

بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
إلى
التي حملتني جنيناً ، وسهرتْ عليَّ طفلاً ، ورعتني صبيّاً ،
وتعلّقت
روحها بي وأنا شابٌّ مهاجراً عنها ولم أتجاوز السابعة عشرة من عمري .
إلى
التي لازلت ظمآناً إليها .
إلى
أُمّي وهي تعيش الأملَ بعودة ابنها الصغير .
نزار نعمة الحسن
مقدّمة المحقّق
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على
محمّدٍ وآله الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدِّين .
أمّا بعد :
فنشكر الله ونحمده على ما وفّقنا وهدانا
لخدمة سيّدنا ومولانا أبي عبدالله الحسين المظلوم عليهالسلام حيث جرىٰ
على أيدينا الآثمة تحقيق شرح زيارة وارث الشريفة المرويّة عن مولانا الإمام الصادق عليهالسلام التي شرحها ـ وكشف عن أسرارها الشيخ الجليل حبيب الله الشريف الكاشاني قدسسره ـ شرحاً وافياً يتميّز بسلاسته وعذوبة ألفاظه أوّلاً ، وثانياً صبغه بصبغةٍ ولائيةٍ بحتة يلمسها كلُّ مَن طالعها .
وكان عملنا في هذا الشرح كما يلي :
اعتمدنا على النسخة المطبوعة قديماً
المتألِّفة من (٨٤) صفحة وفي كلِّ صفحة عشرين سطراً ، التي نُسخت بين ابن الشارح رحمهالله في ربيع الثاني من سنة (١٣٧٠) من الهجرة النبوية ، حسب ما جاء في خاتمة الشرح .
وقمنا أوّلاً بمراجعة المتن وتصحيحه
من بعض الأخطاء الإملائية والنحوية وأيضاً من حيث التأنيث والتذكير في بعض الأحيان .
ثانياً
: راجعنا وقارنا نص الزيارة الشريفة التي اعتمدها
الشارح مع نسخة الزيارة الموجودة في كتابي المصباح والبلد الأمين للشيخ تقيّ الدِّين إبراهيم بن علي الكفعمي رحمهالله المتوفىٰ
سنة (٩٠٠) من الهجرة .
ثالثاً
: تمّ استخراج الآيات والروايات من مصادرها وتصحيح
بعضها حسب المصدر ، وفي بعض الأحيان يذكر الشارح قسماً من حديثٍ طويل أو خطبةٍ فحاولنا ذكرها كاملةً .
هذا ما وفّقنا إليه وأجرنا على الإمام عليهالسلام إن شاء الله تعالى ، ونستغفر الله عن كلّ زلّةٍ وهفوةٍ صدرت منّا من غير قصدٍ وعمد .
وأرجو أن أكون قد ساهمت في وضع لبنة في المكتبات
العربية المفتقرة لشرح هذه الزيارة الشريفة .
نزار الحسن ـ قم
المقدّسة
ترجمة الشارح
١ ـ اسمه :
هو العلّامة المجتهد آية الله العظمى الملّا
حبيب الله الشريف الكاشاني (أعلى الله مقامه) .
٢ ـ والده :
هو الفقيه المولىٰ عليّ مدد السّاوجي
المتوفّى سنة ١٢٧٠ هـ بساوة والمدفون بمدينة قم المقدّسة بجوار ابن بابويه قدسسره والملّا مهدي
النراقي قدسسره وكان من أجلّاء علماء عصره ومشاهير فضلاء زمانه ، وله مؤلّفات قيّمة .
٣ ـ والدته :
العلوية الشريفة كريمة العلّامة المحقّق السيّد
الحسين الكاشاني طاب ثراه .
٤ ـ مولده :
ولد رحمهالله في مدينة كاشان وتاريخ
ولادته علىٰ ما ذكره بنفسه في آخر كتابه (لباب الألقاب) قال : «وأمّا تاريخ ولادتي فلم أتحقّقه في مكتوب من الوالد الماجد وإنّما ذكرتْ والدتي المرحومة أنّ ولادتك كانت قبل
وفاة السلطان الغازي محمّد شاه القاجاري
بسنتين ، وتاريخ وفاته علىٰ ما حقّقناه سنة (١٢٦٤) من الهجرة النبويّة .
٥ ـ وفاته ومدفنه :
لقد أجابَ داعي الله وعرج بروحه المقدّسة إلى
دار السلام وجوار أوليائه الكرام ، فلحق بالرفيق الأعلىٰ في صبح يوم الثلاثاء ٢٣ جمادى
الثانية عام (١٣٤٠) هجرية عن عمرٍ جاوز الثمانين . وشيّعته بلدة كاشان برمّتها والوفود التي حضرت كاشان من ضواحيها ونواحيها بتشييعٍ حافلٍ بالعلماء والوجوه العلمية وسائر الطبقات ، وحمل جثمانه على الرؤوس والأكتاف مارّين به في البلد حتّى جيء به إلى خارج البلد في محلّ يُسمّىٰ «دشت افروز» . هذا ، والأعلام تخفق أمام نعشه ومواكب اللطم والعزاء خلفه يردّدون أهازيج الحزن بلوعة . ودفن هناك في مقبرته الخاصّة وأُقيمت لروحه الفواتح في كاشان وفي نواحي أُخرى من البلاد ، كما رثته الشعراء والاُدباء بقصائد مشجية ، واليوم مرقده الشريف مزاز للخاصّ والعامّ في كاشان ، ولاسيّما في ليالي الجمعة .
٦ ـ أخلاقه الحميدة :
كان رحمهالله خلاصة علمائنا الأخيار
وبقيّة فقهائنا الأبرار ، جامعاً لأنواع الكمالات ، ومحاسن الصفات ؛ من الورع والتقوىٰ والتمسّك بالعروة الوثقىٰ ، وغاية في التواضع والإنصاف في نهاية حسن الأخلاق والعفاف
والكرم الذي لم يزل بيته مناخاً للوافدين
والأضياف ، محبوباً لدى العوامّ والخواصّ ، وكان رحمهالله بجانب عظيم من الزهد
والتقشّف ، كان جشب المأكل وخشن الملبس حيثُ سار بسيرة الأولياء الصالحين من السلف الصالح ، وكان صلب الإيمان ، وافر العقل ، حسن الصحبة ، ذا أناة وتأمّل ، لم يأخذه الطيش والحدّة إذا غضب ، ولم تأخذه في الله لومة لائم ، وكان مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه .
وكان رحمهالله دائم الذكر والتلاوة
، كثير التهجّد والعبادة ، وكان متّصفاً بالأخلاق السنيّة والشيم المرضية ؛ من لين العريكة ، وصفاء الحقيقة ، وخلوص المحبّة ، وشدّة ولائه لأهل بيت العصمة والطهارة وإحياء ذكرهم ببثّ آثارهم الشريفة . وكان كثير التحمّل ـ مع كثرة عائلته ـ للفقر والفاقة .
وأيضاً هناك ترجمة ضافية لشيخنا المترجم ذكرها
بنفسه في آخر كتاب لباب الألقاب منها ، قال : (وبالجملة لولا أنّ تزكية المرء لنفسه قبيحة عند أرباب العقول لفصّلتُ الكلام فيما مَنَّ الله عَليَّ من الخصائص في الأحوال بما يطول ، والقول المجمل في ذلك أنّي لم أشتغل من بدو تمييزي قبل بلوغي إلى هذه السنة ١٣١٩ هجري بما اشتغلَ به اللّاهون والغافلون ولم أصرف عمري فيما صرف فيه البطّالون ولم أحبّ المخالطة مع الجَهَلة ولم أركن إلى الظَلَمة ، بل كنتُ محبّاً للاعتزال ، مجتنباً عن
________________________
المراء والجدال ، وعن القيل والقال ، والجواب
والسؤال إلّا في مسائل الحلال والحرام ، معرضاً عن الحسد والطمع وطول الآمال ، صابراً على البأساء والضرّاء وشدائد الأحوال ، غير جازع على الضنك والضيق والفقر والفاقة وعدم المال ، وأرجو من الله المتعال أن لا يحوّل حالي هذه في بقيّة عمري إلّا إلى أحسن الأحوال ، وأن يجعل عاقبتي خيراً ممّا مضىٰ
.
وبالجملة قد وقفتُ عمري على التدريس والتأليف
والتصنيف ولم أكترث بما أصابني من أذىٰ كلّ وضيع وشريف ، ولو شئت أن أذكر نُبذاً ممّا أصابني من أهل هذا البلد وشطراً من ابتلائي بشرّ الحاسد إذا حسد لملأتُ الطوامير وسطرتُ الأساطير ، ولكنّي أسدلُ دونها ثوباً وأطوي عن ذكرها كشحاً فإنّ الصبر على هاتي أحجىٰ وإنْ كان في العين قذىٰ
وفي الحلق شجىٰ .
خليليّ جرّبتُ الزمانَ وأهله
|
|
فلا عهدهم عهدٌ ولا ودّهم ودُّ
|
بلاءٌ علينا كوننا بين معشرٍ
|
|
ولا فيهم خيرٌ ولا منهمُ بدُّ
|
إلى غير ذلك ممّا ذكره بنفسه .
٧ ـ مشايخه في العلم :
أخذ المترجَم له علومه الابتدائية في الصرف والنحو
والمنطق والمعاني والبيان والبديع والتجويد من أساتذة الوقت في ساوة وكاشان ، وفرغ منها ولم يتجاوز الخامسة عشر من عمره ، ثمّ شرع في الفقه وأصوله
لدىٰ جماعة من الأجلّاء والفحول
منهم :
١ ـ الفقيه السيّد حسين الحسني الكاشاني وهو جدّ آية
الله العظمى السيّد أبي القاسم الكاشاني المتوفىٰ سنة ١٣٨١ هـ .
٢ ـ العلّامة المحقّق الحاج محمّد علي اللّاجوردي
الكاشاني المتوفّىٰ سنة ١٢٩٤ هـ (مؤلِّف تكميل الأحكام في شرح المختصر النافع) و(شرح نتائج الأفكار) .
٣ ـ العلّامة المولىٰ محمّد حسين
الأردكاني الشهير بالفاضل الأردكاني نزيل كربلاء المقدّسة والمدفون بها .
٤ ـ العلّامة الحاج أبو القاسم الشهير بكلانتر وتلميذ
الشيخ الأنصاري .
٥ ـ العلّامة الجليل زين العابدين الگلبايگاني .
٦ ـ الشيخ محمّد الاصفهاني ابن اُخت صاحب الفصول .
٧ ـ العلّامة الحكيم السيّد علي شرف الدين الحسيني
المرعشي الشهير بـ (سيّد الأطبّاء) المتوفّىٰ سنة ١٣١٦ هـ مؤلّف كتاب قانون العلاج
وهو جدّ المرجع الديني السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي .
٨ ـ المولى المحقّق عبد الهادي المدرّس
الطهراني صاحب التعليقة على القوانين .
هؤلاء العلماء الكبار الذين تلمّذ عندهم المترجم له
وغيرهم وأجيز منهم أو روىٰ عنهم أحاديث العترة الطاهرة عليهمالسلام .
٨ ـ تلاميذه :
هناك جمٌ غفير وجمعٌ كثير من العلماء الأعاظم الذين
قد استفادوا من دروسه ، منهم :
١ ـ المرجع الديني السيّد مصطفى الحسيني
الكاشاني .
٢ ـ آية الله العظمى السيّد محمّد بن إبراهيم
العلوي البروجردي الكاشاني المتوفّىٰ ١٣٦٢ هـ .
٣ ـ العلّامة المتبحّر أبو القاسم القمّي .
٤ ـ العلّامة الميرزا المحلّاتي نزيل اصفهان
ومدرّسها المشهور . وهو من أساتذة المرجع الكبير السيّد حسين البروجردي .
٥ ـ العلّامة النسّابة السيّد شمس الدين محمود الحسيني
المرعشي النجفي صاحب كتاب (مشجّرات العلويّين الكرام) وهو والد آية الله العظمىٰ شهاب الدين المرعشي النجفي .
٦ ـ العلّامة الجليل الشيخ محمود التبريزي النجفي
المتوفّىٰ ١٣٨٥ هـ .
٧ ـ العلّامة الأديب الميرزا شهاب الدين النراقي .
٨ ـ الميرزا أبو القاسم بن الحاج الملّا محمّد بن
الفقيه المولى أحمد النراقي .
وهناك عشرات من أصحاب السماحة والفضيلة الذين درسوا
عنده ورووا عنه مع الواسطة ولكن نعرض عن ذكرهم بغية الاختصار .
٩ ـ أولاده :
أعقب شيخنا المترجم له رحمهالله من الأولاد الذكور خمسة ، وهم :
١ ـ الشيخ آقا حسين المتوفّىٰ سنة ١٣٧٨
هـ .
٢ ـ العلّامة الفاضل الشيخ مهدي .
٣ ـ العالم الفاضل أحمد الشريف .
٤ ـ الشيخ محمّد الشريف ، وهذا الشيخ سعى لإحياء
آثار والده .
٥ ـ علي الشريف نزيل طهران المعروف بآية الله زاده
كاشاني .
وأيضاً له من البنات خمس .
١٠ ـ شعره :
كان رحمهالله ممّن وهبت له قريحة
الشعر والنظم ، وكانت قريحته وقّادة في إنشاد الشعر باللغتين العربية والفارسية ، وكان شعره يُعتبر من المتوسّط ، وله ديوان شعر مطبوع أسماه (تشويقات السالكين) أكثرها في المعارف والحكم والأمثال والمواعظ ومناقب ومراثي العترة الطاهرة عليهمالسلام .
ومن شعره في الإمام المهدي (عج) في قصيدةٍ طويلة
منها ، قال :
يا سليل المصطفىٰ يابن الحسن
|
|
يادليل الخلق يا خير البشر
|
أنت باب الله يؤتىٰ منه في
|
|
عصرنا أنت الإمام المنتظر
|
أنت نور العالمين في الدُّجىٰ
|
|
أنت شمس في سحابٍ مكفهر
|
أنتمُ ذخري وذخري حبّكم
|
|
حبّكم زادي ونِعْمَ المتّجر
|
وبكم أرجو الفلاح والهدىٰ
|
|
وشفيعي أنت فيما قد صدر
|
يا ولي العصر يا قطب الورىٰ
|
|
خذ بأيدينا بيومٍ لا مفرّ
|
قم بأمر الله حتّى لا يُرىٰ
|
|
غيرُ حكم الله والاثني عشر
|
وقريضي لا يليق مدحهم
|
|
فليكن هذا مديحاً مختصر
|
ومن شعره في مدح طلب العلم وآدابه في قصيدة طويلة
أوّلها :
ياطالب العلم كم تسعىٰ بلا عمل
|
|
وغايةُ العلم ترك الحرص والأمل
|
إن كنتَ طالب علم فاهجر الأمل
|
|
لا يجمع العلم والآمال في رحل
|
وطالب العلم مجزيّ بنيّته
|
|
فاصف قلبك في النيّات والعمل
|
لا تطلب العلم للدُّنيا فقد خسروا
|
|
طلّاب علم لأجل المال والخول
|
وطالب العلم منهومٌ بلا شبع
|
|
فلا تراه على الأحوال في عطلِ
|
وفكر طالب علم عند معضلة
|
|
في طول ليلته أحلىٰ من العسل
|
وطالب المال يسعىٰ في معيشته
|
|
وطالب العلم مرزوق بلا ملل
|
إلى آخر القصيدة وهي طويلة نكتفي بهذا
المقدار منها .
١١ ـ مؤلّفاته وآثاره العلمية :
إنّ شيخنا المترجم له من الأفذاذ الذين وفّقهم الله
سبحانه بكثرة التأليف والتصنيف فأكثر وأجاد فيها ، وكانت مؤلَّفاته في مختلف العلوم وشتّى الفنون . وقال هو رحمهالله عند ترجمته لنفسه :
(فلنرجع إلىٰ ذكر مؤلّفاتي ومصنّفاتي ممّا كان قبل بلوغي إلى هذه السنة مع قلّة الأسباب والابتلاء بالأقشاب واختلال البال وكثرة الدّيون والعيال وعروض الأمراض
والأعراض من حوادث الدّهر الخوّان من فقد
الخِلّان وموت الولدان وغير ذلك ممّا يقصر عنه نطاق البيان ، فنقول ومن الله التوفيق والتسديد ترتقي هي إلى مائة وثلاثين بل تزيد .
١ ـ مصابيح الظلام .
٢ ـ مصابيح الدُّجىٰ .
٣ ـ التذكرة .
٤ ـ حديقة الجمل .
٥ ـ حقائق النحو .
٦ ـ المنظومة في الأصول ألّفها قبل البلوغ ، تزيد
على ألف ومائتين من الأبيات .
٧ ـ منظومة في أفعال الصلاة موسومة بزبدة المقال في
نظم الأفعال .
٨ ـ لباب الفكر في علم المنطق .
٩ ـ لب النظر في المنطق .
١٠ ـ هداية الضبط في علم الخط .
١١ ـ نخبة التبيان في علم البيان .
١٢ ـ بوارق الدهر في تفسير سورة الدهر .
١٣ ـ كشف السحاب في شرح الخطبة الشقشقية .
١٤ ـ مصاعد الصلاح في شرح دعاء الصباح .
١٥ ـ جذبة الحقيقة في شرح دعاء كميل .
________________________
١٦ ـ شرح على مناجاة الخمسة عشر .
١٧ ـ رسالة في الردّ على البابية وذكر
كلماتهم الواهية .
١٨ ـ حكم المواعظ .
١٩ ـ الدرّ المكنون في شرح ديوان المجنون .
٢٠ ـ صراط الرشاد في الأخلاق .
٢١ ـ رسالة في معنى الصلاة علىٰ
محمّد وآله صلىاللهعليهوآله .
٢٢ ـ منتقد المنافع في شرح المختصر النافع .
٢٣ ـ وسيلة المعاد في فضائل محمّد وآل محمّد صلىاللهعليهوآله .
٢٤ ـ شرح دعاء صنمي قريش .
٢٥ ـ شرح زيارة وارث وهو هذا الكتاب الذي بين يديك
.
٢٦ ـ شرح قصيدة الفرزدق .
٢٧ ـ شرح دعاء العديلة .
٢٨ ـ شرح زيارة عاشوراء .
٢٩ ـ خواص الأسماء .
٣٠ ـ كتاب لباب الألقاب في ألقاب الأطياب .
من آثار زيارة الإمام
الحسين عليهالسلام
١
ـ مَن زاره عليهالسلام ماشياً :
روى ابن قولويه القمي في كامل الزيارات : ص ٢٥٣
، ح ٣٧٩ ، الباب التاسع والأربعون عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : إنّ الرجل ليخرج
الى قبر الحسين عليهالسلام فله إذا فخرج من أهله بأوّل خطوة مغفرة ذنوبه ، ثم لم يزل يقدس بكل خطوة حتّى يأتيه ، فإذا أتاه ناجاه الله تعالى فقال : عبدي سلني اعطك ، ادعني اجبكَ ، اطلب
مني اعطك ، سلني حاجةً اقضها لك ، قال : وقال أبو عبدالله عليهالسلام : وحق على الله أنْ يعطي ما بذل .
وروى العلّامة المجلسي في البحار ج ١٠١ ، ص ٧٨
عن عبدالله بن هلال ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قلتُ له : جعلتُ
فداك ما أدنى مالزائر قبر الحسين عليهالسلام فقال لي :
يا عبدالله إنّ أدنى ما يكون له أنْ يحفظه في
نفسه وأهله حتّى يردّه الى أهله ، فإذا كان يوم القيامة كان الله الحافظ له .
٢
ـ كرامة الله لزوّار الحسين عليهالسلام :
روي الحر العاملي في الوسائل ج ١٤ ، ص ٤٢٤ ، عن عبدالله
الطحان ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : سمعته وهو يقول
: ما من أحد يوم القيامة إلّا وهو يتمنى أنّه من زوّار الحسين لما يرى مما يصنع بزوار الحسين عليهالسلام من كرامتهم على
الله تعالى .
وروى العلامة المجلسي في البحار : ج ١٠١ ، ص
٧٢ عن الامام الصادق عليهالسلام قال : مَن سرّه أنْ يكون على موائد النور يوم القيامة فليكن من زوّار الحسين
بن علي عليهالسلام .
٣
ـ أيام زائري الحسين عليهالسلام لاتعد من أعمارهم :
روى الشيخ الطوسي في التهذيب ج ٦ ، ص ٣٦ عن
الإمام الرضا عليهالسلام عن أبيه قال : قال أبو عبدالله جعفر الصادق عليهالسلام : إنّ أيام زائري
الحسين عليهالسلام لاتُحسب من أعمارهم ولاتُعد من أجالهم .
٤
ـ إنّ زائر الحسين عليهالسلام يكون في جوار رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلي وفاطمة عليهماالسلام
:
روى ابن قولويه القمي في كامل الزيارات ص ٢٦٠
، ح ٣٩٢ ، عن أبي خالد ذي الشامه ، قال : حدثني أبو اسامة قال : سمعتُ أبا عبدالله عليهالسلام يقول : مَن أراد أن يكون في جوار نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وجوار علي وفاطمة
فلايدع زيارة الحسين بن علي عليهالسلام .
٥
ـ إن زائر الحسين عليهالسلام يدخل الجنّة قبل
الناس :
روى العلامة المجلسي ج ١٠١ ، ص ٢٦ عن عبدالله
بن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول : إنّ لزوّار
الحسين بن علي عليهالسلام يوم القيامة فضلاً
على الناس ، قلتُ : وما فضلهم ؟ قال : يدخلون الجنّة قبل الناس بأربعين عاماً وسائر الناس في الحساب والموقف .
٦
ـ مَن زار الحسين عليهالسلام كمَنْ زار الله في
عرشه :
روى في مستدرك الوسائل ج ١٠ ، ص ١١٥ عن زيد
الشحام ، قال : قلتُ لأبي عبدالله عليهالسلام : ما لمَن زار قبر
الحسين عليهالسلام قال : كان كمَن زار
الله في عرشه .
٧
ـ مَنْ زار الحسين عليهالسلام كُتب في أعلى عليّين
:
روى الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال ص ١١٠ ، عن
أبي عبدالله عليهالسلام قال : مَن أتى الحسين عليهالسلام عارفاً بحقه كتبه
الله في أعلى عليّين .
٩
ـ إنّ زيارة الحسين عليهالسلام تزيد في العمر
والرزق :
روى العلامة المجلسي في البحار ج ١٠١ ، ص ٣
عن الإمام الباقر عليهالسلام قال : مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليهالسلام ، فإنّ إتيانه يُزيد
في الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين بالإمامة من
الله .
١٠
ـ إنّ زيارة الحسين عليهالسلام تحط الذنوب :
روى العلامة المجلسي ج ١٠١ ، ص ٢٧ عن الامام
الصادق عليهالسلام قال :
مَن أراد أنْ يكون في كرامة الله يوم القيامة وفي
شفاعة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فليكن للحسين زائراً ينال من الله الفضل والكرامة وحسن الثواب ، ولايسأله عن ذنب
عمله في حياة الدنيا ، ولو كانت ذنوبه عدد
رمل عالج وجبال تهامة وزبد البحر ، إنّ الحسين عليهالسلام قُتل مظلوماً
مضطهداً نفسه عطشاناً هو وأهل بيته وأصحابه .
١١
ـ إنّ زيارة الحسين عليهالسلام تعدل عمرة :
روى الصدوق في ثواب الأعمال ص ١١٢ عن أحمد بن
محمد بن أبي نصر ، قال : سأل بعض أصحابنا أبا الحسن الرضا عليهالسلام ، عمَنْ أتى
قبر الحسين عليهالسلام ، قال : تعدل عمرة .
١٢
ـ إنّ زيارة الحسين عليهالسلام تعدل حجّة :
روي ابن قولويه القمي في كامل الزيارات ص ٢٩٤ ، ح ٤٨٢
عن محمد بن سنان قال : سمعتُ أبا الحسن الرضا عليهالسلام يقول : من أتى
قبر الحسين عليهالسلام كتب الله له حجة مبرورة .
١٣
ـ إنّ زيارة الحسين عليهالسلام تعدل عتق الرقاب :
روي الحر العاملي ج ١٤ ، ص ٤٤٨ عن أبي سعيد
المدائني ، قال : قلت لأبي عبدالله عليهالسلام فقلت :
جعلت فداك أتي قبر ابن رسول الله عليهالسلام ، قال : نعم يا أبا سعيد ائتِ قبر ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم اطيب الطيبين واطهر
الاطهرين وأبر الأبرار ، فإذا زرته كتب الله لك عتق خمسة وعشرين رقبة .
١٤
ـ إنّ زوّار الحسين عليهالسلام مشفّعون :
روى الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد ص ٤٩٧ عن
الامام الصادق عليهالسلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى يتجلّى لزوار قبر الحسين عليهالسلام قبل أهل عرفات ويقضي حوائجهم ويغفر ذنوبهم ويشفّعهم في مسائلهم ، ثم يثنّي بأهل عرفات فيفعل بهم ذلك .
١٥
ـ إنّ زيارة الحسين عليهالسلام يُنفّس بها الكرب
وتُقضى بها الحوائج :
روى العلامة المجلسي في البحار ج ١٠١ ، ص ٤٥
عن الإمام الصادق عليهالسلام : قال : إنّ الى جانبكم لقبراً ما أتاه مكروب إلّا نفّس الله كربته وقضى حاجته
.
