
بسم الله الرحمن
الرحيم
السلام
عليك يا وارث آدم صفوة الله.
____________________________________
الحمد لله الذي جعل زيارة الحسين (ع)
وسيلة إلي رحمته للعباد ، وزاداً لهم في المعاد ، والصلوة علي جدّه المصطفي ،
وأبيه المرتضي وأخيه المجتبي ، وأمّه الزهراء وذريته الأئمّة الإمجاد ، واللعنة
علي أعدائهم ، وأعداء شيعتهم ، من الآن إلي يوم الميعاد.
أمّا بعد : فيقول العبد الواثق بالله
ابن علي مدد حبيب الله : ان هذا شرح وجيز علّقته علي الزيارة المعروفة بزيارة
الوارث ، مع تراكم العوائق والحوادث وهجوم الهموم والكوارب والغموم والمصائب ،
راجياً من الله أن يكشف عنّي الضر ، فأنّه المأمول لكل عسر ويسر وهو أرحم
الراحمين.
السلام
عليك يا وارث آدم صفوة الله.
قد علم اولوا الالباب ان السلام تحية
الإسلام ، وإنّ التسليم مطيّة التعظيم والتكريم ، وقد ورد عن النبي (ص) إنّه قال :
إبدؤا بالسلام قبل الكلام ، فمن بدء بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه اه. وعن علي
(ع) قال لا تغضبوا ولا تغضبوا أفشوا السلام وأطيبوا الكلام وصلوا بالليل والناس
نيام تدخلوا الجنة بسلام اه. وعن الباقر (ع) قال : إنّ الله يحب
____________________________________
إفشاء السلام اه. وعن
الصادق (ع) قال البادي بالسلام أولي بالله ورسوله اه إلي غير ذلك ممّا لا يحصي.
فان قال قائل : أو ليس حيوة المسلّم عليه وحضوره وقربه شروطاً لصحة التسليم ، فما
معناه في هذه الزيارات؟ قلت : بلي والكل متحقق بالنسبة إلي آل الله المعصومين ،
فإنّهم احباء عند ربّهم في بساط القرب وعرش القدس يرزقون بموائد العلم والمعرفة
فيطعمون بألوان اطعمة الروحانيين ، ويسقون من كأس المقربين ، يرون مقام شيعتهم ،
وبسمعون كلامهم ، ويردون سلامهم كما في الزيارة الرضوية (ع).
ويدل عليه من العقل براهين ساطعة ، ومن
النقل أخبار كثيرة لائحة يطول المختصر بذكرها ، وقد كفاك شاهدا علي هذا ما في
الزيارة الجامعة «ورضيكم خلفاء في أرضه وحججاً علي بريته إلي قوله وشهدآء علي خلقه
واعلاماً لعباده ومناراً في بلاده» وكذا مافيها ايضاً «أنتم السبيل الاعظم والصراط
الأقوم وشهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء والرحمة الموصولة والآية المخزونة
الخ».
وكذا ما في حديث النورانية يا سلمان ان
ميتنا إذا مات لم يمت ومقتولنا إذا قتل لم يقتل وغائبنا إذا غاب لم يغب ولا نلد
ولا نولد ولا في البطون ولا يقاس بنا أحد من الناس الخ. وما ورد من التسليم علي
أهل القبول ممّا يرفع الإستبعاد المذكور فإنّ المخاطب به هو أرواحهم الباقية
ونفوسهم الناطقة التي خلقت للبقاء دون أجسادهم البالية التي يعرضها التلاشي
والفناء ، فإذا صح التسليم علي من هذا حاله
____________________________________
فكيف ينكر صحّته
بالنسبة إلي المعصومين الذين لا يفني أرواحهم ، ولا يبلي أجسادهم المصونة عند عرش
الله العظيم فان كل شيء هالك الا وجهه ، وقد ورد تفسيره بهم (ع) فهم الباقون بعد
فناء الأشياء ، فكل من عليها فان ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
وروي في البصائر بسنده عن الباقر (ع)
قال : فال رسول الله (ص) لأصحابه : حيوتي خير لكم تحدثون ونحدث لكم ومماتي خير لكم
تعرض علي أعمالكم ، فان رأيت حسناً جميلاً حمدت الله علي ذلك ، وإن رأيت غير ذلك
استغفرت الله لكم اه. وكيف كان فعلي الزائر ان يذعن بحيوتهم (ع) وحضورهم وأحاطة
علمهم بأحوال شيعتهم ، وأطوارهم وحركاتهم وسكناتهم وجميع تنقلاتهم فليراع الأدب
عند زيارتهم ، وليكن بين يديهم خاشعاً خاضعاً ضارعاً مسكيناً مستكيناً كالعبد
الذليل الواقف بين يدي مولاه الجليل ، كيف وهم موالي الخلق والخلق كلهم عبيد لهم
عبيد الطاعة كما في بعض الأخبار ، بل عبيد الرق كما عن بعض الأخيار بقي الكلام في
مواضع ثلثه :
الأوّل : في تفسير السلام فقد إختلفت
فيه الأعلام علي وحوه :
منها إنّه مأخوذ من سلم من الآفات سلامة
أي سلمت من المكاره والآفات ، وإليه يرجع ما قيل من إنّه دعاء بالسلامة لصاحبه من
آفات الدنيا وعذاب الآخرة وضعه الشارع موضع التحية والبشري بالسلامة وكذا ما قيل
من إنّه من السلامة من الاذي كما في قوله «فسلام لك من أصحاب اليمين» اي لا يؤذونك
ما يؤذيك غيرهم وأنت خبير بأنّ هذا
____________________________________
المعني لا يناسب
المقام الا ان يتكلف بجعله دعاء لشيعته ومحبيه.
ومنها : إنّه مأخوذ من السلام الذي هو
إسم من أسماء الله كما قال السلام المؤمن ، وقال : لهم دار السلام اي دار الله علي
أحد الوجهين سمي به لسلامته وتنزهه عن نقائص الإمكان ، أو لأنّ افعاله صواب وسداد
لا يعتريها القصان ، أو لأنّه مسلم ومؤمن لكل من التجأ إلي مابه من مكاره الحدثان
، وحافظ علي كل من توجه إلي جنابه بوسيلة الإيمان فالمعني : الله عليك اي حافظ
لأسرارك المستسرة ، وعلومك المكنونة المخزونة من ان ينالها ايدي الجهلة أو عاصم لك
من الرجس والسهو والخطاء ، ومن كل ما يكره من المعائب والنقائص ، وقد يقال أنّ
المراد إسم السلام عليك اي إسم الله عليك فأن أريد به ما ذكر والا فلا معني له
ولذا حملوا قول الشاعر إسم السلام عليكما علي الزيادة وربما يتكلف لتصحيحه بما لا
حاجة إليه.
ومنها : إنّه من السلم وهو الصلح كما
قال وإن جنحوا للسلم ، وقال إنّي سلمٌ لمن سالمكم وحربٌ لمن حاربكم اي مسالم ،
فهذه الكلمة للائذان بالمسالمة وترك المحاربة ، وقد كانوا يؤمنون بها من يخاف شرهم
ومكيدتهم.
ومنها : إنّه من التسليم فهو أمّا بشري
له بما بشره الله به من السلطنة الكاملة والغلبة علي الأعداء في زمان الرجعة ، أو
ايذان بأنّه مسلم ومفوض له جميع أموره مطيع له في جميع أو أمره ونواهيه ، ومؤمن
بسرّه وعلانيته ، كما في الزيارة الجامعة : مؤمن بسرّكم وعلانيتكم
____________________________________
وشاهدكم وغائبكم
وأوّلكم وآخركم ومفوض في ذلك كلّه إليكم ومسلم فيه معكم وقلبي لكم مسلم ورأيي لكم
تببع ونصرتي لكم معدة حتّي يحيي الله تعالي دينه بكم ويردكم في أيّامه ويظهركم
لعدله ويمكنكم في أرضه فمعكم معكم لامع عدوكم الخ
ويؤيد الأوّل ما روي عن داود بن كثير
الرقي قال : قلت : ما معني السلام علي الله وعلي رسوله (ص) فقالإنّ الله لمّا خلق
نبيه ووصيه وابنيه وابنته وجميع الأئمّة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق ، وإن
يصبروا ويصاببروا وإن يتقوا اللله ، ووعدهم ان يسلم لهم الأرض المباركة والحرم
الأمن ، وإن ينزل لهم البيت المعمور ويظهر لهم السقف المرفوع وينجيهم من عدوهم
والأرض التي يبدلها من دار السلم ويسلم مافيها لهم ولا شبهة فيها ولا خصومة فيها
لعدوهم وان يكون لهم فيها ما يحبون وأخذ رسول الله (ص) علي الأئمّة وشيعتهم
الميثاق بذلك وإنّما عليه ان يذكره نفس الميثاق بذلك وإنّما عليه ان يذكره نفس
الميثاق وتجديد له علي الله لعلّه ان يعجله ويعجل المسلم لهم بجميع ما فيه اه.
ويؤيد الثاني ما في جملة من التفاسير من
ان المراد بقوله : «ويسلموا تسليما» في قوله : «فلا وربك لا يؤمنون حتّي يحكموك
فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلموا تسليما» هو السلام
عليك أيّها النبي (ص). قال الطريحي واستصوبه بعض الأفاضل لقضية العطف ولأنّه
المتبادر إلي الفهم عرفا اه. وروي الكاهلي عن الصادق (ع) إنّه تلاهذه الآية فقال :
لو ان قوما عبدوا الله ووحدوه
____________________________________
ثمّ قالوا لشيء صنعه
رسول الله (ص) لو صنع كذا كذا ووجدوا ذلك في أنفسهم كانوا بذلك مشركين ثمّ قال :
«فلا وربك لايؤمنون» الخ قال هو التسليم في الأمور اه. وعنه (ع) في قول الله تعالي
: «إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا» قال : هم الأئمّة ، ويجري فيمن
أستقام من شيعتنا وسلم لأمرنا ، وكتم حديثنا عند عدونا الخ اه. وعن الباقر (ع) قال
قد أفلح المسلمون ، إنّ المسلمين هم النجباء. وعنه (ع) إنّ الإمام هاد مهدي لا
يدخله الله في عماء ولا يحمله علي هنة ليس للناس النظر في أمره ولا التبختر عليه
وإنّما أمروا بالتسليم اه. وأخبار التسليم لآل محمد (ص) كثيرة.
وئمنها إنّ هذه الجملة قد صارت حقيقة
عرفية في إنشاء الثناء والتمجيد نظير جملتي الصلوة والتحميد فيجري فيها ما ذكروه
في الحمد لله من الأصل ، والعدول عنه إلي الجملة الإسمية للدلالة علي الدوام وغير
ذلك من الإحتمالات في اللام وتفصيل الكلام لا يليق بالمقام.
الموضع الثاني
في تفسير كونه (ع)
وارثاً للأنبياء والأوصياء
فاعلم إنّ الوارث هو الذي يبقي بعد موت
آخر مع استحقاقه لتركته بقيامة مقامه ، ونزوله في منزلته فكأنّه هو وسمّي تعالي
بالوارث لأنّه باق بعد فناء الأشياء ، ولأنّه يرث الأرض ومن عليها هو خير الوارثين
والمؤمنون هم الوارثون لأنّهم يرثون منازل الكفار في الجنّة ، اولانهم
____________________________________
يمكنون في الأرض في
زمان الرجعة كما قال ان الأرض يرثها عبادي الصالحون ، وفي الدعاء واجعلهما اي
السمع والبصر الوارثين منّي اي ابقهما صحيحين إلي زمان الموت بعد ضعف جميع اعضائي
، وكونه (ع) وارثاً للأنبياء كسائر الأئمّة النقباء ممّا لاريب فيه ، والأخبار
والزيارات مشحونة بذلك كما لا يخفي علي المتتبع فيها.
وروي عن الصادق (ع) إنّه قال : إنّ
العلماء ورثه الأنبياء وذلك إنّ الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنّما
ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها أخذ بحظ وافراه. وقد فسر العلماء في
بعض الأخبار بأئمتنا الأبرار (ع) ولا ينافي ذلك ما روي عنه (ص) إنّه قال نحن معاشر
الأنبياء لانوّرث اي لانبقي الميراث لأحد أو لايرث أحد منا ، لضعفه أو لا بروايته
من غير طرقنا ، ومخالفته للآيات القرآنية والأخبار الكثيرة وقد وضعوا هذا الخبر
ليحرموا فاطمة (ع) عن ميراث النبي (ص) ، ومحاجة علي (ع) معهم في ذلك معروفة ،
وتأويله ثانياً بأنّ المراد عدم توريث متاع الدنيا بشأن النبوة لاقتضائه توريث
العلوم والمعارف خاصة وهذا لاينافي توريثهم أيّاه بشأن البشرية ، فأنّ لكل من
الشأنين خواص ليست للاخر. هذا مع ان الغرض اثبات الوارثية في الجملة ، وهو ممّا لم
ينكره احد. وأمّا معني كونهم (ع) ورثه للأنبياء فيحتمل وجوها :
منها : إنّهم ورثوا ما أعطاهم (ع) من
العلوم والمعارف والأسرار فعلموها كما علموها ، فإنّ العلم لا يموت بموت العالم ،
بل يصير إلي عالم آخر ، وقد قال الباقر (ع) : إنّ علياً (ع) عالم هذه الأمّة ،
والعلم
____________________________________
يتوارث ، ولا يهلك
أحد منّا الا ترك من أهله من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله اه. رواه في الجزؤ
الثالث من البصائر في باب أنّ العلماء يرثون العلم بعضهم من بعض.
وروي أيضاً في باب «إنّ الأئمّة (ع)
ورثوا علم آدم (ع) وجميع العلماء» بسنده عن الفضل بن يسار قال : سمعت أبا عبد الله
(ع) يقول إنّ العم الذي هبط مع آدم لم يرفع ، وإنّ العلم يتوارث وما يموت منّا
عالم حتّي يخلفه من أهله من يعلم علمه أو ما شاء الله اه. وبسنده عن أبي جعفر (ع)
قال : كانت في علي (ع) سنة ألف نبي (ص) ، وقال : إنّ العلم الذي نزل مع آدم لم
يرفع ، وما فات عالم فذهب علمه ، وإنّ العلم ليتوارث ، وإنّ الأرض لا يبقي بغير
عالم اه.
وبسنده عنه (ع) أيضاً قال : يمصّون
الصماء ويدعون النهر العظيم قيل له ومن النهار العظيم؟ قال : رسول الله (ص) والعلم
الذي أتاه الله. إنّ الله جمع لمحمد (ص) سنن النبيين (ص) من آدم هلّم جرا إلي محمد
(ص) قيل له وما تلك السنن قال علم النبيين (ص) بأسره وإنّ الله جمع لمحمد (ص) علم
النبيين بأسره ، وإنّ رسول الله صيّر ذلك كلّه عند أمير المؤمنين (ع) فقال له
الرجل : يابن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أو بعض النبيين (ص) فقال (ع) : اسمعوا
ما يقول ، إنّ الله يفتح مسامع من يشاء ، إنّي حدثت إنّ الله جمع لمحمد (ص) علم
النبيين ، وإنّه جعل ذلك كلّه عند أمير المؤمنين (ع) وهو يسألني هو أعلك أم بعض
النبيين (ص) اه.
وبسنده أيضاً عن أبي الحسن الأوّل (ع)
قال قلت له جعلت فداك
____________________________________
النبي (ص) ورث علم
النبيين (ص) كلّهم (ع) قال لي : نعم قلت : من لدن آدم إلي أن إنتهي إلي نفسه (ع)
قال : نعم قلت : ورئهم النبوة وما كان في آبائهم من النبوّة والعلم قال ما بعث
الله إلّا وقد كان محمد (ص) أعلم منه قال : قلت : إنّ عيسي بن مريم كان يحيي
الموتي بإذن الله قال صدقت ، وسليمان بن داود كان يفهم كلام الطير قال : وكان رسول
الله (ص) يقدر علي هذه المنازل إلي أن قال فقد ورثنا نحن هذا القرآن فعندنا ما
يقطع به الجبال ويقطع به البلدان ويحيي به الموتي بإذن الله ونحن نعرف ماتحت
الهواء إلي أن قال الله يقول «ومامن غائبه في السماء والأرض إلّا في كتاب مبين»
ثمّ قال : «ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا» فنحن الذين اصطفانا الله ،
فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كلشييء اه.
وروي أيضاً في باب إنّ الأئمّة ورثوا
علم أولي العزم من الرسل وجميع الأنبياء ، وإنّهم امناء الله في أرضه وعندهم علم
البلايا والمنايا وانساب العرب.
وبسنده عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال
كتب أبو الحسن الرضا (ع) رسالة وأقرأنيها قال قال علي بن الحسين (ع) : إنّ محمداً
(ص) كان أمين الله في أرضه فلمّا قبض محمد (ص) كنّا أهل البيت ورثته ونحن أمناء
الله في أرضه ، عندنا علم البلايا والمنايا وانساب العرب ومولد الإسلام وانا لنعرف
الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق إلي أن قال نحن ورثة الأنبياء ونحن
ورثة اولي العزم من الرسل الخ.
____________________________________
وبسنده عن الباقر (ع) قال : قال رسول
الله (ص) : ان اوّل وصي كان علي وجه الأرض هبة الله بن آدم وما من نبي مضي الا وله
وصي ، كان عدد جميع الأنبياء ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نببي ، خمسة منهم أولوا
العزم : نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد (ص) وان علي بن أبي طالب هبة الله لمحمد
(ص) ورث علم الأوصياء وعلم من كان قبله أمّا ان محمداً ورث علم من كان قبله من
الأنبياء والمرسلين الخ اه ، والأخبار بهذه المثابة لاتحصي كثرة.
ومنها أنّهم (ع) اتصفوا بما اتصف به
الأنبياء السابقون من الصفات المحمودة ، والأخلاق الفاضلة ، والسمات الكاملة من
الشرف والمجد والنجدة والكرامة والسخاوة والشجاعة والحلم والرحمة والعطوفة وغير
ذلك من المناصب العالية التي بلغوا بها أعلي المدارج ، ووصلوا بها إلي اسني
المعارج فصاروا بها مظاهر أسماء الله الحسني ومرايا صفاته العليا فكأنّهم هم فمن
نظر إليهم فكأنمّا نظر إليهم (ع). وقد أشار إلي ذلك النبي (ص) فط حديث الأعرابي
والضبّ بقوله (ص) يا عبد الله من أراد أن ينظر إلي آدم في جلالته وإلي شيث في
حكمته وإلي إدريس في نباهته ومهابته ، وإلي نوح في شكره لربّه وعبادته ، وإلي
إبراهيم في وفائه وخلته ، وإلي موسي في بغض كل عدولله ومابزته ، وإلي عيسي في حب
كل مؤمن ومعاشرته ، فلينظر إلي علي بن أبي طالب هذا الخ اه.
وفي حديث المفضل وسيدنا القائم (ع) مسند
ظهره بالكعبة ويقول : يا معشر الخلايق الا ومن أراد أن ينظر إلي آدم وشيث فها أنا
آدم وشيث
____________________________________
ألا ومن أراد أن ينظر
إلي نوح وسام فها أنا ذا نوح وسام ، ألا ومن أراد أن شنظر إلي إبراهيم وإسمعيل فها
أنا ذا إبراهيم وإسمعيل ، ألا ومن أراد أن ينظر إلي موسي ويوشع فها أنا ذا موسي
ويوشع ، ألا ومن أراد أن ينظر إلي عيسي وشمعون فها أنا ذا عيسي وشمعون ، ألا ومن
أراد أن ينظر إلي محمد وأمير المؤمنين فها أنا محمد وأمير المؤمنين ألا ومن أراد
أن ينظر إلي الحسن والحسين فها أنا ذا الحسن والحسين آلا ومن أراد أن ينظر إلي
الأئمّة من ولد الحسين فها أنا ذا الأئمّة الخ.
