
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله حمد
الشاكرين ، والصلاة والسّلام على عين الإنسان وإنسان العين ومن دنا من ربّه العليّ
فتدلّى فكان قاب قوسين أبي القاسم المصطفى المنزّه من كلّ رين وشين ، وعلى أهل
بيته الغرّ الميامين سيّما ناموس الدهر وإمام العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
وبعد ، فإنّ من
دواعي الفخر والاعتزاز أن ينهض علماء الشيعة ومحقّقوها الّذين عرفوا بالتحقيق
والتدقيق في سائر العلوم والفنون ، فكان لهم الكأس الأوفى والقدح المعلّى في الفقه
واصوله والحديث ودرايته والرجال والكلام والتفسير وعلوم القرآن وغيرها ، فيتصدّون
لأعقد العلوم وأشرفها رتبة وأعلاها منزلة ، أي الحكمة المتعالية بتعالي موضوعها
ومسائلها ، والمشرّفة بشرف غايتها وأغراضها أي معرفة الحقّ عزّ شأنه وصفاته العليا
وأسمائه الحسنى وأفعاله في خلقه ، وأسرار المبدأ والمعاد ومكامن التكوين والإبداع
في عالم الإمكان ، سيّما ما يتعلّق بشؤون الإنسان وأطواره روحا وبدنا ، نفسا وجسدا
، عقلا وإحساسا ، فإنّه بحر وسيع وسيع وغوره عميق عميق ، فغاصوا ذلك البحر
المتلاطم وسبروا غوره المتفاقم فأخرجوا الدرر واللآلئ ونظموها في أتقن نظام ، ووضعوها
بين يدي طلّابها ومبتغيها على أحسن ما يرام.
وكيف لا يكونوا
كذلك! وقد أتوا مدينة العلم والحكمة من بابها وأناخوا
عقولهم وأرواحهم
في فناء ينابيعها الراقية وعيونها الصافية ، فنهلوا من معينها عذبا فراتا وصدروا
عنها رواة وأثباتا.
والعلّامة الخبير
والمفسّر النحرير السيّد محمّد حسين الطباطبائي قدسسره واحد من اولئك الأفذاذ الّذين عزّ نظيرهم وقلّما يجود
الزمان بمثلهم ، فقد عمّ خيره وجرت ينابيع الحكمة على لسانه وقلمه ، فكتب في
المعقول والمنقول والقرآن والعرفان والكلام والبرهان فأحسن وأجاد وأتقن وأفاد
رضوان الله تعالى عليه.
والكتاب الماثل
بين يديك ـ عزيزنا القارئ ـ حلقة من سلسلة ذهبيّة رصينة كتبها في الحكمة المتعالية
ووسمها ب «نهاية الحكمة» تسليكا للطريق وتمهيدا للسبيل أمام بغاة الحكمة وطلّابها
وإعانة لهم في ورود لججها وسبر أغوارها في المراحل المتقدّمة من أسفارها.
ولا يفوتنا ـ ونحن
نقدم على طبع هذا الكتاب ونشره ـ أن نتقدّم بجزيل شكرنا وخالص دعائنا لفضيلة حجّة
الاسلام الشيخ عبّاس عليّ الزارعيّ السبزواريّ على ما بذله في تصحيح الكتاب وضبط
نصوصه وتخريج أقواله وتوضيح مبهماته والتعليق على عباراته وتنظيم فهارسه ، سائلين
الله تعالى للمؤلّف الرضا والرضوان وللمحقّق ولنا المزيد في خدمة خير الأديان إنّه
الوليّ المستعان ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
|
مؤسّسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
|
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
الحمد لله الّذي
علّمنا قواعد العقائد الدينيّة ، ونوّر قلوبنا بالمعارف القرآنيّة ، ودلّ عقولنا
على وجوده بالآيات الجليّة ، وقوّى أقدامنا بالبراهين اليقينيّة ، ومنّ علينا
بالرسالة المحمّديّة ، وهيّأ لنا النعمات الدنيويّة والاخرويّة. والصلاة والسّلام
على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد بن عبد الله وآله الطيّبين الطاهرين.
وبعد ، فإنّ
للإنسان قوّة يمتاز بها من سائر الحيوانات ، وهي القوّة النطقيّة بها يتعقّل
المعقولات ويتمكّن من النظر والاستدلال واكتساب المجهولات. ولمّا كانت المجهولات
كثيرة وكان العلم بها ذا شعب متكثّرة ، بحيث لا يمكن للواحد الإحاطة بجميعها افترق
أهل العلم إلى فرق مختلفة. فذهب بعضهم إلى تحصيل الفقه وتحقيقه ، وبعضهم إلى النحو
والصرف ، وبعضهم إلى غيرها ، وبعض آخر إلى علم الفلسفة الّذي يبحث فيه عن أحوال
الموجود بما هو موجود ، وهذا العلم له شأن من الشأن بل أقوى العلوم برهانا وأشرفها
غاية ، ولهذا صرف كثير من المحقّقين هممهم في تحصيله وتحقيقه ، وألّفوا مؤلّفات
قيّمة ، ومنها كتاب «نهاية الحكمة» للعلّامة المحقّق السيّد محمّد حسين الطباطبائي
قدسسره.
ولمّا كان هذا
الكتاب من الكتب الفلسفيّة المتداولة للدراسة عند محصّلي العلوم في الحوزات
العلميّة وغيرها ومحطّ أنظار الأساتيذ وأهل العلم والتحقيق قمت بتصحيحه وتحقيق
متنه وتخريج أقواله من منابعها ، واعتمدت في ذلك على أهمّ الجوامع الفلسفيّة
والكلاميّة.
وكذا علّقت عليه
بتعليقات لازمة لإزاحة التشويشات وإيضاح المبهمات وبيان بعض ما خطر ببالي ـ مع
قلّة بضاعتي ـ من المناقشات. ولكن لمّا كانت
تعليقاتنا مفصّلة
ورأيت أنّ ضبطها ربما يوجب خروج الكتاب من دراسيّته ، وهو من أهمّ الكتب المتداولة
للدراسة في السطوح العالية في الجوامع العلميّة حذفت التعليقات في الطبعة الاولى
سنة ١٤١٦ ه. ق. وطبع مرارا في السنوات اللاحقة لها.
وأمّا بعد طبعه ـ
وسيّما حين تدريسه في الدورات بعد الطبع ـ توجّهت إلى مطلبين مهمّين :
الأوّل : أنّه وإن
قمت بتصحيح متن الكتاب وصار خاليا من الأخطاء الكثيرة ، إلّا أنّه خفي علينا بعض
آخر من الأخطاء. وهذه وإن كانت قليلة إلّا أنّ علوّ شأن الكتاب ومرتبته ـ تأليفا
ومؤلّفا حيث كان محطّ أنظار الأساتيذ ـ يستدعي خلوّه منها ، فصحّحت المتن في هذه
الطبعة الحديثة وصار خاليا منها.
الثاني : أنّ ضبط
التعليقات لازم من جهات :
١ ـ أنّ هذا
الكتاب محطّ أنظار الأساتيذ في الجوامع العلميّة ، فينبغي التعليق على بعض عباراته
، توضيحا لمطالبه وتسهيلا لموارده.
٢ ـ أنّ فهم بعض
مطالبه صعبة على المحصّلين فيحتاج إلى بيانها تعليقا عليها.
٣ ـ أنّ اللازم
علينا تهذيب المطالب العلميّة في كلّ دورة ، وهو لا يتحقّق إلّا بذكر المناقشات.
فبعد ملاحظة هذه
الجهات ضبطت التعليقات بعد تلخيصها رعاية لحفظ دراسيّة الكتاب.
وفي الختام أرجو
من الأساتيذ أن يعذروني فيما قصر فهمي عن نيله ، ويرشدوا المحصّلين إلى ما عجز
قلمي عن أداء حقّه. وأسأل الله تعالى أن يزيد في علوّ درجات العلّامة الطباطبائي رحمهالله وأن يحشره مع أجداده الطيّبين الطاهرين ، والحمد لله ربّ
العالمين.
|
عبّاس عليّ الزارعيّ السبزواريّ
شوّال ١٤٢٣ ه. ق
قم ـ الحوزة العلميّة
|
كلام
بمنزلة المدخل
لهذه الصناعة :
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ
العالمين ، والصلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
إنّا معاشر الناس
أشياء موجودة جدّا ، ومعنا أشياء اخر موجودة ربّما فعلت فينا أو انفعلت منّا ، كما
أنّا نفعل فيها أو ننفعل منها .
__________________
هناك هواء نستنشقه
، وغذاء نتغذّى به ، ومساكن نسكنها ، وأرض نتقلّب عليها ، وشمس نستضيء بضيائها ، وكواكب نهتدي بها ، وحيوان ، ونبات
، وغيرهما .
وهناك امور نبصرها
، واخرى نسمعها ، واخرى نشمّها ، واخرى نذوقها ، واخرى واخرى.
وهناك امور نقصدها
أو نهرب منها ، وأشياء نحبّها أو نبغضها ، وأشياء نرجوها أو نخافها ، وأشياء
تشتهيها طباعنا أو تتنفّر منها ، وأشياء نريدها لغرض الاستقرار في مكان أو
الانتقال من مكان أو إلى مكان أو الحصول على لذّة أو الاتّقاء من ألم أو التخلّص
من مكروه أو لمآرب اخرى.
وجميع هذه الامور
الّتي نشعر بها ـ ولعلّ معها ما لا نشعر بها ـ ليست بسدى ، لما أنّها موجودة جدّا وثابتة واقعا . فلا يقصد شيء شيئا إلّا لأنّه عين خارجيّة وموجود واقعيّ أو منته إليه ، ليس وهما
سرابيّا . فلا يسعنا
__________________
أن نرتاب في أنّ
هناك وجودا ، ولا أن ننكر الواقعيّة مطلقا ، إلّا أن نكابر الحقّ فننكره أو نبدي
الشكّ فيه ، وإن يكن شيء من ذلك فإنّما هو في اللفظ فحسب.
فلا يزال الواحد
منّا وكذلك كلّ موجود يعيش بالعلم والشعور يرى نفسه موجودا واقعيّا ذا آثار
واقعيّة ، ولا يمسّ شيئا آخر غيره إلّا بما أنّ له نصيبا من الواقعيّة.
غير أنّا كما لا
نشكّ في ذلك لا نرتاب أيضا في أنّا ربّما نخطؤ ، فنحسب ما ليس بموجود موجودا أو
بالعكس ، كما أنّ الإنسان الأوّليّ كان يثبت أشياء ويرى آراءا ننكرها نحن اليوم
ونرى ما يناقضها ، وأحد النظرين خطأ لا محالة . وهناك أغلاط نبتلي بها كلّ يوم ، فنثبت الوجود لما ليس
بموجود وننفيه عمّا هو موجود حقّا ، ثمّ ينكشف لنا أنّا أخطأنا في ما قضينا به.
فمسّت الحاجة إلى
البحث عن الأشياء الموجودة وتمييزها بخواصّ الموجوديّة المحصّلة ممّا ليس بموجود ، بحثا نافيا للشكّ منتجا لليقين ، فإنّ هذا النوع من
البحث هو الّذي يهدينا إلى نفس الأشياء الواقعيّة بما هي واقعيّة. وبتعبير آخر : بحثا
نقتصر فيه على استعمال البرهان ، فإنّ القياس البرهانيّ هو المنتج للنتيجة
اليقينيّة من بين الأقيسة ، كما أنّ اليقين هو الاعتقاد الكاشف عن وجه الواقع من
بين الاعتقادات. فإذا بحثنا هذا النوع من البحث أمكننا أن نستنتج به أنّ كذا موجود
وكذا ليس بموجود.
ولكنّ البحث عن
الجزئيّات خارج من وسعنا ، على أنّ البرهان لا يجري
__________________
في الجزئيّ بما هو
متغيّر زائل ، ولذلك بعينه ننعطف في هذا النوع من البحث إلى البحث عن
حال الموجود على وجه كلّيّ ، فنستعلم به أحوال الموجود المطلق بما أنّه كلّيّ.
ولمّا كان من
المستحيل أن يتّصف الموجود بأحوال غير موجودة انحصرت الأحوال المذكورة في أحكام تساوي الموجود من حيث هو
موجود ، كالخارجيّة المطلقة والوحدة العامّة والفعليّة الكلّيّة المساوية للموجود المطلق ، أو تكون أحوالا هي أخصّ من
الموجود المطلق ، لكنّها وما يقابلها جميعا تساوي الموجود المطلق ، كقولنا : «الموجود
إمّا خارجيّ أو ذهنيّ» و «الموجود إمّا واحد أو كثير» و «الموجود إمّا بالفعل أو
بالقوّة» ، والجميع ـ كما ترى ـ امور غير خارجة من الموجوديّة المطلقة ، والمجموع
من هذه الأبحاث هو الّذي نسمّيه : «الفلسفة» .
__________________
وقد تبيّن بما
تقدّم :
أوّلا
: أنّ الفلسفة أعمّ
العلوم جميعا ، لأنّ موضوعها أعمّ الموضوعات ، وهو «الموجود» الشامل لكلّ شيء . فالعلوم جميعا تتوقّف عليها في ثبوت موضوعاتها . وأمّا الفلسفة فلا تتوقّف في ثبوت موضوعها على شيء من
العلوم ، فإنّ موضوعها الموجود العامّ الّذي نتصوّره تصوّرا أوّليّا ونصدّق بوجوده
كذلك ، لأنّ الموجوديّة نفسه .
وثانيا
: أنّ موضوعها لمّا
كان أعمّ الأشياء ولا ثبوت لأمر خارج منه كانت المحمولات المثبتة فيها إمّا نفس الموضوع ، كقولنا : «إنّ كلّ موجود فإنّه ـ من
حيث هو موجود ـ واحد أو بالفعل» ، فإنّ الواحد وإن غاير الموجود مفهوما لكنّه عينه
مصداقا ، ولو كان غيره كان باطل الذات غير ثابت للموجود ؛ وكذلك ما بالفعل. وإمّا ليست نفس الموضوع ، بل هي أخصّ
منه ، لكنّها ليست غيره ، كقولنا : «إنّ العلّة موجودة» ؛ فإنّ العلّة وإن كانت
أخصّ من الموجود
__________________
لكنّ العلّيّة
ليست حيثيّة خارجة من الموجوديّة العامّة ، وإلّا لبطلت.
وأمثال هذه
المسائل مع ما يقابلها تعود إلى قضايا مردّدة المحمول ، تساوي أطراف الترديد فيها
الموجوديّة العامّة ، كقولنا : «كلّ موجود إمّا بالفعل أو بالقوّة» . فأكثر المسائل في الفلسفة جارية على التقسيم ، كتقسيم
الموجود إلى واجب وممكن ، وتقسيم الممكن إلى جوهر وعرض ، وتقسيم الجوهر إلى مجرّد
ومادّيّ ، وتقسيم المجرّد إلى عقل ونفس ، وعلى هذا القياس.
وثالثا
: أنّ المسائل فيها
مسوقة على طريق عكس الحمل ، فقولنا : «الواجب موجود والممكن موجود» في معنى : «الوجود
يكون واجبا ويكون ممكنا» ، وقولنا : «الوجوب إمّا بالذات وإمّا بالغير» معناه : «أنّ
الموجود الواجب ينقسم إلى واجب لذاته وواجب لغيره».
ورابعا
: أنّ هذا الفنّ
لمّا كان أعمّ الفنون موضوعا ولا يشذّ عن موضوعه ومحمولاته الراجعة إليه شيء من
الأشياء لم يتصوّر هناك غاية خارجة منه يقصد الفنّ لأجلها. فالمعرفة بالفلسفة
مقصودة لذاتها من غير أن تقصد لأجل غيرها وتكون آلة للتوصّل بها إلى أمر آخر
كالفنون الآليّة ، نعم هناك فوائد تترتّب عليها .
وخامسا
: أنّ كون موضوعها
أعمّ الأشياء يوجب أن لا يكون معلولا لشيء خارج منه ، إذ لا خارج هناك ، فلا علّة
له. فالبراهين المستعملة فيها ليست ببراهين لمّيّة . وأمّا برهان الإنّ فقد تحقّق في كتاب البرهان من المنطق
أنّ السلوك من المعلول إلى العلّه لا يفيد يقينا ، فلا يبقى للبحث الفلسفيّ إلّا
برهان الإنّ الّذي يعتمد فيه على الملازمات العامّة ، فيسلك فيه من أحد المتلازمين
العامّين إلى الآخر.
__________________
المرحلة الأولى
في أحكام الوجود الكلّيّة
وفيها خمسة فصول
__________________
الفصل الأوّل
في أنّ الوجود مشترك معنويّ
الوجود بمفهومه
مشترك معنويّ يحمل على ما يحمل عليه بمعنى واحد . وهو ظاهر بالرجوع إلى الذهن حينما نحمله على أشياء أو
ننفيه عن أشياء ، كقولنا : «الإنسان موجود» و «النبات موجود» و «الشمس موجودة» و «اجتماع
النقيضين ليس بموجود» و «اجتماع الضدّين ليس بموجود». وقد أجاد صدر المتألّهين قدسسره حيث قال : «إنّ كون مفهوم الوجود مشتركا بين الماهيّات
قريب من الأوّليّات» .
__________________
فمن سخيف القول ما
قال بعضهم : «إنّ الوجود مشترك لفظيّ ، وهو في كلّ ماهيّة يحمل عليها
بمعنى تلك الماهيّة».
ويردّه لزوم سقوط
الفائدة في الهليّات البسيطة مطلقا ، كقولنا : «الواجب موجود» و «الممكن موجود» و «الجوهر
موجود» و «العرض موجود».
على أنّ من الجائز
أن يتردّد بين وجود الشيء وعدمه مع العلم بماهيّته ومعناه ، كقولنا : «هل الاتّفاق موجود أو لا؟». وكذا التردّد في ماهيّة الشيء مع الجزم
بوجوده ، كقولنا : «هل النفس الإنسانيّة الموجودة جوهر أو عرض؟» والتردّد في أحد
شيئين مع الجزم بالآخر يقضي بمغايرتهما.
ونظيره في السخافة
ما نسب إلى بعضهم : «أنّ مفهوم الوجود مشترك لفظيّ
__________________
بين الواجب
والممكن».
وردّ بأنّا إمّا أن نقصد بالوجود الّذي نحمله على الواجب معنى
أو لا ، والثاني يوجب التعطيل ، وعلى الأوّل إمّا أن نعني به المعنى الّذي نعنيه إذا
حملناه على الممكنات وإمّا أن نعني به نقيضه ؛ وعلى الثاني يلزم نفي الوجود عنه
عند إثبات الوجود له ، تعالى عن ذلك ؛ وعلى الأوّل يثبت المطلوب ، وهو كون مفهوم الوجود
مشتركا معنويّا.
والحقّ ـ كما ذكره
بعض المحقّقين ـ أنّ القول
بالاشتراك اللفظيّ من الخلط بين المفهوم والمصداق ، فحكم المغايرة إنّما هو للمصداق دون المفهوم.
__________________
الفصل الثاني
في أصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة
الوجود هو الأصيل
دون الماهيّة ، أي أنّه هو الحقيقة العينيّة الّتي نثبتها بالضرورة.
إنّا بعد حسم أصل
الشكّ والسفسطة وإثبات الأصيل الّذي هو واقعيّة الأشياء ، أوّل ما نرجع
إلى الأشياء ، نجدها مختلفة متمايزة مسلوبا بعضها عن بعض ، في عين أنّها جميعا
متّحدة في دفع ما كان يحتمله السوفسطيّ من بطلان الواقعيّة ، فنجد فيها مثلا إنسانا موجودا ، وفرسا موجودا ، وشجرا
موجودا ، وعنصرا موجودا ، وشمسا موجودة ، وهكذا ؛ فلها ماهيّات محمولة عليها ، بها
يباين بعضها بعضا ، ووجود محمول عليها مشترك المعنى بينها. والماهيّة غير الوجود ، لأنّ
__________________
المختصّ غير
المشترك. وأيضا الماهيّة لا تأبى في ذاتها أن يحمل عليها الوجود وأن يسلب عنها ، ولو
كانت عين الوجود لم يجز أن يسلب عنها ، لاستحالة سلب الشيء عن نفسه. فما نجده في الأشياء من
حيثيّة الماهيّة غير ما نجده فيها من حيثيّة الوجود.
وإذ ليس لكلّ واحد
من هذه الأشياء إلّا واقعيّة واحدة ، كانت إحدى هاتين الحيثيّتين ـ أعني الماهيّة
والوجود ـ بحذاء ما له من الواقعيّة والحقيقة ، وهو المراد بالأصالة ، والحيثيّة
الاخرى اعتباريّة منتزعة من الحيثيّة الأصيلة ، تنسب إليها الواقعيّة بالعرض.
وإذ كان كلّ شيء
إنّما ينال الواقعيّة إذا حمل عليه الوجود واتّصف به فالوجود هو الّذي يحاذي
واقعيّة الأشياء. وأمّا الماهيّة فإذ كانت مع الاتّصاف بالوجود ذات واقعيّة ومع
سلبه باطلة الذات فهي في ذاتها غير أصيلة ، وإنمّا تتأصّل بعرض الوجود .
فقد
تحصّل : أنّ الوجود
أصيل ، والماهيّة اعتباريّة ، كما قال به المشّاؤون ، أي
__________________
أنّ الوجود موجود
بذاته والماهيّة موجودة بها.
وبذلك يندفع ما
اورد على أصالة الوجود من أنّ الوجود لو كان حاصلا في الأعيان كان موجودا ، لأنّ
الحصول هو الوجود ، فللوجود وجود ، وننقل الكلام إليه وهلمّ جرّا ، فيتسلسل.
وجه
الاندفاع : أنّ الوجود
موجود لكن بذاته ، لا بوجود زائد ـ أي أنّ الوجود عين الموجوديّة ـ ، بخلاف
الماهيّة الّتي حيثيّة ذاتها غير حيثيّة وجودها.
وأمّا دعوى : «أنّ
الموجود في عرف اللغة إنّما يطلق على ما له ذات معروضة للوجود ولازمه أنّ الوجود
غير موجود» فهي على تقدير صحّتها أمر راجع إلى الوضع اللغويّ أو غلبة الاستعمال ، والحقائق
لا تتّبع استعمال الألفاظ ، وللوجود ـ كما تقدّم ـ حقيقة عينيّة
نفسها ثابتة لنفسها.
قال بهمنيار في التحصيل : «وبالجملة : فالوجود حقيقته أنّه في الأعيان لا غير ، وكيف
لا يكون في الأعيان ما هذه حقيقته؟» انتهى .
ويندفع أيضا ما
اشكل عليه بأنّ كون الوجود موجودا بذاته يستتبع كون
__________________
الوجودات
الإمكانيّة واجبة بالذات ، لأنّ كون الوجود موجودا بذاته يستلزم امتناع سلبه عن
ذاته ، إذ الشيء لا يسلب عن نفسه ، ولا نعني بالواجب بالذات إلّا ما يمتنع عدمه
لذاته.
وجه
الاندفاع : أنّ الملاك في كون الشيء واجبا بالذات ليس هو كون وجوده نفس ذاته ، بل كون وجوده مقتضى ذاته من
غير أن يفتقر إلى غيره ، وكلّ وجود إمكانيّ فهو في عين أنّه موجود في ذاته مفتقر إلى غيره مفاض منه ، كالمعنى الحرفيّ الّذي نفسه
نفسه ، وهو مع ذلك لا يتمّ مفهوما إلّا بالقيام بغيره. وسيجيء مزيد توضيح له في
الأبحاث الآتية .
قال صدر المتألّهين في الأسفار : «معنى وجود الواجب بنفسه أنّه مقتضى ذاته من غير احتياج
إلى فاعل وقابل ، ومعنى تحقّق الوجود بنفسه أنّه إذا حصل ، إمّا بذاته كما في
الواجب ، أو بفاعل لم يفتقر تحقّقه إلى وجود آخر يقوم به ، بخلاف غير الوجود» انتهى.
__________________
ويندفع عنه أيضا
ما اورد عليه أنّه لو كان الوجود موجودا بذاته والماهيّة موجودة بغيرها ـ
الذيّ هو الوجود ـ كان مفهوم الوجود مشتركا بين ما بنفسه وما بغيره ، فلم يتمّ مفروض الحجّة من أنّ الوجود مشترك معنويّ بين
الموجودات ، لا لفظيّ.
وجه
الاندفاع : أنّ فيه خلطا بين المفهوم والمصداق ، والاختلاف المذكور
مصداقيّ ، لا مفهوميّ.
فتبيّن بما تقدّم فساد القول بأصالة الماهيّة ، كما نسب إلى الإشراقيّين . فهي عندهم أصيلة إذا كانت بحيث ينتزع عنها الوجود وإن
كانت في حدّ ذاتها اعتباريّة والوجود المنتزع عنها اعتباريّا .
ويردّه أنّ صيرورة
الماهيّة الاعتباريّة بانتزاع مفهوم الوجود الاعتباريّ أصيلة ذات حقيقة عينيّة
إنقلاب ضروريّ الاستحالة.
وتبيّن أيضا فساد القول بأصالة الوجود في الواجب وأصالة الماهيّة
في الممكن ، كما قال به الدوانيّ وقرّره بأنّ الوجود على ما يقتضيه ذوق
__________________
المتألّهين حقيقة عينيّة شخصيّة هي الواجب تعالى ، وتتأصّل الماهيّات
الممكنة بنوع من الانتساب إليه ، فإطلاق الموجود عليه تعالى بمعنى أنّه عين الوجود
، وعلى الماهيّات الممكنة بمعنى أنّها منتسبة إلى الوجود الّذي هو الواجب.
ويردّه أنّ الانتساب المذكور إن استوجب عرض حقيقة عينيّة على
الماهيّات كانت هي الوجود ، إذ ليس للماهيّة المتأصّلة إلّا حيثيّتا الماهيّة
والوجود ، وإذا لم تضف الأصالة إلى الماهيّة فهي للوجود ، وإن لم يستوجب شيئا
وكانت حال الماهيّة قبل الانتساب وبعده سواءا ، كان تأصّلها بالانتساب انقلابا ، وهو
محال.
يتفرّع على أصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة :
أوّلا
: أنّ كلّ ما يحمل
على حيثيّة الماهيّة فإنّما هو بالوجود ، وأنّ الوجود حيثيّة تقييديّة في كلّ حمل
ما هويّ ، لما أنّ الماهيّة في نفسها باطلة هالكة
__________________
لا تملك شيئا ، فثبوت
ذاتها و [ثبوت]
ذاتيّاتها لذاتها بواسطة الوجود. فالماهيّة وإن كانت إذا اعتبرها العقل من
حيث هي لم تكن إلّا هي ، لا موجودة ولا معدومة ، لكنّ ارتفاع الوجود عنها بحسب هذا
الاعتبار ـ ومعناه أنّ الوجود غير مأخوذ في حدّها ـ لا ينافي حمله عليها خارجا عن
حدّها عارضا لها ، فلها ثبوت مّا كيفما فرضت.
وكذا لوازم ذاتها ـ
الّتي هي لوازم الماهيّة ، كمفهوم الماهيّة العارضة لكلّ ماهيّة ، والزوجيّة
العارضة لماهيّة الأربعة ـ تثبت لها بالوجود لا لذاتها.
__________________
وبذلك يظهر أنّ
لازم الماهيّة بحسب الحقيقة لازم الوجودين الخارجيّ والذهنيّ ، كما ذهب إليه الدوانيّ .
وكذا لازم الوجود
الذهنيّ كالنوعيّة للإنسان ولازم الوجود الخارجيّ كالبرودة للثلج والمحمولات غير
اللازمة كالكتابة للإنسان كلّ ذلك بالوجود.
وبذلك يظهر أنّ
الوجود من لوازم الماهيّة الخارجة عن ذاتها.
وثانيا
: أنّ الوجود لا
يتّصف بشيء من أحكام الماهيّة ، كالكلّيّة والجزئيّة ، وكالجنسيّة والنوعيّة
والفصليّة والعرضيّة الخاصّة والعامّة ، وكالجوهريّة والكمّيّة والكيفيّة وسائر
المقولات العرضيّة ، فإنّ هذه جميعا أحكام طارئة على الماهيّة من جهة صدقها
وانطباقها على شيء ، كصدق الإنسان وانطباقه على زيد وعمرو وسائر الأفراد ، أو من
جهة اندراجها تحت شيء ، كاندراج الأفراد تحت الأنواع والأنواع تحت الأجناس.
والوجود ـ الّذي هو بذاته الحقيقة العينيّة ـ لا يقبل انطباقا على شيء ، ولا
اندراجا تحت شيء ، ولا صدقا ولا حملا ، ولا ما يشابه هذه المعاني ، نعم مفهوم
الوجود يقبل الصدق والاشتراك كسائر المفاهيم.
ومن هنا يظهر أنّ
الوجود يساوق الشخصيّة.
ومن هنا يظهر أيضا
أنّ الوجود لا مثل له ، لأنّ مثل الشيء ما يشاركه في الماهيّة النوعيّة ، ولا
ماهيّة نوعيّة للوجود.
__________________
ويظهر أيضا أنّ
الوجود لا ضدّ له ، لأنّ الضدّين ـ كما سيأتي ـ أمران وجوديّان
متعاقبان على موضوع واحد ، داخلان تحت جنس قريب ، بينهما غاية الخلاف ؛ والوجود لا
موضوع له ولا جنس له ولا له خلاف مع شيء.
وثالثا
: أنّ الوجود لا
يكون جزءا لشيء ، لأنّ الجزء الآخر والكلّ المركّب منهما إن كانا هما الوجود بعينه
فلا معنى لكون الشيء جزءا لنفسه ، وإن كان أحدهما أو كلاهما غير الوجود كان باطل
الذات ، إذ لا أصيل غير الوجود ، فلا تركيب .
وبهذا البيان يثبت
أنّ الوجود لا جزء له ، ويتبيّن أيضا أنّ الوجود بسيط في ذاته.
ورابعا
: أنّ ما يلحق الوجود
حقيقة من الصفات والمحمولات امور غير خارجة عن ذاته ، إذ لو كانت خارجة كانت باطلة.
وخامسا
: أنّ للموجود من
حيث اتّصافه بالوجود نحو انقسام إلى ما بالذات وما بالعرض ، فالوجود موجود بالذات ـ
بمعنى أنّه عين نفسه ـ والماهيّة موجودة بالعرض ـ أي أنّها ليست [متّصفة] بالوجود
بالنظر إلى نفس ذاتها وإن كانت موجودة بالوجود حقيقة قبال ما ليس بموجود بالوجود ـ.
__________________
وسادسا
: أنّ الوجود عارض
للماهيّة ـ بمعنى أنّ للعقل أن يجرّد الماهيّة عن الوجود ، فيعقلها وحدها من غير
نظر إلى وجودها ـ فليس الوجود عينها ولا جزءا لها. ومن الدليل على ذلك جواز سلب
الوجود عن الماهيّة ، واحتياج اتّصافها به إلى الدليل ، وكونها متساوية النسبة في
نفسها إلى الوجود والعدم ، ولو كان الوجود عينها أو جزءا لها لما صحّ شيء من ذلك .
والمغايرة ـ كما
عرفت ـ عقليّة ، فلا
تنافي اتّحاد الماهيّة والوجود خارجا وذهنا ، فليس هناك إلّا حقيقة واحدة هي
الوجود ، لمكان أصالته واعتباريّتها ، فالماهيّات المختلفة يختلف بها الوجود نحوا
من الاختلاف من غير أن يزيد على الوجود شيء ، وهذا معنى قولهم : «إنّ الماهيّات
أنحاء الوجود» . وإلى هذا الاختلاف يؤول ما بين الماهيّات الموجودة من
التميّز والبينونة واختلاف الآثار ، وهو معنى قولهم : «إنّ الماهيّات حدود الوجود»
. فذات كلّ ماهيّة موجودة حدّ لا يتعدّاه وجودها ، ويلزمه سلوب بعدد الماهيّات
الموجودة الخارجة عنها. فماهيّة الإنسان الموجودة ـ مثلا ـ حدّ لوجوده ، لا
يتعدّاه وجوده إلى غيره ، فهو ليس بفرس ، وليس ببقر ، وليس بشجر ، وليس بحجر ، إلى
آخر الماهيّات الموجودة المباينة للإنسان.
وسابعا
: أنّ ثبوت كلّ شيء ـ
أيّ نحو من الثبوت فرض ـ إنّما هو لوجود هناك خارجيّ يطرد العدم لذاته. فللتصديقات
النفس الأمريّة ـ الّتي لا مطابق لها في
__________________
خارج ولا في ذهن ـ
مطابق ثابت نحوا من الثبوت التبعيّ بتبع الموجودات الحقيقيّة.
توضيح ذلك : أنّ
من التصديقات الحقّة ما له مطابق في الخارج ، نحو «الإنسان موجود» و «الإنسان
كاتب». ومنها ما له مطابق في الذهن ، نحو «الإنسان نوع» و «الحيوان جنس». ومنها ما
له مطابق يطابقه لكنّه غير موجود في الخارج ولا في الذهن ، كما في قولنا : «عدم
العلّة علّة لعدم المعلول» و «العدم باطل الذات» إذ العدم لا تحقّق له في خارج ولا
في ذهن ، ولا لأحكامه وآثاره. وهذا النوع من القضايا تعتبر مطابقته لنفس الأمر ، فإنّ
العقل إذا صدّق كون وجود العلّة علّة لوجود المعلول اضطرّ إلى تصديق أنّه ينتفي
إذا انتفت علّته ، وهو كون عدمها علّة لعدمه ، ولا مصداق محقّق للعدم في خارج ولا
في ذهن ، إذ كلّ ما حلّ في واحد منهما فله وجود.
والذيّ ينبغي أن
يقال بالنظر إلى الأبحاث السابقة أنّ الأصيل هو الموجود الحقيقيّ ، وهو الوجود ، وله
كلّ حكم حقيقيّ. ثمّ لمّا كانت الماهيّات ظهورات الوجود للأذهان توسّع العقل
توسّعا اضطراريّا باعتبار الوجود لها وحمله عليها ، وصار مفهوم الوجود والثبوت
يحمل على الوجود والماهيّة وأحكامهما جميعا. ثمّ توسّع العقل توسّعا اضطراريّا
ثانيا بحمل مطلق الثبوت والتحقّق على كلّ مفهوم يضطرّ إلى اعتباره بتبع الوجود أو
الماهيّة ، كمفهوم العدم والماهيّة والقوّة ، والفعل ، ثمّ التصديق بأحكامها.
فالظرف الّذي
يفرضه العقل لمطلق الثبوت والتحقّق ـ بهذا المعنى الأخير ـ هو الّذي نسمّيه «نفس
الأمر» ويسع الصوادق من القضايا الذهنيّة والخارجيّة. وما يصدّقه العقل ولا مطابق
له في ذهن أو خارج ، غير أنّ الامور النفس الأمريّة لوازم عقليّة للماهيّات
متقرّرة بتقرّرها. وللكلام تتمّة ستمرّ بك إن شاء الله تعالى .
وقيل
: المراد بالأمر في نفس الأمر عالم الأمر ، وهو عقل كلّيّ
فيه صور
__________________
المعقولات جميعا.
والمراد بمطابقة القضيّة لنفس الأمر مطابقتها لما عنده من الصورة المعقولة.
وفيه : أنّ الكلام
منقول إلى ما عنده من الصورة المعقولة ، وهي صورة معقولة تقتضي مطابقا فيما وراءها
تطابقه.
وقيل
:
المراد بنفس الأمر
نفس الشيء ، فهو من وضع الظاهر موضع الضمير ، فكون العدم ـ مثلا ـ باطل الذات في
نفس الأمر كونه في نفسه كذلك.
وفيه
: أنّ ما لا مطابق
له في خارج ولا في ذهن لا نفسيّة له حتّى يطابقها هو وأحكامه.
وثامنا
: أنّ الشيئيّة
مساوقة للوجود ، فما لا وجود له لا شيئيّة له ، فالمعدوم من حيث هو معدوم
ليس بشيء.
ونسب إلى المعتزلة
أنّ للماهيّات الممكنة المعدومة شيئيّة في العدم ، وأنّ بين الوجود والعدم
واسطة يسمّونها «الحال» وعرّفوها بصفة الموجود الّتي ليست موجودة ولا معدومة
كالضاحكيّة والكاتبيّة للإنسان ، لكنّهم ينفون الواسطة بين
__________________
النفي والإثبات ، فالمنفيّ
هو المحال ؛ والثابت هو الواجب والممكن الموجود ، والممكن المعدوم ، والحال الّتي
ليست بموجودة ولا معدومة.
وهذه دعاو يدفعها
صريح العقل ، وهي بالاصطلاح أشبه منها بالنظرات العلميّة ، فالصفح عن البحث عنها
أولى.
وتاسعا
: أنّ حقيقة الوجود
بما هي حقيقة الوجود لا سبب لها وراءها ـ أي أنّ هويّته العينيّة الّتي هي
لذاتها أصيلة موجودة طاردة للعدم ، لا تتوقّف في تحقّقها على شيء خارج من هذه
الحقيقة ـ سواء كان سببا تامّا أو ناقصا ، وذلك لمكان أصالتها وبطلان ما وراءها.
نعم! لا بأس بتوقّف بعض مراتب هذه الحقيقة على بعض ، كتوقّف الوجود الإمكانيّ على
الوجود الواجبيّ وتوقّف بعض الممكنات على بعض.
ومن هنا يظهر أن
لا مجرى لبرهان اللمّ في الفلسفة الإلهيّة الباحثة عن أحكام الموجود من حيث هو موجود .
وعاشرا
: أنّ حقيقة الوجود
حيث كانت عين حيثيّة ترتّب الآثار كانت عين الخارجيّة ، فيمتنع أن تحلّ الذهن فتتبدّل ذهنيّة
لا تترتّب عليها الآثار ، لاستلزامه الانقلاب المحال. وأمّا الوجود الذهنيّ ـ
الّذي سيأتي إثباته إن شاء الله ـ فهو من حيث كونه
يطرد عن نفسه العدم وجود خارجيّ مترتّب عليه الآثار ، وإنّما يعدّ ذهنيّا لا
تترتّب عليه الآثار بقياسه إلى المصداق الخارجيّ الّذي بحذائه.
__________________
فقد بان أنّ حقيقة
الوجود لا صورة عقليّة لها كالماهيّات الموجودة في الخارج الّتي
لها صورة عقليّة .
وبان أيضا أنّ
نسبة مفهوم الوجود إلى الوجودات الخارجيّة ليست نسبة الماهيّة الكلّيّة إلى
أفرادها الخارجيّة.
وتبيّن بما تقدّم
أيضا أنّ المفهوم إنمّا تكون ماهيّة إذا كان لها فرد خارجيّ يقوّمه وتترتّب عليه
آثارها.
__________________
الفصل الثالث
في أنّ الوجود حقيقة مشكّكة
لا ريب أنّ
الهويّات العينيّة الخارجيّة تتّصف بالكثرة ، تارة من جهة أنّ هذا
إنسان وذاك فرس وذلك شجر ونحو ذلك ، وتارة بأنّ هذا بالفعل وذاك بالقوّة ، وهذا
واحد وذاك كثير ، وهذا حادث وذاك قديم ، وهذا ممكن وذاك واجب ، وهكذا.
وقد ثبت بما
أوردناه في الفصل السابق أنّ الكثرة من الجهة الاولى ـ وهي الكثرة الماهويّة ـ
موجودة في الخارج بعرض الوجود ، وأنّ الوجود متّصف بها
__________________
بعرض الماهيّة ، لمكان
أصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة.
وأمّا الكثرة من
الجهة الثانية فهي الّتي تعرض الوجود من جهة الانقسامات الطارئة عليه نفسه ، كانقسامه
إلى الواجب والممكن ، وإلى الواحد والكثير ، وإلى ما بالفعل وما بالقوّة ، ونحو
ذلك. وقد تقدّم في الفصل السابق أنّ الوجود بسيط وأنّه لا غير له ، ويستنتج من ذلك أنّ هذه
الكثرة مقوّمة للوجود ـ بمعنى أنّها فيه غير خارجة منه ـ وإلّا كانت جزءا
منه ولا جزء للوجود ، أو حقيقة خارجة منه ولا خارج من الوجود.
فللوجود كثرة في
نفسه ، فهل هناك جهة وحدة ترجع إليها هذه الكثرة من غير أن تبطل بالرجوع ، فتكون حقيقة الوجود كثيرة في عين أنّها واحدة ، وواحدة
في عين أنّها كثيرة ؛ وبتعبير آخر : حقيقة مشكّكة ذات مراتب مختلفة يعود ما به
الامتياز في كلّ مرتبة إلى ما به الاشتراك ـ كما نسب إلى الفهلويّين ـ أو لا جهة وحدة
فيها ، فيعود الوجود حقائق متباينة بتمام الذات ، يتميّز كلّ منها من غيره بتمام
ذاته البسيطة ، لا بالجزء ، ولا بأمر خارجيّ ـ كما نسب إلى المشّائين ـ؟
الحقّ أنّها حقيقة واحدة في عين أنّها كثيرة ، لأنّا ننتزع من جميع مراتبها
__________________
ومصاديقها مفهوم
الوجود العامّ الواحد البديهيّ ، ومن الممتنع انتزاع مفهوم واحد من مصاديق كثيرة
بما هي كثيرة غير راجعة إلى وحدة مّا .
__________________
ويتبيّن به أنّ
الوجود حقيقة مشكّكة ذات مراتب مختلفة ، كما مثّلوا له بحقيقة النور على ما يتلقّاه الفهم الساذج أنّه حقيقة واحدة ذات مراتب مختلفة في الشدّة والضعف ، فهناك
نور قويّ ومتوسّط وضعيف مثلا ، وليست المرتبة القويّة نورا وشيئا زائدا على
النوريّة ، ولا المرتبة الضعيفة تفقد من حقيقة النور شيئا أو تختلط بالظلمة الّتي
هي عدم النور ، بل لا تزيد كلّ واحدة من مراتبه المختلفة على حقيقة النور المشتركة
شيئا ، ولا تفقد منها شيئا ، وإنّما هي النور في مرتبة خاصّة بسيطة لم تتألّف من
أجزاء ولم ينضمّ إليها ضميمة ، وتمتاز من غيرها بنفس ذاتها الّتي هي النوريّة
المشتركة.
فالنور حقيقة
واحدة بسيطة ، متكثّرة في عين وحدتها ، ومتوحّدة في عين كثرتها. كذلك الوجود حقيقة
واحدة ذات مراتب مختلفة بالشدّة والضعف والتقدّم والتأخّر والعلوّ والدنوّ وغيرها .
ويتفرّع على ما
تقدّم امور :
الأمر
الأوّل : أنّ التمايز
بين مرتبة من مراتب الوجود ومرتبة اخرى إنّما هو بنفس ذاتها البسيطة الّتي ما به
الاشتراك فيها عين ما به الامتياز. ولا ينافيه مع ذلك أن ينسب العقل التمايز
الوجوديّ إلى جهة الكثرة في الوجود دون جهة الوحدة ،
__________________
ولا أن ينسب
الاشتراك والسنخيّة إلى جهة الوحدة.
الأمر
الثاني : أنّ بين مراتب
الوجود إطلاقا وتقييدا بقياس بعضها إلى بعض ، لمكان ما فيها من الاختلاف بالشدّة
والضعف ونحو ذلك. وذلك أنّا إذا فرضنا مرتبتين من الوجود ضعيفة وشديدة ، وقع
بينهما قياس وإضافة بالضرورة ، وكان من شأن المرتبة الضعيفة أنّها لا تشتمل على
بعض ما للمرتبة الشديدة من الكمال ، لكن ليس شيء من الكمال الّذي في المرتبة
الضعيفة إلّا والمرتبة الشديدة واجدة له. فالمرتبة الضعيفة كالمؤلّفة من وجدان
وفقدان ، فذاتها مقيّدة بعدم بعض ما في المرتبة الشديدة من الكمال. وإن شئت فقل : «محدودة».
وأمّا المرتبة الشديدة فذاتها مطلقة غير محدودة بالنسبة إلى المرتبة الضعيفة.
وإذا فرضنا مرتبة
اخرى فوق الشديدة كانت نسبة الشديدة إلى هذه الّتي فرضنا فوقها كنسبة الّتي دونها
إليها ، وصارت الشديدة محدودة بالنسبة إلى ما فوقها كما كانت مطلقة بالنسبة إلى ما
دونها. وعلى هذا القياس في المراتب الذاهبة إلى فوق حتّى تقف في مرتبة ليست فوقها
مرتبة ، فهي المطلقة من غير أن تكون محدودة إلّا بأنّها لا حدّ لها .
والأمر بالعكس
ممّا ذكر إذا أخذنا مرتبة ضعيفة واعتبرناها مقيسة إلى ما هي أضعف منها ، وهكذا
حتّى ننتهي إلى مرتبة من الكمال والفعليّة ليس لها من الفعليّة إلّا فعليّة أن لا
فعليّة لها.
الأمر
الثالث : تبيّن من جميع
ما مرّ أنّ للمراتب المترتّبة من الوجود حدودا غير أعلى المراتب ، فإنّها محدودة
بأنّها لا حدّ لها. وظاهر أنّ هذه الحدود الملازمة للسلوب والأعدام والفقدانات
الّتي نثبتها في مراتب الوجود ، وهي أصيلة وبسيطة إنّما هي من ضيق التعبير ، وإلّا
فالعدم نقيض الوجود ومن المستحيل أن يتخلّل في مراتب نقيضه.
__________________
وهذا المعنى ـ
أعني دخول الأعدام في مراتب الوجود المحدودة وعدم دخولها المؤدّي إلى الصرافة ـ نوع من البساطة والتركيب في الوجود
، غير البساطة والتركيب المصطلح عليها في موارد اخرى ، وهو البساطة والتركيب من
جهة الأجزاء الخارجيّة أو العقليّة أو الوهميّة .
الأمر
الرابع : أنّ المرتبة
كلّما تنزّلت زادت حدودها وضاق وجودها ، وكلّما عرجت وزادت قربا من أعلى المراتب
قلّت حدودها واتّسع وجودها حتّى يبلغ أعلى المراتب ، فهي مشتملة على كلّ كمال وجوديّ
من غير تحديد ، ومطلقة من غير نهاية.