نصّ زيارة وارث
أَلسّلامُ
عَلَيكَ يا وارِثَ آدَمَ صِفوَةِ اللهِ ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ
نَبِيِّ اللهِ ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ إِبرَاهِيمَ خَلِيلَ اللهِ ، السّلامُ عَلَيكَ
يَا وَارِثَ مُوسَى كَلِيمِ اللهِ ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ عِيسَى رُوحِ اللهِ ، السّلامُ
عَلَيكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ
وَلِي اللهِ ، السّلامُ عَلَيكَ يَا بنَ مُحمَّدٍ المُصْطَفَى ، السّلامُ عَلَيكَ يَا بنَ عَليٍ المُرتَضَى
، السّلامُ عَليكَ يَا بنَ فاطِمَةَ الزَّهراء ، السّلامُ عَلَيكَ يَا بنَ خَدِيجَةَ الكُبْرَى
، السَّلامُ عَلَيكَ يَا ثَارَ اللهِ وَابنَ ثارِهِ وَالوِترَ المُوتُورَ ، أَشهَدُ أَنَّكَ
قَد أَقَمتَ الصَّلاةَ وَآتَيتَ الزَّكَاةَ وَأمَرتَ بِالمَعرُوفِ وَنَهَيتَ عَنِ المُنكَرِ وَأَطَعتَ
اللهَ وَرسُولَهُ حَتَّى أَتَاكَ اليَقِينُ ، فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكَ وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً
ظَلَمتكَ ، وَلعنَ اللهُ أُمَّةً سَمِعَتِ بِذَلِكَ فَرَضِيت بِهِ ، يَا مَولايَ يَا أَبَا عَبدِ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّكَ
كُنْتَ نُوراً فِي الأَصْلابِ الشَّامِخَةِ وَالأَرْحَامِ المُطَهَّرَةِ لَمْ تُنَجّسْكَ الجَاهِلِيَّةُ
بِأَنْجَاسِهَا وَلَمْ تُلْبِسْكَ مِن مُدلِهِمَّاتِ ثِيَابِهَا ، وَأَشهَدُ أَنَّكَ مِن دَعَائِمِ الدِّينِ وَأَركَانِ
المُؤمِنِينَ ، وَأَشهَدُ أَنَّكَ الإِمَامُ البَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الهادِي المَهدِيُّ وَأَشهَدُ
أنَّ الأَئِمَّةَ مِن وُلدِكَ كَلِمَةُ التَّقوَى وَأَعلامُ الهدَىٰ وَالعُروَةُ الوُثقَى وَالحُجَّةُ
عَلَى أَهلِ الدُّنيَا وَأُشهِدُ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وأَنبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ أَنِّي بِكُم مُؤمِنٌ وَبِإِيَابِكُمْ
مُوْقِنٌ بِشَرَايِعْ دِينِي وَخواتِمِ عَمَلِي وَقَلبِي لِقَلبِكُم سِلمٌ وَأَمرِي لأَمرِكُم مُتَّبِعٌ ،
صَلَواتُ اللهِ عَلَيكُم وَعَلَى أَرْوَاحِكُم وَعَلَى أَجْسَادِكُم وَعَلَى أَجسَامِكُم ، وَعَلَى
شَاهِدكُم وَعَلَى غائِبِكُم وَعَلَى ظَاهِرِكُم وَعَلَى بَاطِنِكُم .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ
لله الذي جعل زيارة الحسين عليهالسلام وسيلةً إلى
رحمته للعباد ، وزاداً لهم في المعاد ، والصلاة على جدّه المصطفى ، وأبيه المرتضى
وأخيه المجتبى ، وأُمّه الزهراء ، وذريته الأئمّة الأمجاد ، واللعنة على
أعدائهم وأعداء شيعتهم ، من الآن إلى يوم الميعاد .
أمّا
بعد : فيقول العبد الواثق بالله ابن علي مدد حبيب الله : إنّ هذا شرح وجيز علّقته على الزيارة المعروفة بزيارة الوارث ، مع تراكم العوائق والحوادث وهجوم الهموم والكوارب والغموم والمصائب ، راجياً من الله أنْ يكشف عنّي الضرّ ، فإنّه المأمول لكلّ عسرٍ ويُسرٍ وهو أرحم الراحمين .
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ
يَا وَارِثَ آدَمَ صِفْوَةِ اللهِ .
قد عَلِمَ أولوا الألباب إنّ السلام تحية الإسلام ، وإنّ التسليم مطيّة
التعظيم والتكريم ، وقد ورد عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : (ابدؤا
بالسلام قبل الكلام ، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تُجيبوه) .
وعن عليّ عليهالسلام قال : (لا تَغْضَبُوا
ولا تُغْضَبُوا ، أفشُوا السلام وأطيبُوا الكلامَ وَصَلّوا باللّيل والناسُ نيام تَدْخُلُوا الجنّةَ بسلامٍ) .
________________________
وعن الباقر عليهالسلام قال : (إنّ الله يحبُّ
إفشاء السلام) .
وعن الصادق عليهالسلام قال : (البادي
بالسلام أولى بالله ورسوله) ، إلى غير ذلك
ممّا لا يحصىٰ . فإن قال قائلٌ : أوليسَ
حياةُ المُسلَّمِ عليه وحضوره وقربه شروطاً لصحّة التسليم ، فما معناه في هذه الزيارات ؟
قلتُ : بلى ، والكلّ متحقّق بالنسبة إلى
آل الله المعصومين ، فإنّهم
أحياءٌ عند ربّهم في بساط القرب وعرش
القُدس يرزقون بموائد العلم والمعرفة فيُطعمون بألوان أطعمة الروحانيّين ، ويسقون من كأس المقرّبين ، يروْن مقام شيعتهم ، ويسمعون كلامهم ، ويردّون سلامهم كما في الزيارة الرضوية عليهالسلام .
________________________
ويدلُّ عليه من العقل براهين ساطعة ، ومِن النقل
أخبارٌ كثيرة لائحة يطول يطول المختصر بذكرها ، وقد كفاك شاهداً
على هذا ما في الزيارة الجامعة
________________________
(ورضيكم خلفاء في أرضه وحججاً على
بريّته) إلى قوله (وشهداء
على خلقه وأعلاماً لعباده ومناراً في بلاده) وكذا ما فيها أيضاً
(أنتم السبيل الأعظم والصراط الأقوم وشهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء والرحمةُ الموصولة والآية المخزونة . .) .
________________________
وكذا ما في حديث النورانية «يا سلمان إنّ ميّتنا
إذا مات لم يمت ومقتولنا إذا قُتِل لم يُقتل ، وغائبنا إذا غابَ لم يَغب ولا نلد ولا نولد ولا في البطون ولا يُقاس
بنا أحد من الناس . .» .
وما ورد من التسليم على أهل القبور ممّا يرفع الاستبعاد
المذكور فإنّ المخاطب به هو أرواحهم الباقية ، ونفوسهم الناطقة التي خُلِقت للبقاء دون أجسادهم البالية التي يعرضها التلاشي والفناء ، فإذا صحّ التسليم على مَن
هذا حاله ، فكيف يُنكر صحّته بالنسبة إلى المعصومين الذين لا تُفنى
أرواحهم ، ولا تُبلى أجسادهم المصونة عند عرش
الله العظيم فإنّ (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا
________________________
وَجْهَهُ) . وقد ورد تفسيره بهم عليهمالسلام ، فهم الباقون بعد فناء الأشياء ، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *
وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) .
وروى في البصائر بسنده عن الباقر عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لأصحابه : حياتي خيرٌ لكم تُحدّثون ونحدّث لكم ، ومماتي خيرٌ لكم تعرض عليَّ أعمالكم
________________________
فإنْ رأيتُ حسناً جميلاً حمدتُ الله على
ذلك ، وإنْ رأيتُ غيرَ ذلك استغفرتُ الله لكم) .
وكيف كان فعلى الزائر أنْ يذعن بحياتهم عليهمالسلام وحضورهم ، وإحاطة علمهم بأحوال شيعتهم ، وأطوارهم وحركاتهم وسكناتهم وجميع تنقّلاتهم فليراع الأدب عند زيارتهم ، وليكن بين يديهم خاشعاً خاضعاً ضارعاً مسكيناً مستكيناً كالعبد الذليل الواقف بين يدي مولاه الجليل ، كيف وهم موالي الخلق والخلق كلّهم عبيد لهم عبيد الطاعة كما في بعض الأخبار ، بل عبيد الرق كما عن بعض الأخبار .
بقي الكلام في مواضع ثلاثة :
الأوّل : في تفسير السلام فقد اختلفت فيه أقاويل
الأعلام على وجوه :
منها : إنّه مأخوذ من سلم الآفات سلامةً أي سلمت من
المكاره والآفات وإليه يرجع ماقيل من أنّه دعاء بالسلامة لصاحبه من آفات الدُّنيا وعذاب الآخرة وضعه الشارع موضع التحية والبشرىٰ بالسلامة وكذا ماقيل من أنّه من السلامة
من الأذى
________________________
كما في قوله : (فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) أي لايؤذونكَ كما يؤذيكَ
غيرهم وأنت خبير بأنّ هذا المعنى لا يُناسب المقام إلّا أنْ يتكلّف بجعله
دعاء لشيعته ومحبّيه .
ومنها : إنّه
مأخوذ من السلام الذي هو اسم من أسماء الله كما قال : (السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ) ، وقال : (لَهُمْ دَارُ
السَّلَامِ) أي دار الله على
أحد الوجهين سُمّي به لسلامته وتنزهه عن نقائص الإمكان ، أو لأنّ أفعاله صواب وسداد لا يعتريها النقصان ، أو لأنّه مسلم ومؤمن لكلّ مَن التجأ إلى ما به
من مكاره الحدثان ، وحافظ على كلّ مَن توجّه إلى جنابه بوسيلة الإيمان ، فالمعنى
: اللهُ عليك أي حافظ لأسرارك المستترة ، وعلومك المكنونة المخزونة من أنْ تنالها أيدي الجهلة أو عاصم لك من الرِّجس والسهو والخطأ ، ومن كلّ ما يكره من المعائب والنقائص ، وقد يقال : إنّ المراد اسم السلام عليكَ أي اسم الله عليك فإن أُريد به ما ذُكِر وإلّا فلا معنى له ولذا حملوا قول الشاعر اسم
السلام عليكما على الزيادة ، وربما يتكلّف لتصحيحه بما لا حاجة إليه .
ومنها : إنّه من السلم وهو الصلح كما قال : (وَإِن جَنَحُوا
لِلسَّلْمِ) ، وقال :
________________________
(إنّي سلمٌ لمن سالمكم وحربٌ لمَن حاربكم) أي مسالم ، فهذه
الكلمة للائذان بالمسالمة وترك المحاربة ، وقد كانوا يؤمنون بها مَن يخاف شرّهم ومكيدتهم .
ومنها : إنّه من التسليم فهو إمّا بشرى له بما بشّره الله به
من السلطنة الكاملة والغلبة على الأعداء في زمان الرجعة) ، أو إيذان بأنّه
مُسلِّم ومفوّض له جميع أموره مطيع له في جميع أوامره ونواهيه ، ومؤمن بسرّه وعلانيّته ، كما في الزيارة الجامعة : «مؤمن بسرّكم وعلانيّتكم وشاهدكم وغائبكم
وأوّلكم وآخركم ، ومفوِّض في ذلك كلّه إليكم ، ومسلِّم فيه معكم
وقَلْبي لكم مُسلِّم ورأيي لكم
________________________
تَبعٌ ونُصرَتي لكم مُعدَّةٌ حتّى يُحييَ
الله تعالى دينَهُ بكم ، ويردَّكم في أيّامه ، ويُظهركم لعدلِهِ ، ويُمكِّنكم في أرضه ، فمعكُم معكُم لا مع عدوّكم ...» .
ويؤيّد الأوّل : ما روي عن داود بن
كثير الرقي ، قال : قلتُ : ما معنى السلام على الله وعلى رسوله صلىاللهعليهوآله ؟ فقال : إنّ الله
لمّا خلق نبيّه ووصيّه وابنيه وابنته وجميع الأئمّة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق ، وأنْ يصبروا ويصابروا وأن يتّقوا الله ، ووعدهم أنْ يسلم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن ، وأنْ ينزل لهم البيت المعمور ويظهر لهم السقف المرفوع وينجيهم من عدوّهم والأرض التي يبدّلها من دار السلم ويسلّم ما فيها لهم ولا شبهة فيها ولا خصومة فيها لعدوّهم وأن يكون لهم فيها ما يحبّون وأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله على الأئمّة وشيعتهم الميثاق بذلك وإنّما عليه أن يذكره نفس الميثاق وتجديد له على الله لعلّه أن يعجله ويعجل المسلم لهم بجميع ما فيه .
ويؤيّد الثاني : ما في جملة من
التفاسير من أنّ المراد بقوله : «ويُسلِّموا تسليماً» في قوله : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ
حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا
________________________
يَجِدُوا فِي
أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .
هو السلام عليك أيّها النبيّ صلىاللهعليهوآله . قال الطريحي : واستصوبه بعض الأفاضل لقضية العطف ، ولأنّه المتبادر إلى الفهم عرفاً .
وروى الكاهلي عن الصادق عليهالسلام أنّه تلا هذه الآية فقال : لو أنّ قوماً
عبدوا الله ووحّدوه ، ثمّ قالوا لشيء صنعه رسول الله صلىاللهعليهوآله لو صنع كذا وكذا
ووجدوا ذلك في أنفسهم كانوا بذلك مشركين ، ثمّ قال : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ) قال : هو التسليم في الاُمور .
وعنه عليهالسلام في قوله الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) قال : هم الأئمّة ، ويجري فيمن استقام
من شيعتنا وسلّم لأمرنا ، وكتم حديثنا
________________________
عند عدوّنا .
وعن الباقر عليهالسلام قال : (قد أفلح
المسلّمون ، إنّ المسلّمين هم النجباء) .
وعنه عليهالسلام : (إنّ الإمام هادٍ
مهدي لا يدخله الله في عماء ولا يحمله على هيئة ليس للناس النظر في أمره ولا التبختر عليه وإنّما أُمروا بالتسليم) .
وأخبار التسليم لآل محمّد صلىاللهعليهوآله كثيرة .
ومنها : إنّ هذه الجملة قد صارت حقيقيّة عرفية
في إنشاء الثناء
________________________
والتمجيد نظير جملتي الصلاة والتحميد ، فيجري
فيها ما ذكروه في الحمد لله من الأصل ، والعدول عنه إلى الجملة الإسمية للدلالة على الدوام وغير
ذلك من الاحتمالات في اللام وتفصيل الكلام لا يليق بالمقام .
الموضع الثاني في تفسير كونه عليه السلام وارثاً للأنبياء والأوصياء
فاعلم إنّ الوارث هو الذي يبقىٰ بعد
موت آخر مع استحقاقه لتركته بقيامه مقامه ، ونزوله في منزلته فكأنّه هو ، وسُمِيَ تعالى
بالوارث ، لأنّه باقٍ بعد فناء الأشياء ، ولأنّه يرث الأرض
ومَن عليها وهو خير الوارثين ، والمؤمنون هم الوارثون لأنّهم يرثون منازل الكفّار في الجنّة ، أو لأنّهم يمكَنْون في الأرض في زمان الرجعة كما قال تعالىٰ : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ
الصَّالِحُونَ) .
وفي الدُّعاء : (واجعلهما ـ أي السمع والبصر ـ الوارثين
منّي ، أي ابقهما صحيحين إلى زمان الموت بعد ضعف جميع أعضائي) ، وكونه عليهالسلام وارثاً
________________________
للأنبياء كسائر الأئمّة النقباء ممّا لا ريب
فيه ، والأخبار والزيارات مشحونة بذلك كما لا يخفىٰ على المتتبّع فيها .
وروي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : إنّ
العلماء ورثة الأنبياء وذلك أنّ الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنّما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم فمَن أخذ بشيءٍ منها فقد أخذ حظّاً وافرا .
وقد فسّر العلماء في بعض الأخبار بأئمّتنا الأبرار عليهمالسلام .
ولا يُنافي ذلك ما روي عنه صلىاللهعليهوآله أنّه قال : (نحن معاشر الأنبياء لا نورّث) أي لا نبقي الميراث لأحدٍ أو لا يرث أحدٌ منّا ، لضعفه أوّلاً بروايته من غير
طرقنا ، ومخالفته للآيات القرآنية ، والأخبار الكثيرة
، وقد وضعوا هذا الخبر ليحرموا
________________________
________________________
فاطمة عليهاالسلام عن ميراث النبيّ صلىاللهعليهوآله ومحاجّة عليّ عليهالسلام معهم في ذلك معروفة ، وتأويله ثانياً : بأنّ المراد عدم توريث متاع الدُّنيا بشأن النبوّة لاقتضائه توريث
العلوم والمعارف خاصّة ، وهذا لا يُنافي توريثهم إيّاه بشأن البشرية ، فإنّ لكلٍّ من الشأنين خواص ليست للآخر ، هذا مع أنّ الغرض إثبات الوارثية في الجملة ، وهو ممّا لم ينكره أحد ، وأمّا معنى كونهم عليهمالسلام ورثة للأنبياء فيحتمل
وجوهاً :
منها : إنّهم ورثوا ما أعطاهم عليهمالسلام من العلوم والمعارف والأسرار فعلموه كما علموه ، فإنّ العلم لا يموت بموت العالم ، بل يصير إلى عالمٍ آخر ، وقد قال الباقر عليهالسلام : «إنّ عليّاً عليهالسلام عالم هذه الاُمّة ، والعلم يتوارث ولا يهلك
أحدٌ منّا إلّا تركَ من أهله مَن يعلم مثل علمه أو ما شاء الله» .
وروي أيضاً في باب (أنّ الأئمّة عليهمالسلام ورثوا علم آدم عليهالسلام وجميع العلماء) بسنده عن الفضل بن يسار قال : (سمعتُ أبا عبدالله عليهالسلام يقول : إنّ العلم
الذي هبط مع آدم لم يُرفع ، وأنّ العلم يتوارث وما يموت منّا عالمٌ حتّى يخلفه من أهله مَن يعلم علمه أو ما شاء الله) .
وبسنده عن أبي جعفر عليهالسلام قال : (كانت في عليّ
عليهالسلام سنّة ألف نبيّ ،
وقال : إنّ العلم الذي نزل مع آدم لم يُرفع ، وما ماتَ عالمٌ فذهب علمه ، وأنّ العلم ليتوارث [و] أنّ الأرض
لا تبقىٰ بغير عالم) .
________________________
وبسنده عنه عليهالسلام أيضاً قال : (يمصّون
الصماء ويدعون
النّهر العظيم ، قيل له : ومَن النهر العظيم ؟ قال : رسول الله صلىاللهعليهوآله والعلم الذي أتاه
الله ، أنّ الله جمع لمحمّدٍ صلىاللهعليهوآله سنن النبيّين من آدم
هلّم جرّا إلى محمّد ، قيل له : وما تلك السنن ؟ قال : علم النبيّين بأسره ، وأنّ الله جمع لمحمّدٍ صلىاللهعليهوآله علم النبيّين بأسره
، وأنّ رسول الله صيّر ذلك كلّه عند أمير المؤمنين عليهالسلام فقال له الرجل : يابن
رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أو بعض النبيّين ؟ فقال عليهالسلام : اسمعوا ما نقول : إنّ
الله يفتح مسامع مَنْ يشاء ، أنّي حدّثتُ أنّ الله جمع لمحمّدٍ صلىاللهعليهوآله علم النبيّين ، وأنّه
جعل ذلك كلّه عند أمير المؤمنين ، وهو يسألني هو أعلم أم بعض النبيّين) .
وبسنده أيضاً عن أبي الحسن الأوّل عليهالسلام قال : قلتُ له : جعلت فداك النبيّ صلىاللهعليهوآله ورث علم النبيّين
كلّهم عليهمالسلام ؟
قال لي : نعم . قلت : من لدن آدم إلى أن انتهى
إلى نفسه ؟ قال : نعم . قلت : ورثهم النبوّة وما كان في آبائهم من النبوّة والعلم ؟ قال : ما بعث الله نبيّاً
إلّا وقد كان محمّد صلىاللهعليهوآله أعلم منه . قال : قلتُ
: إنّ عيسى بن مريم كان يُحيي الموتىٰ بإذن الله . قال : صدقت . وسليمان بن داود كان يفهم كلام الطير . قال ؛ وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقدر على هذه
المنازل .
________________________
إلى أن قال : فقد ورثنا نحن هذا القرآن ، فعندنا
ما يقطع به الجبال ويقطع به البلدان ويحيي به الموتى بإذن الله ، ونحن نعرف ما تحت الهواء .
إلى أن قال : إنّ الله يقول : (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ
فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) ثمّ قال : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا
الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) فنحن الذين اصطفانا الله ، فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كلّ شيء .
وروي أيضاً في باب أنّ الأئمّة ورثوا علم أُولي
العزم من الرُّسل وجميع الأنبياء ، وأنّهم أُمناء الله في أرضه وعندهم علم البلايا والمنايا وأنساب العرب .
________________________
وبسنده عن عبد الرحمان بن أبي نجران قال : كتبَ أبو
الحسن الرضا عليهالسلام رسالةً وأقرأنيها قال : قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام : إنّ محمّداً صلىاللهعليهوآله كان أمينُ الله في أرضه فلمّا قُبض محمّدٌ صلىاللهعليهوآله كنّا أهل البيت
ورثته ونحن أُمناء الله في أرضه ، عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام وإنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق إلى أنْ قال :
نحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أُولي العزم من الرُّسل ... .
وبسنده عن الباقر عليهالسلام قال : قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله : (إنّ أوّل وصيّ
كان على وجه الأرض هبة الله بن آدم وما من نبيّ مضىٰ إلّا وله وصيّ ، لأنّ عدد
جميع
________________________
الأنبياء مئة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف
نبيّ ، خمسة منهم أولوا العزم : نوح وإبراهيم وموسىٰ وعيسىٰ ومحمّد صلىاللهعليهوآله ، وأنّ عليّ بن أبي طالب هبة الله لمحمّد صلىاللهعليهوآله ورث علم الأوصياء ، وعلم
مَن كان قبله أمّا أنّ محمّداً ورث علم مَن كان قبله من الأنبياء والمرسلين ...) .
والأخبار بهذه المثابة لا تُحصىٰ كثيرة
.
ومنها : إنّهم عليهمالسلام اتّصفوا بما اتّصف به الأنبياء السابقون من
الصفات المحمودة والأخلاق الفاضلة ، والسمات الكاملة من الشرف والمجد والنجدة والكرامة والسخاوة والشجاعة والعلم والرحمة والعطوفة وغير ذلك من المناصب العالية التي بلغوا بها أعلى المدارج ، ووصلوا بها إلى أسنى
المعارج فصاروا بها مظاهر أسماء الله الحسنىٰ ومرايا صفاته العليا فكأنّهم هم
، فمَنْ نظر إليهم عليهمالسلام فكأنّما نظر إليهم عليهمالسلام . وقد أشار إلى ذلك النبيّ صلىاللهعليهوآله في حديث الأعرابي والضّب بقوله صلىاللهعليهوآله : يا عبد الله مَن
أراد أن ينظر إلى آدم في جلالته وإلى شيث في حكمته وإلى إدريس في نباهته ومهابته ، وإلى نوح في شكره لربِّه
وعبادته ، وإلى إبراهيم في وفائه وخلّته ، وإلى موسىٰ في
بغض كلّ عدوّ لله ومنابذته ، وإلى عيسىٰ في حبّ كلّ مؤمن ومعاشرته ، فلينظر إلى
عليّ بن أبي
________________________
طالب .
وفي حديث المفضل وسيّدنا القائم عليهالسلام مسند ظهره بالكعبة ويقول : يا معشر الخلائق ألا ومَن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث فها أنا آدم وشيث ، ألا
ومَنْ أراد أن ينظر إلى نوح وسام فها أنا ذا نوح وسام ، ألا ومَن أراد أن ينظر إلى
إبراهيم
________________________
وإسماعيل فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل ، ألا
ومَن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع فها أنا ذا موسى ويوشع ، ألا ومَن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون
فها أنا ذا عيسى وشمعون ، ألا ومَن أراد أن ينظر إلى محمّد وأمير المؤمنين فها
أنا ذا محمّد وأمير المؤمنين ، ألا ومَن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين فها أنا ذا
الحسن والحسين ، ألا ومَن أراد أن ينظر إلى الأئمّة من ولد الحسين فها أنا
ذا الأئمّة ، وهو طويل ، وهذا
أحد الوجوه التي يُحمل عليها ما ورد في بعض خطب أمير المؤمنين عليهالسلام من قوله : «أنا آدم
الأوّل ، أنا نوح الأوّل ، أنا محمّد ومحمّد أنا» ونحو ذلك .
________________________
________________________
________________________
وهذه الأخبار وإن أفادت الاختصاص [بالإمام] عليّ عليهالسلام ،
إلّا أنّه لا فرق بينه عليهالسلام وبين سائر الأئمّة
المعصومين عليهالسلام ، فقد روى عبد
الرحمٰن بن كثير عن الصادق عليهالسلام قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ) ، قال : «الذين
آمنوا النبيّ وأمير المؤمنين عليهالسلام والذرية والأئمّة
الأوصياء عليهمالسلام ألحقنا بهم ذرّيتهم
، ولم تنقص ذريتهم من الحجّة التي جاء بها محمّد صلىاللهعليهوآله في عليّ ، وحجّتهم
واحدة ،
________________________
وطاعتهم واحدة» .
وعن أبي الحسن عليهالسلام قال : نحن في العلم
والشجاعة سواء ، وفي العطايا على قدر ما نؤمر .
ومنها : إنّ الروح الأعظم
القدسي الذي كان قد تجلّى
في هياكل السابقين
________________________
فقدروا به على خرق العادات وإظهار
المعجزات من إحياء الأموات ، وإشفاء المرضىٰ ونحو ذلك قد انتقل إلى هياكل محمّد وآله فظهرت منهم [عليهمالسلام] الآيات الباهرات والمعجزات الظاهرات بل التجليات السابقة
كانت بالصورة
________________________
والظلّ وما كان في هذه الهياكل الشريفة
إنّما هو بالحقيقة والأصل ، فلذا كانت قدرتهم على الاُمور العجيبة أشدّ وأقوىٰ ، وعلمهم بما كان وما يكون
أكثر وأجلىٰ ، بل الصادر عن السابقين رشحة من رشحات جودهم
عليهمالسلام ، كما أنّ وجودهم رشحة من رشحات
وجودهم ، وإلى هذا المقام أشار [الإمام] عليّ عليهالسلام في بعض خطبة بقوله :
أنا رافع إدريس مكاناً عليّا ، أنا منطق عيسى في المهد صبيّاً ، وقوله : أنا جاوزت موسى في البحر ، وأغرقت فرعون وجنوده ، أنا
أعلم هماهم البهائم ، ومنطق الطير ، أنا الذي أجوز السماوات السبع والأرضين السبع في طرفة عين ، أنا المتكلِّم على لسان عيسىٰ في المهد صبيّاً
، أنا الذي يصلّي عيسىٰ خلفي ، أنا الذي ينقلب في الصور كيف يشاء الله ، وقوله : أنا
الخضر معلِّم موسى ، أنا معلِّم داود وسليمان ، أنا ذو القرنين ، أنا
تكلّمتُ على لسان عيسىٰ في المهد ، أنا نوح ، أنا إبراهيم ، أنا صاحب الناقة ، أنا
صاحب الرجفة ، أنا صاحب الزلزلة ، أنا اللوح المحفوظ ، إليَّ انتهى علمُ ما فيه ،
أنا أنقلب في الصور كيف ما شاء الله ، مَن رآهم فقد رآني ، ومَنْ رآني فقد رآهم ونحن في الحقيقة نور الله الذي لا يزول ولا يتغيّر .