وهو طويل وهذا أحد الوجوه التي يحمل عليها
ما ورد في بعض خطب أمير المؤمنين (ع) من قوله أنا آدم الأوّل أنا نوح الأوّل ، أنا
محم ومحمد أنا ، ونحو ذلك ، وهذه الأخبار وأن أفادت الإختصاص بعلي (ع) الا إنّه لا
فرق بينه وبين سائر الأئمّة المعصومين (ع) ، فقد روي عبد الرحمن ابن كثير عن
الصادق (ع) قال : «الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان الحقنا بهم ذرياتهم وما
التناهم من عملهم من شيء» قال الذين آمنوا النبي وأمير المؤمنين (ع) والذرية
الأئمّة الأوصياء الحقنا بهم ، ولم تنقص ريتهم من الجهة التي جاء محمد (ص) وعلي
(ع) ، وحجتهم واحدة وطاعتهم واحدة الخ. وعن أبي الحسن (ع) قال : نحن في العلم
والشجاعة سواء ، وفي العطايا علي قدر ما نؤمر اه.
ومنها : إنّ الروح الأعظم القدسي الذي
كان قد تجلّي في هياكل السابقين فقدروا به علي خرق العادات واظهار المعجزات من
إحياء الأموات وإشفاء المرضي ونحو ذلك قد إنتقل إلي هياكل محمد وآله
____________________________________
فظهرت منهم الآيات
الباهرات والمعجزات الظاهرات بل التجليات السابقة كانت بالصورة والظل وما كان في
هذه الهياكل الشريفة إنّما هو بالحقيقة والأصل فلذا كانت قدرتهم علي الأمور
العجيبة أشد وأقوي ، وعلمهم بما كان وما يكون أكثر وأجلي بل الصادر عن السابقين
رشحة من رشحات جودهم ، كما أنّ وجودهم رشحة من رشحات وجودهم ، وإلي هذا المقام
أشار علي (ع) في بعض خطبه بقوله : أنا رافع إدريس مكاناً علياً ، أنا منطق عيسي في
المهد صبياً ، وقوله : أنا جاوزت موسي في البحر ، واغرقت فرعون وجنودوه ، أنا أعلم
هماهم البهائم ، ومنطق الطير ، أنا الذي أجوز السموات السبع والأرضين السبع في
طرفة عين ، أنا المتكلم علي لسان عيسي في المهد صبياً ، أنا الذي يصلي عيسي خلفي ،
أنا الذي ينقلب في الصور كيف يشاء الله ، وقوله : أنا الخضر معلم موسي ، أنا معلم
داود وسليمان ، أنا ذو القرنين ، أنا تكلمت علي لسان عيسي في المهد ، أنا نوح ،
أنا إبراهيم ، أنا صاحب الناقة أنا صاحب الرجفة ، أنا صاحب الزلزلة ، أنا اللوح
المحفوظ ، الي إنتهي علم مافيه ، أنا أنقلب في الصور كيف ماشاء الله ، من رآهم فقد
رآني ، ومن رآني فقد رآهم ونحن في الحقيقة نور الله الذي لا يزول ولا يتغير الخ
اه.
ومنها : ان عندهم ما كان عند الأنبياء
من الآلات والأدوات المختصّة بهم التي خصهم الله بها دون سائر خلقه مثل عصا موسي
وعمامة هرون وخاتم سليمان والتابوت وغير ذلك ممّا ورد في الأخبار ، فقد روي عن
____________________________________
سعيد السلمان قال :
كنت عند الصادق (ع) إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له أفيكم إمام مفترض
الطاعة؟ قال : لا ، فقالا له (ع) : أخبرنا عنك الثقات انك تفتي وتقر وتقول به
ونسميهم لك فلان وفلان وهم أصل ورع وتشمير وهم ممّن لا يكذب فغضب (ع) وقال ما
أمرتهم بهذا فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا فقال (ع) لي أتعرف هذين؟ قلت : نعم هما
من أهل سوقنا ، وهما من الزيدية وهما يزعمان ان سيف رسول الله (ص) عند عبد الله بن
الحسن فقال كذبا لعنهما الله ، والله مارآه عبد الله بن الحسين (ع) فإن كانا
صادقين فما علامة في مقبضه وما اثر في موضع مضربه ، وإن عندي لسيف رسول الله ، وإن
عندي لراية رسول الله ودرعه ولامته ومغفره ، فإن كانا صادقين فما علامة في درع
رسول الله (ص) ، وإن عندي لراية رسول الله المغلبة ، وإن عندي الواح موسي وعصاه ،
وإن عندي خاتم سليمان بن داود ، وإن عندي الطست كان موسي يقرب بها القربان ، وإن
عندي الإسم الأعظم الذي كان رسول الله (ص) إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم تصل
من المشركين إلي المسلمين نشابة ، وأن عندي لمثل الذي جائت به الملائكة ومثل
السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل في اي أهل بيت وجد
التابوت علي أبوابهم أوتوا النبوة ، ومن صار إليه السلاح منّا أوتي الإمامة ، ولقد
لبس أبي درع رسول الله فخطت علي خطيطا ، ولبستها أنا فكانت وكانت وقائمنا من إذا
لبسها ملائها
____________________________________
إنشاء الله اه.
فالمراد إن آل محمّد (ص) يرثون أمثال
هذه المتروكات المعبّر عنها في بعض الأخبار بالآثار وبمخيراث النبوة ، فقد روي عن
الباقر (ع) قال : لمّا قضي رسول الله (ص) نبوته ، واستكملت أيّامه أوحي الله إليه
يا محمّد قد قضيت نبوتك ، واستكملت أيّامك ، فاجعل العم الذي عندك والآثار والإسم الأكبر
وميراث العلم وآثار النبوة في أهل بيتك عند علي ابن أبي طالب ، فذنّي لم اقطع علم
النبوة من العقب من ذريتك كما لم اقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين
أبيك آدم (ع) اه.
وقد روي صاحب البصائر في الجزؤ الرابع
منه في باب ماعند الأئمّة (ع) من سلاح رسول الله وآيات الأنبياء مثل عصا موسي
وخاتم سليمان والطشت والتابوت والألواح وقميص آدم جملة وافرة من الروايات توضح هذا
المعني.
ومنها : ان من شأن الأئمّة الإرشاد
والإبلاغ والإنذار ، ووجوب طاعتهم علي الناس كما كان ذلك شأن الأنبياء ، وهذا معني
كون العلماء أيضاً ورثة لهم ، قال الصادق (ع) الفضل لمحمد (ص) وهو المقدم علي
الخلق جميعاً لا يتقدمه أحد وعلي (ع) المقدم بعهد والمتقدم بين يدي علي (ع)
كالمتقدم بين يدي رسول الله (ص) وكذلك يجري للأئمّة من بعده واحداً بعد واحد جعلهم
الله أركان الأرض ان تميد بأهلها ورابطة علي سبيل هداه لا يهتدي هاد من ضلالة
الأبهم ولا يضل خارج من هدي الا بتقصير عن حقهم وامناء الله علي ما أهبط الله من
علم أو عذر أو نذر وشهدائه
____________________________________
علي خلقه والحجة
البالغة علي من في الأرض جري لآخرهم من الله مثل الذي أوجب لأوّلهم فمن إهتدي
بسبيلهم وسلم الأمر لهم فقد إستمسك بحبل الله المتين وعروة الله الوثقي الخ اه ولا
يخفي ان حمل الميراث المستفاد من هذه الفقرات علي جميع ما كان للهم (ع) من الخصائص
سوي مرتبة النبوة اولي من حمله علي خصوص بعض المراتب كما يشهد له كثير من الأخبار
الواردة في هذا المضمار.
ألا تري إلي ما رواه المفضل الجعفي عن
الصادق (ع) قال : سمعته يقول أتدري ما كان قميص يوسف قال قلت : لا ، قال إنّ
إبراهيم لمّا أوقد له النار أتاه جرئيل بثوب من ثياب الجنة فالبسه أيّاه فلم يضرّه
معه حر ولا برد ، فلمّا حضر إبراهيم الوفاة جعله في تميمة وعلّقها علي إسحق ،
وعلّقها إسحق علي يعقوب ، فلمّا ولد يوسف علّقها عليه ، وكان في عضده حتّي كان من
أمره ما كان فلمّا أخرج يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه فهو قوله : «إنّي
لاجد ريح يوسف لولا ان تفندون» فهو القميص الذي أنزل من الجنّة قلت جعللت فداك
فالي من صار ذلك القميص فقال إلي أهله ثم قال : كل نبي ورث علما أو غيره فقد إنتهي
إلي محمّد (ص) وأهل بيته اه كيف عمّم في آخره ولم يفرق فيه بين العلم وغيره.
____________________________________
الموضع الثالث
في تفسيره صفوة الله
فاعلم إنّ هذا اللفظ محتمل لكونه وصفاً
لآدم (ع) وبدلا وعطف بيان له ولا يرد علي الأوّل جموده أمّا علي القول ببجواز
الوصف بالجامد مطلقا فظاهر ، وأمّا علي القول الآخر فلتأويله إلي الصفي وهو مشتق
والعدول عنه إليه إنّما هو للمبالغة كما في زيد عدل ، فالمجاز في الكلمة ولكن
التحقيق إنّ هذا لتصحيح اللفظ بمعني إنّه لو كان الكلام قد جيء به علي ظاهره من
دون أن يقصد به المبالغة لكان حقه ان يؤل إلي المشتق وكذا تأويلهم نحوزيد عدل بذو
عدول وبذلك صرح بعض أهل البيان
علي ما حكي عنه في بيت الخنساء تصف الناقة «فإنّما هي إقبال وإدبار» قال لم ترد
بالإقبال والإدبار غير معناها حتّي يكون المجاز في الكلمة وإنّما المجاز في ان
جعلتها لكثرة ما تقبل وتدبر كأنّها تجسمت من الإقبال والإدبار الخ اه وحاله إنّ
المجاز في أمثال ذلك عقلي لكونه في الأسناد ، وكيف كان فصفوة الشيء بتثليت الحر
كات علي الصاد خالصه وخلاصته كالصفو إلّا إنّه بالفتح خاصة وصفوة الله خيرة الله
اي مصطفاه ومختاره من خلقه ، وفي بعض الأخبار سمي الصفا صفا لأنّ المصطفي آدم (ع)
هبط عليه فقطع للجبل إسم من أسماء آدم ، وهبطت حواء علي المروة فسمين مروة لأنّ
المرأة هبط عليه ، فقطع للجبل إسم من أسماء المرأة
__________________
____________________________________
اه ، يقال صفا الماء
إذا خلص من الكدر ، والدليل علي كون آدم (ع) صفي الله ومصطفاه مضافاً إلي ماذكر
قوله تعالي : «إنّ الله أصطفي آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين ذرية
بعضها من بعض والله سميع عليم اه» وإنّما لقب (ع) بالصفوة مع عدم الإختصاص لكونه
أوّل الأصفياء من الأنبياء كما أنّه لقب محمد (ص) بالمصطفي لكونه خاتم الأصفياء
بحسب الظاهر والا فجميع الأنبياء أصفياء الله حيث خلقهم الله من طينة صافية طيبة
فكرمهم علي سائر الخلق واختارهم من خلقه.
قال علي (ع) فاغترف جل جلاله من الماء
العذب الفرات غرفة بيمينه وكلتا يديه يمين فصلصلها فجمدت وقال الله : منك أخلق
النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والأئمّة المهديين الدعاة إلي الجنة وأتباعهم
إلي يوم القيمة ، ولا أسئل عمّا أفعل وهم يسئلون الخ اه. وإنّما صار آدم (ع) صفي
الله لأنّه تعالي جعل هيكله الشريف مظهراً لأنوار محمد وآله ولذا أمر ملائكته
بالسجود له تعظيماً وإكراماً لهذه الأنوار كما دل عليه جملة وافرة من الأخبار فقد
روي عن النبي (ص) إنّه قل يا عباد الله إنّ آدم لمّا رأي النور ساطعاً من صلبه إذ
كان الله قد نقل أشباحنا من ذرورة العرش إلي ظهره رأي النور ولم يتبين الأشباح
فقال : يارب ماهذه الأنوار فقال أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلي ظهرك
ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح الخ اه.
فإن قيل ترك الإنتهاء ينافي مقام
الأصطفاء وقد قال : «وعصي آدم ربّه فغوي» قلنا : قد أجابوا عن ذلك بوجوه كثيرة لا
يليق بهذا المختصر
السلام
عليم يا وارث نوح نبي الله.
____________________________________
وفي بعضها إنّ النهي
كان من النواهي التنزيهية ، فعدم الإنتهاء لا ينافي العصمة ، علي إنّه روي عن
الرضا (ع) إنّه قال : قال الله تعالي لهما : «لاتقربا هذه الشجرة» وإشار لهما إلي
شجرة الحنطة ولم يقل لهما ولا تاكلا من هذه الشجرة ولا ممّا كان من جنسها فلم
يقربا تلك الشجرة وإنّما أكلا من غير ها لمّا أن وسوس الشيطان إليهما ، ثمّ قال وكان
ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير أستحق به دخول النار ، وإنّما كان من
الصغار الموهوبية التي تجوز علي الأنبياء قبل نزول الوحي إليهم فلمّا أجتباه الله
وجعله نبياً وكان معصوماً لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال قال الله : «وعصي آدم ربّه
فغوي ثمّ أجتباه ربّه فتاب عليه وهدي» وقال «إنّ الله أصطفي آدم ونوحاً» الخ اه.
وروي أيضاً أنّ الله خلق آدم حجة في
أرضه وخليفة في بلاده لم يخلقه للجنة وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض
ليتم مقادير أمر الله فلمّا أهبط إلي الأرض وجعله حجة وخليقة عصم بقوله عزّوجل «إنّ
الله أصطفي آدم ونوحاً» الخ اه فتدبّر ولا تغفل. والتحقيق أن معاصي الأنبياء ليست
من قبيل المعاصي المتعارفة المعروفة بل هي من قبيل ما اشير إليه بقوله : حسنات
الأبرار سيئات المقربين ، وقد فصلنا هذا الأجمال وشرحنا هذا المقال في بعض رسائلنا
الشريفة.
السلام
عليك يا وارث نوح نبي الله.
وهو نوح بن لمك الملقّب بشيخ الأنبياء
وبنجي الله لأنّ الله نجاه
____________________________________
من الطوفان بما أمره
به من صنع السفينة كما قال : «وأوحينا إليه أن أصنع الفلك بأعيننا» وقصته معروفة
وهو أحد أولي العزم من الرسل ، وهم علي المشهور خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسي ،
وعيسي ، ومحمّد ، لأنّ كلا منهم أتي بعزم وشريعة ناسخة لشريعة من تقدمّه ، وعن بعض
أنّهم : نوح ، وإبراهيم ، وإسحق ، ويعقوب ، ويوسف ، وأيّوب. وقيل إنّهم جميع الرسل
لأنّهم كانوا أولي الجد والثبات والعزم علي إقامة أمر الله والصبر علي أذي أعداء
الله ، وقد تقدّم من الروايات ما يعيّن المشهور.
فإن قيل : فما الوجه في وصف نوح بكونه
نبي الله مع أن جميعهم كذلك قلنا لكونه أوّل أولي العزم من الرسل ولطول مكثه في
قومه يدعوهم إلي الهدي ودين الحق ، فقد مكث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً ،
ولذا لقب بشيخ الأنبياء ، وقصص اذي قومه ل ، وصبره علي أذاهم في المدة الطويلة
مشهورة ، ولأنّ الله لمّا أهلك الناس بالطوفان لم يبق علي وجه الأرض سواه وسوي
ولده ، فنشأ الناس منهم ، ولذا سمّي بآدم الثاني فهو عليه السلام أظهر آثار في
مرتبة النبوة من سائر الأنبياء
ثمّ النبي علي ما صرح به كثير هو
الإنسان المخبر عن الله بغير واسطة بشر ، سواء كان له شريعة ، أو لم يكن له ، مشتق
من النبأ وهو الخبر أو من النبوة والنباوة ، وهي الرفعة فهواهم مطلقاً من الرسول
لأنّه الإنسان المخبّر عن الله بغير واسطة أحد من البشر وله شريعة مبتدأة كآدم
عليه السلام ، أو ناسخة كموسي وعيسي ومحمّد (ص) ، وربّما يطلق
____________________________________
الرسول علي الملك
أيضاً ، فالفرق عموم وخصوص من وجه وربّما يفرق بينهما بوجوه آخر.
وفي بعض الكتب المستظهرية أنّ النبوة
طريق بين الله ونبيّه والرسالة طريق بين النبي وأمّته فالنبوة بمنزلته الغمام
والرسالة بمنزلة القطر ، والفائدة للتراب في المطر أمّا الغمام فعلّة المطر
والغمام إجتماع بخارات لطيفة متصاعدة ، والمطر تحليل تلك البخارات واستحالتها إلي
صورة المائية من صورة الهوائية ، وبتلك الإستحالة نازلة إلي جهة الاسفل والرسالة
مطر قطرات علي أرض الأرواح من غمام النبوة ينال النفوس فوائدها من الرسالة وهي
متولدة من النبوة إلي ان قال : فاعلم ان حقيقة النبوة إقبال العقل الأوّل الذي هو
الجوهر المبدع علي إنسان كامل الذات إقبالا كلياً حقيقياً بحيث يصير مباشراً في
ذاته فيتكلّم بلسانه ويري ببصره ويسمع بإذنه الخ اه.
وقد يقال إنّ النبوة هو كون الإنسان
خليفة لله بالخلافة المشار إليها بقوله : «إنّي جاعل في الأرض خليفة» وتلك الخلافة
الموروثة من آدم ماظهرت بكمال ذاتها وتمام صفاتها إلّا في خمسة مراتب والمراتب
التي ظهرت الخلافة الربانيّة فيها هم أشخاص أولي العزم من الرسل (ع) وتلك اللخلافة
يستحقها محمد (ص) بالإصالة بحسب الباطن كما يستحقها آدم (ع) كذلك بحسب الظاهر ولذا
قيل لآدم أنّه آدم الصورة ولمحمّد (ص) إنّه آدم الحقيقة فكما أن آدم الصورة أوّل
الإنسان كذلك آدم الحقيقة خاتم الأنبياء ، فنبوة محمد (ص) أصلية يتفرع عليها سائر
النبوات ،
السلام
عليك يا وارث إبراهيم خليل الله.
____________________________________
فلولاه ما ظهرت لنبي
(ص) نبوة أصلا فهو (ص) نبي الله حقيقة وأصالة وسائر الأنبياء نبوتهم من رشحات
نبوته قال : (ص) كنت نبياً وآدم بين الماء والطين. وهذا هو السر في بقاء شريعته
إلي يوم الدين بخلاف شرائع سائر المرسلين فإنّها منصرمة منقطعة بشريعة خاتم
النبيين (ص).
السلام
عليك يا وارث إبراهيم خليل الله.
هو إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن شاروخ
الملقّب بخليل الله وخليل الرحمن وأبي محمّد وأبي الأنبياء وأبي الضيفان ، وظاهر
القرآن يقتضي كون آزر أباه لكن العرب كثيراً ما يطلقون الأب علي العم ، وقد صرح
أهل التواريخ ان آزر كان عمّه (ع) وهذا هو الموافق لمذهب أهل الحق أن آباأ
الأنبياء لا يكونون إلّا موّحدين ، والخليل من الخلّة وهي بالضم المودة المتناهية
في الإخلاص والصداقة ، والدليل علي كونه علي السلام خليل الله : قوله : «واتّخذ
الله إبراهيم خليلا» أيّ نبياً مختصّاً به أو فقيراً محتاجً إليه ، أوعبداً مصطفي
له أو عبداً كثيرة الخلوص والمودة علي اختلاف ما قيل في تفسير الآية ، وفي بعض
الأخبار : إنّ الله إتّخذ إبراهيم عبداً قيل في تفسير الآية ، وفي بعض الأخبار :
إنّ الله إتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً ، ونبياً قبل أن يتخذه رسولا ،
ورسولا قبل أن يتخذه خليلا ، وخليلا قبل أن يتّخذه إماماً اه ، فلمّا جمع له هذه
الأشياءقال : «إنّي جاعلك للناس إماماً» اه ففيه دلالة علي أن الخلة مقام فوق مقام
الرسالة وحكاية إختبار جبرئيل له عليه السلام في أمر غنمه معروفة دالة علي كماله
في مقام محبة الله وغض النظر عمّا سواه ، ولا يخفي أنّ الخليل عليه السلام
السلام
عليك يا وارث موسي كليم الله ، السلام عليك يا وارث عيسي روح الله.
____________________________________
ما ألبسه الله تاج
الخلة إلّا لكونه من شيعة أمير المؤمنين (ع) كما قال : «وان من شيعته لإبراهيم»
وكفاه ذلك فخراً وشرفاً وقد أمر النبي (ص) بإتباع ملّته بقوله تعالي : «واتبع ملة
إبراهيم حنيفا» اي مستقيماً والسنن الباقية من ملّته في الشريعة المحمّدية (ص)
معروفة مشروحة في المبسوطات
السلام
عليك يا وارث موسي كليم الله.
