بيع مال الغير ، وبيع الراهن بدون إذن المرتهن بيع لمال نفسه.

ثم إنّه لا يكفي في منع إرث الإجازة والرد مجرّد عدم كونهما من الحقوق ، إذ يمكن أن يكونا من الحقوق ، ومع ذلك لا ينتقلان إلى الورثة ، لكونهما من الحقوق غير القابلة للانتقال إلى الغير ، كحقّ الأبوّة وحقّ ولاية الحاكم ونحوهما ممّا لا ينتقل إلى الغير لا اختيارا ولا قهرا. ويمكن أن يكون الإجازة والردّ من الحقوق القابلة للانتقال الاختياري والقهري كحقي الخيار والتحجير.

وعليه فلا بدّ في التزام عدم انتقال الإجازة والردّ إلى الوارث من إثبات كونهما من الأحكام لا الحقوق ، أو من الحقوق غير القابلة للانتقال ، فتصح حينئذ دعوى عدم انتقالهما إلى الوارث مطلقا وإن كانا من الحقوق ، فلا يندرجان فيما تركه الميّت.

لا يقال : إنّه يمكن التمسك بالاستصحاب لإثبات كونهما من الحقوق القابلة للانتقال ، واندراجهما فيما تركه الميت ، كاستصحاب عالمية من كان عالما وشكّ في بقاء علمه لإحراز صغرويته لكبرى وجوب «إكرام العلماء» حتى لا يكون إثبات وجوب إكرامه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. ففي المقام يستصحب بقاء الإجازة بعد موت المالك الأصيل ، فتندرج الإجازة فيما تركه الميت ، وتنتقل إلى الوارث.

وهذا من القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي ، نظير الحيوان المردد بين


المالك (١) ، فقولنا : «له أن يجيز» مثل قولنا : «له أن يبيع» (٢) ، والكلّ (٣) راجع إلى أنّ له أن يتصرّف ، فلو (٤) مات المالك لم يورّث الإجازة ، وإنّما يورّث المال الذي عقد

______________________________________________________

(١) دون غيره كالوارث ، نعم الوارث يرث المال ويملكه ، وإجازته حينئذ ليست من جهة إرث الإجازة ، بل لأجل صيرورته مالكا بسبب إرث موضوعها وهو نفس المال.

(٢) غرضه من المثلية المماثلة بين البيع والإجازة في السلطنة التي هي حكم شرعيّ ، فكما أنّ جواز البيع حكم لمالك المبيع ، فكذلك جواز الإجازة حكم له ولوليّ أمر العقد ، وليس حقّا حتى ينتقل إلى الوارث كالحقوق والأموال التي تنتقل إلى الورثة.

(٣) يعني : قولنا : «للمالك أن يجيز وأن يبيع» عبارة أخرى عن جواز التصرف الذي هو حكم لا حقّ.

(٤) هذا متفرع على كون الإجازة حكما لا حقّا ، فلا تنتقل الإجازة إلى الوارث ،

__________________

ما يعيش ثلاثة أيّام وما يعيش سنة ، فبعد مضي الثلاثة لا مانع من استصحاب كلي الحيوان. ونظير استصحاب كلّي الطهارة فيما إذا شك في أنّ طهارته كانت هي الوضوء أو الغسل ، فإن كانت هي الوضوء فقد انتقضت يقينا ، وإن كانت هي الغسل فهي باقية ، فيستصحب كلّي الطهارة.

فإنّه يقال : فرق بين المقام وبين هذين المثالين. توضيحه : أنّ جريان الاستصحاب في القسم الثاني من استصحاب الكلّي مشروط بكون الأثر مترتبا على الكلي كالطهارة ، فإنّ الأثر الشرعي وهو جواز الدخول في المشروط بالطهارة يترتب على كلّي الطهارة الحدثية سواء حصلت من الغسل أم الوضوء. وفي مثال تردد الحيوان بين طويل العمر وقصيره لا يجري الاستصحاب إلّا إذا كان الأثر مترتبا على كلّي الحيوان. ومن المعلوم أنّ نفوذ إجازة الوارث مشروط بكون الإجازة حقّا قابلا للانتقال. وهذا لا يثبت باستصحاب مطلق مجعول الشارع إلّا على القول بحجية الأصل المثبت ، لأنّ بقاء المجعول إلى زمان موت المالك لينتقل إلى الوارث من لوازم كون المجعول من الحقوق القابلة للانتقال ، ومن المعلوم أن استصحاب اللازم قاصر عن إثبات الملزوم ، وكالعكس ، لعدم حجية الأصول المثبتة.


عليه الفضولي ، فله (١) الإجازة بناء على ما سيجي‌ء (٢) من جواز مغايرة المجيز والمالك حال العقد فيمن باع مال أبيه فبان ميّتا (٣).

والفرق (٤) بين إرث الإجازة وإرث المال يظهر بالتأمّل (٥).

______________________________________________________

لعدم كونها مالا ولا حقّا حتى يصدق عليها «ما تركه الميّت». وعليه فالمنتقل إلى الوارث هو المال المعقود عليه فضولا ، فإجازته حينئذ كبيعه من أحكام ماله ، والناس مسلطون على أخوالهم ، لا أحكام أموالهم كجواز بيعها وصلحها وهبتها وغير ذلك من التصرفات الجائزة في المال.

(١) أي : فللفضولي الذي ورث من المورّث المال ـ المعقود عليه فضولا ـ أن يجيز العقد الصادر منه فضولا ، لصيرورته مالكا للمال ، لا لكونه وارثا للإجازة.

(٢) في المسألة الثالثة من مسائل الأمر الثالث من مباحث المجيز وما يعتبر فيه فلاحظ (ص ٣٥٤). وكلمة «من» الجارة بيان ل «ما» الموصول.

(٣) هذا الفرع مثال لاتّحادهما لا مغايرتهما ، إذ المفروض كون والد الفضولي ميّتا حين العقد كما هو ظاهر «فبان ميّتا» إذ معناه : فظهر كونه ميّتا في زمان الإنشاء. فالفضولي حينئذ هو المالك حال العقد ، لانتقال المبيع فضولا إليه حينه بالإرث ، فالمجيز والمالك حين العقد واحد ، وهو العاقد الذي تخيّل حال الإنشاء أنّه فضولي ، ولكنه كان مالكا واقعا للمبيع وقت العقد.

فالأولى إبدال «فبان» ب «فصار ميّتا» أو «فمات بعده» حتى يكون مثالا لمغايرة المجيز والمالك حين العقد ، كما إذا باع مال غيره ثم اشتراه.

(٤) كان الأنسب بيان هذا الفرق بعد قوله : «وانما يورّث المال الذي عقد عليه الفضولي» لأنّ هذا الكلام بمنزلة التعليل لقوله : «وانّما يورّث المال .. إلخ».

(٥) الفرق بينهما هو : أنّه إذا كانت الإجازة من الحقوق ـ كالخيار ـ انتقلت إلى جميع الورثة حتى إلى من لا يرث من المبيع الذي هو مورد الإجازة ، كالزوجة التي لا ترث من العقار ، لكنها ترث الإجازة كإرث الخيار وغيره من الحقوق المنتقلة إلى جميع الورثة ، فلها إجازة بيع العقار وإن لم يكن لها فيها نصيب ، فإنّ مقتضى كون الإجازة من الحقوق كالخيار هو انتقالها إلى جميع الورثة.


الخامس (١):

إجازة البيع ليست إجازة

______________________________________________________

وإذا كانت الإجازة من الأحكام فهي لا تنتقل إلى الوارث. وإنّما المنتقل إليه هو المال ، فلكل وارث ـ يرث منه ـ أن يجيز البيع في خصوص نصيبه ممّا ورثه ، فليس للزوجة أن تجيز البيع أو ترده ، لعدم إرثها من المبيع.

وبناء على كون الإجازة حقّا موروثا ، فهل ينتقل الى مجموع الوارث من حيث المجموع ، أم أنه يتعدد هذا الحق بعدد الورثة ، فلكل منهم حق يخصه. أم يكون لطبيعي الوارث الصادق على كل فرد منهم ، ولازمه كفاية صرف الوجود من الفسخ والإمضاء ، أم غير ذلك؟ وجوه ، وتحقيق المطلب موكول إلى أحكام الخيار.

إجازة البيع ليست إجازة للقبض

(١) الغرض من عقده البحث عن وجود الملازمة بين إجازة البيع وإجازة قبض الثمن والمثمن ، وعدمها ، فإذا قال مالك المبيع فضولا : «أجزت البيع» كانت هذه الإجازة إجازة لقبض الثمن وإقباض المبيع ، أو لا. مع أنّ البيع أمر اعتباري ، والقبض فعل خارجي. ولا ريب في أنّ الإجازة تتعلق بالأمور الاعتبارية كالملكية والزوجية وتنفّذها ، ولكنّها هل تؤثّر في الفعل الخارجي وهو تسليم الثمن مثلا أم لا؟

وقد اختلفت كلمات الأصحاب فيها ، فمنهم من جعل إجازة بيع الفضولي القابض للثمن إجازة لكلّ من بيعه وقبضه ، كما يظهر من شيخ الطائفة قدس‌سره في عبارته الآتية في المتن.

ومنهم من نفى ذلك ، وقال بتوقف القبض على إجازة مستقلة ، ولا يكفي إمضاء البيع عنها ، كعلّامة في كلامه الآتي قريبا. وهو مختار صاحب الجواهر وشيخه كاشف الغطاء قدس‌سرهما القائلين بجريان الفضولية في نفس القبض وتوقفه على إجازة مستقلة ، سواء أكان الثمن عينا أم دينا ، فراجع (١).

ومنهم من فصّل بين الثمن الشخصي والكلّي الذمي ، بتوقف الثاني على إجازة بحيالها ، وكفاية إجازة البيع عن إجازة القبض في الثمن الشخصي ، كما ذهب إليه الفاضل المقداد والشهيد قدس‌سرهما. قال في الدروس بعد حكاية مختار الشيخ : «واشترط الفاضل

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٠ و ٣٠٠.


لقبض (١) الثمن ، ولا (٢) لإقباض المبيع (*).

______________________________________________________

إجازة القبض. وهو حسن إن كان الثمن في الذمة» (١).

وذهب المصنف قدس‌سره إلى تفصيل آخر في المسألة ، وهو الفرق بين موارد ثلاثة ، ومحصله : أن القبض تارة يكون جزء السبب المملّك كما في بيع الصرف والسلم ، واخرى يكون بعنوان الوفاء بالعقد من دون دخله في ترتب الأثر على العقد. وعلى الثاني فتارة يكون العوض شخصيا ، واخرى كلّيا في الذمة.

ففي القسم الأوّل قال بالملازمة بين إجازة العقد وإجازة القبض ، للغوية إجازته مجرّدا عن القبض الذي هو جزء السبب.

وفي القسم الثاني نفى الملازمة ، وحكم بتوقف تحقق الوفاء بالعقد على إجازة القبض بخصوصها ، ولو بقرينة تدل عليها.

وفي القسم الثالث استشكل في وفاء أدلة صحة البيع الفضولي بإمضاء قبض الفضول ، كما سيظهر إن شاء الله تعالى.

(١) غرضه قدس‌سره نفي استلزام إجازة البيع لإجازة القبض كلّية كما يستفاد من كلام شيخ الطائفة قدس‌سره. ومحصّل ما أفاده المصنف في ذلك : أنّه لا ملازمة بينهما ، لإمكان التفكيك بينهما بأن يجيز البيع ولا يجيز القبض والإقباض ، فنفس إجازة البيع لا تلازمهما. نعم لو أجازهما صريحا أو قامت قرينة مقاليّة أو مقامية على التلازم المزبور صحّت الإجازة وترتّب عليها أثرها ، وهو سقوط ضمان الثمن عن عهدة المشتري ، إذ بدون إجازة المالك لقبض الفضولي وإقباضه لا يسقط الضمان ، وكان الثمن باقيا في ذمّة المشتري ، إذ قبض الفضولي له بدون إجازة مالك المبيع لا أثر له ، لأنّ قبضه بدون الإجازة كلا قبض ، لعدم انتسابه إلى المالك.

(٢) أي : ولا إجازة لإقباض المبيع ، لما مرّ آنفا من عدم التلازم.

__________________

(*) في هذا التنبيه جهات من البحث :

الأولى : مرحلة الثبوت ، وهو إمكان تعلق الإجازة وعدمه بالقبض والإقباض.

قد يقال : بعدم إمكانه ، لعدم تغير الفعل الخارجي التكويني عمّا وقع عليه.

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٤ ، التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٢٦ ، ولاحظ مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٥.


.................................................................................................

__________________

لكن الحق إمكانه ، لأنّه وإن لم يتغير الفعل عمّا وقع عليه ، إلا أنّه إذا كان على وجوده بقاء أثر شرعيّ فلا مانع من ترتب ذلك الأثر إذا تحقق غير ذلك الفعل ممّا له دخل في ترتّب الحكم الشرعي عليه.

فإذا كان ممّا له الدخل في الأثر رضا المالك مثلا بما وقع عن الفضولي من العنوان كالبيع ، فإذا رضي المالك بذلك أثّر العقد أثره. فالقبض بوجوده الحدوثي وإن لم يكن له أثر وهو سقوط الضمان عن مالك المبيع فضولا ، لكن له أثر بعد الإجازة وهي الرضا بقبض الفضولي ، فيسقط الضمان عن البائع بعد رضاه.

الجهة الثانية : في مرحلة الإثبات ، وحاصلها : أنّه في العقود المتوقفة صحتها على القبض تكون الملازمة بين إجازة العقد وإجازة القبض والإقباض ثابتة بدلالة الاقتضاء ، لأنّ إجازة العقد بدون إجازتهما لغو ، إذ المفروض عدم صحة العقد بدون القبض والإقباض ، لما قيل من أنّهما كالإيجاب والقبول من حيث الدخل في الصحة.

وهذا من غير فرق بين كليّة الثمن وشخصيته ، ضرورة أنّ إجازة الثمن الكلي ـ أو المثمن كذلك ـ تقتضي رضا المالك بتطبيق الكلي على أحد أفراده.

وهذا بخلاف العقود غير المتوقفة صحتها على القبض ، فإنّ إجازة نفس العقد لا تلازم إجازة الإقباض والقبض ، إذ المفروض صحتها ولو بدون القبض ، فدليل الاقتضاء لا تقتضي الملازمة بين إجازة العقد وإجازة الإقباض والقبض ، من غير فرق في هذه العقود الصحيحة بدون القبض بين كون العوضين أو أحدهما كليّا أو شخصيّا.

الجهة الثالثة : في أنّه هل يعتبر في جريان دلالة الاقتضاء علم المجيز بتوقّف صحة العقد على القبض أم لا؟ الظاهر جريانها فيما تعلّقت الإجازة بعقد جامع لكافّة شرائط صحته وإن لم يعلمها تفصيلا ، نظير نية الصوم مع العزم على ترك جميع المفطرات مع عدم علمه بها تفصيلا ، كجريان دلالة الاقتضاء في صورة العلم بدخل القبض في صحة العقد.

الجهة الرابعة : في أنّه بعد البناء على جريان الفضولية في الإقباض والقبض يقع الكلام في أنّه هل يجري نزاع الكشف والنقل فيهما أم لا؟

ينبغي أن يقال : إنّ الموجود إن كان من الأمور الاعتباريّة التي لها بقاء في وعاء الاعتبار جرى فيه نزاع الكشف والنقل ، لصحة اعتبار كلّ من الكشف والنقل فيه. وإن كان من الأمور الخراجية التكوينية كالقبض والإقباض ونحوهما ممّا ليس له وجود اعتباري بقاء


ولو أجازهما صريحا (١) أو فهم إجازتهما من إجازة البيع مضت (٢) الإجازة (٣) ، لأنّ (٤) مرجع إجازة القبض إلى إسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري ، ومرجع

______________________________________________________

(١) كما إذا قال : أجزت البيع وقبض الثمن وإقباض المبيع.

(٢) جواب الشرط في «ولو أجازهما».

(٣) أي : صحّت الإجازة ، لوقوعها في محلّها من دون مانع عن شمول الإجازة للقبض والإقباض.

(٤) الظاهر أنّه علّة لصحة الإجازة ومضيّها ، لكنّه غير مناسب للعليّة ، لأنّ سقوط الضمان من آثار صحة الإجازة وأحكامها ، لا أنّه علّة لصحّتها ، بل علة صحتها هو الدليل الدالّ على صحتها ، وأنّ قبض الثمن وإقباض المبيع كإنشاء البيع من الأفعال القابلة لجريان الفضولية فيها.

وكيف كان فمراد المصنف قدس‌سره أنّ إجازة قبض الثمن توجب سقوط الضمان عن المشتري ، كسقوطه عنه بمباشرة نفس مالك المبيع لقبض الثمن. فليس عليه بعد ذلك دفع الثمن ثانيا إلى البائع الأصيل ، كما أنّ إجازة إقباض المبيع تسقط ضمان البائع ، لارتفاع موجب الضمان ، وهو تلف المبيع قبل قبضه.

وبالجملة : فإجازة القبض والإقباض ترفع الضمان عن البائع والمشتري معا.

ثم إنّ المصنف قدس‌سره علّل مضي الإجازة في القبض والإقباض بأنّ مرجع اجازة قبض الثمن إلى إسقاط ضمان المشتري ، ومرجع إجازة إقباض المبيع إلى رضا المالك بكون المبيع في يد المشتري ، وينبغي توضيح وجه الإتيان بكلمة «المرجع» هنا ، ووجه اختلاف التعبير في إجازة القبض والإقباض.

__________________

فلا يجري فيه نزاع الكشف والنقل.

نعم إذا حصل القبض واستمرّ إلى زمان الإجازة وأجاز المجيز كانت الإجازة ناقلة أو كاشفة. وأمّا إذا تلف المقبوض أو خرج عن تحت يده ، فلا بقاء له اعتبارا حتى يتعلق به الإجازة ، كتعلقها بالعقد الذي له وجود اعتباري بقاء. فإذا أجاز المجيز حينئذ كانت الإجازة كاشفة لا محالة ، ولا يمكن أن تكون ناقلة ، لعدم وجود له لا عينا ولا اعتبارا.


إجازة الإقباض إلى حصول المبيع في يد المشتري برضا البائع ،

______________________________________________________

أمّا التعبير بالمرجع فلأنّ المفروض عدم تأثير إجازة نفس البيع في صحة القبض الواقع بين الأصيل والفضولي ، لعدم كون القبض من لوازم العقد حتى يستتبع إمضاء الملزوم إمضاء لازمه ، فإنّ أدلة صحة العقد الفضولي تفيد استناده إلى المالك بإجازته. ولا يستفاد منها استناد القبض إليه بالإجازة ، فالمعتبر في الوفاء بالعقد أن يقع القبض بمباشرة المالك أو بتسبيبه كالمأذون من قبله كالوكيل.

فمجرّد رضا المالك بالقبض ـ بإجازة نفس العقد أو بإجازة القبض ـ لا يوجب حصول القبض المحقّق لعدم ضمان المبيع والثمن. نعم يكون رضا المالك بقبض الفضول رضا بأثره ، وهو في المقام إسقاط الضمان.

وأمّا التعبير في قبض الثمن بإسقاط الضمان ، فوجهه : أنّ المالك المجيز لبيع الفضولي يجب عليه الوفاء به بمجرد إجازته ، وكذا يجب على المشتري الأصيل تسليم الثمن للمجيز ، ويتسلّم المثمن منه ، وبما أنّ المشتري لم يسلّم الثمن إلى المجيز حتى يصدق عليه «أنّه قبضه» وإنّما سلّمه إلى الفضولي ، فلذا كان رضاه بقبض الفضولي إسقاطا لما في ذمة المشتري من الثمن.

وأمّا التعبير في إقباض المثمن بأن إجازة المالك رضاه بحصول المبيع في يد المشتري ـ دون التعبير بإسقاط الضمان ـ فوجهه : أنّ المشتري صار مالكا لما تسلّمه من الفضولي ، لأنّ الإجازة المتأخرة أوجبت اتصاف المجيز بكونه بائعا مالكا للثمن. والمشتري بكونه مالكا للمثمن ، فيتصف قبض المشتري بأنّه «قبض المالك» ويترتب عليه عدم انفساخ المعاملة لو تلف المبيع عنده ، لكونه من تلف المبيع بعد القبض لا قبله. هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدس‌سره بتوضيح منّا (*) (١).

__________________

(*) ثم أورد على المصنف بمنافاة التزامه بكون مرجع إجازة قبض الثمن إلى إسقاط ضمان المشتري به لما سيأتي في أحكام القبض من كون الضمان المعاوضي من أحكام العقد ، وليس كضمان الغرامة حقا ماليا قابلا للإسقاط. وعليه لا فرق في ضمان المشتري للثمن بين كونه تالفا حين الإجازة أو باقيا ، فراجع.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٦٠ و ١٦١.


فيترتّب (١) عليه جميع الآثار المترتّبة على قبض المبيع. لكن (٢) ما ذكرنا إنّما يصحّ في قبض الثمن المعيّن.

وأمّا قبض الكلّي وتشخّصه به (٣) فوقوعه من الفضولي على وجه تصحّحه الإجازة يحتاج (٤) إلى دليل معمّم لحكم عقد الفضوليّ لمثل القبض والإقباض ، وإتمام

______________________________________________________

(١) هذا متفرع على كون مرجع الإجازة إلى إسقاط الضمان ، وحاصله : أنّه بعد البناء على صحة جريان الفضولي في القبض والإقباض ـ كجريانه في نفس العقد ـ يترتب على إجازة المالك الأصيل لقبض الفضولي للثمن أو المثمن جميع الآثار المترتبة على قبض نفس المالك الأصيل ، كسقوط ضمان المبيع عن البائع إذا تلف عند المشتري ، لكون تلفه بعد القبض الحاصل من الفضولي برضا المالك الأصيل.

وكسقوط ضمان المشتري للثمن بعد قبض الفضولي ، وإجازة مالك المبيع لهذا القبض ، فإذا تلف بعد هذا القبض فلا ضمان للمشتري حينئذ ، لأنّه تلف بعد القبض.

وككون نماء الثمن لصاحبه ، وكذا نماء المثمن لمالكه. فالقبض الصادر من الفضولي بعد إجازة المالك كقبض المالك في الآثار.

(٢) هذا استدراك على قوله : «ولو أجازهما صريحا أو فهم إجازتهما .. إلخ» وغرضه بيان حكم ما إذا كان الثمن ذمّيّا كما أشرنا إليه في أوّل التنبيه. ومحصله : أنّ صحة إجازة المالك الأصيل للقبض والإقباض الصادرين من العاقد الفضولي تختصّ بالثمن الشخصي لا الكلي ، إذ تشخيص الكلّي من الفضولي وتطبيقه على عين خارجيّة ـ وتأثير إجازة المالك الأصيل فيه كتأثيرها في قبض الثمن الشخصي فضولا ـ محتاج إلى الدليل.

نعم الفرق بين الثمن الشخصي والكلي أنّ إجازة قبض الفضول للثمن الشخصي مآله إلى إسقاط ضمان المشتري كما تقدم. ولكن في الثمن الكلّي حيث إنّه لم يقم دليل على تنزيل قبض الفضول منزلة قبض المالك فلذا يبقى الثمن الكلي في ذمة المشتري حتى يتعين بقبض المجيز.

(٣) أي : تشخص الكلّي وتعيّنه بالقبض.

(٤) خبر «فوقوعه» والجملة جواب الشرط في «وأمّا قبض الكلي».


الدليل على ذلك (١) لا يخلو (*) عن صعوبة (٢).

______________________________________________________

(١) أي : على عموم حكم عقد الفضولي للقبض والإقباض الصادرين من الفضولي مع كون المال المعقود عليه كليّا ذميّا ، لا معيّنا خارجيا.

(٢) لكون مورد دليل الصحة نفس عقد الفضولي الذي هو من الإنشائيات ، دون القبض الذي هو فعل خارجي ، فدليل الفضولي لا يشمل الإنشاء والقبض معا ، فإنّ إجازة المالك لعقد الفضولي لا تقتضي إلّا استناد العقد إليه ، وانتقال المال عن نفسه إلى صاحبه. وأمّا تشخيص الكلّي في فرد من أفراده فهو خارج عن مقتضى الإجازة.

وعليه فالمانع عن صحة قبض الكلي بتعيين فرده إثباتي ، لعدم الدليل على صحته ، لا ثبوتي ، لعدم امتناعه.

__________________

(*) قد يقال : إنّ المانع عن صحة القبض ثبوتي لا إثباتي ، لأنّ قبض الفضولي ليس قبضا للمالك لا مباشرة ولا تسبيبا ، فالإجازة وإن تعلّقت صريحا بالقبض لا تصحّحه ، لأنّ الإجازة لا توجب انتساب القبض إلى المالك ، ولا تجعله قبض المالك ، إذ ليس كلّ فعل صالحا لأن يصح انتسابه إلى غير مباشرة بالإجازة ، كالأكل والشرب ونحوهما من الأفعال الخارجية الّتي تختصّ آثارها وفوائدها بفاعليها. والشك في صحة الانتساب كاف في عدم ترتب آثار فعل نفسه ، فلا تترتب آثار قبض المالك على قبض الفضولي مع الإجازة ، لكفاية الشك في صحة الانتساب في عدم ترتب الآثار ، هذا.

لكن يمكن أن يقال : إنّ الضابط في صحة الانتساب هو صحة الإذن والوكالة للغير في فعل من الأفعال وعدم صحتهما ، فإن صحّ الإذن والوكالة في فعل صحّت إجازة الفضولي فيه أيضا. ومن المعلوم أنّ قبض كل من المعيّن الخارجي والكلّي الذّميّ من الأفعال التي تجري فيها الوكالة والإذن ، فتجري فيها الإجازة أيضا ، لارتضاع الاذن والإجازة من ثدي واحد ، فإنّ الإذن رضا بما يقع ، والإجازة رضا بما وقع ، وكل منهما يصحح الانتساب الى غير المباشر.

نعم يبقى الكلام في الدليل الذي هو مقام الإثبات. والظاهر أنّ دليل صحة عقد الفضولي بنفسه قاصر عن شموله للقبض بكلا قسميه. والملازمة ـ مطلقا من الشرعية


وعن المختلف (١) أنّه حكى عن الشيخ «أنّه لو أجاز المالك بيع الغاصب لم يطالب (٢) المشتري بالثمن» ، ثمّ ضعّفه (٣) بعدم استلزام إجازة العقد لإجازة القبض.

______________________________________________________

(١) الغرض من هذا النقل التنبيه على كون استلزام إجازة عقد الفضولي لإجازة قبض المال ـ المعقود عليه فضولا ـ محلّ الخلاف بين الأصحاب ، فالعلّامة حكى في المختلف عن الشيخ قدس‌سرهما : أنّ الغاصب إذا باع مال الغير فضولا ، ثم أجاز المالك الأصيل بيع الفضولي ، كانت إجازة البيع إجازة قبض الثمن أيضا ، وليس لمالك المبيع مطالبة المشتري بالثمن ، لأنّ إجازة البيع إجازة قبض الثمن بالملازمة.

قال العلّامة قدس‌سره : «قال في النهاية : لو أمضى المغصوب منه البيع ، لم يكن له بعد ذلك درك على المبتاع ، وكان له الرجوع على الغاصب بما قبضه من الثمن. وفيه نظر ، فإنّ إمضاء البيع لا يوجب الإجازة في قبض الثمن» (١). وظاهر كلاميهما الإطلاق ، يعني سواء أكان الثمن كلّيا أم شخصيا.

(٢) أي : لا يجوز للمالك المغصوب منه مطالبة الثمن من المشتري ، بل له مطالبته من الغاصب ، لأنّ إجازته للبيع إمضاء للقبض أيضا. ولمّا كان بيع الغاصب من أقسام بيع الفضولي صحّت دعوى الملازمة بين إجازة البيع وإجازة قبض الثمن في جميع أقسام الفضولي.

(٣) يعني : أنّ العلامة ضعّف ما حكاه عن شيخ الطائفة بإنكار الملازمة بين إجازة العقد وإجازة القبض. والوجه في إنكارها عدم اللزوم الشرعي والعرفي ، لما مرّ من إمكان التفكيك بينهما ، فلا وجه حينئذ لدعوى الملازمة.

__________________

والعرفية ـ بين إجازة نفس عقد الفضولي وبين القبض أيضا غير ثابتة كما مر آنفا ، فلا يكون قبض الفضولي قبض المالك بمجرّد إجازة عقده.

وأمّا مع تحقق الإجازة بالنسبة إلى القبض بالصراحة أو بالقرينة فلا ينبغي الإشكال في نفوذ الإجازة ، وترتب آثار قبض المالك على قبض الفضولي بعد انطباق الضابط المذكور آنفا على إجازة القبض.

__________________

(١) النهاية ، ص ٤٠٦ ، مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٧.


وعلى أيّ حال (١) فلو كانت إجازة العقد ـ دون القبض ـ لغوا كما في الصرف والسلم بعد قبض الفضولي والتفرّق كانت (٢) إجازة العقد إجازة القبض (*) صونا للإجازة عن اللغوية (٣).

______________________________________________________

(١) أي : سواء التزم الفقهاء بالملازمة المزبورة أم لا فلو كانت .. إلخ. وهذا إشارة إلى تفصيل آخر أشرنا إليه في أول التنبيه ، وهو إثبات استلزام إجازة البيع لإجازة القبض ، وتوضيحه : أنّ إجازة المالك الأصيل للعقد إن كانت بدون إجازة القبض لغوا كما في بيع الصرف والسّلم ، حيث إنّ القبض في المجلس شرط صحتهما ، فإن لم تستلزم إجازة البيع إجازة الفضولي للقبض في المجلس بعد التفرق عن المجلس كانت إجازة البيع لغوا ، لفقدان شرطه وهو القبض في المجلس ، وعدم إمكان تداركه ، لتفرق المتعاقدين. فلا بدّ حينئذ بمقتضى دلالة الاقتضاء من الالتزام باستلزام إجازة عقد الفضولي لإجازة قبضه الحاصل في المجلس. وإن لم تكن إجازة المالك مستلزمة لإجازة قبض الفضولي كما في غير العقد المشروط بالقبض في المجلس ، فلا وجه لدعوى الملازمة المزبورة.

(٢) جواب الشرط في قوله : «فلو كانت».

(٣) هذا إشارة إلى دلالة الاقتضاء الحاكم بها العقل كما أشرنا إليها آنفا.

__________________

(*) هذا الاستلزام منوط أوّلا بقابلية القبض لجريان الفضولية فيه ثبوتا ، وقد مرّ في التعليقة السابقة صحة جريانها فيه بمقتضى الضابط المذكور فيها.

وثانيا : باستلزام إجازة العقد لإجازة القبض إثباتا. وهذا بمقتضى تبعية العقود للقصود منوط بقصد ما يعتبر في العقد شطرا وشرطا ، وبدون قصده لا يترتب على إجازة المالك الأصيل ، فإجازة العقد لا تكون إجازة للقبض المعتبر فيه إلّا إذا قصد القبض ، وهذا القصد موقوف على علم المالك تفصيلا بشرطية القبض في العقد ، أو علمه إجمالا بأن يقول : أجزت هذا العقد مع جميع ما يعتبر فيه شرعا. ولا يكفي أن يقول : أجزته مع جميع ما يعتبر فيه عرفا ، لأنّ القبض في المجلس في بيع الصرف شرط شرعي لا عرفي. فإجازة العقد بشرطه العرفي لا تدلّ على إجازته بشرطه الشرعي.

وبالجملة : فاستلزام إجازة العقد لإجازة شرائطه الشرعية مشروط بقصد تلك الشرائط تفصيلا أو إجمالا.


ولو قال (١) : «أجزت العقد دون القبض» ففي بطلان العقد (٢) ، أو بطلان (٣) ردّ القبض ، وجهان (٤).

السادس (٥):

______________________________________________________

(١) هذا إشارة لما يتفرع على الملازمة بين إجازة البيع والقبض ، وأنّه لو صرّح المالك بإجازة بيع الصرف دون القبض ، فهل يبطل العقد رأسا أم يصح ويلغو ردّ القبض؟

(٢) رأسا ، لتقوّمه بالقبض في مثل بيع الصرف ، والمفروض أنّه لم يجز القبض ، فيبطل العقد ، ولا مصحّح له بعد انقضاء المجلس.

(٣) بطلان ردّ القبض عبارة أخرى عن صحة القبض المستلزمة لصحة العقد ، فكأنّه قال : ففي بطلان العقد وصحته وجهان.

(٤) ناشئان من لغوية الإجازة مع كون القبض ركنا في بيع الصرف ، فيبطل كل من العقد والقبض ، إذ لا معنى لإجازة بيع الصرف المجرّد عن القبض الصحيح ، فالمعاملة فاسدة حينئذ.

ومن أنّ إجازة العقد مصحّحة له. ولا أثر لردّ القبض بعدها ، لأنّ إمضاء العقد إمضاء للقبض الملازم له ، فيلغو ردّه بعد إمضائه ، فيصح العقد.

لكن الحق بطلانهما معا ، لأنّ مقتضى بناء أبناء المحاورة على الأخذ بظواهر الألفاظ ـ بعد فراغ المتكلمين عن كلامهم ـ هو بطلان العقد في المقام ، لقرينية ردّ القبض على عدم الأخذ بظهور قوله : «أجزت العقد».

وهذا الفرض لا يزيد على ما إذا باشر المالك بيع الصرف بدون القبض حتى انقضى المجلس ، إذ لا شبهة في بطلان البيع حينئذ وعدم وجه لصحته. فمعنى قوله : «أجزت البيع دون القبض» أجزت بيعا باطلا.

نعم يصح ذلك في البيع الذي لا يشترط في صحته القبض في المجلس ، إذ لا مانع من صحة البيع فقط بالإجازة دون القبض.

لا تشترط الإجازة بالفور

(٥) الغرض من عقد هذا الأمر التنبيه على عدم اشتراط إجازة البيع الفضولي بوقوعها فورا بعد العلم به ، وقد صرّح جمع من الأصحاب بذلك كالشهيد والفاضل


الإجازة ليست على الفور (١) ،

______________________________________________________

المقداد وأصحاب الحدائق والرياض ـ كما في مفتاح الكرامة (١) ـ والمناهل ، ففي الأخير : «لا يشترط في الإجازة الفورية كما صرّح به في الدروس ، اللهم إلّا أن يترتب الضرر على من لا إجازة له ، بحيث لا يتحمّل عادة ، فيحتمل حينئذ إجبار من له الإجازة على اختيار أحد الأمرين الفسخ أو الإمضاء إن أمكن ، وإلّا فيجوز الفسخ مطلقا» (٢).

وقد تعرّض المصنف قدس‌سره أيضا لما يتفرع على عدم اعتبار الفور في الإجازة ، وهو : أنّه لو تضرّر الأصيل بعدم جواز تصرفه في شي‌ء من العوضين في مدة التربص ، فهل يجبر المالك على الإجازة أو الردّ أم لا؟ وسيأتي بيانه.

(١) كما إذا علم ببيع ماله فضولا ، ولم يجزه إلّا بعد أسبوع ، فإنّه يصحّ ، وينفذ العقد ، وليست إجازة عقد الفضولي إلّا كنفس البيع في عدم الفورية ، وليست كخيار الغبن في سقوطه لو لم يأخذ به المغبون بعد علمه بالغبن.

واستند المصنف قدس‌سره في نفي دخل الفور في الإجازة إلى أكثر ما تقدم من الأدلة والمؤيّدات المذكورة في أوّل بحث البيع الفضولي.

فمن الأدلة إطلاق آية التجارة عن تراض ، وعدم تقييدها بلحوق الرضا بالتجارة فورا.

ومنها : صحيحة محمّد بن قيس الواردة في بيع الوليدة ، لوضوح أنّ مالكها الأصلي نفّذ البيع بعد وقوعه بمدة طويلة ، لكونه في السفر ، وبعد رجوعه منه واطّلاعه على إقدام ولده ببيع الجارية لم يجز البيع فورا ، بل أخذها من المشتري ، وانتهى الأمر إلى الترافع إلى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، ثم أجاز بيع ابنه. ولو كانت الفورية معتبرة في الإجازة لحكم عليه الصلاة والسلام بفساد البيع من جهة الفصل الكثير الموجب لفوات شرط تأثير الإجازة لو أجاز المالك ، مع أنّه عليه‌السلام علّم المشتري طريق الوصول إلى حقّه ، فقال له : «خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفّذ البيع لك» وهذا التعليم شاهد على بقاء بيع الوليدة فضولا على أهلية لحوق الإجازة به.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٠ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٤ ، التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٢٦ رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١٢

(٢) المناهل ، ص ٢٨٩


للعمومات ، ولصحيحة محمّد بن قيس (١) وأكثر المؤيّدات المذكورة (١) بعدها.

ولو لم يجز (٢) المالك ولم يردّ حتى لزم تضرّر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه على القول بالكشف (٣)

______________________________________________________

وعليه فيجوز للمجيز التواني في الإجازة ، ولا يقدح في الإمضاء ، هذا.

(١) كأخبار الاتّجار بمال اليتيم ، وتخلّف عامل المضاربة عن الشرط ، وتصرّف الودعي عدوانا في الوديعة (٢) ، فإنّ إجازة المالك والولي في هذه الموارد لم تصدر بعد العلم ـ بوقوع المعاملة الفضولية ـ مباشرة ، بل مع الفصل. ولا أقل من الإطلاق ، وأنّ تلك المعاملة قابلة للتنفيذ والإمضاء سواء وقعا فورا أم تراخيا.

ولعلّ التعبير بالأكثر ـ دون جميع المؤيّدات ـ لأجل ظهور بعضها في تحقق كلّ من الإجازة أو الردّ بعد العلم بالفضولية ، كما في حكاية فعل السمسار في موثقة عبد الله «فيذهب فيشتري ، ثم يأتي بالمتاع ، فيقول : خذ ما رضيت ، ودع ما كرهت. قال : لا بأس» (٣) فإنّه ـ بناء على حمله على الفضولية ـ ظاهر في صدور الإجازة بعد العلم بشرائه فضولا من دون تراخ في البين.

(٢) هذا متفرع على عدم كون الإجازة على الفور ، وحاصله : أنّه لو أهمل مالك المال المعقود عليه فضولا ، فلم يجز العقد ولم يردّه حتى تضرّر الأصيل الذي هو أحد طرفي العقد بعدم تصرفه فيما انتقل عنه وإليه ـ بناء على الكشف ـ فالأقوى تدارك ذلك الضرر بالخيار ، أو بإجبار المالك الأصيل على الإجازة أو الرد.

(٣) قيد للزوم الضرر على الأصيل ، لأنّه على الكشف ينتقل بدل ماله إليه حين العقد الذي أنشأه الفضولي ، فتأخير الإجازة يوجب الضرر عليه من ناحية عدم تصرفه فيما انتقل عنه وما انتقل إليه. بناء على لزوم العقد من طرفه ، وعدم جواز تصرفه فيما انتقل عنه وإليه. بخلاف القول بالنقل ، لبقاء المالين على ملك مالكيهما ، فيجوز للأصيل أن يتصرف فيما انتقل عنه. وقد تقدم في ثمرات الكشف والنقل حكم تصرف الأصيل ، فراجع (ص ١٠٧).

__________________

(١) تقدمت في ج ٤ ، ص ٣٨٨.

(٢) المصدر ، ص ٤٣٨ و ٤٢٧ و ٥٣١.

(٣) المصدر ، ص ٤٦٠ ـ ٤٦٤.


فالأقوى (١) تداركه بالخيار ، أو إجبار المالك (*) على أحد الأمرين (٢).

______________________________________________________

(١) جواب قوله : «ولو لم يجز».

(٢) وهما الإجازة والرّد.

__________________

(*) وجه هذا التخيير هو مبنى المصنف قدس‌سره في قاعدة نفي الضرر من أنّ المنفي بها هو نفس الحكم الضرري ، فكل حكم ضرري مرفوع بها. ففي المقام يكون كلّ من لزوم عقد الفضولي على الأصيل ، ومن عدم جواز إجبار المالك على أحد الأمرين ضررا ، فهما مرفوعان. ولازم ذلك هو الخيار ، أو إجبار المالك.

بخلاف البناء على ما أفاده صاحب الكفاية قدس‌سره من أنّ المنفي بقاعدة نفي الضرر هو الحكم بلسان نفي الموضوع ، فإنّ حكم الموضوع الضرري ـ أعني به العقد ـ وهو لزومه على الأصيل منفي. فالمتعيّن هو الخيار. وأمّا عدم جواز الإجبار فليس من أحكام العقد حتى يكون منفيّا بقاعدة نفي الضرر.

أقول : الظاهر تعيّن الخيار على كلا المسلكين ، وعدم الوجه للتخيير بينه وبين إجبار المالك. إذ مورد الإجبار هو الامتناع عن الحقّ حتى يندرج في الممتنع الذي يكون الحاكم وليّه ، فيجبره على أداء الحق إلى صاحبه ، أو الامتناع عن أداء التكليف الإلزامي الشرعي ليجبره الحاكم على امتثاله من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وليس المقام كذلك ، لعدم إيجاب عقد الفضول حقّا للأصيل على المالك ، ولا وجوبا شرعا للإجازة والردّ عليه.

وببيان أوضح : انّ حرمة إجبار المالك ليست كاللزوم من أحكام العقد حتى تنفى بقاعدة الضرر ، ويخيّر الأصيل بين الفسخ وبين إجبار المالك ، ضرورة أنّ حرمة الإجبار من آثار الملك ، لا من آثار العقد حتى ترتفع بالقاعدة ، فالقاعدة بكلا مسلكي المصنف وصاحب الكفاية قدس‌سرهما لا تشمل عدم جواز الإجبار ، لعدم كونه حكما للعقد حتى يندرج في الموضوع الضرري أو في نفس الحكم الضرري أي في النفي البسيط في قاعدة نفي الضرر كما هو مبنى المصنف ، أو في النفي المركّب كما هو مسلك صاحب الكفاية. فالنزاع صغروي وهو عدم كون حرمة الإجبار من أحكام العقد حتى تندرج في قاعدة الضرر وترتفع بها ، إذ لو كانت من أحكام العقد لم يكن إشكال في ارتفاعها بها.

فتحصل ممّا ذكرنا : أنّ المتعيّن في المقام هو الخيار فقط ، لعدم موجب لجواز إجبار المالك أصلا.


السابع (١):

هل يعتبر في صحّة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا (٢) ،

______________________________________________________

هل تعتبر مطابقة الإجازة للمجاز؟

(١) هذا سابع الأمور التي ينبغي التنبيه عليها ، وهو : أنّه هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها من حيث العموم والخصوص لما وقع عليه عقد الفضولي أم لا؟ فإذا وقع العقد على شيئين ـ فرش وكتاب مثلا ـ وأجاز مالكهما بيع الفرش فقط ، فهل يصحّ ذلك؟ أم لا بدّ من إجازتهما معا ليحصل التطابق بين الإجازة وبين ما وقع عليه العقد ، كصورة كون المعقود عليه شيئا واحدا معيّنا في مطابقة الإجازة لما وقع عليه العقد بالخصوص.

ظاهر المتن أنّ في المسألة احتمالات :

الأول : صحة الإجازة فيما خالفت العقد بالعموم والخصوص ، كما في مثال بيع كتاب وفرس فضولا ، وإجازة بيع أحدهما. والوجه فيه أنّ للمالك سلطنة على بيع ماله كلّا أو بعضا ، ومطلقا أو مقيدا ، مباشرة أو تسبيبا ، فتصح مخالفة الإجازة للعقد.

الثاني : بطلان الإجازة ، لكون المجاز هو ما وقع من العقد ، فلا بدّ في صحة الإجازة من مطابقتها له.

الثالث : التفصيل بين كون المخالفة بنحو الكل والجزء ، فيصح العقد ، ويثبت للأصيل خيار تبعض الصفقة ، وبين كونها بنحو الإطلاق والاشتراط ، بأن كان العقد مشروطا بشي‌ء ، فأجازه مجردا عن الشرط فيبطل.

ولو انعكس بأن كان البيع مطلقا وأجاز مشروطا بشي‌ء ، ففيه احتمالات :

أحدها : الصحة بشرط قبول الأصيل.

ثانيها : الصحة مطلقا حتى لو رفض الأصيل الشرط.

ثالثها : البطلان ، وهو مختار المصنف قدس‌سره. وسيأتي الكلام في هذه الصور وأحكامها إن شاء الله تعالى.

(٢) هذا و «عموما» تمييزان ل «مطابقتها» يعني : مطابقتها من حيث العموم والخصوص.


أم لا؟ وجهان (١). الأقوى التفصيل (٢) ، فلو أوقع العقد على صفقة ، فأجاز المالك بيع بعضها ، فالأقوى (٣) الجواز ، كما لو كانت الصفقة بين مالكين ، فأجاز أحدهما ، وضرر التبعّض على المشتري يجبر بالخيار (٤).

ولو أوقع العقد (٥) على شرط ، فأجاز المالك مجرّدا عن الشرط ،

______________________________________________________

(١) يعني : الصحة مطلقا ، والبطلان كذلك ، في قبال التفصيل الآتي ، وقد تقدم آنفا وجه الصحة والفساد.

(٢) الأولى أن يقال : «التفصيل بين الجزء والشرط ، فلو أوقع .. إلخ» إذ لم يذكر شيئا قبله حتى يفرّع عليه قوله : «فلو أوقع».

وكيف كان فمحصل هذا التفصيل هو : أنّه إذا وقع العقد على جملة من أشياء ، فأجاز المالك بيع بعضها ، فالأقوى الجواز ، لانحلال العقد إلى عقود عديدة. نظير ما إذا كانت الصفقة بين مالكين ، فأجاز أحدهما ، فإنّه لا إشكال في صحة البيع فيما أجازه أحد المالكين ، كما لو كانت الدار ملكا مشاعا لزيد وعمرو ، فباعها الفضولي ، فأجازه زيد ولم يجزه عمرو ، إذ يصحّ البيع بالنسبة إلى حصة زيد ، فينتقل النصف المشاع إلى المشتري ، ويثبت له الخيار ، فإن شاء فسخ العقد ، وإن شاء اقتنع بالنصف.

والوجه في الصحة ما تقرّر في محلّه من انحلال العقد الواقع على متعدد إلى عقود عديدة ، كما لو باع ما يملك كالشاة وما لا يملك كالخنزير بإنشاء واحد ، فيصحّ في الشاة ، ويبطل في الخنزير.

وإذا وقع للعقد على شي‌ء مقيّدا ، فأجازه المالك مطلقا فسيأتي.

(٣) جواب الشرط في «فلو أوقع» ووجه الجواز ما عرفت من انحلال العقد الواقع على شيئين أو أشياء إلى عقود عديدة.

(٤) وهو خيار تبعض الصفقة للمشتري.

ولا يخفى أنّ مقتضى ما أفاده في الأمر السابق من تدارك ضرر الأصيل بالخيار أو بإجبار المالك هو جبران ضرر تبعض الصفقة بالخيار أو بإجبار المالك أيضا ، لا بالخيار فقط ، على ما هو ظاهر قوله قدس‌سره : «يجبر بالخيار».

(٥) هذا شروع في حكم مخالفة الإجازة للعقد المجاز مخالفة الإطلاق والتقييد ، كما إذا كان عقد الفضولي مشروطا بشرط الخياطة مثلا ، وأجازه المالك مجرّدا عن ذلك الشرط. والمصنف قدس‌سره حكم فيه بالبطلان بناء على اختصاص انحلال العقود بالأجزاء ،


فالأقوى (١) عدم الجواز بناء على عدم قابليّة العقد للتبعيض من حيث الشرط ، وإن كان قابلا للتبعيض من حيث الجزء ، ولذا (٢) لا يؤثّر بطلان الجزء ، بخلاف بطلان الشرط (٣).

ولو انعكس الأمر ، بأن عقد الفضوليّ مجرّدا عن الشرط (٤) وأجاز المالك مشروطا ، ففي (٥) صحّة الإجازة مع الشرط إذا رضي به الأصيل ، فيكون نظير

______________________________________________________

وعدم تطرّقه في الشرائط ، إذ مع تطرّقه فيها كتطرّقه في الأجزاء يكون المتعيّن الحكم بالصحة لأجل انحلال العقد من حيث الشرط كانحلاله من حيث الجزء.

فمبنى بطلان العقد في المخالفة بالإطلاق والتقييد هو عدم انحلال العقد في الشروط ، إذا المفروض وحدة العقد وبساطته ، وعدم تعدده بالانحلال. وحيث إنّه قيّد بقيد قد نفاه مالك العقد فلا سبيل حينئذ إلى تصحيحه.

(١) جواب «ولو أوقع». وقوله : «مجرّدا عن الشرط» قيد ل «عدم الجواز».

(٢) أي : ولأجل قابلية العقد للتبعّض من ناحية الجزء ـ وعدم قابليته للتبعض من حيث الشرط ـ لا يؤثّر بطلان الجزء في بطلان العقد ، كما إذا ظهر كون ذلك الجزء مستحقّا للغير.

(٣) فإنّ بطلانه يؤثّر في بطلان العقد ، لأنّه واحد غير متعدد حتى يصح في عقد مجاز ، ويبطل في غيره. والوجه في عدم انحلاله من حيث الشرط ما قيل من عدم وقوع شي‌ء من الثمن بإزائه.

(٤) كما إذا باع دار زيد فضولا بلا شرط ، وأجازه المالك بشرط أن يصلّي المشتري الصلوات اليومية أوّل أوقاتها مثلا ، ففي حكمه وجوه ثلاثة :

أحدها : صحة الإجازة مع الشرط الذي اشترطه المالك إذا رضي الأصيل بذلك الشرط ، قياسا على الشرط الواقع في ضمن القبول ، كما إذا قال البائع : «بعتك هذا الكتاب» ولم يشترط شيئا ، ولكن المشتري اشترط وقال : «اشتريت هذا الكتاب بشرط أن تجعل لي منه درسا» ورضي الموجب بهذا الشرط.

وبالجملة : فعقد الفضوليّ مع شرط المالك المجيز ـ ورضا الطرف الأصيل به ـ صحيح ويجب الوفاء به.

(٥) جواب الشرط في قوله : «ولو انعكس».


الشرط الواقع في ضمن القبول إذا رضي به الموجب ، أو بدون (١) الشرط ، لعدم وجوب الوفاء بالشرط إلّا إذا وقع في حيّز العقد ، فلا يجدي وقوعه في حيّز القبول إلّا إذا تقدّم (٢) على الإيجاب ليرد الإيجاب عليه أيضا (٣). أو بطلانها (٤) ، لأنّه إذا لغا الشرط لغا المشروط ، لكون المجموع التزاما واحدا ، وجوه (٥) ، أقوالها الأخير (٦) (*).

______________________________________________________

(١) معطوف على «مع الشرط» وهذا هو الوجه الثاني ، وحاصله : أنّ العقد صحيح دون الشرط ، لأنّ الشرط الذي يجب الوفاء به هو خصوص الشرط الواقع في حيّز العقد وفي ضمنه ، وحيث إنّ شرط المالك لم يقع في ضمن عقد الفضولي ، إذ المفروض وقوعه مجرّدا عن الشرط ، فلم يرد الإيجاب عليه حتى يندرج في الشرط الواقع في ضمن العقد ويشمله دليل وجوب الوفاء بالشروط.

(٢) أي : إذا تقدّم القبول الحاوي للشرط ، كأن يقول المشتري : «اشتريت هذا الكتاب بشرط أن يجعل لي البائع منه درسا» ويقول البائع : «بعتك هذا الكتاب مع الشرط المزبور».

فالنتيجة : صحة العقد المجاز مجرّدا عن الشرط ، وعدم بطلان العقد به.

(٣) يعني : كورود القبول على الشرط كما مرّ ، وضمير «عليه» راجع إلى الشرط.

(٤) معطوف على «صحة الإجازة» وهذا هو الوجه الثالث ، ومحصله : بطلان الإجازة الموجب لبطلان العقد ، وذلك لسراية بطلان الشرط إلى المشروط وهو العقد ، لما قيل : من انتفاء المشروط بانتفاء شرطه. بدعوى : أنّ مجموع العقد والشرط التزام واحد بسيط ، لا متعدد حتى لا يلتزم من انتفاء البعض انتفاء الكلّ.

(٥) مبتدء مؤخر ، وجملة «ففي صحة الإجازة» خبره.

(٦) وهو بطلان الإجازة الموجب لبطلان العقد والشرط معا ، وهذا مبني على مفسدية الشرط الفاسد للعقد ، وهو خلاف مختاره في باب الشروط من عدم مفسديته له.

والظاهر أنّ مفسدية الشرط للعقد وعدمها مبنيّة على وحدة المطلوب وتعدده. فعلى الأوّل يفسد العقد دون الثاني.

__________________

(*) تفصيل الكلام في المقام هو : أنّ الإجازة قد تطابق العقد ، كما إذا باع الفضولي


.................................................................................................

__________________

دكّان زيد ، ولمّا علم زيد بذلك أجاز البيع كما وقع من دون تفاوت أصلا. وهذا لا إشكال في صحته.

وقد تخالف العقد ، إمّا مخالفة تباينية ، كما إذا وقع العقد على الدكان مثلا ، وأجاز المالك بيع الدار. ولا إشكال في بطلانه.

وإمّا مخالفة بالجزئية والكلية ، كما إذا باع الفضولي تمام الدكان ، وأجاز المالك نصفه. والظاهر صحته ، لما ثبت في محله من انحلال البيع بحسب أجزاء المبيع ، فالمجاز بعض العقود التي انحلّ إليها عقد الفضولي ، لا جميعها. وهذا نظير بيع ما يملك وما لا يملك ، وبيع المال المشترك بين شخصين إذا أجاز أحدهما بيع ماله دون الآخر. غاية الأمر أنّ الطرف الآخر يثبت له خيار تبعض الصفقة.

وإمّا مخالفة بالإطلاق والتقييد ، كما إذا باع الفضولي دكّان زيد بلا شرط ، وأجاز المالك ذلك البيع بشرط أن يتصدّق على فقير بدينار ، أو العكس ، كما إذا باع الدكان بشرط أن يصوم يوم الجمعة ، وأجاز المالك هذا البيع بدون ذلك الشرط.

والمصنف قدس‌سره حكم بعدم الجواز في هذه الصورة ، لعدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط وإن كان قابلا له من حيث الأجزاء ، وحكم في الصورة السابقة بكون أقوى الوجوه بطلان الشرط والمشروط ، لما أفاده في المتن.

أقول : ينبغي البحث عن جهات :

الأولى : أنّ البحث عن اعتبار مطابقة الإجازة للعقد صغروي لا كبروي ، لأنّ مفهوم الإجازة ـ وهو إنفاذ العقد ـ متقوم بمطابقة الإجازة له ، وإلّا لم تكن إنفاذا له. وهذه المطابقة كمطابقة القبول للإيجاب التي قال المصنف فيها : إنّها من القضايا التي قياساتها معها. فالبحث عن وجود المطابقة في الاجزاء دون الشرائط مثلا صغروي.

الثانية : أنّ الضابط في صحة إجازة بعض العقد وعدمها ـ ومطابقتها له في جميع الصور من العموم والخصوص والشرط والمشروط ـ هو تعدد الالتزام العقدي ووحدته ، دون الجزء والشرط كما عليه المصنف قدس‌سره ، حيث إنّه جعل مورد صحة إجازة بعض العقد خصوص المبيع ذي الأجزاء ، دون العقد المشروط ، فإنّه أبطل إجازة المشروط بدون الشرط ،


.................................................................................................

__________________

لأنّ الشرط إن كان قيدا للبيع دون المبيع أوجب ذلك تعدد الالتزام ، كما إذا قال : «بعتك كتاب المكاسب بشرط أن تقرأ منه كل يوم ورقه» فإنّ هنا التزامين أحدهما الالتزام ببيع الكتاب ، والآخر بالقراءة منه. فلا مانع حينئذ من إجازة المالك التزام بيعه دون شرطه.

نعم إن كان الشرط قيدا للمبيع كأن يقول : «بعتك حقة حنطة كرديّة» حيث إنّ المبيع حصة خاصة من طبيعة الحنطة الكردية ، والتبديل أو التمليك تعلّق بخصوص تلك الحصة ، كان الالتزام واحدا ، وليس للمالك إجازة حصة من طبيعة الحنطة سواء أكانت كردية أم غيرها.

فتلخص ممّا ذكرنا : أنّ صحة إجازة بعض العقد منوطة بتعدد الالتزام ، من دون تفاوت بين الجزء والشرط.

الثالثة : أنّه لا فرق في اعتبار مطابقة الإجازة للعقد بين الكشف والنقل ، لأنّ مقتضى مفهومها ـ وهو إنفاذ العقد ـ عدم الفرق بين إنفاذه من حين وقوع العقد وبين إنفاذه من حين الإجازة ، فإنّ متعلق الإجازة هو نفس العقد سواء أثّرت فيه من زمان وقوعه أم من حين الإجازة ، غاية الأمر أنّها على الكشف شرط متأخر ، وعلى النقل شرط متقدّم.


وأمّا (١) القول في المجيز ، فاستقصاؤه يتمّ ببيان أمور (٢):

الأوّل (٣) : يشترط في المجيز أن يكون حين الإجازة جائز التصرّف بالبلوغ والعقل والرشد (*).

______________________________________________________

الكلام في ما يعتبر في المجيز

(١) معطوف على ما ذكره في (ص ٥) بقوله : «أمّا حكمها».

(٢) هذه الأمور متعلقة بشرائط المجيز ، وتذكر في طيّ مسائل.

اعتبار الكمال حين الإجازة

(٣) هذا أوّل تلك الأمور ، وينبغي أن تعدّ الشرائط الأربعة المذكورة في هذا الأمر من القضايا التي قياساتها معها ، لما مرّت الإشارة إليه في رابع تنبيهات الإجازة من أنّ الإجازة من أحكام الملك كجواز البيع ، فكلّ ما يشترط في البيع الابتدائي يشترط في الإجازة ، لكونها تصرفا ماليّا. فالمجيز لعقد الفضولي يكون كالبائع ابتداء في اعتبار البلوغ والعقل والرشد فيه ، فكما لا يكفي في صحة البيع مالكية البائع للمبيع ، بل يعتبر سلطنته على التصرف وعدم حجره عنه ، فكذا تعتبر أهلية التصرف حال الإجازة.

__________________

(*) اعتبارهما يكون في حال الإجازة ، فلو فقدهما بعد الإجازة لم يقدح في صحّة العقد ، كما أنّهما لو لم يكونا قبل الإجازة ووجدا حال الإجازة كفى في صحة العقود ، كالجنون الأدواري إذا وقعت الإجازة في دور إفاقته.


ولو (١) أجاز المريض بني نفوذها (٢) على نفوذ منجّزات المريض.

ولا فرق فيما ذكر (٣) بين القول بالكشف والنقل.

______________________________________________________

وعليه فلو أجاز الراهن أو المفلّس بيع ماله المتعلق به حق المرتهن أو الغرماء لم تؤثّر إجازته ، لعدم جواز تصرفه في ماله من جهة تعلّق حقّ المرتهن أو الغرماء به ، فإنّ إجازة البيع تصرّف ماليّ ، وليس للراهن أو المفلّس التصرف فيه قبل فكّه عن الحق المتعلق به.

(١) الأولى ابدال الواو بالفاء ، لأنّه متفرّع على قوله : «جائز التصرّف».

(٢) أي : نفوذ الإجازة ، وهذا مبني على تعميم عدم نفوذ منجزات المريض ـ زائدا على الثلث ـ للعقود المعاوضيّة ، وعدم اختصاصها بالمجّانيّات والتبرعيّات كالعتق والهبة والصدقة والوقف والصلح والإجارة المحاباتيتين ، أو بعوض أقلّ ، وإبراء الدين ، وشراء من ينعتق عليه ونحو ذلك. دون التسبيبيات كإتلاف مال الغير والجناية على الغير بما يوجب الأرش أو الدية ، أو ما يوجب الكفارة ، فإنّ جميع ذلك دين يخرج من صلب المال ، لا من الثلث.

وهذا التعميم غير ثابت كما يظهر بالمراجعة إلى تلك المسألة. وعليه فليس المريض محجورا عن التصرف المعاوضي في ماله ، فلا بأس بإجازته لما وقع على ماله من عقد الفضولي.

(٣) أي : لا فرق فيما ذكر ـ من اشتراط اجتماع هذه الأمور في المجيز ـ بين كون الإجازة كاشفة وناقلة ، وذلك لكون الإجازة تصرّفا اعتباريّا في المال ، إذ بدونها لا يؤثّر العقد في النقل والانتقال ، وجواز التصرف المالي مشروط بهذه الشروط ، غاية الأمر أنّ الإجازة بناء على الكشف شرط متأخّر ، وعلى النقل شرط متقدم.

نعم بناء على الكشف المحض ، وكون العقد سببا تامّا ، وعدم دخل للإجازة في تأثيره كما قيل ـ أو بناء على شرطية الرضا التقديري المقارن للعقد ، وكون الإجازة كاشفة عنه ـ لا يعتبر جواز تصرف المجيز حين الإجازة ، لعدم كون الإجازة حينئذ


الثاني (١) : هل يشترط في صحة عقد الفضوليّ

______________________________________________________

تصرّفا ماليّا ، فلا بأس بأن يجيز مثل المحجور عليه لسفه أو غيره ، لعدم حجره عن إتيان ما يكشف عن أمر سابق عليه.

اشتراط وجود مجيز حال العقد

(١) هذا ثاني الأمور المبحوث عنها في المجيز ، وغرضه من عقد هذا الأمر تحقيق جهة أخرى في من يجيز البيع الفضولي ، وهي : أنّه هل يشترط في صحة عقده أن يكون له مجيز حال العقد أم لا يشترط؟ بأن يكفي وجود المجيز حال إجازته.

والمراد بالمجيز وجود من هو أهل للإجازة ، بأن لا يمنعه مانع عنها ، بحيث لو أجاز لنفذ البيع ، كما إذا بيع مال الصغير فضولا بأقل من ثمن المثل ، وامتنع وليّه عن إجازة البيع من جهة مخالفته لصلاح الطفل وغبطته ، ولكن المتاع انخفض سعره السوقي بعد أيّام بحيث صار أقل قيمة ممّا باعه الفضول به ، فلو لم يجز الولي ذلك البيع تضرّر الصبي أكثر من بقاء المتاع في ملكه ، فيقال : إنّ إمضاء بيع الفضولي مشروط بعدم مانع عن إجازة العقد ، أم لا؟ فبناء على مسلك العلّامة لم يكن البيع حال وقوعه بصلاح الصغير ، فلا يقبل الإجازة بعده ، وبناء على مسلك المشهور يكون المدار على المصلحة حال الإجازة ، لا حال العقد ، ولا عبرة بالمانع الموجود حاله.

ثم إنّ المناسب تقديم هذا الأمر الثاني على الأمر الأوّل ، ـ كما أشار إليه السيد قدس‌سره ـ لأنّ وجود المحل مقدّم على وجود عرضه رتبة ، فالبحث عن أصل وجود المجيز حين العقد مقدم على البحث عن أوصافه من بلوغه وعقله ورشده كما لا يخفى.

قال السيد قدس‌سره : «الكلام في أمور ، أحدها : يشترط في المجيز أن يكون جائز التصرف حال الإجازة.

الثاني : هل يشترط وجود مجيز جائز الإجازة حال العقد أو لا؟

الثالث : هل يشترط كون المجيز جائز التصرف حال العقد بناء على اشتراط وجود مجيز جائز الإجازة أولا؟ وأمّا بناء على عدم اشتراطه فمن المعلوم أنّه لا يشترط ذلك.


وجود (*) مجيز (١) حين العقد ،

______________________________________________________

فالمسألة الثالثة مبنية على اشتراط وجود المجيز ، فيكون الكلام في أنّه هل يجب أن يكون هو الذي كان حال العقد جائز الإجازة ، أو يجوز أن يكون غيره.

الرابع : هل يشترط أن يكون مالكا حال العقد أو لا؟ كما إذا باع شيئا ثمّ ملك» (١).

وكيف كان فكلام المصنف في هذا الأمر يقع في مقامين أحدهما : تحقيق حكم المسألة من حيث الاشتراط وعدمه ، وثانيهما : النظر فيما قيل حول عبارة العلّامة. والكلام فعلا في المقام الأوّل.

(١) متمكّن عادة من الإجازة ، وليس المراد ذات المجيز ، لأنّه موجود دائما ، كالإمام عليه‌السلام ونائبه الفقيه المأمون وعدول المؤمنين ، بل المراد هو الصالح للإجازة فعلا.

__________________

(*) لا يخفى أنّه بعد وضوح عدم إمكان إرادة وجود ذات المجيز حين العقد ، لأنّه حاصل في جميع الموارد ، ولا يتصوّر خلوّ عقد في زمان عن ذات المجيز ، فلا محيص عن إرادة اشتراط وجود مجيز يتمكّن عادة من إجازته والاطّلاع عليه. فبيع الولي مال الطفل بدون مصلحته مع تجدّدها حال الإجازة من البيوع التي ليس لها مجيز قابل للإجازة حال العقد ، إذ لا ولاية للولي على مثل هذا التصرّف ، فيصدق حينئذ عدم وجود مجيز قابل للإجازة حين العقد ، لفقدان شرط صحته وهو مصلحة الطفل ، ولكن المجيز وهو الطفل بعد البلوغ وسائر الشرائط قابل للإجازة.

هذا ما يمكن أن يراد من العنوان المذكور في هذا الأمر الثاني. ولا بدّ أن يراد بقوله : «الثالث : لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرّف حال العقد .. إلخ» المجيز الفعلي ، وهو المجيز حين الإجازة ، يعني : لا يعتبر أن يكون المجيز حين الإجازة جائز التصرف حال العقد ، سواء قلنا باعتبار وجود مجيز متمكّن من الإجازة حين العقد أم لم نقل به.

فإن لم يكن حين العقد جائز التصرف كانت إجازته نافذة ، فلا يلزم التكرار ووحدة العنوانين.

فيمكن أن يكون المجيز حال الإجازة جائز التصرف حين العقد كبيع مال اليتيم مع

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٦٢.


فلا يجوز (١) بيع مال اليتيم لغير (٢) مصلحة ، ولا تنفعه إجازته (٣) إذا بلغ (*) أو إجازة وليّه إذا حدثت المصلحة (٤) بعد البيع ، أم لا يشترط (٥)؟ قولان :

أوّلهما (٦) للعلّامة في

______________________________________________________

(١) هذا متفرع على اشتراط صحة عقد الفضولي بوجود مجيز حين العقد ، إذ لازم هذا الاشتراط عدم صحة بيع مال اليتيم ـ بدون المصلحة ـ بإجازته بعد بلوغه ، أو بإجازة وليّه قبل البلوغ بعد طروء المصلحة.

وجه عدم الصحة : أنّ مثل هذا التصرف ليس له مجيز قابل للإجازة حال العقد وإن كان قابلا لها حين الإجازة ، فإنّ مقتضى اعتبار وجود مجيز قابل للإجازة حين العقد عدم فائدة في إجازة الولي أو اليتيم بعد بلوغه ، وبعد طروء المصلحة. ولا فرق في عدم القابلية بين أن يكون لعدم المقتضي ، وبين أن يكون لوجود المانع كجهل الولي بالمعاملة.

(٢) التقييد بعدم المصلحة ظاهر الوجه ، إذ لو كانت المصلحة في بيع ماله خوفا من الضرر كان المجيز حال بيعه فضولا موجودا ، فكان الوليّ يمضيه ويصح ، ويخرج عن محلّ الكلام. فمحلّ البحث هو وجود المانع عن إجازته ، بأن يترتب مفسدة على إمضاء بيع مال اليتيم فضولا. مع وضوح اشتراط التصرف في ماله بكونه خيرا له ، أو بعدم المفسدة.

(٣) أي : ولا ينفع البيع إجازته ، وضميرا «إجازته ، وليّه» راجعان إلى اليتيم.

(٤) يعني : ولو صار العقد من حيث طروء المصلحة وتبدل المفسدة بها صحيحا ، ولكنه لأجل عدم وجود مجيز صالح للإجازة ـ حين العقد ـ فاسد من أصله.

(٥) معطوف على «هل يشترط» ، وقوله : «قولان» مبتدء ، وخبره محذوف.

(٦) وهو اشتراط وجود مجيز صالح للإجازة حين العقد.

__________________

المصلحة ، فإنّ وليّه حين العقد والإجازة جائز التصرف. ويمكن أن لا يكون كذلك ، كما إذا بيع مال اليتيم فضولا بدون المصلحة ، فأجاز اليتيم بعد البلوغ ، فإنّ اليتيم حين العقد لم يكن جائز التصرف ، وصار جائز التصرف بعد البلوغ وحين الإجازة.

(*) هذا مبني على كون المصلحة شرطا للصحة كشرطية معلومية العوضين حين البيع.


ظاهر القواعد (١). واستدلّ له (٢)

______________________________________________________

(١) قال في القواعد : «والأقرب اشتراط كون العقد له مجيز في الحال ، فلو باع مال الطفل ، فبلغ وأجاز ، لم ينفذ على إشكال» (١) ، فإنّ قوله : «في الحال» ظاهر في حال العقد ، لا حال الإجازة.

وتعبيره ب «في ظاهر القواعد» لعلّه لأجل عدم الجزم بأنّ مراد العلّامة قدس‌سره اعتبار وجود مجيز حال العقد ، والوجه في عدم الجزم بالمطلب استشكاله في فرع المسألة بقوله : «لم ينفذ على إشكال» إذ لو كان هذا الشرط مسلّما كان المناسب ترجيح عدم نفوذ بيع مال الطفل وعدم الإشكال فيه.

هذا إذا كان الإشكال راجعا إلى عدم نفوذ بيع مال الطفل.

واحتمل السيد العاملي (٢) قدس‌سره رجوع الإشكال إلى أصل اشتراط أن يكون للعقد مجيز في الحال ، فكأنّه قال : «والأقرب على إشكال اشتراط ..» فيكون العلّامة متردّدا ـ في القواعد ـ في هذا الشرط ، كما استشكل فيه في نهاية الأحكام.

ويظهر من صاحب المقابس قدس‌سره تطرّق احتمالين في عبارة القواعد ، ولذا قال بعد نقل كلمات جمع كفخر المحققين والمحقق الكركي والفاضلين السيوري والصيمري والشهيد : «فمراده ـ أي العلّامة ـ اشتراط وجود من يجيز العقد حال صدوره ، أو كونه على الأوصاف المعتبرة في الإجازة من الكمال والملك» (٣). فيظهر منه الترديد في أنّ المراد اعتبار وجود مجيز حال العقد ، أو اعتبار اجتماع شروط الإجازة حالها.

وكيف كان فالمصنف استظهر اشتراط صحة بيع الفضولي بأن يكون للمجيز قابلية الإجازة حين العقد ، كما نقله صاحب الجواهر عن بعض بقوله : «قيل» (٤).

(٢) أي : للقول الأوّل وهو الاشتراط ، والمصنف قدس‌سره نقل وجهين لكلام العلّامة مذكورين في جامع المقاصد ، والأوّل منهما لفخر المحققين ، وبناه على مقدمات ثلاث

__________________

(١) قواعد الاحكام ، ج ٢ ، ص ١٩. نهاية الاحكام ، ج ٢ ، ص ٤٧٦

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٥.

(٣) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٤.

(٤) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩٧.


بأنّ (١) صحّة العقد والحال هذه ممتنعة ،

______________________________________________________

سيأتي توضيحها ، فلخّصه المحقق الثاني ، ثم ناقش فيه بما ذكره الفخر وجها لعدم الاشتراط وقوّاه. والوجه الثاني للسيد العميد قدس‌سره.

والعبارة المنقولة في المتن للمحقق الثاني قدس‌سره ، قال : «وجه القرب : انه مع عدم من له أهلية الإجازة تكون صحة العقد ممتنعة في الحال ، وإذا امتنعت في زمان امتنعت دائما ، لأنّ بطلان العقد في زمان يقتضي بطلانه دائما. ولما فيه من الضرر على المشتري .. إلخ» (١).

(١) هذا أوّل الوجهين المستدل بهما على الاشتراط ، ومحصّله ـ على ما في الإيضاح ـ بتوضيح بعض المحققين قدس‌سره هو : «أنّ عقد الفضولي مع اشتراكه مع العقود الفاسدة ـ في عدم التأثير فعلا ـ يمتاز عنها في أنه قابل للتأثير بالإجازة دون غيره ، فلا بدّ أن يكون عقد الفضولي واجدا لجميع مراتب الإمكان الاستعدادي ، بحيث لا يستند عدم فعلية التأثير إلّا إلى عدم فعلية الإجازة.

وأمّا مع عدم إمكان الإجازة حال العقد فلا يكون العقد حينئذ واجدا لجميع مراتب الإمكان الاستعدادي ، إذ منها الإمكان من ناحية إمكان الإجازة فعلا ، فإذا امتنعت الإجازة فعلا امتنعت الصحّة التأهلية فعلا زيادة على الصحة الفعلية المقرونة بفعليّة الإجازة لا بإمكانها. ولا نعني بالصحة التأهّليّة إلّا إمكان نفوذ العقد فعلا بالإجازة. مع أنّه لا يمكن ، لامتناع الإجازة. وإذا امتنعت الصحة التأهّلية في زمان امتنعت دائما ، لأنّ ما يتفاوت حاله بتفاوت الأزمان هي الصحة الفعليّة التابعة لوجود شرط الصحة الفعلية وعدمه ، لا الصحة التأهلية. (٢).

وملخص هذا التقريب أمور.

أحدها : اقتران الصحة التأهلية بالعقد وعدم انفكاكها عنه.

ثانيها : توقف هذه الصحة على إمكان الإجازة فعلا أي من حين وقوع العقد ، ومع امتناعها لا يثبت الصحة التأهلية فعلا للعقد ، فهذه الصحة منوطة باجتماع جميع مراتب

__________________

(١) ولا حظ : جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٢ ، إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٨ و ٤١٩ ، كنز الفوائد ، ج ١ ، ص ٣٨٥.

(٢) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قده ، ج ١ ، ص ١٦٤.


فإذا امتنع (١) في زمان امتنع دائما. وبلزوم (٢) الضرر على المشتري ، لامتناع (٣) تصرّفه في العين ، لإمكان (٤) عدم الإجازة ، ولعدم (٥)

______________________________________________________

الإمكان التي منها إمكان فعلية الإجازة ، ومع امتناعها لعدم وجود مجيز حين العقد لا يثبت له الصحة التأهلية أيضا. وقد عرفت عدم انفكاك الصحة التأهلية عن العقد ، فإمكان فعلية الإجازة دخيل في الصحة التأهلية.

ثالثها : أنّ المائز بين عقد الفضولي والعقود الفاسدة هو وجود الصحة التأهلية فيه دونها ، هذا.

(١) كذا في نسخ الكتاب ، والأولى كما في جامع المقاصد «امتنعت».

(٢) معطوف على «بأنّ» وهذا ثاني الوجهين على اعتبار وجود مجيز حال العقد وهو للسيد العميد.

وحاصل هذا الوجه الثاني : لزوم الضرر على المشتري ـ الذي يجب عليه الوفاء بالعقد ، لكونه أصيلا ـ من جهة امتناع تصرفه في كل من المثمن والثمن.

أمّا في المثمن فلإمكان عدم إجازة مالكه الكاشف عن بقائه على ملك مالكه ، وكون تصرف المشتري فيه تصرّفا عدوانيّا ، إذ بناء على شرطية الإجازة ـ ولو بنحو الشرط المتأخّر ـ لسببية العقد للملكية وترتب الأثر لا يخرج المثمن عن ملك مالكه قبل الإجازة.

وأمّا في الثمن فلإمكان حصول الإجازة الكاشف عن خروجه عن ملكه ، ودخوله في ملك البائع ، فيكون تصرّف المشتري فيه تصرّفا في ملك غيره. ومن المعلوم أنّ منعه عن التصرّف في كلّ من المبيع والثمن ضرر على المشتري الأصيل.

(٣) تعليل للزوم الضرر ، فإنّ منع تصرّفه ـ في العين التي اشتراها من الفضولي ـ ضرر عليه.

(٤) هذا تعليل لامتناع تصرف المشتري في المبيع ، وناظر إلى شرطية الإجازة للعقد ولو بنحو الشرط المتأخر. وحاصل التعليل : احتمال عدم إجازة المالك الأصيل ، فيكون تصرّف المشتري في ملك الغير ، وهو حرام.

(٥) معطوف على «لإمكان» وهذا ناظر إلى جزئية الإجازة للعقد ، فكأنه قيل :


تحقّق المقتضي (*). وفي الثمن (١) ، لإمكان (٢) تحقّق الإجازة ، فيكون قد خرج عن ملكه.

ويضعّف الأوّل (٣)

______________________________________________________

«امتناع تصرف المشتري الأصيل في العين المنتقلة إليه إمّا لفقد شرط تأثير العقد وهو الإجازة ، وإمّا لعدم تحقق المقتضي وهو العقد ، باعتبار عدم حصول جزئه أعني الإجازة». وعلى هذا المعنى ينبغي تبديل وأو العطف ب «أو» بأن يقال : «أو لعدم» لكن المذكور في جامع المقاصد هو العطف بالواو.

(١) معطوف على «في العين» يعني : ولامتناع تصرّف المشتري في الثمن أيضا.

(٢) تعليل لعدم جواز تصرّف المشتري في الثمن أيضا ، وحاصل التعليل : احتمال صدور الإجازة من مالك المثمن ، وخروج الثمن عن ملك المشتري ودخوله في ملك البائع ، فيكون تصرف المشتري الأصيل حينئذ في الثمن تصرفا في ملك الغير.

(٣) أي : الدليل الأوّل للمحقق الثاني قدس‌سره وهو «أنّ لازم امتناع العقد في زمان امتناعه دائما» وقد أجاب المصنف قدس‌سره عن هذا الدليل بوجهين ، أحدهما نقضيّ ، والآخر حلّي.

أمّا النقضي فحاصله : أنّ عدم المجيز حين العقد منقوض بما إذا كان المجيز موجودا

__________________

(*) ويحتمل أن يراد ب «لإمكان عدم الإجازة» شرطية عنوان التعقب ، حيث إنّ احتمال عدم تحقق الإجازة يوجب الشك ، في اتصاف العقد فعلا بعنوان التعقب الذي هو شرط نفوذ العقد. وأن يراد ب «ولعدم تحقق المقتضي» عدم تحقق الإجازة بناء على شرطيّة الإجازة بوجودها الخارجي.

وبهذا الاحتمال يدفع التهافت بين احتمال عدم الإجازة ، وعدم تحقق المقتضي الذي يراد به الإجازة أيضا.

إلّا أن يقال : إنّ إرادة الكشف التعقبي من كلام المحقق الكركي منافية لمبناه من القول بالكشف الحقيقي ، وأنّ شرطية الوصف الانتزاعي حدثت من عصر المحققين صاحبي الحاشية والفصول.


ـ مضافا (١) إلى ما قيل : من انتفاضة بما إذا كان المجيز بعيدا (٢) امتنع الوصول إليه

______________________________________________________

حال العقد ، ولكن كان بعيدا عن المكان الواقع فيه عقد الفضولي بحيث يمتنع الوصول إليه عادة ، فإنّه لا يمكن الالتزام ببطلان هذا النقض ، مع جريان ما استدلّ به العلّامة في هذه الصورة ـ أي صورة النقض ـ أيضا ، إذ يصدق فيها «عدم وجود مجيز يتمكّن من الإجازة حين العقد» فإنّ هذا العقد صحيح ، ويجبر ضرر المشتري بالخيار.

وهذا النقض ـ كما أشرنا إليه ـ مذكور في كلام فخر المحققين وجها لعدم الاشتراط ، وجعله المحقق الكركي نقضا على العلّامة ، قال : «ويضعّف بانتقاضه ممّن كان بعيدا ، يمتنع الوصول إليه عادة إلّا في زمان طويل». (١)

وأمّا الحلّي ، فهو منع استلزام بطلان العقد في زمان لبطلانه دائما ، لعدم توقف الصحة التأهلية على وجود مجيز حال العقد ، وأنّ صحته تأهّلا تكون من حين وقوعه ، من دون انفكاكها عنه في آن.

وبيانه : أنّ المدار في الصحة التأهلية ـ التي يمتاز بها عقد الفضولي عن العقود الفاسدة ـ يكون على ما يستفاد من الأدلّة الشرعية ، ومن المعلوم أنّ المستفاد منها هو مجرّد صحة العقد بلحوق الإجازة له فيما بعد ، ولا يستفاد منها بوجه اعتبار وجود مجيز حين العقد في الصحة التأهلية ، لأنّ هذه الاستفادة منوطة بكون المراد بالصحة التأهلية ما يساوق الإمكان الاستعدادي من جميع الوجوه حتى يعتبر وجود مجيز قابل فعلا للإجازة حين العقد. بل إطلاق الأدلة ـ كتجارة عن تراض ـ يدفع اعتباره.

والحاصل : أنّ الصحة التأهلية لعقد الفضولي لا تتوقّف على وجود مجيز يتمكّن من الإجازة حال العقد.

(١) هذا إشارة إلى الجواب النقضي الذي تقدم بقولنا : «اما النقضي فحاصله : أن .. إلخ».

(٢) أي : بعيدا عن محلّ العقد الذي أنشأه الفضولي ، بحيث يمتنع الوصول إليه عادة لأن يجيز.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٢.


عادة ـ بمنع (١) ما ذكره (*) من أنّ امتناع صحة العقد في زمان يقتضي امتناعه (٢) دائما ، سواء قلنا بالنقل أم بالكشف (٣).

وأمّا الضرر (٤) (**) فيتدارك

______________________________________________________

(١) متعلق ب «يضعّف» وهذا هو الجواب الحلّي المتقدم بقولنا : «وأمّا الحلّي .. إلخ».

(٢) الأولى أن يقال : «لامتناعها» رعاية لمرجع الضمير ، وهو الصّحة.

(٣) يعني : أنّه لا فرق في منع الملازمة ـ بين بطلان العقد في زمان وبين بطلانه دائما ـ بين كاشفية الإجازة وناقليتها ، وذلك لأنّ وجود المجيز حين العقد بناء على اعتباره دخيل في الصحة التأهلية ، سواء أكانت الإجازة كاشفة أم ناقلة. ففي فرض عدم وجود المجيز حين العقد يكون العقد في نفسه باطلا ، كبطلانه بفقدان سائر شرائط صحة العقد. فلا تصحّ الإجازة مطلقا كاشفة كانت أم ناقلة.

(٤) هذا ردّ الوجه الثاني المذكور في كلام المحقق الكركي في تقريب ما اشترطه

__________________

(*) ظاهره منع اقتضاء بطلان العقد حدوثا لبطلانه بقاء ، بل يمكن التفكيك ببطلانه حدوثا وصحته بقاء. وهذا غير مراد قطعا ، لوضوح أنّ فقد شرط صحة العقد يقتضي البطلان حدوثا وبقاء ، بل المراد نفي البطلان حدوثا حتى يدّعى بطلانه بقاء.

والحاصل : أنّ النزاع صغروي ، وهو عدم بطلان العقد حدوثا لأجل عدم مجيز حين العقد ، لا أنّه باطل حدوثا وصحيح بقاء ، فإنّ الكبرى ـ وهي الملازمة بين بطلان العقد حدوثا وبقاء ـ مسلّمة ، وليست قابلة للخدشة ، فإنّ البيع الربوي وبيع المجهول وغيرهما من البيوع الباطلة باطلة حدوثا وبقاء ، ولا يمكن تصحيحها بقاء.

فغرض المصنف منع الملازمة صغرويّا لا كبرويّا ، بمعنى : أنّ الملازمة بين فساد العقد حدوثا وبقاء وإن كانت مسلّمة ، ولكن المقام ليس من صغرياتها ، لعدم كون وجود المجيز حين العقد شرطا في صحة العقد.

(**) لا يخفى أنّ الضرر يتدارك بالخيار في ظرف الجهل. وأمّا في حال العلم فلا موجب لرفعه لمكان الإقدام عليه.

لكن بعض محققي المحشين قدس‌سره قال : «والتحقيق أنّ صحة هذا العقد واقعا وكذا لزومه الناشئ من صحّته لا توجب ضررا ، ولذا لا يترتّب ضرر مع القطع بصحّته ولزومه ، والضرر ينشأ من الجهل بالصحة والفساد ، ودوران كلّ من العوضين بين أن يكون ماله أو


.................................................................................................

______________________________________________________

العلامة ، وكان المناسب سوق العبارة هكذا : «ويضعّف الثاني وهو قاعدة نفي الضرر بمنعه ، لتداركه بما يتدارك .. إلخ».

وكيف كان فقد ردّه المصنف بناء على كون الفضولي على طبق القاعدة ، وأنّ الأدلة العامة تقتضي صحته. فمحصّل الردّ حينئذ : أنّ ضرر المشتري الأصيل الناشئ من منع تصرفه في كلّ من الثمن والمثمن يجبر بالخيار ، كما يجبر به ضرر عدم إمكان الوصول إلى المالك الأصيل في صورة النقض المذكورة في المتن.

__________________

مال غيره. وليس للجهل حكم شرعي ضرري حتى يرتفع ، بل وجوب الاحتياط حكم عقلي ، وقد بيّنّا في محله أنّ المرفوع بقاعدة الضرر والحرج هو الحكم الشرعي الضرري أو الحرجي ، لا ما ليس من مجعولات الشارع» (١).

أقول : لا ينبغي الارتياب في كون منشأ الضرر هو لزوم العقد وصحته ، من غير فرق فيه بين العلم باللزوم والجهل به ، غاية الأمر أنّ الحكم الضرري لمّا كان رفعه امتنانيّا كان رفعه في حال وجود الامتنان وهو حال الجهل. وأمّا مع العلم بالضرر والإقدام عليه فلا امتنان في البين حتى تجري فيه قاعدة الضرر. فالضرر ناش من لزوم العقد في كلتا حالتي العلم والجهل. غاية الأمر أنّ إقدامه على الضرر مع العلم به يدفع الامتنان ويمنع عن قاعدة الضرر.

والحاصل : أنّ الموجب للضرر على كل حال هو لزوم العقد ، لكن قاعدة الإقدام تمنع عن جريان قاعدة الضرر.

وما نحن فيه نظير سائر موارد الضرر كالبيع الغبني ، فإنّ الإقدام على الغبن مع العلم به لا يرفع لزوم البيع الذي نشأ منه الضرر.

وبالجملة : فقاعدة الضرر تجري في حال الجهل ، لوجود المقتضي وعدم المانع ، ولا تجري في حال العلم ، لوجود المانع وهو قاعدة الإقدام.

نعم هذا الدليل أخص من المدعى ، وهو اعتبار وجود مجيز حين العقد ، لاختصاصه بصورة الضرر مع الجهل به.

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ١٦٥.


بما يتدارك به (١) صورة (٢) النقض المذكورة.

هذا كلّه مضافا (٣) إلى الأخبار الواردة في تزويج الصغار

______________________________________________________

(١) الضمير راجع إلى الموصول في قوله : «بما» المراد به الخيار. ولم يبيّنه هنا اعتمادا على ما ذكره في سادس الأمور المتعلقة بالإجازة من قوله : «ولو لم يجز المالك ولم يرد حتى لزم تضرر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه وإليه على القول بالكشف ، فالأقوى تداركه بالخيار» فلاحظ (ص ٢١٠).

(٢) وهي صورة كون المجيز بعيدا عن محلّ عقد الفضولي ، بحيث يمتنع الوصول إليه في مدة قصيرة حتى يجيز العقد.

(٣) غرضه منع أصل الاشتراط المذكور في كلام العلّامة قدس‌سره ، ومحصله : الاستدلال بفحوى النصوص الواردة في نكاح الصغيرين فضولا ، كما استدل بها جماعة على نفي أن يكون للعقد مجيز في الحال. قال صاحب المقابس : «لو كان شي‌ء مما ذكر في المنع صالحا لذلك لعمّ جميع العقود وثبت في النكاح أيضا ، بل بالطريق الأولى. لكن نكاح الفضولي للصغير والصغيرة مع إجازتهما بعد البلوغ جائز اتفاقا نصّا وفتوى ، فكذلك سائر العقود» (١).

وفي الجواهر : «مضافا إلى خبر الصغيرين» (٢).

وتوضيح ما أفاده المصنف قدس‌سره : أنّ يستفاد من النصوص الواردة في تزويج الصغار صحة العقد مطلقا سواء أكان لهم وليّ ، وأهمل الإجازة إلى بلوغهم ، أم لم يكن لهم وليّ.

فمن تلك النصوص ما رواه عبّاد بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل زوّج ابنا له مدركا من يتيمة في حجره. قال : ترثه إن مات ، ولا يرثها ، لأنّ لها الخيار ، ولا خيار عليها» (٣). وقريب منه غيره (٤).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٥.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩٧ ، جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٦٣ (الطبعة الحجرية) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٥.

(٣) وسائل الشيعة ج ١٧ ، ص ٥٢٨ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث ٢.

(٤) المصدر ، ج ١٤ ، ص ٢٠٧ ، الباب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث ٢.


فضولا الشاملة (١) لصورة وجود وليّ النكاح وإهماله (٢) الإجازة إلى بلوغهم ، وصورة (٣) عدم وجود الوليّ ، بناء (٤) على عدم ولاية الحاكم على الصغير في النكاح ، وانحصار (٥) الوليّ في الأب والجدّ والوصيّ ، على خلاف فيه (٦).

وكيف كان (٧) فالأقوى عدم الاشتراط وفاقا للمحكي (١) عن ابن المتوّج

______________________________________________________

فإنّ الأخبار الواردة في تزويج البنات اليتامى فضولا لو لم تكن منصرفة إلى خصوص موارد عدم وجود مجيز حال العقد ، فلا أقلّ من إطلاقها الشامل لصورة عدم المجيز حينه ، فإنّ ثبوت الإرث لليتيمة ـ وكذا الخيار لها ـ يدلّان على صحة التزويج مع عدم وليّ حين التزويج يمكنه فعلا إجازة العقد.

(١) صفة للأخبار.

(٢) الظاهر أنه مفعول معه وقوله : «إلى بلوغهم» متعلق بالإهمال.

(٣) معطوف على «صورة وجود وليّ النكاح».

(٤) قيد لعدم وجود الولي ، يعني : أنّ فرض عدم وجود الولي مبني على عدم ولاية الحاكم الشرعي على الصغير في النكاح ، وإلّا فالوليّ موجود دائما ، لأنّه إمّا الحاكم وإمّا عدول المؤمنين.

(٥) معطوف على «عدم ولاية» يعني : وبناء على انحصار الولي في الأب والجد بلا إشكال.

(٦) أي : في الوصي ، فإنّ في ولايته على نكاح الصغير خلافا بين الفقهاء. فقوله قدس‌سره : «على خلاف فيه» قيد لخصوص الوصي ، دون من تقدّمه من الأب والجدّ.

(٧) يعني : سواء أكان ما ذكرناه ـ من النقض والحلّ ـ في رد ما استدلّ به لقول العلامة صحيحا بتمامه ، أم كان بعضه صحيحا ، فالأقوى عدم اشتراط صحة عقد الفضولي بوجود مجيز حين العقد. وهذا وجيه بناء على كون الفضولي على طبق القاعدة ، لشمول

__________________

(١) الحاكي عنهم هو السيد العاملي ، لكن ظاهر عبارة السيد عدم الظفر بكلام ابن المتوّج ، وإنّما نقل عنه بواسطة ، فقال : «على ما نقل عنه» فلاحظ مفتاح الكرامة ج ٤ ، ص ١٩٥. وهو كما في أمل الآمل ورياض العلماء «الشيخ ناصر بن أحمد بن عبد الله بن المتوج البحراني ، صاحب الذهن الوقّاد ، فاضل محقق فقيه حافظ ..» لاحظ أمل الآمل ، ج ٢ ، ص ٣٣٣ ، رياض العلماء ، ج ٦ ، ص ٣٤.


البحراني والشهيد (١) والمحقّق الثاني (٢) وغيرهم (٣) ، بل لم يرجّحه (١) غير العلّامة رحمه‌الله.

ثمّ اعلم أنّ العلّامة (٢) في القواعد مثّل لعدم وجود المجيز ببيع مال اليتيم.

______________________________________________________

العمومات والإطلاقات له.

وأمّا بناء على كونه على خلاف القاعدة ، واستناد صحته إلى الأخبار الخاصة ـ كصحيحة محمد بن قيس وما ورد في الاتجار بمال اليتيم ونحوهما ـ فيشكل القول بصحته ، لاختصاص مواردها بصورة وجود المجيز حال العقد.

(١) يعني : لم يرجّح اشتراط وجود مجيز حال العقد غير العلّامة ، فيكون قوله مخالفا للمشهور. بل لم يظهر موافق للعلّامة. وبهذا ظهر وجه الإتيان بكلمة «بل» وأنّ المخالف في المسألة أي النافي للاشتراط غير منحصر في المذكورين ، بل المعظم أو الكل ذهبوا إلى عدم الاعتبار. هذا ما أفاده المصنف في المقام الأوّل. وسيأتي الكلام في المقام الثاني الناظر إلى ما قيل حول عبارة القواعد.

(٢) قد تعرض المصنف قدس‌سره حول كلام العلامة ـ من اشتراط وجود المجيز في حال العقد ـ لمطالب :

الأوّل : تمثيل العلّامة لعدم المجيز حال العقد ببيع مال اليتيم.

الثاني : إيراد بعض العامّة عليه : بأنّ عدم المجيز حين العقد فرض غير واقع على مذهب الإمامية القائلين بوجود الإمام عليه الصلاة والسلام ، وعدم خلوّ زمان عنه عليه‌السلام ، وهو وليّ من لا وليّ له ، وعليه فوليّ بيع مال اليتيم موجود حين البيع.

الثالث : ردّ العلّامة قدس‌سره لهذا الإيراد ، ومحصل ردّه هو : عدم التمكن من الوصول إليه عليه‌السلام ، فيصدق حينئذ عدم وجود مجيز لبيع مال اليتيم حين البيع.

الرابع : انتصار بعض الفقهاء ـ للمورد العامي المتقدّم ـ بما حاصله : أنّ الإمام عليه‌السلام وإن كان غائبا لا يمكن الوصول إليه ، لكن يمكن الوصول إلى نائبه ، وهو المجتهد

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٣.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٣.

(٣) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٢٦ ، وحكاه عنه في مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٤.


وحكي عن بعض العامّة (١) ـ وهو البيضاوي على ما قيل (١) ـ الإيراد عليه (٢): بأنّه (٣) لا يتمّ على مذهب الإمامية القائلين بوجود الإمام عليه‌السلام في كلّ عصر.

وعن المصنّف (٤) قدس‌سره أنّه أجاب : بأنّ الإمام غير متمكّن من الوصول إليه.

______________________________________________________

الجامع للشرائط ، بل لو فرض عدمه أيضا فعدول المؤمنين موجودون ، بل مع فرض عدمهم أيضا تكون الولاية على مصالح اليتيم لفسّاق المؤمنين.

الخامس : ردّ المصنف لهذا الانتصار الدافع عن البيضاوي ، ومحصل الردّ : أنّه لا بدّ من تحليل كلام العلامة وتشخيص مرامه حتى يظهر ورود الإشكال عليه وعدمه ، فنقول : إن كان مراد العلّامة من اشتراط وجود مجيز حين العقد ذات المجيز سواء أكان متمكنا فعلا من الإجازة أم لا فإيراد البيضاوي وارد عليه ، ولا يندفع بما ذكره العلّامة في ردّه من أنّ الامام قدس‌سره لغيبته لا يتمكّن من الوصول إليه.

وإن كان مراد العلّامة من اشتراط وجود مجيز حين العقد من يتمكّن فعلا من الإجازة ، فيندفع به إيراد البيضاوي ، لإمكان عدم الوصول إلى المجتهد العادل والعدول أيضا ، لعدم حضورهم ، أو عدم إمكان إعلامهم بالعقد حتى يجيزوا ، فيصدق في هذه الصورة عدم وجود مجيز حين العقد.

(١) قال السيد الفقيه العاملي قدس‌سره : «وقال الشهيد في حواشيه ـ يعني حواشيه على قواعد العلّامة ـ انّ بعض الجمهور اعترض على المصنف في هذه المسألة بسقوطها على مذهبه ، لأنّه يعتقد وجود الامام عليه‌السلام في كل زمان ، وهو وليّ من لا وليّ له. فأجاب ـ يعني المصنف وهو العلّامة ـ بأنّه أراد مجيزا في الحال يمكن الاطّلاع على إجازته ، وتتعذّر إجازة الإمام عليه‌السلام ، لاستتاره عن الناس» (٢).

(٢) أي : على العلّامة ، وهذا إشارة إلى المطلب الثاني الذي تقدّم بقولنا : «الثاني : إيراد بعض العامة عليه .. إلخ».

(٣) متعلّق بالإيراد وبيان له.

(٤) هذا التعبير من الشهيد في حواشي القواعد ، وكان المناسب أن يقول الماتن :

__________________

(١) لم نعثر على القائل ولا على كلام البيضاوي في فتاواه.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٥.


وانتصر للمورد (١) بأنّ نائب الإمام ـ وهو المجتهد الجامع للشرائط ـ موجود ، بل لو فرض عدم المجتهد فالعدول موجودون ، بل للفسّاق الولاية على الطفل في مصالحه مع عدم العدول (٢).

لكنّ الانتصار (٣) في غير محلّه ، إذ كما يمكن فرض عدم التمكّن من الإمام يمكن عدم اطّلاع نائبه من المجتهد والعدول أيضا.

فإن أريد (٤) وجود ذات المجيز ، فالأولى (٥) منع تسليم دفع الاعتراض بعدم (٦) التمكّن من الإمام عليه‌السلام.

______________________________________________________

«وعن العلامة». وهو إشارة إلى المطلب الثالث المذكور بقولنا : «الثالث ردّ العلامة قدس‌سره لهذا الإيراد ، ومحصّل ردّه هو عدم التمكن .. إلخ».

(١) وهو البيضاوي ، وهذا إشارة إلى المطلب الرابع المتقدم بقولنا : «الرابع : انتصار» والمنتصر هو المحقق القمي قدس‌سره (١).

(٢) فعلى ما ذكره المنتصر لا يتصوّر فرض لا يكون المجيز فيه موجودا حال العقد. وبهذا تمّ انتصار المحقق القمي لبعض الجمهور.

(٣) هذا إشارة إلى المطلب الخامس المذكور بقولنا : «الخامس ردّ المصنف لهذا الانتصار».

(٤) هذا إشارة إلى أوّل شقّي الترديد الذي مرّ بقولنا : «إن كان مراد العلامة من اشتراط مجيز حين العقد ذات المجيز .. إلخ».

(٥) جواب «إن» الشرطية في قوله : «فإن أريد». والمراد بالاعتراض إيراد البيضاوي ، والمراد بدفعه ما أفاده العلّامة من عدم الوصول إلى الامام الذي هو وليّ من لا وليّ له. والمراد بمنع هذا الدفع ما أفاده المصنف.

ووجه الأولوية : مغايرة المثبت والمنفي ، إذ المثبت المفروض هو ذات المجيز ، والمنفي هو التمكن من الامام عليه‌السلام.

(٦) متعلق ب «دفع».

__________________

(١) جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٦٣ (الطبعة الحجرية) ج ٢ ، ص ٣١٨ ، الطبعة الحديثة.


وإن أريد (١) وجوده مع تمكّنه من الإجازة ، فيمكن فرض عدمه في المجتهد والعدول إذا (٢) لم يطّلعوا على العقد.

فالأولى (٣) ما فعله فخر الدين (٤) والمحقّق الثاني (١) من تقييد بيع مال اليتيم بما (٥) إذا كان على خلاف المصلحة ، فيرجع (٦) الكلام أيضا إلى اشتراط إمكان

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى ثاني شقّي الترديد الذي قد تقدّم بقولنا : «وإن كان مراد العلامة من اشتراط وجود مجيز حين العقد من يتمكن فعلا .. إلخ».

(٢) متعلق ب «فيمكن» يعني : أنّ إمكان عدم وجود المجيز الفعلي جار في المجتهد والعدول في فرض عدم اطّلاعهم على وقوع عقد على مال الطفل حتى يجيزوه.

(٣) يعني : بعد الخدشة في تفصّي العلّامة عن اعتراض بعض العامة يكون الأولى ـ في التمثيل لعدم وجود المجيز ببيع مال اليتيم ، وحكمه ببطلان هذا البيع ـ ما فعله فخر الدين قدس‌سره من تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان على خلاف المصلحة ، إذ لو كان مع المصلحة فالبيع صحيح ، والإجازة تقع في محلها. ولو كان بدون المصلحة فوليّ الطفل ما دام وليّا ـ وهو زمان صغر الطفل ـ ليس له الإجازة لا في حال العقد ولا بعده ، مع أنّ ذات المجيز موجود. فمن ليس له الإجازة فعلا ويصير مجيزا بعد ذلك هو اليتيم. فالمنفي حينئذ هو فعلية الإجازة من اليتيم الذي من شأنه الإجازة بعد البلوغ ، فمرجع بطلان بيع الفضولي حينئذ إلى اشتراط فعلية إمكان الإجازة ، لا ما هو ظاهر كلام العلامة قدس‌سره : «عدم وجود المجيز» لظهوره في عدم ذات المجيز.

(٤) قال في الإيضاح : «واعلم أنّ هذا الفرع إنّما يتأتى على مذهب الأشاعرة. وأمّا على قولنا ففي صورة واحدة ، وهي بيع مال الطفل على خلاف المصلحة ، أو الشراء له» ونحوه عبارة جامع المقاصد.

(٥) متعلّق ب «تقييد».

(٦) يعني : فيرجع الكلام الذي صدّر به هذا التنبيه ـ وهو قول المصنف قدس‌سره : الثاني هل يشترط في صحة عقد الفضولي وجود مجيز حين العقد ـ إلى عنوان الأمر

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٩ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٢.


فعليّة الإجازة من المجيز ، لا وجود (١) ذات من شأنه الإجازة (٢) ، فإنّه فرض غير واقع في الأموال (٣).

______________________________________________________

الثالث ، بناء على تقييد المثال بكون بيع مال اليتيم على خلاف المصلحة.

ثم إنّ قوله : «فيرجع ..» تفريع على تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان على خلاف المصلحة على ما نقله المصنف قدس‌سره عن الفخر والمحقق الثاني قدس‌سرهما. ومحصّل التفريع : أنّ مرجع هذا التقييد إلى اشتراط إمكان فعلية الإجازة من المجيز حين العقد ، لا إلى اشتراط وجود ذات من شأنه الإجازة ، إذ لو كان كذلك تلغو الشرطية المذكورة ، لعدم خلوّ زمان عقد الفضولي عن ذات مجيز ، من المالك الأصيل أو وليّه.

ففي زمان صدور العقد يكون ذات المجيز موجودا دائما ، فيرجع عنوان اعتبار وجود مجيز حين العقد إلى العنوان الآتي في الأمر الثالث ، وهو : اشتراط كون المجيز جائز التصرف حين العقد ، إذ الوليّ ليس له الإجازة في العقد الذي لا مصلحة فيه ، كبيع مال اليتيم ، ويتوقف جواز إجازته على انقلاب المفسدة مصلحة.

فبناء على رجوع عنوان «اعتبار وجود مجيز حين العقد» إلى عنوان «اعتبار كون المجيز جائز التصرف حين العقد» لم يكن داع إلى عقد أمرين لهما. وهذا الشّق قد صرّح به العلّامة في التذكرة ، حيث إنّه ـ بعد نقل كلام بعض العامة في اعتبار وجود مجيز في الحال ـ قال : «والمعتبر إجازة من يملك التصرف عند العقد ، حتى لو باع مال الطفل ، فبلغ وأجاز لم ينعقد» (١).

(١) يعني : ولا يرجع الكلام إلى اشتراط وجود ذات من شأنه الإجازة.

(٢) يعني : كما هو ظاهر عبارة القواعد من اشتراط وجود مجيز حين العقد.

(٣) التقييد بالأموال لإمكان عدم وجود ذات المجيز في غيرهما ، كما في نكاح الصغير ، بناء على ما قيل : من اختصاص الولاية في النكاح بالأب والجدّ والوصي.

لكن فيه : أنّ ذات المجيز ـ وهو نفس الصغير ـ موجود ، والمفقود هو المجيز الذي

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٨٦ ، السطر ١٨ ، الطبعة الحديثة ، ج ١٠ ، ص ٢١٩.


الثالث : لا يشترط في المجيز (١) كونه جائز التصرّف حال العقد ، سواء كان عدم التصرّف لأجل عدم المقتضي (٢)

______________________________________________________

تنفذ إجازته فعلا أي حين العقد كما في حاشية السيّد قدس‌سره (١). وعليه فذات المجيز حين العقد موجود في جميع المقامات ، ولا معنى لاشتراطه تعبّدا.

هل يشترط في المجيز جواز التصرف حال العقد؟

(١) الظاهر أنّ المراد به عدم اشتراط كون المجيز الفعلي جائز التصرف حين العقد ، فلو لم يكن المجيز الفعلي جائز التصرف حين العقد ، وصار كذلك حين الإجازة ، لنفذت إجازته أيضا ، كما إذا بيع مال الصغير مع مصلحته ، وأهمل الوليّ ولم يجز البيع حتى بلغ الطفل ، وأجاز ، فإنّ المجيز الفعلي ـ وهو الطفل ـ لم يكن جائز التصرف حين العقد ، بل كان الولي جائز التصرف حينه.

فجهة البحث في الأمر الثاني ـ بعد البناء على عدم إمكان إرادة وجود ذات المجيز منه ـ هي اعتبار وجود مجيز يتمكّن من الإجازة حين العقد. وفي هذا الأمر الثالث هي عدم اشتراط كون المجيز حين الإجازة هو الذي كان حين العقد متمكنا من الإجازة ، وجائز التصرف ، وأهمل ولم يجز العقد ، فلا يشترط اتحاد هما ، بل يمكن تغايرهما. ومن المعلوم أنّ اشتراط وجود مجيز متمكّن من الإجازة غير اشتراط كونه نفس المجيز الفعلي ، كما مرّ في بيع مال الصغير مع مصلحته ، وإهمال وليّه إجازة البيع حتى بلغ الطفل وأجاز.

وعليه فلا وجه لإرجاع عنوان الأمر الثاني ـ وهو اعتبار وجود مجيز يتمكّن من الإجازة ـ إلى عنوان الأمر الثالث ، وهو كون المجيز حال الإجازة جائز التصرف حال العقد.

وبالجملة : فجهة البحث في الأمرين مختلفة ، إذ هي في الأمر الثاني اعتبار وجود مجيز متمكّن من الإجازة حين العقد ، وفي الأمر الثالث عدم اشتراط كون المجيز الفعلي نفس من كان متمكنا من الإجازة حين العقد ، وجواز تعددهما.

(٢) المراد بالمقتضي هنا ـ لجواز التصرف وسلطنة الشخص على المال ـ هو الملكية

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٦١.


أم للمانع (١). وعدم (٢) المقتضي قد يكون لأجل عدم كونه مالكا ولا مأذونا حال العقد ، وقد يكون لأجل كونه محجورا عليه لسفه أو جنون أو غيرهما (٣). والمانع (٤) كما لو باع الراهن بدون إذن المرتهن ، ثم فكّ الرهن ، فالكلام يقع في مسائل :

الاولى (٥) (*) : أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة ، لكن المجيز

______________________________________________________

مع كمال المالك بالبلوغ والعقل والرشد ، فكمال المالك كنفس الملكية من أجزاء المقتضي لجواز التصرف ، وعدم الكمال الموجب لعدم جواز التصرف إنّما هو لعدم تمامية أجزاء المقتضي ، لا لأجل وجود المانع ، وإنّما المانع تعلّق حقّ الغير بالعين كحقّ الغرماء ، وحقّ المرتهن ، وحقّ أمّ الولد في عدم بيعها.

وبالجملة : فالمقتضي لسلطنة الشخص وجواز تصرّفه هو الملك المطلق ، لا مطلق الملك ولو كان المالك قاصرا ، أو الإذن من المالك.

(١) وهو تعلق حق الغير بالعين كما عرفت آنفا.

(٢) مبتدء ، خبره «قد يكون» والواو استينافيّة لا عاطفة ، وغرضه بيان منشأ عدم المقتضي كما عرفت توضيحه.

(٣) كالصغر ونحوه ممّا يرفع كمال المالك الذي هو جزء المقتضي لجواز التصرّف.

(٤) مبتدء ، خبره قوله : «كما لو باع» وهذا تفسير للمانع الذي هو مقابل قوله : «المقتضي» ، والمراد بالمانع ـ كما مرّ آنفا ـ هو تعلّق حقّ الغير بالعين. مثاله بيع الراهن العين المرهونة بدون إذن المرتهن.

المسألة الأولى : لو كان المالك المجيز محجورا عن التصرف

(٥) توضيح هذه المسألة : أنّ المالك حال إنشاء العقد إذا كان هو المالك حال الإجازة ، ولكن لم يكن المجيز حين العقد جائز التصرف ـ لتعلّق حقّ الغير كحق الرهانة ، وباع العين المرهونة بدون إذن المرتهن ، وبعد البيع فكّ الرهن ـ فالأقوى صحة الإجازة ، لاجتماع شرائط الصحة فيه ، كسائر العقود الصحيحة القابلة للإجازة.

__________________

(*) يقع البحث هنا في جهات.

الأولى : في صحة بيع المالك ماله الذي تعلّق به حقّ الغير ، وعدمها.


لم يكن حال العقد جائز التصرّف لحجر ، فالأقوى صحة الإجازة ، بل عدم الحاجة

__________________

والثانية : في احتياجه إلى الإجازة بعد سقوط حق الغير ، وعدمه.

والثالثة : في جريان نزاع الكشف والنقل فيه وعدمه.

أمّا الجهة الأولى فمحصّلها : أنّ الظاهر صحة البيع ، لعموم دليل وجوب الوفاء بالعقود ، وعمومه يشمل جميع أفراد العقود التي منها هذا البيع المبحوث عنه ، والخارج عن الإطلاق الأحوالي الشامل لجميع حالات الأفراد خصوص بعض حالات الفرد ، كتعلّق حق الغير به.

توضيحه : أنّ عموم دليل وجوب الوفاء بالعقود كما أنّ له عموما أفراديا ، كذلك له إطلاق أحوالي ناش من مقدمات الحكمة. ومقتضى هذا الإطلاق موضوعية كل فرد في جميع حالاته لوجوب الوفاء ، فإذا خرج بعض حالات فرد عن الإطلاق الأحوالي كان الخارج خصوص ذلك الحال من الفرد ، لا نفس الفرد ، ولا غير ذلك الحال من حالاته. فالفرد باق تحت العموم الأفرادي ، ولم ينثلم إلّا الإطلاق الأحوالي بالنسبة إلى بعض حالاته. فإذا زال ذلك الحال صار جميع حالاته تحت الإطلاق.

وهذا نظير الربح المصروف في المئونة بناء على كون خروجها عن أدلة وجوب الخمس في الفوائد بنحو التقييد لا التخصيص ، إذ لو كان خروجها عنها من باب التخصيص ـ أي إخراج الفرد ـ كان خروج المئونة في جميع الحالات ، إذ المفروض خروج الفرد بما له من الحالات ، وإن خرجت عن عنوان المئونة ، كخروج «زيد العالم» عن عموم دليل وجوب «إكرام العلماء» فإنّ الخارج هو زيد مع حالاته.

ونظير المقام أيضا باب الخيارات ، فإنّ المحكم فيها بعد انقضائها عموم أدلة اللزوم ، لكون خروج الخيار عنه من باب التقييد لا التخصيص.

وبالجملة : فمقتضى العموم الأفرادي والإطلاق الأحوالي صحة بيع المالك المال المتعلق لحق الغير كالرّهن. وبعد الفك يترتب الأثر على البيع من دون حاجة إلى إجازة المالك ، لما مر آنفا من كون العقد عقدا للمالك.

وأمّا الجهة الثانية فقد ظهر حكمها مما ذكرناه في الجهة الأولى ، حيث إنّ مقتضى إطلاق مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» أحواليّا هو لزوم الوفاء بالعقد ، وعدم الحاجة إلى الإجازة بعد فكّ


إليها إذا كان عدم جواز التصرّف لتعلّق حقّ الغير ، كما لو باع الراهن ، ففكّ الرّهن

__________________

الرهن الذي كان مانعا عن الإطلاق الأحوالي ، ومقيّدا له ما دام موجودا. وبعد ارتفاعه يتشبث به.

بل يمكن أن يقال : بصحة البيع وانتقال المبيع بوصف المرهونية والاستيثاق للدين إلى المشتري. نظير بيع العين المستأجرة ، فإنّ بيعها بهذا الوصف صحيح. غاية الأمر أنّها تنتقل إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدة الإجازة. نعم يحكم بثبوت الخيار للمشتري مع الجهل في بيع العين المرهونة والمستأجرة. هذا فيما كان المانع تعلق حق الغير الموجب للتزاحم مع سلطنة المالك في ماله ، فلا حاجة إلى الإجازة بعد ارتفاع المزاحم وهو حقّ الغير.

وأمّا إذا كان المانع ما يرجع إلى قصور المالك ، فالظاهر الحاجة إلى الإجازة حتى يسند العقد إلى السلطان ، ولا يسند إليه إلّا بالإجازة الواقعة بعد ارتفاع قصور المالك كالسفه.

ففرق بين تعلق حق الغير كالرهن ، وبين قصور المالك كالسفه ، فإنّ الرهن يزاحم سلطنة المالك ، والسفه يرفع سلطنته. وحقّ الغرماء نظير حق الرهانة في إيجاد المزاحمة مع سلطنة المالك ، وعدم الحاجة إلى الإجازة بعد سقوط حقّ الغرماء مع رضاه بالبيع ، فلا مورد للإجازة الموجبة لإسناد العقد إلى المالك ، ولإضافة العقد إليه.

نعم إذا كان العاقد غير الراهن والمفلّس المالكين فلا بدّ بعد فكّ الرهن وبعد سقوط حق الغرماء ـ وارتفاع الحجر عنه ـ من إجازة المالك الراهن والمفلّس حتى يسند العقد إليهما ، ويحصل رضاهما به.

وأمّا الجهة الثالثة فيقع الكلام فيها تارة في جريان نزاع الكشف والنقل في الإجازة. واخرى في جريانه في فكّ الحق كالرهانة.

أمّا في الإجازة فقد يقال : بعدم الجريان فيها ، إذ لازم الكشف النقل من حين العقد ، وهو زمان تعلق حق الرهن بالمبيع ، فيلزم تأثير العقد مع حفظ الرهن. وهو غير معقول.

لكن فيه أوّلا : عدم المنافاة بين حفظ الرهن وصحة البيع ، إذ المبيع حينئذ هو العين


قبل مراجعة المرتهن ، فإنّه لا حاجة (١) إلى الإجازة كما صرّح به في التذكرة (١) (٢).

______________________________________________________

(١) إذ الاحتياج إلى الإجازة إنّما هو لإسناد العقد إلى المالك ، وإضافته إليه ، أو لتحقيق رضاه بالعقد. وكلاهما مفروض الوجود ، لصدور العقد من المالك برضاه ، ولا مانع من صحته إلّا تعلق حق الغير ، فإذا زال المانع بزوال سببه بأداء الدين أو الإبراء أثّر المقتضي أثره ، لعموم أدلة السببية.

(٢) قال في كتاب البيع منها : «ولو باع ولم يعلم المرتهن ، ففكّ لزم البيع ، لانتفاء المعارض. ومن أبطل بيع الفضولي لزم الابطال هنا».

__________________

المرهونة بوصف المرهونية ، كبيع العين المستأجرة.

وثانيا : أنّ المنافاة ـ بعد تسليمها ـ تختص بالكشف الحقيقي دون الحكمي ، فلا مانع من كشف الإجازة عن صحة البيع بعد الفك.

وبالجملة : فيمكن جريان نزاع الكشف في الإجازة بناء على الاحتياج إليها في بيع المالك ماله الذي تعلّق به حق الغير.

وأمّا جريان نزاع الكشف والنقل في فكّ الحقّ بناء على صحة البيع بمجرّد الفك ، وعدم الحاجة بعده إلى الإجازة ، ففيه خلاف. والظاهر جريانه فيه أيضا بناء على كون مضمون العقد حصول النقل من حين صدوره ، ومانعه وهو الرهن إذا ارتفع حصل الانتقال من حين العقد ، وهو لا ينافي حقّ الرهانة كما أشرنا إليه آنفا.

ونظير حق الرهانة حق الغرماء ، فيجري فيه ما تقدم في حرق الرهانة.

وأمّا إذا كان المانع السفه فيجري فيه نزاع الكشف ، إذ لا يصحّ العقد إلّا بصدوره ممّن له السلطنة على العقد ، ويتوقف صدوره من السلطان على الإجازة ، فيصح النزاع في أنّ الإجازة كاشفة عن حصول النقل من زمان العقد أو من حين الإجازة.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٥ ، السطر ٣٤ ، (الطبعة الحديثة ، ج ١٠ ، ص ٤٢) ونحوه ج ٢ ، ص ٥٠ ، السطر ١٦.


الثانية (١):

أن يتجدّد الملك بعد العقد ، فيجيز المالك الجديد ، سواء أكان هو البائع (٢) أم غيره.

لكنّ عنوان المسألة (٣) في كلمات القوم هو الأوّل ، وهو ما لو باع شيئا ثمّ ملكه.

______________________________________________________

المسألة الثانية : عدم جواز تصرف المجيز لعدم الملك

(١) أي : المسألة الثانية من المسائل الثلاث المتعلقة بالمجيز ، وهي ما لو كان عدم جواز تصرف العاقد لأجل عدم المقتضي ، وهو عدم الملكية ، وتجدّد الملك بعد العقد الفضولي ، والعقد إما بقصد وقوعه لنفس العاقد ، وإمّا لغيره.

(٢) أي : سواء أكان المالك الجديد هو البائع الفضولي أم غيره. فمثال الأوّل أن يبيع زيد فضولا مال عمرو ، ثم صار مالكا له قبل أن يجيز زيد. وتملكه له إمّا بسبب قهري كالإرث ، أو اختياريّ كالشراء ، فهل يصح البيع لو أجاز زيد بعد التملك أم لا؟ ففرض المسألة هنا كون المجيز ـ وهو المالك الجديد ـ نفس البائع الفضولي.

ومثال الثاني ـ وهو مغايرة البائع للمجيز ـ أن يبيع زيد مال عمرو ، فينتقل المال إلى ابنه بالإرث أو بالشراء ، فهل تمضي إجازة الابن للبيع الواقع فضولا على مال أبيه ، أم لا؟ والمسألة ذات أقوال ثلاثة كما يظهر من المتن والمقابس (١) أيضا ، وسيأتي نقلها.

(٣) كقول المحقق في عبارته الآتية في المتن : «كما لو باع مال غيره ثم اشتراه» ، وكقول العلّامة : «لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ويمضي ليشتريها ويسلّمها» (٢) ، وكقول الشهيد قدس‌سره : «وكذا ـ يعنى يصح البيع ـ لو باع ملك غيره ثم انتقل إليه فأجاز .. إلخ» (٣).

والحاصل : أنّ محلّ الكلام في هذه المسألة صيرورة البائع الفضولي مالكا للمبيع بعد البيع ، فلو لم يملكه كان خارجا عن حريم البحث.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٥ و ٣٦.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٣ ، السطر ٥ و ٤٨٦ ، السطر ١٨ (الطبعة الحديثة ج ١٠ ، ص ٦١٦ ، ونحوه في ص ٢١٩) ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩ ، مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٥.

(٣) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٣.


وهذه (١) تتصوّر على صور (٢) ، لأنّ غير المالك إمّا أن يبيع لنفسه أو للمالك (٣) ، والملك إمّا أن ينتقل إليه باختياره كالشراء ، أو بغير اختياره كالإرث (٤). ثمّ البائع (٥) الذي يشتري الملك إمّا أن يجيز العقد الأوّل (٦) ، وإمّا أن لا يجيزه ، فيقع

______________________________________________________

(١) أي : المسألة الثانية ، وهي : ما لو باع شيئا ثمّ ملكه بسبب اختياري كالشراء ونحوه من النواقل الاختيارية ، أو بسبب قهريّ كالإرث أو الارتداد.

(٢) وهي ثمانية حاصلة من ضرب اثنتين ـ وهما بيع غير المالك لنفسه وللمالك ـ في صورتين ، وهما : انتقال الملك إلى البائع قهرا واختيارا ، ثم ضرب هذه الصور الأربع في اثنتين ، وهما إجازة البائع الفضولي الذي ملك المبيع بالشراء ، وعدم إجازته. فهذه صور ثمان ، وإليك تفصيلها.

الأولى : أن يبيع الفضولي لنفسه ، ثم يملك المبيع بالشراء ، فأجاز البيع.

الثانية : أن يبيع الفضولي لنفسه ، ثم يملك المبيع بالإرث ، فأجاز البيع.

الثالثة : أن يبيع الفضولي للمالك ، ثم يملك المبيع بالشراء ، فأجاز البيع.

الرابعة : أن يبيع الفضولي للمالك ، ثمّ يملك المبيع بالإرث ، فأجاز البيع.

الخامسة : أن يبيع الفضولي لنفسه ، ثمّ يملك المبيع بالشراء ولم يجز البيع.

السادسة : أن يبيع الفضولي لنفسه ، ثمّ يملك المبيع بالإرث ولم يجز البيع.

السابعة : أن يبيع الفضولي للمالك ، ثم يملك المبيع بالشراء ولم يجز البيع.

الثامنة : أن يبيع الفضولي للمالك ، ثم يملك المبيع بالإرث ولم يجز البيع.

(٣) هذا الكلام إشارة إلى الصورتين الأوليين.

(٤) هاتان هما اللتان ضربت فيهما الصورتان الأوليان.

(٥) هذا إشارة إلى صورتين ضربت فيهما الصور الأربع المتقدمة. وهذا الضرب أنتج الصور الثمان المذكورة فيما عنونه القوم ، وهو ما لو باع شيئا ثم ملكه. وأمّا ما عداها من الصور التي ذكرها الشيخ العلّامة الشهيدي رحمه‌الله (١) فهو خارج عن عنوان القوم كما لا يخفى.

(٦) وهو العقد الذي أنشأه الفضولي ، وصار المبيع بعده ملكا له.

__________________

(١) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب ، ص ٢٩٧.


الكلام في وقوعه للمشتري الأوّل (١) بمجرّد شراء البائع له.

والمهمّ هنا التعرّض لبيان ما لو باع لنفسه (٢) ، ثمّ اشتراه من المالك وأجاز ، وما (٣) لو باع واشترى ولم يجز (٤) ، إذ (٥) يعلم حكم غيرهما منهما.

أمّا المسألة الأولى (٦) : فقد اختلفوا فيها ،

______________________________________________________

(١) وهو الذي اشترى المبيع من البائع الفضولي ، كما إذا فرضنا أنّ زيدا باع فضولا كتاب أبيه من بكر ، ثم انتقل الكتاب إليه من أبيه بسبب الشراء ، فيقع الكلام في أنّ مجرّد انتقال الكتاب إلى زيد بالشراء من أبيه هل يوجب وقوع البيع الفضولي لبكر أم لا؟ والمهمّ هنا التعرض لحكم صورتين : إحداهما ما لو باع لنفسه ، ثم اشتراه من مالكه وأجاز.

ثانيتهما : ما لو باع لنفسه ثمّ اشتراه من مالكه ، ولم يجز بيعه الفضوليّ.

(٢) هذا إشارة إلى الصورة الأولى المتقدمة بقولنا : «إحداهما ما لو باع .. إلخ».

(٣) معطوف على «ما لو باع» وهذا إشارة إلى الصورة الثانية التي تقدمت بقولنا : «ثانيتهما : ما لو باع لنفسه ثم اشتراه .. إلخ».

(٤) ضمائر الفاعل المستترة في «باع ، اشترى ، يجز» راجعة إلى البائع الفضولي.

(٥) تعليل لقوله : «والمهمّ» وعلّيّة أهمّيته هي كون هاتين الصورتين كالأصل لسائر الصور ، لسببيتهما لمعرفة أحكام سائر الصور ، حيث إنّ صحة البيع لنفسه تستلزم صحة البيع للمالك بالأولوية.

حكم ما لو باع الفضولي ثم اشتراه فأجاز

(٦) وهي «ما لو باع لنفسه ، ثم اشتراه من المالك وأجاز» وقد اختلف الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم في حكمها ، وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى. والمنقول في المتن أقوال ثلاثة :

أحدها : الصحة من دون توقّفها على إجازة البائع بعد تجدد الملك له ، وهو المستفاد من كلام شيخ الطائفة في بيع المال الزكوي قبل إخراج الزكاة منه إذا غرم حصة الفقراء بعد البيع.

وثانيها : للمحقق والشهيد من صحته وتوقفه على الإجازة.

وثالثها : البطلان ، وهو لجماعة كالعلّامة والمحقق الثاني ، وصاحبي الجواهر والمقابس.


فظاهر المحقّق (١) في باب الزكاة من المعتبر ـ فيما إذا باع المالك النصاب قبل إخراج الزكاة ، أو رهنه (٢) ـ «أنّه (٣) صحّ البيع والرّهن فيما عدا الزكاة ، فإن اغترم (٤) حصّة الفقراء ، قال الشيخ : صحّ البيع والرهن (٥) ،

______________________________________________________

(١) الأولى نقل نص عبارة المحقق ، وهي : «مسألة : لو باع النصاب قبل إخراج الزكاة ، أو رهنه ، صحّ في ما عدا الزكاة ، فإن اغترم حصة الفقراء ، قال الشيخ رحمه‌الله صحّ الرهن في الجميع ، وكذا البيع. وفيه إشكال ، لأنّ العين غير مملوكة له. وإذا أدّى العوض ملكها ملكا مستأنفا ، وافتقر بيعها إلى إجازة مستأنفة ، كمن باع مال غيره ثم اشتراه» (١).

(٢) معطوف على «باع» ، وتقريب هذا الفرع الذي هو مثال لما نحن فيه ـ من : أنّ الفضولي يبيع مال غيره لنفسه ، ثم يشتريه من المالك ـ هو : أنّ مالك النصاب ليس مالكا للزكاة ، ومع ذلك يبيعها لنفسه مع ماله. قال المحقق قدس‌سره : إنّ البيع والرهن صحيحان في ماله ، ولا يصحّان في الزكاة ولو أدّى الزكاة من مال آخر.

وقال الشيخ قدس‌سره : إنّ كلا البيع والرهن صحيح بلا إجازة. ولكن استشكل فيه المحقق بما حاصله : أنّ الزكاة مملوكة للفقراء ، فإذا أدّاها المالك من مال آخر فقد ملكها ملكا جديدا ، واحتاج انتقالها إلى المشتري إلى إجازة المالك البائع للنصاب ، لأنّ بيع النصاب كان بالنسبة إلى الزكاة فضوليّا.

(٣) «إنّ» مع اسمها وخبرها خبر لقوله : «فظاهر المحقق» يعني : فظاهر المحقق صحة البيع والرهن فيما عدا الزكاة ، ولا موجب لتقدير الخبر كما في بعض الحواشي (٢) ، فهذا نظير قولك : «صاحب هذه الدار أنّه صديقي» فهي جملة مستقلّة اسميّة من دون تقدير خبر أصلا.

(٤) يعني : فإن أدّى البائع المالك للنصاب حصة الفقراء إليهم فقد ملكها.

(٥) يعني : صحّ البيع والرّهن في تمام النصاب. فمجرّد انتقال حصة الفقراء ـ بدفع بدلها إليهم ـ إلى بائع النصاب يوجب صحة بيعها ورهنها ، ويكون من صغريات «من باع شيئا ثمّ ملكه» حيث إنّ مالك النصاب باع جميع النصاب ـ ومنه حصة الفقراء ـ

__________________

(١) المعتبر ، ص ٢٧٦ (الطبقة الحجرية) ج ٢ ، ص ٥٦٣ (الطبعة الحديثة).

(٢) حاشية المكاسب للسيد الطباطبائي قدس‌سره ، ج ١ ، ص ١٦٢.


وفيه (١) إشكال ، لأنّ العين (٢) مملوكة ، وإذا أدّى العوض ملكها ملكا مستأنفا ، فافتقر بيعها إلى إجازة مستأنفة (٣) كما لو باع مال غيره ثمّ اشتراه (٤)»

______________________________________________________

لنفسه ، وبعد دفع حصّتهم إليهم من سائر أمواله صارت ملكا له ، واندرج مالك النصاب بالنسبة إلى الزكاة في «من باع شيئا ثمّ ملكه».

والأولى نقل كلام الشيخ الطائفة ، قال قدس‌سره : «إذا وجبت الزكاة في ماله ، فرهن المال قبل إخراج الزكاة منه ، لم يصحّ الرهن في قدر الزكاة ، ويصحّ فيما عداه. وكذلك الحكم لو باعه صحّ فيما عدا مال المساكين ، ولا يصحّ فيما لهم. ثمّ ينظر ، فإن كان الرهن (١) مال غيره وأخرج حق المساكين منه سلم الرهن جميعه ، وكذلك البيع» (٢).

(١) هذا كلام المحقق يعني : وفيما قاله الشيخ ـ من صحة البيع والرهن ـ إشكال ، وهذا الإشكال هو الذي مرّ آنفا بقولنا : «إنّ الزكاة مملوكة للفقراء .. إلخ».

(٢) أي : الزكاة مملوكة للفقراء ، وليست ملكا للبائع حتى لا يحتاج بيعها أو هبتها إلى إجازة ، ويكون بيع تمام النصاب كافيا في صحة بيعها.

هذا بناء على ما نقله المصنف من مضمون كلام المحقق ، وإلّا فعبارته المتقدمة هي : «لأن العين غير مملوكة له». والمعنى : أن العين ـ بناء على الإشاعة أو الكلّي في المعيّن ـ غير مملوكة للبائع بتمامها حتى ينفذ بيع جميع المال ، ولا يحتاج إلى إجازة جديدة.

(٣) لفظ «المستأنف» في كلا الموردين لا يخلو من المسامحة ، لأنّ كلمة الاستيناف تستعمل ـ كسائر موارد استعمالها ـ في دخول مال في ملك إنسان بعد خروجه عن ملكه. ومن المعلوم عدم كون الزكاة كذلك ، لأنّها لم تكن سابقا ملكا للمالك حتى يتجدد ملكه لها. فلعلّ الأولى أن يقال : «وإذا أدّى العوض من ماله الآخر صارت الزكاة ملكا له ، فافتقر بيعها إلى إجازة».

(٤) غرضه تنظير بيع الزكاة ببيع مال آخر من الأموال المملوكة لأشخاص ، كما إذا باع مال زيد فضولا ، فكما يتوقف صحة بيعه على إجازة زيد ، فكذلك يتوقف صحة بيع

__________________

(١) كذا في النسخة المطبوعة ، والظاهر أن الصحيح : «فإن كان للراهن مال غيره».

(٢) المبسوط ، ج ١ ، ص ٢٠٨.


انتهى (١).

بل يظهر (٢) ممّا حكاه عن الشيخ : عدم الحاجة إلى الإجازة ، إلّا (٣) أن يقول

______________________________________________________

حصة الفقراء على الإجازة من وليّ أمرها أو ممّن يشتريها.

(١) يعني انتهى كلام المحقق قدس‌سره في المعتبر.

(٢) يستفاد هذا الظهور من إطلاق قوله : «صح البيع والرهن» مع كونه في مقام البيان. ولعل الوجه في الإتيان بكلمة «بل» التنبيه على خصوصية في نظر شيخ الطائفة ، وهي : أنّه وإن وافق المحقق قدس‌سرهما في صحة بيع حصة الفقراء إذا دفع إليهم حصتهم من سائر أمواله ، ولكنه زاد عليه باستغناء بيعه عن إجازته بعد تملك الزكاة.

وهذه الفتوى ـ بناء على عدم تعلق الخمس والزكاة بالعين كما هو بعض المباني في كيفية تعلقهما بالمال ـ صحيحة ، ولا يرد عليها إشكال المحقق. نعم يرد عليها بناء على تعلقهما بالعين بأحد النحوين ـ من الإشاعة والكلي في المعين ـ كما أشار إليه المحقق قدس‌سره بقوله : «لأنّ العين مملوكة».

وبالجملة : فالمحقق يقول بصحة البيع مع الإجازة ، والشيخ ـ بناء على استظهار المحقق ـ يقول بالصحة بدون الإجازة.

(٣) هذا استدراك على قول المحقق : «وفيه إشكال» وحاصل الاستدراك : أنّ إشكال المحقق على شيخ الطائفة قدس‌سرهما مبني على تعلق الزكاة بالعين إمّا بنحو الإشاعة ، وإمّا بنحو الكلّي في المعيّن. دون المبنى الآخر وهو تعلّقها بذمته ، إذ على هذا المبنى يندرج بيع المال الزكوي في المسألة السابقة ، وهي كون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة ، مع عدم كونه جائز التصرف حال العقد.

والوجه في كون هذا البيع من صغريات تلك المسألة : أنّ عين المال الزكوي خالصة للمالك ، لفرض استقرار حصة الفقراء على عهدته ، فليس المال مشاعا بينه وبين الأصناف ، ولا لهم سهم فيه على نحو الكلّي في المعيّن ، بل يجب على المالك أداء الزكاة ، كوجوب أداء سائر الديون لتفريغ ذمته منها.

وبناء على هذا تكون الزكاة نظير الرهن ، فكما يجوز للمرتهن استيفاء الدين ببيع العين المرهونة لو امتنع الراهن عن أداء ما في ذمّته. فكذا يجوز للمستحقين استيفاء الزكاة


الشيخ بتعلّق الزكاة بالعين ، كتعلّق الدين بالرّهن (١) ، فإنّ الراهن إذا باع ففكّ الرهن قبل مراجعة المرتهن (٢) لزم ، ولم يحتج إلى إجازة مستأنفة (*).

______________________________________________________

واستنقاذها من أموال المالك الممتنع عن أداء الحقّ. وعليه فبيع المال الزكوي ، ثم دفع حصة الفقراء صحيح ، ولا يتوقف على الإجازة. كما يصح للراهن بيع الرهن ثم فكّه بأداء الدين بلا حاجة إلى إجازة جديدة. هذا بناء على تعلّقها بالدين.

ولكن القول المشهور تعلق الزكاة بالعين ، إمّا بنحو الإشاعة ، وإما بنحو الكلّي في المعيّن. وتظهر الثمرة بينهما في تلف مقدار من المال ، إذ التالف يحسب على المالك والفقراء ـ بالنسبة ـ بناء على الإشاعة ، وعلى المالك خاصة بناء على الكلي في المعيّن لو بقي من المال مقدار الزكاة.

ويحتمل كون الزكاة بأحد وجهين آخرين ، وهما : كونها بنحو تعلّق حق الرهانة بالعين المرهونة ، وبنحو تعلق حقّ الجناية برقبة العبد الجاني. والتفصيل موكول إلى محلّه.

(١) فإنّ الدين يكون في ذمة المديون مع كون العين المرهونة وثيقة للدين ، بمعنى : أنّ للمرتهن استيفاء دينه منها ، كما أنّ الزكاة تتعلّق بالذمة ، وللفقير استيفاء الزكاة من النصاب ، فليست الزكاة جزءا من النصاب حتى يكون النصاب مشتركا بين المالك والفقير ، ويحتاج بيع الزكاة إلى الإجازة.

(٢) إذ لا يترتب أثر على الفكّ بعد المراجعة إلى المرتهن والاستيذان منه لبيع العين المرهونة.

__________________

(*) لكن يعارضه ما نقله صاحب المقابس عنه من حكمه ببطلان بيع ما لا يملك ، فلاحظ قوله في المبسوط : «لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ، ثم يشتريها ويسلّمها إلى المشتري» واحتمل صاحب المقابس استناد حكمه بالبطلان على مختاره من فساد البيع الفضولي ، حيث إنّ الخلاف في مسألة «من باع ثم ملك» يكون بعد تسلّم صحته. (١)

ولعلّ ما ذهب إليه شيخ الطائفة في مسألة بيع الزكاة واستغنائه عن الإجازة بعد دفع حصة الفقراء تعبّد مستند إلى النص ، وهو صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : «قلت

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٦.


وبهذا القول (١) صرّح الشهيد رحمه‌الله في الدروس (٢) ، وهو (٣) ظاهر المحكي عن الصيمري.

والمحكيّ (٤) عن المحقّق الثاني في تعليق الإرشاد : هو البطلان ، ومال

______________________________________________________

(١) وهو قول المحقق بصحة بيع «من باع ثم ملك» وهذا بخلاف قول الشيخ قدس‌سره ، فإنّه قائل بالصحة بدون الإجازة من الفضولي الذي صار مالكا بالفعل.

(٢) قال الشهيد قدس‌سره : «ولا يشترط الإجازة في الحال ، ولا كون المجيز حاصلا حين العقد ، فتصح إجازة الصبي والمجنون بعد الكمال. وكذا لو باع ملك غيره ثمّ انتقل إليه فأجاز» (١).

(٣) أي : القول بالصحة مع الإجازة ظاهر ما حكاه صاحب المقابس عن الشيخ مفلح الصيمري قدس‌سرهما (٢).

(٤) مبتدأ ، خبره «البطلان» قال في محكي تعليق الإرشاد : «هل يصحّ البيع بمعنى عدم اشتراط الإجازة فيه أم لا؟ وجهان ، وعدم الاشتراط أبعد. بل البطلان يتجه إذا قلنا إنّ الإجازة كاشفة ، لأنّ انتقال الملك إلى المشتري الأوّل إذا كان في وقت العقد استلزم بطلان البيع الثاني ، فينتفي الملك. وصحة البيع الأوّل فرع له» (٣).

__________________

لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين ، فباعها ، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال : نعم تؤخذ زكاتها ، ويتبع بها البائع ، أو يؤدّي زكاتها البائع» (٤) ، لظهور الجملة الأخيرة في كفاية أداء الزكاة من مال آخر في صحة البيع السابق ، ولزومه بالنسبة إلى تمام المبيع ، مع عدم كون بعضه مملوكا له حين البيع.

وعلى هذا الاحتمال لا وجه لتخريج كلام الشيخ على مسألة «من باع» والتكلّف في توجيهه بابتنائه على قول شاذ عندنا ، وهو تعلقه بالدين ، فلاحظ وتأمّل.

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٣.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٦.

(٣) الحاكي لكلامه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٦ و ١٩٧.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٨٦ ، الباب ١٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.


إليه (١) بعض المعاصرين ، تبعا لبعض معاصريه (٢).

والأقوى هو الأوّل (٣)

______________________________________________________

(١) أي : إلى البطلان ، والمراد ببعض المعاصرين صاحب الجواهر قدس‌سره ، فإنّه ـ بعد نفي اشتراط أن يكون للعقد مجيز في حال العقد ـ قال : «نعم قد يمتنع في نحو المثال الثاني ، لأنّ الكشف حال العقد يقتضي عدم ملك للثاني ، الذي قد فرض انتقال الملك إليه ، وكل ما يستلزم وجوده عدمه غير متحقق ..» (١) وسيأتي توضيحه في بيان الوجوه المذكورة في المقابس.

وقال في كتاب الزكاة ـ بعد ترجيح تعلقها بالعين على جهة الإشاعة في مجموع أجزاء النصاب ـ ما لفظه : «وحينئذ فلو باع المالك النصاب نفذ في نصيبه قولا واحدا كما اعترف به في البيان ، ووقف في حصة الفقير على إجازة الإمام عليه‌السلام ، أو وكيله ، فيأخذ من الثمن بالنسبة. ولو أدّى المالك الزكاة من غيره بعد البيع لم يجد في الصحة ، ضرورة عدم الملك حال البيع .. إلخ» (٢). وهذه الجملة الأخيرة ظاهرة بل صريحة في بطلان بيع مالا يملكه ثم تملكه بعد البيع ، فراجع.

(٢) وهو المحقق الشيخ أسد الله الشوشتري صاحب المقابس قدس‌سره ، فالأقوال في مسألة من باع مال غيره لنفسه ثم ملكه ثلاثة.

أحدها : الصحة ولو بدون الإجازة ، وهو ظاهر الشيخ قدس‌سره.

ثانيها : البطلان ولو مع الإجازة ، وهو المنسوب إلى المحقق الثاني وصاحب المقابس وصاحب الجواهر قدّس سرهم.

ثالثها : الصحة مع الإجازة ، والبطلان بدونها ، وهو المنسوب إلى المحقق والشهيد والصيمري.

(٣) وهو الصحة مع الإجازة. ولمّا كانت الصحة منوطة بوجود المقتضي لها وعدم المانع عنها ، فلذا ادعى المصنف وجود المقتضي لأمرين ، وهما الأصل والعموم ، كما نفى

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩٨.

(٢) جواهر الكلام ، ج ١٥ ، ص ١٤٢.


للأصل (١)

______________________________________________________

المانع ، وهو الوجوه المذكورة في المقابس ،

(١) الظاهر أنّ مراده به هو الأصل العملي مع الغضّ عن الدليل الاجتهادي ، وإلّا فلا مجال للأصل مع الدليل.

ثم إنّ الأصل المحكّم في المعاملات هو أصالة الفساد ، فلعل المراد به أصل البراءة عن اشتراط مالكيّة المجيز حال العقد ، بناء على جريان البراءة في الأحكام الوضعيّة كالأحكام التكليفية كما هو مقتضى إطلاق بعض أدلّة البراءة مثل حديث الحجب وإن لم يكن مرضيّا عند المصنف قدس‌سره (*).

__________________

(*) ولو جرت أصالة البراءة عن شرطية كون المالك حين الإجازة هو المالك حين العقد ، أو عن مانعية تبدله حالها بمالك آخر حاله ، كانت مقدّمة على أصالة الفساد ، لتسبب الشك في الفساد عن الشك في شرطية الخصوصية المحتملة أو مانعيتها ، كما ذهب إليه بعض أجلّة المحشين (١).

لكن يشكل إرادة أصالة البراءة هنا بكونها مثبتة ، لأنّ ترتب الملكية على العقد الفاقد للخصوصية المشكوكة عقلي. وكذا الكلام لو أريد بالأصل استصحاب عدم المجعول.