________________________
ومنها : إنّ عندهم [عليهمالسلام] ما كان عند الأنبياء من الآلات والأدوات المختصّة بهم التي خصّهم الله بها دون سائر خلقه مثل عصا موسىٰ وعمامة
هارون وخاتم سليمان والتابوت وغير ذلك ممّا ورد في الأخبار .
فقد روي عن سعيد السمان قال : كنتُ عند الصادق عليهالسلام إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له : أفيكم إمامٌ مفترض الطاعة ؟ قال [عليهالسلام] : لا ، فقال له : أخبرنا عنكَ الثقات أنّك تفتي وتقرّ وتقول به ونسمّيهم لك فلان وفلان وهم أهل ورع وتشمير وهم ممّن لا يكذّبون ، فغضب أبو عبدالله عليهالسلام وقال : ما أمرتهم بهذا ، فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا . فقال لي [عليهالسلام] : أتعرف هذين ؟ قلتُ : نعم ، هما من أهل سوقنا من الزيديّة وهما يزعمان أنّ سيف رسول الله صلىاللهعليهوآله عند عبدالله بن
الحسن ، فقال [عليهالسلام] : كذبا لعنهما الله
ولا والله ما رآه عبد الله بعينيه ولا بواحد من عينيه ولا رآه أبوه إلّا أن يكون رآه عند عليّ
بن الحسين بن عليّ ، وإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه ، وما أثر في موضع مضربه ، وأنّ عندي لسيفَ رسول الله صلىاللهعليهوآله ودرعه ولامته ومغفره
فإن كانا صادقين فما علامة في درعه ، وأنّ عندي لراية رسول الله صلىاللهعليهوآله المغلبة ، وأنّ عندي ألواح موسىٰ وعصاه ، وأنّ عندي لخاتم سليمان بن داود ، وأنّ عندي
الطست الذي كان يُقرّب بها موسى القربان ، وأنّ عندي الاسم الذي كان إذا
أراد رسول الله أن يضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابّة ، وأنّ عندي التابوت التي جاءت بها الملائكة تحمله ، ومثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل أي أهل بيت وقف التابوت على باب دارهم أُوتوا النبوّة ، ومَن صار إليه السلاح منّا أُوتي بالإمامة ، ولقد لبس أبي
درع
________________________
رسول الله فخطّت على الأرض خطيطاً ، ولبستها
أنا فكانت وقائمنا ممّن إذا لبسها ملأها إن شاء الله .
فالمراد أنّ آل محمّد صلىاللهعليهوآله يرثون أمثال هذه
المتروكات المعبّر عنها في بعض الأخبار بالآثار وبميراث النبوّة .
فقد روي عن الباقر عليهالسلام قال : «لمّا قضىٰ
رسول الله صلىاللهعليهوآله نبوّته ، واستكلمت أيّامه أوحى الله إليه يا محمّد قد قضيت نبوّتك ، واستكملت أيّامكَ ، فاجعل العلم الذي عندك والآثار والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوّة في أهل بيتك عند عليّ بن أبي طالب ، فإنّي لم أقطع علم النبوّة من العقب من ذرّيتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيكَ آدم عليهالسلام» .
وقد روى صاحب البصائر في الجزء الرابع منه
في باب ما عند الأئمّة عليهمالسلام من سلاح رسول الله ، وآيات الأنبياء مثل عصا موسىٰ وخاتم سُليمان ، والطست
، والتابوت والألواح وقميص آدم ، جملة وافرة من الروايات توضح هذا المعنى .
________________________
ومنها : إنّ من شأن
الأئمّة الإرشاد والإبلاغ والإنذار ، ووجوب طاعتهم على الناس كما كان ذلك شأن الأنبياء [عليهمالسلام] ، وهذا معنى
كون العلماء أيضاً ورثة لهم .
قال الصادق عليهالسلام : (الفضل لمحمّد صلىاللهعليهوآله وهو المقدّم على الخلق جميعاً لا يتقدّمه أحدٌ ، وعليّ عليهالسلام المقدَّم بعده
والمتقدِّم بين يدي عليّ عليهالسلام كالمتقدِّم بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله وكذلك يجري للأئمّة
من بعده واحداً بعد واحد جعلهم الله أركان الأرض أنْ تميد بأهلها ورابطة على سبيل هداه لا يهتدي هادٍ من ضلالة إلّا بهم ، ولا يضلّ خارج من هدى إلّا بتقصير عن حقّهم ، وأمناء الله على
ما أهبط الله من علم أو عذر أو نذر ، وشهداءه على خلقه والحجّة البالغة على
مَن في الأرض ، جرى لآخرهم من الله مثل الذي أوجب لأوّلهم فمَن اهتدى بسبيلهم
وسلّم الأمر لهم فقد استمسك بحبل الله المتين وعروة الله الوثقى) .
ولا يخفى أنّ حمل الميراث المستفاد من هذه
الفقرات على جميع ما كان لهم عليهمالسلام من الخصائص سوى
مرتبة النبوّة أولى من حمله على خصوص بعض المراتب كما يشهد له كثير من الأخبار الواردة في هذا المضمار .
______________________________________________________
ألا ترى إلى ما رواه المفضّل الجعفي عن
الصادق عليهالسلام قال : سمعته يقول : أتدري ما كان قميص يوسف ؟ قال : قلتُ : لا ، قال : إنّ إبراهيم لمّا أوقد له النار
أتاه جبرئيل بثوب من ثياب الجنّة فألبسه إيّاه فلم يضرّه معه حرّ ولا برد ، فلمّا حضر إبراهيم الوفاة جعله في تميمة وعلّقها على إسحاق ، وعلّقها إسحاق على
يعقوب ، فلمّا ولد يوسف علّقها عليه . وكان في عضده حتّى كان من أمره ما كان
فلمّا أخرج يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه فهو قوله : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ) فهو القميص الذي أُنزل
من الجنّة . قلتُ : جعلتُ فداك فإلى مَن صار ذلك القميص ؟
فقال : إلى أهله ، ثمّ قال : كلُّ نبيّ ورث
علماً أو غيره فقد انتهى إلى محمّد صلىاللهعليهوآله وأهل بيته .
كيف عمّم في آخره ولم يُفرّق فيه بين العلم وغيره ؟
.
الموضع الثالث في تفسير صفوة الله
فاعلم أنّ هذا اللفظ محتمل لكونه وصفاً
لآدم عليهالسلام ، وبدلاً ، وعطف بيان
ولا يرد على الأوّل جموده ، أمّا على
القول بجواز الوصف بالجامد مطلقاً
________________________
فظاهر . وأمّا على القول الآخر فلتأويله إلى
الصفي وهو مشتقّ والعدول عنه إليه إنّما هو للمبالغة كما في زيد عدلٌ ، فالمجاز في الكلمة ولكن التحقيق أنّ هذا لتصحيح اللفظ بمعنى أنّه لو كان الكلام قد جيء به على ظاهره من
دون أن يقصد به المبالغة لكان حقّه أن يؤل إلى المشتقّ وكذا تأويلهم نحو زيد عدل بذو
عدول وبذلك صرّح بعض أهل البيان على ما حكي
عنه في بيت الخنساء تصف الناقة : (فإنّما هي إقبالٌ وإدبار) .
قال : لم ترد بالإقبال والإدبار غير معناهما حتّى
يكون المجاز في الكلمة وإنّما المجاز في أن جعلتها لكثرة ما تقبل وتدبر كأنّها تجسّمت من الإقبال والإدبار ... وحاصله : أنّ المجاز في أمثال ذلك عقلي لكونه في الإسناد .
وكيف كان فصفوة الشيء بتثليث الحركات على
الصاد خالصه وخلاصته كالصفو إلّا أنّه بالفتح خاصّة ، وصفوة الله خيرة الله أي مصطفاه ومختاره من خلقه .
وفي بعض الأخبار سُمّي الصفا صفا لأنّ المصطفى
آدم عليهالسلام هبط عليه فقطع للجبل اسم من أسماء آدم ، وهبطت حوّاء على
المروة فسمّيت مروة لأنّ المرأة هبطت عليه ، فقطع للجبل اسم من أسماء المرأة .
________________________
يقال : صفا الماء إذا خلص من الكدر ، والدليل على
كون آدم عليهالسلام صفيّ الله ومصطفاه مضافاً إلى ما ذكره قوله تعالى : (إِنَّ اللَّـهَ
اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ
وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .
وإنّما لُقِبَ عليهالسلام بالصفوة مع عدم الاختصاص لكونه أوّل الاصفياء
بحسب الظاهر وإلّا فجميع الأنبياء أصفياء الله حيث خلقهم الله من طينةٍ صافية طيّبة فكرّمهم على سائر الخلق واختارهم من خلقه .
قال [الإمام] عليّ عليهالسلام : (فاغترف جلّ جلاله
من الماء العذب الفرات غرفةً بيمينه وكلتا يديه يمين فصلصلها فجمدت وقال الله : منك أخلق النبيّين والمرسلين وعبادي الصالحين والأئمّة المهديّين الدعاة إلى الجنّة وأتباعهم
إلى يوم القيامة ، ولا أسأل عمّا أفعل وهم يُسألون ...) .
وإنّما صار آدم عليهالسلام صفيّ الله ، لأنّه
تعالى جعل هيكله الشريف مظهراً لأنوار محمّد وآله [عليهمالسلام] ولذا أمر ملائكته
بالسجود له تعظيماً وإكراماً
لهذه الأنوار كما دلَّ عليه جملة وافرة من الأخبار .
________________________
فقد روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : (إنّه قال : يا
عباد الله أنّ آدم لمّا رأى النور ساطعاً
________________________
من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة
العرش إلى ظهره رأى النور ولم يتبيّن الأشباح فقال : ياربّ ما هذه الأنوار ؟
فقال : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى
ظهرك ولذلك أمرتُ الملائكة بالسجود لكَ إذ كنتَ وعاءً لتلك الأشباح) .
فإن قيل : ترك الانتهاء يُنافي مقام الاصطفاء وقد
قال : (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) .
قلنا : قد أجابوا عن ذلك بوجوه كثيرة لا يليق بهذا
المختصر .
وفي بعضها أنّ النهي كان من النواهي التنزيهيّة ، فعدم
الانتهاء لا ينافي العصمة على أنّه روي عن [الإمام] الرضا عليهالسلام أنّه قال : (قال
الله تعالى لهما : (لَا
________________________
تَقْرَبَا
هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ) وأشار لهما إلى
شجرة الحنطة ولم يقل لهما ولا تأكلا من هذه الشجرة ولا ممّا كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة وإنّما أكلا من غيرها لمّا أن وسوس الشيطان إليهما ، ثمّ قال : وكان ذلك من آدم قبل النبوّة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النار ، وإنّما كان من الصغار الموهوبية التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي إليهم ، فلمّا اجتباه الله وجعله نبيّاً
وكان معصوماً لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال : قال الله : (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ
فَغَوَىٰ * ثُمَّ
اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ) وقال : (إِنَّ اللَّـهَ
اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا ... ) .
________________________
وروي أيضاً : أنّ الله خلق آدم حجّة في أرضه وخليفةً
في بلاده لم يخلقه للجنّة وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض ليتمّ مقادير أمر الله فلمّا أهبط إلى الأرض وجعله حجّةً وخليفةً عُصم بقوله عزّوجلّ : (إِنَّ اللَّـهَ
اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا) . فتدبّر ولا تغفل .
والتحقيق أنّ معاصي الأنبياء ليست من قبيل المعاصي
المتعارفة المعروفة بل هي من قبيل ما أُشير إليه بقوله : (حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين) ، وقد فصّلنا هذا الإجمال وشرحنا هذا المقال في بعض رسائلنا الشريفة .
________________________
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ
يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ .
وهو نوح بن لمك الملقّب بشيخ الأنبياء
، بنجيّ الله ، لأنّ الله نجّاه من الطوفان بما أمره به من صنع السفينة كما قال : (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ
الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا) . وقصّته معروفة .
وهو أحد أُولي العزم من الرُّسل ، وهم على
المشهور خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسىٰ ، وعيسىٰ ، ومحمّد ، لأنّ كلّاً منهم أتىٰ
بعزم وشريعة ناسخة لشريعة مَنْ تقدّمه ، وعن بعض أنّهم نوح
وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسىٰ ومحمّد .
________________________
وعن بعض أنّهم : نوح ، وإبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب
، ويوسف ، وأيّوب .
وقيل : إنّهم جميع الرُّسل لأنّهم كانوا أولي الجد
والثبات والعزم على إقامة أمر الله والصبر على أذى أعداء الله ، وقد تقدّم من الروايات يُعيّن
المشهور .
فإن قيل : فما الوجه في وصف نوح بكونه نبيّ الله مع
أنّ جميعهم كذلك ؟
قلنا : لكونه أوّل أولي العزم من الرُّسل ولطول
مكثه في قومه يدعوهم إلى الهدى ودين الحقّ ، فقد مكث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً ، ولذا لقّب بشيخ الأنبياء ، وقصص أذىٰ قومه له وصبره على أذاهم في المدّة
الطويلة مشهورة ، ولأنّ الله لمّا
أهلك الناس بالطوفان لم يبق على وجه الأرض سواه وسوى ولده ، فنشأ الناس منهم ، ولذا سمّي بآدم الثاني فهو عليهالسلام أظهر آثاراً في مرتبة النبوّة من سائر الأنبياء . ثمّ النبيّ على ما صرّح به كثير هو : الإنسان
المخبر عن الله بغير واسطة بشر ، سواء كان له شريعة
، أو لم يكن له . مشتقّ من النبأ
________________________
وهو الخبر ، أو من النبوّة والنباوة وهي الرفعة فهو أعمّ
مطلقاً من الرسول ، لأنّه الإنسان المخبر عن الله بغير واسطة أحد من البشر وله شريعة مبتدأة كآدم عليهالسلام ، أو ناسخة كموسىٰ
وعيسىٰ ومحمّد صلىاللهعليهوآله ، وربما يُطلق
الرسول على الملك أيضاً ، فالفرق عموم و خصوص من وجه ، وربما يُفرّق بينهما
بوجوه أُخر .
وفي بعض الكتب المستظهرية أنّ النبوّة طريق بين
الله ونبيّه ، والرسالة طريق بين النبيّ وأُمّته فالنبوّة بمنزلة الغمام والرسالة بمنزلة القطر ، والفائدة
للتراب في المطر أمّا الغمام محلّه المطر والغمام اجتماع بخارات لطيفة متصاعدة ، والمطر تحليل تلك البخارات واستحالتها إلى صورة المائية من صورة الهوائية ، وبتلك الاستحالة نازلة إلى جهة الأسفل ، والرسالة مطر قطرت
________________________
على أرض الأرواح من غمام النبوّة ينال
النفوس فوائدها من الرسالة وهي متولِّدة من النبوّة ، إلى أن قال : فاعلم أنّ حقيقة النبوّة إقبال العقل
الأوّل الذي هو الجوهر المبدع على إنسان كامل الذات إقبالاً كلّياً حقيقيّاً بحيث يصير
مباشراً في ذاته فيتكلّم بلسانه ويرىٰ ببصره ويسمع بإذنه .
وقد يُقال : إنّ النبوّة هو كون الإنسان خليفة لله
بالخلافة المشار إليها بقوله : (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) وتلك الخلافة
الموروثة من آدم ما ظهرت بكمال ذاتها وتمام صفاتها إلّا في خمسة مراتب والمراتب التي ظهرت الخلافة الربّانية فيها هم أشخاص أولي العزم من الرسل عليهمالسلام ، وتلك الخلافة يستحقّها
محمّد صلىاللهعليهوآله بالاصالة بحسب
الباطن كما يستحقّها آدم عليهالسلام كذلك بحسب الظاهر ولذا قيل لآدم أنّه آدم الصورة ولمحمّد صلىاللهعليهوآله أنّه آدم الحقيقة ، فكما
أنّ آدم الصورة أوّل الإنسان كذلك آدم الحقيقة خاتم الأنبياء ، فنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله أصلية يتفرّع عليها سائر النبوّات ، فلولاه ما ظهرت لنبيٍّ نبوّة أصلاً ، فهو صلىاللهعليهوآله نبي الله حقيقةً وأصالةً وسائر الأنبياء نبوّتهم من رشحات نبوّته .
قال صلىاللهعليهوآله : (كنت نبيّاً وآدم
بين الماء والطين) .
وهذا هو السرّ في بقاء شريعته إلى يوم الدِّين
بخلاف شرائع سائر المرسلين فإنّها منصرمة منقطعة بشريعة خاتم النبيِّين صلىاللهعليهوآله .
________________________
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ
يَا وَارِثَ اِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ .
هو إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن شاروخ الملقّب بخليل الله
، وخليل الرحمٰن ، وأبي محمّد وأبي الأنبياء ، وأبي الضيفان ، وظاهر القرآن يقتضي
كون آزر أباه . ولكن العرب كثيراً
ما يطلقون الأب على العمّ ، وقد صرّح أهل التواريخ أنّ آزر كان عمّه عليهالسلام ، وهذا هو الموافق
لمذهب أهل الحقّ من أنّ آباء الأنبياء لا يكونون إلّا موحِّدين .
________________________
والخليل من الخلّة ، وهي بالضمّ المودّة المتناهية
في الإخلاص والصداقة ، والدليل على
كونه عليهالسلام خليل الله قوله : (وَاتَّخَذَ اللَّـهُ
إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) أي نبيّاً مختصّاً
به أو فقيراً محتاجاً إليه ، أو عبداً مصطفى له ، أو عبداً كثير الخلوص والمودّة على اختلاف ما قيل في تفسير الآية .
وفي بعض الأخبار : (إنّ الله اتّخذ إبراهيم عبداً
قبل أنْ يتّخذه نبيّاً ، ونبيّاً قبل أنْ يتّخذه رسولاً ، ورسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً ، وخليلاً قبل أنْ يتّخذه
إماماً)
________________________
فلمّا جمع له هذه الأشياء قال : (إِنِّي جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِمَامًا) ففيه دلالة على
أنّ الخلّة مقام فوق مقام الرسالة ، وحكاية اختبار
جبرئيل له عليهالسلام في أمر غنمه معروفة دالّة على كماله في مقام محبّة الله وغضّ النظر عمّا سواه ، ولا يخفى
أنّ الخليل عليهالسلام ما ألبسه الله تاج
الخلّة إلّا لكونه من شيعة أمير المؤمنين عليهالسلام كما قال : (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ) وكفاه ذلك فخراً
وشرفاً ، وقد أمر
________________________
النبيّ صلىاللهعليهوآله باتّباع ملّته بقوله
تعالى : (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) أي مستقيماً والسنن الباقية من ملّته في الشريعة المحمّدية صلىاللهعليهوآله معروفة مشروحة في المبسوطات .
________________________
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ
يَا وَارِثَ مُوسىٰ كَلِيمِ اللهِ .
هو موسى بن عمران بن قهاث بن لاوي بن يعقوب
بن إسحاق بن إبراهيم عليهالسلام الملقّب بالكليم ، لأنّ
الله ناجاه وكلّمه من دون واسطة كما قال : (وَكَلَّمَ اللَّـهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا) ، ومعنى كونه
تعالى متكلِّماً أنّه موجد وخالق للحروف المسموعة المنتظمة في بعض الأجسام كالشجرة ونحوها ، وعن الأشعرية أنّه متكلِّم بلسان وشفتين .
وفساده واضح لاستلزامه الجسمية الباطلة ، وعن بعضهم أنّ الكلام صفة قديمة قائمة بالذات غير القدرة والعلم والإرادة ، وهو أيضاً باطل لاستلزامه
________________________
تعدّد القدماء ، فالحقّ أنّ كلامه
مخلوق حادث كسائر صفاته الفعلية ، وتفصيل الكلام يُطلب من علم الكلام وكتب الأعلام .
وفي بعض الأخبار أنّ الذي كلّم موسىٰ
كان هو أمير المؤمنين عليهالسلام ، وأنّ النور الذي تجلّى عليه فخرّ صعقاً ، واندك به الجبل هو من نوره [عليهالسلام] ، أو نور شيعته من الملائكة الكروبيين . وقال عليهالسلام : (أنا ذلك النور
الذي اقتبس موسىٰ منه الهدىٰ ، أنا صاحب الصور) .
______________________________________________________
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ
يَا وَارِثَ عِيسىٰ رُوحِ اللهِ .
هذا هو عيسىٰ بن مريم الملقّب من عند الله
بروح الله وكلمته ، والإضافة تشريفيّة ، كما في قولهم : ناقة الله ، وبيت الله . أي روحٌ خلقه الله فشرّفه
وكرّمه على سائر الأرواح .
وقد روي عن [الإمام] الباقر عليهالسلام في قوله : (وَرُوحٌ مِّنْهُ) أنّه قال : روحٌ مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسىٰ .
وعن الصادق عليهالسلام في قوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن
رُّوحِي) إنّه قال : إنّ
الروح متحرّك كالريح ، وإنّما سُمّي روحاً لأنّه اشتقّ اسمه من الريح وإنّما أخرجه على
لفظ الريح ، لأنّ الروح مجانس للريح وإنّما أضافه إلى نفسه ، لأنّه اصطفاه
على سائر الأرواح كما قال لبيتٍ من البيوت : بيتي ، وقال لرسول من الرُّسل : خليلي وأشباه ذلك وكلّ ذلك مخلوق مصنوع محدث .
والمراد بكونه عليهالسلام روح الله أنّه مظهر
الروح الشريفة التي نفخها فيه ، أو أنّه مظهر آثار قدرة الله وعجيب صنعه ، لأنّ الصادق عليهالسلام قد فسَّر الروح في
قوله :
________________________
(وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ) . بالقدرة ، قال أبو
بصير في حديثٍ عنه عليهالسلام قلت : ونفخ فيه من روحه ؟ قال : من قدرته . ويُحتمل أن يكون
المراد كونه مظهراً للروح الأعظم الذي كان يتجلّى فيه أنبيائه بصورته ، وفي محمّد وآله بحقيقته
، وإليه الإشارة فيما رواه أبو أيّوب عن الصادق عليهالسلام قال ؛ سمعته يقول : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ
رَبِّي) قال : ملك أعظم من
جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممّن مضىٰ غير محمّد صلىاللهعليهوآله وهو مع الأئمّة ، وليس كلّما طلبَ وجد .
وقال الباقر عليهالسلام : (إنّ الله خلق
الأنبياء والأئمّة على خمسة أرواح : روح القوّة ، وروح الإيمان ، وروح الحياة ، وروح الشهوة ، وروح القدس . فروح القدس من الله ، وسائر الأرواح يُصيبها الحدثان ، فروح القدس لا يلهو ولا يتغيّر ولا يلعب ، وبروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش إلى ما تحت الثرى .
________________________
وفي رواية أُخرى عن الصادق عليهالسلام : (يا مفضّل أنّ الله جعل للنبيّ صلىاللهعليهوآله خمسة أرواح : روح الحياة فيه دبّ ودرج ، وروح القوّة فيه نهض وجاهد ، وروح الشهوة فيه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال ، وروح الإيمان فيه أمر وعدل ، وروح القدس فيه حمل النبوّة فإذا قُبض النبيّ صلىاللهعليهوآله انتقل روح القدس فصار في الإمام ، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو ، والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو ، وروح القدس ثابت يرىٰ به ما في شرق الأرض وغربها وبرّها وبحرها . قلت : جُعِلتُ فداك يتناول الإمام ما ببغداد بيده ؟ قال : نعم وما دون العرش) .
______________________________________________________
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ
يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ .
اقتصر من ذكر الأنبياء والمرسلين على هؤلاء
الستّة ؛ إمّا لكونهم بأجمعهم أُولي العزم على ما يراه بعضهم ، وإن كان المشهور عدم عدّ آدم عليهالسلام منهم لقوله تعالىٰ : (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) فأخرجه الله من
عدادهم ، وأنت خبير بأنّ الظاهر من الآية العزم على المعصية ، لا على إقامة أمر الله فلابعد في
كونه منهم .
وأمّا لكون الخمسة من أُولي العزم وآدم عليهالسلام أوّل إبداع البشر قد خلقه على
________________________
صورته ، وجعله نسخة لملكه وملكوته وإنموذجاً
للعالم الأكبر وخمَّر طينته بيده أربعين صباحاً ، وأسجد له ملائكته وعلّمه الأسماء كلّها إلى غير ذلك
من المزايا والفضائل التي يطول المختصر بذكرها فهؤلاء الستّة جامعون لجميع الكمالات الروحانية متّصفون بجميع الصفات الربّانية ، والباقون من فروعهم ورشحاتهم ورعاياهم ، فهم عليهمالسلام أصول النبوّة وأركان
الرسالة والباقون فروعها وأغصانها وأوراقها ، وأنّ اشتراك الكلّ في أصل النبوّة كما قال : (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) .