هو موسي بن عمران بن قهاث بن ليوي بن
يعقوب بن إسحق بن إبراهيم (ع) الملقّب ببالكليم ، لأنّ الله ناجاه وكلمه من دون
واسطة كما قال : «وكلّم الله موسي تكليماً» ومعني كونه تعالي متكلّما أنّه موجد
وخالق للحروف المسموعة المنتظمة في بعض الأجسام كالشجرة ونحوها وعن الأشعرية أنّه
متكلّم بلسان وشفتين ، وفساده واضح لاستلزامه الجسمية الباطلة ، وعن بعضهم أنّ
الكلام صفة قديمة قائمة بالذات غير القدرة والعلم والأرادة ، وهو أيضاً باطل
لاستلزامه تعدد القدماء فالحق أن كلامه مخلوق حادث كسائر صفاته الفعليّة ، وتفصيل
الكلام في الكلام يطلب من علم الكلام وكتب الأعلام ، وفي بعض الأخباران الذي كلّم
موسي كان هو أمير المؤمنين (ع) ، وأن النور الذي تجلي عليه فخرّ صعقاً واندك به
الجبل هو من نوره ، أو نور شيعته من الملائكة الكروبيين وقال عليه السلام أنا ذلك
النور الذي أقتبس موسي منه الهدي أنا صاحب الصور الخ.
السلام
عليك يا وارث عيسي روح الله.
____________________________________
هذا هو عيسي بن مريم الملقّب من عند
الله بروح الله وكلمته ، والإضافة تشريفية ، كما في قولهم : ناقة الله ، وبيت الله
أي روح خلقه الله فشرّفه وكرّمه علي سائر الأرواح ، وقد روي عن الباقر عليه السلام
في قوله : «وروح منه» أنّه قال روح مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسي وعن الصادق
عليه السلام في قوله : «ونفخت فيه من روحي» إنّه قال إنّ الروح متحرّمة كالريح ،
وإنّما سمّي روحاً لأنّه أشتقّ إسمه من الريح وإنّما أخرجه علي لفظ الريح لأنّ
الروح مجانس للريح وإنّما أضافه إلي نفسه ، لأنّه أصطفاه علي سائر الأرواح كما قال
لبيت من البيوت : بيتي وقال لرسول من الرسل خليلي وأشباه ذلك وكل ذلك مخلوق مصنوع
محدّث اه ، والمراد بكونه عليه السلام روح الله أنّه مظهر الروح الشريفة التي
نفخها فيه ، أو أنّه مظهر آثار قدرة الله وعجيب صنعه ، لأنّ الصادق عليه السلام قد
أفسر الروح في قوله : «ونفخ فيه من روحه». بالقدرة قال أبو بصير في حديث عنه (ع)
قلت : ونفخ فيه من روحه؟ قال م قدرته اه.
ويحتمل أن يكون المراد كونه مظهراً
للروح الأعظم الذي كان يتجلّي في أنبيائه بصورته ، وفي محمّد وآله بحقيقته ، وإليه
الإشارة فيما رواه أبو أيّوب عن الصادق عليه السلام قال : سمعته يقول : «يسألونك
عن الروح قل الروح من أمر ربّي» قال : ملك أعظم من جبرئيل ومكائيل لم يكن مع أحد
ممّن مضي غير محمّد (ص) وهو مع الأئمّة ، وليس كلمّا طلب وجد اه. وقال الباقر عليه
السلام : إنّ الله خلق الأنبياء والأئمّة
السلام
عليك يا وارث محمّد حبيب الله.
____________________________________
علي خمسة أرواح : روح
القوة وروح الإيمان وروح الحيوة وروح الشهوة وروح القدس ، فروح القدس من الله ،
وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان فروح القدس لايلهو ولا يتغيّر ولا يلعب ، وبروح
القدس علموا يا جابر مادون العرش إلي ماتحت الثري اه.
وفي رواية أخري عن الصادق (ع) يا مفضل
إنّ الله جعل للنبي (ص) خمسة أرواح : روح الحيوة ، فيه دب ودرج ، وروح القوة فبه
نهض وجاهد وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتي النساء من الحلال ، وروح الإيمان فبه أمر
وعدل ، وروح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبي (ص) إنتقل روح القدس فصار في
الإمام ، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو ، والأربعة الأرواح تنام
وتلهو وتغفل وتسهو وروح القدس ثابت يري به ما في شرق الأرض وغربها وبرها وبحرها.
قلت : جعلت فداك يتناول الإمام ما بببغداد بيده؟ قال : نعم وما دون العرش اه.
السلام
عليك يا وارث محمد حبيب الله.
أقتصر من ذكر الأنبياء والمرسلين علي
هؤلاء الستة أمّا لكونهم بأجمعهم أولي العزم ما يراه بعضهم ، وإن كان المشهور عدم
عدّ آدم (ع) منهم لقوله تعالي : «ولم نجد له عزما» فأخرجه الله من عدادهم وأنت
خبير بأن الظاهر من الآية العزم علي المعصية ، لاعلي إقامة أمر الله فلا إبداع
البشر قد خلقهع علي صورته ، وجعله نسخة لملكه وملكوته
____________________________________
وانموزجاً للعالم
الأكبر وخمر طينته بيده أربعين صباحاً ، واسجد له ملائكته وعلمه الأسماء كلها إلي
غير ذلك من المزايا والفضائل التي يطول المختصر بذكرها فهؤلاء الستة جامعون لجميع
الكمالات الروحانية متصفون بجميع الصفات الربانية ، والباقون من فروعهم ورشحاتهم
ورعاياهم ، فهم (ع) أصول النبوة وأركان الرسالة والباقون فروعها واغصانها وأوراقها
، وان أشترك الكل في أصل النبوة كما قال : «لا نفرق بين أحد من رسله».
قال بعض العارفين : إعلم إنّ الأنبياء
في مرتبة النبوة وذروتها علي درجة واحدة ، غير أنّهم علي تفاوت في وقت قبولها ،
فمنهم من تنبّأ في منامه ومنهم من تنبّأ في يقظته ، وكلهم في النبوة سواء لأنّ
النبوة كمال علم حصل من وحي الله في نفس عبد كامل هو في وقته أعقل عصره ، وتلك
النبوة التي هي نور العقل الأوّل ضوء كلمة الله العليا ، خلقه من الله لجميع
الأنبياء ، ثمّ إنّ الأنبياء في مراتب الرسالة وكيفيات الرسالات وكميات المقالات
متفاوتة إذ لكل واحد منهم خاصية يميّز بها عن غيره كما كان الكلام لموسي ، والخلة
لإبراهيم والكلمة لعيسي والرؤية لمحمد (ص) وأعني بذلك إن كل واحد منهم إشتهر
بخاصية انضافت تلك الخاصية بذاته ، حتّي سمّي الناس له باسم تلك اخاصية كما قيل
موسي كليم الله وإبراهيم خليل الله ، وقد كان إبراهيم كليم الله كموسي وموسي خليل
الله كإبراهيم ، لكن صار الكلام لموسي خاصة ذاته وباقي المراتب نال بتبع الكلام ،
وكذا إبراهيم وسائر الأنبياء فكلهم في النبوة لقبول الوحي واستعداد النفوس لقبول
ضوء الوحي
____________________________________
في مرتبة واحدة ،
أمّا في الرسالة واختلاف الشريعة فكانوا بحسب الأوقات : لإنّ النبوة فوق الزمان
والمكان فما اختلفت في موضع ولا في وقت ، أمّا الرسالة فوقعت تحت الفلك لمصالح
الناس ، ولا شك إنّ الطباع والأمزجة واللغات مختلفة ، وهي متعلّقة بإختلاف الأوقات
والأزمان والأمكنة والقرون والمواضع والأقاليم ، فاختلفت الرسالة بحسب إختلافها ،
وإنّما اختلفت الرسالة ليختلف الشريعة ويختلف الكتب بإختلاف اللغات والإصطلاحات
الجارية بين الناس وكان لنوح (ع) في رسالته مرتبة ودرجة ودعوة ولغة بخلاف ما كانت
لإبراهيم وان كانا في النبوة سواء وكان نوح في عصره علي مزاج وطباع مع قوم لم يجد
منهم رشداً ولم يعلم فيهم خيراً فرأي هلاكهم خيراً من حيوتهم فدعا اللع ، وقال (ع)
: «لا تذر علي الأرض من الكافرين ديّاراً» وكان إبراهيم في عهد غلب اللطافة علي
طباع قومه وظهرت الالفة في مزاج أهل عصره فأمره بالتلطف والترأّف ، وقال إبراهيم :
حسّن خلقك ولو مع الكفّار ، وهكذا كان عهد موسي فإنّ الله أمره بالتلطف في الكلام
وتخفيف الدعوة مع فرعون ، وقال له ولأخيه : «إذهبا إلي فرعون إنّه طغي فقولا له
قولاً ليّناً لعله يتذكر أو يخشي» وكان رسول الله (ص) الضحوك القتال كان يضحك مع
قوم ويقتل لقوم كما رأي في مصالح رسالته ، وأراه الله في كمال نبوته وكان لله
أنبياء كثيرة بأشخاص معدودة بعدد معلوم ، فيقال كان مأة ألف وأربعة آلاف وعشرون
شخصاً نبيّاً من الأصناف المختلفة ، وكان أكثرهم في بني إسرائيل
____________________________________
فهذا المبلغ هم
الأنبياء وأختار منهم ثلثمأة وثلثة عشر للرسالة لأنّ النبوة نور مفرد والرسالة نور
مركب بإنعكاسه وللمركب فائدة لا توجد في الفرد وكان عدد الرسل أقل من عدد الأنبياء
لقلة إنعكاس نور النبوة في بعض الأشخاص ، فالشمس يقع ضوئها علي جميع المشفّفات
واللطائف ولا ينعكس عليها إلّا إذا وقعت علي التراب (فح) يظهر الشعاع بإنعكاس
ضوئها وإنكاسهامثل الرسالة وشروقها مثل النبوة ولا يكون النهار إلّا بالضوء
المنعكس الظاهر ، وكان لكل نبي قوة خاصة به من نور النبوة ، وكان لمل رسول نور
زائد علي النور النبوة من تكرار ضوء القدس فنور الأنبياء أكثر من نور المؤمنين ،
ونور الرسل أكثر من نور الأنبياء فإنّ للنبي (ص) نوراً واحداً وللرسول نورين نور
النبوة ونور الرسالة ، وقد عرفت إنّ نور النبوة من العقل ونور الرسالة من النفس
وإجتماع النورين لا يكون كنور واحد فنور علي نور هو إجتماع نور النبوة والرسالة ،
ولا شك أن إجتماع ثلثة أنوار أكثر من إجتماع نورين والأنوار الثلثة نور النبوة
ونور الرسالة نور الظهور ، وهو بمنزلة الوجود ، وهذه الأنوار الثلثة في اولي العزم
من الرسل فالرسل مختاره من اولي العزم واولوا العزم مختاره من الرسل ، وكلّما
أزداد نور الكمال قل حجاب العدد واولوا العزم أقل عدداً من الرسل ، والرسل أقل
عدداً من الأنبياء ، فالرسل ثلثمأة وثلث عشر واولوا العزم منهم ستة كما أخبر رسول
الله (ص) وقال : اولوا العزم منهم ستة : آدم ونوح ، وإبراهيم ، وموسي ، وعيسي ،
ومحمّد (ص) وفي تحقيق الكلام
____________________________________
لم يكن آدم من عدد
اولي العزم لأخراج الله له عن ذوي العزم فقال في حقّه : «فنسي ولم نجد له عزماً»
وإن لم يطلق هذا علي عزم المعاصي كان آدم في جملتهم وإنّ الرسول الذي هو ذو العزم
يعني به إنّه صاحب الدورة التامة ، وله الدائرة الكبري التي تشتمل علي الرسالة
والنبوة ، والكتاب والعزيمة والدعوة والمدة والأمة والشريعة والخليفة والدورة ،
وهي ألف سنة «وإن يوماً عند ربّك كألف سنة ممّا تعدون» فهذه الخصال والكمالات
العشرة إذا وجدت في شخص من الأنبياء فهو من أولي العزم ولم توجد إلّا في ستة أشخاص
منهم.
وفي رواية أخري في خمسة إلي آخر ما ذكره
وإنّما نقلناه بطوله لاشتماله علي فوائد جليلة لا تخفي علي المتأمّل فيه ، ولكن ما
ذكره من ان الأنبياء في مرتبة النبوة علي درجة واحدة يكشف عن ان إطلاق النبوة علي
جميع النبوات من باب إطلاق المتواطي علي أفراده ، وفيه نظر إذ النبوة هي طريق بين
النبي وبين الله ، ولا ريب ان الطرق إليه كثيرة متفاوتة ، فكيف يقال : بأنّ الطريق
واحدة وقد روي ان الطرق إلي الله بعدد أنفاس الخلايق ، أم كيف يتجريء المنصف علي
أن يقول : ان موسي مثلا مع محمّد (ص) في درجة واحدة في مقام النبوة مع إنّه قال :
لو أن موسي أدركني حياً ولم يؤمن بي لمّا نفعته نبوته شيئاً أو يقول إنّه (ص) مع
آدم (ع) في درجة واحدة مع قول وصيّه (ع) : إنّي وإن كنت ابن آدم صورة ولي فيه معني
شاهد بأبوتي كيف ولم ينل الأنبياء ما نالوا من المراتب إلّا بالإذعان لمحمّد وآله
قال والكليم ألبس حلّة الأصطفاء
____________________________________
لمّا عاهدنا منه
الوفاء الخ.
والأخبار الواردة من طرقنا الشاهدة علي
هذا المقصد متواترة معني كما لا يخفي ، فالحق إنّ هذا الإطلاق من باب الإطلاق
المشكك المتفاوت بالأولوية والأولية لأنّه (ص) كان نبياً وآدم بين الماء والطين
وكان أحفق بهذا المنصب من غيره لمّا تقدّم من أن تجلّي الروح الأعظم فيه كان
بالحقيقة وفي سائر الأنبياء بالظليّة بل الروح الأعظم في الحقيقة هو نفس الحقيقة
المحمّديّة فهذا من قبيل إطلاق الوجود علي الله تعالي وعلي سائر الموجودات وكذا ما
ذكره من ان الرؤية كانت لمحمّد (ص) فإنّه فاسد باطل قد دلّت البراهين العقلية
والأدلّة النقلية علي إستحالة الرؤية علي الله مطلقا. اللهم إلّا أن يراد بالرؤية
رؤية أكبر الآيات كما قال : «لقد رأي من آيات ربّه الكبري» وسئل الكاظم (ع) هل رأي
رسول الله ربّه؟ فقال نعم رآه بقلبه ، أمّا سمعت الله يقول : «ما كذب الفؤاد ما
رأي» لم يره بالبصر ولكن رآه بالفؤاد اه.
وكيف كان فإذا إجتمعت في مولانا سيد
الشهداء روح العالمين فداه كمالات هؤلاء الستة صدق إنّه جامع لجميع الكمالات
الناسوتية والملكوتية سوي النبوة فيخلفها فيه الولاية لأنّها في الإمام (ع) بمنزلة
النبوة في النبي (ص) والمراد بالحبيب أمّا المحب أو المحبوب أو كلاهما علي القول
بجواز إستعمال اللفظ الواحد في أكثر من معني واحد ، ولا ريب ان المحبية لله
مستلزمة للمحبوبية فمِن أحب الله أحبّه الله ، ومن أحبّه اللله أحب الله كما قال
(ص) : من أحبّ لقاء الله أحب
____________________________________
الله لقائه وقال : لا
يحب الله إلّا من أحبّه ، وقال الله يحبّهمخ ويحبّونه ، وأوحي الله إلي داود يا
داود أبلغ أهل أرضي إنّي لمن أحبني ، وجليس لمن جالسني ، ومؤنس لمن أنس بذكري ،
وصاحب لمن صاحبني ، ومختار لمن أختارني ومطيع لمن أطاعني ، ما أحبّني عبد أعلم ذلك
يقيناً من علمه إلّا قبلته لنفسي وأحببته حبّا لا يتقدّمه أحد من خلقي الخ اه.
وهذا المقام منتهي المقامات وفوق جميع
الكمالات يندرج تحته الصفوة والخلة وغيرهما من الدرجات ، ولذا قال (ص) آدم ومن
دونه تحت لوائي وقال : أنا سيد ولد آدم.
فاق النبيين في خلق وفي خلق ولم يدانوه
في حلم ولا كرم
وقد أحسن من قال كان (ص) أطيب الناس
ريحاً وأحسنهم خلقاً وأملحهم خلقاً ، وأعذبهم قولاً ، وألطفهم كلاماً ، وأصدقهم
فعلاً ، وأعدلهم مزاجاً ، وأحدّهم حسّاً ، وأدقّهم نظراً ، وأعلاهم درجة ، وأكملهم
عقلاً ،. أقواهم نفساً وأقربهم إلي الله ، وأجذبهم نوراً ، وأكثرهعم حبوراً كان
آدم (ع) ظل ذاته ونوح حامل راياته وإبراهيم حاكي صفاته وموسي نائب آياته وعيسي
مبشّر شرعه وإدريس منجم دينه وزكريا مؤذّن مسجده ويونس ساقي قومه قال (ص) : أنا
أملح ويوسف أحسن ، حمل النبوة في الأزل وقبل الرسالة عند الأوّل.
قمر منير دائم الأشراق
|
|
قامت عليه قيامة العشاق
|
بدرتمني الناظرون لوائه
|
|
ما بينهم يمشي علي الاحداق
|
____________________________________
وبالجمله هذا المقام فوق الإدراك وكفاك
شاهداً حديث «ل. لاك لما خلقت الأفلاك» وبيان حقيقة المحبة وعلاماتها ، وساير ما
يتعلّق بها لايسعه هذا المختصر ، ومن أراد الاطلاع علي ذلك كلّه فليطالع كتاب
إحياء العلوم للغزالي فلنقصر في المقام علي ما في كتاب مصباح الشريعة. قال الصادق
عليه السلام : حبّ الله إذا أضاء علي سر عبد اخلاه عن كل شاغل وكل ذكر سوي الله ،
والمحب أخلص الناس سراً لله ، وأصدقهم قولاً وأوفاهم عهداً وأزكيهم عملا ، وأصفاهم
ذكرا ، وأعبدهم نفساً تتباهي الملائكة عند مناجاته وتفتخر برؤيته وبه يعمر الله
بلاده ، وبكراماته يكرم عباده ، يعطيهم إذا سألوا بحقه ، ويدفع عنهم البلايا
برحمته فلو علم الخلق ما محله عند الله ومنزلته لديه ما تقربوا إلي الله إلّا
بتراتب قدميه.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام حبّ
الله نار الله ، لا تمر علي شييء الا احترق ، ونور الله لا يطلع علي شييء الا اضاء
، وسحاب الله ما ظهر من تحته شييء الاغطّاه ، وريح الله ينبت منها كلشييء ، فمن
أعطاه كلشيء من الملك والملكوت. قال النبي (ص) : إذا أحبّ الله عبداً من أمّتي قذف
في قلوب أصفيائه وأرواح ملائكته وسكان عرشه محبته ليحبوه ، فذلك المحب حقاً طوبي
له ثمّ طوبي له وله عند الله شفاعة يوم القيمة. وفيه أيضاً قال الصادق (ع) الحب في
الله محب الله والمحبوب في الله حبيب الله لأنّهما لا يتحابان إلّا في الله إلي أن
قال : وقال أمير المؤمنين (ع) : ان أطيب شييء في الجنة والذّه حبّ الله. والحب في
الله والحمد لله ،
السلام
عليك يا وارث أمير المؤمنين ولي الله.
____________________________________
قال الله : «وآخر
دعويهم ان الحمد لله ربّ العالمين» وذلك إنّهم إذا عاينوا ما في الجنّة من النعيم
هاجت المحبة في قلوبهم فينادون عند ذلك الحمد لله ربّ العالمين اه.