الأمر
الخامس : أنّ للوجود
حاشيتين من حيث الشدّة والضعف ، وهذا ما يقضي به القول بكون الوجود حقيقة مشكّكة.
الأمر
السادس : أنّ للوجود بما
لحقيقته من السعة والانبساط تخصّصا بحقيقته العينيّة البسيطة ، وتخصّصا بمرتبة من
مراتبه المختلفة البسيطة الّتي يرجع ما به الامتياز فيها إلى ما به الاشتراك ، وتخصّصا
بالماهيّات المنبعثة عنه المحدّدة له ، ومن المعلوم أنّ التخصّص بأحد الوجهين
الأوّلين ممّا يلحقه بالذات وبالوجه الثالث أمر يعرضه بعرض الماهيّات.
__________________
الفصل الرابع
في شطر من أحكام العدم
قد تقدّم أنّ العدم لا شيئيّة له ، فهو محض الهلاك والبطلان .
وممّا يتفرّع عليه
أن لا تمايز في العدم ، إذ التمايز بين شيئين إمّا بتمام الذات كالنوعين تحت
مقولتين ، أو ببعض الذات كالنوعين تحت مقولة واحدة ، أو بما يعرض الذات كالفردين
من نوع ، ولا ذات للعدم.
نعم! ربّما يضاف
العدم إلى الوجود ، فيحصل له حظّ من الوجود ويتبعه نوع من التمايز ، كعدم البصر
الّذي هو العمى المتميّز من عدم السمع الّذي هو الصمم ، وكعدم زيد وعدم عمرو
المتميّز أحدهما من الآخر.
وبهذا الطريق ينسب
العقل إلى العدم العلّيّة والمعلوليّة حذاء ما للوجود من
__________________
ذلك ، فيقال : «عدم
العلّة علّة لعدم المعلول» حيث يضيف العدم إلى العلّة والمعلول فيتميّز العدمان ، ثمّ
يبنى عدم المعلول على عدم العلّة كما كان يتوقّف وجود المعلول على وجود العلّة . وذلك نوع من التجوّز ، حقيقته الإشارة إلى ما بين الوجودين من التوقّف .
ونظير العدم
المضاف العدم المقيّد بأيّ قيد يقيّده ، كالعدم الذاتيّ والعدم الزمانيّ والعدم
الأزليّ . ففي جميع ذلك يتصوّر مفهوم العدم ويفرض له مصداق على حدّ
سائر المفاهيم ، ثمّ يقيّد المفهوم فيتميّز المصداق ، ثمّ يحكم على المصداق ـ على
ما له من الثبوت المفروض ـ بما يقتضيه من الحكم ، كاعتبار عدم العدم قبال العدم ، نظير
اعتبار العدم المقابل للوجود قبال الوجود.
وبذلك يندفع الإشكال في اعتبار عدم العدم ، بأنّ العدم المضاف إلى العدم نوع من
العدم ، وهو ـ بما أنّه رافع
للعدم المضاف إليه ـ يقابله تقابل
__________________
التناقض ، والنوعيّة والتقابل لا يجتمعان البتّة .
وجه
الإندفاع ـ كما أفاده صدر المتألّهين رحمهالله ـ أنّ الجهة
مختلفة ، فعدم
__________________
العدم ـ بما أنّه
مفهوم أخصّ من مطلق العدم مأخوذ فيه العدم ـ نوع من العدم ، وبما أنّ للعدم المضاف
إليه ثبوتا مفروضا يرفعه العدم المضاف ـ رفع النقيض للنقيض ـ يقابله العدم المضاف.
وبمثل ذلك يندفع
ما اورد على قولهم : «المعدوم المطلق لا يخبر عنه» بأنّ القضيّة
تناقض نفسها ، فإنّها تدلّ على عدم الإخبار عن المعدوم المطلق ، وهذا بعينه خبر
عنه.
ويندفع بأنّ
المعدوم المطلق بما أنّه بطلان محض في الواقع لا خبر عنه ، وبما أنّ لمفهومه ثبوتا
مّا ذهنيّا يخبر عنه بأنّه لا يخبر عنه فالجهتان مختلفتان. وبتعبير آخر : المعدوم
المطلق بالحمل الشائع لا يخبر عنه ، وبالحمل الاوّليّ يخبر عنه بأنّه لا يخبر عنه .
وبمثل ما تقدّم
أيضا يندفع الشبهة عن عدّة من القضايا توهم التناقض ؛ كقولنا : «الجزئيّ
جزئيّ» وهو بعينه كلّيّ يصدق على كثيرين. وقولنا : «اجتماع النقيضين ممتنع» وهو
بعينه ممكن موجود في الذهن ، وقولنا : «الشيء إمّا ثابت في الذهن أو لا ثابت فيه»
واللا ثابت في الذهن ثابت فيه ، لأنّه معقول موجود
__________________
بوجود ذهنيّ.
فالجزئيّ جزئي
بالحمل الأوّليّ ، كلّي صادق على كثيرين بالحمل الشائع ؛ واجتماع النقيضين ممكن بالحمل الأوّليّ ، ممتنع بالحمل
الشائع ، واللا ثابت في الذهن لا ثابت فيه بالحمل الأوّليّ ، ثابت
فيه بالحمل الشائع.
__________________
الفصل الخامس
في أنّه لا تكرّر في الوجود
كلّ موجود في
الأعيان فإنّ هويّته العينيّة وجوده ، على ما تقدّم من أصالة الوجود ، والهويّة العينيّة تأبى بذاته الصدق على كثيرين ، وهو
التشخّص ، فالشخصيّة للوجود بذاته. فلو فرض لموجود وجودان ، كانت هويّته العينيّة
الواحدة كثيرة وهي واحدة ، هذا محال .
وبمثل البيان
يتبيّن استحالة وجود مثلين من جميع الجهات ، لأنّ لازم فرض مثلين اثنين التمايز
بينهما بالضرورة ، ولازم فرض التماثل من كلّ جهة عدم التمايز بينهما ، وفي ذلك
اجتماع النقيضين ، هذا محال.
وبالجملة : من الممتنع أن يوجد موجود واحد بأكثر من وجود واحد ، سواء
كان الوجودان ـ مثلا ـ واقعين في زمان واحد من غير تخلّل العدم بينهما أو منفصلين
يتخلّل العدم بينهما. فالمحذور ـ وهو لزوم العينيّة مع فرض الاثنينيّة ـ في
الصورتين سواء.
والقول ب «أنّ الوجود الثاني متميّز من الأوّل بأنّه مسبوق بالعدم
بعد الوجود ، بخلاف الأوّل ، وهذا كاف في تصحيح الاثنينيّة ، وغير مضرّ بالعينيّة ،
__________________
لأنّه تميّز بعدم»
مردود بأنّ العدم بطلان محض ، لا كثرة فيه ولا تميّز ، وليس فيه ذات متّصفة بالعدم
يلحقها وجود بعد ارتفاع وصفه . فقد تقدّم أنّ ذلك كلّه اعتبار عقليّ بمعونة الوهم الّذي يضيف العدم
إلى الملكة ، فيتعدّد العدم ويتكثّر بتكثّر الملكات. وحقيقة كون الشيء مسبوق
الوجود بعدم وملحوق الوجود به ـ وبالجملة : إحاطة العدم به من قبل ومن بعد ـ
اختصاص وجوده بظرف من ظروف الواقع وقصوره عن الانبساط على سائر الظروف من الأعيان
، لا أنّ للشيء وجودا واقعيّا في ظرف من ظروف الواقع ، وللعدم تقرّر واقع منبسط
على سائر الظروف ربّما ورد على الوجود فدفعه عن مستقرّه واستقرّ هو فيه ، فإنّ فيه
إعطاء الأصالة للعدم واجتماع النقيضين.
والحاصل : أنّ تميّز الوجود الثاني تميّز وهميّ لا يوجب تميّزا
حقيقيّا ، ولو أوجب ذلك أوجب البينونة بين الوجودين وبطلت العينيّة.
والقول بـ «أنّه لم لا يجوز أن يوجد الموجد شيئا ، ثمّ يعدم ، وله
بشخصه صورة علميّة عنده أو عند بعض المبادئ العالية ، ثمّ يوجد ثانيا على ما علم
فيستحفظ الوحدة والعينيّة بين الوجودين بالصورة العلميّة؟» يدفعه أنّ الوجود
الثاني كيفما فرض وجود بعد وجود ، وغيريّته وبينونته للوجود الأوّل بما أنّه بعده
ضروريّ ، ولا تجتمع العينيّة والغيريّة البتّة.
وهذا الّذي تقرّر ـ
من استحالة تكرّر الوجود لشيء مع تخلّل العدم ـ هو المراد بقولهم : «إنّ إعادة
المعدوم بعينه ممتنعة» . وقد عدّ الشيخ امتناع إعادة المعدوم
__________________
بعينه ضروريّا .
وقد أقاموا على
ذلك حججا هي تنبيهات بناء على ضروريّة المسألة :
منها : أنّه لو جاز للموجود في زمان أن ينعدم زمانا ثمّ يوجد
بعينه في زمان آخر لزم تخلّل العدم بين الشيء ونفسه ، وهو محال ، لاستلزامه وجود
الشيء في زمانين بينهما عدم متخلّل.
ومنها : أنّه لو جازت إعادة الشيء بعينه بعد انعدامه جاز إيجاد
ما يماثله من جميع الوجوه ابتداء ، وهو محال. أمّا الملازمة فلأنّ الشيء المعاد
بعينه وما يماثله من جميع الوجوه مثلان ، وحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز
واحد. فلو جاز إيجاده بعينه ثانيا بنحو الإعادة جاز إيجاد مثله ابتداء. وأمّا
استحالة اللازم فلاستلزام اجتماع المثلين في الوجود عدم التميّز بينهما ، وهما إثنان
متمايزان.
ومنها : أنّ إعادة المعدوم بعينه توجب كون المعاد هو المبتدأ ، لأنّ
فرض العينيّة يوجب كون المعاد هو المبتدأ ذاتا وفي جميع الخصوصيّات المشخّصة حتّى
الزمان ، فيعود المعاد مبتدأ وحيثيّة الإعادة عين حيثيّة الابتداء.
ومنها : أنّه لو جازت الإعادة لم يكن عدد العود بالغا حدّا
معيّنا يقف عليه ، إذ لا فرق بين العودة الاولى والثانية والثالثة وهكذا إلى ما لا
نهاية له. كما لم يكن فرق بين المعاد والمبتدأ ، وتعيّن العدد من لوازم وجود الشيء
المتشخّص.
وذهب جمع من المتكلّمين ـ نظرا إلى أنّ
المعاد الّذي نطقت به الشرائع
__________________
الحقّة إعادة
للمعدوم ـ إلى جواز الإعادة. واستدلّوا عليه بأنّه لو امتنعت إعادة المعدوم بعينه
لكان ذلك إمّا لماهيّته أو لأمر لازم لماهيّته ، ولو كان كذلك لم يوجد ابتداء ، أو
لأمر مفارق فيزول الامتناع بزواله .
وردّ بأنّ
الامتناع لأمر لازم لوجوده لا لماهيّته .
وأمّا ما نطقت به
الشرائع الحقّة فالحشر والمعاد انتقال من نشأة إلى نشأة اخرى وليس إيجادا بعد
الإعدام.
__________________
المرحلة الثانية
في الوجود المستقلّ والرابط
وفيها ثلاثة فصول
الفصل الأوّل
في انقسام الوجود إلى المستقلّ والرابط
ينقسم الموجود إلى
ما وجوده في نفسه ونسمّيه «الوجود المستقلّ والمحموليّ» أو «النفسيّ» ، وما وجوده في غيره ونسمّيه «الوجود الرابط» .
وذلك أنّ هناك
قضايا خارجيّة تنطبق بموضوعاتها ومحمولاتها على الخارج ، كقولنا : «زيد قائم» و «الإنسان
ضاحك» مثلا ، وأيضا مركّبات تقييديّة مأخوذة من هذه القضايا ، كقيام زيد وضحك
الإنسان ، نجد فيها بين أطرافها ـ من الأمر الّذي نسمّيه نسبة وربطا ـ ما لا نجده
في الموضوع وحده ، ولا في المحمول وحده ، ولا بين الموضوع وغير المحمول ، ولا بين
المحمول وغير الموضوع ، فهناك أمر موجود وراء الموضوع والمحمول .
__________________
وليس منفصل الذات
عن الطرفين بحيث يكون ثالثهما ومفارقا لهما كمفارقة أحدهما الآخر ، وإلّا
احتاج إلى رابط يربطه بالموضوع ورابط آخر يربطه بالمحمول ، فكان المفروض ثلاثة
خمسة ، واحتاج الخمسة إلى أربعة روابط اخر وصارت تسعة ، وهلمّ جرّا ، فتسلسل أجزاء
القضية أو المركّب إلى غير النهاية ، وهي محصورة بين حاصرين ، هذا محال. فهو إذن
موجود في الطرفين قائم بهما ، بمعنى ما ليس بخارج منهما من غير أن يكون عينهما أو
جزءهما أو عين أحدهما أو جزءه ، ولا أن ينفصل منهما ؛ والطرفان اللذان وجوده فيهما هما بخلافه. فثبت أنّ من الموجود ما وجوده في نفسه وهو «المستقلّ»
، ومنه ما وجوده في غيره وهو «الرابط».
وقد ظهر ممّا
تقدّم أنّ معنى توسّط النسبة بين الطرفين كون وجودها قائما بالطرفين رابطا بينهما.
ويتفرّع عليه امور
:
الأوّل
: أنّ الوعاء
الّذي يتحقّق فيه الوجود الرابط هو الوعاء الّذي يتحقّق فيه وجود طرفيه ، سواء كان
الوعاء المذكور هو الخارج أو الذهن ؛ وذلك لما في طباع الوجود الرابط من كونه غير
خارج من وجود طرفيه ؛ فوعاء وجود كلّ منهما هو بعينه وعاء وجوده ، فالنسبة
الخارجيّة إنّما تتحقّق بين طرفين خارجيّين ، والنسبة الذهنيّة إنّما تتحقّق بين
طرفين ذهنيّين. والضابط أنّ وجود الطرفين مسانخ لوجود النسبة الدائرة بينهما
وبالعكس.
__________________
الثاني : أنّ تحقّق الوجود الرابط بين الطرفين يوجب نحوا من
الاتّحاد الوجوديّ بينهما ؛ وذلك لما أنّه متحقّق فيهما غير متميّز الذات منهما ، ولا
خارج منهما. فوحدته الشخصيّة تقضي بنحو من الاتّحاد بينهما ، سواء كان هناك حمل
كما في القضايا ، أو لم يكن كغيرها من المركّبات ، فجميع هذه الموارد لا يخلو من
ضرب من الاتّحاد.
الثالث : أنّ القضايا المشتملة على الحمل الأوّليّ ، كقولنا : «الإنسان
إنسان» لا رابط فيها إلّا بحسب الاعتبار الذهنيّ فقط. وكذا الهليّات البسيطة
كقولنا : «الإنسان موجود» إذ لا معنى لتحقّق النسبة الرابطة بين الشيء ونفسه.
الرابع : أنّ العدم لا يتحقّق منه رابط ، إذ لا شيئيّة له ولا
تميّز فيه. ولازمه أنّ القضايا الموجبة الّتي أحد طرفيها أو كلاهما العدم ـ كقولنا
: «زيد معدوم» و «شريك البارئ معدوم» ـ لا عدم رابطا فيها ، إذ لا معنى لقيام عدم
بعدمين أو بوجود وعدم ، ولا شيئيّة له ولا تميّز فيه ، اللهمّ إلّا بحسب الاعتبار
الذهنيّ.
ونظيرتها القضايا
السالبة ـ كقولنا : «ليس الإنسان بحجر» ـ فلا عدم رابطا فيها إلّا بحسب الاعتبار
الذهنيّ.
الخامس : أنّ الوجودات الرابطة لا ماهيّة لها ، لأنّ الماهيّات هي
المقولة في جواب ما هو ، فهي مستقلّة بالمفهوميّة ، والوجودات الرابطة لا مفهوم
لها مستقلّا بالمفهوميّة.
الفصل الثاني
في كيفيّة اختلاف الوجود الرابط والمستقلّ
هل الاختلاف بين
الوجود المستقلّ والرابط اختلاف نوعيّ أو لا؟ بمعنى أنّ الوجود الرابط ـ وهو ذو معنى
تعلّقيّ ـ هل يجوز أن ينسلخ عن هذا الشأن فيعود معنى مستقلّا بتوجيه الالتفات إليه
مستقلّا بعد ما كان ذا معنى حرفيّ أو لا يجوز ؟
الحقّ
هو الثاني ، لما سيأتي في أبحاث العلّة والمعلول أنّ حاجة المعلول إلى العلّة مستقرّة في ذاته ، ولازم ذلك
أن يكون عين الحاجة ، وقائم الذات بوجود العلّة ، لا استقلال له دونها بوجه ؛
ومقتضى ذلك أن يكون وجود كلّ معلول ـ سواء كان جوهرا أو عرضا ـ رابطا بالنظر إلى
علّته ، وإن كان بالنظر إلى نفسه
__________________
وبمقايسة بعضه إلى
بعض جوهرا أو عرضا موجودا في نفسه.
فتقرّر أنّ اختلاف
الوجود الرابط والمستقلّ ليس اختلافا نوعيّا بأن لا يقبل المفهوم غير المستقلّ
الّذي ينتزع من الرابط التبدّل إلى المفهوم المستقلّ المنتزع من المستقلّ.
ويتفرّع على ما
تقدّم امور :
الأوّل : أنّ المفهوم في استقلاله بالمفهوميّة وعدم استقلاله تابع
لوجوده الّذي ينتزع منه ، وليس له من نفسه إلّا الإبهام . فحدود الجواهر والأعراض ماهيّات جوهريّة وعرضيّة بقياس
بعضها إلى بعض وبالنظر إلى أنفسها ، وروابط وجوديّة بقياسها إلى المبدأ الأوّل
تبارك وتعالى ، وهي في أنفسها ـ مع قطع النظر عن وجودها ـ لا مستقلّة ولا رابطة.
الثاني
: أنّ من الوجودات
الرابطة ما يقوم بطرف واحد ، كوجود المعلول بالقياس إلى علّته ؛ كما أنّ منها ما
يقوم بطرفين ، كوجودات سائر النسب والإضافات.
الثالث : أنّ نشأة الوجود لا تتضمّن إلّا وجودا واحدا مستقلّا ، هو
الواجب عزّ إسمه ، والباقي روابط ونسب وإضافات.
__________________
الفصل الثالث
في انقسام الوجود في نفسه إلى ما لنفسه وما لغيره
ينقسم الموجود في
نفسه إلى ما وجوده لنفسه وما وجوده لغيره. والمراد بكون وجود الشيء لغيره أن يكون
وجوده في نفسه ـ وهو الوجود الّذي يطرد عن ماهيّته العدم ـ هو بعينه طاردا للعدم
عن شيء آخر ، لا لعدم ماهيّة ذلك الشيء الآخر وذاته ، وإلّا كانت لموجود واحد
ماهيّتان ، وهو محال ، بل لعدم زائد على ماهيّته وذاته ، له نوع من المقارنة له ، كالعلم
الّذي يطرد بوجوده العدم عن ماهيّة نفسه ، وهو بعينه يطرد الجهل الّذي هو عدم مّا
عن موضوعه.
والحجّة على تحقّق
هذا القسم ـ أعني الوجود لغيره ـ وجودات الأعراض ، فإنّ كلّا منها كما يطرد عن
ماهيّة نفسه العدم يطرد عن موضوعه عدما مّا زائدا على ذاته. وكذلك الصور النوعيّة
المنطبعة ، فإنّ لها نوع حصول لموادّها تطرد به العدم عن موادّها ، لا عدم ذاتها ،
بل نقصا جوهريّا تكمل بطرده ، وهو المراد بكون وجود الشيء لغيره وناعتا.
ويقابله ما كان
وجوده طاردا للعدم عن ماهيّة نفسه فحسب ، وهو الوجود لنفسه ، كالأنواع التامّة
الجوهريّة كالإنسان والفرس وغيرهما.
فتقرّر أنّ الوجود
في نفسه ينقسم إلى ما وجوده لنفسه وما وجوده لغيره ،
__________________
وذلك هو المطلوب.
ويتبيّن بما مرّ
أنّ وجود الأعراض من شؤون وجود الجواهر الّتي هي موضوعاتها ، وكذلك وجود الصور
المنطبعة غير مباين لوجود موادّها.
ويتبيّن به أيضا
أنّ المفاهيم المنتزعة عن الوجودات الناعتة الّتي هي أوصاف لموضوعاتها ليست
بماهيّات لها ولا لموضوعاتها ؛ وذلك لأنّ المفهوم المنتزع عن وجود إنّما يكون
ماهيّة له إذا كان الوجود المنتزع عنه يطرد عن نفسه العدم ، والوجود الناعت يطرد
العدم لا عن نفس المفهوم المنتزع عنه ، مثلا وجود السواد في نفسه يطرد العدم عن
نفس السواد ، فالسواد ماهيّته ، وأمّا هذا الوجود من حيث جعله الجسم أسود فليس
يطرد عدما ، لا عن السواد في نفسه ، ولا عن ماهيّة الجسم المنعوت به ، بل عن صفة يتّصف بها
الجسم خارجة عن ذاته.
__________________
المرحلة الثالثة
في انقسام الوجود إلى ذهنيّ وخارجيّ
وفيها فصل واحد
فصل
في انقسام الوجود إلى ذهنيّ وخارجيّ
المعروف من مذهب
الحكماء أنّ لهذه الماهيّات الموجودة في الخارج المترتّبة عليها آثارها وجودا آخر
لا تترتّب عليها فيه آثارها الخارجيّة بعينها ، وإن ترتّبت آثار اخر غير آثارها
الخارجيّة . وهذا النحو من الوجود هو الّذي
__________________
نسمّيه : «الوجود
الذهنيّ» وهو علمنا بماهيّات الأشياء.
وأنكر الوجود
الذهنيّ قوم ، فذهب بعضهم إلى أنّ العلم إنّما هو نوع إضافة من النفس إلى المعلوم
الخارجيّ.
وذهب بعضهم ـ ونسب إلى
القدماء ـ إلى أنّ الحاصل
في الذهن عند العلم بالأشياء أشباحها المحاكية لها ، كما يحاكي التمثال ذا التمثال
، مع مباينتهما ماهيّة.
وقال آخرون بالأشباح مع المباينة وعدم المحاكاة. ففيه خطأ من النفس
غير أنّه خطأ منظّم لا يختلّ به حياة الإنسان ، كما لو فرض إنسان يرى الحمرة
__________________
خضرة دائما ، فيرتّب
على ما يراه خضرة آثار الحمرة دائما.
والبرهان على ثبوت
الوجود الذهنيّ أنّا نتصوّر هذه الامور الموجودة في الخارج ـ كالإنسان والفرس مثلا
ـ على نعت الكلّيّة والصرافة ، ونحكم عليها بذلك ، ولا نرتاب أنّ لمتصوّرنا هذا ثبوتا مّا في ظرف وجداننا ،
وحكمنا عليه بذلك ، فهو موجود بوجود مّا ؛ وإذ ليس بهذه النعوت موجودا في الخارج ،
لأنّه فيه على نعت الشخصيّة والاختلاط ، فهو موجود في ظرف آخر لا تترتّب عليه فيه
آثاره الخارجيّة ، ونسمّيه : «الذهن».
وأيضا نتصوّر
امورا عدميّة غير موجودة في الخارج ، كالعدم المطلق والمعدوم المطلق واجتماع
النقيضين وسائر المحالات ، فلها ثبوت مّا عندنا لاتّصافها بأحكام ثبوتيّة كتميّزها
من غيرها وحضورها لنا بعد غيبتها عنّا وغير ذلك ؛ وإذ ليس هو الثبوت الخارجيّ ، لأنّها
معدومة فيه ففي الذهن.
ولا نرتاب أنّ
جميع ما نعقله من سنخ واحد ، فالأشياء كما أنّ لها وجودا
__________________
في الخارج ذا آثار
خارجيّة ، لها وجود في الذهن لا تترتّب عليها فيه تلك الآثار الخارجيّة ، وإن
ترتّبت عليها آثار اخر غير آثارها الخارجيّة الخاصّة .
ولو كان هذا الّذي
نعقله من الأشياء هو عين ما في الخارج ـ كما يذهب إليه القائل بالإضافة ـ لم يمكن تعقّل
ما ليس في الخارج كالعدم والمعدوم ، ولم يتحقّق خطأ في علم .
ولو كان الموجود
في الذهن شبحا للأمر الخارجيّ نسبته إليه نسبة التمثال إلى ذي التمثال ارتفعت
العينيّة من حيث الماهيّة ، ولزمت السفسطة ، لعود علومنا جهالات. على أنّ فعليّة
الانتقال من الحاكي إلى المحكيّ تتوقّف على سبق علم بالمحكيّ ، والمفروض توقّف
العلم بالمحكيّ على الحكاية .
ولو كان كلّ علم
مخطئا في الكشف عمّا وراءه لزمت السفسطة وأدّى إلى المناقضة ، فإنّ كون كلّ علم
مخطئا يستوجب أيضا كون هذا العلم بالكلّيّة مخطئا فيكذب ، فيصدق نقيضه وهو كون بعض
العلم مصيبا.
فقد تحصّل أنّ
للماهيّات وجودا ذهنيّا لا تترتّب عليها فيه الآثار ، كما أنّ لها وجودا خارجيّا
تترتّب عليها فيه الآثار. وتبيّن بذلك انقسام الموجود إلى خارجيّ وذهنيّ.
__________________
وقد تبيّن بما مرّ
امور :
الأمر
الأوّل : أنّ الماهيّة
الذهنيّة غير داخلة ولا مندرجة تحت المقولة الّتي كانت داخلة تحتها وهي في الخارج
تترتّب عليها آثارها ، وإنّما لها من المقولة مفهومها فقط ، فالإنسان الذهنيّ وإن
كان هو الجوهر الجسم الناميّ الحسّاس المتحرّك بالإرادة الناطق ، لكنّه ليس ماهيّة
موجودة ، لا في موضوع بما أنّه جوهر ، ولا ذا أبعاد ثلاثة بما أنّه جسم ، وهكذا في
سائر أجزاء حدّ الإنسان ؛ فليس له إلّا مفاهيم ما في حدّه من الأجناس والفصول من
غير ترتّب الآثار الخارجيّة ، ونعني بها الكمالات الأوّليّة والثانويّة ، ولا معنى للدخول والاندراج تحت مقولة إلّا ترتّب آثارها
الخارجيّة ، وإلّا فلو كان مجرّد انطباق مفهوم المقولة على شيء كافيا في اندراجه
تحتها كانت المقولة نفسها مندرجة تحت نفسها ، لحملها على نفسها ، فكانت فردا
لنفسها ، وهذا معنى قولهم : «إنّ الجوهر الذهنيّ جوهر بالحمل الأوّليّ لا بالحمل
الشائع» .
وأمّا تقسيم
المنطقيّين الأفراد إلى ذهنيّة وخارجيّة فمبنيّ على المسامحة تسهيلا للتعليم.
ويندفع بما مرّ
إشكال أوردوه على القول بالوجود الذهنيّ ، وهو أنّ
__________________
الذاتيّات منحفظة
على القول بالوجود الذهنيّ ، فإذا تعقّلنا الجوهر كان جوهرا ، نظرا إلى انحفاظ
الذاتيّات ، وهو بعينه عرض ، لقيامه بالنفس قيام العرض بموضوعه ، فكان جوهرا وعرضا
بعينه ، واستحالته ظاهرة.
وجه
الاندفاع : أنّ المستحيل
كون شيء واحد جوهرا وعرضا معا بالحمل الشائع ، والجوهر المعقول جوهر بالحمل الأوّليّ وعرض بالحمل
الشائع ، فلا استحالة.
وإشكال
ثان : وهو أنّ لازم
القول بالوجود الذهنيّ أن يكون الجوهر المعقول جوهرا نظرا إلى انحفاظ الذاتيّات ، والعلم
عندهم من الكيفيّات النفسانيّة ، فالمعقول من الجوهر مندرج تحت مقولة الجوهر وتحت
مقولة الكيف ، وهو محال ، لأدائه إلى تناقض الذات ، لكون المقولات متباينة بتمام
الذات. وكذا إذا تعقّلنا الكمّ ـ مثلا ـ كانت الصورة المعقولة مندرجة تحت مقولتي
الكمّ والكيف معا ، وهو محال. وكذا إذا تعقّلنا الكيف المبصر ـ مثلا ـ كان مندرجا
تحت نوعين من مقولة الكيف ، وهما الكيف المحسوس والكيف النفسانيّ.
وجه
الاندفاع : أنّه كيف
نفسانيّ بالحمل الشائع ، فهو مندرج تحته ، وأمّا غيره من المقولات أو أنواعها
فمحمول عليه بالحمل الأوّليّ ، وليس ذلك من الاندراج في شيء.
إشكال
ثالث : وهو أنّ لازم
القول بالوجود الذهنيّ كون النفس حارّة وباردة معا ، ومربّعا ومثلّثا معا ، إلى
غير ذلك من المتقابلات عند تصوّرها هذه الأشياء ، إذ لا نعني بالحارّ والبارد
والمربّع والمثلّث إلّا ما حصلت له هذه المعاني الّتي توجد للغير وتنعته.
وجه
الاندفاع : أنّ الملاك في
كون وجود الشيء لغيره وكونه ناعتا له هو الحمل الشائع ، والّذي يوجد في الذهن ـ من
برودة وحرارة ونحوهما ـ هو كذلك بالحمل الأوّليّ دون الشائع.
__________________
وإشكال
رابع : وهو أنّ اللازم
منه كون شيء واحد كلّيّا وجزئيّا معا ، وبطلانه ظاهر. بيان الملازمة : أنّ الإنسان
المعقول ـ مثلا ـ من حيث تجويز العقل صدقه على كثيرين كلّيّ ، وهو بعينه من حيث
كونه موجودا قائما بنفس واحدة شخصيّة يتميّز بها عن غيره جزئيّ ، فهو كلّيّ وجزئيّ
معا.
وجه
الاندفاع : أنّ الجهة
مختلفة ، فالإنسان المعقول ـ مثلا ـ من حيث إنّه مقيس إلى الخارج كلّيّ ، ومن حيث
إنّه كيف نفسانيّ قائم بالنفس غير مقيس إلى الخارج جزئيّ.
وإشكال
خامس : وهو أنّا
نتصوّر المحالات الذاتيّة ، كشريك البارئ وسلب الشيء عن نفسه ، واجتماع النقيضين
وارتفاعهما ، فلو كانت الأشياء حاصلة بذواتها في الذهن استلزم ذلك ثبوت المحالات
الذاتيّة.
وجه
الاندفاع : أنّ الثابت في
الذهن إنّما هو مفاهيمها بالحمل الأوّليّ لا مصاديقها بالحمل الشائع. فالمتصوّر من
شريك البارئ هو شريك البارئ بالحمل الأوّليّ. وأمّا بالحمل الشائع فهو ممكن وكيف
نفسانيّ معلول للبارئ مخلوق له.
الأمر
الثاني : أنّ الوجود
الذهنيّ لمّا كان لذاته مقيسا إلى الخارج كان بذاته حاكيا لما وراءه ، فامتنع أن
يكون للشيء وجود ذهنيّ من دون أن يكون له وجود خارجيّ محقّق ، كالماهيّات
الحقيقيّة المنتزعة من الوجود الخارجيّ ، أو مقدّر ، كالمفاهيم غير الماهويّة
الّتي يتعمّلها الذهن بنوع من الاستمداد من معقولاته ، فيتصوّر مفهوم العدم ـ مثلا
ـ ويقدّر له ثبوتا مّا يحكيه بما تصوّره من المفهوم.
وبالجملة : شأن الوجود الذهنيّ الحكاية لما وراءه من دون أن تترتّب
آثار المحكيّ على الحاكي. ولا ينافي ذلك ترتّب آثار نفسه الخاصّة به من حيث إنّ له
ماهيّة الكيف. وكذا لا ينافيه ما سيأتي أنّ الصور العلميّة مطلقا مجرّدة عن المادّة ، فإنّ ترتّب
آثار الكيف النفسانيّ وكذا التجرّد حكم الصور العلميّة في نفسها ، والحكاية وعدم
ترتّب الآثار حكمها قياسا إلى الخارج ومن حيث كونها وجودا
__________________
ذهنيّا لماهيّة
كذا خارجيّة.
ويندفع بذلك إشكال أوردوه على القائلين بالوجود الذهنيّ ؛ وهو أنّا نتصوّر الأرض على سعتها بسهولها وبراريها
وجبالها وما يحيط بها من السماء بأرجائها البعيدة ، والنجوم والكواكب بأبعادها
الشاسعة ، وحصول هذه المقادير العظيمة في الذهن ـ أي انطباعها في جزء عصبيّ أو جزء
دماغيّ ـ من انطباع الكبير في الصغير ، وهو محال.
ولا يجدى الجواب
عنه بما قيل : «إنّ المحلّ الّذي ينطبع فيه الصور منقسم إلى غير
النهاية» فإنّ الكفّ لا تسع الجبل وإن كانت منقسمة إلى غير النهاية .
وجه
الاندفاع : أنّ الحقّ ـ
كما سيأتي بيانه ـ أنّ الصور
العلميّة الجزئيّة غير مادّيّة ، بل مجرّدة تجرّدا مثاليّا فيه آثار المادّة من
الأبعاد والألوان والأشكال ، دون نفس المادّة ، والانطباع من أحكام المادّة ، ولا
انطباع في المجرّد.
وبذلك يندفع أيضا إشكال آخر : هو أنّ الإحساس والتخيّل على ما بيّنه علماء الطبيعة
بحصول صور الأجسام بما لها من النسب والخصوصيّات الخارجيّة في الأعضاء الحسّاسة ، وانتقالها
إلى الدماغ مع ما لها من التصرّف في الصور
__________________
بحسب طبائعها
الخاصّة ، والإنسان ينتقل إلى خصوصيّات مقاديرها وأبعادها وأشكالها بنوع من
المقايسة بين أجزاء الصورة الحاصلة عنده ـ على ما فصّلوه في محلّه ـ. ومن الواضح
أنّ هذه الصور الحاصلة المنطبعة بخصوصيّاتها في محلّ مادّيّ مباينة للماهيّات
الخارجيّة ، فلا مسوّغ للقول بالوجود الذهنيّ وحضور الماهيّات الخارجيّة بأنفسها
في الأذهان.
وجه
الاندفاع : أنّ ما ذكروه ـ
من الفعل والانفعال المادّيّين عند حصول العلم بالجزئيّات ـ في محلّه ، لكنّ هذه
الصور المنطبعة ليست هي المعلومة بالذات ، وإنّما هي امور مادّيّة معدّة للنفس
تهيّؤها لحضور الماهيّات الخارجيّة عندها بصور مثاليّة مجرّدة غير مادّيّة بناء
على ما سيتبيّن من تجرّد العلم مطلقا ، وقد عرفت أيضا أنّ القول بمغايرة الصور عند الحسّ والتخيّل لذوات الصور
الّتي في الخارج لا ينفكّ عن السفسطة.
الأمر
الثالث : أنّه لمّا كانت
الماهيّات الحقيقيّة الّتي تترتّب عليها آثارها في الخارج هي الّتي تحلّ الأذهان
بدون ترتّب آثارها الخارجيّة ، فلو فرض هناك أمر حيثيّة ذاته عين أنّه في الخارج
ونفس ترتّب الآثار ـ كنفس الوجود العينيّ وصفاته القائمة به كالقوّة والفعل
والوحدة والكثرة ونحوها ـ كان ممتنع الحصول بنفسها في الذهن ، وكذا لو فرض أمر
حيثيّة ذاته المفروضة حيثيّة البطلان وفقدان الآثار ، كالعدم المطلق وما يؤول إليه
، امتنع حلوله الذهن.
فحقيقة الوجود
وكلّ ما حيثيّة ذاته حيثيّة الوجود وكذا العدم المطلق وكلّ ما حيثيّة ذاته
المفروضة حيثيّة العدم يمتنع أن يحلّ الذهن حلول الماهيّات الحقيقيّة. وإلى هذا
يرجع معنى قولهم : «إنّ المحالات الذاتيّة لا صورة صحيحة لها في الأذهان».
وسيأتي إن شاء
الله بيان كيفيّة انتزاع مفهوم الوجود وما يتّصف به والعدم وما يؤول إليه في مباحث
العقل والعاقل والمعقول .
__________________
المرحلة الرابعة
في موادّ القضايا [*]
[الوجوب والامتناع
والإمكان]
وانحصارها في ثلاث
والمقصود بالذات
فيها بيان انقسام الموجود إلى الواجب والممكن ،
والبحث عن
خواصّهما ، وأمّا البحث عن الممتنع وخواصّه
فمقصود بالتّبع
وبالقصد الثاني [**]
وفيها ثمانية فصول
__________________
الفصل الأوّل
في أنّ كلّ مفهوم إمّا واجب وإمّا ممكن وإمّا ممتنع
__________________
كلّ مفهوم فرضناه
ثمّ نسبنا إليه الوجود فإمّا أن يكون الوجود ضروريّ الثبوت له وهو الوجوب ، أو
يكون ضروريّ الانتفاء عنه ـ وذاك كون العدم ضروريّا له ـ وهو الامتناع ، أو
لا يكون الوجود ضروريّا له ولا العدم ضروريّا له وهو الإمكان. وأمّا احتمال كون
الوجود والعدم معا ضروريّين له فمندفع بأدنى التفات . فكلّ مفهوم مفروض إمّا واجب وإمّا ممتنع وإمّا ممكن.
وهذه قضيّة منفصلة
حقيقيّة مقتنصة من تقسيمين دائرين بين النفي والإثبات بأن يقال : «كلّ
مفهوم مفروض ، فإمّا أن يكون الوجود ضروريّا له أو لا. وعلى الثاني فإمّا أن يكون
العدم ضروريّا له أو لا. الأوّل هو الواجب ، والثاني هو الممتنع ، والثالث هو
الممكن».
والذيّ يعطيه
التقسيم من تعريف الموادّ الثلاث أنّ وجوب الشيء كون وجوده ضروريّا له ، وامتناعه
كون عدمه ضروريّا له ، وإمكانه سلب الضرورتين بالنسبة إليه. فالواجب ما يجب وجوده
، والممتنع ما يجب عدمه ، والممكن ما ليس يجب وجوده ولا عدمه .
__________________
وهذه جميعا
تعريفات لفظيّة من قبيل شرح الاسم المفيد للتنبيه ، وليست بتعريفات حقيقيّة ، لأنّ الضرورة واللاضرورة من المعاني البيّنة البديهيّة
الّتي ترتسم في النفس ارتساما أوّليّا تعرف بنفسها ويعرف بها غيرها. ولذلك من حاول
أن يعرّفها تعريفا حقيقيّا أتى بتعريفات دوريّة ، كتعريف الممكن ب «ما ليس بممتنع»
، وتعريف الواجب ب «ما يلزم من فرض عدمه محال» أو «ما فرض عدمه محال» ، وتعريف المحال ب «ما يجب أن لا يكون» إلى غير ذلك.
والّذي يقع البحث
عنه في هذا الفنّ ـ الباحث عن الموجود بما هو موجود ـ بالقصد الأوّل من هذه
الموادّ الثلاث هو الوجوب والإمكان ـ كما تقدّمت الإشارة إليه ـ وهما وصفان
ينقسم بهما الموجود من حيث نسبة وجوده إليه انقساما أوّليّا.
وبذلك يندفع ما
اورد على كون الإمكان وصفا ثابتا للممكن يحاذي الوجوب الّذي هو وصف ثابت للواجب. تقريره : أنّ
الإمكان ـ كما تحصّل من التقسيم السابق ـ سلب ضرورة الوجود وسلب ضرورة العدم ، فهما
سلبان اثنان ، وإن عبّر عنهما بنحو قولهم : «سلب الضرورتين» فكيف يكون صفة واحدة
ناعتة للممكن ؟! سلّمنا أنّه يرجع إلى سلب الضرورتين وأنّه سلب واحد ، لكنّه
__________________
ـ كما يظهر من
التقسيم ـ سلب تحصيليّ لا إيجاب عدوليّ ، فما معنى اتّصاف الممكن به في الخارج ولا
اتّصاف إلّا بالعدول ؟ كما اضطرّوا إلى التعبير عن الإمكان بأنّه لا ضرورة
الوجود والعدم ، وبأنّه استواء نسبة الماهيّة إلى الوجود والعدم ، عند ما شرعوا في
بيان خواصّ الإمكان ، ككونه لا يفارق الماهيّة وكونه علّة للحاجة إلى العلّة ، إلى
غير ذلك.
وجه
الاندفاع : أنّ القضيّة المعدولة المحمول تساوي السالبة المحصّلة
عند وجود الموضوع ، وقولنا : «ليس بعض الموجود ضروريّ الوجود ولا العدم» وكذا قولنا
: «ليست الماهيّة من حيث هي ضروريّة الوجود ولا العدم» الموضوع فيه موجود ، فيتساوي
الإيجاب العدوليّ والسلب التحصيليّ في الإمكان.
ثمّ لهذا السلب
نسبة إلى الضرورة وإلى موضوعه المسلوب عنه الضرورتان ، يتميّز بها من غيره ، فيكون عدما مضافا ، له حظّ من
الوجود ، وله ما تترتّب عليه من الآثار ، وإن وجده العقل أوّل ما يجد في صورة
السلب
__________________
التحصيليّ كما يجد
العمى ـ وهو عدم مضاف ـ كذلك أوّل ما يجده.
ويتفرّع على ما
تقدّم امور :
الأمر
الأوّل : أنّ موضوع
الإمكان هو الماهيّة ، إذ لا يتّصف الشيء بلا ضرورة الوجود والعدم إلّا إذا كان في
نفسه خلوا من الوجود والعدم جميعا وليس إلّا الماهيّة من حيث هي ، فكلّ ممكن فهو
ذو ماهيّة. وبذلك يظهر معنى قولهم : «كلّ ممكن زوج تركيبيّ ، له ماهيّة ووجود» .
وأمّا إطلاق
الممكن على وجود غير الواجب بالذات وتسميته بالوجود الإمكانيّ فاصطلاح آخر في
الإمكان والوجوب ، يستعمل فيه الإمكان والوجوب بمعنى الفقر الذاتيّ ، والغنى
الذاتيّ ، وليس يراد به سلب الضرورتين ، أو استواء النسبة إلى الوجود والعدم ، إذ
لا يعقل ذلك بالنسبة إلى الوجود.
الأمر
الثاني : أنّ الإمكان
لازم الماهيّة ، إذ لو لم يلزمها جاز أن تخلو منه فكانت واجبة أو ممتنعة ، فكانت
في نفسها موجودة أو معدومة ، والماهيّة من حيث هي لا موجودة ولا معدومة.
والمراد بكونه
لازما لها أنّ فرض الماهيّة من حيث هي يكفي في اتّصافها بالإمكان ، من غير حاجة
إلى أمر زائد ، دون اللزوم الاصطلاحيّ ، وهو كون الملزوم علّة مقتضية
لتحقّق اللازم ولحوقه به ، إذ لا اقتضاء في
مرتبة الماهيّة من حيث هي إثباتا ونفيا.
لا
يقال : تحقّق سلب
الضرورتين في مرتبة ذات الماهيّة يقضي بكون الإمكان داخلا في ذات الشيء ، وهو ظاهر
الفساد.
فإنّا
نقول : إنّما يكون
محمول من المحمولات داخلا في الذات إذا كان الحمل حملا أوّليّا الّذي ملاكه
الاتّحاد المفهوميّ ، دون الحمل الشائع الّذي ملاكه الاتّحاد
__________________
الوجوديّ ، والإمكان
وسائر لوازم الماهيّات الحمل بينها وبين الماهيّة من حيث هي حمل شائع لا أوّليّ.
الأمر
الثالث : أنّ الإمكان
موجود بوجود موضوعه في الأعيان ، وليس اعتبارا عقليّا محضا لا صورة له في الأعيان
، كما قال به بعضهم ، ولا أنّه موجود في الخارج بوجود مستقلّ منحاز كما قال به
آخرون .
أمّا أنّه موجود
في الأعيان بوجود موضوعه فلأنّه قسيم في التقسيم للواجب الّذي ضرورة وجوده في الأعيان ، فارتفاع الضرورة الّذي هو
الإمكان هو في الأعيان. وإذ كان موضوعا في التقسيم المقتضي لاتّصاف المقسم بكلّ
واحد من الأقسام كان في معنى وصف ثبوتيّ يتّصف به موضوعه ، فهو معنى عدميّ له حظّ
من الوجود ، والماهيّة متّصفة به في الأعيان. وإذ كانت متّصفة به في الأعيان فله
وجود فيها ، على حدّ الأعدام المضافة الّتي هي أوصاف عدميّة ناعتة لموصوفاتها
موجودة بوجودها ، والآثار المترتّبة عليه في الحقيقة هي ارتفاع آثار الوجوب من
صرافة الوجود وبساطة الذات والغنى عن الغير وغير ذلك.
وقد اتّضح بهذا
البيان فساد قول من قال : «إنّ الإمكان من الاعتبارات العقليّة المحضة الّتي لا
صورة لها في خارج ولا ذهن». وذلك لظهور أنّ ضرورة
__________________
وجود الموجود أمر
وعاؤه الخارج وله آثار خارجيّة وجوديّة .
وكذا قول من قال : «إنّ للإمكان وجودا في الخارج منحازا مستقلّا». وذلك
لظهور أنّه معنى عدميّ واحد مشترك بين الماهيّات ، ثابت بثبوتها في أنفسها ، وهو
سلب الضرورتين ، ولا معنى لوجود الأعدام بوجود منحاز مستقلّ. على أنّه لو كان
موجودا في الأعيان بوجود منحاز مستقلّ كان إمّا واجبا بالذات وهو ضروريّ البطلان ،
وإمّا ممكنا وهو خارج عن ثبوت الماهيّة ، لا يكفي فيه ثبوتها في نفسها ، فكان
بالغير ، وسيجيء استحالة الإمكان بالغير .
