

(
ومنها : صلاة الكسوف )
وفي نسبتها إلى الكسوف مع كونه بعض أسبابها تغليب وتجوّز ، ولو عنونها بصلاة
الآيات كما صنعه الشهيد وغيره كان أولى.
( والنظر
) هنا يقع
( في
) بيان ( سببها
وكيفيتها وأحكامها ).
( وسببها
) الموجب لها
( كسوف الشمس
أو خسوف القمر أو الزلزلة ) أي الرجفة ، بلا خلاف أجده في شيء من هذه الثلاثة ، بل على
الأولين الإجماع حقيقة ، وحكي أيضا في كلام جماعة حدّ الاستفاضة ؛ وهو الحجّة
فيهما.
مضافا إلى
المعتبرة المستفيضة : « صلاة الكسوف فريضة » .
وفي رواية : « إذا
انكسفتا أو إحداهما فصلّوا » .
__________________
وعلى الأخير الإجماع في ظاهر المعتبر والمنتهى وغيرهما ، وصريح الخلاف
والتذكرة ؛ وهو الحجّة ، مضافا إلى ما سيأتي إليه الإشارة.
( وفي رواية
) بل روايات صحيحة أنّها
( تجب
لأخاويف السماء ).
منها : « كل
أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتى يسكن » .
ومنها : « إذا وقع
الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تخف أن يذهب وقت الفريضة » .
وقريب منهما
غيرهما : عن الريح والظلمة تكون في السماء والكسوف ، فقال 7 : « صلاتها سواء
» وظاهره التسوية في كل شيء حتى الوجوب.
وفي الصحيح : «
إنما جعلت للكسوف صلاة لأنه من آيات الله » الحديث . ومفهوم التعليل
حجّة.
وفي الرضوي : «
إذا هبّت ريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصلّ لها
__________________
صلاة الكسوف ،
وكذلك إذا زلزلت الأرض فصلّ صلاة الكسوف » .
وفي دعائم الإسلام
، عن جعفر بن محمّد 8 : « تصلّي في الرجفة والزلزلة والريح العظيمة والظلمة
والآية تحدث وما كان مثل ذلك كما تصلّي في صلاة كسوف الشمس والقمر سواء » .
وعلى هذه الروايات
عمل عامة المتأخرين ، وفاقا لأكثر المتقدمين بل عامّتهم أيضا عدا نادر ممّن لم
يتعرض لغير الكسوفين ، وهو غير صريح بل ولا ظاهر في المخالفة ؛ ولعلّه لذا ادعى
الشيخ في الخلاف على الرواية إجماع الطائفة ، ولم ينقل فيها في المنتهى خلاف عن أحد من الطائفة .
وعليه فلا وجه
للتردد المستفاد من العبارة ؛ إذ لا معارض للرواية ، مع ما هي عليه من الصحة
والاستفاضة والاعتضاد بعمل الطائفة ، عدا أصالة البراءة اللازم تخصيصها بالرواية ،
فإنها بالإضافة إليها خاصة ، فلتكن عليها مقدمة.
واعلم أنّ ضابط
الأخاويف ما يحصل به لمعظم الناس ، كما صرّح به جماعة ، ويظهر من بعض
نصوص المسألة.
ونسبتها إلى
السماء لعلّه باعتبار كون بعضها فيها ، أو أريد بالسماء مطلق
__________________
العلو ، أو
المنسوبة إلى خالق السماء ونحوه لإطلاق نسبته إلى الله تعالى كثيرا.
( ووقتها ) أي صلاة الكسوف ، ويدخل فيها صلاة الخسوف ( من الابتداء ) فيه إجماعا فتوى ونصا ، ففي الصحيح : « وقت صلاة الكسوف في
الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها » .
( إلى الأخذ في الانجلاء
) في المشهور بين أصحابنا ،
قيل للصحيح : ذكروا انكساف الشمس وما يلقى الناس من شدته ، فقال 7 : « إذا انجلى
منه شيء فقد انجلى » .
وردّ باحتمال أن
يكون المراد تساوي الحالين في زوال الشدّة لا بيان الوقت ، فلا يمكن الخروج به عن
مقتضى الأصل وإطلاق النصوص بإيجاب الصلاة بالكسوف الصادق في المفروض ، وخصوص
المعتبرة الظاهرة في بقاء الوقت إلى تمام الانجلاء كالصحيح : « صلّى رسول 6 في كسوف الشمس ،
ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها » ولو كان يخرج الوقت قبل تمام الانجلاء لم يجز التطويل إليه
سيّما من النبي 6 قطعاً.
والصحيح : « إن
فرغت قبل أن ينجلي فأعد » ولو كان الوقت قد خرج قبل الانجلاء لم تشرع الإعادة لا
وجوبا ولا استحبابا إجماعاً.
__________________
ونحوه الكلام في الموثق : « إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر
وتطول في صلاتك فإن ذلك أفضل » والذهاب إنما يكون بالانجلاء التام.
ولذا ذهب الفاضلان
في المعتبر والشرائع والمنتهى والشهيد في الدروس والذكرى وجماعة من متأخري
المتأخرين إلى امتداد الوقت إلى تمام الانجلاء ، وفاقا لجماعة من
القدماء كالعماني والديلمي والحلبي والمرتضى ، ولعلّه الأقوى.
وتظهر الفائدة
فيما جعل وقتا ، فإنه يشترط مساواته للصلاة أو زيادته عنها ، فلو قصر عنها سقطت ،
لاستحالة التكليف بعبادة في وقت يقصر عنها ، إلاّ إذا أريد القضاء فيما لو أدرك
ركعة من الوقت بعد أن مضى منه ما يسع الصلاة مع ما بقي فإنه يجب الشروع فيها ، لا
أقلّ من ذلك.
واعلم أنّ الماتن
لم يتعرض لوقت هذه الصلاة في سائر الآيات ، والمشهور أنه في الزلزلة تمام العمر ،
فإنها سبب لوجوبها لا وقت ، لقصورها عنها غالبا فهي أداء وإن سكنت.
وعن نهاية الاحكام
احتمال أن يكون ابتداؤها وقتا لابتداء الصلاة فتجب المبادرة إليها ، ويمتدّ الوقت
مقدار الصلاة ، ثمَّ تصير قضاء . ويؤيده أنّ شرع
__________________
الصلاة لاستدفاع
العذاب.
وفيما عداها :
مدّتها لا إلى الشروع في الانجلاء كما في الكسوفين على الأقوى ، ولا مدة العمر ؛
لأصلي الامتداد إلى الانجلاء من غير معارض هنا ، والبراءة بعده ، بناء على عدم ما
يدلّ على كونها من الأسباب تجب صلاتها مطلقا كالزلزلة ، سوى الإطلاقات كالصحيح : «
إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تخف أن تذهب وقت فريضة » .
ويجب تقييدها بما يدل على التوقيت فيها ، كالصحيح : « كلّ أخاويف السماء من ظلمة
أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن » .
فإنّ « حتى » هنا
إما لانتهاء الغاية أو للتعليل ، وعلى كل منهما يثبت التوقيت ، نصّا على الأوّل
وفحوى على الثاني.
ومثله وإن جرى في
الزلزلة لكن قصورها عن مقدار أداء الصلاة غالبا كما مضى يعيّن المصير إلى عدم
كونها موقّتة ؛ لاستلزامه التكليف بفعل في زمان يقصر عنه ، وهو باطل إجماعا واعتبارا
، إلاّ أنّ يخصّ فائدته بالابتداء فتجب فورا ، وهو قوي كما مضى.
وممّا ذكرنا ظهر
وجه إطباق الأصحاب على التوقيت في الكسوفين ، مضافا إلى الصحيحة السابقة في بيان
ابتداء وقتهما والنصوص الآتية في القضاء نفيا وإثباتا ؛ لصراحتها في التوقيت مبدأ
ومنتهى فيهما على الأول ، وظهورها كذلك على الثاني.
فما يقال فيهما ـ من
أنّ الظاهر أنّ الأدلة غير دالّة على التوقيت ، بل ظاهرها سببية الكسوف لإيجاب
الصلاة ـ فيه ما فيه ، سيّما مع مخالفته لظاهر إطباق الأصحاب.
__________________
وقريب منه القول
بإلحاق ما عدا الكسوفين بالزلزلة في التوقيت بمدة العمر كما عن المنتهى والتحرير .
( ولا ) يجب ( قضاء
) صلاة الكسوفين
( مع الفوات
) بشرطين أشار إليهما
( و
) هما
( عدم العلم
) بالسبب ( واحتراق
بعض القرص ) على الأظهر الأشهر في الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة
ممّن تأخر ، وعن ظاهر التذكرة عدم الخلاف فيه إلاّ من المفيد ، وفيه إشعار
بدعوى الإجماع ، وحكي التصريح به عن القاضي .
للمعتبرة
المستفيضة ، ففي الصحيح : « إذا انكسفت الشمس كلّها واحترقت ولم تعلم وعلمت بعد
ذلك فعليك القضاء ، وإن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء » .
وفيه : أيقضي صلاة
الكسوف من إذا أصبح فعلم وإذا أمسى فعلم؟
قال : « إذا كان
القرصان احترقا [ كلّهما قضيت ] وإن كان إنما احترق بعضهما فليس عليك قضاء » ونحوه الخبر .
وقريب منهما
الموثق ، عن مولانا الباقر 7 قال : « انكسفت
__________________
الشمس وأنا في
الحمّام فعلمت بعد ما خرجت فلم أقض » وهو محمول على صورة عدم الاحتراق ؛ للإجماع على لزوم
القضاء فيه على الإطلاق.
خلافا للصدوقين
والمفيد والإسكافي والحلبي والانتصار والخلاف فيجب القضاء ، وفي ظاهر الكتابين دعوى الإجماع عليه ؛
ولعلّه الحجّة لهم ، مضافا إلى العمومات الآمرة بقضاء الفوائت ، وخصوص الرضوي :
« وإن انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك أن تصلّيها إذا علمت ، فإن تركتها
متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصلّ ، وإن لم يحترق القرص فاقضها ولا تغتسل » .
وفي الجميع نظر ؛
لعدم صراحة الأوّل حيث حكي على وجوب قضاء هذه الصلاة على الإطلاق المحتمل قريبا
اختصاصه
بصورة العلم أو
الاحتراق ، لمصير أحد الناقلين في جملة من كتبه كالجمل والمسائل المصرية إلى المختار ، مع
أنه معارض بأجود منه وأصرح.
والعموم بحيث يشمل
المقام ممنوع ؛ لاختصاصه بحكم التبادر والغلبة بفوائت اليومية كما صرّح به جماعة ، ولو سلّم فهو
كالإجماعين يحتمل التخصيص والتقييد بصريح ما قدّمناه من الأدلة ، المعتضدة بالأصل
والشهرة
__________________
العظيمة التي كادت
تكون من المتأخرين إجماعا ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة كما يفهم عن التذكرة .
وبمثله يجاب عن
الرضوي ، فإنّ موضع الدلالة فيه إطلاق صدره المحتمل للتقييد بذلك ، وأما ذيله فهو
وان تضمّن الأمر بالقضاء مع عدم الاحتراق لكنه يحتمل الاختصاص بصورة العلم وتعمد
الترك ، كما يقتضيه السياق ، وما فيه قبل ذلك : « فإن علمت بالكسوف فلم يتيسر لك
الصلاة فاقض متى شئت ، وإن أنت لم تعلم بالكسوف في وقته ثمَّ علمت بعد ذلك فلا شيء
عليك ولا قضاء » وهو كالنصّ ، بل نصّ في المذهب المختار ، وإن لزم تقييد إطلاقه
بصورة عدم الاحتراق بالنصّ والإجماع.
ويعضده ـ مضافا
إلى ما مرّ ـ إطلاق النصوص النافية للقضاء بعد الفوت في هذه الصلاة على الإطلاق ،
منها الصحيح : « إذا فاتتك فليس عليك قضاء » .
وفي الخبر : « ليس
فيها قضاء ، وقد كان في أيدينا أنها تقضى » .
لكنها شاذة محتملة
للحمل على التقية كما يفهم من الانتصار والخلاف ؛ حيث جعلا أصل
قضاء هذه الصلاة من متفردات الإمامية وقالا : إنه لم يوافقنا على ذلك أحد من فقهاء
العامة ، وربما أشعر بذلك الرواية الأخيرة ، فتدبّر.
__________________
( وتقضى )
هذه الصلاة
( لو علم
) بالسبب ( وأهمل أو
نسي ) أن يصلّيها ( وكذا
) تقضى ( لو احترق
القرصان كلّهما على التقديرات
) كلّها أي سواء لم يعلم بالسبب
أو علم وأهمل أو نسي.
بلا خلاف في
الأخير على الظاهر ، المصرّح به في كلام جمع ، وعن ظاهر التذكرة الإجماع عليه ، كما يستفاد من
إطلاق عبارتي الانتصار والخلاف ، وبه صرّح في المنتهى لكن في صورة العلم خاصة ؛ وهو الحجّة ،
مضافا إلى صريح المعتبرة المستفيضة المتقدمة. وأمّا إطلاق النصوص الأخيرة فقد عرفت
الجواب عنها مع احتمالها الحمل على صورة عدم العلم واحتراق البعض خاصة.
وعلى الأظهر
الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر فيما عداه مطلقا ، وقد نفى الخلاف عنه وعن عدم وجوب
الغسل في صورة العمد منه في السرائر ، ويشمله مطلقا إطلاق عبارتي الانتصار والخلاف المنقول
فيهما الإجماع ؛ وهو الحجّة.
مضافا إلى صريح
المرسل : « إذا علم بالكسوف ونسي أن يصلّي فعليه القضاء ، وإن لم يعلم فلا قضاء
عليه ، هذا إذا لم يحترق كلّه » وهو وإن اختص بالنسيان إلاّ أنه يلحق به العمد بالفحوى مع
عدم قائل بالفرق بينهما.
__________________
وإطلاق الموثق : «
وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثمَّ غلبتك عيناك فعليك قضاؤها » .
والمرسل كالصحيح :
« إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصلّ فليغتسل من غد وليقض الصلاة ، وإن لم
يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلاّ القضاء » .
وإطلاقهما يقرب من
النصّ ؛ لندرة الاحتراق وغلبة انكساف البعض فيحمل عليه.
نعم ربما يشعر
سياق الأخير بكون مورده خصوص صورة الاحتراق ؛ للأمر بالغسل في صورة التعمد ، ونفيه
وإثبات القضاء في صورة الجهل ، وشيء منهما لم يوافق مذهب الأكثر مع عدم الاحتراق
، إلاّ أن يحمل على الاستحباب.
وكيف كان ، ففيما
عداه كفاية إن شاء الله تعالى وإن قصر السند أو ضعف ؛ للانجبار بالشهرة العظيمة
وحكاية الإجماعات المتقدمة ؛ مضافا إلى التأيد بعمومات ما دلّ على قضاء الفريضة أو
إطلاقاته لو لم نقل بكونها حجّة مستقلّة كما يظهر من جماعة .
ومن هنا ظهر ضعف
القول بعدم وجوب القضاء مطلقا كما عن مصباح المرتضى ، أو في النسيان
خاصة كما عن المبسوط والنهاية والقاضي وابن
__________________
حمزة ، سيّما مع عدم
دليل عليه مطلقا إلاّ الأصل المخصّص بما مرّ ، والنصوص النافية للقضاء مطلقا ، وقد
عرفت الجواب عنها ، مع عدم انطباقها إلاّ على مذهب المرتضى وإلاّ فالتفصيل لا يظهر
منها ، بل ولا من الأصل أيضا.
هذا كلّه في قضاء صلاة الكسوفين. وأمّا سائر الآيات ما عدا الزلزلة فالمشهور عدم وجوب
القضاء مع الجهل بها مطلقا ، ووجوبه مع العلم كذلك ، بل قيل في الأول : إنه مذهب
الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا .
ويدلّ على الحكم
فيه ـ بعد الأصل ، واختصاص النصوص الآمرة بقضاء الفوائت بحكم التبادر باليومية
منها كما مضى ـ فحوى ما دلّ عليه في الكسوفين ؛ لكون وجوب صلاتهما أقوى ، فعدم
وجوب قضائهما يستلزم عدم وجوب قضاء صلاة سائر الآيات بطريق أولى.
ولا أعلم لهم دليلا على الحكم في الثاني ، سوى عموم نصوص قضاء الفوائت ، وفيه ما
مضى ، مع جريانه في الأوّل أيضا ولم يقولوا بمقتضاه فيه ، فينبغي القول بعدم
الوجوب هنا أيضا ، لكن لم أجد به قائلا.
ثمَّ إنّ هذا كلّه
على المختار من التوقيت في صلاة الآيات ، ويأتي على غيره من جعلها من الأسباب لزوم
أدائها على كل حال ولا تكون قضاء.
( وكيفيتها أن ينوي فيكبّر
) تكبيرة الافتتاح
( ويقرأ
الحمد وسورة أو بعضها ، ثمَّ يركع ، فإذا انتصب
) منه ( قرأ الحمد
ثانيا وسورة ) أو بعضها ( إن كان أتم
) السورة ( في
) الركعة ( الاولى ،
وإلاّ ) يكن أتمها فيها ( قرأ من حيث قطع
) ولا يقرأ الحمد ثانيا ،
وهكذا يفعل إلى أن يكمل خمس ركوعات ( فإذا أكملها خمسا سجد
اثنتين ، ثمَّ قام بغير تكبير
) للقيام ( فقرأ
) الحمد
__________________
وسورة أو بعضها
( وركع
) فإذا انتصب قرأ الحمد ثانيا
وسورة إن كان أتمها في الأولى ، وإلاّ قرأ من حيث قطع ، وبالجملة يكون
( معتمدا
) ومراعيا في هذه الركعة
( ترتيبه
الأول ) الذي راعاه وفعله في الركعة الأولى إلى أن يكمل عدد الركوعات خمسا
( ثمَّ
) يسجد و ( يتشهّد
ويسلّم ).
بلا خلاف في شيء
من ذلك أجده فتوى ونصا ، إلاّ من الحلّي فلم يوجب الحمد زيادة على مرّة في كل من
الركعة الأولى والثانية مطلقا ولو أكمل السورة وأتمها في كل ركعة ، بل استحبها .
وهو شاذّ على
خلافه الإجماع في ظاهر عبائر جماعة ؛ وهو الحجّة عليه ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة ، وفيها
الصحاح وغيرها ، المتضمنة للأمر بها في الصورة المذكورة ، السليمة عمّا
يصلح للمعارضة ، عدا بعض الوجوه الاعتبارية والنصوص القاصرة سندا بل ودلالة.
ومن الخبرين الدالّ
أحدهما على أنّ عليا 7 صلّى في كسوف الشمس ركعتين في أربع سجدات وأربع ركعات .
وثانيهما على أنّ
مولانا الباقر 7 صلّى في خسوف القمر ثماني ركعات كان يصلي ركعة
وسجدتين .
__________________
وهما ـ بعد
الإغماض عن سندهما ـ موافقان للعامة كما صرّح به جماعة ومنهم شيخ الطائفة ، ومع ذلك شاذان
على خلافهما وما في المتن من أنها ركعتان في كل ركعة خمس ركوعات وسجدتان الإجماع
في الناصرية والانتصار والخلاف والمعتبر والمنتهى وغير ذلك من كتب
الجماعة ؛ وهو الحجّة.
مضافا إلى النصوص
المتقدم إليها الإشارة ، ومنها الصحيح : « هي عشر ركعات وأربع سجدات ، تفتتح
الصلاة بتكبيرة وتركع بتكبيرة وترفع رأسك بتكبيرة إلاّ في الخامسة التي تسجد فيها
وتقول : سمع الله لمن حمده ، وتقنت في كل ركعتين قبل الركوع وتطيل القنوت والركوع
على قدر القراءة والسجود ، فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي ، وإن
انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي واجهر بالقراءة » قال : قلت : كيف
القراءة فيهما؟ فقال : « إن قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن نقصت
من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت ولا تقرأ فاتحة الكتاب » الحديث .
ويستفاد من إطلاقه
جواز التفريق بأن يبعّض سورة واحدة في إحدى الركعتين ويقرأ في الأخرى خمسا ،
والجمع في الركعة الواحدة بين الإتمام والتبعيض بأن يتم سورة مثلا في القيام
الأوّل ويبعّض سورة في الأربعة الباقية.
وعلى ذلك تدل جملة
من المعتبرة ، منها الصحيح المروي في مستطرفات السرائر ، عن جامع البزنطي ، عن
مولانا الرضا 7 ، وفيه :
__________________
عن القراءة في
صلاة الكسوف [ وهل ] تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب؟ قال : « إذا ختمت سورة وبدأت
بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن قرأت سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ فاتحة
الكتاب حتى تختم السورة ، ولا تقل : سمع الله لمن حمده في شيء من ركوعك إلاّ
الركعة التي تسجد فيها » .
ونحوه الآخر
المروي عن علي بن جعفر في كتابه .
والصحيح : « وإن
شئت قرأت سورة في كل ركعة ، وإن شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة ، فإذا قرأت سورة في
كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب
إلاّ في أول ركعة حتى تستأنف أخرى » الخبر .
وظاهر هذه النصوص
عدم لزوم الاقتصار على قراءة خمس سور في كل ركعة ، أو تفريق سورة على الخمس ، فلا
وجه للاحتياط به كما قيل .
كما لا وجه للحكم
بتحتّم ترك الفاتحة في صورة التبعيض ، لمكان النهي عنها الذي هو حقيقة في التحريم.
وذلك لاحتمال
وروده مورد توهم الوجوب ، كما يفصح عنه الصحيحة الأخيرة ، لمكان قوله « أجزأك .. »
إلى آخره ، فتدبر.
ولا لما ذكره
الشهيدان من أنه متى ركع عن بعض سورة تخيّر في القيام بعده بين القراءة من موضع
القطع ، وبين القراءة من أيّ موضع شاء من السورة
__________________
متقدما أو متأخرا
، وبين رفضها وقراءة غيرها .
لمخالفته لما في الصحيحة الأولى من قوله : « فإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث
نقصت » فإنّ مقتضاه تعيّن القراءة من موضع القطع ، فلا يكون العدول إلى غيره من
السورة وغيرها جائزا ، وبذلك صرّح جماعة ، ويستفاد أيضا من العبارة.
( ويستحب فيها
) أي في هذه الصلاة مطلقا
( الجماعة
) بإجماعنا كما عن التذكرة وفي
غيرها ؛ للعمومات ، والتأسي ففي الصحيح : « صلاّها رسول الله 6 والناس خلفه في
كسوف الشمس » وأظهر منه غيره ؛ وللنص .
ولا فرق في المشهور بين احتراق القرص كلّه أو بعضه ، أداء وقضاء ؛ للعموم.
خلافا للصدوقين
فنفياها عند احتراق البعض .
وللمفيد فنفاها في
القضاء .
ومستندهم غير واضح
، نعم في الخبر : « إذا انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلّها فإنه ينبغي للناس أن
يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم ، وأيّهما كسف
__________________
بعضه فإنه يجزي
الرجل أن يصلّي وحده » .
وهو مع قصور سنده غير دالّ على المنع عنها في صورة احتراق البعض ، وإنما غايته
الدلالة على إجزائها فرادى ، وهو لا ينافي استحباب الجماعة فيها.
ويفهم من بعض وجود
قول بوجوبها مع الاحتراق ؛ ولعلّه ظاهر عبارة الصدوقين المحكية في المختلف ،
ويستفاد منه قولهما بوجوبها مع الاحتراق ، والمنع عنها مع عدمه.
ويردّه ـ مضافا إلى
الأصل والإجماع المتقدم ـ الإجماع المحكي في الخلاف على جوازها جماعة وفرادى ، وفي
السفر والحضر .
وفي الذكرى :
وليست الجماعة شرطا في صحتها عندنا وعند أكثر العامة .
وفي الموثق : عن
صلاة الكسوف تصلى جماعة؟ قال : « جماعة وغير جماعة » ونحوه الخبر .
( والإطالة بقدر
) زمان ( الكسوف
) المعلوم ، قيل : أو المظنون .
بإجماع العلماء
كما عن المعتبر ، وفي المنتهى لا نعرف فيه خلافا .
ولاستحباب الإطالة
مطلقا. وللنصوص .
__________________
ويستفاد من جملة
منها آتية إطلاق استحبابها حتى للإمام مطلقا ، ولكن في الصحيح : « وكان يستحب أن
يقرأ فيهما بالكهف والحجر ، إلاّ أن يكون إماما يشقّ على من خلفه » .
وهو مع صحة سنده أوفق بعموم النصوص الآتية في بحث الجماعة ـ إن شاء الله تعالى ـ الآمرة
بالتخفيف والإسراع مراعاة لحال المأمومين ، فيمكن حمل أخبار الباب على صورة رغبة
المأمومين في الإطالة.
وظاهر الأصحاب
مساواة الكسوفين في مقدار الإطالة ، لكن في الصحيح : « إنّ صلاة كسوف الشمس أطول
من صلاة كسوف القمر » .
وفي آخر : ورووا «
أن الصلاة في هذه الآيات كلّها سواء ، وأشدّها وأطولها كسوف الشمس » .
( وإعادة الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء
) للأمر بها في الصحيح وظاهره الوجوب
كما عن جماعة من القدماء ، وحمله الأكثر على الاستحباب ، جمعا بينه وبين الصحيح وغيره الآمرين بدل
الإعادة بالجلوس والدعاء حتى ينجلي.
والجمع بينهما
بالوجوب التخييري وإن أمكن ، وربما استفيد من الرضوي : « وإن صلّيت وبعد لم ينجل
فعليك الإعادة أو الدعاء والثناء على الله
__________________
تعالى وأنت مستقبل
القبلة » .. لكنه غير معروف القائل كما صرّح به في الذخيرة والمدارك
ومع ذلك الأول أوفق بالأصل ، المؤيد بالشهرة وظاهر بعض المعتبرة ، كالموثق :
« إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فإن ذلك أفضل ، وإن
أحببت أن تصلي وتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز » فتدبّر.
وممّا ذكرنا يظهر ضعف ما عليه الحلّي من إنكار الإعادة مطلقا وإن حسن على أصله
، لكون النص الدال عليه من الآحاد التي لا يعمل بها. وفي التنقيح : إنّ ذلك منه
عجيب مع حصول النص ولا عجب منه ، لما مرّ ، بل التعجب منه عجيب.
( وأن يكون ركوعه بقدر قراءته
) للمضمر : « ويكون ركوعك مثل
قراءتك » وفي الخلاف وعن الغنية الإجماع عليه.
وفي الصحيح : «
وتطيل القنوت على قدر القراءة والركوع والسجود » .
واستدل به جماعة
على المطلوب ، وهو يتم إن نصبنا الركوع والسجود ، وهو غير متعين لو لم
يتعين الخفض.
__________________
وفيه على تقدير
النصب دلالة على انسحاب الحكم في السجود أيضا كما عليه جماعة ، بل القنوت أيضا
كما في الذكرى وغيره .
ولا بأس به ؛ للتسامح في أدلة السنن ، مع أنّ في المنتهى الإجماع على استحباب
التطويل في كل من الركوع والسجود من أهل العلم في الأول ، ومنّا في الثاني .
وهو وإن لم يقدّر
التطويل بقدر القراءة ، لكنه استدل عليه في الأوّل بالصحيحة السابقة المتوقف
دلالتها على النصب ، ومقتضاه التقدير بقدر القراءة ، وفي الثاني بالمضمرة السابقة
المتضمنة لقوله بعد ما مرّ : « وسجودك مثل ركوعك ».
وعن المفيد تقدير
الإطالة بقدر السورة ؛ ولعلّ مراده بها ما يعمّ الفاتحة ، فلا مخالفة.
(
وأن يقرأ السور الطوال ) إجماعا كما في الخلاف والمنتهى .
وهي مثل يس والنور
كما في المضمر ، وفيه : فمن لم يحسن يس وأشباهها ، قال : « فليقرأ ستّين آية في كل
ركعة ».
وفي المقنعة ، عن
مولانا أمير المؤمنين 7 : أنّه صلّى بالكوفة صلاة الكسوف ، فقرأ فيها الكهف
والأنبياء وردّدها خمس مرّات ، وأطال في ركوعها حتى سال العرق على أقدام من كان
معه وغشي على كثير منهم .
__________________
ونحوه المرسل
المروي في صلاة الرسول 6 .
ومرّ في الصحيح استحباب خصوص الكهف والحجر.
وقوله ( مع السعة ) متعلق بكل من تطويل الركوع والسورة جميعا ، ووجه التقييد به
واضح.
(
و ) أن ( يكبّر كلّما انتصب
من الركوع ) في كل من العشر
ركعات ( إلاّ في
الخامس والعاشر فإنه يقول ) عند الانتصاب منهما
( سمع الله لمن حمده ) بإجماعنا الظاهر المصرّح به في الخلاف والمنتهى ، والمعتبرة
المستفيضة المتقدمة إلى بعضها الإشارة .
وفي بعض الأخبار التسميع عند الانتصاب من ركوع تمت السورة قبله .
(
وأن يقنت ) بعد القراءة قبل
الركوع من كل مزدوج من الركوعات حتى يقنت في الجميع ( خمس قنوتات ) بلا خلاف أجده ؛ للمعتبرة المستفيضة المتقدم بعض منها .
قال الصدوق : وإن
لم يقنت إلاّ في الخامسة والعاشرة فهو جائز ؛ لورود الخبر به .
وعن النهاية
والمبسوط والوسيلة والإصباح والجامع والبيان جواز
__________________
الاقتصار عليه في
العاشرة.
( والأحكام فيها اثنان : )
(
الأول : إذا اتفق ) إحدى هذه الآيات
( في وقت ) صلاة ( حاضرة تخيّر ) المكلّف
( في الإتيان ب ) صلاة ( أيّهما
شاء ) مع اتساع وقتهما ( على الأصح ) الأشهر على الظاهر ، المنقول عن المعتبر ، والمصرّح به في
كلام جمع ممن تأخر ؛ للأصل ، والتساوي في الوجوب والاتساع ؛ مضافا إلى عموم
ما دلّ على جواز الفريضتين في وقتهما.
وفيه مع ذلك الجمع بين ما دلّ على الأمر بتقديم الفريضة على الكسوف من المعتبرة ،
كالصحيح : عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة ، فقال : « ابدأ بالفريضة » .
وما دلّ على العكس
، كالصحيح : « إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تتخوف أن يذهب وقت
الفريضة ، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف ، فإذا فرغت
من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت » .
خلافا للصدوق
وغيره فقال بالأول ؛ عملا بظاهر الأمر ، المعتضد بصريح الرضوي : « ولا تصلّها في
وقت الفريضة ، فإذا كنت فيها ودخل عليك وقت الفريضة فاقطعها وصلّ الفريضة ، ثمَّ
ابن على ما صلّيت من صلاة
__________________
الكسوف » .
ويعارضان بالمثل ،
وقد عرفته في الأوّل ، وهو في الثاني المروي عن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد 8 أنه قال : فيمن
وقف في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت صلاة ، قال : « يؤخرها ويمضي في صلاة الكسوف
حتى يصير إلى آخر الوقت ، فإن خاف فوت الوقت قطعها وصلّى الفريضة » .
وحيث لا ترجيح وجب
التخيير.
وربما يحمل وقت
الفريضة في الثاني على وقت الفضيلة ؛ فيجب تقديم الحاضرة مطلقا ـ كما عليه الصدوق ; ـ جمعا ،
والتفاتا إلى ظاهر الصحيحين ، في أحدهما : عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس ويخشى
فوات الفريضة ، فقال : « اقطعوا وصلّوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم » .
وفي الثاني : ربما
ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة ، فإن صلّينا الكسوف خشينا أن
تفوتنا الفريضة ، فقال : « إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثمَّ عد فيها »
الحديث .
وفيه نظر ؛ لعدم
ظهور الصحيحين فيما ذكر ، وعدم شاهد على الجمع ، مع أنه ليس بأولى من الجمع بالعكس
بحمل وقت الفريضة في الأولى على آخر وقت الإجزاء ، ويكون العمل على الرواية
الأخيرة من تقديم صلاة الكسوف كما عليه بعض الجماعة .
__________________
وحيث وقع التعارض
بين هذين الجمعين ولا مرجح لأحدهما في البين تعيّن التخيير بين الأمرين ، مع تأيده
ـ زيادة على ما قدّمناه ـ بأنه لا معنى لتضيق وجوب أحدهما بمجرد معارضته للآخر مع
كونه في أصل الشرع موسّعا.
وبالجملة : لا ريب
في التخيير وإن كان تقديم الحاضرة أولى ؛ لأهميتها في نظر الشارع ، مع كثرة ما يدل
على لزوم تقديمها نصا وفتوى.
(
ما لم يتضيق ) وقت ( الحاضرة
فيتعين للأداء ) إجماعا كما في المنتهى والمدارك والذخيرة وغيرها ؛ للنصوص
المتقدمة الدالة عليه بظاهرها بل بصريحها ؛ مع استلزام تقديم الكسوف حينئذ الإخلال
بالواجب لا لضرورة.
ومنه يظهر الحكم
بوجوب تقديم الكسوف لو انعكس الفرض بأن تضيّق وقتها واتسع الحاضرة ، وعليه الإجماع
في الكتابين الأخيرين أيضا.
وإن تضيّق وقتهما
معا قدّمت الحاضرة إجماعا كما في التنقيح ، ونفى عنه الخلاف في الذكرى ، ووجهه ظاهر
ممّا قدّمنا.
وحيث قدّمها وجب
عليه قضاء الكسوف إن فرّط في فعلها ، وإلاّ فلا مطلقا وإن فرّط في الحاضرة ، على
قول مستند إلى أن تأخيرها كان مباحا إلى ذلك الوقت ، ثمَّ تعين عليه الفعل بسبب
التضيق واقتضى ذلك الفوات ، وهو بالنظر إلى هذه الحال غير متمكن من فعل الكسوف ،
فلا يجب الأداء لعدم التمكن ، ولا القضاء لعدم الاستقرار.
وقيل : يجب القضاء
مع التفريط فيها ؛ لاستناد إهمالها إلى ما تقدّم من
__________________
تقصيره .
وفي كل من القولين نظر ، بل الوجه التفصيل بين ما لو علم المكلّف باستلزام تأخير
الحاضرة فوات الكسوف عن وقتها كما يتفق أحيانا فالثاني ، وإلاّ فالأوّل ، فتدبّر.
وإذا دخل في صلاة
الكسوف بظن سعة الحاضرة ثمَّ تبيّن له ضيقها في الأثناء قطعها وصلّى الحاضرة
إجماعا ، فتوى ونصا ، ثمَّ بنى على ما قطع ، وفاقا للأكثر ، وفي ظاهر المنتهى
الإجماع عليه ؛ لصريح الصحيحة الثانية والرضوية المتقدمة ؛ وقريب منهما
الصحيحة الأخيرة.
خلافا للمبسوط
فليستأنف ، واختاره في الذكرى ، لأمر اعتباري غير مسموع في مقابلة النصوص الصحيحة
المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع كما عرفت حكايته.
(
ولو كانت الحاضرة نافلة فالكسوف أولى ) بالتقديم وجوبا بلا خلاف ظاهرا ، وفي المنتهى : إنّ عليه
علماءنا أجمع . ويدل عليه ـ بعد الإجماع الظاهر منه ـ الاعتبار المعتضد
بالصحيحين الواردين في خصوص تقديم الكسوف على نافلة الليل ، ولا قائل
بالفرق ، مضافا إلى تنقيح المناط القطعي
__________________
المستند إلى
الاعتبار السابق ، وهو أولوية الواجب بالتقديم على غيره.