وأفاد السيد الطباطبائي قدس‌سره : أن الأصل هنا ليس دليلا مستقلا في قبال العمومات ، إذ المراد به إمّا القاعدة الاجتهادية المستفادة من العمومات من صحة كل عقد شك في صحته شرعا. وإمّا الأصل العملي وهو أصالة عدم شرطية مالكيّة المجيز حين العقد ، وهي لا تجدي إلّا بضميمة العمومات ، إذ بدونها يكون الأصل المحكّم هو أصالة الفساد (٢) ، هذا.

وقد ذكرنا في المقدمة الباحثة عن ألفاظ العقود شطرا من الكلام حول جريان أصالة البراءة في الشك في الشرطية في المعاملات ، فراجع (٣).

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الايروانى ، ج ١ ، ص ١٣٤ ـ ١٣٥.

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٦٣.

(٣) هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ٣١٦ ـ ٣٢٦.


والعمومات (١) السليمة عمّا يرد عليه ، ما عدا أمور لفّقها بعض (٢) من قارب عصرنا ممّا يرجع أكثرها إلى ما ذكر في الإيضاح وجامع المقاصد :

الأوّل (٣) : أنّه قد باع مال الغير لنفسه ،

______________________________________________________

(١) وهي قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) فإنّ هذه العمومات تشمل ما نحن فيه أعني به بيع الفضولي مال الغير لنفسه ، ووقوعه للمالك ، سواء تملّكه البائع بعد البيع أم لم يتملكه.

والوجه في شمول العمومات للمقام هو : أنّ العقد الواقع بين الفضولي وطرفه واجد للشرائط حسب الفرض ما عدا أمرين : أحدهما : استناد العقد إلى المالك أو من هو بمنزلته. ثانيهما : الرضا بالبيع. والمفروض حصولهما بالإجازة المتأخرة.

واحتمال اعتبار اتّحاد المالك حال العقد والإجازة يندفع بأصالة العموم بعد إحراز صدق «العقد والتجارة والبيع» على ما أنشأه الفضول ، هذا.

(٢) لا يخفى أن الأنسب التعبير عن الوجوه المذكورة في المقابس ب «ما حقّقها أو أفادها» دون التلفيق ، خصوصا مع تعبير المصنف عنه في غالب الموارد ب «بعض المحققين» ممّا ينبئ عن الاعتراف بمكانته في الفقه ودقة نظره.

ثم لا يخفى أنّ الأمور التي نقلها المصنف عنه سبعة ، ولكن الموجود في المقابس وجوه ستة من الخلل مانعة عن تصحيح مسألة «من باع» والوجه السابع طائفة من الأخبار استدلّ بها على البطلان.

(٣) أي : الأمر الأوّل من الأمور التي أوردها المحقق المتقدم على صحة بيع الفضولي مال الغير لنفسه ثم اشتراه فأجازه.

وتوضيحه : أنّ صاحب المقابس قدس‌سره عقد الموضع الثاني ـ من مواضع البحث في بيع الفضولي ـ لأجل تحقيق حكم بيع الفضولي مال الغير لنفسه لا لمالكه ، وذكر وجوها خمسة لبطلانه ، وعدم وقوعه للمالك لو أجاز ، وقوّى هو الفساد ، فقال في بعض كلامه : «وحيث كان الحكم على خلاف الأصل ناسب الاقتصار على محلّ اليقين ، فلا يكتفى بإجازة بيع الفضولي إذا أوقعه عن نفسه ـ خصوصا إذا سمّى نفسه في العقد ـ بل يجدد العقد ثانيا».


وقد مرّ الإشكال فيه (١) ، وربّما لا يجري فيه (٢)

______________________________________________________

وقد مرّ نقل هذه الوجوه وتحقيقها في المسألة الثالثة من مسائل البيع الفضولي التي عنونها المصنف بقوله : «أن يبيع الفضولي لنفسه ، وهذا غالبا يكون في بيع الغاصب .. إلخ» (١) فكان من وجوه الاشكال أنّ إطلاق النبويّين : «لا تبع ما ليس عندك ، «لا بيع إلّا في ملك» يشمل بيع الفضولي لنفسه ولمالكه ، فكلّ منهما منهي عنه ، فيقع فاسدا. ويجري فيه أيضا سائر الإشكالات المذكورة هناك مثل قوله : «ومنها : أن الفضولي إذا قصد بيع مال الغير لنفسه فلم يقصد حقيقة المعاوضة ، إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر ، فالمعاوضة الحقيقية غير متصورة .. إلخ».

وحيث كانت العقود تابعة للقصود ، ولم يتمشّ قصد المبادلة ممّن يبيع مال الغير لنفسه ، تعيّن الحكم ببطلانه ، وكان هذا المحذور بنظر صاحب المقابس غير قابل للتفصّي عنه بوجه.

وبهذا يظهر أنّ هذا الوجه الأوّل لو تمّ كان معناه عدم وجود المقتضي لشمول عموم مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لبيع الفضولي لنفسه ، لأنّ شمول العموم منوط بتحقق الموضوع ، وهو العقد والبيع المتقوّمان بالقصد الجدّي إلى المدلول ، فالإنشاء المجرّد عن القصد ليس عقدا ولا بيعا ولا تجارة حتى يمكن تصحيحه بالعموم والإطلاق. وليس الكلام في المانع ـ بعد إحراز المقتضي ـ ليتمسك بالعموم لدفعه.

(١) هذا كلام صاحب المقابس ، ومقصوده من «وقد مرّ» ما ذكرناه آنفا ، وهو الموضع الثاني الذي عقده للبحث عن حكم بيع مال الغير لنفسه. وعبارة المتن منقولة بالمعنى ، إذ عبارة المقابس : «وقد مرّ الكلام فيه».

(٢) أي : لا يجري في ما نحن فيه ـ وهو مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» ـ بعض وجوه الإشكال المتقدمة في بيع الفضولي مال الغير لنفسه.

ومراده من بعض الوجوه المختصّ ببيع الغاصب لنفسه ولا يجري في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» هو الوجه الأوّل والرابع في ما ذكره صاحب المقابس في بيع الغاصب ، حيث إنّه نقل عن المحقق الكركي قدس‌سره «أن الغصب أمارة عدم رضا المالك». فهذا الوجه

__________________

(١) راجع هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٥٣٩ ، وما بعدها.


بعض ما ذكر هناك (١).

وفيه (٢) : أنّه قد سبق أنّ الأقوى صحّته ، وربما يسلم هنا (٣) عن بعض الإشكالات الجارية هناك (٤) ، مثل مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان.

______________________________________________________

لا مورد له في مسألة «من باع» لأنّ الفضولي لم يتصرف في المال ، وإنما ينشئ بيعه بقصد أن يشتريه من مالكه ليسلّمه إلى المشتري.

وكذا الوجه الرابع المختص بعلم المشتري بأنّ البائع غاصب. فلا مورد لهذا الوجه في مسألة «من باع» لما فيه أوّلا : من اختصاصه بعلم المشتري بعدم مالكيته للمبيع.

وثانيا : بما أجاب به صاحب المقابس هناك من انفكاك أمر العقد عن القبض ، فراجع (١).

(١) أي : في مسألة بيع الفضولي لنفسه ، وهو غالبا يكون في بيع الغاصب.

(٢) أي : وفيما أفاده صاحب المقابس ـ من الأمر الأوّل ـ نظر ، وجهه ما تقدم في المسألة الثالثة من منع الكبرى ـ وهي فساد بيع الفضولي لنفسه ـ لما عرفت من اندفاع وجوه الخلل والاشكال فيه ، وأنّ الأقوى صحته. وحيث كانت مسألة «من باع» من صغريات «بيع الفضولي لنفسه» فلذا نقول بصحتها للأصل والعمومات.

بل نقول : انّ مسألة «من باع» أقرب إلى الصحة من مسألة «بيع الفضولي لنفسه» لأن الإشكال الرابع المتقدم هناك ـ وهو «أن المنشأ غير مجاز ، والمجاز غير منشأ» ـ لا موضوع له في المقام كما سيظهر.

(٣) أي : في «من باع شيئا ثم ملكه» فإنّه يسلم عن إشكال مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان في بيع الغاصب ، حيث إنّ الإجازة تقتضي نفوذ عقد الفضولي للمالك المجيز ، لاقتضاء المعاوضة خروج المثمن عن ملكه ودخول الثمن في ملكه ، مع أنّه خلاف ما قصده الغاصب من بيع المال المغصوب لنفسه ، فالمنشأ غير المجاز ، والمجاز غير المنشأ.

وهذا المحذور مفقود في بيع ما لا يملكه ثم تملكه ، لأنّه باع لنفسه ، والإجازة وقعت على ما قصده. فإشكال مخالفة الإجازة لما قصده العاقد الغاصب لا يجري في مسألة : «من باع ثم ملك».

(٤) أي : المسألة الثالثة المتقدمة في (ج ٤ ، ص ٥٣٩).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٣.


الثاني (١) : أنّا حيث جوّزنا بيع غير المملوك (٢) مع انتفاء الملك ورضا المالك والقدرة (٣) على التسليم ، فقد اكتفينا بحصول ذلك (٤) للمالك المجيز (٥) ، لأنّه البائع

______________________________________________________

(١) أي : الأمر الثاني من الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدس‌سره. ومحصّل هذا الاشكال ـ على صحة بيع «من باع شيئا ثم ملكه» ـ هو : أنّ بيع الفضول لا بدّ أن يكون واجدا لجميع الشرائط المعتبرة في صحته التأهلية حتى تتوقّف صحته الفعلية على فعلية الإجازة فقط. وهذا في بيع الفضول للمالك ثابت ، لأنّ من يراد البيع له ـ وهو مالك المال المعقود عليه فضولا ـ واجد للقدرة على التسليم ، وإمكان الرضا المنوط به النقل والانتقال ، وإن كانت هذه الأمور منتفية في العاقد ، لعدم اعتبارها فيه.

فهذا العقد الصادر من الفضول واجد لجميع ما يعتبر في الصحة التأهّلية بقول مطلق.

وهذا بخلاف العقد الصادر من الفضول هنا ، إذ المفروض أنّ من يراد وقوع البيع له هو نفس العاقد الفضول. ومن المعلوم أنّه ليس واجدا للقدرة المؤثرة في نفوذ هذا العقد ، لأنّ قدرة الأجنبي على تقدير وجودها كالعدم. وكذا الحال في رضاه ، فإنّ فعليّته لا تجدي فضلا عن إمكانه. فمن له الصحة التأهلية للعقد ـ وهو مالك المال ـ غير مراد ، إذ لم يقع العقد له. والمراد هو الذي وقع البيع له أعني به العاقد الفضول. إلّا أنّ العقد ليس بالإضافة إليه واجدا للصحة التأهلية. فهذا العقد الفاقد للصحة التأهلية بالإضافة إلى المالك ليس قابلا للصحة الفعلية ، لعدم تعقل الصحة الفعلية بدون الصحة التأهّلية ، فإنّ العقد في نفسه ليس قابلا للصحة التأهلية.

(٢) يعني : غير المملوك للفضولي ، كحصة الفقراء ـ في مثال بيع المال الزكوي ـ التي لا تكون مملوكة للعاقد الفضول.

(٣) هذا وما قبله معطوفان على «الملك» يعني : مع انتفاء الملك والرضا والقدرة على التسليم عن العاقد الفضول.

(٤) أي : ما ذكر من الملك ورضا المالك والقدرة على التسليم.

(٥) يعني : في الفضولي المعهود الذي يبيع للمالك ، فإنّ المالك المجيز هو البائع حقيقة ، لانتساب العقد إليه بإجازته.


حقيقة ، والفرض هنا (١) عدم إجازته (٢) ، وعدم وقوع البيع عنه.

وفيه (٣) : أنّ الثابت هو اعتبار رضا من هو المالك حال الرضا (٤) ، سواء ملك حال العقد أم لا (٥) ، لأنّ الداعي على اعتبار الرضا سلطنة الناس على أموالهم ،

______________________________________________________

(١) هذا هو وجه الإشكال في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» يعني : أنّ المفروض في هذه المسألة الخلل من ناحيتين.

إحداهما : أنّ المالك حال العقد لم يجز هذا البيع الفضولي ، فلم يستند العقد إليه.

وثانيتهما : عدم وقوع البيع عن المالك ، إذ المفروض قصد وقوعه لنفسه.

(٢) هذا الضمير وضمير «عنه» راجعان إلى المالك المجيز.

(٣) أي : وفي هذا الأمر الثاني الذي أفاده صاحب المقابس قدس‌سره أن الثابت .. إلخ. وتوضيحه : أنّ كلام المقابس دلّ على فقد أمرين في مسألة «من باع ثم ملك» أحدهما رضا المالك ، والآخر قدرته على التسليم. والمصنف قدس‌سره أجاب عن كل منهما مستقلا.

أمّا رضا المالك فمحصّل ما أفاده فيه : أنّ أدلة اعتبار الرضا ـ وهي سلطنة الناس على أموالهم ، وعدم حلّ الأموال لغير أربابها بغير طيب أنفسهم ، وقبح التصرف فيها بغير رضاهم عقلا ـ لا تقتضي إلّا اعتبار الرضا فيمن هو مالك حال الرضا ، لأنّ المالك حين الإجازة وهو المتصف بكونه بائعا لا بدّ أن يكون راضيا ، سواء أكان مالكا حين العقد أم لم يكن.

هذا بالنسبة إلى طيب نفس المالك. وأما القدرة على التسليم فسيأتي الكلام فيه.

(٤) لأنّ الرضا يوجب النفوذ ، فلا بدّ من وجود الرضا وغيره من الشرائط حين نفوذ العقد ، سواء أكان المالك حين الإجازة والرضا هو المالك حين العقد أم لا ، والمفروض في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» كون المالك حال الإجازة ـ وهو العاقد الفضول الذي صار مالكا فعليا للمبيع ـ غير مالكها حين العقد ، فشرائط صحة العقد تأهّلا موجودة للمالك الفعلي المجيز وهو الفضول. فلا يلزم ما ذكره المحقق صاحب المقابس من انتفاء رضا المالك ، لأن شرط صحة العقد رضا المالك حال استناد العقد إليه ، وهو حال الإجازة.

(٥) لأنّ اعتبار كون المجيز المالك حال الإجازة هو المالك حين العقد قيد زائد لا دليل عليه ، وهو منفي بإطلاق الأدلة.


وعدم حلّها لغير ملّاكها بغير طيب أنفسهم ، وقبح (١) التصرّف فيها بغير رضاهم. وهذا (٢) المعنى لا يقتضي أزيد ممّا ذكرنا (٣).

وأمّا القدرة (٤) على التسليم فلا نضايق (٥) من اعتبارها في المالك حين العقد ، ولا يكتفى بحصولها (٦) فيمن هو مالك حين الإجازة. وهذا (٧) كلام آخر لا يقدح

______________________________________________________

(١) هذا و «عدم» معطوفان على «سلطنة».

(٢) وهو كون الداعي إلى اعتبار رضا المالك هي الأدلة الثلاثة المتقدمة.

(٣) وهو أنّ الثابت من تلك الأدلة اعتبار رضا من هو مالك حين الإجازة ، لأنّ المالك الفعلي للزكاة ـ في مثال بيعها قبل إخراجها ـ بعد دفع بدلها من أمواله الأخر إلى الفقراء هو مالك النصاب ، فيعتبر رضاه ببيعها فضولا مع بيع النصاب بمقتضى سلطنته على ماله ، وغيرها.

(٤) هذا تمهيد لدفع إيراد صاحب المقابس على صحة بيع المالك مالا يملكه حال العقد بانتفاء القدرة على التسليم في هذا البيع ، حيث إنّ البائع ليس مالكا للمبيع حين العقد حتى يكون قادرا على تسليمه ، مع وضوح شرطية القدرة في صحة البيع.

(٥) أي : فلا نضايق من اعتبار القدرة في المالك حين العقد.

وقوله : «فلا نضايق» دفع لإشكال القدرة على التسليم ، ومحصّله : أنّا لا ننكر اعتبار القدرة في المالك حين العقد وإن لم يكن مجيزا ، فإنّ القدرة على التسليم حاصلة للمالك حين الإجازة ، كحصولها للمالك حال العقد فلا يبقى مجال لدعوى انتفاء القدرة على التسليم.

(٦) هذا الضمير وضمير «اعتبارها» راجعان إلى القدرة.

(٧) يعني : واعتبار القدرة في المالك حين العقد كلام آخر غير مرتبط بما نحن فيه ، وهو مسألة «من باع مال الغير لنفسه فضولا ثم ملكه بالشراء أو الإرث ، فأجاز البيع».

وجه عدم ارتباطه بما نحن فيه هو : أنّ البحث في مسألة «من باع فضولا مال الغير لنفسه ثمّ ملكه فأجاز البيع» إنّما يكون بعد الفراغ عن واجديّة ذلك البيع الفضولي لشرائط الصحة ، إذ محطّ البحث في هذه المسألة إنّما هو في كفاية الإجازة في صحة بيع الفضولي مع صيرورته مالكا فعليّا لما باعه فضولا ، بعد فرض جامعية ذلك البيع الفضولي


التزامه في صحّة البيع المذكور (١) ، لأنّ (٢) الكلام بعد استجماعه للشروط المفروغ عنها.

الثالث (٣) : أنّ الإجازة

______________________________________________________

لجميع الشرائط.

وبعبارة اخرى : انّا نلتزم باشتراط صحة البيع بقدرة من هو مالك حين العقد على تسليم المبيع للمشتري. فإن كان «من باع شيئا ثم ملكه» مطمئنا برضا المالك بإقباض المبيع فقد صحّ بيعه ، كسائر البيوع الفضولية. وإن لم يكن مطمئنا به فسد بيعه ، لفقد شرط الصحة.

وعليه فلا خصوصية في مسألة «من باع شيئا» من جهة القدرة على التسليم ، لأنّها من الشرائط العامّة لبيع الأصيل والفضول. مع أنّ المقصود بالبحث فعلا ملاحظة المحاذير المختصة بمسألة «من باع» فلا وجه لدعوى فقد التمكن من التسليم هنا.

(١) وهو : من باع شيئا ثم ملكه.

(٢) تعليل لعدم قدح التزام اعتبار القدرة في المالك حين العقد في صحة بيع مالا يملكه ثم تملكه. وحاصله : أنّ الكلام في صحّة بيع الفضول ـ الذي صار مالكا فعليا وأجاز ـ يكون بعد فرض جامعيته للشروط التي ثبتت شرطيتها في البيع.

(٣) هذا ثالث الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدس‌سره معترضا بها على صحة البيع بالإجازة في مسألتنا ، وهي «من باع فضولا مال الغير لنفسه ثم ملكه وأجاز».

ومحصل هذا الأمر الثالث : أنّه ـ بعد البناء على عموم دليل صحة الإجازة وكاشفيّتها في جميع الموارد حتى في مسألتنا هذه ـ يلزم أمر غير معقول ، وهو اجتماع النقيضين. توضيحه : أنّه إذا باع زيد مثلا مال أبيه لنفسه فضولا يوم الجمعة على عمرو ، ثمّ ملك ذلك المال بالشراء أو الإرث يوم السبت ، فأجاز ذلك البيع الفضولي يوم الأحد ، لزم بناء على كاشفية الإجازة خروج المال عن ملك زيد يوم الجمعة. مع أنّه لم يدخل في ملكه إلّا يوم السبت ، ولا يعقل خروج المال عن ملك شخص قبل دخوله في ملكه ، فيلزم أن يكون زيد مالكا لذلك المال يوم الجمعة وغير مالك له في يومها ، وليس هذا إلّا التناقض.


ـ حيث صحّت (١) ـ كاشفة (٢) على الأصحّ مطلقا (٣) ، لعموم (٤) الدليل الدالّ عليه (٥) ،

______________________________________________________

ويلزم أيضا اجتماع المالكين على مال في زمان واحد ، فإنّ المبيع فضولا يكون في يوم الجمعة مملوكا لمالكين ، أحدهما : المالك الأوّل أعني به والد زيد ، والآخر : عمرو الذي هو المشتري من زيد العاقد الفضولي.

وكلا هذين اللازمين محال عقلا. ولا فرق في استحالة اجتماع النقيضين والضدين بين الأعراض الخارجية والأمور الاعتبارية. وهذا المحذور العقلي يمنع جواز التمسك بالعمومات لصحة البيع الفضولي ، فلا محيص حينئذ عن الرجوع إلى الأصل العملي ، وهو في المقام أصالة الفساد أي استصحابه ، إذ نشكّ بعد صدور الإجازة في البيع الفضولي في ترتب الأثر على العقد ، فيستصحب عدمه.

فالمتحصل : عدم الدليل على صحة عقد الفضولي ، فلا بدّ من القول ببطلانه.

(١) في قبال بطلانها وعدم تأثيرها في نفوذ بيع الفضولي ، كما يذهب إلى لغوية الإجازة من يقول بفساد العقد الفضولي رأسا.

(٢) خبر قوله : «ان الإجازة» وقوله : «على الأصح» إشارة إلى كونها ناقلة ، كما هو مختار بعض. وظاهر العبارة أنّ المحقق صاحب المقابس أورد هذا الأمر الثالث بناء على الكشف الحقيقي أي حصول النقل من زمان العقد ، لا من حين الإجازة ، لا الكشف الحكمي الذي نقله المصنف عن شيخه شريف العلماء.

وكيف كان فهذا المحذور الثالث قد جعله فخر المحققين وجها لرأي العلّامة من بطلان بيع ما لا يملكه ثم تملّكه ، قال في الإيضاح : «ويحتمل البطلان ، لتضاد ملكي شخصين لشي‌ء واحد بعينه ، وقد تحقّق أحد الضدين ، فينتفي الآخر» ، ونحوه كلام المحقق الثاني قدس‌سره ، فراجع (١).

(٣) يعني : حتى في ما إذا باع الفضولي لنفسه ، ثم ملك وأجاز.

(٤) تعليل لكاشفية الإجازة في جميع أفراد عقد الفضولي.

(٥) أي : على كون الإجازة كاشفة.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٩ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٣.


ويلزم حينئذ (١) خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه (٢).

وفيه (٣) : منع كون الإجازة كاشفة

______________________________________________________

(١) أي : حين القول بكاشفية الإجازة مطلقا.

(٢) أي : في ملك البائع ، وهذا نقل عبارة المقابس بالمعنى ، وإلّا فنصّ كلامه هو : «قبل دخوله في ملكه ، وهو محال» فلاحظ.

(٣) أي : وفي هذا المحذور العقلي الذي أفاده صاحب المقابس قدس‌سره إشكال.

توضيح ذلك : أنّ عقد الفضولي إذا كان في نفسه جامعا لشرائط الصحة ، ولم يكن مانع عن تأثيره ونفوذه إلّا عدم رضا المالك ، فإن أجاز المالك صحّ العقد من حين وقوعه. وإن لم يجز وانتقل المال الذي عقد عليه فضولا إلى العاقد الفضول بالشراء أو الإرث ، وأجاز هو عقده الفضولي ، وقع البيع له ، ونفذ من زمان الإجازة لا من زمان العقد ، إذ شرط صحة الإجازة وقابليتها لتأثير العقد وتنفيذه أن تكون صادرة ممّن له أهليّة الإجازة ، ومن المعلوم إناطة أهليتها بصدورها عن المالك التام المالكية ، بأن لا يكون محجورا عن التصرف في ماله.

وبالجملة : فدليل اعتبار الإجازة يدلّ على اعتبارها في محلّ قابل ، وقابلية المحل منوطة بمالكية المجيز ، فبدونها ليست الإجازة قابلة لتصحيح العقد وتنفيذه.

وعلى هذا فإجازة العاقد الفضول ـ الذي صار مالكا فعلا للمال المعقود عليه فضولا ـ كاشفة عن صحة العقد الفضولي من زمان تملكه لما باعه فضولا ، لا من زمان وقوع العقد ، لأنّ قابلية الإجازة للتأثير إنّما تكون من زمان تملك المجيز لا من زمان العقد لعدم كونه مالكا للمال حين العقد حتى تصلح إجازته للتأثير من زمان صدوره.

فلا يلزم حينئذ من صحة الفضولي تناقض ولا تضاد حتى نضطرّ إلى رفع اليد عن العمومات الدالة على صحة عقد الفضولي ، ونرجع إلى الأصل العملي ، وهو أصالة الفساد ، ونلتزم ببطلان عقد الفضولي كصاحب المقابس.

وبعبارة أخرى : كلام صاحب المقابس قدس‌سره مبني على أنّ الإجازة في جميع البيوع الفضولية كاشفة عن ترتب النقل والانتقال عليها من حين إنشائها ، فلذا يتوجه المحذور المتقدم من اجتماع مالكين على مال واحد وغيره.


مطلقا (١) عن (٢) خروج الملك عن ملك المجيز من حين العقد حتى (٣) فيما لو كان المجيز غير مالك حين العقد (٤) ، فإنّ (٥) مقدار كشف الإجازة تابع لصحّة البيع.

______________________________________________________

وهذا المبنى ممنوع ، لأنّ الإجازة وإن كانت كاشفة ، لكن المتّبع هو دليل الاعتبار ، والمستفاد منه إمكان الكشف ، فإن أمكن ترتّب النقل من زمان العقد كشفت الإجازة عنه ، كما في بيع الفضول للمالك ، ثم إجازته له.

وإن امتنع ترتب الأثر من حين العقد وأمكن ترتبه عليه من زمان لاحق ، كشفت الإجازة عن حصول الأثر في الزمان المتأخر ، ولا يحكم بلغوية الإجازة لمجرّد امتناع تأثيرها من زمان العقد.

وحينئذ فلمّا ثبت قابلية بيع الفضول مال الغير لنفسه للصحة ـ كما تقدم في المسألة الثالثة التي عقدها المصنف قدس‌سره ـ قلنا : إنّ هذا البائع لم يكن أهلا للإجازة حين بيع مال الغير ، ولكنه بعد تملكه للمال صار أهلا لأن يجيز ، فلا مانع من وقوع البيع له واستناده إليه بإجازته. وهذه الإجازة كاشفة عن دخول المال في ملك الأصيل ـ المشتري ـ من زمان تملك المجيز له ، لا من زمان العقد. ولا محذور شرعا ولا عقلا في الالتزام بالكشف بهذا المعنى.

ويمكن التنظير له بالهبة الفضولية ، فإنّ المتّهب لا يتملّك العين من زمان العقد لو أجاز المالك ، بل يتملّكها من حين القبض ، وهذا شاهد على أنّ القول بالكشف لا يستلزم تحقق النقل والانتقال من زمان العقد في جميع الموارد ، لأنّ الإجازة تابعة للعقد المجاز. هذا.

(١) أي : سواء أكان المجيز مالكا حين العقد أم لا.

(٢) متعلق ب «كاشفة» وقوله : «عن ملك ، من حين العقد» متعلّقان ب «خروج».

(٣) هذا بيان المراد من قوله : «مطلقا».

(٤) كمسألتنا ، وهي : من باع شيئا ثم ملكه.

(٥) تعليل لمنع كون الإجازة كاشفة ـ في جميع الموارد ـ عن ترتّب الأثر من زمان العقد ، بل تتبع صحّة العقد المجاز. فإن كان جامعا لشرائط التأثير عدا رضا المالك كشفت الإجازة عن ترتب الأثر من زمان العقد. وإن لم يكن جامعا لها ـ كما في مسألة من باع


فإذا (١) ثبت بمقتضى العمومات أنّ العقد الذي أوقعه البائع لنفسه عقد صدر من أهل العقد (٢) في المحلّ القابل للعقد عليه (٣) ، ولا مانع (٤) من وقوعه إلّا عدم رضا مالكه ، فكما (٥) أنّ مالكه الأوّل إذا رضي يقع البيع له ، فكذلك مالكه الثاني (٦) إذا رضي يقع البيع له. ولا دليل (٧) على اعتبار كون الرضا المتأخّر (٨)

______________________________________________________

شيئا ثم ملكه ـ كشفت عن ترتب الأثر من أوّل أزمنة الإمكان ، وهو زمان دخول المال في ملك المجيز.

(١) هذا بيان لوجود المقتضي لصحّة عقد الفضولي لنفسه ، وحاصله شمول العمومات له ، كما تقدّم في المسألة الثالثة.

(٢) لكون الفضوليّ قاصدا جدّا للمعاملة ، ولم يكن داعيه الهزل والمزاح.

(٣) لكون المبيع ممّا يصحّ بيعه ، لخلوّه عن الموانع.

(٤) أي : من وقوع العقد. وهذا إشارة إلى مانع الصحة ، وهو عدم رضا مالك المال. فإذا حصل رضا المالك أثّر العقد أثره ، لوقوع الإجازة في محلّها ، سواء أكان هو المالك الأوّل كما هو الحال في بيع الفضولي للمالك ، فيجيزه ، أم هو الثاني أي العاقد الفضولي الذي صار مالكا فعلا.

(٥) الجملة جواب الشرط في قوله : «فإذا ثبت».

(٦) وهو العاقد الفضولي الذي تملّك المال ـ الذي باعه فضولا ـ بالشراء أو بالإرث.

(٧) هذا إشارة إلى منشأ إشكال صاحب المقابس قدس‌سره «من خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه» حيث إنّ منشأه اعتبار كون الرضا والإجازة ممن هو مالك حال العقد ، والمفروض أنّه لا دليل على هذا التقييد. بل مقتضى الدليل هو صدور الرضا والإجازة ممّن يصلح رضاه لتنفيذ العقد ، وهو ليس إلّا المالك حين الإجازة ، سواء أكان هو المالك الأوّل أم المالك الثاني ، وهو العاقد الفضولي ، أو غيره ممّن ملك المال الذي بيع فضولا.

وبالجملة : فلا دليل على اعتبار كون المجيز هو المالك حال العقد.

(٨) كما في العقود الفضولية ، فإنّ رضا المالكين فيها متأخر عن نفس العقود ، بخلاف العقود غير الفضولية ، لمقارنة رضا المالكين فيها للعقود.


ممّن (١) هو مالك حال العقد.

وحينئذ (٢) فإذا (٣) ثبتت صحّته بالدليل ، فلا محيص عن القول بأنّ الإجازة كاشفة عن خروج المال عن ملك المجيز في أوّل أزمنة قابليّته (٤) ، إذ لا يمكن الكشف فيه (٥) على وجه آخر (٦) ، فلا يلزم من التزام هذا المعنى (٧) على الكشف (٨) محال عقليّ (٩) ولا شرعيّ (١٠) حتّى يرفع اليد من أجله (١١) عن العمومات المقتضية للصحّة.

______________________________________________________

(١) خبر قوله : «كون».

(٢) أي : وحين عدم الدليل على اعتبار كون الرضا المتأخر ممّن هو مالك حال العقد.

(٣) هذه نتيجة ما أثبته من صحّة العقد بالدليل ، وعدم دليل على اعتبار كون الرضا المتأخّر ممّن هو مالك حين العقد.

(٤) أي : قابليّة الإجازة ، والأولى تأنيث الضمير. ويمكن رجوع الضمير إلى «خروج المال». ووقت قابلية الإجازة للكشف زمان تملّك العاقد الفضوليّ بالشراء أو الإرث المال الذي باعه فضولا كما مرّ آنفا.

(٥) أي : فيما نحن فيه ، وهو : ما لو باع لنفسه ثم اشتراه من مالكه وأجاز.

(٦) وهو الكشف مطلقا وإن لم يكن المجيز مالكا حين العقد ، كما يقول بهذا الإطلاق صاحب المقابس ، ويورد عليه بلزوم خروج المال عن ملكه قبل دخوله فيه.

(٧) وهو خروج المال عن ملك المجيز في أوّل أزمنة قابليّته ، وهو زمان تملّكه بالشراء أو الإرث.

(٨) متعلق ب «يلزم» يعني : فلا يلزم محال على الكشف بهذا المعنى.

(٩) كاجتماع النقيضين واجتماع الضدين ، على التقريب المتقدم آنفا.

(١٠) كمخالفة دليل شرعي يدلّ على لزوم كشف الإجازة عن صحة العقد من زمان وقوعه مطلقا وإن لم يكن المجيز مالكا حين العقد حتى يكون الالتزام بكون الإجازة كاشفة عن صحة العقد من زمان تملّك المجيز مخالفا لذلك الدليل ، ومحالا شرعيّا. لكن ليس من ذلك الدليل عين ولا أثر.

(١١) أي : من أجل المحال العقلي والشرعي كما يدّعيه صاحب المقابس ، ويرفع


فإن كان لا بدّ من الكلام (١) فينبغي في المقتضي (٢) للصحّة ، أو في القول بأنّ الواجب في الكشف ـ عقلا أو شرعا ـ أن يكون عن خروج المال عن ملك المجيز وقت العقد (٣).

وقد عرفت (٤) أن لا كلام في مقتضي الصحّة ، ولذا (٥) لم يصدر (٦) من المستدلّ على البطلان ، وأنّه (٧) لا مانع عقلا ولا شرعا من كون الإجازة كاشفة من زمان

______________________________________________________

اليد عن العمومات المقتضية للصحة ، ويقول ببطلان عقد الفضولي في مسألة : من باع شيئا ثم ملكه فأجاز.

(١) أي : فإن كان لا بدّ من الاشكال والمناقشة ـ في صحة بيع من باع لنفسه ، ثم ملكه بالشراء أو الإرث وأجاز ـ فينبغي أن يكون الإشكال في ناحية المقتضي للصحة ، بأن يقال : إنّه لا مقتضي لصحة هذا البيع ، لعدم شمول العمومات له.

أو يقال : إنّ اللازم في كاشفية الإجازة خروج المال عن ملك المجيز حال العقد ، دون غيره ممّن ملك المال بعد زمان العقد كما في من باع شيئا ثم ملك ، فإنّ المجيز ـ وهو العاقد الفضولي ـ ملك المال بعد زمان العقد.

(٢) وهي العمومات المتقدمة في (ص ٢٥٢).

(٣) بأن يكون المجيز هو المالك حال العقد ، دون المالك في غير زمان العقد ، كمن باع مال غيره لنفسه ثمّ ملكه وأجاز ، فإنّ المجيز حينئذ غير المالك حين العقد.

فقوله : «وقت العقد» قيد ل «ملك المجيز» يعني : خروج المال المملوك له حال العقد عن ملكه.

(٤) أي عرفت عدم الكلام والإشكال في وجود مقتضي الصحة ، حين قال في (ص ٢٦٢) : «فإذا ثبت بمقتضى العمومات .. إلخ».

(٥) أي : ولأجل تماميّة مقتضي الصحة ، وهي العمومات المتقدّمة الدالة على صحة بيع «من باع مال الغير لنفسه ثم ملكه وأجاز» لم يصدر من صاحب المقابس ـ المستدل على بطلانه بالأمور التي أفادها ـ كلام يشعر ببطلان البيع المذكور من ناحية المقتضي.

(٦) أي : لم يصدر كلام من المستدل.

(٧) معطوف على «أن لا كلام» يعني : وقد عرفت أنّه لا مانع .. إلخ.


قابليّة تأثيرها (١).

ولا يتوهّم (٢) أنّ هذا (٣) نظير ما لو خصّص المالك الإجازة بزمان متأخّر عن العقد ، إذ (٤) التخصيص إنّما يقدح مع القابليّة (٥). كما أنّ تعميم الإجازة لما قبل ملك

______________________________________________________

وغرضه من هذا الكلام ردّ الوجه الثاني المذكور بقوله : «أو في القول بأن الواجب .. إلخ». كما أنّ قوله : «وقد عرفت أن لا كلام في مقتضي الصحة .. إلخ» ردّ للوجه الأوّل المذكور بقوله : «فان كان لا بدّ من الكلام فينبغي في المقتضي للصحة» وقد تقدّم آنفا تقريب كلا الردّين.

(١) وهو زمان مالكية المجيز لما باعه فضولا.

(٢) هذا الكلام يتضمّن وهما ودفعا. أمّا الوهم فهو : أنّ تخصيص كاشفية الإجازة بزمان قابليتها للتأثير ـ وهو زمان تملك العاقد الفضولي لما باعه فضولا وعدم تأثيرها من زمان صدور العقد في مسألتنا ، وهي «من باع ثم ملك وأجاز» ـ يكون نظير تخصيص المالك إجازة بيع ماله الذي بيع فضولا بزمان متأخر عن العقد ، كما إذا باعه الفضولي يوم الجمعة ، وخصّص المالك إجازته بيوم السبت ، بحيث يكون مبدء زمان تأثيرها وكاشفيّتها يوم السبت. فكما لا يجوز التخصيص هناك ، فكذلك في مسألة : من باع ثم ملك وأجاز.

وأمّا دفع الوهم المزبور فملخّصه : أنّ القياس مع الفارق. توضيحه : أنّ قابلية الإجازة للكشف عن صحة العقد من حين وقوعه موجودة في المقيس عليه ، فتخصيص تأثيرها بزمان متأخر خلاف الجعل الشرعي ، فلا يجوز. وهذا بخلاف المقيس ، فإنّ قابلية الإجازة للتأثير تحدث عند صيرورة المال ملكا للفضولي بالشراء أو الإرث ، فلا يعقل تأثيرها قبل حدوث القابلية لها. فتعميم تأثير الإجازة لما قبل مالكية الفضولي للمال لغو.

(٣) أي : بيع الفضولي مال الغير لنفسه ، وإجازته بعد تملّكه لذلك المال.

(٤) هذا تقريب دفع الوهم المذكور ، وقد مرّ آنفا بقولنا : «وأمّا دفع الوهم المزبور».

(٥) غرضه لغويّة التخصيص بزمان متأخّر عن العقد مع قابلية تأثير الإجازة من زمان وقوع العقد ، لكون التخصيص خلاف الحكم الشرعي ، وهو نفوذ الإجازة من حين العقد.


المجيز ـ بناء (١) على ما سبق (٢) في دليل الكشف : من أنّ معنى الإجازة إمضاء العقد من حين الوقوع ، أو إمضاء العقد الذي مقتضاه النقل من حين الوقوع ـ غير (٣) قادح مع عدم قابليّة تأثيرها إلّا من زمان ملك المجيز للمبيع (*).

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّه قيد لقوله : «انما يقدح مع القابلية» يعني : أنّ قدح التخصيص بزمان متأخر عن العقد مبني على كون معنى الإجازة إمضاء العقد من حين وقوعه بمقتضى إطلاق العقد ، وعدم تقيده بزمان دون زمان. أو كون معنى الإجازة إمضاء العقد الذي يقتضي مفهومه النقل من حين العقد.

وعلى التقديرين تكون الإجازة منفّذة للعقد من حين وقوعه. فتخصيص نفوذ الإجازة بزمان متأخّر عن العقد خلاف الجعل الشرعي ، فلا عبرة به.

وعلى ما ذكرنا من قيدية قوله : «بناء على ما سبق» لقوله : «إنّما يقدح» ينبغي تقديم : «بناء على ما سبق» على قوله : «كما أنّ تعميم الإجازة .. إلخ» بأن يقال : «إنّما يقدح مع القابلية بناء على ما سبق» إلى قوله «من حين الوقوع». ثم يقال : «كما أنّ تعميم الإجازة لما قبل ملك المجيز ـ ممّن باع ثم ملك واجازه ـ لما قبل ملكه غير قادح ، مع عدم قابلية تأثيرها إلّا من زمان ملك المجيز للمبيع».

والوجه في عدم قدح التعميم والتخصيص : أنّ المدار على الحكم الواقعي المجعول شرعا ، وليس شي‌ء من التعميم والتخصيص بيد المجيز ، بل هما تابعان لما هو الواقع من الحكم الشرعي ، فكلّ من التعميم والتخصيص غير المطابق للواقع لغو ولا عبرة به.

(٢) حيث استدل القائل بالكشف «بأنّ الإجازة متعلقة بالعقد ، فهي رضا بمضمونه ، وليس إلّا نقل العوضين من حينه» فراجع (ص ١٦).

(٣) خبر قوله : «انّ تعميم».

__________________

(*) لا يخفى أنّ للمحقق الايرواني قدس‌سره إشكالا على ما أفاده المصنف قدس‌سره في هذا الأمر الثالث ، ومحصله : أنّ العمومات ـ التي استدلّ بها على كلّ من صحة عقد الفضولي في مسألتنا ، وهي «من باع شيئا وملكه وأجاز» ومن كاشفية الإجازة من زمان تملك البائع الفضولي لذلك المال الذي باعه فضولا ، بتقريب : أنّها بعمومها تقتضي صحة بيع الفضولي ،


.................................................................................................

__________________

وبإطلاق مادة الوفاء في خطاب «أَوْفُوا» تقتضي لزوم الوفاء بالعقد من أوّل زمان تحققه. وهذا هو معنى الكشف ـ يلزم تركها مع عدم إمكان الأخذ بالكشف لمحذور عقلي أو شرعي ، وترك تصحيح بيع الفضولي بها والرجوع الى الأصل ، وهو يقتضي الفساد كما أفاده صاحب المقابس قدس‌سره.

فجواب المصنف قدس‌سره عن ذلك ـ بأنّ الجمع بين العمومات وبين دليل كاشفية الإجازة يقتضي صحة بيع «من باع ثم ملك وأجاز» وكشف الإجازة من حيث يمكن ، وهو زمان مالكية الفضولي لما باعه فضولا ـ لا يدفع الإشكال ، إذ ليس هنا دليلان حتى تكون نتيجة الجمع بينهما الصحة وكشف الإجازة من حيث يمكن ، بل الدليل واحد ، وهي العمومات المشار إليها. والمحذور العقلي أو الشرعي يوجب سقوطها ، ولا دليل بعد سقوطها على صحته ، وتحديد كاشفية الإجازة من زمان مالكية الفضولي لما باعه فضولا فلا محيص عن الالتزام بفساد بيع من باع فضولا ثم ملك وأجاز كما عن صاحب المقابس (١).

أقول : المحذور العقلي يمنع الأخذ بإطلاق مادة الوفاء زمانا ويقيده ، ولا يرفع الإطلاق رأسا ، فإنّه إطلاق أزماني يقبل التقييد بزمان. كما إذا وجب إكرام عالم في جميع الأزمنة بمقتضى الإطلاق الزماني. لكن عرض مانع عن إكرامه في بعض الأزمنة ، فهل يصحّ أن يقال بعدم وجوب إكرامه بعد ارتفاع ذلك المانع استنادا إلى سقوط إطلاق دليل وجوب إكرامه؟ فإنّ وزان التقييد العقلي وزان التقييد اللفظي ، فإنّ من الواضح صحة أن يقال بوجوب الوفاء بالعقد من حين وقوعه ، إلّا إذا لم يكن المجيز مالكا لما باعه حين العقد ، فإنّ وجوب الوفاء حينئذ يكون من زمان مالكيته لما باعه فضولا.

وعليه فما أفاده المصنف قدس‌سره وجيه.

نعم بناء على الكشف الانقلابي ـ كما في حاشية المحقق الايروانى قدس‌سره ـ تصح دعوى تأثير الإجازة من زمان عقد الفضولي ، لا من زمان مالكية الفضولي لما بيع فضولا. ولا يلزم حينئذ أمر غير معقول من اجتماع النقيضين والضدين ، وذلك لأنّ لزومه منوط باجتماع ملكية المال الواحد للمالكين في آن واحد. ولا يلزم ذلك على الكشف الانقلابي ، حيث إنّ

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٣٥.


الرابع (١) : أنّ العقد

______________________________________________________

(١) هذا رابع الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدس‌سره معترضا بها على القائلين بصحة بيع «من باع فضولا لنفسه ثم ملكه وأجازه». ومحصل هذا الأمر الرابع : أنّه لو باع زيد فضولا مال أبيه على عمرو يوم الجمعة ، ثم اشتراه من أبيه يوم السبت ، ثم أجاز

__________________

ملكيته لهما يكون على التناوب ، لا على الاجتماع والمعيّة.

توضيحه : أنّ الإجازة توجب انقلاب ما كان مملوكا للمالك الأوّل ودخوله بوجوده السابق من هذا الزمان ـ بسبب الإجازة ـ في ملك المالك ، فيكون المال مملوكا لمالكين على سبيل التناوب ، لا على الاجتماع والمعيّة. فالملكية واعتبار الملكية لا حق ، والمملوك سابق. عكس الملكية الحالية والمملوك اللاحق كملك المنافع الآتية فعلا ، وكملك البطون اللاحقة فعلا للعين الموقوفة بقطعتها اللاحقة.

وعلى هذا المعنى من الكشف لا يلزم في المقام شي‌ء من المحذورين ، وهما : خروج العين عن ملك المجيز قبل دخولها في ملكه ، واجتماع المالكين على مملوك واحد.

أقول : ما افاده قدس‌سره ـ لو سلّم إمكانه في نفسه ـ بعيد عن أذهان العرف وأبناء المحاورة ، ولا يمكن إثباته بالدليل ، إذ الاقتضاء العقلي لا يتمشّى إلّا بعد عدم الحكم العرفي في المورد. وأما معه فلا سبيل للتمسك به. وقد تقدم آنفا أنّه لا يلزم من الالتزام بكشف الإجازة عن نفوذ العقد من زمان مالكية المجيز لما باعه فضولا إلّا تقييد الإطلاق الزماني الثابت لدليل وجوب الوفاء بالعقد ، وتقييد الإطلاقات أمر عرفي معمول به بين أبناء المحاورة. ومعه لا يحكم العقل بما ذكره.

فتلخّص : أنّ ما أفاده المصنف قدس‌سره من «أن الإجازة لا تؤثر إلّا في محل قابل ، وهو بعد صيرورة العاقد الفضولي مالكا للمال ، فيكون بيع من باع فضولا مال الغير لنفسه ثم ملكه وأجاز صحيحا كسائر البيوع الفضولية ، حتى لو كان وقوع مضمون العقد من زمان حصوله دخيلا في مفهوم العقد ، وكانت الإجازة إنفاذا له» متين جدّا ، وذلك لما مرّ من أنّ المحذور العقلي كالمقيّد اللفظي يقيّد الإطلاق الأزماني ، ويكون قرينة على إرادة خلاف مفهوم العقد أو إطلاقه.


الأوّل (١) إنّما صحّ وترتّب عليه أثره بإجازة الفضولي ، وهي (٢) متوقّفة على صحّة العقد الثاني (٣) المتوقّفة (٤) على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي ، فتكون صحّة الأوّل (٥) مستلزمة لكون المال المعيّن ملكا للمالك (٦) وملكا للمشتري معا في زمان

______________________________________________________

زيد ذلك العقد الفضولي يوم الأحد ، فالعقد الأوّل هو بيع زيد فضولا ، والعقد الثاني هو بيع الأب على ولده زيد. فصحة العقد الأوّل بمعنى انتقال المال إلى عمرو منوطة بإجازة البائع الفضولي وهو زيد ، وصحة إجازته منوطة بالعقد الثاني وهو بيع الأب ذلك المال على زيد ، إذ بدون انتقاله إليه من الأب لا يصير مالكا حتى تصحّ إجازته. وصحة العقد الثاني ـ وهو بيع الأب على زيد ، متوقفة على بقاء المال على ملك الأب الذي هو المالك الأصلي ، إذ لا بيع إلّا في ملك.

فصحة العقد الأوّل تستلزم كون المال ملكا للأب ولعمرو في زمان واحد وهو يوم الجمعة ، أمّا الأب فلأنّ المال لم ينتقل منه إلى ولده زيد إلّا يوم السبت ، فالمال باق على ملكه يوم الجمعة. ومقتضى الإجازة صيرورة المال يوم الجمعة ملكا لعمرو ، فاجتمع مالكان ـ أحدهما : المالك الأصلي ، وهو الأب ، والآخر عمرو الذي اشترى المال بالبيع الفضولي من زيد ـ على مال واحد في يوم الجمعة.

ومبنى الاشكال في هذا الأمر الرابع هو اجتماع مالكين على مال واحد ، ومبنى الاشكال السابق هو حيثية خروج المال عن ملك البائع الفضولي قبل دخوله فيه.

(١) وهو بيع زيد فضولا.

(٢) أي : والإجازة متوقفة .. إلخ.

(٣) وهو بيع الأب على زيد. ووجه توقّف صحة إجازة الفضولي على صحة العقد الثاني واضح ، لأنّ مالكية المجيز للمال متوقفة على صحة العقد الثاني.

(٤) صفة ل «صحة» ، والمراد ب «مالكه الأصلي» هو الأب في المثال المذكور.

(٥) أي : العقد الأوّل ، وهو بيع زيد فضولا مال أبيه لنفسه على عمرو يوم الجمعة.

(٦) الأصلي وهو الأب في المثال. وجه الاستلزام : أنّ الإجازة الواقعة في يوم الأحد الكاشفة عن صحة عقد الابن فضولا يوم الجمعة تستلزم حدوث الملك لعمرو من يوم


واحد ، وهو محال ، لتضادّهما (١). فوجود الثاني (٢) يقتضي عدم الأوّل (٣) ، وهو موجب لعدم الثاني (٤) أيضا ، فيلزم وجوده وعدمه في آن واحد ، وهو محال.

فإن قلت (٥).

______________________________________________________

الجمعة ، والمفروض أنّ هذا المال كان في يوم الجمعة ملكا للأب ، إذ لم يخرج عن ملكه بناقل إلّا يوم السبت. ففي يوم الجمعة كان المال ملكا لشخصين : أحدهما الأب ، والآخر عمرو ، وهو الذي اشتراه من زيد الذي باعه فضولا يوم الجمعة.

(١) حيث إنّ الملكيتين المستقلتين ضدّان يمتنع اجتماعهما ، والمفروض كون كلّ من الأب وعمرو مالكا عرضا لهذا المال بالاستقلال. ولا فرق في امتناع الضدّين بين كونهما من الأعراض الخارجية كالسواد والبياض ، والأمور الاعتبارية كالملكية والزوجية.

(٢) أي : الملك الثاني ـ وهو ملك زيد للمال يوم الجمعة بمقتضى كشف الإجازة عنه ـ يقتضي عدم ملكيته لأبيه يوم الجمعة. كما أنّ ملكيّته لأبيه تقتضي أيضا عدم ملكيته لزيد يوم الجمعة. فيلزم وجود الملكية وعدمها لكلّ من هذين المالكين في آن واحد ، وهو محال ، للتناقض.

(٣) أي : الملك الأوّل الثابت للمالك الأصلي ، وهو والد زيد.

(٤) أي : الملك الثاني الثابت لزيد.

وبالجملة : الملك الثاني ينفي الملك الأوّل ، وبالعكس ، وهو محال ، لكونه من اجتماع النقيضين.

(٥) هذا إشكال من صاحب المقابس على نفسه ، ومحصّله : أنّ إشكال لزوم اجتماع مالكين على مال واحد في زمان واحد لا يختصّ بهذه المسألة ، وهي «من باع مال غيره لنفسه فضولا ثمّ ملكه وأجاز» بل يعمّ سائر البيوع الفضولية أيضا.

توضيحه : أنّه إذا باع زيد كتاب عمرو فضولا على بكر يوم الجمعة ، وأجاز عمرو هذا البيع يوم السبت ، فإنّ مقتضى كاشفية الإجازة ملكية الكتاب لبكر من يوم الجمعة ، لكون الإجازة كاشفة عن تأثير العقد من زمان وقوعه وهو يوم الجمعة. وحيث إنّ صحة الإجازة منوطة بملكية المبيع للمجيز وكونه ملكا له إلى زمان صدور الإجازة منه ، فيكون المال في الزمان المتخلّل بين العقد والإجازة ملكا لعمرو ولبكر. وليس هذا


مثل هذا (١) لازم في كلّ عقد فضوليّ ، لأنّ (٢) صحّته موقوفة على الإجازة المتأخّرة المتوقّفة على بقاء ملك المالك ، ومستلزمة لملك المشتري كذلك (٣) ، فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك والمشتري معا في آن واحد ، فيلزم (٤) إمّا بطلان عقد الفضوليّ مطلقا ، أو بطلان القول بالكشف ، فلا اختصاص لهذا الإيراد (٥) بما نحن فيه (٦).

قلنا (٧):

______________________________________________________

إلّا اجتماع الضدين المستلزم لاجتماع النقيضين بالتقريب المتقدّم آنفا ، فلا بدّ من الالتزام ببطلان الفضولي مطلقا.

(١) أي : لزوم ملك المالكين على مال واحد في زمان واحد.

(٢) تعليل للزوم ملك المالكين على مال واحد ، وقد مرّ تقريبه آنفا.

(٣) أي : في حال بقاء المبيع على ملك المالك الأصلي المجيز ، وهو عمرو في المثال المزبور.

(٤) يعني : فلازم صيرورة مال واحد في آن واحد ملكا للشخصين ـ وهما المالك الأصلي المجيز ، والمشتري ـ أحد أمرين ، إمّا بطلان عقد الفضولي مطلقا ، أي سواء باع الفضولي مال الغير لنفسه أم لمالكه ، وإمّا بطلان القول بكاشفية الإجازة ، والالتزام بناقليتها.

(٥) وهو لزوم كون مال واحد ملكا للمالك المجيز والمشتري في زمان واحد.

(٦) وهو بيع الفضوليّ مال الغير لنفسه ، وإجازته لهذا البيع بعد أن ملكه.

(٧) هذا جواب قوله : «فان قلت» ومحصّله : أنّه فرق بين ما نحن فيه وسائر العقود الفضوليّة. توضيحه : أنّه يكفي في سائر العقود الفضوليّة كون المجيز حين الإجازة مالكا ملكيّة ظاهرية استصحابية ، فإذا باع زيد كتاب عمرو فضولا على بكر ، فأجاز عمرو هذا البيع ، فإنّ مالكية عمرو ظاهرا تكفي في صحة إجازته ، فيكون المبيع ملكا واقعا للمشتري وهو بكر بمقتضى كاشفية الإجازة ، وظاهرا لمالكه وهو عمرو.

وهذا بخلاف ما نحن فيه ، وهو «من باع شيئا فضولا لنفسه ثم ملكه وأجاز» فإنّ المبيع فيه يكون ملكا واقعا لشخصين ، أحدهما المشتري ، وهو بكر بمقتضى كاشفية الإجازة ، والآخر عمرو وهو المالك الأصلي ، وذلك لأنّ المفروض أنّ زيدا بعد أن باع فضولا مال أبيه اشتراه من أبيه. ولا بدّ في صحة هذا الشراء من كون الأب البائع مالكا


يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا (*) ، وهو الحاصل من استصحاب ملكه السابق ، لأنّها (١) في الحقيقة رفع اليد وإسقاط للحقّ ، ولا يكفي الملك الصوري (٢) في العقد الثاني (٣).

______________________________________________________

واقعا لهذا المال ، إذ لا بيع إلّا في ملك. فإذا كان زمان عقد الفضولي يوم الجمعة وزمان الإجازة يوم الأحد ، لزم أن يكون المال في يوم الجمعة ملكا للأب وبكر واقعا ، وهذا محال.

(١) هذا تعليل لكفاية الملكية الظاهرية في الإجازة ، وحاصله : أنّ حقيقة الإجازة رفع اليد وإسقاط الحق ، ويكفي فيه الملك الظاهري. بخلاف البيع ، فإنّه لا يكفي فيه الملك الصوري ، بل لا بدّ فيه من الملك الواقعي.

(٢) أي : الملك الظاهري ، نظير الملك الظاهري المستند إلى اليد ، فإنّه كاف في نفوذ إقرار ذي اليد على ما في يده بأنّه مال الغير ، وإن كان بالإقرار يخرج عن ملكه.

(٣) وهو بيع الأب في المثال المزبور ذلك المال المبيع فضولا على ولده ، فإنّ المال لو لم يكن ملكا واقعا للأب فكيف يجوز أن يبيعه على ولده؟ مع وضوح أنّه «لا بيع إلّا في ملك».

__________________

(*) لعلّ وجه الكفاية ما في بعض الكلمات من : أنّ مقتضى ما دلّ عموما أو خصوصا على كون صحة عقد الفضولي بنحو الكشف الحقيقي ، وعلى : أن للإجازة دخلا ولو بنحو الشرط المتأخر ـ ومن البديهي امتناع اجتماع المالكين في آن واحد على ملك واحد ـ هو الالتزام بكفاية الملكية الظاهرية وقيامها شرعا مقام الملكية الواقعية ، كقيام الطهارة الظاهرية الخبثية مقام الطهارة الواقعية التي تكون أدلة اعتبارها ظاهرة في أنفسها في الطهارة الواقعيّة. إلّا أنّ دليل استصحاب الطهارة أو قاعدتها حاكم على تلك الأدلة.

ففي عقد الفضولي الذي لا يملك بعد العقد ما عقد عليه فضولا إذا لحقته الإجازة يكون ذلك المبيع ملكا واقعيا للمشتري الأصيل ، وظاهريا للمالك الأصلي المجيز. ولا منافاة بين كون مال واحد ملكا واقعيا لشخص وظاهريا لآخر.

وهذا بخلاف المقام وهو تملك العاقد الفضولي المبيع بعد ما باعه فضولا لغيره ، فإنّ الملك الظاهري الاستصحابي للمالك الأصلي المجيز لا يكفي في حصول الملك الواقعي


.................................................................................................

__________________

للفضولي المشتري ، بل لا بدّ من كون الملك واقعيّا ، ولازمه حينئذ كون مال واحد ملكا واقعيا لمالكين في زمان واحد ، وهو محال عقلا.

ويمكن أن يكون وجه الكفاية كون مقتضى الجمع بين دليل صحة عقد الفضولي كشفا ـ وامتناع الجمع بين المالكين عقلا ـ هو حمل ملك المالك المجيز على الملك اللولائي ، يعني : لولا الإجازة كان المال ملكا له. ويسمّى هذا الملك بالملك التقديري ، وبالإجازة يخرج عن ملك المجيز. والملكية التقديرية كافية فيما عدا المقام ـ أعني به من باع ثم ملك ـ من سائر العقود الفضولية ، لكفاية الملكية التقديرية في صحة إجازة المجيز فيها ، وعدم كفايتها في بيع المالك الأصلي ، إذ لا بيع إلّا في ملك ، وهو الملك الواقعي إجماعا.

وهذه الملكيّة اللولائية نظير الصحة اللولائية في باب النذر ، كما إذا نذر ترك الصلاة في الحمام ، فإنّ الناذر لا يقدر على الصلاة الصحيحة إلّا بإرادة الصحة لولا النذر (١).

ويمكن أن يكون وجه صحة الإجازة في سائر العقود الفضولية ما قيل من : «أنّه لا يستفاد من أدلة اعتبار طيب نفس المالك في حلّ ماله إلّا عدم ارتفاع ملك أحد إلّا بطيب نفسه. أمّا كون ذلك الارتفاع بعد طيب النفس ليلزم أن يكون في رتبة سابقه على طيب النفس مالكا فلا ، فيمكن أن يكون المال بطيب نفس متأخر منتقلا عنه في زمان سابق ، وهو زمان تعلق رضا المالك بتحقق الانتقال فيه كما هو مبنى القول بالكشف .. إلخ» (٢).

أقول : لا يخفى أنّ الظهور العرفي في دليل شرطية شي‌ء هو تقدّمه على المشروط ، لأنّ الشرط كالجزء دخيل في الموضوع الذي هو بجميع أجزائه وشرائطه مقدّم على الحكم ، وأيّ فرق بين أن يقال : «لا يحلّ مال امرء إلّا إذا كان بالغا عاقلا» وبين أن يقال : «لا يحلّ مال امرء إلّا إذا كان راضيا» فهل يمكن أن يقال بدخل البلوغ والعقل بأيّ نحو اتفق ولو بعد التصرّف.

فإذا كان طيب النفس شرطا للحلية فلا محالة لا تحصل الملكية والانتقال إلّا بعد الرضا المنكشف بالإجازة ، لا أن يكون الرضا سببا لحدوث الملكية بالنسبة إلى الأزمنة الماضية.

نعم إن ثبت الكشف الانقلابي كان ما أفيد صحيحا ، لكنه غير ثابت ، بل أحاله بعض.

__________________

(١) حاشية المكاسب للسيد الطباطبائي ، ج ١ ، ص ١٦٤.

(٢) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني ، ج ٢ ، ص ١٣٦.


أقول : قد عرفت (١) أنّ القائل بالصحّة ملتزم بكون الأثر المترتّب على العقد الأوّل (٢) بعد إجازة العاقد (٣) له هو تملّك المشتري (٤) له من حين ملك العاقد (٥) لا من حين العقد (٦).

وحينئذ (٧) فتوقّف إجازة العقد الأوّل

______________________________________________________

(١) في دفع الاشكال الثالث من إشكالات صاحب المقابس بقوله : «وفيه منع كون الإجازة كاشفة مطلقا عن خروج الملك» إلى قوله : «فلا يلزم من التزام هذا المعنى على الكشف محال» فراجع (ص ٢٦٣ ـ ٢٦٠).

(٢) وهو بيع الولد فضولا مال أبيه على بكر.

(٣) يعني : العاقد الفضولي ، وهو الولد. وضمير «له» راجع إلى العقد الأوّل.

(٤) وهو بكر ، فإنّه مشتري المال من العاقد الفضولي ، وهو ولد المالك الأصليّ ، وجملة «هو تملّك .. إلخ» خبر «بكون الأثر».

(٥) أي : العاقد الفضولي وهو الولد ، وزمان ملك العاقد لما باعه فضولا هو زمان بيع أبيه ذلك المال على ولده العاقد الفضولي.

(٦) وهو بيع الولد مال أبيه فضولا على بكر يوم الجمعة في المثال المذكور.

(٧) أي : وحين كون الإجازة كاشفة عن تملّك المشتري للمبيع من حين ملك العاقد ـ لا من حين وقوع العقد ـ يتّضح وجه توقف إجازة العقد الأوّل ـ وهو عقد الفضولي ـ على صحّة العقد الثاني ، وهو شراء ما باعه الفضولي من مالكه ، ضرورة اعتبار مالكية المجيز حين الإجازة ، ولا يصير العاقد الفضولي مالكا إلّا بالعقد الثاني ، وهو شراؤه المبيع

__________________

وبالجملة : فالالتزام بخروج المال عن ملك مالكه قبل الإجازة وهي الطّيب ـ بحيث تصدر الإجازة بعد انتقال المال إلى المشتري ـ مشكل ، لكونه خلاف ظاهر دليل شرطية الطّيب في حصول الملكية لغير المالك ، حيث إنّ ظاهره صدور الطيب عن المالك ، فلا بدّ أن يكون مالكا في رتبة سابقه على الطيب حتى يصدر الطّيب عنه ، فإنه لا ينكر ظهور دليل الشرطية في تقدم الشرط على المشروط.

فالشرط المتأخر ـ بعد فرض تعقله ثبوتا ـ لا دليل عليه إثباتا ، بل الدليل و ـ هو الظهور اللفظي ـ قائم على خلافه. فما أفاده المحقق الإيرواني قدس‌سره لا يمكن المساعدة عليه.


على صحّة العقد الثاني (١) مسلّم ، وتوقّف صحّة العقد الثاني (٢) على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي إلى زمان العقد مسلّم (٣) أيضا (٤). فقوله (٥) : «صحّة الأوّل تستلزم كون المال ملكا للمالك والمشتري في زمان واحد» ممنوع (٦) ،

______________________________________________________

الفضولي من مالكه.

(١) وهو العقد الذي يوجب ملكية المال الذي بيع فضولا للعاقد الفضولي ، والمراد بالعقد الأوّل هو عقد الفضولي.

(٢) وهو العقد الموجب لتملك الفضولي للمبيع من مالكه ، وتوقّف هذا العقد الثاني على بقاء المال على ملك مالكه الأصلي إلى زمان شراء الفضولي لذلك المال واضح.

(٣) خبر قوله : «وتوقف».

(٤) يعني : كتسلّم توقف إجازة العقد الأوّل ـ وهو عقد الفضولي ـ على صحة العقد الثاني.

(٥) يعني : فقول صاحب المقابس قدس‌سره ، وهذا نقل عبارته بالمعنى ، إذ عبارته هذه «فتكون صحة الأوّل مستلزمة لكون المال المعيّن .. إلخ» كما في (ص ٢٦٩) وقد تقدم هناك تقريب استلزام صحة العقد الأوّل لكون المال المعيّن ملكا للمالك الأصلي وللمشتري الأصيل.

ومجملة : أنّ صحة العقد الأوّل ـ وهو عقد الفضولي الواقع يوم الجمعة ـ تستلزم اجتماع المالكين على المال الذي بيع فضولا ، حيث إنّ المشتري يملك ذلك المال من يوم الجمعة بإجازة العاقد الفضولي في يوم الأحد ، والمالك الأصلي وهو أبو العاقد الفضولي أيضا مالك له ، وإلّا لم يصح شراء ابنه العاقد الفضولي ذلك المال منه يوم السبت. فصار المال المعيّن في يوم الجمعة مملوكا للمالك الأصلي أعني به والد العاقد الفضولي ، وللمشتري الذي اشتراه من العاقد الفضولي يوم الجمعة.

(٦) خبر : «فقوله» وجه منعه هو ما أفاده قبيل ذلك من أنّ القائلين بصحة بيع «من باع فضولا مال الغير ثم ملكه وأجاز» لم يقولوا بصحته من زمان وقوع العقد ، بل يقولون بصحته من زمان ملكيته للعاقد الفضولي. وحينئذ لا يجتمع مالكان على ملك واحد ، إذ المشتري من الفضولي لا يملك ما اشتراه منه إلّا من يوم السبت ، لأنّه يوم اشترى فيه الفضولي ذلك المال من أبيه كان المال يوم الجمعة ملكا لأبيه فقط ، ولم يكن للمشتري فيه


بل صحّته (١) تستلزم (٢) خروج العين عن ملكية المالك الأصلي (٣).

نعم (٤) إنّما يلزم ما ذكره من المحال إذا ادّعى وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك حين العقد. ولكن هذا (٥) أمر تقدّم دعواه في الوجه الثالث (٦) ، وقد تقدّم منعه (٧) ، فلا وجه لإعادته (٨) بتقرير آخر ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

علاقة الملكية حتى يجتمع مالكان على مال واحد يوم الجمعة.

(١) يعني : بل صحة العقد الأوّل ـ وهو عقد الفضولي ـ تستلزم خروج العين عن ملكية المالك الأصلي وهو الأب في المثال المذكور ، إذ لا وجه لصحته مع بقاء العين على ملكية المالك الأصلي ، لوضوح اعتبار كون المجيز مالكا حين الإجازة.

(٢) الأولى إبداله ب «تتوقف» ضرورة أنّ صحة بيع الفضولي متوقفة على خروج المال عن ملك المالك الأصلي ، ومن لوازمه وآثاره ، وليست صحة بيع الفضولي ملزومة لخروج المال عن ملك المالك الأصلي كما لا يخفى.

(٣) فإذا خرج عن ملك مالكه الأصلي يوم الجمعة لم يلزم اجتماع المالكين على ملك واحد في يومها.

فمراده بقوله : «بل صحته» هو : أنّ صحة العقد الأوّل ـ وهو عقد الفضولي ـ تنتج ضدّ اجتماع المالكين على مال واحد ، لا أنّ صحّتها تستلزم اجتماع المالكين ، كما زعمه المستشكل ، حيث صرّح به في أوّل الإشكال الرابع بقوله : «فتكون صحة الأوّل مستلزمة لكون المال المعيّن ملكا للمالك وملكا للمشتري معا في زمان واحد».

(٤) استدراك على قوله : «ممنوع» يعني : نعم يلزم المحال ـ وهو اجتماع المالكين على مال واحد ـ بناء على كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين وقوع العقد ، لا من حين تملك العاقد الفضولي لما باعه فضولا.

(٥) أي : كون الإجازة كاشفة عن الملك من زمان صدور العقد.

(٦) أي : الإشكال الثالث من إشكالات صاحب المقابس قدس‌سره ، حيث قال في (ص ٢٥٨) «إنّ الإجازة حيث صحت كاشفة على الأصح مطلقا».

(٧) قد تقدم ذلك في (ص ٢٦٠) بقوله : «وفيه : منع كون الإجازة كاشفة مطلقا».

(٨) يعني : فلا وجه لإعادة أمر تقدّم دعواه في الوجه الثالث ، مع تقدم منعه بقوله : «وفيه منع كون الإجازة كاشفة .. إلخ».


نعم (١) يبقى في المقام الإشكال الوارد في مطلق الفضولي على القول بالكشف ، وهو (٢) كون الملك حال الإجازة للمجيز والمشتري معا (٣). وهذا (٤) إشكال آخر

______________________________________________________

يعني : أنّ ما تقدم في الاشكال الثالث يغني عن ذكر الإشكال الرابع ، فلا وجه لإعادته بتقرير آخر ، وهو اجتماع المالكين على ملك واحد في زمان واحد.

لكن فيه : أنّ حيثية الإشكال متعدّدة ، إذ هي في الوجه الثالث خروج المال عن ملك المجيز قبل دخوله في ملكه. وفي الوجه الرابع اجتماع المالكين على ملك واحد في زمان واحد. وحيثية كلّ من الإشكالين ملحوظة مع الغضّ عن الأخرى.

نعم مبني كلا الإشكالين واحد ، وهو كون الإجازة كاشفة. لكن وحدة المبنى لا توجب وحدة الإشكالين.

(١) يعني : بعد دفع الاشكال الخاصّ ـ وهو اجتماع المالكين على ملك واحد في زمان واحد ـ قال : يبقى في المقام ـ وهو بيع الفضولي مال الغير لنفسه وتملكه له بعد العقد ثم إجازته له ـ إشكال عامّ وارد في جميع العقود الفضولية بناء على كون الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه ، لا من حين صدور الإجازة.

(٢) أي : الإشكال الوارد في مطلق الفضولي. تقريب هذا الاشكال العام هو : أنّه يلزم اجتماع مالكين ـ وهو المشتري والمالك الأصلي ـ على ملك واحد في زمان واحد.

توضيحه : أنّه إذا باع زيد كتاب مكاسب عمرو فضولا على بكر يوم الجمعة ، ثم أجاز عمرو يوم السبت هذا البيع الفضولي ، فهذا الكتاب يكون بين زماني وقوع العقد وصدور الإجازة ملكا للمجيز والمشتري معا.

أمّا كونه ملكا للمجيز فلأنّه لو لم يكن ملكا له حين الإجازة لم يكن أثر لإجازته ، ضرورة أنّ المدار في نفوذ الإجازة على مالكية المجيز حين الإجازة ، وإجازة غير المالك ومن هو بمنزلته كالعدم.

وأمّا كونه ملكا للمشتري فلأنّه مقتضى الكشف عن صحة العقد من حين وقوعه. فالمبيع في الزمان المتخلل بين وقوع العقد وصدور الإجازة مملوك للمجيز والمشتري معا. وهذا إشكال عامّ في جميع العقود الفضوليّة.

(٣) بالتقريب الذي مرّ آنفا.

(٤) أي : الإشكال العامّ الوارد في مطلق عقد الفضولي ، وهو كون الملك حال


تعرّض لاندفاعه أخيرا (١) غير (٢) الإشكال الذي استنتجه من المقدّمات المذكورة (٣) وهو (٤) لزوم كون الملك للمالك الأصلي وللمشتري.

نعم يلزم من ضمّ هذا الإشكال العامّ (٥) إلى (٦) ما يلزم في المسألة (٧) على القول بالكشف (٨) من حين العقد اجتماع (٩) ملّاك ثلاثة (١٠) على ملك واحد قبل العقد الثاني (١١) ،

______________________________________________________

الإجازة للمجيز والمشتري معا.

(١) يعني : تعرّض له صاحب المقابس قدس‌سره في (ص ٢٧١) بقوله : «قلنا يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا ، وهو الحاصل من استصحاب .. إلخ».

(٢) نعت ل «إشكال آخر».

(٣) في الأمر الرابع بقوله : «لأنّ صحته موقوفة على الإجازة المتأخرة المتوقفة على بقاء ملك المالك» إلى قوله : «فيلزم كونه بعد العقد .. إلخ» فراجع (ص ٢٧١).

(٤) أي : الإشكال العامّ الذي استنتجه من المقدمات المذكورة.

(٥) الوارد في جميع العقود الفضولية ، وهو كون المبيع للمالك الأصلي وللمشتري ، لأنّ المبيع الفضولي بعد إجازة المالك الأصلي العقد الفضولي يكون في الزمان المتخلّل بين العقد والإجازة مملوكا للمالك الأصلي والمشتري.

(٦) متعلق ب «ضمّ».

(٧) وهي مسألة : «من باع شيئا ثم ملكه وأجاز».

(٨) إذ على القول بالنقل يكون المبيع الفضولي باقيا على ملك المالك الأصلي إلى زمان الإجازة ، ولا ينتقل إلى المشتري إلّا بالإجازة ، فلا يلزم تعدد المالك على مال واحد بين العقد والإجازة.

(٩) فاعل : «يلزم» في قوله : «يلزم من ضمّ ..».

(١٠) أوّلهم المالك الأصلي ، وهو الأب في مثالنا المتكرّر ، والثاني ولده ، وهو البائع الفضولي ، وثالثهم عمرو ، وهو المشتري الأوّل الذي اشترى المال من البائع الفضولي.

(١١) وهو بيع الأب ذلك المبيع على ابنه العاقد الفضولي. والتقييد بالثاني لأجل بقاء مالكية الأب. إذ بعد العقد الثاني يخرج عن المالكية ، ولا يعدّ حينئذ من الملّاك الثلاثة.


لوجوب (١) التزام مالكيّة المالك الأصلي حتّى يصحّ العقد الثاني (٢) ، ومالكيّة (٣) المشتري (٤) له ، لأنّ (٥) الإجازة تكشف عن ذلك (٦) ، ومالكيّة (٧) العاقد له ، لأنّ (٨) ملك المشتري لا بدّ أن يكون عن ملكه (٩) ، وإلّا (١٠) لم تنفع إجازته في ملكه (١١) من حين العقد ، لأنّ (١٢) إجازة غير المالك

______________________________________________________

(١) تعليل لمالكية المالك الأوّل وهو الأب قبل العقد الثاني ، إذ لو لم يكن مالكا لم يصحّ العقد الثاني ، فإنّ المشتري ـ وهو عمرو ـ يتلقّى الملك من العاقد الفضولي الذي ملك المبيع فضولا من أبيه بالعقد الثاني.

(٢) وهو بيع الأب ذلك المال على ولده العاقد الفضولي ، إذ لو لم يكن الأب مالكا لم يصحّ بيعه على ولده الفضولي.

(٣) «معطوف على «مالكية» وضمير «له» راجع إلى «ملك».

(٤) وهو عمرو الذي اشترى المال من العاقد الفضولي.

(٥) تعليل لمالكية المالك الثاني ـ وهو عمرو في المثال ـ فإنّ مالكيته ناشئة عن إجازة العاقد الفضولي الذي باعه فضولا ، ثم أجاز ذلك بعد ما اشتراه من أبيه بالعقد الثاني.

(٦) أي : عن مالكية عمرو ، لأنّ الإجازة من المالك تكشف عن تأثير العقد في مالكية المشتري.

(٧) معطوف على «مالكية» ، والعاقد الفضولي هو المالك الثالث.

(٨) تعليل لمالكية العاقد الفضولي وهو الابن ، وحاصل التعليل : أنّ مالكية المشتري ـ وهو عمرو ـ ناشئة من إجازة الابن ، ونفوذ الإجازة موقوف على مالكية المجيز ، إذ ليست إجازة غير المالك ومن هو بمنزلته نافذة.

(٩) أي عن ملك العاقد ، وضمير «له» راجع إلى «ملك».

(١٠) يعني : وإن لم يكن العاقد مالكا للمال لم تنفع إجازته في مالكية المشتري له من حين العقد.

(١١) أي : في ملك المشتري ، وضمير «إجازته» راجع إلى العاقد.

(١٢) تعليل لقوله : «لم تنفع إجازته» حاصله : أنّ إجازة المالك تنفع في خروج المال


لا يخرج ملك الغير إلى غيره (١).

ثم (٢) إنّ ما أجاب به عن الإشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يسمن ولا يغني ، لأنّ (٣) الإجازة إذا وقعت ، فإن كشفت (٤) عن ملك المشتري قبلها (٥) كشفت عمّا يبطلها ، لأنّ (٦) الإجازة لا تكون إلّا من المالك الواقعي.

______________________________________________________

إلى غيره ، وإجازة غير المالك لا تنفع في انتقال المال إلى الغير.

(١) أي : غير المالك ، والأولى بسلاسة العبارة أن يقال : «لأن إجازة الفضولي لا تخرج ملك المالك إلى غيره».

(٢) هذا إشكال ثان من المصنف على صاحب المقابس قدس‌سرهما. أمّا إشكاله الأوّل فهو الذي قد تقدم في (ص ٢٧٤) بقوله : «أقول : قد عرفت أنّ القائل بالصحة ملتزم بكون الأثر». وأمّا إشكاله الثاني على جواب صاحب المقابس عن الاشكال العامّ الوارد على جميع العقود الفضولية ـ بما أفاده بقوله في (ص ٢٧١) : «قلنا يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا» ـ فهو : أنّه يلزم من كاشفية الإجازة عدم مالكية المجيز حين الإجازة.

توضيحه : أنّه إذا باع الفضولي مال زيد على عمرو يوم الجمعة ، وأجاز زيد هذا البيع يوم السبت ، فلمّا كانت الإجازة كاشفة عن ملكيّة المال لعمرو من يوم الجمعة ، فقد كشفت عن بطلان الإجازة ، لأنّها لا تنفذ إلّا إذا صدرت عن المالك الواقعي حين الإجازة ، والمفروض أنّ المال من يوم الجمعة صار ملكا لعمرو ، فلا أثر لإجازة زيد ، لعدم كونه مالكا حين الإجازة.

(٣) دليل على عدم كون جواب صاحب المقابس مغنيا ، وقد مرّ آنفا تقريبه.

(٤) لم يذكر عدلا لهذه الشرطية ، فالأولى أن يقال : «إنّ اجازة المالك لمّا كشفت .. إلخ».

(٥) أي : قبل إجازة زيد في المثال المذكور. والمراد بقوله : «عما يبطلها» هو صيرورة المال ملكا لعمرو من يوم الجمعة ، وخارجا عن ملك زيد ، فليس المال في يوم السبت ملكا لزيد حتى تنفذ إجازته. ومن المعلوم أنّه لا أثر لإجازة غير المالك. والمراد بالمالك هو المالك الواقعي دون الظاهري ، ولذا لو أجاز شخص باعتقاد كونه مالكا ـ ولو استنادا إلى حجة شرعية كاليد والاستصحاب ـ ثم تبيّن خلافه وأنّ المالك شخص آخر ، فلا أثر لإجازته ، ولا بدّ من إجازة المالك الواقعي في صحة العقد ونفوذه.

(٦) تعليل لبطلان الإجازة ، وقد مرّ بيانه آنفا بقولنا : «ومن المعلوم أنّه لا أثر لإجازة».


والمالك (١) الظاهريّ إنّما يجدي إجازته إذا لم ينكشف (٢) كون غيره مالكا حين الإجازة ، ولذا (٣) لو تبيّن في مقام آخر كون المجيز غير المالك لم تنفع إجازته ، لأنّ (٤) المالكية من الشرائط الواقعية دون العلمية.

ثمّ (٥) إنّ ما ذكره في الفرق بين الإجازة

______________________________________________________

(١) مبتدأ وخبره قوله : «إنّما يجدي» والواو مستأنفة.

(٢) لتقوّم الحكم الظاهري بالشك وعدم انكشاف الواقع ، ومع انكشافه لا يبقى موضوع للحكم الظاهري ، والمفروض انكشافه هنا.

(٣) أي : ولأجل إناطة إجداء إجازة المالك الظاهري بعدم انكشاف الخلاف لو تبيّن .. إلخ.

(٤) تعليل لقوله : «لم تنفع إجازته» وحاصله : أنّ المالكية شرط واقعي لنفوذ الإجازة كالطهارة الحدثية للصلاة ، فإنّ الشرط بوجوده الواقعي شرط ، لا بالأعمّ منه ومن الظاهري حتى يؤثّر بمطلق وجوده في المشروط. وأمّا كون المالكية من الشرائط الواقعيّة فبالضرورة والإجماع ، وبظهور الأدلة في ذلك.

(٥) هذا إشارة إلى إشكال ثالث على ما أفاده صاحب المقابس قدس‌سره في هذا الأمر الرابع في دفع إشكال لزوم اجتماع المالكين على مال واحد في زمان واحد في سائر العقود الفضولية بقوله في (ص ٢٧١) : «قلنا يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا» إلى قوله : «ولا يكفي الملك الصوري في العقد الثاني .. إلخ».

ومحصل هذا الاشكال الثالث الذي أورده المصنف على صاحب المقابس قدس‌سرهما هو : أنّ الفرق بين إجازة المالك في العقد الذي لا يملك العاقد الفضولي ما باعه فضولا بكفاية الملك الصوري في المالك إلى زمان إجازته ، كما إذا باع الفضولي مال زيد على عمرو يوم الجمعة ، وأجاز زيد المالك هذا البيع يوم السبت ، وبين العقد الثاني فيمن باع شيئا فضولا ثم ملكه وأجاز ، وهو بيع المالك كالأب في المثال السابق على ولده العاقد الفضولي ، بعدم كفاية الملك الصوري في الأب ، تحكم صرف ، وتفرقة بين العقدين بلا دليل ووجه وجيه.

والمراد بالعقدين عقد الفضولي وإمضاء المالك في سائر العقود الفضولية ، وعقد الأب وبيعه على ولده ذلك المال الذي بيع فضولا في مسألة من باع ثم ملك. فإنّه لا بدّ من الملكية الواقعية للمالكين في كلا العقدين.


والعقد الثاني (١) ـ من كفاية الملك الصوريّ في الأوّل (٢) دون الثاني ـ تحكّم (٣) صرف ، خصوصا (٤) مع تعليله (٥) بأنّ الإجازة رفع لليد وإسقاط للحقّ ، فليت شعري أنّ إسقاط الحقّ كيف يجدي وينفع مع عدم الحقّ واقعا؟ مع (٦) أنّ الإجازة رفع لليد من الملك أيضا (٧) بالبديهة.

والتحقيق (٨) أنّ الإشكال (٩) إنّما نشأ من الإشكال الذي ذكرناه سابقا (١٠)

______________________________________________________

(١) وهو بيع المالك ـ وهو الأب في فرضنا ـ على ولده ذلك المال الذي باعه ولده فضولا على عمرو.

(٢) وهو إجازة المالك في غير مسألة «من باع ثم ملك» من سائر العقود الفضوليّة.

(٣) خبر قوله : «أن ما ذكره».

(٤) غرضه أنّ تعليله بكون الإجازة رفعا لليد وإسقاطا للحق آب عن الإكتفاء بالملك الصوري ، لأنّ الإسقاط فرع الثبوت ، إذ لو لم يكن حقّ واقعا لا يصدق الإسقاط.

(٥) أي : تعليل المستشكل وهو صاحب المقابس ، فالمصدر مضاف إلى الفاعل.

(٦) هذا إشكال آخر على صاحب المقابس ، وحاصله : أنّ الإجازة كنفس العقد في كونها سببا للنقل ورفع اليد عن الملك ، فلا بدّ في الإجازة أيضا من الملك الواقعي.

(٧) يعني : كالعقد في الدخل شطرا أو شرطا فيما هو سبب النقل والانتقال ، فكما أنّ العقد الثاني رفع اليد عن الملك ، فكذلك الإجازة رفع اليد عن الملك أيضا.

(٨) غرضه قدس‌سره بيان منشأ إشكال لزوم اجتماع المالكين ـ وهما المالك الأصلي والمشتري ـ في زمان واحد في كل عقد فضولي. ومنشأ هذا الإشكال هو البناء على كاشفية الإجازة من حين العقد كما هو المنسوب إلى المشهور ، إذ بناء عليه يلزم أن يكون المبيع بين زماني العقد الفضولي والإجازة ملكا لمالكه المجيز وللمشتري.

أمّا المالك فللزوم مالكيته حين الإجازة. وأمّا المشتري فلكشف الإجازة عن انتقال المبيع إليه من زمان عقد الفضول.

(٩) أي : إشكال اجتماع المالكين على مال واحد في زمان واحد ملكية عرضيّة.

(١٠) حيث اعترض المصنف قدس‌سره على الكشف الحقيقي المنسوب إلى المشهور بوجوه ، وقال في ثالثها : «ان هذا المعنى على حقيقته غير معقول ، لأنّ العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له ، لاستحالة خروج الشي‌ء عمّا وقع عليه .. إلخ» ولأجله التزم بمقالة شيخه شريف العلماء قدس‌سره من الكشف الحكمي ، فراجع (ص ٥٥).


في كاشفيّة الإجازة على الوجه المشهور (١) من كونها شرطا متأخّرا يوجب حدوثه تأثير السبب المتقدّم من زمانه (٢).

______________________________________________________

(١) وهو شرطية نفس الإجازة ، بأن توجد في العقد صفة المؤثرية من حين وقوعها بعد أن لم يكن واجدا لها حين وقوعه.

(٢) متعلق ب «تأثير» يعني : من زمان تحقق السبب المتقدم وهو عقد الفضول ، والأولى تأنيث ضمير «حدوثه» لرجوعه إلى الإجازة. أو إرجاع الضمير الى «شرطا».

وبالجملة : فعلى ما أفاده المصنف قدس‌سره لا يلزم تعدّد المالكين على مال واحد في زمان واحد ، لأنّ المالك الأصلي ـ وهو الأب في المثال المذكور ـ مالك إلى زمان العقد الثاني الواقع بين الأب والابن ، والمال ملك للأب فقط إلى زمان العقد الثاني. وبعد العقد الثاني ملك للابن فقط إلى زمان إجازته لعقده الفضولي ، ومن زمان إجازته ينتقل إلى المشتري من زمان مالكيته الحاصلة بالعقد الثاني الواقع بينه وبين أبيه. فلم يجتمع مالكان عرضيان على مال واحد في شي‌ء من هذه المراحل ، بل المالك في جميعها واحد (*).

__________________

(*) ولا يخفى أنّ إشكال لزوم اجتماع المالكين ـ بناء على الكشف ـ لا يندفع إلّا بالكشف الانقلابي ، ضرورة أنّ تحديد كاشفية الإجازة بالمحلّ القابل لا يكفي في دفع محذور اجتماع المالكين ، فإنّ إجازة العاقد الفضولي ـ وإن كان تأثيرها من زمان مالكيته لما باعه فضولا ـ توجب اجتماع المالكين ، وهما نفس العاقد الفضولي ومشتريه من زمان مالكيته إلى زمان إجازته.

وبالجملة : فجواب الشيخ قدس‌سره ـ بكون الإجازة لا تؤثّر إلّا في محل قابل ـ لا يدفع إشكال اجتماع المالكين في زمان واحد ، لأنّ إجازة العاقد الفضولي الذي اشترى من أبيه يوم السبت ما باعه فضولا على عمرو إذا وقعت يوم الأحد كشفت عن مالكية عمرو لهذا المال من يوم السبت. فهذا المال صار من يوم السبت إلى زمان الإجازة مملوكا للعاقد الفضولي ولعمرو ، فلا محيص عن التزام صاحب المقابس ببطلان الفضولي في جميع الموارد ، وعدم الوجه في التفصيل بين مسألتنا وهي من باع ثم ملك وأجاز ، وبين سائر العقود الفضولية.

والحاصل : أنّ الجمع بين الكشف الحقيقي وبين مالكية المجيز حين الإجازة


.................................................................................................

______________________________________________________

فتلخص من جميع ما تقدم أمور :

الأوّل : أنّ إشكال المقابس في الأمر الرابع هو لزوم اجتماع مالكين على مال واحد في زمان واحد.

الثاني : أنّ هذا الإشكال ناش عن الكشف المشهوري ، وهو دخل نفس الإجازة في صحة العقد الفضولي ، لا وصف التعقب واللحوق.

الثالث : دفع المقابس الإشكال العام بالملكية الصورية في المجيز.

الرابع : إشكالات المصنف قدس‌سره عليه :

أحدها : ما أفاده في (ص ٢٧٤) بقوله : «قد عرفت أن القائل بالصحة ملتزم بكون الأثر» وحاصله : أنّ القائل بصحة بيع «من باع شيئا ثم ملكه وأجاز» إنّما يقول بصحته من زمان تملّك العاقد الفضولي له ، وهو يوم السبت ، لا من زمان وقوع العقد الفضولي وهو يوم الجمعة ، حتى يلزم المحذور الذي ذكره صاحب المقابس قدس‌سره وهو اجتماع المالكين ، وهما المالك الأصلي كالأب في المثال ، والمشتري وهو عمرو الذي اشترى المال من العاقد الفضولي يوم الجمعة.

ثانيها : ما أفاده بقوله : (ص ٢٨٠) : «ثم أن ما أجاب به عن الإشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يسمن».

وحاصل إشكاله على صاحب المقابس هو : أنّه يلزم من الإجازة بطلانها ، لكون الإجازة من غير المالك ، وهي لا تجدي ، ولذا لو أجاز باعتقاد كونه مالكا ، ثم تبيّن عدم مالكيته ، لم تنفع إجازته ، لكون المالكية من الشرائط الواقعيّة.

ثالثها : ما أفاده بقوله في (ص ٢٨١) : «ثمّ إنّ ما ذكره في الفرق بين الإجازة والعقد الثاني .. إلخ». وحاصل إشكال المصنف على صاحب المقابس قدس‌سرهما هو : أنّ دعوى كفاية الملك الصوري في إجازة المالك في العقود الفضولية وعدم كفايته في العقد الثاني ـ وهو الجاري بين المالك الأصلي وهو الأب في الفرض وولده ـ تحكّم صرف.

__________________

لا يحصل إلّا بالكشف الانقلابي المراد به انقلاب العقد عن عدم مؤثريته حين وجوده إلى مؤثريته من زمان وقوعه ، وإلّا فلا بدّ من ناقلية الإجازة.


الخامس (١) : أنّ الإجازة المتأخّرة (٢) لمّا كشفت عن صحّة

______________________________________________________

رابعها : ما أفاده في (ص ٢٨٢) بقوله : «مع أن الإجازة رفع اليد» ومحصل إشكاله على صاحب المقابس : أنّ الإجازة كالعقد في رفع اليد عن الملك ، وقد مرّ تفصيله آنفا.

وقد ظهر أنّ صاحب المقابس قائل بصحة عقد الفضولي فيما عدا مسألة من باع شيئا ثم ملكه ، وببطلانه فيها.

(١) هذا خامس الأمور من وجوه الخلل في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» مما اعترض بها صاحب المقابس قدس‌سره على القول بصحة بيع من باع ثم ملك وأجاز. ومبنى هذا الوجه الخامس كسابقه هو القول بالكشف الحقيقي. وهو يتضمن إشكالات ولوازم فاسدة.

أوّلها : لزوم الدور في إجازة كل واحد من البيعين.

ثانيها : لزومه في صحة كلّ منهما.

ثالثها : توقف صحة كلّ من البيعين على إجازة المشتري من الفضولي ، وهو مستلزم لتوال فاسدة كما سيظهر.

والكلام فعلا في المحذور الأوّل ، وتوضيحه : أنّه إذا باع زيد مثلا متاع أبيه فضولا على عمرو يوم الجمعة ، ثم اشترى زيد ذلك المتاع من أبيه يوم السبت ، ثم أجاز زيد يوم الأحد ذلك العقد الفضولي الواقع في يوم الجمعة ، فإجازة زيد عقده الفضولي لمّا كانت كاشفة عن صحته وملكية المال لعمرو من يوم الجمعة ، كشفت عن وقوع العقد الثاني الواقع بين زيد وأبيه على ملك عمرو ، فلا بدّ من أن يجيز عمرو ذلك العقد الثاني حتى يصحّ ، لوقوعه على ملكه.

كما أنّ لازمه أيضا توقف صحة العقد الأوّل ـ الصادر من الفضولي ـ على إجازة المالك الأصلي وهو والد زيد ، حتى يتملك المشتري وهو عمرو. فصحة كلّ من العقد الأوّل الصادر من الفضولي والعقد الثاني الصادر من المالك الأصلي منوطة بإجازة الآخر ، وهذا دور محال.

(٢) وهي الصادرة يوم الأحد من المشتري الثاني ، وهو العاقد الفضولي الذي اشترى من أبيه يوم السبت ما باعه فضولا يوم الجمعة على عمرو.


العقد الأوّل (١) ، وعن كون المال ملك المشتري الأوّل (٢) ، فقد (٣) وقع العقد الثاني (٤) على ماله (٥) ، فلا بدّ (٦) من إجازته (٧). كما لو بيع المبيع من شخص آخر ، فأجاز المالك (٨) البيع الأوّل ، فلا بدّ (٩) من إجازة المشتري البيع الثاني حتّى يصحّ ويلزم.

______________________________________________________

(١) وهو بيع الفضولي مال أبيه على عمرو يوم الجمعة.

(٢) وهو عمرو في المثال المذكور.

(٣) جواب «لمّا» التوقيفيّة ، والمجموع ـ على وجه ـ خبر «أنّ الإجازة».

(٤) وهو العقد الواقع بين العاقد الفضولي وأبيه على المال الذي بيع فضولا على عمرو.

(٥) أي : مال المشتري الأوّل ، وهو عمرو.

(٦) هذه نتيجة كاشفية الإجازة المتأخرة عن صحة العقد الأوّل ، ووقوع العقد الثاني على ماله.

(٧) أي : إجازة المشتري الأوّل ، وهو عمرو الذي اشترى المال من زيد العاقد الفضولي يوم الجمعة.

(٨) أي : المالك الأصلي إذا أجاز البيع الفضولي الأوّل ، فلا بدّ أن يجيز المشتري البيع الثاني ، وهو البيع الفضولي الثاني ، لوقوع البيع الثاني في ملكه.

كما إذا باع زيد مال عمرو فضولا من بكر ، وقبل إجازة عمرو له بيع نفس المال من شخص آخر ، فللمالك ـ وهو عمرو ـ إجازة أيّهما شاء. ولو أجاز البيع الثاني لم يبق موضوع لأن يجيز البيع الأوّل ، بل كانت إجازته للثاني ردّا للأوّل ، ولا كلام فيه.

ولكن لو أجاز البيع الأوّل ، فقد دخل المال في ملك بكر ، وله أن يجيز البيع الثاني ، لأنّ إجازة عمرو كشفت عن دخول المال في ملك بكر من زمان بيعه منه أوّلا ، فوقع البيع الفضولي الثاني في ملكه ، فله أن يجيز وأن يردّ.

والغرض من تنظير مسألة «من باع ثم ملك» ببيع مال واحد مرّتين فضولا ـ متعاقبا ـ هو مجرّد اشتراكهما في توقف صحة البيع الثاني على إجازة المشتري في البيع الأوّل.

(٩) المراد باللابدية هو أنّ المشتري في البيع إن شاء تصحيح البيع الثاني فعليه


فعلى هذا (١) يلزم توقّف إجازة كلّ من الشخصين على إجازة الآخر. وتوقّف (٢) صحّة كل من العقدين والإجازة (٣) على إجازة المشتري غير الفضولي (٤). وهو (٥) من الأعاجيب ، بل من المستحيل ، لاستلزام ذلك (٦) عدم تملّك المالك الأصيل

______________________________________________________

إجازته ، لا أنّ المراد إلزامه بالإجازة على كل حال حتّى إذا لم يرغب في إجازته.

(١) هذا تتمة كلام صاحب المقابس في تقرير الإشكال الخامس. يعني : فعلى ما تقدم ـ من لزوم إجازة المشتري الأوّل العقد الثاني ـ يلزم توقف إجازة كل من الشخصين ـ وهما المالك الأصلي ، والمشتري الأوّل الأصيل الذي اشترى المال من العاقد الفضولي ـ على الآخر بالتقريب المتقدم آنفا.

(٢) معطوف على «توقف» يعني : ويلزم توقف صحة كل من العقدين على الآخر ، حاصله : توقف صحة كل من العقدين على إجازة المشتري غير الفضولي وهو عمرو ، وذلك لأنّ صحة العقد الأوّل ـ وهو بيع الولد مال أبيه فضولا على عمرو ـ موقوفة على إجازة الولد الذي هو المشتري في العقد الثاني ، لأنّه صار مالكا للمال بالعقد الثاني الذي جرى بينه وبين أبيه يوم السبت ، فلا بدّ من إجازته حتى يصحّ البيع الأوّل.

وصحة العقد الثاني متوقّفة على إجازة المشتري الأوّل وهو عمرو ، لأنّه بعد إجازة الولد للعقد الأوّل يصير عمرو مالكا للمال من يوم الجمعة الذي هو زمان صدور العقد من الولد فضولا ، وتوقف صحة كل واحد من العقدين على صحة الآخر دور محال ، فلا يمكن الالتزام بصحة بيع من باع شيئا ثم ملكه وأجاز.

(٣) هذه الكلمة غير موجودة في المقابس ، إذ تقدم الكلام في تقريب الدور من ناحية الإجازة ، وغرضه بيان الدور من ناحية صحة كل واحد من العقدين. ولعلّ المصنف أضاف هذه الكلمة توضيحا.

(٤) وهو عمرو ، والمشتري الفضولي هو الولد ، حيث إنّه كان في العقد الأوّل فضولا ، وصار مشتريا أصيلا في العقد الثاني.

(٥) يعني : وتوقف صحة كل من العقدين ـ على إجازة المشتري غير الفضولي ـ يكون من الأعاجيب.

(٦) أي : توقف صحة كل من العقدين على إجازة المشتري غير الفضولي يستلزم


شيئا من الثمن والمثمن ، وتملّك (١) المشتري الأوّل المبيع بلا عوض إن اتّحد الثمنان ، ودون (٢) تمامه إن زاد الأوّل ،

______________________________________________________

عدم .. إلخ. وهذا تعليل لكون التوقف المذكور من العجائب ، وحاصله : أنّ التوقف المزبور مستلزم للوازم فاسدة.

أحدها : عدم تملك المالك الأصلي ـ وهو الأب في المثال ـ شيئا من الثمن والمثمن.

أمّا عدم تملكه الثمن الذي دفعه المشتري الأوّل ـ وهو عمرو ـ إلى الولد الذي هو العاقد الفضولي ، فلأنّ المفروض أنّ الولد باع المال يوم الجمعة على عمرو ، فقبل أن يبيع الأب الذي هو المالك الأصلي ذلك المال على ولده يوم السبت صار عمرو مالكا للمال يوم الجمعة ، لما يلحقه من الإجازة يوم الأحد ، الكاشفة عن مالكية عمرو من حين العقد الفضولي أعني يوم الجمعة. فالأب باع يوم السبت مال عمرو الذي هو المشتري الأوّل ، فيدخل الثمن في ملك عمرو أيضا.

وأمّا عدم تملكه للمثمن فلأنّ إجازة الولد يوم الأحد تكشف عن خروج المثمن عن ملكيّته للأب من يوم الجمعة ودخوله في ملك عمرو ، فلم يكن الأب يوم السبت مالكا للمثمن حتى يدخل الثمن في ملكه ، فلا يملك المالك الأصلي شيئا من الثمن والمثمن.

(١) معطوف على «عدم» هذا ثاني اللوازم الفاسدة ، وحاصله : تملّك المشتري الأوّل ـ وهو عمرو ـ المبيع بلا عوض إن اتّحد الثمنان في المقدار ، كما إذا كان ثمن العقد الفضولي الواقع في يوم الجمعة عشرة دنانير ، وثمن العقد الواقع في يوم السبت أيضا عشرة دنانير. فعمرو دفع العشرة إلى العاقد الفضولي يوم الجمعة ، وأخذها منه يوم السبت.

(٢) معطوف على «بلا عوض» وضمير «تمامه» راجع إلى الثمن ، يعني : أنّ المشتري الأوّل وهو عمرو تملّك المبيع بأقلّ من الثمن الأوّل الذي دفعه إلى العاقد الفضولي يوم الجمعة. كما إذا كان ذاك الثمن عشرة دنانير ، وكان الثمن الثاني الواقع في عقد يوم السبت ثمانية دنانير ، فالمشتري ـ وهو عمرو ـ تملّك المبيع بدينارين.

فالمراد بقوله : «إن زاد الأوّل» هو زيادة الثمن الأوّل على الثمن الثاني كدينارين في هذا المثال.

كما أنّ المراد بقوله : «ومع زيادة» هو تملّك المشتري الأوّل المبيع مع الزيادة ، كأن


ومع (١) زيادة إن نقص (٢) ، لانكشاف (٣) وقوعه (٤) في ملكه (٥) ، فالثمن له (٦) ، وقد كان المبيع له أيضا بما بذله من الثمن ، وهو (٧) ظاهر.

والجواب عن ذلك (٨) ما تقدّم في سابقه (٩)

______________________________________________________

يكون الثمن الأوّل ثمانية دنانير ، والثمن الثاني عشرة دنانير ، فيلزم حينئذ أن يتملك المشتري الأوّل المبيع مع دينارين ، لزيادة الثمن الثاني بدينارين على الثمن الأوّل.

(١) معطوف على «بلا عوض» يعني : وتملّك المشتري الأوّل المبيع مع زيادة على الثمن الأوّل المفروض نقصانه عن الثمن الثاني بدينارين.

(٢) يعني : إن نقص الثمن الأوّل عن الثمن الثاني.

(٣) تعليل لعدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن والمثمن ، وتملك المشتري الأوّل المبيع بلا عوض ، أو مع زيادة ، أو بدون تمام الثمن الذي دفعه إلى العاقد الفضولي يوم الجمعة.

(٤) أي : وقوع البيع الثاني الواقع يوم السبت بين العاقد الفضول والمالك الأصلي.

(٥) أي : في ملك المشتري الأوّل الذي هو عمرو في المثال المذكور ، والحال أنّ المبيع كان له أيضا بسبب بذل الثمن الأوّل الذي دفعه إلى العاقد الفضولي يوم الجمعة.

(٦) أي : للمشتري الأوّل.

(٧) أي : واستلزام توقف كلّ من العقدين على إجازة المشتري غير الفضولي ـ وهو عمرو في المثال المفروض ـ عدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن والمثمن .. إلخ ظاهر كما عرفت تقريبه.

(٨) هذا جواب خامس الإشكالات التي أوردها صاحب المقابس قدس‌سره على صحّة بيع «من باع مال الغير ، ثمّ ملكه وأجاز».

ومحصّل هذا الجواب هو : أنّ الإشكال المذكور مبني على كون الإجازة كاشفة عن حصول الملك من حين العقد أعني يوم الجمعة. وهو ممنوع ، لما تقدّم من أنّ الإجازة لا بدّ أن تقع في محلّ قابل حتى تؤثّر وتنفّذ العقد ، والمحلّ القابل لها هو زمان تملك العاقد الفضولي للمال الذي باعه فضولا ، فإنّ زمان تملكه له هو يوم السبت ، دون يوم الجمعة الذي وقع فيه البيع الفضولي لذلك المال على عمرو في المثال المفروض.

(٩) وهو الإشكال الرابع من إشكالات صاحب المقابس المذكور في (ص ٢٦٨).


من ابتنائه (١) على وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين العقد ، وهو (٢) ممنوع.

والحاصل : أنّ منشأ الوجوه الثلاثة الأخيرة (٣) شي‌ء واحد (٤) ، والمحال على تقديره (٥) مسلّم بتقريرات مختلفة (٦) قد نبّه عليه (٧) في الإيضاح وجامع المقاصد.

السادس (٨) : أنّ من المعلوم

______________________________________________________

(١) أي : من ابتناء ما تقدم ، والمراد بما تقدم ذلك الجواب المذكور في الأمر الرابع ، وهو منع مبنى الإشكال أعني به كاشفية الإجازة عن صحة العقد من حين وقوعه ، حيث قال : «قد عرفت أنّ القائل بالصحة ملتزم بكون الأثر المترتب على العقد الأوّل هو تملك المشتري له من حين ملك العاقد ، لا من حين العقد» فراجع (ص ٢٧٤).

(٢) أي : وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين وقوع العقد ممنوع.

(٣) وهي الأمر الثالث والرابع والخامس من الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدس‌سره.

(٤) وهي كاشفية الإجازة عن النقل والانتقال من حين وقوع العقد.

(٥) هذا الضمير راجع إلى «شي‌ء واحد».

(٦) من لزوم خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله في ملكه ، ومن لزوم اجتماع المالكين على مال واحد في زمان واحد ، ومن استلزام وجود الشي‌ء عدمه ، ومن محذور الدور.

ولا يخفى ظهور المتن في أنّ فخر المحققين والمحقق الثاني قدس‌سرهما نبّها على منشأ هذه المحاذير. ولكن الموجود في الإيضاح محذور اجتماع مالكين على ملك واحد ، فلاحظ قوله قدس‌سره : «ويحتمل البطلان ، لتضاد ملكي شخصين لشي‌ء واحد بعينه ، وقد تحقّق أحد الضدين ، فينتفي الآخر». وكلام المحقق الثاني وإن كان أبسط ، لكن لم يصرّح فيه بجميع اللوازم الفاسدة التي نبّه عليها في المقابس ، فراجع. (١).

(٧) أي : على منشأ الوجوه الثلاثة الأخيرة.

(٨) هذا سادس الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدس‌سره ، ومرجع هذا الإشكال

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٩ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٣ و ٧٤.


أنّه يكفي (١) في إجازة المالك وفسخه فعل ما هو من لوازمهما (٢). ولو (٣) باع المالك ماله من الفضولي بالعقد الثاني فقد نقل المال عن نفسه وتملّك الثمن. وهو (٤) لا يجامع صحّة العقد الأوّل ، فإنّها (٥) تقتضي تملّك المالك

______________________________________________________

السادس إلى انتفاء موضوع الإجازة ، وهو عقد الفضولي في مسألة «من باع ثم ملك» توضيحه : أنّه قد ثبت في محله أنّ الإجازة والفسخ ـ من المالك ـ يتحقّقان بفعل ما يكون من لوازمهما ، كما إذا زوّج زيد امرأة لعمرو فضولا ، فباشروها عمرو ، فإنّ المباشرة إجازة منه لهذا التزويج الفضولي. كما أنه إذا تزوّج عمرو بأخت تلك المرأة كان تزويج الأخت فسخا له.

وفي المقام إذا باع المالك الأصلي وهو الأب ـ في المثال المفروض ـ من ابنه بالعقد الثاني ماله الذي باعه ابنه على عمرو مثلا ، كان هذا البيع الموجب لخروج المال عن ملكه ودخول الثمن في ملكه فسخا للعقد الفضولي الصادر من ابنه ، فلا يبقى حتى يجيزه ابنه الفضولي الذي ملك المال من أبيه بالشراء مثلا. فلا وجه لصحة بيع من باع مال الغير ، ثم ملكه وأجاز.

(١) أمّا أنّه يكفي في إجازة المالك فعل ما هو من لوازم صحة العقد فقد سبق الكلام فيه في ثاني تنبيهات الإجازة ، فراجع (ص ١٧٠). وأما كفاية فعل ما هو من لوازم الرد ، فلما سيأتي في أحكام الرد من أنّه يحصل الرد «بكل فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف وشبههما ..» فراجع (ص ٤٤٦).

(٢) أي : من لوازم الفسخ والإجازة ، ومن المعلوم أنّ الصحة والفسخ ضدّان لا يجتمعان.

(٣) عبارة المقابس هكذا : «ولمّا باع ماله على الفضولي ..» وكلمة «لمّا» هنا أنسب من «لو» لأنّه بيان مورد البحث.

(٤) أي : بيع المالك ماله بالعقد الثاني من ابنه العاقد الفضولي.

(٥) هذا وجه عدم اجتماع نقل المالك المال عن نفسه وتملك الثمن ، ومحصله : أنّ الجمع بينهما جمع بين النقيضين ، حيث إنّ الفسخ يوجب عدم تملك الثمن الأوّل ، وصحة العقد الأوّل توجب تملك الثمن الأوّل. والجمع بين العقد وفسخه جمع بين الوجود والعدم ، وهو محال ، لكونه جمعا بين النقيضين.


للثمن الأوّل (١). وحيث وقع الثاني (٢) يكون فسخا له (٣) ، وإن (٤) لم يعلم بوقوعه ، فلا (٥) تجدي الإجازة المتأخّرة (٦).

______________________________________________________

(١) وهو الثمن المجعول في عقد الفضولي ، لأنّ صحة العقد الأوّل تقتضي خروج المبيع عن ملك المالك الأصلي ودخول الثمن في ملكه.

(٢) أي : العقد الثاني ، وهو بيع الأب من ابنه المال الذي باعه ابنه فضولا من عمرو ، فإنّ هذا العقد الثاني يكون فسخا لعقد الفضولي ، فلا يبقى مورد للإجازة.

ثم إنّ هذه الجملة وردت في المقابس هكذا : «حيث وقع العقد الأوّل لزم أن يكون فسخا له ..» والظاهر أنّه سهو من الناسخ ، والصحيح ما أثبته المصنف ، إذ لم يجز المالك الأصلي البيع الأوّل حتى يكون فسخا للثاني ، بل الأمر بالعكس ، فإنّه باع ماله للفضولي ، وهذا البيع فسخ عملي للبيع الأوّل الفضولي.

(٣) أي : للعقد الأوّل ، وحيث إنّه لا يمكن الجمع بين مقتضى العقدين ـ لأنّ العقد الأوّل يقتضي خروج المال عن ملك المالك الأصلي وارتفاع ملكيته ، والعقد الثاني يقتضي بقاء مالكيّته ، وهما لا يجتمعان ـ لزم فسخ العقد السابق.

(٤) وصليّة ، يعني : وإن لم يعلم المالك الأصلي بوقوع عقد الفضولي على ماله حتى يتوهّم أنّه مع جهله بعقد الفضولي لا يقصد فسخه ببيع المال من العاقد الفضولي ، فلا يكون هذا البيع فسخا لعقد الفضولي ، بل هو باق على حاله وقابل للإجازة.

ودفع هذا التوهم بأنّ الردّ كما يحصل بالإنشاء وحلّ العقد ، كذلك يتحقق بفعل يفوّت محلّ الإجازة ، فينحلّ العقد قهرا ، كما في بيع المالك الأصلي ماله ، أو عتق عبده الذي بيع فضولا ، فإنّ هذا البيع ـ أو العتق ـ يفوّت محل الإجازة ، كخروج المال عن ملكه.

فالنتيجة : عدم صحة بيع «من باع ثمّ ملك وأجاز» لانعدام عقد الفضولي بالتصرّف المنافي ، كالبيع والعتق الصادرين من المالك الأصلي.

(٥) الفاء عاطفة لا جوابية ، لأن جواب الشرط قوله : «يكون فسخا له».

(٦) لعدم وقوع الإجازة في محلّ قابل بعد خروج المال عن ملك مالكه ، فلا تجدي الإجازة المتأخرة ، وهي إجازة العاقد الفضولي الذي اشترى المال الذي باعه فضولا من مالكه.


وبالجملة : حكم عقد الفضولي قبل الإجازة كسائر العقود الجائزة (١) ، بل أولى (٢) منها (٣). فكما أنّ التصرّف المنافي مبطل لها (٤) ، كذلك عقد الفضوليّ.

والجواب (٥) : أنّ فسخ عقد الفضولي هو إنشاء ردّه. وأمّا الفعل المنافي

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ عقد الفضولي يكون كالعقود الجائزة في بطلانه بالتصرف المنافي ، كما إذا وهب مالا لزيد مثلا ، ثم باعه من عمرو ، فإنّ هذا البيع يبطل الهبة ويفسخها.

(٢) وجه الأولوية : أنّه لا يترتب شي‌ء على عقد الفضولي قبل الإجازة ، بخلاف العقود الجائزة ، فإنّها تقع صحيحة ومؤثرة ، فإنّ الهبة مثلا تؤثّر في ملكيّة الموهوب للموهوب له ، غاية الأمر أنه يجوز للواهب حلّ العقد وفسخه. فإذا بطلت بمجرّد التصرّف المنافي مع وقوعها صحيحة ، كان بطلان عقد الفضولي ـ الذي لإثبات له ـ بالتصرف المنافي أولى.

وبعبارة اخرى : ان تصرف المالك في العقود الجائرة يكون رفعا للعقد ، وتصرّف المالك في البيع الفضولي يكون دفعا له ، ولا ريب في كون الدفع أهون من الرّفع.

هذا بناء على ما نقله المصنف من قوله : «بل أولى منها». وأمّا بناء على ما في المقابس من قوله : «بل أدنى منها» فالمراد واضح أيضا ، يعني : أنّ العقد الفضولي قبل الإجازة يكون أقرب إلى البطلان من العقود الجائزة ، لكون صحته وتأثيره اقتضائيا لا فعليا ، بخلاف العقد الجائز ، فإنّه صحيح فعلا ومؤثر في حصول مضمونه.

(٣) أي : من العقود الجائزة.

(٤) أي : مبطل للعقود الجائزة ، كذلك التصرف المنافي مبطل لعقد الفضولي.

(٥) هذا جواب الشيخ الأعظم قدس‌سره عن سادس إشكالات صاحب المقابس. تقريبه : أنّ فسخ العقد عبارة عن إنشاء ردّ العقد ، ومع تحققه ينعدم العقد ، ولا يبقى موضوع للإجازة. ولا محيص حينئذ عن الالتزام بما أفاده صاحب المقابس من بطلان بيع «من باع شيئا ثم ملكه وأجاز» حيث إنّ بيع المالك الأصلي ماله المبيع فضولا فاسخ للعقد الفضولي ومعدم له ، فلا يبقى عقد حتى يجيزه من انتقل إليه المال من مالكه.

لكن الفسخ هنا غير معلوم ، لعدم العلم بقصد المالك إنشاء الفسخ بالفعل المنافي ، خصوصا مع جهله بوقوع عقد الفضول على ماله ، ومع عدم إحراز الفسخ لا وجه للحكم بإنعدام العقد حتى يقال بعدم محلّ قابل للإجازة.

نعم غاية ما في الباب أنّ الفعل المنافي يفوّت محلّ الإجازة ، إمّا مطلقا وبالنسبة إلى


لمضيّه (١) ـ كتزويج المعقودة فضولا نفسها من آخر (٢) ، وبيع (٣) المالك ماله المبيع فضولا من آخر (٤) ـ فليس (٥) فسخا له ، خصوصا مع عدم التفاته إلى وقوع عقد الفضوليّ. غاية (٦) ما في الباب أنّ الفعل المنافي لمضيّ العقد مفوّت لمحلّ الإجازة ، فإذا فرض وقوعه (٧) صحيحا فات محلّ الإجازة ، ويخرج العقد عن قابليّة الإجازة ، إمّا مطلقا كما في مثال التزويج (٨) ، أو بالنسبة (٩) إلى من فات محلّ الإجازة بالنسبة إليه كما في مثال البيع ، فإنّ محلّ الإجازة إنّما فات بالنسبة إلى الأوّل (١٠) ،

______________________________________________________

كل أحد كما في مثال التزويج ، فإنّ محلّ الإجازة فيه هي المرأة غير المزوّجة ، فإذا زوّجت نفسها بغير من زوّجها الفضولي ، فقد فات محلّ الإجازة مطلقا ، لصيرورتها مزوّجة.

وإمّا بالنسبة إلى شخص خاصّ ، لا كلّ أحد كالمقام ، فإنّ محلّ الإجازة بالنسبة إلى خصوص المالك الأصلي الذي نقل المال عن ملكه ، فإنّه لا مال له حتى يجيز. وأمّا بالنسبة إلى غيره ـ وهو المالك الجديد ـ فلم يفت محلّ إجازته.

(١) هذا الضمير وضمير «رده» راجعان إلى «عقد الفضولي».

(٢) أي : من غير من زوّجت له فضولا.

(٣) معطوف على «تزويج المعقودة».

(٤) أي : من غير الشخص الذي باع الفضولي ذلك المال منه.

(٥) هذا جواب «وأمّا» وضمير «له» راجع إلى «عقد الفضولي».

(٦) بعد أن نفى تحقق الفسخ بالفعل المنافي للعقد أراد إثبات فائدة الفعل المنافي وعدم لغويته ، وقال : إنّ فائدته تفويت محل الإجازة مطلقا كمثال التزويج المذكور ، أو بالنسبة إلى شخص خاص كالمالك الأصلي على ما تقدم آنفا.

(٧) أي : وقوع الفعل المنافي صحيحا لا فاسدا ، إذ مع فساده لا يفوت محل الإجازة.

(٨) لما مرّ آنفا من أنّ محلّ الإجازة في النكاح هي المرأة غير المزوّجة ، وكعتق العبد المبيع فضولا ، فإنّه مفوّت لمحلّ إجازة بيع الفضول بالنسبة إلى كل أحد ، لا المالك المعتق للعبد ، ولا للعاقد الفضولي ، لأنّ الحرّ لا يعود رقّا ، فيزول عقد الفضول رأسا وينعدم عقلا.

(٩) معطوف على «إمّا مطلقا» ، فتختلف الأفعال المنافية للعقد من إسقاطها لقابلية الإجازة مطلقا ، أو بالنسبة إلى بعض دون بعض.

(١٠) أي : المالك الأوّل ، فإنّ محلّ الإجازة ـ وهو المال ـ فات بالنسبة إلى مالكه


فللمالك الثاني (١) أن يجيز.

نعم (٢) لو فسخ المالك الأوّل نفس العقد (٣) بإنشاء الفسخ بطل العقد من حينه (٤) إجماعا (٥) ، ولعموم (٦) «تسلّط الناس على أموالهم» بقطع (٧) علاقة الغير عنها.

فالحاصل (٨) : أنّه إن أريد من كون البيع الثاني فسخا إنّه إبطال لأثر العقد في

______________________________________________________

الأصلي ، فإذا باع الفضولي كتاب زيد من عمرو ، ثم باع زيد ذلك الكتاب من بكر ، فإنّ محلّ الإجازة ـ وهو ذلك الكتاب ـ فات بالنسبة إلى زيد الذي هو المالك الأوّل ، لخروج الكتاب عن ملكه ، ولم يفت بالنسبة إلى بكر الذي هو المالك الثاني ، لدخول الكتاب في ملكه ، فله السلطنة عليه ببيعه وإجازة عقد الفضولي الواقع عليه.

وإن شئت فقل : إنّ الكتاب بوصف كونه مبيعا فضولا انتقل إلى بكر ، فله الإجازة والردّ ، فإذا أجاز نفذ العقد.

(١) وهو بكر الذي ملك الكتاب المبيع فضولا بالشراء من مالكه ، وهو زيد.

(٢) استدراك على ما أفاده من بقاء محلّ الإجازة للمالك الثاني وهو بكر في المثال. وحاصل الاستدراك : أنّه قد يفوت محلّ الإجازة بالنسبة إلى المالك الثاني أيضا ، كما إذا فسخ المالك الأوّل ـ وهو زيد ـ نفس عقد الفضولي بإنشاء الفسخ ، بأن يقول : «فسخت عقد الفضول الواقع على كتابي» فإنّ العقد إذا انفسخ وانعدم لا يبقى محلّ لإجازة أحد من المالكين الأوّل والثاني.

(٣) يعني : من دون الإكتفاء بالفعل المنافي المعرّى عن قصد إنشاء الفسخ.

(٤) أي : من حين الفسخ ، لا من حين وقوع العقد.

(٥) هذا من أدلّة بطلان عقد الفضولي على تقدير فسخ المالك له.

(٦) هذا دليل آخر على بطلان عقد الفضولي بفسخ المالك له ، حيث إنّ مقتضى قاعدة سلطنة الناس على أموالهم جواز قطع علاقة الغير عن أموالهم.

(٧) متعلق ب «تسلّط».

(٨) يعني : فالحاصل من جواب المصنف قدس‌سره عن سادس إشكالات صاحب المقابس قدس‌سره هو : أنّه إن أريد بكون البيع الثاني ـ أي بيع المالك ماله الذي بيع فضولا ـ فسخا للبيع الأوّل إبطال أثر العقد الأوّل الفضولي في الجملة ، فهو مسلّم ، حيث إنّ المالك الأوّل باع ماله الذي بيع فضولا ، فلا مال له حتى يجيز عقد الفضولي الواقع عليه سابقا.


الجملة (١) فهو (٢) مسلّم ، ولا يمنع ذلك (٣) من بقاء العقد متزلزلا بالنسبة إلى المالك الثاني ، فيكون له الإجازة. وإن (٤) أريد أنّه إبطال للعقد رأسا (٥) فهو ممنوع ، إذ لا دليل على كونه كذلك (٦). وتسمية (٧) مثل ذلك الفعل ردّا في بعض الأحيان من (٨) حيث إنّه (٩) مسقط للعقد عن التأثير بالنسبة

______________________________________________________

لكنه لا يمنع من بقاء عقد الفضولي متزلزلا وقابلا للإجازة بالنسبة إلى المالك الثاني ، وهو الذي اشترى ذلك المال من المالك الأوّل ، فله الإجازة ، لقاعدة السلطنة.

وإن أريد بكون البيع الثاني فسخا إبطال العقد الفضولي وحلّه رأسا وإعدامه عن صفحة الوجود ـ بحيث يسقط عن التأثير وإن أجاز مالكه الفعلي ، وهو الذي اشترى المال المبيع فضولا من المالك الأوّل ـ فهو ممنوع ، إذ لا دليل على كون البيع الثاني كذلك.

وتوهّم أنّ تعبير الفقهاء عن بيع المالك الأوّل بكونه ردّا لعقد الفضولي ظاهر في بطلان عقد الفضولي رأسا ، مدفوع بأنّ المراد بالردّ هو إسقاط العقد عن التأثير بالنسبة إلى فاعل الفعل الثاني ـ وهو المالك الأوّل ـ بحيث تكون الإجازة منه بعد بيعه لغوا ، لأنّه ليس مالكا للمال حتى تكون له الإجازة.

(١) يعني : بالنسبة إلى المالك الأوّل.

(٢) جواب الشرط في قوله : «إن أريد».

(٣) أي : كون الفسخ إبطالا لأثر العقد في الجملة.

(٤) معطوف على «إن أريد» وقد مرّ آنفا توضيحه بقولنا : «وإن أريد بكون البيع الثاني فسخا .. إلخ».

(٥) بحيث لا يقبل الإجازة من أحد أصلا ، لا من المالك الأوّل ، ولا من المالك الثاني ،

(٦) يعني : لا دليل على كون البيع الثاني إبطالا للعقد الأوّل الصادر من الفضول رأسا.

(٧) هذا إشارة إلى وهم اتضح آنفا بقولنا : «وتوهّم أن تعبير الفقهاء عن بيع .. إلخ».

(٨) خبر «وتسمية» ودفع للتوهم المزبور ، وقد مرّ تقريبه بقولنا : «مدفوع بأنّ .. إلخ».

(٩) أي : ذلك الفعل ، وهو البيع الصادر من المالك الأوّل ، فإنّه مسقط لعقد الفضول وهو العقد الأوّل. ووجه الإسقاط : أنّ المالك بسبب بيعه يصير أجنبيّا عن المال ،


إلى فاعله (١) بحيث تكون الإجازة منه بعده (٢) لغوا.

نعم (٣) لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل (٤) فسخ العقد بحيث يعدّ فسخا فعليّا ، لم يبعد (٥) كونه كالإنشاء بالقول. لكنّ الالتزام بذلك (٦) لا يقدح في المطلب (٧) ، إذ (٨) المقصود أنّ مجرّد بيع المالك لا يوجب بطلان العقد (٩) ، ولذا (١٠) لو فرضنا انكشاف فساد هذا البيع بقي (١١) العقد على حاله من قابليّة لحوق الإجازة.

______________________________________________________

فلا يكون مالكا له حتى تنفذ إجازته ، فلو أجاز كانت إجازته لغوا.

(١) أي : فاعل ذلك الفعل البيعي الصادر من المالك الأوّل.

(٢) أي : بعد الفعل ، وضمير «منه» راجع إلى «فاعله».

(٣) استدراك على لغويّة إجازة المالك الأوّل عقد الفضول ، وحاصل الاستدراك : أنّه يمكن أن لا تكون إجازته لغوا فيما إذا قصد المالك الأوّل ببيعه فسخ عقد الفضول بحيث يندرج فعله في الفسخ الفعلي كالإنشاء بالقول.

(٤) وهو بيع المالك الأوّل.

(٥) جواب الشرط في «لو فرضنا» وقوله : «فسخ» مفعول ل «قصد المالك».

(٦) أي : بقصد المالك فسخ عقد الفضول من بيعه.

(٧) وهو بقاء العقد الأوّل ـ أعني به عقد الفضولي ـ بالنسبة إلى المالك الثاني الذي اشترى المال المبيع فضولا من مالكه الأوّل.

(٨) تعليل لعدم القدح ، وحاصله : أنّ مجرّد بيع المالك من حيث إنّه بيع ـ ما لم يكن مصداقا لعنوان فسخ العقد ـ لا يوجب بطلان العقد الفضولي.

(٩) أي : العقد الذي أوقعه الفضول يوم الجمعة مثلا ، واشترى العاقد الفضول ذلك المال من مالكه يوم السبت.

(١٠) يعني : ولأجل عدم كون بيع المالك بنفسه بعد بيع الفضول مبطلا لعقد الفضولي ، لو فرض انكشاف فساد بيع المالك الواقع يوم السبت كان عقد الفضول الواقع يوم الجمعة باقيا على حاله ، وقابلا للإجازة ، فيجوز لمالكه الأوّل إجازته.

(١١) جواب «لو فرضنا» أي : بقي بيع المالك الواقع في يوم السبت ـ الذي هو الزمان المتأخر عن زمان وقوع عقد الفضولي ، وهو يوم الجمعة ـ على حاله.


وأمّا الالتزام (١) في مثل الهبة والبيع في زمان الخيار بانفساخ (٢) العقد من ذي الخيار بمجرّد الفعل المنافي (٣) ، فلأنّ (٤) صحّة التصرّف المنافي تتوقّف على فسخ العقد (٥) ، وإلّا (٦) وقع في ملك الغير. بخلاف ما نحن فيه (٧) ، فإنّ (٨) تصرّف المالك في

______________________________________________________

(١) إشارة إلى إشكال على عدم كون بيع المالك موجبا لبطلان عقد الفضولي. تقريبه : أنّه إذا لم يكن هذا التصرف البيعي مبطلا ومنافيا لعقد الفضولي فلم لم يلتزم الفقهاء ببطلان العقد الجائز بالتصرف المنافي له من بيع أو هبة أو صلح أو غيرهما. كما إذا باع زيد مثلا داره من عمرو بخيار في مدة شهر ، ثم باعها في أثناء مدّة الخيار من بكر ، أو وهبها أو صالحها ، فإنّهم يلتزمون بصحة هذه العقود الجارية في مدة الخيار ، وبطلان البيع الخياري بهذه العقود. وكذا إذا وهبها ثم باعها قبل لزوم الهبة ، فإنّ صحة البيع منوطة ببطلان الهبة ، وإلّا لا يقع البيع صحيحا ، لوقوعه في ملك الغير.

(٢) متعلق ب «الالتزام» ، و «في زمان» ظرف مستقر.

(٣) كالبيع والهبة والصلح الواقعة في زمن الخيار على المبيع الخياري.

(٤) جواب «وأما» وهذا دفع الاشكال المزبور ، وحاصله : فساد قياس بيع المالك ماله ـ المبيع فضولا ـ بالتصرّف المنافي الصادر من ذي الخيار ، أو من العاقد في العقود الجائزة كالهبة قبل عروض ما يوجب لزومها ، وذلك لأنّ صحة التصرف المنافي موقوفة على بطلان العقد الخياري أو العقد الجائز ، ضرورة أنّ صحة هبة المبيع الخياري أو بيعه أو صلحه منوطة ببطلان البيع ليقع التصرف المنافي في ملكه ، وإلّا يقع في ملك الغير ، فينعقد باطلا.

(٥) أي : العقد الجائز ذاتا كالهبة ، أو عرضا كالبيع المجعول فيه الخيار.

(٦) أي : وإن لم ينفسخ العقد الجائز ذاتا أو عرضا ، وقع التصرف المنافي في ملك الغير.

(٧) وهو بيع المالك المبيع الفضولي ، للفرق بينه وبين صدور التصرف المنافي من ذي الخيار.

(٨) إشارة إلى وجه الفرق بين ما نحن فيه وبين التصرف المنافي الصادر من ذي


ماله المبيع فضولا صحيح في نفسه ، لوقوعه في ملكه ، فلا يتوقّف على فسخه ، غاية الأمر أنّه إذا تصرّف فات محلّ الإجازة.

ومن ذلك (١) يظهر ما في قوله رحمه‌الله أخيرا : «وبالجملة : حكم عقد الفضولي

______________________________________________________

الخيار ، وكون القياس مع الفارق.

وحاصل وجه الفرق هو : أنّ بيع المالك ماله المبيع فضولا صحيح في نفسه ، ولا تتوقف صحته على شي‌ء ، لوقوعه في ملكه الذي هو موضوع قاعدة السلطنة. وبيع ماله كغيره من التصرفات الخارجية والاعتبارية من آثار سلطنته على ماله ، فلا شبهة في صحته في نفسه ، من دون توقف صحته على بطلان عقد الفضولي.

بخلاف التصرف المنافي من ذي الخيار ، فإنّ صحته موقوفة على بطلان ذلك العقد الجائز ذاتا أو عرضا ، فلا محيص عن الالتزام ببطلان العقد الجائز ، وإلّا يلزم اجتماع الضدين ـ وهما المالكان ـ على مال واحد. وهذا المحذور لا يلزم من صحة كلّ من العقد الفضولي والتصرف المنافي.

نعم هذا التصرف البيعي يوجب ـ بالنسبة إلى المالك ـ فوات محلّ إجازة البيع الفضولي الصادر من الفضول قبل صدور البيع من المالك ، إذ المفروض خروج المال عن ملكه ، فليس له إجازة البيع الفضولي ، للزوم كون المجيز مالكا حين الإجازة.

(١) أي : ومن وجه الفرق ـ بين الالتزام بانفساخ العقد من ذي الخيار بمجرّد التصرف المنافي ، وبين عدم الالتزام بانفساخ عقد الفضولي ، وبطلانه ببيع المالك ماله المبيع فضولا من العاقد الفضولي ـ يظهر الإشكال فيما أفاده صاحب المقابس قدس‌سره أخيرا من : أنّ حكم عقد الفضولي حكم سائر العقود الجائزة ، بل أولى.

وجه الإشكال : أنّ عقد الفضولي متزلزل حدوثا ، إذ لا يترتب عليه أثر إلّا بعد الإجازة ، فحدوثه متزلزل. بخلاف العقود الجائزة ، فإنّها صحيحة حدوثا ، لترتب الأثر عليها ، ومتزلزلة بقاء.


حكم سائر العقود الجائزة ، بل أولى (١)» فإنّ (٢) قياس العقد المتزلزل من حيث الحدوث على (٣) المتزلزل من حيث البقاء قياس مع الفارق (*) ، فضلا عن دعوى الأولويّة ، وسيجي‌ء مزيد بيان لذلك (٤) في بيان ما يتحقق به الردّ.

______________________________________________________

والفرق بين التزلزل الحدوثي والبقائي واضح. فقياس المتزلزل الحدوثي على البقائي قياس مع الفارق ، إذ الأوّل لا يمنع عن بيع المالك ، فالبيع صحيح ، مع بقاء عقد الفضولي متزلزلا. بخلاف الثاني ، فإنّه مانع عن تصرّف ذي الخيار ، فيبطل العقد الجائز بقاء بالتصرف المنافي له.

وبالجملة : فلا جامع بينهما حتى يقاس العقد الفضولي بالعقود الجائزة.

(١) قد تقدم وجه الأولوية في (ص ٢٩٣).

(٢) هذا وجه الظهور ، وقد مرّ آنفا توضيحه بقولنا : «والفرق بين التزلزل الحدوثي والبقائي واضح .. إلخ».

(٣) متعلق ب «قياس».

(٤) أي : لبطلان قياس العقد المتزلزل الحدوثي على العقد المتزلزل البقائي ، والظاهر أنّ مقصوده ما سيذكره في أحكام الردّ في ما إذا تصرّف المالك بما لا ينافي صحة بيع ماله

__________________

(*) قد يقال بعدم الفارق ، بتقريب : أنّه إذا قلنا بأنّ التصرف من ذي الخيار بنفسه يوجب انفساخ العقد ولو لم ينشأ به الفسخ كان القياس في محله ، والأولوية صحيحة ، إذ التصرف ممّن له الحق إذا كان موجبا للانفساخ قهرا ، فالتصرف ممّن له الملك بالأولوية.

أقول : الوجه في بطلان العقد الجائز بالتصرف المنافي هو : استحالة اجتماع الضدين ، حيث إنّه يستحيل بقاء العقد الجائز الموجب للملكية مع صحة التصرف المنافي الموجب للملكية أيضا ، لاقتضاء كليهما مالكية شخصين لمال واحد في زمان واحد ، وهو محال ، من غير فرق بين كون منشأ جواز التصرف ثبوت الملك أو الحقّ. وعليه فلا وجه للقياس والأولوية كما ذهب إليه المصنف قدس‌سره.


السابع (١) : الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع ما ليس

______________________________________________________

فضولا ، حيث إنّه فصّل بين وقوع هذا التصرف حال التفاته إلى بيع ماله فضولا ، وبين وقوعه حال الغفلة عنه ، فقال في حكم القسم الثاني : «فالظاهر عدم تحقق الفسخ به ، لعدم دلالته على إنشاء الرّد ، والمفروض عدم منافاته أيضا للإجازة اللّاحقة. ولا يكفي مجرّد رفع اليد عن الفعل بإنشاء ضدّه مع عدم صدق عنوان الردّ» فلاحظ (ص ٤٥٩).

وهذا ردّ لما أفاده صاحب المقابس بقوله : «يكون فسخا له وإن لم يعلم بوقوعه» حيث إنّه حكم بعدم تأثير الإجازة حتى في صورة عدم علم المالك بما أنشأه الفضولي. فيكون حاصل إيراد المصنف عليه أنّه لا وجه لكون هذا التصرّف ردّا في صورة جهل المالك ، لأنّ الردّ كالإجازة أمر إنشائي منوط بالقصد المتوقف على العلم بالعقد حتى يفرده أو يجيره.

هذا مضافا إلى التأمل هناك في تحقق فسخ العقد الجائز كالهبة بالتصرف غير المنافي لو وقع في حال عدم الالتفات ، فراجع (ص ٤٦٧).

(١) هذا سابع الإشكالات التي أوردها المحقق صاحب المقابس قدس‌سره على صحة بيع «من باع فضولا مال غيره لنفسه ثم ملكه فأجازه» فإنّه لا يقع بالنسبة إلى المخاطب خاصة.

والفارق بين هذا الوجه السابع والستة المتقدمة أنّها محاذير عقلية مترتبة على ما اشتهر بينهم من كون الإجازة كاشفة حقيقة عن ترتب الأثر على البيع الفضولي من حين إنشائه ، بخلاف هذا الوجه السابع ، فإنه دليل نقلي على البطلان.

ولا يخفى أن ظاهر المتن جعل هذا الوجه في عداد الأمور التي ذكرها صاحب المقابس في الحكم ببطلان «من باع شيئا ثم ملكه». مع أنّه ليس كذلك. لأنّ المحقق الشوشتري قدس‌سره حكم بالفساد ، لاشتماله على وجوه من الخلل ، وهي الأمور السّتة المتقدمة ، ثم قال : «ويدل على ما اخترناه : الأخبار المعتبرة المستفيضة ، منها : جملة من


عندك ، فإنّ النهي فيها إمّا لفساد البيع المذكور مطلقا بالنسبة إلى المخاطب وإلى

______________________________________________________

الأخبار المتقدمة في الموضع الأوّل» (١) ومراده بالموضع الأوّل بيع الفضولي عينا بقصد وقوعه للمالك ، مع وجود مجيز في حال العقد.

ومراده بجملة من الأخبار هي الأخبار التي ارتضى دلالتها على فساد بيع الفضولي ، ولكنه قدس‌سره حملها على ما إذا قصد الفضولي البيع لنفسه ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما رواه يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه‌السلام : «لا بيع إلّا في ملك» حيث إنه ناقش فيها صاحب المقابس بضعف السند ، وبأنّها محمولة على «من باع شيئا لنفسه ثم ملكه» حيث قال : «وباحتمال أن يكون المراد بطلان بيع ما يملكه بعد العقد ، بأن يبيع مال الغير عن نفسه ، ثم يشتريه .. وقد وقع النصّ على هذا المعنى في الروايات الكثيرة ، كما يأتي بعضها في المسائل الآتية» (٢).

وكذلك حمل صاحب المقابس النبوي «الناهي عن بيع ما ليس عندك» على البيع لنفسه لا للمالك ، ثم يمضي ويشتريه من مالكه ، فراجع (٣).

والغرض أن مقصوده من قوله في المقام : «الأخبار المتقدمة في الموضع الأوّل» هو ما ورد بلسان «لا بيع إلّا في ملك» أو «لا تبع ما ليس عندك» مما سلّم دلالته على بطلان الفضولي ، وحمله على البيع لنفسه.

وكيف كان فتقريب الاستدلال بهذه الأخبار على فساد بيع «من باع مال الغير ثم ملكه وأجاز» يتوقّف على تسلّم أمور.

أحدها : دلالة النهي على فساد المعاملة ، إمّا لكونه دالّا في المعاملات على الفساد كدلالته في العبادات على الفساد ، وإمّا للإرشاد إلى الفساد في خصوص المقام.

__________________

(١) المقابس ، كتاب البيع ، ص ٣٧.

(٢) المصدر ، ص ١٩.

(٣) المصدر ، ص ٣٠.


المالك ، فيكون دليلا على فساد العقد الفضوليّ (١). وإمّا لبيان فساده بالنسبة إلى المخاطب خاصّة (٢) كما استظهرناه سابقا (٣) ، فيكون دالّا على عدم وقوع بيع مال

______________________________________________________

ثانيها : إرادة عدم الملك ب «ما ليس عندك» حتى ينطبق على المقام ، لا إرادة عدم القدرة على التسليم ، كبيع العبد الآبق والدابّة الشاردة.

ثالثها : إرادة العين الخارجية من الموصول في قوله : «ما ليس عندك» إذ لا إشكال في صحة بيع الكلي الذمي وإن لم يكن من مصاديقه شي‌ء عند البائع.

فلو كان المراد بيع الكلي فلا بدّ من كون النهي تنزيهيّا. وحينئذ لا يصحّ الاستدلال بالأخبار الناهية ، للزوم حملها على التنزيه أو التقية ، للإجماع على جواز بيع الكلي في الذمة.

رابعها : أن يكون النهي فيها إرشادا إلى الفساد في حقّ المخاطب مطلقا وإن ملكه بالشراء أو غيره وأجاز ، حتى يكون دليلا على فساد بيع «من باع شيئا ثم ملكه وأجاز» بدعوى الإطلاق من ناحية الآثار ، وهي الصحة الفعلية والتأهلية ، ومن ناحية الأحوال ، وهو كون النهي إرشادا إلى عدم نفوذ عقد الفضولي بالنسبة إلى العاقد في جميع الأحوال قبل تملكه للمبيع الفضولي وبعده. وبعد الإجازة.

وأما إذا كان إرشادا إلى فساد العقد مطلقا حتى بالنسبة إلى المالك ، فهو دليل على فساد الفضولي مطلقا ، ومفروض البحث هو صحة الفضولي في غير ما نحن فيه.

خامسها : أن يكون النهي دالّا على الفساد بقول مطلق ـ لا على نحو خاص ـ حتى يدلّ على بطلان عقد الفضولي وإن صار مالكا ، إذ لو دلّ النهي على نفي الاستقلال لم يكن دليلا على ما نحن فيه.

(١) مطلقا وإن صار مالكا لما باعه فضولا ، وأجاز مالكه.

(٢) وهو البائع الفضولي.

(٣) بقوله : «ويكون بطلان البيع بمعنى عدم وقوع البيع للبائع .. إلخ» (١).

__________________

(١) لاحظ هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٤٩٦.


الغير لبائعه مطلقا ولو (١) ملكه فأجاز. بل (٢) الظاهر إرادة حكم خصوص صورة تملّكه بعد البيع (٣) ، وإلّا فعدم وقوعه له قبل تملّكه ممّا لا يحتاج إلى البيان.

وخصوص (٤) رواية يحيى بن الحجّاج المصحّحة إليه (٥) ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقول لي : اشتر لي هذا الثوب ، وهذه الدابّة وبعنيها ،

______________________________________________________

(١) هذا بيان الإطلاق ، فبيع الفضولي لا يقع له مطلقا سواء ملكه بعد بيعه وأجاز أم لا. وهذا غير مدّعى صاحب المقابس ، لأنّه قائل بصحة عقد الفضولي في غير «من باع فضولا مال الغير ثم ملكه وأجاز». وهذا الدليل يدلّ على بطلان الفضولي في جميع الموارد.

(٢) هذا إضراب عن الإطلاق المزبور ، وحاصله : أنّ مورد عدم وقوع بيع مال الغير لبائعه خصوص صورة تملك البائع الفضولي للمبيع فضولا ، إذ عدم وقوعه له قبل تملكه لا يحتاج إلى البيان ، لوضوح عدم كونه مالكا للمبيع الفضولي حتى يجوز له التصرف.

(٣) أي : بعد البيع الفضولي الذي أوقعه يوم الجمعة في المثال المتقدم.

(٤) معطوف على «الأخبار المستفيضة».

(٥) أي : إلى يحيى بن الحجاج. هذه عبارة الشيخ قدس‌سره ، وعبارة المقابس هكذا «ومنها ما رواه الشيخ قدس‌سره والكليني قدس‌سره في الصحيح عن يحيى بن الحجاج .. إلخ» وليس بين يحيى والامام عليه‌السلام واسطة أصلا حتى يصح التعبير بقوله قدس‌سره : «المصححة إليه».

وبالجملة : إنّما يصحّ هذا التعبير فيما إذا كان هناك واسطة مجهولة ، ولا يعرف كونها ثقة ، والمفروض أنّه ليس بين يحيى وأبي عبد الله عليه الصلاة والسلام واسطة. ولم يظهر وجه عدول المصنف عن عبارة المقابيس.