ولا بأس أيضاً بإيراد ما ذكره بعض
العارفين في المقام وهو ان إسم المحبّة وإن كان واحداً عند الإطلاق فهو يختلف
بتفاوت متعلّقة فمحبة الله لعبده تغاير محبة العبد لربّه وايضاح ذلك ان حقيقة محبة
الله لعبد إرادته لإنعام مخصوص يفيضه إلي ذلك العبد من تقريبه وازلافه من محال
الطهارة والقدس وقطع شواغله ، وتطهير باطنه عن كدورات الدنيا ورفع الحجاب عن قلبه
حتّي يشاهده كأنّه يراه فإرادته بأن يخص عبده بهذه الأحوال الشريفة هي محبته له
وأمّا محبة العبد لله فهو ميله إلي نيل هذا الكمال وإرادته درك هذه الفضائل.
السلام
عليك يا وارث أمير المؤمنين ولي الله.
هو علي بن أبي طالب المخصوص بهذا اللقب
، وفي بعض الأخبار هو إسم سمّاه الله به لم يسم به أحد قبله ، ولم يسم بعده ، وفي
بعضها : سلموا عليه (ع) بأمرة المؤمنين والأمرة بكسر الهمزة الولاية اي قولوا له :
السلام عليك يا أمير المؤمنين ، وفي بعضها سمّي به لأنّه (ع) يميرهم العلم اي يحمل
إليهم أقواتهم الروحانية من الميرة بالكسر ، وهو طعام يجلبه الإنسان من بلد إلي
آخر ، وأنت خبير بأن الأمير من أمر يأمر ، ويمي ر من مار فليس من الإشتقاق المشهور
ولكنه
____________________________________
من الاشتقاق الكبير.
قيل ولك أن تقول قصده ان تسميته بأمير
المؤمنين ليس لأجل أنّه مطاعهم بحسب الدنيا ، بل لأجل أنّه مطاعهم بحسب العلم ،
وفي هذا الإسم إشاة إلي أنّهم لا يكونون مؤمنين إلّا بولايته وطاعته ، وإنّه ركن
الإيمان كما قال : أنا صلوة المؤمنين وصيامهم وحجهم وزكوتهم ، فلا يدخل تحت لوائه
الفاسقون الفجرة ، والظالمون الكفرة ، فإن أمير هم هو إبليس وجنوده وأتباعه من
خلفاء الجور الذين نصبوا العداوة لعلي (ع) وأولاده المعصومين وشيعته المخلصين
وبيانه ان كل قوم يوجبون طاعة أميرهم فيما يأمرهم به ، وينهاهم عنه ، وعلي (ع) لا
يأمر إلّا بما أمر الله ، ولا ينهي إلّا عما نهي الله ، فكيف يكون أميراً للفسقة
ولم يوجبوا طاعته ولم يدخلوا تحت رأيته.
اللهم الا أن يقال : ان المؤمن هو المحب
له (ع) بقلبه المذعن بمقامه العارف بحقه ، وان كان فاسقاً بجوارحه فأن حب علي (ع)
حسنة لا يضر معها سيئه كما ان بغضه سيئة لا ينفع معها حسنة فلا يشترط في صدق الإسم
متابعته حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وإنّما يشترط هذا في الشيعة كما ذلّت علي
من الأخبار جملة كثيرة ولتحقيق هذا الكلام محل آخر.
والولي : أمّا من الولي وهو القرب فهو
ولي الله لكونه أقرب الخلق إلي الله بعد النبي (ص) وأمّا من الولاية بالفتح بمعني
المحبة فهو ولي الله لكونه محبّاً لله ومحبوباً له كما يدل عليه حديث الراية
____________________________________
والطير المشوي وغيرهما
أو بمعني النصرة فهو (ع) ولي الله لكونه ناصراً لدين الله بلسانه وسيفه أو منصوراً
من عنده بملائكته كما يشهد به مجاهداته في سبيل الله وغلباته علي أعداء الله ،
وأمّا من الولاية بالكسر بمعني الإمارة ، لكونه أمير المؤمنين (ع) أو بمعني
التولية والسلطنة كما في قوله : «هنالك الولاية لله» فهو ولي الله لكونه يتولي
تدبير أمور الخلق بعد النبي (ص) من قبل الله ورسوله كما قال : «إنّما وليكم الله
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون» فقد نزلت في
علي (ع) بإتّفاق الفريقين حين سأله سائل وهو في الركوع فأعطاه الخاتم ، وعن أبي ذر
أنّها نزلت بعد أن قال الرسول (ص) اللهم أشرح لي صدري ويسّر لي أمري وأجعل لي
وزيراً من أهلي علياً أخي أشدد به ظهري ، فهذه الآية من أوضح الأدلّة علي إمامة
علي (ع) بعد النبي (ص) بلافصل ، والله تعالي أيضاً ولي الذين آمنوا لأنّه ينصرهم
أو يتولّي أمورهم «فمن يتوكل لي الله فهو حسبه» وقد يقال إنّه من ولاه إذا وجهه
فهو ولي الله ، لأنّه وجهه إلي حهته التي خلق لها من مقامه من الله وررتبته في
الجنة ، أو جهات ما أراد منه من رفع الحجب عن قلبه حتّي يشاهد من ملكوت الله في
خلقه ما كتب له في ألواح قدره فتدبر. وقد يقال أيضاً ان الولي هو الحامل للواء
الحمد وهو لواء الولاية المطلقة العامة يعني إنّه (عج) خلق هذا الولي له خاصة وخلق
له جميع خلقه فلمّا خلقه أشهده خلق نفسه وأنهي إليه علمها فتأمّل.
وكيف كان فالولاية أن كانت ببمعني القرب
إلي الحق فالولي هو
____________________________________
العبد الذي قربه الله
إلي بساط ديمومته ، فعرّفه حقايق القدس ودقايق الأن وولّاه التدبير في أمور الملك
والملكوت ، وأوفقه علي مقامات الجبروت والناسوت فيتصرّف في العوالم الإمكانية بما
أراه ويدبّر الأمور بإذنه معرضاً عمّن سواه فالولاية (ح) بمنزلة النبوة لمّا عرفت
من إنّها طريق بين الله وبين نبيّه ، فإنّ الولاية أيضاً طريق بينه وبين وليّه وهي
خاصة ومطلقة فالاولي ما كان في محمد وآله (ص) لأنّ قربهم إلي الحق قرب خاص ،
لايشاركهم فيه أحد من الخلق كما قال في الزيارة الجامعة : آتاكم الله مالم يؤت
أحداً من العالمين وقال أيضاً فبلّغ الله بكم أشرف محل المكرمين وأعلي منازل
المقربين وأرفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يسبقه سابق
ولا يطمع في إدراكه طامع الخ.
والثانية ما كانت في سائر الأنبياء
والأولياء علي تفاوت مراتبهم في هذا المقام فالولاية الخاصة بهذا المعني أفضل من
الولاية المطلقة ، بل النبوة المطلقة المشتركة بين سائر الأنبياء ، وما قيل من أن
نهاية الأولياء بداية الأنبياء فهو في الولاية المطلقة والنبوة المطلقة ، إذ لا
يكون العبد نبياً حتي يكون ولياً ، ولكن ربّما يكون ولياً ، ولا يكون نبياً ،
فالنبوة بهذا المعني أشرف من الولاية بهذا المعني ضرورة أفضلية الجامع للنورين من
النور الواحد لاستلزام النبوة للولاية دون العكس.
ومن هنا ظهر أن نبوة نبينا (ص) الخاصة
أشرف من ولايته الخاصة بخلاف النبوة المطلقة فإنّ ولايته الخاصة أشرف منها وإليه
الإشارة
____________________________________
بقوله : «ولولا علي
لما خلقتك» اي ولولا مقام ولايتك الخاصة لما خلقتك فإنّ علياً (ع) كان مظهر تلك
الولاية فمحمّد (ص) من حيث جامعيته للنبوة والولاية أفضل من علي (ع) لكونه حاوياً
لمرتبة الولاية الخاصة خاصة. ويشهد لذلك ما روي عن الصادق (ع) إنّه قال : إنّ
جبرئيل أتي رسول الله (ص) برمّانتين فأكل رسول الله (ص) أحديهما وكسر الأخري
بنصفين فأكل نصفاً وأطعم علياً نصفاً ثمّ قال له رسول الله (ص) يا أخي هل تدري
ماهاتان الرمانتان؟ قال : لا ، قال : اما الأوّلي فالنبوة ليس لك فيها نصيب وأمّا
الأخري فالعلم فأنت شريكي فيه ، فقلت أصلحك الله ، كيف يكون شريكه فيه؟ قال : لم
يعلم الله محمّداً علماً إلّا وأمره أن يعلمه علياً (ع) اه.
وإن كانت بمعني التصرّف والتدبير فالولي
هو العبد الذي خصّه الله بالتولية والسلطنة علي عباده في أمورهم ، فإنّه مالك
الملك وسلطان السلاطين ، يؤتي الملك من يشاء ونزع الملك ممّن يشاء ويعز من يشاء
ويذل من يشاء بيده الملك وهو علي كلشيءٍ قدير ، فيكون بمعني الإمامة التي هي
الرياسة العامة فيكون بمنزلة الرسالة التي هي طريق بين الرسول وسائر الناس فهي أمّا
خاصة كالولايات الجزئية المتعلقة بناحية خاصة وصقع خاص أو عامة كالرياسات العامة
المتعلّقة بالملك والملكوت ولا ريب إنّ الولاية العامة بهذا المعني أشرف من
الولاية الخاصة بهذا المعني كما أنّ النبوة العامة المطلّقة ببعض المعاني أشرف من
النبوة الخاصة كذلك. والحاصل أنّ الولاية الكية والنبوة الكلّية أفضل من
السلام
عليك يابن محمّد المصطفي السلام عليك يابن علي المرتضي السلام عليك يابن فاطمة
الزهراء السلام عليك يابن خديجة الكبري.
____________________________________
الولاية الجزئيّة ،
والإصطلاحات في المقام مختلفة فلا مشاحة فيها.
السلام
عليك يابن محمّد المصطفي السلام عليك يابن علي المرتضي السلام عليك يابن فاطمة
الزهراء السلام عليك يابن خديجة الكبري.
لا خفاء في كون سيد الشهداء علي آلاف
التحيّة والثناء ابناً لأمير المؤمنين (ع) وفاطمة الزهراء عليهما السلام ظاهراً
وباطناً جسداً وروحاً علي الإطلاق الحقيقي ، وكذا لا خفاء في كونه عليه السلام
ابناً للرسول (ص) بحسب الحقيقة الروحانية والتربية النفس الأمرية ، كيف هو الوالد
الروحاني بالنسبة إلي جميع من أجاب دعوته من الأمّة كما قال : أنا وعلي أبوا هذه
الأمّة ، ومن هنا قال علي (ع) لمحمّد بن أبي بكر : إنّه إبني من صلب أبي بكر ،
وأخرج الله ابن نوح لمّا إعتزل عن أبيه من أهله فقال تعالي : «إنّه ليس من أهلك
إنّه عمل غير صالح».
وإنّما الكلام في ان اطلاق الابن علي
الولد حقيقة مطلقا أو مجاز كذلك ، أو يفرق ما بين ابن الأبن وابن البنت فالاول في
الاول ، والثاني في الثاني ، وكذا الكلام في ولد الولد هل هو ولد حقيقة أو لا وقد
تعرّضوا لهذا الخلاف في كتاب الخمس في إستحقاق من ينتسب
____________________________________
إلي عبد المطلب بالأم
وعدمه ، وفي كتاب الوقف فيما لو وقف علي أولاده هل يدخل فيهم أولاد البنين والبنات
أو لا ، واستدلّ من قال بأن هذا علي وجه الحقيقة بالإستعمال الشائع لغة وعرفاً كما
في قوله تعالي : يا بني آدم ، ويا بني إسرائيل و «يوصيكم الله في أولادكم» ، وقول
النبي (ص) لمّا بال الحسن (ع) في حجره : لا تزرموا ابني
وقوله (ص) له (ع) وللحسين (ع) إنّهما ابناي ، والأصل في الإستعمال الحقيقة
وبالإجماع علي تحريم حليلة ولد الولد مطلقاً المستند إلي قوله تعالي : «وحلادل
أبناكم» واستدلّ المتجوّز بأن المتبادر من الولد هو الولد بلا واسطة وبصحة السلب
والمفصّل بقول الشاعر :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
|
|
بنوهن أبناء الرجل الاباعد
|
وفي جميع أدلّة الجميع نظر ولكن روي أبو
الجارود عن الباقر (ع) قال : قال لي : يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن والحسين
(ع)؟ قلت : ينكرون علينا إنّهما أبنا رسول الله (ص) قال فبأيّ شيء احتججتم عليهم؟
قلت إحتججنا عليهم بقول الله في عيسي بن مريم : «ومن ذريته داود وسليمان» الخ فجعل
عيسي من ذرية إبراهيم قال : فأي شيء قالوا؟ قال : قلت : قالوا قد يكون ولد الابنة
من الود ولا يكون من الصلب قال فبأيّ شيء احتججتم عليهم؟ قال قلت احتججنا عليهم
بقول الله تعالي : «تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم» قال فأيّ شيء قالوا لكم؟ قلت :
قالوا : قد يكون في كلام العرب ابن رجل واحد فيقول أبنائنا
__________________
(١) زرمه اي قطعه.
____________________________________
وإنّما هو ابن واحد
فقال (ع) : والله يا أبا الجارود ان أعطيتم من كتاب الله مسمي لصلب رسول الله (ص)
لا يردها قال قلت جعلت فداك واين؟ قال : قال حيث قال الله : «حرمت عليكم أمّهاتكم
إلي قوله «وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم» فسئلهم يا أبا الجارود هل يحل لرسول
الله شيء من حليلتهما؟ فإن قالوا نعم فقد كذّبوا والله وفجروا وإن قالوا : لا ،
فهما والله أبناه لصلبه ، وما حرّمتعليه الا الصلب اه فتدبر.
وبالجملة ففي هذه الفقرات أشارة إلي
شرافته النسبية وأصالته ونجابته بحسب الآباء والأمّهات ، كما ان الفقرات السابقة
كانت أشارة إلي شرافته الذاتية وكمالاته المعنوية ومقاماته الروحانية والمرتضي من
ألقاب أمير المؤمنين مشتق من ارتضيته إذا اخترته كرضيته لأنّ الله أرتضاه من خلقه
لمقام الولاية الكلية فكان خاتم الأولياء كما كان المصطفي (ص) خاتم الأنبياء
فالمصطفي والمرتضي بحسب التفسير واحد كما كانا بحسب الحقيقة متحدين كما قال أنا
وعلي من نور واحد ، ويشهد به أيضاً ما في حديث النورانية ، والزهراء من ألقاب
فاطمة (ع) وقد وردت في وجه تسميتها بذلك أخبار ففي بعضها : أنّها إذا قامت في
محرابها زهر نورها إلي السماء ، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ، وفي بعضها : ان
الله خلقها من نور عظمته وفي بعضها : أنّه تعالي خلق نور فاطمة (ع) بعد أن أحاطت
الظلمة بالملائكة فرفعها به والحديث طويل.
وفيه ثم أظلمت المشارق والمغارب فشكت
الملائكة إلي الله أن يكشف عنهم تلك الظلمة فتكلّم الله بكلمة ، فخلق منها روحاً ،
ثمّ
السلام
علي يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور.
____________________________________
تكلّم بكلمة فخلق من
ذلك الروح نوراً فأضاف النور إلي تلك الروح وأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق
والمغارب فهي فاطمة الزهراء فلذلك سميت الزهراء الخ اه ، وورد في تسميتها بفاطمة
أنّها تفطم محبيها من النار ، وتفطم أعدائها من الجنة اي تقطع. وخديجة هذه أمّها
بنت خويلد بن أسد ، وهي أوّل من آمن بالله ورسوله من النساء تزوجها رسول الله (ص)
وهي بنت أربعين سنة وستة أشهر وكان (ص) حينئذ ابن إحدي وعشرين سنة وولدت منه زينب
وفاطمة ورقية وأم كلثوم والقاسم وزاد بعضهم الطيب والطاهر وماتت قبل الهجرة بسنة ،
وهي أفضل نساء أهل الجنة ، وقد وردت في فضلها أخبار كثيرة.
السلام
عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور.
الثأر بسكون الهمز ، ويجوز تخفيفه بقلبه
الفاء ، كالراس والفاس والكأس في الرأس والفأس والكأس ، وغير ذلك ممّا كان ما قبل
الهمز فيه مفتوحاً كما يقلب ياء في المكسور ، والواو في المضموم كالبير في البئر
والسور في السؤر. الذحل بالذال المعجمة والحاء المهملة الساكنة وقد تفتح : الحقد
والعداوة وبمعناه الثؤرة بالضم أيضاً قال الشاعر :
شفيت به نفسي وأدركت ثورتي
|
|
بني مالك هل كنت في ثورتي نكسا
|
يقال أدركت ثأره اي حقده بقتل قاتله
ويقال ثأرت القتيل بالقتيل إذا قلت قاتله ويقال ثأرتك بكذا اي أدركت به ثاري منك
ويقال اثّأرت من فلان اي أدركت ثاري منه ، وكثيراً ما يستعمل في طلب الثأر. والذحل
____________________________________
والوتر في المطالبة
بالدم والإنتقام من القاتل ، وفي بعض الدعوات : اللهم أطلب بذحلهم ووترهم ودمائهم.
قال الطريحي يقال طلب بذحله أي بثاره والذحل الثار ، وكذا الوتر بالفتح وكرر
للتأكيد اه ، والمراد بكونه ثار الله : إنّ الله هو الذي يطلب بثاره وينتقم من
أعدائه كما قال : «ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل» الخ
، فيكون إشارة إلي ما يعطي أوليائه في زمن الرجعة من القوة والسلطنة والغلبة علي
أعداء آل محمد (ص) فيقتلونهم من آخرهم بأشد قتلة وينكلون بهم بأشد تنكيل.
وفي مجمع البحرين ولعلّه مصحف من يا
ثائر الله وابن ثائره اه والثائر علي صيغة إسم الفاعل : هو الذي لا يبقي علي شيء
حتي يدرك ثاره ، فالمعني إنّه الذي يطلب ثاره بإذن الله فيكون ثائر الله. والوتر
عطف علي المنادي المضاف فيكون منصوباً ، وهو بالكسر الفرد ، وبالفتح الذحل والثار
علي لغة أهل العالية ، وأما أهل الحجاز فيفتحونه في الأوّل ، ويكسرونه في الثاني ،
وتميم يكسرونه في المعنيين.
والموتور هو الذي قتل له قتيل فلم يدرك
بدمه ، ويحتمل أن يكون بمعني المقطوع عن الأهل والإعوان ، الغريب عن الإوطان
والمعني إنّه الفريد الوحيد الذي لا ناصرله ولا معين ، القتيل الذي لم يدرك بثاره
أحد كما هو حقه ، وإنّما الطالب بثاره هو الله المنتقم فإنّه قتيل الله وابن قتله
كما في زيارته أيضاً : «السلام عليك يا حجة الله وابن حجته ، السلام عليك يا قتيل
الله وابن قتليه ، السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره ،
أشهد
أنّك قد أقمت الصلوة وآتيت الزكوة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله
ورسوله حتّي أتاك اليقين.
____________________________________
السلام عليك يا وتر
الموتور في السموات والأرض ، أشهد أن دمك سكن في الخلد إلي قوله : أشهد أنّك حجة
الله وابن حجته وأشهد أنّك قتيل الله وابن قتليه ، وأشهد أنّك ثار الله في الأرض
وابن ثاره ، وأشهد أنّك وتر الله الموتور في السموات والأرض ، وأشهد أنّك قد بغت
ونصحت» اه.
أشهد أنّك قد أقمت الصلوة وآتيت الزكوة
وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله ورسوله حتّي أتاك اليقين.
أشهد اي اقر بلساني مذعناً بصميم جناني
وفيه أشارة إلي كماله (ع) في مقام الخضوع والعبودية والخشوع والطاعة ، وبلوغه في
بساط العبادة منتهي الكمال ، ووصوله إلي مقام مرضات ربّه ذي الجلال ، فإنّ
العبودية شرف فاضل للعبد ، وأدب كامل للمخلوق ، بها ينال نهاية المقامات ويفوز
بأسني الكرامات كما قال : إنّ العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتّي كنت سمعه ، وبصره
ويده الخ ، وقال الصادق (ع) : العبودية جوهرة كنهها الربوبية ، فما فقد في
اللعبودية وجد في الربوبية ، وما خفي عن الربوبية أصيب في العبودية ، قال الله :
«سنزيهم آياتنا» الخ اي موجود في غيبتك وحضرتك وتفسير العبودية بذل الكلية ، وسبب
ذلك منع النفس عمّا تهوي ، وحملها علي ما تكره ، ومفتاح ذلك ترك الراحة وحب العزلة
وطريقة الافتقار إلي الله ، قال رسول الله صلي الله عليه وآله : أعبد الله
____________________________________
كأنّك تراه فأن لم
تكن تراه فأنّه يراك ، وحروف العبد ثلثة العين والباء والدال ، فالعين علمه بالله
، والباء بونه عمّن سواه ، والدال دنوه من الله بلا كيف ولاحجاب الخ (اه).