(
و ) لا فرق فيها بين
ما ( لو خرج
وقت النافلة ) بتقديم الفريضة أو لم يخرج ، ولا بين ما إذا اتّسع وقت صلاة الكسوف بحيث ما لو
أتى بالنافلة أدركها بعدها أولا ؛ لإطلاق النص والفتوى المعتضد بعموم ما دلّ على
المنع عن النافلة وقت الفريضة.
(
الثاني : ) يجوز أن ( تصلّى هذه الصلاة
على الراحلة وماشيا ) مع الضرورة إجماعا. وفي جوازها على الراحلة اختيارا قولان ، فعن الإسكافي
الأول. لكن مع استحباب فعلها على الأرض . وحكاه في المنتهى عن الجمهور .
وفي التنقيح عن الماتن في المعتبر نقله عن باقي الأصحاب .
وهو غريب فإنّ
أحدا ممّن وصل إلينا كلامه لم ينقله عن أحد عدا الإسكافي ، بل صرّح بعضهم بأنّ
المشهور خلافه ، وهو المشار إليه بقوله : ( وقيل ) والقائل الشيخ في النهاية ( بالمنع ) مطلقا
( إلاّ مع العذر ) والضرورة ، واختاره الماتن هنا وفي الشرائع بقوله ( وهو أشبه ).
وتبعه عامة متأخري
الأصحاب فيما أعرفه ؛ عملا بعموم ما دلّ على المنع عن الفريضة على الراحلة ، مع
سلامتها عن المعارض بالكلية.
عدا ما ربما يستدل
للجواز من رواية ضعيفة السند بالجهالة والكتابة ، مع
__________________
أنها غير واضحة
الدلالة ، فإن فيها : كتبت إلى الرضا 7 : إذا انكسفت الشمس والقمر وأنا راكب لا أقدر على النزول ،
فكتب : « صلّ على مركبك الذي أنت عليه » .
والسؤال فيها مختص
بحال الضرورة ، والجواب يتبعه ؛ للمطابقة ، ولا عموم فيه لغة حتى يكون العبرة به
لا بالمورد. ولو سلّم الدلالة نقول : إنّها محمولة على التقية ، لما مرّ ، ويشهد
له كونها مكاتبة ، هذا.
وفي المنتهى قد
استدل بها على المختار ، وقال في تقريبه : والتعليق بالوصف يقتضي التخصيص ظاهرا .
وهو كما ترى ؛
لمنع الاقتضاء أوّلا ؛ وتخصيصه ثانيا ـ على تقدير تسليمه ـ بما إذا وقع في كلام
الإمام 7 لا مطلقا ، ومطابقة الجواب للسؤال تقتضي اختصاص الحكم الوارد فيه بمحلّ الوصف
لا تخصيصه به بحيث ينفى عن غيره كما هو واضح.
( ومنها :
صلاة الجنازة )
هي واحدة الجنائز ، قيل : هي بالكسر : الميت بسريره . وقيل : بالكسر :
السرير ، وبالفتح : الميت يوضع عليه .
(
والنظر ) فيها يقع ( في ) أمور أربعة ( من يصلّى عليه ، والمصلّي ، وكيفيتها ،
وأحكامها ).
فأما الأول : فاعلم أنّه
( تجب ) هذه ( الصلاة على كلّ
مسلم ) إجماعا
__________________
كما عن التذكرة ، وفي المنتهى
بلا خلاف . قال ـ كباقي متأخري الأصحاب ـ : إنّ المراد به هو كلّ
مظهر للشهادتين ما لم يعتقد خلاف ما علم بالضرورة ثبوته من الدين ، كالقادحين في
عليّ 7 أو أحد الأئمة كالخوارج ، أو من غلا فيه كالنصيريّة والسبأيّة والخطابيّة ،
فهؤلاء لا تجب عليهم الصلاة ـ إلى أن قال ـ : وتجب الصلاة على غيرهم.
وظاهره دعوى الإجماع على وجوب الصلاة على المخالفين الذين لم ينكروا شيئا من ضروري
الدين ، وهو أحد القولين في المسألة وأشهرهما ؛ لعموم النبوي المشهور : « صلّوا
على من قال : لا إله إلاّ الله » .
والخبرين في
أحدهما : « صلّ على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله تعالى » .
وفي الثاني : « لا
تدعوا أحدا من أمتي بغير صلاة » .
وضعفهما منجبر
بالشهرة العظيمة بين أصحابنا ، مع اعتبار ما في سند أوّلهما.
خلافا لجماعة من
القدماء ، فمنعوا عن الصلاة عليهم جوازا أو وجوبا ؛ للنصوص
المتواترة بكفرهم المستلزم لذلك إجماعا كتابا وسنّةً.
__________________
وفيه : منع كلّية الكبرى ، مع أنّ المستفاد منها ليس إلاّ إطلاق لفظ الكفر عليهم ،
وهو أعمّ من الحقيقة.
إلاّ أن يقال :
إنه ولو مجازا كاف في إثبات هذا الحكم ؛ لكونه أحد وجوه الشبه والعلاقة بين
الحقيقي والمجازي.
وهو حسن إن تساوت
في التبادر وعدمه. وفيه منع ؛ لاختصاص الخلود بالنار وأمثاله منها بالتبادر.
ولو سلّم فهو
معارض بما دلّ على إسلام مظهري الشهادتين. ولو سلّم فهو مخصّص بما مرّ من النصوص
المعتضدة بالشهرة.
لكن يمكن أن يقال
: إن التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه ، لعدم صراحتها في مخالفي الحق ،
فيحتمل الاختصاص أو التخصيص بمعتقديه.
وبالجملة : فكما
يمكن وقوعها مخصّصة بالعموم السابق كذا يمكن العكس ، بل هو أولى ، لموافقته الأصل.
وهو حسن لو لا الشهرة المرجّحة للأول مع ضعف عموم التشبيه بما مرّ.
لكن المسألة بعد
محلّ شبهة وإن كان مراعاة المشهور أحوط ؛ لندرة القول بالحرمة ، مع اختصاصها بحق
من يعلم بها ، والفرض عدمه هنا ، فتأمل جدا.
هذا مع عدم التقية
، وأمّا معها فتجب قولا واحدا ولكن لا يدعو له في الرابعة بل عليه ، كما سيأتي إن
شاء الله تعالى.
(
و ) يلحق بالمسلم ( من ) هو
( بحكمه ممّن بلغ ستّ سنين ) فصاعدا من طفل ، أو مجنون ، أو لقيط دار الإسلام ، أو الكفر وفيها مسلم صالح
للاستيلاد تغليبا للإسلام.
(
ويستوي ) في ذلك ( الذكر والأنثى ،
والحرّ والعبد ) للعموم والإجماع.
وتقييد الوجوب
بالستّ هو المشهور ، بل عليه عامة المتأخرين كما قيل . وعن المرتضى وفي
المنتهى : الإجماع عليه ، ويشعر به عبارة الدروس ، حيث نسب القولين
المخالفين إلى الترك والشذوذ ؛ وهو الحجّة.
مضافا إلى الصحيح
: متى تجب عليه الصلاة؟ فقال : « إذا عقل الصلاة وكان ابن ستّ سنين » .
وقريب منه آخر : عن الصلاة على الصبي متى يصلّى عليه؟ فقال : « إذا عقل الصلاة »
قلت : متى تجب الصلاة عليه؟ قال : « إذا كان ابن ستّ سنين ، والصيام إذا أطاقه » .
والمراد بالوجوب
فيه مطلق الثبوت ، والمعنى أنّه : متى يعقل الصلاة بحيث يؤمر بها تمرينا؟ فقال : «
إذا كان .. » إلى آخره ، كما يفهم من الصحيح : في الصبي متى يصلّي؟ فقال : « إذا
عقل الصلاة » قلت : متى يعقل الصلاة وتجب؟ فقال : « لستّ سنين » .
وأما الصحيح : عن
الصبي أيصلّى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟
قال : « إذا عقل
الصلاة صلّي عليه » فلا ينافي ما ذكرنا بعد تعليقه الحكم في
__________________
الجواب على عقله
الصلاة المحدود ببلوغ الستّ فيما مرّ من الأخبار.
خلافا للعماني
فاشترط في الوجوب البلوغ ؛ للأصل ، وعدم احتياجه إليها قبله ، والموثق : أنّه سئل
عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلّى عليه؟ قال : « لا ، إنما الصلاة على
الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم » .
وفي الجميع نظر ؛
لضعف الأوّل في مقابلة ما مرّ.
ومنع الثاني ،
وانتقاضه بالصلاة على النبي 6 ، مع أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المعتضد بما مرّ.
وبه يجاب عن
الثالث ، لعدم مقاومته له ؛ مع عدم صراحته واحتماله الحمل على ما يؤول إلى النص ،
بأن يراد بجري القلم فيه مطلق الخطاب الشرعي ، والتمرين خطاب شرعي.
لكنه كما قيل :
ربما ينافيه حصر الصلاة في الرجل والمرأة ؛ إذ لا يصدقان إلاّ على البالغ .
وفيه نظر : لأن
ظهورهما في البالغ ليس بأظهر من ظهور جري القلم في الخطاب التكليفي ، فكما جاز
صرفه إلى خلاف ظاهره كذا يمكن صرفهما إلى خلاف ظاهرهما بإرادة المعنى الأعم الشامل
للصبي ، ومع الإمكان يتعيّن جمعا.
مع أنّ ظاهر قوله
: « إذا جرى عليهما القلم » كونه شرطا لم يستفد من سابقة ، وهو إنما يتم لو أريد
منهما المعنى الأعم ، وإلاّ لكان تأكيدا لا شرطا ، إلاّ على تقدير اشتراط عقل
الميت في الصلاة عليه ، وهو باطل إجماعا ، ومعه
__________________
لا يبقى للشرطية
وجه أصلا إلاّ كونه تأكيدا ، وما ذكرناه تأسيس ، وهو منه أولى.
وللإسكافي ، فلم
يشترط شيئا وأوجب الصلاة على الصبي مطلقا بعد أن يكون خرج حيّا مستهلا ؛ للنصوص
المستفيضة ، منها الصحيح : « إذا استهلّ فصلّ عليه » . ونحوه الخبر .
ومنها : الصحيح وغيره : « يصلّى عليه على كلّ حال إلاّ أن يسقط لغير تمام ».
وهي ـ مع ضعف سند
ما عدا الصحيح منها وعدم مقاومتها أجمع لما مضى ـ محمولة على التقية ، كما صرّح به
جماعة ، ويشهد له جملة من المعتبرة ، منها الصحيح : مات ابن لأبي جعفر 7 ، فأخبر بموته ،
فأمر به فغسل ـ إلى أن قال ـ : فقال 7 : « أما إنه لم يكن يصلّى على مثل هذا ـ وكان ابن ثلاث
سنين ـ كان علي 7 يأمر به فيدفن ولا يصلّى عليه ، ولكن الناس صنعوا شيئا
فنحن نصنع مثله » ونحوه غيره .
ويستفاد منها عدم
الاستحباب أيضا كما هو ظاهر جماعة .
__________________
خلافا للأكثر ـ ومنهم الماتن ـ فقالوا ( وتستحب ) الصلاة
( على من لم يبلغ ذلك ) أي الستّ سنين
( ممّن ولد حيّا ) مستهلا ؛ عملا بعموم النصوص المتقدمة للإسكافي سندا ، وفيه ما مضى ، إلاّ أن
يذبّ عنه بالمسامحة في أدلة السنن والكراهة ، خروجا عن شبهة الخلاف فتوى ورواية ،
وليس فيه تشبّه بالعامة بعد الاختلاف في النية ، ومعه لا مشابهة ولا بأس به.
(
و ) أما الثاني : فاعلم أنه يجب أن
( يقوم بها ) أي بهذه الصلاة كسائر أحكام الميت ( كلّ مكلّف على الكفاية ) إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، وإن لم يقم به أحد
استحقوا بأسرهم العقاب ، بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى ، وقد نقل جماعة
أيضا الإجماع عليه ؛ لأن الغرض إدخالها في الوجود ، وهو يحصل بالوجوب
الكفائي.
وربما ينافيه توجه الخطاب في النصوص بأكثر أحكامه إلى الولي ؛ إذ مقتضاه الوجوب
العيني عليه ، كذا قيل .
وفيه نظر : فإنّ
الخطاب فيها وإن توجه إلى الولي إلاّ أن مقتضاه هنا ليس الوجوب العيني ، لوقوع
التصريح في جملة منها بجواز أمره غيره بها ، وهو خلاف ما يقتضيه الوجوب العيني من لزوم مباشرة
المكلّف للمكلّف به بنفسه ، فجواز أمر الغير به دليل على أن المقصود من تخصيص
الولي بالخطاب إثبات أولويته به كما فهمه الأصحاب ، حيث قالوا مع حكمهم بالوجوب
الكفائي :
__________________
( وأحقّ الناس بالصلاة على الميت أولاهم بميراثه
).
وإلى مثل هذا نظر
جماعة من الأصحاب فقالوا : لا منافاة بين الوجوب كفاية والإناطة برأي بعض
المكلّفين ، على معنى أنه إن قام بنفسه أو بنصب غيره وقام ذلك الغير سقط عن الغير
، وإلاّ سقط اعتباره وانعقدت جماعة وفرادى بغير إذنه .
والحكم بالأحقية
المزبورة مقطوع به في كلامهم من غير خلاف بينهم أجده ، وبه صرّح جماعة مؤذنين بنقل
الإجماع ، كما صرّح به في الخلاف ، مستدلا عليه بعده كباقي الأصحاب بآية أولي الأرحام .
ويدل عليه أيضا المعتبرة ومنها المرسل كالصحيح ، والرضوي : « يصلّي على الجنازة أولى الناس بها ، أو يأمر من يحبّ ».
وقصور الأسانيد
والدلالة مجبور بفهم الطائفة وعملهم بها كافّة ، ولذلك وافق الأصحاب في الذخيرة بعد أن ضعّف
الأدلة عدا الإجماع ـ وفاقا للمدارك ـ بما عرفته في المعتبرة ، وبعدم عموم يشمل مفروض المسألة
في الآية الكريمة.
ويمكن الذبّ عنه
مع قطع النظر عن الجابر بحجيّة الخبرين المزبورين ، لاعتبار سندهما ، مع اعتضادهما
بغيرهما.
__________________
وظهور عموم الآية
بالاعتبار الذي يثبت به العموم في الإطلاقات ؛ ولذا يستدل بها في الأخبار وكلام
الأصحاب على إثبات الإمامة وغيرها من دون تزلزل ولا ريبة.
والمعتبرة وإن لم
تصرح بكون المراد بالأولى فيها المستحق للميراث إلاّ أنه ربما يفهم من تتبّع
النصوص ، ألا ترى إلى المرسل : في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : « يقضيه
أولى الناس به » .
فقد أطلق فيه
الأولى ولم يبيّن المراد به ، مع أنّ متنه بعينه مروي في الصحيح سؤالا وجوابا إلى
قوله : « أولى الناس به » مبدّلا لفظة « به » فيه « بميراثه » فظهر شيوع إطلاق
الأولى به على الأولى بميراثه.
مضافا إلى صحيحة
يزيد الكناسي المشهورة الواردة بتفصيل الأولى من ذوي الأرحام بقوله : « ابنك أولى
بك من [ ابن ابنك ] وابن ابنك أولى بك من أخيك » فقد أطلق فيه
الأولوية مع أنّ المراد بها بحسب الميراث قطعا.
وبالجملة : فلا
إشكال فيما ذكره الأصحاب.
وإطلاق كلامهم
يقتضي عدم الفرق في أحقية الأولى بالميراث بالصلاة بين ما لو أوصى الميت بها إلى
غيره أم لا ، ولعلّه المشهور ، بل عزاه في المختلف إلى علمائنا مؤذنا بدعوى
الإجماع عليه.
خلافا للإسكافي في
الأول فقدّم الغير ؛ لحجج غير ناهضة ، عدا عموم
__________________
الآية بالنهي عن
تبديل الوصية ، ولكنه معارض بعموم الآية والمعتبرة المتقدمة. والترجيح
معها ؛ للشهرة ، وإن كان تقديم الموصى إليه أحوط للورثة.
واعلم أنّ المراد
بأحقّية الأولى بالميراث أنه أولى بها ممّن لا يرث كالطبقة الثانية مع وجود أحد من
الأولى.
وأمّا الطبقة الواحدة في نفسها فتفصيلها ما ذكره الأصحاب بقولهم : والأب أولى من
الابن بلا خلاف ، بل قيل : اتفاقا . قيل : لاختصاصه بالشفقة ، فيكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة .
والولد وإن نزل
أولى من الجدّ على المشهور ، خلافا للإسكافي فجعله أولى منه ومن الأب . وهو ضعيف ؛ لكون
الولد أولى بالإرث.
قيل : والجدّ للأب
أولى من الأخ ، والأخ من الأبوين أولى ممّن يتقرب بأحدهما ، والأخ للأب أولى من
الأخ للأم ، والعمّ أولى من الخال ، والعمّ للأبوين أولى من العمّ لأحدهما ، كما
أنّ العمّ للأب أولى من العمّ للام ، وكذا القول في الخال ، والمعتق من ضامن
الجريرة ، وهو من الحاكم ، فإذا فقد الجميع فوليه الحاكم ، ثمَّ عدول المسلمين .
وهذا الترتيب بعضه
مبني على أولوية الميراث ، وبعضه ـ وهو أفراد الطبقة الواحدة على غيرها ـ على كثرة
الشفقة كالأب بالنسبة إلى الابن ، أو التولد كالجدّ بالنسبة إلى الأخ ، أو كثرة
النصيب كالعمّ بالنسبة إلى الخال. والعمل
__________________
بهذا الوضع هو
المشهور.
(
والزوج ) مع وجوده ( أولى بالمرأة من
الأخ ) بل مطلق الأقارب ،
بالنص ، والإجماع. وما يخالفه بإثبات أولوية الأخ عليه من الصحيح وغيره شاذّ لا عمل عليه
، فليطرح أو يحمل على التقية كما ذكره شيخ الطائفة وغيره .
وظاهر الأصل واختصاص المستند بالزوج اختصاص الحكم به دون الزوجة كما صرّح به جماعة . وفيه قول
بإلحاقها به ؛ لوجه تخريجي يدفعه ما عرفته.
قيل : ولا فرق بين
الدائمة والمتمتع بها ، ولا بين الحرّة والمملوكة ؛ لإطلاق النص . وهو حسن ، إلاّ
في المتمتع بها ؛ فإنّ إطلاق الزوج بالإضافة إلى المتمتع بها حقيقة لا يخلو عن
مناقشة.
ثمَّ إنّ إطلاق
النص والعبارة يقتضي عدم الفرق بين الزوج الحرّ والعبد ، لكن في المنتهى : إنّ
الحرّ أولى من العبد وإن كان قريبا والحرّ بعيدا ، قال : لأنّ العبد لا ولاية له
على نفسه ففي غيره أولى ، ولا نعلم فيه خلافا .
قيل : ولعلّ الزوج
مستثنى عن الحكم المزبور ؛ للنص .
__________________
وفيه : أنه عام
أيضا يمكن تخصيصه بالحرّ ، لما ذكره في المنتهى.
وبالجملة :
التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه ، يمكن تخصيص كلّ بالآخر ، ففي
الترجيح نظر.
وذكر الأصحاب من غير خلاف يعرف أن الذكر من الأولياء أولى من الأنثى ، ونفى عنه
الخلاف في المنتهى ، وأطلق كغيره.
وقيّده جماعة بما إذا اجتمعا
في طبقة واحدة ، أو كان الذكر أقرب طبقة أو درجة ، وإلاّ فالأنثى أولى ؛ للصحيح :
المرأة تؤم النساء؟ قال : « لا ، إلاّ على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها » .
(
ولا ) يجوز أن ( يؤم ) أحد ولو كان وليا ( إلاّ من ) اجتمع
( فيه شرائط الإمامة ) حتى العدالة ( وإلاّ )
يجتمع فيه شرائط
الإمامة ( استناب
) إن كان وليا ، بلا
خلاف أجده ، وفي المنتهى : إنه اتّفاق علمائنا ؛ وهو الحجّة ، المؤيدة بإطلاق ما دلّ على اعتبارها في
إمام الجماعة ، وإن كان في أخذه حجة من دونه مناقشة أشار إلى وجهها في الذخيرة
فقال : لعموم النص ، وعدم كونها صلاة حقيقة ، فلا يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة
الحقيقة .
ويجوز للوليّ الاستنابة مطلقا ؛ إذ لا مانع منه ، مع تصريح النصوص السابقة به. ولو وجد
الأكمل استحب استنابته ؛ لأن كماله قد يكون سببا
__________________
لاستجابة دعائه.
ويحتمل ترجيح الولي ؛ لاختصاصه بمزيد الرقة التي هي مظنة الإجابة.
(
ويستحب ) للولي ( تقديم الهاشمي ) للرضوي .
ولا خلاف أجده إلاّ من المفيد فأوجبه . قيل : فإن أراد به إمام الأصل فهو حقّ ، وإلاّ فهو ممنوع
، بل الأولى للولي التقديم ، أمّا الوجوب فلا ، لعموم الآية .
أقول : وللمعتبرة
المتقدمة أيضا ، مع سلامتها عن المعارض بالكلية ، عدا رواية غير معلومة الصحة : «
قدّموا قريشا ولا تقدّموهم » مع أنها أعم من المدّعى.
وبها استدل الماتن في المعتبر على الاستحباب ، وردّه في الذكرى بما ذكرنا . وهو حسن إنّ قصد
بالاستدلال إثبات الوجوب ، وأما الاستحباب ـ كما هو المفروض ـ فيتسامح في أدلته
بما لا يتسامح في غيره على الأشهر الأقوى ، سيّما مع انجبار الضعف بما ذكر بالفتوى
، فيمكن الاستدلال بها مطلقا.
(
ومع وجود الإمام ) أي إمام الأصل وحضوره
( فهو أولى بالتقديم ) قطعا ؛ وللخبرين المتفقين على كونه أولى ، وإن اختلفا في الدلالة على توقفه
على إذن الولي كما هو ظاهر أحدهما ، وعن المبسوط وفي المنتهى ، مدّعيا
__________________
في ظاهر كلامه
الإجماع عليه ؛ أو العدم كما هو ظاهر إطلاق الثاني منهما ، وعن الحلبي وفي
الذكرى .
ولقد أحسن جماعة من الأصحاب فقالوا : إنّ البحث في ذلك تكلّف مستغنى عنه .
(
و ) يجوز أن ( تؤم المرأة النساء
) إمّا مطلقا كما
هنا وفي كثير من العبائر ، أو بشرط عدم الرجال كما في السرائر ، ولعلّه وارد
مورد الغالب فلا عبرة بمفهومه ، ولا خلاف فيه هنا أجده ، وبه صرّح في الذخيرة ؛ للصحيحة المتقدّمة
.
( و ) هي المستند أيضا فيما ذكروه من غير خلاف من أنها ( تقف في وسطهنّ ولا
تبرز ) ولا تخرج عن الصف
، ففيها بعد ما مرّ إليه الإشارة : « تقوم وسطهن معهنّ في الصف فتكبّر ويكبّرن ».
(
وكذا العاري إذا صلّى بالعراة ) كما يأتي في بحث الجماعة إن شاء الله تعالى.
وظاهر العبارة عدم
اعتبار الجلوس هنا كما يعتبر في اليومية ، وبه صرّح جماعة ؛ ولعلّ الفارق
إنما هو النص الوارد باعتباره فيها دون المقام ، لا ما قيل
__________________
من احتياجها إلى
الركوع والسجود ، لأن الواجب الإيماء.
(
ولا ) يجوز أن ( يؤمّ من لم يأذن له
الوليّ ) سواء كان بشرائط
الإمامة أم لا ، إجماعا ؛ لما مضى.
ولو امتنع من الصلاة والإذن ففي الذكرى : الأقرب جواز الجماعة ، لإطباق الناس على
صلاة الجنازة جماعة على عهد النبي 6 إلى الآن ، وهو يدلّ على شدة الاهتمام ، فلا يزول هذا
المهمّ بترك إذنه ، نعم لو كان هناك حاكم شرعي كان الأقرب اعتبار إذنه ، لعموم
ولايته في المناصب الشرعية .
وربما يفهم منه
ومن العبارة وغيرها اختصاص اعتبار إذن الولي بالجماعة ، ونسبه في روض الجنان إلى
الأصحاب كافة فقال : واعلم أن ظاهر الأصحاب أنّ إذن الولي إنما يتوقف عليه الجماعة
، لا أصل الصلاة ، لوجوبها على الكفاية ، فلا يناط برأي أحد من المكلّفين ، فلو
صلّوا فرادى بغير إذن أجزأ .
وتبعه في النسبة
في الذخيرة ، لكن علّل الحكم بما ذكره في المدارك لنفي البأس عن
المصير إليه من قوله : قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تمَّ ، وحملا
للصلاة في قوله : « يصلّي على الجنازة أولى الناس بها » على الجماعة ، لأنه
المتبادر . ولكن لم يذكر الاقتصار على موضع الوفاق ، بناء منه على
ثبوت الأولوية بالنصوص ولو بمعونة فهم الأصحاب.
__________________
(
و ) أما الثالث :
فاعلم أن هذه الصلاة
( هي خمس تكبيرات ) أوّلها تكبيرة الإحرام مقرونة بنية القربة ، بإجماعنا ، والصحاح المستفيضة
وغيرها المتواترة ولو معنى من طرقنا .
والواردة بالأربع
إما محمولة على التقية ، لأنها مذهب جميع العامة كما صرّح به شيخ الطائفة .
أو متأوّلة تارة :
بالحمل على الصلاة على المنافقين المتّهمين بالإسلام كما في الصحيح : « كان رسول
الله 6 يكبّر على قوم خمسا وعلى آخرين أربعا ، فإذا كبّر على رجل أربعا اتّهم
بالنفاق » .
وأصرح منه آخر : «
فأما الذي كبّر عليه خمسا فحمد الله تعالى ومجّده في التكبيرة الأولى ، ودعا في
الثانية للنبي 6 ، ودعا في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات ، ودعا في الرابعة
للميت ، وانصرف في الخامسة ، واما الذي كبّر عليه أربعا فحمد الله تعالى ومجّده في
التكبيرة الأولى ، ودعا لنفسه ولأهل بيته في الثانية ، ودعا للمؤمنين والمؤمنات في
الثالثة ، وانصرف في الرابعة ولم يدع له لأنه كان منافقا » .
واخرى : بأنّ
المراد بقوله : « أربعا » الإخبار عمّا يقال بين التكبيرات من
__________________
الدعاء ، لأن
التكبيرة الخامسة ليس بعدها دعاء كما في الخبر : سأله 7 رجل عن التكبير
على الجنائز ، فقال « خمس تكبيرات » ثمَّ سأله آخر عن الصلاة على الجنازة ، فقال :
« أربع صلوات » فقال الأول : جعلت فداك ، سألتك فقلت : خمساً ، وسألك هذا فقلت
: أربعا ، فقال : « إنك سألتني عن التكبيرة وسألني هذا عن الصلاة » ثمَّ قال : «
إنّها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات » .
وظاهره كغيره وجوب
أن يكون ( بينها
أربعة أدعية ) كما هو خيرة الأكثر على الظاهر ، المصرّح به في كلام جملة ممّن تأخّر ، بل في ظاهر
الخلاف والمنتهى والذكرى الإجماع عليه.
خلافا للماتن في
صريح الشرائع وظاهر المتن ؛ لقوله ( و ) هو أي الدعاء المدلول عليه بالأدعية ( لا يتعين ) ولا يجب ، بل يستحب.
ومستنده غير واضح
، عدا الأصل اللازم تخصيصه بما مرّ ، وما قيل له من إطلاقات الروايات المتضمنة
لأنّ الصلاة على الميّت خمس تكبيرات الواردة في مقام البيان الدالّة بظاهرها على
عدم وجوب ما عدا ذلك.
ويضعّف أوّلا :
بأنّ الظاهر منها كون السؤال والجواب فيها إنما هو بالقياس إلى خصوص التكبير
ومقداره ، لكونه المعركة العظمى بين الخاصة والعامة ؛ ولذا لم يذكر النية والقيام
والاستقبال وغيرها مع وجوبها إجماعا.
وثانيا : بعد
تسليمه فغايته الإطلاق ، ويجب تقييده بما مرّ.
__________________
ويحتمل أن يكون
مراد الماتن بقوله : وهو لا يتعيّن ، عدم تعيّنه في شيء مخصوص وإن وجب أصله ، وهو
خيرة جماعة من محقّقي متأخري المتأخرين ، تبعا للإسكافي ؛ للمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « ليس في الصلاة على
الميت قراءة ولا دعاء موقّت إلاّ أن تدعو بما بدا لك ، وأحقّ الموتى أن يدعى له (
المؤمن ، و) أن يبدأ بالصلاة على النبي 6 » .
والموثق : « إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل » .
مضافا إلى الأصل ،
واختلاف النصوص وعدم توافق بعضها مع بعض في تعيين الأذكار مع كثرتها واستفاضتها.
وهو قوي.
إلاّ أنّ المشهور
ولا سيّما بين المتأخرين ـ كما ذكره جماعة ـ هو تعيّن ما أشار إليه الماتن بقوله ( وأفضله أن يكبّر
ويتشهد الشهادتين ، ثمَّ يكبّر ويصلّي على النبيّ 6
، ثمَّ يكبّر ويدعو للمؤمنين ، وفي ) التكبيرة
( الرابعة ) أن ( يدعو للميت ،
وينصرف بالخامسة ) حال كونه ( مستغفرا
) بما يأتي في
الرضوي ، أو بقوله : « اللهم عفوك عفوك » كما صرّح به في المنتهى ، ويفهم من بعض
النصوص لكن مع زيادة عليه .
__________________
وفي الخلاف دعوى
الإجماع عليه ؛ وهو الحجّة ، مضافا إلى بعض المعتبرة ولو بالشهرة ، وفيه
: « كان رسول الله 6 إذا صلّى على ميّت كبّر وتشهّد ، ثمَّ كبّر وصلّى على
الأنبياء ودعا ، ثمَّ كبّر ودعا للمؤمنين ، ثمَّ كبّر الرابعة ودعا للميت ، ثمَّ
كبّر خامسة وانصرف » .
ويؤيده بعض الصحاح
المتقدمة ، والرضوي : « وارفع يديك بالتكبير الأول وقل : أشهد أن لا
إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ الموت حق ، والجنة
حق ، والنار حق ، والبعث حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في
القبور.
ثمَّ كبّر الثانية
: وقل : اللهم صلّى على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا
وآل محمد ، أفضل ما صلّيت وباركت ورحمت وترحّمت وسلّمت على إبراهيم وآل إبراهيم في
العالمين ، إنك حميد مجيد.
ثمَّ تكبّر
الثالثة وتقول : اللهم اغفر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ،
الأحياء منهم والأموات ، وتابع بيننا وبينهم بالخيرات ، إنّك مجيب الدعوات ووليّ
الحسنات ، يا أرحم الراحمين.
ثمَّ تكبّر
الرابعة وتقول : اللهم إنّ هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بساحتك وأنت خير
منزول به ، اللهم إنّا لا نعلم منه إلاّ خيرا وأنت أعلم به منّا ، اللهم إن كان
محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ، واغفر لنا وله ، اللهم احشره مع
من يتولاّه ويحبّه ، وأبعده ممّن يتبرأ ويبغضه ، اللهم ألحقه
__________________
بنبيك وعرّف بينه
وبينه ، وارحمنا إذا توفّيتنا يا إليه العالمين.
ثمَّ تكبّر
الخامسة وتقول : ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي
الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ). ولا تسلّم ولا
تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال » .
لكنه في مواضع أخر
تضمن أدعية أخر مختلفة الكيفية مع هذا الدعاء ، وبعضها مع بعض.
والصحيح السابق
تضمّن في التكبير الأول بدل التشهد التحميد والتمجيد ، والرواية الأولى غير صريحة
الدلالة ، بل ولا ظاهرة حتى على القول بوجوب التأسي في العبادة ؛ إذ هو حيث لا
يعارض الكيفية المنقولة من فعله 6 كيفية أخرى مخالفة ، مع أنها كما عرفت من الصحيحة منقولة.
فلم يبق إلاّ
الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة. وفي مقاومة الظن الحاصل منه للظن الحاصل من جميع
الأخبار الواردة في المسألة مختلفة الكيفية مناقشة ، سيّما مع تصريح ما مرّ من
المعتبرة بأنه ليس فيها دعاء موقّت ولا قراءة ، بل لعلّ الظن الحاصل منها أقوى وإن
كان ما ذكره الجماعة أحوط وأولى خروجا عن شبهة الخلاف فتوى بل رواية ، وتحصيلا
للبراءة اليقينية مهما أمكن ، ولعلّه الوجه فيما في المتن وغيره من الأفضلية.
وقيل في وجهها :
دلالة الرواية المشهورة عليها ؛ لقوله : كان رسول الله 6 يفعل ، فإنه يشعر
بالدوام والمواظبة ، وأقلّه الرجحان . وفيه ما عرفته.
__________________
والعماني والجعفي جعلا الأفضل جميع
الأذكار الأربعة عقيب كل تكبيرة ، وإن اختلف عبارتهما في تأدية كيفية الأدعية.
قال الفاضل :
وكلاهما جائز .
وفي الذكرى : قلت : لاشتمال ذلك على الواجب ، والزيادة غير منافية ، مع ورود
الروايات بها ، وإن كان العمل بالمشهور أولى. وينبغي مراعاة هذه الألفاظ تيمنا بما
ورد عنهم : . انتهى. وهو حسن.
وقيل : الأولى
العمل بما في الصحاح من تكرار الدعاء له عقيب كل تكبيرة ، بل تكرار التشهد والصلاة
على النبي 6 أيضا كما في أكثرها .
ولعلّه لصحة السند
، إلاّ أنّ الأفضل ما قدّمنا ؛ فإنّ دفع الشبهة وموافقة المشهور مهما أمكن لعلّه
أولى.
ثمَّ إنّ هذا كلّه
في المؤمن ، وأمّا غيره فسيأتي الكلام في الدعاء له أو عليه.
(
وليست الطهارة ) من الحدث ( من
شرطها ) بإجماعنا الظاهر ،
المصرّح به في جملة من العبائر كالخلاف والتذكرة والمنتهى والذكرى وروض الجنان
والروضة ؛ وهو الحجّة ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة .
__________________
وعلّل في الموثق
منها بأنه : « إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تسبح وتكبر في بيتك على غير
وضوء » .
وفي الرضوي : « لأنه ليس بالصلاة ، إنما هو التكبير ، والصلاة هي التي فيها
الركوع والسجود » .
وربما يفهم منهما
عدم اشتراط الطهارة من الخبث أيضا كما صرّح به بعض الأصحاب ـ وإن تردّد فيه
الشهيد ; في الذكرى ـ ويعضده إطلاق
المعتبرة المستفيضة بجواز صلاة الحائض مع عدم طهارتها عن الخبث غالبا.
(
وهي ) أي الطهارة ( من فضلها ) للنص : « تكون على طهر أحبّ إليّ » .
(
ولا ) يجوز أن ( يتباعد ) المصلّي
( عن الجنازة بما يخرج ) به ( عن ) كونه مصلّيا عليها أو عندها في ( العادة ) للتأسي ، وعدم تيقّن الخروج عن العهدة من دونه.
(
ولا يصلّى على الميت إلاّ بعد تغسيله وتكفينه ) إلاّ أن يكون شهيدا ، ولا نعلم فيه خلافا كما في المنتهى .