قال بعض العارفين : اعلم أنّ الأنبياء في مرتبة
النبوّة وذورتها على درجة واحدة ، غير أنّهم على تفاوت في وقت قبولها ، فمنهم تنبّأ في منامه ومنهم من
تنبّأ في يقظته ، وكلّهم في النبوّة سواء لأنّ النبوّة كمال علم حصل من وحي الله في نفس عبد كامل هو في وقته أعقل عصره ، وتلك النبوّة التي هي نور العقل الأوّل ضوء كلمة الله العليا ، خلقه من الله لجميع الأنبياء ، ثمّ إنّ الأنبياء في
مراتب الرسالة وكيفيّات الرسالات وكمّيات المقالات متفاوتة إذ لكلّ واحد منهم خاصّة يميّز بها عن غيره كما كان الكلام لموسىٰ ، والخلّة لإبراهيم ، والكلمة
لعيسىٰ ، والرؤية لمحمّد صلىاللهعليهوآله ، وأعني بذلك أنّ
كلّ واحد منهم اشتهر بخاصّية انضافت تلك الخاصّية بذاته ، حتّى سمّى الناس له باسم تلك الخاصّية كما قيل :
موسىٰ كليم الله ، وإبراهيم خليل الله ، وقد كان إبراهيم كليم الله كموسىٰ ،
وموسىٰ خليل الله كإبراهيم ، لكن صار الكلام لموسىٰ خاصّة ذاته وباقي المراتب
منازل نال
________________________
بتبع الكلام ، وكذا إبراهيم وسائر الأنبياء
فكلّهم في النبوّة لقبول الوحي ، واستعداد النفوس لقبول ضوء الوحي في مرتبة واحدة ، أمّا في الرسالة واختلاف الشريعة فكانوا بحسب الأوقات ، لأنّ النبوّة فوق الزمان والمكان ، فما اختلفت في موضع ولا وقت ، أمّا الرسالة فوقعت تحت الفلك لمصالح الناس ، ولا شكّ أنّ الطباع والأمزجة واللغات مختلفة ، وهي متعلِّقة باختلاف الأوقات والأزمان والأمكنة والقرون والمواضع والأقاليم ، فاختلفت الرسالة بحسب اختلافتها ، وإنّما اختلفت الرسالة لتختلف الشريعة وتختلف الكتب باختلاف اللغات والاصطلاحات الجارية بين الناس وكان لنوح عليهالسلام في رسالته مرتبة ودرجة ودعوة ولغة بخلاف ما كانت لإبراهيم وإن كانا في النبوّة سواء وكان نوح في عصره على مزاج وطباع مع قوم لم يجد منهم رشداً ولم يعلم فيهم خيراً فرأى هلاكهم خيراً من حياتهم فدعا الله وقال عليهالسلام : (لَا تَذَرْ عَلَى
الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) .
وكان إبراهيم في عهدٍ غلب اللطافة على طباع
قومه وظهرت الإلفة في مزاج أهل عصره فأمره بالتلطّف والترأف ، وقال : يا إبراهيم حسّن خلقك ولو مع الكفّار ، وهكذا كان عهد موسى فإنّ الله أمره بالتلطّف في الكلام وتخفيف الدعوة مع فرعون ، وقال له ولأخيه : (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ
طَغَىٰ *
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ) .
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله الضحوك القتال كان يضحك
مع قوم ، ويقتل لقومٍ كما رأى في مصالح رسالته ، وأراه الله في كمال نبوّته ، وكان لله أنبياء كثيرون
________________________
بأشخاص معدودين بعددٍ معلوم .
فيقال : كان مئة ألف وأربعة آلاف وعشرون شخصاً نبيّاً
من الأصناف المختلفة ، وكان أكثرهم في بني إسرائيل فهذا المبلغ هم الأنبياء واختار منهم ثلاثمئة وثلاثة عشر للرسالة ، لأنّ النبوّة نور مفرد ، والرسالة نورٌ مركّب
بانعكاسه وللمركب فائدة لا توجد في الفرد ، وكان عدد الرسل أقل من عدد الأنبياء لقلّة انعكاس نور النبوّة في بعض الأشخاص ، فالشمس يقع ضوئها على جميع المشففات واللطائف ولا ينعكس عليها إلّا إذا وقعت على التراب يظهر الشعاع بانعكاس ضوئها وإنكاسها مثل الرسالة وشروقها مثل النبوّة ولا يكون النهار إلّا بالضوء المنعكس الظاهر ، وكان لكلّ نبيّ قوّة خاصّة به من نور النبوّة ، وكان لكلّ
رسول نور زائد على نور النبوّة من تكرار ضوء القدس ، فنور الأنبياء أكثر من نور المؤمنين ، ونور الرُّسل أكثر من نور الأنبياء ، فإنّ للنبي نوراً واحداً ، وللرسول نورين نور النبوّة ، ونور الرسالة ، وقد عرفت أنّ نور النبوّة من العقل ، ونور الرسالة من النفس واجتماع النورين لا يكون كنورٍ واحد ، فنور على نور هو اجتماع نور النبوّة والرسالة ، ولا شكّ أنّ اجتماع ثلاثة أنوار أكثر وأظهر من اجتماع نورين ، والأنوار الثلاثة نور النبوّة ، ونور الرسالة ، ونور الظهور ، وهو بمنزلة الوجود ، وهذه الأنوار الثلاثة في أُولي العزم من الرسل ، فالرسل مختارة من أُولي العزم ، وأولوا العزم مختارة من الرسل ، وكلّما ازداد نور الكمال قلَّ حجاب العدد ، وأولوا العزم أقلّ عدداً من الرسل ، والرسل أقلّ عدداً من الأنبياء ،
فالرُّسل ثلاثمئة وثلاث عشر ، وأولوا العزم منهم ستّة كما أخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : (أولو العزم منهم ستّة : آدم ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى
،
ومحمّد صلىاللهعليهوآله .
وفي تحقيق الكلام لم يكن آدم من عدد أولي العزم ، لإخراج
الله له عن ذوي العزم في حقّه : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) ، وإن لم يطلق هذا
على عزم المعاصي كان آدم في جملتهم ، وأنّ الرسول الذي هو ذو العزم يعني أنّه صاحب الدورة التامّة ، وله الدائرة الكبرى التي تشتمل على الرسالة ، والنبوّة
، والكتاب ، والعزيمة ، والدعوة ، والمدّة ، والأمّة ، والشريعة ، والخليفة ، والدورة وهي تلف سنة : (وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ
مِّمَّا تَعُدُّونَ) فهذه الخصال
والكمالات العشرة إذا وجدت في شخصٍ من الأنبياء فهو من أُولي العزم ولم توجد إلّا في ستّة أشخاص منهم .
وفي رواية أُخرى في خمسة إلى آخر ما
ذكره . وإنّما نقلناه
بطوله لاشتماله على فوائد جليلة لا تخفى على المتأمِّل فيه ، ولكن ما
ذكره من أنّ الأنبياء في مرتبة النبوّة على درجة واحدة يكشف عن أنّ إطلاق النبوّة على
________________________
جميع النبوّات من باب إطلاق المتواطئ على
أفراده ، وفيه نظر إذ
النبوّة هي طريقٌ بين النبيّ وبين الله ، ولا ريب أنّ الطرق إليه كثيرة متفاوتة ، فكيف يقال :
بأنّ الطريق واحدة ؟ وقد روي أنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق .
أم كيف يجترئ المنصف على أن يقول : إنّ موسىٰ
مثلاً مع محمّد صلىاللهعليهوآله في درجة واحدة في مقام النبوّة مع أنّه قال : (لو أنّ موسى أدركني حيّاً ولم يؤمن
بي لما نفعته نبوّته شيئاً) أو يقول : إنّه صلىاللهعليهوآله مع آدم عليهالسلام في درجة واحدة مع
قول وصيّه عليهالسلام : (إنّي وإنْ كنت
ابن آدم صورة ولي فيه معنىٰ شاهد بأبوتي كيف ولم ينل الأنبياء ما نالوا من المراتب إلّا بالإذعان لمحمّد وآله) ، قال [صلىاللهعليهوآله] : والكليم أُلبس حلّة الاصطفاء لما عاهدنا منه الوفاء .
والأخبار الواردة من طرقنا الشاهدة على هذا
المقصد متواترة معنى كما لا يخفى ، فالحقّ أنّ هذا الإطلاق من باب الإطلاق المشكك المتفاوت بالأولوية
________________________
والأوّلية ، لأنّه صلىاللهعليهوآله كان نبيّاً وآدم بين الماء والطين ، وكان أحقّ بهذا
النصب من غيره لما تقدّم من أن تجلّى الروح الأعظم فيه كان بالحقيقة وفي سائر الأنبياء
بالظلّية بل الروح الأعظم في الحقيقة هو نفس الحقيقة المحمّدية فهذا من قبيل إطلاق الوجود على الله تعالى ، وعلى سائر الموجودات ، وكذا ما
ذكره من أنّ الرؤية كانت لمحمّد صلىاللهعليهوآله ، فإنّه فاسدٌ باطل
قد دلّت البراهين العقلية والأدلّة النقلية على استحالة الرؤية على الله مطلقاً . اللّهم إلّا أن يُراد
بالرؤية رؤية أكبر الآيات كما قال : (لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ
الْكُبْرَىٰ) ، وسُئِلَ الكاظم عليهالسلام : هل رأى رسول الله ربّه ؟ فقال : نعم رآه بقلبه ، أما سمعت الله يقول : (مَا كَذَبَ
الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ) ) . لم يره بالبصر
ولكن رآه بالفؤاد .
وكيف كان فإذا اجتمعت في مولانا سيّد الشهداء أرواح
العالمين فداه كمالات هؤلاء الستّة صدقَ أنّه جامع لجميع الكمالات الناسوتية والملكوتية سوى النبوّة فيخلفها فيه الولاية ، لأنّها في الإمام عليهالسلام بمنزلة النبوّة في النبيّ صلىاللهعليهوآله .
والمراد بالحبيب إمّا المحبّ أو المحبوب أو كلاهما
على القول بجواز استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنىٰ واحد ، ولا ريبَ أنّ المحبّية
لله مستلزمة للمحبوبيّة فمَن أحبّ الله أحبّه الله ، ومَن أحبّه الله أحبّ الله ، كما قال صلىاللهعليهوآله : (مَن
________________________
أحبّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه) وقال : (لا يحبّ
الله إلّا مَن أحبّه) ، وقال الله : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) ، وأوصى الله
إلى داود : (يا داود أبلغ أهل أرضي أنّي حبيب لمن أحبّني ، وجليس لمَن جالسني ، ومؤنس لمَن أنس بذكري ، وصاحب لمن صاحبني ، ومختار لمن اختارني ، ومطيع لمَن أطاعني ، ما أحبّني عبدٌ أعلم ذلك يقيناً من علمه إلّا قبلته لنفسي ، وأحببته حبّاً لا يتقدّمه أحدٌ
من خلقي ...) . وهذا المقام منتهى
المقامات وفوق جميع الكمالات يندرج تحته الصفوة ، والخلّة وغيرها من الدرجات ، ولذا قال صلىاللهعليهوآله : (آدم ومن دونه تحت
لوائي) ، وقال : (أنا سيّد
ولد آدم) .
فاقَ النبيِّينَ في خلق وفي خُلقٍ
|
|
ولم يدانوه في حلمٍ ولا كرمِ
|
________________________
وقد أحسن مَن قال : كان صلىاللهعليهوآله أطيب الناس ريحاً ، وأحسنهم خُلقاً ، وأملحهم خَلقاً ، وأعذبهم قولاً ، وألطفهم كلاماً ، وأصدقهم فعلاً ، وأعدلهم مزاجاً ، وأحدّهم حسّاً ، وأدقّهم نظراً ، وأعلاهم درجةً ، وأكملهم عقلاً ، وأقواهم
نفساً وأقربهم إلى الله ، وأجذبهم نوراً ، وأكثرهم صبوراً ، وكان آدم عليهالسلام ظلّ ذاته ، ونوح حامل راياته ، وإبراهيم حاكي صفاته ، وموسى نائب آياته ، وعيسىٰ
مبشِّر شرعه ، وإدريس منجم دينه ، وزكريا مؤذِّن مسجده ، ويونس ساقي قومه .
قال صلىاللهعليهوآله : (أنا أملح ويوسف
أحسن ، حمل النبوّة في الأزل ، وقبل الرسالة عند الأول) .
قمرٌ منيرٌ دائم الإشراقِ
|
|
قامتْ عليه قيامةُ العشّاقِ
|
بدرٌ تمنّىٰ الناظرون لوائه
|
|
ما بينهم يمشي على الأحداقِ
|
وبالجملة هذا المقام فوق الإدراك وكفاك شاهداً حديث
: (لولاك لما خلقت الأفلاك) وبيان حقيقة المحبّة
وعلاماتها ، وسائر ما يتعلّق بها لا يسعه هذا المختصر ، ومَن أراد الإطّلاع على ذلك كلّه فليطالع كتاب إحياء العلوم
للغزالي
________________________
فلنقصر في المقام على ما في كتاب
مصباح الشريعة . قال الصادق عليهالسلام : (حبّ الله إذا أضاء على سرّ عبدٍ أخلاه عن كلّ شاغل وكلّ ذكرٍ سوى الله ، والمحبّ
أخلص الناس سرّاً لله ، وأصدقهم قولاً ، وأوفاهم عهداً ، وأزكاهم عملاً ، وأصفاهم ذكراً ، وأعبدهم نفساً تتباهى الملائكة عند مناجاته ، وتفتخر برؤيته
، وبه يعمر الله بلاده ، وبكراماته يكرم عباده ، يعطيهم إذا سألوا بحقّه ، ويدفع
عنهم البلايا برحمته ، فلو علم الخلق ما محلّه عند الله ومنزلته لديه ما تقرّبوا إلى
الله إلّا بتراب قدميه) .
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «حبُّ الله نار (الله)
، لا تمرُّ على
شيءٍ إلّا احترق ، ونور الله لا يطّلع
على شيءٍ إلّا أضاء ، وسحاب الله ما ظهر من تحته
شيءٍ إلّا غطّاه ، وريح الله ما تهب في شيء إلّا وحرّكته ، وماء الله يُحيي به كلّ
شيء ، وأرض الله ينبت منها كلُّ شيءٍ ، فمن أحبّ الله أعطاه كلّ شيء من الملك والملكوت» .
وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : (إذا أحبّ اللهُ
عبداً من أُمّتي قذف في قلوب أصفيائه وأرواح ملائكته ، وسكّان عرشه محبّته ليحبّوه ، فذلك المحبّ حقّاً طوبى له
وله
________________________
عند الله شفاعة يوم القيامة) .
وفيه أيضاً قال الصادق عليهالسلام : (الحبّ في الله ، فحبٌّ لله ، والمحبوب
في الله ، حبيب الله ، لأنّهما لا يتحابّان إلّا في الله) .
إلى أن قال : وقال أمير المؤمنين
عليهالسلام : (إنّ أطيب شيءٍ في
الجنّة وألذّه حبّ الله ، والحبّ في الله ، والحمد لله ، قال الله : (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ
أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، وذلك أنّهم إذا عاينوا
ما في الجنّة من النعيم ، ماجت المحبّة في قلوبهم فينادون عند ذلك الحمدُ لله ربّ العالمين) .
ولا بأس أيضاً بإيراد ما ذكره بعض العارفين في
المقام وهو أنّ اسم المحبّة وإن كان واحداً عند الإطلاق فهو يختلف بتفاوت متعلقه ، فمحبّة الله لعبده تُغاير محبّة العبد لربّه وإيضاح ذلك : إنّ حقيقة محبّة الله لعبده إرادته لانعام مخصوص يفيضه إلى ذلك العبد من تقريبه وإزلافه من محال الطهارة والقدس وقطع شواغله ، وتطهير باطنه عن كدورات الدُّنيا ورفع الحجاب عن قلبه حتّى يشاهده كأنّه يراه ، فإرادته بأنْ يخص عبده بهذه الأحوال الشريفة هي محبّته له ، وأمّا محبّة العبد لله فهو ميله إلى نيل هذا الكمال وإرادته درك هذه الفضائل
.
________________________
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ
يَا وَارِثَ عَلِيٍّ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ وَلِىِّ اللهِ .
هو عليّ بن أبي طالب المخصوص بهذا اللقب ، وفي بعض الأخبار
هو اسمٌ سمّاه الله به لم يسمّ به أحدٌ قبله ، ولم يسم بعده ، وفي بعضها : (سلِّموا
________________________
عليه بإمرة المؤمنين) والإمرة بكسر الهمزة
الولاية أي قولوا له : السلامُ عليك يا أمير المؤمنين .
وفي بعضها سمّي به لأنّه عليهالسلام يميرهم العلم أي يحمل إليهم
أقواتهم الروحانية من الميرة بالكسر ، وهو طعام يجلبه الإنسان من بلدٍ إلى آخر ، وأنت
خبير أنّ الأمير من أمرَ يأمر ، ويمير من مارَ فليس من الاشتقاق المشهور ولكنّه من الاشتقاق الكبير .
________________________
قيل : ولك أن تقول قصده أنّ تسميته بأمير المؤمنين
ليس لأجل أنّه مطاعهم بحسب الدُّنيا ، بل لأجل أنّه مطاعهم بحسب العلم ، وفي هذا الاسم إشارة إلى أنّهم لا يكونون مؤمنين إلّا بولايته وطاعته ، وأنّه ركن الإيمان
كما قال : (أنا صلاة المؤمنين ، وصيامهم ، وحجّهم ، وزكاتهم) .
فلا يدخل تحت لواءه الفاسقون الفجرة ، والظالمون
الكفرة ، فإنّ أميرهم هو إبليس وجنوده وأتباعه من خلفاء الجور الذين نصبوا العداوة لعليّ عليهالسلام وأولاده
________________________
المعصومين ، وشيعته المخلصين ، وبيانه أنّ
كلّ قوم يوجبون طاعة أميرهم فيما يأمرهم به ، وينهاهم عنه ، وعليّ عليهالسلام لا يأمر إلّا بما
أمر الله ، ولا ينهى إلّا عمّا نهى الله ، فكيف يكون أميراً للفسقة ولم يوجبوا طاعته ولم يدخلوا تحت رايته .
اللّهم إلّا أن يقال : إنّ المؤمن هو المحبّ له عليهالسلام بقلبه المذعن بمقامه العارف بحقّه ، وإن كان فاسقاً بجوارحه فإنّ (حبّ عليّ عليهالسلام حسنة لا يضرّ معها سيّئة ، كما أنّ بغضه سيئة لا ينفع معها حسنة) ، فلا يشترط في صدق
الاسم متابعته حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة ، وإنّما يُشترط هذا في الشيعة كما دلّت
عليه من الأخبار جملة كثيرة ولتحقيق هذا الكلام محلّ آخر .
والولي : إمّا من الولي وهو القرب فهو ولي لكونه أقرب
الخلق إلى الله بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وأمّا من الوَلاية
بالفتح بمعنى المحبّة فهو وليّ الله لكونه محبّاً لله ومحبوباً له كما يدلُّ عليه حديث الراية ، والطير المشوي وغيرهما ، أو
________________________
______________________________________________________
بمعنى النصرة ، فهو عليهالسلام ولي الله لكونه ناصراً لدين الله بلسانه وسيفه
، أو منصوراً من عنده بملائكته كما يشهد به مجاهداته في سبيل الله وغلباته على أعداء الله ، وأمّا من الوِلاية بالكسر بمعنى الإمارة ، لكونه أمير المؤمنين
عليهالسلام ، أو بمعنى التولية والسلطنة كما في قوله : (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّـهِ) ، فهو ولي الله لكونه يتولّى تدبير أُمور الخلق بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله من قبل الله ورسوله
كما قال : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) فقد نزلت في عليّ عليهالسلام باتّفاق الفريقين حين سأله سائل وهو في الركوع فأعطاه الخاتم ، وعن أبي ذرّ أنّها
نزلت بعد أنْ قال الرسول صلىاللهعليهوآله :
______________________________________________________
(اللّهم اشرح لي صدري ويسِّر لي أمري واجعل
لي وزيراً من أهلي عليّاً أخي أشدد به ظهري) .
فهذه الآية من أوضح الأدلّة على إمامة [الإمام]
علي عليهالسلام بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله بلا فصل ، والله تعالى
أيضاً ولي الذين آمنوا ، لأنّه ينصرهم أو يتولّى أمورهم (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ، وقد يقال : إنّه
من ولّاه إذا وجّهه فهو وليّ الله ، لأنّه وجّهه إلى جهته التي خلق لها من مقامه من الله ، ورتبته في
الجنّة ، أو جهات ما أراد منه من رفع الحجب عن قلبه حتّى يشاهد من ملكوت الله في خلقه ما كتب له في ألواح قدره فتدبّر .
وقد يقال أيضاً أنّ الولي هو الحامل للواء الحمد
وهو لواء الولاية المطلقة
______________________________________________________
العامّة يعني أنّه (عج) خلق هذا الولي له
خاصّة وخلق له جميع خلقه فلمّا خلقه أشهده خلق نفسه وأنهىٰ إليه علمها فتأمّل .
وكيف كان فالولاية إن كانت بمعنى القرب إلى
الحقّ فالولي هو العبد الذي قرّبه الله إلى بساط ديمومته ، فعرّفه حقائق القدس ودقائق الانس ، وولّاه
التدبير في أُمور الملك والملكوت ، وأوقفه على مقامات الجبروت والناسوت فيتصرّف في العوالم الإمكانية بما أراه ويدبّر الاُمور بإذنه معرضاً عمّن سواه ، فالولاية بمنزلة النبوّة لما عرفت من أنّها طريق بين الله وبين نبيّه ، فإنّ الولاية
أيضاً طريق بينه وبين وليّه وهي خاصّة ومطلقة ، فالأولى ماكان محمّد وآله صلىاللهعليهوآله لأنّ قربهم إلى الحقّ قرب خاصّ ، لا يشاركهم فيه أحداً من الخلق كما قال في الزيارة الجامعة : (أتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين) ، وقال أيضاً : (فبلغ
الله بكم أشرف محلّ المكرمين وأعلى منازل المقرّبين وأرفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوته فائق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في إدراكه طامع) .
والثانية ما كانت في سائر الأنبياء والأولياء على
تفاوت مراتبهم في هذا المقام ، فالولاية الخاصّة بهذا المعنى أفضل من الولاية المطلقة ، بل
النبوّة المطلقة المشتركة بين سائر الأنبياء ، وما قيل : من أنّ نهاية الأولياء بداية
الأنبياء فهو في الولاية المطلقة والنبوّة المطلقة ، إذ لا يكون العبد نبيّاً حتى يكون
وليّاً ،
________________________
ولكن ربّما يكون وليّاً ولا يكون نبيّاً ، فالنبوّة
بهذا المعنى أشرف من الولاية بهذا المعنى ضرورة أفضلية الجامع للنورين من النور الواحد لاستلزام النبوّة للولاية
دون العكس .
ومن هنا ظهر أنّ نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآله الخاصّة أشرف من ولايته الخاصّة بخلاف النبوّة المطلقة فإنّ ولايته الخاصّة أشرف منها وإليه الإشارة بقوله : (ولولا عليّ
لما خلقتك) أي ولولا مقام ولايتك
الخاصّة لما خلقتك فإنّ عليّاً عليهالسلام كان مظهر تلك الولاية فمحمّد صلىاللهعليهوآله من حيث جامعيّته
للنبوّة والولاية أفضل من عليّ عليهالسلام لكونه حاوياً لمرتبة
الولاية الخاصّة خاصّة . ويشهد لذلك ما روي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : (إنّ
جبرئيل أتىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله برمّانتين فأكل رسول
الله صلىاللهعليهوآله إحداهما ، وكسر
الاُخرى بنصفين فأكل نصفاً وأطعم عليّاً نصفاً ثمّ قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا أخي هل تدري ما
هاتان الرمّانتان ؟ قال : لا ، قال : أمّا الأولى فالنبوّة ليس لك فيها نصيب ، وأمّا الاُخرى
فالعلم فأنت شريكي فيه ، فقلتُ : أصلحك الله كيف شريكه فيه ؟ قال : لم
يُعلّم الله محمّداً علماً إلّا وأمره أنْ يعلّمه عليّاً) .
وإن كانت بمعنى التصرّف والتدبير فالولي هو
العبد الذي خصّه الله بالتولية
________________________
والسلطنة على عباده في أمورهم ، فإنّه
مالك الملك وسلطان السلاطين ، (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ
وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ) (بيده الملك وهو على كلّ شيءٍ قدير) ، فيكون بمعنى
الإمامة التي هي الرياسة العامّة ، فيكون بمنزلة
الرسالة التي هي طريق بين الرسول وسائر الناس فهي إمّا خاصّة كالولايات الجزئية المتعلِّقة بناحية خاصّة وصقعٍ خاصّ ، أو عامّة كالرياسات
العامّة المتعلِّقة بالملك والملكوت ، ولا ريبَ أنّ الولاية العامّة المطلقة ببعض المعاني أشرف من النبوّة الخاصّة كذلك .
والحاصل : أنّ الولاية الكلّية ، والنبوّة الكلّية
أفضل من الولاية الجزئية والنبوّة الجزئية ، والاصطلاحات في المقام مختلفة فلا مشاحة فيها .
________________________
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ
يَا بْنَ مُحَمّد المُصْطفىٰ ، اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ عَليِّ الْمُرْتَضىٰ ، اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ فَاطِمَةَ
الزَّهْراءِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ خَدِيجَةَ الكُبْرىٰ .
