بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها)


مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم ... ، نحمد الله ونستعينه ونصلى ونسلم على خاتم أنبيائه ورسله وعلى آله وأصحابه أجمعين ... ،

أما بعد .. ،

فإن القرآن الكريم سيظل معجزة الله الباقية على مر الزمن ... ، فهو كتاب التشريع الذى يدعو إلى كل خير .. ، وكتاب الإعجاز البلاغى الذى تحدى الله به الثقلين ... ، وهو كتاب الكون الرياضى .. ، وكتاب الإعجاز العددى والحسابى ... ، وهو كتاب الإعجازات العلمية فى مختلف العلوم ... ، إنه دائما سيظل هو النور لكل الباحثين عن النور ... ، وطريق الهدى لمن تخبطوا طويلا فى الظلمات ... ،

ولأن القرآن الكريم هو كلام الله عزوجل فإن كلماته عميقة المعنى ، ويظل إعجازها على مر الأزمان مناسبا لكل العصور ، ويتواءم مع الأجيال والأزمان ، والبيئات والثقافات بالقدر الذى يسمح لكل جيل أن يرى فيه كل جديد ومعجز ... ، ولقد أجمل العلماء تلك الحقيقة فى قولهم ، " إن كل كلمة من كلمات القرآن الكريم كأنها قطعة من الماس يعطيك كل ضلع منها شعاعا تبهرك ألوان طيفه ، فهناك ضلعا يعطيك حقيقة تشريعية ... ، وضلعا آخر يعطيك حقيقة علمية ، وآخر يعطيك معجزة رياضية أو بلاغية .." ، وحين تحدى الله تعالى الإنس والجن بأن يأتوا بمثل هذا القرآن ، كان هذا التحدى لأنه سبحانه وتعالى هو العالم بما يحتويه كتابه من أسرار لا تخطر بالعقول المحدودة التى خلقها بقدرته ويعلم حدود طاقتها ، وإمكانياتها ... ، لذلك فإن البحث فى القرآن الكريم والذى هو كلام الله سبحانه ، يتطلب عمقا وجهدا يفوق البحث فى مسائل العلوم المختلفة ، حيث إنها إحدى فروع العلم التى


يحتويها القرآن الكريم بمنهجيته الشاملة فهو يحتوى الكثير من آيات الإعجاز فى مختلف المجالات ... ، فى علم الطب ... ، وعلم الأجنة ... ، وعلم الجيولوجيا .. ، والبحار ... وغيرها.

ويحتوى أيضا الإعجازات الرياضية ، والإعجازات الحسابية ، والرقمية والتى تخاطب العقول فى عصر الحاسبات ، والكمبيوتر وما بعدها ... ، إن كل زمان تظهر فيه آية تخاطب العقل وتحاور العصر بلغته وإمكانيته ... ، والعقل هو وسيلة البحث والإدراك بالدليل والبرهان .. ، وبخاصة حين أذن الله تعالى أن يتضح لنا أن الحقائق القرآنية تحمل إعجازا رياضيا يناسب هذا العصر الذى يتحدث فيه العالم بلغة الأرقام والحسابات ... ، وسوف نتناول هذا الكتاب لونا من ألوان الإعجازات الرياضية ، وسوف يكون العقل والتفكر هما وسيلة البحث كما أشرنا حتى نصل إلى الدليل والبرهان الذى لا يعتريه الشك ، والذى يثبت فى النهاية أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى ومعجزته الباقية ... ، وأنه الحق المطلق الذى يرتفع فوف الجدال ... ، ويثبت بأسراره ومعجزاته ما يساعد على استقرار الإيمان فى القلوب دون أدنى ريب على مر الزمن وإلى أن تقوم الساعة ... ، وفى هذا الكتاب سوف نرى كيف أن القرآن الكريم بلغته العربية التى اشتملت على دستور هذا الكون فى كل أمور الدنيا والآخرة ، واشتملت أيضا على الإعجاز العلمى الواضح فى جميع المجالات ، ومطابقة ما يكتشفه العلماء لنصوص الآيات والحقائق القرآنية فى كل عصر فهى تشتمل أيضا على الإعجاز الرياضى المبهر والذى لا تخترقه وساوس الجدل أو سهام الأعداء المضلين ، ولو أخذنا من آيات القرآن الكريم دليلا ومثلا لوجدنا الكثير مما يبهر العقول ، وتعجز أمامه الأفكار ، وتخرس أمامه ألسنة الملحدين فى كل مكان وزمان ... ، وتلك الحقيقة هى بداية الفيض فى هذا الموضوع


والذى ندعوكم إلى استكمال باقى فيوضاته بالاطلاع والنظر فى الفصول التالية من هذا الكتاب ... ، لندرك أن العلم هو سبيل النور ، وهو حجة الباحثين عن الحقيقة فى كل زمان .. ، وهو السبيل إلى اليقين الثابت والإيمان العميق والخشية من الله تعالى ... ، يقول تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ... (١) نسأله سبحانه أن يجعل هذا الكتاب فى ميزاننا يوم القيامة ، وأن يجعلنا سببا لمن اهتدى به من فضله ، وأن يجعله رحمة لنا ولأرحامنا فى الدنيا والآخرة ... ، وأن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وبه ذهاب همومنا وأحزاننا ، كما نسأله سبحانه أن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، وأن يوفق ويغفر لمن ساعدوا على إخراجه ونشره ... ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ....

__________________

(١) سورة فاطر الآية ٢٨.



تمهيد

إن رسالة الإسلام هى الحق المطلق وهى النور للبشرية كلها ... ، وهى التى مع الإيمان تضيء القلب والفكر بأنوار التأمل فى كل شىء ... ، فى النفس ... ، وفى هذا الكون الممتد البديع ... ، فما أجمل لحظات الشروق ... ، وما أروع الكون حين تسرى إليه أضواء النهار .. ، وما أروع البحار حين تمتد بمنظرها البديع وأمواجها التى تتحرك فى انسياب رائع. وجمال لا مثيل له ، يشهد بقدرة الله وإبداعه فى جوانب الكون .. ، إنه إتقان الخالق الذى يخلق ما يسعد النفس ويمتع الروح ، ولا يشعر بذلك إلا الناظرين المتأملين ... ، ما أروع السير والتأمل عبر المدن ... ، وعبر القرى البسيطة المتواضعة ، حيث الحقول الخضراء ... ، وحيث أشجار النخيل ... ، وحيث بساطة الفلاح ، وجمال الأنعام .. ، وحيث مياه الترع .. ، وأصوات السواقى الدائرة فى كل مكان .. ، إنها قدرة الله التى تتجلى فى كل شىء .. ، تتجلى فى نظرة تأمل عند شروق الصبح .. ، تتجلى فى مشهد هدوء البحر وروعة الأشياء عند الغروب .. ، تتجلى فى شكل الصحارى ، ورسوخ الجبال .. ، وصمت المكان .. ، تتجلى فى شكل المزارع واختلاف النخيل والشجر ... ، تتجلى فى سعى البشر .. ، وفى سكون الليل .. ، وتسبيح الطيور ... ، تتجلى فى شكل الورود .. ، وتسبيح الجماد .. ، وتسخير الدواب .. ، فسبحان الخالق الذى تجلت قدرته وعظمت أسراره فى كل زمان ومكان .. ، فهو الذى بقدرته أخرج الناقة دما ولحما من الصخرة الصماء لصالح عليه‌السلام .. ، وهو الذى رزق مريم ابنة عمران فى محرابها بغير حساب .. ، وجعل النار بردا وسلاما وأحيا الطير لإبراهيم عليه‌السلام .. ، سبحانه وتعالى أبدع فى صنع كل شىء فالإصبع الخامس على مسافة من الأربعة ليتمكن الفلاح من أن يقبض على فأسه ، والعالم من أن يمسك بالقلم .. ، وقطعة اللحم عند بداية القصبة الهوائية لتسدها عند البلع .. ، والغدة اللعابية تفرز الماء باستمرار لتسهيل الهضم والكلام ... ، وفقرات الظهر مصممة بطريقة


هندسية بديعة تساعد على الحركة وثنى الظهر .. ، ومن يتأمل يرى إبداع الله فى صنع الفم لمرور الغذاء ، والأسنان الصلبة لمضغه ، فهو الخالق الرازق سبحانه ، ولو لا ذلك لما خلق الفم والأسنان وجعلهما لمرور الطعام ومضغه .. ، فسبحان العليم الحكيم .. ، قدر وهدى ... ، فالطيور تهاجر لمسافات طويلة وتعود لموطنها دون خطأ .. ، والدجاجة تقلب البيض من آن لآخر حتى لا تترسب المواد الغذائية فتمزق الأوعية الدموية .. ، وقد اكتشف العلماء خطوطا حساسة على جوانب الأسماك لتنبيه السمك باختلاف الضغط فى الماء نتيجة وجود أى حاجز فى طريقه .. ، وهناك نباتات تحتاج فى غذائها إلى الحشرات لقلة المواد العضوية فى التربة لذلك فإن هناك أنواعا من هذه النباتات أوراقها ذات مصراعين مزودان بزوائد شوكية ، فإذا وقعت الحشرة على النبات يغلق المصراعان على الحشرة ثم يفرز إنزيمات تذيب الحشرة ويمتصها .. ، وقد تنمو على بعض البذور شعيرات رقيقة ليسهل نقلها من مكان لآخر .. ، أو يكون لها زوائد خطافية ليشتبك فى فراء الحيوان الذى ينتقل من كان إلى مكان .. ، ولقد هدى الله تعالى الكائنات إلى ما تحتاجه ، فلقد لوحظ الدب الذى أصابه المرض وهو ينبش فى الأرض باحثا عن جذور نبات السرخس ، وهذا الذئب الذى لدغته الحية فمضغ جذور اللوف العطرى مضغ الواثق من الشفاء .. ، والطيور عند الحمى تتخذ مكان بارد قريب من الماء .. ، وعند البرد تقترب من الأماكن الدافئة .. ، وتتناول نباتات مسهلة .. ، والظباء حراسها فى الخلف لأن الذئب يهاجم من الخلف .. ، والجاموس الوحشى يقف على أعلى مكان يلاحظ الغابة .. ، وقد راقب أحد العلماء غزالين يرتعان فى بقعة من العشب وكانا يتناوبان المرعى بقسمة عادلة فى الوقت وكان أحدهما حذرا يحرس ببصره مشارف المرعى والآخر يأكل .. ، وهكذا .. ، وهناك الأرنب القطبى الذى يكون فى الصيف أغبر اللون فإذا نام وانبطح على الأرض غاب عن الأنظار .. ، والحرباء صفراء فى الصحراء ولونها بنى غامق على ساق الشجرة وخضراء فى وسط الخضرة ، وتتلون حسب المكان حتى لا يتنبه إليها الأعداء .. ، ومن إبداع الله أنك لا


تثنى كف القدم وتثنى كف اليد لحاجتك إلى القبض على الأشياء .. ، والحيوانات المسالمة كالبقر والجاموس تكون بلا أنياب ولها قواطع ليسهل بها تناول الحشائش وقطع العشب بسرعة لتوفير وقت الإنسان .. ، وحماية للحيوان من أن يكون عرضه للحيوانات المفترسة فى المراعى فيتناول غذاؤه بسرعة ثم يعود إلى مكان راحته ليبدأ فى هضم الطعام حيث يعود الطعام مرة أخرى إلى الفم ليتم مضغه جيدا بعد تخمره ليسهل مضغه. حيث أن مادة السيليلوز التى تغلف جميع الخلايا النباتية هى مادة عسيرة الهضم تحتاج وقتا طويلا لهضمها .. ، ونجد أن الحيوان الذى يجرى ويحمل الأشياء ، أرجله قوية ، كالحصان والحمار وفى نهاية الأرجل حافر صلب بعكس البقر والجاموس حيث تحتوى أرجلهم على أظلاف صلبة مشقوقة لتساعدها على الثبات والسير فى الأرض الزراعية والطينية .. ، والطيور خفيفة العظام ولها أكياس هوائية تنتفخ عند طيرانها لتساعد على تخفيف وزنها .. ، والطيور التى تتغذى على اللحم كالنسر لها مخالب قوية ومثنية لتتمكن من القبض على فريستها والطيور التى تعوم فى الماء أرجلها مفلطحة ولها غشاء مخاطى لتستعملها كمجداف فى الماء عند السباحة كالبط والأوز ولها غدة شمعية يأخذ منها الطائر بفمه ويمسح على ريشه حتى تناسب المياه على الريش فلا تبلله .. ، والضفدعة لسانها طويل لزج مثبت من الأمام سائب من الخلف لتتمكن من التهام الحشرات بسرعة فائقة .. ، وهناك نوع من السمك الصياد يعيش على الحشرات ، فإذا أبصر حشرة على نبات قائم بجانب المياه ، أطبق فمه فيخرج الماء على هيئة أنبوبة رفيعة فى اتجاه الحشرات فتسقط فى المياه فيلتهمها .. ، والنمل يقسم الحب المخزون حتى لا ينبت ويتركه إذا أراد إنباته .. ، والجمل شفته العليا مشقوقة ليتمكن من تناول أشواك الصحراء .. ، إنها أمم أبدع الله فى خلقها كما أبدع فى خلق الإنسان .. ، يقول تعالى (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى


رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (١) .. ، ومن آيات الله تحقق نبوءات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلقد أخبر بفتح مصر بقوله" إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما" (٢).

وقد فتحت فى عهد عمرو بن العاص .. ، وأخبر بظهور الخوارج فقال" تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق" (٣) ، ولقد خرجوا بالفعل فى عصر على بن أبى طالب وقاتلهم طائفة من المسلمين التى كانت على حق بقيادة على بن أبى طالب .. ، وقال عن الحسن ، " ابنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين" ، (٤) وبالفعل حين جاء دور الحسن لتولى الخلافة تنازل عنها حقنا لدماء المسلمين وأصبح المسلمين فرقة واحدة بقيادة معاوية بن أبى سفيان .. ، وأخبر بقوله" لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتله عضيمة دعواهما واحدة (٥) ".

وبالفعل اختلف المسلمون بعد مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى فرقتين عظيمتين إحداهما بقيادة معاوية بن أبى سفيان وكانت تريد الثأر فى الحال من قتله عثمان دون ترو فى الأمر ، وفرقة بقيادة على بن أبى طالب الذى كان يرى تأجيل الثأر لفترة حتى يتمكن من معرفة الجناة حيث تفرقوا فى البلاد وذلك حقنا لدماء المسلمين .. ، ولقد أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بفشو التجارة ومشاركة المرأة زوجها فى تجارته حيث قال" بين يدى الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة حتى تشارك المرأة زوجها فى التجارة" (٦).

__________________

(١) سورة الأنعام الآية ٣٨.

(٢) صحيح رواه الطبرانى علامات يوم القيامة.

(٣) رواه مسلم ـ علامات يوم القيامة.

(٤) رواه البخارى (٧١٠٩).

(٥) رواه البخارى ومسلم ـ امارات الساعة.

(٦) رواه أحمد وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح ـ أمارات الساعة.


وبالفعل نجد الآن انتشار التجارة ونلاحظ مشاركة المرأة زوجها فى تجارته ، بل ربما تقيم معه بالسوق طوال النهار ، وكذلك انتشر سلام الخاصة ، وهو إلقاء السلام على من نعرف فقط رغم أن السنة هى إفشاء السلام وإلقاء السلام على من نعرف ومن لا نعرف ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من تمسك بسنتى عند فساد أمتى فله أجر مائة شهيد" (١) ، وكذلك علمنا من وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. ، بامتناع غير المسلمين من رفع الجزية والخراج .. ، والتطاول فى البنيان وكثرة الزلازل .. ، وظهور النساء الكاسيات العاريات .. ، وأخبر أن عمار بن ياسر سوف تقتله الفئة لباغية وقد قتله بالفعل أحد أتباع معاوية وعندها حدث انقلاب فى صفوف أتباعه وانضموا إلى صفوف على بن أبى طالب .. ، وأخبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. ، بانتشار الربا وكثرة موت الفجأة وقد انتشر ذلك فى زماننا .. ، وقد أخبر بصدق رؤيا المؤمن وكثرة القتل وحلق اللحى وجعلهما كحواصل الحمام وصبغها بالسواد وقد حدث كل ذلك فى زماننا .. ، يقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. ، " يكون قوم يخضبون فى آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة" (٢).

إنها الآيات تتحقق لتملأ قلوب المؤمنين يقينا بوعد الله فى الدنيا والآخرة .. ، لقد نزلت الملائكة تؤيد المسلمين فى غزوة بدر .. ، وفى حروب المسلمين الآن هناك من الوقائع ما يثبت نزولهم وتأييدهم فى مواقع كثيرة ، واعترف بذلك من شاهدوا تلك الموافق ولقد نزلت الملائكة على الصحابى أسيد بن حضير وهو يقرأ ورأى مثل الظلة فوق رأسه كأمثال المصابيح مدلاة بين السماء والأرض .. ، وأخبره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. ، أن تلك الملائكة كانت تستمع إليه" (٣).

__________________

(١) أخرجه البيهقى. من وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) رواه أحمد وصححه أحمد شاكر ـ ورواه أبو داود وقوى الحافظ إسناده.

(٣) أنظر حياة الصحابة ـ الجزء الرابع ص ٣٧٦.


وفى عصرنا هناك من رأوا الملائكة وهم يقرءون القرآن ، وهم أناس يشهد لهم بالصلاح والإيمان .. ، وهناك من الناس فى بعض القرى رأوا أنوار الملائكة فوق بعض المساجد فى الأيام المباركة كشهر رمضان والعشر الأواخر منه ، ومن ذلك نعتبر أنه كما ازدادنا إيمانا بالله خالقا ورازقا من خلال التفكر ، فلا بد أن نؤمن بالغيب وبأن الجنة حق والنار حق ، ونؤمن بوجود الجن والملائكة .. ، وبهذا الإيمان الصادق يكون التأييد من الله والرضوان ، فهناك من الصالحين من اقتحموا بخيولهم سطح البحر كما حدث بقيادة سعد بن أبى وقاص فى معركة القادسية .. ، لقد كانوا رجالا .. الرجل منهم بألف رجل .. ، ولقد كان القعقاع بن عمرو صوته بألف رجل فى المعركة وكان الزبير بن العوام وعبادة بن الصامت ، والمقدد بن الأسود رجالا من هؤلاء الرجال .. ، ويكفى أن منهم من القى التمرات من يده وهو يقول إنها حياة طويلة واندفع طالبا الشهادة .. ، لقد قيل لعيسى بن مريم .. ، يا عيسى بأى شىء تمشى على الماء؟ قال بالإيمان واليقين ولقد حاول جماعة من صحابته أن يعبروا مثله ولم يستطيعوا لخوفهم من الموج ، فقبض فى إحدى يديه ذهبا وفى الأخرى حصى ومدر ، وقال لهم : أيهما أجل فى قلوبكم؟ قالوا هذا الذهب قال فإنها عندى سواء .. ، ومن أقواله : كما أنه لا يستطيع أحدكم أن يتخذ على موج البحر دارا فلا يتخذ الدنيا قرارا .. ، وقيل له من أشد الناس فتنة؟ قال زلة العالم ، إذا زل يزل بزلته عالم كثير .. ، ومن أقواله : أصبح وليس لى شىء وأنا طيب النفس غير مكترث فمن أغنى منى وأربح؟ ومع الإيمان تأتى الكرامات فهذا هو حمزة بن عمرو يقول لما كنا بتبوك ، وأنفر المنافقون بناقة رسول الله فى العقبة حتى سقط بعض متاع رحله .. ، قال حمزة : فنور فى أصابعى الخمس فأضيء ، حتى جعلت ألقط ما شذ من المتاع .. ، السوط .. ، والحباء ، وأشباه ذلك" (١).

وحين بعثت أم سليم بعكة ملأتها سمنا لرسول الله وبعد أن أفرغها لها وجدتها فى بيتها بعد أن علقتها مملوءة وتقطر سمنا ، وحين سألت رسول الله عن ذلك .. ، قال لها أ تعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه؟! كذلك عند بداية دعوة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حبب

__________________

(١) رواه البخارى فى التاريخ بإسناد جيد ـ حياة الصحابة ص ٤٤٢ الجزء الرابع.


إليه التفكر والخلاء وكان يرى الرؤية فتتحقق كفلق الصبح وكان يسمع سلام الشجر والحجر وهو يمر بالطريق حتى لا يتعجب حين يبشره الوحى بالنبوة ...

وهناك من تصدق على أحد الفقراء وكانت ستجرى له عملية جراحية دقيقة فى القلب وحين ذهب لعمل الفحوص اللازمة أخبره الطبيب بأنه قد شفى تماما .. لقد طبق سنة النبى" داووا مرضاكم بالصدقة" وهذا هو أبو أمامة الباهلى الذى كان يحب الصدقة ويجمع لها وما يرد سائلا ولو ببصلة أو بتمرة أو بشيء مما يؤكل ، فأتاه سائل ذات يوم وقد افتقر إلى ذلك كله وما يملك إلا ثلاثة دنانير فأعطاه دينارا ، ثم جاءه آخر فأعطاه دينارا ، ثم تبعه سائل آخر فأعطاه دينارا ، فتصدق بالثلاثة دنانير كلها ، فغضبت مولاه أبى أمامة لأنه لم يترك شيئا فى البيت واقترضت لتعد له طعاما حيث كان صائما .. ، وحين ذهبت لتمهد له فراشه وجدت ثلاثمائة دينار من ذهب وحين أخبرته بمكانهم فرح واشتد تعجبه" (١) ، وأخرج ذلك أبو نعيم فى الحلية ، ولقد أخرج الإمام أحمد عن أبى هريرة رضى الله عنه" قصة الرجل الذى دخل على أهله ورأى ما بهم من حاجة ، فخرج إلى البرية .. ، فقامت امرأته إلى الرحى فوضعتها وإلى التنور فسجرته ثم قالت اللهم ارزقنا ، فنظرت فإذا الجفنة قد امتلأت". ، وهناك من فتح باب المسجد فرأى نورا فى إحدى الأركان يتصاعد لأعلى ، وعند إعادة بناء المسجد كان ماء الحفر فى هذا المكان له رائحة عطرية كالمسك ... ، ومع الكرامات هناك آيات الله فى العقوبات .. ، " ففي إحدى البلاد بارزوا الله بالمعاصى وشرب الخمر على إحدى الشواطئ فأظلتهم سحابة ثم ابتلعتهم الأرض ثم تبع ذلك زلزالا ابتلع قرى بأكملها" (٢) وهناك من عذّب المسلمين ، وقال أين إلهكم لأضعه فى الحديد .. ، فتصطدم سيارته بشاحنة تحمل حديدا فدخل الحديد فى جسده من أعلى رأسه إلى أحشائه" (٣) ، ويحكى

__________________

(١) حياة الصحابة ص ٤٧٤ الجزء الرابع

(٢) حدث ذلك فى تركيا على احدى الشواطى وقد تناقلت الصحف ذلك الخبر

(٣) حكى هذا عن حمزة البسيونى مدير السجن الحربى فى عهد عبد الناصر


الشيخ القحطانى فى محاضرة له عن حسن الخاتمة أن بعض الأموات يبتسم عند تغسيله ومنهم من تنقلب بشرته إلى السواد ومنهم من يشم رائحة الشواء تخرج من فرجه ، ومنهم من لا تستطيع أن تقف حافيا فى مكانه ، ومنهم من يتحول عن القبلة فنعوذ بالله من سوء الخاتمة .. ، لنا عبرة وموعظة مع اعصار تسونامى الذى أطاح بسواحل اللهو والإباحية وزلزال إيران الذى ابتلع قرى بأكملها حين كان البعد عن منهج الله وشريعته .. ، فأى قسوة وجحود بعد ذلك لمن لا يعتبر؟! .. ، إنها الآيات والعبر من الله للتذكرة وهى تضيف للإنسان ما تضيفه الإعجازات العلمية ، فسبحان العليم الخبير ...


الجزء الأول

إعجاز القرآن العلمى



١ ـ كل شىء خلقه الله بقدر

منذ البداية والإنسان جنين فى بطن أمه .. ، وبعد أن خرج طفلا لا يدرك شيئا كان كل شىء فى خلقه بقدر وحكمة .. ، فالإصبع الخامس فى القدم بجوار الأربعة لعدم حاجة الإنسان إلى استعماله فى القبض على الأشياء ، ولكن الإصبع الخامس فى اليد على مسافة ، ليتمكن الفلاح من أن يقبض على فأسه ، والعالم من أن يمسك بالقلم .. ، ولن يستطيع الإنسان أن يبتلع الطعام جافا ، فجعل سبحانه الغدة اللعابية تحت اللسان لإفراز الماء لتسهل عملية ابتلاع الطعام وجعل القواطع الحادة فى الأمام ليسهل قطع الطعام وجعل الضروس العريضة فى الخلف لأنها لا تصلح للقطع ولكن يتم بها طحن الطعام .. ، وبمرور السنين تمكن الإنسان بخبرته من معرفة أن الإناء الذى يحتوى على الدهون يمكن تنظيفه بمادة حمضية كالليمون مثلا ، فجعل الله تعالى للإنسان منذ أن كان جنينا لا يدرك شيئا حويصلة ، تسمى بالحويصلة المرارية لهضم الدهون ، وتحويلها إلى مستحلب دهنى ، بالإضافة إلى العصارة الحمضية التى تفرزها المعدة .. ، وإن من يسير فى الأرض ويتأمل يجد أن أغلب الشجر أملس والنخلة بالذات لعلوها فيها الدرجات كالسلم ليتمكن الإنسان من الصعود والانتفاع بثمرها .. ، والبط له غشاء جلدى بين أصابعه بخلاف الدجاج ليتمكن من العوم فى الماء .. ، والجمل شفته العليا مشقوقة لأنه يتناول النباتات الشوكية الخضراء والأشواك تتشعب لأعلى مما يؤثر على شفته العليا ويحميه من ذلك هذا التصميم الإلهى فسبحان الخبير القادر البديع ...

٢ ـ الآيات تظهر ووعد الله يتحقق

إن آيات الله تعالى تظهر وتتحقق فى كل عصر وفى مواعيد تتناسب مع رقى البشرية وما تتحمله عقول البشر ولكن الإنسان يستعجل يقول تعالى (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (١)

__________________

(١) سورة الأنبياء الآية ٣٧


وبالفعل يرى الإنسان إعجاز الله تعالى فى نفسه وفى القرآن الكريم وفى الاكتشافات العلمية المطابقة للقرآن الكريم وفى الإعجازات الواردة فى سنة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهناك الإعجازات فى نصر المسلمين رغم قلة عددهم على المشركين والفتوحات الإسلامية فى البلاد المختلفة حيث وعد الله بالنصر للمسلمين وهناك الإشارات والحوادث فى عصر الصحابة وتلك العصور والتى تثبت وجود الملائكة وأن عالم الجن حق كما أشرنا فى الفقرات السابقة .. ، وهناك حوادث التذكرة الزمنية كالكرامات التى تحدث مع بعض الصالحين والخواتيم بحسب الأعمال .. ، وهناك الإعجازات فى العلوم المختلفة ومطابقتها للقرآن الكريم كعلم الطب ، وعلم الجغرافيا ، وعلم النبات والعلوم الكونية ، وعلم البحار ، وعلم الوراثة وعلم الأجنة ، وعلم الجيولوجيا ، وعلم الرياضة وما يحتويه من الحقائق والإعجازات الرقمية ، فمثلا كلمة" البر" ترد ١٢ مرة معرفة وكلمة" يبسا" ترد مرة واحدة فيكون المجموع ١٣ مرة وهو رقم يعبر عن اليابسة ونجد أن العلماء قد اكتشفوا أن كلمة البحر ترد ٣٢ مرة معرفة فيكون المجموع لليابسة والماء ـ ١٣+ ٣٢ ٤٥ مرة ولو أردنا باستخدام الرياضيات أن نعرف نسبة اليابسة إلى الماء ، فنقسم كل رقم المجموع فالنسبة لليابسة ١٣ خ ٤٥ ٨٨٨ ، ٢٨ وهو رقم يعكس نسبة اليابسة إلى سطح الكرة الأرضية ولو أخذنا النسبة لمساحة البحار ، ٣٢ / ٤٥ ١١١ ، ٧١ وهى نسبة تعكس نسبة البحار إلى سطح الكرة الأرضية ، ومعروف من علوم الجغرافيا أن نسبة البحار ٣ / ٤ مساحة الكرة الأرضية ، أى أن ربع الكرة الأرضية يابسة والباقى مياه ، وهو ما عبرت عنه القيم الرياضية السابقة .. ، وهكذا نجد أن كل العلوم تطابق حقائق القرآن الكريم فى كل عصر .. ، ويكتشف العلماء بواسطة أجهزة لم تكن موجودة فى عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقائق تبدو لنا اليوم أخبرنا عنها الله تعالى منذ ألف وأربعمائة عام فسبحان العليم الخبير.


٣ ـ معانى القرآن والخطاب لكل زمان

إن معانى القرآن الكريم يخاطب الله تعالى بها الناس فى وقت نزول الآية بقدر ما تتحمل عقولهم ... ، وهى تخاطب أيضا الناس فى الأزمنة التالية بقدر اكتشافاتهم وحدود علمهم .. ، لأن القرآن الكريم هو الرسالة الخاتمة والتى تخاطب كل العصور ولقد عرف الناس فى عصرنا أن القتال تستخدم فيه الأسلحة الخفيفة بأنواعها للدفاع عن النفس وكذلك تستخدم الأسلحة الثقيلة لدك معاقل العدو ويخيرنا الله تعالى عن ذلك فى قوله تعالى (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١)

كذلك يدرك خبراء القتال أن ضرب مؤخرة الجيش تؤدى إلى تفكك الجيش وتفرقة ليؤمن خطر تلك المؤخرة .. ، كذلك فإن مؤخرة الجيش يكون بها إدارة الجيش ومصادر العدة والعتاد والمئونة ، وضرب تلك المؤخرة يؤثر تأثيرا بالغا فى العدو ويصف لنا القرآن الكريم تلك الحقيقة فى قوله تعالى (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٢) ومؤخرة الجيش حين تضرب بما تحتويه من المئونة والإمدادات يتذكر باقى الجيش ما سيحدث بهم فيكون التراجع والانسحاب .. ، (٣) وكذلك يشير الله تعالى إلى أن الثبات فى الحرب من أسباب النصر بشرط أن يكون ذلك مقرونا بذكر الله عزوجل ، يقول تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، (٤) وكذلك أشار القرآن الكريم إلى إعداد القوة لإرهاب العدو والاستعداد له ، وهو ما تفعله الدول الآن فهو أسلوب ناجح أسسه الإسلام.

__________________

(١) سورة التوبة الآية ٤١.

(٢) سورة الأنفال الآية ٥٧.

(٣) أنظر المنتخب فى تفسير القرآن ـ فى شرح نواحى الإعجاز فى الآية الكريمة.

(٤) سورة الأنفال الآية ٥٤.


٤ ـ ضيق الصدر بين إعجاز القرآن وأقوال العلماء :

لقد أقر العلماء أن الإنسان إذا تجاوز ارتفاع يزيد عن ثمانية كيلومترات فوق مستوى سطح البحر فإنه يتعرض لمشكلات عديدة منها صعوبة التنفس لنقص الأكسجين وتناقص ضغط الهواء ، وهو مرض يسميه المتخصصون فى طب الطيران بأنه مرض عوز الأكسجين (١) ، ومنها مشكلات انخفاض الضغط الجوى والذى يسمى باسم خلل الضغط الجوى ، وتحت تأثير ذلك لا يستطيع جسم الإنسان القيام بوظائفه الحيوية ، فتبدأ فى التوقف الوظيفة تلو الأخرى ، ويمكن تفسير ضيق الصدر الذى يمر به الإنسان أثناء صعوده فى السماء بدون وسائل وقائية بأنه الشعور بالإجهاد الشديد والصداع المستمر والشعور بالرغبة فى النوم ، ونتيجة للنقص فى الضغط الجوى تبدأ الغازات المحبوسة فى الجسم بالتمدد مما يؤدى إلى ضغوط شديدة على الرئتين والقلب مما يؤثر على أنسجتهما ، فيسبب الشعور بضيق الصدر وحشرجة الموت وكذلك تتأثر بقية الأجهزة كما تبدأ الغازات الذائبة فى جميع سوائل الجسم وأنسجته فى الانفصال والتصاعد إلى خارج حيز الجسم على هيئة فقاعات مما يؤدى إلى ضيق شديد فى التنفس نتيجة لتصاعد النتروجين من أنسجة الرئتين وكذلك تتأثر بقية أعضاء الجسم.

ولقد أشار الله تعالى إلى ذلك فى قوله سبحانه وتعال (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٢)

__________________

(١) الاعجاز العلمى فى القرآن ـ الدكتور السيد الجميلى ـ وبحث علمى عن تلك الإشارة ـ مجلة الإعجاز العلمى ...

(٢) سورة الأنعام آية ١٢٥


٥ ـ الخلق واستحالة المصادفة

إن قدرة الله تعالى تتجلى فى خلق الإنسان من الماء المهين وخلق أجهزته المختلفة التى تقوم بعملها بأمر خالقها ، ومن ينظر فى نفسه يجد الكثير من صور الإعجاز التى تثبت استحالة المصادفة فى الخلق ، كأصابع القدم المتراصة بجانب بعضها البعض ولكن الإصبع الخامس فى اليد على مسافة من الأصابع الأربعة حتى يتمكن الفلاح من أن يقبض على فأسه والعالم من أن يمسك بالقلم ، ونجد قطعة اللحم عند بداية القصبة الهوائية لتسدها عند البلع حيث يكون الموت الحتمى بنزول قطعة الطعام إلى الرئتين ، وكذلك نجد المخرج الدقيق للبول لأن الإنسان يشرب الماء وكذلك أثبت العلماء أهمية ثانى أكسيد الكربون لحياة الكائنات حيث يحتاجه النبات لعملية التمثيل الكربونى ويخرج الأكسجين بعد امتصاص ثانى أكسيد الكربون من الجو المحيط ، ويشير العلماء إلى أن عملية التمثيل الكربونى للكائنات كفيلة وحدها باستهلاك ثانى أكسيد الكربون الموجود فى العالم لو أن الأمر اقتصر عليها ، ولكن الله تعالى جعل كائنات أخرى تخرج فى تنفسها ثانى أكسيد الكربون وبعض التفاعلات الأخرى ، ولقد وجد العلماء أن نسبة ثانى أكسيد الكربون فى الجو دائما من ثلاثة إلى أربعة أجزاء فى كل عشرة آلاف جزء هواء ، وهذه النسبة ينبغى أن تكون ثابتة على الدوام لعمار الكوكب الأرضى ، ولم يحدث قط مهما اختلفت عمليات الاستهلاك وعمليات الإنتاج أن اختلفت هذه النسبة وهذا يثبت استحالة المصادفة فى تدبير الخلق فسبحان العليم الخبير ....

٦ ـ المرعى والفحم الأسود

مر من الزمن على الأرض ملايين السنين قبل خلق الإنسان .. ، وذكر العلماء أن النباتات كانت أسبق ما ظهر على سطح الكرة الأرضية ، ولم تكن هذه النباتات


مزروعة بيد الإنسان ، إذ أنه لم يكن خلق بعد ولكنها كانت تلقائية بأمر الله دون أن يزرعها الإنسان ، وكانت تحتوى الأشجار الضخمة السيقان كأشجار الغابات المعروفة ومرت ملايين السنين ومرت بالكرة الأرضية فى تلك الفترات العديد من الاضطرابات الكونية والعواصف والرياح الشديدة التى كانت تقتلع الأشجار وتعصف بها من جذورها ، ثم كانت هناك الفيضانات التى غمرت تلك الأشجار وحللتها إلى المواد العضوية فى باطن الأرض ثم مرت بها العديد من فترات الجفاف التى يعقبها الفيضانات وهكذا .. ، وعلى مدار الحقب الطويلة تحولت بقايا الأشجار والنباتات والأخشاب المطمورة فى باطن الأرض إلى الفحم الأسود ، أو المادة الصخرية الصلبة السوداء المستقرة فى باطن الأرض (١) .. ، ولقد أشار القرآن الكريم لتلك الحقيقة فى قوله تعالى (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) (٢) ، ومعنى الأحوى أى الأسود من قدمه واحتراقه ، فجعل الله تعالى بقدرته تلك المراعى مادة ينتفع بها الإنسان بعد ذلك عند خلقه ، ثم جعل الله تعالى بعد ذلك المملكة الحيوانية كالديناصورات الضخمة وغيرها والتى كانت تتغذى على تلك النباتات وعلى هذا الشجر الأخضر ثم بموتها وتحللها كانت المواد البترولية التى انتفع بها الإنسان فى حياته فسبحان علام الغيوب الذى خلق ما ينفع الإنسان ، فاللهم اجعلنا من الشاكرين الذاكرين لك يا أرحم الراحمين.

٧ ـ وحى الله وتكوير الكون

لقد أوحى الله تعالى إلى بعض خلقه ، فلقد أوحى إلى الأنبياء ، وأوحى إلى أم موسى .. ، وأوحى إلى النحل .. ، ووحى الله لا يأتى إلا بالخير ، وتتجلى فيه العظمة والإبداع .. ، ومن يتأمل خلية النحل يجد الكثير من صور هذا الإبداع ، فهناك فريق يقوم بترتيب الخلية ، وفريق من الشغالات يجمع الصمغ من الأشجار ليسد الشقوق ،

__________________

(١) ذكر ذلك الدكتور / زغلول النجار فى إشاراته عن الإعجاز العلمى فى القرآن.

(٢) سورة الأعلى الآيات ٤ ، ٥.


ويحبط بالحشرات المهاجمة حتى لا تتعفن ، وهناك فريق يقوم بتهوية الخلية فى الصيف وذلك بتحريك أجنحته وآخر ينضم إلى بعضه البعض لتدفئة الخلية فى الشتاء .. ، والنحل يعيش فى جماعات ومن ينعزل عن الجماعة يموت .. ، ولقد وجه الله تعالى الخطاب للمفردة من إناث النحل (أَنِ اتَّخِذِي) ووجد العلماء أن الشغالة بالفعل هى التى تقوم ببناء الخلية وصيانتها وحراستها ونظافتها وترميمها وتكييفها وتهويتها ، (١) والنحل لا يلوث الخلية أو يتغوط فيها بل يعمل دائما على ترتيبها ونظافتها ، ولا بد أن يكون ذلك ، فلقد جعل الله تعالى من العسل شفاء للناس .. ، ولقد أمر سبحانه السماوات والأرض أن تقوم بإذنه فكانت على أحسن ما يكون ، حيث قامت بغير عمد نراها .. ، وحين زعم الماديون أن الكون لا نهائى بلا بداية أو نهاية فهو أزلى غير مخلوق لينكروا وجود الخالق ، أثبتت الاكتشافات العلمية الحديثة أن الكون مكور على بعضه كالكرة ، فهو محدود الحجم كالكرة لمن ينظر إليه من بعيد لكن من يعيش بداخله يظن أنه لا توجد له بداية أو نهاية .. ، ولقد اكتشف العلماء كروية السماوات والأرض ، وليست الأرض فقط كما يظن البعض (٢) ، وتلك الحقيقة ذكرها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم منذ ألف وأربعمائة عام ، حين روى الإمام أحمد عن زيد بن اسلم قال" ولو أن السماوات السبع والأراضين السبع كن حلقة مبهمة ونزلت عليها لا إله إلا الله لقسمتها" .. ، وفى حديث آخر يشير إلى أن السماوات السبع والأراضين السبع بالنسبة للكرسى كحلقة فى فلاة ، أى فى صحراء ، ونلاحظ التعبير بالحلقة تعبير عن الكروية .. ، لقد شبه أحد علماء الغرب ، هذا النظام الكونى بالكتب المختلفة المتراصة بلغات مختلفة وشبه الإنسان كطفل ينظر ويتأمل كيف ألفها المؤلف ، وكيف رتب كلماتها وصاغها بتلك اللغات التى لا يعلم عنها شىء وإذا كان الإنسان لم يستطيع أن يفهم كل أسرار الكون المخلوق فما بالنا بالخالق رب هذا الكون .. ،

ولقد أوحى إلينا بشريعة الخير فعلينا أن نقيم تلك الشريعة على أحسن وجه حتى نفوز ... ، فلقد أمرنا بالطاعة وفعل الخير والإحسان إلى الغير ، وهدم اليأس من رحمته

__________________

(١) من أسرار القرآن وإشارة عن الإعجاز القرآنى عن عالم النحل وتكوير الكون ـ الدكتور / زغلول النجار.

(٢) نفس المرجع السابق


حيث إن لله تعالى فى كل نفس مائة ألف فرج قريب .. ، وقد أمر الإنسان أن يفكر بقدر حدود عقله ولا يسأل عن أشياء فوق طاقته لأن عقله محدود ، لا يمكن أن يحيط بكل العوالم .. ، ويكفى أن نعرف أن أقدم أثر عن عالم النحل فى صخور القشرة الأرضية يرجع إلى أكثر من مائة وخمسين مليونا من السنين (١) .. ، فيجب على كل مسلم أن يطبق ما شرع الله به ليفوز فى الدنيا والآخرة ، لقد عاهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصحابة على السمع والطاعة ، وعلى العزة فلا يسألوا الناس شيئا .. ، وعلى كلمة الحق فلا يخشى أحدهم فى الله لومة لائم .. ، وعلى النصح لكل مسلم (٢) ، فهم قدوة لنا ، ومن يسر فى طريق الله يجد النور فى كل مكان ، وما دون الله مخلوقات له لا يملكون من قطمير ، فالفضل كله لله .. ، ولقد رأينا أن رسالة الله تعالى هى الرسالة المعجزة فى كل زمان ، حتى لقد كان فى عتاب الله لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين جاءه الأعمى ، وفى مسألة أسرى بدر دليلا آخر على أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا ينطق عن الهوى ، حيث إنه لا ينكر آية فيها العتاب له ، وهذا هو إثبات من الله ودليل ليدرك به العقلاء أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا ينطق عن الهوى ، بل هو الوحى من السماء .. ، وعلينا أن نخلص فى العبادة ، حيث خلقنا الله لعبادته ، فهو الغنى عن خلقه ، ويكفى أن من يقوم الليل ويناجى ربه يلبسه من نوره فى الدنيا والآخرة .. ، واعلم أخى المسلم أن عدوك الشيطان يعقد عليك قبل نومك ثلاث عقد ، فإذا استيقظت أنحلت عقده ، وإن توضأت انحلت الثانية ، وإن صليت انحلت الثالثة .. ، فتصبح نشيطا طيب النفس (٣) .. ، هناك شيطان موكل لكل من بدأ يسير فى طريق الهدى يأتى الشباب ليضله ويوسوس له بكل ما يبعده عن طريق الإيمان ، ومن تمسك بطريق الله ينصره الله .. ، هناك شيطان يوسوس فى الوضوء حتى يرهق صاحبه فلا بد من التسمية وإسباغ الوضوء والاستعاذة .. ، وهناك شيطان يحاول أن يخرجك من الصلاة لتتوضأ .. ،

__________________

(١) إشارة ذكرها الدكتور / أحمد شوقى إبراهيم عن عالم النحل.

(٢) شرح المعنى حديث نبوى فى إرشاده صلى‌الله‌عليه‌وسلم للصحابة وهى نصيحة عامة" حق المسلم على المسلم ست ... وإذا استنصحك فانصح له ..." جزء من حديث رواه مسلم. رياض الصالحين

(٣) من شرح حديث" يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد" جزء من حديث متفق عليه. رياض الصالحين برقم ١١٦٤


وهناك شيطان يوسوس لك فى الصلاة حيث يعلم أنه" ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها .." فاحذر عدوك يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا .. ، فتحلى بالصبر والإتقان والثقة بوعد الله فى كل الأمور ولا تيأس من روح الله لتنجو بثباتك ويقينك ورحمة بك واعلم أن المعوذتين ما تعوذ متعوذ بمثلهما .. ، لقد أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لو كان شىء يسبق القدر لكانت العين .. ، واحذر الفراغ ، فإن شر الناس المكفى الفارغ ليس فى عمل دنيا أو آخرة .. ، واعلم أن الله تعالى لم يكن يجمع أمة الإسلام على ضلالة فكن مع الجماعة ، فمن شذ شذ فى النار ، واعلم أن أمة الإسلام تخرج من الأزمات أشد صلابة ، ولنا مثل فى حروب المرتدين ، والحروب الصليبية ، وقهر التتار وغير ذلك الكثير من الانتصارات فى كل زمان .. ، واعلم أخى المسلم" أن الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه" (١) وأن الرحمة تشمل ما حولك من الكائنات .. ، لقد صلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما صلاة الكسوف ، حين كسفت الشمس فى ذلك اليوم ، ولقد تأخر فى صلاته إلى الخلف وتأخرت الصفوف معه ثم تقدم مرة أخرى ، وحين سأله الصحابة عن سر ذلك حيث أنه أطال فى الصلاة ولم ينته منها حتى طلعت الشمس قال : " إنه ليس من شىء توعدونه إلا قد رأيته فى صلاتى هذه ، ولقد جيء بالنار فذلك حين رأيتمونى تأخرت مخافة أن يصيبنى من لفحها حتى قلت" أى رب وأنا فيهم" ، ورأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبة فى النار كان يسرق الحاج بمحجنه فإن فطن به قال إنما تعلق بمحجنى ، وإن غفل عنه ذهب به ، وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التى ربطتها فلم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض ، حتى ماتت جوعا ، وجيء بالجنة ، فذلك حين رأيتمونى تقدمت حتى قمت فى مقامى فمددت يدى وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لى أنا لا أفعل (٢) ".

__________________

(١) جزء من حديث رواه مسلم ـ رياض الصالحين ص ٩٠ ـ مختصر تحقيق محمد عصام الدين وفى الحديث القدسى" وجبت محبتى .. ، وللمتزاورين فى وللمتباذلين فى" رواه مالك باسناد صحيح

(٢) جزء من حديث رواه احمد عن جابر بن عبد الله تحت رقم ١٣٨٩٧


ولقد روى هذا الحديث أيضا الإمام مالك بن عباس وفيه قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ورأيت النار فلم أرى كاليوم منظر قط ، ورأيت أكثر أهلها النساء ، قالوا لم يا رسول الله قال لكفرهن ، قيل أ يكفرن بالله قال ويكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط" (١).

وفى حديث آخر رواه أحمد عن أسماء بنت أبى بكر وزاد فيه" وقد أريتكم تفتنون فى قبوركم يسأل أحدكم ما كنت تقول ، وما كنت تعبد فإن قال لا أدرى رأيت الناس يقولون شيئا فقلته ، ويصنعون شيئا فصنعته ، قيل له أجل على الشك عشت وعليه مت هذا مقعدك من النار .. ، وإن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قيل على اليقين عشت وعليه مت هذا مقعدك من الجنة" (٢).

وكما أشرنا سابقا أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى فى رحلة الإسراء والمعراج أيضا جزاء المتكاسل عن الصلاة حيث ترضخ رأسه بالحجارة .. ، وجزاء الزناة وحيث يرفعهم لفح النار ويخفضهم .. ، وغير ذلك من المشاهد التى تثبت لنا أن وعد الله حق فالتأمل والفطرة إثبات للكثير من الإعجازات وكذلك الاكتشافات العلمية ، ونبوءات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما يشهده البشر من مشاهد للعبرة والتذكرة كأقراص العسل وسعف النخل حيث يقرأ المتأمل بوضوح كلمة التوحيد ، وثبوت عالم الملائكة ، وعالم الجن ، وتحقق رؤيا المؤمن وتحذير الله تعالى للعصاة بالمواقف والتبليغ والرؤى ، لقد أقسمت لى إحدى النساء أن معاملتها لزوجها المصلى كانت لا ترضى الله وكانت تمنع الماعون عن الناس ، فرأت من يأمرها بالإحسان إلى الزوج والانتهاء عن تلك الخصلة .. ، ولقد سمع سارية قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو على المنبر" يا سارية الجبل" أى أجعل الجبل من خلفك وأنت تقاتل العدو" .. ، وهناك كرامات الصالحين وغير ذلك من آيات الله التى يريها لعباده فى كل حين ، فالحمد لله أنه يرينا آياته فنعرفها .. ، والحمد لله أن لنا ربا هدانا للإيمان وإلى طريق الهدى .. ، وإلى طريق القرآن المليء بالإعجازات .. ،

__________________

(١) جزء من الحديث عن الإمام مالك رقم ٣٩٩ فى كتاب النداء على الصلاة.

(٢) جزء من الحديث الذى رواه أحمد عن أسماء بنت أبى بكر تحت رقم ٢٥٧٥٢.


والذى يدعو إلى الرحمة ، لقد قتل الصليبيون سبعين ألفا فى ساحة المسجد الأقصى وقتلوا كل من لجأ إلى الأزقة والمساجد والأماكن المقدسة .. ، وحين تمكن منهم صلاح الدين ، ذكرهم بما فعله آباؤهم (١) فظنوا هلاكهم وأدركوا ما سيفعله بهم ولكنه عفا عنهم كما فعل رسول الله بالمشركين يوم فتح مكة .. ، فعلينا بتطبيق منهج الله والثقة بالله كما وثق موسى عليه‌السلام حين قال أصحابه إنا لمدركون ، والتواضع لله .. ، ألا يخشى من يتكبر أن يأخذ كتابه بشماله فيدعو بالثبور والهلاك .. ، إن الله يستجيب دعاء عبادة فى أى وقت ، ويسمح بالوقوف بين يديه فى أى وقت ولا ينهى المقابلة قبل أن تنتهى من صلاتك رغم أنه هو الملك العلى الكبير فسبحانه .. ، واعلم أخى المسلم أننا جميعا قبل دخول الجنة لا بد أن نعبر الصراط ، " فهو أرق من الشعرة وأحد من السيف" (٢) والنار أسفلنا تتأجج وتفور ، والمكان مظلما ، وكل إنسان يأخذ نورا بقدر عمله (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) (٣) وأما المنافقين يقولون (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) (٤) .. ، إنها محنة صعبة ، يخبرنا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن هناك ناجيا سليما ، وناجيا مخدوشا ، ومن يقع فى النار ، حيث إنه على الصراط كلاليب تخطف المقصر فى حق الله ، والظالم للعباد .. ، فعلينا بفعل الخير وعداوة الشيطان ، والإيمان بأن الخالق الله هو الرازق والمجيب حتى ننال حب الله ، لقد دعى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبى هريرة وأمه أن يحبهم الناس ، فلا يسمح بأبى هريرة أو أمه أحد إلا أحبهم .. ، لقد دعى أمين السماء جبريل عليه‌السلام بالخيبة والخسران وأمن أمين الأرض رسولنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على كل من أدرك رمضان ولم يغفر له أو أدرك والديه ولم يغفر الله ، أو ذكر اسم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يصل عليه (٥) .. ، لقد دعا ثلاثا وأمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلنحذر من الغفلة فى رمضان ، ولنحذر من عقوق الوالدين ، وعدم الصلاة على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. ،

__________________

(١) الإعجاز العلمى والتاريخى فى القرآن ـ محمد محمود عبد الله ـ عالم المعرفة.

(٢) من شرح حديث عن عبد الله بن مسعود ـ قول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" يوضع الصراط على سواء جهنم مثل حد السيف المرهف مدحضة.

مذله ، عليه كلاليب من نار يخطف بها" رواه الطبرانى بإسناد حسن ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الرابع.

(٣) سورة الحديد آية ١٢.

(٤) سورة الحديد آية ١٣.

(٥) من شرح معنى حديث عن جابر بن سمرة." صعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنبر فقال آمين .." رواه الطبرانى بإسناد حسن الترغيب والترهيب" الجزء الثالث.


إن الدين الإسلامى هو رسالة الخير والأمن فى كل زمان ، فكل ما نهى عنه كان فى صالح العباد ، وكل ما أمر به كان خيرا للعباد .. ، وهو الرسالة الزاخرة بالمعجزات .. ، ففي المجال الطبى رصد العلماء سبعة وثمانين ألف نوع من الذباب يتغذى على النفايات والمواد العضوية المتعفنة .. ، ولقد خلق الله تعالى لكل نوع من البكتريا والفيروسات والجراثيم ما هو ضده ، كذلك الذباب ، يحمل الجراثيم والبكتريا على إحدى أجنحته ومضادات هذه الجراثيم والبكتريا على الجناح الآخر ، وقد أجرى العلماء فحصا مجهريا لسائل غمس فيه الذباب بعد وقوعه وآخر لم يغمس ولاحظوا حركة الجراثيم فى السائل الذى لم يغمس فيه الذباب وخلو الآخر من الجراثيم (١) .. ، لقد عالج الإسلام كل مشكلات المجتمع ، عالج السلبية حيث قال ذو القرنين" ما مكنى فيه ربى خير فأعينونى بقوة" .. ، وحرم المسكرات وعالج البخل ، وجاء بمثل أصحاب الجنة اللذين بخلوا فاصبحوا وقد وجدوا حديقتهم محترقة كالصريم .. ، وعالج الكذب حتى تظل الثقة بين الناس ، وعالج الاكتئاب حيث إن كل شىء بأمر الله ولا ضرر ولا نفع إلا بإذنه سبحانه .. ، وأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى ، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغى .. ، وأمر بالزكاة والعطف على الفقراء .. ، فعلينا بالتمسك بالإسلام ، ومحاسبة النفس ، فلقد خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم فى الدنيا هناك سكرات الموت وضمة القبر ، والوقوف ليوم الحساب وعبور الصراط .. ، وغير ذلك فلا بد من الاستعداد لتلك المحن .. ، إن ضربة بألف سيف أهون على العبد من سكرات الموت .. ، لكنها تهون على المؤمن الصادق العارف بربه والمتوكل عليه ، والذى يحسن الظن به .. ، لكن الحساب يثقل على قوم لم يحاسبوا أنفسهم فى الدنيا فعلى كل إنسان أن يحاسب نفسه ، ويدرس العلم ليزداد إيمانه ، وينفع غيره ويدعو على بصيرة .. ، لقد أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله" إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه" (٢).

وقد اكتشف العلماء فى عصرنا أن جسم الإنسان إذا احتاج شيئا من العناصر يصدر إشارات وميول فطرية لتناول الأطعمة التى تحتوى العناصر اللازمة ، وقد نشر

__________________

(١) ذكر ذلك الشيخ أحمد ربيع ـ أحد علماء الأزهر ـ عن الإعجاز العلمى فى السنة ـ وذكر تفصيلا انظر كتاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تحقيق الدكتور عز الدين جواله ص ٣٨.

(٢) أخرجه ابن ماجة ـ ٣٤٤١.


بحثا فى عام ١٩٣٢ بعنوان حكمة الجسد للعالم الغربى" وولتر بكانون" عن هذا الموضوع وقد كان السبق للإعجاز النبوى منذ ألف وأربعمائة عام .. ، فعلينا بالثقة واليقين بالله وصلة الرحم والصلاة على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذى تنقل بين الأصلاب الطاهرة ، والعبادة الخالصة لله فى كل حال .. ، فى الصحة والمرض .. ، وفى الغنى والفقر .. ، لأن الجميع فى ابتلاء واختبار .. ، واعلم أن الدعاء مخ العبادة .. ، لقد دعا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غزوة بدر حتى سقطت جبته .. ، وعليك بالاستغفار حتى ينزل الله عليك الخير كله .. ، لقد رزق الله تعالى مريم ابنة عمران فى محرابها .. ، وأنزل مائدة من السماء لحوارى عيسى عليه‌السلام .. ، إن المؤمن يكفيه أن معه الله الخالق .. ، معه كتاب يتحدى به العالم .. ، إن شفاء العالم كله وقوته ونجاته لن تكون إلا إذا لجأ الجميع إلى هذا الكتاب .. يكفى أن فيه النجاة من النار والزمهرير .. ، وعليك أن تسأل نفسك كم يستحق الله من الشكر وقد جعلك مسلما .. ، وكم يستحق من الشكر وقد وعك بالنظر إلى وجهه الكريم .. ، وكم يستحق من الشكر حين يعينك على عبور الصراط ومن أسفلك النار وهى تفوز .. ، إن الله تعالى يحب لنا الجنة .. ، وسيخرج من النار يوم القيامة من كان فى قلبه مثقال ذرة من إيمان .. ، كم يستحق من الشكر على نعمه الكثيرة علينا .. ، كم يستحق من الشكر على شربه الماء فى يوم شديد الحرارة .. ، لذلك لا بد من الاختبار ، كما كان فى حادث الاسراء والمعراج .. ، وتحويل القبلة ، وغير ذلك من الأحداث كالابتلاء بالخوف والجوع ، ونقص الأموال ، والأنفس ، والثمرات ، هى اختبارات لمعرفة صدق الإيمان ، والفائز من يصبر وينجح فى هذا الاختبار .. ، إن أحباب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوم آمنوا به ولم يروه فعلى كل راع أن يأمر أهله بما أمر به الله ورسوله من الصلاة والخشوع فيها ، والصدقة ، وإنكار المنكر ، وأعمال البر ، والتزام الزى الإسلامى حتى لا يطردنا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن حوضه يوم القيامة .. ، ذكّر أهلك بالصراط الذى لا بد من عبوره قبل دخول الجنة حيث إن مسافته لا يعلمها إلا الله ومن أسفلنا ستكون النار المتأججة .. ، فهل المتبرجة ستعبر هذا الصراط الدقيق كالبرق .. ، وهل المتكبر .. ، وهل الظالم للناس .. ، وهل العاق لوالديه سيعبر كالبرق أم تزل قدمه وتخطفه الكلاليب


إلى النار المتأججة التى يسمع الجميع شهيقها وهى تفور .. ، والتى تكاد تميز من الغيظ وهى السوداء الحالكة ، والتى رغم شدتها فالمنافقون فى الدرك الأسفل منها .. ، ويسبح العصاة فى دركاتها .. ، فهل نفيق من غفلتنا .. ، إن التفكير فى محنة الصراط فقط كافية لأن ينسى الإنسان التفكير فى كل أمور الدنيا .. ، حين سألت السيدة عائشة رضى الله عنها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ .. ، قال! إلا فى ثلاث مواضع عند عبور الصراط .. ، وعند تطاير الصحف .. ، وعند الميزان .. ، فعلينا بلين الكلام حيث أمر سبحانه موسى عليه‌السلام أن يقول لفرعون قولا لينا لعله يتذكر ويخشى رغم أنه اغتر بنفسه فقال أنا ربكم الأعلى .. ، فالمؤمن ليس بالطعان ولا اللعان ولا المتفحش ولا البذيء .. ، واجعل أخى المسلم حياتك كلها لله ، صلاتك ونسكك ، ومحياك ومماتك .. ، ولا تلتفت فى صلاتك إلى أمور الدنيا فإذا التفت العبد التفت عنه ربه ، حيث ينصب الله وجهه تجاه عبده إذا صلى .. ، وعليك بالصدقة ، والصوم الذى يشمل الجوارح ، فمن ختم له بصوم يوم خالص دخل الجنة (١) ومن ختم له بصدقة خالصة دخل الجنة .. ، فعلينا بالإخلاص لله والدعاء .. ، إن من لا ترد دعوتهم كما أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم" الصائم حتى يفطر والمظلوم حتى ينتصر ، والمسافر حتى يرجع" (٢) وعلينا ، بأخذ الدين بقوة والثقة فى مالك الملك ، وتربية الأولاد على الصدق والقوة فى الدين ومحبة الله ورسوله والشجاعة كما كان يفعل السلف الصالح فى تربية أبنائهم .. ، ويجب أن نستقبل الخير بقلوبنا ، ففي الماضى كان هلال رمضان تترقبه جميع طوائف الشعب ، وبمجرد ظهوره ، كان يلتزم الجميع بفعل الخير والعطف على الفقراء ، وقراءة القرآن وقراءة صحيح البخارى فى الجامع الأزهر وكان السلطان برقوق يذبح كل يوم من أيام رمضان ٢٥ بقرة يتصدق بلحومها على الفقراء والمساكين وكان يفطر جموعا غفيرة من الصائمين ، ويأمر بتوزيع الصدقة عليهم ، وقد اعتاد سلاطين المماليك أن يعتق الواحد منهم فى شهر رمضان ثلاثين عبدا أى بعدد أيام

__________________

(١) عن شرح معنى حديث عن أبى سعيد رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ما من عبد يصوم يوما فى سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا" أخرجه البخارى من وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حمزة محمد صالح.

(٢) الحديث رواه البزار مختصرا ـ الترغيب والترهيب ص ٨٩ ـ الجزء الثانى وفى رواية أخرى والإمام العادل.


الشهر .. ، وعلى كل مسلم أن يدرك نعمة الله عليه حيث لم يشدد الله علينا فى شىء .. ، ولكن شدد على بنى إسرائيل لتكذيبهم ، فحرم عليهم كل ذى ظفر من الأنعام والطير وغيرها ، وكانوا يقصون مكان النجاسة ويقتلون أنفسهم عند التوبة .. ، لقد أضلهم الشيطان فعلينا بالاستعاذة منه ومخالفته واتخاذه عدوا .. ، لقد ضرب الله مثلا للمؤمنين فى التوراة أنهم" ركعا سجدا" وفى الإنجيل أنهم" كزرع أخرج شطأه" هو مثل روحى فى التوراة لليهود عن الركوع والسجود لأنهم ماديون ... ، ومثل مادى بالزرع للنصارى لأنهم تغالوا فى الروحية .. ، حين سئل عيسى عليه‌السلام فى مسألة المواريث ، " قال إنى لم أبعث مورثا .." (١) لكن القرآن الكريم جاء شاملا لكل جوانب الكون والحياة الدنيا والآخرة ، وجاء بكل مثل ليظل دستورا إلى يوم القيامة ، فمن ابتغى القوة فى غيره قسمة الله ، ومن تمسك به هدى إلى صراط مستقيم .. ، فالحمد لله على نعمة الإسلام .. ، ونعمة البعث بعد أن صرنا عظاما نخرة .. ، والوعد بالخلود فى الجنة بعد أن كنا ترابا لا ذكر لنا .. ، ورغم أننا عباد فقراء ، خلقنا سبحانه من الماء المهين فلا منة لنا على ربنا .. ، ورغم ذلك نعصاه ويغفر لنا ، فهو الحنان المنان .. ، وهو الملك .. ، وهو الوارث .. ، وهو الباعث .. ، وهو الرشيد الصبور سبحانه .. ، فعلينا بالنصح للمسلمين والأهل لأن كل راع مسئول عن رعيته .. ، جاء فى كتاب أماه عودى إلينا ، وهو دعوة لصيانة المرأة فى بيتها ، ما نصه .. ، ما الذى زاد عليها بسبب العمل غير الجرأة وذهاب الحياء ، وضياع الأولاد .. ، ما الذى زاد عليها سوى كثرة الخلافات مع الزوج والتفريط فى حق دينها .. ، أ تدرون ما الفرق بين أولاد المرأة العاملة وأولاد المرأة المصونة فى البيت .. ، إن أولاد الأولى فيهم القسوة والجرأة وانعدام الحياء .. ، وأولاد الثانية تبدو عليهم أمارات الأدب والحياء .. ، إن هول العذاب شديد يوم القيامة .. ، فما أشد عذاب النار .. ، وما أصبر العصاة على الزمهرير .. ، وما أصعب لحظة عبور الصراط والنار تفور من أسفلنا .. ، فما ذا تظنون بمصير من تكبر وعق والديه .. ، وترك الصلاة .. ، وأى فرحة وأى وصف لسعادة من نجا .. ، ولا

__________________

(١) بحث علمى عن نواحى الإعجاز فى القرآن الكريم ومقارنة الأديان.


مفر من الحساب ، حيث قال الله سبحانه (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) (١) فلا بد أن يتحقق وعد الله ، وكما أشرنا سابقا أن كل آيات الله تتحقق فوعد الله لا محالة واقع .. ، وما يتمناه الإنسان فى الدنيا من أمانى وأحلام لينا لا لسعادة ، لن يجدها إلا فى التمسك بهذا الكتاب الكريم ، ليس عليك شىء إلا أن تدعو ربك بيقين ، ولا تستعجل الإجابة .. ، وتتحرى الحلال فمع الدعاء رزق سبحانه مريم ابنة عمران فى محرابها بغير حساب ، ومنح الولد لزكريا عليه‌السلام وشق البحر لموسى عليه‌السلام .. ، وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم عليه‌السلام .. ، وجعل مع التقوى بركات من السماء والأرض .. ، فعلينا كما نصحنا رسولنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتوبة قبل الممات ، والمبادرة بالأعمال الصالحة قبل أن نشغل .. ، ونصل ما بيننا وبين الله بكثرة الذكر والصدقة فى السرو العلانية ، فيكون الثواب كما وعد صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ترزقوا .. ، وتنصروا .. ، وتجبروا .. ، " فعلينا بتنفيذ تلك الوصايا .. ، يخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لحم وجه العبد يتساقط يوم القيامة خجلا حين يسأله عن تنفيذ تلك الوصايا .. ، لقد أخبرنا أن إلقاء السلام على الأهل عند دخول المنزل والتسمية على الطعام تجعل إبليس يخبر أتباعه ، أن لا مبيت لكم ولا عشاء (٢) .. ، لقد أوصانا برحمة الناس ورعاية الجار ، وقد أشرنا إلى صندوق الفقراء الذى يشارك فيه أهل الحى حيث أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع (٣) ، ويمتد ذلك إلى أخيك المسلم الذى يجاهد الأعداء فى أقصى البلاد .. ، فلا تنس الوقوف بجانبه ولا تنس المقاطعة .. ، ولا تنس أن الدعاء سلاح المؤمن .. ، لقد أوصى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وأمر بترك الجدال ولو كنت محقا لتنال قصرا فى الجنة .. (٤) ، وأمر بإتقان العمل ، والرحمة بالأهل والأولاد .. ، وقرن الحياء بالإيمان .. ، وأمر بلزوم المرأة لبيتها صيانة لها ولأولادها .. ، وأمر بالزهد .. ، فكلنا سيفارق الدنيا ونعيمها الزائل إلى الآخرة الباقية .. ، فكن بيقينك واثقا من لقاء ربك ووعده لتكون أغنى الناس ، لا يضرك إذا لم تملك شيئا من حطام الدنيا الذى يزول ...

__________________

(١) سورة الطور آية ٧.

(٢) من حديث رسول الله" إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم ولا عشاء" جزء من حديث رواه مسلم.

(٣) شرح حديث عن أنس بن مالك رضى الله عنها قال : قال رسول الله" ما آمن بى من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم رواه الطبرانى ـ إسناده حسن ـ الترغيب والترهيب الجزء الثالث.

(٤) شرح معنى حديث نبوى عن فضل ترك الجدال.


لقد خلق الله سبحانه آدم عليه‌السلام بيديه وليس بالأمر كن ، وهو دليل العناية من الله بهذا المخلوق الذى أسجد له ملائكته .. ، وجعل فطرته السليمة تهتدى إلى الخير قبل أن يشرع له ، ولنا مثل فى عمر بن الخطاب رضى الله عنه حيث كان ينزل القرآن وفق ما يتمنى .. ، إنه ميثاق الذر" أ لست بربكم .." ، إن لله تعالى حكمه فى كل شىء .. ، لقد نزل القرآن منجما تثبيتا لقلب النبى والصحابة .. ، ولكى يكون مناسبا مع الموقف وزمنه .. ، ومراعاة لعقول الناس حتى يسهل الاستيعاب .. ، وليكون نظاما لتلقى العلم حيث يراعى مستوى الطالب الذهنى فيعطى على قدر طاقته وكذلك لتيسير جمعه وسهولة حفظه .. ، فعلينا بطلب العلم فهو مؤنس الوحشة والصاحب فى الغربة .. ، وهو السلاح على الأعداء .. ، به يعرف الحلال والحرام وبه توصل الأرحام .. ، وبه يوجد الله ويعبد ، وهو ميراث النبوة وبه يبلغ صاحبه مرافقة الأبرار والدرجات العلى فى الآخرة .. ، والعلم يضئ القلب ويحلو كلما كررته حيث تتضح المعانى الغائبة بالتأمل ، لذلك كلما طلبت العلم حصلت على الكثير من عطائه بفضل الله ...

ولله قوم بحفظ الدين قد قاموا ، وبالعلوم ونشر الفضل قد هاموا .. ، يقول شجاع بن الوليد ، صحبت سفيان الثورى ذات يوم فما فتر لسانه عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ذهابا وإيابا .. ، (١) لقد أفلح من دعا إلى الله وتحدث بنعمه خلق سبحانه اللسان والشفتين ولو لا ذلك لما تحدث الإنسان أو نطق بالحروف .. ، ولو لا الأذن ما سمع الإنسان وما عرف أسماء الأشياء ، حيث ينطق الإنسان بما يسمع فسبحان الذى خلق ما ينفع .. ، وأمر بما فيه الخير .. ، حين خالف الصحابة أوامر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأرادوا الدنيا وجمع الغنائم كان تمكن الأعداء منهم ، وكسرت رباعية النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأشيع أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد قتل .. ، فالمخالفة معناها الذل والهلاك .. ، إن كل هذه النتائج كانت لخطأ أو مخالفة واحدة ، فما بالنا بمن يخالف كتاب الله وسنة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى نواحى متعددة .. ، إنها النتيجة الحتمية .. ، تداعى الأمم علينا من كل صوب

__________________

(١) أنظر كتاب ـ علو الهمة ـ باب علو الهمة فى الدعوة إلى الله ـ وشجاع بن الوليد عاصر سفيان الثورى ونقل عنه بعض المواقف.


لتدمير عدة المسلمين وهويتهم ومبادئهم .. ، وفى حنين حين أعجب المسلمين بكثرتهم أو شكت الهزيمة أن تحل بهم لو لا رحمة الله .. ، فليحذر الإنسان أن ينسى ربه ولو لحظة ، ربما كانت هى الخاتمة ، والأعمال بالخواتيم .. ، حين تكبّر فرعون ، كان هلاكه بسبب هذا الكبر .. ، وحين بخل أصحاب البستان على الفقراء ، أصبحوا وقد حرق بأمر الله .. ، وهلك قوم لوط وقوم صالح ، وقوم هود وثمود لأنهم خالفوا أوامر الله وعصوا الرسل وأصروا على فسادهم .. ، حين أوصى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدم الصخب والشجار فى رمضان كان التفسير العلمى هو إفراز هرمون الإدرنالين بكثرة ، وهو يضيق الأوعية الدموية الطرفية ويعمل على اتساع الشرايين التاجيّة فتزداد عدد ضربات القلب ويرتفع نسبة الكولسترول فى الدم مما يسبب تصلب الشرايين (١) .. ، وكانت وصيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم للصائم بأن لا يرفث ولا يصخب وإن سابه أو قاتله أحد فليقل إنى صائم (٢) .. ، ولقد أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن فى رمضان يزاد رزق المؤمن وبالفعل نجد ذلك فى رمضان .. ، إنها رسالة المعجزات .. ، ويكفى إعجاز القرآن الكريم أنه إذا قرئ بتدبر ومعرفة عبر القلوب ، لذلك فهناك مثلا خمسة عشر أوكرانيا أعلنوا إسلامهم حين استمعوا إلى الشيخ الخشت لخضوعه وجمال صوته .. ، إن من نذر نفسه لله وفقه الله لكل خير ، إن الحجر يلين له وربما تفجر بين يديه الماء .. ، لقد أخرج الله تعالى لصالح عليه‌السلام الناقة دما ولحما تدر لبنا من الصخرة الصماء .. ، ولقد أمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدم النفخ فى الإناء لأنه وسيلة لنقل العدوى حيث هناك البكتريا بالفم والتى تخرج مع النفخ أو النفس فى الإناء .. ، وأخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم" بأن قيعان البحر مسجرة بالنيران" (٣) وهى بالفعل كذلك وأخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن فى الصوم صحة للإنسان ، ولقد أثبت العلم الحديث أنه يقى من أخطار السموم ويهدئ الغريزة الجنسية ، وهو يساهم فى عدم تكوين حصيات الكلية وإذابة بعض الأملاح ويساهم فى علاج مرض السكر وضغط الدم ويقى جهاز

__________________

(١) أشاره عن الإعجاز القرآنى ـ مجلة منار الإسلام ـ عدد خاص عن شهر رمضان.

(٢) شرح لمعنى حديث رواه البخارى" .. فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب .." الترغيب والترهيب ـ الجزء الثانى رفث

(٣) من حديث قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز فى سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا" أخرجه أبو داود فى سنته ٢٤٨٩ ـ سنن أبى داود ـ كتاب الجهاد والبيهقى ـ الجزء الرابع ص ٤٤٣.


المناعة حيث تزداد الأجسام المضادة فى الجسم وتنشط الردود المناعية نتيجة لزيادة البروتين الدهنى منخفض الكثافة .. ، إنه الدين الحق والخير .. ، لقد أعد الله تعالى لأهل الجنة الكثير من الخير ، ومنه نظرة سبحانه إليهم وأنه لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين .. ، ورضوان الله تعالى عليهم أكبر حيث يديم عليهم هذا النعيم .. ، ويكفى أن الله تعالى" يتولى الصالحين" .. ، يوصينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكون زادنا من الدنيا كزاد الراكب .. ، ولا بد أن ندرك أن الصدقة برهان الإيمان ، وأن صلة الرحم تجعل الله تعالى يتقبل العمل ويبسط الرزق ، ويبارك فى العمر .. ، وعلينا أن ندرك أننا فى اختبار وأن علينا واجبات كالعمل والدعوة إلى الله ، والتربية الصالحة ونصرة المسلمين وإطعام الفقير وغير ذلك ، وهناك الأعداء فى الخارج حيث يتربصون لتنصير المسلمين ووقف الإغاثة فى المحن الاقتصادية ، والمناداة بتحرير المرأة ومساواتها بالرجل ونشر الفرق المختلفة والسيطرة على الإعلام .. ، وهناك إبليس حيث ترتفع حوادث قتل الأبناء .. ، وقتل الآباء .. ، والزنا .. ، والمقاهى والفساد حتى فى ليل رمضان وربما نهاره رغم أن مردة الشياطين تسلسل .. ، فعلينا أن نتخذه عدوا .. ، ونأخذ الكتاب بقوة .. ، ونحمد الله أن ربنا الله .. ، جعلنا مسلمين وهدانا للإيمان والعلم واليقين بأعلى معرفة وأصدق حديث ...

لقد قام الإسلام على أسس الخير كلها فهو يقوم على أساس التحرر الوجدانى من كل استعباد وخضوع فلا خوف ولا خضوع إلا لله .. ، وهو يقوم على أساس المساواة فلا فرق بين عربى ولا أعجمى إلا بالتقوى .. ، ويقوم على أساس التكافل بكل صورة" والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه" (١) ، فرعاية الوالدين والزوجة والأولاد ومساعدة المحتاجين كلها من صور التكافل التى أمر الله تعالى بها وجعل عقوبة المقصر فيها من أشد العقوبات" فلا يدخل الجنة قاطع رحم." (٢) .. ، ولا يدخل الجنة عاق لوالديه (٣) .. ،

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) من شرح حديث ـ عن جابر رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام والله لا يجدها عاق ولا قاطع رحم" رواه الطبرانى ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الرابع ص ٤٩٤.

(٣) يشير إلى ذلك معنى الحديث السابق.


وأخبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما أشرنا سابقا أنه لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم .. (١) ، فعلى المسلم أن يعيش كأنه يسير على الصراط ، حيث لا بد من المرور عليه ومن أسفلنا النار تغلى ويسمع شهيقها ، فهل تتيقن يا من كنت مقصرا فى الصلاة أن تعبر الصراط كالبرق وهو أرق من الشعرة واحد من السيف .. ، وهل تتيقن يا من كنت تصلى فرضا وتترك الآخر أن تمر كالبرق دون أن تقع فى النار .. ، وهل تثق يا مدخن .. ، يا من تقبل النار وتبتلع دخانها منذ سنين أن تمر كالبرق ولا تقع فيها .. ، إنها محنة لو تصورها كل إنسان لما ضحك أبدا .. ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا .." ، ولو سمع الناس عذاب القبر لصعقوا وما تدافنوا ، يقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم "لو لا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر .." (٢) لقد زلزل الذين من قبلنا حتى قالوا متى نصر الله .. ، ولقد اجتهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الدعاء فى غزوة بدر حتى سقط رداءه من فوق كتفيه .. ، والله ينصر المظلوم لذلك لا بد أن يكشف صاحب الجريمة ولو بعد حين .. ، والله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضا والبركة ومن سخط فله السخط .. (٣) ، إن تارك الصلاة يضرب فى قبره فيصرخ صرخة يسمعها كل شىء إلا الثقلين وهم الإنس والجن (٤) لذلك نفرت دابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين مر بها على قبر أحد المشركين .. ، وكل إنسان يحمل ذنوبا لا يعلمها إلا الله ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو تكاشفتم ما تدافنتم .. ، فعلينا بالتوبة والرفق بكل شىء .. ، ولين الكلام .. ، وإطعام الطعام .. ، وقيام الليل .. ، حتى تضاء قبورنا ، وحتى نعبر الصراط كالبرق .. ، وعلينا أن ندرك أن هناك ثلاث محن لا يذكر أحدنا أهله عندها كما أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهى عند عبور الصراط وعند تطاير الصحف .. ، وعند الميزان .. ، فما يجعلك تعبر الصراط دون عناء ، صلاة الجماعة ، فمن صلى الصلوات الخمس فى جماعة جاز على الصراط كالبرق اللامع وجاء يوم القيامة وجهه كالقمر ليلة البدر ، وكذلك صلة الرحم ،

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) رواه مسلم ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الرابع ـ دار الريان.

(٣) الرضا عن الله ـ للحافظ بن أبى الدنيا ـ وفى الحديث الصحيح" إن الله عزوجل يبتلى عبده فيما اعطاه ـ. فمن رضى بما قسم الله له بارك الله له فيه ووسعه ، ومن لم يرضى لم يبارك له فيه اسناده صحح ـ اخرجه أحمد (٥ / ٢٤).

(٤) فى عصرنا ظهرت آية ، فحين أخرجوا شابا من قبره خلال يوم دفنه ـ لاحظ الناس بياض شعره ، وآثار التعذيب حيث كان لا يصلى .. ، وهناك من يضيق قبره فلا يتمكن الناس من إدخاله .. ، وهناك قصة الرجل الذى تنصر وكذب على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلفظه القبر ، فعلينا أن نعتبر من الآيات .. ،


وتسهيل أمور المسلمين والرحمة بالخلق .. ، ولكى تأخذ كتابك بيمينك لا بد من التواضع وعدم الكبر ، والإخلاص فى سائر العبادات والخشوع فيها ومراقبة الله فى كل شىء ولكى يثقل ميزانك عليك بالصدقة .. ، فالعبد يتصدق بالدرهم فيلقى الله وهو مثل الجبل .. ، ويخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أثقل شىء فى ميزان العبد يوم القيامة الصمت وحسن الخلق .." (١) .. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن" سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم .. ، " (٢) كذلك فإن قراءة القرآن كل حرف بعشر حسنات والصفحة الواحدة يفوز قارئها بما يقرب من خمسة آلاف حسنة تثقل ميزانك يوم القيامة ، فلا يمر يوم عليك دون أن تقرأ جزء أو نصف جزء أو ما تيسر من القرآن .. ، داوم على ذكر الله واجعل لسانك دائما رطبا بذكره سبحانه ليظل عداد حسناتك يعمل ليل نهار حتى لا تغلبك السيئات التى يحاربك بها الشيطان .. ، ولا تنس غض البصر والإعراض عن اللغو والغيبة حتى لا تضيع كل ما تعمل وتصبح مفلسا يوم القيامة رغم فعلك كل الخيرات السابقة .. ، وكن أخى المسلم من الصالحين ، فإن الله تعالى يصلح بالرجل الصالح ولده وولد ولده ودويرات حوله ولا يزالون فى حفظ الله ما زال فيهم ، واعلم أن الهدى رغم كل ذلك من الله .. ، واعلم أن ما يزيد إيمانك طهارة القلب فلا يكن فى قلبك مرض يضعفك أمام الشهوات ، ولا تشغل فكرك وقلبك إلا بذكر الله تعالى وما سمح به .. ، إن ذرة من أعمال القلوب تعدل جبالا من أعمال الجوارح .. ، واحذر خلف الوعد فإنها من خصال المنافقين (٣) .. ، وأد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك .. ، ولا تتبع عورات الناس حتى لا يفضحك الله ولو كنت فى جوف بيتك .. ، وما يزيد الإيمان أيضا الانشغال بالله وذكره ، وقراءة القرآن ، والمداومة على الطاعات ، ولقد كانت أعمال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ديمة أى مداومة على الطاعات ، كما أخبرت السيدة عائشة .. ، كذلك مجالسة الصالحين وغض الطرف عن

__________________

(١) شرح معنى حديث قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" يا أبا ذر أ لا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل فى الميزان من غيرهما؟ قال بلى يا رسول الله قال عليك بحسن الخلق وطول الصمت" جزء من حديث رواه ابن أبى الدنيا ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث

(٢) أخرجه البخارى ـ صحيح الدعاء المستجاب ص ١٥.

(٣) قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف. وإذا اؤتمن خان .. ، متفق عليه ـ رياض الصالحين.


الحرام ، والإخلاص فى العمل ، " فمن أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له" ولقد أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أنه ما من عمل أنجى من عذاب الله من ذكر الله ، قالوا ولا الجهاد فى سبيل الله ، قال ولا الجهاد إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ثلاث مرات" .. وفى الحديث القدسى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن جبريل عليه‌السلام أنه قال سمعت رب العزة يقول : " لا إله إلا الله حصنى ومن دخل حصنى أمن من عذابى" (١) .. ، ولو لا أن الشياطين تجوب حول بن آدم لرأى ملكوت السماوات فعلينا بالمداومة على ذكر الله ، والاستعاذة من الشيطان ، وتذكر الموت وأن الأعمال بالخواتيم. فمن ختم له بلا إله إلا الله مخلصا بها دخل الجنة .. ، وعلينا بالحركة فى الخير ، كالسمع والطاعة والجهاد والهجرة ولزوم الجماعة والدعوة إلى الله .. ، والنتيجة بركة فى العمر والمال والعلم والصحة كلها من رزق الله .. ، وعلينا بإمساك اللسان" فلا يكبّ الناس على مناخيرهم فى النار إلا حصائد ألسنتهم .. (٢) " وعلينا بلزوم الطاعة فالله تعالى لم يجمع الأمة على ضلالة ، ومن فارق الجماعة قيد شبر ، فقد خلع ربقة الإسلام .. ، ولنحذر من ثلاثة أشياء تمنع النطق بالشهادة قطع الرحم ، وعقوق الوالدين ، والإصرار على الكبيرة .. ، فيجب عليك أن تقسم رحمك إلى أقارب للأب وأقارب للأم وتقوم بزيارة الجميع بعد كتابة أسمائهم جميعا وتكرر الأمر حتى يبسط الله لك فى رزقك ويبارك فى عمرك .. ، كذلك فإن صلة الرحم يتوقف عليها قبول أعمال العباد .. ، فلا يدخل الجنة قاطع رحم أو نمام أو عاق لوالديه .. ، وينصح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشيرته بالعمل وأنه لا يملك لهم شيئا بقوله" غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها" (٣) .. ، وهى كناية عن أن الصلة تشبه سقى الماء للزرع .. ، ومن وصل الرحم وصلة الله ومن قطعها قطعه الله أى لا يتقبل منه عمل أو صيام أو صلاة أو غير ذلك من سائر العبادات .. ، فالحمد لله أن ربنا لا يأمر إلا بالخير .. ، والحمد لله أن ربنا الله .. ، والحمد لله على نعمة الإسلام .. ، ونسأل الله أن لا يجعل الدنيا هى غاية همنا حتى لا يفرق شملنا .. ، وأن يجعل الآخرة هى غاية همنا حتى يجمع شملنا ، ويجعل الغنى فى قلوبنا ، وتأتينا الدنيا وهى راغمة ...

__________________

(١) أنظر صحيح صحيح الأحاديث القدسية ـ مصطفى العدوى ـ عن فضل الذكر.

(٢) شرح حديث رواه الطبرانى وفيه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخيرهم فى النار إلا حصائد ألسنتهم" الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث ـ ص ٥٢٥ ـ دار الريان للتراث.

(٣) من حديث رواه مسلم ـ رياض الصالحين ص ١١٩.


٨ ـ إعجازات ومواقف للعبرة والتذكرة

إن فضل الله تعالى على الإنسان كبير فهو الذى بشره بالجنة إن عمل صالحا وحذره من النار إن أساء وظلم نفسه .. ، وبقدرته يذكرنا من فترة لأخرى ببعض المواقف الواقعية حين ينشغل الناس بالدنيا ، حتى تبدو التذكرة واضحة كفلق الصبح ، فهناك الطائرة التى تحطمت فى إحدى البلاد وانصهر الحديد وتفحّم من فيها إلا المصحف الشريف (١) وهذا يذكرنا بالموقف الذى حدث فى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث أكلت الأرضة كل ما فى الصحيفة الجائرة التى كتبها المشركون لمنع تجارتهم عن المسلمين ، ولم يبق فى الصحيفة سوى اسم الله وكان ذلك سببا فى فك الحصار عنهم حين أخبرهم أبى طالب بوحى الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن هذا الأمر .. ، وهناك الدجاجة التى يشاهد الناس على بيضتها بخط واضح لا إله إلا الله ، وسعف النخل الذى يكون اسم الله واسم محمد بخط واضح بديع ، وأقراص العسل المكتوب عليها كلمة التوحيد والأرقام بعدد أسماء الله الحسنى على يد الإنسان ، والميكروسكوب الإليكتروني الذى صور سلاسل الهيموجلوبين فى جسم الإنسان تكون اسم الله واضحا باللغة العربية ، وحلقات القصبة الهوائية التى تبدو على حلقاتها لا إله إلا الله ، وهناك المواقف التى نأخذ منها العبر ، والتى حدثت فى عصرنا. كما أشرنا فى الفصول السابقة والتى نكررها للتذكرة ، فلقد كانوا يحفرون ترعة بإحدى البلاد ، وكلما حفروا يتقوس الحفر فى مكان معين ، فاحتار العاملون وأرسلوا للمسئولين يخبرونهم عن ذلك ، فلم يصدقوهم حتى تأكدوا من ذلك من خلال رؤية لأحد هؤلاء المسئولين حيث جاءه رجل صالح يخبره أن مجاهدا قتل فى هذا المكان ، وربما حدث ذلك فى عصر الفتوحات الإسلامية ، فقاموا بتخصيص هذا المكان لبناء مسجد لأهالى المنطقة هناك ... (٢) وهذا الرجل الذى كان يذهب إلى عمله ليلا فيقول قبل أن يخرج ويترك أهله وأولاده ، استودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه فيأتى لص ليسرق المنزل فلا يجد فيه

__________________

(١) أنظر كتاب صنع الله ـ عبد الرازق نوفل.

(٢) حكى لى ذلك رجل يسكن بجوار تلك المنطقة.


أبوابا ولا نوافذ ، فأخذ يدور فى كل مكان فلم يجد بابا ولا نافذة ، فسبحان الله الحفيظ الذى يحمى عباده الذاكرين .. (١) " ، وهناك من تصدق على امرأة كانت تجمع العظام من أمام أحد الجزارين بالحى ، وحين نهرها الجزار سألها الرجل ، لما ذا تجمعين العظام؟ فقالت : أصنع بها مرقا لأولادى فتأثر الرجل من كلماتها وأعطى للجزار مبلغا ليعطيها من اللحم ما تريد حين تأتى إليه وكان هذا الرجل ستجرى له عملية دقيقة فى القلب ، وبعد هذا الموقف ذهب لعمل الفحوص اللازمة استعدادا للعملية ، فتعجب من إخبار الأطباء له بأن العملية قد أجريت وأن صمامات القلب قد عادت لطبيعتها وحين سأل الرجل أهل العلم كانت الإجابة أنه طبق سنة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإرشاده" داووا مرضاكم بالصدقة .." ، وهناك من استخفوا بكتاب الله فى إحدى البلاد وبارزوا الله بالمعاصى على إحدى القواعد البحرية بمياه أحد الشواطئ ، فأظلتهم سحابة ثم ابتلعتهم الأرض وتبع ذلك زلزالا ابتلع قرى بأكملها (٢) وتلك الفتاة التى أخذت المصحف من والدتها وألقت به على الأرض فمسخ الله صورتها وقد فعلت ذلك لتستمع إلى الغناء يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" سيكون فى آخر الزمان خسف وقذف ومسخ إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر" (٣) .. وهناك من كان يعذب المؤمنين ويقول متجبرا حين يستغيثون بالله ـ أين إلهكم لأضعه فى الحديد؟! فتصطدم سيارته بشاحنة تحمل حديدا ، فيدخل الحديد فى جسده من أعلى رأسه إلى أحشائه ، وعجز المنقذون أن يخرجوه إلا قطعا .. ، لقد أهلكه الله بالحديد عقابا على جرأته على ربه ، وكان الجزاء من جنس العمل .. ، وهناك من كان بينه وبين رجل إحدى المشكلات ، وقام أحدهم بضرب الآخر حين رآه جالسا بالمسجد ، فحزن الرجل ولم يقم من جلسته ، فقال له الناس حين رأوا أثر الحزن على وجهه ، لا تحزن وسامحه ، فقال : إن سامحت فى حقى فرب البيت له حق ، وبالفعل قبل أن يصل المعتدى إلى منزله ، إنهارت على

__________________

(١) ذكر ذلك الشيخ أحمد ربيع ـ أحد علماء الأزهر ـ عن موقف عاصره ـ وتاب هذا الرجل على يديه.

(٢) حدث ذلك فى تركيا ـ كما أشرنا من قبل.

(٣) صحيح رواه الترمذى والطبرانى فى الكبير والأوسط.


رأسه شرفه أحد المنازل .. (١) ، وهناك من العباد الصالحين اللذين ضحوا بأنفسهم فى سبيل الله وكانوا من الشهداء فكانت رائحة المسك تفوح منهم كلما اقترب منهم إخوانهم المسلمون بعكس أعداء الله وذلك فى حرب أكتوبر اللذين كانت تفوح منهم الرائحة الخبيثة ويعوون كالذئاب قبل موتهم حرصا منهم على الحياة .. ، لكن المسلم الشهيد كما أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يشعر بالموت إلا كقرصة النحلة ، فهناك الشهيد الذى شقت بطنه نصفين وخرجت أمعاؤه خارج بطنه وجرحت يده جرحا بسيطا وهو لا يشعر بما حدث له ويبتسم وهو ينظر فى جرح يده البسيط ، وفجأة يقول ريح الجنة والله .. ، الحور العين قادمات .. ، ثم يقابل ربه شهيدا ... ، وهناك الكثير من المواقف والعبر التى هى من آثار رحمة الله ليتذكر المسلم ويزداد اللذين آمنوا إيمانا ويظل فى قلوبهم الثبات حتى الممات ولتكون لهم عند ربهم الحياة الدائمة وقد رضى الله عنهم ورضوا عنه. ونبشر فى النهاية بقسم أحد المجاهدين اللذين رأوا الملائكة بالفعل فى إحدى المواقع التى ارتفعت بها صيحات المقاتلين الله أكبر ...