وفي المدارك : إنه قول العلماء كافة ، لأن النبي 6 هكذا
__________________
فعل ، وكذا
الصحابة والتابعون ، فيكون الإتيان بخلافه تشريعا محرّما .
وفي التفريع على
إطلاقه نظر. والأولى تبديله بما في المنتهى وغيره من قوله : فلو
صلّى قبل ذلك لم يعتدّ بها ، لأنه فعل غير مشروع فيبقى في العهدة.
هذا مع الإمكان ،
وإلاّ قام التيمم مقام الغسل في اعتبار الترتيب ، فإن تعذّر سقط.
(
ولو كان ) الميت ( عاريا ) فاقد الكفن ( جعل في القبر ) بعد تغسيله ، أو ما في حكمه ( وسترت عورته ، ثمَّ يصلّى عليه ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في ظاهر المدارك والذخيرة ؛ للموثق وغيره .
وذكر الشهيدان أنه إن أمكن ستره بثوب صلّي عليه قبل الوضع في اللحد ؛ ويدل عليه
الخبر الأخير : « إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحضروا قبره ويضعوه في
لحده يوارون عورته بلبن أو أحجار أو تراب ، ثمَّ يصلّون عليه ، ثمَّ يوارونه في
قبره ».
وهو حسن إن أريد
به الجواز ، وإلاّ فالوجوب مشكل ، لضعف السند ، مع الأصل ، وإطلاق الموثق. نعم هو
لعلّه أحوط.
__________________
( وسننها ) أمور :
منها ( وقوف الإمام ) أو المصلّي وحده ( عند وسط الرجل وصدر المرأة ) على الأظهر الأشهر ، بل في الغنية الإجماع عليه ؛ للخبرين .
خلافا للشيخ في
الاستبصار ، فيقف عند رأس المرأة وصدر الرجل للخبر .
وفيه مع ضعف السند عدم المكافأة لما مرّ.
وله في الخلاف
فعكس ما في الاستبصار ، قال : للإجماع .
ووهنه ظاهر لكل
ناظر ، لعدم ظهور قائل به عدا والد الصدوق كما حكاه في المختلف ، وهو نادر. وحكى
فيه عن المقنع إطلاق الوقوف عند الصدر ، ومستنده غير واضح.
وظاهر النصوص
الوجوب ، ولضعفها حملت على الاستحباب ؛ مضافا إلى الأصل ، والإجماع على عدمه فيما
أعرفه ، وفي المنتهى هذه الكيفية
__________________
مستحبة بلا خلاف
عندنا .
(
ولو اتفقا جعل الرجل إلى ) ما يلي ( الإمام
، والمرأة إلى القبلة ) بلا خلاف فيه أجده ، وبه صرّح جماعة ، بل عليه الإجماع في الخلاف والمنتهى وغيرهما ؛ وهو الحجّة ،
مضافا إلى المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : عن الرجال والنساء كيف يصلّي عليهم؟ فقال : « يجعل الرجل وراء المرأة ويكون الرجل ممّا
يلي الإمام » .
وأما الواردة
بالعكس فمع قصور سندها بل ضعفها شاذة مطرحة أو محمولة على التقية
، فقد حكاه في المنتهى عن بعض العامة ، مع احتمال بعضها الحمل على ما دلّت عليه المستفيضة.
وظاهرها وإن أفاد
الوجوب إلاّ أنه محمول على الاستحباب ؛ لعدم الخلاف فيه على الظاهر ، المصرّح به
في المنتهى ، وفي الغنية الإجماع عليه ؛ وللصحيح : « لا
بأس بأن يقدّم الرجل وتؤخّر المرأة ويؤخّر الرجل وتقدّم المرأة » .
__________________
وينبغي أن ( يحاذي بصدرها وسطه
) ليقف الإمام موقف
الفضيلة منهما.
وربما يستفاد من
جملة من النصوص خلافه ، ففي الموثق : « يقدّم الرجل قدّام المرأة قليلا ، وتوضع
المرأة أسفل من ذلك عند رجليه ، ويقوم الإمام عند رأس الميت فيصلي عليهما جميعا » .
وفي آخر : « يجعل
رأس المرأة إلى ألية الرجل » .
(
ولو ) اجتمع معهما ثالث
و ( كان
طفلا ف ) الفضل أن يجعل ( من ورائها ) إلى القبلة إن لم يبلغ ستا ، وإلاّ فقدّامها ممّا يلي الرجل
، وفاقا لجماعة ومنهم الشيخ في الخلاف ، تلويحا في الأول ، وتصريحا في الثاني ، مدّعيا الإجماع
عليه ؛ وهو الحجة فيه ، مضافا إلى المرسل كالموثق : في جنائز الرجال والصبيان
والنساء ، قال : « توضع النساء ممّا يلي القبلة ، والصبيان دونهم ، والرجال دون
ذلك ، ويقوم الإمام ممّا يلي الرجال » .
وأما الأول فقد علّل بأمر اعتباري لا بأس به في إثبات الاستحباب ، سيّما مع
اعتضاده بما قدّمناه من التأمل في استحباب الصلاة على نحو هذا الصبي ، بل مقتضاه لزوم
الترتيب حيث يستلزم عكسه البعد العرفي للإمام أو الميت الذي
__________________
يليه عن المرأة ؛
لما عرفت سابقا من وجوب فقده.
وممّا ذكرناه ظهر
ضعف إطلاق القول بجعله وراءها كما في ظاهر العبارة وغيرها وعن النهاية ، وبعكسه كما عن
الصدوقين ، مع عدم وضوح مستندهما ، عدا الثاني فله إطلاق المرسل
المتقدم ، وفي شموله للصبي الذي لم يبلغ الستّ إشكال ، سيّما بعد ظهور الأخبار ـ كما
مضى ـ في عدم شرعية استحباب الصلاة عليه ، فيمكن تنزيله على غيره ، كما يمكن تنزيل
إطلاق الصدوقين عليه ، لما يظهر من الفقيه من قوله بمضمون تلك الأخبار .
وربما ينزل إطلاق
العبارة وغيرها على الصبي الذي لم يبلغ الستّ ، وبه نصّ الماتن في المعتبر وشيخنا
في روض الجنان .
وعلى التنزيل فلا
خلاف ولا بحث. لكن ظاهر المعتبر القول بما عليه الصدوقان حتى في غير البالغ ستا ،
استنادا إلى إطلاق الرواية ، قال : وهي وإن كانت ضعيفة لكنها سليمة عن المعارض.
وفي المدارك وغيره
بعد نقله : ولا بأس به.
وهي لما عرفته
ضعيفة غايته.
ويستفاد من هذه
الأخبار وما في معناها وكلمة الأصحاب والإجماع المنقول جواز الصلاة الواحدة على
الجنائز المتعددة ، وفي المنتهى : إنه لا نعرف فيه خلافا .
__________________
لكن استشكل جماعة
ذلك فيما إذا كان فيهم صبي لم تجب الصلاة عليه ، لاختلاف الوجه .
ويندفع بالنص كما في تداخل الأغسال ، هذا على القول باعتبار قصد الوجه وثبوت استحباب
الصلاة على هذا الصبي ، وإلاّ ـ كما هو الأقوى ـ فلا إشكال من أصله.
(
و ) منها ( وقوف المأموم ) هنا
( وراء الإمام ولو كان واحدا ) وتفرد الحائض بصف ، للنصوص . والنفساء كالحائض ، لمساواتها لها في جميع الأحكام إلاّ
ما استثني.
(
و ) منها ( أن يكون المصلّي
متطهرا ) لما مضى.
(
حافيا ) كما هنا وعن
القاضي ، وفي المعتبر والمنتهى ، قالا : لأنه موضع اتّعاظ فكان التذلل فيه أنسب بالخشوع ،
ولما رواه الجمهور عن رسول الله 6 قال : « من اغبرت قدماه في سبيل الله حرّمه الله تعالى على
النار » .
وعبّر الأكثر باستحباب نزع النعلين خاصة ، وفي المدارك : إنه مذهب الأصحاب لا أعلم
فيه مخالفا ، ونحوه في الذخيرة .
وقد صرّح جماعة
بعدم البأس بالخف ، للنص : « لا يصلّى على الجنازة
__________________
بحذاء ، ولا بأس
بالخف » .
وهو مناف لما أطلقه الماتن ، وبه صرّح في الذكرى فقال : استحباب التحفّي يعطي
استحباب نزع الخف ، والشيخ وابن الجنيد ويحيى بن سعيد استثنوه ، والخبر ناطق به .
وفي روض الجنان
بعد ذكر ما في المتن قال : إنه غير مناف لنفي البأس عن الخف ، لأنه مستثنى من
المكروه ، ولا يلزم منه عدم استحباب التحفي الذي هو مبحث المحقّق .
وفي الرضوي : «
ولا يصلّى على الجنازة بنعل حذو » .
وعن المقنع الفتوى
بظاهره حتى في المنع ، لكنه رواه بلفظ « لا يجوز » عن محمّد بن موسى الهمداني ،
وحكى عن شيخه تضعيفه برؤية ، وردّه بلزوم العمل بالخبر الضعيف إذا خلا عن المعارض
كما نحن فيه . وهو ضعيف.
(
رافعا يديه بالتكبير كلّه ) أي بالتكبيرات الخمس أجمع ، بلا خلاف في الأولى منها ، بل عليه إجماع العلماء
كافة كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة .
وعلى قول في
البواقي أيضا ، اختاره الماتن هنا وفي المعتبر والشرائع ، والفاضل في
المنتهى والإرشاد ، وغيرهما ، تبعا للشيخ في التهذيبين ووالد
__________________
الصدوق فيما حكي
عنه ، وهو خيرة جماعة من محقّقي متأخري المتأخرين ، للصحيح ، وغيره .
خلافا للأكثر على
ما حكاه جمع فخصّوه بالأولى ، للموثق ، وغيره ، وحملا في
التهذيبين على التقية ، ويشهد له الخبر : سألت الرضا 7 قلت : جعلت فداك ، إنّ الناس يرفعون أيديهم في التكبير على
الميت في التكبيرة الأولى ولا يعرفون فيما بعد ذلك ، فأقتصر في التكبيرة الأولى
كما يفعلون أو أرفع يديّ في كل تكبيرة؟ فقال : ارفع يديك في كل تكبيرة » .
لكنه ضعيف السند
مع عدم وضوح الجابر ، والعامة مختلفة في المسألة كالخاصة وإن كان أكثرهم ومنهم أبو
حنيفة على المنع ، فإنّ غاية الكثرة إفادة المظنة ، وفي مقاومتها للظن
الحاصل من الشهرة المرجحة مناقشة واضحة ، بل
__________________
هي أولى بالترجيح
بمراتب عديدة ، فيرجح بها الضعيفة ـ فضلا عن الموثقة ـ على الصحيحة الغير المعتضدة
بها ، سيّما وأنّ الشيخ القائل بها في الكتابين قد رجع عنها في المبسوط إلى القول الآخر
، فلعلّه الأظهر ، سيّما وأنّ في صريح الغنية والسرائر وعن القاضي في شرح الجمل الإجماع عليه ،
وإن كان ما في المتن أولى بقاعدة المسامحة في أدلة السنن ، سيّما مع كونه مشهورا
بين المتأخرين.
(
داعيا للميت ) المكلّف بما مضى ونحوه ممّا ورد في الصحاح وغيرها ( في ) التكبيرة
( الرابعة ) أي بعدها ( إن كان مؤمنا ).
والأصح وجوبه كما مضى ، وإنما جعله الماتن من السنن بناء على مختاره من استحباب أصل
الدعاء.
ويحتمل كون
المسنون هنا إيقاعه بعد الرابعة لا نفس الدعاء ، ولكنه خلاف الظاهر ، ولذا نسب
الماتن في ظاهر المتن إلى القول باستحباب أصل الدعاء .
(
وعليه إن كان منافقا ) أي مخالفا للحق مطلقا ، كما في ظاهر العبارة وغيرها والصحيح : « فإن
كان جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا ، وسلّط عليه الحيّات
والعقارب » .
__________________
وفسّره بعضهم
بالناصب . قيل : وبه عبّر في المبسوط . وزاد في النهاية
المعلن به ، وهو ظاهر مورد أكثر النصوص ، منها الصحيح : « إذا صلّيت
على عدوّ الله تعالى فقل : اللهم إنّ فلانا لا نعلم إلاّ أنه عدوّ لك ولرسولك ،
اللهم فاحش قبره نارا واحش جوفه نارا وعجّل به إلى النار ، فإنه كان يتولّى أعداءك
ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك ، اللهم ضيّق عليه قبره ، فإذا رفع فقل : اللهم
لا ترفعه ولا تزكّه » .
وقريب منه الآخر
وغيره الواردان في صلاة الحسين 7 على المنافق .
وظاهر هذه النصوص
ولا سيّما الأولين وجوب الدعاء هنا أيضا كما هو ظاهر جماعة ، ومنهم الشهيد في
البيان واللمعة .
خلافا له في
الدروس والذكرى فلم يوجبه ، قال : لأن التكبير عليه أربع ، وبها يخرج عن
الصلاة.
ويضعّف بأن الدعاء
للميت أو عليه لا يتعين وقوعه بعد الرابعة.
وفيه نظر ، لدعوى
الشيخ الإجماع ، ودلالة النصوص على وجوب الدعاء للميت بعدها كما مرّ ،
وفي بعض النصوص : « وتدعو في الرابعة
__________________
لميتك » ولا قائل بالفرق.
وبالجملة : مبنى
هذا القول على ذلك كما هو المشهور ، فتأمل ، هذا.
وفي جملة من
المعتبرة التصريح بعدم الدعاء له في الرابعة معلّلة بكونه منافقا ، ومنها ـ زيادة
على الصحيحين المتقدم إليهما الإشارة في أول بحث الكيفية ـ الرواية التي
هي مستند الأصحاب في وجوب الأدعية المخصوصة المتقدمة ، وفيها بعد صدرها المتقدم
ثمة : « فلمّا نهاه الله تعالى عن الصلاة على المنافقين كبّر فتشهّد ، ثمَّ كبّر
وصلّى على النبيين : ، ثمَّ كبّر ودعا للمؤمنين ، ثمَّ كبّر الرابعة وانصرف ولم
يدع للميت » والجمع بينها وبين النصوص المتقدمة يقتضي حملها على
الاستحباب ، لأنّ هذه صريحة وتلك ظاهرة.
وأمّا ما يقال في الجمع بينها بحمل تلك على المخالف وهذه على المنافق ، كما يقتضيه
اعتبار سياقهما وموردهما وإن أطلق في جملة من تلك المنافق ، لكون المقصود منه
المخالف ، لشيوع إطلاقه عليه في النصوص والفتاوي.
فلعلّه إحداث قول
، مع قوة احتمال عدم الفرق بينهما ، فتأمل ، ولا ريب أن ما ذكره أحوط.
(
وبدعاء المستضعفين ) وهو : « اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم » كما في
الصحاح وغيرها (
إن كان مستضعفا ) وهو :
__________________
من لا يعرف اختلاف
الناس في المذاهب ، ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم ، كما عن الحلي .
وفي الذكرى
والروضة : إنه الذي لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ولا يوالي أحدا .
وفيها عن المفيد
في العزّية : إنه الذي يعترف بالولاء ويتوقف عن البراءة .
وهذه التفاسير
متقاربة ، وبه صرّح جماعة .
وقيل : إنه الذي
لا يعرف الولاية ولا ينكر ، كما يفهم من الأخبار ، ومنها الصحيح الوارد في المضمار :
« وإن كان واقفا مستضعفا فكبّر وقل : اللهم » إلى آخر الدعاء .
بناء على أنّ
الظاهر أنّ المراد من الواقف المتحير في دينه لا الواقف بالمعنى المشهور.
ولكن في روض
الجنان روى بدل « واقفا » : « منافقا » وقال بعد نقله : وفي هذا الخبر دلالة على
أنّ المنافق هو المخالف مطلقا ، لوصفه له بكونه قد يكون مستضعفا ، فكيف يخصّ
بالناصب ، وعلى أنّ المستضعف لا بد أن يكون مخالفا ، فيقرب حينئذ تفسير ابن إدريس
، كما يسقط قول بعضهم إنّ المراد به
__________________
من لا يعرف دلائل
اعتقاد الحق وإن اعتقده ، فإن الظاهر كون هذا القسم مؤمنا وإن لم يعرف الدليل
التفصيلي انتهى.
ومنه يظهر قول رابع في تفسيره وإن لم يشتهر ، ولعلّه لضعفه كما ذكره وصرّح به في
الذخيرة ، فقال بعد نقله : والظاهر أنه ليس بجيّد ، لدخول هذا القسم في المؤمن على
الظاهر ، ويؤيده ما رواه الكليني في كتاب الإيمان والكفر في باب المستضعف ، عن
إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر 7 في جملة حديث قلت : فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟ فقال :
« لا إلاّ المستضعف » قلت : من هم؟ قال : « نساؤكم وأولادكم » ثمَّ قال : « أرأيت
أمّ أيمن فإني أشهد أنها من أهل الجنة ، وما كانت تعرف ما أنتم عليه » .
وأورد الكليني في
الباب المذكور والذي قبله أخبارا نافعة في تحقيق معنى المستضعف ، من أراد فليرجع
إليه .
(
و ) بـ ( أن يحشره مع من يتولاّه ) وأحبّه
( إن جهل حاله ) ولم يعرف مذهبه كما يستفاد من بعض النصوص ، وفي بعض الصحاح يدعو له بدعاء المستضعف .
وفي آخر : « وإذا
كنت لا تدري ما حاله فقل : اللهم إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز
عنه » .
وذكر جماعة أنّ الظاهر أنّ
معرفة بلد الميت الذي يعرف إيمان أهله
__________________
كاف في إلحاقه
بهم.
(
و ) يقول ( في ) الدعاء على ( الطفل ) المتولد من مؤمنين أو من مؤمن بقوله ( اللهم اجعله لنا
ولأبويه ) سلفا و ( فرطا ) وأجرا كما في الخبر .
والفرط ـ بفتح
الراء ـ في أصل الوضع : المتقدم على القوم ليصلح لهم ما يحتاجون إليه ممّا يتعلق
بالماء .
والظاهر أن المراد بالطفل هنا من لم يبلغ الحلم وإن وجبت الصلاة عليه كما صرّح به في
الروضة وروض الجنان ، وعلّله فيه بعدم احتياج من كان كذلك إلى الدعاء له ،
وليس في الدعاء قسم آخر غير ما ذكر.
(
و ) منها : أن ( يقف ) المصلّي
( موقفه ) ولا يبرح عنه ( حتى ترفع الجنازة )
من بين يديه ،
للنصوص ، ومنها الرضوي .
وإطلاقها يقتضي عدم الفرق بين كون المصلّي إماما أو غيره ، كما هو ظاهر إطلاق العبارة
وغيرها أيضا ، وبه صرّح جماعة ، قالوا : نعم لو اتفق صلاة جميع الحاضرين استثنى منهم أقل
ما يمكن به رفع الجنازة.
وخصّه الشهيد ; بالإمام تبعا للإسكافي ، ومستنده مع إطلاق النص غير واضح.
ومنها : إيقاع ( الصلاة في المواضع
المعتادة ) لذلك ، إمّا تبركا
بها ،
__________________
لكثرة من صلّى
فيها ، وإمّا لتكثير المصلّين عليه ، فإنه أمر مطلوب ، لرجاء مجاب الدعوة فيهم.
وفي النبوي : « ما
من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلاّ شفّعهم الله
فيه » .
وفي الصحيح : «
إذا مات الميت فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا : اللهم إنا لا نعلم
منه إلاّ خيرا وأنت أعلم به منّا ، قال الله تبارك وتعالى : قد أجزت شهادتكم وغفرت
له ما أعلم ممّا لا تعلمون » .
(
وتكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرتين ) فصاعدا على المشهور كما في المختلف وغيره ، وفي الغنية
الإجماع عليه ، وكذا عن الخلاف في الجملة .
للخبرين : « إنّ رسول الله 6 صلّى على جنازة ، فلمّا فرغ جاء قوم فقالوا : فاتتنا
الصلاة عليها ، فقال : إنّ الجنازة لا يصلّى عليها مرتين ، ادعوا له وقولوا خيرا »
.
ولضعف سندهما حملا
على الكراهة ، مضافا إلى الاتفاق على الجواز في الظاهر المصرّح به في المدارك ، مع تصريح
الموثقين وغيرهما
__________________
بالجواز ، وإن
اختص ظاهر أحدهما وصريح الآخر بمن لم يدرك الصلاة عليها ، لعدم القائل بالفرق.
وليس في ظاهرهما
الاستحباب حتى ينافي الخبرين ، لردّ الأمر في أحدهما بالصلاة عليها ثانيا إلى
المشيئة ، وهو ظاهر في كونه للإباحة والرخصة ردّا على من قال بالحرمة من العامة
كمالك وأبي حنيفة ، ويجعل هذا قرينة على صرف الأمر في الآخر إلى ذلك.
ثمَّ إنّ إطلاق
الخبرين أو عمومهما يقتضي عدم الفرق في المنع بين ما لو صلّيت ثانيا جماعة أو
فرادى.
خلافا للحلّي فخصه
بالأولى ، لتكرار الصحابة الصلاة على النبي 6 فرادى .
وفيه : أنّ
المستفاد من نصوصها كون المراد بها الدعاء لا التكبيرات المتخلل بينها الأدعية ،
وأنها وقعت من الأمير وأهل البيت خاصة.
ولا بين ما لو كان
المصلّي صلّى أوّلا أم لا وإن وردا في الثاني ، فإنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوص
المحل.
خلافا للخلاف
فخصّه بالأول .
وتدفعه مع ذلك
النصوص الدالة على صلاة الأمير 7 على سهل بن حنيف خمسا ، وفيها الصحيح وغيره ، بل تدفع القول
بالكراهة مطلقا ، إلاّ
__________________
أن يستثنى هذه
الواقعة من قضية المنع بما يظهر من بعضها ومن نهج البلاغة من كون ذلك لخصوصية فيه ، وإليه أشار في المختلف فقال : إنّ حديث
سهل بن حنيف مختص به إظهارا لفضله ، كما خصّ النبي 6 حمزة بسبعين تكبيرة .
ومنه يظهر ضعف
القول باستحباب التكرار على الإطلاق لها وإن احتمله الشيخ في الاستبصار .
ولا بين ما لو خيف
على الجنازة أو نافى التعجيل أم لا.
خلافا لجماعة ، فقيّدوه بالخوف
منهما أو من أحدهما على اختلافهم في التقييد.
وممّا ذكرنا ظهر
عدم الإشكال في الكراهة مطلقا ، مضافا إلى جواز التسامح في أدلتها. والقول بأنه
يقتضي الاستحباب مدفوع : بعدم ظهور قائل به حتى الشيخ في الاستبصار ، فإنه ذكره
وجه جمع بين الأخبار لا فتوى ، مع أنه جمع بينهما بالكراهة أوّلا ، وأمّا باقي
الأصحاب المقيدون للمنع بما تقدم من القيودات فظاهرهم اختصاص الكراهة بها وعدمها
في غيرها ، وهو لا يستلزم الاستحباب فيه ، فتأمّل جدّا.
__________________
( و ) أما ( أحكامها ) فهي ( أربعة ) :
(
الأول : من أدرك ) مع الإمام ( بعض
التكبيرات ) وفاته البعض دخل
معه في الصلاة عليه ، بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى ، و ( أتم ما بقي ) منها إجماعا كما في الخلاف ، للنصوص
المستفيضة ، منها الصحيح : « إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على
الميت فليقض ما بقي منها متتابعا » .
وهو المستند فيما ذكروه من الإتمام ( ولاء ) أي من غير دعاء بينها وإن اختلفوا في إطلاقه كما هو ظاهر
النص والعبارة وغيرها ، أو تقييده بصورة عدم التمكن منه باستلزامه المنافي من
البعد والانحراف عن الميت والقبلة ، كما عليه الشهيدان في الذكرى وروض الجنان
والروضة ، تبعا للمحكي عن العلاّمة في بعض كتبه ، وعن خالي
العلاّمة المجلسي إنه مذهب الأكثر .
ولعلّه الأظهر ،
عملا بعموم ما دلّ على وجوب الدعاء ، خرج منه صورة الضرورة بالنص والإجماع.
وما يقال من أنّ
الاتّفاق على الوجوب الكفائي ينفي شمول أدلة الوجوب لموضع النزاع ، حسن لو كان
متعلق الوجوب هو نفس الدعاء لا الصلاة ،
__________________
وليس كذلك ، بل
المتعلق هو الصلاة ، وليس الكلام فيه ، بل في وجوب الدعاء ، وهو في حق من دخل في
الصلاة عيني ، للأمر به الذي هو حقيقة فيه ، ولا إجماع على كفائيته.
نعم ، يمكن أن
يقال : إنّ عموم ما دلّ على وجوبه معارض بعموم الصحيح المتقدم الآمر بالتتابع ،
وكما يمكن تخصيصه بذلك كذا يمكن العكس ؛ فإنّ التعارض بينهما من قبيل تعارض العموم
والخصوص من وجه.
ويضعّف : بمنع
العموم في الصحيح ؛ فإنّ غايته الإطلاق المنصرف إلى صورة عدم التمكن من الدعاء
خاصة كما هو الغالب ، ولذا ورد في النص والفتوى استحباب أن لا يبرح المصلّي عن
موقفه إلى أن يرى الجنازة في أيدي الرجال. ومع ذلك فالاحتياط في العبادة يقتضيه.
ويؤيده إشعار بعض
النصوص بذلك ، فإنّ فيه : سمعته يقول في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة
أو تكبيرتين ، فقال : « يتم التكبير وهو يمشي معها ، فإذا لم يدرك التكبير كبّر
عند القبر ، فإن كان أدركهم وقد دفن كبّر على القبر » إذ لو والى لم
يبلغ الحال إلى المشي خلف الجنازة.
ولعلّ هذا مراد
الشهيدين في بيان وجه الإشعار وإن قصرت عبارتهما عن إفادته ، فإنهما قالا : إذ لو
والى لم يبلغ الحال إلى الدفن .
فإن أرادا به ما
تلوناه وإلاّ فضعفه ظاهر ، فإنّ معنى قوله 7 : « فإن كان قد أدركهم وقد دفن » أنه لم يدرك شيئا من
التكبيرات مع الإمام ، لا أنه أدرك البعض ولم يدرك الباقي حتى دفن.
__________________
ولا يضر ضعف سنده
بالجهالة والإرسال ؛ لكونه مستند الأصحاب فيما ذكروه من قولهم ( وإن رفعت الجنازة )
أتم ( ولو على القبر ) فينجبر بذلك ؛ مضافا إلى موافقته لباقي الأخبار ، وإن كان
من غير جهة الإشعار ، وينجبر من هذه الجهة بالموافقة لعموم ما دلّ على وجوب
الأدعية كما عرفته.
ومن هنا يظهر عدم سقوط الدعاء عن المأموم مطلقا كباقي الأذكار ، عدا القراءة في
الصلوات الخمس المفروضة. والظاهر الإجماع عليه فيما إذا كان مع الإمام ولو مسبوقا
، قال في المنتهى : إذا فاتته تكبيرة مثلا كبّر أولة وهي ثانية الإمام يتشهد هو
ويصلّي الإمام ، فإذا كبر الإمام الثالثة ودعا للمؤمنين كبّر هو الثانية وصلّى هو
، فإذا كبر الإمام الرابعة ودعا للميت كبّر هو الثالثة ودعا للمؤمنين ، وهكذا ؛
لأنّا قد بيّنا في الفرائض أنّ المسبوق يجعل ما يلحقه أول صلاته . انتهى ، ولم
ينقل فيه خلافا.
(
الثاني : لو لم يصلّ على الميت ) ودفن بغير صلاة ( صلّي على قبره ) وجوبا مطلقا وفاقا لجماعة .
لعموم : « لا
تدعوا أحدا من أمتي بغير صلاة » ونحوه ، السالم عن المعارض بالكلية ، عدا النصوص المستفيضة
الناهية عن الصلاة عليه بعد دفنه .
وهي غير مصالحة
للمعارضة ـ وإن تضمنت الموثقات وغيرها ـ أوّلا :
__________________
بمعارضتها بأصح منها
سندا وفيه : « لا بأس بأن يصلّي الرجل على الميت بعد ما يدفن » .
ونحوه نصوص أخر ،
منها : « إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن » وبمعناه الرضوي .
وآخر : « كان رسول
الله 6 إذا فاتته الصلاة على الميت يصلّي على القبر » .
وهذه النصوص مع
استفاضتها أيضا أوفق باستصحاب الجواز بل الوجوب حيث يثبت قبل الدفن ، ولا قائل
بالفرق. وعليه فهو دليل على الوجوب كاف في إثباته ولو لم يكن هناك عموم أو منع
بدعوى اختصاصه بحكم التبادر بالميت قبل الدفن ، مع أنها فاسدة في العمومات
اللغوية.
وثانيا : بضعف سند
جملة منها ، وقصورها أجمع عن إثبات المنع مطلقا حتى في محل الفرض ، لأن غايتها
الإطلاق الغير المنصرف إليه.
وثالثا : بشذوذها
، لدلالتها على المنع مطلقا مع أنّ الأصحاب أطبقوا ظاهرا ـ ويستفاد من الذكرى أيضا
ـ على الجواز في الجملة وإن اختلفوا في إطلاقه كما عن والد الصدوق والعماني ، أو تحديده بما
إذا لم يتغير الصورة
__________________
كما عن الإسكافي ، أو بأيام ثلاثة
كما عن الديلمي ، وجعله في الخلاف رواية ، أو ( يوما وليلة حسب ) كما عن الشيخين والحلّي والقاضي وابني زهرة وحمزة ، وادّعى عليه
الشهيدان في الذكرى والروضة الشهرة.
ومع ذلك فهي
محتملة للحمل على التقية ، فقد حكاه جماعة عن أبي حنيفة ، وعلى فتاويه
غالب العامة في جميع الأزمنة ، فينبغي حينئذ طرحها ، أو حملها على الكراهة فيما
إذا صلّي على الميت قبل الدفن ، كما هو المتبادر منها ، ولعلّ الوجه فيها حينئذ
كراهة تكرار الصلاة على الجنازة مرتين كما مضى. لكن ظاهر الأصحاب الجواز من غير
كراهة قبل ما حدّدوه من المدة ، حيث أطلقوه من غير إشارة إليها ، إلاّ أنه يحتمل
إحالتهم لها إلى المسألة التي أشرنا إليها ، وقصدهم بتحديد المدة إثبات التحريم
بعدها.
وعلى هذا التقريب
يصير التحريم بعدها مشهورا كما عزاه إليهم جماعة ؛ ولم أعرف
مستندهم ، عدا الأخبار الناهية ، وهي ـ كما عرفت ـ بإطلاقها شاذة ، ومع ذلك فلم
يعلم منها ولا من غيرها شيء من التقديرات المذكورة في عبائر الجماعة ، وبذلك
اعترف الفاضلان في المعتبر والمنتهى وغيرهما ، والجمع بين النصوص المختلفة في المنع والجواز بذلك فرع
__________________
شاهد عليه وحجة.
ونحوه الجمع بينها بحمل الأولة على ما إذا صلّي عليه فتحرم ، والثانية على ما إذا
لم يصلّ عليه فتجب ، كما في المختلف ؛ إذ لا شاهد عليه أيضا ، بل ولا وجه له ، سيّما مع ظهور
الأخبار المجوّزة بحكم التبادر أو غيره في الصورة الأولى التي منع عن الصلاة فيها
، مع أنّ مقتضاها نفي البأس ، فلا يستفاد منها الوجوب ، فتأمل.
وأمّا الجمع بينها
بحمل المانعة على الصلاة والمجوّزة على الدعاء خاصة ، كما يدل عليه بعض الأخبار
المانعة ، وفيه الصحيح المقطوع وغيره ، فهو وإن حسن من حيث الشاهد
عليه والقرينة إلاّ أنه لا قائل به من الطائفة كما عرفته ، لأن مرجعه إلى حرمة
الصلاة بعد الدفن مطلقا ، وهو كما ترى.
والأولى في الجمع
ما ذكرنا ؛ فإنّ فيه إبقاء للنصوص مطلقا على مواردها المستفاد منها بحكم التبادر ،
وهو ما إذا صلّي على الميت قبل الدفن ؛ وصرفا للأخبار المانعة المرجوحة بالإضافة
إلى المجوّزة إليها ؛ مع وضوح الشاهد عليه من الحكم بكراهة تكرار الصلاة على الميت
كما قدّمناه.
(
الثالث : يجوز أن تصلّى هذه ) الصلاة ( في كل
وقت ) ولو كان أحد
الأوقات الخمسة المكروهة من غير كراهة ؛ بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في عبائر
جماعة كالخلاف والمنتهى والتذكرة وغيرها ؛ والنصوص به مع ذلك بالخصوص مستفيضة وفيها الصحاح وغيرها ؛ مضافا إلى أنها
من ذوات
__________________
الأسباب فتصلّي في
كل وقت كما مرّ.
(
ما لم يتضيق وقت الحاضرة ) فتقدم هي لو لم يخف على الجنازة ولا يضيق وقت صلاتها ، بلا خلاف فيه ، ولا في
وجوب تقديم الجنازة مع ضيق وقتها وسعة الحاضرة.
ولو تضيّقا معا ففي وجوب تقديم الحاضرة كما هو ظاهر إطلاق العبارة وصريح جماعة ، بل حكى عليه
الشهرة خالي العلاّمة المجلسي ، أو صلاة الجنازة كما عن ظاهر المبسوط خاصة ، قولان ، ولعلّ
الأول لا يخلو عن قوة.
ولو اتّسعا
فالأولى تقديم الحاضرة على ما صرّح به جماعة ؛ للمعتبرة .
وفي بعض النصوص
العكس ، وفيه : إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ؟ فقال : «
عجّل الميت إلى قبره إلاّ أن تخاف فوت وقت الفريضة » .
وهو وإن ضعف سنده
إلاّ أنه معتضد بعموم ما دلّ على استحباب تعجيل التجهيز ، لكنه معارض
بمثله بل بأجود منه كالنص ، مع أني لم أر قائلا بمضمون هذا النص وإن حكي عن الماتن
التخيير من دون ترجيح
__________________
للتعارض ، فإنه غير القول
به.
(
الرابع : لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة ) على اخرى
( تخيّر ) المصلّي
( في الإتمام على الأولى والاستيناف على الثانية ، وفي ) قطع الصلاة على الاولى ( وابتداء الصلاة عليهما ) معا على الأشهر ؛ للرضوي : « وإن كنت تصلّي على الجنازة
وجاءت الأخرى فصلّ عليهما صلاة واحدة بخمس تكبيرات ، وإن شئت استأنفت على الثانية
» .
خلافا للإسكافي ، فما في الصحيح : « إن شاؤوا تركوا الاولى حتى يفرغوا من
التكبير على الأخيرة ، وإن شاؤوا رفعوا الاولى وأتموا التكبيرة على الأخيرة ، كلّ
ذلك لا بأس به » .
ومال إليه من
المتأخرين جماعة ؛ لصحة السند ، وعدم وفوقهم على مستند الأول ، مع مخالفته
في صورة القطع للنهي عن إفساد العبادة.
قال في الذكرى :
نعم لو خيف على الجنائز قطعت الصلاة ثمَّ استأنف عليها ؛ لأنه قطع للضرورة .
وهو حسن لو لا ما
مرّ من المستند المعتضد بالعمل ، فيخصّص به عموم النهي ، مع إمكان التأمل في شموله
لنحو هذه العبادة ، لما ورد في كثير من النصوص من أنها دعاء لا صلاة حقيقة ، وقطعه
جائز قطعا.