لا خفاء في كون سيّد الشهداء عليه آلاف التحيّة
والثناء ابناً لأمير المؤمنين عليهالسلام وفاطمة الزهراء عليهاالسلام ظاهراً وباطناً جسداً وروحاً على
الإطلاق الحقيقي ، وكذا لا خفاء في كونه عليهالسلام ابناً للرسول صلىاللهعليهوآله بحسب الحقيقة الروحانية والتربية النفس الامرية ، كيف وهو الوالد الروحاني بالنسبة إلى جميع
مَن أجاب دعوته من الاُمّة كما قال : (أنا وعليّ أبوا هذه الاُمّة) ، ومن هنا قال عليّ عليهالسلام لمحمّد بن أبي بكر :
(أنّه ابني من صلب أبي بكر) ، وأخرج الله ابن نوح لمّا اعتزل عن أبيه عن أهله فقال تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ
غَيْرُ صَالِحٍ) وإنّما الكلام في
أنّ إطلاق الابن على ابن الولد حقيقة مطلقاً أو مجاز كذلك ، أو يفرق ما بين ابن الابن وابن البنت فالأوّل في الأوّل ، والثاني في الثاني ، وكذا الكلام في ولد الولد هل هو ولد حقيقة أو لا ؟
________________________
وقد تعرّضوا لهذا الخلاف في كتاب الخمس في استحقاق
مَن ينتسب إلى عبد المطّلب بالاُمّ وعدمه ، وفي كتاب الوقف فيما
لو وقف على أولاده هل يدخل فيهم أولاد البنين والبنات أو لا ، واستدلّ مَن قال
بأنّ هذا على وجه الحقيقة بالاستعمال الشائع لغةً وعرفاً ، كما في قوله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ) ، و (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) ، و (يُوصِيكُمُ اللَّـهُ
فِي أَوْلَادِكُمْ) ، وقول النبيّ صلىاللهعليهوآله لمّا بال الحسن عليهالسلام في حجره : (لا
تزرموا ابني) ، وقوله صلىاللهعليهوآله له عليهالسلام وللحسين عليهالسلام (إنّهما ابناي) ، والأصل في
الاستعمال الحقيقة ، وبالإجماع على تحريم حليلة ولد الولد مطلقاً المستند إلى قوله تعالى : (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ) . واستدلّ المتجوّز
بأنّ المتبادر من الولد هو الولد بلا واسطة ،
________________________
وبصحّة السلب ، والمفصّل بقول الشاعر :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
|
|
بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد
|
وفي جميع أدلّة الجميع نظر ، ولكن روى أبو
الجارود عن الباقر عليهالسلام قال : قال لي : يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن والحسين عليهماالسلام ؟ قلتُ : يُنكرون علينا إنّهما ابنا رسول الله صلىاللهعليهوآله . قال : فبأيّ شيءٍ
احتججتم عليهم ؟ قلتُ : احتججنا عليهم بقول الله في عيسىٰ بن مريم : (وَمِن ذُرِّيَّتِهِ
دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ) فجعل عيسىٰ من ذريّة إبراهيم . قال : فأيّ شيءٍ قالوا ؟ قال : قلتُ : قالوا
: قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب . قال : فبأيّ شيءٍ احتججتم عليهم ؟ قال : قلتُ : احتججنا عليهم بقول الله تعالىٰ : (تَعَالَوْا نَدْعُ
أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ) ، قال : فأيّ شيءٍ
قالوا لكم ؟ قلتُ : قالوا : قد يكون في كلام العرب ابن رجل واحد فيقول أبناؤنا وإنّما هو ابن واحد . فقال عليهالسلام : والله يا أبا الجارود أن أعطيتم من كتاب الله مسمّى لصلب رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يردها . قال : قلتُ
: جعلتُ فداك وأين ؟ قال : قال حيث قال الله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) إلى قوله : (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ
أَصْلَابِكُمْ) فاسئلهم يا أبا
الجارود هل يحرم لرسول الله شيء من حليلتهما ؟ فإن قالوا : نعم ، فقد كذبوا والله وفجروا ، وإن قالوا : لا ، فهما والله أبناءه لصلبه ، وما حرمت عليه إلّا الصلب ، فتدبّر .
________________________
وبالجملة ففي هذه الفقرات إشارة إلى
شرافته النسبية وأصالته ونجابته بحسب الآباء والاُمّهات ، كما أنّ الفقرات السابقة كانت إشارة إلى شرافته
الذاتية ، وكمالاته المعنوية ، ومقاماته الروحانية .
والمرتضىٰ من ألقاب أمير المؤمنين مشتقّ من ارتضيته
إذا اخترته كرضيته ، لأنّ الله ارتضاه من خلقه لمقام الولاية الكلّية ، فكان خاتم الأولياء
كما كان المصطفى صلىاللهعليهوآله خاتم الأنبياء ، فالمصطفىٰ
والمرتضىٰ بحسب التفسير واحد كما كانا بحسب الحقيقة متّحدين كما قال : (أنا وعلي من نور واحد) ، ويشهد به أيضاً ما في حديث النورانية .
والزهراء من ألقاب فاطمة عليهاالسلام ، وقد وردت في وجه تسميتها بذلك أخبار ، ففي بعضها : (لأنّها إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض) .
______________________________________________________
وفي بعضها : (إنّ الله خلقها من نور عظمته) ، وفي بعضها : إنّه
تعالى خلق نور فاطمة عليهاالسلام بعد أن أحاطت الظلمة
بالملائكة فرفعها به والحديث طويل . وفيه «ثمّ أظلمت المشارق والمغارب فشكت الملائكة إلى الله أن يكشف عنهم تلك الظلمة فتكلّم الله بكلمة ، فخلق منها روحاً ، ثمّ تكلّم بكلمةٍ فخلق من ذلك الروح نوراً فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة الزهراء فلذلك سمّيت الزهراء» .
______________________________________________________
وورد في تسميتها بفاطمة (أنّها تفطم محبّيها من
النار ، وتفطم أعداءها من الجنّة) أي تقطع .
______________________________________________________
وخديجة هذه أُمّها بنت خويلد بن أسد ، وهي أوّل مَنْ آمن
بالله ورسوله من النساء تزوّجها رسول الله صلىاللهعليهوآله وهي بنت أربعين سنة وستّة أشهر ، وكان صلىاللهعليهوآله حينئذٍ ابن إحدى
وعشرين سنة ، وولدت منه زينب
وفاطمة ورقية
________________________
وأُمّ كلثوم والقاسم وزاد بعضهم الطيّب
والطاهر ، وماتت قبل الهجرة
بسنة ،
_________________________________________________
وهي أفضل نساء أهل الجنّة ، وقد وردت في
فضلها أخبار كثيرة
________________________
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ
يَا ثَارَ اللهِ وَابْنَ ثَارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ .
الثأْر بسكون الهمز ، ويجوز تخفيفه بقلبه ألفاً ، كالرأس
والفأس ، والكأس في الرأس والفأس ، والكأس ، وغير ذلك ممّا كان قبل الهمز فيه مفتوحاً كما يُقلب ياء قي المسكور ، والواو في المضمون كالبير في البئر ، والسور في السؤر . الذّحل بالذال المعجمة
والحاء المهملة الساكنة ، وقد تفتح ؛ الحقد والعداوة وبمعناه الثؤرة بالضمّ أيضاً ، قال الشاعر :
شفيتُ به نفسي وأدركتُ ثؤرتي
|
|
بني مالك هل كنتُ في ثؤرتي نكسا
|
يقال : أدركتُ ثأره أي حقده بقتل قاتله ويقال : ثأرتُ
القتيل بالقتيل إذا قتلتُ قاتله ، ويقال : ثأرتكَ بكذا أي أدركتُ به ثأري منكَ ، ويقال : اثأرتُ من فلان أي أدركتُ ثأري منه ، وكثيراً ما يُستعمل في طلب الثأر . والذحل والوتر في المطالبة بالدم والانتقام من القاتل ، وفي بعض الدعوات : (اللّهم اطلب بذحلهم ووترهم ودمائهم) .
قال الطريحي : يُقال طلب بذحله
أي بثأره والذحل الثأر ، وكذا الوتر
________________________
بالفتح وكرّر للتأكيد ، والمراد بكونه ثأر
الله : إنّ الله هو الذي يطلب بثأره وينتقم من أعدائه كما قال : (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ) ، فيكون إشارة إلى
ما يعطى أولياؤه في زمن الرجعة من القوّة والسلطنة والغلبة على أعداء آل محمّد صلىاللهعليهوآله فيقتلونهم من آخرهم
بأشدّ قتلة وينكّلون بهم بأشدّ تنكيل .
وفي مجمع البحرين ولعلّه مصحّف من يا ثار الله وابن
ثائره .
والثائر على صيغة اسم الفاعل : هو الذي لا يبقى
علىٰ شيء حتّى يدرك ثاره ، فالمعنى أنّه الذي يطلب ثاره بإذن الله فيكون ثائر الله . والوتر عطف
على المنادى فيكون منصوباً ، وهو بالكسر الفرد ، وبالفتح الذحل والثار على
لغة أهل العالية ، وأمّا أهل الحجاز فيفتحونه في الأوّل ويكسرونه في الثاني ، وتميم يكسرونه في المعنيين .
والموتور هو الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ، ويحتمل أن يكون
________________________
بمعنى المقطوع عن الأهل والأعوان ، والغريب
عن الأوطان والمعنى أنّه الفريد الوحيد الذي لا ناصر له ولا معين ، القتيل الذي لم يدرك بثأره أحدٌ كما هو حقّه ، وإنّما الطالب بثاره هو الله المنتقم فإنّه قتيل الله وابن قتيله كما في زيارته أيضاً
: «السلامُ عليك يا حجّة الله وابن حجّته ، السلامُ عليك يا قتيل الله وابن قتيله ، السلامُ عليك يا ثأر الله وابن ثأره ، السلام عليك يا وتر الله الموتور في
السماوات والأرض ، أشهد أنّ دمكَ سكن في الخلد . . إلى قوله : أشهد أنّك حجّة الله
وابن حجّته وأشهد أنّك قتيل الله وابن قتيله ، وأشهد أنّك ثأر الله وابن ثأره ، وأشهد أنّك وتر الله الموتور في السماوات والأرض ، وأشهد أنّك قد بلّغتَ ونصحت) .
________________________
أَشْهَدُ أَنَّكَ
قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ وأَطَعْتَ اللهَ وَرَسُولهُ
حَتّىٰ أَتَاكَ الْيَقِينُ .
أشهد أي أقرُّ بلساني مذعناً بصميم جناني وفيه
إشارة إلى كماله عليهالسلام في مقام الخضوع والعبودية والخشوع والطاعة ، وبلوغه بساط العبادة إلى منتهى
الكمال ، ووصوله إلى مقام مرضاة ربّه ذي الجلال ، فإنّ العبودية شرف فاضل للعبد ، وأدبٌ كامل للمخلوق ، بها ينال نهاية المقامات ، ويفوز بأسنى الكرامات كما قال : (إنّ العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتّىٰ كنتُ سمعه وبصره ويده
...) ، وقال الصادق عليهالسلام : (العبودية جوهرة
كنهها الربوبية ، فما فقد في العبودية وجد في الربوبيّة ، وما خفي عن الربوبية أُصيب في العبودية ، قال الله : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا) أي موجود في غيبتك
وحضرتك ، وتفسير العبودية بذل الكلّية ،
________________________
وسبب ذلك منع النفس عمّا تهوىٰ
، وحملها على ما تكره ، ومفتاح ذلك ترك الراحة ، وحبّ العزلة ، وطريقة الافتقار إلى الله تعالىٰ .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : (اُعبد الله كأنّك
تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك ، وحروف العبد ثلاثة (العين والباء والدال) ، فالعين علمه بالله
، والباء بونه عمّن سواه ، والدال دنوّه من الله بلا كيف ولا حجاب) .
والمراد بإقامة الصلاة أداؤها على الوجه
المأمور به من رعاية آدابها وشرائطها الظاهرية والباطنية من الخضوع والخشوع ، والإقبال الكلّي بالقلب على باب المعبود ، والتوجّه بالكامل إلى جناب الرب الودود ، وقد صلّى
________________________
الحسين عليهالسلام يوم عاشوراء بأصحابه
صلاةً باهىٰ الله بها ملائكته المقرّبين ، وقبل بشرافتها صلاة الأنبياء والمرسلين لانقطاعه عن التعلّق بما سوى الحقّ وبذله جميع ما كان له في سبيل الحقّ قائلاً بلسان الحال بل القال :
تركتُ الناس طرّاً في هواكا
|
|
وأيتمتُ العيال لكي تراكا
|
ولو قطّعتني إرباً فإرباً
|
|
لما حنّ الفؤاد إلى سواكا
|
ويحتمل أن يُراد بإقامة الصلاة هو الإقرار بولاية
أمير المؤمنين عليهالسلام ، كما أنّ المراد بإيتاء الزكاة يُحتمل أن يكون هو الإقرار بولاية سائر الأئمّة عليهالسلام ، ويؤيّد ذلك ما في حديث النورانية من قوله عليهالسلام : يا سلمان ويا جندب
: «إنّ معرفتي بالنورانيّة معرفة الله ، ومعرفة الله معرفتي ، وهو الدِّين الخالص يقول الله : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا) بالتوحيد ، وهو
الإخلاص وقوله : (حُنَفَاءَ) وهو الإقرار بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله ، وهو الدِّين الحنيف
قوله : (وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ) وهي ولايتي ، فمَن والاني فقد أقام الصلاة ، وهو صعبٌ مستصعب (وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ) وهو الإقرار بالأئمّة ، (ذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)) .
______________________________________________________
______________________________________________________
______________________________________________________
______________________________________________________
والأولى حمل الفقرة على الظاهر والباطن
معاً فقد ورد عن جوده وكرمه وإعانته للفقراء ، ورعايته للضعفاء ومواساته مع المساكين سرّاً وعلانيةً ما هو أبين من الشمس ، وأشهر من أنْ يُذكر ، فقد حكىٰ في مناقب الجوزي : أنّه
قال عمر بن سعد : من يُوطئ الخيل صدره ؟ فأوطئوا الخيل صدره وظهره ، ووجدوا في ظهره آثاراً سوداً ، فسألوا عنها فقيل : كان ينقل الطعام على ظهره في الليل
إلى مساكين أهل المدينة .
______________________________________________________
وفي كتاب مطالب السؤول أنّه عليهالسلام كان يُكرم الضيف ويمنح الطالب ويصِل الرحم ، وينيل الفقير ، ويسعف السائل ، ويكسو العاري ، ويشبع الجائع ، ويُعطي الغارم ، ويشدّ الضعيف ، ويشفق على اليتيم ، ويعين ذا الحاجة ، وقلَّ أنْ
وصله مالٌ إلّا فرّقه . ونقل : أنّ معاوية
لمّا قدم مكّة وصله بمالٍ كثير ، وثيابٍ وافرة ، وكسوة وافية فردَّ الجميع عليه ولم يقبله منه ، وهذه سجيّة الجواد ، وشنشنة الكريم ، وسمة ذي السماحة ، وصفة مَن قد حوى مكارم الأخلاق ، فأفعاله المتلوة شاهدة له بصفة الكرم ناطقة بأنّه متّصف بمحاسن الشيم ، وقد كان في العبادة مقتدياً بمَن تقدّم حتّى نقل عنه عليهالسلام : أنّه حجّ خمساً
وعشرين حجّة إلى الحرم وجنائبه تُقاد معه وهو ماشٍ على القدم .
والأمر بالمعروف : هو الحمل على الطاعة قولاً
أو فعلاً ، والنهي عن المنكر : هو المنع عن المعاصي كذلك ، والمعروف : هو
الفعل الحسن المشتمل على وصف زائد على حسنه سُمّيَ به لأنّ العقل يعرفه ويحسنه ، والمنكر : هو الفعل القبيح الذي عرف فاعله قبحه ، سمّي به لأنّ العقل ينكره وينكر على فاعله ، ولا إشكال في وجوبها شرعاً لورود الآيات والأخبار الكثيرة
________________________
به وإنْ اختلف في
الكفائية والعينيّة ، وكذا في الوجوب
العقلي ، فذهب جماعة إليه نظراً إلى أنّ ذلك لطف وهو واجب وتفاصيل تلك المباحث
تُطلب من الفقه كشرائط الوجوب .
ويحتمل أن يُراد بالأمر بالمعروف دعوة الناس إلى
محبّة أمير المؤمنين عليهالسلام
________________________
وطريقته ، ومنهاجه ، وبالنهي عن المنكر
منعهم عن الضلالات التي دعا إليها خلفاء الجور من أبي بكر وعمر وأحزابهما ، وربما يُفسّر قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ) بأنّ عليّاً عليهالسلام ينهىٰ عن طريقة أبي بكر
________________________
وعمر ، ويؤيّده مطابقة عدد المنكر مع عمر ، والإطاعة
هو الامتثال بالائتمار بالأوامر والانتهاء عن النواهي .
واليقين هنا الموت كما في قوله تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ
حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) أقيم السبب مقام
المسبّب فإنّ بالموت يزول الشكّ ويحصل العلم بما أخبر به النبيّ صلىاللهعليهوآله من أحوال النشأة
الأخرىٰ وهذا بالنسبة إلى عامّة الناس ، وأمّا الخصيصون من العباد فهم على يقين وعلم في جميع أحوالهم فكأنّهم يعاينون الجنّة والنار والصراط والميزان وسائر ما أخبر به الصادق الأمين ، ومن
________________________
هنا قال [الإمام] عليّ عليهالسلام : (لو كُشِفَ لي الغطاء لما ازددتُ يقيناً)
.
وحمل الصوفية هذه الآية على ظاهرها فزعموا
أنّ لا تكليف على أولياء الله فإنّهم بلغوا معارج اليقين وفساد زعمهم ظاهر مستبين .
________________________
فَلَعَنَ اللهُ
أُمَّةً قَتَلَتْكَ ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً ظَلَمَتْكَ .
هذا تفريعٌ على جميع ما تقدّم ، وفيه إشارة
إلى أنّ الجامع لهذه الشرافات والكمالات الداخلية والخارجية يستحقّ التعظيم والإطاعة ، لا القتل والإهانة ، فالقاتل والظالم له مستحقّ للعن من الله ، وهو الطرد من رحمته والإبعاد عنها ، والأُمّة : الجماعة وفي تأنيث الضمير الراجع إليها والعدول عن التعبير بفعل العقلاء لطيفة لا تخفىٰ على الأذكياء ، فأجراهم مجرى
السباع من الكلاب العادية ، والذئاب الضارية التي لا تُفرّق في أذاها بين العالم والجاهل ، والصالح والطالح ، والبرّ والفاجر والمؤمن والكافر ، بل هم أضلّ وأقسىٰ منها حيث
لا تجترئ على الأنبياء وذريّاتهم لما حرّم الله عليها لحومهم . وهؤلاء قد هتكوا
________________________
______________________________________________________
حرمة نبيّهم بقتل بنيه ، وسبي ذراريه ، وأساؤوا
الصنع فيهم بما لم يسبقهم إليه أحدٌ من الملل السابقة مع ما أكّد النبيّ صلىاللهعليهوآله في حقّهم من الوصيّة
بودادهم ومحبّتهم ، حتّى جعل ذلك أجراً على تعباته ومحنه في النبوّة كما قال :
(قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) .
فليت شعري ماذا كانوا يصنعون لو أمرهم ببغض العترة
ونصب العداوة لهم أو يمكنهم الزيادة على ما صنعوا ؟ كلّا ما قدروا على أزيد ممّا صدر
عنهم من الظلم والطغيان ومعصية الرحمان .
ولنعم ما قيل :
قد أبدلوا الودَّ في القربىٰ ببغضهم
|
|
|
كأنّما ودّهم في الذكرِ بغضاءُ
|
|
|
|
وقيل أيضاً :
_________________________________________________
هم أهلُ بيت رسول الله جدّهم
|
|
أجر الرسالة عند الله ودّهمُ
|
هم الأئمّة دان العالمون لهم
|
|
حتّى أقرّ لهم بالفضل ضدّهم
|
سعت أعاديهم في حطّ قدرهم
|
|
فازداد شأناً ومنه ازداد حقدهم
|
ونابذوهم على علمٍ ومعرفةٍ
|
|
منهم بأنّ رسول الله جدّهم
|
كأنّ قربهم من جدّهم سببٌ
|
|
للبُعد عنهم وإنّ القربَ بعدهمُ
|
لو أنّهم أُمروا بالبغض ما صنعوا
|
|
فوق الذي صنعوا والجدّ جدّهمُ
|
ولاشكّ عندنا في جواز اللعن ، بل وجوبه على
قتلة العترة الطاهرة وظلمتهم ، وقد دلّ عليه الكتاب والسنّة المتواترة ، والإجماع من الإمامية والعقل المستقيم ، والذوق السليم ، والعجب ممّن أنكر هذا الحكم مع وضوحه
________________________
وهم شرذمة من مخالفينا فزعموا أنّ المسلم لا
يجوز لعنه مطلقاً ، وإنّ يزيد وأضرابه من ظالمي آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم كانوا مسلمين ، وللغزالي
قبل تشيّعه في المقام كلمات واهية يشمّ منها رائحة الكفر يستحي القلم من تحريرها ، واللسان
________________________
من تقريرها ، فالإعراض عن ذكرها أولىٰ
.
وحكى ابن الجوزي عن جدّه عن القاضي أبي يعلي
بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال : قلتُ لأبي : إنّ قوماً ينسبوننا إلى توالي يزيد ؟ فقال :
يابني وهل يتوالىٰ يزيد أحدٌ يؤمن بالله ؟
فقلتُ : فلِمَ لا تلعنه ؟ فقال : وما رأيتني لعنتُ
شيئاً ، يا بُني لِمَ تلعن مَن لعنه الله في كتابه ؟ فقلتُ : وأين لعن الله يزيد في كتابه ؟
فقال : في قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ
إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ *
أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ
أَبْصَارَهُمْ) .
وحكى أيضاً عن أبي يعلى أنّ الممتنع من
جواز لعن يزيد أمّا أن يكون غير عالم بذلك ، أو منافقاً يريد أن يوهم بذلك ، وربما استفزّ الجهّال بقوله صلىاللهعليهوآله : (المؤمن لا يكون لعّاناً) وهذا محمول على مَن لا يستحقّ اللعن .
________________________
وروي أنّه قال رجلٌ للصادق عليهالسلام : يابن رسول الله انّي عاجز ببدني عن نصرتكم ، ولستُ أملك إلّا البراءة من أعدائكم ، واللعن عليهم فكيف حالي ؟
فقال له عليهالسلام : حدّثني أبي عن أبيه
عن جدّه عن رسول الله قال : مَن ضعف عن نصرتنا أهل البيت ، ولعن في خلواته أعداءنا بلّغ الله صوته جميع الأملاك
________________________
من الثرى إلى العرش ، فكلّما
لعن هذا الرجل أعداءنا لعناً ساعدوه فلعنوا مَن يلعنه ، ثمّ ثنوه فقالوا : اللّهمَّ صلِّ على عبدك هذا الذي قد بذل ما في
وسعه ، ولو قدر على أكثر منه لفعل ، فإذا النداء من قبل الله قد أجبتُ دعاءكم ، وسمعتُ نداءكم وصلّيتُ على روحه في الأرواح وجعلته عندي من المصطفين الأخيار .
ثمّ هذا اللعن لا يختصّ بمَن صدر عنه القتل والظلم
فعلاً بل يجري في كلّ مَن هيّأ أسباب ذلك وأسّس أساس الظلم والجور من أوّل الأمر ، وهم الغاصبون لحقّ عليّ عليهالسلام في يوم السقيفة .
ولذا ورد أنّه المقتول يوم الاثنين ، وبيانه : أنّهم
طرحوا في أراضي قلوب الجاهلين بذور الكفر والنفاق ، وأثبتوا فيها عروق أشجار الضلالة والشقاق ، فأثمرت المعاداة لأهل بين النبوّة والإعراض عن منهجهم وطريقتهم السنية ، فصنعوا ماصنعوا فظلموا حقّ العترة (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ
مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) .
________________________
(فلعن الله أُمّةً أسّست أساس الظلم والجور عليكم
أهل البيت ، ولعن الله أُمّةً دفعتكم عن مقامكم ، وأزالتكم عن مراتبكم التي رتّبكم الله فيها ، ولعن الله أُمّةً
قتلتكم ، ولعن الله الممهِّدين لهم بالتمكين) .
وفي الكلام تصريح بما صار من الضروريات من كونه عليهالسلام مقتولاً فلا يلتفت إلى ما زعمه بعض الملاحدة من أنّه لم يُقتل ولكنّه شبّه به كما شُبّه بعيسىٰ عليهالسلام ، وفي العيون أنّ جميع
الأئمّة الأحد عشر بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله قُتلوا منهم بالسيف ، وهو أمير المؤمنين والحسين عليهماالسلام والباقون قُتلوا
بالسمّ قتل كلّ واحد منهم طاغية زمانه وجرىٰ ذلك عليهم علىٰ الحقيقة والصحّة
لا كما تقوله الغُلاة والمفوّضة ـ لعنهم الله ـ فإنّهم يقولون إنّهم لم يُقتلوا على الحقيقة وأنّه
شبّه على الناس أمرهم ، فكذبوا ـ عليهم غضب الله ـ فإنّه ما شبّه أمر أحد من أنبياء الله وحججه للناس إلّا أمر عيسىٰ بن مريم وحده ، لأنّه رُفع من الأرض حيّاً
وقبض روحه بين السماء والأرض ثمّ رفع إلى السماء وردّ عليه روحه وقريب منه ما في الاحتجاج .
________________________
وَلَعَنَ اللهُ
أُمَّةً سَمِعَتْ بِذٰلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ .
والمشار إليه بذا هو القتل والظلم ، و (الكاف) حرف
الخطاب يُبيّن به حال المخاطب من الإفراد ، والتثنية ، والجمع ، والتأنيث والتذكير ، ولذا يختلف اسم الإشارة مع هذا الحرف ، فيقال : ذالكم ، وذالكما ، وإنّما استحقّ الراضي اللعن مع عدم صدور الظلم منه ، لأنّ رضاه كاشف عن سوء سريرته ، وشقاوة باطنه بالنسبة إلى أهل البيت ، فيكون عدوّاً لهم بحيث لو قدر على الظلم لكان
ظالماً لهم فلا يكون مسلماً كيف ؟
وشرط الإسلام محبّة الأئمّة الأعلام كما دلّ كثير
من الأخبار ، وشهد به سليم الذوق والاعتبار ، وهذا السرّ في قتل القائم عليهالسلام من ذراري الأعداء ما
لا يُحصىٰ لكونهم راضين بما فعل آباؤهم .
________________________
وفي تفسير الإمام عند قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ
الَّذِينَ اعْتَدَوْا) إنّه سئل عليّ بن الحسين عليهالسلام كيف يُعاقب الله ويوبخ
هؤلاء الاخلاف على قبائح ما أتاه أسلافهم وهو يقول : (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَىٰ) ؟
فقال عليهالسلام : إنّ القرآن نزل
بلغة العرب فهو يخاطب فيه أهل هذا اللسان بلغتهم ، يقول الرجل التميمي قد أغار قومهم على بلد وقتلوا مَن فيه : أغرتم على بلد كذا وقتلتم كذا ، ويقول العربي أيضاً : نحن قتلنا بني فلان ، ونحن
سبينا آل فلان ، ونحن خرّبنا بلد كذا ، لا يُريد أنّهم باشروا ذلك ، ولكن يريد هؤلاء بالعذل ، وأولئك بالامتحان أنّ قومهم فعلوا ذلك فيقول الله في هذه الآيات ، إنّما هو توبيخ لأسلافهم ، وتوبيخ العذل على هؤلاء المرجوفين ، لأنّ ذلك هو اللغة التي نزل القرآن ، فالآن هؤلاء الأخلاف أيضاً راضون بما فعل أسلافهم مصوّبون ذلك لهم فجاز أنْ يُقال : أنتم فعلتم أي إذا رضيتم قبيح فعلهم .