والمراد بإقامة الصلوة أدائها علي الوج
المأمور به من رعاية آدابها وشرايطها الظاهرية والباطنية من الخضوع والخشوع ،
والإقبال الملي بالقلب علي باب المعبود ، والتوجه الكامل إلي جناب الرب الودود ،
وقد صلي الحسين (ع) يوم عاشوراء بأصحابه صلوة باهي الله بها ملائكته المقربين ،
وقبل بشرافتها صلوة الأنبياء والمرسلين لانقطاعه (ح) عن التعلق بما سوي الحق وبذله
جميع ما كان له في سبيل الحق قائلا بلسان الحال بل القال :
تركت الناس طرّاً في هواكا
|
|
وايتمت العيال لكي أراكا
|
ولو قطّعتني أرباً فأرباً لما
|
|
حنّ الفؤاد إلي سواكا
|
ويحتمل أن يراد بإقامة الصلوة هو
الإقرار بولاية أمير المؤمنين (ع) كما أنّ المراد بإيتاء الزكوة يحتمل أن يكون هو
الإقرار بولاية سائر الأئمّة (ع) ويؤيد ذلك ما في حديث النورانية من قوله (ع) : يا
سلمان ويا جندب : ان معرفتي بالنورانية معرفة الله ، ومعرفة الله معرفتي ، وهو
الدين الخالص يقول الله : «وما أمروا ألا ليعبدوا الله» بالتوحيد ، وهو الإخلاص
وقوله : «حنيفاً» وهو الإقرار بنبوة محمد صلي الله عليه وآله وهو الذين الحنيف
قوله : «ويقيموا الصلوة» وهي ولايتي ، فمن والاني فقد أقام الصلوة ، وهو صعب
مستصعب «ويؤتوا الزكوة» وهو الإقرار بالأئمّة ، «وذلك الدين القيم» الخ (اه).
____________________________________
والأولي حمل الفقرة علي الظاهر والباطن
معاً فقد ورد عن جوده وكرمه وأعانته للفقراء ، ورعايته للضعفاء مواساته مع
المساكين سراً وعلانية ما هوا بين من الشمس ، واشهر من أن يذكر ، فقد حكي في مناقب
ابن الجوزي : إنّه قال عمر بن سعد : من يوطيء الخيل صدره؟ فأوطئوا الخيل صدره
وظهره ووجدوا في ظهره ووجدوا في ظهره آثاراً مسوداً فسألوا عنها فقيل كان ينقل
الطعام علي ظهره في الليل إلي مساكين أهل مدينة اه وفي كتاب مطالب السؤل إنّه (ع)
كان يكرم الضيف ويمنح الطالب ويصل الرحم وينيل الفقير ويسعف السائل ويكسو العاري
ويشبع الجائع ويعطي الغارم ويشد الضعيف ويشفق علي اليتيم ويعين ذا الحاجة وقل ان
وصله مال الا فرقه.
ونقل ان معوية لمّا قدم مكة وصله بمال
كثير وثياب وافرة وكسوة وافية فرد الجميع عليه ولم يقبله منه ، وهذه سجية الجواد
وشنشنة الكريم وسمة ذي السماحة وصفة من قد حوي مكارم الأخلاق ، فأفعاله المتلوة
شاهدة له بصفة الكرم ناطقة بأنّه متصف بمحاسن الشيم ، وقد كان في العبادة مقتدياً
بمن تقدم حتّي نقل عنه (ع) إنّه حج خمساً وعشرين حجة إلي الحرم وجنائبه تقاد معه
وهو ماش علي القدم اه.
والأمر بالمعروف هو المحل علي الطاعة
قولا أو فعلاً ، والنهي عن المنكر هو المنع عن المعاصي كذلك ، والمعروف هو الفعل
الحسن المشتمل علي وصف زائد علي حسنه سمي به لأنّ العقل يعرفه ويحسنه والمنكر هو
الفعل القبيح الذي عرف فاعله قبحه ، سمي به لأن العقل
فلعن
الله أمّةً قتلك ولعن الله أمّةً ظلمتك.
____________________________________
ينكره وينكر علي
فاعله ، والاإشكال في وجوبها شرعاً لورود الآيات والأخبار الكثيرة به ، وأن أختلف
في الكفائية والعينية وكذا في الوجوب العقلي فذهب جماعة إليه نظراً إلي أن ذلك لطف
وهو واجب وتفاصيل تلك المباحث يطلب من الفقه كشرائط الوجوب ، ويحتمل أن يراد
بالأمر بالمعروف دعوة الناس إلي محبة أمير المؤمنين (ع) وطريقته ومنهاجه وبالنهي
عن المنكر منعهم عن الضلالات التي دعا إليها خلفاء الجور من أبي بكر وعمر
وأحزابهما ، وربّما يفسر قوله : «إنّ الصلوة تنهي عن الفحشاء والمنكر» بأنّ علياً
(ع) ينهي عن طريقة أبي بكر وعمر ويؤيّده مطابقة عدد المنكر مع عمر والإطاعة هو
المتثال بالايتمار بالاوامر والإنتهاء عن النواهي.
واليقين هنا الموت كما في قوله تعالي :
«واعبد ربّك حتّي يأتيك اليقين» أقيم السبب مقام المسبّب فإن بالموت يزول الشك
ويحصل العلم بما أخبر به النبي صلي الله عليه وآله من أحوال النشأة الأخري وهذا
بالنسبة إلي عامة الناس وأمّا الخصيصون من العباد فهم علي يقين وعلم في جميع
أحوالهم فكأنّهم يعاينون الجنة والنار والصراط والميزان وسائر ما أخبربه الصادق
الأمين ، ومن هنا قال علي عليه السلام : «لو كشف الغطا لمّا أزددت يقيناً» وحمل
الصفوفية هذه الآية علي ظاهرها فزعموا أن لا تكليف علي أولياء الله فأنّهم بلغوا
معارج اليقين وفساد زعمهم ظاهر مستبين.
فلعن
الله أمّةً قتلك ولعن الله أمّةً ظلمتك
هذا تفريح علي جميع ، ما تقدم ، وفيه
إشارة إلي أن الجامع لهذه
____________________________________
الشرافات والكمالات
الداخلية والخارجية يستحق التعظيم والإطاعة ، لا القتل والإهانة ، والظالم له
مستحق للعن من الله ، وهو الطرد من رحمته والإبعاد عنها والأمّة الجماعة وفي تأنيث
الضمير الراجع إليها والعدول عن التعبير بفعل العقلاء لطيفة لا تخفي علي الأذكياء
، فأجراهم مجري السباع من الكلاب العادية والذئاب الضارية التي لا تفرق في اذاها
بين العالم والجاهل ، والصالح والطالح ، والبر والفجر والمؤمن والكافر ، بل هم أضل
وأقسي منها حيث لا تجتريء علي الأنبياء وذرياتهم لمّا حرّم الله عليها لحومهم
وهؤلاء قد هتكوا حرمة نبيهم بقتل بنيه وسبي ذراريه واساؤا الصنع فيهم بمالم يسبقهم
إليه أحد من الملل السابقة مع ما أكد النبي صلي الله عليه وآله في حقّهم من الوصية
بودادهم ومحبتهم ، حتّي جعل ذلك أجراً علي تعباته ومحنه في النبوة كما قال : «قل
لا أسألكم عليه أجراً الا المودة في القربي» فليت شعري ماذا كانوا يصنعون لو أمرهم
ببغض العترة ونصب العداوة لهم أو يمكنهم الزيادة علي ما صنعوا كلا ما قدروا علي
أزيد ممّا صدر عنهم من الظلم والطغيان ومعصية الرحمن
ولنعم ما قيل :
قد أبدلوا الودّ في القربي ببغضهم
|
|
كانما ودّ هم الذمر بغضاء
|
وقيل أيضاً
هم أهل بيت رسول الله جدّهم
|
|
أجر الرسالة عند الله ودّهم
|
هم الأئمّة دان العالمون لهم
|
|
حتّي أقر لهم بالفضل ضدهم
|
سعت أعاديهم في حط قدرهم
|
|
فازداد شاناً ومنه ازداد حقدهم
|
____________________________________
ونابذوهم علي علم ومعرفة
|
|
منهم بان رسول الله جدّهم
|
كأن قربهم من جدهم سبب
|
|
للعبد عنهم وان القرب بعدهم
|
لو أنّهم أمروا بالبغض ما صنعوا
|
|
فوق الذي صنعوا الوجّد جدّهم
|
ولا شك عند نا في جواز اللعن ، بل وجوبه
علي قتلة العترة الطاهرة وظلمتهم ، وقد دل عليه الكتاب والسنة المتواترة والإجماع
من الإمامية والعقل المستقيم والذوق السليم ، والعجب ممّن أنكر هذا الحكم مع وضوحه
وهم شرذمّة من مخالفينا فزعموا ان المسلم لا يجوز لعنه مطلقا ، وان يزيد واضرابه
من ظالمي آل محمّد صلي الله عليه وآله كانوا مسلمين ، وللغزالي قبل تشيعه في
المقام كلمات واهية يشمّ منها رائحة الكفر يستحيي القلم من تحريرها ، واللسان من
تقريرها ، فالاعراض عن ذكرها اولي ، وحكي ابن الجوزي عن جدّه عن القاضي أبي يعلي
بأسناده إلي صالح بن أحمد بن حنبل قال : قلت لأبي : ان قوماً ينسبوناً إلي توالي
يزيد ، فقال : يا بني وهل يتوالي يزيد أحد يؤمن بالله فقلت : فلم لا تلعنه ، فقال
: وما رأيتني لعنت شيئاً ، يا بنيّ! لم لا تلعن من لعنة الله في كتابه؟ فقلت :
وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقال : في قوله «فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في
الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فاصمهم وأعمي أبصارهم» اه ، وحكي
أيضاً عن أبي يعلي إنّ الممتنع من جواز لعن يزيد أمّا أن يكون غير عالم بذلك ، أو
منافقاً يريدان يوهم بذلك ، وربّمااستفز الجهال بقوله صلي الله عليه وآله : المؤمن
لا يكون لعّاناً ، وهذا محمول علي من لا يستحق اللعن اه.
____________________________________
وروي إنّه رجل للصادق عليه السلام يابن
رسول الله إنّي عاجزٌ ببدني عن نصرتكم ، ولست أملك الا البرائة من أعدائكم واللعن
عليهم فكيف حالي؟ فقال له (ع) : حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن رسول الله قال من
ضعف عن نصرتنا أهل البيت ، ولعن في خلواته أعدائنتا بلّغ الله صوته جميع الأملاك
من الثري إلي العرش ، فكلّما لعن هذا الرجل أعدائنا لعناً ساعدوه فلعنوا من يلعه ،
ثمّ ثنوه فقالوا : اللهم صلي علي عبدك هذا الذي قد بذل ما في وسعه ، ولو قدر علي
أكثر منه لفعل ، فإذا النداء من قبل الله قد أجبت دعائكم وسمعت تدائكم وصليت علي
روحه في الأرواح وجعلته عندي من المصطفين الأخيار اه.
ثمّ هذا اللعن لا يختصّ بمن صدر عنه
القتل والظلم فعلا بل يجري في كل من هيأ أسباب ذلك وأسّس أساس الظلم والجور من
أوّل الأمر ، وهم الغاصبون لحق علي (ع) في يوم سقيفة ، ولذا وردانه المقتول يوم
الإثنين ، وبيانه : إنّهم طرحوا في أراضي قلوب الجاهلين بذور الكفر والنفاق ،
واثبتوا فيها عروق أشجار الضلالة والشقاق ، فأثمرت المعاداة لأهل بيت النبوة
والإعراض عن منهجهم وطريقتهم السنية ، فصنعوا ما صنعوا فظلموا حقّ العترة «وسيعلم
الذين ظلموا أيّ منقلبٌ ينقلبون» فلعن الله أمّة أسّست أساس الظلم والجور عليكم
أهل البيت ، ولعن الله أمّة دفعتكم عن مقامكم ، وأزالتكم عن مراتبكم التي رتّبكم
الله فيها ولعن الله أمّة قتلتكم ، ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم.
ولعن
الله أمّة سمعت بذلك فرضيت به.
____________________________________
وفي الكلام تصريح بمار صار من الضروريات
من كونه عليه السلام مقتولا فلا يلتفت إلي مازعمه بعض الملاحدة من أنّه لم يقتل
ولكنّه شبّه به كما شبّه بعيسي (ع) وفي العيون أن جميع الأئمّة الأحد عشر بعد
النبي صلي الله عليه وآله قتلوا منهم بالسيف ، وهو أمير المؤمنين والحسين (ع)
والباقون قتلوا بالسم قتل كل واحد منهم طاغوت زمانه ، وجري ذلك عليهم علي الحقيقة
والصحة لا كما تقوله الغلاة والمفوضة ـ لعنهم الله ـ فإنّهم يقولون إنّهم لم
يقتلوا علي الحقيقة وإنّه شبّه علي الناس أمرهم ، فكذبوا ـ عليهم غضب الله ـ فإنّه
ما شبّه امر احد من أنبياء الله وحججه للناس الا امر عيسي بن مريم وحده ، لأنّه
رفع من الأرض حياً وقبض روحه بين السماء والأرض ثمّ رفع إلي السماء وردّ عليه روحه
الخ وقريب منه ما في الإحتجاج
ولعن
الله أمّة سمعت بذلك فرضيت به.
المشار إليه بذا هو القتل والظلم ،
والكفاف حرف الخطاب يبين به حال المخاطب من الأفراد والتثنية والجمع والتأنيث
والتذكير ، ولذا يختلف إسم الإشارة مع هذا الحرف ، فيقال ذلكم وذالكما ، وإنّما
أستحق الراضي لللعن مع عدم صدور الظلم منه ، لأن رضاه كاشف عن سوء سريرته وشقاوة
باطنه بالنسبة إلي أهل البيت فيكون عدواً لهم بحيث لو قدر علي الظلم لكان ظالماً
لهم فلا يكون مسلما كيف؟ وشرط الإسلام محبة الأئمّة الأعلام كما دل كثير من
الأخبار وشهد به سليم الذوق والإعتبار ، وهذا هو السر في قتل القائم (ع) من ذراري
الأعداء مالا يحصي لكونهم راضياً بما فعل آبائهم.
يا
مولاي يا أبا عبد الله.
____________________________________
وفي تفسير الإمام عند قوله تعالي :
«ولقد علمتم الذين اعتدوا» الخ إنّه سئل علي بن الحسين (ع) كيف يعاقب الله ويوبخ
هؤلاء الاخلاف علي قبائح ما أتاه اسلافهم وهو يقول : «ولا تزروازرة وزراخري» فقال
(ع) : إنّ القرآن نزل بلغة العرب فهو يخاطب فيه أهل هذا اللسان بلغتهم ، يقول
الرجل التميمي قد أغارقومهم علي بلد وقتلوا من فيه : اغرتم علي بلد كذا وقتلتم كذا
، ويقول العربي أيضاً : نحن قتلنا بني فلان ، ونحن سبينا آل فلان ، ونحن خرجنا بلد
كذا ، لايريدانهم ياشروا ذلك ، ولكن يريد هؤلاء بالعذل وأولئك بالامتحان ان قومهم
فعلوا ذلك فيقول الله في هذه الآيات ، إنّما هو توبيخ لا سلافهم وتوبيخ العذل علي
هؤلاء المرجوفين لأن ذلك هو اللغة التي نزل القرآن فالآن هؤلاء الاخلاف أيضاً
راضون بما فعل اسلافهم مصوبون ذلك لهم فجاز أن يقال : أنتم فعلتم اي إذا رضيتم
قبيح فعلهم اه.
وهذا صريح في ان الراضي بفعل الظالم
ظالم مثله ، فكم من داخل مع قوم هو خارج منهم كالمؤمن من آل فرعون وكم من خارج من
قوم هو معهم لرضاه بفعلهم ، كابن عمرواضرابه ، وحكايته مع يزيد معروفة ككلامه بعد
ان رأي العهد الذي كتبه أبوه إلي أبيه ، وفي بعض الأخبار من رضي بفعل فقد لزمه وان
لم يفعل اه.
يا
مولاي يا أبا عبد الله.
يحتمل أن يكون من تمام ما تقدم ، وأن
يكون استينافاً لمّا يأتي والمراد بالمولي هو المراد به في قوله : «من كنت مولاه
فعلي مولاه»
____________________________________
لأن ما ثبت له عليه
السلام من الفضائل والخواص فهو ثابت لسائر الأئمّة المعصومين (ع) الا ما استثني ،
فالمراد به هو أولي بالمؤمنين من أنفسهم كما كان النبي (ص) كذلك بنص القرآن ، فإن
كل ماثبت للنبي (ص) فهو ثابت للوصي أيضاً الا ما أستثني ويحتمل أن يراد به السيد
ومالك الرق فإنّ الناس كلهم عبيد لهم (ع) عبيد طاعة أو رق علي الخلاف.
وربّما يقال في الحديث : إنّ المعني من
أحبني وتولاني فليحب علياً (ع) فالمراد يامن يجب عليمحبته ومودته ، ويلزم علي
موالاته وولايته ، ويحتمل أن يراد به الناصر كما في قوله : «ذلك بأنّ الله مولي
الذين آمنوا وإنّ الكافرين لا مولي لهم» اي يا ناصري في الدنيا عند توسلي إليك في
قضاء حوائجي وفي الآخرة عند أهوالها وشدائدها ، وعند الموت يدفع سكراته عنّي.
وكيف كان فهذه المرتبة اي المولوية
مرتبة سامية ومنزلة سامقة ودرجة علية ومكانة رفيعة ومقامة سنية جعلها الله لعلي
(ع) أصلاة ولذريته وراثة ، وأبو عبد الله كنية الحسين (ع) والمراد به في الأخبار
علي الإطلاق هو جعفر الصادق (ع) كما لا يخفي علي المتتبع ولا كنية للحسين (ع) سواه
علي ما قيل ، ولكن ألقابه كثيرة كالرشيد والطيب والوفي والسيّد والزكي والمبارك
والسبط والتابع لمرضاة الله ، والعرب يقصدون بالكني التعظيم لأنّ أكثر النفوس
يتأنفون من التصريح بأسمائهم ، فلا بشترط أن يكون للمكني عنه ولد مسمي بهذا الإسم
، فيجوز أن يكون ويجوز أن لا يكون ، ولكن يظهر من عض الأخبار إنّه كان للحسين (ع)
____________________________________
ولد صغير مسمي بعبد
الله ، والظاهر إنّه هو علي الأصغر الذي قتل في حجره يوم العاشوراء بالسهم المسموم
لعن الله قاتله.
وقد يقال : أنّ الحمرة التي ظهرت في
السماء كات من دمه ، هذا بحسب ظاهر الأمر الذي يقتضيه نظر التدقيق أن تكنيته بهذه
الكنية كانت في عالم الذر ، فأنّه لمّا قبل الشهادة التفصيلية الكلية التي أبي عن
حملها غيره كما أشار الله بقوله : «فأبين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان
إنّه كان مظلوماً جهولا» اي مظلوماً مجهول القدر انتظم عالم الإمكان واستراح
الإنسان بانتظام أمور دينهم ودنياهم ، فصار بالنسبة إلي جميعهم بمنزلة الوالد
العطوف والأب الرؤف ، فكل ما سوي الله بمنزلة عبد واحد لله وهو أبوه.