وقد استدلّوا على ذلك بوجوه ، أوجهها : أنّ الممكن لو لم يكن ممكنا في الأعيان لكان
إمّا واجبا فيها أو ممتنعا فيها ، فيكون الممكن ضروريّ الوجود أو ضروريّ العدم ، هذا
محال.
ويردّه : أنّ
الاتّصاف بوصف في الأعيان لا يستلزم تحقّق الوصف فيها بوجود منحاز مستقلّ ، بل
يكفي فيه أن يكون موجودا بوجود موصوفه. والإمكان من المعقولات الثانية الفلسفيّة
الّتي عروضها في الذهن والاتّصاف بها في الخارج ، وهي موجودة في الخارج بوجود
موضوعاتها .
__________________
وقد تبيّن ممّا
تقدّم أنّ الإمكان معنى واحد مشترك كمفهوم الوجود.
تنبيه [في أقسام
الضرورة] :
تنقسم الضرورة إلى
: ضرورة أزليّة ، وهي : كون المحمول ضروريّا للموضوع لذاته ، من دون أيّ قيد وشرط
حتّى الوجود ، وتختصّ بما إذا كانت ذات الموضوع وجودا قائما بنفسه بحتا لا يشوبه
عدم ولا تحدّه ماهيّة ، وهو الوجود الواجبيّ تعالى وتقدّس فيما يوصف به من صفاته
الّتي هي عين ذاته. وإلى ضرورة ذاتيّة ، وهي : كون المحمول ضروريّا للموضوع لذاته
مع الوجود لا بالوجود ، كقولنا :
__________________
«كلّ إنسان حيوان
بالضرورة» فالحيوانيّة ذاتيّة للإنسان ضروريّة له ما دام موجودا ومع
الوجود ، ولو لاه لكان باطل الذات ، لا إنسان ولا حيوان. وإلى ضرورة وصفيّة ، وهي : كون المحمول ضروريّا للموضوع لوصفه ، كقولنا : «كلّ كاتب متحرّك الأصابع بالضرورة ما دام كاتبا». وإلى ضرورة وقتيّة
، ومرجعها إلى الضرورة الوصفيّة بوجه.
تنبيه آخر [في
أقسام الإمكان] :
هذا الّذي تقدّم ـ
من معنى الإمكان ـ هو المبحوث عنه في هذه المباحث ، وهو إحدى الجهات الثلاث الّتي
لا يخلو عن واحدة منها شيء من القضايا . وقد كان الإمكان عند العامّة يستعمل في سلب الضرورة عن
الجانب المخالف ، ولازمه
__________________
سلب الامتناع عن
الجانب الموافق. ويصدق في الموجبة فيما إذا كان الجانب الموافق ضروريّا ، نحو «الكاتب
متحرّك الأصابع بالإمكان» أو مسلوب الضرورة ، نحو «الإنسان متحرّك الأصابع
بالإمكان». ويصدق في السالبة فيما إذا كان الجانب الموافق ممتنعا ، نحو «ليس
الكاتب بساكن الأصابع بالإمكان» أو مسلوب الضرورة ، نحو «ليس الإنسان بساكن
الأصابع بالإمكان».
فالإمكان بهذا
المعنى أعمّ موردا من الإمكان بالمعنى المتقدّم ـ أعني سلب الضرورتين ـ ومن كلّ من
الوجوب والامتناع ، لا أنّه أعمّ مفهوما ، إذ لا جامع مفهوميّ بين الجهات.
ثمّ نقله الحكماء
إلى خصوص سلب الضرورة من الجانبين ، وسمّوه : «إمكانا خاصّا وخاصّيّا» ، وسمّوا ما
عند العامّة : «إمكانا عامّا وعامّيّا».
وربّما اطلق
الإمكان واريد به سلب الضرورات الذاتيّة والوصفيّة والوقتيّة ، وهو أخصّ من
الإمكان الخاصّ ، ولذا يسمّى : «الإمكان الأخصّ» ، نحو «الإنسان كاتب بالإمكان» ، فالماهيّة
الإنسانيّة لا تستوجب الكتابة ، لا لذاتها ، ولا لوصف ولا في وقت مأخوذين في
القضيّة.
وربّما اطلق
الإمكان واريد به سلب الضرورات جميعا حتّى الضرورة بشرط المحمول ، وهو في الامور
المستقبلة الّتي لم يتعيّن فيها إيجاب ولا سلب. فالضرورة مسلوبة عنها حتّى بحسب
المحمول إيجابا وسلبا. وهذا الاعتبار بحسب النظر البسيط العامّيّ الّذي من شأنه
الجهل بالحوادث المستقبلة ، لعدم إحاطته بالعلل والأسباب ، وإلّا فلكلّ أمر مفروض
بحسب ظرفه ، إمّا الوجود والوجوب ، وإمّا العدم والامتناع.
وربّما اطلق
الإمكان واريد به الإمكان الاستعداديّ ، وهو وصف وجوديّ من الكيفيّات القائمة
بالمادّة ، تقبل به المادّة الفعليّات المختلفة. والفرق بينه وبين الإمكان الخاصّ
أنّه صفة وجوديّة تقبل الشدّة والضعف والقرب والبعد من الفعليّة ،
موضوعه المادّة
الموجودة ويبطل منها بوجود المستعدّ له ، بخلاف الإمكان الخاصّ الّذي هو معنى عقليّ لا يتّصف
بشدّة وضعف ولا قرب وبعد ، وموضوعه الماهيّة من حيث هي ، لا يفارق الماهيّة موجودة
كانت أو معدومة.
وربما اطلق
الإمكان واريد به كون الشيء بحيث لا يلزم من فرض وقوعه محال ، ويسمّى : «الإمكان الوقوعيّ».
وربما اطلق
الإمكان واريد به ما للوجود المعلوليّ من التعلّق والتقوّم بالوجود العلّيّ ، وخاصّة
الفقر الذاتيّ للوجود الإمكانيّ بالنسبة إلى الوجود الواجبيّ جلّ وعلا ويسمّى : «الإمكان
الفقريّ» و «الوجوديّ» قبال الإمكان الماهويّ.
تنبيه آخر :
الجهات الثلاث
المذكورة لا تختصّ بالقضايا الّتي محمولها الوجود ، بل تتخلّل واحدة منها بين أيّ
محمول مفروض نسب إلى أيّ موضوع مفروض ، غير أنّ الفلسفة لا تتعرّض منها إلّا لما
يتخلّل بين الوجود وعوارضه الذاتيّة ، لكون موضوعها الموجود بما هو موجود.
__________________
الفصل الثاني
في انقسام كلّ من الموادّ الثلاث إلى
ما بالذات وما بالغير وما بالقياس إلى الغير ، إلّا الإمكان
ينقسم كلّ من هذه
الموادّ الثلاث إلى ما بالذات وما بالغير وما بالقياس إلى الغير ، إلّا الإمكان ، فلا
إمكان بالغير .
والمراد ب «ما
بالذات» أن يكون وضع الذات ـ مع قطع النظر عن جميع ما عداها ـ كافيا في اتّصافها ،
وب «ما بالغير» أن لا يكفي فيه وضعها كذلك ، بل يتوقّف على إعطاء الغير واقتضائه ،
وب «ما بالقياس إلى الغير» أن يكون الاتّصاف بالنظر إلى الغير على سبيل استدعائه
الأعمّ من الاقتضاء.
فالوجوب بالذات
كضرورة الوجود لذات الواجب تعالى لذاته بذاته ؛ والوجوب بالغير كضرورة وجود الممكن
الّتي تلحقه من ناحية علّته التامّة والامتناع بالذات كضرورة العدم للمحالات
الذاتيّة الّتي لا تقبل الوجود لذاتها
__________________
المفروضة كاجتماع
النقيضين وارتفاعهما وسلب الشيء عن نفسه ، والامتناع بالغير كضرورة عدم الممكن
الّتي تلحقه من ناحية عدم علّته ، والإمكان بالذات كون الشيء في حدّ ذاته ـ مع قطع
النظر عن جميع ما عداه ـ مسلوبة عنه ضرورة الوجود وضرورة العدم.
وأمّا الإمكان
بالغير فممتنع ـ كما تقدّمت الإشارة إليه ـ ؛ وذلك لأنّه لو
لحق الشيء إمكان بالغير من علّة مقتضية من خارج لكان الشيء في حدّ نفسه ـ مع قطع
النظر عمّا عداه ـ إمّا واجبا بالذات أو ممتنعا بالذات أو ممكنا بالذات ، لما
تقدّم أنّ القسمة إلى الثلاثة حاصرة. وعلى الأوّلين يلزم الانقلاب بلحوق الإمكان له
من خارج . وعلى الثالث ـ أعني كونه ممكنا بالذات ـ فإمّا أن يكون بحيث
لو فرضنا ارتفاع العلّة الخارجة بقي الشيء على ما كان عليه من الإمكان فلا تأثير
للغير فيه لاستواء وجوده وعدمه ، وقد فرض مؤثّرا ، هذا خلف وإن لم يبق على إمكانه
لم يكن ممكنا بالذات ، وقد فرض كذلك ، هذا خلف.
هذا لو كان ما
بالذات وما بالغير إمكانا واحدا هو بالذات وبالغير معا ، ولو فرض كونهما إمكانين
اثنين بالذات وبالغير كان لشيء واحد من حيثيّة واحدة إمكانان لوجود واحد ، وهو
واضح الفساد ، كتحقّق وجودين لشيء واحد.
وأيضا في فرض
الإمكان بالغير فرض العلّة الخارجة الموجبة للإمكان ، وهو في معنى ارتفاع النقيضين
، لأنّ الغير الّذي يفيد الإمكان ـ الّذي هو لا ضرورة الوجود والعدم ـ لا يفيده
إلّا برفع العلّة الموجبة للوجود ورفع العلّة
__________________
الموجبة للعدم
الّتي هي عدم العلّة الموجبة للوجود ، فإفادته الإمكان لا تتمّ إلّا برفعه وجود العلّة الموجبة للوجود وعدمها معا ، وفيه ارتفاع
النقيضين.
والوجوب بالقياس
إلى الغير كوجوب العلّة إذا قيست إلى معلولها باستدعاء منه ، فإنّه بوجوده يأبى
إلّا أن تكون علّته موجودة ، وكوجوب المعلول إذا قيس إلى علّته التامّة باقتضاء
منها ، فإنّها بوجودها تأبى إلّا أن يكون معلولها موجودا ، وكوجوب أحد المتضائفين
إذا قيس إلى وجود الآخر. والضابط فيه أن تكون بين المقيس والمقيس إليه علّيّة
ومعلوليّة أو يكونا معلولي علّة واحدة ، إذ لو لا رابطة العلّيّة بينهما لم يتوقّف
أحدهما على الآخر ، فلم يجب عند ثبوت أحدهما ثبوت الآخر.
والامتناع بالقياس
إلى الغير كامتناع وجود العلّة التامّة إذا قيس إلى عدم المعلول بالاستدعاء ، وكامتناع
وجود المعلول إذا قيس إلى عدم العلّة بالاقتضاء ، وكامتناع وجود أحد المتضائفين
إذا قيس إلى عدم الآخر ، وعدمه إذا قيس إلى وجود الآخر.
والإمكان بالقياس
إلى الغير حال الشيء إذا قيس إلى ما لا يستدعي وجوده ولا عدمه. والضابط أن لا تكون
بينهما علّية ومعلوليّة ، ولا معلوليّتهما لواحد ثالث.
ولا إمكان بالقياس
بين موجودين ، لأنّ الشيء المقيس إمّا واجب بالذات مقيس إلى ممكن أو بالعكس
وبينهما علّيّة ومعلوليّة ، وإمّا ممكن مقيس إلى ممكن آخر وهما ينتهيان إلى الواجب
بالذات.
نعم ، للواجب
بالذات إمكان بالقياس إذا قيس إلى واجب آخر مفروض أو إلى معلولاته من خلقه ، حيث
ليست بينهما علّيّة ومعلوليّة ، ولا هما معلولان لواحد ثالث. ونظير الواجبين
بالذات المفروضين الممتنعان بالذات إذا قيس أحدهما إلى الآخر أو إلى ما يستلزمه
الآخر. وكذا الإمكان بالقياس بين الواجب بالذات والممكن المعدوم ، لعدم بعض شرائط
وجوده ، فإنّه معلول انعدام علّته التّامة الّتي يصير الواجب بالذات على الفرض
جزءا من أجزائها غير موجب للممكن المفروض ، فللواجب بالذات إمكان بالقياس إليه
وبالعكس.
__________________
وقد تبيّن بما مرّ
:
أوّلا
: أنّ الواجب
بالذات لا يكون واجبا بالغير ولا ممتنعا بالغير ، وكذا الممتنع بالذات لا يكون
ممتنعا بالغير ولا واجبا بالغير. ويتبيّن به أنّ كلّ واجب بالغير فهو ممكن ، وكذا
كلّ ممتنع بالغير فهو ممكن.
وثانيا : أنّه لو فرض واجبان بالذات لم تكن بينهما علاقة لزوميّة
، وذلك لأنّها إنمّا تتحقّق بين شيئين أحدهما علّة للآخر أو هما معلولا علّة ثالثة
، ولا سبيل للمعلوليّة إلى واجب بالذات.
__________________
الفصل الثالث
في أنّ واجب الوجود بالذات ماهيّته إنّيّته
واجب الوجود
بالذات ماهيّته إنّيّته ، بمعنى أن لا ماهيّة له وراء وجوده الخاصّ به .
والمسألة بيّنة
بالعطف على ما تقدّم من أنّ الإمكان لازم الماهيّة ، فكلّ ماهيّة فهي ممكنة ، وينعكس إلى أنّ ما ليس بممكن فلا ماهيّة له ، فلا ماهيّة
للواجب بالذات وراء وجوده الواجبيّ.
وقد أقاموا عليه
مع ذلك حججا .
__________________
أمتنها : أنّه لو كان للواجب بالذات ماهيّة وراء وجوده الخاصّ به
كان وجوده زائدا عليها عرضيّا لها ، وكلّ عرضيّ معلّل ، فكان وجوده معلولا إمّا
لماهيّته أو لغيرها ، والثاني ـ وهو المعلوليّة للغير ـ ينافي وجوب الوجود بالذات
، والأوّل ـ وهو معلوليّته لماهيّته ـ يستوجب تقدّم ماهيّته على وجوده بالوجود ، لوجوب
تقدّم العلّة على معلولها بالوجود بالضرورة ، فلو كان هذا الوجود المتقدّم عين
الوجود المتأخّر لزم تقدّم الشيء على نفسه ، وهو محال ، ولو كان غيره لزم أن توجد
ماهيّة واحدة بأكثر من وجود واحد ، وقد تقدّمت استحالته . على أنّا ننقل الكلام إلى الوجود المتقدّم فيتسلسل.
واعترض
عليه بأنّه لم لا يجوز أن تكون ماهيّته علّة مقتضية لوجوده ، وهي
متقدّمة عليه تقدّما بالماهيّة ، كما أنّ أجزاء الماهيّة علل قوامها ، وهي متقدّمة
عليها تقدّما بالماهيّة لا بالوجود؟
ودفع : بأنّ الضرورة قائمة على توقّف المعلول في نحو وجوده على
وجود
__________________
علّته ، فتقدّم
العلّة في نحو ثبوت المعلول ، غير أنّه أشدّ ، فإن كان ثبوت المعلول ثبوتا خارجيّا كان تقدّم العلّة
عليه في الوجود الخارجيّ ، وإن كان ثبوتا ذهنيّا فكذلك.
وإذ كان وجود
الواجب لذاته حقيقيّا خارجيّا وكانت له ماهيّة هي علّة موجبة لوجوده كان من الواجب
أن تتقدّم ماهيّته عليه في الوجود الخارجيّ لا في الثبوت الماهويّ ، فالمحذور على
حاله.
حجة
اخرى : كلّ ماهيّة فإنّ العقل يجوّز بالنظر إلى ذاتها أن تتحقّق
لها ـ وراء ما وجد لها من الأفراد ـ أفراد اخر إلى ما لا نهاية له. فما لم يتحقّق
من فرد فلامتناعه بالغير ، إذ لو كان لامتناعه بذاته لم يتحقّق لها فرد أصلا.
فإذا فرض هذا
الّذي له ماهيّة واجبا بالذات كانت ماهيّته كلّيّة ، لها وراء ما وجد من أفراده في
الخارج أفراد معدومة جائزة الوجود بالنظر إلى نفس الماهيّة ، وإنّما امتنعت بالغير
، ومن المعلوم أنّ الامتناع بالغير لا يجامع الوجوب بالذات ، وقد تقدّم أنّ كل
واجب بالغير وممتنع بالغير فهو ممكن ، فإذا الواجب بالذات لا ماهيّة له وراء وجوده الخاصّ.
واعترض
عليه بأنّه لم لا يجوز أن يكون للواجب بالذات حقيقة وجوديّة غير
زائدة على ذاته ، بل هي عين ذاته ، ثمّ العقل يحلّله إلى وجود ومعروض له جزئيّ شخصيّ غير
كلّيّ ، هو ماهيّته؟
ودفع : بأنّه مبنيّ على ما هو الحقّ من أنّ التشخّص بالوجود
__________________
لا غير ، وسيأتي في مباحث الماهيّة .
فقد تبيّن بما مرّ
أنّ الواجب بالذات حقيقة وجوديّة لا ماهيّة لها تحدّها ، هي بذاتها واجبة الوجود ،
من دون حاجة إلى انضمام حيثيّة تعليليّة أو تقييديّة ، وهي الضرورة الأزليّة. وقد تقدّم في المرحلة الاولى أنّ الوجود حقيقة عينيّة مشكّكة ذات مراتب مختلفة ، كلّ
مرتبة من مراتبها تجد الكمال الوجوديّ الّذي لما دونها ، وتقوّمه وتتقوّم بما
فوقها ، فاقدة بعض ما له من الكمال ، وهو النقص والحاجة ، إلّا المرتبة الّتي هي أعلى المراتب الّتي
تجد كلّ كمال ، ولا تفقد شيئا منه ، وتقوّم بها كلّ مرتبة ، ولا تتقوّم بشيء وراء
ذاتها .
فتنطبق الحقيقة
الواجبيّة على القول بالتشكيك على المرتبة الّتي هي أعلى المراتب ، الّتي ليست
وراءها مرتبة تحدّها ، ولا في الوجود كمال تفقده ، ولا في ذاتها نقص أو عدم يشوبها
، ولا حاجة تقيّدها ؛ وما يلزمها من الصفات السلبيّة مرجعها إلى سلب السلب وانتفاء
النقص والحاجة ، وهو الإيجاب .
وبذلك يندفع وجوه من الاعتراض أوردوها على القول بنفي الماهيّة
__________________
عن الواجب بالذات.
منها : أنّ حقيقة
الواجب بالذات لا تساوي حقيقة شيء ممّا سواها ، لأنّ حقيقة غيره تقتضي الإمكان
وحقيقته تنافيه ، ووجوده يساوي وجود الممكن في أنّه وجود ، فحقيقته غير
وجوده ، وإلّا كان وجود كلّ ممكن واجبا .
ومنها : أنّه لو
كان وجود الواجب بالذات مجرّدا عن الماهيّة فحصول هذا الوصف له إن كان لذاته كان
وجود كلّ ممكن واجبا ، لاشتراك الوجود ، وهو محال ، وإن كان لغيره لزمت الحاجة إلى
الغير ، ولازمه الإمكان ، وهو خلف.
ومنها : أنّ
الواجب بالذات مبدأ للممكنات ، فعلى تجرّده عن الماهيّة : إن كانت مبدئيّته لذاته
لزم أن يكون كلّ وجود كذلك ، ولازمه كون كلّ ممكن علّة لنفسه ولعلله ، وهو بيّن
الاستحالة . وإن كانت لوجوده مع قيد التجرّد لزم تركّب المبدأ الأوّل بل عدمه ، لكون
أحد جزئيه ـ وهو التجرّد ـ عدميّا. وإن كانت بشرط التجرّد لزم جواز أن يكون كلّ وجود مبدأ لكلّ وجود ، إلّا
أنّ الحكم تخلّف عنه لفقدان الشرط ، وهو التجرّد.
ومنها : أنّ
الواجب بذاته إن كان نفس الكون في الأعيان ـ وهو الكون المطلق ـ ، لزم كون كلّ
موجود واجبا. وإن كان هو الكون مع قيد «التجرّد عن الماهيّة»
__________________
لزم تركّب الواجب
، مع أنّه معنى عدميّ لا يصلح أن يكون جزءا للواجب. وإن كان هو الكون بشرط التجرّد
لم يكن الواجب بالذات واجبا بذاته. وإن كان غير الكون في الأعيان ، فإن كان بدون
الكون لزم أن لا يكون موجودا ، فلا يعقل وجود بدون الكون. وإن كان الكون داخلا فيه
لزم التركّب . والتوالي المتقدّمة كلّها ظاهرة البطلان. وإن كان الكون
خارجا عنه فوجوده خارج عن حقيقته ، وهو المطلوب ، إلى غير ذلك من الاعتراضات.
ووجه
اندفاعها : أنّ المراد
بالوجود المأخوذ فيها إمّا المفهوم العامّ البديهيّ وهو معنى عقليّ اعتباريّ غير
الوجود الواجبيّ الّذي هو حقيقة عينيّة خاصّة بالواجب ، وإمّا طبيعة كلّيّة مشتركة
متواطئة متساوية المصاديق. فالوجود العينيّ حقيقة مشكّكة مختلفة المراتب ، أعلى
مراتبها الوجود الخاصّ بالواجب بالذات.
وأيضا التجرّد عن
الماهيّة ليس وصفا عدميّا ، بل هو في معنى نفي الحدّ الّذي هو من سلب السلب الراجع
إلى الإيجاب.
وقد تبيّن أيضا
أنّ ضرورة الوجود للواجب بالذات ضرورة أزليّة ، لا ذاتيّة ولا وصفيّة ؛ فإنّ من
الضرورة ما هو أزليّة ، وهي ضرورة ثبوت المحمول للموضوع بذاته ، من دون أيّ قيد
وشرط ، كقولنا : «الواجب موجود بالضرورة». ومنها ضرورة ذاتيّة ، وهي ضرورة ثبوت
المحمول لذات الموضوع مع الوجود لا بالوجود ، سواء كانت ذات الموضوع علّة للمحمول ، كقولنا : «كلّ
مثلّث فإنّ زواياه الثلاث مساوية لقائمتين بالضرورة» فإنّ ماهيّة المثلّث علّة
للمساواة إذا كانت موجودة ، أو لم تكن ذات الموضوع علّة لثبوت المحمول ، كقولنا : «كلّ
إنسان إنسان بالضرورة أو حيوان أو ناطق بالضرورة» فإنّ ضرورة ثبوت الشيء لنفسه
بمعنى عدم الانفكاك حال الوجود من دون أن تكون الذات علّة لنفسه.
__________________
ومنها ضرورة
وصفيّة ، وهي ضرورة ثبوت المحمول للموضوع بوصفه مع الوجود ، لا بالوجود ، كقولنا :
«كلّ كاتب متحرّك الأصابع بالضرورة ما دام كاتبا» وقد تقدّمت إشارة
إليها .
__________________
الفصل الرابع
في أنّ واجب الوجود بالذات
واجب الوجود من جميع الجهات
واجب الوجود
بالذات واجب الوجود من جميع الجهات.
قال صدر المتألّهين رحمهالله : «المقصود من هذا أنّ الواجب الوجود ليس فيه جهة إمكانيّة
، فإنّ كلّ ما يمكن له بالإمكان العامّ فهو واجب له. ومن فروع هذه الخاصّة أنّه ليست له حالة
منتظرة ، فإنّ ذلك أصل يترتّب عليه هذا الحكم. وليس هذا عينه كما زعمه كثير
من الناس ، فإنّ ذلك هو الّذي يعدّ من خواصّ
__________________
الواجب بالذات ، دون
هذا ، لاتّصاف المفارقات النوريّة به ، إذ لو كانت للمفارق حالة منتظرة كماليّة
يمكن حصولها فيه لاستلزم تحقّق الإمكان الاستعداديّ فيه والانفعال عن عالم الحركة
والأوضاع الجرمانيّة ، وذلك يوجب تجسّمه وتكدّره ، مع كونه مجرّدا نوريّا ، هذا
خلف» انتهى.
والحجّة
فيه : أنّه لو كان للواجب بالذات المنزّه عن الماهيّة بالنسبة
إلى صفة كماليّة من الكمالات الوجوديّة جهة إمكانيّة كانت ذاته في ذاته فاقدة لها
، مستقرّا فيها عدمها ، فكانت مركّبة من وجود وعدم ، ولازمه تركّب الذات ، ولازم التركّب الحاجة ، ولازم الحاجة الإمكان ، والمفروض وجوبه ، وهذا خلف.
حجّة
اخرى : إنّ ذات الواجب بالذات لو لم تكن كافية في وجوب شيء من
الصفات الكماليّة الّتي يمكن أن تتّصف بها كانت محتاجة فيه إلى الغير ، وحينئذ
لو اعتبرنا الذات الواجبة بالذات في نفسها ـ مع قطع النظر عن ذلك الغير وجودا
وعدما ـ فإن كانت واجبة مع وجود تلك الصفة لغت علّيّة ذلك الغير ، وقد فرض علّة ، هذا
خلف ، وإن كانت واجبة مع عدم تلك الصفة لزم الخلف أيضا.
واورد
عليها أنّ عدم اعتبار العلّة بحسب اعتبار العقل لا ينافي تحقّقها
في نفس الأمر ، كما أنّ اعتبار الماهيّة من حيث هي هي وخلوّها ـ بحسب هذا
__________________
الاعتبار ـ عن
الوجود والعدم والعلّة الموجبة لهما لا ينافي اتّصافها في الخارج بأحدهما وحصول
علّته.
وردّ بأنّه قياس مع الفارق ، فإنّ حيثيّة الماهيّة من حيث هي
غير حيثيّة الواقع ، فمن الجائز أن يعتبرها العقل ويقصر النظر إليها من حيث هي ، من
دون ملاحظة غيرها من وجود وعدم وعلّتهما. وهذا بخلاف الوجود العينيّ ، فإنّ حيثيّة
ذاته عين حيثيّة الواقع ومتن التحقّق ، فلا يمكن اعتباره بدون اعتبار جميع ما
يرتبط به من علّة وشرط.
ويمكن تقرير
الحجّة بوجه آخر وهو : أنّ عدم كفاية الذات في وجوب صفة من صفاته الكماليّة يستدعي
حاجته في وجوبها إلى الغير ، فهو العلّة الموجبة ، ولازمه أن يتّصف الواجب بالذات
بالوجوب الغيريّ ، وقد تقدّمت استحالته .
واورد على أصل المسألة بأنّه منقوض بالنسب والإضافات اللاحقة
للذات الواجبيّة من قبل أفعاله المتعلّقة بمعلولاته الممكنة الحادثة ، فإنّ النسب والإضافات قائمة بأطرافها ، تابعة لها في الإمكان ، كالخلق والرزق والإحياء والإماتة
وغيرها.
__________________
ويندفع بأنّ هذه النسب والإضافات والصفات المأخوذة منها ـ كما
سيأتي بيانه ـ معان منتزعة من
مقام الفعل ، لا من مقام الذات .
نعم ، لوجود هذه
النسب والإضافات إرتباط واقعيّ به تعالى ، والصفات المأخوذة منها للذّات واجبة
بوجوبها. فكونه تعالى بحيث يخلق وكونه بحيث يرزق الى غير ذلك صفات واجبة ، ومرجعها
إلى الإضافة الإشراقيّة .
وسيأتي تفصيل
القول فيه فيما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وقد تبيّن بما مرّ
:
أوّلا
: أنّ الوجود
الواجبيّ وجود صرف ، لا ماهيّة له ، ولا عدم معه ، فله كلّ كمال في الوجود.
وثانيا
: أنّه واحد وحدة
الصرافة ، وهي المسمّاة ب «الوحدة الحقّة». بمعنى أنّ كلّ ما فرضته ثانيا له امتاز
عنه بالضرورة بشيء من الكمال ليس فيه ، فتركّبت الذات من وجود وعدم ، وخرجت عن
محوضة الوجود وصرافته ، وقد فرض صرفا ، هذا خلف ، فهو في ذاته البحتة بحيث كلّما
فرضت له ثانيا عاد أوّلا.
__________________
وهذا هو المراد
بقولهم : «إنّه واحد لا بالعدد» .
وثالثا
: أنّه بسيط لا جزء
له ، لا عقلا ولا خارجا ، وإلّا خرج عن صرافة الوجود ، وقد فرض صرفا ، هذا خلف.
ورابعا : أنّ ما انتزع عنه وجوبه هو بعينه ما انتزع عنه وجوده ، ولازمه
أنّ كلّ صفة من صفاته ـ وهي جميعا واجبة ـ عين الصفة الاخرى ، وهي جميعا عين الذات
المتعالية.
وخامسا
: أنّ الوجوب من
شؤون الوجود الواجبيّ ، كالوحدة ، غير خارج من ذاته ، وهو تأكّد الوجود الّذي
مرجعه صراحة مناقضته لمطلق العدم وطرده له ، فيمتنع طروّ العدم عليه.
والوجود الإمكانيّ
أيضا وإن كان مناقضا للعدم مطاردا له إلّا أنّه ـ لمّا كان رابطا بالنسبة إلى
علّته الّتي هي الواجب بالذات بلا واسطة أو معها وهو قائم بها غير مستقلّ عنها
بوجه ـ لم يكن محكوما بحكم في نفسه إلّا بانضمام علّته إليه ، فهو واجب بإيجاب
علّته الّتي هي الواجب بالذات ، يأبى العدم ويطرده بانضمامها إليه .
__________________
الفصل الخامس
الشيء ما لم يجب لم يوجد
وفيه بطلان القول بالأولويّة
قد تقدّم أنّ الماهيّة في مرتبة ذاتها ليست إلّا هي ، لا موجودة ولا
معدومة ولا أيّ شيء آخر ، مسلوبة عنها ضرورة الوجود وضرورة العدم سلبا تحصيليّا ، وهو
«الإمكان» فهي عند العقل متساوية النسبة إلى الوجود والعدم فلا يرتاب العقل في أنّ
تلبّسها بواحد من الوجود والعدم لا يستند إليها ، لمكان استواء النسبة ،
__________________
ولا أنّه يحصل من
غير سبب ، بل يتوقّف على أمر وراء الماهيّة يخرجها من حدّ الاستواء ويرجّح لها
الوجود أو العدم ، وهو «العلّة». وليس ترجيح جانب الوجود بالعلّة إلّا بإيجاب
الوجود ، إذ لو لا الإيجاب لم يتعيّن الوجود لها ، بل كانت جائزة الطرفين ، ولم
ينقطع السؤال أنّها لم صارت موجودة مع جواز العدم لها؟ فلا يتمّ من العلّة إيجاد
إلّا بإيجاب الوجود للمعلول قبل ذلك .
والقول في علّة
العدم وإعطائها الامتناع للمعلول نظير القول في علّة الوجود وإعطائها الوجوب.
فعلّة الوجود لا تتمّ علّة إلّا إذا صارت موجبة ، وعلّة العدم لا تتمّ علّة إلّا إذا كانت بحيث تفيد امتناع معلولها ، فالشيء
ما لم يجب لم يوجد ، وما لم يمتنع لم يعدم.
وأمّا قول بعضهم : «إنّ وجوب وجود المعلول يستلزم كون العلّة على الإطلاق
موجبة ـ بفتح الجيم ـ غير مختارة ، فيلزم كون الواجب تعالى موجبا في فعله غير
مختار ، وهو محال».
فيدفعه : أنّ هذا
الوجوب الّذي يتلبّس به المعلول وجوب غيريّ . ووجوب المعلول منتزع من وجوده لا يتعدّاه ، ومن الممتنع
أن يؤثّر وجوب المعلول
__________________
في وجود علّته . وهو مترتّب عليه ، متأخّر عنه ، قائم به .
وقد ظهر بما تقدّم
بطلان القول بالأولويّة على أقسامها. توضيحه : أنّ قوما من المتكلّمين ـ زعما منهم أنّ
القول باتّصاف الممكن بالوجوب في ترجّح أحد جانبي الوجود والعدم له ، يستلزم كون
الواجب في مبدئيّته للإيجاد فاعلا وموجبا (بفتح الجيم) تعالى عن ذلك وتقدّس ـ
ذهبوا إلى أنّ ترجّح أحد الجانبين له بخروج الماهيّة من حدّ الاستواء إلى أحد
الجانبين بكون الوجود أولى له أو العدم أولى له ، من دون أن يبلغ أحد الجانبين ، فيخرج به من حدّ الإمكان ، فقد ترجّح الموجود من
الماهيّات بكون الوجود أولى له من غير وجوب ، والمعدوم منها بكون العدم أولى له من
غير وجوب.
وقد قسّموا
الأولويّة إلى : ذاتيّة تقتضيها الماهيّة بذاتها أو لا تنفكّ عنها ، وغير ذاتيّة
تفيدها العلّة الخارجة. وكلّ من القسمين إمّا كافية في وقوع المعلول ، وإمّا غير
كافية .
__________________
ونقل عن بعض القدماء أنّهم اعتبروا أولويّة الوجود في بعض الموجودات ، وأثرها
أكثريّة الوجود أو شدّته وقوّته أو كونه أقلّ شرطا للوقوع ، واعتبروا أولويّة
العدم في بعض آخر ، وأثرها أقلّيّة الوجود أو ضعفه أو كونه أكثر شرطا للوقوع.
ونقل عن بعضهم اعتبارها في طرف العدم بالنسبة إلى طائفة من
الموجودات فقط .
ونقل عن بعضهم اعتبار أولويّة العدم بالنسبة إلى جميع الموجودات
الممكنة ، لكون العدم أسهل وقوعا .
هذه أقوالهم على
اختلافها . وقد بان بما تقدّم فساد القول بالأولويّة
__________________
من أصله ، فإنّ حصول الأولويّة في أحد جانبي الوجود والعدم لا
ينقطع به جواز وقوع الطرف الآخر. والسؤال في تعيّن الطرف الأولى مع جواز الطرف
الآخر على حاله وإن ذهبت الأولويّات إلى غير النهاية حتّى ينتهي إلى ما يتعيّن به
الطرف الأولى وينقطع به جواز الطرف الآخر وهو الوجوب.
على أنّ في القول
بالأولويّة إبطالا لضرورة توقّف الماهيّات الممكنة في وجودها وعدمها على علّة ، إذ
يجوز عليه أن يقع الجانب المرجوح مع حصول الأولويّة للجانب الآخر وحضور علّته
التامّة. وقد تقدّم أنّ الجانب المرجوح الواقع يستحيل تحقّق علّته حينئذ ، فهو في
وقوعه لا يتوقّف على علّة ، هذا خلف.
ولهم في ردّ هذه
الأقوال وجوه اخر أوضحوا بها فسادها ، أغمضنا عن إيرادها بعد ظهور الحال بما تقدّم.
وأمّا حديث
استلزام الوجوب الغيريّ ـ أعني وجوب المعلول بالعلّة ـ لكون العلّة موجبة ـ بفتح
الجيم ـ فواضح الفساد كما تقدّم ، لأنّ هذا الوجوب انتزاع عقليّ عن وجود المعلول
غير زائد على وجوده ، والمعلول بتمام حقيقته أمر متفرّع على علّته ، قائم الذات
بها ، متأخّر عنها ، وما شأنه هذا لا يعقل أن يؤثّر في العلّة ويفعل فيها.
ومن فروع هذه
المسألة أنّ القضايا الّتي جهتها الأولويّة ليست ببرهانيّة ، إذ لا جهة إلّا
الضرورة والإمكان ، اللهمّ إلّا أن يرجع المعنى إلى نوع من التشكيك
.
__________________
تنبيه :
ما مرّ من وجوب
الوجود للماهيّة وجوب بالغير سابق على وجودها منتزع عنه . وهناك وجوب آخر لا حق يلحق الماهيّة الموجودة ، ويسمّى : «الضرورة
بشرط المحمول». وذلك أنّه لو أمكن للماهيّة المتلبّسة بالوجود ما دامت متلبّسة أن
يطرأها العدم الّذي يقابله ويطرده لكان في ذلك إمكان اقتران النقيضين ، وهو محال ،
ولازمه استحالة انفكاك الوجود عنها ما دام التلبّس ومن حيثه ، وذلك وجوب الوجود من
هذه الحيثيّة. ونظير البيان يجري في الامتناع اللاحق للماهيّة المعدومة. فالماهيّة
الموجودة محفوفة بوجوبين ، والماهيّة المعدومة محفوفة بامتناعين.
وليعلم أنّ هذا
الوجوب اللاحق وجوب بالغير ، كما أنّ الوجوب السابق كان بالغير ، وذلك لمكان
انتزاعه من وجود الماهيّة من حيث اتّصاف الماهيّة به ، كما أنّ الوجوب السابق منتزع
منه من حيث انتسابه إلى العلّه الفيّاضة له.
__________________
الفصل السادس
في حاجة الممكن إلى العلّة
وأنّ علّة حاجته إلى العلّة هو الإمكان دون الحدوث
حاجة الممكن ـ أي
توقّفه في تلبّسه بالوجود أو العدم ـ إلى أمر وراء ماهيّته من الضروريّات
الأوّليّة الّتي لا يتوقّف التصديق بها على أزيد من تصوّر موضوعها
ومحمولها ، فإنّا إذا تصوّرنا الماهيّة ـ بما أنّها ممكنة تستوي
نسبتها إلى الوجود والعدم وتوقّف ترجّح أحد الجانبين لها وتلبّسها به على أمر وراء
الماهيّة ـ لم نلبث دون أن نصدّق به ، فاتّصاف الممكن بأحد الوصفين ـ أعني الوجود
والعدم ـ متوقّف على أمر وراء نفسه ، ونسمّيه : «العلّة» لا يرتاب فيه عقل سليم.
وأمّا تجويز اتّصافه ـ وهو ممكن مستوي النسبة إلى الطرفين ـ بأحدهما لا لنفسه ولا
لأمر وراء نفسه فخروج عن الفطرة الإنسانيّة.
وهل علّة حاجته
إلى العلّة هي الإمكان أو الحدوث ؟
__________________
قال جمع من
المتكلّمين بالثاني.
والحقّ هو الأوّل ، وبه قالت الحكماء ، واستدلّوا عليه بأنّ
الماهيّة باعتبار وجودها ضروريّة الوجود وباعتبار عدمها ضروريّة العدم ؛ وهاتان
ضرورتان بشرط المحمول ، والضرورة مناط الغنى عن العلّة والسبب ، والحدوث هو كون
وجود الشيء بعد عدمه ، وإن شئت فقل : هو ترتّب إحدى الضرورتين على الاخرى ، والضرورة ـ كما عرفت ـ مناط الغنى عن السبب ، فما لم
تعتبر الماهيّة بإمكانها لم يرتفع الغنى ولم تتحقّق الحاجة ، ولا تتحقّق الحاجة
إلّا بعلّتها ، وليس لها إلّا الإمكان.
حجّة
اخرى : الحدوث ـ وهو
كون الوجود مسبوقا بالعدم ـ صفة الوجود الخاصّ ، فهو مسبوق بوجود المعلول ، لتقدّم
الموصوف على الصفة ، والوجود مسبوق بإيجاد العلّة ، والإيجاد مسبوق بوجوب المعلول
، ووجوبه مسبوق
__________________
بإيجاب العلّة ـ
على ما تقدّم ـ وإيجاب العلّة
مسبوق بحاجة المعلول ، وحاجة المعلول مسبوقة بإمكانه ، إذ لو لم يكن ممكنا لكان إمّا واجبا وإمّا ممتنعا ، والوجوب
والامتناع مناط الغنى عن العلّة ، فلو كان الحدوث علّة للحاجة والعلّة متقدّمة على
معلولها بالضرورة لكان متقدّما على نفسه بمراتب ، وهو محال . فالعلّة هي الإمكان ، إذ لا يسبقها ممّا يصلح للعلّيّة
غيره ، والحاجة تدور معه وجودا وعدما.
والحجّة تنفي كون
الحدوث ممّا يتوقّف عليه الحاجة بجميع احتمالاته من كون الحدوث علّة وحده ، وكون
العلّة هي الإمكان والحدوث جميعا ، وكون الحدوث علّة والإمكان شرطا ، وكون الإمكان
علّة والحدوث شرطا ، أو عدم الحدوث مانعا.
وقد
استدلّوا على نفي علّيّة
الإمكان وحده للحاجة بأنّه لو كانت علّة الحاجة إلى العلّة هي الإمكان من دون الحدوث جاز أن يوجد القديم
الزمانيّ ، وهو الّذي لا يسبقه عدم زمانيّ ، وهو محال ، فإنّه لدوام وجوده لا سبيل
للعدم إليه حتّى يحتاج في رفعه إلى علّة تفيض عليه الوجود ، فدوام الوجود يغنيه عن
العلّة.
ويدفعه
: أنّ موضوع
الحاجة هو الماهيّة بما أنّها ممكنة ، دون الماهيّة بما أنّها موجودة ، والماهيّة
بوصف الإمكان محفوظة مع الوجود الدّائم ، كما أنّها محفوظة
__________________
مع غيره ، فالماهيّة
القديمة الوجود تحتاج إلى العلّة بما هي ممكنة ، كالماهيّة الحادثة الوجود ، والوجود
الدائم مفاض عليها كالوجود الحادث. وأمّا الماهيّة الموجودة بما أنّها موجودة فلها
الضرورة بشرط المحمول ، والضرورة مناط الغنى عن العلّة ، بمعنى أنّ الموجودة بما أنّها موجودة لا تحتاج إلى موجوديّة اخرى تطرأ عليها . على أنّ مرادهم من الحدوث ـ الّذي اشترطوه في الحاجة ـ
الحدوث الزمانيّ ، الّذي هو كون الوجود مسبوقا بعدم زمانيّ. فما ذكروه منتقض بنفس
الزمان ، إذ لا معنى لكون الزمان مسبوقا بعدم زمانيّ . مضافا إلى أنّ إثبات الزمان قبل كلّ ماهيّة إمكانيّة
إثبات للحركة الراسمة للزمان ، وفيه إثبات متحرّك تقوم به الحركة ، وفيه إثبات
الجسم المتحرّك والمادّة والصورة. فكلّما فرض وجود لماهيّة ممكنة كانت قبله قطعة
زمان ، وكلّما فرضت قطعة زمان كانت عندها ماهيّة ممكنة ، فالزمان لا يسبقه عدم
زمانيّ.
وأجاب
بعضهم عن النقض بأنّ الزمان أمر اعتباريّ وهميّ لا بأس بنسبة
القدم إليه ، إذ لا حقيقة له وراء الوهم.
وفيه
: أنّه هدم لما
بنوه من إسناد حاجة الممكن إلى حدوثه الزمانيّ ، إذ الحادث والقديم عليه واحد.
وأجاب آخرون بأنّ الزمان منتزع عن وجود الواجب تعالى ، فهو من صقع
__________________
المبدأ تعالى ، لا
بأس بقدمه.
وردّ بأنّ الزمان متغيّر بالذات وانتزاعه من ذات الواجب بالذات
مستلزم لتطرّق التغيّر على ذاته تعالى وتقدّس.
ودفع ذلك بأنّ من الجائز أن لا يطابق المعنى المنتزع المصداق
المنتزع منه من كلّ جهة فيباينه.
وفيه : أنّ تجويز
مباينة المفهوم المنتزع للمنتزع منه سفسطة ، إذ لو جازت مباينة المفهوم للمصداق لانهدم بنيان التصديق العلميّ من أصله.
تنبيه :
قد تقدّم في مباحث
العدم أنّ العدم بطلان محض ، لا شيئيّة له ، ولا تمايز فيه ، غير أنّ العقل ربّما يضيفه إلى الوجود ، فيحصل له ثبوت
مّا ذهنيّ وحظّ مّا من الوجود ، فيتميّز بذلك عدم من عدم ، كعدم البصر المتميّز من
عدم السمع ، وعدم الإنسان المتميّز من عدم الفرس ، فيرتّب العقل عليه ما يراه من
الأحكام الضروريّة ، ومرجعها بالحقيقة تثبيت ما يحاذيها من أحكام الوجود.
ومن هذا القبيل
حكم العقل بحاجة الماهيّة الممكنة في تلبّسها بالعدم إلى علّة هي عدم علّة الوجود.
فالعقل إذا تصوّر الماهيّة من حيث هي ـ الخالية من التحصّل واللاتحصّل ـ ثمّ قاس
إليها الوجود والعدم وجد بالضرورة أنّ تحصّلها بالوجود
__________________
متوقّف على علّة
موجودة ، ويستتبعه أنّ علّة وجودها لو لم توجد لم توجد الماهيّة المعلولة ، فيتمّ
الحكم بأنّ الماهيّة الممكنة لإمكانها تحتاج في اتّصافها بشيء من الوجود والعدم
إلى مرجّح يرجّح ذلك ، ومرجّح الوجود وجود العلّة ، ومرجّح العدم عدمها ، أي لو
انتفت العلّة الموجدة لم توجد الماهيّة المعلولة ، وحقيقته أنّ وجود الماهيّة
الممكنة متوقّف على وجود علّتها.
الفصل السابع
الممكن محتاج إلى العلّة بقاء
كما أنّه محتاج إليها حدوثا
وذلك لأنّ علّة
حاجته إلى العلّة هي إمكانه اللازم لماهيّته ـ كما تقدّم بيانه ـ والماهيّة
محفوظة معه بقاء ، كما أنّها محفوظة معه حدوثا ، فله حاجة إلى العلّة الفيّاضة
لوجوده حدوثا وبقاء ، وهو المطلوب.
حجّة
اخرى : الهويّة
العينيّة لكلّ شيء هي وجوده الخاصّ به ، والماهيّة اعتباريّة منتزعة منه ـ كما
تقدّم بيانه ـ ووجود الممكن
المعلول وجود رابط متعلّق الذات بعلّته ، متقوّم بها ، لا استقلال له دونها ، لا
ينسلخ عن هذا الشأن ـ كما سيجيء بيانه إن شاء الله ـ فحاله في الحاجة
إلى العلّة حدوثا وبقاءا واحد ، والحاجة ملازمة له.