قال السيد قدس‌سره في توجيه العدول المزبور ما لفظه : «لعلّ وجه هذا التعبير من المصنف .. تأمّله في الصحّة بالنسبة إلى من تقدّم على يحيى من الرواة ، لا من جهة التأمل في وثاقته ، ولا في من قبله ، إذ هو يروي عن الامام عليه‌السلام بلا واسطة. مع أنّه أيضا ثقة على ما في الخلاصة والنجاشي. فلا وجه لما أورد عليه من : أنه لا وجه لهذا التعبير بعد عدم الواسطة بينه وبين الامام عليه‌السلام ، فإنّ التعبير المذكور قد يكون في مقام يكون متأمّلا فيمن


أربحك كذا وكذا. قال عليه‌السلام : «لا بأس بذلك اشترها ، ولا تواجبه (١) البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها» (١).

ورواية (٢) خالد بن الحجّاج (٣) ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجيئني ويقول : اشتر هذا الثوب وأربحك كذا وكذا. قال : أليس إن شاء أخذ وإن شاء

______________________________________________________

تقدّمه من الرواة إمّا واقعا ، أو من جهة عدم المراجعة إلى تراجمهم ، فتدبّر» (٢).

ولم يظهر مراد السيد قدس‌سره من عبارته التي نقلناها ، فلاحظها متدبّرا فيها.

(١) أي : ولا تنشئ إيجاب البيع قبل أن تستوجبها أي قبل أن تقول لمالكه : «بعني» أو قبل أن تشتريها : بأن تقول : «اشتريت» بعد قول المالك : «بعتكها».

(٢) معطوف على «رواية يحيى» قال في المقابس : «وما رواه الشيخ والكليني عن ابن أبي عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن الحجاج ، قال .. إلخ».

(٣) كما في بعض نسخ الكافي ، وفي بعضها الآخر : «خالد بن نجيح» وهذا مختلف فيه : فقد يقال : إنّه ممّن يعتبر روايته ، وقد يقال : إنّه من الغلاة. وأمّا خالد بن الحجاج فهو ثقة ، وقد تقدم في البحث عن لزوم المعاطاة صحة هذه الرواية بطريق الشيخ ، لكون الراوي عن الامام عليه‌السلام هو خالد بن الحجاج ، ولا تردد فيه بينه وبين ابن نجيح ، فراجع. (٣)

قال صاحب المقابس قدس‌سره في تقريب الاستدلال بهذه الرواية : «والمراد بالكلام عقد البيع ، فإنّه يحل نفيا ويحرّم إثباتا ، أو يحلّ ثانيا ويحرّم أوّلا. والمراد أنّ الكلام الذي جرى بينهما قد يحلّل وقد يحرّم بحسب اختلافه. فإن كان بطريق الإلزام حرمت المعاملة بذلك.

وإن كان بطريق المراضاة من دون إلزام ـ وإنّما يحصل الإلزام بعد شراء البائع بعقد مستأنف ـ كانت حلالا» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٨ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، ح ١٣.

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٦٥.

(٣) هدى الطالب ، ج ١ ، ص ٥٨٢ و ٥٨٣.

(٤) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٧.


ترك؟ قلت : بلى ، قال : لا بأس به ، إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام» (١) ، بناء (١) على أنّ المراد بالكلام عقد البيع ، فيحلّل نفيا (٢) ويحرّم إثباتا ، كما فهمه في الوافي (٢).

______________________________________________________

فالرواية تدلّ على وجود البأس والمنع في ما لو باع السمسار الثوب قبل أن يشتريه من مالكه. وينطبق التعليل بجملة «إنما يحلل» عليه ، بأنّ الكلام قبل الشراء من مالكه إن كان بعنوان المقاولة والمراضاة لم يكن به بأس ، فلكل واحد منهما العدول عنه. وإن كان بعنوان إنشاء البيع كان منهيّا عنه ، فيدلّ على بطلان بيع الفضولي في مسألتنا ، وهي «من باع شيئا ثم ملكه».

(١) هذا التعبير غير موجود في العبارة المتقدمة آنفا عن المقابس ، لأنّه قدس‌سره استظهر من جملة «إنّما يحلّل» وجها واحدا ، وهو أنّ محاورة السمسار مع الرجل المريد للثوب إن كانت مواعدة لم تمنع من صحة البيع بعد الشراء من مالكه. وإن كانت إنشاء للبيع جدّا كانت باطلة.

ولكن المصنف قدس‌سره حيث احتمل في هذا التعليل وجوها أربعة (٣) أراد التنبيه على توقف دلالة رواية ابن الحجاج ـ على بطلان بيع من باع ثم ملك ـ على الاحتمالين الأخيرين المذكورين هناك ، وهما في الواقع وجوه ثلاثة ، وهي التي ذكرها المصنف في المتن. فلو قيل بالاحتمال الأوّل ـ الذي استظهره القائلون بعدم إفادة المعاطاة للملك مطلقا أو خصوص الملك اللازم ـ أو بالاحتمال الثاني كانت الرواية أجنبية عن مسألتنا ، هذا.

ولعلّ الأنسب الاقتصار على نقل كلام المقابس ، لكونه بصدد بيان أدلته على فساد البيع في «من باع شيئا ثم ملكه» وعدم بناء الاستدلال على ما احتمله المصنف في التعليل ، فإنّ هذا الابتناء وإن كان صحيحا ، لكن المفروض أنّ صاحب المقابس استظهر معنى واحدا وجعله مبنى استدلاله.

(٢) يعني : أنّ عقد البيع إن لم يجر قبل أن يشتري السمسار الثوب من مالكه حلّ ترتيب آثار البيع من الأخذ والترك عليه. وإن جرى عقد البيع قبله حرم ترتيب آثار البيع.

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٢ ، ص ٣٧٦ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٤.

(٢) الوافي ، ج ١٨ ، ص ٧٠٠ ، ذيل الحديث ١٨١٤٤ ـ ٧ «الطبعة الحديثة».

(٣) راجع هدى الطالب ، ج ١ ، ص ٥٨٧ ـ ٥٩٤.


أو يحلّل إذا وقع بعد الاشتراء ، ويحرّم إذا وقع قبله (١). أو أنّ (٢) الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرّم إذا كان بعنوان العقد الملزم ، ويحلّل إذا كان على وجه المساومة والمراضاة.

وصحيحة (٣) ابن مسلم ، قال : «سألته عن رجل أتاه رجل فقال له : ابتع لي متاعا لعلّي أشتريه منك بنقد أو نسيئة ، فابتاعه الرجل من أجله (٤). قال : ليس به بأس ، إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» (١).

______________________________________________________

وعليه فالتحليل والتحريم يضافان إلى وجود الكلام البيعي ، وعدمه. وهذا الاحتمال قد نبّه عليه المصنف في باب المعاطاة بقوله : «أن يراد بالكلام في الفقرتين الكلام الواحد ، ويكون تحريمه وتحليله باعتبار وجوده وعدمه ، فيكون وجوده محلّلا وعدمه محرّما ، أو بالعكس» (٢).

(١) أي : قبل الاشتراء ، فالتحليل والتحريم على هذا الاحتمال يضافان إلى وجود الكلام ، وهو خصوص إنشاء العقد ، لا المقاولة والمراضاة ، والمدار في التحليل والتحريم على التقدم والتأخر ، فإذا وقع بيع الثوب بعد اشترائه من مالكه كان محلّلا ، وإذا وقع قبل الاشتراء كان محرّما. وهذا الاحتمال نبّه عليه المصنف في المعاطاة بقوله : «أو باعتبار محلّه وغير محلّه ، فيحلّ في محلّه ، ويحرم في غيره».

(٢) هذا الاحتمال هو الذي استظهره صاحب المقابس كما تقدم في عبارته ، وجعله المصنف رابع الوجوه في باب المعاطاة ، وهو يتوقف على التفكيك في الكلام المحرّم والمحلّل ، بجعل المحرّم إنشاء البيع ، والمحلّل المراضاة والمواعدة.

(٣) معطوف على : رواية يحيى بن الحجاج.

(٤) أي : من أجل ذلك الرجل ، وبعبارة أخرى : طلب ذلك الرجل صار داعيا إلى أن يشتري الرجل الآخر ـ كالسمسار ـ المتاع ، لا أنّه صار وكيلا عنه في الابتياع كما قيل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٧ ، الباب ٨ من أبواب العقود ، الحديث ٨.

(٢) هدى الطالب ، ج ١ ، ص ٥٩٣.


وصحيحة (١) منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل أمر رجلا يشتري له متاعا ، فيشتريه منه. قال : لا بأس بذلك ، إنّما البيع بعد ما يشتريه» (٢) (١).

وصحيحة (٣) معاوية بن عمّار ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام يجيئني الرجل فيطلب منّي بيع الحرير ، وليس عندي منه شي‌ء ، فيقاولني عليه وأقاوله في الربح والأجل حتّى يجتمع عليّ شي‌ء ، ثم أذهب لأشتري الحرير ، فأدعوه إليه (٤) ، فقال :

أرأيت إن وجد هو مبيعا أحبّ إليه ممّا عندك أيستطيع أن ينصرف إليه عنه ويدعك؟ أو : وجدت أنت ذلك أتستطيع أن تنصرف عنه؟ قلت : نعم ، قال عليه‌السلام : لا بأس» (٢).

وغيرها من الروايات (٥).

______________________________________________________

(١) معطوف على : رواية يحيى بن الحجاج.

(٢) يعني : لا يبيع المتاع من ذلك الرجل الأمر إلّا بعد أن يصير مالكا لذلك المتاع بالاشتراء ، إذ لا بيع إلّا في ملك.

(٣) معطوف على : رواية يحيى بن الحجاج. وبست هذه الصحيحة مذكورة في المقابس (٣) ، وآخر النصوص المذكورة فيه المتعلقة بهذه المسألة هي صحيحة منصور بن حازم.

(٤) يعني : فادعوا الرجل إلى اشتراء الحرير منّي.

(٥) التي جمعها صاحب الوسائل قدس‌سره في الباب الثامن من أحكام العقود ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك ، تساومه ، ثم تشتري له على النحو الذي طلب ، ثم توجبه على نفسك ، ثم تبيعه منه

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ ، ص ٣٧٦ ، الحديث ٦.

(٢) المصدر ، ص ٣٧٧ ، الحديث ٧.

(٣) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٧.


ولا يخفى (١) ظهور هذه الأخبار ـ من حيث المورد

______________________________________________________

بعد» (١). وقد ذكرها المصنف قدس‌سره في باب المعاطاة معترفا بورودها في حكم بيع مالا يملكه السمسار.

وكمعتبرة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجيئني ، يطلب المتاع ، فأقاوله على الربح ثم أشتريه ، فأبيعه منه. فقال : أليس إن شاء أخذ ، وإن شاء ترك؟ قلت : بلى. قال : لا بأس به» (٢) الحديث.

وكمعتبرة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، «قال : إن شاء اشترى ، وإن شاء لم يشتر؟ قلت : نعم. قال : لا بأس به» (٣).

وقريب منها معتبرته الأخرى. فراجع.

(١) هذا من مطالب المقابس ، لكنه نقل بالمعنى ، وعين عبارته هكذا : «وهذه الروايات ظاهرة الدلالة على عدم جواز البيع قبل الشراء والتملك».

ومحصل تقريب الاستدلال بهذه الروايات على عدم صحة بيع الفضولي مال الغير قبل تملّكه لذلك المال : أنّها تدلّ من حيث المورد على ذلك ، كرواية يحيى بن الحجاج المذكورة في (ص ٣٠٨ ـ ٣٠٤). فإنّ موردها العين الشخصية التي ليست ملكا للفضولي.

وقوله عليه‌السلام : «إن شاء أخذ وإن شاء ترك» كناية عن عدم البيع الملزم ، فليس للفضولي أن يبيع مال الغير قبل تملّكه له. وإطلاقه يدل على عدم البيع لنفسه.

وصحيح معاوية يدل على عدم بيع مال الغير قبل تملكه له ، وإطلاقه يشمل العين الشخصية.

وبعضها يدلّ من حيث التعليل على عدم جواز بيع مال الغير لنفسه قبل تملكه له ، كصحيحتي ابن مسلم ومنصور بن حازم ، ورواية خالد بن الحجاج ، فإنّ كلمة «إنّما» في هذه الروايات ظاهرة في عدم جواز البيع قبل الشراء والتملك ، سواء باعه لنفسه أم للمالك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٥ ، الباب ٨ ، من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٤ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٨ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١٢ و ١١.


في بعضها (١) ، ومن حيث التعليل في بعضها الآخر (٢) ـ في (٣) عدم صحّة البيع قبل الاشتراء ، وأنّه (٤) يشترط في البيع الثاني (٥) تملّك (٦) البائع له ، واستقلاله (٧) فيه ، ولا يكون قد سبق منه ومن المشتري إلزام والتزام سابق بذلك المال.

والجواب عن العمومات (٨) ، أنّها إنّما تدلّ على عدم ترتّب الأثر المقصود من

______________________________________________________

(١) كصحيح معاوية بن عمار ورواية يحيى بن الحجاج كما مرّ آنفا.

(٢) كصحيحي ابن مسلم ومنصور ، ورواية خالد ابن الحجاج كما تقدم آنفا.

(٣) متعلّق ب «ظهور هذه الأخبار».

(٤) معطوف على «عدم» يعني : وظهور الأخبار في أنّه يشترط في البيع .. إلخ».

(٥) وهو بيع الرجل المأمور المتاع الذي طلب منه الآمر. فالمراد بالبائع في قوله :

«تملك البائع له» هو الرجل المأمور باشتراء المتاع للرجل الآمر.

(٦) نائب فاعل لقوله : «يشترط».

(٧) معطوف على «تملك» وضميرا «له ، فيه» راجعان إلى «المال» المذكور سابقا.

(٨) هذا جواب المصنف قدس‌سره عن استدلال صاحب المقابس بالروايات على بطلان بيع من باع مال الغير لنفسه ثم ملكه وأجاز. وقد أجاب أوّلا عن الاستدلال بالعمومات ، وثانيا عن الاستدلال بالأخبار الخاصة.

أمّا الجواب الأوّل فحاصله : أنّ النهي عن بيع مال الغير ليس نهيا تكليفيا عن السبب ، وهو التلفظ بألفاظ العقد ، لوضوح أنّ التلفظ بلفظ «بعت» ليس من المحرّمات التكليفية كالغناء والغيبة ، بل النهي عن بيع مال الغير إرشاد إلى حكم وضعي ، وهو فساد المعاملة ، وعدم ترتّب الأثر المقصود ـ أعني به الانتقال وتبادل المالين ـ عليها.

وبعبارة أخرى : المراد بالبيع المنهيّ عنه هنا هو البيع بمعناه الاسم المصدري ، يعني : أنّ بيع ما ليس ملكا للبائع لا يترتب عليه أثر بالنسبة إلى كلا المتعاقدين ، فليس للبائع التصرّف في الثمن ، ولا للمشتري التصرف في المثمن. وأمّا إذا زال عنوان «ما ليس عنده» وتبدّل بعنوان «ما عنده» بسبب الشراء أو الإرث فيزول الحكم وهو الفساد ، لتبعيّة الحكم لموضوعه ، ويخرج عن الموضوع أعني به «ما ليس عنده» خروجا تخصّصيّا.

فلا مانع حينئذ من صحة بيع الفضولي مال الغير بعد أن صار العاقد الفضولي


البيع ـ وهو النقل والانتقال (١) المنجّز ـ على (٢) بيع ما ليس عنده ، فلا يجوز ترتّب (٣) الأثر على هذا البيع (٤) ، لا من طرف البائع بأن يتصرّف في الثمن ، ولا من طرف المشتري بأن يطالب البائع بتسليم المبيع (*).

______________________________________________________

مالكا له ، لأنّ صحته مما تقتضيها عمومات صحة بيع المالكين لأموالهم ، فلا تحتاج صحته ـ بمجرد انتقال المال إلى الفضولي أو مع الإجازة ـ إلى دليل.

وأمّا الجواب الثاني فحاصله أنّ الأخبار الخاصة لا تدلّ إلّا على عدم ترتب الأثر على بيع ما ليس عنده ، فإنّ المثبت في بيع ما عنده ـ أعني به ترتب الأثر المقصود ـ هو المنفيّ في بيع ما ليس عنده.

(١) الذي هو البيع بمعنى الاسم المصدري.

(٢) متعلق ب «ترتّب الأثر».

(٣) الأولى إبداله ب «ترتيب الأثر».

(٤) أي : بيع مال الغير فضولا.

__________________

(*) وقد نوقش في هذا الجواب بما حاصله : أنّ إطلاق النهي عن ترتيب الأثر المقصود يشمل كلتا صورتي إجازة العاقد الفضولي الذي صار مالكا فعليا لما باعه فضولا وعدم إجازته. ولا يكفي في صحة هذا العقد الفضولي العمومات الدالة على صحة العقود ، وذلك لأنّ المفروض خروج المورد من حين وقوعه عن حيّزها ، فلا معنى لشمولها له بعد ذلك. نظير بطلان العقد لفقد بعض الشرائط الأخر ، كعدم القدرة على التسليم ، فإذا باع متاعا لا يقدر على تسليمه فهل يصح ذلك البيع بعد أن صار قادرا على تسليمه؟ أو باع شيئا مجهولا ، وبعد مدّة صار معلوما.

والحاصل : أنّه إذا فرض شرطية مالكية المبيع لصحة البيع فلا محالة يكون فقدانها موجبا لوقوع البيع باطلا ، فلا تشمله عمومات الصحة ، فصحته بعد وجود الشرط تحتاج الى دليل. وأيّ فرق بين شرطية الملكية وبين سائر الشرائط ، كمعلوميّة العوضين والقدرة على التسليم ، وعدم الغرر ، فإنّ فقدانها حين العقد يوجب بطلانه دائما ، ولا يصحّ العقد بعد وجودها.

وبالجملة : فعقد الفضولي الواقع لنفسه لا للمالك لا يصح ، وإن اشتراه الفضولي بعد ذلك وأجاز.


.................................................................................................

__________________

ويظهر من هذا البيان حال الأخبار الخاصّة ، فإنّ مقتضى إطلاقها أيضا بطلان البيع قبل الشراء ولو مع الإجازة. هذا بالنسبة إلى فرض المسألة.

وأمّا بالنسبة إلى مطلق الفضولي فعدم التزامنا ببطلانه إنّما هو لدعوى عدم شمول النهي له ، حيث إنّ ظاهر النهي عن بيع ما ليس عنده أو ليس ملكا له هو النهي عن بيعه لنفسه لا لمالكه ، فيكون مشمولا لعمومات الصحة كما يظهر من المصنف قدس‌سره أيضا. هذا ما أفيد (١).

ويمكن أن يقال : إنّ شرطية مالكية البائع للمبيع تكون في حال إضافة البيع بمعناه الاسم المصدري إليه ولو حصلت هذه الإضافة بعد إيجاب البيع ، ومن المعلوم أنّ عقد الفضول لا يضاف إلى العاقد الفضولي إلّا بعد الإجازة ، فلا يصير بائعا إلّا بعدها ، والمفروض أنّه في حال اتصافه بالبائعية يكون مالكا ، فتشمله عمومات صحة العقود.

وبعبارة أخرى : معنى «لا تبع ما ليس ملكا لك» هو اعتبار ملكية المبيع للبائع حين اتصافه بالبائعية ، ولا يحصل هذا الوصف له إلّا بالإجازة ، والمفروض كونه مالكا حينئذ ، فيتصف العاقد الفضولي بالبائعية بعد أن صار مالكا ، كما إذا باع زيد فضولا مال أبيه من عمرو يوم الجمعة ، ثم اشتراه من أبيه يوم السبت ، ثم أجاز في يوم الأحد بيعه الفضولي الواقع يوم الجمعة. فهذا العاقد الفضولي صار بائعا يوم الأحد ، بعد أن ملك المبيع يوم السبت ، فلا يصدق على هذا الفضول «أنّه باع مال الغير» حتى يندرج في عموم : لا تبع ما ليس عندك.

والحاصل : أنّه تفترق شرطية مالكية البائع للمبيع عن سائر الشرائط في أنّ سائر الشرائط شروط للصيغة ، ففقدانها حين العقد قادح في صحته ، ولا يجدي في صحته حدوثها بعد تحقق الصيغة.

فالنتيجة : أنّ بيع الفضولي الذي ملك المبيع فضولا ثم أجاز صحيح.

وتوهّم «كون العاقد الفضول بائعا حين العقد ، حيث إنّه باع لنفسه لا للمالك ، والمفروض أنّه في ذلك الزمان لم يكن مالكا ، فيشمله عموم : لا تبع ما ليس عندك ، إذ الاتصاف بالبائعية إنّما يكون حين العقد لا حين الإجازة ، فالبيع فاسد لا محالة» فاسد ، لمّا مرّ مرارا من أنّ حقيقة البيع هي مبادلة المالين ، وليس قصد كون البيع لزيد أو لعمرو مقوّما

__________________

(١) حاشية السيد الطباطبائي على المكاسب ، ج ١ ، ص ١٦٦.


ومنه (١) يظهر الجواب عن الأخبار ، فإنّها لا تدلّ ـ خصوصا (٢) بملاحظة قوله عليه‌السلام : «ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها» (٣) ـ إلّا على (٤) أنّ الممنوع منه هو الإلزام والالتزام من المتبايعين بآثار البيع المذكور قبل الاشتراء (٥) ، فكذا بعده (٦) ، من دون حاجة إلى إجازة ، وهي المسألة الآتية ، أعني لزوم البيع بنفس الاشتراء (٧) من دون حاجة إلى الإجازة (٨) ، وسيأتي أنّ الأقوى فيها (٩) البطلان.

______________________________________________________

(١) أي : ومن الجواب عن العمومات يظهر الجواب عن الأخبار الخاصة ، كصحيح منصور بن حازم ورواية يحيى بن الحجاج وغيرهما ، وقد تقدم آنفا بقولنا : «وأما الجواب الثاني فحاصله .. إلخ».

(٢) وجه الخصوصية : أنّ إيجاب البيع يوجب التزام المتبايعين بآثار البيع ، فالمنهى عنه هو البيع الذي يترتّب عليه الأثر من دون حاجة إلى إجازة مالك جديد.

(٣) كما في رواية يحيى بن الحجاج المتقدمة.

(٤) متعلق ب «لا تدل» والمستثنى منه محذوف ، أي : لا تدلّ الأخبار على شي‌ء إلّا على .. إلخ.

(٥) يعني : قبل اشتراء العاقد الفضولي المتاع ـ الذي باعه فضولا ـ من مالكه.

(٦) أي : بعد الاشتراء. والحاصل : أنّ المنهي عنه هو بيع الفضولي ، بمعنى التزام المتبايعين بآثار البيع ـ قبل الشراء من مالكه وبعد الشراء منه ـ من دون حاجة إلى إجازة ، بحيث يكون مجرّد تملّك العاقد الفضولي للمتاع كافيا في لزوم البيع.

(٧) أي : من دون اشتراء الفضولي لذلك المتاع.

(٨) أي : إجازة الفضولي الذي هو المالك الجديد.

(٩) أي : في المسألة الآتية ، وهي : ما لو باع الفضوليّ المتاع ثم اشتراه من مالكه ، فهل العقد الفضوليّ السابق كاف في الصحة؟ أم يحتاج إلى إجازة الفضولي الذي هو

__________________

لمفهوم البيع ، فقصد كون البيع لفلان لغو ، فإضافة البيع إلى شخص معيّن منوط بصيرورته مالكا ، كما أنّ العقد لا يكون عقدا للعاقد الفضول إلّا بعد الإجازة.

ومنه يظهر وجه الحاجة إلى إجازة العاقد الفضول إذا صار مالكا للمبيع الفضولي ، وعدم كفاية مجرّد صيرورته مالكا في صحة عقده الفضولي.


وما قيل (١) : «من أنّ تسليم البائع للمبيع بعد اشترائه إلى المشتري الأوّل (٢) مفروض في مورد الروايات (٣) ، وهي إجازة فعليّة» مدفوع (٤) بأنّ التسليم إذا وقع

______________________________________________________

المالك الجديد ، فلو لم يجز ذلك العقد الفضولي الأوّل لبطل ، لدخوله في مسألة «بيع مال الغير» الذي منع عنه بقوله عليه‌السلام : «لا تبع ما ليس عندك» و «لا بيع إلّا في ملك».

(١) القائل صاحب المقابس قدس‌سره أفاده في ردّ مناقشة الشهيد قدس‌سره في دلالة الأخبار المتقدمة على فساد بيع «من باع ثم ملك» قال المحقق الشوشتري : «وما يظهر من الشهيد من حمل نحو هذه الأخبار على ما إذا أراد اللزوم بمجرّد الانتقال ـ لا بالإجازة بعده ـ فبعده ظاهر ، فإنّه لو كانت الإجازة كافية لما نهي عن البيع قبل ذلك ، ولم يؤمر بفعله بعده. مع أنّ التسليم كان يحصل بعده ، وهو في حكم الإجازة ، لأنّها تحصل بالفعل كما تحصل بالقول» (١).

وتقريب ما نقله المصنف قدس‌سره عنه هو : أنّ الروايات الخاصة مع تضمنها للإجازة الفعلية ـ وهي تسليم البائع الفضولي المبيع إلى المشتري ـ منعت عن بيع الفضول مال الغير قبل تملكه له ، فيستفاد من الأخبار الخاصّة النهي عن بيع مال الغير وإن ملكه البائع بعد ذلك ، وأجاز البيع الفضولي.

(٢) وهو الذي اشترى المتاع من البائع الفضولي يوم الجمعة.

(٣) كما في مورد رواية عبد الله بن سنان ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتيني يريد منّي طعاما أو بيعا نسيئا ، وليس عندي ، أيصلح أن أبيعه إيّاه وأقطع له سعره ، ثم أشتريه من مكان آخر ، فأدفعه إليه؟ قال : لا بأس به» (٢). وكذا غيرها.

(٤) خبر «وما قيل» ودفع له ، توضيحه : أنّ الفعل وإن كان أحيانا إجازة كالقول ، لكن اتصافه بالإجازة منوط بكونه عن سلطنة واستقلال ، لأنّها من شؤون سلطنة الناس على أموالهم ، فلا بدّ أن تكون الإجازة مطلقا ـ فعلا أو قولا ـ صادرة عن إرادة واختيار ، لا عن الإكراه والإجبار.

وعليه فالتسليم إلى المشتري الأوّل إذا نشأ عن اعتقاد لزوم البيع السابق الواقع

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٧.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٦ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود الحديث : ٢.


باعتقاد لزوم البيع السابق ، وكونه من مقتضيات لزوم العقد ، وأنّه (١) ممّا لا اختيار للبائع فيه ، بل يجبر عليه إذا امتنع ، فهذا (٢) لا يعدّ إجازة ، ولا يترتّب عليه أحكام الإجازة في باب الفضولي ، لأنّ (٣) المعتبر في باب الإجازة قولا وفعلا ما (٤) يكون عن سلطنة واستقلال ، لأنّ (٥) ما يدلّ على اعتبار طيب النفس في صيرورة مال الغير حلالا لغيره يدلّ (٦) على عدم كفاية ذلك (٧).

نعم (٨) يمكن أن يقال : إنّ مقتضى تعليل نفي البأس في رواية خالد

______________________________________________________

يوم الجمعة في المثال المفروض ـ وصيرورته مجبورا على التسليم إذا امتنع ـ لم يكن هذا التسليم أجازه في باب الفضولي ، إذا مع اعتقاد لزوم البيع ـ وكون لزوم التسليم من مقتضياته ـ لا يبقى له سلطنة واستقلال.

(١) هذا و «كونه» معطوفان على «لزوم» ومفسّران له.

(٢) جواب قوله : «إذا وقع» وجملة الشرط والجواب خبر قوله : «ان التسليم».

(٣) تعليل لقوله : «لا يعدّ اجازة» وقد مرّ توضيحه آنفا.

(٤) خبر «أن المعتبر» ، و «قولا أو فعلا» تمييزان للإجازة.

(٥) تعليل لقوله : «لأنّ المعتبر» ومحصّله : أنّ وجه اعتبار السلطنة والاستقلال في الإجازة هو دلالة دليل الإجازة على ذلك ، حيث إنّ ما يدلّ على اعتبار طيب النفس في حلية مال شخص لغيره كالصريح في ذلك ، فإن طيب النفس لا يحصل إلّا في ظرف عدم ملزم لمالك المال بالإجازة ، إذ مع وجوده لا يحصل طيب النفس ، بل قد تحصل الكراهة التي هي ضدّه.

(٦) خبر لقوله : «لأن ما يدل».

(٧) وهو تسليم البائع الفضولي المبيع ـ بعد اشترائه من مالكه الأصلي ـ إلى المشتري باعتقاد لزوم البيع السابق ، وكون التسليم واجبا عليه ، لأنّه من مقتضياته.

(٨) استدراك على ما أفاده في الجواب عن استدلال صاحب المقابس بالأخبار ، وحاصل الاستدراك : أنّ الامام عليه الصلاة والسلام علّل نفي البأس في رواية خالد بن الحجاج بقوله : «أليس إن شاء أخذ ، وأشاء ترك» وهذا التعليل ظاهر في ثبوت البأس والمنع في البيع المتحقق بين السمسار والمشتري منه ، بحيث لو كان المشتري ملزما بأخذ


المتقدّمة (١) «بأنّ (٢) المشتري إن شاء أخذ وإن شاء ترك» ثبوت (٣) البأس في البيع السابق بمجرّد لزومه على الأصيل. وهذا (٤) محقّق فيما نحن فيه (٥) ، بناء (٦) على ما تقدّم (٧) من أنّه ليس للأصيل في عقد الفضوليّ فسخ المعاملة (*) قبل إجازة المالك أو ردّه.

______________________________________________________

الثوب ـ ولم يكن له الخيار بين الأخذ والترك ـ لكان فاسدا.

وهذا المطلب محقّق في مسألة «من باع ثم ملك» فيكون باطلا ، وذلك لما تقرّر في ثمرات الكشف والنقل من أنّ الأصيل لا يجوز له رفع اليد عمّا أنشأه مع الفضول ، بل عليه التربص إلى أن يجيز المالك أو يرد. وحيث إنّ المشتري من الفضولي في مسألة «من باع» ملزم شرعا بالبقاء على مضمون العقد ومقتضاه ، كان مفهوم قوله عليه‌السلام : «إن شاء أخذ وإن شاء ترك» دالّا على وجود البأس فيه ، فيبطل بيعه.

والحاصل : أنّ إلزام الأصيل بالوفاء ـ في الفترة بين العقد والإجازة ـ يوجب بطلان البيع ، لانتفاء مشيئة الأخذ والترك ، هذا.

(١) وهي رواية خالد بن الحجاج المتقدمة في (ص ٣٠٥).

(٢) متعلّق ب «تعليل».

(٣) خبر «إن مقتضي» أي : ثبوت البأس في البيع السابق الفضولي بمجرّد لزومه على المشتري الأصيل.

(٤) أي : وثبوت البأس محقّق في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه».

(٥) وهو بيع الفضول مال الغير وتملّكه له ، وإجازته لما باعه فضولا.

(٦) علّة لثبوت البأس فيما نحن فيه.

(٧) تقدّم ذلك في (ص ١١٩) بقوله : «والحاصل أنّه إذا تحقق العقد فمقتضى العموم .. إلخ».

__________________

(*) لكن ينافيه قوله : «أليس إن شاء أخذ ، وإن شاء ترك» حيث إنّه نصّ على عدم اللزوم من طرف الأصيل ، وعدم نفوذ المعاملة إذا لم يتمكن المشتري من ردها وقبولها.


لكنّ (١) الظاهر ـ بقرينة النهي (٢) عن مواجبة البيع في الخبر المتقدّم ـ إرادة اللزوم من الطرفين.

والحاصل (٣) : أنّ دلالة الروايات عموما وخصوصا على النهي عن البيع قبل الملك ممّا (٤) لا مساغ لإنكاره ، ودلالة (٥) النهي على الفساد أيضا ممّا لم يقع فيها المناقشة في هذه المسألة (٦). إلّا (٧) أنّا نقول : إنّ المراد بفساد البيع هو عدم ترتّب

______________________________________________________

(١) استدراك على قوله : «نعم» وردّ له ، وحاصله : أنّ جملة «إن شاء ترك وإن شاء أخذ» وإن كانت ظاهرة في إناطة صحة البيع بعدم لزوم البيع على الأصيل ، بحيث لو كان لازما عليه كان فيه البأس ، فيشكل الأمر حينئذ في مسألة «من باع ثم ملك». إلّا أنّ السؤال عن شراء الثوب ورد في رواية يحيى بن الحجاج أيضا ، وقد نهى عليه‌السلام فيها عن المواجبة ، لقوله : «ولا تواجبه البيع».

ومن المعلوم ظهور باب المفاعلة في أنّ المنهي عنه هو إنشاء البيع اللازم من الطرفين ، لا من طرف واحد ، وهو المشتري الأصيل الذي اشترى المتاع من البائع الفضولي كما في المقام ، لكون اللزوم من طرف الأصيل فقط. وأمّا من طرف الفضولي فلا لزوم فيه ، فليس مشمولا للرواية حتى تدلّ على فساد البيع.

(٢) قرينيته إنّما هي لكون المواجبة ـ الواقعة في رواية يحيى المتقدمة ـ من باب المفاعلة الدالّة على اعتبار الالتزام من الطرفين.

(٣) يعني : وحاصل الكلام في مسألة «من باع مال الغير فضولا ثم ملكه وأجاز» هو : أنّ دلالة الروايات العامة ـ كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تبع ما ليس عندك» والروايات الخاصة ، وهي رواية يحيى بن الحجاج وغيرها المذكورة في (ص ٣٠٨ ـ ٣٠٤) على النهي عن بيع شي‌ء قبل تملكه ممّا لا ينبغي إنكاره ، كما أنه لا مجال لإنكار دلالة النهي على الفساد أيضا. وعليه فيكون بيع الفضولي في المقام فاسدا غير قابل للتصحيح.

(٤) خبر «أن دلالة» ، وقوله : «على النهي» متعلق ب «دلالة».

(٥) معطوف على «دلالة» والمراد بالنهي هو النهي الوارد في الأخبار العامة والخاصة.

(٦) وهي مسألة بيع الفضول الذي ملك ما باعه فضولا بالشراء أو غيره ، وأجاز.

(٧) غرضه أنّ تعلق النهي بيع الفضول مال الغير ، ودلالة النهي على الفساد وإن كان كلاهما ممّا لا يقبل الإنكار ، إلّا أنّ معنى الفساد ليس هو كون البيع كالعدم بحيث


ما يقصد منه عرفا من الآثار ، في مقابل الصحّة التي هي إمضاء الشارع لما يقصد عرفا من إنشاء البيع. مثلا (١) لو فرض حكم الشارع بصحّة بيع الشي‌ء قبل تملّكه على الوجه (٢) الذي يقصده أهل المعاملة ـ كأن (٣) يترتّب عليه (٤) بعد البيع النقل (٥) والانتقال ، وجواز تصرّف البائع في الثمن ، وجواز مطالبة المشتري البائع بتحصيل

______________________________________________________

لا يترتب عليه أثر أصلا وإن لحقته الإجازة من مالكه ، بل معناه عدم ترتب الأثر المقصود كالنقل والانتقال في البيع ، في مقابل الصحة التي هي إمضاء الشارع لما يقصد عرفا من الآثار.

فالصحة والفساد يعرضان البيع الموجود ، نظير صحة الثمر وفساده ، فإنّ الثمر مثلا يتصف بالصحة والفساد. بخلاف الصلاة بناء على وضعها للصحيح ، فإنّ فسادها عبارة عن عدمها. لكنّ اتّصاف المعاملة بالصحة والفساد لا بدّ أن يكون باعتبار السبب دون المسبب ، لدورانه بين الوجود والعدم ، فإنّ الملكية مثلا إمّا موجودة وإمّا معدومة.

إلّا أن يقال بتصور الصحة والفساد في المعنى الاسمي المسببي أيضا باختلاف الأنظار كما تقدم في أوّل البيع ، فراجع (١).

(١) غرضه من هذا التمثيل بيان معنى الفساد الذي يقتضيه النهي في مثل «لا تبع ما ليس عندك» وتقريبه : أنّ الفساد مقابل الصحة ، والمراد بصحة بيع الفضولي ما لا يملكه هو ترتيب أحكام البيع عليه من النقل والانتقال في الملكية ، وتسليم المثمن إلى المشتري بعد تحصيله ، وهكذا. والمراد بالفساد عدم ترتب الأثر عليه فعلا ، لعدم كون البائع مالكا بالفعل. وهذا لا ينافي صحته التأهلية وقابلية العقد للصحة الفعلية بلحوق الإجازة. وليس المراد بالفساد ما استفاده صاحب المقابس قدس‌سره من عدم قابليته للتأثير بوجه أصلا حتى لو لحقته الإجازة.

(٢) متعلق ب «بصحة» والمراد بالصحة على الوجه المقصود للمتبايعين هو الإمضاء.

(٣) الظاهر أنّه بيان لإمضاء الشارع مقصود المتعاملين.

ويحتمل أن يكون «كان» بصيغة الماضي ليكون جوابا للشّرط في قوله : «لو فرض».

(٤) أي : على البيع ، وقوله : «النقل» فاعل «يترتب».

(٥) هذا وما بعده هو الوجه الذي يقصده أهل المعاملة من البيع.

__________________

(١) لاحظ هدى الطالب ، ج ١ ، ص ٣٠٩ ـ ٣١٠.


المبيع من (١) مالكه وتسليمه (٢) ، وعدم (٣) جواز امتناع البائع بعد تحصيله عن تسليمه (٤) ـ ففساد (٥) البيع بمعنى عدم ترتّب جميع ذلك (٦) عليه ، وهو (٧) لا ينافي قابليّة العقد للحوق الإجازة من مالكه حين العقد أو ممّن يملكه بعد العقد. ولا يجب (٨) على القول بدلالة النهي على الفساد وقوع المنهي عنه لغوا غير مؤثّر أصلا (٩) ،

______________________________________________________

(١) متعلق ب «بتحصيل» وهو متعلق ب «مطالبة». وضميرا «مالكه ، تسليمه» راجعان إلى «المبيع».

(٢) معطوف على «تحصيل».

(٣) معطوف على «جواز» وضميرا «تحصيله ، تسليمه» راجعان الى «المبيع».

(٤) هذا و «بعد تحصيله» متعلقان ب «امتناع».

(٥) هذا إمّا جواب «لو فرض» واقترانه بالفاء لكون الجواب جملة اسميّة ، وإمّا متفرع على ما أفاده من الصحة التي هي حكم وضعي ، ومعناها ترتب الآثار الشرعية ـ من النقل والانتقال ، وجواز تصرف البائع في الثمن ، والمشتري في المبيع ـ على العقد. فمعنى الفساد الذي هو مقابل الصحة عبارة عن عدم ترتب تلك الآثار على البيع.

(٦) أي : عدم ترتب جميع تلك الآثار ـ من النقل والانتقال وجواز تصرف البائع في الثمن ، وغير ذلك ـ على البيع.

(٧) أي : والفساد بهذا المعنى ـ وهو عدم ترتب الآثار من النقل والانتقال وغير ذلك على البيع ـ لا ينافي قابلية العقد للحوق الإجازة من مالكه حين العقد أو ممّن يملكه بعد العقد كالفضولي الذي يبيع مال الغير ثم يتملكه بالشراء أو غيره ، ويجيز ذلك البيع الفضولي.

(٨) لعلّ الأولى تبديل الواو بالفاء ، كما في قوله : «ففساد» ، حيث إنّ «ولا يجب» بعد بيان المراد بالفساد كالنتيجة ، وحاصله : أنّ الفساد بالمعنى المزبور لا يستلزم أن يراد بالفساد المدلول عليه بالنهي لغوية البيع المنهي عنه في مثل «لا تبع ما ليس عندك» ووقوعه غير مؤثر أصلا حتى مع لحوق إجازة من له الإجازة به.

(٩) يعني : حتى مع إجازة من له ولاية الإجازة كمالكه حين العقد ، أو مالكه بعد العقد.


كما يستفاد (١) من وجه دلالة النهي على الفساد ، فإنّ حاصله دعوى دلالة النهي على إرشاد المخاطب ، وبيان أنّ مقصوده من الفعل المنهيّ عنه ـ وهو (٢) الملك والسلطنة من الطرفين ـ لا يترتّب عليه ، فهو غير مؤثّر في مقصود المتبايعين ، لا (٣) أنّه لغو من جميع الجهات ، فافهم (٤).

اللهم (٥) إلّا أن يقال : إنّ عدم ترتّب جميع مقاصد المتعاقدين على عقد بمجرّد إنشائه مع وقوع مدلول ذلك العقد في نظر الشارع مقيّدا بانضمام بعض الأمور

______________________________________________________

(١) يعني : كما يستفاد عدم المنافاة بين فساد البيع بالمعنى المذكور وبين قابلية العقد للحوق الإجازة من وجه دلالة النهي على الفساد ، وذلك الوجه هو ما أفاده بقوله : «فإنّ حاصله» من دعوى دلالة النهي في مثل «لا تبع ما ليس عندك» على إرشاد المخاطب إلى أنّ مقصوده من البيع المنهي عنه ـ وهو النقل والانتقال ـ لا يترتب عليه ، ولا يؤثر هذا البيع في مقصود المتبايعين. لا أنّ هذا البيع المنهي عنه لغو من جميع الجهات حتى لا يكون قابلا لإجازة من له ولاية الإجازة.

(٢) أي : مقصود المخاطب ، وضمير «حاصله» راجع إلى «وجه».

(٣) معطوف على «أن مقصوده». والضمائر في «أنه ، عليه ، فهو» راجعة إلى الفعل المنهي عنه.

(٤) لعلّه إشارة إلى عدم الفرق في دلالة النهي بين ما نحن فيه وسائر المقامات ، ومن المعلوم أنّه في سائر الموارد ـ كبيع المجهول والبيع الربويّ ـ يدلّ على الفساد المطلق ، وعدم الصحة الفعلية والتأهلية ، فلا بدّ أن يكون كذلك فيما نحن فيه أيضا.

(٥) هذا عدول عمّا أفاده ـ من عدم دلالة النهي في الأخبار العامة والخاصة على فساد بيع الفضوليّ مال غيره لنفسه ، وتملكه بعد البيع لذلك المال ، وإجازته للبيع ـ إلى دلالة النهي في تلك الأخبار على الفساد ، كدلالته على الفساد في سائر الموارد.

تقريب وجه العدول : أنّ النهي المطلق الظاهر في البطلان المطلق لا يلائم صحة الفعل المنهي عنه مقيّدا بشرط كالإجازة فيما نحن فيه ، بل المناسب أن يكون النهي مقيّدا ، بأن يقال : «لا تبع مال الغير إلّا مع إجازته» أو «لا تبع مال الغير إذا لم يجز مالكه». فإطلاق النهي وعدم تقييده يدلّ على بطلان هذا البيع مطلقا بحيث لا يقبل الإجازة ،


اللاحقة ـ كالقبض في الهبة ونحوها (١) ، والإجازة في الفضوليّ ـ لا يقتضي (٢) النهي عنها بقول مطلق ، إذ (٣) معنى صحّة المعاملة شرعا أن يترتّب عليها شرعا المدلول المقصود من إنشائه ولو مع شرط لاحق. وعدم (٤) بناء المتعاملين على مراعاة ذلك

______________________________________________________

للزوم الإخلال بالغرض من إطلاق النهي مع إرادة النهي المقيّد منه ، كبيع الفضولي بلا إجازة ، والهبة بلا قبض ، وبيع الصرف بلا قبض ، إلى غير ذلك من النواهي المقيّدة.

وبالجملة : فالنهي في «لا تبع ما ليس عندك» يدلّ على الفساد مطلقا ولو مع الإجازة.

ثم إن ما أفاده المصنف بقوله : «اللهم إلّا أن يقال» يستفاد من صاحب المقابس في رد كلام الشهيد قدس‌سره بقوله : «فإنه لو كانت الإجازة كافية لما نهي عن البيع قبل ذلك ، ولم يؤمر بفعله بعده ، مع أن التسليم كان يحصل بعده ، وهو في حكم الإجازة منه» (١).

(١) كبيعي الصّرف والسّلم.

(٢) خبر «أن» في قوله «أن عدم ترتب» وضمير «عنها» راجع إلى المعاملة ، المستفادة من العبارة.

والحاصل : أنّ العقد إذا كان صحيحا على تقدير لم يصحّ النهي عنه بقول مطلق ، إذ إطلاق النهي ظاهر في بطلان العقد بقول مطلق.

(٣) تعليل لعدم صحة النهي بقول مطلق ، مع فرض صحة العقد على تقدير كصحة عقد الفضولي على تقدير الإجازة ، بل لا بدّ من تقييد النهي بتجرّده عن لحوق شرط صحته ، كإجازة المالك ، فإنّه مع فرض الصحة على تقدير وجود الشرط الفلاني كيف يصحّ النهي بقول مطلق؟ إذ إطلاق النهي يدلّ على بطلان العقد مطلقا. وعليه فيكون عقد الفضول باطلا حتّى مع الإجازة.

(٤) إشارة إلى وهم ودفع. أمّا الوهم فهو : أنّه يمكن أن يكون سبب النهي المطلق بناء المتعاقدين على عدم مراعاة الشرط وهو الإجازة في عقد الفضولي التي تصدر من المالك.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب المبيع ، ص ٣٧.


الشرط لا يوجب (١) النهي عنه إلّا مقيّدا بتجرّده عن لحوق ذلك الشرط ، فقصدهم ترتّب الملك المنجّز على البيع قبل التملّك ـ بحيث يسلّمون الثمن ويطالبون المبيع ـ لا يوجب (٢) الحكم عليه بالفساد (٣).

فالإنصاف (٤) (*) أنّ ظاهر النهي في تلك الروايات هو عدم وقوع البيع قبل

______________________________________________________

(١) هذا خبر «عدم» ودفع التوهم ، ومحصّله : أنّ هذا البناء لا يسوّغ النهي المطلق ، بل اللازم النهي مقيّدا بعدم صدور الإجازة من المالك ، إذ مع صدورها تصح المعاملة ، فالنهي المطلق دليل على فساد المعاملة مطلقا وإن لحقته الإجازة.

(٢) خبر قوله : «فقصدهم» ، و «على البيع» متعلّق ب «ترتّب».

(٣) يعني : الفساد مطلقا حتى مع الإجازة ، فلا وجه للنهي عن هذه المعاملة بنحو الإطلاق.

(٤) الفاء للتفريع. غرضه أنّ نتيجة ما ذكرناه من أنّ «لا تبع» في الروايات العامة وما بمضمونه من الروايات الخاصة ـ الدالّة على نهي المخاطب عن بيع ما ليس عنده مع البناء على دلالة النهي على الفساد ـ هي فساد البيع ، وعدم وقوعه للمخاطب وهو البائع الفضولي الذي باع مال غيره لنفسه مطلقا ولو مع الإجازة.

ولا دلالة لهذا النهي على عدم وقوعه لغير المخاطب وهو المالك إذا أجاز ، لأنّ النهي متوجه إلى المخاطب الذي هو البائع الفضولي ، فلا نهي بالنسبة إلى غير المخاطب ، بل يراعى فيه حكم الفضولي ، فإذا أجاز صحّ ، وإلّا فلا. ولو انتقل المال إلى نفس المخاطب الفضولي انتقلت سلطنة الإجازة إليه ، فإن أجاز صحّ ، وإلّا بطل رأسا.

__________________

(*) يمكن أن يقال : إنّ شروط العقد على قسمين.

أحدهما : الأمور المقوّمة للعقد العرفي كالقصد والموالاة ، وفقدانها يوجب انعدام العقد العرفي ، ويصير وجوده كالعدم. وهذا هو الفساد المطلق ، أي : لا يترتب عليه شي‌ء من الصحة التأهلية والفعلية.

ثانيهما : الأمور التي جعلها الشارع قيودا للعقد العرفي كبلوغ المتعاقدين ، وهذه الشروط قد تكون من قبيل الحقّ الآدمي ، وتكون شرطيتها رعاية لحقه ، وتصير فعلية آثار


التملّك للبائع (١) ، وعدم ترتّب أثر الإنشاء المقصود منه عليه (٢) مطلقا (٣) حتّى مع الإجازة. وأمّا صحّته (٤) بالنسبة إلى المالك إذا أجاز ، فلأنّ النهي راجع إلى وقوع

______________________________________________________

وبالجملة : فما ذكره في «الإنصاف» موافق لما في المقابس من بطلان بيع الفضولي لنفسه.

(١) أي : البائع الذي هو المخاطب بالنهي عن بيع ما ليس عنده المذكور صريحا وتلويحا في الروايات.

(٢) متعلق ب «ترتب أثر» ، وضميره وضمير «منه» راجعان إلى الإنشاء.

(٣) يعني : أنّ العقد باطل في حق المخاطب ولو أجازه بعد أن ملكه ، فهذا العقد فاقد لكل من الصحة التأهلية والفعلية. وهذا مطابق لما أفاده المحقق صاحب المقابس قدس‌سره من دلالة الأخبار المتقدمة على بطلان بيع الفضولي لنفسه.

(٤) بعد أن نفى المصنف قدس‌سره صحة العقد بالنسبة إلى الفضولي الذي باع مال الغير

__________________

العقد منوطة بإسقاط الحق ، كالملكيّة ، فإنّها من الشرائط التي تقتضيها سلطنة المالكين على أموالهم ، ولذا عبّر عن مخالفتها في نصوص نكاح العبد بدون إذن سيده «بأنّه لم يعص الله ، وإنّما عصى سيده» ومعصية السيد ليست إلّا من جهة مخالفته لقاعدة سلطنة المالك على ماله.

فمتى كان الشرط من قبيل الملكية كان العقد صحيحا تأهّلا ، وتوقفت صحته الفعلية على إمضاء المالك. فالنهي عن بيع مال الغير يوجب وقوف العقد عن التأثير الفعلي ، لا عن التأثير الإعدادي ، فإذا لحقه رضا المالك وإمضاؤه لترتّب عليه الآثار الفعلية من لزوم التسليم والقبض وغيرهما.

ومن هنا يظهر وجه حمل المصنف قدس‌سره الفساد على عدم ترتب الآثار الفعلية على البيع المنهي عنه في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تبع ما ليس عندك».

وقد لا تكون من قبيل الحق الآدمي كالعربية والماضوية بناء على اعتبارهما ، ومقتضى إطلاق شرطيتهما هو بطلان العقد بقول مطلق بحيث لا يترتب عليه أيّ أثر وجوديّ ، فيقع العقد باطلا ، ولا يمكن تصحيحه بشي‌ء من الوجوه.

وإذا شك في كون الشرط من أيّ قسم من أقسام الشروط ، ولم يكن إطلاق لفظي يؤخذ به ، ووصلت النوبة إلى الأصل العملي ، فالمرجع أصالة الفساد.


البيع المذكور للبائع ، فلا تعرّض فيه لحال المالك إذا أجاز ، فيرجع فيه إلى مسألة الفضوليّ.

نعم (١) قد يخدش فيها (٢) : أنّ ظاهر كثير من الأخبار المتقدّمة ورودها في بيع الكلّي ، وأنّه لا يجوز بيع الكلّي في الذمّة ، ثمّ اشتراء بعض أفراده ، وتسليمه إلى المشتري ، والمذهب جواز ذلك (٣)

______________________________________________________

لنفسه تعرّض لحكم هذا العقد بالنسبة إلى المالك ، وقال : إنّ هذا البيع بالنسبة إلى المالك من صغريات البيع الفضولي ، فإن قلنا بصحته مطلقا قلنا بها هنا أيضا.

(١) استدراك على قوله : «فالإنصاف أنّ ظاهر النهي» والغرض منه الخدشة فيما أفاده من ظهور النهي في تلك الروايات ـ عدا روايتي يحيى بن الحجاج وخالد بن الحجاج اللتين موردهما البيع الشخصي ـ في عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع.

ومحصل الخدشة : أنّ ظاهر كثير من الأخبار المتقدمة هو بيع الكلي ، وأنّه لا يجوز بيع الكلي في الذمة ، ثم اشتراء بعض أفراده وتسليمه إلى المشتري. وهذا خلاف المذهب ، لجواز بيع الكلّي في الذمة عند الإمامية.

وعليه فلا يصح الاستدلال بتلك الأخبار على المدّعى ، وهو فساد بيع الفضولي مال الغير لنفسه ، لسقوطها عن الحجية والاعتبار ، فلا محيص عن حمل النهي الوارد فيها إمّا على الكراهة ، أو على التقية ، لموافقته لمذهب جماعة من علماء العامة.

وهذه الخدشة ذكرها صاحب المقابس قدس‌سره ثم أجاب عنها بأن حمل الروايات الناهية عن بيع الكلّي على التقيّة لا يقتضي حمل النهي الوارد عن بيع الثوب الشخصي في رواية يحيى عليها ، مع فرض خلوّها عن المعارض ، قال قدس‌سره : «والتحقيق أنّ حمل ما ورد في غير المعيّن على ما ذكر ـ مع عدم ظهورها في المنع ووجود المعارض ـ لا يقتضي حمل ما ورد في المعيّن ، مع دلالتها على المنع وخلوّها عن المعارض ، وصحة أكثرها ..» (١)

(٢) أي : في دلالة الروايات المتقدمة على المنع عن بيع من باع ثم ملك.

(٣) أي : جواز بيع الكلي في الذمة.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٧.


وإن نسب الخلاف فيه (١) إلى بعض العبائر (٢). فيقوى في النفس أنّها (٣) وما ورد (٤) في سياقها في بيع الشخصي أيضا ، كروايتي يحيى وخالد المتقدّمتين ، أريد (٥) بها الكراهة ، أو وردت (٦) في مقام التقيّة ، لأنّ (٧) المنع عن بيع الكلّيّ حالّا ـ مع عدم وجوده عند البائع حال البيع ـ مذهب (٨) جماعة من العامّة ، كما صرّح به (٩) في بعض الأخبار (١٠) ، مستندين (١١) في ذلك إلى النهي النبويّ عن بيع ما ليس عندك.

______________________________________________________

(١) أي : في جواز بيع الكلي الذمي.

(٢) حكى العلّامة الخلاف عن العمّاني وابن إدريس قدس‌سرهم ، وحكاه صاحب المقابس عن العلّامة.

(٣) أي : أنّ الأخبار المتقدمة الظاهرة في عدم جواز بيع الكلي في الذمة ـ الذي هو مخالف لمذهب الإماميّة ، وكذا غير تلك الأخبار من الروايات الواردة في سياقها المانعة عن بيع الكلي في الذمة ، كروايتي يحيى وخالد ابني الحجاج المتقدمتين في (ص ٣٠٥ ـ ٣٠٤) ـ أريد بها الكراهة. أو وردت في مقام التقية ، حيث إنّ المنع عن بيع الكلي حالّا مع عدم وجود شي‌ء من مصاديقه عند البائع حال البيع مذهب جماعة من علماء العامة ، كما صرّح به في صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج (١). فإنّ قول عبد الرحمن للإمام عليه‌السلام في الصحيحة الأولى : «قلت : إنهم يفسدونه عندنا» وقوله في الصحيحة الثانية : «قلت : فإنّ من عندنا يفسده» (٢) دليل على أن علماء السنة لا يجوّزون بيع الكلّي في الذمّة.

(٤) معطوف على ضمير «أنّها» ، وضمير «سياقها» راجع إلى «الأخبار المتقدمة».

(٥) خبر قوله : «أنها وما ورد» والجملة فاعل «يقوى».

(٦) معطوف على «أريد».

(٧) تعليل لقوله : «أو وردت».

(٨) خبر قوله : «لأن المنع».

(٩) أي : بالمنع عن بيع الكلي الذي هو مذهب جماعة من العامة.

(١٠) كصحيحتي عبد الرحمن المشار إليهما آنفا.

(١١) أي : حال كون هؤلاء العامة مستندين في إفتائهم ـ بالمنع عن بيع الكلّي حالّا ـ

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ١٣٠ ـ ١٣٢ ، ولا حظ السرائر ، ج ٢ ، ص ٢٩٠.

(٢) وسائل الشيعة ج ١٢ ص ٣٧٤ و ٣٧٥ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١ و ٣.


لكنّ (١) الاعتماد على هذا التوهين (٢) في رفع اليد عن الروايتين (٣) المتقدّمتين الواردتين في بيع الشخصي ، وعموم (٤) مفهوم التعليل في الأخبار الواردة في بيع الكلّي ، خلاف (٥) الإنصاف ،

______________________________________________________

إلى النبوي الناهي عن بيع ما ليس عندك.

(١) استدراك على ما أفاده من الخدشة المذكورة في الأخبار المتقدّمة ، وعدول عنه ، ومحصل تقريب العدول : أنّ الروايات المتقدمة وإن كانت موهونة ، لمخالفتها لمذهب الإمامية القائلين بجواز بيع الكلي في الذمة. ولكن هذه الخدشة لا توجب رفع اليد عن الروايتين الواردتين في منع بيع الشخصي المشار إليهما في (ص ٣٠٤ و ٣٠٥).

وكذلك لا توجب رفع اليد عن عموم مفهوم التعليل في قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم : «إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» حيث إنّه يدلّ مفهوما على عدم جواز الشراء منه قبل تملّكه للمبيع ، لأنّ عمومه يشمل بيع الفضولي مال الغير لنفسه وإن ملكه بعد ذلك بشراء أو غيره وأجاز.

وكذا عموم مفهوم قوله عليه‌السلام في صحيحة منصور بن حازم : «إنّما البيع بعد ما يشتريه» حيث إنّه يدلّ مفهوما على عدم جواز البيع قبل شراء المبيع. وعمومه يشمل بيع الفضولي مال الغير لنفسه وإن ملكه بعد البيع وأجاز.

وبالجملة : فالمعتمد هو عموم مفهوم التعليل في الصحيحتين المشار إليهما ، وعدم الاعتناء بالخدشة المذكورة ، والالتزام بما أفاده في «الانصاف» من ظهور الروايات في عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع.

(٢) وهي الخدشة المذكورة بقوله : «نعم قد يخدش فيها».

(٣) وهما روايتا يحيى وخالد المتقدمتان في (ص ٣٠٤ و ٣٠٥).

(٤) معطوف على «الروايتين».

(٥) خبر «لكن» فمحصل ما أفاده المصنف قدس‌سره : أنّ الاعتماد على هذا التوهين ـ أعني به الخدشة المذكورة ـ في رفع اليد عن ظهور روايتي يحيى وخالد في الفساد في بيع المتاع


إذ (١) غاية الأمر حمل الحكم (٢) في مورد تلك الأخبار ـ وهو بيع الكلّي قبل التملّك ـ على التقيّة ، وهو (٣) لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأسا ، فتدبّر (٤).

______________________________________________________

الشخصي قبل تملك البائع له ، ورفع اليد عن عموم مفهوم التعليل الشامل لبيع الكلّي والشخصي خلاف الإنصاف ، إذ لا وجه لرفع اليد عن الظواهر بلا قرينة ، فلا بد من الأخذ بظاهر النهي والحكم بفساد بيع الشخصي قبل تملك البائع ، غاية الأمر أنّه يحمل عدم جواز بيع الكلي في مورد تلك الأخبار على التقية.

(١) تعليل لكون الاعتماد على الخدشة المذكورة ـ ورفع اليد بسببها عن الروايتين وعن عموم مفهوم التعليل ـ خلاف الانصاف. وقد مرّ توضيحه آنفا بقولنا : «إذ لا وجه لرفع اليد عن الظواهر بلا قرينة .. إلخ».

(٢) وهو عدم جواز البيع ، وقوله : «على التقية» متعلّق ب «حمل».

(٣) يعني : والحمل على التقية لا يوجب طرح مفهوم التعليل العام الشامل لبيع الكلي والشخصي رأسا ، إذ غايته خروج بيع الكلّي عن حيّزه. وأمّا بيع الشخصي فلا وجه لخروجه عن عموم مفهوم التعليل ، بل هو باق تحت العموم ، ومقتضاه عدم جواز بيع الشخصي قبل التملك.

فالمتحصل : أنّ الحمل على التقيّة لا يسوّغ طرح مفهوم التعليل في صحيحتي محمد بن مسلم ومنصور بن حازم ، وطرح روايتي يحيى بن الحجاج وخالد بن الحجاج.

(٤) لعلّه إشارة إلى : أنّ الحمل على التقية إنّما هو في فرض التعارض ، وعدم الجمع العرفي ، والمفروض وجوده ، وهو حمل الأخبار المانعة عن بيع الكلّي عن الكراهة ، الذي هو جمع عرفي حكمي بينها وبين ما دلّ على جوازه ، من الإجماع وغيره.

أو إشارة إلى : أنّه من البعيد إمكان التبعيض في التعليل ، بحمل بعضه ـ وهو الكلّي ـ على التقية أو الكراهة ، وبإبقاء بعض موارده وهو الشخصي على حاله من عدم الجواز ، إذ يلزم إلغاؤه في مورده وهو الكلّي ، وإبقاؤه في غيره وهو بيع الشخصي. فيقوى حمل النهي على الكراهة مطلقا حتى لا يقع في كلفة ما لعلّه لا يتمكّن من تحصيله مقدمة للوفاء في الكلي ، وتتميما للبيع في الشخصي.


فالأقوى (١) العمل بالروايات ، والفتوى بالمنع عن البيع المذكور (٢).

وممّا يؤيّد المنع (٣) ـ مضافا إلى ما سيأتي عن التذكرة والمختلف من دعوى الاتّفاق ـ رواية الحسن بن زياد الطّائي الواردة في نكاح العبد بغير إذن مولاه ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي كنت رجلا مملوكا ، فتزوّجت بغير إذن مولاي ، ثمّ أعتقني الله بعد ، فأجدّد النكاح؟ قال : فقال : علموا أنّك تزوّجت؟ قلت : نعم قد علموا ، فسكتوا ولم يقولوا لي شيئا. قال : ذلك إقرار منهم ، أنت على نكاحك» (١) الخبر (٤) ، فإنّها (٥) ظاهرة ـ بل صريحة ـ في أنّ علّة البقاء (٦)

______________________________________________________

(١) هذه نتيجة النقض والإبرام ، فوافق المصنف صاحب المقابس قدس‌سرهما في الحكم بفساد بيع من باع مال الغير لنفسه قبل أن يملكه ، وأجازه بعد تملكه له.

(٢) وهو بيع المتاع الشخصي قبل التملك والإجازة له بعد التملك ، دون بيع المتاع الكليّ ، لأنّه كما تقدم آنفا جائز عندنا.

(٣) أي : منع جواز بيع مال الغير فضولا ، وإجازته له بعد تملكه للمبيع.

(٤) أي : إلى آخر الخبر ، لكن هذا آخر الخبر ، وليس له بقية ، فلم يظهر وجه هذا التعبير. وقريب منها روايتا معاوية بن وهب (٢).

(٥) أي : فإنّ رواية الحسن بن زياد. تقريب دلالته على عدم كفاية مالكية العاقد الفضولي ـ وهو العبد في مورد الرواية ـ لنفسه في البقاء على ما فعله بغير إذن سيّده هو : جعل علّة البقاء إقرار المولى المستفاد من سكوته ، إذ لو كانت العلّة مالكيته لنفسه الحاصلة بالعتق ـ مع إجازته أو بدونها ـ لم يحتج إلى استفصال الامام عليه الصلاة والسلام عن سكوت المولى وعدمه ، لكون العقد لازما على تقدير كفاية صيرورته مالكا لنفسه على كلا تقديري الحاجة إلى الإجازة وعدمها ، إذ المفروض حصول الإمضاء والرضا بما فعله بغير إذن سيّده على فرض الحاجة إلى الإجازة.

(٦) أي : بقاء العبد على نكاحه الأوّل الذي أنشأه بدون إذن سيّده.

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٤ ، ص ٥٢٦ ، الباب ٢٦ ، من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٣.

(٢) المصدر ، ص ٥٢٥ ، الحديث ١ ـ ٢.


بعد العتق (١) على ما فعله بغير إذن مولاه ، هو (٢) إقراره المستفاد من سكوته ، فلو كانت صيرورته حرّا مالكا لنفسه مسوّغة للبقاء ـ مع إجازته أو بدونها ـ لم يحتج (٣) إلى الاستفصال (*) عن أنّ المولى سكت أم لا ، للزوم (٤) العقد حينئذ (٥) على كلّ تقدير (٦).

ثم إنّ الواجب (٧)

______________________________________________________

(١) الموجب لمالكية لنفسه.

(٢) خبر «أنّ علّة» وتذكيره باعتبار خبره ، و «مسوّغة» خبر «فلو كانت».

(٣) جواب «لو» في «فلو كانت». وجه عدم الحاجة إلى الاستفصال هو عدم دخل إقرار المولى في البقاء على النكاح ، إذ المفروض كون تمام العلّة في بقائه هو مالكية العبد لنفسه بالعتق ، مع الإجازة أو بدونها.

(٤) تعليل لعدم الحاجة إلى الاستفصال. فمحصّل وجه التأييد لما نحن فيه هو فساد النكاح بدون رضا المالك ـ وهو السيد ـ لكونه مالكا ، فبيع مال الغير لنفسه أيضا فاسد بدون إذن المالك.

(٥) أي : حين صيرورة العبد حرّا مالكا لنفسه.

(٦) أي : تقديري الحاجة إلى الإجازة وعدم الحاجة إليها ، والجار متعلق ب «للزوم».

(٧) الغرض من هذه العبارة أنّ بيع الفضول مال الغير قبل الاشتراء لمّا كان تارة منجزا ، من دون أن يكون موقوفا على ملكه وإجازته ، فقد يملك ويجيز ، وقد يملك ولا يجيز. واخرى موقوفا على ملكه وإجازته معا ، أو موقوفا على ملكه دون إجازته ، فوجب الاقتصار على مورد الروايات المستدلّ بها على المنع ، وعدم التعدي عن موردها إلى غيره.

__________________

(*) يمكن أن يكون الاستفصال لاستعلام أنّ المولى ان علم بالنكاح رده أو سكت. وعلى هذا الاحتمال تكون الرواية أجنبية عن المقصود ، فلا تكون مؤيّدة.

ولعلّ تعبير المصنف قدس‌سره ب «يؤيد» دون يدلّ لتطرق هذا الاحتمال ، فتدبّر.


على كلّ تقدير (١) هو الاقتصار على مورد الروايات ، وهو ما لو باع البائع لنفسه واشترى المشتري غير مترقّب لإجازة المالك ، ولا لإجازة البائع إذا صار مالكا (٢). وهذا (٣) هو الذي ذكره العلّامة رحمه‌الله في التذكرة نافيا للخلاف في فساده ، قال : «ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ويمضي ليشتريها ويسلّمها ، وبه قال الشافعي وأحمد ، ولا نعلم فيه خلافا ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تبع ما ليس عندك. ولاشتمالها (٤) على الغرر ، فإنّ (٥) صاحبها قد لا يبيعها ،

______________________________________________________

والمصنف استظهر أنّ موردها خصوص البيع المنجّز ، دون البيع الموقوف على الملك والإجازة ، ودون الموقوف على الملك دون الإجازة ، فهما خارجان عن مورد الروايات وإن كان الأوّل داخلا في عنوان هذه المسألة ، والثاني داخلا في عنوان المسألة الثانية الآتية في كلام المصنف.

ووجه استظهار المصنف كون مورد الروايات خصوص البيع المنجّز هو : أنّ المنهيّ عنه مواجبة البيع المساوقة لتنجزه ، ومقتضى عموم الملاك المستفاد من قوله عليه‌السلام : «إن شاء أخذ وإن شاء ترك» جواز المعاملة إن كان زمامها بيد المتعاملين. بخلاف المنجّز الذي ليس لهما فيه زمامها.

وبالجملة : فمورد الروايات الناهية عن بيع ما ليس عنده خصوص البيع المنجّز الذي هو بيع بالحمل الشائع.

(١) أي : سواء قلنا بالصحة أم بالفساد في المسألة الثالثة ، وهي : ما لو باع الفضولي مال الغير لنفسه ثم ملكه فأجاز.

(٢) وهذا معنى البيع المنجّز الذي هو مورد روايات المنع عن بيع ما ليس عنده.

(٣) أي : وكون مورد الروايات خصوص بيع الفضولي مال الغير منجّزا غير موقوف على الملك والإجازة ـ وأنّ موردها هي المسألة الثالثة ـ هو الذي ذكره العلامة قدس‌سره في التذكرة نافيا للخلاف في فساده. وقال الشافعي وأحمد أيضا بعدم جواز بيع ما ليس عنده.

(٤) معطوف على «لقوله» وهذا دليله الثاني على فساد البيع ، كما أنّ النبوي دليله الأوّل عليه.

(٥) هذا تقريب الغرر ، وحاصله : أنّ صاحب العين يمكن أن لا يبيع العين ، فيتضرر


وهو (١) غير مالك لها ولا قادر على تسليمها. أمّا (٣) لو اشترى موصوفا في الذمّة ـ سواء أكان حالّا أم مؤجّلا ـ فإنّه جائز إجماعا» انتهى (٣).

وحكي عن المختلف الإجماع على المنع (٤) أيضا.

واستدلاله (٥) بالغرر وعدم القدرة على التسليم ظاهر ـ بل صريح ـ في وقوع

______________________________________________________

المشتري حينئذ بتأخير وصول الثمن إليه أو تلفه.

(١) يعني : والحال أنّ البائع الفضولي غير مالك للعين ولا قادر على تسليمها.

(٢) هذا في بيع الكلّي مقابل بيع الشخصي الذي ذكره العلّامة قدس‌سره بقوله : «ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها».

(٣) يعني : انتهى عبارة التذكرة ، وقد سقط قبل قول العلامة : «إجماعا» قوله : «وكذا لو اشترى عينا شخصية غائبة مملوكة للبائع ، موصوفة بما ترفع الجهالة ، فإنّه جائز إجماعا» (١). ولعلّه لأجل كون الجواز إجماعيّا في كلتا المسألتين اقتصر المصنف على حكاية الإجماع على الجواز في مورد البحث ، وهو شراء العين الكليّة في الذمة ، ولم ينقل تمام العبارة.

(٤) أي : على منع بيع العين التي لا يملكها ويمضي ليشتريها ، كما استفيد الإجماع من قوله في التذكرة : «لا نعلم فيه خلافا». وكان المناسب أن يذكر المصنف قدس‌سره كلام المختلف قبل نقل هذه الجملة : «أمّا لو اشترى موصوفا في الذمة» عن التذكرة ، كما لا يخفى.

وكيف كان فالموجود في موضعين من المختلف هو الحكم بالجواز ، قبال ابن إدريس والعماني ، ولم أطفر بدعوى الإجماع فيه ، كما أنّ صاحب المقابس نقل عنه الجواز دون الإجماع ، ولا بد من مزيد التتبع للوقوف على منشإ حكاية الإجماع عن المختلف (٢).

(٥) هذا كلام المصنف قدس‌سره ، وبيان وجه استظهاره من عبارة التذكرة كون مورد النهي «عن بيع ما ليس عنده» هو بيع الفضول مال الغير لنفسه منجّزا غير موقوف على إجازة مجيز.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٤٦٣ ، ج ١ ، ص ١٦ (الطبعة الحديثة).

(٢) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٥ و ١٣٠ ـ ١٣٢.


الاشتراء غير مترقّب لإجازة مجيز ، بل وقع على وجه (١) يلزم على البائع بعد البيع تحصيل المبيع وتسليمه.

فحينئذ (٢) لو تبايعا (٣) على أن يكون العقد موقوفا على الإجازة ، فإتّفقت الإجازة من المالك ، أو من البائع بعد تملّكه ، لم يدخل (٤) في مورد الأخبار ، ولا في معقد الاتّفاق.

______________________________________________________

توضيح وجه الاستظهار هو : أنّ استدلال العلّامة قدس‌سره على فساد البيع بالغرر وعدم القدرة على التسليم ظاهر ـ بل صريح ـ في وقوع البيع منجّزا ، إذ لا غرر مع توقف البيع على الملك ، لعلم المشتري بعدم انتقال ماله عن ملكه إلّا بدخول بدله في ملكه. كما أنّ البائع بعد تملكه للمبيع يصير شرعا قادرا على تسليمه. بخلاف ما إذا كان البيع منجّزا ، لعدم علم المشتري بدخول بدل ما خرج عن ملكه في ملكه. كما أنّ البائع ليس قادرا على تسليم المبيع فعلا ، لعدم كونه ملكا له ، ويمكن أن لا يبيعه مالكه.

(١) وهو التنجز واللزوم ، فإنّ تنجّز البيع يلزم البائع بعد البيع بتحصيل المبيع وتسليمه إلى المشتري.

(٢) يعني : فحين البناء على كون البيع المنهي عنه في الروايات العامّة والخاصّة الناهية عن بيع ما ليس عنده هو بيع الفضول مال الغير منجّزا ـ لا موقوفا على إجازة المالك ، أو البائع إذا صار مالكا ـ يقع الكلام في حكم بعض الفروع ، وشمول أخبار البيع له ، وعدم شمولها له. والمذكور في المتن فروع أربعة.

(٣) هذا أحد تلك الفروع ، ومحصّله : أنّه لو تبايعا ـ قبل أن يتملك البائع المبيع ـ على أن يكون البيع موقوفا على الإجازة ، فاتّفقت من المالك أو البائع الفضولي بعد انتقال المبيع إليه بالناقل الاختياري أو القهري ، لم يدخل في مورد الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عنده ، ولا في معقد إجماع التذكرة.

وجه عدم الدخول ما تقدم من اختصاص مورد الأخبار ومعقد الإجماع بإنشاء البيع منجّزا غير مترقب لإجازة المالك ، والمفروض في هذا الفرع ترقب الإجازة.

(٤) جواب «لو تبايعا» ، وفاعله «البيع» أي : لم يدخل البيع في مورد الأخبار.


ولو (١) تبايعا على أن يكون اللزوم موقوفا على تملّك البائع دون إجازته ، فظاهر عبارة الدروس أنّه من البيع المنهيّ عنه في الأخبار المذكورة ، حيث قال (٢): «وكذا لو باع ملك غيره ثمّ انتقل إليه فأجاز. ولو أراد (٣) لزوم البيع بالانتقال فهو (٤) بيع ما ليس عنده ، وقد نهي عنه» انتهى (١).

لكنّ الإنصاف ظهورها (٥) في الصورة الاولى (٦) ، وهي : ما لو تبايعا قاصدين

______________________________________________________

(١) هذا فرع ثان من تلك الفروع ، وهو : أنّه لو تبايع المتبايعان على أن يكون اللزوم منوطا بتملك البائع ـ دون إجازته ـ فظاهر كلام الشهيد أنّه من البيع المنهي عنه.

(٢) أي : قال الشهيد قدس‌سره : «وكذا ـ أي وكذا يصح البيع ـ ما لو باع مال غيره ثم انتقل إليه ، فأجاز».

(٣) هذا هو الفرع المذكور أعني به كون البيع موقوفا على مجرّد انتقال المبيع إلى الفضولي من دون توقفه على إجازته. وأمّا قبله ـ وهو قوله : «وكذا لو باع ملك غيره ، ثم انتقل إليه فأجاز» ـ فهو محكوم بالصحة ، ولا يندرج في الأخبار الناهية.

(٤) يعني : فالبيع المفروض لزومه بانتقال المبيع إلى البائع الفضولي يكون من مصاديق «بيع ما ليس عنده» وهو منهيّ عنه.

(٥) أي : ظهور تلك الأخبار الناهية عن «بيع ما ليس عندك» في عدم كون زمام البيع بيد المتعاملين ، بمعنى كون المنهي عنه هو البيع الذي لم يكن لهما فيه اختيار أصلا كسائر البيوع ، فإن لم يكن البيع منجّزا مطلقا وكان زمام أمره بيدهما ، فلا بأس به.

وعليه فلو توقّف لزوم البيع على انتقال المبيع إلى البائع الفضولي ، لم يندرج في الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عنده.

وبالجملة : فمورد تلك الأخبار الناهية خصوص البيع المنجّز من جميع الجهات. فالبيع الموقوف على مجرّد تملك البائع الفضولي للمبيع أو الإجازة أو كليهما خارج عن مورد الروايات ، ومحكوم بالصحة.

(٦) وهو البيع المنجّز المطلق ، أي غير موقوف على شي‌ء من إجازة المالك الأصلي ، وإجازة البائع الفضولي بعد تملكه ، ومجرد تملّكه للمبيع الفضوليّ. فإن كان البيع منجّزا من

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٣


لتنجّز النقل والانتقال ، وعدم الوقوف على شي‌ء (١).

وما ذكره في التذكرة كالصريح في ذلك (٢) ، حيث (٣) علّل المنع بالغرر وعدم القدرة على التسليم ، وأصرح منه (٤) كلامه المحكي عن المختلف في فصل النقد والنسيئة.

ولو باع (٥) عن المالك فاتّفق انتقاله إلى البائع ، فأجازه ، فالظاهر أيضا الصحّة ، لخروجه (٦) عن مورد الأخبار.

______________________________________________________

جميع هذه الجهات الثلاث كان موردا لتلك الأخبار الناهية.

(١) أي : من تلك الجهات الثلاث المذكورة ، وهي : إجازة المالك الأصلي ، والبائع الفضولي ، وتملكه للمبيع فضولا.

(٢) أي : في كون مورد الأخبار الناهية هي الصورة الاولى ، وهي وقوع البيع منجّزا.

(٣) تعليل لكون كلام العلّامة في التذكرة صريحا في أنّ بيع الفضولي المنجز مورد الأخبار النهاية عن بيع ما ليس عندك ، وقد تقدم في (ص ٣٣١ ـ ٣٣٠) تقريب دلالة الغرر وعدم القدرة على التسليم على كون الصورة الأولى مورد الأخبار الناهية.

(٤) أي : وأصرح من كلامه في التذكرة كلامه في المختلف ، حيث قال فيه : «والنهي الوارد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للكراهة ، أو ورد (أورد) عن الشي‌ء المشخص الذي في ملك الغير فإنّه لا يصلح بيعه ، لا داية إلى التنازع ، إذ ربما يمتنع مالكه من بيعه ، والمشتري يطالب البائع به. وأما الغرر الذي ادّعاه ـ يعني ابن إدريس ـ فليس في هذا الباب من شي‌ء» (١).

وجه أصرحيّته هو : أنّه صرّح في المختلف بخروجه عن مورد الأخبار ، بخلاف كلامه في التذكرة ، فإنّ دلالته على الخروج إنّما هي باعتبار اقتران الاستدلال بالأخبار بنفي الغرر ونحوه ، فيظهر أنّ مورد الأخبار ونفي الغرر واحد.

(٥) هذا فرع ثالث ، يعني : ولو باع الفضولي عن المالك لا عن نفسه ، ثم انتقل ذلك المبيع إلى الفضولي بالإرث أو الشراء فأجازه ، صحّ ، لما سيأتي. ولا يخفى أنّ هذا الفرع من المصنف لا من العلّامة.

(٦) أي : لخروج هذا البيع الفضولي عن مورد تلك الأخبار الناهية عن «بيع

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ١٣٢ ، والحاكي لكلامه صاحب المقابس ، كتاب البيع ، ص ٣٦


نعم (١) قد يشكل فيه (٢) من حيث إنّ الإجازة لا متعلّق لها [لا يتعلق بها] لأنّ العقد السابق كان إنشاء للبيع عن المالك الأصليّ ، ولا معنى لإجازة هذا (٣) بعد خروجه عن ملكه.

ويمكن (٤) دفعه بما اندفع به سابقا الإشكال في عكس المسألة ، وهي

______________________________________________________

ما ليس عندك». وجه خروجه عن موردها عدم وقوعه منجّزا من جميع الجهات ، إذ مع تبانيهما على عدم توقف البيع على الإجازة لم يكن محتاجا إلى الإجازة.

(١) هذا استدراك على صحّة البيع المذكور ، وهو بيع الفضولي عن المالك ثم انتقال المبيع الفضولي إليه وإجازته له. وهذا الاستدراك إشكال على صحته ، ومحصّله : أنّه ليس هنا متعلّق للإجازة ، لأنّ عقد الفضول كان إنشاء متعلّقا بملك زيد ، والمفروض انتفاؤه ، لانتقال المال عنه ، فلا موضوع لأن يجيز.

ولو قيل بأنّ المالك الجديد يجيز العقد من قبل نفسه ، قلنا بعدم تحقق عقد على ماله حتى يكون له الإجازة والرد. وبعبارة أخرى : المجاز غير منشأ ، والمنشأ غير مجاز.

(٢) أي : فيما ذكر من صحة هذا البيع.

(٣) أي : العقد السابق ، وضمير «خروجه» راجع الى المتاع المستفاد من العبارة ، وضمير «ملكه» راجع إلى المالك.

(٤) هذا دفع الإشكال ، ومحصّله : أنّه يمكن دفعه بما اندفع به الاشكال الوارد في عكس هذه المسألة ـ وهو ما لو باعه الفضوليّ لنفسه ، فأجازه المالك لنفسه ـ فإنّ الإجازة لم تتعلّق بالعقد الذي أنشأه الفضولي ، وقد تقدم عنه دفع الإشكال هناك بما لفظه : «فالأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز. وتوضيحه : أنّ البائع الفضولي إنّما قصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن .. إلخ» (١).

ومحصّله : وجود قصد المعاوضة فيما إذا باع الفضولي مال الغير لنفسه بانيا على كونه مالكا عدوانا كما في الغاصب ، أو اعتقادا كما إذا استند في مالكيته للمال إلى اليد أو البيّنة مثلا. ولمّا كان إيجاب البيع ساكتا عن كون الثمن ملكا للموجب أو غيره ، فيرجع فيه إلى مقتضى مفهوم المعاوضة ، وهو دخول العوض في ملك مالك المعوّض.

والحاصل : أنّ قصد المعاوضة في عقد الفضولي لنفسه موجود ، فلا يلزم مغايرة

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٥٧١.


ما لو باعه لنفسه ، فأجازه المالك لنفسه ، فتأمّل (١).

ولو باع لثالث (٢) معتقدا لتملّكه ، أو بانيا عليه عدوانا ، فإنّ أجاز المالك فلا كلام في الصحّة ، بناء على المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك. وإن ملكه (٣) الثالث وأجازه ، أو ملكه البائع فأجازه ، فالظاهر أنّه داخل في المسألة

______________________________________________________

ما وقع لم أجيز.

(١) لعلّه إشارة إلى الفرق بين المسألتين ، وهو : أنّ البائع الفضولي في تلك المسألة لمّا بني اعتقادا أو عدوانا على كونه مالك ، فقد قصد المعاوضة ، والملكية الثابتة للعاقد الفضولي ثابتة له بتلك الحيثية ، أعني بها حيثية البناء على مالكيته. وهذه الملكية ثابتة للمالك الأصلي بنفس تلك الحيثية أي البناء على المالكية ، فتتعلق الإجازة من المالك بنفس الإنشاء الصادر من العاقد الفضولي ، فلا يلزم مغايرة المجاز لما وقع.

وهذا بخلاف هذه المسألة ، لأنّ الفضولي باع للمالك الحقيقي ، ولم يدّع المالكية لنفسه لا عدوانا ولا اعتقادا ، فلم يحصل له الوصف العنواني «وهو كونه مالكا» فلو أجاز هذا العقد الذي أنشأه للمالك الأصلي كان المجاز مغايرا لما وقع.

(٢) هذا فرع رابع ، وهو : أن يبيع الفضولي مال الغير لا لمالكه ولا لنفسه ، بل لثالث ، بأن يرجع نفعه إلى ذلك الشخص الثالث ، كما إذا باع زيد مال عمرو ، لا عن نفسه ولا عن عمرو ، بل باعه عن بكر ، إمّا باعتقاد تملكه للمبيع ، وإمّا بالبناء عليه عدوانا. فإن أجاز المالك ـ وهو عمرو ـ فلا كلام في صحته بناء على المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك في مفهوم البيع.

وإن لم يجزه المالك ـ وهو عمرو ـ ولكن خرج المبيع عن ملكه ودخل في ملك زيد أو في ملك بكر ، فأجاز ذلك البيع الفضولي ، اندرج في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» ويحكم بصحته.

(٣) أي : وإن ملك المبيع ذلك الشخص الثالث وأجاز ، فالظاهر أنّه داخل في المسألة السابقة ، وهي قوله في (ص ٣٣٤) : «ولو باع عن المالك فأنفق انتقاله إلى البائع فأجازه .. إلخ» فيحكم بصحته ، كما يحكم بصحة ذلك البيع ، لخروج كليهما عن مورد الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عندك.


السابقة (١).

ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرناه في المسألة المذكورة (٢) حال المسألة الأخرى ، وهي (٣): ما لو لم يجز البائع (٤) بعد تملّكه ، فإنّ (٥) الظاهر بطلان البيع الأوّل (٦) ، لدخوله (٧) تحت

______________________________________________________

وعليه فقوله : «وإن ملكه» عدل قوله : «فإن أجاز» وهذا العدل يتضمّن شقّين ، أحدهما تملك ذلك الثالث ، والآخر تملك العاقد ، كما ذكرنا في المثال آنفا.

(١) وجه دخوله في المسألة السابقة : أنّه باع لغير المالك ، ثم صار غير المالك مالكا وأجاز ، ولا خصوصية للفضولي في عدم كونه مالكا أوّلا ، وصيرورته مالكا ثانيا حتى يجيز في حال مالكيته.

لو باع لنفسه ، ثم تملّكه ولم يجز

(٢) وهي : مسألة «من باع شيئا ثم ملكه وأجاز» المذكورة في (ص ٢٤٤) بقوله : «والمهم هنا التعرض لبيان ما لو باع لنفسه ثم اشتراه من المالك وأجاز. وما لو باع واشترى ، ولم يجز» إلى قوله : «أمّا المسألة الأولى فقد اختلفوا فيها ، فظاهر المحقق في باب الزكاة .. إلخ».

وغرضه التنبيه على مسألة أخرى ممّا يتعلّق بتجدد الملك بعد العقد ، وهي قوله : «وما لو باع واشترى ، ولم يجز».

ثم إنّ مناسبة السياق تقتضي ان يقال : «وأما المسألة الثانية» ليكون عدلا لقوله هناك : «أمّا المسألة الأولى».

(٣) أي : المسألة الأخرى : ما لو لم يجز البائع بعد تملّكه ، والحكم في المسألة الأخرى هو بطلان البيع الفضولي ، لوجوه ثلاثة سيأتي بيانها.

(٤) في بعض نسخ الكتاب «المالك» بدل ما أثبتناه من قوله : «البائع» وهو الظاهر. وإن كان توجيه «المالك» ممكنا أيضا بإرادة المالك الفعلي ، والأمر سهل.

(٥) بيان لقوله : «قد ظهر».

(٦) وهو بيع الفضول ـ الذي صار مالكا فيما بعد ـ مال الغير.

(٧) أي : لدخول هذا البيع تحت الأخبار الناهية ، وهذا تعليل لبطلانه ، ومحصله : أنّ هذا البيع من صغريات «بيع ما ليس عنده» يقينا ، فتشمله الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عنده ، وحيث إنّ النهي ظاهر في البطلان فيصح أن يقال : إن الظاهر بطلان البيع ، لاستناد البطلان إلى ظاهر النهي.


الأخبار المذكورة يقينا (١). مضافا (٢) إلى قاعدة تسلط الناس على أموالهم ، وعدم (٣) صيرورتها حلالا من دون طيب النفس ، فإنّ المفروض أنّ البائع (٤) بعد ما صار مالكا لم تطب نفسه بكون ماله للمشتري الأوّل (٥). والتزامه (٦) قبل تملّكه بكون

______________________________________________________

ولا ينافيه اليقين بدخول البيع المزبور تحت الأخبار الناهية ، لأنّه يقين بالموضوع ، فيلتئم الظهور المكتنف باحتمال الخلاف مع اليقين المزبور.

وبالجملة : البطلان ظاهر النهي ، واليقين متعلّق بصغروية هذا البيع لما تعلّق به النهي في تلك الأخبار ، فلا تنافي بين اليقين بدخول البيع المزبور تحت الأخبار الناهية ، وبين كون الظاهر بطلان البيع.

(١) قيد لقوله : «لدخوله».

(٢) هذا دليل ثان على بطلان عقد الفضول مال الغير لنفسه. وهذا الدليل قاعدة السلطنة على الأموال ، فإنّ القول بصحة هذا البيع مع عدم إجازة المالك ـ كما هو المفروض ـ مناف لقاعدة السلطنة.

(٣) معطوف على «قاعدة» وهذا دليل ثالث على بطلان بيع الفضولي مال الغير وتملكه بعده له مع عدم إجازته لذلك البيع الفضولي ، ومحصله : أنّ الحكم بصحة هذا البيع الفضولي مناف لما دلّ على توقف حليّة المال على طيب نفس مالكه ، والمفروض أنّ البائع الفضولي الذي صار مالكا لما باعه فضولا لا تطيب نفسه بكونه ملكا للمشتري الذي اشترى منه بالبيع الفضولي.

وقوله : «فان المفروض» بيان لتطبيق هذا الدليل على المدّعى ، وقد تبين هذا بقولنا : «والمفروض ان البائع الذي صار مالكا .. إلخ».

(٤) وهو الذي باع فضولا ، وصار مالكا فعليا لما باعه في حال كونه فضولا.

(٥) وهو الذي اشترى المتاع من الفضولي المفروض صيرورته مالكا فعلا. وأمارة عدم طيب نفسه هي عدم إجازته ، مع عدم الحاجة إلى قيام أمارة على عدم الطيب ، إذ العبرة بإحراز الطيب الذي هو شرط حليّة التصرف كما لا يخفى.

(٦) مبتدء خبره «ليس التزاما» ، وهذا إشارة إلى وهم ودفعه. أمّا الوهم فهو : أنّ البائع الفضولي قبل تملكه للمبيع التزم بكون المبيع ملكا للمشتري ، وهذا الالتزام أمارة


هذا المال المعيّن للمشتري ليس (١) التزاما إلّا بكون مال غيره له.

اللهم (٢) إلّا أن يقال : إنّ مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود والشروط على كلّ عاقد وشارط هو اللزوم (٣) على البائع بمجرّد انتقال المال إليه (٤) وإن كان قبل ذلك أجنبيّا لا حكم لوفائه ونقضه (٥).

______________________________________________________

على وجود طيب نفسه بذلك بعد تملكه له.

وببيان آخر : بيع الفضولي لذلك المال كاشف عن طيب نفسه بكون ذلك المال ملكا للمشتري مطلقا سواء انتقل عنه ـ أو عن غيره ـ إلى المشتري.

وأمّا الدفع فهو : أنّ الالتزام المزبور كان متعلقا بمال غيره ، لا بمال نفسه حتى يجب عليه الوفاء به ، أو يؤثّر نقضه في بطلان العقد ، فإنّه أجنبي ، وليس سلطانا على جعل مال الغير للمشتري.

(١) هذا دفع الوهم المزبور ، وضمير «له» راجع إلى المشتري.

(٢) غرض هذا القائل إبطال الدفع المزبور وإثبات صحة العقد بمجرّد انتقال المبيع إلى البائع الفضولي ، بتقريب : أنّ مقتضى عموم دليلي وجوب الوفاء بالعقود ووجوب وفاء المؤمنين بشروطهم وجوب الوفاء على كل عاقد وشارط ، والبائع الفضولي بعد تملكه للمبيع يندرج تحت عموم هذين الدليلين العامّين بعد أن كان قبل تملكه أجنبيّا عن أفراد هذين الدليلين ، وغير مشمول لحكمهما من وجوب الوفاء وحرمة النقض. نظير وجوب الحج على غير المستطيع الذي لم يكن مشمولا لعموم دليل وجوب الحج ، وبالاستطاعة صار مشمولا له ، إذ الحكم يتبع الموضوع ، فبمجرد تحققه يترتب عليه حكمه.

(٣) خبر «إنّ مقتضى» وضمير «إليه» راجع إلى البائع.

(٤) كصيرورة غير المستطيع بمجرّد الاستطاعة من أفراد دليل وجوب الحج على المستطيع.

(٥) لعدم كونه من أفراد موضوع هذين الدليلين.

فالنتيجة : صحة عقد الفضولي بمجرّد تملّكه للمبيع ، وعدم احتياجه إلى الإجازة.


ولعلّه (١) لأجل ما ذكرنا رجّح فخر الدين في الإيضاح ـ بناء (٢) على صحّة الفضولي ـ صحة العقد المذكور (٣) بمجرّد الانتقال من دون توقّف على الإجازة.

قيل (٤) : ويلوح هذا (٥) من الشهيد الثاني في هبة المسالك (٦). وقد سبق

______________________________________________________

(١) الضمير للشأن ، يعني : ولعله لأجل ما ذكرناه ـ من كون مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود والشروط على كل عاقد وشارط هو اللزوم على البائع بمجرّد انتقال المال إليه ـ رجّح فخر المحققين في كتاب الإيضاح ـ بناء على صحة عقد الفضولي ـ صحة العقد المزبور بمجرّد الانتقال من دون توقفه على الإجازة.

(٢) الوجه في الإتيان بكلمة «بناء» أنّه لا مجال لهذه الأبحاث بناء على مختار فخر المحققين من بطلان عقد الفضولي رأسا بلا فرق بين صور المسألة.

(٣) وهو بيع الفضولي مال الغير وتملكه بعد ذلك وعدم إجازته لعقده الفضولي.

(٤) القائل هو المحقق الشوشتري قدس‌سره ، ذكره في عداد الأقوال في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» بقوله : «الثالث : ما اختاره فخر الإسلام تخريجا على صحة الفضولي ، وهو : أنّه إذا ملكه صحّ البيع من غير توقف على الإجازة ، وهو الذي يلوح من الشهيد الثاني .. إلخ» (١).

(٥) أي : صحة العقد المذكور ولزومه بمجرّد الانتقال إلى العاقد الفضولي.

(٦) أفاده قدس‌سره في شرح كلام المحقق قدس‌سره ـ من أنّه لو وهب المالك ماله لأجنبي هبة غير معوّضة وأقبضه ، ثم باعه الواهب من شخص آخر ، فهل يبطل البيع لأنّه باع ما لا يملك ، أم يصح ، لجواز رجوع الواهب؟ ـ فقال الشهيد الثاني في توجيه صحة البيع واستغنائها عن الإجازة ما لفظه : «أو نقول : إذا تحقق الفسخ بهذا العقد انتقلت العين إلى ملك الواهب ، وكان العقد بمنزلة الفضولي ، وقد ملكها من إليه الإجازة ، فلزم من قبله. كما لو باع ملك غيره ثم ملكه ، أو باع ما رهنه ثم فكّه ، ونحو ذلك. وأولى بالجواز هذا ..» (٢).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٦.

(٢) مسالك الأفهام ، ج ٦ ، ص ٤٩.


استظهاره (١) من عبارة الشيخ المحكيّة في المعتبر (٢).

لكن (٣) يضعّفه أنّ البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك ، فيستصحب. والمقام (٤) مقام استصحاب حكم الخاصّ ، لا مقام الرجوع إلى حكم العامّ (٥) ،

______________________________________________________

والغرض من الاستشهاد بكلامه دلالة قوله : «فلزم من قبله» على صحة بيع الواهب وإن لم تكن العين ملكه حين البيع ، ولا حاجة إلى إجازته بعد التملك بالفسخ بنفس البيع ، لا بإرادته قبله.

(١) عند قوله : «فظاهر المحقق في باب الزكاة من المعتبر فيما إذا باع المالك النصاب قبل إخراج الزكاة أو رهنه ..» فراجع (ص ٢٤٥).

(٢) حيث قال المحقق في عبارته المتقدمة : «فإن اغترم حصة الفقراء قال الشيخ : صحّ البيع والرهن».

(٣) غرضه تضعيف ما أفاده بقوله : «اللهم إلّا أن يقال : إنّ مقتضى عموم وجوب» من صحة العقد المذكور بمجرّد انتقال المال المبيع فضولا إلى البائع ، وإثبات فساده.

توضيح وجه التضعيف هو : أنّ البائع الفضول قبل تملكه للمبيع لم يكن مأمورا بوجوب الوفاء بالعقد ، لعدم شمول خطاب «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» له ، فيستصحب عدم الوجوب بعد تملكه.

فالنتيجة : عدم لزوم الوفاء بالعقد على البائع الفضول بمجرّد انتقال المبيع إليه.

(٤) هذا بمنزلة التعليل لجريان الاستصحاب ، ومحصّله : أنّ المورد من موارد جريان استصحاب الخاص ، وهو عدم صحة عقد الفضولي ، لا من موارد التمسك بعموم العام ، وهو عموم دليل وجوب الوفاء بالعقود. وذلك لأنّ هذا العقد لم يكن قبل الانتقال إلى البائع الفضولي واجب الوفاء ، لعدم شمول العام له ، وبعد الانتقال إليه يشكّ في بقائه ، فيستصحب.

فالنتيجة : أنّ مجرّد الانتقال إلى العاقد الفضولي لا يوجب صحة العقد ولزومه عليه.

(٥) وهو صحة العقد ووجوب الوفاء به الذي هو مقتضى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فلا يمكن تصحيح هذا العقد بعموم دليلي وجوب الوفاء بالعقود والوفاء بالشروط.


فتأمّل (١).

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّه إشارة إلى : أنّ المقام من موارد التمسّك بالعام المقتضي للحكم بصحة العقد المزبور ، لا من موارد التشبث بالخاصّ الموجب لفساده ، وذلك لأنّ الزمان تارة يكون مفرّدا للعامّ ومكثّرا لأفراده ، كأن يقال : «أكرم الفقراء في كلّ يوم» فكل فقير في كلّ يوم فرد من أفراد الفقراء ، فإذا خرج «زيد الفقير» عن عموم «أكرم الفقراء» يوم السبت ، وشكّ في وجوب إكرامه بعد يوم السبت ، يتمسك بعموم «أكرم الفقراء» لأنّه شك في تخصيص زائد ، والمرجع فيه كالشك في أصل التخصيص هو عموم العام ، دون استصحاب حكم الخاص ، لأنّه مع وجود الدليل لا تصل النوبة إلى الأصل العملي.

وأخرى يكون ظرفا لاستمرار الحكم ، كأن يقول : «أكرم الفقراء دائما أو مستمرّا» فإذا خرج فرد منه في زمان ، وشكّ بعد انقضاء ذلك الزمان في حكمه ، يستصحب عدم وجوب إكرامه ، وهو حكم الخاص ، لأنّ ذلك الفقير الخارج فرد واحد قبل خروجه عن حكم العام ، وبعد خروجه عنه ، وليس بعد خروجه فردا آخر حتى يتمسك في حكمه بالعموم القاضي بوجوب إكرامه.

وفي المقام نقول : إنّ بيع الفضولي مال الغير لنفسه ـ وتملّكه له بعد البيع وعدم إجازته لبيعه الفضولي ـ خرج عن استمرار حكم العام ، وهو لزوم الوفاء بالعقد ، ويشكّ بعد تملكه للمبيع فضولا في حكمه ، فيستصحب حكم الخاص ، وهو عدم لزوم الوفاء وبطلان العقد ، هذا.

ولكن أمره قدس‌سره بالتأمّل لا يبعد أن يكون إشارة إلى كون المقام من التمسك بالعام المقتضي لصحة البيع ولزوم الوفاء به ، وذلك لأنه المقام من قبيل ارتفاع المانع من التمسك بالدليل ، نظير «أكرم الفقراء إلّا فساقهم» وكان أحدهم فاسقا ، وتاب وزال فسقه. فحينئذ لا مانع لإثبات وجوب إكرامه من التمسك بعموم «أكرم الفقراء إلّا فسّاقهم».

وفي ما نحن فيه خرج العاقد الفضولي عن عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لعدم كونه مالكا ، فإذا صار مالكا اندرج تحت عموم «أَوْفُوا» فيصح عقده ، ويلزم الوفاء به.

ويحتمل أن يكون إشارة إلى عدم جريان الاستصحاب ، للشّك في الموضوع ، لأنّ عدم وجوب الوفاء كان ثابتا للعاقد غير المالك ، وبعد انقلابه إلى المالك يشك في بقاء الموضوع ، لاحتمال دخل عدم المالكية في الموضوع.


.................................................................................................

______________________________________________________

أو إشارة إلى : أنّ عموم «أَوْفُوا» لا يجري إلّا بعد الإجازة الموجبة لإضافة العقد إليه ، إذ جريانه يتوقّف على أمرين :

أحدهما : كون الوفاء بالعقد ونقضه معقولا بالنسبة إلى شخص ، إذ لا معنى لوجوب الوفاء بالعقد على شخص لا يقدر على الوفاء والنقض.

ثانيهما : كون العقد عقدا له.

والأمر الأوّل يحصل بالتملك ، للتمكن من الوفاء به حينئذ.

لكن الأمر الثاني ـ وهو إضافة العقد إليه ـ لا يحصل إلّا بالإجازة ، إذ ليس المراد بالإضافة مجرّد قيام إنشاء العقد به ، وإلّا كان عقد الوكيل عقدا له لا للموكّل. فبناء على هذا لا يكفي مجرّد تملك البائع الفضولي في إضافة العقد إليه ، بل لا بدّ في تحقق هذه الإضافة من الإجازة.

فالنتيجة : أنّ عموم «أَوْفُوا» لا يشمل عقد الفضول لنفسه ثم تملكه لما باعه فضولا إلّا بالإجازة. ومن المعلوم أنّه بعد الإجازة لا معارضة بين عموم «أَوْفُوا» وقاعدة السلطنة ، وقاعدة إناطة حلّ الأموال بطيب نفوس أربابها ، وغيرهما ، لعدم التنافي بين عموم «أَوْفُوا» وبين قاعدة السلطنة ونحوها ، بل بينهما كمال الملاءمة.

كما أنّه يسقط البحث عن كون المقام من استصحاب حكم الخاصّ لا التمسك بالعام ، لما عرفت من أنّ العاقد الفضولي قبل الإجازة ليس عاقدا ، فهو أجنبي عن موضوع «أَوْفُوا» وخارج عنه تخصّصا لا تخصيصا ، فلا يصح أن يقال : إنّه عاقد ، وبعد تملّكه للمبيع الفضولي يصير عاقدا مالكا ، فيندرج تحت عموم «أَوْفُوا» ، نظير اندراج الفقير الفاسق بعد التوبة وصيرورته عادلا في حيّز «أكرم الفقراء غير الفساق أو الفقراء العدول».

فتلخص من جميع ما ذكرناه عدم كفاية تملك العاقد الفضولي ـ المال الذي باعه لنفسه ـ في صحة عقده الفضولي ، بل صحته منوطة بالإجازة ، إذ لا يصير العقد عقدا له إلّا بالإجازة.

ولو شكّ في صحة هذا العقد قبل إجازة العاقد الفضولي ، ولم ينهض دليل على صحته وفساده ، فيرجع فيه إلى أصالة الفساد.


مضافا (١) إلى معارضة العموم المذكور بعموم سلطنة الناس على أموالهم ، وعدم (٢) حلّها لغيرهم إلّا عن طيب النفس ، وفحوى (٣) الحكم المذكور (٤) في رواية

______________________________________________________

ومن هنا يظهر الفرق بين التمسك بدليل وجوب الحج على من لم يكن مستطيعا في زمان ، وصار كذلك في زمان بعده ، وبدليل وجوب «إكرام الفقراء العدول» لوجوب إكرام الفقير الذي لم يكن عادلا ، ثم تاب وصار عادلا. وبين التشبث بدليل وجوب الوفاء بالعقود لإثبات صحة عقد الفضول بمجرد تملكه لما باعه فضولا ، وعدم إجازته.

وجه الظهور : أنّ الإجازة توجب صيرورة الفضول عاقدا ، بخلاف دليلي وجوب الحج ووجوب إكرام الفقير العادل ، فإنّ موضوعيتهما للحكم لا تتوقف إلّا على وجود العدالة والاستطاعة ، بخلاف عقد الفضول ، فإنّ إضافة العقد إليه تتوقف على الإجازة ، ولا تحصل بمجرد تملكه للمبيع فضولا.

(١) هذا دليل ثان على بطلان عقد الفضولي إذا باع لنفسه ، ثم ملكه ولم يجز. وهذا الدليل هو قاعدة السلطنة ، فإنّ لزوم العقد عليه بدون إجازته خلاف قاعدة السلطنة.

(٢) معطوف على «عموم سلطنة» وهو دليل ثالث على البطلان ، وهو قاعدة عدم حلّ مال أحد لغيره إلّا بطيب نفسه ، يعني : ومضافا إلى معارضة العموم المذكور بعدم حلّها .. إلخ.

(٣) معطوف على «عموم سلطنة» وهذا دليل رابع على البطلان ، يعني : ومضافا إلى معارضة العموم المذكور بفحوى الحكم بعدم كفاية مجرّد ملكية المال للعاقد الفضولي في صحة عقده.

وملخص هذا الدليل الموافق لفساد عقده الذي يقتضيه استصحاب حكم الخاص ـ على ما أفاده المصنف قدس‌سره ـ هو : أنّ عتق العبد الموجب لمالكية نفسه إن لم يكن مؤثرا في صحة العقد بدون الإجازة كما هو المفروض في رواية الحسن بن زياد المتقدمة في (ص ٣٢٨) ، حيث إنّ سكوت المولى عن نكاح العبد الذي هو إجازة يوجب نفوذ العقد لا عتقه الموجب لمالكيته لنفسه ، كان تملّك المال أولى بعدم التأثير ، إذ تملك النفس أقوى من تملك المال في تأثيره في صحة العقد.

(٤) وهو عدم صحة عقد النكاح بمجرّد عتقه الموجب لصيرورته مالكا لنفسه ،


الحسن بن زياد المتقدّمة (١) في نكاح العبد بدون إذن مولاه ، وأنّ عتقه لا يجدي في لزوم النكاح لو لا سكوت المولى الذي هو بمنزلة الإجازة.

ثمّ (٢) لو سلّم عدم التوقّف على الإجازة ، فإنّما هو فيما إذا باع الفضوليّ لنفسه. أمّا لو باع فضولا للمالك أو لثالث (٣) ، ثمّ ملك هو (٤) ، فجريان عموم الوفاء بالعقود والشروط بالنسبة إلى البائع أشكل (٥).

ولو باع (٦) وكالة عن المالك فبان انعزاله بموت الموكّل ، فلا إشكال في عدم

______________________________________________________

وتوقف صحته على إجازة المولى المتحققة بسكوته.

(١) لكن قد تقدّم هناك ضعف دلالتها على المقصود.

(٢) غرضه أنّه لو سلّم كفاية مجرد تملك العاقد الفضولي للمال الذي باعه فضولا في صحة العقد ـ وعدم توقفها على الإجازة ـ يرد عليه : أنّه أخصّ من المدّعي الذي هو كون مجرد تملك العاقد الفضولي كافيا في صحة العقد ومغنيا عن الإجازة ، لاختصاصه بما إذا باع الفضولي لنفسه ، إذ العاقد الفضولي هو العاقد المالك ، فيشمله عموم «أَوْفُوا».

وأمّا إذا باع لغيره من المالك أو الثالث ، ثم ملك هذا البائع ، فشمول عموم الوفاء بالعقود والشروط لهذا العقد الذي يكون للمالك أو للثالث مشكل ، إذ لا يصدق عليه العاقد والشارط حتى يشمله عموم دليلي الوفاء بالعقود والشروط ، لأنّ المفروض عدم قصد العاقد الفضولي البيع لنفسه حتى يضاف العقد إليه.

(٣) وهو غير المالك والعاقد الفضولي.

(٤) أي : البائع الفضولي الذي لم يبع لنفسه ، بل باع لغيره ، ثم ملك المبيع الذي باعه لغيره.

(٥) خبر «فجريان» ووجه أشديّة إشكاله ـ من صورة بيع الفضولي لنفسه ـ هو : أنّه فيما إذا قصد البيع لنفسه يصير العاقد مالكا ، فيشمله عموم دليلي عموم الوفاء بالعقود والشروط. بخلاف ما إذا قصد الفضول البيع لغيره ، فإنّه لا يصدق «العاقد والشارط» على البائع الفضولي ، فلا يشمله عموم دليلي وجوب الوفاء بالعقود والشروط.

(٦) لم يظهر وجه ارتباط هذا الفرع بالمقام ـ كما نبّه عليه غير واحد من أجلّة


وقوع البيع له (١) بدون الإجازة ، ولا معها. نعم يقع للوارث مع إجازته.

المسألة الثالثة (٢):

ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرّف ، فبان كونه جائز التصرّف.

______________________________________________________

المحشين (١) ـ ولذا احتمل بعض كونه من أغلاط النسخة ، لكنه في غاية البعد ، لوروده في جميع النسخ.

وكيف كان فهذا الفرع يكون من الفضولي المتعارف ، لا من فروع «من باع ثم ملك» وتقريبه : أن يبيع الوكيل مال الموكّل بزعم حياته وبقاء الوكالة ، فبان بعد البيع موت الموكّل قبله ، وانعزال الوكيل به عن الوكالة ، فيكون هذا البيع فضوليا ، لانتقال المال إلى الورثة. فإن أجازوا وقع البيع لهم ، وإن ردّوا بطل بيع الوكيل رأسا.

ولا وجه لتوهم وقوع البيع للوكيل أو للموكّل ، بل يقع للوارث المجيز ، لأنّ مقتضى المعاوضة دخول الثمن في ملك من خرج المعوّض عن ملكه ، والمفروض عدم تملك الوكيل للمبيع حتى يتملّك الثمن بإزائه. وكذا الموكّل ، لانتقال المال عنه إلى ورثته ، فلا يقع البيع له لو أجاز الورثة.

(١) أي : للبائع الفضولي ، لما مرّ آنفا. نعم يقع البيع للمالك الفعلي وهو الوارث مع إجازته. هذا تمام الكلام في المسألة الثانية.

المسألة الثالثة : لو باع بزعم عدم جواز التصرف ، فبان جوازه

(٢) من المسائل التي أفادها في الأمر الثالث من الأمور المتعلقة بمباحث المجيز ، حيث قال في (ص ٢٣٨) : «فالكلام يقع في مسائل : الاولى : أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة ، لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرف لحجر .. إلخ. الثانية : أن يتجدّد الملك بعد العقد ، فيجيز المالك الجديد ، سواء أكان هو البائع أم غيره. لكن عنوان المسألة في كلمات القوم هو الأوّل ، وهو ما لو باع شيئا ثم ملكه .. إلخ».

__________________

(١) كالسيد الطباطبائي والمحقق الإيرواني ، فراجع حاشية السيد ، ج ١ ، ص ١٦٨ وحاشية المحقق الإيرواني ج ١ ، ص ١٣٨


وعدم (١) جواز التصرّف المنكشف خلافه ، إمّا لعدم الولاية ، فانكشف كونه وليّا ، وإمّا لعدم الملك ، فانكشف كونه مالكا. وعلى كلّ منهما ، فإمّا أن يبيع عن المالك ، وإمّا أن يبيع لنفسه ، فالصور أربع.

______________________________________________________

وليعلم أنّ هذه المسألة الثالثة أجنبية عن مسائل عدم كون العاقد جائز التصرف حين العقد ، وصيرورته بعد العقد جائز التصرف ، فلا ينبغي ذكرها في عداد تلك المسائل ، فالوجه المناسب لذكرها في عدادها هو الاعتقاد بعدم جواز التصرف ، لا عدم جوازه واقعا.

ولهذه المسألة صور أربع مذكورة في المتن ، وقد عدّها صاحب المقابس قدس‌سره من أقسام العنوان العام الذي أفاده بقوله : «الموضع الخامس والسادس : أن يكون للعقد مجيز واقعا أو بزعم العاقد ، وحصلت الإجازة من غيره ممّن انتقل إليه ذلك المال بشراء أو إرث أو ولاية أو نحو ذلك سواء وقع العقد عن الفضولي أو عن المالك ، ولذلك ستة أقسام» (١). ثم جعل القسم الأوّل مسألة «من باع ثم ملك» وذكر أقساما ثمانية أخرى ، والمذكور في المتن هو القسم الرابع والخامس والسادس والسابع.

وكيف كان فما صنعه المصنف من جعل العنوان الجامع بين الصور الأربع «ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف فبان كونه جائز التصرف» أولى مما صنعه صاحب المقابس ، إذ ليس في بعضها انتقال المال أصلا ، كما لا يخفى.

(١) مبتدء ، خبره «إمّا لعدم» يعني : وعدم جواز التصرف الذي اعتقده البائع وانكشف خلافه ـ وظهر كونه جائز التصرف ـ ينشأ تارة عن عدم الولاية ، فانكشف كونه وليّا ، واخرى عن عدم الملك ، فانكشف كونه مالكا. وعلى كلّ منهما إمّا أن يبيع البائع عن المالك ، وإمّا أن يبيع لنفسه ، فالصور أربع.

__________________

(١) راجع مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٥ و ٣٨ ـ ٤٠.


الاولى : أن يبيع عن المالك فانكشف كونه (١) وليّا (٢) على البيع ، فلا ينبغي الإشكال (٣) في اللزوم (*) حتّى على القول ببطلان الفضولي (٤). لكنّ (٥) الظاهر من

______________________________________________________

١ ـ لو باع عن المالك ، فانكشف كونه وليّا

(١) أي : كون البائع الذي باع عن المالك وليا على البيع.

(٢) المراد بالولي هنا من ليس مالكا ، ولكن له ولاية أمر البيع ، للولاية الشرعية كالأب والجدّ والفقيه الجامع للشرائط ، أو للإذن من طرف المالك كالعبد والوكيل. فلجواز التصرف واقعا وجوه ثلاثة : الملك والولاية والإذن.

(٣) وجه عدم الإشكال هو : كون العاقد على الفرض وليّا واقعا ، وليس فضوليا ، فصدر العقد من أهله في محله ، فالمقام خارج موضوعا عن الفضولي ، فلو فرض بطلان عقد الفضولي من أصله لم يكن قادحا في صحة العقد هنا.

والحاصل : أنّ أدلّة الصحة من العمومات ك «(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)» وغيرهما تشمله بعد وضوح ما تقتضيه أدلة الولاية والوكالة من نفوذ تصرفات الولي والوكيل.

(٤) لما عرفت من خروجه موضوعا عن باب الفضولي.

(٥) استدراك على قوله : «فلا ينبغي الإشكال» ومحصّل الاستدراك : أنّ مجرّد إذن السيد لعبده في التجارة بدون علمه ـ ولا علم غيره بإذن السيد ـ لا يصدق عليه الإذن ،

__________________

(*) وإن لم يكن هذا الفرض من الفضولي ، لصدور العقد من وليّ أمره. إلّا أنّ منصرف أدلة نفوذ ولاية الأب والجدّ وغيرهما من الأولياء غير من يكون تصرفه باعتقاد أنّه غير ولي ، كما في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره ). وهو غير بعيد.

إلّا أن يدّعى كون الانصراف بدويا. فإطلاق أدلة الولاية محكّم ، ويندفع احتمال التقييد بصورة الالتفات إلى الولاية. فليس حينئذ لما عن القاضي قدس‌سره وجه ظاهر ، إلّا بناء على ما سنذكره في التعليقة اللّاحقة.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٧٣.


المحكي عن القاضي (١) «أنّه إذا أذن السيّد لعبده في التجارة ، فباع واشترى ، وهو لا يعلم بإذن سيّده ، ولا علم به أحد ، لم يكن (٢) مأذونا له في التجارة (٣) (*)

______________________________________________________

فلا يترتب آثار الصحة على ما فعله ، خلافا لما أفاده المصنف قدس‌سره من أنّه لا ينبغي الإشكال في اللزوم.

(١) هو الشيخ أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي الشامي ، وكان من تلامذة الشيخ ، وصار خليفته في البلاد الشامية ، نوّر الله تعالى مرقده (١).

(٢) جواب «إذا» ، واسم «يكن» هو الضمير المستتر الراجع الى العبد.

(٣) ظهور هذه الجملة في اعتبار العلم في صدق الإذن ممّا لا ينكر.

__________________

(*) ظاهر عبارته ـ كما في المقابس ـ التشكيك في صدق الإذن على الرضا بدون اطّلاع أحد من المأذون له وغيره من المتعاملين وغيرهما عليه. وهذه مناقشة صغروية ، فمع فرض صدق الإذن على الرضا الباطني لا يرد إشكال على صحة بيع المأذون من المالك مع عدم اطّلاعه على إذنه للبائع.

والحاصل : أنّ نظر القاضي ظاهرا إلى أنّ الرضا الباطني غير المبرز ليس إذنا حتى يخرج بيع العبد المأذون في التجارة ـ غير المطّلع على إذن المولى في التجارة ـ عن البيع الفضولي. وهذا الذي أفاده القاضي قدس‌سره غير بعيد ، لأنّ الإذن هو الإعلام. ومنه قوله تعالى : «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ» أي : فاعلموا بالحرب ، واستعماله في إبراز الرخصة والرضا شائع.

وعليه فلا يصدق الإذن إلّا على إبراز الرضا بمحضر شخص أو جماعة ، والمستفاد من مجموع عبارة القاضي أنّ نفوذ بيع العبد وشرائه منوط بالإذن المبرز من السيد ، سواء أكان مبرزا لنفس العبد أم لغيره ، هذا.

ويحتمل أن يريد القاضي اعتبار إنشاء الإذن ، وعدم كفاية الرضا الباطني. لا أن يريد

__________________

(١) لاحظ ترجمته مبسوطا في رياض العلماء ، ج ٣ ، ص ١٤١ ـ ١٤٥. ومختصرا في أمل الآمل ، ج ١ ، ص ١٥٢ ، وطبقات أعلام الشيعة ، ج ٢ ، ص ١٠٧.


ولا يجوز (١) شي‌ء ممّا فعله. فإن علم بعد ذلك (٢) واشترى وباع جاز ما فعله بعد العلم بالإذن ، ولم يجز ما فعله قبل ذلك (٣) ، فإن (٤) أمر السيّد قوما أن يبايعوا العبد ـ والعبد لا يعلم بإذنه له ـ كان (٥) بيعه وشراؤه منهم جائزا ، وجرى ذلك (٦) مجرى الإذن الظاهر. فإن اشترى العبد بعد ذلك (٧) من غيرهم وباع (٨)

______________________________________________________

(١) الأولى اقترانه بالفاء ، لأنّه بمنزلة نتيجة عدم الإذن.

(٢) أي : بعد إذن السيد له. غرضه أنّ تصرفات العبد من البيع والشراء لا تصح إلّا بعلمه بإذن السيد له فيها ، ولا يكفي الإذن الواقعي بدون علم العبد به ، فإذا علم بالإذن صحّت تصرفاته المعاملية ، وإلّا فلا تصح.

(٣) أي : قبل علم العبد بإذن سيده.

(٤) هذا متفرع على قوله : «ولا علم به أحد» توضيحه : أنّ القاضي رحمه‌الله جعل عدم الإذن مساوقا لعدم إبرازه ، فإذا ابرز للعبد أو لغيره ـ وإن لم يعلم به العبد ـ جاز بيعه وشراؤه.

وقوله : «فإن أمر السيد قوما أن يبايعوا العبد .. إلخ» بيان للفرض الثاني الذي أشار إليه بقوله : «ولا علم به أحد» وحاصله : كفاية بروز الإذن لغير العبد في نفوذ تصرفاته ، وعدم لزوم بروزه لنفس العبد.

(٥) جواب «فإن أمر» و «الواو» في «والعبد لا يعلم» حاليّة.

(٦) أي : أمر السيد قوما أن يبايعوا عبده ، فإنّه بمنزلة الإذن الظاهر لنفس العبد.

(٧) أي : بعد أمر السيد قوما أن يبايعوا عبده.

(٨) عبارة القاضي المنقولة في المقابس عن المختلف هكذا «كان ذلك جائزا».

__________________

اعتبار علم البائع بإذن المالك. ويشهد له حكم القاضي بصحة بيع العبد مع جهله بإذن المولى فيما إذا أذن المولى لقوم في أن يبايعوه ، فإنّ الحكم بصحة العقد إذا جهل العبد بإذن المولى مع أمره لقوم في أن يبايعوه شاهد على اعتبار إنشاء الإذن ، لا على اعتبار علم العبد بإذن السيّد ، فتأمّل. ولازم ذلك صحة عقد العبد إذا أذن له المولى ، ثم نسيه حال العقد.


جاز (١)» انتهى (١).

وعن المختلف الإيراد عليه (٢) بأنّه لو أذن الوليّ ولا يعلم العبد ثمّ باع العبد صحّ (٣) ، لأنّه صادف الإذن ، ولا يؤثّر فيه (٤) إعلام المولى بعض المتعاملين (٢) ، انتهى. وهو (٥) حسن.

______________________________________________________

(١) إن استفيد عموم الإذن لغير ذلك القوم ، وإلّا اختصّ الجواز بهم ، ولا يجوز التعدّي عنهم.

(٢) أي : على ما أفاده القاضي قدس‌سره من عدم كفاية إذن السيد لعبده في التجارة إذا لم يعلم العبد بالإذن. ومحصل الإيراد هو : أنّ القاضي اعترف بصحة عقد العبد مع جهله بإذن المولى في صورة إعلام المولى بعض المتعاملين. وهذا شاهد على كفاية الإذن واقعا في صحة عقد العبد ، وكفاية مصادفة الإذن في صحته ، وعدم اعتبار علم العبد بإذن السيد في صحته.

(٣) جواب «لو أذن» والضمير الفاعل ، وكذا ضمير «لأنّه» راجعان إلى البيع.

(٤) يعني : لا يؤثّر في نفوذ العقد وصحته إعلام المولى بعض المتعاملين ، بل المؤثر في صحته هو مصادفة عقد العبد للإذن واقعا ، وليس الإعلام إلّا طريقا للرضا الباطني ، من دون أن يكون له جهة موضوعية أصلا.

لكن قد عرفت احتمال تقوم الإذن بالإعلام ، فالإعلام دخيل في صدق الإذن ولو بإعلام غير العبد.

(٥) يعني : وإيراد العلّامة حسن ، وحسنه مبني على كفاية الإذن الواقعي. واعتراف القاضي قدس‌سره بصحة عقد البيع مع جهله بالإذن ـ في صورة أمر السيّد قوما بأن يبايعوا العبد ـ يدلّ على كفاية الإذن واقعا ، وإن لم يعمل العبد به (*).

__________________

(*) أقول : بل يدلّ على اعتبار إبراز الإذن ، وعدم كفاية وجوده الواقعي.

نعم يدلّ على عدم اعتبار علم الولي بالإذن ، وكفاية علم غيره به في نفوذ تصرفات

__________________

(١) الحاكي لكلام القاضي المنقول في المتن هو صاحب المقابس ، ص ٣٨ (كتاب البيع). وحكاه العلامة عنه في المختلف ج ٥ ، ص ٤٣٥

(٢) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٤٣٧ ، والحاكي لكلام العلّامة هو صاحب المقابس ، في كتاب البيع ، ص ٣٨


الثانية (١) : أن يبيع لنفسه ، فانكشف كونه وليّا (*) ، فالظاهر أيضا صحّة العقد ، لما عرفت (٢) من أنّ قصد بيع مال الغير لنفسه

______________________________________________________

٢ ـ لو باع لنفسه فانكشف كونه وليّا

(١) أي : الصورة الثانية من الصور الأربع ـ المشار إليها في (ص ٣٤٧) في المسألة الثالثة ـ هي : أن يبيع البائع لنفسه ، فانكشف كونه وليّا. والظاهر صحة العقد كالصورة السابقة ، وفاقا لصاحب المقابس قدس‌سره ، حيث قال في القسم السادس : «أن يبيع أو يشتري لنفسه ، ثم ينكشف كونه وليّا أو وكيلا على المال عند العقد. وحكمه يعرف ممّا سبق» يعني مما سبق في القسم الخامس من الحكم بالصحة ، فراجع (١).

(٢) يعني : في المسألة الثالثة من المسائل الثلاث المعقودة لبيان أقسام الفضولي ، حيث

__________________

الولي. ولعلّه لإطلاق أدلة الولاية. واعتبار العلم بالاذن يكون بنحو الموضوعية ، لما مرّ من عدم صدق الإذن لغة على غير الإذن المبرز. لكنه أخذ موضوعا بنحو الطريقية لا بنحو الصفتية ، ولذا يقوم سائر الطرق كالبينة مقامه ، فإذا شهدت البينة بأنّ زيدا أذن لابنه في بيع أمواله ، ولم يعلم الابن بهذا الإذن ، فباع أمواله ، صحّ البيع.

ولو شكّ في اعتبار علم الولي بإذن المولّى عليه في نفوذ تصرفاته ، كان مقتضى إطلاق أدلة الولاية عدم اعتباره ، لأنّ مرجع هذا الشك إلى الشك في تقييد إطلاق أدلة الولاية ، والمرجع حينئذ إطلاقها.

(*) الظاهر عدم الفرق في الحكم بين الولي الخاص كالأب والجد ، وبين الولي العام كالفقيه الجامع للشرائط وعدول المؤمنين ، لأنّه مقتضى إطلاق أدلة الولاية. فما عن بعض المحققين من «جعل الأشبه في الولي الخاص لزوم البيع وعدم توقفه على الإجازة ، وجعل الأحوط في الولي العام اعتبارها» لم يظهر له وجه. ولعل نظره إلى انصراف الولي إلى الولي الخاص ، ولا بدّ من التأمل.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٨.


لا ينفع (١) ولا يقدح. وفي توقّفه على إجازته (٢) للمولّى عليه وجه ، لأنّ (٣) قصد كونه لنفسه يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون ، فتأمّل (٤).

______________________________________________________

قال في بعض كلامه : «فعلم من ذلك أنّ قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب حتى يتردّد الأمر بين المحذورين المذكورين» (١). فراجع.

(١) خبر «أنّ قصد» يعني : لا ينفع في صيرورة البيع للعاقد ، لكونه خلاف مقتضى المعاوضة. ولا يقدح في صيرورته للغير وهو المالك ، لأنّ الأمر يرجع إلى حيثية المالكية المأخوذة جهة تقييدية ، فلا محالة يصير البيع للمالك ، ويحتاج إلى إجازته في غير ما نحن فيه. وأميا فيه فلا يحتاج إلى الإجازة ، لأنّها إمّا لتحقق الانتساب ، أو لحصول الرضا. وكلاهما هنا حاصل ، إذ المباشر هو الولي ، والرضا المعتبر هو رضاه أيضا.

(٢) أي : في توقف نفوذ العقد على إجازة العاقد. غرضه : أنّ نفوذ العقد ولزومه هل يتوقف على إجازة العاقد هذا العقد للمولّى عليه؟ أم أنّ العقد بمجرد تحققه نافذ ولا يناط نفوذه بشي‌ء.

(٣) هذا بيان وجه التوقف على الإجازة ، ومحصله : أنّ قصد البائع كون العقد لنفسه يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون ، وهو كون العقد للمولّى عليه ، وصيرورته عقدا له موقوفة على الإجازة ، وإلغاء كونه لنفسه.

(٤) لعله إشارة إلى : أنّه بعد لغوية قصد كونه لنفسه شرعا وعدم نفعه وقدحه لا يبقى في المقام إلّا وقوعه موقوفا على الوجه المأذون من الشارع ، وهو كون التصرف في مال المولّى عليه مقرونا بمصلحته ، أو بعدم المفسدة. فإن كان هذا الشرط موجودا فلا وجه للإجازة ، إذ الفرض وجود الشرط ، وإلّا فلا تجدي الإجازة ، لعدم وقوعها في محلّها الذي هو البيع المقرون بالمصلحة أو عدم المفسدة.

أو إشارة إلى ما قيل : من التنافي بين الصدر والذيل ، إذ مقتضى الصدر لغوية «لنفسه» ، ومقتضى الذيل ـ وهو وقوع العقد على غير الوجه المأذون ـ قيديّته الموجبة لبطلان العقد ، وعدم صحته بالإجازة. ومقتضى الصدر صحته بدون الإجازة.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٥٧٣.


الثالثة (١) : أن يبيع عن المالك ، ثمّ ينكشف كونه مالكا.

______________________________________________________

وبالجملة : فالعقد إمّا صحيح بدون الإجازة ، وإمّا باطل لا يصحّ بالإجازة ، هذا.

أقول : يمكن دفع التنافي بين الصدر والذيل بأنّ المراد بالصدر لغوية «لنفسه» بمعنى عدم تأثيره في صحة العقد وفساده ، وذلك لا يمنع من اعتبار ما جعل شرطا في صحة العقد ، فإنّ الأحكام الحيثية كذلك. فالعقد من ناحية ذكر «لنفسه» لا مانع من صحته.

ولكنّه لا يمنع عن لزوم مراعاة ما جعل شرطا في صحة العقد ، كجعل البيع للمولّى عليه.

والحاصل : أنّ كل شرط يحفظ المشروط من قبله لا مطلقا ، فالعقد ليس فاسدا من ناحية ذكر «لنفسه» ولكنه لا ينفي شرطية غيره ، كوقوعه على الوجه المأذون ، وهو وقوعه للمولّى عليه في مورد وجود المصلحة أو عدم المفسدة. فإذا كان البيع على الوجه المأذون فهو صحيح ، وإلّا فلا.

وعليه فلا منافاة بين الصدر والذيل ، إذ مقتضى الصدر عدم بطلان العقد من ناحية «لنفسه» لا عدم بطلانه مطلقا ، فيمكن أن يكون لصحة العقد شرط يلزم مراعاته. ومقتضى الذيل اعتبار الوجه المأذون في الصحة.

وهذا نظير صحة الصلاة في اللباس المشكوك فيه ، فإنّ صحتها من ناحية اللباس المشكوك فيه لا تثبت صحتها من ناحية الشك في الطهارة.

وإن شئت فقل : إنّ قيد «لنفسه» لا يقدح في صحة العقد ، لكنه يوجب انصرافه عن المولّى عليه بحيث لا يكون مضافا إليه ، ولا يعدّ عقدا له ، وإضافته إليه منوطة بإجازة وليّ العقد ، وهو نفس العاقد. فلا يدور الأمر بين البطلان رأسا والصحة فعلا من دون حاجة إلى الإجازة ، كما أفاده القائل بالتنافي بين الصدر والذيل.

٣ ـ لو باع عن المالك ، فانكشف كونه مالكا

(١) أي : الصورة الثالثة من الصور الأربع المشار إليها في (ص ٣٤٧) هي : «أن يبيع البائع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا» وهو القسم السابع في كلام صاحب المقابس قدس‌سره لقوله : «السابع : أن يبيع أو يشتري عن المالك بزعمه ، ثم ينكشف كون المال له. وقد فرضه الأصحاب في من باع مال أبيه بظنّ الحياة وأنّه فضولي ، فبان موته وأنه مالك.

وذكر جماعة منهم فروضا أخرى أيضا من هذا القسم. وحكم العلامة في التذكرة بصحة


وقد مثّل له الأكثر (١) بما لو باع مال أبيه بظنّ حياته فبان ميّتا.

والمشهور الصحّة (٢) ، بل ربما استفيد (٣) من كلام العلّامة في القواعد

______________________________________________________

العقد ..» (١).

(١) قيل : إنّه لم يظهر تمثيل الأكثر ـ لهذه الصورة ـ بخصوص المثال المذكور في المتن ، وإنّما ذكر هذا الفرع في كلام العلامة في القواعد ، حيث قال : «ولو باع مال أبيه بظنّ الحياة ، وأنّه فضولي ، فبان ميّتا ، وأنّ المبيع ملكه ، فالوجه الصحة» (٢).

والأمر كما ذكره القائل ، لتصريح صاحب المقابس في كلامه المتقدم بوجود أمثلة أخرى ، حيث قال : «وذكر جماعة منهم فروضا أخر لهذا القسم» فلاحظ.

فمنها : قول العلامة : «وكذا لو باع العبد على أنه آبق أو مكاتب ، فصادف رجوعه أو فسخ الكتابة. وكذا لو زوّج أمة أبيه على ظنّ أنّه حي ، فبان ميّتا» (٣).

ومنها : ما أفاده في هبة القواعد بقوله : «وإذا باع الواهب بعد الإقباض بطل مع لزوم الهبة ، وصحّ لا معه ، على رأي. ولو كانت فاسدة صحّ إجماعا. ولو باع مال مورّثه معتقدا بقاءه ، أو أوصى بمن أعتقه ، وظهر بطلان عتقه فكذلك» (٤).

ومنها : ما نقله السيد العاملي عن المحقق الكركي قدس‌سرهما من قوله : «ومثله ما لو باع فضوليا ، ثم بان شراء وكيله إيّاه» (٥).

ولعلّ المتتبع في كلمات الأصحاب يقف على فروع أخر لهذه الصورة الثالثة.

(٢) كما ادّعاه الفاضل الخراساني أيضا قدس‌سره على ما حكاه صاحب المقابس عنه ، فراجع (٦).

(٣) كذا في المقابس أيضا ، لقوله : «وربما يستفاد منهما ـ أي : من القواعد والإرشاد ـ

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٨.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩.

(٣) نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٧٧.

(٤) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٠٩ ، إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٤٥٠.

(٥) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٥ و ١٩٦ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٦.

(٦) مقابس الأنوار ، ص ٣٨ ، كفاية الأحكام ، ص ١٤٥ ، السطر ٩.


والإرشاد في باب الهبة الإجماع ، ولم نعثر على مخالف صريح ، إلّا أن الشهيد رحمه‌الله ذكر في قواعده : «أنّه لو قيل بالبطلان أمكن» (١).

وقد سبقه في احتمال ذلك (١) العلّامة وولده في النهاية والإيضاح «لأنّه (٢) إنّما قصد نقل المال عن الأب ، لا عنه (٣). ولأنّه (٤) وإن كان منجّزا في الصورة ، إلّا أنّه

______________________________________________________

ـ دعوى الإجماع عليه» (٢). ولعلّ المستفيد هو السيد العاملي قدس‌سره ، لقوله : «وفي هبة الكتاب ـ أي القواعد ـ جزم بالصحة ، وقد يلوح منه هناك أنّها محلّ إجماع ، فليرجع إليه» (٣).

لكنك عرفت صراحة عبارة القواعد في الإجماع ، ولعلّ كلمة «إجماعا» ساقطة من بعض نسخ القواعد.

(١) أي : احتمال البطلان في هذه الصورة الثالثة. واستدل للبطلان بوجوه ثلاثة ، جملتها مذكورة في الإيضاح ، والأخيران مذكوران في النهاية ، والمنقول في المتن عبارة الإيضاح ، فراجع.

(٢) هذا أوّل تلك الوجوه الثلاثة ، ومحصّله : أنّ العاقد إنّما قصد نقل المال عن الأب لا عن نفسه ، فمن قصد البيع له لا يمكن أن يقع له البيع ، لعدم كونه مالكا ، ومن يمكن أن يقع البيع له ـ لكونه مالكا ـ لم يقصد له البيع.

والحاصل : أنّه يلزم تخلف العقد عن القصد.

(٣) أي : لا عن العاقد الفضولي الذي هو ولد المالك.

(٤) هذا ثاني تلك الوجوه الثلاثة ، وحاصله : أنّ هذا العقد فاقد لشرط التنجيز وإن كان منجّزا صورة ، لكنه معلّق واقعا ، إذ تقدير قول الفضوليّ : «بعتك» هو «إن مات مورّثي فقد بعتك» والتعليق مبطل العقد.

__________________

(١) القواعد والفوائد ، ج ٢ ، ص ٢٣٨ ، ذيل القاعدة : ٢٣٨.

(٢) مقابس الأنوار ، ص ٣٨.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٥.


معلّق ، والتقدير : إن مات مورّثي فقد بعتك. ولأنّه (١) كالعابث عند مباشرة العقد ، لاعتقاده (٢) أنّ المبيع لغيره» (١) انتهى.

أقول (٣) : أمّا قصد نقل الملك عن الأب فلا يقدح (*) في وقوعه ، لأنّه (٤) إنّما قصد نقل الملك عن الأب من حيث إنّه مالك باعتقاده ، ففي الحقيقة إنّما قصد النقل

______________________________________________________

(١) هذا ثالث تلك الوجوه الثلاثة ، وحاصله : أنّ هذا العاقد الفضوليّ كالعابث في عدم إرادة القصد الجدي بالصيغة ، إذ لا يتمشّى هذا القصد مع اعتقاده كون المبيع لغيره.

(٢) تعليل لكون البائع كالعابث ، فإنّه مع هذا الاعتقاد كيف يتمشّى منه القصد الجدّي؟

(٣) هذا كلام المصنف قدس‌سره ، وهو إشكال على الوجه الأوّل من الوجوه الثلاثة التي أقيمت على البطلان ، ومحصّل الإشكال : أنّ قصد الأب لم يتعلّق بخصوص شخصه ، بل تعلّق به من حيث كونه مالكا. فالبائع قصد البيع لمالك المبيع بحيث يشمل نفسه ، غاية الأمر أنّه اشتبه في تطبيق عنوان «المالك» على أبيه. فعلى هذا يقصد البائع البيع للمالك لا لغيره ، فلا يرد عليه : أنّ ما قصد لم يقع ، وما وقع لم يقصد.

(٤) تعليل لقوله : «فلا يقدح» وحاصله ـ كما مر آنفا ـ أنّ قصد النقل عن الأب ليس قصدا له لشخصه ، بل لكونه مالكا ، فالقصد تعلّق بعنوان المالك الذي هو جهة تقييدية.

__________________

(*) عدم القدح مبنيّ على كون المالكية هنا جهة تقييدية. وليس الأمر كذلك ، لأنّ الظن بالحياة ـ المراد به العلم بالحياة كما عبّر به العلّامة في هبة القواعد باعتقاد الحياة ، وكذا صرّح المصنف قدس‌سره فيما يأتي من قوله : «فهو إنما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في علمه ، فبيعه كبيع الغاصب مبني على دعوى ..» ـ يلائم قصد النقل عن شخص الأب ، لا عنوان كلّيّ المالك ، فحيثية المالكية هنا تعليلية ، لا تقييدية. فإيراد فخر المحققين قدس‌سره «بأنّه يلزم وقوع ما لم يقصد ، وعدم وقوع ما قصد» وارد ، ولا يندفع بما أفاده المصنف.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤٢٠ ، نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٧٧.


عن المالك (*) لكن أخطأ في اعتقاده أنّ المالك أبوه. وقد تقدّم (١) توضيح ذلك (٢) في عكس المسألة أي : ما لو باع ملك غيره باعتقاد أنّه ملكه (٣).

نعم (٤) من أبطل عقد الفضوليّ لأجل اعتبار مقارنة طيب نفس المالك للعقد ، قوي (٥) البطلان عنده

______________________________________________________

(١) أشرنا إلى كلامه المتقدم ـ في ثالثة مسائل بيع الفضولي ـ في (ص ٣٥٣) فراجع.

(٢) أي : كون الخطأ في اعتقاد انطباق عنوان المالك ـ الذي هو حيثية تقييدية ـ على أبيه.

(٣) أي : ملك البائع ، كما إذا اعتقد زيد مثلا بأنّ المتاع الفلاني ملكه ، فباعه ، ثم تبيّن أنّه ملك عمرو ، فإنّهم قد وجّهوا صحة البيع هناك بأنّ البائع قصد البيع للمالك ، غاية الأمر أنّه أخطأ في تطبيق طبيعيّ المالك على نفسه. وهذا لا يقدح في صحة البيع.

(٤) استدراك على ما أفاده في هذه الصورة الثالثة من صحة بيع الفضولي مال الغير عن المالك ، وحاصل الاستدراك : أنّ من استند في بطلان عقد الفضولي إلى فوات مقارنة طيب نفس المالك للعقد ، فلا بدّ من التزامه بالبطلان هنا ، لفوات مقارنه الطيب فيه ، لأنّ العاقد من حيث إنّه مالك فاقد للطّيب المالكي حين العقد ، وإنّما تطيب نفسه بنقل مال غيره حينه. وطيب نفسه ببيع ماله بعد الانكشاف ليس طيبا مالكيّا مقارنا للعقد.

(٥) جواب «من أبطل» المتضمّن معنى الشرط.

__________________

(*) بل قصد النقل عن شخص أبيه ، لا النقل من طبيعيّ المالك بجعله حيثية تقييدية ، وكون أبيه من مصاديقه ، إذ إرادة طبيعيّ المالك وإطلاقه ـ بحيث يعمّ كلّا من العاقد وأبيه مع العلم بحياة أبيه ـ في حكم التعليق ، لأنّ مرجع هذا الإطلاق إلى وقوع البيع عنه على تقدير موت والده ، وعن والده على تقدير حياته. وهذا عبث ينافي القصد الجدّي في مقام المعاملة. فالمناسب هنا كون حيثية المالكية جهة تعليلية كما مرّ في التعليقة السابقة.


هنا (١) (*) ، لعدم طيب نفس المالك بخروج مالكه عن ملكه (٢) ، ولذا (٣) (**) نقول نحن كما سيجي‌ء (٤) باشتراط الإجازة من المالك بعد العقد ، لعدم حصول طيب النفس حال العقد.

وأمّا ما ذكره من «أنّه (٥) في معنى التعليق» ففيه (٦) : مع مخالفته لمقتضى الدليل

______________________________________________________

(١) أي : في هذه الصورة الثالثة المتقدمة في (ص ٣٥٤).

(٢) لأنّ العاقد حين العقد لم تطب نفسه بنقل ماله ، بل طابت حينه بنقل مال غيره.

(٣) أي : ولعدم طيب نفس المالك بخروج ماله عن ملكه مقارنا للعقد.

(٤) عند قوله في (ص ٣٦٤) : «لكن الأقوى وفاقا للمحقق والشهيد الثانيين وقوفه على الإجازة».

فالنتيجة : أنّ جواب الدليل الأوّل هو : أنّ قصد وقوع البيع عن الأب لا يضرّ بوقوعه ، لأنّ قصد الأب يكون لأجل اعتقاد الابن بكون الأب مالكا ، فهو قصد البيع عن مالكه ، لكنه أخطأ في تطبيق المالك على أبيه ، وهذا لا يقدح في وقوع البيع.

(٥) أي : أنّ عقد البائع. وهذا إشارة إلى ثاني أدلّة العلّامة والفخر ، وهو كون هذا العقد معلّقا واقعا وإن كان منجّزا صورة ، لأنّه معلّق على موت أبيه حتى يقع البيع له.