٩ ـ القرآن الكريم والإعجاز فى كل عصر

إن القرآن الكريم سيظل عطاء زاخرا بكل ألوان الإعجاز كلما تقدمت البشرية ، وذلك فى كل مجالات العلوم ، وذلك فى كل عصر مهما بلغت البشرية من أساليب التقدم ، فحين صعد الإنسان إلى القمر ومر على آيات الله تعالى فى السماء كما مر عليها من قبل فى الأرض ، نجد قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ ، وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (٢).

وبالفعل فإن المرور عليها فى الأرض من خلال السير والتأمل ، والمرور عليها فى السماء هو إشارة وإثبات لعبور الإنسان للفضاء والمرور على تلك الآيات من خلال سفن الفضاء وغيرها من الوسائل الفضائية الحديثة .. ، وكذلك حين أثبت علم التشريح أن التكوين التشريحى فى المخ بالنسبة للنساء يختلف عن التكوين التشريحى

__________________

(١) ذكر ذلك إمام أحد المساجد عن موقف عاصره بنفسه.

(٢) سورة يوسف الآيات ١٠٥ ـ ١٠٦.


فى المخ بالنسبة للرجال فى بعض الخصائص حيث حددوا بالنسبة للنساء مركز الذاكرة ومركز الكلام وفى ناحية أخرى وجدوا مركزا آخر للكلام ، وذلك يفسر ما يغلب على النساء من كثرة الكلام والثرثرة حين تكون الفرصة لذلك .. ، (١) ومن هنا نفهم الحكمة من الإشارة القرآنية فى جعل شهادة الرجل بامرأتين حيث أن الكلام يغلب على الذاكرة بالنسبة للنساء فحين تنسى أحدهما تذكرها الأخرى كما وصفت الآية الكريمة ، ويبدو الإعجاز فى ملاحظة العلماء أن للرجل مركزا واحدا للكلام والذاكرة تحل محل مركز الكلام الآخر بالنسبة للنساء ، لذلك فالرجل يفكر أكثر مما يتكلم به ويستطيع أن يحكم الأمور بميزان الحكمة الناتجة عن فكرة فى الأشياء بعكس الطابع الجدلى بالنسبة للنساء فى ميزان الأمور .. ، إن القرآن الكريم يعطى المزيد من إشارات الإعجاز كلما كان التفكر والبحث والرغبة فى الوصول إلى معرفة الله تعالى الخالق الوهاب ، فمثلا حين ندرك فى واقعنا أن الإنسان لا يشقى إلا طلبا لأربع حاجات أساسية وهى الطعام والشراب واللباس والمسكن ويرتب الناس تلك الحاجات الأساسية بقولهم الطعام والشراب واللباس والمسكن ، وهم يضعون الطعام والشراب فى مجموعة لأنها حاجة البطن ويضعون اللباس والمسكن فى مجموعة لأنها حاجة الجسم والهيئة.

ولكن القرآن الكريم صور تلك الحاجات تصويرا مخالفا لما يتصوره الناس يقول تعالى (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى ، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى ، وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) .. ، وهذا التقسيم هو بالفعل ما توصل إليه العلماء فى عصرنا من ارتباط كل مجموعة بقرينتها استنادا إلى التفسير العلمى الواضح فى تلك المسألة ، فالطعام اللازم للإنسان فى حالة الجوع هو الطاقة المحركة له والباعثة على النشاط فى صورة الحرارة اللازمة لأداء وظائف الجسم المختلفة ولكى يتم الحفاظ على هذه الحرارة لا بد أن يحافظ عليها الإنسان بأن لا يعرى ولا يتعرض للبرد حتى لا تختل وظائفه .. ، كذلك فإن الحرارة الزائدة فى

__________________

(١) ذكر ذلك الشيخ عبد المجيد الزندانى فى حديث له عن نواحى الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم.


الجسم تحتاج إلى الرى وهو عدم الظمأ لكى يتخلص من الحرارة الزائدة فى صورة العرق وإذا تعرض الإنسان لحرارة الشمس الشديدة فإن هذا الجهاز العرقى يتلف حيث تختنق القنوات العرقية تحت الجلد وتضيق فتحتبس الحرارة الزائدة فى جسم الإنسان ويحدث ما يسمى بضربة الشمس أو الاحتباس الحرارى ، (١) لذلك فإنه مع ضرورة ألا يظمأ فهناك ضرورة ألا يضحى ، أى لا يتعرض للشمس وذلك بوجود المسكن الذى يأويه من شدة حرارة الشمس ، إنه التناسق والترابط والإعجاز القرآنى الذى سيظل يبدو ويتضح لنا على مر الزمن ...

١٠ ـ طلاقة القدرة وخوارق العادات

لقد خلق الله تعالى الكون بقدرته فى نظام رائع ، بقدر ما تحتاج البشرية ، وما ينفع الإنسان خليفة الله فى أرضه ليعمرها ويقيم شرعه ويشكره على نعمه ، فالشمس تشرق فى الصباح ليكون السعى والعمل وتغرب فى المساء ليستريح الإنسان بعد الشقاء والتعب ، وحين يعتاد البشر على ذلك نجد التذكرة من الله تعالى ببعض الظواهر الغريبة على غير العادة ككسوف الشمس وخسوف القمر وهى ظواهر كونية تشير لنا بطلاقة قدرة الله وأنه القادر على تغيير النظام الكونى فى لحظات .. ، والإنسان يخلقه الله تعالى بخمسة أصابع فى يده لكننا نجد أحيانا طفلا يولد بستة أصابع فى يده أو يزيد .. ، والإنسان له قدرات محدودة فلا يستطيع أن يجر العربة أو يأكل الزجاج بأسنانه ، لكننا سمعنا ورأينا أشخاصا لهم قدرات فائقة لا يصدقها عقل ، فهناك من يأكل فتات الزجاج ويبتلعه وآخر يبتلع سكينا حاده وآخر يرفع شاحنة مقطورة ضخمة هائلة بيد واحدة .. ، ومن لطف الله تعالى أن تلك العجائب الخلقية ليست فاشية بين الناس ولو كان ذلك لكان داعيا إلى الفساد والبغى فى الأرض والغرور ، ويرى أحد العلماء موقفا يقول فيه إنى لا أنسى ولا يبرح مخيلتى مشهدا قديما منذ أربعين عاما أو يزيد ، حين كان يسير فى القرية فشاهد رجلا غريبا فيها يطلب المساعدة بقرش أو قرشين ولما كان له ما أراد عرض أن يريهم لعبة طريفة

__________________

(١) أنظر مجلة الإعجاز العلمى ـ عن الإعجاز فى معنى الآية الكريمة.


مع ابنه الصبى الذى لا يتجاوز سبع سنوات ، يقول : وفوجئنا بالرجل يطرح ابنه على ظهره معتدلا مطروحا على الأرض وهو يبتسم ، ثم يقف أبوه على صدره بحذائه ، ولقد كان الرجل فى عمر يناهز الأربعين عاما ويزيد تقريبا على الثمانين كيلوجراما بالتقريب ، وكان ابنه نحيلا ، ومع هذا فقد وقف الرجل مطمئنا ثابتا على صدر الابن ، ولقد نظر الابن مبتسما مشيرا بأنه لم يشعر بأدنى تعب أو إرهاق ، فلم تنكسر أضلاعه .. ، ولم ينطبق صدره على بعضه .. ، ولم يحدث له أدنى أذى أو مكروه ، (١) وهناك الأعجب من ذلك حيث يثنى الشخص بعظام جفنيه العملة الصلبة من المعدن ، ولقد سمعت ذلك ممن شاهد هذا الأمر بالفعل أمام عينيه. وليس البدن وحده الذى يتميز بهذا الإعجاز فى الخلق ولكن النفس أيضا بما تحتويه من أسرار ومكنونات وأحلام وطلاسم لا يعلمها إلا الله تعالى يبدو فيها أيضا طلاقة القدرة ومختلف صور الإعجاز ، فهناك أشخاص لهم القدرة على حل المسائل الرياضية المعقدة على الرغم من ضآلة علمهم ورصيدهم من المعرفة ، أو على الرغم من صغر سنهم ، فهذا هو الرجل الضرير الذى يحل أعقد المسائل الحسابية أسرع من البرق ، ومنذ ما يقرب من ثلاثين عاما شوهد فى التليفزيون أكثر من مرة فكانت تعطى له عمليات حسابية معقدة طويلة فيحلها فى أقل من دقيقة مما أدهش الناس .. ، وهناك ظاهرة الإحساس عن بعد Remote Sensation وظاهرة قراءة الأفكار entxt Telepathy entxt وليس هذا غريبا فلقد خلق الله تعالى الإنسان من الطين ثم نفخ فيه من روحه ومن تلك الروح تكون الطاقات المتولدة التى يمنحها الله للبشر ويسمح بالقدر الذى قدرة للإنسان ويزيد بما يشاء .. ، فهناك الإنسان الذى يرى الكثير من الصور والأحداث رغم نومه .. ، وهناك من يتعرض للصدمات النفسية فتتولد فيه طاقات قد تصل إلى أنه دخل مكانا معينا يحتوى على التحف والتماثيل المعدنية فتتساقط كلها بمجرد دخوله هذا المكان مما آثار دهشة الجميع حتى عرفوا فيما بعد أن هذا الشخص تعرض لأزمة نفسية سببت له حزنا شديدا وصل به إلى أنه يصدر منه مجالا قويا يشبه المجال المغناطيسى يؤثر على

__________________

(١) ذكر ذلك الدكتور السيد الجميلى فى كتاب الإعجاز العلمى فى القرآن.


الأشياء من حوله .. (١) ، وقد يصل الإنسان بحادث يتعرض له كالسقوط من أحد الأماكن العالية بأن يوقظ ذلك شيئا من مكنونات العقل المليء بالأسرار التى قدرها الله تعالى فى الإنسان ، إنها طلاقة قدرة الله تعالى لندرك أن ما يخبرنا به الله تعالى من عجائب الغيب إذا حدث من البشر وهو المخلوق الذى شكله الله تعالى من الماء المهين ، فما بالنا بخالق السماوات والأرض ، لذلك يخبرنا الله تعالى بتلك الحقيقة وبأنه يزيد فى الحلق ما يشاء وذلك قوله تعالى (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) (٢).

ولا ننسى أن نفرق بين ذلك وبين ما يأتى به السحرة حين يعاونهم الجن فى الإتيان بغرائب الأمور ، كأن يقف الجنى أمام الشخص ويضربه الآخر بالسيف فيبدو الفراغ بينهما كأنه قسمه إلى نصفين .. ، أو غير ذلك من الأمور والمواقف التى يسحر بها الساحر أعين الناس ، والزيادة فى الخلق هى طلاقة قدرة الله تعالى فهناك بعض المواهب والقدرات الروحية والنفسية التى يمنحها الله سبحانه لمن يشاء .. ، كظاهرة الجلاء السمعى وهى سماع الشخص أصواتا خفية دون استخدام حاسة السمع العادية والجلاء البصرى هو رؤية الشخص لصور وأحداث دون استخدام حاسة البصر العادية ودون معاينة المكان أو الزمان .. ، وهناك حاسة رؤية الأشياء والأحداث قبل وقوعها فى المستقبل دون أى مؤشرات تشير إلى حدوثها بعد حين ، وقد أشار صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه فى آخر الزمان" لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا .. ، (٣) أى أن المؤمن سيجد تحقق الرؤيا كفلق الصبح وهذا من فضل الله تعالى .. ، ولنا مثل فيما حدث مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين صعد المنبر ووقع فى خاطره أن جيش المسلمين قد لاقى العدو وهو فى بطن الوادى وقد هموا بالهزيمة وبالقرب منهم كان الجبل فنادى عمر رضى الله عنه بأعلى صوته يا سارية الجبل" أى اجعل الجبل خلفك وأنت تقاتل ، فألقى الله تعالى فى سمع سارية صوت الصحابى عمر فانحاز إلى الجبل حتى كان النصر بإذن الله .. (٤) ، إن الأفكار ليست أمواجا محصورة

__________________

(١) أنظر كتاب" حقائق غريبة ومثيرة" عن خوارق العادات.

(٢) سورة فاطر الآية ١.

(٣) جزء من حديث رواه البخارى ومسلم ـ أمارات الساعة ص ٤٩.

(٤) هذه الرؤية أخرجها الواقدى فى المغازى عن أسامة بن زيد بن اسلم ـ عن أبيه ـ عن عمر رضى الله عنه وهى عند البيهقى فى الدلائل ـ والألكائى فى شرح السنة ـ وتاريخ الطبرى ٤ / ١٧٨.


أو جامدة بل هى أمواج متحركة ديناميكية لها خاصية الذيوع والانتشار ، فقد تريد مخاطبة إنسان فى مكان بعيد وتفكر فى ذلك لأمر ما يشغلك فتجد أنه فجأة يطرق بابك أو يحدثك فى الهاتف وغير ذلك من المواقف التى تحدث ويشهد عليها الواقع ، لذلك فإن العالم غير المنظور أصبح محلا للدراسة الآن ويشغل أبحاث العلماء وفيه الكثير من الغرائب والعجائب التى هى فى الحقيقة طلاقة قدرة الله تعالى ، وقد أثبت علماء الأثيريات والتخاطب عن بعد وهى الظاهرة التى يسميها الغرب التليباثى أو التلبثة entxt Telepathy entxt أى انتقال الأفكار من عقل ووجدان وفكر شخص واع إلى عقل ووجدان وفكر شخص غيره سواء كان واعيا أم غير واع ، اصبحت مسألة يقينية مقطوعا بها ، ولم تعد ضربا من التخمين وبغير ضرورة لوجود وسط فيزيقى مادى يتم عبره ومن خلاله الانتقال ، إنها طلاقة قدرة الله الذى يزيد فى الخلق ما يشاء. ، فمثل هذه المواقف والظواهر كتوارد الخواطر وقراءة الأفكار وسماع الصوت من بعيد كما حدث مع الصحابى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، هى تذكرة ولفتة هادفة من الله تعالى ليذكرنا أنه يعلم ما توسوس به النفس كما أشار بذلك فى القرآن الكريم ، فإذا كانت تلك الظواهر يمنحها سبحانه للبشر وهو المخلوق فما بالنا بالخالق للبشر وللكون كله والذى يعلم السر وما يخفى.

١١ ـ الظالمين ووعد الله

ظلت لعنة الله على اليهود منذ زمن بعيد وقبل ظهور الإسلام بسبب ما اقترفوه من الذنوب كعبادة العجل وقتل الأنبياء ومخالفة أوامر ربهم ، فعذبهم فرعون كثيرا وذبح أبناءهم واستباح ملكهم حتى هاجروا إلى فلسطين وسلط الله عليهم بعد ذلك ملوك الأشورين والبابليين حيث استولوا على أملاكهم وقادوهم أسرى وعذبوهم عابا شديدا وأخرجوهم من فلسطين .. ، ثم رجعوا مرة أخرى تحت الحماية الفارسية وأسسوا مملكة يهوذا ثم ما لبثوا حتى أرسل الله إليهم ملوك الإغريق يسومونهم سوء العذاب ، ثم ملوك سوريا حيث أثقلوا كواهلهم بالضرائب


وقتلوا منهم عددا كبيرا .. ، وحوالى سنة ٦٣ ق. م وقعت فلسطين تحت حكم الرومان وعندها تم ذبح احبار اليهود فى المحراب وهلك ما يقرب من اثنى عشر ألفا من اليهود وأذاق الرومان اليهود سوء العذب وقمعوا كل المحاولات التى بذلوها لإعادة مجد بنى إسرائيل فقاموا بثورة سنة ٧٠ ق. م فأمر الملك تيتوس بإحراق معابدهم وذبح عددا كبيرا منهم وهرب الباقون إلى الجبال ثم عادوا إلى أورشليم القدس مرة أخرى وقاموا بثورة ضد الرومان فما كان من الامبراطور هارديان إلا أن هدم المدينة وأمر بذبح الآلاف من اليهود وبيع الباقين وتم تشريدهم فلم تقم لهم بعد ذلك قائمة ومزقوا شر ممزّق ، فهاجرت طائفة إلى شواطئ الفرات وطائفة إلى بلاد العرب ، وطائفة إلى الأفغان وطائفة أخرى إلى الهند والصين ، وأقامت طائفة فى أوربا حيث كانوا موضع الإهانة والسخرية والعذاب وتحملوا أشد ألوان العذاب والاضطهاد .. ، وبعد ظهور الإسلام ، كانت المعاهدات بين المسلمين وبينهم ، فلم يتدخل المسلمون فى عبادتهم واحترموا بيعهم وكذلك احترموا كنائس المسيحيين ورجال دينهم ولكن ظلت العداوة بين اليهود والمسيحيين وذلك لأن المسيحيين يحملون اليهود تبعة دم المسيح والسبب الآخر أن اليهود اشتغلوا بجمع المال ولو بالربا الفاحش فازداد ثراؤهم فتعرضوا لحرب الله عليهم بأن سلط عليهم كل من أصابته ضائقة لاغتصاب أموالهم فذاقوا الويل فى بلاد أوروبا وغيرها ... ، ومنذ خانوا العهود مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت الغزوات المتتالية كخبير وبنى قينقاع وغيرها .. ، حيث طردهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المدينة تماما .. ، وفى اوربا حين لجأوا إلى أسبانيا ذاقوا ألوان العذاب حيث اعتبرهم ملوك اسبانيا كالعبيد واستغاثوا بالمسلمين وطلبوا من موسى بن نصير أن يخلصهم من هذا الظلم ، وحين فتح المسلمون بقيادة هذا البطل بلاد الأندلس تمتعوا بالحرية والاطمئنان بعد الذل والاستعباد ، وفى بقية البلاد الأوربية أغلقت دونهم أبواب الرحمة فكانوا يذبحون ويقتلون كأنهم نعاج حيث اعتبروهم سبب كل فتنة تصيب رجال المسيح ففي ألمانيا تم إلقاء المئات منهم والألوف فى النيران ، وهاجروا إلى غرب أوربا فكان المسيحيون يبتكرون الأسباب للانتقام منهم ومصادرة أموالهم وكان الجميع يعتبرون


قتلهم من أعمال البر وكان اليهود يشترون حمايتهم بالمال ، وكانوا يسكنون فى نواحى نائية من المدن ترتع فيها الأوبئة وكانوا يلزمون بوضع علامات معينة على ملابسهم لتمييزهم من غيرهم ... ، ولقد طردوا من إيطاليا وطردوا من فرنسا وتم طردهم من النمسا وحولت بيعهم إلى كنائس وكانوا يدفعون الملايين من الأموال ليمكثوا عدة سنوات .. ، وفى مساكنهم كانوا يشدون الأبواب بالسلاسل من الحديد وحرموا من الزواج إلا بقيود تحد من نسلهم ، وفرضت عليهم ضرائب الإقامة والانتقال من مكان إلى مكان .. ، ثم جاءت الحرب العالمية الأولى فذاقوا الويل على أيدى الرومان وفى بولندا زادت حالتهم سوءا أثناء الحرب حيث كانوا يقتلون وتسلب منهم الأموال حتى سمحت لهم روسيا فى النهاية بالسكن فى بعض المدن الرسية ثم أعلنت البلشفية الحرب عليهم وذاقوا ألوان العذاب .. ، وما لبثوا حتى جاء القرن العشرون حيث كان ينتظرهم عذابا أشد مما لا قوة من قبل على يد هتلر والنازية فى ألمانيا حيث كانت خطتهم تقوم أولا على استئصال اليهود حيث صبت عليهم أعظم الكوارث حيث تكررت النداءات بإبادة يهود أوربا فتناقص عددهم فى بولندا وألمانيا والنمسا وبلجيكا وهولندا حيث نقص عددهم من الملايين إلى عدة مئات فى كل بلد وفى سنة ١٩٤٣ نقل الألمان نحو ٥٠ ألف يهودى فى عربات الموت من سالونيك إلى جهات غير معروفة ودمرت المعابد اليهودية وتم ذبح ثلاثة ملايين ونصف يهودى كالأنعام ، وأجملت الجمعيات الصهيونية عدد القتلى من اليهود فى الحرب العالمية الثانية بخمسة ملايين قتيل وكل ما سبق يثبت لنا الإعجاز القرآنى فى قوله تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).

وهم الآن فى فى علوهم الكبير كما وعد الله تعالى وسوف يبعث الله عليهم عبادا أولى بأس شديد يسومونهم أيضا سوء العذاب ، وإن وعد الله لآت ، ولن يتخلف وعد الملك الجبار الذى ملك الكون .. ، وقد قضى بأن لا يترك الظالمين .. ، ووعد بأن له

__________________

(١) سورة الأعراف الآية ١٦٧.


العزة ولرسوله وللمؤمنين .. ، وإذا نظرنا إلى صورة أخرى من صور الإعجاز القرآنى فى وعده سبحانه ، نجد مثلا تعدد الأحزاب المسيحية ونسيانهم الكثير من تعاليم دينهم فكانت النتيجة أن زرع الله تعالى العداوة فيما بينهم فمثلا انقسمت المسيحية إلى فرق متعددة ، ولقد أحبوا المال رغم نصائح المسيح عليه‌السلام لهم حيث كان إمام المتصوفين والزاهدين حيث قال لهم" إن مرور جمل فى ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله" (١) ، وقال" لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" وغير ذلك الكثير من النصائح ، لكنهم تحايلوا على اصطياد المال بكل الطرق غير المشروعة .. ، كبيع الوظائف الدينية .. ، وحل عقود الزواج وبيع صكوك الغفران ولقد ظهرت العداوة والبغضاء فيما بينهم لاختلافهم وتعدد فرقهم ويشهد التاريخ بذلك ولنا مثل فى الحرب الصليبية الثالثة حيث اختلف ريتشارد قلب الأسد ملك انجلترا مع فيليب أغسطس ملك فرنسا مما جعل ملك فرنسا يعود إلى بلاده تاركا ريتشارد وحده مواجها لصلاح الدين وأخذ يدس له الدسائس بالاستعانة بملوك أوربا فى الوقت الذى أخذ أخو ريتشارد يعمل لسلب العرش من أخيه فاضطر ملك إنجلترا إلى عقد صلح مع صلاح الدين (٢) .. ، ولنا مثل فى الانقسام الذى حدث بألمانيا واشتعلت الحرب فيها ثلاثين عاما .. ، وفى فرنسا انتشرت المذابح بين البروتستانت والكاثوليك فكانوا يضعون العلامات على المنازل ثم يقومون بقتل أعدائهم وامتلأت شوارع باريس كثيرا بدماء الضحايا من الفرق المخالفة ، ثم قامت فكرة محاكم التفتيش التى تراقب المطبوعات وتحرق ما لا يتفق مع المذهب الكاثوليكى وكانت توقع عقوبة الإحراق أو السجن المؤبد ومصادرة الأملاك ... ، وقد تم إحراق عدد كبير من البروتستانت ثم قامت الثورات ضد الكاثوليك فانقض الناس على الكنائس الكاثوليكية وكسروا ما فيها من تماثيل وتم إرسال جيش عظيم من الأسبان لمعاقبة الثوار فكثرت إراقة الدماء وكانت أبشع جرائم القتل بين الطائفتين وكلها صور من صور البغضاء التى القاها الله فى قلوبهم

__________________

(١) أنظر قصص الأنبياء ـ فصل عن زهد عيسى عليه‌السلام.

(٢) أنظر كتاب ـ الإعجاز العلمى والتاريخى فى القرآن.


لتركهم الحق وخوضهم فى الأباطيل والخرافات وحب المادة (١) .. ، فحين نسوا ما ذكروا به من مبدأ التسامح حيث أمرهم المسيح عليه‌السلام بقوله" أحسنوا إلى مبغضيكم" ومن سلبك قميصك فأعطه رداءك" وغير ذلك من مبادئ التسامح ولكن المادة غلفت بالقسوة على قلوبهم وزرعت بينهم العداوة .. ، وحين نسوا ما ذكروا به من مبادئ المسيحية التى تقوم على الإيمان بالله والزهد والحب والتراحم والتسامح المطلق وعدم الاعتداء حتى عند دفع الشر ، ولكنهم تركوا منهج الله واصبح لا يشبع حفيظتهم إلا إراقة الدماء وانحدروا إلى وحشية لا تدانيها وحشية وقد سخّروا العلم لإنتاج البندقية والمدافع والقنابل النووية والألغام والطائرات والصواريخ العابرة للقارات والرصاص المسمم والغاز السام وأشعة الموت ، ونسوا روحية المسيح عليه‌السلام ، وامتلأت قلوبهم بالبغضاء ، وعرفت البشرية على يديهم أبشع أنواع القتل من الوأد الجماعى وقتل النساء والأطفال وأصبحت الحروب بسبب أحقادهم تأخذ الوقت الطويل وتحصد الملايين من أرواح البشر .. ، وفى الخمس والأربعين سنة التى مرت من هذا القرن فقط حدث فى أوربا وحدها الكثير من الحروب ، كالحرب العالمية الأولى ، والحرب الإسبانية ، والحرب الأهلية ، والحرب اليونانية الإيطالية ، والحرب العالمية الثانية ، والحرب الروسية الفنلندية .. ، وغير ذلك من الحروب التى حدثت بين المسيحيين فى غير أوربا كجمهوريات أمريكا الجنوبية فقامت الحرب بين بارجواى ، وبوليفيا ، والبرازيل ، والأرجنتين ، وبيرو ، وإكوادور ، ونيكاراجوا وكوستاريكا ، وأمريكا ، والمكسيك ، وغير ذلك من الحروب التى تثبت العداوة والبغضاء فيما بينهم .. ، وقد استغرقت الحرب العالمية الثانية ستة أعوام غير الحروب الأخرى التى بجمعها تبلغ ثلاث عشرة سنة متواصلة ليلا ونهارا تحصد فيها الأرواح من الفرق المتنازعة وغير ذلك من فترات الاستعداد الطويلة قبل الحروب وبعدها .. ، وفى الحرب العالمية الأولى اشتركت خمسة عشر دولة من الدول المسيحية وأما الثانية فإحدى وعشرون دولة وقد جروا بفتنتهم العالم وراءهم ، ولقد بلغ عدد

__________________

(١) نفس المرجع السابق.


القتلى فى حربين فقط من تلك الحروب وهى الحرب العالمية الأولى والثانية ستين مليونا من الأنفس إضافة إلى ما حدث فى الحرب العالمية الثانية من موت الملايين فى معسكرات الاعتقال بسبب الإهمال والقسوة واستعمال غرف الغاز وأفران الإحراق والتمثيل بالجثث وغير ذلك من صور الوحشية التى لن ينساها التاريخ لهم .. ، وقد أنفقوا المليارات التى كانت تكفى سد حاجات البشر أعواما طويلة لو عاشوا فى سلام وطبقوا منهج الله لذلك خلّفت تلك الحروب فيما بينهم الفقر والجوع والمرض والعرى والنكبات التى لم يزل يعانى منها الشرق والغرب ، وقد بلغ الفقر بهم فى بعض المماليك بفرنسا لدرجة جعلتهم يبيعون أطفالهم ، ثم من ناحية أخرى خلفت الحرب وراءها فى فرنسا إنجاب ما يزيد عن نصف مليون طفل لقيط على أيدى الجنود الألمان والحلفاء ، وتتعدد أنواع الحروب فيما بينهم فهناك حرب السنين السبع ، والمائة عام بين انجلترا وفرنسا ، ولم تزل ألمانيا حتى الآن تعانى آثار الجوع والعرى بسبب ما أنفقته فى الحروب الماضية وتنتظر الفرص السانحة لسلب أموال الآخرين وفى اليونان يتقاتل المعسكران الصقلى والأنجلوسكسونى ، وهناك الاستعدادات النووية والعمل فى الخفاء والتربص لفرصة تسمح لبث أحقاد القلوب التى ستظل تشتعل بالحقد والعداوة إلى يوم القيامة فيما بينهم كما وعد سبحانه فى قوله تعالى (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (١).

١٢ ـ هامان وصرح فرعون

هناك الكثير من المعلومات والإعجازات التاريخية التى وردت فى القرآن الكريم فمثلا ، استخدم لفظ الملك الحاكم فى مصر فى عهد يوسف عليه‌السلام وذلك لوجود الهكسوس فى مصر ، وكان الشائع هو لفظ الملك ولكن فى عهد موسى عليه‌السلام كان اللقب الشائع هو لفظ فرعون لحاكم البلاد .. ، كذلك لم يكن أحد يعرف لفظ هامان فى علومنا الحديثة عن تاريخ مصر القديم ، ولكن بعد أن استطاع العالم الفرنسى

__________________

(١) سورة المائدة الآية ١٤.


شامبليون فك رموز حجر رشيد ، وخلال ترجمة النقوش المكتوبة عليه ذكر اسم هامان ووظيفته حيث كان" رئيس عمال الحجارة" وكان مقربا لفرعون ، وكان من المسئولين عن عمليات الإنشاء والبناء ، وقد أمره فرعون بأن يبنى له صرحا عاليا حين دعاه موسى عليه‌السلام لعبادة الله الواحد ، يقول تعالى فى ذلك (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) (١). فالقمر يدور فى فلكه لا يحيد عنه ، والشمس ترسل بنافورات اللهب ثم تعود وتسقط عليها مرة أخرى ، ولو سقطت على الأرض لأحرقت ما عليها من الكائنات ، والنبات يخرج من الطين الثابت ويتلون كما يريد الخالق له من الألوان ، فجزأي الكلوروفيل الأخضر عبارة عن حلقة من ذرات الكربون والنتروجين حول ذرة من المغنسيوم وذيل طويل من ذرات الهيدروجين ، واللون الأصفر يتكون من أربع ذرات كربون وست وخمسين ذرة هيدروجين ، واللون الأحمر مثلا فى ثمرة الطماطم ، يبدأ أولا باللون الأخضر ثم تتلون الثمرة مع اكتمال النضج لتأخذ الأصباغ الخاصة بهذا اللون ، وهى سلاسل طويلة من الكربون وجزئيات الكلوروفيل ، كالجزر والفراولة ، والمشمش والتفاح والبرقوق وغيرهم من الثمار التى تشير ألوانها إلى قدرة الخالق وإبداعه فى كونه ، فقد أودع ـ سبحانه ـ فى الشفرة الوراثية لكل نبات ما يمكنه من اختيار ما يناسبه من العناصر والمركبات الذائبة فى الماء بالقدر الذى يعطى الشكل الذى قدره الله ـ تعالى ـ لكل نبات وكل ثمرة ، وبتفاوت النسب تكاد تكون ألوان الثمرات فى تفاوت لا نهائى بالنسبة لكل نوع (٢) ... ، فسبحان القدير ... ، وسبحان الخبير الذى حفظ دينه فلم يبدل وسخر له جنودا مخلصين فلقد كان أبو هريرة حافظا لا ينسى الأحاديث ... ، وكان الشافعى سريع الحفظ يحفظ ما يقرؤه بمجرد الانتهاء منه ، وسبحان من ألهم نبيه الوحى الحق بعلمه ، فلقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمار" آخر شربة تشربها شربة لبن" (٣) وأثناء المعركة شربها

__________________

(١) سورة غافر الآية ٣٦.

(٢) ذكر ذلك الدكتور زغلول النجار فى إشارته عن الإعجاز العلمى فى القرآن.

(٣) أنظر السيرة النبوية لابن هشام.


من يد امرأة كانت تسقى الجرحى ثم قتله أحد جنود معاوية ... ، وقال له صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى إحدى الأسفار أثناء بحثه عن بئر يجد فيه الماء ، " إن ذهبت وجدت من ينازعك" فوجد بئرا يمنعه منه رجل فقتله عمار ، وكان هذا الرجل شيطانا تمثل له عند البئر ... (١) ، وأخبر أن مفاصل الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلا وهو نفس العدد الذى أقر به الأطباء بعد بحثهم كثيرا فى علم التشريح ... ، وأخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عذاب القبر ، وبالفعل هناك من أقروا وشهدوا أنهم كلما حفروا لفلان وجدوا حية كبيرة تنتظره ، فيتركون المكان ويحفرون فى آخر فيجدون نفس الحية وهكذا كلما حفروا ... ، وهناك من سمعوا صوت تكسير العظام بعد غلق القبر وكأنها ضمة شديدة اختلفت منها الضلوع (٢) ... ، إنه ـ سبحانه ـ القادر وقوله الحق ... ، تتجلى قدرته فى كل شىء ... ، فى اختلاف ألوان النبات والورود والأزهار ... ، واختلاف ألوان البشر وألسنتهم ... ، واختلاف الصوت والرائحة والبصمات فى الكائنات ، والتفاوت فى الحواس كالشم والنظر وغيرها ... ، فالطيور نظرها حاد لتتمكن من التقاط الحب وغيره ... ، والقطط تتميز بحاسة الشم القوية لتميز غذائها ، وغير ذلك من الصفات الظاهرة ، كالمخالب القوية للصقر ليتمكن من القبض على الفريسة ، والغشاء الجلدى للبط لتمكن من العوم فى الماء ، وغير ذلك الكثير من صور الإبداع ... ، فعلينا بالرجوع إلى الله والتوبة واستحضار العقوبة ، وعلو الهمة فى الدعوة والدعاء ، والخشوع والرضا والصبر على البلاء كأيوب عليه‌السلام ... ، وعلى المعصية كيوسف عليه‌السلام وعلى الطاعة كماشطة فرعون التى صبرت على أذى فرعون حتى كانت نهايته بالغرق ، وقد أقر العلماء والباحثون فى عصرنا بأن نهاية جثته كانت اسفكسيا الغرق ، فعلينا بالرجوع إلى الله ... ، حتى يرضى عنا ربنا وحتى يستجاب لنا ... ، وفى عصرنا هناك من توجهوا إلى ربهم حين أصابهم الجفاف بقلوب خاشعة وبعد فراغهم من صلاة الاستسقاء نزل المطر فى الحال ... ، فالعودة إلى الله هى الطريق لنزول الخير والرحمات على العباد وهى السبيل لأن تكون عبدا ترى الأشياء بنور الله ... ،

__________________

(١) أنظر السيرة النبوية لابن هشام.

(٢) أنظر كتاب مائتان وثمانون قصة من قصص الصالحين ونوادر الزاهدين.


لقد نادى عمر بن الخطاب وهو على منبرة الجبل يا سارية ... ، يا سارية الجبل ... ، وسمعه سارية والمسافة بينهما أميالا كثيرة ، وحين كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجلس وسط الصحابة فى المدينة كشف الله له ما يحدث فى غزو مؤتة ، فكان يقول أخذ الراية زيد فقاتل ثم يقول قتل زيد .. ، ويستدرك قائلا أخذ الراية جعفر ابن أبى طالب فقاتل حتى قتل ومن هم حوله يسمعون وكأنهم يشاهدون المعركة ، ثم قال عرضوا على الثلاثة فى أسّرة من ذهب ، ودخلوا الجنة ... ، ثم قال أخذ الراية سيف من سيوف الله وهو خالد ابن الوليد ففتح الله على يديه ... (١) ، لقد كسر فى يده تسعة أسياف ، قتل وحده خمسة آلاف ، ولأنه لقب بسيف الله كانت تكسر الأسياف فى يده وهو لا يكسر .. ، ومات على فراشه رغم غزواته الكثيرة التى زادت على المائة فى الإسلام ، إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ... ، فعلينا بالاقتداء بهؤلاء ، ومصاحبة الأتقياء ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أنا جد كل كل تقى" ... ، وعلينا بالصلاة على وقتها ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من ترك صلاة واحدة فقد برئت منه الذمة" ... ، أول ما يسأل عنه الإنسان فى قبره الصلاة فإن صلحت صلح باقى عمله وإن فسدت ولم تجز له لم ينظر فى شىء من عمله بعد ... ، لذلك يجب الذهاب للصلاة مبكرا ، والتلبية عند سماع الآذان ، والخشوع فى الصلاة ، وأن يكون المأكل والمشرب من الحلال ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إن العبد ليقذف باللقمة الحرام فى جوفه لا تقبل له صلاة أربعين يوما" ... ، ومن ذهب يوم الجمعة مبكرا مغتسلا كانت كل خطوة إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة ... ، وتفتح الملائكة الصحف وتكتب من ذهب مبكرا كأنما تصدق ببدنه والذى يليه بقرة ثم كبشا أقرن ثم دجاجة ثم بيضه (٢) ... ، وهكذا حتى تطوى الملائكة الصحف حين يصعد الإمام المنبر ولا تكتب شيئا لمن يأتى بعد ذلك ... ، فلا تحرم نفسك بتأخيرك من ثواب الله العظيم ... ، ويكفينا خيرا وعطاء من الله الكريم أن تفكر ساعة خير من عبادة سنة ... ، وأن" من صلى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة صلى الله عليه بها عشرا (٣) ، " ، والصلاة من الله على العبد رحمة

__________________

(١) أنظر كتاب رجال حول الرسول ـ خالد محمد خالد

(٢) شرح حديث قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح قرب بدنه ومن راح فى الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح فى الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح فى الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح فى الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضه ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر" متفق عليه.

(٣) من حديث قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من صلى على واحدة صل الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات" ورفع له عشر درجات" رواه النسائى فى السنن ـ صحيح الدعاء المستجاب ص ٣٢.


وبركة ... ، ومن قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة فى الجنة" ، والتى توصف بأن ساقها من ذهب وثمارها أحلى من العسل وألين من الزبد ... ، فكن أخى المسلم من الذاكرين المتواضعين فلقد كان خبيب صحابيا فقيرا متواضعا ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنه حينما صلى عليه بعد ما نال الشهادة فى سبيل الله" اللهم إنى راض عن خبيب فارض عنه" ... (١) ، ولكن المتكبرين قال عنهم" يحشر الجبارون والمتكبرون على صور الذر يوم القيامة يطؤهم الناس لهوانهم على الله عزوجل" ... ، إن الجنة ليست ببعيدة على الأتقياء ... ، " فإن من توضأ وأحسن الوضوء ثم قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها حيث شاء ... ٢ ، " ومن صلى ركعتين أقبل فيهما بوجهه وقلبه على الله ، وجبت له الجنة (٢) ، ومن قال لا إله إلا الله مخلصا بها من قلبه أو من نفسه دخل الجنة ... ، ولكنه لو قالها وهو لا يؤدى الصلاة فلا تنفعه ... ، ولو قالها وهو لا يؤدى الزكاة فلا تنفعه ... ، ولو قالها وهو لا يصوم رمضان فلا تنفعه ... ، فالإخلاص فيها معناه طاعة من أقررت بوحدانيته والقيام بما أمر واليقين بمراقبته سبحانه لك فى السر والعلن وحسن المعاملة والرحمة بمن حولك وعدم الغفلة عن ذكره والتفكير وطلب العلم ... ، وأعلم أن هناك مسئوليات وابتلاءات حيث يبتلى المرء على قدر دينه ، وهناك أشياء سكت عنها سبحانه رحمة بعقولنا ، واعلم ان لك أعداء يحاولون إبعادك عن دينك بكل الطرق ومنهم الشيطان الذى يتمكن من العبد إن نسى ذنبه أو استكثر عمله أو أعجب بنفسه ، وعلينا أن نتذكر الموت وأن الأعمال بالخواتيم ... ، وأن الغيبة أشد من الزنا حيث إن الله يغفر للتائبين ، ولكن الغيبة لا يغفرها الله إلا حين يسامحك فيها من اغتبته ... ، واعلم أن الهدى من الله ، فإذا أراد الله بعبد خيرا يفقهه فى الدين ،

__________________

(١) أنظر رجال حول الرسول.

شرح حديث صحيح رواه مسلم وأبو داود ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الأول ص ١٧١ ـ بعنوان ـ الترغيب فى كلمات يقولهن بعد الوضوء ـ دار الريان للتراث.

(٢) شرح حديث عن عقبة بن عامر رضى الله عنه ـ والحديث رواه مسلم ـ الترغيب والترهيب ـ بعنوان الترغيب فى ركعتين بعد الوضوء ـ الجزء الأول ص ١٧٣.


وأن من أسباب الهدى داعية مؤثر يدعو إلى الله بقلب مخلص يحب الخير لإخوانه كما يحب لنفسه ... ، والله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... ، ومن أسباب الهدى معرفة الصالحين ... ، ومن أسباب الهدى زوجة صالحة تؤثر فى زوجها وأولادها ... ، أو شريط إسلامى يذكرك برحمة الله وعذابه .. ، وكم من غافل كانت الموعظة سبيلا لتوبته ، ومن أسباب الهدى تذكر محنة الموت أو سكراته أو القبر وظلمته أو تصور يوم الحساب وأهواله ، وتذكر زلزلة الساعة ويوم النشور ... ، ومن أسباب الهدى لحظة تفكر صادقة فى خلق الله وكونه الممتد وحيث كل شىء فيه بقدر وحكمه ... ، ومن أسباب الهدى مجلس علم أو مجالسة عالم أو قراءة كتاب أو سماع حديث يبشر أو ينذر ... ، ومن أسباب الهدى حب الله وتصور نوره ورؤيته وعدم إحصاء نعمه والاعتراف بالعجز عن شكره ... ، سبحانه له ما فى السماوات والأرض ووعده الحق ، وسوف تكون الندامة يوم القيامة لكل مكذب حين يرى العذاب ، ولكن بفضل الله وبرحمته فليفرح المؤمنون حيث أن لهم البشرى فى الدنيا والآخرة ، ولهم الأمن من الله اللطيف الخبير.

١٣ ـ سجود الكائنات وعلم الله المحيط :

سبحان الذى يسجد له كل شىء ... ، فالشمس تدور فى فلكها ، وتحافظ على حرارتها ، وحين يرتفع الضغط بداخلها وتوشك أن تنفجر ، يرى العلماء بواسطة الأجهزة الحديثة على فترات ما يسمونه بالبقع الشمسية ، حيث تظهر وتنطفئ قرب حافة الشمس فلا ترتفع حرارتها عن معدلاتها التى قدرها سبحانه فيختل نظام الكون فى لحظات ... ، فالعلم كله من الله المحيط بكل شىء والمحصى والمقدر لكل شىء ... ، فكن مؤمنا قويا واعلم أنه لا يؤمن أحدنا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، واحذر حب الشهوات واعلم أن الحب كله لله حيث أنه المنعم والخالق لك ولكل شىء ... ، فلا تشرك بالله وإن قتلت وحرقت ، يقول الله تعالى (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) ... (١) ، واعلم أن السعادة فى الإيمان

__________________

(١) سورة التوبة الآية ١١١.


الصادق ، وهو من فضل الله ورحمته ... ، والسعادة فى العمل بالعلم والكفاح وعدم الذلة للبشر ... ، وهناك من اعترفوا بأن سعادتهم كانت فى العمل الدائم لله عزوجل دون تكاسل أو استسلام للفراغ ، أو نسيان الفقراء ، وعلى الإنسان أن يلتزم بمبادئ الشريعة وأوامر الله الخبير الذى يعلم ما لا نعلم حتى لا يموج الإنسان مع الفتن فيهلك ، وربما يقع فى الشرك والعياذ بالله ... ، علينا أن ننظر إلى ما يحدث حولنا وما كان من قبلنا حيث يختلف الناس فى الغنى والفقر والمواهب ، والصحة ، والآجال ، والهدى والضلال ، فالشريعة واحدة ، وتتعدد الابتلاءات ، فلا تنظر لغيرك ولا تحسده ، ولا تردد أمثال الشرك كقولك" يدى الحلق للى بلى ودان" فكل إنسان يبتلى فيما آتاه الله ، وليحمد كل منا ربه حين يجد نفسه فى خير ، حيث وجد نفسه فى أسرة ملتزمة بمبادئ الإسلام الحق" فكل ميسر لما خلق له" (١) واعلم أن كل شىء فى كتاب حتى لا نندم على ما فات ، ولا نفرح بما أتى ... ، وإذا كان الموت مكتوب على الجميع فكن راضيا فى كل حال ، ويكفى أنه سبحانه وتعالى قد قبض روح من هو أقل منك سنا وأقل ذنبا ومنحك فرصة التوبة والاستغفار ... ، واعلم أن لله حكمة فى كل شىء ، فالعين جعلها الله ـ تعالى ـ للرؤيا ، والإصبع الخامس فى يدك على مسافة من الأربعة حتى نتمكن من القبض على الأشياء وقواطع الأسنان فى المقدمة لتقطيع الطعام ثم الضروس بالداخل لطحنه ، فحكمة الله ظاهرة فى كل شىء لكنه سبحانه أخفى الكثير رحمة بعقولنا ، فلا نسأل عنها ، فمعرفتنا فى جميع المجالات كما ينقص المخيط من البحر الزاخر ... ، فعلينا بالتوبة إلى الله والاستغفار ، فما أجمل حياة التائبين الذين عادوا إلى الله ويا مدى حرمان من لم يذوقوا حتى الآن حلاوة التوبة والعودة إلى طريق الجنة ... ، إنهم سكارى ... ، تائهون ... ، جاهلون ... ، يتخبطون ... ، وهم كل يوم يضلون ... ، ويفسدون ، ويقتلون ... ، وربما ماتوا قبل أن يتوبوا ... ، لذلك فكل مسلم عليه واجب التبليغ يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" بلغوا عنى ولو آية" ... ، عليك أيها التائب كلما مررت على أحدهم ان تذكره بربه ليدرك حلاوة الإيمان وجمال العودة إلى الله الخالق الرزاق المجيب ... ، وإلا غرقنا جميعا أو هلكنا

__________________

(١) من شرح حديث رواه مسلم وفيه" ... اعملوا فكل ميسر ..." لاحاديث القدسية للإمام محى الدين النووى ص ١٨.


جميعا لأننا تركناهم دون نصيحة يفسدون ... ، ولا بد أن نعلم أن عدم الاستقرار الفكرى والبدنى يأتى من عدم القناعة والرضا بما قسم الله ، فاللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونسألك أن تجيرنا من النار والزمهرير ، ولا بد أن لا تغفل عن الدعاء لأنه يدفع البلاء ، وكذلك الصدقة ، فهى تطفئ غضب الرب وتطهر النفس من الشح وتدفع البلاء وتمنع الحسد ... ، والصدقة والبلاء يتصارعان إلى يوم القيامة والله تعالى يضاعف للمتصدق ويبارك له فهو سبحانه الرزاق ، يقول عزوجل عن الرزق (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (١) فيجب علينا أن نتيقن بلا شك أن الله تعالى هو الخالق ، الرزاق ، المجيب ... ، حين ذهب رجل للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد علاجا لابن أخيه حيث يشكو وجعا فى بطنه فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم اسقه عسلا ، ولما تردد أكثر من مرة أدرك النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه يعطى ابن أخيه العسل وهو يشك أن فيه شفاء فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم موقظا ضمير اليقين فيه ، كذبت وكذبت بطن ابن أخيك (٢) ... اسقه عسلا فذهب الرجل وأعطاه العسل وهو على يقين من الشفاء بإذن الله فشفى المريض ، فالتوكل على الله بيقين هو مفتاح كل خير وهناك مواقف من الواقع كثيرة عن فوائد إخراج الصدقة بيقين ... ، فهذا أخرج الصدقة عند مرض ابنه وكان قد أصيب بالحمى فشفى فى الحال ... ، وهذا أعطى مائة جنيه لجزار فى بلدته حيث لاحظ امرأة تجمع العظام التى عليها من آثار اللحم فرق لها وأمر الجزار أن يعطيها لحما بهذا المبلغ متى تريد ... ، وكان هذا الرجل مريض وستجرى له جراحة بأحد الصمامات بالقلب ... ، وحين ذهب لإجراء الفحوصات قبل إجراء العملية ، تعجب الطبيب ، وسأله أين أجريت هذه العملية قبل حضورك؟! وكان الذى أجراها هو الخالق سبحانه حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" داووا مرضاكم بالصدقة" ... ، وحكى رجل لإمام المسجد أنه قبل أن يخرج ليلا من بيته يقول لأهله" أستودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه" ... ، وكان يأتى من عمله فى الصباح ، وذات يوم جاء لص إلى الإمام ليعترف بتوبته لأنه ذهب ليسرق بيت فلان بعد أن يخرج لعمله

__________________

(١) سورة الذاريات الآية ٢٣.

(٢) ذكر ذلك الحديث الدكتور أحمد شوقى إبراهيم ـ فى حديث له عن الإعجاز فى الطب النبوى.


ليلا وهو الرجل السابق ذكره الذى كان يردد هذا الدعاء قبل خروجه إلى عمله ... ، يقول اللص لم أجد بابا لمنزله ، فذهب إلى النوافذ فأقسم أنه لم يجد نوافذ أيضا فأدرك إمام المسجد بركة هذا الدعاء ، وكان هذا الموقف من المواقف الواقعية التى حدثت معه يحكيها فى دروسه للعبرة ... ، ولو عدنا للصدقة نقول إنها أيضا تمنع الحسد ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" اتقوا سم العيون" ... ، لقد حكى لى أحد الناس عن امرأة نظرت إلى إحدى الأنعام التى يمتلكها وبعد لحظات وجدها تكرر دفع رأسها بقوة فى الحائط ... ، ومن نظرت إلى الفطير وهو يخرج من التنور وعند تناوله وجدوه قد أخذ طعما حمضيا ... ، ومن تعجب من إحدى الأنعام التى يمتلكها جاره حيث تدر لبنا كثيرا ، وفى اليوم التالى وجد أنها تدر دما بدلا من اللبن الصافى ... ، فعلى الإنسان ليكمل إيمانه أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه وأن يدرك أن الله تعالى يبغض البخيل ، والعاصى والمتكبر ، ويحب الكريم الطائع المتواضع ... ، يحب الرحماء الراضين ويبغض القساة الحاسدين ... ، وهو سبحانه الصبور يصبر على العصاة حتى يتوبوا ... ، وهناك من سفكوا الدماء ... ، وهناك من ظلموا وأكلوا الأموال بالباطل ... ، وهناك من اعتدوا واغتروا بقوتهم ... ، وهناك من وأدوا البنات أحياء (١) ... ، وهناك من افسدوا وأحرقوا ... ، ورغم ذلك صبر عليهم من قال عن نفسه (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) (٢) فسبحانه فى كل وقت وحين ، وما أرحمه ربا وما أكرمه ... ، خلق سبحانه الإنسان فى كبد ... ، أى فى تعب ومشقة وكفاح حتى يشعر بجمال النعيم والراحة فى الجنة ... ، لقد سئل الإمام أحمد ، متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال : عند أول قدم يضعها فى الجنة ... ، وصدق من قال : النعيم لا يدرك بالنعيم ومن طلب الراحة فاتته الراحة ... ، وبقدر احتمال المشاق تكون الفرحة واللذة ، فلا فرحة لمن لا هم له ... ، ولا لذة لمن لا شقاء له ، ولا راحة لمن لا تعب له ... ، وصبر ساعة خير من عذاب الأبد ... ، ومن الصبر نتعلم الحلم والتؤدة فى السعى وفى كل شىء والصبر من صفات المؤمن المطمئن الواثق بما عند الله ، وأنه الخالق الرزاق ، المجيب ... ، يقول أحد

__________________

(١) كان هذا فى الجاهلية.

(٢) سورة طه الآية ١٠٥.


الصالحين علمت أن رزقى لا يأخذه غيرى فاطمئن قلبى" ... ، وكان هذا هو سر زهده فى الدنيا ، وزهده فيما عند الناس ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ازهد فى الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس" (١) ... ، كذلك فإن المعاملة الحسنة مع الناس وفى المنزل دليل خيرية العبد عند ربه ، ويقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلى" (٢) ... ، إنه دين الرحمة فى كل شىء ... ، وهو الدين المعجز لمن يتفكر ، فلقد اتقن الله تعالى كل شىء فالإتقان والتوازن فى الذرة لا يختلف عن الإتقان والتوازن فى المجرة ، ويسجد لله تعالى كل ما فى الكون ، وسجود الإنسان معناه الطاعة لله وتنفيذ أوامره وسجود الكائنات معناه الانقياد لأوامر الله أيضا ... ، فالشمس تدور فى فلكها لا تحيد عنه ، وعلى مسافة مناسبة من الأرض حتى لا تحترق الكائنات بقربها أو تتجمد ببعدها ، ومن علامات سجود القمر أنه يبتعد قليلا عن الأرض فى كل عام ليحافظ على سرعة دوران الأرض حول نفسها حتى لا يطول النهار فتشتد الحرارة وتتبخر المياه أو يطول الليل فيختل نظام الكون ... ، وهو يدور فى فلكه بانتظام ، وكما قال أحد العلماء وصور هذا الانتظام الذى يعد طاعة وسجود لأوامر الله ، بقوله : هل يستطيع إنسان أن يدير حجرا حوله بحبل ويصبر على ذلك يوما ... ، وما ذا لو كان شهرا ... ، وما ذا لو كان عاما ، وكيف لو كان هذا الانتظام بدون الحبل؟! ... ، إنه التوازن الإلهى ، والقدرة ... ، والعلم المحيط ... ، فعلينا أن نطيع الله فإن عذابه شديد ، فالزانى المحصن يرجم بالحجارة ، والسارق تقطع يده ، والذى بخل بالزكاة يكون بالذهب الذى يكنزه ، وإن كانت غنما تأتى يوم القيامة تنطحه بقرونها رغم شدة الموقف ... ، ويخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه" من ترك صلاة العصر متعمدا فقد حبط عمله" (٣) ... ، وفى معنى آخر" فكانما وتر أهله وماله" (٤) ... ، فالجنة طريقها الطاعة وعدم الشح وعدم نسيان الذنب

__________________

(١) سنن ابن ماجة (٢ / ١٣٧٣) صححه الألبانى.

(٢) رواه ابن حبان فى صحيحه ـ عن عائشة رضى الله عنهما ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث ـ ص ٤٩ ـ الريان المتراث.

(٣) رواه أحمد باسناد صحيح.

(٤) يقول أبو الدرداء رضى الله عنه" أوصانى خليلى صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أن لا تشرك بالله شيئأ وإن قطعت وإن حرقت ولا تترك صلاة مكتوبة معتمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة ـ ولا تشرب الخمر فإنه مفتاح كل شر" رواه ابن ماجة والبيهقى ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الأول ـ ص ٣٨١ ـ والمعنى المشار إليه من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" الذى تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" رواه مالك والبخارى ـ المرجع السابق ص ٣٠٨.


وعدم الخشية إلا من الله ، والرضا والقناعة ... ، إن الصلاة لكى تقبل منك لا يكفى أن تكون خاشعا فيها فقط أو أن طعامك يكون من الحلال ولكن يخبرنا الله تعالى فى حديث قدسى أنه يتقبلها" ممن تواضع بها لعظمته وقطع نهاره فى ذكر الله ، ولم يستطل على خلقه سبحانه ، ورحم المسكين والأرملة ورحم المصاب" ... ، إن الله تعالى خلق الإنس والجن للعبادة .. ، وخلق الموت والحياة لابتلاء الإنسان ، وفى الحياة ينشط الجسد المادى ويحاول أن يتغلب على الروح وذلك بحب الشهوات والاندفاع إليها ... ، والإيمان هو حصن المؤمن عند ذلك ، وبعد الموت يكون النشاط للروح ويبلى الجسد المادى ، ويختلف الزمن ، ويكون بصرك حديد ، وينكشف لك ما لم تكن تراه من قبل عند احتباس الروح فى الجسد المادى ... ، ومن يبعث يظن أنه ما لبث غير ساعة ... ، والإنسان ينسى دائما أنه فى ابتلاء ويندفع نحو الدنيا ، حيث تختلف الأرزاق ... ، وتختلف البيئات ، وتختلف الأسر ، وتختلف ميول ومواهب الأشخاص ، وتختلف الصور ، وتختلف درجات العلم والمعرفة ، ويختلف صلاح الوالدين وهم دعامة الأسرة ، وتختلف مواعيد الموت وأشكاله ، فهناك من يموت صغيرا ، ومن يموت شابا ومن يموت شيخا لعل الناس لا تركن للدنيا ... ، فلا تكن محدودا بفكرك فيما أنت فيه ، بل اعتبر من كل ما يحدث حولك ، فكل شىء فى الحقيقة هو عبرة وموعظة لمن يتفكر والحمد لله فى كل وقت ... ، ويكفى أنه سبحانه لم يشدد علينا رغم قوته ... ، وليعتبر كل منا من الموت وأشكاله ، ويسأل الله أن يغفر ويرحم ... ، هناك من تألموا فى الدنيا ابتلاء رغم أنهم من الصالحين ، فما بالنا بالمذنبين الغافلين عن ربهم واللذين نسوا ذنوبهم إنها حكمة الله وأسراره ، إن الإنسان لو تصور ظلمة القبر ووحشته حين يغلق على الإنسان منفردا حيث لا زوجة ولا ولد ... ، لا طعام ولا شراب ... ، لا ضوء ولا هواء ... ، لا نوافذ ولا أبواب ، ومع ذلك تمتص الأرض فى تلك الحفرة التى تحتضن الإنسان حرارة الشمس وطاقتها صيفا وزمهرير البرد شتاء ... ، لو يعلم الإنسان ذلك لما ظلم أو أكل الحقوق أو تكبر أو اغتر بالدنيا ... ، ولو تصور قدرة الله فى تنظيم الكون بما يحتويه من الكواكب والنجوم وأصناف البشر واختلاف الألسنة واللغات والبيئات والثقافات ، والمجتمعات ... ، من المجتمع الزراعى بما يحتويه من صور الكفاح


والآمال ، والسعادة على مر السنين ، إلى المجتمع الحرفى بما يشمل من الصور المختلفة من الإتقان والجهد فى مجال العمل كالأنوال اليدوية وإنتاج الخزف والفخار والفن المعمارى القديم الذى يشهد بكفاح البشر على مر السنين ، إلى المجتمع الصناعى ، حيث تقدم الصناعات والتوسع فى مجال التبادل التجارى وتقدم وسائل الاتصال والانتقال والتقدم العلمى ... ، يرزق سبحانه ما هو فى عالم الفضاء ، وما فى عالم البحار ، وما فى باطن الأرض وما على ظهرها من عوالم ... ، كعالم البشر ، والطير ، والنحل ، والنمل وغيرهم .. ، إن القوة لله ، والفائز من يدفع بالتى هى أحسن ، يصل من قطعه ويعفو عمن جهل عليه ويحسن إلى من أساء إليه ، ويعطى من حرمه ، ولا يركن للذين ظلموا فتمسه النار يقول تعال (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (١) ... ، ولنعلم أن الفتن تموج وتختلط ، ويطمع الإنسان وفى النهاية تكون السعادة فى خضوع الجوارح لقسمة الله ، وعندها يكون الرضا والستر والبركة منه سبحانه وتعالى ... ، سبحانه علم بكل ورقة تسقط ، ويعلم بأحوال عبادة فى كل مكان على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأرزاقهم وعلمهم ... ، فسبحان من أحاط علمه بكل شىء ، بالظاهر والباطن والسر والعلن ، وسبحان من أحصى فى كونه الممتد كل شىء عددا ... ،

١٤ ـ قدرة الله ومواقف للعبرة

كثيرا من آيات القدرة يظهرها الله تعالى للعبرة والموعظة ليتذكر الإنسان أن الله تعالى هو العليم البصير ... ، فهناك من شق إحدى ثمرات الطماطم فوجد فى ناحية منها عبارة لا إله إلا الله وفى الناحية الأخرى الله بخط واضح (٢) ... ، وآخر وجد جريدة نخل متعرجة مكتوب عليها لفظ الجلالة ... ، وطفل فى رأسه بخط بارز تبدو كلمة التوحيد لا إله إلا الله ... ، وطفلة مكتوب على كتفها بخط واضح عبارة التوحيد ، وفى إحدى البرامج المرئية عرض أرنب على فروة يبدو بخط واضح غير لونه السائد عبارة لا إله إلا الله (٣) ... ، وفى إحدى قرى الصعيد أراد رجل قتل ابن أخيه وهو الوارث

__________________

(١) سورة هود الآية ١١٣.

(٢) شوهد ذلك فى إحدى البرامج المرئية ـ ويعرف ذلك من شاهد هذا الإعجاز ـ وهى مواقف ليعتبر منها من شغلتهم الدنيا.

(٣) كما بالبند السابق.


الوحيد لينال هو أولاده تلك الثروة ، وعند ما شرع فى ذلك سقط عليه منزله ولم ينل شيئا يقول تعالى (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (١) ... ، فاعلم أنك تفكر والله مطلع عليك يقول سبحانه (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٢) ... ، إن من آيات قدرة الله تعالى اختلاف ألوان البشر واختلاف ألسنتهم ، واختلافهم فى القدرات منهم من يبرع فى الاختراع أو التقليد ، ومنهم من يبرع فى الحفظ ... ، كان الإمام الشافعى رضى الله عنه يخفى أحد الصفحات وهو يقرأ الأخرى حتى لا يحفظها فتشغله عن القراءة لسرعة حفظه ... ، وهناك من يبرع فى التجارة أو الطب أو الحكمة أو غير ذلك من الأمور ومختلف العلوم ... ، وهناك من يبرع فى غرائب الأمور كمن يتمكن من مضغ الزجاج وهضمه ... ، أو ثنى قطعة المعدن بجفنيه وغير ذلك من غرائب الأمور ... ، فسبحانه يزيد فى الخلق ما يشاء ... ، ومن آيات الله اختلاف الناس فى كل شىء ... ، فى الأرزاق ، والغنى والفقر ... ، والصحة والمرض والهدى والضلال ... ، والأخلاق والصفات ، فهناك الكريم والبخيل ، والمتواضع والمغرور ... ، والقوى والضعيف ... ، والصابر ومن يجذع فى الشدائد والمحن ... ، وهناك الفقير الأمى ، والراضى بقضاء الله والمحب لإخوانه ولمن حوله فلا يحسد من هو فوقه ... ، وهناك الفقير الأمى الذى يحسد ويكره من فضّله الله فى شىء ، وهو بذلك يترك الصلاة والعبادة بحجة الفقر والسعى على المعاش ... ، لقد نسى قوله تعالى فى الحديث القدسى مخاطبا عبده" تفرغ لعبادتى أسد فقرك" (٣) ... ، إنها اختبارات العليم الخبير ... ، تشريعه سبحانه ثابت ولكن يختلف الناس بين الغنى والفقر ، والعلم والجهل ... ، والصحة والمرض ، والبيئة واللغة ... ، والرضا والجذع والطمع ... ، فعلى المبتلى أن يصبر وعلى المبتلى أن يشكر ... ، وعلينا أن ندرك أن الله تعالى قطع سلطان العباد فى الأرزاق والآجال ، فلا بد من التوكل على الله فمن نزلت به فاقه

__________________

(١) سورة الأنفال الآية ٣٠.

(٢) سورة الحديد الآية ٤.

(٣) أنظر ـ صحيح الأحاديث القدسية للشيخ مصطفى العدوى.


وانزلها بالناس لم تسد فاقته ، ومن نزلت به فاقه فأنزلها بالله يوشك الله له برزق عاجل أو آجل ... ، إن مسئوليات المؤمن كبيرة ، والويل لمن عصى ربه ، فلو يسمع الناس ما فى القبر من العذاب للمقصرين الغافلين ما تدافنوا ... ، ويكفى أن الميت يعذب ببكاء أهله (١) ... ، لأنه لم يوصيهم قبل موته بالرضا بقضاء الله ... ، والرضا هو طريق الجنة ، والمؤمن أحواله كلها خير ، فصبره على البلاء عبادة ، وصبره على الفقر وشكره لله نوع من أنواع العبادة حيث إن غيره يتلذذ بالحرام ولم ينجح فى صبره كما نجح الفقير ، والحكيم من ينظر إلى الخلائق على اختلاف طبقاتهم وأحوالهم أنهم فى ابتلاء واختبار ، الفائز فيه من صبر ورضى على كل حال ... ، لقد شهد الله والملائكة وأولوا العلم أنه لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، فأى شىء بعد شهادة الله ... ، لقد كان مصير فرعون الذى قال أنا ربكم الأعلى أن يغرقه الله ويملح جسده ليكون آية للناس جميعا وصدق صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قال" إن الله يملى للظالم فإذا أخذه لم يفلته" (٢) ... ، والويل لمن يشك أو يرتاب فى إيمانه ... ، لقد قال إبراهيم عليه‌السلام (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) (٣) ولم يقل رب أرنى هل تحى الموتى ... ، لقد وجد العلماء أن عوالم الكون من شمس وقمر وأرض وافلاك وبحار وما اكتشفوه من عوالم دقيقة تحت المجاهر وهى أكثر عددا مما نراه ، كل شىء فيها يسير بإتقان ، حتى أن الذرة الدقيقة أو قطرة الماء حين صوروا ما يدور بها بالأجهزة الدقيقة ، هو بنفس إتقان العوالم الأخرى من مدارات ومجالات ، وحركات لا تتوقف ، فسبحان الذى أحسن كل شىء خلقه ... ، إن ما بداخل الذرة كون عظيم يتساوى فى الدقة مع ما يحدث بالمجموعة الشمسية الهائلة (٤) ، وبالفعل من ينظر ويتأمل لا يرى فى خلق الرحمن من تفاوت ... ، هناك الملايين من الخلايا العصبية فى العين ... ، ويحتوى الدم على ملايين الكرات الحمراء ... ،

__________________

(١) شرح حديث نبوى ـ عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم" الميت يعذب فى قبره" بما نيح عليه" رواه البخارى ـ ومسلم ـ وابن ماجة ـ الترغيب والترهيب ص ٣٤٨ الجزء الرابع ـ الريان للتراث.

(٢) جزء من حديث رواه البخارى ومسلم ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث.

(٣) سورة البقرة الآية ٢٦٠.

(٤) أنظر الإعجاز العلمى فى القرآن ـ الدكتور السيد الجميلى ..


وملايين الكرات البيضاء لمهاجمة الميكروبات ، وملايين الصفائح الدموية لمنع النزيف ، (١) وغير ذلك الكثير من آيات الإبداع فى كونه الممتد ، والعوالم التى يدبر أمرها ويرزق أصنافها جميعا ... ، فكن أيها المؤمن كريما وتعلم من صفات الله واعف عمن أساء إليك فربك هو العفو ... ، ولا تحسد ، وتمنى لأخيك ما تحبه لنفسك ، ولو كان عنده ما ليس عندك فلا تتمنى زواله عنه بل تمنى له المزيد ، وتمنى أن يسعد بما عنده ، فسبحان من يطعم وإلا يطعم ، وسبحان من يمنحك الزوجة والولد وليس له زوجة ولا ولد ... ، إن الضمير الذى ارتبط بفطرة الإنسان أزلا يتجلى فى قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) (٢) هو من أسرار وتوازن الكون ، وهو الذى يكف الظالمين عن ظلمهم ... ، ومن استمع إليه اهتدى ومن لم يستمع إليه ضل سواء السبيل ... ، والله جعل الإيمان غيبا لتظل فى تفكر وذكر طول عمرك ، ولتستحق فضله لأنك سجدت دون أن تراه ، وخشيته بالغيب ، وكان يقينك لمعرفتك بنعمة الظاهرة والباطنة ... ، سبحانه جعل المواد السامة فى النبات بنسب ضئيلة جدا لتفيد الإنسان ولا تصبح سما يقتله كالرصاص فى البصل وغير ذلك الكثير من الأمثلة مع العناصر الأخرى ، فالصوديوم نجد أنه مادة حارقة والكلور مادة سامة واتحادهم يعطى كلوريد الصوديوم وهو ملح الطعام المعروف المفيد واللازم لاحتياجات الإنسان .. ، والأكسجين يساعد على الاشتعال والهيدروجين مادة تشتعل بفرقعة ولا يستطيع الإنسان أن يشرب الهيدروجين وحده أو الأكسجين وحده ، ولكن اجتماعهم يعطى الماء الذى يشربه الإنسان ، وهو رغم ذلك يطفئ النار ، فسبحان العليم الخبير ... ، إن القرآن الكريم ، والمنهج الإسلامى ملئ بألوان الإعجاز البلاغى والعلمى والرياضى ، والنفسى والتشريعى ، فالصلاة تنشط الجسد والزكاة تطهر النفس من البخل ، والحج مؤتمر اجتماعى يتعارف فيه الخلق ، والقصاص رحمة لأن فى إقامته منع حدوث الجرائم ... ، حين بشرت الملائكة إبراهيم

__________________

(١) نفس المرجع السابق.

(٢) سورة الأعراف الآية ١٧٢.


عليه‌السلام بإسماعيل عليه‌السلام وصفته بأن غلام عليم ، وأما إسحاق فوصفته بأنه غلام عليم لذلك نجد الحلم والأخلاق فى أمة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالإضافة إلى فهم العلوم الأخرى كلما كان التمسك بأوامر الله ومنهجه سبحانه ، ونجد بنى إسرائيل نبغوا فى العلوم والاختراعات ، والدراسات والتجارب فى عالم النبات وغيرها ... ، ولكن وحى الله للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان سابق الاكتشافاتهم ... ، وحين جاء يهودى يسأل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم متى يكون المولود ذكرا ومتى يكون أنثى فأخبره النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أنه إذا سبق ماء الرجل ماء الأنثى كان المولود ذكرا ، وأما إذا علا ماء الأنثى ماء الرجل كان المولود أنثى" (١) وبالفعل أثبت العلم أن جينات الرجل XY٢ حيث أن Y٢ جين مسئول عن صفات الذكورة وأما جينات الأنثى فهى XX ٢ ومعنى علا أى سبق ، فلو سبق جين Y٢ إلى ماء الأنثى فيكون المولود xy ٢ وهو ذكر ولو سبق جين X ٢ يكون المولود XX٢ (٢) أى أنثى فسبحان العليم الخبير ، إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يفسر القرآن كله فى زمنه واكتفى بأن يجيب على من يسأل ، لأن هناك أشياء لم يعرفها العرب ستكون غريبة على عقولهم ، فمثلا النجوم الطارقة هى نجوم نيترونية متعادلة الشحنة (+ ـ) وهى تتكون بعد سلسلة من التفاعلات بداخل النجم حتى يتحول سطح النجم إلى الحديد ... ، والبروتون الموجب لا يتمكن من الاختراق حيث يجذبه السالب ... ، والألكترون السالب لا يتمكن من الاختراق حيث يجذبه الموجب ، ولكن النيترون المتعادل يخترق الحديد ويصدر طرقه فى السماء سجلها العلماء كالطرق على الباب (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ* وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ) (٣) ... ، فعلينا بذكر الله وشكره والعمل وعدم التواكل ، فحين ضرب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثلا لنا بقوله" وإن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده" كان السبب فى اختيار نبى الله داود بالذات لأنه كان ملكا عنده الخير الكثير ولكنه كان يعمل ليأكل من عمل يده ... ، وحين ضرب الله لنا مثلا فى سورة النور بالشجرة الزيتونية ووصفها

__________________

(١) روى أحمد فى مسنده عن عبد الله بن سلام قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليه".

(٢) ذكر ذلك الدكتور أحمد شوقى إبراهيم ـ فى إشاراته عن الإعجاز العلمى فى السنة.

(٣) سورة الطارق ـ الآية ١ ، ٢.


بأنها لا شرقية ولا غربية ، نجد أن المغناطيس له قطب شمالى وقطب جنوبى ، وليس شرقيا ولا غربيا ، وإذا مر به ملف فإنه يتولد به مجال كهربى يمكن أن يضئ مصباحا دون أن تمسسه نار ... ، والمصابيح فى عصرنا تشبه الكوكب الدرى فى شكلها والمغناطيس إذا وضع أسفل ورقة عليها برادة الحديد ونظرنا إلى شكل المجال المغناطيسى بتحريك الورقة ، فتظهر برادة الحديد التى تمثل المجال المغناطيسى عند القطب الشمالى بما يشبه فروع النخلة أو الزيتون ، وكذلك عند القطب الجنوبى فهى تمثل الشمال والجنوب وليست شرقية ولا غربية ، لأن المغناطيس الذى يولد المجال الكهربى والذى يضئ المصباح له قطبان شمالى وجنوبى ولا يحتوى قطبان شرقى وغربى ... ، يقول تعالى (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ، يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) (١)

إنه الإعجاز فى كل زمان ، والذى يثبت لنا أن دستور القرآن هو الحق المطلق ، فعلينا بالرجوع إلى الله ، والإخوة فى الله ، فكلنا إخوة من أبوينا آدم وحواء ، لا فرق بين عربى ولا أعجمى إلا بالتقوى ... ، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ... ، لنا مثل فى هذا الرجل الذى أصيب بالعجز الكامل فى ساقيه ، وتآكل بالعمود الفقرى ، ولقد قرر تأدية العمرة ليدعو ربه أن يشفيه ، وأثناء الطواف حيث يحمله بعض المتطوعين كان يبكى بشدة ويدعو ربه ... ، فرآه أحد الأمراء وهو الأمير ماجد بن عبد العزيز ، وسأله عن طلبه ، وكانت الكعبة مفتوحة فى هذا الوقت ... ، فطلب أن يصلى فيها ... ، يقول ما إن هممت بدخول الكعبة ، وبدأت أصلى ركعتين شكرا لله حتى شعرت بارتياح غير عادى ... ، وشعور يغمر نفسى بالرضا .. ، وأثناء أدائي للصلاة فوجئت بأن قدمى تتحركان ، وخرجت وقد شفيت من الشلل تماما ، لقد خرج يسير على قدميه بقدرة الله سبحانه بعد أن دخلها محمولا على الأكتاف ، فسبحان القادر ... ، فاللهم ارحمنا وارزقنا العفو والعافية واجمعنا وأولوا الأرحام والمسلمين جميعا فى الجنة ، إنك سبحانك العفو الرءوف وأنت أرحم الراحمين.

__________________

(١) سورة النور الآية ٣٥.


١٥ ـ قدرة الله ويوم البعث والنشور

يبعث الإنسان يوم القيامة على نيته وعلى ما مات عليه ، حيث إن الأعمال بالخواتيم ، وذلك فى يوم شديد الحر تدنو فيه الشمس من الرءوس ومع زلزلة الساعة سوف تكور الشمس ويخبو ضوؤها وتقل حرارتها وتنعدم الجاذبية ، فتدنو وتقترب من الرءوس ، ومع اقتراب الشمس من الأرض ، لن تسقط الأرض فى أتونها حيث تتبدل القوانين المعروفة بأمر الله يقول تعالى (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (١) ... ، ومع اقتراب الأرض من الشمس تؤثر على جميع الكائنات المتجرثمة فى الأرض ... ، ولقد كانت بداية حلق الإنسان من خلية حية واحدة تضم ٤٦ كروموزوم (chromosome) نصف هذا العدد جاء من الأب ، والنصف الآخر جاء من الأم ، وهذه الخلية تكون منهما جسد الإنسان بكامل أجهزته عن طريق الانقسامات المتوالية لتنتج عدد مائة مليون مليون خلية حية هى متوسط عدد خلايا الإنسان البالغ التى يتكون منها جسده ، وتحمل كل خلية فى نواتها نسخة كاملة من صفات الإنسان وكتابه الحفيظ ... ، ويبدو الإعجاز هنا فى حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال" كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب ، منه خلق ومنه يركب الخلق يوم القيامة" (٢) ، والمعنى أن كل جسد الإنسان يتحلل بعد موته إلى عناصره الأولى إلا عجب الذنب وهو عظمة صغيرة جدا كحبة الخردل صلبة من الخارج ، رخوية من الداخل حيث تحتوى بداخلها الخلية الحية التى بدأ منها خلق الإنسان وتحتوى كل صفاته وإسراره ، لذلك فإن ما يحدث اليوم بالنسبة للاستنساخ هو إثبات لإعجاز الله ـ سبحانه وتعالى ـ حيث أن الخلية الواحدة تحمل كل صفات الإنسان لذلك فالقدرة والإبداع لله وحده ، وإعادة خلق الإنسان من تلك الخلية المتحوصلة فى عجب الذنب ليعود منها الإنسان كاملا بكل صفاته هو آية تؤكد ذلك لمن يتفكر ويتدبر ... ، وعجب الذنب جسيم متناهى فى الصغر يتسم بالصلابة الشديدة ومقاوم

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ٨٥.

(٢) أخرجه البخارى ومسلم.


لكافة عوامل التحلل والفناء (١) ... ، ولقد ضرب الله لنا الأمثلة فى الدنيا التى تثبت لنا بعث الإنسان من تلك الخلية المتجرثمة ولو مر عليها ملايين السنين ، فالبكتريا مثلا حين تتعرض لظروف غير مناسبة كارتفاع درجة الحرارة أو قلة الغذاء أو انخفاض نسبة الرطوبة إلى حد الجفاف أو وجود مواد سامة فى البيئة المحيطة بها ، فتلجأ بعض أنواعها إلى التجرثم وذلك بأن تتخلص من بعض الماء فينكمش البرتوبلازم (Proto plasm) فى حيز أقل مبتعدا عن الجدار الأصلى للخلية ... ، ثم يتكون جدار خلوى آخر سميك حول الكتلة البروتوبلازمية وتبقى الخلية البكتيرية المتجرثمة فى حالة سكون أو كمون داخل غلافها السميك المنيع تقاوم الظروف غير المناسبة لفترات طويلة قد تمتد لعشرات السنين وتستطيع مقاومة درجات الحرارة العالية حتى درجة الغليان ، وفى الظروف المناسبة سرعان ما تمتص الماء من الوسط المحيط بها ، وتنتفخ ممزقة جدارها أو تفرز إنزيما يذيبه وتخرج لتعاود نشاطها من جديد ... ، وهناك بكتريا عادت للحياة بعد تحجرها ٤٠ مليون سنة حيث تم وضعها فى محلول غذائى ، وهناك أنواع من الكائنات المتحوصلة تتحمل درجة حرارة تكفى لصهر الرصاص أو القصدير (٢) ... ، وتتحمل درجات التفريغ والضغط العالى والبرودة الشديدة ، كذلك فإن الفيروسات خارج الخلية الحية التى تهاجمها تكون كالجماد أو كبلورات الملح الصخرية ثم تمارس نشاطها ككائن حى فى الخلية ... ، وبذور النباتات أيضا تظل جافة سنينا طويلة ، ووقت إنباتها حين ينزل المطر تنبت وتشق الأرض ، وكذلك خروج الإنسان ... ، والنبات لكى يخرج وينمو لا بد له من تربة خصبة مفككة ولا بد من الماء ، ودرجة الحرارة المناسبة التى تنبه الخلايا من غفلتها وتمدها بالطاقة اللازمة لنموها ونشاطها وبالفعل فإن الأرض يوم القيامة ستهتز وتزول الجبال وتصير ترابا ، والصخور الصلبة تصير هشة مفككة الحبيبات كالرمال أو الصوف المنفوش ، فسوف تتلاشى قوى التجاذب بين

__________________

(١) أنظر البعث يوم القيامة ـ محمد شكرى حسن ـ دار الشعب.

(٢) نفس المرجع السابق.


جزئيات المادة فالحديد الذى نراه صلبا والنحاس ، والصخور النارية تتحول إلى مواد هشة ... ، ثم بعد ذلك تفتح أبواب السماء بماء منهمر ... ، وعن هذه العظمة الصغيرة يخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم" بنزول مطر من السماء ثم ينبت الناس منها كما ينبت البقل" (١) أى مثل النبات الذى خرج من الأرض ... ، والماء يحتوى على مواد منشطة تعمل على تنبيه الخلية المتجرثمة لتستيقظ من سباتها العميق وتعاود نشاطها وحيويتها والماء يحتوى الأكسجين والهيدروجين وهما ضمن العناصر التى تكون المادة الحية بالخلية النباتية ، وكما أن إنبات النبات يحتاج طاقة ، ويوم القيامة سوف تكور الشمس وتنكدر النجوم ولكن ستظل حرارة الشمس وإشعاعاتها إلى الأرض بحسب القوانين الجديدة من الله ، ومع الانقلاب الكونى فإن حرارة الشمس وإشعاعاتها سيكون لها دور فى تنبيه الخلية الآدمية لتنشط وتنمو وتعيد سيرتها ، حيث تتحول الأرض ساعتها إلى طين لازب حيث تنمو الخلية وتستمد غذاءها كما كان الجنين يعيش ويستمد غذاءه من رحم أمه ، وكما يستمد النبات غذاؤه من الطين ، وكما حدث لجرثومة البكتريا حين تجد البيئة المناسبة من الماء والطاقة فإنها تفرز إنزيما خاصا يعمل على إذابة الغلاف الحصين فتخرج إلى الحياة ... ، وبخروج الخلية التى كانت من قبل قد فقدت كل ما بها من ماء خلال حقبة التجرثم لتنكمش فى أضيق نطاق ، فإنها تعود وتمتص الماء وتنبت كما أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما ينبت البقل يقول تعالى (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٢) ... ، وكما حدث بالخلق الأول تبدأ الخلية فى الانقسام ثم تستقر فى الرحم حيث تتحول مع الغذاء من مرحلة لأخرى ، حتى يصير الجنين كائنا يتحرك ويخرج للحياة ، يقول تعالى (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٣) .. ، وإذا كانت كتلة الخلايا فى الخلق الأول تغوص فى البطانة الإسفنجية لجدار الرحم فإن كتلة الخلايا فى الخلق الآخر ... ، تكون مغروسة فى

__________________

(١) من شرح حديث قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ما بين النفختين أربعون ........ ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل" رواه البخارى ـ برقم ٤٩٣٥ / ٨.

(٢) سورة يس الآية ٧٩.

(٣) سورة الأعراف الآية ٢٩.


تربة أرض البعث التى ستشبه فى قوامها وتركيبها البطانة الإسفنجية لجدار الرحم فكلاهما هش القوام ومكتنز بالعناصر الغذائية المذابة ... ، وإذا كان فراغ الرحم يمتلئ بسائل مائى غنى بالسكريات والأملاح استكمالا لمصدر غذاء الجنين كذلك فإن تربة البعث الهشة ستحتضن الأجنة الآدمية وسيعلوها سائل مائى كما أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه سينزل مطر من السماء ... ، وكما تغذى الجنين فى رحم أمه ، سيتغذى الإنسان من رحم أمه الأرض ، ولا غرابة فى تكوين الأجنة فى تربة الأرض كما تمت حالات الحمل وسط الأحشاء فى بعض الحالات التى تم فيها استئصال الرحم (١) ... ، وإذا كان الجنين ينفخ فيه الروح فى بطن أمه ثم يخرج طفلا صفيرا غير مكتمل النمو حيث لم تنمو أسنانه بعد ، ولا يستطيع الوقوف فى السير ، فإن الجنين البشرى سينمو فى رحم الأرض نموا كاملا ويصبح ناضج الفكر قوى الذاكرة ولكن لن تسكن الروح فيه ويخرج إلا عند النفخ فى الصور ويأتى وقت الخروج يقول تعالى (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) (٢) ... ، وكما للرحم عضلات تنقبض لتخرج الجنين ، كذلك سوف تنشق تربة الأرض ليتسع طريق الخروج أمام الأجنة البشرية يقول تعالى (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها. وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها. وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها) (٣) ... ، ويوم القيامة سيكون نهارا سرمديا حيث لا دوران للأرض ، والبحار تفجر أى تفتح بعضها على بعض بزوال الحواجز وقارات اليابسة التى تفصل بينها ، وبذلك تكون البحار كلها على جانب ، واليابسة كلها على جانب ، وهو المطل على الشمس باستمرار حيث لا دوران للأرض ... ، والبحار سوف تتحلل إلى مكوناتها الأكسجين والهيدروجين المشتعل ، والأكسجين يساعد على الاشتعال مما يؤدى إلى تسجير البحار ، يقول تعالى (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٤) ... ، وكما أن الطفل يخرج إلى الحياة ويجد أن الله تعالى كفل له الرزق المتمثل فى لبن الأم الذى يغنيه عن الطعام ، كذلك

__________________

(١) نفس المرجع السابق ـ البعث يوم القيامة

(٢) سورة الكهف الآية ٩٩.

(٣) سورة الزلزلة ١ ـ ٣.

(٤) سورة التكوير الآية ٦


فى الميلاد الثانى يوم القيامة فإن رحمة الله تعالى أنه يدبر لجموع البشرية العائدة إلى الحياة غذاؤهم والمتمثل فيما أسماه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأحواض الأنبياء وذلك للمؤمنين منهم يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إن لكل نبى حوض ، وإنهم يتباهون ايهم أكثر واردة وإنى لأرجو أن أكون أكثرهم واردة" (١) ... ، وهذه الأحواض يطرد عنها الكافرين ومن تركوا العمل بما أمروا ... ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" حوضى مسيرة شهر ، وزواياه سواء ، وماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك كيزانه كنجوم السماء ، من ورد فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا" (٢) ... ، وسوف يكون للأجساد خاصية خاصة تحميهم من الظروف التى حولهم من شدة الحرارة وكثرة الإشعاعات ، والجو المشبع بالدخان ، والماء الحار ، وانهيار الجاذبية يقول تعالى (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ. عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) (٣) وبالنظر إلى الحشرات نجد خلقها يتقلب من بيضة ، فيرقة ، فعذراء ، فحشرة كاملة ، فاليرقة دودة تزحف على الأرض لها فكوك قوية تأكل بها الأوراق الخضراء ثم تحيط هذه الدودة نفسها بأمر الله بشرنقة من الحرير أو الطين لتخرج منها بعد فترة إلى خلق آخر يختلف فى الشكل تماما فى صورة حشرة كاملة لها جناحان ، وأرجل وخرطوم تمتص به الرحيق ... ، والجنين فى الرحم يتغذى من المشيمة ، ويفرز جلده مادة بيضاء كالتى يطلى بها السباح جسده حين يسبح لمسافات طويلة تعمل على حماية الجلد من السائل الأمينوسى كذلك سيكون للإنسان هيئة جديدة مع البيئة التى يواجهها عند خروجه ... ، والمؤمن سيخرج من رحم الأرض شابا وليس طفلا كالخروج من رحم أمه ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" يبعث أهل الجنة على صورة آدم فى ميلاد ثلاث وثلاثين ، جردا مردا مكحلين ثم يذهب بهم إلى شجرة فى الجنة ، فيكسون منها ، لا يبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم" (٤). وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : " وأنا

__________________

(١) أخرجه الترمذى.

(٢) أخرجه البخارى ومسلم.

(٣) سورة الواقعة الآية ٦٠ ـ ٦١.

(٤) أخرجه الطبرانى.


أول من تنشق الأرض عنه فتخرجون منها شبابا كلكم أبناء ثلاث وثلاثين" (١) ... ، وهناك من يحشرون يسيرون على أرجلهم ومن يركبون الدواب ويرى الإنسان ما لم يكن يراه فى الدنيا كالملائكة ، وألوان الأشياء بطبيعتها فبصره حديد ... ، وهناك من يحشرون صما وبكما وعميا وهم المعرضون عن ذكر الله يقول تعالى (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) (٢) ... ، وهناك من يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله ... ، وذلك حين تقترب الشمس من الأرض فتملأ الحيز المرئى للسماء من الأفق إلى الأفق ، حتى يخيل للناظرين من الأرض أن السماء كلها قد اتقدت جحيما لا عهد لهم به من قبل ... ، وسيبدو واضحا للناظرين تيارات الحمل الهائلة وهى تتماوج فوق رءوسهم فى دوامات رهيبة ، يقول تعالى (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) (٣) .. ، وحال الناس يصفها الله تعالى بالجراد المنتشر تارة وبالفراش المبثوث تارة أخرى وهما من الحشرات الطائرة خفيفة الوزن ولعل ذلك يفيد بأن أجساد البشر ستكون أكثر خفة ورقة وقد يرجع ذلك إلى ضعف الجاذبية العامة فى الكون ... ، ولضعف الجاذبية تكون الحالة كانعدام الوزن فيصعب على الإنسان التخلص من العرق حيث يلازم صاحبه ، ويحيط به ، حيث أنه لا جاذبية تساعد على النزول لأسفل والجو الشديد يساعد على تبخيره ... ، فاللهم ارحمنا فى هذا اليوم العصيب ، وأظلنا فى ظلك يوم لا ظل إلا ظلك ... ، فعلينا أن نرجع إلى الله حتى ينزل عينا رضوانه ، لقد نظر سبحانه فى قلوب البشر فوجد قلب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتقى القلوب ، واختار من بينهم قلوب الصحابة ليكونوا وزراءه ... ، فلنحسّن أخلاقنا لننال شرف الاصطفاء ... ، " من بدأ أخيه بالسلام نال رحمه‌الله" (٤) ولنكثر من الاستغفار والذكر لتضيء صحائفنا ... ، ونكثر من الصلاة على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى ننال رحمة الله ... ، وندرك أن

__________________

(١) التذكرة للقرطبى.

(٢) سورة الإسراء الآية ٩٨.

(٣) سورة المعارج الآية ٨.

(٤) من حديث أبى أمامة قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام" رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط ـ ورواته محتج بهم فى الصحيح.


القوة لله وحده ، رزق سبحانه مريم ابنة عمران فى محرابها بغير حساب وأحيا الطير بإذنه لإبراهيم عليه‌السلام ... ، وأخرج الناقة من الصخرة الصماء لصالح عليه‌السلام .. ، وشق البحر وجعل من العصا حية لموسى عليه‌السلام ... ، وكان عيسى عليه‌السلام .. ، يخبر الناس بما يأكلون وما يدخرون فى بيوتهم .. ، ودعا ربه فنزلت المائدة من السماء .. ، وكان يبرئ الأكمة والأبرص بإذن الله ... ، وكان يصور الطير كهيئة الطير وينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ... ، ولقد كلم الناس فى المهد ... ، إن الله سبحانه حين يرضى عن العبد ... ، يعطى بغير حساب ... ، هناك من وصلوا إلى درجة من الصفاء بحيث تتحقق رؤياهم ، ومن كثرة قراءة القرآن والذكر يستيقظون من نومهم وهم يتلونه ، ومن رأوا الجنة ومن تجلى لهم إبداع الله فى كونه ، وأنوار الأنبياء هناك من كسا النور وجوههم عند سكرات الموت ، ومن رفع يديه أثناء الغسل ساترا عورته ... ، وهناك من وقف نعشه فى مكان لأن لحده فى نفس المكان .. ، وهناك من أراد أن يفرط فى مكتبة دينية ، فرأى حبل نور يمتد منها نحو السماء فأدرك قيمة العلم (١) ... ، فاجعل حبك لذات الله فهو أرقى درجات الحب ... ، لا تجعل حبك خوفا من النار أو رغبة فى الجنة فقط ولكن الحب لله مع الخوف والرجاء ، فهل تحب أن يعرفك صديق من أجل ما عندك أم من أجل ذاتك ... ، إن الله هو الحنان المنان فلا فضل للبشر فى شىء ، جاء بك إلى الدنيا ورزقك وجعلك مسلما ووعدك بالبعث والجنة خالدا فيها ، فنحن جميعا نعجز عن شكره لذاته فسبحانه فى كل وقت وحين ... ، لقد أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن للقلوب صدأ كصدأ الحديد من تراكم الذنوب وجلاؤها ذكر الله وكثرة الاستغفار ... ، فعلينا بالإنابة إلى الله لأن بطشه شديد أهلك قوم نوح حين خالفوا ... ، وقوم فرعون حين تكبروا ... ، وقوم عاد وثمود حين اغتروا بقوتهم .. ، فأهلك قارون وأهلك النمروذ ... ، وقوم لوط ، وأصحاب الأيكة ... ، ومن وقفوا فى طريق الدعوة إلى الله كأبى جهل ، وأمية بن خلف ، ومن دعا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأهلك سبحانه كل متجبر فى كل زمان .. ، والأمثلة على ذلك كثيرة ... ،

__________________

(١) ذكر لى ذلك من حدث معه هذا الموقف ـ وكان يريد أن يفرط فى مكتبة والده ، لحاجته المادية.