__________________
ولعلّه لذا استدل
في المنتهى على المختار بأن مع كلّ من هذين الأمرين ـ وأشار بهما إلى شقّي التخيير
ـ يحصل الصلاة عليهما ، وهو المطلوب ، ثمَّ قال : ويؤيده الصحيح وساقه كما مرّ .
وظاهره ـ كما ترى
ـ أنّ عمدة الدليل هو التعليل لا الصحيح كما قيل وهو إنما يتجه لو
جاز القطع ، ولا يكون ذلك إلاّ لما ذكرناه من عدم عموم في النهي يشمل محلّ البحث.
__________________
( وأما )
الصلوات ( المندوبات ) :
فهي كثيرة جدا ذكر
الماتن منها جملة يسيرة.
(
منها : صلاة الاستسقاء ) أي طلب السقيا من الله عند الحاجة إليها.
(
وهي مستحبة عند الجدب ) وغور الأنهار وفتور الأمطار ؛ بإجماعنا الظاهر ، المحكي في التذكرة وغيره ، بل العلماء
كافة إلاّ أبا حنيفة كما في المنتهى ؛ وللتأسي ، والنصوص المستفيضة.
(
والكيفية ) هنا ( کـ ) هي في
( صلاة العيدين ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في الخلاف والمنتهى ؛ وللصحيح : عن
صلاة الاستسقاء ، قال : « مثل صلاة العيدين تقرأ فيهما وتكبّر فيهما ، يخرج الإمام
فيبرز إلى مكان نظيف في سكينة ووقار وخشوع ومسألة ، ويبرز معه الناس ، فيحمد الله
تعالى ويمجّده ويثني عليه ، ويجتهد في الدعاء ، ويكثر من التسبيح والتهليل
والتكبير ، ويصلّي مثل صلاة العيد ركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد ، فإذا سلّم
الإمام قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر ، والذي
على المنكب الأيسر على الأيمن ، فإنّ النبي 6 كذلك فعل » .
ولا ريب في شمول المماثلة فيه
المماثلة في عدد الركعات والقراءة المستحبة والكبيرات الزائدة ( والقنوت ) بعد كل تكبيرة ، إلاّ أنّه يقنت هنا
__________________
(
بسؤال الرحمة وتوفير المياه ).
ولا يتعين فيه دعاء خاص بل يدعو بما يتيسّر له وأمكنه ( و ) إن كان
( أفضل ذلك الأدعية المأثورة ) عن أهل العصمة : ، فإنهم أعرف بما يناجي به الربّ سبحانه.
وظاهر الشهيدين وغيرهما تعميم المماثلة للوقت ، فيخرج فيها ما بين طلوع الشمس إلى
الزوال ، وعزاه في الذكرى إلى ظاهر الأصحاب .
مع أنّ المحكي عن الفاضلين التصريح بأنّ لا وقت لها ، فأيّ وقت خرج جاز ، وادّعى في
نهاية الإحكام والتذكرة الإجماع عليه.
وهو الأوفق
بالإطلاقات. والمتبادر من المماثلة المماثلة في الكيفية لا الأمور الخارجة.
ولكن الأحوط ما
ذكروه بلا شبهة وإن حكي عن الإسكافي التوقيت بما بعد الفجر ، وعن التذكرة
بما بعد الزوال ، قال : لأنّ ما بعد العصر أشرف ؛ لضعفهما في
الغاية.
(
ومن سننها : صوم الناس ثلاثا والخروج يوم الثالث ) للنص ؛ المؤيد بما دلّ على استجابة دعاء الصائم .
__________________
(
وأن يكون ) الخروج يوم ( الاثنين أو الجمعة
) مخيرا بينهما كما
هنا وفي كلام جماعة ، أو مرتبا بتقديم الأول وإن لم يتيسر فالثاني كما في
الشرائع وكلام آخرين .
والأكثر لم يذكروا سوى الأول ؛ للنص : قلت له : متى يخرج جعلت فداك؟ قال : « يوم
الاثنين » ونحوه المروي في العيون عن مولانا الحسن العسكري 7 .
وعكس الحلبي فلم
يذكر سوى الثاني .
قيل : ولعلّه نظر
إلى ما ورد في ذم يوم الاثنين وأنه يوم نحس لا يطلب فيه الحوائج ، وأنّ بني أمية
تتبرك به ، ويتشاءم به آل محمد 6 لقتل الحسين 7 فيه ، حتى ورد أنّ من صامه أو طلب الحوائج فيه متبركا حشر
مع بني أمية ، وأنّ هذه الأخبار ظاهرة الرجحان على الخبرين المذكورين .
أقول : لكنهما
معتضدان بعمل أكثر الأصحاب وإن اختلفوا في الجمود عليهما أو ضمّ الجمعة ، مخيّرا
أو مرتبا بينهما ، جمعا بينهما وبين ما دلّ على
__________________
شرف الجمعة
واستجابة الدعاء فيه حتى ورد أن العبد ليسأل الحاجة فيؤخر الإجابة إليه .
وكلّ من ساوى بينه وبين الخبرين مكافاة قال بالأول. ومن رجّحهما لفتوى الأصحاب ـ سيّما
نحو القاضي والحلّي اللذين لم يعملا بأخبار الآحاد إلاّ بعد قطعيتها ـ قال
بالثاني ، ولعلّه الأقوى.
(
والإصحار بها ) إجماعا كما في المعتبر والمنتهى والذكرى ؛ وللتأسي ، والنصوص ، وفيها الصحيح وغيره ، وفيه : « مضت
السنّة أنه لا يستسقى إلاّ بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء ، ولا يستسقى في
المساجد إلاّ بمكة » .
واستثناء مكة مجمع
عليه عندنا وعند أكثر أهل العلم كما في المنتهى .
وعن الإسكافي
إلحاق مسجد النبي 6 بها . وهو مع عدم وضوح مستنده سوى القياس الذي لا نقول به يدفعه
بعض النصوص بظاهره .
نعم ، ذكر
الشهيدان أنه لو حصل مانع من الصحراء كخوف وشبهه
__________________
صلّيت فيه بل في
سائر المساجد . ولا بأس به.
وليكن خروجهم إلى
الصحراء في حال كونهم
( حفاة على سكينة ووقار ) كما يخرج في العيدين ، وفي الخبر « يمشي كما يمشي يوم العيدين » .
مضافا إلى الصحيح
المتقدم المصرّح باستحباب الأخيرين.
(
واستصحاب الشيوخ ) ولا سيّما أبناء الثمانين
( والأطفال والعجائز ) في المشهور بين الأصحاب ، قالوا : لأنهم أقرب إلى الرحمة وأسرع إلى الإجابة.
وفي النبوي : « لو لا أطفال رضّع وشيوخ ركّع وبهائم رتّع لصبّ عليكم العذاب صبّا » .
وفي آخر : « إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر » .
وفي الرضوي في جملة الخطبة المأثورة فيه هنا : « اللهم ارحمنا بمشايخ ركّع وصبيان رضّع
وبهائم رتّع وشبّان خضّع » .
وليكونوا ( من المسلمين خاصة )
كما ذكره جماعة ، فيمنع من
الحضور معهم أهل الذمة وجميع الكفّار.
وزاد الحلّي فقال
: والمتظاهرين بالفسوق والمنكر والخداعة من أهل
__________________
الإسلام .
قال في المنتهى :
لأنهم أعداء الله تعالى ومغضوب عليهم وقد بدّلوا نعمة الله تعالى كفرا فهم بعيدون
من الإجابة ، قال الله تعالى( وَما دُعاءُ
الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ* ) ثمَّ ذكر ما روي في حكاية دعاء فرعون حين غار النيل ، ورجّح عدم
المنع .
قيل : ويعضده خروج
المنافقين مع النبي 6 ، فإنهم أكثر الناس أو كثير منهم يومئذ ، وكذا خروج
المخالفين مع الرضا 7 كما تضمنه بعض النصوص فإنهم الأكثر يومئذ.
ويعضده أيضا ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الله تعالى ربما حبس الإجابة عن المؤمن
لحبّ سماع صوته وتضرعه وإلحاحه ، وعجّل الإجابة للكافر لبغض سماع صوته .
على أنهم يطلبون ما ضمنه الله تعالى لهم من رزقهم وهو سبحانه لا يخلف الميعاد.
(
والتفريق بين الأطفال وأمهاتهم ) كما ذكره جماعة ، قالوا : استجلابا للبكاء والخشوع بين يدي الله تعالى ،
فربما أدركتهم الرحمة بلطفه.
(
و ) أن ( تصلّى جماعة ) للتأسي ، وظواهر النصوص. وتجوز فرادى
__________________
بإجماعنا ، بل أهل
العلم كافة إلاّ أبا حنيفة كما في المنتهى .
(
وتحويل الإمام الرداء ) بأن يجعل الذي على يمينه على يساره وبالعكس كما في الصحيح وغيره مستفيضا .
وظاهرها ـ بعد حمل مطلقها على مقيدها ـ استحبابه من الإمام مرّة واحدة بعد الصلاة
وصعود المنبر كما عليه الأكثر.
خلافا لبعضهم فذكر التحويل بعد الخطبة ، ولآخر فأثبته للمأموم أيضا ، ولجماعة فاستحبّوه
ثلاث مرات . ولم نعرف لشيء من ذلك مستندا واضحا.
(
واستقبال القبلة ) حال كونه ( مكبّرا
) مائة مرة ( رافعا ) بها
( صوته ، وإلى اليمين مسبّحا ، وإلى اليسار مهلّلا ، وعند استقبال الناس حامدا ) كل ذلك مائة مرة
رافعا بها صوته ، على المشهور المأثور في الخبرين .
خلافا للمفيد
وجماعة في ذكر اليسار واستقبال الناس ، فيحمد في الأول ويستغفر في
الثاني ، كلا منهما مائة مرة.
__________________
وللصدوق فيهما
أيضا فعكس ما عليه المشهور .
ولم نعرف مستندهما
( و ) لا مستند من قال
باستحباب أن ( يتابعه
الناس ) في ذلك ، أي في
الأذكار ورفع الصوت بها أيضا كما عن الحلبي والصدوق والقاضي ، أو الأذكار
خاصة من غير رفع الصوت كما عن الإسكافي والحلّي . ولكن لا بأس
بالمتابعة ؛ للتسامح في أدلة السنن.
(
والخطبة ) مرتين كما يفعل في
العيدين ( بعد
الصلاة ) بإجماعنا الظاهر ،
المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا ؛ والنصوص المروية من طرق العامة وطرقنا عموما وخصوصا . والموثق الدال
على أنها قبل الصلاة شاذ يحتمل الحمل على التقية ، فقد حكي في المنتهى وغيره عن جماعة من
العامة.
(
والمبالغة في الدعاء ، والمعاودة إن تأخرت الإجابة ) إجماعا منّا كما حكاه في المنتهى ، قال : لأن الله تعالى
يحبّ الملحّين في الدعاء ، ولأن الحاجة باقية فكان طلبها بالدعاء مشروعا ، ولأنها
صلاة يستدفع بها أذى فكانت
__________________
مشروعة كالأولى .
(
ومنها : نافلة شهر رمضان )
(
و ) قد اختلفت
الروايات ( في ) توظيفها واستحبابها ، إلاّ أنّ ( أشهر الروايات ) وأكثرها وأظهرها بين الأصحاب ، بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعا
، كما يستفاد من جملة من العبارات ، بل بانعقاده صرّح الحلّي والمرتضى والفاضل في المختلف
حاكيا له عن الديلمي ، وربما احتمله عبارة الخلاف أيضا ، يدل على ( استحباب ألف ركعة ،
زيادة على ) النوافل ( المرتبة ) اليومية.
وقول الصدوق بأنه لا نافلة في شهر رمضان زيادة على غيره شاذ ، كالصحاح
الدالة عليه ، وإن حكاه في الخلاف عن قوم من أصحابنا ، إذ لم نعرفهم
ولا نقله غيره ، غير أنه قيل : لأنه لم يتعرض لها والد الصدوق ولا العماني . وهو غير صريح ،
بل ولا ظاهر في المخالفة.
مع أنّ ظاهر عبارة
الصدوق المشتهر نقل خلافه في المسألة لا يدل على نفي المشروعية ، بل صريحها الجواز
؛ ولذا نفى عنه الخلاف جماعة
__________________
قائلين أنّ غايتها
نفي تأكد الفضيلة لا المشروعية. وهو حسن.
فما يقال من : أنّ
المسألة من المشكلات لا وجه له ، غير صحة الأخبار المانعة ، وهي معارضة بتلك
الروايات المشهورة المتضمنة للموثق وغيره ، المعتضدة بفتوى الأصحاب والإجماعات
المنقولة ، وعموم ما دلّ على أن الصلاة خير موضوع ، مضافا إلى
المسامحة في أدلة السنن ، بناء على الإجماع على الجواز كما عرفته.
والصحاح ـ بعد
القطع بشذوذها ـ لا تفيد الحرمة صريحا لينبغي الاحتياط عنها ، مع انها معارضة ـ زيادة
على الروايات المشهورة باستحباب ألف ركعة ـ بالنصوص المستفيضة القريبة من التواتر
بل لعلّها متواترة بشرعية الزيادة ولو مطلقة ، ومع ذلك فجملة منها صحيحة صريحة في
خلاف ما دلّت عليه الصحاح المتقدمة من أنه : ما صلّى رسول الله 6 الزيادة قطّ ،
ولو كان خيرا لم يتركه .
ففي الصحيح : «
كان رسول الله 6 يزيد في صلاته في شهر رمضان إذا صلّى العتمة صلّى بعدها »
الخبر .
ونحوه آخر وغيره .
وحينئذ فينبغي
طرحها ، أو حملها على نفي الزيادة في جماعة خاصة كما
__________________
في التهذيبين ، للصحيح . ولكن لا دلالة
له عليه.
أو على نفي
الزيادة في النوافل الراتبة ، كما رواها الإسكافي بأربع في صلاة الليل كما في
المختلف . وهو أبعد.
أو على نفي كونها
سنّة موقتة موظفة لا ينبغي تركها كالرواتب اليومية ، بل إن كانت فهي من التطوعات
التي من أحبها وقوي عليها كما يشعر به بعض النصوص المثبتة . ولكن فيه بعد.
أو على التقية كما
عن بعض الأجلّة حاكيا له عن ابن طاوس ، مؤيدا له بأمور ومنها ورد جملة من
الأخبار بتكذيب راوي النفي والدعاء عليه . لكنها معارضة ببعض الأخبار الواردة بالعكس ، مع أنّ بعض
الأصحاب حمل الأخبار المثبتة على التقية .
وكيف كان فالمذهب
ما عليه الأصحاب.
__________________
وقد اختلفوا في كيفية توزيع الألف ركعة على الشهر ، فالمشهور أنه يصلّى ( في كل ليلة ) من العشرين الأوّلين ( عشرون ركعة ) موزّعة هكذا ( بعد المغرب ثماني ركعات ، وبعد العشاء اثنتا
عشرة ركعة ، وفي العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثون ) ركعة موزّعة كما مرّ ، بعد المغرب ثماني ركعات والباقي بعد
العتمة ( وفي
ليالي الأفراد ) المحتملة لليلة القدر
( في كل ليلة ) منها ( مائة ) ركعة
( مضافا إلى ما عيّن ) فيها من العشرين في الاولى والستين في الأخيرتين.
للنصوص المستفيضة
الدالة على هذا التفصيل بتمامه بعد ضمّ بعضها إلى بعض ، وهي متفقة
الدلالة على كيفية توزيع العشرين والثلاثين بجعل الثمان بعد المغرب والباقي بعد
العشاء مطلقا.
خلافا للنهاية
والإسكافي ، فخيّرا في العشرين بين ذلك وبين عكسه فيصلي اثنتي عشرة
ركعة بين المغرب والعتمة ، وثماني ركعات بعد العتمة كما في الموثقة ، جمعا بينها
وبين المستفيضة.
وللقاضي والحلبي في الثلاثين ،
فيصلي ما بين العشاءين اثنتي عشرة ركعة ، وثماني عشرة بعد العشاء كما في الخبر .
وربما يقال هنا
بالتخيير أيضا جمعا. ولا بأس به وإن كان المشهور أولى ،
__________________
لكثرة أخباره
واشتهاره بين الأصحاب ، بل في الخلاف عليه الإجماع .
وفيه الإجماع أيضا
على استحباب الثمانين ركعة في ليالي الأفراد زيادة على المئات.
(
وفي رواية ) (
يقتصر ) فيها عن الثمانين ( على المائة ) في كل منها ( ويصلّي ) الثمانين المتخلّفة وهي العشرون في التاسعة عشرة والستون في
الليلتين بعدها ( في
الجمع ) الأربع ( أربعون ) موزّعة عليها ، فيصلّي في كل يوم جمعة عشراً :
أربعاً ( بصلاة علي 7
) يقرأ فيها بالحمد
في كل ركعة وخمسين مرة قل هو الله أحد.
(
و ) أربعا بصلاة ( جعفر 7
) يقرأ في الركعة
الأولى الحمد وإذا زلزلت ، وفي الثانية الحمد والعاديات ، وفي الثالثة الحمد وإذا
جاء نصر الله ، وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد.
(
و ) ركعتين بصلاة ( فاطمة 3
) يقرأ في الركعة
الأولى بالحمد وإنا أنزلناه في ليلة القدر مائة مرة ، وفي الثانية بالحمد وقل هو
الله أحد مائة مرة.
(
وعشرون في آخر جمعة ) أي ليلة الجمعة الأخيرة
( بصلاة علي 7 ، وفي عشيتها ) ليلة السبت ( عشرون بصلاة فاطمة 3
).
ويوافقها في
الاقتصار على المائة غيرها من الروايات ، وحكي القول بمضمونها عن كثير من القدماء كالمفيد
والمرتضى والقاضي والديلمي وابن
__________________
حمزة ، وعزاه في
الذكرى إلى أكثر الأصحاب ، وفي الانتصار الإجماع عليه ، وعليه رتّب الشيخ الدعوات
المختصة بالركعات . والتخيير غير بعيد كما هو ظاهر كثير.
(
ومنها : صلاة ليلة الفطر ).
(
وهي ركعتان يقرأ في الأولى مرة بالحمد وبالإخلاص ألف مرة ، وفي الثانية الحمد
والإخلاص ) كلّ منهما ( مرة ) كما في الخبر المنجبر بقول الأصحاب كما في الذكرى ، مضافا إلى
التسامح في أدلة السنن ، وفيه : « من صلاّها لم يسأل الله تعالى شيئا إلاّ أعطاه »
.
ولها صلوات مذكورة في محالّها.
(
ومنها : صلاة يوم الغدير ).
وهو الثامن عشر من
شهر ذي الحجّة ( قبل
الزوال بنصف ساعة ).
(
وهي ركعتان ) يقرأ في كل منهما الحمد مرة ، وكلا من التوحيد وآية الكرسي والقدر عشر مرّات ،
كما في الخبر ، وفيه : أنها تعدل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة ، ومن صلاّها لم
يسأل الله تعالى حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ قضيت له كائنة ما كانت الحاجة .
__________________
وضعف السند منجبر
بما عرفته ، مضافا إلى أخبار أخر مؤيدة له .
فإنكار الصدوق له ضعيف ، كقول
الحلبي باستحباب الجماعة فيها والخطبتين والخروج إلى الصحراء ، إذ لم نقف له
على مستند ، مع مخالفة الأول لعموم الأدلة بإنكار الجماعة في النافلة.
والأولى مراعاة الترتيب الذكري في القراءة ، وعليه جماعة ، وقدّم آخرون
القدر على آية الكرسي ، ويظهر من الحلّي أنّ به رواية .
(
ومنها : صلاة ليلة النصف من شعبان ).
وهي عديدة وبكل
منها رواية ، فمنها
( أربع ركعات ) يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة والتوحيد مائة مرّة ثمَّ يدعو بالمرسوم كما في
المرفوع المروي في الكافي وغيره .
ونحوه الخبر
المروي في المصباح ، ولكن في العدد خاصة ، وأما القراءة ففيه أنه « تقرأ في كل
ركعة الحمد مرة والتوحيد مائتين وخمسين مرة » .
ومنها : ركعتان
يقرأ في الأولى بعد الحمد الجحد وفي الثانية بعده التوحيد ، وتقول بعد السلام :
سبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة ، والحمد لله كذلك ، والله أكبر أربعا وثلاثين مرة ،
ثمَّ يدعو بالمروي ، رواه في المصباح . وروي
__________________
فيه غير ذلك.
(
ومنها : صلاة ليلة المبعث ويومها ).
وهو السابع والعشرون من رجب.
(
وكيفية ذلك ) أي كل من هذه الصلوات
( وما يقال فيه وبعده مذكور في كتب تخصّ به ، وكذا سائر النوافل ) الغير المذكورة في الكتاب ، من أرادها ( فليطلبها هناك ).
( المقصد
الثالث : في التوابع )
(
وهي ) أمور ( خمسة ) :
(
الأول : في الخلل الواقع في الصلاة ).
(
وهو ) يكون ( إما ) عن
( عمد ) وقصد ( أو سهو ) لعزوب المعنى عن الذهن حتى حصل بسببه الإخلال ( أو شك ) وهو : تردّد الذهن بين طرفي النقيض حيث لا رجحان لأحدهما
على الآخر.
والمراد بالخلل الواقع عن عمد أو سهو ترك شيء من أفعالها مثلا ، والواقع بالشك النقص
الحاصل للصلاة بنفس الشك ، لا أنه كان سبب ترك كقسيميه.
(
أما العمد : فـ ) كلّ ( من أخلّ
معه بواجب أبطل صلاته ، شرطا كان ) ما أخلّ به كالطهارة ، والستر ، والوقت والقبلة ( أو جزءا ) وإن لم يكن ركنا كالقراءة ، وأجزائها حتى الحرف الواحد ( أو كيفية ) كالطمأنينة ، والجهر والإخفاف في القراءة ، وترتيب الواجبات
بعضها على بعض.
(
و ) تعريف العامد بما
مرّ يشمل ما ( لو كان
جاهلا ) بالحكم الشرعي
كالوجوب ، أو الوضعي كالبطلان.
والأصل في جميع
ذلك عدم الإتيان بالمأمور به على الوجه المطلوب شرعا ، فيبقى في عهدة التكليف.
وهذه الكلية ثابتة
في جميع مواردها ( عدا
الجهر والإخفات ، فإنّ الجهل فيهما عذر ) إجماعا كما مرّ في بحثهما.
(
وكذا تبطل لو فعل ) معه ( ما يجب
تركه ) في الصلاة كالكلام
بحرفين فصاعدا ، ونحوه ممّا مرّ في قواطع الصلاة مع أدلتها.
(
وتبطل الصلاة في الثوب المغصوب ، أو الموضع المغصوب ) وكذلك
فيهما نجسين ( والسجود على الموضع
النجس مع العلم ) مطلقا وإن جهل الحكم
( لا مع الجهل بالغصبية والنجاسة ) إذ لا إعادة في الأول مطلقا ، وفي الثاني مع خروج الوقت ،
ومع بقائه قولان تقدّما كسائر ما يتعلّق بهذه المسائل في أبحاثها.
لكن لم يتقدم لحكم السجود على الموضع النجس جهلا ذكر لا هنا ، ولا في شيء ممّا
وقفت عليه من كتب الفقهاء ، عدا شيخنا الشهيد الثاني في روض الجنان في بحث الصلاة
في الثوب النجس فألحقه به وبالبدن في الأحكام ، وهو ظاهر غيره من الأصحاب ، حيث أحالوا الحكم في المقام
إلى ذلك البحث وبحث المكان ، مع أنهم لم يذكروه في شيء منهما على الخصوص ، وهو
ظاهر فيما ذكرناه من الإلحاق.
ولا ريب فيه إن
كان إجماعا ، وإلاّ فللتوقف فيه مجال ؛ فإنّ مقتضى الأصول الإعادة في الوقت هنا ،
للشك في الامتثال ، لإطلاق ما دلّ على اشتراط طهارة محل السجود من دون تقييد بصورة
العلم وإن احتمل قريبا كطهارة الثوب والبدن ، لكنه ليس بمتحقق كما تحقّق فيهما ،
فبمجرده لا يخرج عن إطلاق الأمر القطعي.
نعم لو خرج الوقت
لم يعلم وجوب القضاء ؛ بناء على كونه فرضا مستأنفا ، ولا دليل عليه هنا عدا عموم
الأمر بقضاء الفوائت ، وهو فرع تحقق الفوت ، ولم يتحقق بعد احتمال اختصاص الشرطية
بحال العلم كما في النظائر ، وحينئذ فيدفع القضاء بالأصل السالم عن المعارض.
(
وأما السهو : فإن كان عن ركن ) من الأركان الخمسة المتقدمة
( وكان محلّه باقيا ) بأن لا يكون دخل في ركن آخر
( أتى به ) ثمَّ بما بعده بلا
خلاف
__________________
بين أهل العلم كما
في المنتهى ؛ لإمكان الإتيان به على وجه لا يؤثر خللا ولا إخلالا
بماهية الصلاة ؛ ولفحوى ما دلّ على هذا الحكم في صورة الشك في الجملة.
(
وإن كان دخل في ) ركن ( آخر
أعاد ) الصلاة ، وذلك ( كمن أخلّ بالقيام
حتى نوى ، أو بالنية حتى افتتح ) الصلاة
( أو بالافتتاح حتى قرأ ، أو بالركوع حتى سجد ، أو بالسجدتين حتى ركع ).
بلا خلاف فيما عدا
الأخيرين ولا إشكال ، إلاّ في الأول ، فإنه يتوقف على ثبوت ركنية القيام حتى حال
النية. ووجهه غير واضح ، خصوصا على مذهب من جعل النية شرطا خارجا عن حقيقة الصلاة
، إلاّ أن يوجّه باشتراط مقارنتها للتكبير الذي القيام ركن فيه قطعا ، وهي لا
تتحقق إلاّ حالة القيام ، فتدبر.
ووجه فساد الصلاة
بالإخلال بالنية حتى كبّر على القول بجزئيتها واضح.
وكذا على غيره ؛
فإنّ التكبير جزء من الصلاة إجماعا فيعتبر فيه النية وغيرها من الشرائط ، لأن شرط
الكل شرط لجزئه ، ويلزم من فوات الشرط فوات المشروط.
وعلى الأشهر
الأقوى أيضا فيهما ، بل عليه جمهور متأخري أصحابنا ، بل عامّتهم في الأخير إذا كان
السهو في الركعتين الأوليين أو الصبح أو المغرب ؛ وحجتهم عليه ـ بعد الإجماع ظاهرا
ـ استلزام التدارك زيادة ركن ، وعدمه نقصانه ، وهما مبطلان ، إجماعا في الثاني ،
ونصّا في الأول.
وهذه الحجة عامة
للصور المزبورة وغيرها من السهو عن السجدتين إلى أن يركع في أخيرتي الرباعية ، وعن
الركوع إلى أن يسجد السجدتين ، مضافة فيه إلى الصحيح : عن الرجل ينسى أن يركع حتى
يسجد ويقوم ، قال :
__________________
« يستقبل » ونحوه غيره .
وحيث لا قائل بالفرق بينه وبين السهو عنه إلى أن يسجد الواحدة عمّ الحكم لهما ؛ مع
اعتضاده بالقاعدة من أنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى تحت العهدة ، ولا
يتيقن الخروج عنها إلاّ باستيناف الصلاة من أوّلها ؛ وإطلاق جملة من المعتبرة :
منها ، الموثق :
عن الرجل ينسى أن يركع ، قال : « يستقبل حتى يضع كلّ شيء موضعه » .
والخبر : عن رجل
نسي أن يركع ، قال : « عليه الإعادة » .
وقصور السند أو
ضعفه مجبور بالشهرة العظيمة المتأخرة والموافقة للقاعدة المتيقنة المشار إليها في
الموثقة أيضا بقوله : « حتى يضع كل شيء موضعه » فتعمّ غير موردها أيضا ، وهو جملة
الصور في المسألتين.
(
وقيل : إن كان ) السهو عن أحد الركنين مع الدخول في الآخر ( في ) الركعتين
( الأخيرتين من الرباعية أسقط الزائد وأتى بالفائت ).
القائل بذلك الشيخ
في المبسوط وكتابي الأخبار ، جمعا بين الأخبار المتقدمة وبين الصحيحين الدالّين على
التلفيق مطلقا ، كما حكاه عن بعض
__________________
الأصحاب وعزاه إليه في
المنتهى .
في أحدهما : رجل
شكّ بعد ما سجد أنه لم يركع ، فقال : « يمضي في صلاته حتى يستيقن أنه لم يركع ،
فإن استيقن أنه لم يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما ويبني صلاته على
التمام ، وإن كان لم يستيقن إلاّ بعد ما فرغ وانصرف فليقم وليصل ركعة وسجدتين ولا
شيء عليه » .
وفي الثاني : عن
رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثمَّ ذكر أنه لم يركع ، قال : « يقوم ويركع
ويسجد سجدتي السهو » .
وفيه نظر ؛ فإنّ
الجمع بذلك فرع التكافؤ ، وليس ، لرجحان الأخبار الأوّلة من وجوه عديدة دون
الصحيحين ، سيّما مع تضمن الأول منهما ما لا يقول به الخصم بل ولا أحد من : وجوب
صلاة ركعة مع سجدتين بعد الانصراف من الصلاة إذا استيقن ترك الركوع.
ومنه يظهر شذوذ
الثاني رأسا ، وعدم ارتباطه بما نحن فيه أصلا.
ولو سلّم ذلك كلّه
فالجمع بذلك فرع الشاهد عليه ، ولم نجده ، عدا ما اشتهر عنه وعن المفيد من أنّ كل
سهو يلحق الأوليين في الأعداد والأفعال فهو موجب للإعادة دون الأخيرتين . ولم أتحققه ، بل
المتحقق خلافه.
وفي الرضوي : «
وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأولى فأعد صلاتك ، لأنه إذا لم تصحّ لك
الأولى لم تصح صلاتك ، وإن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف
السجدتين واجعلها ـ أعني الثانية ـ الأولى ،
__________________
والثالثة ثانية ،
والرابعة ثالثة » .
وهو ـ كما ترى ـ ظاهر
في خلاف ما ذكراه ، وهو وجوب المحافظة على الركعة الأولى خاصة لا الركعتين معا.
ويؤيده بعض
الأخبار المروية عن العلل والعيون عن مولانا الرضا 7 قال : « إنما جعل أصل الصلاة ركعتين ، وزيد على بعضها ركعة
، وعلى بعضها ركعتين ، ولم يزد على بعضها شيء ، لأن أصل الصلاة هي ركعة واحدة ،
لأن أصل العدد واحد ، فإذا نقصت عن واحدة فليست هي صلاة » الحديث .
وما تضمنه الرضوي
من الحكم في المسألة محكي عن والد الصدوق والإسكافي ، وهو مع ندرته
وقصوره عن المقاومة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة شاذ.
واعلم : أنّ
النصوص الدالة على التلفيق مطلقا مختصة بالمسألة الأولى كفتوى الشيخ في كتبه
المتقدمة ، فلا وجه لتعديته وإجزائه في الثانية كما حكي عنه في جمله واقتصاده ؛ ولذا وافق
القوم هنا في موضع من المبسوط لكن قال في موضع آخر منه ما يشعر باتحاد طريق المسألتين
واتحاد حكمهما ؛ ولعلّه الوجه في التعدية ، كما احتجّ لهم في المختلف من
أنّ السجدتين مساويتان للركوع في الحكم فانسحب فيهما حكم التلفيق الثابت للركوع .
__________________
وضعف هذا
الاستدلال ظاهر.
(
ويعيد ) الصلاة ( لو زاد ) فيها
( ركوعا أو سجدتين ) مطلقا ( عمدا ) كانت الزيادة ( أو سهوا ) وكذا غيرهما من الأركان إلاّ ما استثني ، بلا خلاف أجده ،
وبه صرّح جماعة ؛ لكونها كالنقيصة مغيّرة لهيئة العبادة التوقيفية موجبة
لبقاء الذمة تحت العهدة ؛ ومع ذلك المعتبرة به مستفيضة ، منها الصحيح : « إذا
استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل الصلاة استقبالا » وبمعناه الموثق
وغيره .
وفي الموثقين القريب أحدهما من الصحيح ، بل صحيح : « لا يعيد الصلاة من سجدة
ويعيدها من ركعة » .
ومقابلة الركعة
فيهما بالسجدة قرينة على أنّ المراد بالركعة الركوع ، ولا قائل بالفرق بينه وبين
السجدتين.
وخروج كثير من
الأفراد من إطلاق الصحيح الأول وما في معناه غير قادح ولو كانت أكثر ؛ إذ ليس كالعموم
اللغوي لا يقبل التخصيص إلى أن يبقى الأقل.
فما يقال في
الجواب عنهما من حملهما على زيادة ركعة حذرا عن ارتكاب التخصيص البعيد ضعيف.
وأضعف منه التأمل
في الدليل الأول مع عدم ظهور وجهه ، سيما وأنّ
__________________
دأب العلماء حتى
المتأمل التمسك به في إثبات كثير من الواجبات في العبادات ، وبطلانها بالإخلال بها
مطلقا.
وكما تبطل بزيادة
أحد الركنين كذا تبطل بزيادة ركعة مطلقا على الأشهر الأقوى ؛ لما مضى من الأدلة
حتى القاعدة ، بناء على المختار من وجوب التسليم وجزئيته مطلقا ، وكذا على غيره
لكن في الجملة.
مضافا إلى بعض
الأخبار المنجبر ضعفها بالشهرة والمخالفة للعامة : في رجل صلّى العصر ست ركعات أو
خمس ركعات ، قال : « إن استيقن أنه صلّى خمسا أو ستا فليعد » .
خلافا للإسكافي فلا إعادة في الرابعة إن جلس بعدها بقدر التشهد ، واختاره
الفاضلان في المعتبر والتحرير والمختلف ؛ للصحيحين ؛ ولأن نسيان التشهد غير مبطل فإذا جلس بقدره فقد فصل بين
الفرض والزيادة.
وفيهما نظر ؛ لضعف
الثاني بأن تحقّق الفصل بالجلوس لا يقتضي عدم وقوع الزيادة في أثناء الصلاة.
والخبرين : بأنّ
الظاهر أنّ المراد من الجلوس فيهما بقدر التشهد : التشهد ؛ لشيوع مثل هذا الإطلاق
، وندور تحقق الجلوس بقدره من دون الإتيان به. ولو سلّم ففي مكافاتهما لما مرّ من
الأدلة مناقشة واضحة ، سيّما بعد احتمالهما الحمل على التقية كما صرّح به جماعة حاكين القول
بمضمونهما
__________________
عن أبي حنيفة
المشهور رأيه في جميع الأزمنة وعليه أكثر العامة.
وقيل : إنّ تشهّد
قبل الزيادة فلا إعادة ؛ عملا بظاهر الصحيحين بالتقريب الذي عرفته ، ولذا جعلا من
أدلة استحباب التسليم لا التشهد.
وفيه ما عرفته من
عدم المكافأة للأدلة المشهورة هنا ؛ مضافا إلى أدلة وجوب التسليم المتقدمة في
بحثه.
وعلى هذا القول لا فرق في وقوع الزيادة بعد تشهد الرباعية أو الثلاثية أو الثنائية
إن علّل زيادة على الصحيحين باستحباب التسليم والخروج بالتشهد عن الصلاة ، فتكون
الزيادة بعدها.
(
ولو نقص من عدد ) ركعات ( الصلاة
) سهوا ( ثمَّ ذكر ) النقصان بعد التسليم ( أتم ) مطلقا
( ولو تكلّم على الأشهر ) الأظهر ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المتقدمة جملة منها ، مضافا إلى
الإجماعات المنقولة على عدم بطلان الصلاة بالتكلّم ناسيا في بحث قواطع الصلاة ،
وتقدّم ثمة خلاف النهاية وقوله فيه بوجوب الإعادة مع ذكر ما يصلح له دليلا والجواب
عنه .