(٦) هذا ردّ الدليل الثاني ، وقد ردّه المصنف قدس‌سره بوجهين :

أحدهما : أنّ هذا الدليل الثاني مخالف لمقتضى الدليل الأوّل ، لأنّ مقتضاه هو البيع عن أبيه منجّزا ، لاعتقاد حياته ، وكون المال مال أبيه. ومقتضى الدليل الثاني هو البيع عن

__________________

(*) فإن مقتضاه بطلان عقد الفضولي في جميع الموارد ، لفقدان مقارنة طيب نفس المالك للعقد في جميع العقود الفضولية. وغير الفضولي ممّا يحتاج إلى الإجازة وإن لم يكن من العقد الفضولي موضوعا ، حيث إنّ العاقد هو المالك. إلّا أنّ ملاك الحاجة إلى الإجازة ـ وهو طيب النفس ـ موجود في مثل المقام ، فالمحوج إلى الإجازة فيه هو اعتبار طيب نفس المالك.

(**) تعليل بطلان الفضولي بعدم مقارنة طيب نفس المالك للعقد لا يصح لأن يكون سببا لشرطية إجازة المالك لصحة العقد مع تأخرها عنه وعدم مقارنتها له ، بل لا بدّ أن تكون شرطيتها مستندة إلى دليل آخر ، ولا بدّ من التأمل في فهم مراد المصنف من العبارة.


الأوّل (١) كما لا يخفى ـ منع (٢) كونه في معنى التعليق ، لأنّه إذا فرض أنّه يبيع مال أبيه لنفسه كما هو (٣) ظاهر هذا الدليل ، فهو (٤) إنّما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في (٥) علمه ، فبيعه (٦) كبيع الغاصب مبنيّ على دعوى السلطنة والاستقلال على المال ، لا على تعليق النقل بكونه (٧) منتقلا إليه بالإرث عن [من] مورّثه (٨) ، لأنّ ذلك (٩) لا يجامع مع ظنّ الحياة.

______________________________________________________

نفسه معلّقا على موت أبيه. ومن المعلوم تخالفهما من حيث التنجيز والتعليق ، ومن مغايرة من له البيع في الدليل الأوّل والثاني.

(١) وهو قوله في (ص ٣٥٦) : «لأنّه إنّما قصد نقل المال عن الأب» وقوله : «مع مخالفته» إشارة إلى الوجه الأوّل من وجهي ردّ المصنف.

(٢) مبتدء مؤخّر ، وخبره المقدّم قوله : «ففيه». وهذا ثاني وجهي الرد ، وحاصله : منع التعليق حتى فيما إذا فرض أنّه يبيع مال أبيه لنفسه مع علمه بكونه مال أبيه ـ فضلا عما نحن فيه من بيعه لأبيه مع تبين كون المبيع ملكه ـ فإنّ البيع لنفسه مع العلم بأنّه ليس ملكا له كالغاصب مبنيّ على دعوى سلطنته واستقلاله على ذلك المال ، وليس مبنيا على التعليق.

(٣) يعني : كما أنّ فرض بيع مال أبيه لنفسه ظاهر هذا الدليل.

(٤) جواب قوله : «إذا فرض».

(٥) متعلق ب «كونه» يعني : مع وصف اعتقاد البائع بأنّ المال ملك أبيه.

(٦) يعني : فبيع البائع ـ مع علمه بكون المبيع ملكا لأبيه ـ ليس مبنيّا على تعليق النقل بانتقاله إليه بالإرث ، بل هو كبيع الغاصب مبني على دعوى الاستقلال على المال ، وذلك لأنّ التعليق لا يلائم ظنّ الحياة ، إذ المراد بالظن هو العلم كما فهمه المصنف قدس‌سره حيث قال : «مع وصف كونه لأبيه في علمه» ومن المعلوم أنّ التعليق مبنيّ على الاحتمال المضادّ للقطع.

(٧) متعلق ب «تعليق» والضمير راجع الى المال.

(٨) هذا الضمير وضمير «إليه» راجعان إلى البائع المفروض كونه ولد المالك.

(٩) أي : لأنّ التعليق ، وقوله : «لأنّ» تعليل لعدم تعليق النقل ، وقد اتّضح بقولنا :


اللهم (١) إلّا أن يراد أنّ القصد الحقيقيّ إلى النقل معلّق على تملّك الناقل ، وبدونه (٢) فالقصد صوريّ ، على ما تقدّم (٣) من المسالك من «أنّ الفضولي والمكره قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله» (١).

لكن فيه (٤) حينئذ (٥) أنّ هذا القصد الصوريّ كاف ، ولذا (٦) قلنا بصحّة عقد الفضولي.

______________________________________________________

«وذلك لأنّ التعليق لا يلائم ظنّ الحياة .. إلخ».

(١) هذا استدراك على ما أفاده من الصحة ، وغرضه إثبات بطلان العقد في هذه الصورة الثالثة بكونه معلّقا لا منجّزا ، بدعوى : أنّ مركز التعليق هو النقل الحقيقي الذي هو معنى الاسم المصدري ، لا النقل الإنشائي ، فالتنجيز صوريّ والتعليق حقيقي ، فإنّ قصد النقل الحقيقي معلّق على تملّك الناقل ، فقصد النقل بدونه صوري ، والقصد الصوري ليس موضوعا للأثر.

(٢) أي : وبدون التعليق على تملّك الناقل فالقصد إلى النقل صوريّ.

(٣) من قوله : «ويكفي في ذلك ما ذكره الشهيد الثاني من أنّ المكره والفضولي قاصدان الى اللفظ دون مدلوله» فراجع ما أفاده المصنف قدس‌سره في بيع المكره.

(٤) أي : في قوله : «اللهم الا أن يراد» الدال على تعليق النقل.

(٥) أي : حين كون التعليق متعلقا بالقصد الحقيقي إلى النقل ، دون القصد الصوري.

ومحصل ما أفاده في ردّ الاستدراك هو : أنّ المدار في قدح التعليق في صحة العقد هو تعليق القصد الصوري دون القصد الحقيقي. ولو كان تعليق القصد الحقيقي قادحا في الصحة لم يكن لصحّة عقد الفضولي وجه ، لأنّ القصد الحقيقيّ في جميع العقود الفضوليّة معلّق على رضا من له السلطنة على إجازة العقد وردّه. فصحّة عقد الفضوليّ تكشف عن عدم قدح تعليق القصد الحقيقي في صحّته ، وكفاية تنجز القصد الصوري في صحته التأهلية.

(٦) يعني : ولأجل كفاية القصد الصوري في صحة العقد قلنا بصحة عقد الفضولي.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٥٦ ، وتقدم كلامه في الجزء الرابع من هذا الشرح ، فراجع ص ١٠١ و ١٦٦.


ومن ذلك (١) يظهر ضعف ما ذكره أخيرا (٢) من كونه كالعابث عند مباشرة العقد ، معلّلا (٣) بعلمه بكون المبيع لغيره.

وكيف كان (٤) فلا ينبغي الإشكال في صحّة العقد (٥).

إلّا (٦) أنّ ظاهر المحكيّ من غير واحد

______________________________________________________

(١) أي : وممّا ذكرناه في ردّ ثاني أدلّة العلّامة والفخر قدس‌سرهما من كفاية القصد الصوري في صحة العقد ـ يظهر ضعف الدليل الثالث ، وهو : كون العاقد كالعابث عند إنشاء العقد ، معلّلا بكون المبيع لغيره. وجه الظهور : أنّ كفاية تنجّز القصد الصوري في صحة العقد تخرج العاقد عن كونه عابثا.

(٢) في (ص ٣٥٧) من قوله : «ولأنّه كالعابث عند مباشرة العقد ، لاعتقاده .. إلخ».

(٣) حال من فاعل «ذكره» وهو العلّامة قدس‌سره ، وضمير «بعلمه» راجع إلى العاقد.

(٤) مقتضى السياق أن يراد بهذه الكلمة : أنّه سواء تمّ ما أفاده العلّامة وفخر الدين من وجوه المنع أم لا. ولكن هذا غير مراد قطعا ، بقرينة نفي الاشكال في صحة العقد وعدم فساده ، سواء قيل بتوقفه على الإجازة أم لا.

فلا بدّ أن يكون مراده من قوله : «وكيف كان» أمرا آخر ، بأن يقال : سواء اكتفينا ـ في ردّ الوجوه الثلاثة المحكية عن الإيضاح ـ بما ذكر ، أم نوقش فيها بوجه آخر ، فعلى كلّ لا ينبغي الإشكال في عدم فساد العقد في الصورة الثالثة ، وهي : أن يبيع عن المالك ، ثم ينكشف كونه مالكا.

(٥) أي : في الصورة الثالثة ، وهي : أن يبيع عن المالك ، ثم ينكشف كونه مالكا.

(٦) الأولى إبدال العبارة بأن يقال : «في صحة العقد تأهلا ، بل عن ظاهر المحكي عن غير واحد لزوم العقد ، وعدم الحاجة إلى الإجازة ..» إذ الغرض بيان صحة العقد تأهّلا وفعلا كما هو ظاهر المحكي عن غير واحد ، فإنّ الصحّة ظاهرة في الصحة المطلقة التأهلية والفعلية ، والاستثناء إخراج عن شي‌ء. ومن المعلوم أنّ ما بعد «إلّا» الاستثنائية هنا لم يخرج عن الصحّة ، بل أيّدتها وثبّتتها ، حيث إنّ المحكي عن غير واحد صحّة العقد مطلقا أي تأهّلا وفعلا ، ولم تخرج الصحة الفعليّة عن الصحة المطلقة حتى يصح استثناؤها كما لا يخفى.


لزوم العقد (١) ، وعدم الحاجة إلى إجازة مستأنفة ، لأنّ (٢) (*) المالك هو المباشر

______________________________________________________

والحاكي للصحة ـ من دون حاجة إلى الإجازة ـ هو المحقق صاحب المقابس قدس‌سره ، فإنّه بعد حكاية الصحة عن جملة من كتب العلّامة قال : «وهذا هو قول المحقق في الشرائع ، وظاهر الشهيد في الدروس. وظاهر هؤلاء : أنّه يلزم حين وقوعه ، ولا يفتقر إلى إجازة من المباشر. وبذلك فسّر كلام العلّامة في الإيضاح وجامع المقاصد» (١).

(١) أي : في الصورة الثالثة المذكورة في (ص ٣٥٤) وهي : أن يبيع عن المالك ، ثم ينكشف كونه مالكا.

(٢) تعليل للزوم العقد وعدم الحاجة إلى إجازة مستأنفة ، وقد علّل ذلك بوجهين :

أحدهما : أنّ فائدة الإجازة ـ وهي ارتباط العقد بالمجيز ، وصيرورة عقد الفضول عقده ـ حاصلة هنا ، إذ المفروض أنّ المالك بنفسه أنشأ العقد ، ولا معنى لإجازة فعل نفسه ، لكونها من تحصيل الحاصل.

ثانيهما : أنّ قصد العاقد ـ الذي هو المالك واقعا ـ إلى نقل المال المعيّن الذي هو ماله إن كان موجبا لحصول نقل مال نفسه فيما نحن فيه ، فهو أولى من الإذن فضلا عن الإجازة ، فلا وجه حينئذ للإجازة ، بل لا بدّ من الحكم بلزوم العقد.

__________________

(*) نعم ، لكنّ الإجازة قد تفيد أمرين ، أحدهما : انتساب العقد إلى المجيز ، والآخر : إبراز الرضا وطيب النفس.

لكن الأوّل حاصل هنا بالمباشرة التي هي أقوى من الإجازة في حصول الانتساب. ولا معنى للانتساب بعد الانتساب ، لأنه تحصيل للحاصل.

وأما الأمر الثاني فلا يحصل هنا إلّا بالإجازة. فوجه الحاجة إلى الإجازة إنّما هو حصول الرضا ، إذ لا ملازمة ولا مساواة بين الانتساب والطّيب ، فضلا عن الأولوية ، فلا يغني الانتساب الحاصل بالمباشرة عن الطيب المنكشف بالإجازة. فلا وجه للزوم العقد بدون الإجازة.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٨ ولاحظ : شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٣١ ، الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٨٩.


للعقد ، فلا وجه لإجازة فعل نفسه. ولأنّ (١) قصده إلى نقل مال نفسه إن حصل هنا (٢) بمجرّد القصد إلى نقل المال المعيّن الذي هو في الواقع ملك نفسه ـ وإن لم يشعر (٣) به ـ فهو (٤) أولى من الإذن في ذلك فضلا عن أجازته (٥) ، وإلّا (٦) توجّه عدم وقوع العقد له (٧).

لكنّ الأقوى وفاقا للمحقّق والشهيد الثانيين (١) : وقوفه (٨) على الإجازة ،

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الوجه الثاني المتقدّم بيانه آنفا.

(٢) أي : في بيع العاقد عن المالك وانكشاف كونه مالكا. وقوله : «إن حصل هنا» إشارة إلى ما أفاده في (ص ٣٥٥) من قوله : «والمشهور الصحة» فإنّ الصحة هي حصول النقل ، وحصوله من العاقد بإنشائه أولى من الإذن الذي هو مجوّز لتصدّي غير المالك في النقل ، لأنّ النقل بإنشائه أولى من إنشاء الغير المنوط تأثيره بإذنه.

والحاصل : أنّ حصول نقل ماله بمجرد القصد إلى نقله أولى بلزومه من الإذن في ذلك.

(٣) كما هو المفروض ، وظاهر عنوانهم «لو باع مال أبيه بظن حياته فبان ميتا» فإنّه لا يشعر بأنّ المال المعيّن الذي نقله هو ملك له واقعا.

وجه أولويته من الإذن : أنّ المباشرة أولى من الإذن في الانتساب.

(٤) جواب الشرط في قوله : «إن حصل هنا» وجملة الشرط والجواب خبر قوله : «ولأن قصده» وضمير «فهو» راجع إلى «قصده».

(٥) لأنّها إنفاذ فعل الغير بعد وقوعه ، والإذن ترخيص في إيجاد الفعل.

(٦) أي : وإن لم يحصل قصد الولد العاقد ـ المفروض كونه مالكا واقعا للمبيع ـ إلى نقل مال نفسه بمجرّد القصد إلى نقل المال المعيّن لتوجّه عدم وقوع العقد للولد أصلا ، لا وقوعه موقوفا على الإجازة ، لأنّه على فرض عدم حصول النقل بمجرّد القصد إلى نقل المال المعيّن لم يحصل العقد الناقل. ومع عدم تحققه لا عقد حتى يبحث عن احتياجه إلى الإجازة وعدمه.

(٧) أي : للولد العاقد.

(٨) أي : وقوف العقد الصادر من الولد الذي هو المالك واقعا ـ مع عدم علمه

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٦ ، مسالك الأفهام ، ج ٦ ، ص ٥١.


لا لما ذكره في جامع المقاصد (١) من «أنّه لم يقصد إلى البيع الناقل للملك الآن (٢) ، بل مع إجازة المالك» ، لاندفاعه (٣) بما ذكره بقوله : «إلّا أن يقال : إنّ قصده إلى أصل البيع كاف».

وتوضيحه : أنّ انتقال المبيع شرعا بمجرّد العقد أو بعد إجازة المالك ليس (٤)

______________________________________________________

بمالكيته ـ على الإجازة ، فإنّ لزومه بالنسبة إلى العاقد الذي يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا منوط بالإجازة.

(١) محصل ما أفاده المحقق الثاني قدس‌سره في وجه توقف لزوم العقد للعاقد على الإجازة هو : أنّ العاقد لاعتقاده بكون المبيع مال الغير لا يقصد تأثير هذا العقد إلّا مع الإجازة.

وببيان آخر : انّ العاقد أنشأ العقد منوطا بالإجازة ، ولم ينشئه بنحو يترتّب عليه الأثر فعلا وبلا حاجة إلى الإجازة.

(٢) أي : فعلا بلا حاجة إلى الإجازة ، بل قصد البيع الناقل منوطا بإجازة المالك.

(٣) أي : لاندفاع ما ذكره المحقق الثاني قدس‌سره. وهذا ردّ المصنف قدس‌سره لكلامه ، وتعليل لقوله : «لا لما ذكره في جامع المقاصد» وحاصل الرّد وجهان : أحدهما : ما أفاده المحقق الثاني قدس‌سره بقوله : «الا ان يقال» وأوضحه المصنف بما محصّله : أنّ ما يعتبر قصده في البيع كما اشتهر أنّ العقود تابعة للقصود ـ بحيث يقدح في صحة العقد عدم قصده أو قصد خلافه ـ هو مدلول لفظ العقد ، وذلك في مثل «بعت» مجرّد النقل بنظر الناقل. وأمّا ترتّب الأثر أعني به الانتقال فهو حكم شرعي يترتّب على مجرّد العقد أو بعد إجازة المالك ، وخارج عن مدلول اللفظ ، فلا يعتبر قصده. كما أنّه لا يضرّ قصد خلافه.

نظير عقد النكاح ، فإنّ المعتبر فيه قصد مضمون العقد ، وهو علقة الزوجية ، دون آثارها الشرعية كوجوب الإنفاق ونحوه ، فإنّ قصدها غير لازم ، لخروجها عن مضمون عقد النكاح. فتبعية العقود للقصود تختص بمداليل ألفاظ العقود ومضامينها ، ولا تشمل ما هو خارج عن مداليلها ، ومن المعلوم أنّ أحكامها الشرعية خارجة عن مضامين العقود ، فهي أجنبية عن قاعدة تبعية العقود للقصود.

(٤) خبر «أن الانتقال» والضمير المستتر في «ليس» وضميرا «قصده ، خلافه»


من مدلول لفظ العقد حتّى يعتبر قصده ، أو يقدح قصد خلافه ، وإنّما هو (١) من الأحكام الشرعيّة العارضة للعقود بحسب اختلافها (٢) في التوقّف على الأمور المتأخّرة ، وعدمه (٣).

مع (٤) أنّ عدم القصد المذكور لا يقدح بناء على الكشف (٥).

______________________________________________________

راجعة إلى «انتقال المبيع».

(١) أي : انتقال المبيع شرعا يكون من الأحكام الشرعية.

(٢) أي : اختلاف العقود في توقّف نفوذها على الأمور المتأخرة عن العقود ، كالقبض في الصرف والسلم ، والإجازة في الفضولي. فبعض العقود يترتب عليه الحكم بدون التوقف على أمر ، لكفاية نفس إنشاء العقد في ترتب الحكم الشرعي عليه ، كالعقد الصادر من المالك مباشرة أو من وكيله أو وليّه. وبعضها لا يترتب عليه الحكم الشرعي إلّا بعد تحقق أمر ثبت دخله في العقد كالقبض في الصّرف والسّلم.

(٣) معطوف على «التوقف» أي : عدم التوقّف على أمر ، كبيع المالك مباشرة كما مر آنفا.

(٤) هذا ثاني وجهي ردّ المصنف قدس‌سره لما ذكره جامع المقاصد «من أنّه لم يقصد إلى البيع الناقل للملك الآن». وحاصل هذا الوجه الثاني : أنّ عدم القصد إلى البيع الناقل الآن ليس بقادح في صحة البيع ، وتحقق القصد إلى النقل الفعلي بناء على الكشف ، وذلك لأنّ قصد النقل مع الإجازة قصد إلى النقل الفعلي ، كحصول النقل بنفس العقد كما هو مقتضى كاشفية الإجازة. فالقصد إلى البيع الناقل للملك الآن موجود. فدعوى جامع المقاصد «عدم قصد البيع الناقل الآن» غير مسموعة.

نعم عدم إمكان قصد النقل فعلا يناسب مذهب النقل في الإجازة.

والحاصل : أنّ الإجازة إما كاشفة وإما ناقلة. ولو سلّمنا قدح عدم القصد إلى النقل إلّا مع الإجازة فإنّما يتمّ بناء على النقل ، من جهة أنّه لا يكون المقصود حين إنشاء البيع النقل فعلا.

وأمّا بناء على الكشف ـ الذي اختاره المحقق الكركي قدس‌سره ـ فلا ريب في أنّ القصد إلى النقل مع الإجازة اللاحقة راجع إلى القصد إلى النقل الفعلي حال البيع ، لا القصد إلى الملكية المتأخرة عن الإنشاء.

(٥) قد ظهر وجه التقييد بالكشف ، وأنّه مختار المحقق الكركي قدس‌سره.


بل قصد النقل بعد الإجازة ربما يحتمل قدحه (١).

فالدليل (٢) على اشتراط تعقّب الإجازة في اللزوم هو عموم تسلّط الناس على أموالهم ، وعدم حلّها لغيرهم إلّا بطيب أنفسهم ، وحرمة أكل المال إلّا بالتجارة عن تراض.

وبالجملة : أكثر أدلّة اشتراط الإجازة في الفضوليّ جارية هنا (٣).

______________________________________________________

(١) القدح المحتمل هو لزوم التعليق ، لكون النقل حينئذ معلّقا على الإجازة ، والتعليق قادح في صحة النقل.

والحاصل : أنّه مع قصد النقل بعد الإجازة يكون النقل معلّقا على الإجازة ، وهو قادح في قصد النقل الفعلي ، لمنافاة التعليق لفعلية النقل. والمفروض أنّ النقل الفعلي حاصل بنفس العقد ، والإجازة كاشفة عن هذا النقل من دون أن تكون مؤثّرة في النقل.

(٢) سوق العبارة يقتضي أن يقال : «بل الدليل» ليكون إضرابا عن قوله : «لا لما ذكره في جامع المقاصد». وليس الدليل على اشتراط تعقب الإجازة في اللزوم نتيجة لقوله : «لا لما ذكره في جامع المقاصد» حتى يناسب الإتيان ب «فاء» التفريع.

وكيف كان فقد استدلّ المصنف قدس‌سره على اعتبار الإجازة في لزوم العقد في الصورة الثالثة ـ وهي : أن يبيع عن المالك ، ثم ينكشف كونه مالكا ـ بوجوه ثلاثة :

الأوّل : عموم «الناس مسلّطون على أموالهم».

الثاني : عموم «لا يحلّ مال امرء مسلم الّا بطيب نفسه».

الثالث : عموم قوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) فإن هذه الأدلة الثلاثة تدلّ على اعتبار طيب نفس المالك ورضاه من حيث كونه مالكا.

وببيان آخر : الطّيب المالكي معتبر في صحة البيع. وفيما نحن فيه لم يكن الطّيب حين العقد طيب المالك بنقل ماله ، بل كان طيبا بنقل مال غيره. ومن المعلوم أنّ الشرط في نقل مال هو طيب نفس مالكه بنقل ماله ، لا طيب نفسه بنقل مال غيره كما هو المفروض في الصورة الثالثة ، حيث إنّ البائع باع عن المالك لا عن نفسه ، فطيبه ليس طيبا بنقل ماله من حيث كونه مالكا ، ولذا يتوقف لزوم العقد على الإجازة الكاشفة عن الطيب المالكي.

(٣) أي : في الصورة الثالثة من الصور الأربع المفروضة في المسألة الثالثة.


وأمّا ما ذكرناه (١) من «أنّ قصد نقل ملك نفسه إن حصل (٢) أغنى عن الإجازة ، وإلّا (٣) فسد العقد» (٤) ففيه (٥) : أنّه يكفي في تحقّق صورة العقد القابلة للحوق اللزوم ، القصد إلى نقل المال المعيّن. وقصد كونه مال نفسه أو مال غيره

______________________________________________________

(١) غرضه من هذه العبارة بيان وهم ودفعه.

أمّا الوهم فهو التنافي بين ما أفاده من قوله : «لكن الأقوى وفاقا للمحقق والشهيد الثانيين وقوفه على الإجازة» وبين ما تقدم في (ص ٣٦٤) من حصول نقل ملك نفسه بمجرّد قصد نقل مال معيّن هو ملك له واقعا ، وإلّا يلزم عدم وقوعه أصلا ، حيث قال هناك : «ولأنّ قصده إلى نقل مال نفسه إن حصل هنا بمجرّد القصد إلى نقل المال المعيّن .. فهو أولى من الإذن في ذلك .. وإلّا توجّه عدم وقوع العقد له».

وجه المنافاة : أنّه مع فرض وقوع البيع للمالك بمجرّد قصد النقل إلى مال معيّن ـ هو ملكه واقعا ـ لا حاجة إلى الإجازة ، وبدون وقوعه يكون فاسدا ، ولا تصحّحه الإجازة ، إذ مورد الإجازة هو العقد الذي له صحة تأهلية ، دون العقد الباطل الفاقد لها.

هذا حاصل الوهم. وأما الدفع فسيأتي.

(٢) يعني : إن حصل بمجرّد نقله إلى مال معيّن مملوك له واقعا ـ مع عدم علمه بذلك ـ أغنى عن الإجازة.

(٣) أي : وإن لم يحصل نقل مال نفسه بمجرّد نقل مال معيّن ملك له واقعا ـ مع جهله بذلك ـ فسد العقد ، ولا يصحّ بالإجازة كما مرّ آنفا.

(٤) هذه العبارة ليست نصّ كلامه المتقدم في (ص ٣٨٣) وإنّما هي مضمونه ، وقد نقلنا بعض كلامه قبل أسطر.

(٥) جواب «وأمّا» ودفع للوهم المزبور ، والغرض منه تمييز العقد القابل للزوم عن غيره. ومحصله : أنّ كلّ عقد قصد به نقل المال المعيّن كان قابلا للحوق اللزوم به. وقصد كون ذلك المعيّن ملك العاقد أو غيره ـ سواء أكان صوابا أم خطأ ـ لا يقدح ولا ينفع ، بمعنى : أنّ قصد كون المال لنفسه أو غيره ليس دخيلا في صحة العقد ، حتى يكون صوابه موجبا لصحة العقد ، وخطؤه مانعا عن صحته.

وعلى هذا فنقول : إنّا نختار الشرطية الثانية ، وهي عدم حصول قصد مال نفسه بمجرّد القصد إلى مال معيّن لا يعلم بكونه مالا له واقعا ، ولكن نمنع بطلان التالي ، وهو فساد العقد بمعنى عدم الصحة التأهلية له ، بل نختار صحته التأهلية ، لكفاية مجرّد قصد


ـ مع خطئه في قصده أو صوابه (١) في الواقع ـ لا يقدح (٢) ولا ينفع. ولذا (٣) بنينا على صحّة العقد بقصد نقل مال نفسه مع كونه مالا لغيره.

وأمّا (٤) أدلّة اعتبار التراضي وطيب النفس

______________________________________________________

النقل فيها من دون اعتبار قصد النقل إلى مال نفسه في صحته.

(١) معطوف على «خطئه» والضمائر في «خطئه ، قصده ، صوابه» راجعة إلى «العاقد» المفهوم من العبارة ، فالمصادر مضافة إلى الفاعل ، لا إلى المفعول.

(٢) خبر «وقصد» وقد مرّ وجه عدم نفع القصد المزبور وعدم قدحه في الصحة التأهلية.

(٣) أي : ولأجل كفاية مجرّد قصد النقل إلى مال معيّن في تحقق العقد وصحته التأهلية ـ وعدم نفع قصد كون المال لنفسه أو لغيره ، وعدم قدحه في صحته التأهّلية ـ بنينا على صحة العقد بقصد مال نفسه مع كونه مالا لغيره. وقد أفاده في مسألة اعتبار القصد وفي مواضع من بيع الفضولي ، كقوله : «فالقصد إلى العوض وتعيينه يغني عن تعيين المالك» (١). وقوله : «نهي المخاطب عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثرا في حقه ، فلا يدلّ على الغاية بالنسبة إلى المالك ، حتى لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له .. إلخ» (٢).

(٤) إشارة إلى وهم ودفعه. أمّا الوهم فحاصله : أنّه ـ بناء على كفاية مجرّد قصد نقل المال المعيّن في تحقق صورة العقد ـ يكون طيب النفس بنقل ذلك المال المعيّن حاصلا أيضا. ومعه لا حاجة إلى التمسك في إثبات لزوم الإجازة بما دلّ على اعتبار طيب النفس في حليّة مال أحد لغيره ، هذا.

وأمّا الدفع فحاصله : أنّ ما يعتبر في العقد إمّا مقوّم له وإمّا شرط له. والأوّل هو قصد مدلول العقد ، ولولاه لا يتحقق العقد العرفي. وقصد نقل مال شخصي مقوّم للعقد العرفي ومحصّل له ، وموجب لصحته التأهلية. والثاني طيب نفس المالك بما هو مالك بنقل ماله ، وهذا شرط صحته الفعلية.

ولا يغني ما يدلّ على ما هو مقوّم للعقد عمّا يدلّ شرعا على اعتبار ما هو شرط

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ١٢١.

(٢) المصدر ، ص ٤٩٦.


فهي (١) دالّة على اعتبار رضا المالك بنقل خصوص ماله بعنوان أنّه ماله (٢) ، لا بنقل مال معيّن يتّفق كونه ملكا له في الواقع ، فإنّ حكم طيب النفس والرضا لا يترتّب على ذلك (٣). فلو (٤) أذن في التصرّف في مال معتقدا أنّه لغيره ـ والمأذون يعلم أنّه له ـ لم يجز (٥) له التصرّف بذلك (٦) الإذن.

ولو (٧) فرضنا أنّه أعتق عبدا عن غيره فبان أنّه له ، لم ينعتق. وكذا (٨)

______________________________________________________

صحّته الفعليّة ، لأنّ طيب النفس ليس من مقوّمات العقد العرفي ، فلا بدّ من حصول طيب نفس المالك بما هو مالك ـ لا بما هو ذات المالك ـ في تحقق الصحّة الفعلية.

(١) جواب «وأمّا» وإشارة إلى دفع الوهم المزبور ، وقد اتّضح آنفا بقولنا : «وأما الدفع فحاصله».

(٢) يعني : والمفروض أنّ العاقد في الصورة الثالثة ـ وهي أن يبيع عن المالك ـ لم ينقل المال بعنوان أنّه ماله ، بل بعنوان أنه مال الغير.

(٣) أي : على نقل مال معيّن يتّفق كونه ملكا للعاقد واقعا.

(٤) هذا وما بعده من الفروع متفرّع على ما أفاده من ترتب الحكم بالصحة الفعلية على طيب نفس المالك بنقل ماله بعنوان أنّه ماله ، لا على طيب نفس من اتّفق كونه مالكا واقعا.

ومحصل هذا الفرع هو : أنّه لو أذن شخص لزيد أن يتصرّف في مال يعتقد الآذن أنّه مال الغير وليس مالا له ـ والمأذون يعلم أنّ المال ملك الآذن ـ لم يجز لزيد المأذون أن يتصرّف فيه اعتمادا على ذلك الإذن. وليس ذلك إلّا لأجل عدم صدور الإذن من المالك بعنوان كونه مالكا.

(٥) جواب «فلو أذن» والواو في قوله : «والمأذون» حالية.

(٦) الباء للسببية ، أي : لا يصحّ استناد جواز التصرف إلى ذلك الإذن.

(٧) هذا ثاني تلك الفروع ، وهو : أنّه لو أعتق عبدا عن زيد مثلا ، فبان أنّه ملكه ـ وليس ملكا لزيد ـ لم ينعتق العبد ، وليس ذلك إلّا لأجل عدم صدور الإذن من المالك بعنوان أنّه مالك.

(٨) هذا ثالث تلك الفروع ، وهو : أنّه لو طلّق امرأة وكالة عن زيد مثلا ، فبانت


لو طلّق امرأة وكالة عن غيره ، فبانت زوجته ، لأنّ (١) القصد المقارن إلى طلاق زوجته وعتق مملوكه معتبر فيهما ، فلا (٢) تنفع الإجازة.

ولو (٣) غرّه الغاصب فقال : «هذا عبدي أعتقه عنك» فأعتقه (٤) عن نفسه ، فبان (٥) كونه له ، فالأقوى أيضا (٦) عدم النفوذ ، وفاقا للمحكيّ (١) عن التحرير وحواشي الشهيد وجامع المقاصد ، مع حكمه (٧)

______________________________________________________

زوجته ، لم يقع الطلاق ، لعدم شرطه وهو القصد المقارن ـ من الزوج بوصف كونه زوجا ـ لطلاق زوجته.

(١) تعليل لعدم وقوع الطلاق والعتاق ، وحاصله : فقدان شرط الصحة ، وهو القصد المقارن مع طلاق زوجته وعتق مملوكه.

(٢) هذه نتيجة شرطية مقارنة القصد للعقد ، توضيحه : أنّ الإجازة تنفع في العقد الجامع للشرائط التي منها قصد المالك بما هو مالك ، ففقده يوجب بطلان العقد ، وعدم تأثير الإجازة في صحّته.

(٣) هذا رابع تلك الفروع ، ومحصّله : أنّ الغاصب لو غرّ شخصا بأن قال له : «هذا عبدي فأعتقه عنك» فأعتقه الشخص المغرور عن نفسه ، فبان كون العبد للمعتق المغرور ، فالأقوى عدم الانعتاق وعدم النفوذ.

(٤) يعني : فأعتقه الشخص المغرور عن نفسه.

(٥) أي : فتبيّن كون العبد للمعتق المغرور ، وقوله «فالأقوى» جواب «ولو غرّه».

(٦) يعني : كالفروع المتقدمة من عتق عبد تبيّن كونه له ، وطلاق امرأة هي زوجته.

(٧) أي : مع حكم جامع المقاصد بصحة البيع في هذه الصورة ، وهي : أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا ، ووقوفه على الإجازة.

وغرضه قدس‌سره : أن حكمه بالصحة في مثال البيع ربما يوهم منافاته لحكمه ببطلان

__________________

(١) الحاكي هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٣٢ ، وكذلك لاحظ تحرير الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٣٩ ، جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٢٣٣ ، وقد حكى المحقق الكركي عدم النفوذ عن التحرير وحواشي الشهيد أيضا ، فراجع.


بصحّة البيع هنا (١) ووقوفه على الإجازة ، لأنّ (٢) العتق لا يقبل الوقوف ، فإذا (*) لم يحصل القصد إلى فكّ ماله مقارنا للصيغة وقعت باطلة (٣) ، بخلاف البيع (٤). فلا تناقض (٥) بين حكمه ببطلان العتق وصحّة البيع

______________________________________________________

العتق ، لكونهما من باب واحد. ولكن سيأتي في المتن دفع هذا التوهم.

(١) أي : في الصورة الثالثة من الصور الأربع المفروضة في المسألة الثالثة.

(٢) تعليل لقوله : «فالأقوى أيضا عدم النفوذ» وحاصل التعليل : أنّ العتق من الإيقاعات التي يبطلها التعليق ، فلا تتوقف صحته على الإجازة.

(٣) لفقدان ركنه ، وهو القصد إلى فكّ ماله بعنوان أنّه مالك العبد. ومع وقوع الصيغة باطلة لا تصحّ بالإجازة.

(٤) فإنّ صيغة البيع تقع صحيحة تأهّلا ، وتلزم بالإجازة.

(٥) يعني : فلا تناقض بين حكم جامع المقاصد ببطلان العتق وصحة البيع مع الإجازة. توضيح وجه التناقض : أنّ كلّ واحد من العتق والبيع من الأمور الإنشائية ، فلا بدّ من الحكم ببطلانهما أو صحتهما ، فالتفكيك بينهما بصحة البيع مع الإجازة وبطلان العتق رأسا تناقض.

وتقريب دفع هذا التناقض هو : وقوع صيغة العتق باطلة ، لعدم حصول القصد إلى فكّ ملكه مقارنا للعقد ، فلا يمكن تصحيحه بالإجازة. بخلاف البيع ، فإنّ صيغته تقع صحيحة مع الإجازة.

فالفرق بين العتق والبيع ـ مع انكشاف الخلاف في كليهما ، لكون العبد ملكا لمن أعتقه ، وكون المبيع ملكا للبائع الفضولي ـ هو : وقوع العتق باطلا ، لفقدان ركن صحته وهو القصد المزبور ، ووقوع البيع قابلا للصحة الفعلية بالإجازة.

__________________

(*) تفرّع هذا على قوله : «لأنّ العتق لا يقبل الوقوف» غير ظاهر ، لأجنبية التعليق عن عدم القصد إلى فكّ ماله ، لإمكان تحقق هذا القصد مع التعليق ، كأن يقول مالك العبد : «أعتقته إن قدم مسافري». فلا بدّ أن يكون عدم القصد وجها آخر لبطلان العتق.

فلعل الأولى أن يقال بدل «فإذا» : «ولأنه لم يحصل القصد إلى فك ماله .. إلخ».


مع الإجازة كما يتوهّم (١).

نعم ينبغي إيراد التناقض على من حكم هناك (٢) بعدم النفوذ ، وحكم في البيع باللزوم وعدم الحاجة إلى الإجازة ، فإنّ (٣) القصد إلى إنشاء يتعلّق بمعيّن هو مال المنشئ في الواقع من غير علمه به (٤) إن كان (٥) يكفي في طيب النفس والرضا المعتبر

______________________________________________________

(١) يعني : كما يتوهّم التناقض من حكم المحقق الثاني قدس‌سره ببطلان العتق وصحة البيع مع الإجازة. والمتوهم هو السيّد الفقيه العاملي قدس‌سره ، حيث قال بعد نقل كلام المحقق الثاني ما لفظه : «قلت : قد قالوا في ما إذا باع مال أبيه بظنّ الحياة ، وأنّه فضولي ، فبان ميّتا حينئذ ، وأنّ المبيع ملكه : إنّ الوجه الصحة. بل قد يلوح من هبة الكتاب أنّه محلّ إجماع. وقال في جامع المقاصد في توجيه كلامهم : إنّ قصده إلى أصل البيع كاف. وهنا يقولون : قصده إلى أصل العتق [غير] كاف. وكلّما أورده هنا جار هناك. بل هنا زيادة ليست هناك ، وهي بناء العتق على التغليب .. إلخ» (١).

(٢) أي : في باب العتق بعدم النفوذ أي البطلان ، وفي باب البيع باللزوم وعدم الحاجة إلى الإجازة ، والمفروض أنّ العاقد في كلّ من العتق والبيع جاهل حين العقد بكون المال الذي يتعلّق به الإنشاء ملكا له. وقد تقدم في (ص ٣٦٣) ما نسبه صاحب المقابس إلى جماعة من صحة البيع فعلا ، في هذه الصورة ، فراجع.

(٣) هذا تقريب التناقض ، توضيحه : أنّ مجرّد إنشاء المنشئ على مال معيّن مملوك له واقعا ـ مع جهله بذلك ـ إن كان كافيا في حصول الطيب المعتبر في جميع الإنشاءات المتعلقة بأموال الناس ، وجب الحكم بوقوع العتق. وإن لم يكن كافيا في حصوله ، لاعتبار علم المنشئ حين الإنشاء بكون المال ملكا له ، وعدم كفاية المصادفة للواقع في تحقق الطيب ، وجب الحكم بعدم لزوم البيع ، وباحتياج لزومه إلى الإجازة.

وبالجملة : كيف يجمع بين بطلان العتق ولزوم البيع في صورة انكشاف كون المال المتعلق للإنشاء ملكا واقعا للمنشئ؟

(٤) أي : بأنّه ماله.

(٥) الجملة خبر قوله : «فان القصد».

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٣٢.


في جميع إنشاءات الناس المتعلّقة بأموالهم ، وجب (١) الحكم بوقوع العتق. وإن (٢) اعتبر في طيب النفس المتعلّق بإخراج الأموال عن الملك العلم (٣) بكونه مالا له ولم يكف مجرّد مصادفة الواقع ، وجب (٤) الحكم بعدم لزوم البيع.

فالحقّ (٥) أنّ القصد إلى الإنشاء المتعلّق بمال معيّن مصحّح للعقد ، بمعنى قابليته للتأثير ، ولا يحتاج إلى العلم (٦) بكونه مالا له. لكن لا يكفي ذلك (٧) في تحقّق الخروج عن ماله بمجرّد الإنشاء (٨).

______________________________________________________

(١) جواب «ان كان» ، وجه الوجوب هو قصد الإنشاء من المالك الواقعي الجاهل بكون المال ملكا له ، والمفروض كفاية ذلك في تحقق المنشأ في وفاء الاعتبار.

(٢) معطوف على «ان كان».

(٣) نائب فاعل «اعتبر» يعني : وإن اعتبر العلم بكون المال ملك المنشئ في حصول طيب النفس المتعلّق بإخراج الأموال عن الملك ، وجب الحكم بعدم لزوم البيع.

(٤) جواب «وإن اعتبر» وجملة «ولم يكف» حالية.

(٥) هذا مختار المصنف قدس‌سره في الصورة الثالثة ، وهي : أنّ يبيع عن المالك ، ثم ينكشف كونه مالكا. ومحصّل ما أفاده في ذلك هو الفرق بين البيع والعتق في فرض انكشاف الواقع ومطابقة الظاهر للواقع ، بالقول بصحة الأوّل وبطلان الثاني.

بتقريب : أنّه يكفي في الصحة التأهلية ـ بمعنى القابلية للتأثير ـ مجرّد الإنشاء المتعلّق بمال معيّن ، ولا تتوقف على علم المنشئ بكون ذلك المال ملكا له. ولكن لا يكفي مجرّد ذلك الإنشاء في خروج المال عن ملكه. فإن كان ذلك الإنشاء من العقود القابلة للزوم بلحوق الرضا كفت الإجازة في اللزوم وخروج المال عن ملكه. وإن لم يكن قابلا للزوم بالرضا اللّاحق وقع الإنشاء باطلا وغير قابل للتأثير ، كما في الإيقاعات ، فإنّها ـ كما قيل ـ لا تقبل الوقوف على الإجازة.

(٦) أي : علم المنشئ بكون المال المعيّن مالا له.

(٧) أي : لا يكفي قصد الإنشاء ـ المتعلّق بمال معيّن ـ في تحقق الخروج عن ملكه ، وهذا هو الذي يعبّر عنه بالصحة الفعلية.

(٨) يعني : بل يحتاج إلى إجازة ، وبدونها لا يتحقق البيع في الخارج ، فلا وجه للقول


ثمّ إن كان ذلك الإنشاء ممّا يقبل اللزوم بلحوق الرضا كفت الإجازة كما في العقود ، وإلّا (١) وقع الإنشاء باطلا كما في الإيقاعات (٢).

ثمّ إنّه (٣) ظهر ممّا ذكرنا في (٤) وجه الوقوف على الإجازة : أنّ هذا الحقّ (٥) للمالك من باب الإجازة (٦) ،

______________________________________________________

بلزومه بدون الإجازة.

(١) أي : وإن كان ذلك الإنشاء ممّا لا يقبل اللزوم .. إلخ.

(٢) التي منها الطلاق والعتاق ، فإنّه ادعى الشهيد قدس‌سره في غاية المراد : اتفاقهم على بطلان إيقاع الفضولي ، فراجع (١).

(٣) الغرض من هذا الكلام بيان عدم كون الإجازة هنا من باب الخيار كما سيأتي توضيحه.

(٤) من قوله : «فالدليل على اشتراط تعقب الإجازة في اللّزوم هو عموم تسلط الناس .. إلخ» فلاحظ (ص ٣٦٧).

(٥) وهو وقوف صحة العقد على الإجازة ، وسلطنة المجيز على الإجازة.

(٦) لا من باب الإمضاء الذي هو أحد طرفي الخيار ، وطرفه الآخر إزالة العقد كما قرّر في تعريف الخيار.

توضيح المقام بنحو ينكشف به الفرق بين الإجازة والإمضاء في باب الخيارات هو : أنّ توقف تأثير العقد على رضا المالك ببيع ماله بعنوان أنّه ماله ـ كما تقتضيه ظواهر عمومات أدلة التجارة والسلطنة والحلّ ، أو مناسبة الحكم للموضوع ـ يقتضي عدم تحقق العقد المؤثر مع انتفاء هذا الرضا. فإذا باع مالا عن مالكه مع اعتقاده بعدم كونه مالا له لم يتحقق العقد.

وعليه فالإجازة الكاشفة عن هذا الرضا جزء السبب المؤثر ومتمّمة ، فهي توجب حدوث العقد المؤثر ، بخلاف الإمضاء الذي هو أحد طرفي الخيار ، فإنّه يوجب بقاء العقد المؤثر.

__________________

(١) تقدم كلامه في أوّل مسألة البيع الفضولي ، لاحظ الجزء الرابع من هذا الشرح ، ص ٣٤٩.


لا من باب خيار الفسخ (١) ، فعقده (٢) متزلزل من حيث الحدوث ، لا البقاء كما قوّاه (٣) بعض من قارب عصرنا ، وتبعه بعض (٤) من عاصرناه

______________________________________________________

والحاصل : أنّ الإجازة توجد العقد المؤثّر ، والإمضاء يبقيه. فالإجازة ليست من باب الخيار ، وأجنبية عنه ، فبينهما فرق واضح.

وبعبارة أخرى : الفرق بين الإجازة وإمضاء العقد الخياري هو : أنّ الإجازة مصحّحة للعقد الذي لم يكن تامّا حدوثا ، لعدم استناده إلى المالك قبل الإجازة ، ولم يحرز رضاه بالمعاملة إلّا بها. فيكون العقد متزلزلا حدوثا ، ويتوقف تماميته على الإجازة. بخلاف موارد الخيار ، فإنّ العقد تام حدوثا ومتزلزل بقاء ، يعني بعد حدوث البيع المستند إلى المالك قد يتزلزل لثبوت الخيار فيه ، وقد يلزم من أوّل الأمر ، لانتفاء سبب الخيار.

(١) لما مرّ آنفا من : أنّ الإمضاء علّة مبقية للعقد ، والإجازة علّة محدثة له.

(٢) أي : فعقد البائع عن المالك ـ مع جهله بكون المال له ـ متزلزل .. ، والفاء للتفريع ، يعني : فنتيجة إناطة صحة البيع برضا المالك بنقل ماله ـ بعنوان أنه ماله ـ هي : كون عقد البيع في هذه الصورة الثالثة متزلزلا حدوثا ، لا بقاء كما في باب الخيار ، فإنّ العقد فيه متزلزل بقاء.

(٣) يعني : كما قوّى تزلزل العقد بقاء ـ لا حدوثا ـ بعض من قارب عصرنا ، وهو صاحب المقابس ، فإنّه قدس‌سره حكم بعدم لزوم العقد من حين وقوعه لئلّا يؤدّي إلى الضرر المنفي في الشرع ، ثم قال : «وهل جواز فسخه للعقد من باب الخيار ، أو لتوقّفه على الإجازة؟ وجهان. والأوّل لا يخلو من قوّة ، لأنّه مقتضى قاعدة نفي الضرر. ولأنّه بناء على صحة العقد لو سلّم المال إلى المشتري وسلّطه عليه ، ثم انكشف كونه ملكه ، جاز للمشتري حينئذ أن يتصرف فيه ، ولا يضمن شيئا أصلا .. إلخ» (١).

(٤) قيل : إنّه صاحب الجواهر قدس‌سره لكنّي لم أظفر في كلامه ـ في بيع الفضولي ـ بترجيح تزلزل العقد بقاء لأجل الخيار ، كما رجّحه صاحب المقابس ، وإنّما الموجود في الجواهر ـ بعد ترجيح الصحة ـ التوقف على الإجازة أو الخيار ، فلاحظ قوله : «والمتّجه

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٩.


معلّلا (١) بقاعدة نفي الضرر.

إذ (٢) فيه : أنّ الخيار فرع الانتقال ، وقد تقدّم (٣) توقّفه (٤) على طيب النفس.

وما ذكراه (٥) من الضرر المترتّب على لزوم البيع ليس لأمر راجع إلى العوض

______________________________________________________

فيه الوقوف على الإجازة كما سمعته من الكركي ، أو إثبات الخيار ، إلّا أنّي لم أجد من احتمله» (١) ، ولعلّه قدس‌سره لم يقف على كلام معاصره صاحب المقابس.

(١) حال من «بعض من قارب» وحاصله : أنّ صاحب المقابس قدس‌سره علّل ما قوّاه من تزلزل العقد بقاء لا حدوثا في الصورة الثالثة ـ وأنّه من باب الخيار ـ بما محصله : أنّه يمكن أن يكون بيعه مالا يعتقد أنّه للغير ـ بعنوان صاحبه ـ بأقل من قيمته الواقعية ، فإذا أجاز البيع بذلك الثمن الذي وقع عليه العقد بعد انكشاف كونه مالكا للمبيع لزم تضرره ، والضرر منفي في الشريعة ، فيجبر ضرره بالخيار.

(٢) تعليل لقوله : «لا البقاء» وضمير «فيه» راجع الى ما أفاده صاحب المقابس وملخص إشكال المصنف قدس‌سرهما عليه : أنّ مورد الخيار هو العقد المؤثر في النقل والانتقال ، ومن المعلوم أنّ مؤثرية العقد ـ كما تقدم آنفا ـ منوطة بطيب نفس المالك بنقل مال بعنوان أنّه ماله ، والمفروض أنّه مفقود في هذه الصورة الثالثة ، فلم يتحقق الانتقال حتى يثبت فيه الخيار.

(٣) يعني : وقد تقدم توقف تأثير العقد في الانتقال على الإجازة في (ص ٣٦٧) بقوله : «فالدليل على اشتراط تعقب الإجازة في اللزوم هو عموم تسلّط الناس على أموالهم ، وعدم حلّها لغيرهم إلّا بطيب أنفسهم ..».

(٤) أي : توقف الانتقال على طيب النفس.

(٥) هذا إشكال المصنف قدس‌سره على ما ذكره صاحبا المقابس والجواهر قدس‌سرهما من التمسك بقاعدة نفي الضرر لإثبات تزلزل العقد بقاء الموجب للخيار.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٠ ، ولا يخفى أن المصنف يعبّر عن صاحب المقابس تارة ببعض المحققين كما في بيع الصبي ، واخرى ب «من قارب عصرنا» كما في أوّل البيع وفي مسألة «من باع ثم ملك» وثالثة ب «من عاصرناه» كما في مسألة اعتبار القصد ، وكذا في ما سيأتي في شرائط العوضين في بيع العين المرهونة.


والمعوّض (١) ، وإنّما هو (٢) لانتقال الملك عن مالكه من دون علمه ورضاه ، إذ (٣) لا فرق في الجهل بانتقال ماله بين (٤) أن يجهل أصل الانتقال كما يتّفق في الفضوليّ ، أو يعلمه (٥) ويجهل تعلّقه بماله. ومن المعلوم أنّ هذا الضرر (٦) هو المثبت ، لتوقّف

______________________________________________________

وتقريبه : أنّ الضرر تارة يترتب على العقد الصحيح الجامع لشرائط التأثير ، كالضرر المالي الحاصل في العوضين الناشئ عن الجهل بالقيمة الواقعية التي هي أزيد من العوض المسمى ، وحيث إنّ العلم بالقيمة ليس من شرائط صحة العقد حتى يبطل بفقدانه ، فيجبر هذا الضرر المالي بالخيار المسمّى بخيار الغبن.

واخرى يتقدّم على العقد ، وهو الضرر الناشئ عن عدم طيب نفس المالك الذي هو شرط الانتقال وصحة العقد كما فيما نحن فيه وهو الصورة الثالثة. ومثل هذا الضرر المخلّ بسلطنة المالك على ماله مانع عن صحّة العقد ، وموجب لتزلزله حدوثا.

(١) حتى يكون العقد صحيحا ويجبر الضرر بالخيار. وهذا إشارة إلى القسم الأوّل من الضرر ، وقد مرّ توضيحه آنفا بقولنا : «ان الضرر تارة يترتب ..».

(٢) أي : الضرر الحاصل ـ في الصورة الثالثة ـ هو القسم الثاني الذي اتضح بقولنا : «واخرى يتقدّم على العقد ، وهو الضرر الناشئ عن .. إلخ».

(٣) تعليل لكون الضرر المتصور في هذه الصورة الثالثة هو الضرر الحاصل من انتقال المال عن مالكه من دون علمه ورضاه. ولا فرق في الضرر الحاصل لأجل الانتقال بين كونه ناشئا من الجهل بأصل الانتقال كما يتفق غالبا في الفضولي ، فإنّ المالك جاهل غالبا بأصل الانتقال فيه ، وبين كونه ناشئا من الجهل بتعلق الانتقال بماله مع علمه بأصل الانتقال كما فيما نحن فيه ، ومن المعلوم أنّ هذا الضرر أوجب إناطة صحة عقد الفضولي بالإجازة.

(٤) الجملة خبر قوله : «لا فرق».

(٥) يعني : أو يعلم أصل الانتقال ويجهل تعلّقه بماله كما في هذه الصورة الثالثة.

(٦) وهو الضرر المترتب على انتقال المال عن مالكه بدون علمه ورضاه ، وقد مرّ أنّ المراد بهذا الضرر هو النقص في سلطنته المالك على ماله ، لا الضرر المالي الراجع إلى العوضين.


عقد الفضوليّ على الإجازة ، إذ لا يلزم من لزومه (١) بدونها سوى هذا الضرر (٢).

ثمّ إنّ الحكم بالصحّة في هذه الصورة (٣) غير متوقّفة (٤) على القول بصحّة عقد الفضولي ، بل يجي‌ء على القول بالبطلان (٥). إلّا (٦) أن يستند في البطلان

______________________________________________________

(١) أي : لزوم عقد الفضولي. وهذا تعليل لتوقف عقد الفضولي على الإجازة ، وحاصله : أنّه يلزم من لزوم عقد الفضولي بدون إجازة المالك نقص في سلطان المالك على ماله ، وهذا النقص لا يجبر بالمال ، كما تقدم أنّ النقص المالي يجبر بالخيار الذي يتعلّق بالعقد الصحيح ويجعله متزلزلا بقاء. وإنّما يجبر النقص السلطاني بطيب النفس الذي هو شرط الانتقال ، فبدون الرضا والطيب يكون العقد متزلزلا حدوثا ، فالخيار متأخر عن طيب النفس بمرتبتين : إحداهما : تأخره عن نفس العقد ، وثانيتهما : تأخر العقد عن طيب النفس المتقدم على العقد.

فالنتيجة : أنّ علّة توقف صحة عقد الفضولي على الإجازة هي لزوم الضرر ، أي النقص في سلطنة المالك على ماله ، فالطيب شرط لصحة العقد وانتقال المال بالعقد.

(٢) وهو النقص السلطاني المترتب على انتقال المال عن مالكه من دون علمه وطيب نفسه.

(٣) وهي الصورة الثالثة ، وهي أن يبيع عن المالك ، ثم تبيّن كونه مالكا. غرضه : أنّ هذه الصورة ليست من أفراد عقد الفضولي حتى تتوقف صحتها على صحة عقد الفضولي ، إذ المفروض صدور العقد عن المالك لا عن غيره ، غاية الأمر أنّه كان جاهلا بكونه مالكا للمبيع.

(٤) كذا في كثير من النسخ. والمناسب «غير متوقف» كما في نسخة مصححة غير ما بأيدينا.

(٥) أي : ببطلان عقد الفضولي في جميع الموارد.

(٦) هذا استدراك على صحة العقد في الصورة الثالثة ، والذهاب إلى بطلانه ، ومحصل الاستدراك الذي هو وجه البطلان : أنّه ـ بناء على كون مستند بطلان عقد الفضولي مطلقا قبح التصرف في مال الغير ـ يتجه بطلان العقد في الصورة الثالثة ، لأنّ البائع باعتقاده تصرّف في مال الغير بدون إذنه ، وهو قبيح ، إذ القبح مترتب على اعتقاد كون المبيع ملك الغير. فإن كان مصادفا للواقع كان عصيانا ، وإلّا ـ كالمقام ـ كان تجرّيا ، إذ المفروض كونه مالكا واقعا. ولا فرق في القبح بين العصيان والتجرّي.


بما تقدّم (١) من قبح التصرّف في مال الغير ، فيتّجه عنده (٢) حينئذ البطلان [ثم يغرم المثمن إن كان جاهلا] (٣).

الرابعة (٤) : أن يبيع لنفسه باعتقاد أنّه لغيره ، فانكشف أنّه له.

______________________________________________________

ثم إنّ ما أفاده من قوله : «ثم إن الحكم بالصحة» إلى هنا لا يخلو من تعريض بصاحب المقابس ، حيث إنّه قدس‌سره منع أيضا من ابتناء الصحة والبطلان في هذه المسألة على صحة البيع الفضولي وفساده كلّيّة ، حيث قال : «واعلم أنّ هذه المسألة كبعض المسائل السابقة جارية على القول ببطلان الفضولي أيضا» (١).

وظاهره الإطلاق ، سواء أكان الدليل على بطلان الفضولي هو العقل أم النقل.

ووجه إيراد المصنف عليه حينئذ هو : أنّ عدم الابتناء المزبور متّجه لو كان الدليل على البطلان ما عدا الوجه العقلي ، وهو قبح التصرف في مال الغير. وأمّا لو كان الوجه فيه ذلك اتّجه بطلان البيع في مسألتنا ، وهي : أن يبيع عن المالك فتبيّن كونه مالكا ، كما عرفت توضيحه آنفا. فإطلاق كلام المقابس ممنوع.

(١) من قوله في عدا أدلة المبطلين : «الرابع ما دل من العقل والنقل على عدم جواز التصرف» (٢).

(٢) أي : عند المستدل على البطلان حين الاستناد في بطلان عقد الفضولي إلى قبح التصرف في مال الغير.

(٣) هذه الجملة قد شطب عليها في النسخة المعتمدة. وسيأتي تفصيل حكم الغرامات في أحكام الرد إن شاء الله تعالى في ص (٤٧٢) وما بعدها.

٤ ـ لو باع لنفسه باعتقاد أنّه لغيره ، فانكشف انّه له

(٤) أي : الصورة الرابعة من الصور الأربع المفروضة في المسألة الثالثة من مسائل الأمر الثالث من الأمور المتعلقة بمباحث المجيز ، وهذه الصورة هي : أن يبيع شخص لنفسه باعتقاد أنّ المبيع مال غيره ، فانكشف أنّه ماله.

والحكم حينئذ صحة العقد حتى على القول ببطلان الفضولي في جميع الموارد ، وذلك لخروجه موضوعا عن الفضولي ، لصدور العقد من المالك لنفسه ، لا صدوره من

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٩.

(٢) راجع الجزء الرابع من هذا الشرح ، ص ٥١٢.


والأقوى هنا (١) أيضا (٢) الصحّة ـ ولو على القول ببطلان الفضولي (٣) ـ والوقوف (٤) على الإجازة ، بمثل (٥) ما مرّ في الثالثة (٦). وفي عدم الوقوف هنا (٧) وجه (*)

______________________________________________________

غيره ، فليس العاقد أجنبيا عن المالك حتى يصير العقد عقد غير المالك ، ويندرج في عقد الفضولي.

وهذه الصورة تنطبق على القسم الخامس من الأقسام التسعة التي ذكرها صاحب المقابس. قال قدس‌سره : «الخامس : أن يبيع أو يشتري لنفسه ، ثم ينكشف كونه مالكا للمال ، وأنّ العقد صادف ملكه. والأقرب صحة البيع وعدم توقفه على الإجازة ، ووجهه ما مضى في الرابع» (١). والمصنف قدس‌سره وافقه في الصحة ، وخالفه في الاستغناء عن الإجازة ، وإن جعله المصنف وجها كما سيأتي.

(١) أي : في الصورة الرابعة ، وهي بيع المالك لنفسه مع اعتقاد أنّ المبيع لغيره.

(٢) أي : كالصورة الثالثة ، وهي : بيع العاقد عن المالك ، وانكشاف كونه هو المالك للمبيع.

(٣) لما مرّ آنفا من خروجه موضوعا عن الفضولي.

(٤) معطوف على «الصحة» يعني : والأقوى صحة العقد ووقوفه على الإجازة.

(٥) متعلق ب «الوقوف» وغرضه بيان مماثلة الصورتين في كلّ من الصحة والوقوف.

(٦) أي : في الصورة الثالثة ، وهي : أن يبيع عن المالك ، ثم ينكشف أنّه هو المالك.

(٧) أي : في الصورة الرابعة وجه لا يجري في الصورة الثالثة. ومحصّل ذلك الوجه هو : مطابقة ما قصد لما انكشف في هذه الصورة الرابعة ، إذ المفروض أنّه قصد البيع لنفسه ، وانكشف كون المال له. بخلاف الصورة الثالثة ، فإنّ المقصود ـ وهو البيع عن المالك ـ والمنكشف وهو كون العاقد نفس المالك ليسا مطابقين ، بل هما متغايران ، فتحتاج الصورة الثالثة إلى الإجازة ، دون الرابعة.

__________________

(*) لكنّه غير وجيه ، لأنّ طيب النفس حاصل بماله الادّعائي ، لا بماله الواقعي. ولو علم بأنّه من أمواله الواقعية ، دون أمواله المغصوبة ، فلعلّه لم يكن راضيا ببيعه. فلا فرق

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٨.


لا يجري في الثالثة ، ولذا (١) قوّى اللزوم هنا (٢) بعض من قال بالخيار في الثالثة (٣).

______________________________________________________

(١) يعني : ولأجل هذا الوجه ـ وهو اتحاد المقصود والمنكشف في الصورة الرابعة دون الصورة الثالثة ـ قوّى بعض الأعلام لزوم العقد في الصورة الرابعة ، وعدم حاجته إلى الإجازة. بخلاف الصورة الثالثة ، فإنه اختار فيها وقوفها على الإجازة.

(٢) أي : في الصورة الرابعة ، والمراد بالبعض كما عرفت صاحب المقابس قدس‌سره.

(٣) وهي : أن يبيع عن المالك ، ثم ينكشف كونه مالكا.

__________________

في عدم تأثير العقد بنفسه بين الرضا ببيع المال بعنوان أنّه لغيره ، وبين بيعه بعنوان أنّه منه ادّعاء ، مع كونه ماله واقعا.

فما في حاشية السيد قدس‌سره «ولا يضرّ الاعتقاد المفروض بعد هذا البناء» (١) غير ظاهر ، لأنّ الرّضا ببيع مال الغير مع البناء على كونه ماله ادّعاء وعدوانا ليس رضا حقيقة ببيع ماله الواقعي ، مع ظهور أدلة اعتبار «طيب نفس المالك في حلّ ماله لغيره» في كون الطيب والرضا بماله بوصف كونه ماله ، لا رضاه بذات المال. وهو ما يقتضيه العقل أيضا بقبح التصرف في مال الغير من غير رضاه.

ومع الغضّ عن ظهور الأدلة فالأصل ـ أعني به الاستصحاب ـ يقتضي أيضا عدم جواز التصرف إلّا برضا مالك المال بالتصرف في ماله الواقعي بما أنّه ماله ، لا مجرّد جنس الرضا القائم بذات ماله بدون إحراز ملكية المال له واقعا ، فإنّه غير مشمول لمثل قوله عليه‌السلام : «لا يحلّ مال امرء إلّا بطيب نفسه» فإنّ ظاهره إناطة حلية التصرف في مال الغير بطيب نفسه بالتصرف في ماله بما أنّه ماله واقعا ، لا بما اعتقد أنّه مال الغير كما هو مفروض بحثنا ، لكن بنى اقتراحا على أنّه ماله وإن انكشف كونه ماله واقعا.

بل يمكن أن يقال بفساد البيع هنا ، لعدم قصد المعاوضة ، إذ المفروض ـ مع اعتقاد العاقد كون المال لغيره ـ أنّه أخذ العوض عن المشتري مجّانا ، حيث إنّه بحسب اعتقاده يعطي المثمن الذي ليس مالكا له حتى يكون ما يبذل له المشتري ثمنا وعوضا عنه ، بل يأخذ الثمن من المشتري مجّانا ، وهذا ينافي المعاوضة المقوّمة للبيع ، فتأمّل.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٧٠.


وأمّا (١) القول في المجاز (٢) فاستقصاؤه (٣) يكون ببيان أمور :

الأوّل (٤) : يشترط (*) فيه كونه (٥) جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره

______________________________________________________

الكلام في المجاز

(١) معطوف على قوله في (ص ٥) : «أمّا حكمها ..».

(٢) صفة للعقد الذي يتوقف نفوذه على إجازة من له ولاية الإجازة.

(٣) أي : فاستقصاء القول يكون .. إلخ.

اعتبار كون العقد المجاز جامعا للشروط

(٤) هذا أوّل الأمور التي توجب قابليّة العقد للإجازة ، ومحصل هذا الأمر هو : أنّه لا بدّ في تأثير العقد المجاز من اجتماع جميع الشرائط المعتبرة في تأثير العقد ونفوذه فيه ـ مع الغضّ عن الإجازة ـ من شروط المتعاقدين من البلوغ والعقل وقصد المدلول قصدا جدّيّا ، وشروط العوضين من المملوكية والمعلومية ، وشروط نفس العقد من العربية والماضوية وغيرهما. فالمفقود من شرائط العقد في البيع الفضولي هو رضا المالك فقط ، بحيث لو أحرز رضاه لأثّر العقد.

(٥) هذا الضمير وضميرا «فيه ، تأثيره» راجعة إلى المجاز المراد به العقد.

__________________

(*) لا ينبغي الإشكال في أصل الاشتراط ، فإنّ جهة البحث في عقد الفضول ـ وهي كون الرضا اللّاحق كالرضا المقارن وعدمه ـ تنادي بأعلى صوتها بأنّ مورد هذا البحث هو العقد الجامع للشرائط الفاقد لمقارنة رضا المالك فقط ، فعقد الفضول المجاز لا بدّ أن يكون جامعا للشرائط ، وإلّا فلا تصلحه الإجازة.

ويشهد لذلك أنّ المالك لو باع ماله مع الرضا بعقد فاقد لبعض شرائطه لم يكن صحيحا ، ولم يترتب عليه النقل والانتقال. وليس عقد الفضولي أقوى من عقد نفس المالك.


عدا رضا المالك ، فلا (١) يكفي اتّصاف المتعاقدين بصحّة الإنشاء ، ولا (٢) إحراز سائر

______________________________________________________

(١) هذا متفرّع على اعتبار اجتماع كافة الشرائط في العقد المجاز ، إذ لازمه عدم كفاية بعض الشرائط فيه ـ كاتصاف المتعاقدين بصحة الإنشاء ـ مع فرض انتفاء سائر الشرائط.

(٢) معطوف على «فلا» يعني : ولا يكفي إحراز الشرائط بالنسبة إلى الأصيل فقط.

__________________

نعم يقع الإشكال في أنّ العبرة في اجتماع الشرائط هل هي بحال العقد أو الإجازة أو كليهما؟ والمرجع في ذلك أدلة الشرائط المعتبرة في العقد. والظاهر من الأدلة أنّ الشروط المعتبرة في المعاملة البيعية على أنحاء :

فمنها : ما يعتبر في نفس الإنشاء كالعربية والماضوية والمطابقة والموالاة والتنجيز ونحوها ، فإنّ هذه الشرائط معتبرة حال العقد ، فلا بدّ أن يكون عقد الفضول جامعا لشرائط إنشاء العقد ، ومع فقدها لا تجدي الإجازة ، ولا أثر لها.

ومنها : ما يعتبر في المالك ، فإنّه لا بدّ من حصوله فيه حين ترتب الأثر كالملكية على العقد ، نظير إسلام مشتري العبد المسلم والمصحف الشريف ، فإنّ دليل عدم تملك الكافر للمصحف والمسلم ـ على ما قيل ـ لا يقتضي إلّا وجود الإسلام حين الملك لا حين العقد ، فلو باع الفضولي العبد المسلم ـ والمصحف ـ من كافر يوم الجمعة ، وأسلم المشتري الكافر يوم السبت ، وأجاز مالكهما ذلك البيع الفضولي يوم الأحد ، صحّ البيع ، وانتقلا إلى المشتري الذي أسلم يوم السبت ، لثبوت الشرط فيه ، وهو الإسلام حين ترتب الأثر أعني به النقل والانتقال.

ومنها : ما يعتبر في مالك العقد ، سواء أكان مالكا للعين أم مالكا للتصرف ، وذلك الشرط كالقدرة على التسليم ، فإنها شرط في من له العقد ، سواء أكان هو المباشر للعقد أم غيره ، إذ دليل هذا الشرط ـ وهو دليل نفي الغرر ـ يقتضي اعتبار هذا الشرط في خصوص من له العقد ، دون غيره وإن كان مجريا للصيغة ، إذ مجرّد إجراء الصيغة لا يوجب ارتباطه بالمعاملة حتى يعتبر أن يكون إقدامه غير غرري ولا خطري.

وأمّا من له العقد ، فإن باشر العقد لزم أن يكون قادرا على التسليم حين العقد ، لأنه ظرف استحقاق التسليم. وإن أجاز العقد اعتبر أن يكون قادرا على التسليم حين الإجازة حتى لا يكون إجازته الموجبة لكون العقد له غررية.


الشروط بالنسبة إلى الأصيل فقط على الكشف ، للزومه (١) عليه (٢) حينئذ (٣) ، بل مطلقا (٤) ، لتوقّف (٥) تأثيره الثابت ـ ولو على القول بالنقل ـ عليها (٦) ، وذلك (٧) لأنّ

______________________________________________________

(١) علّة للمنفي وهو الكفاية ، بتقريب : أنّ لزوم العقد على الأصيل من حين العقد ـ كما هو مقتضى الكشف ـ يكشف عن كفاية اجتماع الشرائط فيه ، إذ مع انتفائها لا وجه للزوم العقد عليه.

(٢) أي : لزوم العقد على الأصيل.

(٣) أي : حين البناء على الكشف ، إذ بناء على النقل لا لزوم للعقد على الأصيل من حين العقد حتى يعتبر فيه اجتماع الشروط حين العقد.

(٤) إضراب على قوله : «على الكشف» يعني : لا يختص اعتبار الشروط في الأصيل بكاشفية الإجازة ، بل لا بدّ من اعتبار اجتماع الشروط فيه حتى على القول بناقلية الإجازة ، وذلك لأنّ تأثير العقد مطلقا ـ وإن كانت الإجازة ناقلة ـ موقوف على اجتماع شرائط العقد حين صدوره ، لأنّ العقد الصحيح يؤثّر ، إذ ليست الإجازة إلّا رضا بالعقد وإمضاء له. وإنّما المقتضي للتأثير هو نفس العقد ، ولا يؤثر إلّا إذا كان جامعا للشروط ، ولذا لو باع المالك مع طيب نفسه بالبيع وكان العقد فاقدا لبعض الشروط كالعربيّة والماضويّة ـ بناء على اعتبارهما فيه ـ كان فاسدا غير مؤثر في النقل والانتقال.

(٥) تعليل لاعتبار اجتماع الشرائط في الأصيل مطلقا حتى على القول بالنقل. فقوله : «لتوقف» من كلام من زعم كفاية اجتماع شرائط العقد في الأصيل مطلقا سواء أكانت الإجازة كاشفة أم ناقلة.

(٦) أي : على الشروط ، وضمير «تأثيره» راجع إلى العقد.

(٧) تعليل للنفي أعني به عدم كفاية وجود الشروط في الأصيل فقط ، كشفا ونقلا ، وإناطة تأثير العقد باجتماع جميع الشروط المعتبرة في العقد ـ حين صدوره ـ في الفضول أيضا ، لأنّ العقد إمّا تمام السبب ، والإجازة كاشفة عن تماميته ، كما أفاده المحقق الثاني قدس‌سره وقد تقدم كلامه في (ص ١٥). وإمّا جزء السبب ، والعقد قائم بالأصيل والفضول معا ، فلا بدّ من تحقق الشروط في كليهما.


العقد إمّا تمام السبب أو جزؤه. وعلى أيّ حال (١) فيعتبر اجتماع الشروط عنده (٢). ولهذا (٣) لا يجوز الإيجاب في حال جهل القابل بالعوضين. بل لو قلنا بجواز ذلك (٤) لم يلزم منه الجواز هنا (٥) ، لأنّ (٦) الإجازة على القول بالنقل أشبه بالشرط.

______________________________________________________

(١) يعني : سواء أكان العقد تمام السبب في النقل والانتقال أم جزءه ، يعتبر اجتماع الشروط عند إنشاء العقد ، فإنّ مقتضى شرطيتها ذلك ، إلّا إذا دلّ دليل الشرطية على عدم اعتبار مقارنة الشرط للعقد ، كما أشرنا إليه في التعليقة السابقة.

(٢) أي : عند العقد.

(٣) أي : ولأجل اعتبار كون العقد جامعا للشروط عند صدوره ذهب الفقهاء إلى عدم جواز الإيجاب مع جهل القابل بالعوضين ، حيث إنّ علمه بهما شرط للعقد عند صدوره ، فمع الجهل بهما لا يصحّ الإيجاب وإن علم بهما حال القبول.

(٤) أي : جواز الإيجاب مع جهل القابل بالعوضين ، وعلمه بهما حال القبول. والغرض من هذا الإضراب أنّه على القول بجواز الإيجاب مع جهل القابل بالعوضين والإكتفاء بعلمه بهما عند القبول ـ في غير عقد الفضول ـ لا يلزم منه جواز خلوّ عقد الفضول الذي هو محلّ البحث عن بعض الشرائط حال وقوع العقد مع حصوله في حال الإجازة.

(٥) أي : في العقد الفضولي.

(٦) تعليل لعدم الملازمة بين الالتزام بجواز الإيجاب في ظرف جهل القابل بالعوضين ، وبين الالتزام بجواز خلوّ العقد عن بعض الشرائط حين إنشائه مع كون الشرط المفقود حاصلا حال الإجازة في عقد الفضولي.

وحاصل الفرق : أنّ كلّا من الإيجاب والقبول جزء للعقد ، والعلم بالعوضين حال القبول علم بحال المبيع قبل تمام إنشاء البيع. بخلاف عقد الفضولي ، فإنّ الإجازة فيه ليست جزءا من البيع حتى يكون حصول شرطها قبل تحقق نفس الإجازة من حصول الشرط قبل تمامية البيع ، إذ ليس البيع إلّا نفس الإيجاب والقبول. وأمّا الإجازة ـ على تقدير جزئيّتها ـ فهي جزء للمركّب من العقد والإجازة ، لا لنفس العقد.


ولو سلّم كونها (١) جزءا فهو جزء للمؤثّر (٢) لا للعقد ، فيكون جميع ما دلّ من النصّ والإجماع على اعتبار الشروط في البيع ظاهرة في اعتبارها في إنشاء النقل والانتقال بالعقد (٣).

نعم (٤) لو دلّ دليل على اعتبار شرط في ترتّب الأثر الشرعيّ على العقد ، من غير ظهور في اعتباره (٥) في أصل الإنشاء ، أمكن (٦) القول بكفاية وجوده

______________________________________________________

(١) أي : كون الإجازة ، غرضه أنّه ـ بعد تسليم كون الإجازة جزءا ـ نقول : إنّ جزئيتها ليست على حدّ جزئية الإيجاب والقبول للعقد الإنشائي ، بل هي جزء للسبب المؤثّر المركّب من العقد والإجازة ، فلا يكفى العلم بالشرائط قبل تمامية أجزاء العقد إلّا في القبول ، لأنّه جزء العقد. بخلاف الإجازة ، فإنّها جزء للسبب وهو العقد المنتسب إلى المالك ، وليست جزءا لنفس العقد حتى يجدي العلم بحصول شرائطها قبل تحقق نفس الإجازة.

(٢) وهو المركّب من العقد والإجازة ، فلا يصدق على حصول شرط الإجازة قبل تحقق نفسها ـ وبعد إنشاء الإيجاب والقبول ـ أنّه حصل قبل تمامية إنشاء البيع ، والمفروض أنّ الشرائط شرائط العقد لا المؤثر ، وهو العقد والإجازة.

(٣) وهو السبب ، وحقيقة البيع عند المصنف قدس‌سره هي : إنشاء النقل والانتقال الشرعي الذي هو معنى اسم المصدر المترتّب على النقل الإنشائي ، ويسمى بأثر البيع ، والمسبب عن العقد الإنشائي.

(٤) استدراك على اعتبار الشروط في إنشاء النقل الذي هو حقيقة البيع عند المصنف ، وحاصله : أنّه لو دلّ دليل شرط على اعتباره في المسبب وهو الأثر الشرعي ، ولم يدلّ على اعتباره في النقل الإنشائي الذي هو سبب الانتقال الشرعي ، أمكن أن يقال بكفاية وجود ذلك الشرط حين الإجازة الذي هو زمان المسبب أعني به الانتقال ، وعدم لزوم اقترانه بالعقد.

(٥) أي : في اعتبار ذلك الشرط في أصل النقل الإنشائي الذي هو السبب.

(٦) جواب الشرط في قوله : «لو دلّ».


حين (١) الإجازة.

ولعلّ من هذا القبيل (٢) القدرة على التسليم ، وإسلام (٣) (*) مشتري

______________________________________________________

(١) الذي هو زمان ترتّب الأثر الشرعي أعني به الانتقال ، وعدم لزوم وجوده حين العقد. وجه الإمكان هو الإطلاق المقامي إن كان ، وإلّا فأصالة عدم الشرطية تقتضي عدم شرطيته للإنشاء.

(٢) أي : من قبيل كفاية وجود الشرط عند الإجازة ـ وعدم دلالة دليل الشرط على اعتباره في إنشاء النقل الذي هو البيع حقيقة عند المصنف كما أشرنا إليه آنفا ـ شرطيّة القدرة على التسليم ، كما إذا كان المبيع عبدا آبقا ، فإنّه يقال : إنّ القدرة على تسليمه ليست شرطا لإنشاء البيع ، بل هي شرط حال الإجازة ، لأنّ وجوب التسليم يكون بعد الانتقال الذي هو حال الإجازة. ففي هذه الحالة يعتبر أن يكون قادرا على التسليم. كما أنّه إذا كان مباشر العقد نفس المالك اعتبر فيه القدرة على التسليم حين إنشاء النقل ، لأنّه ظرف الانتقال.

(٣) معطوف على «القدرة» بتقريب : أن يكون إسلام مشتري المصحف والعبد المسلم شرطا لترتب الأثر وهو الانتقال ، وليس شرطا لإنشاء النقل حتى يلزم وجود إسلام المشتري حين الإنشاء ، فيكفي وجوده حين الإجازة.

__________________

(*) جعل إسلام مشتري المصحف والمسلم من قبيل الشرط المعتبر حين الإجازة ـ دون إنشاء النقل ـ مبني على دلالة آية «نفي السبيل للكافر على المؤمن» على نفي السلطنة وزمام أمور المؤمن بيد الكافر ، وعدم كون مجرد إضافة الملكية مع فرض محجورية الكافر عن كل تصرف في ملكه سبيلا له على المؤمن حتى يكون منفيا بالآية. فحينئذ تكون القدرة على التسليم شرطا في ترتب الأثر الشرعي ، فيكفي وجودها حين الإجازة.

لكن الأمر ليس كذلك ، ضرورة أنّ نفس إضافة الملكية سبيل أيضا ، لأنّها سيادة وعلوّ ومولوية للكافر على المؤمن ، فتكون شرطية إسلام مشتري المصحف والعبد المسلم كسائر الشروط المعتبرة في إنشاء النقل ، فلا يكفي إسلامه حال الإجازة. ولذا لو باع المالك المصحف والعبد المسلم مباشرة من الكافر كان البيع فاسدا ، ولا يقع موقوفا على إسلام المشتري. وهذا يدلّ على كون الإسلام شرطا مقارنا للإنشاء.


المصحف والعبد (١) المسلم.

ثمّ (٢) هل يشترط بقاء الشرائط ـ المعتبرة حين العقد ـ إلى زمان (٣) الإجازة ، أم لا؟ لا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين على شروطهما (٤) حتّى على القول بالنقل (*).

______________________________________________________

(١) معطوف على «المصحف».

(٢) غرضه التعرض لحكم بقاء الشرائط بعد الفراغ عن حكم حدوثها ، وأنّ بقاءها الى زمان تحقق الإجازة معتبر أو لا؟ وقد فصّل بين الشروط ، وقال : إنّ الشرائط على قسمين : فإن كانت معتبرة في تحقق المعاهدة كالبلوغ والعقل وقصد المدلول ، فلا ينبغي الإشكال في عدم اعتبار بقاءها إلى زمان الإجازة. وذلك لتحقق المعاقدة وعدم زوالها بارتفاع شرط من شرائطها.

وإن لم تكن معتبرة في صدق المعاهدة ، بل كانت دخيلة في الملكية كالحياة والاستقلال في التصرف ـ في قبال المحجور ـ اعتبر بقاؤها إلى زمان الإجازة.

(٣) متعلق ب «بقاء».

(٤) أي : شروط المتعاقدين ـ وهي العقل وقصد المدلول جدّيّا ـ لا يعتبر بقاؤها حتى على القول بكون الإجازة ناقلة ، ضرورة بقاء العقد في وعاء الاعتبار ، وعدم زواله بانتفاء شروط الإنشاء.

__________________

وببيان أوضح : يكون قوله تعالى (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ظاهرا في نفي جعل السبيل تشريعا للكافر على المؤمن. ولا ريب في كون إضافة الملكية جعلا شرعيا وسبيلا اعتباريا لكلّ مالك على مملوكه. ولا وجه لجعل السلطنة في الآية سلطنة خارجية ومالكية لأزمّة الأمور الدنيوية حتى يصح الالتزام بمالكية الكافر للمؤمن تشريعا ، ولا يصح تكوينا فقط.

(*) لا يبعد ابتناء اعتبار الشرائط ـ غير شرائط العاقد والإنشاء ـ في عقد الفضول على كون العاقد الفضول كالوكيل في إجراء الصيغة فقط ، أو كالوكيل المفوّض كما قيل؟ لكن الظاهر أنّه كالوكيل في إجراء الصيغة ، كما قد يشهد له صحة بيع الفضول صبرة من حنطة مثلا جاهلا بمقدارها مع علم المالك والمشتري بكيلها ووزنها ، فإنّ إجازة المالك


.................................................................................................

__________________

حينئذ ملزمة لهذا العقد ، والقول ببطلانه وعدم نفوذ إجازة المالك فيه شطط من الكلام. فلو كان الفضول كالوكيل المفوّض لم يكن محيص عن بطلان العقد ، لأنّ الإجازة لا تؤثّر إلّا في العقد الجامع للشرائط إلّا رضا المالك.

وبالجملة : فالظاهر عدم اعتبار شروط العوضين في العاقد الفضول ، فالقدرة على التسليم كمعلومية العوضين من الشروط المعتبرة في من له العقد ، سواء أكان مالكا للعين أم مالكا لزمام أمر البيع كالولي ، وليست معتبرة في العاقد الفضولي.

نعم لو كان العوض ممّا لا يجوز لمالكه بيعه ، كما إذا كان أمّ ولد ، لم يجز بيعه للفضولي أيضا ، فلا بدّ من عدم وقوع بيع الفضول على ما لا يجوز بيعه للمالك.

فتلخّص : أن شرائط الإنشاء والمنشئ معتبرة في الفضول ، لتقوم العقد عرفا وشرعا بها. وأمّا شروط العوضين فالمتيقن من أدلتها اعتبارها في المالك للعين ، أو مالك زمام البيع كوليّ القاصر ، والوكيل المفوّض ، لأنّ موضوع تلك الشروط في الأدلة خصوص المتبايعين ، وصدق البائع على الفضول غير معلوم ، فموضوعيته لتلك الأدلة مشكوك فيها ، والتمسك بها لإثبات شروط العوضين له تشبث بالعام في الشبهة المصداقية ، وهو غير وجيه. ومع الشك في شمول أدلة العوضين للفضول فأصالة عدم الشرطية محكّمة ، فتلك الشرائط معتبرة في المالك.

ويمكن أن يكون الضابط في شرائط الإنشاء منع الخالق تعالى عن المعاملة ، كبيع أمّ الولد ونحوه ، بحيث لا يصحّ بيعه من الأصيل أيضا ، لكون المعاملة عصيانا له سبحانه وتعالى. فإن كان المانع كذلك لم يمكن الإنشاء لا من الأصيل ولا من الفضول.

ويستفاد هذا الضابط ممّا ورد في نكاح العبد بدون إذن سيّده من التعليل لصحة النكاح «بأنّه لم يعص الله وإنّما عصى سيّده» ومعصية السيد تجبر برضاه.

ولعلّ من هذا القبيل بيع المصحف والعبد المسلم من الكافر ، ولذا لا يجوز للأصيل أيضا بيعهما. فإذا باعهما الفضولي لم يصحّ بيعه ، وليس للمالك إجازته ، لأنّ العقد في نفسه باطل ، كنكاح المحارم ، والتزويج بأخت الزوجة قبل تطليقها. وليس قابلا للإجازة حتى بناء على ناقلية الإجازة كما لا يخفى. فلو أسلم المشتري الكافر فلا بدّ من تجديد العقد ، ولا تكفي الإجازة.


نعم (١) على القول بكونها بيعا مستأنفا يقوى الاشتراط (٢).

وأمّا شروط العوضين (٣)

______________________________________________________

(١) استدراك على قوله : «لا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط» ومحصله : أنّه ـ بناء على كون الإجازة بيعا مستأنفا كما اختاره المحقق القمي وغيره (١) لا مجرّد إمضاء ورضا بما وقع من عقد الفضول ـ يقوى اشتراط بقاء شرائط المتعاقدين إلى زمان الإجازة ، لأنّ زمان الإجازة بناء على كونها بيعا مستأنفا زمان إنشاء المعاهدة ، ولا بدّ من تحقق شرائط المعاهدة ـ وهي شروط المتعاقدين ـ حين الإجازة ، فلا بدّ من وجود الشرائط في الأصيل والفضوليّ حين الإجازة التي هي معاملة جديدة.

(٢) أي : اشتراط بقاء المتعاقدين على شروطهما التي هي من شرائط إنشاء المعاقدة إلى زمان الإجازة. هذا بالنسبة إلى شرائط الإنشاء التي منها شروط المتعاقدين.

هل يعتبر بقاء شروط العوضين إلى زمان الإجازة؟

(٣) كقابليتهما للتملّك شرعا ، ومعلوميتهما ، ومقدوريتهما للتسليم ، وكونهما ملكا طلقا للمتعاقدين.

__________________

وأمّا القدرة على التسليم فليست كبيع المصحف ، لأنّ القدرة على التسليم اعتبرت للغرر.

وأمّا بيع العبد الآبق والدابة الشاردة والسمك في الماء والطير في الهواء فهو في نفسه جائز ، فإن قدر المشتري على التسلم صحّ البيع ، لاندفاع الغرر به ، وإن لم يقدر كلاهما على التسليم ، فللمشتري خيار فسخ البيع.

تكملة : إذا شك في كون شي‌ء شرطا للإنشاء أو للملكية ، ولم يكن موجودا حين الإنشاء ـ كمعلومية العوضين ـ فهل تنفذ الإجازة حينئذ ، أم لا؟ الظاهر العدم ، لأنّ الشك في الانتقال ، وأصالة الفساد تقتضي عدمه ، لرجوع الشك في تحقق موضوع الإجازة وهو العقد ، ومع عدم إحرازه لا تنفذ الإجازة.

__________________

(١) تقدم كلامه في ج ٤ ، ص ٥٦٢ ـ ٥٦٥ ، فراجع.


فالظاهر اعتبارها (*) بناء على النقل (١) (**). وأمّا بناء على الكشف فوجهان (٢) ، واعتبارها عليه أيضا غير بعيد (٣).

الثاني (٤):

______________________________________________________

(١) لأنّه بناء على النقل يكون زمان تأثير السبب ـ وهو إنشاء النقل ـ زمان الإجازة ، فلا بدّ من تحقق الشرائط حين تأثيره ، وإلّا لم تكن شرطا لتأثيره. هذا بناء على النقل.

(٢) منشأ هذين الوجهين هو اختلاف الاستظهار من أدلة الشروط ، فصاحب الجواهر قدس‌سره استظهر منها اعتبار استمرار الشروط إلى زمان الإجازة بناء على الكشف ، وقد تقدم كلامه في ثمرات الكشف والنقل ، والمصنف استظهر عدم اعتبار استمرار الشروط إلى زمان الإجازة ، وردّ كلام الجواهر في ثمرات الكشف والنقل ، فراجع (ص ١٣٩ ـ ١٤٣).

(٣) نفي البعد عن اعتبار استمرار الشروط مناف لما أفاده في ردّ الجواهر القائل باعتبار استمرار الشروط إلى زمان الإجازة على الكشف في ثمرات الكشف والنقل من قوله : «وفيه : أنّه لا وجه لاعتبار استمرار القابلية .. إلخ» فراجع (ص ١٣٩).

هل يعتبر علم المجيز بالمجاز تفصيلا؟

(٤) هذا ثاني الأمور التي أشار إليها المصنف قدس‌سره بقوله : «وأما القول في المجاز فاستقصاؤه يتمّ ببيان أمور» وفي هذا الأمر يبحث في مقامين :

__________________

(*) واعتبارها في المالك واضح. وأمّا في العاقد الفضول فغير ظاهر ، لأنّ موضوع تلك الشرائط هو المتبايعان ، وصدق البائع على الفضول غير ظاهر. فموضوع البحث في اشتراط البقاء الى زمان الإجازة هو نفس المالك الأصيل دون الفضول.

(**) بل بناء على كون العاقد الفضول كالوكيل المفوّض ، إذ بناء على كونه كالوكيل في إجراء الصيغة فقط لا يعتبر فيه إلّا شرائط الإنشاء ، سواء أكانت الإجازة ناقلة أم كاشفة كما أشرنا إليه سابقا.


هل يشترط (*) في المجاز (١) كونه معلوما للمجيز بالتفصيل ، من تعيين العوضين ، وتعيين نوع العقد من كونه بيعا أو صلحا ـ فضلا عن جنسه من كونه نكاحا

______________________________________________________

الأوّل : في اعتبار العلم ـ تفصيلا أو إجمالا ـ بوقوع عقد في صحة الإجازة ، وعدم اعتبار العلم به مطلقا ، وكفاية احتمال وجوده في صحة الإجازة.

والثاني : في صحة تعلق الإجازة بالمبهم وعدمها.

(١) هذا هو المقام الأوّل ، وحاصله : أنّه هل يشترط في قابلية العقد للإجازة علم المجيز تفصيلا بالعقد ـ من تعيين العوضين وتعيين نوع العقد من كونه بيعا أو صلحا ، فضلا عن جنسه من كونه نكاحا لجاريته أو بيعا لها ـ فإن لم يعلم المجيز تفصيلا بالعقد فليس له إجازته؟ أم لا يشترط العلم التفصيلي به ، بل يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة ، إذ الغرض من اعتبار الإجازة في العقد الفضولي حصول أمرين.

أحدهما : رضا المالك وطيب نفسه بانتقال ماله إلى الغير.

وثانيهما : صيرورة عقد الفضول عقدا للمالك المجيز حتى يشمله عموم «أَوْفُوا» ومن المعلوم حصول هذين الأمرين بالعلم الإجمالي ، فلا حاجة إلى اشتراط العلم التفصيلي للمجيز.

__________________

(*) ينبغي أن يعدّ هذا الشرط من شرائط صحة الإجازة ، لا من شرائط العقد المجاز ، بأن يقال : هل يعتبر في صحة الإجازة كون المجاز معلوما للمجيز .. إلخ.

كما أنّه ينبغي أن يقال في عنوان البحث : هل يعتبر العلم بوجود العقد تفصيلا أو إجمالا في صحة الإجازة؟ أم يكفي في صحتها الاحتمال وفرض وقوعه ، كما إذا قال المالك : إن باع شخص فضولا داري أو آجرها أو صالحها فقد أجزته.

ثمّ إنّ في صورتي العلم الإجمالي بوقوع العقد أو احتماله هل يصح تعلق الإجازة بالمبهم أم لا؟ فهنا مقامان :

الأوّل : في اعتبار العلم بوجود العقد وعدمه. والثاني : في صحة تعلق الإجازة بالمبهم وعدمها ، سواء قلنا باعتبار العلم بوقوع العقد ، أم قلنا بعدمه.

والمصنف قدس‌سره اختار في المقام الأوّل اعتبار العلم التفصيلي بوقوع العقد ، استنادا فيه إلى أنّه بدون العلم بوقوعه يلزم التعليق ، لأنّه بمنزلة قوله : إن وقع بيع على مالي فقد أجزته.


لجاريته ، أو بيعا لها ـ أم يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة؟ وجهان ، من

__________________

وحيث إنّ الإجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد ، لحصول المعاهدة الحقيقية بين المتبايعين بها ، والتعليق مبطل للعقود ، فالإجازة التي هي بحكم العقد تبطل أيضا بالتعليق ، هذا.

والمحقق النائيني قدس‌سره أضاف إليه : عدم قابلية الإيقاعات للتعليق ، والإجازة من الإيقاعات ، فلا تقبل التعليق (١).

أمّا ما أفاده المصنف قدس‌سره فيتوجه عليه أوّلا : أنّ دليل بطلان التعليق هو الإجماع ، ومعقده نفس العقد ، ولا يشمل الإجازة التي هي بحكم العقد ، فإلحاق الإجازة بالعقد قياس باطل عندنا.

وثانيا : أنّ بطلان العقد بالتعليق يختص بأمر خارج عن العقد. وأمّا إذا كان بأمر يقتضيه نفس العقد وإن لم يصرّح به في متن العقد كقوله لزوجته : «إن كنت زوجتي فأنت طالق» فلا وجه لبطلانه ، فإنّ مثل هذا التعليق موجود في جميع العقود.

وأمّا ما أفاده المحقق النائيني قدس‌سره فلم يظهر مراده ، إذ لا معنى لعدم القابلية. ولعلّ مراده عدم المشروعية. وكيف كان فهو معقول ومشروع كالتدبير والوصية.

فالأقوى كفاية العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة ، لحصول الغرض من الإجازة ، وهو الرضا وانتساب العقد إلى المالك المجيز بالعلم الإجمالي ، من دون حاجة إلى العلم التفصيلي.

بل الأقوى كفاية مجرّد احتمال وقوع العقد ، وصحة إجازته معلّقة على وقوعه ، وذلك لما مرّ من عدم جزئية الإجازة للعقد حتى يقدح فيها التعليق ، إذ كونها وسيلة لانتساب العقد إلى المالك لا يدلّ على كونها جزءا للعقد حتى يكون حكم العقد ـ وهو بطلانه بالتعليق ـ ثابتا لها.

مضافا إلى : أنّ كل تعليق ليس مبطلا كما عرفت.

وقد ذكر المصنف قدس‌سره في المقام الثاني جواز تعلّق الإجازة بالمبهم ، لكونها كالإذن في جواز تعلقه بالمبهم. لكن القياس مع الفارق ، إذ متعلق الإجازة جزئيّ ، لكونه موجودا خارجيا. بخلاف متعلق الإذن ، فإنّه ليس موجودا خارجيا حتى لا يقبل الإبهام والتردد.

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٢٧٨ ، البيع والمكاسب ، ج ٢ ، ص ٢١٦.


كون (١) الإجازة كالإذن السابق ، فيجوز تعلّقه (٢) بغير المعيّن ، إلّا (٣) إذا بلغ حدّا (٤) لا يجوز معه التوكيل. ومن (٥) أنّ الإجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد ،

______________________________________________________

(١) هذا دليل كفاية العلم الإجمالي ، وعدم اشتراط علم المجيز تفصيلا بالعقد المجاز ، توضيحه : أنّ الإجازة كالإذن في الدلالة على الرضا وطيب نفس المالك ، فكما يجوز تعلق الإذن بغير المعيّن ، فكذلك الإجازة ، فيجوز أن يجيز المالك عقد الفضول مع عدم علمه تفصيلا بذلك العقد ، وأنّه هل هو بيع فرسه أم إجارة داره أم صلح عقاره؟ ولا فرق بين الاذن والإجازة إلّا في كون الإذن قبل العقد ودخيلا في حدوثه ، وكون الإجازة بعده ودخيلا في بقائه.

(٢) أي : تعلّق الإذن بالمبهم وغير المعيّن ، والأولى تأنيث الضمير ليرجع إلى ما هو المناسب للمقام ، أعني به الإجازة كما لا يخفى.

(٣) استثناء من قوله : «فيجوز تعلقه» ومحصّله : أنّ تعلق الإذن السابق بشي‌ء مبهم مشروط بما إذا لم يبلغ الإذن حدّا من الإبهام لا يجوز معه التوكيل ، كما إذا قال : «وكلتك أو أذنت لك في بيع شي‌ء من أموالي» فإذا بلغ ذلك الحدّ لم يجز شي‌ء من الإذن والتوكيل ، لبلوغ الإبهام حدّا يخرج عن دائرة اعتبار العقلاء.

(٤) المراد بذلك ما هو الخارج عن محيط اعتبار العقلاء ، بحيث يعد أمرا سفهيّا وغير عقلائي. وضمير «معه» راجع إلى «حدّ».

(٥) معطوف على «من كون» وهذا دليل اشتراط علم المجيز تفصيلا بالمجاز ، وعدم

__________________

ثمّ إنّ هذين المقامين أجنبيان عن حكم الإجازة من حيث الكشف والنقل ، بل يجري البحث عنهما على كلا القولين في الإجازة.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من صحة تعلق الإجازة بالعقد المعلوم إجمالا وقوعه أو المحتمل وقوعه إنّما هو في العقد الصحيح الجامع للشرائط. فإن كان فيه خلل في نفسه مع الغض عن إجازة المالك ـ بحيث لو كان المالك متصديا له كان العقد أيضا فاسدا ـ فهو خارج عن مورد البحث ، كما إذا كان العوضان مجهولين ، أو غير مملوكين ، أو لم تكن الصيغة عربية بناء على اعتبارها.


لأنّ (١) المعاهدة الحقيقيّة إنّما تحصل بين المالكين بعد الإجازة ، فتشبه (٢) القبول (*) مع عدم تعيين الإيجاب عند القابل.

ومن هنا (٣) يظهر قوّة احتمال اعتبار العلم بوقوع العقد ، ولا يكفي مجرّد

______________________________________________________

كفاية علمه الإجمالي به ، ومحصّله : أنّ المعاهدة الحقيقية القائمة بالمالكين لا تحصل إلّا بالإجازة ، ولا تتحقّق بعقد الفضولي ، لعدم كونه مالكا ولا منصوبا من قبله. فالإجازة حينئذ كالقبول متمّمة لعقد الفضول ، ولذا تعدّ أحد ركني العقد ، فلا بدّ أن يكون المجيز عالما بما يجيزه من العقد حتى لا يلزم الغرر المنهي عنه في البيع وغيره.

(١) تعليل لكون الإجازة أحد ركني العقد ، حيث إنّها توجب المعاهدة الحقيقية وإن لم تكن أحد طرفي العقد الإنشائي.

(٢) أي : فتشبه الإجازة القبول.

(٣) أي : ومن كون الإجازة أحد ركني العقد ـ لحصول المعاهدة الحقيقية بين المالكين بها ـ يظهر .. إلخ. وهذا هو المقام الثاني أعني به اعتبار علم المجيز بوقوع العقد ، وعدم كفاية احتمال وجوده في صحة الإجازة.

تقريبه : أنّه ـ بناء على كون الإجازة أحد طرفي العقد ـ لا بدّ من إحراز وجود العقد حتى تصحّ إجازته ، وتكون أحد ركني العقد ، ولئلّا يلزم التعليق في الإجازة التي هي إيقاع ، وإن قيل بصحة التعليق في العقود.

__________________

(*) بل الظاهر أنّ الإجازة تشبه الإيجاب المتأخر عن القبول ، إذ المفروض وقوع القبول صحيحا من الأصيل ، وإيجاب الفضول لم يقع في محله ، فالإجازة تكون بمنزلة الإيجاب الواقع بعد القبول ، فهي متممة للعقد ، فلا بد من وجود عقد حتى تكون الإجازة متممة له.

ولعلّ نظره قدس‌سره في تشبيه الإجازة بالقبول إلى كونها كالقبول في عليّته للتأثير ، يعني : أن الإجازة كالقبول في كونها جزءا أخيرا لعلّة التأثير. لكن الإيجاب المتأخر كالقبول أيضا في كونه جزءا أخيرا لعلة التأثير. ولا بدّ من التأمّل في كلام المصنف قدس‌سره.


احتماله (١) ، فيجيزه على تقدير وقوعه إذا انكشف (٢) وقوعه ، لأنّ (٣) الإجازة وإن لم تكن من العقود حتّى تشملها معاقد إجماعهم (*) على عدم جواز التعليق فيها ، إلّا أنّها (٤) في معناها. ولذا (٥) يخاطب المجيز بعدها بالوفاء بالعقد السابق ، مع أنّ الوفاء

______________________________________________________

(١) أي : احتمال وقوع العقد حتى يجيزه المجيز على تقدير وقوعه.

(٢) هذا راجع إلى قوله : «ولا يكفي» يعني : ولا يكفي مجرّد احتمال وقوع العقد في صحة الإجازة إذا انكشف وقوعه ، فوجود الإجازة مع احتمال وقوع العقد كعدمها.

(٣) تعليل لعدم كفاية احتمال وقوع العقد ، توضيحه : أنّ الإجازة وإن لم تكن من العقود حتى تشملها معاقد إجماعهم على عدم جواز التعليق فيها ، إلّا أنّها في معنى العقود ، لما مرّ آنفا من أنّ الإجازة توجب المعاهدة بين المالكين ، فإذا كانت الإجازة في معنى العقد لم يجز التعليق فيها ، ومن المعلوم أنّ احتمال وقوع العقد تعليق في الإجازة ، لكونها معلّقة على وقوع العقد ، فلا تجدي هذه الإجازة لأجل التعليق.

(٤) أي : أنّ الإجازة ، وضميرا «فيها ، معناها» راجعان إلى العقود.

(٥) أي : ولأجل كون الإجازة في معنى العقد يخاطب المجيز بعد الإجازة بالوفاء بالعقد السابق الذي وقع فضولا ، وحاصله : أنّ «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» متوجّه إلى العاقدين ، ووجوب الوفاء على المجيز بعد الإجازة يكشف عن صيرورته عاقدا بسبب الإجازة.

فلو لم تكن الإجازة في معنى العقد لم يكن المجيز عاقدا مخاطبا بوجوب الوفاء

__________________

(*)قد تقدّم عن الشهيد قدس‌سره في غاية المراد «اتفاقهم على بطلان الفضولي فيها» (١) أي الإيقاعات. ولكن قد يدّعى صحة الفضولي في القبض ونحوه ممّا هو من توابع العقود ، وإن كان من قبيل الإيقاعات. فالمتيقّن من معقد الإجماع هو الإيقاعات المستقلة كالطلاق ونحوه.

ويمكن استظهار جواز جريان الفضولي في الإيقاعات غير المستقلة من رواية عروة ، لأنّ الظاهر أنّ إجازته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت بعد إقباض عروة.

__________________

(١) تقدم كلامه في الجزء الرابع من هذا الشرح ، ص ٣٤٩.


بالعقد السابق لا يكون إلّا في حقّ العاقد (*) فتأمّل (١).

______________________________________________________

بالعقد. وإذا كانت الإجازة في معنى العقد لم يجز التعليق فيها.

(١) لعلّه إشارة إلى : ما ذكرناه من عدم اختصاص وجوب الوفاء بالعقود بالعاقدين. أو إشارة إلى : منع كون الإجازة في معنى العقد ، وذلك لأنّ الإجازة إمضاء للعقد السابق ورضا به. نظير الإذن في العقد ، فإنّه رضا به. ولا فرق بين الإذن والإجازة إلّا في السبق واللحوق ، وفي كون متعلّق الإجازة جزئيا ، لكونه موجودا خارجيا صدر من الفضول. بخلاف الإذن ، فإنّ متعلّقه كلّي ، لعدم تحلّيه بعد بحلية الوجود الذي هو مدار الجزئية ، ولذا لا يعتبر العلم بخصوصيات أفراده ، فيجوز الإذن في التصرف في ماله بعقد

__________________

(*) اختصاص خطاب «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» بالعاقدين ممنوع ، بل كلّ من له العقد سواء أكان عاقدا مباشرة أم كان وليّه أو وكيله عاقدا يجب عليه الوفاء بالعقد ، فوجوب الوفاء على المجيز بعد الإجازة لا يدلّ على كونه عاقدا ، كما لا يدلّ على كون الإجازة أحد ركني العقد سببيّتها لتحقق المعاهدة بين المالكين ، ضرورة أنّها لو كانت شرطا لا ركنا لا تتحقق المعاهدة أيضا إلّا بعدها.

وبالجملة : فما أفاده المصنف قدس‌سره من كون الإجازة ركنا للعقد ، ومن صيرورة المجيز بسببها عاقدا يشمله عموم أوفوا ، غير ثابت.

وأمّا استناد اعتبار العلم بوقوع العقد ـ وعدم كفاية احتمال وقوعه ـ إلى لزوم التعليق في الإجازة التي هي في معنى العقد ، ففيه أوّلا : أنّ تعدية الحكم بقدح التعليق من العقد إلى ما هو في معنى العقد محتاجة إلى الدليل ، وهو مفقود.

وثانيا : أنّ التعليق القادح إنّما هو في أمر زائد عما يقتضيه نفس العقد أو الإيقاع ، فإذا علّق أحدهما على موضوعه ، كما إذا قال : «بعتك داري إن كانت ملكا لي» أو قال لزوجته : «أنت طالق إن كنت زوجتي» كان كلّ منهما صحيحا ، لأنّ التعليق على الملكية في البيع وعلى الزوجية في الطلاق ممّا يقتضيه نفس البيع والطلاق ، فهذا تعليق واقعي سواء علّق لفظا أم لم يعلّق. وقد تقدّم في مسألة اعتبار التنجيز في الصيغة الكلام في تعليق الإنشاء على ما هو معلّق عليه واقعا ، فراجع (١).

__________________

(١) الجزء الثاني من هذا الشرح ، ص ٥٧٤ ـ ٥٧٦.


الثالث (١) : المجاز (٢)

______________________________________________________

معاوضي من دون تعيينه من بيع أو صلح أو غيرهما.

وأمّا الإجازة فتتعلق بموجود جزئي معيّن واقعا مجهول عند المجيز ، فإجازته إجازة المجهول ، لا إجازة المردّد ، إذ لا يعقل التردد في الموجود الخارجي المتعيّن بالمشخصات الفردية.

حكم العقود المترتبة على مال الغير

(١) هذا ثالث الأمور التي أشار إليها المصنف قدس‌سره في (ص ٣٨٣) بقوله : «وأمّا القول في المجاز فاستقصاؤه يكون ببيان أمور».

والغرض من عقد هذا الأمر الثالث بيان حكم الإجازة في العقود المترتبة إمّا بالطبع ، بأن يكون صحة بعضها علّة لصحة بعضها الآخر ، كما هو المعنون في كتب الفقهاء ، كما إذا اشترى من الفضولي كتاب زيد ، ثمّ باعه المشتري من عمرو. وهكذا في طرف العوض ، كما إذا وقعت بيوع على ثمن الكتاب. وإمّا بالزمان ، كما إذا باع فضول واحد أو متعدد ـ في زمان واحد أو متعدد ـ عبد زيد من عمرو ، ثم باعه من بكر ، ثم باعه من بشر ، ثم باعه من يوسف ، ثم باعه من يعقوب ، وهكذا. لكن تعميم البحث إلى العقود المترتبة زمانا ـ لا رتبة ـ إنّما هو من المصنف قدس‌سره.

وكيف كان يقع الكلام في أنّ إجازة بعضها هل تقتضي صحة غيره مطلقا ، أم لا تقتضي كذلك ، أم تقتضي صحة بعضها؟ سيأتي التعرض لها عند شرح المتن إن شاء الله تعالى.

(٢) هذا شروع في بيان أقسام العقد المجاز ، توضيحه : أنّ العقود المترتبة تقع تارة على نفس مال المالك وهو المبيع فضولا. واخرى على عوضه وهو الثمن ، الأعمّ من عوض نفس المال المبيع فضولا ، وعوض عوضه.

وثالثة على كليهما. وستأتي أمثلتها إن شاء الله تعالى.

ثم إن المصنف قدس‌سره أضاف ترتّبا مركّبا في العقد الوسط إلى الترتب البسيط المذكور في كلمات الفقهاء رضوان الله عليهم.


إمّا العقد الواقع على نفس مال الغير (١) ، وإمّا العقد (*) الواقع على عوضه (٢).

______________________________________________________

(١) وهو المبيع فضولا ، كالعبد الذي بيع فضولا يفرس في مثال المتن.

(٢) أي : على عوض مال الغير ، كالفرس الذي هو عوض العبد في المثال المذكور.

__________________

(*) لعلّ الأولى ذكر هذا الأمر من الأمور المتعلقة بالإجازة ، لأنّ مرجع البحث إلى أنّ الإجازة هل تؤثّر في صحة غير العقد الذي تعلّقت به من العقود السابقة على العقد المجاز واللّاحقة به ، أم لا؟

ثم إنّ التقسيم تارة يكون بلحاظ وقوع العقد على مال الغير كالعبد في مثال المتن. واخرى بلحاظ عوضه الابتدائي كبيع العبد بالفرس ، أو عوضه مع الواسطة كبيع الفرس الذي هو عوض العبد بدرهم. وثالثة يكون بلحاظ العقد المجاز من حيث كونه أوّل العقود الجارية على نفس مال الغير أو آخرها ، أو كونه أوّل العقود الجارية على الأعواض أو آخرها ، أو كون المجاز وسط العقدين الموافقين له من حيث وقوعهما على المثمن أو الثمن ، والمخالفين له. ومن حيث وحدة العاقد الفضولي وتعدده. ومن حيث كونه غير الفضول. فهنا جهات من البحث ستظهر إن شاء الله تعالى.

وكيف كان فموضوع بحث الفقهاء هو العقود الطولية التي بينها علّيّة ومعلوليّة ، بمعنى ترتب صحّة بعضها على صحة الآخر ، فتخرج العقود العرضية وإن كانت بحسب الزمان طوليّة ، كما إذا وقعت عقود من فضول واحد أو متعدد في زمان واحد أو أزمنة متعددة على مال المالك ، فهو خارج عن محلّ الكلام. كما إذا باع الفضولي عبد المالك من زيد مثلا ، ثم باعه ذلك الفضولي أو فضولي آخر من عمرو ، ثم باعه من بكر. فإنّ إجازة بعضها لا تصحّح إلّا العقد الذي تعلّقت به ، ولا تقتضي صحة غيره من العقود السابقة عليه واللاحقة له. كما لا تتوقف صحته على صحة غيره ، فيكون غير العقد المجاز باطلا.

نعم بناء على عدم اعتبار مالكية المجيز حين العقد يجوز للمجاز له إجازة عقد آخر من تلك العقود مطلقا ، سواء أكانت سابقه على العقد المجاز أم لاحقة له ، من غير فرق بين كاشفية الإجازة وناقليتها ، حيث إنّ المجاز له صار بإجازة المالك لعقد الفضول مالكا ، فلا مانع من إجازة أيّ عقد شاء ، سواء وقع منه أم من غيره. بل يحتمل صحته بلا حاجة إلى


.................................................................................................

__________________

الإجازة إذا صدر العقد منه ، لكونه من صغريات «من باع شيئا ثم ملك». وبناء على اعتبار مالكية المجيز حين العقد لا وجه للإجازة ، فلا وجه للصحة.

وبالجملة : فعنوان المصنف قدس‌سره يفترق عن عنوان الفقهاء في أمرين :

أحدهما : في ترتّب العقود ، فإنّ المصنف عمّم الترتّب إلى الترتب الزماني ، والفقهاء جعلوا الترتب خصوص الترتب الطوليّ الانتقالي.

والآخر : الترتب البسيط ، فإنّه خيرة الفقهاء ، والمصنف عمّمه إلى الترتّب المركّب ، وهو : أن يكون طرفا العقد الوسط متخالفين ، كما إذا كان الوسط بيع العبد بالكتاب ، وسابقه ما وقع على مال المالك ، كبيع العبد بالفرس ، ولاحقه ما وقع على عوض مال المالك وهو بيع الفرس بالدرهم. بخلاف مسلك الفقهاء ، فإنّهم اكتفوا بالترتب البسيط ، وهو كون طرفي العقد الوسط مثله. فإن كان واقعا على مال الغير كانا مثله ، وكذا إذا كان الوسط واقعا على العوض كان طرفاه واقعين عليه أيضا.

ثمّ إنّ أقسام العقد المجاز في العقود المترتبة على مال المجيز ستة :

أوّلها : بيع العبد بالفرس ، وآخرها بيع العبد بالدينار ، ووسطها بيع العبد بالكتاب.

وهذه البيوع الثلاثة واقعة على نفس مال المالك وهو العبد. ووسطها ـ وهو بيع العبد بالكتاب ـ مثال للأقسام الأربعة :

أحدها : كونه وسطا بين عقدين واقعين على نفس مال المالك ، وهما بيع العبد بفرس ، وبيع العبد بدينار.

ثانيها : كونه وسطا بين عقدين واقعين على عوضي مال المالك ، وهما بيع الفرس بدرهم ، وبيع الدينار بجارية.

ثالثها : كونه وسطا بين عقدين يكون سابقهما واقعا على مال المالك ، وهو بيع العبد بالفرس ، ولاحقهما على بدل مال المالك ، وهو بيع الدينار بجارية.

رابعها : كونه وسطا بين عقدين يكون سابقهما واقعا على بدل مال المالك ، وهو بيع الفرس بدرهم ، ولاحقهما واقعا على مال المالك ، وهو بيع العبد بالدينار.


.................................................................................................

__________________

هذه ستة أقسام العقد المجاز في العقود الواقعة على مال المجيز.

وأمّا الستة الواقعة على عوض مال المجيز ، فهي : أنّ أوّل عقد وقع على بدل مال المجيز هو بيع الفرس بدرهم ، وآخره بيع الرغيف بالعسل ، فإنّ الرغيف عوض عن الدرهم ، والدرهم عوض عن الفرس ، والفرس عوض عن العبد. وهذا البيع وقع على عوض عوض عوض مال المالك. ووسطه بيع الدرهم ـ الذي هو عوض عن الفرس ـ برغيف ، وهذا العقد مثال للأقسام الأربعة :

أحدها : وقوع بيع الدرهم برغيف وسطا بين بيع العبد بفرس ، وبيع العبد بدينار ، اللّذين وقعا على مال المالك.

ثانيها : وقوع بيع الدرهم برغيف وسطا بين بيع الفرس بدرهم ، وبيع الدينار بجارية ، الواقعين على عوض مال المالك.

ثالثها : وقوع بيع الدرهم برغيف وسطا بين بيع العبد بفرس الواقع على مال المالك ، وبين بيع الدينار بجارية ، الواقع على عوض مال المالك.

رابعها : وقوع بيع الدرهم برغيف بين بيع الفرس بدرهم الواقع على عوض مال المالك ، وبين بيع العبد بالدينار الواقع على مال المالك.

وبانضمام هذه الأربعة إلى الصورتين الأوليين ـ وهما بيع الفرس بدرهم وبيع الرغيف بعسل ـ يصير أقسام العقد المجاز في العقود الواقعة على عوض مال المجيز ستة.

وقد ظهر ممّا ذكرنا : أنّ البيوع الواقعة على عين مال الغير ثلاثة :

أحدها : بيع العبد بفرس.

ثانيها : بيع العبد بكتاب.

ثالثها : بيع العبد بدينار.

والبيوع الواقعة على عوض مال الغير خمسة ، اثنان منها واقعان على عوضه الأوّلي ، وهما بيع الفرس بدرهم ، وبيع الدينار بجارية.

وثلاثة منها واقعة على عوض عوض مال المالك ، وهي بيع الدرهم برغيف ، وبيع


.................................................................................................

__________________

الدرهم بحمار ، وبيع الرغيف بعسل. هذه أقسام العقد المجاز.

وأمّا حكمها فهو : أنّ الضابط الكلّي في ذلك أنّ كلّ عقد تكون صحته مترتبة ـ أي لازما لصحة العقد المجاز أو ملزوما لها ـ يترتب صحته على العقد المجاز.

وبعبارة أخرى : إذا كان بين عقدين علقة لزومية ، بأن يكون أحدهما لازما لآخر ، أو ملزوما له ، كانت إجازة أحدهما مستلزمة لإجازة الآخر ، بمعنى : كون إجازة واحدة موجبة لصحّة كلا العقدين.

وإن لم يكن بينهما علقة لزوميّة لا تكون إجازة أحدهما مستلزمة لصحة الآخر.

هذا إذا كان العقد المجاز العقد الوسط من العقود الواقعة على نفس مال الغير ، فإنّ إجازة العقد الوسط ـ كبيع العبد بالكتاب ـ تصحّح ما بعده من بيع العبد بدينار ، ولا تصحّح ما قبله كبيع العبد بفرس ، بل تبطله ، لأنّ إجازته تدلّ على إمضاء بيع العبد بالكتاب ، وعدم رضاه بتعويض عبده بالفرس ، إذ لازم رضاه بذلك دخول الفرس في ملكه بدلا عن العبد ، ولم يكن مالكا للعبد حتى يصحّ له إجازة بيع العبد بالكتاب. نعم لمالك الفرس إجازة بيع الفرس بالدرهم.

وأمّا إذا كان العقد المجاز العقد الوسط من العقود المترتبة الواقعة على عوض مال الغير ، كما إذا فرضنا أنّ الفضوليّ باع عبد المالك بفرس ، ثم باع الفرس بدرهم ، ثم باع الدرهم برغيف ، ثم بيع الدرهم بحمار ، وبيع الرغيف بعسل ، فإنّ بيع الدرهم برغيف عقد وسط واقع على عوض مال الغير وهو الدرهم ، حيث إنّه بدل الفرس الذي هو بدل العبد.

وقبله عقدان وقع أحدهما على مورده وهو بيع الفرس بدرهم ، حيث إنّ الدرهم أيضا مورد العقد الوسط ، وهو بيع الدرهم برغيف ، ولم يقع ثانيهما ـ وهو بيع العبد بفرس ـ في مورده.

وكذلك بعده عقدان وقع أحدهما في مورده وهو بيع الدرهم بحمار ، ولم يقع الآخر وهو بيع الرغيف بعسل في مورده.

فتفصيله : أنّه إذا أجاز المالك العقد الوسط ، وهو بيع الدرهم برغيف ، أو شراء الرغيف بدرهم ، فعلى القول بالكشف تستلزم الإجازة صحة العقود السابقة أيضا ، ضرورة أنّ


.................................................................................................

__________________

صحّة بيع الدرهم برغيف منوطة بصحة ما قبله وهو بيع الفرس بدرهم ، إذ ملكية الدرهم للمجيز حتى يصحّ له إجازة بيع الدرهم برغيف تتوقف على صحة بيع الفرس بدرهم.

وكذا صحة بيع الفرس بدرهم تتوقف على صحة بيع العبد بفرس ، إذ لو لم يصحّ لا يصير مالكا للفرس حتى يملك الدرهم ، ويصحّ له إجازة بيع الدرهم برغيف : أو شراء الرغيف بدرهم. هذا بناء على القول بالكشف.

وأمّا على القول بالنقل ، فمحصله : أنّه لمّا وقعت البيوع السابقة في غير ملك البائع ، فعلى القول بصحتها مع الإجازة أو بدونها فلا كلام ، وإلّا فتبطل.

هذا حال العقود السابقة على العقد المجاز من العقود الواقعة على عوض مال المجيز.

وأمّا العقود اللاحقة له ، فإن وقعت على المعوّض ـ أي المعوض في البيع المجاز ، وهو في بيع الدرهم بالرغيف ـ كبيع الدرهم بالحمار ، فإنّ إجازة بيع الدرهم برغيف ـ الذي هو الوسط بين بيع الفرس بدرهم وبين بيع الدرهم بحمار ـ تكشف عن دخول الدرهم في ملك صاحب الرغيف ، فيصحّ له بيع ذلك الدرهم بالحمار. هذا.

وإن وقعت على الرغيف ـ الذي هو العوض في العقد المجاز ـ بأن بيع الرغيف بالعسل ، فصحته منوطة بإجازة مستقلة من صاحب الرغيف.

والضابط في تأثير الإجازة في غير العقد الذي تعلّقت به ـ سواء أكان سابقا على العقد المجاز أم لاحقا له ـ كما أشرنا إليه آنفا هو : أن يكون بين المجاز وغيره من العقود علقة توجب صحة غير المجاز ، إمّا لكونه لازما للمجاز كبيع العبد بالدينار ، وبيع الدينار بالجارية ، فإنّ صحتهما من لوازم صحة بيع العبد بالكتاب. أو ملزوما له ، كبيع العبد بالفرس ، وبيع الفرس بالدرهم ، وبيع الدرهم بالرغيف ، فإنّ صحة بيع الدرهم بالرغيف ـ المفروض كونه عقدا مجازا ـ من لوازم صحة بيع الفرس بالدرهم ، وصحة بيع العبد بالفرس ، إذ لو لم يصحّا لا يملك المجيز الدرهم حتى يصحّ له إجازة بيع الدرهم بالرغيف.

فلو لم يكن بين العقد المجاز وغيره من العقود العلقة المذكورة ـ كما إذا باع فضوليّ عبد الغير ، ثم باعه فضولي آخر ، وهكذا ، أو باعه فضولي واحد مرارا ـ فإنّ إجازة مالك العبد لأحد هذه العقود لا تصحّح إلّا ما تعلّقت به من العقود ، ولا تصحّح غيره.


وعلى كلّ منهما (١) (*) إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد وقع على المال (٢) ، أو على (٣) عوضه ، أو آخره (٤) ، أو عقدا (٥)

______________________________________________________

(١) أي : وعلى كلّ من الفرضين ـ وهما وقوع الإجازة على مال الغير ، ووقوعها على عوض ماله ـ إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد من العقود الواقعة على المال الذي بيع فضولا ، وإمّا أن يكون المجاز أوّل عقد من العقود الواقعة على عوض المال المبيع فضولا.

(٢) وهو مال المالك الذي بيع فضولا.

(٣) معطوف على «على المال» والمراد بالعوض هو ثمن المال المبيع فضولا ، يعني : وإمّا أن يكون المجاز أوّل عقد وقع على عوض مال المجيز.

(٤) معطول على «أوّل عقد» وضمير «آخره» راجع إلى «عقد» ، يعني : أو يكون المجاز آخر عقد من العقود الواقعة على مال الغير أو على عوضه.

(٥) معطوف على «أوّل عقد» يعني : وإمّا أن يكون المجاز عقدا وسطا بين عقدين واقعين على مال الغير ، أو على بدله. أو بالاختلاف ، بأن وقع السابق على مال الغير ، واللاحق على عوض مال الغير. أو بالعكس ، بأن وقع السابق على العوض ، واللاحق على مال الغير.

فلكون المجاز العقد الوسط صور أربع :

إحداها : كون السابق واللاحق واقعين على نفس مال الغير ، كبيع العبد بالفرس ، وبيع العبد بالدينار ، فإنّهما طرفان للوسط المجاز ، وهو بيع العبد بالكتاب.

ثانيتها : كونهما واقعين على عوض مال الغير ، كبيع الفرس بالدّرهم ، وبيع الدينار

__________________

(*) ينبغي أن يقال : فإن وقعت الإجازة على نفس مال الغير فله ثلاث صور :

الاولى : كون العقد المجاز أوّل العقود الجارية على مال الغير.

الثانية : كونه آخر العقود.

الثالثة : كونه وسط العقود.

وإن وقعت الإجازة على العقود الجارية على عوض مال الغير فكذلك. وللوسط المجاز في كل من العقود الجارية على كلّ من مال الغير وعوضه صور أربع كما سيأتي تفصيله في المتن.


بين سابق ولاحق (١) واقعين (٢) على مورده (٣) ، أو بدله ، أو بالاختلاف.

ويجمع الكلّ (٤) فيما إذا باع عبد المالك بفرس ، ثمّ باعه المشتري بكتاب ، ثمّ

______________________________________________________

بالجارية ، فإنّهما طرفا العقد المجاز ، وهو بيع العبد بالكتاب.

ثالثتها : كون السابق واقعا على مال الغير ، واللاحق واقعا على بدل مال الغير ، كبيع العبد بالفرس ، وبيع الدينار بالجارية.

رابعتها : كون السابق واقعا على عوض مال الغير ، واللّاحق واقعا على نفس مال الغير ، كبيع الفرس بالدرهم ، الواقع على العوض ، وبيع العبد بالدينار ، الواقع على نفس مال الغير. فإنّ العقد الوسط المجاز ـ وهو بيع العبد بالكتاب ـ وقع بين هذين العقدين المختلفين ، لوقوع سابقهما على عوض مال الغير ، ولاحقهما على نفس مال الغير.

(١) هما نعتان ل «عقد» وكلمة «بين» حال لكلمة «عقدا» أي : حال كون العقد الوسط واقعا بين سابق ولاحق.

(٢) حال لكلمتي «سابق ولاحق» أي : حال كون العقد السابق واللاحق واقعين على مال الغير ، أو على بدل مال الغير ، أو بالاختلاف. وقد اتّضح جميع ذلك بقولنا : «فلكون المجاز العقد الوسط صور أربع .. إلخ».

(٣) أي : مورد مال المالك.

(٤) هذا شروع في بيان أمثلة الكل ـ أي : كلّ الصور المتصورة في العقد المجاز ـ من العقود المترتبة الواقعة على مال الغير وعوضه.

وقد ظهر من كلمات المصنف قدس‌سره أنّ أقسام العقد المجاز اثني عشر ، ستة لكون المجاز العقد الواقع على مال الغير ، لأنّه إمّا أوّل العقود الواقعة عليه ، وإمّا آخرها ، وإمّا وسطها. وللوسط أقسام أربعة ، لأنّ طرفيه إمّا عقدان وقعا على مال الغير ، أو وقعا على عوض مال الغير ، أو اختلفا ، بأن كان السابق مال الغير ، واللاحق عوض مال الغير ، أو كان السابق العوض ، واللاحق نفس مال الغير.

وبضمّ هذه الأربعة إلى الأوّلين ـ وهما كون المجاز أوّل العقود الواقعة على مال الغير وآخرها ـ تصير الأقسام ستة.

وهكذا إذا كان المجاز العقد الواقع على العوض ، لأنّه إمّا أوّل العقود ، وإمّا آخرها ، وإمّا وسطها.


باعه الثالث بدينار (١). وباع (٢) البائع الفرس بدرهم ، وباع الثالث (٣) الدينار (٤) بجارية ، وباع بائع الفرس الدرهم (٥) برغيف ، ثمّ بيع الدرهم بحمار ، وبيع الرغيف

______________________________________________________

ولهذا الوسط أيضا صور أربع ، لأنّ طرفيه إمّا واقعان على نفس مال الغير ، وإمّا واقعان على بدله ، وإما مختلفان ، بأن كان السابق واقعا على نفس مال الغير ، واللاحق على بدله. أو كان السابق واقعا على بدل مال الغير ، واللاحق على نفس مال الغير.

وبانضمام هذه الأربعة إلى الأوّلين ـ وهما أوّل العقود الواقعة على العوض وآخرها ـ تصير الأقسام ستة أيضا.

(١) وهذه العقود الثلاثة واقعة فضولا على المعوّض ـ وهو العبد ـ وثمنه في العقد الأوّل فرس ، وفي العقد الثاني كتاب ، وفي العقد الثالث دينار.

(٢) من هنا شرع المصنف قدس‌سره في بيان أمثلة العقود الواقعة على عوض مال الغير. والمراد بالعوض أعمّ من العوض مع الواسطة وبدونها ، كما يظهر من أمثلة العقود الواقعة على عوض مال الغير.

وهذا أوّل العقود الواقعة على عوض مال الغير ، حيث إنّ الفرس كان ثمن العبد في أوّل عقد من العقود الجارية على المعوّض ـ وهو العبد ـ فبيع الفرس بدرهم أوّل عقد وقع على عوض العبد ، وهو الفرس الذي بيع بدرهم ، ووسطه بيع الدرهم ـ الذي هو عوض الفرس ـ برغيف. وآخره بيع الرغيف بالعسل ، فإنّ الرغيف عوض عن الدرهم ، والدرهم عوض عن الفرس ، والفرس عوض عن العبد.

(٣) أي : باع البائع الثالث ـ الذي باع العبد بدينار ـ الدينار بجارية. والبائع الأوّل هو الذي باع العبد بفرس ، والبائع الثاني هو الذي باع العبد بكتاب. فالدينار ثمن العبد في البيع الثالث الواقع على العبد ، لكن وقع في هذا العقد مثمنا ، وصارت الجارية ثمنه.

(٤) وهو ثمن العبد في البيع الثالث الواقع على العبد الذي هو مال الغير.

(٥) الذي هو عوض العوض ، لأنّه عوض الفرس ، وهو عوض العبد في أوّل العقود الواقعة على مال الغير.

أمّا جامعية هذه الأمثلة للأقسام الاثني عشر بالنسبة إلى الأقسام الستة في الفرض الأوّل ـ وهو كون المجاز من العقود الواقعة على مال الغير ـ فهي كون المجاز أوّل العقود وآخرها ، وهما بيع العبد بفرس ، وبيعه بدينار. وكون المجاز وسطا بين عقدين


.................................................................................................

______________________________________________________

واقعين على نفس مال الغير ، وهما بيع العبد بالفرس ، وبيع العبد بالدينار ، فإنّ المجاز ـ وهو بيع العبد بالكتاب ـ وقع بينهما.

ووسطا بين عقدين متعلقين بعوض مال الغير ، وهما بيع الفرس بالدرهم وبيع الدينار بالجارية ، حيث إنّهما واقعان على العوض ، وهو الفرس والدينار اللذان هما عوضا العبد في بيعه الأوّل والآخر.

ووسطا بين العقد الواقع على المعوّض ـ وهو بيع العبد بالفرس ـ والعقد الواقع على العوض وهو بيع الفرس بالدرهم.

ووسطا بين العقد الواقع على العوض وهو بيع الفرس بالدرهم ، وبيع العبد بالدينار الذي وقع على المعوّض وهو العبد.

وأمّا جامعيّته بالنسبة إلى الأقسام الستة في الفرض الثاني ـ وهو كون المجاز من العقود الواقعة على عوض العبد ـ فتفصيلها : أنّ أوّل العقود الواقعة على العوض هو بيع الفرس بالدرهم ، حيث إنّ الفرس أوّل عوض عن العبد في البيوع الجارية عليه.

وثانيها : بيع الدرهم بالرغيف ، فإنّ الدرهم كان ثمنا للفرس. وفي هذا العقد صار مثمنا للرغيف.

وثالثها : بيع الرغيف ـ الذي هو عوض الدرهم الذي كان عوض الفرس ـ بالعسل.

ومن هذه الأمثلة يظهر أنّ المراد بالعوض أعمّ من عوض العبد بلا واسطة كالفرس ، ومع الواسطة كالدرهم والرغيف ، حيث إنّ الدرهم بدل الفرس الذي هو بدل العبد. والرغيف بدل الدرهم الذي هو بدل الفرس الذي هو بدل العبد.

ثمّ إن العقد المجاز إمّا أوّل هذه العقود ، وهو بيع الفرس بالدرهم. وإمّا آخرها ، وهو بيع الرغيف بالعسل. وإمّا الوسط الذي له صور أربع. فهو كالعقد المجاز في الفرض الأوّل أعني به العقود الواقعة على المثمن ، وهو العبد.

فإذا انضمّ ما للوسط من الصور الأربع إلى الصورتين الأوليين ـ وهما كون العقد المجاز أوّل العقود الواقعة على العوض وآخرها ـ تكون الأقسام في الفرض الثاني وهو العقود الواقعة على العوض ستة أيضا ، فصارت الأقسام كلّها اثني عشر.


بعسل (١).

أمّا (٢) إجازة العقد الواقع على مال المالك ـ أعني العبد بالكتاب (٣) ـ فهي ملزمة له ولما بعده ممّا وقع على مورده (٤) أعني العبد بالدينار ، بناء على الكشف (٥).

______________________________________________________

(١) وهذان المثالان من العقود الواقعة على عوض العوض ، وكذا بيع الدرهم برغيف. فهذه الأمثلة الثلاثة أمثلة لوقوع البيع على بدل بدل مال المالك.

(٢) هذا شروع في بيان حكم إجازة العقود الواقعة على مال الغير ـ وهو العبد ـ وعلى عوضه ، من حيث الصحة والفساد. وقد تعرّض له في مقامين :

الأوّل : حكم إجازة العقد الواقع على مال الغير كالعبد في مثال المتن.

والثاني : في حكم إجازة العقد الواقع على عوض مال الغير.

والكلام فعلا في المقام الأوّل ، ومحصّله : أنّ إجازة العقد الواقع على مال المالك ـ وهو بيع العبد بالكتاب ـ ملزمة له ولما بعده ممّا وقع على مورده كبيع العبد بالدينار بناء على الكشف. أمّا كون الإجازة ملزمة لعقد المالك الأصلي فواضح. وأمّا كونها ملزمة لما وقع على ما بعده من العقد الواقع على أصل مال المالك ـ وهو بيع العبد بالدينار ـ فلكون الإجازة كاشفة عن وقوع بيع العبد بالدينار في ملك بائع العبد.

وأمّا بناء على النقل فصحته مبنيّة على اعتبار ملك المجيز حين العقد وعدمه. فإن قلنا باعتباره لم يكن إجازته ملزمة للعقد المجاز ، ولا لما بعده من العقود ، إذ المفروض عدم كون المجيز مالكا للعبد حين البيع.

وإن قلنا بعدم الاعتبار كما عليه المصنف قدس‌سره ، حيث قال في (ص ٢٣٧) : «الثالث لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف حال العقد» كانت الإجازة ملزمة لهذا العقد المجاز ولما بعده من العقود.

(٣) اختار هذا الفرض ، لكونه وسطا بين بيع العبد بالفرس وبيع العبد بالدينار ، حتى يكون له سابق ولاحق.

(٤) أي : مورد مال المالك ، وهو العبد المبيع بالدينار.

(٥) لكشف الإجازة عن وقوع بيع العبد بالدينار في ملكه ، فلا وجه لعدم صحته ، إذ المفروض كشف إجازة بيع العبد بالكتاب عن دخول العبد في ملك من اشتراه بالدينار.


وأمّا بناء على النقل فيبني على ما تقدّم من اعتبار ملك المجيز حين العقد ، وعدمه (١).

وهي (٢) فسخ بالنسبة إلى ما قبله ممّا (٣) ورد على مورده ـ أعني بيع العبد بفرس ـ بالنسبة إلى المجيز.

أمّا (٤) بالنسبة إلى من ملك بالإجازة.

______________________________________________________

(١) أي : وعدم اعتبار ملك المجيز حين العقد ، حيث إنّه لم يكن مالكا للعبد حين بيعه بالدينار ، فيصح له إجازته. وهذا مختار المصنف كما عرفت آنفا.

(٢) يعني : وإجازة المالك العقد الواقع من الفضولي على ماله فسخ للعقود السابقة على العقد المجاز الواقعة على ماله ، وهو العبد في مثال المتن. والعقد السابق على العقد المجاز هو بيع العبد بالفرس. وإجازة بيع العبد بالكتاب عبارة عن رضا مالك العبد بملكية العبد لمالك الكتاب ، لا لمالك الفرس ، فيبطل بيع العبد بالفرس.

فالمتحصّل : أنّ إجازة عقد من العقود الواقعة على مال المالك إمضاء للعقود اللاحقة ، وردّ للعقود السابقة على المجاز.

(٣) أي : من العقود الواردة على مورد مال المالك ، وهو بيع العبد بالفرس ، يعني : أنّ ما ذكرناه ـ من كون الإجازة ملزمة للعقود اللاحقة الواقعة على مال المالك ، وفسخا لما قبل العقد المجاز من العقود الواقعة على ماله وهو العبد ـ إنّما يكون بالنسبة إلى المالك المجيز ، وهو مالك العبد ، لأنّ إجازة بيع العبد بالكتاب تقتضي انفساخ بيع العبد بالفرس. فبيع الفرس بالدرهم بيع فضولي تتوقف صحته على إجازة مالك الفرس.

فصار المتحصّل : صحة العقد الواقع على مال المالك ـ وهو بيع العبد بالكتاب ـ وما بعده من بيع العبد بالدينار ، وفسخ العقد السابق على العقد المجاز ، وهو بيع العبد بالفرس بالنسبة إلى المالك المجيز.

(٤) وأمّا بالنسبة إلى من ملك بالإجازة ـ وهو من اشترى العبد بالكتاب ـ فهل له إجازة بيع العبد بالفرس أم لا؟ حيث إنه لم يكن مالكا للعبد حين بيعه بالفرس. المسألة مبنية على ما سبق من اشتراط ملك المجيز حين العقد وعدمه. وقد أشرنا آنفا إلى أنّ


ـ وهو المشتري (١) بالكتاب ـ فقابليّته للإجازة مبنيّة على مسألة اشتراط ملك المجيز حين العقد.

هذا (٢) حال العقود السابقة واللّاحقة على مورده ، أعني مال المجيز (٣).

وأمّا (٤) العقود الواقعة على عوض مال المجيز ، فالسابقة (٥) على هذا العقد (٦)

______________________________________________________

المصنف قدس‌سره لا يشترط ذلك ، فله الإجازة ، ولا يحتاج إلى عقد جديد.

(١) أي : المشتري للعبد بالكتاب ، وهو الذي باع العبد بالدينار ، وملك العبد بإجازة مالك العبد بيعه بالكتاب.

(٢) أي : لزوم العقود اللاحقة للعقد المجاز ـ وبطلان العقود السابقة عليه ـ هو حكم العقود الواقعة على المعوّض ، وهو العبد في مثال المتن.

(٣) وهو المالك للمعوّض كالعبد في المثال المذكور.

(٤) بعد بيان حكم الإجازة بالنسبة إلى العقود السابقة واللاحقة الواقعة على مال المجيز ، أراد أن يذكر حكم الإجازة في العقود الواقعة على عوض مال المجيز ، مع كون العقد المجاز في كلا الفرضين ـ وهما العقود الواقعة على نفس مال المجيز وعوضه ـ هو العقد الواقع على عين مال المجيز ، كبيع عبد المالك بكتاب.

فقوله : «وأمّا العقود الواقعة على عوض مال المجيز» من توابع إجازة بيع الفضول عبد المالك بكتاب ، ويكون في مقابل قوله : «هذا حال العقود السابقة واللاحقة على مورده».

ثم إنّ المراد بعوض مال المجيز أعم من عوض مال الغير بلا واسطة ، كالعبد في المثال المذكور ، ومع الواسطة كبيع الدرهم برغيف ، وبيع الدرهم بحمار ، فإنّ الدرهم والرغيف عوض بواسطة.

ويمكن أن يكون العوض مع الوسائط كبيع الرغيف بالعسل ، فإنّ الرغيف عوض الدرهم ، وهو عوض الفرس الذي يكون عوض العبد الذي هو عين مال المجيز.

(٥) مبتدء ، وخبره «يتوقّف» والمجموع خبر «وأمّا العقود».

(٦) وهو العقد المجاز ، أعني به بيع العبد بالكتاب.


ـ وهو (١) بيع الفرس بالدرهم ـ يتوقّف لزومها (٢) على إجازة المالك الأصلي للعوض وهو الفرس. واللّاحقة (٣) له ـ أعني بيع الدينار بجارية ـ تلزم (٤) بلزوم هذا العقد (٥).

وأمّا (٦) إجازة العقد الواقع على العوض

______________________________________________________

(١) الضمير راجع إلى «السابقة» المراد بها بيع الفرس بالدرهم ، وتذكير الضمير باعتبار الخبر ، وإن كان خلاف الظاهر.

ومحصّل ما أفاده : أنّه بإجازة بيع العبد بالكتاب ينفسخ بيع العبد بالفرس ، إذ مع صحته لا يكون المجيز مالكا للعبد حتى تصح إجازته بيع العبد بالكتاب ، فيردّ الفرس حينئذ إلى مالكه الأصلي ، فيكون بيع الفرس بالدرهم فضوليا ، ويحتاج نفوذه إلى إجازة مالك الفرس.

(٢) أي : لزوم السابقة ـ وهي بيع الفرس بالدرهم ـ فإنّ هذا أوّل العقود الواقعة على عوض مال الغير وهو العبد في المثال. وقد عرفت آنفا : أنّ انفساخ بيع العبد بالفرس بسبب إجازة بيع العبد بالكتاب يوجب بطلان بيع الفرس بالدرهم. وصحته منوطة بإجازة مالك الفرس ، لأنّه المالك الأصلي للفرس.

(٣) معطوف على قوله : «فالسابقة» وضمير «له» راجع الى «هذا العقد» المراد به بيع العبد بالكتاب الذي هو العقد المجاز.

وبيع الدينار بجارية عقد لاحق للعقد المجاز ، وواقع على العوض ، وهو الدينار الذي يكون عوض العبد.

(٤) خبر «واللاحقة» يعني : تلزم العقود اللّاحقة لعقد المجاز ـ الذي هو بيع العبد بالكتاب ـ سواء وقعت على نفس مال المجيز كبيع العبد بالدينار ، أم وقعت على عوض مال المجيز كبيع الدينار بجارية ، حيث إنّ الدينار عوض العبد.

(٥) وهو بيع العبد بالكتاب ، فإنّ لزومه بالإجازة يستلزم صحة كلا العقدين ، الواقع أحدهما على نفس العبد بالدينار ، وثانيهما على عوضه ، وهو بيع الدينار بالجارية ، لترتّب صحّتهما على صحة ما قبلهما ، وهو بيع العبد بالكتاب كما هو واضح.

(٦) معطوف على «أمّا» في قوله : «أما إجازة العقد الواقع على مال المالك» وهذا


ـ أعني بيع الدرهم (١) برغيف ـ فهي (٢) ملزمة للعقود السابقة عليه ، سواء وقعت على نفس مال الملك ، أعني بيع العبد بالفرس ، أم على عوضه وهو بيع الفرس بالدرهم. وللعقود (٣) اللّاحقة له إذا وقعت على المعوّض (٤) ، وهو بيع الدرهم بالحمار.

______________________________________________________

هو المقام الثاني المتكفل لحكم إجازة العقد الواقع على عوض مال المجيز. كما أنّ المقام الأوّل تكفّل حكم إجازة العقد الواقع على نفس مال المجيز وهو العبد.

(١) الذي هو عوض عن الفرس في بيع الفرس بالدرهم ، والفرس عوض عن العبد. وهذا مثال لبيع عوض العوض الذي صار موردا للإجازة.

فالمراد بقوله : «العوض» عوض عوض العبد ، وهو الدرهم الذي هو عوض الفرس الذي هو عوض العبد. وهذا الدرهم بيع برغيف.

وصحة هذا البيع منوطة بدخول الدرهم في ملك المالك الأصلي للعبد. ودخوله في ملكه منوط بإجازته بيع الفرس بالدرهم ، وبيع عبده بالفرس ، ولذا قال : «سواء وقعت على نفس مال المالك أعني بيع العبد بالفرس أم على عوضه».