يقول تعالى (أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ) ... ، فى إيطاليا سنة ١٧٠٨ حدث زلزال بلغ عدد القتلى منه ٥٠٠٠ ألف نسمة ... ، وفى الصين سنة ١٩٢٠ كان عددهم ١٠٠٠٠٠ نسمة ، وفى طوكيو فى زلزال سنة ١٩٢٣ بلغ عدد القتلى ١٥٠٠٠٠ نسمة ولقد لجأ الكثيرون إلى شواطئ البحار ، فارتفعت الأمواج وابتلعت الجميع (١) .. ، فلا يأمن أحدنا عذاب الله إذا تكبر وسعى فى الفساد ، ولا يقنط من رحمته إن كان من التائبين العابدين يقول تعالى (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) (٢) ... ، لقد رأى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من آيات ربه الكبرى فى رحلة الإسراء والمعراج ، رأى عقوبة آكل الربا ... ، وعقوبة الزناة ومن وقعوا فى الغيبة والنميمة ، ومن أكلوا الحرام .. ، ومن تكاسلوا عن الصلاة المكتوبة ... ، وغير ذلك من المشاهد والعبر التى تجعلنا نوقن بأن الجنة حق ... ، وأن النار حق ، وأن الخير فى اتباع منهج الله والزهد فى الشهوات ولزوم الطريق المستقيم.

١٦ ـ الإعجاز فى إعداد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمته

لقد كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أميا ... ، وكان ذلك شرف له ، حيث لم يتلق علمه من البشر ، ولكن كان علمه من الله تعالى ... ، وكانت الأمة التى يعيش بينها أمية حتى لا يظن الناس أن تقدم هذه الأمة كان وثبة حضارية لثقافتها ... ، ولكن ليدرك العالم كله ، والأمم فى كل زمان أن تقدم هذه الأمة كان بسبب أخذهم لهذا العلم الذى جاءهم من السماء بوحى الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذى بلغهم وأمرهم بالعمل بتلك الرسالة العظيمة ... ، ولقد أعدهم الله تعالى للدعوة إليه وفتح البلاد حيث تميزت هذه الأمة أنها تنتقل فى أسفارها كثيرا ... ، حيث إن منزلها فوق ظهر الإبل ، حيث يحمل العربى خيمته ويستقر بها فى المكان الذى يأوى إليه ... ، لقد أعدهم الله للسياحة فى البلاد ... ، كذلك كانوا فى الجاهلية تستمر الحروب بينهم سنين طويلة فأخذوا خبرة الحروب دون الحاجة إلى مدرسة حربية يتعلمون فيها فنون الحرب ، ويشاء الله تعالى

__________________

(١) الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ـ دكتور زغلول النجار ـ أخبار اليوم.

(٢) سورة الفرقان الآية ٧٠.


لهذه الأمة الأمية البدوية أن تفتح البلاد شرقا وغربا وتقود العالم المتحضر ، وينتشر الإسلام فى كل مكان حيث قال تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (١) إن الأمر كله لله ... ، والكون كله ملك لله.

وكيان الإنسان ومشاعره من صنع الله ... ، الإنسان لا يملك شيئا ، يكفى أنه لا يملك روحه ... ، يمكن أن يقبضها ربه فى لحظة ... ، يمكن أن يجمع قطعا من الطرقات فى لحظة ، وقد رأينا ذلك فى حوادث السيارات والقطارات ... ، فما اضعف الإنسان ، وما أشد عداوة الشيطان ... ، إن الرازق هو الله ، والناصر هو الله ... ، والشافى هو الله ، يقول تعالى ـ على لسان إبراهيم عليه‌السلام (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) فإياك أن تظن أن الطبيب يشفى أو أن الدواء يشفى دون ذكرك اسم الله أو يقينك فى الله وأنت تأخذه ... ، فكن على يقين بربك وادع إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ... ، والبصيرة السليمة ... ، حين جف النيل وكان المصريون قد تعودوا على إغراق فتاة جميلة فيه ليجرى ويفيض ، فأرسل عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى عمرو ابن العاص بطاقة أمره أن يضعها فى مياه النيل مكتوب فيها من عبد الله عمر إلى نيل مصر ، إن كنت تجر من عندك فلا حاجة لنا بك ، وإن كنت تجر بأمر الله فسر بأمر الله ، فارتفع الماء ستة عشر ذراعا (٢) ، وتوقف المصريون عن تلك العادة وعن هذا الشرك .. ، إن أرض الإسلام كانت خصبة فى عهد الصحابة والخلفاء الراشدين حيث كان العلم يؤخذ بالتلقى من الصدور إلى الصدور ويطبق فى حياتهم ومعاملاتهم ... ، كان الاتباع هو السائد ، صلاتهم مثل صلاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجهادهم مثل جهاد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سلوكهم فى المنزل والسوق مثل سلوكه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لقد تعلموا الإيمان ومارسوا سلوكه أولا ... ، لم يكن العلم مسطورا فى كتب مهجورة كما هو الحال فى عصرنا ... ، ولكن كان العلم محفوظا فى الصدور من خلال مشاهدة السلوك التطبيقى الذى التزم به الصغير والكبير ، ولو ضربنا مثلا بالسائق الذى مارس القيادة وأتقنها ، لا يجد ثقلا فى الفهم إذا ما قرأ

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ١٩.

(٢) مائتان وثمانون قصة ـ من قصص الصالحين ونوادر الزاهدين ـ وتوارد الموقف فى أكثر من مصدر يؤكد صحته.


كتابا عن طريقة القيادة ... ، لقد كان الصحابة يطبقون ما يسمعون ويعلمون من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمجرد سماعهم للأمر ، لكننا نقرأ العلم ونطوى الكتب وننسى لعدم الممارسة والتطبيق ... ، يقول الصحابة تعلمنا الإيمان ثم القرآن فازددنا بالقرآن إيمانا ... ، الصحابة كانوا يقيمون الصلاة قبل أن يقرءوا عن الصلاة ... ، لذلك مرت علينا ، قرون والقرآن مهجور (والعلم مطوى) فى الصحف ، لا يجد من يقرأه ، وجلس الشباب على المقاهى ، وانشغل الناس فى ميادين العمل وبدلا من العبادة والذكر والدعوة إلى الله ، انشغلوا بالمال ، والبنين ، والنساء ، فتخلف المسلمون ، وأصبح الإسلام كالأرض التى هجرها الزارعون زمنا طويلا لذلك فهى الآن تحتاج كثيرا من الأيدى العاملة لتعود خصبة كما كانت ، يخشع أهلها عند سماع الآيات فالإسلام يحتاج إلى دعاة ، فكل مسلم عليه واجب الدعوة يقول تعالى (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (١) فكل من اتبع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليه واجب الدعوة ... ، يقول تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢) وهى بشرى من الله لمن يدعو إليه أنه من الفائزين وغيره من الخاسرين ، يقول تعالى (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (٣) ... ، سأل أحد الأنبياء ربه عن أجر الداعى إليه فأجابه أن الكلمة بعبادة سنة صيامها وقيامها ... ، والداعى يجب أن يكون سخيا كريما لين الكلام ، يؤثر غيره على نفسه حتى تصل دعوته إلى القلوب لقد تأخر الهدهد عن النبى سليمان عليه‌السلام وكاد أن يذبح لأنه تأخر عن النبى سليمان عليه‌السلام ولقد تحرك وأرسل رسالة النبى سليمان عليه‌السلام وألقاها إليهم حتى عادوا جميعا إلى الله واسلموا ... ، ولقد كان الذئب يدعو إلى الله فى زمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حيث أخذ أحد الناس صيدا من فمه فقعد على ذيله قائلا عجبا أ تأخذ منى رزقا ساقه الله إلى ، وحين يتعجب الرجل ، فكان

__________________

(١) سورة يوسف الآية ١٠٨.

(٢) سورة آل عمران الآية ١٠٤.

(٣) سورة العصر.


ينطبق قائلا ، الأعجب من ذلك ظهور النبى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم تتبعه (١) ... ، وراح نفر من الجن ينادون بعد سماعهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) (٢) وحين جاء جماعة من الكافرين يشككون فى رسالة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان معهم ضب يحمله رجل ، فقالوا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا نصدقك حتى يشهد هذا الضب ، فقال له من أنا يا ضب؟ ... ، فقال محمد رسول الله ... ، ولقد جاءت الشجرة تخض الأرض وتقف أمامه قائلة ، السلام عليك يا رسول الله ... ، إنها الرسالة الحق من الله تعالى العليم بكل شىء ، يقول تعالى (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) (٣) ... ، إن كل شىء فى رسالة الله معجزة تستحق التأمل وتسعد من يدعو إليها ... ، وحروف القرآن ذاتها مليئة بجوانب الإعجاز ... ، فمثلا حروف الهجاء ٢٨ حرف أخذ الله تعالى من التسعة أحرف الأولى فى الحروف المقطعة التى تبدأ بها بعض السور القرآنية الألف والحاء وترك سبعة ثم أخذ من التسعة الأخيرة سبعة أحرف وترك اثنان وهما الواو والفاء ثم يبقى عشرة فى الوسط أخذ الله تعالى الحروف الغير منقوطة كالراء والسين والصاد وهكذا ... ، وترك المنقوط مما يثبت الإعجاز فى تنسيق اختيار الحروف ليظل التحدى والإعجاز إلى يوم القيامة ... ، إنها رسالة الحق والخير ، فعلينا أن نتمسك بها وندعو إليها ، حتى نكون من الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه ... ، لقد حضر وفد من الكفار إلى خالد بن الوليد وقالوا له لو شربت هذا السم أسلمنا ، ومن أجل الدعوة ، قال بسم الله الذى لا يضر مع اسمه شىء فى الأرض ، ولا فى السماء وهو السميع العليم ، ثم شربه فلم يضره شىء فأسلم الوفد جميعا (٤) ، وهذا يثبت فضل التسمية وذكر الله ، وأن الشفاء من الله وحده ، وليس من الدواء أو الطبيب ، يقول تعالى على لسان إبراهيم عليه‌السلام (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (٥) فالقرآن شفاء ... ، فاتحة الكتاب رقية وشفاء ، وشرط الشفاء هو أخذ القرآن

__________________

(١) شرح حديث رواه أحمد (٣ / ٨٣) وصححه الأبانى ـ الصحيحة ١٢٢ م من كتاب غرائب وطرائف الحيوانات ص ١٤٢ ـ دار الإيمان

(٢) سورة الأحقاف الآية ٣١.

(٣) سورة الأنبياء الآية ٨١.

(٤) سبقت الإشارة عن هذا المرجع ـ عن قصص الصالحين.

(٥) سورة الشعراء الآية ٨٠.


بيقين كما ذكرنا سابقا ... ، كذلك فإن شرط قبول الصلاة ، الطعام الحلال وإتمامها والخشوع فيها ، والتواضع وعدم الإصرار على المعاصى والرحمة بالمسكين والأرملة ، وابن السبيل ، وقطع النهار فى ذكر الله تعالى ... ، ولقد أجمع العلماء على أن الحركة فى الصلاة من عدم الخشوع ، كما دلت بذلك الأحاديث ، فلو خشع القلب لخشعت الجوارح ولو زادت حركاتك عن ثلاث فعليك بالخوف من بطلان صلاتك ، ولا بد أن يكون نظرك محل السجود حيث لا يمر الشيطان ، وحيث إنك تقف أمام من قال عن نفسه (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) (١) ... ، فعلينا بالتقوى والخشية من الله الذى خلق الكون ونظمه ، ورزق كل دابة ، وعلم الظاهر والباطن ، وأحصى كل شىء عددا ، يعلم بعدد حبات الرمال فى الصحارى والقفار ... ، وما تسقط ورقة إلا وهو يعلمها ... ، وكل شىء هالك إلا وجهه ، وصدق صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى وصيته لنا ... ، لا تجمعوا ما لا تأكلون ، ولا تبنوا ما لا تسكنون ، ولا تنافسوا فيما أنتم عنه تزولون ، واتقوا الله وارغبوا فيما إليه تصيرون وفيه تخلدون ... ، إننا بحاجة إلى رحمة الله ومغفرته حيث إن نعمه علينا كثيرة ونحن مقصرون مذنبون عاجزين عن شكره ... ، له علم الغيب وتعجز عقولنا عن الإحاطة بكل الأمور ، ومع المشهد والدليل هناك غيب كثير لا بد من الإيمان به ، حيث إن المؤمن يؤمن بالغيب ، وهذا هو اختبارنا لا نعلم الحكمة من الأمور كلها فى الماضى والحاضر والمستقبل ، لا نعلم الحكمة من اختلاف الناس فى القدرات والهدى والضلال والأرزاق والآجال ... ، وعلى الإنسان أن يتمسك بالأدلة الحق ليسير فى طريق النور ويصرف نفسه عن التفكير فى الشهوات فإن عذاب النار شديد ... ، والله قادر على منع البلاء عنا والابتلاء ولكنه الاختبار الذى معه يظهر من يستحق الجنة ومن يستحق النار ... ، النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لاقى الكثير فى سبيل الله ونشر دعوته حتى يكون قدوة للدعاة من بعده ليصبروا على الأذى ، ولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتيما وتوفيت والدته وهو فى صغره ، وتوفى عمه وزوجته فى عام واحد ، ثم لاقى الكثير فى الطائف وأدميت قدمه الشريفة ، وقبلها حوصر مع الصحابة فى شعب أبى طالب.

__________________

(١) سورة طه الآية ١٠٥.


وكاد الصحابة أن يأكلوا أوراق الشجر ... ، ثم كانت رعاية الله وفضله عليه بحادثة الإسراء والمعراج ، حيث عرج به إلى السماوات العلى ، وحيث رأى من آيات ربه الكبرى ، ورأى صورا من عذاب العصاة ونعيم الطائعين ، ليدرك المؤمنون أن الجنة حق وأن النار حق ، إن رحمة الله تأتى مع اليقين والصبر ويؤيد بنصره من تقربوا إليه ودعوا إليه ... ، هناك من الصالحين من أراد أن يترك أمر النصيحة ويكتفى بالدعوة على المنابر فى المساجد ، فوجد رجلا يواجهه بكلمة اتق الله فأدرك ما تعنيه الكلمة وواصل أمر الدعوة ... ، وهناك من صبروا على العطش وهم يسيرون فى الطريق وحين وجدوا الماء قال أحدهم إن الماء لا يروى إلا بأمر الله ، ودخلوا المسجد ولم يشربوا وبعد لحظات شعروا جميعا أنهم لا يحتاجون إلى الماء ، وهناك من فقدوا الطعام وكان أحدهم لا يبالى وحين سألوه عن سر ذلك ، قال ربى قادر أن يطعمنى ولم يمر من الوقت إلا القليل وجاءهم رجل بمائدة من طعام العقيقة فأكلوا حتى شبعوا فعلينا بالقناعة وعدم التفكير فى الشهوات ، والحذر من المعاصى ، والثبات على الحق والاستمرار على أمر الدعوة والنصح فى الخير ... ، وعلينا بالرضا وبغض المعاصى ، يقول تعالى (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١) ... ، ألا يستحى الإنسان من الله ، ألا يرغب فى النعيم المقيم فى الجنة ويسلم من العذاب الشديد فى النار ، إن الله هو الغنى المانح لكل شىء لذلك فمن اعتمد على ماله قل ومن اعتمد على عقله ضل ومن اعتمد على جاهه زل ، ومن اعتمد على الله ما قل ولا ضل ولا ذل ... ، فلا توقف عن الطاعة والدعوة والشكر والدعاء والرجاء.

١٧ ـ الإعجاز فى آداب وأخلاق إسلامية

إن الدين الإسلامى لم يكن يقينا ثابتا أو عبادات وقتية فحسب ولكنه يشمل جميع الآداب الفاضلة فى حسن المعاملة والتعامل الراقى مع البشرية كلها ، فهو دين النظافة والحس المرهف ومراعاة شعور الآخرين وعدم الإساءة إليهم ، ولقد كان علقمة

__________________

(١) سورة المجادلة الآية ٧


صحابيا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان من السباقين إلى فعل الخيرات والالتزام فى العبادات ، وكان بارا بأمه ولكنه لم يلتزم بالأدب أو الذوق الإسلامى عند دخوله بالفاكهة على أمه ، حيث كان يخرج إليها بنصيبها بعد دخوله بها على زوجته أولا ... ، لقد عجز لسانه بسبب ذلك عن أن ينطق بالشهادتين ولم ينطق بها حتى سامحته أمه (١) ... ، ويخبرنا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أعظم الصدقة لقمة يضعها الرجل فى فم زوجته ... ، ويوصينا بأن لا يقع الرجل على زوجته كالبهيمة ، ولكن لا بد من حسن التعامل فى العلاقة الزوجية بتقديم الكلام الرقيق كما قال تعالى (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) ، ووصى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالدعاء المعروف" اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا" ... ، ومن الأدب والذوق الإسلامى الاستئذان ثلاث مرات قبل الدخول على الغير ، والإفساح فى المجالس ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" حقا على كل مسلم إذا جاء اخاه ان يتزحزح له" ... ، كذلك فإن إماطة الأذى عن الطريق صدقه ... ، ويوصى ديننا الإسلامى بالرفق فى كل شىء فأخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إن الرفق لا يكون فى شىء إلا زانه ، ولا ينزع من شىء إلا شانه" (٢) ... ، ومن الأدب الإسلامى أن ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام .. ، ويصف صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن من خيار الناس خيارهم لنسائهم (٣) ويرشدنا الله تعالى عن أسلوب الدعوة إليه بأن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة ... ، ومن الأدب القرآنى ما ورد عن يوسف عليه‌السلام حين دخل عليه إخوته وأبواه ، يقول تعالى (وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (٤). ، ونلاحظ أن يوسف عليه‌السلام لم يقل" إذ أخرجنى من السجن ومن الجب" وذلك حتى لا يجرح إخوته وهم عنده ، ورغم أنه لم يذنب أو يخطئ فى حقهم نجد السياق القرآنى (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) وهنا نلاحظ أنه لم يقل" بين أخوتى" ولكن قال" بينى وبين

__________________

(١) ذكر الحديث فى الترغيب والترهيب ـ رواه الطبرانى وأحمد مختصرا ـ الترغيب والترهيب ص ٣٣٢ الجزء الثالث.

(٢) الحديث رواه مسلم ـ المرجع السابق ص ٤١٥.

(٣) من معنى الحديث ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم" رواه الترمذى وقال أحسن صحيح.

(٤) سورة يوسف الآية ١٠٠


إخوتى" حتى يشرك نفسه معهم فيما حدث ليخفف من شعورهم بالذنب تأدبا فى الحديث ... ، ومن الأدب القرآنى أيضا ما ورد عن الخضر حين صحب موسى عليه‌السلام حيث خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار الذى أوشك أن ينقض ، وحين علل أفعاله قال عن السفينة (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) (١) وعن الغلام (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ) (٢) وعن الجدار الذى أقامه (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما) (٣) ، وهنا نجد التعبير بأردت ، وأردنا فى خرق السفينة وقتل الغلام وذلك تأدبا مع الله عزوجل ولكن إقامة الجدار لليتيمين قال" فأراد ربك" فقد نسب الأمر لله حيث ظاهر الأمر خيرا بالنسبة لإقامة الجدار ... ، إن الأدب الإسلامى فى نظامه الاقتصادي لا يقوم على احتكار السلع كما تفعل الدول التى لا تنتمى إلى الإسلام ... ، وفى أسلوبه الأخلاقى والاجتماعى لا يقوم على الإباحية وهتك الأعراض وقتل الأطفال من الزنا وتناول المسكرات ... ، وفى أسلوبه العسكرى لا يقوم على مبادئ التخريب والبطش بالأطفال والنساء والشيوخ ... ، لذلك فالدين الإسلامى باق ما دامت السماوات والأرض ... ، باق لأن أسسه كلها تقوم على الحق والعدل ... ، باق لأن الواحد القهار رضيه دينا فقال سبحانه" إن الدين عند الله الإسلام" ... ، (٤)

١٨ ـ سبحان الحكيم الخبير

سبحان الله القاهر فوق عباده ، سبحان الحكيم الخبير الذى لا يقف أمامه أمر ، فكل شىء خلقه بعلمه واسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة ، وصورنا فأحسن صورنا وكان أمره بكل فيكون ... ، فهو الذى بقدرته أخرج الناقة دما ولحما من الصخرة الصماء لصالح عليه‌السلام وهو الذى جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم عليه‌السلام ، ورزق مريم ابنة عمران فى محرابها بغير حساب ، وهو الذى بقدرته جعل البحر طريقا يبسا لموسى عليه‌السلام ، ولقد أحيا الموتى بإذنه لعيسى عليه‌السلام ولقد

__________________

(١) سورة الكهف الآية ٨٠.

(٢) سورة الكهف الآية ٨١.

(٣) سورة الكهف الآية ٨٢.

(٤) سورة آل عمران الآية ١٩.


نجى موسى عليه‌السلام حين ألقى فى اليم ووعد برده وتحقق وعده سبحانه ليكون عدوا لفرعون وحزنا ... ، ولقد رزق زكريا عليه‌السلام غلاما على الكبر وكانت امرأته عاقرا وسماه بيحيى ومات شهيدا ليكون اسما على مسمى ويحيا عند ربه كعادة الشهداء ، وهم الأحياء عند ربهم يرزقون ... ، سبحانه وتعالى مع أمره لا تكون الأسباب فهو خالق الأسباب والمسببات ، وهو الذى لم يجعل الرزق واستنشاق الهواء مقابل الطاعة ، بل هناك من يعصونه ويرزقهم لأنه الحليم الكريم ، ولو كان ذلك ما عصاه أحدا قط ، ولكنه الاختيار الذى لا يفطن إليه الكثيرون ممن غرهم الشيطان ليظلوا فى طريق الغفلة لا يشعرون بنعم الله عليهم ولا يشكرون ... ، والله يزيد من شكره بكل خير ويثبته فى الدنيا والآخرة فلا يفارق حب الله قلبه ، فهذا عبد الله بن حذافة السهمى الذى أسرته جيوش الروم مع عشرة من أصحابه وطلبوا منه أن يرتد عن دينه فرفض ، فعلقوه ورشقوا جسده بالسهام دون قتله بأمر ملكهم ، لكن ذلك لم يثنه عن أمره أو يضعف من عقيدته ، فجاءوا بإناء الزيت المغلي وألقوا أمامه اثنين من الأسرى ، وطلبوا منه أن يرتد فلم يتزعزع ، فقال الملك : ألقوه فيها ، وحين اقترب عبد الله رضى الله عنه من الزيت المغلي بكى ، فنادى عليه الملك ظنا منه أنه سيرتد ، وسأله ما ذا يبكيك؟ فقال : والله ما بكيت خوفا وجزعا من الموت ولكن لأن لى نفسا واحدة ستخرج فى سبيل الله ، وتمنيت لو أن لى بعدد شعر رأسى أنفسا تخرج فى سبيل الله (١) ... ، وهذا عبد الله بن جحش قبل بدء غزوة أحد يطلب من الله تعالى أن يقتل رجلين من أقوياء المشركين فيقول : اللهم إنى أسألك أن ترزقنى رجل شديد القوة فأقاتله ويقاتلنى فأقتله ، ثم ارزقني رجلا شديد القوة فأقاتله ويقاتلنى فأقتله ، ثم ارزقني رجلا شديد القوة. فيقتلنى ويبقر بطنى ويقطع أذنى ويجذع أنفى فآتيك هكذا ، فتقول : فيما ذلك؟ فأقول من أجلك يا رب ، فتقول لى صدقت (٢) ... ، يقول سعد بن معاذ وكان بجانبه حين دعى بذلك ، لقد رأيته مات

__________________

(١) أنظر البداية والنهاية ـ عن مواقف الصحابة.

(٢) ذكر هذا الموقف الأستاذ / عمرو خالد ـ فى أحد الأشرطة عن وسائل الثبات ، والقصة فى كتاب صور من حياة الصحابة.


شهيدا بقرت بطنه وقطعت أذنه وجذعت أنفه وبجواره اثنان من قتلى المشركين ، فقلت : صدق الله فصدقه الله ... ، والله سبحانه وتعالى يصدق مع محبيه ولا يضيع جهدهم ، فهذا هو بلال بن رباح الذى لاقى الكثير فى سبيل الله وكان عقبة بن أبى معيط يشجع أمية على تعذيب بلال وحين يشتريه أبو بكر الصديق يعتقه لوجه الله ، ويشارك فى غزوة أحد ويتخلف أمية بن خلف خشية أن يقتل حيث إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد حدد مصارع القوم قبل بدء المعركة ، ولكن عقبة بن أبى معيط الذى كان يشجع أميّة بن خلف على تعذيب بلال ، يشجعه هذه المرة على أن يخرج للقتال ويسخر منه قائلا : إنما أنت من النساء ، فلم يجد أميّة بن خلف بدا من الخروج إلى القتال فيقتل بسيف بلال (١) ... ، وحين ينزل الوحى بقوله تعالى (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) ردا على قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين رأى التمثيل بجثة عمه حمزة" لئن أظهرنى الله على قريش فى موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم" فيصبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويكون فى ذلك الخير حيث يسلم وحشى ويقتل مسيلمة رأس الفتنة فى معركة اليمامة ... ، يقول وحشى فى ذلك" فإن كنت قد قتلت بحربتى هذه خير الناس وهو حمزة .. فإنى لأرجو أن يغفر الله لى إذ قتلت بها شر الناس مسيلمة" (٢).

وتلك هى بائعة اللبن التى تنهى أمها عن خلطه بالماء خشية من الله ويسمعها الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه فيزوجها لأحد أبنائه فتكون ثمرة هذا الزواج ابنة صالحة تسمى ليلى ، تتزوج وتكون ثمرة زواجها الخليفة عمر بن عبد العزيز الذى ملأ الأرض عدلا (٣) ... ، وهذا هو الإمام النعمان يسير يوما فيمر بتفاحة فى طريقه فيأكلها وحين يمر بحديقة يدرك أن تلك التفاحة كانت منها ، فيسأل عن صاحب الحديقة ليسامحه فى تناولها ، فيأبى صاحبها أن يسامحه إلا بشرط زواجه من ابنته العمياء البكماء العرجاء وهو يختبره بذلك دون أن يكون بها تلك الصفات ، فيتزوجها وتكون ثمرة هذا الزواج الإمام أبا حنيفة النعمان الذى صلى

__________________

(١) أنظر السيرة ـ لابن هشام ....

(٢) رجال حول الرسول الجزء الثانى ص ٢٨.

(٣) معجزة الإسلام ـ عمر بن عبد العزيز ـ خالد محمد خالد.


الفجر بوضوء العشاء أربعون سنة ، وملأ الدنيا علما وفقها ... ، وهذا هو عمر بن عبد العزيز الذى لم يترك شيئا لأولاده عند موته لحرصه على مصالح المسلمين ، فيقول أحد المشاهدين وهو مقاتل بن سليمان وهو ينصح الخليفة فى عصره قائلا : لقد مات الخليفة هشام بن عبد الملك وميراث إحدى زوجاته ثمانون ألف دينار بخلاف القصور والضياع ، ولقد مات الخليفة عمر بن عبد العزيز وميراثه ثمانية وأربعون دينارا ، اشتروا له كفنا بتسعة ومقبرة بسبعة والباقى وزع على أولاده وكانوا اثنى عشر ولدا ... ، والله لقد رأيت أحد أبناء الخليفة هشام بن عبد الملك يمد يده فى الطرقات يسأل الناس إلحافا ثم تلا قوله تعالى (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) ... ، وهذا هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه يرى فى منامه غلاما أشجا فينهض متعجبا يردد" من هذا الأشج من بنى أمية ، ومن ولد عمر ، يسير بسيرة عمر ، ويملأ الأرض عدلا" وحين دخل عمر بن عبد العزيز يوما حظيرة الخيل ، فركضه جواد فشجه وأدماه ، وجاء أبوه يضمد جرحه ويمسح الدم عن وجهه الشاحب الوديع وهو يقول : " إن تكن أشج بنى أمية إنك إذن لسعيد" ... ، وبالفعل كان هو أشج بنى أمية ونبوءة جده عمر بن الخطاب ... ، ولقد صلى بالناس صلاة الاستسقاء فى إحدى أعوام القحط فهطل المطر على غير موعد ... ، وصلى وراءه أنس بن مالك صاحب رسول الله ، فقال ما صليت وراء إمام أشبه بصلاة رسول الله من هذا الرجل (١). ونلاحظ أن أنس بن مالك عاصر عهد عمر بن عبد العزيز لدعوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم له حين جاءت به أمه تقول : يا رسول الله ، هذا أنس غلامك يخدمك فادع الله له" ، فقبله رسول الله بين عينيه ودعا له دعوته قائلا : " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له وأدخله الجنة" فعاش أنس تسعا وتسعين سنة ورزق من البنين والحفدة الكثيرين ، ورزقه الله بستانا رحبا يحمل الفاكهة فى العام مرتين (٢) ... ، وأما أخوه البراء بن مالك فكانت أمانيه تنحصر فى الشهادة

__________________

(١) نفس المرجع السابق.

(٢) أنظر دلائل النبوة ـ للبيهقى ـ عن معجزات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.


فى سبيل الله ، لذلك لم يتخلف عن مشهد ولا غزوة ولقد أوصى عمر بن الخطاب بأن لا يكون البراء قائدا أبدا وذلك بسبب إقدامه وبحثه دائما عن الموت ، ولقد دعا ربه أن ينال الشهادة فى إحدى المواقع ضد الفرس فنالها (١) ... ، إنه الحب لله الذى حين يستقر فى القلوب فيكون الثبات وتكون الإجابة من الله عند الدعاء فتكون السعادة فى الدنيا والآخرة.

١٩ ـ اليقين وثبات العقيدة

اليقين هو الطريق إلى السعادة وهو مفتاح الجنة وبه رضا المولى سبحانه وتعالى ... ، ولقد كان من بداية سورة البقرة قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (٢) ... ، واليقين هو الإيمان الذى لا يعتريه الشك ... ، ولقد كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدوتنا فى يقينه بربه وثباته على أمر الدعوة رغم ما لاقى من المشركين وحين وعده ربه بفتح مكة ودخولها مع أصحابه وثق فى أمر به حتى أتم الله وعده ... ، وحين أمره الله بالدعوة واشتد عداء الكفار له ، فكان يحرسه أحد الصحابة كل يوم ، حتى نزل قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فقال للصحابة بكل يقين خلوا ظهرى للملائكة ، وعلى أثر ذلك دخلت باحثة أجنبية فى الإسلام ، حيث تعجبت قائلة : لو لا أنه واثق من حماية ربه لما فرط فى حياته ... ، وحين أخبره سبحانه وتعالى بقوله (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) فكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم واثقا من هذا النصر فى غزوة بدر ، حيث هزم جمع المشركين كما أخبر الله تعالى رغم أن جمعهم كان يفوق عدد المسلمين بكثير ...

وحين يأمر أحد الصحابة أن يتسلل إلى صفوف الأعداء لمعرفة أخبارهم فيشير إلى أحد الصحابة قائلا ، قم واذهب وستعود سالما ، وبالفعل يذهب الصحابى رغم تلك المخاطرة ويعود سالما ... ، وحين أخبر الله تعالى بقوله (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ) فكان من الصحابة كأبى بكر الصديق

__________________

(١) رجال حول الرسول ـ للبيهقى ـ عن معجزات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) سورة البقرة الآية ٤.


من يراهن المشركين لثقته فى نصر الله ، فكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يطلب من الصحابى أن يمد فى السنين ويزيد فى الرهان ثقة فى وعد الله حتى تحقق الوعد (١) ... ، إن اليقين هو أن تثق فى وعد الله تعالى ، وأنها ستأتى كفلق الصبح ولقد وعد الله تعالى بقتال اليهود وأن الحجر سيدل على اليهودى ليقتله المسلم إلا شجرة الغرقد التى يكثرون زراعتها الآن فلا بد أن نثق فى هذا الوعد كما كان يثق صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى وعد ربه ... ، ولقد أنزل الله تعالى قوله (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) ولم يستطيع أبو لهب أن يكذب الآية ويجمع المشركين ثم يقول لهم أنا أشهد أن لا إله إلا الله ليكذب آية من كتاب الله ، ولكن الله الخبير هو الذى يخبرنا فلا راد لحكمة ولا مغير لقضائه ... ، ولنا مثل فى أم موسى عليه‌السلام حيث أوحى الله إليها إن هى خافت على ولدها من قتل فرعون له فعليها أن تلقيه فى اليم بعد إرضاعه ووعدها برده إليها وجعله من المرسلين وتحقق وعد الله تعالى وكتب له النجاة مما نظن نحن أنه هلاك ... ، فهو سبحانه الذى أوقف السكين عن الذبح مع إسماعيل عليه‌السلام وأوقف النار عن الحرق مع إبراهيم عليه‌السلام ... ، إن المريض يثق فى كلام طبيب الدنيا وينسى أن الله ينزل فى الثلث الآخر من الليل فيقول : " هل من مريض فأشفيه" ... ، والعامل يثق فى وصول الرزق إليه حين يأخذ راتبه ونسى أن الذى صنع له الفم بعد أن كان قطعة اللحم المصمتة ، وجعل له صفين من الأسنان الصلبة ليستطيع مضغ الطعام هو الذى ساق الرزق إليه ، ولن يدخل فمه إلا ما قدر له بأمره ، لذلك قال أحد الرعاة العرب حين نظر إلى قطيعا من الشياه يرعى فى الأرض الخضراء ، فقال من شق هذه الأفواه شقها ليطعمها ... ، لذلك فالذى يحدد النسل ويقول اثنان فقط فهو ضعف يقين برزق ربه الذى يرزق كل البشر وكل الدواب ، يقول تعالى (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) (٢) ... ، ومن الواقع هناك الكثير من الأمثلة التى نأخذ منها العبرة فى هذا الأمر فهذا مهندس أنجب بنتا فقال لامرأته : عائزين ولد وبعد ذلك لا نريد أولادا ، فحملت زوجته وكان المولود بنتا أيضا فى هذه المرة ، فقال لها :

__________________

(١) ذكر ذلك الشيخ محمد متولى الشعراوى ـ فى تفسيره (وأورده المفسرون كابن كثير فى سبب النزول).

(٢) سورة هود الآية ٦


لا نريد أولادا بعد ذلك ، ولم تغير الوسائل المعروفة فى أمر الله تعالى إذا أراد شيئا فلقد حملت الزوجة ، فأخذها الزوج للطبيب ليجرى لها عملية الإجهاض فنصحه الطبيب بحرمة ذلك ، لكنه صمم على قتل ولده بسبب ضعف اليقين حيث نسى قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) (١) ... ، وصمم على دخول زوجته حجرة العمليات لتتم عملية الإجهاض ، وفيها تضرب جمجمة الجنين حتى تتفتت ثم يلتقطها الطبيب القاتل بملقاط خاص حتى يخرج أجزاءها من الرحم ، وفى النهاية خرج الطبيب يقول له : أنت مكنتش عائز صبيان ولا إيه! (٢) ... ، وحرمه الله لذلك من نعمة الولد وهذا الرجل الذى حلف على زوجته بالطلاق إن أنجبت بنتا فتأتى الزوجة بتوائم ثلاثة من البنات ... ، وهذا الشاب الذى يحكى لأحد المشايخ فيقول أمى ذهبت لأداء عمرة رمضان وأدت مناسك الحج ثم قال : أخى الثامن فى ترتيب إخوتي هو الذى أنفق من ماله الخاص لهذا الحج برا بوالدته ، فقالت الأم : لو لم يأت ولدى فلان فمن كان سيحججنى ، فعلق الشيخ الراوى أحمد ربيع ... ، ربما الخير فى آخر ولد ، فهل يعى ذلك من يفكرون فى قتل أبنائهم ... ، والقول الفصل الذى يحرم ذلك كله هو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما ورد بالبخارى" العزل الواد الخفى" فلنحذر من ذلك ونتوكل على الله فى الرزق مع السعى ، وكما أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الحديث الجامع الذى ورد بطوله فى الترغيب والترهيب أن" طعام الواحد يكفى الاثنين والاثنين يكفى الأربعة ، والأربعة يكفى الثمانية ....

ومن ضعف اليقين بالله من تدعو قائلة : يا رب ارزقنى ولدا ولو أعمى فيستجيب الله وتنجب ولدا أعمى ... ، ومن هذا الموقف الواقعى الذى عاهدته بالفعل حيث لم تزل صاحبته موجودة بمولودها بجوارنا نأخذ أبلغ العبر ، فهى سيدة أنجبت أربعة من الأولاد ثم استعملت الوسائل المانعة ، ولو أراد الله خلقه ما منعه مانع" يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" وإذا أراد خلق شىء لم يمنعه شىء" (٣) ولقد حملت وأنجبت بنتا تقبض بيدها على لفافة من الحبوب المانعة التى كانت تبتلعها الأم لتمنعها من المجيء ، وكأنه التحدى من الله تعالى وجاءت الطفلة مصابة بمرض مزمن فى القلب ، وأنفق والداها عليها الكثير ، وكأنه درس من الله له ، وهى الآن بإحدى الكليات بدمنهور ... ، وهذا الرجل

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ٣١.

(٢) ذكر ذلك الشيخ أحمد ربيع ـ أحد علماء الأزهر ـ عن موقف عاصره فى الواقع.

(٣) رواه مسلم.


الذى أنجب بنتا بستة أصابع ، فأخذها للطبيب وقطع هذا الأصبع ، وفى الحمل التالى رزقه الله بنتا بأربعة أصابع فقط ، وكأنه الخطاب من الله تعالى" زدنا فأنقصت والآن أنقصنا فزد" (١) ... ، فيجب علينا أن نثق فى الله تعالى وندرك أنه سبحانه يعلم بالخير فى العطاء والمنع ، فمن عبادة من إذا أعطاه لفسد حاله ... ، ومنهم من إذا منعه لفسد حاله ... ، فثق بما عند الله ولا تخاف أو تجزع فتعترض على حكمه وهو القوى العزيز ... ، وأعلم أنه لو اجتمعت الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك" (٢) ، وتذكر ما أخبر به صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من أن نفسا لن تموت حتى تستوفى رزقها وأجلها" فكن أخى المسلم قدوة لغيرك ، وإياك أن يطعن الإسلام من قبلك ، فكن حارسا أمينا ، وقف عند الحد الذى تحرس فيه إسلامك ويقتدى بك الغير ، فحين يؤذن للصلاة ، عليك أن تسارع لتلبية النداء ولا تنتظر من غيرك أن يدفعك إلى الصلاة ... ، وحين تخرج ابنتك فاجعلها تلتزم الزى الشرعى ليقتدى بها غيرها من المسلمات ... ، وإن كنت تاجرا فلا تغش فى الميزان أو السلعة حتى لا يتهم الإسلام فى أصحابه فيتحول الاقتصاد من المسلمين لغيرهم ... ، فتزود أخى المسلم باليقين حتى لا يطعن الإسلام من قبلك ، فمن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" ، وأعلم أنه باليقين يكون الثبات وتكون سعادة الدنيا والآخرة ، واليقين هو الذى جعل خبيب رضى الله عنه وهو فى سجنه تأتيه الثمرات من حيث لا يحتسب (٣) وهو الذى جعل أحد الصحابة يلقى بالتمرات التى كان يستعد لتناولها حين سمع منادى الجهاد وأدرك أن الشهادة فى سبيل الله طريق يوصل إلى الجنة وأن الوقت الذى سيستغرقه فى أكل التمرات سوف يؤخره عن هذا الفوز العظيم ، فاللهم ارزقنا اليقين والثبات وأ جعلنا فى الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء ....

__________________

(١) ذكر هذا الموقف الشيخ أحمد ربيع ـ أحد علماء الأزهر فى حديث له

(٢) شرح لمعنى الحديث القدسى ـ أنظر صحيح الأحاديث القدسية.

(٣) أنظر رجال حول الرسول.


٢٠ ـ معنى الإيمان وثمراته ونبوءات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم

إن معنى الإيمان هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وأن يكون ذلك مصحوبا باليقين الذى لا يعرف الشك ، على أن يكون هذا اليقين هو تنفيذا لأوامر الله تعالى وتصديقا بما وعد به وترجمه ذلك إلى معاملة طيبة وحسنه بين الناس تستمد أنوارها من هدية الله للبشر وقدوتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، ولقد كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتصف بدوام العمل والنشاط فى العبادة دون ملل كما وصفت السيدة عائشة رضى الله عنها عمله بأنه ديمة ... ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم متواضعا يحذر من الكبر بقوله" لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر" وكان يقول" وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" (١) ... ، وكان رحيما ، ينصح قائلا" من لا يرحم الناس لا يرحمه‌الله" (٢).

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذا خلق عظيم وذوق رفيع يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة ... ، بشوشا فى وجه اصحابه ومن يلقاه ... ، وهو لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله ، ورغم ذلك كان يعرض بوجهه عند الغضب حتى لا يراه الغير غاضبا ... ، وكان يحب الطيب ويجلس وسط أصحابه لا يتميز عليهم ، ولا يرفع صوته ، ويمزح ولا يقول إلا صدقا وخيرا ... ، وكان حليما يصبر على من أساء إليه ولا يستفذ وكانت نتيجة هذا الخلق إسلام الكثيرين ممن قابل إساءتهم بهذا الحلم دون انفعالات يدخل من خلالها الشيطان ويوقع بها العداوة والبغضاء بين قلوب المسلمين ... ، وكان يستشير أصحابه ، وإذا استشاره أحد فكان مؤتمنا يدل على الخير ، وأمر بالشورى والاستخارة وذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من سعادة ابن آدم استخارة الله عزوجل" (٣) وكان صادقا أمينا جريئا فى الحق لا يخشى فى الله لومة لائم ولقب قبل بعثته بالصادق الأمين وحذر من تضييع الأمانة ونبه أن مضيعها يأتى بها يوم القيامة من قعر جهنم ... ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم متعاونا يمد يد العون لكل الناس حتى أن الجارية كانت تأخذه من يده فينطلق معها ويأتى

__________________

(١) رواه مسلم والترمذى ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث ص ٥٥٨.

(٢) رواه البخارى ومسلم والترمذى ، وراه أحمد وزاد ومن لا يغفر لا يغفر له.

(٣) أخرجه احمد وزاد ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله.


لها بما تريد ، وكان يحيك ثوبه ، ويخصف نعله ، ويخدم نفسه بنفسه ، ويعاون زوجاته ، وتصف السيدة عائشة حالته صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند حضور الصلاة وسماع الآذان بأنه كان يسرع إليها كأنه لا يعرفهم ولا يعرفونه ... ، وعلم الصحابة وأمرهم بعدم سؤال الغير ، فمنهم من بايعه على السمع والطاعة وأن لا يسأل الناس شيئا ، فكان السوط يقع من أحدهم فينيخ ناقته ويأخذه بنفسه ... ، وكان خلقه القرآن فما شكا منه أحد وما ضرب أحدا قط ، وما سب أحدا قط ، وما لعن شيئا قط ، وما سمح لأحد أن يغتاب أحدا عنده ... ، وكان كثير الصيام والقيام ، فلقد قام الليل حتى تورمت قدماه محبة فى الله وشكرا له ، وكان يصوم حتى يظن من حوله أنه لا يفطر ويفطر حتى يظن من حوله أنه لا يصوم ، وقال عن فضل الصوم" ما من عبد يصوم يوما فى سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا" (١).

وكان رفيقا بالأمة ورفيقا بكل من يعامله ، فرغم ما لاقاه من المشركين لم يدع ربه بالانتقام منهم ولكن قال : اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون ، عسى أن يخرج من بين أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا ... ، وبالفعل خرج عكرمة بن أبى جهل وخالد بن الوليد وكان الوليد بن المغيرة من أشد أعداء الإسلام وكان خالد من أشد أعداء الكافرين ... ، وخرج عمرو بن العاص بفتوحاته الإسلامية وعمر بن الخطاب وغيرهم كثير ... ، ولقد أحس بذلك عمر بن الخطاب رضى الله عنه فبكى كثيرا لفراق النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وردد قائلا ، بأبى أنت وأمى يا رسول الله ، لقد دعا نوح على قومه فقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ولو دعوت علينا بمثلها لهلكنا جميعا ، ولكن أبيت إلا أن تقول خيرا فقلت اللهم أغفر لقومى فإنهم لا يعلمون ... ، ومن رفقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يمسح على شعر اليتيم ، ويبدأ الأطفال بالسلام ليعلمهم إفشاء السلام وأمر بالرفق بالحيوان والإحسان إليه عند الذبح بحد الشفرة وإراحة الذبيحة وإطعامها قبل ذبحها وعدم ذبحها أمام أختها ... ، وكان يخاف من الله فيطيل السجود ويفزع من خشية الله ، ويبكى عند القراءة حين يسمع آيات العذاب ، ويقول" لو علمتم ما اعلم

__________________

(١) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى.


لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا ولصعدتم للصعدات تجارون" ... ، وكان يستعيذ كثيرا من سكرات الموت ومن عذاب النار ويسأل الله الجنة ... ، وكان مجاهدا حتى توفاه الله ، وكان يقول مرابطون إلى يوم القيامة ... ، وكان شجاعا فى كل المواقف والمعارك وجاهد بالنفس والمال وبالكلمة فى كل أحواله ، ووقف يوم حنين جاهرا بصوته" أنا النبى لا كذب أنا بن عبد المطلب" حتى ثبت المسلمون وعادوا إلى مواقعهم ... ، ويصفه على بن أبى طالب فى المعارك قائلا : كنا إذا حمى الوطيس واحمرت الحدق واشتد البأس ، احتمينا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما نرى أحدا أقرب للعدو منه (١) ... ، وكان يحب الله تعالى فيناجيه ويدعوه كثيرا ، ويرى قرة عينه فى الصلاة فيخشع فيها ويتم ركوعها وسجودها ويطيل السجود لقربه فيه من ربه وكان يداوم على قيام الليل حيث ينادى الله تعالى على عبادة فى الثلث الأخر من الليل مجيبا لما يطلبون ... ، ولقد لقب موسى عليه‌السلام بالكليم ، ولقب إبراهيم عليه‌السلام بالخليل وأخذ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقب الحبيب ... ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفى بالعهد حتى لو كان العهد مع المشركين ، ويكفى أنه بعد سفره مع الصحابة لأداء العمرة تحلل وذبح الهدى حين تعاهد مع المشركين بالرجوع فى هذا العام وبعدها بشره الله تعالى بفتح مكه ، ودخل الناس فى دين الله أفواجا ... ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم داعيا إلى الله تعالى يدعو لكل خير وينهى عن كل شر ويطبق ما يقول على نفسه ، حيث أن الداعى لا بد أن يكون قدوة لغيره ، وأمر أمته بما أمر الله تعالى وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ورغب فى الدعوة إلى الله ... ، " ولئن يهدى الله بك رجلا واحدا خير" لك من الدنيا وما فيها".

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم قويا مؤيدا من ربه ، فلقد صارع ركانة وغيره من الأقوياء فصرعهم ، وكان ركانة حين يقف على جلد الذبيحة ويشد به العشرة من الرجال فيتمزق الجلد ولا يتحرك ركانة من مكانه (٢) ... ، ورغم ذلك بين لأمته أنه ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب" (٣) ... ، كما بين أن أكيس الناس وأذكاهم

__________________

(١) مجلة منار الإسلام ـ عدد خاص فى ذكرى مولده صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) أنظر دلائل النبوة للبيهقى.

(٣) من حديث أبى هريرة ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ليس الشديد بالصرعة ـ إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب" رواه البخارى ومسلم


هو أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم لما بعده استعدادا ... ، وبين أن المفلس هو من أخطأ فى حق الناس وأكل أموالهم بالباطل وليس هو من لا يملك الدينار أو الدرهم ... ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم مؤيدا من ربه فى كل المواقف فلقد كانت تظلله السحابة فى سفره ... ، وخرج من وسط الكفار دون أن يراه أحدا منهم ... ، ونسج له العنكبوت خيوطه على الغار حتى لا يراه المشركين ... ، وغاصت أقدام الفرس الذى يحمل سراقة بن مالك فى الأرض الصلبة حين اقترب من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد قتله ... ، وحين عزم أبو جهل على قتله تشكلت الملائكة الموكلة بحفظه فامتلأ خوفا ورعبا وتراجع عن عزمه ... ، ولقد كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم نورا فى وجه أبيه عبد الله رآه الكثيرون وحين تزوج بالسيدة آمنه انتقل هذا النور إليها ... ، ولقد ولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مختونا بين كتفيه خاتم النبوة ، ولقد طلب أحد الرهبان من عمه فى إحدى أسفاره أن يرى ما بين كتفيه ، فرآه كبيضة الحمامة معرجا من جسده ولا يكون إلا فى الأنبياء ... ، ولقد أسرى به وعرج بالبراق إلى السماوات العلى ليسبق بتأييد ربه ما لم يستطع أن يصل إليه الباحثون بسفن الفضاء على مر العصور وفى إحدى غزواته صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ حفنة من التراب ورمى بها فى وجوه المشركين أثناء المعركة فكانت كافية لإعاقتهم جميعا عن قتال المسلمين يقول تعالى (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (١) ... ، وهذا التأييد ليس للنبى خاصة ولكن لكل مؤمن خالص الإيمان ، والأمثلة كثيرة ... ، ففي عصرنا حين سخر أحد القواد غير المسلمين من مجموعة من الشباب المسلم فقال لهم بعد أن أراد قتلهم : إن كان لكم رب فاستغيثوه ليغيثكم ، فقالوا : اللهم أغثنا يا رب ، تقول الصحف ، لقد نزلت جنودا من السماء وهى كتيبه من الملائكة دمرتهم واختفت كأن شيئا لم يكن (٢) ... ، هناك الشهيد الذى أخرجوه من قبره بعد ستة أيام وكان جسده كما هو ... ، والشهيدة زينب من فلسطين التى كان حجابها يغطى رأسها ولم يتأثر وجهها رغم شدة الانفجار ... ، وهناك من مرت عليه الدبابة ولم يتأثر حيث أن الأعمار بيد الله ... ، وحين سخروا من شاب مسلم أخذوه أسيرا وسألوه هل يستطيع بحجرا فى يده أن ينسف مجموعة من معداتهم إن كان واثقا بربه ، وجمعوا المصورين والإعلاميين تندرا بالأمر ، فاستعان الشاب بربه وردد قوله تعالى (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) فنسفت عن

__________________

(١) سورة الأنفال الآية ١٧

(٢) ذكر ذلك بإحدى المجلات الإسلامية ـ عن انتصارات المسلمين وتاييد الله لهم فى افغانستان وقد اشار الشيخ عبد المجيد الدنداني لبعض المواقف ـ فى أحاديث عن الاعجاز العلمى فى القرآن


آخرها وفروا هاربين وأسلم أحد الصحفيين ولنا عبرة أيضا فى انتقام الله تعالى من العصاة فى زماننا ففي إحدى البلاد حين استهانت مجموعة بكتاب الله خسف الله بهم الأرض ... ، وهناك البلاد التى خالفت أوامر الله ورضوا بالمنكر والفساد فكانت الزلازل الشديدة التى تنبأ بها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبحدوثها فى أخر الزمان حين ينتشر الفساد ... ، لقد كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا ينطق عن الهوى فهو الذى قال عن ابى ذر فى غزوة تبوك حين تخلف عن الصحابة عند ما أجهد بعيره الجوع والظمأ فنزل وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى يسير على قدميه وسط الصحراء برغم القيظ الشديد ، وحين أبصره النبى قادما على هذا الحال ، ابتسم فى وجهه قائلا ، يرحم الله أبا ذر ، يمشى وحده .. ويموت وحده .. ويبعث وحده ، وبالفعل مشى وحده فى تلك الغزوة ومات وحده فى قلب الصحراء فى عهد عثمان رضى الله عنه فى منطقة الربذة حين طلب من الخليفة أن يأذن له بالخروج إليها ليعيش وحيدا بعيدا عن الناس وعن فتن الثراء والمال فى عهد الخليفة عثمان رضى الله عنه حيث كثرت الفتوحات الإسلامية وهو يوم القيامة سيبعث وحده من هذا المكان (١) ....

وحين عجزت معاول الصحابة عن تحريك صخرة عاتية أثناء حفر الخندق ، فذهب الصحابة إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسمى الله ورفع كلتا يديه القابضتين على المعول فى عزم وقوة وهوى على الصخرة فإذا بها تتصدع ويخرج من ثنايا صدعها وهجا شديدا أضاء جوانب المدينة ، فهتف صلى‌الله‌عليه‌وسلم الله أكبر .. أعطيت مفاتيح فارس ، ولقد أضاء لى منها قصور الحيرة ومدائن كسرى وإن أمتى ظاهرة عليها ... ، ثم رفع المعول وضرب الثانية فأضاءت الصخرة بوهج شديد ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم الله أكبر .. أعطيت مفاتيح الروم ولقد أضاء لى منها قصورها الحمراء وإن أمتى ظاهرة عليها ، ثم ضرب الثالثة فأضاءت فهلل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخبر الصحابة أنه يبصر قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التى سيدخلها الإسلام ... ، وعندها قال الصحابة" هذا ما وعدنا الله ورسوله

__________________

(١) رجال حول الرسول ـ خالد محمد خالد ـ فى الحديث عن الصحابى أبى ذر رضى الله عنه.


وصدق الله ورسوله" (١) .. ، وبالفعل تحققت كل تلك النبوءات فى عهد الصحابة والخلفاء الراشدين حيث الفتوحات الإسلامية شرقا وغربا حيث سقطت إمبراطورية الروم وإمبراطورية الفرس فى عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، ثم توالت الفتوحات وتم فتح العرق وسوريا وصنعاء ومصر والقسطنطينية والأندلس وإفريقية وغيرها ... ، ولقد كان نهر دجلة بين المسلمين والرومان وتصف لنا إحدى الروايات التاريخية روعة المشهد والمسلمون بقيادة سعد بن أبى وقاص يؤيدهم الله فيعبرون نهر دجلة بفرسانهم دون سفن ولكنها العقيدة واليقين الثابت ، فلقد أمر سعد المسلمين أن يقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ثم اقتحم بفرسه دجله واقتحم المسلمون وراءه ... ، وكان عدد جنود الفرس مائة ألف مقاتل مسلحين بالعتاد والسلاح وعدد المسلمين ثلاثين ألفا فى أيديهم الرماح ولا يملكون من الأسلحة ما تملكه جنود الفرس ، وبدأت المعركة وتهاوى جنود الفرس كالذباب المترنح ، وتهاوت معهم الوثنية وعبادة النار وفروا مهزومين بعد مقتل قائدهم رستم وطاردهم جيش المسلمين بقيادة سعد بن أبى وقاص حتى نهاوند ثم المدائن ، فدخلوها ليحملوا إيوان كسرى وتاجه غنيمة وفيئا إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه لتتحقق بذلك نبوءة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) وغير ذلك من الانتصارات بقيادة خالد بن الوليد ضد الرومان وغيرهم حتى اكتملت الفتوحات الإسلامية بانتشار نور الإسلام فى كل الأرجاء ... ، ولقد وجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم غلاما يرعى غنما لعقبة بن أبى معيط ، فقال له هل عندك من لبن تسقينا؟ وكان معه أبو بكر الصديق ، فقال الغلام : إنى مؤتمن ولست ساقيكما فطلب منه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يأتيه بشاة لم ينز عليها الفحل فمسح ضرعها ودعا ربه فحفل الضرع باللبن ، ثم أتاه أبو بكر بصخرة متقعرة فاحتلب فيها ، فشرب أبو بكر وشرب الغلام ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم للضرع أقلص فقلص فقال الغلام للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : علمنى من هذا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنك غلام معلم ، وبالفعل تتحقق نبوءة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حيث كان هذا الغلام هو عبد الله بن

__________________

(١) ذكر ذلك ـ الأستاذ ـ خالد محمد خالد فى كتابه رجال حول الرسول ـ فى الحديث عن انتصارات المسلمين حيث انتصر المسلمون فى معركة القادسية بقيادة سعد بن أبى وقاص ـ وغيرها ـ وفتحوا بلاد الفرس وتحققت نبوءة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند حفر الخندق.

(٢) نفس المرجع السابق.


مسعود أول من صدح بالقرآن الكريم فى وجه المشركين وكان حافظا للقرآن الكريم ، عالما بسنة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال عنه أمير المؤمنين" لقد ملئ فقها" وقال عنه أبو موسى الأشعرى" لا تسألونى عن شىء ما دام هذا الحبر فيكم" ، ومن كلماته إنى لأمقت الرجل إذا أراه فارغا ليس فى شىء من عمل الدنيا ، وعمل الآخرة (١) ... ، وهو يشير بذلك أنه على الإنسان أن يغتنم فرصة العمر بالعمل النافع الذى يرفع من شأنه فى الآخرة ويحميه فى الدنيا من ذل السؤال وحين يسقط جدار (على عمار رضى الله عنه ويظن الصحابة أنه قد مات ، فيقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما مات عمار ... تقتل عمارا الفئة الباغية) (٢) وبالفعل لم يصبه شىء حتى يشارك فى معركة صفين فى صفوف على بن أبى طالب ضد جنود معاوية ابن أبى سفيان وكان جنود معاوية يتجنبون قتله حتى لا يكونوا الفئة الباغية ، لكن بأسه الشديد فى المعارك جعل جنود معاوية يقتلونه وعندها ينضم الكثيرون من صفوف معاوية إلى صفوف الإمام على رضى الله عنه لصدق النبوءة (٣) ولقد دعا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعبد الله بن عباس أن يعلمه الله تعالى الفقه والتأويل وتحقق ما دعا به ... ، ودعا لأنس بن مالك بالبركة فى عمره وماله وولده وبالفعل تحققت الدعوة وعاش أنس طويلا وكثر ماله وبارك الله له فى ولده ... ، ولقد دعا بالنصر لخباب على من كانوا يؤذونه ويحرقونه فأصيبت أم أنمار بمرض فى رأسها كانت لا بد أن تكوى على رأسها كل يوم لتشفى من هذا المرض ... ، ولقد دعا لعزة الإسلام بأحد العمرين وبالفعل أسلم عمر بن الخطاب رضى الله عنه ... ، ولق تنبأ باستشهاد زيد بن حارثة وجعفر بن أبى طالب وعبد الله بن رواحة فى غزوة مؤتة وهو يجلس بالمدينة مع بعض الصحابة أثناء المعركة الدائرة بالشام ثم قال : ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه وبالفعل تم الفتح بفضل الله على يد خالد بن الوليد الذى أخذ الراية من عبد الله بن رواحه بعد استشهاده (٤) ... ، ولقد أخبر عمير بن وهب حين

__________________

(١) رجال حول الرسول ـ خالد محمد خالد ـ فى الحديث عن عبد الله بن مسعود.

(٢) نفس المرجع السابق ـ الحديث عن عمار بن ياسر.

(٣) نفس المرجع السابق.

(٤) نفس المرجع السابق.


قدم إليه من مكة بعد غزوة بدر بحجة ابنه الأسير الذى أسره المسلمون وجاء ليفديه بالمال ، فأخبره النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشرطه مع صفوان بن امية وهو أن يقتل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن يعول صفوان أولاده ويقضى دينه ، ففزع عمير وأعلن الشهادتين ، ثم قال : هذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان (١) ... ، وأقر أن هذا لم يكن إلا الوحى للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من السماء ... ، ولقد قال عن طلحة بن عبيد الله" من سره أن ينظر إلى رجل يمضى على الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة" (٢) وبالفعل فلقد كان من المطالبين بالثأر لدم عثمان رضى الله عنه مع جنود معاوية ولكنه ينسحب حين يستمع إلى كلمات الإمام على الذى كان يرى تأجيل ذلك والتروى لتفرق الجناة وحقنا لدماء المسلمين وعند ذلك يرميه مروان ابن الحكم بسهم يؤدي بحياته وتصدق فيه نبوءة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) ... ، ولقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم" من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثى ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئا سمعه منى" فبسط أبو هريرة ثوبه ثم ضمه إليه" يقول أبو هريرة فو الله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه وروى الكثير من الأحاديث ... ، ولقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" رب أشعث أغبر ذى طمرين لا يؤبه له ، لو أقسم على الله لأبره ، منهم البراء بن مالك" (٤) ... ، وحين التحمت الجيوش اقترب منه أحد الصحابة فى موقعة تستر ضد الفرس وبعد أن صرع البراء وحده مائة مبارز من الفرس ، قال له الصحابى : أتذكر يا براء قول الرسول عنك ، ثم طلب منه أن يقسم على ربه ، فرفع البراء ذراعيه إلى السماء قائلا" اللهم امنحنا أكتافهم ، اللهم اهزمهم ، وانصرنا عليهم ، والحقنى اليوم بنبيك" واندفع يقاتل فى شجاعة واستبسال لا نظير له ، ولقد استجاب الله دعوته فكان النصر وكانت الشهادة للبراء بن مالك رضى الله عنه .. ، وحين أسر العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه قبل إسلامه ، وطلب منه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يفدى نفسه بالمال ، فقال : من أين وقد تركتنى فقير قريش فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وأين المال الذى دفعته لأم الفضل ، وهى زوجته ولقد أخبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله لها : إن قتلت تركتك غنية ما بقيت ، فقال أشهد أن الذى تقوله قد كان ، وما اطلع عليه

__________________

(١) انظر معجزات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أحمد رجب محمد ـ مطبعة محمد صحيح.

(٢) رجال حول الرسول ـ فى الحديث طلحة والزبير رضى الله عنهما .. ،.

(٣) نفس المرجع السابق.

(٤) انظر الحديث عن البراء بن مالك ـ بنفس المرجع السابق.


إلا الله ، ونطق الشهادتين بحضرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (١)

وهناك الكثير من النبوءات التى تحققت لا يتسع المجال لها ، ولكن تكفينا العبرة مما تقدم ليستقر الإيمان فى قلوبنا وندرك باليقين الثابت أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا ينطق عن الهوى ، فنقتدى به لنجنى ثمار الإيمان ... ، جنة خالدين فيها ... ،

٢١ ـ الإعجاز فى صنع الإيمان بأصحابه

إن الإيمان يصنع دائما أقوى الرجال ، حيث الأمل فى نعيم الله تعالى ، وما أعده لعباده الصادقين ، فلقد كان القعقاع بن عمرو صوته بألف رجل فى المعارك ... ، وكان الزبير بن العوام بألف رجل فى المعركة ... ، وكان أبو دجانة يعصب رأسه بشارة حمراء ويرفع سيفه ويتمايل مزهوا أمام الأعداء ، وحين سئل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك ، فقال تلك مشية يبغضها الله ورسوله إلا فى هذا الموضع (٢) ... ، ولقد كان البراء بن مالك يبحث دائما عن الموت ففي إحدى معارك المسلمين ، قذف بنفسه بداخل حديقة احتمى بها بعض المشركين من أتباع مسليمة وفتح الباب للمسلمين ، وكان ذلك بداية النصر وقهر المرتدين (٣) ... ، وهذا هو طلحة بن عبيد الله الذى جن جنونه حين رأى الدم الذى يسيل من وجه رسول الله يوم أحد فانطلق نحو النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كالصقر ، وأخذ يحصد الرءوس من حوله ويدفع بصدره السهام ، حتى أنه فى نهاية المعركة كان قد أصابه بضع وسبعون طعنة ورمية وضربة ... ، ومثله كان الزبير بن العوام الذى كان واثقا ثابتا لا يتراجع ، وهو الذى اقتحم صفوف هوازن يوم حنين وشتت شملهم وهم يدبرون المؤمرات قبل بدء المعركة ولقد أنفق أمواله حتى مات مدينا ، فأوصى ولده بقضاء دينه ، وقال له إذا أعجزك دين فاستعن بمولاى ، يقصد الله تعالى فيقول عبد الله بن الزبير : فو الله ما وقعت فى كربة من دين إلا قلت : يا مولى الزبير اقض دينه فيقضيه" (٤).

__________________

(١) معجزات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) انظر البداية والنهاية ـ فى الحديث عن مواقف للصحابة.

(٣) رجال حول الرسول ـ فى الحديث عن البراء بن مالك.

(٤) رجال حول الرسول ص ١٣٦ الجزء الثالث.


ولقد كان خبيب بن عدى من الأبطال اللذين لا ينسى ذكرهم ، فهو الذى حصد بسيفه الكثير من رءوس المشركين يوم بدر ، وحين أسره المشركون ، صنعوا له صليبا من جزوع النخل وأوثقوه بالحبال ، وراحوا يرمونه بالسهام والرماح فى أماكن شتى ليشعر بالعذاب ، لكنه لم يغمض عينيه ولم تزايل السكينة المضيئة وجهه ، وحين يقترب منه أحد المشركين قائلا له : أ تحب أن محمدا مكانك وأنت سليما معافا فى أهلك ، فينتفض كالإعصار والدماء تترف من جسده صائحا" والله ما أحب أنى فى أهلى وولدى معى عافية الدنيا ونعيمها ، ويصاب رسول الله بشوكة (١) ... ، وهذا هو خالد بن سعيد الذى صبر على العذاب والجوع والحرمان فى سبيل الله ، حيث عذبه أبوه عذابا شديدا بسبب إسلامه ، ولقد قهر العذاب بالتضحية وانتصر على الجوع والحرمان بالإيمان حتى لحق بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأعلن إسلامه ، وظل مجاهدا حتى نال الشهادة فى موقعه مرج الصفر بأرض الشام (٢) ... ، وهذا هو خالد بن الوليد الذى قضى حياته فوق ظهر جواده حاملا سيفه فى وجه الأعداء ، منطلقا فى قلب الصفوف لا يعرف التراجع ، قاهرا المرتدين فى حروب الردة ومسويا عرش فارس والروم وقاطعا الأرض وثبا يفتح بلاد المسلمين ، وهو رغم ذلك يموت على فراشه ، فيقول والدموع تسقط من عينه ، لقد غزوت كذا وكذا زحفا وما فى جسدى موضع إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ثم ها أنا ذا أموت على فراشى كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء (٣) ، وهو الذى فى معركة اليرموك ينطلق على رأس مائة من المسلمين ، ثم ينقض على ميسرة الروم البالغ عددها أربعون ألفا فينتصر المسلمون القلة ويفر أمامهم أربعون ألفا من جنود الروم ... ، لقد كانوا مائة ، الرجل منهم بألف رجل ، وعلى أثر هذا المشهد الرائع أسلم أحد القواد من الروم وقتل شهيدا فى تلك المعركة ... ، ولقد كان عكرمة بن أبى جهل ينطلق بين صفوف الروم مناديا من يبايع على الموت فيبايعه المسلمون وينطلقون يشقون الصفوف فى قلب

__________________

(١) سبق الإشارة إلى هذا الموقف.

(٢) رجال حول الرسول ـ الحديث عن خالد بن الوليد.

(٣) نفس المرجع السابق.


المعركة ... ، وهذا هو أحد جنود المسلمين يقترب من ابى عبيدة بن الجراح والقتال يدور قائلا : إنى قد عزمت على الشهادة ، فهل لك من حاجة إلى رسول الله ، أبلغها له حين ألقاه؟ فيجيب أمين الأمة نعم ، قل له : يا رسول الله إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا" (١) ... ، وهذا هو جعفر بن أبى طالب فى غزوة مؤتة ، الذى ينطلق وسط صفوف الروم كالإعصار يحصد رءوسهم ويلهب فى حماسة الجيش بصوته المتوهج وفصاحته ، وحين يدرك الروم بأسه ومقدرته فى القتال فيحيط به جنود الروم من كل جانب ، وبسيوفهم يضربون يمينه وهو يحمل راية المسلمين وقبل أن تسقط الراية يتلقها بشماله ، فيضربونها فيحتضن الراية بعضديه حتى لا تلامس التراب وهو حى (٢) ، وعندها يشق عبد الله بن رواحه الصفوف كالسهم نحوها ويأخذها فى قوة ويمضى يقاتل فى شجاعة لا تقل عن شجاعة جعفر رضى الله عنه ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لقد رايته فى الجنة ، له جناحان مضر جان بالدماء مصبوغ القوادم" ، ولقد كان خباب بن الأرت عبدا لامرأة تسمى أم أنمار ، وحين أسلم ، كانت تسلط عليه الكفار يضعونه على الحجارة المحماة فى قلب الصحراء ، حتى ينسلخ لحمه ، ويعذبونه بأسياخ الحديد المحماة فى النيران الملتهبة ، وكانت تشاركهم فى هذا التعذيب ، وحين يدعو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله اللهم انصر خبابا ، فتصاب أم أنمار بمرض فى رأسها يجعلها تعوى كالكلاب ، ونصحها المعالجون أنه لا علاج لها إلا أن تكوى رأسها بالنار ، وظلت هكذا تكوى صباحا ومساء حتى فارقت الحياة جزاء من الله من جنس العمل ... ، وهذا هو أبو أيوب الأنصارى الذى يشارك المسلمين فى أكبر المعارك عند فتح القسطنطينية والذى يطلب من يزيد بن معاوية أن يحمله إذا قتل قبل النصر إلى أرض العدو ليسمع حوافر خيل المسلمين هناك ، فيشعر بحلاوة النصر لهم ، ولقد أنجز يزيد الوصية ، لقد كان دائما هادئ الطبع مستقر النفس رغم كثرة المعارك التى خاضها ، فلقد سمع من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديثا فوعاه" إذا صليت فصل صلاة مودع ، ولا تكلمن بكلام تعتذر منه ، والزم

__________________

(١) أنظر رجال حول الرسول.

(٢) نفس المرجع السابق.


الياس مما فى أيدى الناس" (١) ... ، وبذلك لم يخض لسانه فى فتنة ولم تهف نفسه إلى مطمع ... ، وهذا مصعب بن عمير الذى ترك كل أسباب الترف من أجل الإسلام وأبو ذر الغفارى الذى جهر بإسلامه فى المسجد ولاقى من المشركين أشد الإيذاء ... ، وبلال بن رباح الذى وضعه المشركون عريانا فوق الجمر وفوق الرمال الملتهبة فى أيام القيظ الشديدة ، ثم يأتون بالحجر الملتهب ، يحمله الرجال ثم يلقونه فوق جسده وصدره ، ولكنه ضرب أروع الأمثلة فى تحدى هؤلاء الكفرة وظل يردد ثابتا أحد أحد ... ، وهذا هو عبد الله بن مسعود أول من صدح بالقرآن الكريم فى وجه المشركين ولاقى ما لاقاه منهم دون أن يتزعزع .. ، وهذا هو حذيفة بن اليمان الذى نفذ أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو من أصعب المهام ، حين أمره بأن يتسلل إلى معسكر الأعداء ويقتحمه ليعرف أخبارهم يوم غزوة الخندق ، وحين اشتدت الريح وخيم الظلام على أرجاء المعسكر بعد انطفاء نيرانهم ، وعند ذلك يتسلل حذيفة ويأخذ مكانه بين صفوف المشركين ، وحين يدرك أبو سفيان خطورة الموقف ، فينادى قائلا : يا معشر قريش ، لينظر كل منكم جليسه ، وليأخذ بيده وليعرف اسمه فيقول حذيفة ، فسارعت إلى يد الرجل الذى بجوارى ، وقلت له من أنت فقال فلان بن فلان ، (٢) ويعد هذا الموقف من أخطر المواقف التى يمكن أن يتعرض لها رجل فى مثل تلك الظروف ، لذلك شارك بنجاح فى الكثير من الفتوحات الإسلامية كفتوح العراق جميعها ، ولقد كان الفتح بأمر الله على يديه فى الكثير من المواقع كهمدان والرى والدينور ، ولقد خاض معركة نهاوند العظمى ضد الفرس ، وانتهت المعركة بالهزيمة الساحقة للفرس رغم عددهم البالغ مائة وخمسين ألفا ، وكانت من أشد معارك التاريخ فدائية وعنفا ، فلقد كان حذيفة بتأييد الله واسع الذكاء ، متنوع الخبرة فى المعارك ، عالما بأمر الدنيا والآخرة ، فكان يقول للمسلمين ليس خياركم اللذين يتركون الدنيا للآخرة ولا اللذين يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن اللذين يأخذون من هذه ومن هذه ، وحين جاء الموت ،

__________________

(١) أمثلة ومواقف عن الصحابى ـ أبى أيوب الأنصارى ـ المرجع السابق.

(٢) رجال حول الرسول ـ الحديث عن موقف الصحابى ـ حذيفة بن اليمان ـ رضى الله عنه.


سمعه الحاضرون يقول ، مرحبا بالموت ، حبيب جاء على شوق لا أفلح من ندم (١) ... ، وهذا هو عمار بن ياسر الذى صمد بإسلامه فى وجه المشركين صمودا ظل محفورا على وجه التاريخ حتى يومنا هذا ، لقد لاقى من العذاب هو ووالده وأمه سميه ، ما لا يتحمله أحد من أقوياء العقيدة والإيمان فلقد كان المشركون يخرجون بهم إلى الصحراء الملتهبة ويصبون عليهم من ألوان العذاب ما لا يطيقونه ... ، لقد أراد الله أن تكون هذه الأسرة الكريمة مثالا لكل مؤمن ينهج طريق الإيمان أنه لا بد عليه من الصبر على المكاره إذا كانت الجنة هى نهاية الطريق ... ، ولقد كان المشركون بسبب صلابة عمار يتفنون فى صنع ألوان العذاب به ، فلقد كانوا يحرقون جسده بالنار ، ثم يلقونه فوق الحجارة الملتهبة ، ثم يغطونه فى الماء حتى تنسلخ قروحة وتختنق انفاسه ، وطعن أبو جهل أمه فى موضع عفتها فقتلها (٢) ، لقد صبرت تلك الأسرة الكريمة وثبتت على إيمانها رغم كل المكاره ... ، ولقد كان كلام النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم له أبلغ الأثر فى تثبيت أصحابه حيث وضح لهم أن الرجل ممن كانوا قبلهم ، كان يؤتى به ثم ينشر بالمنشار من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه فلا يثنيه ذلك عن دينه ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من عادى عمارا أبغضه الله" وحين يسقط على عمار جدارا كان يعمل تحته ، ويظن الصحابة أنه مات ، فيقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما مات عمار ... ، تقتل عمارا الفئة الباغية".

وفى موقعة صفين كان يقاتل ببسالة ، وكان يردد اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه" ولقد حاول رجال معاوية أن يتجنبوا قتله ما استطاعوا حتى لا يتنبه الناس أنهم الفئة الباغية ، ولكن شجاعة عمار الذى كان يقاتل كأنه جيشا وحده أفقدتهم صوابهم ، وتمكن منه بعض جنود معاوية فقتلوه ، وحين شاع الخبر عرف الناس أن من قتلوه هم الفئة الباغية ، فثبت أصحاب على بن أبى طالب فى المعركة ، وتهيأ بعض جنود معاوية إلى الانضمام إلى صفوف على بن ابى طالب ، ولقد صدق توقعه حين كان

__________________

(١) نفس المرجع السابق.

(٢) أنظر رجال حول الرسول.


يردد أثناء المعركة" اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه ، ولقد قال عنه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يجلس بين أصحابه ذات يوم ، حيث تهلل وجهه ثم قال" اشتاقت الجنة لعمار" ولقد صبر حتى نال هذا الفوز العظيم وذلك مصداقا لقوله تعالى (أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (١) وقوله تعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ، وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (٢) ... ، إن الأمثلة كثيرة.

والإيمان يملأ القلوب أملا فى رحمة الله تعالى فيكفى أن الله تعالى رغم قدرته واتساع ملكه لم يجعل الموت هو النهاية ، وكان يمكن أن يجعل انتفاع الإنسان بطيباته هى الفترة التى يعيشها فقط ثم بعد ذلك ينقطع من الأرض بموته فلا يرى ربه أو الأنبياء المرسلين ولا يتذوق الفواكه ولحم الطير كما كان يتنعم فى الدنيا ولا يقابل بعد ذلك قريبا ولا زوجة ولا ولدا ولكن الله الكريم ، لا يحرم الإنسان بموته بل يتفضل عليه بالجنة خالدا فيها إن أطاعه ، بل ويرزقه رؤيته ، يقول تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٣) ... ، ولا يحرمه أيضا من طيبات الدنيا ، بل يمده بما هو أطيب ، يقول تعالى (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) ... ، وهو برحمته أيضا لا يحرمه من الجلسة مع أصفيائه وأنبيائه ، يقول تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ ، فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٤) ... ، وبفضله لا يحرمك من الزوجة والولد ، يقول تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (٥) ... ، وعلينا بعد ذلك أن يسأل كل منا نفسه هذا السؤال ، ما واجبنا نحو الله بعد أن تفضل علينا برؤية المؤمنين له وجعل الجنة لهم خالدين فيها ولم يكن الموت هو النهاية ولقد أثرت تلك الآيات فيمن كانوا قبلنا حيث فهموا هذا الفضل وتلك المعانى ،

__________________

(١) سورة العنكبوت الآية ٢.

(٢) سورة آل عمران الآية ١٤٢.

(٣) سورة القيامة الآية ٢٢ ، ٢٣.

(٤) سورة النساء الآية ٦٩.

(٥) سورة الطور الآية ٢١.


فهذه الخنساء حين يقتل أخوها صخر فى الجاهلية أثناء نشوب المعارك بين القبائل تبكى كثيرا وتكاد أن تنتحر ، وتردد قائلة : لو لا كثرة الباكين حولى على إخوانهم لقتلت نفسى ، إنها فى جاهليتها لا تجد وعدا بلقائه ، ولكن حين أسلمت جاءها خبر استشهاد أولادها الأربعة فى معركة القادسية ، فتقول بكل ثبات وثقة وإيمان فى وعد الله الحق" الحمد لله الذى شرفنى بقتلهم وأدعو الله أن يجمعنى بهم فى مستقر رحمته ... ، وتلك المرأة التى يتردد حولها أثناء غزوة أحد ، إشاعة أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد قتل ، فتهرول نحو الصحابة وهم عائدون من الغزوة ، وتسألهم عن أنباء المعركة ، فينعون إليها زوجها وأباها وأخاها وإذا بها لا تعبأ بهذا الخبر ، وتسألهم فى لهفة عن خبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيقولون لها : خيرا ... ، هو بحمد الله كما تحبين". فتقول : أرونيه أنظر إليه. فلما رأته أقبلت نحوه قائلة : كل مصيبة بعدك أمرها يهون يا رسول الله (١) ... ، وهذا الأعرابى الذى فهم قوله تعالى (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (٢) ، فيذهب للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويبايعه على الإسلام ثم يشارك فى غزوات المسلمين ، وفى إحدى الغزوات التى انتصر فيها المسلمون يوزع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الغنائم ، ويأتى دوره ، فيرفض أن يأخذ شيئا ويقول : يا رسول الله ، ما على هذا اتبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أضرب هاهنا بسهم فأموت فأدخل الجنة" ... ، إنهم مؤمنون حقا صدقوا الله فصدقهم الله ، يقول تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).

٢٢ ـ الكون ومعجزات الله كونية وتشريعية

إن الكون ملئ بآيات الله ومعجزاته ، ومن يتأمل يرى الكثير من تلك الآيات فالطيور تهاجر فى الشتاء آلاف الأميال وتعود إلى نفس المكان ... ، ومنها ما يعيش فى المناطق القطبية الباردة ، ومنها ما يعيش فى المناطق شديدة الحرارة ، ومنها ما

__________________

(١) انظر البداية والنهاية ـ لابن كثير.

(٢) سورة التوبة الآية ١١١.


يعيش فى المناطق المعتدلة .. ، وهى تختلف فى نظام غذائها فطيور المراعى تعيش على الديدان وتتغذى على النباتات ، والطيور البرية تعيش على الحبوب ، والطيور الجارحة تعيش على الافتراس والصيد بمهارة فائقة ، والطيور البحرية تعيش على تناول غذائها من الأسماك ، وهى تتمكن من الغوص فى الماء لمسافات لتخرج بغذائها وتواصل الطيران بقدرة الله العلى الكبير ... ، وهناك من مملكة النحل تقف جماعة على أبواب الخلية تشم النحلة القادمة من الخارج ولو وجدت عليها أثرا لأحد الميكروبات الضارة فيظل النحل يحرك أجنحته ينفض عنها هذا الميكروب وإن لم يسقط عنها يقوم النحل بقتل النحلة قبل دخولها حتى لا تلوث الخلية وما بها من العسل الذى جعله الله شفاء للناس ، إنه إلهام العلى القدير ... ، كذلك لو دخل فأر ليشرب من عسل الخلية ، يجتمع عليه النحل ويقتله ويفرز عليه الشمع ولا يترك له أثرا يظهر فيضر بالخلية فمن الذى ألهمه بأن الفأر لا بد أن يغطى؟! ... ، وهناك النبات الذى يفرز الرائحة العطرة فتنجذب له الحشرات والفراشات فيلتهمها ويغلق عليها أوراقه لحاجته إلى المواد العضوية النتروجينية (١) ... ، والنباتات الصحراوية ثغورها ضيقة لتقلل من عملية النتح وأوراقها سميكة لتحميها من الجفاف وأحيانا تتحول إلى أشواك للتقليل من فقد المياه ... ، ولقد أحل الله الطيبات وحرم الخبائث وكان فيما أحل الخير ... ، وحين أخبرنا أنه أوحى إلى النحل ، كانت مملكة النحل مليئة بالإتقان والإبداع من البناء الهندسى للخلايا والذى يعجز عنه البارعون المتخصصون ... ، وفى النظافة والنظام وتقسيم العمل بين أفرادها ... ، وحين كرم الإسلام المرأة نجدهم فى الغرب يتبادلون زوجاتهم لمدة معلومة كما يعير القروى دابته أو الحضرى شيئا من متاع بيته وتطرد البنت بعد سن الثامنة عشرة لتبدأ فى الكدح لتنال لقمة العيش ، ولو بقيت فى المنزل بعد هذه السن فإنها تدفع لوالديها إيجاز غرفتها وثمن طعامها ومقابل اتصالاتها الهاتفية ... ، وحين أوصى الإسلام بالرحمة بالصغير نجدهم يأكلون لحوم الأطفال فى بعض البلاد ... ، وحين أوصى بالوالدين نجدهم فى الغرب يطردون

__________________

(١) أنظر ـ الله والعلم الحديث ـ عبد الرازق نوفل.


المسنين لأنهم لا يعملون وينتجون ... ، وحين حرم الإسلام الزنا نجدهم فى الغرب يمارسونه فنجد فى بلادهم الأمراض الخطيرة كالإيدز وغيره ... ، وهناك الإعجاز البلاغى حيث إن كل حرف وكل عبارة فى القرآن لها معناها وإعجازها على مر العصور ... ، وهناك الإعجاز النفسى للقرآن الكريم حيث إنه علاج للنفس ، فالأمر بالصلاة ودخول المسجد فيه كل الأمن والراحة واطمئنان النفس ، حيث تتجلى فى المسجد أنوار الله تعالى وفيوضاته (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (١) ... ، كذلك حين يعرف المسلم أن الرزق مكفول من الله فيطمئن ولا يظلم ولا يقتل ولا يبغى فى الأرض ، فما تراه من صور الصراع بين الناس هو من الغفلة والجهل برسالة الخالق العليم الخبير ، كذلك يأمرنا القرآن الكريم بعدم الفرح بما جاءك أو الندم على ما فات حيث أن كل شىء من الله وفى علم الله ، وبذلك تطمئن النفس فى كل الأحوال ، وقد ثبت أن الفرح الشديد يضر الإنسان ، وكذلك الحزن الشديد ، وقد أمرنا الله تعالى بعدم اليأس يقول سبحانه (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٢) ويقول سبحانه (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣) ... ، فالمطلوب الاعتدال فى كل شىء والوسطية كما أمر سبحانه فى كل شىء ... ، وحين صرح القرآن الكريم بتعدد الزوجات فى حالة الاستطاعة والتمكن من العدل كان فى ذلك الخير للنساء حين إن عدد النساء أكثر من الرجال بالإضافة إلى تعرض الرجال للقتل فى الحروب وغيرها ، ولذلك قامت مظاهرة نسائية فى ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى تطالب بتعدد الزوجات ، وحين سمح بالطلاق فى أضيق الحدود فقال سبحانه (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (٤) فكان الطلاق لضرورة وكان الترغيب فى الإمساك أفضل لتظل المرونة والمصلحة للعباد فى المنهج الإسلامى ، لعدم تشريد الأطفال وتفكك الأسرة ... ، فسبحان العليم بأحوال عبادة ... ، ولقد رغب سبحانه فى الإحسان إلى النساء

__________________

(١) سورة النور الآية ٣٦.

(٢) سورة يوسف الآية ٨٧.

(٣) سورة آل عمران الآية ١٢٩.

(٤) سورة النساء الآية ١٩.


يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار" (١).

إن القرآن الكريم يدلك بما يحتويه من دعوة إلى الخير وإعجازاته التشريعية والبلاغية والعلمية على الإيمان واليقين ، كذلك العقل والفكر بالفطرة دليل آخر إلى الإيمان فتصريف الرياح ، وحركة الليل والنهار ، ونزول المطر من السماء يقول تعالى (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٢) ... ، فما أحوج الإنسان إلى الإيمان حيث يحشر الناس يوم القيامة منهم الراكب ، والسائر على قدميه ، ومنهم من يحشرون على وجوههم ، ومنهم الصم البكم العمى ، فمن عمى فى الدنيا عن الخير عمى يوم القيامة عن رؤية الخير ... ، إن كل شىء له أجل فالنجوم تمر فى بداية حياتها باللون الأحمر وفى وسط الحياة يكون لونها أبيض ثم تظلم وتنكدر وهو بداية نهايتها ... ، والجبال لها فترة شباب وشيخوخة ... ، والخلايا تتجدد ... ، والله تعالى قد أحكم الكون بصورة تصل بعقلك إلى الإيمان ... ، فالشمس تشرق نهارا للسعى والعمل وتغرب ليلا للنوم والراحة ... ، وإذا اقتربت الأرض من الشمس تزيد فى سرعتها حتى لا تجذبها الشمس ، وبذلك فإن السرعة التى تزيد وتنقص عند اللزوم دليل على أن هناك مهيمن على كونه بما فيه ... ، والقمر لو اقترب بدرجة عن التى هو عليها فإنه سيجذب سطح الماء وتغرق القرى والمدن ... ، ولو أن سواحل البحار هى أعلى بقاع الأرض لغرقت اليابسة التى تمثل ربع مساحة الكرة الأرضية حيث أن (entxt١CS%entxt٢) مساحتها ماء ... ، وتلك النجوم الهائلة والمجرات من يضبط حركتها دون سقوط ، رغم أن منها ما يفوق حجم الشمس الهائلة والأرض الممتدة الشاسعة؟! ... ، إن وجود المصباح يدل بالتأكيد أن هناك صانعا قد صنعه رغم أننا لم نر هذا الصانع ... ، وكل مادة فى الفراغ تدل على وجود الصانع إنه الخالق سبحانه ، فلو أمسكت بقلم أو كراسة تجد أن لهما صانع ، كذلك فالكرة الأرضية مادة فى الفراغ ولها خالق والخالق هو الله ... ، لقد ضبط سبحانه وتعالى حرارة الجسم ٣٧ م وهى مناسبة وهى مضبوطة رغم أن الجو

__________________

(١) جزء من حديث صحيح رواه البخارى ومسلم والترمذى ـ عن عائشة رضى الله عنها ـ الترغيب والترهيب الجزء الثالث ص ٦٦.

(٢) سورة الجاثية الآية ٤.


أحيانا شديد البرودة وأحيانا صيفا لافحا ... ، ودرجة حرارة العين تختلف عن درجة حرارة الكبد وبقدرة الله لا يحدث استطراق وتسرب الحرارة من الأعلى إلى الأقل فسبحان اللطيف الخبير ... ، كذلك فإن أسنان الطفل تنبت جميعها بعد أن يتم رضاعته ليبدأ فى استكمال رزقه من الطعام والشراب المختلف عن اللبن السائل ... ، وهو البارد فى الصيف ، والدافئ فى الشتاء ... ، والخلية الحية التى يبدأ بها تكون جسم الإنسان فيها الكتاب الحفيظ الذى به كل أسرار الإنسان كلون البشرة ، وشكل الأنف ، وأحجام الأصابع ، ولون الشعر والعينين ، وغير ذلك ... ، وحين تنقسم تلك الخلية ، فنجد خلية تكون الكبد ، وأخرى تكون الأمعاء وأخرى تكون الكلى ، وأخرى للأظافر ، وأخرى للرئتين ، وأخرى للعظام ، وهكذا حتى يتكامل الجسد ، إنها الأسرار والدلائل ، التى تدل على وجود الخالق الخبير ... ، ولقد نظم العليم الخبير نسبة الهواء فى الجو وما يحتويه من عناصر لازمة لحاجة الإنسان وبقية الكائنات كثانى أكسيد الكربون والأكسجين ... ، والقلب مقسم إلى حجرات وشرايين لكل حجرة وظيفتها وكل شريان له وظيفته ... ، وتتجلى قدرة الله فى خلق نسيج كل شىء بما يناسب وظيفته فنسيج القلب متين قابل للتمدد وضخ الدم ، ونسيج الكبد قليل لإنتاج الغذاء ، ونسيج المعدة والأمعاء والعصارات الهاضمة والأغشية المخاطية التى تحمى النسيج من التآكل كلها صور تدل على إبداع العلى الحكيم .. ، ويتجلى الإبداع فى أن العين تفرز الدمع ، والفم يفرز اللعاب ، والأنف تفرز المخاط ، والأذن تفرز الشمع ، إنها مواد مختلفة تتناسب مع وظيفة كل عضو ، أ لا يدل ذلك على وجود الخالق المبدع الخبير؟! ... ، لقد حفظ الله العين فى علبة ، عظميه قوية ، وجعل كل خلية تنمو بحجم مناسب لا يزيد عن حدود معينة فتغير شكل الإنسان وتجعل مظهره غريب ... ، من الهم عظام الأسنان أن تقف عن النمو بينما تنمو العظام الأخرى ... ، ومن جعل شعر الحاجب يقف عن النمو لا يؤذى العينين بينما ينمو شعر الرأس ويستطيل ... ، من أبدع عظام القفص الصدرى بهذا الشكل الهندسى المناسب لحماية الرئتين. والأعضاء المختلفة ، ثم لا نجد العظام عند البطن ليستطيع الإنسان ثنى ظهره ، وهو المصمم على


هيئة فقرات يسهل ثنيها .. ، سبحان من صمم ذلك ... ، وسبحان من صمم المفاصل للحركة ، ليتمكن الإنسان من الجلوس ، والوقوف ، والقبض على الأشياء والانتفاع بها ... ، إن الدجاجة تجرى إذا اقترب منها أحد الأشخاص لكنها تقف وتهاجم من يقترب من أفراخها ... ، والبقرة تلعق من جسد وليدها عند ولادته ... ، والفرس ترفع حافرها عن وليدها خشية أن تصيبه ... ، وخلايا النبات تنقسم فتكون الجذور التى تنمو لأسفل لتمتص الأملاح والغذاء ، والأوراق تنمو لأعلى لتقوم بوظيفتها وتستفيد من طاقة الشمس ، وخلايا الثمار تنمو بما يتناسب مع نوع النبات ، فهذه خلية تعطى اللون الجذاب للزهرة لتجذب إليها الفراشات ، وهذه خلية تفرز المادة اللزجة ليقوم النبات باصطياد الحشرات ليستفيد بالمواد العضوية اللازمة ... ، والغلاف الجوى به مكونات لحماية الأرض من الأشعة الضارة ، كطبقة الأوزون وغيرها ....