ويحكى هذا القول
هنا عن جماعة من القدماء كالعماني والحلبي .
وحكى الشيخ عن بعض
الأصحاب قولا بوجوب الإعادة في غير الرباعية ، ولم نعرف مستنده.
وإطلاق العبارة ـ كغيرها
وجملة من النصوص الصحيحة وغيرها ـ يقتضي عدم الفرق بين ما إذا طال الزمان أو
الكلام كثيرا بحيث يخرج عن كونه مصلّيا
__________________
أم لا ، وعزاه في
التذكرة إلى ظاهر علمائنا .
خلافا لبعضهم
ففرّق بينهما ، فوافق الشيخ في الأول ، والمشهور في الثاني .
ووجهه غير واضح ،
عدا الجمع بين النصوص وما دلّ على البطلان بالفعل الكثير. وفيه نظر ؛ لاختصاص ما
دلّ على البطلان بصورة العمد كما مرّ في بحثه ؛ مع نقل الإجماع على عدمه فيما نحن فيه .
ومع ذلك يردّه ظاهر الحسن ـ لو لم نقل صريحه ـ : قلت : أجيء إلى الإمام وقد
سبقني بركعة في الفجر ، فلمّا سلّم وقع في قلبي أني أتممت ، فلم أزل أذكر الله
تعالى حتى طلعت الشمس ، نهضت فذكرت أنّ الإمام قد سبقني بركعة ، قال : « فإن كنت
في مقامك فأتم بركعة ، وإن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة » فتدبّر.
نعم ، الأحوط
الإعادة كما ذكره ، بل مطلقا كما عليه الشيخ في النهاية ومن تبعه ، لكن بعد
إتمام الصلاة كما ذكرنا وتدارك ما يلزم السهو من سجدتيه.
(
ويعيد لو استدبر القبلة ) أو فعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا كالحدث ، على الأشهر الأقوى ؛ للمعتبرة
المستفيضة في استدبار القبلة ومنها
__________________
الصحيح والموثقان ، وغيرها الواردة
في خصوص المسألة ، مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها المتقدمة في كونه
قاطعا للصلاة مطلقا . وقد مرّ ثمة نقل خلاف جماعة في ذلك بتخصيصهم له بصورة
العمد خاصة مع مستندهم والجواب عنه .
وأما هنا فلم ينقل
الخلاف إلاّ من المقنع خاصة حيث قال : يتم صلاته ولو بلغ الصين ، ووافقه بعض
متأخري المتأخرين ؛ للصحاح المستفيضة إطلاقا في بعضها وتصريحا في جملة منها .
وهي غير مكافئة
لما مرّ من الأدلة ؛ مع احتمالها الحمل على التقية كما صرّح به بعض الأجلة . ومع ذلك فقول
الصدوق ; بها غير معلوم وإن اشتهرت
حكايته عنه ، لما ذكره خالي العلاّمة المجلسي ; بأنّه لم يجده
فيما عنده من نسخة المقنع ، وقد مرّ في بحث القواطع موافقة إطلاق كلامه لما عليه
الأكثر من كون الاستدبار من القواطع مطلقا ، وبالجملة فالقول المزبور ضعيف.
وأضعف منه القول
بالتخيير بينه وبين المختار مع أفضليته ، كما اتّفق
__________________
لصاحبي المدارك
والذخيرة ؛ للجمع بين الأخبار.
لفقد التكافؤ ، مع عدم وضوح الشاهد عليه ، وقوة احتمال كونه إحداث قول غير جائز.
وحيث ثبت الإعادة
بالاستدبار ثبت بغيره ؛ لعدم قائل بالفرق ، مضافا إلى عموم أدلة كونه من القواطع.
(
وإن كان السهو عن غير ركن فمنه ما لا يوجب تداركا ) وهو الإتيان به بعد فواته ( ومنه ما يقتصر معه على التدارك ) خاصة
( ومنه ما يتدارك مع سجود السهو ) بعد التسليم.
(
فالأول كمن نسي القراءة ) كلا أو بعضا حتى ركع ، بلا خلاف أجده إلاّ من ابن حمزة القائل بركنيتها . وهو شاذّ
كالصحيح الدالّ عليه ؛ ولعلّه لذا نفى الخلاف عن خلافه هنا جماعة ، معربين عن دعوى
الإجماع عليه ، كما تقدّم نقله عن الشيخ ; في بحث القراءة مع
تزييف هذا القول . ونقول هنا : إن المعتبرة على ردّه زيادة على ما مرّ مستفيضة
، وفيها الصحاح والموثّقات وغيرها ، معتضدة بالأصل وعمل الأصحاب.
(
أو الجهر أو الإخفات ) في مواضعهما مطلقا ؛ لإطلاق الصحيحين الماضيين في بحثهما بأنه لا شيء عليه إن
أخلّ بهما ساهيا ، من دون تقييد له بالتذكر لهما في الركوع كما قيد به في القراءة
على ما عرفته وستعرفه.
__________________
(
أو الذكر في الركوع ، أو الطمأنينة فيه ) حتى رفع الرأس ( أو رفع الرأس منه ، أو الطمأنينة في الرفع )
بلا خلاف أجده
إلاّ من الشيخ ; في الطمأنينتين
فقال بركنيتهما مدّعيا عليها الإجماع . وهو شاذ ، ولعله لذا نفى عن خلافه الخلاف هنا جماعة معربين عن دعوى
الإجماع ؛ وهو الحجة.
مضافا إلى الخبر :
عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا ، قال : « تمّت صلاته » ونحوه آخر سيذكر.
وهما دالاّن على
الحكم في الذكر ، ففي طمأنينته أولى ، ولا قائل بالفرق بينه وبين الطمأنينة الأخرى
، وكذا الرفع أيضا.
وضعف السند مجبور
بالعمل ؛ مضافا إلى التأيّد بالصحيح : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ،
والوقت ، والقبلة ، الركوع ، والسجود » .
(
والذكر في السجود ، أو السجود على ) أحد
( الأعضاء السبعة ) ما عدا الجبهة ، فإنّ نسيانها في السجدتين معا يوجب فوات الركن المبطل ، وفي
الواحدة يقتضي فواتها الموجب لإلحاقه بالقسم الثالث.
وإنما لم يستثنها الماتن لدلالة السياق عليه ، بناء على أنّ السجود لا يتحقق بدون
وضعها وإن وضعت باقي الأعضاء ، وعليه فيدخل عدم وضعها في كلية ترك السجدة التي
سيتعرض لها في القسم الثالث.
(
أو الطمأنينة فيه ) أي في السجود
( أو ) إكمال ( رفع الرأس منه ، أو
الطمأنينة في الرفع من الأولى ، أو الطمأنينة في الجلوس للتشهد ) بلا خلاف في شيء من ذلك.
__________________
للخبر : عن رجل
نسي تسبيحه في ركوعه وسجوده ، قال : « لا بأس بذلك » .
والتقريب ما مرّ
حتى في التأيّد بالصحيح والجواب عن ضعف السند.
(
الثاني : من ذكر أنه لم يقرأ الحمد وهو ) أخذ
( في السورة ) أو تممها ولم يركع
( قرأ الحمد وأعادها ) أي تلك السورة
( أو غيرها ) من السور وجوبا إن قلنا بوجوبها ، وإلاّ فاستحبابا ؛ بلا خلاف يظهر ، بل
بالإجماع صرّح بعض من تأخر .
وللخبرين أحدهما
الموثق : عن الرجل يقوم فينسى فاتحة الكتاب ، قال : « فليقل : أستعيذ بالله من
الشيطان الرجيم إنّ الله هو السميع العليم ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع » .
وإنما يجب إعادة السورة محافظة على الترتيب بينها وبين الفاتحة ، الواجب اتفاقا
فتوى ورواية.
(
ومن ذكر قبل السجود أنه لم يركع قام ) منتصبا مطلقا ، وقيل : إن نسيه حال القيام ، وإلاّ فمنحنيا
إلى حدّ الراكع إن نسيه بعد الوصول إليه ، وفيه نظر ( فركع ) بلا خلاف ، بل بالإجماع صرّح جمع ؛ لإطلاق الأمر
وبقاء المحل ؛ مضافا إلى فحوى ما دلّ عليه في صورة الشك.
وفي الصحيح : «
إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا
__________________
فاقض الذي فاتك » وحمل على صورة
التذكر قبل فوات المحل بقرينة الإجماع على عدم قضاء الأركان بعده مطلقا.
(
وكذا من ترك السجود أو التشهد وذكر ) ذلك
( قبل ركوعه قعد فتداركه ) بلا خلاف في التشهد والسجدة الواحدة ، بل بالإجماع فيهما صرّح جماعة ؛ وهو الحجة.
مضافا إلى الصحاح
المستفيضة ، منها : عن رجل نسي أن يسجد واحدة فذكرها وهو قائم ، قال : « يسجدها
إذا ذكرها ولم يركع ، وإن كان قد ركع فليمض على صلاته ، فإذا انصرف قضاها وحدها
وليس عليه سهو » .
ومنها : عن الرجل يصلّي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما ، فقال : « إذا ذكر وهو
قائم في الثالثة فليجلس ، وإن لم يذكر حتى ركع فليتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتين وهو
جالس قبل أن يتكلم » .
وأما نسيان
السجدتين فكذلك أيضا على الأظهر الأشهر كما صرّح به جمع ، بل عليه عامة
من تأخر كما صرّح به بعض ؛ لبقاء المحل بدلالة تدارك السجدة الواحدة ؛ مضافا إلى
أصالة بقاء الصحة المؤيدة ـ زيادة على الشهرة العظيمة ـ بالصحيحة السابقة المتضمنة
لأنه لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة.
__________________
وقيل : وبالصحيحة
المتضمنة لتدارك الركوع بعد السجدتين ، فإنه إذا جاز تداركه مع تخلل السجدتين اللتين هما ركن في
الصلاة جاز تدارك السجود مع تخلل القيام خاصة بطريق أولى .
وهو حسن إن قلنا
بحكم الأصل ، وإلاّ ـ كما هو الأقوى وقد مضى ـ فلا.
خلافا لجماعة من
القدماء فأبطلوا الصلاة بنسيانهما مطلقا ، ولم نعرف لهم مستندا.
وعلى المختار لو
عاد إليهما لم يجب الجلوس قبلهما. أما لو كان المنسي إحداهما فإن كان قد جلس عقيب
السجدة الأولى واطمأنّ ( سواء كان ) بنية الجلوس الواجب للفصل أو لا بنيته ، لم يجب الجلوس
قبلها أيضا ، لحصوله من قبل ، وإن لم يكن جلس كذلك أو لم يطمئن وجب ، لأنه من
أفعال الصلاة ولم يأت به مع إمكان تداركه.
خلافا للمحكي عن
المبسوط فجوّز تركه ؛ لتحقق الفصل بين السجدتين بالقيام .
ويضعف بأن الواجب
هو الجلوس على الوجه المخصوص الغير الحاصل لا مطلق الفصل.
ولو شك هل جلس أم
لا بنى على الأصل وجلس وإن كان حالة الشك قد انتقل عن المحل ؛ لأنه بالعود إلى
السجدة مع استمرار الشك يصير في
__________________
المحل.
ومتى تدارك المنسي
قام وأتى بالأذكار الواجبة بعده ، ولا يعتدّ بما أتى به قبله ؛ لوقوعه في غير
محلّه ، فيكون كالعدم ، ولا يضر زيادته ، لعدم كونه ركنا.
واعلم : أنّه لم
يتعرض الماتن لحكم نسيان السجود في الركعة الأخيرة والتشهد الأخير. والأجود تدارك
الجميع مع الذكر قبل التسليم وإن قلنا باستحبابه ؛ لإطلاق الأمر بفعلهما وبقاء
محلّهما ، كذا قيل ، وفيه نظر. نعم ، هو على القول بوجوب التسليم ودخوله في
الصلاة كما هو المختار حسن.
وينبغي إعادة
التشهد بعد تدارك السجدة المنسية مراعاة للترتيب ، وبه صرّح في الذكرى .
ولو لم يذكر إلاّ
بعد التسليم فإن كان المنسي التشهد قضاه بعده ؛ لعدم الفرق بينه وبين التشهد الأول
الذي حكمه ذلك ـ كما يأتي ـ عند الجماعة فيما أجده ، وبه صرّح جماعة ومنهم الشهيد
في الذكرى .
ولإطلاق الصحيح بل
ظاهره كما قيل : في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف من
صلاته ، فقال : « إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهّد ، وإلاّ طلب مكانا نظيفا
فتشهّد فيه » .
ويعضده إطلاق غيره من الأخبار ، منها الصحيح على الظاهر : في رجل نسي ركعة أو سجدة
أو الشيء منها ثمَّ يذكر بعد ذلك ، قال : « يقضي ذلك
__________________
بعينه » ، قلت : أيعيد
الصلاة؟ قال : « لا » ونحوه آخر .
وإطلاقها كالصحيح
يقتضي عدم الفرق بين ما لو تخلّل الحدث بينه وبين الصلاة أم لا ، وبه صرّح جماعة .
خلافا للحلّي في
الأول فيعيد الصلاة ؛ لأنه أحدث فيها ، لوقوع التسليم في غير محلّه .
وهو حسن على أصله من استحباب التسليم وانحصار المخرج عن الصلاة في التشهد ولم يقع
، فيكون قد أحدث قبل خروجه منها ، فتبطل صلاته.
ولا يتوجه ذلك على
المختار فيه من وجوبه ؛ لوقوعه مقصودا به الخروج من الصلاة فيكون كافيا ، والتشهد
ليس بركن حتى يكون نسيانه قادحا في صحة الصلاة ؛ مضافا إلى إطلاق ما مرّ من
الأخبار ، ولذا قال بالمختار هنا من لا يوافقنا في التسليم ويقول باستحبابه كما عليه الحلّي ، فتأمل.
وإن كان السجدة
الواحدة قضاها خاصة على الأقوى ، وفاقا للذكرى ، أو مع التشهد مرتبا بينهما على احتمال ضعيف ذكر فيها ؛
لإطلاق الخبرين
__________________
المتقدمين ونحوهما
، والصحيح : « إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك
سهوا » .
وشموله الأركان
وغيرها ممّا لا يجب قضاؤه مع خروجها بالإجماع وغيره غير قادح ؛ إذ غايته كونه
مقيدا للإطلاق ، وهو لا يوجب خروج الباقي عن الحجية ، فتأمل.
هذا مع أني لم أجد في الحكم خلافا ، وبه صرّح بعض الأصحاب أيضا .
وإن كان السجدتين
بطل الصلاة ؛ لفوات الركن ، مع عدم التدارك ، للخروج من الصلاة بالتسليم.
واعلم أن ذكر حكم
السهو عن الركن هنا استطرادي وإلا فلا يرتبط بمفروض العبادة ( ومن ذكر أنه لم
يصلّ على النبي وآله : ) في التشهد
( بعد أن سلّم قضاهما ) على المشهور على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر .
خلافا للحلّي فردّ
شرعية القضاء ؛ لعدم النص .
وردّ بأن التشهد
يقضى بالنص فكذا أبعاضه ؛ تسوية بين الجزء والكل .
ومنع التسوية
جماعة ، معللين بأن الصلاة تقضى ولا يقتضي جميع أجزائها ، وكذا مجموع السجدة
الواحدة وواجباتها من الذكر والطمأنينة تقضى ولا تقضى واجباتها منفردة.
ويمكن أن يقال :
إنّ الأصل يقتضي التسوية ؛ فإنّ فوات الجزء يستلزم
__________________
فوات الكل الموجب
للقضاء بالنص ؛ مضافا إلى أن الإخلال بالجزء يستلزم الإخلال بالأمور به على وجهه ،
فيبقى إطلاق الأمر به بحاله ، وفوات المحل لا يقتضي الصحة ، بل مقتضاه الفساد كما
في كل جزء ، وثبوت الصحة في موارد من دون تدارك لا يستلزم ثبوتها في غيرها كذلك
إلاّ بدليل ، وليس هنا إلاّ الإجماع ، ولا يستفاد منه سوى الصحة بمعنى الخروج عن
شغل الذمة مع التدارك خاصة ، وأمّا من دونه فلا ، فقاعدة وجوب تحصيل البراءة
اليقينية تقتضي لزوم التدارك كما ذكره الجماعة.
هذا مضافا إلى
إطلاق الأخبار المتقدمة بقضاء ما أخلّ به في الصلاة من سجدة أو ركعة أو نحوها من
الأجزاء المنسية. وخروج كثير من الأفراد منها غير قادح كما عرفته ولو كان الخارج
أكثر ؛ لأن منعه عن حجية الباقي يختص بالعموم اللغوي دون الإطلاقي ، لاختصاص وجه
المنع به دونه ، للاتفاق على قبوله التقييد إلى واحد.
هذا إن ذكرها بعد
التسليم ، ولو ذكرها قبله وكانت من التشهد الأخير أتى بها قبله ثمَّ به.
وإن كانت من التشهد الأول وذكرها بعد الركوع فكما لو ذكرها بعد التسليم بلا خلاف
كما في المنتهى ، قال : وهل يجب سجود السهو؟ فيه تردّد أقربه الوجوب.
وإن ذكرها قبل
الركوع قال فيه : فالوجه وجوب العود والجلوس للصلاة ، وهل تجب إعادة التشهد؟ الوجه
: لا . انتهى. وهو حسن.
واعلم : أنّ عدم
وجوب سجدتي السهو في هذه المسائل ـ كما يقتضيه درجها في هذا القسم ـ ليس متفقا
عليه ؛ لوقوع الخلاف فيه كما يأتي.
__________________
(
الثالث : من ذكر بعد الركوع أنه لم يتشهد أو ترك سجدة قضى ذلك بعد التسليم وسجد ) سجدتين ( للسهو ) على الأظهر الأشهر ، بل على وجوب قضاء التشهد ولزوم الإتيان
بسجدتي السهو له بعده الإجماع في الخلاف ؛ وهو الحجّة فيهما ؛ مضافا إلى الصحاح الصحاح المستفيضة
وغيرها في الثاني وفي وجوب قضاء السجدة المنسية أيضا ، وقد تقدّم إلى جملة منها
الإشارة.
وفيها الحجّة على
من أفسد الصلاة بترك السجدة مطلقا كما عن العماني ؛ للخبر .
أو إذا كانت من الركعتين الأوليين خاصة كما عن المفيد والتهذيب ؛ للصحيح .
وعلى من أوجب قضاء
السجدة قبل التسليم بعد ركوع الثانية إذا كانت من الأولى ، وإذا كانت من الثانية
فبعد ركوع الثالثة ، وإذا كانت منها فبعد الرابعة ، وإذا كانت منها فبعد التسليم ،
كما عن والد الصدوق ؛ للرضوي .
وقريب منه عن
المفيد في العزّية والإسكافي .
وعلى من لم يوجب
سجدتي السهو للتشهد كما عن العماني والشيخ في
__________________
جملة من كتبه ؛ للخبر .
لضعف هذه الأخبار
عن المقاومة لتلك من وجوه عديدة ، مع ضعف ما عدا الصحيح منها أو قصوره سندا ،
وضعفه دلالة بل الأخير أيضا كما لا يخفى على من راجعهما ، لتضمن الأول ما يدل على
وروده في صورة الشك لا السهو فلا ينطبق على المدّعى ، وكذا الخبر ، لتضمنه لفظ
الرجوع الظاهر في تدارك التشهد قبل الركوع.
هذا ، ويعارض
الصحيح خصوص بعض النصوص : عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك
فيها ، فقال : « إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلاّ مرّة واحدة فإذا سلمت سجدت
سجدة واحدة وتضع وجهك مرة واحدة وليس عليك سهو » ونحوه آخر ، فتأمّل.
وأما الصحيح : «
إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلّم » .
فليس فيه دلالة
على ما ذهب إليه والد الصدوق ومتابعاه كما زعم في المختلف ، بل هو على
القول بوجوب التسليم ودخوله في الصلاة ـ كما هو
__________________
المختار ـ شاذّ
مطروح ، أو محمول على كون المراد من التسليم فيه التسليم المستحب بعد الواجب وهو :
السلام عليكم ، وإطلاقه عليه شائع في الأخبار.
وأما على القول
باستحبابه فليس فيه منافاة لأخبار المسألة ، وبه صرّح جماعة كصاحبي المدارك
والذخيرة .
ويدل على قضاء
التشهد ـ مضافا إلى ما مرّ ـ ما مرّ من عموم الأخبار بقضاء ما أخلّ به في الصلاة ،
وخصوص الصحيح الوارد فيه مطلقا ، والخبر في التشهد الأول : « إذا قمت في الركعتين
الأوليين ولم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد ، وإن لم تذكر حتى تركع فامض
في صلاتك كما أنت ، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثمَّ تشهد التشهد
الذي فاتك » .
والقدح في الأوّل
بما مرّ ، ضعفه قد ظهر.
وفي الصحيح بظهوره
في التشهد الأخير ، وجهه غير معلوم بعد إطلاقه بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال ،
مع عدم ظهور قائل بهذا التفصيل كما قيل .
وفي الأخير بضعف
السند ، بل الدلالة ، لاحتمال التشهد فيه التشهد الذي في سجدتي السهو كما يشعر به
العطف بثمّ ، ويفهم من أخبار اُخر ومنها
__________________
الموثقان والرضوي .
ضعيف ، لانجبار
الضعف بموافقة الأكثر.
وضعف الإشعار ،
سيّما مع معارضته بتقييد التشهد بالذي فات ، والتشهد في سجدتي السجود خفيف ـ كما
يأتي ـ وهو خلاف التشهد المنسي.
وظهور الموثقين
غير واضح.
والرضوي لما
قدّمناه غير مقاوم ، فترجيحه ـ سيّما مع اشتهار خلافه واعتضاده بالاحتياط اللازم
المراعاة ـ مشكل وإن اعتضد بظواهر الصحاح الواردة بسجدتي السهو من دون بيان لقضاء
التشهد فيها ولا إشارة ؛ فإنّ الظاهر لا يعارض النص ، ولا سيّما الإجماع المنقول ،
مع ندرة القول بالرضوي ، إذ لم يحك إلاّ عن الصدوقين والمفيد في بعض فتاويه ، مع
أنه وافق في المقنعة المشهور ، فانحصر المخالف في الأولين وهما نادران ، فتأمل.
وعلى وجوب سجدتي
السهو : الإجماع المحكي في الخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة ؛ مضافا إلى عموم
بعض المعتبرة : « تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان » .
__________________
لكنه ـ مع قصور
سنده بل ضعفه بالجهالة ـ معارض بظواهر الصحاح الواردة في مقام البيان الآمرة بقضاء
السجدة خاصة من دون بيان لسجدتي السهو ولا إشارة ؛ مضافا إلى
تصريح جملة من النصوص بنفيهما فيها ، وفيها الصحيح وغيره ، وقد تقدّما .
فانحصر الدليل في الإجماع. وفي التمسك به في مقابلة هذه النصوص إشكال ، سيّما مع
احتمال وهنه بنقل الماتن في المعتبر الخلاف في ذلك عن رؤساء الأصحاب كالصدوقين
والمفيد في الرسالة والعماني ، ومال إليه جماعة من متأخري المتأخرين ، ولا يخلو عن
قوة ، ولكن العمل على المشهور.
(
وأما الشك : ) اعلم أنّ ( من شك
في عدد ) ركعات الفريضة ( الثنائية ) كالصبح والجمعة والعيدين والكسوف ( أو الثلاثية ) كالمغرب
( أعاد ) الصلاة.
(
وكذا ) يعيدها ( من لم يدر كم صلّى
) ركعة أم ركعتين أم
ثلاثا أم أربعا وهكذا
( أو لم يحصّل الأوليين من الرباعيّة ) ولم يتيقنهما بأن شك فيما فيه أنه الثانية أم الأولى ؛
إجماعا ممّن عدا الصدوق مطلقا كما في المنتهى ، وكذا في الذكرى لكن في الصورة الأخيرة خاصة ، وبالإجماع
مطلقا من غير استثناء صرّح جماعة من القدماء كالشيخ والحلّي والمرتضى 4.
__________________
وهم كالفاضل في
المنتهى وإن لم يصرّحوا به في الصورة الثالثة ، لكن تصريحهم به في الأخيرة يستلزمه
فيها ؛ لدخولها في الأخيرة.
وعدم استثناء
الصدوق هو الأقوى وإن اشتهر الاستثناء بين أصحابنا ؛ لما بيّنته في الشرح مستوفى ،
ومن جملته أنه وافق الأصحاب فيما وصل إلينا من كتبه كالفقيه والمقنع والأمالي مدّعيا في الأخير
كونه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه وعلى فساد
ما نسبوا إليه من التخيير بينه وبين البناء على الأقل.
وعلى تقدير تسليم
مخالفته فلا ريب في شذوذه ، كبعض ما يحكى عن والده في بعض الصور ، مع معلومية
نسبهما ، فلا يقدح في الإجماع خروجهما ؛ وهو الأصل في المسألة.
مضافا إلى الصحاح
المستفيضة وغيرها من المعتبرة في كل من الصور الثلاث المزبورة ، مع سلامتها عن
المعارض بالكلية ، عدا أخبار نادرة دالّة على البناء على الأقل ـ لا التخيير
بينه وبين الإعادة ـ وهو ليس مذهب أحد حتى الصدوقين.
وتنزيلها على
التخيير جمعا بين النصوص ـ كما قيل في تقوية الصدوق ـ فرع التكافؤ المفقود هنا ؛ لرجحان أخبار
المشهور بمرجحات شتّى كالاستفاضة والموافقة لطريقة الخاصة والمخالفة للعامة ،
بخلاف تلك ، فإنها في طرف الضد من المرجحات المزبورة.
__________________
وأقرب الأجوبة
عنها الحمل على التقية كما صرّح به جماعة ، وأماراته في جملة منها وغيرها لائحة ؛ مع أنّ ما ذكرنا
مجمع على جوازه ، فيجب أن يكون العمل عليه ، تحصيلا للبراءة اليقينية في نحو
المسألة من العبادات التوقيفية.
وبالجملة : فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.
واعلم : أنه لا
فرق في إطلاق النص والفتوى بالإعادة بالشك في الصورة الأولى والثانية بين تعلقه
بالنقيصة أو الزيادة ، وبها صرّح بعض الروايات في المغرب : « إذا لم تحفظ ما بين
الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك » .
خلاف للمقنع فيها إذا تعلق
بالزيادة فيضيف ركعة أخرى. وهو مع عدم وضوح مستنده نادر كما في الذكرى ، مشعرا بدعوى
الإجماع عليه كما هو الظاهر.
والشك المبطل
للكسوف إنما هو إذا تعلّق بعدد ركعاتها. أما إذا تعلّق بالركوعات فإنه يجب البناء
على الأقل ؛ لأصالة عدم فعله ، مع وقوع الشك في محلّه ، إلاّ أن يستلزم الشك في
الركعات ، كما لو شك بين الخامس والسادس وعلم أنه لو كان في الخامس فهو في الأولى
، أو في السادس ففي الثانية فتبطل ؛ لتعلقه بعدد الثنائية.
واحترزنا بالفريضة
عن النافلة ، لأن الشك فيها لا يبطلها ، كما ستأتي إليه الإشارة.
(
ولو شك في فعل ) من أفعالها ( فإن كان
في موضعه ) كما لو شك في
__________________
النية قبل
التكبيرة ، وفيها قبل القراءة ، وفيها قبل الركوع ، وفيه قبل السجود أو الهوي إليه
على الاختلاف فيه ، وهكذا
( أتى به وأتم ) الصلاة بلا خلاف فيه في الجملة ؛ لأصالة عدم فعله ، وبقاء محل استدراكه.
وللصحاح المستفيضة
وغيرها من المعتبرة ، وهي ، وإن اختصت بالشاك في الركوع وهو قائم ، وفي السجود
ولم يستو جالسا أو قائما ، إلاّ أنه لا قائل بالفرق على الظاهر ، المصرّح به في
كلام بعض ، فلا ضير.
مضافا إلى عموم مفهوم بعض الصحاح بل جملة منها ـ كما يأتي ـ بلزوم التدارك للشيء
قبل فوات محله ، وبه يقيد إطلاق جملة من هذه الصحاح ، منها : عن رجل سها فلم يدر
سجد سجدة أم اثنتين ، قال : « يسجد اخرى » ومنها : في الرجل لا يدري ركع أم لم يركع ، قال : « يركع »
.
وأما الموثق
كالصحيح : استتمّ قائما فلا أدري ركعت أم لا ، قال : « بلى قد ركعت فامض في صلاتك
فإنما ذلك من الشيطان » فمع قصور سنده شاذّ محمول على محامل أقربها الحمل على كثير
الشك أو الظان لفعل الركوع كما يفهمان من السياق.
(
ولو ذكر ) بعد الإتيان
بالمشكوك فيه ( أنه كان
قد فعله استأنف صلاته إن كان ركنا ) لأن زيادته مبطلة كما مضى.
__________________
( وقيل في الركوع إذا ذكر ) بعد الإتيان به حال الشك أنه فعله ( وهو راكع ) أي ذكر ذلك وهو في حالة ركوعه قبل أن يقوم عنه ( أرسل نفسه ) إلى السجود ولا يرفع رأسه فتفسد صلاته إجماعا كما لو ذكره
بعد رفعه ، والقائل جماعة من أعيان القدماء كالكليني والشيخ والحلّي والحلبي
والمرتضى وقوّاه جماعة من المتأخرين ومنهم : الشهيد ; في الدروس والذكرى ؛ ولعلّ لهم عليه رواية وإلاّ فما اعتذر لهم جماعة من الأمور
الاعتبارية لا يفيدنا حجة كما بيّنته في الشرح ، من أراد التحقيق فليطلبه ثمة .
واختلف هؤلاء في
تعميم الحكم لجميع الركوعات من جميع الصلوات كمن عدا الشيخ ( ومنهم من خصّه بـ
) الركوع من ( الأخيرتين ) في الرباعية كهو في النهاية ، بناء منه على
ما قدّمناه عنه من أن كل سهو يلحق بالركعتين الأوليين يبطل الصلاة ، سواء كان في
أعدادها أو أفعالها ، أركانا كانت أم غيرها ، فوجه التخصيص عنده إنما هو نفس الشك
في الركوع في الأوليين حتى لو حصل من دون أخذ في الركوع ثانيا لبطلت الصلاة أيضا ،
لا زيادته فيهما بالخصوص كما ربما يتوهم من ظاهر العبارة.
ويتوجه عليه ـ مضافا
إلى ما سبق ـ عدم دليل على صحة المبني عليه ، عدا النصوص الدالة على أنّ من شك في
الأوليين ولم يحفظهما أعاد
__________________
الصلاة .
وهي وإن كانت
صحاحا ومستفيضة معتضدة بغيرها من المعتبرة لكنها قاصرة الدلالة ، لاحتمال اختصاصها
بصورة تعلق الشك بالعدد لا غيره.
مع أنّها معارضة
بعموم الصحاح المستفيضة المتقدمة بصحة الصلاة مع تدارك المشكوك في محلّه.
ونحوها عموم
الصحاح الآتية بها بعد التجاوز عنه ، بل خصوص بعضها المصرّح بها في صورة الشك في
التكبير وقد قرأ ، أو في القراءة وقد ركع.
المؤيد بما مر من
الخبرين في عدم فساد الصلاة بالسهو عن السجدة الواحدة ولو من الركعتين الأوليين ، ولا قائل
بالفرق ، مع ظهور ذيل أحدهما في الشك ، مع أن ثبوت هذا الحكم في السهو ملازم
لثبوته في الشك بطريق أولى ، فتأمل.
وبموجب ذلك يترجح
صحاح المسألة على عموم تلك فتقيد بها بلا شبهة ، سيّما مع اعتضادها بالأصل والشهرة
العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا ، بل إجماعا ، بل إجماع في الحقيقة.
ولا يمكن العكس
فتقيّد هذه بتلك بتوهم رجحانها على صحاح المسألة بخصوص الصحيحة الماضية فيمن ترك
سجدة من الركعة الاولى أن صلاته فاسدة ، ومع أنه لا قائل بالفرق كما سبق إليه الإشارة ، مع
ظهورها في الشك كما هو مورد المسألة.
وذلك لقصورها عن
المقاومة للأخبار الخاصة المتقدمة سيّما الصحيحة منها ؛ لتعدّدها واشتهارها
بالشهرة التي عرفتها.
__________________
( و ) بما ذكرناه هنا وسابقا ظهر أن ( الأشبه ) في عنوان المسألة ، وهو حكم زيادة الركوع في الصلاة بعد
الشك فيه ( البطلان
) مطلقا ( ولو لم يرفع رأسه )
منه وكان من
الركعتين الأخيرتين.
ويفهم من العبارة
عدم البطلان في غير الركن مطلقا ، سجدة كان أم غيرها ، وهو الأشهر الأقوى.
خلافا للعماني والحلبي والمرتضى 4 فيها فأبطلوا
الصلاة بزيادتها. وهو حسن لو لا المعتبرة المصرّحة بعدم البطلان بزيادتها بالخصوص
كالصحيح : عن رجل صلّى فذكر أنه زاد سجدة ، فقال : « لا يعيد الصلاة من سجدة
ويعيدها من ركعة » ونحوه الموثق .
(
ولو كان ) شكه في شيء من
الأفعال ( بعد
انتقاله ) عن موضعه ودخوله
في غيره ( مضى في
صلاته ، ركنا كان ) المشكوك فيه ( أو غيره
) إجماعا إذا لم يكن
من الركعتين الأوليين ، وكذلك إذا كان منهما على الأشهر الأقوى كما مضى.
للصحاح المستفيضة
وغيرها ، ففي الصحيح : رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : « يمضي » ،
قلت : رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبّر ، قال : « يمضي » ، قلت : رجل شك في
التكبير وقد قرأ ، قال : « يمضي » ، قلت : رجل شك في القراءة وقد ركع ، قال : «
يمضي » ، قلت : رجل شك في الركوع وقد سجد ، قال : « يمضي » ، ثمَّ قال : « إذا
خرجت من شيء ثمَّ دخلت
__________________
في غيره فشكك ليس
بشيء » .
وفي صريحه كإطلاق
البواقي بل عمومها حجة على الشيخ كما مرّ. وعلى الفاضل في التذكرة حيث وافقه إذا
تعلق الشك بالركن دون غيره . وهو ـ مع عدم وضوح مستنده عدا أمر اعتباري ـ ضعيف.
واعلم : أنّ
المتبادر من « غيره » الذي حكم في الصحيح المتقدم ونحوه بالمضيّ بعد الدخول فيه :
ما كان من أفعال الصلاة المفردة بالترتيب في كتب الفقهاء من النية والتكبير
والقراءة ونحو ذلك من الأمور المعدودة فيها أيضا ، لا ما كان من مقدمات تلك
الأفعال كالهويّ للسجود والنهوض للقيام ونحوهما ، فيعود للركوع في الأول وللسجود
في الثاني ، وفاقا للشهيدين وغيرهما ؛ لذلك.
مضافا إلى مفهوم الصحيح فيهما : « وإن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شك في
السجود بعد ما قام فليمض ، كل شيء شك فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه
» .
وخصوص الموثق
كالصحيح في الثاني : « رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل أن يستوي جالسا فلم يدر
أسجد أم لم يسجد ، قال : « يسجد » ، قلت : فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي
قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد ، قال : « يسجد » .