(٢) أي : الإجازة ملزمة. محصل ما أفاده هنا : أنّ إجازة مالك العبد العقد الواقع على عوض ماله ـ أعني به العبد ـ يلاحظ حكمها تارة بالنسبة إلى العقود السابقة عليه ، واخرى بالنسبة إلى العقود اللاحقة له.

أمّا العقود السابقة عليه فهي صحيحة مطلقا ، سواء وقعت على نفس مال المالك ، كبيع العبد بالفرس ، أم على عوضه كبيع الفرس بالدرهم ، فإنّ الفرس عوض العبد في أوّل البيوع الجارية على العبد ، فمال المالك أعمّ من العبد وعوضه.

(٣) معطوف على «للعقود». وأمّا العقود اللاحقة للعقد المجاز ـ وهو بيع الدرهم بالحمار ـ فمحصله : أنّ إجازة العقد الواقع على عوض العوض ملزمة للعقود اللّاحقة للعقد المجاز أيضا إذا وقعت الإجازة على عوض العوض أيضا ، لأنّ إجازة المالك الأصيل العقد الواقع على عوض العوض توجب ملكية المبيع للمجاز له ، وهذا يقتضي صحة كلّ عقد يقع بعده ، لوقوعه في ملكه.

(٤) وهو الدرهم ، حيث إنّه معوّض في بيع الدرهم بالرغيف ، فإنّ الإجازة تكشف


أمّا الواقعة (١) على هذا البدل (٢) المجاز ـ أعني بيع الرغيف بالعسل ـ فحكمها (٣) حكم العقود الواقعة على المعوّض ابتداء.

وملخّص (٤) ما ذكرنا : أنّه لو ترتّبت عقود متعدّدة مترتّبة على مال المجيز ،

______________________________________________________

عن دخول الدرهم في ملك صاحب الرغيف ، فيصح له بيع الدرهم بالحمار.

(١) أي : العقود الواقعة المترتبة على هذا البدل المجاز.

(٢) وهو الرغيف الذي كان بدلا عن الدرهم في بيع الدرهم بالرغيف الذي أجيز.

فإذا بيع الرغيف مرارا كان فضوليا محتاجا إلى إجازة مستقلة ، كما إذا بيع الرغيف بالعسل ، ثم بيع هذا الرغيف باللبن ، ثم بيع هذا الرغيف بالتمر ، كان حكمها حكم العقود الواقعة على نفس مال المجيز مرارا من أشخاص متعددة في الاحتياج إلى إجازة مستقلّة.

كما إذا باع الفضولي عبد المالك بفرس ، ثم باعه المشتري بكتاب ، ثم باعه الثالث بدينار ، فإنّ إجازة بيع العبد بالكتاب تكون ردّا لما قبله ، وإجازة لما بعده كما تقدّم تفصيله في شرح قوله : في (ص ٤٠٩) : «أما إجازة العقد الواقع على مال المالك» فتكون إجازة بيع الرغيف بالعسل ردّا لما قبله ، وإمضاء لما بعده.

(٣) خبر «أمّا الواقعة» أي : فحكم العقود الواقعة على البدل المجاز حكم العقود الواقعة على المعوض ابتداء ـ وهو العبد في مثال المصنف قدس‌سره ـ حيث إنّ الرغيف صار ملكا للمجيز كملكية العبد له ، فيجري عليه ما يجري على العبد من الاحتياج إلى إجازة مستقلّة ، ومن كون الإجازة فسخا لما قبل العقد المجاز ، وإمضاء لما بعده.

(٤) يعني : وحاصل ما ذكرناه في مسألة ترتّب العقود الواقعة على مال المجيز أو عوضه : أنه لو أنشئت عقود متعددة مترتبة على مال المجيز ، فإن وقعت تلك العقود من أشخاص متعددة ـ كما إذا باع الفضولي عبد المالك بفرس من زيد ، ثم باعه زيد بكتاب من عمرو ، ثم باعه عمرو بدينار من بكر ـ كانت إجازة المالك بيع العبد بالكتاب ردّا لما قبله ، إذ لو كان بيع العبد بالفرس ـ الذي هو قبل العقد المجاز ـ صحيحا لم يكن العبد ملكا لمالكه الأصلي حتى تصحّ له إجازة بيع العبد بالكتاب ، لأنّ العبد حينئذ ملك لزيد ، فإجازة المالك العقد الوسط ـ وهو بيع العبد بكتاب ـ ردّ لما قبله من بيع العبد بالفرس.


فإن وقعت (١) من أشخاص متعدّدة (*) كانت إجازة وسط منها (٢) فسخا لما قبله ، وإجازة (٣) لما بعده (٤) على الكشف (٥). وإن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر (٦).

______________________________________________________

(١) أي : فإن وقعت العقود ـ الواقعة على مال المجيز ـ من أشخاص .. إلخ.

(٢) أي : من العقود ، و «فسخا» خبر «كانت» وقد عرفت تقريب الفسخ.

(٣) معطوف على «فسخا» يعني : أنّ إجازة عقد من تلك العقود تكون إجازة لما بعده من العقود ، وذلك لأنّ الإجازة توجب دخول العبد في ملك صاحب الكتاب. فالعقود الواردة عليه كبيعه بالدينار صحيحة ، لأنّ بائعه باعه مالكا له. والناس مسلّطون على أموالهم.

(٤) أي : لما بعد العقد الوسط المجاز ، كبيع العبد بالدينار في المثال المذكور.

(٥) يعني : أنّ ما ذكرناه ـ من كون إجازة العقد الوسط فسخا لما قبله وإمضاء لما بعده ـ مبنيّ على كاشفية الإجازة ، حيث إنّها تكشف عن كون المبيع ملكا للمشتري من زمان صدور العقد ، فتصح العقود المتأخرة عن العقد المجاز. وهذا بخلاف ناقلية الإجازة ، لعدم خروج المبيع عن ملك المالك قبل الإجازة.

(٦) يعني : إن وقعت العقود عن شخص واحد انعكس الأمر ، بأنّ الإجازة إجازة لما قبله ، وفسخ لما بعده.

__________________

(*) لم يظهر وجه التقييد بتعدد من أوقع العقود ، إذ ليس المدار في كون إجازة العقد الوسط فسخا لما قبله وإجازة لما بعده على التعدد المذكور ، بل المدار في ذلك على إناطة صحة بعضها بصحة بعضها الآخر. فيمكن أن يكون العاقد متعددا ، ومع ذلك يكون العقد المجاز فقط صحيحا ، كالعقود المتعددة الصادرة من فضول متعدد على متاع واحد. فإنّ إجازة المالك واحدا من تلك العقود تصحّح العقد المجاز دون غيره.

إلّا أن يريد بالتعدد تعدد المشتري ، بأن يكون العاقد في كل بيع هو المشتري في البيع السابق ، بقرينة قوله في ذكر المثال : «ويجمع الكل فيما إذا باع عبد المالك بفرس ، ثم باعه المشتري بكتاب» فإنّ قوله : «باعه المشتري» قرينة على كون المراد بالعقود المتعددة هو وقوع كل عقد منها عن خصوص المشتري في ذلك العقد ، لا مطلقا ولو من فضولي آخر.


ولعلّ هذا (١) هو المراد من المحكي عن الإيضاح والدروس في حكم ترتّب العقود من (٢) «أنّه إذا أجاز عقدا على المبيع (٣) صحّ (٤) وما بعده ، وفي الثمن ينعكس (٥)» (١) فإنّ (٦) العقود المترتّبة على المبيع لا يكون إلّا من أشخاص متعدّدة (٧).

______________________________________________________

(١) أي : ولعلّ كون إجازة العقد الوسط من العقود المتعددة الصادرة من أشخاص فسخا لما قبله وإجازة لما بعده ، وكون الإجازة مع وقوع العقود من شخص واحد إجازة لما قبله وفسخا لما بعده ـ عكس الأوّل ـ مراد صاحبي الإيضاح والدروس من عبارتهما المحكية في حكم ترتب العقود.

(٢) بيان للعبارة المحكية عن الإيضاح والدروس ، يعني : أنّ العبارة المحكية هي هذه.

(٣) وهو مال المجيز كالعبد في المثال المذكور في المتن ، والمجيز هو المالك.

(٤) لأنّ خروج المبيع عن ملك المالك بسبب إجازته العقد الوسط يوجب صحة كل عقد يقع عليه.

(٥) والعكس هو صحة العقد المجاز وما قبله ، وبطلان ما بعده.

(٦) هذا الكلام من المصنف ، وهو تعليل لقوله : «ولعل هذا هو المراد» وتأييد لما احتمله من مرادهما.

(٧) مثل ما تقدّم من بيع العبد بفرس ، ثم بيع المشتري له بكتاب ، ثم بيعه بدينار ، فإنّ صحة العقود الواقعة بعد العقد المجاز مترتّبة على خروج العبد عن ملك مالكه بسبب إجازة العقد الوسط ، وهو بيع العبد بالكتاب ، فلا بدّ من الالتزام بصحّة ما بعد العقد المجاز من العقود ، لصيرورة مالك العبد أجنبيّا عن العبد مع فرض خروجه عن ملكه ، فيصحّ كلّ عقد يجري عليه بعد العقد المجاز.

بخلاف العقود السابقة على العقد المجاز ، فإنّ إجازة بيع العبد بالكتاب تكشف عن

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٨ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٣ ، والحاكي عنهما المحقق الثاني في جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٠ ، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩١ ، وغيرهما.


وأمّا العقود المترتّبة على الثمن فليس مرادهما (١) أن يعقد على الثمن الشخصيّ مرارا (٢) ، لأنّ (٣) حكم ذلك (٤) حكم العقود المترتّبة على المبيع ، على ما سمعت سابقا من (٥) قولنا : «أمّا الواقعة على هذا البدل المجاز» إلى آخره (٦). بل (٧) مرادهما ترامي

______________________________________________________

رضاه بمبادلة عبده بالكتاب ، وعدم رضاه بمبادلته بالفرس ، فالعبد باق على ملكه حتى يصحّ له إجازة بيعه بالكتاب.

(١) أي : مراد الإيضاح والدروس ، وحاصله : أنّ الثمن ليس كالمثمن في جريان العقود العديدة على الثمن الشخصي كجريانه على المثمن الشخصي ـ كالعبد الواقع مثمنا في العقود الثلاثة من بيعه تارة بالفرس ، واخرى بالكتاب ، وثالثة بالدينار ـ حتى تبطل العقود السابقة ، وتصح العقود اللاحقة ، كصحة العقود اللاحقة الجارية على المثمن. بل المراد وقوع بيوع متعددة على أثمان عديدة متغايرة ، كبيع الفضولي عبد المالك بفرس ، ثم بيع الفرس بدرهم ، ثم بيع الدرهم برغيف ، ثم بيع الرغيف بعسل.

(٢) كأن يبيع المشتري الرغيف الذي هو ثمن الدرهم بعسل من زيد ، ثم يبيع زيد الرغيف من عمرو باللّبن ، ثم يبيع عمرو الرغيف من بكر بدبس ، فإنّه قد مرّ آنفا : أنّ حكم البيوع الواقعة على الثمن الشخصي حكم العقود المترتبة الواقعة على المبيع ، كالعبد الذي وقع عليه بيوع ثلاثة من بيعه تارة بالفرس ، واخرى بالكتاب ، وثالثة بالدينار.

(٣) تعليل لقوله : «فليس مرادهما» يعني : ليس مرادهما من قولهما : «وفي الثمن ينعكس» وقوع بيوع على ثمن شخصي ، لأنّ حكم ذلك حكم العقود الواقعة على المبيع الشخصي ، وهو صحة العقود اللّاحقة على العقد المجاز ، وبطلان السابقة عليه ، مع أنّهما حكما بصحة السابقة وبطلان اللاحقة ، فلا بدّ أن يريدا ترامي الأثمان.

(٤) أي : حكم وقوع العقود على الثمن الشخصي مرارا حكم العقود الواقعة على المبيع الشخصي. وهو بطلان العقود السابقة على العقد المجاز ، وصحة اللاحقة له.

(٥) بيان للموصول في قوله : «ما سمعت».

(٦) قد تقدم ذلك في (ص ٤١٤).

(٧) إضراب على قوله : «فليس مرادهما» وقد عرفت المراد بترامي الأثمان بقولنا : «بل المراد وقوع بيوع متعددة على أثمان عديدة .. إلخ».


الأثمان في العقود ، كما صرّح بذلك (١) المحقّق والشهيد الثانيان (١).

وقد علم من ذلك (٢) أنّ مرادنا بما ذكرنا في المقسم (٣) ـ من العقد المجاز على عوض مال الغير (٤) ـ ليس (٥) العوض الشخصي الأوّل (٦) له (٧) ، بل العوض ولو بواسطة (٨).

______________________________________________________

والحاصل : أنّه ليس مراد الإيضاح والدروس بقولهما : «وفي الثمن ينعكس» هو العقود الواقعة على الثمن الشخصي ، لأنّ حكمها حينئذ صحة العقود اللاحقة وبطلان السابقة ، لا صحة السابقة وبطلان اللاحقة ، كما هو مرادهما بقولهما : «وفي الثمن ينعكس».

(١) أي : بكون مراد فخر المحققين والشهيد من العقود المترتبة على الثمن هو ترامي الأثمان في العقود المتعددة ، لا وقوع العقود على الثمن الشخصي مرارا.

(٢) أي : ممّا ذكرناه في توضيح كلام صاحبي الإيضاح والدروس ـ من أنّ مرادهما من العقود المترتبة على الثمن هو ترامي الأثمان ، لا العقود الواقعة على الثمن الشخصي مرارا ـ علم أنّ مرادنا بما ذكرناه في المقسم ـ وهو قوله في (ص ٣٩٩) : «المجاز إمّا العقد الواقع على نفس مال الغير ، وإما العقد الواقع على عوضه .. إلخ» ـ هو العوض مطلقا وإن كان مع الواسطة ، فإنّه قد علم من الأمثلة التي ذكرها المصنف قدس‌سره أنّ المراد بعوض مال الغير أعمّ من العوض الشخصي ، فيشمل العوض مطلقا سواء أكان بلا واسطة كالفرس الذي هو عوض العبد الذي هو مال الغير ، أم مع الواسطة كالرغيف والدرهم والعسل والحمار ، فإنّها أبدال طوليّة للعبد ، وأعواض مع الواسطة له.

(٣) قد مرّ آنفا المراد بالمقسم.

(٤) كالعبد الذي بيع فضولا.

(٥) خبر قوله : «ان مرادنا» ، والجملة في محل رفع نائب فاعل ل «علم».

(٦) كالفرس الذي هو العوض الشخصي الأوّل عن العبد.

(٧) أي : لمال الغير.

(٨) كما مرّ في الأمثلة المتقدمة ، فإنّ العوض ـ في كل بيع ـ يقع معوّضا في بيعه

__________________

(١) لاحظ : جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٠ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٥٩ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٣٣.


ثمّ إنّ هنا (١) إشكالا في شمول الحكم بجواز تتبّع العقود

______________________________________________________

الآخر ، كما إذا باع الفضول عبد الغير بفرس ، ثم باع الفرس بدرهم ، ثم باع الدرهم برغيف ، ثم باع الرغيف بعسل.

هذا تمام الكلام في حكم إجازة بعض العقود المترتبة بناء على كلّ من الكشف والنقل ، وسيأتي التعرض لإشكال يختص بما إذا علم المشتري بغصبية المبيع.

إشكال جواز تتبع العقود لو علم المشتري بالغصب

(١) أي : إنّ في جواز إجازة المالك أيّ عقد من العقود ـ الجارية على عين ماله أو على عوضه ـ إشكالا في صورة علم المشتري بغصبية المبيع ، نبّه عليه العلّامة ، وأوضحه فخر الدين وقطب الدين الرازي والشهيد قدس‌سرهم ، وقد تقدم الإشارة إليه في ثالثة مسائل بيع الفضولي ، فراجع (١). وناسب التعرض له هنا أيضا.

وكيف كان فمحصل الاشكال : أنّه يلزم أن يكون البيع المجاز بيعا بلا ثمن ، وبطلانه واضح. ومنشأ هذا المحذور ما ذهب إليه الفقهاء من عدم ضمان البائع ـ الغاصب ـ للثمن الذي يأخذه من المشتري بإزاء المبيع المغصوب ، مع فرض علم المشتري بغصبية المبيع ، إذ لا يتحقق حينئذ مفهوم المعاوضة التي حقيقتها كون كلّ من المالين بإزاء الآخر ، لفرض أنّه لا يكون بإزاء المبيع مال ، لكون التسليط على الثمن مع العلم بغصبية المبيع مجانيا ، فالضمان المعاوضي المقوّم للبيع مفقود هنا ، فإجازته كالعدم ، لكونها إجازة لبيع بلا ثمن ، ومن المعلوم أنّه ليس بيعا.

فصورة علم المشتري بغصبية المبيع للبائع الفضول خارجة موضوعا عن مسألة تتبع العقود ، وإجازة المالك لأيّ عقد شاء من العقود الجارية على عين ماله أو بدله.

وبعد صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب بسبب تسليط المشتري ، فإذا اشترى الغاصب لنفسه سلعة بالثمن المزبور صارت السلعة ملكا له ، فلا يكون البيع الأوّل ولا هذا الشراء ـ وكذا العقود اللاحقة الواقعة على هذه السلعة ـ مرتبطين بالمالك الأوّل حتى يكون له الإجازة والتتبّع.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٦٠٦ ـ ٦١٠.


لصورة (١) علم المشتري بالغصب أشار إليه العلّامة رحمه‌الله في القواعد (٢) ، وأوضحه قطب الدين والشهيد في الحواشي المنسوبة (*) إليه.

______________________________________________________

أمّا البيع الأوّل فلكونه بيعا بلا ثمن ، لعدم دخول الثمن في ملك مالك المبيع.

وأمّا البيع الثاني فلوقوعه لنفس الغاصب ، بعد صيرورة الثمن بسبب التسليط ملكا له ، فيقع البيع له. وكذا ما بعده من البيوع الواقعة على ذلك الثمن المغصوب.

وأمّا الواقعة على عين المال لأشخاص بأثمان اخرى ـ غير ذلك الثمن المدفوع إلى البائع الغاصب ـ فللمالك إجازة أيّ واحد من تلك العقود الجارية على المثمن ، لعدم خروجه عن ملك مالكه ، فله أن يجيز أيّ عقد شاء من العقود الجارية على عين ماله أو عوضه.

وعلى هذا فجعل الإشكال في الإجازة وفي تتبع العقود من الخروج الموضوعي أولى من جعله من الخروج الحكمي.

(١) متعلق ب «شمول» والمراد بالحكم هو جواز إجازة المالك العقود الواقعة على ماله أو بدله.

(٢) قال في شروط المتعاقدين : «وللمالك تتبّع العقود ورعاية مصلحته ، ومع علم المشتري إشكال» (١) ، يعني : ومع علم المشتري بغصبيّة المبيع فضولا إشكال في إجازة المالك الأصيل العقد الواقع على نفس ماله ، وتتبع العقود الواقعة على ماله أو عوضه.

__________________

(*) هذه الكلمة توهم عدم الجزم بانتساب كتاب «حواشي الشهيد على قواعد العلّامة» إليه. مع أن الحاشية المنقولة في المتن نسبها السيد الفقيه العاملي قدس‌سره إلى الشهيد ، فقال : «وقال الشهيد في حواشيه ..». والظاهر أن منشأ الشبهة كلام صاحب الرياض على ما حكاه عنه في الذريعة وارتضاه ، حيث قال : «وقال صاحب الرياض : الحق أنّها بعينها الحواشي النجارية التي دوّنها الشيخ جمال الدين أحمد بن النجار تلميذ الشهيد. أقول :

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩.


فقال الأوّل (١) فيما حكي عنه : «إنّ وجه الإشكال (٢) أنّ المشتري مع العلم (٣) يكون مسلّطا للبائع الغاصب على الثمن ، ولذا (٤) لو تلف لم يكن له الرجوع. ولو بقي (٥)

______________________________________________________

(١) وهو قطب الدين محمّد بن محمّد البويهي ، من تلامذة العلّامة قدس‌سرهما وتسمّى حاشيته «الحواشي القطبيّة» كما أفاده في الذريعة (١). والحاكي لكلامه هو السيد الفقيه العاملي قدس‌سره.

(٢) قد مرّ آنفا توضيح الاشكال ، وأنّ مناطه هو تسليط المشتري العالم بغصبية المبيع البائع الغاصب على الثمن. وقوله : «إن المشتري .. إلخ» بيان لأوّل وجهي الإشكال.

(٣) أي : مع علم المشتري بغصبية المبيع ، وقوله : «على الثمن» متعلق ب «مسلّطا».

(٤) أي : ولأجل تسليط المشتري ـ العالم بغصبية المبيع ـ البائع الغاصب على الثمن ، لو تلف الثمن عند البائع الغاصب فليس للمشتري مطالبة بدله. وهذا يكشف عن خروج الثمن عن ملك المشتري ، ودخوله في ملك الغاصب بسبب التسليط المجّاني. فتأمّل ، إذ مع فرض بقائه على ملكه يكون عدم جواز الرجوع إلى بدله منافيا لقاعدتي السلطنة وضمان اليد العادية.

(٥) يعني : ولو بقي الثمن ـ ولم يتلف في يد الغاصب ـ ففيه الوجهان ، من حيث نفوذ الإجازة وعدمه.

__________________

ويظهر حقيقته بتطبيق ما في النسخة المذكورة مع المطبوع من النجارية ، كما ذكرنا» (٢). لكن الموجود في غير موضع من رياض العلماء نسبة الحواشي النجارية إلى الشهيد ، كقوله : «ومنها الحواشي النجارية ، والحقّ أنّها بعينها حاشية الشهيد الأوّل» (٣). وقوله : «وله أي وللشهيد أيضا حواشي القواعد إلى آخر الكتاب ، سمّاها حواشي النجارية ..» (٤).

__________________

(١) الذريعة الى تصانيف الشيعة ، ج ٦ ، ص ١٧٢.

(٢) نفس المصدر.

(٣) رياض العلماء ، ج ١ ، ص ٣٨٧ وج ٦ ، ص ٣٦.

(٤) المصدر ، ج ٥ ، ص ١٨٧.


ففيه الوجهان (١) (*) ، فلا ينفذ (٢) فيه إجازة المجيز بعد تلفه بفعل (٣) المسلّط بدفعه ثمنا

______________________________________________________

(١) من كون عين المال موجودا ، فله المطالبة. ومن أنّ الإعراض الحاصل بالتسليط يوجب الخروج عن الملك ، فيتملكه الغاصب بالقبض ، فليس للمشتري الرجوع بها على الغاصب.

ويمكن أن يكون بناء الوجهين على أنّ التسليط تمليك للغاصب ، فليس للمشتري العالم بغصبية المبيع الرجوع إلى الغاصب إلّا من باب الهبة إن لم تكن من ذي الرحم ، أو إذن في الإتلاف ، فعلى الأوّل ليس له الرجوع ، وعلى الثاني له الرجوع.

(٢) يعني : فلا ينفذ في بيع الغاصب مال الغير إجازة المالك الأصيل بعد تلف الثمن. وهذا متفرّع على ما أفاده قطب الدين رحمه‌الله من تسليط المشتري ـ العالم بغصبية المبيع ـ البائع الغاصب على الثمن.

توضيحه : أنّ الثمن بسبب التسليط صار ملكا للفضولي الغاصب ، ولم يدخل في ملك مالك المبيع المغصوب ، فلم يتحقق مفهوم البيع المتقوّم بالمبادلة بين المالين ، فلا موضوع للإجازة ، ضرورة أنّ مرجعها إلى إجازة البيع بلا ثمن ، ولذا يصير المال الذي يشتريه الغاصب ـ بذلك الثمن ـ ملكا له ، كما صار الثمن ملكا له بالتسليط.

(٣) الباء للسببية ، ومتعلق ب «ينفذ» يعني : لا تنفذ الإجازة في هذا البيع بسبب فعل المسلّط ، وهو البائع الغاصب ، والمقصود بفعله هو دفع الثمن ـ الذي أخذه من المشتري ـ إلى بائع مبيع اشتراه لنفسه. فتلف الثمن إنّما حصل بدفعه عن سلعة اشتراها الغاصب من بائعها. وهذا التلف ناش عن تسليط المشتري الذي هو السبب حقيقة لعدم نفوذ إجازة

__________________

(*) الظاهر كون اللام للتعريف الذكري ، لكن لم يذكر الوجهان قبل العبارة المحكيّة في المتن ، ولا يحضرني حاشية قطب الدين على القواعد حتى أراجعه.

وكيف كان فالحقّ جواز الرجوع مع بقاء العين ، لأنّ التسليط المجّاني على تقديره إمّا هبة ، وإمّا إباحة مالكية. وعلى التقديرين يجوز الرجوع إلّا في هبة ذي الرّحم.

لكن الحق انتفاء كليهما ، إذ ليس هناك إنشاء جديد حتى يقال : إنّه هبة أو إباحة ، بل التسليط ليس إلّا وفاء للثمن. ومنه يظهر جواز إجازة مالك المبيع المغصوب ، واشتغال ذمة المشتري له بالثمن.


عن مبيع اشتراه (١). ومن (٢) أنّ الثمن عوض عن العين المملوكة ، ولم يمنع (٣) من نفوذ الملك فيه إلّا عدم صدوره (٤) عن المالك ، فإذا أجاز (٥) جرى (*)

______________________________________________________

المالك الأصيل ، لصيرورة البيع بلا ثمن ، وهو غير قابل للإجازة كما مرّ آنفا.

(١) أي : عن مبيع اشتراه الغاصب لنفسه.

(٢) هذا ثاني وجهي الإشكال المثبت لنفوذ الإجازة ، مع علم المشتري بغصبيّة المبيع فضولا. والظاهر زيادة كلمة «من» وحق العبارة أن تكون «وأنّ الثمن» حتى يعطف «ان الثمن» على «ان المشتري» فكأنه قال : «إن وجه الاشكال : أنّ المشتري مع العلم .. إلخ. وأنّ الثمن عوض».

وكيف كان فملخّص هذا الوجه : أنّ المانع عن تملك المالك الأصيل للثمن الذي دفعه المشتري إلى البائع الغاصب ـ عوضا عن العين المملوكة للغير ـ ليس إلّا عدم صدور البيع عن المالك ، فإذا أجاز كانت الإجازة بمنزلة صدور العقد منه ، فيملك الثمن بلا مانع. كما يملك المشتري المبيع كذلك ، فلا يلزم كون البيع بلا ثمن حتى لا يكون موضوعا للإجازة.

وبالجملة : قد جعل الثمن قبل دفعه إلى الغاصب البائع ثمنا للمبيع المغصوب ، وعدم اتصافه بالثمنية كان لأجل عدم صدور البيع من المالك. فإذا أجاز كانت إجازته بمنزلة صدور البيع عنه ، فيتصف حينئذ بالثمنية والعوضية.

(٣) يعني : ولم يمنع شي‌ء من نفوذ الملك في الثمن ، سوى عدم صدور البيع من المالك.

(٤) الضمير راجع إلى «العقد» المستفاد من العبارة.

(٥) يعني : إذا أجاز مالك المبيع المغصوب ـ الذي باعه الفضول ـ جرى مجرى البيع الصادر عن المالك.

__________________

(*) هذا بناء على كاشفية الإجازة ، حيث إنّ الإجازة تكشف عن صحة العقد قبل تسليط المشتري ، وعدم ملكية الثمن للبائع الغاصب ، وعن انتقال المبيع إلى المشتري قبل دفع الثمن إلى البائع الغاصب. وأمّا بناء على ناقليتها فليست الإجازة نافذة ، لصدورها بعد دخول الثمن في ملك البائع بالتسليط ، فلا يجري عقد الفضولي حينئذ بسبب الإجازة مجرى العقد الصادر من المالك.


مجرى الصادر عنه» انتهى (١) (*).

__________________

(*) لا يخفى أن قطب الدين الرازي قدس‌سره لم يرجّح أحد طرفي الاشكال. ووجه عدم صحة الإجازة ـ وهو عدم انتقال الثمن إلى مالك المبيع فضولا لأجل تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن ـ مشترك بين الفخر والشهيد قدس‌سرهما ، إذ كلاهما قائل بعدم المقتضي للإجازة ، حيث إنّ المقتضي وهو البيع مفقود هنا ، لتقومه بتبادل المالين المنفي في المقام ، بعد فرض انتقال الثمن إلى البائع الغاصب ، وعدم انتقاله إلى المالك الأصيل.

ولازم بطلان إجازة العقد الأوّل بطلان إجازة الثاني ، ضرورة أنّه وقع على مال الغاصب ، إذ المفروض وقوع البيع على الثمن الذي صار ملكا له بتسليط المشتري. ومن المعلوم أنّ صحة الإجازة من المالك منوطة بكون المجيز مسلّطا شرعا على الإجازة ، بأن يكون مالكا لأحد العوضين ، أو وكيلا عنه ، أو وليّا عليه ، أو مأذونا من قبله.

والحاصل : أنّ البيع الثاني وإن كان مشتملا على عوضين وأجنبيا عن البيع بلا ثمن ، لكنّهما ليسا من المالك الأصيل ، فلو أجازه وقعت إجازته على غير ماله ، وهي غير نافذة. بخلاف البيع الأوّل ، فإنّه لا ثمن فيه ، فليس بيعا حقيقة حتى يقبل الإجازة ، هذا.

لكن الحق صحة إجازة البيع الأوّل من مالك المبيع المغصوب ، بداهة أنّ المشتري لا ينشئ تمليكا جديدا للثمن للبائع الغاصب ، بل تسليطه الغاصب على الثمن يكون بعنوان الوفاء ، إذ من المعلوم أنّه لا يدفع الثمن إلّا عوضا عن المبيع ، ولذا لم يدفع إليه المال في غير مقام المعاملة. غاية الأمر أنّه يعلم بأنّ البائع لا يدفع الثمن إلى مالكه وهو المغصوب منه ، ويتصرف فيه عدوانا ، كتصرفه في نفس المبيع ، وهذا العلم لا يضرّ بقصد البيع والمبادلة ، فلا مانع من إجازة المالك ، إذ لا يلزم محذور البيع بلا ثمن. كما أنّه لا مانع من إجازة البيع الثاني والثالث والرابع الجارية على الثمن أو المثمن.

تنبيه : لا يخفى أنّ مورد الاشكال هو الثمن الشخصي لا الكلي ، لأنّ المبذول للغاصب ليس هو الثمن الذي وقع عليه العقد حتى تكون العقود الواردة عليه واقعة على الثمن كي تندرج هي تحت عنوان تتبع العقود الجارية على الثمن. لكنّك قد عرفت عدم مملّكية التسليط ، وصحة إجازة مالك المبيع العقد الأوّل وغيره من العقود الواقعة على المبيع أو الثمن.

__________________

(١) حكاه السيد العاملي عنه في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٢.


وقال (١) في محكيّ الحواشي : «إنّ المشتري مع علمه (٢) بالغصب يكون مسلّطا للبائع الغاصب على الثمن ، فلا يدخل (٣) في ملك ربّ العين (*).

______________________________________________________

(١) يعني : وقال الشهيد الأوّل في محكيّ الحواشي المنسوبة إليه على قواعد العلّامة قدس‌سره. وملخص ما أفاده : صيرورة بيع الفضول الغاصب للمبيع ـ مع علم المشتري بالغصب ـ بيعا بلا ثمن ، حيث إنّ تسليطه البائع الغاصب على الثمن مانع عن دخول الثمن في ملك مالك المبيع المغصوب ، حتى يتحقق التبادل بين المالين الذي يتقوّم به البيع. فالمتاع الذي يشتري به الغاصب يكون ملكا له ، لصيرورة ثمنه ملكا له.

والشاهد على مملكية التسليط برهانان إنّيّان :

أحدهما : حكمهم بعدم جواز استرداد الثمن من الغاصب إذا رجع المالك على المشتري بالمبيع ، وهذا دليل على ملكية الثمن للبائع الغاصب.

ثانيهما : حكمهم بعدم جواز الرجوع إلى البدل إذا أتلفه الغاصب ، إذ لو كان ملكا للمشتري كان إتلافه موجبا للضمان (*).

(٢) أي : علم المشتري بغصبيّة المبيع للبائع الفضول.

(٣) يعني : فلا يدخل الثمن مع هذا التسليط في ملك ربّ العين ، وهو مالك المبيع المغصوب.

__________________

(*) هذه العبارة ظاهرة في كون الإجازة ناقلة ، إذ مع الكاشفية يؤثر عقد الفضول من حينه ، ويدخل الثمن في ملك مالك المبيع المغصوب قبل تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن ، فيجوز للمالك إجازة البيع الأوّل من دون لزوم كونه بيعا بلا ثمن.

(**) لكن فيهما ما لا يخفى إذ في الأوّل : أنّ التسليط ليس من الأسباب الناقلة ، إلّا إذا كان هبة. وحينئذ يجوز الرجوع فيه مع بقائه.

وفي الثاني : أنّ عدم الضمان ليس لازما مساويا لمالكية الغاصب للثمن ، بل أعمّ منه. فعدم الضمان لا يدلّ على كون الثمن ملكا للغاصب ، بل عدم الضمان إنّما هو لأجل إذن المشتري في التصرّف فيه ولو بإتلافه ، أو لأجل العقوبة ، لأنّه عاوض ماله بحرام ، فليس له الرجوع إلى بدله إذا أتلفه الغاصب.


فحينئذ (١) إذا اشترى به البائع متاعا فقد اشتراه لنفسه (٢) ، وأتلفه عند الدفع إلى البائع (٣) ، فتتحقق (٤) ملكيّته (٥) للمبيع. فلا (٦) يتصوّر نفوذ الإجازة هنا (٧) ،

______________________________________________________

(١) أي : فحين تسليط المشتري العالم بالغصب البائع الغاصب على الثمن كدينار مثلا ـ الموجب لعدم دخول الثمن في ملك مالك المبيع المغصوب ـ يترتّب عليه : أنّه إذا اشترى البائع الغاصب بهذا الثمن متاعا كما إذا اشترى به ثوبا ، فقد اشتراه لنفسه ، لصيرورة الثمن ملكا له إمّا للتسليط المجاني بناء على ملكيته ، وإمّا للبناء على جواز جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك في المعاطاة ، فيصير الثوب الذي اشتراه البائع الغاصب ملكا له ، كما يصير الدينار ملكا لبائع الثوب.

(٢) لأنّه اشتراه بالثمن الذي صار ملكا له بالتسليط المزبور. وعلى هذا فمالك المبيع المغصوب ـ الذي بيع فضولا ـ أجنبي عن الثوب والثمن الذي اشترى به الفضولي ثوبه.

(٣) أي : بائع ذلك المتاع ، وهو الثوب في المثال.

(٤) هذه نتيجة ملكية الثمن للبائع الغاصب بسبب تسليط المشتري ، يعني : فيتحقق مالكية البائع الغاصب للمبيع ، وهو الثوب الذي اشتراه لنفسه بالثمن المزبور.

(٥) كذا في نسخ الكتاب ، وفي مفتاح الكرامة «ملكه للمبيع» والأولى أن يقال : «مالكيته» أو «ملكية المبيع للبائع الغاصب».

(٦) هذا متفرّع على قوله : «فلا يدخل في ملك ربّ العين» يعني : أنّه لا يتصور نفوذ إجازة مالك المبيع المغصوب في بيع الغاصب ، لأنّ المفروض صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب ، دون المالك المغصوب منه حتى يكون عوضا عن المبيع المغصوب ، فيصير بيعه بلا ثمن ، وهو ليس بيعا لا شرعا ولا عرفا. فإجازته لا تنفذ ، لعدم موضوع لها ، فبيع الفضول المال المغصوب ليس قابلا للإجازة ، لأنّه صورة بيع ، وليس بيعا حقيقة ، لكونه بلا ثمن.

(٧) أي : في العقد الثاني ، وهو اشتراء البائع متاعا بالثمن المذكور ، فلا تنفذ إجازة مالك المبيع المغصوب في البيع الثاني ، لصيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب ، وعدم دخوله في ملك المالك الأصيل حتى تنفذ إجازته ، بل يكون أجنبيا عن الثمن والمتاع الذي اشتراه به الغاصب.


لصيرورته (١) ملكا للبائع ، وإن أمكن إجازة المبيع (٢). مع احتمال عدم نفوذها (٣) أيضا ، لأنّ (٤) ما دفعه إلى الغاصب كالمأذون له في إتلافه ، فلا يكون (٥) ثمنا ، فلا تؤثّر (٦) الإجازة في جعله ثمنا.

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم تصور نفوذ الإجازة هنا ، ومحصّله : أنّ صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب ـ وعدم انتقاله إلى المالك المغصوب منه حتى يصحّ منه إجازة العقد الثاني ـ توجب كون المالك الأصيل أجنبيا عن البيع ، فلو أجازه لم تنفذ فيه.

(٢) هذا راجع إلى البيع الأوّل ، يعني : وإن احتمل نفوذ إجازة المبيع المغصوب الذي باعه الفضولي ، نظرا إلى ما ذكره قطب الدين في (ص ٤٢٣) بقوله : «ومن أنّ الثمن عوض عن العين المملوكة». والمانع عن دخول الثمن في ملكه عدم صدور العقد من المالك ، فإذا أجاز جرت إجازته مجرى صدور العقد من المالك.

(٣) أي : عدم نفوذ الإجازة ـ كما هو أحد وجهي الإشكال الذي ذكره قطب الدين في كلامه ـ فإنّه محتمل ، كاحتمال نفوذها.

وحاصل وجه عدم النفوذ : أنّ الثمن الذي دفعه المشتري العالم بالغصب إلى البائع الغاصب يكون كالمال الذي أذن مالكه لمن قبضه في إتلافه. والقابض أيضا أتلفه بدفعه إلى من اشترى ثوبا منه ، وجعله ثمنا له. فلم يبق شي‌ء حتى يكون ثمنا للمبيع المغصوب الذي باعه الفضولي ، فإجازة المالك الأصيل لا تؤثّر في جعل هذا المال التالف ثمنا لذلك المبيع المغصوب ، فيصير بيع الفضول بيعا بلا ثمن ، وغير قابل للإجازة.

(٤) تعليل لاحتمال عدم نفوذ الإجازة ، وقد مرّ توضيحه بقولنا : «وحاصل وجه عدم النفوذ».

(٥) أي : فلان يكون ما دفعه ثمنا. وقوله : «كالمأذون» خبر «لأنّ».

(٦) هذه نتيجة عدم صيرورته ثمنا بالإجازة ، إذ الإذن في إتلافه ـ المفروض حصوله ـ يسقطه عن قابلية العوضية عن المبيع المغصوب ، فليس في البين تسليط تمليكي ، بل تسليط على ماله وإذن له في إتلافه ، مع بقاء إضافة ملكيته له حين إتلافه ، بمعنى ورود الإتلاف على ماله.


فصار (١) الإشكال في صحّة البيع (٢) وفي التتبّع (٣)».

ثمّ قال (٤) : «إنّه يلزم من القول ببطلان التتبّع (٥)

______________________________________________________

(١) هذا متفرّع على عدم صيرورة الثمن ملكا لمالك المبيع المغصوب ، يعني : فصار الإشكال في نفوذ الإجازة في البيع الأوّل ، وهو بيع العبد بالفرس في مثال المصنف قدس‌سره. وفي التتبع ، وهو اشتراء البائع الغاصب فراشا مثلا بالفرس.

ووجه الإشكال في البيع الأوّل ـ وهو بيع العبد بالفرس ـ أنّه بيع بلا ثمن ، إذ المفروض عدم صيرورة الثمن المبذول وهو الفرس ملكا لمالك العبد ، فيكون بيع العبد بالفرس بيعا بلا ثمن ، وهو غير قابل للإجازة ، لعدم كونه بيعا حقيقة.

وفي البيع الثاني ـ وهو اشتراء البائع الغاصب فراشا بالفرس ـ أنّ مالك العبد أجنبي عن بيع الفرس بالفراش ، إذ المفروض كون الفرس ملكا للغاصب الذي اشترى به الفراش ، فصار الفراش ملكا له. فمالك العبد أجنبي عن هذا البيع الثاني ثمنا ومثمنا ، فلا موضوع لإجازته. فلا تنفذ الإجازة في شي‌ء من هذين العقدين ، فهما باطلان بالنسبة إلى المالك ، وليسا قابلين لإجازته.

(٢) أي : البيع الأوّل ، وهو بيع الغاصب العبد بالفرس ، فإنّه أوّل عقد وقع على مال المجيز.

(٣) وهو بيع الفرس بالفراش ، وما بعده من العقود الواقعة عليه ، لأنّها أجنبيّة عن مالك العبد عوضا ومعوّضا ، فليس له إجازة شي‌ء منها. فالتتبع ـ وهو إجازة أيّ عقد من العقود الواقعة على مال المجيز أو عوضه ـ غير جار هنا.

(٤) أي : قال الشهيد الأوّل في الحواشي المنسوبة إليه على القواعد.

(٥) أي : عدم نفوذ إجازة مالك العبد العقد الثاني ، وهو بيع الفرس بالفراش ، فإنّ لازم بطلان التتبع ـ لأجل أجنبية مالك العبد عن بيع الفرس بالفراش ـ بطلان بيع العبد بالفرس ، إذ المفروض صيرورة الفرس بسبب التسليط المجاني ملكا للبائع الغاصب ، فيكون بيع العبد بالفرس بيعا بلا ثمن ، وهو ليس قابلا للإجازة.

فيصح أن يقال : إنّ الإشكال في صحة البيع الأوّل في نفسه مع الغض عن كونه من لوازم بطلان التتبع ، إذ لو لم يقع البيع الثاني كان البيع الأوّل باطلا أيضا ، لأنّ منشأ بطلانه خلوّه عن الثمن ، وهو معلول التسليط المجاني على الثمن ، لا وقوع البيع الثاني.


بطلان إجازة البيع (١) في المبيع ، لاستحالة (٢) كون المبيع بلا ثمن. فإذا قيل : إنّ الإشكال في صحّة العقد (٣) كان (٤) صحيحا أيضا» (٥) انتهى (١).

واقتصر في جامع المقاصد على ما ذكره الشهيد رحمه‌الله أخيرا (٦) في وجه سراية

______________________________________________________

(١) وهو البيع الأوّل الذي مبيعه العبد ، ومعنى بطلان الإجازة عدم نفوذها ، لعدم قابلية البيع بلا ثمن لها.

(٢) تعليل لبطلان إجازة البيع الأوّل ، وهو واضح.

(٣) يعني : صحة العقد الأوّل في نفسه. وقوله : «فإذا قيل ان الاشكال» متفرع على «لاستحالة».

(٤) جواب الشرط في «فإذا قيل» واسم «كان» هو القول المستفاد من الشرط.

(٥) يعني : كما يصح أن يقال : إنّ لازم بطلان القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع الأوّل.

(٦) وهو قوله في (ص ٤٢٧) : «لأنّ ما دفعه إلى الغاصب كالمأذون له في إتلافه ، فلا يكون ثمنا ، فلا تؤثر الإجازة .. إلخ».

ثم إنّ عبارة المتن ظاهرة في أنّ المحقق الثاني قدس‌سره اقتصر في بيان وجه الإشكال ـ المذكور في القواعد عند علم المشتري بالغصب ـ على التعرض لأحد الوجهين المذكورين في حواشي الشهيد قدس‌سره ، ولم يتعرض للوجه الآخر. يعني : أنّ المذكور في جامع المقاصد هو خصوص ما أفاده الشهيد أخيرا من استلزام بطلان تتبع العقود بطلان إجازة أصل البيع الفضولي مع علم المشتري بالغصب ، حيث قال الشهيد : «إنّه يلزم من القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع في المبيع .. فإذا قيل : إن الاشكال في صحة العقد كان صحيحا».

وقال المحقق الكركي ـ في شرح قول العلامة : ومع علم المشتري إشكال ـ ما لفظه : «أمّا مع علمه بالغصب ففي الحكم إشكال ، ينشأ من ثبوت المعاوضة في العقد ، فله تملكه بالإجازة رعاية لمصلحته. ومن انتفائها بحسب الواقع ، لأنّ المدفوع ثمنا يملكه الغاصب ، لتسليطه إيّاه عليه» وهذان هما الوجهان المتقدمان في كلام الشهيد.

__________________

(١) يعني : انتهى كلام الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه ، والحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٢.


هذا الإشكال (١) إلى صحّة عقد الفضوليّ مع علم المشتري بالغصب.

والمحكيّ عن الإيضاح : ابتناء وجه بطلان جواز تتبّع العقود للمالك مع علم المشتري (٢) على (٣) كون الإجازة ناقلة ،

______________________________________________________

ثم قال المحقق الكركي قدس‌سره : «والأصح عدم الفرق بين علمه بالغصب وعدمه ، لأنّ المعتمد أنّ للمشتري استعادة الثمن مع بقاء عينه ، لعدم خروجه عن ملكه إلى الغاصب ، لعدم المقتضي .. إلخ» (١).

وهذه العبارة ظاهرة بل صريحة في الحكم بصحة بيع الفضولي في فرض علم المشتري بالغصب. ولم يظهر لنا مراد المصنف من اقتصار المحقق الثاني على بيان سراية إشكال تتبع العقود إلى مطلق علم المشتري بالغصب. وهو أعلم بما قال.

وهذه المسامحة موجودة في مفتاح الكرامة أيضا ، لقوله : «وجعل الإشكال في جامع المقاصد في صحة البيع ، وذكر في توجيهه نحو ما ذكره الشهيد» (٢).

(١) وهو : أنّه كيف يتصوّر نفوذ إجازة مالك المبيع المغصوب مع علم المشتري بغصبيّته؟ الموجب لعدم دخول الثمن في ملك مالك المبيع.

(٢) بكون البائع الفضول غاصبا للمبيع. محصّل ما أفاده في عبارته المحكية في المتن هو : أنّ عدم جواز تتبع العقود لمالك المبيع المغصوب ـ مع علم المشتري بغصبيته ـ مبنيّ على مذهب القائلين بناقلية الإجازة ، إذ مع كاشفيتها تكون ملكية الثمن لمالك المبيع قبل تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن ، لصيرورة الثمن ملكا لمالك المبيع حين العقد الذي أنشأه العاقد الفضولي. وهذا يشعر بتسليمه كون التسليط مملّكا للثمن للغاصب ، فله الإجازة ، لتحقق المعاوضة التي يتقوم بها البيع ، فلا يلزم أن يكون البيع بلا ثمن.

بخلاف البناء على ناقلية الإجازة ، فإنّ التسليط على الثمن يكون قبل الإجازة ، فيملكه البائع الغاصب قبل الإجازة ، فيصير البيع بلا ثمن ، وهو غير صالح للإجازة.

وبالجملة : فمنشأ الإشكال في جواز تتبع العقود للمالك وعدمه هو الإشكال في كاشفية الإجازة وناقليتها.

(٣) متعلق ب «ابتناء» وهو خبر قوله : «والمحكيّ».

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧١.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٢.


فيكون منشأ الإشكال في الجواز (١) والعدم الإشكال في الكشف والنقل (*).

قال (٢) في محكيّ الإيضاح : «إذا كان المشتري جاهلا فللمالك تتبّع العقود

______________________________________________________

(١) أي : الإشكال في جواز تتبع العقود وعدمه للمالك.

(٢) يعني : قال فخر المحققين قدس‌سره. محصّل ما أفاده : أنّه في صورة جهل المشتري بغصبية المبيع يجوز للمالك تتبع العقود الواقعة على ملكه وعوضه ، لأنّه مع الجهل بالغصبية لا يسلّط المشتري البائع الغاصب على الثمن حتى لا يدخل في ملك مالك المبيع كي يكون بيعا بلا ثمن ، ولا يتحقق مفهوم المعاوضة المقوّمة عرفا وشرعا للبيع. فللمالك حينئذ تتبع العقود في سلسلتي الثمن والمثمن.

وأمّا في صورة علم المشتري بغصبية المبيع ، فعلى القول بناقلية الإجازة ليس للمشتري حقّ الرجوع على البائع الغاصب وأخذ الثمن منه إذا رجع المالك على المشتري وأخذ المبيع المغصوب منه ، وإن كانت عين الثمن موجودة عند البائع كما ذهب إليه الفقهاء. وذلك لأنّ الثمن صار ملكا للبائع بتسليط المشتري له على الثمن وتمليكه له مجّانا قبل إجازة المالك الأصيل ، والمفروض أنّ الإجازة إمّا سبب أو شرط للنقل والانتقال ، ولم يحصل إلّا بعد صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب بالتسليط ، فليس للمالك تتبع العقود ، لعدم وقوعها على ملكه. كما أنّه ليس للمشتري الرجوع على البائع وأخذ الثمن منه وإن كان موجودا.

وعلى القول بكاشفية الإجازة للمالك حقّ تتبع العقود ، لأنّ الثمن بنفس العقد صار ملكا لمالك المبيع المغصوب ، والإجازة تكشف عن ملكية الثمن لمالك المبيع قبل تسليط

__________________

(*) هذا صحيح بناء على كون تسليط الغاصب على الثمن مملكا مجّانيّا ، بأن يكون هبة. وأمّا إذا كان التسليط وفاء للثمن لا إنشاء للتمليك الجديد ، ولذا لم يسلّط الغاصب في زمان آخر غير زمان هذا البيع ، خصوصا بملاحظة ما تقدّم من : أنّ حقيقة البيع هي مبادلة المالين من دون نظر إلى خصوصية المالكين ـ كان ابتناء بطلان جواز تتبع المالك للعقود كما عن الإيضاح على ناقلية الإجازة ـ بحيث يكون منشأ الاشكال في الجواز والعدم هو الإشكال في النقل والكشف ـ غير ظاهر الوجه.


ورعاية مصلحته ، والربح في (١) سلسلتي الثمن والمثمن.

وأمّا (٢) إذا كان عالما بالغصب فعلى قول الأصحاب : من أنّ المشتري إذا رجع (٣) عليه بالسلعة لا يرجع على الغاصب بالثمن مع وجود عينه ، فيكون (٤) قد ملّك الغاصب مجّانا ، لأنّه (٥) بالتسليم إلى الغاصب ليس للمشتري استعادته من الغاصب بنصّ الأصحاب (٦).

______________________________________________________

المشتري البائع الغاصب على الثمن ، فللمالك تتبع العقود الواقعة على الثمن ، لأنّها وقعت على ملكه.

فالمتحصل : أنّه في صورة علم المشتري بغصبية المبيع يكون جواز تتبع العقود وعدمه مبنيا على كاشفية الإجازة وناقليتها.

(١) كذا في نسخ الكتاب ، ولكنّ الصحيح ـ كما في الإيضاح وفي ما نقله عنه في مفتاح الكرامة ـ «والربح له في ..» أي : للمالك. وعلى تقدير سقوط «له» فلا بد أن يكون الظرف ـ أعني به في ـ متعلقا ب «تتبع» ، ويمكن تعلقه ب «رعاية» أيضا.

(٢) في الإيضاح : «وأما إن كان» وهو معطوف على «إن كان المشتري جاهلا» أي بالغصب.

(٣) يعني : إذا رجع مالك المبيع المغصوب على المشتري ، وأخذ المبيع منه ، لم يرجع المشتري على البائع الغاصب بالثمن ، لسبق سبب ملكية الثمن للغاصب على سبب ملكيته للمالك.

ثم إنّه قيل : انّ «رجع» بصيغة المفعول ، و «يرجع» بصيغة الفاعل. وإن كان الأوّل بصيغة الفاعل صحيحا أيضا.

(٤) العبارة في الإيضاح هكذا : «فيكون قد ملكه الغاصب مجانا» والأولى أن يقال : «لأنّه قد ملّك الغاصب مجّانا بالتسليم إليه» لأنّ الفاء في «فيكون» ظاهر في التفريع ، مع أنّ الأمر بالعكس ، لأنّ تمليك الغاصب علّة لعدم الرجوع ، لا معلول له.

(٥) الضمير للشأن ، وهذا تعليل لتمليك الغاصب ، وحاصله : أنّ التسليم إلى الغاصب علّة لملكية الثمن للبائع الغاصب ، وعليه فليس للمشتري استرداد الثمن منه.

(٦) سقط من عبارة الإيضاح هنا قوله : «فقبله أولى أن لا يكون له ، والمالك ..» وظاهره الإجماع كما ادعاه والده في المختلف بقوله : «إذا رجع ـ أي المالك ـ على المشتري


والمالك (١) قبل الإجازة لم يملك الثمن ، لأنّ الحقّ أنّ الإجازة شرط أو سبب (٢) ، فلو لم يكن (٣) للغاصب فيكون (٤) الملك بغير مالك ، وهو محال (٥) ، فيكون (٦) قد سبق

______________________________________________________

العالم ، قال علماؤنا : لم يكن للمشتري الرجوع على الغاصب البائع ، لأنّه علم بالغصب ، فيكون دافعا للمال بغير عوض. وأطلقوا القول في ذلك. والوجه عندي التفصيل ، وهو : أنّ الثمن إن كان موجودا قائما بعينه كان للمشتري الرجوع به. وإن كان تالفا فالحق ما قاله علماؤنا» (١).

(١) مبتدء ، خبره قوله : «لم يملك» والغرض منه تأييد مالكية الغاصب للثمن ، وحاصله : أنّه لو لم يكن الثمن ملكا للبائع الغاصب يلزم المحال ، وهو : كون الملك بلا مالك ، توضيحه : أنّ الثمن بعد تسليط البائع عليه خرج عن ملك المسلّط وهو المشتري ، ولم يدخل في ملك مالك المبيع ، لتوقّف دخوله في ملكه على الإجازة ، ضرورة أنّها إمّا شرط لتأثير البيع الفضولي ، أو بيع مستقلّ ، على الخلاف الذي تقدّم سابقا ، فلا بدّ أن يكون مالك الثمن هو الغاصب ، وإلّا لزم أن يكون الملك بلا مالك ، وهو محال.

(٢) كما تقدمت حكاية كاشف الرموز ذلك عن شيخه (٢).

(٣) يعني : فلو لم يكن الثمن ملكا للغاصب لزم بقاء الملك بلا مالك ، وهو محال ، لأنّ المالكيّة والمملوكيّة من الأوصاف المتضايفة ، فيمتنع انفكاك إحداهما عن الأخرى.

(٤) في الإيضاح : «لكان ملكا بلا مالك» والظاهر اعتماد المصنف على ما في مفتاح الكرامة من قوله : «فيكون ملكا بغير مالك».

(٥) لاستحالة انفكاك أحد المتضايفين عن الآخر.

(٦) هذه نتيجة دخل الإجازة ـ سببا أو شرطا ـ في تأثير العقد ، ومحصّله : أنّ سبب ملكية الثمن للبائع وهو التسليط لمّا كان قبل سبب ملكية الثمن وهو الإجازة للمالك ، فلا محالة يصير الثمن ملكا للغاصب قبل حصول الإجازة ، لتقدّم سببه ـ وهو التسليط ـ على سبب ملك الثمن للمالك وهو الإجازة.

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٥ و ٥٦.

(٢) راجع الجزء الرابع من هذا الشرح ، ص ٥٦٩.


ملك الغاصب للثمن على سبب ملك المالك له (١) أي (٢) الإجازة. فإذا (٣) نقل الغاصب الثمن عن ملكه لم يكن للمالك (٤) إبطاله ، ويكون ما يشتري الغاصب بالثمن (٥) وربحه (٦) له (٧). وليس للمالك (٨) أخذه ، لأنّه (٩) ملك الغاصب.

وعلى القول (١٠) بأنّ إجازة المالك كاشفة ،

______________________________________________________

(١) أي : ملك المالك للثمن. وقوله : «على سبب» متعلق ب «سبق ملك».

(٢) هذا مفسّر لقوله : «سبب ملك المالك» وهذه الزيادة ليست من عبارة الإيضاح ، وإنّما ذكرها السيد العاملي توضيحا لكلام فخر المحققين.

(٣) هذه نتيجة ملكية الثمن للغاصب. بعد أن ثبت كون الثمن ملكا للغاصب ، فإذا نقل الغاصب الثمن عن ملكه بأن اشترى به ثوبا مثلا ، كان ما اشترى به ملكا له ، وليس لمالك المبيع المغصوب إبطاله ، لكونه أجنبيا عن الثمن وغير مالك له.

(٤) أي : لمالك المبيع المغصوب.

(٥) سقط هنا كلمة «له» أي للغاصب.

(٦) معطوف على «ما» والضمير راجع الموصول المراد به المال الذي يشتريه الغاصب بالثمن الذي أخذه من المشتري ، كما إذا اشترى به الغاصب غنما ، فإنّ ذلك الغنم مع منافعه ملك للغاصب ، وليس شي‌ء من الغنم ومنافعه ملكا لمالك العين المغصوبة.

(٧) أي : للغاصب.

(٨) أي : ليس لمالك العين المغصوبة أخذ المال الذي اشتراه الغاصب بالثمن الذي قبضه من المشتري.

(٩) تعليل لعدم جواز أخذ مالك المبيع المغصوب المتاع الذي اشتراه الغاصب بذلك الثمن ، وحاصله : أنّ المتاع المشتري بذلك الثمن ملك للغاصب ، فليس لمالك المبيع المغصوب أخذه منه.

هذا كلّه بناء على ناقلية الإجازة الموجبة لتأخر سبب نقل الثمن ـ إلى مالك العين المغصوبة ـ عن سبب نقله إلى الغاصب ، وصيرورة الثمن ملكا للغاصب بالتسليط الذي هو قبل الإجازة التي هي بعد التسليط.

(١٠) يعني : وبناء على كاشفية الإجازة إذا أجاز مالك المبيع المغصوب كان الثمن له ،


فإذا أجاز العقد (١) كان له (٢).

ويحتمل (٣) أن يقال : لمالك العين حقّ تعلّق بالثمن ، فإنّ (٤) له إجازة البيع وأخذ الثمن ، وحقّه (٥) مقدّم على حقّ الغاصب (٦) (*) ،

______________________________________________________

لكون سببه ـ وهو العقد الفضولي ـ متقدما على التسليط الذي هو سبب ملكية الثمن للغاصب.

(١) العبارة في الإيضاح هكذا «فإذا أجازه كان له».

(٢) أي : كان الثمن للمالك ، لتقدّم سبب ملكية الثمن له على سبب ملكيته للغاصب كما مرّ آنفا.

(٣) الغرض من إبداء هذا الاحتمال هو إثبات جواز الإجازة وتتبع العقود على النقل أيضا ، وحاصل هذا الوجه : أنّ نفس العقد يوجب لمالك المبيع المغصوب حقّا متعلّقا بالثمن ، وهذا الحقّ مقدّم على حقّ الغاصب ، لقيامه بنفس العقد. بخلاف حق الغاصب ، فإنّه قائم بالتسليط ، وهو متأخر عن العقد. فللمالك إجازة البيع وأخذ الثمن منه.

(٤) تعليل لقوله : «لمالك العين حق» وحاصله : أنّ منشأ تعلّق الحق بالثمن هو ثبوت حق إجازة البيع.

(٥) يعني : وحقّ المالك ـ لقيامه بنفس العقد ـ مقدّم على حق الغاصب الناشئ من التسليط.

(٦) وقد حذف أيضا هنا قول الإيضاح : «بدفع المشتري ، ولأن الغاصب ..».

__________________

(*) ثبوت الحق للغاصب مبني على مملكية التسليط ، أو كونه موجبا للإذن في تصرف الغاصب في الثمن مطلقا حتى التصرف المتلف له. وقد عرفت أنّ التسليط ليس إنشاء جديدا حتى يقال : إنّه تمليك أو إذن في مطلق التصرف ، بل هو وفاء للثمن الذي جعله المشتري عوضا عن المبيع ، فلا يتصور حينئذ للغاصب حق بالنسبة إلى الثمن حتى يكون حقّ المالك مقدّما عليه ، بل للمالك حقّ الإجازة في بيع الغاصب مطلقا ، سواء أكان المشتري عالما بغصبية البائع أم لا ، من دون فرق بينهما أصلا.


لأنّ (*) الغاصب يؤخذ بأخسّ أحواله وأشقّها عليه ، والمالك مأخوذ (١) بأجود الأحوال».

ثمّ قال (٢) : «والأصحّ عندي ـ مع وجود عين الثمن ـ للمشتري العالم (٣) أخذه ، ومع التلف ليس له الرجوع به» انتهى كلامه رحمه‌الله.

______________________________________________________

(١) عبارة الإيضاح المنقولة في مفتاح الكرامة أيضا هي : «والمالك بأجود أحواله» (١).

(٢) أي : قال فخر المحققين بعد أسطر : «والأصحّ عندي ..» ومختاره موافق لما تقدم عن والده في المختلف. فراجع (ص ٤٣٣).

(٣) أي : العالم بغصبية المبيع ، وقوله : «أخذه» خبر «والأصح» ، وضميره كضمير «به» راجع إلى الثمن.

__________________

(*) الأولى التعليل بأسبقية سبب ملكية الثمن ـ وهو العقد ـ لمالك العين المغصوبة من سبب ملكية الثمن للغاصب ، وإلّا فمع فرض تقدم سبب ملكية الثمن للغاصب ، على سبب ملكيته للمالك يحكم بملكية الثمن له دون المالك ، ولا معنى حينئذ لأخذ الغاصب بأخس أحوالها ، إذ ليس البائع حينئذ غاصبا للثمن. وكونه غاصبا للمبيع أجنبي عن الثمن. وأخذ الغاصب بأشقّ الأحوال إنّما هو بعد تحقق الغاصبية له. والكلام في المقام يكون في حدوثها ، فإنّ أخذ الغاصب بأشقّ الأحوال لا يمنع عن تأثير الأسباب الشرعية في حقه ، فتمليك المشتري إيّاه الثمن ـ كتمليكه شيئا آخر من أمواله ـ في الصحة والنفوذ.

والحاصل : أنّه بناء على سببية التسليط شرعا للملكية وتقدمه على الإجازة التي هي السبب لملكية الثمن للمالك الأصيل لا بدّ من الحكم بملكية الثمن للغاصب.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٧ و ٤١٨ ، والحاكي لكلامه هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٢ و ١٩٣.


وظاهر كلامه (١) أنّه لا وقع للإشكال على تقدير الكشف.

وهذا (٢) هو المتّجه ، إذ (٣) حينئذ يندفع ما استشكله القطب والشهيد (٤) بأنّ (٥)

______________________________________________________

(١) أي : كلام صاحب الإيضاح ، والمراد بكلامه قوله : «وعلى القول بأنّ إجازة المالك كاشفة ، فإذا أجاز العقد كان له».

التفصيل في ورود الاشكال بين الكشف والنقل

(٢) المشار إليه عدم الاشكال على تقدير الكشف ، وهذا هو مختار المصنف أيضا.

(٣) تعليل لمختاره ، ومحصّله : أنّ هذا الوجه يدفع إشكال جواز إجازة المالك مع علم المشتري بغاصبية البائع ، لأنّه مع فرض تأثير العقد الفضولي من حينه لا يؤثّر التسليط المتأخر عن العقد في ملكية الثمن للغاصب حتى لا يبقى مورد لإجازة المالك.

(٤) المراد بما استشكله القطب هو قوله المتقدم في (ص ٤٢١) : «فقال الأوّل فيما حكي عنه : أنّ وجه الإشكال .. إلخ». والمراد بما استشكله الشهيد هو قوله في (ص ٤٢٥) : «ان المشتري مع علمه بالغصب .. إلخ».

(٥) متعلق ب «يندفع» توضيح هذا الدفع : أنّ تسليط البائع الغاصب على الثمن ـ بناء على كاشفية الإجازة ـ تسليط على ملك المالك الأصيل ، لأنّه تملّك الثمن بنفس العقد الذي هو سابق على التسليط ، ومتقدم عليه ، فلا أثر حينئذ للتسليط أصلا ، فلا مانع من إجازة المالك بلا إشكال.

فإن قلت : سبق تأثير العقد على التسليط مختص بما إذا أنشأ الغاصب البيع بالعقد حتى يستند الملك إليه. فلو كان البيع الفضولي الواقع بين الغاصب والمشتري معاطاتيا لم يكن تسلط الغاصب على الثمن مسبوقا بعقد ، بل كان نفس هذا التسليط جزء السبب الناقل ، ويتجه حينئذ إشكال القطب والشهيد من عدم قابلية العقد للإجازة ، بناء على ما تقدم من جريان الفضولية في كلّ من البيع القولي والفعلي.

قلت : قد تقدم في مباحث المعاطاة كفاية إعطاء المبيع وأخذ المشتري له في تحقق عنوان المعاملة الفعلية ، ولا يتوقف النقل والانتقال على التعاطي من الطرفين.

وعليه فالقول بجريان الفضولية في المعاطاة لا يقتضي كون تسليط البائع على الثمن دخيلا في حصول عنوان «البيع» ، لحصوله بمجرد تسليم المبيع المغصوب إلى المشتري


تسليط المشتري للبائع (١) على الثمن على تقدير الكشف تسليط على ما ملكه [ملك] الغير (٢) بالعقد السابق على التسليط الحاصل بالإقباض. فإذا انكشف ذلك (٣) بالإجازة عمل بمقتضاه ، وإذا تحقّق الردّ (٤) انكشف كون ذلك (٥) تسليطا من المشتري على ماله ، فليس له (٦) أن يستردّه ، بناء (٧) على ما نقل من الأصحاب.

نعم (٨) على القول بالنقل

______________________________________________________

العالم بالغصب.

وحينئذ يتجه الإشكال على القطب والشهيد قدس‌سرهما من : أنّ الإجازة اللاحقة لمّا كشفت عن تأثير العقد ، كان مقتضاه دخول الثمن في ملك المغصوب منه قبل تسلّط البائع الغاصب عليه.

(١) وهو العاقد الفضولي الغاصب ، وقوله : «تسليط» خبر قوله : «بأنّ تسليط».

(٢) وهو المالك الأصيل ، فإنّه قد ملك الثمن بسبب العقد الفضولي المتقدّم على التسليط.

(٣) أي : فإذا انكشف صيرورة الثمن ملكا لمالك المبيع بسبب الإجازة عمل بمقتضاه ، وهو جواز تتبع العقود الجارية على ماله ، وإجازة أيّ واحد شاء منها.

(٤) يعني : وإذا تحقق ردّ المالك الأصيل لهذا العقد الفضولي ، وثبت عدم إجازته له ، فقد انكشف أنّ تسليط المشتري العالم بالغصب البائع ـ الفضوليّ الغاصب ـ على الثمن تسليط على ماله ، لا على مال المالك الأصيل.

(٥) أي : كون تسليط المشتري العالم بغاصبية البائع على الثمن تسليطا على ماله ، لا على مال الغير كما مرّ آنفا. وضمير «ماله» راجع إلى المشتري.

(٦) هذا متفرّع على كون التسليط على مال المشتري ، يعني : فليس للمشتري حينئذ استرداد الثمن من البائع الغاصب. وضمير «يستردّه» راجع الى الثمن.

(٧) هذا وجه عدم استرداد الثمن من البائع الغاصب ، وحاصله : أنّ بناء الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) على عدم استرداد الثمن من البائع الغاصب في صورة رد المالك الأصيل البيع الفضوليّ مع بقاء الثمن بعينه عند البائع.

(٨) استدراك على قوله : «لا وقع للإشكال على تقدير الكشف» ومحصّل ما أفاده : أنّه بناء على ناقليّة الإجازة يقع الإشكال في موردين :


يقع الإشكال (١) في جواز إجازة العقد الواقع على الثمن ، لأنّ (٢) إجازة مالك المبيع (٣) له (٤) موقوفة على تملّكه (٥) للثمن (*)

______________________________________________________

الأوّل : في إجازة العقد الثاني الواقع على الثمن ، كما إذا فرض أنّ الفضوليّ الغاصب باع عبد المالك بفرس ، ثم اشترى بالفرس ثوبا ، فإنّ بيع الفرس بالثوب عقد ثان وقع على الفرس الذي هو الثمن في البيع الأوّل أعني به بيع العبد.

تقريب الإشكال في إجازة العقد الثاني هو : أنّ جواز إجازة العقد الواقع على الثمن ـ وهو الفرس الذي جعل ثمن العبد في البيع الأوّل ـ منوط بكون الثمن ملكا للمجيز ، وهو مالك العبد ، للزوم كون المجيز مالكا للعوض حين الإجازة ، ضرورة عدم نفوذ إجازة الأجنبي. والمفروض أنّ المجيز ليس مالكا للفرس قبل الإجازة التي فرض كونها ناقلة ، ولا يملك الثمن إلّا بالإجازة ، فتملّك المجيز للثمن ـ وهو الفرس ـ موقوف على الإجازة ، والإجازة موقوفة على تملكه للثمن أيضا ، وهذا دور ، فإشكال جواز إجازة العقد الثاني هو محذور الدور.

(١) وهو إشكال الدور في المورد الأوّل ، أي العقد الثاني الواقع على الثمن ، وهو الفرس في المثال المذكور. وعلى هذا فلا يصحّ إجازة العقد الثاني الواقع على الثمن أعني به الفرس.

(٢) هذا بيان الإشكال ، وقد مرّ تقريبه بقولنا : «تقريب الإشكال في إجازة العقد الثاني هو أنّ جواز اجازة العقد .. إلخ».

(٣) وهو المبيع المغصوب الذي بيع فضولا في العقد الأوّل.

(٤) أي : للعقد.

(٥) أي تملّك مالك المبيع في البيع الأوّل.

__________________

(*) لا يخفى أنّ الملكية الفعلية للمجيز ليست شرطا لصحة الإجازة ، بل الشرط هو كون المجيز قابلا وصالحا لتملّك الثمن ولو بالإجازة ، كما نبّه عليه الفقيه المامقاني قدس‌سره (١).

هذا مضافا إلى منافاة اعتبار التملك الفعلي للثمن في صحة الإجازة لما أفاده من أنّ

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣٩٩.


لأنّه (١) قبلها أجنبيّ عنه ، والمفروض أنّ تملّكه (٢) الثمن موقوف (٣) على الإجازة على القول بالنقل.

وكذا الإشكال (٤) في إجازة العقد الواقع على المبيع (٥) بعد قبض البائع الثمن ،

______________________________________________________

(١) أي : لأنّ مالك المبيع قبل الإجازة أجنبي عن الثمن ، وهذا تعليل لتوقّف جواز إجازة المالك الأصيل على تملّكه للثمن ، وحاصل التعليل : أنّ مالك المبيع في البيع الأوّل ـ قبل إجازة البيع الثاني ـ أجنبي عن الثمن ، وليس مالكا له ، مع وضوح توقف صحة الإجازة على كون المجيز مالكا للثمن.

(٢) أي : تملّك مالك المبيع في العقد الأوّل.

(٣) وجه التوقّف : أنّه لا بدّ أن يكون المجيز حين الإجازة ـ التي هي بناء على النقل سبب النقل والانتقال ـ مالكا حتى تصح منه الإجازة ، إذ لا تصحّ الإجازة من غير المالك.

(٤) يعني : وكذا يقع الاشكال ، وهذا إشارة إلى المورد الثاني ، وهو إشكال إجازة العقد الأوّل الواقع من الفضولي على العبد الذي هو في المثال المزبور ملك المغصوب منه.

(٥) أي : المبيع في العقد الأوّل ، وتقريب الإشكال في إجازة العقد الأوّل هو : عدم صلاحية المورد للإجازة ، لكونه بيعا بلا ثمن. توضيحه : أنّه بناء على ناقلية الإجازة لا ينتقل الثمن إلى المالك الأصيل ، حيث إنّ تسليط المشتري للبائع الغاصب الموجب لملكية الثمن للبائع يكون قبل إجازة المالك الموجبة لملكية الثمن للمالك ، فتقع الإجازة على بيع لا ثمن له ، ومن المعلوم أنّه ليس بيعا حقيقة. فإشكال إجازة المالك الأصيل في البيع الأوّل هو كون البيع بلا ثمن.

__________________

صحة العقود الواقعة على عوض مال المجيز بالإجازة تستلزم صحة العقود الواقعة على مال المجيز ، مع عدم كون المجيز مالكا للعوض حين الإجازة ، كما إذا باع الفضوليّ عبد المالك بفرس ، ثم بيع الفرس بدرهم ، وأجاز مالك العبد بيع الفرس بالدرهم ، فإنّ المجيز لا يملك العوض وهو الفرس حين الإجازة ، ومع ذلك تصح الإجازة ، فإنّها تصحّح العقد الذي ترد عليه بالدلالة المطابقية ، وغيره من العقود بالدلالة الالتزاميّة.


أو بعد إتلافه إيّاه ، على الخلاف (١) في اختصاص عدم رجوع المشتري على الثمن بصورة التلف وعدمه (٢) ، لأنّ (٣) تسليط المشتري للبائع على الثمن قبل (٤) انتقاله إلى مالك المبيع (٥) بالإجازة ، فلا يبقى مورد للإجازة.

وما (٦) ذكره في الإيضاح ـ من (٧) احتمال تقديم حقّ المجيز ، لأنّه أسبق ، وأنّه

______________________________________________________

(١) بين الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم ، فإنّهم بين من يقول بأنّ عدم رجوع المشتري على البائع ـ الغاصب الفضولي ـ بالثمن مختص بصورة التلف عند الغاصب. ومن يقول بعدم رجوع المشتري على الغاصب بمجرّد تسليطه على الثمن ، سواء بقي عند الغاصب أم تلف. وسيأتي تفصيل الكلام في أحكام الردّ بقوله : «وإن كان عالما بالفضولية ، فإن كان الثمن باقيا استردّه .. وأمّا لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري ..» فلاحظ (ص ٤٧٨) وما بعدها.

(٢) يعني : وعدم اختصاص عدم رجوع المشتري على الغاصب بصورة التلف. فالمراد بالاختصاص هو عدم رجوع المشتري بالثمن مطلقا سواء بقي أم تلف.

(٣) تعليل لقوله : «وكذا الإشكال في إجازة العقد الواقع على المبيع» وقد تقدم تقريبه بقولنا : توضيحه أنّه بناء على ناقليّة الإجازة .. إلخ.

(٤) خبر قوله : «لأن تسليط» يعني : أن التسليط كان قبل انتقال الثمن إلى المالك الأصيل بسبب الإجازة ، إذ المفروض أنّ للإجازة دخلا في حصول النقل والانتقال ، ولم تصدر إلّا بعد التسليط الموجب لعدم دخول الثمن في ملك المالك الأصيل ، فلا يبقى مورد للإجازة.

(٥) أي : المبيع في البيع الأوّل ، و «بالإجازة» متعلق ب «انتقاله».

(٦) مبتدء متضمّن معنى الشرط ، وخبره جملة «فلم يعلم له وجه».

(٧) بيان ل «ما» الموصول. وغرضه من ذكر ما تقدّم في الإيضاح (ص ٤٣٥) من قوله : «ويحتمل أن يقال لمالك العين حق تعلق بالثمن .. إلخ» دفع إشكال إجازة المالك الأصيل للبيع الأوّل الواقع على المبيع المغصوب ، من : أنّه بناء على النقل يلزم كون البيع بلا ثمن ، وهو غير قابل للإجازة ، لعدم كونه بيعا حقيقة.


أولى من الغاصب المأخوذ بأشقّ الأحوال ـ فلم يعلم له وجه [فلم يعلم وجهه] بناء على النقل (١) ، لأنّ (٢) العقد جزء سبب لتملّك المجيز ، والتسليط المتأخّر عنه (٣) علّة تامّة لتملّك الغاصب ، فكيف يكون حقّ المجيز أسبق؟

نعم (٤) يمكن أن يقال : إنّ حكم الأصحاب بعدم استرداد الثمن ، لعلّه لأجل

______________________________________________________

توضيح ما أفاده الإيضاح في دفع الإشكال قد تقدم في محله مفصّلا. وملخصه : أنّه يحتمل أن يكون نفس عقد الفضول موجبا لحقّ لمالك المبيع المغصوب متعلّق بالثمن ، وهو حقّ تملّكه بالإجازة. وهذا الحق سابق على تسليط البائع الغاصب على الثمن ، فلا يكون هذا التسليط مانعا عن دخول الثمن في ملك مالك المبيع حتى يصير البيع بلا ثمن ، وغير قابل للإجازة ، فلا مانع حينئذ من إجازة المالك الأصيل البيع الأوّل الواقع على المبيع المغصوب.

(١) الذي تكون الإجازة ممّا له دخل في الأثر ، وهو النقل والانتقال ، بحيث لا يترتب الأثر على العقد إلّا بالإجازة.

(٢) تعليل لقوله : «فلم يعلم له وجه» ومحصّله : أنّ العقد جزء السبب لتملك المجيز للثمن ، وليس علّة تامّة له ، إذ المفروض دخل الإجازة في تأثير العقد. بخلاف التسليط فإنه علة تامة لتملّك الغاصب للثمن من دون توقفه على شي‌ء.

(٣) أي : عن العقد ، وهذا يكون كتزاحم المقتضي واللامقتضي.

(٤) غرضه تصحيح ما أفاده صاحب الإيضاح من : أنّ الإجازة ـ ولو على القول بناقليتها ـ توجب ملكية الثمن للمالك ، وتقدّم الإجازة على التسليط الموجب لملكية الثمن للغاصب ، بأن يقال : إنّ حكم الأصحاب بعدم استرداد المشتري ـ العالم بغصبية المبيع ـ الثمن من البائع الغاصب ليس لأجل كون التسليط علّة تامة لملكية الثمن للغاصب سواء أجاز المالك أم لا. بل مملّكية التسليط للثمن تكون مراعاة بعدم إجازة المالك ، فإذا أجاز المالك استحقّ الثمن ، فحينئذ يتجه كلام الإيضاح من : أنّه إذا أجاز المالك استحق الثمن ولو على القول بناقلية الإجازة.

والحاصل : أنّه لا يؤثر التسليط في ملكية الثمن للغاصب إلّا بعدم إجازة المالك ،


التسليط المراعى بعدم إجازة مالك المبيع ، لا لأنّ (١) نفس التسليط علّة تامّة لاستحقاق الغاصب على تقديري الردّ والإجازة. وحيث إنّ حكمهم (٢) هذا مخالف للقواعد الدالّة على عدم حصول الانتقال بمجرّد التسليط المتفرّع على عقد فاسد (٣) ، وجب (٤) الاقتصار فيه (٥) على المتيقّن ،

______________________________________________________

فلا يكون التسليط مطلقا موجبا لملكية الثمن للغاصب حتى يسقط بيع الغاصب ـ لصيرورته بلا ثمن ـ عن قابليّة الإجازة.

(١) معطوف على «لأجل» يعني : أنّ حكم الأصحاب بعدم استرداد الثمن لعلّه لأجل التسليط المراعى ، لا لأنّ نفس التسليط علة تامّة لتملّك الغاصب على تقديري الردّ والإجازة ، حتى لا تؤثّر إجازة المالك في صحة البيع الأوّل ، للزوم كون البيع بلا ثمن.

(٢) أي : حكم الفقهاء بعدم جواز استرداد الثمن مع بقاء عينه عند الغاصب. وغرضه من جملة : «وحيث ان حكمهم هذا .. إلخ» تقوية الاحتمال الذي أشار إليه بقوله : «نعم يمكن أن يقال : إن حكم الأصحاب .. إلخ».

ومحصّل ما أفاده في وجه تقويته وإثباته هو : أنّه لمّا كان حكم الفقهاء بعدم جواز استرداد الثمن من الغاصب مع بقاء عينه مطلقا ـ حتى مع إجازة المالك الأصيل ـ مخالفا للقواعد المقتضية لحرمة أكل أموال الناس بالباطل ، لعدم كون مجرّد التسليط من الأسباب الناقلة الشرعية للأموال ، فلا محيص عن جعل مورد حكمهم هذا ـ الذي قيل إنّه إجماع ، وهو دليل لبي ـ خصوص المتيقن منه ، وهو صورة عدم إجازة المالك الأصيل للعقد الفضولي ، إذ لا وجه لجعل التسليط المتفرع على عقد فاسد مملّكا وناقلا للمال ، بل هو من مصاديق أكل المال بالباطل.

فلا بدّ من جعل مورد حكم الأصحاب ـ بعدم جواز استرداد الثمن مع وجوده من الغاصب ـ خصوص صورة عدم إجازة المالك لبيع ماله المغصوب.

(٣) وهو عقد الفضول الغاصب.

(٤) هذا بمنزلة الجواب لقوله : «وحيث إنّ».

(٥) أي : في الحكم المخالف للقواعد المقتضية لعدم كون مثل هذا التسليط مملّكا.


وهو التسليط على تقدير عدم الإجازة (١) ، فافهم (٢).

______________________________________________________

(١) فيكون التسليط المملّك مركّبا من أمر وجوديّ ، وهو إعطاء الثمن إلى البائع الغاصب ، وعدميّ وهو عدم إجازة مالك المبيع المغصوب لبيع الغاصب الفضول. فمجرّد التسليط لا يكون مملّكا ، سواء أكانت الإجازة كاشفة أم ناقلة.

(٢) لعلّه إشارة إلى : أنّ تسليط المشتري ـ العالم بغاصبيّة البائع الفضول ـ لا يكون مقيّدا بعدم الإجازة ، بل علمه بالغصبية ـ ومع ذلك يدفع إليه الثمن ـ قرينة على الإطلاق ، وتسليطه الغاصب على الثمن مطلقا ، سواء أجاز المالك بيع الغاصب أم لا. فحمل التسليط على التسليط المقيّد بعدم الإجازة غير ظاهر.

أو إشارة إلى : أنّ المتيقن من حكمهم بعدم جواز استرداد الثمن هو : كون التسليط مع العلم بالغصب موجبا لعدم الضمان ولو تلف ، لانصراف أدلة الضمان من قاعدتي ضمان اليد والإتلاف عمّا إذا سلّطه المالك على ماله بكلّ تصرّف ولو كان متلفا ، وكان بعوض مال الغير ، ومن المعلوم أنّ عدم الضمان لا يدلّ على التمليك ، لعدم كونه لازما مساويا له ، بل أعمّ منه ، لكفاية الإذن في التلف في عدم الضمان مع بقائه على ملكه.

وبالجملة : لم يظهر من حكمهم ـ بعدم جواز استرداد الثمن من الغاصب ـ بناؤهم على ملكية الثمن للغاصب حتى يكون بيع الغاصب بيعا بلا ثمن.

هذا تمام الكلام في حكم المجاز ، وبه تمّ ما يتعلّق بالإجازة ، ويقع الكلام في ردّ عقد الفضولي ، وما يستتبعه من أحكام.


مسألة (١):

في أحكام الردّ

لا يتحقّق الردّ (٢) قولا إلّا بقوله : «فسخت ورددت» وشبه ذلك (٣) ممّا هو صريح في الردّ ، لأصالة (٤) بقاء اللزوم

______________________________________________________

أحكام الرّد

أ : ما يتحقق به الرّد

(١) كان الأولى أن يقول «وأمّا الكلام في الرد» ليكون مقابلا لقوله في (ص ٥) «أمّا الكلام في الإجازة» وكيف كان فهذه المسألة تتكفل لما يتحقّق به ردّ عقد الفضول ولأحكام الردّ.

(٢) هذا بيان لما يتحقّق به الردّ ، وله مصداقان : قولي وفعلي. أمّا الردّ القولي فهو قوله : «فسخت ورددت» ونحوهما.

والظاهر من الأمثلة المذكورة في المتن أنّ المراد بالرّد أعمّ ممّا حصل بالإنشاء ، وممّا لم يحصل به ، من غير فرق بين الالتفات إلى كونه ردّا وبين عدمه ، والأوّل يسمّى بالرّد الحقيقي ، والثاني بالحكمي.

(٣) مثل «لا اخرج أو لا أنقل هذا المال عن ملكي» ونحوها ممّا هو صريح أو ظاهر عرفا في الرّد ، لعموم دليل اعتبار الظواهر ، وعدم خروج المقام عنه.

(٤) تعليل لاعتبار كون الردّ صريحا ، وحاصله : أنّ مقتضى استصحاب بقاء اللزوم من طرف الأصيل هو بقاؤه حتى يثبت الرّد بحجة من صراحة الردّ أو ظهوره ، فإنّ اللفظ


من طرف الأصيل (*) وقابليّته (١) من طرف المجيز.

وكذا يحصل (٢) بكلّ فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف وشبههما ،

______________________________________________________

غير الصريح والظاهر في الرد يوجب الشك في زوال اللزوم الثابت بعموم (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، والاستصحاب يقتضي بقاءه من طرف الأصيل الذي هو أحد طرفي العقد الفضولي.

(١) معطوف على «اللزوم» يعني : ولاستصحاب بقاء قابلية العقد للزوم من طرف المجيز.

(٢) وأمّا الردّ الفعلي الذي تعرّض له بقوله : «وكذا يحصل» فهو على أنحاء :

أحدها : أن يكون موجبا للنقل عن ملك مالك المال الذي بيع فضولا ، كما إذا باعه المالك.

ثانيها : أن يكون ذلك الفعل متلفا للمال ، كما إذا كان المبيع من المأكولات ، وأكله المالك.

ثالثها : أن يكون ذلك الفعل شبيها بالمتلف كالعتق الذي هو فكّ للملك ، وليس إتلافا للعبد حقيقة عن صفحة الوجود ، ولكنه أوجد فيه صفة جعلته كالتالف من حيث عدم سلطنة المالك عليه ، لخروجه عن حيطة ملكيّته ، فلا سلطان له عليه بعد عتقه وإخراجه عن الرّقية.

رابعها : أن يكون ذلك الفعل شبيها بالناقل كالتزويج ، كما إذا زوّج الفضولي امرأة حرّة من زيد ، ثم زوّجت تلك المرأة نفسها من بكر ، فإن تزويجها نفسها بغير من زوّجها الفضولي به ـ وتسليطه على بعضها ـ بمنزلة النقل الموجب لردّ العقد الفضولي.

__________________

(١) ثبوت اللزوم في حقّه محل البحث والنظر ، فحدوثه غير معلوم حتى يجري الاستصحاب في بقائه ، وقد تقدم الكلام في ذلك في ثمرات الكشف والنقل فراجع (ص ١٠٧).


كالعتق والبيع والهبة والتزويج (١) ونحو ذلك (٢).

والوجه في ذلك (٣) : أنّ تصرّفه (٤) بعد فرض صحّته مفوّت (٥) لمحلّ الإجازة ، لفرض خروجه عن ملكه.

وأمّا التصرّف غير المخرج عن الملك (٦) كاستيلاد الجارية ، وإجازة الدابة ، وتزويج الأمة ، فهو (٧) وإن لم يخرج الملك عن قابليّة وقوع الإجازة

______________________________________________________

(١) هذا مثال لشبه النقل ، والعتق مثال لشبه الإتلاف ، والبيع والهبة مثالان للنقل بلا عوض ومعه. ولم يذكر مثالا للإتلاف ، وهو كما إذا كان المبيع الفضولي مأكولا وأكله مالكه ، وقد مر تفصيل ذلك كلّه آنفا ، فإنّ هذه الأفعال وغيرها من نظائرها إذا صدرت عن إنشاء الرّد كإنشاء العقد كان الردّ حقيقيّا ، وإلّا كان حكميّا.

(٢) كالصلح للنقل ، وتحليل الأمة لشبهه بالتزويج ، والوقف لشبه الإتلاف.

(٣) يعني : أنّ الوجه في تحقق الفسخ بكلّ فعل مخرج للملك عن ملك مالكه الأصيل هو : أنّ تصرف الأصيل في المال المبيع فضولا ـ بعد البناء على صحته ـ مفوّت لمحلّ الإجازة ، إذ المفروض خروج المبيع عن ملكه ، فلا ملك له حتى يصحّ له الإجازة.

ثم إنّ هذه العلة لعدم صحة الإجازة مشتركة بين إنشاء الرد بالفعل المخرج للمبيع فضولا عن ملك مالكه ، وبين عدم إنشائه لغفلة أو غيرها ، لاشتراك فوات محل الإجازة بينهما ، فإنّ التصرف المخرج عن الملك يفوّت موضوع الإجازة ، وهو كون المجيز مالكا حين الإجازة.

(٤) أي : تصرّف المالك ، وضمير «صحته» راجع إلى «تصرفه».

(٥) خبر «أنّ» ، ومجموع الجملة خبر «والوجه في ذلك».

(٦) أي : عن ملك المالك ، كما إذا استولد جاريته بعد أن باعها الفضولي ، وكما إذا آجر دابّته بعد أن باعها الفضولي ، وكما إذا زوّج أمته بعد أن باعها الفضولي.

(٧) جواب «وأمّا» أي : فالتصرف غير المخرج عن ملك المالك الأصيل ، ومحصّل ما أفاده في حكم تصرف المالك في ماله الذي بيع فضولا تصرفا غير مخرج له عن ملكه هو : أنّ هذا التصرّف وإن لم يكن مخرجا للمبيع فضولا عن الملك ، لكنّه مخرج له عن قابليّته للإجازة بناء على الكشف ، لأنّ صحّة الإجازة الكاشفة عن وقوع العقد الفضولي


عليه (١) ، إلّا أنّه مخرج له (٢) عن قابليّة وقوع الإجازة من زمان العقد ، لأنّ (٣) صحّة الإجازة على هذا النحو (٤) توجب وقوعها باطلة ، وإذا فرض وقوعها (٥) صحيحة منعت عن وقوع الإجازة (*).

______________________________________________________

صحيحا ومؤثّرا من حين صدوره توجب وقوع الأفعال الصادرة من المالك المجيز ـ من استيلاد الجارية وإجازة الدابة وتزويج الأمة ـ باطلة ، لوقوعها في غير محلّها ، لأنّ صحة العقد الفضولي توجب وقوع هذه التصرّفات في غير ملكه ، فهي باطلة ، إذ لو كانت صحيحة لمنعت عن صحة الإجازة ، لامتناع صحتها مع صحة تلك التصرّفات الصادرة من المالك ، إذ الجمع بينهما جمع بين المتنافيين ، فلا بدّ إمّا من صحة الإجازة الكاشفة عن صحة البيع الفضولي ، أو صحة تصرفات المالك.

(١) متعلق ب «وقوع» والضمير راجع إلى العقد الفضولي ، ويمكن رجوعه إلى الملك.

(٢) أي : للملك ، وضمير «انه» راجع إلى التصرف غير المخرج.

(٣) تعليل لقوله : «مخرج له عن قابلية الإجازة .. إلخ» وقد اتضح تقريب هذا التعليل بقولنا : «لأنّ صحة الإجازة الكاشفة عن وقوع العقد الفضولي صحيحا» وحاصله : كون صحة الإجازة على الكشف وصحة تصرفات المالك ـ من استيلاد الجارية وغيره ـ جمعا بين المتنافيين.

(٤) وهو كون الإجازة كاشفة ، فإنّها توجب وقوع استيلاد الجارية وغيرها باطلة.

(٥) ضمير «وقوعها» في الموردين راجع إلى استيلاد الجارية وغيره.

__________________

(*) الحق صحة تلك التصرفات مطلقا سواء أكانت الإجازة ناقلة أم كاشفة. أمّا على النقل فلصدور تلك التصرفات من المالك غير المحجور عن التصرف في ماله ، فلا وجه لعدم صحتها مع عدم تعلّق حقّ أحد بها. وأمّا على الكشف فلكون المالك جائز التصرف في ماله ما لم يجز البيع الفضوليّ ، فإذا أجاز قبل أن يتصرّف بأحد تلك التصرفات كانت الإجازة نافذة ، والعقد الفضولي لازما ، وتلك التصرفات باطلة.

وأمّا إذا تصرّف قبل الإجازة فلا يبقى مورد لها ، لأنّ الإجازة إنّما تؤثر فيما إذا كان المجيز مالكا لولا الإجازة ، والمفروض أنّه ليس كذلك ، لارتفاع مالكيّته قبل الإجازة ، فليس


والحاصل (١) : أنّ وقوع هذه الأمور صحيحة مناقض (٢) لوقوع الإجازة لأصل العقد ، فإذا وقع أحد المتنافيين (٣) صحيحا فلا بدّ من امتناع وقوع الآخر (٤) ، أو إبطال (٥) صاحبه ، أو إيقاعه (٦) على غير وجهه. وحيث لا سبيل إلى الأخيرين

______________________________________________________

(١) يعني : وحاصل الكلام في التصرفات غير المخرجة عن الملك هو : أنّ صحة التصرفات المذكورة تناقض صحة إجازة العقد الفضولي ، فإذا صحّ أحدهما ـ كالتصرفات ـ فلا بدّ أن يمتنع وقوع الآخر أعني به الإجازة ، أو يبطل تلك التصرفات ، أو يقع الآخر اعني به الإجازة على غير وجهه ، بأن يبنى على انتقال المبيع إلى المشتري في العقد الفضولي بعد انقضاء مدّة إجارة الدابة ، لا من حين وقوع العقد فضولا ، أو انتقاله إلى المشتري مسلوب المنفعة في زمان الإجارة.

وحيث إنّه لا وجه للمصير إلى الأخيرين ـ وهما إبطال صاحبه وإيقاعه على غير وجهه ، لأنّهما من الاحتمالات التي لا يساعدها دليل في مقام الإثبات ـ فالمتعيّن هو القول بفساد الإجازة.

(٢) خبر «أن وقوع» ، وقوله «صحيحة» حال من «الأمور».

(٣) كالتصرفات غير المخرجة عن الملك إذا وقعت صحيحة.

(٤) وهو إجازة العقد الفضولي ، وامتناع وقوعه يكون لمنافاته لصحة تلك التصرفات.

(٥) معطوف على «امتناع» أي : إبطال الآخر ـ وهو الإجازة ـ لتلك التصرفات.

(٦) معطوف على «امتناع» أي : إيقاع الآخر ـ وهو الإجازة ـ على غير وجهه ، وهو ما تقدم آنفا بقولنا : «بأن يبنى على انتقال المبيع إلى المشتري في العقد الفضولي .. إلخ».

__________________

مالكا حال الإجازة ، وصار أجنبيّا عن المال ، فلا أثر لإجازته.

والحاصل : أنّ مقتضى عموم أدلة الصحة مثل «(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)» هو البناء على صحة تلك التصرفات ، والحكم بعدم بقاء مورد للإجازة.

وإن شئت فقل : إنّ نفوذ عقد المالك في ماله تنجيزيّ ، ونفوذ عقد الفضول في ماله تعليقي ، لأنّه معلّق على إجازته ، فإذا تصرّف في ماله قبل إجازته لعقد الفضول لا يبقى مورد لإجازته.


تعيّن الأوّل (١).

وبالجملة (٢) : كلّ ما يكون باطلا على تقدير لحوق الإجازة المؤثّرة من حين العقد ، فوقوعه صحيحا مانع (٣) من لحوق الإجازة ، لامتناع اجتماع المتناقضين (٤).

نعم (٥) لو انتفع المالك بها قبل الإجازة بالسّكنى واللبس ، كان عليه اجرة المثل إذا أجاز ، فتأمّل (٦).

______________________________________________________

(١) وهو امتناع وقوع الآخر أعني به الإجازة على الفرض.

(٢) يعني : وحاصل الكلام أنّ الضابط في المقام هو : أنّ كلّ تصرف يكون باطلا على تقدير صحة الإجازة المؤثّرة في العقد الفضولي من حين وقوعه ـ إذا فرض وقوع ذلك التصرف صحيحا ـ فهو مانع من لحوق الإجازة ، لامتناع اجتماع المتناقضين ، فإنّه لا يجتمع صحة بيع الجارية فضولا من زيد مثلا مع صحة تزويج مالكها إيّاها من عمرو. وهكذا سائر الأمثلة المتقدّمة ، فإنّ صحة البيع الفضولي في هذه الأمور تنافي صحة تصرفات المالك فيها.

(٣) خبر «فوقوعه» والجملة خبر قوله : «كلّ ما يكون».

(٤) وهما صحة تلك التصرفات ، وصحة إجازة العقد الفضولي.

(٥) استدراك على التصرف غير المخرج عن الملك ، وحاصل الاستدراك هو : أنّ التصرف الخارجي الصادر من المالك في ماله الذي بيع فضولا ، لا ينافي صحة إجازته للعقد الفضولي ، كما إذا انتفع المالك قبل الإجازة بالسكنى في داره التي بيعت فضولا ، أو بلبس ثوبه الذي بيع فضولا ، فإنّ مثل هذا التصرف الخارجي لا ينافي صحة الإجازة ، غاية الأمر أنّه إذا أجاز العقد الفضولي بعد هذا التصرف فعليه اجرة المثل للمشتري ـ عوضا عمّا استوفاه من منفعة السكنى واللّبس ، لقاعدة الاستيفاء ـ بناء على كاشفية الإجازة ، إذ بناء على النقل لم يتصرف في ملك المشتري ، وإنّما تصرّف في ملك نفسه.

والظاهر أنّ مراد المصنف قدس‌سره من ثبوت اجرة المثل للمشتري الذي اشترى المال من الفضولي هو ثبوتها بناء على كاشفية الإجازة ، لا ناقليتها.

(٦) لعلّه إشارة إلى : أنّه بناء على النقل لا يثبت على المالك اجرة المثل للمشتري ، لأنّه انتفع بملكه لا بملك المشتري. وبناء على الكشف يمكن أن يقال : إنّ المبيع الفضولي


ومنه (١) يعلم أنّه لا فرق بين وقوع هذه (٢) مع الاطّلاع على وقوع العقد ، ووقوعها (٣) بدونه ، لأنّ (٤) التنافي بينهما واقعيّ.

ودعوى (٥) «أنّه لا دليل على اشتراط قابليّة التأثير من حين العقد في الإجازة ،

______________________________________________________

انتقل إلى المشتري مسلوب المنفعة.

فعلى كلا القولين في الإجازة لا تشتغل ظاهرا ذمة المالك بالأجرة للمشتري.

وجعل وجه التأمل عدم الفرق بين انتفاع المالك بالسكنى واللبس وبين الإجارة والاستيلاد بعيد ، لأنّ الانتفاع بمال الغير ما لم يكن يتبرّع المالك يوجب الضمان ، لقاعدة الاستيفاء ، وليس الضمان منوطا بإباحة التصرفات.

(١) أي : ومن منافاة صحة الإجازة وتلك التصرفات معا ـ وكون صحتهما جمعا بين المتناقضين ـ يعلم : أنّه لا فرق في وجود هذه المنافاة بين وقوع تلك التصرفات مع اطّلاع المالك الأصيل على وقوع العقد من الفضول ، ووقوعها بدون اطّلاعه على وقوعه ، وذلك لوضوح كون التنافي بين صحتها وصحة الإجازة واقعيّا غير منوط بالعلم بوجود العقد وعدمه.

(٢) أي : التصرفات غير المخرجة عن الملك.

(٣) معطوف على «وقوع» أي : وقوع تلك التصرفات بدون الاطلاع على وقوع العقد.

(٤) تعليل لعدم الفرق ، وقد مرّ توضيحه آنفا بقولنا : «وذلك لوضوح».

(٥) الغرض من هذه الدعوى دفع التنافي بين صحة تلك التصرفات وصحة الإجازة. توضيح الدعوى : أنّ منشأ التنافي اعتبار كون الإجازة مصححة للعقد الفضولي من حين وقوعه بناء على الكشف ، إذ يمتنع حينئذ صحة التصرفات والإجازة من حين العقد ، لعدم تعقّل صحة الإجازة من حينه ـ الموجبة لانتقال المبيع إلى المشتري حين العقد ـ مع صحة التصرفات من المالك ، لوقوعها في ملك المشتري.

كما إذا آجر زيد يوم الجمعة داره التي باعها الفضولي يوم الخميس ، وأجاز مالك الدار عقد الفضول يوم السبت ، فإنّ صحة الإجازة تقتضي صحة عقد الفضول من يوم الخميس ، وذلك يستلزم وقوع الإجارة في ملك المشتري ، فلا بدّ من تأثير الإجازة من حين وقوعها ، لا من حين وقوع العقد ، فيحكم بصحة تصرفات المالك إلى زمان الإجازة ،


ولذا (١) صحّح جماعة (٢) ـ كما تقدّم ـ إجازة المالك الجديد في من باع شيئا ثمّ ملكه» مدفوعة (٣) بإجماع أهل الكشف على كون إجازة المالك حين العقد مؤثّرة من حينه.

نعم (٤) لو قلنا بأنّ الإجازة كاشفة بالكشف الحقيقي الراجع إلى كون المؤثّر التامّ هو العقد الملحق بالإجازة ، كانت (٥) التصرّفات مبنيّة على الظاهر (٦) ، وبالإجازة

______________________________________________________

وبصحة العقد من الزمان الواقع بعد الإجازة.

(١) يعني : ولأجل عدم الدليل على اعتبار كون الإجازة مؤثّرة للعقد من حين صدوره ذهب جمع من الأصحاب إلى صحّة إجازة المالك الجديد في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» مع عدم كونه مالكا حين صدور العقد الفضولي حتى تكون إجازته مؤثرة في العقد من حين وقوعه.

(٢) كالمحقق والشهيد والصيمري ، كما تقدم في (ص ٢٤٩) ، فراجع.

(٣) خبر ل «دعوى» ودفع لها ، وحاصله : أنّ القائلين بكاشفية الإجازة قد ادّعوا الإجماع على أنّ إجازة من يكون مالكا حين العقد الفضولي مؤثّرة من حين وقوعه ، وإجازة من لا يكون مالكا حين العقد تؤثّر بعد دخول المبيع فضولا في ملكه.

والحاصل : أنّه بناء على الكشف الحقيقي ـ الذي مرجعه إلى كون العقد الملحق به الإجازة مؤثّرا تامّا ـ تكون تصرفات المالك الأصيل قبل الإجازة مبنيّة على الظاهر ، لأنّ المبيع الفضولي قبل إجازة المالك محكوم ظاهرا بكونه ملكا لمالكه ، فتصرّفاته قبل إجازته محكومة ظاهرا بوقوعها في ملكه ، وبالإجازة ينكشف وقوعها في ملك غيره.

(٤) استدراك على كون الإجازة مؤثّرة من حين العقد كما ادّعي الإجماع على ذلك ، وحينئذ يحكم بصحة تصرفات المالك حكما ظاهريّا. فإن لم يجز المالك عقد الفضول كانت تصرّفاته من استيلاد الجارية وإجارة الدابة وتزويج الأمة صحيحة واقعا ، وإن أجاز انكشف بطلانها وصحة الإجازة.

(٥) جواب قوله : «لو قلنا».

(٦) وهو صحة تصرفات المالك واقعا إن لم يجز ، وإن أجاز انكشف بطلانها وصحة الإجازة. هذا إذا لم يقصد المالك بتلك التصرفات ردّ عقد الفضول ، وإلّا كانت ردّا له ، فتصحّ تلك التصرفات وتبطل الإجازة.


ينكشف عدم مصادفتها للملك ، فتبطل هي (*) وتصحّ الإجازة.

بقي الكلام في التصرّفات غير (١) المنافية لملك المشتري من حين العقد ، كتعريض المبيع للبيع ، والبيع الفاسد ، وهذا (٢) أيضا على قسمين ، لأنّه إمّا أن يقع حال التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضوليّ على ماله ، وإمّا أن يقع في حال عدم الالتفات.

أمّا الأوّل (٣) ، فهو ردّ فعليّ للعقد ،

______________________________________________________

(١) هذا هو القسم الثالث من تصرّفات المالك في المبيع الفضولي ، وهو التصرف غير المنافي لملك المشتري ـ أي المشتري من البائع الفضول ، كتعريض المالك الأصيل المبيع للبيع ، والعقد الفاسد ـ في قبال القسمين الأوّلين ، وهما التصرّف المخرج عن ملك المالك الأصيل ، والتصرف غير المخرج عن الملك والمخرج عن قابلية الإجازة ، فإنّ التصرف في المبيع الفضولي من مالكه الأصيل ـ كتعريضه للبيع وكإنشاء عقد فاسد عليه ـ لا ينافي ملكية المبيع للمشتري ملكية متزلزلة. وهذا القسم من التصرف يكون على نحوين :

أحدهما : أن يقع حال التفات مالك المبيع إلى وقوع عقد الفضولي عليه.

ثانيهما : أن يقع في حال عدم الالتفات إلى العقد المزبور.

(٢) أي : التصرف غير المنافي لملك المشتري يكون كالتصرّف غير المخرج عن الملك المنافي لوقوع الإجازة من زمان العقد المنقسم إلى قسمين ، وهما اطلاع المالك على وقوع عقد من الفضولي على ماله ، وعدم اطلاعه على وقوعه.

(٣) وهو وقوع التصرّف غير المنافي لملك المشتري من مالك المبيع ، مع التفاته إلى وقوع عقد من الفضولي على ماله. وهذا التصرّف مع اقترانه بالالتفات ردّ فعلي للعقد الفضوليّ.

__________________

(*) ويمكن أن يقال : إنّ صحة الإجازة ـ بناء على الكشف الحقيقي ـ توجب فضولية تلك التصرفات ، لوقوعها في ملك المشتري ، فصحّتها حينئذ موقوفة على إجازة المشتري ، إلّا في الاستيلاد إذا كان قبل عقد الفضول ، فلا يحكم ببطلانها بحيث لا تصلح للصحة التأهلية القابلة للإجازة.


والدليل على إلحاقه (١) بالرّد القولي ـ مضافا (٢) إلى صدق الرّد عليه (٣) (*) فيعمّه (٤) ما دلّ على أنّ للمالك الرّد ، مثل (٥) ما وقع في نكاح العبد والأمة بغير إذن مولاه ، وما (٦) ورد في من زوّجته أمّه وهو غائب ،

______________________________________________________

(١) أي : إلحاق التصرف الفعلي ـ غير المنافي لملك المشتري مع وقوعه حال التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضولي ـ بالردّ القوليّ.

ومحصّل ما أفاده : أنّ الدليل على إلحاقه أمور ثلاثة :

أحدها : أنّ مفهوم الردّ الذي ليس له حقيقة شرعية ـ بل هو من المفاهيم العرفية ـ صادق على هذا التصرف غير المنافي لملك المشتري ، فهو كالرّد القولي من مصاديق الردّ ، ويكون محكوما بحكمه.

(٢) هذا إشارة إلى الدليل الأوّل ، والمتقدّم آنفا بقولنا : «أحدها : ان مفهوم .. إلخ».

(٣) أي : على التصرف غير المنافي لملك المشتري ، كالتعريض للبيع ، والبيع الفاسد.

(٤) بعد أن أثبت كون التصرف غير المنافي لملك المشتري مصداقا للرّد ، تشبّث لاعتبار كونه ردّا شرعا بعموم ما دلّ على أنّ للمالك حقّ ردّ العقد الفضولي ، مثل ما ورد في نكاح العبد والأمة بغير إذن مولاه.

(٥) وهو ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده؟ فقال عليه‌السلام : ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه ، وإن شاء فرّق بينهما» الحديث (١).

(٦) مجرور محلّا عطفا على الموصول في «مثل ما». وغرضه الإشارة إلى ما رواه

__________________

(*) بناء على الملازمة بين الالتفات وقصد الردّ. لكن الملازمة ممنوعة ، لوضوح أنّ الالتفات لا يدلّ على قصد الرّدّ ، مع إمكان أن يكون التعريض للبيع لغرض غير الرّد ، كالاطّلاع على السعر. فما لم يحرز دلالة الفعل على الردّ لا يحكم بكونه ردّا للعقد الفضوليّ ، فلا يردّ العقد بمجرّد التعريض للبيع والعقد الفاسد ، فلو أجاز بعد هذين التصرفين كانت الإجازة في محلّها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ١.


من قوله عليه‌السلام : «إن شاء قبل ، وإن شاء ترك» (*).

إلّا (١) أن يقال : إنّ الإطلاق مسوق لبيان أنّ له الترك ، فلا تعرّض فيه (٢)

______________________________________________________

محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «أنّه سأله عن رجل زوّجته امّه وهو غائب؟ قال : النكاح جائز ، إن شاء المتزوج قبل ، وإن شاء ترك. فإن ترك المتزوّج تزويجه فالمهر لازم لأمّه» (١).

فإنّ إطلاق التفريق في الرواية الاولى والرّد في الرواية الثانية يشمل الرّد الفعلي ، فإنّ المراد بالتفريق هو التفريق في الزوجية ، فيشمل إطلاقه الرّد الفعلي في الجملة. وليس صريحا ولا ظاهرا معتدا به في كون مثل التعريض للبيع ردا للعقد الفضولي.

(١) غرضه منع الإطلاق ، وعدم صحة التمسك بهاتين الروايتين لإثبات الردّ الفعلي ، ببيان : أنّ الروايتين سيقتا لبيان مشروعية الرّد ، لا لبيان كيفية الرّد حتى يكون له إطلاق من هذه الجهة ، ويقال : إنّ الرد يتحقق بكل من القول والفعل.

وعليه فإثبات الرّد الفعلي بهما مشكل.

(٢) أي : لا تعرّض في قول الامام عليه‌السلام «إن شاء فرّق ، إن شاء ترك» لكيفية الردّ.

__________________

(*) لا يخفى أن التمسك بهذه الروايات لصحة عقد الفضولي أولى من التشبث بها لمصداقية مثل التعريض للبيع لرد العقد ، لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية ، ضرورة أنّ الروايات لا تدلّ ـ ظاهرا ـ إلّا على كون الفعل كالقول مصداقا للرد شرعا. وأمّا التعريض للبيع فلا تدلّ الروايات على كونه ردّا إلّا بناء على صحة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، أو بناء على ظهور التعريض مع الالتفات عرفا في الرد.

وكلاهما ممنوع. أمّا الأوّل فلما ثبت في محلّه من عدم جواز التمسك بالدليل في الشبهات المصداقية.

وأمّا الثاني فلما عرفت في التعليقة السابقة من منع الملازمة بين الالتفات إلى العقد الفضولي وقصد الرد بالتعريض. ولو شك في كونه ردّا للعقد الفضولي فلا مانع من جريان استصحاب العقد ، وعدم انحلاله بالتعريض للبيع ونحوه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢١١ ، الباب ٧ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ح ٣.


لكيفيّته ـ أنّ (١) المانع من صحّة الإجازة بعد الردّ القولي موجود (*) في الردّ الفعلي ، وهو (٢) خروج المجيز بعد الرّد عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد.

مضافا (٣) إلى فحوى الإجماع (١) المدّعى على حصول فسخ ذي الخيار بالفعل

______________________________________________________

(١) خبر لقوله : «والدليل». ثم إنّ هذا ثاني الأمور الثلاثة التي استدلّ بها على حصول الرّد بالفعل ، ومحصله : اشتراك المانع من صحة الإجازة ـ بعد الردّ القوليّ ـ بين الردّ القولي والردّ الفعلي ، وهذا الاشتراك يقتضي أن يكون الردّ الفعلي كالقولي في كونه هدما للعقد. وذلك المانع المشترك خروج المجيز بعد الردّ عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد.

وبالجملة : ملاك الرّد القولي بعينه موجود في الردّ الفعلي ، فلا محيص عن الالتزام بكون الردّ الفعلي كالقولي مسقطا للعقد عن قابلية لحوق الإجازة به.

(٢) أي : المانع عن صحة الإجازة بعد الردّ ، وضمير «كونه» راجع إلى «المجيز».

(٣) هذا ثالث الأمور التي استدلّ بها على إثبات الرّد الفعلي ، ومحصله : التشبث بالأولوية. توضيحه : أنّه قد ادّعي الإجماع على حصول فسخ ذي الخيار بالفعل كالوطي ، فيما إذا باع أمته بشرط الخيار ، ووطأها أو باعها أو أعتقها في زمن الخيار ، فإنّ الوطي والبيع والعتق تفسخ البيع. فإذا كان الفعل موجبا لانفساخ العقد الثابت ، كان موجبا لانفساخ العقد الفضولي ـ المتزلزل حدوثا ـ بطريق أولى ، لكون الدفع أهون من الرفع.

__________________

(*) هذا متجه بعد تسلّم كون الفعل كالقول ردّا للعقد الفضولي. وهذا أوّل الكلام ومصادرة. فاللازم أوّلا إثبات كون الفعل ممّا يتحقق به الردّ ، ثم ترتيب آثار الردّ القولي عليه.

نعم إذا ثبت كون الردّ الفعلي كالقولي ـ بحجة شرعية أو عقلية ـ كان خروج المجيز بعد الردّ الفعلي عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد ـ كخروجه عنه بعد الردّ القولي ـ في محلّه.

__________________

(١) المدعي للإجماع جماعة كشيخ الطائفة في المبسوط ، ج ٢ ، ص ٨٣ ، وابن زهرة في الغنية ، ص ٥٢٦ (الجوامع الفقهية) وابن إدريس في السرائر ، ج ٢ ، ص ٢٤٨.


كالوطي والبيع والعتق (*) ، فإنّ (١) الوجه في حصول الفسخ هو دلالتها على قصد فسخ البيع ، وإلّا (٢) فتوقّفها (٣) على الملك لا يوجب حصول الفسخ بها ، بل يوجب بطلانها ، لعدم (٤) حصول الملك المتوقّف على الفسخ قبلها حتّى تصادف الملك.

______________________________________________________

(١) غرضه بيان وجه حصول الفسخ بهذه التصرفات ، وحاصل وجهه هو دلالة تلك التصرفات عرفا على أنّ المتصرف بها ـ مع الالتفات ـ قاصد لفسخ العقد بها ، وظواهر الأفعال كظواهر الألفاظ حجة عند العقلاء.

وليس وجهه توقف تلك التصرفات ـ أعني بها الوطي والبيع والعتق ـ على الملك ، على ما عن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا عتق إلّا في ملك ، ولا بيع إلّا في ملك ، ولا وطء إلّا في ملك». وذلك لأنّ مقتضى التوقف المزبور بطلان تلك التصرفات ، لعدم تحقق شرطها ، وهو الملك المتوقف على حصول الفسخ قبل تلك التصرفات حتى تقع في ملكه.

وبالجملة : فالوجه في حصول الفسخ بها هو دلالتها عرفا على قصد الفسخ.

(٢) أي : وإن لم يكن الوجه في الرّد دلالتها على الفسخ ـ بل كان الوجه في ذلك توقّف تلك التصرفات على الملك ـ اقتضى ذلك الوجه بطلانها ، لوقوعها في ملك غيره ، لا حصول الفسخ بها.

(٣) هذا الضمير وكذا ضميرا «بها ، بطلانها» راجعة إلى الوطء والبيع والعتق.

(٤) تعليل لبطلان تلك التصرفات ، فإنّ شرط صحتها ـ وهو الملك المتوقف على حصول الفسخ قبلها حتى تقع في الملك ـ لم يتحقق ، فلا محالة تقع باطلة.

__________________

(*) لا وجه لقياس المقام بهذه الأمور ، فإنّ حصول الفسخ بها حكم ظاهري تقتضيه أصالة الصحة التي هي مفقودة في مثل تعريض المبيع للبيع. أمّا حصول الفسخ بها واقعا فهو منوط بقصد إنشاء الفسخ بالوطي وأخويه.

والحاصل : أن الأولويّة المدّعاة غير ظاهرة.


وكيف (١) كان فإذا صلح الفسخ الفعليّ لرفع أثر العقد الثابت المؤثّر فعلا ، صلح (٢) لرفع أثر العقد المتزلزل ـ من حيث الحدوث ـ القابل للتأثير بطريق أولى (*).

______________________________________________________

(١) يعني : سواء أكانت تلك التصرفات ردّا للعقد أم لا ، نقول : إذا فرض كون فعل صالحا لرفع أثر العقد الثابت المؤثّر فعلا كما في العقد الخياري ، كان صالحا لرفع العقد الفضولي المتزلزل حدوثا بطريق أولى ، فإن الردّ في المقام دفع ، وفي العقد الخياري رفع ، والدفع أهون منه.

(٢) جواب «فإذا أصلح» ، و «بطريق أولى» متعلّق ب «صلح».

__________________

(*) إن كان منشأ ارتفاع قالية العقد للإجازة بسبب الردّ هو الإجماع ، فالمتيقن منه الرّد القولي مع الإنشاء. وإن كان منشؤه عدم قابلية العقد لأن يضاف إلى المالك الأصيل بالإجازة في محيط العقلاء ، فالظاهر أنّه لا تفاوت حينئذ بين الردّ القولي والفعلي. ولا يبعد أن يكون هذا مدرك الإجماع على فرض وجوده ، إذ من البعيد أن يكون هناك إجماع تعبدي.

إلا ان يقال : انّ بناء العقلاء أيضا دليل لبي يكون القدر المتيقن منه هو الرد القولي. وعليه فلا دليل على الرد الفعلي بحيث يمنع عن إجازة المالك ، فاستصحاب بقاء العقد في محله.

ولا ينبغي الارتياب في عدم كون فعل مثل التعريض للبيع بدون الالتفات إلى العقد الفضولي ردّا ، مع البناء على كون ردّ العقد الفضولي كفسخ العقد الخياري والإجازة من الإنشائيات.

إلّا إذا دلّ دليل على كون فعل بمجرّده ردّا ، كما في الرجوع في عدة الطلاق الرجعي ، فإنّ النص المعتبر قد دلّ على أنّ إنكار الطلاق بنفسه رجوع إلى النكاح ، وإن لم يكن الراجع ملتفتا إلى وقوع الطلاق حتى يقصد الرجوع وإنشاءه بإنكاره. ولا وجه للتعدي عن مورد النص وهو الطلاق إلى سائر الموارد ، ففي غير الطلاق لا بدّ في صدق عنوان الردّ من الإنشاء المتوقف على القصد.

بل يمكن أن يقال ـ كما قيل ـ : إنّ الوجه في كون الإنكار رجعة هو ما ثبت في محله


وأمّا الثاني (١) ـ وهو ما يقع في حال عدم الالتفات ـ فالظاهر عدم تحقّق الفسخ به ، لعدم (٢) دلالته على إنشاء الرّد ، والمفروض عدم منافاته أيضا للإجازة

______________________________________________________

(١) عطف على «أمّا الأوّل» أي : القسم الثاني من التصرفات غير المنافية لملك المشتري ، وهو ما يقع من المالك في حال عدم التفاته إلى ما وقع على ماله من العقد الفضوليّ ، وحاصل ما أفاده المصنف قدس‌سره في ذلك هو : عدم تحقق فسخ العقد الفضوليّ به ، لعدم المقتضي له ، إذ المفروض أنّه مع عدم الالتفات إلى العقد الفضوليّ لا يدلّ فعله على ردّ العقد ، فلا موجب لكونه إنشاء لردّه.

(٢) تعليل لعدم تحقق الفسخ به ، وحاصله : أنّ الرّد من الإنشائيّات المتقوّمة بالقصد ، ومع عدم الالتفات ـ كما هو المفروض ـ لا قصد ، فلا ردّ حقيقة. كما أنّه ليس بحكم الرّد أيضا ، بأن يكون مفوّتا لمحلّ الإجازة ، كاستيلاد الأمة ، لعدم منافاته للإجازة.

__________________

من : أنّ المطلقة رجعيا زوجة أو بحكمها ، فكلّ قول أو فعل يدلّ على بقاء الزوجية يكون رجوعا ، فليس الرجوع بناء عليه من الإيقاعات المحتاجة إلى الإنشاء الموقوف على القصد. بل وزان الرجوع وزان التقبيل ونحوه من الاستمتاعات الدالة على زوجية المرأة ، لا أنّه ردّ فعل وهو الطلاق ، بل هو تثبيت الزوجية وإبقاؤها.

وعليه فجعل الإنكار من الردّ الفعلي غير سديد ، لما عرفت من أنّ إنكار الطلاق ليس ردّا ، بل هو إبقاء للزوجية ، فتأمّل.

وهذا الوجه لا يجري في المقام ، إذ المقصود انفساخ العقد وانحلاله بحيث يخرج عن قابلية الصحة بالإجازة ، وهو لا يحصل إلّا بالإنشاء غير الحاصل في المقام على الفرض.

ولا يخفى أنّ إنكار الطلاق في الصحيحة المتقدمة لا يشمل الرّد الفعلي إلّا إذا كان له إطلاق يشمل الإنكار القولي والفعلي ، وإن كان ظاهر السياق هو الإنكار القولي.

والحاصل : أنّه لا يمكن جعل إنكار الطلاق ردّا فعليّا ومستثنى من عدم الردّ الفعلي ، بأن يقال : إنّ الرّد الفعلي منحصر في إنكار الطلاق ، لوجهين :

الأوّل : أنّ الإنكار ليس ردّا للطلاق ، بل هو إبقاء للزوجية.

الثاني : ـ بعد تسليم كونه ردّا ـ أن الظاهر من الرد هو الردّ القولي دون الردّ الفعلي.


اللّاحقة (١). ولا يكفي مجرّد رفع اليد عن الفعل (٢) بإنشاء ضدّه مع عدم صدق عنوان الرّد الموقوف على القصد والالتفات إلى وقوع المردود ، نظير (٣) إنكار الطلاق الذي جعلوه رجوعا

______________________________________________________

(١) يعني : حتى يكون لمفوّتيّته لمحلّ الإجازة ردّا حكميّا لا حقيقيّا.

(٢) وهو العقد الفضولي ، حاصله : عدم كفاية مجرّد رفع اليد عن العقد ـ في تحقق ردّه ـ بإنشاء ضده ، كتعريض المالك الأصيل المبيع للبيع ، بل لا بدّ في رفع اليد عن العقد الفضولي من إيجاد المالك ما يصدق عليه عنوان الرد المنوط بالقصد والالتفات إلى وقوع العقد الفضولي على ماله ، وهو المراد بقوله : «المردود» لأنّ العقد الفضولي بعد ردّ المالك يصير مردودا ومتّصفا بهذا الوصف.

(٣) خبر لمبتدء محذوف ، أي «وهذا نظير .. إلخ». وغرضه التنظير للمنفيّ وهو الكفاية ، وحاصله : أنّه لا يكفي في ردّ فعل كالعقد الفضولي مجرّد رفع اليد عنه بإنشاء ضدّه إلّا في الطلاق ، فإنّ الأصحاب ذهبوا إلى كفاية مجرّد رفع اليد عن الطلاق بإنكار الطلاق ولو مع عدم التفات المنكر إلى وقوعه منه سابقا ، فإنكاره للطلاق رجوع إلى النكاح ولو مع عدم التفاته إلى الطلاق.

ويدلّ عليه صحيحة أبي ولاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن امرأة ادّعت على زوجها أنّه طلّقها تطليقة طلاق العدة طلاقا صحيحا ـ يعني على طهر من غير جماع ـ وأشهد لها شهودا على ذلك ، ثم أنكر الزوج بعد ذلك. فقال عليه‌السلام : إن كان أنكر الطلاق قبل انقضاء العدة فإنّ إنكاره للطلاق رجعة لها ، وإن أنكر الطلاق بعد انقضاء العدّة فإنّ على الإمام أن يفرّق بينهما بعد شهادة الشهود ، بعد ما تستحلف أن إنكاره الطلاق بعد انقضاء العدّة ، وهو خاطب من الخطّاب» (١).

وقريب منه ما في فقه الرضا (٢).

فلا وجه لقياس المقام بباب الطلاق ، فإنّ الرجوع فيه بإنكار الطلاق إنّما هو بالتعبد.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٥ ، ص ٣٧٢ ، الباب ١٤ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، ح ١.

(٢) مستدرك الوسائل ، ج ١٥ ، ص ٣٣١ ، الباب ١٢ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، ح ١.


ولو (١) مع عدم الالتفات إلى وقوع الطلاق ، على ما (٢) يقتضيه إطلاق كلامهم (٣).

نعم (٤) لو ثبت كفاية ذلك (٥) في العقود الجائزة كفى (٦)

______________________________________________________

(١) وصلية ، أي : حتّى لو ثبت إنكار الطلاق في حال الغفلة عن وقوع الطلاق.

(٢) متعلق بالفعل المقدّر «ثبت» يعني : أنّ الحكم بكون الإنكار رجوعا يقتضيه إطلاق كلامهم ، لأنّهم لم يفصّلوا في تحقق الرجعة بإنكار الطلاق بين التفطّن إلى وقوع الطلاق الذي أنكره ، فيكون إنكاره رجعة ، وبين غفلته عنه فلا يكون رجعة ، بل حكموا بأنّ الإنكار رجوع ، قال المحقق قدس‌سره : «ولو أنكر الطلاق كان ذلك رجعة ، لأنّه يتضمّن التمسك بالزوجية» (١).

وقال الشهيد الثاني قدس‌سره : «وظاهرهم الاتفاق على كونه ـ أي الإنكار ـ هنا رجوعا» (٢).

وادّعى صاحب الجواهر الإجماع بقسميه على الحكم ، ثم قال في الرّد على اعتبار إرادة البقاء على النكاح الأوّل : «مع أنّ النصّ وكلام الأصحاب مطلق ، فلا محيص حينئذ عن القول بأنّ الرجعة ليست من قسم الإيقاع ، ولا يعتبر فيها قصد معنى الرجوع. بل يكفي فيها كلّ ما دلّ من قول أو فعل على التمسك بالزوجية فعلا وإن ذهل عن معنى الطلاق ..» فراجع (٣).

(٣) بل وإطلاق النصّ المتقدم آنفا أيضا.

(٤) استدراك على قوله : «ولا يكفي مجرّد رفع اليد».

(٥) أي : التصرف غير المنافي لملك المشتري في العقود الجائزة ولو بدون الالتفات إلى وقوع عقد على ماله ، كما إذا وهب لزيد متاعا ، ثمّ عرضه للبيع غافلا عن أنّه وهبه لزيد. فعلى القول بأنّ هذا التصرف يبطل الهبة لا بدّ من القول ببطلان العقد الفضولي به بطريق أولى.

(٦) جواب الشرط في «لو ثبت» وفاعله ضمير راجع إلى «ذلك» أي التصرف.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٣٠.

(٢) مسالك الأفهام ، ج ٩ ، ص ١٨٧.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٣٢ ، ص ١٨٢ و ١٨٤.


هنا (١) بطريق أولى ، كما عرفت (٢). لكن لم يثبت ذلك (٣) هناك ، فالمسألة (٤) محلّ إشكال ، بل الإشكال في كفاية (٥) سابقه (٦) أيضا ، فإنّ (٧) بعض المعاصرين

______________________________________________________

(١) أي : في العقد الفضولي.

(٢) أي : في (ص ٤٥٨) حيث قال : «فإذا صلح الفسخ الفعلي لرفع أثر العقد الثابت .. صلح لرفع أثر العقد المتزلزل من حيث الحدوث».

(٣) أي : لم يثبت كفاية التصرفات غير المنافية لملك المشتري في العقود الجائزة ، فكيف بالعقد المتزلزل حدوثا؟

(٤) أي : مسألة كون التصرفات غير المنافية لملك المشتري ردّا للعقد الفضولي ـ وإن لم يلتفت المالك إلى وقوع عقد على ملكه ، كتعريض المبيع للبيع ، وإيقاع عقد فاسد عليه ـ محلّ إشكال.

(٥) متعلق بالخبر المحذوف ، أي : بل الاشكال ثابت في كفاية .. إلخ.

(٦) وهو القسم الأوّل من القسمين اللّذين ذكرهما المصنف قدس‌سره في (ص ٤٥٣) بقوله : «لأنّه إمّا أن يقع حال التفات المالك إلى وقوع العقد».

(٧) هذا منشأ الإشكال في حصول الردّ بفعل مع الالتفات إلى وقوع عقد فضولا على ماله ، ومحصّله : أنّ دعوى بعض المعاصرين الاتّفاق على اعتبار اللفظ في الرد كالإجازة صارت منشأ للإشكال في كون فعل مضاد للعقد الفضولي ـ مع التفات المالك إلى وقوع عقد على ماله ـ ردّا للعقد ، ومع دعوى الإجماع المزبور يشكل الإكتفاء في ردّ عقد الفضول بالفعل.

ولعلّ المراد بهذا البعض هو الشيخ الأعسم قدس‌سره ، وقد تقدم في (ص ١٦٦) نقل كلامه في اعتبار اللفظ في الإجازة. وقال في اشتراط الردّ بالصراحة : «ويشهد للكلّ جملة من الأخبار وكلمات الأصحاب».

وهذه الجملة نقلها صاحب الجواهر في مقام الاستدلال على اعتبار اللفظ في الفسخ وإن ناقش هو فيه ، لكن ذكره وجها لاشتراط اللفظ شاهد على استظهار الإجماع عليه ، وإن كانت هذه الاستفادة محلّ تأمل ، لأنّ المدّعى في كلام الشيخ الأعسم قدس‌سره هو اعتبار الصراحة في الرد ، سواء أكان بالقول أم بالفعل ، لأنّه قال : «انّه هل


يظهر منهم (١) [منه] دعوى الاتّفاق على اعتبار اللّفظ في الفسخ كالإجازة ، ولذا (٢) استشكل في القواعد في بطلان الوكالة بإيقاع العقد الفاسد على متعلّقها جاهلا

______________________________________________________

الإجازة فوريّة أي : من حين العلم بالعقد؟ أم لا ينافيها إلّا الردّ الصريح ، قال في الدروس والتنقيح والحدائق والرياض بالثاني ، وهو الأظهر» ثم اعتبر الصراحة في كلّ من القول والفعل ، واستدلّ عليه بقوله «ويشهد لكلّ .. إلخ» ما نقلناه.

وعلى كلّ فلا بأس بما نسبه المصنف قدس‌سره الى بعض معاصريه من دعوى الإجماع على اعتبار اللفظ في الرّد ، لأنّه اعتمد على ما في الجواهر من قوله : «بل قيل : انه تشهد له جملة من الأخبار وكلام الأصحاب ..» (١) فراجع.

(١) كذا في نسخ الكتاب ، إلّا ما ضبطه الفقيهان السيد والمامقاني قدس‌سرهما في حاشيتيهما (٢) ، من نقل عبارة المتن هكذا «يظهر منه» وهو المناسب لكلمة «البعض» فلاحظ.

(٢) يعني : ولأجل دعوى بعض المعاصرين الاتفاق على اعتبار اللفظ في الفسخ استشكل العلّامة قدس‌سره في القواعد في بطلان الوكالة بإيقاع الموكّل عقدا فاسدا على متعلّق الوكالة جاهلا بفساده ، كما إذا وكّل زيدا في بيع كتاب المكاسب ، ثم وهبه هبة فاسدة جاهلا بفسادها ، فإنّ الهبة الفاسدة ـ كتعريض المبيع للبيع ـ فعل لا ينافي الوكالة.

واستشكل العلّامة وولده والمحقق الثاني قدس‌سرهم في كونها ردّا للوكالة ، ولعلّ منشأ إشكالهم هو نقل الاتّفاق على اعتبار اللّفظ في الفسخ.

قال العلّامة في باب فسخ الوكالة بفعل الموكّل ما ينافي موردها : «ولو وكّله في بيع عبد ، ثم أعتقه عتقا صحيحا ، أو باعه كذلك ، بطلت الوكالة ، ولا تبطل مع فساد بيعه وعتقه مع علمه ـ أي مع علم الموكّل بفساد البيع والعتق ـ ، ومع جهله اشكال» (٣).

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩٤ ، كشف الظلام (مخطوط).

(٢) حاشية السيد ، ج ١ ، ص ١٧٤ ، غاية الآمال ، ص ٤٠٠.

(٣) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٣٦٥.


بفساده ، وقرّره في الإيضاح وجامع المقاصد على الإشكال (١) (*).

______________________________________________________

(١) يعني : وقرّر كلّ واحد من صاحبي الإيضاح وجامع المقاصد العلّامة على الإشكال الذي ذكره في بطلان الوكالة بإيقاع عقد فاسد على متعلّقها جاهلا بفساده.

__________________

(*) ظاهر العبارة كون منشأ استشكال العلّامة قدس‌سره في فرض جهل الموكّل بفساد بيعه عدم تحقق العزل بالقول ، بحيث لو فسخ الوكالة باللفظ لا نعزل الوكيل.

لكن الظاهر أنّ منشأ الإشكال أمر آخر ، بشهادة التزام العلّامة بانعزال الوكيل في صورة كون بيع الموكّل صحيحا ، وبقاء الوكالة في صورة فساده مع علمه بالفساد حتى إذا لم يكن لفظ دال على العزل مثل «عزلتك أو أزلت وكالتك» ونحوهما ، وإنّما قال بالعزل في الصورة الأولى من جهة التصرف المنافي لمورد الوكالة ، وعدمه في الصورة الثانية.

كما أنّ ما نسبه إلى الفخر والمحقق الثاني من تقرير الإشكال غير ظاهر.

أمّا فخر الدين فقد قال بعد بيان وجهي الاشكال : «والتحقيق أنّ قصد السبب هل يستلزم قصد المسبب؟ الحقّ ذلك مع العلم بالسببية ، فجهله إن كان بالفساد مع علمه بسببه الصحيح للعزل انعزل. وإن كان بالسببية لم ينعزل ، لأنّه لم يقصد بذلك العزل ، وإلّا أوجد سببه. هكذا قال المصنف ، ونعم ما قال» (١).

وقوله : «لأنّه لم يقصد» كالصريح في إناطة العزل بالقصد مع التفاته إلى سببية البيع له. ولا إيماء في كلامه إلى كون منشأ الاشكال فقد الفسخ القولي.

وأما المحقق الكركي قدس‌سره فقد قال بعد بيان وجهي الاشكال : «وفيه نظر ، لأنّ العقد الصحيح سبب في العزل من حيث ترتب الخروج عن الملك عليه ، وذلك مفقود مع ظهور فساده. نعم إن قصد بالمأتي به العزل فليس ببعيد الانعزال به ، وإلّا فلا» (٢).

وبنى السيد العاملي قدس‌سره العزل وعدمه على أنّ قصده للبيع هل يكون كفسخ الوكالة بالقول أم لا ، فقال : «والتحقيق : أنّ عزمه على البيع ـ صحيحا كان أو فاسدا ـ وإيقاعه له بمنزلة عزله بالقول ، فكان كأنّه قال : عزلت فلانا ، فيجي‌ء فيه حال العزل بالقول في أنه هل ينعزل

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٢٥٤.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٨ ، ص ٢٨٢.


والحاصل (١) : أنّ المتيقّن من الرّدّ هو الفسخ القوليّ. وفي حكمه (٢) تفويت محلّ الإجازة ، بحيث لا يصحّ وقوعها (٣) على وجه يؤثّر من حين العقد.

وأمّا الردّ الفعليّ (٤) ـ وهو الفعل المنشأ به مفهوم الردّ ـ فقد (٥) عرفت نفي

______________________________________________________

(١) يعني : وما حاصل الكلام في مسألة الردّ هو : أنّ المتيقن من الردّ هو الفسخ القولي.

(٢) أي : وفي حكم الفسخ القولي تفويت محل الإجازة ، بحيث لا يصحّ أن تؤثّر الإجازة من حين وقوع العقد ، وهي التصرفات المخرجة عن الملك بالنقل أو الإتلاف كالبيع أو العتق ونحوهما ، فإنّ صحة هذه التصرفات من المالك تنافي الإجازة المؤثرة من حين صدور العقد الفضولي كما تقدم تفصيله في (ص ٤٤٦). فإنّ هذه التصرفات وإن لم تكن ردّا حقيقة ، لعدم إنشاء الرّد بها. لكنّها مانعة عن صحة العقد الفضولي من زمان وقوعه ، فهي بحكم الردّ من جهة فوات محل الإجازة ، حيث لا يمكن صحة العقد الفضولي مع هذه التصرفات من المالك.

(٣) أي : وقوع الإجازة. هذا ما يتعلّق بالفسخ القولي وهو المتيقن من الردّ.

(٤) وهو الفعل الذي ينشأ به مفهوم الردّ ، كتعريض المبيع فضولا للبيع مع التفات المالك إلى وقوع العقد الفضولي على ماله.

(٥) جواب «وأمّا الردّ» وقد عرفت في (ص ٤٥٣) عند قوله : «أمّا الأوّل فهو ردّ فعليّ للعقد ، والدليل على إلحاقه بالردّ القولي .. إلخ» وقد استدل على حصول الفسخ به بوجوه ثلاثة ، فراجع.

__________________

بمجرده وإن لم يبلغه الخبر ، أم لا .. إلخ» (١).

وعلى هذا فلعلّ مقصود المصنف من المشار إليه في قوله : «ولذا» هو كون المسألة محلّ إشكال ، لا قضية الإجماع على دخل اللفظ في تحقق الرد. وحينئذ تسلم عبارة المتن من الإشكال.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٦٢٢.


البعد (١) عن حصول الفسخ به.

وأمّا (٢) مجرّد إيقاع ما ينافي مفهومه قصد بقاء العقد من غير تحقّق مفهوم الرّد ـ لعدم (٣) الالتفات إلى وقوع العقد (٤) ـ فالاكتفاء (٥) به مخالف للأصل (٦).

وفي حكم ما ذكرنا (٧) الوكالة (٨) والوصاية. ولكنّ الإكتفاء فيهما (٩) بالردّ الفعلي أوضح (١٠).

______________________________________________________

(١) لا يخفى أنّه جزم بالفسخ هناك ، واستدلّ عليه بتلك الوجوه الثلاثة. لا أنّه نفى البعد عن حصول الفسخ به.

(٢) هذا إشارة إلى القسم الثاني من التصرفات غير المنافية لملك المشتري حين العقد ، وقد تعرّض لذلك في (ص ٤٥٩) بقوله : «وأمّا الثاني وهو ما يقع في حال عدم الالتفات .. إلخ» وذلك كتعريض المبيع فضولا للبيع مع عدم التفات المالك إلى وقوع العقد الفضولي عليه.

(٣) تعليل لعدم تحقق مفهوم الرد ، حيث إنّ تحققه منوط بقصده ، ومع عدم الالتفات لا يحصل قصده.

(٤) أي : وقوع العقد الفضولي على ماله.

(٥) جواب قوله : «وأمّا» يعني : فالاكتفاء ـ بمجرّد إيقاع ما ينافي مفهومه قصد بقاء العقد الفضولي ـ مخالف للأصل.

(٦) وهو استصحاب بقاء العقد على قابليته للإجازة عند الشكّ في بقائه.

(٧) أي : تكون الوكالة والوصاية في حكم ما ذكرنا من تحقق الردّ في العقد الفضوليّ بالقول والفعل على التفصيل المذكور ، فإذا وكّل شخصا أو أوصى إليه ، ثم ردّ الوكالة أو الوصاية بالقول أو الفعل ، بطلت ، ولا موجب لنفوذهما.

(٨) مبتدء مؤخّر ، وخبره المتقدّم قوله : «وفي حكم ما ذكرنا».

(٩) أي : في الوكالة والوصاية.

(١٠) يعني : أنّ الإكتفاء في إبطال الوكالة والوصاية بالفعل أوضح من الإكتفاء بالفعل في إبطال عقد الفضوليّ. ولعلّ وجه أوضحيّة الإكتفاء فيهما بالردّ الفعلي ـ من الإكتفاء به في البيع وغيره من العقود اللازمة ـ هو : أنّه لمّا كان انعقاد الوكالة والوصاية


وأمّا الفسخ في العقود الجائزة بالذات أو الخيار (١) فهو منحصر باللفظ أو الردّ الفعليّ.

وأمّا (٢) فعل ما لا يجامع صحّة العقد كالوطي والعتق [والبيع] فالظاهر

______________________________________________________

وغيرهما من العقود الجائزة بكلّ ما يدلّ عليها سواء أكان لفظا أم فعلا ، ولم يعتبر في انعقادها خصوص اللفظ ، كان انحلالها أيضا في اعتبار العقلاء كانعقادها بكلّ ما يدلّ عليه من قول أو فعل. بخلاف البيع وغيره من العقود اللازمة ، فإنّ انعقادها لازمة لمّا كان باللفظ كان مقتضى اعتبار العقلاء اعتبار اللفظ في انحلالها أيضا ، هذا.

ويمكن أن يكون وجه الأوضحيّة في الوكالة أنّ مناط صحّة تصرّف الوكيل في متعلّق الوكالة إذن المالك ورضاه ، فلو علم الوكيل بعدم رضا المالك بالتصرف فيه ـ ولو كان الدالّ على العلم بعدم الرضا فعلا صادرا من الموكّل ـ لا يجوز له التصرف بلا إشكال ، من دون حاجة إلى لفظ يدلّ على إنشاء فسخ الوكالة.

والحاصل : أنّه يكفي في عدم جواز التصرف كلّ ما يدلّ على ذلك بلا حاجة إلى إنشاء ، حتى يحتمل اعتبار اللفظ فيه.

وفي الوصية أنّها جزء السبب وجزؤه الآخر الموت ، ويعتبر استمرار الرضا من الموصى إلى حصول الجزء الآخر. فلو ارتفع الرضا قبل تحقق الجزء الآخر ـ ولو بدلالة فعل من الموصى على ذلك ـ بطلت الوصية ، ولا يؤثر لحوق الجزء الآخر. ولكن هذا البطلان إنّما هو لأجل عدم حصول شرط انعقاد العقد ، لا لأجل الردّ.

(١) معطوف على «بالذات» حاصله : أنّ الفسخ في العقود الجائزة منحصر في الإنشاء اللفظي أو الفعلي ، سواء أكان جوازها بالذات ، وهي العقود الإذنية ، أم كان بالعرض وهي الجائزة بالخيار المجعول شرعا كخيار الحيوان والمجلس ، أو بجعل المتعاقدين كخيار الشرط.

(٢) هذا دفع توهّم. أمّا التوهّم فتقريبه : أنّه يتوهم حصول فسخ العقود الجائزة بالذات أو بالخيار بغير اللفظ والرد الفعلي ، وهو فعل ما ينافي صحة العقد الجائز بالذات كالهبة ، أو بالخيار كالبيع الخياري ، فإنّ هذه التصرفات ـ أعني بها الوطء والعتق والبيع التي أوقعها ذو الخيار في زمن الخيار ، أو أوقعها بعد العقد الجائز بالذات كالهبة ـ فاسخة للعقد الجائز ، فليس الفسخ في العقود الجائزة منحصرا باللفظ أو الرد الفعليّ ، هذا.


أنّ الفسخ بها من باب تحقّق القصد قبلها ، لا (١) لمنافاتها لبقاء العقد (٢) ، لأنّ (٣) مقتضى المنافاة بطلانها (٤) ، لا انفساخ (٥) العقد ، عكس ما نحن فيه (٦) ، وتمام الكلام في محلّه.