وهذا صريح في أنّ الراضي بفعل الظالم ظالم مثله ، فكم
من داخل مع قومٍ وهو خارج منهم كالمؤمن من آل فرعون ، وكم من خارج من قوم وهو معهم لرضاه بفعلهم ، كابن عمر وأضرابه ، وحكايته مع يزيد معروفة ككلامه بعد أنْ رأى العهد الذي كتبه أبوه إلى أبيه ، وفي بعض الأخبار
مَن رضي بفعلٍ فقد
________________________
لزمه وإن لم يفعل .
________________________
يَا مَوْلَايَ يَا
أَبَا عَبْدِاللهِ .
يُحتمل أنْ يكون من تمام ما تقدّم ، وأن يكون
استئنافاً لما يأتي ، والمراد بـ (المولى) هو المراد به في قوله : (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه) ، لأنّ ما ثبت له عليهالسلام من الفضائل والخواصّ
فهو ثابت لسائر الأئمّة المعصومين عليهمالسلام إلّا ما استثنى ، فالمراد به هو أولىٰ
بالمؤمنين من أنفسهم كما كان النبيّ صلىاللهعليهوآله كذلك بنصّ القرآن ، فإنّ ما ثبت
للنبيّ صلىاللهعليهوآله فهو ثابت للوصي أيضاً
إلّا ما استثنىٰ ،
________________________
ويُحتمل أن يُراد به السيّد ومالك الرقّ
فإنّ الناس كلّهم عبيدٌ لهم عليهمالسلام ، عبيد طاعة أو رقّ على الخلاف ، وربّما يُقال في الحديث : إنّ المعنىٰ
: مَنْ أحبّني وتولّاني فليحبّ عليّاً عليهالسلام فالمراد يا مَن يحبّ
عليّ محبّته ومودّته ، ويلزم عليّ موالاته وولايته ، ويُحتمل أنْ يُراد به الناصر كما في قوله تعالى : (ذَٰلِكَ
بِأَنَّ اللَّـهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ) أي يا ناصري في
الدُّنيا عند توسّلي إليك في قضاء حوائجي وفي الآخرة عند أحوالها وشدائدها ، وعند الموت دفع سكراته عنّي .
وكيف كان فهذه المرتبة أي المولويّة مرتبة سامية ، ومنزلة
سامقة ، ودرجة عليّة ، ومكانة رفيعة ، ومقامة سنيّة جعلها الله لعليّ عليهالسلام اصالةً ولذرّيته وراثةً .
وأبو عبدالله كنية الحسين عليهالسلام ، والمراد به في
الأخبار على الإطلاق هو جعفر الصادق عليهالسلام كما لا يخفىٰ
على المتتبّع ، ولا كنية للحسين عليهالسلام سواه على
________________________
ما قيل .
ولكن ألقابه كثيرة كالرشيد ، والطيّب ، والوفي ، والسيّد
، والزكي ، والمبارك ، والسبط ، والتابع لمرضاة الله .
والعرب يقصدون بالكنى التعظيم ، لأنّ أكثر
النفوس يتأنّفون من التصريح بأسمائهم .
فلا يشترط أن يكون للمكنّى عنه ولد مسمّىٰ
بهذا الاسم ، فيجوز أن يكون ، ويجوز أن لا يكون ، ولكن يظهر من بعض الأخبار أنّه كان للحسين عليهالسلام ولد صغير مسمّىٰ بعبدالله ، والظاهر أنّه هو عليّ الأصغر الذي قُتل في
حجره يوم عاشوراء بالسهم المسموم لعن الله قاتله .
وقد يقال : إنّ الحمرة التي ظهرت في السماء كانت من
دمه ، هذا بحسب ظاهر الأمر ، والذي يقتضيه نظر التدقيق أنّ تكنيته بهذه الكنية في عالم الذر ، فإنّه
لمّا قبل الشهادة التفصيلية الكلّية التي أبىٰ عن حملها غيره كما أشار
الله بقوله :
________________________
(فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ
مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) أي مظلوماً مجهول القدر انتظم عالم الإمكان واستراح الإنسان بانتظام أمور دينهم ودنياهم ، فصار بالنسبة إلى جميعهم بمنزلة الوالد العطوف ، والأب الرؤوف ، فكلّ ما سوى الله بمنزلة عبد واحد لله وهو أبوه . ويمكن أن يُقال : إنّ هذه
الكنية من قبيل قولهم فلان أبو الخير إذا كان الخير منه كثير الصدور ، وكذلك فلان أبو الحرب ، أو أبو الجود ، فلمّا كانت العبودية الكاملة التي حقيقتها الخضوع ، والذلّة ، والإنكسار مظهرها هو الحسين عليهالسلام سمّي بهذه الكنية فليتأمّل
.
وربما يُقال : إنّ العبد الحقيقي هو رسول الله صلىاللهعليهوآله ولذا قُدّم على رسالته في التشهّد ، والحسين عليهالسلام كان والده للأمّة بالإضافة التشريفيّة فهو
أبو عبدالله عليهالسلام ، ويؤيّده ما حكي عن
تفسير القمّي قدسسره في قوله : (وَوَصَّيْنَا
الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) انّ الإنسان هو رسول الله صلىاللهعليهوآله والوالدين الحسن والحسين عليهماالسلام .
________________________
وكيف كان يندرج في هذا اللقب آثار جميع الألقاب
المحمودة ، ولذا لم يُكن بكنيةٍ أُخرىٰ ، وصار فريداً في هذه الكنية بالاصالة ، والصادق عليهالسلام كُني بها تبعاً لما نشر الأحكام ، وروّج شريعة سيِّد الأنام ، وأرشد الناس إلى فضائل أجداده الكرام صلوات الله عليهم من الآن إلى يوم القيام .
________________________
أَشْهَدُ أَنَّكَ
كُنْتَ نُوراً فِي الْأَصْلَابِ الشَّامِخَةِ ، وَالْأَرْحَامِ الْمُطَهَّرَةِ ، لَمْ تُنَجِّسْكَ الْجَاهِلِيَّةُ بِأَنْجَاسِهَا
، وَلَمْ تُلْبِسْكَ مِنْ مُدْلَهِمَّاتِ ثِيَابِهَا .
فيه إشارة إلى مقام نورانيّته الذي يجب على
كلّ مؤمن الإقرار به كما قال مولانا عليّ عليهالسلام : (يا سلمان لا يكمل
المؤمن إيمانه حتّى يعرفني بالنورانيّة ، فإذا عرفني بذلك فهو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، وشرح صدره للإسلام ، وصار عارفاً بدينه ، ومَن قصّر عن ذلك فهو شاكٌّ مرتاب ، يا سلمان ويا جندب : أنّ معرفتي بالنورانية معرفة الله ومعرفة الله معرفتي وهو الدِّين الخالص) إلى
أن قال : (كنتُ ومحمّد نوراً نسبّح قبل المسبّحات ونشرق قبل المخلوقات فقسّم الله ذلك النور نصفين : نبيٌّ مصطفىٰ ، وعليٌ مرتضىٰ ، فقال
الله لذلك النصف : كُن محمّداً ، وللآخر عليّاً ، ولذلك قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : أنا من عليّ وعليّ
منّي) .
ولا ريب في كونهم أنوار مخلوقة من نور الله كما قال
: (وأنتم نور الأنوار وهداة الأخيار) .
________________________
والأخبار الواردة في ذلك فوق حدّ الإحصاء
وبكونها متواترة صرّح بعض الأذكياء وفي بعضها : (يا محمّد أنّي خلقتك وخلقتُ عليّاً عليهالسلام وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نور من نوري ، وفرضتُ
ولايتكم على أهل السماوات والأرض ، فمَن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومَن جحدها كان عندي من الكافرين) .
وفي بعضها فقال ـ يعني آدم ـ (ياربّ ما هذه الأنوار
؟ فقال : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك) .
وفي بعضها : (أوّل ما خلق الله نوري أنا من الله
والكلّ منّي) .
وفي بعضها : (كنتُ وعليّاً نوراً بين يدي الرحمة
قبل أنْ يخلق عرشه) .
وفي بعضها (أنّ الله خلقني وعليّاً عليهالسلام نوراً واحداً قبل خلق آدم ، ثمّ خلق الأشياء من نوري ، ونور عليّ عليهالسلام) .
________________________
وفي بعضها : «يا عليّ إنّ الله كان ولا شيء معه
فخلقني وخلقك روحين من نور جلاله فكنّا أمام عرش ربّ العالمين نسبّح الله ، ونقدّسه ، ونحمده ، ونهلّله ،
وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض ، فلمّا أراد أن يخلق آدم خلقني وإيّاك من طينة واحدة من طينة عليّين وعجنا بذلك النور وغمسنا في الأنوار» .
وفي بعضها عن الباقر عليهالسلام قال : (يا جابر كان
الله ولا شيء غيره ، ولا معلوم ولا مجهول ، فأوّل ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمّداً صلىاللهعليهوآله وخلقنا معه من نور عظمته ، فأوقفنا أظلّة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر يفصل نورنا من نور ربّنا كشعاع الشمس من الشمس) .
وفي الزيارة الجامعة : (خلقكم الله أنواراً فجعلكم
بعرشه محدقين) .
والنور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره ، وحقيقة
نورانيّتهم غير معلومة لنا لكونها فوق إدراكات من دونهم فلا يعرفهم غيرهم كما قال : (يا عليّ ما عرفني إلّا الله وأنت ، وما عرفك إلّا الله وأنا) ، فلا ندرك من
مقامهم هذا سوى الإجمال كما لا ندرك في مقام الحقّ سوى ذلك ، وبيانه أنّ العالي محيط
بالسافل دون العكس .
قوله : في الأصلاب ، أي مودعاً مستقرّاً في أصلاب
الآباء الموحِّدين ، الشرفاء ، النُجباء ، وأرحام الاُمّهات الموحّدات المطهّرات عن الخنا والسفاح ،
________________________
العفيفات عن الزنا والفساد ، والشامخة العالية
، يُقال : شمخ بأنفه إذا ارتفع وتكبّر ، وفي الفقرة إشارة إلى ما بُرهن عليه في محلّه من أنّ الأئمّة عليهمالسلام لا يكون آباؤهم وأُمّهاتهم مشركين من آدم عليهالسلام ولا يُخالط نسبهم
فساد وعهرٌ وذمّ ، كيف وهم
________________________
ذرّية النبيّ صلىاللهعليهوآله وعترته ولا شكّ في
طهارة عنصره وطيب مولده من لدن آدم إلى أبيه .
قال الصادق عليهالسلام : انتخب لهم أحبّ
أنبيائه إليه محمّد بن عبدالله صلىاللهعليهوآله في حومة العزّ مولده ، وفي دومة الكرم محتده إلى أن قال : تبشّر به كلّ أُمّةٍ
من بعدها ، ويدفعه كلّ أبٍ إلى أب من ظهرٍ إلى ظهر ، لم يخلطه في عنصره
سفاح ولا ينجسه في ولادته نكاح من لدن آدم إلى أبيه عبدالله عليهالسلام في خير فرقة وأكرم سبط وأمنع رهط وأكلأ حمل ، وأودع حجر اصطفاه الله وارتضاه ، واجتباه) .
وفي بعض كتب العامّة : روى أنّه لمّا أهبطه
الله إلى ظهر آدم أهبطه إلى أرضه المكينة ، وحمله مع نوح في السفينة وقذف به نار نمرود في صلب خليله المعروف بالكرم والجود ولم يزل ينقله في الأصلاب الكريمة الفاخرة إلى الأرحام الزكية الطاهرة حتّى أخرجه من بين أبويه للهدى والإصلاح لم يلتقيا
قطّ
________________________
على سفاح .
تنقلتُ في أصلاب قومٍ أعزّةٍ
|
|
بكَ اجتمعوا في كلِّ وادٍ ومحفلِ
|
وأشرقت الأنوار في كلّ بقعةٍ
|
|
وفاح الشذا في كلّ وادٍ ومنزلِ
|
وأضحى لسان الحال ينشد برهةً
|
|
تنقل فلذات الهوىٰ في التنقلِ
|
وفي بعض الأخبار فرسول الله أوّل مَن عبد الله ، وأوّل
مَن أنكر أن يكون له ولد أو شريك ، ثمّ نحن بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ثمّ أودعنا بذلك صلب
آدم فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام من صلبٍ إلى صلب ، ولا استقرّ في صلب إلّا تبيّن عن الذين انتقل منه شرف الذي استقرّ فيه حتى صار في عبد المطّلب فوقع بأمِّ عبدالله فافترق النور جزئين : جزء في عبدالله ، وجزء في أبي طالب ، وذلك قوله : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) يعني في أصلاب النبيّين
عليهمالسلام وأرحام نسائهم .
وفي بعضها عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : (خلقني الله
وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام ثمّ نقلنا إلى صلب آدم ثمّ نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات) .
وقوله : «لم تُنجسك» صفة ثانية لـ (نوراً) أو حال
منه لمكان التخصيص ، وأُقيم الحاضر مقام الغائب العائد إلى الموصوف ، أو ذي الحال فيكون من قبيل قوله : (أنا الذي سمّتني) .
________________________
والجاهلية على ما في المجمع : الحالة التي
كانت عليها العرب قبل الإسلام من جهل بالله ورسوله ، وشرائع الدِّين والمفاخرة بالآباء ، والأنساب ، والكبرة ، والتجبر وغير ذلك ، ومنه الحديث إذا رأيتم الشيخ يُحدّث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية فارموا رأسه بالحصىٰ ، وقولهم : كان ذلك في الجاهلية الجهلاء
، وهو توكيد للأوّل يشتقّ له من اسمه ما يؤكّده به . وأنجاس الجاهلية
عبارة عن تلك الأحوال المخالفة للشرع المذمومة عند الشارع فالإضافة بيانيّة .
والأنجاس جمع النجس بفتحتين وهو القذر .
والمراد أنّه لم تتلوّث أذيال عصمته بأرجس الكفر
وأنجاس المعاصي ، المدلهمّات : المظلمات . يُقال : ادلهمَّ الليل كاقشعر : أظلم ، وليلة مدلهمة أي مظلمة ، و (مِن) تبعيضيّة ، والجار والمجرور في محلّ النصب ، ليكون مفعولاً ثانياً لتلبسك ، من ألبستُ زيداً جبّةً ، وثياب الجاهلية عبارة عن الأخلاق والحالات الناشئة من الكفر والضلالة وفهي في مقابلة لباس التقوىٰ
المشار إليه بقوله تعالى : (وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ
خَيْرٌ) ففي الكلام استعارة
مكنية وترشيحيّة ، والمراد أنّ الله
ألبسه حُلل العلم والمعرفة والسخاوة ، والعلم
________________________
وسائر الأخلاق الحميدة ، والصفات الربّانية
، فلم تلبسه الجاهلية لباس الجهل والضلالة ، فإنّ الجهالات ، والضلالات ظلمات بعضها فوق بعض ، وهو عليهالسلام نورٌ على نور ، ونورٌ فوق كلّ نور ، وهو نور الأنوار ، والهادي للأخيار ، وحجّة الجبّار ، وكهف الأبرار .
قال الرضا عليهالسلام : (الإمام كالشمس الطالعة
للعالم وهي في الأُفق بحيث لا تناله الأيدي والأبصار ، الإمام البدر المنير والسراج الظاهر ، والنور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجىٰ ، والبلد القفار ، ولجج
البحار ، الإمام الماء العذب على الضماء ، والدالّ على الهدى ، والمُنجي من الردىٰ
.. إلى أن قال : الإمام المطهّر من الذنوب ، المبرء من العيوب ، مخصوص بالعلم موسوم بالحلم) .
______________________________________________________
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : أنا وعليّ
والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون .
________________________
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ
مِنْ دَعَائِمِ الدِّينِ ، وَأَرْكَانِ الْمُؤْمِنِينَ .
الدعائم جمع الدعامة بكسر الدال ، وهي عماد البيت
الذي يقوم عليه ، وكثيراً ما يُستعار لكلّ ما لا يتمّ شيء إلّا به ، وكلّ ما يتوقّف عليه شيء بعلاقة
المشابهة ، فإنّ البيت لا يستحكم بناءه إلّا بالدعامة والأساس ، ومنه قوله عليهالسلام : (لكلّ شيءٍ دعامة ، ودعامة الإسلام الشيعة) ، وقوله عليهالسلام : (دعامة الإنسان العقل) لتوقّف تحقّق
الإنسانية على العقل ، والمراد بالدين هو الإسلام لقوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ) ، قوله : (وَمَن يَبْتَغِ
غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ) . و (مِن) تبعيضية
أي من جملة الأئمّة الذين هم دعائم الدِّين . والأركان جمع ركن ، وهو لغةً جانب البيت ، وكثيراً يُستعمل في معنى
الاسطوانة والدعامة فيستعار أيضاً فيما أشرنا إليه .
وفي الكلام إشارة إلى أنّ الدِّين لا يكمل
إلّا بولاية الإمام ، والإيمان لا يتحقّق إلّا بمحبّة ذرّية سيّد الأنام ، وقد تواترت بذلك الأخبار من النبيّ صلىاللهعليهوآله وعترته المعصومين الكرام ، ففي بعضها عن الرضا عليهالسلام : (أنّ الإمامة زمام
الدِّين
________________________
ونظام المسلمين ، وصلاح الدُّنيا وعزّ
المؤمنين ، أنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي وضرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام) .
وفي بعضها يامحمّد : (لو أنّ عبداً عبدني حتّى
ينقطع ويصير كالشن البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم لم أدخله جنّتي ولا أظلّه تحت عرشي) .
وفي بعضها : (دعائم الإسلام خمس : الصلاة ، والصوم
، والزكاة ، والحجّ ، والولاية) .
وفي بعضها : (بُنيَ الإسلام على خمس إلى
قوله : ولم ينادِ بشيءٍ كما نودي بالولاية) .
وفي بعضها : عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قلتُ : أصلحك الله أيّ شيءٍ إذا عملته استكملتُ حقيقة الإيمان ؟
قال : (توالي أولياء الله محمّد صلىاللهعليهوآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين عليهمالسلام ثمّ انتهى
الأمر إلينا ثمّ ابني جعفر وأومأ إلى جعفر وهو جالس
________________________
فمَن والى هؤلاء فقد والى أولياء
الله ، وكان مع الصادقين كما أمره الله) .
وفي بعضها : (هل الدِّين إلّا الحبّ) .
وفي بعضها عن النبيّ صلىاللهعليهوآله في كلامه لعليّ عليهالسلام : (لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام ما قبل الله ذلك منه إلّا بولايتك وولاية الأئمّة من ولدك وأنّ ولايتك لا يقبلها
________________________
الله إلّا بالبراءة من أعدائك وأعداء
الأئمّة من ولدك) .
وفي الزيارة الجامعة : (... سَعَدَ مَن والاكم ، وهَلَكَ
مَن عاداكم ، وخاب مَن جحدكم ، وضلَّ مَن فارقكم
، وفازَ مَن تمسّك بكم ، وأمِنَ مَن لجأ إليكم ، وسَلِمَ مَن صدّقكم ، وهُدِيَ مَن اعتصم بكم ، مَن اتّبعكم فالجنّةُ مأواه ، ومَن خالفكم فالنار مثواه) .
________________________
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ
الْإِمَامُ الْبَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الْهَادِي الْمَهْدِيُّ .
شهادة له بالإمامة التي هي عهدُ الله الذي لا يناله
الظالمين كما قال : (وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، فهي الرياسة
العامّة من الله على عباده ، والخلافة والنيابة من النبيّ صلىاللهعليهوآله على أُمّته .
قال الرضا عليهالسلام : (إنّ الإمامة خصَّ
الله بها إبراهيم الخليل عليهالسلام بعد النبوّة ، والخلّة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرّفه بها ، وأشاد بها ذكره فقال : (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) ، فقال الخليل
سروراً بها : (وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فأبطلت هذه الآية
إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة ، وصارت في الصفوة ، ثمّ أكرمه الله عزّوجلّ بأنْ جعلها في ذريّته أهل الصفوة والطهارة ، فقال
عزّوجلّ : (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً
وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ
وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) فلم تزل في ذرّيته يرثها
بعض عن بعض قرناً فقرناً حتّى ورثها النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال الله عزّوجلّ :
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) فكانت له خاصّة
فقلّدها صلىاللهعليهوآله عليّاً
________________________
بأمر الله عزّوجلّ على رسم ما فرضها
الله عزّوجلّ : (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ
الْبَعْثِ) فهي في ولد عليّ عليهالسلام خاصّة إلى يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّد صلىاللهعليهوآله فمِن أين يختار هؤلاء
الجهّال ؟ إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء ، وإرث الأوصياء ، إنّ الإمامة خلافة الله عزّوجلّ وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين عليهماالسلام) .
وهذا المقام ثابت له عليهالسلام بقول النبيّ صلىاللهعليهوآله المروي من طرقنا وطرق المخالفين : (إمامان قاما أو قعدا) ، وغير ذلك ممّا
تواتر روايته في كتب الفريقين .
ووصف الإمام بالبرّ بالفتح وهو البار العطوف المحسن
، لأنّه كما يُطلق على القدوة للناس المنصوب من قبل الله المفترض الطاعة على العباد كذلك قد يُطلق على الداعي إلى الباطل الذي يقتدي به الجاهل ، كما في قول الصادق لمّا
سُئل عن الشيخين : (إمامان عادلان قاسطان كانا على الحقّ ورحمة الله عليهما) ،
________________________
وربما يُطلق على الأعمّ كما قال تعالى
: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) .
والتقي والمتّقي هو الذي يخاف الله ويخشاه بالغيب ،
ويجتنب المعاصي ويتوقّى المحرمات من التقوى ، والإتّقاء هو الامتناع من الردىٰ
باجتناب ما يدعو إليه الهوىٰ ، ويقال : وقاه يقيه إذا حفظه وعصمه ، والرضىٰ
هو المرضي الذي ارتضاه الله من خلقه لإرشاد عباده ، أو الذي رضى الله في سماءه ، والرسول في
أرضه ، أو بمعنى الراضي وهو الذي لا يسخط بما قدر عليه ، والزكي الطاهر من الأخلاق الذميمة ، والصفات الرذيلة من قولهم زكىٰ عمله إذا طهُرَ ، ومنه
قوله : (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً) أي طاهرة لم تجن ما يوجب
قتلها ، وهذا اللقب إذا أُطلِقَ فالمراد به هو الحسن بن عليّ عليهماالسلام ، والهادي هو الدليل
على الحقّ ، والمرشد إلى سبيل الرشد ، قال الله : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) ، وهذا اللقب عند
________________________
الإطلاق ينصرف إلى عليّ بن محمّد
الجواد عليهالسلام ، والمهدي هو الذي
هداه الله إلى معارج القرب ، وأرشده إلى بساط الجذب ، وعرّفه المعارف اللاهوتية
، وعلّمه الأسرار الجبروتية ولا يكون الشخص هادياً حتّى يكون مهدياً مهتدياً ،
ففي الكلام تقديم وتأخير كما في قوله : واجعله هادياً مهدياً ، فتأمّل . وهذا اللقب إذا أُطلق فالمراد به القائم من آل محمّد صلىاللهعليهوآله المبشّر بمجيئه في
آخر الزمان ـ اللّهم عجِّل فرجه ـ ولا ريب أنّ كلّ إمام من آل محمّد صلىاللهعليهوآله هادٍ يهدي العباد إلى طريق الرشاد .
قال الباقر عليهالسلام في قوله تعالى
: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) : إنّ رسول الله المنذر ، وفي كلّ زمان منّا هادٍ يهديهم إلى ما جاء به نبيّ الله صلىاللهعليهوآله ثمّ الهداة من بعد عليّ ثمّ الأوصياء واحداً بعد واحد) .
وقال الصادق عليهالسلام : (في هذه الآية كلّ
إمام هادٍ للقرآن الذي هو فيهم) .
________________________
وعن أبي بصير عنه عليهالسلام قال : قلتُ له : (إِنَّمَا أَنتَ
مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) فقال : رسول الله المنذر وعليّ عليهالسلام الهادي . يا أبا
محمّد فهل منّا هادٍ اليوم ؟ قلت : بلىٰ جُعلت فداك ما زال فيكم هادٍ من بعد هاد حتّى رُفِعت إليكَ
.
فقال : رحمك الله يا أبا محمّد لو كانت إذا نزلت آية
على رجل ماتَ ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ولكنّه حيٌّ جرىٰ فيمن بقىٰ
كما جرىٰ فيمن مضىٰ) .
________________________
وَأَشْهَدُ أَنَّ
الْأَئِّمَةَ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقْوىٰ ، وَأَعْلَامُ الْهُدىٰ
، وَالْعُروَةُ الْوُثْقىٰ ، [ وَالْحُجَّةُ عَلىٰ أَهْلِ الدُّنْيَا ]
.
هذا الكلام يُحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون قوله :
(من ولدك) في محلّ الخبر فيكون كلمة التقوىٰ خبراً بعد خبر ، أو لمحذوف أي ؛ وهم كلمةُ
التقوىٰ ، أو مفعولاً لفعل المدح المحذوف ، ففيه إشارة إلى ما ورد في جملة من الأخبار من الله عوّض الحسين عليهالسلام من شهادته أنّ
الأئمّة من ولده ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدُّعاء تحت قبّته .
قال الباقر عليهالسلام : (نحن اثنا عشر
إماماً منهم الحسن والحسين ثمّ الأئمّة من ولد الحسين عليهالسلام) .
وعن سلمان الفارسي قال : (دخلتُ على النبيّ صلىاللهعليهوآله فإذا الحسين على فخذيه وهو يُقبّل عينه ، ويلثم فاه ، ويقول : أنت سيّد ابن سيّد ، أنت إمام ابن إمام ، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم) .