والفرق بين
الحجّتين أنّ الاولى تثبت المطلوب من طريق الإمكان الماهويّ ـ بمعنى استواء نسبة
الماهيّة إلى الوجود والعدم ـ والثانية من طريق الإمكان الوجوديّ ـ بمعنى الفقر
الوجوديّ المتقوّم بغنى العلّة ـ.
__________________
الفصل الثامن
في بعض أحكام الممتنع بالذات
لمّا كان الامتناع
بالذات هو ضرورة العدم بالنظر إلى ذات الشيء المفروضة كان مقابلا للوجوب بالذات ، الّذي
هو ضرورة الوجود بالنظر إلى ذات الشيء العينيّة ، يجري فيه من الأحكام ما يقابل أحكام
الوجوب الذاتيّ.
قال في الأسفار ـ بعد كلام له في
أنّ العقل كما لا يقدر أن يتعقّل حقيقة الواجب بالذات لغاية مجده وعدم تناهي عظمته
وكبريائه كذلك لا يقدر أن يتصوّر الممتنع بالذات بما هو ممتنع بالذات لغاية نقصه ومحوضة بطلانه ولا شيئيّته ـ : «وكما تحقّق أنّ
الواجب بالذات لا يكون واجبا بغيره فكذلك الممتنع بالذات لا يكون ممتنعا بغيره بمثل ذلك
البيان. وكما لا يكون لشيء واحد وجوبان بذاته وبغيره أو بذاته فقط أو بغيره فقط فلا يكون لأمر واحد امتناعان كذلك .
__________________
فإذا قد استبان
أنّ الموصوف بما بالغير من الوجوب والامتناع ممكن بالذات.
وما يستلزم
الممتنع بالذات فهو ممتنع لا محالة من جهة بها يستلزم الممتنع ، وإن كانت له جهة
اخرى إمكانيّة لكن ليس الاستلزام للممتنع إلّا من الجهة الامتناعيّة ، مثلا كون
الجسم غير متناهي الأبعاد يستلزم ممتنعا بالذات هو كون المحصور غير محصور ، الّذي
مرجعه إلى كون الشيء غير نفسه مع أنّه عين نفسه ، فأحدهما محال بالذات ، والآخر محال بالغير ، فلا محالة
يكون ممكنا باعتبار غير اعتبار علاقته مع الممتنع بالذات ، على قياس ما علمت في
استلزام الشيء للواجب بالذات ، فإنّه ليس من جهة ماهيّته الإمكانيّة ، بل من جهة
وجوب وجوده الإمكانيّ.
وبالجملة : فكما
أنّ الاستلزام في الوجود بين الشيئين لا بدّ له من علاقة علّيّة. ومعلوليّة بين
المتلازمين فكذلك الاستلزام في العدم والامتناع بين شيئين لا ينفكّ عن
تعلّق ارتباطيّ بينهما.
وكما أنّ الواجبين
لو فرضنا لم يكونا متلازمين بل متصاحبين بحسب البخت والاتّفاق كذلك التلازم
الاصطلاحيّ لا يكون بين ممتنعين بالذات ، بل بين ممتنع بالذات وممتنع
بالغير ، وهو لا محالة ممكن بالذات ، كما مرّ .
وبهذا يفرق
الشرطيّ اللزوميّ عن الشرطيّ الاتّفاقيّ ، فإنّ الأوّل يحكم فيه بصدق التالي وضعا
ورفعا على تقدير صدق المقدّم وضعا ورفعا لعلاقة ذاتيّة بينهما ، والثاني يحكم فيه
كذلك من غير علاقة لزوميّة بل بمجرّد الموافاة الاتّفاقيّة بين المقدّم والتالي.
__________________
فما فشى عند عامّة
الجدليّين في أثناء المناظرة عند فرض أمر مستحيل ليتوصّل به إلى استحالة أمر من
الامور بالبيان الخلفيّ أو الاستقاميّ ـ بأن يقال : إنّ
مفروضك مستحيل فجاز أن يستلزم نقيض ما ادّعيت استلزامه إيّاه لكون المحال قد يلزم
منه محال آخر ـ واضح الفساد ، فإنّ المحال لا يستلزم أيّ محال كان ، بل محالا إذا قدّر وجودهما يكون بينهما تعلّق سببيّ
ومسبّبيّ» انتهى .
فإن
قيل : الممتنع بالذات
ليس إلّا ما يفترضه العقل ويخبر عنه بأنّه ممتنع بالذات فما معنى عدم قدرته على
تعقلّه؟
قيل : إنّ المراد بذلك أن لا حقيقة عينيّة له حتّى يتعلّق به
علم ، حتّى أنّ الّذي نفرضه ممتنعا بالذات ونحكم عليه بذلك ممتنع بالذات بالحمل
الأوّليّ ، محكوم عليه بالامتناع ، و [هو بعينه] صورة علميّة ممكنة موجودة بالحمل
الشائع.
وهذا نظير ما يقال
ـ في دفع التناقض
المتراءى في قولنا : «المعدوم المطلق لا يخبر عنه» حيث يدلّ على نفي الإخبار عن
المعدوم المطلق ، وهو بعينه إخبار عنه ـ : إنّ نفي الإخبار عن المعدوم المطلق
بالحمل الشائع ، إذ لا شيئيّة له حتّى يخبر عنه بشيء ، وهذا بعينه إخبار عن
المعدوم المطلق بالحمل الأوّليّ ، الّذي هو
__________________
موجود ممكن ذهنيّ.
وإن
قيل : إنّ الّذي ذكر ـ
من أنّ الممتنعين بالذات ليس بينهما إلّا الصحابة الاتّفاقيّة ـ ، ممنوع ، لأنّ
المعاني الّتي يثبت العقل امتناعها على الواجب بالذات ـ كالشريك ، والماهيّة ، والتركيب
، وغير ذلك ـ يجب أن تكون صفات له ممتنعة عليه بالذات ، إذ لو كانت ممتنعة بالغير
كانت ممكنة له بالذات ـ كما تقدّم ـ ، ولا صفة
إمكانيّة فيه تعالى ، لما بيّن أنّ واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات
.
ثمّ الحجج القائمة
على نفي هذه الصفات الممتنعة ـ على ما اشير إليه في أوّل الكتاب ـ براهين إنّيّة
تسلك من طريق الملازمات العامّة. فللنتائج ـ وهي امتناع هذه الصفات ـ علاقة
لزوميّة مع المقدّمات ، فهي جميعا معلولة لما وراءها ، ممتنعة بغيرها ، وقد بيّن
أنّها ممتنعة بذاتها ، هذا خلف.
اجيب عنه بأنّ
الصفات الممتنعة الّتي تنفيها البراهين الإنّيّة عن الواجب بالذات مرجعها جميعا
إلى نفي الوجوب الذاتيّ الّذي هو عين الواجب بالذات ، فهي واحدة بحسب المصداق المفروض لها ،
وإن تكثّرت مفهوما ، كما أنّ الصفات الثبوتيّة الّتي للواجب بالذات هي عين الوجود
البحت الواجبيّ مصداقا وإن كانت متكثّرة مفهوما.
فعدم الانفكاك بين
هذه الصفات والسلوك البرهانيّ من بعضها إلى بعض لمكان وحدتها بحسب المصداق المفروض
وإن كان في صورة التلازم بينهما بحسب المفهوم ، كما أنّ الأمر في الصفات الثبوتيّة
كذلك ، ويعبّر عنه بأنّ الصفات الذاتيّة كالوجوب الذاتيّ مثلا بالذات وباقتضاء من
الذات ، ولا اقتضاء ولا علّيّة بين الشيء ونفسه. وهذا معنى ما قيل : «إنّ الدليل على وجود الحقّ المبدع إنّما
__________________
يكون بنحو من
البيان الشبيه بالبرهان اللمّيّ» .
فامتناع الماهيّة ـ
الّذي سلكنا إلى بيانه من طريق امتناع الإمكان عليه تعالى مثلا ـ هو وامتناع الإمكان
جميعا يرجعان إلى نفي بطلان الوجوب الذاتيّ الممتنع عليه تعالى ، وقد استحضره العقل بعرض الوجوب الذاتيّ المنتزع عن عين الذات.
واعلم أنّه كما
تمتنع الملازمة بين ممتنعين بالذات كذلك يمتنع استلزام الممكن لممتنع بالذات ، فإنّ
جواز تحقّق الملزوم الممكن مع امتناع اللازم بالذات ـ وقد فرضت بينهما ملازمة ـ
يستلزم تحقّق الملزوم مع عدم اللازم ، وفيه نفي الملازمة ، هذا خلف .
وقد
اورد عليه بأنّ عدم المعلول
الأوّل وهو ممكن يستلزم عدم الواجب بالذات وهو ممتنع بالذات ، فمن الجائز أن
يستلزم الممكن ممتنعا بالذات ، كما أنّ من الجائز عكس ذلك ، كاستلزام عدم الواجب
عدم المعلول الأوّل.
ويدفعه : أنّ المراد بالممكن هو الماهيّة المتساوية النسبة إلى
جانبي الوجود والعدم. ومن المعلوم أنّه لا ارتباط لذاتها بشيء وراء ذاتها الثابتة
لذاتها بالحمل الأوّلي ، فماهيّة المعلول الأوّل لا ارتباط بينها وبين الواجب
بالذات.
نعم ، وجودها
مرتبط بوجوده واجب بوجوبه ، وعدمها مرتبط عقلا بعدمه ممتنع
__________________
بامتناع عدمه ، وليس
شيء منهما ممكنا ، بمعنى المتساوي النسبة إلى الوجود والعدم.
وأمّا عدّهم وجود
الممكن ممكنا ، فالإمكان فيه بمعنى الفقر والتعلّق الذاتيّ لوجود الماهيّة بوجود
العلّة ، دون الإمكان بمعنى استواء النسبة إلى الوجود والعدم ، ففي الإشكال مغالطة
بوضع الإمكان الوجوديّ موضع الإمكان الماهويّ.
خاتمة :
قد اتّضح من
الأبحاث السابقة أنّ الوجوب والإمكان والامتناع كيفيّات للنسب في القضايا ، لا
تخلو عن واحد منها قضيّة ، وأنّ الوجوب والإمكان أمران وجوديّان ، لمطابقة القضايا الموجّهة بهما ـ بما أنّها موجّهة بهما ـ
للخارج مطابقة تامّة.
فهما موجودان في
الخارج لكن بوجود موضوعيهما ، لا بوجود منحاز مستقلّ ، فهما من الشؤون الوجوديّة الموجودة لمطلق الموجود ، كالوحدة
، والكثرة ، والحدوث ، والقدم ، وسائر المعاني الفلسفيّة المبحوث عنها في الفلسفة
، بمعنى كون الاتّصاف بها في الخارج وعرضها في الذهن ، وهي المسمّاة ب «المعقولات
الثانية الفلسفيّة». وأمّا الامتناع فهو أمر عدميّ.
هذا كلّه بالنظر
إلى اعتبار العقل الماهيّات والمفاهيم موضوعات للأحكام. وأمّا بالنظر إلى كون
الوجود العينيّ هو الموضوع لها بالحقيقة لأصالته فالوجوب نهاية شدّة الوجود
الملازم لقيامه بذاته واستقلاله بنفسه ، والإمكان فقره في نفسه وتعلّقه بغيره ، بحيث
لا يستقلّ عنه بذاته ، كما في وجود الماهيّات الممكنة ، فهما شأنان قائمان بالوجود
غير خارجين عنه.
__________________
المرحلة الخامسة
في الماهيّة وأحكامها
وفيها سبعة فصول
الفصل الأوّل
في أنّ الماهيّة في حدّ ذاتها لا موجودة
ولا لا موجودة
الماهيّة ، وهي : «ما
يقال في جواب ما هو؟» ، لمّا كانت ـ من حيث هي وبالنظر إلى ذاتها في حدّ ذاتها ـ
لا تأبى أن تتّصف بأنّها موجودة أو معدومة كانت في حدّ ذاتها لا موجودة ولا لا
موجودة ، بمعنى أنّ الموجود واللاموجود ليس شيء منهما مأخوذا في حدّ ذاتها بأن
يكون عينها أو جزءها وإن كانت لا تخلو عن الاتّصاف بأحدهما في نفس الأمر بنحو
الاتّصاف بصفة خارجة عن الذات.
وبعبارة اخرى : الماهيّة
بحسب الحمل الأوّليّ ليست بموجودة ولا لا موجودة ، وإن كانت بحسب الحمل الشائع إمّا موجودة وإمّا لا موجودة
.
__________________
وهذا هو المراد
بقولهم : «إنّ ارتفاع الوجود والعدم عن الماهيّة من حيث هي من ارتفاع النقيضين عن
المرتبة ، وليس ذلك بمستحيل ، وإنّما المستحيل ارتفاعهما عن الواقع مطلقا وبجميع
مراتبه» . يعنون به أنّ نقيض الوجود المأخوذ في حدّ الذات ليس هو
العدم المأخوذ في حدّ الذات ، بل عدم الوجود المأخوذ في حدّ الذات ، بأن يكون حدّ
الذات ـ وهو المرتبة ـ قيدا للوجود لا للعدم ، أي رفع المقيّد دون الرفع المقيّد .
ولذا قالوا : «إذا
سئل عن الماهيّة من حيث هي بطرفي النقيضين كان من الواجب أن يجاب بسلب الطرفين مع
تقديم السلب على الحيثيّة حتّى يفيد سلب
__________________
المقيّد دون السلب
المقيّد . فإذا سئل : هل الماهيّة من حيث هي موجودة أو ليست بموجودة؟
فالجواب : ليست الماهيّة من حيث هي بموجودة ولا لا موجودة ، ليفيد أنّ شيئا من
الوجود والعدم غير مأخوذ في حدّ ذات الماهيّة» .
ونظير الوجود
والعدم ـ في خروجهما عن الماهيّة من حيث هي ـ سائر المعاني المتقابلة الّتي في
قوّة النقيضين ، حتّى ما عدّوه من لوازم الماهيّات. فليست الماهيّة من حيث هي لا
واحدة ولا كثيرة ، ولا كلّيّة ولا جزئيّة ، ولا غير ذلك من المتقابلات ، وليست
الأربعة من حيث هي زوجا ولا فردا.
__________________
الفصل الثاني
في اعتبارات الماهيّة
للماهيّة بالنسبة
إلى ما يقارنها من الخصوصيّات اعتبارات ثلاث ، وهي : أخذها بشرط شيء ، وأخذها بشرط لا ، وأخذها
لا بشرط. والقسمة حاصرة.
أمّا
الأوّل : فأن تؤخذ الماهيّة
بما هي مقارنة لما يلحق بها من الخصوصيّات ، فتصدق على المجموع ، كأخذ ماهيّة
الإنسان بشرط كونها مع خصوصيّات زيد ، فتصدق عليه.
وأمّا
الثاني : فأن تؤخذ وحدها
، وهذا على وجهين : (أحدهما) أن يقصر النظر في ذاتها مع قطع النظر عمّا
عداها ، وهذا هو المراد من «بشرط لا» في
__________________
مباحث الماهيّة. و
(الآخر) أن تؤخذ وحدها ، بحيث لو قارنها أيّ مقارن مفروض كان زائدا عليها غير داخل
فيها ، فتكون موضوعة للمقارن المفروض ، غير محمولة عليه.
وأمّا
الثالث : فأن لا يشترط
معها شيء من المقارنة واللامقارنة ، بل تؤخذ مطلقة ، من غير تقييد بنفي أو إثبات.
وتسمّى الماهيّة بشرط شيء «مخلوطة» ، والبشرط لا «مجرّدة» ، واللابشرط «مطلقة».
والمقسم للأقسام
الثلاث الماهيّة ، وهي الكلّيّ الطبيعيّ ، وتسمّى «اللابشرط المقسميّ» وهي موجودة
في الخارج لوجود بعض أقسامها فيه كالمخلوطة .
والموجود من
الكلّيّ في كلّ فرد غير الموجود منه في فرد آخر بالعدد. ولو كان الموجود منه في
الأفراد الخارجيّة واحدا بالعدد كان الواحد كثيرا بعينه ، وهو محال ، وكان الواحد
متّصفا بصفات متقابلة ، وهو محال.
وهذا معنى قولهم : «إنّ نسبة الماهيّة إلى أفرادها كنسبة الآباء الكثيرين
__________________
إلى أولادهم ، لا
كنسبة الأب الواحد إلى أولاده الكثيرين» .
فالماهيّة كثيرة
في الخارج بكثرة أفرادها ، نعم هي بوصف الكلّيّة والاشتراك واحدة في الذهن كما
سيأتي .
__________________
الفصل الثالث
في الكلّيّ والجزئيّ
لا ريب أنّ
الماهيّة الكثيرة الأفراد تصدق على كلّ واحد من أفرادها وتحمل عليه ، بمعنى أنّ
الماهيّة الّتي في الذهن كلّما ورد فيه فرد من أفرادها وعرض عليها اتّحدت معه
وكانت هي هو. وهذه الخاصّة هي المسمّاة بالكلّيّة ، وهي المراد باشتراك الأفراد في
الماهيّة. فالعقل لا يمتنع من تجويز صدق الماهيّة على كثيرين بالنظر إلى نفسها ، سواء
كانت ذات أفراد كثيرين في الخارج أم لا.
فالكلّيّة خاصّة
ذهنيّة تعرض الماهيّة في الذهن ، إذ الوجود الخارجيّ العينيّ مساوق للشخصيّة ، مانع
عن الاشتراك. فالكلّيّة من لوازم الوجود الذهنيّ للماهيّة ، كما أنّ الجزئيّة
والشخصيّة من لوازم الوجود الخارجيّ.
فما
قيل : «إنّ الكلّيّة والجزئيّة في نحو الإدراك ، بمعنى أنّ
الحسّ لقوّة إدراكه ينال الشيء نيلا كاملا ، بحيث يمتاز عمّا سواه مطلقا ويتشخّص ،
والعقل لضعف إدراكه يناله نيلا هيّنا ، يتردّد ما ناله بين امور ، ويقبل الانطباق
على كثيرين ، كالشبح المرئيّ من بعيد بحيث لا يتميّز كلّ التمّيز ، فيتردّد بين أن
يكون مثلا
__________________
هو زيدا أو عمرا
أو خشبة منصوبة أو غير ذلك ، وليس إلّا واحدا من المحتملات ، وكالدرهم الممسوح
المردّد بين الدراهم المختلفة وليس إلّا واحدا منها» فاسد ، إذ لو كان الأمر كذلك
لم يكن مصداق الماهيّة في الحقيقة إلّا واحدا من الأفراد ، ولكذبت القضايا
الكلّيّة ، كقولنا : «كلّ ممكن فله علّة» ، و «كلّ أربعة زوج» ، و «كلّ كثير فإنّه
مؤلّف من آحاد». والضرورة تدفعه ، فالحقّ أنّ الكلّيّة والجزئيّة لازمتان لوجود
الماهيّات ، فالكلّيّة لوجودها الذهنيّ والجزئيّة لوجودها الخارجيّ.
وكذا ما قيل : «إنّ الماهيّة الموجودة في الذهن جزئيّة شخصيّة ، كالماهيّة
الموجودة في الخارج ، فإنّها موجودة في ذهن خاصّ قائمة بنفس جزئيّة. فالماهيّة
الإنسانيّه الموجودة في ذهن زيد مثلا غير الماهيّة الإنسانيّة الموجودة في ذهن
عمرو ، والموجودة منها في ذهن زيد اليوم غير الموجودة في ذهنه بالأمس ، وهكذا»
فاسد ، فإنّ الماهيّة المعقولة من الحيثيّة المذكورة ـ أعني كونها قائمة بنفس
جزئيّة ناعتة لها ، وكذا كونها كيفيّة من الكيفيّات النفسانيّة وكمالا لها ـ هي من
الموجودات الخارجيّة الخارجة من بحثنا ، وكلامنا في الماهيّة بوجودها الذهنيّ
الّذي لا تترتّب عليها فيه آثارها الخارجيّة ، وهي من هذه الجهة لا تأبى الصدق على
كثيرين.
ثمّ إنّ الأشياء
المشتركة في معنى كلّيّ يتميّز بعضها من بعض بأحد امور ثلاثة ، فإنّها إن اشتركت
في عرضيّ خارج من الذات فقط تميّزت بتمام الذات ، كالنوعين من مقولتين من المقولات
العرضيّة المشتركين في العرضيّة. وإن اشتركت في ذاتيّ ، فإن كان في بعض الذات ـ
ولا محالة هو الجنس ـ تميّزت ببعض آخر
__________________
وهو الفصل
كالإنسان والفرس المشتركين في الحيوانيّة المتميّزين بالنطق والصهيل. وإن كان في
تمام الذات تميّزت بعرضيّ مفارق ، إذ لو كان لازما لم يخل عنه فرد ، فلازم النوع
لازم لجميع أفراده.
وزاد بعضهم على هذه الأقسام الثلاثة قسما رابعا ، وهو : التميّز
بالتمام والنقص والشدّة والضعف في نفس الطبيعة المشتركة ، وهو التشكيك.
والحقّ أنّ الماهيّة ـ بما أنّها هي ـ لا تقبل التشكيك وإنّما التشكيك في الوجود.
هذا كلّه في
الكلّيّة ، وأنّها خاصّة ذهنيّة للماهيّة . وأمّا الجزئيّة وهي امتناع الشركة في الشيء ، وتسمّى : «الشخصيّة»
ـ فالحقّ أنّها بالوجود ، كما ذهب إليه الفارابيّ رحمهالله وتبعه صدر المتألّهين رحمهالله. قال في الأسفار : «والحقّ أنّ تشخّص الشيء ـ بمعنى كونه
ممتنع الشركة فيه بحسب نفس تصوّره ـ إنّما يكون بأمر زائد على الماهيّة مانع بحسب
ذاته من تصوّر الاشتراك فيه. فالمشخّص للشيء ـ بمعنى ما به يصير ممتنع الاشتراك
فيه ـ لا يكون بالحقيقة إلّا نفس وجود ذلك الشيء ، كما ذهب إليه المعلّم الثاني ، فإنّ
كلّ وجود متشخّص بنفس ذاته ، وإذا قطع النظر عن نحو الوجود الخاصّ للشيء فالعقل لا
يأبى عن تجويز الاشتراك فيه ، وإن ضمّ إليه
__________________
ألف مخصّص ، فإنّ
الامتياز في الواقع غير التشخّص ، إذ الأوّل للشيء بالقياس إلى المشاركات في أمر
عامّ ، والثاني باعتباره في نفسه حتّى أنّه لو لم يكن له مشارك لا يحتاج إلى مميّز
زائد ، مع أنّ له تشخّصا في نفسه. ولا يبعد أن يكون التميّز يوجب للشيء استعداد
التشخّص ، فإنّ النوع المادّيّ المنتشر ما لم تكن المادّة متخصّصة الاستعداد لواحد
منه لا يفيض وجوده عن المبدأ الأعلى» انتهى.
ويتبيّن به :
أوّلا : أنّ
الأعراض المشخّصة الّتي أسندوا التشخيص إليها ـ وهي عامّة الأعراض كما هو ظاهر
كلام بعضهم ، وخصوص الوضع ومتى وأين كما صرّح به بعض آخر ، وخصوص الزمان كما قال به آخرون ـ وكذا ما قيل :
__________________
«إنّه المادّة»
أمارات للتشخّص ومن لوازمه .
وثانيا
: أنّ قول بعضهم : «إنّ المشخّص للشيء هو فاعله القريب المفيض لوجوده» وكذا
قول بعضهم : «إنّ المشخّص هو فاعل الكلّ وهو الواجب تعالى الفيّاض
لكلّ وجود» ، وكذا قول بعضهم : «إنّ تشخّص العرض بموضوعه» لا يخلو عن استقامة. غير أنّه
من الإسناد إلى السبب البعيد ، والسبب القريب الّذي يستند إليه التشخّص هو نفس
وجود الشيء ، إذ الوجود العينيّ للشيء ـ بما هو وجود عينيّ يمتنع وقوع الشركة فيه
فهو المتشخّص بذاته ، والماهيّة متشخّصة به ، وللفاعل أو الموضوع دخل في التشخّص
من جهة أنّهما من علل الوجود ، لكنّ أقرب الأسباب هو وجود نفس الشيء كما عرفت.
وثالثا
: أنّ جزئيّة
المعلوم المحسوس ليست من قبل نفسه بما أنّه مفهوم ذهنيّ ، بل من قبل الاتّصال
الحسّيّ بالخارج وعلم الإنسان بأنّه نوع تأثّر له من العين الخارجيّ ، وكذا جزئيّة
الصورة الخياليّة من قبل الاتّصال بالحسّ ، كما إذا أحضر صورة خياليّة مخزونة عنده
من جهة الحسّ أو ركّب ممّا عنده من الصور الحسّيّة المخزونة صورة فرد خياليّ ، فافهم.
__________________
الفصل الرابع
في الذاتيّ والعرضيّ
المفاهيم المعتبرة
في الماهيّات ـ وهي الّتي تؤخذ في حدودها ، وترتفع الماهيّات بارتفاعها ـ تسمّى : «ذاتيّات»
. وما سوى ذلك ممّا يحمل عليها ـ وهي خارجة من الحدود كالكاتب من الإنسان ، والماشي
من الحيوان ـ تسمّى : «عرضيّات».
والعرضيّ قسمان ، فإنّه
إن توقّف انتزاعه وحمله على انضمام كتوقّف انتزاع الحارّ وحمله على الجسم على انضمام الحرارة
إليه سمّي : «محمولا بالضميمة». وإن لم يتوقّف على انضمام شيء إلى الموضوع سمّي : «الخارج
__________________
المحمول» ، كالعالي والسافل.
هذا هو المشهور ، وقد
تقدّم أنّ العرض من مراتب وجود الجوهر .
ويتميّز الذاتيّ
من غير الذاتيّ بخواصّه الّتي هي لوازم ذاتيّته. وهي كونه ضروريّ الثبوت لذي
الذاتيّ ، لضروريّة ثبوت الشيء لنفسه ، وكونه غنيّا عن السبب فالسبب الموجد لذي
الذاتيّ هو السبب الموجد للذاتيّ لمكان العينيّة ، وكونه متقدّما على ذي الذاتيّ
تقدّما بالتجوهر ، كما سيجيء إن شاء الله .
__________________
وقد ظهر ممّا
تقدّم أنّ الحمل بين الذات وبين أجزائه الذاتيّة حمل أوّليّ .
وبه يندفع الإشكال
في تقدّم أجزاء الماهيّة عليها بأنّ مجموع الأجزاء عين الكلّ ، فتقدّم المجموع على
الكلّ تقدّم الشيء على نفسه ، وهو محال.
وذلك أنّ الذاتيّ ـ سواء كان أعمّ وهو الجنس أو أخصّ وهو الفصل ـ
عين الذات ، والحمل بينهما أوّليّ ، وإنّما سمّي : «جزءا» لوقوعه جزءا من الحدّ.
على أنّ إشكال
تقدّم الأجزاء على الكلّ مدفوع بأنّ التقدّم للأجزاء بالأسر على الكلّ ، وبين الاعتبارين تغاير.
__________________
الفصل الخامس
في الجنس والفصل والنوع وبعض ما يلحق بذلك
الماهيّة التامّة
الّتي لها آثار خاصّة حقيقيّة تسمّى ـ من حيث هي كذلك ـ :
«نوعا» كالإنسان
والفرس والغنم. وقد بيّن في المنطق أنّ من المعاني الذاتيّة للأنواع ـ الواقعة في
حدودها ـ ما يشترك فيه
أكثر من نوع واحد كالحيوان الّذي يشترك فيه الإنسان والفرس وغيرهما ، كما أنّ منها
ما يختصّ بنوع واحد كالناطق المختصّ بالإنسان ، ويسمّى الجزء المشترك فيه : «جنسا»
، والجزء المختصّ : «فصلا».
وينقسم الجنس
والفصل إلى قريب وبعيد ، وأيضا ينقسم الجنس والنوع إلى عال ومتوسط وسافل ، كلّ ذلك
مبيّن في محلّه .
ثمّ إنّا إذا
أخذنا معنى الحيوان الموجود في أكثر من نوع واحد مثلا وعقلناه بأنّه الجوهر الجسم
الناميّ الحسّاس المتحرّك بالإرادة ، جاز أن نعقله وحده بحيث يكون كلّ ما يقارنه
من المعاني ـ كالناطق ـ زائدا عليه خارجا من ذاته ، ويكون ما عقلناه من المعنى
مغايرا للمجموع منه ومن المقارن ، غير محمول عليه ، كما أنّه غير محمول على
المقارن. فالمفهوم المعقول من الحيوان غير مفهوم
__________________
الحيوان الناطق
وغير مفهوم الناطق. فيكون المعنى المعقول على هذا الوجه مادّة بالنسبة إلى المعنى
الزائد المقارن ، وعلّة مادّية بالنسبة إلى المجموع منه ومن المقارن. وجاز أن
نعقله مقيسا إلى عدّة من الأنواع الّتي تشترك فيه ، كأن نعقل معنى الحيوان المذكور
آنفا مثلا بأنّه الحيوان الّذي هو إمّا إنسان وإمّا فرس وإمّا غنم وإمّا غير ذلك
من أنواع الحيوان ، فيكون المعنى المعقول على هذا النحو ماهيّة ناقصة غير محصّلة ،
حتّى ينضمّ إليها الفصل المختصّ بأحد تلك الأنواع ، فيحصّلها ماهيّة تامّة ، فتكون
ذلك النوع بعينه ، كأن ينضمّ فصل الإنسان مثلا ـ وهو الناطق ـ إلى الحيوان ، فيكون
هو الحيوان الناطق بعينه ، وهو نوع الإنسان ، ويسمّى الذاتيّ المشترك فيه المأخوذ بهذا الاعتبار : «جنسا» والّذي يحصّله : «فصلا».
والاعتباران
المذكوران الجاريان في الجزء المشترك ـ أعني أخذه بشرط لا ، ولا بشرط ـ يجريان في
الجزء المختصّ. فيكون بالاعتبار الأوّل صورة للجزء الآخر المقارن وعلّة صوريّة
للمجموع ولا يحمل على شيء منهما ، وبالاعتبار الثاني فصلا يحصّل الجنس ويتمّم النوع ويحمل
عليه حملا أوّليّا.
فقد تحصّل : أنّ الجزء
الأعمّ في الماهيّات ـ وهو الجنس ـ متقوّم بالجزء الأخصّ الّذي هو الفصل بحسب
التحليل العقليّ.
قال في الأسفار ـ في كيفيّة تقوّم
الجنس بالفصل ـ : «هذا التقويم ليس بحسب الخارج ، لاتّحادهما في الوجود ، والمتّحدان
في ظرف لا يمكن تقوّم أحدهما بالآخر وجودا ، بل بحسب تحليل العقل الماهيّة
النوعيّة إلى جزئين عقليّين وحكمه بعلّيّة أحدهما للآخر ، ضرورة احتياج أجزاء
ماهيّة واحدة بعضها إلى بعض. والمحتاج إليه والعلّة لا يكون إلّا الجزء الفصليّ ، لاستحالة
أن يكون الجزء الجنسيّ علّة لوجود الجزء الفصليّ ، وإلّا لكانت الفصول المتقابلة
لازمة له ،
__________________
فيكون الشيء
الواحد مختلفا متقابلا ، هذا ممتنع. فبقي أن يكون الجزء الفصليّ علّة لوجود الجزء
الجنسيّ ، ويكون مقسّما للطبيعة الجنسيّة المطلقة ، وعلّة للقدر الّذي هو حصّة
النوع ، وجزءا للمجموع الحاصل منه وممّا يتميّز به عن غيره» انتهى.
فإن
قيل : إنّ الفصل إن كان علّة لمطلق الجنس لم يكن مقسّما له ، وإن
كان علّة للحصّة الّتي في نوعه ـ وهو المختصّ به ـ فلا بدّ أن يفرض التخصّص أوّلا
، حتّى يكون الفصل علّة له ، لكنّه إذا تخصّص دخل في الوجود واستغنى بذلك عن
العلّة.
قيل : إنّ الخصوصيّة الّتي بها يصير الجنس المبهم حصّة خاصّة
بالنوع من شؤون تحصّله الوجوديّ الجائي إليه من ناحية علّته الّتي هي الفصل ، والعلّة
متقدّمة بالوجود على معلولها ، فالتخصّص حاصل بالفصل ، وبه يقسّم الجنس الفاقد له
في نفسه. ولا ضير في علّيّة فصول متعدّدة لماهيّة واحدة جنسيّة لضعف وحدتها .
فإن
قيل : التحصّل الّذي
يدخل به الجنس في الوجود هو تحصّله بالوجود الفرديّ ، فما لم يتلبّس بالوجود
الخارجيّ لم يتمّ ولم يكن له شيء من الشؤون الوجوديّة ، فما معنى عدّ الفصل علّة
له؟
قيل : المراد بتحصّله بالفصل ثبوته التعقّليّ وكينونته ماهيّة
تامّة نوعيّة. والّذي يكتسبه بالوجود الفرديّ هو تحقّق الماهيّة التامّة تحقّقا
تترتّب عليه الآثار الخارجيّة. فالّذي يفيده الفصل هو تحصّل الماهيّة المبهمة
الجنسيّة وصيرورتها ماهيّة نوعيّة تامّة ، والذيّ يفيده الوجود الفرديّ هو تحصّل
الماهيّة التامّة
__________________
وصيرورتها حقيقة
خارجيّة تترتّب عليها الآثار.
فتبيّن بما مرّ :
أوّلا
: أنّ الجنس هو
النوع مبهما ، والفصل هو النوع محصّلا ، والنوع هو الماهيّة التامّة من غير نظر
إلى إبهام أو تحصّل.
وثانيا
: أنّ كلّا من
الجنس والفصل محمول على النوع حملا أوّليّا ، وأمّا النسبة بين الجنس والفصل
أنفسهما فالجنس عرض عامّ للفصل والفصل خاصّة للجنس والحمل بينهما حمل شائع.
وثالثا
: أنّ من الممتنع
تحقّق أكثر من جنس واحد في مرتبة واحدة في ماهيّة نوعيّة واحدة ، وكذا تحقّق أكثر
من فصل واحد في مرتبة واحدة في ماهيّة نوعيّة واحدة ، لاستلزامه كون الواحد بعينه
كثيرا ، وهو محال.
ورابعا : أنّ الجنس والمادّة متّحدان ذاتا ومختلفان اعتبارا ، فالمادّة
إذا اخذت لا بشرط كانت «جنسا» والجنس إذا اخذ بشرط لا كان «مادّة». وكذلك الفصل
والصورة متّحدان ذاتا ومختلفان اعتبارا ، فالفصل بشرط لا صورة ، كما أنّ الصورة لا
بشرط ، فصل.
وهذا في الجواهر
المادّيّة المركّبة ظاهر ، فإنّ المادّة والصورة موجودتان فيها خارجا ، فيؤخذ منها
معنى المادّة والصورة ، ثمّ يؤخذان لا بشرط ، فيكونان جنسا وفصلا.
وأمّا الأعراض فهي
بسائط خارجيّة غير مركّبة من مادّة وصورة ، فما به الاشتراك فيها عين ما به
الامتياز. لكنّ العقل يجد فيها مشتركات ومختصّات ، فيعتبرها أجناسا وفصولا لها ، ثمّ
يعتبرها بشرط لا ، فتعود موادّ وصورا عقليّة لها. والأمر في الجواهر المجرّدة أيضا
على هذه الوتيرة .
__________________
الفصل السادس
في بعض ما يرجع إلى الفصل
يستعمل لفظ «الفصل»
في كلماتهم في معنيين :
أحدهما
: أخصّ اللوازم
الّتي تعرض النوع وأعرفها ، وهو إنّما يعدّ فصلا ويوضع في الحدود موضع الفصول
الحقيقيّة لصعوبة الحصول على الفصول الحقيقيّة الّتي تقوّم الأنواع ، أو لعدم وجود
اسم دالّ عليها بالمطابقة في اللغة ، كالناطق
__________________
المأخوذ فصلا
للإنسان ، فإنّ المراد بالنطق إمّا التكلّم وهو بوجه من الكيفيّات المسموعة ، وإمّا إدراك الكلّيّات وهو عندهم من الكيفيّات
النفسانيّة ، والكيفيّة كيفما كانت من الأعراض ، والأعراض لا تقوّم الجواهر.
ويسمّى : «فصلا منطقيّا» .
والثاني
: ما يقوّم النوع
ويحصّل الجنس حقيقة ، وهو مبدأ الفصل المنطقيّ ، ككون الإنسان ذا نفس ناطقة فصلا
للنوع الإنسانيّ ، ويسمّى : «فصلا اشتقاقيّا» .
ثمّ إنّ الفصل
الأخير تمام حقيقة النوع ، لأنّه محصّل الجنس الّذي يحصّله
ويتمّمه نوعا ، فما اخذ في أجناسه وفصوله الاخر على وجه الإبهام مأخوذ فيه على وجه
التحصيل .
ويتفرّع عليه : أنّ
نوعيّة النوع محفوظة بالفصل ولو تبدّلت بعض أجناسه ، ولذا لو تجرّدت صورته (الّتي
هي الفصل بشرط لا) عن المادّة (الّتي هي الجنس بشرط لا) في المركّبات المادّيّة ـ
كالإنسان تتجرّد نفسه فتفارق البدن ـ كانت حقيقة النوع محفوظة بالصورة.
__________________
ثمّ إنّ الفصل غير
مندرج تحت جنسه الّذي يحصّله ـ بمعنى أنّ الجنس
غير مأخوذ في حدّه أخذ الجنس في النوع ففصول الجواهر ليست بجواهر ، وذلك لأنّه لو اندرج تحت جنسه
افتقر إلى فصل يقوّمه ، وننقل الكلام إلى فصله ، ويتسلسل بترتّب فصول غير متناهية
، وتحقّق أنواع غير متناهية في كلّ فصل ، ويتكرّر الجنس بعدد الفصول ، وصريح العقل يدفعه .
على أنّ النسبة
بين الجنس والفصل تنقلب إلى العينيّه ، ويكون الحمل بينهما حملا أوّليّا ، ويبطل
كون الجنس عرضا عامّا للفصل ، والفصل خاصّة للجنس.
ولا ينافي ذلك
وقوع الحمل بين الجنس وفصله المقسّم كقولنا : «كلّ ناطق حيوان» و «بعض الحيوان
ناطق» لأنّه حمل شائع بين الخاصّة والعرض العامّ كما تقدّمت الإشارة إليه ، والّذي نفيناه هو الحمل الأوّليّ. فالجوهر مثلا صادق على
فصوله المقسّمة له من غير أن تندرج تحته ، فيكون جزءا من ماهيّتها.
فإن
قلت : ما تقدّم من
عدم دخول فصل النوع تحت جنسه ينافي قولهم ـ في تقسيم الجوهر إلى العقل والنفس
والهيولى والصورة الجسميّة والجسم ـ بكون الصورة الجسميّة والنفس نوعين من الجوهر
، ولازم كون الشيء نوعا من مقولة
__________________
اندراجه ودخوله
تحتها ، ومن المعلوم أنّ الصورة الجسميّة هي فصل الجسم مأخوذا بشرط لا ، ففي كونها
نوعا من الجوهر دخول الفصل الجوهريّ تحت جنس الجوهر وأخذ الجوهر في حدّه. ونظير
البيان جار في عدّهم النفس نوعا من الجوهر ، على أنّهم بيّنوا بالبرهان أنّ النفس
الإنسانيّة جوهر مجرّد باق بعد مفارقة البدن ، والنفس الناطقة صورة الإنسان ، وهي
بعينها مأخوذة لا بشرط فصل للماهيّة الإنسانيّة.
قلت : يختلف حكم المفاهيم باختلاف الاعتبار العقليّ الّذي
يطرؤها ، وقد
__________________
تقدّم في بحث
الوجود لنفسه ولغيره أنّ الوجود في نفسه هو الّذي ينتزع عنه ماهيّة الشيء.
وأمّا اعتبار وجوده لشيء فلا ينتزع عنه ماهيّة ، وإن كان وجوده لغيره عين وجوده في
نفسه. والفصل مفهوم مضاف إلى الجنس ، حيثيّته أنّه مميّز ذاتيّ للنوع ، وجوده
للجنس ، فلا ماهيّة له من حيث إنّه فصل. وهذا معنى قولهم : «إنّ لازم كون الجنس
عرضا عامّا للفصل والفصل خاصّة له أن ليست فصول الجواهر جواهر ، بمعنى كونها
مندرجة تحت معنى الجواهر اندراج الأنواع تحت جنسها ، بل كاندراج الملزومات تحت
لازمها الّذي لا يدخل في ماهيّتها» .
وأمّا الصورة من
حيث إنّها صورة مقوّمة للمادّة فحيث كانت بشرط لا بالنسبة إلى المادّة لم يكن
بينهما حمل أوّليّ ، فلا اندراج لها تحت الجنس ، وإلّا كانت نوعا بينه وبين الجنس عينيّة وحمل أوّليّ ، هذا خلف ، وإن كان
بينها وبين المادّة حمل شائع بناء على التركيب الاتّحاديّ بين المادّة والصورة .
نعم ، لمّا كانت
الصورة تمام ماهيّة النوع ـ كما عرّفوها بأنّها ما به الشيء هو هو بالفعل ـ كانت
فصول الجواهر جواهر ، لأنّها عين حقيقة النوع وفعليّته ، لكن لا يستوجب ذلك
دخولها تحت جنس الجوهر بحيث يكون الجوهر مأخوذا في حدّها بينه وبينها حمل أوّليّ.
فتبيّن بما تقدّم
أنّ الفصول بما أنّها فصول بسائط غير مركّبة من الجنس والفصل ، ممحّضة في أنّها
مميّزات ذاتيّة ، وكذلك الصور المادّيّة الّتي هي في ذاتها
__________________
مادّية موجودة
للمادّة بسائط في الخارج غير مركّبة من المادّة والصورة ، وبسائط في العقل غير
مركّبة من الجنس والفصل ، وإلّا كانت الواحدة منها أنواعا متسلسلة ، كما تقدّمت
الإشارة إليها.
وأمّا النفس
المجرّدة فهي باعتبار أنّها فصل للنوع حيثيّتها حيثيّة الوجود الناعتيّ ، وقد عرفت
أن لا ماهيّة للوجود الناعتيّ. وأمّا من حيث تجرّدها في ذاتها فإنّ تجرّدها
مصحّح وجودها لنفسها ، كما أنّها موجودة في نفسها ، وهي تمام حقيقة النوع ، فيصدق
عليها الجوهر ، فتكون هي النوع الجوهريّ الّذي كانت جزءا صوريّا له ، وليست بصورة
، ولا ينافيه كون وجودها للمادّة أيضا ، فإنّ هذا التعلّق إنّما هو في مقام الفعل
دون الذات ، فهي مادّيّة في فعلها لا في ذاتها.
هذا على القول
بكون النفس المجرّدة روحانيّة الحدوث والبقاء كما عليه المشّاؤون . وأمّا على القول بكونها جسمانيّة الحدوث روحانيّة البقاء فهي تتجرّد في ذاتها أوّلا ، وهي بعد متعلّقة بالمادّة
فعلا ثمّ تتجرّد عنها في فعلها أيضا بمفارقة البدن.
__________________
الفصل السابع
في بعض أحكام النوع
النوع هو الماهيّة
التامّة الّتي لها في الوجود آثار خاصّة. وينقسم : إلى ما لا يتوقّف في ترتّب
آثاره عليه إلّا على الوجود الخارجيّ الّذي يشخّصه فردا ، كالإنسان مثلا ، ويسمّى
: «النوع الحقيقيّ». وإلى ما يتوقّف في ترتّب آثاره عليه على لحوق فصل أو فصول به
، فيكون جنسا بالنسبة إلى أنواع دونه ، وإن كان نوعا بالنظر إلى تمام ماهيّته ، كالأنواع
العالية والمتوسّطة ، كالجسم الّذي هو نوع من الجوهر عال ، ثمّ هو جنس للأنواع
النباتيّة والجماديّة ، والحيوان الّذي هو نوع متوسّط من الجوهر ، وجنس للإنسان
وسائر الأنواع الحيوانيّة ، ويسمّى : «النوع الإضافيّ» .
__________________
ثمّ إنّ الماهيّة
النوعيّة توجد أجزاؤها في الخارج بوجود واحد ، هو وجود النوع ، لأنّ الحمل بين كلّ منها وبين النوع حمل أوّليّ ، والنوع موجود بوجود واحد ، وأمّا
في الذهن فبينها تغاير بالإبهام والتحصّل ، ولذلك كان كلّ من الجنس والفصل عرضيّا
للآخر كما تقدّم .
ومن هنا ما ذكروا أنّه لا بدّ في المركّبات الحقيقيّة ـ وهي الأنواع
المادّيّة ـ أن يكون بين أجزائها فقر وحاجة من بعضها إلى بعض حتّى ترتبط وتتّحد
حقيقة واحدة . وقد عدّوا المسألة ضروريّة .
ويمتاز المركّب
الحقيقيّ من غيره بالوحدة الحقيقيّة. وذلك بأن يحصل من تألّف الأجزاء أمر آخر
وراءها له أثر جديد خاصّ وراء آثار الأجزاء ، لا مثل المركّبات الاعتباريّة الّتي
لا أثر لها وراء آثار الأجزاء ، كالعسكر المركّب من أفراد ، والبيت المركّب من
اللبن والجصّ وغيرها.
ومن هنا يترجّح
القول بأنّ التركيب بين المادّة والصورة تركيب اتحاديّ لا انضماميّ كما سيأتي إن
شاء الله .