ثمّ (٧) إنّ الرّد إنّما يثمر

______________________________________________________

وأمّا تقريب الدفع فهو : أنّ الفعل المنافي لصحة العقد الجائز ـ كالوطء والعتق والبيع ـ ليس بنفسه فسخا ، بل يتحقق الفسخ بقصده آنا ما قبل حصول المنافي. ولو كان الفسخ به لأجل منافاته لصحة العقد الجائز لاقتضت المنافاة بطلان الفعل المنافي ، لوقوعها في ملك الغير ، لا انفساخ العقد.

والحاصل : أنّ الفسخ هنا من مصاديق الرد الفعلي ، وليس أمرا آخر حتى يتوهم أنّ الفسخ هنا خارج عن الفسخ القوليّ والفعليّ ، فلا مجال للتوهّم المزبور.

(١) يعني : أنّ الفسخ بالوطء والعتق والبيع إنّما هو لتحقق قصد الفسخ قبلها.

(٢) وهو العقد الجائز بالذات أو بالخيار.

(٣) تعليل لبطلان الوطء وأخويه ، ومحصّله : أنّها تبطل لمنافاتها لمقتضى العقد الجائز ، وهو كون ما وقع عليه هذه الأمور ملكا لغير من صدرت هذه التصرفات منه ، فلا بدّ من الحكم ببطلانها ، لوقوعها في ملك الغير.

(٤) أي : بطلان الوطء والعتق والبيع ، لوقوعها في ملك الغير.

(٥) معطوف على «بطلانها» يعني : أنّ مقتضى المنافاة بطلان تلك التصرفات ، لا بطلان العقد.

(٦) وهو عقد الفضول ، والمراد بالعكس : أن تلك التصرفات في العقد الفضولي تقتضي صحّتها ، لوقوعها في ملك المالك المسلّط على كل تصرف في أمواله ، وبطلان العقد الفضولي ، وعدم صحة الإجازة بعد التصرفات المنافية لصحة العقد الصادرة من المالك.

(٧) بعد أن بيّن قدس‌سره ما يتحقق به ردّ العقد الفضولي ، أراد أن يبيّن فائدة الرد وما يترتب عليه شرعا ، فقال : إنّ ثمرة ردّ المالك العقد الفضولي هي عدم صحة الإجازة بعد الرّد ، لعدم محلّ لها بعد تلك التصرفات. وأمّا انتزاع المال ـ الذي بيع فضولا ـ من المشتري إن كان قد قبضه من العاقد الفضولي فلا يتوقف على الرّد ، بل يكفي في جواز انتزاعه عدم الإجازة ، لأنّ سلطنة المالك على ماله ـ ما لم يجز العقد الفضولي ـ باقية


في عدم صحّة الإجازة (*) بعده. وأمّا انتزاع المال من المشتري لو أقبضه الفضوليّ ، فلا يتوقّف على الرّد ، بل يكفي فيه (١) عدم الإجازة. والظاهر أنّ الانتزاع بنفسه ردّ (٢) مع القرائن الدالّة على إرادته (٣) منه ، لا مطلق (٤) الأخذ ، لأنّه (٥) أعمّ.

______________________________________________________

ومقتضاها جواز انتزاعه من المشتري.

(١) أي : في جواز انتزاع المال من المشتري.

(٢) يعني : إذا كان هذا الانتزاع مصداقا للردّ فلا إشكال في أنّه ينتزع ماله واقعا وظاهرا على النقل والكشف الانقلابي ، وكذا بنحو الشرط المتأخر ، أو بوصف التعقب المقارن للعقد مع العلم بعدم الإجازة أصلا ، فإنّ المبيع الفضوليّ في جميع هذه الصور باق على ملك مالكه. ومقتضى سلطنة الناس على أموالهم جواز انتزاع ماله من المشتري.

(٣) أي : على إرادة الرّد من الانتزاع.

(٤) معطوف على «الانتزاع» يعني : والظاهر أن الأخذ المجرّد عن القرينة ليس ردّا.

(٥) يعني : لأنّ الأخذ أعم من الرّد ، لإمكان أن يكون الأخذ للاطّلاع على سعره ، أو للانتفاع به مدّة.

__________________

(*)يعني : إجازة المالك الفعلي. وأمّا إذا باعه المالك من شخص آخر غير المشتري الذي اشتراه من الفضول ، فالظاهر عدم مانع من إجازة المالك الجديد ذلك العقد الفضولي ، فردّ المالك ليس هدما وإعداما له من صقع الاعتبار حتى لم يبق محلّ للإجازة مطلقا حتى بالنسبة إلى المالك الفعلي.

بل معنى الردّ أنّه ليس له الإجازة بعد الرّد. وليس معناه انعدام العقد بحيث لم يكن لغير المالك إذا صار مالكا للمبيع الفضولي إجازة العقد الفضولي ، لأنّ فعل الغير ـ وهو الفضول ـ ليس تحت اختيار مالك المبيع حتى يعدمه ، بل له ردّه الذي مرجعه إلى قطع علقة العقد بماله. فإنّ للمالك قطع هذه العلقة بالرّد ، كما أنّ له إبقاءها وتثبيتها بالإجازة. وليس له إعدام العقد بحيث لا يصح لغيره ـ إذا ملك المبيع ـ أن يجيز هذا العقد الفضولي ، فإنّ حدوث الأمر الاعتباري وبقاءه بيد من بيده الاعتبار ، وليس المالك مالكا لهذا الاعتبار.


ولذا (١) ذكروا أنّ الرجوع في الهبة لا يتحقّق به.

______________________________________________________

(١) أي : ولأجل أعمية الأخذ من الرّد ذكر جماعة من الأصحاب : أنّ الرجوع في الهبة لا يتحقق بأخذ الواهب العين الموهوبة من المتهب ، قال العلّامة في القواعد ـ بعد حكمه بتحقق الرجوع بلفظ رجعت وشبهه وبالفعل كالبيع ـ ما لفظه : «والأقرب أنّ الأخذ ليس فسخا» (١). والظاهر أنّ مورد كلامه عدم وجود قرينة على إرادة الرجوع بهذا الأخذ. كما يظهر من فخر المحققين والمحقق الثاني والسيد العميد ، لعدم دلالة الأعم على الأخص ، فراجع.

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٠٨ ، إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٤١٨ ، جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ١٦٧ ، كنز الفوائد ، ج ٢ ، ص ١٦١ ، مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ١٩٢ و ١٩٣


مسألة (١)

لو لم يجز المالك ، فإن كان المبيع في يده (٢) فهو ، وإلّا فله انتزاعه ممّن وجده في يده (٣) مع بقائه ، ويرجع بمنافعه (٤)

______________________________________________________

ب : حكم المالك مع المشتري لو لم يجز

(١) الغرض من عقد هذه المسألة بيان الحكم الوضعي ـ وهو ضمان المبيع الفضولي ـ في صورة عدم إجازة المالك ، وردّه البيع الفضولي.

ومحصّل ما أفاده فيها : أنّ المبيع فضولا إن كان باقيا وكان بيد المالك ، فلا كلام. وإن لم يكن بيده ، فله انتزاعه ممّن وجده في يده ، سواء أكان هو المشتري أم غيره. ويرجع بمنافعه المستوفاة ـ كاللّبن والصوف من الشاة ـ على من كان المبيع في يده ، واستوفى المنافع منه. وكذا يرجع المالك على من كان المبيع عنده بمنافعه التي لم يستوفها ، كما إذا كان المبيع دكّانا أو دارا ولم يستوف منفعته ـ كما إذا كانت أجرته على تقدير إجارته في تلك المدة التي كانت بيد المشتري أو غيره عشرة دنانير مثلا ـ فإنّ للمالك أخذ هذه الأجرة ممّن كان المبيع بيده.

(٢) هذا الضمير وضمير «فله» والضمير المستتر في «وجده» راجعة إلى المالك.

(٣) الضمير راجع إلى الموصول في «ممّن» المراد به المشتري.

(٤) هذا الضمير وضمائر «انتزاعه ، وجده ، بقائه» راجعة إلى المبيع.


المستوفاة (*) وغيرها ، على الخلاف المتقدّم في البيع الفاسد (١). ومع التلف (٢) يرجع إلى من تلف عنده

______________________________________________________

(١) بقوله : «وأمّا المنفعة الفائتة بغير استيفاء فالمشهور فيها أيضا الضمان» الى أن قال : «فيتحصّل من ذلك كلّه أنّ الأقوال في ضمان المنافع غير المستوفاة خمسة .. إلخ» (١). فضمان المنافع غير المستوفاة محلّ الخلاف ، هذا كلّه في صورة بقاء عين المبيع.

(٢) هذا شروع في حكم تلف المبيع ، ومحصّله : أنّه مع التلف يرجع إلى من تلف عنده ـ من المشتري أو غيره ـ بقيمته يوم التلف ، أو بأعلى القيم من زمان وقوعه في يده إلى وقت تلفه ، على الخلاف بين الفقهاء.

__________________

(*) على المشهور على ما قيل. بل عن السرائر «الاتفاق على ذلك» لجعله كالمغصوب عند المحصلين ، ويدل عليه عموم قوله : «لا يحل مال امرء مسلم لأخيه إلّا عن طيب نفسه» بناء على صدق «المال» على المنافع ، ولذا يجعل ثمنا في البيع وصداقا في النكاح.

ويدل عليه أيضا صحيح أبي ولّاد المتضمن لضمان المنافع المستوفاة ، ردّا على أبي حنفية النافي للضمان ، استنادا إلى «الخراج بالضمان» وإبطال قوله موكول إلى بحث المقبوض بالعقد الفاسد.

وأمّا المنافع غير المستوفاة فالمنسوب إلى المشهور أيضا الضمان. ويشمله إطلاق معقد إجماع السرائر من كون المقبوض بالعقد الفاسد كالمغصوب عند المحصلين.

ولعلّ وجه ضمانها صدق الأموال عليها ، وقاعدة احترام مال المسلم أيضا تقتضي الضمان ، فإنّ المنافع القائمة بالأعيان أموال ، وأخذها بقبض الأعيان ، هذا مجمل الكلام في ضمان المنافع بقسميها. وتقدم التفصيل في أحكام المقبوض بالعقد الفاسد ، فراجع (٢).

__________________

(١) راجع هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٢٥١ ـ ٢٦٧.

(٢) المصدر ، ص ٢١٣ إلى ٢٨٥.


بقيمته (١) يوم التلف ، أو بأعلى القيم من زمان وقع في يده (*).

______________________________________________________

(١) أي : بقيمة المبيع يوم التلف ، أو بأعلى القيم من زمان الغصب ـ وهو زمان وقوع المال في يده ـ إلى زمان وصول المال إلى مالكه ، هذا إذا كان المبيع قيميّا.

وإن كان مثليّا يرجع إلى من تلف عنده بمثله.

فالمراد بقوله : «بقيمته» هو مالية المبيع. فإن كان المبيع مثليّا يتعيّن بدله في المثل. وإن كان قيميّا تعيّن بدله في قيمته.

__________________

(*) أو يوم الدفع ، فيه وجوه ، بل أقوال.

قيل في المقام : إنّ منشأ القول بقيمة يوم الغصب ويوم التلف هو كون الضمان فعليّا يوم الغصب ، أو تعليقيّا. فمن قال بالأوّل مشروطا بشرط متأخر ـ وهو تلف العين ـ قال بالضمان يوم الغصب. ومن قال بالثاني قال بقيمة يوم التلف.

ومنشأ القول بيوم الدفع ـ وهو يوم الأداء وجهان :

الأوّل : أنّ العين بجميع خصوصياتها الشخصية مضمونة على الضامن في كلتا صورتي وجود العين وتلفها. فمع التمكن من ردّ العين يجب ردّها ، ومع تلفها يجب ردّ مثلها إن كان المال مثليّا ، وردّ قيمتها إن كان قيميا ، هذا. وفيه : ما ذكر في محلّه (١).

الثاني : أنّ الشي‌ء متقوم بماليّته ، مثلا قوام الحنطة بماليتها التي هي الإشباع وحفظ الحياة ، وأمّا الخصوصيات الشخصية والمثلية فهي فضلة وخارجة عن حقيقتها ، فإذا تلفت الحنطة فماليتها ـ وهي الإشباع ـ تثبت في الذمة ، فتقوّم بقيمة يوم الدفع الذي هو يوم المطالبة ، ويوم الخروج عن العهدة. ففي هذا اليوم يقوّم ما في ذمة الضامن من مالية التالف ، هذا.

ومنشأ القول بأعلى القيم هو كون الرغبات التي تتفاوت بها الأسعار السوقية مضمونة على الضامن ، وقد تقدم الكلام في ما استدل به عليه ، فراجع (٢).

__________________

(١) راجع تفصيل هذا البحث فيما ذكرناه في أحكام المقبوض بالبيع الفاسد ، هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٣٨٤ و ٣٩٧ ـ ٤٠١.

(٢) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٤٠١ و ٥٣٩ ـ ٥٤٢.


ولو كان قبل ذلك (١) في ضمان آخر (٢) وفرض زيادة القيمة عنده (٣) ثمّ نقصت عند الأخير (٤) اختصّ (٥) السابق بالرجوع بالزيادة عليه (٦) ، كما صرّح به (٧) جماعة في الأيدي المتعاقبة.

______________________________________________________

لكن يأبى الحمل على الماليّة قوله : «يوم التلف أو بأعلى القيم».

(١) المشار إليه هو التلف ، وهذا فرع آخر ، وهو : أنّه إذا كان المبيع قبل التلف في ضمان شخص آخر غير المشتري ، وفرض ارتفاع قيمته عنده ، ثم نقصت عند الضامن الأخير ، كما إذا فرض أنّ زيدا غصب غنم عمرو ، وكانت قيمتها خمسين دينارا ، ثم باعها على بكر ، وتنزّلت قيمتها عند التلف وصارت ثلاثين دينارا ، فإن المالك حينئذ يأخذ من المشتري ـ وهو بكر ـ ثلاثين دينارا ، ومن زيد الغاصب عشرين دينارا ، وهو الزائد على قيمتها السوقية يوم التلف.

(٢) أي : غير المشتري ، كزيد الغاصب في المثال المذكور.

(٣) أي : عند شخص آخر غير المشتري ، وهو في المثال زيد الغاصب.

(٤) أي : المشتري ، وهو بكر في المثال المذكور.

(٥) جواب «ولو كان» أي : اختصّ السابق في الضمان ـ وهو زيد الغاصب ـ برجوع المالك عليه بالزيادة ، وهي عشرون دينارا في المثال.

(٦) أي : على السابق الذي زادت القيمة عنده.

(٧) أي : صرّح جماعة برجوع المالك على السابق ـ الذي ارتفعت قيمته السوقية عنده ـ في الأيدي المتعاقبة ، كما إذا غصب شخص كتاب زيد ، وباعه على عمرو ، ثم باعه عمرو على بكر ، ثم باعه بكر على بشر ، فتلف عنده الكتاب ، فإنّه لأجل ضمان الجميع يتخيّر المالك في الرجوع إلى أيّ واحد منهم ببدل واحد ، مع استقرار الضمان على الأخير الذي تلف المال بيده.

لكنهم فصّلوا بين علم الأيدي المتعاقبة بالغصب وبين جهلهم به ، ففي صورة العلم لو طالب المالك من الغاصب أو من الأيدي السابقة جاز مطالبة البدل من اليد اللاحقة.

ولو رجع المالك على الأخير لم يجز له الرجوع إلى الغاصب أو اليد السابقة عليه إلّا في صورة زيادة قيمة المال عند السابق ونقصانها عند الأخير ، فإنّ الزيادة مضمونة على من زادت عنده القيمة.


هذا (١) كلّه حكم المالك مع المشتري (*). وأمّا (٢) حكم المشتري مع الفضولي ،

______________________________________________________

فلو كان سعر الكتاب عند الغاصب عشرة دراهم وعند الأخير ثمانية ، كان المطالب بالزيادة هو الغاصب ، لا الأخير الذي تلف عنده الكتاب.

قال العلّامة قدس‌سره : «وللمالك الرجوع على الجميع ببدل واحد ، لكن الثاني إن علم بالغصب طولب بكلّ ما يطالب به الغاصب ، ويستقرّ الضمان عليه إن تلف عنده ، فلا يرجع على الأوّل لو رجع ـ أي المالك ـ عليه .. هذا إذا تساوت القيمة ، أو كانت في يد الثاني أكثر. ولو زادت في يد الأوّل طولب بالزيادة دون الثاني ..» (١).

ونحوه كلامه في التذكرة ، ووافقه الشهيد الثاني والفاضل السبزواري والسيد العاملي (٢) ، وهو ظاهر سكوت السيد العميد وفخر المحققين (٣) ، فراجع.

(١) يعني : أنّ ما ذكرناه في هذه المسألة ـ التي أوّلها قوله : «لو لم يجز المالك ، فان كان المبيع في يده» ـ إلى هنا راجع إلى حكم المالك مع المشتري في صورتي وجود المبيع وتلفه.

ج : حكم المشتري مع الفضولي

(٢) يعني : وأمّا حكم المشتري مع البائع الفضولي من حيث الضمان ، فيقع الكلام فيه تارة في الثمن الذي دفعه إلى الفضولي ، واخرى فيما يغرمه المشتري للمالك زائدا على الثمن ، كما إذا كان الثمن في البيع الفضولي خمسة دنانير ، وكانت القيمة السوقية عشرة دنانير ،

__________________

(*) حق الكلام أن يقال : «من وجده عنده» بدل «مع المشتري» حتى يوافق قوله : «ممّن وجده في يده» لأنّ ما ذكره ـ من رجوع المالك ، وأخذ العين مع بدل المنافع المستوفاة وغيرها ، وأخذ قيمتها مع التلف ـ لا يختص بالمشتري ، بل ذلك حكم من وجد المبيع عنده ، سواء أكان مشتريا أم غيره.

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٢٤.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٣٧٧ ، السطر ٣٥ ، مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ١٥٦ ، كفاية الأحكام ، ص ٢٥٩ ، مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٢٩.

(٣) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ١٦٩ ، كنز الفوائد ، ج ١ ، ص ٦٥٢.


فيقع الكلام فيه (١) تارة في الثمن ، واخرى فيما (٢) يغرمه للمالك زائدا على الثمن (٣) ، فهنا مسألتان :

الأولى :

أنّه (٤) يرجع عليه بالثمن إن كان جاهلا بكونه فضوليّا ، سواء كان باقيا أم تالفا. ولا يقدح في ذلك (٥)

______________________________________________________

ورجع المالك على المشتري بهذه الزيادة. فيقع الكلام في حكم هذه الزيادة من حيث رجوع المشتري بها على البائع الفضولي الغاصب وعدمه ، فهنا مسألتان.

(١) أي : في حكم المشتري مع الفضولي ـ في الثمن الذي أخذه من المشتري ـ من حيث الضمان وعدمه.

(٢) أي : في المال الذي يغرمه المشتري لمالك المبيع الفضولي زائدا على الثمن المقرّر في عقد الفضول ، مثل ما تقدّم آنفا من كون الثمن خمسة دنانير ، وكون القيمة السوقية عشرة دنانير.

والغرض أنّ حكم المشتري مع الفضولي من حيث الضمان تارة يقع في نفس الثمن الّذي دفعه إلى البائع الفضولي ، واخرى في المال الذي أخذه المالك منه زائدا على الثمن الذي أخذه الفضولي من المشتري ، فهل يكون هذا الزائد مضمونا على البائع كنفس الثمن أم لا؟

(٣) أي : الثمن المقرّر في العقد الفضولي ، وهو خمسة دنانير في المثال المذكور.

المشتري الجاهل بالفضولية يرجع بالثمن إلى الفضولي

(٤) أي : أنّ المشتري يرجع على البائع الفضولي بالثمن الذي دفعه إليه إن كان المشتري جاهلا بكون البائع فضوليا ، سواء أكان الثمن باقيا أم تالفا ، فإنّه في ظرف التلف يأخذ من البائع الفضول مثله إن كان مثليا ، وقيمته إن كان قيميّا.

(٥) المشار إليه رجوع المشتري إلى البائع ، يعني : لا يقدح في رجوع المشتري إلى البائع اعتراف المشتري بملكية المبيع للبائع. وجه عدم القدح : أنّ اعترافه هذا مبني على الظاهر وهو اليد ، فإنّ الملكية المستندة إلى اليد حكم ظاهريّ ، وهو حجّة ما لم ينكشف خلافه.


اعترافه (١) بكون البائع مالكا ، لأنّ (٢) اعترافه مبنيّ على ظاهر يده (٣).

نعم (٤) (*) لو اعترف به على وجه يعلم عدم استناده إلى اليد ـ كأن يكون اعترافه بذلك بعد قيام البيّنة (٥) ـ لم يرجع (٦) بشي‌ء. ولو لم يعلم استناد الاعتراف (٧)

______________________________________________________

(١) أي : اعتراف المشتري.

(٢) تعليل لعدم كون اعتراف المشتري بمالكية البائع للمبيع قادحا في رجوعه إلى البائع ، وقد اتضح بقولنا : «وجه عدم القدح أنّ اعترافه .. إلخ».

(٣) أي : يد البائع.

(٤) استدراك على أخذ الثمن من البائع الفضولي ، وحاصل الاستدراك : أنّه إذا كان اعتراف المشتري بمالكية البائع للمبيع مستندا إلى غير اليد ـ كما إذا اعترف بملكية المبيع للبائع المستلزمة لكون الثمن له ، بعد قيام البيّنة على عدم كون المبيع ملكا للبائع ـ لم يرجع المشتري حينئذ على البائع بالثمن ، لاعترافه بأنّه له بإزاء المبيع.

(٥) أي : قيام البينة على عدم كون المبيع ملكا للبائع الفضولي ، والظاهر أنّ في العبارة سقطا ، وكانت العبارة هكذا : «بعد قيام البينة على عدم كونه ملكا للبائع».

والغرض من هذه العبارة هو : أنّ المشتري ـ مع قيام البينة على عدم كون البائع مالكا للمبيع ـ يعترف بأنّ المبيع ملك للبائع. فحينئذ ليس له أن يرجع على البائع بشي‌ء من الثمن ، لكونه بدلا عن المبيع بمقتضى اعترافه.

(٦) جواب «لو اعترف» وجملة «يعلم عدم .. إلخ» نعت ل «وجه».

(٧) أي : اعتراف المشتري بكون المبيع ملكا للبائع لم يعلم أنّه مستند إلى اليد أو إلى غيرها ، حتى يؤخذ بظاهر لفظ «الإقرار» الذي هو كاشف عن الواقع ، وطريق عقلائي إليه.

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذا خارج عن مفروض البحث ، وهو كون المشتري جاهلا بالغصبية ، إذ فرض اعتراف المشتري بمالكية البائع للمبيع مع قيام البينة على عدم مالكية البائع له خارج عن موضوع البحث ، وهو جهل المشتري بمالكية البائع للمبيع ، بل هو من مصاديق ما سيذكره من قوله : «وإن كان عالما بالفضولية ، فإن كان الثمن باقيا استردّه .. إلخ».


إلى اليد أو إلى غيرها ، ففي (١) الأخذ بظاهر الحال من استناده إلى اليد ، أو بظاهر لفظ الإقرار من (٢) دلالته على الواقع ، وجهان (٣) (*).

وإن (٤) كان عالما بالفضوليّة ، فإن كان الثمن باقيا استردّه ، وفاقا للعلّامة (٥) وولده والشهيدين والمحقّق الثاني رحمه‌الله.

______________________________________________________

(١) جواب قوله : «ولو لم يعلم» وجملة الشرط والجزاء خبر مقدّم لقوله : «وجهان».

(٢) بيان لظاهر لفظ الإقرار الذي هو من الأمارات الحاكية عن الواقع.

(٣) فإن كان استناد المشتري ـ في اعترافه ـ إلى اليد ، فله الرجوع على البائع الفضولي بالثمن. وإن كان استناده فيه إلى غير اليد فيؤخذ بإقراره الدالّ على الواقع ، فليس له الرجوع بالثمن إلى البائع.

التفصيل في رجوع المشتري العالم بين بقاء الثمن وتلفه

(٤) معطوف على قوله في صدر المسألة (ص ٤٧٦) «إن كان جاهلا» ومحصّله : أنّه إن كان المشتري عالما بكون البائع فضوليّا ، فإن كان الثمن باقيا استردّه المشتري كما صرّح به جماعة من الفقهاء كالعلّامة وولده فخر المحققين والشهيدين والمحقق الثاني قدس الله تعالى أسرارهم ورفع في الخلد إعلامهم.

(٥) لقوله في القواعد : «ولو فسخ ـ أي المالك ـ العقد رجع على المشتري بالعين ، ويرجع المشتري على البائع ـ أي الغاصب ـ بما دفعه ثمنا .. مع جهله أو ادّعاء البائع إذن المالك. وإن لم يكن كذلك لم يرجع بما اغترم ولا بالثمن مع علم الغاصب ، إلّا أن يكون الثمن

__________________

(*) لعلّ أوجههما البناء على كون الإقرار مستندا إلى ما هو الأغلب من الاستناد إلى اليد التي هي أمارة غالبية على ملكية المال لذي اليد ، فيحمل الإقرار على ذلك. وحينئذ يكون الثمن باقيا على ملك المشتري ، فله مطالبته من البائع ، لما مرّ آنفا من أنّ الملكية المستندة إلى اليد حكم ظاهريّ يرتفع بانكشاف خلافه.


إذ (١) لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه (٢) شرعا. ومجرّد (٣) تسليطه عليه لو كان موجبا لانتقاله (٤) لزم الانتقال في البيع (٥) الفاسد (*)

______________________________________________________

باقيا فالأقوى الرجوع به» (١).

والشاهد في الجملة الأخيرة المفصّلة بين بقاء الثمن وتلفه ، ونحوه كلامه في التذكرة والمختلف.

(١) تعليل لاسترداد الثمن من البائع ، وحاصله : أنّه لم يحصل من المشتري ما يوجب انتقال الثمن عنه شرعا إلى البائع ، فهو باق على ملك المشتري ، ولازم بقائه على ملكه سلطنته على استرداده.

(٢) هذا الضمير وضمير «منه» راجعان إلى المشتري.

(٣) مبتدء وخبره جملة «لزم الانتقال» ، وهذا دفع وهم. أمّا الوهم فتقريبه : أنّ تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن يوجب انتقاله إلى البائع ، ومعه كيف يرجع المشتري إليه؟

وأمّا دفعه فقد ذكر له وجهين :

أحدهما : النقض بالبيع الفاسد ، بتقريب : أن مجرّد التسليط إن كان موجبا للملكية لكان لازمه ملكية الثمن للبائع في البيع الفاسد ، وكذا ملكية المبيع للمشتري فيه ، لوجود التسليط في كلّ منهما ، مع أنه لا سبيل للالتزام بهذه الملكية لشي‌ء منهما في البيع الفاسد.

(٤) أي : لانتقال الثمن.

(٥) أي : لزم ـ في البيع الفاسد ـ انتقال الثمن إلى البائع ، وانتقال المثمن إلى المشتري وهذا إشارة إلى أوّل وجهي دفع التوهم كما تقدّم بيانه آنفا.

__________________

(*) هذا اللازم غير لازم في البيع الفاسد حتى مع علم المتعاقدين بفساد البيع ، لأنّهما ـ مع علمها بفساده ـ قاصدان للمعاوضة العرفية التي هي مقوّمة للبيع. فالتسليط المجّاني

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩ ، تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٣ (ج ١٠ ، ص ١٨ ، الطبعة الحديثة) ، مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٦ ، إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٨ و ٤٢١ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٣ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٧ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٠ و ١٦١ وج ١٢ ، ص ٢٢٤ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٣٤ ـ ٢٣٥.


لتسليط (١) كلّ من المتبايعين صاحبه على ماله. ولأنّ (٢) الحكم بصحّة البيع لو أجاز المالك ـ كما هو (٣) المشهور ـ يستلزم تملّك المالك للثمن ، فإن تملّكه البائع قبله (٤) يلزم

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «لزم الانتقال» أي : انتقال المثمن إلى المشتري ، والثمن إلى البائع ، لجريان هذه العلة في كليهما.

(٢) هذا ثاني وجهي دفع التوهم ، وهو جواب حلّي ، ومرجعه إلى عدم قابليته للإجازة ، لصيرورة البيع بسبب التسليط بيعا بلا ثمن.

توضيحه : أنّ صحة هذا البيع الفضولي ـ على تقدير إجازة المالك كما هو المشهور ـ تستلزم تملّك المالك الأصليّ للثمن ، على ما هو قضيّة المعاوضة الحقيقية ، لكن تملّك البائع الفضوليّ للثمن بسبب التسليط قبل تملك المالك بالإجازة يوجب فوات محلّ الإجازة ، إذ المفروض تملّك البائع للثمن بالتسليط قبل الإجازة ، ولازمه وقوع الإجازة على بيع بلا ثمن.

(٣) أي : الحكم بصحة البيع لو أجاز المالك هو المشهور ، كما تقدّم التنبيه عليه في ثالثة مسائل البيع الفضولي (١).

(٤) أي : فإن تملك البائع الثمن ـ قبل أن يتملكه المالك بإجازته للبيع ـ كان لازمه

__________________

مفقود في البيع الفاسد ، بل هو وفاء للثمن ، غاية الأمر أنّ الشارع لم يمض هذا البيع. وعدم الإمضاء لا يقدح في تحقق المفهوم العرفي في المعاوضة. وليس واحد منهما قاصدا للتسليط المجاني كما في البيع الربوي وغيره من البيوع الفاسدة ، فإنّ التسليط فيها وفاء للثمن كما مرّ آنفا.

نعم يمكن أن يقال : إنّهما مع العلم بفساد البيع راضيان بتصرف كل منهما في مال الآخر. ولو سلّم قصد المجانية بهذا التسليط لم يجد في ملكية الثمن للبائع ، لأنّه ليس من الأسباب الناقلة الشرعية. ودعوى مملكية هذا التسليط بقاعدة «الناس مسلّطون على أموالهم» غير مسموعة ، لعدم كون القاعدة مشرّعة كما لا يخفى.

__________________

(١) راجع هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٥٤٠.


فوات محلّ الإجازة ، لأنّ الثمن إنّما ملكه الغير (١) ، فيمتنع تحقّق الإجازة (٢) ، فتأمّل (٣).

وهل يجوز (٤) للبائع التصرّف فيه؟ وجهان ، بل قولان (٥) ،

______________________________________________________

فوات محلّ الإجازة. فقوله : «يلزم» جواب الشرط في «فإن تملّكه».

(١) أي : غير المالك ، وهو البائع الفضولي ، حيث إنّه ملك الثمن قبل الإجازة بسبب التسليط ، ومعه يمتنع الإجازة ، لخلوّ البيع عن الثمن ، إذ المفروض صيرورته ملكا للبائع الفضولي.

(٢) وجه الامتناع عدم بقاء محلّ للإجازة ، لكون البيع بلا ثمن ، وهو ليس بيعا حقيقة كما مرّ آنفا.

(٣) لعلّ وجهه : أنّ محذور الإجازة ـ وهو فوات محل الإجازة ، لكون البيع بلا ثمن ـ إنّما يلزم بناء على النقل. وأمّا بناء على الكشف فلا يلزم ، لسبق ملكية الثمن ـ لمالك المبيع ـ على التسليط الموجب لملكية الثمن للبائع الفضول ، فيبطل التسليط ، ولا يوجب ملكية الثمن للبائع.

أو وجه التأمل : فساد قياس المقام بالعقد الباطل ، وذلك لأنّ التسليط هناك معاوضيّ ، غاية الأمر أنّ الشارع لم يمض المعاملة ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ التسليط هنا مجاني.

أو وجه التأمل : أن مملكية التسليط منوطة بعدم الإجازة ، وليست مطلقة.

(٤) أي : وهل يجوز للبائع الفضولي التصرف في الثمن مع علم المشتري بكونه غاصبا للمبيع أم لا؟ سواء قلنا بوجوب ردّ الثمن إلى المشتري أم لا ، فلو قلنا بعدم جواز رجوع المشتري على البائع من جهة كونه عقوبة له ـ كما في كلام المحقق وغيره (١) ـ اتّجه البحث عن جواز تصرف البائع فيه ، وأنّ فيه وجهين بل قولين.

(٥) أحدهما : جواز التصرف ، استنادا إلى تسليط المشتري إيّاه على الثمن حين تسليمه ، والإذن في قبضه.

__________________

(١) لاحظ الرسائل التسع للمحقق ، ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، المسألة الرابعة من المسائل الطبرية ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦١.


أقواهما العدم (١) ، لأنّه (*) أكل مال بالباطل.

هذا (٢) كلّه إذا كان باقيا. وأمّا (٣) لو كان تالفا ، فالمعروف عدم رجوع

______________________________________________________

لكن فيه : أنّ التسليط كان في مقابل المال الذي لم يكن البائع مالكا ومستحقا له ، فلا يستحق التصرف في بدل ما لا يستحقه. نعم لو كان التسليط مطلقا ولم يكن بدلا عن مال كان للجواز وجه.

(١) ثانيهما : ما أفاده المصنف قدس‌سره من عدم جواز التصرف ، معلّلا بأنّه أكل للمال بالباطل ، حيث إنّه لم يتحقق ما يوجب جواز التصرف فيه من السبب الناقل للملك ، أو إذن المالك في التصرف في ماله ، أو إذن الشارع فيه كاللقطة وغيرها من الأمانات الشرعية ، وبدون الإذن من الشارع أو المالك لا يجوز التصرف.

(٢) أي : رجوع المشتري على البائع بالثمن يكون حكمه في صورة بقائه وعدم تلفه.

(٣) يعني : وأمّا إذا كان الثمن المدفوع إلى البائع تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري به على البائع ، بل المحكي عن جماعة ممّن ذكر في المتن رضوان الله عليهم الاتفاق على عدم الرجوع.

ونبّه بقوله : «فالمعروف» على ما نسب إلى المحقق قدس‌سره من الخلاف في المسألة ، فإنّ المستفاد من غصب الشرائع دوران جواز رجوع المشتري بالثمن على البائع مدار علمه بالغصب وعدمه ، بجواز الرجوع في صورة الجهل ، دون العلم. وظاهره عدم الفرق بين بقاء الثمن وتلفه. وكذا يظهر من كلامه في النكت (١). كما أنّ صريح كلامه في

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذا مناف لما أفاده في الفرع الآتي من جواز تصرّف البائع في الثمن ، لأنّ المشتري قد سلّطه على التصرف في الثمن وإتلافه. كما أنّ ظاهره جواز الاسترداد ، لعدم حصول الملكية للبائع. وظاهره عدم جواز الاسترداد على فرض حصول ملكية الثمن للبائع. وهو لا يخلو من غموض ، لأنّه على فرض حصول الملكية تكون ملكيته مجانية ، ومن المعلوم جواز الرجوع في التمليك المجاني الذي هو هبة.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٤ وج ٣ ، ص ٢٤٥ ، النهاية ونكتها ، ج ٢ ، ص ١٧٨.


المشتري ، بل المحكيّ عن (١) العلّامة وولده والمحقّق والشهيد الثانيين

______________________________________________________

«الرسائل التسع» (١) التفصيل بين بقاء الثمن وتلفه كما في المتن.

لكن نسب المحقق والشهيد الثانيان قدس‌سرهما إليه القول بجواز الرجوع بالثمن مطلقا ، ففي جامع المقاصد : «وفي رسالة الشيخ أبي القاسم بن سعيد ما يقتضي الرجوع مطلقا ، وهو المتجه» (٢). وهذه الرسالة وإن لم تحضرني لاراجعها ، لكن الظاهر أنّ مورد كلام المحقق صورة علم المشتري بالغصب. وبهذا يكون حكمه بجواز مطالبة الثمن من البائع الغاصب شاملا لبقاء الثمن وتلفه ، فيكون مخالفا للإجماع المدّعى في المسألة ، ولذا أورد عليه في الجواهر ، بمخالفته للإجماع نقلا وتحصيلا ، فراجع.

(١) الحاكي للإجماع على عدم الرجوع عن العلامة وغيره جمع كأصحاب مفتاح الكرامة وكشف الظلام والجواهر ، أمّا السيّد العاملي فقال ـ في أنّه هل للمشتري العالم بالغصب مطالبة البائع الغاصب بالثمن سواء بقيت العين أم تلفت ، أم ليس له المطالبة مطلقا ، أم بالتفصيل بين بقائها وتلفها ـ ما لفظه : «قال في التذكرة : لو كان عالما لا يرجع بما اغترم ، ولا بالثمن مع علم الغصب ، مطلقا عند علمائنا ، وظاهره دعوى الإجماع مع التلف وبدونه. ونحوه ما في نهاية الأحكام».

ثم نقل ظهور كلام فخر المحققين والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم كصاحب تخليص التلخيص (٣).

وكذلك نسب الإجماع إلى هؤلاء في باب الغصب. فراجع.

وأمّا صاحب الجواهر فقد استظهر الإجماع من عبارة التذكرة وتخليص التلخيص والإيضاح وجامع المقاصد ، ثم نقل بعد أسطر الإجماع عن ثاني الشهيدين وأستاده

__________________

(١) الرسائل التسع ، ص ٣٠٧.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٧ ، مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ٢٢٤ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٥.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٨٩ و ١٩٣ ، وج ٦ ، ص ٣٠٥ ، كشف الظلام مخطوط (كتاب المتاجر ، البيع الفضولي) ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٥ ، ولاحظ تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ١٨ (الطبعة الحديثة) وج ١ ، ص ٤٦٣ (من الطبعة الحجرية) ، نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٧٨ ، مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٥ ـ ٥٦ ، إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤٢١ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٧ ، مسالك الأفهام ، ج ١ ، ص ١٦١ وج ١٢ ، ص ٢٢٤ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٣٥.


وغيرهم (١) رحمه‌الله الاتّفاق عليه. ووجهه (٢) ـ كما صرّح به بعضهم كالحلي والعلّامة (١) وغيرهما ، ويظهر من آخرين أيضا (٣) ـ : أنّه (٤) سلّطه على ماله بلا عوض.

______________________________________________________

كاشف الغطاء قدس‌سرهم على عدم الرجوع في صورة تلف الثمن ، فراجع.

(١) كالمحدث البحراني وصاحب تخليص التلخيص وكاشف الغطاء قدس‌سرهم (٢).

(٢) مبتدء ، خبره قوله : «أنه سلّطه» يعني : ووجه عدم رجوع المشتري بالثمن التالف على البائع ـ كما صرّح به جماعة ـ هو : أنّ المشتري العالم بعدم كون المبيع ملكا للبائع سلّطه على ماله مجّانا ، فلا موجب حينئذ لرجوعه بالثمن التالف على البائع.

(٣) لعلّ غرضه من ظهور كلام الآخرين هو : أنّ من اقتصر في الحكم بعدم رجوع المشتري العالم بالغصب إلى البائع عند تلف الثمن ـ من دون التصريح بالتسليط ـ نظره إلى الإباحة المالكية للمال بلا عوض.

وعليه فمستند الكلّ ـ سواء صرّح بالتسليط أم اكتفى ببيان الحكم ـ هو التسليط المالكي ، لعدم وجود وجه آخر عليه. قال الشهيد قدس‌سره في الشراء من الغاصب : «ويرجع بالثمن مع وجوده على كل حال ، وكذا مع تلفه جاهلا إذا رجع عليه المالك بالقيمة» (٣).

وقوله : «وكذا مع تلفه جاهلا» يدلّ بوضوح على المنع من الرجوع عند التلف لو كان عالما ، وليس إلّا للتسليط.

ويستفاد التعليل بالتسليط المالكي من حكم المحقق قدس‌سره في غصب الشرائع والمختصر (٤) برجوع المشتري ـ الجاهل بالغصب ـ بالثمن ، وكذا من ترجيح المحقق الثاني الرجوع في صورة البقاء خاصة بقوله : «هذا أصح». وكذا يستفاد من تقرير السيد العميد (٥). فراجع.

(٤) يعني : أنّ المشتري سلّط البائع على ماله بلا عوض ، إذ علمه بعدم استحقاق

__________________

(١) السرائر ، ج ٢ ، ص ٢٢٦ و ٢٢٥ و ٣٢٥ ، ولاحظ أيضا كتب العلامة والمحقق والشهيد الثانيين في المصدر «٣» من الصفحة السابقة.

(٢) الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٣٩٢ ، شرح القواعد لكاشف الغطاء (مخطوط) الورقة ٦٤.

(٣) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٣.

(٤) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٢٤٥ ، المختصر النافع ، ص ٢٥٦.

(٥) كنز الفوائد ، ج ١ ، ص ٤٧٦.


وتوضيح ذلك (١) : أنّ الضمان إمّا لعموم «على اليد ما أخذت» وإمّا (٢) لقاعدة الإقدام على الضمان الذي استدلّ به الشيخ وغيره على الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه (٣).

والأوّل (٤) مخصّص بفحوى ما دلّ على عدم ضمان من استأمنه المالك ، ودفعه

______________________________________________________

البائع للمبيع ـ لعدم كونه ملكا له ، ومع ذلك يسلّطه على الثمن ـ قرينة على التسليط المجّاني ، فلا وجه حينئذ لرجوعه على البائع ، لعدم ما يوجب ضمان البائع للثمن.

(١) أي : توضيح وجه عدم الرجوع إلى البائع هو : أنّ سبب الضمان هنا مفقود ، إذ هو إمّا ضمان اليد الجاري في موارد الضمانات ، وإمّا قاعدة الإقدام التي استدلّ بها الشيخ قدس‌سره في فاسد العقد الذي يضمن بصحيحه في قولهم : «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، وكل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» وسيأتي البحث عن كليهما ان شاء الله تعالى.

(٢) معطوف على «إمّا لعموم».

(٣) وأشار المصنف قدس‌سره إلى استدلال الشيخ رحمه‌الله بالإقدام على الضمان بقوله : «ثم إنّ المدرك لهذه الكليّة على ما ذكره في المسالك في مسألة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الأجل هو إقدام الآخذ على الضمان» إلى أن قال : «والظاهر أنّه تبع في استدلاله بالإقدام الشيخ في المبسوط» (١).

(٤) وهو : عموم «على اليد ما أخذت». والمصنف بعد بيان ما يمكن أن يكون مدركا لضمان البائع الفضولي للثمن الذي أخذه من المشتري ـ وهو إمّا قاعدة اليد وإمّا قاعدة الإقدام ـ صار بصدد تضعيف الاستدلال بهما على ضمان البائع للثمن التالف.

وحاصل وجه ضعف الاستدلال بقاعدة اليد هو : خروج المقام عن عموم «على اليد» بفحوى ما دلّ على عدم الضمان في موارد استيمان المالك.

توضيحه : أنّ عدم الضمان في موارد استيمان المالك على ماله ـ لحفظه ، كما في الوديعة

__________________

(١) تقدّم نقل كلام الشيخ في ج ٣ ، ص ٥٨ من هذا الشرح ، ولاحظ المبسوط ، ج ٣ ، ص ٦٥ و ٨٥ و ٨٩ ، السرائر ، ج ٢ ، ص ٤٨٨ ، تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٩٦ ، س ٢٨ (ج ١٠ ، ص ٢٩٩ ، الطبعة الحديثة) وج ٢ ، ص ٣٩٧ ، س ١١ ، جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٢١٦ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٥٤ وج ٤ ، ص ٥٥ و ٥٦.


إليه لحفظه ، كما في الوديعة ، أو الانتفاع به كما في العارية ، أو لاستيفاء المنفعة منه كما في العين المستأجرة ، فإنّ الدفع على هذا الوجه (١) إذا لم يوجب الضمان ، فالتسليط على التصرّف فيه وإتلافه (٢)

______________________________________________________

أو للانتفاع به كما في العارية ، أو لاستيفاء منفعته كما في الإجارة ، مع عدم إعراضه عن ماله ، وجعله أمانة عند من يتسلّمه لحفظه أو للانتفاع به أو لاستيفاء منفعته ـ يقتضي بالأولوية عدم الضمان فيما نحن فيه مع إعراض المشتري وسلب الاحترام عن ماله ، والإذن في إتلافه بلا عوض. وهذه الأولوية تخصّص عموم «على اليد» وترفع الضمان عن البائع الفضولي.

(١) وهو وجه الاستيمان في الموارد الثلاثة المذكرة ، وهي الوديعة والعارية والإجارة. وكذا الحال في يد الوكيل وعامل المضاربة ، والمتبرّع بعمل في مال غيره كالخياط الذي يخيط للغير تبرّعا وبلا مطالبة اجرة.

وقد أفاد المصنف قدس‌سره عدم الضمان في موارد اليد الأمانية في قاعدة «ما لا يضمن» بقوله : «فحاصل أدلة عدم ضمان المستأمن : أنّ من دفع المالك إليه ملكه على وجه لا يضمنه بعوض واقعي ـ أعني المثل والقيمة ـ ولا جعلي ، فليس عليه ضمان» (١).

وتقدّم هناك نقل جملة من النصوص الدالة على قاعدة عدم ضمان الأمين ، كمعتبرة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان أمير المؤمنين عليه‌السلام أتي بصاحب حمّام وضعت عنده الثياب ، فضاعت ، فلم يضمّنه ، وقال : إنّما هو أمين» (٢).

ثم إنّ المصنف حكم هناك بعدم الضمان في الهبة الفاسدة بالأولوية ، وسيأتي نقل كلامه.

(٢) كما فيما نحن فيه ، فإنّ التسليط على الثمن ـ للتصرف فيه وإتلافه ـ لا يوجب الضمان ، ولا يجعل يد البائع من الأيدي الموجبة للضمان.

__________________

(١) راجع هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ١٨٧ إلى ١٩٣.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٢٧٠ ، الباب ٢٨ من أبواب أحكام الإجارة ، ح ١.


ممّا لا يوجب ذلك (١) (*) بطريق أولى (**).

ودعوى (٢)

______________________________________________________

(١) أي : ممّا لا يوجب الضمان بطريق أولى ، قد تقدم آنفا تقريب الأولوية بقولنا : «توضيحه : أنّ عدم الضمان في موارد استيمان المالك على ماله .. إلخ».

(٢) الغرض من هذه الدعوى ردّ الأولوية المذكورة المخصّصة لعموم «على اليد» وإثبات ضمان الثمن على البائع ، وعدم كونه كالهبة الفاسدة التي لا ضمان فيها.

توضيحه : أنّ الثمن يدفع إلى البائع عوضا عن المبيع ، لا مجّانا حتى يكون تسليط المشتري كالهبة الفاسدة في عدم الضمان.

فالنتيجة : ضمان البائع ، وجواز رجوع المشتري بالثمن عليه.

وتستفاد هذه الدعوى من كلام الشهيد الثاني ، وذكرها صاحب الجواهر قدس‌سرهما أيضا ، ففي المسالك بعد نقل رأي المحقق قدس‌سره من جواز الرجوع بالثمن مطلقا على البائع ،

__________________

(*) لا يخفى أنّ سقوط الضمان حينئذ يكون لأجل قاعدة إسقاط حرمة المال وهتكه ، مع الغضّ عن الأولوية المذكورة ، فإنّ هذه القاعدة النافية للضمان معروفة بين الفقهاء ، كدفع ماله إلى صبيّ أو مجنون ، أو جعله مبيعا بلا ثمن ، أو بيعه بعوض لا مالية له عرفا كالحشرات. ففي هذه الموارد لا ضمان ، لقاعدة سلب الاحترام عن المال. وهذه القاعدة تخصّص عموم «على اليد». لا الأولوية المذكورة ، فإنّها لا تفيد إلّا الظنّ الذي لا يغني عن الحقّ شيئا.

(**) قد يمنع الأولوية المحتج بها على تخصيص عموم على اليد في المقام. توضيح وجه المنع هو الفرق بين المقام وبين موارد الأمانات ، حيث إنّ المفروض في باب الأمانات أنّ المالك قاصد للاستيمان ، والشارع أمضاه. بخلاف المقام ، حيث إنّ المالك قاصد للمعاوضة ، والشارع لم يمضها ، هذا

لكن الظاهر أنّ الأولوية تكون من جهة أنّ المالك لم يسلب احترام ماله في موارد الاستيمان ، ومع ذلك لا يضمن في صورة التلف ، فمع سلب احترامه كما فيما نحن فيه ـ حيث إن المشتري هتك ماله وسلب احترامه بدفعه إلى البائع من دون جعل عوضه عليه ـ لا بد أن يكون عدم الضمان فيه أولى.

وعليه فلا ضمان على البائع.


«أنّه (١) إنّما سلّطه في مقابل العوض ، لا مجانا حتّى يشبه الهبة الفاسدة التي تقدّم (٢) عدم الضمان فيها» مندفعة (٣) بأنّه (٤) إنّما سلّطه في مقابل ملك غيره ، فلم يضمّنه (٥) في الحقيقة شيئا من كيسه ، فهو (٦) يشبه الهبة الفاسدة والبيع بلا ثمن والإجارة

______________________________________________________

ما لفظه : «لو لا ادعاء العلّامة في التذكرة الإجماع على عدم الرجوع مع التلف لكان في غاية القوة». ووجهه ما أفاده في صورة بقاء الثمن من قوله : «لأنّه إنما دفعه عوضا عن شي‌ء لا يسلم له ، لا مجانا» (١).

وقال في الجواهر : «مضافا إلى ما عرفته سابقا من ضمان الثمن والمثمن في القبض بالعقد الفاسد ، من غير فرق بين التلف وعدمه ، والعلم بالفساد ، وعدمه» (٢). ثم ردّه بالإجماع ، فراجع.

(١) أي : أنّ المشتري إنّما سلّط البائع في مقابل العوض ، لا مجّانا.

(٢) تقدّم عدم ضمان المتهب بالهبة الفاسدة فيما أفاده في قاعدة «ما لا يضمن» بقوله : «أما في الهبة الفاسدة فيمكن الاستدلال على خروجها من عموم على اليد بفحوى ما دلّ على خروج موارد الاستيمان .. إلخ» فراجع (٣).

(٣) خبر «ودعوى» ودفع لها ، وحاصله : أنّ تسليط البائع على الثمن قد وقع في مقابل مال غير البائع ، وهو مالك المبيع ، ولم يقع في مقابل مال البائع حتى يصير ضامنا له ، فيكون التسليط حينئذ شبيه الهبة الفاسدة التي لا ضمان فيها. فليس للمشتري الرجوع على البائع بالثمن إن كان تالفا.

(٤) أي : بأنّ المشتري إنّما سلّط البائع. وضمير «غيره» راجع إلى البائع.

(٥) يعني : فلم يضمن المشتري البائع الفضولي شيئا من كيسه وماله.

(٦) يعني : فهذا التسليط يشبه الهبة الفاسدة ، والبيع بلا ثمن ، والإجارة بلا أجرة ، التي قد حكم الشهيد وغيره بعدم الضمان فيها.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٠ ـ ١٦١.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٦.

(٣) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ١٩١ و ١٩٢.


بلا أجرة التي قد حكم الشهيد وغير واحد (١)

______________________________________________________

(١) ظاهر العبارة أنّ عدم الضمان في الفروع الثلاثة ـ وهي البيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة والهبة الفاسدة ـ مختار الشهيد قدس‌سره وغير واحد. وهو كما أفاده قدس‌سره.

أمّا عدم الضمان في مثال البيع فقد حكاه السيد العاملي عنه (١) بقوله : «وفي حواشي الشهيد : أن ذلك ـ أي الضمان وعدمه ـ يبنى على أن العقود توقيفية أو اصطلاحية .. وعلى الثاني يصح ، ثمّ نقل قولا بأنّه يرجع إلى قصده .. وإن قصد الهبة صحت».

وأمّا عدمه في الإجارة ، فقد حكاه المحقق والشهيد الثانيان (٢) وغيرهما عنه.

وقال السيد العاملي قدس‌سره ـ في مسألة ضمان المنفعة المستوفاة في الإجارة الفاسدة بأجرة المثل ـ ما لفظه : «وقد قيّدها ـ أي : قاعدة الضمان بأجرة المثل ـ الشهيد في حواشيه بما إذا لم يكن الفساد باشتراط عدم الأجرة في العقد ، أو عدم ذكرها فيه ، لدخول العامل على ذلك .. أمّا تقييد الشهيد فقد استحسنه في المسالك ، وكذا صاحب الرياض في الشّق الأوّل».

ووجّه صاحب الجواهر ذلك ـ بعد حكايته عن محكي الشهيد ـ بقوله : «وكأنّ وجهه أنّه متبرّع بالمال والعمل مجانا ، قادم على ذلك. فهو أشبه حينئذ بالعقود الفاسدة المجانية كالهبة والعارية ونحوهما ، مما لا يضمن بفاسدهما ، فلا يضمن بصحيحهما» (٣).

وأمّا مثال الهبة فقد ذكره صاحبا مفتاح الكرامة والجواهر ، ونقله المحقق الكركي قدس‌سره بقوله : «وقيل : إن قصد الهبة فلا ضمان ، وإلّا ثبت. وليس بمستبعد ، لأنّ أقلّ ما فيه أن يكون هبة فاسدة ، وهي غير مضمونة» (٤).

وعلى هذا فالمراد ب ـ «غير واحد» هو المحقق والشهيد الثانيان ، لصراحة كلاميهما ـ في مسألتي البيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة ـ في عدم الضمان ، وإن فصّل المحقق الثاني بين إجارة الأعيان والأعمال.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٤٤٠.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٧ ، ص ١٢٠ ، مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ١٨٤.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ١٣٠ ، جواهر الكلام ، ج ٢٧ ، ص ٢٤٧.

(٤) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٢٠٩ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٤٤٠ و ٤٤١.


بعدم الضمان فيها (١).

ومن ذلك (٢) يعلم عدم جريان الوجه الثاني للضمان ـ وهو الإقدام على الضمان ـ هنا (٣) ، لأنّ (٤) البائع لم يقدم على ضمان الثمن

______________________________________________________

كما أنّ المراد به في مسألة الهبة الفاسدة المحقق الكركي وصاحبا المفتاح والجواهر ، فراجع.

خلافا للعلّامة قدس‌سره ، لاقتصاره على بيان وجهي الضمان وعدمه ، في مسألة البيع بلا ثمن ، والفخر المحققين قدس‌سره لترجيحه الضمان في المسألة ، فراجع (١).

(١) أي : في الهبة الفاسدة ، والبيع بلا ثمن ، والإجارة بلا اجرة.

(٢) أي : ومن تخصيص عموم «على اليد ما أخذت» بفحوى ما دلّ على عدم ضمان من استأمنه المالك يعلم عدم جريان الوجه الثاني من وجهي الضمان ـ وهو عموم قاعدة الإقدام على الضمان الذي استدلّ به الشيخ وغيره على الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه ـ هنا ، أي : في تسليط المشتري البائع الفضولي على الثمن.

وجه عدم الجريان : أنّ البائع لم يقدم على ضمان الثمن بماله ، ولا بدّ أن يكون الإقدام على ضمان الثمن بمال نفسه حتى يتحقق الضمان ، لا بمال غيره.

(٣) المشار إليه هو تسليط المشتري البائع على الثمن. والمراد أنّ عموم الإقدام على الضمان لا يثبت أيضا ضمان البائع للثمن.

ويحتمل أن يكون المشار إليه في قوله : «ومن ذلك يعلم» ما ذكره في قوله : «مندفعة» إذ المناسب لما يذكره من الإشكال في الاقدام على الضمان هو ما أفاده في ردّ «ودعوى أنّه إنّما سلّطه في مقابل .. إلخ» من عدم ضمان البائع شيئا من كيسه ، لأنّه ظاهر في عدم إقدام البائع على الضمان المعاوضي.

(٤) تعليل لعدم جريان قاعدة الإقدام على الضمان ، وحاصله : أنّه لا موضوع لقاعدة الإقدام ، لأنّ موضوعها هو الإقدام على الضمان. وهذا مفقود فيما نحن فيه ، ضرورة أنّ البائع الفضولي لم يقدم على ضمان الثمن إلّا بمقابل المثمن الذي علم المشتري بأنّه ليس ملكا له ، فضمانه صوري ، لا حقيقي حتى يتحقق ضمان واقعي معاوضي.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٥٤٧ (ج ١١ ، ص ٢٦١ الطبعة الحديثة) ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٤ ، إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤٥٨.


إلّا بما (١) علم المشتري أنّه ليس ملكا له (٢).

فإن قلت (٣) : تسلّطه على الثمن بإزاء مال الغير لبنائه (٤) ـ ولو عدوانا ـ على كونه ملكا له (٥) ، ولولا هذا البناء لم يتحقّق مفهوم المعاوضة كما تقدّم (٦) في تصحيح بيع الغاصب لنفسه ، فهو (٧) إنّما سلّطه

______________________________________________________

فالمتحصل : أنّ التمسك بقاعدة الإقدام لضمان البائع للثمن ـ كالتشبث بعموم على اليد ـ غير سديد.

(١) المراد بالموصول هو المثمن ، وضمير «انه» راجع الى «ما» الموصول.

(٢) أي : للبائع.

(٣) غرض هذا القائل إثبات أنّ أخذ البائع الثمن من المشتري يكون من صغريات قاعدة الإقدام المقتضية للضمان ، وكون البائع ضامنا للثمن بالضمان المعاوضي ، بتقريب : أنّه تسلّط على الثمن ، لبنائه على أنّ المبيع ملكه ادعاء ، فتسلّطه على الثمن إنّما هو في مقابل ملكه الادّعائي ، وليس مجّانا ، فالبائع أقدم على ضمان الثمن بمقابل المثمن الذي هو ملكه ادّعاء. ولو لم يكن هذا البناء لم يتحقق مفهوم المعاوضة التي يتقوّم بها البيع حتى يصحّ تعلّق الإجازة به.

(٤) خبر قوله : «تسلطه» وضمير «كونه» راجع إلى «مال الغير».

(٥) هذا الضمير وضميرا «تسلطه ، لبنائه» راجعة إلى البائع.

(٦) حيث قال : «فالمبادلة الحقيقية من العاقد لنفسه لا يكون إلّا إذا كان مالكا حقيقيا أو ادّعائيا ، فلو لم يكن أحدهما وعقد لنفسه ، لم يتحقق المعاوضة والمبادلة .. إلخ» (١).

وبالجملة : فلا بدّ في تحقق البيع من قصد المعاوضة ، والبناء عليها ولو ادّعاء ، بعد الغضّ عن حكم الشارع بعدم ملكية الثمن للبائع الفضولي.

(٧) أي : فالمشتري إنّما سلّط البائع على الثمن لا مجّانا ، بل على وجه يضمن البائع الثمن بماله المملوك له ولو ادّعاء وعدوانا ، فلو تعاقدا معرضين عن حكم الشارع بعدم ملكية المبيع للبائع ـ كما هو كذلك في العقود المعاوضيّة الواقعة على أموال السرّاق والظلمة وسائر الغاصبين لأموال الناس ، حيث إنّ الغاصبين يبيعون الأموال المغصوبة

__________________

(١) راجع هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٥٨٢ ـ ٥٨٣.


على وجه (١) يضمنه بماله. إلّا أنّ (٢) كلّا منهما لمّا قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكيّة البائع للمثمن ، وتعاقدا معرضين عن ذلك (٣) كما هو الشأن في المعاوضات الواردة على أموال الناس بين السرّاق والظلمة ، بل بنى المشتري على كون المثمن ملكا للبائع ، فالتسليط (٤) ليس مجّانا ، وتضمينه (٥) البائع بمقابل الثمن من ماله حقيقيّ ،

______________________________________________________

بانين على أنّها مملوكة لهم ، وبهذا البناء يتحقق مفهوم المعاوضة ـ لم يكن التسليط مجّانا ، لكون الثمن عوضا عن المثمن الذي هو ملك للبائع ادّعاء.

(١) المراد به هو المعاوضة.

(٢) لم يظهر مورد هذا الاستثناء ، لأنّ ظاهره أنّه استثناء من قوله : «ولولا هذا البناء» ومن المعلوم عدم صحته ، إذ لا بدّ في صحة الاستثناء من دخول المستثنى في المستثنى منه لولا الاستثناء. وليس المقام كذلك ، إذ البناء المزبور متقوّم بإعراضهما عن حكم الشارع. ولا يمكن اجتماع البناء المزبور مع الإعراض حتى يصحّ إخراج الإعراض عنه.

فالأولى إسقاط العبارة من قوله : «إلّا أن» إلى قوله : «عن ذلك» بأن يقال : «يضمنه بماله كما هو الشأن في المعاوضات الواردة على أموال الناس .. إلخ».

(٣) أي : عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للثمن.

(٤) جواب «لمّا» لكن قد عرفت زيادة «لمّا» وما قبله وما بعده.

وكيف كان يكون قوله : «فالتسليط» نتيجة بناء البائع الفضول على كون المبيع ملكا له ، فلا يكون التسليط مجّانا.

(٥) معطوف على «التسليط» وبيان لكيفيّة تضمين المشتري البائع الفضول على الثمن ، وحاصله : أنّ المشتري قد ضمّن البائع بما يقابل الثمن من ماله ، وهذا التضمين حقيقي. إلّا أن كون هذا المبيع ملكا له ادّعائي ، نظير ما إذا ظهر كون المثمن المعيّن ملكا لغير البائع ، كما إذا باع زيد عينا خارجية مثل كتاب اللمعة مثلا ، فتبيّن كونها ملكا لغيره ، فإنّ المشتري يرجع حينئذ إلى البائع بالثمن مع تلفه اتّفاقا ، مع أنّ المشتري إنّما ضمّن البائع بالثمن بإزاء هذا المبيع الشخصي الذي ظهر كونه للغير.

فكما أنّ التضمين هناك حقيقي ، وكون المثمن ملكا للبائع اعتقادي له وللمشتري ،


إلّا أنّ كون المثمن مالا له (١) ادّعائي. فهو (٢) كما لو ظهر المثمن المعيّن ملكا للغير ، فإنّ المشتري يرجع إلى البائع بالثمن مع التلف اتّفاقا ، مع أنّه (٣) إنّما ضمّنه الثمن بإزاء هذا الشي‌ء الذي هو مال الغير. فكما أنّ التضمين هنا (٤) حقيقيّ ، وكون المثمن مالا له (٥) اعتقادي (٦) لا يقدح (٧) تخلّفه في التضمين ، فكذلك بناء المشتري فيما نحن فيه (٨) على ملك المثمن عدوانا لا يقدح (٩).

______________________________________________________

ولا يقدح تخلفه في تضمين المشتري البائع بما يقابل الثمن. فكذلك بناء المشتري فيما نحن فيه ـ وهو تسليط المشتري العالم بكون البيع فضوليّا البائع الغاصب على الثمن ـ على ملك المبيع للبائع عدوانا لا يقدح في التضمين الحقيقي بمال البائع ، فإنّ المبيع ليس ملكا للبائع في كلتا الصورتين ، وهما : ظهور كون المبيع ملكا لغير البائع ، مع اعتقاد المتعاقدين كليهما بملكية المبيع للبائع ، كما في مسألة المقيس عليه. وعلم المشتري بعدم ملكيّة المبيع للبائع مع بناء المشتري على مالكيّة البائع له عدوانا كما فيما نحن فيه.

فالنتيجة : أنّ ادّعاء المالكية يترتب عليه أمران :

أحدهما : ضمان البائع هنا للثمن ، كضمانه في مسألة انكشاف كون المبيع ملكا للغير.

ثانيهما : صحة صدور البيع عن الغاصب ، وإلّا لم يصح إجازة المالك له.

(١) هذا الضمير وضمير «ماله» راجعان إلى البائع.

(٢) أي : فرجوع المشتري إلى البائع فيما نحن فيه يكون كرجوع المشتري إلى البائع في مسألة ظهور المبيع المعيّن الخارجي ملكا للغير.

(٣) أي : أنّ المشتري ، والضمير المفعول ، في «ضمّنه» راجع إلى البائع.

(٤) أي : تضمين المشتري في صورة انكشاف كون المبيع ملكا لغير البائع.

(٥) أي : للبائع. وقوله : «كون» معطوف على «التضمين».

(٦) لاعتقاد المتبايعين بملكيّة المثمن للبائع.

(٧) الجملة صفة ل ـ «اعتقادي» أي : لا يقدح تخلف اعتقاد البائع والمشتري في تضمين المشتري البائع بمقابل الثمن هناك ، فكذلك فيما نحن فيه.

(٨) وهو تسليط المشتري ـ الباني على ملكية المثمن للبائع عدوانا ـ البائع الفضول على الثمن.

(٩) خبر «بناء» يعني : لا يقدح هذا البناء من المشتري في تضمينه البائع الفضول


في التضمين الحقيقي بماله (١).

قلت (٢) : الضمان كون الشي‌ء في عهدة الضامن وخسارته (٣) عليه ، وإذا كان المضمون (٤) به ملكا لغير الضامن واقعا

______________________________________________________

بمقابل الثمن من مال البائع ، لأنّ هذا البناء في مقام تطبيق مال البائع على المثمن المغصوب ، وهو لا يقدح في أصل تضمين البائع بماله الواقعي.

فتلخّص مما ذكر في «إن قلت» : أنّ المشتري العالم بفضولية البائع يرجع إلى البائع ببدل الثمن الذي تلف عنده ، كرجوع المشتري إلى البائع بالثمن في ظهور ملكية المبيع لغير البائع ، لاشتراك كليهما في عدم كون البائع مالكا للمبيع واقعا. فالتضمين هناك وهنا حقيقي ، واعتقاد كون المثمن للبائع ـ مع عدم كونه ملكا له واقعا ـ غير قادح في التضمين الذي هو عين المعاوضة.

(١) أي : بمال البائع.

(٢) هذا جواب الاشكال المذكور بصورة «ان قلت». والغرض من هذا الجواب نفي الضمان الذي أثبته المستشكل ، وإثبات الفرق بين ما نحن فيه ـ وهو صورة العلم بالغصب ـ وصورة الجهل به كما في صورة كون المبيع ملكا للغير ، وعدم صحة بناء المتعاقدين على ملكية المبيع للبائع الغاصب.

توضيحه : أنّه في صورة علم المشتري بغاصبيّة البائع يكون التضمين بالعوض بالنسبة إلى البائع الفضول ادّعائيا ، وبالنسبة إلى مالك المبيع حقيقيا ، ولذا ينتقل الثمن إلى المالك بمجرّد إجازته عوضا عن المبيع. هذا في صورة علم المشتري بكون البائع غاصبا.

وأمّا في صورة جهل المشتري بكون المبيع لغير البائع يكون الضمان لعموم قاعدة اليد ، لعدم رضا المشتري بتصرف البائع في الثمن مجّانا وبلا عوض ، لا للإقدام والتضمين كصورة العلم حتى يقال : بعدم الضمان للتسليط المجّاني.

وكذا الحال في ثبوت ضمان البائع في سائر موارد علم المشتري بفساد البيع ، لا من جهة علمه بعدم مالكية البائع ، لأنّ التضمين ـ وهو خروج المبيع من كيس البائع ـ حقيقي ، لكنه ليس صحيحا شرعا ، فيثبت ضمان اليد.

(٣) معطوف على «الشي‌ء» أي : أنّ الضمان هو كون خسارة الشي‌ء على الضامن.

(٤) وهو المبيع ، ولعلّ الأولى إبدال الواو بالفاء ، بأن يقال : «فإذا كان».


فلا يتحقّق الضمان الحقيقيّ مع علمهما بذلك (١).

وما (٢) ذكر ـ من بناء المتعاقدين في هذا العقد على كون المثمن ملكا للبائع الغاصب مع كونه مال الغير ـ فهو (٣) إنّما يصحّح وقوع عقد التمليك والتملّك منهما ادّعاء ، مع عدم كون البائع أهلا لذلك (٤) في الواقع ، وإلّا فأصل المعاوضة حقيقة بين المالكين (٥) ، والضمان والتضمين الحقيقيّ بالنسبة إليهما (٦) ، ولذا (٧) ينتقل الثمن إلى مالك المبيع ، ويدخل (٨) في ضمانه بمجرّد الإجازة.

والحاصل (٩) : أنّه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع على الثمن.

______________________________________________________

(١) أي : مع علم المتعاقدين بعدم كون المبيع ملكا للبائع.

(٢) مبتدء ، خبره «فهو إنّما» يعني : ما ذكره المستشكل بقوله : «إلّا أنّ كلّا منهما لمّا قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للمثمن ، وتعاقدا معرضين عن ذلك ..».

(٣) أي : بناء المتعاقدين ـ في هذا العقد الواقع بين الفضولي والمشتري ـ لا يوجب التضمين المعاوضي حتى يرجع المشتري إلى البائع الفضول بالثمن ، بل بناؤهما يصحّح وقوع عقد التمليك والتملك منهما ادّعاء ، مع عدم أهلية البائع واقعا لذلك. فأصل المعاوضة حقيقة واقعة بين المالكين وهما المشتري ومالك المبيع ، فالضمان والتضمين المعاوضي إنّما يكون بينهما.

والشاهد على وقوع المعاوضة حقيقة بينهما هو انتقال الثمن إلى مالك المبيع بمجرّد إجازته لهذا العقد الواقع بين البائع الفضولي والمشتري.

(٤) أي : للتمليك ، لعدم كونه مالكا للمبيع حتى يكون أهلا للتمليك.

(٥) وهما مالك المبيع والمشتري الأصيل ، لأنّ أهلية التمليك والتملك لهما دون غيرهما.

(٦) أي : إلى المالكين ، لأنّهما مسلّطان على أموالهما ، فولاية المعاوضة لهما.

(٧) أي : ولوقوع المعاوضة بين المالكين ينتقل الثمن إلى مالك المبيع بمجرّد الإجازة.

(٨) يعني : ويدخل الثمن في ضمان مالك المبيع بالضمان المعاوضي بمجرّد الإجازة ، فلو لم يكن مالك المبيع أحد طرفي المعاوضة حقيقة لم يكن له الإجازة ، ولا تملّك الثمن.

(٩) يعني : وحاصل ما ذكرناه ـ في صورة تلف الثمن مع علم المشتري بغاصبية البائع ـ أنّه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع على الثمن حتى يلزمه ضمان البائع


وأمّا (١) رجوع المشتري مع اعتقاد المتبايعين لمالكيّة البائع للمثمن عند انكشاف الخطأ (٢) ـ مع أنّه إنّما ضمّنه (٣) بمال الغير (٤) ـ فلعدم (٥) طيب نفسه على تصرّف البائع فيه من دون ضمان ، وإن كان ما ضمّنه (٦) به غير ملك له ، ولا يتحقّق به التضمين ، لأنّه (٧) إنّما طابت نفسه بتصرّف البائع.

______________________________________________________

للثمن التالف.

(١) دفع وهم. أمّا الوهم فهو : أنّه كيف تحكمون بضمان البائع للثمن في صورة ظهور المثمن ملكا لغير البائع ، مع جهل المتعاقدين بكون المثمن ملكا للغير؟ ولا تحكمون بضمان البائع في صورة علمهما بكون المثمن ملكا للغير ، مع أنّ المشتري قد ضمّن البائع في كلتا الصورتين بمال الغير ، لا بمال نفسه.

وأمّا الدفع فهو : أنّ المشتري لم يأذن في تصرف البائع في الثمن مطلقا ، بل مقيّدا بالضمان في صورة ظهور المبيع ملكا لغير البائع ، ولذا حكموا فيه بضمان البائع للثمن إذا تلف. بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ المشتري العالم بغاصبيّة البائع الفضول سلّطه على التصرف في الثمن مطلقا مجّانا وبلا عوض ومن دون تضمين.

والحاصل : أنّ طيب نفس المشتري بتصرف البائع في الثمن في ذلك الفرع إنّما هو لاعتقاد كون المثمن ملكا للبائع. بخلاف ما نحن فيه ، لفقدان هذا الاعتقاد فيه ، لعلم المشتري بعدم ملكية المثمن للبائع.

(٢) أي : خطأ اعتقادهما ، وظهور كون المثمن ملكا للغير.

(٣) أي : ضمّن البائع ، والضمير المستتر وضمير «أنّه» راجعان إلى المشتري.

(٤) يعني : مع اشتراك الفرعين في كون التضمين بمال الغير ، إذ المفروض عدم كون المبيع ملكا للبائع في كلا الفرعين.

(٥) هذا جواب «وأمّا» ودفع الوهم ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «وأمّا الدفع».

(٦) يعني : وإن كان ما ضمّنه المشتري به ـ وهو المثمن ـ ليس ملكا للبائع ، ولذا لا يحصل به التضمين.

(٧) تعليل لعدم طيب نفس المشتري بتصرف البائع في الثمن بدون ضمان ، وحاصله : أنّ طيب نفس المشتري بتصرف البائع في الثمن مقيّد باعتقاد كون المثمن ملكا للبائع ، وليس ملكا له ، فلا تطيب نفسه بتصرف البائع في الثمن مع انكشاف عدم كون المثمن


لاعتقاد (١) كون المثمن ملكا له ، وصيرورته (٢) مباحا له بتسليطه عليه.

وهذا (٣) مفقود فيما نحن فيه ، لأنّ طيب النفس بالتصرّف والإتلاف من دون ضمان له بماله حاصل (٤).

وممّا ذكرنا (٥) يظهر أيضا فساد نقض (٦) ما ذكرنا

______________________________________________________

ملكا له ، فمقتضى قاعدة اليد ضمان البائع للثمن.

(١) متعلّق ب ـ «طابت» ومقيّد له ، فإذا تبيّن كون المثمن ملكا لغير البائع انتفى الطيب المجوّز للتصرف. وضمير «له» راجع إلى «البائع».

(٢) معطوف على «كون» يعني : ولاعتقاد صيرورة المثمن مباحا للمشتري بسبب تسليط البائع للمشتري على المثمن.

(٣) أي : طيب النفس من المشتري بتصرف البائع في الثمن ـ لاعتقاده بكون المثمن ملكا للبائع ـ مفقود فيما نحن فيه ، إذ المفروض فيه علم المشتري بعدم كون المثمن ملكا للبائع. فليس طيب نفس المشتري هنا مقيّدا باعتقاد ملكية المبيع للبائع حتى يكون انتفاء الاعتقاد موجبا للضمان ، بل طيب نفس المشتري بتصرف البائع في الثمن بدون الضمان حاصل هنا.

(٤) أي : حاصل هنا ، وضمير «له» راجع إلى الثمن ، وضمير «بماله» إلى البائع.

(٥) أي : ومن عدم ضمان البائع للثمن عند تسليط المشتري له على الثمن ، والغرض من هذا هو الإشكال النقضيّ على من نفى ضمان البائع في تسليط المشتري البائع في هذه المسألة. ولم أظفر بالناقض ، إلّا أنّ أصل مقايسة المقام بالبيع الفاسد ـ من غير جهة الغصب ـ وجوابه مذكور في الجواهر وغيره ، فراجع (١).

(٦) حاصل هذا الإشكال النقضي هو : أنّ نفي الضمان عن البائع الغاصب ـ مع علم المشتري بغاصبيّته ـ منقوض بما إذا علم البائع والمشتري بفساد البيع ، لفقد شرط من شرائطه كالموالاة أو التنجيز أو التطابق بين الإيجاب والقبول أو غيرها من الشرائط ، فإنّ

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٧ ، تبعا لما في شرح القواعد للشيخ الكبير كاشف الغطاء ، وتعرّض له أيضا تلميذه في كشف الظلام ، ونجله في أنوار الفقاهة.


بالبيع (١) مع علم المشتري بالفساد ، حيث إنّه (٢) ضمّن البائع بما يعلم أنّه لا يضمن الثمن به. وكذا البائع مع علمه بالفساد ضمّن المشتري بما يعلم أنّ المشتري لا يضمن به (٣) ، فكأنّه لم يضمّنه بشي‌ء.

وجه الفساد (٤) : أنّ التضمين الحقيقي حاصل هنا (٥) ، لأنّ (٦) المضمون به مال الضامن ، غاية الأمر أنّ فساد العقد مانع عن مضيّ هذا الضمان والتضمين في نظر

______________________________________________________

كلّا من البائع والمشتري مع علمه بفساد البيع يضمن صاحبه ، فإنّ البائع يضمّن المشتري بما يأخذه من الثمن عوضا عن المبيع. وكذا المشتري يضمّن البائع بما يأخذه منه من المبيع عوضا عن الثمن ، مع علم كلّ منهما بفساد هذين التضمينين ، لبطلان البيع.

ومع علمهما بالبطلان يضمن كلّ منهما مال الآخر ، فلا بدّ أن يكون الضمان فيما نحن فيه ثابتا أيضا ، للعلم ببطلان البيع والتضمين في كلتا المسألتين.

(١) متعلق ب ـ «نقض» والمراد بما ذكرنا هو نفي ضمان الثمن عن البائع الفضولي.

(٢) أي : انّ المشتري ، وهذا تقريب النقض ، وقد تقدم آنفا توضيحه بقولنا : «منقوض بما إذا علم ..».

(٣) هذا العلم ناش من فساد البيع وعدم إمضائه شرعا ، وضمير «به» راجع إلى الموصول في قوله : «بما يعلم» والمراد بالموصول هو الثمن.

يعني : أنّ البائع ضمّن المشتري بثمن يعلم البائع بأن المشتري لا يضمن بذلك الثمن ، لعلمهما بفساد البيع المستلزم لعدم صحة تضمينهما.

(٤) أي : فساد النقض المذكور. توضيحه : أنّ التضمين المعاوضي فاسد ، لفساد البيع. وأمّا التضمين اليدي فهو حاصل هنا ، فإنّ المضمون به في البيع الفاسد ـ لاختلال بعض شرائطه ـ مال الضامن. بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ المضمون به ليس مالا للبائع الغاصب ، بل لمالكه.

(٥) أي : في العقد الفاسد ـ لاختلال بعض شرائطه ـ مع كون العوضين من المتعاقدين. والمراد بالتضمين الحقيقي هو التضمين بالقيمة.

(٦) تعليل لحصول التضمين الحقيقي في العقد الفاسد.


الشارع ، لأنّ المفروض فساده (١) ، فإذا لم يمض الشارع الضمان الخاصّ (٢) صار أصل إقدام الشخص على الضمان الحقيقيّ أو قاعدة (٣) إثبات اليد على مال ـ من دون (٤) تسليط مجّاني أو استيمانيّ عن مالكه ـ موجبا (٥) لضمانه ، على الخلاف في مدرك الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه.

وشي‌ء منهما (٦) غير موجود فيما نحن فيه (٧) ، كما أوضحناه

______________________________________________________

(١) أي : فساد العقد شرعا ، وفساده يمنع عن صحة الضمان المعاوضي. وأمّا الضمان اليدي فلا مانع منه ، لأنّه مقتضى عموم «على اليد» الذي لم يخصّص هنا بشي‌ء.

(٢) وهو الضمان المعاوضي ، وقوله «صار» جواب الشرط في :«فإذا لم يمض».

(٣) معطوف على «أصل» والإتيان بكلمة «أو» لأجل اختلاف كلمات الفقهاء في مدرك قاعدة «ما يضمن» فالقدماء استندوا إلى الإقدام على الضمان ، والشهيد الثاني في بعض كلامه استند إلى حديث «على اليد» وقد تقدم نقل جملة من الكلمات في بحث المقبوض بالبيع الفاسد ، فراجع (١).

(٤) يعني : من دون مخصّص لقاعدة اليد ، من تسليط مجّاني أو استيماني كالوديعة.

(٥) خبر «صار» يعني : صار أصل إقدام الشخص على الضمان الحقيقي وهو الضمان بالقيمة أو قاعدة اليد من دون مخصّص لها ـ من تسليط مجّاني أو استيماني من مالكه ـ موجبا لضمانه.

(٦) أي : قاعدة الإقدام وقاعدة اليد.

(٧) وهو علم المشتري بغاصبية البائع. ووجه عدم وجودهما فيما نحن فيه ، أمّا قاعدة الإقدام ، فلأنّ البائع الغاصب لم يقدم على الضمان ، لأنّه أخذ الثمن من المشتري في مقابل المبيع الذي لم يكن ملكا له ، فلم يقدم على ضمان الثمن بشي‌ء من ماله ، فلا مجال لقاعدة الإقدام.

وأمّا قاعدة اليد ، فلأنّ إثبات يد البائع على الثمن ليس إلّا مجّانيّا وبلا عوض ، إذ المشتري مع علمه بعدم ملكية المبيع للبائع سلّطه على الثمن ، فليس هذا التسليط إلّا مجّانيّا.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٥٨ و ١١٤.


بما لا مزيد عليه (١) ، وحاصله (٢) : أنّ دفع المال إلى الغاصب ليس إلّا كدفعه إلى ثالث يعلم (٣) عدم كونه مالكا للمبيع ، وتسليطه (٤) على إتلافه ، في (٥) أنّ ردّ المالك لا يوجب الرجوع إلى هذا الثالث (*).

نعم (٦) لو كان فساد العقد

______________________________________________________

(١) تقدم كلامه في (ص ٤٨٥) وهو قوله : «وتوضيح ذلك : أن الضمان إمّا لعموم على اليد .. وإما لقاعدة الاقدام ، والأوّل مخصّص بفحوى .. إلخ».

(٢) يعني : وحاصل ما أوضحناه هو : أنّ دفع المشتري العالم بغاصبية البائع الثمن إلى الغاصب ليس إلّا كدفع الثمن إلى شخص ثالث أي غير المالك للمبيع والبائع الفضولي ، فكما لا يكون ذلك الثالث ضامنا ، فكذلك البائع ، لكون الدفع إلى كليهما مجّانيّا.

(٣) يعني : يعلم المشتري الدافع عدم كون الثالث مالكا للمبيع.

(٤) معطوف على «دفعه» في قوله : «كدفعه» يعني : كدفع الثمن إلى ثالث وكتسليطه على إتلافه.

(٥) متعلّق بقوله : «كدفعه» وهذا وجه التنظير ، وحاصله : أنّ دفع الثمن إلى البائع الغاصب ليس إلّا كدفعه إلى ثالث في أنّ ردّ مالك المبيع البيع الصادر من البائع الفضول كما لا يوجب الرجوع إلى الثالث بالثمن ، كذلك لا يوجب الرجوع إلى البائع الفضول ، لكون التسليط فيهما مجّانيّا.

(٦) هذا استدراك على قوله : في (ص ٤٩٨) وهو قوله : «وجه الفساد أنّ التضمين الحقيقي حاصل هنا» وملخّصه : أنّ التضمين الحقيقي الموجب للضمان في العقود الفاسدة ـ لأجل عدم قابلية العوض للملكية كالخمر والخنزير والحرّ ، سواء أكان ثمنا أم مثمنا ـ مفقود في هذا العقد الفاسد ، لأنّ الضمان يكون في المال ، والمفروض أنّ الخمر وأخويها

__________________

(*) لا يخلو تنظير البائع الفضول بدفع المال إلى ثالث ـ يعني : غير المالك والبائع الفضول في عدم الضمان ـ من غموض ، لأنّ الغرض من هذا التنظير جواز التصرف وعدم الضمان. وهذا مناف لما أفاده في (ص ٤٨٢) من عدم جواز تصرف البائع في الثمن ، إذ لو كان البائع كالثالث لم يكن وجه لعدم تصرف البائع في الثمن.

والتحقيق عدم كون البائع كالثالث ، لأنّ الدفع إلى البائع وفاء للثمن ، بخلاف الدفع إلى الثالث ، فإنّه تسليط مجاني.


لعدم قبول العوض (*) للملك كالخمر والخنزير والحرّ ، قوي (١) اطّراد ما ذكرنا فيه من (٢) عدم ضمان عوضها (٣) المملوك (٤) مع علم المالك (٥) بالحال ، كما صرّح (٦) به شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد ، هذا.

______________________________________________________

ليست مالا شرعا حتى تقبل الملكية ، فضمانه ليس ضمانا شرعيا.

فإذا باع شاة بخمر مثلا ، وتلفت الشاة عند المشتري ، لا يرجع البائع إليه بقيمة الشاة ، لأنّ تضمين بائع الشاة المشتري بالخمر غير صحيح ، لأنّه تضمين بما لا يقبل الملك. وكذا الحال إذا كان الثمن غير مال شرعا.

(١) جواب «لو» يعني : يقوى اطّراد ما ذكرنا في صورة علم المشتري بغاصبيّة البائع من عدم الضمان.

(٢) بيان للموصول ، وضمير «فيه» راجع إلى «ما نحن فيه» من فرض علم المشتري بالغصب.

(٣) أي : عوض الخمر والخنزير والحرّ.

(٤) صفة للعوض ، كما إذا كان عوضها مالا مملوكا كالفلوس.

(٥) أي : علم مالك العوض المملوك بالحال ، أو علمه بكون المعوّض غير مملوك كالخمر.

(٦) أي : صرّح شيخ مشايخنا ـ وهو كاشف الغطاء قدس‌سره ـ بعدم الضمان في صورة فساد البيع لأجل عدم مملوكية العوض ، كعدم الضمان في صورة علم المشتري بغصبية المبيع. قال : «ويقوى تسوية الحكم في المقامين إلى كلّ ما دفع من غير مقابل ، أو بمقابل غير قابل» (١).

__________________

(*) ينبغي تقييده بما إذا لم يكن العوض قابلا شرعا وعرفا للملكية كالحشرات ، فإنّ التسليط حينئذ يكون مجانيا ، إذ عدم مالية العوض قرينة على مجانية التسليط. وأمّا إذا كان قابلا عرفا للملكية فمجانية التسليط غير معلومة.

__________________

(١) شرح القواعد ، مخطوط ، الورقة : ٦٨ ، وحكاه صاحب الجواهر عنه في ج ٢٢ ، ص ٣٠٧.


ولكن (١) إطلاق قولهم : «إنّ كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» يقتضي الضمان فيما نحن فيه (٢) وشبهه (٣) ، نظرا (٤) إلى أنّ البيع الصحيح يقتضي الضمان ، ففاسده كذلك.

إلّا (٥) أن يفسّر بما أبطلناه

______________________________________________________

(١) هذا استدراك على ما تقدم في (ص ٤٨٢) من قوله : «وأمّا لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري .. إلخ» ، وهذا عدول عما أفاده من عدم الضمان فيما نحن فيه ـ وهو علم المشتري بغاصبية البائع ـ إلى القول بالضمان فيه استنادا إلى إطلاق القضية المعروفة ، وهي «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فإنّ إطلاق الفاسد يقتضي الضمان في بيع الغاصب مع علم المشتري بالغصبيّة.

(٢) وهو علم المشتري بغاصبيّة البائع. وقوله : «يقتضي» خبر «إطلاق».

(٣) والمراد بشبهه بيع ما ليس قابلا للملكيّة ، كبيع الخمر والخنزير والحرّ مع علم المشتري بعدم قابليّتها للملكيّة.

(٤) هذا تقريب الاستدلال بالقضيّة المذكورة ، وهو : أنّ للبيع صحيحا وفاسدا ، وصحيحه يقتضي الضمان ، وكذا فاسده ، فبيع المغصوب مع علم المشتري بالغصبية فاسد ، فيقتضي الضمان.

(٥) هذا عدول عن الضمان ـ الذي أثبته بقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فيما نحن فيه ، وهو علم المشتري بغاصبية البائع ـ إلى ما أفاده سابقا من عدم الضمان ، وأراد إثبات عدم الضمان بنفس هذه القاعدة ، بناء على تفسيرها بعقد واحد شخصي إذا فرض تارة صحيحا ، واخرى فاسدا ، فصحيحة لا يضمن وكذا فاسده. فإذا فرض تارة صحة البيع بلا ثمن ، واخرى فساده ، فلا ضمان في صحّته ، وكذا في فاسده.

وقد تقدّم في بحث المقبوض بالبيع الفاسد نقل هذا الاحتمال عن صاحب الجواهر قدس‌سره. ومبناه جعل العموم في «كل عقد» بلحاظ الأفراد الخارجية ، لا أنواع العقود ، ولا أصناف كل واحد منها ، فراجع تفصيل الكلام هناك (١).

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٩١ ـ ٩٥.


سابقا (١) من أنّ كلّ عقد يضمن على فرض صحّته يضمن على فرض فساده. ولا ريب أنّ العقد فيما نحن فيه (٢) وفي مثل البيع [المبيع] بلا ثمن والإجارة بلا اجرة إذا فرض (٣) صحيحا لا يكون فيه ضمان ، فكذلك مع الحكم بالفساد.

لكنّك (٤) عرفت ضعف هذا المعنى فيما ذكرناه سابقا (٥) في توضيح هذه القضيّة (٦) ، فإنّ معناه (٧) : أنّ كلّ عقد تحقّق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان

______________________________________________________

(١) حيث قال هناك : «وربما يحتمل في العبارة أن يكون معناه أنّ كلّ شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحا يضمن به مع الفساد» إلى أن قال : «ويضعّف بأنّ الموضوع هو العقد الذي وجد له بالفعل صحيح وفاسد ، لا ما يفرض تارة صحيحا واخرى فاسدا .. إلخ».

(٢) وهو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته.

(٣) يعني : إذا فرض العقد في البيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة صحيحا لم يكن فيه ضمان ، وكذا لا ضمان فيه إذا فرض فاسدا. فعلى هذا المعنى في قضية «ما يضمن بصحيحه» يكون كل من الصحة والفساد فرضيّا ، ويصحّ الحكم بالضمان في بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته ، لأنّه إذا فرض صحيحا لا يكون فيه ضمان ، فكذا إذا فرض فاسدا.

(٤) غرضه تضعيف التفسير المذكور لقضية «ما يضمن» وعدم صلاحيته للاستناد إليه في إثبات الضمان في بيع الفضولي الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته.

وحاصله : أنّا قد ذكرنا سابقا ضعف هذا المعنى ، فلا يصحّ أن يكون دليلا على عدم الضمان في بيع الغاصب مع علم المشتري بالغصب.

(٥) قد نقلنا بعض عبارته قبل أسطر ، فلاحظ.

(٦) وهي : كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

(٧) يعني : معنى «كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» ، ومحصّل ما أفاده في معنى هذه القضيّة هو : أنّ كل عقد ثبت الضمان شرعا في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه ، كالبيع غير الربويّ والبيع الربويّ ، فإنّ الأوّل هو الفرد الصحيح من البيع ، والثاني هو الفرد الفاسد من البيع. فهذان الفردان الفعليّان للبيع يكون أحدهما الصحيح موردا للضمان ، والآخر الفاسد أيضا موردا للضمان. وليس فرد واحد شخصي يفرض تارة صحيحا واخرى فاسدا ، فإنّ لفظ «يضمن» الذي هو نعت لكلمة «عقد»


في الفرد الفاسد منه (١) ، فيختصّ موردها (٢) بما إذا كان للعقد فردان فعليّان ، لا الفرد الواحد المفروض تارة صحيحا واخرى فاسدا.

نعم (٣) يمكن تطبيق المعنى

______________________________________________________

ظاهر في الاتصاف الفعلي بالضمان.

(١) هذا الضمير وضمير «منه» المذكور قبله راجعان إلى «عقد».

(٢) يعني : يختص مورد قضية «كل عقد يضمن بصحيحه» بالعقد الذي له فردان فعليّان ثبت الضمان شرعا في صحيحهما وفاسدهما ، لا الفرد الواحد الشخصي الذي. يفرض تارة صحيحا ، واخرى فاسدا كما هو المعنى الذي أبطلناه سابقا.

(٣) استدراك على الاستدلال على نفي الضمان بقضية «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» بناء على تفسيرها الباطل ، وهو إرادة فرض الصحة والفساد في عقد واحد شخصي.

وحاصل الاستدراك : أنّه يمكن الاستدلال على عدم الضمان فيما نحن فيه ـ وهو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبية البائع ـ بقاعدة «ما يضمن بصحيحه» بالمعنى الذي اختاره المصنّف قدس‌سره في (ص ٥٠٣) بقوله : «فإن معناه : أنّ كل عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه» بأن يقال : إنّ المراد بالعقد في قاعدة «كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» ليس خصوص النوع المتعارف كالبيع والصلح من أنواع العقود ، كما كان ذلك ظاهر المعنى المختار ، بل المراد ما هو أعم من ذلك.

يعني : أنّ المقصود بالعقد هو العقد المملّك للأموال ممّا يكون له فردان صحيح كالبيع غير الربوي ، وفاسد كالبيع الربوي ، سواء أكان من النوع المتعارف كالبيع الذي هو مبادلة مال بمال ، والهبة غير المعاوضة التي هي من التمليك المجاني ، أم كان من النوع غير المتعارف كالبيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة ، وكتسليط المشتري البائع الفضول على الثمن. بلا عوض من مال البائع.

ففي التمليك المعاوضي يكون الضمان في صحيحه وفاسده ، وفي التمليك غير المعاوضي أيضا صحيح كالهبة غير المعوّضة ، وفاسد كتسليط المشتري الغاصب على الثمن بدون عوض من ماله ، وكالإجارة بلا اجرة والبيع بلا ثمن. وفي صحيح هذا العقد غير المعاوضي ـ كالهبة غير المعوضة ـ لا ضمان ، وكذا في فاسده ، كبيع الغاصب بدون عوض من ماله.


المختار (١) فيما نحن فيه وشبهه (٢) ، بأن (٣) لا يكون المراد من العقد في موضوع القضيّة خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود كالبيع والصلح ، بل يراد مطلق المعاملة الماليّة التي يوجد لها فردان صحيح وفاسد ، فيقال : إنّ ما نحن فيه (٤) والبيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة تمليك بلا عوض من مال الآخر. والفرد (٥) الصحيح من هذه المعاملة (٦) ـ وهي (٧) الهبة غير المعوّضة ـ لا ضمان فيها ،

______________________________________________________

(١) وهو الذي أفاده بقوله : «فان معناه أنّ كلّ عقد تحقق الضمان» إلى آخر ما نقلناه آنفا.

(٢) كبيع ما ليس قابلا للملكية مع علم المشتري بعدم قبوله للملكية.

(٣) هذا و «فيما نحن فيه» متعلقان ب ـ «تطبيق» ، وهذا تقريب إمكان تطبيق المعنى المختار على ما نحن فيه من بيع الغاصب مع علم المشتري.

(٤) وهو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته ودفع الثمن إليه ، ومحصّله : أنّ المراد بالموصول في قضية «ما لا يضمن» هو المعاملة المالية الّتي لها فردان صحيح وفاسد. سواء أكانت تمليكا مع العوض كالبيع ، أم بدون العوض كالهبة غير المعوضة. وللتمليك مع العوض فرد صحيح ، كالبيع غير الربويّ ، وفرد فاسد كالبيع الربوي. وللتمليك غير المعاوضي أيضا فرد صحيح كالهبة غير المعوّضة ، وفرد فاسد كالبيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة ، وتسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن.

وهذا التعميم لكلّ معاملة ماليّة يشمل ما نحن فيه ، لأنّ التسليط المزبور تمليك مجّاني ، لعدم كون هذا التسليم بعوض من مال الغاصب ، فيدلّ على عدم ضمان البائع الغاصب للثمن ، كعدم ضمان الفرد الصحيح من التمليك المجّاني وهو الهبة غير المعوّضة ، فيكون «ما لا يضمن بصحيحه» دليلا على عدم ضمان البائع الغاصب للثمن الذي سلّمه المشتري إليه.

(٥) معطوف على الموصول في «ما نحن فيه» وخبره قوله : «لا ضمان».

(٦) أي : معاملة التمليك بلا عوض.

(٧) أي : الفرد الصحيح. وتأنيث الضمير باعتبار الخبر. والمراد بقوله : «هذه المعاملة» هو التمليك بلا عوض ، الذي له فرد صحيح كالهبة غير المعوضة ، وفرد فاسد كالبيع بلا ثمن ، والإجارة بلا اجرة.


ففاسدها (١) كذلك ، فتأمّل (٢).

وبالجملة : فمستند المشهور (٣) في مسألتنا (٤) لا يخلو من غموض ، ولذا (٥) لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» (*) مع اتّفاقهم عليه (٦) [هنا].

______________________________________________________

(١) أي : الفرد الفاسد من هذه المعاملة المالية لا ضمان فيها أيضا ، فالمعاملة المجانية ـ مثل ما نحن فيه والبيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة ـ لا ضمان فيها.

(٢) لعله إشارة إلى : أنّ المعنى المذكور ـ وهو إرادة مطلق المعاملة المالية من الموصول في قضية «ما يضمن بصحيحه» ـ وإن كان صحيحا في نفسه ، لكنه ليس ظاهر القضية المذكورة بحيث ينسبق إليه الذهن ، بل إرادته محتاجة إلى القرينة. فظاهر الموصول هو كلّ نوع من أنواع العقد كالبيع والصلح ونحوهما.

أو إشارة إلى : أنّ المعاملة المالية عنوان انتزاعي لا يصلح لأن يكون موضوعا للحكم.

(٣) القائلين بعدم رجوع المشتري إلى البائع بالثمن في صورة التلف. وجه غموض المستند هو : أنّ مقتضى ما ذكروه من التسليط المجاني عدم الضمان ، لكن مقتضى قاعدة «ما يضمن بصحيحه» هو الضمان ، ولذا اتفقوا على الضمان في «بعتك بلا ثمن».

(٤) وهي بيع الغاصب مع علم المشتري بكونه غاصبا.

(٥) أي : ولعدم خلوّ مستند المشهور ـ النافين لرجوع المشتري إلى البائع ـ عن الغموض والإشكال ، لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» مع اتفاق الأصحاب على عدم الضمان هنا ، أي : في تسليط المشتري البائع الغاصب.

هذا بناء على وجود كلمة «هنا». وأمّا بناء على عدمها فمرجع ضمير «عليه» هو الضمان ، يعني : لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» بل اتفقوا على الضمان فيه.

(٦) أي : على عدم الضمان هنا ، أي : في بيع الغاصب مع علم المشتري بغصبية المبيع.

__________________

(*) لا يخلو منافاة دعوى عدم التصريح بعدم الضمان لما تقدم في (ص ٤٨٨) من قوله : «فهو يشبه الهبة الفاسدة والبيع بلا ثمن والإجارة بلا أجرة ، التي قد حكم الشهيد وغير واحد بعدم الضمان فيها» وتقدّم هناك أنّ عدم الضمان مختار غير واحد ، فراجع ما نقلناه من الكلمات.


وصرّح (١) بعضهم بضمان المرتشي مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه (٢).

نعم (٣) ذكر الشهيد رحمه‌الله وغيره عدم الضمان في الإجازة بلا اجرة.

______________________________________________________

(١) غرضه من ذكر هذا الفرع تأييد ما أفاده من غموض مستند المشهور ، إذ لو لم يكن في مستندهم غموض لزم التصريح بعدم ضمان المرتشي للرشوة التالفة عنده ، لأنّ الراشي سلّط المرتشي على الرشوة بلا عوض ، كتسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن مجانا ، مع أنّهم صرّحوا بضمان المرتشي. فلا بدّ من الحكم بضمان البائع الغاصب أيضا ، لوحدة الطريق في المسألتين. فهذا الاختلاف في الضمان في نظائر مسألتنا كاشف عن غموض دليل عدم الضمان فيما نحن فيه.

والمصرّح بالضمان جماعة كالمحقق والعلامة والشهيدين وغيرهم ، بل في الجواهر : «وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في بقاء الرشوة على ملك المالك ، كما هو مقتضى قوله : إنّها سحت ، وغيره من النصوص الدالة على ذلك. وأنّ حكمها حكم غيرها ممّا هو كان من هذا القبيل. نعم قد يشكل الرجوع بها مع تلفها وعلم الدافع بالحرمة باعتبار تسليطه. والتحقيق فيه ما مرّ في نظائره» (١).

وقال في القضاء : «وكيف كان فلو تلفت ـ أي الرشوة ـ قبل وصولها إليه ضمنها له ، لعموم على اليد ، وغيره ممّا تقدم .. إلخ» (٢).

نعم استشكل الفاضل النراقي في الضمان على تقدير التلف لو كان دفع الرشوة برضا الراشي (٣). والظاهر أنّ قول صاحب الجواهر : «قد يشكل» إشارة إلى خلاف الفاضل. ولكنه كما ترى.

(٢) وهو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته.

(٣) استدراك على عدم التصريح بعدم الضمان في «البيع بلا ثمن ، والإجارة بلا اجرة» لكونهما متحدين حكما. وحاصل الاستدراك وجود المصرّح بعدم الضمان في مسألة

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ١٤٩.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٤٠ ، ص ١٣٣ وراجع : شرائع الإسلام ، ج ٤ ، ص ٧٨ ، قواعد الأحكام ، ج ٣ ، ص ٤٢٩ ، الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٧٦ ، مسالك الأفهام ، ج ١٣ ، ص ٤٢٢ و ٤٢٣.

(٣) مستند الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٧٤.


ويؤيّد ما ذكرنا (١) ما دلّ من الأخبار (٢) على كون ثمن الكلب والخمر سحتا. وإن أمكن (٣) الذبّ عنه بأنّ المراد التشبيه

______________________________________________________

الإجارة ، وهو الشهيد قدس‌سره وغيره ، وقد تقدم كلامه في (ص ٤٨٩) فراجع.

والمراد بالإجارة بلا اجرة أن يقع العقد على تمليك منفعة من دون اجرة ، كأن يقول مالك الدار : «آجرتك هذه الدار شهرا بلا اجرة» ثم يستوفي المستأجر منفعة دار المؤجر مدة بلا اجرة يضمنها المستأجر للموجر عوض المنفعة التي استوفاها.

(١) وهو قوله في (ص ٥٠٢) : «ولكن إطلاق قولهم : إن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده يقتضي الضمان فيما نحن فيه وشبهه».

تقريب التأييد ـ بعد تشبيه المبيع المغصوب بالكلب والخنزير وكون ثمنه سحتا ـ أنّ عدم جواز التصرف في السّحت يستلزم الضمان ، فيجب ردّ عينه إن كان باقيا ، وردّ بدله إن كان تالفا ، لأنّ أكل مال الغير سحت ، فيجب ردّه إلى مالكه إن كان باقيا ، وبدله إن كان تالفا حتى تبرء ذمته.

(٢) مثل ما ورد في وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ عليه‌السلام ، قال : «يا علي! من السحت ثمن الميتة وثمن الكلب ، وثمن الخمر ، ومهر الزانية ، والرشوة في الحكم ، وأجر الكاهن» (١).

والمراد بالكلب ما ليس صيودا ، بقرينة ما ورد في أخبار أخر ، مثل ما رواه أبو عبد الله العامري عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : سألته عن ثمن الكلب الذي لا يصيد. فقال : سحت. وأما الصيود فلا بأس» (٢).

(٣) هذا ردّ التأييد ، والأولى أن يقال : «وإن أمكن ذبّه» أي دفعه ، وأمّا الذّب عن الشي‌ء فهو حفظه.

وكيف كان فغرضه الخدشة في التأييد المزبور بمنع الملازمة بين حرمة التصرف والضمان ، وحاصله : أنّ التشبيه بالسّحت يكون في الحكم التكليفي ، وهو حرمة التصرف فقط ، دون الحكم الوضعي وهو الضمان ، لعدم التلازم بين التكليف والوضع ، كحرمة التصرف في الأوقاف العامة كالمساجد ، فإذا سكن في بعض بيوت المسجد بدون مجوّز ارتكب محرّما ، وليس عليه ضمان.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٦٣ ، الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به ، ح ١.

(٢) المصدر ، ص ٨٣ ، الباب ١٤ ، ح ١.


في التحريم (*) ، فلا ينافي عدم الضمان مع التلف ، كأصل السحت (١).

ثمّ (٢) إنّ مقتضى

______________________________________________________

(١) وهو الكلب والخنزير ، فإنّ إتلافهما أو تلفهما لا يوجب الضمان إلّا كلب الصيد ، فإنّ فيه أربعين درهما ، أو قيمته ، على الخلاف. وكذا كلب الغنم والحائط وكلب الزرع ، فإنّ في هذه الثلاثة قيمتها.

(٢) كان الكلام إلى هنا فيما إذا باع البائع الفضولي لنفسه ، والآن يشرع في حكم ما إذا باع الفضولي للمالك ، ودفع المشتري ثمن المبيع إلى البائع للإيصال إلى المالك ، فتلف الثمن في يد البائع.

وملخّص ما أفاده في حكمه : أنّ مقتضى ما تقدّم في وجه عدم رجوع المشتري بالثمن إلى البائع ـ من تسليطه البائع على الثمن بلا عوض ـ هو ثبوت الرجوع بالثمن على البائع فيما إذا باع الفضولي للمالك ، وقبض الثمن من المشتري للدفع إلى المالك ، فتلف عنده ، إذ المشتري لم يسلط البائع ولا أذن له في التصرف فضلا عن إتلافه ، فقاعدة اليد تقتضي الضمان ، ولا مخصّص لها هنا.

وما أفاده المصنف قدس‌سره ـ من جواز رجوع المشتري بالثمن على البائع ـ قد نبّه عليه الفاضل النراقي قدس‌سره أيضا بقوله : «نعم لو كان البيع فضولا لأجل المالك ، وسلّم المشتري الثمن إلى البائع ليسلّمه المالك لو أجاز ، وأتلفه البائع ، فالوجه الرجوع إليه. والوجه ظاهر ..» (١).

__________________

(*) لا يخفى أنّه لو كان هناك دليل لفظي على تنزيل ثمن المال المغصوب ـ مع علم المشتري بالغصب ـ منزلة ثمن الخنزير والكلب ، اقتضى إطلاقه التنزيل بالنسبة إلى الحكمين التكليفي والوضعي.

لكنه ليس في البين دليل لفظي على التنزيل ، ولا دليل لبّيّ كالإجماع حتى يؤخذ بالقدر المتيقن منه ، وهو الحرمة.

__________________

(١) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٩٥.


ما ذكرناه (١) في وجه عدم الرجوع بالثمن ، ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضوليّ غير (٢) بائع لنفسه ، بل باع عن المالك ، ودفع المشتري الثمن إليه ، لكونه (٣) واسطة في إيصاله (٤) إلى المالك ، فتلف (٥) في يده ، إذ (٦) لم يسلّطه عليه ولا أذن له في التصرّف فيه فضلا (٧) عن إتلافه.

ولعلّ (٨) كلماتهم ومعاقد اتّفاقهم (٩) تختصّ بالغاصب البائع لنفسه ، وإن كان

______________________________________________________

(١) أي : ما ذكرناه في (ص ٤٨٤) من «أنّه سلّطه على ماله بلا عوض ..».

(٢) حال من «البائع» ولو قيل ـ كما في نظائره ـ : «إذا باع البائع الفضولي عن المالك» لدلّ على المقصود باختصار.

(٣) هذا الضمير وضمير «إليه» راجعان إلى البائع.

(٤) أي : في إيصال الثمن إلى المالك.

(٥) يعني : فتلف الثمن في يد البائع.

(٦) تعليل لثبوت رجوع المشتري بالثمن على البائع لا لنفسه ، بل للمالك. وحاصل التعليل : أنّ المشتري ، لم يسلّط البائع على الثمن ، ولم يأذن له في التصرف في الثمن فضلا عن إتلافه ، حتى يسلب احترام ماله ، ويخصّص قاعدة اليد.

(٧) يعني : فضلا عن إذنه في إتلافه الثمن ، فلا إذن في شي‌ء من التصرف والإتلاف.

(٨) إشارة إلى إشكال ، وهو : أنّ كلمات الأصحاب في عدم رجوع المشتري على البائع بالثمن مطلقة ، فتشمل كلتا صورتي بيع الغاصب لنفسه وللمالك.

وقد دفعه بقوله : «ولعل كلماتهم .. إلخ» ومحصله : أنّ إطلاق كلمات العلماء لعلّه يختصّ بالغاصب البائع لنفسه ، لما مرّ من عدم تسليط المشتري البائع على التصرّف في الثمن في صورة بيع الغاصب للمالك ، فقاعدة اليد الموجبة للضمان جارية في هذه الصورة بلا مانع.

(٩) تقدم في (ص ٤٨٣) التنبيه على كلمات جمع ممّن ادّعى الإجماع على عدم ضمان البائع الغاصب مع علم المشتري بالغصب لو تلف الثمن ، فقال : «بل المحكي عن العلامة وولده والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم الاتفاق عليه» فراجع.


ظاهر بعضهم (١) ثبوت الحكم في مطلق الفضولي مع علم المشتري بالفضوليّة.

وكذا (٢) يقوى الرجوع لو أخذ البائع الثمن من دون إذن المشتري ، بل (٣) أخذه بناء على العقد الواقع بينهما ، فإنّه (٤)

______________________________________________________

(١) غرضه أنّ حمل كلماتهم ومعاقد إجماعهم ـ على عدم رجوع المشتري ـ على خصوص ما إذا باع البائع لنفسه ، خلاف ظاهر بعض الفقهاء في عموم الحكم بعدم رجوع المشتري بالثمن على البائع مطلقا وإن باع الغاصب للمالك مع علم المشتري بغاصبيته.

والظاهر أنّ غرض المصنف قدس‌سره من ظهور كلام البعض هو إطلاق تنظير الغاصب بالفضولي ، في قبال من خصّ بيع الغاصب بما إذا باع لنفسه. فالفاضل المقداد والمحقق الثاني قدس‌سرهما جعلا الغاصب كالفضولي (١). ومقتضاه شمول حكمهم بعدم رجوع المشتري العالم بالفضولية ـ على البائع بالثمن التالف في يده ـ للغاصب أيضا ، سواء باع لنفسه كما هو الغالب ، أم للمالك.

(٢) هذه صورة أخرى لضمان البائع الفضولي للثمن ، وهي : ما إذا أخذ البائع الثمن من المشتري بدون إذنه ، وإنّما أخذه بعنوان الوفاء بالعقد الواقع بينهما.

والوجه في جواز رجوع المشتري على البائع بالثمن هو : أنّه لم يحصل من المشتري ما يوجب عدم جريان قاعدة اليد في الثمن ، إذ لم يتحقق من المشتري تسليط خارجي على الثمن حتى يخصّص عموم على اليد.

(٣) يعني : بل أخذ البائع الثمن بمقتضى العقد الواقع بين البائع الفضول والمشتري الأصيل.

(٤) الضمير للشأن ، وهذا تعليل لرجوع المشتري بالثمن على البائع الذي أخذ الثمن من المشتري بدون إذنه. وحاصل التعليل : أنّه لم يحصل من المشتري تسليط خارجي حتى يرفع الضمان اليديّ ، وإنّما حصل تسليط عقدي ، وهو لا يؤثّر في رفع الضمان بعد وضوح فساد العقد.

__________________

(١) التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٢٧ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٩.


لم يحصل هنا (١) من المشتري تسليط إلّا بالعقد. والتسليط العقديّ مع فساده غير مؤثّر (٢) في دفع الضمان.

ويكشف عن ذلك (٣) تصريح غير واحد (٤) منهم بإباحة تصرّف البائع

______________________________________________________

(١) أي : في صورة أخذ البائع الثمن بدون إذن المشتري.

(٢) لأنّ وجود العقد الفاسد كالعدم في عدم ترتب أثر عليه.

(٣) أي : يكشف عن كون التسليط الخارجي رافعا للضمان ـ دون التسليط العقدي الفاسد ـ تصريح غير واحد من الفقهاء بإباحة تصرف البائع الغاصب في الثمن في صورة تسليط المشتري له ، مع اتّفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة. فيكشف حكمهم بإباحة التصرف ـ مع الاتفاق على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة ـ عن عدم كون التسليط العقدي موجبا للإباحة ، ولا رافعا للضمان. وإنّما الموجب لهما هو التسليط الخارجي.

فالنتيجة : أنّه إذا أخذ البائع الغاصب الثمن بغير إذن المشتري يكون ضامنا.

(٤) نقل ذلك عنهم جمع ، منهم أصحاب الحدائق ومفتاح الكرامة والجواهر قدس‌سرهم. قال السيد العاملي : «.. ومن ثمّ قالوا : إنّ المشتري قد فوّت ماله متعمدا ، لعلمه بتحريم تصرفه فيه ، ودفع ماله من غير عوض ، وهو يجتمع مع جواز تصرف البائع الثمن عند القائلين بالإباحة. وقد ذهبوا إلى أنّه حينئذ ليس أكلا مال الغير بالباطل» (١).

والتعبير بالتسليط مذكور في كلامي المحقق والشهيد الثانيين ، وغيرهما ، ففي المسالك في شرح قول المحقق : «ولا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب» ما لفظه : «ووجّهوه بكون المشتري قد دفعه إليه وسلّطه عليه ، مع علمه بعدم استحقاقه له ، فيكون بمنزلة الإباحة. وهذا يتمّ مع تلفه .. إلخ» (٢).

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٤ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٥ و ٣٠٦ ، الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٣٩٦.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧١ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٠.


الغاصب فيه (١) ، مع اتّفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة.

وكذا (٢) يقوى الضمان لو اشترط (٣) (*) على البائع الرجوع بالثمن لو أخذ العين صاحبها (٤).

ولو كان الثمن كلّيّا (٥) فدفع إليه المشتري بعض أفراده ، فالظاهر عدم الرجوع ، لأنّه (٦) كالثمن المعيّن في تسليطه عليه مجّانا.

______________________________________________________

(١) أي : في الثمن المجعول عوضا عن المبيع المغصوب.

(٢) معطوف على «وكذا يقوى الرجوع» يعني : ومن موارد ضمان البائع الغاصب للثمن ما إذا اشترط المشتري الأصيل على البائع الفضول الرجوع عليه بالثمن لو أخذ المالك العين التي بيعت فضولا ، وردّ البيع ولم يجزه. ولا ينبغي الارتياب في ضمان البائع للثمن في هذه الصورة ، لعدم موجب لارتفاع الضمان مع وجود اليد أوّلا ، واشتراط الضمان ثانيا.

(٣) أي : اشترط المشتري.

(٤) فاعل «أخذ» ، وضميره راجع الى «العين».

(٥) كان موضوع البحث إلى الآن في الثمن المعيّن الشخصي. وأمّا الثمن الكلي ـ الّذي دفع المشتري فردا منه إلى البائع ـ فالظاهر أنّه ليس له الرجوع على البائع كالثمن الشخصي ، لأنّ ملاك عدم الضمان فيهما واحد ، وهو التسليط المجاني.

(٦) تعليل لعدم ضمان البائع للثمن ، وقد مرّ تقريبه آنفا بقولنا : «لأنّ ملاك عدم الضمان .. إلخ». هذا تمام الكلام في المسألة الأولى المتعلقة بحكم الثمن الذي تسلّمه البائع الفضول من المشتري.

__________________

(*) وجه الضمان في صورة الاشتراط عدم تسليط المشتري للبائع مجّانا على الثمن المزبور ، فمقتضى عموم «على اليد» السليم من المخصّص محكّم.

لكن صحة شرط الضمان في صورة التلف محلّ إشكال ، بعد تسليم كون يد البائع حينئذ يدا أمانية. نعم شرط الضمان في صورة الإتلاف في محله ، بل لا حاجة إلى الشرط كما هو واضح.


المسألة الثانية (١):

أنّ المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن (٢):

فإمّا أن يكون (٣) في مقابل العين ، كزيادة القيمة (٤) على الثمن إذا رجع المالك بها على المشتري ، كأن كانت القيمة المأخوذة (٥) منه عشرين والثمن عشرة

______________________________________________________

د : حكم ما يغترمه المشتري غير الثمن

(١) هذه المسألة أيضا من فروع ردّ البيع الفضولي ، وقد أشار إليها في (ص ٤٧٥) بقوله : «وأما حكم المشتري مع الفضولي فيقع الكلام فيه تارة في الثمن ، واخرى في ما يغرمه للمالك زائدا على الثمن ..» وقد عقدها المصنف قدس‌سره لبيان حكم ما يغترمه المشتري ـ لمالك المبيع فضولا ـ زائدا على الثمن المسمّى ، كما سيظهر من الأمثلة المذكورة في المتن. ومورد الكلام كما سيصرّح به المصنف هو جهل المشتري بعدم مالكية البائع للمبيع ، إذ لو كان عالما بعدم مالكيته له لم يكن له الرجوع على البائع الغاصب أو الفضولي مطلقا بشي‌ء من الغرامات.

وتوضيح ما أفاده : أنّ ما يغترمه المشتري للمالك زائدا على الثمن على ثلاثة أقسام :

الأوّل : أن تكون الغرامة في مقابل العين ، كما إذا تلفت العين وكانت قيمتها السوقية عشرة دنانير ، وكان ثمنها المسمّى خمسة دنانير ، وأخذ المالك من المشتري عشرة دنانير ، فالخمسة الزائدة على الثمن المسمّى غرامة في مقابل العين.

القسم الثاني : أن تكون الغرامة الزائدة في مقابل ما استوفاه المشتري من منافع المبيع فضولا ، كما إذا أخذ المالك اجرة السكنى أو عوض اللبن أو الصوف أو الثمرة أو غيرها ممّا استوفاها المشتري من العين المبيعة له فضولا.

القسم الثالث : أن يكون الزائد على الثمن ممّا لم يحصل في مقابله نفع للمشتري. وهذه الأقسام الثلاثة ـ الراجعة إلى غير الثمن ممّا يغترمه المشتري للمالك ـ موضوعات لما يذكر من الأحكام.

(٢) أي : غير الثمن المسمّى الذي هو خمسة دنانير في المثال المذكور.

(٣) اسم «يكون» هو غير الثمن ، وخبره قوله : «في مقابل العين».

(٤) أي : القيمة السوقيّة التي هي في المثال خمسة كالثمن المسمّى.

(٥) أي : من المشتري ، فالقيمة المأخوذة من المشتري ـ على مثال المتن ـ زائدة على الثمن المسمّى بعشرة دنانير.


وإمّا (١) أن يكون في مقابل ما استوفاه المشتري ، كسكنى الدار ووطء الجارية واللبن والصوف والثمرة.

وإمّا (٢) أن يكون غرامة لم يحصل له (٣) في مقابلها نفع ، كالنفقة (٤) ، وما (٥) صرفه في العمارة ، وما (٦) تلف منه أوضاع (٧) من الغرس والحفر ، أو إعطائه (٨) قيمة للولد المنعقد حرّا ، ونحو ذلك ، أو نقص (٩) من الصفات والأجزاء.

______________________________________________________

(١) هذا هو القسم الثاني ، والضمير المستتر في «يكون» راجع إلى «غير الثمن».

(٢) هذا هو القسم الثالث ، وضمير «يكون» كسابقيه راجع إلى غير الثمن.

(٣) أي : لم يحصل نفع للمشتري في مقابل تلك الغرامة.

(٤) أي : كنفقة العبد والفرس والحمار إذا اشتراها المشتري من البائع الفضولي.

(٥) معطوف على «النفقة» يعني : وكالمال الذي صرفه المشتري في العمارة ، كما إذا كان المبيع دارا خربة ، وصرف في تعميرها مالا.

(٦) معطوف على «النفقة» يعني : وكالمال الذي تلف منه ، كتلف بعض الأشجار المغروسة في البستان عند المشتري. وضمير «منه» راجع إلى المبيع.

(٧) معطوف على «تلف» و «من» بيان ل «ما» الموصول في قوله : «ما تلف» يعني : ضاع عند المشتري بعض أراضي المبيع بصيرورته محفورا بالماء وغيره.

(٨) معطوف على «النفقة» يعني : وكإعطاء المشتري قيمة الولد المنعقد حرّا ، كما إذا كان المبيع فضولا أمة واستولدها المشتري ، فحينئذ يكون المولد حرّا ، ويلزم عليه أن يدفع قيمة الولد إلى مالك الأمة.

والظاهر أنّ مورد دفع قيمة الولد ـ كما سيصرّح به ـ هو جهل المشتري بالحال ليكون الولد حرّا للتبعية ، فلو كان عالما كان الولد رقّا ، لأنّه نماء الجارية يملكه السّيد ، ولا مورد لدفع قيمته حينئذ. وقد تقدم في ثمرات الكشف الحقيقي والحكمي بعض الكلام فيه ، فراجع (ص ٧٩ و ٨٤).

(٩) معطوف على قوله : «تلف» ، ونقص الصفات كنسيان العبد الكاتب الكتابة عند المشتري. ونقص الأجزاء كتلف بعض أوراق الكتاب عند المشتري ، وأخذ المالك من المشتري قيمته.


ثمّ المشتري (١) إن كان عالما فلا رجوع في شي‌ء من هذه الموارد ، لعدم الدليل عليه (٢).

وإن (٣) كان جاهلا ، فأمّا الثالث فالمعروف من مذهب الأصحاب ـ كما في الرياض ، وعن الكفاية ـ رجوع المشتري الجاهل بها (٤) على البائع ، بل في كلام

______________________________________________________

عدم الرجوع بالغرامات لو كان المشتري عالما

(١) هذا شروع في حكم الأقسام المزبورة ، وقال : انّ المشتري إن كان عالما بالفضولية وغاصبية البائع فلا رجوع له على البائع في شي‌ء من الموارد المزبورة ، لعدم الدليل على الضمان بعد إقدامه على ضرره.

(٢) أي : على الرجوع.

١ ـ رجوع المشتري الجاهل بما اغترمه على ما ينتفع به

(٣) معطوف على «إن كان» وحاصله : أنّه إن كان المشتري جاهلا بفضولية البائع ، ففي القسم الثالث ـ وهو قوله : «وإمّا أن يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع .. إلخ» ـ يكون المعروف من مذهب الأصحاب كما في الرياض : رجوع المشتري الجاهل بالفضولية على البائع الفضول بالغرامات المذكورة ، بل ادّعي الإجماع على الرجوع إلى البائع بالغرامات التي لم يحصل في مقابلها نفع للمشتري.

وفي السرائر قدس‌سره : أنّ المشتري يرجع على البائع بتلك الغرامات المذكورة في القسم الثالث قولا واحدا.

وفي كلام المحقق والشهيد الثانيين في كتاب الضمان : نفي الإشكال عن ضمان البائع الفضول لدرك ما يحدثه المشتري من أشجار غرسها في الأرض التي ابتاعها من الفضولي ، وقلعها مالك الأرض ، فإنّ خسارة قلع تلك الأشجار بعهدة البائع الفضول.

(٤) أي : بالغرامات المذكورة في القسم الثالث. قال في الرياض : «والمعروف من مذهب الأصحاب : أنّ للمشتري أن يرجع بما غرمه للبائع مما لم يحصل له في مقابلته عوض ، كقيمة الولد والنفقة والعمارة ونحو ذلك ، لمكان التغرير ، وترتب الضرر به مع


بعض (١) ـ تبعا للمحكي عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد ـ دعوى (٢) الإجماع على الرجوع (٣) بما لم يحصل في مقابله نفع.

وفي السرائر : «أنّه (٤) يرجع قولا واحدا» (١).

وفي كلام المحقّق والشهيد الثانيين في كتاب الضمان نفي الإشكال (٥) عن ضمان البائع لدرك (٦) ما يحدثه المشتري إذا قلعه المالك.

______________________________________________________

عدم جابر له من العوض» (٢).

وظاهر كلام الفاضل السبزواري الإجماع لا مجرّد المعروفية ، لقوله : «وذكر الأصحاب أنّ ما يغرمه المشتري ممّا لم يحصل له في مقابلته نفع .. فله الرجوع به على البائع» (٣).

(١) كصاحب الجواهر قدس‌سره لقوله : «والإجماع بقسميه». وقال السيد العاملي حاكيا لإجماع فخر الدين قدس‌سرهما : «ويرجع المشتري على البائع .. وبما اغترمه من نفقة أو عوض .. إجماعا أيضا كما في شرح الإرشاد» (٤).

وبهذا ظهر الوجه في الإتيان بكلمة «بل» في المتن ، لوضوح أنّ «المعروف» قد يوهم وجود المخالف في المسألة ، ويزول هذا الوهم بالتصريح بالإجماع.

(٢) مبتدء مؤخر ، وخبره المقدّم قوله : «في كلام بعض».

(٣) أي : رجوع المشتري على البائع بغرامات لم يحصل في مقابلها نفع للمشتري.

(٤) يعني : أنّ المشتري يرجع على البائع الفضول قولا واحدا ، وهو يدلّ على كون الحكم إجماعيا ، ذكر ذلك ابن إدريس قدس‌سره في قيمة الولد ، التي أخذها المالك من المشتري.

(٥) يعني : نفي الإشكال بحسب القواعد العلميّة.

(٦) أي : لخسارة ما يحدثه المشتري في أرض ابتاعها من الفضولي ، كما إذا غرس المشتري فيها أشجارا وقلعها المالك ، فإنّ البائع الفضول يضمن حينئذ دركها.

قال المحقق الثاني في شرح قول العلّامة قدس‌سرهما : «وفي ضمان البائع ذلك إشكال»

__________________

(١) السرائر ، ج ٢ ، ص ٤٩٣.

(٢) رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٣٠٧.

(٣) كفاية الأحكام ، ص ٢٦٠ ، السطر ٣٠ ، والحاكي السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٩.

(٤) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠١ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٩.


وبالجملة : فالظاهر عدم الخلاف في المسألة (١) ، للغرور (٢) (*) فإنّ البائع مغرّر

______________________________________________________

ما لفظه : «بل لا معنى لهذا الإشكال ، لأنّ الإشكال إن كان في ثبوت ذلك على البائع فلا وجه له ، لأنّ ذلك واجب. وإن كان في اقتضاء هذا الضمان ثبوته أيضا ليكون مؤكّدا فلا وجه له أيضا ، لأنّه ضمان ما لم يجب بعد» ونحوه كلام الشهيد الثاني قدس‌سره (١) فراجع.

(١) وهي رجوع المشتري الجاهل على البائع الفضول في القسم الثالث ، وهو : أن يكون غرامة لم يحصل للمشتري في مقابلها نفع.

(٢) قد استدلّ على رجوع المشتري الجاهل على البائع الفضول في القسم الثالث بوجوه :

الأوّل : قاعدة الغرور ، تقريبه في المقام : أنّ البائع الفضول قد أوقع المشتري في الغرامة المزبورة بسبب بيعه إيّاه ما ليس له ، من دون إعلام وبيان لحقيقة الحال. وهذا بخلاف البيع مع إعلام البائع أو علم المشتري بالحال ، إذ البائع لم يوقع المشتري حينئذ في خطر الضمان.

وهذه القاعدة مضمون النبوي المرسل : «المغرور يرجع على من غرّه» استدلّ به غير واحد ، قال الفاضل النراقي قدس‌سره : «وعموم قوله عليه‌السلام : المغرور يرجع على من غرّه. نقله المحقق الشيخ علي في حاشيته على الإرشاد. وضعفه غير ضائر ، لأنّ الشهرة بل الإجماع له جابر. بل هذه قاعدة مسلّمة بين جميع الفقهاء متداولة عندهم ، يستعملونها في مواضع متعددة ، كالغصب والتدليس في المبيع ، والزوجة ، والجنايات وأمثالها» (٢).

__________________

(*) قد استدلّ على اعتبار قاعدة الغرور بوجوه :

منها : الخبر المذكور. وفيه أوّلا : عدم ثبوت كونه كلام المعصوم عليه‌السلام.

وثانيا : عدم ثبوت انجباره على فرض صدوره ، لأنّ الجابر لضعف سند الرواية هو استناد المشهور إليها ، وهو أيضا غير ثابت.

ومنها : دعوى الإجماع محصّلا ومنقولا على رجوع المغرور على الغار.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ٣٤٠ ، مسالك الأفهام ، ج ٤ ، ص ٢٠٥.

(٢) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٩٦.


للمشتري ، وموقع إيّاه في خطرات الضمان ، ومتلف (١) عليه (٢) ما يغرمه ، فهو (٣) كشاهد الزور الذي يرجع إليه (٤) إذا رجع من شهادته.

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّه معطوف على «مغرّر» ومفسّر للغرور ، هذا ما يقتضيه السياق.

ويحتمل بعيدا أن يكون إشارة إلى دليل آخر لضمان البائع ، وهي قاعدة الإتلاف ، إذ لو كان كذلك كان المناسب أن يقول : «ولقاعدة الإتلاف» في قبال قوله : «للغرور».

(٢) هذا الضمير وضمير «إياه» راجعان إلى المشتري.

(٣) أي : فالبائع فيما نحن فيه يكون كشاهد الزور الذي يضمن ضرر المشهود عليه ذا اعترف ـ بعد تماميّة الحكم ـ ببطلان شهادته ، والرجوع عنها.

(٤) أي : يرجع إلى شاهد الزور في أخذ المال منه. قال المحقق قدس‌سره : «لو رجعا عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم. ولو رجعا بعد الحكم والاستيفاء لم ينقض الحكم ، وكان الضمان على الشهود» (١).

وعلّله صاحب الجواهر قدس‌سره بقوله : «الّذين هم السبب في الإتلاف على وجه القوّة على المباشر عرفا كما هو واضح» (٢).

__________________

وفيه : أنّه لم يثبت كونه إجماعا تعبديا ، لقوّة احتمال استناد المجمعين إلى الرواية المشار إليها ، أو إلى غيرها من الوجوه الآتية.

ومنها : أقوائية السبب من المباشر ، فالمغرور وإن كان مباشرا ، لكن الغارّ أقوى منه ، إذ لو لم يكن بيع الغارّ لم يقع المغرور في تلك الغرامات.

لكن فيه : أنّ هذه القاعدة تجري فيما إذا كان المباشر بمنزلة الآلة ، بأن يكون الفعل صادرا من المباشر بإرادة السبب. والمقام ليس كذلك ، لأنّ إقدامه على تعمير الدار الخربة مثلا يكون بإرادته واختياره.

ومنها : قاعدة نفي الضرر والضرار ، حيث إنّ الغارّ سبب لضرر المغرور ، فهو ضامن ، كما يدلّ عليه رواية «من أضرّ بطريق المسلمين فهو ضامن» (٣).

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٤ ، ص ١٤٢.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٤١ ، ص ٢٢٢.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٩ ، ص ١٨٠ ، الباب ٨ من أبواب موجبات الضمان ، ح ١.


ولقاعدة (١) نفي الضرر (*).

مضافا إلى ظاهر رواية جميل (٢) أو فحواها : «عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ، ثمّ يجي‌ء مستحقّ الجارية. قال : يأخذ الجارية المستحق ، ويدفع

______________________________________________________

ويدل عليه مرسل جميل بن دراج عن أحدهما عليهما‌السلام : «قال : في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم ، وقد قضى على الرّجل ، ضمنوا ما شهدوا به وغرموا. وإن لم يكن قضى طرحت شهادتهم ولم يغرموا الشهود شيئا» (١). وبمضمونه نصوص أخر ، فراجع.

(١) معطوف على «للغرور» وهذا هو الوجه الثاني من الوجوه الدالة على ضمان البائع الفضولي في القسم الثالث. ومحصل هذا الوجه هو : أنّ قاعدة نفي الضرر تقتضي ضمان البائع ، لأنّ عدم ضمانه لغرامات المشتري ضرر على المشتري ، فهذا العدم مرفوع ، فيثبت ضمان البائع.

(٢) هذا ثالث الوجوه الدالّة على ضمان البائع لغرامات المشتري ، توضيحه : أنّ الولد الحرّ إن عدّ نفعا عائدا إلى المشتري كانت الرواية دالّة بالفحوى على ما نحن فيه ،

__________________

(*) لا يخلو التمسك بقاعدة نفي الضرر لإثبات ضمان البائع عن الإشكال ، لأنّ هذه القاعدة من الأحكام النافية للمجعولات الشرعية التي ينشأ منها الضرر ، كوجوب الوضوء ولزوم البيع. وليست القاعدة مثبتة لحكم ، والضمان حكم وضعي لا تصلح القاعدة لإثباته.

والحاصل : أنّ عدم الضمان ليس من المجعولات الشرعية حتى يرتفع بالقاعدة ، هذا.

مضافا إلى : أنّ الضمان ضرر أيضا على البائع.

وإلى : أنّ القاعدة لا تجري مطلقا حتى في ما إذا اعتقد البائع مالكيته للمبيع ، فلم يقدم على الضرر الحاصل من ضمان غرامة المشتري. وقاعدة الغرور أيضا لا تجري في هذه الصورة ، وهي : ما إذا اعتقد البائع مالكيته ، بل في خصوص ما إذا اعتقد البائع بعدم مالكيته ، ويبيع مال الغير عدوانا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٢٣٨ ، الباب ١٠ من كتاب الشهادات ، ح ١ والباب ١١ ، ص ٢٣٩ ، الحديث ١ و ٢ و ٣.


إليه المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه» (١). فإنّ (١) حرّيّة (*) ولد المشتري إمّا أن تعدّ نفعا عائدا إليه (٢) أو لا ، وعلى التقديرين (٣)

______________________________________________________

لأنّ المشتري إذا كان مع وصول النفع إليه مستحقا للرجوع إلى البائع ، كان استحقاقه للرجوع إليه مع عدم وصول النفع إليه بطريق أولى.

وإن لم يعدّ الولد الحرّ نفعا عائدا إلى المشتري كانت دلالة الرواية على ما نحن فيه من باب الظهور اللفظي ، إذ المفروض عدم كون الولد الحرّ نفعا عائدا إلى المشتري في مقابل غراماته كما هو المفروض.

وبالجملة : فهذه الرواية تدلّ بالظهور أو الفحوى على رجوع المشتري على البائع الفضول بالغرامات التي لم يصل في مقابلها نفع إلى المشتري.

(١) هذا تقريب الاستدلال بالرواية ، وقد مرّ آنفا.

(٢) أي : إلى المشتري.

(٣) وهما : كون الولد الحرّ نفعا عائدا إلى المشتري ، وعدم كونه نفعا عائدا إليه.

__________________

(*) لا يخفى أنّ الولد الحرّ ليس مالا مملوكا ، لا عرفا ولا شرعا. وعدم جواز بيع الحرّ من أمارات عدم ملكيته ، فالحكم بإعطاء قيمة الولد تعبد محض.

فيحتمل أن يكون رجوع المشتري إلى البائع بتلك القيمة التي أخذها المالك من المشتري حكما تعبديا آخر. فلا وجه للتعدي عن مورده إلى الموارد الأخر ، وأخذ المشتري غير الثمن من غراماته من البائع. وقد تقدم بعض الكلام في وجه ضمان قيمة الولد في بحث المقبوض بالبيع الفاسد ، فراجع (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٩٢ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ٥ ، رواه معاوية بن حكيم عن محمّد بن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٥٣ ـ ٥٥.


يثبت المطلوب (١). مع أنّ (٢) في توصيف قيمة الولد بأنّها «أخذت منه» نوع إشعار لعلّيّة الحكم (٣) ، فيطّرد في سائر ما أخذت منه (٤).

وأمّا السكوت (٥) (*) عن رجوع المشتري إلى البائع في بعض الأخبار ،

______________________________________________________

(١) وهو رجوع المشتري على البائع في الغرامات التي لم يحصل في مقابلها نفع للمشتري.

(٢) هذا وجه آخر لرجوع المشتري على البائع ، وحاصله : أنّ تعليق الحكم على الوصف مشعر بعليته للحكم ، وتوصيف قيمة الولد في الرواية بأنّها «أخذت» منه يشعر بعليّة الأخذ من المشتري للحكم برجوع المشتري على البائع ، فهذا التعليق يقتضي اطّراد حكم رجوع المشتري على البائع في كلّ ما يؤخذ منه ، سواء وصل إليه نفع في مقابل ما يغرمه ، كما في القسم الثاني ، أم لا كما في القسم الثالث الذي هو مورد البحث.

(٣) وهو جواز رجوع المشتري إلى البائع.

(٤) كذا في نسخ الكتاب ، والمناسب «ما أخذ منه».

(٥) هذا إشارة إلى ما اختاره صاحب الحدائق من اختصاص ضمان البائع الفضول ـ لما اغترمه المشتري ـ بالثمن دون سائر الغرامات ، سواء وصل بإزائها نفع إلى المشتري ، كما إذا استوفى منافع المبيع كاللبن والصوف ، أم لا كعمارته وتنقية أنهاره.

واستدلّ المحدّث البحراني على مختاره بسكوت بعض الأخبار عن رجوع المشتري ـ في غير الثمن ـ إلى البائع ، مع كونه في مقام البيان. وتوضيحه : أنّه رحمه‌الله نقل عن الأصحاب : رجوع المشتري على البائع بالثمن وبما اغترمه على المبيع من

__________________

(*) يمكن أن يكون السكوت عن رجوع المشتري إلى البائع لأجل الجهل بالبائع ، وعدم معرفته. ومع الغضّ عنه ـ وتسليم كون السكوت في مقام البيان من هذه الجهة ـ يقال : إنّ غايته أن يكون ظاهرا في ذلك ، والأدلة الدالة على جواز الرجوع إلى البائع إمّا نصّ في جواز الرجوع ، وإمّا أظهر من ظهور السكوت في عدمه. ومقتضى حمل الظاهر على النص أو الأظهر هو تقييد الإطلاق ، والحكم بجواز رجوع المشتري على البائع الفضولي بجميع الغرامات الواردة عليه من ناحية بيع الفضول.


فهو (١) لعدم كونه (٢) مسوقا لذلك (٣) ، كرواية زرارة «في رجل اشترى من سوق المسلمين جارية ، فخرج بها (٤) إلى أرضه ، فولدت منه أولادا ، ثمّ أتاها من يزعم

______________________________________________________

نفقة ونحوها. ثم اعترض عليهم بقوله : «وأنت خبير بأنّ رواية زريق المتقدمة قد صرّحت بأنّ الرجوع بما غرمه على ذلك المبيع إنّما هو على المالك ، لا على البائع ، وإنّما يرجع بالثمن خاصة».

ثم نقل المحدث البحراني كلام الشهيد الثاني ـ القائل بالرجوع على البائع بما أنفق على المبيع من دون أن ينتفع به ـ واعترض عليه بقوله : «وفيه : أنّ المستفاد من الخبر المذكور ، وقوله فيه : ـ تصنع أن ترجع بمالك على الورثة ، وتردّ المعيشة على صاحبها ـ أنّ الرجوع على البائع إنّما هو بالثمن خاصة. والمقام مقام بيان ، مع حكمه عليه‌السلام في الخبر برجوع المالك على المشتري بعوض المنافع. فلو كان للمشتري الرجوع بها على البائع ، لذكره عليه‌السلام ، مع ذكره أخيرا أنّ المشتري يرجع بما أنفقه على المالك ، لا على البائع» (١).

ومحصّله : أنّ السكوت عن ضمان البائع لما أنفقه المشتري على المبيع ـ مع كون الامام عليه‌السلام في مقام البيان ـ دليل على عدم ضمانه له ، فلا وجه لحكمهم بجواز رجوع المشتري على البائع الفضولي في تلك النفقة.

(١) هذا جواب «وأمّا» وردّ لما اختاره في الحدائق ، وحاصله : أنّه ليست روايتا زرارة وزريق في مقام بيان وظيفة المشتري مع البائع ، بل في مقام بيان وظيفة المشتري مع المالك ، فلا تدلّان على عدم جواز رجوع المشتري إلى البائع حتى يقال : بعدم رجوع المشتري إلى البائع إلّا في خصوص الثمن ، دون سائر الغرامات التي يتحمّلها المشتري.

فسكوت الروايتين ـ يعني عدم تعرضهما لجواز رجوع المشتري إلى البائع ـ إنّما هو لعدم كونهما في مقام البيان من هذه الجهة. ولو فرض إطلاقهما يرفع اليد عنه بتقييده بسائر الروايات الدالّة على ضمان البائع الفضولي لغرامات المشتري.

(٢) أي : لعدم كون بعض الأخبار مسوقا .. إلخ.

(٣) أي : لرجوع المشتري إلى البائع الفضولي.

(٤) أي : بالجارية ، وضميرا «أرضه ، منه» راجعان إلى «رجل».

__________________

(١) الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٢٩٣ و ٢٩٤.


أنّها له ، وأقام على ذلك البيّنة. قال (١) : يقبض ولده ، ويدفع إليه الجارية ، ويعوّضه من قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها» (١).

ورواية زريق ، قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام يوما إذ دخل عليه رجلان ، فقال : أحدهما : إنّه كان عليّ مال لرجل من بني عمّار ، وله بذلك ذكر حقّ (٢) وشهود ، فأخذ المال ، ولم أسترجع (٣) عنه الذكر بالحقّ ، ولا كتبت عليه كتابا ، ولا أخذت منه براءة بذلك. وذلك (٤) لأنّي وثقت به ، وقلت له : مزّق الذّكر بالحقّ الذي عندك.

فمات (٥) وتهاون بذلك ولم يمزّقه (٦). وعقيب (٧) هذا طالبني بالمال ورّاثه ، وحاكموني وأخرجوا بذلك ذكر الحقّ (٨) ، وأقاموا العدول ، فشهدوا عند الحاكم ،

______________________________________________________

(١) أي : قال الامام الصادق عليه‌السلام : يقبض الرجل المشتري ولده ، لأنّه حرّ ، ويدفع الجارية إلى من يزعم أن الجارية له ، ويدفع إليه أيضا قيمة ما أصاب المشتري من لبن الجارية وخدمتها.

(٢) هذه الكلمة كناية عن مكتوب يكون وثيقة وحجة على ثبوت المال بعهدة الرجل المديون.

(٣) في الوسائل : «ولم استرجع منه» يعني : ولم أستردد من الدائن ذلك المكتوب ، حتى يكون حجة لي على أداء الدين.

(٤) يعني : أنّ سبب عدم استرداد المكتوب وعدم أخذ وثيقة من الدائن ـ على وصول حقّه إليه ـ هو وثوقي واعتمادي عليه بأنّه يمزّق ذلك المكتوب ويعدمه.

(٥) كذا في نسخ الرواية ، والمناسب : «فتهاون بذلك ولم يمزقه ومات».

(٦) في الوسائل : «ولم يمزقها ، وعقب هذا إن طالبني ..».

(٧) منصوب على الظرفيّة يعني : وفي عقيب موت الدائن طالبني بذلك المال ورّاث الدائن ، وأخرجوا ذكر الحقّ لأجل إثبات مطالبتهم.

(٨) في الوسائل : «بذلك الذّكر بالحقّ».

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٩٢ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ٤.


فأخذت بالمال ، وكان المال كثيرا ، فتواريت (١) عن الحاكم ، فباع عليّ قاضي الكوفة معيشة لي ، وقبض القوم المال. وهذا رجل من إخواننا ابتلي بشراء معيشتي من القاضي.

ثمّ إنّ ورثة الميّت أقرّوا أنّ أباهم (٢) قد قبض المال ، وقد سألوه أن يردّ عليّ معيشتي ، ويعطونه الثمن (٣) في أنجم معلومة ، فقال (٤) : إنّي أحبّ أن تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذا.