ويمكن أن يقال : ان هذه الكنية من قبيل
قولهم فلان أبو الخير إذا كان الخير منه كثير الصدور ، وكذلك فلان أبو الحرب أو
أبو الجود فلمّا كان العبودية الكاملة التي حقيقتها الخضوع والذالة والإنكسار
مظهرها هو الحسين (ع) سمي بهذه الكنية فليتأمّل ، وربّما يقال : إنّ العبد الحقيقي
هو رسول الله (ص) ولذا قدم علي رسالته في التشهد والحسين (ع) كان والده للامة
بالإضافة التشريفية فهو أبو عبد الله (ع) ويؤيده ما حكي عن تفسير القمّي (ره) في
قوله : «ووصّينا الإنسان بوالديه إحسانا» ان الإنسان هو رسول الله (ص) والوادين
الحسن والحسين عليهما السلام.
وكيف كان يندرج في هذا اللقب آثار جميع
الألقاب المحمودة ولذا لم يكن بكنية أخري ، وصار فريداً في هذه الكنية بالإصالة
أشهد
أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها
وم تلبسك من مدلهمات ثيابها.
____________________________________
الصادق (ع) كني بها
تبعاً لمّا نشر الأحكام وروج شريعة سيد الأنام ، وأرشد الناس إلي فضائل أجداده
الكرام صلوات الله عليهم من الآن إلي يوم القيام.
أشهد
أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها
وم تلبسك من مدلهمات ثيابها.
فيه ؤشارة إلي مقام نورانيته الذي يجب
علي كل مؤمن الاقرار به كما قال مولانا علي (ع) : يا سلمان لا يكمل المؤمن إيمانه
حتّي يعرفني بالنورانية ، فإذا عرفني بذلك فهو مؤمن أمتحن الله قلبه للإيمان ،
وشرح صدره للإسلام وصار عارفاً بدينه ، ومن قصر عن ذلك فهو شاك مرتاب ، يا سلمان
ويا جندب ان معرفتي بالنورانية معرفة الله ومعرفة الله معرفتي وهو الدين الخالص
إلي أن قال كحنت ومحمّد نوراً نسبح قبل المسبّحات ونشرق قبل المخلوقات فقسّم الله
ذلك النور نصفين : نبي مصطفي ، وعلي مرتضي ، فقال الله لذلك النصف : كن محمداً
وللآخر كن علياً ولذلك قال النبي (ص) : أنا من علي وعلي منّي الخ.
ولا ريب في كونهم أنوار مخلوقة من نور
الله كما قال «وأنتم نور الأنوار وهداة الأخيار» والأخبار الواردة في ذلك فوق حد
الإحصاء وبكونها متواترة صرح بعض الأذكياء ، وفي بعضها يا محمد إنّي خلقتك وخلقت
علياً (ع) وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نوري من نور وفرضت
ولايتكم علي أهل السماوات والأرض ، فمن قبلها
____________________________________
كان عندي من المؤمنين
، ومن حجدها كان عندي من الكافرين.
وفي بعضها فقال يعني آدم يارب ماهذه
الأنوار؟ فقال : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلي ظهرك الخ ، وفي بعضها
أوّل ما خلق الله نوري أنا من الله والكل منّي ، وفي بعضها كنت وعلياً نوراً بين
يدي الرحمة قبل أن يخلق عرشه ، وفي بعضها إنّ الله خلقني وعلياً (ع) نوراً واحداً
قبل خلق آدم ، ثمّ قسّمه نصفين ، ثمّ خلق الأشياء من نوري ، ونور علي (ع) ، وفي
بعضها يا علي (ع) إنّ الله كان ولا شيء معه فخلقني وخلقك روحين من نور جلاله فكنّا
إمام عرش ربّ العالمين نسبّح الله ، ونقدّسه ونحمده ونهلّله ، وذلك قبل أن يخلق
السموات والأرض ، فلمّا أراد أن يخلق آدم خلقني وإيّاك من طينة واحدة من طينة
عليين وعجنا بذلك النور وغمسنا في الأنوار الخ ، وفي بعضها عن الباقر (ع) قال يا
جابر كان والله ولا شييء غيره ، ولا معلوم ولا مجهول ، فأوّل ما إبتدأ من خلق خلقه
أن خلق محمّداً وخلقنا معه نور عظمته فأوفقنا أظلة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا
أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر يفصل نورنا من نور ربّنا كشعاع
الشمس من الشمس الخ.
وفي الزيارة الجامعة : «خلقكم الله
أنواراً فجعلكم بعرشه محدّقين» الخ ، والنور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره وحقيقة
نورانيتهم غير معلومة لنا لكونها فوق إدراكات من دونهم فلا يعرفهم غيرهم كما قال
يا علي ما عرفني الا الله وأنت ، وما عرفك الا الله وأنا ، فلا ندرك من مقامهم هذا
سوي الإجمال كمالا ندرك في مقام الحق سوي ذلك ، وبيانه
____________________________________
ان العالي محيط
بالسافل دون العكس.
قوله : في الأصلاب اي مودعاً مستقراً في
أصلاب الابآء الموحدين الشرفاء النجباء ، وأرحام الأمّهات الموحدات المطهّرات عن
الخنا والسفاح ، العفيفات عن الزنا والفساد ، والشامخة العالية يقال : شمخ بأنفه
إذا أرتفع وتكبر وفي الفقرة إشارة إلي ما برهن عليه في محله من أنّ الأئمّة (ع) لا
يكون آبائهم وأمّهاتهم مشركين من آدم (ع) ولا يخالط نسبهم فساد وعهر وذم ، كيف؟
وهم ذرية النبي صلي الله عليه وآله وعترته ولا شك في طهارة عنصره وطيب مولده من
لدن آدم إلي أبيه ، قال الصادق (ع) إنتخب لهم أحب أنبيائه إليه محمّد بن عبد الله
صلي الله عليه وآله في حومة العز مولده وفي دومة الكرم محتده إلي أن قال : تبشربه
كل أمّ ة من بعدها ، ويدفعه كل أب إلي أب من ظهر إلي ظهر ، لم يخلطه في عنصره سفاح
ولا ينجسه في ولادته نكاح من لدن آدم إلي أبيه عبد الله (ع) في خير فرقة وأكرم سبط
وأمنع رهط وأكلأ حمل وأودع حجر أصطفاه الله وأرتضاه وأجتباه الخ.
وفي بعض كتب العامة : روي أنّه لمّا
أهبطه الله إلي ظهر آدم أهبطه إلي أرضه المكينة وحمله مع نوح في السفينة وقذف به
نار نمرود في صلب خليله المعروف بالكرم والجود ولم يزل ينقله في الأصلاب الكريمة
الفاخرة إلي الأرحام الزكيّة الطاهرة حتّي أخرجه من بين أبويه للهدي والأصلاح لم
يلتقياقط علي سفاح.
تنقلت في أصلاب قوم أعزة
|
|
بك إجتمعوا في كل واد ومحفل
|
____________________________________
وأشرقت الأنوار في كل بقعة
|
|
وفاح الشذا في كل واد ومنزل
|
وأضحي لسان الحال ينشد برهة
|
|
تنقل فلذات الهوي في التنقل
|
وفي بعض الأخبار فرسول الله أوّل عبد
الله ، وأوّل من أنكر أن يكون له ولد أو شريك ، ثمّ نحن بعد رسول الله صلي الله
عليه وآله ثمّ أودعنا بذلك صلب آدم فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام
من صلب إلي صلب ولا إستقر في صلب الا تبين عن الذي أنتقل منه شرف الذي إستقرّ فيه
حتّي صار في عبد المطلب فوقع بأم عبد الله فافترق النور جزئين : جزء عبد الله ،
وجزء في أبي طالب ، وذلك قوله : «ونقلبك في الساجدين» يعني في أصلاب النبيين (ع)
وأرحام نسائهم الخ اه ، وفي بعضها عن النبي صلي الله عليه وآله قال خلقني الله
وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة الآف عام ثمّ نقلنا إلي صلب آدم ثمّ
نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرين إلي أرحام الطاهرات.
وقوله : «لم تنجسك» الخ صفة ثانية
لنوراً الوحال منه لمكان التخصيص ، وأقيم الحاضر مقام الغائب العائد إلي الموصوف
أوذي الحال فيكون من قبيل قوله : «أنا الذي سمتني» والجاهلية علي ما في المجمع
الحالة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله ، وشرائع الدين
والمفاخرة بالآباء والأنساب والكبر والتبختر وغير ذلك ، ومنه الحديث إذا رأيتم
الشيخ يحدث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية فأرموا رأسه بالحصي ، وقولهم كان ذلك في
الجاهلية الجهلاء ، وهو توكيد للأوّل يشتق له من إسمه ما يؤكده به اه ، وإنجاس
الجاهلية عبارة
____________________________________
عن تلك الأحوال
المخالفة للشرع المذمومة عند الشارع فالإضافة بيانية ، والإنجاس جمع النجس بفتحتين
وهو القذر ، والمراد إنّه لم يلتوث إذيال عصمته بإرجاس الكفر وإنجاس المعاصي ،
والمدلهمات : المظلمات يقال أدلّهم الليل كاقشعر : أظلم ، وليلة مدلهمة اي مظلمة ،
ومن تبعضية ، والجار والمجرور في محل النصب ، ليكون مفعولاً ثانياً لتلبسك من
الببست زيداً جبة ، وثياب الجاهلية عبارة عن الأخلاق والحالات الناشئة من الكفر
والضلالة ، فهي في مقابلة لباس التقوي المشار إليه بقوله : «ولباس التقوي ذلك خير»
ففي الكلام استعارة مكنية وترشيحية ، والمراد إنّ الله البسه حلل العلم والمعرفة
والسخاوة والحلم وساير الأخلاق الحميدة والصفات الربّانيّة ، فلم تلبسه الجاهلية
لباس الجهل والضلالة فإن الجهالات والضلالات ظلمات بعضها فوق ببعض ، وهو عليه
السلام نور علي نور ونور فوق كل نور هو نور الأنوار والهادي للأخيار وحجة الجبار
وكهف الأبرار.
قال الرضا (ع) الإمام كالشمس الطالعة
للعالم وهي في الأفق بحيث لا يناله الأيدي والأبصار ، الإمام البدر المنير والسراج
الظاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجي والبلد القفار ولجج البحار ،
الإمام العذب علي الظمأ والدال علي الهدي والمنجي من الردي إلي أن قال : الإمام
المطهر من الذنوب ، المبرء من العيوب ، مخصوص بالعلم موسوم بالحلم الخ. وعن النبي
(ص) قال : أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون.
وأشهد
أنّك من دعائم الدين وأركان المؤمنين
____________________________________
وأشهد
أنّك من دعائم الدين وأركان المؤمنين.
الدعائم جمع الدعامة بكسر الدال ، وهي
عماد البيت الذي يقوم عليه ، وكثيراً ما يستعار لكل ما لا يتم شييء إلّا ببه وكل
ما يتوقّف عليه شييء بعلاقة المشابهة ، فإنّ البيت لا يستحكم بنائه إلّا بالدعامة
والأساس ومنه قوله (ع) : لكل شييء دعامة ، ودعامة الإسلام الشيعة ، وقوله (ع) :
دعامة الإنسان العقل اه لتوقفتحقّق الإنسانية علي العقل ، والمراد بالدين هو
الإسلام لقوله تعالي : «إنّ الدين عند الله الإسلام» وقوله : «فمن إبتغي غير
الإسلام دينا فلن يقبل منه» ومن تبعيضية اي من جملة الأئمّة الذين هم دعائم الدين
، والأركان جمع الركن ، وهو لغة جانب البيت ، وكثيراً يستعمل في معني الإسطوانة
والدعامة فيستعار أيضاً فيما أشرنا إليه
وفي الكلام إشارة إلي إنّ الدين لا يكمل
إلّا بولاية الإمام ، والإيمان لا يتحقّق إلّا بمحبّة ذرية سيد الأنام ، وقد
تواترت بذلك الأخبار من النبي صلي الله عليه وآله وعترته المعصومين الكرام ، ففي
بعضها عن الرضا (ع) إنّ الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز
المؤمنين ، إنّ الإمامة اس الإسلام النامي وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلوة
والزكوة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام الخ
وفي بعضها يا محمّد (ص) : لو أن عبداً عبدني حتّي ينقطع ويصير كالشن البالي ثمّ
أتاني جاحداً لولايتهم لم أدخله جنتي ولا أطله تحت عرشي الخ.
وفي بعضها دعائم الإسلام خمس : الصلوة
والصوم والزكوة والحج
وأشهد
أنّك الإمام البر التقي الرضي الزكي الهادي المهدي
____________________________________
والولاية ، وفي بعضها بني الإسلام علي
خمس إلي قوله : ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ، وفي بعضها عن أبي حمزة عن أبي
جعفر (ع) قال : قلت : أصلحك الله أيّ شييء إذا عملته أستكملت حقيقة الإيمان؟ قال
توالي أولياء الله محمّد (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين (ع) ثمّ
إنتهي الأمر إلينا ثمّ ابني جعفر واومأ إلي جعفر وهو جالس فمن والي هؤلاء فقد والي
أولياء الله وكان مع الصادقين كما أمره الله ، وفي بعضها هل الدين إلّا الحب ، وفي
بعضها عن النبي (ص) في كلامه لعلي (ع) لو أن عبداً عبد الله ألف عام ما قبل الله
ذلك منه إلّا بولايتك وولاية الأئمّة من ولدك وان ولايتك لا يقبلها الله إلّا
بالبرائة ن أعدائك وأعداء الأئمّة من ولدك.
وفي الزيارة الجامعة : سعد من والاكم ،
وهلك من عاداكم ، وخاب من جحدكم ، وضل من فارقكم ، وفاز من تمسّك بكم ، وأمن من
لجأ إليكم ، وسلم من صدقكم ، وهدي من إعتصم بكم ، من أتبعكم فالجنة مأويه ، ومن
خالفكم فالنار مثوية الخ.
وأشهد
أنّك الإمام البر التقي الرضي الزكي الهادي المهدي
شهادة له بالإمامة التي هي عهد الله
الذي لا ينال الظالمين كما قال : «ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين» فهي
الرياسة العامة من الله علي عباده والخلافة والنيابة من النبي صلي الله عليه وآله
علي أمّته قال الرضا (ع) إنّ الإمامة خص الله بها إبراهيم الخليل (ع) بعد النبوة ،
والخلة مررتبة ثالثة وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها ذكره فقال : «إنّي جاعلك للناس
إماماً» فقال الخليل
____________________________________
سروراً بها «ومن
ذريتي قال الله لا ينال عهدي الظالمين» فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلي يوم
القيمة وصارت في الصفوة ثمّ أكرمه اللع بأن جعلها في ذريته وأهل الصفوة والطهارة
فقال : «ووهّبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين وجعلناهم أئمّة يهدون
بأمرنا» الخ فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتّي ورثها البي صلي
الله عليه وآله فقال الله : «إنّ أولي الناس بإبراهيم للذين إتّبعوه وهذا النبي
والذين آمنوا والله ولي المؤمنين» فكانت له خاصة فقلدها علياً (ع) بأمر الله علي
رسم ما فرضها الله فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله
تعالي : «وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلي يوم البعث»
فهي في ولد علي (ع) خاصة إلي يوم القيمة ، إذ لا نبي بعد محمّد صلي الله عليه وآله
فمن اين يختار هؤلاء الجهال؟ إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء وارث الأوصياء ، ان
الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين الخ.
وهذا المقام ثابت له (ع) بقول النبي صلي
الله عليه وآله المروي من طرقنا وطرق المخالفين : «إمامان قاما او قعدا» وغير ذلك
ممّا تواتر روايته في كتب الفريقين ، ووصف الإمام بالبر بالفتح وهو البار العطوف
المحسن لأنة كما يطلق علي القدوة للناس المنصوب من قبل الله المفترض الطاعة علي
العباد كذلك قد يطلق علي الداعي إلي الباطل الذي يقتدي به الجاهل ، كما في قول
الصادق لمّا سئل عن الشيخين : أمامان عادلان قاسطان كانا علي الحق ورحمة الله
عليهما ، وربّما يطلق علي الأعم كما قال تعالي يوم
____________________________________
يدعي كل الناس
بإمامهم.
والتقي والمتّقي هو الذي يخاف الله
ويخشاه بالغيب ، ويجتنب المعاصي ويتوقي المحرّمات من التقوي ، والإتقاء وهو
الإمنتاع من الردي بإجتناب ما يدعو إليه الهوي ، ويقال» وقاه يقيه إذا حفظه وعصمه
، والرضي هو المرضي الذي أرتضاه الله من خلفه لإرشاد عباده ، أو الذي رضي الله في
سمائه والرسول في أرضه أو بمعني الراضي وهو الذي لا يسخط بما قدر عليه ، والزكي
الطاهر من الأخلاق الذميمة والصفات الرذلية من قولهم زكي عمله إذا طهر ومنه قوله
تعالي : «أقتلت نفساً زكية» اي طاهرة لم تجن ما يوجب قتلها ، وهذا اللقب إذا أطلق
فالمراد به هو الحسن بن علي (ع) ، والهادي هو الدليل علي الحق والمرشد إلي سبيل
الرشد ، قال الله : «إنّما متذر ولكل قوم هاد» وهذا اللقب عند الإطلاق ينصرف إلي
علي بن محمد الجواد (ع) ، والمهدي هو الذي هداه الله إلي معارج القرب ، وأرشده إلي
بساط الجذب ، وعرفه المعارف اللاهوتية ، وعلمه الأسرار الجبروتية ولا يكون الشخص
هادياً حتّي يكون مهدياً مهتدياً ، ففي الكلام تقديم وتأخير كما في قوله واجعله
هادياً مهدياً فتأمّل.
وهذا اللقب إذا أطلق فالمراد به القائم
من آل محمد صلي الله عليه وآله المبشّر بمجيئه في آخر الزمان ـ اللهم عجّل فرجه ـ
ولا ريب أن كل إمام من آل محمّد صلي الله عليه وآله هاديهدي العباد إلي طريق
الرشاد ، قال الباقر (ع) في قوله تعالي : «إنّما أنت منذر ولكل قوم هاد» أن رسول
الله المنذر ، وفي كل زمان
وأشهد
أنّ الأئمّة من ولدك كلمة التقوي وأعلام الهدي والعروة والثقي والحجة علي أهل
الدنيا.
____________________________________
منا هاد يهديهم ذلي
ما جاء به نبي الله صلي الله عليه وآله ثم الهداة من بعد علي ثمّ الأوصياء واحداً
بعد واحد ، وقال الصادق (ع) : في هذه الآية كل إمام هاد للقرآن هو فيهم.
وعن أبي بصير عنه (ع) قال قلت له :
«إنّما أنت منذر ولكل قوم هاد» فقال : رسول الله المنذر وعلي (ع) الهادي يا
بامحمّد فهل منا هاد إليوم؟ قلت : بلي جعلت فداك ما زال فيكم هاد من بعد هاد حتّي
رفعت إليك ، فقال رحمك الله يابامحمّد لو كانت إذا نزلت آية علي رجل مات ذلك الرجل
ماتت الاية مات الكتاب ولكنّه حي جري فيمن بقي كما جري فيمن مضي اه.
وأشهد
أنّ الأئمّة من ولدك كلمة التقوي وأعلام الهدي والعروة والثقي والحجة علي أهل
الدنيا.
هذا الكلام يحتمل وجهين : أحدهما أن
يكون قوله من ولدك في محل الخبر فيكون كلمة التقوي خبراً بعد خبر ، أو لمحذوف اي
وهم كلمة التقوي أو مفعولا لفعل المدح المحذوف ففيه إشارة إلي ما ورد في جملة من
الأخبار من الله عوّض الحسين (ع) من شهادته إنّ الأئمّة من ولده والشفاء في تربته
وإجابة الدعاء تحت قبته. قال الباقر (ع) نحن إثنا عشر إماماً منهم الحسن والحسين
ثمّ الأئمّة من ولد الحسين (ع) اه وعن سلمان الفارسي قال دخلت علي النبي صلي الله
عليه وآله فإذا الحسين علي فخذيه وهو يقبل عينه ويلثمفاه ويقول أنت سيد بن سيد أنت
إمام بن إمام أنت
____________________________________
حجة بن حجة أبو حجج
تسسعة من صلبك تاسعهم قائمهم اه ، وثانيهما أن يكون في محل الحال فالخبر هو كلمة
التقوي ، وهذا أيضاً لا ينافي ما تقدم من كون الأئمّة (ع) من صلب الحسين (ع) خاصة.
وفي المجمع وقد سئل (ع) عن قوله تعالي :
«فجعلها كلمة باقية في عقبه» قال يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين (ع)
إلي يوم القيمة وليس لأحد أن يقول للم جعللها الله في صلب الحسين (ع) دون الحسن
(ع) لأنّه هو الحكيم في أفعاله «لا يسئل عمّا يفعل وهم يسئلون» اه.