إن الخالق هو الواحد الذى لا شريك له ، لذلك خلق الكون فى تكامل بديع ، فالخلل فى المجرة يؤدى إلى الخلل فى المجموعة الشمسية ، والخلل فى المجموعة الشمسية يؤدى إلى الخلل فى ضوء الشمس ، والخلل فى ضوء الشمس يؤدى إلى الخلل فى البناء الضوئى وتكون غذاء النبات ، والخلل فى بناء النبات يؤدى إلى الخلل فى نسبة الأكسجين التى يطلقها النبات ... ، والخلل فى الأكسجين يؤدى إلى الخلل فى وظائف التنفس بالرئتين ، والخلل فى وظائف التنفس يؤثر على الدورة الدموية وحياة الإنسان ، وكذلك بقية الكائنات فسبحان الله ... ، خلق سبحانه العوالم المختلفة وقدر لها أقواتها ويسر لها سبل معيشتها فنحن الضعفاء لا نقوى على عذابه وهو سبحانه الحنان المنان جعل أعظم رزقه الوعد برؤيته والخلود فى جنته ، فالحمد له على نعمه والحمد لله على نعمة العلم التى من علينا بها لنعرفه سبحانه وتعالى ....

إن رسالة الإسلام مليئة بالمواقف والمعجزات ، كان عيسى عليه‌السلام ينبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون فى بيوتهم وهو سر لا يعلمه إلا أصحاب المنزل ولكنه وحى الله العليم الخبير ... ، ولقد كان يصور من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، ولقد أنزل الله له مائدة من السماء ، وكان يبرئ الأكمة


والأبرص بإذن الله ، ولقد تكلم فى المهد بإذن ربه ، وموسى عليه‌السلام كلم ربه وجعل له الله تعالى البحر طريقا يابسا يمر فيه حين أتبعه فرعون ... ، ولقد صبر الأنبياء جميعا على أمر الدعوة رغم أنهم رسل الله ليكونوا قدوة لغيرهم ، فنوح عليه‌السلام صبر تسعمائة وخمسون عاما وما آمن معه إلا قليل ... ، وصبر عيسى عليه‌السلام ... ، وصبر رسولنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأدميت قدمه الشريفة ... ، لذلك وجب علينا أن نقتدى بهؤلاء الرسل وندعو إلى الله بلا ملل وكما نعلم فإن متوسط أعمار أمة الإسلام ما بين الستين والسبعين يذهب بعض تلك السنين مع الطفولة والصبا ، وبعضها فى النوم ، وبعضها فى الشغل بالمكاسب وأمور الدنيا ، فما ذا يتبقى لأمر الدعوة؟! لذلك وجب أن تكون حياتنا كلها طاعة لله ودعوة إلى فعل الخير ... ، والصحابة كانوا يبايعون النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم فرضى الله عنهم أجمعين ... ، إن خدمة الدين الإسلامى هى أقل ما يجب على كل مسلم أن يقدمه وهو لا يقدم شيئا إلا بفضل الله ورحمته وهو سبحانه الذى يوفقه إلى هذا الخير ، فنعم الله تعالى الظاهرة والباطنة علينا لا تحصى ولا تعد ... ، سبحانه أحتفظ بعلم الغيب لنفسه ، فأمور الرزق والآجال وأسرار الهدى والضلال والشدة والفرج والسعادة والشقاء والغنى والفقر وغيرها ، كلها أسرار لا يعلم حكمتها إلا الله فهناك من كان عاصيا وأصبح مصلحا بأمر الله يهدى إلى الخير ، وهناك من كان غنيا وصار فقيرا يجد فى طلب قوته ... ، وهناك من كان طائعا لله مصلحا وصار من أهل الذنوب والمعاصى ... ، وهناك من ظل على صلاحه ، وهناك من مات صغيرا ومن مات شابا ومن مات شيخا والسر فى ذلك لا يعلمه إلا الله ... ، لن يستطيع الإنسان بعقله أن يحيط بكل شىء ولكن الله قد أحاط بكل شىء علما فسبحانه وتعالى فى كل وقت وحين ... ، خلق بقدرته عقل الإنسان وعلمه كل العلوم ، علم الأحياء والطب ، والرياضة ، وعلم الكيمياء والفيزياء ... ، جعل الله تعالى كل تلك العلوم فى كونه الممتد وألهم بعض أسرارها للإنسان الذى ميزه بالعقل بكل ما يحتوى من خلايا ومراكز ليفهم ويدرك ما يحيط من حوله ، وكل إنسان يدرك قدرا محدودا من العلوم


لكن الله تعالى قد أحاط بكل العلوم ومدى ما تحتويه من البساطة والتعقيد واحتفظ سبحانه بعلوم الغيب التى لا يعلمها الإنسان ، فسبحان من له الأسماء الحسنى ... ، إن كل ما اخترعه الإنسان من آلات وأجهزة دقيقة معقدة يثبت ذلك أن العقل بتكوينه أدق منها وأشمل ، وكل ما يعلمه الإنسان عن العمليات الكيمائية والحسابية المعقدة والجراحات الطبية وما يعلمه عن أسرار الذرة والخلية فإن ذلك كله نقطة من بحر علم الله الذى سمح للإنسان أن يعلمه ، وما كان فى علم الغيب أكثر ، لقد أعد الله تعالى لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ... ، فسبحان الله ... ، وما أشد تقصير الإنسان فى كل زمان .. ، وهناك فى عالم البشر والنبات والطير الكثير من العجائب التى تثبت طلاقة قدرة الله ... ، فهناك من الطيور ما يسمى بالعقاب الذهبى ، وهو يحلق نحو مسافات مرتفعة ، ويتميز بالنظر الحاد ويرى فريسته من بعيد وهى تدب على الأرض ، فهو يفترس الأرانب البرية ، وصغار الغزلان ، والماشية ، وهو من القوة بمكان يتمكن به من حمل غزال يطير به ، ويفترسه فى عشه ، ويبلغ طول الطائر مترا ، ويبلغ طول الجناحين معا مترين (١) ، وهناك آلاف الأنواع من الطيور وآلاف الأنواع من النباتات ، وآلاف الأنواع من الأسماك ... ، وهناك الإبداع فى اختلاف ملامح صور الرجال والنساء والأطفال رغم أن الأعضاء واحدة فسبحان القادر ، وهكذا كل العوالم فى خلق الله تنوع وإختلاف وعلم وإحاطة بأحوال كل نوع ... ، يعلم سبحانه بكل ورقة تسقط ، وبكل حبة فى الأرض ، وبكل ذرة فى هذا الكون الممتد ... ، بل لقد تكفل بهداية كل نوع إلى سبل معيشته ورزقه ، فهى عوالم وأمم أمثالنا ... ، وفى تلك العوالم ما يستحق التأمل والعجب ، فمثلا فى مجتمع النحل تأخذ خلايا العسل الشكل السداسى وليس الدائرى ، حيث اكتشف العلماء أن الشكل الدائرى لو كان متراصا ووضع العسل فيه لكان هناك فراغا بين الأشكال ، فسبحان من ألهم النحل بذلك التنظيم (٢) ... ، لقد أخبرنا الله

__________________

(١) ذكر ذلك ـ الدكتور أحمد شوقى إبراهيم ـ فى إحدى البرامج المسموعة.

(٢) حقائق عن الإعجاز العلمى فى القرآن ـ الدكتور زغلول النجار ... ،


تعالى أنه أوحى إلى النحل وصدق الله (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) (١) ... ، ولقد أخبرنا سبحانه بأنه أسرى بنبيه وعرج به وبالفعل كان ذلك ، والمؤمن لا يسأل كيف ولما ذا ... ، رأى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما سيحدث من صور العذاب للعصاة ، فهناك من ترضخ رءوسهم بالحجارة وهم الكسالى عن الصلاة المكتوبة ... ، وهناك من يأكلون اللحم النتن وتخرج من فروجهم نارا ومن أدبارهم نارا ، وهم الزناة ... ، ويضاف هذا لعقوبتهم فى الدنيا التى بشرهم بها صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهى الفقر المدقع والمرض المزمن ، والفضيحة بين الناس ... ، وهناك من يسبح فى بحر الدم ويضرب بحجر فى فمه فلا يموت ولا يحيا ، وهو آكل الربا ... ، ولقد رأى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثقبا صغيرا يخرج منه ثور عظيم ثم يحاول الدخول من هذا الثقب فلا يستطيع ، فكان هذا هو الذى يقول الكلمة من سخط الله ثم يريد أن يرجع فيها فلا يستطيع ... ، لقد رأى صلى‌الله‌عليه‌وسلم اثنين فقال لهما : ما لى أرى على أسنانكما خضرة اللحم ، فقالوا : ما أكلنا لحما فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ لم تغتابا فلانا ، قالوا أجل ، قال : ذلك لحمه ، ولقد أمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم امرأتين أن يقيئا فكان القيء لحما ودما وكانتا صائمتين (٢) ، وكان السبب أنهما قد وقعتا فى الغيبة ... ، لقد صدق صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كل ما رأى فهل نفيق من الغفلة ... ، وهل ننتهى عن المعاصى ... ، وهل أدركنا قيمة العلم برسالة النور.

تلك الرسالة التى ملأ نورها كل مكان ... ، فى إحدى المناظرات للشيخ الزندانى اليمنى قال له أحد علماء الغرب هناك قضايا حديثة لا يزال الجدال قائما فيها حيث هناك نظرية تقول بتمدد الكون واتساعه وأخرى تشير إلى انكماشه فى وقت من الأوقات ، فهل القرآن تحدث عن تلك القضايا ، فقال له الشيخ يقول تعالى عن الاتّساع الكونى (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (٣) أى أن الكون فى اتساع مستمر ... ، أما عن انكماش الكون فاقرا ما ورد بآخر سورة الأنبياء ، وكان معه قرآنا مترجما فوجد قوله تعالى (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ

__________________

(١) سورة النساء الآية ٨٧.

(٢) من شرح حديث رواه أحمد وفيه" ... فقال لإحداهما قيئ فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما حتى ملأت نصف القدح .." الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث ص ٥٠٧.

(٣) سورة الذاريات الآية ٤٧.


نُعِيدُهُ) (١) أى كما كان كوكبا وانتشرت منه كل تلك النجوم والكواكب سوف تنكمش كل هذه الكواكب وتطوى مرة أخرى فى كوكب واحد كما بدأ الخلق ... ، فاعترف العالم أنه الوحى من السماء ، وقال أريد أن تسمحوا لى بالحضور معكم فى كل مؤتمر محلى أو دولى (٢) ... ، وحين تحدث الشيخ مع العالم جورى سمسون الذى قال أن هناك صفة متنحية فى علم الوراثة تظهر فجأة فى أحد الأبناء ولا تكون فى الأب أو الجد ولكن يمكن أن تكون فى جد قديم من العائلة ... ، فقال له الشيخ لقد أشار لنا رسولنا الكريم عن ذلك حين جاءه رجل ومعه غلام أسود يشك فى بنوته ... ، فقال له صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ لك إبل ، قال نعم قال ما لونها ، فقال الرجل حمر ، فسأله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ فيها أوراق ، قال فيها أورقا ، فسأله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جاء به فقال الأعرابى لعله نزعة عرق ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا نزعة عرق ، أى ابنك هذا نتيجة لصفة قديمة كانت فى عرف العائلة ... ، فقال العالم إن هذا العلم لا يمكن أن يكون من بشر بل هو من عند الله (٣) ... ، وجاء للشيخ أحد العلماء فى علم الجيولوجيا يحمل كرة تمثل خريطة العالم ، وعليها أسهم تشير إلى أعلى المناطق والبقاع على الأرض ، وأخفض المناطق والبقاع ، وسأل الشيخ عن أسفل بقعة على الأرض ، فقال له الشيخ هى المنطقة القريبة من بيت القدس بوادى الأغوار التى غلبت فيها الروم قديما من بلاد الفرس والدليل قوله تعالى (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) ولم يصدق العالم فى بادئ الأمر ، فأشار إليه الشيخ أن ينظر للخريطة ... ، فنظر العالم على الخريطة فوجد السهم يشير بالفعل إلى تلك المنطقة وهى القريبة من بيت القدس ، فتعجب العالم وبدت عليه آثار الدهشة ... ، وحين استمع أحد العلماء إلى حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذى ينهى فيه عن البول فى الماء الراكد والاغتسال فيه ، قال إن هذا الحديث لو عمل به الناس لكانت الوقاية من الطفيليات التى تصيب الإنسان وبخاصة البلهارسيا ... ، وحين أشارت الآية القرآنية إلى التقاء البحرين الملح والعذب وأن بينهما برزخا وحاجزا يقول تعال (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً

__________________

(١) سورة الأنبياء الآية ١٠٣.

(٢) ذكر ذلك ـ الشيخ عبد المجيد الزندانى ـ فى إحدى مناظراته ـ بعنوان ـ براهين الإيمان ومعجزاته.

(٣) نفس المرجع السابق للشيخ عبد المجيد الزندانى.


مَحْجُوراً) (١) ... ، وجد العلماء بالفعل أن منطقة البرزخ أو المصب بين البحرين وهى منطقة مختلفة الملوحة والكثافة والأحياء المائية ، هى تحتفظ بصفاتها وكائناتها ولا تنتقل الكائنات البحرية فيها إلى مياه البحر أو النهر وكذلك لا تنتقل كائنات البحار الملحة إلى النهر أو العكس بل هناك حاجزا مائيا بقدرة الله ، فعند ما تدخل مياه البحر إلى منطقة البرزخ تأخذ خصائص المياه التى تدخلها ، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم ... ، وحين صور العلماء شقوقا فى أعماق البحار تخرج منها النيران نجد قسم الله تعالى فى سورة الطور بالبحر المسجور ، أى المتقد نارا ... ، ولقد تحدث القرآن الكريم عن أنواع العواصف والرياح فتحدث عن الريح الطيبة ، والريح العاصفة التى تسبب كثرة الأمواج (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) (٢) ... ، ثم يشير الله تعالى إلى الريح القاصفة التى تكسر السفن من شدتها ، حيث يحذر المشركين من انتقامه ، وأنه قادر على أن يرسل عليهم قاصفا من الريح ، يقصف بهم وبالسفينة ، فسبحان الملك الحى القيوم الذى خلق الكون وأحاط بعلمه كل شىء فيه ... ، لذلك وجب علينا ألا نغفل عن شكر الله ، ونعرض عن الشهوات التى منها الهلاك كالطعام والشراب ، والمال والبنون ، والنساء ، وغيرهم دون تحريم ما أحل الله والرحمة بالأولاد والرفق بالنساء ... ، ولا بد أن نعلم أنه لا يؤمن أحدنا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... ، ولقد كان تبرج النساء فى عصرنا وخروجهن إلى العمل من أكبر أسباب الفتن حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ما تركت فتنة بعدى فى الناس أضر على الرجال من النساء" فعمل المرأة كان سببا فى انتشار البطالة وما حولها من مشكلات ... ، وهناك أمهات كن يتركن أولادهن وهم مرضى ومنهن من تعود فتجد أن طفلها قد فارق الحياة ... ، ومنهن من ينفقن راتبهن على الملابس الفاخرة ، ولضيق الوقت بعد العودة من العمل يشترين الطعام المجهز مما يوقع بالأسرة فى الأزمات المادية المستمرة ... ، إن المرأة المسلمة أشبه بالجوهرة التى يسعى صاحبها لإخفائها عن أعين الناس وهذا هو تكريم

__________________

(١) سورة الفرقان الآية ٥٣.

(٢) سورة يونس الآية ٢٢.


الإسلام لها ... ، لذلك وجب على المرأة عند خروجها أن ترتدى نقابها ، والدليل على مشروعية النقاب قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" (١) ... ، فالمرأة عليها أن تطيل ثوبها وفى ذلك طهارة لها ، وأما الرجل فلا يجر ثوبه يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار" (٢) تقول المستشرقة تراتوساجان : أيتها المرأة الشرقية إن الذين ينادون باسمك ، ويدعون إلى خلع حجابك ومساواتك بالرجل ، إنهم يضحكون عليك ... ، فقد ضحكوا علينا من قبلك ... ، فعلينا بالعودة إلى الله ، وليعلم كل راع أنه مسئول عن رعيته ... ، لقد أهلك الظالمون من قبلنا لظلمهم وإفسادهم ، ولقد أهلك الله تعالى إحدى المدن المشهورة فى إيطاليا حيث انتشر بها الفساد والدعارة ، فأصابها البركان الذى ابتلع سكانها فى لحظات وهم على مجونهم وفسادهم فأضاعوا الدنيا والآخرة ... ، ولقد أهلك الشح من كانوا قبلنا فلا يدخل الجنة شحيح حيث يبخل بنعم الله التى منحه إياها ولا يملكها ... ، ومن أسباب هلاك الإنسان قطع صلة الرحم ، وعقوق الوالدين ، والتخلف عن الجهاد ... ، وعدم الخشوع فى الصلاة ، وموت الهمة فى الصبر على البلاء والدعوة إلى الله وهى واجب على الجميع ... ، فلا ينس كل مسلم أن هناك ابتلاء لا بد أن يمر به الجميع ، وهو شىء من الجوع ، ونقص من الأموال ، والأنفس ، والثمرات ، والبشرى والفوز لمن صبر واستعان بالله ... ، يقول سبحانه (أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (٣) ولقد أخبرنا الله تعالى أنه سيأتينا مثل الذين من قبلنا حيث زلزلوا ومروا بمواقف شديدة حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ... ، ونصر الله قريب من المؤمنين الذين أطاعوا الله فى كل شىء وبحثوا عن العلم ليزدادوا إيمانا ويدافعوا عن رسالتهم ويدعون إليها باليقين الثابت الذى يقهر الأعداء فى كل زمان ، يقول تعالى (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (٤) ... ،

__________________

(١) رواه البخارى.

(٢) رواه البخارى.

(٣) سورة العنكبوت الآية ٢.

(٤) سورة سبأ الآية ٦.


ووعد الله من يجاهد من أجل تلك الرسالة أن يهديه إلى سبل الخير ... ، ولقد عقدت مؤتمرات كثيرة عن الإعجاز العلمى فى كل مكان وظهر علماء كثيرون فى هذا المجال لم نكن نعرفهم ليتحقق قوله سبحانه (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها) (١) ... ، لقد أرسل الله تعالى على المشركين فى غزوة الخندق ريحا وجنودا من الملائكة اقتلعت خيامهم وقلبت قدورهم وكان عددهم عشرة آلاف مقاتل ، وقذف الله الرعب فى قلوبهم وعادوا مهزومين ، ولم تضر تلك الريح بالمسلمين رغم وجودهم فى نفس ساحة المعركة ... ، وفى غزوة بدر نزلت الملائكة تقاتل فى صفوف المسلمين ... ، وفى غزوة حنين رمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحفنة من تراب فى وجوه القوم فأصابتهم جميعا ... ، ولقد كثر للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الطعام فى غزواته وكان الماء ينبع من بين أصابعه ، ودعا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعبد الله بن عتيق حين كسرت ساقه فشفيت بإذن الله ... ، إن من عرف حلاوة الإيمان لا يشك أبدا فى وعد الله ، فالسحرة فى عهد موسى عليه‌السلام ، حين أدركوا هذا المعنى خروا ساجدين ... ، وألقى إبراهيم عليه‌السلام فى النار ولم يبالى ... ، وصبرت عائلة عمار بن ياسر على أشد العذاب ... ، ورأى عبد الله بن حذافة بعض الأسرى يدخلون القدر لحما ويخرجون عظاما فبكى ، وحين سأله ملك الروم عن سر ذلك قال ابكى لأن لى نفس واحدة ، وكنت أتمنى أن تكون لى مائة نفس تقتل فى سبيل الله ... ، إن موضع سوط أحدنا فى الجنة خير من الدنيا وما فيها ... ، وغمسه فى نار جهنم تنسيك ما رأيته من النعيم ... ، فما قيمة الدنيا أمام هذا النعيم ، وأى شىء فيها ينسيك هذا العذاب ... ، إن رسالة الإسلام كل ما فيها معجز والطريق إليها هو الطريق إلى الجنة ... ، لقد أسلم أحد علماء فرنسا حين ظل عاما كاملا يبحث فى سر عدم اختلاط ماء البحر الأحمر بماء خليج عدن حيث يلتقون عند مضيق باب المندب ، حيث يقول وجدت جبهة فاصلة بينهم من ماء ثالث يختلف فى الملوحة والكثافة والأحياء المائية يفصل بين الكتلتين ولقد تعجب وأعلن إسلامه حين علم بأنه البرزخ الذى ذكر فى القرآن

__________________

(١) سورة النمل الآية ٩٣.


الكريم منذ ألف وأربعمائة عام فى قوله تعالى (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) (١) ... ، وحين اكتشف العلماء أن الناصية وهى بالفص الجبهى الأمامى وهى المسئولة عن توجيه تصرف الإنسان من الصدق والكذب والصواب والخطأ كان قوله تعالى عن ناصية ابى جهل (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) (٢) ... ، وكانت الناصية هى الموجهة لتصرفات الحيوان بأمر الله أيضا يقول تعالى (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) (٣) ... ، ولقد اكتشف العلماء أن هناك فى أرض العرب عند تصوير طبقات الأرض من أسفل وجدوا قرى بأكملها ومجارى أنهار وهناك على سطح الأرض آثار الأخاديد ومجارى السيول لم تزل محفورة ، ووجد العلماء أن أرض العرب كانت بساتين وأنهار قبل ذلك وحين سألوا العالم الفريد كرونر عن ذلك قال نعم كانت بساتين وأنهار منذ عشرة آلاف عام فى العصر الجليدى الأول ، وسوف تصير مروجا وانهارا فى العصر الجليدى الثانى وقد أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك منذ ألف وأربعمائة عام فى الحديث الشريف" لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا ونهارا" (٤) أى بساتين وأنهار ... ، قال العالم كرونر حين استمع إلى هذا الحديث ، لا يمكن أن يكون هذا إلا الوحى من السماء (٥) ... ، إن الله تعالى هو الحق ، وهو الذى يجيب المضطر ، وكم من مضطر رفع يده إلى السماء وأجيبت دعوته قبل أن يخفضها وبعض الدعاء كانت الإجابة بعد ساعات وبعضها بعد يوم أو أيام وذلك بإذن العليم الخبير ... ، ولنا مثل فى تلك المرأة المغربية التى احتار معها أطباء الغرب حيث كانت تعانى من مرض السرطان ... ، وحين وجدت أنه لا جدوى مع الأطباء ، توجهت إلى الله تعالى ، وعلمت من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم ، وأنه لما شرب له ، فذهبت إلى الحرم وظلت أسبوع تشرب من ماء زمزم

__________________

(١) سورة الرحمن الآية ١٩ ، ٢٠.

(٢) سورة العلق الآية ١٥ ، ١٦.

(٣) سورة هود الآية ٥٦.

(٤) رواه البخارى.

(٥) الأدلة المادية على وجود الله ـ الشيخ محمد متولى الشعراوى.


وبعدها ذهبت لإجراء الفحوصات فتعجب الأطباء وأرادوا منها أن تدلهم على العلاج الذى استخدمته حيث هناك الكثير من الحالات التى إحتار معها الأطباء بالنسبة لنفس المرض ... ، إن الله تعالى هو المجيب وهو الحكيم ... ، أحكم كل شىء فدرجة حرارة الجسم ثابتة صيفا وشتاء عند ٣٧ م ، ودرجة حرارة الكبد تختلف عن درجة حرارة العين وعن بقية أعضاء الجسم ولا يحدث استطراق لأن العين لو زادت حرارتها عند درجة معينة لكانت سببا فى فقد البصر ... ، وكذلك فإن نسبة السكر فى الدم تنتظم بواسطة أجهزة خاصة كالبنكرياس ... ، ونسبة البولينا فى الدم لها جهازها المنظم ... ، والإنزيمات الهاضمة التى تحول النشويات إلى السكر لها خطواتها المنظمة ... ، وكذلك تحويل البروتينات إلى الأحماض الأمينية ، والدهون إلى مستحلب دهنى ، كل ذلك أتقنه العليم الخبير ... ، وكذلك فإن آيات الله فى الكون كثيرة ، يقول تعالى (أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١) ... ، والناظر إلى الإبل يجد الكثير من آيات الإبداع حيث نجد أن شفة الجمل العليا مشقوقة لأنه يتناول أشواك الصحراء التى تتشعب لأعلى ، وله القدرة على غلق أنفه تماما للوقاية من عواصف الرمال المفاجئة فى الصحراء ويأخذ الأنف الشكل الطولى وليس الدائرى وذلك يحميه من مقاومة دفع الهواء المحمل بالأتربة لذلك تصمم مصابيع السيارات الآن بهذا الشكل الطولى للتقليل من مقاومة الهواء ... ، والرقبة طويلة ليرى ما أمامه وما حوله ... ، ولأنه يقوم على قدميه الأمامتين فإن عظام العضد والساعد تلتحم لتكون أكثر صلابة وقدمه وساده لينة تساعده على السير فى رمال الصحراء والأماكن الصلبة ، واليابسة ... ، وهو يتمايل فى حركته للتخفيف من شعوره بالأحمال الثقيلة ، وعينيه على الجانبين أيضا للتقليل من مقاومة الهواء وبها رموش طويلة كشبكة عند العواصف الرملية فيغمض عينيه لكنه يرى من خلالها ... ، وأذنه قصيرة لعدم الاحتكاك بالتيارات الهوائية ، وله زوائد عظمية خلف الجبهة للتحكم فى حركتها مع اتجاه العواصف ، فسبحان الذى أتقن كل شىء خلقه ....

__________________

(١) سورة الغاشية الآية ١٧.


ولقد وجد العلماء أن الطير صافات أجنحتها كما أشار القرآن الكريم ويقبضن من حين إلى آخر ، فسبحان من يمسكها ، جين تقبض أجنحتها ولقد كان نبى الله سليمان عليه‌السلام يعرف لغة الطير والنمل بفضل الله ... ، واكتشف العلماء فى عصرنا أن للطير لغات معروفة وكذلك النمل وغيره من الكائنات فهى أمم أمثالنا ... ، فالنمل له سوق يجتمع فيه فى أوقات معينة يتبادل السلع ويتعارف على غيره ، وهذه الجماعات حين تلتقى تتجاذب أطراف الحديث باهتمام بالغ ، وهو يقيم الطرق الطويلة بأناة ومثابرة ، وهو يقضم الجذور عند التخزين ويفلق الحب حتى لا ينبت ، وإذا ابتل الحب تقوم جماعات النمل بإخراجه لتجفيفه ... ، والنمل له لغة كيميائية للتعرف على مكان الطعام ... ، وحركية عن طريق قرون الاستشعار وحركة الأرجل والملامسة ، ولغة صوتية عبارة عن ذبذبات صوتية كالصرير يفهمها النمل ... ، وهو يخزن ويزرع ويحفظ طعامه من الميكروبات عن طريق إفراز العديد من المضادات الحيوية (١) ... ، ولقد أكدت الدراسات المتخصصة أن النمل كغيره من المخلوقات له من الغرائز الفطرية ما يعطيه قدرا من الذكاء والوعى والإدراك والشعور الذى يمكنه من معرفة الأشياء والأماكن ، والاتجاهات والأوقات والأشخاص ، ويعينه على التمييز بين الحق والباطل ، وعلى توقى المخاطر وتجنبها ، والإقدام على المغانم واقتناص فرصتها ، وفى ترتيب وتنظيم حياته الاجتماعية (٢) ... ، ويشير القرآن الكريم إلى تلك الحقائق ، وأن للنمل لغته وشعوره بالأخطار من حوله ، وأن له وسيلة للإدراك والشعور بمن حوله ، وذلك فى قوله تعالى (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٣) ... ، فالحمد لله أن خالقنا يرينا آياته فنعرفها ... ، وبذلك وجب علينا أن نعود إلى الله ونطبق منهج شريعته فى كل شىء ... ، إن إبليس يعرف أن له ربا خالقا حيث قال (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى

__________________

(١) الله والعلم الحديث ـ عبد الرازق نوفل.

(٢) نفس المرجع السابق.

(٣) سورة النمل الآية ١٨.


يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١) وقال (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٢) ... ، هو يعترف أن له رب وأنه خلقه ... ، ولكن هلاكه كان فى عصيانه لربه ... ، فنحن قد أدركنا من خلال الإعجاز العلمى وتلك الأدلة السابقة التى ستصبح حجة علينا يوم القيامة أن الله هو ربنا وهو خالقنا ، وهو الرازق المجيب العليم والمحيط بكل شىء ... ، والواجب علينا الآن أن نقيم شرع الله ومنهجه بالخشوع فى الصلاة ، والتواضع لله ، والرفق بالمساكين ، والتراحم فيما بيننا ، ورعاية الجار ، والوفاء بالوعد ، وصلة الرحم ، وغض البصر وقيام الليل ، وتلاوة القرآن وتدبر معانيه وتطبيق أوامر الله وإتباع سنة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وطلب العلم ، وعدم البخل على أهلك أو إخوانك بثمن الكتاب أو الشريط ، فلقد كان لها دورا كبيرا فى تنبيه الغافلين وعودتهم إلى الطريق ، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ... ، وإن هدى الله على يديك فردا واحدا كان خيرا لك من الدنيا وما فيها ... ، ونلخص فى النهاية ثلاثة فروع تأخذ بنا إلى طريق النجاة ... ، الأول : مراقبة ويقين ثابت من خلال معرفة الأدلة والإعجاز ... ، والثانى : عبادة فيها الخشوع ، وتحرى الحلال ، والرضا بالقليل ... ، والثالث : معاملة الخلق كما أمر الله ، باللين والعفو والرحمة وحسن الخلق ، وهو ما تحبه لنفسك ليكمل إيمانك مع التوحيد الخالص ... ، فلو اجتمعت تلك الصفات دون التوحيد والإخلاص فى العبودية ما نفعت صاحبها يقول سبحانه (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ).

فيجب أن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما ... ، وإلا فلنتربص حتى يأتى الله بأمره ... ، فاللهم الطف بنا فيما جرت به المقادير وأجعل حبك فى قلوبنا وحب رسولك فوق كل شىء ....

__________________

(١) سورة ص الآية ٧٩.

(٢) سورة ص الآية ٧٦.


٢٣ ـ تذكرة وحقائق عن العنكبوت ـ دابة الأرض ـ الغراب

الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ... ، رسولنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى آله وصحبه أجمعين ... ، وبعد ... فإن المؤمن يجب أن يدرك أن عليه مسئوليات كثيرة طالما عرف ربه واستقر الإيمان فى قلبه ، فهناك سكرات الموت وضمة القبر ... ، وحيث لا يطيق الإنسان الألم ... ، فى الدنيا هناك فى الآخرة النار ... ، والزمهرير ... ، والزقوم ... ، والمهل ... ، والحميم ... ، وهناك الجنة لمن أطاع واستقام فيها الفواكه والقصور ... ، والحور ... ، وفيها الأجمل من كل ذلك وهو رضوان الله والنظر إلى وجهه الكريم ... ، إن المعصية هى حرمان من رحمة الله ورزقه ولعنة من الله والناس فى الدنيا ، والآخرة ... ، " إن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه" ... ، إن المؤمن يجب أن يؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره والإيمان بالله يعصمك من المعاصى ، فلا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ... ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ... ، وأما الإيمان بالملائكة وهم اللذين لا يفترون عن عبادته ، منهم حملة العرش ... ، ومنهم من يلتمسون حلق الذكر ... ، ومنهم الحفظة ... ، ومنهم جنود الحرب يثبتون المؤمنين ويجاهدون معهم ... ، ومنهم الراكعون دائما والساجدون دائما لا يفترون ولا يملون ... ، ورغم ذلك شعارهم ما عبدناك حق عبادتك ... ، ومنهم خزنة الجنة والنار ... ، وأما الإيمان بالكتب فهى الكتب المنزلة على الأنبياء من قبلنا ، ولقد حرف الناس الكثير منها ، ولم يحفظ إلا القرآن الكريم حيث قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ... ، إن سور القرآن الكريم بعدد معين ، وكل آية مرقمة ، ويحتوى الإعجاز فى معناه وبلاغته ، حيث يحتوى كل علوم الكون ، وهو رحمة من الله للبشرية كلها ، ودستورها به الإعجاز العلمى والبلاغى والرياضى ، والنفسى والتشريعى ... ، وغير ذلك من ألوان الإعجاز فى كل زمان ... ، وأما الإيمان بالرسل ، فهم رسل الله ، قص الله علينا منهم ، ولم يقصص الكثير ... ، لقد صبروا كثيرا ، فالأنبياء أشد بلاء ثم الأمثل فالأمثل صبر نوح عليه‌السلام كثيرا وظل يدعو قومه بلا ملل ألف سنة إلا خمسين وما


آمن معه إلا القليل ... ، وكان الرجل منهم يوصى أبناءه قبل موته ألا يتبع دعوته ... ، وإبراهيم عليه‌السلام جاهد قومه وكان أمة وحده ، وألقى فى النار فكانت بأمر الله بردا وسلاما عليه ... ، وموسى عليه‌السلام رأى الكثير من اليهود ... ، لقد عبدوا العجل بعد أن عبر بهم البحر ورأوا آية الله ... ، ولقد طلبوا أن يروا الله جهرة ... ، لقد أخرجوه عن شعوره ... ، ألقى الألواح ... ، ورغم قوته أخذ برأس أخيه يجره ... ، لقد جاهد فى سبيل الدعوة إلى الله ... ، ونبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذى لاقى الكثير من المشركين وهاجر أصحابه إلى الحبشة وهاجر إلى الطائف ... ، ومن مكة إلى المدينة ، ولم يتراجع عن دعوته وقال والله لو وضعوا الشمس عن يمينى والقمر عن يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ... ، وأما الإيمان باليوم الآخر ... ، وهو اليوم العصيب الذى تدنو فيه الشمس من الرءوس ... ، إنه يوم القارعة التى تقرع الآذان ... ، ويوم الزلزلة حيث تزلزل الأرض بما عليها ... ، ويوم الساعة حيث لا بد من حضورها لأن الزمن يمر ولا يتوقف ... ، كان أحد الصالحين يسمع لفظ الساعة فيبكى كثيرا ويتذكر ما فى الساعة من أهوال ... ، إنه يوم يجعل الولدان شيبا يوم يغضب فيه الله تعالى غضبا لم يغضب مثله وهو الحليم الصبور على عبادة وخلقه ، اللذين أشركوا به وعصوه كثيرا ... ، حيث أفسدوا وسفكوا الدماء ... ، وحيث خالفوا تشريع الرحمة فأعرضوا وقتلوا الأنبياء ... ، إن أصحاب الرس فى اليمن أزاحوا غطاء بئر الماء ووضعوا نبيهم ثم أعادوا الغطاء كما كان ... ، وقوم صالح اللذين قتلوا ناقة الله كانوا يشربون من لبنها ... ، هناك من أكلوا الربا ... ، واستحلوا الرشوة ، والحرام ، وأكلوا الميراث ... ، وفتنوا بالشهوات كالنساء ، والمال والبنون ، والطعام ، والشراب ، والإعجاب بالنفس ، فأضاعوا أيمانهم ... ، إنه يوم الحشر ، حيث الزحام الشديد ... ، وهو يوم الجمع حيث يجمع الناس من كل مكان فى الأرض ، إلى أرض المحشر تسوقهم النار الحاشرة ، تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا ... ، إنه يوم التغابن حيث يأخذ المؤمن ميراث الكافر ، فكل إنسان خلق الله مكانه فى الجنة أو النار ... ، إنه يوم الفتح حيث تفتح أبواب الجنة أو النار ... ، وهو يوم الحسرة


حيث يتحسر الكافر على ما قدم ... ، ويتحسر المؤمن لما لم يزداد من الخير ... ، وهو يوم تذهل فيه كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى ، وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) (١) ... ، إنه يوم البعث ، فيبعث كل إنسان على ما مات عليه فاحذر أن تموت على معصية ... ، تنظر إلى الحرام ... ، أو تدخن ... ، أو ترتشى ... ، أو تنهر أهلك وأولادك بقسوة وبلا رحمة ... ، " إذا غضب حامل القرآن يقول له القرآن" أما تستحى أنا معك وأنت تغضب؟ اقتد بى تنجو واكرمنى بالطاعة أنجيك من الأهوال ، وأجوزك على الصراط وأدخلك الجنة" (٢) ... ، ولقد كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يغضب ولا يستفذ إلا إذا انتهكت حرمات الله ... ، إنه يوم عصيب ترى الناس فيه يوزعون ، أى يدفع بعضهم بعضا حيث تلاحقهم النار الحاشرة ... ، تدنو الشمس من الرءوس ... ، ويلجم العرق الناس إلجاما ... ، تغلى الرءوس من قرب الشمس حتى يتمنى الناس أن ينصرفوا ولو إلى النار ... ، يقتص الله تعالى فى هذا اليوم من كل ظالم ... ، حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء ... ، فلا يحزن من ظلم ... ، يقال للمظلوم تكلم ... ، والظالم لا تتكلم ... ، (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٣) (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) (٤) ... ، هناك من يسحبون على وجوههم فى النار ... ، وترى كل أمة جاثية حيث لا تحملهم أقدامهم حين يرون النار (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) (٥) ... ، لها سبعون ألف زمام تجرها الملائكة ... ، وهى ترمى بشرر كالقصر ... ، إنهم يخفون وجوههم بأيديهم من هول ما يرون (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) (٦) ... ، إنه التصوير القرآنى الذى يجب أن يعيشه القارئ والمتدبر لمعانى القرآن الكريم فكل كلمة وضعت فى مكان لا يمكن أن تبدل بغيرها

__________________

(١) سورة الحج الآية ٢.

(٢) ذكر الحديث فى كتاب بستان الواعظين ورياض السامعين لأبى الفرج بن الجوزي تحقيق ـ مجدى محمد الشهاوى ص ٧٤.

(٣) سورة المرسلات الآية ٣٥.

(٤) سورة الرحمن الآية ٤١.

(٥) سورة الفجر الآية ٢٣.

(٦) سورة الشورى الآية ٤٥.


وتؤدى نفس المعنى الذى يريده سبحانه ، ويعرف ذلك من تدبر القرآن وعلم من معانيه بإذن ربه ... ، إن أهوال يوم القيامة لو تفكر فيها الخلق لبكوا كثيرا واستيقظوا من غفلتهم ... ، هناك من الأغلال فى أعناقهم والسلاسل يسحبون إلى النار ... ، وهناك من يلجم بلجام النار وهو من كتم العلم وابتغى به الدنيا ... ، هناك من يسقى الحميم ، أو يصب فوق رأسه ، ومن يضربون بمقامع الحديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ... ، هناك من يحمل شاة غلها لها تغاء ... ، أو جملا له رغاء ... ، أو بقرة تيعر ... ، أو يحمل ذهبا أو فضة ... ، وهؤلاء من غلوا فى الدنيا وسرقوا ... ، أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن امرأة دخلت النار فى مخيط ، وحين تعجب الصحابة قال والمخياط ... ، أى الإبرة وخيطها لا بد من تسليمهما لمن أخذتهما منه ... ، هناك من دخل النار فى قيد دابة أخذه من صاحبه ولم يرده ... ، فلا بد من تذكر الصراط واليوم الآخر ... ، وبئر الأمانات ... ، إن الجار يتعلق بجاره لأنه لم ينصحه فيهوى الاثنان فى النار ... ، ولو نصحه وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر جاز على الصراط قبل العباد بخمسمائة عام ... ، والأمانة تمثل لمضيعها فى قعر جهنم حتى يأتى بها وهى أثقل من الجبال ثم إذا وصل إلى أعلى جهنم وقعت من فوق كتفيه إلى قعر جهنم ، وهكذا إلى ما شاء الله .. ، وعاق والديه لا ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة ولو جاء بعمل ألف صديق وكان مصيره النار (١) ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام والله لا يجدها عاق ولا قاطع رحم" ... ، وما من عبد مسلم أو أمة ضحك فى وجه والديه أو أحدهما إلا غفر له ما كان منه من الذنوب والخطايا ، وكان مصيره إلى الجنة" (٢) ... ، إن الكاذب فى أول قدم يضعها على الصراط يهوى فى النار ... ، كذلك يهوى قاطع الرحم ... ، وينجو أصحاب الصدقات وقوام الليل ، والعلماء العاملون يقدمونهم ، وينجو من استقام على حب الله ورسوله ، وأدى الفرائض وأحب مجالس العلم وصحبة العلماء ... ، إن الصراط طوله خمسمائة عام ... ، وقيل طوله ستة وثلاثون ألف سنة من

__________________

(١) رواه الطبرانى ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الرابع ص ٤٩٤.

(٢) بستان الواعظين ورياض السامعين.


سنين الدنيا ... ، أرق من الشعرة واحد من السيف ، وأحر من الجمر عليه كلاليب ، بكل كلوب عدد من زبانية جهنم لو أن واحدا منهم أذن الله أن يتنفس فى الدنيا لأحرقها بإنسها وجنها وجميع ما ذرأ الله فيها ... ، ولأذاب جبالها وجفف بحارها ، والصراط أسود مظلم من شدة سواد جهنم ، فلا يجوزه إلا من كان له نور (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (١) ... ، فاحذروا الأهوال الصعبة يا من ضيعتم العمر فى المعاصى والخلاف ، والجفاء ، لأن الصراط لا يجوزه آثم ولا ينجو منه ظالم ... ، يخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن من قال لا إله إلا الله مخلصا رجح ميزانه ونجا من النار ودخل الجنة فقيل يا رسول الله وما إخلاصها فقال" ان تزحزحكم عما حرم الله عليكم" ... ، كذلك فإن الصدقة الطيبة التى لا يراد بها إلا وجه الله ولا يراد بها جزاء من مخلوق ولا محمدة ولا شكر ولا رياء ولا سمعة ، فإن تلك الصدقة ترجح فى ميزان العبد على جميع سيئاته ... ، ولحظة الميزان ينخلع منها فؤاد العبد وهو ينظر أ يثقل ميزانه فيسعد أم يخف فيشقى ويلقى من العذاب أمرا عظيما ... ، إن الذرة والخردلة من أعمال العباد من الخير أو الشر لتوضع فى الكفة فتميل بقدرة الله تعالى وسبحانه أعلم بحقيقة ذلك فلا يحقرن أحدكم حسنة يعملها فربما خف الميزان بها ... ، إن الذنب الصغير فى عين محتقرة يأتى يوم القيامة وهو فى الميزان أعظم من الجبال الرواسى ... ، ولو عمل العبد أعمالا صالحة كالجبال لا يتقبل الله منها إلا ما كان خالصا لوجهه ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعائشة رضى الله عنها" يا عائشة لو قبل الله تعالى من العبد سجدة واحدة لأدخله بها الجنة ، فقالت يا رسول الله ، فما ذا يصنع بأعمال العبد؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" يأكلها الرياء والسمعة كما تأكل النار الحطب" ... ، وهناك من يدخلون النار رغم صلاتهم وعبادتهم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" كانوا يصلون كما تصلون ، ويصومون كما تصومون ، ويزكون كما تزكون ، ويقومون الليل برهة ، ولكن كانوا إذا عرض لهم درهم حرام ... ، وثبوا عليه كالذئاب فأحبط الله أعمالهم بذلك ، ولم يتقبل

__________________

(١) سورة الحديد الآية ١٢.


منهم حسنة واحدة (١) ... ، فإذا عملتم عباد الله فأخلصوا النية لله وتجنبوا الحرام وإلا ضيعتم أعمالكم ... ، وقد ذكر فى بعض الأخبار أنه لا يجوز الصراط العبد والأمة إلا من بعد نشر الدواوين (٢) ، ووضع الموازين ، وقيل إن مقدار زمن الحشر ثلاثمائة سنة من سنين الدنيا لا خبر ينزل ولا خبر يصعد ، قد كثر الزحام فلا تسمع إلا همس أقدام الحيارى النادمون فيما فرطوا ولا ينفع الندم ، ويحشر الجبارون يوم القيامة على صور الذر لتجبرهم على العباد حيث صارت العزة للغنى الحميد ... ، هناك بئر فى النار يسمى الهبهب عليه صخرة من كبريت ، فى تلك البئر باب ، إذا رفعت تلك الصخرة استغاثت نيران جهنم من تلك النار ... ، ويؤتى بالمنافقين فيلقون فى تلك البئر ، فلا يخرجون منها أبدا يقول تعالى (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) (٣) ... ، لذلك فعليك بالطاعة ، وتغلب على الشهوات ، تمتلئ بالنور فالدنيا بشهواتها ، وزينتها لا تساوى عند الله جناح بعوضة فلما ذا تغتر وتنسى ... ، فلا يؤمن أحدنا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... ، وتذكر وقفة الخلائق كل منهم ينظر إلى أعلى من شدة الزحام ولا يرتد إليه طرفه ، ولا يدرى من يقف بجواره أرجل أو امرأة؟ ولا يدرى الأخ بأخيه ، ولا الوالد بولده ، ولا الأم بابنها ، فعلينا بفعل الخير والاستغفار ... ، وإكرام الضيف ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" يا عائشة لا تتكلفى للضيف فتمليه" (٤) ... ، وفى حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أيها الناس لا تكرهوا الضيف فإنه إذا نزل نزل برزقه ، وإذا رحل ، رحل بذنوب أهل المنزل" (٥) ... ، روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره جوعان ، أو بات ريان وجاره عطشان" ... ، إنه يوم عصيب ، يوم يقف إسرافيل عليه‌السلام على الصخرة ، وهى بيت المقدس وهى أقرب ما فى الأرض إلى

__________________

(١) أنظر بستان الواعظين ورياض السامعين ـ لأبى فرج بن الجوزى.

(٢) نفس المرجع السابق.

(٣) سورة النساء الآية ١٤٥.

(٤) رواه أبو عبد الله محمد ، الرافعى ـ بستان الواعظين ص ٥٨.

(٥) من حديث أبى هريرة ـ المرجع السابق ص ٥٨.


السماء يقول تعالى (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (١) ... ، كذلك على المؤمن أن يؤمن بالقدر خيره وشره ويرضى بقضاء الله ... ، عليه أن يصبر على البلاء ، ويرضى بالقضاء ويشكر فى الرخاء ... ، وعليه أن يتوب ويستغفر دائما ، فالله يتوفى الأنفس حين موتها ، والتى لم تمت فى منامها ....

تزود من التقى فإنك لا تدرى إذا جن

ليل عليك هل تعيش إلى الفجر

يقول تعالى (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (٢) ... ، إن المؤمن نافع لنفسه ولمن حوله فى كل حال ، وإذا حل بمكان حلت فيه البركة ... ، لقد كثر الخير فى منزل حليمة السعدية رضى الله عنها حين نزل عندها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحلت البركة فى المدينة المنورة حين هاجر إليها صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، فسبحان الله القادر أحيا الطير لإبراهيم عليه‌السلام ... ، وأحيا الموتى بإذنه لعيسى عليه‌السلام ... ، وأحيا العزير ... ، وأهل الكهف ... ، وأخرج الناقة دما ولحما من الصخرة الصماء لصالح عليه‌السلام ... ، وأخرج من البيضة المغلقة الريش الأسود والجمجمة والأمعاء بقدرته كن فيكون ، من مادة تختلف تماما عن كل ذلك وهى المادة الصفراء والبيضاء ... ، كذلك النبات وهو بذرة صلبة ثم ينبت ويهتز أوراقا خضراء تسر الناظرين ... ، فسبحان من خلق كل شىء ... ، سبحانه فوقه كل شىء ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" (٣) ... ، فعليك بالصبر ، والرضا بحكم الله ، فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ... ، وذلك ينم على الأنانية وعدم علو الهمة ... ، إن الدين الإسلامى زاخر بفروع العلم الكثيرة ، والكتب الإسلامية فى كل الفروع ... ، ويتميز الدين الإسلامى بذلك مما يثبت أنه الدين الحق فهناك القرآن العظيم ... ، وكتب التفسير ... ، والسنة النبوية ... ، وكتب الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة ... ،

__________________

(١) سورة ق الآية ٤١.

(٢) سورة الزمر الآية ٤٢.

(٣) وفى رواية للبخارى" ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب فى الله ويبغض فى الله ... ، البخارى ومسلم ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الرابع ص ١٥.


والإعجاز فى الحقائق والنبوءات التى أخبر عنها الله ورسوله ... ، والفقه ... ، والأخلاق والمعاملات ... ، والعبادات ... ، والسيرة ... ، والغزوات وحياة الصحابة .. ، والكرامات والخواتيم ... ، وكل فرع فيه آلاف الكتب والموضوعات المختلفة ... ، إنه الدين الحق ... ، والثراء فى كل النواحى ... ، فهو وحى الله المنزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... ، فالحمد لله أن ربنا الله ، والحمد لله أنه جعلنا مسلمين ... ، والحمد لله أن يرزق من يتوكل عليه ومن يتقى ... ، خلقنا سبحانه للعبادة ، وتكفل بالرزق وأمر بالسعى والأخذ بالأسباب مع التوكل التام عليه سبحانه ... ، سبحانه أبدع فى خلق كل شىء ، فألوان النباتات والأطعمة تناسب شهية الإنسان ... ، فما ذا لو وجدنا اللحم لونه أخضر ... ، والجذر لونه أزرق ... ، لقد سلط أحد الباحثين أضواء مختلفة غيرت شكل الأطعمة ، فلم يتناول منهم على المائدة إلا القليل من الطعام ، ومنهم من مرض (١) ... ، كذلك جعل ـ سبحانه وتعالى ـ الثمرات التى ترطب البدن فى الصيف كالبطيخ والبرقوق وغيره وفى الشتاء أغذية الوقاية من البرد كالموالح مثل اليوسفى والبرتقال لاحتوائها على فيتامين entxt١C%entxt٢ وهو مفيد فى الوقاية من نزلات البرد وغيرها ، وأغذية الطاقة كالموز وغيره ... ، فسبحان البديع ... ، فعلينا أن نحذر أعداءنا ... ، هناك الماسونية ، وهناك المغالاة فى الدين تحت ستار الباطنية والصوفية والشيعة كالمغالاة فى العزلة ومنع الطيبات ، وحب الأشعار ، والغفلة عن كتاب الله وسنة رسوله ، وأفكار الحلول والاتحاد وكلها أفكار تهدف لهدم الإسلام وإضعاف المسلمين وهناك البهائية ، والقاديانية والنوادى التى تمولها الماسونية كنوادى الليونز والروتاى وكثير من المؤسسات الخاصة التى تنادى بالعلمانية وفصل الدين عن أمور الحياة ... ، ومن قبل كان المعتزلة والخوارج والآن هناك كل هذه التيارات وهى حصاد الترجمات اليونانية والفارسية والفلسفات المتعددة القديمة منذ عهد الدولة العباسية وهناك من يصنعون القنابل المدمرة لإبادة البشر ... ، لقد نسى العالم رسالة الخير (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما

__________________

(١) بحث علمى عن الإعجاز الإلهى والإبداع فى ألوان الأطعمة والنباتات.


رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (١) ... ، نسى الجميع أننا جميعا إخوة من أبينا آدم حواء كلنا إخوة من نفس واحدة ، فلما ذا الدمار ولما ذا القتل؟! ... ، لو تدبرت البشرية رسالة الله ما كان هناك قتل ولا تدمير ... ، يخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم" (٢) ... ، لم نسمع أن أسد أكل أسد لأنه مثله ومن فصيلته ... ، ولم نسمع عن ذئب أكل ذئبا أو قتله ... ، لم يحدث هذا إلا فى عالم البشر أصحاب العقول ... ، بيكاسوا وجدوا عنده ثلاجة مملوءة بلحوم الأطفال والنساء والرجال فكان يأكل لحوم البشر ... ، هناك من قطعت زوجها ووضعته فى أكياس ... ، وهناك من قتل ابنته عند ما أزعجه بكاؤها ... ، وهناك فى كوريا من ضبطوه قد أكل جزءا من رأس ابن أخيه بعد أن انتهى من طهيها ... ، وهناك الأفلام الإباحية التى دخلت البيوت فجعلت الكثير من حوادث الاعتداءات والزنا وقال تعالى عن جزاء الزناة (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) (٣) ... ، أن من رحمة الله تعالى أنه كره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ... ، فعلينا بعلو الهمة فى الدعوة إلى الله ليعرف هؤلاء حقيقة ديننا ... ، لقد أسلم أحد الألمان وكان يبكى عند الكعبة ويتهم المسلمين بالتقصير لأن أباه مات على الكفر ولم يعلم بهذا الدين الحق ... ، هناك أحد الأجانب أسلم حين استمع إلى من يقرأ بجانبه فعبرت ترنيمة القرآن قلبه ... ، فسأل من كتب هذا الكلام ... ، فقال له القارئ : هو كلام الله ... ، فأعلن الشهادتين وأسلم (٤) ... ، فما بالنا لو علم بتعاليم القرآن ورحمته ... ، وما بالنا لو علم بنواحى الإعجاز فيه ... ، وما بالنا لو علم بالأحداث والغزوات وكرامات الصالحين حيث يحمى الله عباده الصالحين حين يلجئون إليه من كل سوء ... ، علينا أن نتجنب البدع ، فكل بدعة تنسى شيئا من رسالة

__________________

(١) سورة النساء الآية ١.

(٢) يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" زوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم" رواه مسلم والنسائى الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث ص ٢٩٣.

(٣) سورة الفرقان الآية ٦٨. ٦٩.

(٤) ذكر ذلك الشيخ أحمد ربيع ـ أحد علماء الأزهر ـ فى الحديث عن فضل القرآن الكريم.


الواحد القهار ومن إبداع الله تعالى أنه ألهم الأطباء والباحثين اكتشاف الكثير من الأسرار فى علم التشريح والأجنة ، ومعرفة أساليب الشفاء ، ومطابقة كل ما اكتشفوه لما أخبر به سبحانه فلقد وجد العلماء أن فى عسل النحل الشفاء من الكثير من الأمراض ، وصور العلماء مرحلة العلقة وكذلك المضغة التى تشبه قطعة اللبان الممضوغ كما أخبر سبحانه وتعالى ، واكتشفوا أن الناصية وهى الفص الجبهى الأمامى هى مركز تصرفات الإنسان كالصدق والكذب وغيره وأخبرنا الله تعالى عن ذلك فى قوله سبحانه (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) (١) ... ، لقد اكتشف الباحثون فى مجال النباتات أن هناك حشيشة تشبه الكبد فى تكوينه وهى تعالج أمراض الكبد ... ، وهناك نبات يشبه الخلية العصبية وهو يساعد فى علاج المشاكل والأمراض العصبية ... ، وهناك حبوب اللقاح التى تشبه البويضة الناضجة ، وهى تحتوى هرمونات وفيتامينات ضرورية لصحة المبايض والإخصاب ... ، وهناك نبات يشبه الخلايا المناعية ويستخدم فى زيادة مناعة الجسم ... ، وهناك نبات بلادرويرك الذى يشبه فى تكوينه الغدة الدرقية ، وهو يساعد فى علاج قصور الغدة الدرقية ... ، حيث يحتوى على كمية كبيرة من اليود ... ، وهناك نبات يشبه فى شكله غدة البنكرياس وهو يعالج أمراض سكر الدم ومعروف أن البنكرياس يفرز الأنسولين الذى ينظم السكر فى الدم ... ، وهناك نبات البلادونة الذى يشبه بؤبؤ العين ، ويستخدم فى توسيع حدقة العين ، ويعالج التهاب العين ... ، وثمار الجوز التى تشبه فى تكوينها وهى متراكمة بعدد معين ثنايا المخ وهى تساعد فى تقوية المخ ... ، وهناك حشيشة السعال وهى نبات يشبه فى تكوينه الرئة ، ويعالج أمراض الرئة ، ونبات كيلب الذى يشبه فى تكوينه العمود الفقرى وهو يعالج آلام العمود الفقرى والتهاب المفاصل ... ، وإذا كان المخ تقع به أهم الغدد ، وهى الغدة النخامية التى تفرز تسعة هرمونات هامة للجسم ، وكما أشرنا أن الجوز يفيد المخ فإن اللوز يشبه فى تكوينه شكل الغدة النخامية وهو يحتوى على عناصر مهمة تساهم فى

__________________

(١) سورة العلق الآية ١٥ ، ١٦.


تنشيط هذه الغدة (١) ... ، إنها وحدة الخلق وإعجاز الخالق القدير ، الذى يثبت لنا أنه أبدع كونه بأسرار تثبت أنه الخالق العليم الخبير ... ، فعلى المؤمن أن يدرك مسئولياته ، فهناك أوامر الله حيث أمرك بعبادته حتى تنال الجنة إن كنت مصدقا صالحا شاكرا ، والنار إن كنت من المكذبين ... ، ولا بد أن تمر بالابتلاءات فى الدنيا وسكرات الموت ، والقبر وضمته ثم الحساب وأهوال يوم القيامة ، من الحشر ، وتطاير الصحف ، والميزان ، وعبور الصراط ... ، وإن كنت ترى فى الدنيا الألم والمرض ابتلاء فإن فى الآخرة النار والزمهرير والزقوم ... ، ولقد جعل الله تعالى من فضله آيات كثيرة ليثبت لخلقه أنها رسالة الحق فيعبدونه بيقين ، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء ... ، وإذا أراد الله بعبد خيرا يفقهه فى الدين" (٢) ... ، هناك التفكر بالفطرة فى النفس والكون ، وفروع الإعجاز البلاغى والتشريعى والعلمى ، والرياضى ، والإعجازات النبوية ، ونبوءات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأمور تحدث فى عصره ، ومع الصحابة ... ، ومع العباد الصالحين كالكرامات والخواتيم ... ، وهناك الإعجاز فى التذكرة الزمنية ومواقف يؤيد الله تعالى فيها من يدعوه ويلجأ إليه ... ، ومع كل تلك الإعجازات هناك ابتلاءات الاختبار كشعب الغيب التى يجب أن لا نسأل عنها ، أخبرنا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الله تعالى سكت عنها رحمة بنا حيث لا تتحمل عقولنا معرفة كل شىء عن هذا الكون وعن أمور تدبيره ... ، رزق سبحانه كل دابة شرقا وغربا وبرا وبحرا ، ويهدى ويضل بما يعلمه من أمور خلقه فهو العالم بجذور كل ذرية ... ، (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) (٣) ... ، ومن مثل ذلك مسائل اختلاف الأرزاق ، وتفاوت الأعمار ... ، والهدى والضلال ، والغنى والفقر وحرائق القطارات ، والافتراس بين الكائنات ، واختلاف الأحاديث والآيات وهو إعجاز يثبت أنه وحى الله وليس من توفيقات البشر ... ، وجمال الجنة وشدة النار ... ، والحكمة من قتل بعض الدواب ... ، والدعاء والإجابة

__________________

(١) علاج السحر والحسد بالأغذية والنباتات ـ عن فوائد النباتات فى علاج الأمراض.

(٢) من حديث معاوية رضى الله عنه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين" رواه البخارى ومسلم ـ التراغيب والترهيب ص ٩٢.

(٣) سورة آل عمران الآية ٣٤.


... ، وإن لم تكن الإجابة فى الحال فهى اختبار لثبات يقينك .. ، فعليك باليقين مما سمح الله لك به من معرفة آياته ومعجزاته وتمسك بالكتاب والسنة واعلم أن أمة الإسلام لا تجتمع على ضلالة ... ، ولا تكن متشددا ، فلن يشاد الدين أحد" إلا غلبه ثم هناك فتنة الشهوات ، وهى الطعام والشراب والمال والبنون والنساء ... ، إن الدنيا بما تحتويه من الشهوات لا تساوى عند الله جناح بعوضه ، فالطعام شهوة تمر فلا يذكر أحدنا الطعام الذى أكله بالأمس .. ، والنساء شهوة تكمن فى ظهر الرجل تنتهى فى لحظات ... ، والمال جماد لا ينطق ولا يتحرك ولم يخلق عينا ولا قدما ولكنه فتنة تضيع بالنفقة ، والتاريخ يثبت أن المال لم يسعد أصحابه ولكن السعادة هى سعادة الروح بتطبيق منهج الله وفى العفو والعافية من الله تعالى ... ، والبنون لا يدخل أحد منهم معك فى قبرك يخفف عنك ... ، بل يرثونك ، وتحاسب أنت على مالك من أين جمعته ... ، إن كل الشهوات تساوى لا شىء إلا ما كان حلالا وسمح الله به ولم يشغلك عن عبادة الله ، ولم يدفعك إلى الحرام ، وكل ما فيه أسئلة فوق طاقة العقل لا تفكر فيه ، حيث سكت الله عنها رحمة بعقولنا فلن تصل إلى شىء وتوقف عند منتهاك ... ، يجب عليك أن تفرح بفضل الله وبرحمته ، وأنك مسلم وأنه عصمك من المعاصى ، وأن تكون محبا لله ورسوله والمؤمنين ، واعلم أن أعلى معرفة هى معرفة الله تعالى الذى أفاض عليك بالخير والعلم ، وازهد فيما عند الناس ولا تخرج عن حدودك تسلم ... ، تذكر الصراط وما يضيع صلاتك ، وما يفطر الصائم ، واعلم أن ما ستره الله رحمة بعقولنا وسكت عنه لن تصل فيه لشيء لأن عقلك محدود وتذكر أن العلم لله وهى أعلى معرفة وعليك بالقناعة وعدم الانشغال إلا بذكر الله.

وبعد معرفتك لكل ما سبق يجب عليك أن تدرك أعداءك المضلين وهم إبليس ، والفرق الباطنية ، وأصحاب المغالاة من الصوفية وكل ما يبعد عن الكتاب والسنة ، وكذلك الشيعة والبهائية ، والقاديانية ، والماسونية اليهودية التي تسيطر على أغلب المؤسسات الخاصة وتنادى بالعلمانية وخلق المشكلات والمناداة بعمل المرأة حتى لا ترتبط بمنزلها وتربية أولادها ومراقبتهم كما كانت تفعل الأم قديما ، وهناك من عددوا ديانتهم واعتنقوا ديانات متعددة من أجل مصالحهم فجاملوا من يعبدون


الشمس ، واتجهوا بعبادتهم نحو مشرق الشمس ، ومن يعبدون الأبقار والحيوانات فحرموا كل ذى روح ، وجاملوا من يعبدون الأصنام فجعلوا الله ثالث ثلاثة ... ، وجاملوا من يعبدون الشهوات فأحلوا الزنا والخمر مقابل أن يدخل المذنب على أحد أفراد البشر من عباد الله فيستمع له ثم يقول له اذهب فقد غفر الله لك ... ، وعليك أن تدرك مسئولياتك وهى

ـ أن لا تسأل عن أشياء غيبية ربما لا يدركها عقلك المحدود وتثبت على إيمانك بما عرفت من المعجزات ومبادئ الخير من كتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ـ أن تدرك أن الشهوات جميعها فتنة وتساوى لا شىء فى النهاية وأن أعلى معرفة هى معرفة الله ، ولا يؤمن أحدنا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

ـ أن تكون عقيدتك بالله لا يعتريها أى شك ، فقدرة الله ظاهرة من خلال النظر والتفكر فى كل شىء.

ـ أن تعبد الله وتدعوا إليه وتشكره ، وعليك بالخشوع وعلو الهمة فى الدعوة لأن الجار يتعلق بجاره على الصراط لأنك لم تنصحه ... ،

ـ عليك مسئولية العمل وتحرى الحلال وعدم سؤال الناس والعفة وعدم الشبع والصدقة وما استطعت من فعل الخير والنصح لكل مسلم وعدم الخشية فى الله لومة لائم ، وحسن الخلق والعفو عمن جهل عليك والإحسان إلى من أساء إليك ، وأنت بذلك تنتصر على من يكيد لك لأنك بإحسانك لا تثير عنده شعلة الغضب التى يدخل معها الشيطان فيقتدى بك.

ـ كذلك مسئولياتك ناحية معاملة الناس ، ورعاية الجار ، والتربية الصالحة للأولاد ، ومعرفة أن أحداث المجتمع يجب أن تكون فى كيانك لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان ، وعليك متابعة أحوال المسلمين والدعاء لهم والمقاطعة ومشاركتهم بالجهاد معهم.


ـ عليك بالثبات لأن الأعمال بالخواتيم ومن كانوا قبلنا كان ينشر أحدهم بالمنشار ويصلب فى جذوع النخل ويجاهد بنفسه وماله ولا يثنيه ذلك عن دين الله ... ، فلا تشرك بالله وإن قتلت وحرقت ... ، وإن أنس الناس بالدنيا فأنس أنت بالله ... ، وإن استغنى الناس بالمال فاستغنى أنت بالله ....

ـ احذر خلف العهد مع الله والناس ، ومن فعلوا ذلك أعقبهم الله نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه ... ، واحذر التكاسل عن الصلاة فهى صفة المنافقين وهم فى الدرك الأسفل من النار وليس لهم من نصير ... ، وحذّر زوجتك من كفران الإحسان والعشير والغفلة عن ذكر لله والخشوع فى العبادة ، والإساءة إليك فلقد كان أكثر أهل النار من النساء بسبب ذلك.

ـ تذكر أن المجتمع من حولك يضج بأنواع الفساد بسبب البعد عن منهج الله ، فهناك قتل الآباء ... ، والأبناء ... ، والزوجة تقتل زوجها ... ، وحالات الزواج العرفى بين طلاب الجامعات ... ، وتلبس الجن بالطالبات والطلبة ... ، وسهرات المقاهى والفساد حتى فى ليالى شهر رمضان ... ، والحروب ضد المسلمين ... ، وشكوى الناس من ضيق الرزق حيث غفلوا عن التقوى والاستغفار ونسوا أنفسهم أمام مشاهدة المنكر وبرامج الفساد ... ، ولن يرد عذاب الله ونقمته عنا طالما ظهرت معاصى الله فلم تنكر ولم تغير ... ،

ـ تذكر نعمة الله عليك بالإسلام فالجاهلية كانت من قبل اعتداء وسلبا وقتلا للأولاد خشية الفقر ووأد البنات خشية العار ، وحب الغناء ، وشرب الخمر ، وانتشار الزنا والفواحش ... ، وفى عصرنا من بعد عن الدين فهناك كما أشرنا فرق الضلال ومن قبل كانت الحروب ، والفتن ، والاستعمار الغاصب للبلاد من أجل شهوات الدنيا الزائلة ، وأطماع الإمارة ، نسى هؤلاء جميعا إشارة الله سبحانه ووصيته لنا بالخشية منه والتقوى ومعرفة أنه خلقنا من نفس واحدة فكيف يقتل الأخ أخاه ونحن جميعا من أب واحد هو آدم عليه‌السلام وأم واحدة هى حواء رضى الله عنها فهل يفهم ذلك من ضلوا الطريق ... ، إن من سار على الخير وقال


ربى الله ثم استقام فليستبشر برضا الله ولا يحزن يقول تعالى (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١) ... ، (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (٢) ... ، وعند ذلك لا ينشغل الإنسان إلا بكل ما هو خير ولا يكون منه إلا كل ما هو طيب ونافع لنفسه وللناس من حوله ، لذلك اصطفى الله تعالى الأنبياء من أشرف الناس ، وانتقل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين الأصلاب الطاهرة ، وسمى الصادق الأمين ، وكان يدعو لكل ما هو طيب وخير ، وكان صابرا على دعوته ... ، إن رسالة الحق واضحة حيث الدعوة لكل خير وهى الزاخرة بكتب لا حصر لها تدعو كلها إلى عبادة الله ومكارم الأخلاق ... ، إن السحرة فى عهد موسى عليه‌السلام حين ذاقوا حلاوة الإيمان تمنوا أن يغفر الله لهم خطاياهم ولم يبالوا بتهديدات فرعون حيث توعدهم بأن يصلبهم فى جذوع النخل ... ، إن من وصل إلى مرحلة اليقين يرى فى القرآن الكريم وسنة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفحات الجنة ، ومواقف وعبر تزيده يقينا حيث أخرج الله تعالى ناقة دما ولحما من الصخرة الصماء ... ، وقصة الذبح العظيم لإسماعيل عليه‌السلام وإرسال الحجر الذرى على أصحاب الفيل ... ، هذا الفيل إذا وجهه أبرهة ناحية الكعبة كان يبرك ولا يتقدم وإذا وجهه ناحية اليمن أو الشام أو الحبشة كان يسير ، مما يثبت أنه كان أفضل من صاحبه لذلك ذكر جنوده أنهم أصحاب الفيل ، والأصحاب دائما أقل من الصاحب الذى ينتمون إليه ، فالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أفضل من أصحابه وفى اللغة يقال ، أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، لإن كل حرف فى القرآن وكل كلمة وضعت لحكمة وفيها إعجاز لمن يتدبر ... ، ومن ينظر فى مخلوقات الله يجد الكثير من آيات الإبداع فالأذن مثلا لها صيوان لتجميع الصوت ، وبها ما يسمى بالمطرقة والسندان والركاب ، وكلها أجزاء تساعد على تخلخل الصوت وتجميعه وسماعه ، وهناك سائل فى الأذن الداخلية يحميها من تمزق الأوتار الداخلية من شدة الصوت (٣) ... ، لقد أحيا الله الموتى

__________________

(١) سورة آل عمران ١٢٩.

(٢) سورة الحجر الآية ٥٦.

(٣) ذكر ذلك الدكتور ـ زغلول النجار ـ فى إشارته عن الإعجاز العلمى فى القرآن


لعيسى علية السلام .. ، والطير لإبراهيم علية السلام ، وأحيا العزيز وأهل الكهف وغيرة ذلك ، وولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى فصل ربيعى عام الفيل وأشرق الكون بميلاده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، فلا بد من اليقين الثابت واستحضار عظمة الله يقول سبحانه (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) (١) ... ، وعلينا بالخشية من عذاب الله يقول تعالى (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ) (٢) ... ، حقا إنها آيات تتصدع منها الجبال يقول سبحانه (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (٣) ....

أما فكرك ، فاجعل هدفك إرضاء الله ـ تعالى ـ والنظر إلى وجهه الكريم ، ومدارسة العلم ، والموعظة من الموت ، فهو فى أى لحظة واعتبر ممن تعرفهم.

ـ أن يكون سعيك فى الأمر على أساس الإيمان والتخطيط والأسباب والتوكل وبعد ذلك يكون التأييد من الله بالمعجزات ، وقد أخذ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى هجرته بالأسباب وتوكل على ربه فأيده الله تعالى بالمعجزات ، كالعنكبوت والحمامة وما حدث لسراقة بن مالك وغوص أقدام فرسه أكثر من مرة كلما اقترب من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا تعجب بنفسك او تستكثر عملك او تنسى ذنبك فإبليس يتمكن من الإنسان فى تلك الأحوال ... ، وحاسب نفسك ، وهل تكسب حلالا ام حراما ، فالحرام يضيع ثواب العبادة ... ، وتذكر سكرات الموت والقبور ويوم البعث ولحظات الحشر والحساب يوم القيامة والألم والنار والزمهرير ، وأحسن الظن ، واعلم بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هلك المتنطعون ، فما نهى عنه اجتنبه وما امر به فأتى منه ما استطعت ولا تقنط نفسك وتصنع لها التهديد فرحمة الله واسعة ، وتعامل وتصرف مع كل شىء تصرف الرجال يقول تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) (٤) ... ، واعلم أن عدوك إبليس ، ولا تمدن عينيك لما متع

__________________

(١) سورة المجادلة الآية ١.

(٢) سورة الملك الآية ٧.

(٣) سورة الحشر الآية ٢١.

(٤) سورة الأحزاب الآية ٢٣.


الله به غيرك ، واحمد الله أنك مسلم ، وعلى ستره لك فى الدنيا والآخرة ، وعلى نعمه العلم والصحة والنفس الذى يصحبه ذكر الله وشكره ، والتوبة إليه ، وأكثر من الدعاء للمسلمين.

ـ لا تخرج عن الكتاب والسنة ولا فكر ولا مقارنة ولا تقرير ولا حوار يخرجك عن قدر نفسك ، ولا تعزل نفسك عن الناس ، وتعاون مع من يحتاج.

ـ إن خطأ فى أى أمر من الأمور أو كلمة لا يعمل الإنسان لها حسابا تهوى بك والأمر الصواب وفعل الخير يرفعك إلى أعلى الدرجات ، ورب شهوة أورثت حزنا طويلا ، ورب طعاما ضيع الكثير من العبادات لامتلاء البطن ، وصدق صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى قوله" ما ملئ ابن آدم وعاء شرا من بطنه" ... ، فلقد أوتى جوامع الكلم ... ، واعلم أن الدين يؤخذ كله ، وعليك باليقين الثابت ، ولا تجارب مع الله ....

ـ ربى ولدك على الشجاعة وحب العبادات والطاعة ليكون صالحا ... ، والله تعالى يتولى الصالحين ... ، والزم الصمت وحسن الخلق.

ـ لا تنس أذكار الصباح والمساء ... ، وتذكر الألم والنار والزمهرير أنجانا الله منهم ... ، وتذكر الجنة ... ، ومائدة الرحمن ، أو مائدة الخلد ، إن زاوية من زواياها ما بين المشرق والمغرب ، ينظر الله إليهم قائلا (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (١).

ـ اعمل بيدك فمن أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له.

ـ يخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وخياركم خياركم لنسائهم ، لا يعزهن إلا عزيز ، ولا يذلهن إلا ذليل ، والذليل عند الله فى النار ..." (٢) وكذلك المرأة إذا عزت زوجها وأطاعته فيما يرضى الله تعالى لقد أوصى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند موته بصلة الرحم ، وما من عبد وصل رحمه بنفسه أو ماله إلا جعله الله تعالى يوم القيامة على الصراط كالذى يمشى فى رياض الجنة ولا يرى من أهوال الصراط شيئا ....

__________________

(١) سورة يس الآية ٥٨.

(٢) أنظر بستان الواعظين ـ ورياض السامعين ـ وتقدم تخريج مثله


ـ اعلم أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إذا كذب المؤمن كذبة من غير عذر تباعد منه الملكان مسيرة سنة من نتن ما جاء به ، وكتب الله تبارك وتعالى عليه بكذبه ثمانين خطيئة أقلها كمن يزنى بأمه" (١)

ـ اعلم أن الرجل الصالح والمرأة الصالحة يشفعان يوم القيامة فى سبعين من جيرانهما ويجوزانهم على الصراط ... ، ولو أن شاهد الزور جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيا ما نظر الله إليه ... ، وكذلك صاحب الغيبة والنميمة ، لا يجوز الصراط حتى يعفو عنه الله ويسامحه من اغتابه بل أنه يأكل لحم أخيه ميتا يوم القيامة فيضج ويصيح ... ، والحرام يضيع ثواب الصلاة والعبادة ... ، ويخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إن العبد ليقذف باللقمة الحرام فى جوفه لا يقبل له عمل أربعون يوما" (٢).

ـ إن العلماء على الصراط ، بيد كل عالم لواء من نور الجنة يضئ له مسيرة خمسمائة عام ، وتحت لواء العالم ، كل من اقتدى بعلمه وكل من أحبه فى الله.

ـ قال أحد العباد إنى أذنبت ذنبا عظيما فأنا أبكى عليه منذ ستين عاما ، وكان قد اجتهد فى العبادة لأجل التوبة من الذنب فقيل له وما هو ، قال قلت مرة لشيء كان ليته لم يكن.

ـ علينا بالفأل الحسن وتجنب البدع ، وعليك بالسخاء ، فالشحيح لا يدخل الجنة فلقد كان عبد الله بن عمر على نهج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كل شىء ، وفى سخائه وحب الصدقات وكان جعفر بن أبى طالب يحب إطعام الفقراء ، وكانوا يؤثرون على أنفسهم والإيثار يحل معه السخاء والبركة.

ـ تذكر أن النظر إلى وجه الله تعالى وهو راض عنك هو الفوز العظيم ... ، وهناك خيرات كثيرة (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (٣) ... ،

__________________

(١) رواه الترمذى ـ أوله وقال : حسن غريب ـ وكذا رواه ابن عدى ـ وأبو نعيم عن ابن عمر.

(٢) من حديث ابن عباس وفيه" .. والذى نفس عمر بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام فى جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوما ..." رواه الطبرانى فى الصغير ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الثانى ص ٥٤٧.

(٣) سورة السجدة الآية ١٧.


(وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (١) فاحذر الفتن أن تضيع عليك الجنة وتذكر الخالق الملك العلى الكبير.

ـ تذكر أن أقل أهل النار عذابا رجل يوضع فى أخمص قدميه جمرتان من النار يغلى منهما دماغه ... ، سبحانه أرسل الطير على أصحاب الفيل بأحجار ذرية أهلكتهم حيث أضمروا الكيد بهدم الكعبة وإحراق أهلها حقدا وحسدا ... ، ولم يقل الله تعالى وأرسل إليهم طيرا أبابيل ... ، لأن الإرسال إلى يكون بالخير ، (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) (٢) ....

ـ سبح الله تعالى فى كل وقت حتى يثقل ميزانك ولا تتساوى سيئاتك بحسناتك فتكون من أهل الأعراف ، وإذا كان نظرك فى صلاتك محل سجودك فاجعل فكرك كله فى ذكر ربك وتوكل عليه واستعن به فى جميع الأحوال ... ، فما من طريق لا يذكر الله فيه إلا كان حسرة يوم القيامة ... ، واعلم أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق حيث الزلزلة ونسف الجبال وتسجير البحار وهى رحمة من الله بعباده الذاكرين أن يعفيهم من هول ذلك ... ، إنه يوم القارعة الذى يقرع القلوب ... ، والحاقة التى يقضى فيها بالحق والطامة الكبرى حيث يتحسر الغافلون ، والصاخة التى تصخ الآذان ... ، فاللهم ارحمنا فى هذا اليوم واجعلنا فى ظلك ، يوم لا ظل إلا ظلك ... ، ويكون ذلك لمن أقام العدل ... ، ومن نشأ فى عبادة الله ... ، ومن عف نفسه عن الزنا والمحرمات ... ، ومن تفيض عينه بالدمع حين يذكر الله خاليا ومن ينفق فى سبيل الله ابتغاء وجهه سبحانه لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ... ، فعلينا بفعل الخير وقيام الليل ، إن قوام الليل وجوههم مضيئة لأنهم خلوا إلى ربهم فى الظلم فكساهم الله من نوره.

ـ تذكر الصراط والنار والزمهرير ... ، وإذا كان أقل أهل النار عذابا ، من توضع فى أخمص قدميه جمرتان من النار يغلى منهما دماغه ، فتذكر أن الله يرحم من

__________________

(١) سورة التوبة الآية ٧٢.

(٢) سورة نوح الآية ١.


يخشاه فقوم لوط لم يبالوا بتول العذاب ، وكذلك قوم صالح فنزل بهم ولكن قوم يونس حين أخبرهم نبيهم بنزول العذاب بهم خافوا وفزعوا وآمنوا فنفعهم إيمانهم ولم ينزل بهم العذاب فالله تعالى يرسل بالآيات تخويفا لعبادة ليستقيموا على الخير (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (١).

ـ تذكر أنك فى ابتلاء فالغنى يجب أن يشكر ولا يبخل بماله والفقير يجب أن يصبر ، والتاجر يجب أن يوفى الكيل والميزان ، فكم من متاجر أغلقت وأموال نزعت منها البركة من الغش وتطفيف الميزان ... ، وأعلم أن السعادة فيما دعا به صلى‌الله‌عليه‌وسلم" اللهم أجعل رزق آل محمدا كفافا ، واعلم أن علامة الإيمان أن تؤمن بالقدر خيره وشره ، وإجمالا كما ورد بالحديث ، تصبر على البلاء وتشكر فى الرخاء وترضى بمواقع القضاء.

ـ لا تخرج عند حدود نفسك وانظر إلى عيوبك وكن نافعا لغيرك ، وانظر إلى الناس وتذكر أن الله خلقنا جميعا من نفس واحدة وأنه العالم بالغيب وبالنفوس ولن يصل الإنسان إلى شىء من علم الغيب ، واحمد الله أنك عرفت ربك بفضله فهى أعلى معرفة ... ، واعلم أن عذاب الله شديد ، هناك من يوضع فى صندوق من نار ثم يكون أسفل النار ... ، " واعلم أن الناس يوم القيامة سوف يرون جهنم وهى تتغيظ وتتسعر وتغضب لغضب الجبار جل جلاله وتأتى على الخلائق والملائكة يحبسونها وجوههم مثل الجمر ، وأعينهم كالبرق ، إذا تكلم أحدهم تناثرت النار من فيه" (٢) وإذا اقتربت النار من الخلائق سمعوا لها شهيقا ولها زفرة تبلغ القلوب منها الحناجر ثم زفرة أخرى أشد من الأولى لا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل ، ولا ولى ، ولا صديق إلا جثا على ركبتيه حتى إبراهيم وجميع المرسلين ، إلا خاتم النبيين فقد خلصه الله من أهوالها ... ، إن جهنم حين تنظر إلى الكفار ، والمنافقين ، والفجار وأصحاب الخطايا والأوزار ، تزفر زفرة فترمى شررا على

__________________

(١) سورة النساء الآية ١٤٧.

(٢) جزء مما قاله الضحاك عن الأئمة ، عن ابن عباس رضى الله عنهم ، من كتاب بستان الواعظين ورياض السامعين.


رءوس الخلائق مثل عدد نجوم السماء ، ورمل البر فتقع على رءوس الكافرين ، وروى عن النبى أنه قال" كل عين باكية يوم القيامة إلا عين بكت من خشية الله ، وعين غضت عن محارم الله ، وعين باتت تحرس فى سبيل الله" (١) واعلم أن الملك الجبار سيبعث كل غنى وفقير وكل ذليل وحقير ، ويسألهم عن الفتيل والنفير ، وعن الذرة والقطمير ....

فسبحانه أمرك بالخير ، ونهاك عن الشر ، وبين لك الآيات والمعجزات فى كل عصر على قدر العقول ، فلم يدرك الإنسان من قبل تقدم علوم البحث أن الحشرات بالفعل تأكل الخشب وتحيا على مادته السليلوزية واللجنينية الجافة بإفراز بعض الإنزيمات والخمائر الخاصة عليه ، إلا بعد تطور علم الحشرات عبر القرون القليلة الماضية (٢) ، وهناك قرابة المليون نوع منها ... ، وهناك حشرات آكلات النبات ... ، وآكلات اللحوم ... ، وآكلات حيوانات متحللة مما يساعد على تنظيف البيئة ، ومنها ما يعيش داخل ثمار النبات ... ، ومنها ما يعيش داخل أوراق النبات ... ، ومنها ما يعيش على نخز الأخشاب ، وقد زودها الله تعالى بخمائر تساعد على هضم المواد السليلوزية ... ، والأنثى زودها الله تعالى بمنشار تستخدمه عند وضع البيض حيث يستخدم الجزء المسنن لعمل ثقوب فى الخشب تضع فيها البيض يقول تعالى (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) (٣) ، وإذا كان لفظ دابة عام لكل ما يتحرك فإن الفعل تأكل ، تفيد التاء أن التى تأكل هى الأنثى بواسطة منشار وضع البيض الذى زودها الله به لتنشر الخشب وتضع بيضها ... ، وهذا بالفعل الذى اكتشفه العلماء ... ، كذلك فى قوله سبحانه (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) (٤) نجد أن التاء تفيد أن الأنثى هى التى تتخذ البيت وهى المزودة بالغدد

__________________

(١) أخرجه ابن النجار عن ابن عمر ... ، ولقد أغرق الله تعالى الأرض بالطوفان من قبل حيث كان الشرك والفساد والحضارات القديمة والطقوس الكهنوتية وقتل البشر وتقديم القرابين ، فالحمد لله على الإسلام.

(٢) إشارة عن الاعجاز العلمى فى القرآن ـ ذكرها الدكتور زغلول النجار ـ بعنوان من أسرار القرآن

(٣) سورة سبأ الآية ١٤

(٤) سورة العنكبوت الآية ٤١


الخاصة بإفراز الخيوط ... ، ولقد وجد العلماء الباحثون أن الأنثى هى التى تقوم ببناء البيت ، وهى التى تقتل الذكر وهذا البيت ملئ بالتفكك ، فهو أوهن البيوت ، وهناك ثلاثون ألف نوع من العناكب (١) ، ومن الإعجاز أن سورة النمل تشير إلى الجمع وبالفعل يعيش النمل فى جماعات ، ولكن لفظ العنكبوت يشير إلى المفرد ولم يقل العناكب ، وبالفعل فالعنكبوت يعيش بمفرده ما عدا عند التزاوج ، والإعجاز فى الإشارة بتاء التأنيث رغم أن دراسات الحشرات فى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم تكن قائمة لمعرفة أن الأنثى هى المقصودة بذلك ... ، كذلك حين وجد العلماء أن أنثى البعوض وحدها هى الناقلة للمرض ، حيث تنفذ البعوضة مسببات المرض إلى مجرى الدم ثم تصل الكبد ، ويتم التكاثر لا جنسيا ، وبعد عدد من الأجيال يتم التكاثر جنسيا فتحدث الحمى ، ويتضخم الطحال ثم يتعرض الإنسان لقرصة أخرى ، ينتقل هذا الطور الجنسى على معدة البعوضة ويتكاثر لا جنسيا ثم ينتقل إلى الغدد اللعابية فيصيب إنسانا آخر يتعرض لعضة البعوضة وبذلك يصاب أكثر من ٢٧٠ مليون إنسان بالملاريا سنويا فى كل أنحاء الأرض ، ويتوفى منهم قرابة المليونين مما يجعل الملاريا أكثر الأمراض انتشارا ... ، ولقد وجد العلماء أن الأنثى تتغذى على الدماء ، فلها فم ثاقب وهى تفرز مواد عضوية تؤدى لاحتقان الجلد ، وأخرى تمنع الدم من التجلط حتى يسهل امتصاصه ، والذكر يتغذى على رحيق الأزهار ، وهى تنقل أمراض خطيره كالملاريا ، والحمى الصفراء ، وحمى تكسير العظام ، وداء الفيل ... ، والالتهاب السحائى ، ومرض دودة القلب وأمراض ضعف المناعة وغيرها ... ، وقد أشار الله تعالى إلى البعوضة الأنثى وليس الذكر الذى يتغذى البعوضة الأنثى وليس الذكر الذى يتغذى على رحيق الأزهار فى قوله ـ سبحانه ـ (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (٢) ، وما تشمل ما هو أقل منها وما هو أكبر ... ، والبعوضة ليست بالشيء الهين فى تركيبها ... ، فلك أن تنظر إلى إعجاز الله سبحانه فى خلق عين

__________________

(١) نفس المرجع السابق.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٦.


البعوضة ، وهى تتكون من مئات العيون المركبة التى تمكنها الرؤية فى الظلام ، وبالنهار فى كل أطياف الضوء ، والعرب لم يعرفوا الفيروسات والبكتريا وغيرها فضرب لله مثلا بالبعوضة التى يعرفونها ... ، إن فى تركيب البعوضة الكثير من آيات الإعجاز حيث لها مئات من العيون المركبة الدقيقة رغم ضآلة حجمها وغير ذلك الكثير من الخلايا العصبية والتركيب الدقيق فى أجهزتها الداخلية والأجنحة ، لذلك يقول تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (١) ... ، كذلك فإن الذباب إذا وقع على سائل وأخذ منه وصل فورا إلى جهازه الهضمى ثم الدورى ثم مختلف خلايا الجسم ، وإن كان صلبا أفرز إنزيمات هاضمة تغير فى خاصية الشيء ثم تمتصه ، ولا سبيل إلى استرجاع ما يسلبه الذباب يقول تعالى (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) (٢) والذبابة تضع ٤٠٠ بيضه فى المرة الواحدة ، وهناك مائة ألف نوع تنتشر فى مختلف بيئات الأرض ، ولو لا أن الله يسلط على بيض الذباب كل من الطيور والنمل وغيرها لأضر بالإنسان ضررا بالغا ، ويحتوى جسم الذبابة على أكثر من مليون خلية عصبية متخصصة لحركة الحشرة الضعيفة ، ومرتبطة بثمانية وثلاثين زوجا من العضلات ، منها ما هو لحركة الأجنحة والرأس ، ولها زوج من العيون المركبة ، الزوج الواحد يتكون من ستة آلاف عين سداسية ، يتصل بكل منها ثمانية خيوط عصبية مستقبلة للضوء ، وبذلك يكون هناك ٤٨ ألف خيط عصبى للعين الواحدة يمكن معالجة مائة صورة فى الثانيه الواحدة (٣) ... ، إنها قدرة الله التى لو فهمها الجاحدون المشركون لخروا ساجدين ، وما فتروا عن الذكر ... ، لذلك فهناك الملائكة وقد فهموا وعلموا عظيم قدرة الله ، فهم لا يغفلون عن الذكر ولا يفترون ... ، والمتأمل لبيت العنكبوت يجد أنه لا يحمى من الحر أو البرد أو المطر ، فهو أوهن البيوت ظاهرا ، وخيط العنكبوت يتحمل شدا يصل إلى ٤٢٠٠٠ كجم / كم ٢ مما يكسبه قابلية شديدة للمطلوب لذلك لم يقل الله تعالى أوهن الخيوط ، ولكن قال

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٦.