فقال الرجل ـ يعني المشتري ـ : كيف أصنع؟ جعلت فداك. قال (٥) : تصنع أن ترجع بمالك على الورثة ، وتردّ المعيشة إلى صاحبها وتخرج يدك عنها».

قال (٦) : فإذا فعلت ذلك ، له أن يطالبني بغير هذا؟ قال : نعم ، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلّة (٧) من (٨) ثمن الثمار ، وكلّ ما كان مرسوما (٩) في المعيشة يوم

______________________________________________________

(١) هذا هو الصحيح ، كما حكاه مصحّح الوسائل عن المجالس والأخبار ، لا ما في الوسائل من قوله : «فتوارثت من الحاكم».

(٢) في الوسائل : «أن المال كان أبوهم قد قبضه».

(٣) هذه الكلمة غير مذكورة في الوسائل.

(٤) يعني : فقال الرجل الذي اشترى المعيشة : إنّي أحبّ .. إلخ.

(٥) في الوسائل : «جعلني الله فداك : كيف أصنع؟ فقال : تصنع ..».

(٦) وفي الوسائل : «فإذا أنا فعلت» يعني : قال مشتري المعيشة : فإذا فعلت ذلك ـ أي : رددت المعيشة على صاحبها ـ هل له أن يطالبني بغير ردّ المعيشة؟ قال الإمام عليه‌السلام : نعم ، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلّة.

(٧) بفتح الغين : الدخل ، من كراء وأجر غلام وفائدة أرض ، ونحو ذلك (١).

(٨) لفظة «من» غير مذكورة في الوسائل.

(٩) يعني : يجب ردّ كل ما كان ثابتا وموجودا في المعيشة يوم الاشتراء.

__________________

(١) مجمع البحرين ، ج ٥ ، ص ٤٣٧.


اشتريتها ، يجب أن تردّ ذلك ، إلّا (١) ما كان من زرع زرعته أنت (٢) ، فإنّ للزارع إمّا قيمة الزرع ، وإمّا أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع. فإن لم يفعل (٣) كان ذلك له ، وردّ عليك القيمة ، وكان الزرع له.

قلت : جعلت فداك ، فإن كان هذا (٤) قد أحدث فيها بناء أو غرسا (٥)؟ قال : (٦) له قيمة ذلك ، أو يكون ذلك المحدث (٧) بعينه يقلعه ويأخذه.

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّه ـ بناء على كون الأصل في الاستثناء الاتّصال ـ استثناء من «ما» في قوله عليه‌السلام : «ما أخذت من الغلّة» فالمراد : أنّ لصاحب المعيشة أن يأخذ منك كلّ ما أخذته من الغلّة ، إلّا ما كان من زرع زرعته.

ويحتمل كونه استثناء من : «ذلك» في قوله عليه‌السلام : «يجب أن تردّ ذلك» حتى يكون استثناء منقطعا. لكنّه بعيد ، لكونه خلاف الأصل ومحتاجا إلى القرينة. والأقربيّة في العبارة لا تكون قرينة على ارتكاب خلاف الأصل.

(٢) المراد بالمخاطب هو الرجل المشتري للمعيشة ، وزرعه يكون بعد الاشتراء.

(٣) كذا في الوسائل أيضا ، وفي نسخ الكتاب «فإن لم يفعل ذلك كان ذلك» يعني : فإن لم يصبر صاحب المعيشة إلى وقت الحصاد ـ حتى يكون الزرع لزارعه وهو مشتري المعيشة ـ كان ذلك أي : عدم الصبر حقّا لصاحب المعيشة ، ولكن عليه حينئذ ردّ قيمة الزرع على المشتري الزارع ، ويصير الزرع ملكا لصاحب المعيشة.

والحاصل : أنّه مع صبر مالك المعيشة إلى زمان الحصاد يبقى الزرع على ملك المشتري الزارع. ومع عدم صبر المالك إلى زمان الحصاد يردّ قيمة الزرع على المشتري ، ويصير صاحب المعيشة مالكا للزرع.

(٤) يعني : إن كان المشتري قد أحدث في المعيشة بناء أو غرسا ، فهل يكون مضمونا على المالك أم لا؟

(٥) في الوسائل : «فيها بناء أو غرس» والأولى ما في المتن.

(٦) يعني : قال الامام عليه‌السلام : للمشتري قيمة ذلك البناء أو الغرس على صاحب المعيشة ، أو قلع المشتري نفس البناء أو الغرس ، وأخذه.

(٧) الظاهر أنّه اسم مفعول ، يعني : أنّ للمشتري أخذ القيمة ، أو قلع العين وأخذها.


قلت (١) : أرأيت إن كان فيها غرس أو بناء ، فقلع الغرس وهدم البناء؟ فقال : يردّ ذلك إلى ما كان ، أو يغرم القيمة لصاحب الأرض.

فإذا (٢) ردّ جميع ما أخذ من غلّاتها على (٣) صاحبها ، وردّ البناء والغرس وكلّ محدث إلى ما كان ، أو ردّ القيمة كذلك ، يجب (٤) على صاحب الأرض [أن يردّ عليه] (٥) كل ما خرج منه في إصلاح المعيشة ، من (٦) قيمة غرس ، أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة ، ودفع النوائب.

______________________________________________________

(١) هذا كلام صاحب المعيشة ، وغرضه استعلام حكم قلع الغرس وهدم البناء ، مع استلزامهما لحفرة الأرض أو وقوع التراب وغيرهما. فأجاب عليه‌السلام : بأنّ المشتري يردّ ذلك إلى حالتها الأوّليّة ، أو يغرم أجرة إصلاح الأرض لصاحب المعيشة.

(٢) يعني : فإذا ردّ المشتري جميع ما أخذه من عائدات المعيشة على صاحبها ، وردّ البناء والغرس وكلّ محدث أحدثه صاحب المعيشة قبل زمان الاشتراء ، أو ردّ قيمة الغرس والبناء ونقص الأرض الحاصل بهما ، وجب على صاحب الأرض أيضا أن يردّ على المشتري جميع ما صرفه في إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء ، أو نفقة في إصلاح المعيشة كبناء قنطرة أو تنقية نهر ، ورفع موانع الزرع والشجر من أعداد الأرض لهما كقتل الحيوانات المؤذية ونحو ذلك. فإنّ كل هذه الخسارات مردودة إلى المشتري.

لكن هذا مقيّد بأن لا يكون عالما بعدم مالكية الورّاث البائعين للمعيشة ، إذ مع العلم ببطلان البيع لا يستحقّ ما خرج منه في إصلاح المعيشة إلّا عين ماله ، دون عمله الذي أوجب زيادة قيمة المعيشة كتهذيب الأرض ورفع موانع الزرع ، كما قرّر ذلك في كتاب الغصب.

(٣) في الوسائل : «إلى صاحبها» وهو متعلق ب «ردّ».

(٤) جواب «فإذا» وضمير «عنه» راجع إلى المشتري.

(٥) كذا في نسخ الكتاب ، والأولى ما في الوسائل من قوله عليه‌السلام : «أن يرد عليه كما [كلّ ما] خرج ..».

(٦) بيان للموصول في قوله «ما خرج».


كلّ ذلك (١) مردود إليه» (١).

وفيه (٢) ـ مع أنّا نمنع ورودهما (٣) إلّا في مقام حكم المشتري مع المالك ـ أنّ (٤) السكوت في مقام البيان لا يعارض الدليل.

______________________________________________________

(١) في الوسائل : «كل ذلك فهو ..» يعني : كلّ ما خرج من المشتري مردود إليه ، بشرط جهله ببطلان البيع كما مرّ آنفا.

والاستشهاد بهذه الرواية إنّما هو بعدم تعرّضها لرجوع المشتري إلى البائع في ما اغترمه المشتري للمالك ، وسكوتها عنه.

(٢) هذا جواب عمّا أفاده صاحب الحدائق ، وقد أجاب عنه بوجوه ، بعضها مشترك بين روايتي زرارة وزريق ، وبعضها مختص بإحداهما ، كما سيظهر.

الأوّل : أنّا نمنع ورود الروايات في مقام بيان حكم المشتري مع البائع ، حتى يكون السكوت بيانا ودالّا على عدم الرجوع إليه في غير الثمن من الغرامات ، بل هي في مقام بيان حكم المشتري مع المالك.

(٣) كذا في النسخة المصحّحة المعتمد عليها ، فمرجع الضمير روايتا زرارة وزريق. وفي كثير من النسخ بأفراد الضمير ، فمرجعه الرواية. والأولى بملاحظة ما يأتي من قوله : «مع أن رواية زرارة» تثنية الضمير ، لتختص رواية زرارة بالإشكال الآتي.

(٤) هذا هو الوجه الثاني ، ومحصله : أنّه بعد تسليم كون السكوت هنا في مقام البيان من هذه الجهة ـ أي : حكم المشتري مع البائع ـ نقول : إنّ السكوت لا يعارض الدليل ، لأنّ بيانية السكوت منوطة بجريان مقدمات الحكمة فيه ، التي منها عدم البيان على خلاف ما يقتضيه السكوت ، ومع وجود البيان على خلافه لا يكون السكوت بيانا. فحينئذ لا مانع من دلالة ما دلّ على ضمان البائع الغرامات المشتري التي لم يصل إليه في مقابلها نفع.

وهذا الجواب يستفاد من صاحب الجواهر أيضا في مقام الإيراد على صاحب الحدائق ، حيث قال : «وأعمية مثل هذا الاقتصار فيه ـ أي في خبر زريق ـ من عدم

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٥٣ ، الباب ٣ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ١ ، رواه عن شيخ الطائفة في المجالس والأخبار بإسناده عن زريق ، راجع الأمالي ، ص ٧٠٧.


مع أنّ (١) رواية زرارة ظاهرها عدم التمكّن من الرجوع إلى البائع.

مع أنّ (٢) البائع في قضيّة زريق هو القاضي ، فإن كان قضاؤه صحيحا لم يتوجّه إليه غرم ، لأنّ الحاكم من قبل الشارع ليس غارّا من جهة حكمه على طبق البيّنة المأمور بالعمل بها (*).

______________________________________________________

الرجوع» (١).

(١) هذا وجه ثالث لردّ كلام الحدائق ، وحاصله : أنّه يمكن أن يكون وجه السكوت في رواية زرارة عدم تمكّن المشتري من الرجوع إلى البائع ، لعدم معرفته. حيث إنّه اشترى الجارية من سوق المسلمين ، ولم يظهر مالكها إلّا بعد مدّة ولدت الجارية فيها من المشتري أولادا. ولعلّ ذلك البائع الفضولي لم يكن من أهل سوق ذلك البلد ، وكان من خارج ذلك القطر ، فمعرفة البائع بعد هذه المدة الطويلة مشكلة وغير ميسورة عرفا. ولذا سكت الإمام عليه‌السلام عن الرجوع إلى البائع. ومن المعلوم أنّ مثل هذا السكوت ليس بيانا للوظيفة ، وهي عدم الرجوع إلى البائع.

(٢) هذا وجه رابع لتضعيف كلام الحدائق ومختص برواية زريق ، وحاصله : أنّ البائع في قضية زريق هو القاضي ، إذ فيها «فباع عليّ قاضي الكوفة معيشتي». وحينئذ فإن كان قضاء ذلك القاضي صحيحا ـ أي مطابقا لموازين القضاء ـ لم تتوجّه عليه غرامة ، إذ المفروض أنّ حكمه وقع على طبق البينة التي أمر بالعمل بها في مسألة القضاء ، فلا يكون غارّا.

__________________

(*) إن لم يتوجّه عليه غرم من جهة عدم كونه غارّا ، على ما قيل. وإن لم يخل عن إشكال ، لعدم ثبوت اعتبار علم الغارّ بكون ما يدفعه إلى الغير ملكا لغيره. ولذا لم يفصّلوا في مسألة من قدّم طعام الغير للآخر ليأكله ، وقالوا بضمان المقدّم إذا رجع المالك إلى الآكل ، فإنّ الأكل يرجع إلى المقدم ، من غير تفصيل بين علم المقدم بأنّ الطعام ملكه أو ملك غيره ، وبين عدم علمه بذلك.

بل عن بعضهم التصريح بالتعميم ، وعدم الفرق في ضمان المقدّم بين علمه بكون الطعام مال نفسه ومال غيره. قال المحقق قدس‌سره في ما لو قدّم الغاصب المأكول المغصوب إلى

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٣.


وإن كان قضاؤه باطلا كما هو الظاهر (١) ، فالظاهر (٢) علم المشتري ببطلان قضاء المخالف وتصرّفه في أمور المسلمين ، فهو عالم بفساد البيع (*)

______________________________________________________

وإن كان قضاؤه باطلا كما هو الظاهر ، لأنّه من قضاة خلفاء الجور الغاصبين لحقوق الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، فالظاهر أنّ المشتري عالم بفساد البيع ، لبطلان قضاء قاضي المخالفين ، فلا رجوع له على البائع.

وقد نبّه في الجواهر على أوّل شقّي هذا الجواب ـ وهو أهلية القاضي للترافع إليه ـ فقال بعد نقل الخبر : «وهو كما ترى لا غرور فيه ، ضرورة معذورية القاضي والشهود والورثة ، وأقصاه ظهور الخطأ في حكم القاضي الذي قد باشر البيع ، وهو لا يقضي بتغريمه» (١).

(١) لما مرّ آنفا من أن القضاة في ذلك العصر كانوا منصوبين من قبل خلفاء الجور.

(٢) جواب قوله : «وان كان».

__________________

غير المالك ليأكله : «وإن أطعمه غيره ، قيل : يغرّم أيّهما شاء ، لكن إن أغرم الغاصب لم يرجع إلى الآكل. وإن أغرم الآكل رجع الآكل على الغاصب ، لغروره. وقيل : يضمن الغاصب من رأس» ).

وكيف كان فالحاكم ضامن ، وإن لم يكن من جهة الغرور ، بل من حيث إنّ خطأ القضاة في بيت مال المسلمين. فمجرّد مطابقة حكم القاضي لموازين القضاء لا يرفع ضمانه ، غاية الأمر أن ضمانه ليس في كيسه ، بل في بيت مال المسلمين.

(*) لكن يشكل مع هذا العلم أن يحكم على مالك المعيشة بجبر ما اغترمه المشتري في إصلاحها وإعدادها للزرع ، لأنّه مع العلم ببطلان البيع يكون غاصبا للمعيشة ، وليس له الرجوع إلى المالك بأخذ ما صرفه في إصلاحها ، إذ ليس لعرق الظالم حقي. فجواز رجوع المشتري على مالك المعيشة بأخذ ما صرفه في إصلاحها قرينة جليّة على جهل المشتري ببطلان البيع ، ولذا دلّت الرواية على جواز رجوع المشتري على المالك ، وأخذ ما صرفه في إصلاح المعيشة من مالكها.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٣.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٢٤٢ ، جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٤٥.


فلا (١) رجوع له.

وأمّا الثاني (٢) ـ وهو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من (٣) المنافع والنماء ـ ففي الرجوع بها (٤) خلاف (٥) ، أقواها (٦) الرجوع ، وفاقا للمحكيّ (٧) عن

______________________________________________________

(١) هذه نتيجة علم المشتري بفساد البيع ، إذ مع هذا العلم لا وجه لرجوعه إلى البائع الذي هو شخص القاضي. وضميرا «فهو ، له» راجعان إلى المشتري.

٢ ـ ما يغرمه المشتري قبال المنافع المستوفاة

(٢) لمّا انتهى بحث القسم الثالث من الغرامات ـ وهو الغرامات التي يغترمها المشتري للمالك من دون حصول نفع له في مقابلها ـ شرع في بيان حكم القسم الثاني ، وهو ما يحصل للمشتري نفع في مقابل تلك الغرامات ، كانتفاعه باللبن والصوف ونحوهما. ففي رجوع المشتري بها إلى البائع خلاف بين الفقهاء قدس‌سرهم.

ويعتبر في هذا البحث ما تقدّم الإشارة إليه في صدر المسألة ـ عند ما يردّ المالك هذا البيع الفضولي ولم يجزه ـ من جهل المشتري بعدم مالكية البائع للمبيع.

(٣) بيان للنفع الواصل إلى المشتري ، وضمير «إليه» راجع الى المشتري.

(٤) أي : ففي الرجوع على البائع الفضولي بالغرامات التي اغترمها المشتري للمالك في مقابل النفع الواصل إليه خلاف.

(٥) مبتدء مؤخر ، وخبره : «ففي الرجوع» والجملة جواب الشرط في قوله : «وأمّا الثاني».

(٦) المذكور في النسخ التي ظفرت بها «أقواها» بالضمير المؤنث ، لكن قيل : «إنّ الصواب «أقواهما» بضمير التثنية ، لما يقال من : أنّ في المسألة قولين لا أكثر.

وفيه ما ذكرناه في التعليقة ، فراجع.

(٧) الحاكي هو السيد العاملي قدس‌سره ، وقد نقل قولين عن المبسوط ، أحدهما : عدم رجوع المشتري بما اغترم في قبال منفعة استوفاها من المبيع. والآخر : الرجوع.

فقال في شرح عبارة القواعد : «وفي رجوع المشتري بقيمة منفعة استوفاها خلاف» ما لفظه : «فالشيخ في الخلاف والمبسوط في موضع منه ، والآبي في كشف الرموز ،


المبسوط والمحقّق والعلّامة في التجارة (١) ، والشهيدين ،

______________________________________________________

وشيخنا في الرياض ، وظاهر السرائر : أنّه لا يرجع» (١) الى أن قال : «والشيخ في المبسوط في موضع آخر ، والمحقق في تجارة النافع ، وظاهر تجارة الشرائع وفخر الإسلام في الإيضاح وشرح الإرشاد ، والشهيدان في الدروس والمسالك والروضة ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ، والمقدس الأردبيلي ، والمصنف في ظاهر تجارة الكتاب ، والمقداد ، وأبو العباس في المقتصر .. أنه يرجع به. وفي التنقيح : أنّ عليه الفتوى. وهو قضية إطلاق الباقين» (٢) إلى أن قال : «ولا ترجيح في غصب النافع والتذكرة والتحرير والتبصرة ، والمهذب البارع ، والمسالك ، والكفاية. ولا في تجارة التذكرة والتحرير ونهاية الأحكام والإرشاد».

ونقل هذين القولين عن الشيخ فخر المحققين والفاضل المقداد أيضا (٣).

أمّا قول الشيخ بعدم الرجوع فمصرّح به في موضعين من المبسوط. وأمّا قوله بالرجوع فلم أظفر به بعد ملاحظة كتابي البيع والغصب بتمامهما. لكن نسبه إليه صاحب كشف الظلام كما في مفتاح الكرامة أيضا. وقد نسب جمع القول بعدم الرجوع إلى الشيخ كالعلامة والشهيد الثاني وأصحاب الكفاية والرياض والمستند (٤).

(١) التقييد بالتجارة لأجل اختلاف نظر العلّامة ـ وكذا المحقق ـ في كتابي التجارة

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٣٠١ ، ونحوه في ج ٤ ، ص ١٩٩ ، ولاحظ : المبسوط ، ج ٣ ، ص ٦٩ و ٧١ وأحال على هذين الموضعين في ص ١٠٢ ، وكذلك في الخلاف ، ج ٣ ، ص ٤٠٣ ، ووافقه ابن إدريس في السرائر ، ج ٢ ، ص ٣٢٥ و ٤٩٣ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ، ج ٢ ، ص ٣٨٤ ، والسيد الطباطبائي في رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٣٠٧.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٣٠١ ، ولاحظ : شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٤ ، إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ١٩١ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١١٥ ، جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٢٣٦ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٠ ، وج ١٢ ، ص ٢٢٧ و ٢٢٨ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٣٨ ، مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٦٤ ، التنقيح الرائع ، ج ٤ ، ص ٧٥ ، ولم أجده في ظاهر تجارة المختصر النافع ، ولا بد من مزيد التتبع والتأمّل.

(٣) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ١٩١ ، التنقيح الرائع ، ج ٤ ، ص ٧٥.

(٤) لاحظ المختلف ، ج ٥ ، ص ٥٦ ، مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ٢٢٧ ، كفاية الأحكام ، ص ٢٠ ، رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٣٠٧ ، مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٩٦.


والمحقّق الثاني وغيرهم (١). وعن التنقيح : «أنّ عليه (٢) الفتوى» (*) لقاعدة الغرور (٣) المتّفق عليها ظاهرا

______________________________________________________

والغصب ، قال في غصب القواعد : «ويرجع المشتري الجاهل على الغاصب بما يغرمه ممّا ليس في مقابلته نفع .. وفي رجوعه بما حصل له نفع في مقابلته .. نظر ، ينشأ من ضعف المباشر بالغرور ، ومن أولوية المباشر» (١).

لكنه في كتاب البيع حكم برجوع المشتري على البائع بالغرامة ، وظاهر إطلاقه جواز الرجوع في كلا القسمين أي ما انتفع به وما لم ينتفع. قال قدس‌سره : «ويرجع المشتري على البائع بما دفعه ثمنا ، وما اغترمه من نفقة أو عوض عن اجرة أو نماء ، مع جهله ..» (٢)

وقد أشار السيد العاملي قدس‌سره إلى اختلاف رأي المحقق أيضا في عبارته المتقدمة ، فلاحظها.

(١) كفخر المحققين والفاضل المقداد والمحقق الأردبيلي وابن فهد ممّن أشير إليه في عبارة السيد العاملي قدس‌سرهم.

(٢) أي : أنّ على الرجوع الفتوى. وهذا ظاهر في الإجماع ، فكأنّ عدم الرجوع غير معهود وممّا لم يفت به أحد. هذا ما نسبوه إلى التنقيح ، والموجود فيه بيان وجهين لقولي الشيخ قدس‌سره ثم قال : «فالفتوى على الثاني» (٣) ، ودلالته على الإجماع غير واضحة.

(٣) فإنّ «الغارّ» يصدق على البائع الفضول ، كصدقه على مقدّم طعام غيره لآخر

__________________

(*) وهذا قول ثالث للفاضل النراقي قدس‌سره ، وهو التفصيل بين علم البائع بأنّ المبيع ملك الغير ، فيرجع المشتري بالغرامات عليه. وبين جهله به فلا يرجع بها على البائع (٤).

ويظهر من وجود هذا القول صحة قول المصنف قدس‌سره : «أقواها» بالضمير المؤنث ، لا الضمير المثنّى. لكنّه مع ذلك لا تخلو العبارة من المسامحة ، فلعلّ الأولى أن يقال : «أقواه» أي : أقوى الخلاف ، لذكر المرجع حينئذ صريحا.

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٣٨ و ٢٣٩.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩ ، شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٤ وج ٣ ، ص ٢٤٦ بناء على وجود جملة «وهو أشبه» ولولاها كان المحقق قدس‌سره مترددا في باب الغصب كتردده في المختصر النافع ، ص ٢٧٥ ، فلاحظ.

(٣) التنقيح الرائع ، ج ٤ ، ص ٧٥.

(٤) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٩٦.


في من قدّم مال الغير إلى غيره الجاهل ، فأكله (١).

ويؤيّده (٢) قاعدة نفي الضرر ، فإنّ (٣) تغريم من أقدم على إتلاف شي‌ء من

______________________________________________________

جاهل بالحال. ومقتضى إطلاقهم ـ بل تصريح بعضهم ـ عدم اعتبار علم الغارّ بكون المال الذي يصرفه المغرور ملكا لغير الغارّ ، فيجوز لمالك الطعام الرجوع إلى المقدّم أو الآكل ، وإذا رجع إلى الآكل رجع هو إلى المقدّم.

(١) ظاهر عبارة التذكرة الإجماع على ضمان الغاصب دون الآكل الجاهل بالغصب ، لقوله فيما إذا قدّم الغاصب الطعام إلى غير المالك ، فأكله ـ بعد نقل قولين من العامة ـ «والثانية : يستقرّ الضمان على الغاصب ، لأنّه غرّه ، وأطعمه على أن لا يضمنه. وهو الّذي يقتضيه مذهبنا» (١).

وقال السيد العاملي قدس‌سره : «فالضمان على الغاصب بلا خلاف منّا فيما أجد ..» (٢).

(٢) يعني : وتؤيّد قاعدة الضرر رجوع المشتري على البائع بما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه.

(٣) هذا تقريب التأييد ، وهو مؤلّف من مقدّمات تنتج ضمان البائع الفضولي استنادا إلى قاعدة نفي الضرر.

الاولى : أنّ المشتري المستوفي لمنفعة المبيع مغرور ، قد غرّه البائع ، حيث مكّنه من الانتفاع بنماء المبيع بزعم كون النماء للمشتري مجانا.

الثانية : أنّ المفروض تسالمهم على ضمان المشتري لمالك المبيع عوض المنفعة المستوفاة ، وليس للمشتري التفصّي منه بجعل البائع ضامنا للمالك.

الثالثة : أنّ الحكم بتحمّل المشتري للغرامة ـ مع عدم جواز رجوعه على البائع الغارّ في ما اغترمه للمالك ـ ضرر عظيم عليه.

وبما أنّ الضرر منفي في الشريعة المقدسة ، فالمتعيّن الحكم بضمان البائع الفضولي ، وجواز مطالبة بدل تلك الغرامة منه حتى لا يتضرّر المشتري.

فإن قلت : لا موضوع لقاعدة نفي الضرر في المقام ، لأنّ مفروض الكلام في القسم

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٣٧٨ ، السطر ١٤.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٣٠.


دون عوض مغرورا (١) من آخر ـ بأنّ (٢)

______________________________________________________

الثاني هو انتفاع المشتري بنماء المبيع كسكنى الدار ، ولبن الشاة وصوفها ، ومن المعلوم أنّ دفع بدلها إلى المالك لا يوجب نقصا في مال المشتري حتى يتمسّك بقاعدة نفي الضرر لتضمين البائع الفضولي.

قلت : بل يصدق الضرر حتى مع فرض وصول عوض تلك الغرامة إلى المشتري باستيفاء منفعة المبيع. والوجه في صدق الضرر أنّ المشتري لو كان عالما بأنّ هذا الانتفاع يستتبع غرامة لم يقدم عليه. وعليه فلا يندفع ضرر المشتري إلّا بالرجوع إلى البائع الغارّ. هذا تقريب التأييد.

ولعلّ وجه التعبير بالتأييد دون الدلالة ـ مع فرض صدق الضرر العظيم على ما اغترمه المشتري ـ هو : أنّ الاستدلال بقاعدة نفي الضرر والضرار يتوقف على أمرين ، كلاهما غير ثابت.

الأوّل : كون القاعدة مشرّعة للضمان ، بأن يقال : انّ مفاد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا ضرر» نفي الضرر والإضرار في وعاء التشريع. وصدق هذا النفي كما يكون منوطا بنفي الحكم الضرري ، بتقييد إطلاق الأدلة فيما ترتّب الضرر على الحكم كوجوب الوضوء ولزوم البيع الغبني ، فكذا يكون منوطا بعدم تجويز إلقاء الغير في الضرر من دون جبرانه ببدل ، إذ لو جاز الإضرار بالغير بلا تدارك لم يصدق نفي الضرر شرعا بقول مطلق ، لكونه موجودا حسب الفرض ، وإعدام الضرر شرعا موقوف على جعل الضمان.

وهذا الأمر قد تقدّم منعه في قاعدة لا ضرر ، وأنّها نافية للحكم ، وليست مثبتة له.

الثاني : كون الغار سببا للخسارة الواردة على المغرور ، حتى يجوز الرجوع بها على البائع بمناط تسبيبه لتضرر المشتري. وهذا أيضا محل تأمل ، لعدم ترتب الغرامة على نفس البيع ، وليس المقام نظير تقديم الطعام المغصوب إلى شخص جاهل بالحال ، وسيأتي توضيح ضابطة ضمان التسبيب ، فانتظر.

(١) حال من فاعل «أقدم» والمراد بالمقدّم هو المشتري.

(٢) متعلق ب «مغرورا» وضمير «له» راجع الى «من» في قوله «من أقدم» المراد به المشتري.


له ذلك (١) مجّانا ، من دون (٢) الحكم برجوعه إلى من غرّه في ذلك (٣) ـ ضرر (٤) عظيم (*). ومجرّد (٥) رجوع عوضه (٦) إليه لا يدفع الضرر (٧).

وكيف كان فصدق الضرر وإضرار الغارّ به ممّا لا يخفى (٨). خصوصا (٩) في بعض الموارد.

______________________________________________________

(١) أي : له ذلك الشي‌ء مجّانا ، من دون الحكم برجوع المغرور ـ وهو المشتري ـ إلى من غرّه وهو البائع.

(٢) متعلق ب «تغريم» أي : تغريم المشتري من دون الحكم بجواز رجوعه .. إلخ.

(٣) أي : في إتلاف شي‌ء من دون عوض ضرر عظيم.

(٤) خبر قوله : «فإنّ تغريم».

(٥) مبتدء ، خبره قوله : «لا يدفع الضرر» وهذا إشارة إلى وهم ودفعه ، وقد تقدم توضيحهما بقولنا : «فإن قلت .. قلت» فراجع.

(٦) أي : عوض ما اغترمه المشتري للمالك ، والمراد بالعوض هو منفعة المبيع ، كالثمرة التي أكلها المشتري ، أو اللّبن الذي شربه ، أو سكنى الدار ، فإنّها عوض الغرامة التي اغترمها للمالك.

(٧) وهو ما اغترمه المشتري للمالك بإزاء ما استوفاه من منافع المبيع.

(٨) إذ لو لم يبع البائع الفضول لم يقع المشتري في الغرامات والخسارات.

(٩) كما إذا استوفى المشتري منافع المبيع فضولا في غير مهمّات معاشه وضروريّاته ، كما إذا ركب السيارة أو الدابة دائرا بهما في الأراضي والبساتين للتنزّه واستنشاق الهواء

__________________

(*) إن كان هذا ضررا عظيما فهو دليل على المطلب ، لا مؤيّد له. وإن لم يكن ضررا فلا وجه لكونه مؤيّدا ، لعدم ارتباطه بالموضوع. والحقّ عدم صدق الضرر مع استيفاء المشتري منافع المبيع فضولا.

نعم يصدق التغرير العظيم ، لا الضرر العظيم الذي هو النقص ، لوضوح عدم النقص المالي بعد فرض استيفاء المنافع ، فيقع التعاوض القهري بين ما استوفاه المشتري من المنافع ، وبين المال الذي أخذه مالك المبيع من المشتري بدلا عن المنافع. فالغرور يوجب عملا لو لم يكن غرور لم يقع ذلك العمل في الخارج ، سواء ترتب ضرر على هذا الغرور أم لا.


فما في الرياض من (١) «أنّه لا دليل على قاعدة الغرور إذا لم ينطبق مع قاعدة نفي الضرر المفقود في المقام ، لوصول العوض إلى المشتري (١)» لا يخلو (٢) عن شي‌ء.

مضافا إلى ما قيل عليه : من (٣) منع مدخليّة الضرر في قاعدة الغرور ، بل هي

______________________________________________________

السالمة عن القذارات ، لا في مهمات أموره وأصول معاشه وقضاء حوائجه ، فإنّ صدق الضرر حينئذ ضروري ، لعدم بذل المال غالبا بإزاء التصرفات غير المقوّمة للمعاش ، فيعدّ بذل المال حينئذ ضررا. بخلاف ما إذا استفاد من المبيع فضولا ما صرفه في أصول معاشه ، ككراء الدابة والسيارة لأجل صرف أجرتهما في ضروريات معاشه ، فلا يعدّ أخذ عوضها ـ بدون إرجاعه إلى الغارّ ـ ضررا.

(١) بيان ل «ما» الموصول ، والفاء للتفريع ، وغرضه الإشكال على السيد صاحب الرياض قدس‌سره ، وحاصل ما أفاده السيد هو : عدم دليل على قاعدة الغرور إن لم تنطبق على قاعدة نفي الضرر الذي هو مفقود في المقام ، إذ المفروض وصول العوض ـ وهو المنفعة ـ إلى المشتري ، لأنّه استوفاها من المبيع الفضولي بإزاء الغرامة التي اغترمها للمالك ، فلا موضوع هنا لقاعدة الضرر ، إذ لا يعدّ إعطاء مال عوضا عن المنفعة التي استوفاها المعطي ضررا. فلا تجري أيضا قاعدة الغرور.

(٢) خبر «ما» الموصول في قوله : «فما في الرياض» وجواب عن إشكال صاحب الرياض ، ومحصل الجواب : وجود كلتا قاعدتي الغرور والضرر هنا. أمّا قاعدة الغرور فلاتّفاق الفقهاء على كون المشتري مغرورا فيما نحن فيه.

وأمّا قاعدة الضرر فلأنّ إتلاف مال الغير مجّانا بسبب تغرير شخص آخر ـ بأن يقول له : تصرّف فيه ، فإنّه لي ، ثم انكشف أنّه للغير ، فطلب ماله وأخذه منه ـ يوجب عدّ هذا الشخص متضرّرا.

فالنتيجة : جواز رجوع المشتري إلى البائع.

(٣) بيان ل «ما» الموصول ، وهذا إشكال آخر من صاحب الجواهر على

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٣٠٧ و ٣٠٨.


مبنيّة على قوّة السبب على المباشر (١).

لكنّه (١) لا يخلو من نظر ، لأنّه إنّما يدّعي اختصاص دليل الغرور من

______________________________________________________

سيد الرياض قدس‌سرهما. وغرض المستشكل إثبات الضمان هنا.

وحاصل الاشكال : أنّ قاعدة الغرور ليست مبنيّة على قاعدة الضرر حتى يقال : انّه لا ضرر هنا ، فلا تجري قاعدة الغرور. بل هي مبنيّة على قاعدة قوّة السبب على المباشر ، والسبب ـ وهو البائع في ما نحن فيه ـ أقوى من المباشر وهو المشتري ، فيرجع على البائع بما اغترمه للمالك عوضا عن منافع المبيع فضولا التي استوفاها ، لأنّه وإن كان مباشرا لما استوفاه من المنافع ، لكنّ البائع الذي هو السبب أقوى من المباشر ، فيرجع المشتري إليه فيما اغترمه للمالك عوضا عن المنافع.

فصاحب الجواهر قدس‌سره قائل بضمان البائع لما اغترمه المشتري بإزاء ما استوفاه من منافع المبيع فضولا ، وردّ هو رحمه‌الله على سيّد الرياض قدس‌سره المنكر لضمان البائع لما اغترمه المشتري للمالك بإزاء المنافع ، استنادا إلى عدم جريان قاعدة الغرور ، لابتنائها على قاعدة الضرر المفقود هنا ، لأنّ غرامة المشتري تكون بإزاء المنافع ، فهذه الغرامة ليست ضررا حتى تجري فيها قاعدة الغرور المبنيّة على الضرر.

(١) أي : لكن ما قيل في الجواهر ردّا على كلام الرياض لا يخلو من نظر وإشكال. توضيحه : أنّ صاحب الرياض لا يدّعي ابتناء قاعدة الغرور على قاعدة الضرر ، حتى يقال : بعدم جريانها في المقام ، لعدم تضرر المشتري ، لوصول عوض غرامته وهو المنافع إليه. وإنّما يدّعي أنّ إهمال دليل قاعدة الغرور ـ أعني به النصوص الخاصة والإجماع ـ يقتضي الاقتصار على القدر المتيقن منهما ، وهو صورة الضرر ، لعدم دلالتهما صريحا على ضمان البائع لجميع ما اغترمه المشتري للمالك.

والأولى نقل كلام الرياض ، فإنّه قدس‌سره بعد حكاية عدم الرجوع عن الشيخ والحلّي ، قال : «وهو أوفق بالأصل ، مع عدم معلومية صلوح المعارض للمعارضة بناء على عدم وضوح دليل على ترتب الضمان على الغارّ بمجرد الغرور وإن لم يلحقه ضرر كما في ما نحن

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٨٣.


النصوص الخاصّة والإجماع بصورة الضرر. وأمّا (١) قوّة السبب على المباشر ، فليست بنفسها دليلا على رجوع المغرور ، إلّا (٢) إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفا إليه كما في المكره (٣) ،

______________________________________________________

فيه بمقتضى الفرض ، لاستيفائه المنفعة في مقابلة ما غرمه. والإجماع على هذه الكلية غير ثابت ، بحيث يشمل نحو مفروض المسألة».

(١) هذا إشكال على صاحب الجواهر المدّعي لضمان البائع لما اغترمه المشتري للمالك ، تمسكا بدليل آخر على الضمان ، وهو قوة السبب على المباشر ، حيث قال ـ بعد المناقشة المتقدمة في كلام صاحب الرياض ـ : «بل هو ـ أي ضمان الغارّ ـ من باب قوّة السبب على غيره ولو المباشرة» (١).

وحاصل إشكال المصنف عليه : أنّ قوّة السبب على المباشر بنفسها لا تصلح لأن تكون دليلا على الضمان ، إلّا إذا كان السبب بمثابة يصحّ أن يستند التلف إليه عرفا.

(٢) فحينئذ تكون قوّة السبب دليلا على الضمان ، لاستناد التلف إلى السبب ، فيكون سبب الضمان على هذا قاعدة الإتلاف.

(٣) فإنّ المكره وإن كان مباشرا للفعل ، لكنه يسند عرفا إلى المكره ، لأنّ التحميل والإكراه أوجبا ضعف استناد الفعل إلى المباشر ، بل لا يصحّ إسناده إلى المكره في بعض الصور كالملجأ ، فيستند الفعل إلى المكره خاصة.

قال في الجواهر ـ في مقام الفرق في استناد الفعل الى المغرور دون المكره ـ ما لفظه : «ولعلّه لعدم صدق (أخذت) الظاهر في الاختيارية عليه ـ أي على المكره ـ بخلاف المغرور. مضافا إلى ظهور رجوع المغرور ـ أي قوله عليه‌السلام : المغرور يرجع على من غرّه ـ في ضمانه وإن رجع هو ..» (٢).

ولعلّ مراد المصنف قدس‌سره من التنظير بالمكره ـ بقرينة المثالين الآخرين ـ هو خصوص الملجإ المسلوب الاختيار. ويحتمل أن يكون مراده مطلق المكره ، فإنّ الفعل

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٨٣.

(٢) المصدر ، ص ٥٧.


وكما في الريح العاصف الموجب للإحراق (١) ، والشمس (٢) الموجبة لإذابة الدهن وإراقتها.

والمتّجه في مثل ذلك (٣) عدم الرجوع إلى المباشر أصلا (٤) كما نسب إلى ظاهر الأصحاب في المكره ، لكون المباشر بمنزلة الآلة (٥). وأمّا في غير ذلك (٦)

______________________________________________________

وإن كان صادرا منه باختياره ، لكن الإكراه يوجب استناده الى المكره ، لقوته ، لا إلى المكره لضعفه.

(١) كما إذا أجّج النار في جهة هبوب الريح العاصف ، فأطارتها الريح إلى دور الجيران ، فأحرقت بعض أموالهم ، فإنّ الإحراق وإن كان فعل النار ، لكنّه يسند إلى المؤجّج الذي هو السبب.

(٢) يعني : وكالشمس ، كما إذا وضع شخص الدّهن الجامد ـ الذي هو مملوك لغيره ـ في الشمس ، فذاب وأريق ، كما إذا كان الدهن الجامد في الظرف المثقوب ، فأذابته الشمس وإراقته. فإنّ الإذابة والإراقة وإن كانتا فعل الشمس ، لكنّهما تسندان إلى واضع الدهن في الشمس. وهذه الأمثلة من صغريات قوّة السبب على المباشر ، بحيث لا يعدّ الفعل من أفعال المباشر ، بل يعدّ من أفعال السبب.

(٣) ممّا يعدّ الفعل من أفعال المباشر دون السبب.

(٤) لعدم كون الفعل مسندا إلى المباشر حتى يكون عليه ضمان.

(٥) في عدم الإرادة والاختيار كالسّكين ، فإنّه وإن كان قاطعا ، لكنّه لمّا كان بغير إرادة وشعور لم يستند الفعل إليه.

والناسب إلى ظاهر الأصحاب صاحب الجواهر في شرح قول المحقق قدس‌سره : «ولا يضمن المكره المال وإن باشر الإتلاف. والضمان على من أكرهه ، لأنّ المباشرة ضعفت مع الإكراه ، فكان ذو السبب هنا أقوى» (١) فراجع.

(٦) يعني : في غير موارد استناد التلف إلى السبب ، واستناده إلى المباشر مثل ما نحن فيه أي القسم الثاني ، وهو أن تكون الغرامة في مقابل ما استوفاه المشتري بإرادته من منافع المبيع فضولا ، كسكنى الدار وركوب الدابة والسيّارة مثلا ، فضمان البائع ـ الذي هو سبب لوقوع المشتري في ما اغترمه للمالك ـ لتلك الغرامات محتاج إلى دليل

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ٥٧ ، شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٢٣٧.


فالضمان (١) أو قرار الضمان (٢) فيه (٣) يحتاج إلى دليل مفقود (٤). فلا بدّ (٥) من الرجوع بالأخرة إلى قاعدة الضرر ، أو الإجماع المدّعى في الإيضاح على تقديم السبب إذا كان أقوى ،

______________________________________________________

مفقود هنا ، إذ لا دليل على ضمان السبب الذي لا يستند التلف عرفا إليه.

(١) أي : بأن يكون البائع هو الضامن دون المشتري المغرور ، فلا يصح رجوع المالك إلى المغرور أصلا.

(٢) بأن تكون ذمة كلّ من الغارّ والمغرور مشغولة للمالك ، لكن الضمان مستقرّ على الغارّ ، فيجوز للمالك الرجوع إلى المغرور ، فيرجع هو على الغارّ.

(٣) أي : في السبب الذي ليس بمتلف ، كالبائع ، فإنّ تلف المنافع مستند إلى المشتري الذي استوفاها مختارا ومن غير إكراه.

(٤) إذ المفروض عدم كون السبب ـ الذي لا يستند إليه التلف ـ موجبا للضمان.

(٥) هذه نتيجة قوله : «فالضمان» الذي هو جواب «أمّا» وحاصله : أنّه بعد فقد الدليل الخاصّ على ضمان البائع الغارّ ـ الذي هو السبب لتلف المنافع ، لكنّ سببيّته لتلفها ليس بمثابة يستند التلف إليه كما فيما نحن فيه ، وهو القسم الثاني ـ فلا بدّ في إثبات ضمان السبب وهو البائع مع عدم استناد التلف إليه عرفا من التمسك بأحد الأمور الأربعة :

أحدها : قاعدة الضرر.

ثانيها : الإجماع المدّعى في الإيضاح على تقدّم السبب إذا كان أقوى. قال فخر المحققين فيه ـ فيما لو اشترى دارا أو أرضا من غاصب ، وبنى فيه ، فقلع المالك بناءه ، وأنّ الأقرب رجوع المشتري على البائع ـ ما لفظه : «وجه القرب : أنّ البائع سبب ، والمشتري ذو يد كالمباشر ، والسبب هنا أقوى من المباشر. وكلّما كان السبب أقوى من المباشر فالضمان على السبب. أمّا الأولى فلأنّه إنّما شرع في العقد والتصرفات بظنّ السلامة ، وسبب هذا الظن تغرير البائع إياه ، فصار هذا السبب أقوى. وأما الثانية فإجماعية» (١).

وليس مراده بقوّة السبب قوّته الخاصة التي يستند الفعل إلى السبب دون المباشر ، بل مراده بقرينة تطبيقه على الغرور هو الأعم ، يعني سواء أكان استناد الفعل إلى السبب

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ١٩١.


.................................................................................................

______________________________________________________

أقوى من استناده إلى المباشر كما في المكره ، أم كان استناده إلى كلّ منهما على السواء ، بل يصدق حتى مع قوة استناده إلى المباشر وضعف استناده إلى السبب كما في المغرور ، لكونه مختارا في فعله. ولكن الوجه في ضمان البائع الغارّ هو الدليل التعبدي أعني به الإجماع ، حيث يكفي في صدق التسبيب اعتماد المغرور على ظنّ سلامة المبيع له ليتصرف فيه.

ثالثها : الأخبار المتفرقة ، والظاهر أنّ مقصوده منها ما ورد في التدليس في النكاح ممّا يشتمل على التعليل. ويمكن أن يريد أيضا مثل خبري زرارة وجميل المتقدمين في الجارية المسروقة.

فممّا ورد في النكاح ، خبر إسماعيل بن جابر ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته ، فسأل عنها ، فقيل : هي ابنة فلان ، فأتى أباها ، فقال : زوّجني ابنتك ، فزوّجه غيرها ، فولدت منه. فعلم بها بعد أنّها غير ابنته ، وأنّها أمة. قال : تردّ الوليدة على مواليها ، والولد للرجل ، وعلى الّذي زوّجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة ، كما غرّ الرجل وخدعه» (١).

فإن قوله عليه‌السلام : «كما غرّ الرجل وخدعه» ظاهر ـ بل صريح ـ في عليّة الغرور لكون الأب المزوّج ضامنا لقيمة الولد. ومقتضى التعليل الحكم بضمان الغارّ في غير الولد ممّا يكون في باب النكاح كالمهر ، وكذا في غير النكاح كالمقام.

واحتمال اختصاص الرجوع على الغارّ بمورد الرواية ـ وهو ضمان قيمة الولد ـ غير ظاهر ، لما تقرّر من عدم الفرق في التعدي عن مورد التعليل بين أن يقال : «لا تشرب الخمر ، لإسكاره» أو «لأنه مسكر» لعدم اقتضاء الإضافة في التعبير الأوّل دوران الحرمة مدار إسكار الخمر خاصة ، بل يؤخذ بعموم العلّة في سائر الموارد.

وكذا يستفاد الحكم ممّا رواه رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «وسألته عن البرصاء. فقال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة زوّجها وليّها وهي برصاء : أنّ المهر لها بما استحلّ من فرجها ، وأنّ المهر على الذي زوّجها. وإنّما صار عليه المهر لأنّه دلّسها» الحديث (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٦٠٢ ، الباب ٧ من أبواب العيوب والتدليس ، ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٩٦ ، الباب ٢ من أبواب العيوب والتدليس ، ح ٢ ، رواه الكليني عن العدة عن سهل عن أحمد بن محمّد عن رفاعة بن موسى. ورواه ابن إدريس في المستطرفات عن نوادر البزنطي عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، السرائر ، ج ٣ ، ص ٥٦٢. وقد ورد ضمان المهر بالتدليس في الحديث ١ و ٤ و ٧ و ٨ من نفس الباب ، وح ١ من الباب ٩ ص ٦٠٤ ، وغيرها.


أو بالأخبار (١) الواردة في الموارد المتفرّقة ، أو كون الغارّ سببا في تغريم المغرور ، فكان (٢) كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ لشهادته.

ولا ريب في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه.

أمّا الأخير (٣) فواضح.

______________________________________________________

فإنّ تعليل استقرار المهر على الولي بالتدليس كالصريح في عدم خصوصية للمورد ، وأنّ المقصود تطبيق الكبرى الكلّية على بعض صغرياتها.

رابعها : كون الغارّ سببا لتغريم المغرور ، كسببية شاهد الزور لضمان ما يؤخذ باستناد شهادته ، وقد دلّ عليه نصوص عديدة سيأتي ذكر بعضها في (ص ٥٤٧).

وهذه الوجوه الأربعة ثابتة فيما نحن فيه ، وهو ما اغترمه المشتري للمالك بإزاء ما استوفاه من منافع المبيع له فضولا.

(١) معطوف على «قاعدة الضرر» والأولى إسقاط حرف الجرّ أو تبديله ب «إلى» ليستقيم العطف ، فكأنّه قال : «فلا بدّ من الرجوع إلى الأخبار الواردة ..».

ثم إن ظاهر العبارة كون هذه الأخبار المتفرقة دليلا ثالثا على الضمان ، كما أنّ ما ورد في شاهد الزور دليل رابع عليه.

ولكن الظاهر أن قوله :«بالأخبار الواردة في الموارد المتفرقة» يعمّ ما ورد في شاهد الزور أيضا ، لما سيأتي بعد أسطر بقوله :«وأما الإجماع والأخبار ، فهما وإن لم يردا في خصوص المسألة .. إلى أن قال : ورجوع المحكوم عليه إلى شاهدي الزور مورد الأخبار ..».

وعلى هذا فالعبارة لا تخلو من مسامحة ، لكون الأدلة هي قاعدة الضرر والإجماع والأخبار المتفرقة التي يستفاد من بعضها سببية الغارّ.

(٢) يعني : فكان البائع الفضول كشاهد الزور في ضمانه لما يؤخذ بشهادته.

(٣) وهو كون البائع الفضول سببا لتغريم المغرور وهو المشتري ، فبيعه كشهادة شاهد الزور في السببية للتغريم ، فثبوت الوجه الأخير ـ وهو الوجه الرابع فيما نحن فيه ـ واضح كما في المتن.


.................................................................................................

______________________________________________________

فإن قلت : إنّ وضوح سببية الغار لتغريم المغرور ينافي ما أفاده في ردّ كلام الجواهر بقوله : «وأما قوة السبب على المباشر فليست بنفسها دليلا على رجوع المغرور ..» إذ لو كانت قوة السبب مضمّنة للسبب دون المباشر لم تتّجه المناقشة في كلام الجواهر. وإن لم تكن موجبة لضمان السبب لم تنفع في ضمان الغارّ لما اغترمه المشتري.

قلت : لا منافاة ظاهرا بين الكلامين ، إذ المقصود بقوة السبب ـ التي منعها أوّلا ـ هو التسبيب على الموضوع أي الفعل المترتب عليه الضمان ، حيث لا ضمان على المباشر كالمكره ، وإنّما تكون الغرامة على السبب باعتبار قوّته الموجبة لإسناد التلف إليه. ومن المعلوم انتفاء التسبيب بهذا المعنى في مورد الغرور ، لكونه متصرّفا بإرادته.

كما أنّ المقصود بالتسبيب الذي جعله دليلا على ضمان الغارّ هو التسبيب على الضمان ، نظير استقرار الضمان على من يقدّم طعام الغير إلى ضيفه ، فإنّ الأكل فعل اختياري للآكل موضوع للضمان ، ولكن الموقع له في الضمان هو المقدّم. فإذا غرّم المالك الآكل رجع هو على المقدّم. فكذا يرجع المشتري ـ في ما اغترمه على المبيع فضولا ـ على البائع الغارّ.

وضمان السبب في هذا القسم منوط بدليل تعبدي ، ولذا تصدّى المصنف قدس‌سره لإثباته بالتمسك بمثل ما ورد في ضمان شاهد الزور.

هذا بيان الفارق بين التسبيبين على ما أفاده شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدس‌سره (١) ، وإن شئت مزيد بيان له فراجع التعليقة (*).

__________________

(*) وتوضيحه على ما في تقرير بحثه الشريف : أنّ ما يطلق عليه السبب على أقسام ، فتارة يكون الضمان على السبب ابتداء ، ولا يضمن المباشر أصلا. واخرى يضمن المباشر ابتداء ، ولكن قرار الضمان على السبب ، فيرجع المباشر إليه. وثالثة يضمن المباشر دون السبب.

والقسم الأوّل هو قاعدة الضمان بالتسبيب على الفعل ، بأن كان السبب مقدمة أخيرة من علّة وجود المسبب ، بحيث لم يتخلّل بين السبب والمسبب فعل فاعل مختار أصلا ، كما إذا حفر بئرا ، فعثر العابر ووقع فيه فمات ، حيث لم يتخلل بين التلف والحفر فعل إرادي.

__________________

(١) المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ٢٧٦.


.................................................................................................

__________________

ومرور العابر وإن كان فعله الاختياري ، لكن عثرة وسقوطه في البئر غير اختياري. ونظيره ضمان فاتح قفص الطائر.

وكذا الحال لو تخلّلت إرادة المختار ، ولكنها ضعيفة بحيث كان استناد الأثر إلى السبب أقوى منه إلى المباشر ، كما إذا وقف الطفل أو المجنون على البئر ، فسقط فيه.

وكذا لو كان الفعل صادرا بإرادة المباشر ، لكنه غير مستقل في فعله ، بل هو ملزم به ، ومقهور لغيره عقلا أو شرعا كالمكره. وكالحاكم الذي شهد عنده شهود زور بمال في ذمة زيد لعمرو ، فحكم بأخذ المال من المحكوم عليه ، فإنّ قيام البيّنة عند الحاكم توجب لا بدّيّة الحكم على طبقها ، فلا يضمن عند تبيّن فساد المستند ، وإنّما يضمن شاهد الزور كما نطقت به الأخبار.

والمقام ليس من هذا القسم ، ضرورة عدم كون البيع ولا تسليط البائع على المبيع سببا لتلف مال المشتري ممّا صرفه على المبيع ، لعدم ترتب هذه الخسارة على البيع ، ولا فيه إحداث الداعي على الإتلاف والتصرف. نعم لولا البيع لم يقع البائع في الغرامة ، ولكنه ليس بمناط سببيته لها ، بل البيع محقّق لموضوع لما اغترمه ، كسائر موارد وجود الموضوع الذي هو أجنبي عن باب التسبيب ، فإنّه لولا وجود المقتول لم يتحقق القتل ، وهل يصح عدّه سببا للقتل؟

والقسم الثاني هو الضمان بالتسبيب على الضمان لا على الفعل المضمّن ، بأن يتوسّط فعل اختياري بين المعدّ وبين المسبب ، وأقدم الفاعل على الضمان لأجل ذلك المعدّ ، بحيث يستند الضمان إلى السبب ، فيتعلق الضمان بالمباشر أوّلا ، ثم بالسبب برجوع المباشر إليه ، ويتحقق في موردين :

أحدهما : أن يستدعي المديون من شخص أن يضمن عن دينه ، فيضمنه ويرجع به إلى المستدعي بعد أداء الدين.

ثانيهما : أن يكون فعل السبب موجبا لضمان شخص آخر بإرادته ، كمقدّم طعام الغير إلى ضيفه ليأكله مجّانا ، فتبيّن عدم كون الطعام له. وعلى هذا القسم ينطبق قاعدة الغرور. فإنّ الآكل مغرور بفعل المقدّم ، فيرجع عليه.

وممّا ذكر يظهر أنّ مسألة الرجوع إلى شاهد الزور لا تناسب باب الغرور ، إذ المفروض في قاعدة الغرور ضمان المغرور ثم رجوعه على الغارّ. وهذا مفقود في المثال ،


وأمّا الأوّل (١) فقد عرفته ، وأمّا الإجماع والأخبار فهما وإن لم يردا في خصوص المسألة (٢) ، إلّا أنّ تحقّقهما (٣) في نظائر المسألة (٤) كاف ، فإنّ (٥) رجوع آكل

______________________________________________________

(١) وهو قاعدة الضرر ، فقد عرفته في (ص ٥٣٤) بقوله : «ويؤيده قاعدة نفي الضرر ، فإنّ تغريم من أقدم على إتلاف شي‌ء من دون عوض مغرورا من آخر .. إلخ».

(٢) وهي رجوع المشتري على البائع الفضول بما اغترمه للمالك ، في مقابل المنافع التي استوفاها المشتري من المبيع الفضولي.

(٣) أي : تحقق الإجماع والأخبار في نظائر المسألة كاف في الحكم برجوع المشتري.

(٤) وهي رجوع المشتري على البائع الفضولي فيما اغترمه المشتري للمالك ، في مقابل ما استوفاه من منافع المبيع فضولا.

(٥) بيان لتحقق الإجماع والأخبار في نظائر المسألة المبحوث عنها ، وهي رجوع المشتري إلى البائع الفضول. ومن تلك النظائر مثال زيد الآكل لطعام عمرو بتغرير بكر له ، بدعوى أنّ الطعام له ، ثم بان أنّ الطعام ملك عمرو ، وليس ملكا لبكر ، فإنّه قام

__________________

إذ لا يضمن الحاكم ، لكونه مسلوب الاختيار بعد قيام البينة عنده ، فيرجع المحكوم عليه إلى الشهود ابتداء.

والقسم الثالث ما إذا كان أثر السبب مجرّد إحداث الداعي للمباشر من دون أن يستند الفعل إلى السبب ، فيضمن المباشر خاصة ، ولا يرجع إلى ذلك الطرف أصلا ، وذلك كما إذا أمر شخص غيره بقتل آخر ، أو علّمه طريقة سرقة الأموال ، فجنى باختياره.

وكذا يخرج عن مورد قاعدة التسبيب ـ بكلا إطلاقيها المتقدمين ـ ما إذا وقف شخصان على شفير بئر ، فدفع أحدهما الآخر ، فسقط فيه ، فليس الضمان على الحافر ، لفرض توسط فعل فاعل مختار بين الحفر والهلاك.

وبالجملة فإن كان الفعل مستندا إلى السبب كان هو الضامن دون المباشر. وإن كان الفعل مستندا إلى المباشر ، ولم يقدم على ما يترتب عليه من الضمان كآكل طعام الغير بتغرير المقدّم له مجانا ، أو أقدم على الضمان بإزاء عوض ، كان المباشر هو الضامن ، ويرجع إلى السبب بعد أداء الغرامة (١).

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٢٩٤ ـ ٢٩٦ ، المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ٢٧٢ ـ ٢٧٦ وص ٢٨٩.


طعام الغير إلى (١) من غرّه ـ بدعوى (٢) : تملّكه وإباحته له ـ مورد (٣) الإجماع ظاهرا. ورجوع (٤) المحكوم عليه إلى شاهد الزور مورد الأخبار (٥) ،

______________________________________________________

الإجماع ظاهرا على رجوع آكل الطعام إلى من غرّه ـ وهو بكر ـ بما اغترمه الآكل لمالك الطعام.

(١) متعلّق ب ـ «رجوع».

(٢) متعلق ب ـ «غرّه» وضميرا «تملكه ، إباحته» راجعان إلى الطعام ، وضمير «له» إلى الآكل.

(٣) خبر قوله : «فان رجوع» وتقدم في (ص ٥٣٤) حكاية الإجماع عن غير واحد ، فراجع.

(٤) معطوف على «رجوع» في قوله : «فان رجوع» وهذا هو المورد الثاني من نظائر مسألتنا ـ وهي رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات التي اغترمها لمالك المبيع الفضولي ، ومحصّل هذا النظير هو رجوع المحكوم عليه بغرامات ـ باستناد الحاكم إلى شهادة شاهد الزور ـ إلى شاهد الزور ، وأخذ ما اغترمه المحكوم عليه من شاهد الزور وهذا النظير مورد الأخبار.

(٥) التي منها رواية جميل المتقدمة في (ص ٥٢٠).

ومنها : رواية جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في شاهد الزور ، قال : «إن كان الشي‌ء قائما بعينه ردّ على صاحبه. وإن لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرّجل» (١).

ومنها : معتبرة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنّه طلّقها ، فاعتدّت المرأة وتزوّجت. ثم إن الزوج الغائب قدم ، فزعم أنّه لم يطلّقها ، وأكذب نفسه أحد الشاهدين. فقال : لا سبيل للأخير عليها ، ويؤخذ الصداق عن الذي شهد ورجع ، فيردّ على الأخير ، ويفرّق بينهما ، وتعتدّ من الأخير ، ولا يقربها الأوّل حتى تنقضي عدّتها» (٢). ونحوهما أخبار أخر (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٢٣٩ ، الباب ١١ من أبواب الشهادات ، ح ٣.

(٢) المصدر ، ص ٢٤٢ ، الباب ١٣ ، ح ٣.

(٣) المصدر ، الباب ١٤ ، الحديث ١ و ٢ و ٣.


ولا يوجد (١) فرق بينهما (٢) وبين ما نحن فيه (٣) أصلا.

وقد ظهر ممّا ذكرنا (٤) فساد منع الغرور فيما نحن فيه ، كما في كلام بعض (٥) ،

______________________________________________________

ودلالتها على المقام مبنية على كون الرجوع إلى الشاهد لمجرّد الغرور ، لا لأجل ضمان السبب من جهة كونه سببا.

(١) بعد أن ذكر هذين النظيرين أراد أن يبيّن أنّ حكمهما جار في مسألتنا أيضا ، لأنّ كلّا منها مصداق لكبرى الغرور ، فلا يكون قيسا حتى لا يجري حكم الموردين المذكورين فيه.

(٢) الضمير راجع إلى رجوع آكل الطعام ورجوع المحكوم عليه.

(٣) وهو رجوع المشتري الجاهل على البائع الفضول بكل ما اغترمه المشتري للمالك.

(٤) أي : ظهر من جريان قاعدتي الغرور والضرر هنا والأخبار ـ كخبري جميل وشاهد الزور ـ فساد منع صدق الغرور على ما نحن فيه ، وهو رجوع المشتري على البائع الفضولي بما اغترمه للمالك كما عن بعض.

(٥) وهو صاحب الجواهر قدس‌سره ، حيث إنه ناقش في ما ادعاه صاحب الرياض قدس‌سره من عدم الدليل على كبرى قاعدة الغرور لو لم يلحق الضرر بالمغرور ، فإنّ صاحب الجواهر أثبت هذه الكلية ، لكنه منع صدق الغرور في الغرامات التي بذلها المشتري في مقابل النفع الواصل إليه ، وقال : «لكن لعلّ خلافهم هنا يومي إلى عدم تحقق قاعدة الغرور في المقام .. إلى أن قال : نعم إنّما المتجه ما ذكرناه من منع تحقق الغرور ، الذي يترتب عليه الضمان ، إذ المسلّم منه ما يترتب فعل الغير على فعله من حيث المجانية ابتداء ، كالإباحة والهبة والعارية ونحوها. بخلاف ترتب فعل المشتري هنا على زعم كونه مالكا ، الحاصل من وقوع عقد البيع مع البائع ، خصوصا مع جهل البائع بالحال كالمشتري ، فتأمّل» (١).

ومحصّل إيراد المصنف عليه : ما مرّ آنفا من صدق قاعدتي الغرور والضرر فيما

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٨٣.


حيث عدل (١) في ردّ مستند المشهور عمّا في الرياض ـ من منع الكبرى (٢) ـ إلى (٣) منع الصغرى (٤) ، فإنّ (٥) الإنصاف أنّ مفهوم الغرور الموجب للرجوع في باب

______________________________________________________

نحن فيه.

وخلاصة الكلام : أنّ مستند المشهور في رجوع المشتري إلى البائع الفضول هو : أنّ المشتري مغرور ، وكل مغرور يرجع إلى من غرّه ، فالنتيجة : أنّ المشتري يرجع إلى من غرّه ، وهو البائع. فمستند المشهور هو قاعدة الغرور.

وصاحب الرياض قدس‌سره يمنع الكبرى ـ وهي كل مغرور يرجع إلى من غرّه ـ ويقول : انّ الكبرى هي كلّ مغرور متضرّر يرجع إلى من غرّه ، لا كلّ مغرور وإن لم يكن متضرّرا. وهذه الكبرى لا تنطبق على المشتري ، لأنّه وإن كان مغرورا ، لكنّه ليس بمتضرّر ، فلا يرجع المشتري إلى البائع الفضول بقاعدة الغرور.

وصاحب الجواهر قدس‌سره عدل عما أفاده سيّد الرياض ـ من منع الكبرى ـ إلى منع الصغرى ، وقال : إنّ المشتري فيما نحن فيه ليس مغرورا حتى يرجع إلى البائع ، لعدم كون السبب هنا أقوى من المباشر ، وبدون أقوائية السبب وهو البائع هنا من المباشر ـ وهو المشتري ، لأنّه بالإرادة والاختيار تصرّف في المبيع الفضولي ـ لا يعدّ المشتري مغرورا ، فلا يرجع إلى البائع.

(١) أي : عدل صاحب الجواهر في ردّ مستند المشهور ، وهو قاعدة الغرور.

(٢) وهي : كل مغرور يرجع إلى من غرّه.

(٣) هذا وقوله : «عمّا» متعلقان ب ـ «عدل».

(٤) وهي : عدم أقوائية السبب ـ وهو البائع ـ من المباشر أعني به المشتري.

(٥) تعليل لفساد منع الغرور من ناحية الصغرى ، وحاصل وجه المنع هو : أنّ مفهوم الغرور وإن كان غير منقّح ، لعدم وضوح دليله ، إلّا أن المتيقن من مفهومه هو إتلاف المغرور لمال الغير لا بعنوان أنّه مال الغير ، بل بعنوان مال نفسه ، أو بعنوان من أباح له الإتلاف ، فلا يكون قاصدا لإتلاف مال الغير. نظير المكره في عدم القصد إلى الفعل المكره عليه.

فان قلت : إنّ عدم قصده إلى إتلاف مال الغير لا يجدي في نفي الضمان عن المغرور ، وذلك لأنّ سببيّة اليد والإتلاف للضمان غير منوطة بقصد كون المال المستولي عليه أو


الإتلاف وإن (١) كان غير منقّح (*) ، إلّا أنّ المتيقّن منه ما كان إتلاف المغرور لمال

______________________________________________________

المتلف مالا للغير ، بل وضع اليد كيفما اتفق مضمّن. وكذا الإتلاف. وعلى هذا ينبغي ضمان المغرور من جهة قاعدتي اليد والإتلاف. هذا

قلت : نعم لا دخل للقصد في التضمين باليد والإتلاف ، إلّا أنّ مقصود المصنف قدس‌سره من قوله : «بل قصده ..» بيان محقّق عنوان الغرور. يعني : أنّ المتلف لمال الغير إن كان قاصدا لإتلافه بما أنّه مال الغير لم يصدق عليه «المغرور». وإن كان غير قاصد لهذا العنوان ـ بأن قصد إتلاف مال نفسه ، فتبيّن كونه للغير ـ صدق عنوان الغرور ، فيرجع إلى من غرّه. وعلى هذا فعدم القصد إلى عنوان «إتلاف مال الغير» محقّق مفهوم الغرور.

(١) الجملة خبر قوله : «أن مفهوم» ، وضمير «منه» راجع إلى «مفهوم الغرور».

__________________

(*) يمكن أن يقال : إنّ مفهوم «الغرور» المناسب لمعناه اللغوي ـ المذكور في المجمع بقوله : «وغرّه غرّا وغرورا وغرّة بالكسر فهو مغرور : خدعه ، وأطمعه بالباطل ، فاغترّ هو» (١) ـ هو الذي يكون داعيا إلى صدور الفعل من المغرور ، ومؤكّدا له ، كداعوية الإرادة التي هي الشوق المؤكّد لصدور الفعل من فاعله. ولا يوجب الغرور ـ كالشوق المؤكّد ـ خروج الفعل عن الفعل الإرادي حتى يكون كالآلة ، مثل النار للإحراق والسّكّين للقطع ، والسّمّ للقتل ، فإنّ هذه آلات ، والتعبير عنها بالآلات صحيح. وهذا بخلاف أكل المغرور لطعام الغير ، فإنّه فعل اختياري له ، والتعبير عن المغرور بالآلة غير صحيح ، لأنّه ليس كالنار والسّمّ والسّكّين ونحوها ممّا ليس له إرادة واختيار.

فالغرور ـ على هذا ـ من مبادئ صدور الفعل من الفاعل المختار ، كما يظهر من أمثلتهم ، كتشبيه البائع الفضول بشاهد الزور ، وكمقدّم طعام الغير إلى شخص ليأكله ، فإنّ الأكل فعل اختياري للآكل. وليس كالإيجار في الحلق في عدم كون الفعل اختياريا.

ويظهر ممّا ذكرنا عدم إناطة قاعدة الغرور بقاعدة الضرر ، ولا بقاعدة السبب والمباشر ، فتجري قاعدة الغرور ولو لم يكن هناك ضرر ولا قوّة السبب على المباشر.

ثمّ إنّ الغرور هل هو من العناوين القصدية كالصوم والصلاة والغسل والوضوء؟

__________________

(١) مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ٤٢٢.


الغير وإثبات يده (١) عليه لا بعنوان أنّه مال الغير ، بل قصده إلى إتلافه [إتلاف] مال نفسه (٢) أو مال من أباح له (٣) الإتلاف ، فيكون غير قاصد لإتلاف مال الغير ، فيشبه المكره في عدم القصد (٤) (*).

______________________________________________________

(١) أي : يد المغرور ، وضميرا «عليه ، وأنّه» راجعان إلى المال.

(٢) كما في ما نحن فيه ، فإنّ المشتري يستوفي منافع المبيع بعنوان كونه مال نفسه لأجل ابتياعه.

(٣) هذا الضمير والمستتر في «فيكون» راجعان إلى المغرور ، والضمير المستتر في «أباح» راجع الى الموصول المراد به البائع الفضول.

(٤) أي : في عدم القصد إلى الفعل المكره عليه. فإنّ المغرور أيضا لا يقصد إتلاف

__________________

أمّ لا؟ بل الغرور بلا قصد يتحقق ، ولا يتقوم بالقصد كالأكل والشرب ، فإنّهما يتصفان بهذين العنوانين حتى مع الغفلة عنهما ، فإنّ عنوان الأكل والشرب ذاتي لهما ، ولذا لا يتوقف صدق هذين العنوانين عليهما على القصد والالتفات.

فإذا قدّم زيد طعاما يعتقد أنّه ملكه ـ أو ملك من أباح له إتلافه ـ إلى عمرو فأكله ، فتبيّن أنه لم يكن له ولا لمن أباح له ، ولا يرضى بالأكل المزبور ويطالب بدله ، فالظاهر أنّ الآكل مغرور ، ومقدّم الطعام غارّ.

وإذا شكّ في اعتبار القصد والالتفات في مفهوم الغرور فلا دليل ولا أصل على شي‌ء من الاعتبار وعدمه فيه ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل الحكمي ، وهو أصالة عدم الضمان.

(*) هذا مناف لما تكرر منه في مسألتي اعتبار القصد والاختيار في المتعاقدين من كون المكره قاصدا للمعاملة ، وأنّ المفقود فيه هو طيب النفس ، كقوله : «.. مما يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد ومضمونه في الواقع ، وعدم طيب النفس به ، لا عدم إرادة المعنى من الكلام» (١). ومن المعلوم أنه لا فرق في حصول القصد بين الفعل الإنشائي والخارجي. فالمكره على الفعل الخارجي كالأكل والإتلاف كالمكره على الفعل الإنشائي.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ١٨٥


هذا (١) كلّه مضافا (٢)

______________________________________________________

مال غيره ، بل يقصد إتلاف مال نفسه ، أو مال من أباح له إتلافه.

فإن قلت : لا وجه لتشبيه المغرور بالمكره ، للفرق بينهما ، فإنّ المكره لا يخاطب بالضمان ، من جهة قوة السبب وضعف المباشر كما صرّح به في (ص ٥٤٠) بقوله : «والمتجه في مثل ذلك عدم الرجوع إلى المباشر أصلا ، كما نسب إلى ظاهر الأصحاب في المكره» وهذا بخلاف المغرور ، إذ لا كلام في جواز رجوع المالك عليه بالغرامة ، ولكنّه لمكان الغرور يرجع إلى الغارّ. فالفرق بين المكره والمغرور ثابت.

قلت : ليس المقصود من التشبيه إثبات وحدة حكم المكره والمغرور حتى يقال بالفرق بينهما. بل المراد من التشبيه اشتراكهما في الجهة المحقّقة لموضوع الغرور والإكراه مع الغضّ عن حكم رجوع المالك على المغرور دون المكره ، وتلك الجهة الجامعة بينهما عدم استقلالهما في القصد إلى عنوان التصرّف في مال الغير أو إتلافه. إذ بملاحظة انتفاء هذا القصد صار المكره مكرها والمغرور مغرورا.

وبيانه : أنّ المكره يكون كالآلة للمكره من أجل اللّابدّية الناشئة من التحميل ، فلا يستقل في قصد عنوان «التصرف أو إتلاف مال الغير». وكذلك المغرور ، فإنّه وإن كان مختارا في فعله ومستقلّا في أصل القصد ، ولكنه لجهله بالحال لا يقصد العنوان المزبور ، وإنّما مقصوده التصرف في مال نفسه ، وهو المبيع المنتقل إليه بالبيع.

وحيث تحققت الجهة المشتركة بين الإكراه والتغرير منعت من استقرار الضمان على المتلف لمال الغير.

هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدس‌سره في وجه الشباهة بتوضيح وتصرف (١).

(١) أي : ما ذكرناه ـ من أدلة ضمان البائع الفضولي من قاعدتي الضرر والغرور وبعض الأخبار ، كخبر شاهد الزور إذا رجع عن شهادته ـ ثابت.

(٢) غرضه أنّ لنا دليلا آخر على الضمان مضافا إلى الأدلّة السابقة ، وهو ما قيل من دلالة رواية جميل المتقدمة في (ص ٥٢٠) على الضمان. لكن دلالتها على الضمان مبنيّة على كون حرّية الولد منفعة عرفا لوالده المشتري للجارية التي ولدته ، حتى يندرج في القسم الثاني ، وهو ما اغترمه المشتري للمالك في مقابل المنافع التي استوفاها من

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٩٢ و ١٩٣.


إلى ما قد يقال (١) : من دلالة رواية جميل المتقدّمة ، بناء (٢) على أنّ حرّيّة الولد منفعة راجعة إلى المشتري ، وهو (٣) الذي ذكره المحقّق احتمالا في الشرائع (٤) في باب

______________________________________________________

المبيع فضولا. وإن لم تكن حرّيّة الولد منفعة عرفا ، لكونه حرّا ، والحرّ ليس مالا ولا ملكا لأحد. فيندرج في القسم الثالث من الغرامات التي لم يصل إلى المشتري نفع في مقابلها ، وتكون رواية جميل أجنبية عن المقام حينئذ.

(١) القائل هو الفقيه الكبير الشيخ كاشف الغطاء قدس‌سره ويستفاد من كلام جماعة من تلامذته كأصحاب مفتاح الكرامة (١) وكشف الظلام والجواهر قدس‌سرهم (٢). ففي الجواهر : «أما فيه ـ أي في ما حصل للمشتري نفع في مقابل ما غرمه للمالك ـ فالمشهور أنه كذلك أيضا ، للقاعدة المزبورة ـ وهي قاعدة الغرور .. وفي شرح الأستاد : أنّ في خبر جميل دلالة عليه» وظاهر سكوت صاحب الجواهر عن المناقشة فيه ارتضاؤه له.

ويستفاد استدلال السيد العاملي بهذه الموثقة من ضمّ كلاميه في البيع والغصب ، فاستدلّ في بيع الفضولي بها على ضمان المشتري لما انتفع به ، ورجوعه على البائع بما غرمه للمالك ، فقال : «ويدل على بعض هذه الأحكام خبر جميل» .. يريد منه ـ أي من قيمة الولد ـ القيمة التي أعطاها للمالك لفكّ ولده ، لأنّه حرّ وقال في الغصب : «ان فحوى الرجوع بقيمة الولد مع حصول النفع العظيم له في مقابل القيمة تدلّ ..».

(٢) قيد ل ـ «دلالة» يعني : أنّ دلالة رواية جميل على المقصود مبنيّة على كون حرّيّة الولد منفعة عائدة إلى المشتري.

(٣) يعني : وكون حرّيّة الولد منفعة هو الذي ذكره المحقق قدس‌سره احتمالا.

(٤) قال المحقق قدس‌سره ـ في ما لو اشترى جارية من الغاصب جاهلا بغصبيتها فأولدها ـ ما لفظه : «ولو أولدها المشتري كان حرّا ، وغرم قيمة الولد ، ويرجع بها على البائع. وقيل في هذه : له مطالبة أيّهما شاء. لكن لو طالب المشتري رجع على البائع.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٩ وج ٦ ، ص ٣٠١.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠١ ، واستدل صاحب الجواهر بهذه الموثقة على ضمان قيمة الولد في باب الغصب ، لكنه غير مبني على كون الولد منفعة عائدة إلى المشتري فراجع. ج ٣٧ ، ص ١٨١ و ١٨٣ ، كشف الظلام (مخطوط) ، بحث البيع الفضولي.


.................................................................................................

______________________________________________________

ولو طالب البائع لم يرجع على المشتري. وفيه احتمال آخر» (١).

ومورد كلام المحقق قدس‌سره هو ما لم يحصل في مقابل غرامة المشتري نفع له ، بقرينة قوله بعده : «أما ما حصل للمشتري في مقابلته نفع .. إلخ».

واختلف نظر الشهيد الثاني وصاحب الجواهر قدس‌سرهما في ما أراده المحقق من قوله : «وفيه احتمال آخر» فالشهيد الثاني جعل مراده كون قيمة الولد خارجة عن مورد كلامه من اغترام المشتري فيما لم ينتفع به ، وأنّ هذه القيمة مندرجة في القسم الآخر ، وهو ما حصل نفع للمشتري فيه. فقال في المسالك : «ويحتمل إلحاق عوض الولد بما حصل له في مقابلته نفع كالمهر ، لأنّ نفع حريّة الولد يعود إليه. وهذا هو الاحتمال الذي أشار إليه ، فيجري فيه الوجهان ، إلّا أنّ الأشهر الأول» (٢). أي : كون قيمة الولد مما لم ينتفع به المشتري.

وصاحب الجواهر قدس‌سره جعل مراد المحقق من هذا الاحتمال أمرا آخر أقرب بحسب سياق الكلام ، وهو : عدم تخيير المالك ـ في أخذ الغرامة ـ بين الرجوع إلى البائع أو المشتري ، بل يتعيّن الرجوع على البائع ، قال بعد بيان كلام المسالك : «ويمكن أن يريد به احتمال عدم التخيير ، بل يتعيّن رجوع المالك ابتداء على البائع بناء على كونه الغارّ ..» (٣).

وبناء على هذا الاحتمال يتحصّل في رجوع المالك وجوه ثلاثة :

أوّلها : كون المشتري ضامنا ابتداء ، فلو دفع الغرامة إلى المالك جاز له مطالبتها من البائع.

وثانيها : تخيير المالك في الرجوع إلى أيّهما شاء بلا طوليّة بينهما.

وثالثها : تعيّن رجوع المالك على البائع ، وعدم جواز مطالبة الغرامة من المشتري.

وبناء على ما احتمله صاحب الجواهر تندرج غرامة قيمة الولد في القسم الثالث وهو ما لم يحصل فيه نفع للمشتري ، وتكون أجنبيّة عن محلّ الكلام ، وهو انتفاع المشتري به في قبال العوض.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٢٤٦.

(٢) مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ٢٢٨.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٨٢.


الغصب ، بناء على تفسير المسالك (١). وفيه (٢) تأمّل.

ثم إنّ ممّا ذكرنا في حكم هذا القسم (٣) يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين من

______________________________________________________

(١) لا بناء على تفسير الجواهر ، وقد تقدم وجه هذا البناء.

(٢) يحتمل رجوع الضمير إلى ما احتمله الشهيد الثاني قدس‌سره من كون حرّية الولد من المنافع الراجعة إلى المشتري ، فيكون وجه التأمل فيه : أنّ المقصود بالنفع هي المنافع المعدودة أموالا عرفا كسكنى الدار والكسب في الدّكان وركوب الدابة وثمرات الأشجار. وعليه تكون عبارة الشرائع أجنبية عمّا نحن فيه من ضمان بدل المنفعة المستوفاة.

وربما يشهد له كلام المصنف في بحث المقبوض بالبيع الفاسد من «أنّ الولد وإن كان نماء للأمة ، لكن المشتري لم يستوفه» وتقدّم بعض الكلام هناك ، فراجع (١).

وعليه فضمان قيمة الولد تعبّد ، وليس لأجل ضمان منفعة المبيع فضولا.

ويحتمل رجوع ضمير «فيه» إلى ما احتمله صاحب الجواهر من «تعيّن رجوع المالك ابتداء على البائع الغارّ» ووجه التأمل حينئذ : أنّ مورد قاعدة الغرور ضمان المغرور للمالك ، لاستناد التلف إليه ، ثم رجوعه على الغارّ ، وليس هذا من التسبيب في الفعل حتى يكون الضمان على السبب دون المباشر.

(٣) وهو القسم الثاني من الغرامات التي يصل في مقابلها نفع إلى المشتري ، فإنّه يظهر من حكم هذا القسم الثاني ـ الذي مستنده قاعدة الغرور ـ حكم ما يغرمه المشتري من دون حصول نفع له في مقابل ما يغرمه ، كزيادة قيمة عين المبيع على الثمن المعيّن حين عقد الفضول ، كما إذا كان الثمن المسمّى عشرة دراهم ، وكانت قيمة المبيع السوقية حال العقد عشرين درهما ، وتلف المبيع ، فأخذ المالك من المشتري عشرين درهما ، فهل يرجع المشتري بتمام العشرين على البائع أم بخصوص العشرة التي سلّمها المشتري إليه؟

والكلام في حكم زيادة القيمة على الثمن عند تلف المبيع يقع في مقامين : أحدهما : تلف المبيع بتمامه ، وثانيهما : في تلف بعض أجزائه. والكلام فعلا في المقام الأوّل ، وإن لم يكن فرق في حكم التلف بين الكل والجزء.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٥٠.


زيادة القيمة على الثمن الحاصلة (١) وقت العقد (٢) ، كما لو باع ما يسوى عشرين بعشرة ، فتلف (٣) ، فأخذ منه المالك عشرين ، فإنّه (٤) لا يرجع بعشرة الثمن ، وإلّا (٥) لزم تلفه من كيس البائع من دون أن يغرّه في ذلك (٦) ، لأنّه لو فرض صدق البائع في دعوى الملكيّة لم يزل غرامة المشتري للثمن بإزاء المبيع التالف. فهذه الغرامة

______________________________________________________

٣ ـ حكم ما اغترمه المشتري في قبال العين

(١) صفة للقيمة ، وقوله : «على الثمن» متعلق ب ـ «زيادة».

(٢) هذا هو القسم الأوّل الذي ذكره المصنف قدس‌سره في (ص ٥١٤) بقوله : «إنّ المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن ، فإمّا أن يكون في مقابل العين كزيادة القيمة على الثمن إذا رجع المالك بها على المشتري ..».

(٣) ضمير الفاعل راجع إلى الموصول في «ما يسوى» المراد به المبيع.

(٤) جواب الشرط في قوله : «لو باع» يعني : فإنّ المشتري لا يرجع إلى البائع بالثمن المسمى وهو العشرة من العشرين التي أخذها المالك من المشتري. وجه عدم الرجوع في عشرة الثمن هو : ضمان المشتري لها بإزاء المبيع ، لأنّ هذا الضمان المعاوضي نشأ من إقدام المشتري من دون أن يكون مغرورا من ناحية البائع ، بل الغرور إنّما يكون بالعشرة الزائدة على العشرة المسمّاة في العقد. والحكم بضمان البائع تابع للغرور ، فإنّ الضرورات تتقدر بقدرها.

والشاهد على ضمان المشتري للثمن المسمّى ـ أعني به العشرة ـ هو : أنّه مع فرض صدق دعوى البائع للملكية يكون المشتري ضامنا لهذا الثمن المسمى دون غيره.

والحاصل : أنّ الغرور حاصل بالنسبة إلى العشرة الزائدة على الثمن ، فتؤخذ من البائع. وأمّا عشرة الثمن فهي داخلة في إقدام المشتري وخارجة عن دائرة الغرور.

(٥) يعني : وإن رجع المشتري إلى البائع بالثمن ـ أعني به العشرة ـ يلزم أن يكون تلفها من كيس البائع من دون وجه ، إذ المفروض أنّ البائع لم يغرّ المشتري بالنسبة إلى عشرة الثمن حتى يكون غارّا وضامنا من حيث الغرور.

(٦) أي : في عشرة الثمن ، لأنّه على فرض صدق دعوى البائع ملكية المبيع كانت غرامة المشتري ثابتة قطعا ، لأنّ هذه الغرامة مقتضى المعاوضة التي أقدم المشتري عليها.


للثمن لم تنشأ عن كذب البائع ، وأمّا العشرة الزائدة (١) فإنّما جاءت غرامتها من كذب البائع في دعواه ، فحصل الغرور (٢) ، فوجب الرجوع (٣).

وممّا ذكرنا (٤) يظهر اندفاع ما ذكر في وجه

______________________________________________________

فهذه الغرامة المعاوضيّة مستندة إلى إقدام المشتري ، لا إلى تغرير البائع وكذبه ، فلا وجه لتغريم البائع بالنسبة إلى الثمن المسمّى ، بل تغريمه مختص بزائد الثمن المسمّى.

(١) أي : الزائدة على الثمن الذي هو عشرة أيضا في مثال المتن.

(٢) يعني : فحصل الغرور من البائع ، لكذبه بالنسبة إلى العشرة الزائدة على الثمن المسمّى ، فالمشتري مغرور بالنسبة إليها فقط ، دون نفس الثمن.

(٣) يعني : فوجب رجوع المشتري إلى البائع الفضول بالعشرة الزائدة على الثمن المسمّى ، لأنّها مورد الغرور.

وبالجملة : فضمان البائع تابع لصدق الغرور.

(٤) أي : ومن كون الغرور سببا لضمان البائع الفضول لما اغترمه المشتري للمالك ـ من العشرة الزائدة على الثمن المسمّى ـ يظهر اندفاع .. إلخ. وهذا إشارة إلى إيراد أورد على رجوع المشتري إلى البائع بالزائد على الثمن المسمّى.

وحاصل الإيراد : أنّ المشتري وإن أقدم على ضمان العين التالفة بالثمن المسمّى فقط ، كما هو مقتضى المعاوضة البيعية ، إلّا أنّه لمّا لم يسلم المبيع شرعا للمشتري بذلك الثمن المسمّى ـ لفرض بطلان البيع ـ انتقل الضمان المعاوضي إلى الضمان الواقعي اليدي الموجب لانتقال ضمان الثمن المسمّى إلى القيمة السوقية ، كما هو شأن كل بيع فاسد. ومع إقدام المشتري لا ضمان على البائع أصلا ، إذ لا يكون حينئذ غرور ، وإلّا كان على البائع ضمان الثمن المسمّى أيضا.

والوجه في عدم الغرور مع إقدام المشتري على الضمان المعاملي هو تباين الغرور والإقدام ، ولذا لا يرجع على البائع بالمسمّى من جهة إقدامه عليه.

ثم إنّ هذا الاشكال نقله صاحب الجواهر عن المسالك لبيان وجه عدم الرجوع ، والأصل فيه كلام العلّامة في التذكرة ، حيث ذكره وجها لعدم الرجوع بهذه الزيادة ، ثم أجاب عنه ، قال قدس‌سره : «إذا تلفت العين المغصوبة عند المشتري ضمن قيمتها أكثر ما كانت


عدم الرجوع (١) من (٢) : أنّ المشتري إنّما أقدم على ضمان العين ، وكون (٣) تلفها منه ، كما هو شأن فاسد كلّ عقد يضمن بصحيحه ، ومع الإقدام (٤) لا غرور ، ولذا (٥) لم يقل به (٦) في العشرة المقابلة للثمن.

توضيح (٧) الاندفاع :

______________________________________________________

من يوم القبض إلى يوم التلف. ولا تضمن الزيادة التي كانت في يده أكثر قيمة ، ولا يرجع بما يضمنه عالما كان أو جاهلا ، لأنّ الشراء عقد ضمان ، وقد شرع فيه على أن يكون العين من ضمانه وإن كان الشراء صحيحا. ولقائل أن يقول .. إلخ» (١).

(١) أي : عدم رجوع المشتري على البائع.

(٢) بيان ل ـ «ما» الموصول ، وقد تقدم توضيحه آنفا بقولنا : «وحاصل الإيراد».

(٣) معطوف على «ضمان» يعني : أنّ المشتري إنّما أقدم على كون تلف العين منه ، كما هو شأن فاسد كلّ عقد يضمن بصحيحه. وهذا إشارة إلى دليل القائل بعدم الرجوع.

(٤) يعني : ومع إقدام المشتري على هذا الضمان المعاوضي ـ المنتقل إلى الضمان الواقعي بسبب فساد العقد ـ لا يصدق «الغارّ» على البائع حتى يضمن العشرة الزائدة على عشرة الثمن المسمى ، بل لا يضمن البائع شيئا ، لا الثمن ولا الزائد عليه ، لعدم الغرور.

(٥) أي : ولأجل إقدام المشتري على الضمان المعاوضي لا غرور من البائع بالنسبة إلى عشرة الثمن ، ولذا لم يقل أحد بضمان البائع لها ، وإنّما يضمن البائع العشرة الزائدة لأجل الغرور بالنسبة إليها.

(٦) أي : بالضمان.

(٧) يعني : توضيح ما أشار إليه بقوله : «وممّا ذكرنا يظهر وجه اندفاع». وهذا توضيح ردّ الإيراد المذكور ، وهو عدم ضمان البائع لما اغترمه المشتري من قيمة العين التالفة لمالكها. وقد ردّه بوجهين.

ومحصّل ما أفاده في الوجه الأوّل : أنّ القبض في البيع الفاسد وإن كان مقتضيا

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٣٩٨ ، السطر ٨ ، مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ٢٢٥ ، جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٧٩.


أنّ الإقدام (١) إنّما كان على ضمانه بالثمن ، إلّا أنّ الشارع جعل القبض على هذا النحو من الإقدام ـ مع فساد العقد وعدم إمضاء الشارع له ـ سببا (٢) لضمان المبيع بقيمته الواقعية (٣) ، فالمانع (٤) من تحقّق الغرور وهو الإقدام لم يكن إلّا في مقابل الثمن. والضمان (٥) المسبّب عن هذا الإقدام لمّا كان لأجل فساد العقد المسبّب (٦) عن تغرير البائع ، كان (٧) المترتّب عليه من ضمان العشرة الزائدة مستقرّا على الغارّ ،

______________________________________________________

لانتقال الضمان المعاوضي إلى الضمان الواقعي ، لكنّه مشروط بأن لا يكون هناك مانع عن الضمان بالقيمة الواقعية. والمانع فيما نحن فيه ـ وهو إقدام البائع على الثمن المسمّى دون الزائد عليه ـ موجود ، لأنّه مورد غرور البائع ، فإنّ إقدام المشتري مختص بالثمن المسمّى فقط ، فضمانه بالقيمة الواقعية يمنعه غرور البائع. ومقتضى قاعدة الغرور وقوع ضمان الزائد على الثمن المسمّى على البائع الفضول.

(١) أي : إقدام المشتري ، فإنّه كان على ضمانه المعاوضي بالثمن المسمّى دون غيره.

(٢) مفعول ثان ل ـ «جعل» ، وقوله : «عدم إمضاء» عطف تفسير للفساد.

(٣) التي هي من مقتضيات ضمان اليد.

(٤) يعني : فالمانع من تحقق غرور البائع الفضول ـ الموجب لضمانه لما اغترمه المشتري للمالك ـ مختص بما يقابل الثمن المسمى ، دون غيره كالقيمة السوقية.

(٥) يعني : أنّ الضمان الواقعي المسبّب عن هذا الإقدام ـ أي إقدام المشتري على الضمان المعاملي ـ وإن كان فساد عقده مقتضيا لضمان المشتري لتمام قيمة العين التالفة عنده ، لكنّه لمّا كان فساد العقد مسبّبا عن تغرير البائع ، كان ضمان العشرة الزائدة على الثمن المسمى مستقرّا على البائع.

وبالجملة : فعدم ضمان المشتري لتمام قيمة العين التالفة عنده ـ مع كونه ممّا يقتضيه فساد عقد البيع كسائر موارد فساد عقده ـ إنّما هو لأجل كون فساده ناشئا من تغرير البائع.

(٦) صفة ل ـ «فساد» يعني : أنّ فساد العقد ناش عن تغرير البائع وعدّ نفسه مالكا.

(٧) جواب «لمّا» والمجموع خبر «والضمان» وغرضه أنّه لمّا كان فساد العقد مسبّبا عن تغرير البائع الفضول ، كان ضمان بعض قيمة العين التالفة وهو مقدار الغرور ـ أعني به


فغرامة (١) العشرة الزائدة وإن كانت مسبّبة عن الإقدام (٢) ، إلّا (٣) أنّها ليست مقدما عليها.

هذا كلّه مع (٤) أنّ التحقيق

______________________________________________________

العشرة الزائدة في المثال على الثمن المسمى ـ ثابتا على البائع الفضول ومستقرّا عليه ، لأنّه غارّ ، فيضمن بمقدار ما يغرّ المشتري به.

(١) غرضه أنّه لا يتوهّم أنّ غرامة العشرة الزائدة على الثمن المسمّى مسبّبة عن إقدام المشتري على الضمان المعاوضي ، فلا بدّ أن تكون تلك العشرة الزائدة أيضا على المشتري كعشرة الثمن.

(٢) أي : إقدام المشتري على الضمان المعاوضي ، وكان هذا التسبب مستلزما لضمان المشتري لجميع قيمة العين التالفة ، لا خصوص الثمن المسمّى في العقد الفضولي ، وهو العشرة في المثال.

(٣) هذا دفع التوهم المزبور ، ومحصّله : أنّ المشتري الجاهل بالغصب لم يقدم في عقد البيع الفضولي على ضمان تمام القيمة وهي العشرون ، بل أقدم على العشرة المسمّاة في العقد.

(٤) هذا وجه آخر لاندفاع ما ذكر في وجه عدم رجوع المشتري على البائع بقوله : «من أنّ المشتري إنّما أقدم على ضمان العين .. إلخ» فراجع (ص ٥٥٨).

ومحصّل هذا الوجه لدفع الإيراد المزبور هو : أنّ الموجب للضمان والمقتضي له في العقد الفاسد هو اليد التي لا استيمان فيها ، لا مالكيّا ولا شرعيّا. وهذا يوجب ضمان المشتري للعين بتمام قيمتها السوقية ، كما زعمه القائل بضمان المشتري ، وعدم رجوعه إلى البائع. إلّا أنّه لمكان غروره بالنسبة إلى ما زاد على الثمن المسمى يرجع المشتري بما زاد عليه من العشرة في مثال المتن إلى البائع.

فالغرور مانع عن ضمان المشتري الزائد على الثمن المسمّى ، فاليد المقتضية لضمان تمام القيمة على المشتري مقرونة بالمانع ، وهو تغرير البائع بالنسبة إلى الزائد على الثمن المسمّى. فلم يقدم المشتري على ضمان تمام قيمة المبيع الفضولي التالف ، بل خصوص الثمن المسمّى.

ثم إنّ الفرق بين هذا الوجه والوجه السابق هو : أنّ هذا الوجه ناظر إلى وجود المانع عن ضمان المشتري لتمام القيمة ، مع ثبوت المقتضي له وهو اليد بلا ايتمان. والوجه


ـ على ما تقدّم (١) سابقا ـ أنّ سبب الضمان في العقد الفاسد هو القبض الواقع لا على وجه الاستيمان ، وأنّ (٢) ليس الإقدام على الضمان علّة له مع عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان ، وإن استدل به (٣) الشيخ وأكثر من تأخّر عنه. وقد ذكرنا في محلّه (٤) توجيه ذلك بما يرجع إلى الاستدلال باليد ، فراجع (٥).

وكيف كان (٦) فجريان قاعدة الغرور

______________________________________________________

السابق ناظر إلى وجود المقتضي لضمان البائع لتمام القيمة ، لكن إقدام المشتري على ضمان الثمن المسمّى مانع عن ضمان البائع الغارّ لتمام القيمة.

(١) حيث قال : «وأما العقد الفاسد فلا يكون علّة تامّة أبدا ، بل يفتقر في ثبوت الضمان إلى القبض ، فقبله لا ضمان» (١).

(٢) معطوف على «أنّ سبب».

(٣) أيّ : استدلّ بالإقدام على الضمان الشيخ الطوسي قدس‌سره وأكثر من تأخّر عنه كابن إدريس والعلامة والمحقق والشهيد الثانيين (٢).

(٤) أشار بهذا إلى ما أفاده في مسألة المقبوض بالبيع الفاسد من قوله : «ثم إنّه لا يبعد أن يكون مراد الشيخ قدس‌سره ومن تبعه من الاستدلال على الضمان بالاقدام والدخول عليه بيان أنّ العين والمنفعة اللّذين تسلّمهما الشخص لم يتسلّمهما مجانا أو أمانة. فليس دليل الإقدام دليلا مستقلا ، بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضى اليد في الأموال واحترام الأعمال» (٣).

(٥) يعني : فراجع ما استدل به على قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» من مباحث المقبوض بالبيع الفاسد (٤).

(٦) يعني : سواء كان التوجيه المزبور وجيها أم لا.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٩٩ و ١٠٠.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادر الكلمات في ص ٤٨٥.

(٣) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ١٣٠ ـ ١٣١.

(٤) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ١١٤.


فيما نحن فيه (١) أولى منه (٢) فيما حصل في مقابلته نفع.

هذا (٣) إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد. ولو تجدّدت (٤) بعده فالحكم

______________________________________________________

(١) وهي الغرامة التي اغترمها المشتري للمالك من دون حصول نفع له في مقابلها ، كالمال المصروف في عمارة المبيع ، أو نفقته كتعليف الدابة.

(٢) يعني : أولى من جريانها في القسم الثاني من أقسام الغرامات ، وهو ما حصل للمشتري بإزاء الغرامات نفع.

وجه الأولويّة هو : أن صدق الغرور فيما إذا وصل إلى المشتري نفع في مقابل ما اغترمه للمالك يقتضي ـ بالفحوى ـ صدق الغرور فيما لم يصل إليه نفع في مقابل الغرامات ، إذ لو نوقش في صدق الغرور في صورة استيفاء المشتري للمنافع ـ كما عن صاحب الرياض ـ لم يكن مجال للمناقشة في صدقه على الغرامة التي لم يصل في مقابلها نفع إلى المشتري. فصدق الغرور هنا أولى من صدقه على ما إذا وصل إلى المشتري نفع.

(٣) يعني : أنّ الحكم برجوع المشتري إلى البائع الفضول بالعشرة الزائدة على الثمن المسمّى في عقد الفضول إنّما هو فيما إذا كانت زيادة القيمة ثابتة في حال عقد الفضول.

وأمّا إذا كانت القيمة السوقية مساوية للثمن المسمى ـ وهو العشرة ـ وحصلت زيادة القيمة على الثمن المسمّى عند المشتري ، فصارت قيمته السوقية عند المشتري عشرين بعد أن كانت عشرة ، فالحكم بالرجوع في هذه الزيادة التي أخذها المالك من المشتري إلى البائع أولى ، لأنّ المشتري لم يقدم على ضمان تلك الزيادة الحاصلة بعد العقد.

إمّا لاحتمال عدم ارتفاع القيمة بعد العقد حتى يشمله إقدام المشتري على الضمان المانع عن رجوعه إلى البائع بالزيادة المتجددة.

وإمّا لاحتمال فساد العقد.

وبالجملة : صدق قاعدة الغرور على الزيادة المتجددة أولى من صدقها على الزيادة الموجودة حال العقد ، لاحتمال إقدام المشتري في الزيادة الموجودة حال العقد دون المتجددة بعده.

(٤) يعني : تجدّدت زيادة قيمة المبيع فضولا بعد العقد.


بالرجوع فيه أولى (١).

هذا كلّه فيما يغرمه المشتري بإزاء نفس العين التالفة. وأمّا ما يغرمه بإزاء أجزائه التالفة (٢) ، فالظاهر (٣) أنّ حكمه حكم المجموع في أنّه (٤) يرجع

______________________________________________________

(١) قد مرّ آنفا توضيح الأولوية بقولنا : «لأنّ المشتري لم يقدم على ضمان تلك الزيادة الحاصلة بعد العقد .. إلخ».

هذا تمام الكلام في المقام الأول ، وهو حكم تلف تمام المبيع. وسيأتي الكلام في حكم تلف بعض أجزائه ، ويبحث فيه تارة عن انعدام نفس الجزء ، واخرى عن انعدام وصف قائم بالمبيع.

ما يغرمه المشتري بإزاء الجزء التالف

(٢) كما إذا كان المبيع كتابين مثلا ، والثمن عشرين دينارا ، وتلف أحد الكتابين ، وأخذ المالك من المشتري الكتاب الموجود مع تمام العشرين.

(٣) جواب «وأمّا» وهذا حكم تلف الجزء ، وحاصله : أنّ حكمه حكم تلف المجموع في أنّ المشتري يرجع إلى البائع الفضول فيما زاد على الثمن. فإذا كانت قيمة المبيع التالف عشرين دينارا ، وكان الثمن عشرة دنانير ، وأخذ المالك من المشتري تمام العشرين ، رجع المشتري إلى البائع بالعشرة الزائدة على الثمن الذي هو عشرة دنانير أيضا ، إذ المفروض أنّ الزائد على الثمن عشرة دنانير. وأمّا نفس الثمن فليس للمشتري الرجوع به إلى البائع ، لعدم تغريره بالنسبة إلى الثمن الذي أقدم المشتري على دفعه إلى المالك عوضا عن المبيع. وتغرير البائع مختص بما زاد على الثمن من قيمته الواقعية وهو العشرة. هذا حكم تلف مجموع الأجزاء.

وأمّا حكم تلف بعض أجزاء المبيع كالمثال المذكور ـ وهو بيع الكتابين ـ فهو عدم رجوع المشتري إلى البائع بما يقابل ثمن التالف وهو العشرة ، لإقدام المشتري عليها ، ورجوعه إلى البائع في الزائد على عشرة الثمن ، وهو العشرة أيضا.

(٤) : أي : أنّ المشتري ، وضمير «حكمه» راجع إلى «ما» في قوله «وأمّا ما يغرمه». ومراده أنّ المشتري يرجع في الزائد على ثمن الجزء التالف ، ولا يرجع في مقدار ثمن التالف وهو العشرة ، فإنّ ثمن الجزء التالف ـ كالجزء الموجود ـ عشرة دنانير ، والمشتري


في الزائد (١) على ما يقابل ذلك الجزء ، لا فيما (٢) يقابله على ما اخترناه. ويجي‌ء على القول الآخر (٣) عدم الرجوع في تمام ما يغرمه.

وأمّا ما يغرمه (٤) بإزاء أوصافه ، فإن كان (*) ممّا لا يقسط عليه الثمن

______________________________________________________

يرجع بالعشرة الزائدة على عشرة الثمن ، لا بمقدار الثمن.

(١) يعني : يرجع في الزائد على مقدار ثمن الجزء التالف ، والمراد بهذا الثمن هو العشرة.

(٢) معطوف على «في الرائد» يعني : يرجع المشتري على البائع في الزائد على ثمن التالف ، وهو على الفرض عشرة دنانير. ولا يرجع إلى البائع فيما يقابله من الثمن وهي عشرة دنانير.

والحاصل : أنّ المشتري يرجع إلى البائع في الزائد على الثمن ، لا في مقدار الثمن ، بناء على ما اختاره في (ص ٥٥٦) من قوله : «فإنّه لا يرجع بعشرة الثمن ، وإلّا لزم ..».

(٣) الذي تعرّض له في (ص ٥٥٧) بقوله : «ما ذكر في وجه عدم الرجوع من أنّ المشتري إنما ..».

ما يغرمه المالك بإزاء تلف الوصف

(٤) معطوف على «وأمّا ما يغرمه» يعني : وأمّا ما يغترمه المشتري للمالك بإزاء أوصاف المبيع ، فإن كان الوصف المفقود وصفا لا يقابل بالمال ، ولا يقسّط عليه الثمن ، وإن كان موجبا لزيادة المالية ـ كما عدا وصف الصحة من أوصاف المبيع ، كوصف الكتابة

__________________

(*) لم يذكر له عدل ، مع وضوح اقتضاء السياق لأن يكون له عدل ، وهو : أن يكون الوصف ممّا يقسّط عليه الثمن.

وكيف كان ، فإن كان الوصف ممّا يقسّط عليه الثمن ـ كوصف الصحة ـ جرى عليه حكم الجزء ، فيتدارك الوصف الفائت باسترداد ما قابله من الثمن.

وإن كان الوصف ممّا لا يقسّط عليه الثمن رجع المشتري بغرامته إلى البائع ، لعدم إقدامه على ضمان الأوصاف حتى لا يرجع إلى البائع ، هذا.


كما عدا وصف الصحّة من الأوصاف التي يتفاوت بها القيمة ، كما لو كان عبدا كاتبا فنسي الكتابة عند المشتري ، فرجع المالك عليه (١) بالتفاوت ـ فالظاهر (٢) رجوع المشتري على البائع ، لأنّه (٣) لم يقدم على ضمان ذلك (٤).

ثمّ إنّ (٥) ما ذكرنا كلّه من رجوع المشتري على البائع بما يغرمه إنّما هو إذا كان

______________________________________________________

والخياطة ونحوهما ، وانتفاء ذلك الوصف عند المشتري كنسيان العبد المبيع فضولا للكتابة أو الخياطة أو غيرهما عند المشتري ـ فالظاهر رجوع المشتري على البائع الفضول بما اغترمه للمالك من التفاوت بين واجد الوصف وفاقده. كما إذا كانت قيمة العبد الواجد للكتابة عشرة دنانير ، وقيمة العبد الفاقد لها خمسة دنانير ، فيرجع المشتري بخمسة التفاوت إلى البائع.

(١) أي : فرجع المالك على المشتري بالتفاوت بين واجد الوصف وفاقده.

(٢) جواب الشرط في قوله : «فإن كان».

(٣) تعليل لرجوع المشتري على البائع ، وحاصله : أنّ المشتري لم يقدم على ضمان ما يغرمه بإزاء الأوصاف حتى لا يرجع على البائع ، وإنّما أقدم على ضمان الثمن الذي هو بإزاء العين دون الأوصاف.

(٤) أي : ما يغرمه بإزاء الأوصاف.

(٥) الغرض من هذا الكلام تعيين مورد رجوع المشتري إلى البائع الفضول بالغرامات التي اغترمها للمالك ، في تمام الأقسام ، سواء أكانت الغرامة في قبال الثمن ، أو ما استوفاه من منفعة ، أو ما لم ينتفع به ، أو في قبال فوات الوصف.

ومحصل ما أفاده في ذلك : أن مورد رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات هو البيع الذي يكون فساده من ناحية عدم مالكية البائع للمبيع ، وعدم إذن المالك في البيع حتى

__________________

لكن الحق عدم تقسيط الثمن على الأوصاف مطلقا حتى وصف الصحة ، ولذا ذكروا أنّ الأرش في مورد خيار العيب ليس جزءا من الثمن ، وإنّما هي غرامة على البائع.

وبالجملة : فالأوصاف مطلقا ـ وإن كانت دخيلة في الصحة ـ لا يقسّط عليها الثمن ، وغراماتها تكون على البائع ، لعدم إقدام المشتري عليها.


البيع المذكور (١) صحيحا من غير جهة كون البائع غير مالك. أمّا لو كان فاسدا من جهة أخرى (٢) فلا رجوع على البائع ، لأنّ (٣) الغرامة لم تجي‌ء من تغرير البائع في دعوى الملكيّة ، وإنّما جاءت من جهة فساد البيع. فلو (٤) فرضنا البائع صادقا في دعواه لم تزل الغرامة ، غاية الأمر كون المغروم له (٥) هو البائع (٦) على تقدير الصدق ، والمالك على تقدير كذبه ، فحكمه (٧) حكم نفس الثمن في التزام المشتري به على

______________________________________________________

يتحقق غرور البائع الموجب لوقوع المشتري في الغرامات.

وأمّا إذا كان البيع في نفسه فاسدا ـ كمجهولية المبيع وعدم بلوغ أحد المتعاقدين ونحوهما ـ فلا يرجع المشتري في الغرامات إلى البائع ، لعدم تسبب تلك الغرامات عن تغرير البائع وكذب دعوى مالكيته للمبيع. فلو باع الفضولي متاعا مجهولا غير موصوف حين العقد ـ بوصف رافع للجهالة ـ واستولت عليه يد المشتري ، وتلف عنده ، ورجع المالك بقيمته السوقية عليه ، لم يرجع المشتري بشي‌ء من الغرامات على البائع.

(١) وهو بيع الفضول صحيحا أي جامعا للشرائط عدا مالكية البائع.

(٢) أي : غير مالكية البائع. ومثال هذا الغير فقد بعض شرائط العوضين.

(٣) تعليل لعدم رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات ، وحاصله : عدم تسبب الغرامات عن تغرير البائع ، كما مر آنفا بقولنا : «لعدم تسبب تلك الغرامات عن تغرير ..».

(٤) هذا متفرع على كون الغرامة ناشئة من فساد البيع ، وحاصله : أنّ البائع لو كان صادقا في ادّعاء ملكية المبيع له ، وكان فساد البيع لجهالة المبيع مثلا ـ كما إذا باع المالك متاعا مجهولا بعشرين ، وكانت قيمته حال البيع ثلاثين ، وتلف عند المشتري ، ثم ظهر فساد البيع لجهالة المبيع ـ لم ترتفع الغرامة عن المشتري. بل عليه إمّا أن يدفع إلى البائع المالك الثلاثين ، ويستردّ الثمن المسمّى ، لأنّه مع فرض بطلان البيع لم يخرج الثمن عن ملك المشتري. وإمّا أن يدفع الثلاثين إلى مالك المتاع على تقدير كذب البائع.

(٥) وهو الذي يدفع إليه الغرامة من البائع إن كان صادقا في دعوى ملكية المبيع له ، أو المالك إن كان البائع كاذبا في دعوى الملكية.

(٦) خبر «كون» ، وقوله : «المالك» معطوف على «البائع».

(٧) أي : حكم الغرامات التي يغترمها المشتري للمالك ـ وهو البائع على تقدير


تقديري صدق البائع وكذبه.

ثم إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا (١) أنّ كلّ ما يرجع المشتري به على البائع إذا رجع عليه ، فلا يرجع (٢) البائع به (٣) على المشتري إذا رجع عليه ، لأنّ (٤) المفروض قرار الضمان على البائع.

وأمّا (٥) ما لا يرجع المشتري به على البائع كمساوي الثمن من القيمة ،

______________________________________________________

صدق دعوى الملكية له ، أو غيره على تقدير كذبها في صورة كون فساد البيع لجهة أخرى غير الفضولية ـ حكم نفس الثمن الذي يلتزم المشتري بمقتضى الضمان المعاوضي بدفعه مطلقا ، من غير فرق في ذلك بين صدق البائع في دعواه وكذبه فيها.

(١) أي : وقد ظهر ممّا ذكرنا ـ من أن كل ما يغترمه المشتري للمالك ممّا كان بإزاء العين ، كزيادة قيمتها السوقية على الثمن المسمى في عقد الفضول ، أو بإزاء المنافع المستوفاة ، أو غير المستوفاة ، أو بإزاء الأجزاء أو الأوصاف ، ويرجع به إلى البائع لقاعدة الغرور ـ أنّ قرار الضمان على البائع ، فإذا رجع المالك على المشتري بالغرامات رجع المشتري بها على البائع. وإذا رجع المالك على البائع لم يرجع البائع على المشتري.

(٢) خبر «أنّ كلّ» ودخول الفاء عليه لتضمّنه معنى الشرط.

(٣) هذا الضمير وضمير «به» المتقدم راجعان إلى الموصول المراد به الغرامة.

(٤) تعليل لعدم رجوع البائع على المشتري ، ومحصل التعليل هو : تغرير البائع ، وقاعدة الغرور تقتضي قرار الضمان على الغارّ ، وهو البائع.

(٥) هذا في مقابل قوله : «انّ كل ما يرجع المشتري به على البائع» وحاصله : أنّ هنا موردا لا يرجع المشتري فيه على البائع ، بل يرجع البائع فيه على المشتري ، وهو ما إذا باع الفضولي مال غيره بعشرين دينارا مثلا ، مع كون قيمته السوقية ثلاثين دينارا ، وتلف ذلك المال عند المشتري ، فرجع المالك إلى البائع ، وأخذ منه ثلاثين دينارا بدلا عن المبيع التالف ، فإنّ البائع يرجع حينئذ إلى المشتري ، ويأخذ منه مقدار الثمن المسمّى ، وهو العشرون من القيمة الواقعية للمبيع ، ولا يأخذ العشرة الزائدة على الثمن المسمّى ، لأنّ هذه الزيادة ناشئة عن تغرير البائع ، فضمانها عليه لا على المشتري.


فيرجع (١) البائع به على المشتري إذا غرمه للمالك (٢). والوجه في ذلك (٣) حصول التلف في يده.

فإن قلت (٤) : إنّ كلّا من البائع والمشتري يتساويان في حصول العين في يدهما العادية التي هي سبب الضمان ، وحصول (٥) التلف في يد المشتري لا دليل

______________________________________________________

(١) هذا جواب «وأمّا» وضمير «به» راجع إلى «ما» الموصول في قوله : وأمّا ما لا يرجع.

(٢) بأن رجع إليه المالك ، وأخذ منه القيمة الواقعية وهي الثلاثون.

(٣) أي : في رجوع البائع على المشتري بمساوئ الثمن ، وحاصل هذا الوجه : أنّ قرار الضمان على المشتري ، لحصول التلف في يده ، وعدم جريان قاعدة الغرور فيه.

(٤) الغرض من هذا الإشكال إثبات الضمان على البائع ، وعدم كون المشتري ملزما بدفع ما ساوى الثمن ـ من القيمة الواقعية للمبيع ـ إلى البائع. ومحصله : أنّ علّة الضمان ـ وهي اليد العدوانية ـ مشتركة بين البائع والمشتري ، ولذا يجوز الرجوع للمالك ، إلى أيّهما شاء. ويبقى وجه رجوع البائع إلى المشتري في صورة رجوع المالك إلى البائع ، حيث إنّه لا دليل على كون تلف المال بيد المشتري موجبا لرجوع البائع عليه.

وبعبارة أخرى : هذا الاشكال ناظر إلى استبعاد ضمان الأيدي المتعاقبة لمضمون واحد ، مع أنّ العين الواحدة لو تلفت لها بدل واحد مثلا أو قيمة ، فكيف تستقر في ذمم أشخاص وضعوا أيديهم عليها؟ ومع فرض تعدد الضامن ما الوجه في استقرار الضمان على من تلفت عنده العين؟ حتى يجوز لغير من تلفت عنده الرجوع عليه لو طالب المالك البدل ممّن لم تتلف عنده.

(٥) اختلفت نسخ الكتاب في ضبط هذه الجملة ، ففي نسختنا المصححة «وحصول التلف في يد المشتري لا دليل ..» فبناء على هذا يكون «حصول التلف» مبتدء ، وخبره «لا دليل». وقريب منها ما في بعض النسخ من قوله : «وحصول التلف في يد المشتري لا وجه له ، ولا دليل ..» حيث يكون «وحصول» مبتدء ، وخبره «لا وجه له» وجملة «لا دليل» إشارة إلى الدليل.

ولكن في بعض النسخ «وحصول .. ولا دليل» إذ يتعيّن قراءته بالجرّ معطوفا


على كونه سببا لرجوع البائع عليه (١).

نعم (٢) لو أتلف بفعله رجع (٣) ، لكونه سببا لتنجّز الضمان على السابق (٤).

قلت (٥) : توضيح ذلك (٦) يحتاج إلى الكشف عن كيفيّة اشتغال ذمّة كلّ من

______________________________________________________

على «حصول العين». وعلى كلّ لا يختلف مفاد العبارة باختلاف النسخ ، فلاحظ.

(١) أي : على المشتري ، وضمير «كونه» راجع إلى حصول التلف بيد المشتري.

(٢) استدراك على قوله : «وحصول التلف .. لا دليل» وحاصله : أنّه إذا أتلف المشتري المبيع بفعله ، اتّجه رجوع البائع عليه فيما إذا دفع بدل المبيع التالف إلى المالك ، وذلك لأنّ إتلاف المشتري للمبيع كما أنّه إتلاف العين على المالك ، كذلك إتلاف للغرامة الثابتة على البائع بسبب يده العادية.

ففرق بين التلف والإتلاف ، حيث إنّ الأوّل لا يوجب رجوع البائع على المشتري ، بخلاف الإتلاف ، فإنّه يوجب رجوع البائع عليه في مساوي الثمن ، لأنّه إتلاف للغرامة وسبب لتنجز الضمان على البائع ، إذ لو لم يتلفها المشتري لم يتنجّز ضمان على البائع ، لإمكان ردّ العين حينئذ إلى المالك. فإتلافها سبب فعلية ضمان السابق ، فجاز له الرجوع على المشتري من جهة هذا التسبيب.

وعليه فالضمان اليدي وإن كان متحققا فيهما ، إلّا أنّ على المشتري ضمانا بسبب الإتلاف أيضا ، فيستقر الضمان عليه.

(٣) أي : رجع البائع على المشتري ، وضمير «لكونه» راجع إلى إتلاف المشتري.

(٤) وهو البائع.

كيفية ضمان ذمم متعددة لمال واحد

(٥) هذا دفع الاشكال المذكور بقوله : «فان قلت» والغرض من هذا الدفع إثبات رجوع البائع إلى المشتري ، وبيان وجه رجوعه إليه.

(٦) أي : وجه رجوع البائع إلى المشتري ، وتوضيح وجهه يحتاج إلى بيان كيفية اشتغال ذمّة كل من البائع والمشتري ببدل التالف ، فينبغي التكلم في جهات :


اليدين ببدل التالف ، وصيرورته في عهدة كلّ منهما ، مع أنّ الشي‌ء الواحد لا يقبل (١) [لا يعقل] الاستقرار إلّا في ذمّة واحدة ، وأنّ (٢) الموصول في قوله عليه‌السلام : «على اليد ما أخذت» شي‌ء واحد كيف يكون على كلّ واحدة من الأيادي المتعدّدة؟

______________________________________________________

الاولى : أنّه هل يعقل ضمان شخصين أو أكثر في آن واحد لمال واحد بالاستقلال ، بحيث تكون عهدة كلّ منهما أو منها ظرفا للمال مع الغضّ عن الأخرى ، كالتكاليف الاستقلالية في العامّ الاستغراقي ، أم لا؟

لا ينبغي الإشكال في امتناع ذلك وعدم معقوليته ، لأنّ الذمة في وعاء الاعتبار كالأين الخارجي ، فكما لا يعقل استقرار شي‌ء خارجي ـ ككتاب ونحوه ـ في زمان واحد في مكانين ، فكذلك لا يعقل استقرار مال في ذمة شخص واستقراره في ذمة شخص آخر في آن واحد. وهذا هو الضمان العرضي الذي يقول به أكثر علماء العامة في ضمان الدين عن المديون ، لبنائهم على أن الضمان ضمّ ذمة إلى ذمّة أخرى ، لا نقل الدّين عن ذمة المديون إلى ذمة الضامن كما يقول به الخاصة وبعض العامة.

وبالجملة : فالضمان العرضي غير معقول.

الجهة الثانية : أنّه بناء على عدم معقولية الضمان العرضي ثبوتا لا محيص عن التصرف في الأدلة إذا كانت ظاهرة في إمكان الضمان العرضي في مرحلة الإثبات ، بحملها على الضمان الطولي.

(١) أشار بهذا إلى الجهة الاولى ، وهي مقام الثبوت ، الذي هو عدم معقولية الضمان العرضي.

(٢) بيان لوجه امتناع اشتغال ذمم متعددة بإبدال لمبدل واحد ، ومحصله : أنّ دليل الضمان في المقام وضع اليد على مال الغير بدون رضاه ، ومن المعلوم أنّ المراد بالموصول في «ما أخذت» هو المبيع الشخصي الواحد التالف بيد المشتري مثلا. ولا ريب في اقتضاء وحدة المبدل التالف وحدة البدل ، إذ ليس للواحد إلّا بدل واحد ، فكيف يتعدد هذا الواحد باستقراره في ذمم متعددة؟

وقد أفادوا لحلّ هذا الاشكال وجوها ، والمذكور منها في المتن اثنان ، أحدهما ما اختاره المصنف قدس‌سره ، والآخر ما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره ، وسيأتي توضيح كل منهما.


فنقول (١) : معنى كون العين المأخوذة على اليد كون عهدتها ودركها بعد التلف عليه (٢) ، فإذا فرضت أيد متعدّدة تكون العين الواحدة في عهدة كلّ من الأيادي ، لكن ثبوت الشي‌ء الواحد في العهدات المتعدّدة معناه (٣) لزوم خروج كلّ منها عن العهدة عند تلفه. وحيث (٤) إنّ الواجب هو تدارك الفائت الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد ، كان معناه تسلّط المالك على مطالبة كلّ منهم بالخروج (٥) [الخروج] عن العهدة عند تلفه ، فهو (٦) يملك ما في ذمّة كلّ منهم على البدل ، بمعنى أنّه إذا استوفى أحدها سقط الباقي [إذا استوفى من أحدهم سقط من الباقي] لخروج الباقي (٧) عن كونه [كونها] تداركا ، لأنّ المتدارك لا يتدارك.

______________________________________________________

(١) هذا تقريب ضمان الأيدي المتعاقبة للمبيع التالف عند بعض الأيدي ، وحاصله : تعهّد كل واحد منهم بتدارك التالف ببدله بمجرّد وضع اليد عليه. لكن لا بدّ من الجمع بين هذا وبين ما يدلّ عليه «على اليد» من اقتضاء وحدة المبدل وحدة بدله.

(٢) أي : على ذي اليد ، وإلّا كان المناسب تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى اليد.

(٣) أي : معنى ثبوت الشي‌ء الواحد في العهدات المتعددة هو لزوم .. إلخ.

(٤) هذا شروع في الجهة الثالثة ، وهي حكم المالك مع الضامنين ، أعني به جواز مطالبة المالك كلّ واحد من الضامنين.

(٥) متعلق ب ـ «مطالبة» وبناء على ما في بعض النسخ من قوله : «الخروج» فهو مفعول ثان للمطالبة.

(٦) أي : المالك ، وقوله : «فهو» نتيجة قوله : «وحيث إنّ الواجب» وحاصله : أنّه ـ بناء على كون الواجب تدارك الفائت ببدل واحد ـ يكون لازمه مالكية المالك لما في ذمة كلّ واحد من الضامنين على البدل لا على الاستقلال ، وإلّا يلزم أن يكون لشي‌ء واحد أبدال متعددة ، مع كون المبدل المتدارك واحدا.

(٧) أي : باقي الأبدال ، فإنّ حصول تدارك الفائت ببدل واحد يقتضي سقوط وجوب التدارك عن باقي الضامنين ، لحصول التدارك بواحد من الأبدال ، ولا يتدارك المبدل المتدارك ثانيا. ولا يتصف ما عدا البدل ـ الذي حصل به التدارك ـ بكونه تداركا للفائت.


والوجه (١) في سقوط حقّه بدفع بعضهم عن الباقي أنّ مطالبته (٢) ما دام لم يصل إليه المبدل ولا بدله ، فأيّهما (٣) [فأيّها] حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله ، فلو بقي شي‌ء له (٤) في ذمّة واحد [واحدة] لم يكن بعنوان البدليّة ، والمفروض عدم ثبوته بعنوان آخر.

ويتحقّق ممّا ذكرنا (٥) أنّ المالك إنّما يملك البدل على سبيل البدليّة ، ويستحيل اتّصاف شي‌ء منها (٦) بالبدليّة بعد صيرورة أحدها بدلا عن التالف واصلا إلى المالك.

ويمكن أن يكون نظير ذلك (٧) ضمان المال على طريقة الجمهور ، حيث إنّه ضمّ

______________________________________________________

(١) محصّل هذا الوجه : انتفاء موضوع المطالبة ، وهو عدم وصول ماله من المبدل والبدل إليه ، فللمالك استحقاق المطالبة ما لم يصل إليه شي‌ء من المبدل وبدله. فإذا وصل إليه أحدهما فلا يبقى موضوع لاستحقاق المطالبة. فلو بقي شي‌ء له في ذمة شخص لم يكن ذلك بعنوان البدلية ، والمفروض أنّه لم يثبت شي‌ء للمالك في الذمم إلّا بعنوان البدلية.

(٢) أي : مطالبة المالك منوطة بعدم وصول المبدل وبدله إليه ، فقوله : «ما دام ..» خبر «أن مطالبته» وهي خبر «والوجه».

(٣) الضمير راجع إلى المبدل والبدل. وبناء على نسخة «فأيّها» فالضمير راجع إلى الأبدال المستفاد من العبارة.

(٤) أي : للمالك ، وحاصله : أنّه لو بقي شي‌ء للمالك في ذمة شخص لم يكن ذلك بعنوان البدليّة.

(٥) أي : يظهر ـ من كون المالك مالكا لما في ذمّة كلّ منهم على البدل ـ أنّ المالك إنّما يملك البدل على سبيل البدلية ، ومن المعلوم استحالة اتّصاف شي‌ء بالبدلية بعد صيرورة أحد الأبدال بدلا عن التالف واصلا إلى المالك ، فلا يبقى حينئذ مجال لاتّصاف غيره بالبدلية بعد فرض أنّه ليس لمبدل واحد إلّا بدل واحد.

(٦) أي : من الأبدال.

(٧) أي : ثبوت شي‌ء واحد في ذمم وعهدات متعددة. وقوله : «ويمكن» إشارة إلى إشكال ودفعه.

أمّا الإشكال فهو : أنّه لا دليل على شغل ذمم عديدة بمال واحد حتى في تعاقب


ذمّة إلى ذمّة أخرى. وضمان (١) عهدة العوضين لكلّ من البائع والمشتري

______________________________________________________

الأيدي الغاصبة ، حيث إنّ الذمة المشغولة بالمغصوب واحدة ، وهي ذمّة من تلف المال بيده ، وإن جاز للمالك الرّجوع إلى كلّ واحد من الغاصبين.

وهذا الإشكال من صاحب الجواهر قدس‌سره حيث إنّه ذهب تارة إلى امتناع ضمان ذمّتين لمال واحد ثبوتا كما في كتاب الضمان في الإيراد على كلام الجمهور من كون الضمان ضمّ ذمة إلى ذمة أخرى (١). واخرى إلى امتناعه إثباتا بمعنى عدم الدليل على ذلك (٢).

والمقصود فعلا ما أفاده في منع تصور ضمان شخصين لمال واحد. وسيأتي في (ص ٥٩١) نقل كلامه في جواز مطالبة البدل من كلّ واحد من الضمناء.

وأمّا دفع الاشكال فهو ما أفاده المصنف بقوله : «ويمكن» وغرضه الاستشهاد بموارد أربعة على إمكان شغل ذمم متعدّدة بشي‌ء واحد ، وعدم استحالته.

فالمورد الأوّل : ضمان الدين ، على مذهب العامة القائلين بأنّ الضمان ضمّ ذمة الضامن إلى ذمة المديون ـ لا نقل ما في ذمة إلى ذمة أخرى ـ فيكون الدين في ذمّتي المديون والضامن. بخلاف الضمان عند الخاصة ، فإنّه عندهم نقل الدين عن ذمة المديون إلى ذمة الضامن.

(١) معطوف على «ضمان المال» وهذا إشارة إلى المورد الثاني ، وهو ضمان عهدة العوضين لكلّ من البائع والمشتري. كما إذا ضمن شخص للبائع عهدة الثمن عند ظهور كون الثمن لغير المشتري ، أو انكشاف بطلان البيع ، وضمن للمشتري عن البائع عهدة المبيع إن ظهر كونه للغير ، أو انكشف بطلان البيع ، فحينئذ تجتمع ذمّتان : إحداهما ذمّة الضامن ، والأخرى ذمّة البائع ، أو ذمّة المشتري ، مع وحدة المال المضمون به ، فيجوز للبائع الرجوع إلى الضامن وإلى المشتري. وكذا يجوز للمشتري الرجوع إلى الضامن وإلى البائع.

وبالجملة : تشتغل ذمّتان لمال واحد.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ١١٣.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ٣٤.


«عندنا» (١) كما في الإيضاح.

وضمان (٢) الأعيان المضمونة على ما استقربه في التذكرة ،

______________________________________________________

(١) هذه الكلمة ظاهرة في إجماع الإمامية على صحّة ضمان العهدة لكلّ من البائع والمشتري. ولكن لم أظفر بكلمة «عندنا» في ضمان الإيضاح ، ولم ينقله عنه في مفتاح الكرامة والجواهر (١) ، وإنّما هو موجود في التذكرة في مسألة ما لو باع شيئا ، فخرج المبيع مستحقا لغير البائع ، حيث يجب على البائع ردّ الثمن ، فقال : «وإن ضمن عنه ضامن ليرجع المشتري عليه بالثمن لو خرج مستحقا فهو ضمان العهدة ، ويسمّى أيضا ضمان الدرك .. وهذا الضمان عندنا صحيح إن كان البائع قد قبض الثمن ..» (٢).

ولعلّ المصنف أتّكل في نسبة الإجماع إلى فخر الدين على كلام شيخه في المناهل ، حيث قال في الأمور التي نبّه عليها في ضمان العهدة : «هل هذا القسم ناقل أيضا ، أو لا ، بل هو ضمّ ذمّة ، إلى ذمّة صرّح بالأوّل في التحرير .. وصرّح بالثاني في الإيضاح والتنقيح ، وهو ظاهر مجمع الفائدة ، بل نبّه الأوّل على دعوى الاتفاق عليه ، قائلا : ضمان العهدة ضمّ عندهم» (٣).

(٢) معطوف على «ضمان» وهذا ثالث الموارد المشار إليها ، وهو ضمان الأعيان المضمونة ، كما إذا ضمن شخص لمستعير الذهب والفضة ، فإنّه يجتمع هنا ذمّتان مشغولتان بمال واحد ، فيجوز للمالك المعير الرجوع إلى كلّ من المستعير والضامن.

وتقييد الأعيان ب ـ «المضمونة» لإخراج غير المضمونة ، كالأمانات من الوديعة وعارية غير الذهب والفضة ، ومال المضاربة والشركة ، والمال في يد الوكيل ، ونحوها ، لدعوى الاتفاق على عدم جواز ضمانها ، لكونه من ضمان ما لم يجب.

ولضمان الأعيان المضمونة ـ كما أفاده العلّامة قدس‌سره في التذكرة ـ صورتان :

الاولى : أن يضمن وجوب ردّها إلى المالك إن كانت باقية.

__________________

(١) لاحظ : مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٣٧٣ ، جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ١٣٥.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٩١ ، السطر ٣٤.

(٣) المناهل ، ص ١٣٩ ، السطر ٢ ـ ٥.


وقوّاه (١) في الإيضاح وضمان (٢) (*) الاثنين لواحد ، كما اختاره ابن حمزة.

______________________________________________________

الثانية : أن يضمن ردّ قيمتها إليه لو تلفت بيد المضمون عنه. وقال بصحة كلتا الصورتين ، فراجع (١).

(١) هذه النسبة كسابقتها مما لم أظفر بها في الإيضاح ، بل كلامه في هذه المسألة ظاهر في خلاف النسبة ، حيث إنّه ـ بعد بيان وجهي الإشكال المذكور في القواعد ـ قال : «والأصح أنّه لا يصحّ» (٢). وكذا نقله السيد العاملي عنه ، فراجع.

نعم استقرب العلّامة جواز هذا الضمان بقوله : «وفي ضمان الأعيان المضمونة والعهدة إشكال ، أقربه عندي جواز مطالبة كل من الضامن والمضمون عنه بالعين المغصوبة .. إلخ» (٣).

(٢) معطوف على «ضمان» وهذا رابع الموارد ، وهو ضمان شخصين لواحد ، كما إذا ضمن شخصان دين مديون ، فإنّ ذمّتها تشتغل بدينه ، فيجوز للدائن الرجوع إلى أيّ منهما شاء.

__________________

(*) إن أريد ضمانهما دفعة وفي زمان واحد ـ بأن يكون كلّ منهما ضامنا بالاستقلال ـ فهو ممتنع ، ولا يشمله دليل مشروعية الضمان. وإن أريد ضمانهما على التعاقب كان الضمان الثاني باطلا ، لأنّه بالضمان الأوّل لا يبقى شي‌ء في ذمة المديون حتى يضمنه الضامن الثاني.

وعلى هذا لا يتحقق ضمان الاثنين لواحد مطلقا ، من غير فرق في ذلك بين الدفعي والتعاقبي. فما عن العلامة قدس‌سره في درسه من نفي المنع عن ضمان الاثنين على وجه الاستقلال لا يخلو من غموض.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٩٠ ، السطر ٢٩ و ٣٥.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٨٥ ، مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٣٧٢.

(٣) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٩٢ ، السطر ٢٤.


وقد حكى فخر الدين والشهيد عن العلّامة في درسه : أنّه نفى المنع عن ضمان الاثنين على وجه الاستقلال (١).

______________________________________________________

(١) بأن يضمن كلّ من الشخصين للدائن ماله الذي في ذمة المديون في عرض الآخر ، لا في طوله بأن يكون أحدهما ضامنا للمالك ، والآخر ضامنا للضامن.

والأقوال في هذه المسألة ثلاثة ، واستشهاد المصنف قدس‌سره مبني على قول ابن حمزة الذي نفى العلّامة قدس‌سره بعده. ولا بأس بتوضيح أصل المسألة ـ على ما ذكره السيد العاملي قدس‌سره ـ ثم الإشارة إلى الأقوال ، فنقول وبه نستعين :

إنّ ضمان الاثنين لما في ذمة شخص ـ كالدّين المستقر في عهدة زيد لعمرو ـ إمّا أن يكون على التعاقب ، بأن يضمنه بكر في الساعة الاولى ، وبشر في الساعة الثانية. وإمّا أن يكون دفعة.

فعلى الأوّل ينفرد أحدهما بكونه ضامنا ، وهو من رضي المضمون له بضمانه ، سواء أكان هو السابق أو اللاحق ، ويبطل ضمان الآخر. كأن يقول : «رضيت بضمان بشر مثلا» ولو قال : «رضيت بضمان كلّ واحد منكما» كان الضامن هو الأوّل ، لأنّ رضاه بضمان كل واحد يوجب انتقال المال إلى من تعهّد أوّلا ، فلا يبقى موضوع لضمان الثاني.

وعلى الثاني ـ وهو كون الضمانين دفعيّا ـ فإن قال المضمون له : «رضيت بضمان بكر مثلا» انتقل كل المال إلى ذمّته ، وبطل ضمان الآخر. وإن قال : «رضيت بضمانكما» كان هو مورد البحث ، وفيه أقوال ثلاثة :

الأوّل : قول أبي علي ابن الجنيد ، وهو تقسيط المال على الضامنين ، فيضمن ـ في المثال ـ كل واحد منهما نصف المال.

الثاني : التخيير في مطالبة من شاء منهما ، ومطالبتهما معا ، ويسمّى ضمان الاشتراك والانفراد معا ، وقد جزموا به في باب الديات في ما إذا قال : «ألق متاعك ، وعلى كلّ واحد منّا ضمانه» ، وهو قول ابن حمزة في المقام. ويكون المضمون له بالخيار في مطالبة المال من أيّهما شاء على الانفراد ، وعلى الاجتماع (١).

__________________

(١) الوسيلة ، ص ٢٨١.


قال (١) : «ونظيره في العبادات : الواجب الكفائي (*) ، وفي الأموال (٢) : الغاصب من الغاصب».

هذا (٣) حال المالك بالنسبة إلى ذوي الأيدي (**).

______________________________________________________

وهذا القول مورد استشهاد المصنف على اشتغال ذمم متعددة بمال واحد. وانتصر العلّامة قدس‌سره له بنظيرين :

أحدهما : الحكم التكليفي ، وهو الواجب الكفائي ، حيث إنّ المخاطب بالتكليف عامّة المكلفين ، ويسقط بامتثال أحدهم.

وثانيهما : الحكم الوضعي ، وهو ضمان الغاصب من الغاصب.

القول الثالث : البطلان ، وهو قول معظم الأصحاب كما في الإيضاح (١).

(١) يعني : قال العلامة قدس‌سره : ونظيره ـ أي : ونظير ضمان الاثنين بنحو الاستقلال ـ الواجب الكفائي في العبادات كغسل الميت وصلاته ، فإنّه يجب على كل واحد من المكلّفين القيام بأمور الميّت ، ولكن يسقط الوجوب بقيام بعض عن الآخرين.

(٢) يعني : ونظير ضمان الاثنين عن واحد على وجه الاستقلال ـ في الأموال ـ ضمان الغاصب من الغاصب ، كما إذا غصب زيد مالا من عمرو ، ثم غصب بكر ذلك المال من زيد ، فحينئذ تشتغل كلتا ذمتي الغاصبين لشخص واحد ـ وهو عمرو ـ بمال واحد.

(٣) أي : ما ذكرناه من قولنا : «قلت : توضيح ذلك» هو حال المالك بالنسبة إلى البائع الفضول والمشتري من الأيدي المستولية على مال المالك الذي بيع فضولا.

__________________

(*) يشكل هذا النظير بأنّ لازمه استحقاق المالك لجميع الأبدال إذا دفعت إليه في آن واحد ، كامتثال الجميع في صورة إتيانهم بالواجب الكفائي دفعة واحدة ، مع القطع بعدم استحقاق المالك إلّا لبدل واحد من تلك الأبدال ، وتعيينه بالقرعة.

(**) ينبغي لتحقيق حال المالك بالنسبة إلى ذوي الأيدي التعرض لمقامين :

الأوّل الثبوت ، والثاني الإثبات.

__________________

(١) الحاكي لكلامي الفخر والشهيد من النسبة إلى مجلس درس العلامة هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٣٩٣ ، ولاحظ إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٨٩ ، جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ٣٤١.


.................................................................................................

__________________

أمّا المقام الأوّل ففي بيان محتملات دليل الضمان ، وهو «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».

أوّلها : أن يراد به خصوص الغاصب الذي أخذ المال بلا واسطة من الغاصبين ، فللمالك أن يرجع إلى مبدء سلسلة الغاصبين ، دون غيره منهم.

ويمكن استظهار ذلك من كلمة «حتى تؤدي» لرجوع الضمير المستتر في «تؤدّي» إلى اليد ، فمعناه حينئذ : على اليد ما أخذت حتى تؤدّي تلك اليد المستولية ما أخذته. وظاهر الإسناد إلى اليد هو خصوص اليد المستولية مباشرة على المال.

ثانيها : ضمان جميع الأيدي المستولية على المال لشخص المالك فقط ، فله الرجوع إلى كلّ منهم ، وليس لأحد منهم الرجوع إلى بعضهم ، لعدم ضمانهم بالنسبة إلى أنفسهم ، وإنّما ضمانهم بالنسبة إلى شخص المالك دون غيره.

ويمكن استظهار هذا الوجه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حتى تؤدّيه» لأنّ التأدية لا بدّ أن تكون إلى من أخذ منه المال حقيقة أو حكما ، لأنّ الكلام في أخذ مال الغير لا في المباحات الأصلية ، فلا بدّ أن يكون التأدية إلى من أخذ منه المال ، أو من هو بمنزلته. فإذا ردّ المال إلى غير المأخوذ منه لم تصدق التأدية.

ثالثها : أن يراد به ضمان كلّ آخذ لمن أخذ المال منه ، فالمالك يرجع الى مبدء السلسلة فقط ، وهو يرجع إلى الآخذ الثاني ، وهو إلى الثالث ، وهو إلى الرابع ، وهكذا.

وهنا احتمالات اخرى ، ولكن المهمّ الاستظهار من الدليل كما سيأتي.

وأمّا المقام الثاني ـ وهو مقام الإثبات بحسب فهم العرف ـ فنقول : إنّ النبوي المذكور في مقام بيان حكم اليد الآخذة ، والظاهر أنّ للنبوي إطلاقا بالنسبة إلى كلّ آخذ بأيّ نحو حصل ، سواء أكان الأخذ من المالك بلا واسطة أم معها ، وسواء أكان الآخذ بائعا صورة أم مشتريا ، فالآخذ مطلقا يكون ضامنا للمالك.

وبالجملة : فضمان كل آخذ للمالك ـ بمعنى جواز رجوع المالك إلى كل من استولى على ماله ـ ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

وإنّما الكلام في تضمين بعض الضمناء لبعضهم ، كأن يكون الضامن الثاني ضامنا


.................................................................................................

__________________

لما ضمنه الضامن الأوّل ، والضامن الثالث ضامنا لما ضمنه الغاصب الثاني ، وهكذا ، كما هو المشهور في الأيدي المتعاقبة ، بأن يقال : إنّ الضامن الأوّل ضامن للمالك قيمة ماله ، والضامن الثاني ضامن للضامن الأوّل ما ضمنه للمالك ، فعليه تدارك ضمان الضامن على تقدير وقوع الخسارة عليه. والضامن الثالث ضامن للثاني ما ضمنه للأوّل الذي هو ضامن للمالك.

والحاصل : أنّ المشهور ـ على ما قيل ـ جواز رجوع المالك على كلّ واحد من الضمناء ، ورجوع كلّ سابق منهم إلى لاحقه لو لم يكن مغرورا من سابقه. ودليل كل ذلك هو النبوي المشهور «على اليد ما أخذت حتى تؤدي».

أمّا رجوع المالك إلى كلّ واحد من الضمناء ، فلأنّ يد كلّ منهم على مال المالك عادية ، وذلك بمقتضى عموم أو إطلاق «على اليد» سبب للضمان.

وأمّا ضمان بعضهم بالنسبة إلى بعضهم الآخر فلأنّ الضامن الثاني أخذ المال من الضامن الأول بما كان له من الخصوصية ، وهي كونه مضمونا على الضامن الأوّل. وكذا من بعده من الضامن الثالث والرابع ، فإنّ كلّا منهم استولى على مال المالك بوصف كونه مضمونا على سابقه ، ولذا يرجع السابق على اللاحق إذا رجع المالك على السابق ، وأخذ المال منه ، إن لم يكن السابق غارّا ، وإلّا فليس له الرجوع إلى اللّاحق. فإنّ الحكم يثبت لموضوعه بخصوصيته ، والمفروض أنّ كل لاحق أخذ المال من سابقه بخصوصية كونه مضمونا على سابقه ، فإنّه مقتضى انحلال «على اليد» إلى قضايا متعددة على حسب تعدد الموضوعات. وهذا معنى طولية الضمانات.

وتجريد الموضوع عن الخصوصية منوط بالدليل ، وهو مفقود.

مضافا إلى : أنّ تجريده عنها مستلزم لعرضية الضمانات ، وقد تقدم امتناعها.

وهذا بخلاف ضمان الضامن الأوّل الذي أخذ المال من المالك ، فإنّه ضامن له من دون خصوصية كونه مضمونا على أحد ، بل هو ضامن للمال مجرّدا عن هذه الخصوصية.

والحاصل : أنّ دليل الضمان ـ وهو قاعدة اليد ـ يثبت كلا الأمرين ، وهما : جواز رجوع المالك إلى كل واحد من الضمناء ، لوقوع ماله تحت يد كلّ واحد منهم. وجواز رجوع كل


.................................................................................................