ثمّ إنّ الماهيّات
النوعيّة منها ما هو كثير الأفراد كالأنواع الّتي لها تعلّق مّا بالمادّة كالعنصر
وكالإنسان ، ومنها ما هو منحصر في فرد كالنوع المجرّد عن المادّة ذاتا وفعلا وهو
العقل. وذلك أنّ الكثرة إمّا أن تكون تمام ذات الماهيّة
__________________
النوعيّة أو بعضها
أو خارجة منها لازمة أو مفارقة ، وعلى التقادير الثلاثة الاول يمتنع أن
يتحقّق لها فرد ، إذ كلّ ما فرض فردا لها وجب كونه كثيرا ، وكلّ كثير مؤلّف من
آحاد ، وكلّ واحد مفروض يجب أن يكون كثيرا ، وكلّ كثير فإنّه مؤلّف من آحاد ، وهكذا.
فيذهب الأمر إلى غير النهاية ، ولا ينتهي إلى واحد ، فلا يتحقّق الواحد ، فلا
يتحقّق لها فرد ، وقد فرض كثير الأفراد ، وهذا خلف. وعلى التقدير الرابع كانت
الكثرة بعرض مفارق يعرض النوع ، تتحقّق بانضمامه إليه عدم انضمامه الكثرة ، وكلّ
عرض مفارق يتوقّف عرضه على سبق إمكان حامله المادّة ، فيكون النوع مادّيا بالضرورة ، فكلّ نوع
كثير الأفراد فهو مادّيّ ، وينعكس بعكس النقيض إلى أنّ كلّ نوع مجرّد فهو منحصر في
فرد ، وهو المطلوب.
__________________
المرحلة السادسة
في المقولات العشر
وهي الأجناس العالية الّتي إليها تنتهي الماهيّات بالتحليل
وفيها واحد وعشرون فصلا
الفصل الأوّل
في المقولات وعددها
لا ريب أنّ
للموجود الممكن ماهيّة هي ذاته الّتي تستوي نسبتها إلى الوجود والعدم ، وهي ما
يقال في جواب «ما هو؟». وأنّ في هذه الماهيّات مشتركات ومختصّات ـ أعني الأجناس
والفصول ـ. وأنّ في الأجناس ما هو أعمّ وما هو أخصّ ، أي إنّها قد تترتّب متصاعدة
من أخصّ إلى أعمّ ، فلا محالة تنتهي السلسلة إلى جنس لا جنس فوقها ، لاستحالة
ذهابها إلى غير النهاية المستلزم لتركّب ذات الممكن من أجزاء غير متناهية ، فلا
يمكن تعقّل شيء من هذه الماهيّات بتمام ذاتيّاتها ، على أنّ هذه الأجناس باعتبار
أخذها بشرط لا موادّ خارجيّة أو عقليّة ، والمادّة من علل القوام ، وهي متناهية ، كما
سيأتي إن شاء الله تعالى .
فتحصّل : أنّ هناك
أجناسا عالية ليس فوقها جنس ، وهي المسمّاة ب «المقولات» .
ومن هنا يظهر :
أوّلا
: أنّ المقولات
بسائط غير مركّبة من جنس وفصل ، وإلّا كان هناك جنس أعلى منها ، هذا خلف.
__________________
وثانيا
: أنّها متباينة
بتمام ذواتها البسيطة ، وإلّا كان بينها مشترك ذاتيّ ، وهو الجنس ، فكان فوقها جنس
، هذا خلف.
وثالثا
: أنّ الماهيّة
الواحدة لا تندرج تحت أكثر من مقولة واحدة ، فلا يكون شيء واحد جوهرا وكمّا معا ، ولا
كمّا وكيفا معا ، وهكذا. ويتفرّع عليه أنّ كلّ معنى يوجد في أكثر من مقولة واحدة
فهو غير داخل تحت المقولة ، إذ لو دخل تحت ما يصدق عليه لكان مجنّسا بجنسين
متباينين أو أجناس متباينة ، وهو محال. ومثله ما يصدق من المفاهيم على الواجب
والممكن جميعا. وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك.
ورابعا
: أنّ الماهيّات
البسيطة ـ كالفصول الجوهريّة مثلا وكالنوع المفرد إن كان ـ خارجة عن
المقولات ، وقد تقدّم في مرحلة الماهيّة .
وخامسا
: أنّ الواجب
والممتنع خارجان عن المقولات ، إذ لا ماهيّة لهما ، والمقولات ماهيّات جنسيّة.
ثمّ إنّ جمهور
المشّائين على أنّ المقولات عشر. وهي : الجوهر ، والكمّ ، والكيف ، والوضع
، والأين ، والمتى ، والجدة ، والإضافة ، وأن يفعل ، وأن ينفعل.
__________________
والمعوّل فيما
ذكروه على الاستقراء ، ولم يقم برهان على أن ليس فوقها مقولة هي أعمّ من الجميع
أو أعمّ من البعض . وأمّا مفهوم الماهيّة والشيء والموجود وأمثالها الصادقة
على العشر جميعا ومفهوم العرض والهيئة والحال الصادقة على التسع غير الجوهر
والهيئة النسبيّة الصادقة على السبع الأخيرة المسمّاة بالأعراض النسبيّة فهي
مفاهيم عامّة منتزعة من نحو وجودها خارجة من سنخ الماهيّة. فماهيّة الشيء هو ذاته
المقول عليه في جواب «ما هو؟» ولا هويّة إلّا للشيء الموجود ، وشيئيّة الشيء موجود
، فلا شيئيّة لما ليس بموجود ، وعرضيّة الشيء كون وجوده قائما بالغير ، وقريب
منه كونه هيئة وحالا ، ونسبيّة الشيء كون وجوده في غيره غير خارج من وجود الغير.
فهذه مفاهيم منتزعة من نحو الوجود محمولة على أكثر من مقولة واحدة ، فليست من
المقولات كما تقدّم .
وعن بعضهم : «أنّ المقولات أربع ، بإرجاع المقولات النسبيّة إلى
مقولة واحدة ، فهي : الجوهر والكمّ والكيف والنسبة».
ويدفعه ما تقدّم [من] أنّ النسبة
مفهوم غير ما هويّ منتزع من نحو الوجود. ولو كفى مجرّد عموم المفهوم في جعله مقولة
فليردّ المقولات إلى مقولتين :
__________________
«الجوهر والعرض» ، لصدق مفهوم العرض على غير الجوهر من المقولات ، بل إلى
مقولة واحدة هي الماهيّة أو الشيء.
وعن شيخ الإشراق : «أنّ المقولات خمس : الجوهر والكمّ والكيف والنسبة
والحركة» .
ويرد عليه ما يرد
على سابقه ، مضافا إلى أنّ الحركة أيضا مفهوم منتزع من نحو الوجود ، وهو الوجود
السيّال غير القارّ الثابت ، فلا مساغ لدخولها في المقولات.
__________________
الفصل الثاني
في تعريف الجوهر وأنّه جنس لما تحته من
الماهيّات
تنقسم الماهيّة
انقساما أوّليا إلى : الماهيّة الّتي إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع مستغن
عنها وهي ماهيّة الجوهر ، وإلى الماهيّة الّتي إذا وجدت في الخارج وجدت في موضوع
مستغن عنها وهي المقولات التسع العرضيّة.
فالجوهر ماهيّة
إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع مستغن عنها. وهذا تعريف بوصف لازم للوجود من
غير أن يكون حدّا مؤلّفا من الجنس والفصل ، إذ لا معنى لذلك في جنس عال ؛ كما أنّ تعريف العرض
بالماهيّة الّتي
__________________
إذا وجدت في
الخارج وجدت في موضوع مستغن عنها تعريف بوصف لازم لوجود المقولات التسع العرضيّة
وليس من الحدّ في شيء.
والتعريف تعريف
جامع مانع ، وإن لم يكن حدّا ، فقولنا : «ماهيّة» يشمل عامّة الماهيّات ، ويخرج به
الواجب بالذات حيث كان وجودا صرفا لا ماهيّة له ، وتقييد الماهيّة بقولنا : «إذا
وجدت في الخارج» للدلالة على أنّ التعريف لماهيّة الجوهر الّذي هو جوهر بالحمل
الشائع ، إذ لو لم يتحقّق المفهوم بالوجود الخارجيّ لم يكن ماهيّة حقيقيّة لها
آثارها الحقيقيّة ، ويخرج بذلك الجواهر الذهنيّة ـ الّتي هي جواهر بالحمل الأوّليّ
ـ عن التعريف ، فإنّ صدق المفهوم على نفسه حمل أوّليّ لا يوجب اندراج المفهوم تحت
نفسه ، وتقييد الموضوع ب «كونه مستغنيا عنها» للإشارة إلى تعريف الموضوع بصفته
اللازمة له ، وهو أن يكون قائما بنفسه ـ أي موجودا لنفسه ـ فالجوهر موجود لا في
موضوع «أي ليس وجوده لغيره كالأعراض ، بل لنفسه» .
__________________
وأمّا ما قيل : إنّ التقييد بالاستغناء لإدخال الصور الجوهريّة الحالّة
في المادّة في التعريف ، فإنّها وإن وجدت في الموضوع لكنّ موضوعها غير مستغن عنها
، بل مفتقرة إليها.
ففيه : أنّ الحقّ أنّ الصور الجوهريّة ماهيّات بسيطة غير مندرجة
تحت مقولة الجوهر ، ولا مجنّسة بجنس ـ كما تقدّمت الإشارة إليه في مرحلة الماهيّة ـ.
ووجود القسمين ـ
أعني الجوهر والعرض ـ في الخارج ضروريّ في الجملة ، فمن أنكر وجود الجوهر فقد قال بجوهريّة الأعراض من حيث
لا يشعر. ومن الأعراض ما لا ريب في عرضيّته كالأعراض النسبيّة.
والجوهر جنس لما
يصدق عليه من الماهيّات النوعيّة ، مقوّم لها ، مأخوذ في حدودها ، لأنّ كون الماهيّات العرضيّة مفتقرة في وجودها الخارجيّ
إلى موضوع مستغن عنها يستلزم وجود ماهيّة هي في ذاتها موضوعة لها ، مستغنية عنها ، وإلّا ذهبت سلسلة الافتقار إلى غير
النهاية ، فلم تتقرّر ماهيّة ، وهو ظاهر.
وأمّا ما استدلّ به على جنسيّة الجوهر لما تحته ، بأنّ كون وجود الجوهر لا
في
__________________
موضوع وصف واحد
مشترك بين الماهيّات الجوهريّة ، حاصل لها على وجه اللزوم ، مع قطع النظر عن
الامور الخارجة ، فلو لم يكن الجوهر جنسا لها بل كان لازم وجودها وهي ماهيّات
متباينة بتمام الذات لزم انتزاع مفهوم واحد من مصاديق كثيرة متباينة بما هي كذلك ،
وهو محال. فبين هذه الماهيّات الكثيرة المتباينة جامع ماهويّ واحد لازمه الوجوديّ
كون وجودها لا في الموضوع .
ففيه : أنّ الوصف المذكور معنى منتزع من سنخ وجود هذه الماهيّات
الجوهريّة لا من الماهيّات ، كما أنّ كون الوجود في الموضوع ـ وهو وصف واحد لازم
للمقولات التسع العرضيّة ـ معنى واحد منتزع من سنخ وجود الأعراض جميعا. فلو استلزم
كون الوصف المنتزع من الجواهر معنى واحدا جامعا ماهويّا واحدا في الماهيّات
الجوهريّة لاستلزم كون الوصف المنتزع من المقولات العرضيّة معنى واحدا جامعا
ماهويّا واحدا في المقولات العرضيّة هو جنس لها ، وانتهت الماهيّات إلى مقولتين
هما الجوهر والعرض.
فالمعوّل في إثبات
جنسيّة الجوهر لما تحته من الماهيّات على ما تقدّم ، من أنّ افتقار العرض إلى موضوع يقوم به يستلزم ماهيّة قائمة بنفسها.
ويتفرّع على ما
تقدّم أنّ الشيء الواحد لا يكون جوهرا وعرضا معا. وناهيك في ذلك أنّ الجوهر وجوده
لا في موضوع ، والعرض وجوده في موضوع ، والوصفان لا يجتمعان في شيء واحد بالبداهة.
__________________
الفصل الثالث
في أقسام الجوهر الأوّليّة
قالوا : إنّ الجوهر إمّا أن يكون في محلّ أو لا يكون فيه والكائن
في المحلّ هو «الصورة المادّيّة» . وغير الكائن فيه إمّا أن يكون محلّا لشيء يقوم به أو لا يكون. والأوّل هو «الهيولى» والثاني لا يخلو
إمّا أن يكون مركّبا من الهيولى والصورة أو لا يكون. والأوّل هو «الجسم» والثاني
إمّا أن يكون ذا علاقة انفعاليّة بالجسم بوجه أو لا يكون. والأوّل هو «النفس»
والثاني هو «العقل». فأقسام الجوهر الأوّليّة خمسة ، هي : الصورة المادّيّة ، والهيولى
، والجسم ، والنفس ، والعقل.
وليس التقسيم
عقليّا دائرا بين النفي والإثبات ، فإنّ الجوهر المركّب من الجوهر الحالّ والجوهر
المحلّ ليس ينحصر بحسب الاحتمال العقليّ في الجسم ، فمن الجائز أن يكون في الوجود
جوهر مادّيّ مركّب من المادّة وصورة
__________________
غير الصورة
الجسميّة ، لكنّهم قصروا النوع المادّيّ الأوّل في الجسم تعويلا على
استقرائهم.
على أنّك قد عرفت أنّ الصورة الجوهريّة ليست مندرجة تحت مقولة الجوهر وإن
صدق عليها الجوهر صدق الخارج اللازم.
قال في الأسفار
بعد الإشارة إلى التقسيم المذكور : «والأجود في هذا التقسيم أن يقال : الجوهر إن
كان قابلا للأبعاد الثلاثة فهو الجسم ، وإلّا فإن كان جزءا منه هو به بالفعل ـ
سواء كان في جنسه أو في نوعه ـ فصورة ، إمّا امتداديّة أو طبيعيّة ، أو جزء هو به بالقوّة فمادّة ، وإن لم يكن جزءا منه فإن
كان متصرّفا فيه بالمباشرة فنفس ، وإلّا فعقل».
ثمّ قال مشيرا إلى
وجه جودة هذا التقسيم : «وذلك لما سيظهر من تضاعيف ما حقّقناه من كون الجوهر
النفسانيّ الإنسانيّ مادّة للصورة الإدراكيّة الّتي يتحصّل بها جوهرا آخر كماليّا بالفعل من الأنواع
المحصّلة الّتي يكون لها نحو آخر من الوجود غير الوجود الطبيعيّ الّذي لهذه
الأنواع المحصّلة الطبيعيّة» انتهى.
وما يرد على
التقسيم السابق يرد على هذا التقسيم أيضا. على أنّ عطف
__________________
الصورة الطبيعيّة ـ وهي متأخّرة عن
نوعيّة الجسم ـ على الصورة الامتداديّة لا يلائم كون الانقسام أوّليّا.
وكيف كان فالّذي
يهمّنا هاهنا أن نبحث عن حقيقة الجسم وجزئيه : المادّة والصورة الجسميّة. وأمّا
النفس فاستيفاء البحث عنها في علم النفس ، وستنكشف حقيقتها بعض الانكشاف في مرحلتي
القوّة والفعل ، والعاقل والمعقول . وأمّا العقل فيقع الكلام في حقيقته في الإلهيّات بالمعنى
الأخصّ ، وستنكشف بعض الانكشاف في مرحلتي القوّة والفعل ، والعاقل والمعقول إن شاء الله تعالى.
__________________
الفصل الرابع
في ماهيّة الجسم
لا ريب في وجود
الجسم ، بمعنى الجوهر الّذي يمكن أن يفرض فيه ثلاثة خطوط متقاطعة على زوايا قوائم
، وإن لم تكن موجودة فيه بالفعل ، كما في الكرة والاسطوانة.
فحواسّنا الّتي
تنتهي إليها علومنا وإن لم يكن فيها ما ينال الموجود الجوهريّ وإنّما تدرك أحوال
الأجسام وأوصافها العرضيّة لكنّ أنواع التجربات تهدينا هداية قاطعة إلى أنّ ما بين
السطوح والنهايات من الأجسام مملوءة في الجملة غير خالية عن جوهر ذي امتداد في
جهاته الثلاث.
والّذي يجده الحسّ
من هذا الجوهر الممتدّ في جهاته الثلاث يجده متّصلا واحدا يقبل القسمة إلى أجزاء
بالفعل ، لا مجموعا من أجزاء بالفعل ذوات فواصل.
هذا بحسب الحسّ ، وأمّا
بحسب الحقيقة فاختلفوا فيه على أقوال .
أحدها
: أنّه مركّب من
أجزاء ذوات أوضاع لا تتجزّى ولا تنقسم أصلا ، لا خارجا ولا وهما ولا عقلا ، وهي
متناهية. وهو مذهب جمهور المتكلّمين .
__________________
الثاني : أنّه مركّب كما في القول الأوّل ، غير أنّ الأجزاء غير
متناهية ، ونسب إلى النظّام .
الثالث : أنّه مركّب من أجزاء بالفعل متناهية صغار صلبة لا تقبل
القسمة الخارجيّة لصغرها وصلابتها ، ولكن تقبل القسمة الوهميّة والعقليّة ، ونسب
إلى ذيمقراطيس .
الرابع : أنّه متّصل واحد كما في الحسّ ، ويقبل القسمة إلى أجزاء
متناهية ، ونسب إلى الشهرستانيّ .
الخامس : أنّه جوهر بسيط ، هو الاتّصال والامتداد الجوهريّ الّذي
يقبل القسمة خارجا ووهما وعقلا ، ونسب إلى أفلاطون الإلهيّ .
__________________
السادس : أنّه مركّب من جوهر وعرض ، وهما : الجوهر والجسميّة التعليميّة الّتي هي امتداد كمّيّ في الجهات
الثلاث ، ونسب إلى شيخ الإشراق .
السابع
: أنّه جوهر مركّب
من جوهرين : (أحدهما) المادّة الّتي هي قوّة كلّ فعليّة. و (الثاني) الاتّصال
الجوهريّ الّذي هو صورتها. والصورة اتّصال وامتداد جوهريّ يقبل القسمة إلى أجزاء
غير متناهية ، بمعنى لا يقف ، فإنّ اختلاف العرضين يقسّمه ، وكذا الآلة القطّاعة
تقسّمه بالقطع ، حتّى إذا أعيت لصغر الجزء أو صلابته أخذ الوهم في التقسيم ، حتّى
إذا عجز عنه لنهاية صغر الجزء أخذ العقل في تقسيمه على نحو كلّيّ بأنّه كلّما قسّم
إلى أجزاء كان الجزء الجديد ذا حجم ، له جانب غير جانب يقبل القسمة من غير أن يقف
، فورود القسمة لا يعدم الجسم.
__________________
وهو قول أرسطو والأساطين
من حكماء الإسلام .
هذا ما بلغنا من
أقوالهم في ماهيّة الجوهر المسمّى بالجسم . وفي كلّ منها وجه أو وجوه من الضعف نشير إليها بما تيسّر.
أمّا
القول الأوّل ـ المنسوب إلى
المتكلّمين ـ وهو : أنّ الجسم مركّب من أجزاء لا تتجزّى أصلا ، تمرّ الآلة القطّاعة
على فواصل الأجزاء ، وهي متناهية تقبل الإشارة الحسّيّة.
ففيه : أنّ الجزء المفروض إن كان ذا حجم كان له جانب غير جانب
بالضرورة فيجري فيه الانقسام العقليّ وإن لم يمكن تقسيمه خارجا ولا وهما لنهاية
صغره ، وإن لم يكن له حجم امتنع أن يحصل من اجتماعه مع غيره جسم ذو حجم.
وأيضا ، لنفرض
جزءا لا يتجزّى بين جزئين كذلك فإن كان يحجز عن مماسّة الطرفين انقسم فإنّ كلّا من
الطرفين يلقى منه غير ما يلقاه الآخر ، وإن لم يحجز عن مماسّتهما استوى وجود الوسط
وعدمه. ومثله كلّ وسط مفروض ، فلم يحجب شيء شيئا ، وهو ضروريّ البطلان.
وأيضا لنفرض جزءا
لا يتجزّى فوق جزئين كذلك وعلى ملتقاهما ، فإن لقي بكلّه أو ببعضه كلّ كليهما
تجزّى ، وإن لقي بكلّه كلّ أحدهما فقط فليس على الملتقى وقد فرض عليه ، وإن لقي
بكلّه أو ببعضه من كلّ منهما شيئا انقسم وانقسما جميعا.
وقد أوردوا في
بطلان الجزء الّذي لا يتجزّى وجوها من البراهين ، وهي
__________________
كثيرة مذكورة في
كتبهم .
وأمّا
القول الثاني ـ المنسوب إلى
النظّام ـ وهو أنّ الجسم مركّب من أجزاء لا تتجزّى غير متناهية.
فيرد
عليه ما يرد على القول
الأوّل ، مضافا إلى أنّ عدم تناهي الأجزاء على تقدير كونها ذوات حجم يوجب كون
الجسم المتكوّن من اجتماعها غير متناهي الحجم بالضرورة ، والضرورة تدفعه.
وأمّا
القول الثالث ـ المنسوب إلى
ذيمقراطيس ـ وهو أنّ الجسم مركّب من أجزاء صغار صلبة لا تتجزّى خارجا وإن جاز أن
تتجزّى وهما وعقلا.
ففيه : أنّ هذه الأجزاء لا محالة جواهر ذوات حجم ، فتكون أجساما
ذوات اتّصال جوهريّ ، تتألّف منها الأجسام المحسوسة ، فالّذي يثبته هذا القول أنّ
هاهنا أجساما أوّليّة هي مبادئ هذه الأجسام المحسوسة ، على أنّ هذا القول لا
يتبيّن به نفي الهيولى وإبطال تركّب الجسم منها ومن الصورة الجسميّة ، وسيأتي
إثباتها في الفصل التالي ، فيؤول إلى إثبات الصورة الجسميّة للأجسام الأوّليّة
الّتي هي مبادئ هذه الأجسام المحسوسة ، وإليها تنتهي بالتجزئة.
وأمّا
القول الرابع ـ المنسوب إلى
الشهرستانيّ ـ وهو كون الجسم متّصلا واحدا كما في الحسّ يقبل القسمة إلى أجزاء
متناهية.
ففيه : أنّ لازمه وقوف القسمة العقليّة ، وهو ضروريّ البطلان.
__________________
وأمّا
القول الخامس ـ المنسوب إلى
أفلاطون ـ وهو كون الجسم جوهرا بسيطا ، وهو الاتّصال الجوهريّ القابل للقسمة إلى
غير النهاية.
ففيه : منع كون الجسم بسيطا ، لما سيوافيك من إثبات الهيولى
للجسم . على أنّ في كون الاتّصال الجوهريّ الّذي للجسم هو ما يناله الحسّ من الأجسام
المحسوسة كلاما سيأتي إن شاء الله .
وأمّا
القول السادس ـ المنسوب إلى شيخ
الإشراق ـ وهو كون الجسم مركّبا من جوهر وعرض ، وهما : المادّة ، والجسم التعليميّ
الّذي هو من أنواع الكمّ المتّصل.
ففيه
أوّلا : أن لا معنى
لتقويم العرض للجوهر ، مع ما فيه من تألّف ماهيّة حقيقيّة من مقولتين ، وهما
الجوهر والكمّ ، والمقولات متباينة بتمام الذات.
وثانيا : أنّ الكمّ عرض محتاج إلى الموضوع حيثما كان ، فهذا
الامتداد المقداريّ الّذي يتعيّن به طول الجسم وعرضه وعمقه كمّ محتاج إلى موضوع
يحلّ فيه ، ولو لا أنّ في موضوعه اتّصالا مّا يقبل أن يوصف بالتعيّن لم يعرضه ولم
يحلّ فيه ، فلو أخذنا مقدارا من شمعة وسوّيناها كرة ثمّ اسطوانيّا ثمّ مخروطا ثمّ
مكعّبا وهكذا وجدنا الأشكال متغيّرة متبدّلة ، وللشمعة اتّصال باق محفوظ في
الأشكال المختلفة المتبدّلة. فهناك اتّصالان : اتّصال مبهم غير متعيّن في نفسه لو
لاه لم يكن شمعة ، واتّصال وامتداد متعيّن لو بطل لم يبطل به جسم الشمعة. والأوّل
هو صورة الجسم ، والثاني عرض يعرض الجسم ، والانقسام يعرض الجسم من حيث عرضه هذا ،
وأمّا من حيث اتّصاله الذاتيّ المبهم فله إمكان أن يفرض فيه أبعاد ثلاثة.
قال الشيخ في الشفاء : «فالجسميّة بالحقيقة صورة الاتّصال القابل لما قلناه من
فرض الأبعاد الثلاثة ، وهذا المعنى غير المقدار وغير الجسميّة التعليميّة ، فإنّ
هذا الجسم من حيث له هذه الصورة لا يخالف جسما آخر بأنّه أكبر أو أصغر ،
__________________
ولا يناسبه بأنّه
مساو أو معدود به أو عادّ له أو مشارك أو مباين ، وإنّما ذلك له من حيث هو مقدّر ،
ومن حيث جزء منه يعدّه ، وهذا الاعتبار غير اعتبار الجسميّة الّتي ذكرناها» انتهى.
وبالجملة : فأخذ
الامتداد الكمّيّ العرضيّ في ماهيّة الجوهر ـ على ما فيه من
الفساد ـ خلط بين الاتّصال الجوهريّ والامتداد العرضيّ الّذي هو الجسم التعليميّ.
وأمّا
القول السابع ـ المنسوب إلى
أرسطو ـ وهو تركّب الجسم من الهيولى والصورة الجسميّة ، وهي الاتّصال الجوهريّ على
ما عند الحسّ ، وهو كون الشيء بحيث يمكن أن يفرض فيه امتدادات ثلاثة متقاطعة على
قوائم يقبل القسمة إلى أجزاء غير متناهية. أمّا الهيولى فسيجيء إثباتها ، وأمّا الصورة الجسميّة الّتي هي الاتّصال فقد تقدّم
توضيحه.
ففيه : أنّ كون الجسم مركّبا من مادّة واتّصال جوهريّ يقبل
القسمة إلى غير النهاية ، لا غبار عليه ، لكن لا حجّة تدلّ على كون الجسم في
اتّصاله كما هو عليه عند الحسّ ، فخطأ الحسّ غير مأمون.
وقد اكتشف علماء
الطبيعة أخيرا ـ بعد تجارب دقيقة فنّيّة ـ أنّ الأجسام مؤلّفة من أجزاء ذرّيّة لا
تخلو من جرم ، بينها من الفواصل أضعاف ما لأجرامها من الامتداد ، فلينطبق هذا
القول على ما اكتشفوه من الأجسام الذرّيّة الّتي هي مبادئ تكوّن الأجسام المحسوسة
، وليكن وجود الجسم بهذا المعنى أصلا موضوعا لنا.
نعم ، لو سلّم ما
يقال : «إنّ المادّة ـ يعنون بها الأجسام الذرّيّة الاول ـ قابلة التبدّل إلى
الطاقة وإنّها مجموعة من ذرّات الطاقة المتراكمة» كان من الواجب في البحث الحكميّ
أخذ الطاقة نوعا عاليا مترتّبا على الجوهر قبل الجسم ثمّ ترتيب الأبحاث المتفرّقة
على ما يناسب هذا الوضع ، فليتأمّل.
__________________
الفصل الخامس
في ماهيّة المادّة وإثبات وجودها
لا ريب أنّ الجسم
في أنّه جوهر يمكن أن يفرض فيه الامتدادات الثلاثة أمر بالفعل ؛ وفي أنّه يمكن أن يوجد فيه كمالات اخر
أوّليّة مسمّاة بالصور النوعيّة الّتي تكمّل جوهره ، وكمالات ثانية من الأعراض
الخارجة عن جوهره ، أمر بالقوّة. وحيثيّة الفعل غير حيثيّة القوّة ، لما أنّ الفعل
لا يتمّ إلّا بالوجدان ، والقوّة تلازم الفقدان. فالّذي يقبل من ذاته هذه الكمالات
الاولى والثانية الممكنة فيه ويتّحد بها ، أمر غير صورته الاتّصاليّة الّتي هو بها
بالفعل ، فإنّ الاتّصال الجوهريّ
__________________
ـ من حيث هو ـ
اتّصال جوهريّ لا غير ، وأمّا حيثيّة قوّة الكمالات اللاحقة وإمكانها فأمر خارج عن
الاتّصال المذكور ، مغاير له ، فللجسم وراء اتّصاله الجوهريّ جزء آخر حيثيّة ذاته
حيثيّة قبول الصور والأعراض اللاحقة ، وهو الجزء المسمّى ب «الهيولى والمادّة» .
فتبيّن أنّ الجسم
جوهر مركّب من جزئين جوهريّين : المادّة الّتي إنّيّتها قبول الصور المتعلّقة نوع تعلقّ بالجسم والأعراض المتعلّقة
بها ، والصورة الجسميّة. وأنّ المادّة جوهر قابل للصور والأعراض الجسمانيّة. وأنّ
الامتداد الجوهريّ صورة لها.
لا
يقال : لا ريب أنّ الصور والأعراض الحادثة اللاحقة بالأجسام
يسبقها إمكان في المحلّ واستعداد وتهيّؤ فيه لها ، وكلّما قرب الممكن من الوقوع زاد الاستعداد اختصاصا واشتدّ ، حتّى إذا صار
استعدادا تامّا وجد الممكن بإفاضة من الفاعل. فما المانع من إسناد القبول إلى
الجسم ـ أعني الاتّصال الجوهريّ ـ بواسطة قيام الاستعداد به عروضا من غير حاجة إلى
استعداد وقبول جوهريّ نثبتهما
__________________
جزءا للجسم؟ على
أنّ القبول أو الاستعداد مفهوم عرضيّ قائم بالغير ، فلا يصلح أن يكون حقيقة جوهريّة
. على أنّ من الضروريّ أنّ الاستعداد يبطل مع تحقّق المستعدّ له ، فلو كان
هناك هيولى ـ هي استعداد وقبول جوهريّ وجزء للجسم ـ لبطلت بتحقّق الممكن المستعدّ
له ، وبطل الجسم ببطلان جزئه ، وانعدم بانعدامه ، وهو خلاف الضرورة .
فإنّه
يقال : مغايرة الجسم ـ
بما أنّه اتّصال جوهريّ لا غير ـ مع كلّ من الصور النوعيّة تأبى أن يكون موضوعا
للقبول والاستعداد لها ، بل يحتاج إلى أمر آخر لا يأبى أن يتّحد مع كلّ من الصور
اللاحقة ، فيكون في ذاته قابلا لكلّ منها ، وتكون الاستعدادات الخاصّة الّتي
تتوسّط بينه وبين الصور الممكنة أنحاء تعيّنات القبول الّذي له في ذاته ، فنسبة
الاستعدادات المتفرّقة المتعيّنة إلى الاستعداد المبهم الّذي للمادّة في ذاتها
نسبة الأجسام التعليميّة والامتدادات المقداريّة ـ الّتي هي تعيّنات للامتداد
والاتّصال الجوهريّ ـ إلى الاتّصال الجوهريّ. ولو كان الجسم ـ بما أنّه اتّصال
جوهريّ ـ هو الموضوع للاستعداد والجسم من الحوادث الّتي يسبقها إمكان لكان حاملا
لإمكان نفسه ، فكان متقدّما على نفسه بالزمان.
وأمّا
ما قيل : «إنّ المفهوم من القبول معنى عرضيّ قائم بالغير ، فلا
معنى للقول بكون المادّة قبولا بذاته ، وهو كون القبول جوهرا».
فيدفعه
: أنّ البحث
حقيقيّ ، والمتّبع في الأبحاث الحقيقيّة البرهان ، دون الألفاظ بمفاهيمها اللغويّة
ومعانيها العرفيّة.
وأمّا حديث بطلان
الاستعداد بفعليّة تحقّق المستعدّ له المقويّ عليه فلا ضير فيه ، فإنّ المادّة هي
في ذاتها قوّة كلّ شيء من غير تعيّن شيء منها ، وتعيّن هذه
__________________
القوّة ـ المستتبع
لتعيّن المقويّ عليه ـ عرض موضوعه المادّة ، وبفعليّة الممكن المقويّ عليه تبطل القوّة المتعيّنة والاستعداد الخاصّ ، والمادّة على
ما هي عليه من كونها قوّة على الصور الممكنة.
وبالجملة : إن كان
مراد المستشكل بقوله : «إنّ الاستعداد يبطل بفعليّة الممكن المستعدّ له» هو مطلق
الاستعداد الّذي للمادّة فممنوع ، وإن كان مراده هو الاستعداد الخاصّ الّذي هو عرض
قائم بالمادّة فمسلّم ، لكن بطلانه لا يوجب بطلان المادّة.
لا
يقال : الحجّة ـ أعني السلوك إلى إثبات المادّة بمغايرة القوّة
والفعل ـ منقوضة بالنفس الإنسانيّة ، فإنّها بسيطة مجرّدة من المادّة ولها آثار
بالقوّة ، كسنوح الإرادات والتصوّرات وغير ذلك ، فهي أمر بالفعل في ذاتها المجرّدة
وبالقوّة من حيث كمالاتها الثانية. فإذا جاز كونها على بساطتها بالفعل وبالقوّة
معا فليجز في الجسم أن يكون متّصفا بالفعليّة والقوّة من غير أن يكون مركّبا من المادّة
والصورة.
فإنّه
يقال : النفس ليست مجرّدة تامّة ذاتا وفعلا ، بل هي متعلّقة
بالمادّة فعلا ، فلها الفعليّة من حيث تجرّدها والقوّة من حيث تعلّقها بالمادّة.
لا
يقال : الحجّة منقوضة بالنفس الإنسانيّة من جهة اخرى ، وهو
أنّهم ذكروا ـ وهو الحقّ ـ أنّ
النفس الإنسانيّة العقليّة مادّة للمعقولات المجرّدة ، وهي
__________________
مجردّة كلّما
تعقّلت معقولا صارت هي هو.
فإنّا
نقول : خروج النفس
المجرّدة من القوّة إلى الفعل باتّحادها بعقل بعد عقل ليس من باب الحركة المعروفة
الّتي هي كمال أوّل لما بالقوّة من حيث إنّه بالقوّة ، وإلّا استلزم قوّة
واستعدادا وتغيّرا وزمانا ، وكلّ ذلك ينافي التجرّد الّذي هو الفعليّة التامّة
العارية من القوّة.
بل المراد بكون
النفس مادّة للصور المعقولة اشتداد وجودها المجرّد من غير تغيّر وزمان ، باتّحادها
بالمرتبة العقليّة الّتي فوق مرتبة وجودها بإفاضة المرتبة العالية ، وهي الشرط في إفاضة المرتبة الّتي هي فوق ما
فوقها .
وبالجملة : مادّيّة
النفس للصور المجرّدة المعقولة غير المادّيّة بالمعنى الّذي في عالم الأجسام نوعا
، وناهيك في ذلك عدم وجود خواصّ المادّة الجسمانيّة هناك.
لا
يقال : الحجّة منقوضة بنفس المادّة ، فإنّها في نفسها جوهر
موجود بالفعل ولها قوّة قبول الأشياء ، فيلزم تركّبها من صورة تكون بها بالفعل
ومادّة تكون بها بالقوّة ، وننقل الكلام إلى مادّة المادّة ، وهلمّ جرّا ، فيتسلسل.
وبذلك يتبيّن أنّ الاشتمال على القوّة والفعل لا يستلزم تركّبا في الجسم.
لأنّه
يقال ـ كما أجاب عنه الشيخ ـ : إنّ المادّة
متضمّنة للقوّة والفعل ،
__________________
لكنّ قوّتها عين
فعليّتها وفعليّتها عين قوّتها ، فهي في ذاتها محض قوّة الأشياء ، لا فعليّة لها
إلّا فعليّة أنّها قوّة الأشياء.
لا
يقال : الحجّة منقوضة بالعقل ، فإنّه مؤثّر فيما دونه ، متأثّر
عمّا فوقه ، ففيه جهتا فعل وانفعال ، فيلزم على قولكم تركّبه من مادّة وصورة حتّى
يفعل بالصورة وينفعل بالمادّة.
فإنّه
يقال : إنّ الانفعال والقبول هناك غير الانفعال والقبول المبحوث
عنه في الأجسام ، فانفعال العقل وقبوله الوجود ممّا فوقه ليس إلّا مجرّد وجوده
الفائض عليه ، من غير سبق قوّة واستعداد يقرّب موضوعه من الفعليّة ، وإنّما العقل
يفرض للعقل ماهيّة يعتبرها قابلة للوجود والعدم ، فيعتبر تلبّسها بالوجود قبولا
وانفعالا ، فالقبول كالانفعال مشترك بين المعنيين ، والّذي يستلزم التركّب هو
القبول بمعنى الاستعداد والقوّة السابقة ، دون القبول بمعنى فيضان الوجود ، فالعقل
يفعل بعين ما يقبل وينفعل به.
__________________
الفصل السادس
في أنّ المادّة لا تفارق الجسميّة ، والجسميّة لا تفارق المادّة ،
أي أنّ كلّ واحدة منهما لا تفارق صاحبتها
أمّا أنّ المادّة
لا تتعرّى عن الصورة فلأنّها في ذاتها وجوهرها قوّة الأشياء ، لا نصيب لها من
الفعليّة إلّا فعليّة أنّها لا فعليّة لها ، ومن الضروريّ أنّ الوجود يلازم
الفعليّة المقابلة للقوّة . فهي ـ أعني المادّة ـ في وجودها مفتقرة إلى موجود فعليّ
محصّل الوجود ، تتّحد به ، فتحصّل بتحصّله ، وهو المسمّى «صورة».
وأيضا لو وجدت
المادّة مجرّدة عن الصورة لكانت لها فعليّة في وجودها ، وهي قوّة الأشياء محضا ، وفيه اجتماع المتنافيين في ذات واحدة ، وهو محال.
ثمّ إنّ المادّة
لمّا كانت متقوّمة الوجود بوجود الصورة فللصورة جهة الفاعليّة بالنسبة إليها ، غير أنّها ليست تامّة الفاعليّة لتبدّل
الصور عليها ،
__________________
والمعلول الواحد
لا يكون له إلّا علّة واحدة ، فللمادّة فاعل أعلى وجودا من المادّة ، والمادّيّات
يفعل المادّة ويحفظ وجودها باتّحاد صورة عليها بعد صورة ؛ فالصورة شريكة
العلّة للمادّة.
لا
يقال : المادّة ـ على ما قالوا ـ واحدة بالعدد ، وصورة مّا واحدة بالعموم ، والواحد بالعدد أقوى وجودا من
الواحد بالعموم ، فلازم علّيّة صورة مّا للمادّة كون ما هو أقوى وجودا معلولا للأضعف وجودا ، وهو محال.
__________________
فإنّه
يقال : إنّ المادّة وإن كانت واحدة بالعدد لكن وحدتها مبهمة
ضعيفة ، لإبهام وجودها وكونها محض القوّة ، ووحدة الصورة ـ وهي شريكة العلّة الّتي
هي المفارق ـ مستظهرة بوحدة المفارق. فمثل إبقاء المفارق وحفظه المادّة بصورة مّا
مثل السقف يحفظ من الانهدام بنصب دعامة بعد دعامة.
وسيأتي في مباحث
الحركة الجوهريّة إن شاء الله ما ينكشف به حقيقة
__________________
الحال في كثرة هذه
الصور المتعاقبة على المادّة.
وقد تبيّن بما
تقدّم أنّ كلّ فعليّة وتحصّل تعرض المادة فإنّما هي بفعليّة الصورة ، لما أنّ
تحصّلها بتحصّل الصورة. وأنّ الصورة شريكة العلّة للمادّة. وأنّ الصورة متقدّمة
على المادّة وجودا وإن كانت المادّة متقدّمة عليها زمانا .
وأمّا أنّ الصورة
الجسميّة لا تتعرّى عن المادّة فلأنّ الجسم أيّا مّا كان لا يخلو عن عوارض مفارقة
تتوارد عليه من أقسام الحركات والكمّ والكيف والأين والوضع وغيرها ، وكذلك الصور النوعيّة المتعاقبة عليه ، وهي جميعا تتوقّف على
إمكان واستعداد سابق لا حامل له إلّا المادّة ، فلا جسم إلّا في مادّة.
وأيضا الجسم ـ بما
أنّه جوهر قابل للأبعاد الثلاثة ـ طبيعة نوعيّة تامّة واحدة وإن كانت تحته أنواع ،
وليس كمفهوم الجوهر الّذي ليس له إلّا أن يكون ماهيّة جنسيّة ، لا حكم له إلّا حكم
أنواعه المندرجة تحته. فإذا كان طبيعة نوعيّة فهو بطبيعته وفي ذاته إمّا أن يكون
غنيّا عن المادّة غير مفتقر إليها ، أو مفتقرا إليها. فإن كان غنيّا بذاته استحال
أن يحلّ المادّة ، لأنّ الحلول عين الافتقار ، لكنّا نجد بعض الأجسام حالّا في
المادّة ، فليس بغنيّ عنها. وإن كان مفتقرا إليها بذاته ثبت الافتقار ـ وهو الحلول
ـ في كلّ جسم.
لا
يقال : لم لا يجوز أن يكون غنيّا عنها بحسب ذاته وتعرضه
المقارنة في بعض الأفراد لسبب خارج عن الذات كعرض الأعراض المفارقة للطبائع النوعيّة؟.
__________________
لأنّه
يقال : مقارنة الجسم للمادّة ـ كما اشير إليه ـ بحلوله فيها.
وبعبارة اخرى : بصيرورة وجوده للمادّة ناعتا لها ، فمعنى عرض الافتقار له بسبب خارج بعد غناء عنها في ذاته
صيرورة وجوده لغيره بعد ما كان لنفسه ، وهو محال بالضرورة.
واعلم أنّ المسألة
وإن عقدت في تجرّد الصورة الجسميّة لكنّ الدليل يجري في كلّ صورة في إمكانها أن
تلحقها كمالات طارئة.
وسيأتي في بحث
الحركة الجوهريّة أنّ الجوهر المادّيّ متحرّك في صورها حتّى يتخلّص إلى
فعليّة محضة لا قوّة معها ، وذلك باللبس بعد اللبس ، لا بالخلع واللبس ، فبناء
عليه تكون استحالة تجرّد الصورة المادّيّة عن المادّة مقيّدة بالحركة دون ما إذا
تمّت الحركة وبلغت الغاية.
ويتأيّد ذلك بما
ذكره الشيخ وصدر
المتألّهين [من] أنّ المادّة
غير داخلة في حدّ الجسم دخول الأجناس في حدود أنواعها. فماهيّة الجسم ـ وهي الجوهر
القابل للأبعاد الثلاثة ـ لا خبر فيها عن المادّة الّتي هي الجوهر الّذي فيه قوّة
الأشياء ، لكنّ الجسم مثلا مأخوذ في حدّ الجسم النامي ، والجسم النامي مأخوذ في
حدّ الحيوان ، والحيوان مأخوذ في حدّ الإنسان.
وقد بيّنه صدر المتألّهين بأنّها لو كانت داخلة في ماهيّة الجسم لكانت بيّنة
__________________
الثبوت له على ما
هو خاصّة الذاتيّ ، لكنّا نشكّ في ثبوتها للجسم في بادئ النظر ، ثمّ نثبتها
له بالبرهان ، ولا برهان على ذاتيّ.
ولا منافاة بين
القول بخروجها عن ماهيّة الجسم والقول باتّحادها مع الصورة الجسميّة على ما هو
لازم اجتماع ما بالقوّة مع ما بالفعل ، لأنّ الاتّحاد المدّعى إنّما هو في الوجود
لا في الماهيّة.
ولازم ذلك أن لو
تجرّد بعض الأنواع المادّيّة عن المادّة لم يلزم انقلاب بتغيّر الحدّ ، وأنّ
المادّة من لوازم وجوده لا جزء ماهيّته.
__________________
الفصل السابع
في إثبات الصور النوعيّة
وهي الصور الجوهريّة المنوّعة لجوهر الجسم المطلق
إنّا نجد في
الأجسام اختلافا من حيث صدق مفاهيم عليها ، هي بيّنة الثبوت لها ، ممتنعة الانفكاك
عنها ، فإنّا لا نقدر أن نتصوّر جسما دون أن نتصوّره مثلا عنصرا أو مركّبا معدنيّا
أو شجرا أو حيوانا وهكذا ، وتلبّس الجسم بهذه المفاهيم على هذا النحو أمارة كونها
من مقوّماته ، ولمّا كان كلّ منها أخصّ من الجسم وهي مقوّمة لجوهر ذاته فيحصل
بانضمام كلّ منها إليه نوع منه ، ولا يقوّم الجوهر إلّا جوهر ، فهي صور جوهريّة
منوّعة .
__________________
لا
يقال : لا نسلّم أنّ الجوهر لا يقوّمه إلّا جوهر ، فكثيرا مّا
يوجد الشيء ويقال عليه الجوهر في جواب «ما هو؟» ثمّ ينضمّ إليه شيء من الأعراض ويتغيّر
به جواب السؤال عنه ب «ما هو؟» كالحديد الّذي هو جوهر ، فإذا صنع منه السيف بضمّ
هيئات عرضيّة إليه ، وسئل عنه ب «ما هو؟» كان الجواب عنه غير الجواب عنه وهو حديد ، وكالطين والحجر ، وهما جوهران ، فإذا بني منهما
بناء وقع في جواب السؤال عنهما ب «ما هو؟» البيت ، ولم ينضمّ إليهما إلّا هيئات عرضيّة.
فإنّه
يقال : فيه خلط بين الأنواع الحقيقيّة ـ الّتي هي مركّبات
حقيقيّة تحصل من تركّبها هويّة واحدة وراء الأجزاء ، لها آثار وراء آثار الأجزاء
كالعناصر والمواليد ـ وبين المركّبات
الاعتباريّة الّتي لا يحصل من تركّب أجزائها أمر وراء الأجزاء ، ولا أثر وراء
آثارها ، كالسيف والبيت من الامور الصناعيّة وغيرها.
وبالجملة : المركّبات
الاعتباريّة لا يحصل منها أمر وراء نفس الأجزاء. والمركّب من جوهر وعرض لا جوهر
ولا عرض ، فلا ماهيّة له حتّى يقع
__________________
في جواب «ما هو؟».