(٢) الحج ـ ٧٣.

(٣) نفس المرجع السابق ـ عن إشارات الإعجاز العلمى فى القرآن ـ الدكتور / زغلول النجار.


أوهن البيوت ... ، وإذا كان هذا البيت وصف بالوهن من الظاهر ، فهو من الداخل فيه التفكك ، فكل فرد يعيش بمفرده إلا عند التزاوج وأوقات فقس البيض ، والأنثى فى بعض الأنواع تقضى على ذكرها لأنها أكبر حجما منه ، وفى بعض الحالات تلتهم الأنثى صغارها دون أدنى رحمة ، وحين يفقس البيض يبدأ الأخوة الأشقاء فى الاقتتال من أجل الطعام ، أو من أجل المكان ، فيقتل الأخ أخاه ، والأخت أختها حتى تنتهى المعركة ببقاء عدد قليل ، يمزق جدار كيس البيض الذى تم الفقس فيه ، فتخرج الأسرة مفككة ، ويبدو الإعجاز القرآنى فى الإشارة إلى الأنثى يقول تعالى (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) (١) ....

يقول تعالى (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٢) ... ، وهذا يثبت أن العرب قديما لم يعلموا تلك الحقائق والدراسات عن الحشرات ... ، إن كل جوانب رسالة الله تعالى فيها الإعجاز ... ، إن قوله سبحانه (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) يدل أن العرب لم يعلموا تلك الحقائق لعدم تقدم علم الحشرات ... ، إن كل جوانب رسالة الله تعالى إعجاز ، وكون الله ملئ بالإعجازات التى تثبت قدرة الله ، حقا إنه الحق من ربنا ... ، إن من عظيم قدرة الله اختلاف الصور فى الكون ، والله سبحانه هو المهيمن على كل شىء ... ، فنحن نرى فى الكون الجمال ... ، والمحن والصبر والكفاح ... ، والغنى والفقر ... ، والسعادة والرضا ... ، إن فضل الله يؤتيه من يشاء ، فلا تغفل عن ذكر الله وحمده ، والاستغفار حتى يختم لك بالخير ... ، هناك الإبداع فى عوالم الكون ... ، ورزق كل دابة ... ، ونظام معيشتها ... ، والغنى والفقر ... ، وهناك رحلات الصبر على الألم ... ، فهناك من يمرض ... ، ومن يكسر ... ، ومن يحرق ... ، ومن يصاب بالخوف ... ، والجوع ... ، ونقص فى الأموال ... ، والأنفس ... ، والثمرات ... ، هناك من أشغله الغنى ... ، ومن أشغله السعى والكفاح ... ، ومن أشغله يوم عرسه ... ،

__________________

(١) سورة العنكبوت الآية ٤١.

(٢) نفس الآية السابقة.


ومن أشغلته تربية أولاده ... ، ومن أشغله مرضه ... ، أو دراسته ... ، أو وظيفته ومكانته ... ، وهناك من شغلته تجارته ... ، أو زراعته ... ، أو جاره ومعاملته والأحداث التى يتعرض لها ... ، هناك من شغله الزنا ... ، ومن شغلته السرقة ... ، ومن شغله التسول ... ، ومن شغلته سيارته ... ، ومن شغلته جريمته ... ، ومن شغلته عبادته وانشغل بذكر الله وشكره وكان همه رضوان الله والدار الآخرة ... ، هل سيرى ربه وهو راض عنه ... ، وهل سيجوز الصراط كالبرق ... ، وهل سيشرب من حوض النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهل سيثقل ميزانه ... ، وهل سيأخذ كتابه بيمينه أو شماله ... ، وقبلها يسأل ربه دائما أن يرحمه عند سكرات الموت ، وضمة القبر ... ، وهذا هو ما يجب على الإنسان أن لا يغفل عنه فى أى وقت ... ، فلقد خلقنا الله تعالى للعبادة (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) هناك من سعدوا بإيمانهم ... ، ومن شقوا بالبعد عن منهج الله وطلب الدنيا ونسيان الآخرة ... ، لقد نسى العالم أن القرآن الكريم يخبرنا أن الله تعالى خلقنا جميعا من نفس واحدة ... ، أب واحد وأم واحدة ... ، فالجميع إخوة ... ، ولكننا رأينا الحروب ... ، الاستعمار ... ، ونهب ثروات البلاد وخيراتها ... ، رأينا صور الشرك والأطماع ، ثم بعد الدمار نجد الشعار المزيف والباطل وهو إعادة الإعمار ، وكذبوا ... ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢) ... ، وفى الماضى كانت الحضارات القديمة ... ، ومن برعوا فى العمارة ... ، والتحنيط ... ، والطب ... ، والإبداع فى نظريات الطب والهندسة ... ، وعالم البحار ... ، وعلوم الكمبيوتر والذرة ... ، وعلم النباتات والحشرات ... ، وعلوم الكيمياء والصناعات ... ، والآلات المختلفة على إختلاف أحجامها ... ، والتقدم فى علم التحنيط والهندسة ... ، والمعمار ... ، ومعرفة زوايا الشمس ... ، وغير ذلك ... ، فسبحان من رزق الجميع فكرا ... ، وقوة ... ، وعلما ... ، هناك اختلاف الرزق ... ، من رزقه الله مالا ... ، أو علما ... ، أو زوجة صالحه ... ، أو صحة ... ، أو أمنا ... ، أو قناعة ... ، أو خلقا طيبا ... ، أو مشاعر مرهفة ... ، أو ذكاء حادا

__________________

(١) سورة الذاريات الآية ٥٦.

(٢) سورة الشعراء الآية ٢٢٧.


أو فطنة فى دينه يعلم أن ما هو فوقه لا يزيد عنه ... ، بل هو الابتلاء والاختبار ... ، والسعادة فى الرضا بقضاء الله والاستعانة به ... ، فسبحان من رزق الخلق جميعا ... ، وسوف يحاسبهم جميعا ... ، ويعلم السر وأخفى ... ، ويعلم ما تكن الصدور ... ، يعلم بكل تلك العوالم وأسرارها ... ، ما نراه ... ، وما لا نراه ... ، وما هو فى باطن الأرض ... ، أو البحار ... ، أوصافا فى السماء ... ، أو فيما لا ندرى عن عالم الفضاء ... ، أو أمور الغيب كالشقى والسعيد أو أحوال الآخرة ... ، وما توسوس به النفس ... ، وما يظهره الإنسان ... ، سبحانه يقسم الأرزاق والعلم ، والابتلاء ، والهدى والضلال بعلمه الأزلى بالقلوب ... ، إن الإيمان بالله ورسالته يعلو فوق كل شىء ... ، إنه كتاب مكنون ... ، تبدو أسراره بمرور الزمن ... ، فيزداد الفهم لجمال القرآن ... ، نزل منجما على فترات لتثبيت قلب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كل موقف ... ، وحتى يتعلم المسلمون الآية ويدركون فى أى شىء نزلت ... ، وكذلك تخفيفا على الناس فى أمر التكليف ... ، فالخمر نزل تحريمها على مراحل ... ، كذلك فإن القرآن الكريم لو نزل على جبل لتصدع من خشية الله ... ، فهو قول ثقيل ... ، كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتصبب عرقا فى الليالى الباردة حين ينزل عليه الوحى ... ، إنه الكتاب المكنون ... ، يظهر فيه قمة الإعجاز ... ، وقمة القوة وقمة الغيب ... ، وقمة الرحمة ... ، وقمة البساطة ... ، فعلينا بالتمسك به ... ، وطاعة الله فى كل أمر ... ، إن رحمة الله واسعة قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من مشى إلى صلاة مكتوبة فهى كحجة" (١) ... ، إن الأماكن المقدسة كالكعبة يرى الناس فوقها بقلوبهم فى لحظات الإشراق حبل نور يمتد إلى السماء ... ، ويمر الطير من حوله ولا يقطعه ... ، فعليك أخى المسلم أن تطبق منهج الله ... ، ولا تنظر إلى ما يملك غيرك ... ، أو تمدن عينيك إلى ما تمتع به غيرك ... ، فهى فتنة الحياة الدنيا ... ، وكل فتنة نهايتها لا شىء ... ، ولا تهمل تربية أولادك أبدا ... ، ولا تشرك بالله وإن قتلت وحرقت ... ، إن الذنوب تسبب الحرمان من العلم ... ، والرزق ... ، وظلمة القلب ... ، وتوهن البدن والقلب ... ، وتحرم الطاعة ... ، (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) ... ، إن نور التشريع طريق يضئ لك كل خير ... ،

__________________

(١) رواه الطبرانى وصححه الألبانى.


والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نور للبشرية كلها أيده الله تعالى بالمعجزات ... ، حيث حن الجذع لفراقه ... ، ونبع الماء من بين أصابعه ... ، وكثر له الطعام فى غزواته ... ، ولقد كانت المواعظ والكرامات للصالحين من بعده ... ، فهناك من عبروا الماء بفرسانهم كسعد بن أبى وقاص (١) ... ، ومن تنزلت لهم الملائكة كأسيد بن خضير حيث رأى كالمصابيح تتصاعد فى السماء (٢) ... ، هناك طفل وجدوا على جزء من جبهته لا إله إلا الله ... ، وهناك من شق ثمرة الطماطم فوجد بخط واضح كلمة التوحيد ... ، وفى إحدى الدول العربية هناك طفل لا يرى ليلا وأحلامه تتحقق كفلق الصبح ... ، هناك من رأوا سحابة فوق رءوسهم تكون لا إله إلا الله بخط واضح وكانوا قد اجتمعوا للصلاة فى الخلاء يوم عيد (٣) ... ، ولقد أورد الدكتور زغلول النجار فى مقدمة مقالته بجريدة الأهرام عن الإعجاز فى القرآن الكريم صورة توضح لفظ الجلالة الله بخط واضح كتبها النحل بالشمع بعد أن ملأ مكان الحروف بالعسل وهناك طفل بقرية مجاورة مكتوب على جسده بخط واضح كلمة التوحيد وهناك قصص الأولياء ... ، وهناك المعجزات ... ، وفى إحدى البرامج أظهر مقدمة أرنب مكتوب على فرائه كلمة التوحيد بخط يختلف عن اللون السائد وبوضوح تام ... ، وهناك طلاقة قدرة الله فى خلقه يقول سبحانه (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) (٤) ... ، حيث هناك من يضغط على النقود المعدنية بجفنيه فتنثنى ... ، ومن يدخل الإبرة والخيط فى خده أو فى جلد جفنيه ... ، وهناك من يمسك الكهرباء ... ، أو النحاس الساخن ولا يتأثر ... ، وهناك من تنشط عنده الخلايا العصبية فترتفع الكهربية فى جسده حتى يؤثر على من حوله ... ، وهذا لا يكون فى البشر فقط ... ، فهناك الأسماك المضيئة التى تضيء فى أعماق البحار ... ، وهناك النباتات التى تصدر رائحة جذابة لجذب الفراشات والحشرات ، ولها مصراعان من الورقة وحين تقف الحشرة تطبق عليها وتحلل مكوناتها للحصول على المواد النتروجينية ، وذلك فى

__________________

(١) رجال حول الرسول ـ خالد محمد خالد.

(٢) أنظر حياة الصحابة ـ محمد يوسف الكاندهلوى.

(٣) حكى لى ذلك رجل شاهد بعينه ذلك عند الحديث عن معجزات الله فى الكون.

(٤) سورة فاطر الآية ١.


الأماكن الصحراوية التى تفتقر التربة فيها السماد (١) ... ، وهناك النحل الذى يدهن أرضية الخلية بمادة صمغية ضد الميكروبات ليضع البيض ويقوم بجمع الصمغ من الأشجار لسد شقوق الخلية ... ، فسبحان القادر البديع ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" عليكم بالشفاءين العسل والقرآن" (٢) ... ، وبالفعل يشهد بذلك غير المسلمين حيث يقوم أطباء الغرب الآن بالعلاج بالعسل ويعترفون أنه علاج للكثير من الأمراض ... ، فعلينا بذكر الله ، واليقين الثابت حيث جاءت رسالة الله تعالى بدعوة الخير والخشية من الله والحب لله والإعجاز فى مختلف النواحى ... ، أولا بالفطرة والتفكر فى النفس والكون من حولك ، وآيات القرآن الكريم

ثانيا : بالعلم حيث الإعجاز الحسابى ، والعلمى فى القرآن والسنة.

ثالثا : الإعجاز فى تحقق نبوءات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مختلف المواقف وتشمل علامات الساعة التى تحقق الكثير منها.

رابعا : الكرامات والخواتيم والمواقف التى جعلها الله تعالى للعبرة والتذكرة الزمنية كمن يبتسم أثناء الغسل ومن يستر نفسه أثناء الغسل ، وسعف النخل الذى يكون كلمة التوحيد وأقراص العسل التى كتب النحل عليها بالشمع لفظ الجلالة بخط واضح ... ، وغير ذلك الكثير من مثل هذه الأمثلة ، وكرامات الأولياء ... ، وعقوبات الظالمين ... ،

خامسا : الإعجاز فى شمول منهج الله لكل شىء ومعالجة جميع القضايا والإخبار عنها ومنها عالم الإنس ... ، والجن ... ، ومختلف الكائنات ... ، للجن والإنس وثبوت عالم الملائكة ، وهو يشمل القرآن والأحاديث القدسية والنبوية ... ، إنه المنهج الثابت لخلق يختلف فى الصورة ... ، واللون ... ، والموهبة ... ، والرزق ... ، والبيئة ... ، والوراثة ... ، وكذلك العوالم المختلفة كالجن ... ، والملائكة ... ، والطير ... ، والنمل ... ، والنحل ... ، والأنعام ... ، والوحوش .. ، ومختلف الدواب ... ، وألوان الإبداع فى الخلق والاختلاف فى البيئة

__________________

(١) الله والعلم الحديث ـ عبد الرازق نوفل.

(٢) ذكر الحديث ـ الدكتور ـ زغلول النجار فى حديثه عن الإعجاز القرآنى ـ وفى رواية البخارى برقم ١٠ / ١٤٣ ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم الشفاء فى ثلاثة ، فى شرطه محجم أو شربة عسل أو كية نار ، وأنهى أمتى عن الكى".


المعتدلة ... ، والحارة ... ، والباردة ... ، وكذلك اختلاف الثروات والمعادن ... ، والصراعات .. ، والبناء ... ، واختلاف أنواع النباتات ... ، وأنواع الشموس والكواكب والنجوم والمجرات فى السماء ... ، وما لا نعلمه من أسرار عن عالم الغيب ... ، وما لا نعلمه عن الأمم السابقة والأحداث السابقة ، وما يحدث ، وما سيحدث فى المستقبل ... ، وما يكون يوم القيامة من أهوال ومواقف مختلفة ، وشدة الزحام يوم الحشر ... ، وعند تطاير الصحف ... ، وعند الميزان ... ، وعند عبور الصراط ... ، والنار وهولها وهى ترمى بشرر كالقصر وما تحتويه من الحميم والزقوم ، وعظم أجساد الكافرين عند العذاب ... ، وما فى الجنة من النعيم ... ، حيث فيها ما لا عين رأت ... ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ... ، يقول تعالى (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (١) ... ، وعلينا بالخشوع فى العبادة وإتقانها وذلك فى الصلاة والصيام وعند قراءة القرآن ، وتحرى الحلال فى الزكاة والحج وفى كل الأمور فالإيمان بضع وسبعون شعبه ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" فأتموا صلاتكم فإن الله لا يقبل إلا تاما" (٢) ... ، ومن علامات الخشوع ، الصبر على البلاء ... ، والصبر على الدعوة فى سبيل الله ... ، يقول تعالى (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (٣) ... ، وعلينا بالمعاملة الحسنة مع الجار ، والأهل ، والأولاد ، والوالدين ، والناس جميعا بل ومع الحيوان والجماد ... ، لنا مثلا فى المرأة الصوامة القوامة والتى تؤذى جيرانها ، قال عنها صلى‌الله‌عليه‌وسلم" هى فى النار" ... ، يخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن" الله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه" ... ، هناك امرأة دخلت النار فى هرة حبستها ولم تطعمها حتى ماتت جوعا ... ، ومن دخلت النار فى مخيط لم ترده ... ، ومن دخل النار فى قيد دابه ... ، ومن دخل النار فى شمله غلها قبل أن يقسم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما غنمه المسلمون ... ، وعلينا باستحضار العقوبة وتذكر النعيم فهناك محن سيمر بها كل إنسان ... ، منها سكرات الموت ... ، وضمة القبر ... ، والبعث وأهوال يوم الحشر والحساب ، والصراط يقول

__________________

(١) سورة السجدة الآية ١٧.

(٢) جزء من حديث رواه الطبرانى فى الأوسط ـ بإسناد حسن ـ الترغيب والترهيب ص ٢٣٧.

(٣) سورة يوسف الآية ١٠٨.


تعالى عن جزاء الغافلين (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) ... ، كذلك فإن نعيم الجنة يستحق منا الثبات على الخير حيث هناك الفوز بالنظر إلى وجه الله عزوجل وهو راض ... ، وهناك الفواكه والثمرات ولحم الطير ... ، وأنهار العسل واللبن ، وغير ذلك من مختلف النعم يقول تعال (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (١) ويقول تعالى (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (٢) ....

وعلينا بالإيمان والصبر وذلك يشمل الحب لله والصبر على الطاعة ... ، والصبر على البلاء ... ، والصبر على الدعوة فى سبيل الله ... ، إن الصابرين يوم القيامة يوفون أجورهم بغير حساب وعليهم صلوات من ربهم ورحمة ولهم ثواب المجاهدين ... ، ولنا مثل فى المرأة التى مات ولدها؟ ... ، فغسلته وكفنته ... ، ثم جاء زوجها فقابلته بالبشاشة ، وأعدت له طعامه ... ، ثم قضى وطره منها ... ، ثم أخبرته بعد ذلك أن الله تعالى قد أسترد أمانته فأخبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك فقال له إن الله قد بارك لكما فى ليلتكما هذه ... ، وعوضه الله بأولاد يحفظون القرآن (٣) ... ، وعلينا بالإيثار فإنه إن حل فى أمه حل فيها الأمان والبركة ... ، كان العرب بالفطرة فى الجاهلية يتصفون بالإيثار فهو يمكن أن يذبح ناقته التى لا يملك سواها من أجل الضيف ... ، إن المؤمن ينظر للقليل والكثير بمنظار الإيمان ... ، وأن البركة من الله عزوجل فلا يبخل كما يبخل اللذين غفلوا عن قدرة الله ونسوا أنه الخالق ، الرازق ، المجيب وهو رب الأسباب والمسببات ... ، وعليك بإحكام لسانك قبل أن تقول الكلمة ، واعمل صالحا ، فالدنيا هى دار العمل ... ، فمتى العمل؟! وتذكر أن الله معك (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٤) ... ، وتذكر الموت ... ، ويقين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وثبات الصحابة عند الجهاد والإقبال على الموت وعليك بالتصديق واليقين فهناك الإعجازات وقصص الأولياء والكرامات والخواتيم ، وأن تتيقن أن الله موجود يهيمن على كل شىء ومحيط بكل شىء والآيات كثيرة فى نفسك

__________________

(١) سورة القيامة الآية ٢٢ ، ٢٣.

(٢) سورة الطور الآية ٢٢.

(٣) انظر قصص الصالحين ونوادر الزاهدين.

(٤) سورة الحديد الآية ٤.


وفى الكون حولك ... ، هناك كما أشرنا النحل الذى كتب لفظ الجلالة ، وهناك الطفل الذى قرأت على جسده عبارة التوحيد بخط واضح ... ، فسبحان الله فى كل وقت وحين ... ، كيف يكفر الإنسان وكان لا شىء ... ، فوجد نفسه بتلك الصورة الطيبة ومن حوله كل تلك النعم وهذا الدستور الذى به تسعد البشرية كلها ، والفؤاد ... ، فحقا قليلا ما يشكر الإنسان ... ، عليك أن تعامل أولادك برفق فهم من أسباب رحمة الله لك وإنزال البركة عليك ... ، فلو لا أطفال رضع ، وبهائم رتع ومشايخ ركع ، لصب علينا العذاب صبا ... ، وعليك بحضور مجالس العلم وكثرة التسبيح ، حيث إن مجلس العلم خير من عباده سبعين عاما ، وبذلك ترتفع حسناتك ولا تكون من أهل الأعراف يوم القيامة .. ، إن الله تعالى قادر على أن يملأ الأرض خيرا ورزقا وأموالا تفيض ... ، ولكن بذلك ستتوقف حركة الحياة ، فلن يعمل الطبيب ... ، ولن يعمل الصانع ... ، ولن يعمل الفلاح ولكن الله تعالى يريد للكون صورة طيبة حيث الحركة والعمل والكفاح والعبادة والدعاء ، ليشعر كل إنسان بقيمته فى الحياة ويدرك فضل الله عليه فالله تعالى ينزل بقدر لحكمه حتى يعمل العامل ويساهم فى إعمار الكون ... ، ويعمل الفلاح ويجنى حصاد ما قام بزراعته ... ، وبالعمل تشيد المبانى ... ، وتشق الترع ... ، وتمهد الطرق ... ، وحين يعمل الطبيب ... ، ويعمل المهندس ... ، ويعمل المدرس ... ، تتكامل حركة الحياة ويرزق سبحانه كل مجتهد بقدر ما بذل ... ، وعلينا أن ندرك أن البركة من الله تعالى فعن عائشة رضى الله عنها قالت : " توفى رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليس عندى شىء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير فى رق لى ، فأكلت منه حتى طال على فكلته ففنى" (١).

وهناك أمثلة كثيرة تثبت حلول البركة فى القليل من الطعام الذى بين يدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومنها حين دعاه جابر بن عبد الله رضى الله عنه إلى طعام يكفى رجلا أو رجلين ، فنادى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الجيش ، وكانوا أكثر من ثلاثمائة رجل فأكلوا وبقى منهم ... ، وفى عصرنا نرى مشاكل كثيرة حيث إنه إذا قل الزاد وارتفعت الأسعار نجد الجميع لا يبالون بالعمل فى أى تجارة حتى لو كانت محرمة كبيع السجائر ... ،

__________________

(١) رواه البخارى ومسلم الترمذى


وشرائط الغناء ... ، بل هناك من يسرق ... ، ومن يطفف الميزان ... ، ومن يحقد على جاره الغنى ... ، ومن يقنط من رحمة الله ... ، ومن يترك القرآن ... ، ومجالس العلم بحجة الانشغال فى العمل لقسوة الظروف ... ، لقد نسى هؤلاء قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) (١) ... ، نسوا قوله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٢) وقوله تعالى فى الحديث القدسى وهو يخاطب عبده" تفرغ لعبادتى أسد فقرك والا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك" ... ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا" ... ، إن ذكرك لله وحسن توكلك عليه يجعل كل مخلوقات الله فى الكون هينة معك ... ، لأن كل شىء فى الكون جنود لله ... ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله تعالى فقره بين عينيه ... ، وفرق شمله ... ، ولم يؤت من الدنيا إلا ما كتبه الله له ، وأما من كانت الآخرة همه جمع الله شمله ، وجعل غناه فى قلبه ، وأتته الدنيا وهى راغمة" (٣) ... ، والقناعة هى السعادة ... ، وحين ذهب جماعة من الصحابة الفقراء إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا له : ذهب أهل الدثور بالأجور ، أى أن الأغنياء معهم النفقة التى تعينهم على الصدقة والجهاد وسائر أعمال الخير ... ، فأمرهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتسبيح دبر كل صلاة ، ففعلوا ... ، وحين علم الأغنياء بذلك فعلوا مثلهم ، فقالوا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنهم فعلوا مثلنا ... ، فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ... ، فالحمد لله على فضله واحفظنا برحمتك يا أرحم الراحمين إن الخشية من الله تعالى تمحو ذنوب العبد ... ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه العبد كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها" (٤) ... ، إن مسئوليات المسلم فى الدنيا كثيرة ... ، وأكثر منها فى الآخرة ... ، لقد مر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوم يضحكون فقال : " تضحكون وذكر الجنة والنار بين أظهركم" قال الراوى وهو عبد الله بن الزبير فما

__________________

(١) سورة هود الآية ٦.

(٢) سورة الحديد الآية ٤.

(٣) ذكر الحديث فى كتاب الترغيب والترهيب ، باب الزهد فى الدنيا.

(٤) رواه البيهقى.


رأى أحد منهم ضاحكا حتى مات : قال ونزلت فيهم (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (١) ... ، وعن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه خطب فقال : " لا تنسوا العظيمتين : الجنة والنار ، ثم بكى حتى جرى أو بل دموعه جانبى لحيته ثم قال" والذى نفسى محمد بيده لو تعلمون ما اعلم من امر الآخرة لمشيتم إلى الصعيد ، ولحثيتم على رءوسكم التراب" (٢).

وحين طلب صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جبريل عليه‌السلام أن يصف له النار فأخبره أنها أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ، ثم ألف عام حتى احمرت ، ثم ألف عام حتى اسودت ، فهى سوداء مظلمة ، لا يضئ شررها ولا يطفأ لهبها ... ، ثم قال له والذى بعثك بالحق لو أن قدر ثقب أبره فتح من جهنم لمات من فى الأرض كلهم جميعا من حره ... ، والذى بعثك بالحق لو أن خازنا من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا لمات من فى الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه ، والذى بعثك بالحق لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التى نعت الله فى كتابه ، وضعت على جبال الدنيا لا رفضت وما تقارت حتى ينتهى إلى الأرض السفلى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " حسبى يا جبريل لا يتصدع قلبى فأموت" (٣).

إنها العبر والمواعظ ... ، وليتنا نعتبر ... ، فلا بد من الرجوع إلى الله تعالى والقناعة ، والقصد يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" القصد القصد تبلغوا" (٤) أى القصد فى الطعام والشراب وعدم الإسراف فى كل شىء ... ، ومن يلتزم بتعاليم الله يكن عبدا ربانيا ، على بصيرة ، ويلهمه الله الفطنة ، ومعرفة الكثير من الأسرار ... ، فهناك من تتحقق رؤياهم كفلق الصبح .. ، ومن يتنبأ بأنه اقترب ميعاد موته ، ولقد رأى عثمان بن عفان رضى الله

__________________

(١) سورة الحجر الآية ٤٩. ٥٠

(٢) رواه أبو يعلى

(٣) جزء من حديث رواه الطبرانى فى الأوسط الترغيب والترهيب ـ الجزء الرابع

(٤) رواه البخارى


عنه رؤيا قبل استشهاده بقليل وكان صائما حيث أخبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله" أفطر عندنا غدا يا عثمان" ولقد أصبح صائما فى هذا اليوم وقد تحققت رؤياه (١) ... ، هناك رجل كان يملك عنزا على أذنها لفظ الجلالة وعلى الأخرى لفظ محمد" وهناك من يسرع بالمحمل ويقف فى مكان ويجدوا تجهيزه ولحده فى هذا المكان ... ، وهناك من يتحدث عند موته ويقول انتظروا قليلا سأحضر معكم وكأنه يرى الملائكة ... ، وبعد موته يرى من ينظر إليه وجها طيبا مضيئا وعند السير به اثناء جنازته ، يقف عند أحد المنازل حتى يخرج صاحب الدار ثم يسير ... ، إن الميت يكشف عنه الغطاء فبصره حديد ... ، وإنه ليسمع قرع نعال من شيعوه عند انصرافهم ... ، هناك من تستجاب دعوتهم ، وفى رقيتهم البركة والشفاء ... ، وهناك من ينتقم الله لهم إذا ظلمهم أحدا أو أغضبهم وقد دعا سعد بن أبى وقاص على رجل قد أخطأ فى حقه فاستجاب الله دعاءه (٢) ... ، إن هؤلاء الصالحين ينسجم الكون معهم عند تسبيحهم ... ، هناك من قنع فى نفسه ورضى بالقليل ولم يسأل أحدا أو يثقل عليه فسهل الله له كل الأمور عند تجهيزه ... ، وهناك من تبيض وجوههم رغم بشرتهم السمراء ... ، ومن تتحول وجوههم وأجسادهم إلى اللون الأسود رغم بشرتهم البيضاء العادية ، يقسم لى أحد المغسلين ، وكنا بالمسجد ولم يذكر اسما إن من الناس من يتغير لونه إلى ما يفوق الفحم ومنهم من يبيض وجهه ... ، هناك من نقلوا أجسادهم وكانوا من شهداء أكتوبر فكانت أجسادهم كما هى ووجوههم لها نضرة ويشهد بذلك من رآهم ... ، " وهناك فتاه أطلقت الزغاريد أثناء غسل أمها حيث رأتها تبتسم أثناء الغسل" (٣) ... ، وهناك من ابيض وجهه كالبدر ، ومن مات على سماع الغناء فساءت خاتمته ، ولم يصل عليه سوى اثنان ... ، ومن خرجت منه رائحة طيبة كالمسك ... ، ومن حجبت عورته تماما ... ، ووجدوا قبره مجهزا فكان صالحا محفظا للقرآن ... ، وهناك من يجرى الله على لسانه كلمة فتتحقق ... ، وهناك من يملك شفافية وفراسة حيث إنه ينظر بنور الله" اتق

__________________

(١) وداعا عثمان ـ خالد محمد خالد ،

(٢) أنظر ـ رجال حول الرسول ـ الحديث عن سعد ابن أبى وقاص.

(٣) أخبرتنى بذلك إحدى النساء ونحسبها من الصالحات وقد حضرت هذا الغسل.


فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ... ، أحد الصالحين كان له مبلغ من المال عند أحد الناس وحين ذهب الرجل ليعطيه المال قال أحد أقاربه خذ المال وارجع فأنت محتاج إليه فأشار الرجل الصالح بكلمات للرجل تشير بأنه قد أعلمه الله بما فعل ... ، ويذكرنا ذلك بنداء عمر بن الخطاب رضى الله عنه" الجبل يا سارية ... ، يا سارية الجبل" ... ، فسمعه سارية وهو فى بلد بعيدة واتخذ الجبل خلفه وكان النصر بإذن الله ... ، وهناك من يفسر الحلم ببصيرة الإيمان فتتحقق كما فسرها ، ولنا مثل فى ابن سيرين وغيره ممن صلحت سريرتهم ... ، إن العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله هى سر قوة المؤمن ... ، كذلك حبه لأخيه ما يحب لنفسه ، فالله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه ... ، كان الصحابة فى الغزوات ، وفى شدة الحر ... ، وقد أحتاج المصابون منهم إلى الماء ... ، وحين حضر الماء بعد أن أوشكوا على الموت من شدة العطش ... ، كان الواحد منهم يرفض أن يشرب قبل أخيه رغم مرور الماء عليه ، وهو فى أشد الحاجة إليه (١) ... ، (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (٢) ... ، إن البصيرة تعينك على فهم نفسك وفهم القرآن الكريم ... ، وفهم الناس من حولك ... ، فتقترب من أهل الخير وتجالسهم ... ، وإذا ضربنا مثلا بالنسبة لفهم القرآن الكريم نجد مثلا قوله تعالى (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) (٣) ....

نلاحظ أننا لم نجد كلمة وجعل مع لفظ الجلالة ، وذلك لأن كلمة الله لا تكون جعلا ولكنها العليا دائما ... ، كذلك قوله تعالى عن اصحاب الفيل (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ ، تَرْمِيهِمْ. بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ. فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (٤) ... ، ولم يقل سبحانه فجعلتهم كعصف مأكول لأن الطير لم تفعل شيئا ولم ترمى تلك الحجارة إلا بأمر الله ... ، فالذى جعلهم كذلك هو الله القادر ... ، حيث أرسل عليهم حجارة ذرية وهى من

__________________

(١) انظر ـ حياة الصحابة ـ عن يوسف الكاندهلوى.

(٢) سورة الحشر الآية ٩٠.

(٣) سورة التوبة الآية ٤٠.

(٤) سورة الفيل الآية ٣ ، ٤ ، ٥.


جنس السحابة الذرية التى أهلك الله بها الأقوام السابقة يقول تعالى (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) ... ، إن رضا الله سبحانه رحمة وبركة .. ، لقد بارك سبحانه وتعالى حول البيت الحرام ... ، فكانت بركة الإيمان ... ، وبركة الوقت ... ، وبركة الخشية ... ، وبركة الرضا ... ، هناك يلبى الملايين والمكان يتسع ... ، والمجموعة يعيشون فى حجرة واحدة ، والمكان يتسع ... ، إنها رحمة وسعه.

علينا أن نزهد فيما عند الناس ، ولا نتكلم كثيرا ... ، إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تذكر اللسان وتقول : يا لسان اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا" ... ، واتق أخى المسلم دعوة المظلوم وإن كان كافرا ... ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" قذف محصنة يهدم عمل مائة سنة" ... ، يقول الإمام أحمد" إن الله ينصر الدولة العادلة ولو كافرة ... ، ولا ينصر الظالمة ولو مسلمة .. ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل فلا يجدون عالما أفضل من عالم المدينة" (١) ... ، ولقد تحققت نبوءة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان هو الإمام مالك بن أنس ... ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى نبوءة عن الإمام الشافعى" عالم قريش يملأ طباق الأرض علما" ... ، كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يأكل حتى يجوع ... ، وإذا أكل لا يشبع ، لذلك ما تثاءب قط ، حيث إنه علامه الكسل والشبع ... ، والله يكره التثاؤب ، ويحب العطاس ... ، ويخبرنا صلى الله عليه وسلم عن خبر النساء ، وشرهن ... ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" خير نسائكم الودود ، الولود ، المواسية إذا اتقين الله ، وشر نسائكم ، المتبرجات المتخيلات" (٢).

ويخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لا يقوم بهذا الدين إلا من حاطه من جميع جوانبه" ويقول تعالى (أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ ، وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) (٣) ... ، واحرص أخى المسلم على غض البصر لأن النظر سهم من سهام إبليس ، وهو يورث الشهوة الحرام دون أن يصل صاحبها إلى شىء إلا مرض القلب.

__________________

(١) الرواية عن الإمام أحمد وذكرها ابن تيمية فى أكثر من موضع.

(٢) ذكر الحديث برواية أخرى" تزوجوا الودود الولود فإنى مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" فقه السنة الجزء الثانى ص ١٨.

(٣) سورة البقرة الآية ٨٥.


إن العبد إذا فعل ذنبا لا يكتبه ملك السيئات لأن ملك الحسنات أمير عليه ، فهو يمهل العبد فى الأولى عله يتوب أو يستغفر ... ، ثم فى الثانية يطلب الملك أن يكتبها فيطلب منه ملك الحسنات أن يمهله فى الثانية ... ، وإذا لم يتب العبد أو يستغفر قال ملك الحسنات فى الثالثة اكتبها عليه أراحنا الله منه ... ، إن الله تعالى يخفى عنا فهم الكثير من الحكمة عن بعض الأمور ليختبر استسلام العبد لربه وتسليمه له ... ، إن من حياء الرجل غض البصر والخلق الحسن ... ، ومن حياء المرأة ، سترها لجسدها وارتداء الحجاب الذى فرضه الله عليها ... ، فإن خروجها متبرجة يجعلها تأخذ سيئة مع كل نظره توجه إليها ، فكيف يكون مصيرها عند محنة الميزان ولا أحد يذكر أهله يوم القيامة فى ثلاث مواضع ، عند تطاير الصحف ... ، وعند الميزان ... ، وعند عبور الصراط ... ، واعلم أخى المسلم أن هناك ثلاثة لا يدخلون الجنة ، منهم الرجل الديوث ... ، وهو الذى لا يأمر أهله بالمعروف ، ولا ينهاهم عن المنكر ... ، ولا تردد أخى المسلم تعبيرات المنجمين مثل عبارة نزل أمر السماء ... ، عدالة السماء ... ، أو الدين السماوى ... ، إنه وحى الله ... ، وعدالة الله ... ، ودين الله ... ، والسلطان لله ... ، وليس للسماء التى خلقها ... ، وعلينا أن نتعلم الدروس من رسالة ربنا سبحانه فهى رسالة جامعة أرسلها الله تعالى لنؤمن بها ونطبق ما فيها من خلال ما تعلمناه من الدروس .. ، لقد نزل القرآن منجما وليس جملة واحدة لتثبيت قلب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، ومعرفة الصواب من الخطأ بالنسبة للموقف الذى حدث ، أما لو كان جملة واحدة لما أدرك الصحابة أى المواقف فيه العتاب من الله ، وأيها فيه التأييد ... ، كذلك هناك مواقف فى الغزوات ، فحين أعجب المسلمون بكثرتهم فى غزوة حنين حيث كانوا عشرة آلاف فى فتح مكة وانضم إليهم ألفان بعد الفتح فكانوا أثنى عشر ألفا فقالوا لن نهزم اليوم عن قلة ... ، فأراد الله تعالى أن يعلمهم درسا ، فخرج عليهم المشركون من هوازن وثقيف من وراء الأحجار والجبال فرموهم بالنبال ... ، يقول تعالى (وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) (١) ... ، وحين رجع

__________________

(١) سورة التوبة الآية ٢٥.


ابن سلول بمجموعة من الجيش فى إحدى الغزوات ، بين الله تعالى أنهم ظلوا فيكم ما زادوكم إلا خيالا ... ، ولأوقعوا بينكم البغضاء ، حيث إنهم لا يمتلكون روح الفدائية والقتال مثل الصحابة الصادقين ... ، وحين قبل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأسرى وكان فى بداية الدعوة نزل العتاب من الله عزوجل ... ، وغير ذلك الكثير من المواقف ... ، كذلك نجد الدقة فى نقل الأحاديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهى عن فلان ، عن فلان ... ، حتى تصل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويشترط فى من يؤخذ عنهم الحديث الصدق والأمانة والورع والتقوى ... ، إنه حفظ الله لرسالته ، ولو سقط أحد الرواة فى رواية الحديث يضعف الحديث ، لو كان الحديث صحيحا ... ، كذلك فالقرآن الكريم جاءنا من الله تعالى إلى الأمين جبريل عليه‌السلام إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم دون واسطه ، لنؤمن أن القرآن الكريم هو الحق المطلق بلا جدال وأيد الله تعالى ذلك بقوله سبحانه (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) (١) ... ، وقوله سبحانه (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) (٢) ... ، وقوله سبحانه (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (٣) ... ، ولقد أيد الله تعالى نبيه فيما رآه فى رحلة الأسراء والمعراج من مشاهد وآيات بقوله تعالى (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) (٤) ... ، ونتعلم من تلك الآيات أن لا نتهاون فى العبادة ، فما أشد عقاب المتكاسل عن الصلاة ... ، ومن يقع فى الغيبة ... ، والربا ... ، وغير ذلك ... ، نتعلم من قصة إبراهيم عليه‌السلام مع السيدة هاجر رضى الله عنها كيف أنه يطبق أوامر ربه ويترك أهله فى صحراء جرداء ثقة فى وعد الله ، وأنه الرازق المجيب ... ، وهى تقول آلله أمرك بهذا ... ، وحين تعلم أنه أمر الله ، تقول إذن لن يضيعنا ... ، وهى رغم ثقتها بأمر الله لم تجلس بجوار وليدها وتتواكل ، بل هرولت من الصفا إلى المروة سبعة. أشواط حتى أجهدها السعى حيث يأتى الفرج من الله تعالى وينبع الماء من البقعة الظاهرة ... ،

__________________

(١) سورة النساء الآية ٨٧.

(٢) سورة النجم الآية ٣.

(٣) سورة النجم الآيات من ٥ ـ ١٠.

(٤) سورة النجم الآية ١٨.


ماء مباركا طعام طعم ، وشفاء سقم ، وبالفعل من يشرب منه يمكن أن يظل أياما بدون طعام ... ، نتعلم من إسماعيل عليه‌السلام طاعة الوالدين حيث استجاب للذبح ولم يجذع ، إنه الاستسلام لأمر الله ... ، نتعلم مما حدث للأمم السابقة ... ، أن الإصرار على العناد والجحود والشرك نهايته الانتقام الشديد من الله المنتقم الجبار ، بصيحة ... ، أو زلزلة .. ، أو ظله ... ، أو حجارة ذرية ... ، يقول تعالى (أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ) (١) ... ، نتعلم من الصحابة ... ، الثبات واليقين وتنفيذ أوامر الله ورسوله ، والتصديق ... ، والدعوة إلى الله دون فتور ، لأن هناك يوم القيامة الحساب على كتم العلم وعدم تبليغه ... ، كذلك ثباتهم عند الجهاد ولقاء العدو حيث كان يرى فى جسد الصحابى الكثير من الطعنات ، وهو ثابت لا يتراجع كذلك نتعلم من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حلمه فى الدعوة إلى الله وصبره على الدعوة فى كل المواقف ... ، والخشوع فى العبادة ... ، والحياء ... ، وعدم الشبع ... ، والرضا بالقليل ، والقناعة ... ، والتواضع ... ، والرفق ... ، والرحمة ... ، وغير ذلك من الصفات الطيبة ، وكلها فروع من سنته صلى‌الله‌عليه‌وسلم التى أمرنا بها ، وعند ترك سنته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعدم العمل بها فنترك الخشوع فى العبادة ... ، ونأكل كثيرا ... ، ولا نرضى بالقليل ... ، ولا نرحم من حولنا ... ، ولا نتواضع ... ، وبالنسبة للنساء ، يكفرن العشير ... ، ولا يطعن أزواجهن ... ، ولا يرتدين الحجاب ولا يتصدقن ... ، ولا يرفقن بأولادهن ... ، ولا يحافظن على الصلاة ويخشعن فيها ... ، يوم القيامة حين نرد على حوض النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويستقبلنا وقد سأل الله من قبل النجاة لأمته ... ، والكل يعانى من هول الموقف ودنو الشمس من الرءوس ومجيء النار لها سبعون ألف زمام ... ، لقد سجد تحت عرش الرحمن ، ودعا ربه ، ولم يسأله نفسه ... ، أو فاطمه أبنته ... ، ولكن قال أمتى ... أمتى ... ، حين يقبل هؤلاء على حوضه وهم المخالفون لسنته ، وهو يستقبلهم يريد أن يسقيهم بعد ما لا قوة من العناء والحر الشديد ، وعند ما تغلى الرءوس من دنو الشمس ، يتمنى الناس أن ينصرفوا ولو إلى النار ، ويستعجلون الحساب من الله تعالى تجذبهم الملائكة

__________________

(١) سورة الملك الآية ١٦


وتمنعهم ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول دعوهم فإنهم من أمتى ، فيقولون إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك ... ، فيقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسحقا فسحقا ... ، وهناك من يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله ، كالإمام العادل ... ، والشاب الذى نشأ فى عبادة الله ... ، ومن رفض دعوة امرأة ذات جمال ومنصب وخاف ربه ... ، ومن ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ... ، وهناك من يستظل فى ظل صدقته يوم القيامة حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور ، وإن المؤمن ليستظل يوم القيامة فى ظل صدقته" ... ، إن عذاب النار شديد ، وزمهريرها شديد ، ولا يتمنى أحدنا أن يقذف فى النار أو الزمهرير ... ، فأنت لن تسعد وهم فى النار وأنت المسئول عنهم ... ، فكلكم راع مسئول عن رعيته ... ، لا تترك والديك وأخواتك دون نصيحة ... ، ولا تنس إهداء الشريط .. ، أو الكتاب الدينى ... ، فكثيرا ما اقترب إلى طريق الله من ضلوا بسبب ذلك ، لأن الإنسان على نفسه بصيرة ، يفيق عند ما يصله البلاغ ....

إن الأنبياء يوم القيامة يخشى كل منهم ربه ، ويرون أنهم ليسوا أهلا للشفاعة بسبب خوفهم من أن يكونوا قد عصوا ربهم يوما ... ، فأين نحن من أهوال يوم القيامة ، وكلنا ذنوب ... ، وقد غضب الله تعالى فى هذا اليوم غضبا لم يغضب مثله ، ينجو يوم ذلك من ثبت بيقين وصدق ، ولم ينس ربه وتذكر النار الزمهرير ... ، ومن عاش على القناعة وعدم التفكير فى الشهوات ... ، وأدرك أنها لا شىء بالنسبة لنعيم الله فى الآخرة ... ، يغضب الله تعالى فى هذا اليوم غضبا لم يغضب مثله لأنه سبحانه الخالق الرزاق ، الذى أمد عبادة بالصحة ، والمال ، والولد ... ، ومختلف النعم ... ، ومن العباد من جحدوا وكفروا بنعمة الله ... ، فعلينا بالتسبيح والطاعة حتى يرحمنا سبحانه يوم القيامة ... ، وحتى لا نكون من أهل الأعراف ... ، وهم الذين استوت حسناتهم مع سيئاتهم ... ، وعليك باستحضار العقوبة ، وتخيل ضعف قدمك ... ، حيث لا تطيق الضرب عليها أو الوقوف بها على الجمر واعلم أن أقل أهل النار عذابا من يوضع فى اخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه ... ، اللهم سلم يا رب ... ، اللهم اجعلنا خاشعين لك يا رب ... ،


وعلينا بكف الصبيان ليلا حتى لا تلعب بهم الشياطين.

إن غير المؤمن إن أصابه خير فى الدنيا اطمأن به وإن أصابته فتنة ينقلب على وجهه يخسر الدنيا والآخرة ، لأنه اختار الدنيا ، وهى المرتبطة باللعب واللهو كما ورد بالقرآن الكريم ... ، ولكن المؤمن إن أصابه خير أدرك أنه ابتلاء هل يشكر أم يغتر ويكفر وهو يصبر إن أصابه غير ذلك ... ، إن معيّة الله تعالى والثقة به جعلت أم موسى تلقى بابنها فى اليم ... ، وجعلت موسى عليه‌السلام يقول وفرعون خلفه بجنوده ، والبحر أمامه ، وأتباعه يقولون إنا لمدركون فقال كما أخبر الله تعالى (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) (١) ... ، إن معية الله هى التى أعاقت قدم الفرس الذى حمل سراقة بن مالك حين اقترب من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، إن من أعطى أكثر وهو على غير الإيمان ليس هو الأفضل ، ولكن ، فالأفضل من أقام منهج الله واتصف بالسخاء ... ، إن روح الإسلام تثبت أنها قائمة على التضحية فى سبيل الله ، وذوبان الذات فى الجماعة ... ، أى أن تكون الأمة المسلمة كأنهم شخص واحد فى شعورهم الطيب تجاه بعضهم البعض ، ونضرب مثلا لذلك ، حين كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الغار مع أبى بكر الصديق ، واقتربت قريش منهم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبى بكر كما يصور القرآن الكريم (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) (٢) ... ، نجد هنا تقدم كلمة الله ... ، وإضافة مع إلى ضمير الجمع ... ، أما بالنسبة لموقف موسى عليه‌السلام حين أدركه جنود فرعون قال (إِنَّ مَعِي رَبِّي) (٣) ... ، نجد أن كلمة معى أضيفت إلى مفرد ، وجاءت قبل الذات الإلهية ... ، إن إشارات القرآن الكريم فيها الحكمة المطلقة وهى تجسيد لجوانب كثيرة مادية ومعنوية يجب أن يعلمها الراسخون فى العلم ، اللذين ينظرون فى معانى القرآن الكريم بعمق يليق بيقينهم أنه كلام الله ... ، ورغم ذلك لن

__________________

(١) سورة الشعراء الآية ٦٢

(٢) سورة التوبة الآية ٤٠

(٣) سورة الشعراء الآية ٦٢


يفهموا إلا بقدر عقولهم ، وما سمح الله به ... ، إن الإشارة السابقة تشير إلى تكامل رسالة الإسلام وجمعه لكل خصال الخير ، وهيمنته على الكتب والرسالات الأخرى ... ، إن النور الذى يسير الإنسان به فى الدنيا ، ويفعل الخير هو الذى يضئ لك فى الآخرة يقول تعالى (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (١) ... ، ويقول تعالى (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (٢).

إن من عظم البيان القرآنى وهو كلام الله الملك الحق ... ، أن النور يأتى دائما بصيغة المفرد ... ، ولكن الظلمات تأتى دائما بصيغة الجمع ، لأن طرق الجهل والفساد كثيرة ... ، ولكن نور الحق فهو واحد" لا يتجزأ ... ، كذلك لا بدّ أن يدرك المتأمل للقرآن الكريم أن القصة القرآنية ترمز لدروس كثيرة وحكم مادية ومعنوية لها أبعاد كثيرة ، للعبرة والموعظة ... ، حيث ينادى اصحاب الجنة على أصحاب النار قائلين (قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) (٣) ... ، نجد كلمة ما وعدنا مع المؤمنين وهم أصحاب الجنة ولكن نجد كلمة ما وعد وليست ما وعدكم مع أصحاب النار وذلك لأنهم لم يؤمنوا أن هذا الوعد حاصل ... ، إن السبيل إلى الشفافية والرؤية هو منهج الله تعالى الذى يضئ لك ويجعلك ترى الحق ... ، يقول تعالى (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) (٤) ... ، ويقول أيضا (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) (٥) ... ، والذى يعرض عن ذكر الله لا يقتبس من هذا النور (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٦) ... ، إنه إعجاز الله تعالى المحيط بكل شىء فهو رب الكون ... ، وهو الخالق ، وهو رب الأسباب والمسببات ، إن مشيئة الله تعالى تعنى الإرادة ومعها تفاعل البشر مع الأسباب ... ، وهناك أمره بكن فيكون والذى لا يحتاج أخذا

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ٧٢.

(٢) سورة الحديد الآية ١٢١.

(٣) سورة الأعراف الآية ٤٤.

(٤) سورة غافر الآية ٥٨.

(٥) سورة الأنعام الآية ١٠٤.

(٦) سورة طه الآية ٢٤.


بالأسباب ، حيث أخرج سبحانه الناقة دما ولحما من الصخرة الصماء لصالح عليه‌السلام ... ، إن القصص القرآنى يصور لنا موسى عليه‌السلام يمثل بحر العلم الظاهر وهذا يبدو فى حكمة الله تعالى بتصوير الأحداث التى يختص بها موسى عليه‌السلام ، فهو أكثر الرسل انفعالية وتأثرا بالظاهر ، وسيرته تؤكد ذلك حيث قتل رجلا من قوم فرعون بمجرد أن رآه يقتتل مع رجل" من شيعته ... ، وإلقاؤه للألواح ... ، وأخذه برأس أخيه يجره ، وكل سيرة حياته تدل على انفعاليته الكبيرة للظاهر ولذلك فهو يمثل بحر العلم الظاهر ... ، وأما الخضر فهو يمثل بحر العلم الباطن ... ، أو علم الغيب الذى يعلمه إلا الله ... ، لذلك فإن قوله تعالى (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما) (١) يشير إلى المكان الفاصل بين الأمور الظاهرة والباطنة لذلك كانت الإشارة من الله تعالى عن موسى عليه‌السلام بقوله (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) (٢) ولذلك نجد التناظر الرقمى بين الآيتين الفاصلتين بين علم الظاهر والباطن ... ، فآية العلم الظاهر تسعة وأربعون حرفا وتبدأ بقوله تعالى (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) (٣) ... ، وآية العلم الباطن أيضا تسعة وأربعون حرفا وتبدأ بقوله تعالى (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) (٤) ... ، لقد أشار الله تعالى بلفظ الحوت مع يونس عليه‌السلام ... ، ومع موسى عليه‌السلام ... ، ومع بنى إسرائيل ... ، (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ) وهو اختبار لهم حيث أنهم أمروا بعدم الصيد فى يوم السبت ... ، مما يثبت ذلك أن الحوت فى القصة القرآنية ارتبط بتعليم الحكمة والهداية ... ، وهروب الحوت فى قصة موسى عليه‌السلام وهو الطعام بالنسبة لهم يثبت أن الطعام يشير إلى الشهوة التى بغيابها يبدأ الإنسان فى تعلم الحكمة ببواطن الأمور وهو علم الباطن ، وهى الشفافية ، حيث إن الإنسان يأخذ من بحر علم الباطن بالقدر الذى يسمح به الله للعلماء ، وأوليائه الصالحين وهذا يحتاج رياضه خاصه حيث ترتبط الحكمة بالإعراض عن الشهوات والجوع وعدم الشبع ... ، إن حوت موسى عليه‌السلام كان

__________________

(١) سورة الكهف الآية ٦١

(٢) سورة الكهف الآية ٦٠

(٣) سورة الكهف الآية ٦٠

(٤) سورة الكهف الآية ٦١


إشارة لوصول موسى إلى بلوغ الحكمة والعلم بعد اتجاهه من عالم الظاهر نحو هذه الحكمة لكى يتعلمها ... ، وحوت يونس عليه‌السلام كان إشارة لعودته من عالم الظاهر وهو بطن الحوت إلى عالم الهداية والحكمة لكى يهدى الناس ... ، وحوت موسى عليه‌السلام لو لم تعد له الحياة ويهرب فى البحر لكان طعاما فى بطن موسى عليه‌السلام ... ، ويونس عليه‌السلام لو لم يكن من المسبحين لظل طعاما فى بطن الحوت إلى يوم القيامة ... ، إن حوت موسى عليه‌السلام هرب من موسى ... ، وحوت يونس عليه‌السلام جاء إلى يونس ... ، وكذلك فحوت موسى عليه‌السلام كان مفعولا ، مجرد إشارة لوصول المراد ... ، وحوت يونس عليه‌السلام كان فاعلا حيث أوصل موسى إلى المراد وهو هداية الناس ومعرفة الحكمة ... ، موسى عليه‌السلام فقد صبره وهو يتعلم الحكمة مع الخضر عليه‌السلام بعد هروب الحوت ... ، ويونس عليه‌السلام فقد صبره قبل أن يلتقمه الحوت وقبل أن يعلم الناس الحكمة ... ، ومن هنا نجد أن مهمة الحوت فى القصص القرآنى هو الربط بين عالم الظاهر وعالم الحكمة الباطنة ... ، ولكن ما علاقة الصخرة فى القصة القرآنية والنسيان ... ، (أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ) (١) ... ، (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ ، وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) (٢) ... ، إن الصخرة تشير إلى قمة الجهد والتعب فى البحث عن المراد وهى رمز ذروة القساوة والجهد وبعدها يكون الحصول على المطلوب ... ، وهو مبدأ ثابت ، عند وصولك إلى قمة الجهد والتعب تنال ما تريد يقول تعالى (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (٣) ... ، ويقول سبحانه (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (٤) ... ، أى أن الصور القرآنية متكاملة يكمل بعضها بعضا لتحصل على الحكمة النهائية من التصوير القرآنى (٥) ، فلكى تتقى الله حق تقاته عليك أن تبذل أقصى جهد استطاعتك ... ، والشيطان هنا يريد أن يجعل عملية النسيان مستمرة حتى لا يصل الإنسان إلى الحكمة التى يريدها ... ، والملاحظ فى

__________________

(١) سورة الكهف الآية ٦٣.

(٢) نفس الآية السابقة.

(٣) سورة آل عمران الآية ١٠٢.

(٤) سورة التغابن الآية ١٦.

(٥) الحكمة المطلقة


القصة القرآنية أنه بمجرد التقاء موسى عليه‌السلام بالخضر اختفى ذكر الفتى الذى كان يصحبه فى الرحلة ... ، وذلك لأن الفتى هو رمز الأسباب المسخرة لخدمة موسى عليه‌السلام ليصل إلى مراده ... ، وحين يلتقى موسى عليه‌السلام بالخضر ، وهو رمز العلم الباطن فإنه لا حاجة لذكر رمز الأسباب ... ، إن العلم اللدنى يسبقه رحمة الله للعبد نتيجة طاعته ، يقول تعالى (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (١) ... ، لذلك فلكى تصل إلى مرحلة الشفافية ونور العلم يجب أن تمر بثلاثة مراحل ، الأولى هى طاعة الله وتنفيذ أو امره عبر العمل بالأسباب ، الثانية هى الدخول فى رحمة الله تعالى ، والثالثة هى الحصول على العلم اللدنى من الله تعالى وذلك دون الأسباب ... ، إننا فى عالم التكليف تحجب عنا أغطية الغيب فيكون الجزاء فى الآخرة ، حيث غياب الحكمة الباطنة للأمور عن أعيينا يؤجل العقاب إلى دار الآخرة ، حيث ترفع هذه الأغطية ... ، ولكن عند نزول الآيات والمعجزات كما حدث مع الأمم السابقة كخروج الناقة من الصخرة لصالح عليه‌السلام ، وانشقاق البحر لموسى عليه‌السلام ... ، فإن من يكفر بعد ذلك تكون العقوبة فى الدنيا كما حدث لقوم صالح وفرعون الذى رأى انشقاق البحر وأصر على مطاردة موسى عليه‌السلام ... ، إن علم الله محيط بكل شىء وبما لم يتحقق بالنسبة لنا فى عالم المشاهدة يقول تعالى عن أهل الجنة (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) (٢) إنه علم علام الغيوب ... ، إن العبد إذا أخلص فى عبادته يكشف الله له ما هو مستور عن غيره ، ولنا مثل فى قول عمر بن الخطاب مناديا" يا سارية الجبل" ... ، يأمره أن يتخذ الجبل خلفه فى المعركة ، حتى لا يتمكن منه العدو ، فيسمعه سارية ... ، هناك من يفسر الحلم ببصيرة فيتحقق كما أوله المفسر ... ، هناك من كان يريد الحج فامتلأت الباخرة ، وقالوا له هناك باخرة بعد ثلاثة أيام ، فجرى لسانه دون إرادته بعبارة لو توفى أحد ... ، فوجد المسئول يناديه ليركب الباخرة حيث توفى أحد الحجاج على الباخرة ... ، هناك من يرى رؤيا وتتحقق ... ،

__________________

(١) سورة الكهف الآية ٦٥.

(٢) سورة الصافات الآية ٥٠ ، ٥١


وهناك الكثير من الموقف والعبر ... ، سبحانه يعلم كل شىء والحكمة منها فلقد قضى سبحانه ما أراد ... ، وقدر ما شاء ... ، وما يكون ، يقول سبحانه (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١) ... ، كذلك من ينظر إلى القرآن الكريم يجد أن قيومية الله وعلمه بكل شىء ، وتقديره لكل شىء ... ، إن تلك الصفات لله تعالى تقتضى أن يكون الله تعالى هو الحى الباقى الذى لا يغيب عن ملكه لذلك نجد ارتباط صفة الحى بصفة القيوم ... ، (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ... ، كذلك فإن كلمة القيم وردت أربع مرات ، وكلها تأتى مرتبطة بالدين (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) ... ، وذلك لأن الدين يحتوى النور الإلهى والتشريع الذى تقوم عليه كل نواحى الخير بالنسبة للعباد ... ، إن من أركان الإيمان أنه لا بدّ من الإيمان بالقدر خيره وشره ، ولم يقل صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقضاء خيره وشره ، وذلك لأن القضاء لا يأتى بالشر أبدا ، وذلك لأن القضاء هو ما اختاره الله وحكم به وأراده لعبادة ، وهو ما فيه الخير لهم ، والقدر هو ما علمه سبحانه ، وما سيقع ، وما سيختاره الإنسان فى هذه الدنيا ... ، وما يختاره الإنسان لو لا مشيئة الله بأن سخر له الأسباب التى يوجهها باتجاه غايته ، فى نفسه ، وفى الكون حوله ، لما تحقق شىء لما يختاره الإنسان ، لذلك يقول تعال (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢) ... ، إن فى القرآن الكريم مئات الأمثلة التى تثبت أن كل ما فى القرآن الكريم رسما ولفظا هو وحى من الله ، ولا علاقة للبشر أو تدخل فى وحى الله ، وهذا ما تميز به القرآن الكريم عن بقية الرسالات ، فلم ينزل القرآن الكريم بمعنى من السماء يترجمه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما يفهمه الناس ... ، ومن الأمثلة أن سورة نوح عليه‌السلام حروفها ٩٥٠ حرفا يرتبط ذلك بمدة لبث نوح فى قومه ... ، لفظ إبليس يرد ١١ مرة والاستعاذة ١١ مرة ... ، وغير ذلك الكثير من الأمثلة ... ، كذلك كل كلمة فى القرآن الكريم برسمها ومعناها لها خصوصيتها الخاصة التى تصور شيئا يكمل الصورة الأخرى ... ، إن القرآن الكريم يصور أى مسألة من المسائل التى يحملها عبر مشاهد مختلفة فى حلقات مختلفة بحيث تصور كل

__________________

(١) سورة الأنعام الآية ٢٨.

(٢) سورة التكوير الآية ٢٩.


حلقة من هذه الحلقات جانبا من جوانب هذه المسألة ... ، وذلك حتى نرى المسألة من جميع جوانبها لا بدّ من النظر إلى جميع المشاهد التى يصورها القرآن الكريم بالنسبة لتلك المسألة ... ، إن قدرة الله تعالى لا تحيطها العقول ، فلقد قضى الله تعالى ما أراد ، وقدر ما شاء ، وما كان وما يكون ... ، إن ما حدث مع موسى عليه‌السلام وقومه هو طلبهم للماديات ، كرؤية الله جهرة ... ، وأن يأكلوا مما تنبت الأرض وغير ذلك من الأمور المادية ، لذلك نجد أن معجزات موسى عليه‌السلام مادية كالعصا ... ، واليد البيضاء ... ، وغيرها ، لذلك نجد التناظر بين الدنيا وهى تمثل العلم الظاهر وقد وردت ١١٥ مرة وكذلك الآخرة وهى تمثل عالم الغيب وردت أيضا ١١٥ مرة ... ، وأما عيسى عليه‌السلام حيث جاء من غير أب ، أى بغير الأسباب الظاهرة ، والتى يأتى بها البشر ... ، ومعجزاته كإحياء الموتى ... ، وإبراء الأكمه ... ، وإخبارهم بما يأكلون وما يدخرون يدل ذلك أنه جاء بالجانب الروحى الذى يكمل الجانب المادى ... ، كذلك فإن هناك حكمة مطلقة فى رموز القصة القرآنية والحدث القرآنى فمثلا قوله تعالى (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) (١) وكذلك مع موسى عليه‌السلام (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) (٢) ... ، وكذلك ذكر الحوت مع يونس عليه‌السلام وهو يشير إلى الحكمة وبداية النور والهداية ... ، إن رسالة موسى عليه‌السلام إن كانت لمخاطبة الجانب المادى" علم اليقين" ... ، وعيسى يخاطب الجانب الروحى" عين اليقين" ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخاطب الجانبين من أجل السمو إلى عالم الآخرة الباقية وهو" حق اليقين" فما تعلمه موسى عليه‌السلام من الخضر فى خرق السفينة وهى الشيء المادى يرمز لرسالة موسى عليه‌السلام وما حدث من قتل الغلام أى النظر إلى مسألة ما وراء المادة والمكان والزمان وهى العالم الروحى وهى رسالة عيسى عليه‌السلام ... ، وما حدث من إقامة الجدار وهو الشيء المادى ، ثم اختراق أغطية الغيب فى الزمن الماضى (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) (٣) ... ، ثم

__________________

(١) سورة الأعراف الآية ١٣٦.

(٢) سورة الكهف الآية ٦٣.

(٣) سورة الكهف الآية ٨٢.


المستقبل (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما) (١) ... ، وهى إشارة إلى رسالة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم التى اخترقت عالم المادة ، والماضى والمستقبل ... ، إنه تجسيد لرحلتنا عبر الوجود من الدنيا إلى البرزخ ... ، إلى الآخرة ... ، أو عالم الظاهر والأسباب وعالم ما وراء المادة والمكان والزمان وهو البرزخ حيث التحرر من عالم المكان والزمان ، وهو لا يحتاج وقت أو زمن ، فنجد قوله (حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ) (٢) ... ، فالفاء تدل على السرعة ، حيث الغلام يشير إلى الزمن المستقبل وهو ما وراء المادة والمكان والزمان ، فيأتى نكرة وليس معرفا كالسفينة التى تشير للمكان المادى ... ، والغلام يشير إلى المستقبل حيث يرث والده فى المستقبل وهى إشارة لاختراق حاجز المكان والزمان ... ، وأما فى الرحلة الثالثة على أهل القرية نجد قوله سبحانه (اسْتَطْعَما أَهْلَها) (٣) وهى إشارة أنهما استطعما جميع أهل القرية دليل على اختبارهم العقائدى والفكرى لأهل تلك القرية ، وأنهم أبو الضيافة ذاتها ... ، وهذا يثبت أن هدف العبد الصالح لم يكن الطعام ، وإنما امتحان الجانب الفكرى ... ، وهذا يثبت أن الرسالة الأخيرة لا تحمل الظاهر فقط كما فى الرسالة الأولى لموسى عليه‌السلام ... ، أو الروح فقط كما فى رسالة عيسى عليه‌السلام ... ، بل هى موازنة بين المادة والروح والاختبار وفى النهاية هناك أسرار الغيب (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) (٤) ... ، لذلك يجب أن لا يفسر القرآن فى حدود عقولنا المحدودة بالمكان والزمان ... ، ولكن يفسر من منظار الحكمة المطلقة لله تعالى ... ، وإدراك أننا لن نصل إلى كل أسراره ... ، فعلينا بالاستقامة لأن إبليس لا يغوى صاحب الطريق المعوج لأنه أضله وانتهى من ذلك حتى صار من شياطين الإنس ، ولكن يحاول إضلال أهل الطاعات ، ويزين لهم العصية ، يقول تعالى مصورا ذلك (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (٥) ... ، فهو لم

__________________

(١) سورة الكهف الآية ٨٢.

(٢) سورة الكهف ٧٤.

(٣) سورة الكهف الآية ٧٧.

(٤) سورة آل عمران الآية ٧.

(٥) سورة الأعراف الآية ١٦.


يقل لأقعدن لهم على الطريق المعوج ....

إن أعون إبليس لا يجدون منافذهم للنيل من الإسلام إلا عن طريق منافذ الشيطان الأربع من الإمام ... ، والخلف ... ، وعن اليمين ... ، وعن الشمال ... ، فهم يرفعون شعارات تقدمى وهى تشير إلى جهة الإمام ... ، ورجعى وهى تشير إلى جهة الخلف ... ، ويمينى أى جهة اليمين ... ، ويسارى أى جهة الشمال (١) ... ، وأهل الإسلام يبرءون من تلك الجهات ، فهم ليسوا تقدميين يدعون إلى الإباحية والفجور ... ، ولا رجعيين نقول هذا ما وجدنا عليه آباءنا ... ، ولا يساريين ننكر الدين ونناصر الكفر ... ، ولا يمينيين نؤمن بالرأسمالية واستغلال الإنسان ... ، ولكننا أمة محمدية كل أمورنا من الله ووحيه ... ، ومع تلك الفوقية ، فهى أمة لا تزل وى تخشى إلا الله ... ، لذلك فجهات الشيطان التى يأتى منها أربعة ... ، ورغم أن الجهات ست فهو لا يأتى من فوق أو من أسفل ، فالفوقية تشير إلى وحى الله المنزل ... ، والجهة السفلى تمثل الذل والسجود لله ولا يقرب إبليس تلك الجهتين ... ، يقول تعالى عن ذلك مصورا فكر إبليس" ثم لآتينهم من بين أيديهم ، ومن خلفهم ، وعن إيمانهم ، وعن شمائلهم ، ولا تجد أكثرهم شاكرين" (٢) ... ، إن آيات الله تتحقق ، كذلك وحيه لرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إذا سمعتم بالطاعون فى أرض فلا تدخلوا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منه" (٣) ... ، وبالفعل أثبت العلم الحديث أن الإنسان إن فر من المكان سوف تنتشر العدوى بين الكثير من الناس ... ، وإن بقى لم يفر فنه إن شفاه الله لم يصب غيره بالمرض ... ، وكذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" الحمى من فيح جهنم ، فأبردوها بالماء" (٤) ... ، وإشارته لشرب الغسل لمن مرض بطنه ... ، وأمره بالاعتدال فى الطعام والشراب حيث زيادة المواد الدهنية يؤدى إلى تصلب الشرايين ... ، وزيادة المواد البروتينية

__________________

(١) معجزة القرآن ـ الشيخ محمد متولى الشعراوى.

(٢) سورة الأعراف الآية ١٧.

(٣) متفق عليه.

(٤) رواه البخارى وأحمد.


يؤثر على الكبد والكلى وزيادة المواد النشوية يؤدى إلى زيادة السكر فى الدم واختلال فى وظيفة البنكرياس ، وغير ذلك الكثير من الأمراض بسبب الإسراف يقول تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ... ، ويقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه" ... ، " بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا بدّ فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" (١) ... ، إنه وحى الله الخبير ... ، لقد حفظ الله تعالى منهجه فقال سبحانه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ... ، وفى الكتب السابقة كلف الله تعالى عباده بالمحافظة عليها فبدلوا وحرفوا ... ، إن كل نبى سابق كان يأتى بمعجزة كانت تنتهى فى وقتها ... ، ولكن معجزة القرآن الكريم باقية ومستمرة العطاء ... ، وحفظ القرآن مستمر وفى ازدياد حتى غير المسلمين يحفظون كتاب الله ويخرجونه فى أجمل غلاف وأجود الأوراق ... ، ولكن التطبيق قصر فيه الناس ... ، إنها رسالة العطاء والفكر فى كل النواحى ... ، فمثلا ليلة القدر قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" التمسوها فى العشر الأواخر" نجد أن شهر رمضان لو كان ٢٩ يوما فإن العشر الأواخر تبدأ من يوم ٢٠ فتكون هى أول الليالى الوترية رغم أنها زوجية فهى وترية فى الترتيب وزوجية فى العدد ثم ٢١ تكون زوجية فى الترتيب ، وفردية فى العدد ، لذلك فالأفضل التماسها فى العشر الأواخر ... ، إنها رسالة الله ... ، ووحيه لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعلينا بالتصديق يقول تعالى (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (٢) ... ، إن الله تعالى حين أخبرنا أنه يرينا آياته فى الآفاق ولم يقل فى الأفق ... ، لأن الآفاق تعنى جميع النواحى والعلوم فى كون الله الممتد ... ، كعلوم الأرض ... ، والذرة ... ، والكيمياء ... ، والأجنة ... ، والبحار ... ، يقول تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (٣) ... ، لقد فرق القرآن الكريم حجب الغيب الثلاثة حجاب الزمن الماضى ... وحجاب الحاضر ... والمستقبل ... ، بل دخل إلى أعماق

__________________

(١) رواه البخارى وأحمد.

(٢) سورة الملك الآية ١٨.

(٣) سورة سبأ الآية ٢٨.


النفس البشرية ليظهر ما يخبئه الإنسان ، وكما أشرنا سابقا فى الرحلة الثالثة للخضر وموسى عليه‌السلام (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) (١) ... ، والمستقبل يشمل البعيد وهو ما يحدث يوم القيامة ... ، والقريب مثل التنبؤ بنتائج حروب ومصائر الشعوب ، والإعجازات فى العلوم المختلفة ... ، إنه الكتاب المعجز فى كل زمان ... ، لقد تحدى الله تعالى العرب بالإعجاز اللغوى ، لذلك طلب منهم أن يأتوا بسورة من مثله ثم لم يستطيعوا ... ، ثم تحدى الجاحدون بعد ذلك بظهور الإعجاز العلمى ... ، وقبل ذلك تحدى الله بخلق الذبابة ... ، أو صنع قطرة ماء ... ، أو الهروب من الموت ... ، أو معرفة عالم الغيب ... ، إن الله تعالى قد أخبرنا بمراحل الخلق وهى التراب ... ، ثم الطين ... ، ثم الحمأ المسنون ... ، ثم يجف فيكون الصلصال ... ، ثم نفخ فيه الروح ... ، والموت يثبت ذلك حيث إنه عكس عملية الخلق حيث تخرج الروح ... ، ثم يتيبس الجسم ويتصلب ، مرحلة الصلصال كالفخار ... ، ثم يرم وهى مرحلة الحمأ المسنون ... ، ثم يتبخر الماء من الجسم شيئا فشيئا فيمر الإنسان بمرحلة الطين ثم يجف تماما حتى يصير ترابا وهذا بالفعل هو عكس البناء فإذا كانت الروح هى آخر شىء دخل جسم الإنسان بعد خلقه حيث بدأ الخلق بالتراب ثم الطين ثم الحمأ المسنون ثم الصلصال كالفخار ثم تنفخ الروح ، ونجد أن المراحل السابقة التى يمر بها الإنسان بعد موته هى عكس مراحل البناء لذلك فإن هناك قاعدة تنص على أن نقض كل شىء يأتى عكس بنائه (٢) ... ، لذلك فالروح هى أول ما يخرج من جسم الإنسان عند الموت بعكس الحياة كانت آخر شىء يدخل جسده ... ، فالموت دليل على إثبات مراحل الخلق التى اخبر بها الله تعالى ... ، فسبحانه فى كل وقت وحين ... ، وإذا كان العلم الحديث اكتشف الذرة وأقل منها يقول ـ سبحانه (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ ، وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٣) ... ، فعلينا بتصديق رسالة

__________________

(١) سورة الكهف الآية ٧٧.

(٢) ذكر ذلك الشيخ محمد متولى الشعراوى ـ فى معجزة القرآن.

(٣) سورة يونس الآية ٦١.


الله تعالى (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) ... ، إن بطشه شديد والآيات تظهر ، وخير الله يعمنا فلا نجحد ... ، بل علينا أن نشكر ... ، ونطهر انفسنا من الشح لأنه أهلك من كانوا قبلنا ، حملهم على سفك دمائهم ... ، وأكل أموالهم ... ، واستحلوا حرمات الله ... ، لقد نظروا للشهوات الزائلة ولم يهذبوا شهواتهم بالرضا والقناعة وعدم النظر إلى ما متع الله به الغير ، وإذا كان العلم الحديث قد اثبت أن مركز الاحساس بالألم تحت الجلد ، فإن العلماء قد أثبتوا فى عصرنا أن مركز الاحساس عن طريق البصيلات الحسية تحت الجلد ... ، وإذا احترق الجلد عند درجة معينة انتهى الاحساس بالألم ، وهى أن كل سم فى الجلد يستقبل ٨٠٠ مؤثر والأذن والعين كل منهما يستقبل ١٨ مؤثر ولو زاد العدد فقد الاحساس ... ، وإذا كان عصر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان الناس يعرفون مشرقا للشمس من عند هذا الجبل مثلا ومغربا من عند هذه الشجرة ... ، ولكن فى عصرنا اكتشف العلماء دوران الأرض وكل بلد لها مشرق ومغرب يختلف عن الأخرى ... ، وهناك بلاد عليها ليل ، وأخرى عليها نهار ... ، فنجد قوله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) (١) ... ، فلكى تفوز لا بدّ أن تسير بنور القرآن الكريم والسنة النبوية وفى ذلك الفوز فى الدنيا والآخرة ... ، لقد حفظ القرآن الكريم أولا فى الصدور حيث كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أميا لا يقرأ ولا يكتب ونشأ وسط أمة أمية ، لذلك منحهم الله تعالى ملكة الحفظ قال تعالى (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (٢) ... ، لقد جمع القرآن أولا فى الصدور ليطبق المسلمون ما استقر فى قلوبهم وصدورهم ... ، وحين كثرت الغزوات وقتل عدد كبير من حفظة القرآن الكريم اجتمع أبى بكر وعمر بن الخطاب واستقروا على رأى جمعه فى كتاب خشية ضياعه مع كثرة الغزوات ، فبدأ الصحابة فى جمعه بكل دقة وكان هذا بتوفيق الله تعالى حيث أخبرنا سبحانه بقوله (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (٣) ... ، وبعد جمعه قرأه الناس

__________________

(١) سورة المعارج الآية ٤٠

(٢) سورة القيامة الآية ١٧

(٣) سورة القيامة الآية ١٧


فى المصاحف كما وعد الله سبحانه ....

لقد منح الله تعالى العرب ذاكرة قوية ، وملكة حاضرة ، وكانوا يحفظون آلاف الأبيات ويحفظون الأف من الأنساب ... ، ومعظمهم كانوا يحفظون المعلقات العشر وهى أبيات طويلة معقدة الألفاظ وحين انشرحت صدورهم للقرآن الكريم تركوا الشعر والنثر وحفظوا القرآن الكريم ... ، وكان الرجل يعلم زوجته وأولاده القرآن ويحرص على ذلك ... ، وكان يسمع من كل بيت كدوى النحل عند قيام الليل ولكننا هجرنا القرآن وهو نور الدنيا والآخرة ... ، وتركنا قيام الليل وهو نور وجهك ونور فى قبرك ... ، إن القرآن نور يبدو فى كل زمان فلا تصادم بين القرآن والعلم ، وما يعلمه الإنسان هو ما يأذن به الله تعالى للإنسان ليرينا آياته فنعرفها (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها) (١) ... ، فحين وجد العلماء أن نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس بلاده عليها النهار والنصف البعيد بلاده عليها الليل نجد قوله تعالى (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) (٢) ... ، إننا لكى نفوز لا بدّ أن نسير بنور القرآن الكريم والسنة النبوية وفى ذلك الفوز فى الدنيا والآخرة ... ، فعليك برضا الله ... ، ورضا والديك ... ، والمعاملة بالإحسان ... ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ورضا الله فى رضا الوالدين وسخط الله فى سخط الوالدين" ... ، ولا يدخل الجنة قاطع الرحم ... ، وآكل الربا ... ، والمنافق ... ، والبخيل ... ، والمتكبر ... ، وكل من ظلم ولم يتب إلى ربه ويرد المظالم ... ، إن من يزرع خيرا يجد خيرا ... ، وبذور الخير تأتى بثمرات الخير ... ، فهناك الأنبياء ... ، والعلماء ... ، والصالحين ... ، (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) (٣) ... ، لقد انتقل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين الأصلاب الطاهرة ... ، وأما بذور الشر فتثمر ثمرات الشر ... ، ولكن أمر الله غالب ، فهو يهدى من يشاء ويضل من يشاء ... ، فعلينا بذكر الله ... ، والتسمية قبل كل شىء ... ، وإلقاء السلام على الأهل وعلى من نعرف ومن لا نعرف ... ، واحذر الغفلة أخى المسلم ... ، وتذكر

__________________

(١) سورة النمل الآية ٩٣.

(٢) سورة يس الآية ٤٠.

(٣) سورة آل عمران الآية ٣٤.


عذاب الخاسرون ، يقول سبحانه (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ) (١) ... ، وقوله سبحانه (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) (٢) ... ، وقوله تعالى (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) (٣) ... ، وقوله تعالى (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) (٤) ... ، وتذكر أيضا نعيم الفائزون يقول تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (٥) ... ، ويقول سبحانه (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَماءٍ مَسْكُوبٍ وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ) (٦) ويقول تعالى (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (٧) ... ، وقوله تعالى (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) (٨) ... ، إن التمسك بديننا خير فى جميع الأحوال ... ، فى السراء والضراء ... ، فى المحيا والممات والشهادة ... ، فى الدنيا والآخرة ... ، فعلينا بفعل الخير لأن الأعمال بالخواتيم ، يؤكد لى أحد المغسلين الأمناء ، وقد تقابلنا فى الطريق قاصدين المسجد ، يؤكد لى أن من الناس الصالحين من يستر عورته عند غسل جانبه الأيمن ، وكذلك الأمر عند غسل جانبه الأيسر ، وكذلك عند جلوسه ، حتى ظن من يساعدونه أنه لم يزل حيا ... ، وتؤكد لى إحدى النساء أن إحدى الحاضرات معها وهى ابنة المتوفاة أخذت تزغرد بجانبها حيث وجدت أمها تبتسم ... ، كذلك بعد مرور أكثر من خمسة عشر عاما على بعض الجنود فى حرب أكتوبر ، يؤكد من شاهد نقل جثمانهم أن أجسادهم كانت كما هى ، وعلى وجوههم ابتسامة يدركها من ينظر إليهم ، يقول الراوى لو لا إنى شاهدت ذلك بنفسى ما تحدثت بذلك ... ، وهناك الكثير من مثل تلك المواقف ... ، فهناك من رأت كأنها فى الحرم وأمامها الكعبة ومن حولها الأنوار ... ، وهناك من عصى الله فكانت

__________________

(١) سورة الملك الآية ٧.

(٢) سورة الفجر الآية ٢٣

(٣) سورة غافر الآيات ٧١ ، ٧٢

(٤) سورة الحج الآية ١٩

(٥) سورة يونس الآية ٢٦

(٦) سورة الواقعة الآيات ٢٧ ـ ٣٢.

(٧) سورة الطور الآية ٢٢

(٨) سورة الإنسان الآية ١١


خاتمته من جنس عمله ... ، وهناك من أصيبت بالمس فنطق الجن على لسانها للحاضرين ، لقد أصابت ولدى بسكب الماء الساخن دون تسميه وهناك من التصقت يدها بجسد من تقوم بتغسيلها لأنها قذفتها بالزنا ... ، فعلينا بالإحسان فى المعاملة ... ، وبر الوالدين ... ، " فمن كان له والدان يحسن إليهما محتسبا ، فتح الله له بابين فى الجنة ، وإن كان واحدا فواحد ... ، وإن غضب أحدهما لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه ... ، قيل وإن ظلماه؟ قال وإن ظلماه" ... ، ولنجتهد فى طاعة الله وتنفيذ أوامره ونخشع فى عبادتنا ، فصلاتك ليس لك إلا ما عقلت منها ... ، واعلم أن الله تعالى ينزل فى الثلث الآخر من الليل ، وينادى هل من مستغفر فاغفر له ... ، هل من سائل فأعطيه ... ، هل من مريض فأشفيه ... ، وهكذا حتى يطلع الفجر ... ، واعلم أن الله تعالى ينظر لعباده جميعا فى أول ليلة من رمضان فاحرص على أن ترى الله منك خيرا لأن من نظر الله إليه لا يعذبه أبدا ... ، وفى آخر ليلة من رمضان ... ، يغفر لعباده الصائمين جميعا ... ، فعليك بحفظ صيامك من خمس يفطرن الصائم كما أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، وهم" الغيبة ... ، والنميمة ... ، والكذب ... ، والنظر بشهوة ... ، واليمين الغموس" (١) ... ، واحذر المعاصى فالملائكة تستغفر للصائم بالليل والنهار ... ، واعلم أن صيام يوم فى سبيل الله يباعد وجهك عن النار سبعين خريفا ... ، فاحرص على صيام الاثنين والخميس ... ، وثلاثة أيام من كل شهر ... ، وصيام ستة أيام من شوال ... ، وأكثر من الخير فى العشر الأوائل من ذى الحجة ، واعلم أن قيام الليلة فى هذه الأيام يعدل قيام ليلة القدر ... ، وصيام يوم يعدل صيام سنة ... ، وختام الصلاة يغفر بها الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر ... ، وأكثر من التسبيح حتى لا تكون من أهل الأعراف الذين استوت حسناتهم بسيئاتهم ، وأكثر من سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ... ، والله أكبر ... ، وسبحان الله العظيم وبحمده ... ، وأكثر من الاستغفار حتى تصعد صفحتك بيضاء ... ، واحرص أن ينبت جسدك وجسد أولادك من الحلال حتى يضاء لكم على الصراط يقول تعالى (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (٢) ... ، ويقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به"

__________________

(١) صفات جاءت متفرقة فى أحاديث مختلفة ومنها" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه" ... رواه البخارى وأبو داود ـ وتقدم ذكر حديث عن الغيبة.

(٢) سورة الحديد الآية ١٢.


إن الإنسان يتدرج فى اختباره وهو يبحث ويجتهد حتى يصل من علم اليقين حتى حق اليقين وفى النهاية عين اليقين ، وعندها يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه ... ، وهى درجة الإحسان التى يريدها الله من العبد ... ، هذا العبد يصل إلى درجة عالية من الخلق الحسن ، والنظام ، والنظافة ... ، ويكون سلاما مع كل شىء ... ، لقد قضى الله تعالى ما أراد ... ، وقدر ما شاء ... ، وما يكون ... ، فعليك بالرضا فى أمره وقضائه ، وطهر نفسك من سيطرة الشهوات لترى النور ... ، ولا تكن أسيرا لظلمتها ... ، وأعلم أن الهدى والضلال وتقسيم الأرزاق وشدة النار وجمال الجنة ... ، كلها أمور غيب لا يعلمها إلا الله فهو أعلم بالقلوب وما تستحق ... ، وعليك بالتسليم ولا تتعجب من شىء ، طالما أن المشرع هو العليم الخبير ، وله حكمة فى كل شىء ، ويبدو ذلك فى نفسك ، وفى الكون حولك وفى اعجازات الرسالة ... ، واعلم أن من غضب الله على العبد أن يرزقه من الحرام ، وإذا وجدت العبد يقول أنا مضطر لذلك ، فتذكر ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" اعملوا ، فكل ميسر" (١) أى لما خلق له ... ، وعليك بالزهد ، والرضا بقسمة الله وتنفيذ أمره ... ، وعليك بيقين الرسل والأنبياء ، ما دمت قد آمنت بما جاءوا به ، والأدلة من حولك للناظرين المتأملين ... ، واجعل شعارك اليقين ، والتصديق ... ، واحمد الله أن ربك الله وأنه وعدنا بالخير ، وأن فضله يؤتيه من يشاء ... ، فالحمد لله على فضله كما ينبغى لجلال وجهه وعظيم سلطانه ... ، أكثر من الصمت إلا فى ذكر الله ... ، وأعلم أن الله معك أينما كنت ... ، ولا تهن نفسك أو تحزن إن كنت من المؤمنين ... ، وأعلم أن تبسمك فى وجه أخيك صدقة ... ، وأن كون الله كله فى طواف وتسبيح ... ، من الذرة إلى المجرة ... ، وإلى كل الكائنات ... ، فالحمد لله أن الله يرينا آياته ... ، والحمد لله أن الله ربنا ... ، والحمد لله أن القرآن الكريم دستورنا ... ، وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسولنا وقدوتنا ... ، والحمد لله على نعمة الإسلام ... ، والحمد لله على ما رزقنا ... ، والحمد لله على نعمة الخلق والأمن والأمان ... ، فعلينا جميعا أن نحذر من الكبر

__________________

(١) جزء من حديث رواه مسلم ـ الأحاديث القدسية للإمام محى الدين النووى ص ١٨


حيث يضيع به العلم بل وتضيع معه الجنة ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لا يدخل الجنة إنسان فى قلبه مثقال حبة من خردل من كبر" (١) ... ، ومن تواضع زاد علما وحكمه ... ، وفى الحديث" ... فإذا تواضع قيل للملك : ارفع حكمته وإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته" (٢) ... ، ويقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من تواضع لأخيه المسلم رفعه الله ومن ارتفع عليه وضعه الله" (٣) ... ، واعلم أن فعل الصالحات يجعلك تعيش حياة طيبة كما وعد الله تعالى ... ، ومن يعرض عن الذكر فإن له الضنك فى الدنيا بل ويحشر أعمى يوم القيامة ... ، إن الله سبحانه هو المحيط بكل شىء وكل إنسان لأن عقله محدود فإنه يعيش فى محيط أفكاره وآماله وهمومه فقط ... ، إن الكون ملئ بالآيات والعبر ، لنا عبرة فى الطيور حيث تكفل الله تعالى لها بالرزق ، ولها لغات وأسرار ، فالببغاء يردد ما يسمعه ... ، والحيتان تتخاطب وتتبادل الأفكار ... ، والنحل يخبر شغالاته بمواقع أفضل الزهور ... ، والنمل ينظم مملكته تنظيما دقيقا ... ، وغير ذلك الكثير ... ، ويكفى أن نتأمل قدرة الله فى صنع درقة السلحفاة لحمايتها من الأعداء ... ، ولا بد أن نعرف أن مع الإيمان هناك ابتلاء (أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (٤) ... ، واعلم أن الطائعين لا يحزنون فى الدنيا والآخرة ولا يرهق وجوههم الحزن أو الذلة ولهم الحسنى وزيادة ... ، وهى رؤية الله تبارك وتعالى ... ، ولكى تنال ذلك لا بدّ أن تتخلص من أسر الشهوات ، واعلم أن المحروم هو من غضب الله عليه ، وعليك بكتاب الله تعالى ، فلقد نال أبى بكر الصديق مكانته التى وصل إليها بتنفيذ أوامر الله ، وكذلك عمر بن الخطاب ، وعثمان رضى الله عنهما ... ، ووصل على بن أبى طالب رضى الله عنه إلى مكانته فى الحكمة والعلم والقضاء بالاستنباط من كتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، واعلم أن الطاعة ... ، والأنس بالله ... ، والإنفاق على الفقراء ، ومعاملة الناس بالحسنى هو الطريق إلى رحمة الله فلا خوف ولا حزن يوم القيامة والمحروم من غضب الله عليه

__________________

(١) رواه أحمد فى الصحيح ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث ص ٥٦٦.

(٢) رواه الطبرانى والبراء وإسنادهما حسن ـ الترغيب والترهيب ص ٥٦١.

(٣) رواه الطبرانى فى الأوسط ـ وتخريجه بالمرجع السابق.

(٤) سورة العنكبوت الآية ٢.


فاللهم (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (١) والحمد لله على فضله سبحانه فى كل شىء ... ، خلق عزوجل الكون وما يحتاجه الإنسان ، وعلينا فقط أن نسعى وندعوه بإخلاص لننال ما نريد من نعمه بإذنه ومع تلك النعم فإن من رحمته سبحانه أن أنعم علينا برسالة الهدى وما تحتويه من نواحى الاعجاز للتذكرة والثبات ....

إن من الإعجازات ، أن النبى أمى لا يقرأ ولا يكتب ، ويكون هو معلم البشرية كلها ، ونحن نجد أن السنة النبوية فيها الكثير من ألوان الإعجاز ، فى المجال الطبى ... ، والكونى ... ، واللغوى ... ، وغير ذلك الكثير من مختلف الحقائق فى المجالات المختلفة ... ، ومن الإعجازات القرآنية تحويل القبلة ... ، والعتاب إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى بعض الآيات ، ليس لإثبات خطأ او تقصير ... ، ولكن لإثبات أنه وحى الله تعالى الذى لا يخطر بالعقول ... ، ونفى الظن بأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأتى بشيء من عنده ... ، فسبحان القادر على كل شىء مالك السماوات والأرض ... ، العزيز القهار ... ، القادر على خلقه. ، ولكنه يرحمهم ... ، (أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ) (٢) فوجب علينا الذل لله والطاعة ... ، والذكر والاستغفار وحمد الله وشكره فى كل وقت ، إن ذكر الله تعالى والاستغفار وحمد الله مع الذل والطاعة يظهر العبد فى صورة من التواضع يحبها الله تعالى ، تملأ العبد صفاء ... ، ومن تواضع لله رفعه ... ، لقد شرب الإمام الحاكم مصنف الحديث الشريف من ماء زمزم وسأل ربه حسن التصنيف ، فأصبح من أوثق رجال التصنيف والحديث ... ، إن عملك يبدو عند خاتمتك ... ، فهذا شيخ يحكى لى أنه ذهب يلقن إحدى النساء الشهادتين عند احتضارها ... ، فكان آخر ما قالت كلمة نهار ... ، وكلمة طين ... ، وحين سأل عن حالها ، قالوا كانت تنوح وسط النساء كلما توفى أحد الجيران ... ، هناك من دخلوا عليه أناس ، قد أوصى بأن لا يغسلوه

__________________

(١) سورة الفاتحة الآيات ٦ ، ٧.