__________________

سابق منهم إلى لاحقه ، لوقوع المال تحت يده مضمونا على السابق ، فيجتمع ضمانات الضمناء طولا في زمان واحد مع وحدة المرتبة ، وهي التلف.

لكن الحق أنّ التلف الموجب للضمان علّة لضمان جميع ذوي الأيدي العادية لبدل مال المالك ، فجميع هؤلاء يضمن بدل العين بسبب التلف للمالك طولا ، لا عرضا حتى يلزم المحال. ولا وجه لمراعاة خصوصية كونه مضمونا على السابق بعد كون كل واحد من ذوي الأيدي ـ بمقتضى انحلال عموم «على اليد» ـ مشمولا لقاعدة اليد ، فإنّ كل خصوصية من خصوصيات المال ليست مضمونة على ذي اليد العادية ، بل خصوص الأوصاف الدخيلة في ماليّة المال ، والمضمون على الأيدي اللّاحقة نفس بدل مال المالك ، لا البدل الموصوف بكونه مضمونا على السابق ، فإنّ هذا الوصف من الأوصاف التي لا يضمنها الضامن ، ولا يتوقف ضمان اللّاحق على اعتبار كون المال مضمونا على السابق ، إذ ليس هذا الوصف موجبا لازدياد المالية.

والحاصل : أنّ الضمان معلّق على تلف العين ، لأنّه مع بقاء العين لا ضمان ، إذ اللازم حينئذ وجوب ردّ العين إلى المالك. ولا ضمان على أحد ، لأنّ الضمان ـ بمعنى تدارك الخسارة الواردة على المالك ـ لا يتصوّر مع بقاء العين ، إذ لا خسارة على المالك مع بقاء عين ماله ، فإنّ عهدتها ودركها بعد التلف ، كما أفاده المصنف قدس‌سره في (ص ٥٧١) بقوله : «معنى كون العين المأخوذة على اليد كون عهدتها ودركها بعد التلف عليه» وفي (ص ٤٩٤) بقوله : «الضمان كون الشي‌ء في عهدة الضامن وخسارته عليه» فإنّهما يدلّان على كون الضمان جبران الخسارة الواردة على المال بسبب تلف ماله.

فعليه يكون ضمان كلّ من وقع المال تحت يده تعليقيا ، وفعليته منوطة بالتلف. فالجزء الأخير لعلّة الضمان للكلّ هو التلف. فكلّ واحد من الضامنين يضمن للمالك بدل ماله في رتبة واحدة ، لا أنّ غير الضامن الأوّل يضمن ما ضمنه الضامن السابق ، فإنّه بعيد عن أذهان العرف. فلا يكون «على اليد» ظاهرا فيه. بل ظاهره كون مال المالك بعهدة كلّ من ذوي الأيدي العادية.


.................................................................................................

__________________

وقد تلخص ممّا ذكرناه أمور.

الأوّل : أنّ ضمان كلّ من الضامنين ممّن يجوز للمالك الرجوع إليه ـ وأخذ عين ماله أو بدله منه ـ لأجل وقوع يد كلّ منهم على ماله.

الثاني : جواز رجوع السابق إلى اللاحق ، إذا دفع البدل إلى المالك إن لم يكن السابق غارّا له ، وإلّا فليس له الرجوع إليه ، لقاعدة الغرور. وليس للّاحق الرجوع إلى السابق إذا دفع اللاحق البدل إلى المالك ، لأنّ اللّاحق متعهد لما في ذمة السابق بعد وصول العين منه ، دون العكس ، فليتأمل.

(وجهه : ما ظهر من مطاوي البيانات السابقة من عدم كون اتصاف المال بعهدة الضامن السابق من الصفات الدخيلة في المالية حتى يكون مضمونا على الضامن اللّاحق).

مضافا إلى : عدم وقوع البدل تحت يد اللاحق حتى يضمنه للسابق ، ضرورة أنّ البدل الثابت في ذمة السابق لم يقع في يد اللّاحق حتى يضمنه لأجل قاعدة اليد.

ومضافا إلى : عدم تقدم ضمان السابق على اللاحق ، وذلك لأنّ سبب الضمان ـ وهو التلف ـ بالنسبة إلى جميع الضمناء في رتبة واحدة ، ولا تقدم لبعضها على الآخر حتى يجوز رجوع السابق إلى اللّاحق.

نعم يجوز لمن دفع البدل إلى المالك أن يرجع إلى من تلفت العين بيده ، لأنّ قرار الضمان عليه ، حيث إنّ بناء العقلاء على وقوع المعاوضة القهرية بين العين التالفة وبين البدل الذي يدفعه من تلف عنده المال. وهذا وجه استقرار الضمان عليه.

وأمّا رجوع بعض الضمناء إلى البعض الآخر ـ غير من تلف مال المالك عنده ، بعد تساوي نسبة اليد العادية إلى جميع الضمناء ـ فلم يظهر له وجه. ومجرّد سبق بعضهم زمانا على الآخر في وضع اليد على عين مال الغير لا يجدي في جواز رجوع بعضهم على الآخر ، إذ ليس ذلك مناطا للضمان ، بل مناطه تلف العين كما مرّت الإشارة إليه. وهو يوجب ضمان الكلّ في رتبة واحدة لمالك العين التالفة من دون تقدم لأحدهم على الآخر. فقبل التلف لا ضمان على أحد ممّن وقعت يده على العين إلّا على نحو التعليق. وثبوته غير معلّق منوط بالشرط المتأخر ، لكنه بعد تسليم إمكانه غير ظاهر من أدلة الضمان.


.................................................................................................

__________________

والحاصل : أنّه أوّلا لأسبق ولا لحوق في الضمانات.

وثانيا : ـ على فرض السبق واللحوق ـ أنّ المضمون ليس المال بوصف كونه مضمونا على الضامن السابق ، بل هذا الوصف عنوان مشير إلى ما هو الموضوع ، لا أنّه دخيل في الموضوع.

فاتّضح أنّه لا وجه لرجوع بعض الضمناء إلى بعضهم إلّا إلى خصوص من تلف المال بيده. وأمّا إلى غيره فلا وجه له ، فإنّ «على اليد» يثبت جواز رجوع المالك إلى أيّ واحد شاء من الغاصبين.

وأمّا رجوع بعض الغاصبين إلى البعض الآخر منهم ، فلا يدل على ذلك ، لأنّ المأخوذ ـ أو بدله ـ لا بدّ أن يؤدّى إلى مالكه ، لا إلى غاصبه الآخر ، فإنّ الغاصب ضامن للمالك لا لغاصب آخر ، فإنّ نفس التأدية تدلّ على اعتبار كون المؤدى إليه هو المالك ، لأنّ التأدية عبارة عن إيصال الحق إلى صاحبه ، فإنّ أداء دين زيد لا يصدق إلّا على إيصاله إلى الدائن ، لا إلى غيره من الأجانب.

الثالث : أنّ ضمان الغاصبين يكون بعد تلف العين كما أفاده المصنف في كلامه الذي نقلناه عنه آنفا ، إذ مع بقاء العين لا خسارة على المالك ، والمفروض أنّ الضمان عبارة عن تدارك الخسارة الواردة على المالك من ناحية تلف ماله ، فضمان البدل مترتب على تلف المبدل ، فالبدل طولي ، لا عرضي كخصال كفارة إفطار صوم شهر رمضان ، حيث إنّها أبدال عرضيّة.

فالغاصب مكلّف أوّلا بوجوب ردّ العين المضمونة إلى مالكها. فإنّ تلفت وجب عليه تسليم بدلها إليه. فالضمان بالنسبة إلى الجميع تعليقي ، وفعليته منوطة بتلف العين.

وعلى فالتخيير بين دفع المبدل والبدل ـ كما هو ظاهر المتن ـ غير ظاهر ، بل بدليّة بدل مال المالك طولية ، نظير الكفارات المرتبة ـ ككفارة الظهار وقتل الخطاء ، فإنّه يجب فيهما عتق رقبة ، فإن عجز صام شهرين متتابعين ، فان عجز أطعم ستين مسكينا ـ ضرورة أنّ ضمان البدل مترتب على تعذر المبدل وتلفه ، فلا تخيير بين المبدل والبدل.

ثمّ إنّ هنا فروعا مترتبة على الضمان الطولي :


.................................................................................................

__________________

الأوّل : أنّه لو رجع المالك إلى أحد الضمناء ، وأخذ منه عوض ماله ، لم يكن له الرجوع إلى سائر الضمناء ، وذلك لوحدة الحقّ ، وعدم اشتغال ذمتين عرضيتين بمال واحد ، سواء أكان المؤدّي أوّل السلسلة أم غيره من الضمناء ، وسواء أكان من تلف عنده المال أم غيره.

الثاني : أنّ السابق إذا أدّى مال المالك جاز له أن يرجع إلى اللاحق ، لأنّه باستيلاء يده على المال ضمن ما كان مضمونا على السابق. وهذا بخلاف ما إذا أدّى اللاحق المال إلى المالك ، فإنّه لا يرجع إلى السابق ، لأنّ السابق لم يضمن المال بوصف كونه مضمونا على اللاحق ، فتأمل.

الثالث : أنّ جواز رجوع السابق إلى اللاحق وأخذ المال منه منوط بدفع السابق المال إلى المالك ، لأنّ ما يدفعه اللاحق إلى السابق إنّما هو من باب الغرامة وتدارك خسارة المالك ، وليس من قبيل العوض لما في ذمة السابق. فوزان الضامن اللّاحق مع الضامن السابق وزان الضامن للدّين مع المضمون عنه في الضمان العقدي في عدم استحقاق الضامن الرجوع إلى المضمون عنه وأخذ المال منه إلّا بعد أداء الدّين إلى المضمون له.

وبالجملة : ليس ما في ذمة اللّاحق ملكا للسابق حتى يجب على اللاحق دفع المال إليه مطلقا وإن لم يدفع السابق المال إلى المالك ، بل يكون ما في ذمة اللّاحق ملكا للمالك.

الرابع : لو أبرأ المالك جميع الضمناء فلا إشكال في سقوط حقه رأسا. وأمّا إذا أبرء أحد الضمناء ، ففي اختصاص الإبراء به ، أو عمومه لجميع آحاد السلسلة ، أو عمومه له ولسابقه دون لاحقه؟ وجوه ، أقواها هو الثاني ، لأنّه مقتضى وحدة الحق وطوليّة الضمانات ، فإنّ موضوع جميعها وجود حقّ المالك ، فإذا سقط حقّه الذي هو مدار الضمانات لم يبق موضوع للضمان أصلا ، حيث إنّ لمال المالك بدلا واحدا ، وقد سقط ذلك بالإبراء الذي هو بمنزلة الاستيفاء.


.................................................................................................

__________________

نعم بناء على عرضية الضمانات يتجه الوجه الأوّل ، وهو اختصاص الإبراء بمن أبرأه المالك ، دون غيره ممّن سبقه ولحقه. لكنك عرفت عدم صحة الضمان العرضي ، بل عدم معقوليته.

الخامس : أنّه إذا أسقط المالك حقّ المطالبة عن بعض الضمناء ، فالظاهر أنّه إسقاط لحق المطالبة الذي هو من حقوق المالك ، وإسقاطه لا يستلزم براءة ذمة الضامن عن المال ، فإنّ إسقاطه لازم أعمّ من ذلك ، لإمكان سقوطه مع بقاء المال في ذمة الضامن. كجواز تأجيل الدّين بالاشتراط في ضمن عقد ، فإنّ هذا الشرط صحيح مع بقاء الدين بحاله.

ففيما نحن فيه يمكن إسقاط حق المطالبة مع بقاء المال على عهدة الضامن. وليس لإسقاط حق المطالبة ظهور عرفي في إبراء الذمة. فلو فرض شك في بقاء المال على عهدته فلا مانع من استصحابه.

السادس : لو صالح المالك مع أحد الضمناء لم يكن له الرجوع إلى أحد من السابقين واللّاحقين ، لذهاب حقّه بالصلح.

إنّما الكلام في حكم المتصالح مع الضمناء ، فهل يجري الصلح مجرى الإبراء حتى لا يجوز له الرجوع إليهم؟ أم يجوز ذلك. الظاهر هو الثاني ، لأنّ جواز مطالبة المالك كان مبنيا على بقاء حقه ، وبعد الصلح تبدل المالك مع بقاء الحق الموجب لجواز المطالبة. فللمتصالح مطالبة أيّ من الضمناء. فليس الصلح كالإبراء ، لأنّ الصلح نقل الحق إلى الغير ، والإبراء إسقاط الحق الذي هو موضوع المطالبة.

إلّا أن يقال : إنّ الملك آنا ما ليس موضوعا للمطالبة. وهذا الملك يتعقبه الإبراء ، فليس موضوعا لجواز المطالبة ، كملكية العمودين المترتب عليها الانعتاق. وهذا الملك التطرقي لا أثر له إلا مثل الإبراء والانعتاق.

هذا إذا كان المتصالح أحد السلسلة. وأمّا إذا كان أجنبيّا ، فجواز مطالبته الضمناء واضح.


وأمّا (١) حال بعضهم بالنسبة إلى بعض ، فلا ريب في أنّ اللّاحق إذا رجع عليه (٢) لا يرجع إلى السابق ما لم يكن السابق موجبا لإيقاعه في خطر الضمان. كما لا ريب في أنّ السابق إذا رجع عليه (٣) وكان غارّا للاحقه لم يرجع إليه ، إذ (٤) لا معنى لرجوعه عليه بما لو دفعه اللّاحق ضمنه (٥) له (٦).

______________________________________________________

حكم الأيادي المتعاقبة بعضها مع بعض

(١) هذه هي الجهة الرابعة الراجعة إلى حال بعض ذوي الأيدي ـ المستولية على المبيع فضولا ـ بالنسبة إلى البعض الآخر منهم ، وبه ينحلّ الإشكال المتقدم من : أنّه لو رجع المالك إلى البائع وطالبه ببدل ماله التالف بيد المشتري ، جاز للبائع الرجوع إلى المشتري.

ولأجل تحرير محل البحث نبّه المصنف على فرعين قبل حلّ الإشكال.

أحدهما : أنّه لا ريب في عدم رجوع الضامن اللاحق إلى الضامن السابق إذا رجع المالك على اللاحق وأخذ منه بدل ماله ، إلّا إذا كان السابق سببا لوقوعه في خطر الضمان ، كالبائع الفضول العالم بكونه غاصبا للمبيع ، فإنّه غرّ المشتري ، فإذا رجع المالك على المشتري ، وأخذ منه بدل ماله ، رجع المشتري إلى البائع ، لصدق الغرور.

ثانيهما : أنّه لا ريب في أنّ السابق ـ كالبائع ـ إذا رجع عليه المالك ، وأخذ منه بدل ماله ، وكان غارا للاحقه ـ وهو المشتري ـ لم يرجع إلى اللّاحق المغرور.

(٢) أي : على اللاحق ، وهذا إشارة إلى الفرع الأوّل.

(٣) أي : على السابق ، وهذا إشارة إلى الفرع الثاني.

(٤) تعليل لعدم رجوع السابق الغارّ ـ وهو البائع العالم بكونه غاصبا ـ إلى اللّاحق المغرور ، وحاصله : أنّه لا معنى لرجوع السابق إلى اللّاحق بمال لو دفعه اللّاحق كان السابق ضامنا له ، كما إذا كانت قيمة المبيع السوقية ثلاثين دينارا ، وكان الثمن المسمّى عشرين ، ورجع المالك إلى البائع وأخذ منه الثلاثين ، فليس له أن يأخذ ما زاد على العشرين ـ وهي العشرة ـ لأنّه بقاعدة الغرور ليس على المشتري ، بل على البائع الغارّ.

(٥) أي : ضمن السابق المال. وضميرا «للاحقه ، لرجوعه» راجعان إلى السابق.

(٦) هذا الضمير وضميرا «إليه ، عليه» راجعة إلى اللّاحق.


فالمقصود بالكلام (١) ما إذا لم يكن غارّا له.

فنقول (٢):

إنّ الوجه في رجوعه (٣) هو أنّ السابق اشتغلت ذمّته بالبدل قبل اللاحق ، فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل ، فهذا الضمان (٤) يرجع إلى ضمان واحد من البدل والمبدل على (٥) سبيل البدل ، إذ (٦) لا يعقل ضمان المبدل معيّنا من دون البدل ، وإلّا (٧) خرج بدله عن كونه بدلا.

______________________________________________________

(١) يعني : فالمقصود من كلامنا في رجوع السابق ـ إذا رجع عليه المالك ـ إلى اللّاحق هو السابق الذي لا يكون غارّا للّاحق ، وإلّا فليس له الرجوع إلى اللّاحق أصلا.

(٢) هذا شروع في توجيه رجوع السابق إلى اللّاحق الذي تلف المال عنده.

(٣) أي : السبب في رجوع السابق على اللّاحق ـ إذا لم يكن السابق غارّا للّاحق ـ هو : أنّ اللّاحق يضمن العين مع أوصافها ، ومن المعلوم أنّ العين بعد استيلاء السابق ـ كالبائع ـ عليها صارت ذات بدل ، وبهذا الوصف وقعت تحت يد اللّاحق. فالثابت على السابق هو بدل نفس العين ، والثابت على اللّاحق هو بدل بدل العين.

وبعبارة أخرى : اللّاحق ضمن شيئا له البدل ، فيكون ضمان اللّاحق في طول ضمان السابق ومتعلّقا بالعين وبدلها على البدل ، بخلاف ضمان السابق.

(٤) أي : ضمان اللاحق يرجع إلى ضمان بدل بدل العين ، ولا يمكن ضمان العين بدون وصفها وهو كونها ذات بدل ، فإنّها مع هذا الوصف تعلّق ضمان اللّاحق بها.

(٥) متعلق ب ـ «ضمان واحد» يعني : أنّ ضمان البدل ـ بمقتضى بدليته ـ يكون في طول ضمان المبدل.

(٦) تعليل لكون ضمان اللّاحق لأحد الأمرين ـ من المبدل والبدل ـ على سبيل البدلية ، ومحصله : أنّه لو كان ضامنا لخصوص المبدل ـ كالسابق ـ لخرج بدله عن كونه بدلا ، لعدم تعهّده حسب الفرض لهذا البدل.

(٧) أي : وإن كان اللّاحق ضامنا لخصوص المبدل معيّنا لزم خروج البدل عن كونه


فما (١) يدفعه الثاني فإنّما هو تدارك لما استقرّ تداركه في ذمّة الأوّل ، بخلاف ما يدفعه الأوّل ، فإنّه تدارك نفس العين معيّنا ، إذ لم يحدث له تدارك آخر (٢) بعد ، فإن أدّاه (٣) إلى المالك سقط تدارك الأوّل له (٤). ولا يجوز (٥) دفعه إلى الأوّل قبل دفع الأوّل إلى المالك ، لأنّه (٦) من باب الغرامة والتدارك ، فلا اشتغال

______________________________________________________

بدلا عن العين ، وصيرورته أجنبيا عنه ، وهو خلاف الفرض.

(١) هذه نتيجة ضمان الثاني كالمشتري فيما نحن فيه ، فإنّ ما يدفعه الثاني تدارك لما استقرّ في ذمة الأوّل وهو البائع. بخلاف ما يدفعه الأوّل وهو البائع ، فإنّه تدارك نفس العين معيّنا ، إذ المفروض أنّه أوّل غاصب استولت يده على المال ، ولم يسبقه يد عادية حتى يحدث للأوّل تدارك آخر غير تدارك العين.

(٢) أي : غير تدارك الأوّل إلى الآن ، ولعدم حصول تدارك آخر يكون التدارك بنفس العين معيّنا. وضمير «له» راجع إلى الأوّل.

(٣) يعني : فإن أدّى الثاني البدل إلى المالك سقط تدارك الأوّل لما استقرّ في ذمته ، فليس للمالك الرجوع إلى الأوّل وأخذ البدل منه.

(٤) أي : لما استقرّ في ذمته.

(٥) يعني ولا يجوز للثاني أن يدفع البدل إلى الأوّل قبل دفع الأوّل البدل إلى المالك.

(٦) هذا تعليل لقوله : «ولا يجوز» وحاصله : أنّ ما يدفعه الثاني إلى الأوّل إنّما هو من باب الغرامة ، وليس من قبيل العوض لما في ذمة الأوّل حتى يجب على اللاحق دفع البدل إلى السابق مطلقا سواء دفع السابق المال إلى المالك أم لا.

وعليه فحال الضامن الأوّل مع الضامن الثاني حال الضامن مع المديون المضمون عنه في أنّ الضامن لا يستحق الدفع من المضمون عنه إليه إلّا بعد أداء الضامن الدّين إلى المضمون له ان كان الضمان بإذنه ، وإلّا فلا يستحق شيئا من المديون المضمون عنه ، لكون الضامن متبرعا حينئذ.


للذمّة قبل فوات المتدارك (١) [قبل حصول التدارك] (*) وليس (٢) من قبيل العوض لما في ذمّة الأوّل.

فحال الأوّل مع الثاني كحال الضامن مع المضمون عنه في أنّه (٣) لا يستحقّ

______________________________________________________

(١) كذا في نسختنا ، وبعض النسخ ، وفي بعضها «قبل حصول التدارك» وهو أولى.

(٢) أي : وليس ما يدفعه اللّاحق إلى السابق عوضا عمّا في ذمة السابق ، بل هو غرامة ، وهي تتوقف على أن يدفع السابق بدل العين التالفة إلى المالك.

(٣) يعني : في أنّ الضامن لا يستحقّ الأخذ من المضمون عنه إلّا بعد أداء الدّين إلى المضمون له ، كما هو كذلك في الضمان العقدي.

__________________

(*) لا يخفى أنّ قوله : «فلا اشتغال للذمة قبل حصول التدارك» ينافي بدوا ما تقدم في أوّل كلام المصنف قدس‌سره من قوله : «فإذا فرض أيد متعددة يكون العين الواحدة في عهدة كلّ من الأيادي» وجه التنافي : دلالة كلامه السابق على حصول الضمان بمجرّد وضع اليد على مال الغير. والالتزام بالضمان ينافي عدم اشتغال ذمة اللّاحق بالبدل قبل أداء السابق الغرامة إلى المالك ، إذ معناه كون الضمان الفعلي على ذمّة السابق خاصة ، ويتوقف ضمان اللّاحق فعلا على دفع السابق الغرامة إلى المالك.

لكن الظاهر عدم التنافي بين الكلامين ، لما أفاده المحقق الأصفهاني قدس‌سره من : أنّ اليد وإن اقتضت الضمان ، إلّا أنّ ضمان اللّاحق للبدل لمّا كان معنونا بعنوان التدارك ، فلا محالة يكون له مرحلتان :

إحداهما : مرحلة اشتغال ذمة الأوّل للمالك ببدل العين ، وتداركه بقيام ما في ذمة الثاني ـ مقام ما ملكه المالك في ذمة السابق ـ بعنوان كونه بدلا عنه.

ثانيتهما : مرحلة التدارك الخارجي ، بأن يدفع السابق مثل العين التالفة بيد الثاني أو قيمتها إلى المالك ، حتى يتداركه الثاني بالبدل الذي يدفعه إلى السابق.

فالسّرّ في عدم جواز مطالبة السابق من اللّاحق البدل قبل إيصال بدل العين إلى المالك هو تعنون ما يدفعه الثاني بعنوان الغرامة والتدارك ، وعدم كونه كسائر ما يملكه الإنسان في ذمة الغير بلا وصف ولون. هذا (١).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٩٧.


الدفع إليه إلّا بعد الأداء.

والحاصل (١) : أنّ من تلف المال في يده ضامن لأحد الشخصين على البدل من المالك ومن سبقه في اليد ، فيشتغل [ويشتغل] ذمّته (٢) إمّا بتدارك العين ، وإمّا بتدارك ما تداركها. وهذا (٣) اشتغال شخص واحد بشيئين (٤) لشخصين على البدل ، كما كان في الأيدي المتعاقبة اشتغال ذمّة إشخاص (٥) على البدل بشي‌ء واحد لشخص واحد.

وربما يقال (٦) في وجه رجوع غير من تلف المال في يده إلى من تلف في يده

______________________________________________________

(١) يعني : وحاصل ما ذكر ـ في رجوع الضامن السابق كالبائع الفضول إلى الضامن اللّاحق كالمشتري مع عدم كونه غارّا للاحق ـ هو : أنّ الذي تلف المال عنده ضامن لأحد شخصين على البدل ، وهما المالك والضامن السابق وهو البائع ، فتشتغل ذمّته إمّا بتدارك العين ، وإمّا بتدارك بدله الذي استقرّ في ذمة الضامن السابق.

(٢) هذا الضمير والضمير البارز في «سبقه» راجعان إلى الموصول في «من تلف».

(٣) أي : واشتغال ذمّته ـ إمّا بتدارك العين وإمّا بتدارك بدلها ـ يكون اشتغال شخص واحد .. إلخ.

(٤) وهما بدل العين وبدل بدلها.

(٥) كما إذا باع الفضولي متاع زيد على عمرو ، وباع عمرو ذلك المتاع على بكر ، ثم باع بكر ذلك المتاع على بشر ، وتلف المتاع عند بشر ، فهذا المتاع الواحد قد اجتمعت عليه الأيدي الأربع ، فيملك المالك ما في ذمّة كلّ واحد منهم على البدل ، بمعنى أنّه إذا استوفى المالك ما في ذمة واحد منهم سقط ما في ذمة الباقي. فاشتغال ذمم عديدة بمال واحد على سبيل البدل لشخص واحد ممّا لا مانع منه.

(٦) القائل صاحب الجواهر قدس‌سره ، ومحصل ما أفاده في وجه رجوع غير من تلف المال بيده إلى من تلف بيده ـ لو رجع المالك إلى غير من تلف بيده ـ هو : أنّ الذمة المشغولة بالمال المغصوب التالف واحدة ، وهي ذمّة من تلف بيده. وأمّا غيره من الغاصبين فلا تشتغل ذمته بمال المالك ، وإن كان استيلاء يده العادية على المال موجبا لأن يصير مخاطبا بلزوم ردّ المغصوب إلى مالكه ، ولذا جاز رجوع المالك إلى كلّ من استولى


لو رجع عليه (١) : إنّ (٢) ذمّة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل ، وإن جاز له (٣) إلزام غيره ـ باعتبار (٤) الغصب ـ بأداء (٥) ما اشتغل ذمّته به. فيملك حينئذ (٦) من أدّى بأدائه ما للمالك في ذمّته بالمعاوضة الشرعية القهريّة. قال (٧) : «وبذلك اتّضح

______________________________________________________

على ماله ، والمطالبة بأخذ المال منه. لكنه خطاب تكليفي محض لا يستبتع وضعا ، كخطاب الإنفاق على الأقارب ، فإنّه ليس إلّا وجوب إعطاء نفقتهم ، من دون اشتغال ذمّة المخاطب بنفقتهم.

بخلاف وجوب إعطاء بدل مال المالك على من تلف المال بيده ، فإنّه خطاب تكليفي مستتبع للوضع ، كوجوب الإنفاق على الزوجة ، فإنّ ذمة الزوج تشتغل بنفقة الزوجة.

وكذلك ذمّة من تلف المال بيده ، فإنّ خطابه بدفع بدل المال إلى مالكه تكليفي ووضعي.

(١) أي : رجع المالك إلى غير من تلف المال عنده.

(٢) هذا مقول قوله : «يقال» وقد مرّ توضيحه بقولنا : «ان الذمة المشغولة بالمال .. إلخ».

(٣) يعني : وإن جاز للمالك إلزام غير من تلف المال عنده ـ من الغاصبين ـ بأداء ما اشتغلت ذمّة من تلف المال عنده من بدل مال المالك.

(٤) متعلّق ب ـ «جاز» وعلة له ، يعني : أنّ سبب جواز إلزام المالك غير من تلف عنده هو اعتبار الغصب.

(٥) متعلق ب ـ «إلزام» وضمير «به» راجع إلى الموصول المراد به المال.

(٦) يعني : فيملك غير من تلف المال عنده ـ بسبب أدائه لبدل التالف ـ ما للمالك في ذمة الضامن الذي تلف عنده المال بالمعاوضة الشرعية القهرية التي لا تتوقف على القصد والإنشاء.

(٧) يعني قال صاحب الجواهر قدس‌سره : وبذلك ـ أي : وباشتغال ذمة من تلف المال عنده دون غيره من الضامنين ـ اتّضح الفرق بين من تلف المال في يده من الضمناء ، وبين غيره منهم. والفرق بينهما إنّما هو في أنّ الخطاب بالنسبة إلى من تلف المال بيده تكليفي ووضعي ، وبالإضافة إلى غيره تكليفي فقط.


الفرق بين من تلف المال في يده ، وبين غيره الذي خطابه بالأداء شرعيّ (١) لا ذمّي ، إذ (٢) لا دليل على شغل ذمم متعدّدة بمال واحد ، فحينئذ يرجع عليه ، ولا يرجع هو» انتهى (١).

وأنت (٣) خبير بأنّه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده وخطاب غيره ، بأنّ (٤) خطابه ذمّيّ وخطاب غيره شرعيّ ، مع كون دلالة «على اليد ما أخذت» بالنسبة إليهما على السواء. والمفروض أنّه لا خطاب بالنسبة إليهما غيره (٥).

______________________________________________________

(١) أي : تكليف محض ، لا ذميّ ، أي : لا يثبت شيئا في الذمة حتى يدلّ على الوضع أيضا.

(٢) تعليل لعدم كون خطاب غير من تلف بيده ذميّا أي وضعيا ، وحاصله : أنّه لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد ، فيرجع على من تلف في يده ، ولا يرجع هو على غيره ، وهذا معنى قرار الضمان عليه.

(٣) هذا كلام المصنف قدس‌سره. وقد أورد على كلام الجواهر بوجوه خمسة :

الأوّل : أنّه لا وجه للتفكيك بين خطابي من تلف بيده وغيره ، بحمل خطاب الأوّل على التكليفي والوضعي ، وحمل خطاب غيره على التكليفي فقط ، مع كون الدليل ـ وهو : على اليد ما أخذت ـ مساويا بالنسبة إليهما.

(٤) متعلّق بالفرق ، وبيان للفرق بين الخطابين ، يعني : خطاب من تلف بيده ، وغيره.

(٥) أي : غير «على اليد ما أخذت» غرضه : أنّه مع وحدة الدليل من أين جاء هذا الفرق بين خطابي من تلف المال بيده وغيره؟ فقوله : «مع كون دلالة على اليد ما أخذت» من تتمة الجواب الأوّل ، وليس جوابا على حدة يعني : كيف يستظهر من دليل واحد معنيان متغايران مع عدم قرينة على هذا الاستظهار؟

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ٣٤.


مع (١) أنّه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالأداء والخطاب الذمّي.

مع (٢) أنّه لا يكاد يعرف خلاف من أحد في كون كلّ من ذوي الأيدي مشغول (٣) الذمّة بالمال فعلا ما لم يسقط بأداء أحدهم ، أو إبراء المالك. نظير (٤)

______________________________________________________

(١) هذا هو الثاني من تلك الوجوه ، وحاصله : أنّه لا يجدي الفرق بين التكليف والوضع في صحة رجوع صاحب الخطاب التكليفي إلى صاحب الخطاب الوضعي ، وعدم صحة العكس. بل قاعدة الغصب الجارية في حقّ كلّ من الغاصبين تقتضي عدم رجوع واحد منهم إلى الآخر ، من غير فرق بين كون الخطابين تكليفيين ووضعيين ومختلفين ، وإلّا فالفرق بين التكليف والوضع واضح.

(٢) هذا هو الثالث من تلك الوجوه ، ومحصله : أنّ تخصيص اشتغال الذمّة بخصوص من تلف المال بيده خلاف ما عرف من عدم خلاف من أحد في اشتغال ذمّة كلّ واحد من ذوي الأيدي الغاصبة بالمال ، وأنّه لا يسقط إلّا بأداء أحدهم ، أو بإبراء المالك.

وهذا الوجه الثالث ناظر إلى قول صاحب الجواهر قدس‌سره : «إذ لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد» فإنّ هذا الكلام مخالف للإجماع ـ ونفي الخلاف عن أحد ـ في اشتغال ذمّة كلّ من ذوي الأيدي العادية بالمال فعلا ، ولذا تجري أحكام الدّين على ما بذمة السابق أيضا.

والمذكور في المتن أحكام أربعة ثابتة للدّين ، وهي تجري في المقام من تعاقب الأيدي. فالغرض من التنظير إثبات الحكم الوضعي واشتغال ذمة الأيدي ، ونفي ما أفاده صاحب الجواهر من أنّ خطاب من تلفت عنده العين وضعي ، وخطاب من عداه تكليفي.

وسيأتي بيان تلك الأحكام الثابتة للدين.

(٣) خبر «كون» وقوله : «ما لم يسقط» متعلق ب ـ «مشغول الذمة».

(٤) يعني : أنّ اشتغال ذمة كلّ من الضمناء ـ بالمال المغصوب ـ يكون نظير الاشتغال بغيره من الديون.


الاشتغال بغيره (١) من الديون في إجباره (٢) على الدفع أو الدفع عنه من ماله ، وتقديمه (٣) على الوصايا ، والضرب (٤) فيه مع الغرماء ،

______________________________________________________

(١) أي : بغير المال المذكور وهو المغصوب.

(٢) متعلق ب ـ «نظير» وهذا أوّل الأحكام الأربعة الثابتة للدّين ، وهو : أنّه يجوز إجبار المديون على أداء الدين. ولو امتنع من الأداء ، رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه به ، لأنّه وليّ الممتنع. فإن أدّى فهو ، وإلّا دفع الحاكم عنه من ماله ، والمستفاد من كلامهم جواز استيفاء حقه بنفسه عند تعذر الوصول إلى الحاكم.

والغرض ثبوت هذا الحكم في ما نحن فيه بالنسبة إلى كلّ واحد من الأيدي ـ حتى من لم يتحقق التلف عنده ـ ممّا يكشف عن اشتغال الذمة ، وعدم كون الخطاب تكليفيا محضا كما زعمه صاحب الجواهر قدس‌سره.

(٣) معطوف على «إجباره» والضمير راجع الى الدين. وهذا ثاني الأحكام الثابتة للديون ، وبيانه : أنّ الآية المباركة قدّمت إخراج الديون من تركة الميّت على وصاياه. وكذا دلّت الرواية عليه.

فلو أوصى بعض ذوي الأيدي فمات ، جاز للمالك مطالبة ورثته ببدل العين المضمونة حتى لو تلفت بيد شخص آخر ، ولزمهم أداء هذا الدّين أوّلا ، ثم تنفيذ الوصية. وهذا كاشف عن الضمان واشتغال العهدة ، لا مجرّد وجوب الأداء تكليفا.

(٤) معطوف على «إجباره» وهذا ثالث آثار الدين ـ على ما ذكروه في المفلّس ـ من : أنّ الغريم لو وجد عين ماله جاز له أخذها حتى لو لم يكن سواها ، كما جاز له أن يضرب مع الغرماء بدينه ، بأن يجعلها بين جميع الغرماء حتى يستوفي كل منهم حقّه بنسبة حصّته.

ويثبت هذا الحكم في المقام ، فلو رجع المالك إلى بعض الأيدي ، ووجده قد أفلس ، وليس عنده إلّا العين المضمونة ، جاز له الضّرب مع الغرماء ، بأن يجعل ما وجد عند المفلّس مالا مشتركا بين الدّيّان ، فيأخذ كلّ منهم حصّته منه.

قال المحقق قدس‌سره : «ومن وجد منهم عين ماله كان له أخذها ، ولو لم يكن سواها. وله أن يضرب مع الغرماء بدينه ، سواء كان وفاء أو لم يكن ، على الأظهر» (١).

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٩٠ ، ونحوه كلام العلامة في قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٤٧.


ومصالحة (١) المالك عنه مع آخر. إلى غير ذلك من أحكام ما في الذمّة (٢).

مع (٣) أنّ تملّك غير من تلف المال بيده لما في ذمّة من تلف المال بيده بمجرّد (٤) دفع البدل لا يعلم (٥) له سبب اختياري ولا قهري ، بل المتّجه على ما ذكرنا (٦) سقوط

______________________________________________________

(١) معطوف على «إجباره» وهذا رابع آثار الدين ، وهو : أنّه يجوز للدائن أن يتصالح مع المديون على ما في ذمّته ، إمّا بعوض أو مجانا ، كي تبرأ ذمة المديون. فلو كان زيد مديونا لعمرو بألف درهم جاز التصالح عليه بأقلّ منه أو بلا عوض.

وهذا الحكم ثابت في المقام ، بأن يصالح المالك مع أحد الغاصبين بعوض أو مجّانا. فإذا تعاقبت أيدي زيد وعمرو وبكر على مال بشر ، صحّت مصالحة عمرو مع زيد على ما في ذمته لبشر ، وكذا صحّت مصالحة بشر عن زيد مع عمرو ، ونتيجة هذه المصالحة فراغ ذمة زيد.

وجواز هذه المصالحة للمالك ـ وهو بشر ـ شاهد على كونه مالكا لما في ذمة المتصالح عنه ، وهو زيد.

وعليه فاليد في كلّ منهم ضامنة ، وليس مجرد خطاب تكليفي.

(٢) كجواز بيع الدين من المديون ومن غيره ، سواء أكان الثمن مساويا أم أقلّ منه. وكوجوب السعي على المديون لأداء دينه. وكحرمة مطالبة المعسر وحبسه. وكوجوب عزل الدّين عند وفاته لو غاب الدائن ، وغيرها من الأحكام.

(٣) هذا هو الرابع من وجوه الإيراد على صاحب الجواهر قدس‌سره وحاصله : أنّ ما أفاده ـ من تملك الضامن السابق لما في ذمّة الضامن الذي تلف المال بيده بمجرّد دفع بدل العين التالفة إلى المالك ـ لم يعلم له سبب صحيح اختياري ، كالمعاوضة الاختيارية مع المالك ، أو القهرية. والأوّل منتف ، والثاني لا دليل عليه. واحتمال سببية مجرّد دفع البدل شرعا للتمليك لا يثبت ما هو مجد في المقام من التشريع الفعلي للسببية.

(٤) هذا وقوله : «لما في الذمة» متعلقان ب ـ «تملّك». وقوله : «لا يعلم» خبر «أنّ تملك».

(٥) خبر «أنّ تملك».

(٦) وهو قوله : «وحيث انّ الواجب هو تدارك الفائت الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد ، كان معناه تسلّط المالك على مطالبة كلّ منهم بالخروج عن العهدة ، فهو يملك ما في ذمّة كلّ منهم على البدل» فراجع (ص ٥٧١).


حقّ المالك عمّن تلف في يده بمجرّد أداء غيره ، لعدم (١) تحقّق موضوع التدارك بعد تحقّق التدارك.

مع (٢) أنّ اللازم ممّا ذكره أن لا يرجع الغارم فيمن [بمن] لحقه في اليد [الأيدي] العادية إلّا إلى من [بمن] تلف في يده. مع أنّ الظاهر خلافه (٣) ، فإنّه يجوز له (٤) أن يرجع إلى كلّ واحد ممّن بعده.

نعم (٥) لو كان غير من تلف بيده ، فهو يرجع إلى أحد لواحقه إلى أن يستقرّ على من تلف في يده.

هذا (٦) كلّه إذا تلف المبيع في يد المشتري.

______________________________________________________

والحاصل : أنّ المتّجه ـ بناء على هذه العبارة ـ سقوط حقّ المالك عن الضامن الذي تلف المال بيده بمجرّد أداء غيره.

(١) تعليل للسقوط ، وحاصله : انتفاء موضوع التدارك عمّن تلف المال بيده ، فلا يبقى موضوع لحقّ المالك بعد تحقق التدارك ببدل واحد.

(٢) هذا هو الخامس من تلك الوجوه ، وحاصله : أنّ لازم ما ذكر ـ من تملك السابق لما في ذمة من تلف المال في يده ـ عدم رجوع السابق بعد أداء بدل التالف إلّا إلى خصوص من تلفت العين بيده ، لا إلى كل غاصب ممّن تسلّم المغصوب منه وإن لم يتلف عنده. مع أنّ الظاهر خلاف ذلك ، وجواز رجوع مؤدّى البدل إلى كلّ واحد من الغاصبين بعده.

(٣) أي : خلاف اللازم المزبور.

(٤) أي : يجوز لمؤدّي البدل إلى المالك أن يرجع إلى كلّ ممّن بعده من ذوي الأيدي.

(٥) يعني : لو كان واحد ممّن بعده ـ وهو الذي رجع إليه مؤدّى البدل إلى المالك ـ غير من تلف المال بيده ، فهو يرجع إلى أحد لواحقه من الغاصبين ، إلى أن يستقرّ الضمان على من تلفت العين في يده.

وبالجملة : فيرجع الغارم إلى كلّ من تسلّم المال منه من الغاصبين بعده حتى ينتهي إلى من تلف عنده. هذا ما يتعلق بكلام صاحب الجواهر.

(٦) يعني : أنّ موضوع الحكم بضمان كلّ واحد من الغاصبين لبدل العين المغصوبة ، ورجوع المالك على السابق مطلقا ـ وإن تلفت العين عند اللاحق ـ هو صورة تلف العين


وقد عرفت (١) الحكم أيضا في صورة بقاء العين ، وأنّه (٢) يرجع المالك بها على من في يده ، أو من جرت يده عليها (٣).

فإن لم يكن انتزاعها (٤) ممّن هي في يده غرم (٥) للمالك بدل الحيلولة ، وللمالك استردادها (٦) [استرداده] فيردّ بدل الحيلولة.

ولا ترتفع (٧) سلطنة المالك

______________________________________________________

في يد المشتري. وبهذا ينتهي البحث عن ضمان الأيدي في فرض تلف العين عند أحدهم.

حكم بقاء العين عند بعض الأيدي المتعاقبة

(١) حيث قال في (ص ٤٧١) : «لو لم يجز المالك ، فإن كان المبيع في يده فهو ، وإلّا فله انتزاعه ممّن وجده في يده مع بقائه».

(٢) معطوف على «الحكم» والضمير للشأن ، أي : وقد عرفت رجوع المالك .. إلخ. وغرضه أنّه مع بقاء العين المغصوبة يرجع المالك على من تكون العين في يده فعلا ، أو من كانت العين تحت يده سابقا. هذا إذا أمكن انتزاع العين ممّن هي في يده. وإن لم يمكن انتزاع العين ممّن هي في يده ، غرم للمالك من جرت يده على العين بدل الحيلولة.

(٣) هذا الضمير وضمير «بها» راجعان إلى «العين».

(٤) أي : لم يمكن انتزاع العين لمن جرت يده عليها ممّن هي في يده فعلا.

(٥) يعني : غرم من جرت يده سابقا على العين كالمشتري الأوّل ، فإنّه يغرم بدل الحيلولة. ولكن للمالك حقّ استرداد العين ممّن هي في يده فعلا. فإذا استردّ المالك وأخذ العين ممّن كانت تحت يده ردّ بدل الحيلولة إلى من أخذه منه.

(٦) أي : استرداد العين ، فلا يسقط حق المالك عن العين ببدل الحيلولة ، فبمجرّد وصول العين إليه يردّ بدل الحيلولة إلى من أخذه منه.

هذا بناء على كون النسخة «استردادها» كما هو الظاهر. وبناء على ما في بعض النسخ من «استرداده» فلا بدّ من إرجاع الضمير إلى الموصول في «من هي في يده» أي : يجوز للمالك استرداد من في يده العين ، فالمعنى أنّ للمالك مطالبة الردّ ممّن تكون العين في يده. ولكن الأقرب بسلاسة العبارة تأنيث الضمير لرجوعه إلى العين.

(٧) غرضه أنّ مجرّد تمكن المالك من استرداد العين من الضامن الثاني لا يرفع سلطنة المالك على مطالبة الضامن الأوّل ، وذلك لأنّ ضمان العين على الضامن الأوّل ،


على مطالبة الأوّل (١) بمجرّد تمكّنه من الاسترداد من الثاني ، لأنّ (٢) عهدتها على الأوّل ، فيجب عليه تحصيلها وإن بذل (٣) ما بذل.

نعم (٤) ليس للمالك (*) أخذ مئونة الاسترداد ، ليباشر بنفسه.

______________________________________________________

فيجوز للمالك مطالبته ، ويجب على الضامن تحصيلها.

(١) أي : الضامن الأوّل كالمشتري الأوّل ، والمراد من الثاني الضامن الثاني.

(٢) تعليل لقوله : «ولا ترتفع» وقد ذكر توضيحه بقولنا : «وذلك لأنّ ضمان العين .. إلخ».

(٣) يعني : وإن بذل الضامن الأوّل في تحصيل العين ـ وأخذها من الثاني ـ ما بذل من المال.

(٤) غرضه أنّ سلطنة المالك على مطالبة الضامن الأوّل باقية ، لكنّها لا تقتضي أخذ مئونة الاسترداد من الضامن الأوّل ليباشر المالك أخذ العين منه بنفسه ، إذ الواجب على الغاصب ردّ العين المغصوبة ، لا دفع مئونة الاسترداد.

وعليه فلا موجب لجواز أخذ المالك مئونة الاسترداد من الضامن الأوّل ، لأنّ ردّ المغصوب وإيصاله إلى المالك وظيفة الغاصب ، وهو مختار في كيفيات الردّ ، وليس للمالك اختيار كيفية من كيفيات الرّد.

__________________

(*) قد يقال : بأنّه لا يبعد أن يكون للمالك ذلك فيما إذا لم تكن الأجرة المأخوذة زائدة على اجرة المثل ، لأنّ العين للمغصوب منه ، ولا يجوز للآخرين التصرف فيها ولو بالاسترداد المزبور. وعمل المالك محترم ، فيستحق الأجرة عليه ، هذا.

ويتوجه عليه : أنّ ردّ المغصوب إلى مالكه وظيفة الغاصب ، ومن المعلوم أنّ الردّ متوقف على التصرف ، لعدم تحقق الرد بدونه ، فجواز هذا التصرف ممّا يقتضيه نفس وجوب الرد. وعمل المالك إن كان برضا الغاصب فهو محترم يجوز أخذ الأجرة عليه ، وإلّا فلا.

ويظهر ممّا ذكرنا : أنّه مع تمكن الغاصب من ردّ العين بدون صرف المال وطلب المالك اجرة ، لم يجب على الغاصب قبول ذلك ، لأنّ الرّدّ بشؤونه وظيفة الغاصب ، والتخلص عن الغصب ليس بحكم الغصب ، خصوصا مع التوبة.


ولو لم يقدر (١) على استردادها إلّا المالك ، وطلب من الأوّل (٢) عوضا (٣) عن الاسترداد ، فهل يجب عليه (٤) بذل العوض ، أو ينزّل (٥) منزلة التعذّر ،

______________________________________________________

(١) محصّله : أنّه لو لم يقدر أحد من استرداد العين المغصوبة إلّا المالك الذي لم يأخذ من أحد من الضامنين بدل الحيلولة ، وطلب من الضامن الأوّل أجرة لاسترداد العين ، ففي حكم هذا البذل وجوه ثلاثة.

الأوّل : وجوب بذل مئونة الاسترداد على الضامن.

الثاني : عدم وجوب البذل ، لأنّه ينزّل عدم القدرة على الاسترداد منزلة التعذر ، فيأخذ من الغاصب الأوّل بدل الحيلولة.

الثالث : التفصيل بين الأجرة المتعارفة للاسترداد ، فيجوز أخذها منه ، وبين الأجرة الزائدة على المتعارفة المجحفة على الغاصب الأوّل ، فلا يأخذ المالك عند استرداده العين الأجرة الزائدة على الأجرة المتعارفة.

(٢) أي : من الغاصب الأوّل.

(٣) أي : أجرة للاسترداد.

(٤) أي : على الغاصب الأوّل ، وهذا هو الاحتمال الأوّل ، ووجه وجوب بذل العوض إلى المالك : أنّه مع فرض بقاء العين تجب المبادرة إلى ردّها إلى المالك ، وحيث إنّ إقدامه باسترداد ماله عمل محترم استحقّ الأجرة عليه ، فيجب على الضامن دفعها إليه ، سواء أكانت الأجرة متعارفة أم أزيد منها ، إذ لا ينتقل إلى بدل الحيلولة إلّا بامتناع الوصول الى نفس العين المضمونة ، فمع تمكّن المالك من ذلك يتعيّن تمهيد مقدمته وهي بذل الأجرة إلى المالك.

ولا مجال للتمسك بحديث نفي الضرر لو كانت الأجرة زائدة على اجرة المثل حتى ينتقل إلى بدل الحيلولة.

وجه عدم المجال : اختصاص قاعدة نفي الضرر بالأحكام التي لا تكون ضررية بطبعها ، وإنّما يترتب الضرر على إطلاقها. وهذا بخلاف مثل وجوب رد العين المضمونة إلى مالكها ، فإنّ أصل الحكم ضرري ، فلا يرتفع بقاعدة نفي الضرر.

مضافا إلى قصور المقتضي ، وهو إناطة جريان القاعدة بالامتنان ، والمفروض في المقام عدمه ، لاستلزامه حرمان المالك من الوصول إلى عين ماله.

(٥) أي : ينزّل عدم القدرة على الاسترداد ـ إلّا للمالك ـ منزلة التعذر.


فيغرم (١) بدل الحيلولة ، أو يفرّق (٢) بين الأجرة المتعارفة للاسترداد ، وبين الزائد عليها ممّا يعدّ إجحافا على الغاصب الأوّل؟ وجوه (٣).

هذا (٤) كلّه مع عدم تغيّر العين. وأمّا إذا تغيّرت فيجي‌ء صور كثيرة لا يناسب المقام التعرّض لها ، وإن كان كثير ممّا ذكرنا أيضا ممّا لا يناسب ذكره إلّا في

______________________________________________________

(١) يعني : فيغرم الغاصب الأوّل بدل الحيلولة. وهذا هو الاحتمال الثاني ، ووجهه : أنّ المخاطب بردّ العين هو الضامن. فإن تمكّن من الرّد فهو ، وإن عجز سقط عنه ، ووجب عليه بدل الحيلولة. فلا تكليف له بردّ العين حتى يجب عليه بذل الأجرة من باب المقدمة.

(٢) بأن يقال : بوجوب بذل الأجرة المتعارفة ، وبالانتقال إلى بدل الحيلولة لو طالبه المالك بأجرة مجحفة زائدة عن اجرة المثل. وهذا هو الاحتمال الثالث.

ووجه هذا التفصيل واضح ، لما تقدّم في الوجهين السابقين. فإن كانت الأجرة متعارفة فللمقدمية. وإن كانت مجحفة فلقاعدة نفي الضرر ، فإن أصل وجوب الردّ وإن كان ضرريا ، لكن قد يتأمّل في الأخذ بإطلاقه من جهة انصراف وجوب الردّ عمّا إذا استلزم بذل مال كثير غير متعارف.

الّا أن يتمسك في خصوص الغاصب بما روي من «أنه يؤخذ بأشق الأحوال» لكنه ممنوع سندا ودلالة ، وقد أشار إلى ذلك في بحث بدل الحيلولة ، فراجع (١).

(٣) مبتدء مؤخّر ، وخبره «فيه» مقدّرا المدلول عليه بقوله : «فهل يجب» والجملة بتمامها جواب الشرط في قوله : «ولو لم يقدر».

(٤) أي : ما ذكرناه ـ من رجوع المالك على الغاصب الأوّل ، وأخذ العين المغصوبة منه مع التمكن ، أو أخذ بدله بدون التمكن من أخذها وانتزاعها ممّن هي في يده ـ إنّما هو في صورة عدم تغيّر العين.

وأمّا إذا تغيرت ـ مع فرض بقائها ـ فتجي‌ء فيه صور كثيرة مذكورة في كتاب الغصب ، كما إذا باع الفضول قماشا مملوكا لزيد ، وسلّمه للمشتري ، ففصّله ثوبا أو قباء ، وقد تغيّرت قيمته مخيطا عمّا كان عليه ، فهل يرجع المالك على الفضولي أم على المشتري

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٦٠٦ ـ ٦٠٧.


باب الغصب. إلّا أنّ الاهتمام بها دعاني إلى ذكرها في المقام بأدنى مناسبة (١) ، اغتناما للفرصة ، وفّقنا الله لما يرضيه عنّا من العلم والعمل ، إنّه غفّار الزّلل.

______________________________________________________

منه ، الذي حدث التغيير بيده؟ وهل ضمان التفاوت على البائع أو على المشتري؟ ولو فرض كون القماش قيميّا ، فهل المناط قيمته يوم وقوعه تحت يد البائع أم المشتري ، أم قيمة يوم التغيير؟

وكذا لو باع الفضولي العصير العنبي ، فأغلاه المشتري ، فنقص وزنه ، فهل تضمن النقيصة في الوزن أم لا؟

وعلى تقدير الضمان ، فهل قرار الضمان على البائع أو على المشتري؟

ولو ارتفعت قيمته السوقية فهل تضمن أم لا؟

وعلى تقدير الضمان ، فهل العهدة على الفضولي أم الثاني؟

وتتكثّر فروض المسألة لو تعاقبت أيدي أخرى على المبيع فضولا.

وهناك فروع كثيرة موضوعها تغيير المغصوب إمّا بفعل الغاصب ، وإمّا بفعل من تسلّمه منع ببيع أم بغصب أم بغيرهما ، وتحقيقها موكول إلى كتاب الغصب. وكان المقصود الإشارة إلى ما أفاده المصنف قدس‌سره من كثرة فروع التغيير.

هذا تمام الكلام في ما إذا ردّ المالك البيع الواقع على ماله فضولا ، وبذلك تمت أحكام البيع الفضولي.

(١) وهي كون المبيع فضولا محكوما بحكم الغصب إذا ردّ المالك البيع ، فإنّه وإن لم تصدق اليد العدوانية بالنسبة إلى المشتري الجاهل ، إلّا أنّ إطلاق «على اليد» شامل له كالغاصب ، فيتجه البحث عن أحكامه.


مسألة (١)

لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه ، فعلى (٢) (*) القول ببطلان الفضولي فالظاهر أنّ حكمه حكم بيع ما يقبل الملك مع ما لا يقبله.

______________________________________________________

بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره

(١) كان الكلام قبل هذه المسألة في حكم بيع الفضولي مال غيره لنفسه أو للمالك.

والغرض من عقد هذه المسألة بيان حكم بيع الفضول مال غيره مع مال نفسه. والبحث في مقامين ، أحدهما : في صحته في المجموع وعدمها. ثانيهما في كيفية تقسيط الثمن ، والكلام فعلا في المقام الأوّل.

(٢) حاصله : أنّه ينبغي التكلم في جهتين :

الاولى : في تحقيق حكم المسألة بناء على بطلان الفضولي.

الثانية : في تحقيق حكمها بناء على صحة الفضولي.

أمّا الجهة الأولى ، فالظاهر أنّ الحكم بناء على البطلان حكم بيع ما يقبل الملك ـ كالخلّ ـ مع ما لا يقبل الملك ـ كالخمر ـ في صحة البيع في مال نفسه ، والبطلان في مال غيره.

__________________

(*) لعلّ الأولى في عنوان المسألة أن يقال : لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه ، فعلى القول بالانحلال لا ينبغي الإشكال في صحة بيع مال نفسه ، سواء قلنا بصحة بيع الفضولي أم ببطلانه. وعلى القول بصحة الفضولي أجاز مالك المال الآخر أم لم يجز. وعلى القول بعدم الانحلال لا ينبغي الإشكال في فساده ، سواء قلنا بصحة عقد الفضولي أم لا.

هذا ما تقتضيه القاعدة ، ويومي إليه قوله عليه‌السلام في صحيحة الصفار المشار إليها :


.................................................................................................

__________________

«لا يجوز بيع ما ليس يملك ، وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك» حيث إنّه مع وحدة إنشاء البيع حكم عليه‌السلام بصحة بيع مال البائع ، وفساد بيع مال غيره. وهذا ما تقتضيه قاعدة الانحلال.

وبناء على هذه القاعدة لا مجال للخدشة فيه بما سيأتي في بيع ما يقبل الملك وما لا يقبله. بل لا مجال للخدشة في تلك المسألة أيضا بناء على الانحلال ، كما لا يخفى.

ويظهر ممّا ذكرناه من الانحلال اندفاع ما ذكروه من الإشكالات الثلاثة : من بساطة الإنشاء ، وعدم تعدده حتى يكون أحدهما صحيحا والآخر فاسدا. ومن تخلف القصد ، فإنّ ما قصد من بيع المجموع لم يقع ، وما وقع من بيع البائع مال نفسه لم يقصد. ومن جهالة مقدار الثمن الواقع بإزاء مال نفسه.

توضيح وجه الاندفاع.

أمّا الأوّل ، فلأنّ الإنشاء واحد صورة ، لكنّه متعدد بحسب تعدد المتعلق ، فينحلّ الإنشاء إلى إنشاءات عديدة. وهذا الانحلال أمر ارتكازي عقلائي جار في كثير من الموارد ، كبيعي الصّرف والسّلم ، فإنّهما ينحلّان ، ويصحّان في خصوص المقبوض في مجلس العقد ، ويفسدان في غير المقبوض.

وكبيع الوكيل أموال موكّليه بعقد واحد ، فإنّ بيعها بإنشاء واحد ينحلّ إلى بيوع متعددة بعدد تلك الأموال.

وكالوصية بأزيد من الثّلث ، فإنّها تنحلّ إلى وصيتين ، إحداهما تتعلّق بالثلث ، وتصحّ. والأخرى بأزيد من الثلث ، وتقف صحتها على إمضاء الورثة.

وكذا لو قال : «أعتقت عبدي وأمّ ولدي» أو قال : «من ردّ عبدي وخنزيري فله دينار».

وما دلّ من النقل على صحة المذكورات تارة ، وبطلانها أخرى ، إمضاء للسيرة العقلائية الجارية على الانحلال ، ضرورة أنّ الصحة والفساد حكمان للعقد المتعدد ، لامتناع اتصاف عقد واحد بهما.

وبالجملة : فبطلان بيع الأصيل منوط بأحد أمرين ، وحدة الإنشاء ظاهرا وواقعا ، أو تعدده ، لكن بشرط الاستقلال وعدم انضمامه ببيع مال شخص آخر.

وكلاهما باطل. أمّا أولهما فلجريان السيرة العقلائية على الانحلال.

وأمّا ثانيهما فلإطلاق أدلة البيع النافي لاعتبار الاستقلال في صحة بيع مال الأصيل.


والحكم فيه الصحّة ، لظهور (١) الإجماع ، بل دعواه (٢) عن غير واحد (٣). مضافا إلى صحيحة الصفّار المتقدّمة في أدلّة بطلان الفضولي (١) من قوله عليه‌السلام : «لا يجوز

______________________________________________________

(١) يدلّ على صحة البيع في مال نفسه وجهان :

الأوّل : ظهور الإجماع ، ووجه الظهور أنّه لا يحتمل الفرق بين بيع ملكه مع ملك غيره ، وبين بيع ما يقبل الملك وما لا يقبله بثمن واحد في صفقة واحدة.

الثاني : ما تقدم في صحيحة الصفار «لا يجوز بيع ما ليس يملك ، وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك» فإنّ ظهوره في صحة بيع مال البائع ممّا لا ينكر.

(٢) مجرور تقديرا بالعطف على «ظهور».

(٣) كالسيّد أبي المكارم ، والعلّامة ، وسيد الرياض ، وكاشف الغطاء ، والفاضل النراقي ، والسيّد العاملي ، وصاحب الجواهر قدس‌سرهم. قال في الجواهر : «وعلى كل حال فلا خلاف في صحة بيعه ونفوذه في ما يملك إذا لم يتولد من عدم الإجازة مانع شرعي

__________________

وأما الثاني فلأنّ قصد بيع ذات مال نفسه موجود في ضمن قصد بيع المجموع من مال نفسه ومال غيره. والمفقود هو قصد الاستقلال ، ولا دليل على اعتباره. بل إطلاق أدلة البيع ينفي اعتباره كما مرّ آنفا.

وهذا نظير ما إذا باع مالا مشتركا بينه وبين غيره الذي وكلّه في بيع حصته ، فباع المجموع. فإنّ قصد بيع مال نفسه ضمني ، لا استقلالي ، ولا إشكال في صحة بيع المجموع.

وأمّا الثالث فلأنّ الجهالة القادحة في الصحة ـ وهي الموجبة للغرر ـ مفقودة هنا ، إذ لا غرر مع إمكان معرفة الثمن بالضوابط المقررة للعلم بمقدار العوض.

ولو شكّ في قادحية هذه الجهالة ومانعيتها ، فمقتضى الإطلاق ـ لو كان ـ عدم مانعيتها. ولو لم يكن إطلاق ، فأصل البراءة عن المانعية تقتضي عدم المانعية ، بناء على جريان البراءة في الأحكام الوضعية كجريانها في الأحكام التكليفية. ولا تجري أصالة الفساد ، لحكومة أصل البراءة حينئذ على أصالة الفساد ، لجريان البراءة في الشك السببي كما لا يخفى.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٤٨٨.


بيع ما لا يملك ، وقد وجب الشراء فيما يملك» (١).

ولما ذكرنا (١) قال بها (٢) من قال ببطلان الفضولي كالشيخ وابن زهرة والحلّي وغيرهم (٣).

نعم (٤) لو لا النصّ والإجماع أمكن الخدشة فيه بما (٥) سيجي‌ء في بيع ما يملك وما لا يملك.

______________________________________________________

كلزوم رباء ، وبيع آبق من دون ضميمة ونحو ذلك. بل ظاهرهم الإجماع عليه كما اعترف به في الرياض ..» (٢).

(١) أي : ولما ذكرنا من الصحة ـ وأنّ حكم بيع الفضولي مال غيره مع مال نفسه حكم بيع ما يقبل الملك مع ما لا يقبله ـ قال بالصحة هنا من قال ببطلان الفضولي.

(٢) أي : بصحة بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره ، حاصله : أنّ القائل ببطلان الفضولي قائل بصحة بيع الفضولي مال نفسه ، وإن كان قائلا ببطلانه بالنسبة إلى مال غيره.

(٣) كفخر المحققين ، فإنّه مع التزامه ببطلان البيع الفضولي لم يعلّق على كلام والده من صحة البيع في ما يملك. وظاهره تقريره له ، فراجع (٣).

(٤) استدراك على القول بالصحة ، غرضه أنّ الصحة مستندة إلى النص ، وهو صحيح الصفار المتقدم ، والإجماع. ومع الغضّ عنهما يمكن الخدشة في الصحة بما سيأتي في مسألة بيع ما يقبل الملك وما لا يقبله.

(٥) متعلق بالخدشة ، ومحصل الخدشة الآتية في بيع ما يملك وما لا يملك بقوله :

«ان التراضي والتعاقد إنّما وقع على المجموع الذي لم يمضه الشارع قطعا .. إلخ» هو : أنّ

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٥٢ ، الباب ٢ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ١.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهية) ص ٥٨٥ ، تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٣ (ج ١٠ ، ص ١٩ ، الطبعة الحديثة) ، رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١١ ، شرح القواعد للفقيه كاشف الغطاء (مخطوط) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٩٧ و ٢٩٨ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٢ ، قال فيه : «ان إجماعنا منعقد» ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٩.

(٣) لاحظ : المبسوط ، ج ٢ ، ص ١٤٥ ، الخلاف ، ج ٣ ، ص ١٤٤ ، كتاب البيوع ، المسألة : ٣٣٢ ، الغنية ، ص ٥٨٥ ، السرائر ، ج ٢ ، ص ٢٧٥ ، إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤٢١ ، وكذا يظهر من المحدث البحراني فراجع الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٤٠٠ ، وج ١٩ ، ص ٣١٥.


وأمّا (١) على القول بصحّة الفضولي ، فلا ينبغي الريب في الصحّة مع الإجازة ، بل وكذا مع الردّ (٢) ، فإنّه كما لو تبيّن بعض المبيع غير مملوك ، غاية الأمر ثبوت الخيار حينئذ (٣) للمشتري مع جهله بالحال عند علمائنا كما عن التذكرة ، وسيجي‌ء (٤) في أقسام الخيار.

______________________________________________________

الحكم بصحة البيع بالنسبة إلى ملك البائع فقط ـ مع جريان البيع على المجموع بثمن واحد ـ مشكل ، لأنّ نقل بعض المثمن ليس مقصودا إلّا في ضمن نقل المجموع بمجموع الثمن. كما أنّه خلاف مقتضى إطلاق دليل الإمضاء.

(١) وأمّا الجهة الثانية ـ وهي تحقيق حكم بيع الفضولي مال غيره مع مال نفسه ـ فحاصلها : أنّه على القول بصحة الفضولي لا ينبغي الريب في صحة بيع مال الغير بإجازته ، يعني : يصحّ البيع مطلقا ، أمّا بالنسبة إلى ملك البائع فلصدوره من أهله. وأمّا بالنسبة إلى ملك الغير فلإجازته.

(٢) غرضه أنّ بيع الفضولي بالنسبة إلى مال نفسه صحيح مطلقا ، سواء أجاز غيره أم ردّ ، إذ الردّ يكون كظهور بعض المبيع غير مملوك ، فإنّ البيع بالنسبة إلى البعض المملوك صحيح ، مع ثبوت الخيار للمشتري مع جهله بالحال عند علمائنا كما في التذكرة ، حيث عنون ـ في فروع تفريق الصفقة ـ ما لو باع شيئا يتوزّع الثمن على أجزائه ، كما لو باع عبدين ، أحدهما له ، والآخر لغيره ، فقال : «إذا باع ماله ومال غيره صفقة واحدة صحّ البيع في ماله. فإن كان المشتري جاهلا بالحال فله الخيار ، لأنّه دخل في العقد على أن يسلم له العبدين ، ولم يسلم. فإن اختار الإمضاء لزمه قسطه من الثمن ، وسقط ما انفسخ البيع فيه. عند علمائنا» (١)

(٣) أي : حين ردّ الغير البيع بالنسبة إلى ماله.

(٤) يعني : وسيجي‌ء ثبوت الخيار للمشتري مع جهله بالحال في أقسام الخيار ، كقوله في شروط خيار الغبن : «وممّا ذكرنا يظهر ثبوت الخيار للجاهل وإن كان قادرا

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٥٦٦ ، السطر ٣٧ ، وحكاه عنه في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٦ ، أواخر الصفحة.


بل عن الشيخ في الخلاف تقوية ثبوت الخيار للبائع (١) ، لكن عن الغنية (١) الجزم بعدمه (٢). ويؤيّده (٣) صحيحة الصفّار.

وربما حمل (٢) كلام الشيخ (٤) على ما إذا ادّعى البائع الجهل أو الإذن ، وكلام الغنية على العالم.

______________________________________________________

على السؤال ، كما صرّح به في التحرير والتذكرة».

(١) لم أعثر على ثبوت الخيار للبائع في الخلاف ، ولا على من نسبه إليه بعد ملاحظة بعض المواضع منه ومن مفتاح الكرامة والجواهر ، بل صريحه في هذه المسألة نفي الخيار عن البائع. نعم قوّى في المبسوط ثبوته للبائع ، وقد حكياه عنه أيضا (٣) ، فلاحظ ، ولعلّ السهو من الناسب ، أو أنّه مذكور في موضع آخر من الخلاف.

وكيف كان فلعلّ وجه ثبوت الخيار للبائع ـ إذا ردّ المالك ـ هو لزوم تبعّض الصفقة ، وهو يوجب الضرر في بعض الموارد ، لنقصان قيمة الانفراد عن القيمة عند الاجتماع ، كما في مصراعي الباب وفردي الخفّ.

(٢) أي : بعدم الخيار للبائع.

(٣) أي : ويؤيّد عدم ثبوت الخيار للبائع صحيحة الصفار المتقدمة ، حيث إنّ فيها «وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك» فإنّ وجوب الشراء ظاهر في اللزوم ، فلا خيار للبائع.

وينبغي إبدال «يؤيد» ب «يدل».

(٤) حمل كلام الشيخ ـ الذي قوّي ثبوت الخيار للبائع ـ على ما إذا ادّعى البائع الجهل بكون بعض المبيع لغيره ، أو ادّعى الإذن من الغير في بيع ماله مع مال نفسه. فإذا ردّ الغير قال الشيخ بثبوت الخيار حينئذ للبائع.

__________________

(١) الحاكي عن الغنية هو السيّد العاملي وصاحب الجواهر ، لاحظ : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٧ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣١٦ ، الغنية (الجوامع الفقهية) ص ٥٢٨ ، السطر ٣.

(٢) الحامل هو السيّد العاملي وصاحب الجواهر ، فلاحظ : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٧ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣١٦.

(٣) المبسوط ، ج ٢ ، ص ١٤٥ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٧ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣١٦.


ثم إنّ (١) صحّة البيع فيما يملكه مع الردّ مقيّدة في بعض الكلمات بما إذا لم يتولّد من عدم الإجازة مانع شرعيّ ، كلزوم ربا (٢) ، وبيع آبق (٣) من دون ضميمة. وسيجي‌ء الكلام في محلّه (٤).

______________________________________________________

وحمل كلام الغنية ـ الدالّ على الجزم بعدم ثبوت الخيار للبائع ـ على البائع العالم بكون بعض المبيع مال الغير.

(١) غرضه التنبيه على أنّ صحة البيع فيما يملكه البائع مع ردّ المالك الآخر لحصته ليست مطلقة ، بل مقيّدة في كلام صاحب الجواهر (١) بما إذا لم يتولّد من عدم الإجازة مانع شرعي ، وسيأتي بيانه.

(٢) كما إذا باع مثقالا من ذهبة الجيّد مع كتاب زيد بمثقالين ونصف من الذهب الرّدي‌ء ، ثم ردّ زيد ، فبطل بيع كتابه ، وبطل البيع بالنسبة إلى البائع أيضا ، للزوم الرّبا ، لأنّه بعد بطلان بيع الكتاب ـ الذي هو في مقابل مثقال ذهب ردي‌ء ـ يصير المثقال الجيّد من ذهب البائع في مقابل المثقال والنصف من الذهب الردي. وهذا من أوضح مصاديق الربا.

وبالجملة : فالبيع باطل في كلا المالين ـ مال البائع وغيره ـ في كل مورد يلزم من عدم الإجازة مانع شرعي كلزوم الربا ، فإنّ هذا مقتضى الأحكام الحيثية ، ضرورة أنّ البحث عن صحة البيع هنا إنّما هو من حيث كونه فضوليّا ، لا من حيثيّات اخرى كلزوم الربا مثلا.

(٣) كما إذا باع عبده الآبق مع كتاب زيد ، ثمّ ردّ زيد ، فيبطل بيع العبد أيضا ، لأنّ بيع الآبق بدون الضميمة باطل.

(٤) لعلّ مقصوده ما أفاده في مسألة بيع العبد الآبق مع الضميمة من قوله : «لو عقد على الضميمة فضولا ، ولم يجز مالكها ، انفسخ العقد بالنسبة إلى المجموع». وهذا موافق للتقييد الذي التزم به صاحب الجواهر قدس‌سره.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٩ ، وتقدم نصّ كلام في ص ٦٠٢.


ثم إنّ البيع المذكور (١) صحيح بالنسبة إلى المملوك (٢) بحصّته من الثمن ، وموقوف في غيره بحصّته.

وطريق (٣) معرفة حصّة كلّ منهما من الثمن في غير المثلي أن يقوّم (٤) كلّ منهما منفردا ، فيؤخذ لكلّ واحد (٥) جزء من الثمن نسبته (٦) إليه كنسبة قيمته إلى مجموع

______________________________________________________

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل ، وهو صحة بيع المملوك ، وسيأتي الكلام في المقام الثاني ، وهو طريق تقسيط الثمن على المالين.

(١) وهو بيع مال نفسه مع مال غيره ، فإنّه صحيح بالنسبة إلى مال البائع بما يقابله من الثمن ، وموقوف في غير مال البائع على إجازة مالكه ، فإن أجاز صحّ البيع في كلا المالين ، وإن ردّ بطل البيع في ماله ، وصحّ البيع في مال البائع فقط.

وعلى كلا تقديري الإمضاء والردّ لا بدّ من تقسيط الثمن ، ففي صورة الإجازة يوزّع الثمن على البائع والمجيز ، وفي صورة الردّ يوزّع على البائع والمشتري.

(٢) أي : مال البائع ، فإنّ البيع بالنسبة إليه صحيح ، لصدوره من أهله ، وموقوف بالنسبة إلى مال غير البائع ، فإن أجاز صحّ بالنسبة إليه أيضا.

(٣) قد ذكر المصنف قدس‌سره طريقين لمعرفة حصة كلّ من البائع وغيره في كلتا صورتي إجازة من بيع ماله فضولا وعدمها فيما إذا كان المبيع قيميّا. وإن كان مثليا فسيأتي الكلام فيه في آخر المسألة.

(٤) خبر قوله : «وطريق» وهذه هي الطريقة الاولى ، ومحصّلها : أنّ كلا من المالين يقوّم منفردا بالقيمة السوقية ـ لا تقويمهما مجتمعين ـ فيؤخذ لكل واحد منهما جزء من الثمن يكون نسبة ذلك الجزء إلى تمام الثمن كنسبة قيمة كلّ منهما إلى مجموع القيمتين. فإذا كان الثمن ثلاثة دنانير ، وكانت قيمة مال البائع قيراطا ، وقيمة مال غيره قيراطين ، فتكون نسبة قيمة مال غير البائع ـ وهي قيراطان ـ إلى الثمن ـ وهو ثلاثة دنانير ـ كنسبة قيمته السوقية وهي قيراطان إلى مجموع القيمتين وهو ثلاثة قراريط. وتلك النسبة هي الثلثان ، فيؤخذ للمشتري من الثمن المسمّى ـ وهو ثلاثة دنانير ـ ثلثاه ، وهما ديناران.

(٥) يعني : لكلّ واحد من مالي البائع وغيره ممّن بيع ماله فضولا.

(٦) مبتدء ، وخبره «كنسبة» والجملة صفة ل ـ «جزء» يعني : نسبة ذلك الجزء إلى


القيمتين. مثاله ـ كما عن السرائر ـ ما إذا كان ثمنهما (١) ثلاث دنانير ، وقيل : إنّ قيمة المملوك (٢) قيراط ، وقيمة غيره (٣) قيراطان ، فيرجع المشتري بثلثي الثمن.

وما ذكرنا من الطريق (٤)

______________________________________________________

الثمن ـ الذي هو ثلاثة دنانير ـ كنسبة القيراطين إلى القراريط الثلاثة التي هي مجموع القيمتين ، وتلك النسبة هي الثلثان كما مرّ آنفا.

(١) يعني : ثمنهما المسمّى في بيع البائع مال نفسه مع مال غيره.

(٢) أي : القيمة السوقية المال البائع قيراط.

(٣) أي : غير مال البائع الذي بيع فضولا مع مال البائع.

ثم إنّ عبارة السرائر محكية معنى ، والحاكي لها هو السيد العاملي وصاحب الجواهر. والأولى نقل بعض كلام ابن إدريس قدس‌سره ، فإنّه بعد إثبات الخيار للمشتري في مسألتنا والمسألة الآتية ـ وهي بيع ما يملك وما لا يملك ـ قال : «مثاله : باع شاة وخنزيرا بثلاثة دنانير ، فإنّ الثمن يتقسّط على قدر قيمة الشاة وقيمة الخنزير عند مستحليّه ، فيقال : كم قيمة الشاة؟ فيقال : قيراطان. ويقال : كم قيمة الخنزير؟ فيقال : قيراط ، فيرجع بثلث الثمن وهو دينار. وبالعكس من ذلك أن يقال : قيمة الشاة قيراط ، وقيمة الخنزير عند مستحليه قيراطان ، فيرجع المشتري بثلثي الثمن ، وهو ديناران» (١).

وفي هذا المثال تختلف القيمة الواقعية عن الثمن المسمّى بكثير ، لأنّ القيراط الشرعي نصف عشر المثقال الشرعي ـ أي الدينار ، فالدينار عشرون قيراطا شرعيّا ، والقيراط الصيرفي حبّة واحدة ، فهو جزء من ثمانية عشر جزءا من الدينار الشرعي (٢).

وعلى كلّ منهما يكون الثمن المسمّى أضعاف القيمة. إلّا أنّ المقصود بيان كيفية تقسيط الثمن على المبيع.

(٤) أي : الطريق الأوّل ، وهو تقويم كلّ من المالين منفردا ، ولحاظ مجموع قيمتهما والأخذ لكلّ واحد من المالين جزء من الثمن تكون نسبته إلى الثمن كنسبة قيمة أحد

__________________

(١) السرائر ، ج ٢ ، ص ٢٧٦ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٣ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣١٢

(٢) الأوزان والمقادير ، ص ٥٢ و ٩١ ـ ٩٢ للعلّامة الشيخ إبراهيم سليمان العاملي.


هو (١) المصرّح به في الإرشاد (١) ، حيث قال : «ويقسّط المسمّى على القيمتين» (٢) ولعلّه (٣) (*) أيضا مرجع ما في الشرائع والقواعد واللمعة من «أنّهما يقوّمان

______________________________________________________

المالين إلى مجموع قيميتهما ، وقد تقدم آنفا مثاله.

(١) أي : ما ذكرناه من الطريق الأوّل هو المصرّح به في الإرشاد ، حيث قال : «ويقسّط المسمّى على القيمتين» أي : قيمة كلّ من مالي البائع وغيره ، فإنّ ظاهر «القيمتين» هو قيمة كل منهما منفردا. فالمراد مجموع القيمتين ، لا قيمة المجموع ، وإلّا كان اللازم أن يقول : «ويقسّط المسمى على قيمة المجموع» فيكون كلام العلّامة موافقا للطريق الأوّل ، وهو : «نسبة قيمة أحد المالين إلى مجموع القيمتين» لا إلى قيمة المجموع. وبينهما فرق واضح.

فإذا كان المبيع مصراعي الباب ، وكانت قيمة مجموعهما اثني عشر درهما ، وكان مجموع قيمتيهما ثمانية دراهم ، بأن كانت قيمة كلّ منهما منفردا أربعة دراهم ، وكان الثمن المسمّى اثني عشر درهما. فعلى الطريق الثاني ـ وهو نسبة قيمة أحد المالين إلى مجموع القيمتين وهو الثمانية ـ يؤخذ نصف الثمن وهو الستة للمشتري ، لأنّ نسبة الأربع ـ الذي هو قيمة أحد المالين ـ إلى مجموع قيمتيهما ـ وهو الثمانية ـ هي النصف ، فيؤخذ نصف الثمن وهو الستة للمشتري.

وعلى الطريق الأوّل ـ وهو أخذ نسبة قيمة أحد المالين إلى قيمة المجموع ، وهي اثنا عشر درهما ـ تكون هي الثلث ، فيؤخذ ثلث الثمن وهو الأربع للمشتري.

(٢) أي : قيمة كلّ من المالين ، وهو مساوق لقوله :«أن يقوّم كل منهما منفردا».

(٣) يعني : أنّ ما ذكرناه من الطريق هو المصرّح به في الإرشاد ، والمحتمل لأن يكون ذلك أيضا مرجع ما في الشرائع والقواعد واللّمعة «من أنّهما يقوّمان جميعا ، ثم يقوّم كل

__________________

(*) يشكل أن يكون الطريق المذكور ـ وهو تقويم كل منهما منفردا ـ مرجع ما في الشرائع والقواعد واللمعة من تقويمهما جميعا ثم تقويم أحدهما. وجه الاشكال : أنّ في

__________________

(١) إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٣٦٠.


جميعا ، ثم يقوّم أحدهما» (١) ولذا (١) فسّر بهذه العبارة (٢) المحقّق الثاني عبارة الإرشاد (٣) ، حيث قال (٤) : «طريق تقسيط المسمّى على القيمتين .. إلخ».

______________________________________________________

واحد منهما مستقلّا. والاحتمال المذكور في المتن قد ذهب إليه في الجواهر ، فيكون كلام المصنف في ردّ هذا الاحتمال بقوله : «لكن الانصاف» ردّا عليه.

قال صاحب الجواهر ـ بعد نقل عبارة السرائر ـ : «وهي عين ما ذكرناه ، ضرورة كون النسبة بما فرضه ذلك ، فمراد الجميع حينئذ واحد ، وهو : أنّه إذا كان المبيع من ذوات القيم التي هي غالبا مختلفة زيادة ونقصا لا بدّ في معرفة تقسيط الثمن عليها من ملاحظة قيمتها التي هي متساوية الأجزاء ، وبدل العين وقائمة مقامها ، ومعرفة النسبة ، فيوزّع الثمن عليها. وهو معنى ما في الإرشاد ..» (٢).

(١) أي : ولكون ما ذكره المصنف قدس‌سره هو المصرّح به في الإرشاد ـ ومرجع ما في الشرائع والقواعد واللمعة ـ فسّر المحقق الثاني قدس‌سره .. إلخ.

(٢) وهي : أنّهما يقوّمان جميعا ، ثم يقوّم أحدهما.

(٣) وهي : ويقسّط المسمّى على القيمتين.

(٤) يعني : قال المحقق الثاني في شرح عبارة الإرشاد : «طريق تقسيط المسمّى على القيمتين : أن يقوّم المبيعان معا ، ثم يقوّم أحدهما على انفراده ، وتنسب قيمته إلى مجموع القيمتين. وينظر تلك النسبة ، فيؤخذ بها من الثمن .. إلخ» (٣).

__________________

طريق المصنف تقويما واحدا ، وهو تقويم كل منهما منفردا. وفي طريق الشرائع تقويمين ، أحدهما : تقويم المالين معا ، ثانيهما : تقويم أحدهما ، لتنسب قيمته إلى قيمة المجموع.

ولا بدّ أن يكون المراد من تقويمهما جميعا ـ كما عن الشرائع ـ تقويمهما معا ، لا تقويم كل منهما منفردا ، وإلّا لم يكن وجه لتقويم أحدهما ، لكونه من تحصيل الحاصل.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٥ ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩ ، اللمعة الدمشقية ، ص ١١٠.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣١٢.

(٣) حاشية الإرشاد ، مخطوط ، ص ٢١٩ ، وحكاه عنه في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٣.


لكنّ (١) الإنصاف أنّ هذه العبارة الموجودة في هذه الكتب لا تنطبق بظاهرها على عبارة الإرشاد التي اخترناها (٢) في طريق التقسيط ، واستظهرناه (٣) من السرائر ، إذ (٤) لو كان المراد من تقويمهما معا (٥) تقويم كلّ منهما (٦) لا تقويم المجموع ، لم يحتج (٧)

______________________________________________________

(١) هذا عدول عما أفاده بقوله : «ولعلّه» من جعل مرجع كلا طريقي التقسيط أمرا واحدا ، فالغرض منه الإيراد على صاحب الجواهر قدس‌سره ، ومحصله : أنّ العبارة الموجودة في الشرائع والقواعد واللّمعة لا تنطبق بظاهرها على عبارة الإرشاد التي اخترناها في التقسيط.

(٢) بقولنا : «أن يقوّم كلّ منهما منفردا ، فيؤخذ لكلّ واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين».

(٣) مورد الاستظهار هو قول ابن إدريس : «ما إذا كان ثمنهما ثلاثة دنانير ، وقيل : إنّ قيمة المملوك قيراط ، وقيمة غيره قيراطان ، فيرجع المشتري بثلثي الثمن».

(٤) تعليل لعدم انطباق ما في الشرائع والقواعد واللمعة «من أنّهما يقوّمان جميعا ، ثم يقوّم كل منهما مستقلا» على عبارة الإرشاد التي اختارها المصنف بقوله : «أن يقوّم كل منهما منفردا .. إلخ».

ومحصل التعليل : أنّه لو كان المراد بما في الشرائع «من أنّهما يقوّمان جميعا» تقويم كلّ منهما ـ لا تقويم المجموع ـ كان تقويم أحدهما بعد تقويم كل منهما مستدركا ، لمعرفة قيمته ابتداء ، وعدم الحاجة إلى تقويمه ثانيا.

فليس هنا إلّا أمران ، أحدهما : تقويم كل منهما ، وثانيهما : نسبة قيمته إلى مجموع القيمتين. مع أنّ الظاهر من كلامهم أمور ثلاثة : أحدها : تقويمهما مجتمعين ، ثانيها : تقويم أحدهما ، ثالثها : ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

(٥) أي : جميعا ، فإنّه الوارد في عبارة الكتب المذكورة ، فبدّل «جميعا» ب ـ «معا».

(٦) أي : تقويم كلّ منهما منفردا ، لا تقويم المجموع بالهيئة الاجتماعية إذا كان لاجتماعهما دخل في قيمتهما كمصراعي الباب.

(٧) جواب «لو» وجه عدم الحاجة هو : حصول المعرفة ابتداء ، ومعه لا حاجة إلى معرفته ثانيا.


إلى قولهم : «ثمّ يقوّم أحدهما ، ثمّ تنسب قيمته» ، إذ (١) ليس هنا إلّا أمران : تقويم كلّ منهما ، ونسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

فالظاهر (٢) إرادة قيمتهما مجتمعين ، ثمّ تقويم أحدهما بنفسه ، ثمّ ملاحظة (٣) نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

ومن هنا (٤) أنكر عليهم جماعة تبعا لجامع المقاصد

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم الحاجة إلى قولهم : «ثم يقوّم أحدهما .. إلخ» توضيحه : أنّه لو أريد من قولهم : «إنّهما يقوّمان جميعا» تقويم كلّ منهما منفردا ـ لا تقويم المجموع ـ لم يكن هنا إلّا أمران ، أحدهما : تقويم كلّ منهما ، وثانيهما نسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

لكن الظاهر من قولهم أمور ثلاثة ، أوّلها : تقويمهما مجتمعين ، ثانيهما : تقويم أحدهما بنفسه ، ثالثها : ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

وهذا مغاير للطريق التي اختارها المصنف في طريق التقسيط واستظهرها من السرائر من «تقويم كلّ منهما منفردا» إذ ليس فيه إلّا أمران ، أحدهما : تقويم كل منهما منفردا ، وثانيهما : نسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

(٢) هذا نتيجة الإيراد المتقدم بقوله : «إذ لو كان المراد من تقويمهما معا تقويم كلّ منهما ، لا تقويم المجموع .. إلخ». يعني : فالظاهر من عبارة الشرائع والقواعد واللمعة ـ من : أنّهما يقومان جميعا ـ أمور ثلاثة :

الأوّل : تقويمهما مجتمعين. الثاني : تقويم أحدهما بنفسه. الثالث : ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع. وقد مرّ آنفا ذلك.

وبالجملة : فظاهر عبارة الشرائع والقواعد واللمعة لا ينطبق على عبارة الإرشاد التي اختارها المصنف قدس‌سره من تقويم كلّ منهما منفردا ، ونسبته إلى مجموع القيمتين.

(٣) معطوف على «إرادة» وقوله : «تقويم» معطوف على «قيمتهما».

(٤) أي : ومن كون الظاهر من عبارة الشرائع والقواعد واللّمعة تقويمهما مجتمعين ، ثم تقويم أحدهما بنفسه ، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع ، أنكر جماعة على أرباب هذه الكتب الثلاثة ـ تبعا لجامع المقاصد ـ إطلاق قولهم بتقويمهما مجتمعين ، بدعوى : أنّه ليس في جميع الموارد لهيئة الاجتماع دخل في القيمة حتى يلزم تقويمهما مجتمعين.


إطلاق (١) القول بذلك (٢) ، إذ (٣) لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة ، كما في مصراعي باب وزوج خفّ إذا فرض تقويم المجموع بعشرة ، وتقويم أحدهما بدرهمين ، وكان الثمن خمسة ، فإنّه إذا رجع المشتري بجزء من الثمن

______________________________________________________

قال السيد العاملي قدس‌سره : «وأما إذا كان لاجتماعها مدخل في زيادة القيمة ـ كمصراعي باب وزوج خفّ كل واحد للمالك ـ ففي جامع المقاصد والميسية والمسالك والروضة والرياض والحدائق : أنّهما لا يقوّمان مجتمعين ، إذ لا يستحق مالك كل واحد حصّته إلّا منفردة ، فلا يستحق ما يزيد باجتماعهما. وقالوا : إنّ طريق تقويمهما ـ على هذا ـ أن يقوّم كل منهما منفردا ، وتنسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين ، ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة. فإذا كان قيمتهما مجتمعين اثني عشر ، ومنفردين تسعة ، والثمن ستة ، وقيمة أحدهما ثلاثة ، أخذنا له من الثمن بقدر قيمته إلى التسعة ـ وهو ثلث الستة ـ اثنان. ولا يؤخذ بقدر نسبته إلى الاثني عشر ـ وهو ربع الستة ـ واحد ونصف. ولو قوّم كل واحد منهما منفردا بعشرة يؤخذ نصف الثمن ، لأنّه نسبة أحدهما إلى المجموع ..» (١).

(١) مفعول قوله : «أنكر».

(٢) أي : بتقويهما مجتمعين ، ثم تقويم أحدهما بنفسه ، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

(٣) تعليل لعدم مدخلية الهيئة الاجتماعية بنحو الإطلاق ، ومحصله : «أنّه يلزم عدم استقامة هذا الطريق الثاني ـ وهو تقويمهما مجتمعين ، ثم تقويم أحدهما منفردا ، ثم ملاحظة نسبته إلى قيمة المجموع ، والأخذ بتلك النسبة من الثمن ـ في مثل كون المبيع مصراعي باب وزوج خف ، وغيرهما ممّا يكون لهيئة الاجتماع دخل في زيادة القيمة.

وجه عدم الاستقامة : أنّه يلزم الإجحاف على المشتري ، كما في مثال المتن ، فإنّ الثمن المسمّى ـ وهو خمسة دراهم ـ مشترك بين البائع ومالك المال الآخر بالمناصفة ، ومقتضى طريق الشرائع أن يكون للبائع أربعة دراهم ، وللمشتري درهم واحد ، وهو خمس الثمن المسمّى. مع اشتراك الثمن بين البائع والمشتري بالمناصفة ، فيستحق المشتري

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٤ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٨ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٢ ، الروضة البهية ، ج ٢ ، ص ٢٣٩ ، رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١٤ ، الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٤٠٢.


ـ نسبته إليه كنسبة الاثنين إلى العشرة ـ استحقّ (١) من البائع واحدا (٢) من الخمسة ، فيبقى للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد. مع أنّه (٣) لم يستحقّ من الثمن إلّا مقدارا من الثمن مساويا لما يقابل المصراع الآخر ، أعني درهمين ونصفا [ونصف].

والحاصل (٤) : أنّ البيع إنّما يبطل في ملك الغير بحصّة من الثمن يستحقّها الغير مع الإجازة ، ويصحّ (٥) في نصيب المالك بحصّة كان يأخذها مع إجازة مالك

______________________________________________________

من الثمن نصفه ـ وهو درهمان ونصف ـ على ما يقتضيه طريق المصنف ، لأنّ نسبة قيمة كلّ واحد من المصراعين وكلّ واحد من الخفّين ـ وهي درهمان ـ إلى مجموع القيمتين وهو أربعة دراهم هي النصف ، فيؤخذ بهذه النسبة من الثمن المسمى ـ الذي هو خمسة دراهم ـ درهمان ونصف درهم.

(١) جواب الشرط في «إذا رجع» وجملة «نسبته إليه .. إلخ» نعت ل ـ «جزء من الثمن».

(٢) لأنّه خمس الثمن المسمّى الذي هو خمسة دراهم ، وهذا الخمس هو خمس العشرة التي هي قيمة مجموع المصراعين. وبهذه النسبة يكون الدرهم الواحد خمس الثمن المسمّى ، ويعطى للمشتري. ويكون الباقي ـ وهو أربعة دراهم ـ للبائع في مقابل المصراع الواحد. وهو إجحاف على المشتري ، لأنّه كالبائع يستحق من الثمن مقدارا مساويا لما يقابل المصراع الآخر ، وهو درهمان ونصف.

(٣) يعني : مع أنّ البائع لم يستحقّ من الثمن إلّا مقدارا يقابل المصراع الآخر ، وهو درهمان ونصف ، فلا وجه لأخذه أربعة دراهم.

إلى هنا تمّ إنكار الجماعة على طريقة الشرائع والعلّامة والشهيد في التقويم.

(٤) يعني : وحاصل الكلام أنّ استحقاق كلّ من البائع ومالك الجزء الآخر لحصة من الثمن لا فرق فيه بين صحة البيع وبطلانه. فإذا أجاز البيع مالك الجزء الآخر استحقّ نصف الثمن ، وهو درهمان ونصف. وإذا ردّ البيع ردّ هذا النصف إلى المشتري. وكذا البائع ، فإنّه يأخذ نصف الثمن في كلتا صورتي إجازة مالك الجزء الآخر وردّه.

(٥) معطوف على «يبطل» أي : أنّ البيع إنّما يصحّ في نصيب المالك.


الجزء الآخر ، هذا.

ولكن (١) الظاهر أنّ كلام الجماعة إمّا (٢) محمول على الغالب من عدم زيادة القيمة ولا نقصانها بالاجتماع (٣) ، أو مرادهم (٤) من «تقويمهما» تقويم كلّ منهما منفردا ، ويراد من «تقويم أحدهما ثانيا» ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين (*).

وإلّا (٥) ففساد الضابط المذكور في كلامهم لا يحتاج إلى النقض بصورة مدخلية

______________________________________________________

(١) هذا استدراك على بطلان ضابط التقسيط الذي أفاده المحقق والعلامة والشهيد رضوان الله تعالى عليهم ، وأنّ لازمه تضرّر المشتري في مثل مصراعي الباب وزوج الخفّ كما تقدم تفصيله آنفا. فالغرض من الاستدراك توجيه ما أفاده هؤلاء الأعلام قدس‌سرهم بأحد وجهين.

(٢) هذا هو الوجه الأوّل ، وحاصله : أنّ ما أفادوه من الضابط المذكور محمول على الغالب ، وهو عدم دخل الهيئة الاجتماعية في زيادة القيمة ونقصانها. فالضابط المذكور ليس مطّردا في جميع الموارد ، بل هو مختص بما إذا لم يكن لهيئة الاجتماع دخل في القيمة.

(٣) أي : باجتماع مال البائع مع مال غيره مما بيع فضولا.

(٤) معطوف على «اما محمول» وهذا هو الوجه الثاني ، ومحصله : أنّ مراد المحقق والعلّامة والشهيد من «تقويمهما» : تقويم كلّ منهما منفردا ، لا ما هو ظاهر العبارة من تقويمهما مجتمعين. والمراد ب ـ «تقويم أحدهما ثانيا» ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين.

فيرجع كلامهم مع هذا التوجيه إلى ضابط المصنف من : تقويم كلّ منهما منفردا ، وملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين.

(٥) أي : ولولا هذا التوجيه لكلام المحقق والعلّامة والشهيد قدس‌سرهم لبقيت طريقتهم لمعرفة قيمة كلّ من المالين على فسادها ، ولا يحتاج إلى النقض بصورة دخل اجتماع المالين في زيادة القيمة ، لإمكان القول فيها بأخذ النسبة للمشتري بين قيمة أحدهما المنفرد ، وبين قيمة مجموعهما ، كما يقول به المحقق والعلّامة والشهيد قدس‌سرهم.

__________________

(*) وكلاهما خلاف الظاهر ، لظهور «تقويمهما» في تقويمهما مجتمعين ، وظهور «تقويم أحدهما» في تعيين قيمته ، لا في ملاحظة قيمته المعيّنة.


الاجتماع في الزيادة التي يمكن القول فيها ـ وإن كان (١) ضعيفا ـ بأخذ (٢) النسبة للمشتري (٣) بين قيمة أحدهما المنفرد ، وبين قيمة المجموع. بل ينتقض (٤) بصورة مدخليّة الاجتماع في نقصان القيمة ، بحيث تكون قيمة أحدهما منفردا مثل قيمة المجموع أو أزيد (٥) ، فإنّ هذه (٦) فرض ممكن كما صرّح به (٧) في رهن جامع المقاصد

______________________________________________________

(١) يعني : وإن كان هذا القول ضعيفا ، لما ذكره في قوله : «والحاصل : أنّ البيع إنّما يبطل في ملك الغير بحصة من الثمن يستحقّها الغير مع الإجازة .. إلخ».

(٢) متعلق بالقول ، يعني : يمكن القول ـ في صورة دخل الاجتماع في زيادة القيمة ـ بأخذ النسبة لنفع المشتري بين قيمة أحدهما المنفرد وهي درهمان ، وبين قيمة المجموع وهي عشرة دراهم ، كما هو طريقة المحقق والعلّامة والشهيد قدس‌سرهم ، فيؤخذ للبائع درهم ، وذلك خمس الثمن المسمّى الذي هو خمسة دراهم ، والأربعة الباقية للمشتري.

(٣) يعني : أنّ أخذ هذه النسبة إنّما هو لنفع المشتري ، لا لنفع البائع ، لأنّ البائع إن كان عالما بهذا فقد أقدم على ضرره. وإن كان جاهلا به ، فيجبر ضرره بالخيار.

(٤) يعني : بل ينتقض أيضا الضابط ـ المذكور في كلام هؤلاء الأعلام ـ بصورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة كما سيأتي في مثال المتن.

(٥) معطوف على «مثل» الذي هو خبر قوله : «تكون».

(٦) أي : فإنّ هذه الصورة ـ وهي مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة ، بحيث تكون قيمة أحدهما منفردا مثل قيمة المجموع أو أزيد ـ من الفروض الممكنة ، كما صرّح به المحقق الثاني قدس‌سره في جامع المقاصد ، حيث قال في فروع رهن الأمة ذات الولد الصغير ما لفظه : «لو نقصت قيمة الأمّ مع الضميمة عن حال الانفراد لم يدخل النقص على المرتهن ، لاستحقاقه قيمتها منفردة ، والضميمة حقّ وجب على الراهن» (١).

وقال الشهيد قدس‌سره : «لأنّ الأمّ تنقص قيمتها إذا ضمّت إليه ـ أي إلى الولد الصغير ـ لمكان اشتغالها بالحضانة ، والولد تنقص قيمته منفردا ، لضياعه» (٢).

(٧) أي : بإمكان نقصان القيمة بالاجتماع. والمراد بغير المحقق الثاني هو الشهيد وصاحب الجواهر.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ٥٦.

(٢) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٣٩١ ، جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ١٤٠.


وغيره ، فإنّ الالتزام هنا (١) بالنسبة المذكورة يوجب الجمع بين الثمن والمثمن ، كما لو باع جارية مع أمّها ـ قيمتهما مجتمعتين عشرة ، وقيمة كلّ واحدة منهما منفردة عشرة ـ بثمانية (٢) ، فإنّ نسبة قيمة إحداهما المنفردة إلى مجموع القيمتين (٣) نسبة (٤) الشي‌ء إلى مماثله ، فيرجع (٥) [فرجع] بكلّ الثمانية.

______________________________________________________

(١) أي : في صورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة. وقوله : «فإنّ الالتزام» بيان لانتقاض مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة.

توضيحه : أنّه بناء على الطريقة التي أفادها الأعلام المحقق والعلّامة والشهيد قدس‌سرهم ـ وهي تقويمهما مجتمعين ، ثم تقويم أحدهما منفردا ، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع ـ يلزم الجمع بين الثمن والمثمن.

مثاله كما في المتن : ما لو باع جارية مع أمّها بثمانية دراهم ، وكانت قيمتهما مجتمعتين عشرة دراهم ، وقيمة كل واحدة منهما منفردة عشرة أيضا. فإنّ نسبة العشرة ـ التي هي قيمة إحداهما منفردة ـ إلى العشرة التي هي قيمتهما بنحو الاجتماع نسبة الشي‌ء إلى مماثله ، فإذا رجع المشتري بتمام الثمن ـ وهي الثمانية ـ يلزم الجمع بين العوض والمعوّض. وهو لازم باطل ، فيبقى مال البائع بلا ثمن.

وهذا بخلاف طريقة المصنف قدس‌سره ، لأنّه ينسب قيمة كل واحدة ـ وهي العشرة ـ إلى مجموع القيمتين وهي العشرون ، فيردّ من الثمن إلى المشتري بنسبة العشرة إلى العشرين ، وهي النصف أعني به أربعة دراهم. فضابط المصنف مطّرد في موارد تساوي قيمة كل منهما منفردا مع قيمة المجموع ، واختلافهما بالزيادة والنقصان.

(٢) متعلق بقوله : «باع» وقوله : «فان نسبة» بيان لوجه لزوم الجمع بين العوض والمعوّض.

(٣) أي : قيمتهما بنحو الاجتماع ، لا مجموع قيمتهما وهو العشرون. فالأولى تبديل «مجموع القيمتين» ب ـ «قيمتهما بنحو الاجتماع» أو «قيمتهما مجتمعين».

(٤) خبر قوله : «فانّ نسبة».

(٥) أي : فيرجع المشتري بكلّ الثمانية التي هي تمام الثمن المسمّى ، وهذا جمع بين الثمن والمثمن عند المشتري ، كما مرّ آنفا.


وكأنّ من (١) أورد عليهم ذلك (٢) غفل عن هذا (٣) ، أو كان (٤) عنده غير ممكن.

فالتحقيق (٥) في جميع الموارد : ما ذكرنا ، من ملاحظة قيمة كلّ منهما منفردا ، ونسبة (٦) قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين.

فإن قلت (٧) : إنّ المشتري إنّما [إذا] بذل الثمن في مقابل كلّ منهما مقيّدا

______________________________________________________

(١) المورد صاحب جامع المقاصد ومن تبعه ، فإنّهم أوردوا على المحقق والعلّامة والشهيد قدس‌سرهم.

(٢) أي : النقض ـ بصورة مدخلية الاجتماع في زيادة القيمة ـ بقولهم : «إذ لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة كما في مصراعي الباب». فراجع (ص ٦١٤)

(٣) أي : النقض بصورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة. ومحصل مراده قدس‌سره : أنّ عدم إيراد جامع المقاصد وغيره على ضابط المحقق والعلّامة والشهيد ـ بالنقض بدخل الاجتماع في نقصان القيمة ـ لعلّه لأجل الغفلة عن إمكان دخل الهيئة الاجتماعية في نقصان القيمة ، أو لأجل اعتقاده بعدم إمكان دخل الاجتماع في نقصان القيمة. وإن كان هذا الاحتمال الثاني ضعيفا بعد التصريح بدخل الاجتماع في نقصان القيمة ، كما تقدم عن رهن الدروس وجامع المقاصد.

(٤) معطوف على «غفل» واسمه ضمير راجع إلى «هذا» المراد به النقض.

(٥) بعد الإشكال على الضابط الذي أفاده المحقق والعلّامة والشهيد رحمه‌الله جعل التحقيق في جميع الموارد ما أفاده من ملاحظة قيمة كلّ منهما منفردا ، ونسبة قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين ، وأخذ تلك النسبة من الثمن المسمّى.

(٦) معطوف على «ملاحظة» ، وقوله : «إلى مجموع» متعلق ب ـ «نسبة».

(٧) هذا إشكال على قوله : «فالتحقيق في جميع الموارد ..» وغرض المستشكل الإيراد على طريق التقسيط باستلزامها للظلم على المشتري ، في ما كان وصف الاجتماع دخيلا في زيادة قيمة كلّ من المالين على القيمة حال الانفراد. وهذا الاعتراض وارد أيضا على التقسيط بالكيفية الأخرى المذكورة في الشرائع والقواعد واللمعة ، كما يظهر


.................................................................................................

______________________________________________________

من بعض محشّي الروضة.

وتوضيح الإشكال : أنّ وصف الاجتماع ـ في ما يكون مقتضيا لزيادة القيمة ـ متموّل ، وقد قوبل بجزء من الثمن. فإذا ردّ مالك أحد المصراعين البيع ، كان الفائت على المشتري أمرين ، الأوّل : أحد المصراعين ، وهو جزء المبيع. والثاني : الهيئة الاجتماعية. فيتعيّن استرداد ما قابل ذلك الجزء وتلك الهيئة. ولا يستقيم شي‌ء من نحوي التقسيط. لاستلزامهما الظلم على المشتري.

أمّا مختار المصنف قدس‌سره فلأنّه حكم بردّ درهمين ونصف ـ من مجموع ثمن المصراعين وهو خمسة دراهم ـ إلى المشتري ، وإبقاء درهمين ونصف للبائع. مع أنّ المشتري بذل الثمن بإزاء المصراعين بوصف الاجتماع ، لا بإزاء ذات كل واحد من المصراعين المتقوم بدرهم واحد ، فكيف يستحقّ البائع درهمين ونصفا؟ مع أنّه ثمن مصراع الباب بوصف الانضمام لا حال الانفراد.

وعليه فاللازم الحكم بإبقاء درهم عند البائع ، وردّ أربعة دراهم إلى المشتري ، ليكون درهم منها بإزاء المصراع الآخر ، وثلاثة منها بإزاء فوات الهيئة الاجتماعية.

وبعبارة أخرى : لو أجاز مالك المصراع الآخر استحق كلّ من البائع والمالك المجيز درهمين ونصف درهم ، فالدرهم عوض ذات المصراع ، ودرهم ونصف بإزاء وصف الاجتماع الذي هو من توابع الملك. وحيث إنّ المفروض حصول مصراع منفردا عند المشتري ، لم يكن وجه لاستحقاق البائع ثمن مصراع بوصف الانضمام ، بل اللازم ردّ ثلاثة دراهم ـ هي عوض الهيئة الاجتماعية ـ إلى المشتري ، كردّ درهم أيضا عوض المصراع الآخر.

وأمّا ما يستفاد من المحقق وتابعيه في كيفية التقسيط فالظلم فيه على المشتري أشدّ ممّا حكم به شيخنا الأعظم قدس‌سره ، لأنّ إبقاء أربعة دراهم عند البائع بإزاء مصراع واحد غير ظاهر الوجه ، مع كون قيمته حال الانفراد درهما واحدا. فلم يحكم باستحقاق البائع أربعة دراهم ، واستحقاق المشتري درهما واحدا مع مساواة ما بأيديهما من المصراعين المنفردين؟

وعليه فلا بد من التماس طريق آخر في التقسيط لئلّا يتضرّر المشتري.


باجتماعه مع الآخر ، وهذا الوصف (١) لم يبق له مع ردّ مالك أحدهما. فالبائع (٢) إنّما يستحقّ من الثمن ما يوزّع على ماله منفردا ، فله (٣) من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة الدرهمين إلى العشرة ـ وهو درهم واحد ـ فالزيادة (٤) ظلم على المشتري. وإن كان ما أوهمه عبارة الشرائع وشبهها ـ من أخذ البائع أربعة والمشتري واحدا ـ أشدّ (٥) ظلما كما نبّه عليه (٦) في بعض حواشي الروضة.

______________________________________________________

(١) أي : والحال أنّ وصف الاجتماع لم يسلم للمشتري عند ردّ مالك المصراع الآخر المبيع فضولا.

(٢) هذا متفرع على عدم بقاء وصف الاجتماع للمشتري ، يعني : بعد عدم سلامة وصف الانضمام للمشتري ـ وأنّه قد فات عليه أمران ـ اتّجه توزيع الثمن بأن يستحق البائع ثمن مصراع واحد حال الانفراد ، لا ثمنه حال الاجتماع.

وبناء على النسخة الأخرى يكون قوله : «فالبائع» جوابا للشرط في «إذا بذل» ومجموع جملة الشرط والجواب خبر قوله : «إنّ المشتري».

(٣) أي : فللبائع درهم واحد ، لا درهمان ونصف درهم.

(٤) وهي درهم ونصف درهم ، فإنّهما زائدان على الدرهم الواحد المفروض كونه ثمنا لمصراع واحد.

(٥) خبر قوله : «وإن كان» وقد تقدم تقريب أشديّة الظلم.

(٦) أي : على كونه أشدّ ظلما ، والمنبّه هو سلطان العلماء قدس‌سره في حاشية الروضة ، حيث قال : «وإبقاء الباقي للبائع ظلم أيضا على المشتري ، وإعطاء للبائع زائدا على حقه.

كما أنّ ردّ الثمن بقدر نسبة أحدهما إلى قيمتهما مجتمعين ظلم على ما ذكره الشارح المحقق ـ يعني الشهيد الثاني ـ إلّا أنّ الثاني أظلم. فالصواب أن يقوّما مجتمعين ، ويقوّم ما للبائع منفردا ، ويبقى من الثمن في يد البائع بقدر نسبة قيمة ماله منفردا إلى قيمتهما مجتمعين ، وتتمة الثمن تردّ إلى المشتري ، وحينئذ لا ظلم لأحد أصلا» (١).

وحكي هذا المطلب عن حاشية الميرزا محمّد المعروف بديلماج أيضا ، فراجع (٢).

__________________

(١) نقلا من هامش الروضة البهية ، (طبعة عبد الرحيم) ج ١ ، ص ٣١٦ ، وحكاه المحقق الخوانساري في حاشيته عن سلطان العلماء ص ٣٥٩ ، فراجع.

(٢) حكاه السيد الاشكوري في حاشية المكاسب ، ص ١٠٠.


فاللّازم : أن يقسّط الثمن على قيمة كلّ من الملكين منفردا (١) وعلى هيئته الاجتماعية ، ويعطى البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفردا ، ويبقى (٢) للمشتري بنسبة قيمة ملك الآخر منفردا ، وقيمة (٣) هيئته الاجتماعيّة (٤).

قلت (٥) : فوات وصف الانضمام ـ كسائر الأوصاف الموجبة لزيادة القيمة ـ ليس

______________________________________________________

(١) وهو درهم واحد.

(٢) أي : ويبقى الثمن للمشتري.

(٣) معطوف على «بنسبة قيمة ملك الآخر».

(٤) وهي ثلاثة دراهم.

(٥) هذا جواب الإشكال ، ومحصله : منع المبنى ، بعدم كون الوصف مقابلا بجزء من الثمن ، وإن كان مضمونا في باب الغرامات.

توضيحه : أنّ الوصف الموجب لزيادة قيمة العين ـ ككتابة العبد ـ مضمون عند تحقق سببه كاليد والإتلاف ، فلا يكفي ردّ قيمة العبد الفاقد لصفة الكتابة ، بل يتوقف فراغ الذمة على أداء بدل العبد الكاتب.

ولكن يفترق باب المعاوضة عن الغصب ، بأنّ الصفة وإن أوجبت الرغبة في بذل الثمن الكثير عوض العبد الكاتب ، لكنّ الثمن يقع بإزاء نفس الموصوف وهو العبد ، ولا يتقسّط على كلّ من الموصوف وصفته ، كما يتقسّط الثمن على المالين الخارجيّين إذا بيعا بإنشاء واحد. هذا كله فيما عدا وصف الصحة.

ولما كان وصف الانضمام ـ في بيع مصراعي الباب ـ غير مقابل بجزء من الثمن ولا مضمونا بالضمان المعاوضي ، لم يوزّع الثمن على نفس المصراعين ، وعلى الهيئة الاجتماعية.

نعم ينجبر تضرّر المشتري ـ الجاهل بالحال ـ بالخيار عند فقد الصفة التي لوحظت في مقابلة الثمن للمتصف ، كتسلّطه على فسخ البيع في موارد تخلف الصفة ككتابة العبد.

وعلى هذا ، فإن فسخ المشتري ـ في مثال بيع المصراعين بعد ردّ مالك المصراع الآخر ـ بطل البيع واستردّ تمام الثمن. وإن لم يفسخ استحقّ البائع نصف الثمن المسمى أعني به درهمين ونصفا ، لكون هذا النصف حصّته من مجموع الثمن على تقدير إجازة المالك ، ولا يلزم ظلم على المشتري.


مضمونا في باب المعاوضات ، وإن كان مضمونا (١) في باب العدوان. غاية الأمر ثبوت الخيار (٢) مع اشتراط تلك الصفة (٣).

ولا فرق فيما ذكرنا (٤) بين كون ملك البائع وملك غيره متعدّدين [متعدّدا]

______________________________________________________

وليعلم أنّ ما أفاده المصنف قدس‌سره من الجواب المزبور يستفاد من صاحب الجواهر قدس‌سره أيضا ، حيث قال : «إنّ الثمن وإن لوحظ فيه الهيئة الاجتماعية ، حتى أنّ زيادته بسببها ، إلّا أنّ من المعلوم كونها بمنزلة الصفة لكلّ واحد منهما ، فلا يقابلها شي‌ء من الثمن عند التقسيط .. إلخ» فراجع (١).

(١) أي : وإن كان فوات وصف الانضمام مضمونا. وقوله : «ليس» خبر «فوات».

(٢) يعني : خيار تبعض الصفقة ، أو تخلّف الشرط.

(٣) إلى هنا ينتهي الجواب الذي أفاده بقوله : «قلت ..».

(٤) أي : من كيفية التقسيط ، خلافا لما في الشرائع وغيره. وغرضه من هذه الجملة التنبيه على أمر يتعلق بطريقة تقسيط الثمن بما تقدّم ، من أنّ مال البائع ومال الغير إن كانا قيميّين اعتبر تقويم أحدهما منفردا ، فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

ومحصّل هذا الأمر : أنّه لا فرق في اعتبار هذه الكيفية بين كون المالين متعددين وجودا كما تقدم في الأمثلة كعبدين أو عبد وجارية. وبين كونهما متحدين ، كما إذا اشترك اثنان في عبد ، فكان ثلثه لأحدهما ، وثلثاه للآخر ، فباعه مالك الثلث بتسعين دينارا مثلا ، فإنّه لا يوزّع الثمن أثلاثا حتى يكون للبائع ثلاثون ، ولمالك الثلثين ستّون.

والوجه في عدم التوزيع بهذا النحو هو عدم كون قيمة ثلث العبد ثلث قيمة رقبته ، بل هي أنقص ، لقلّة رغبة العرف في شراء ثلث العبد ، وتعارف رغبتهم في شراء الثلثين.

وعليه لا يتموّل الثلث بنصف الثلثين ، فربما يقوّم بعشرين دينارا ، ويقوّم الثلثان بسبعين دينارا. ففي صورة ردّ مالك الثلثين لا يستحق البائع ثلث تمام الرقبة ، بل له قيمة الثلث خاصة كعشرين دينارا.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣١٣.


في الوجود كعبد وجارية (١). أو متّحدا (٢) كعبد ثلثه للبائع وثلثاه لغيره ، فإنّه (٣) لا يوزّع الثمن على قيمة المجموع أثلاثا ، لأنّ (٤) الثّلث لا يباع بنصف ما يباع به الثلثان ، لكونه (٥) أقلّ رغبة منه ، بل (٦) يلاحظ قيمة الثلث وقيمة الثلثين ، ويؤخذ النسبة (٧) منهما (٨) [منها] ليؤخذ من الثمن بتلك النسبة.

هذا (٩) كلّه في القيمي. أمّا المبيع المثلي (١٠) ، فإن كانت الحصّة مشاعة قسّط

______________________________________________________

(١) بأن كان العبد ملكا لعمرو ، والجارية ملكا لزيد ، فباعهما عمرو صفقة واحدة ، ثم ردّ زيد بيع جاريته.

(٢) أي : موجودا واحدا ، ولكنّه ملك مشاع لاثنين أو أزيد.

(٣) تعليل لقوله : «لا فرق» والغرض بيان وحدة المناط ـ في مقام التقسيط ـ بين وحدة المبيع وتعدّده.

(٤) تعليل لقوله : «لا يوزّع» وقد مرّ توضيحه.

(٥) أي : لكون الثّلث أقلّ رغبة من الثلثين.

(٦) معطوف على قوله : «لا يوزّع الثمن» يعني : فإنّه يلاحظ قيمة الثلث .. إلخ.

(٧) فربّما كانت النسبة ـ بين قيمة الثلث وقيمة الثلثين ـ الرّبع أو الثلث ، لا النصف الذي هو نسبة الثلث إلى الثلثين.

(٨) أي : من القيمتين ، وهما قيمة الثلث ، وقيمة الثلثين. وعلى تقدير إفراد الضمير فالمرجع هو القيمة.

(٩) أي : ما تقدم من كيفية التقسيط مختص بالمبيع القيمي كالأمثلة المتقدمة من العبد والجارية ونحوهما ممّا لا تتساوى أفراده وجزئياته. وقد تقدم في رابع الأمور المتعلقة بالمقبوض بالبيع الفاسد ضابط المثلي والقيمي ، فراجع (١).

(١٠) حاصل ما أفاده في المبيع المثلي ـ فيما كان بعضه للبائع وبعضه لغيره ـ صورتان ، إذ تارة يكون المبيع مشتركا بينهما بنحو الإشاعة ، كطنّ من الحنطة لزيد وعمرو ، لكل منهما النصف ، فباعها عمرو صفقة واحدة بألف درهم ، فردّ زيد بيع حصته ،

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٢٩٦.


الثمن على نفس المبيع (١) ، فيقابل كلّ من حصّتي البائع والأجنبي بما (٢) يخصّه.

وإن (٣) كانت حصّة كل منهما معيّنة كان الحكم كما في القيميّ من ملاحظة قيمتي الحصّتين ، وتقسيط الثمن على المجموع ، فافهم (٤) (*).

______________________________________________________

فيقسّط الثمن على النصفين ، ويأخذ كل منهما خمسمائة درهم.

واخرى يكون المبيع معيّنا ، بمعنى تشخّص حصة كلّ منهما من المبيع. كما إذا كان لكلّ من زيد وعمرو كيس فيه حقّه من الحنطة ، فباعهما زيد صفقة واحدة بعشرة دراهم ، فردّ عمرو بيع حصته ، فإنّه لا يتوزّع الثمن نصفين ، بل يجري حكم القيمي هنا ، فيقوّم حصة كلّ منهما على حدة ، ويردّ من الثمن بمقدارها إلى المشتري. فإن قوّم كل واحد من الكيسين مستقلّا خمسة دراهم ردّ إلى المشتري ذلك ، وإن قوّم أربعة دراهم أو ستة ردّ إليه الزائد.

(١) يعني : لا يلزم تقويم كلّ حصة مستقلّا حتى يلاحظ نسبة الثمن إلى المجموع ، بل حيث إنّ المبيع مثلي تتساوى أفراده ، قسّط الثمن على نفس الحصتين.

(٢) متعلق ب ـ «فيقابل» والمراد بالموصول هو الثمن.

(٣) هذه هي الصورة الثانية ، وقد تقدم توضيحها.

(٤) لعلّه إشارة إلى منع إطلاق ما أفاده في الصورتين.

أمّا الصورة الأولى ، فلاختصاص كلامه بما إذا لم يكن لإحدى الحصتين حال الاجتماع قيمة أكثر من قيمتها حال الانفراد ، لفرض اختلاف الرغبات ، فربما كانت الرغبة في شراء تسعة أمنان من الحنطة ـ منضمة إلى من آخر ـ أزيد من شراء التسعة مستقلة. وربّما ينعكس الأمر ، فيكون وصف الاجتماع مؤثرا في انخفاض القيمة.

__________________

(*) أورد السيد قدس‌سره على ما تقدم من كيفية تقسيط الثمن بما حاصله : أنّ وصف الاجتماع تارة لا يوجب تفاوتا في القيمة.

واخرى يوجب زيادتها في الطرفين كمصراعي الباب على السواء.

وثالثة بالاختلاف ، كما في مثال بيع دار مشاعة ثلثها للبائع وثلثاها لغيره ، فإنّ بيع جميع الدار يؤثر في زيادة حصة كليهما ، لكن صاحب الثلث ينتفع أكثر من الآخر.


.................................................................................................

______________________________________________________

فما أفاده قدس‌سره من تقسيط الثمن على نفس المبيع لمجرد كونه مثليّا لا يخلو من شي‌ء.

وأمّا الصورة الثانية ، فلانتقاض كلامه بما إذا كانت الحصّتان المفروزتان متساويتين من جميع الجهات الدخيلة في التموّل ، إذ يتعيّن حينئذ مقابلة كل حصة بما يخصّها من الثمن كالمثلي ، ولا وجه لإجراء حكم القيمي عليه.

نعم يحتمل كون مفروض كلامه اختلاف الحصتين المفروزتين بالجودة والرداءة ، بأن كانت إحداهما حنطة جيّدة ، والأخرى رديئة ، إذ يتعيّن إجراء حكم القيمي عليهما.

لكن يشكل هذا الاحتمال بإمكانه في صورة الإشاعة أيضا ، فلا وجه لاختصاصه بالصورة الثانية. هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

__________________

ورابعة قد يوجب الاجتماع زيادة قيمة أحدهما ونقصان الآخر ، كما لو باع جاريته الشابة وولدها الصغير ، وهو ملك غيره ، فإنّ الانضمام يوجب نقصان قيمة الأمّ من جهة قيامها بحضانة الولد وتربيته ، ويوجب زيادة قيمة الطفل. وهذه كلّها فروض ممكنة.

ولا سبيل لإحراز ما وقع من الثمن بإزاء كل واحد من المالين بناء على مختار المصنف قدس‌سره. ولذا لا بدّ من طريق ثالث لتوزيع الثمن ، وهو أن يقوم كلّ من المالين منفردا في حال انضمامه بالآخر لا مقيّدا به ، فيجمع بين القيمتين ، ويكون مجموع القيمتين قيمة المجموع ، ثم يؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

قال قدس‌سره : «إذ لو قوّم كل منهما منفردا لا في حال الانضمام يلزم الضرر على أحدهما في صورة الاختلاف. مثلا إذا كان أحدهما يزيد قيمته بالانضمام ، والآخر تنقص قيمته به ، يلزم على طريقة المصنف قدس‌سره ـ فيما إذا قوّم أحدهما منفردا باثنين ، ومنضمّا بأربعة ، والآخر منفردا بأربعة ومنضمّا باثنين ـ أن يكون لمالك الأوّل ثلث الثمن ، ولمالك الثاني ثلثاه ، مع أنّ قيمة مال الأوّل في حال الانضمام ضعف قيمة مال الثاني في تلك الحال ، فينبغي أن يكون للأوّل الثلثان ، وللثاني الثلث ، وهكذا في سائر موارد الاختلاف. وأمّا على ما ذكرنا فلا يلزم نقض في مورد من الموارد» (١).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٨٩.


«الفهرست»

القول في الإجازة والرّد................................................... ٦٠٠ ـ ٥

حكم الاجازة من حيث الكشف والنقل..................................... ٧٤ ـ ٥

امتناع الشرط المتأخر ، وعدم اندفاع المحذور بما أفاده الأعلام........................ ٩

الاستدلال على الكشف باُمور ثلاثة...................................... ١٧ ـ ١٥

الأوّل : ما أفاده المحقق والشهيد الثانيان قدس سرهما............................ ١٥

الثاني : ما أفاده السيد الطباطبائي والمحقق القمي قدس سرهما.................... ١٦

الثالث : ما احتج به فخر المحققين قدس سره للقائل بالكشف................... ١٧

المناقشة في الدليل الأول...................................................... ١٨

تقرير الوجه الأول ببيان آخر أفاده الشيخ الأعسم قدس سره....................... ٢٠

ما أفاده في الجواهر لتصحيح الوجه الأول بالفرق بين الشرط الشرعي والعقلي ، والنظر فيه ٢٥ ـ ٢٢

تصحيح القول بالكشف بالالتزام بشرطية وصف «التعقب» المقارن للعقد ، والمناقشة فيه ٣٢ ـ ٢٦

منع الدليل الثاني للكشف بوجوه ثلاثة..................................... ٥٧ ـ ٣٣

الوجه الأوّل : كون مدلول العقد النقل المرسل ، لا المقيد بزمان العقد........... ٤٤ ـ ٣٣

تقرير هذا الوجه ببيان آخر.................................................... ٤٥

الوجه الثاني................................................................. ٤٦

الوجه الثالث................................................................ ٥٣

تصوير الكشف بأنحاء ثلاثة قال بكلَّ منها قائل................................. ٥٩

تحقيق أنحاء الكشف ثبوتاً وإثباتاً.......................................... ٦٢ ـ ٥٩

النحو الأول : الكشف الحقيقي بالالتزام بالشرط المتأخر........................ ٦٢

النحو الثاني : الكشف الحقيقي بالتزام بشرطية تعقب الإجازة للعقد.............. ٦٣

النحو الثالث : الكشف الحكمي........................................... ٦٤

استظهار الكشف من جملة من الأخبار......................................... ٦٦

استظهار الكشف الحقيقي من صحيحة الحذاء................................... ٦٩

الثمرة بين أنحاء الكشف................................................. ٩٤ ـ ٧٥

أ ـ الثمرة بين قسمي الكشف الحقيق والتعقبي................................. ٧٥

ب ـ الثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي.................................... ٧٧

ج ـ الثمرة بين الكشف ـ بأنحائه ـ والنقل............................... ١٤٩ ـ ٩٥

١ ـ النماء ، وتوجيه عبارة الروضة......................................... ٩٩ ـ ٩٦

٢ ـ فسخ الأصيل.................................................... ١٠٧ ـ ١٠٠


اعتراض المحقق القمي على هذه الثمرة ، والنظر فيه........................... ١٠٤

٣ ـ تصرف الأصيل.................................................. ١٣٢ ـ ١٠٧

جواز فسخ بناء على الكشف التعقبي......................................... ١١٧

حرمة تصرف الأصيل في ما انتقل إليه بناء على الكشف........................ ١٢٠

قياس المقام بالنذر المعلق على شرط لم يعلم تحققه ، والخدشة فيه........... ١٢٧ ـ ١٢٣

اختصاص حرمة تصرف الأصيل كما يعد ناقضا للعقد.......................... ١٢٧

الاستشهاد بكلام العلامة في حرمة المصاهرة بالنسبة إلى الزوج الأصيل............. ١٢٨

ثمرات اُخرى للقول بالكشف والنقل رتّبها الشيخ الأكبر كاشف الغطاء قدس سرهما ١٤٩ ـ ١٣٣

١ ـ سقوط أحد المتبايعين عن أهلية التملك................................. ١٣٣

٢ ـ خروج أحد العوضين عن قابلية التملك.................................. ١٣٥

٣ ـ تجدد القابلية........................................................ ١٣٦

٤ ـ فقد شرط العقد...................................................... ١٣٧

ما أفاده صاحب الجواهر والمصنف حول هذه الثمرات الأربع................... ١٣٨

٥ ـ ظهور الثمرة في تعلق الخيارات واحتساب مبدئها وحق الشفعة وغيرها........ ١٤٦

تنبيهات الإجازة...................................................... ٢١٧ ـ ١٥٠

التنبيه الأوّل : منشأ الخلاف في الكشف والنقل هو الشبهة في الحكم الشرعي لا المفهوم ومنصرف الطلاق ١٥٥ ـ ١٥٠

التنبيه الثاني : هل يعتبر اللفظ في الإجازة؟ أم يكفي الكناية والفعل......... ١٨١ ـ ١٥٥

اعتبار اللفظ عند جمع ونقل الاجماع عليه................................... ١٦٣

استشهاد المصنف بالنصوص وكلمات الفقهاء على كفاية الفعل الكاشف عن الرضا ١٧٦ ـ ١٦٦

تحقيق ما ورد في تزويج السكرى وإقامتها مع الزوج بعد الإفاقة................. ١٧١

اعتبار انشاء الإجازة وعدم كفاية نفس الرضا................................ ١٧٧

التنبيه الثالث : يعتبر في تأثير الإجازة عدم تخلل الرد بينها وبين العقد....... ١٩٤ ـ ١٨١

الاستدلال عليه بالاجماع وبعدم صدق المعاهدة وبقاعدة السلطنة............... ١٨٢

تحقيق المسألة........................................................... ١٨٦

ظهور صحيحة محمد بن قيس في نفوذ الإجازة بعد الرد....................... ١٩٢

التنبيه الرابع : الإجازة لا تورث........................................ ١٩٩ ـ ١٩٥

التنبيه الخامس : إجازة البيع ليست إجازة للقبض ولا للإقباض............. ٢٠٨ ـ ١٩٩

حكم ما لو وقع البيع على الكلي فقبض الفضولي ثم أجاز المالك.............. ٢٠٤

كلام شيخ الطائفة في استلزام إجازة بيع الغاصب لإجازة قبضه ، وتنظر العلامة فيه ٢٠٦

التنبيه السادس : الإجازة ليست على الفور............................. ٢١١ ـ ٢٠٨

التنبيه السابع : هل يعتبر مطابقة الإجازة للمجاز أم لا؟.................. ٢١٧ ـ ٢١٢

لو عقد الفضولي على الشرط فأجاز المالك مجردا عنه......................... ٢١٣


لو عقد الفضولي مجردا عن الشرط فأجاز المالك مشروطا ورضي به الأصيل...... ٢١٤

القول في المجيز ، ويبحث فيه عن اُمور............................... ٣٨٢ ـ ٢١٨

الأوّل : إعتبار كون المجيز جائز التصرف حال الإجازة........................... ٢١٨

الثاني : إشتراط وجود مجيز حين العقد ، وعدمه......................... ٢٦٣ ـ ٢٢٠

لو بيع مال اليتيم بغير مصلحة ، ثم أجاز الولي أو بلغ الطفل فأجاز............... ٢٢٢

قول العلامة بعدم الجواز ، والاستدلال له بوجهين............................... ٢٢٣

مناقشة المصنف في الوجهين................................................. ٢٢٦

البحث حول كلام العلامة من اعتبار المجيز حال العقد........................... ٢٣٢

الثالث : اعتبار كون المجيز جائز التصرف حال العقد ، وعدمه............ ٣٨٢ ـ ٢٣٧

تعدد صور المسألة بتعدد سبب المنع من التصرف............................... ٢٣٨

المسألة الأولى : لو لم يجز التصرف للحجر........................... ٢٤١ ـ ٢٣٩

المسألة الثانية : لو لم يجز التصرف لعدم الملك ، ويبحث عن مسألتين. ٣٤٥ ـ ٢٤٢

المسألة الأولى : لو باع شيئا ثم ملكه ، والأقوال فيها ثلاثة........................ ٢٤٤

قول شيخ الطائفة قدس سره في بيع الزكاة بالصحة والاستغناء عن الإجازة....... ٢٤٥

اشكال المحقق عليه ، وتوقف صحة البيع على الإجازة........................ ٢٤٦

قول المحقق الثاني وصاحبي المقابس والجواهر بالبطلان رأسا..................... ٢٤٩

مختار المصنف هو الصحة مع الإجازة....................................... ٢٥٠

استدلال صاحب المقابس بوجوه سبعة على البطلان...................... ٣٢٧ ـ ٢٥٢

الأوّل : أنه بيع مال الغير لنفسه ، والنظر فيه........................... ٢٥٤ ـ ٢٥٢

الثاني : عدم إجازة المالك حين العقد ، فيبطل ، والنظر فيه................ ٢٥٨ ـ ٢٥٥

الثالث : استحالة كشف الإجازة عن كون المبيع ملكا للمجيز حال العقد... ٢٦٨ ـ ٢٥٨

منع اعتبار الكشف بهذا المعنى ، وكفاية الكشف عن الصحة من حين التملك...... ٢٦٠

الرابع : ترتب محذور اجتماع مالكين في زمان واحد على مال واحد......... ٢٧٢ ـ ٢٦٨

منع الوجه المزبور بايرادات ثلاثة........................................ ٢٨٤ ـ ٢٧٤

الخامس : ترتب لوازم فاسدة على صحة بيع من باع ثم ملك............... ٢٨٩ ـ ٢٨٦

منع ترتب ما ذكر بالتصرف في ما يراد بالكشف............................... ٢٨٩

السادس : امتناع أن يجيز المالك الأول البيع الفضولي بعد إخراج المال عن ملكه ٣٠٠ ـ ٢٩٠

عدم كون بيع المالك الأصلي فسخا لبيع الفضولي............................... ٢٩٤

الفرق بين بيع المالك ماله للفضولي وبين إنشاء فسخ البيع الفضولي................ ٢٩٥

الفرق بين الرجوع عن العقد الجائز وبين فعل ما ينافي البيع الفضولي............... ٢٩٨

السابع : الأخبار المستفيضة الناهية عن بيع ما ليس ملكا للبائع........... ٣٠٨ ـ ٣٠١

منع الاستدلال بالأخبار بكون المنهي عنه البيع المنجز لا المنوط بالإجازة........... ٣١٠

ما أفاده صاحب المقابس في الذب عن دلالة الاخبار على المدعى ، والنظر فيه..... ٣١٤


الخدشة في دلالة الأخبار بمنافاتها للتسالم على صحة بيع الكلي ، ومنعها........... ٣٢٤

تأييد بطلان بيع «من باع ثم ملك» برواية الطائي............................... ٣٢٨

مختار المصنف وفاء الأخبار بمنع البيع المزبور لو باع لنفسه ثم تملك................ ٣٢٩

دعوى العلامة للاجماع على بطلان البيع المزبور................................. ٣٣١

فروع أربعة ترتبط بالمسألة.................................................... ٣٣٢

مسألة : لو باع ملك الغير فتملكه ولم يجز ، فالظاهر البطلان.................... ٣٣٧

ما أفاده فخر الدين وغيره من الصحة والاستغناء عن الإجازة..................... ٣٤٠

تضعيف القول المزبور بالرجوع إلى حكم الخاص لا إلى العام...................... ٣٤١

المسألة الثالثة : لو باع معتقدا لعدم جواز التصرف فبان جوازه ، والصور أربع ٣٨٢ ـ ٣٤٦

الأولى : لو باع عن الملك ، فانكشف كونه وليا................................ ٣٤٨

كلام القاضي في معاملة العبد المأذون غير العالم بالإذن ، وإشكال العلامة عليه.... ٣٤٩

الثانية : لو باع لنفسه فانكشف كونه وليا..................................... ٣٥٢

الثالثة : أن يبيع عن المالك ، فانكشف كونه مالكا............................. ٣٥٤

صحته عند المشهور ، واحتمال جمع بطلانه ، لوجوه ثلاثة........................ ٣٥٥

منع الوجوه المذكورة......................................................... ٣٥٧

تقوية القول بالصحة والوقوف على الإجازة.................................... ٣٦٤

لو قال الغاصب : هذا عبدي أعتقه عنك ، بطل............................... ٣٧١

بيع الفضولي متزلزل حدوثا ، لا بقاء ، بخلاف مورد الخيار....................... ٣٧٥

ما أفاده صاحب المقابس والجواهر من ثبوت الخيار.............................. ٣٧٦

الرابعة : أن يبيع لنفسه باعتقاد أنه لغيره ، فبان أنه له........................... ٣٨١

القول في المجاز ، وفيه اُمور......................................... ٤٤٤ ـ ٣٨٣

الأوّل : إعتبار كون العقد جامعاً للشروط..................................... ٣٨٣

لو كان الشرط مما يعتبر حصوله حين ترتب الأثر لم يعتبر تحققه حال العقد......... ٣٨٧

هل يعتبر بقاء شروط العوضين إلى زمان الإجازة؟ أم لا.......................... ٣٩١

الثاني : هل يعتبر علم المجيز بالمجاز تفصيلا؟ أم لا........................ ٣٩٨ ـ ٣٩٢

الثالث : حكم العقود المترتبة على العوض أو المعوض..................... ٤٤٤ ـ ٣٩٩

توضيح صور المسألة ، وهي اثنتا عشر صورة............................ ٤٠٥ ـ ٤٠٠

المثال الجامع لتمام صور المسألة............................................... ٤٠٦

حكم إجازة العقد الفضولي الواقع على نفس مال المالك بناء على الكشف......... ٤٠٩

حكم المسألة بناء على النقل................................................. ٤١٠

حكم العقود الواقعة على عوض مال المجيز..................................... ٤١١

كلام فخر المحققين في استلزام إجازة العقد على المبيع لصحة ما بعده ، بخلاف الثمن ٤١٦

إشكال جمع على صحة العقود المترتبة لو علم المشتري بالغصب........... ٤٣٧ ـ ٤١٩


التفصيل في ورود الاشكال بين الكشف والنقل................................. ٤٣٧

احكام الرّد.......................................................... ٦٠٠ ـ ٤٤٥

أ : ما يتحقق به الرّد ، انشاء الفسخ بالقول والفعل...................... ٤٧٠ ـ ٤٤٥

التصرف غير المخرج عن الملك ، والمنافي لتملك المشتري من حين العقد............ ٤٤٧

التصرف غير المنافي لتملك المشتري من حين العقد.............................. ٤٥٣

حكم التصرف غير المنافي لو وقع في حال عدم الالتفات إلى بيع الفضولي.......... ٤٥٩

فسخ العقد الجائز ذاتا أو بالخيار منحصر بالانشاء قولا أو فعلا................... ٤٦٧

ب : حكم المالك مع المشتري لو لم يجز بيع ماله فضولا......................... ٤٧١

ج : حكم المشتري مع الفضولي ، وفيه مسألتان................................ ٤٧٥

المسألة الأولى : المشتري الجاهل يرجع بالثمن الفضولي لو كان باقيا........... ٤٧٦

لو كان الثمن تالفا فالمعروف عدم الرجوع ، للتسليط............................ ٤٨٢

الضمان يستند إلى قاعدة اليد أو الاقدام على الضمان.......................... ٤٨٥

منع جريان قاعدة اليد في موارد الاستيمان المالكي ونحوه.......................... ٤٨٦

منع جريان قاعدة الاقدام في المقام............................................ ٤٩٠

توجيه الاستدلال بقاعدة «ما يضمن بصحيحه» بناء على كلام صاحب الجواهر قدس سره...... ٥٠٣

توجيه الاستدلال بالقاعدة بتقريب آخر....................................... ٥٠٥

غموض مستند المشهور في مسألتنا............................................ ٥٠٦

ضمان المرتشي للرشوة التالغة................................................. ٥٠٧

كلام الشهيد قدس سره في عدم الضمان في الاجارة بلااُجرة..................... ٥٠٧

تأييد الضمان هنا بما ورد من كون ثمن الكلب سحتا............................ ٥٠٨

جواز الرجوع إلى البائع الفضول لو قبض الثمن وفاء بالعقد...................... ٥١١

جواز الرجوع إلى البائع لو اشترط المشتري رجوعه بالثمن......................... ٥١٣

المسألة الثانية : حكم ما يغترمه المشتري غير الثمن............................ ٥١٤

عدم رجوع المشتري العالم بفضولية البائع في شيءٍ من الغرامات................... ٥١٦

١ ـ رجوع المشتري الجاهل بما إغترمه بازاه ما لم ينتفع به.......................... ٥١٦

الاستدلال عليه بقاعدة الغرور ونفي الضرر ورواية جميل.......................... ٥١٨

استدلال صاحب الحدائق على عدم الضمان بروايتي زريق وزرارة................... ٥٢٣

منع دلالة الروايتين على عدم ضمان ما غرمه بإزاء المنفعة......................... ٥٢٨

٢ ـ رجوع المشتري الجاهل بالغرامة في قبال المنافع المستوفاة................. ٥٥٥ ـ ٥٣١

الاستدلال على الرجوع بقاعدة الغرور......................................... ٥٣٣

تأييد الضمان بقاعدة نفي الضرر............................................. ٥٣٤

الإشكال على صاحب الرياض في منع الاستدلال بقاعدة الغرور.................. ٥٣٥

إشكال صاحب الجواهر على صاحب الرياض ، والتأمل فيه...................... ٥٣٧


استدلال صاحب الجواهر على الضمان بقوة السبب على المباشر ، والنظر فيه...... ٥٣٨

تحقيق موارد الضمان بالتسبيب............................................... ٥٤٤

الاستدلال على الضمان بما ورد في ضمان شاهد الزور.......................... ٥٤٧

تمامية الاستدلال بقاعدة الغرور في المقام....................................... ٥٤٨

دلالة رواية جميل في شراء الجارية المسروقة على ضمان المنفعة...................... ٥٥٢

٣ ـ ضمان ما يغترمه المشتري في قبال العين من زيادة الثمن....................... ٥٥٦

ما قيل في وجه عدم الرجوع ، ورده بوجهين.............................. ٥٦٠ ـ ٥٥٧

الرجوع في الزيادة المتجددة بعد العقد أولى مما حصل في مقابلة النفع............... ٥٦١

٤ ـ ما يغرمه المشتري بإزاء الجزء التالف........................................ ٥٦٣

مورد الغرامات الأربع المتقدمة صحة البيع من غير جهة الفضولية.................. ٥٦٥

اختصاص رجوع المشتري على البائع في ما يستقر الضمان على البائع............. ٥٦٧

كيفية ضمان ذمم متعددة بمال واحد لو تلف عند أحدهم....................... ٥٦٩

التنظير لضمان جماعة لمال واحد بموارد أربعة.................................... ٥٧٢

تحقيق المسألة....................................................... ٥٨٤ ـ ٥٧٧

حكم الأيادي المتعاقبة بعضها مع بعض....................................... ٥٨٥

ما أفاده صاحب الجواهر في رجوع السابق على من تلف عنده المال............... ٥٨٩

نقد كلامه بوجوه خمسة............................................... ٥٩٥ ـ ٥٩١

لو بقيت العين وتمكن المالك من استردادها فهل يجب بذل المؤونة أم لا؟........... ٥٩٦

حكم ما إذا تغيرت العين.................................................... ٥٩٩

مسألة : لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه........................ ٦٢٦ ـ ٦٠١

ما يمكن كونه وجها للبطلان بالنسبة إلى ما بيع مال نفسه ، والخدشة فيه........... ٦٠٢

تضافر نقل الاجماع على الصحة............................................. ٦٠٣

ثبوت الخيار لو لم يجز المالك الآخر........................................... ٦٠٥

تقييد الصحة في كلام صاحب الجواهر بما لم يستلزم مانعا شرعيا.................. ٦٠٧

كيفية تقسيط الثمن في القيمي بطريقين....................................... ٦٠٨

الأول : ما ورد في الارشاد................................................... ٦١٠

الثاني : ما ورد في الشرائع والقواعد واللمعة..................................... ٦١١

احتمال أوّل الطريق الثاني الى الأوّل ، والتأمل فيه............................... ٦١١

النقض بما لو كان لوصف الاجتماع دخل في زيادة القيمة أو نقصانها.............. ٦١٧

عدم وقوع بعض الثمن بإزاء ما عدا وصف الصحة............................. ٦٢٢

عدم الفرق في المسألة بين كون المال واحدا بين المالكين أو متعددا................. ٦٢٣

تقسيط الثمن في المثلي...................................................... ٦٢٤

الفهرست................................................................. ٦٢٧

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ٥

المؤلف:
الصفحات: 632