وثانيهما : أن يكون في محلّ الحال فالخبر هو كلمة
التقوىٰ ، وهذا أيضاً لا يُنافي ما تقدّم من كون الأئمّة عليهمالسلام من صلب الحسين عليهالسلام خاصّة .
وفي المجمع وقد سُئِلَ عليهالسلام عن قوله تعالى : (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً
بَاقِيَةً فِي
________________________
عَقِبِهِ) قال : يعني بذلك
الإمامة جعلها الله في عقب الحسين عليهالسلام إلى يوم القيامة وليس لأحد أن يقول : لِمَ جعلها الله في صلب الحسين عليهالسلام دون الحسن عليهالسلام ، لأنّه هو الحكيم
في أفعاله (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) .
والمراد بكلمة التقوىٰ يُحتمل وجوهاً :
منها : إنّها الإيمان فكونهم كلمة التقوى ، لكون
ولايتهم مشروطة في تحقّقه كما قال : (وبموالاتكم تمّت الكلمة وعظمت النعمة) .
ومنها : إنّه كلمةُ لا إله إلّا الله محمّد رسول
الله ، ولا شكّ أنّ ترتّب الآثار على هذه الكلمة موقوف على الإقرار بإمامتهم ، والإذعان بولايتهم فهذا جارٍ مجرىٰ
________________________
قول أمير المؤمنين عليهالسلام : (أنا صلاة المؤمنين ، وصيامهم ، وزكاتهم
، وحجّهم) ، يعني أنّ هذه الأعمال لا تُقبل ولا تصحّ إلّا بولايتي ، وحديث الرضا عليهالسلام في نيسابور معروف وفي آخره (لا إله إلّا الله حصني ومَن دخله أمن من عذابي فقالوا : حسبنا يابن رسول الله ، فلمّا رجعوا قال لهم : لكن بشروطها وأنا من شروطها) .
ومنها : إنّه العهد الذي عهده الله في عليّ عليهالسلام وذرّيته ، وفي الحديث في معنى كلمة التقوى عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : (إنّ الله عهد
إليَّ في عليّ عليهالسلام عهداً ، قلتُ : ياربّ بيّنه لي قال : استمع قلتُ : سمعت ، قال : إنّ عليّاً عليهالسلام راية الهُدى وإمام أوليائي ونور مَن أطاعني وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين ، مَن أحبّه أحبّني ، ومَن أطاعه أطاعني) .
________________________
ومنها : أنّها الدعوة إلى الإسلام كما قال :
(وكلمةُ ربّك العليا) فهم كلمة التقوى لكونهم الدُّعاة إلى شرائع الإسلام وجوامع الأحكام .
ومنها : أنّها الحجّة كما في قوله تعالى : (وَيُحِقُّ الْحَقَّ
بِكَلِمَاتِهِ) أي بحججه فإنّهم حجج الله على الخلق وللمتّقين من عباده ، قال عليّ عليهالسلام : (إنّ الله واحد تفرّد في وحدانيّته ، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نوراً ثمّ خلق من ذلك النور محمّداً وخلقني وذرّيتي ، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحاً فأسكن الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلمته ، فبنا احتجَّ على خلقه فما
زلنا في ظلّةٍ خضراء) .
ومنها : إنّها الخلق البديع ما يُقال لعيسىٰ
عليهالسلام أنّه كلمة الله ، لأنّه
وجد بأمره من دون أب فشابه البدعيات ، فهم عليهمالسلام لما عليهم من الصفات
الإلهية ، وفيهم من العجائب الربّانية مشابهون للبدعيات ، فهم كلمات الله التامّات خلقهم الله لإرشاد المتّقين إلى طرق التقوى والصلاح وهدايتهم إلى سبيل
الفلاح والنجاح ، وكيف كان فلعلَّ الوجه في توحيد الكلمة أنّهم عليهمالسلام نور واحد ، ونفسٍ
واحدة كما يرشد إليه حديث النورانيّة وغيره .
والأعلام : جمع العلم ، وهو لغة الجبل
الذي يُعلم به الطريق وقريب منه المنار ، وهو المرتفع الذي يُوقد في أعلاه النار لهداية الضلّال ، والأئمّة عليهمالسلام
________________________
أعلام للهدى ، لأنّه يُهتدى بهم
كما قال : (لولانا ما عُرِف الله ، ولولانا ما عُبد الله) . وفي الجامعة : (وأعلاماً
لعباده ، ومناراً في بلاده ، وأدلّاء على صراطه) .
وروي في قوله : (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) أنّه قال : (نحن العلامات ، والنجم رسول الله صلىاللهعليهوآله) .
وقال الصادق عليهالسلام : (نحن ولاة أمر
الله وخزنة علم الله وعيبة وحي الله وأهل دين الله وعلينا نزل كتاب الله ، وبنا عُبد الله ، ولولانا ما عُرِفَ الله ، ونحن
ورثة نبيّ الله وعترته) .
وقال الباقر عليهالسلام : (نحن جنب الله
ونحن صفوته ، ونحن خيرته ، ونحن أركان الإيمان ، ونحن دعائم الإسلام ونحن من رحمة الله على خلقه ، ونحن الذين بنا يفتح ، وبنا يختم ، ونحن أئمّة الهدى ، ونحن مصابيح الدُّجىٰ
، ونحن منار الهدىٰ ، ونحن السابقون ، ونحن الآخرون ، ونحن العَلم المرفوع
للخلق ، مَن تمسّك بنا لحق ، ومَنْ تخلّف عنّا غرق ، ونحن قادة الغرّ المحجّلين ، ونحن خيرة الله ، ونحن الطريق ، وصراط الله المستقيم إلى الله ، ونحن من نعمه على
________________________
خلقه ، ونحن المنهاج ، ونحن معدن النبوّة ، ونحن
موضع الرسالة ، ونحن الذين تختلف الملائكة ، ونحن السراج لمَن استضاء بنا ، ونحن السبيل لمَن اهتدى بنا ، ونحن الهداة إلى الجنّة) .
والحاصل : إنّهم أدلّة الهدىٰ ، والهادون
بأمر الله المرشدون إلى مرضاة الله .
والعروة لغةً : عروة الكوز معروفة ، والوثقىٰ
تأنيث الأوثق ، والعروة الوثيقة : هي العروة المستحكمة التي يستمسك بها ، شبّهوا عليهمالسلام بها ، لأنّ المتمسّك بطريقتهم لا يضلُّ ، ولا ينفصم عن رحمة الله ، وربما تفسّر العروة الوثقىٰ بالإيمان كما قال : (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن
بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ) .
وفي بعض الأخبار أنّها التسليم لأهل البيت عليهمالسلام ، وفي بعضها أنّ أوثق عرىٰ الإيمان الحبّ في الله ، وعن الزمخشري في
قوله : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
________________________
بِالْعُرْوَةِ
الْوُثْقَىٰ) وهذا تمثيل للمعلوم
بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتّى يتصوّره السامع كأنّه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده والتيقّن به .
والحجّة في اللغة البرهان ، وكثيراً ما يُستعمل فيمَن
يجب العمل بقوله ، والاقتداء بفعله ، وكونهم عليهمالسلام حجج الله على
خلقه ممّا لا ريب فيه لوجوب العمل بأوامرهم ونواهيهم .
وعن المجلسي الأوّل قدسسره في شرحه على
قوله : (وحجج الله على أهل الدُّنيا والآخرة والأولى) (احتجّ الله وأتمّ
حجّته بهم على أهل الدُّنيا بأنْ جعل لهم المعجزات الباهرات ، والعلوم الدينية والأخلاق الإلهية ، والعقول الربّانية ، فهداهم بهم إليه ، ويحتجّ بهم في الآخرة بعد الموت أو في القيامة) .
________________________
والأخبار بكونهم عليهمالسلام حجج الله متواترة
وقد تقدّم بعضها ، وفي بعضها عن أبي خالد عن الصادق عليهالسلام قال : قلتُ له ؛ (يابن
رسول الله ما منزلتكم من ربّكم ؟ قال : حجّته على خلقه ، وبابه الذي يؤتىٰ منه وأُمناؤه
على سرّه وتراجمة وحيه) .
________________________
وَأُشْهِدُ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ
وَأَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ أَنّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ وَبِاِيَابِكُمْ مُوقِنٌ بِشَرَايِعِ دِيني وَخَوَاتِيمِ عَمَلي ، وَقَلْبي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ وَأَمْري لِأَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ .
يُقال : أشهدته على كذا إذا اتّخذته شاهداً
عليه ، وأُشهد الله ، أي أجعلهم شهوداً على إيماني بكم فإنّهم أشهاد عدول لا تُرد شهادتهم ، ولا تخفىٰ
عليهم السرائر ، ولا تغيب عنهم مطويات القلوب والضمائر ، وقد وصف الله تعالى نفسه بكونه شهيداً وشاهداً في مواضع من كتابه ، وكذا الملائكة
والأنبياء بقوله : (وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ) ، وروي في قوله : (لِّتَكُونُوا
شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) إنّ الاُمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء ويطلب الأنبياء بالبيِّنة على
أنّهم قد بلّغوا فيؤتىٰ بأُمّة محمّد صلىاللهعليهوآله فيشهدون لهم) .
وروي عن عليّ عليهالسلام أنّه قال : (إيّانا
عنىٰ فرسول الله شاهد علينا ، ونحن
________________________
شهداء الله على خلقه وحجّته في أرضه) .
قوله : بكم مؤمن أي بحقيقة نورانيّتكم ، ومراتب
علومكم وأسراركم الخاصّة بكم ، والإيمان التصديق والإذعان .
وفي الجامعة : (أشهد الله وأُشهدكم أنّي مؤمن بكم
وبما آمنتم به ، كافرٌ بعدوّكم وبما كفرتم به) .
قوله : (وبإيابكم) يُحتمل أن يتعلّق بمؤمن أي مؤمن
بكم وبإيابكم إلى الدُّنيا في زمن الرجعة ، ويؤيّده ما في زيارة
العبّاس عليهالسلام «إنّي بكم وبإيابكم
من المؤمنين» .
________________________
ويُحتمل أن يتعلّق بقوله موقن أي مؤمن بكم وموقن بإيابكم
، وهذا أظهر ، وفي الكلام تصريح بثبوت رجعتهم عليهمالسلام إلى الدُّنيا
لمّا وعدهم الله من الدولة والنصرة ، كيف وقد روي : «إنّ عمر الدُّنيا مئة ألف عام لهم عليهمالسلام منها ثمانون ألفاً يتمحض لهم الدولة والسلطة» .
وهذه أي الرجعة من ضروريّات مذهبنا معاشر الإمامية وقد دلّت عليها آيات كثيرة وأخبار متواترة تزيد على مئتين
بل عن بعضهم وقف على ستّمئة
________________________
وعشرين حديثاً .
وفي الجامعة : «معترفٌ بكم ، مؤمن بإيابكم ، مصدّق
برجعتكم ، منتظر لأمركم ، مرتقبٌ لدولتكم» .
وفي الدعوات والزيارات المأثورة عن المعصومين
ما لا يُحصىٰ ممّا يدلّ
________________________
على هذا المدعىٰ صريحاً .
وفي بعض الأخبار عن الصادق عليهالسلام : (أيّام الله ثلاثة : يوم يقوم القائم ، ويوم
الكرّة ، ويوم القيامة) .
وفي بعضها عنه عليهالسلام : (مَن يكرّ في رجعة
الحسين بن عليّ عليهالسلام فيمكث في الأرض أربعين ألف سنة حتّى يسقط حاجباه على عينيه) .
وفي بعضها عن إبراهيم قال : قلتُ لأبي عبدالله عليهالسلام : (يقول الله : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) فقال : هي والله
النصاب . قلتُ : رأيناهم دهرهم أطول في الكفاية حتّى ماتوا . فقال : والله ذاك في الرجعة يأكلون العذرة) .
________________________
وفي بعضها : عن جميل عنه عليهالسلام قال : قلتُ له : قول الله (إِنَّا لَنَنصُرُ
رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) قال : ذلك والله في الرجعة ، أما علمتَ أنّ أنبياء الله كثيرة لم يُنصروا في الدُّنيا وقتلوا ، وأئمّة
قتلوا ولم ينصروا ، فذلك في الرجعة قلت : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن
مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) .
قال : هي الرجعة) .
وفي بعضها عنه عليهالسلام أيضاً قال : قال أمير
المؤمنين عليهالسلام في قول الله : (رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) قال : هو إذا خرجتُ
أنا وشيعتي وخرج عثمان بن عفّان وشيعته ونقتل بني أميّة فعندها يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين) .
________________________
وفي بعضها عنه عليهالسلام قال : (إنّ إبليس
قال : (أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فأبىٰ الله ذلك عليه فقال : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ
الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) فإذا كان يوم المعلوم ظهر إبليس في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم ، وهي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنين عليهالسلام قلتُ : وأنّها
لكرّات ؟ قال : نعم لكرّات وكرّات ما مِن إمام في قرن إلّا ويكرُّ معه البرّ والفاجر في
دهره حتّى يديل الله المؤمن على الكافر) .
________________________
وفي بعضها عن أحدهما عليهمالسلام في قول الله : (وَمَن كَانَ فِي
هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ) .
قال : في الرجعة .
وفي بعضها عن الصادق عليهالسلام : (ليس أحدٌ من
المؤمنين قُتِلَ إلّا سيرجع حتّى يموت ، ولا أحد من المؤمنين يموت إلّا سيرجع حتّى يُقتل) .
وفي بعضها عن أبي إبراهيم عليهالسلام قال : (لترجعنّ نفوس ذهبت ، وليقتصّن يوم يقوم ، ومَن عذّب يقتصّ بعذابه ، ومَن أُغيظ (يقتصّ)
بغيظه
ويرد لهم أعداءهم حتّى
يأخذوا بثأرهم ، ثمّ يعمرون بعدهم ثلاثين شهراً ، ثمّ يموتون
________________________
في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم ، وشفوا
أنفسهم ويصير عدوّهم إلى أشدّ النار عذاباً ، ثمّ يوقفون بين يدي الجبّار فيؤخذ لهم بحقوقهم) .
وفي بعضها عن الصادق عليهالسلام في قول الله : (كَلَّا سَوْفَ
تَعْلَمُونَ *
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) قال : مرّة بالكرّة
، وأُخرىٰ يوم القيامة .
وفي بعضها : (كأنّي بسيرٍ من نور قد وضع عليه قبّة
من ياقوتة حمراء مكلّلة بالجوهر ، وكأنّي بالحسين جالساً على ذلك السرير ، وحوله تسعون ألف قبّة خضراء ، وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلِّمون عليه فيقول الله لهم : أوليائي سلوني فطالما أوذيتم وذللتم واضطهدتم ، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدُّنيا والآخرة إلّا قضيتها لكم فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة) .
وفي بعضها عن عليّ عليهالسلام قال : (وإنّي لصاحب
الكرّات ودولة الدول) .
وفي بعضها عن الباقر عليهالسلام : (والله لُيملَكنّ
منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمئة سنين وتزداد تسعاً ، قلت : متى يكون ذلك ؟ قال : بعد القائم عليهالسلام ، قلتُ : وكم يقوم القائم عليهالسلام في عالمه ؟ قال : تسع
عشرة سنة ، ثمّ يخرج المنتصر إلى الدُّنيا وهو الحسين عليهالسلام فيطلب بدمه ودماء
أصحابه فيقتل ويسبىٰ حتّى يخرج
________________________
السفّاح وهو أمير المؤمنين عليهالسلام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام) .
وفي بعضها عن الصادق عليهالسلام : «أوّل مَنْ تنشقّ
الأرض عنه ويرجع إلى الدُّنيا الحسين بن عليّ عليهالسلام . وإنّ الرجعة ليست
بعامّة ، وهي خاصّة لا يرجع إلّا مَن مُحض الإيمان محضاً ، أو مُحض الشرك محضاً) .
وفي بعضها عن الباقر عليهالسلام : (إنّ رسول الله
وعليّاً عليهماالسلام سيرجعان) .
وفي بعضها : (إنّ الصادق عليهالسلام سُئل عن اليوم الذي ذكر الله مقداره في
القرآن (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ
سَنَةٍ) وهي كرّة رسول الله صلىاللهعليهوآله فيكون ملكه في كرّته خمسين ألف سنة ، ويملك عليّ
عليهالسلام في كرته أربعة وأربعين
سنة) .
وأنت خبيرٌ بأنّ الناظر فيما ذكرناه من الأخبار وغيره
ممّا لا يسعه هذا المضمار لا يرتاب في حقيّة الرجعة وثبوتها في الجملة ، وفي بعض الأخبار
________________________
نسبة إنكارها إلى القدرية ، وقد أجادَ
مَن قال : إنّه إذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أيّ شيءٍ يمكن دعوى التواتر ، مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف ، وظنّي
أنَّ مَن يشكّ في أمثالها فهو شاكٌ في أئمّة الدِّين ، ولا يمكنه إظهار
ذلك من بين المؤمنين فيحتال في تخريب الملّة القويمة بإلقاء ما يتسارع إليه عقول المستضعفين من استبعاد المتفلسفين ، وتشكيكات الملحدين : (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ
نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) .
والحاصل : إنّ هذا أمرٌ ممكن يمكن تعلّق القدرة
الإلهية به ، وقد أخبر به الصادقون المعصومون قطعاً فيجب الاعتقاد به ، ولو من باب التسليم
المأمور به بقوله تعالىٰ : (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ
إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) .
وبجملة من الأخبار المعتبرة فلا تستمع إلى
الملاحدة الذين يلقون الشبهات إلى الضعفاء باستبعاد هذا الأمر وإنكاره ، وما هذا إلّا كاستبعاد
المعاد ونحوه من الضروريات ، وظاهر الأخبار بل صريح كثير منها أنّهم عليهمالسلام يرجعون إلى الدُّنيا بأشخاصهم وأجسادهم التي كانوا عليها ، فلا تلفت إلى
الجهلة الذين يؤولون هذه الأخبار إلى خلاف ظاهرها من غير برهان قاطع ، متابعة لهوى
________________________
أنفسهم وسوء آرائهم فيقولون : إنّ المراد
رجعة حقائقهم وصفاتهم ، في هياكل متجدّدة وأجساد غير ما كانوا عليه في الأزمنة السابقة ، وقد بيّنا فساد هذه العقيدة
في جملة من رسائلنا .
نعم ، اختلفت الأخبار ظاهراً في كيفيّة الرجعة ، وترتيب
مَن يرجع من الأئمّة عليهمالسلام ولا حاجة بنا مهمّة
إلى الجمع بينهما بعد تسليم أصل الرجعة ، وليعلم أنّ الرجعة لا تصدق على ظهور القائم عليهالسلام فإنّه عليهالسلام : حيٌّ موجود الآن لا شكَ في حياته يظهر بعد ذلك متىٰ شاء الله فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً
بعدما ملئت ظلماً وجوراً .
فإذا مضىٰ مِن أوّل ظهوره تسع وخمسون
سنة خرج الحسين عليهالسلام وهو صامت إلى أن تمضي إحدى عشرة سنة فتقتله امرأة من بني تميم لها لحية
كلحية الرجل تسمّى (سعيدة) وهي شقيّة ، فيتولّىٰ الحسين عليهالسلام تجهيزه فيقوم بالأمر بعده ، فالرجعة من زمن
خروج الحسين عليهالسلام إلى أن يرفع
مع رسول الله صلىاللهعليهوآله وسائر الأئمّة عليهمالسلام إلى السماء ، وذلك
بعد كمال دينهم وسلطنتهم كما وعدهم الله .
وقوله : (بشرايع ديني) أمّا متعلِّق بموقن كما
تقدّم أو بمحذوف ليكون حالاً من المستتر في أشهد الله أو في موقن أي متلبّساً بشرائع ديني أي طرائقه وسبله ، وفيه إشارة إلى أنّ مجرّد الإيمان بهم لا يكفي بل لابدّ في ذلك من الائتمار بأوامرهم ، والانتهاء بنواهيهم ، وإطاعتهم فيما شرعوه من الأحكام ، والحدود ، والانقياد لهم فيما يأمرون به ، وينهون عنه فمَن لم يكن كذلك فهم عليهمالسلام منه براء
________________________
كما يدلّ عليه أخبار كثيرة .
قال الصادق عليهالسلام : (إنّما أصحابي مَن
اشتدَّ ورعه ، وعمل لخالقه ورجا ثوابه فهؤلاء أصحابي) .
وقال عليهالسلام : (ليس منّا ولا
كرامة مَن كان في مِصر فيه مئة ألف أو يزيدون ، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه) .
وقال الباقر عليهالسلام : (أيكفي مَن انتحل
التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت فوالله ما شيعتنا إلّا مَن اتّقى الله وأطاعه إلى أن قال : فاتّقوا الله
واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين أحدٍ قرابة ، أحبُّ العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم
وأعملهم بطاعته ، يا جابر والله ما يتقرّب إلى الله إلّا بالطاعة أمعنا براءة من
النار ولا على الله لأحد من حجّة ، مَن كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ ، ومَن كان الله عاصياً فهو لنا
عدوّ ، وما تنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع ، فلا تستمع إلى قومٍ سوّل الشيطان لهم
أعمالهم فزعموا أنّ الدِّين هو مجرّد دعوى حبّ آل محمّد صلىاللهعليهوآله فارتكبوا الكبائر ونبذوا أحكام الله وراء ظهورهم وهم لا يشعرون) .
ويُحتمل أن يكون بشرائع بدلاً من قوله : (بكم وبإيابكم)
ففيه إشارة إلى أنّهم عليهمالسلام شرائع الدِّين ، لكونهم
الأئمّة الراشدين المظهرين لأمر الله ونهيه
________________________
فتأمّل .
والخواتيم : جمع الخاتمة ، وخاتمة العمل آخره
وعاقبته ممّا يختم به من خيرٍ أو شرٍّ أو ما يترتّب عليه من ثواب وعقاب ، فإنّ ذلك نتائج الأعمال .
قال عليهالسلام : (مَن خُتِم له بقيام
ليلة ثمّ ماتَ فله الجنّة) .
ويُحتمل أن يُراد بالعمل هنا خصوص الزيارة ، أو
خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يُراد بالعمل هنا خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يُراد به في قوله : (اللّهم إنّي أستودعك خاتمة عملي) .
خصوص الإيمان والتوحيد المشار إليه بقوله : (مَن
كان آخر كلامه لا إله إلّا الله وجبت له الجنّة) فإنّه لا معنى
لاستيداع الله الشرّ من الأعمال .
وكيف كان لو علّقنا الجار والمجرور بموقن فلا إشكال
إذ المعنى أنّي على يقين بشرائع ديني وبنتائج عملي ، لأنّ الله ، ورسوله ، والأئمّة أخبروني بذلك ، ولم أشك في صدقهم ، وأمّا على غير ذلك فلابدّ من تقدير إذ المعنى متلبّساً
بشرائع ديني وبالإذعان بخواتيم عملي .
قوله : (وقلبي لقلبكم سلمٌ) أي صلح لا حرب . قال
الطريحي : والسلم كهمل : المسالم يقال : أنا سلمٌ لمَن سالمني وحربٌ لمن حاربني) .
وفي حديث وصف الأئمّة : (يُطهّر الله قلب عبد حتّى
يُسلّم لنا ويكون سلماً لنا أي يرضىٰ بحكمنا ولا يكون حرباً علينا) .
________________________
(وقلبي لكم مسلّم ورأيي لكم متّبعٌ) والمعنيان متقاربان
إذ المراد أنّه لا اعتراض لقلبي على أفعالكم ولا عداوة فيه لكم ، لأنّي أعلم أنّكم
أولياء الله وعباده المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وفيه إشارة إلى
ما أشرنا إليه من وجوب التسليم لهم عليهمالسلام كما قال تعالىٰ
: (وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وإلى أنّ التسليم لا يكون إلّا بالقلب فلا يجدي مجرّد الدعوى باللسان
.
كيف وقد روي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : (بينا أمير المؤمنين عليهالسلام في مسجد الكوفة إذ أتاه رجلٌ فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنّي أحبّك ، قال : ما تفعل . قال
: والله إنّي لأحبّك ، قال : ما تفعل . قال : بلى والذي لا إله إلّا هو قال : والله
الذي لا إله إلّا هو ما تحبّني . فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أحلف بالله إنّي أحبّك وأنت تحلف بالله ما أحبّك والله كأنّك تخبرني إنّك أعلم بما في نفسي فغضب أمير المؤمنين فرفع يده إلى السماء وقال : كيف يكون ذلك وهو ربنا خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثمّ عرض علينا المحبّ من المبغض فوالله ما رأيتك فيمن أحبّنا فأين كنتَ .
وقريب منه أخبار أُخر مروية في بصائر الدرجات في
باب أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام عرف ما رأى في
الميثاق .
________________________
والمراد بالقلب هو اللمعة النورانية الملكوتية التي
بها يدرك حقائق الأشياء ، ويعرف لطائف الأسرار لا نفس الجسم الصنوبري المودع فيه هذه القوّة الملكوتية كالبصر المودع فيه القوّة الباصرة ، وإن شئت قلت : إنّه العقل الذي يُعبد به الرحمٰن ويكتسب به الجنان ولذا قال : (لقلبكم) ، فإنّ قلوبهم عليهمالسلام أوعية العلوم الإلهية وخزائن المعارف الربّانية فقلب الشيعة يسلّم كلّ ما يصدر من قلوبهم عليهمالسلام لإذعانه بأنّه من
الله واعتقاده بأنّه من منبع الحقّ فلا ينكره ولا يعترض عليه بلِمَ ولا كيف ، وقلوب الشيعة مخلوقة من قلوبهم كما أنّ أجسادهم مخلوقة من فاضل طينتهم .
وفي بعض الأخبار : (إنّا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا
من دون ذلك النور فإذا كان يوم القيامة ألحقت السفلى بالعليا ، وفيه يا مفضّل أتدري لِمَ سمّيت
الشيعة شيعة ؟ يا مفضّل شيعتنا منّا ، ونحن من شيعتنا ، أما ترىٰ هذه
الشمس أين تبدو ؟ قلت : من مشرق ، قال : وإلى أين تعود ؟ قلت : إلى مغرب ، قال عليهالسلام : هكذا شيعتنا ، منّا بدؤوا وإلينا يعودون) ، وإنّما أفرد القلب
مع إضافته إليهم عليهمالسلام للإشارة إلى
اتّحادهم في الحقيقة النورية القدسية .