(٢) سورة الملك الآية ١٦.


وحين دفعوا الباب على المغسل الآخر ، فإذا به يستر عورته ... ، ومن توفيت ووليدها فى بطنها فوجدوها تبتسم ووجهها مضيء ... ، ولم لا وقد أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الشهداء فذكر منهم ... ، " والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة" ... ، يجرها ولدها بسرره إلى الجنة (يعنى بجبل المشيمة) ... ، وهناك من غمرتها السعادة حين رأت أمها تبتسم عند الغسل ... ، وهناك من يميل بخده عند تقبيله ... ، وهناك من يفتح إحدى عينيه كأنه يوصى بشيء ... ، وهناك من صبر على المرض سنوات ، وعند خلع ملابسه لتغسيله وضع كلتا يديه على عورته ... ، يروى لى عم هذا الشاب أنهم غسلوه على وضعه هذا ... ، وكان شابا صابرا حافظا للقرآن الكريم ... ، هناك من رأت فى رؤيتها إهداء يذكرها بالقرآن الكريم ... ، ورأت فى رؤيتها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتركت زينة الدنيا والتزمت بارتداء الحجاب ، وعكفت على وعظ من تعرفهم بالخير ... ، وهناك مغسلة التصقت يدها بمن تغسلها حين رمتها بالزنا ... ، ولم ترتفع يدها حتى أشار الإمام مالك بجلدها ثمانين جلدة ... ، وهناك الكثير ممن شاهدوا بعض ذويهم من الصالحين ، منهم من يبتسم ، ومنهم من يحرك يديه ليستر عورته وصدق سبحانه وتعالى حين يخبرنا بقوله (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (١) ... ، أى أن المتوفى يكون أقوى بصيرة فى كشف الأشياء حيث أنه تخلص من الجسد المادى ومن قيود شهواته التى كانت تحجب عنه الكثير من الأسرار والمكاشفات ... ، لذلك فالصيام فرصة للارتقاء الروحى لأنك وقتها لست أسيرا لشهواتك ... ، إن أحب العباد إلى الله من تحلى بالخلق الحسن ... ، فلقد جاء وفد إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا" يا رسول الله من أحب عباد الله إلى الله؟ قال" احسنهم خلقا" (٢) ... ، فعلينا بحسن الخلق حتى ترتفع درجاتنا فى الجنة ، إن ما بين الدرجتين فى الجنة كما بين السماء والأرض ... ، إن أكثر ما يدخل الناس الجنة ... ، قال عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق (٣) ".

__________________

(١) سورة ق الآية ٢٢.

(٢) رواه الهيثمى.

(٣) رواه الترمذى.


يقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا" (١) وأقرب الناس مجلسا من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصفهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله" إن اقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا" ... ، أكمل المؤمنين إيمانا هم أصحاب الأخلاق الحسنة الطيبة ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم لنسائهم" ... ، ويقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ما من شىء أثقل فى ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق" (٢) ... ، إن كل شىء فى الكون يسبح الله عزوجل فطواف الالكترون حول النواة فى الذرة ، وطواف المجرات ، والطواف حول البيت الحرام ... ، هى حركة تشير إلى تسبيح الخالق ... ، هناك عالمة روسية كانت تدرس لرواد الفضاء أن الارتفاع أكثر من ٢٥ ألف قدم فوق سطح البحر وهو ارتفاع يقل فيه الأكسجين والضغط ، فيرتفع الحجاب الحاجز فيضغط على الرئة ، فيصبح التنفس صعبا ولم يتم لهم معرفة ذلك إلا من نحو مائة عام منذ اختراع المنطاد وتطور أجهزة الفضاء ، وهى تتعجب من ذكر تلك الحقيقة فى القرآن الكريم منذ ألف وأربعمائة عام فى قوله تعالى (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (٣) ... ، إن هناك أكثر من ألف وثلاثمائة آية قرآنية وسبعة آلاف حديث تتناول قضايا الإعجاز فى الحياة ... ، والكون ... ، والإنسان ... ، فسبحان القادر ... ، ويتعجب أيضا البروفسور ولسن أستاذ الفيزياء بجامعة لندن وكانت له أبحاث فى خروج الروح ، من النائم وقال إنه توصل من خلال أبحاثه أن الروح تخرج من النائم عند ما يصل إلى مرحلة الزغللة (٤) ... ، كما تخرج من الميت ... ، إلا أنها تعود إليه مرة أخرى ، وعند ما انتهى من حديثه أشار إليه العلماء المسلمون بمؤتمر الإعجاز بالقاهرة بقوله تعالى (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ، وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ... ، فقال عمرى الآن سبعون عاما فأريد أن أموت على هذا الدين ... ،

__________________

(١) رواه السيوطى.

(٢) رواه أبو داود.

(٣) سورة الأنعام الآية ١٢٥.

(٤) ذكر ذلك الشيخ عبد المجيد الزندانى ـ فى حديثه عن الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم


لقد بحث عن هذه الحقيقة عند الرومان ... ، واليونان ... ، والفرس ... ، وبحث فى كتب القدماء المصريين ، ولم يجد تفسيرا لاكتشافه إلا فى تلك الآية الكريمة ... ، إن فى حركة الإنسان الإرادية واللاإرادية تسبيح للخالق ... ، وفى رحلات الطيور ... ، والفراشات ... ، ونمو النباتات ... ، وكل شىء فى الكون ... ، وكل حركة طوعا أو كرها هى سجود لله تعالى ... ، والإنسان أولى بالسجود من غيره من الكائنات حيث خلقه الله ولم يكن شيئا ورزقه ، وبين له طريق الهدى ، ووفقه إلى الإسلام بعلمه بأسراره وبواطنه ، فاللهم لا تتخلّ عنا وثبتنا على طريق الخير ... ، وهو يرحم وهو القادر على العذاب ... ، ورغم ذلك هو أرحم بنا من الوالدة بولدها ... ، فاللهم ارحمنا من النار ... ، وزمهريرها ... ، وسلاسلها ... ، وخزنتها ... ، ولذلك فلا تظلم فمن حرم صاحب إرث من ميراثه حرمه الله من ميراثه فى الجنة ... ، وتصدق بالطيب ، لأن الصدقة تقع فى يد الله قبل أن تقع فى يد الفقير ... ، وعليك بما استطعت من الخير ... ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ... ، واعلم أن اليقين جعل من الناس من أقسم على الله فأبره كعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه فى إحدى الغزوات حين طلب من ربه أن يعبر بالجيش ولا يغرق منه أحد (١) ... ، ولنا مثل فى قوة إيمان إبراهيم عليه‌السلام حيث لم يهرب وهم يعدون له النار لالقائه فيها ... ، وترك أولاده فى صحراء ... ، فلا تشرك بالله وإن قتلت وحرقت ... ، وأعلم أن التشدد يؤدى إلى الهلاك" هلك المتنطعون" ... ، وعليك بحدود نفسك وتذكر الجنة والألم والنار الزمهرير ... ، ولا تفتتن بمن قصر حولك ، وادع بالحكمة والموعظة الحسنة ... ، واحذر الدين فهو هم بالليل والنهار ... ، وأعلم أن كل ما يأمر به الله تعالى خير ... ، وله حكمة ... ، كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم رحيما بالناس ... ، لا يغضب ولا يستفذ إلا إذا انتهكت حرمات الله ... ، وكان متواضعا ... ، لا يرد سائلا ... ، يعدل فى كل شىء ... ، ويأمر بتعهد الجيران وإكثار المرق ... ، وأمر بإنفاق الفضل من المال ... ، والزاد ... ، والظهر (٢) ... ، لمن لا يمتلك ذلك ... ، إن من رزق

__________________

(١) وقد تكرر ذلك مع الصحابى سعد بن أبى وقاص فى معركة القادسية ـ أنظر البداية والنهاية.

(٢) الظهر ـ المراد الركوبة من جمل وفرس أو ما يؤدى معناها.


شفافية النفس ... ، تتحقق رؤياه كفلق الصبح ... ، ويمكن أن يمثل بشيء لتوصيل المعلومة للغير ، فيتحقق هذا الشيء ... ، إن كل شىء فى هذا الكون يفنى إلا خالق السماء والأرض ... ، وحين يأذن سبحانه برجوع كل شىء يرجع كل شىء بتردداته وذبذباته ... ، ولا ينقضى من الكائن أو الجسد مثقال ذرة ... ، يقول تعالى (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) ... ، فعليك أخى المسلم بفعل الخير ... ، وإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك واعلم أن اجتهادك فيما ضمن لك وتقصيرك ، فيما طلب منك ، دليل على انطماس البصيرة منك ... ، لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح فى الدعاء موجبا ليأسك ... ، فسبحانه قد ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك ، لا فيما تختاره لنفسك ... ، وفى الوقت الذى يريد ... ، لا فى الوقت الذى تريد ... ، واعلم أن هناك الاختبار فما يحيرك ويغيب عنك فتنة ... ، فسبحان من أنعم ... ، وسبحان العاطى والمانع ... ، والعالم بالأسرار ... ، معرفته فوق كل شىء ... ، والفائز من أطاعه ... ، فى كل أمر ... ، فاللهم لا تحرمنا بذنب ... ، ووفقنا لما يرضيك ... ، فالحمد لله أنك ربنا ... ، والحمد لله على ما خلقت ... ، والحمد لله على ما وعدت وسبحانك أنت الخالق المنعم ... ، والحمد لله على ما أمرت ... ، والحمد لله على ما أحللت ... ، والحمد لله على ما لطفت ... ، والحمد لله على نعمة النظر إليك والخلود فى الجنة بلا حرمان ... ، فعلينا بالتوبة والعلم بأنه. ، ـ لا يستقيم قول إلا بعمل ولا يستقيم عمل إلا بنية ، ولا يقبل عمل إلا إذا كان خالصا لوجه الله تعالى موافقا للسنة ... ، والنية الخالصة لله تكسبك الأجر الكثير وإن تعذر العمل ... ، والإخلاص سر يمنحه الله من أحبه.

ـ الله يخلق ما يشاء ويختار حيث يضع الهدى فى القلوب الطاهرة النقية ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد شرا فلا يلومن إلا نفسه ... ، فسبحان من يجعل الهدى والضلال فى مكانهما المناسب ....

ـ لا تبخل بالطعام والكساء على الفقراء وأهلك حتى يرزقك الله ، فالشحيح لا يدخل الجنة" ....

ـ لقد نظر صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ذنوب أمته ، فلم ير أعظم ممن أوتى آية فنسيها ....


ـ من شكر نفعه الله بالنعمة فى الدنيا والآخرة ، ومن جحد لم ينتفع فى الدنيا وله النار فى الآخرة ... ،

ـ إن من صور الإعجاز العلمى أن الضوضاء إذا تجاوزت مائة ديسبل يكون الإنسان فى مرحلة الخطر حيث التعرض للعديد من الأمراض ووجد العلماء أن صوت الحمير يتجاوز هذا الرقم ... (١) ، يقول تعالى (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (٢).

ـ تأمل إبداع الله فى خلق الإبل ، وانظر إلى الجمل الذى تنثنى أذنه للخلف للوقاية من الرمال ... ، وسيقانه الطويلة لقطع المسافات ... ، وللوقاية من حرارة الأرض ... ، وسنامه الذى يجعله عموديا بالنسبة لحرارة الشمس ، فتتشتت الحرارة على جانبيه وتكتل كمية كبيرة من الدهون فى السنام حتى لا تنتشر فى جسده فيشعر بالحرارة وله منخارين ينغلقا كليا ، والعينان ترتفعان فوق الرأس وللخلف لعدم التعرض للرمال ... ، لا يلهث ، ولا يتنفس من فمه ... ، تنخفض حرارته فى الصباح وترتفع تدرجيا إلى ست درجات بالتدريج ... ، ولونه فاتح ... ، ولزوجة دمه ثابتة رغم نقصان الماء بعكس الحيوانات الأخرى لذلك يسير أكثر من عشرين ميلا وهو يحمل أكثر من نصف طن ... ، ويستطيع قطع مسافة ٥٠ ميلا فى اليوم متحملا الجوع والعطش ... ، فهو يصبر شهرين فى الشتاء ، ومن أسبوع إلى أسبوعين فى قيظ الصيف حيث يحفظ الماء فى أنسجة الجسم ، التى تقل بها الغدد العرقية ، وجلده غليظ ويحميه الشعر من شدة الحرارة ... ، يعمل الارتفاع فى حرارة جسمه على نقص استخدام الأكسجين وذلك يبطئ من التمثيل الغذائى.

ـ لا تغتر بعملك فالأمر شديد الخطب يوم القيام ... ، حيث تدنو الشمس من الرءوس ... ، وحيث تطاير الصحف والميزان ... ، وعبور الصراط ... ، واعلم أن من دعا الناس إلى الخير ذكره الناس بالخير ... ، وأطعم الفقير واكسوه حتى يطعمك الله ويكسوك.

ـ كان هناك رجلا يدعى أبا ضمضم ، إذا أصبح قال اللهم إنى وهبت نفسى وعرضى

__________________

(١) ذكر ذلك الدكتور ـ زغلول النجار ـ فى إشاراته عن الاعجاز العلمى فى القرآن

(٢) سورة لقمان الآية ٢٩


لك ، أى يعفو عن كل من يسئ إليه ... ، لذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم للصحابة" أ يعجز أحدكم أن يكون كأبى ضمضم" (١) ... ، فمن أتاه من يعتذر له ولم يقبل لم يرد على الحوض ... ، وفى حديث آخر" كان له من الوزر مثل صاحب مكس" ... ، وهو الذى يجبى الضرائب ويظلم الناس ....

ـ إياك وزخرف الدنيا والشهوات ولا تجادل فى أمر الملك الخبير ، فكل من تعب وشقى فى الدنيا والآخرة كذّب بالأمر ونصيحة ربه واتبع هواه ... ، واعلم أن الهزيمة والخسران إن خسرت رضا ربك.

ـ إن المغتاب يقرب له لحم أخيه ميتا ويأكل منه يوم القيامة فيصرخ ويضج ، فإياك والغيبة ....

ـ أرسل الله تعالى الطوفان على بنى إسرائيل فلم يرجعوا وزرعوا ونما زرعهم فأرسل الله عليهم الجراد فأكل من زرعهم الكثير ثم كشف عنهم العذاب ، فخزنوا الحب ولم يرجعوا ، فأرسل الله عليهم القمل والسوس فأكل الحب ، ثم أرهقهم بالضفادع والدم ... ، أهلكهم الجدل والجحود والإصرار على المعاصى.

ـ الصبر نور العقل والقلب والغضب والجذع ظلمة العقل والقلب ... ، والفقر فخر ما دام مستورا ، فإذا ظهر ذهب نوره.

ـ إن من جاهدوا بأموالهم وأنفسهم أعظم درجه من الذين جاهدوا بأموالهم يبشرهم الله بالرضا وفى الآخرة لهم النعيم المقيم.

ـ من كرامات الصالحين من يبدو النور فى وجهه ... ، ومن يبتسم أثناء الغسل ... ، ومن يستر نفسه بيده عند اندفاع الباب فجأه ، وهم رجالا صالحين أو نساء صالحات.

ـ عن رباح بن عمرو القيس قال : شأن العاقل أن لا يجعل لبطنه على عقله سبيلا.

ـ قال الجنيد : إن الله سلب الدنيا عن أوليائه ، وحماها عن أصفيائه ، وأخرجها من قلوب أهل وداده لأنه لم يرضها لهم ... ، والمحب من يكون محبا للموت ، غير فار منه ليلقاه (٢) ....

__________________

(١) ذكر الحديث ـ الأستاذ عمرو خالد ـ فى حديثه عن فضل العفو.

(٢) الرضا عن الله ـ للحافظ بن أبى الدنيا ـ تحقيق مجدى السيد إبراهيم.


ـ وجد العلماء أن التسمية عند الذبح تساعد فى خروج الدم من العروق ، ويكون الدم طاهرا من الميكروبات.

ـ احذر من الخلف مع ربك وتذكر أن الهدى من الله وتذكر ابن نوح عليه‌السلام وعم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، ومن خلف العهد مع ربه أعقبه الله نفاقا فى قلبه إلى يوم القيامة. ، ـ احذر من أعدائك ، فعند نشاط حركة الترجمة منذ عهد الدولة العباسية ، وحين دخلت علينا الترجمات اليونانية ، والفارسية ، والهندية ، وفلسفات الملاحدة ، نجد ظهور الفرق الباطنية ، والبهائية والقاديانية ، وغيرها ... ، ثم عمل أعداء الإسلام على تدمير مركزى الإشعاع الإسلامى ، الأندلس ، وموسكو ، وكانت قديما مليئة بالمساجد ، ولفظها يعنى المساجد بالفرنسية ، وخرج منها الكثير من رواد الحديث والعلماء ... ، كذلك المناداة بعمل المرأة ، ونقل عادات الغرب أفقدنا علو الهمة.

ـ استقم على الطريق المستقيم فى الدنيا ، طريق النبيين والصديقين والشهداء والصالحين حتى تعبر صراط الآخرة ... ، واعلم أن الهدى فيض يجعله الله تعالى فى القلوب النقية الطاهرة ... ، وله سمة فى الوجه ، فاللهم اجعلنا من المهتدين ، فالتوبة والفهم ، والهدى توفيق من الله.

ـ هناك من يشعر بموعد موته ، وهناك من أعطى بصيرة يشعر بسمة من قرب اجله. ، ـ يأمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإكرام الضيف وأن لا نتكلف للضيف فنبغضه ، فيبغضنا الله ... ، ويقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أنا والأتقياء من أمتى برءاء من التكلف" ....

ـ هناك عالم ، وجاهل ، وعاص غافل ، ومصر" على المعصية رغم علمه ، وهناك نفس مطمئنة ، ونفس" أغرقها صاحبها فى المعاصى والشهوات ....

ـ دخل أحد الأمراء على حماد بن سلمة العابد الزاهد ، فقال يا حماد ما لى أنظر لغيرك لا آبه بهم ، وكلما نظرت إليك امتلأت هيبة ورعبا ، فقال أما سمعت ما روى عن أنس رضى الله عنه ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله تعالى هابه كل شىء ، وإذا أراد وجه الدنيا هاب من كل شىء" (١) ... ، فالعالم العامل إذا ما رآه الناس ذكروا الله

__________________

(١) انظر بستان الواعظين ورياض السامعين ـ لأبى الفرج بن الجورى


وإذا تكلم دل منطقة على الله ....

ـ من ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر خشية الناس نزعت منه هيبة الله حتى أنه يأمر بعض أولاده أو خدمه فلا يلتفت إليه (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) (١) ....

ـ احذر الفتوى بغير علم ، وإلا تتبوأ مقعدك من النار ، ورب كلمة يقولها الإنسان لا يلقى لها بالا يهوى بها فى النار سبعين خريفا ، واعلم أن الويل لاقماع القول ، أى الاستماع دون العمل ... ، واجعل حبك الخالص لله ... ، أعلى وأجل معرفة ، حتى لا تقع فى الفتن ... ،

لقد أثبت العلم الحديث أن الغراب طائر شديد الذكاء ، ومن ذكائه أنه يدفن موتاه ، حيث يحفر الأرض بمخالبه ومنقاره حتى يكون حفرة عميقة ، ثم يقوم بطى جناحى الغراب الميت وضمهما إلى جنبيه ورفعه برفق لوضعه فى قبره ثم يهيل عليه التراب ، وقد شوهدت الغربان وهى تلقى على الطرق العامة ما لم تستطع كسره من أصداف الثمار الصلبة مثل جوز الهند ، وبعض الحيوانات الكبيرة الحجم كالسنجاب حتى تقوم السيارات بدهسها وكسر أصداف الثمار فينزل الغراب ويجمع طعامه بعد أن سهل هضمه ... ، وهو يقلد الصيادين ويرطب الطعام الجاف بالماء ، ليتمكن من صيد السمك ... ، والغربان لها محاكم فطرية تقيم فيها قوانين العدالة كالإنسان ... ، فى حالة اغتصاب طعام الفراخ الصغار ، تقوم جماعة الغربان بنتف ريش الغراب المعتدى حتى يصبح عاجزا عن الطيران كالفراخ الصغيرة وفى حالة اغتصاب العش ، يقوم المعتدى ببناء عش جديد لصاحب العش المعتدى عليه ... ، ويطرد من الجماعة من يعود للخطأ ... ، وفى حالة اغتصاب أنثى غراب آخر فتقضى الجماعة بقتل المعتدى ضربا بمناقيرها ... ، وتنعقد المحكمة عادة فى أرض فضاء أو حقل من الحقول وتتجمع هيئة المحكمة فى الوقت المحدد ، وينحى الغراب المتهم تحت حراسة مشددة ... ، وقد أثبتت الدراسات أن الغراب هو أذكى الطيور وأمكرها على الإطلاق ،

__________________

(١) سورة الحج الآية ١٨.


ولا يدانيه فى الذكاء والمكر إلا بعض الببغاوات ويرجع ذلك إلى أنه يملك أكبر حجم لنصفى المخ بالنسبة إلى حجم الجسم والتى يقدر أنواعها بأكثر من عشرة آلاف نوع ، ويتميز بالمعرفة ، والذكاء والإدراك ، والقدرة على الاتصال ، والتحايل على حل المشكلات ، والصيد الجماعى ، اللعب الجماعى ، البناء الجماعى للأعشاش ، حب الاستطلاع ، الانتباه وطرق إخفاء الطعام ، والتمييز فى التعامل بين القريب والغريب ... ، وللغربان قدرة على صناعة الأدوات الحجرية لاستخدامها فى الحفر والتنقيب عن الحشرات فى شقوق الأرض لافتراسها والتغذى عليها ويستخدمها أيضا فى حفر قبور موتاه (١).

ويرجع تاريخ الطيور على الأرض إلى ١٥٠ مليون سنة مضت ، ولم تخلق الطيور الحديثة إلا منذ ٦٠ مليون سنة أى فى العهد القديم لفجر الحياة الحديثة (الباليوسين) ولم تنتشر انتشارا واسعا إلا فى عهد الآيوسين منذ خمسة وخمسين مليون سنة ، وعلى ذلك فالغراب سابق فى وجوده للإنسان على الأرض بأكثر من ٥٥ مليون سنة على أقل تقدير وبذكائه وملكاته الفطرية التى وهبه الله إياها حق له أن يقف مع ابني آدم موقف المعلم الذى علم قابيل كيف يدفن أخاه هابيل ... ، يقول تعالى (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) (٢) ... ، فسبحان الخبير الذى علم النبى الأمى منذ ألف وأربعمائة عام حيث لم تكن قد تقدمت العلوم ، والأبحاث فى مجال الحشرات والطيور ، أن الغراب هو أذكى الطيور وبذلك تم اختياره لمهمة تعليم الإنسان الأول كيفية دفن الميت ... ، إن هذه الإشارة على بساطتها تقطع بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية ، بل هو الوحى من الله ... ، علام الغيوب ... ، الذى ألهم الطيور القدرة على الهجرة لمسافات كبيرة والعودة دون أن تضل الطريق ... ، ومعرفة المواسم المناسبة لتربية الصغار ، ومعرفة أماكن فقسها وتربيتها ... ، وتعتمد الطيور على اتجاهات الرياح وغير ذلك من الظروف الجوية ، وعلى موقع الشمس

__________________

(١) أشار بذلك الدكتور ـ زغلول النجار ـ فى إشاراته عن الإعجاز العلمى فى القرآن.

(٢) سورة المائدة الآية ٣١.


كدليل ملاحى ، وعلى المجالات المغناطيسية للأرض ، وبذلك يشعر الطائر بالوقت ، وتغيرات الفصول ، وهى تميز بين الأشياء من خلال الارتباط بالجماعة ... ، والتجربة ... ، والتعود ... ، والاتصال الصوتى اللفظى والسمعى والبصرى والإشارى واللونى ... ، والتعاون ... ، والمنافسة وإلهامات الفطرة ... ، حيث سخر سبحانه وتعالى جميع المخلوقات ، وهداها إلى سبل معاشها وجعل جميع الكائنات الحية والجمادات ، وجميع ما فى الكون يسبحه ، ويمجده ... ، فسبحان القادر البديع ... ، عليك أخى المسلم أن تحب النعمة لغيرك لتأتى إليك ... ، وأعلم أن من أعان ظالما على ظلمه سلطه الله عليه ... ، وأعلم أن الله يؤيد سبحانه بنصره من ينصره ، فلقد أيد الله نبيه بمعجزة العنكبوت ... ، وبيض الحمامة على الغار ... ، وحين دعا صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ابن أبى لهب فأكله أسد رغم وجوده وسط أصحاب القافلة ... ، وغير ذلك الكثير من العبر والمعجزات ... ، ولا بدّ أن لا نحكم على الناس بالظاهر ولكن بالقول والعمل.

إن الله يدافع عن أوليائه ولنا مثل فى رجل كذب على رسول الله وارتد فلفظته الأرض ولم تقبله ... ، وهناك أصحاب الغار حين دعا كل منهم بدعاء وتذكر أفعال الخير التى فعلها فانفرجت الصخرة عنهم ... ، ولقد برأ الله تعالى جريج العابد بطفل نطق فى المهد ... ، وحين كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجماعة من الصحابة فى منطقة بالصحراء فدعى بشاة وسمى الله ومسح على ضرعها فباعدت ما بين رجليها وامتلأ ضرعها باللبن ، ودعا بوعاء كبير فملأه وشربوا جميعا وترك عند أم معبد لبنا كثيرا وحين عاد زوجها تعجب أنها شاة عزباء لم ينز عليها الفحل فقالت له زوجته لقد مر بنا رجل ووصفت له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، فعلينا بالعودة إلى الله فيوم القيامة يهرول من يحتاج حسنة واحدة فى ميزانه وإلا دخل النار ... ، لذلك فلا تقصر فى التسبيح وذكر الله ... ، ومجالس العلم ، وبر الوالدين وفعل الخيرات ... ، فإن العذاب يوم القيامة شديد ... ، أقل أهل النار عذابا رجل يوضع فى أخمص قدميه جمرتان من النار يغلى منها دماغه ... ، وآخر أهل الجنة دخولا رجل له مثل الدنيا وعشرة أمثالها فى الجنة


إنها سلعة غالية تستحق منا الجهد والتواصى بالخير ... ، والبحث عن الكنوز التى تزخر بها تلك الرسالة الجامعة ليملأنا اليقين الثابت الذى يصل بنا إلى هذا الفوز الكبير ... ، ومن تلك الكنوز والمعجزات ما يلى : ـ

اكتشف علماء الآثار أن الإنسان عند موته يتحول إلى ثلاثة أشياء ... ، إما تراب ، أو إحفورة حجرية حيث تتحلل بعض الأحجار وما تحتويه من عناصر وتتفاعل مع الجسد الميت وفى النهاية يتحول الإنسان إلى إحفورة حجرية ... ، كذلك هناك أنواع من الأحجار تحتوى عنصر الحديد ويحدث نفس التفاعل وفى النهاية يمكن أن يتحول الإنسان إلى إحفورة حديدية ، وقد أشار الله تعالى إلى تحول الإنسان إلى التراب فى آيات كثيرة ... ، وإلى هذين النوعين فى قوله تعالى (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) (١).

ـ حين وصف العلماء فى سنة ١٨٤٧ مريض الجذام بأن وجهه يشبه وجه الأسد حيث تتغير ملامح المريض ، ويغلظ جلد الوجه ويسقط شعر الحاجب وترتفع الجبهة ـ يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" وفر من المجزوم فرارك من الأسد" (٢). وقد وصف الطبيبان دانيال وبويك وجه مريض الجذام أنه يشبه وجه الأسد ... ،

ـ هناك أنواع من النمل تحدث عنها أحد الباحثين فى علم الحشرات بإحدى البلاد الأوربية ، حيث لا يرتفع النمل أو يتسلق النبات نحو قمة الأوراق ، ولا يخرج مبكرا لتناول غذائه لأنه يعلم أن الأنعام ترعى فى تلك المناطق وتخرج مبكرا ، وتلتهم قمم الأوراق الخضراء ، وتترك السيقان السفلية ... ، فسبحان الذى قدر فهدى ... ،

ـ هناك من ذهبوا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد انتفخت بطونهم ويعانون من الاستسقاء ، وهو مرض يصيب الكبد فأمرهم بشرب أبوال الإبل ولقد أثبت العلم الحديث فاعليته فى علاج فيروس الالتهاب الكبدى ... ،

ـ حيث أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن من علامات الساعة" أن تلد الأمة ربتها" (٣) ... ، نجد أنه فى عصرنا حيث تطاول الإنسان فى مسألة الاستنساخ ، واسفرت التجارب عن مئات من الأجنة المشوهة ، وهذا يثبت أن الله تعالى قادر على أن يبعثنا بهيئتنا ، ولم يضف الإنسان

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ٥٠

(٢) جزء من حديث خرجه البخارى ومسلم ـ الإعجاز العلمى فى الحديث النبوى ـ للدكتور احمد شوقى إبراهيم

(٣) جزء من حديث رواه مسلم


شيئا فى هذا الأمر ، فالخلية الحية ، والبويضة من صنع الله سبحانه ... ، وقد أشار الدكتور أحمد شوقى فى إشاراته عن الإعجاز العلمى فى الحديث النبوى ، عن امرأة فى هولندا أشارت على خادمتها أن ينزع منها نواة بويضة خاصة بها ويوضع بدلا منها خلية حية فى جسدها ، وكانت النتيجة إنجاب طفلة مطابقة تماما لسيدتها ، مما يثبت صدق نبوءاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنه لا ينطق عن الهوى.

ـ وفى مجال الإعجاز الحسابى فى القرآن الكريم ، أشار الله تعالى أن نوح عليه‌السلام قد لبث فى قومه تسعمائة وخمسون عاما ، فإن مجموع الحروف فى سورة نوح ٩٥٠ حرفا ... ، ولقد تكررت أسماء الرسل مثل محمد ... ، وعيسى ... ، وإدريس ... ، وبقية الأنبياء بمجموع ٥١٣ مرة ولو تم جمع مشتقات الجذر (ر س ل) فى القرآن الكريم لوجدنا أن المجموع ٥١٣ فهو من مضاعفات الرقم ١٩ ... ، ١٩* ٢٧ ٥١٣ ... ، ولو جمعنا مكونات الأعداد السابقة ، ٩+ ١+ ٧+ ٢ ١٩ أيضا ... ، ولو جمعنا أرقام المعادلة كلها ... ، ٩+ ١+ ٧+ ٢+ ٣+ ١+ ٥ ٢٨ ... ، وقد ذكر بالقرآن الكريم ٢٨ اسما للأنبياء ... ، ولو حللنا العدد ٥١٣ إلى عوامله الأولية ٣* ٣* ٣* ١٩ ... ، وبجمع هذه الأرقام نجد أنها ٣+ ٣+ ٣+ ٩+ ١ ١٩ ... ، فسبحان الذى أحصى كل شىء عددا ... ، ـ هناك ألوانا أخرى من ألوان الإعجاز الحسابى ، ومنها أن فى سورة يوسف ذكر أن الله قد آتاه حكما وعلما وفى سورة الأنبياء ذكر أن لوط عليه‌السلام أتاه الله أيضا حكما وعلما لذلك فإن اسم يوسف عليه‌السلام ذكر بالقرآن ٢٧ مرة ... ، وكذلك لوط عليه‌السلام ٢٧ مرة ... ، كذلك فإن أيوب عليه‌السلام مسه الضر ودعى ربه ... ، كذلك يونس عليه‌السلام كان فى الظلمات ودعى ربه ، وكانت الإجابة لهما من الله ... ، لذلك ذكر اسم أيوب عليه‌السلام ٤ مرات وكذلك يونس عليه‌السلام ٤ مرات ... ، وأخبرنا الله تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) (١) ... ، فنجد أن كلمة آدم وردت ٢٥ مرة ... ، وكلمة عيسى وردت ٢٥ مرة ... ، وهناك أمثلة كثيرة من أمثلة هذا التناظر ... ، ولقد كان آخر تكرار لكلمة العرش فى سورة البروج والتى رقمها بالمصحف ٨٥ ، ورقم الآية ١٥ ، والمجموع ، ٨٥+ ١٥ ١٠٠ ومعنى ذلك أن العرش لا يكون إلا لمن له الملك المرئى والملكوت الغيبى ، والله وحده هو صاحب الملكوت بنسبة ١٠٠ خ ... ، وأيضا السورة الوحيدة التى مجموع كلماتها

__________________

(١) آل عمران الآية ٥٩.


٢٠+ حروفها ٨٠ ١٠٠ وهى سورة الناس أخر سورة فى المصحف ، وهذا إثبات نهاية المصحف بنسبة ١٠٠ خ فلا إضافة أو إثبات بعد ذلك ... ، كذلك فإن آخر ذكر لكلمة رسول كان فى سورة التكوير بالآية رقم ١٩ ورقم السورة ٨١ ومجموعها ٨١+ ١٩ ١٠٠ ، وهى إشارة رياضية من العليم الخبير لنهاية الرسالات بنسبة ١٠٠ خ بعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، فسبحان الله ... ، (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها) ... ، واحذر الجحود أو الشك فإن النار على الكافرين مطبقة مؤصدة كحجرة بلا نوافذ أو أبواب ، يقول تعالى (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) ....

ـ إن من إبداع الله وحكمته أن معظم الحيوانات الثديية تمتاز بحاسة شم قوية حادة ، ، وحاسة بصر ضعيفة بعكس الطيور ، فإنها ذات بصر قوى وشم ضعيف ، وما ذلك إلا لأن الأولى تهتدى إلى غذائها الذى يكون دائما على الأرض فى طريقها بحاسة الشم ، بينما الطير وهو فى السماء يحتاج إلى حدة البصر ، ليرى غذاؤه من بعد مرتفع ، كذلك فإن من رحمة الله تعالى أن الجمل يتحكم فى فتحة أنفه أثناء العواصف ليمنع دخول الرمل فيه ، كذلك تقل درجة حرارة جسمه عند العطش حتى يقل البخر ، ويمكن أن يشرب الماء المالح إذا عطش دون أن يضره ، ويقلل إفراز البول عند الحاجة ، وقدمه كوسادة ، لتناسب السير على الأرض الرملية فسبحان العزيز الحكيم.

ـ أمد الله تعالى أهل الجنة بفاكهة ولحم مما يشتهون وقد ذكرت الفاكهة قبل اللحم ، وبالفعل أثبت العلم الحديث أن تناول الفاكهة قبل الطعام فيه فائدة كبيرة للجسم.

ـ إن من نعم الله تعالى أن جعل فى جسم الإنسان الهرمونات المحفزة للنمو ... ، والهضم ... ، وغيرها فسبحان العليم الخبير.

ـ حين دخل الحسين على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يجلس وسط أصحابه ـ استبشر وأخبر أن الحسين سيولد له غلام يدعى يوم القيامة بسيد العابدين (١) ... ، وبالفعل أنجب زين العابدين ، وكان مثالا فى الزهد ، والخشوع فى العبادة ... ،

__________________

(١) ذكر الحديث أحد علماء الأزهر عند الحديث عن آل بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.


ـ حين طلب أحد اليهود من جابر بن عبد الله سداد دينه ... ، ولم يتنازل اليهودى عن إرجاء جابر بن عبد الله إلى أجل آخر رغم طلب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، فقال له أنظر جابر ... ، فقال اليهودى لا ... ، فذهب صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى البستان وقال لجابر اذهب وجز واقض ففعل الصحابى وقضى دينه ، وبقى تمر كثير ، قدم منه طبقا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، وعندها قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشهد أنى رسول الله ... ،

ـ فى مشهد يوم القيامة قدم الله تعالى البصر على السمع لأن المشاهد يشاهدها الناس جميعا" ربنا ابصرنا وسمعنا" ... ، وقدم الله تعالى السمع على البصر فى وصف الخلق لأن جارحة السمع تعمل قبل البصر.

ـ القرآن الكريم ملئ بالقصص الحق ... والعبر ... والوقائع المشحونة بالذكرى والموعظة ... ، فعناك قصص الأقوام السابقة ... وهناك قصة العزيز بأبعادها الزمنية حين أحياه الله تعالى بعد موته ... وركب أمامه عظام حماره ... ، وهناك يقين النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى رحلة الهجرة بنصر الله ... ، ومشهد أم موسى حين ألقت ولدها فى صندوق يجرى فى المياه حين اشتد خوفها عليه ورده الله إليها ... ، ومشهد موسى عليه‌السلام حين عبر البحر بعد أن أصبح فرقتين كالطود العظيم (١) ... ، ومشهد خروج الناقة دما ولحما من الصخرة الصماء لصالح عليه‌السلام ومروءة موسى عليه‌السلام حين سقى لبنات شعيب عليه‌السلام ثم تولى إلى الظل بعد رحلة تعب ومشقة يدعو ربه قائلا رب (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ويوسف عليه‌السلام حين مكنه الله تعالى وأصبح أمينا على خزائن الأرض ... ، بعد ضعفه ، وهو فى غيابه الجب ، وغير ذلك الكثير من العبر والمشاهد والمواعظ والتصوير الزمنى الحى لأحداث الماضى يدرك ذلك الذاكر المتأمل ....

ـ صورت وكالة ناسا الفضائية بواسطة مركبة الفضاء التى أطلقتها مؤخرا لتصوير الأرض من الفضاء الخارجى ... ، حيث بهرت الصورة وأزهلت جميع العلماء ... ، وكل من شاهدها حيث ظهر بوضوح فى جميع الصور التى التقطت للكرة الأرضية بقعتان

__________________

(١) مشاهد من القرآن الكريم يدركها من يقرأ أو يتدبر ويتأمل التصوير القرآنى.


مضيئتان بنور ساطع ... ، وقد كررت المركبة التصوير مرات ليتمكن العلماء من تحديد البقعتين بدقة ... ، وكانت المفاجأة المذهلة ، أنهم اكتشفوا أن هذا النور ينبعث من الكعبة المشرفة والبقعة الأخرى من مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبه قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومنبره (١) ... ، ـ فى بحث مختبرى منهجى أثبت عشرون من كبار علماء الطب ... ، والطب البيطرى ... ، والصيدلية ... ، والعلوم ... ، وذلك فى الجامعات السورية حيث لاحظوا أن التسمية والتكبير عند ذبح الحيوان تعمل عملية تعقيم كامل لبدنه وتطهره من الدماء والجراثيم بعكس التى لم يذكر اسم الله عليها ... ، وذكر أحد الباحثين أن نسيج اللحم المذبوح بدون تسمية وتكبير ... ، كان محتقنا بشيء من بقايا الدم المسفوح ... ، ومصابا بمستعمرات الجراثيم مثل المكورات العنقودية والعقدية ... ، والمجموعة القولونية وغيرها ... ، وفسر الدكتور فؤاد نعمة أستاذ الطب البيطرى بجامعة دمشق بأنه لوحظ شدة اختلاج أعضاء وعضلات الحيوان الذى يذكر عليه اسم الله عند ذبحه (٢) وشدة الاختلاج هذه التى تقوم باعتصار معظم دم الذبيحة وبذلك تظهر وتذكو ولا يحدث ذلك فى حالة عدم التسمية والتكبير ، وصدق الله تعالى حين حرم الميتة والدم ... ، ولحم الخنزير ... ، وما ذبح ولم يذكر اسم الله عليه (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ) ... ، كذلك لاحظ العلماء الهدوء والتسليم على الذبائح التى يقصد التسمية والتكبير عليها ... ، فسبحان علام الغيوب.

ـ علينا بهجر المعاصى والتخلص من العادات السيئة ، ونصح الناس ... ، والدعوة إلى الله ... ، وإتقان العمل حتى لا نتعرض لغضب الله إذا أصبحنا أمة غير متقنة لعملها ... ، ودائما يثق الناس فى كل منتجات الاستيراد من دول الغرب الغير مسلمين .. ، ولكن منتجات المسلمين لما ذا يتراجع عنها الناس ... ، ذلك لعدم الإتقان ، فعلينا أن نكون نحن القدوة ... ، حتى لا يطعن الإسلام من تلك الثغرة ... ، وسوف نسأل جميعا ... ، واخشع فى صلاتك ... ،

__________________

(١) مجلة منار الإسلام العدد ٣٥١ ربيع أول ١٤٢٥ ه‍ ـ أبريل ٢٠٠٤ ـ والصورة بكل وضوح ص ١٧ بعنوان مكة المكرمة والكعبة المشرفة من السماء.

(٢) ذكر ذلك الدكتور ـ زغلول النجار ـ فى إشاراته عن الإعجاز العلمى فى القرآن.


ولا تغفل قيام الليل فقد أمر الله تعالى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله سبحانه (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (١) وكان ركوع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقترب من سجوده ... ، واحذر الزنا واعلم أن من يقع فيه وصف الله تعالى جزاؤه بأن يلق آثاما ويضاعف له العذاب ويخلد فيه مهانا إلا من تاب ورجع فلا تجعل شهوة تورثك إهانة وندم ....

وعليك بتعليم ولدك التفكير قبل الحفظ ... ، حتى يكون منتجا ومبدعا فى مجتمعه ... ، وتعلم أن تخرج الهدف النافع من كل شىء وأعن الملهوف وتعاون مع المحتاجين وأبدأ بأولى الأرحام لأن ترابط كل عائلة والمحبة فيما بينهم يؤدى إلى ترابط المجتمع ... ، واعلم أن الإتقان فى كل شىء وليس فى العمل فقط ... ، بل فى العبادة والمعاملة ... ، وطلب العلم ... ، والجهاد ... ، وقراءة القرآن ... ، واعلم أن كل شىء مهم والخطأ فيه يمكن أن يؤدى مشاكل كثيرة ... ، وسوف يسأل الإنسان عن كل شىء ... ، فلا بد من إتقان كل شىء ... ، والخلل فى أى شىء علامة على عدم إتقان العمل .. ، فاحذر أن يكون الخلل فى يقينك ... ، أو عبادتك.

ـ لا تسرف فى أى شىء فإن الله لا يحب المسرفين ولا تأكل حتى تجوع وإذا أكلت لا تشبع ... ، واشكر الله دائما يزيدك ... ، ولا تتعجل فى شىء فإن العجلة من الشيطان ... ، وتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبك ....

ـ لقد شهدت النخلة على نبوءة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمام جماعة من اليهود ... ، وكذلك شهد له الضب ... ، وحن الجذع لفراقه واصدر صوتا كالبكاء ... ، واقترب الجمل منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشكو إليه قسوة معاملة صاحبه له (٢) ....

ـ يوم القيامة إن استوت حسناتك مع سيئاتك كنت من أهل الأعراف وإن زادت سيئاتك سيئة واحدة كنت من أهل النار ... ، لذلك لو كنت مدخنا فاعلم أن فى جيبك علبة تحوى عشرين سيجارة السيجارة بعشرين سيئة ، فلما ذا ترفع عدد سيئاتك بكل سيجارة

__________________

(١) سورة المزمل الآية ٢

(٢) من معجزات الرسول ـ على عبد العال الطهطاوى ... ،


تدخنها ... ، عليك ان تتخلص من التدخين وإلا كنت من أهل النار ... ، كذلك عليك أن تخرج من بيتك بنية غض البصر وعدم الغيبة ... ، فلو قابلت فى يومك ألف امرأة كاسية عارية ونظرت لكل واحدة فاعلم أنك لو كنت من أهل الأعراف فى هذا اليوم وتعادلت سيئاتك مع حسناتك فقد ازدادت سيئاتك ألف سيئة فى هذا اليوم بنظرك للحرام ... ، ولو تركت العنان لنفسك فغدا مثل الأمس ... ، وهكذا ... ، فتكون من أهل النار فعليك أن تسبح دائما حتى تزداد حسناتك وتنجو عند موقف الميزان ... ، واعلم أن المؤمن لا ييأس ... ، هناك دول بدأت من الصفر ، وأصبحت من أكثر الدول تقدما ... ، واعلم أن الدعاء سلاح المؤمن ... ، ادع ربك فأنت تدعو مالك الملك ... ، ولا تقنط أو تغفل عن ذكر الله ... ، ولا تفتن بالشهوات كالمال والبنين ، والطعام والشراب ، والنساء ، وحب الشهوة والإمارة ... ، وأعلم أن أشد الفتن التى حذرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم منها النساء ... ، والمال ... ، وفى الحديث الذى رواه الترمذى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتى المال" ... ، وأعلم أنه ما أكل أحد قط خيرا من أن يأكل من عمل يده" ... ، واعلم أن سر الله كن فيكون يسرى فى كل شىء ... ، فسبحان الله فى اختلاف الألوان ، والأشكال ، والروائح والخلق من العدم ... ، وسبحان الله الصبور ، الرازق ، المنعم ... ، المغدق علينا بنعمه ، فالحمد لله والشكر بلا حدود ....

يقول تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (١) ... ، إن الجنة لمن نهى نفسه عن هواها فلقد حفت الجنة بالمكاره ... ، والنار بالشهوات.

ـ من إعجاز الرسالة أن الزكاة فى الإبل التى ترعى فى حشائش دون نفقة ... ، والأرض التى تروى بالمطر دون جهد وسقى ... ، الزكاة فيها تخرج بنسب أكثر من التى يبذل الإنسان فيه نفقة أو جهد ... ، لتظل الحركة فى الحياة مرغوب فيها وإثبات أن المشرع خالق عليم خبير.

__________________

(١) سورة إبراهيم الآية ٣٤


ـ يخبرنا الله تعالى فى كتابه الكريم أن من قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له جهنم وساءت مصيرا ، وزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم.

ـ إن من رحمة الله تعالى أنه ـ سبحانه وتعالى ـ خلق للإنسان أجهزة مختلفة كل جهاز يقوم بوظيفته فالكبد مثلا يقوم بإنتاج خمسين ألف أنزيم لازم لعمليات حيوية كالهضم وتكرير الدم وتخزين المواد اللازمة للجسم وإبطال عمل السموم ... ، ولإقامة مصنع لتصنيع الكيماويات البسيطة وليست المعقدة والتى ينتجها الكبد ... ، تحتاج الشركة مصنعا يقام على خمسين ألف متر مربع من الأرض ... ، إن الكبد يقوم بتخزين الجليكوجين وهو وقود الجسم عند الصيام ... ، أو المجهود العضلى أو غير ذلك ويقوم الكبد بتصنيع الجلكوز ، البروتينات ، إنتاج مواد تخثر الدم ... ، مواد لازمة لصناعة الهرمونات ، إزالة السموم من الدم ... ،

وتكسير الدهون وهضمها عن طريق إفراز المرارة ، وتخزين الحديد ، والفيتامينات وإنتاج إنزيمات الامتصاص والتخلص من المواد الكيميائية التى تسبح فى الدم وتحويل السموم إلى مواد أقل ضررا أو نافعة ... ، والإعجاز الإلهى يتجلى فى أنه لو بقى من الكبد ٢٥ خ من حجمه فإنه يعوض حتى ٧٥ خ مما فقد منه ولو لا ذلك لما أجريت الجراحات فى الكبد واستئصال أجزاء منه (١).

ـ يخبرنا الله تعالى قوله سبحانه (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٢) فاستحى أن يراك على معصية.

ـ إن إبداع الله يتجلى فى خلق المشاعر والحواس ، وكل ما هو معنوى غير ملموس ، ورغم ذلك يؤدى وظيفة جعلها المبدع الخالق لحكمه ... ، ليتحدى بذلك من يدعى

__________________

(١) مجلة الاعجاز العلمى ـ العدد ١٧ ـ بعنوان الكبد اعجاز وإنجاز ص ٢٨

(٢) سورة الحديد الآية ٤


القدرة ... ، أو القول بالصدفة ... ، أو غير ذلك ... ، كخلق حاسة الشم ، والتذوق ، والسمع والذكاء ، والكلام ... ، والنظر ، والشعور ، والخوف ، والإقدام ، والتفكير ، والحساب والحب ، والقناعة ، والرضا ، والغضب ، والأمل ، والندم والكرم ... ، وكل صفة لها ما يضادها وإنزيم خاص فى الجسم حسب الموقف كالأدرنالين عند الخوف ... ، بل إن كل عنصر من عناصر الغذاء ونقصه يؤدى إلى نقص فى إفراز هذا الإنزيم ، فنقص اليود الموجود فى السمك والخضروات يؤدى لنقص هرمون الغدة الدرقية ، والذى يؤدى إلى التخلف الذهنى وضعف فى نمو العظام والجسد ... ، إنها هندسة الله وأسراره فى خلقه ... ، فسبحان العليم الخبير المبدع.

ـ يبشر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ترك الجدال ولو كان محقا بقصر فى وسط الجنة ... ، وفى أول الجنة لمن ترك الجدال ولو كان على غير الحق ... ، فعلينا بترك الجدال والغيبة فى حق الفرد ... ، أو الجماعة أو العائلة ... ، أو أهل البلدة بأكملها حتى لا نأخذ وزرا عن أفرادها جميعا ... ، وعلينا بحسن الخلق حتى ننال الدرجات العالية ... ، وتذكر ما حدث لإخوانك فى البوسنة حيث المذابح الجماعية وتدمير معتقلات فيها آلاف المسلمين ، وتهشيم الأيدى فى مكابس خاصة ، لتعرف مدى الحقد والتربص فى قلوب الأعداء.

ـ القرآن الكريم ملئ بالاعجازات البلاغية والعبر فمثلا أصحاب السفينة التى خرقها الخضر ربما حزنوا على ذلك كثيرا ... ، كذلك ربما حزن الأبوان على قتل ولدهما ... ، ولم يعلم أهل القرية سر إحسان الخضر بإقامة الجدار رغم رفضهم إضافته وإطعامه ... ، ولو علموا الحقيقة لظلوا يلهجون بالثناء على الله ، لذلك لا بدّ أن نعلم أن الإنسان قد يكره الشيء وهو خير له ، ومن استسلم لهواه ضل حيث أن أوامر الله وإرادته لحكمه ... ، فعلينا بتنفيذ أوامر العليم الخبير والرضا بقضائه ... ، فاحذر المخالفة ... ، والظلم ... ، وفكر قبل أن تفعل الأمر حتى لا تندم ... ، إن القرآن الكريم فيه الحكمة فى أسباب النزول ... ، والناسخ المنسوخ ... ، والسبعة أحرف ... ، وفيه النهى ، والدعاء ، والاعتبار والمشورة والإنعام ، والإرشاد ، والتمنى ، والتسوية (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا). رغم


تشابه الألفاظ ... ، كذلك هناك نفى الشيء وإثباته بمعنى آخر مثل قوله تعالى (لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (١) ... ، وهناك النهى ... ، والدعاء والترجى ... ، والأمر والتعجب ، والوعد ، والوعيد ... ، والنفى ... ، وكل ذلك يقع تحت الأسلوب الخبرى ... ، حيث ينقسم الكلام إلى قسمين هما الخبر ... ، والإنشاء ... ، وأما الإنشاء مثل الاستفهام ، والشرط ، والقسم ، والتحسر ... ، وغير ذلك ... ، وهناك أمر خبرى مثل (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) (٢) ... ، وقوله تعالى (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (٣) ... ، وأمر إنشائى كقوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (٤) ... ، وهناك أمر إباحة (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) (٥) ... ، وأمر إهانة (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٦) ... ، وهناك أمر تعجيز (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (٧) ... ، وهكذا كلمات تحمل وجوها متعددة فمثلا كلمة الهدى ... ، تأتى بمعنى الدعوة كقوله تعالى (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٨) ... ، وبمعنى المعرفة (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (٩) وبمعنى الدين (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) (١٠) ... ، وهكذا ... ، كذلك كلمة الصلاة تأنى بمعنى الدعاء (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (١١) ... ، وبمعنى الدين مثل قوله سبحانه (قالُوا يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) (١٢) وبمعنى الصلوات الخمس كقوله تعالى (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) (١٣)

__________________

(١) سورة طه الآية ٧٤.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٣.

(٣) سورة البقرة الآية ٢٢٨.

(٤) سورة النور الآية ٥٦.

(٥) سورة المائدة الآية ٢.

(٦) سورة الدخان الآية ٤٩.

(٧) سورة البقرة الآية ٢٣.

(٨) سورة الرعد الآية ٧.

(٩) النحل الآية ١٦.

(١٠) سورة آل عمران الآية ٧٣.

(١١) سورة التوبة الآية ١٠٣.

(١٢) سورة هود الآية ٨٧.

(١٣) سورة لقمان الآية ٤.


هناك السؤال والجواب والإيجاز والإطناب ... ، وهناك تكرار الكلمات للتقرير ... ، والأمثال ... ، والقصص ... ، وفى كل موضع زيادة فى شىء لتكتمل الصورة ... ، هناك التقديم والتأخير ... ، والناسخ والمنسوخ ... ، والمحكم والمتشابه ... ، وهناك جمع القرآن والحكمة من نزوله منجما ليناسب الأحداث التى نزل من أجلها ... ، وحتى يسهل تطبيق الآية التى نزلت ... ، فمعرفة أسباب نزول الآية علم له ضرورته فى التفسير ... ، كذلك دراسة الأحاديث وعلومها أيضا من الضرورات لفهم الدين ... ، فالذى يصلى ويأكل الحرام ... ، هناك من الحديث ما يبين أن اللقمة الحرام فى جوفك لا يقبل لك بها صلاة أربعين يوما ... ، كذلك المسلم أخو المسلم لا يخونه ، ولا يكذبه ، ولا يظلمه ، ولكن يحدث كل ذلك بسبب الجهل ... ، وحتى لا يغتر الإنسان بعلمه ، تبين السنة أن هناك ثلاثة أمور لا ينفع معها عمل ... ، الشرك ... ، والعقوق ... ، والفرار من الزحف ... ، فالكتاب والسنة مع الاجتهاد وطلب العلم يجعلك تعبد الله على بصيرة وتدعو من حولك إلى الله على بصيرة ... ، وكما أخبرنا الله تعالى فى الآية الكريمة (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (١) ....

إن الحكمة فى نزول القرآن مفرقا أن منه الناسخ والمنسوخ وهو دليل أنه قول الله لأن البشر مشهور أنه يوفق الشيء بما لا يجعل أحدا يعترض عليه ... ، ولكن الله يجعل أحداثا تخالف توقعات البشر فمثلا المحسن له الجنة والمسيء له النار ... ، ولكن نجد قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) (٢) ... ، ولقد نزل القرآن مفرقا لأن هناك جواب السائل ... ، أو إنكار لقول أو فعل ... ، ولتثبيت فؤاده صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتكرار نزول جبريل عليه‌السلام ... ، لذلك فاحذر أيها المسلم أن تفعل السيئات حتى ينزل الله عليك الرحمة ... ، كذلك فى نزوله مفرقا أدعى لقبوله لكثرة ما فيه من الأوامر والنواهى ،

__________________

(١) سورة يوسف الآية ١٠٨

(٢) سورة مريم الآيات ٧١ ، ٧٢


والفرائض ... ، كذلك من الإعجاز نزوله على سبعة أحرف ليخاطب كل اللهجات ، ولإثبات أنها رسالة غير عادية ... ، كذلك وجود المحكم المفهوم معناه ... ، ولكن هناك المتشابه لابتلاء العباد بالوقوف عنده والتوقف فيه ، والتفويض والتسليم ، والتعبد بتلاوته ، وإقامة الحجة على المنكرين فرغم أنه نزل بلغتهم لكنهم عجزوا عن الوقوف على معناه ، مع بلاغتهم وسرعة بداهتهم ودل ذلك أنه ليس من قول البشر ولكنه تنزيل الحكيم الحميد ... ، وكذلك فيه فرصة للبحث وإعمال العقل ، وتفاوت درجات الخلق فى معرفة القرآن ، إذا لو كان كله محكما ، لم يظهر فضل الباحث والعالم على غيره ، وليظل القرآن دائما يجذب الخلق للبحث فيه واستخراج المزيد من كنوزه وعطاءاته الربانية ... ، وهناك التقديم والتأخير لحكمه كتقديم صفة العزيز على الحكيم ... ، لأن الله تعالى عز فحكم ... ، وتقديم صفة العليم على الحكيم لأن الإحكام والإتقان ناشئ عن العلم ... ، وقد يكون التقديم لتكون نهايات الآيات متناسقة ومتناسبة ، وقد يقدم لفظ فى موضع ويؤخر فى موضع آخر لقصد البدء به والختم به للاعتناء بشأنه ... ، أو التفنن فى الفصاحة ... ، أو إخراج الكلام على أساليب عديدة ... ، كذلك هناك التشابه فى المعنى مع اختلاف اللفظ ... ، ولقد تم جمع القرآن وفقا للعرضة الأخيرة للقرآن التى عرضها جبريل على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى العام الذى مات فيه وهى القراءة التى أقرأها صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد بن ثابت وهو من كتاب الوحى ومن الحفاظ وقد كلف بالإشراف على الجمعة الأولى والتى كان يكتبها بعد مراجعة الحفظة ووجود شاهدين مع كل قارئ يشهدون له قبل أن يكتب وتم ذلك فى عهد أبى بكر الصديق ، وكذلك أشرف أيضا على الجمعة الثانية فى عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه وكان معه ثلاثة من الحفاظ اللذين يقرءون بلغة قريش والتى أقرأها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهى القراءة التى يقرؤها الناس اليوم ... ، ولحفظ القرآن رتبت آياته ... ، وقسم إلى سور ... ، وآيات ... ، ورقمت كل آية بوحى الله تعالى لحفظه من التحريف أو الحذف ... ، أو الإضافة كما يحدث فى الكتب الأخرى ... ، التى وكل الله البشر بحفظها ... ، ولكن


القرآن الكريم قال عنه ربنا سبحانه وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١) ... ، فكان توفيق الله تعالى لكل من اجتهد فى الجمع ... ، وفى خدمة علوم القرآن ... ، فاللهم كل من خدم دينك وبحث فى كتابك وجاهد لرفع راية الإسلام ... ، اللهم امنحه رحمتك وثوابك العظيم ... ، إنك أنت العلى الكريم ... ، ومن إعجازات القرآن الكريم الوقف ... ، والابتداء وهناك الوقف الكافى ... ، والوقف الحسن ... ، والجائز ... ، واللازم ... ، وهناك ابتداء تام ... ، وابتداء حسن ... ، وغير ذلك الكثير من الكنوز فسبحان العليم الحكيم ... ، ومن علوم القرآن علم الإنشاء والإيجاد ... ، وعلم التوحيد والتنزيه وعلم صفات الذات ، وعلم صفات الفعل ، وعلم صفات العفو والعذاب ، وعلم اختلاف المعانى وعلم الحشر والحساب ... ، وعلم النبوءات ... ، وهناك علوم السنة ... ، والأحاديث القدسية ... ، وغير ذلك من علوم الإعجاز كالنظر والتفكر فى الكون ... ، وفى القرآن الكريم بالفطرة ، وفى الاكتشافات العلمية المطابقة للقرآن ... ، والاكتشافات العلمية الواردة فى سنة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، والإرهاصات والإشارات فى الكتب السابقة التى تدل على بعثته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، ومنها ما قاله ورقة بن نوفل وغيره ممن قرءوا فى الكتب ... ، ونبوءات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم التى تتحقق ... ، والإعجاز الرياضى فى القرآن الكريم ... ، والتذكرة الزمنية والكرامات والخواتيم ... ، لقد خلق الله تعالى الجن والإنس ليعبدوه ... ، وما عبد الله إلا بعلم ... ، وما عصى إلا بجهل فمعنى عبادة الله أن تعبده حق عبادته بالتفكر فى خلقه والبحث فى العلوم ومعرفة أوامره ونواهيه وإعجازاته ، وسؤال أهل العلم وغير ذلك وليست العبادة إقامة الفرائض بحركات وطقوس دون خشوع القلب ، ومعرفة الحكمة ، واستقرار اليقين فى القلب ... ، والمؤمن القوى خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف ... ، إن المؤمن يذلل الله له كل شىء ... ، والغنى فى قلبه ... ، وتأتيه الدنيا وهى راغمة ... ، والعاصى يتمرد عليه كل شىء وفقره بين عينيه ... ، وتذكر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعمه أبو طالب لتعلم أن الهدى من الله ... ، وتذكر قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من علق تميمة فلا أتم الله له" (٢) ـ إن من إعجازات القرآن ومطابقته لما يكتشفه العلماء الآن ، فهناك نوع من الحيتان

__________________

(١) سورة الحجر الآية ٩

(٢) ذكر الحديث فى كتاب فتح المجيد فى شرح كتاب التوحيد فى النهى عن التمائم


الزرقاء يبلغ طول الذكر ٢٥ مترا ومتوسط وزنه ١٧٥ طن ... ، عروقه مثل الأورطية يمكن أن يزحف بها رجلا بالغا ... ، فمه يتسع لأكثر من خمسين رجلا ... ، وتتميز بانعدام أسنانها ومطاطية ، حلوقها وضيق البلعوم وتتغذى على الكائنات السابحة (١) ويرى العلماء أن هذا الحوت بالذات دون غيره من الحيوانات البحرية هو الذى يمكن أن يلتقم إنسانا دون أن يمزقه كما حدث ليونس عليه‌السلام فنجد قوله تعالى (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) (٢).

ـ من الإعجاز أيضا تبيين القرآن بالسنة ... ، أو السنة بالقرآن فى بعض المواضع لإثبات أن رسالة الله ، كلها وحى من عنده وأن القرآن والسنة رسالة كاملة ، فلم يذكر القرآن الكريم أن عدد الصلوات خمس ولكن بينت السنة ذلك ، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك كذلك هناك تناسب آيات القرآن فى ختام السورة لما جاء بعدها والإعجاز فى إنزال الحديد والأنعام والمطر وإثبات العلم الحديث ، فالحديد يتكون فى نجوم تسمى المستعرات وينزل إلى الأرض ... ، وهناك أحياء بكتيرية وشفيرات وراثية لكائنات وجدوا بعض آثارها على بعض النيازك التى تهبط إلى الأرض ... ، كذلك تكون قطرات المطر فى السحاب وإنزالها فى ظروف مناسبة ... ، وغير ذلك الكثير من آيات الإعجاز ... ، إن الفوز فى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله ... ، ومن إعجاز القرآن الزيادة فى الجواب لحكمه كما زاد موسى عليه‌السلام فى جوابه وهو يتحدث عن استخداماته لعصاه أنسا بطول الحديث مع الله تعالى ... ، وهناك العدول فى الجواب كما فى الآية (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) ... ، إنه سؤال عن الماهية والجنس وهو سؤال لا يليق لأن الله عزوجل ليس كمثله شىء ... ، لذلك عدل موسى عليه‌السلام فى جوابه إلى بيان الوصف المرشد إلى معرفة الله وذلك بوصف مخلوقاته كما فى الآية (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ).

وهناك حذف السؤال ثقة بفهم السامع ... ، وأيضا نجد أن كل كلمة تؤدى معناها

__________________

(١) إشارة عن نواحى الإعجاز العلمى ـ الدكتور زغلول النجار ... ،

(٢) سورة الصافات الآية ١٤٢.


الخاص بها رغم وجود كلمات كثيرة مترادفة ، كالخوف والخشية ... ، يقول تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (١) وأما عن الملائكة يقول تعالى (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٢) ... ، وهذا يبين أن الملائكة على عظم خلقهم يخافون من ربهم رغم قربهم منه سبحانه ولكن الخشية كناية عن خوف العباد وخشية الله بالغيب فالقرب يناسبه الخوف ... ، والبعد تناسبه الخشية ... ، وإذا كان الشح أشد من البخل فهو بخل مع حرص والبخل يكون فى التصرف (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) (٣) ... ، والشح يصيب النفس (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٤) ... ، كذلك كلمة جاء تأتى مع الأحداث وكلمة أتى تأتى فى المعانى والأزمان مثل (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) ... ، وقوله تعالى (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) (٥) كذلك عمل وفعل ... ، نجد كلمة عمل تأتى مع امتداد زمان (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) (٦) وفعل تدل على الفجأة (أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) (٧) ... ، كذلك السنة تدل على المشقة والجدب والعام يأتى مع الرخاء والخصب مثل (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) (٨) ... ، وقوله تعالى (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) (٩) ... ،

فعليك أخى المسلم أن تتذوق حلاوة القرآن وإعجازه وبلاغته ورحمات الله فيه وشدة عذابه وأن تحذر غضب الله بعد رضاه ... ، فمن تذوق حلاوة رضا الله يدرك أن غضبه حرمان ... ، ووحدة ... ، وغربة ... ، وهلاك ... ، فعليك بالرحمة ... ، وجادل بالتى هى أحسن ... ، حتى يرحمك الله ... ، وعليك باليقين الثابت ... ، فالقرآن ملئ بألوان الإعجاز ... ، ومعرفة الإعجاز تجعلك تأخذ من كل شىء موعظة وتنظر لآيات

__________________

(١) سورة فاطر الآية ٢٨.

(٢) سورة النحل الآية ٥٠.

(٣) سورة النساء الآية ٧٣

(٤) سورة الحشر الآية ٩

(٥) سورة النحل الآية ١

(٦) سورة سبإ الآية ١٢

(٧) سورة الفجر الآية ٦

(٨) سورة يوسف الآية ٤٧

(٩) سورة يوسف الآية ٤٩


الله بيقين وتنفذ ما جاء فيها ... ، وتؤثر فيك الموعظة لأنك على ثقة ويقين بأن وعد ربك الحق ... ، وعندها تستقيم ... ، واللذين استقاموا وآمنوا بالله تتنزل عليهم الملائكة وتبشرهم بعدم الخوف والحزن ... ، وبالجنة التى كانوا يوعدون ... ، كذلك يزهد الإنسان فى الدنيا والشهوات ... ، إن السعادة ليست فى نيل الشهوة ولكن فى الانتصار على الشهوة لأن جميع الشهوات فى النهاية تساوى لا شىء ... ، والسعادة الحقيقية فى رضا الله تعالى ... ، علينا بالمحافظة على الصلاة ، فالصلاة الغير مقبولة تلف فى ثوب أسود ويضرب بها فى وجهك وهى تقول ضيعك الله كما ضيعتنى ... ، وأما المقبولة تدعو لك حفظك الله كما حفظتنى وتصعد إلى السماء ... ، واحذر الزنا ، فلقد رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من زنا ، ورجم الصحابة من بعده فتذكر مع الشهوة شدة العقوبة ... ، واعلم أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة فلا تحرص على الدنيا ... ، واجعل صلاتك ونسكك ومحياك ومماتك لله رب العالمين ... ، واحمد الله أن ربك الصبور يرزق من يعصاه ولا يعاجل بالعقوبة ... ، واعلم أن الله لا يحب المسرفين فلا تسرف فى شىء وادع الله أن يعينك على ذلك ... ، واعلم أن الله يعلم ما تسر وما تعلن بقوله سبحانه (أَ وَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (١) ... ، وتذكر حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت" (٢) ... ، فاحرص على تربية أولادك وكن غيورا على أهلك فعن عمار بن ياسر قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا ، الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر ..." (٣) والديوث من لا يبالى من دخل على أهله ... ، والرجلة من تتشبه بالرجال ... ، وتذكر علقمة الذى هم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يضرم نارا ويضعه فيها حتى ترضى عنه أمه حيث لم ينطق بالشهادة عند موته حتى رضيت عنه وسامحته ، مما يثبت أن عاق والديه جزاؤه النار ، فاللهم اجعلنا من البارين ... ، واللهم ارحمهما كما ربيانى صغيرا ... ، واعلم أنك لكى تصل إلى مرحلة

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٧٣.

(٢) جزء من حديث رواه أبو داود ، والنسائى ، والحاكم.

(٣) جزء من حديث رواه الطبرانى ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث ص ٢٥٧.


عبادة الله لا بدّ من اليقين والنظر ومعرفة آيات الله ... ، وعندها تصلى بخشوع وتكثر من الشكر والحمد ... ، وتعترف بأن الفضل كله لله فاللهم أدم علينا نعمتك ورحمتك ... ، واعلم أن الصلاة رحمة من الله وعلاجا نفسيا ، لك فكلما ازداد تعبك فى الدنيا وواجهت المشكلات تأتى الصلاة لتنسى معها كل همومك وذلك خمس مرات وهذا ما يتبعه أطباء الأمراض النفسية حيث يطلب من المريض أن يتذكر ما يزيد انفعاله وحزنه ثم يطلب منه نسيانه والاسترخاء فيهدأ ... ، وهكذا يكرر معه الأمر حتى يكون أكثر هدوءا فى كل الأحوال ... ، وهو ما تفعله الصلاة مع المصلى فسبحان العليم الخبير ... ، واعلم أن الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا ويحصيها ... ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) ومثقال الذرة لا يرى بالعين المجردة ... ، واعلم أن كل شىء مهم ولا بدّ من إتقانه والإهمال فيه يؤدى إلى عواقب وخيمة واعلم أن كل الأنبياء هاجروا ، وكانوا أحرارا لا يعرفون الهموم لأنهم توكلوا على الحى القيوم ، وكانوا لا يهاجرون إلا بإذن الله ... ، واعلم أن الله تعالى يعطى الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ولكنه يعطى الآخرة لمن أحب ... ، وأن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم" لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرئ مسلم لأكبهم الله فى النار" واحذر من العجلة والإسراف وسؤال الناس ... (١) واعلم أن السنين تمر وهناك الكثير من المفاهيم المقلوبة فى عصرنا ، ومنها التعدى والظلم ، وعدم الوفاء بالوعد ، فهناك من كان على شركه وأوفى بوعده لسراقة بن مالك وعبد الله بن اريقط ، واعلم أن ما يزيد عداد سيئاتك ويدخلك النار بعد أن كنت من أهل الأعراف النظر ، واللسان ، والسجائر والإدمان ، والبخل ، والكبر ، وعدم إتمام الصلاة ، وطاعة الشيطان وما يزيد عداد حسناتك ويجعلك فى معية الله سبحانه ، الذكر والخشوع ، والتعاون مع الناس (٢) ... ، وتغيير المنكر ، والطاعة لأوامر العليم الخبير

__________________

(١) قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ازهد فى الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس حببك الناس" رواه ابن ماجة وقال حديث حسن محتضر رياض الصالحين ص ١٦٢

(٢) يخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه ..." جزء من حديث رواه مسلم ص ٩٦ المرجع السابق


(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) (١). فعلينا أن نأخذ العبر من تلك الرسالة الجامعة ... ، رسالة الخير العالمية حيث تحتوى الصبر وقصص البطولات والثبات ... ، ويبدو ذلك فى هجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة والصبر على ترك الأهل والأولاد ، والصبر على الجوع حين هو حوصروا فى شعب أبى طالب ثلاث سنوات ... ، والصبر على القتال حيث خاضوا الكثير من المعارك والغزوات ... ، وفيها الإيثار والأخوة ولنا مثل فى أهل المدينة من الأنصار ، لذلك استحقوا قوله تعالى (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ... ، وفيها الصبر على الدعوة حيث ضرب أبى بكر الصديق ... ، وأبو ذر الغفارى ... ، وعذب بلال وعمار وغيرهم ... ، ومشى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الطائف على قدميه مائة كيلو حتى لا تتبعه قريش إن أدركوا أنه قد ركب راحلته ... ، والطائف تنحدر بارتفاع حتى ٥٠٠٠ قدم ، وفى النهاية أدميت قدمه الشريفة وقذف بالحجارة ، لقد كان يقصد كبراء القوم فأسلم عداس وقبل قدميه وهو الغلام الصغير ... ، وكان يقصد الإنس فأرسل الله إليه نفر من الجن يستمعون إليه وهو يصلى ويقرأ القرآن فرجعوا إلى قومهم منذرين ، وحزن حيث لم يجد الاستجابة له من أهل الأرض فاذن الله له برحلة السماء فى الإسراء والمعراج ... ، لندرك أن المقادير بيد الله ، فعلينا أن نأخذ بالأسباب مع التوكل على الله ، وما يريده سبحانه يكون ... ، ولنا مثل فى خرق السفينة وقتل الغلام ، وإقامة الجدار ، مع نبى الله موسى والخضر عليهما‌السلام ، وأيضا هناك قصص الوفاء حيث كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد خمسة عشر عاما من وفاة السيدة خديجة رضى الله عنها يقول عند ما يهدى شيئا : أرسلوا لصويحبات خديجة ... ، لقد بشرها الله تعالى لصبرها مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالسلام منه وبيت فى الجنة من قصب ، لا نصب فيه ولا وصب ، حيث كانت تصعد إليه فى الغار وهو يتعبد ، وحوصرت معه فى الشعب وكانت من أثرياء قريش ... ، لقد ابى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يطبق عليهم الأخشبين فكان يزيده جهل الجاهل

__________________

(١) سورة النساء الآية ٨٧.


حلما ... ، وكان يعلم أصحابه علو الهمة فعند شكواهم من شدة العذاب ، يخبرهم أنه كان يؤتى بالرجل ممن كانوا قبلهم فينشر بالمنشار من مفرق رأسه إلى قدمه فلا يثنيه ذلك عن دينه ... ، فعلينا أن ندافع عن تلك الرسالة ونقتدى بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ... ، هناك من أساء إلى أحدهم فنهاه سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه فلم ينتهى فدعا عليه وكان مجاب الدعوة فخرجت ناقة شاردة تشق الصفوف فلم تزل به حتى قتلته ... ، وهناك من كانت تسب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنهاها زوجها الكفيف أكثر من مرة ولم تنتهى فقتلها فأخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنها هدر ... ، أى لا دية لها ... ، وفى أيام التتار أساء رجل إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقول البذيء وهو يدعو إلى النصرانية فكان هناك كلب يزمجر ناحية هذا الرجل وقطع رباطه وأنطلق نحوه ... ، وحين ربطوه ، وعاد الرجل لإساءته ، قطع رباطه وأمسك بعنقه واستخلص حنجرته أداة الكلام ... ، وحين أساء كعب بن الأشرف وكثر إيذائه للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : من لى بكعب بن الأشرف فقد آذى الله ورسوله ، فقتله بعض الصحابة ... ، فعلينا بالثبات ... ، حيث شهد الضب ، ونطق الذئب ، وأقبلت الشجرة تخض الأرض خضا شهادة من الحيوان والنبات بنبوءة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، فوداعا وسحقا للظلمات ، والباطل ومرحبا برسالة الخير ... ، والحق ... ، والنور ... ، رسالة العزة والأمانة ... ، كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلقب قبل بعثته بالصادق الأمين ، حيث يضع المشركين عنده الأمانات ... ، يأتى الأنبياء يوم القيامة ، من معه الرجل ... ، والرجلان ... ، ومن ليس معه أحد ... ، ومن معه السواد العظيم ... ، ونبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أكثرهم تابعا ... ، فالحمد لله على خلقنا وأن جعلنا من هذه الأمة ، وعلى رأفته بنا ، والتيسير علينا ، وسبحانه لم يعاجلنا بالعقوبة ... ، كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينصر المظلوم ويتصدق على الفقير لأنه يعلم أن إغاثة الملهوف يأتى بعدها الفرج ... ، وحين دعاه جابر رضى الله عنه إلى طعام يكفى رجلا أو رجلين دعا جيشا بأكمله ، فأكلوا حتى شبعوا وبقى الكثير من الطعام ... ، فعلينا بالاقتداء به صلى‌الله‌عليه‌وسلم وطلب العلم وتكرار سماعه حتى يكون الفهم الحقيقى لرسالة الخير ... ،



الجزء الثانى

إعجاز القرآن البلاغى والحسابى



الفصل الأول

إعجاز القرآن بلاغة وحسابات



إعجاز القرآن بلاغة وحسابات

إنّ القرآن الكريم ليس كلاما عاديا ينطق أو مجرد أوامر وتشريعات نلتزم بها ولكنه فى الحقيقة يتميز بشيء غير عادى وهو أنه روح من أمر الله ... ، يقول تعالى (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) (١) لذلك فهو يحتوى معان لا تستطيع أن تحيطها عقول البشر وستظل عطاءاته دائما على مر العصور ، لذلك فإن ترتيبه فى المصحف ونظامه ونهايات آياته سواء بنهاية فردية أو زوجية لها حكمة يعلمها سبحانه حيث إنه لا بدّ أن يظهر إعجاز رياضي وحسابى فى عصر الحسابات الذى نعيشه الآن ، ولقد ظهر بالفعل هذا النوع من الإعجاز ... ، فقد وجد العلماء أن القرآن الكريم يستحيل أن تضاف إليه آية أو سورة أو يحذف منه مثل ذلك أيضا وإلا أختل النسق والترتيب الرياضي والهندسي الذى جعله الله تعالى سرا من أسراره ليحمل الإعجاز المناسب لكل عصر ، كذلك فإن هذا الإعجاز يمتد إلى حروف القرآن ذاتها فكل حرف له مدلول وله حكمة ، وكل كلمة لها حقيقة ومعانى بعيدة ومعجزة ... ، لذلك فإن العالم المادى الذى يحوى المتناقضات كالعقل مثلا فهو يمكن أن يعتريه النسيان ... ، أو النبوغ فى أمر ما واستيعابه ، وعدم النبوغ فى أمر آخر فوق طاقته ... ، وكذلك كل ما يخضع للتجربة فى العالم المادى نجد أنه يحتوى على المتناقضات ، فالطين مثلا يمكن أن يكون فى حالته الطينية ثم تجده فى صورة أخرى كالحمإ المسنون ... ، ثم صلصال كالفخار ، وهكذا ... ، فكل ما يخضع للعالم المادى خاضع للتغير ... ، ولكن كل ما يخضع لعالم الأمر والتشريع الإلهى فهو لا يخضع لأى تناقضات لأنه مستمد من أمر الله وكلماته التى يستحيل عليها التناقض ، لذلك فإن الإنسان الذى يحتوى نفخة من روح الله إذا أخضع فكرة لما يوافق شرع ربه وأمره كانت أنوار الإيمان التى توافق عالم الأمر الإلهى ... ، وأما إذا أخضع الإنسان فكرة لتصورات البشر المادية المحكومة بقوانين عالم الخلق المادى الذى يحوى المتناقضات

__________________

(١) سورة الشورى الآية ٥٢.


فيكون الاختلاف والتصادم والقصور فى الفهم والبعد عن الحقيقة التى فيها نجاته وهى تنفيذ أوامر الله بلا جدال ... ، لذلك فإن فلسفة فصل العلم عن الدين هى فلسفة ساقطة ، فالعلم هو مقدمات البحث والنور الذى يحمله الباحث ، والدين هو نبع الأصل الذى يثبت النتيجة التى يتم البحث عنها لأنه لا يحتوى على حقائق كونية فقط يعرفها الباحث من خلال أبحاثه وتجاربه وتأملاته ويجدها مطابقة تماما لما أشار إليه القرآن الكريم وذلك فى كل مجالات العلوم ، بل إنه يحتوى على الثراء ودعوة الخير والوعد بالنعيم فى جنة الخلد بعد فناء العالم المادى ... ، لذلك لا بدّ من الرجوع إلى القرآن الكريم ، إلى مصدر النور فى كل شىء وتدبر آياته وإعمال العقل بما يوافق أمر خالقنا حتى تكون النجاة يقول تعالى (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (١).

لذلك فإن القراءة والتلاوة والاستماع فقط لآيات القرآن الكريم لن يكون بهم إخراج الكنوز والحقائق التى يحتويها كتاب الله ولكن لا بدّ من التدبر وإعمال العقل ليجد الإنسان الحقيقة والبرهان فيستقر الإيمان فى القلب ويكون الثبات مهما اشتدت رياح السطحية النابعة من العقول الشاردة التى تتخبط فى عالم المادة والشهوات والمتناقضات والبعيدة عن نبع الحقيقة والنور ....

وإذا نظرنا إلى الإنسان نجد أنه قبل أنه ينطق بكلمة لا بدّ أن يكون لها معنى فى داخله ثم يجعل لها قالبا لغويا يعبر عن معناها فى عقله وهى صياغة القول رغم أنه لم ينطق بها يقول تعالى (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) (٢).

ثم بعد ذلك يكون اللفظ الذى يخرج إلى العالم المادى بتلك الكلمة التى تكونت بمعناها فى أعماق الإنسان ثم صيغت قولا فى عقله يعبر عنه بأى لغة عربية أو غيرها

__________________

(١) سورة الملك الآية ١٠

(٢) سورة المجادلة الآية ٨.


يقول تعالى (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١) ، ومن ذلك نجد أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذى أراده بمعناه فى الأزل فى ذاته العلية التى ترتفع فوق عالم المادة والمكان والزمن ثم أختار له القول بأصفى اللغات وهى اللغة العربية والتى تحتوى كل الأسرار الفطرية ، والكونية ، والحسابية والبلاغية ، وغيرها ، ثم كان ألفاظا منطوقة بما يناسب عالمنا المادى ، لذلك فالقرآن الكريم هو انعكاس لكلمات الله تعالى التى أرادها أزلا وكانت فى اللوح المحفوظ حتى أذن بها بألفاظ من وحيه سبحانه وفيها العلاج لكل قضايا عالمنا المادى المخلوق ... ، ولأن الله تعالى هو الخالق الواحد فإن الغاية فى الكون كله واحدة فلا يوجد أكثر من إله وإلا لتعددت الغايات ... ، لذلك نجد أن عالم المادة المخلوق بأمر الله غايته واحدة وينتظم فى وحدة واحدة من الذرة إلى المجرة فى قانون واحد وهو الدوران والطواف وفى اتجاه واحد عكس عقارب الساعة كطواف البشر حول البيت الحرام ... ، وكذلك فإن عناصر الإنسان هى نفس عناصر الأرض وعناصر الأرض هى نفس عناصر الأفلاك الأخرى ... ، فهناك وحدة فى الخلق تدل على أن الغاية واحدة ، والخالق واحد لا شريك له ... ، لذلك فإن الذات الإلهية تعلو فوق كل مقاييس المخلوقات ، وأثناء الحديث عن الذات الإلهية وصفاتها يجب رفع الكيفية والظرفية المكانية والزمانية ، فإرادة الله تعالى هى أمره بكن فيكون والمشيئة هى إرادة الله مع تسخير الأسباب التى يعلمها البشر فى إطار المكان والزمان ، يقول تعالى (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢).

وكذلك فإن كل ما فى الكون من كائنات وعلوم وهدى وضلال لا يخرج عن مشيئة الله وعلمه بالحكمة من ذلك ، يقول تعالى (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (٣) ويقول تعالى (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) (٤) فإرادة الله تختلف عن المشيئة فى كون أن المشيئة تحتمل

__________________

(١) سورة ق الآية ١٨.

(٢) سورة التكوير الآية ٢٩.

(٣) سورة الحج الآية ١٨

(٤) سورة النور الآية ٤٥


أشياء مختلفة بفضل تسخير الله تعالى للأسباب ، يقول تعالى (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) (١) ، فالمشيئة تحتمل أشياء مختلفة جعلها الله تعالى حكما يتمشى مع انفعالات البشر ، وخواطره ، واختباره ، وأمنياته ، وما تحمله تلك الأمنيات من المتناقضات كبشر مخلوق يخضع للتكوين المادى ... ، لذلك فلقد خاض الإنسان فى مسألة الاستنساخ وأخذ بالأسباب حتى عرف اختراع الأجهزة التى استطاع أن يعرف بها نوع المولود وكلها أسباب مسخرة بين يدى الإنسان بمشيئة الله ويسمح بها طالما أن هذا الإنسان أخذ بالأسباب واختار بين البدائل ، وقد سمح الله له أن يكون مخيرا حتى يحاسب إذا أختار السعى فى طريق الشيطان ... ، ولكن إذا ارتبطت إرادة الله تعالى بشيء فهذا يعنى أن احتمال وقوع نقيضه مستحيل ، فإذا أراد الله العقم لأحد من البشر فبذلك يستحيل أن ينجب مهما ذهب إلى الأطباء لذلك يقول تعالى (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) (٢) جعل الله تعالى العقم يخضع للمشيئة لأن الله تعالى برحمته ، يمكن أن يشاء لهذا العقيم ... ، بأن ينجب ولو قال الله تعالى يجعل من يريد عقيما لكان من المستحيل أن ينجب العقيم ولذلك نجد الكثير ممن تم تشخيص حالاتهم بالعقم يمكن بعد مرور عدة سنوات يشاء الله تعالى لهم بالإنجاب ... ، إن إرادة الله تعالى لا تكون إلا فى خير الدنيا والآخرة ، يقول تعالى موضحا لنا إرادته التى لا تحتمل إلا طريقا واحدا خيرا فى كل حال (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) (٣) ... ، (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) (٤) (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٥) ... ، ولكن إذا أصر العبد على الضلال تكون إرادة الله الكونية بأن يزيده ضلالا يقول تعالى (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) وقوله تعالى (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ

__________________

(١) سورة الشورى الآية ٤٩.

(٢) سورة الشورى الآية ٥٠.

(٣) سورة الأنفال الآية ٦٧.

(٤) سورة غافر الآية ٣١.

(٥) سورة البقرة الآية ١٨٥.


تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) ... ، إن لله تعالى إرادة كونية ، وإرادة شرعية.

لذلك فلا نحكم على العاصى الشرير بأن الله أراد له ذلك ، دون أن يبين له طريق الخير ، ولكن نقول أن الله خيره واختبره وبين له طريق الهدى وأمره بالسعى فيه وهو خالف ما يريده الله واختار طريق الشر فسمح له الله وشاء له بذلك ... ، فالشر يعود إلى إرادة الإنسان الضالة التى يسمح الله لها بأن تحدث باختيار الإنسان وفق مشيئة الله سبحانه ... ، لذلك فالمتأمل للنصوص القرآنية يجد أن لفظ الإرادة الإلهية فى النصوص القرآنية.

تأتى بمعنى السماح للأسباب التى اختارها هؤلاء الضالين بأن تكون طريق هلاكهم يقول تعالى (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) (١) ، ويقول تعالى (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) (٢). وهنا نجد أنه لا بدّ من إفساد العباد أولا بالكفر والابتعاد عن منهج الله حيث تكون إرادة الله بالعقوبة ، ومما سبق نجد أن إرادة الله لا تكون إلا بالخير حيث لا يريد الله تعالى الظلم للعباد ولنا دليل فى هذه الآية من سورة الجن (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَ شَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) (٣).

ونلاحظ هنا إرادة الشر تأتى بصيغة المبنى للمجهول ولم تأت مرتبطة بالذات الإلهية كما هو الحال فى إرادة الرشد الذى يأتى بالخير دائما ، والمتأمل لآيات القرآن الكريم ، يلاحظ الكثير من صور الإعجاز ، فجميع أسماء الصفات ... ، لله تعالى تنتمى إلى اسمه تعالى الله ولذلك نجد أن كلمة اسم تأتى مضافة لكلمة الله وكلمة الرب فى القرآن كله لم تأت مضافة لباقى الصفات ، ونجد أن المشيئة ترتبط بالمسائل المتناقضة والتى تناسب عالم الخلق المكون من أزواج ويحتوى المتناقضات ... ، ومن ذلك نجد خطورة أن يدعى البشر بأن لله ولدا وهذا يستحيل لأن الولد يقتضى الزوجية

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ١٧٦.

(٢) سورة الإسراء الآية ١٦.

(٣) سورة الجن الآية ١٠


التى تنتمى لعالم الخلق المادى ... ، فالذات الإلهية لا تخضع للقوانين المادية لأن الله تعالى فوق المكان والزمان ليس كمثله شىء ... ، يقول تعالى (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) (١) ولكن فى العالم المادى نجد أن هناك التناظر والزوجية فالإيمان والكفر مسألتين متناظرتين لذلك فكل كلمة ترد فى القرآن الكريم بشكل متناظر تماما (١٧) مرة ، وتلك صورة من صور الإعجاز القرآنى ، كذلك نلاحظ أن كلمة الروح هى كلمة فوق عالم الخلق المادى لذلك فهى ترتبط بالذات الإلهية وبعالم الأمر الذى يعلو فوق المادة ولذلك نجدها فى القرآن الكريم مقرونة بأمر الله يقول تعالى (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) (٢) ... ، (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (٣).

وبذلك نجد أن الذات الإلهية هى أعلى معرفة فى القرآن الكريم ثم عالم الأمر الذى يصدر عن الذات الإلهية كالروح والأمر بالعدل والإحسان وكل خير فأمر الله تعالى هو الدعوة لكل خير يقول تعالى (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) (٤) ويقول تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (٥).

ثم عالم الخلق الذى خلقه الله تعالى وقدر فيه الابتلاء والاختبار حيث نجد فيه اختلاف أهواء البشر فمنهم من يختار طريق الخير ... ، فأمر الله تعالى هو دعوة لكل خير ومنهم من يختار طريق الشر وهذا العالم له بداية ونهاية ... ، لذلك فإذا وردت كلمة أبدا بالنسبة لعالم الخلق المحدود الزمان والمكان فإنها ترتبط بفترة زمنية محددة يقول تعالى (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها) (٦) ، وأما حين ترتبط بالدار الآخرة فإنها تعنى السرمدية والنعيم الدائم بلا نهاية يقول تعالى (خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) (٧) ... ، إن القرآن الكريم والمستمد

__________________

(١) سورة النساء الآية ١٧١.

(٢) سورة النحل الآية ٢.

(٣) سورة الإسراء الآية ٨٥.

(٤) سورة الشورى الآية ٥٢.

(٥) سورة النحل الآية ٩٠

(٦) سورة المائدة الآية ٢٤

(٧) سورة النساء الآية ١٢٢.