المراد بكلمة التقوي يحتمل وجوهاً :
منها إنّها الإيمان فكونهم كلمة التقوي
لكون ولايتهم مشروطة في تحققه كما قال : وبموالاتكم تمت الكلمة وعظمت النعمة.
ومنها إنّه كلمة لا إله إلّا الله محمّد
رسول الله ولا شك ان ترتب الآثار علي هذه الكلمة موقوف علي الإقرار اربامامتهم
والإذعان بولايتهم فهذا جار مجري قول أمير المؤمنين (ع) أنا صلوة المؤمنين وصيامهم
وزكوتهم وحجهم الخ ، يعني أن هذه الإعمال لا تقبل ولا تصح إلّا بولايتي وحديث
الرضا (ع) في نيسابور معروف وفي آخره لا إله إلّا الله حصني ومن دخله أمن من عذابي
فقالوا حسبنا يابن رسول الله فلمّا رجعوا قال لهم لكن بشروطها وأنا من شروطها.
ومنها إنّه العهد الذي عهده الله في علي
(ع) وذريته ، قال الطريحي وفي الحديث في معني كلمة التقوي عن النبي صلي الله عليه
وآله قال إنّ الله عهد إلي
____________________________________
في علي (ع) عهداً قلت
يا رب بيّنه لي قال : إستمع قال سمعت قال : إنّ علياً (ع) آية الهدي وإمام أوليائي
ونور من أطاعني وهو الكلمة التي الزمتها المتّقين من أحبّني أحبّه ومن أطاعني
أطاعه اه.
ومنها إنّها الدعوة إلي الإسلام كما قال
«وكلمة ربّك العليا» فهم كلمة التقوي لكونهم الدعاة إلي شرائع الإسلام وجوامع
الأحكام.
ومنه إنّها الحجة كما في قوله تعالي :
«ويحق الحق بكلماته» اي بحججه فأنّهم حجج الله علي الخلق وللمتّقين من عباده ، قال
علي (ع) إنّ الله واحد تفرد في وحدانيته ، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نوراً ثمّ خلق من
ذلك النور محمّداً وخلقني وذريتي ، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحاً فاسكن الله في ذلك
النور وأسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلمته فبنا أحتجّ علي خلقه فما زلينا في
ظلة خضراء الخ.
ومنها إنّها الخلق البديع كما يقال
لعيسي (ع) إنّه كلمة الله لأنّه وجد بأمره من دون أب فشابه البدعيات فهم (ع) لمّا
عليهم من الصفات الإلهية ، وفيهم من العجائب الربّانية مشابهون للبدعيات فهم كلمات
الله التامات خلقهم الله لإرشاد المتقين إلي طرق التقوي والصلاح وهدايتهم إلي سبيل
الفلاح والنجاح ، وكيف كان فلعل الوجه في توحيد الكلمة إنّهم (ع) نور واحد ونفس
واحدة كما يرشد إليه حديث النورانية وغيره
والأعلام جمع العلم وهو لغة الجبل الذي
يعلم به الطريق وقريب منه المنار ، وهو المرتفع الذي يوقد في أعلاه النار لهداية
الضلال والأئمّة (ع) أعلام للهدي لأنّه يهتدي بهم كما قال : لولانا ما عرف الله
____________________________________
ولولانا ما عبد الله
، وفي الجامعة «وأعلاماً لعباده ، ومناراً في بلاده ، وأدلّاء علي صراطه.
وروي في قوله : «وعلامات وبالنجم هم
يهتدون» إنّه قال نحن العلامات والنجم رسول الله (ص٩ ، وقال الصادق (ع) نحن ولاة
أمر الله وخزنة علم الله وعيبة وحي الله وأهل دين الله وعلينا نزل كتاب الله وبنا
عبد الله ، ولولانا ما عرف الله ، ونحن ورثه نبي الله وعترته اه ، وقال الباقر (ع)
نحن جنب الله ونحن صفوته ونحن خيرته ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن أمناء الله
ونحن حجة الله ونحن أركان الإيمان ونحن دعائم الإسلام ونحن من رحمة الله علي خلقه
ونحن الذين بنا يفتح وبنا يختم ، ونحن أئمّة الهدي ونحن مصابيح الدجي ونحن منار
الهدي ونحن السابقون ونحن الآخرون ونحن العلم المرفوع للخلق ، من تمسّك بنا لحق ،
ومن تخلّف عنّا غرق ونحن قادة الغر المحجلين ، ونحن خيرة الله ونحن الطريق وصراط
الله المستقيم إلي الله ، ونحن من نعمه علي خلقه ، ونحن المنهاج ، ونحن معدن
النبوة ، ونحن موضع الرسالة ، ونحن الذين إلينا تختلف الملائكة ، ونحن السراج لمن
استضاء بنا ، ونحن السبيل لمن إهتدي ببنا ، ونحن الهداة إلي جنة الخ اه.
والحاصل إنّهم أدلّة الهدي والهادون
بأمر الله المرشدون إلي مرضاة الله ، والعروة لغة عروة الكوز معروفة ، والوثقي
تأنيث الأوثق ، والعروة الوثيقة : هي العروة المستحكمة التي يستمسك بها ، شبهوا
(ع) بها لأنّ المتمسك بطريقتهم لا يضل ولا ينفصم عن رحمة الله ، وربّما يفسّر
وأشهد
الله وملائكته وأنبيائه ورسله إنّي بكم مؤمن وبإيابكم موقن بشرائع ديني وخواتيم
عملي وقلبي لقلبكم سلمٌ وأمري لأمركم متبع.
____________________________________
العروة الوثقي
بالإيمان كما قال : «فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي»
وفي بعض الأخبار إنّها التسليم لأهل البيت (ع) وفي بعضها أن أوثق عري الإيمان الحب
في الله وعن الزمخشري في قوله : «فقد استمسك بالعروة الوثقي» إنّ هذا تمثيل
للمعلوم ببالنظر والإستدلال بالمشاهد المحسوس حتّي يتصوّره السامع كأنّه ينظر إليه
بعينه فيحكم إعتقاده والتيقن به ، والحجة في اللغة البرهان وكثيراً ما يستعمل فيمن
يجب العمل بقوله ، والإقتداء بفعله ، وكونهم (ع) حجج الله علي خلقه ممّا لا ريب
فيه لوجوب العمل بأوامرهم ونواهيهم.
وعن المجلسي الأوّل ره في شرحه علي قوله
: «وحجج الله علي أهل الدنيا والآخرة والأولي» أحتجّ الله وأتم حجّته بهم علي أهل
الدنيا بأن جعل لهم المعجزات الباهرة والعلوم الدينية والأخلاق الإلهية والعقول
الربّانيّة ، فهداهم بهم إليه ويحتجّ بهم في الآخرة بعد الموت أو في القيمة الخ
اه. والأخبار بكونهم (ع) حجج الله متواترة وقد تقدّم بعضها وفي بعضها عن أبي خالد
عن الصادق (ع) قال قلت له : يابن رسول الله ما منزلتكم من ربّكم قال حجّته علي
خلقه وبابه الذي يؤتي منه وأمناء علي سره وتراجمة وحيه اه.
وأشهد
الله وملائكته وأنبيائه ورسله إنّي بكم مؤمن وبإيابكم موقن بشرائع ديني وخواتيم
عملي وقلبي لقلبكم سلمٌ وأمري لأمركم متبع.
____________________________________
يقال أشهدته علي ذلك إذا أتّخذته شاهداً
عليه ودشهد الله الخ اي إجعلهم شهوداً علي إيماني بكم فإنّهم أشهاد عدول لا ترد شهادتهم
، ولا يخفي عليهم السرائر ولا يغيب عنهم مطويات القلوب والضمائر ، وقد وصف الله
تعالي نفسه بكونه شهيداً وشاهداً في مواضع من كتابه وكذا الملائكة والأنبياء بقوله
: «ويقول الأشهاد» وروي في قوله : ««ليكونوا شهداء علي الناس» إنّ الأمم يوم
القيمة يحجدون تبليغ الأنبياء ويطلب الأنبياء بالبينة علي إنّهم قد بلغوا فيؤتي
بأمّة محمّد صلي الله عليه وآله فيشهدون لهم.
وروي عن علي (ع٩ إنّه قال ايانا عنّي
فرسول الله شاهد علينا ونحن شهداء الله علي خلقه وحجّته في أرضه ، وقد ورد أخبار
كثيرة بكون الأئمّة (ع) شهداء علي الناس ففي ببعضها عن الصادق (ع) نحن الشهداء علي
الناس بما عندهم من الحلال والحرام وما ضيعوا منه ، وفي بعضها عن الباقر (ع) قال :
نحن الأئمّة الواسط ونحن شهداء الله علي خلقه وحجّته في أرضه اه. قوله بكم مؤمن اي
بحقيقة نورانيتكم ومراتب علومكم وأسراركم الخاصة بكم ، والإيمان التصديق والإذعان
، وفي الجامعة دشهد الله وأشهدكم إنّ مؤمن بكم وبما آمنتم به ، كافر بعدوّكم وبما
كفرتم به الخ. قوله «وبايابكم» يحتمل أن يتعلّق بمؤمن اي مؤمن بكم وبايابكم إلي
الدنيا في زمن الرجعة ، ويؤيّده ما في زيارة العباس (ع) إنّي بكم وبايابكم مؤمن ويحتمل
أن يتعلّق بقوله موقن اي مؤمن بكم وموقن بايابكم ، وهذا أظهر ، وفي الكلام تصريح
بثبوت رجعتهم عليهم السلام إلي الدنيا لمّا وعدهم الله من الدولة والنصرة ، كيف
وقد روي ان عمر
____________________________________
الدنيا ماة ألف عام
لهم عليهم السلام منها ثمانون ألفا يتمحض لهم الدولة والسلطنة ، وهذا اي الرجعة من
ضروريات مذهبنا معاشر اإمامية وقد دلت عليه آيات كثيرة وأخبار متواترة تزيد علي
مأتين بل عن بعضهم إنّه وقف علي ستماة وعشرين حديثاً.
وفي الجامعة «معترف بكم ، مؤمن بأيابكم
، مصدق برجعتكم ، منتظر لأمركم ، مرتقب لدولتكم الخ. وفي الدعوات والزيارات
المأثورة عن المعصومين ما لا يحصي ممّا يدل علي هذا المدّعي صريحاً ، وفي بعض
الأخبار عن الصادق (ع) أيّام الله ثلثة : يوم يقوم القائم ، ويوم الكرة ، ويوم
القيمة. وفي بعضها عنه (ع) من يكرفي رجعة الحسين ببن علي عليهما السلامفيمكث في
الأرض أربعين ألف سنة حتّي يسقط حاجباه علي عينيه ، وفي بعضها عن إبراهيم قال قلت
لأبي عبد الله (ع) : يقول الله : «فإنّ له معيشة ضنكا» فقال هي والله النصّاب قلت
رايناهم دهرهم أطول في الكفاية حتّي مأتوا فقال والله ذاك في الرجعة يأكلون العذرة
، وفي بعضها عن جميل عنه (ع) قال قلت له قول الله : (أنا لننصر رسلنا والذين آمنوا
في الحيوة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد» قال ذلك والله في الرجعة ، أمّا عملت أن
أنبياء الله كثيرة لم ينصر وافي الدنيا وقتلوا ، وأئمّة قتلو أو لم ينصروا ، فذلك
في الرجعة قلت : «واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق
ذلك يوم الخروج» قال هي الرجعة.
وفي بعضها عنه (ع) أيضاً قال قال أمير
المؤمنين (ع) في قول الله ، «ربّما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين» قال هو إذا
خرجت أنا وشيعتي
____________________________________
وخرج عثمان بن عفان
وشيعته ونقتل بني أميّة فعندها يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين ، وفي بعضها عنه
(ع) قال : إنّ إبليس قال أنظرني إلي يوم يبعثون فأبي الله ذلك عليه فقال : «أنّك
من المنظرين إلي يوم الوقت المعلوم» فإذا كان يوم المعلوم ظهر إبليس في جميع
أشياعه منذ خلق الله آدم إلي يوم الوقت المعلوم ، وهو آخر كرة يكرها أمير المؤمنين
(ع) قلت وإنّها لكرات قال : نعم لكرّات وكرّات مامن إمام في قرن الا ويكرّ معه
البر والفا جرفي دهره حتّي يديل الله المؤمن علي الكافر الخ ، وهو طويل.
وفي بعضها عن أحدهما (ع) في قوله الله :
«ومن كان في هذه أعمي فهو في الآخرة أعمي» قال في الرجعة ، وفي بعضها عن الصادق
عليه السلام ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا سيرجع حتّي يموت ولااحد من المؤمنين
يموت إلّا سيرجع حتّي يقتل اه ، وفي بعضها عن أبي إبراهيم عليه السلام قال لترجعن
نفوس ذهبت ، وليقتصن يوم يقوم ومن عذّب يقتص بعذابه ومن أغيظ يقتص بغيظه ويرد لهم
أعدائهم حتّي يأخذوا بثارهم ، ثمّ يعمرون بعدهم ثلثين شهرا ، ثمّ يموتون في ليلة
واحدة قد أدركوا ثارهم ، وشفوا أنفسهم ويصير عدوهم إلي أشد النار عذابا ، ثمّ
يوقفون بين يدي الجبار فيؤخذ لهم بحقوقهم ، وفي بعضها عن الصادق (ع) في قول الله
«كلّا سوف تعلمون ثمّ كلّا سوف تعلمون» قال مرة بالكرّة وأخري يوم القيمة.
وفي بعضها كأنّي بسرير من نور قد وضع
عليه قبة من ياقوتة حمراء مكللة بالجوهر وكأنّي بالحسين جالساً علي ذلك السرير ،
وحوله
____________________________________
تسعون ألف قبة خضراء
، وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلمون عليه فيقول الله لهم أوليائي لطال ما أوذيتم
وذللتم وأضطهدتم ، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا قضيتها
لكم فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة.
وفي بعضها عن علي (ع) قال وأنّي لصاحب
المرّات ودولة الدول ، وفي بعضها عن الباقر (ع) والله ليملكن منّا أهل البيت رجل
بعد موته ثلثماة سنين وتزداد تسعا ، قلت متي يكون ذلك؟ قال بعد القائم ، قلت : وكم
يقوم القائم (ع) في عالمه؟ قال : تسع عشرة سنة ، ثمّ يخرج المنتصر إلي الدنيا وهو
الحسين (ع) علي بن أبي طالب (ع).
وفي بعضها عن الصادق (ع) إنّ أوّل من
تنشق الأرض منه ويرجع إلي الدنيا الحسين بن علي (ع) ، وإنّ الرجعة ليست بعامة ،
وهي خاصة لا يرجع الأمن محض الإيمان محضاً أو محضّ الشرك محضاً ، وفي بعضها عن
الباقر (ع) إنّ رسول الله وعليا عليهما السلام سيرجعان ، وفي بعضها إنّ الصادق (ع)
سئل عن اليوم الذي ذكر الله مقداره في القرآن «في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة»
وهي كرة رسول الله صلي الله عليه وآله فيكون ملكه في كرته خمسين سنة ألف سنة الخ ،
ويملك علي (ع) في كرته أربعة وأربعين سنة اه
وأنت خبير بأنّ الناظر فيما ذكرناه من
الأخبار وغيره ممّا لا يسعه هذا المضمار لا يرتاب في حقية الرجعة وثوتها في الجملة
، وفي بعض الأخبار نسبة أنكارها إلي القدرية ، وقد أجاد من قال إنّه إذا لم يكن
مثل هذا متواتراً ففي أيّ شييء يمكن دعوي التواتر ، مع ماروته كافة الشيعة
____________________________________
خلفاً عن سلف وظنّي
أن من يشك في أمثالها فهو شاك في أئمّة الدين ، ولا يمكنه إظهار ذلك من بين
المؤمنين فيحتال في تخريب الملة القويمة بالقاء ما يتسارع إليه عقول المستضعفين من
إستبعاد المتفلّسين وتشكيكات الملحدين «يريدون ليطفؤا نور الله بأفواهم ، والله
متم نوره ولو كره المشركون» اه.
والحاصل أن هذا أمر ممكن يمكن تعلّق
القدرة الإلهية له ، وقد أخبر له الصادقون المعصومون قطعاً فيجب الإعتقاد به ، ولو
من باب التسليم المأمور به بقوله تعالي : «فإن تنازعتم في شييء فردوه إلي الله
والرسول وإلي أولي الأمر منكم» وبجملة من الأخبار المعتبرة فلا تستمع إلي الملاحدة
الذين يلقون الشبهات إلي الضعفاء باستبعاد هذا الأمر وإنكاره ، وما هذا الا
كاستبعاد المعاد ونحوه من الضروريات ، وظاهر الأخبار بل صريح كثير منها أنّهم (ع)
يرجعون ذلي الدنيا بأشخاصهم وأجسادهم التي كانوا عليها ، فلا تلتفت إلي الجهلة
الذين يؤولون هذه الأخبار إلي خلاف ظاهرها من غير برهان قاطع ، متاببعة لهوي
أنفسهم وسوء آرائهم فيقولون : إنّ المراد رجعة حقائقهم وصفاتهم ، في هياكل متجددة
وأجساد غير ما كانوا عليه في الازمنة السابقة ، وقد بينّا فساد هذه العقيدة في جملة
من رسائلنا الشريفة.
نعم أختلفت الأخبار ظاهراً في كيفية
الرجعة ، وترتيب من يرجع من الأئمّة عليهم السلام ولا حاجة بنا مهمة إلي الجمع
بينها ببعد تسليم أصل الرجعة وليعلم إنّ الرجعة لا تصدق علي ظهور القائم (ع) فإنّه
(ع) حي موجود الآن لا شك في حيوته يظهر بعد ذلك متي شاء الله فيملاء الأرض قسطا
____________________________________
وعدلا بعد ما ملئت
ظلماً وجورا ، فإذا مضي من أوّل ظهوره تسع وخمسون سنة خرج الحسين (ع) وهو صامت إلي
أن يمضي إحدي عشرة سنة فيقتله أمرأة من بني تميم لهالحية كلحية الرجل تسمي سعيدة
وهي شقية فيتولي الحسين (ع) تجهيزه فيقوم لاأمر بعده فالرجعة من زمن خروج الحسين
عليه السلام إلي أن يرفع مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسائر الأئمّة عليهم
السلام إلي السماء وذلك بعد كمال دينهم وسلطنتهم كما وعدهم الله.
وقوله : «بشرائع ديني» أمّا متعلّق
بموقن كما تقدّم أو بمحذوف ليكون حالا من المستتر في أشهد الله أو في موقن اي
متلبساً بشرائع ديني اي طرائقه وسبله ، وفيه إشارة إلي أن مجرد الإيمان بهم لا
يكفي بل لابد في ذلك من الايتمار بأوامرهموالإنتهاء بنواهيهم وإطاعتهم فيما شرعوه
من الأحكام والحدود والانقياد لهم فيما يأمرون به ، وينهون عنه فمن لم يكن كذلك
فهم (ع) منه براء كما يدل عليه أخبار كثيرة. قال الصادق (ع) إنّما أصحابي من أشتدّ
ورعه وعمل لخالقه ورجا ثوابه هؤلاء أصحابي وقال (ع) : ليس منّا ولا كرامة من كان
في مصرفيه مأة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه. وقال الباقر (ع)
أيكفي من إنتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت فوالله ما شيعتنا إلّا من أتقي
الله وأطاعه إلي أن قال : فاتقوا الله وأعملوا لمّا عند الله ، وليس بين الله وبين
أحد قرابة ، أحب العباد إلي الله وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته ، يا جابر
والله ما يتقرّب إلي الله وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته ، يا جابر والله ما
يتقرّب إلي الله إلّا بالطاعة أمعنا برائة من النار ولا علي الله لاحد من حجة من
ان لله مطيعاً فهو لنا ولي ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو ،
____________________________________
وما تنال ولايتنا
إلّا بالعمل والورع اه فلا تستمع إلي قوم سول الشيطان لهم أعمالهم فزعموا إنّ
الدين هو مجرّد دعوي حب آل محمّد (ص) فارتكبوا الكبائر ونبذوا أحكام الله وراء
ظهورهم وهم لا يشعرون ، ويحتمل أن يكون بشرائع بدلاً من قوله : «بكم وبأيابكم»
ففيه إشارة إلي أنّهم (ع) شرائع الدين لكونهم الأئمّة الراشدين المظهرين لأمر الله
ونهيه فتأمّل.