قوله : (وأمري لأمركم) يُريد أنّه تابع لهم في جميع
أحواله وأموره ، فإنّ المفرد المضاف مفيد للعموم على ما صرّح به جماعة ، فالمراد أنّه شيعة لهم يفتخر بمتابعته لهم في الأوامر والنواهي ، ويحذو حذوهم ويُطابق فعله فعلهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة كما هو شرط صدق هذا الاسم على ما يقتضيه كثير من الأخبار .
________________________
صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ أَرْوَاحِكُمْ وَعَلىٰ
أَجْسَادِكُمْ وَعَلىٰ [أَجْسَامِكُمْ]
وَعَلىٰ شَاهِدِكُمْ وَعَلىٰ غَائِبِكُمْ وَعَلىٰ ظَاهِرِكُمْ وَعَلىٰ بَاطِنِكُمْ .
أشار إلى أنّهم عليهمالسلام في جميع أحوالهم
وأطوارهم ومراتبهم ومقاماتهم وشؤونهم وكيفيّاتهم وظهوراتهم وتجلّياتهم وتنقّلاتهم مستحقّون للصلوات والتحيّات مِن خالقهم وبارئهم فإنّهم في جميع هذه الحالات لا يزالون عارجين معارج القرب ، سالكين مسالك الجذب ، متقرِّبين إلى بساط الديموميّة ، بوسائل
العبودية الكاملة كما قال عليهالسلام في دعائه يوم عرفة :
«وأنا أشهدُ يا إلٰهي بحقيقيّة إيماني وعقد عزمات يقيني ، وخالص صريح توحيدي ، وباطن مكنون ضميري وعلائق مجاري نور بصري ...» .
فأشار بقوله : (عليكم) إلى مقام حقيقتهم
المقدّسة ومرتبة نورانيّتهم العالية التي لم تلد ولم تولد ، ولم يعرفها غير الله أحد ، لكونها أوّل ما خلق الله في
عالم الإبداع كما قال : (نحن صنائع الله) ، وهذا هو المقام
المشار إليه بقوله : (لولاك
________________________
لما خلقتُ الأفلاك) ، وقد كان النبيّ صلىاللهعليهوآله يعنيه في صلاته بقوله : (أشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله) وبقوله : (السلامُ عليك أيّها النبيّ) وإلى هذا المقام
أشار أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله : (أنا ذات
الذوات) وبقوله : (أنا المعنى
الذي لا يقع عليه اسمٌ ولا شبه) .
قوله : (وعلى أرواحكم) يُمكن أن يُراد بها
نفوسهم القدسية ، وأن يُراد بها عقولهم الشريفة وهم وإن اتّحدوا في هذا المقام أيضاً ولكن الجمع باعتبار تعدّد الهياكل البشرية واختلاف المظاهر الجسمانية ، وذلك لا يوجب التعدّد في أصل الروح كالصورة المرئية في مرايا متعدِّدة .
وما الوجه إلّا واحدٌ غير أنّه
|
|
إذا أنتَ عدّدتَ المرايا تعدّدا
|
ويُحتمل أن يُراد بالأرواح الأرواح الخمسة المشار إليها
في جملة من الأخبار ، مثل ما رواه جابر
عن الباقر عليهالسلام قال : «إنّ الله خلق
الأنبياء والأئمّة على خمسة أرواح : روح القوّة ، وروح الإيمان ، وروح الحياة ، وروح الشهوة ، وروح القدس ، فروح القدس لا يلهو ولا يتغيّر
ولا يلعب ، وبروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش إلى ما تحت الثرىٰ» .
________________________
وسُئل الصادق عليهالسلام عن قول الله : (كَذَٰلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا) فقال : (ذلك فينا منذ أهبطه الله إلى الأرض وما يخرج إلى السماء) .
وفي جملة من الأخبار أنّ الروح خلقٌ أعظم من جبرئيل
وميكائيل كان مع محمّد صلىاللهعليهوآله يوفّقه ويسدّده وهو
مع الأئمّة من بعده وهو من الملكوت .
وفي بعضها : أنّه لم يكن مع أحدٍ ممّن مضىٰ
غير محمّد وهو مع الأئمّة .
وفي بعضها : إنّه خلقٌ من خلقه له بصر وقوّة وتأييد
يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين .
وفي بعضها : (مثل المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا
خرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم تتعب به ، قال : إنّ الأرواح لا تُمازج البدن ولا تداخله
________________________
إنّما هو كالكلل للبدن محيط به) .
وفي بعضها : عن أبي بصير عن الباقر عليهالسلام قال : سألته عن قول الله : (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) فقال : جبرئيل الذي
نزل على الأنبياء ، والروح تكون معهم ومع الأوصياء لا تفارقهم تفقّههم وتسدّدهم من عند الله وأنّه لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآله وبهما عُبدَ الله
واستعبد الخلق) .
وجسم الإنسان وجسده وجثمانه هو مجموع أعضائه
المؤلّفة من العناصر ، وربما يُفرّق بين الجسم والجسد باختصاص الأوّل بما فيه روح أو تعميمه لذي الروح وغيره ، واختصاص الثاني بما خلا عن الروح ، ويُحتمل أن يُراد بأجسامهم أشباحهم النورانيّة ، لأنّ من مراتبهم ومنازلهم مقام الأشباح ، كما يدلُّ
عليه جملة من الأخبار ، ففي بعضها :
(إنّ آدم رأى على العرش أشباحاً يلمع
نورها) وفي بعضها : (ثمّ
بعثهم في الظلال ، قال : قلت : أي شيء الظلال ؟ قال : تلم تر إلى ظلّكَ في الشمس شيء وليس بشيء) .
________________________
قال الطريحي : (ثمّ بعثهم في الظلال أي في عالم
الذرّ والتعبير بعالم الذر والمجرّدات واحد ، وإنّما عبّر عنه بذلك ، لأنّه شيء لا كالأشياء) .
وفي بعضها : (كيف كنتم حيثُ كنتم في الأظلّة ، قال
: يا مفضل كنّا عند ربنا في ظلّة خضراء) .
ويُحتمل أنْ يُراد بالأجسام الأجساد الأصلية اللطيفة
التي لا تتغيّر بمضيّ الدهور ، وورود الآفات ، وبالأجساد الأجساد العنصرية الزمانية التي تنقص وتزيد ، ويُحتمل أن يُراد بأحدهما الأجساد المثالية البرزخية وبالآخر هذا الهيكل المحسوس في هذا العالم ، وربما يفرّق بين الجسد والبدن ، بأنّ الأوّل لا يُقال إلّا على الحيوان العاقل بخلاف الثاني ، وقد يُقال البدن هو الجسد ما
سوى الرأس .
قوله : (وعلى شاهدكم ...) فيه أيضاً إقرار
بشاهدهم وغائبهم كما في الزيارة الجامعة : (مؤمن بسرّكم وعلانيّتكم وشاهدكم وغائبكم ، أوّلكم وآخركم)
________________________
والمراد بشاهدهم يُحتمل أن يكون الأئمّة
الأحد عشر الذين ظهروا على الناس في أزمنتهم وعرفوهم ولو في الجملة ، فالمراد بالغائب هو الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) وقد اختلف الناس في وجوده وعدمه على أقوال متشتّتة ومذهب الإمامية إنّه حيٌّ موجود غاب عن أنظارنا لمصالح كثيرة .
ويُحتمل أن يكون المراد بالشاهد هو الإمام الحيّ في
كلّ زمان فينعكس الفرض في هذا الزمان فإنّ القائم مشاهد ، وهم الغيب ، لأنّهم مضوا وقضوا نحبهم فالقائم عليهالسلام قطب هذا الزمان ، ونقطة
دائرة الإمكان ، وهو المدبّر في أمر الخلق المتصرّف في العالم بإذن الله تعالى ، وقد يقال : إنّ المراد حال
حضورهم مع الخلق حال غيبتهم عمّا سوى الله ، ويُسمّى بحال الفناء والمراقبة ،
فإنّ لهم مع الله حالات كما في الحديث المعروف .
قوله : (وعلى ظاهركم ...) أي وعلى
سرّكم وعلانيّتكم ، فالمراد بظاهرهم أعمالهم الظاهرة وبباطنهم عقائدهم ونيّاتهم الباطنية على ما يظهر من بعضهم في تفسير قوله : (مؤمن بسرّكم وعلانيّتكم) ، والظاهر أنّ
المراد بالظاهر مقام بشريتهم المشار إليه بقوله : (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ) ، وبالباطن هو مقام
قربهم إلى الحقّ واختصاصهم بمزايا الإمامة التي لا يدركها إلّا الخصيصون والعارفون
،
________________________
ويُحتمل أن يُراد بظاهرهم ظهورهم في زمن
محمّد صلىاللهعليهوآله في هذه الهياكل الشريفة ، وبباطنهم كونهم في الأعصار السالفة مع الأنبياء السالفين كما يدلُّ عليه حكاية أمير المؤمنين عليهالسلام مع الجنّي الذي كان
في زمن نوح ، والجنّي الذي كان في زمن سُليمان ، وما ورد من أنّه عليهالسلام كان مع الأنبياء باطناً ومع محمّد صلىاللهعليهوآله ظاهراً وباطناً ويرشد
إليه أيضاً قوله : «أنا حملتُ نوحاً في السفينة ، أنا صاحب يونس في بطن الحوت ، أنا الذي جاوزتُ موسى البحر ، وأهلكت القرون الأولى ، أعطيتُ علم الأنبياء والأوصياء وفصل الخطاب ، وبي تمّت
نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله» .
وقوله عليهالسلام : «أنا الذي جحد ولايتي
ألف أمّة فمسخوا ، أنا المذكور في
________________________
سالف الزمان والخارج في آخر الزمان» .
ويدلّ عليه أيضاً حكايته مع أمّه فاطمة بنت أسد ومع
سلمان الفارسي حيث نجّاهما من الأسد . وظهوره على
فرعون لمّا همَّ بقتل موسىٰ بصورة شاب لابس لباس الذهب وغير ذلك من الغرائب
المعروفة وكيف يُنكر أمثال ذلك وهم أوّليون أزليون كما قال : (كنّا في تكوينه بكينونته قبل خلق التكوين أوليين أزليين) ، وقال : (أنا
والهداة من أهل بيتي سرّ الله المكنون ، وأولياؤه
________________________
المقرّبون كلّنا واحد ، وأمرنا واحد ، وسرّنا
واحد فلا تفرّقوا بيننا فتهلكوا ، فإنّا نظهر في كلّ زمان بما شاء الله فالويل كلّ الويل لمَن أنكر ما قلتُ ، ولا ينكره
إلّا أهل الغباوة ومَن خُتِمَ على قلبه وسمعه وجعل على قلبه غشاوة) .
ويُحتمل أن يراد بظاهرهم علومهم الظاهرة من علوم
الشريعة المتعلّقة بالحلال والحرام والحدود والأحكام ، وبباطنهم الأسرار المكنونة التي لا يطّلع على بعضها سوى أهل سرّهم كسلمان وكميل وغيرهما ، وفي هذا المقام قال :
(لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لكفّره أو لقتله) .
وقال عليهالسلام :
(إنّي لأكتم من علمي جواهره
|
|
كيلا يرى الحقّ ذو جهلٍ فيفتننا)
|
إلى آخر الأبيات .
________________________
وقال عليهالسلام : (إنّ هاهنا لعلماً
جمّاً لو أصبت حملة) .
وقال عليهالسلام : (إنّ أمرنا صعبٌ
مستصعب ، لا يحتمله إلّا ملكٌ مقرّب ، أو نبيٌّ مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان) .
وقال : (أمرنا سرُّ مستتر ، وسرٌّ لا يفيده إلّا
سرّ ، وسرّ على سرّ ، وسرٌّ مقنّع بالسرّ) .
وأمثال هذه الكلمات منهم كثيرة لا تُحصىٰ
، ويُحتمل أن يُراد بظاهرهم الإمامة والخلافة ، وبباطنهم حقيقتهم النورانية المجرّدة التي لا ينال إلى
إدراكها أيدي العقول كما قال : (ظاهري إمامة وباطني غيبٌ لا يُدرك) ، وقال : (نحن في الحقيقة نور الله الذي لا يزول ولا يتغيّر) ، ويُحتمل أن يُراد
بظاهرهم الناطق منهم وبباطنهم الصامت ، فإنّ الحسن والحسين عليهماالسلام كانا صامتين في زمن عليّ عليهالسلام ، كما أنّ الحسين
كان صامتاً في زمن الحسن عليهالسلام ، وهكذا سائر الأئمّة وهذا لا يُنافي إمامة الصامت كما لا يخفى ، وإليه الإشارة بقوله : (إمامان
قاما أو قعدا) . وسأل يعقوب
السرّاج أبا عبدالله عليهالسلام فقال : «متى يمضي
الإمام حتّى يؤدّي علمه إلى مَن يقوم مقامه من بعده ؟ قال : لا يمضي الإمام
حتّى يفضي علمه إلى مَن انتجبه الله ، ولكن يكون صامتاً معه فإذا مضىٰ
ولي العلم
________________________
نطق به من بعده» . وفسّر في الأخبار
(البئر المعطّلة والقصر المشيد) في قوله : (وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ) بالإمام الصامت
والناطق .
قال الشاعر :
بئرٌ معطّلة وقصرٌ مشرف
|
|
مثل لآل محمّد مستطرف
|
ويُحتمل أن يُراد بظاهرهم شاهدهم وبباطنهم غائبهم فيكون
العطف للتفسير والتأكيد فيجري فيهما ما تقدّم فيهما ، وكيف كان فلا ريب في أنّ لهم عليهمالسلام وراء عالم شهادتهم
وحسّهم عالماً آخر وهو غُيّب عن أبصارنا يندرج تحته عوالم كثيرة لا يحصيها غيرهم ، فالمؤمن المخلص مذعن بذلك كلّه ومعتقد بأنّهم الأسرار الإلهية المودوعة في الهياكل البشرية ، والأنوار اللاهوتية الزاهرة في المظاهر الناسوتية ، وهم نور لا يوصف ، وبحرٌ لا يُنزف فحضورهم وغيبتهم إنّما هو بالنسبة إلينا ، وأمّا بالنسبة إلى نفس الأمر فهم شهداء
حاضرون دائماً لإحاطة علمهم بجميع العوالم الإمكانية ، لا يغيب عنهم منها شيء لا في الأرض ولا في السماء ، فلو رفع الحجب عنّا لرأيناهم على ما هم عليه ، ولذا
________________________
قال : (إنّ غائبنا إذا غاب لم يغب) . ومن هنا ينكشف
سرُّ حديث (الضيافة ، وغزوة الأحزاب والبصرة) .
وما روي من أنّه (أتىٰ قومٌ من الشيعة
الحسن بن علي عليهالسلام بعد قتل أمير المؤمنين فسألوه قال : تعرفون أمير المؤمنين عليهالسلام إذا رأيتموه ؟ قالوا
: نعم . قال : فارفعوا الستر فرفعوه فإذا هم بأمير المؤمنين عليهالسلام لا ينكرونه) .
(وقد أرى أمير المؤمنين أبا بكر رسول الله
بعد وفاته في مسجد قبا) ،
________________________
(والصادق سماعةَ الباقر عليهماالسلام بعد وفاته) ، (والكاظم إياه أيضاً
الصادق عليهالسلام) كذلك ، وقد روي ذلك كلّه في كتاب بصائر الدرجات وغيره . وروي في هذا الكتاب عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : «يموت
مَن مات منّا وليس بميّت ويبقىٰ مَن بقىٰ منّا حجّة عليكم» .
ويصدقه قول الله : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) .
والحمدُ لله أوّلاً وآخراً ، ظاهراً وباطناً في شهر
ربيع المولود سنة ١٣٠٠ هـ .
قد تمّ الفراغ من تحقيق هذا الشرح الشريف في الحادي
عشر من شعبان المعظّم من سنة (١٤٢٣) من الهجرة النبويّة .
قم المقدّسة ـ نزار
نعمة الحسن .
________________________
مصادر التحقيق
بعد
كتاب الله المجيد
١
ـ اصول الكافي وفروعه للكليني
٢
ـ مجمع البيان للطبرسي
٣
ـ بصائر الدرجات لابن الصفّار القمّي
٤
ـ مشارق أنوار اليقين رجب البرسي
٥
ـ تفسير القمّي علي بن إبراهيم القمي
٦
ـ أمالي المفيد
٧
ـ تفسير العيّاشي
٨
ـ تفسير البرهان ، السيّد هاشم البحراني
٩
ـ مجمع البحرين ، فخر الدين الطريحي
١٠
ـ بحار الأنوار للعلّامة المجلسي
١١
ـ الاحتجاج ، للطبرسي
١٢
ـ خصائص أمير المؤمنين ، للنسائي
١٣
ـ المستدرك ، للحاكم
١٤
ـ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل
١٥
ـ إرشاد القلوب ، للديلمي
١٦
ـ روضة الواعظين ، لابن فتّال النيشابوري
١٧
ـ حلية الأبرار ، السيّد هاشم البحراني
١٨
ـ دفع المناواة ، للسيّد حسين الكركي
١٩
ـ مدينة المعاجز ، السيّد هاشم البحراني
٢٠
ـ علل الشرائع ، للشيخ الصدوق
٢١
ـ عيون أخبار الرضا ، للشيخ الصدوق
٢٢
ـ تأويل الآيات الظاهرة ، للاسترآبادي
٢٣
ـ فضائل الشيعة ، للصدوق
٢٤
ـ قصص الأنبياء ، السيّد نعمة الله الجزائري
٢٥
ـ شرح الصحيفة السجّادية ، السيّد نعمة الله الجزائري .
٢٦
ـ الباب الحادي عشر ، للعلّامة الحلّي
٢٧
ـ نهج الحقّ وكشف الصدق ، للعلّامة الحلّي
٢٨
ـ الأنوار النعمانية ، السيّد نعمة الله الجزائري
٢٩
ـ تاريخ اليعقوبي ، لأحمد بن واضح اليعقوبي
٣٠
ـ إعلام الورىٰ ، للطبرسي
٣١
ـ مَن لا يحضره الفقيه ، للصدوق
٣٢
ـ اعتقادات الصدوق
٣٣
ـ قصص الأنبياء ، لأبي الفداء الدمشقي
٣٤
ـ شرح التجريد ، للقوشجي
٣٥
ـ التوحيد ، للشيخ الصدوق
٣٦
ـ كشف المراد ، لنصير الدِّين الطوسي
٣٧
ـ حقّ اليقين ، السيّد عبدالله شبّر
٣٨
ـ مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار ، السيّد عبدالله شبّر
٣٩
ـ الأنوار اللامعة ، السيّد عبدالله شبّر
٤٠
ـ العمدة ، لابن البطريق
٤١
ـ عوالم العلوم قسم الإمام الحسن عليهالسلام ، للشيخ عبدالله البحراني
٤٢
ـ إحياء العلوم ، لأبي حامد الغزالي .
٤٣
ـ مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق عليهالسلام
٤٤
ـ بشارة المصطفى لشيعة المرتضىٰ ، للطبري
٤٥
ـ الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام ، لابن شاذان القمّي
المناقب
، للخوارزمي
٤٦
ـ مقتل الحسين عليهالسلام ، للخوارزمي
٤٧
ـ فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام ، لابن عقدة الكوفي
٤٨
ـ السيرة النبويّة ، لابن هشام
٤٩
ـ السيرة النبويّة ، لزيني دحلان
٥٠
ـ مطالب السؤول ، لابن طلحة الشافعي
٥١
ـ جواهر المطالب ، للباعوني الشافعي
٥٢
ـ أمالي الصدوق
٥٣
ـ ينابيع المودّة ، للقندوزي
٥٤
ـ أُسد الغابة ، لابن الأثير
٥٥
ـ مصابيح السنّة ، للبغوي
٥٦
ـ حلية الأولياء ، لأبي نعيم الاصفهاني
٥٧
ـ الدرّ المنثور ، للسيوطي
٥٨
ـ تفسير القرطبي
٥٩
ـ تفسير الطبري
٦٠
ـ التفسير الكبير ، للرازي
٦١
ـ شواهد التنزيل ، للحسكاني
٦٢
ـ شرائع الإسلام ، للمحقّق الحلّي
٦٣
ـ اللمعة الدمشقية ، للشهيد الأوّل
٦٤
ـ شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك
٦٥
ـ مصباح المتهجّد ، للشيخ الطوسي
٦٦
ـ الجواهر السنية ، للحرّ العاملي
٦٧
ـ وسائل الشيعة ، للحرّ العاملي
٦٨
ـ الإيقاظ من الهجعة ، للحرّ العاملي
٦٩
ـ تنقيح المقال ، للشيخ عبدالله المامقاني
٧٠
ـ مرآة العقول ، للعلّامة المجلسي
٧١
ـ مروج الذهب ، للمسعودي
٧٢
ـ مقاتل الطالبيين ، لأبي الفرج الاصفهاني
٧٣
ـ الخصال ، للشيخ الصدوق
٧٤
ـ تذكرة الخواص ، لسبط ابن الجوزي
٧٥
ـ تاريخ دمشق ، لابن عساكر
٧٦
ـ نفحات اللاهوت ، للمحقّق الكركي
٧٧
ـ تفسير روح المعاني ، للآلوسي
٧٨
ـ مسائل الجاحظ
٧٩
ـ مقدّمة ابن خلدون
٨٠
ـ تفسير الإمام الحسن العسكري عليهالسلام
٨١
ـ مستدرك الوسائل ، للنوري
٨٢
ـ عين العبرة في غبن العترة ، للسيّد أحمد بن طاووس
٨٣
ـ أنساب الأشراف ، للبلاذري
٨٤
ـ مواليد الأئمّة ، للراوندي
٨٥
ـ الغيبة ، للشيخ المفيد
٨٦
ـ مناقب ابن شهرآشوب
٨٧
ـ مثير الأحزان ، لابن نما الحلّي
٨٨
ـ عدّة الداعي ، لابن فهد الحلّي
٨٩
ـ معاني الأخبار ، للشيخ الصدوق
٩٠
ـ مختصر بصائر الدرجات ، لابن سليمان الحلّي
٩١
ـ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي
٩٢
ـ الرجعة ، لمحمّد مؤمن الاسترآبادي
٩٣
ـ تفسير الكشّاف ، للزمخشري
٩٤
ـ لسان العرب ، لابن منظور
٩٥
ـ مصباح المنير ، للفيومي
٩٦
ـ المنجد في اللغة
٩٧
ـ مفاتيح الجنان ، للمحدّث القمّي
٩٨
ـ النصّ والاجتهاد ، للسيّد عبد الحسين شرف الدِّين العاملي
٩٩
ـ قصص الأنبياء ، لعبد الوهاب النجّار
١٠٠
ـ الزهراء بهجة قلب المصطفىٰ ، عبد الرحمان الهمداني
١٠١
ـ مقتل الحسين ، للسيّد عبد الرزّاق المقرم
١٠٢
ـ المنطق ، للشيخ محمّد رضا المظفر
١٠٣
ـ الزهراء ، محمّد كاظم الكفائي
١٠٤
ـ الإمامة والقيادة ، للسيّد كاظم الحائري
١٠٥
ـ أخبار الدول وآثار الأول ، للقرماني
الفهرس
الإهداء
......................................................................... ٣
مقدّمة
المحقّق .................................................................... ٥
ترجمة
الشارح .................................................................... ٧
اَلسَّلَامُ
عَلَيْكَ يَا وَارِثَ آدَمَ صِفْوَةِ اللهِ .............................................. ١٩
تفسير معنى السلام وذكر
أقاويل العلماء فيه .................................... ٢٥
تفسير كونه (عليه السلام) وارثاً
للأنبياء والأوصياء ............................... ٣١
تفسير صفوة الله ............................................................. ٥٠
اَلسَّلَامُ
عَلَيْكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ ................................................ ٥٧
اَلسَّلَامُ
عَلَيْكَ يَا وَارِثَ اِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ ........................................... ٦١
اَلسَّلَامُ
عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُوسىٰ كَلِيمِ اللهِ ............................................ ٦٥
اَلسَّلَامُ
عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عِيسىٰ رُوحِ اللهِ ............................................. ٦٧
اَلسَّلَامُ
عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ ............................................ ٧٠
اَلسَّلَامُ
عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلِىِّ اللهِ .................................. ٨١
اَلسَّلَامُ
عَلَيْكَ يَا بْنَ مُحَمّد المُصْطفىٰ ، اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ عَليِّ
الْمُرْتَضىٰ ... ........... ٩١
اَلسَّلَامُ
عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللهِ وَابْنَ ثَارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ ................................... ١٠٠
أَشْهَدُ
أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ وَآتَيْتَ الزَّكَاة ... ................................... ١٠٣
فَلَعَنَ
اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكَ ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً ظَلَمَتْكَ ...................................... ١١٥
وَلَعَنَ
اللهُ أُمَّةً سَمِعَتْ بِذٰلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ ........................................... ١٢٤
يَا
مَوْلَايَ يَا أَبَا عَبْدِاللهِ ......................................................... ١٢٧
أَشْهَدُ
أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الْأَصْلَابِ الشَّامِخَةِ ... ................................... ١٣٢
وَأَشْهَدُ
أَنَّكَ مِنْ دَعَائِمِ الدِّينِ ، وَأَرْكَانِ الْمُؤْمِنِينَ ................................... ١٤١
وَأَشْهَدُ
أَنَّكَ الْإِمَامُ الْبَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ ... ................................... ١٤٥
وَأَشْهَدُ
أَنَّ الْأَئِّمَةَ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقْوىٰ ، وَأَعْلَامُ الْهُدىٰ
... ....................... ١٥٠
وَأُشْهِدُ
اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ أَنّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ ... ............................. ١٥٨
صَلَوَاتُ
اللهِ عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ أَرْوَاحِكُمْ وَعَلىٰ أَجْسَادِكُمْ ... ........................... ١٧٤
مصادر
التحقيق .............................................................. ١٨٧
الفهرس
..................................................................... ١٩١
|