__________________
خلافا لبعض
المتأخرين في الأول فكما لو دخل في السجود فلا يعود للركوع ؛ للموثق الآخر
كالصحيح : رجل أهوى إلى السجود فلا يدري أركع أم لم يركع ، قال : « قد ركع » .
وهو محمول على
حصول الشك في السجود ، وليس فيه ما ينافيه بصريحه ولا بظاهره ، لأنّ غايته إفادة
وقوع الشك بعد الهوي إلى السجود ، وهو أعم من وقوعه قبل الوصول إليه وبعده لو لم
ندّع الأخير وظهوره ، نعم لو كان بدل « إلى السجود » : « للسجود » أمكن دعوى الأول
وظهوره.
ولو سلّم فهو
معارض بما مرّ سيّما الصحيح في الثاني ، فإنه بحسب الدلالة أظهر ، ومورده وإن
اختلف مع مورد الأول إلاّ أنهما من باب واحد ، لاشتراكهما في كونهما من مقدمات
أفعال الصلاة ، فإن عمّمنا الغير لها دخلا وإلاّ خرجا. فالتفصيل بينهما وتخصيص كل
منهما بحكمه لا يجتمع مع إطلاق النص والفتوى بل عمومهما بأنه متى شك وقد دخل في
غيره فلا يلتفت وإلاّ فإنه يرجع ، لظهورهما في أن مناط الرجوع وعدمه إنما هو
الدخول في ذلك الغير وعدمه ، والغير إمّا الأفعال خاصة أو ما يعمها ومقدّماتها ،
وعلى أيّ تقدير فلا وجه للتفصيل بين الموردين والعمل في كل منهما بما ورد في
الصحيحين وإن اختاره بعض المتأخرين المتقدم .
فلا بدّ من الجمع
بينهما بما يدفع تنافيهما ، وهو ما ذكرنا من حمل ثانيهما على صورة وقوع الشك في
حال السجود. ويحتمل الحمل على وقوعه كثيرا ،
__________________
ولكن الأول أولى
إن لم يكن منه ظاهرا كما ذكرنا.
ثمَّ إنّ إطلاق «
غيره » يعمّ جميع أفعال الصلاة بل وأجزائها ، فلو شك في السجود وهو يتشهد ، أو فيه
وقد قام فلا يلتفت ، وفاقا للأكثر.
خلافا للنهاية فيهما ، فيرجع ما لم يركع . وهو بعيد جدا ، بل ادّعى الإجماع على خلافه في السرائر
صريحا ، وحكاه عنه في سائر كتبه كالجمل والعقود والاقتصاد والمبسوط . ويردّه مع ذلك
الصحيح المتقدم : « إن شك في السجود بعد ما قام فليمض ».
وللذكرى ، فأوجب
الرجوع في الأول ؛ لعموم مفهوم هذا الصحيح ، ومنطوق الموثق بعده.
وفيه : أنّ
المتبادر منهما وقوع الشك في السجود الذي لا تشهّد بعده كما يقتضيه عطف الشك على
النهوض في الثاني بالفاء المقتضية للتعقيب بلا مهلة ، ويلزمه عدم تخلل التشهد ،
كذا قيل ، وفيه نظر.
والأولى إسناد
ظهور عدم تخلل التشهد إلى تبادره من النهوض من السجود ؛ إذ مع تخلله لا يقال ذلك ،
بل يقال : من التشهد ، فتأمل.
ولو شك في الحمد
وهو في السورة لم يلتفت ، وفاقا للحلّي والمفيد فيما حكاه عنه والماتن في ظاهر
المعتبر ، وهو خيرة كثير من أفاضل المتأخرين ؛
__________________
لظهور الغيرية
بينهما ، بل وبين أجزاء كل منهما ، فلو شك في بعضها ودخل في الأخرى قوي عدم
الالتفات أيضا.
خلافا لجماعة لحجة ضعيفة ، بل
واهية. ولكن الأحوط ما ذكروه ، سيّما في الشك في أجزاء القراءة ، لكن ربما يتردد
فيه لو كانت من الفاتحة وكان شكه فيها بعد الفراغ من السورة ، فإنّ الرجوع لتدارك
الأجزاء يستلزم إعادتهما مراعاة للترتيب الواجب إجماعا ، وفيها احتمال القران بين
السورتين المنهي عنه إذا قرأ غير السورة الاولى بل يحتمل مطلقا ، أو قراءة زيادة أكثر
من سورة للنهي عنها أيضا مطلقا ، فتأمل جدّا.
ثمَّ في شمول الغير لما استحبّ من أفعال الصلاة كالقنوت والتكبيرات ونحوهما وجهان ،
أجودهما ذلك ؛ للعموم المؤيد بذكر الأذان والإقامة وتعدادهما من الأفعال المشكوك
فيها المنتقل عنها إلى غيرها في الصحيح الأول الذي هو العمدة في هذا الأصل ،
فتأمل.
وقد ظهر ممّا مرّ
حكم الشك في الأفعال والأعداد من الفريضة مطلقا عدا أخيرتي الرباعية. وأما فيهما
فقد أشار إليه بقوله :
(
فإن حصّل الأوليين من الرباعية عددا ) وتيقنهما
( وشك ) بعد رفع الرأس من
السجدة الثانية ( في
الزائد ) عليهما هل أتى به
أم لا ( فإن غلب
) على ظنّه أحدهما
بمعنى رجحانه وصيرورته عنده مظنونا ( بنى على ظنّه ) فيجعل الواقع ما ظنّه من غير احتياط :
فإن غلب الأقل بنى
عليه وأكمل ، وإن غلب الأكثر من غير زيادة في عدد الصلاة كالأربع تشهّد وسلّم ،
وإن كان زيادة كما لو غلب على ظنّه الخمس
__________________
صار كأنه زاد ركعة
في آخر الصلاة فتبطل إن لم يكن جلس في الرابعة أو مطلقا ، وهكذا.
بلا خلاف هنا أجده
، بل بالإجماع صرّح جماعة ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، منها ـ زيادة على ما ستأتي
إليه الإشارة ـ الصحيح : « إن كنت لم تدر كم صلّيت ولم يقع ووهمك على شيء فأعد
الصلاة » .
والمراد بالوهم فيه وغيره الظن لا المعنى المعروف.
ويستفاد من إطلاق
مفهومه بل عمومه ـ كما قرّر في محلّه ـ جواز العمل بالظن في الأعداد مطلقا ، بل
الأفعال أيضا ؛ للفحوى.
ونحوه النبوي
العامي : « إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه » .
وعليه أكثر
علمائنا على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر ؛ بل قيل : إنّه إجماع
؛ وهو دليل آخر ، مضافا إلى ما مرّ ، وأنّ تحصيل اليقين عسر في كثير من
الأحوال فاكتفى بالظن تحصيلا ، لليسر ودفعا للحرج والعسر.
وفيه نظر ؛ إذ لا
عسر إلاّ مع الكثرة ، ومعها يرتفع حكم الشك.
وفي الإجماع وهن ؛
لظهور عبارة الناقل في أنّ منشأ نقله هو عدم
__________________
الخلاف ، مع أنه
ظاهر الحلّي ، بل الشيخين أيضا في المقنعة والنهاية والمبسوط والخلاف ، حيث ذكرا أن
الشك في عدد الصبح والمغرب وعدد الركعات بحيث لا يدري كم صلّى يوجب الإعادة ، من
غير تفصيل بين صورة الظن وغيرها ، ثمَّ ذكر أحكام الشك المتعلق بالأخيرة مفصّلين
بينهما ، وكذا الفاضل في المنتهى ، والماتن هنا.
ومنه يظهر ما في
نسبة الشهيد في الذكرى قول الأكثر إلى الأصحاب عدا الحلّي ، مشعرا بدعوى
الإجماع عليه.
والنبوي مع ضعف
سنده لا عموم فيه ، كمفهوم الصحيح الماضي عند جمع . لكنه ضعيف ،
كالقدح بالضعف في النبوي ، لانجباره سندا بالشهرة ، ودلالة بها أيضا ، وبما يرجع
به الإطلاق إلى العموم العرفي ممّا قرّر في محلّه.
لكنهما معارضان
بالنصوص الدالة على اعتبار اليقين فيما عدا الأخيرتين كالصحيح : « من شك في
الأوليين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين ، ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم » .
وهي بإطلاقها وإن
شملت الأعداد والأفعال إلاّ أنك عرفت ما يوجب تقييده بالأولى.
إلاّ أن يرجحا
عليها بالشهرة وما مرّ من الإجماع والاعتبار وإن لم يكونا حجة مستقلة ، لما مرّ.
مع إمكان الذبّ عمّا يتعلق منه بالإجماع بعدم وضوح
__________________
مخالفة هؤلاء :
أمّا الحلّي فلأن
بعض عباراته وإن أوهم ذلك إلاّ أنّه ذكر ما يخالفه ؛ ولذا لم ينسب إليه في المختلف
وغيره صريحا ، وفي غيرهما أصلا.
وأمّا من عداه
كالشيخين فلأن ما تقدم عنهما وإن اقتضى ذلك لكن تعبيرهما عن المبطل في نحو الصبح
بالشك ربما دلّ على انحصاره فيه ، وهو على ما يساعده العرف ما تساوى طرفاه ، وحكي
التصريح به عن الزمخشري ، وصرّح به في الأصول.
وربما يعضد
إرادتهما منه ذلك تعليل المبسوط الحكم في الأخيرتين عند غلبة الظن بما ينسحب في
الجميع .
وكذا الفاضل في
المنتهى ؛ لاستدلاله عليه بما مرّ من النبوي ، وهو كما مرّ عام ؛ مع
أنه أجاب عمّن أوجب اليقين فيهما أيضا مستدلا بالنبوي الآخر : « إذا شكّ أحدكم في
صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين » بأنه غير متناول لصورة النزاع ؛ إذ البحث في الظن بوقوع
أحد الطرفين ، والحديث يتناول الشك.
وهو كالصريح ، بل
صريح في أن الشك عنده حقيقة فيما ذكرنا. لكنه ذكر في مسألة الشك في الأوليين ما يعرب عن
إرادته منه ما هو حقيقة فيه عند
__________________
أهل اللغة ، وهو
ما قابل اليقين وشمل الظن ، كما صرّح به جماعة ، ويستفاد من كثير من أخبار تلك المسألة ؛ لتعبيرهم : عن الموضوع فيها
بإذا لم يدر ركعة صلّى أم ثنتين ، أو إذا لم يحفظهما ، ونحوهما ، وهي تشمل صورة
الظن أيضا.
وتعليل الشيخ ; في المبسوط بما يعمّ لا يستلزم تلك الإرادة فيما عداه ،
سيّما المقنعة ، بل ربما يحصل التردد في الاستلزام فيه أيضا ؛ إذ التعليل بالأعم
شائع سيّما في الشرعيات ، فتأمل جدّا.
وأمّا الحلّي فإنه
وان ذكر ما يومئ إلى موافقة الأصحاب لكن عبارته المستظهر منها المخالفة لهم أظهر دلالة عليها
من ذلك على الموافقة ، هذا.
وعبارة الماتن
ظاهرة فيها بلا شبهة ؛ لعدم ذكره نحو ما في المبسوط والمنتهى ، بل عبّر عن الشك في
الأوليين ب : لم يحصّلهما ، العام لما إذا ظنّ فيهما أم لا.
وعليه فيقوى
الخلاف في المسألة ولا ينبغي ترك الاحتياط فيها البتة بالبناء على الظن والإتمام
ثمَّ الإعادة مطلقا ولو حصل له فيها نحو الحالة الأولى.
خلافا لوالد
الصدوق فيبني على الظن هنا لا أوّلا ، كما في الرضوي : « وإن شككت في الركعة الاولى والثانية
فأعد صلاتك ، وإن شككت مرة أخرى فيهما وكان أكثر ووهمك إلى الثانية فابن عليها
واجعلها ثانية ، فإذا سلّمت صلّيت ركعتين من قعود بأمّ الكتاب ، وإن ذهب وهمك إلى
الأولى جعلتها الاولى
__________________
وتشهّدت في كل
ركعة ، فإن استيقنت بعد ما سلّمت أنّ التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية وزدت في
صلاتك ركعة لم يكن عليك شيء ، لأن التشهد حائل بين الرابعة والخامسة ، وإن اعتدل
وهمك فأنت بالخيار إن شئت صلّيت ركعتين من قيام وإلاّ ركعتين وأنت جالس » .
وهو شاذ ، ومع ذلك
موافق للمحكي في المنتهى عن أبي حنيفة .
ونحوه في الشذوذ
قوله الآخر في الشك بين الثنتين والثلاث أنه يبني على الثلاث إذا ظنها ويتم ويصلّي
صلاة الاحتياط ركعة قائما ويسجد سجدتي السهو .
وليس في الموثق في
الشك بين الثلاث والأربع : « إن رأى أنه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شيء سلّم
بينه وبين نفسه ، ثمَّ يصلّي ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب » دلالة عليه بوجه
وإن ظنّ ، مع شذوذه أيضا ، كالصحيح الوارد في مورده :
« وإن كان أكثر
وهمه إلى الأربع تشهّد وسلّم ، ثمَّ قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ، ثمَّ قرأ وسجد
سجدتين وتشهّد وسلّم » .
ونحوه آخر لكن من غير ذكر
لصلاة الاحتياط.
وبالجملة : هذه
النصوص ـ كالخبر الدال على وجوب سجدتي السهو
__________________
حيث يذهب وهمه إلى
التمام ـ لم أر عاملا بها ، مع مخالفتها لما ظاهرهم الاتفاق عليه ـ عدا من مرّ ـ من
أنّ مع العمل بالظن لا شيء عليه كما هو مقتضى جملة من النصوص الواردة في البناء ؛ لخلوها عن ذلك
كلّه مع ورودها في مقام البيان ، ويمكن حملها على الاستحباب.
واعلم : أنّ على
المشهور من جواز الاعتماد على الظن في أعداد الركعات حتى ما عدا الأخيرتين لا
إشكال في جواز الاعتماد عليه في الأفعال مطلقا أيضا ؛ لما قدّمناه من الفحوى.
وأما على غيره
فكذلك أيضا في الأفعال من الأخيرتين ، لذلك. وفيها من غيرهما إشكال إن حملنا الشك
فيها الوارد حكمه في النصوص على المعنى اللغوي الشامل للظنّ ، وربما يومئ إليه
سياقها من حيث تضمنها تفريع : لا يدري ، عليه.
وإن حملناه على
المعنى العرفي المتقدم المختص بتساوي الطرفين فلا إشكال أصلا. قيل : وظاهر الأصحاب
الإطباق على هذا .
ويمكن دفع الاشكال
بمنع إرادة المعنى الأول ؛ لما عرفت من جواز الاكتفاء بالظن في الركعتين الأخيرتين
مطلقا حتى أفعالهما المستلزم ذلك لظهور الشك في تلك النصوص في المعنى العرفي
بالنسبة إليهما ، فكذا بالنسبة إلى غيرهما ، لعدم جواز استعمال اللفظ الواحد في
الاستعمال الواحد في معنيين متخالفين ، فتأمل جدّا.
(
وإن تساوى الاحتمالان فصوره ) المشهورة الغالبة
( أربع : أن يشك بين الاثنين والثلاث ، أو بين الثلاث والأربع ، أو بين الاثنين
والأربع ، أو بين )
__________________
( الاثنين والثلاث والأربع ).
(
ففي ) القسم ( الأول ) من هذه الصور ( يبني على الأكثر ويتم ) الصلاة
( ثمَّ ) بعد الإتمام ( يحتاط بركعتين ) حال كونه فيهما ( جالسا ، أو بركعة قائما ).
أما وجوب البناء
على الأكثر هنا ـ بل في جميع الصور ـ فهو مذهب الأكثر ، بل عليه الإجماع في صريح
الانتصار والخلاف وظاهر السرائر وغيره ، وعن أمالي الصدوق أنه جعله من دين الإمامية الذي يجب
الإقرار به ؛ وهو الحجّة.
مضافا إلى الموثقة العامة لجميع الصور كالإجماعات المنقولة ، وفيها : « أجمع لك
السهو في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنك قد
نقصت » .
وقصور السند مجبور
بالعمل والموافقة للصحاح المستفيضة وغيرها في باقي الصور ، وخصوص الصحيح في هذه
الصورة ، وفيه : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا ، قال : « إن دخله الشك بعد
دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمَّ صلّى الأخرى ولا شيء عليه ويسلّم » .
والإنصاف عدم وضوح
دلالته بحيث يصلح للحجية وإن أمكن تصحيحها بنوع ممّا ذكرته في الشرح مشروحا ، لكنه
غير خال عن شوب المناقشة ،
__________________
ولا حاجة لنا إليه
بعد قيام الحجة ممّا قدّمنا إليه الإشارة ، مضافا إلى ما يحكى عن العماني من تواتر
الأخبار في المسألة .
وأما الصحيح : عن
رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا قال : « يعيد » ، قلت : أليس يقال : لا يعيد
الصلاة فقيه؟! فقال : « إنما ذلك في الثلاث والأربع » .
فشاذّ منقول على
خلافه الإجماع عن الفاضلين ، وإن حكي الفتوى بمضمونه عن المقنع والفقيه ، محمول على
محامل أقربها الحمل على وقوع الشك قبل إكمال السجدتين كما يفهم من الصحيحة الأولى
المفصّلة بين الصورتين كالأصحاب فيما نقله عنهم جماعة ، معلّلين بوجوب
المحافظة على ما سبق من اعتبار سلامة الأوليين.
ومقتضى الرواية
اعتبار رفع الرأس عن السجدة. خلافا لبعضهم ، فاكتفى بكمالها ولو لم يرفع الرأس
منها . وهو ضعيف. وأضعف منه الاكتفاء بالركوع كما حكي في المسألة قولا .
ولا يختص هذا
الحكم بما نحن فيه ، بل يجري في كل موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين ؛ لما مرّ .
__________________
وأمّا النصوص
المتضمنة للبناء على الأقل مطلقا فغير مكافئة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة وإن تضمنت
الصحيح والموثق وغير هما ، سيّما مع قوة احتمال ورودها مورد التقية كما صرّح به
جماعة ، مع عدم صراحتها في الدلالة :
فإنّ غاية ما
تضمنه الأوّلان هو البناء على اليقين ، وهو كما يحتمل البناء على الأقل كذا يحتمل
البناء على الأكثر ، بل لعلّ هذا أظهر كما يستفاد من الخبر المروي عن قرب الإسناد وفيه
: رجل صلّى ركعتين وشك في الثالثة ، قال : « يبني على اليقين ، فإذا فرغ تشهد وقام
وصلّى ركعة بفاتحة القرآن » فتدبر.
ووجه اليقين حينئذ
ما أشار إليه جمع ومنهم المرتضى ; في الانتصار حيث
قال في توجيه مذهب الأصحاب زيادة على الإجماع : ولأن الاحتياط أيضا فيه ؛ لأنه إذا
بنى على النقصان لم يأمن أن يكون قد صلّى على الحقيقة الأزيد ، فيكون ما أتى به
زيادة في صلاته.
ثمَّ قال : فإذا
قيل : وإذا بنى على الأكثر كان كما تقولون لا يأمن أن يكون إنما فعل الأقل فلا
ينفع ما فعله من الجبران ، لأنه منفصل من الصلاة وبعد التسليم. قلنا : ما ذهبنا
إليه أحوط على كل حال ؛ لأن الإشفاق من الزيادة في الصلاة لا يجري مجرى الإشفاق من
تقديم السلام في غير موضعه .
وقريب منه كلام
الفاضلين في المعتبر والمنتهى ، وكلاهما ـ كغيرهما ـ
__________________
كالصريح بل صريح
في أنّ البناء على اليقين إنما يحصل بالبناء على الأكثر لا الأقل.
ومن هنا ينقدح
فساد نسبة جماعة القول بالبناء على الأقل إلى المرتضى ; في الناصرية ، لقوله فيها : إنّ من شك في الأخيرتين يبني
على اليقين ، قائلا : إنّ هذا مذهبنا ، وهو الصحيح عندنا ، وباقي الفقهاء يخالفون
في ذلك . وفي قوله « هذا » إشارة أخرى إلى ما ذكرنا أيضا كما لا
يخفى ، فتأمل.
وأما غيرهما فهو
وإن تضمّن لفظ البناء على النقص لكنه مطلق بالنسبة إلى وقت البناء ، فيحتمل كونه
بعد السلام والخروج عن الصلاة ، كما وجّه به الحلّي كلام المرتضى ، زعما منه كون
البناء في كلامه ; هو البناء على
الأقل ، قال في جملة كلام له : فقبل سلامه يبني على الأكثر ، لأجل التسليم ، وبعده
يبني على الأقل كأنه ما صلّى إلاّ ما تيقنه ، وما شك فيه يأتي به ليقطع على براءة
ذمته .
وبالجملة :
فمعارضة هذه النصوص لما قدّمنا غير معلومة ، وعلى تقديرها فهي لها غير مكافئة ،
لما عرفته. فلا وجه للقول بها ، كما لا وجه لنسبته إلى المرتضى ;.
وأضعف منهما حملها
على التخيير ، جمعا بينها وبين ما مضى ؛ لفقد التكافؤ أوّلا ، وعدم شاهد على الجمع
ثانيا ، مع ندرة القائل به ، إذ لم يحك إلاّ عن الصدوق وقد مرّ دعواه
الإجماع على البناء على الأكثر.
__________________
هذا حكم البناء.
وأما وجوب
الاحتياط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام مخيّرا بينهما فلم نقف فيه ( على رواية ) بالخصوص ، نعم وردت بذلك في الصورة الثانية ، وقد أجرى هذه
الصورة مجراها معظم الأصحاب كما في الذكرى ، بل عامتهم ، كما يستفاد من روض الجنان ، ونقلا عن
العماني تواتر الأخبار بذلك.
وبورود الرواية
بكل من الأمرين هنا صرّح الحلّي في السرائر بعد أن أفتى بهما مخيّرا بينهما ، وعليه الإجماع
في الانتصار والخلاف هنا وفي الصورة الثانية ، هو الأشهر الأقوى فيهما.
خلافا للمحكي عن
المفيد والقاضي فعيّنا الأخير مطلقا ؛ لظاهر البدلية في الموثقة وغيرها.
ويردّه ـ مضافا
إلى ما مرّ ـ خصوص ما سيأتي من النصوص بالأول أيضا في الصورة الثانية ، فكذا في
هذه الصورة ، لعدم القول بالفرق بينهما منهما ، بل ولا من أحد من الطائفة كا
عرفته.
وعكس العماني
والجعفي ، فعيّنا الأول مطلقا ، لظاهر الصحاح الآتية الآمرة به في
الثانية ، فكذا في هذه الصورة ، لما عرفته.
ويردّه ـ مضافا
إلى ما مرّ ـ خصوص ما سيأتي من المرسل المنجبر بالعمل
__________________
المصرّح بالتخيير
بين الأمرين ، هذا.
والقول الأول أحوط
هنا كالثاني فيما يأتي ، عملا في كل منهما بظواهر الأخبار ، ولو لا الإجماعات
المنقولة ، والروايات المرسلة المنجبرة بالشهرة ، وشبهة عدم القول بالفرق بين
الصورتين لكان الاحتياط بكل منهما متعينا ، لكن بعدها لا تأمل في التخيير ولا
شبهة.
(
و ) يفعل ( في الثاني ) منها (
كذلك ) فيبني على الأكثر
ويتم ثمَّ يحتاط بما مرّ ؛ لما مرّ ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة هنا ، وفيها
الصحاح وغيرها.
ففي الصحيح : «
إذا كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا ولم يذهب ووهمك إلى شيء فسلّم ثمَّ صلّ
ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب » الخبر .
وظاهره كغيره وإن
أفاد وجوب الجلوس في الاحتياط ، لكنه محمول على التخيير ، جمعا بينها وبين ما مرّ.
ومنه صريح المرسل : « إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء الله
صلّى ركعة وهو قائم وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » الخبر .
والضعف بالإرسال
وغيره منجبر بما مرّ.
وأما الصحيح الآمر
بالبناء على الأقل فيجاب عنه بما مرّ ، مع شذوذ
__________________
ظاهره ، إذ لم يحك
عن أحد ، بل قيل هنا : لا خلاف في جواز البناء على الأكثر . والجمع بينه
وبين ما مرّ بالتخيير ـ كما عن الصدوق والإسكافي ضعفه قد ظهر ممّا
سبق.
(
و ) كذلك يفعل ( في الثالث ) لكن يحتاط
( بركعتين من قيام ) حتما إجماعا كما في الانتصار والخلاف ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة .
والصحيحة الدالة
على الإعادة شاذة وإن نقل القول بها عن المقنع ؛ لندوره ، مع
نقل الإجماع عن الفاضلين على خلافه ، فلتطرح أو تحمل على الشك في نحو المغرب ، أو الرباعية مع
وقوعه قبل إكمال السجدتين.
ويستفاد من بعض الصحاح وجوب سجدتي السهو هنا ، مع أنّ في جملة منها بعد صلاة الاحتياط : « لا شيء عليه
» ولذا حمل على الاستحباب تارة ، وعلى ما إذا تكلّم ناسيا اخرى. وهو أولى ؛
لورود الصحيح باشتراطه فيهما . وأمّا جعله من جملة النصوص بالبناء على الأقل فبعيد كما
بيّنّاه في
__________________
الشرح مستوفى ،
وعلى تقديره يحمل على التقية كما قدّمناه في نظائره.
(
و ) كذلك يفعل ( في الرابع ) لكنه يحتاط فيه ( بركعتين من قيام ثمَّ بركعتين من جلوس ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع في الانتصار ؛ للمرسل المنجبر
بالعمل ، مع كونه في حكم الصحيح على الأشهر الصحيح : في رجل صلّى فلم يدر اثنتين
صلّى أم ثلاثا أم أربعا ، قال : « يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ، ثمَّ يصلّي
ركعتين من جلوس ويسلّم » .
خلافا للصدوقين والإسكافي ، فاكتفوا بركعة من قيام واثنتين من جلوس ؛ للصحيح .
وفي كل من سنده
ومتنه اضطراب بيّنت وجههما في الشرح. وممّا يتعلق بالمتن وجود نسخة بركعتين من
قيام ، بدل ركعة من قيام ، كما هو المشهور ، ويمكن ترجيحها بالموافقة للرواية
السابقة ، مضافا إلى الشهرة العظيمة ، إلاّ أنّ النسخة المشهورة ضبطا هي الاولى.
ويؤيدها الرضوي المصرّح بعينها
من غير نقل اختلاف فيها. لكنه كالصحيح قاصر عن مقاومة الرواية الأولى ؛ لشهرة
الفتوى بها ، سيّما من نحو الحلّي والمرتضى ـ رحمهما الله ـ اللذين لم يعملا إلاّ
بالمجمع عليه والمتواترات والآحاد المحفوفة بالقرائن قطعا.
__________________
وتقوية الشهيد في
الذكرى هذا القول من حيث الاعتبار منظور فيها كما بيّنته في الشرح
مستوفى.
ثمَّ إنّ وجوب
الوقوف على المنصوص يقتضي تعيّن الركعتين من جلوس بعد الركعتين من قيام كما هو
المشهور ، بل عزا
الأول في الذكرى
إلى الأصحاب ، فلا يجوز تبديلهما بركعة مطلقا ، لا حتما كما عن المفيد
في العزّية والديلمي ، ولا تخييرا بينهما كما عن الفاضل والشهيدين .
ولا تقديمهما على
الركعتين من قيام مطلقا ، لا حتما كما حكي قولا ، ولا تخييرا كما
عن المرتضى في الانتصار وأكثر الأصحاب .
وفي الحكاية عنهم
نظر ؛ إذ ليس في عبارة نحو الانتصار ما يوهم التخيير عدا عطف الركعتين من جلوس
عليهما من قيام بالواو ، المفيدة لمطلق الجمعية ، دون « ثمَّ » المفيدة للترتيب.
وفي الاكتفاء بمثل
ذلك في النسبة مناقشة ، سيّما مع عدم العلم بمذهبهم في الواو هل تفيد الترتيب أو
مطلق الجمعية ، مع كون مستندهم في الحكم الرواية المفيدة للترتيب بلا شبهة ؛ ولذا
أن في الروضة عزا الترتيب بينهما إلى المشهور كما ذكرنا ، قال : رواه ابن أبي عمير
عن الصادق 7 ،
__________________
عاطفا لركعتي
الجلوس بثم كما ذكر هنا ، فيجب الترتيب بينهما ، وفي الدروس جعله أولى .
أقول : ونحو
الرواية في العطف بثمّ الصحيحة المتقدمة.
واعلم : أنه يجب
أن يكون ( كلّ ذلك
) أي كل من هذه
الصلوات الاحتياطية
( بعد التسليم ) بلا خلاف أجده ؛ للأمر به قبلها ثمَّ بها بعده في الصحاح المستفيضة وغيرها من
المعتبرة ؛ مع تضمن جملة منها ـ وفيها الصحيح وغيره ـ أنه إن كان ما صلاّه تماما
كانت هذه نافلة ، ولا يستقيم ذلك إلاّ بعد انفرادها عن الفريضة وخروجها عنها
ليتوجه احتمال وقوعها نافلة ، فتأمل جدّا.
وما تضمّن الأمر ببعضها مطلقا من النصوص مقيدة بذلك جمعا.
ومن هنا يظهر وجوب
اعتبار النية فيها والإحرام والتشهد والتسليم ، بل جميع واجبات الصلاة ، عدا
القيام ، إلاّ حيث يجب ؛ لأنها صلاة منفردة ، مضافا إلى ورود الأمر بجملة منها في
جملة منها.
وهل يتعين فيها
قراءة الفاتحة خاصة ، أم لا بل يتخير بينها وبين التسبيح؟
الأكثر على الأول.
وهو الأظهر ؛ للأمر بها في نصوصها ؛ مع تضمن جملة منها كما عرفت احتمال وقوعها نافلة ، ولا
صلاة إلاّ بفاتحة.
خلافا للمفيد
والحلّي فالثاني ؛ للبدلية المستفادة من هذه ؛ مضافا إلى الموثقة
العامة . وضعفه ظاهر ممّا عرفته.
__________________
وهل يجب تعقيبها
للصلاة من غير تخلل المنافي؟ ظاهر الأكثر : نعم ، بل جعله في الذكرى ظاهر النصوص
والفتاوي ، معربا عن الإجماع.
وعليه فتبطل
بتخلله كما عن المفيد ، وعليه الفاضل في المختلف والشهيد في الذكرى ، مستدلّين عليه
بما يرجع حاصله إلى أنّ شرعيته ليكون استدراكا للفائت من الصلاة ، فهو على تقدير
وجوبه جزء من الصلاة فيكون واقعا في الصلاة فيبطلها ، حتى ورد سجود سجدتي السهو
للكلام قبله ناسيا.
وللأمر به فورا في
الصحيح ، وتخلّل الحدث يوجب الإخلال به ، وهو يوجب بقاء التكليف
بحاله ، ولا يخرج عنه إلاّ بإعادة الصلاة.
خلافا للحلّي
وجماعة من المتأخرين ، فلا تبطل بتخلله ؛ لوجوه اعتبارية مرجعها إلى إنكار عموم
البدلية ، ومنع اقتضائها مساواة البدل للمبدل منه في جميع الأحكام التي منها بطلان
الصلاة بتخلل المنافي بينها.
وهو ضعيف كما برهن في محلّه مستقصى ، ولو سلّم فإيجاب سجدتي السهو لما مرّ قرينة
على إرادته هنا.
وكذا الكلام في
تخلله بين الصلاة والأجزاء المنسية. بل الحكم بالبطلان به هنا أولى ؛ للقطع
بجزئيتها. وخروجها كالاحتياط عن محض الجزئية في بعض الموارد الإجماعية للضرورة لا
يقتضي الخروج عنها بالكلية ، هذا.
ولا ينبغي ترك
الاحتياط في نحو المسألة ، ويحصل بإتيان البدل بعد
__________________
تخلّل الحدث ،
ثمَّ إعادة الصلاة من رأس.
واعلم : أنّ ظاهر
إطلاق النص والفتوى يقتضي صحة الصلاة بعد الاحتياط وإن تذكّر كونه متمما لها ، بل
به صرّح الموثق : « وإن ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت » .
وعمومه كإطلاق البواقي يقتضي عدم الفرق في ذلك بين جميع الصور حتى الرابعة.
خلافا للشهيد في
الذكرى فاستشكل الحكم في هذه الصورة ، إلاّ أنه بعد ذلك قوّى الصحة ، قال : لأن
امتثال الأمر يقتضي الإجزاء ، والإعادة خلاف الأصل ، ولأنه لو اعتبر المطابقة لم
يتم لنا احتياط يذكر فاعله الاحتياج إليه ، لحصول التكبير الزائد المنوي به
الافتتاح . انتهى. وهو حسن.
ولو ذكر في أثناء
الاحتياط الاحتياج إليه ففي الإجزاء مطلقا ، أو الإعادة كذلك ، أو التفصيل بين ما
طابق فالأول وإلاّ فالثاني أوجه. ولعلّ أوجهها الأول ؛ لاقتضاء امتثال الأمر
الإجزاء ، وجعله في الروضة والسابق ظاهر الفتوى مشعرا بكونهما إجماعيا ، ولكن الأحوط
الإتمام ثمَّ الإعادة.
ولو ذكر عدم
الاحتياج إليه ففي جواز نقضه أو العدم وجهان ، مبنيان على جواز إبطال النافلة
اختيارا أم لا ، وقد مرّ الكلام فيه مستوفى.
(
و ) اعلم : أنه ( لا سهو ) ولا حكم له ( على من كثر سهوه ) بلا خلاف أجده ، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة ، ففي الصحيح
وغيره : « إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك » وزيد في الأول :
« فإنه يوشك أن يدعك
__________________
الشيطان » .
وهل المراد بالسهو
فيهما وفي غيرهما من الفتاوي خصوص الشك ، كما عن صريح المعتبر وظاهر الفاضل في
التذكرة والنهاية والمنتهى ؟
أو ما يعمّه
والسهو بالمعنى المقابل له ، كما في صريح الروضة وروض الجنان ، وعن ظاهر جماعة
؟
وجهان ، بل قولان
:
من عموم ما دلّ على لزوم الإتيان بمتعلق السهو وموجبه ، مع سلامته عن معارضة هذه
النصوص ؛ لاختصاص جملة منها بالشك ، والاتفاق على إرادته من لفظ السهو فيما عداها.
وإرادة معناه الحقيقي منه أيضا توجب استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي ،
وهو أمر مرغوب عنه عند المحققين.
وارتكاب عموم
المجاز حسن مع قيام القرينة عليه بالخصوص ، ولم نجدها ، والاتفاق على إرادة الشك
أعم من إرادته ، لاحتمال كونه قرينة على إرادة الشك بالخصوص.
وبالجملة :
الاتفاق على إرادة الشك في الجملة ، أما أنها على الخصوص أو من حيث العموم ، فأمر
غير معلوم ، واحتماله لا يوجب الخروج عن العموم المتقدم المقطوع ، سيّما مع كونه
مرجوحا ، لاتفاق المعمّم صريحا بل مطلقا ـ كما قيل ـ على بطلان
الصلاة بالسهو عن الركن مطلقا ، ووجوب تدارك
__________________
غيره فيها أو
بعدها كذلك ، فتنحصر فائدة نفي السهو بهذا المعنى في سقوط سجدتي السهو له كما صرّح
به أيضا ، وارتكاب مثل هذا التخصيص بعيد جدا ، مع أنّ الموجود في الصحيح وغيره
المتقدمين إنما هو المضي في الصلاة ، وهو غير مناف لوجوب السجدتين بعدها ، فكيف
يجعلان دليلا على سقوطهما؟!.