كلّ ذلك لتباين المقولات بتمام ذواتها البسيطة ، فلا يتكوّن من أكثر من واحدة منها
ماهيّة.
ولا
يقال : كون الصور
النوعيّة جواهر ينافي قولهم : «إنّ فصول الجواهر غير مندرجة تحت جنس الجوهر».
فإنّه
يقال : قد تقدّم البحث
عنه في مرحلة الماهيّة واتّضح به انّ معنى جوهريّة فصول الجواهر ـ وهي الصور
النوعيّة مأخوذة بشرط لا ـ أنّ جنس الجوهر صادق عليها صدق العرض العامّ على الخاصّ
، فهي مقوّمات للأنواع عارضة على الجنس.
حجّة
اخرى : إنّا نجد الأجسام مختلفة بحسب الآثار القائمة بها من
العوارض اللازمة والمفارقة. واختصاص كلّ من هذه المختلفات الآثار بما اختصّ به من
الآثار ليس إلّا لمخصّص بالضرورة. ومن المحال أن يكون المخصّص هو الجسميّة
المشتركة لاشتراكها بين جميع الأجسام ، ولا المادّة المشتركة لأنّ شأنها القبول
والاستعداد دون الفعل والاقتضاء ، ولا موجود مفارق لاستواء نسبته إلى جميع
الأجسام. ويمتنع أن يكون المخصّص هو بعض الأعراض اللاحقة بأن يتخصّص أثر بأثر سابق
، فإنّا ننقل الكلام إلى الأثر السابق فيتسلسل أو يدور أو ينتهي إلى أمر غير خارج
عن جوهر الجسم الّذي عنده الأثر ، والأوّلان محالان ، فيبقى الثالث ـ وهو استناد
الآثار إلى أمر غير خارج من جوهر الجسم ـ فيكون مقوّما له ، ومقوّم الجوهر جوهر.
وإذ كان هذا المقوّم الجوهريّ أخصّ من الجسم المطلق فهو صورة جوهريّة منوّعة له.
ففي الأجسام على اختلافها صور نوعيّة جوهريّة هي مباد للآثار المختلفة باختلاف
الأنواع.
__________________
لا
يقال : إنّ في أفراد كلّ نوع من الأنواع الجسمانيّة آثارا
مختصّة وعوارض مشخّصة ، لا يوجد ما هو عند فرد منها عند غيره من الأفراد ، ويجري
فيها ما سبقتموه من الحجّة ، فهلّا أثبتّم بعد الصور الّتي سمّيتموها صورا نوعيّة
صورا شخصيّة مقوّمة لماهيّة النوع؟!.
لأنّه
يقال : الأعراض
المسمّاة «عوارض مشخّصة» لوازم التشخّص ، وليست بمشخّصة ، وإنّما التشخّص بالوجود ـ
كما تقدّم في مرحلة الماهيّة ـ وتشخّص الأعراض
بتشخّص موضوعاتها ، إذ لا معنى لعموم العرض القائم بالموضوع المتشخّص. والأعراض
الفعليّة اللاحقة بالفرد مبدؤها الطبيعة النوعيّة الّتي في الفرد تقتضي من الكمّ
والكيف والوضع وغيرها عرضا عريضا. ثمّ الأسباب والشرائط الخارجيّة الاتّفاقيّة
تخصّص ما تقتضيه الطبيعة النوعيّة ، وبتغيّر تلك الأسباب والشرائط ينتقل الفرد من
عارض يتلبّس به إلى آخر من نوعه أو جنسه.
خاتمة للفصل
لمّا كانت الصورة
النوعيّة مقوّمة لمادّتها الثانية الّتي هي الجسم المؤلّف من المادّة والصورة
الجسميّة كانت علّة فاعليّة للجسم متقدّمة عليه كما أنّ الصورة الجسميّة شريكة العلّة
للمادّة الاولى.
__________________
ويتفرّع عليه :
أوّلا : أنّ الوجود أوّلا للصورة النوعيّة ، وبوجودها توجد
الصورة الجسميّة ثمّ الهيولى بوجودها الفعليّ .
وثانيا
: أنّ الصور
النوعيّة لا تحفظ الجسميّة إلى بدل ، بل توجد بوجودها الجسميّة ، ثمّ إذا تبدّلت
إلى صورة اخرى تخالفها نوعا بطل ببطلانها الجسم ، ثمّ حدثت جسميّة اخرى بحدوث
الصورة التالية.
__________________
الفصل الثامن
في الكمّ وهو من المقولات العرضيّة
قد تقدّم أنّ العرض ماهيّة إذا وجدت في الأعيان وجدت في موضوع مستغن
عنها ، وأنّ العرضيّة كعرض عامّ لتسع من المقولات ، هي أجناس عالية ، لا جنس فوقها
، ولذا كان ما عرّف به كلّ واحدة منها تعريفا بالخاصّة ، لا حدّا حقيقيّا ذا جنس
وفصل.
وقد عرّف الشيخان ـ
الفارابيّ وابن
سينا ـ الكمّ ب «أنّه
العرض الّذي بذاته يمكن أن يوجد فيه شيء واحد يعدّه». وهو أحسن ما اورد له من
التعريف .
وأمّا تعريفه ب «أنّه
العرض الّذي يقبل القسمة لذاته » فقد اورد
__________________
عليه بأنّه تعريف بالأخصّ ، لاختصاص قبول القسمة بالكمّ المتّصل
، وأمّا المنفصل فهو ذو أجزاء بالفعل.
وكذا تعريفه ب «أنّه
العرض الّذي يقبل المساواة» فقد اورد عليه بأنّه تعريف دوريّ ، لأنّ المساواة هي الاتّحاد في الكمّ.
وكيف كان ، فما
تشتمل عليه هذه التعاريف خواصّ ثلاثة للكمّ ، وهي : العدّ والانقسام والمساواة.
__________________
الفصل التاسع
في انقسامات الكمّ
ينقسم الكمّ
انقساما أوّليا إلى المتّصل والمنفصل.
والمتّصل هو : الكمّ الّذي يمكن أن يفرض فيه أجزاء تتلاقى على حدود
مشتركة . والحدّ المشترك هو الّذي يمكن أن يجعل بداية لجزء ، كما
يمكن أن يجعل نهاية لآخر ، كالخطّ إذا فرض انقسامه إلى ثلاثة أجزاء ، فإنّ القسم
المتوسّط يمكن أن يجعل بداية لكلّ من الجانبين ونهاية له ، فيكون القسمان قسما
واحدا والخطّ ذو قسمين .
وعرّف المتّصل
أيضا بما يقبل الانقسام إلى غير النهاية .
__________________
والمنفصل خلاف
المتّصل ، وهو : العدد الحاصل من تكرّر الواحد ، فإنّه منقسم إلى أجزاء بالفعل ، وليس بينها حدّ مشترك ، فإنّ
الخمسة مثلا إذا قسّم إلى اثنين وثلاثة فإن كان بينهما حدّ مشترك من الأجزاء كانت
أربعة أو من خارج كانت ستّة.
والمتّصل ينقسم
إلى قسمين : قارّ وغير قارّ. والقارّ هو الثابت المجتمع الأجزاء بالفعل كالسطح.
وغير القارّ هو الّذي لا تجتمع أجزاؤه المفروضة بالفعل كالزمان ، فإنّ كلّ جزء منه
بالفعل قوّة للجزء التالي ، فلا يجتمعان بالفعل ، إذ فعليّة الشيء لا تجامع قوّته.
والقارّ ينقسم إلى
الجسم التعليميّ ، وهو القابل للانقسام في جهاته الثلاث : العرض والطول
والعمق ، والسطح ، وهو القابل للانقسام في الجهتين : العرض والطول ، والخطّ ، وهو
القابل للانقسام في جهة واحدة.
والكمّ المنفصل ـ
وهو العدد ـ موجود في الخارج بالضرورة . والكمّ المتّصل غير القارّ ـ وهو الزمان ـ سيأتي إثبات
وجوده في مباحث القوّة والفعل .
وأمّا الكمّ
المتّصل القارّ فالجسم التعليميّ والسطح موجودان في الخارج ،
__________________
لأنّ هناك أجساما
طبيعيّة منفصلا بعضها عن بعض ، متعيّنة متناهية ، ولازم تعيّنها الجسم التعليميّ ،
ولازم تناهيها السطح.
وأمّا الخطّ فهو
موجود في الخارج إن ثبتت أجسام لها سطوح متقاطعة كالمكعّب والمخروط والهرم ونحوها.
ثمّ إنّ كلّ مرتبة
من مراتب العدد غير المتناهية نوع خاصّ منه مباين لسائرها ، لاختصاصها بخواصّ عدديّة لا تتعدّاها إلى غيرها.
والزمان نوع واحد
، وإن كان معروضه أنواع الحركات الجوهريّة والعرضيّة لما أنّ بين أفراده عادّا
مشتركا.
والأجسام التعليميّة
الّتي لا عادّ مشتركا بينها كالكرة والمخروط والمكعّب ونحوها أنواع متباينة ، وكذا
السطوح الّتي لا عادّ مشتركا بينها كالسطح المستوي وأقسام السطوح المحدّبة
والمقعّرة ، وكذا الخطوط الّتي لا عادّ مشتركا بينها ـ إن كانت موجودة ـ كالخطّ
المستقيم وأنواع الأقواس. وأمّا الأجسام والسطوح والخطوط غير المنتظمة فليست
بأنواع ، بل مركّبة من أنواع شتّى .
__________________
الفصل العاشر
في أحكام مختلفة للكمّ
قد تقدّمت الإشارة
إلى أنّ من خواصّ الكمّ المساواة والمفاوتة. ومنها الانقسام خارجا كما في العدد ، أو
وهما كما في غيره. ومنها وجود عادّ منه يعدّه .
وهناك أحكام اخر
أوردوها.
أحدها : أنّ الكمّ المنفصل ـ وهو العدد ـ يوجد في المادّيات
والمجرّدات جميعا. وأمّا المتّصل غير القارّ منه ـ وهو الزمان ـ فلا يوجد إلّا في
المادّيات. وأمّا المتّصل القارّ ـ وهو الجسم التعليميّ والسطح والخطّ ـ فلا يوجد
في المجرّدات إلّا عند من يثبت عالما مقداريّا مجرّدا له آثار المادّة دون نفس
المادّة .
الثاني : أنّ العدد لا تضادّ فيه ، لأنّ من شروط التضادّ غاية
الخلاف بين المتضادّين ، وليست بين عددين غاية الخلاف ، إذ كلّ مرتبتين مفروضتين
من العدد فإنّ الأكثر منهما يزيد بعدا من الأقلّ بإضافة واحد عليه .
__________________
وأمّا الاحتجاج
عليه بأنّ كلّ مرتبة من العدد متقوّم بما هو دونه والضدّ لا يتقوّم بالضدّ.
ففيه : أنّ المرتبة من العدد لو تركّبت ممّا دونها من المراتب
كانت المراتب الّتي تحتها في جواز تقويمها على السواء ، كالعشرة مثلا يجوز فرض
تركّبها من تسعة وواحدة ، وثمانية واثنين ، وسبعة وثلاثة ، وستّة وأربعة ، وخمسة
وخمسة ، وتعيّن بعضها للجزئيّة ترجّح بلا مرجّح ، وهو محال. وقول الرياضيّين : «إنّ
العشرة مجموع الثمانية والاثنين» معناه مساواة مرتبة من العدد لمرتبتين ، لا كون المرتبة (وهي
نوع واحد) عين المرتبتين (وهما نوعان اثنان).
ونظير الكلام يجري
في الكمّ المتّصل مطلقا .
وكذا لا يضادّ
الجسم التعليميّ سطحا ولا خطّا ، ولا سطح خطّا ، إذ لا موضوع واحدا هناك يتعاقبان عليه ، ولا يتصوّر هناك
غاية الخلاف.
الثالث : أنّ الكمّ لا يوجد فيه التشكيك بالشدّة والضعف ، وهو
ضروريّ أو قريب منه ، نعم يوجد فيه التشكيك بالزيادة والنقص ، كأن يكون خطّ أزيد
من خطّ في الطول إذا قيس إليه وجودا ، لا في أنّ له ماهيّة الخطّ ، وكذا السطح
يزيد وينقص من سطح آخر من نوعه ، وكذا الجسم التعليميّ.
__________________
الرابع : قالوا : «إنّ الأبعاد متناهية» ، واستدلّوا عليه بوجوه ، من أوضحها : أنّا نفرض خطّا غير متناه وكرة خرج من
مركزها خطّ مواز لذلك الخطّ غير المتناهي ، فإذا تحرّكت الكرة تلاقى الخطان
بمصادرة اقليدس ، فصار الخطّ الخارج من المركز مسامتا للخطّ غير المتناهي
المفروض بعد ما كان موازيا له. ففي الخطّ غير المتناهي نقطة بالضرورة هي أوّل نقط
المسامتة ، لكن ذلك محال ، إذ لا يمكن أن يفرض على الخطّ نقطة مسامتة إلّا وفوقها
نقطة يسامتها الخطّ قبلها.
وقد اقيم على
استحالة وجود بعد غير متناه براهين اخر ، كبرهان التطبيق والبرهان السلّميّ وغير
ذلك .
الخامس
: أنّ الخلاء ـ
ولازمه قيام البعد بنفسه من دون معروض يقوم به ـ محال ،
__________________
وسيأتي الكلام فيه
في بحث الأين .
السادس : أنّ العدد ليس بمتناه ، ومعناه أنّه لا توجد مرتبة من
العدد إلّا ويمكن فرض ما يزيد عليها ، وكذا فرض ما يزيد على الزائد ، ولا تقف
السلسلة حتّى تنقطع بانقطاع الاعتبار ، ويسمّى غير المتناهي «اللايقفيّ» ولا يوجد
من السلسلة دائما بالفعل إلّا مقدار متناه ، وما يزيد عليه فهو في القوّة. وأمّا
ذهاب السلسلة بالفعل إلى غير النهاية ـ على نحو العدول دون السلب التحصيليّ ـ فغير
معقول ، فلا كلّ ولا مجموع لغير المتناهي بهذا المعنى ، ولا تحقّق فيه لشيء من
النسب الكسريّة كالنصف والثلث والربع ، وإلّا عاد متناهيا.
__________________
الفصل الحادي عشر
في الكيف وانقسامه الأوّليّ
عرّفوه بـ «أنّه
عرض لا يقبل القسمة ولا النسبة لذاته» . فيخرج ب «العرض» الواجب لذاته والجوهر ، وبقيد «عدم قبول القسمة» الكمّ ، وبقيد «عدم
قبول النسبة» المقولات السبع النسبيّة ، ويدخل بقيد «لذاته» ما تعرضه قسمة أو نسبة
بالعرض.
__________________
قال صدر المتألّهين : «المقولات لمّا كانت أجناسا عالية ليس فوقها جنس لم يمكن
أن يورد لها حدّ ، ولذلك كان ما يورد لها من التعريفات رسوما ناقصة يكتفى فيها
بذكر الخواصّ لإفادة التمييز. ولم يظفر في الكيف بخاصّة لازمة شاملة إلّا المركّب
من العرضيّة والمغايرة للكمّ والأعراض النسبيّة ، فعرّف بما محصّله : «أنّه عرض
يغاير الكمّ والأعراض النسبيّة». لكنّ هذا التعريف تعريف للشيء بما يساويه في
المعرفة والجهالة ، لأنّ الأجناس العالية ليس بعضها أجلى من البعض ، ولو جاز ذلك
لجاز مثله في سائر المقولات ، بل ذلك أولى ، لأنّ الامور النسبيّة لا تعرف إلّا
بعد معروضاتها الّتي هي الكيفيّات ، فعدلوا عن ذكر كلّ من الكمّ والأعراض النسبيّة
إلى ذكر الخاصّة الّتي هي أجلى» ـ انتهى ملخّصا.
وينقسم الكيف
انقساما أوّليا إلى أربعة أقسام كلّيّة ، هي : الكيفيّات المحسوسة ، والنفسانيّة ،
والمختصّة بالكمّيّات ، والاستعداديّة. وتعويلهم في حصرها في الأربعة على
الاستقراء .
__________________
الفصل الثاني عشر
في الكيفيّات المحسوسة
ومن خاصّتها أنّ
فعلها بطريق التشبيه ـ أي جعل الغير شبيها بنفسها ـ كما تجعل الحرارة مجاورها
حارّا ، وكما يلقى السواد مثلا شبحه ـ أي مثاله ـ على العين. والكيفيّات المحسوسة
تنقسم إلى : المبصرات ، والمسموعات ، والمذوقات ، والمشمومات ، والملموسات.
والمبصرات : منها الألوان ، فالمشهور أنّها كيفيّات عينيّة موجودة في
خارج الحسّ ، وأنّ البسيط منها البياض والسواد ، وباقي الألوان حاصلة من تركّبهما
أقساما من التركيب.
وقيل : «الألوان البسيطة ـ الّتي هي الاصول ـ خمسة : السواد ، والبياض
، والحمرة ، والصفرة ، والخضرة. وباقي الألوان مركّب منها».
وقيل : «اللون كيفيّة خياليّة لا وجود لها وراء الحسّ ، كالهالة
وقوس قزح وغيرهما ، وهي حاصلة من أنواع اختلاط الهواء بالأجسام المشفّة أو انعكاس
منها».
__________________
ومن المبصرات
النور ، وهو غنيّ عن التعريف . وربّما يعرّف ب «أنّه الظاهر بذاته المظهر لغيره» . وينبغي أن يراد به إظهاره الأجسام للبصر ، ولو اطلق
الإظهار كان ذلك خاصّة للوجود. وكيف كان ، فالمعروف من مذهبهم : «أنّه كيفيّة
مبصرة توجد في الأجسام النيّرة بذاتها ، أو في الجسم الّذي يقابل نيّرا من غير أن
ينتقل من النيّر إلى المستنير» ، ويقابله الظلمة مقابلة العدم للملكة . وقيل : «إنّ النور جوهر جسمانيّ». وقيل : «إنّه ظهور اللون».
والمسموعات : هي الأصوات. والصوت كيفيّة حاصلة من قرع عنيف أو قلع
عنيف مستتبع لتموّج الهواء الحامل للأصوات ، فإذا بلغ التموّج الهواء المجاور
لصماخ الأذن أحسّ الصوت . وليس الصوت هو
__________________
التموّج ، ولا نفس القلع والقرع . وليس الصوت المحسوس خيالا في الحسّ معدوما في خارج الحسّ .
والمذوقات : هي الطعوم المدركة بالذائقة ، وقد عدّوا بسائطها تسعة ، وهي : الحرافة ، والملاحة ، والمرارة ، والدسومة ، والحلاوة
، والتفه ، والعفوصة ، والقبض ، والحموضة ، وما عدا هذه الطعوم طعوم مركّبة منها.
والمشمومات : أنواع الروائح المحسوسة بالشامّة. وليس لأنواع الروائح
الّتي ندركها أسماء عندنا نعرفها بها إلّا من جهة إضافتنا لها إلى موضوعاتها كما
نقول : «رائحة المسك» و «رائحة الورد» ، أو من جهة موافقتها للطبع ومخالفتها له
كما نقول : «رائحة طيّبة» و «رائحة منتنة» ، أو من جهة نسبتها إلى الطعم كما نقول
: «رائحة حلوة» و «رائحة حامضة». وهذا كلّه دليل ضعف الإنسان في شامّته ، كما ذكره
الشيخ .
والملموسات : أنواع الكيفيّات المحسوسة بحسّ اللمس ، وقد عدّوا
__________________
بسائطها اثني عشر
نوعا ، هي : الحرارة والبرودة ، والرطوبة واليبوسة ، واللطافة والكثافة ، واللزوجة
والهشاشة ، والجفاف والبلّة ، والثقل والخفّة . وقد ألحق بها بعضهم الخشونة والملاسة ، والصلابة واللين ، والمعروف أنّها مركّبة.
__________________
الفصل الثالث عشر
في الكيفيّات المختصّة بالكمّيّات
وهي الكيفيّات
العارضة للجسم بواسطة كمّيّته ، فيتّصف بها الكمّ أوّلا ثمّ الجسم لكمّيّته كالاستدارة في الخطّ والزوجيّة في العدد.
وهي ثلاثة أقسام
بالاستقراء : (الأوّل) الشكل والزاوية. (الثاني) ما ليس بشكل وزاوية ، مثل
الاستدارة والاستقامة من الكيفيّات العارضة للخطّ والسطح والجسم التعليميّ. (الثالث)
الكيفيّات العارضة للعدد ، مثل الزوجيّة والفرديّة والتربيع والتجذير وغير ذلك.
وألحق بعضهم بالثلاثة الخلقة ، ومرادهم بها مجموع اللون والشكل. ويدفعه
: أنّها ليست لها وحدة حقيقيّة ذات ماهيّة حقيقيّة ، بل هي من المركّبات
الاعتباريّة ، ولو كانت ذات ماهيّة كان من الواجب أن تندرج تحت الكيفيّات المبصرة
والكيفيّات المختصّة بالكمّيّات ، وهما جنسان متباينان ، وذلك محال.
__________________
أمّا القسم الأوّل
:
فالشكل
: هيئة حاصلة
للكمّ من إحاطة حدّ أو حدود به إحاطة تامّة ، كشكل الدائرة الّتي يحيط بها خطّ
واحد ، وشكل المثلّث والمربّع وكثير الأضلاع الّتي يحيط بها حدود ، والكرة الّتي يحيط بها سطح واحد ، والمخروط والاسطوانة
والمكعّب الّتي تحيط بها سطوح فوق الواحد.
والشكل من
الكيفيّات لصدق حدّ الكيف عليه . وليس هو السطح أو الجسم ، ولا الحدود المحيطة به ، ولا
المجموع ، بل الهيئة الحاصلة من سطح أو جسم أحاط به حدّ أو حدود خاصّة .
والزاوية : هي الهيئة الحاصلة من إحاطة حدّين أو حدود متلاقية في
حدّ إحاطة غير تامّة ، كالزاوية المسطّحة من إحاطة خطّين متلاقيين في نقطة ، والزاوية
المجسّمة الحاصلة من إحاطة سطح المخروط المنتهي إلى نقطة الرأس ، وزاوية المكعّب
المحيط بها سطوح ثلاثة.
والكلام في كون
الزاوية كيفا لا كمّا ....
__________________
نظير ما مرّ من الكلام في كون الشكل من مقولة الكيف.
وجوّز الشيخ كون الهيئة الحاصلة من إحاطة السطحين ـ من المكعّب مثلا ـ
المتلاقيين في خطّ زاوية ، لانطباق خواصّ الزاوية عليها.
وأمّا القسم
الثاني :
فالاستقامة في الخطّ ، وتقابلها الاستدارة ، من مقولة الكيف دون الكمّ. وبينهما تخالف نوعيّ .
أمّا أنّهما من
مقولة الكيف فلأنّا نعقل مفهومي الاستقامة والاستدارة ، وهما مفهومان ضروريّان ، ولا
نجد فيهما معنى قبول الانقسام وإن كانا لا يفارقان ذلك وجودا لعروضهما للكمّ ، ولو
كان قبول الانقسام جزءا من حدّيهما أو من أعرف خواصّهما لم يخل عنه تعقّلهما.
__________________
وأمّا كونهما
نوعين متخالفين متباينين فلأنّهما لو كانا نوعا واحدا كان ما يوجد فيهما من
التخالف عرضيّا غير جزء للذات ولا لازما لها ، فكان من الجائز عند العقل
أن يزول وصف الاستقامة عن الخطّ المستقيم ويبقى أصل الخطّ ثمّ يوصف بالاستدارة ، لكنّ
ذلك محال ، لأنّ الخطّ نهاية السطح كما أنّ السطح نهاية الجسم ، ولا يمكن أن
يتغيّر حال النهاية ، إلّا بعد تغيّر حال ذي النهاية ، فلو لم يتغيّر حال السطح في
انبساطه وتمدّده لم يتغيّر حال الخطّ في استقامته ، ولو لم يتغيّر حال الجسم في
انبساطه وتمدّده لم يتغيّر حال السطح في ذلك ، والجسم التعليميّ يبطل بذلك ويوجد
غيره ، وكذا السطح الّذي هو نهايته ، وكذا الخطّ الّذي هو نهايته ؛ فإذا بطل
المعروض ووجد معروض آخر بالعدد كان العارض أيضا كذلك. فإذا امتنع بقاء المستقيم من
الخطّ مع زوال استقامته علم منه أنّ الاستقامة إمّا فصله أو لازم فصله ، فالمستقيم
يغاير المستدير في نوعيّته ، وكذا السطح المستوي وغيره ، وأيضا غيره لما يخالفه ، وكذا الأجسام التعليميّة لما يخالفها .
ويتفرّع على ما
تقدّم :
أوّلا
: أن لا تضادّ بين
المستقيم والمستدير لعدم التعاقب على موضوع واحد ولعدم غاية الخلاف ، وكذا ما بين الخطّ والسطح ، وكذا ما
بين السطح
__________________
والجسم التعليميّ
، وكذا ما بين السطوح أنفسها ، وبين الأجسام التعليميّة أنفسها.
وثانيا : أن لا اشتداد وتضعّف بين المستقيم والمستدير ، إذ من
الواجب في التشكيك أن يشمل الشديد الضعيف وزيادة ، وقد تبيّن أنّ المستقيم لا يتضمّن المستدير ، وبالعكس.
وأمّا القسم
الثالث :
فالزوجيّة والفرديّة
العارضتان للعدد ، وكذا التربيع والتجذير والتكعيب وما يناظرها. وهي من
الكيفيّات دون الكمّ ؛ لصدق حدّ الكيف عليها ، وهو ظاهر بالنظر إلى أنّ كلّ مرتبة
من مراتب العدد نوع منه مستقلّ في نوعيّته ، مباين لغيره ، يشارك سائر المراتب في
الانقسام ، وكون الانقسام بمتساويين وعدم كونه كذلك نعت للانقسام ، غير قابل في
نفسه للانقسام ، وغير نسبيّ في نفسه ، فليس بكمّ ولا بواحد من الأعراض النسبيّة ، فليس
شيء من الزوجيّة والفرديّة إلّا كيفا عارضا للكمّ.
ونظير البيان يجري
في سائر أحوال الأعداد من التربيع والتجذير وغير ذلك.
وبالتأمّل فيما
تقدّم يظهر :
أوّلا
: أن لا تضادّ بين
هذه الأحوال العدديّة ، إذ لا موضوع مشتركا بين الزوجيّة والفرديّة تتعاقبان
عليه ، على ما هو شرط التضادّ .
وثانيا
: أن لا تشكيك
بالشدّة والضعف ، ولا بالزيادة والنقيصة في هذه الأحوال العدديّة. فكما لا يتبدّل
تقوّس واستدارة إلى تقوّس واستدارة اخرى إلّا مع بطلان موضوعه ووجود موضوع آخر
غيره بالعدد كذلك لا تتبدّل زوجيّة
__________________
مثلا إلى زوجيّة
زوج الزوج إلّا مع بطلان موضوعه الّذي هو المعدود ووجود موضوع آخر غيره بالعدد ، وفي
ذلك بطلان الزوجيّة الّتي هي عرض ووجود زوجيّة اخرى بالعدد ، وليس ذلك من التشكيك
في شيء.
وثالثا : يعلم ـ بالتذكّر لما تقدّم ـ أنّ الكيفيّات
المختصّة بالكمّيّات توجد في المادّيّات والمجرّدات المثاليّة جميعا بناء على
تجرّد المثال.
__________________
الفصل الرابع عشر
في الكيفيّات الاستعداديّة
وتسمّى أيضا القوّة واللاقوّة
والمعنى الجامع
بينها ـ الّذي هو بمنزلة النوع من مطلق الكيف ، وبمنزلة الجنس لأنواعها الخاصّة
بها ـ أنّها استعداد شديد جسمانيّ نحو أمر خارج ، بمعنى أنّه الّذي يترجّح به حدوث
أمر من خارج.
ولها نوعان : (أحدهما)
الاستعداد الشديد على أن ينفعل كالممراضيّة واللين. و (الثاني) الاستعداد الشديد على أن لا ينفعل
كالمصحاحيّة والصلابة.
وألحق بعضهم بالنوعين نوعا ثالثا ، وهو الاستعداد الشديد نحو الفعل ، كالمصارعيّة
.
وردّه الشيخ ، وتبعه صدر
المتألّهين ، قال في الأسفار : «إنّه لا خلاف في أنّ
__________________
القوّة على
الانفعال والقوّة على المقاومة داخلتان تحت هذا النوع. وأمّا أنّ القوّة على الفعل
هل هي داخلة تحت هذا النوع؟ فالمشهور أنّها منه ، والشيخ أخرجها منه ، وهو الحقّ ،
كما سيظهر لك وجهه. فإذا اريد تلخيص معنى جامع للقسمين دون الأمر الثالث ، فيقال :
إنّه كيفيّة بها يترجّح أحد جانبي القبول واللاقبول لقابلها.
وأمّا بيان أنّ
القوّة على الفعل لا تصلح أن تكون داخلة تحت هذا النوع ـ كما ذهب اليه الشيخ
فيحتاج أوّلا إلى أن نعرف أصلا كلّيّا وهو : أنّ جهات الفعل دائما تكون من لوازم
الذات ، لأنّ كلّ ذات لها حقيقة ، فلها اقتضاء أثر إذا خلّيت وطبعها ولم يكن مانع
تفعل ذلك الأثر ، فلا تحتاج في فعلها إلى قوّة زائدة عليها ، وإذا فرض إضافة قوّة
اخرى لها لم تكن تلك الذات بالقياس إليها فاعلة لها ، بل قابلة إيّاها ، وإذا
اعتبرت الذات والقوّة معا كان المجموع شيئا آخر ، إن كان له فعل كان فعله لازما من
غير تراخي استعداد له لحصول ذلك الفعل ، ولو فرض ذلك الاستعداد للفاعليّة له كان
يلزمه أوّلا قوّة انفعاليّة لحصول ما يتمّ به كونه فاعلا ، فذلك الاستعداد المفروض
لم يكن بالحقيقة لفاعليّته ، بل لانفعاله ، فليس للفاعليّة استعداد ، بل
للمنفعليّة أوّلا وبالذات وللفاعليّة بالعرض.
فثبت ممّا بيّنّا
بالبرهان أن لا قوّة ولا استعداد بالذات لكون الشيء فاعلا ، بل إنّما القوّة
والاستعداد للانفعال ولصيرورة الشيء قابلا لشيء بعد أن لم يكن» انتهى.
وأمّا نفس
الاستعداد فقد قيل : «إنّها من المضاف ، إذ لا يعقل إلّا بين شيئين مستعدّ
ومستعدّ له ، فلا يكون نوعا من الكيف». ويظهر من بعضهم أنّه كيف يلزمه إضافة ، كالعلم الّذي هو من الكيفيّات النفسانيّة وتلزمه الإضافة
بين موضوعه ومتعلّقه ـ أعني العالم والمعلوم وكالقدرة والإرادة.
__________________
الفصل الخامس عشر
في الكيفيّات النفسانيّة
الكيفيّة
النفسانيّة وهي ـ كما قال الشيخ ـ : ما لا يتعلّق
بالأجسام على الجملة ، إن لم تكن راسخة سمّيت : «حالا» وإن كانت راسخة سمّيت : «ملكة»
وإذ كانت النسبة بين الحال والملكة نسبة الضعف والشدّة ـ وهم يعدّون المرتبتين من
الضعف والشدّة نوعين مختلفين ـ كان لازمه عدّ الحال مغايرا للملكة نوعا ووجودا .
والكيفيّات
النفسانيّة كثيرة ، وإنّما أوردوا منها في هذا الباب بعض ما يهمّ البحث عنه.
فمنها : الإرادة.
قال في الأسفار : «يشبه أن يكون معناها واضحا عند العقل غير ملتبس بغيرها ، إلّا
أنّه يعسر التعبير عنها بما يفيد تصوّرها بالحقيقة. وهي تغاير الشهوة ، كما أنّ مقابلها ـ وهو الكراهة ـ يغاير النفرة ، ولذا قد
يريد الإنسان
__________________
ما لا يشتهيه كشرب
دواء كريه ينفعه ، وقد يشتهي ما لا يريده كأكل طعام لذيذ يضرّه» انتهى.
وبمثل البيان يظهر
أنّ الإرادة غير الشوق المؤكّد الّذي عرّفها به بعضهم .
وملخّص القول ـ
الّذي يظهر به أمر الإرادة الّتي يتوقّف عليها فعل الفاعل المختار ـ هو : أنّ
مقتضى الاصول العقليّة أنّ كلّ نوع من الأنواع الجوهريّة مبدأ فاعليّ للأفعال
الّتي ينسب إليه صدورها ، وهي كمالات ثانية للنوع. فالنفس الإنسانيّة ـ الّتي هي
صورة جوهريّة مجرّدة متعلّقة الفعل بالمادّة ـ علّة فاعليّة للأفعال الصادرة عن
الإنسان ، لكنّها مبدأ علميّ لا يصدر عنها إلّا ما ميّزته من كمالاتها الثانية من
غيره ، ولذا تحتاج قبل الفعل إلى تصوّر الفعل والتصديق بكونه كمالا لها ، فإن كان
التصديق ضروريّا أو ملكة راسخة قضت بكون الفعل كمالا ولم تأخذ بالتروّي ، كالمتكلّم
الّذي يتلفّظ بالحرف بعد الحرف من غير تروّ ، ولو تروّى في بعضها لتبلّد وتلكّأ وانقطع عن الكلام ، وإن لم يكن ضروريّا مقضيّا به توسّلت
إلى التروّي والفحص عن المرجّحات ، فإن ظفرت بما يقضي بكون الفعل كمالا قضت به.
ثمّ يتبع هذه الصورة العلميّة ـ على ما قيل ـ الشوق
__________________
إلى الفعل لما
أنّه كمال ثان معلول لها. ثمّ تتبع الشوق الإرادة ، وهي وإن كانت لا تعبير عنها
يفيد تصوّر حقيقتها لكن يشهد لوجودها بعد الشوق ما نجده ممّن يريد الفعل وهو عاجز
عنه ، ولا يعلم بعجزه ، فلا يستطيع الفعل وقد أراده. ثمّ تتبع الإرادة القوّة
العاملة المحرّكة للعضلات ، فتحرّك العضلات ، وهو الفعل.
فمبادئ الفعل
الإراديّ فينا هي : العلم والشوق والإرادة والقوّة العاملة المحرّكة. هذا ما نجده
من أنفسنا في أفعالنا الإراديّة. وإمعان النظر في حال سائر الحيوان يعطي أنّها
كالإنسان في أفعالها الإراديّة.
فظهر بذلك :
أوّلا
: أنّ المبدأ
الفاعليّ لأفعال الإنسان الإراديّة ـ بما أنّها كمالاته الثانية ـ هو الإنسان بما أنّه فاعل علميّ ، والعلم متمّم لفاعليّته
، يميّز به الكمال من غيره . ويتبعه الشوق من غير توقّف على شوق آخر أو إرادة. وتتبعه
الإرادة بالضرورة من غير توقّف على إرادة اخرى ، وإلّا لتسلسلت الإرادات.
فعدّ الإرادة علّة فاعليّة للفعل في غير محلّه. وإنّما الإرادة والشوق الّذي قبلها من لوازم
العلم المتمّم لفاعليّة الفاعل.
وثانيا
: أنّ أفعال
الإنسان ـ ممّا للعلم دخل في صدوره ـ لا تخلو من إرادة الفاعل حتّى الفعل الجبريّ
، وسيأتي في البحث عن أقسام الفاعل ما ينفع
__________________
في المقام .
وثالثا
: أنّ الملاك في
اختياريّة الفعل تساوي نسبة الإنسان إلى الفعل والترك وإن كان بالنظر إليه ـ وهو
تامّ الفاعليّة ـ ضروريّ الفعل.
ومن الكيفيّات
النفسانيّة القدرة ، وهي حالة في الحيوان ، بها يصحّ أن يصدر عنه الفعل إذا شاء
ولا يصدر عنه إذا لم يشأ . ويقابلها العجز .
وأمّا القدرة
المنسوبة إلى الواجب تعالى فإذ كان الواجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع
الجهات فهي مبدئيّته الفعليّة بذاته لكلّ شيء ، وإذ كانت عين الذات فلا ماهيّة لها
، بل هي صرف الوجود.
ومن الكيفيّات
النفسانيّة ـ على ما قيل ـ العلم. والمراد
به العلم الحصوليّ
__________________
الذهنيّ من حيث
قيامه بالنفس قيام العرض بموضوعه لصدق حدّ الكيف عليه.
وأمّا العلم
الحضوريّ فهو حضور المعلوم بوجوده الخارجيّ عند العالم ، والوجود ليس بجوهر ولا
عرض.
والعلم الّذي هو
من الكيف مختصّ بذوات الأنفس. وأمّا المفارقات فقد تقدّم أنّ علومها حضوريّة غير حصوليّة ، غير أنّ العلوم
الحصوليّة الّتي في معاليلها حاضرة عندها ، وإن كانت هي أيضا بما أنّها من صنعها
حاضرة عندها.
ومن هذا الباب الخلق ، وهو الملكة النفسانيّة الّتي تصدر عنها الأفعال بسهولة
من غير رويّة . ولا يسمّى خلقا إلّا إذا كان عقلا عمليّا هو مبدأ الأفعال
__________________
الإراديّة . وليس هو القدرة على الفعل ، لأنّ نسبة القدرة إلى الفعل
والترك متساوية ولا نسبة للخلق إلّا إلى الفعل . وليس المراد به هو الفعل ، وإن كان ربّما يطلق عليه ، لأنّه
الأمر الراسخ الّذي يبتني عليه الفعل وللخلق انشعابات كثيرة تكاد لا تحصى الشّعب
الحاصلة منها ، لكنّ اصول الأخلاق الإنسانيّة نظرا إلى القوى الباعثة للإنسان نحو
الفعل ثلاثة ، وهي : قوى الشهوة الباعثة له إلى جذب الخير والنافع الّذي يلائمه ، وقوى
الغضب الباعثة له إلى دفع الشرّ والضارّ ، والعقل الذيّ يهديه إلى الخير والسعادة
ويزجره عن الشرّ والشقاء.
فالملكة العاملة
في المشتهيات إن لازمت الاعتدال بفعل ما ينبغي كما ينبغي سمّيت : «عفّة». وإن
انحرفت إلى حدّ الإفراط سمّيت : «شرها». وإن نزلت إلى التفريط سمّيت : «خمودا».
وكذلك الملكة
المرتبطة بالغضب لها إعتدال تسمّى : «شجاعة» وطرفا إفراط
__________________
يسمّى : «تهوّرا»
وتفريط يسمّى : «جبنا».
وكذلك الملكة
الحاكمة في الخير والشرّ والنافع والضارّ إن لازمت وسط الاعتدال فاشتغلت بما ينبغي
كما ينبغي سمّيت : «حكمة». وإن خرجت إلى حدّ الإفراط سمّيت : «جربزة» أو إلى حدّ
التفريط سمّيت : «غباوة».
والهيئة الحاصلة
من اجتماع الملكات الثلاث ـ الّتي نسبتها إليها نسبة المزاج إلى الممتزج ، وأثرها
إعطاء كلّ ذي حقّ من القوى حقّه ـ إذا اعتدلت سمّيت : «عدالة». وإن خرجت إلى حدّ
الإفراط سمّيت : «ظلما». أو إلى حدّ التفريط سمّيت : «انظلاما».
ووسط الاعتدال من
هذه الملكات الّتي هي الاصول وما يتفرّع عليها من الفروع «فضيلة ممدوحة» ، والطرفان
ـ أعني طرفي الإفراط والتفريط ـ «رذيلة مذمومة». والبحث عن هذه الفضائل والرذائل
موكول إلى غير هذه الصناعة.
وقد ظهر ممّا
تقدّم :
أوّلا
: أنّ الخلق إنّما
يوجد في العالم الإنسانيّ وغيره من ذوات الأنفس الّتي تستكمل بالأفعال الإراديّة على ما يناسب كمال وجوده
، فلا خلق في المفارقات ، إذ لا عقل عمليّا ولا استكمال إراديّا فيها .
وثانيا : أنّ كلّا من هذه الأخلاق الّتي هي من الكيفيّات
النفسانيّة ـ بما أنّها ملكة راسخة ـ تقابلها حال من تلك الكيفيّة ، كالشهوة
والغضب والخوف والفزع والحزن والهمّ والخجل والفرح والسرور والغمّ وغير ذلك.
والبحث عن أسبابها الطبيعيّة في الطبّ ، وعن إصلاحها وتدبيرها بحيث يلائم السعادة
الإنسانيّة في صناعة الأخلاق.
ومن الكيفيّات النفسانيّة
اللذّة والألم. واللذّة على ما عرّفوها إدراك الملائم
__________________
بما أنّه ملائم.
والألم إدراك المنافي بما أنّه مناف. فهما من الكيف بما أنّهما من سنخ الإدراك .
وينقسمان بانقسام
الإدراك ، فمنهما حسّيّ وخياليّ وعقليّ. فاللذّة الحسّيّة كإدراك النفس الحلاوة من
طريق الذوق ، والرائحة الطيّبة من طريق الشمّ. واللذّة الخياليّة إدراكها الصورة
الخياليّة من بعض الملذّات الحسّيّة. واللذّة العقليّة إدراكها بعض ما نالته من
الكمالات الحقّة العقليّة. واللذّة العقليّة أشدّ اللذائذ وأقواها لتجرّدها
وثباتها. والألم الحسّيّ والخياليّ والعقليّ على خلاف اللذّة في كلّ من هذه
الأبواب.
__________________
واللذّة على أيّ
حال وجوديّة ، والألم عدميّ. يقابلها تقابل العدم والملكة .
لا
يقال : لا ريب في أنّ الألم شرّ بالذات ، وإذ كان هو إدراك
المنافي بما أنّه مناف كان أمرا وجوديّا ، لأنّ الإدراك أمر وجوديّ ، وبهذا ينفسخ
قولهم : «إنّ الشرّ عدم لا غير».
لأنّه
يقال : وجود كلّ شيء هو نفس ذلك الشيء ، ذهنيّا كان أو خارجيّا
، فحضور أيّ أمر عدميّ عند المدرك هو نفس ذلك الأمر العدميّ ، لاتّحاد الوجود
والماهيّة والعلم والمعلوم ، فالألم الموجود في ظرف الإدراك مصداق للألم ، وهو
بعينه الألم العدميّ الّذي هو شرّ بالذات.
تنبيه :
ما مرّ من القول
في الكيف وأحكامه وخواصّه هو المأثور من الحكماء المتقدّمين. وللمتأخّرين من علماء
الطبيعة خوض عميق فيما عدّه المتقدّمون من الكيف ، عثروا فيه على أحكام وآثار جمّة
ينبغي للباحث المتدبّر أن يراجعها ويراعي جانبها في البحث.
__________________
الفصل السادس عشر
في الإضافة
وفيه أبحاث :
البحث الأوّل : [في معنى نسبيّة المقولات]
قد عرفت أنّ سبعا من المقولات أعراض نسبيّة ، وهي : الإضافة والأين
والمتى والوضع والجدة وأن يفعل وأن ينفعل ، ومعنى نسبيّتها أنّها هيئات قائمة
بموضوعاتها من نسب موجودة فيها ، لا أنّ هذه المقولات عين تلك النسب الوجوديّة . وذلك أنّك عرفت في بحث «الوجود الرابط والمستقلّ» أنّ النسبة رابطة موجودة في غيرها ، لا استقلال لها أصلا ،
لا يحمل على شيء ، ولا يحمل عليها شيء ، فلا ماهيّة لها ، لأنّ الماهيّة ما يقال
على الشيء في جواب «ما هو؟» والمقولات ماهيّات جنسيّة ، فلا تكون النسبة مقولة ولا
داخلة تحت مقولة.
على أنّ النسبة في
بعض هذه المقولات متكرّرة متكثّرة ، ولا معنى لتكرّر الماهيّة ، كمقولة الإضافة
الّتي يجب فيها تكرّر النسبة ، ومقولة الوضع الّتي فيها نسبة بعض أجزاء الشيء إلى
بعض ونسبة المجموع إلى الخارج ، وربّما قامت على نسب كثيرة جدّا.
__________________
فتبيّن أنّ
المقولة النسبيّة هي هيئة حاصلة للشيء من نسبة كذا وكذا ، قائمة به.
البحث الثاني : [في تعريف الإضافة]
أنّ الإضافة هيئة
حاصلة من نسبة الشيء إلى شيء آخر منسوب إلى الشيء الأوّل المنسوب إليه ، كهيئة
الإضافة الّتي في الأخ ، فإنّ فيها نسبة الأخ بالاخوّة إلى أخيه المنسوب إلى هذا
الأخ المنسوب إليه بالاخوّة.
[الفرق بينها وبين
مطلق النسبة]
فالنسبة الّتي في
مقولة الإضافة متكرّرة ، وهو الفرق بين ما فيها من النسبة وبين ما في غيرها من
مطلق النسبة ، فإنّ وجود مطلق النسبة واحد قائم بالطرفين مطلقا ، بخلاف
الحال في مقولة الإضافة ، فإنّ النسبة فيها متكرّرة ، لكلّ من المضافين نسبة غير
ما في الآخر ، غير أنّهما متلازمان لا تنفكّان في ذهن ولا خارج.
وما أوردناه من
تعريف الإضافة ليس بحدّ منطقيّ ـ كما تقدّمت
الإشارة إليه في نظائره ـ بل رسم إن كان
أعرف من المعرّف . ولعلّ المعقول من لفظ «الإضافة» مشفّعا ببعض ما له من
الأمثلة أعرف عند العقل ممّا أوردناه من الرسم ، فلا كثير جدوى في إطالة البحث عن
قيوده نقضا وإبراما ، وكذا في سائر ما أوردوه لها من التعاريف .