من الذات الإلهية تقع ظلاله فى نفوس البشر بدرجات متفاوتة تتعلق بشفافية هذه النفوس ودرجات إيمانهم ، ولذلك فإن من غطت المادة أبصارهم وعقولهم واتبعوا الشهوات نجد أنهم لا يفقهون شيئا من القرآن الكريم فلا تنعكس ظلال القرآن كلاما وقولا ولفظا فى قلوبهم ، يقول تعالى (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) (١) ... ، فالإنسان مادة ونفحة من روح الله ، فلا بد أن تتغلب روح الله على النفس حتى تكون السعادة الحقيقية ، حيث أن روح الله كانت سببا فى المادة وفى كل شىء ... ، وبالفعل فإن من يذكر الله دائما لا يعرف اليأس أبدا ... ، وفى عصرنا سجل الباحثون أعلى نسبة انتحار فوجدوها عند أصحاب الثراء المادى فقط لغياب الروح عن ذكر الله ، لذلك فإننا فى عالمنا المادى نتلقى القرآن بمعانى تتناسب مع شفافية النفس لا يدركها الغير ممن فقدوا تلك الشفافية ... ، وكذلك فإن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمعه من جبريل عليه‌السلام بشفافية خاصة لا نعلمها نحن ... ، وكذلك سمعه جبريل عليه‌السلام من الله تعالى بشفافية خاصة بالملائكة لا يدركها غيرهم ... ، إن كلام الله تعالى هو المعجزة الباقية على مر العصور لغة ونظما ومطابقة للحقائق الكونية ، وحسابا ، ورسما ... ، ويكفى أن هناك المئات من الأمثلة التى تثبت ارتباط مجموع حروف النص المرسومة بحقيقة المسألة التى يصورها النص القرآنى ، وهناك أيضا مطابقة العلوم المختلفة فى جميع المجالات وغير ذلك من الإعجازات المختلفة ... ، إن القرآن الكريم لأنه كلام الله ومراده وقوله أيضا ، فلقد تغيرت عند نزوله مسائل كونية لم تحدث قبل ذلك عند نزول باقى الكتب السماوية ، فعند نزول القرآن الكريم إلى السماء الدنيا ، كان للجن فى السماء مقاعد للسمع ولكن بعد نزوله ملئت بالحرس والشهب ، ذلك لأن القرآن الكريم هو وحى الله مرادا وقولا وحرفا وتحتويه معجزته الباقية على مر الزمن ... ، ولكن باقى الكتب السماوية ، كالتوراة مثلا هى مراد الله ولكن دون أن يصاغ فى قالب لغوى من قبل الله تعالى ، ولكن الرسول هو الذى يقوله بلهجة قومه وينطقه بما يفهمون ، لذلك لم تحمل هذه الكتب المعجزات ولكن

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ٤٦.


كان النبى يبلغ الرسالة ويؤتيه الله تعالى معجزة خاصة لقومه كالعصا لموسى عليه‌السلام الناقة لصالح عليه‌السلام وغير ذلك من المعجزات الخاصة والمحكومة بإطار الزمان والمكان ولنوعية معينة من الناس ... ، فلم تكن رسالات عالمية ولكن رسالات خاصة فى زمن معين ... ، لكن رسالة القرآن الكريم العالمية والتى لا تحكمها قوانين المكان والزمان وتحتويها المعجزة الباقية لكل عصر ، فنجد أن الكلمة القرآنية التى تصف الشيء تعطى لكل جيل ما يناسب علمه وحضارته دون أن يناقض ذلك المفاهيم التى تعطيها هذه الكلمة لغيره من الأجيال ... ، ويمكن أن يسأل الإنسان نفسه إذا كان القرآن الكريم هو بحروفه قول الله تعالى منذ الأزل فكيف وصل إلى العرب قبل الإسلام حروف تلك اللغة العربية ، نقول إن اللغة العربية هى أصل كل اللغات القديمة ولقد علم الله تعالى آدم عليه‌السلام الأسماء كلها ، ومع مرور الزمن وتغير الحضارات ، ظلت اللغة العربية تحتفظ بمعانيها فى اللغات الأخرى والأمثلة على ذلك كثيرة ... ، ولأن الله تعالى يعلم أزلا بما سيحدث فى كونه نجد ارتباط الكلمات القرآنية بالحقائق الكونية كما أشرنا سابقا فتوارد كلمة البر ويبسا بالنسبة لكلمة البحر الواردة فى القرآن الكريم ، تأتى وتتوارد بأعداد ونسب تعكس نفس نسبة اليابسة إلى الماء وغير ذلك الكثير من ارتباط الكلمات بالحقائق الكونية الثابتة التى لم يكتشفها علماؤنا إلا حديثا ... ، إن رسم القرآن الكريم أكبر وأشمل وأوسع من قواعد الكتابة التى نتداولها فهو موضوع لحكمة إلهية مطلقة ، وكذلك القواعد الإعرابية للقرآن الكريم هى فوق القواعد الإعرابية الأخرى ... ، وكذلك فإن لكلمات القرآن الكريم عمقا لغويا يرتبط بأصل كل كلمة فى إطار معين لا يخرج المعنى عنه ، فمثلا إذا نظرنا إلى قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) (١) ... ، إن العمق اللغوى لكلمة النسيء هى اللفظ نسأ (ن س أ) نجد أن النسيء هو تأخير الشهور بحسب مصالح المشركين. وقوله تعالى (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ).

__________________

(١) سورة التوبة الآية ٣٧.


نجد أن لفظ منسأة يأتى من التأخير حيث نقول نسأ الشيء أى أخره ومن معنى الآية نجد أن عصا سليمان عليه‌السلام قد أخرت علم الجن بموته لذلك أطلق على العصا التى أخرت علم الجن علم الجن بالمنسأة ، وهناك أمثلة أخرى فمثلا العمق اللغوى لكلمة بعل (ب ع ل) هى تعنى القوامة والانقياد والإتباع وهى صفة للرجل زوج المرأة وحين تكون الاشارة القرآنية بقوله تعالى (أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) (١) ، يصف لنا الله تعالى جعل الكفار من قوم موسى عليه‌السلام لهذا الصنم قواما عليهم ينقادون له ويتبعونه كما أن المرأة تتبع بعلها وتنقاد إليه ، وإذا نظرنا إلى قوله تعالى (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) (٢) وقوله تعالى تعالى (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ) (٣).

فإننا نلاحظ أن الوصف (وأجدر) عمقه اللغوى (ج د ر) وهذا يعنى أن الكفر والنفاق عبارة عن جدار يحول بينهم وبين العلم بحدود الله برغم أن سياق المعنى فى تصوراتنا العادية لكلمة وأجدر أى أحق وأقرب ... ، ولقد لاحظ العلماء أنه لا يمكن لأى كلمة أخرى تنتمى لجذر لغوى آخر أو عمق معنى آخر أن تعطى نفس المعنى لكلمة وأجدر ، فكلمة أولى مثلا لو جاءت بدلا منها نجد أن عمقها اللغوى (ول ى) تعنى القرب والموالاة وهذا بعيد عن المعنى الذى تحمله كلمة وأجدر التى تعنى الفاصل والبعد بينهم وبين حدود الله ... ، وأيضا قد لاحظ علماء اللغة أنه لا يمكن أن يتصور الإنسان بقدرته المحدودة تبديل كلمة فى القرآن الكريم مكان كلمة أخرى ظنا منه أنها تعطى نفس المعنى لأن الكلمات القرآن الكريم عمقا لغويا بعيدا يظل معجزة باقية على مر الزمن وعلى سبيل المثال فكلمة حجز (ح ج ز) لا يمكن أن تنوب عن كلمة وأجدر لأن الحاجز يعنى منع طرفين من الوصول إلى بعضهما ولا

__________________

(١) سورة الصافات الآية ١٢٥.

(٢) سورة التوبة الآية ٩٧.

(٣) سورة الكهف الآية ٨٢.


يمكن لأحد الطرفين أن يجاوز هذا الحاجز وإلا لما كان حاجزا بينما العمق اللغوى (ج د ر) يصف لنا كيانا يحجز لكن من الممكن تجاوزه ، وذلك يعنى أن الكفر والنفاق بالنسبة للأعراب هما جدار يحول بينهم وبين علمهم بحدود الله ومن الممكن تجاوز هذا الجدار بترك الكفر والنفاق ... ، ولكن لو جاءت الكلمة من العمق (ح ج ز) عندها لا يمكن تجاوز هذا الجدار فهو يأتى فى البحار مثلا لأنها حقيقة كونية جعلها الله تعالى بكن فيكون فلا يمكن أن يتجاوز بحر ويختلط بحر ويختلط بالآخر ، يقول تعالى (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً) (١).

وإذا نظرنا إلى أمثلة أخرى فنجد قوله تعالى (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (٢). وقوله تعالى (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) (٣) نجد أن العمق اللغوى هنا هو (ص د ع) وصدع بالشيء أى شقة وفرقه ، فالصدع المرتبط بالأرض أى شقها وطرقها ، والصدع المرتبط بالأمر للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أى بلغ ما تؤمر به وفرق بين الحق والباطل وهكذا نجد أن أى كلمة أخرى لا تؤدى لهذا البعد اللغوى المعجز ... ، وإذا نظرنا إلى قوله تعالى (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وقوله تعالى (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) (٤) ، وقوله تعالى (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (٥).

وهنا نجد أن العمق والأصل اللغوى هو كلمة (ن ه ر) وهو فى اللغة بمعنى حفر فيقال نهرت النهر أى حفرته فنجد ونلاحظ الارتباط اللغوى بالعمق فى هذه الآيات ففي الآية الأولى نجد أن الأنهار هى شقوق وحفر فى جسم الأرض وفى الآية الثانية نجد أنه بتقدم العلوم وضح للعلماء أن الكون غالبيته ظلام وما النهار إلا

__________________

(١) سورة النمل الآية ٦١.

(٢) سورة الحجر الآية ٩٤.

(٣) سورة الطارق الآية ١٢.

(٤) سورة يس ص ٣٧.

(٥) سورة الضحى الآية ١٠.


طبقة رقيقة ٢٠٠ كم فقط يساعد على ظهورها طبقة الغلاف الجوى حين تشتت أشعة الشمس إلى نهار ... ، فالنهار ما هو إلا طبقة شقت فى جسم الليل أو حفرت فى جسم الليل الكبير المساحة ١٥٠ مليون كم حتى الوصول إلى الشمس وأما الآية الثالثة فالسائل حين يسأل يكون عنده أمل ورجاء بمساحة شاسعة فى نفسه بالنسبة لمن يسأله وحين تنهره فإنك تشق هذا الأمل وتخرقه فيحل محله انقطاع الأمل ... ، ففي الآية الأولى حين كان الشق فى الأرض كان جريان الأنهار ... ، وفى الآية الثانية حين كان الشق فى الليل سرى النهار ... ، وفى الآية الثالثة حين كان الشق فى النفس جرى انقطاع الأمل ... ، وهناك ألوانا أخرى من ألوان الإعجاز فى القرآن الكريم فمثلا يقول تعالى فى سورة الكهف (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ) (١).

ويقول تعالى (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ) (٢) نلاحظ هنا وصف المكان الواحد بالقرية مرة وبالمدينة مرة أخرى ، والعمق اللغوى لكلمة قرية هو اللفظ (ق ر ى) وهى صفة للخصائص البشرية التى تختلف من مكان إلى آخر كالشح أو الظلم أو إكرام الضيف أو غيره ... ، وأما كلمة مدينة فعمقها اللغوى (م د ن) وهو إشارة للحضارة والمدينة التى تخص المكان وهى دائما ظاهرة ليست خفية لذلك فكلمة المدينة تأتى دائما فى القرآن الكريم معرفة بعكس القرية والتى يختلف فيها عمقها اللغوى باختلاف صفات البشر من صفات ظاهرة وصفات خفية فى النفس لذلك فهى تأتى نكرة ومعرفة ، والملاحظ هنا أن الجدار وبناءه يعكس صورة البناء التى هى أساس الحضارة والمدينة فجاء لفظ المدينة مقترنا بالجدار والبناء ....

وإذا نظرنا إلى بعض الأمثلة الأخرى فى قوله تعالى (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) (٣) ... ، وقوله تعالى (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) (٤) ... ،

__________________

(١) سورة الكهف الآية ٧٧.

(٢) سورة الكهف الآية ٨٢.

(٣) سورة البقرة الآية ٥١.

(٤) سورة الذاريات الآية ٢٦.


وقوله تعالى عن السامرى (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) (١).

ولقد لاحظ علماء اللغة (٢) أن كل النصوص القرآنية التى ترد فيها كلمة العجل ترتبط بحدثين فقط الحدث الأول هو العجل الذى جاء به إبراهيم عليه‌السلام كطعام لضيوفه ، والحدث الثانى هو العجل الذى أتخذه بنو إسرائيل إلها وهو العجل الذى أخرجه السامرى لهم ، وفى ذلك نجد أن المعنى فى الحدثين يشير إلى العجلة والسرعة فى الأمر ، فإبراهيم عليه‌السلام جاء بالعجل لضيوفه من الملائكة بسرعة ، والسامرى استعجل أمر ربه ورجوع موسى عليه‌السلام وصاغ لهم هذا العجل وبذلك نجد أن لفظ العجل له عمق لغوى بعيد ويرتبط بأحداث قديمة وأحداث يعلمها الله تعالى أزلا وبذلك كانت مسميات الأشياء التى علمها سبحانه وتعالى لأبينا آدم عليه‌السلام ترتبط بأحداث يعلمها الله أزلا ... ، ومن ذلك ندرك أن اللغة العربية التى كان ينطقها العرب فى الجزيرة العربية لم ينزل القرآن بها لأنها لغتهم ، ولكنها لغة أزلية محفوظة بأحداثها ومسمياتها منذ الأزل ، وهى اللغة التى أنزلها الله تعالى ليتعلمها البشر ، فعلّمها أبونا آدم لأبنائه وعلمها غيرهم لأحفاده ، وهكذا حتى وصلت إلى مجموعة من الناس كانت هى لغتهم فأطلق عليهم اسم العرب نسبة إلى اللغة التى تكلموا بها ونالت اهتمامهم ، لذلك فكلمة العجل التى يطلقها الناس على هذا الحيوان العادى من الأنعام التى خلقها الله تعالى ... ، إذا سأل كل منهم نفسه لما ذا سمّى هذا الحيوان بالعجل ومن الذى سماه بذلك ... ، وسوف تكون الإجابة أنه لم يسمه بشر بهذا الاسم ، ولكنه اسم أطلقه الله عليه أزلا ارتباطا بأحداث يعلمها الله فى الأزل فهو يعبر عن عجلة إبراهيم عليه‌السلام حين جاء به تحية لضيوفه من الملائكة ، وحين عجل السامرى فجعله معبودا من دون الله قبل رجوع موسى عليه‌السلام ... ، إنها لغة الله التى تحدى بها العرب بأن يأتوا بسورة من مثله

__________________

(١) سورة طه الآية ٨٨

(٢) الحق المطلق.


وحتى حين يجتمع الأنس والجن فلن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ... ، لذلك فهناك أسرارا كثيرة لا يعلمها العرب عن معانى القرآن الكريم الذى تحداهم الله به وكذلك لا نعلمها نحن الآن فى عصورنا الحديثة ، ولكن هناك تفسيرات يسمح لنا الله تعالى بها وبمعرفتها كلما تقدم العلم كما أشرنا سابقا عن معرفة العمق اللغوى لكلمة النهار والتى ترتبط بلفظ النهر وينهر ... ، وحين كان الصعود بسفن الفضاء كان اكتشاف الظلام الكونى الذى يشق النهار عن طريق الغلاف الجوى كما يشق النهر ... ، إن الله تعالى لم يخبرنا بكل أسرار اللغة العربية لأنه كلما تقدمت العصور سيعرف الناس الكثير مما لم يعرفه من كانوا قبلهم لتظل عطاءات القرآن مستمرة على مر الزمن ... ، ومن ذلك نجد أننا أدركنا سر تسمية الغراب بهذا الاسم حيث أنه يرتبط بالغرابيب السود ، وهى الحجارة السوداء فى الجبال كما أشار القرآن الكريم ، والغراب يشبه فى سواده تلك الأحجار والله تعالى لم يطلعنا على كل الأسرار حتى يظل التحدى مستمرا إلى يوم القيامة فنحن لم نزل نجهل الحكمة من تسمية الهدهد والنملة وغيرها فهى أسرار الله الأزلية التى لا يعلمها إلا هو فهى أسماء فقط بعكس الكلمات الأخرى التى تأتى اسما مقرونا بصفة أو موقف يعلمه الله فى الأزل فيقترن الإسم به كما ارتبط اسم العجل بعجلة إبراهيم عليه‌السلام حين جاء به لضيوفه ... ، فهى أسماء ذات وليست أسماء صفات ، فتحدى العرب ليس لأنها لغتهم ولكن لأنها لغة الله التى علمها لهم ولكن أخفى عنهم كثيرا من أسرارها ، وسر مسمياتها ، ومشتقاتها ومنبعها الأزلى ، لذلك فاللغة العربية شملت على الإعجاز اللغوى والإعجاز العلمى والإعجاز الحسابى والإعجاز الرياضى وغيره ، وكل ذلك يكمن فى تلك اللغة ، التى كلما حاول العلماء فى جميع المجالات الغوص فى شفراتها بالتفكر كما دعاهم الله تعالى توصلوا إلى المزيد من الأسرار لذلك يقول سبحانه (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ... ، ومن خلال هذا الإطار علينا بتأمل قوله تعالى (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) (١).

__________________

(١) سورة القصص الآية ٢٣.


وقوله تعالى (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) (١) وإذا تأملنا العمق اللغوى للفظ (ورد) نجد أن معناه الوصول والنفاذ والورود إلى شىء ما لهدف معين ، وينطبق ذلك على السماء لأن هذه السماء المحكمة البناء والتى ترتبط أجرامها بإحكام والتى يصعب النفاذ إليها يقول تعالى عنها (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) (٢) سوف تكون أبوابا ومنافذ وسبلا يسهل النفاذ منها ، يقول تعالى (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) (٣) وبذلك ينطبق عليها لفظ الوردة التى عمقها اللغوى هو اللفظ (ورد) ، ويتجلى الإعجاز هنا حين تمكن علماؤنا فى هذا العصر من تصوير الجرم فى السماء وهو ينفجر فيعطى شكلا يشبه الوردة الحمراء الطبيعية تماما حيث تمتد السنة اللهب الحمراء وتناسب فى لحظة الانفجار كأنها تماما وردة حمراء تتفتح ، ولذلك فاللفظ التشبيهى كالدهان يعنى أنها كالأديم الأحمر وهى بالفعل نفس الصورة والمشهد الذى صوره العلماء (٤) ، وهذا يعطينا لمحة عن سر تسمية الوردة وعلاقتها بالسماء ، فلقد كان للفظ وردة سابق علم أزلى لم نعرفه نحن إلا فى هذا العصر ، ولم يكن يعرفه العرب من قبل ، حيث لم يكن فى عصرهم مركبات فضائية أو تلسكوبات فلكية تلتقط مثل هذه الصور المطابقة تماما للتصوير القرآنى ... ، فكان اشتقاق اسم الوردة فى اللغة العربية لارتباطه بحقيقة كونية أزلية لم يكن يعرفها أو يدرى بها العرب من قبل مما يثبت أن القرآن الكريم هو وحى الله وهو الحق المطلق فى كل زمان ... ، وتتجلى عظمة البيان القرآنى فى اقتران التدرج الحسابى بمعانى الكلمات الواردة فكلمة المطففين ترد مرة واحدة فى القرآن الكريم وكلمة القاسطين ترد مرتين وهى بنفس معنى المطففين ... ، حيث إن القاسطين يزنون الأمور كالمطففين بحيث تكون كفتهم دائما هى الراجحة على حساب غيرهم فيكون مجموع ورود الكلمتين هو ٣ مرات

__________________

(١) سورة الرحمن الآية ٣٧.

(٢) سورة الرحمن الآية ٣٣.

(٣) سورة النبأ الآية ١٩.

(٤) المرجع السابق


والإعجاز هنا ورود كلمة المقسطين ٣ مرات ، وهى بمعنى العادلون اللذين ربما يرجحون كفة غيرهم على حساب كفتهم خوفا من ربهم لذلك يبدو الإعجاز فى هذا التناظر حيث إن مجموع الكلمتين المتساويتين فى المعنى يناظر تماما الكلمة التى تعطى عكس هذا المعنى ... ، وهناك الكثير من مثل هذه الأمثلة والتى تعبر عن الإعجاز الحسابى الكامن فى قلب الإعجاز اللغوى لألفاظ القرآن الكريم ... ، من ذلك نجد أن الكلمة القرآنية كقطعة الماس التى تعطى ألوانا من المعانى وألوانا من الإعجازات وهى تأتى اسما وتأتى وصفا وتأتى اسما ووصفا فى الوقت نفسه ... ، والأمثلة على ذلك كثيرة وقد أشرنا إلى بعض منها ، وهناك أمثلة أخرى توضح أن كلمة الذات لا تحمل سوى معنى واحد خاص بها فمثلا كلمة التوراة لا تعنى سوى الكتاب الذى أنزل على موسى عليه‌السلام ... ، وكذلك كلمة الإنجيل فهى خاصة بالكتاب الذى أنزل على عيسى عليه‌السلام ... ، وكذلك القرآن هى تعنى هذا الكتاب الذى أنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولكن هناك أسماء صفات مثل كلمات ، الكتاب ... ، والفرقان ... ، والنور فهى أسماء صفات لهذه الكتب السماوية يقول تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) (١).

وهناك أمثلة أخرى مثل كلمة الملائكة والتى عمقها اللغوى هو اللفظ (م ل ك) والذى يشير إلى المخلوقات النورانية التى لا تعصى الله أبدا ، وأما كلمة الشياطين فهى تمتد إلى العمق اللغوى للفظ (ش ط ن) الذى يعنى التمرد والعصيان ، وتبدو المعجزة الحسابية مقترنة بالتناظر اللفظى حيث إن كلمة الملائكة ومشتقاتها ترد فى القرآن الكريم ٨٨ مرة كذلك كلمة الشياطين ومشتقاتها ترد ٨٨ مرة وأما كلمة الملائكة فقط فترد ٦٨ مرة وكذلك كلمة الشياطين فقط ترد ٦٨ مرة مما يثبت أنه تناظر لا يخضع للمصادفة ولكنه علم الله الخبير الذى أبدع كل شىء وجعل أسراره بريقا يومض فى كتابه على مر الزمن ....

إن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى وهو يناسب علمه المحيط بكل شىء ، لذلك فلا يمكن أن يكون هناك حرفا زائدا فى القرآن الكريم لا يؤدى إلى معنى ، ولكن هناك

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٤٤.


الترابط اللغوى فى كل معانى القرآن الكريم بناء وحرفا ولفظا وحسابا وهناك التناظر التام بين الكلمات فى عدد الحروف فمثلا قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (١) وعدد حروفها هو ٢٠ حرفا وإذا نظرنا إلى ما يناظرها فى سورة أخرى نجد قوله تعالى (ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٢) وعدد حروفها أيضا ٢٠ حرفا.

وهناك تناظر آخر بين الصورة القرآنية" ألا تسجد" ، " إذ أمرتك" كل منهما يتكون من ٧ حروف ، كذلك" قال ما منعك" ، " قال أنا خير" نلاحظ أن كل منها ٩ حروف وبذلك ندرك أنه لا توجد حروف تزيد فى القرآن الكريم أو كلمات ، فمثلا إذا نظرنا إلى قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) وقوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (٣). نلاحظ أن كل منها يتكون من ٢٣ حرف فرغم اختلاف الظاهر باللفظ (ألا) فى الآية الأولى نجد أن هناك توافقا فى المعنى حيث يفيد اللفظ الاستفهام عن قوة خارجية أقوى منه منعته من السجود ، وبذلك نجد أن اللفظ (ألا) جاء لنفى أن إبليس امتنع عن السجود نتيجة أى قوة خارجية عن ذاته ... ، ومن الأسرار أيضا فى القرآن الكريم أن كلمة النور تأتى دائما بصيغة المفرد ولكن كلمة الظلمات تأتى دائما بصيغة الجمع وذلك يدل على تعدد طرقات الظلمة ، حيث أن طرق البعد عن منهج الله تعالى هى طرق كثيرة ومتعددة ولكن طريق الحق والنور هو طريق واحد يقول تعالى (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ. وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) (٤).

وكذلك نلاحظ أهمية الحرف فى القرآن الكريم وعمقه فمثلا إذا نظرنا إلى قوله تعالى (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) (٥).

__________________

(١) سورة الأعراف الآية ١٢.

(٢) سورة الحجر الآية ٣٢.

(٣) سورة ص الآية ٧٥.

(٤) سورة فاطر الآية ٢٠.

(٥) سورة البقرة الآية ٥٨.


وقوله تعالى (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ) (١) نلاحظ أن الفاء فى الآية الأولى (فكلوا) يدل على خطاب قبل الدخول ولكن الواو فى الآية الثانية (وكلوا) هى عطف على إقامتهم فهى تناسب الخطاب بعد أن دخلوا القرية وسكنوها ... ، كذلك يخاطب الله تعالى آدم عليه‌السلام قبل أن يدخل الجنة فنلاحظ حرف الفاء مقرونا فى الخطاب يقول تعالى (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ. وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا) (٢) فبعد خروج إبليس كان الخطاب لأبينا آدم عليه‌السلام بالدخول إلى الجنة ولكن فى السورة القرآنية الأخرى بعد سكون الجنة نلاحظ الخطاب القرآنى بالواو يقول تعالى (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا) (٣) وهنا نجد أن مسألة الأكل مقرونة بالإقامة وليست متأخرة عنها ، فيكون الخطاب بالفاء أى فكلوا منها بعد دخولكم الجنة ... ، أى أن الفاء جاءت لخطاب قبل السكنى والواو للعطف بعد الاستقرار والسكن فى الجنة ، ومن ذلك نجد أن كل حرف كما أشرنا له معنى لغوى وإشارة عميقة تدل على معناه العميق ، كذلك عند خطاب من استمعوا إلى رسالة الإسلام نجد التصوير القرآنى مرة" فأعرض عنها" ومرة أخرى" ثم أعرض عنها" ونلاحظ هنا أن حرف الفاء يعطى معنى الإعراض بمجرد سماع الآيات ولكن فى الصورة الثانية فإن الإعراض جاء بعد استماع وتريث ثم كان بعد ذلك الإعراض والجحود ... ، وهناك الصور البلاغية الأخرى التى تحتاج منا التفكير والتدبر ، فمثلا الحياة الدنيا مقترنة فى التصوير القرآنى باللعب واللهو ، وكلمة القيم مقترنة دائما بالدين (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (٤).

وكلمة القيوم مقترنة دائما بصفة الحياة" الحى" ... ، كذلك تقترن العداوة بالبغضاء نتيجة لا بدّ منها عند حدوث العداوة ... ، وهناك تناظر بين كلمتى الغدو والآصال

__________________

(١) سورة الأعراف الآية ١٦١.

(٢) سورة الأعراف الآيات من ١٨ ـ ١٩

(٣) سورة البقرة الآية ٣٥

(٤) سورة يوسف الآية ٤٠


لذلك فكل منهما يرد ٣ مرات فى القرآن الكريم وكذلك مشتقات كلمة (بدا) تأتى مرتبطة بالإنسان ولم تأت مرة واحدة مرتبطة بالله تعالى لأنه سبحانه يعلم الأشياء قبل ظهورها فلا يبدو له شىء ولكن علمه محيط بكل شىء قبل ظهوره ، كذلك فإن التصوير القرآنى يأتى بكلمة أقسمتم وأقسموا وهو القسم المتعلق بالبشر دون أن يسبق القسم بكلمة لا ، لأن الإنسان يقسم بما هو أعظم منه ولكن القسم بالنسبة لله تعالى فنجد أنه يسبق بكلمة لا لأن الله تعالى أعظم من كل شىء يقول تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ) (١) ويقول تعالى (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (٢).

ومن حصاد التفكر أيضا أننا نجد أن كلمة الرعب مقترنة بالقلوب ، يقول تعالى (وقذف فى قلوبهم الرعب) (٣).

ونجد أيضا أن كلمتى أقسموا وأقسمتم العائدة على البشر تردان فى القرآن الكريم ٨ مرات وكلمة أقسم ترد بتناظر مع هذا القسم ٨ مرات ... ، كذلك هناك الإعجاز فى عمق المعنى ، فكلمة آية لا تعنى مجموعة الكلمات التى تقرأها والمرتبطة بحروف معينة ولكن المقصود بها الدليل والبرهان ، أى أن كلمات الله ليست كلمات تتلى فقط ولكنها تحمل مع كل آية الدليل والإعجاز والبرهان ، يقول تعالى (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (٤).

وإذا أردنا أن نلخص عبارة جامعة عن القرآن الكريم نقول إننا نحن المخلوقات المكلفة حين نقرأ القرآن الكريم ونتدبر معانيه نجد أن له عمقا ظاهرا محكما حيث يحتوى على دعوة كلها إلى الخير ومرتبطة بالأدلة والبراهين والإعجازات الظاهرة التى نستطيع إدراكها بالبحث والتدبر والتأمل ... ، ثم بعد ذلك نجد أن هذا القرآن الحكيم لأنه ينتمى إلى عالم الأمر الإلهى ، فإن به معانى وأحكام وبراهين لا يعلم الحكمة منها إلا الله تعالى صاحب الأمر ، فالعقل البشرى لا بدّ أن تكون له حدود

__________________

(١) سورة الحاقة الآية ٣٨

(٢) سورة القيامة الآية ١

(٣) سورة الحشر الآية ٢

(٤) سورة العنكبوت الآية ٤٩


تناسب مستوى فهمه وعقله المخلوق بدرجة يستحيل عندها الوصول إلى ما فوق حدوده بالنسبة لمراد الله ، ونهاية تلك الحدود يكون ما بعدها هو عمق التأويل القرآنى الذى لا يعلمه إلا الله لذلك فإن انتماءنا لعالم الخلق وخضوعنا لقوانين المكان والزمان ووجود أنفسنا بداخل الجسد المادى ، فإن ذلك يحول بيننا وبين إدراك تأويل القرآن الكريم والحكمة من الكثير من الأشياء كالهدى والضلال وتفاوت الأرزاق وغير ذلك من المسائل الغيبية التى يتخبط فيها العقل المادى المخلوق والمحدود ... ، لذلك لن يكون التأويل الحقيقى إلا فى الآخرة يقول تعالى (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) (١). إن القرآن الكريم وما يحتويه من آيات ليس المقصود منها هى مجموعة الكلمات التى تفصلها الفواصل ولكنها البراهين والمعجزات التى فصّلها الله تعالى وأيضا هى الدلالات والبراهين المتشابهة التى تحتوى على ظاهر محكم أيضا ولكن لا تدركه المخلوقات يقول تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ" مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) (٢) ومعنى (مِنْهُ آياتٌ" مُحْكَماتٌ) أى أن كلمات القرآن الكريم بكليتها تحمل براهين ودلالات وأحكام ظاهرة واضحة محكمة لا تختلف فيها العقول والمدارك وهى ترتبط بالأحكام التى يطلب الله تعالى من خلقه أن يفعلوها فى مجال الأمر والنهى والعبادات والإعجازات الظاهرة المختلفة التى تظهر بتعاقب الأجيال وأما العبارة القرآنية" وأخر متشابهات" ليس معناها آيات أخرى متشابهة ولكن المعنى هو أن لكلمات الله تعالى فى القرآن الكريم بالإضافة إلى العمق الظاهر المحكم الذى ندركه جميعا دلالات ومعانى أخرى عميقة يصعب ويستحيل على أى مخلوق أن يدرك ماهيتها والإحاطة بنهاية معانيها وهى ترتبط بالمسائل الإيمانية الغيبية كما أشرنا قبل ذلك ، كالحكمة من الهدى والضلال ، وتفاوت الأرزاق ، وغير ذلك من المسائل التى هى فى علم الله تعالى حيث يعلم سبحانه ما لا نعلم ، ولذلك فإن الله يختبر العبد بما منحه من ألوان الرزق ، فهو يعلم أن هناك من العباد من يفسدهم

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ٧

(٢) سورة آل عمران الآية ١


الغنى وهناك من يصلحهم الفقر فهى جوانب متعددة فى المسألة الواحدة لا تطيقها العقول المحدودة فهى ترجع لعلم الله وغيبه وهى لا تزعزع فى إيماننا لأن الله تعالى أنزل براهينه بالإعجازات الظاهرة بالتفكر حيث هناك فى النفس آيات وفى الكون آيات ، وفى دعوة الخير آيات ، وفى الاكتشافات العلمية المطابقة للقرآن والسنة آيات ، وفى الإعجازات العددية والحسابية واللغوية آيات ... ، وغير ذلك من الإعجازات المختلفة لذلك يقول تعالى (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (١) والذى يثبت حقيقة الكلام السابق وجود التعبير القرآنى (هن أم) فالأم الواحدة تطلق على مجموع القرآن كله ، فمعنى" منه آيات بينات هن أم الكتاب" أى منه براهين وإعجازات واضحة فى كل آياته ، ومعنى" وأخر متشابهات" أى ومنه أيضا براهين غير واضحة حيث لا يعلم الحكمة منها إلا الله ، إذن فالمقصود بلفظ" آية" أو" آيات" هو البراهين الواضحة وليست الكلمات المحدودة بالفواصل القرآنية ، وإلا لو كانت مجموعة من الآيات المحكمات لكانت كل آية هى أم فيكون التعبير القرآنى" هن أمهات الكتاب" والذى يؤيد هذا التفسير أيضا التأمل فى كلمة" المتشابهات" فالعمق اللغوى لها كلمة (ش ب ه) الذى يعنى عدم إدراك حقيقة المسألة واختلاط الأمر رغم أن لها وجها ظاهرا ونلاحظ ذلك فى الصورة القرآنية (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) (٢) أى أن الأمر اختلط علينا فلم ندرك حقيقة البقرة المطلوبة رغم أن البقر ظاهر أمامنا ، ومما يثبت أيضا أن المقصود بعبارة (منه آيات) هى الآيات كلها التى يحتويها القرآن الكريم قوله تعالى فى نفس الآية (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) ولم يقل" ما تشابه منها" فكلمة منه أى من القرآن كله وذلك يثبت لنا أن كل كلمات القرآن الكريم تحتوى الأدلة والبراهين التى يكمل بعضها بعضا فى معانيها وليست هى الآيات الظاهرة التى

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ٧

(٢) سورة البقرة الآية ٧٠


تنتهى بالفواصل فحين يقول تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (١) يجب علينا أن نسبح مع الصور القرآنية حتى نصل إلى قوله تعالى" ليس كمثله شىء" وبذلك تنضبط تصوراتنا المحدودة بالنسبة لمسألة تتعلق بالذات الإلهية ، فالصور القرآنية تكمل بعضها البعض فالراسخون فى العلم ينطلقون لفهم القرآن الكريم من مبدأ (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (٢) ، فالله تعالى يصف لنا القرآن الكريم بأنه كله محكم فى قوله تعالى (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (٣) وكذلك يصف القرآن أيضا كله بأنه يحتوى العمق المتشابه أى المعنى البعيد الذى لا يستطيع أن يصل إليه البشر ، يقول تعالى (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) (٤) ... ، إن القرآن الكريم هو كتاب الله المتكامل وجزاء من يؤمن ببعضه ويكفر ببعض هو الخزى فى الحياة الدنيا وله أشد العذاب يوم القيامة وإن تكامل القرآن الكريم لا يقتصر على المعنى البعيد والعمق اللغوى فقط ولكن هناك التناظر العددى فى حروفه أيضا يقول تعالى (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) (٥) وبذلك نجد أن أول ما أراد أن ينال منه الشيطان هو إظهار السوأة ، وأول ما نهى الله تعالى عنه بعلمه المطلق هو النهى عن الاقتراب من كل ما يؤدى إلى إظهار السوأة والعورة وهو الأكل من الشجرة ، وإذا نظرنا إلى التناظر العددى نجد أن (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ ـ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) كل منهما يتكون من ١٤ حرفا ، فهى حقيقة لا جدال فيها وليست قصة للتسلية تبين لنا أن مسألة التعرى والابتعاد عن اللباس الذى يأمر به الله هى باب دخول الشيطان الأول لإغواء البشر وإفسادهم لينحرفوا عن منهج الله لذلك فإن الله تعالى يأمر النساء بأن يدنين عليهن من جلابيبهن والشيطان يأمر بنزع هذا اللباس عنهن وحين وجد من يصغون له كانت النتيجة ما نراه الآن من صور النساء الكاسيات العاريات.

__________________

(١) سورة طه الآية ٥.

(٢) سورة آل عمران الآية ٧

(٣) سورة هود الآية ١

(٤) سورة الزمر الآية ٢٣

(٥) سورة الأعراف الآية ٢٢


كذلك نجد المناظرة التامة بين قوله تعالى (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١) وقوله تعالى (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) (٢).

ففي الصورة الأولى يطلب الشيطان من الله تعالى أن يمهله حتى يتمكن من إغواء البشر ، وأما الصورة الثانية المناظرة لها تماما يحذرنا الله تعالى من غوايته وفتنته التى كانت سببا فى خروج أبوينا من الجنة ، ويريد الله تعالى أن يبين لنا من خلال تلك الصور أن المعصية هى سبب الخروج من الجنة وأن أول معصية لأبوينا أظهرت سوآتهم وكذلك فكل معصية أو مخالفة تظهر سوأة فى الإنسان الذى نهاه الله تعالى عن الشرك وعقوق الوالدين وقطع الأرحام والزنا فكل نهى بمثابة شجرة كشجرة أبوينا التى تم اختبارهم بها فى البداية ... ، وكأن الشجرة فى الاختبار الأول كانت تعبيرا عن نهى واحد وكانت النتيجة هى العصيان الذى كان سببه اتباع الشيطان ... ، وإذا نظرنا إلى التناظر فى الآيات السابقة نجد أن كل منها يتكون من ٧٢ حرفا ، ومن ذلك نجد الترابط اللغوى والحسابى بين الآيات المتناظرة ، ولأن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المترابط الموزون حرفا وكلمة فإنه يجب عند تفسير الآية العلمية أو الكونية أن ينظر لها بعمق لغوى مع اعتبار أن الآيات المختلفة فى الأمر الواحد تتكامل فى النهاية لتفسير هذا الأمر ، فمثلا خلق السماوات والأرض والنفس لم يشهدهم أحد سوى الله تعالى ونحن نعلم من خلال الاكتشافات العلمية أن الزمن مسألة نسبية بمعنى أنه يختلف من مكان إلى آخر ، فاليوم عندنا على الأرض هو ٢٤ ساعة نتيجة لدوران الأرض حول نفسها دورة كاملة ، وهناك كواكب أخرى اليوم فيها يصل إلى ٧٢ ساعة وهناك كواكب أخرى يزيد اليوم فيها أكثر من

__________________

(١) سورة الأعراف الآيات من ١٤ ـ ١٦.

(٢) سورة الأعراف الآية ٢٧.


ذلك حيث يرتبط ذلك بدوران الكوكب حول نفسه دورة كاملة بحسب حجمه وشدة سرعته ... ، وإذا نظرنا إلى كلمة أيام فى القرآن الكريم والتى تشير إلى خلق السماوات والأرض فى ستة أيام ، فمعنى ذلك أن المادة الأولى التى خلقت منها السماوات والأرض وجدت بكلمة كن فيكون واستمرت بقيومية الله ، وتعرضت لدورات مكانية حول نفسها ثم تمايزت بعد مرحلة من الزمن إلى الهيئة التى نراها الآن ، وبذلك نجد أن اليوم بمفهومنا مرتبط بالشمس والليل والنهار ، وعند خلق السماوات والأرض لم تكن هناك شمس وبالتالى لم يكن هناك ليل أو نهار ، وحين يتحدث علماء الفلك عن مرور ملايين السنين على هذا الكون من خلال دراساتهم عبر التغيرات التى حدثت فى خصائص الأرض الطبيعية وما تحتويه من حفريات ، فتكون هذه التغيرات قد حدثت بعد انتهاء خلق الكون فى الأيام الستة التى يبينها القرآن الكريم ، وبذلك تكون الدورات المتمايزة الستة التى حدثت للمادة الأولى حول نفسها لا يمكن إخضاع مقاييسها الزمنية لمقاييس الزمن الذى نعرفه ، فهى معرفة فوق طاقة عقولنا ، يقول تعالى (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) (١) ، إن النظرة الشاملة لآيات القرآن الكريم المترابطة تجعلنا نفهم كثيرا من أسراره وتعين على استخراج كنوز من المعانى البليغة ، فإذا نظرنا إلى قوله تعالى (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) (٢) ، إن من ينظر إلى هذه الصورة القرآنية يتصور أن الله تعالى قد أمر أهل هذه القرية بالفسق ... ، وهذا يستحيل على الله الذى لا يأمر إلى بالخير والعدل ، وبالنظر إلى آيات القرآن الكريم نجد الرد من الله تعالى على كل من يظن بما لا يفهم حقيقته لقصور مداركه ... ، يقول تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٣) ويقول تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) (٤)

__________________

(١) سورة الكهف الآية ٥١

(٢) سورة الإسراء الآية ١٦

(٣) سورة الاعراف الآية ٢٨

(٤) سورة النحل الآية ٩٠


ويقول سبحانه (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) (١).

وبهذه النظرة الشاملة يمكن تفسير الآية السابقة وهى أن هذه القرية الهالكة ، أمر الله تعالى أهلها بالطاعة من خلال إرسال الرسل الذين يبلغون الخير الذى يأمر به الله ولكنهم يبتعدون عن هذا الأمر ويختارون طريق الخروج عن هذا الأمر بالفسق وفعل المعاصى والذنوب وعندها يحق عليها القول بالتدمير والهلاك ، وهو الواضح فى قوله تعالى (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) (٢) وكذلك من يتعمق فى تلك الرسالة المعجزة يجد الكثير من صور الإعجاز والترابط اللغوى والعددى والكونى ، كذلك فإن الحديث النبوى يرتبط بما فى القرآن الكريم ويفسره ، فحين يعرف النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الإسلام بأنه الإسلام والخضوع لله بالأفعال الظاهرة كالصلاة والصيام والحج ، نجد أن ذلك نفس المعنى الذى يشير إليه القرآن الكريم يقول تعالى (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٣).

حين عرّف صلى‌الله‌عليه‌وسلم الإيمان بأنه إيمان بالغيبيات ... ، كالإيمان بالله والملائكة والرسل فهو عقيدة خالصة تستقر فى القلب ونجد أن ذلك مطابقا للآيات القرآنية التى تتحدث وتشير إلى الإيمان ، يقول تعالى (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٤).

وحين يعرف صلى‌الله‌عليه‌وسلم الإحسان بأنه مراقبة الله تعالى فى كل شىء وكأنك تراه مطلعا عليك فى كل الأمور نجد ذلك مطابقا للوصف القرآنى عن الإحسان الذى يصل فيه

__________________

(١) سورة القصص الآية ٥٩.

(٢) سورة القصص الآية ٥٩.

(٣) سورة الأنعام الآية ٧١.

(٤) سورة الحجرات الآية ١٤.


الإنسان إلى أعلى درجة من الصفات الحسنة لمراقبة الله تعالى ، يقول سبحانه (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١).

وحين يوضح لنا الحديث الصحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لن يدخل أحدنا الجنة بعمله ولكن برحمة الله تعالى نجد أن ذلك هو ما يتفق مع الآيات القرآنية يقول تعالى (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً. إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً. جَزاءً وِفاقاً) (٢) وتفسير ذلك أن جزاء الكافرين موافقا تماما لما عملوه فى الدنيا من سيئات ومعاصى ولكن عند الحديث عن أهل الجنة يقول تعالى (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) (٣) ... ، ونجد أن معنى الآية أنه لو كان جزاء المؤمنين موافقا تماما لعملهم ما دخلوا الجنة حيث أن نعيمها يفوق كثيرا ما عملوه لأن أوامر الله تعالى كلها فى صالح الإنسان فى الدنيا ، فالأمر بعدم الظلم ينفعك كثيرا والأمر بحسن الجوار ينفعك أيضا لذلك فإن دخول الجنة هو عطاء من الله وفضل ... ، إنه الإعجاز والترابط اللغوى ، وهناك أيضا الترابط الحسابى فنجد مثلا كلمة الإيمان ترد فى القرآن الكريم ١٧ مرة وتناظرها كلمة الكفر أيضا ١٧ مرة وهذا يثبت كما أشرنا سابقا إن إضافة آية قرآنية أو حذف آية قرآنية يحدث خللا فى البناء الهندسى والترتيب الرياضى للقرآن الكريم ... ، كذلك فإن التناظر فى الكلمات يثبت أنه مستحيل حذف أو إضافة كلمة واحدة فى القرآن الكريم ، فكلمة شيخ ومشتقاتها مثلا ترد فى القرآن الكريم ٤ مرات وكلمة طفل ومشتقاتها المناظرة لها تماما ترد أيضا ٤ مرات ومن ذلك يمكن تفسير قوله تعالى (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤).

إن المقصود بالنسخ هنا هو أن ما أنزل على نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم صالح لكل زمان

__________________

(١) سورة المائدة الآية ١٣

(٢) سورة النبأ الآيات ٢٤ ـ ٢٦

(٣) سورة النبا الآيات ٣٥ ـ ٣٦

(٤) سورة البقرة الآيات ١٠٥ ـ ١٠٦


ومكان بينما ما أنزل قبله صالح لأزمنة وأمكنة محددة ، والله تعالى يبين لأهل الكتاب أنه ما دامت رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم هى آخر الرسالات فلا بد أن تكون آيات تلك الرسالة هى أكبر من الآيات السابقة لأنها خير الرسالات والناسخة لها فالمقصود بكلمة آية كما أشرنا سابقا ليست هى الكلمات الموضوعة بين الفواصل ولكنها البرهان والمعجزة والدليل على ذلك هو ترابط القرآن الكريم لغويا وحسابيا وعدديا ، فليس هناك حكم معطل فى القرآن الكريم بحجة النسخ الذى يتصوره من لا يحيطون بالمعنى الحقيقى للعمق اللغوى للكلمة وتفسيرها المرتبط بمعنى الآية الكريمة ، فالعمق اللغوى للنسخ هى كلمة (ن س خ) أى زوال المنسوخ من مكانه وحلول الناسخ مكانه وليس أن يوجد الاثنان معا وبذلك فإن آيات القرآن الكريم كلها تكمل بعضها البعض ويفسر بعضها البعض وترتبط لغويا وحسابيا وعدديا وتلك هى معجزة القرآن الكريم الباقية والخاصة بكلام الله الذى لا يعتريه التناقض الذى ينطبق على عالم الخلق ... ، ولقد تفضل الله تعالى وألهم عبده الدكتور / عبد الله محمد البلتاجى بإعداد كتاب القرآن يتحدى والذى يوضح فيه معجزة القرآن الكريم الرياضية والذى يقول فى مقدمته : أراد الله سبحانه وتعالى أزلا دستورا لهذا الكون الواسع الشاسع ... ، قرآنا يقرأ وكتابا يكتب ، يحتوى كل أمور الدنيا والآخرة التوحيد والعبادات والمعاملات ، والأبعاد ، والمسافات ، والكتل ، والمواصفات ، والأجرام ، والأفلاك ، والمخلوقات ، والماديات ، والأعداد ، والأرقام ، والطاقات ، والقدرات ... ، وعلم سبحانه وتعالى بعلمه الأزلى لغات المخلوقات فى الكون كله ملكه وإنسه وجنه ... ، ما نعلم وما لا نعلم ... ، وما لا يمكن أن نعلم ... ، فأوحى الله تعالى آيات القرآن الكريم وهى فى أحسن نظم لغوى وتركيب علمى وإبداع رياضى ، ونص دستورى ، شاملة على كل شىء يقول تعالى (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (١) فكانت حروف اللغة العربية هى الأقوى تعبيرا ولغة وحكمة وعلما ونظما من بين اللغات ... ، وجاءت حروفها كلمات ... ، وكلماتها آيات ... ، وآياتها سور ... ، فكان القرآن الكريم قرآنا يتعبد به

__________________

(١) سورة الأنعام الآية ٣٨


ودستورا للحياة الكريمة المباركة ... ، لذلك فإن القرآن الكريم يحتوى الكثير من صور الإعجاز اللغوى ، والعلمى ، والرياضى ، والعددى فهناك الإعجاز بالنسبة للمسائل التى آمنا بها من خلال المعرفة اللغوية ولكن هناك لونا جديدا من ألوان الإعجاز القرآنى وهو إثبات تلك المسائل رياضيا كإثبات الشفاعة رياضيا من خلال معرفة الآيات والسور التى ذكرت بها ومعرفة تاريخ ميلاد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتاريخ وفاته والفترة التى عاشها فيما بين ذلك من خلال معرفة الآيات والسور التى ذكر فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والسور التى لم يذكر فيها الاسم ، ومن خلال الاستنباط الرياضى تبدو الحقيقة واضحة بإعجاز يبهر العقول ويثبت بلا جدال للملاحدة فى كل عصر أن القرآن الكريم هو الحق المطلق والطريق إلى الهدى والنور الحقيقى ... ، وهناك الكثير من ألوان الإعجاز والتى أذن بها الله تعالى وسوف تكون إشراقات مضيئة واضحة فى الفترات القادمة ، مما يجعلنا نعتز بإيماننا ونحمد الله تعالى أنه جعلنا مسلمين مؤمنين بالله وبما جاء فى كتابه الكريم وبحقائق كثيرة تثبت الإيمان فى عصور العواصف والفتن والأحقاد ضد هذا الدين الخاتم ، ومنها أن هذا الكتاب معجز فى كل شىء ليس لأنه دعوة الخير والنور فقط ، ولكن لأنه كتاب الإعجازات والأدلة والبراهين العلمية والرياضية ، فكما كان القرآن الكريم هو لغة الإعجاز البلاغى للعرب وللأمم الماضية فهو لغة الإعجاز العلمى والرياضى للأجيال القادمة وما بعدها وسوف يتجلى إعجازه فى كل عصر ، كذلك يتميز القرآن الكريم عن جميع العلوم التى يعرفها البشر ، حيث يدرك البشر الحقيقة العلمية بإذن خالقه ولكنه لا يعرف لما ذا حدث ذلك ، فمثلا يعرف الإنسان من خلال أبحاثه أن الخلايا تنقسم ولكن لما ذا؟ تجده لا يعرف الإجابة كاملة ، ولكن كتاب الله نجد فيه الحقيقة والسبب الواضح الجلى بالنسبة للحقيقة ، لما ذا هى هكذا ... ، حيث إن الله تعالى هو خالق الأسباب والمسببات فمثلا القرآن الكريم لما ذا هو ١١٤ سورة وليس ١١٣ أو ١١٥ سورة ونجد الإجابة تبدو واضحة من خلال الإعجاز الرياضى والذى يشير إليه الدكتور / عبد الله البلتاجى خلال أبحاثه الرياضية وهى اجتهاد والله وحده العالم بالحكمة من كل شىء ، وذلك لأن


الرقم ١١٤ ليس له مثيل فى الأرقام إطلاقا فهو لا يقبل القسمة إلا على ثلاثة أرقام هى ٢ ، ٣ ، ٦

ـ فمثلا ١١٤ / ٢ ٥٧ وهو رقم لا يقبل القسمة غير / ٣ ويكون الناتج ١٩.

ـ وكذلك ١١٤ / ٣ ٣٨ وهو رقم لا يقبل القسمة غير / ٢ ويكون الناتج ١٩.

ـ وأيضا هو يقبل القسمة على ٦ ... ، ١١٤ / ٦ ويكون الناتج ١٩.

وهو أيضا لا يقبل القسمة على ثلاثة أرقام غير هذه الأرقام الأولية التى تقل عن (١٠) ، فهناك ثلاثة أرقام أخرى غير أولية تزيد عن رقم (١٠) يقبل القسمة عليها وهى ١٩ ، ٣٨ ، ٥٧

ـ فمثلا ١١٤ / ١٩ ٦

ـ وكذلك ١١٤ / ٣٨ ٣

ـ وأيضا ١١٤ / ٥٧ ٢

ونلاحظ أن هذا الناتج هو نفس الأرقام الأولية التى يقبل القسمة عليها فى الحالات السابقة وهى ٢ ، ٣ ، ٦ ، ونلاحظ أيضا أن النتائج السابقة هى ١٩ ، ٣٨ ، أى ١٩* ٣ وبذلك ندرك أن ناتج القسمة هو رقم (١٩) ومضاعفاته ... ، وبذلك نجد أن الرقم ١١٤ لا يقبل القسمة إلا على (١٩) ومضاعفاتها ٣٨ ، ٥٧ وبذلك نجد أن أسرار الرقم ١٩ لم تأت من فراغ ولكن بسبب تركيب ونسق رياضى فى القرآن الكريم يبدو بالأدلة الواضحة كما أشرنا ... ، ولقد كان لهذا الرقم أسرار أخرى أفاض الله بها على


عباده الباحثين ، فهذا الرقم له سر إلهى وسر محمدى وسر كونى ، ولتوضيح تلك الأسرار بالأمثلة نجد أن السر الإلهى هو أن كلمة الله كتابتها كذلك باللغة العربية" الله" فنجد القرآن الكريم ملئ بالإعجازات فى جميع المجالات والتى تتضح من خلال كلمات اللغة العربية التى يحملها القرآن الكريم ، ولكن يقابل كلمة الله عدديا كلمة" واحد" وهى صفة من صفاته تعالى التى ينفرد بها وإذا نظرنا إلى الترتيب الأبجدى للحروف فى العصور القديمة للعرب نجد أنه هكذا ... ، أ ، ب ، ج ، د ، ه ، و ، ز ، ح ، ط ، ى ، وكانوا يقرنون الأرقام بتلك الحروف فحرف أ يقابله رقم ١ ، ب يقابله رقم ٢ ، ب يقابله رقم ٣ ، د يقابله رقم ٤ ، ه يقابله رقم ٥ ، ويقابله رقم ٦ ، ز يقابله رقم ٧ ، ح يقابله رقم ٨ وهكذا ... ، وإذا نظرنا إلى كلمة واحد التى هى صفة من صفات الله تعالى فإنها تشير إلى إعجاز رياضى ورقمى فمثلا نجد أنه بالتعويض رقميا فى حروف هذه الكلمة نجد أن الواو يقابلها رقم ١ ، والحاء يقابلها رقم ٨ ، الدال يقابلها رقم ٤ فيكون المجموع الرقمى لتلك الكلمة واحد ١٩ وهذا من أحد إعجازات هذا الرقم ... ، وأما بالنسبة للإعجاز المحمدى نجد أن نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو دعوة إبراهيم عليه‌السلام (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) ، فنجد أن من ينظر إلى شجرة الأنبياء وترتيب الأنبياء بعد إبراهيم عليه‌السلام نجد أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم رقم ١٩ فى الترتيب ، وهو أيضا رقم ١٩ فى الترتيب التاريخى من بعد إبراهيم عليه‌السلام ... ، إبراهيم ـ إسماعيل ـ إسحاق ـ يعقوب ـ يوسف ـ موسى ـ هارون ... ، وهكذا مع العلم أن هناك الكثير من الأنبياء بين إبراهيم عليه‌السلام وبين محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا نعلمهم ولم يذكرهم القرآن الكريم ولكن الاستنباط هنا والبحث قائم على ما ذكر فى القرآن الكريم ، كذلك تكرر ذكر النبى موسى عليه‌السلام كثيرا فى القرآن الكريم ثم يليه التكرار لنبى آخر وهكذا ، ولقد لاحظ العلماء أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ترتيب التكرار هو رقم ١٩ أيضا وأما بالنسبة للسر الكونى فهناك الكثير من الأسرار والإعجازات الكونية التى ترتبط بهذا الرقم ، فالله سبحانه وتعالى خلق الكون بمعادلة رياضية مكتوبة باللغة العربية وأحد


مكونات هذه المعادلة هو الرقم ١٩ ، كذلك الرقم ٧ هو أحد أفرع هذه المعادلة أيضا فنجد سبع سماوات ، سبع أرضين ، أبواب جهنم سبعة أبواب وهكذا ... ، ومن أسرار الرقم ١٩ الكونية نجد أن هناك أمثلة كثيرة منها أن المذنب هالى اسمه بالعربية هالى وهى كلمة مكونة من أربعة أحرف فنجد ٤* ١٩ ٧٦ وهو بالفعل يزور الأرض ويقترب منها كل ٧٦ سنة. ومن الأمثلة الأخرى كلمة عظام هى أربعة حروف وكلمة الإنسان سبعة أحرف فيكون المجموع لكلمة عظام الإنسان ٤+ ٧ ١١ وبضرب هذا الرقم* ١٩ يكون ١١* ١٩ ٢٠٩ وهو عدد عظام الإنسان الموجودة فى جسمه ... ، وغير ذلك هناك الكثير من الإعجازات الكونية التى ترتبط بهذا الرقم ، إنه الإعجاز الإلهى الذى تقف أمامه عقول البشر ، تلك المخلوقات الضعيفة التى خلقها الله تعالى من الماء المهين فليس بغريب أن يقف الإنسان حائرا لا يستطيع أن يتحمل بعقله المحدود المزيد من أسرار الخالق الذى خلق الكون بما فيه وأمسك السماوات والأرض بما تحتويه السماوات من الملايين من النجوم الهائلة التى تفوق الأرض والشمس حجما ونورا وحرارة ، والذى بقدرته يعلم ما توسوس به النفس ويعلم السر والجهر ، والرازق لكل دابة من خلقه وإلى أن تقوم الساعة ، فلا عجب حين تقف العقول حائرة ... ، إنه الخالق سبحانه وتعالى والذى عرف نفسه فى القرآن الكريم من خلال لفظ الجلالة الله بعدد ٦٢٣٦ مرة وهو رقم يعادل عدد آيات القرآن الكريم كلها برغم أن لفظ الجلالة لم يرد فى ٢٩ سورة من سور القرآن الكريم والتى تبلغ ١١٤ سورة من خلال عبارات واضحة" إننى أنا الله ، الله الذى ... ، " وغير ذلك من الآيات ... ، وهذا يثبت أن لفظ الجلالة لم يرد فى القرآن الكريم ورودا عاديا أو عشوائيا ، ولكنه يرد بأسرار وحكمة وبأرقام تتناسب مع حقائق سوف يجليها الله للإنسان فى أوقات مناسبة ، كمطابقة تعريفات الله تعالى لعدد آيات القرآن الكريم برغم عدم ورود لفظ الجلالة فى ٢٩ سورة من سور القرآن الكريم ... ، وهناك إثبات المثلية الرياضية لآدم وعيسى عليهما‌السلام حيث يقول تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) فنجد ورود كلمة عيسى عليه‌السلام ٢٥ مرة وورود كلمةءادم عليه‌السلام ٢٥ مرة ، وغير ذلك


الكثير من بنود الإعجاز فى هذا الموضوع والذى يشير إليه الدكتور عبد الله البلتاجى فى كتاب معجزة عيسى وآدم فى القرآن الكريم ... ، إنها إعجازات تثبت أننا فى عصر الزحف الإسلامى الذى تخرس فيه ألسنة الملحدين ... ، إنه الإعجاز الإلهى ورسالة الإسلام التى يسطع نورها ويبدو كلما مر الزمن وتوالت العصور ليتحقق بذلك قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) ... ، إن القرآن الكريم هو كلام الله ، والكون من حولنا خلقه الله ، فلا بد أن يكون هناك تطابق بين كلام الله سبحانه وما خلقه فى كونه ... ، فكل شىء يحدث فى الكون موجود بنسبة ثابتة فى القرآن الكريم السابق دائما لكل العلوم البشرية فمن خلال القرآن الكريم حصلنا كما سبق على نسبة اليابسة إلى الماء من خلال ورود كلمات البر والبحر ومن خلال قوله تعالى (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) تم الحصول على نسبة الضغط الجوى الطبيعى فى الرئتين ، وغير ذلك الكثير من الحقائق الرياضية التى أشار إليها الدكتور فى محاضراته وفى كتابه معجزة القرآن الكريم الرياضية ... ، فهناك التنظيم الرياضى المبهر فى تنظيم القرآن الكريم ، فمثلا

* آخر آيات الربع ٦٣ هى الآية ٦٤ ، وآخر آيات الربع ٧٤ هى الآية ٧٥ ، وأول آيات الربع ٦٤ هى الآية ٦٥.

* سورة إبراهيم هى السورة رقم ١٤ وهى آخر سور الجزء ١٣ ثم يأتى بعد ذلك الجزء ١٤ فى سورة الحجر رقم ١٥.

* آخر سورة الحزب (٥٣) هى سورة القمر رقم ٥٤ وآخر آياتها ٥٥ ثم يأتى بعد ذلك سورة الرحمن رقمها بالمصحف ٥٥ وبعد سورة القمر رقم ٥٤ يأتى الحزب رقم ٥٤ ... ،

* عدد حروف ق فى سورة ق ٥٧ وعدد حروف ق فى سورة الشورى ٥٧ ومجموعهم بعدد سور القرآن الكريم ، وسورة ق رقم ٥٠ بالمصحف وآياتها ٤٥ فيكون المجموع ٩٥ وكذلك الشورى رقم ٤٢ وآياتها ٥٣ ٩٥.


* بما أن الطلاق هو تحريم الزوجة فسورة الطلاق رقم ٦٥ بالمصحف وسورة التحريم رقم ٦٦ وتنتهى آيات كل منهما بالآية ١٢ ... ، وحين قال تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) (١) فنجد التماثل فى ورود اسم كل منهما ٢٥ مرة والآيات التى تشير إلى خلق آدم ثلاث آيات ، والتى تشير إلى خلق عيسى عليه‌السلام آيتين فقط (٢) ... ، مجموع الكلمات والحروف فى آيات خلق آدم ١٦٠ ، ومجموع الكلمات والحروف فى آيات خلق عيسى عليه‌السلام ١٦٠ أيضا ... ، وقد ذكر أيضا فى التكرار السابع بسورة آل عمران وفى التكرار ١٩ بسورة مريم ، وهو التكرار السابع تصاعديا ٢٤ ، ٢٥ ، ٢٣ ٢٢ ، ٢١ ، ٢٠ ، ١٩.

* السورة الوحيدة التى مجموع كلماتها ٢٠+ حروفها ٨٠ ١٠٠ هى سورة الناس وهى آخر سور المصحف الشريف. وهذا إثبات نهاية المصحف ١٠٠ خ فلا توجد إضافة أو حذف بعد تلك السورة ... ،

* قوله تعالى (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) جاء بسورة الجن رقم ٧٢ وبالآية ٢٨ والمجموع ١٠٠ ، أى أن إحصاء الخالق ١٠٠ خ.

* قوله تعالى (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) جاء بسورة الذاريات رقم ٥١ وبالآية ٤٩ والمجموع ١٠٠ ، أى أنه لا جدال فى هذا الأمر فهى حقيقة ١٠٠ خ.

* الرقم ١٩ يبرز كثيرا فى الحقائق الرياضية بالقرآن الكريم كما أشرنا سابقا.

فالبسملة ١٩ حرف ، ومجموع سور القرآن الكريم هى إحدى مضاعفات هذا الرقم ١٩* ٦ ١١٤ ... ، وغير ذلك الكثير من الحقائق الرياضية ، ويقول أحد العلماء الألمان والمرشح لجائزة نوبل فى العلوم ، والذى لا يعلم عن القرآن شىء ، يدلل أن الله تعالى خلق الكون بمعادلة تمتد فروعها فى الكيمياء والجيولوجيا والفيزياء ، وكلها تحتوى الرقم ١٩ ، فمثلا يحتوى جدول العناصر على ١١٤ عنصرا أساسيا ... ، والبوتاسيوم فيه نجد أن عدده الذرى ١٩ وينتج عنه أقوى التفاعلات ويحل محل جميع العناصر ....

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ٥٩

(٢) انظر ـ معجزة مثل آدم وعيسى ... ، عن اثبات المثلية القرآنية رياضيا


* القرآن الكريم يحتوى ١١٤ سورة والمتوقع أن كون به ١١٤ بسملة وبالفعل رغم عدم وجود البسملة بسورة التوبة فنجد قوله تعالى فى سورة النمل (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

* ذكرت الذرة ٦ مرات وهناك بالفعل ستة مكونات لكل نوع منها لا سابع لهما ... ،

* فى الآية ١٣ من سورة ق يقول تعالى (وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ) ولم يقل سبحانه وتعالى" وقوم لوط" ولو كان ذلك لأصبح حرف ق ٥٨ بدلا من ٥٧ فيختلف التنظيم الرياضى.

* الله سبحانه بكل شىء عليم ... ، وبكل شىء محيط ... ، وعلى كل شىء شهيد ... ، وقد تكررت كلمة" كل شىء" فى القرآن الكريم ١١٦. منهم مرة تشير إلى ملكة سبأ" وأوتيت من كل شىء" ... ، ومرة تخص أفعال البشر (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) فيكون الباقى ١١٤ بعدد سور القرآن الكريم فكان قوله تعالى (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) بسورة القصص وترتيبها بالمصحف ٢٨ ورقم الآية ٨٨ ومجموعهم ١١٦ بعدد ورود لفظ كل شىء ، أى أن كل شىء سيفنى إلا الواحد القهار ... ، كذلك اكتشف العلماء أن المسافة بين الشمس والأرض ٩١ مليون ميل وسورة الشمس هى السورة رقم ٩١ بالمصحف ... ، كذلك فسورة الحديد رقم ٥٧ وعدد آياتها ٢٩ آية ... ، فيكون ٥٧* ٢٩ ١٦٥٣ ومجموع الأرقام من ١ : ٥٧ ١٦٥٣ ... ، والمتأمل لكلمة الحديد يجد أن مجموع حروفها بطريقة أبجد هوز ٥٧ فمثلا أ ١ ، ب ٢ ، ج ٣ ، د ٤ ، ه ٥ ، و٦ ، ز ٧ ، ح ٨ ، ط ٩ ، ى ١٠ ، ك ٢٠ ، ل ٣٠ وبالتعويض نجد أن كلمة الحديد ٥٧ ، كذلك فإن مجموع تكرارات حروف اسم مريم يساوى مجموع تكرارات أحرف كهيعص من نفس السورة ... ، إنه الإبداع الإلهى ، وكلام الله المحفوظ بعلمه وأسراره يقول تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١) ، ويقول تعالى (أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٢).

__________________

(١) سورة الحجر الآية ٩.

(٢) سورة النساء الآية ٨٢.


* إن القرآن الكريم هو كلام الله الأزلى والأحداث التى حدثت ونزل فيها القرآن كالثلاثة الذين خلفوا مثلا عن غزوة تبوك ، كان لا بدّ أن يتخلفوا لأن ذلك كتب أزلا فى اللوح المحفوظ ثم نزل القرآن الكريم إلى السماء الدنيا فى ليلة القدر به كل تلك الأحداث وبنفس مسمياتها فكان لا بدّ أن يسمى أبو لهب بهذا الاسم ويظل أيضا على شركة وأن يسمى زيد باسمه الذى ذكر فى القرآن وكان لا بدّ أن تغلب الروم بعد هزيمتهم وكان لا بدّ أن تحدث غزوة بدر وأحد ، والأحزاب وغيرها من الغزوات ... ، وبذلك ندرك أن كل ما يخبر به الله تعالى لا بدّ أن يتحقق وكل ما يخبر به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من نبوءات لا بدّ أن تتحقق لأن وحى يصل إليه من ربه هو من أحداث سجلها الله سبحانه وتعالى عنده ... ، فهى أحداث أزلية ... ، حين يخبر عنها الله أو يخبر بها رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا بد أن تتحقق ... ، كفلق الصبح فى ميعادها ....


الفصل الثانى

الإعجاز العددى فى القرآن

وارتباطه بالسنن الكونية



الإعجاز العددى فى القرآن وارتباطه بالسنن الكونية

فى عصرنا تقدمت العلوم وتم اختراع الكثير من الأجهزة الحديثة ومنها جهاز الكمبيوتر والذى سهل على العلماء عد حروف القرآن الكريم ومعرفة الكثير من الإعجازات الرقمية الواردة فى آياته ، ولقد وجد العلماء أسرارا كثيرة تثبت أن القرآن الكريم هو وحى الله المليء بالأسرار والمعجزات ، والأمثلة كثيرة نذكر منها الحقائق الآتية : سورة ق الآية الأولى فيها (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) وسورة الشورى الآية الثانية فيها (عسق) ، ولأن حرف ق جاء فى الآية الأولى من سورة ق فكان من الآية الأخيرة قوله تعالى (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) ولأن حرف ق جاء فى الآية الثانية من سورة سورة الشورى فكان من الآية قبل الأخيرة قوله تعالى (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) والمقصود فى الآيتين هو القرآن الكريم ، لفت ذلك نظر العلماء أن حرف ق ربما يشير إلى القرآن الكريم ، فقاموا بعد حروف ق فى سورة ق فكان العدد ٥٧ ، وقاموا بعد حروف ق فى سورة الشورى فكان الناتج ٥٧ ويجمع العددين يكون المجموع ١١٤ حرفا بعدد سور القرآن الكريم ... ، ومن الأمثلة أيضا أن اسم الله الرحيم تكرر فى القرآن الكريم ١١٤ مرة مما يدل أن القرآن رحمة من الله ، ولقد وجد العلماء أن لفظ الرحمن ورد ٥٧ مرة مما يثبت أن ورود لفظ الرحيم أتى مضاعفا لأنه يشمل الرحمة للناس جميعا المؤمن والكافر حيث يرزق العاصى رغم معصيته ويمنحه الانتفاع بنعمه الكثيرة.

ـ ولقد تكرر لفظ الجزاء ١١٧ مرة وورد لفظ المغفرة ضعف هذا العدد وهو ٢٣٤ لأن مغفرة الله أوسع من جزاءه.

ـ وتكرر الأبرار ٦ مرات ولفظ الفجار ٣ مرات.

ـ وتكرر لفظ الحياة ومشتقاته ١٤٥ مرة ، والموت ومشتقاته ١٤٥ مرة.

ـ وتكرر لفظ الدنيا ١١٥ مرة وكذلك تكرر لفظ الآخرة ١١٥ مرة.

ـ وتكرر لفظ الصالحات ومشتقاته ١٦٧ مرة ، والسيئات ومشتقاته ١٦٧ مرة.

ـ وتكرر لفظ الجهر ١٦ مرة ، وكذلك العلانية ١٦ مرة.


ـ وتكرر لفظ البصر وهو الرؤية الظاهرة بالعين مثل لفظ البصيرة وهى الرؤية الحسية بالقلب ١٤٨ مرة.

ـ وتكرر لفظ محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنفس تكرار لفظ السراج ٤ مرات.

ـ وتكرر لفظ الصبر بنفس تكرار لفظ الشدة ١٠٢ مرة.

ـ وتكرر لفظ العدل بنفس تكرار لفظ القسط ٢٧ مرة فسبحان الخبير.

وهناك الإعجازات العددية المطابقة للسنن الكونية حيث أن القرآن الكريم هو كلام الله والكون هو خلق الله المطابق لكل ما أخبر به سبحانه فمثلا كلمة شهر مفردة وردت ١٢ مرة وهو ما يطابق عدد الأشهر خلال السنة وهذا يطابق ويشير لدوران القمر حول الأرض ، وكذلك وجد العلماء أن كلمة يوم مفردة ترد فى القرآن الكريم ٣٦٥ مرة وهو ما يطابق عدد الأيام خلال السنة وهو ما يشير أيضا لدوران الأرض حول نفسها خلال العام ، ووجد العلماء أن كلمة يبسا وردت مرة واحدة وكلمة البر التى جاءت كلها معرفة وهى بنفس المعنى وردت ١٢ مرة فيكون المجموع ١٣ مرة وأما كلمة البحر المعرفة وردت ٣٢ مرة وبجمع الكلمات التى تشير للبر والكلمات التى تشير للبحر ١٣+ ٣٢ يكون الناتج ٤٥ ومن هذه الحقيقة توصل العلماء إلى نسبة اليابسة إلى الماء من القرآن الكريم فالمعروف فى عمليات النسبة والتناسب بين طرفين فى العمليات الحسابية هو قسمة الطرف الأول على المجموع وقسمة الطرف الثانى كذلك أيضا وبتطبيق ذلك وجد العلماء بالنسبة للبر أو اليابسة أن ١٣ / ٤٥ ٨٨٨ ، ٢٨ وهى بالفعل تعكس نسبة اليابسة إلى سطح الكرة الأرضية ، وأما النسبة ٣٢ / ٤٥ ١١١ ، ٧١ فهى تعكس نسبة البحار إلى سطح الكرة الأرضية ، وهناك ملاحظة أخرى نعرفها جميعا وهى أن نسبة المياه على سطح الكرة الأرضية يزيد عن مساحة اليابسة حيث أن أغلب الأرض عبارة عن بحار ومحيطات فربع الكرة الأرضية عبارة عن يابسة والباقى عبارة عن مياه وهو ما ينطبق تماما مع النسبة السابقة ، وهناك أسرار قرآنية أخرى تشبه الشفرات السرية اكتشفها العلماء وهى تضاف إلى حقائق الإعجاز القرآنى فمثلا سورة الفاتحة بالبسملة ٧ آيات وهى أول سورة فى القرآن الكريم ،


وسورة الناس بالبسملة أيضا ٧ آيات وهى آخر سورة فى القرآن ، والله تعالى خلق الانسان فى سبعة أطوار كما ورد بالقرآن الكريم فى سورة المؤمنون وهى الطين ثم النطفة ثم العلقة ثم المضغة ثم العظام ثم اللحم ثم خلقا آخر ووجد العلماء أن كلمة الإنسان تتكون من سبعة أحرف ... ، كما وجد العلماء أن لفظ الفرقان ، الإنجيل ، التوراة كل منها سبعة أحرف.

وهناك أسرار عددية أخرى فى القرآن الكريم فلقد اختار الله تعالى الرقم ١٩ فى القرآن الكريم مما يثبت أن هذا الرقم يحمل أسرارا كثيرة فى القرآن ، والآية التى تشير إلى هذا الرقم قوله تعالى (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (١).

ويخبرنا الله تعالى أن هذا الرقم له خواص يتميز بها فى أسباب وروده فالآية التالية للآية السابقة قوله تعالى (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً ، كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٢) ومن ذلك ندرك أن :

ـ الخاصية الأولى أن هذا الرقم فتنة للذين كفروا.

ـ الخاصية الثانية ليستيقن الذين أوتوا الكتاب من أن الإسلام هو الدين الخاتم.

ـ الخاصية الثالثة ليزداد الذين آمنوا إيمانا.

ـ الخاصية الرابعة لا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون.

ـ الخاصية الخامسة ليقول الذين فى قلوبهم مرض والكافرون ما ذا أراد الله بهذا مثلا ، وبالفعل لقد اكتشف العلماء فى عصرنا أسرارا كثيرة حول هذا الرقم لتتحقق الخواص السابقة التى أشرنا إليها ، فلقد وجد العلماء أن الحروف المفردة التى تبدأ بها السور مثل الم ، ق ، وغيرها تتوارد بعدد أكثر من الحروف الأخرى فى نفس السورة وبترتيب تنازلى بحسب ورود الحروف فالحرف أأعلى من حرف ل فى العدد

__________________

(١) سورة المدثر الآية ٣٠

(٢) سورة المدثر الآية ٣١


وحرف ل أعلى من حرف م ، فكل حرف يسبق الآخر يتوارد بعدد أكبر من الذى يليه كما أشرنا وللرقم ١٩ علاقة فى هذا التوارد.

ـ فمثلا عدد حروف ق فى سورة ق ٥٧ أى ١٩ * ٣.

ـ بسم الله الرحمن الرحيم عدد حروفها ١٩ حرفا.

ـ وبضرب عدد آيات سورة الفاتحة أول سورة فى المصحف وهى ٦ آيات بدون البسملة* عدد حروف البسملة وهى ١٩ حرفا يكون الناتج ١١٤ بعدد سور القرآن الكريم.

ـ وبضرب عدد آيات سورة الناس وهى آخر سورة فى المصحف وعدد آياتها بدون البسملة أيضا ٦ آيات* عدد حروف البسملة ١٩ يكون الناتج أيضا رقما يساوى ١١٤ بعدد سور القرآن الكريم.

كذلك وجد العلماء عدد كلمات أول آيات القرآن نزولا وهى من بداية سورة العلق حتى قوله تعالى علم الإنسان ما لم يعلم هو ١٩ كلمة ، وأيضا عدد كلمات آخر ما نزل من القرآن وهى من الآية الثالثة من سورة المائدة من قوله تعالى (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) حتى قوله تعالى (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) هى ١٩ كلمة كذلك وجد العلماء أن قوله تعالى (الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (١).

وقوله تعالى (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٢) يتكون من ١٩ حرف ، دعاء يونس عليه‌السلام الذى تسبب فى نجاته (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ) (٣) يتكون من ١٩ حرف وسبب نجاة المؤمنين بقولهم (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (٤) يتكون من ١٩ حرفا كذلك قوله تعالى (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) (٥) ويتكون من ١٩ حرفا قوله تعالى (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٦) يتكون من ١٩ حرفا.

وغير ذلك الكثير من صور الإعجاز العددى والرياضى فى القرآن الكريم ولقد

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ١٩.

(٢) سورة المائدة الآية ٣.

(٣) سورة الأنبياء الآية ٨٧.

(٤) سورة آل عمران الآية ١٧٤.

(٥) سورة لقمان الآية ٢

(٦) سورة القلم الآية ٥٢


وفق الله الدكتور عبد الله محمد البلتاجى فى كتابه القرآن يتحدى عن معجزة القرآن الكريم الرياضية التى تثبت مصدر القرآن الإلهى وصدق رسالة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولقد توصل بفضل الله تعالى إلى حقائق كثيرة تثبت هندسة الله تعالى فى ترتيب سور القرآن الكريم وآياته فمثلا سورة النصر ورقمها (١١٠) فى سور القرآن الكريم وهى آخر السور تنزيلا وتتكون من (٣) آيات وعدد كلماتها (١٩) كلمة وعدد حروفها (٨٠) حرفا وبذلك يكون مجموع كلماتها وحروفها ٩٩ وكأن الله تعالى يشير بذلك إلى عدم اكتمال النص القرآنى تنزيلا وعدم انقطاع وحى السماء بعد ذلك لأن هناك آيات قرآنية نزلت بعد سورة النصر مثل قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١).

أما سورة الناس والتى رقمها فى ترتيب السور القرآنية (١١٤) فهى آخر سور القرآن الكريم فى المصحف الشريف وهى تتكون من (٦) آيات وعدد كلماتها (٢٠) كلمة وعدد حروفها (٨٠) حرفا وبذلك يكون مجموع كلماتها وحروفها ١٠٠ وهى إشارة واضحة إلى انقطاع وحى السماء ، ولقد كانت الملاحظة أن القرآن المكى يتميز بالسور القصيرة وقلة عدد الآيات فى السور ليتناسب مع بداية الدعوة ليسهل استيعاب القرآن الكريم وفهم آياته بسرعة.

أما القرآن المدنى فالسور طويلة ، وكثيرة فى عدد الآيات والتى يتميز بالطول وكثرة عدد الكلمات والحروف وذلك يتناسب مع استقرار المسلمين فى المدينة وحاجتهم للتشريعات والأحكام ، ومن الملاحظات الأخرى أن هناك سبع تراتيب ممكنة لسور القرآن الكريم وهى ... ،

أولا : ترتيب المصحف الشريف الذى نعرفه وهو يبدأ بسورة الفاتحة وينتهى بسورة الناس.

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٣


ثانيا : ترتيب آخر حسب نزول السور وهو ترتيب التنزيل والذى يبدأ بسورة العلق وينتهى بسورة النصر.

ثالثا : الترتيب الأبجدى لسور القرآن الكريم وهو يبدأ بسورة آل عمران وينتهى بسورة يونس.

رابعا : ترتيب لفظ الجلالة يبدأ بسورة البلد وينتهى بسورة البقرة.

خامسا ترتيب عدد آيات السور من الأقل إلى الأعلى يبدأ بسورة العصر وينتهى بسورة البقرة.

سادسا : ترتيب عدد كلمات السور من الأقل إلى الأعلى يبدأ بسورة الكوثر وينتهى بسورة البقرة.

سابعا : ترتيب عدد حروف السور من الأقل إلى الأعلى يبدأ بسورة الكوثر وينتهى بسورة البقرة ولقد أخذت هذه التراتيب من جداول تجميع تراكمات بيانات سور القرآن الكريم (الجدول التجميعى التراكمي خ) لكل نوع من هذه التراتيب وهى موجودة بالكتاب وبالحسابات الدقيقة ، وقد كانت الملاحظة والإعجاز هى أن مجموع تراكمات السور فى ترتيب المصحف الذى يبدأ بسورة الفاتحة وينتهى بسورة الناس يأخذ أعلى قيمة بين كل من التراتيب السبعة فى جميع الأحوال ، كذلك فى تجربة للمقاييس والمتوسطات القرآنية وفى ملاحظة لثلاثة مقاييس تختص بترتيب التنزيل / عدد آيات السورة ، كانت بداية الترتيب التصاعدى فى المقاييس الثلاثة سورة القلم ونهايتها سورة النصر وكأن الله تعالى يخبرنا أن أول طريق النصر فى الدنيا والآخرة هو العلم وبالفعل كانت أول الآيات القرآنية (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١).

وأما بالنسبة للبناء الهندسى الذى يوضح الأجزاء والسور والأحزاب والأرباع والذى يبدأ من ص ٢٧ فى الكتاب حتى ص ١٣٠ كانت تلك الملاحظة الهامة

__________________

(١) سورة العلق الآية ١


وهى أولا : أن للقرآن الكريم شكل رياضى هندسى ثابت ، وبدراسة خواص هذا الشكل فإنه يمكن تحديد معجزة توزيع عدد الآيات فى السور وبالتالى فى الأرباع والأحزاب والتنبؤ بأرقامها من خلال معادلات رياضية بحتة حيث إن هناك معجزة لا تخطر بعقول البشر فى ترتيب وتركيب سور القرآن الكريم وهى :

أولا : مجموع سور آيات القرآن الكريم ١١٤ سورة.

ثانيا : نصف آيات القرآن الكريم ٥٧ سورة.

ثالثا : فى جداول ترتيب وتركيب سور القرآن الكريم فى نصف القرآن الكريم الأول حيث ينقسم إلى سور متجانسة فردية الترتيب وفردية عدد الآيات وسور متجانسة زوجية الترتيب وزوجية عدد الآيات وكذلك نصف القرآن الكريم الثانى الذى ينقسم إلى سور متجانسة فردية الترتيب وفردية عدد الآيات وسور متجانسة زوجية الترتيب وزوجية عدد الآيات ونفس الأمر بالنسبة للسور غير المتجانسة وهى الفردية الترتيب والزوجية عدد الآيات وكذلك الزوجية الترتيب والفردية فى عدد الآيات بالنسبة للنصف الأول من سور القرآن الكريم ونفس الأمر بالنسبة للنصف الثانى من السور وكانت الملاحظات الآتية ... ، مجموع السور المتجانسة فى القرآن الكريم وهى الفردية الترتيب والفردية عدد الآيات والزوجية الترتيب والزوجية فى عدد الآيات بالنسبة للقرآن كله ٢٨ سورة فى النصف الأول+ ٢٩ سورة فى النصف الثانى فيكون المجموع ٥٧ سورة وهى معجزة لا تخطر بعقل بشر حيث أن ذلك يمثل نصف العدد الإجمالى لسور القرآن الكريم حيث إن تكملة هذا الرقم وجد بالنسبة لمجموع السور غير المتجانسة فى القرآن الكريم وهى الزوجية الترتيب والفردية فى عدد الآيات ، والفردية فى الترتيب والزوجية فى عدد الآيات وكان المجموع بالنسبة للقرآن كله ٢٩ سورة فى النصف الأول+ ٢٨ سورة فى النصف الثانى فيكون المجموع ٥٧ سورة ، وبذلك يكون المجموع هو ٥٧+ ٥٧ ١١٤ بعدد سور القرآن الكريم وفى ذلك قمة الترابط والهندسة والإبداع فى البناء الرياضى والهندسى بالنسبة


لتسلسل وأرقام وكلمات وترتيب القرآن الكريم ونهايات آياته ، فمن يضيف آية واحدة للقرآن الكريم فى أى سورة فردية نهاية الآيات أو زوجية فإن ذلك يحدث خللا فى التنظيم الرياضى للقرآن الكريم ... ، فلو زادت السور الفردية النهاية آية واحدة لأصبح القرآن الكريم ٥٨ ، ٥٧ ولن يعطى مجموعهم عدد سور القرآن الكريم ... ، ولقد كان هناك اكتشافا هاما يمثل نوعين من الاستنتاجات بالنسبة للسور المتجانسة وغير المتجانسة فالاستنتاج الأول والخاص بالسور المتجانسة فهو ملاحظة أن مجموع ترتيب السور المتجانسة وهى تمثل نصف القرآن الكريم وهى الفردية الترتيب وعدد الآيات+ عدد آياتها ٦٢٣٦ وهو نفسه المجموع الكلى لعدد آيات سور القرآن الكريم وبذلك تتضح معجزة ارتباط ترتيب سور القرآن الكريم بمجموع عدد آياتها الكلى وهو (٦٢٣٦) وبذلك فإن أى تغير فى ترتيب سور القرآن أو عدد آيات أى سورة ولو بآية واحدة يهدم هذا النظام المعجز لترتيب السور وعدد الآيات وأما الاستنتاج الثانى والخاص بالسور غير المتجانسة.

فلقد كانت الملاحظة أن مجموع ترتيب السور غير المتجانسة والتى تمثل نصف القرآن الكريم كما أشرنا سابقا+ عدد آياتها ٦٥٥٥ وهو نفسه المجموع الكلى لترتيب سور القرآن الكريم والذى يشمل السور المتجانسة وغير المتجانسة وبذلك تتضح أيضا معجزة ارتباط ترتيب سور القرآن الكريم (٦٥٥٥) وأن أى تغيير فى ترتيب سور القرآن الكريم أو عدد آيات أى سورة ولو بآية واحدة يهدم هذا النظام المعجز لترتيب السور وعدد الآيات.

رابعا : من الاكتشافات أيضا أن الفارق بين أرقام أرباع سور القرآن الكريم كما هو موضح بالكتاب فى جداول البناء الهندسى لتركيب القرآن الكريم وذلك فى الإتجاه من اليمين إلى اليسار من الداخل ١٥ ، ١٣ ، ١١ ، ٩ ، ٧ ، ٥ ، ٣ ، ١ أو أجزاء منها ، ونلاحظ أنه بوضع رقم مكمل بين كل رقمين يتضح أن هناك بناء هندسى وشكل رياضى ثابت ... ، كذلك نفس الفارق نلاحظه بين أرقام أرباع سور القرآن الكريم فى الإتجاه من اليسار إلى اليمين من الخارج فهو أيضا ١٥ ، ١٣ ، ١١ ، ٩ ، ٧ ، ٥ ، ٣ ، ١


أو أجزاء منها وهو نفس البناء الهندسى السابق.

خامسا : من المعجزات فى البناء الهندسى أيضا للقرآن تلك الحقائق الآتية :

أن هناك ٢٧ سورة فردية الترتيب وفردية عدد الآيات و٣٠ سورة فردية الترتيب وزوجية عدد الآيات فيكون المجموع هو ٥٧ سورة وهو ما يطابق عدد السور ذات الترتيب الزوجى فى القرآن الكريم وبذلك يكون مجموع التقسيم فى سور القرآن الكريم هو ٥٧+ ٥٧ ١١٤ سورة ، وهو ما يطابق عدد سور القرآن الكريم فما أبلغ هذا الإعجاز ... ، ولقد تم إجراء بعض التجارب للتغيير فى ترتيب أو تركيب سور القرآن الكريم وكانت نتيجتها جميعا تدمير منظومة الأعداد والأرقام والحسابات الرياضية التى اختارها الله تعالى بهذا الإعجاز فى كتابه الكريم المعجز.

والتجربة الأولى تم فيها إضافة سورة افتراضية بعد سورة الناس ليكون عدد القرآن الكريم ١١٥ سورة وافترض أن عدد آيات تلك السورة هو ٣ آيات وهو عدد أقل سور القرآن الكريم والنتيجة هى تدمير من منظومة الأعداد والأرقام والحسابات الرياضية لسور القرآن الكريم وتغيرها تماما وعدم انتظامها ، ولقد تم إجراء تجربة أخرى بالحذف وهى أنه تم حذف موقع سورة النصر أخر سور القرآن الكريم تنزيلا وعدد آياتها ٣ آيات ليكون عدد سور القرآن الكريم ١١٣ سورة بدلا من ١١٤ ، والنتيجة هى تدمير منظومة الأعداد والأرقام والحسابات الرياضية لسور وآيات القرآن الكريم ، كذلك تم إجراء تجارب خاصة بالحذف أو الإضافة بالنسبة لآية واحدة بدلا من التجربة السابقة مع السورة كما سبق وهى كالآتى تم إضافة آية واحدة لآيات سورة الناس لتصبح ٧ آيات بدلا من ٦ آيات وكانت النتيجة هى تدمير منظومة الأعداد والأرقام والحسابات الرياضية لسور وآيات القرآن الكريم ، وتم إجراء التجربة بحذف آية واحدة من آيات سورة الناس لتصبح ٥ آيات بدلا من ٦ آيات والنتيجة هى تدمير منظومة الأعداد كما سبق ... ، وهناك تجارب أخرى كتبديل سورة الفلق والتى ترتيبها ١١٣ مكان سورة الناس والتى ترتيبها ١١٤ وكانت النتيجة أيضا هى تدمير منظومة الأعداد والأرقام والحسابات الرياضية فى


القرآن الكريم ... ، وبذلك يكون هذا الاستنتاج الذى يشهد للقرآن الكريم بالمعجزة الباقية على مر العصور وأنه معجز فى ترتيبه ونظامه وهندسته بإبداع الخالق القدير وهو أن أى إضافة أو حذف أو استبدال فى ترتيب أو تركيب سور القرآن الكريم يدمر منظومة الأعداد والأرقام والحسابات الرياضية فى القرآن الكريم ، يقول تعالى (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١).

ويقول تعالى (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٢).

ويقول تعالى (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٣).

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ٨٨.

(٢) سورة يونس الآية ٦٤.

(٣) سورة الأنعام الآية ١١٥.