والخواتيم جمع الخاتمة وخاتمة العمل
آخره وعاقبته ممّا يختم ه من خير أو شر أو ما يترتب عليه من ثواب وعقاب ، فإنّ ذلك
نتايج الأعمال ، قال (ع) من ختم له بقيام ليلة ثمّ مات فله الجنّة ويحتمل أن يراد
بالعمل هنا خصوص الزيارة أو خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه
يراد بالعمل هنا خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يراد به في
قوله : «اللهم إنّي أستودعك خاتمة عملي» خصوص الإيمان والتوحيد المشار إليه بقوله
من كان آخر كلامه «لا إله إلّا الله» وجبت له الجنّة فإنّه لا معني لاستيداع الله
الشرمن الأعمال.
وكيف كان لو علقنا الجار والمجرور بموقن
فلا إشكال إذ المعني إنّي علي يقين بشرائع ديني وبنتائج عملي لأنّ الله ورسوله
والأئمّة أخبروني بذلك ولم أشك في صدقهم وأمّا علي غير ذلك فلا بد من تقدير إذ
المعني متلبسا بشرائع دينتي وبالإذعان بخواتيم عملي.
قوله : «وقلبي لقلبكم سلمٌ» اي صلح لا
حرب. قال الطريحي والسلم كحمل : المسالم يقال : أنا سلمٌ لمن سالمني وحربٌ لمن
حاربني ، وفي حديث وصف الأئمّة : يطهر الله قلب عبد حتّي يسلم لنا ويكون سلماً
____________________________________
لنا اي يرضي بحكمنا
ولا يكون حرباً علينا اه أو مسلّم كما في الجامعة :
«وقلبي لكم مسلّم ورأيي لكم متبع»
والمعنيان متقاربان إذ المراد إنّه لا إعتراض لقلبي علي أفعالكم ولا عداوة فيه لكم
لأنّي أعلم أنّكم أولياء الله وعباده المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره
يعلمون وفيه إشارة إلي ما أشّرنا إليه من وجوب التسليم لهم عليهم السلام كما قال
تعالي «وسلموا تسليماً» وإلي أن التسليم لا يكون إلّا بالقلب فلا يجدي مجرد الدعوي
باللسان.
كيف وقد روي عن الصادث عليه السلام إنّه
قال بينا أمير المؤمنين (ع) في مسجد الكوفه إذ أتاه رجل فقال يا أمير المؤمنين :
إنّي لاحبك قال ما تفعل قال والله إنّي لاحبك قال ما تفعل قال بلي والذي لا إليه
إلّا هو قال والله الذي لا إله إلّا هو ما تحبني فقال يا أمير المؤمنين (ع) إنّي
أحلف بالله إنّي أحبّك وأنت تحلف بالله ما أحبك والله كأنّك تخبرني أنّك أعلم بما
في نفسي فغضب أمير المؤمنين فرفع يده إلي سماء وقال كيف يكون ذلك وهو ربّنا خلق
الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثمّ عرض علينا المحب من المبغض فوالله ما رأيتك
فيمن أحبنا فأين كنت اه.
وقريب منه أخبار آخر مروية في بصائر
الدرجات في باب أن أمير المؤمنين (ع) عرف ما رأي في الميثاق والمراد بالقلب هو
اللمعة النورانية الملكوتية التي بها يدرك حقايق الأشياء ، ويعرف لطائف الأسرار لا
نفس الجسم الصنوبري المودع فيه هذه القوة الملكوتية كالبصر المودع فيه القوة
الباصرة ، وإن شئت قلت : إنّه العقل الذي يعبد به
صلوات
الله عليكم وعلي أرواحكم وعلي أجسادكم وعلي أجسامكم وعلي شاهدكم وعلي غائبكم وعلي
ظاهركم وعلي باطنكم.
____________________________________
الرحمن ويكتسب به
الجنان ولذا قال لقلبكم فإن قلوبهم (ع) اوعية العلوم الإلهية وخزائن المعارف
الربّانيّة فقلب الشيعة يسلم كل ما يصدر من قلوبهم (ع) لإذعانه بأنّه من الله
وإعتقاده بأنّه من منبع الحق فلا ينكره ولا يعترض عليه بلم ولا نسلم ، كيف وقلوب
الشيعة مخلوقة من قلوبهم كما أن أجسادهم مخلوقة من فاضل طينتهم.
وفي بعض الأخبار : أنا خلقنا من نور
الله وخلق شيعتنا من دون ذلك النور فإذا كان يوم القيمة الحقت السفلي بالعليا ،
وفيه يا مفضل أتدري لم سميت الشيعة شيعة؟ يا مفضل شيعتنا منّا ، ونحن من شيعتنا ،
أمّا تري هذه الشمس أين تبدون قلت : من مشرق قال : وإلي أين يعود قلت : إلي مغرب
قال (ع) هكذا شيعتنا ، منّا بدؤا وإلينا يعودون اه ، وإنّما افرد القلب مع إضافته
إليهم (ع) للإشارة إلي إتّحادهم في الحقيقة النورية القدسية.
قوله : «وأمري لأمركم» يريد أنّه تابع
لهم في جميع أحواله وأموره فإنّ المراد المضاف مفيد للعموم علي ما صرح به جماعة ،
فالمراد إنّه شيعة لهم يفتخر بمتابعته لهم في الأوامر والنواهي ، ويحذوحذوهم
ويطابق فعله فعلهم حذو النعل والقذة بالقذة كما هو شرط صدق هذا الإسم علي ما
يقتضيه كثير من الأخبار.
صلوات
الله عليكم وعلي أرواحكم وعلي أجسادكم وعلي أجسامكم وعلي شاهدكم وعلي غائبكم وعلي
ظاهركم وعلي باطنكم.
____________________________________
أشار إلي أنّهم (ع) في جميع أحوالهم
وأطوارهم ومراتبهم ومقاماتهم وشئونهم وكيفياتهم وظهوراتهم وتجلياتهم وتنقلاتهم
مستحقوق للصلوات والتحيات من خالقهم وبارئهم فإنّهم في جميع هذه الحالات لا يزالون
عارجين معارج القرب ، سالكين مسالك الجذب ، متقرّبين إلي بساط الديمومية ، بوسائل
العبودية الكاملة كما قال (ع) في دعائه يوم عرفة : «وأنا أشهدك يا إلهي بحقيقة
إيماني ، وعقدعزمات يقيني ، وخالص صريح توحيدي ، وباطن مكنون ضميري ، علائق مجاري
نور بصري» الخ اه فأشار بقوله : «عليكم» إلي مقام حقيقتهم المقدسة ومرتبة
نورانيتهم العالية التي لم تلد ولم تولد ، ولم يعرفها غير الله أحد ، لكونها أوّل
ما خلق الله في عالم الإبداع كما قال نحن صنائع الله ، وهذا هو المقام المشار إليه
بقوله : «لولاك لمّا خلقت الأفلاك» وقد كان النبي (ص) يعنيه في صلوته بقوله : «أشهد
أن محمداً عبده ورسوله» وبقوله : «السلام عليك أيّها النبي» وإلي هذا المقام أشار
أمير المؤمنين (ع) بقوله» «أنا ذات الذوات» الخ وبقوله : «أنا المعني الذي لا يقع
عليه اسم ولا شبه».
قوله : «وعلي أرواحكم» يمكن أن يراد بها
نفوسهم القدسية ، وأن يراد بها عقولهم الشريفة وهم وان أتّحدوا في هذا المقام
أيضاً ولكن الجمع بإعتبار تعدّد إليها كل البشريّة واختلاف المظاهر الجسمانيّة ،
وذلك لا يوجب النعدّد في أصل الروح كالصورة المرئية ف مرايا متعددة
وما الوجه ذلّا واحد غيرانه
|
|
إذا أنت عدّدت المرايا تعددا
|
____________________________________
ويحتمل أن يراد بالأرواح الأرواح الخمسة
المشار إليها في جملة من الأخبار ، مثل ما رواه جابر عن الباقر (ع) قال : إنّ الله
خلق الأنبياء والأئمّة علي خمسة أرواح : روح القوة ، وروح الإيمان ، وروح الحيوة
وروح الشهوة ، وروح القدس ، فروح القدس من الله وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان
فروح القدس لا يلهو ولا يتغيّر ولا يلعب ، وبروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش
إلي ما تحت الثري اه. وسئل الصادق (ع) عن قول الله : «كذلك أوحينا إليك روحاً من
أمرنا» فقال : ذلك فينا منذ أهبطه الله إلي الأرض وما يخرج إلي سماء اه.
وفي جملة من الأخبارات الروح خلق أعظم
من جبرئيل وميكائيل كأنّ مع محمّد (ص) يوفقه ويسدده وهو مع الأئمّة من بعده وهو من
الملكوت ، وفي بعضها إنّه لم يكن مع أحد ممّن مضي غير محمّد وهو مع الأئمّة ، وفي
بعضها إنّه خلق من خلقه له بصر وقوة وتأييد يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين ،
وفي بعضها مثل المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا خرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم
تتعب به ، قال : إنّ الأرواح لاتمازج البدن ولاتداخله إنّما هو كالكلل للبدن محيط
به اه
وفي بعضها عن أبي بصير عن الباقر (ع)
قال : سئلته عن قول الله : «تنزل الملائكة والروح من أمر ربّه علي من يشاء من
عباده» فقال جبرئيل الذي نزل علي الأنبياء والروح يكون معهم ومع الأوصياء لا
تفارقهم تفقههم وتسددهم من عند الله وإنّه لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلي
الله عليه وآله وبها
____________________________________
عبد الله واستعبده
الخلق الخ ، وجسم الإنسان وجسده وجثمانه هو مجموع أعضائه المؤلّفة من العناصر ،
وربّما يفرق بين الجسم والجسد باختصاص الأوّل ببما فيه روح أو تعميمه الذي الروح
وغيره ، واختصاص الثاني بما خلا عن الروح ويحتمل أن يراد بإجسامهم أشاحهم النورانية
، لأن من مراتبهم ومنازلهم مقام الأشباح ، كما يدل بأجسامه أشباحهم النورانية ،
لأن من مراتبهم ومنازلهم مقام الأشباح ، كما يدل عليه جملة من الأخبار ، ففي بعضها
أن آدم رأي علي العرش أشباحاً يلمع نورها ، وفي بعضها ثمّ بعثهم في الظلال قال :
قلت : أيّ شييء الظلال؟ قال ألم تر إلي ظلك في الشمس شييء وليس بشييء الخ. قال
الطريحي : ثمّ بعثهم في الظلال اي في عالم الذر والتعبير بعالم الذر والمجردات
واحد ، وإنّما عبّر عنه بذلك ، لأنّه شييء لا كالاشياء اه ، وفي بعضها كيف كنتم
حيث كنتم في الاظلة ، قال يا مفضل كنّا عند ربّنا في شلة خضراء اه.
ويحتمل أن يراد بالأجسام الأجساد
الأصلية اللطيفة التي لا يتغير بمضي الدهور ، وورد الآفات وبالأجساد الأجساد
العنصرية الزمانية التي تنقص وتزيد ، ويحتمل أن يراد بأحدهما الأجساد المثالية
البرزخيّة وبالخر هذا الهيكل المحسوس في هذا العالم ، وربّما يفرق بين الجسد
والبدن بأنّ الأوّل لا يقال إلّا علي الحيوان العاقل بخلاف الثاني ، وقد يقال
البدن هو الجسد ماسوي الرأس.
قوله : «وعلي شاهدكم» الخ فيه أيضاً
إقرار بشاهدهم وغائبهم كما في الزيارة الجامعة : «مؤمن بسرّكم وعلانيتكم وشاهدكم
وغائبكم ، أوّلكم وآخركم» الخ والمراد بشاهدهم يحتمل أن يكون الأئمّة الاحد
____________________________________
عشر الذين ظهروا علي
الناس في أزمنتهم وعرفوهم ولو في الجملة فالمراد بالغائب هو الإمام الثاني عشر
عجّل الله فرجه ، وقد أختلف الناس في وجوده وعدمه علي أقوال متشتتة ومذهب الإمامية
إنّه حي موجود غاب عن أنظارنا لمصالح كثيرة ، ويحتمل أن يكون المراد بالشاهد هو
الإمام الحي في كل زمان فينعكس الفرض في هذا الزمان فإنّ القائم مشاهد ، وهم الغيب
لأنّهم مضوا وقضوا نحبّهم فالقائم (ح) قطب هذا الزمان ، ونقطة دائرة الإمكان ، وهو
المدبّر في أمر الخلق المتصرّف في العالم بإذن الله تعالي ، وقد يقال : إنّ المراد
حال حضورهم مع الخلق وحال غيبتهم عمّا سوي الله ، ويسمّي بحال الفناء والمراقبة ،
وفإن لهم مع الله حالات كما في الحديث المعروف.
قوله : «وعلي ظاهركم» الخ اي وعلي سرّكم
وعلانيتكم فالمراد بظاهرهم أعمالهم الظاهرة وبباطنهم عقائدهم ونياتهم الباطنية علي
ما يظهر من بعضهم في تفسير قوله : «مؤمن بسرّكم وعلانيتكم» والظاهر أنّ المراد
بالظاهر مقام بشريتهم المشار إليها بقوله : «ان أنا الابشر مثلكم» وبالباطن هو
مقام قربهم إلي الحق واختصاصهم بمزايا الإمامة التي لا يدركها الا الخصيصون
والعارفون ، ويحتمل ان يراد بظاهرهم ظهورهم في زمن محمّد (ص) في هذه الهيا كل
الشريفة ، وبباطنهم كونهم في الإعصار السالفة مع الأنبياء السالفين كما يدلّ عليه
حكاية أمير المؤمنين عليه السلام مع الجنّي الذي كان في زمن نوح ، والجنّي الذي
كان في زمن سليمان ، وما ورد من أنّه (ع) كان مع الأنبياء باطناً ومع محمّد صلي
الله عليه وآله ظاهراً وباطناً
____________________________________
ويرشد إليه أيضاً
قوله : «أنا حملت نوحاً في السفينة ، أنا صاحب يونس في بطن الحوت ، أنا الذي جاوزت
موسي في البحر ، وأهلكت القرون الأولي ، أعطيت علم الأنبياء والأوصياء وفصل الخطاب
، وبي تمت نبوة محمّد (ص) الخ وقوله (ع) : أنا الذي جحد ولايتي ألف أمّة فمسخوا
أنا المذكور في سالف الزمان والخارج في آخر زمان الخ.
ويدل عليه أيضاً حكايته مع أمّه فاطمة
بنت دسد ومع سلمان الفارسي حيث نجاهما من الأسد وظهوره علي فرعون لمّا هم بقتل
موسي يصورة شاب لابس لباس الذهب وغير ذلك من الغرائب المعروفة وكيف ينكر أمثال ذلك
وهم أوّليون أزليون كما قال كننّا في تكوينه بكينونيته قبل خلق التكوين أوّليين
أزليين ، وقال : أنا والهداة من أهل بيتي سر الله المكنون ، وأوليائه المقرّبون
كلّنا واحد ، وأمرنا واحد ، وسرّنا واحد فلا تفرّقوا بيننا فتهلكوا ، فإنّا نظهر
في كل زمن بما شاء الله فالويل كل الويل لمن أنكر ما قلت ، ولا ينكره الااهل
الغباوة ومن ختم علي قلبه وسمعه وجعل علي قلبه غشاوة الخ.
ويحتمل أن يراد بظاهرهم علومهم الظاهرة
من علوم الشريعة المتعلّقة بالحلالل والحرام والحدود والأحكام ، وبباطنهم الأسرار
المكنونة التي لا يطلع علي بعضها سوي أهل سرّهم كسلمان وكميل وغيرهما ، وفي هذا
المقام قال : لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لكفره أو لقتله ، وقال (ع) :
إنّي لا كتم من علمي جواهره
|
|
كيلا يري الحق ذو جهل فيفتننا
|
إلي آخر الأبيات وقال (ع) هاه هاه ان
هنا لعلما جماً لو أصبت
____________________________________
حملة الخ وقال : ان
أمرنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلّا ملك مقرّب ، أو نبي مرسل ، أو مؤمن أمتحن الله
قلبه للإيمان. وقال أمرنا سرمستسر وسر لا يفيده إلّا سرّ وسر علي سر وسر مقنع
بالسر وأمثال هذه الكلمات منهم كثيرة لا تحصي ، ويحتمل أن يراد بظاهرهم الإمامة
والخلافة ، وببطانهم حقيقتهم النورانية المجرّدة التي لا ينال إلي إدراكها أيدي
العقول كما قال ظاهري إمامة وباطني غيب لا يدرك ، وقال : نحن في الحقيقة نورر الله
الذي لا يزول ولا يتغيّر ، ويحتمل أن يراد بظاهرهم الناطق منهم وبباطنهم الصامت ،
فإنّ الحسن والحسين (ع) كانا صامتين في زمن علي (ع) كما أن الحسين كان صامتاً في
زمن الحسن (ع) وهكذا سائر الأئمّة وهذا لا ينافي إمامة الصامت كما لا يخفي ، وإليه
الإشارة بقوله : «إمامان قاما أو قعدا» وسأل يعقوب السراج أبا عبد الله (ع) فقال
متي يمضي الإمام حتّي يؤدي علمه إلي من يقوم مقامه من بعده؟ قال لا يمضي الإمام
حتّي يفضي علمه إلي من أنتجبه الله ، ولكن يكون صامتاً معه فإذا مضي ولي العلم نطق
به من بعده اه ، وفسر في بعض الأخبار «البئر المعطلة والقصر المشيد» في قوله :
«وبئر معطلة وقصر مشيد» بالإمام الصامت والناطق.
قال الشاعر :
بئر معطلة وقصر مشرّف
|
|
مثل لآل محمد مستطرف
|
ويحتمل أن يراد بظاهرهم شاهدهم وبباطنهم
غائبهم فيكون العطف للتفسير والتأكيد فيجري فيهما ما تقدم فيهما وكيف كان فلا ريب
في أن لهم (ع) وراء عالم شهادتهم وحسهم عالماً آخر هو غيب عن أبصارنا
____________________________________
يندرج تحته عوالم
كثيرة لا يحصيها غيرهم ، فالمؤمن المخلص مذعن بذلك كله ومعتقد بأنّهم الأسرار
الإلهية المودعة في إليها كل البشريّة والأنوار اللاهوتية الزاهرة في المظاهر
الناسوتية ، وهم نور لا يوصف وبحر لا ينزف فحضورهم وغيبتهم إنّما هو بالنسبة إلينا
وأمّا بالنسبة إلي نفس الأمر فهم شهداء حاضرون دائماً لا حاطة علمهم بجميع العوالم
الإمكانية ، لا يغيب عنهم منها شيء لا في الأرض ولا في السماء فلورفع الحجب عنّا
لرأيناهم علي ما هم عليه ، ولذا قال : ان غائبنا إذا غاب لم يغب ومن هنا ينكشف سرّ
حديث الضيافة ، وغزوة الأحزاب والبصرة وما روي من أنّه أتي قوم من الشيعة الحسن بن
علي (ع) بعد قتل أمير المؤمنين فسألوه قال تعرفون أمير المؤمنين (ع) إذا رأيتموه
قالوا : نعم قال فارفعوا الستر فرفعوه فإذا هم بأمير المؤمنين (ع) لا ينكرونه اه.
وقد أري أمير المؤمنين أبا بكر رسول
الله بعد وفاته في مسجد قبا والصادق (ع) سماعة الباقر (ع) بعد وفاته والكاظم أيّاه
أيضاً الصادق (ع) كذلك ، وقد روي ذلك كلّه في كتاب بصائر الدرجات وغيره ، وروي في
هذا الكتاب عن أمير المؤمنين (ع) إنّه قال يموت من مات منّا وليس بميت ويبقي من
بقي منّا حجّة عليكم اه ، ويصدقه قول الله : «ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله
أمواتاً بل أحياء عند ربّهم يرزقون». الحمد لله أوّلاً وآخراً ، ظاهراً وباطناً في
شهر ربيع المولود سنة ١٣٠٠
وقد تم تحريره بيد ابن المؤلّف محمّد بن
حبيب الله في سلخ ربيع الثاني سنة ١٣٧٠.
|