ومن قرب احتمال
حمل السهو المنفي على المعنى الأعم الشامل للشك ، وله بالمعنى الأخص ؛ لكونه أقرب
المجازين إلى الحقيقة المتعذرة ؛ فهو الدليل عليه ، ولا وجه لمنعه.
والحكم بوجوب
تدارك المسهو عنه في الصلاة أو بعدها لا يوجب تخصيص نفي السهو ؛ إذ ليس هو السبب
في وجوب الحكم بتداركه ، وإنما السبب عموم أدلته ، وسببية السهو ليست إلاّ بالنسبة
إلى سجود السهو ، فلا يجب مع الكثرة وليس فيه تخصيص بالمرة.
بالجملة : المراد
من السهو المنفي موجبه ، وليس إلاّ خصوص سجود السهو ، وإلاّ فالمسهوّ عنه ما وجب
أداء وتداركا إلاّ بعموم أدلة لزوم فعله ، وكذا فساد الصلاة بالسهو عن الركن لم
ينشأ من نفس السهو بل من حيث الترك حتى لو حصل من غير جهته لفسدت أيضا.
فهذا القول أقوى
وإن كان الأول أحوط ( وأولى ) .
وحيث تعيّن الشك
أو كان مرادا فهل المراد بكثرته ما يترتب عليه حكم من نقض أو تدارك أو سجود سهو؟
أو ما يعمّه وغيره حتى لو شك كثيرا بعد تجاوز المحل ، أو في النافلة ، أو مع رجحان
الطرف في الأخيرتين أو مطلقا ثمَّ شك شكا يترتب عليه حكم لسقط؟
وجهان ، بل قيل :
قولان ، ولعل الأجود : الأول كما اخترناه في الشرح ،
__________________
اقتصارا فيما خالف
الأصل الدالّ على لزوم حكم الشك على المتيقن من النص ، وليس إلاّ الشك الكثير الذي
له حكم.
ثمَّ المراد بنفي
الشك عدم الالتفات إليه والبناء على وقوع المشكوك فيه وإن كان في محلّه ما لم
يستلزم الزيادة فيبني على المصحّح ، على ما صرّح به جمع ، من غير خلاف
فيه بينهم يعرف ، وبه صرّح بعض .
ولعلّه لتبادر ذلك
من النصوص ، مع ظهور جملة منها في بعض أفراد المطلوب ، كالصحيح الوارد فيمن لم يدر
كم صلّى أنه لا يعيد ، والموثق الوارد في الشاك في الركوع والسجود أنه لا يعود
إليهما ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقينا ، ولا قائل بالفرق.
وظاهر النصوص بل الفتاوي أيضا كون ذلك حتما لا رخصة. وعليه فلو أتى بالمشكوك فيه
فسد الصلاة قطعا إن كان ركنا ، وكذا إن كان غيره على الأقوى كما بيّنته في الشرح
مستوفى.
ولو كثر شكه في
فعل بعينه فهل يعدّ كثير الشك مطلقا فيبني مطلقا في غيره على فعله أيضا ، أم يقتصر
على ذلك؟
وجهان ، أجودهما
الأول ، وفاقا لجمع ؛ للإطلاق المؤيد بالتعليل الوارد
__________________
في النصوص بأن ذلك
من الشيطان ، وهو عام.
والمرجع في الكثرة
إلى العرف ، وفاقا للأكثر ؛ لأنه المحكّم فيما لم يرد به بيان من الشرع.
وتحديده في الصحيح بالسهو في كل ثلاث مجمل ؛ لتعدد محتملاته وإن كان أظهرها كون المراد أنه لا
يسلم من سهوه ثلاث صلوات متتالية ، ولكن ليس فيه مخالفة للعرف ، بل لعلّه بيان له
وليس حصرا.
خلافا لابن حمزة ،
فإن يسهو ثلاث مرات متوالية .
وللحلّي ، فأن
يسهو في شيء واحد أو فريضة ثلاث مرّات ، فيسقط بعد ذلك حكمه ، أو يسهو في أكثر
الخمس أعني الثلاث منها فيسقط في الفريضة الرابعة .
ولم نعرف لشيء
منها حجة ، إلاّ أن يراد بيان المعنى العرفي لا التحديد الشرعي فلا نزاع ، وإن كان
يستشكل في مطابقة بعضها على الإطلاق للعرف.
ومتى حكم بثبوت
الكثرة بالثلاثة تعلق الحكم بالرابع ، ويستمر إلى أن يخلو من السهو فرائض يتحقق
بها الوصف ، فيتعلق به حكم السهو الطارئ إن حدّدناها بها ، ويحتمل مطلقا كما في
الذكرى ، وبه قطع شيخنا في روض الجنان والروضة . وهو حسن إن صدق
زوال الكثرة عرفا بذلك ، وإلاّ فلا يتعلق حكم السهو الطارئ إلاّ بزوال الشك غالبا
بحيث يصدق في العرف أنه
__________________
غير كثير الشك كما
أفتى به في الذكرى أوّلا ، وهو الأقوى وإن كان الأول محتملا.
(
و ) كذا ( لا ) حكم للسهو
( على من سها في سهو ) بلا خلاف ؛ للصحيح : « ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ، ولا
على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة » .
ولكن في العبارة
إجمال ؛ لاحتمال كون المراد بالسهو في المقامين معناه المعروف خاصة ، أو الشك كذلك
، أو الأول في الأول والثاني في الثاني ، أو بالعكس.
وعلى التقادير
يحتمل السهو الثاني نفسه من دون حذف مضاف ، وحذفه من الموجب بالفتح ، فالصور ثمان.
وظاهر جملة من المتأخرين إمكان إرادتها من النص أجمع . وهو مشكل ؛
لمخالفته لمقتضى الأصل في جملة منها ، والخروج عنه بمثل هذا النص المجمل مشكل.
هذا ، مع ظهور
سياق النص والعبارة ـ كغيرها ـ في كون المراد من السهو في المقامين هو المعنى
الثاني ، وربما يظهر من الفاضل وغيره عدم الخلاف فيه ، وأن مورده إنما هو كون
المراد من السهو الثاني هو الشك نفسه أو موجبة بالفتح.
قال في المنتهى :
ومعنى قول الفقهاء : لا سهو في السهو ، أي لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه
السهو ، كمن شك بين الاثنتين والأربع فإنه
__________________
يصلي ركعتين
احتياطا ، فلو سها فيهما ولم يدر صلّى واحدة أو اثنتين لم يلتفت إلى ذلك. وقيل :
معناه أنّ من سها فلم يدر سها أم لا لم يعتدّ به ولا يجب عليه شيء ، والأول أقرب .
وأظهر منه كلام
التنقيح ، فإنه قال بعد نقل العبارة : وله تفسيران ، الأول : أن يشك فيما يوجبه
الشك كالاحتياط وسجود السهو. الثاني : أن يشك هل شك أم لا ، قال : وكلا هما لا حكم
له ، ويبني في الأول على الأكثر ، لأنه فرضه .
ونقلهما في أمثال
ذلك حجّة ، وعليه فلا يمكن إرادة السهو بالمعنى المعروف مطلقا ، لما مضى. وعليه
فيندفع أكثر وجوه الإجمال ويبقى من حيث الاختلاف بين التفسيرين.
ولا ريب في مطابقة
الثاني لمقتضي الأصل فلا يحتاج إلى النص وإن أكده على تقدير وضوح دلالته على ما
يطابقه. وإنما المحتاج إليه إنما هو الأول ؛ لمخالفته الأصل الدال على لزوم تحصيل
المأمور به على وجهه ، ولا يتم إلاّ مع عدم الشك ؛ مضافا إلى إطلاق ما دلّ على
لزوم تدارك المشكوك مع بقاء المحل مثلا ، فتأمل.
وحيث إن النص
يحتمله والثاني ، لا يمكن التمسك به لإثباته ، إلاّ أن يرجح إرادته بإخبار الفاضل
كونه مراد الفقهاء ، مع ظهوره من كلماتهم واستدلالهم بالنص على أنه لا سهو في سهو
، بناء على أن ظاهره إثبات حكم مخالف للأصل لا موافق له ، وليس إلاّ على تقدير
التفسير الأول.
مع اعتضاده بما في
المعتبر والمنتهى وغير هما من الاعتبار ، وهو أنه لو
__________________
تداركه أمكن أن
يسهو ثانيا ولا يتخلص من ورطة السهو ؛ ولأنه حرج فيسقط اعتباره ؛ ولأنه شرّع
لإزالة حكم السهو فلا يكون سببا لزيادته.
وممّا ذكرنا ظهر
استقامة الحكم على كلا التفسيرين ، كما هو ظاهر كلام التنقيح المتقدم ، وهو لازم
لكل من اختار التفسير الأول ، لموافقة الثاني للأصل.
والمتبادر من عدم
الالتفات إلى المشكوك فيه البناء على الأكثر إن لم يستلزم الفساد ، وإلاّ فعلى
المصحّح ، كما مرّ في كثير الشك ، وبه صرّح جمع ؛ لمقتضى
التعليلات المتقدمة.
خلافا لنادر من متأخري المتأخرين ، فاحتمل البناء على الأقل ، وهو ضعيف.
واعلم : أن قوله 7 في الصحيحة : «
ولا على الإعادة إعادة » فسرّ بتفسيرين أظهر هما أنه إذا أعاد الصلاة لخلل موجب
للإعادة ثمَّ حصل أمر موجب لها فإنه لا يلتفت إليه ، ويعضده الصحيح : « لا تعوّدوا
الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد » .
والاعتياد لغة
يحصل بالمرتين كما صرّح به في الحيض. لكن في حصوله بهما عرفا تأمل وبعد ، إلاّ أن
يدفع بملاحظة الصحيحة والرضوي الوارد في الشك في الأوليين أنه يعيد مطلقا ، ويبني
على المظنون لو شك ثانيا ، وقد مرّ فتوى والد الصدوق به . لكنه كما عرفت
شاذّ ، فالمصير إليه مشكل. وكذا إلى
__________________
الصحيح ؛ لعدم
وضوح القائل به كما صرّح به جمع ، مع ظهور الفتاوي في انحصار المقتضي لعدم الالتفات إلى
الشك في أمور محصورة ليس ما في الصحيح شيئا منها بلا شبهة وإن جعل في الذكرى وغيره
من الشك الكثير ، لضعفه بأن الحكم بعدم الإعادة لا يستلزم الكثرة ، وبه صرّح جماعة
.
وربما يوجّه بوروده مورد الغالب ، وهو كثير الشك ؛ لأنه الذي يحصل له الشك بعد
الإعادة أيضا غالبا دون غيره ، فنفي الإعادة على الإعادة إنما هو للكثرة.
وفيه نظر ؛
لجريانه في نفي السهو على من سها في سهو الذي تضمنه الصحيح أيضا. وحمله على الغالب
يخرجه عن صلاحيته للاستدلال به على نفي السهو في السهو من حيث هو سهو في سهو وإن
لم يكن هناك كثرة ، كما هو الفرض في البحث السابق ، وهو خلاف طريقة المستدلين به
لذلك حتى الموجّه ، مع أن دعوى الغلبة لا تخلو عن مناقشة ، هذا.
ولا يبعد العمل
بما في الصحيحة ؛ لحجيتها ، وظهور دلالتها ، واعتضادها بغيرها ، وعدم القطع
بشذوذها وإن لم يظهر قائل صريح بها ، فإنّ ذلك لا يستلزم الإجماع على خلافها. ولكن
الاحتياط بالإعادة إلى أن يحصل مزيل حكم الشك أولى.
(
و ) اعلم : أنّ ما
تضمنته الصحيحة من أنه
( لا ) سهو ( على المأموم ، ولا
على الإمام ) بمعنى الشك لا خلاف فيه يعرف ، وبه صرّح بعض ، وذكر جمع أنه
مقطوع به بين الأصحاب ، مؤذنين بدعوى الإجماع
__________________
عليه ؛ وهو حجة
أخرى بعد الصحيحة.
مضافا إلى
المعتبرة الأخر ، منها الصحيح : عن رجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى ، هل
عليه سهو؟ قال : « لا » .
والمرسل : « ليس
على الإمام سهو ( إذا حفظ
عليه من خلفه ) سهوه بإيقان أو اتفاق منهم ـ على اختلاف النسخ ـ وليس على من خلف الإمام سهو
إذا لم يسه الإمام » .
وما فيه من اشتراط
حفظ كلّ منهما على الآخر في نفي حكم الشك مقطوع به بينهم ، ولا ريب فيه ؛ لأنّ
الحكم برجوع كلّ منهما إلى الآخر على التعيين مع التساوي في الشك ترجيح من غير
مرجح ، وبه يقيد إطلاق باقي الأخبار.
والمتبادر من
الحفظ وعدم السهو المشترط هو الحفظ بعنوان القطع ، كما يدل عليه لفظ الإيقان في
بعض النسخ ، فالحكم برجوع الشاك منهما إلى الظان مشكل ، وكذا الظان إلى المتيقن ،
وإن صرّح بهما جماعة ؛ لعموم ما دل على تعبّد المصلّي بظنه ، والتخصيص يحتاج
إلى دليل ، وليس.
إلاّ أن يقال :
إنّ السهو بمعنى الشك المنفي حكمه عن كل من الإمام والمأموم في الفتاوي والنصوص
يشمل الظن ؛ لأعميته لغة منه ومن الشك بالمعنى المعروف ، فنفيه بعنوان العموم
يقتضي دخولهما فيه.
__________________
مع أن في الخبر :
« الإمام يحفظ أوهام من خلفه » ويدخل في الأوهام الظن ؛ لإطلاقه عليه في الشرع.
وحفظ الإمام على
من خلفه الأوهام معناه : أنه يترك وهمه ويرجع إلى يقين الإمام. وإذا ثبت الحكم في
هذا الفرد ثبت في العكس ؛ لعدم تعقل الفرق ، مع عدم ظهور قائل به.
بل ولا الفرق بين رجوع الظان إلى المتيقن مطلقا ، والشاك إلى الظان كذلك ، لكن الحكم
في هذا مشكل إن لم يبلغ حدّ الإجماع.
وما قيل في توجيهه
من أن الظن في باب الشك بمنزلة اليقين فضعيف ؛ لمنع المنزلة بالنسبة إلى غير الظان ، كيف لا وهو
أول الكلام ، وتسليمها بالنسبة إليه لا يجدي نفعا ، فعدم الرجوع أقوى إن لم يفد
ظنا ، وإلاّ فالرجوع متعين ، كما يتعين على الظان الرجوع إلى المتيقن إذا أفاده
ظنا أقوى مطلقا وإن قلنا بالمنع فيه أيضا مع عدم إفادة الرجوع الظن الأقوى ، لكنه
خروج عن محل البحث ، وهو رجوع كل منهما إلى الآخر مع حفظه مطلقا ولو لم يفده ظنا ،
كما يقتضيه إطلاق النصوص والفتاوي.
وعليه فلا يشترط
عدالة المأموم ولا تعدده ، فيرجع إليه الإمام ولو كان واحدا فاسقا ، ولا يتعدى إلى
غيره وإن كان عدلا ، نعم لو أفاده الظن رجع إليه لذلك لا لكونه مخبرا.
ولو اشتركا في
الشك واتّحد محلّه لزمهما حكمه ، كما أنهما لو اتّفاقا على الظن واختلف المحل
تعيّن الانفراد ، وإن اختلف رجعا إلى ما اتفقا عليه وتركا ما
__________________
انفرد كلّ به ،
وإن لم يجمعهما رابطة تعيّن الانفراد ولزم كلا منهما حكم شك نفسه.
ولو تعدّد المأموم
واختلفوا مع الإمام فالحكم كالأول في رجوع الجميع إلى الرابطة والانفراد بدونها.
ولو اشترك الشك
بين الإمام وبعضهم قيل : يرجع الإمام إلى الذاكر منهم وإن اتحد ، وباقي المأمومين
إلى الإمام .
وفيه نظر ، بل
ظاهر المرسل المتقدم اعتبار اتّفاق المأمومين ، سيّما على النسخة المبدل فيها
الإيقان بالاتفاق ، ولا يضرّ الإرسال بعد الانجبار بالأصل وعمل الأصحاب ، وهو ظاهر
الماتن هنا وفي الشرائع وغيره من الأصحاب ، وصريح بعضهم . ولعلّه الأقوى.
ولا ينافيه إطلاق
ما عدا المرسل من الأخبار بأنه لا سهو على الإمام ؛ لعدم انصرافه
بحكم التبادر إلى نحو المقام.
ولو حصل الظن بقول
الذاكر منهم اتّجه اعتباره لذلك في موضع يسوغ فيه التعويل على الظن.
وكلّما عرض
لأحدهما ما يوجب سجدتي السهو كان له حكم نفسه ولا يلزم الآخر متابعته فيهما ، على
الأشهر بين المتأخرين والأقوى ؛ للأصول والعمومات ، وخصوص ما سيأتي من الروايات.
خلافا للمرتضى
والخلاف ، فنفياهما عن المأموم مطلقا وإن عرض له
__________________
السبب ، وادعى
الثاني عليه الإجماع.
واستدل له تارة
بما مرّ من الأخبار بأنه ليس على من خلف الإمام سهو.
وهي محمولة على
الشك في العدد كما فهمه الأصحاب ، ويشهد له السياق بقرينة قولهم : : وليس على
الإمام سهو ، مع أنه مقطوع الإرادة من لفظ السهو فيها ، فيمتنع إرادة السهو
بالمعنى المعروف منها ، لما مضى مرارا ، إلاّ أن يوجّه بما مضى أيضا.
واخرى بالموثقين ،
في أحدهما : عن الرجل ينسى وهو خلف الإمام أن يسبّح في السجود أو في الركوع ، أو
ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا ، فقال : « ليس عليه شيء » .
وفي الثاني : عن
رجل سها خلف إمام بعد ما افتتح الصلاة ولم يقل شيئا ولم يكبّر ولم يسبّح ولم
يتشهّد حتى يسلّم ، فقال : « قد جازت صلاته ، وليس عليه إذا سها خلف الإمام سجدتا
السهو ، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه » .
ولا دلالة للأول
على المطلوب ؛ للقول بالموجب كما سيظهر.
والثاني معارض
بأجود منه سندا ، كالصحيح : عن الرجل يتكلم في الصلاة ، يقول : أقيموا صفوفكم ،
قال : « تتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتي السهو » والظاهر كون الرجل مأموما.
__________________
وأظهر منه الخبر :
أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام ، فقال : « إذا سلّمت فاسجد سجدتي السهو » .
ومع ذلك محتمل
للحمل على التقية ؛ لموافقته لمذهب أكثر العامة بل عامتهم إلاّ مكحولا كما صرّح به
جماعة ؛ مع أن التعليل فيه بضمان الإمام صلاة من خلفه معارض بجملة من الروايات بأنه
لا يضمنها إما مطلقا كما في الصحيح وغيره ، أو ما عدا القراءة منها كما في غيرهما .
وللمبسوط ، فأوجب
عليه متابعة الإمام فيهما وإن لم يعرض له السبب ، وفاقا للجمهور ؛ لما دلّ على
وجوب المتابعة .
ويضعّف بمنع
وجوبها إلاّ في نفس الصلاة ، وسجدة السهو خارجة عنها.
نعم ، في الموثق :
عن الرجل يدخل مع الإمام وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الإمام ، كيف يصنع؟
فقال 7 : « إذا سلّم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه ، وإذا
قام وبنى على صلاته وأتمها وسلّم سجد الرجل سجدتي السهو » .
وفيه موافقة للشيخ
; إلاّ أنه يمكن حمله على
التقية ، أو على
__________________
اشتراكهما في
السهو ، فإنّ الحكم فيه ذلك ، سواء اتّحد حكمهما أو اختلف.
وقد ذكرنا جملة من صورهما وجملة من الصور المتعلقة بشك الإمام والمأموم مع حفظ
الآخر أو لا في الشرح مستوفى.
(
ولو سها في النافلة ) فشك في عددها
( تخيّر في البناء ) على الأقل أو الأكثر ، إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر
مستفيضا .
والأمر بالبناء
على الأقل في المرسل محمول على الأفضل بلا خلاف فيه يظهر ، بل ظاهر جمع كونه
مجمعا عليه ، وعلّل زيادة عليه بأنه المتيقن.
والأصل في البناء
على الأكثر ـ بعد الإجماع الذي مرّ ـ نفي السهو فيها في الصحيح وغيره .
وعمومه فيهما
سيّما الأول يشمل الشك في الأفعال أيضا مطلقا ، أركانا كانت أو غيرها ، كان الشك
قبل تجاوز محلّها أو بعده.
خلافا للروض
والمدارك ، فخصّاه بالأعداد ، ولا وجه له بعد عموم اللفظ ، مع إمكان
استفادة الحكم فيها من الحكم بنفي الشك في العدد بطريق أولى ، فالعموم أقوى إن لم
يكن للإجماع مخالفا.
وإن عمّمنا السهو
المنفي لمعناه المعروف ـ كما هو الأقوى على ما قدّمناه
__________________
في بحث كثير الشك
ـ أفاد نفي موجبه من سجدتي السهو أيضا ، كما صرّح به في المدارك ، تبعا لظاهر
الخلاف وصريح المنتهى ، وظاهر هما بل صريح الأول عدم خلاف فيه بيننا. خلافا
للروض فجعل النافلة هنا كالفريضة .
وهل المراد
بالبناء على الأكثر البناء عليه مطلقا حتى لو استلزم فساد النافلة ، كما يقتضيه
إطلاق العبارة وغيرها؟ أو إذا لم يستلزم فسادها ، وإلاّ فالبناء على الأقل يكون
متعينا؟
وجهان ، أحوطهما الثاني إن لم ندّع ظهوره من إطلاق النص والفتاوي ، وإلاّ فهو أظهر
هما ، سيّما على القول بحرمة إفساد النافلة اختيارا.
(
و ) اعلم : أنه ( تجب سجدتا السهو ) زيادة على من مرّ (
على من تكلّم ناسيا ) أو ظانا لخروجه من الصلاة
( ومن شكّ بين الأربع والخمس ) وهو جالس ( ومن
سلّم قبل إكمال الركعات ) على الأظهر الأشهر ، بل في الغنية الإجماع على الجميع ، وفي المنتهى
وغيره الاتّفاق على الأخير والأول ، وحكي عن ظاهر الماتن أيضا في الثالث .
للصحيح في الأول :
عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم ، قال : « يتمّ صلاته ثمَّ
يسجد سجدتين » الخبر .
ونحوه صحيح آخر
وارد في الشك بين الثنتين والأربع وفيه : « وإن تكلّم
__________________
فليسجد سجدتي
السهو » .
وفي ثالث وارد في
تسليم النبي 6 على الركعتين في الرباعية وتكلّمه مع ذي الشمالين أنه سجد سجدتين لمكان
الكلام . وظاهره كونهما للكلام دون السلام ، ولكنهما من باب واحد
كما صرّح به من الأصحاب غير واحد مستدلّين به على وجوبهما في الثالث.
وللمعتبرين فيه ،
أحدهما الصحيح : عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثمَّ ذكر أنه لم يركع ،
قال : « يقوم فيركع ويسجد سجدتين » .
والثاني الموثق :
عن رجل صلّى ثلاث ركعات وظنّ أنها أربع فسلّم ثمَّ ذكر أنها ثلاث ، قال : « يبني
على صلاته ويصلّي ركعة ويتشهد ويسلّم ويسجد سجدتي السهو » وهو أظهر دلالة
من الأول.
وللصحاح المستفيضة
في الثاني .
خلافا لظاهر
الصدوقين في الجميع ، ومال إليه بعض من تأخر فيما عدا الثاني ؛ للصحاح
المستفيضة وغيرها : « لا شيء عليه » وحمل الأخبار
__________________
السابقة على
الاستحباب جمعا.
وهو ضعيف جدا ؛
لفقد التكافؤ بينهما ، لقوة تلك بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع حقيقة كما عرفت
حكايته ، ويعضده موافقة الصدوق في الأول للأكثر في موضع آخر .
وأما عدم ذكر
العماني ـ ككثير من القدماء ـ الثالث فغير ظاهر في المخالفة للأكثر بعد ذكرهم
الكلام من جملة ما يوجبهما ؛ لما قدّمناه .
مع أنّ الجمع
بينهما كما يمكن بذلك كذا يمكن بتخصيص الشيء المنفي في هذه المستفيضة بالإثم
والإعادة ، والترجيح لا بد له من دليل ، وليس ، سوى الأصل الغير المعارض لما دلّ
على ترجيح التخصيص على المجاز حيثما تعارضا ، فالجمع الثاني أقوى.
وللمفيد والخلاف
والديلمي والحلبي في الثاني ، فلم يذكروهما فيه ، بل ظاهر الأولين نفيهما ؛
ولم أجد لهم عليه مستندا مع استفاضة الصحاح المتقدمة بخلافه واشتهاره بين أصحابنا
، فهو ضعيف جدّا.
وأضعف منه القول
بوجوب إعادة الصلاة كما حكاه عن الخلاف في المنتهى ؛ لندرته ، ودعوى
شيخنا الشهيد الثاني في شرح الألفية الإجماع على خلافه.
وقريب منهما في
الضعف ما عن المقنع من تبديل السجدتين بالاحتياط
__________________
بركعتين من جلوس ، للرضوي ؛ لقصوره عن
المقاومة للصحاح المستفيضة من وجوه عديدة.
ثمَّ إنّ الموجود في جملة منها إنما هو أن من لم يدر أربعا صلّى أو خمسا فليسجد سجدتي
السهو ، ومقتضاه وقوع الشك الموجب للسجدتين حالة الجلوس كما قلنا ، وصرّح به جماعة
من أصحابنا .
وعليه فيشكل الحكم
بوجوبهما في غير هذه الصورة من الصور المتصورة في المسألة البالغة اثنتي عشرة ما
عدا المتقدمة ، إذ منها وقوع الشك بينهما قبل الركوع ، ويجب فيها هدم الركعة مطلقا
وإتمام الصلاة والاحتياط بركعتين من جلوس ؛ لرجوعه إلى الشك بين الثلاث والأربع ،
وليس فيه سجود السهو على الأصح ، نعم إن قلنا بوجوبه للقيام موضع القعود أو بالعكس
اتجه ، لكنه ليس من جهة الشك بين الخمس والأربع.
وما عدا هذه
الصورة يشكل الحكم بصحة الصلاة فيها مطلقا ، سيّما ما كان الشك فيه قبل السجدتين ،
فقد حكي عن الفاضل في جملة من كتبه الحكم بالبطلان هنا ، لتردده بين محذورين : الإكمال
المعرّض للزيادة ، والهدم المعرّض للنقيصة.
وفي الذكرى احتمال
البطلان فيما إذا وقع بين السجدتين ؛ لعدم الإكمال
__________________
وتجويز الزيادة .
وهو جار في باقي الصور ، ومع الإشكال في الصحة كيف يمكن الحكم بوجوب السجدة فإنه
فرعها؟! ولو سلّمناها كما حكي عن الماتن القطع بها ـ لأن تجويز الزيادة لا ينفي ما
هو ثابت بالأصل من عدم الزيادة ، ولأن تجويزها لو أثّر لأثّر في جميع الصور ـ كان الحكم
بوجوب السجدة غير ظاهر الوجه ، بعد ما عرفت من اختصاص النصوص الموجبة لها بفرد خاص
قد مرّ. لكن في جملة أخرى منها غير ما قدّمنا متنها إيجابها للشك في مطلق الزيادة
والنقصان ، فيشمل المقام ، إلاّ أنّ في الاستناد إليها كلاما يأتي.
(
و ) هل تجبان في غير
ما ذكر؟
(
قيل ) : نعم ( لكل زيادة ونقصان ،
وللقعود في موضع القيام ، والقيام في موضع القعود ).
والقائل الصدوق صريحا في الثاني
، كأبيه والمرتضى والديلمي والحلّي والقاضي وابن حمزة والحلبي وابن زهرة مدعيا عليه إجماع
الإمامية ، وغيرهم من المتأخرين .
وظاهرا في الأول ؛
حيث أوجبهما على من لم يدر زاد في صلاته أم نقص ، كما في جملة من المعتبرة كالصحيح
والموثق : « من حفظ سهوه فأتمه
__________________
فليس عليه سجدتا
السهو ، وإنما السهو على من لم يدر زاد في صلاته أو نقص منها » .
والصحيح : « إذا
شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس » .
وذلك فإن وجوبهما
هنا يستلزم وجوبهما مع القطع بالزيادة أو النقيصة بطريق أولى كما صرّح به جماعة من
أصحابنا ؛ ولعلّه لذا نسب شيخنا في الروضة القول بوجوبهما في كل
زيادة ونقيصة إلى الصدوق .
هذا إن قلنا إنّ
المراد من قوله : من لم يدر زاد في صلاته أم نقص ، الشك في الزيادة وعدمها ، وفي
النقيصة وعدمها ، كما فهمه الجماعة ، ولعلّه المتبادر منه عرفا وعادة.
أما لو كان المراد
منه معناه الحقيقي لغة وهو الشك في خصوص الزيادة أو النقيصة بعد القطع بإحداهما
فيكون نصا في وجوب السجدتين بإحداهما مطلقا ، إلاّ أن يخصّ متعلقهما بالركعة خاصة
دون غيرها مطلقا ؛ ولعلّه لذا لم ينسب في الدروس القول بوجوبهما في الأول إلى
الصدوق ولا غيره ـ مع أنه حكى عنه القول بوجوبهما للشك في الزيادة والنقيصة ، وعن
المفيد الموافقة له ، لكن في الشك في زيادة السجدة الواحدة ونقصها أو الركوع كذلك
ـ بل قال : نقل الشيخ أنهما يجبان في كل زيادة ونقصان ، ولم نظفر بقائله ولا
بمأخذه إلاّ رواية الحلبي السابقة ، وأشار بها إلى نحو الصحيحة الأخيرة ، قال :
وليست
__________________
صريحة في ذلك ؛
لاحتمالها الشك في زيادة الركعات ونقصانها ، أو الشك في زيادة فعل أو نقصانه وذلك
غير المدّعى ، إلاّ أن يقال بأولوية المدّعى على المنصوص . انتهى.
لكنه بعيد وإن
احتمله ، ويشهد له عدم نفيه الظهور بل الصراحة.
وعلى هذا فيتقوى
القول المزبور ؛ لدلالة المعتبرة عليه بالأولوية ؛ مع اعتضادها ببعض المعتبرة : «
تسجد سجدتي السهو لكل زيادة تدخل عليك أو نقصان » .
لكن المشهور عدم
وجوبهما فيهما ؛ ولعلّه لقصور سند الرواية الأخيرة بالجهالة ، مع معارضتها ـ كالمعتبرة
ـ بجملة من الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الواردة في نسيان ذكر الركوع
والجهر والإخفات والقراءة ونحوها الظاهرة في عدم الوجوب ؛ لدلالتها على صحة الصلاة مع ترك
الأمور المزبورة من دون إشارة في شيء منها إلى وجوب السجدتين مع ورودها في مقام
الحاجة.
مع أنّ في جملة
منها صحيحة التصريح ب « لا شيء عليه » الشامل للسجدة. وتخصيصها بما عداها من
الإثم أو الإعادة بدلالة هذه المعتبرة وإن أمكن ، لأنها أظهر دلالة ، إلاّ أنه
يمكن العكس ، فتقيّد هذه المعتبرة بما إذا كان المشكوك فيه ركعة ، وهذا أرجح ؛
للأصل المعتضد بالشهرة الظاهرة المحكية في كلام جماعة.
هذا مع تصريح بعض
الصحاح المتقدمة في نسيان السجدة بعدم وجوب
__________________
السجدتين فيها ، ويتم الباقي
بعدم القائل بالفرق أصلا ، فالعدم أقوى وإن كان الوجوب أحوط وأولى هنا.
وكذا في الموضع الثاني أيضا ؛ لدلالة جملة من المعتبرة عليه ، وفيها الصحيح
والموثق وغيرهما ، وإن كان العدم هنا أيضا أقوى ؛ لمعارضة الصحيح والموثق
بمثلهما المتقدم الدال على عدم الوجوب هنا مفهوما بل منطوقا أيضا.
مع أنهما ـ كغير
هما ـ معارضان بالصحاح المستفيضة وغيرهما من المعتبرة الواردة في نسيان السجدة
الواحدة والتشهد قبل تجاوز المحل وبعده ، الدالة على عدم الوجوب بنحو من التقريب المتقدم في
المستفيضة السابقة. وتخصيصها بهذه المعتبرة وإن أمكن إلاّ أنه يمكن حمل هذه
المعتبرة على التقية ؛ لكونها موافقة لمذهب الشافعي وأبي حنيفة كما صرّح به في
المنتهى . ومع ذلك قد عرفت معارضتها بمثلها من المعتبرة. وهي أولى
بالترجيح ؛ للأصل ، ومخالفة العامة ، وموافقة ظواهر تلك الصحاح المستفيضة. ولكن
الاحتياط قد عرفته.
وعن الصدوق القول
بوجوبهما للشك بين الثلاث والأربع إذا توهّم الرابعة ؛ للصحيحين وغيرهما .
__________________
وفي الدروس إنه
نادر .
ولعلّه كذلك ، فينبغي حمل النصوص على الاستحباب ، مع ضعف ما عدا الصحيح منها سندا
ودلالة ، مع إشعاره بوروده تقية. والصحيح منها لا يعارض النصوص الواردة بالبناء
على المظنون خصوصا وعموما من غير إشارة فيها إلى وجوبهما أصلا
مع ورودها في بيان
الحاجة. وهي بالترجيح أولى ؛ لاعتضادها بالأصل والشهرة العظيمة بين أصحابنا بحيث
كاد أن يكون إجماعا ، ولكن فعلهما لعلّه أحوط وأولى.
(
وهما ) أي السجدتان ( بعد التسليم ) مطلقا
( على الأشهر ) الأقوى ، بل عليه عامة متأخري أصحابنا ، وفي صريح الناصرية والخلاف والأمالي
أن عليه إجماعنا ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة .
وقيل : إن كانتا
للنقصان فقبل وإلاّ فبعد ؛ للصحيح .
وحمل على التقية ، ويعضده مصير
الإسكافي إليه ، حكاه عنه جماعة وإن أنكره في الذكرى ، لأن عبارته المنقولة ظاهرة فيما
نقلوه عنه وإن لم تكن فيه صريحة ، هذا ، وقال بعد الإنكار : نعم هو مذهب أبي حنيفة
.
__________________
وهو أيضا من
المعاضدات القوية إلاّ أنّ المنسوب إليه في المعتبر والمنتهى هو الموافقة لأصحابنا
، وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول.
وأضعف منه القول المحكي في الشرائع أنهما قبل التسليم مطلقا ؛ لضعف ما دلّ
عليه من الأخبار سندا ومكافاة ـ كالصحيح المتقدم ـ لما تقدّم من وجوه شتّى.
وحمل هذا على التقية أيضا ، ولا بأس به جمعا بين الأدلة.
ويجب ( عقيبهما تشهد خفيف
وتسليم ) على الأشهر الأقوى
، وفي ظاهر المعتبر والمنتهى أنّ عليهما إجماعنا ؛ وهو الحجة.
مضافا إلى
المعتبرة المستفيضة في الأول ، منها الصحيح : « واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة
تتشهد فيهما تشهدا خفيفا » .
ونحوه المعتبران
الواردان فيمن لا يدري كم صلّى أنه يبني على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا
خفيفا ، فتأمل.
وبها يقيّد ما
أطلق فيه التشهد من المعتبرين الواردين في ناسي التشهد .
__________________
والصحيح في الثاني
الوارد فيمن صلّى أربعا أو خمسا ، وفيه : « فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمَّ
سلّم بعد هما » .