الفصل الثالث

الإحصاء القرآنى



الإحصاء القرآنى

إن القرآن الكريم بالفعل قد فصله الله تعالى تفصيلا فآياته تحتوى الإعجاز البلاغى ... ، والعلمى ... ، والرياضى ... ، وقد أخبرنا سبحانه وتعالى بأنه قد علم كل شىء ، وفصل كل شىء ، وأحصى كل شىء عددا ... ، وقد أورد الدكتور عبد الرازق نوفل فى كتابه عن الإعجاز العددى فى القرآن الكريم ، أن كلمة إبليس وردت ١١ مرة والاستعادة منه بمشتقاتها وردت ١١ مرة أيضا ... ، وكلمة الكافرون وردت ١٥٤ مرة وكلمتى النار والحريق بمشتقاتها وردا ١٥٤ مرة ... ، وجاء لفظ المسلمون بمشتقاته ٤١ مرة أيضا وتكرر لفظ الضالون بمشتقاته ٧٥ مرة والشكر بمشتقاته ٧٥ مرة ... ، وتكرر لفظ الإنفاق ٧٣ مرة والرضا أيضا بمشتقاته ٧٣ ... ، وأيضا كلمة الدنيا وردت ١١٥ مرة وكذلك الآخرة ١١٥ مرة ... ، وكلمة الحياة ١٤٥ مرة ، وكذلك الموت ١٤٥ مرة ، وكلمة السحر وردت ٦٠ مرة وكلمة البركة ٣٢ مرة ... ، وكلمة العقل وردت ٤٩ مرة ، وكلمة النور ٤٩ مرة أيضا ... ، وكلمة اللسان ٢٥ مرة وكلمة الموعظة ٢٥ مرة ... ، وكلمة الشهر وردت ١٢ مرة بعدد وردات القمر المتمايزة وكلمة اليوم وردت ٣٦٥ مرة بعدد أيام السنة وكلمة البر وردت ١٣ مرة ... ، وكلمة البحر وردت ٣٢ مرة وهى أرقام تعكس نسبة اليابسة إلى الماء كما أشرنا من قبل ... ، فسبحان من أنزل هذا القرآن بهذا التفصيل وصلى الله وسلم على من أنزل عليه فبلغ كما أوحى إليه ربه. إنه الإعجاز المبهر فى عصرنا حيث صارت لغة الأرقام هى الغالبة مع تقدم علوم الكمبيوتر والحسابات ... ، لقد تساوى مجموع ذكر كلمات الرسل والنبيين والمبشرين والمنذرين ومجموع ذلك ٥١٨ مرة وبجمع أرقام ذكر كل رسول على حده كان الناتج ٥١٨ مرة ولقد تساوى ذكر المصير والأبد واليقين فوردت كل كلمة ٢٨ مرة أى أنه لا بدّ من الثبات واليقين الدائم ليكون المصير هو النعيم الأبدى والعكس صحيح ... ، ولقد تكرر الجزاء بمشتقاته ١١٧ مرة وذكرت المغفرة بمشتقاتها ٢٣٤ أى أن المغفرة ومشتقاتها قد ذكرت فى القرآن الكريم ضعف ما ذكر الجزاء بكل مشتقاته ... ، تكرّرت الشدة ١٠٢ مرة بكل مشتقاتها وكذلك الصبر بكل مشتقاته ١٠٢ مرة


فسبحان الله ... ، ولقد تكرر ذكر الألباب ١٦ مرة والأفئدة بمشتقاتها ١٦ مرة ... ، ويقول سبحانه (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١) ، ولقد تساوت القلة بمشتقاتها ٧٥ مرة مع الشكر بمشتقاته ٧٥ مرة ، ولقد جاء لفظ الفحشاء والبغى بمشتقاتهم ٤٨ مرة وجاء لفظ الإثم بنفس العدد ٤٨ مرة ولقد تكرر الجهر بمشتقاته ١٦ مرة والعلانية بمشتقاته ١٦ مرة ... ، وتكررت كلمة الرغبة بكل مشتقاتها ٨ مرات وبنفس العدد وردت مشتقات الرهبة أيضا ٨ مرات ... ، وورود لفظ الهدى ٧٩ مرة ولفظ الرحمة ورد ٧٩ مرة أيضا ... ، وتكرر لفظ المحن بمشتقاتها ٨٣ مرة والطاعة بمشتقاتها ٨٣ مرة ... ، ولقد تكررت كلمة الغواية بكل مشتقاتها ٢٢ مرة وتكرر لفظى الخطأ والخطيئة بمشتقاتهم أيضا ٢٢ مرة ... ، وهناك الكثير من أمثلة الإعجاز الرياضى فى فروع مختلفة من القرآن الكريم فمثلا كلمة العرش آخر سورة ذكرت فيها سورة البروج والتى رقمها بالمصحف ٨٥ ورقم الآية ١٥ والمجموع ٨٥+ ١٥ ١٠٠ ومعنى ذلك أن العرش لا يكون إلا لمن له الملك المرئى والملكوت الغيبى والله وحده هو صاحب الملك والملكوت بنسبة ١٠٠ خ ... ، كذلك فإن آخر تكرارات كلمة نارا فى سورة المسد ١١١ ورقم الآية ٣ والمجموع ١١١+ ٣ ١١٤ وهو عدد سور القرآن الكريم فالعمل بالقرآن يبعدك عن النار بنسبة ١٠٠ خ كذلك فإن القرآن الكريم أنزل من لدن حكيم خبير ويحتوى من الحكمة ما لا يعلم بها إلا الله وما يمن به من فيض على أولى الألباب الباحثين عن الحق والخير فمثلا نجد أن الله تعالى أعطى يوسف عليه‌السلام الحكم والعلم فقال سبحانه (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (٢) ، كذلك فإن لوط عليه‌السلام آتاه الله تعالى الحكم والعلم فقال سبحانه (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (٣) لذلك نجد أن اسم يوسف ورد فى القرآن الكريم ٢٧ مرة وكذلك اسم لوط ورد أيضا ٢٧ مرة فلله نسجد شكرا لفضله علينا ومنحنا هذا الإعجاز الذى يصل بنا إلى درجة اليقين والثبات على الحق وكذلك فإن أيوب عليه‌السلام قد نادى ربه (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) (٤) ، فاستجاب له ربه

__________________

(١) سورة سبأ الآية ١٣.

(٢) سورة يوسف الآية ٣٢.

(٣) سورة الأنبياء الآية ٧٤.

(٤) سورة الأنبياء الآية ٨٣.


بقوله تعالى (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) (١) وكذلك فإن يونس عليه‌السلام قد نادى ربه (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٢) وقد استجاب الله له ونجاه من الغم أيضا ، لذلك نجد أن اسم النبى أيوب قد ذكر ٤ مرات ويونس أيضا قد ذكر أربع مرات وهناك إعجازات أخرى فمثلا حين قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" وبالقدر خيره وشره" ، ولم يقل بالقضاء خيره وشره لأن القضاء لا يحمل الشر أبدا لأنه من عند الله حكم به لعباده ورضى به لهم ، ولكن القدر هو ما علمه الله بعلمه المطلق لما سيكون وما سيقع وما سيختاره الإنسان وإذا نظرنا إلى التصوير القرآنى للأمور والحقائق نجد التناظر فى الرواية فمثلا قوله تعالى (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٣) ... ، نجد أن الجزء الأول من الآية ١٤ حرفا والنتيجة بعد كشف الغطاء أن البصر يكون حديدا يرى الأمور على حقيقتها فالجزء الثانى أيضا مكون من ١٤ حرفا ... ، وقوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) نجد أن عدد الحروف ٢٨ حرفا فهناك حكمة باطنة تتجلى فى آيات القرآن الكريم للناظرين والمتأملين فمثلا يقول تعالى (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) سورة الليل آيات ١ ، ٢ ، ٣ والليل بالفعل يغشى الكون بعد عبور الغلاف الجوى لذلك نجد صيغة (إذا يغشى) بالمضارع الذى يفيد الاستمرارية ... ، والنهار لا يكون إلا حين يتجلى ويتشتت عبر الغلاف الجوى حين يكون نصف الكرة الأرضية مواجه للشمس ، لذلك نجد صيغة (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) تأتى بصيغة الماضى الذى لا يفيد الاستمرارية ولو كان النهار يحدث مرة لكانت العبارة" إذ تجلى" وحين نتأمل قوله سبحانه (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) نجد الإشارة إلى الزوجين فى الخلق حيث خلق سبحانه من كل شىء زوجين فهو قسم بكل شىء خلقه سبحانه فى السماء والأرض ... ، إنه الإعجاز اللغوى والبلاغى الذى لا يخطر بعقول البشر إلا بمنحة من الله سبحانه لنعرف أنه الحق علام الغيوب ... ، وعن نهاية دولة إسرائيل التى بغت فى الأرض فسادا وظلما قال تعالى (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) فلا بد من الهزيمة لكل جبار ومفسد ، وتبين سورة الإسراء من الآية الرابعة حتى السابعة أن هناك فسادين لبنى إسرائيل ، الفساد الأول كان قبل الإسلام فى دولة

__________________

(١) سورة الأنبياء ٨٤

(٢) سورة الأنبياء الآية ٨٨

(٣) سورة ق الآية ٢٢


إسرائيل فى الشمال ويهوذا فى الجنوب حيث دمرت أولا فى الشمال ثم فى الجنوب على يد بخت النّصر وقد تعاقب على حكمها تسعة عشر ملكا ، وأما الفساد الثانى فيبدأ من عام ١٩٤٨ حين أعلنوا قيام دولتهم باحتلال جزء من فلسطين ثم كامل فلسطين ١٩٦٧.

وإذا نظرنا إلى الحديث عن بنى إسرائيل نجد أنه بدأ من الآية الثانية فى سورة الإسراء وحتى الرابعة بعد المائة كان قوله تعالى (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) فإذا كانت بداية الوجود اليهودى تبدأ بقوله تعالى فى الآية الثانية (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) ونهاية العهد اليهودى ينتهى عند قوله سبحانه (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) فإن عدد حروف الكلمات من البداية حتى النهاية وهى كلمة لفيفا هو ١٤٤٣ حرفا وبذلك يمكن أن نفسر تلك النهاية وهى فى علم الغيب الإلهى ولكنه استنباط المجتهدين إن صح فلهم أجران وإن أخطأ فلهم أجر اجتهادهم كما بين الحديث الشريف ... ، فإذا نظرنا إلى بداية الفساد الثانى وهو عام ١٩٤٨ م ، ١٣٦٧ ه‍ حين أعلنوا قيام دولتهم نجد أن كتب التاريخ تذكر لنا أن نهايتهم دائما كلما قامت لهم قائمة ترتبط بمذنب هالى والذى يزور الأرض أو يقترب منها كل ٧٦ عاما ولو قمنا بجمع تاريخ الإقامة لدولتهم مع الفترة المقدرة ب ٧٦ عاما وإذا كان التاريخ ١٩٤٨ م يوافق التاريخ الهجرى ١٣٦٧ ه‍ فيكون ١٣٦٧ ه+ ٧٦ ١٤٤٣ ه‍ ولأن النبوة قبل الهجرة بسنة فيكون ١٤٤٤ و١٤٤٣ ه‍ يوافق ٢٠٢٢ م وهى النهاية المتوقعة لإسرائيل إن شاء الله سبحانه ذلك وربما تكون قبل تلك المدة لأن مشيئة الله لا يحددها أحد وربما تكون بعد ذلك وإن كان هناك نصوص توراتية تشير إلى نهايتهم فى هذا التاريخ ... ، ولقد لاحظ العلماء أن سورة الإسراء عدد آياتها (١١١) آية وهى التى أوصت بنهاية دولة اليهود فى الأرض المباركة وتحمل سورة يوسف نفس عدد الآيات فهى أيضا (١١١) آية وهى التى أوصت ببداية نشأة دولة اليهود.

كذلك فإن الحديث عن الحساب ورد أيضا بسورة الإسراء بالآية رقم ١٢ بداية من


قوله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً). وعدد الكلمات من وجعلنا وحتى كلمة الحساب ١٩ كلمة.

وبالفعل فإن الرقم ١٩ هو دليل الحساب فى كل ما يتعلق بالإعجاز الرقمى للقرآن الكريم فهذا الرقم هو وحده الذى يعبر عن تسلسل الأرقام فمثلا ١٩* ١ ١٩ ومجموع الرقمين ٩+ ١ ١٠ ومجموع الرقمين للناتج هو ٠+ ١ ١ ... ، كذلك ١٩* ٢ ٣٨ والمجموع ١١ ومجموعهما ٢ كذلك ١٩* ٣ ٥٧ ١٢ ٣ وهكذا ... ، لذلك فالرقم ١٩ له فى القرآن الكريم الكثير من اللمحات الإعجازية المبهرة فى القرآن الكريم فمثلا النداء على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل يا أيها النبى ... ، يا أيها المدثر يأتى ١٩ مرة ... ، كذلك فإن الحروف المقطعة بالسور مثل الم ... ، الر ... ، كهيعص ... ، وردت ١٩ مرة ... ، تكرر ذكر كلمة نارا ١٩ مرة ... ، كذلك فإن آية البسملة بسم الله الرحمن الرحيم مكونة من ١٩ حرفا ... ، ولم تذكر البسملة فى سورة التوبة التى رقمها بالمصحف ٩ وذكر بدلا منها بسملة فى سورة النمل (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وعدد السور بداية من التوبة (٩) حتى النمل (٢٧) هو ١٩ سورة وتبدو أهمية هذا الرقم بكونه ذكر فى القرآن الكريم (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (١) وتبين الآيات بعد ذلك أن هذا العدد فتنة للكافرين ، وهو يزيد المؤمنين والذين أوتوا الكتاب إيمانا حيث يوافق ما لديهم من نبوءات ولقد جاء الرقم ١٩ ممثلا لقانون فلكى يؤكد أن الدورة الفلكية تتكون من ١٩ سنة منها سبع سنوات شمسية واثنى عشر قمرية وعلماء الفلك يسمون مذنب هالى بأنه المذنب الذى يرتبط بعقائد اليهود وحيث تنتهى دولتهم بعد إقامتها فى دورة التاريخ السابقة ارتباطا بزيارة من هذا المذنب إلى الأرض خلال دورته التى تساوى ١٩* ٤ ٧٦ سنة قمرية.

__________________

(١) سورة المدثر الآية ٣٠


الكمبيوتر والنظام الثنائى وحسابات قرآنية

إذا كان الكمبيوتر هو الإشارة للتقدم العلمى والرقمى فى عصرنا وفكرته تقوم على النظام الثنائى وهو الصفر والواحد وقد أشار القرآن الكريم فى قوله تعالى بسورة الإسراء (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) (١). إلى هذا النظام الثنائى ويتمثل فى الآية الكريمة بالليل والنهار ... ، والنظام الثنائى هو أساس تصميم كل الحاسبات الآلية فى عصرنا ... ، وإذا كان الإنسان نفسه يشبه الحاسب الآلى حيث أن جميع أقواله وأفعاله يسجلها ويخزنها بنفسه فى كتابه وهو الطائر الذى ترمز إليه الآيات أيضا بسورة الإسراء حيث يقول تعالى (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) (٢) ، وقد وجد العلماء أن بجوار العنق منطقة تشبه الطائر فى الوصف التشريحى يخزن فيها الإنسان ما يقوم به وما يحدث حوله من أحداث يوم القيامة كما يفعل الإنسان مع الحاسب الآلى حين يريد إخراج ما تم تخزينه من معلومات ... ، فكذلك تحدث عملية إخراج لكل ما سجله الإنسان فى دنياه مسجلا مكتوبا فى كتابه الذى يقرأه ويشهد عليه بنفسه يوم القيامة وبذلك نرى أن القرآن الكريم قد سبق فى الإشارة إلى النظام الثنائى" الليل والنهار" أساس نظم كل الحاسبات الحديثة ... ، ومن النظام الحسابى أيضا بسورة الإسراء أشرنا سابقا لنهاية دولة اليهود كما تشير لذلك أيضا بعض الكلمات فى إشارات بلاغية فمثلا قوله تعالى فى الآية ٧٦ من السورة (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) (٣) ، ونهاية الآية (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً).

وقوله تعالى بنفس السورة (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ) (٤) ونهاية الآية

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ١٢.

(٢) سورة الإسراء الآية ١٣.

(٣) سورة الإسراء الآية ٧٦.

(٤) سورة الإسراء الآية ١٠٣.


(فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) ... ، ونجد أن كلمات الأصل (فزز) وردت بسورة الإسراء ثلاث مرات ولم تتكرر فى أى سورة أخرى ، ومنها قوله تعالى فى الآية ٦٤ (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) (١) والاستفزاز هو الإيذاء من أجل الإخراج فإذا ضاعفنا رقم الآية ٧٦ بعدد كلمات الآية ٦٤ وهى ١٩ كلمة يكون الناتج ٧٦* ١٩ ١٤٤٤ ويمثل هذا الرقم موعد وعد الآخرة كما أشرنا سابقا ١٤٤٤.

ويمثل أيضا ترتيب كلمة يستفزهم فى الآية ١٠٣ التى تشير إلى نهاية فرعون رمز الظلم والغرور ... ، وإذا كانت سورة الإسراء تشير فى آياتها إلى بنى إسرائيل فوجدنا تلك العلاقات الرياضية كذلك فسورة سبأ تشير إلى سليمان عليه‌السلام وهو من ملوك بنى إسرائيل فنجد مثلا ، الآية رقم ١٣ من سورة سبأ تتكون من ١٩ كلمة وعدد حروفها ٨٤ حرفا وبضرب ١٩* ٨٤ ١٥٩٦ حرفا وهو رقم يشير إلى تاريخ بداية ملك سليمان ، ولقد ملك ٤٠ سنة كما جاء فى العهد القديم وبطرح ٤٠ سنة من ١٥٩٦ يكون الناتج هو ١٥٩٦ ـ ٤٠ ١٥٥٦ وهو العدد الذى يحدد عدد السنين من وفاة سليمان وحتى حدوث الإسراء عام ٦٢١ م وهى ناتج طرح ١٥٥٦ ـ ٦٢١ ٩٣٥ ويبدو الإعجاز هنا أن عدد أحرف سورة سبأ من بدايتها وحتى بداية الآية ١٤ ٩٣٥ وذلك بأخذ حرف الفاء فقط وهو بدايتها (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) (٢) لقد حددت السورة تاريخ بداية ملك سليمان والفترة الزمنية من وفاته وحتى حدوث الإسراء وغير ذلك هناك الكثير من الإعجازات والعلاقات الرياضية.

وهناك نبوءة عن أهل الكتاب لدانيال تشير إلى عودة القدس بعد ٢٣٠٠ سنة من دخول الإسكندر القدس ولقد دخلها عام ٣٣٣ قمرية قبل الميلاد وبطرح ٢٣٠٠ ـ ٣٣٣ ١٩٦٧ وهذا حدث بالفعل حيث دخلت إسرائيل القدس فى ١٠ / ٦ / ١٩٦٧ ثم نبوءة تشير إلى حضيض اليهود" طوبى لمن ينتظر ال ٤٥ سنة بعد ١٢٩٠ من تاريخ الإخراج لأول الحشر" وقد تم اكتمال الإخراج عام ٦٣٨ م على يد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وبالجمع نجد أن ٤٥+ ١٢٩٠+ ٦٣٨ ١٩٧٣ م وهو ما تحقق بعد نصر أكتوبر

__________________

(١) سورة الإسراء من الآية ٦٤ ـ وعدد كلمات الآية بأكملها ١٩ كلمة.

(٢) سورة سبأ الآية ١٣.


١٩٧٣ ... ، ثم هناك نبوءة أخرى تشير إلى نهاية إسرائيل من تاريخ قيامها وقد قامت ١٩٤٨ لتنتهى فى ٢٠٢٢ إن قدر الله تعالى ذلك ... ، ويتضح من الأمثلة الآتية ....

فلقد وافقت جامعة الدول العربية على الهدنة الأولى ووقف إطلاق النار فى ١٠ / ٦ / ١٩٤٨ ووافقت جامعة الدول العربية على الهدنة الثانية فى ١٨ / ٧ / ١٩٤٨ والمدة بينهما تساوى ٣٨ يوم أى تساوى ١٩* ٢ ٣٨.

ومجموع أرقام الهدنة الثانية ٨+ ١+ ٧+ ٤+ ٩+ ١ ٣٨ أيضا أى ١٩* ٢ وذلك يثبت أن الأحداث التاريخية وكل شىء يحدث بقدر الله ، وأن للرقم ١٩ أسرار يقدرها الله تعالى بحكمته فى بعض الأمور الكونية والتشريعية فمثلا سور القرآن الكريم ١١٤ وهو حاصل ضرب ١٩* ٦ ... ، كذلك سورة اقرأ وحتى قوله تعالى (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) ٧٦ حرفا فكأن البناء والمعمار واللبنة الأولى للقرآن المعجز يرتكز على أساس الرقم ٧٦ والعدد ١٩ لذلك نجد مثلا فى سورة النازعات أن من بداية الحوار فى الآية ١٥ (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) (١) حتى الآية ٣٣ (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (٢) نجد أن عدد الكلمات ٧٦ كلمة بعدها مباشرة يأتى قوله تعالى (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) (٣) وهذا إثبات آخر أن الطامة الكبرى على اليهود ربما تأتى بعد ٧٦ سنة من تاريخ قيامها ١٩٤٨ م وقد أشرنا من قبل أن من سنن الله الكونية أنه قدر أن مذنب هالى يدور دورته كل ٧٦ سنة قمرية وهو يرتبط بأهم الأحداث التاريخية كما يرى علماء الفلك وبخاصة فى تاريخ اليهود حيث إنه مع دورته شهد الكثير من الأحداث مثل إلقاء إبراهيم عليه‌السلام فى النار وشهد إسكان هاجر وإسماعيل مكة ، وشهد وفاة إبراهيم عليه‌السلام ، وكذلك إلقاء يوسف فى البئر ثم ميلاد موسى عليه‌السلام ، وخروج بنى إسرائيل مع موسى عليه‌السلام من مصر وتتويج سليمان

__________________

(١) سورة النازعات الآية ١٥.

(٢) سورة النازعات الآية ٣٣.

(٣) سورة النازعات الآية ٣٤.


على عرش إسرائيل الأولى وشهد إسراء محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام ٦٢١ م وكانت الدورة الثامنة عشر له بتاريخ ١٩٤٨ م ـ ١٣٦٧ ه‍ والتى شهد فيها قيام دولة إسرائيل الثانية وخلال ٧٦ عاما من هذا التاريخ يكمل الدورة التاسعة عشر بتاريخ ٢٠٢٢ م ـ ١٤٤٣ ه‍ وربما يكون هذا التاريخ نهاية إسرائيل الثانية بإذن الله ، وله الأمر من قبل ومن بعد ... ، ورغم تلك الحسابات فإن الأمر يرجع إلى إذن الله تعالى وربما يكون الأمر غير ذلك تماما وفى فترات زمنية تختلف عن تلك الحسابات فلا يجب أن يقف المسلم مكتوف الأيدى حتى يأتى هذا التاريخ الذى يخضع لحسابات ليس مجذوما بها فعلينا بالعمل والاجتهاد وإعداد وسائل النصر وإخضاع كل شىء بمشيئة الله تعالى حتى لا نجعل عرضه لتربص الأعداء والمستشرقين ... ، وفى سورة إبراهيم نجد أنه قد ذكر بها الحديث عن بنى إسرائيل ونجد أن عدد آيات هذه السورة ٥٢ آية وإذا قمنا بعد الحروف بداية من الآية ٣٥ (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) إلى نهاية السورة نجد أن عدد الحروف ٩٨٨ وبالقسمة على ٧٦ يكون الناتج ١٣ وهو عدد كلمات الآية ٣٥ وبالقسمة على ١٩ نجد ٩٨٨+ ١٩ ٥٢ وهو عدد آيات السورة وإذا قمنا بعد الكلمات من نهاية الآية ١٣ (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) حتى الآية ١٩ (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) نجد أن عدد الكلمات هو ٧٦ أى ٤* ١٩ وفى سورة الحشر نجد قوله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) وذلك يثبت أن ما فى السماوات وما فى الأرض سبح لله حين تم إخراجهم على يد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام ٦٣٨ م ولذلك نجد أن عدد الحروف من بداية السورة (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وحتى قوله (يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بالآية ٢٤ من نفس السورة هو ٢٠٢١ حرفا وهو بداية حشرهم فى الإفسادة المعاصرة لتكون نهايتهم ٢٠٢٢ وكما سبح لله ما فى السماوات وما فى الأرض عند ما أخرجهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسوف يسبح له ما فى السماوات والأرض عند نهايتهم ببداية الحشر الجديد وبالفعل فإن الأحياء والجمادات وكذلك الأرض تتأذى من وجود الكافرين على ظهرها ... ، وإذا تحدثنا عن الإعجازات الرقمية


والحسابية فى القرآن الكريم الكريم نجد الكثير مما تعجز العقول عن إدراكه وتكفى الإشارة إلى ما قام به الباحث الدكتور عبد الله البلتاجى وما نشره من أبحاثه الرياضية ، ومنها دراسة علمية محققة وتحتوى تسعة عشر فصلا كاملا عن أسرار الرقم ١٩ فى القرآن الكريم فى كتاب بعنوان سر الوجود والرقم ١٩ ويشمل خلق الإنسان والرقم ١٩ والنداء على الرسول والرقم ١٩ والرسول والآيات والرقم ١٩ وغير ذلك الكثير من الموضوعات ونختار منها هذا الإعجاز ليكون خاتمة الكتاب حيث أن آخر ذكر لكلمة رسول كانت فى سورة التكوير بالآية رقم ١٩ ورقم السورة ٨١ ومجموعهما ٨١+ ١٩ ١٠٠ وهى إشارة رياضية من الخالق سبحانه لنهاية الرسالات بنسبة ١٠٠ خ بعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحقا (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (١) من الله الملك الخبير رب العالمين.

__________________

(١) سورة التكوير الآية ١٩.


التفكر وأسرار الثبات

الحمد لله أن ربنا الله ... ، الحمد لله على فضله علينا بأن جعلنا مسلمين ... ، سبحانه له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير ... ، تفضل علينا وأظهر لنا آياته واضحة بما يناسب كل زمان ، وعلى قدر العقول ... ، إن القرآن الكريم ملئ بالمعجزات فى كل المجالات ... ، ولما ذا لا يكون ذلك ، وفيه كل أسرار الكون ... ، إنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ... ، إنه يحتوى الإعجاز البلاغى ... ، والتشريعى ... ، والعلمى ... ، والرياضى ... ، والنفسى ... ، والإعجاز فى تعبير الكلمات عن المعنى ... ، وتعبيرات الصوت المصاحبة للكلمة ، كالغنة ... ، والإدغام ... ، والإخفاء ... ، وترقيم كل آية ونهاية كل آية بحروف معينة ... ، ونهايات السور بأرقام معينة فردية أو زوجية ... ، وبداية بعض السور بحروف غير مفهومة المعنى ... ، وهذا يثبت أنه ليس كلاما عاديا ، حيث لا يكون ذلك كله فى كلام البشر ... ، ويبين الله تعالى ذلك فى سورة المدثر ويتوعد من يقول إنه قول البشر ... ، وكان قوله تعالى (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) سرا يعد من إحدى الكبر ... ، ونذيرا للبشر ازداد به المؤمنون إيمانا ... ، وبعده لم يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ... ، لذلك ظهرت معجزات كثيرة عن أسرار الرقم ١٩ فى القرآن الكريم وعلاقته بالكثير من الحوادث الكونية ... ، وحين بدأت سورة ق بالحرف ق ... ، وكذلك سورة الشورى ... ، فلقد وجد العلماء أن عدد حروف ق فى سورة ق ٥٧ حرفا وكذلك فى سورة الشورى ٥٧ حرفا والمجموع ١١٤ وهو عدد سور القرآن الكريم ... ، ونلاحظ أن الآية ١٣ من سورة ق قوله تعالى (وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ) ... ، نجد أن التسمية دائما فى القرآن الكريم" قوم لوط" وفى هذه الآية بالذات نجد إخوان لوط ... ، حيث إن استخدام كلمة قوم فى هذه الآية سيجعل الحروف ٥٨ وبذلك يختل النسق الرياضى ... ، وإذا كان مجموع آيات سورة البقرة ٢٨٦ فإن قوله تعالى (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (١) ... ، هى الآية رقم ١٤٣ أى منتصف السورة تماما ... ،

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٤٣.


ولقد تمكنت باحثة مصرية من تكوين خلطة للبناء تقاوم الزلازل وعوامل التعارية وغيرها من القوى مهما بلغت شدتها ، واستخدمت الحديد المنصهر ومادة بترولية وهى الأسفلت أو القطران (١) وقد استوحت ذلك من القرآن الكريم حيث يشير تعالى عن ذو القرنين (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) (٢) ، ويشير التفسير إلى أن القطر هو النحاس أو أحد مشتقات البترول ... ، إنه وحى الله ... ، وتبليغ من لا ينطق عن الهوى ... ، لقد وثب أسد على عتبة بن أبى لهب وهو وسط جماعة من رفاقه ومزقه لدعوة رسول الله عليه ... ، فسبحان من ايد نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، وسبحان من سخر الجن لسليمان عليه‌السلام وجعل علم السحر فتنة ... ، فعلينا أن نقيم حدود الله ونتبع ما أمر به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونأخذ الكتاب بقوة ... ، فلقد كذب من ادعى حب الله ورسوله ولم يطبق منهج الحق ودعوة الخير ... ، فمن زعم محبة الله ثم مال بقلبه إلى الدنيا فهو كذاب ... ، ومن زعم إرادة وجه الله ثم طلب الراحة فى الدنيا والتكاسل عن العبادة فهو كذاب ... ، إن من يريد رؤية ربه لا بدّ أن ينفذ أوامره ويجتنب نواهيه ... ، إن الفوز فى الآخرة يتطلب منك السعى فى الدنيا ، والمسابقة فى الخيرات مع كمال الإيمان دون ريب أو تكاسل ... ، وأنت تجيب الملكين فى قبرك ، ربى الله ، ودينى الإسلام ، والنبى الذى بعث فينا محمد رسول الله ... ، لا بدّ أن تكون إجابة كان يصحبها العمل فى الدنيا ... ، هناك عبور الصراط ... ، هناك كلاليب كشوك السعدان ... ، هناك قنطرة الصلاة ... ، ثم الأمانة ... ، هناك حقوق العباد ... ، وبر الوالدين ... ، وغير ذلك .. ، إن فريضة يغفل عنها العبد كافية لأن تزل قدمه على الصراط ... ، أو نظرة إلى حرام ... ، أو كلمة أف أو ضجر لوالديك ... ، أو غلول مخيط ، أو قيد دابة ... ، الغيبة والنميمة ... ، عدم الاستبراء من البول ... ، ظلم الجار وإيذاء الحيوان ... ، عدم الرحمة بالصغير وتوقير الكبير ... ، والمجاهرة بالمعاصى كالدخان ... ، وشرب الخمر ... ، سماع

__________________

(١) بحث علمى ـ عن الإعجاز القرآنى ـ لباحثة مصرية قامت بإجراء تلك التجربة من خلال الاستنباط من آيات القرآن الكريم.

(٢) سورة الكهف الآية ٩٦.


الأغنيات الخليعة والبرامج الإباحية ... ، ما ذا ستفعل يا من وقعت فى كل ذلك وأنت تمر على الصراط ، حيث أنه أرق من الشعرة ، وأحد من السيف ... ، والنار من أسفلك تتأجج ... ، لكى تنجو لا بدّ وأن تعيش وكأنك تسير عليه ، وتدرك أن نظرة حرام يمكن أن تزل قدمك ... ، ورب كلمة يقولها الإنسان لا يلقى لها بالا تهوى به فى النار سبعون خريفا ... ، إن اللغو ليس من صفات المؤمنين ... ، كان الصالحون قبلنا منهم من يكتب الكلمة التى ينطق بها ، ثم يتأملها بعد ذلك ويظل يبكى ندما ، ويقول : لقد كتبها الملك على كذلك ... ، اعلم أنه ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ... ، واعلم أن الصحابة رضى الله عنهم قد اشاروا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن امرأة صوامة قوامة ولكنها تؤذى جيرانها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسلم هى فى النار ... ، يخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن هناك ناج سليم ... ، ومخدوش ... ، ومن يقع فى النار ... ، فحاسب نفسك قبل أن تحاسب ، وزن أعمالك قبل أن توزن عليك ... ، وأكثر من التسبيح والكلمات الحبيبة إلى الرحمن ... ، الثقيلة فى الميزان" سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" ... ، أمامك محنة مواجهة نفسك والفتن والشهوات والكفاح والسعى ... ، ومحنة سكرات الموت ... ، ومحنة القبر وضمته ومحنة العرض على الله ... ، هناك من يرى ربه (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (١) ... ، وهناك من يرى الجنة ... ، وهناك من يرى النار ، تجرها الملائكة ... ، لها سبعون ألف زمام ... ، كل زمام يجره سبعون ألف ملك ... ، وهى ترمى بشرر كالقصر ... ، وترى كل أمة لا تتحمل الوقوف على قدميها ... ، كل أمة جاثية ... ، أيديهم على وجوههم من هلع المشهد ، ينظرون إليها من طرف خفى خشية أن يصيبهم من شررها ... ، هناك من سينجو ولا يدخلها ... ، وهناك الكافر لا يموت فيها ولا يحيا وهناك المنافق فى الدرك الأسفل منها ... ، وهناك من يقع فيها ثم يخرج بأمر الله ... ، فعلينا أن نحاسب أنفسنا ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لو لا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما اسمع" ... ، فعلينا بالاستقامة حتى يبشرنا الله تعالى

__________________

(١) سورة القيامة الآية ٢٢ ، ٢٣.


بالجنة ... ، يقول تعالى (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (١) نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الخير ... ، وأن يختمها لنا بالإيمان ... ، وأن يرحمنا فى الدنيا والآخرة ... ، وأن يدبر لنا فإنا لا نحسن التدبير ... ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

__________________

(١) سورة النساء الآية ١٤٧.


حقائق ومعجزات

الحمد لله الذى جعلنا مسلمين ، ووفقنا لمعرفته ، والدعوة إليه سبحانه ، فعلينا بشكره قولا وعملا والتمسك بكتابه وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى المسلم أن يكون صاحب مبدأ يستمده من الشرع ، فيوسف عليه‌السلام قال" السجن أحب إلى مما يدعوننى إليه" ... ، وإبراهيم عليه‌السلام لم يضره أن يلقى فى النار من أجل مبدأ التوحيد ... ، وأقسم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنهم لو وضعوا الشمس فى يمينه والقمر فى يساره على أن يترك أمر دينه ودعوته فلن يفعل ... ، وقال ناصحا" لا تشرك بالله وإن قطعت وحرقت" (١) ... ، وحين سئلت السيدة فاطمة رضى الله عنها عن أحب شىء للمرأة قالت" أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال" ... ، إن شخصية المسلم يجب أن تبنى على اليقين الثابت والخشوع فى العبادة والمعاملة الحسنة للناس والرفق بالكائنات وكل شىء حوله ، فما كان الرفق فى شىء إلا زانه ، وما كان العنف فى شىء إلا شانه ... ، واليقين الثابت هو معرفة الله واليقين بوجوده من خلال النظر والتفكر فى نعمه وآياته ... ، وهناك الإعجاز من خلال التفكر بالفطرة والاكتشافات العلمية ، والاعجازات والنبوءات النبوية عن أحداث تقع فى المستقبل أو فى عهده صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمواقف التى تحققت كما أخبر عنها صلى‌الله‌عليه‌وسلم للصحابة وغيرهم (٢) ... ، وكذلك ثبوت عالم الملائكة وعالم الجن وإعجازات التذكرة الزمنية والكرامات والخواتيم وتحقق علامات الساعة وما أخبر عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوحى من ربه عن الحقائق والأحداث المستقبلية التى تحققت فى عصرنا وتتحقق فى كل عصر حين يأذن الله بظهورها (٣) ... ، فعلينا بالثبات واليقين وكثرة الذكر والاستغفار ... ، إن كل تسبيحه تغرس لك شجرة أو

__________________

(١) من قول أبو الدرداء رضى الله عنه : قال أوصانى خليلى صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أن لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وإن حرقت ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة ..." رواه ابن ماجة والبيهقى الترغيب والترهيب ص ٣٨١ الجزء الأول.

(٢) أنظر ـ حياة الصحابة ...

(٣) أنظر ـ وقفات حاسمة بين يدى علامات الساعة الآتية.


نخلة فى الجنة ... ، وما أجمل شجر الجنة ونخل الجنة ، فثماره أحلى من العسل وألين من الزبد ... ، وظله ممدود ، وهناك شجرة فى الجنة يسير الراكب فى ظلها مائة عام لا يقطعها ... ، فما أجمل الجنة ... ، وما أجمل أشجارها ... ، وأرضها ... ، وظلها ... ، وأنهارها ... ، وقصورها ... ، يرى أهل الجنة الرسل الكرام والصحابة رضى الله عنهم وأجمل من ذلك كله تجلى الله تعالى لهم وهو راض عنهم وهو الذى خلقهم ... ، فسبحان من خلق الكون ... ، ومد الأفق ... ، وزين الأرض والسماء ... ، ونوع الكائنات ... ، ورزق كل دابة ... ، وأنزل نور التشريع هدى للعالمين ... ، فله الحمد والشكر فى كل حين ... ، يكفى أنه سبحانه لم يجعل الموت النهاية ولكن جعل الجنة للمؤمنين الصالحين خالدين فيها ، فسبحان الحنان ، المنان ، العاطى ، الوهاب ... ، سبحانه أسكب نور الهدى فضلا منه ليخرجنا من الظلمات إلى النور ... ، ويكفى أن لا إله إلا الله لا يثقل معها شىء ... ، وهى تدفع عن قائلها مائة باب من البلاء أقلها الهم ، وإذا قال العبد الحمد لله وجبت له نعمه لقوله تعالى" لئن شكرتم لأزيدنكم" ... ، وأما كلمة الله أكبر فإنها لو قيلت أمام عدو فيكون النصر بإذن الله ... ، ولو قيلت عند اشتعال نار فإنها تخبو ... ، ولو قيلت أمام حصن فإنه يفتح بأمر الله ، فالله أكبر من كل شىء ... ، إن كل ساعة وكل طريق وكل مجلس لا يذكر الإنسان فيه ربه يكون حسرة عليه يوم القيامة ، فعلينا بذكر الله والدعوة إليه ، والنصح للعصاة دون مجاملة حتى لا تصيبنا لعنة الله ... ، كان الصالح من بنى إسرائيل ينصح العاصى فى أول النهار ولا يمنعه ذلك من أن يكون جليسه وأكيله وشريبه آخر النهار لتشمله بذلك لعنة الله ... ، وعلينا بقراءة القرآن ، فكل آية ترفعك درجة ، وفيه شفاء القلوب والأبدان ... ، إن سورة الملك هى المنجية من عذاب القبر ... ، وسورة الواقعة هى الواقية من الفقر ، وسورة الفاتحة من أعظم السور ... ، وسورتى البقرة وآل عمران تظلان قارئهما يوم القيامة ... ، وعلينا بالسخاء ، لأن السخاء هو خلق الله الأعظم ، وحين خلق الله تعالى جنة عدن قال سبحانه" وعزتى وجلالى لا يجاورنى فيك بخيل" لذلك كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم أجود من الريح المرسلة ... ، فالشحيح لا يدخل الجنة ... ، وكذلك النمام الذى يمشى


بين الناس بالنميمة يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لا يدخل الجنة نمام" (١) وقال أيضا" لا يدخل الجنة قاطع رحم" (٢) وكذلك الذى يعجب بنفسه ويمن بعمله فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل" (٣) ... ، فعلينا أن نكثر من الخير فمن كان أمسه مثل يومه فهو مغبون ... ، وإذا كان يومه أقل من أمسه فهو فى طريق الهلاك ... ، وإذا كان الكذب والغيبة والنميمة والنظر بشهوة واليمين الغموس من الصفات التى أخبر عنها صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنها تفطر الصائم فالأولى أن نتجنب تلك الصفات فى غير الصيام لأنها تهلك صاحبها فى الدنيا والآخرة وأما النظرة فإنها سهم من سهام إبليس من تركها مخافة الله أبدله إيمانا يجد حلاوته فى قلبه إلى يوم القيامة ... ، والله من أسمائه الديان أى يعاملك بما تعمل ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من أكرم شيخا لشيخوخته فيض الله له من يكرمه فى شيخوخته". وعليك أن تبدأ كل شىء ببسم الله حتى لا يكون للشيطان حظ فيه ... ، واعلم أن من يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة ، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عند كربة من كربات يوم القيامة ... ، وأن الله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه ... ، واعلم أن الرحمة بالناس والمخلوقات هى السبيل إلى رحمة الله ، وكما أشرنا هناك امرأة دخلت النار بسبب هرة ربطتها وحبستها ولم تطعمها حتى ماتت جوعا ورآها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أطال ذات مرة فى صلاة الكسوف ، رآها فى النار ، ورأى الكثير مما يتوعد الأمة ، رأى العبد وهو يفتن فى قبره ... ، ورأى صاحب المحجن الذى يسرق الحاج بمحجنه ... ، ورأى أكثر أهل النار من النساء وحين سأله الصحابة عن سبب ذلك قال بكفرهن ، وأوضح أنهن يكفرن العشير والإحسان ... ، فعلينا بالنصح لنسائنا وعدم البخل عليهن بشراء الكتب الإسلامية ، وحثهن على تعلم أمور دينهن والالتزام بها من خلال الكتاب الإسلامى ... ، وعلى الإنسان أن يستقيم على الخير فالشاردة التى تستهين بها يمكن أن توردك النار فرب

__________________

(١) رواه البخارى ومسلم ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث ص ٤٩٦.

(٢) حديث ـ رواه البخارى والترمذى ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث ص ٣٤٤.

(٣) رواه الترمذى ـ الترغيب والترهيب ص ٣٨٠.


كلمة تهوى بك فى النار سبعين خريفا ، وكلمة ترفعك درجات ... ، ومن مس الحصى فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له ... ، وأكثر من ثلاث حركات فى الصلاة يمكن أن يبطل بها صلاتك ... ، واحذر من الشبع فأكثر الناس شبعا فى الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة ، واعلم أن نعيم الدنيا وشهواتها الزائلة لا يساوى شيئا بجوار نعيم الآخرة الدائم حيث النظر إلى وجه الله الكريم وحيث القصور ... ، والفواكه والظلال ... ، والحور ... ، وطيب الطعام ... ، فالخاسر من ضيع العمر ولم يتب ولم يغفر له ... ، والله من رحمته يحب الإلحاح فى الطلب والإنسان يكره من يسأله ... ، ولكن خير الناس أنفعهم للناس ... ، وخيرهم لأهله ... ، واحذر الفراغ وعدم الانشغال بالذكر فشر الناس المكفى الفارغ ... ، واحذر أن تفتن بعد علمك حيث لم يختلف أهل الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم ... ، ويجب أن تعلو بما علمت ويكون قدوتك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة ... ، ولا تفتن بالناس ... ، ولو حولك أغلبية لا تطبق المنهج فطبق أنت وتجنب ما يغضب الله ، ولا تنظر لما فى يد الغير وأنس بالله واستغن بالله إذا أنس الناس بالدنيا واستغنوا بالمال ... ، واحذر أن تفتن بالأسباب فقد جعلها الله تعالى سنة غالبه ولكن هناك طلاقة القدرة والله سبحانه هو مسبب الأسباب والمسببات والمقدر للمعجزات والتوكل معناه راحة القلب مع العمل ، فأنت تحرك يدك لتتناول الطعام ولا تترك الطعام يدخل وحده فمك ، والله تعالى هو الذى خلق لك اليد والفم والطعام ... ، واعلم أن الله تعالى هو المنان فيكفى أنك ولدت مسلما فالناس شهداء الله فى الأرض ... ، واحذر أن تخرج عن حدود نفسك وتنظر إلى عيوب الناس ، وأحسن فى كل شىء وفكر قبل فعل الأمر لأن الفروع كثيرة والخطأ يمكن أن يؤدى بالإنسان إلى الهلاك لأن الأعمال بالخواتيم ... ، إن فى كل آية من ديننا إعجاز ... ، لقد وجد العلماء أن منطقة الأدمة فى الجلد بها شعيرات عصبية هى المسئولة عن الاحساس بالألم كما ذكر القرآن الكريم ... ، كذلك فى نهاية جذور الشعر هناك عضلات ناعمة يؤدى انقباضها إلى وقوف الشعر وقشعريرة الجلد فنجد فى سورة


الزمر قوله تعالى (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) (١) ... ، ولقد أثبت العلم الحديث أن الجهاز المناعى للطفل يتم بناؤه من خلال لبن الأم على هيئة أجسام مضادة حتى يصبح الجسم قادرا بنفسه على إنتاج تلك الأجسام المضادة وذلك بعد مرور فترة الرضاعة ولذلك حرم الإسلام الذين اشتركوا فى الرضاع من ثدى امرأة واحدة خمس رضعات مشبعات (٢) وذلك لاشتراك أفراد الأسرة فى التركيب المناعى أو الوراثى ، وهذا يسبب ظهور الأمراض الوراثية كما ثبت حديثا ولكن بعد مرور عامين يتم البناء من الجسم ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لا رضاعة إلا ما كان فى الحولين" (٣) ... ، إن هناك إعجازات كثيرة فى القرآن الكريم ستظل إلى قيام الساعة ، وهناك أسرار رياضية وإعجاز عددى يعجز العقل عن حصره ، وإعجاز فى اختيار ألفاظ القرآن وعباراته ، فمثلا كل الأنبياء كانت تقول ويا قوم لا اسألكم عليه أجرا إلا إبراهيم وموسى عليهما‌السلام حيث إن إبراهيم عليه‌السلام دعا والده وموسى عليه‌السلام دعا فرعون الذى تربى عنده وليس من المناسب أن يأتى الحديث عن الأجر مع هؤلاء ... ، كذلك لم يأمر الله تعالى النار أن تكون بردا فقط على إبراهيم عليه‌السلام وإلا أهلكه البرد ولكن جعلها بردا وسلاما ... ، وهناك الكثير من الأسرار والكوامن اللفظية والإعجازات الرياضية والكيمائية ، والنفسية ، والفيزيائية والجيولوجية والطبية ، والجغرافية ، وغيرها ، حيث إن أسرار الكون كله فى كتاب الله سبحانه ، لذلك فلا بد من البحث الدائم وطلب العلم وقراءة القرآن لمعرفة أسرار الله فى كونه ... ، ولقد اكتشف العلماء فى عصرنا أن هناك أسرارا كثيرة فى كوامن النفس البشرية لو استغلها صاحبها سوف يمتلك من القوة ما يمكنه من التغلب على الصعاب التى تواجهه ولا يتطلب منه ذلك إلا أن يغير حديث النفس أو الحالة أو الفكرة المسيطرة عليه فإذا كان ضعيف الإيمان ويسيطر عليه الحزن عليه أن يتذكر أن له ربا قويا قادرا على نسف الجبال ، مالك السماوات والأرض وهو ينصر المؤمنين المتقين ، وبهذا

__________________

(١) سورة الزمر الآية ٢٣.

(٢) أخرج الإمام مسلم عن أم الفضل أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال" لا تحرم الرضعة والرضعتان أو المصة والمصتان" الإعجاز العلمى فى الحديث النبوى ص ١٤١.

(٣) أخرجه الإمام مالك فى الموطأ عن ابن مسعود رضى الله عنه.


العلاج واليقين النفسى عبر المسلمون بخيولهم سطح الماء فى معركة القادسية ... ، ورفض عروة بن الزبير أن يأخذ مسكرا لقطع ساقه وأمرهم بقطعها وهو فى الصلاة لقوة يقينه بربه ... ، كذلك سمع سارية نداء عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو يناديه من على منبره" الجبل يا سارية" ... ، لذلك هناك تجارب أجراها علماء النفس فى عصرنا لبعض المرضى وبالعزيمة وتغيير حوار النفس مر المريض على جمرات من النار أو ما يسمى بسجادة الجمر ... ، ومعنى ذلك لو غير الإنسان فكرة أن السعادة فى كثرة المال واقتنع بأن القناعة هى الغنى كما أمره الله سبحانه ورسوله" وارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس" ... ، لو اعتقد الإنسان بذلك لتغيرت فكرته تماما ... ، كذلك لو غير الإنسان فكرته المسيطرة وهى أنه يعيش ليأكل ويشرب ويربى الأولاد وفقط إلى أن عليه مسئوليات البحث فى العلم واليقين والدعوة إلى الله والنفع للمسلمين ومعاونة الغير وإتقان العمل لكان كذلك ... ، فعلى الإنسان أن يعيش بعقيدة ويحب ويتعلم ويعمل وسلاحه الإيمان والأمل فى الله حتى تذلل له صعاب الحياة ... ، لقد أدرك العلماء فى عصرنا أن المعدة تحتاج فترة راحة للتخلص من السموم وأضرار الطعام فكان أمر الله لنا بالصيام ... ، وحين أمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر عربى وجد العلماء أن ظاهرة المد التى يحدثها القمر شهريا بجذب الغلاف المائى تسبب ارتفاع نسبة السوائل فى جسم الإنسان ولا يتزن فى انفعالاته فيكون الصيام خير علاج ... ، وهكذا سيظل العطاء والإعجاز فى الرسالة الحق إلى قيام الساعة فلنتمسك بها حتى يكون الفوز بالجنة ... ، لقد سئل صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قوله تعالى (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) (١) قال : " وقصر فى الجنة من لؤلؤة فيها سبعون دارا من ياقوته حمراء ، فى كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء ، فى كل بيت سبعون سريرا ، على كل سرير سبعون فراشا من كل لون ، فى كل بيت سبعون مائدة ، على كل مائدة سبعونا لونا من الطعام ، فى كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة يعطى المؤمن ما

__________________

(١) سورة الصف الآية ١٢.


يأتى بقوة ما يأتى على ذلك كله فى غداة واحدة (١).

فما أطيب هذا النعيم لذلك على المسلم أن لا يغفل لحظة عن ذكر ربه حتى ينسجم قوله مع بدنه المسبح لله وبذلك يطمئن الإنسان ولا يقلق ويتوتر ... ، إن نعم الله على الإنسان كثيرة ، فيكفى أن الله تعالى جعل الليل ليسكن فيه الإنسان وجعل النوم آية من آياته ليستريح البدن من عناء العمل طوال النهار ... ، وتكفى نعمة الأمر منه بالصيام حيث يستريح البدن من الكثير من الأمراض ، كأمراض الجهاز الهضمى وأمراض الدورة الدموية ... ، وهو يساعد فى التئام قرحة المعدة وينشط آليات البناء والهدم ، فحين يصوم الإنسان تنشط آليات الهدم وبذلك يقاوم الإنسان تعرض الجسم للشدة المفاجئة بانقطاع الطعام عنه فى الصحة والمرض ، كذلك يحسن الصيام خصوبة الرجل والمرأة على السواء ويفيد العطش أثناء الصيام فى إمداد الجسم بالطاقة وتحسين القدرة على التعلم وتقوية الذاكرة لذلك حين تحدث ظاهرة المد (٢) فى منتصف الشهر العربى وترتفع السوائل فى الجسم نجد وصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصيام ثلاثة أيام فى منتصف الشهر وهم الثالث والرابع والخامس عشر من كل شهر عربى كما أشرنا من قبل ، كذلك تنهدم الخلايا الضعيفة أثناء الصيام عند ما يتغلب الهدم على البناء وتتجدد مرة أخرى بصورة أقوى فى مرحلة البناء ... ، كذلك فقد أثبتت دراسات علم الأجنة أن تكون عظام الجنين يبدأ بعد الاسبوع السادس مباشرة أى بعد اثنين وأربعين يوما وهنا يبدو الإعجاز فى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها" (٣) ....

وحين قال تعالى عن الوليد بن المغيرة (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (٤) ... ، ذهب إلى والدته وسألها عن بنوته وإلى من ينتمى ووجد الحقيقة كما أخبر بها الله فى كتابه الكريم

__________________

(١) الحديث عن عمران بن حصين وأبى هريرة.

(٢) عبارة عن جذب القمر لسطح الماء فترتفع الأمواج فى تلك الفترة التى يكمل فيها القمر.

(٣) ذكر ذلك الدكتور أحمد شوقى فى اشاراته عن الإعجاز القرآنى.

(٤) سورة القلم الآية ١٣.


وحين قال (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (١) ... ، نجد أنه فى إحدى الغزوات يضرب على أنفه فتقطع ، وهو ما أخبر به الله سبحانه ... ، إن وعد الله حق فعلينا أن نبادر بالتوبة ونكثر من الاستغفار ونندم على كل ذنب ونعقد العزم على عدم العودة للذنب ونرد المظالم إلى أهلها حتى يقبل الله توبتنا ، ولأن الحساب شديد على الخاسرين يوم القيامة ولأننا لا نقوى على عذاب الله الشديد يقول تعالى عن جزاء أهل النار (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ) (٢) ... ، ويقول سبحانه (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ. وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ. الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ. فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (٣) ... ، فعلينا أن نطيع الله تعالى فيما أمر ونعتدل فى كل شىء يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" هلك المتنطعون" أى المتشددون ... ، ويقول تعالى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (٤) ... ، واحرص على أن يكون مطعمك ومشربك من الحلال لأن كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به ... ، واعلم أن الله تعالى هو الخالق الرازق المجيب ، وهو يدبر الأمر وهو الرازق لكل دابة وهو الذى يضاعف الصدقات وهو المعطى والمانع ... ، سبحانه له الأسماء الحسنى فلا حول ولا قوة إلا به ... ، واعلم أن الأعمال بالخواتيم ، وخروجك عن الحق ومنهج الثواب لحظة يمكن أن يكون فيه هلاكك ... ، وعلينا أن نستعين على قضاء حوائجنا بالكتمان لأن خصمك يتمنى أن يعرف سرك وحتى تأمن حسد العين والنفس ولذلك لا بد من قراءة الأذكار فى الصباح والمساء لتكون وقاية لنا طول اليوم والليلة ... ، وعلينا أن نتعلم من درس أبينا آدم أن مخالفة أمر الله تظهر سوأة الإنسان ... ، وأن إبليس جعله الله تعالى ليشعر المؤمن بحلاوة المجاهدة والطاعة لله ومخالفة عدو الله ... ، وجعل الله تعالى الأضداد فى الكون كالجاذبية وقوة الدفع والغنى والفقر والجمال والقبح وغير ذلك ليكون التوازن ويحاول الإنسان أن يترقى دائما

__________________

(١) سورة القلم الآية ١٦.

(٢) سورة الملك الآية ٧.

(٣) سورة الهمزة من ٤ ـ ٩.

(٤) سورة الإسراء الآية ٢٩.


فالقبح يجعلك تحاول أن تكون جميلا ، وتنظف ما حولك ، وتغرس الشجر ... ، وهكذا ، كل شىء خلقه الله لحكمه ، فلولا السوس على الحب لخزنه الإنسان وتحكم فى أقوات الناس ولو لا بعض الطيور على الآفات لفسد الزرع ... ، ولقد جعل الله تعالى ما على الأرض زينة لها ليتدبر الإنسان ويدرك قيمة النعمة التى أنعم الله بها عليه وهى نعمة العقل التى تميز بها عن بقية الكائنات ، يكفى أن يتذكر أن تلك الكائنات تفنى بموتها ولكن الله جعل للإنسان الجنة خالدا فيها ، وغير ذلك الكثير من النعم التى منّ الله بها على الإنسان ... ، فكون الإنسان ولد مسلما بين والدين مسلمين هى من النعم التى توجب عليك أيها المسلم أن تظل شاكرا لله وطائعا له فى كل حين ... ، عليك أن لا تكثر من الحلف واحذر اليمين الكاذب ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من اقتطع مال أخيه بيمين فاجره فليتبوأ مقعده من النار" (١) ويقول" واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع" (٢) أى خراب ويقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ملعون من حلف بالطلاق وحلف به" ... ، وعلينا أن نعرض عن اللغو والتحدث فيما لا يعنينا حيث إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل على كعب فى مرضه فقال له أبشر يا كعب فسمعت أمه ذلك فقالت له هنيئا لك الجنة يا كعب ... ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" وما يدريك ، لعله منع ما لا يغنيه أو تحدث فيما لا يعنيه" ... ، فيجب أن نندم على ذنوبنا ولا نعود إليها ونرد المظالم ونحسن الظن بالله ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من ندم على ذنبه غفر له قبل أن يستغفر" ... ، ولكن لا بدّ من الاستغفار والإكثار منه ، والدعاء لله ، فكل دعاء يجيبه الله ولكن منه ما يدخر لك فى الآخرة ... ، ومنه ما يستجاب فى الدنيا ومنه ما يدفع عنك بلاء كان سينزل عليك ، ويوصينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدم ترك الدعاء لأنه لا يهلك مع الدعاء شىء" ... ، ويخبرنا الله تعالى أن الذين يستكبرون عن عبادته ، والدعاء من العبادة سيدخلون جهنم داخرين ، لأنهم غير موقنون بالإجابة من ربهم ... ، فكان الشك سبيلا إلى دخول جهنم ... ، ويخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الله كريم يستحى أن يرفع العبد يديه ويردهما صفرا خائبين والله كريم يعطى دون أن يطلب منه فقد منحنا نعما

__________________

(١) جزء من حديث رواه أحمد والحاكم وصححه ـ الترغيب والترهيب ص ٦٢٢ الجزء الثانى.

(٢) جزء من حديث ـ رواه البيهقى ـ المرجع السابق.


كثيرة دون طلب فما بالنا لو ألح العبد فى الدعاء ... ، ويجب أن ندرك أن هناك من دخلت النار بسبب هرة ، ومن دخل النار فى شمله غلها ... ، ومن دخلت النار فى مخيط ... ، ومن دخل النار فى قيد دابة غلة من صاحبه ... ، هناك فى النار بئر يسمى بئر الأمانات يهوى صاحبه صاحبه فيه ليأتى بالأمانة التى غلها وأخذها من صاحبها ... ، فعلينا بشكر الله ليزيدنا من نعمه ... ، فمن أعطى الشكر لم يحرم الزيادة ... ، ويخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن رب العزة فى الحديث القدسى" أهل ذكرى أهل مجالستى ، وأهل شكرى أهل زيادتى وأهل طاعتى أهل محبتى وأهل معصيتى لا أقنطهم من رحمتى ، إن تابوا إلى فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب" ... ، سبحانه ينادى عليك وهو غنى عنك وأنت تعرض عنه وأنت محتاج إليه ... ، ورغم ذلك عبد القدماء الشمس وقدس القمر الفراعنة وبعض القبائل فى عهد إبراهيم عليه‌السلام ومن الناس من عبدوا الجبال حيث ينحتون منها الصخور ويعبدونها بعد تشكيلها لذلك يخبرنا الله تعالى بأن تلك المخلوقات تسبح لله وذلك قوله تعالى (أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) (١) والإعجاز هنا أيضا فى ترتيب المخلوقات حيث خلق الله تعالى النجوم ثم الكواكب وأول ما خلق على كوكب الأرض الجبال التى عملت على استقرار الأرض ... ، وأمطرت السماء مطرا غزيرا على الجبال فكونت منابع الأنهار ... ، وحين جرت الأنهار نمت الأشجار ومن أثار عملية البناء الضوئى انطلق الأكسجين المناسب لحياة الكائنات فخلق الله تعالى الدواب والحيوانات ، ومرت الأرض بظروف كثيرة من عوامل التعرية ونحت المياه لصخورها حتى مهدت وخلق الله الإنسان فسبحان العليم بما خلق ... ، وعليك أن تعلم أخى المسلم أنه ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة ... ، وإن المرض سوط من سياط الله يسوق به عباده إليه ... ، واعلم أن من يعرض عن ذكر الله فإن معيشته فى الدنيا والآخرة هى الضنك

__________________

(١) سورة الحج الآية ١٨.


والشقاء واعلم أن العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله ، وأن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم العلماء ثم الصالحون ، وما كان حكيم فى قومه إلا بغى عليه الناس وحسدوه .. ن فسر فى الدنيا وكأنك على الصراط من أسفلك النار ....

فلا تتكبر ، ولا تظلم ولا تحقد ، ولا تحسد ، وإلا وقعت فيها ... ، واعدل وساوى بين أولادك حتى فى القبل ... ، واعلم أن ربك بالمرصاد لكل ظالم وعاصى وإن انتقام الله يصلك من جنس عملك ، فكما تدين تدان فإن كنت تنظر إلى الحرام فالإصابة فى عينك وإن كنت تدبر الشر للناس فالإصابة فى عقلك المفكر والمدبر ... ، وإن كنت ترتكب الفواحش كالزنا فالإصابة بأمراض لم تكن تعرفها ... ، ومن يحقد على الناس ويحسدهم فالإصابة فى قلبة ... ، وهناك من حلف باطلا وهو يضع المصحف على جبهته وعينيه فكف بصره ... ، فلا تخلف عهدك مع الله ولا تقول ما لا تفعل وأطع الله ليصلح بالك ... ، واعلم أنك منقطع عن الدنيا إلى قبر مظلم لا حول لك ولا قوة فتمسك فى حبل الله حتى ينجيك فى الدنيا والآخرة ... ، واعلم أنه لا يؤمن أحدنا حتى يكون هواه تبعا لما جاء به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن الدين يؤخذ كله دون تجزئة ... ، وأنك تحملت أمانة الرسالة وطهارة أعضائك من المعاصى فلا تدنسها بالذنوب ، وعليك أن تؤدى الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ، وكن من الذين يراهم الله حيث أمرهم ، واطرق بابه بالتوبة والاستغفار ، حيث يخبرنا سبحانه أنه جواد لا يرد من طرق بابه ، واعلم أن رحمة الله وملائكته لا تتنزل فى بيت يقوم على الظلم والتشاحن بين أفراده والبخل والجهل والاستهانة بقدر العلماء ، فعلينا بذكر الله والتراحم فيما بيننا والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ليكون الفوز بالنظر إلى وجه الله تعالى ورسولنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة الكرام رضى الله عنهم فى رياض الجنة ونعيمها ....

وعلى المسلم أن يدرك أن الدين يؤخذ كله ... ، فنحن لا نؤمن ببعض الكتاب ونتمسك به ، ونترك البعض الآخر ... ، وعليك أخى المسلم أن تلخص واجباتك فى الآتى


يقين ثابت بالله عزوجل ... ، تنفيذ أوامر الله والعبادات بخشوع ... ، معاملة حسنة مع جيرانك والناس ... ، استحضار العقوبة والثواب ... ، صبر على البلاء والدعوة وسائر الطاعات ، والقناعة ، وعدم التفكير فى الشهوات والتجريد التام والشكر للخالق سبحانه ... ، والمداومة على ذكر الله وتذكر الموت وأن الأعمال بالخواتيم ... ، وعليك بالذل لله والطاعة ... ، والذكر والاستغفار ... ، وحمد الله وشكره فى كل وقت دون تهديد أو قنوط من رحمته وتذكر الموت دائما وتفصيل هذه النقاط بتوفيق الله كما يلى ....

* اليقين الثابت بالله عزوجل من خلال التفكر فى دعوة الخير ... ، والتفكر فى نفسك وفى الكون ... ، وآيات القرآن الكريم ... ، ثم الإعجاز العلمى فى القرآن ... ، والإعجاز العلمى فى السنة ... ، ونبوءات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم التى تتحقق بمرور الزمن كفلق الصبح ، وثبوت عالم الجن والملائكة ... ، وكذلك الإعجاز الحسابى ... ، والكرامات والخواتيم ، ومواقف التذكرة الزمنية والتى يذكرنا بها الله ـ تعالى ـ للعبرة والموعظة ... ، * طاعة الله فى أوامره ، والخشوع فى العبادة ، وإصلاح نفسك وبيتك ، والنصح لكل مسلم ... ، فليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ... ، والله لا يتقبل الصلاة إلا ممن تواضع بها لعظمته ... ، ولم يستطل بها على خلقه ... ، وقطع نهاره فى ذكر الله ... ، ورحم المسكين ... ، والأرملة ... ، ورحم المصاب ... ، ولقد كان الصحابة يحفظون أبناءهم القرآن ، ويسمع لهم كدوى النحل فى قيام الليل ... ، وهو نور الوجه ، والقبر ، ويوم القيامة ... ، وكان الصحابى يعزى أخاه على ضياع التكبيرة أو الركعة ... ، وسبب غفلتنا كثرة سماع الله ، وعدم الاهتمام بالأمور الشرعية التى أمر بها الله تعالى ، وهو ما يكيده لنا أعداء الإسلام لإضعاف همتنا.

* المعاملة الحسنة مع الناس ... ، حيث إن الدين المعاملة ... ، ويروى أن امرأة صوامة قوامة ولكنها تؤذى جيرانها ... ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم هى فى النار ... ، والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه ... ، والناس شهداء الله فى الأرض ... ، فمن شهد له أربع من جيرانه غفر الله له ... ، ومن لا يرحم الناس لا يرحمه‌الله ....


* وأما استحضار العقوبة ، فيجب عليك أن تعيش وفى ذهنك قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) (١) ... ، وتخيل أنك تسير على الصراط ، وهو أرق من الشعرة ... ، وأحد من السيف ، ومن أسفلنا النار ... ، وأعلم أن هناك ناجيا سليما ... ، ومخدوش ... ، ومن يقع فيها ... ، واعلم أن ما يوقعك فيها .. ، تكاسل عن الصلاة ... ، أو عدم اتمامها ... ، عقوق الوالدين ... ، نظرة حرام ... ، شرب النار أو الدخان ... ، وغير ذلك من ألوان المعاصى ... ، وتذكر قوله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) وقوله سبحانه ... ، (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ ، وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) (٢) ... ، وتذكر أنك ضعيف أمام قوة الله ، وأن عدوك الشيطان ... ، وأن التذكرة تنفع المؤمنين.

* الصبر على البلاء ، وهو لازم لصحة الأربعة نقاط السابقة ... ، وتذكر الموت فى كل لحظة ... ، وأن الأعمال بالخواتيم ... ، وأكثر من ذكر الله ... ، وأعلم أن من علامة الإيمان صبر على البلاء ... ، وشكر فى الرخاء ... ، والرضا بمواقع القضاء ... ، وعليك بالدعوة إلى الله ، لأن الجار يوم القيامة سيتعلق بجاره على الصراط ويسقطا معا إن قصر أحدهم فى تبليغ الآخر ... ، يقول تعالى (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (٣) ... ، واعلم أن الله تعالى خلق الخلق جميعا إخوة من أب واحد وأم واحدة ... ، يقول شجاع بن الوليد ، صحبت سفيان الثورى ذات يوم فما فتر لسانه عن الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ذهابا وإيابا (٤) ... ، واعلم أن اعداءنا افقدونا علو الهمة باشغالنا بالشهوات ... ، لذلك فلا بد أن تغلف عبادتك والنقاط السابقة جميعا بعلو الهمة ... ، وتذكر التاريخ ... ، وماضى الأمم ... ، صبر الناس ... ، وفرحتهم ... ، وآمالهم سطوة الفرس ... ، الروم ... ، القدس والصليبيين ... ، التتار ... ، اليرموك ... ، عين جالوت ... ،

__________________

(١) سورة مريم الآية ٧١

(٢) سورة المجادلة الآية ١

(٣) سورة يوسف الآية ١٠٨

(٤) أنظر كتاب علو الهمة


المرابطين ... ، حياة الصحابة ... ، الخلافة الراشدة ورفع راية الإسلام ... ، الحكم الأموى والفاطمى ... ، والعباسى ... ، والعثمانى ... ، والحكم الجبرى الذى نعيشه ... ، العلمانية ... ، والليبرالية ... ، والمفاهيم المقلوبة ... ، أصبح رجل الدين متطرف ... ، وأصبح يؤتمن الخائن ... ، ويخون الأمين ....

* تعلم من الدروس ... ، واقرأ واطلع فى العلم لتزداد إيمانا ... ، وتعرض للنفحات لأن العمر محدود يضيع نصفه فى النوم ، وجزءا فى الطفولة والصبا ... ، وجزءا فى المكاسب والسعى ... ، ويبقى للعبادة وقت قليل ، فعلينا بصيام الاثنين والخميس ... ، وثلاثة أيام من كل شهر ... ، ويوم عاشوراء ... ، والستة أيام بعد شهر رمضان من شوال ... ، والعشر الأوائل من ذى الحجة حيث العمل فيها أفضل من الجهاد ... ، وقيام الليلة فيها يعدل قيام ليلة القدر ... ، ومن دروس التعلم ... ، أن نتعلم من مؤتمر الحج التسبيح من خلال الطواف ... ، والثبات واليقين حيث لم يهرب إبراهيم عليه‌السلام وهم يعدون له النار ... ، وترك أولاده فى الصحراء ... ، ولنا مثل فى عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه ... ، الذى أقسم على الله فأبره وعبر بالجيش على الماء ... ، وكذلك سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه ... ، فلا تشرك بالله وإن قتلت وحرقت ... ، ولا تفتن بمن قصر حولك ... ، وكلما أذنبت استغفر فى الحال قبل أن يكتب عليك ملك السيئات ... ، وادعوا بالحكمة والموعظة الحسنة ... ، ونتعلم الرحمة والجد فى العمل من خلال السعى ، حيث أن سعى السيدة هاجر كان رحمة من أجل ولدها ... ، ونتعلم السخاء والكرم وشكر الله على ما رزقنا من خلال الأضحية ... ، ونتعلم تنفيذ أوامر الله دون سؤال فهو الخبير ويبدو ذلك فى كل شىء ، وفى نفسك وفى الكون حولك ... ، فقدمك لا تنثنى لأنك لا تمسك بها الأشياء ، ولكن يدك تنثنى لتتمكن من القبض على الأشياء ... ، والأحماض تذيب الدهون كالليمون فنجد المرارة فى جسم الإنسان لتذيب الدهون ... ، والأصبح الخامس فى القدم بجوار الأربعة ولكن فى اليد على مسافة ليتمكن الإنسان من إمساك الأشياء ... ، لقد أوصى رب العزة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتسع وصايا منها :


الاخلاص فى السر والعلانية ... ، والعدل فى الرضا الغضب ... ، والقصد فى الغنى والفقر ... ، أن يصل من قطعه ... ، ويعطى من حرمه ... ، ويعفو عن من ظلمه وأن يكون نطقه ذكرا ... ، وصمته فكرا ... ، ونظرة عبرة ... ، فعليك أخى المسلم بحدود نفسك وعدم الكبر وتذكر الجنة والألم والنار والزمهرير ولا تغفل عن ذكر الله والاستغفار وتذكر الموت ... ، وكلما فكرت أو نطقت تذكر الخالق الموجود ....

وإضافة إلى ما سبق هناك الكثير من الاكتشافات والحقائق.

ـ لقد اكتشف العلماء أنه كلما صعد الإنسان لأعلى قل الأكسجين ويسبب ذلك الشعور بضيق الصدر ويخبرنا الله تعالى عن ذلك بقوله سبحانه (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ).

ـ صورت وكالة ناسا الفضائية بواسطة مركبة الفضاء التى أطلقتها مؤخرا لتصوير الأرض من الفضاء الخارجى بقعتين مضيئتين بنور ساطع ... ، وكانت المفاجأة أنهم اكتشفوا أن هذا النور ينبعث من الكعبة المشرفة ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، أى من الحرم المكى ... ، والحرم النبوى ... ، فالحمد لله رب العالمين.

ـ فى بحث مختبرى أثبت عشرون من كبار علماء الطب ... ، والطب البيطرى ... ، والصيدلية ... ، والعلوم ... ، وذلك فى الجامعات السورية أن التسمية والتكبير عند ذبح الحيوان تعمل عملية تعقيم كامل لبدنه وتطهره من الدماء والجراثيم حيث لوحظ شدة اختلاج أعضاء الحيوان مما يؤدى إلى اعتصار معظم دم الذبيحة بعكس التى لم يذكر اسم الله عليها حيث يكون نسيج الحيوان محتقنا بشيء من بقايا الدم المسفوح لضعف الاختلاج مما يسبب الإصابة بمستعمرات الجراثيم كالمكورات العنقودية والعقدية ... ، والمجموعة القولونية ، وغيرها ... ، ولقد حرم الله ما ذبح دون ذكر اسم الله عليه فى قوله سبحانه (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ) (١) ... ، ـ هناك نوع من الحيتان الزرقاء يبلغ طول الذكر ٢٥ مترا ... ، ومتوسط وزنه ١٧٥ طن ... ، فمه يمكن أن يتسع لأكثر من خمسين رجلا ، وتتميز بانعدام أسنانها

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٣


ومطاطية حلوقها وضيق البلعوم ويرى العلماء أن هذا الحوت بالذات دون غيره من الحيوانات البحرية هو الذى يمكن أن يلتقم إنسانا دون أن يمزقه كما حدث ليونس عليه‌السلام يقول تعالى (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) (١) ....

ـ اكتشف العلماء أن البعوضة الأنثى هى التى تعيش على الدم الحار ولكن الذكر يتغذى على رحيق الأزهار ويتجمع فى أماكن البرك والمستنقعات فالأنثى أشد خطورة على حياة الإنسان يقول تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (٢) ... ، كذلك وجد العلماء أن أنثى العنكبوت بها غدد تفرز الخيوط فهى التى تقوم ببناء البيت يقول تعالى (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) (٣) ولفظ اتخذت إشارة إلى الأنثى وليس الذكر ... ، كذلك وجد العماء أن دابة الأرض التى تتغذى على الأخشاب الأنثى هى المزودة بمنشار لوضع البيض حيث تقوم بنشر الخشب لتضع فى تلك التجاويف بيضها بعكس الذكر ليس له هذا المنشار ويشير الله تعالى لذلك فى قوله سبحانه (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) (٤) ولفظ تأكل إشارة إلى الأنثى ... ، كذلك وجد العلماء أن ضعف الخيط يبدو بحسب قوة الشد وخيط العنكبوت يمكن أن يمتد لعدة أمتار عند شدة دون أن يقطع بعكس أى خيط آخر لذلك لم يصفه الله تعالى بأنه أوهن الخيوط ... ، بل قال تعالى (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) (٥) وبالفعل بيت العنكبوت فيه الأنثى تقتل الذكر ... ، والصغار يقتل بعضهم بعضا عند الفقس ، وهذا التفكك فى الأسرة يجعله بالفعل أوهن البيوت ....

ـ اكتشف العلماء من خلال دراسة سلوك الحيوانات والطير أن الغراب يعد من أذكى الطيور ، حيث يملك أكبر حجم للمخ بنسبة نصف حجم الجسم ، ومن ذكائه أنه

__________________

(١) سورة الصافات الآية ١٤٢.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٦.

(٣) سورة العنكبوت الآية ٤١.

(٤) سورة سبأ الآية ١٤.

(٥) سورة العنكبوت الآية ٤١.


يدفن موتاه حيث يحفر الأرض بمخالبه ومنقاره حتى يكون حفرة عميقة ثم يقوم بطى جناحى الغراب الميت وضمهما إلى جنبيه ورفعه برفق لوضعه فى قبره ثم يهيل عليه التراب ... ، وقد شوهدت الغربان وهى تلقى على طرق السيارات ما لا تستطيع تمزيقه وكسره كأصداف الثمار الصلبة مثل جوز الهند وبعض الحيوانات الكبيرة الحجم كالسنجاب حتى تقوم السيارات بدهسها وكسر أصدافها وعند ذلك ينزل الغراب ليجمع كل ذلك بعد أن سهل عليه تناوله ... ، ويرجع تاريخ الطيور إلى ١٥٠ مليون سنة مضت ، فالطيور سابقة فى وجودها للإنسان ، لذلك استحق الغراب أن يقف مع بنى آدم موقف المعلم يقول تعالى (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) (١) ....

ـ وجد العلماء أن منطقة الأدمة فى الجلد بها شعيرات عصبية هى المسئولة عن الاحساس بالألم ، كذلك فى نهاية جذور الشعر هناك عضلات ناعمة يؤدى انقباضها إلى وقوف الشعر وقشعريرة الجلد فتجد فى سورة الزمر قوله تعالى (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ) (٢) ... ، ولقد أثبت العلم الحديث أن الجهاز المناعى للطفل يتم بناؤه من خلال لبن الأم على هيئة أجسام مضادة حتى يصبح الجسم قادرا بنفسه على إنتاج تلك الأجسام المضادة وذلك بعد مرور فترة الرضاعة ولذلك حرم الإسلام الذين اشتركوا فى الرضاعة من ثدى امرأة واحدة خمس رضعات مشبعات وذلك لاشتراك أفراد الأسرة فى التركيب المناعى أو الوراثى ، وهذا يسبب ظهور الأمراض الوراثية كما ثبت حديثا ولكن بعد مرور عامين يتم البناء من الجسم يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لا رضاعة إلى ما كان فى الحولين" (٣) ....

ـ إن الشمس تدور فى فلكها وتحافظ على حرارتها ، وحين يرتفع الضغط بداخلها وتوشك أن تنفجر يرى العلماء بواسطة الأجهزة الحديثة على فترات ما يسمونه بالبقع الشمسية حيث تظهر وتنطفئ قرب حافة الشمس فلا ترتفع حرارتها عن

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٣١

(٢) سورة الزمر الآية ٢٣

(٣) خرجه الامام مالك فى الموطا عن بن مسعود


معدلاتها التى قدرها سبحانه فيختل نظام الكون فى لحظات ... ، إن ذلك يدل على سجود الكائنات وعلم الله المحيط ....

ـ وجد العلماء فى تقسيمات الرياح أن هناك ريحا عاصفة تسبب كثرة الأمواج ... ، وريح قاصفة تكسر السفن وقد حذر الله المشركين من إرسال قاصفا من الريح عليهم ... ، وأشار سبحانه إلى الريح العاصفة فى قوله سبحانه (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) (١) ... ، وتحدث القرآن عن الريح الطيبة التى يأتى منها الخير والمطر ... ، فسبحان العليم الخبير.

ـ حين تحدث الشيخ الزندانى كما أشرنا مع أحد علماء الغرب فقال العالم هناك صفة متنحية فى علم الوراثة تظهر فجأة فى أحد الأبناء ولا تكون فى الأب أو الجد ولكن يمكن أن تكون فى جد قديم من العائلة ... ، فقال له الشيخ لقد أشار لنا رسولنا الكريم عن ذلك حين جاءه رجل ومعه غلام أسود يشك فى بنوته فقال له صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ لك إبل ، قال نعم قال ما لونها فقال الرجل حمر ... ، فسأله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ فيها أوراق ... ، قال فيها أورقا ... ، فسأله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جاء به فقال الأعرابى لعله نزعه عرق ... ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا نزعه عرق ... ، أى أن ابنك هذا نتيجة لصفة قديمة كانت فى عرف العائلة ... ، فقال العالم إن هذا العلم لا يمكن أن يكون من بشر بل هو من عند الله ... ، ولقد مسح صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ضرع شاه لم ينز عليها الفحل عند أم معبد فأدرت لبنا كثيرا ... ، وأخبر عمار بن ياسر أن آخر شربه يشربها هى اللبن وبالفعل كان ذلك قبل أن يقتله أحد جنود معاوية ... ، وأخبر أن الحسين سيولد له غلام يدعى يوم القيامة بسيد العابدين وبالفعل أنجب زين العابدين مثالا فى الزهد والخشوع ... ، وحين دخل بستانا لجابر بن عبد الله ولم يثمر النخل فيه بما يمكن الصحابى من سداد دين أحد اليهود ، فدعا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبركة وقال له اذهب وجز واقضى وبالفعل بارك الله فى تمر النخل ... ، وقضى الصحابى دينه ... ، وبقى الكثير ... ، وحين صنع الأطباء عقارا للشيخوخة لم يفلح لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لكل داء دواء إلا الهرم" (٢).

__________________

(١) سورة يونس الآية ٢٢.

(٢) جزء من حديث روى عن أسامة بن شريك ـ الاعجاز العلمى الحديث النبوى.


ـ استطاع العالم الفرنسى شامبليون فك رموز حجر رشيد ، وخلال ترجمة النقوش المكتوبة عليه ذكر اسم هامان ووظيفته حيث كان رئيس عمال الحجارة وكان مقربا لفرعون حيث إنه المسئول عن عمليات الإنشاء والبناء ، ذكر القرآن الكريم ذلك فى قوله تعالى (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) (١) ... ، ـ سجل الخبراء فى عصرنا أن الثبات من أسباب النصر ويقول تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢) ... ، وكذلك ضرب مؤخرة الصفوف يؤثر تأثيرا بالغا فى العدو حيث به مصادر العدة والعتاد والمئونة وإدارة المعركة ويسبق القرآن ذلك كله فى قوله تعالى (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٣) ... ، أى لعل الباقين يتذكرون ما يسجل بهم فيكون التراجع والانسحاب ....

ـ صعد الإنسان إلى القمر وكما مر على آيات الله فى الأرض فهو يمر على آيات الله فى السماء لذلك نجد قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ ، وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (٤) ... ، ولقد قسم العلماء حاجات الإنسان إلى طعام وشراب ... ، ولباس ومسكن ولكن القرآن الكريم يجمع كل شىء بقرينة كما توصل إليه العلماء فى عصرنا فالطعام يولد الطاقة ولكى يتم الحفاظ على هذه الطاقة لا بدّ أن لا يعرى الإنسان ويتعرض للبرد حتى لا تختل وظائفه ... ، كذلك إذا تعرض الإنسان لحرارة الشمس فإنه يظمأ ولكى يحافظ على نفسه ولا يحدث ما يسمى بالاحتباس الحرارى الذى يؤدى إلى اختناق القنوات العرقية وهو ما يسمى بضربة الشمس يلزم الإنسان ألا يضحى أى لا يتعرض للشمس بوجود المسكن الذى يأويه يقول تعالى (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (٥) ....

__________________

(١) سورة غافر الآية ٣٦

(٢) سورة الانفال الآية ٤٥

(٣) سورة الانفال الآية ٥٧

(٤) سورة يوسف الآيات ١٠٥ و١٠٦

(٥) سورة طه الآيات ١١٨ ـ ١١٩


ـ فى عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم طرد اليهود لخيانتهم ومخالفتهم العهود ، وذاقوا الكثير بسبب اضطهاد الرومان لهم ... ، وذاقوا الكثير فى عهد هتلر الألمانى ... ، وكذلك تعرضوا للكثير من الإيذاء فى غرب أوربا ... ، وحتى الآن لاستقرار لهم يقول تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) ... ، كذلك نجد العداوة والصراع بين الدول الأوروبية وغيرها فهناك حرب السنين السبع ... ، والمائة عام بين إنجلترا وفرنسا ، ولم تزل ألمانيا حتى الآن تعانى آثار الجوع والعرى بسبب ما أنفقته فى الحروب الماضية ونجد قوله تعالى (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (٢) ....

ـ فى عالم الطير يتجلى إعجاز الخالق سبحانه حيث يصمم الجناح بمفاصل تسمح بتغير زاوية الميل ... ، كذلك قدرات خاصة منحها الله للطائر لاستخلاص أقل قدر من أكسجين الهواء حيث ينقص بالارتفاع حيث يبلغ أعلى ارتفاع للطيور أثناء هجرتها إلى تسعة كيلومترات وذلك لتجنب الجفاف والهواء الحار الملامس لسطح الأرض والاستفادة من التناقص الشديد فى الضغط والحرارة كلما ارتفعنا ، وغير ذلك الكثير من ألوان الإعجاز ويكفى أن هناك ما يزيد عن عشرة بلايين طائر تختلف جميعا فى سلوكها ومعيشتها ... ، إنه إبداع الخالق ، وإنها الآيات تتحقق وكذلك النبوءات ... ، فلقد أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بفتح مصر" إنكم ستفتحون مصر" ... ، وبالفعل فتحت مصر فى عهد عمرو بن العاص وأخبر بفتح الأندلس كما ذكر القرطبى فى التذكرة عن معاوية بن أبى سفيان ... ، " ستفتح بعدى جزيرة تسمى بالأندلس" (٣) ... ، وبالفعل تم فتحها ... ، وأشار أنها ستسلب من المسلمين وتم ذلك بالفعل.

__________________

(١) سورة الأعراف الآية ١٦٧.

(٢) سورة المائدة الآية ١٤.

(٣) أنظر كتاب المهدى المنتظر.


ـ لقد أثبتت الأبحاث والدراسات المتأخرة أن النحل مثلا عند شدة الحرارة تقوم جماعة بالحركة الدائمة وترفرف بأجنحتها لتهوية الخلية وعند شدة البرودة تتراكم جماعة فى زاوية الخلية لإنتاج الطاقة ... ، كذلك أثبتت الدراسات أهمية المسح على سيقان الخيل وأعناقها حيث تمتاز هذه المناطق بالحساسية الشديدة عند الحيوان يقول تعالى (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) (١) كذلك أثبتت الدراسات أن الأنثى هى الحاكمة والمسيطرة على القطيع وهى التى تحاسب الصغار عند الخطأ يقول تعالى (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ) (٢) ... ، ونلاحظ أن الجياد تشير إلى التأنيث وهناك الإعجازات الكثيرة فى مختلف العلوم التى يمكن أن يدركها عقل الإنسان وما لا يدركه ... ، إن رسالة الإسلام زاخرة بالإشارات العلمية فى جميع المجالات فحين أشار صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الطريق يطوى للمسافر ليلا يلاحظ ذلك المسافرون بالسيارات أو من يركب الدراجة ليلا ... ، كذلك اكتشف العلماء أن الإنسان يتأثر من الناحية العصبية بظاهرة المد والجزر التى تحدث فى منتصف الشهر القمرى حيث تؤثر جاذبية القمر على سطح المياه فيرتفع منسوبها والإنسان لأنه غالبية جسده ماء فهو يتأثر بذلك وهنا تبدو الحكمة من صيام الثالث والرابع والخامس عشر من الشهر القمرى ... ، وحين اكتشف العلماء كروية السماوات والأرض وليست الأرض فقط كما يظن البعض فقد أشارت السنة النبوية أن السماوات السبع والأراضين السبع بالنسبة للكرسى كحلقة فى فلاة ... ، أى فى صحراء والتعبير بالحلقة يعبر عن الكروية ... ، وحين وجد العلماء أن الشغالة فى مملكة النحل هى التى تقوم ببناء الخلية وصيانتها وحراستها نجد الخطاب القرآنى للمفردة من إناث النحل من الشغالة فى قوله تعالى (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (٣) فسبحان الله ....

__________________

(١) سورة ص الآية ٣٣.

(٢) سورة ص الآية ٣١.

(٣) سورة النحل الآية ٦٨.


ـ كذلك هناك ممالك النمل حيث النظام والإدخار ... ، ولغة التخاطب ... ، إنها بالفعل أمم أمثالنا ... ، ومن ذلك يبدو إعجاز الله تعالى فى كل العوالم من حولنا ... ، عالم الإنس ... ، والجن ... ، والطير ... ، والنبات ... ، والحيوان ... ، ومختلف العلوم التى يمكن أن يدركها عقل الإنسان وما لا يدركها ... ، فعلينا باليقين الثابت وتبليغ رسالة الإسلام ... ، فهى الحق المطلق وليس بعد الحق إلا الضلال ... ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...


المراجع

ـ الله والعلم الحديث ـ عبد الرازق نوفل ـ دار الشروق.

ـ حياة الصحابة ـ محمد يوسف الكاندهلوى ـ الريان للتراث.

ـ والموعد الله ـ خالد محمد خالد ـ أخبار اليوم.

ـ وقفات حاسمة بين يدى علامات الساعة الآتية ـ سعيد عبد العظيم العقيدة للتراث.

ـ الأدلة المادية على وجود الله ـ الشيخ محمد متولى الشعراوى ـ أخبار اليوم.

ـ مجموعة مقالات عن الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة ـ دكتور زغلول النجار.

ـ الإعجاز العلمى فى القرآن ـ دكتور السيد الجميلى ـ دار القلم للتراث.

ـ الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ـ دكتور زغلول النجار ـ أخبار اليوم.

ـ من روائع الإعجاز العلمى ـ دكتور عاطف قاسم المليجى" النهار" للنشر والتوزيع.

ـ معجزات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أحمد رجب محمد ـ مطبعة محمد صبيح.

ـ معجزة القرآن الكريم الرياضية ـ دكتور عبد الله البلتاجى ـ نشر بستان المعرفة.

ـ رجال حول الرسول ـ خالد محمد خالد ـ دار الكتب الحديثة.

ـ سلسلة دراسات فى الإسلام ـ دكتور محمد سلام مدكور ـ الإسلام وأثره فى الثقافة العالمية.

ـ مراجع أخرى عن الإعجاز البلاغى فى القرآن الكريم.

ـ الحق المطلق ـ عدنان الرفاعى ـ دار الفكر.

ـ الإعجاز العلمى والتاريخى فى القرآن ـ محمد محمود عبد الله.

ـ البعث يوم القيامة ـ محمد شكرى حسن ـ دار الشعب.

ـ من وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حمزة محمد صالح ـ المكتبة التوفيقية.

ـ رياض الصالحين ـ للإمام أبى زكريا النووى ـ الدمشقى.


ـ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سعيد حوىّ.

ـ الترغيب والترهيب ـ الحافظ ذكى الدين عبد العظيم ـ دار الريان.

ـ حقائق غريبة ومثيرة ـ هاشم محمد هاشم ـ مكتبة جزيرة الورد.

ـ غرائب وطرائف الحيوانات ـ أبو عبيده إبراهيم بن محمود ـ دار الإيمان الإسكندرية.

ـ نماذج الإعجاز الرياضى ـ الدكتور عبد الله البلتاجى ـ نشر بستان المعرفة.

ـ بستان الواعظين ورياض السامعين ـ لأبى الفرج بن الجوزى ـ تحقيق مجدى محمد الشهاوى ـ مكتبة الإيمان المنصورة.

ـ الإعجاز العلمى فى الحديث النبوى ـ دكتور أحمد شوقى إبراهيم ـ نهضة مصر.


الفهرس

ـ مقدمة............................................................................... ٥

ـ تمهيد................................................................................ ٩

ـ كل شىء خلقه الله بقدر.............................................................. ١٩

ـ الآيات تظهر ووعد الله يتحقق......................................................... ١٩

ـ معانى القرآن والخطاب لكل زمان....................................................... ٢١

ـ ضيق الصدر بين إعجاز القرآن وأقوال العلماء........................................... ٢٢

ـ الخلق واستحالة المصادفة.............................................................. ٢٣

ـ المرعى والفحم الأسود................................................................ ٢٣

ـ وحى الله وتكوير الكون............................................................... ٢٤

ـ إعجازات ومواقف للعبرة والتذكرة...................................................... ٤١

ـ القرآن الكريم والإعجاز فى كل عصر................................................... ٤٣

ـ طلاقة القدرة وخوارق العادات......................................................... ٤٥

ـ الظالمين ووعد الله.................................................................... ٤٨

ـ هامان وصرح فرعون................................................................. ٥٣

ـ سجود الكائنات وعلم الله المحيط....................................................... ٥٨

ـ قدرة الله ومواقف للعبرة............................................................... ٦٤

ـ قدرة الله ويوم البعث والنشور.......................................................... ٧٠

ـ الإعجاز فى إعداد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمته.......................................... ٧٧

ـ الإعجاز فى آداب وأخلاق إسلامية.................................................... ٨٢

ـ سبحان الحكيم الخبير................................................................. ٨٤

ـ اليقين وثبات العقيدة................................................................. ٨٨

ـ معنى الإيمان وثمراته ونبوءات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم....................................... ٩٢


ـ الإعجاز فى صنع الإيمان بأصحابه.................................................... ١٠٠

ـ الكون ومعجزات الله كونية وتشريعية.................................................. ١٠٦

ـ تذكرة وحقائق عن العنكبوت ـ دابة الأرض ـ الغراب..................................... ١٢٣

ـ إعجاز القرآن بلاغه وحسابات....................................................... ٢١٥

ـ الإعجاز العددى فى القرآن وارتباطه بالسنة الكونية..................................... ٢٥١

ـ الإحصاء القرآنى................................................................... ٢٦٣

ـ التفكر وأسرار الثبات............................................................... ٢٧٣

ـ حقائق ومعجزات................................................................... ٢٧٧

ـ المراجع............................................................................ ٢٩٩

ـ الفهرس........................................................................... ٣٠٠

إعجاز القرآن العلمى والبلاغى والحسابى

المؤلف:
الصفحات: 302