__________________
[والفرق بين
المضاف الحقيقيّ والمشهوريّ]
ثمّ إنّه ربّما
يطلق المضاف ويراد به نفس المقولة ويسمّى عندهم ب «المضاف الحقيقيّ» وربّما يطلق
ويراد به موضوع المقولة. وربّما يطلق ويراد به الموضوع والعرض جميعا ويسمّى «المضاف
المشهوريّ». فإنّ العامّة ترى أنّ المضاف إلى الأب مثلا هو الإنسان المتلبّس بالبنوّة ، والحال أنّ التعلّق
من الجانبين إنّما هو للإضافة نفسها بالحقيقة.
البحث الثالث : [في أنّ الإضافة موجودة في الخارج]
الإضافة موجودة في
الخارج ، والحسّ يؤيّد ذلك ، لوقوعها على أنواع من الإضافات الخارجيّة الّتي لها آثار عينيّة لا
يرتاب فيها ، كإضافة الأب والابن ، والعلوّ والسفل ، والقرب والبعد ، وغير ذلك.
وأمّا نحو وجودها
فالعقل ينتزع لكلّ من الموضوعين الواجدين للنسبة المتكرّرة المتلازمة وصفا ناعتا
له انتزاعا من غير ضمّ ضميمة ، فهي موجودة بوجود موضوعها من دون أن يكون بإزائه
وجود منحاز مستقلّ.
قال في الأسفار ـ بعد كلام له في
هذا المعنى ـ : «وبالجملة إنّ المضاف ـ بما هو مضاف ـ بسيط ، ليس له وجود في
الخارج مستقلّ مفرد ، بل وجوده أن يكون لاحقا بأشياء كونها بحيث يكون لها مقايسة
إلى غيرها ، فوجود السماء في ذاتها وجود الجواهر ، ووجودها بحيث إذا قيس إلى الأرض
عقلت الفوقيّة
__________________
وجود الإضافات» انتهى.
البحث الرابع : [في بعض أحكام الإضافة]
من أحكام الإضافة
أنّ المضافين متكافئان وجودا وعدما ، وقوّة وفعلا. فإذا كان أحدهما موجودا كان
الآخر موجودا ، وكذا في جانب العدم. وإذا كان أحدهما بالقوّة فالآخر بالقوّة ، وكذا
في جانب الفعل.
واعترض
عليه بأنّه منقوض
بالتقدّم والتأخّر في أجزاء الزمان ، فإنّ المتقدّم والمتأخّر منها مضافان مع أنّ
وجود أحدهما يلازم عدم الآخر . ومنقوض أيضا بعلمنا ببعض الامور المستقبلة ، فالعلم موجود
في الحال والمعلوم معدوم لم يوجد بعد ، مع أنّ العلم والمعلوم من المضافين .
واجيب : أمّا عن أوّل النقضين فبأنّ معيّة أجزاء الزمان ليست آنيّة ، بأن يكون الجزءان
موجودين في آن واحد ، بل معيّتهما اتّصالهما في الوجود الوحدانيّ التدريجيّ الّذي
معيّتهما فيه عين التقدّم والتأخّر فيه ، كما أنّ وحدة العدد عين كثرته.
وأمّا عن النقض
الثاني فبأنّ الإضافة إنّما هي بين العلم وبين الصورة
__________________
الحاضرة من
المعلوم عند العالم ، وهو المعلوم بالذات دون المعلوم بالعرض الّذي هو عين خارجيّ
، والامور المستقبلة حاضرة بصورتها المعلومة بالذات عند العالم وإن كانت غائبة
بعينها الخارجيّة المعلومة بالعرض ، على أنّ الحقّ أنّ العلم عين المعلوم ، كما
سيأتي في مرحلة العاقل والمعقول .
وكما يتكافأ
المضافان وجودا وعدما وقوّة وفعلا كذلك يتكافآن عموما وخصوصا ، فالابوّة العامّة
تضايف البنوّة العامّة ، والابوّة الشخصيّة تضايف البنوّة الشخصيّة.
ومن خواصّ الإضافة
أنّها تعرض جميع المقولات حتّى نفسها ، ففي الجوهر كالأب والابن ، وفي الكمّ
المتّصل كالعظيم والصغير ، وفي الكمّ المنفصل كالكثير والقليل ، وفي الكيف كالأحرّ
والأبرد ، وفي الإضافة كالأقرب والأبعد ، وفي الأين كالعالي والسافل ، وفي المتى كالأقدم والأحدث ، وفي الوضع كالأشدّ انتصابا
وانحناءا ، وفي الجدة كالأكسى والأعرى ، وفي أن يفعل كالأقطع والأصرم ، وفي أن
ينفعل كالأشدّ تسخّنا والأضعف.
البحث الخامس : [في بعض تقسيمات الإضافة]
تنقسم الإضافة إلى
: متشاكلة الأطراف ، وهي الّتي لا اختلاف بين أطرافها ، كالقريب والقريب ، والأخ
والأخ ، والجار والجار. ومختلفة الأطراف ، كالأب والابن ، والعالي والسافل.
وتنقسم أيضا إلى :
ما هو خارجيّ ، كالأب والابن. وما هو ذهنيّ ، كالكلّيّ والفرد ، والأعمّ والأخصّ.
__________________
الفصل السابع عشر
في الأين
وفيه أبحاث :
البحث الأوّل : [في تعريف الأين]
الأين : هيئة
حاصلة للجسم من نسبته إلى المكان .
والمكان بما له من
الصفات المعروفة عندنا بديهيّ الثبوت ، فهو الّذي يصحّ أن ينتقل الجسم عنه وإليه ،
وأن يسكن فيه ، وأن يكون ذا وضع ـ أي مشارا إليه بأنّه هنا أو هناك ـ ، وأن يكون
مقدّرا له نصف وثلث وربع ، وأن يكون بحيث يمتنع حصول جسمين في واحد منه. قال صدر
المتألّهين قدسسره : «هذه أربع أمارات تصالح عليها المتنازعون لئلّا يكون
النزاع لفظيّا» .
__________________
وقد اختلفوا في
حقيقته على أقوال خمسة : (أحدها) أنّه هيولى الجسم . و (الثاني) أنّه الصورة . و (الثالث) أنّه سطح من جسم يلاقي المتمكّن ، سواء كان
حاويا أو محويّا له . و (الرابع) أنّه السطح الباطن من الحاوي المماسّ للسطح
الظاهر من المحويّ ، وهو قول المعلّم الأوّل ، وتبعه الشيخان الفارابيّ وابن سينا . و (الخامس) أنّه بعد يساوي أقطار الجسم المتمكّن ، فيكون
بعدا جوهريّا مجرّدا عن المادّة ، وهو قول أفلاطون والرواقيّين ، واختاره المحقّق الطوسيّ قدسسره وصدر المتألّهين . فهذه أقوال خمسة. (سادسها) قول بعضهم بإنكار المكان .
__________________
وإذ كانت الأمارات
الأربع المذكورة آنفا بديهيّة لا يرتاب فيها فعلى المنكرين أن يرجعوه إلى مقولة
الوضع ، فغيرها من الجوهر وسائر الأعراض لا ينطبق عليه البتّة. لكن يرد عليه : أنّ
الجسم ربّما ينتقل من مكان إلى مكان مع عدم التغيّر في جوهره وسائر أعراضه غير الأين
، وربّما يعرضه التغيّر فيه مع عدم الانتقال ، فالمكان غير الجميع حتّى الوضع.
والقول بأنّه
الهيولى أو الصورة لا تنطبق عليه الأمارات السابقة ، فإنّ المكان يطلب بالحركة
ويترك بالحركة ، والهيولى وكذا الصورة لا تطلبان بالحركة ولا تتركان بالحركة.
وأيضا المركّب ينسب إلى الهيولى فيقال : «باب خشبيّ» أو «من حديد» ولا ينسب إلى
المكان.
فالمعتمد هو القول
بالسطح أو البعد الجوهريّ المجرّد عن المادّة. وللفريقين احتجاجات ومشاجرات طويلة
مذكورة في المطوّلات .
ومن أقوى ما يورد
على القول بالسطح أنّ لازمه كون الشيء ساكنا ومتحرّكا في زمان واحد ، فالطير
الواقف في الهواء والسمك الواقف في الماء عند ما يجري الهواء والماء عليهما يجب أن
يكونا متحرّكين لتبدّل السطح المحيط بهما من الهواء والماء وهما ساكنان بالضرورة.
وأيضا المكان متّصف بالفراغ والامتلاء ، وذلك نعت البعد لا نعت السطح.
__________________
ومن أقوى ما يورد
على القول بالبعد الجوهريّ المجرّد أنّ لازمه تداخل المقدارين ، وهو محال ، فإنّ فيه حلول
الجسم بمقداره الشخصيّ الذاهب في الأقطار الثلاثة في المكان الّذي هو مقدار شخصيّ
يساويه ، ورجوعهما مقدارا شخصيّا واحدا ولا ريب في امتناعه. اللهمّ إلّا أن يمنع
ذلك بأنّ من الجائز أن يكون المانع هو الهيولى مع المقدار أو الصورة مع المقدار أو
هما معه.
البحث الثاني : [في محلّ الكلام]
قد عرفت أنّ الأين
هيئة حاصلة للشيء من نسبته إلى المكان. والكلام في كونه هيئة حاصلة من النسبة لا
نفس وجود النسبة ، نظير ما تقدّم في الإضافة.
البحث الثالث : [في أقسام الأين]
قد يقسّم الأين
إلى أوّل حقيقيّ وثان غير حقيقيّ. فالأوّل كون الشيء في مكانه الخاصّ به الّذي لا
يسعه مع غيره ككون الماء في الكوز. والثاني نظير قولنا : «فلان في البيت»
فليس البيت مشغولا به وحده ، بل يسعه وغيره ، وأبعد منه كونه في الدار ثمّ في
البلد ، وهكذا. والتقسيم غير حقيقيّ ، والمقسم هو الأين بحسب توسّع العرف العامّ.
ويقرب منه تقسيمه إلى
: أين جنسيّ وهو الكون في المكان ، وأين نوعيّ كالكون في الهواء ، وأين شخصيّ ككون
هذا الشخص في هذا الوقت في مكانه الحقيقيّ.
__________________
الفصل الثامن عشر
في المتى
وهو الهيئة
الحاصلة للشيء من نسبته إلى الزمان.
سيأتي إن شاء الله
أنّ لكلّ حركة ـ بما لها من الوجود السيّال التدريجيّ ـ مقدارا غير قارّ
يخصّها ويغاير ما لغيرها من الامتداد غير القارّ ، فلكلّ حركة خاصّة واحدة بالعدد
زمان خاصّ واحد بالعدد ، غير أنّ بعض هذه الأزمنة يقبل الانطباق على بعض. والزمان
العامّ المستمرّ الّذي نقدّر به الحركات زمان الحركة اليوميّة المأخوذ مقياسا ، نقيس
به الأزمنة والحركات ، فيتعيّن به نسب بعضها إلى بعض بالتقدّم والتأخّر ، والطول
والقصر. وللحوادث بحسب ما لها من النسبة إلى الزمان هيئة حاصلة لها هي المتى.
ويقرب الكلام في
المتى من الكلام في الأين ، فهناك متى يخصّ الحركة لا يسع معها غيرها ، وهو المتى
الأوّل الحقيقيّ ، ومنه ما يعمّها وغيرها ، ككون هذه الحركة الواقعة في ساعة كذا ،
أو في يوم كذا ، أو في شهر كذا ، أو في سنة كذا ، أو في قرن كذا ، وهكذا.
والفرق بين الأين
والمتى في هذا الباب أنّ الزّمان الخاصّ الواحد يشترك فيه
__________________
كثيرون بانطباقها
عليه ، بخلاف الأين الخاصّ الواحد فلا يسع إلّا جسما واحدا .
وينقسم المتى نوع
انقسام بانقسام الحوادث الزمانيّة ، فمنها ما هو تدريجيّ الوجود ينطبق على الزمان
نفسه ، ومنها ما هو آنيّ الوجود ينتسب إلى طرف الزمان كالوصولات والمماسّات
والانفصالات.
وينقسم أيضا ـ كما
قيل ـ إلى ما بالذات
وما بالعرض ، فما بالذات متى الحركات المنطبقة على الزمان بذاتها ، وما بالعرض متى
المتحرّكات المنطبقة عليه بواسطة حركاتها ، وأمّا بحسب جوهر ذاتها فلا متى لها.
وهذا مبنيّ على منع الحركة الجوهريّه ، وأمّا على القول به ـ كما سيأتي إن شاء
الله ـ فلا فرق بين
الحركة والمتحرّك في ذلك.
وينقسم أيضا
بانقسام المقولات الواقعة فيها الحركات .
__________________
الفصل التاسع عشر
في الوضع
الوضع : هو الهيئة
الحاصلة للشيء من نسبة أجزائه بعضها إلى بعض والمجموع إلى الخارج ، كهيئة القيام والقعود والاستلقاء والانبطاح.
وينقسم الوضع إلى
ما بالطبع ، وما لا بالطبع. أمّا الّذي بالطبع فكاستقرار الشجرة على أصلها وساقها
، والّذي لا بالطبع فكحال ساكن البيت من البيت.
وينقسم إلى ما
بالفعل ، وما بالقوّة .
قيل : الوضع ممّا يقع فيه التضادّ والشدّة والضعف. أمّا
التضادّ فمثل كون
__________________
الإنسان رأسه إلى
السماء ورجلاه إلى الأرض مضادّا لوضعه إذا كان معكوسا ، والوضعان معنيان وجوديّان
متعاقبان على موضوع واحد من غير أن يجتمعا فيه وبينهما غاية الخلاف ؛ وكذا الحال
في الاستلقاء والانبطاح. وأمّا الشدّة فكالأشدّ انتصابا أو الأكثر انحناءا.
وفي تصوير غاية
الخلاف في الوضع خفاء ، فليتأمّل.
تنبيه :
للوضع معنيان
آخران غير المعنى المقوليّ.
أحدهما : كون
الشيء قابلا للإشارة الحسّيّة. والإشارة ـ كما نقل عن الشفاء ـ تعيين الجهة الّتي
تخصّ الشيء من جهات هذا العالم. وعليه فكلّ جسم وجسمانيّ يقبل الوضع بهذا المعنى ،
فالنقطة ذات وضع ، بخلاف الوحدة.
وثانيهما : معنى
أخصّ من الأوّل ، وهو كون الكمّ قابلا للإشارة الحسّيّة بحيث يقال : أين هو من
الجهات؟ وأين بعض أجزائه المتّصلة به من بعض؟.
لكن نوقش فيه بأنّ الخطّ والسطح بل الجسم التعليميّ لا أين لها لو لا
تعلّقها بالمادّة الجسمانيّة ، فلا يكفي مجرّد الاتّصال الكمّيّ في إيجاب قبول
الإشارة الحسّيّة حتّى يقارن المادّة. نعم للصورة الخياليّة المجرّدة من الكمّ
إشارة خياليّة ، وكذا للصورة العقليّة إشارة تسانخها.
__________________
الفصل العشرون
في الجدة
وتسمّى أيضا «الملك»
وهي : الهيئة الحاصلة من إحاطة شيء بشيء بحيث ينتقل المحيط بانتقال المحاط.
والموضوع هو المحاط. فالإحاطة التامّة كإحاطة إهاب الحيوان به ، والإحاطة الناقصة
كما في التقمّص والتنعّل والتختّم ونحو ذلك.
وتنقسم إلى جدّة
طبيعيّة كما في المثال الأوّل ، وغير طبيعيّة كما في غيره من الأمثلة.
قال في الأسفار : «وقد يعبّر عن الملك بمقولة (له). فمنه طبيعيّ ككون
القوى للنفس ، ومنه اعتبار خارجيّ ككون الفرس لزيد. ففي الحقيقة الملك يخالف هذا
الاصطلاح ، فإنّ هذا من مقولة المضاف لا غير» انتهى.
__________________
والحقّ أنّ الملك
الحقيقيّ الّذي في مثل كون القوى للنفس حيثيّة وجوديّة هي قيام وجود
شيء بشيء ، بحيث يختصّ به ، فيتصرّف فيه كيف شاء ، فليس معنى مقوليّا. والملك
الاعتباريّ الّذي في مثل كون الفرس لزيد اعتبار للملك الحقيقيّ ، دون مقولة
الإضافة. وسنشير إن شاء الله إلى هذا البحث في مرحلة العاقل والمعقول .
__________________
الفصل الحادي والعشرون
في مقولتي أن يفعل وأن ينفعل
أمّا
الأوّل فهو هيئة غير
قارّة حاصلة في الشيء المؤثّر من تأثيره ما دام يؤثّر ، كتسخين المسخّن ما دام
يسخّن وتبريد المبرّد ما دام يبرّد.
وأمّا
الثاني فهو هيئة غير
قارّة حاصلة في المتأثّر ما دام يتأثّر ، كتسخّن المتسخّن ما دام يتسخّن وتبرّد
المتبرّد ما دام يتبرّد.
ومن خاصّة هاتين
المقولتين : (أوّلا) كما يظهر من الأمثلة أنّهما تعرضان غيرهما من المقولات ، كالكيف
والكمّ والوضع وغيرها. و (ثانيا) أنّ معروضهما ـ من حيث هو معروض ـ لا يخلو عن
حركة ، ولذا عبّر عنهما بلفظ «أن يفعل» و «أن ينفعل» الظاهرين في الحركة والتدرّج
، دون الفعل والانفعال اللذين ربّما يستعملان في التأثير والتأثّر الدفعيّ غير
التدريجيّ . وبالجملة : المقولتان هيئتان عارضتان لمعروضهما من جهة ما
له من الحركة.
قال في الأسفار : «واعلم أنّ وجود كلّ منهما في الخارج ليس عبارة عن نفس
السلوك إلى مرتبة ، فإنّه بعينه معنى الحركة ، ولا أيضا وجود كلّ منهما وجود
__________________
المقولات الّتي
يقع بها التحريك والتحرّك ، كالكيف مثل السواد ، والكمّ مثل مقدار الجسم النامي ، أو
الوضع كالجلوس والانتصاب ، ولا غير ذلك. بل وجودهما عبارة عن وجود شيء من هذه
المقولات ما دام يؤثّر أو يتأثّر ، فوجود السواد أو السخونة مثلا من حيث إنّه سواد
من باب مقولة الكيف ووجود كلّ منهما من حيث كونه تدريجيّا يحصل منه تدريجيّ آخر أو
يحصل من تدريجيّ آخر هو من مقولة أن يفعل أو أن ينفعل.
وأمّا نفس سلوكه
التدريجيّ ـ أي خروجه من القوّة إلى الفعل ـ سواء كان في جانب الفاعل أو في جانب
المنفعل فهو عين الحركة لا غير ، فقد ثبت نحو وجودهما في الخارج وعرضيّتهما» انتهى.
وأمّا الإشكال في وجود المقولتين بأنّ تأثير المؤثّر يمتنع أن يكون وصفا
ثبوتيّا زائدا على ذات المؤثّر ، وإلّا افتقر إلى تأثير آخر في ذلك التأثير ، وننقل
الكلام إليه ، فيتسلسل ذاهبا إلى غير النهاية ، وهو محصور بين حاصرين : المؤثّر
والمتأثّر.
ويجري نظير الإشكال في زيادة تأثّر المتأثّر على ذات المتأثّر ، فلو كان قبول
الأثر زائدا على ذات القابل احتاج إلى قبول آخر ، وننقل الكلام إليه ، فيتسلسل ، وهو
محصور بين حاصرين ، فالتأثير والتأثّر ـ سواء كانا دفعيّين أو تدريجيّين ـ وصفان
عدميّان غير موجودين في الخارج.
فيدفعه : أنّه إنّما يتمّ فيما كان الأثر الثبوتيّ المفروض موجودا
بوجود
__________________
منحاز ، يحتاج إلى
تأثير منحاز جديد يخصّه. وأمّا لو كان ثابتا بثبوت أمر آخر فهو مجعول بعين الجعل
المتعلّق بمتبوعه. والتأثير والتأثّر التدريجيّان موجودان بعين إيجاد الكيف ، كالسواد
في المسوّد والمتسوّد ؛ ولا دليل على وجود الشيء أقوى من صدق مفهومه على عين
خارجيّ في قضيّة خارجيّة.
__________________
المرحلة السابعة
في الواحد والكثير
وفيها تسعة فصول [خاتمة]
الفصل الأوّل
في أنّ مفهوم الوحدة والكثرة
بديهيّ غنيّ عن التعريف
ينقسم الموجود إلى
الواحد والكثير ، فكلّ موجود إمّا واحد وإمّا كثير.
والحقّ أنّ الوحدة
والكثرة من المفاهيم العامّة الضروريّة التصوّر المستغنية عن التعريف كالوجوب
والإمكان ، ولذا كان ما عرّفوهما به من التعريف لا يخلو من دور ، وتعريف الشيء بنفسه كتعريف الواحد ب «أنّه
الّذي لا ينقسم من الجهة الّتي يقال إنّه واحد». ففيه أخذ الانقسام الّذي هو
الكثرة في تعريف الواحد ، مضافا إلى كونه تعريفا للواحد بالواحد . ثمّ تعريف الكثير ب «أنّه المجتمع من الوحدات». وفيه أخذ
الوحدة في تعريف الكثير وقد كانت
__________________
الكثرة مأخوذة في
حدّ الواحد ، وهو الدور. مضافا إلى كونه تعريفا للكثير بالمجتمع ، وهو الكثير
بعينه .
فالحقّ أنّ تعريفهما بما عرّفا به تعريف لفظيّ ، يراد به التنبيه
على معناهما وتمييزه من بين المعاني المخزونة عند النفس . فالواحد هو : «الّذي لا ينقسم من حيث إنّه لا ينقسم» ؛
والتقييد بالحيثيّة ليندرج فيه الواحد غير الحقيقيّ الّذي ينقسم من بعض الوجوه . والكثير هو : «الّذي ينقسم من حيث إنّه ينقسم».
فقد تحصّل أنّ
الموجود ينقسم إلى الواحد والكثير ، وهما معنيان متباينان تباين أحد القسمين
للآخر.
تنبيه :
قالوا : «إنّ
الوحدة تساوق الوجود» ، فكلّ موجود فهو واحد من جهة
__________________
أنّه موجود ، حتّى
أنّ الكثرة الموجودة ـ من حيث هي موجودة ـ كثرة واحدة ، كما يشهد بذلك عرض العدد
لها ، والعدد مؤلّف من آحاد ، يقال : كثرة واحدة وكثرتان وكثرات ثلاث ، وعشرة
واحدة وعشرتان وعشرات ثلاث ، وهكذا.
وربّما يتوهّم أنّ انقسام الموجود إلى الواحد والكثير ينافي كون الواحد
مساوقا للموجود ، وذلك أنّ الكثير ـ من حيث هو كثير ـ موجود لمكان الانقسام
المذكور ، والكثير ـ من حيث هو كثير ـ ليس بواحد ، ينتج أنّ بعض الموجود ليس بواحد
، وهو يناقض قولهم : «كلّ موجود فهو واحد».
ويدفعه : أنّ للواحد اعتبارين : اعتباره في نفسه من غير قياس
__________________
بعض مصاديقه إلى
بعض ، فيساوق الموجود ويعمّ مصاديقه من واحد وكثير ، واعتباره بقياس بعض مصاديقه
إلى بعض ، فهناك مصاديق لا يوجد فيها من معنى عدم الانقسام ما يوجد في مصاديق اخر
، كالعشرة الّتي لا يوجد فيها من معنى عدم الانقسام ما يوجد في الواحد وإن كان
فيها ذلك إذا قيس إلى العشرات. فالكثير الّذي ليس بالواحد هو المقيس من حيث هو
مقيس ، والّذي يقابله هو الواحد بالاعتبار الثاني ، وأمّا الواحد بالاعتبار الأوّل
فهو يعمّ الواحد والكثير القسيمين جميعا.
ونظير ذلك انقسام
مطلق الموجود إلى ما بالقوّة ، وما بالفعل مع مساوقة ما بالفعل لمطلق الموجود ، وانقسام
الوجود إلى ذهنيّ وخارجيّ تترتّب عليه الآثار ، مع مساوقة الخارجيّ المترتّب عليه
الآثار لمطلق الوجود. فكلّ ذلك من الاختلافات التشكيكيّة الّتي لحقيقة الوجود
المشكّكة.
ونظير هذا التوهّم
ما ربّما يتوهّم أنّ الوحدة من المعاني الانتزاعيّة العقليّة ، ولو كانت
حقيقة خارجيّة لكانت لها وحدة ، ولوحدتها وحدة ، وهلمّ جرّا ، فيتسلسل.
ويدفعه : أنّ وحدتها عين ذاتها ، فهي واحدة بذاتها ؛ نظير ما
تقدّم في الوجود أنّه موجود بذاته من غير حاجة إلى وجود زائد على ذاته.
__________________
الفصل الثاني
في أقسام الواحد
الواحد إمّا
حقيقيّ ، وإمّا غير حقيقيّ. والحقيقيّ ما اتّصف بالوحدة لذاته من غير واسطة في
العرض كالإنسان الواحد. وغير الحقيقيّ بخلافه كالإنسان والفرس المتّحدين في الحيوان
، وينتهي لا محالة إلى واحد حقيقيّ.
والواحد الحقيقيّ
إمّا ذات هي عين الوحدة ، وإمّا ذات متّصفة بالوحدة. والأوّل هو صرف الشيء الّذي
لا يتثنّى ولا يتكرّر ، وتسمّى وحدته : «وحدة حقّة» والواحد والوحدة هناك شيء
واحد. والثاني ك «الإنسان الواحد».
والواحد بالوحدة
غير الحقّة إمّا واحد بالخصوص ، وإمّا واحد بالعموم .
__________________
والأوّل هو الواحد
بالعدد الّذي يفعل بتكرّره العدد. والثاني كالنوع الواحد والجنس الواحد.
والواحد بالخصوص
إمّا أن لا ينقسم من حيث طبيعته المعروضة للوحدة أيضا ـ كما لا ينقسم من حيث صفة
وحدته ـ أو ينقسم. والأوّل إمّا نفس مفهوم الوحدة وعدم الانقسام ، وإمّا غيره.
وغيره إمّا وضعيّ كالنقطة الواحدة ، وإمّا غير وضعيّ كالمفارق. وهو إمّا متعلّق
بالمادّة بوجه كالنفس المتعلّقة بالمادّة في فعلها ، وإمّا غير متعلّق بها أصلا
كالعقل. والثاني ـ وهو الّذي يقبل الانقسام بحسب طبيعته المعروضة للوحدة ـ إمّا أن
يقبله بالذات كالمقدار الواحد ، وإمّا أن يقبله بالعرض كالجسم الطبيعيّ الواحد من
جهة مقداره.
والواحد بالعموم
إمّا واحد بالعموم المفهوميّ ، وإمّا واحد بالعموم بمعنى السعة الوجوديّة. والأوّل
إمّا واحد نوعيّ كالإنسان ، وامّا واحد جنسيّ كالحيوان وإمّا واحد عرضيّ كالماشي
والضاحك. والواحد بالعموم بمعنى السعة الوجوديّة كالوجود المنبسط .
والواحد غير
الحقيقيّ وهو ما اتّصف بالوحدة بعرض غيره ، لاتّحاده به نوعا من الاتّحاد كزيد
وعمرو المتّحدين في الإنسان ، والإنسان والفرس المتّحدين في الحيوان. وتختلف أسماء
الواحد غير الحقيقيّ باختلاف جهة الوحدة ، فالاتّحاد في معنى النوع يسمّى : «تماثلا».
وفي معنى الجنس «تجانسا». وفي الكيف «تشابها». وفي الكمّ «تساويا». وفي الوضع «توازيا»
و «تطابقا» .
__________________
ووجود كلّ من
الأقسام المذكورة ظاهر ، وكذا كون الوحدة واقعة على أقسامها وقوع المشكّك على
مصاديقه بالاختلاف. كذا قرّروا .
__________________
الفصل الثالث
[في الهوهو ، وهو الحمل]
من عوارض الوحدة
الهوهويّة ، كما أنّ من عوارض الكثرة الغيريّة.
والمراد
بالهوهويّة الاتّحاد من جهة مّا مع الاختلاف من جهة مّا ، ولازم ذلك صحّة الحمل
بين كلّ مختلفين بينهما اتّحاد مّا ، وإن اختصّ الحمل بحسب التعارف ببعض أقسام
الاتّحاد .
__________________
واعترض
عليه بأنّ لازم عموم صحّة الحمل في كلّ اتحاد مّا من مختلفين هو
صحّة الحمل في الواحد المتّصل المقداريّ الّذي له أجزاء كثيرة بالقوّة موجودة
بوجود واحد بالفعل ، بأن يحمل بعض أجزائه على بعض ، وبعض أجزائه على الكلّ ، وبالعكس
، فيقال : «هذا النصف من الذراع هو النصف الآخر» أو «هذا النصف هو الكلّ» أو «كلّه
هو نصفه» ، وبطلانه ضروريّ.
والجواب ـ كما أفاده صدر المتألّهين قدسسره ـ : أنّ المتّصل
الوحدانيّ ما لم ينقسم بواحد من أنحاء القسمة خارجا أو ذهنا لم تتحقّق فيه كثرة
أصلا ، فلم يتحقّق شرط الحمل ـ الّذي هو وحدة مّا مع كثرة مّا ـ فلم يتحقّق حمل.
وإذا انقسم بأحد أنحاء القسمة بطلت هويّته الواحدة وانعدم الاتّصال الّذي هو جهة
وحدته ، فلم يتحقّق شرط الحمل ـ الّذي هو كثرة مّا مع وحدة مّا ـ فلم يتحقّق حمل.
فقد تبيّن أنّ بين كلّ مختلفين من وجه
متّحدين من وجه حملا إذا جامع الاتّحاد الاختلاف ، لكنّ التعارف العامّيّ ـ كما أشرنا إليه ـ خصّ الحمل على
موردين من الاتّحاد مع الاختلاف :
أحدهما
: أن يتّحد الموضوع
والمحمول مفهوما مع اختلافهما بنوع من الاعتبار ، كالاختلاف بالإجمال والتفصيل في
قولنا : «الإنسان حيوان ناطق» ، فإنّ الحدّ عين المحدود مفهوما ، وإنّما يختلفان
بالإجمال والتفصيل.
__________________
والاختلاف
بالإبهام وغيره في قولنا : «الإنسان حيوان» فإنّ الجنس هو النوع مبهما.
والاختلاف بالتحصيل وغيره في قولنا : «الإنسان ناطق» ، فإنّ الفصل هو النوع محصّلا ـ
كما مرّ في مباحث الماهيّة ـ. وكالاختلاف
بفرض الشيء مسلوبا عن نفسه ، فيغاير نفسه نفسه ، ثمّ يحمل على نفسه لدفع توهّم
المغايرة ، فيقال مثلا : «الإنسان إنسان». ولمّا كان هذا الحمل ربّما يعتبر في
الوجود العينيّ كان الأصوب أن يعرّف باتّحاد الموضوع والمحمول ذاتا ، ويسمّى هذا
الحمل : «حملا
أوّليّا ذاتيّا» .
وثانيهما : أن يختلفا مفهوما ويتّحدا وجودا ، كما في قولنا : «زيد
إنسان» وقولنا : «القطن أبيض» وقولنا : «الضاحك متعجّب». ويسمّى هذا الحمل : «حملا شائعا صناعيّا» .
وهاهنا نكتة يجب
التنبيه عليها وهي : أنّه قد تقدّم في المباحث السابقة أنّ الوجود ينقسم إلى ما في نفسه وما في غيره ، وينقسم
أيضا إلى ما لنفسه وما لغيره ، وهو الوجود النعتيّ. وتقدّم أيضا امتناع أن توجد ماهيّتان بوجود واحد نفسيّ ، بأن يطرد وجود
واحد العدم عن نفس ماهيّتين متباينتين ، وهو وحدة الكثير المستحيلة عقلا.
ومن هنا يتبيّن
أنّ الحمل ـ الّذي هو اتّحاد المختلفين بوجه ـ لا يتحقّق
__________________
في وجود المختلفين
النفسيّ ، وإنّما يتحقّق في الوجود النعتيّ ، بأن يكون أحد المختلفين ناعتا بوجوده
للآخر والآخر منعوتا به. وبعبارة اخرى : أحد المختلفين هو الذات بوجوده النفسيّ ، والآخر
هو الوصف بوجوده النفسيّ ، واتّحادهما في الوجود النعتيّ الّذي يعطيه الوصف للذات . وهذا معنى قول المنطقيّين : «إنّ القضيّة تنحلّ إلى عقدين
: عقد الوضع ، ولا يعتبر فيه إلّا الذات ، وما فيه من الوصف عنوان مشير إلى الذات
فحسب. وعقد الحمل ، والمعتبر فيه الوصف فقط» .
وهاهنا نوع ثالث
من الحمل ، يستعمله الحكيم ، مسمّى بحمل الحقيقة والرقيقة ، مبنيّ على اتّحاد
الموضوع والمحمول في أصل الوجود ، واختلافهما بالكمال والنقص ، يفيد وجود الناقص
في الكامل بنحو أعلى وأشرف ، واشتمال المرتبة العالية من الوجود على كمال ما دونها
من المراتب.
__________________
الفصل الرابع
[في تقسيمات الحمل]
ينقسم الحمل إلى حمل هو هو وحمل ذي هو. والأوّل : ما يثبت فيه المحمول
للموضوع بلا توقّف على اعتبار أمر زائد ، كقولنا : «الإنسان ضاحك» ؛ ويسمّى أيضا «حمل
المواطاة». والثاني : أن يتوقّف ثبوت المحمول للموضوع على اعتبار أمر زائد ، كتقدير
ذي أو الاشتقاق ، كقولنا : «زيد عدل» أي ذو عدل ، أو عادل.
وينقسم أيضا إلى
بتّيّ وغير بتّيّ. والأوّل : ما كان لموضوعه أفراد محقّقة يصدق عليها بعنوانه ، كقولنا
: «الإنسان كاتب» و «الكاتب متحرّك الأصابع». والثاني : ما كان لموضوعه أفراد مقدّرة غير محقّقة ، كقولنا : «المعدوم
المطلق لا يخبر عنه» وقولنا : «اجتماع النقيضين محال».
وينقسم أيضا إلى
بسيط ومركّب ، ويسمّيان : «الهليّة البسيطة» ، و «الهليّة المركّبة». والهليّة
البسيطة ما كان المحمول فيها وجود الموضوع ، كقولنا : «الإنسان موجود». والهليّة
المركّبة ما كان المحمول فيها أثرا من آثاره وعرضيّا من عرضيّاته ، كقولنا : «الإنسان
ضاحك» فهي تدلّ على ثبوت شيء لشيء ، بخلاف الهليّة البسيطة حيث تدلّ على ثبوت الشيء.
__________________
وبذلك يندفع ما
أورده بعضهم على كلّيّة قاعدة الفرعيّة القائلة : «إنّ ثبوت شيء لشيء
فرع ثبوت المثبت له» بانتقاضها بمثل قولنا : «الماهيّة موجودة» حيث إنّ ثبوت
الوجود للماهيّة ـ بناء على ما تقتضيه قاعدة الفرعيّة ـ فرع ثبوت الماهيّة ، وننقل
الكلام إلى ثبوتها ، فهو فرع ثبوتها قبل ، وهلمّ جرّا ، فيتسلسل.
والجواب ـ على ما تحصّل ـ
: أنّ القضيّة هليّة بسيطة ، والهليّة البسيطة إنّما تدلّ على ثبوت الشيء لا على ثبوت
شيء لشيء ، حتّى تقتضي وجودا للماهيّة قبل وجودها ، هذا.
وأمّا ما أجاب به
بعضهم عن الإشكال ـ بتبديل الفرعيّة من الاستلزام ، وأنّ الحقّ أنّ ثبوت شيء لشيء
مستلزم لثبوت المثبت له ولو بنفس هذا الثبوت ، وثبوت الوجود للماهيّة مستلزم لثبوت
الماهيّة بنفس هذا الثبوت ـ فهو تسليم للإشكال.
وأسوأ حالا منه
قول بعضهم : «إنّ القاعدة مخصّصة بثبوت الوجود للماهيّة» ، هذا.
__________________
الفصل الخامس
في الغيريّة وأقسامها
__________________
قد تقدّم أنّ من عوارض الكثرة الغيريّة. وتنقسم الغيريّة إلى ذاتيّة
وغير ذاتيّة.
فالغيريّة
الذاتيّة ، هي : أن يدفع
أحد شيئين الآخر بذاته ، فلا يجتمعان لذاتيهما ، كالمغايرة بين الوجود والعدم ، وتسمّى
: «تقابلا».
وقد عرّفوا
التقابل ب «أنّه امتناع اجتماع شيئين في محلّ واحد من جهة واحدة في زمان واحد» . ونسبة امتناع الاجتماع إلى شيئين للدلالة على كونه
لذاتيهما. والمراد بالمحلّ الواحد مطلق الموضوع ، ولو بحسب فرض العقل ، حتّى يشمل
تقابل الإيجاب والسلب ، حيث إنّ متن القضيّة كالموضوع لهما. وتقييد التعريف ب «جهة
واحدة» لإخراج ما اجتمع منهما في شيء واحد من جهتين ، ككون زيد أبا لعمرو وابنا
لبكر . والتقييد ب «وحدة الزمان» ليشمل
__________________
ما كان من التقابل
زمانيّا ، فليس عرض الضدّين لموضوع واحد في زمانين مختلفين ناقضا للتعريف .
ولا ينتقض التعريف
بالمثلين الممتنع اجتماعهما عقلا ، لأنّ أحد المثلين لا يدفع الآخر بذاته الّتي هي
الماهيّة النوعيّة المشتركة بينهما ، وإنّما يمتنع اجتماعهما لاستحالة تكرّر
الوجود الواحد ـ كما تقدّم في مباحث الوجود ـ.
ولا ينتقض أيضا
بنقيض اللازم وعين الملزوم ، فإنّ نقيض اللازم إنّما يعاند عين الملزوم لمعاندته
اللازم الّذي هو نقيضه ، فامتناع اجتماعه مع الملزوم بعرض نقيضه لا لذاته .
__________________
والغيريّة
غير الذاتيّة : أن يكون
الشيئان لا يجتمعان لأسباب اخر غير ذاتيهما ، كافتراق الحلاوة والسواد في السكّر
والفحم ، وتسمّى «خلافا». ويسمّى أيضا الغير بحسب التشخّص والعدد : «آخر» .
والتقابل ينقسم
إلى أربعة أقسام ، وهي : تقابل التناقض ، وتقابل العدم والملكة ، وتقابل التضايف ،
وتقابل التضادّ. والأصوب في ضبط الأقسام أن يقال : «إنّ المتقابلين إمّا أن يكون
أحدهما عدما للآخر أو لا. وعلى الأوّل إمّا أن يكون هناك موضوع قابل كالبصر والعمى
فهو تقابل العدم والملكة أو لا يكون كالإيجاب والسلب وهو تقابل التناقض. وعلى
الثاني ـ وهو كونهما وجوديّين ـ فإمّا أن لا يعقل أحدهما إلّا مع الآخر وبالقياس
إليه كالعلوّ والسفل وهو تقابل التضايف أو لا وهو تقابل التضادّ» .
__________________
الفصل السادس
في تقابل التناقض
وهو تقابل الإيجاب
والسلب ، كقولنا : «زيد أبيض ، وليس زيد بأبيض» ، أو ما هو في معنى الإيجاب والسلب
من المفردات ، ك «الإنسان واللاإنسان» و «العمى واللاعمى» و «المعدوم واللامعدوم».
والنقيضان لا
يصدقان معا ولا يكذبان معا. وإن شئت فقل : لا يجتمعان ولا يرتفعان. فمآل تقابل
التناقض إلى قضيّة منفصلة حقيقيّة هي قولنا : «إمّا أن يصدق الإيجاب وإمّا أن يصدق
السلب». فالتناقض في الحقيقة بين الإيجاب والسلب.
ولا ينافي ذلك
تحقّق التناقض بين المفردات ، فكلّ مفهوم أخذناه في نفسه ثمّ أضفنا إليه معنى
النفي كالإنسان واللإنسان والفرس واللافرس تحقّق التناقض بين المفهومين. وذلك أنّا
إذا أخذنا مفهومين متناقضين ـ كالإنسان واللاإنسان ـ لم نرتب أنّ التقابل قائم
بالمفهومين على حدّ سواء ، فالإنسان يطرد بذاته اللاإنسان ، كما أنّ اللاإنسان يطرد
بذاته الإنسان. وضروريّ أنّه لو لم يعتبر الثبوت والوجود في جانب الإنسان لم يطارد
اللاإنسان ولم يناقضه ، فالإنسان واللاإنسان إنّما يتناقضان لأنّهما في معنى وجود
الإنسان وعدم الإنسان ، ولا يتمّ ذلك إلّا باعتبار قيام الوجود بالإنسان. وكذا
العدم ، فالإنسان واللإنسان إنّما يتناقضان لانحلالهما إلى الهليّتين البسيطتين ، وهما
قضيّتا «الإنسان موجود» و «ليس الإنسان بموجود».
ونظير الكلام يجري
في المتناقضين : «قيام زيد» و «لا قيام زيد» فهما في معنى وجود القيام لزيد وعدم
القيام لزيد ، وهما ينحلّان إلى هليّتين مركّبتين ، هما قولنا : «زيد قائم» ، وقولنا
: «ليس زيد بقائم».
فتقابل التناقض
بالحقيقة بين الإيجاب والسلب ، وإن شئت فقل : بين الوجود والعدم ، غير أنّه سيأتي
في مباحث العاقل والمعقول ـ إن شاء الله
تعالى ـ أنّ العقل إنّما ينال مفهوم الوجود أوّلا معنى حرفيّا في القضايا ، ثمّ
يسبك منه المعنى الاسميّ بتبديله منه وأخذه مستقلّا بعد ما كان رابطا ، ويصوّر
للعدم نظير ما جرى عليه في الوجود. فتقابل التناقض بين الإيجاب والسلب أوّلا
وبالذات وبين غيرهما بعرضهما.
فما في بعض
العبارات من نسبة التناقض إلى القضايا ـ كما في عبارة التجريد : «إنّ تقابل السلب
والإيجاب راجع إلى القول والعقد» انتهى ـ اريد به السلب والإيجاب من حيث الإضافة إلى مضمون
القضيّة بعينه.
وقد ظهر أيضا أنّ
قولهم : «نقيض كلّ شيء رفعه» اريد فيه بالرفع الطرد الذاتيّ ، فالإيجاب والسلب يطرد كلّ
منهما بالذات ما يقابله.
وأمّا تفسير من
فسّر الرفع بالنفي والسلب ـ فصرّح بأنّ نقيض
الإنسان هو اللاإنسان ، ونقيض اللاإنسان اللا لا إنسان ، وأمّا الإنسان فهو لازم
النقيض وليس بنقيض ـ فلازم تفسيره كون تقابل التناقض من جانب واحد دائما ، وهو
ضروريّ البطلان .
__________________
ومن أحكام تقابل
التناقض أنّ تقابل النقيضين إنّما يتحقّق في الذهن أو في اللفظ بنوع من المجاز ، لأنّ
التقابل نسبة قائمة بطرفين ، وأحد الطرفين في المتناقضين هو العدم ، والعدم اعتبار
عقليّ لا مصداق له في الخارج. وهذا بخلاف تقابل العدم والملكة ، فإنّ العدم فيه ـ
كما سيأتي إن شاء الله ـ عدم مضاف إلى أمر
موجود ، فله حظّ من الوجود ، فالتقابل فيه قائم في الحقيقة بطرفين موجودين.
ومن أحكام هذا
التقابل امتناع الواسطة بين المتقابلين به ، فلا يخلو شيء من الأشياء عن صدق أحد النقيضين ، فكلّ أمر
مفروض إمّا هو زيد مثلا أو ليس بزيد ، وإمّا هو أبيض أو ليس بأبيض ، وهكذا ، فكلّ
نقيضين مفروضين يعمّان جميع الأشياء.
ومن أحكام هذا
التقابل أنّ النقيضين لا يصدقان معا ولا يكذبان معا ، على سبيل القضيّة المنفصلة
الحقيقيّة ـ كما تقدّمت الإشارة إليه ـ وهي قولنا : «إمّا
أن يصدق الإيجاب أو يصدق السلب». وهي قضيّة بديهيّة أوّليّة يتوقّف عليها صدق كلّ
قضيّة مفروضة ، ضروريّة كانت أو نظريّة. فليس يصدق قولنا : «الأربعة زوج» مثلا
إلّا إذا كذب قولنا : «ليست الأربعة بزوج». وليس يصدق قولنا : «العالم حادث» إلّا
إذا كذب قولنا : «ليس العالم بحادث». ولذا سمّيت قضيّة امتناع اجتماع النقيضين
وارتفاعهما ب «اولى الأوائل».
ولذا كان الشكّ في
صدق هذه المنفصلة الحقيقيّة مزيلا للعلم بكلّ قضيّة مفروضة ، إذ لا يتحقّق العلم
بصدق قضيّة إلّا إذا علم بكذب نقيضها ، والشكّ في هذه المنفصلة الحقيقيّة يوجب
الشكّ في كذب النقيض ، ولازمه الشكّ في صدق النقيض الآخر ، ففي الشكّ فيها هلاك
العلم كلّه وفساده من أصله ، وهو أمر تدفعه الفطرة الإنسانيّة. وما يدّعيه
السوفسطيّ من الشكّ دعوى لا تتعدّى طور اللفظ البتّة ، وسيأتي تفصيل القول فيه .
__________________
الفصل السابع
في تقابل العدم والملكة
ويسمّى أيضا : «تقابل
العدم والقنية» . وهما : أمر وجوديّ عارض لموضوع من شأنه أن يتّصف به ، وعدم
ذلك الأمر الوجوديّ في ذلك الموضوع ، كالبصر والعمى الّذي هو فقد البصر من موضوع
من شأنه أن يكون بصيرا.
ولا يختلف الحال
في تحقّق هذا التقابل بين أن يؤخذ موضوع الملكة هو الطبيعة الشخصيّة أو الطبيعة
النوعيّة أو الجنسيّة ، فإنّ الطبيعة الجنسيّة وكذا النوعيّة موضوعان لوصف الفرد
كما أنّ الفرد موضوع له . فعدم البصر في العقرب ـ كما قيل ـ عمى وعدم ملكة ،
لكون جنسه ـ وهو الحيوان ـ من شأنه أن يكون بصيرا وإن لم تتّصف به طبيعة العقرب
النوعيّة. وكذا المرودة وعدم التحاء الإنسان قبل أوان البلوغ عدم ملكة ، لكون
الطبيعة النوعيّة الّتي
__________________
للإنسان من شأنها
ذلك وإن كان صنف غير البالغ لا يتّصف به. ويسمّى تقابل العدم والملكة بهذا الإطلاق
: «حقيقيّا».
وربما قيّد بالوقت
باشتراط أن يكون العدم في وقت الملكة ، ويسمّى التقابل حينئذ ب «المشهوريّ» . وعليه فمرودة الإنسان قبل أوان البلوغ ليست من عدم الملكة
في شيء ، وكذا فقد العقرب للبصر ليس بعمى .
وهو أشبه
بالاصطلاح ، فلا يضرّ خروج الموارد الّتي يكون الموضوع فيها هو الجنس أو النوع من
تقابل العدم والملكة ، مع عدم دخولها في التقابلات الثلاثة الباقية ، وأقسام
التقابل منحصرة في الأربعة.
__________________
الفصل الثامن
في تقابل التضايف
المتضايفان ـ كما
تحصّل من التقسيم ـ أمران وجوديّان لا يعقل أحدهما إلّا مع تعقّل الآخر ، فهما على
نسبة متكرّرة لا يعقل أحدهما إلّا مع تعقّل الآخر المعقول به. ولذلك يمتنع
اجتماعهما في شيء من جهة واحدة ، لاستحالة دوران النسبة بين الشيء ونفسه.
وقد اورد على كون التضايف أحد أقسام التقابل الأربعة بأنّ مطلق التقابل
من أقسام التضايف ، إذ المتقابلان بما هما متقابلان متضايفان ، فيكون عدّ التضايف
من أقسام التقابل من قبيل جعل الشيء قسيما لقسمه.
واجيب
عنه بأنّ مفهوم التقابل من مصاديق التضايف ، ومصداق التضايف من
أقسام التقابل ومصاديقه ، فالقسم من التضايف هو مفهوم التقابل ، والقسيم له هو
مصداقه ، وكثيرا مّا يكون المفهوم الذهنيّ فردا لمقابله ، كمفهوم الجزئيّ
__________________
الّذي هو فرد
للكلّيّ ومقابل له باعتبارين ، فلا إشكال.
ومن أحكام التضايف
أنّ المتضايفين متكافئان وجودا وعدما وقوّة وفعلا ، فإذا كان أحدهما موجودا فالآخر
موجود بالضرورة ، وإذا كان أحدهما معدوما فالآخر معدوم بالضرورة ، وإذا كان أحدهما
بالقوّة أو بالفعل فالآخر كذلك بالضرورة. ولازم ذلك أنّهما معا ، لا يتقدّم أحدهما
على الآخر ، لا ذهنا ولا خارجا.
الفصل التاسع
في تقابل التضادّ
قد عرفت أنّ المتحصّل من التقسيم السابق أنّ المتضادّين أمران
وجوديّان غير متضايفين ، لا يجتمعان في محلّ واحد في زمان واحد من جهة واحدة.
والمنقول عن
القدماء أنّهم اكتفوا في تعريف التضادّ على هذا المقدار ، ولذلك
جوّزوا وقوع التضادّ بين الجواهر ، وأن يزيد أطراف التضادّ على اثنين. لكنّ
المشّائين أضافوا إلى ما يتحصّل من التقسيم قيودا اخر ، فرسموا
المتضادّين ب «أنّهما أمران وجوديّان غير متضايفين ، متعاقبان على موضوع واحد ، داخلان
تحت جنس قريب ، بينهما غاية الخلاف». ولذلك ينحصر التضادّ عندهم في نوعين أخيرين
من الأعراض ، داخلين تحت جنس قريب ، بينهما غاية الخلاف ، ويمتنع وقوع التضادّ بين
أزيد من طرفين.
بيان
ذلك : أنّ كلّ ماهيّة
من الماهيّات بل كلّ مفهوم من المفاهيم منعزل بذاته عن غيره من أيّ مفهوم مفروض ، وليس ذلك من
التضادّ في شيء وإن كان يصدق عليه سلب غيره وكذا كلّ نوع تامّ بوجوده الخارجيّ
وآثاره الخارجيّة
__________________
مبائن لغيره من
الأنواع التامّة بما له ولآثاره من الوجود الخارجيّ ، لا يتصادقان ـ بمعنى أن يطرد
الوجود الخاصّ به الطارد لعدمه عدم نوع آخر بعينه ـ ، فليس ذلك من التقابل
والتضادّ في شيء ، وإنّما التضادّ ـ وهو التقابل بين أمرين وجوديّين ـ أن يكون كلّ
من الأمرين طاردا بماهيّته الأمر الآخر ، ناظرا إليه ، آبيا للاجتماع معه وجودا.
ولازم ذلك أوّلا : أن يكون هناك أمر ثالث يوجدان له ويتّحدان به ، والأمر
الّذي يوجد له الأمر الوجوديّ ويتّحد به هو مطلق الموضوع الأعمّ من محلّ الجوهر
وموضوع العرض ، لكنّ الجواهر لا يقع فيها تضادّ ـ كما سيجيء ـ فالمتعيّن أن
يكونا عرضين ذوي موضوع واحد.
وثانيا : أن يكون النوعان بما أنّ لكلّ منهما نظرا إلى الآخر
متطاردين ، كلّ منهما يطرد الآخر بفصله الّذي هو تمام نوعيّته. والفصل لا يطرد
الفصل إلّا إذا كانا جميعا مقسّمين لجنس واحد ، أي أن يكون النوعان داخلين تحت جنس
واحد قريب ، فافهم ذلك.
ولا
يرد عليه : أنّ الفصل ـ لكونه جزء الماهيّة ـ غير مستقلّ في الحكم ،
والحكم للنوع. لأنّ الفصل عين النوع محصّلا ، فحكمه حكم النوع بعينه ، على أنّ الأجناس العالية من المقولات العشر لا يقع بينها
تضادّ ، لأنّ الأكثر من واحد منها يجتمع في محلّ واحد ، كالكمّ والكيف وسائر
الأعراض تجتمع في جوهر واحد جسمانيّ ، وكذا بعض الأجناس المتوسّطة الواقعة تحت
بعضها مع بعض واقع تحت آخر ، وكذا الأنواع الأخيرة المندرجة تحت بعضها مع بعض
الأنواع الأخيرة المندرجة تحت بعض آخر. فالتضادّ إنّما يقع بالاستقراء في نوعين
واقعين تحت جنس قريب من المقولات العرضيّة ، كالسواد والبياض المعدودين من
الكيفيّات المبصرة عندهم ، وكالتهوّر والجبن من الكيفيّات النفسانيّة.
__________________
وأمّا اعتبار غاية
الخلاف بين المتضادّين فإنّهم حكموا بالتضادّ بين امور ، ثمّ عثروا على امور متوسّطة بين المتضادّين نسبيّة ، كالسواد والبياض
المتضادّين ، وبينهما من الألوان الصفرة والحمرة والخضرة ، وهي بالنسبة إلى السواد
من البياض وبالنسبة الى البياض من السواد. وكالتهوّر والجبن المتوسّط بينهما
الشجاعة ، فاعتبروا أن يكون الضدّ في غاية الخلاف ونهاية البعد من ضدّه. وهذا هو
الموجب لنفيهم التضادّ بين الجواهر ، فإنّ الأنواع الجوهريّة لا يوجد فيها ما هو
نسبيّ مقيس إلى طرفين ، ولا نوعان متطرّفان بينهما غاية الخلاف.
ومن أحكام التضادّ
أنّه لا يقع بين أزيد من طرفين ، لأنّه تقابل ، والتقابل نسبة ، ولا تتحقّق نسبة
واحدة بين أزيد من طرفين. وهذا حكم عامّ لجميع أقسام التقابل.
قال في الأسفار : «ومن أحكام التضادّ ـ على ما ذكرناه من اعتبار غاية
التباعد ـ أنّ ضدّ الواحد واحد ، لأنّ الضدّ على هذا الاعتبار هو الّذي يلزم من
وجوده عدم الضدّ الآخر فإذا كان الشيء وحدانيّا وله أضداد فإمّا أن تكون مخالفتها
مع ذلك الشيء من جهة واحدة أو من جهات كثيرة فإن كانت مخالفتها له من جهة واحدة
فالمضادّ لذلك الشيء بالحقيقة شيء واحد وضدّ واحد ، وقد فرض أضدادا ، وإن كانت
المخالفة بينها وبينه من جهات عديدة فليس الشيء ذا حقيقة بسيطة ، بل هو كالإنسان
الّذي يضادّ الحارّ من حيث هو بارد ، ويضادّ البارد من حيث هو حارّ ، ويضادّ كثيرا
من الأشياء لاشتماله على أضدادها.
فالتضادّ الحقيقيّ
إنّما هو بين الحرارة والبرودة والسواد والبياض ، ولكلّ واحد من الطرفين ضدّ واحد.
وأمّا الحارّ والبارد فالتضادّ بينهما بالعرض» انتهى.
ومن أحكامه أنّ
المتضادّين متعاقبان على الموضوع ، لاعتبار غاية الخلاف بينهما ، سواء كانت بينهما
واسطة أو وسائط هي بالقياس إلى كلّ من الجانبين
__________________
من الجانب الآخر ،
وأثره أن لا يخلو الموضوع منهما معا ، سواء تعاورا عليه واحدا بعد واحد ، أو كان
أحد الضدّين لازما لوجوده ، كالبياض للثلج والسواد للقار.
ومن أحكامه أنّ
الموضوع الّذي يتعاقبان عليه يجب أن يكون واحدا بالخصوص لا واحدا بالعموم ، إذ لا
يمتنع وجود ضدّين في موضوعين وإن كانا متّحدين بالنوع أو الجنس.
__________________
خاتمة
اختلفوا في
التمانع الّذي بين الواحد والكثير ، حيث لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة ، أهو
من التقابل بالذات أم لا؟ وعلى الأوّل أهو أحد أقسام التقابل الأربعة أم قسم خامس
غير الأقسام الأربعة المذكورة؟ وعلى الأوّل أهو من تقابل التضايف أم من تقابل
التضادّ؟ ولكلّ من الاحتمالات المذكورة قائل على ما فصّل في المطوّلات .
والحقّ
أنّه ليس من
التقابل المصطلح في شيء ، لأنّ قوام التقابل المصطلح بالغيريّة الذاتيّة الّتي هي
تطارد الشيئين المتقابلين وتدافعهما بذاتيهما ، ومن
__________________
المستحيل أن يرجع
الاختلاف والتمانع الذاتيّ إلى الاتّحاد والتآلف ، والواحد والكثير ليسا كذلك ، إذ
الواحد والكثير قسمان ينقسم إليهما الموجود من حيث هو موجود ، وقد تقدّم أنّ الوحدة مساوقة للوجود ، فكلّ موجود ـ من حيث هو موجود ـ
واحد ، كما أنّ كلّ واحد ـ من حيث هو واحد ـ موجود. فالواحد والكثير كلّ منهما
مصداق الواحد ـ أي أنّ ما به الاختلاف بين الواحد والكثير راجع إلى ما به الاتّحاد
ـ وهذا شأن التشكيك دون التقابل.
فالوحدة والكثرة
من شؤون تشكيك الوجود ، ينقسم الوجود بذلك إلى الواحد والكثير مع مساوقة الواحد
للموجود المطلق ، كما ينقسم إلى الوجود الخارجيّ والذهنيّ مع مساوقة الخارجيّ
لمطلق الوجود ، وينقسم إلى ما بالفعل وما بالقوّة مع مساوقة ما بالفعل لمطلق الوجود.
على أنّ واحدا من
أقسام التقابل الأربعة بما لها من الخواصّ لا يقبل الانطباق على الواحد والكثير ، فإنّ
النقيضين والعدم والملكة أحد المتقابلين فيهما عدم للآخر ، والواحد والكثير
وجوديّان ، والمتضايفان متكافئان وجودا وعدما وقوّة وفعلا ، وليس الواحد والكثير
على هذه الصفة ، والمتضادّان بينهما غاية الخلاف ، ولا كذلك الواحد والكثير ، فإنّ
كلّ كثير عدديّ قوبل به الواحد العدديّ ، فإنّ هناك ما هو أكثر منه وأبعد من
الواحد لعدم تناهي العدد ، فليس بين الواحد والكثير شيء من التقابلات الأربعة ، والقسمة
حاصرة ، فلا تقابل بينهما أصلا.
__________________
الفهارس
١
ـ فهرس الأسماء والكنى
٢
ـ فهرس الفرق
٣
ـ فهرس الكتب
٤
ـ فهرس موضوعات الكتاب
فهرس الأسماء والكنى
الآملي (الجواديّ)
: ١٤٢.
الآملي (محمّد
تقيّ) : ١٢٢ ، ١٣٨ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٧٤ ، ١٩٠ ، ١٩٨ ، ٢٠٠ ، ٢١٠ ، ٢٤١ ، ٢٤٤.
الآملي (حسن حسن
زاده) : ٢١٤.
ابن عيّاش : ٢٩.
ابن كمّونة : ١٦٢
ابن ميثم : ٤٥ ، ١٠٥
، ١٦١.
ابن سينا (أبو
عليّ) : ١٦٣ ، ١٨٤.
أبو اسحاق (إبراهيم
بن نوبخت) : ١٩١.
أبو البركات (البغداديّ)
: ١٦١ ، ١٩١.
أبو الحسن (الأشعريّ)
: ١٦ ، ١٠٥.
أبو الحسن (الخيّاط)
: ٢٩.
أبو الحسن (البصريّ)
: ١٦ ، ٤٤ ، ١٠٥.
أبو عبد الله : ٢٩.
أبو عليّ (الجبّائيّ)
: ٢٩ ، ١٩١.
أبو هاشم (المعتزليّ)
: ١٠٥ ، ٢١٠.
أبو الهذيل (العلّاف)
: ١٩١.
أبو القاسم (البلخيّ
الكعبيّ) : ٢٩.
أبو يعقوب : ٢٩.
الأبهريّ (أثير الدين)
: ٩٤ ، ١٨٥ ، ١٩٨.
أرسطو : ١٥٠ ، ١٦٣
، ١٦٤ ، ١٨٨ ، ٢٢٢.
أفلاطون : ١٦١ ، ١٦٥
، ١٧٩ ، ٢٢٢.
اقليدس : ٢٠٠.
أبكسا فراطيس : ١٦١.
الإيجيّ (عبد
الرحمن بن أحمد) : ١٥١.
بهمنيار : ١٩ ، ٢٠
، ٥٩ ، ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٨١ ، ٢٠٧ ، ٢٢٧ ، ٢٢٩ ، ٢٦٥.
التبريزيّ (رجب
عليّ) : ٣٤.
التفتازاني : ٢٩ ،
٤٥ ، ١٨٥ ، ١٩٧ ، ١٩٩ ، ٢٠٨ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٣٢ ، ٢٥٣ ، ٢٦١ ، ٢٦٥.
الحسين النّجار : ١٦٣.
الحكيم السبزواريّ
: ٧ ، ١٧ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢٩ ، ٤١ ، ٤٦ ، ٤٩ ، ٦١ ، ٦٧ ، ٧٤ ، ٧٧ ، ٨٧ ، ٩٣ ، ١٠٠ ، ١٠٣
، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١١٥ ، ١١٩ ، ١٢٠ ، ١٢٣ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٥٠ ، ١٥٣ ، ١٥٥ ،
١٦٧ ، ١٧٤ ، ١٧٥ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ١٩٠ ، ١٩٣ ، ٢٠٨ ، ٢١٠ ، ٢١٥ ، ٢٤١ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٤٩
، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٣ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨.
الحلّيّ (العلّامة)
: ١٠٥ ، ١٦١ ، ١٩٠ ، ١٩٧ ، ٢٢٦ ، ٢٥٩ ، ٢٦٥.
الخوارزميّ (محمود)
: ٤٤.
الخفريّ : ٢٢٣.
الدوانيّ (المحقّق)
: ٢٢ ، ٢٥ ، ٣٤ ، ١١٥ ، ١٢٥ ، ١٢٧ ، ٢٤٩ ، ٢٥٢.
ذيمقراطيس : ١٦١ ،
١٦٤.
الرجل الهمدانيّ :
١٢٤.
الرازيّ (فخر
الدين) : ١٦ ، ١٨ ، ٤٥ ، ٦٠ ، ٦٢ ، ٧٢ ، ٨٧ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ٩٣ ، ١٢٦ ، ١٢٨ ، ١٣٩ ، ١٥٠
، ١٥٣ ، ١٥٥ ، ١٦١ ، ١٦٨ ، ١٧١ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ١٨٦ ، ١٩٠ ، ١٩١ ، ١٩٣ ، ١٩٦ ، ١٩٩ ،
٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢١٠ ، ٢١٥ ، ٢١٩ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٣٢ ، ٢٣٨ ، ٢٤٠ ، ٢٤٩ ، ٢٦٥.
الرازيّ (قطب
الدين) : ١٧٧ ، ١٨٤.
الرازيّ (محمّد بن
زكريّا) : ٢١٤.
الراونديّ (قطب
الدين) : ١٢٦ ، ١٣٥.
الساوجيّ (الساويّ)
(عمر بن سهلان) : ١٥١ ، ١٨٥ ، ١٩٠ ، ٢٢٦.
السهرورديّ : ١٦١.
السيّد الداماد : ١٩
، ٢٢ ، ٤٩ ، ٨٧ ، ١٥٢ ، ٢٢٢ ، ٢٤٥ ، ٢٥٥.
السيّد الشريف (المحقّق
الشريف) : ٣٤ ، ١٠١ ، ١٨٤ ، ٢٥٢.
سيّد المدققّين : ١٢٥.
شارح المقاصد : ٧٩
، ١٢٩ ، ٢٠٠ ، ٢١٢.
شارح المواقف : ١٠١
، ١٩٥.
شمس الدين
مباركشاه المرويّ : ١٨٧.
السهرزوريّ (محمّد)
: ١٦٢.
الشهرستانيّ : ١٦٣
، ١٦٤.
الشيخ الاشراقيّ (شيخ
الإشراق) : ١٧ ، ٢٠ ، ٢٢ ، ٥٩ ، ٦٦ ، ٧٦ ، ٨٨ ، ١١٦ ، ١٢٧ ، ١٢٨ ، ١٣٩ ، ١٥٢ ، ١٦١
، ١٦٢ ، ١٦٥ ، ١٦٨ ، ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧٢ ، ١٧٩ ، ١٨٢ ، ١٨٥ ، ١٩٦ ، ٢١٦ ، ٢٤٠ ، ٢٦٥.
الشيخ الرئيس (ابن
سينا) : ١١ ، ٤٤ ، ٥٩ ، ٧١ ، ٨٥ ، ٨٧ ، ٩٧ ، ١٠٥ ، ١٢٢ ، ١٢٨ ، ١٥٠ ، ١٦٥ ، ١٦٨ ، ١٧١
، ١٧٢ ، ١٧٥ ، ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٧٩ ، ١٨١ ، ١٨٥ ، ١٨٧ ، ١٩٠ ، ١٩٣ ، ١٩٦ ، ١٩٩ ، ٢٠٠ ،
٢٠٥ ، ٢٠٧ ، ٢١٥ ، ٢١٨ ، ٢١٩ ، ٢٢٢ ، ٢٢٣ ، ٢٢٤ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٢٩ ، ٢٣١ ، ٢٣٨.
الشيرازيّ (صدر
الدين) (السيّد السند) : ١٤١.
الشيرازيّ (قطب
الدين) : ١٦٢ ، ٢٥٥.
صاحب المواقف : ٤٥
، ١٠١ ، ١١٦ ، ١٩٧ ، ٢٢٢.
صدر المتألهّين : ٨
، ١٥ ، ٢٠ ـ ٢٣ ، ٤٠ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٩ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٦٩ ، ٧٤ ، ٧٧ ، ٨٥ ، ٨٧ ـ ٨٩ ، ٩٣
ـ ٩٦ ، ٩٨ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٥ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١٢٠ ، ١٢٢ ، ١٢٧ ، ١٢٩ ، ١٣٥ ، ١٣٩ ، ١٤١
، ١٤٢ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٣ ـ ١٥٥ ، ١٦١ ، ١٦٤ ، ١٦٨ ـ ١٧٢ ، ١٧٧ ، ١٧٩ ، ١٨١ ، ١٨٤ ،
١٨٥ ، ١٨٨ ، ١٨٩ ، ١٩٠ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ١٩٦ ، ١٩٨ ـ ٢٠٠ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٨ ،
٢١٠ ، ٢١٢ ، ٢١٥ ،
٢١٧ ، ٢١٩ ، ٢٢١ ، ٢٢٦ ـ ٢٢٨ ، ٢٣٠ ، ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، ٢٣٨ ـ ٢٤٠ ، ٢٤٥ ، ٢٤٩ ـ ٢٥٣.
ضرار بن عمرو : ١٦٣.
الطوسيّ (المحقّق)
: ٢٨ ، ٣٩ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٦٠ ، ٧٦ ، ٨٧ ، ١٠٠ ، ١٢٢ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٤٤ ، ١٥٣ ، ١٦١ ، ١٧٥
، ١٩٠ ، ١٩٧ ، ١٩٩ ، ٢١٠ ، ٢١٤ ، ٢١٨ ، ٢٤٠ ، ٢٥٧.
عبد الجبّار : ٢٩.
فيثاغورس : ١٧٩.
القاضي سعيد
القميّ : ٣٤.
القوشچيّ : ٢٥ ، ٢٩
، ٤١ ، ١٥٣ ، ١٨٥ ، ٢٠٢ ، ٢١٤ ، ٢٥٢.
الكاتبيّ : ٤١ ، ١٨٥
، ١٩٨.
الكشيّ : ١٦ ، ٣٤.
اللاهيجيّ : ٣٤ ، ٦٠
، ١٠٥ ، ١٣٢ ، ١٥١ ، ٢٠٢ ، ٢١٤ ، ٢٢٢ ، ٢٥٣.
المدرّس : ١٦١.
المعلّم الأوّل : ٦٦
، ٧٦ ، ١١٦ ، ١٥٠ ، ١٧٩ ، ٢٥٨.
المعلّم الثاني (الفارابيّ)
: ٨٩ ، ١٢٧ ، ١٢٨ ، ١٨٤.
معمّر بن عبّاد : ١٦٠.
ملّا اسماعيل : ١٣٥.
الميبديّ : ٨٧ ، ٩٣
، ٩٥ ، ١٨٤ ، ٢٢٢.
النظّام : ١٦١ ، ١٦٤.
هشام الفوطيّ : ١٦٠.
هرمس : ١٧٩.
الهيدجيّ : ١٠١.
فهرس الفرق
الأشاعرة : ١٥ ، ٣٢
، ٤٤ ، ١٠٨ ، ٢١٠.
الإشراقيّون : ٢٢
، ١٨٩ ، ٢٢٢.
أصحاب المعلّم
الأوّل : ١٦٣ ، ١٧٠.
أصحاب الشفاع : ٦٦.
أصحاب الانطباع : ٦٦.
أهل القطع : ١٨.
أهل الكلام : ٤٦.
أهل الجبر
والتشبيه : ١٩١.
الحكماء : ٣٨ ، ٤٤
، ٤٦ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٧٦ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ١٠٥ ، ١١٦ ، ١٤١ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٦٣ ، ١٧٩ ، ١٨٦ ،
١٨٧ ، ١٩١ ، ١٩٦ ، ١٩٨ ، ٢١٨ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٣٧.
حكماء الفرس : ١٧٩.
حكماء الهند : ١٩١.
الرواقيّون : ١٦١
، ١٧٩.
الرياضيّون : ٦٦.
السوفسطيّ : ١٨.
الشكّاكون : ١٨.
الصوفيّة : ٣٤.
الطبيعيّون : ١٨٠.
الغربيّون : ٣٤.
الفلاسفة : ١٤٣ ، ١٨٠
، ١٩٦ ، ٢١٠ ، ٢١١ ، ٢٦١.
الفهلويّون : ٣٣ ،
٣٤.
الكراميّة : ٤٤.
لا أدريّون : ١٨.
المتكلّمون : ٣٤ ،
٤٤ ، ٤٥ ، ٦٠ ، ٩٩ ، ١٠١ ، ١٠٥ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٨٧ ، ١٩١ ،
١٩٧ ، ٢١٠ ، ٢١١ ، ٢١٨ ، ٢٢٢ ، ٢٢٧ ، ٢٣٧.
المشاؤون : ١٩ ، ٣٣
، ٣٤ ، ٧٦ ، ٧٧ ، ١١٦ ، ١٥٧ ، ١٧٠ ، ١٧٩ ، ٢٢٦.
المعتزلة : ٢٩ ، ٤٤
، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٦١ ، ١٦٣ ، ١٩٥ ، ٢١٠.
المنطقيّون : ١٢٧.
المهندسون : ٢٠٠.
اليونانيّون : ١٧٩.
فهرس الكتب
الأربعين : ١٦١ ، ١٦٤.
إرشاد الطالبين : ١٦
، ١٠٥.
الأسفار : ١٥ ، ١٧
، ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٣ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٩ ، ٣٣ ، ٣٥ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤١ ، ٤٣ ، ٤٥ ، ٤٦
، ٤٩ ، ٥٢ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦٣ ، ٦٦ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٦ ـ ٧٨ ، ٨٨ ، ٩٠ ، ٩٣ ـ ٩٦ ، ٩٨ ، ١٠٠
ـ ١٠٢ ، ١٠٥ ، ١٠٧ ، ١١٣ ـ ١١٥ ، ١٢٠ ، ١٢٣ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣٤ ، ١٣٥ ، ١٣٩ ، ١٤١ ،
١٤٢ ، ١٥٠ ، ١٥٣ ـ ١٥٥ ، ١٥٧ ، ١٥٨ ، ١٦٠ ـ ١٦٤ ، ١٦٦ ، ١٦٩ ـ ١٧٢ ، ١٧٧ ، ١٧٩ ـ
١٨١ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ١٨٨ ـ ١٩١ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ١٩٦ ـ ٢٠٠ ، ٢٠٢ ، ٢٠٣ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٨
، ٢١٠ ـ ٢١٢ ، ٢١٤ ـ ٢١٥ ، ٢١٩ ، ٢٢١ ـ ٢٢٣ ، ٢٢٦ ـ ٢٢٩ ، ٢٣٢ ، ٢٣٧ ـ ٢٤٠ ، ٢٤٣ ،
٢٤٥ ، ٢٤٩ ـ ٢٥١ ، ٢٥٣ ، ٢٥٩ ، ٢٦١ ـ ٢٦٣.
الإشارات : ١٧٤ ، ١٨١
، ٢١٤.
الافق المبين : ٤٩.
الانتصار : ١٦١.
أنوار الملكوت في
شرح الياقوت : ٢٩ ، ١٠٥ ، ١٦٤.
أوائل المقالات : ١٩١.
إيضاح المقاصد : ٤١
، ٥٩ ، ٦٣ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٤ ، ١٩٧ ، ٢١٠ ، ٢٣٧ ، ٢٥٩ ، ٢٦٥.
إلهيات الشفاء : ١١
، ٤٥ ، ٥٩ ، ٦٣ ، ٧٣ ، ٧٩ ، ٨٥ ، ٨٦ ، ١٢١ ، ١٢٢ ، ١٥٧ ، ١٦٦ ، ١٧١ ، ١٧٤ ، ١٧٥ ، ١٧٦
، ١٨٨ ، ٢٠٥ ، ٢١٨ ، ٢١٩ ، ٢٣٨ ، ٢٦٥.
بداية الحكمة : ١٣٣
، ١٥١ ، ١٨٥ ، ١٩٠ ، ٢٢١ ، ٢٢٦.
بدائع الحكمة : ٢٢٢.
تاريخ الحكماء : ١٦٢.
التبصير في الدين
: ١٦١ ، ١٦٣.
التحصيل : ١٩ ، ٢٠
، ٥٩ ، ٧٣ ، ٨٦ ، ١٦٤ ، ١٧٦ ، ١٨١ ، ١٨٧ ، ١٩١ ، ١٩٣ ، ٢٠٧ ، ٢١٧ ، ٢٢٧ ، ٢٢٩ ، ٢٦٥.
تجريد الاعتقاد : ١٢٩
، ٢١٠ ، ٢٤٠.
التعليقات (للشيخ
الرئيس) : ٦٣ ، ١٢٨ ، ٢٠٧ ، ٢٠٩ ، ٢١٧ ـ ٢٢٠ ، ٢٢٢ ، ٢٢٧ ، ٢٥٩.
التعليقات (للفارابيّ)
: ١٢٨.
تعليقات
السبزواريّ على الأسفار : ٢٢ ، ٧٧ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٧ ، ١١٥ ، ١٣٨ ، ١٧٤ ، ٢٠٨ ، ٢٤٩
، ٢٥٣.
تعليقة على نهاية
الحكمة : ١٢ ، ٢٤ ، ٣٠ ، ٥٠ ، ١٤٢ ، ١٨٢ ، ١٨٨ ، ٢١٥.
تعليقات المصنّف
على الأسفار : ٥٩ ، ٧٤ ، ٩٥ ، ١٠٠ ، ١٤٥ ، ٢٣٩.
تعليقات المصنّف
على الكفاية : ٢٠٨.
تعليقات صدر
المتألهّين على إلهيّات الشفاء : ٦٢ ، ٧٩ ، ١٥٧.
تعليقات صدر
المتألهّين على شرح حكمة الإشراق : ١٥ ، ١٢٧ ، ١٤٢ ، ١٧١ ، ١٨٠ ، ٢٣٩.
تعليقة الهيدجيّ على
شرح المنظومة : ١٠١ ، ١٢٥.
تعليقة السبزواريّ
على شرح المنظومة : ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٣ ، ١٠٧.
تلخيص المحصّل (نقد
المحصّل) : ١٦٣.
التلويحات : ٢٠ ، ٢٢
، ٧٦ ، ٨٦ ، ٨٨ ، ١٥٢ ، ١٦٢ ، ٢١٦.
الدعاوي القلبيّة
: ١٩١.
حاشية الدوانيّ
على شرح التجريد للقوشچيّ : ٢٥ ، ١١٥ ، ١٢٥ ، ١٢٧ ، ٢٤٩.
الجوهر النضيد : ١٣٣.
حاشية شرح المطالع
: ١٢٦.
حاشية شرح
المنظومة : ١٩٠.
حكمة العين : ٤١ ،
١٨٥.
حكمة الإشراق : ٨٦
، ١٢٧ ، ١٣٩ ، ١٦٨ ، ١٩٧ ، ١٨٢ ، ٢٤٠.
درر الفوائد : ٧٩
، ١٢٢ ، ١٢٥ ، ١٣٨ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٧٤ ، ١٩٨ ، ٢٠٠ ، ٢١١ ، ٢٤١ ، ٢٤٥.
رحيق مختوم : ١٤٢.
رسائل صدر
المتألهّين : ٢٤٩.
الرسالة العرشيّة
: ٨٧.
شرح الأسماء
الحسنى : ٢١٥.
شرح الإشارات : ٨٧
، ١٠٠ ، ١٢٢ ، ١٣٣ ، ١٦٤ ، ١٧٥ ، ١٧٧ ، ١٩١ ، ٢١٤.
شرح الشمسيّة : ١٣٣.
شرح التجريد (للقوشچيّ)
: ٢٩ ، ٤١ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٧٣ ، ١١٥ ، ١٢١ ، ١٢٩ ، ١٥٣ ، ١٦١ ، ١٨٥ ، ٢٠٢ ، ٢١٠ ، ٢١٤
، ٢١٨ ، ٢٢٢ ، ٢٢٣ ، ٢٤٣ ، ٢٥٢ ، ٢٥٥ ، ٢٥٧.
شرح حكمة الإشراق
: ٢٠ ، ٢٢ ، ٤١ ، ١٢٧ ، ١٦٢ ، ١٦٨ ، ١٧٠ ، ١٨٠ ، ١٨٢ ، ١٩٦ ، ٢٥٥.
شرح الحكمة العين
: ١٥٧ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٨٥ ، ١٨٧ ، ١٩١ ، ١٩٧ ، ١٩٨.
شرح عيون الحكمة :
١١ ، ٩٠ ، ٩٣ ، ١٢٦ ، ١٥٠ ، ١٦٤ ، ١٦٨ ، ١٩١ ، ١٩٣ ، ٢٢١ ، ٢٢٧.
شرح المطالع : ٤١
، ١٣٣ ، ١٣٥ ، ٢٤٧ ، ٢٥٥.
شرح المنظومة : ٧
، ١٦ ، ١٧ ، ٢٠ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٩ ، ٣٣ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٤١ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٩ ، ٥٢ ، ٥٩ ، ٦١
، ٦٩ ، ٧٢ ، ٨٧ ، ٩٣ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٣ ، ١٠٤ ، ١٠٦ ، ١٠٨ ، ١٢٠ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٢٩
، ١٣٣ ، ١٣٥ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٤٤ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٣ ، ١٥٥ ، ١٥٧ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٤ ،
١٦٧ ، ١٧٥ ، ١٨٩ ، ١٩٠ ، ١٩١ ، ١٩٣ ، ٢٠٨ ، ٢١٠ ، ٢١٦ ، ٢٢١ ، ٢٤١ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، ٢٥٠
، ٢٥١ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨.
شرح المقاصد : ١٥
، ١٦ ، ٢٩ ، ٣٠ ، ٤١ ، ٤٥ ، ٥٩ ، ٧٣ ، ٧٩ ، ٩٠ ، ١٠٢ ، ١٢٢ ، ١٤٤ ، ١٦١ ، ١٦٤ ، ١٨٥
، ١٨٧ ، ١٨٩ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ١٩٧ ، ١٩٩ ، ٢٠١ ، ٢٠٨ ، ٢١٠ ـ ١٢٢ ، ٢١٤ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧ ،
٢٣٢ ، ٢٣٧ ، ٢٥٣ ، ٢٥٩ ، ٢٦١ ، ٢٦٥.
شرح المواقف : ١٥
، ١٦ ، ٢٩ ، ٣٤ ، ٤٤ ، ٥٩ ، ٧٣ ، ٧٩ ، ١٠٤ ، ١٤٤ ، ١٥١ ، ١٦٤ ، ١٨٤ ، ١٨٦ ، ١٨٧ ، ١٩١
، ١٩٤ ، ١٩٧ ، ٢٠١ ، ٢٠٥ ، ٢١٠ ، ٢١٧ ، ٢٢٠ ، ٢٢٢ ، ٢٣٨ ، ٢٥١ ـ ٢٥٣ ، ٢٥٧.
شرح الهداية
الأثيريّة (لصدر المتألهّين) : ٨٧ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ٩٤ ، ٩٩ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٥١ ، ١٥٧ ، ١٦١
، ١٦٤ ، ١٧٠ ، ١٧١ ، ١٨٠ ، ١٨١ ، ١٩٨ ، ٢١٧ ، ٢٢٦ ، ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، ٢٣٨ ، ٢٥٢ ، ٢٥٩.
شرح الهداية
الأثيريّة (للميبديّ) : ٩٣ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ١٨٤ ، ٢٢٢.
شرحي الإشارات : ٨٧
، ١١٠ ، ١٧٠ ، ٢١٥.
شوارق الإلهام : ٢٥
، ٢٦ ، ٢٩ ، ٣٥ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٧٣ ، ٨٧ ، ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٥ ، ١٢٥
، ١٣٢ ، ١٣٥ ، ١٥١ ، ١٦٣ ، ٢٠٢ ، ٢١٠ ، ٢١٤ ، ٢١٨ ، ٢٢٢ ، ٢٢٣ ، ٢٣٨ ، ٢٤٠ ، ٢٥٢ ،
٢٥٣ ، ٢٥٥ ، ٢٥٧.
الشواهد الربوبيّة
: ٦٣ ، ١٥٠.
طبيعيّات أرسطو : ٢٢٢.
طبيعيّات الشفاء :
١٢١ ، ١٦٤ ، ١٩١ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ١٩٧ ، ٢٢٣ ، ٢٢٤.
العرشيّة : ١٦٢.
عيون الحكمة : ٩٠
، ١٨٥.
الفرق بين الفرق :
١٦٣.
القبسات : ١٩ ، ١٢٠
، ١٥٢ ، ٢٤٥.
قواعد المرام : ١٥
، ٢٩ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ١٠٥ ، ١٥٧ ، ١٦١ ، ١٦٤.
كشف المراد : ١٥ ،
٢٥ ، ٢٦ ، ٣٨ ، ٤١ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٥٩ ، ٧٣ ، ٧٦ ، ١٢١ ، ١٢٨ ، ١٦١ ، ١٦٤ ، ١٨٦ ، ١٨٧
، ١٨٩ ، ١٩٠ ، ١٩١ ، ١٩٦ ـ ١٩٩ ، ٢١٠ ، ٢١٤ ، ٢١٨ ، ٢٢١ ، ٢٢٢ ، ٢٢٦ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨ ،
٢٤٠ ، ٢٤٣ ، ٢٥٣ ، ٢٥٥ ، ٢٥٧.
كشف الفوائد : ١٠٥
، ١٠٦.
المحصّل : ٢٩ ، ١٠٢
، ١٩١ ، ١٩٣ ، ١٩٥ ، ١٩٧.
المطالب العالية :
٨٧ ، ١٠٤ ، ١٦٤ ، ١٦٨.
المبدأ والمعاد (لصدر
المتألّهين) : ٨٧.
المبدأ والمعاد (للشيخ
الرئيس) : ٩٧.
المقاومات : ٢٩ ، ٨٧
، ٢٢٧.
المطارحات : ٢٩ ، ٥٩
، ٧٦ ، ٨٧ ، ١٢٨ ، ١٣٩ ، ١٥٢ ، ١٦٨ ، ١٧٠ ، ١٧٢ ، ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨٥ ، ١٨٦ ، ١٨٩ ، ٢٢٧
، ٢٣٧ ، ٢٥١ ، ٢٦٥.
منطق الشفاء : ١٢٨
، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٨٦ ، ١٨٧ ، ١٨٩ ، ١٩٤ ، ١٩٩ ، ٢٠٠ ، ٢٠٢ ، ٢٠٥ ، ٢٠٧ ، ٢١٧ ، ٢١٨ ،
٢٢١ ، ٢٢٦ ، ٢٣١.
المشاعر : ٢٤٩.
مصباح الانس : ٨٧.
مذاهب الاسلاميّين
: ١٦٠ ، ١٦١.
مقالات
الاسلاميّين : ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٣.
الملل والنحل : ١٩١.
منطق أرسطو : ١٥٠
، ١٨٨ ، ١٨٩ ، ٢١٧ ، ٢٥٨.
المنطقيّات : ١٨٤.
المعتبر : ١٥٠ ، ١٦١
، ١٩١.
المباحث المشرقيّة
: ١٥ ، ١٦ ، ١٨ ، ٤٥ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٧٣ ، ٨٧ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ١٠٢ ، ١٢١ ، ١٢٨ ،
١٣٥ ، ١٣٩ ، ١٤٤ ، ١٥٠ ، ١٥٣ ، ١٥٥ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٤ ، ١٧١ ، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ١٨٦ ، ١٨٩
، ١٩٠ ، ١٩١ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ١٩٦ ـ ٢٠٠ ، ٢٠٢ ، ٢٠٣ ، ٢٠٥ ـ ٢٠٧ ، ٢١١ ، ٢١٤ ، ٢١٩ ،
٢٢٣ ، ٢٢٦ ، ٢٣٢ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٤٠ ، ٢٤٣ ، ٢٥١ ، ٢٥٣ ، ٢٥٩ ، ٢٦٥.
المواقف : ١٥١.
النجاة : ٧٣ ، ٩٧
، ١٠٥ ، ٢١٤.
نهاية الأقدام : ١٦٤.
الهداية الأثيريّة
: ١٨٥ ، ١٩٨.
هستى از نظر عرفان
وفلسفه : ٣٤.
الياقوت في علم
الكلام : ١٩١.
فهرس موضوعات الكتاب
مقدّمة
الناشر................................................................... ٣
مقدّمة
المحقّق.................................................................. ٥
كلام
بمنزلة المدخل لهذه الصناعة............................................... ٧
المرحلة
الأولى في أحكام الوجود الكلّيّة........................................ ١٣
الفصل الأوّل : في أنّ
الوجود مشترك معنويّ..................................... ١٥
الفصل الثاني : في
أصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة.................................. ١٨
الفصل الثالث : في أنّ
الوجود حقيقة مشكّكة................................... ٣٢
الفصل الرابع : في شطر
من أحكام العدم....................................... ٣٨
الفصل الخامس : في
أنّه لا تكرّر في الوجود...................................... ٤٣
المرحلة الثانية في الوجود المستقلّ والرابط...................................... ٤٧
الفصل الأوّل : في
انقسام الوجود إلى المستقلّ والرابط............................. ٤٩
الفصل الثاني : في
كيفيّة اختلاف الوجود الرابط والمستقلّ.......................... ٥٢
الفصل الثالث : في
انقسام الوجود في نفسه إلى ما لنفسه ولغيره.................... ٥٤
المرحلة الثالثة في انقسام الوجود إلى ذهنيّ وخارجيّ............................. ٥٧
فصل في انقسام
الوجود إلى ذهنيّ وخارجيّ....................................... ٥٩
المرحلة الرابعة في مواد القضايا : الوجوب والإمكان
والامتناع..................... ٦٩
الفصل الأوّل : في أنّ
كلّ مفهوم إمّا واجب وإمّا ممكن وإمّا ممتنع................... ٧١
الفصل الثاني : في
انقسام كلّ من المواد الثلاث إلى ما بالذات وما بالغير وما بالقياس إلى الغير ، إلّا
الإمكان ٨٢
الفصل الثالث : في أنّ
واجب الوجود بالذات ، ماهيته إنّيته....................... ٨٦
الفصل الرابع : في أنّ
واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات......... ٩٣
الفصل الخامس : في أنّ
الشيء ما لم يجب لم يوجد وفيه بطلان القول بالأولوية...... ٩٨
الفصل السادس : في
حاجة الممكن إلى العلّة ، وأنّ علّة حاجته إلى العلّة هو الإمكان دون الحدوث ١٠٤
الفصل السابع : في أنّ
الممكن محتاج إلى العلّة بقاء كما أنّه محتاج إليها حدوثا...... ١١٠
الفصل الثامن : في بعض
أحكام الممتنع بالذات................................ ١١١
المرحلة الخامسة في الماهيّة وأحكامها........................................ ١١٧
الفصل الأوّل : في أنّ
الماهية في حدّ ذاتها لا موجودة ولا لا موجودة............... ١١٩
الفصل الثاني : في
اعتبارات الماهيّة............................................ ١٢٢
الفصل الثالث : في
الكلّيّ والجزئيّ............................................ ١٢٥
الفصل الرابع : في
الذاتيّ والعرضيّ............................................ ١٣٠
الفصل الخامس : في
الجنس والفصل والنوع وبعض ما يلحق بذلك................ ١٣٣
الفصل السادس : في بعض
ما يرجع إلى الفصل................................ ١٣٧
الفصل السابع : في بعض
أحكام النوع........................................ ١٤٣
المرحلة السادسة في المقولات العشر......................................... ١٤٧
الفصل الأوّل : في
المقولات وعددها.......................................... ١٤٩
الفصل الثاني : في
تعريف الجوهر وأنّه جنس لما تحته من الماهيّات.................. ١٥٣
الفصل الثالث : في
أقسام الجوهر الأوّليّة...................................... ١٥٧
الفصل الرابع : في
ماهيّة الجسم.............................................. ١٦٠
الفصل الخامس : في
ماهيّة المادّة وإثبات وجودها............................... ١٦٧
الفصل السادس : في أنّ
المادّة لا تفارق الجسميّة والجسميّة لا تفارق المادّة.......... ١٧٣
الفصل السابع : في
إثبات الصور النوعيّة...................................... ١٧٩
الفصل الثامن : في
الكم وهو من المقولات العرضيّة.............................. ١٨٤
الفصل التاسع : في
انقسامات الكم.......................................... ١٨٦
الفصل العاشر : في
أحكام مختلفة للكم....................................... ١٨٩
الفصل الحادي عشر : في
الكيف وانقسامه الأوّليّ.............................. ١٩٣
الفصل الثاني عشر : في
الكيفيّات المحسوسة................................... ١٩٥
الفصل الثالث عشر : في
الكيفيّات المختصّة بالكميّات......................... ١٩٩
الفصل الرابع عشر : في
الكيفيّات الاستعداديّة................................. ٢٠٥
الفصل الخامس عشر : في
الكيفيّات النفسانيّة................................. ٢٠٧
الفصل السادس عشر : في
الاضافة وفيه أبحاث................................ ٢١٦
الفصل السابع عشر : في
الأين وفيه أبحاث.................................... ٢٢١
الفصل الثامن عشر : في
المتى................................................ ٢٢٥
الفصل التاسع عشر : في
الوضع............................................. ٢٢٧
الفصل العشرون : في
الجدة.................................................. ٢٢٩
الفصل الحادي والعشرون
: في مقولتي أن يفعل وأن ينفعل....................... ٢٣١
المرحلة السابعة في الواحد والكثير........................................... ٢٣٥
الفصل الأوّل : في أنّ
مفهوم الوحدة والكثرة بديهيّ غنيّ عن التعريف.............. ٢٣٧
الفصل الثاني : في
أقسام الواحد.............................................. ٢٤١
الفصل الثالث : في أنّ
من لوازم الوحدة الهوهويّة ومن لوازم الكثرة الغيرية........... ٢٤٤
الفصل الرابع : في
انقسام الحمل إلى هو هو وذي هو........................... ٢٤٨
الفصل الخامس : في
الغيريّة وأقسامها......................................... ٢٥٠
الفصل السادس : في
تقابل التناقض.......................................... ٢٥٤
الفصل السابع : في
تقابل العدم والملكة........................................ ٢٥٧
الفصل الثامن : في
تقابل التضايف........................................... ٢٥٩
الفصل التاسع : في
تقابل التضاد............................................. ٢٦١
خاتمة..................................................................... ٢٦٥
|