خلافا للمختلف فلا
يجبان ؛ للأصل ، والموثق : عن سجدتي السهو هل فيهما تسبيح أو تكبير؟ فقال : « لا ،
إنما هما سجدتان فقط ، فإن كان الذي سها الإمام كبّر إذا سجد وإذا رفع رأسه ليعلم
من خلفه أنه قد سها ، وليس عليه أن يسبح فيهما ولا فيهما تشهد بعد السجدتين » .
وهو نصّ في نفي
التشهد ، ولا قائل بالفرق بينه وبين نفي التسليم ، مع استفادته من الحصر في الصدر.
ويضعف الأصل بما
مر ، ويضعف عن مقاومته الموثق.
ولو لا الشهرة
العظيمة المعتضدة بظواهر الإجماعات المحكية لكان ترجيح الموثقة لا يخلو عن قوة ؛
لاعتبار سندها ، وصراحتها ، واعتضادها بالنصوص الواردة بالأمر بالسجدتين من غير
إيجاب لشيء بعدهما مع ورودها في بيان الحاجة ظاهرا ؛ مضافا إلى مخالفتها لما عليه
أكثر العامة العمياء ومنهم أصحاب الرأي وهم أصحاب أبي حنيفة كما صرّح به في
المنتهى .
__________________
وبموجب ذلك ينبغي
حمل الصحيحين وما في معناهما على التقية ، ويحتمل الاستحباب على بعد ، لكن لا
ينبغي من حيث الشهرة تركهما على حال.
وصريح الموثقة كظاهر العبارة وغيرها عدم وجوب شيء آخر. وهو الأقوى ؛ للأصل أيضا ،
فلا يجب التكبير لهما كما هو المشهور. خلافا للمبسوط فأمر به ، ولا دليل على
الوجوب إن أراده ، والاستحباب لا بأس به.
(
ولا ذكر فيهما ) كما عليه الفاضلان في المعتبر والمختلف والمنتهى ، وقوّاه جماعة
من متأخري متأخرينا .
خلافا للأكثر
فأوجبوه ( و ) عينوا ما
( في رواية الحلبي ) الصحيحة ( أنه سمع
أبا عبد الله 7 يقول فيهما : « بسم
الله وبالله وصلّى الله على محمد وآله » ).
وفي بعض النسخ : «
اللهم صلّ » .. إلى آخره.
وسمعه مرة أخرى يقول : « بسم الله
وبالله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته » .
وفي بعض النسخ
بإضافة الواو قبل السلام. والكل حسن كما صرّح به
__________________
جمع .
(
و ) استضعفها الماتن
أولا : بأن ( الحقّ
رفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة ) بل مطلقا ، بناء على فهمه منها أنه 7 سها فقال ما ذكر
فيهما. وثانيا : باحتمال كون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم .
ويضعّف الأول :
بجواز كون المراد بقوله فيهما على وجه الإفتاء لا أنه سها. والثاني : بأن اللزوم
هو المتبادر ، كما هو الحال في سائر الجمل الاسمية أو الفعلية المنساقة في سياق
الطلب.
نعم ، يمكن حمله على الاستحباب جمعا بينه وبين ما مرّ من الموثق المعتضد بالأصل
وإطلاق كثير من النصوص ، لكن الأحوط ، بل اللازم عدم الترك.
ويجب فيهما ـ مضافا
إلى ما مرّ ـ النية ؛ لأنها عبادة. ورفع الرأس بينهما ، بل والجلوس بينهما مطمئنا
تحقيقا للتثنية المتبادرة من الفتوى والرواية. والسجود على الأعضاء السبعة ، ووضع
الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، والطهارة ، والستر ، واستقبال القبلة.
كل ذلك احتياطا
للعبادة ، وتحصيلا للبراءة اليقينية ، وأخذا بما هو المتبادر من سياق الأخبار
الموجبة لهما في صورهما المتقدمة ، مع أنه لا خلاف أجده في اعتبار النية وكثير
ممّا بعدها.
وهل المراد
بالتشهد الخفيف ما اشتمل على مجرد الشهادتين والصلاة على النبي وآله 6 ، أم التشهد
المعهود في الصلاة ويكون
__________________
المراد بالخفة
تخفيف الأجزاء المندوبة في كيفية التشهد الطويلة المشهورة؟
وجهان ، ولعلّ
الأظهر الأول كما صرّح به جمع ، ومنهم خالي العلاّمة المجلسي ; في البحار عازيا له إلى الأصحاب ، مشعرا بدعوى الإجماع .
ثمَّ إنه هل التخفيف عزيمة أو رخصة؟ كلّ محتمل ، ولكن الأحوط الأول ، تبعا لظاهر الأمر
المتعلق بالقيد المقتضي لوجوبه ، وإن احتمل عدمه بتخيّل احتمال ورود الأمر مورد
توهم وجوب ضده.
والمراد بالسلام
ما يخرج به عن الصلاة من إحدى الصيغتين المشهورتين ، دون السلام عليك أيها النبي .
خلافا للحلبي
فينصرف به ، ولم أقف على مستنده ، والاقتصار على المتبادر من النصوص
مقتض لتعين ما ذكرنا وتحتمه. والله سبحانه هو العالم بحقائق أحكامه.
__________________
( الثاني : في
) بيان أحكام ( القضاء ).
اعلم : أنّ ( من أخلّ بالصلاة ) الواجبة عليه فلم يؤدّها في وقتها ( عمدا ) كان الإخلال بها ( أو سهوا ، أو فاتته بنوم أو سكر مع بلوغه
وعقله وإسلامه ) وسلامته عن الحيض وشبهه وقدرته على الطهور الاختياري أو الاضطراري ( وجب ) عليه
( القضاء ) بإجماع العلماء
كما في الذكرى وغيرها ، بل ربما كان نقل الإجماع عليه كالنصوص مستفيضا.
ففي النبوي المشهور : « من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها » .
والصحاح بذلك
مستفيضة من طرقنا ، ومنها : « يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها » .
(
عدا ما استثني ) من صلاة الجمعة والعيدين كما مضى في بحثهما.
واحترز بقوله : مع
بلوغه إلى آخره عما لو فاتته وهو صغير أو مجنون أو كافر أصلي ، فإنه لا يجب عليه
القضاء بإجماع العلماء كما في المنتهى
__________________
وغيره مستفيضا ، بل
يجعل من الدين ضرورة ؛ لحديثي رفع القلم وجبّ الإسلام .
وكذا الحائض والنفساء بالنص والإجماع الماضيين في بحثهما.
ومقتضى إطلاق
النصوص والفتاوي بالقضاء بالنوم عدم الفرق فيه بين وقوعه بفعله أم لا ، ولا بين
كونه على خلاف العادة وعدمه.
خلافا للذكرى ،
فألحق النوم على غير العادة بالإغماء في عدم وجوب القضاء ، قال : وقد نبّه عليه في
المبسوط .
وفي الذخيرة : إنّ
الحجة على ما ذكره غير واضحة .
أقول : لعلّها
الأصل ، وعدم دليل على وجوب القضاء هنا ؛ لاختصاص النصوص الواردة به في النوم
بالعادي منه ، لأنه المتبادر المنساق منه إلى الذهن عند الإطلاق ، ولا إجماع ،
لمكان الخلاف.
وعموم من فاتته
غير معلوم الشمول لمفروض المسألة ، بل مطلق النوم والأحوال التي لم يصحّ فيها
التكليف بالأداء إجماعا ، لأن موضوعه من صدق عليه الفوت ، وليس إلاّ من طولب
بالأداء ، وهذا غير مطالب به أصلا ، ومعه فلا يصدق الفوت جدّا ، كما لا يصدق على
الصغير والمجنون ونحو هما.
وهذا الوجه مذكور
في مسألة سقوط القضاء بالإغماء ونحوها في عبائر كثير من العلماء كالفاضل في
المنتهى والشهيدين في الروضة
__________________
والذكرى ، وهو وإن اقتضى
عدم وجوب القضاء على النائم ونحوه مطلقا إلاّ أنه خرج عنه الفرد العادي منه اتفاقا
فتوى ونصا ، ويبقى ما عداه تحته باقيا.
ومنه ينقدح وجه
تخصيص جماعة من العلماء السكر الذي يجب معه القضاء بالذي يكون من قبله ، فلو شربه غير
عالم به أو أكره عليه أو اضطر إليه فلا قضاء عليه كالإغماء. بل جريانه هنا أولى ؛
لانحصار دليل القضاء فيه في الإجماع المفقود في محل النزاع ، إذ لا إطلاق فيه نصا
يتوهم شموله له قطعا ؛ هذا مضافا إلى فحوى التعليل الوارد بعدم القضاء مع الإغماء
الجاري هنا أيضا.
والمراد بالكافر الأصلي : من خرج عن فرق المسلمين ؛ لأنه المتبادر من إطلاق النص
والفتوى الدالين على سقوط القضاء منه بإسلامه ؛ فالمسلم يقضي ما تركه وإن حكم
بكفره كالناصبي وإن استبصر ، وكذا ما صلاّه فاسدا عنده ؛ لعموم النص بقضاء الفوائت
، خرج منه الكافر الأصلي وبقي الباقي.
نعم ، لا تجب عليه
إعادة ما فعله في تلك الحال وإن كان الحق بطلان عبادته كما يستفاد من الصحاح
المستفيضة ؛ لمثلها من المعتبرة وفيها الصحاح وغيرها ، وهو تفضّل من
الله تعالى.
(
ولا قضاء ) واجبا ( مع الإغماء
المستوعب للوقت ، إلاّ أن يدرك ) مقدار
( الطهارة والصلاة ولو ركعة ) فيجب فعلها في الوقت كاملة أداء أو
__________________
قضاء أو ملفقا على
الاختلاف المتقدم في بحث الحيض ، وقضاؤها في الخارج إجماعا ؛ لما مضى ثمة من
الأدلة الشاملة بعمومها للمسألة ؛ مضافا إلى ما ورد فيها من الصحاح المستفيضة التي
ستأتي إليها الإشارة.
أما عدم القضاء في
غير صورة الاستثناء فهو الأظهر الأشهر ، بل في الغنية الإجماع عليه ، وعليه عامة من
تأخر. بل لا خلاف فيه إلاّ من نادر كالصدوق في المقنع ؛ للصحاح
المستفيضة ، منها : عن المغمى عليه شهرا ما يقضي من الصلاة؟ قال : « يقضيها كلّها
، إنّ أمر الصلاة شديد » .
وغيره المحكي عنه
في روض الجنان وغيره : أنّه يقضي آخر يوم إفاقته إن أفاق نهارا وآخر ليلته إن
أفاق ليلا ؛ للمستفيضة : « لا يقضي إلاّ صلاة اليوم الذي أفاق فيه والليلة التي
أفاق فيها » كما في بعضها.
وفي جملة منها : «
يقضي صلاة اليوم الذي أفاق فيه » .
وهما نادران ،
كالنصوص الواردة بقضاء ثلاثة أيام ، بل صرّح بمتروكية الجميع الشهيد في الدروس ، مشعرا بدعوى
الإجماع على
__________________
المشهور ، كالفاضل
في المنتهى وغيره ، حيث لم ينقل فيهما خلافا منّا ، فلا عبرة بشيء منها ،
سيّما مع استفاضة الصحاح الصراح كغيرها بعدم القضاء مطلقا معلّلة له بأنّ كلّ ما
غلب الله تعالى عليه فهو أحق بالعذر وأولى .
ولأجله لا يمكن
تقييدها بالمستفيضة الدالة على القول الثاني ، سيّما مع ضعف أسانيد أكثرها ، وقصور
دلالتها كلّها ، بل ضعفها ، لقوة احتمال أن يكون المراد بصلاة اليوم الذي أفاق
فيهما أفاق فيها لا مطلقا ، كما يستفاد من الصحاح المستفيضة ، منها : « لا يقضي
إلاّ الصلاة التي أفاق فيها » .
وفي جملة منها : «
يقضي الصلاة التي أدرك وقتها » .
مع احتمال حملها
كما عداها على التقية ؛ لوجود القول بمضامينها بين العامة .
أو على الاستحباب
، كما صرّح به المتأخرون كافة ، تبعا للصدوق في الفقيه والشيخ في كتابي الحديث . ولا بأس به
جميعا بين الأدلّة ، ويحمل الاختلافات على تفاوت مراتب الفضيلة ، فأعلاها الجميع ،
ثمَّ الشهر خاصة
__________________
كما حكاه في
السرائر رواية ، ثمَّ الأيام الثلاثة ، ثمَّ صلاة يوم الإفاقة.
وللحمل على
الاستحباب شواهد من النصوص ذكرناها في الشرح من أرادها فليراجعها ثمة.
واعلم : أنّ مقتضى
إطلاق النصوص ـ كالعبارة ونحوها ـ عدم الفرق بين كون الإغماء بفعل المكلّف أم لا.
خلافا للشهيدين
وغيرهما فقيدوه بالثاني ، وأوجبوا القضاء في الأوّل ، وعزاه في
الذكرى إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.
ولعلّه لانصراف الإطلاقات ـ بحكم التبادر وغيره كالتعليل في جملة من الصحاح بأن ما
غلب الله تعالى فهو أولى بالعذر ـ إليه ، دون الأوّل ، فيرجع فيه إلى عموم ما دلّ
على قضاء الفوائت. وهو حسن إن سلّم العموم ، ولكنه كما عرفت سابقا ممنوع ؛ إذ هو
حيث يصدق الفوت ، ولا يصدق هنا ، لعدم التكليف بالأداء حال الإغماء مطلقا إجماعا ،
والأصل براءة الذمة ، وهو كاف في إثبات عدم وجوب القضاء الوارد في النصوص وإن لم
تشمله هنا لما مضى. فالقول بعدم وجوب القضاء أقوى لو لم يكن وجوبه إجماعا كما يفهم
من الذكرى ، بل وغيرها أيضا .
(
وفي ) وجوب ( قضاء الفائت لعدم
ما يتطهر به ) من ماء وتراب وما في معناه
( تردّد ) قولان :
من عموم ما دلّ
على وجوب قضاء الفوائت.
__________________
وممّا قدّمناه من
تبعية القضاء للأداء مفهوما وإن قلنا بعدم تبعيته له حكما كما هو الأقوى ، ولا
أداء هنا على الأشهر الأقوى ، بل في روض الجنان وغيره أنه مذهب الأصحاب
لا نعلم فيه مخالفا.
وظاهر هما كونه
إجماعا. ولعلّه كذلك وإن حكى الماتن في الشرائع قولا بأنه يصلّي ويعيد ؛ لندرته ، وعدم
معروفية قائلة.
نعم ، حكى المرتضى
في الناصرية عن جدّه وجوب الأداء دون القضاء ، وهو كسابقه نادر محجوج بعموم : « لا صلاة إلاّ بطهور » مع سلامته عن
المعارض.
وحيث لم يثبت
الأداء لم يثبت القضاء ؛ لما مضى. وهذا أقوى ، وفاقا للمحكي في المختلف عن المفيد
في رسالته إلى ولده والفاضلين وغيرهما .
خلافا للمرتضى في
الناصرية والشيخ في المبسوط والحلّي فيما حكي عنهما والشهيدين وغيرهما فالأول.
وجعلته في الشرح
أقوى ، بتخيّل صدق الفوت ، بدعوى ثبوت مطلوبية الأداء وإن لم يكن واجبا ، فإنّ عدم
وجوبه بفوات شرط وجوده لا يستلزم عدم
__________________
مطلوبيته ، بعد
ثبوتها بعموم ما دلّ على مطلوبية الصلاة ومحبوبيتها ، وإلاّ لزم أن يكون الطهور
شرطا لوجوبها لا لوجودها ، وهو باطل إجماعا.
وهو كما ترى ؛
لتوقف صحته بوجود عموم يدل على مطلوبية الصلاة الفريضة حين عدم وجوبها ، ولم نجد
له أثرا ، عدا العمومات الآمرة بها في أوقاتها ، وهي كما تدل على مطلوبيتها كذا
تدل على وجوبها ، فلا تكون من العموم المدّعى في شيء أصلا.
وعموم : « الصلاة
خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر » مخصوص بالنافلة كما يشهد به السياق ، ومع ذلك فيدل على
مطلوبية الصلاة ، ولا تكون صلاة إلاّ بشرطها وشروطها ، وإلاّ ففعلها من دونها يكون
مبغوضا فكيف يدّعى دلالته على كونها محبوبة حين عدم شرطها؟! وبالجملة : فإنّ
انتفاء الشرط على هذا الوجه الذي فرضنا يستلزم انتفاء كون المشروط واجبا لا من حيث
انتفائه من حيث هو هو حتى يلزم منه كون الطهور شرطا لوجوبها ، بل من حيث إنّ
انتفاءه يستلزم انتفاء القدرة على المشروط ولو شرعا ، وهي شرط في الوجوب إجماعا ،
ولذا اتّفق على عدم الوجوب هنا ، فانتفاؤها هنا يستلزم انتفاء وجوب المشروط بها
إجماعا ، بل ومطلوبيته أيضا ، حيث لا يكون دليل عليها سوى ما دلّ على الوجوب أيضا
كما هو مفروض المسألة على ما قدّمناه.
وحيث لم يجب
المشروط الذي هو الأداء ولا يكون مطلوبا لم يصدق القضاء حقيقة فلا يجب أيضا.
ولكن ( أحوطه القضاء ) خروجا عن الشبهة فتوى ، بل ودليلا ، لصدق الفوت في نحو ما
نحن فيه حقيقة لغة ، بل وعرفا ، لعدم صدق السلب فيه
__________________
ظاهرا ، فلا يقال
لمن ترك الصلاة لفقد الطهورين : إنه ما فاتته ، كما لا يقال فيما لو تركها بنوم أو
نسيان أو نحو هما ذلك ، بل يقال ويطلق الفوت عليه حقيقة ، كما وجد في الأخبار
بالنسبة إلى النوم ونحوه كثيرا ، بحيث يستفاد كون الإطلاق على سبيل الحقيقة لا
مجازا أو أعم.
وحينئذ فيتقوى
شمول عموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت لما نحن فيه أيضا ، سيّما وقد اشتهر بين
الأصوليين أنه يكفى في صدق القضاء حقيقة حصول سبب وجوب الأداء ـ كدخول الوقت مثلا
ـ وإن لم تجب فعلا ، ولعلّ وجهه ما ذكرنا.
وبموجب ذلك لا يبعد أن يكون القول بالوجوب أقوى كما اخترناه في الشرح ، لا لما
ذكرناه ثمة فإنه غفلة ، بل لما ذكر هنا.
لكن يؤيد ما
اخترناه هنا أوّلا ـ بعد الأصل ـ فحوى التعليل في النصوص الواردة في الإغماء بأن
كلّ ما غلب الله تعالى فهو بالعذر أولى ؛ لظهوره بل صراحته في أنّ سقوط القضاء في الإغماء موجب عن
عدم القدرة على الأداء ، وهو حاصل هنا كما قدّمناه. وخروج نحو النائم غير ضائر ؛
لأن العام المخصّص حجة في الباقي كما مرّ مرارا.
(
وتترتب الفوائت ) بعضها على بعض
( كالحواضر ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر كالخلاف والمعتبر والمنتهى
والتنقيح ؛ لعموم النبوي : « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » .
ونحوه الصحيح
الآتي في مسألة أن الاعتبار في القضاء بحال الفوات في
__________________
كل من القصر
والإتمام .
وضعف سند الأول
مجبور بالعمل. والدلالة واضحة ؛ لأن الأصل في التشبيه حيث لم يظهر وجه الشبه ولو
بتبادر أو غلبة أو شيوع ونحوها ـ كما فيما نحن فيه ـ المشاركة في جميع وجوه الشبه
، كما حقّق في الأصول مستقصى ، ومنها الترتيب هنا.
وورود الصحيح في
مورد خاص غير ضائر بعد عموم الجواب وعدم القائل بالفرق بين الأصحاب.
وللصحيح : « إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك [ قضاء ] صلوات فابدأ
بأولاهنّ ، فأذّن وأقم لها ثمَّ صلّها ، ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة
» وقريب منه آخر .
والأمر للوجوب وإن
كان في أخبار الأئمة : كما قرّر في الأصول ، سيّما بعد اعتضاده بفتوى المشهور
والإجماع المنقول.
وبهما يذبّ عن
المناقشات التي تورد على النصوص على تقدير تسليم الورود ، مع أنّ بعضها مردود من
غير جهتيهما أيضا كما بيّنته هنا ، وأمّا باقي المناقشات الأخر فقد أوردناها في
الشرح مستوفى.
وإطلاق العبارة
والنصوص يقتضي عدم الفرق في وجوب الترتيب بين العلم به والجهل. وهو في الأول ـ كما
عرفت ـ لا ريب فيه وإن حكى في الذكرى القول بالاستحباب عن بعض الأصحاب ، لكنه شاذّ وإن
مال إليه
__________________
بعض متأخري متأخري
الأصحاب .
وأما في الثاني فهو محل خلاف. والأكثر على العدم ؛ لعدم ظهور تبادره من الإطلاق ،
بل ظهور عدمه ، كما صرّح به جملة من الأصحاب ؛ فيدفع وجوب التكرار المحصّل له بالأصل وامتناع التكليف
بالمحال والحرج اللازمين لكثير من صور وجوبه ، ولا قائل بالفرق ، كما صرّح به جملة
من الأصحاب ، وهذا القول أنسب بالملة السهلة ، سيّما وأنه اشتهر بين
الطائفة.
وآخرون على وجوبه
إما مطلقا كما هو خيرة الفاضل في الإرشاد وغيره ، أو مع ظنه أو
وهمه كما في الدروس ، أو مع ظنه خاصة كما في الذكرى ، ولا ريب أن هذا
القول أحوط وأولى.
وعليه فيصلّي من
فاته الظهران من يومين ظهرا بين عصرين أو بالعكس ، لحصول الترتيب بينهما على تقدير
سبق كل واحدة ، ولو جامعهما مغرب من ثالث صلّى الثلاث قبل المغرب وبعدها ، أو عشاء
معها فعل السبع قبلها وبعدها ، أو صبح معها فعل الخمس عشرة قبلها وبعدها ، وهكذا.
والضابط تكريرها
على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات ، وهي اثنان في الأول ، وستّ في الثاني
، وأربعة وعشرون في الثالث ، ومائة وعشرون في الرابع ، حاصلة من ضرب ما اجتمع
سابقا في عدد الفرائض المطلوبة. ولو أضيف إليها سادسة صارت الاحتمالات سبعمائة
وعشرين ،
__________________
فتأمل . وصحته على الأول
من ثلاث وستين فريضة ، وهكذا.
ويمكن صحتها من
دون ذلك بأن يصلّي الفرائض جمع كيف شاء مكررة عددا ينقص عنها بواحدة ثمَّ يختمه
بما بدأ به منها ، فتصح فيما عدا الأولين من ثلاث عشرة في الثالث ، وإحدى وعشرين
في الرابع ، وإحدى وثلاثين في الخامس ، ويمكن فيه بخمسة أيام ولاء والختم بالفريضة
الزائدة.
(
و ) تترتب ( الفائتة ) الواحدة مطلقا ( على الحاضرة ) وجوبا أيضا ما لم يتضيق وقتها فتقدم إجماعا فيه.
وأما الأول فهو الأشهر
الأقوى ، بل عليه عامة قدماء أصحابنا إلاّ الصدوقين ، وهما نادران ،
بل على خلافهما ووجوب تقديم الفائتة على الحاضرة مع سعة وقتها مطلقا إجماع أصحابنا
، كما حكاه جماعة مستفيضا ، كالشيخ في الخلاف ، والمفيد في بعض رسائله ، والحلّي
في السرائر في بحث مواقيت الصلاة ، وابن زهرة في الغنية على ما حكاه عنه في
الذخيرة .
وهو ظاهر المرتضى
في بعض مسائله ، حيث إنه بعد أن سأله السائل عن حكم المسألة وما يتفرع عليه قاطعا
بالإجماع عليه قائلا : إذا كان إجماعنا مستقرا بوجوب تقديم الفائت من فرائض
الصلوات على الحاضر منها إلى أن
__________________
يبقى [ من ] وقته مقدار فعله
، فما القول فيمن صلّى حاضرا؟. إلى آخر ما سأل ، لم ينبهه ; بفساد قطعه وعدم
الإجماع ، بل أقرّه على ذلك وأجابه بما أجاب.
وناهيك هذه الإجماعات في إثبات حكم المسألة ، سيّما بعد اعتضادها بالشهرة العظيمة
بين قدماء الطائفة ، بل مطلقا كما صرّح به جماعة .
وظاهر إطلاقاتها
عدم الفرق بين الفائتة الواحدة والمتعددة ، ليومه أم لا ، كما هو مقتضى إطلاق أكثر
الأدلة على وجوب تقديم الفائتة كتابا وسنّة ، قال سبحانه( أَقِمِ
الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) وهو في الفائتة كما في الذكرى وغيرها .
ودلّت عليه جملة
من المعتبرة ، منها الصحيح : « من نسي شيئا من الصلوات فليصلّ إذا ذكرها ، فإنّ
الله عزّ وجل يقول( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) » .
وهو ـ كما ترى ـ ظاهر
في العموم ، كالنبوي : « لا صلاة لمن عليه صلاة » .
والصحيح : عن رجل
صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها ، فقال : « يقضيها إذا ذكرها
من ليل أو نهار ، فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب
وقت هذه الصلاة التي حضرت ، وهذه أحق بوقتها فليصلّها ، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته
ممّا قد مضى ، ولا يتطوع بركعة
__________________
حتى تقضى الفريضة
كلّها » وهذا صريح في العموم.
وأصرح منه الصحيح
الآخر الطويل المشهور ، فإنّ في آخره : « وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا
فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة ، ابدأ بالمغرب ثمَّ بالعشاء ، فإن خشيت أن تفوتك
الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمَّ بالغداة ثمَّ صلِّ العشاء ، وإن خشيت أن
تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمَّ صلّ المغرب والعشاء ، ابدأ
باولاهما لأنهما جميعا قضاء ، فلا تصلّهما إلاّ بعد شعاع الشمس » ، قال : قلت : لم
ذلك؟ قال : « لأنك لست تخاف فوتها » .
وقريب منها إطلاق كثير من النصوص المستفيضة المنجبر ضعفها ـ كبعض ما سبقها ـ بالشهرة
والإجماعات المستفيضة والاحتياط للعبادة.
فقول الماتن بوجوب
تقديم الواحدة دون المتعددة ، لقوله ( وفي وجوب ترتب الفوائت ) المتعددة
( على الحاضرة تردّد ) يظهر وجهه ممّا مرّ وسيأتي
( أشبهه الاستحباب ) لا وجه له ، عدا ما في المدارك حيث تبعه من الاستناد في الأول إلى الصحيح : عن رجل نسي
الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلّى العصر ، فقال : « إذا كان أمكنه أن يصلّيها قبل
أن تفوت المغرب بدأ بها ، وإلاّ صلّى المغرب أوّلا ثمَّ صلاّها » ونحوه صحيح آخر .
__________________
وفي الثاني إلى
الصحيح : « إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل
الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ
بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع
الشمس » .
ونحوه الخبر
بزيادة : « فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ويدع العشاء
الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها » .
وللصحيح : عن
الرجل تفوته صلاة النهار ، قال : « يصلّيها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء
» .
قال : ويؤيده
الأخبار المتضمنة لاستحباب الأذان والإقامة في قضاء الفوائت ، والروايات
المتضمنة لجواز النافلة ممن عليه فريضة ، كالصحيح : « إن رسول الله 6 رقد ، فغلبته
عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس ، ثمَّ استيقظ فركع ركعتين ثمَّ صلّى الصبح ،
فقال : يا بلال ما لك؟
قال : أرقدني الذي
أرقدك يا رسول الله ، قال : وكره المقام وقال : نمتم بوادي الشيطان » .
قال : والظاهر أنّ
الركعتين اللتين صلاّهما أوّلا ركعتا الفجر كما في
__________________
الصحيح .
وهو كما ترى :
فإنّ الصحيح الأول نقول بمضمونه.
والثاني معارض بمثله
بل وأمثاله ممّا مضى ، فهي أرجح منه بمراتب شتّى ، ومنها تضمنه ـ كالخبر بعده مع
ضعف سنده ـ ما هو مذهب العامة من توقيت العشاءين إلى الفجر ، والمنع عن
الصلاة بعد طلوع الشمس إلى أن يذهب شعاعها كما في بحث المواقيت قد مضى ، فتكون
بالترجيح أولى وإن تضمّن بعضها الأخير وغيره ممّا لا قائل به ، وهو العدول عن
الحاضرة إلى الفائتة بعد الفراغ منها معلّلا بأنها أربع مكان أربع ، لانجباره
بالشهرة والإجماعات المستفيضة والاحتياط.
ولا كذلك هذه الصحيحة وما في معناها ؛ لعدم جابر لها مطلقا ، عدا الأصل المعارض
بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادات ، والإطلاقات كتابا وسنّة بتوسعة أوقات
الصلوات الخمس اليومية ، وهي عامة ، وما ذكرناه من الأدلة خاصة ، فلتكن عليها
مقدمة ، مع أنّ في شمولها لنحو المسألة مناقشة لا يخفى وجهها ؛ مع أنّ ظاهر الأمر
فيهما الوجوب كما هو ظاهر الصدوقين ، وأقلّه الاستحباب كما يعزى إليهما ، ولا يقول به
الماتن ومن تبعه.
وبنحوه يجاب عن
الصحيحة بعدهما ؛ لتضمنها التخيير الظاهر في تساوي الفردين المخيّر بينهما إباحة
ورجحانا ، ولا يقولان به أيضا.
مضافا إلى أنّ
صلاة النهار فيها مطلقة تشمل النافلة والفريضة الواحدة والمتعددة ، وتخصيصها بأحد
هذه الأفراد جمعا بين الأدلة وإن أمكن ، إلاّ أنه
__________________
يمكن حملها على
التقية أو النافلة إن جوّزناها في وقت الفريضة ، والترجيح لهذا ، لما مضى.
مع أنّ إطلاقها
معارض بالإطلاقات المتقدمة كتابا وسنة ، وهي أرجح من هذا بمراتب عديدة كما عرفت.
وأما المؤيدات فهي
بمكان من الضعف :
أمّا الأول منها
وهو استحباب الأذان والإقامة : فلكونهما من توابع الصلاة ومستحباتها ، فيكون
التأخير بمقدار هما خارجا عن محل نزاعنا ، سيّما مع كونه إجماعيا ، ولذا يقول به
الماتن ونحوه ممّن جعل تقديم الفائتة أولى ، وإلاّ لتناقض حكمهم
هذا وتصريحهم باستحبابهما للفائتة أيضا.
وأما الثاني فهو
حسن إن قلنا به ، وإلاّ ـ كما هو الأشهر الأقوى ـ فلا تأييد فيه أصلا ، بل ينبغي
حمل الأخبار الدالة عليه على التقية قطعا سيّما مع تضمن بعضها ما لا يقول به
أصحابنا ، هذا.
ولو صحّ هذا
المؤيد للزم صحة القول بالمواسعة مطلقا حتى في الواحدة ، لجريانه فيها أيضا. بل
الصحيحة المتقدمة منها صريحة في فعل النافلة قبل الفائتة الواحدة ، وهو ينافي
التضييق الذي قالا به فيها ، فتأمل جدّا.
وممّا ذكرناه يظهر
ما في القول بالمواسعة مطلقا مع رجحان تقديم الحاضرة وجوبا كما هو ظاهر الصدوقين ،
أو استحبابا كما عزي إليهما ، أو بالعكس مطلقا كما هو خيرة الشهيدين وغيرهما ، أو في غير يوم
الفوات وأما فيه فالوجوب كما عليه العلامة .
ويضعّف هذا ـ زيادة
على ما مضى ـ عدم شاهد عليه أصلا مع مخالفته
__________________
كمختار الماتن
لإجماع القدماء ، بل والمتأخرين أيضا.
وأما ما يورد على
أدلة المختار من المناقشات فقد استوفينا الكلام فيها وفي جملة ما يتعلق بالمسألة
في الشرح بما لا مزيد عليه ، من أراد التحقيق فيها كما هو فعليه بمراجعته ثمة.
واعلم : أنّ في صحة الحاضرة لو قدّمت على الفائتة حيث يجب تقديمها قولان ، أكثر
القدماء المحكي لنا كلامهم على العدم ، ومنهم المرتضى ; والحلّي ، وزادا فمنعا من أكل ما يفضل ممّا يمسك الرمق ومن نوم
يزيد على ما يحفظ الحياة ، ومن الاشتغال بجميع المباحات والمندوبات والواجبات
الموسّعة قبل القضاء.
وهو حسن إن قلنا
بإفادة الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص ، وإلاّ كما هو الأقوى وعليه أكثر متأخري
أصحابنا فلا.
نعم ، يشكل الحكم
بصحة الضد لو كان عبادة ؛ إذا المقتضي لصحتها ليس إلاّ الأمر ، وهو لا يجامع الأمر
بالقضاء المضيّق الثابت قطعا ، لتضادّهما ، وإذا انتفى لم يكن لصحة العبادة معنى ،
لفقد مقتضيها ؛ مضافا إلى ظاهر النبوي المتقدم : « لا صلاة لمن عليه صلاة ».
فما ذكروه من
بطلان الحاضرة لعلّه أقوى ، كما عليه الماتن في الشرائع ، وهنا أيضا ،
لقوله ( ولو
قدّم الحاضرة ) على الفائتة ( مع سعة
وقتها ) حال كونه ( ذاكرا ) للفائتة
( أعاد ) الحاضرة بعد أداء
الفائتة ، ويظهر من المدارك عدم الخلاف فيه على القول بوجوب تقديم الفائتة حيث
فرّعه عليه ، قال : وإلاّ فلا إعادة .
__________________
( ولا يعيد ) ها
( لو سها ) عن الفائتة قولا
واحدا ؛ للصحيح الآتي قريبا.
(
ويعدل عن الحاضرة إلى الفائتة لو ذكر ) ها
( بعد التلبس ) بالحاضرة ؛ للصحيح :
« إن نسيت الظهر
حتى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى فإنما هي أربع
، وإن ذكرت أنك لم تصلّ الاولى وأنت في صلاة العصر وقد صلّيت منها ركعتين فانوها
الاولى وصلّ الركعتين الباقيتين وقم فصلّ العصر ، وإن كنت ذكرت أنك لم تصلّ العصر
حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصلّ العصر ثمَّ صلّ المغرب ، وإن كنت قد صلّيت
المغرب فصلّ العصر ، وإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر فانوها
العصر ثمَّ قم فأتمها بركعتين ثمَّ سلّم ثمَّ صلّ المغرب ، وإن كنت قد صليت العشاء
الآخرة ونسيت المغرب فقم فصلّ المغرب ، وإن كنت ذكرتها وقد صلّيت من العشاء الآخرة
ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمَّ سلّم ثمَّ قم فصلّ العشاء الآخرة ،
وإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة ، وإن كنت
ذكرتها وأنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمَّ قم فصلّ
الغداة » الحديث .
ولا خلاف فيه أيضا
إلاّ من القائلين بالمواسعة فاستحبوا العدول ولم يوجبوه ، وظاهر الأمر يردّهم.
وإنما يعدل إلى
الفائتة مع الإمكان ، وهو حيث لا يتحقق زيادة ركوع على عدد السابقة.
وظاهر الصحيحة
جواز العدول مع الفراغ من الفريضة ، ولا قائل به أجده ، وحملها الشيخ في الخلاف
على أن المراد بالفراغ ما قاربه . ولا بأس
__________________
به ؛ حذرا من
مخالفة الإجماع ، وعملا بما دلّ على أن الصلاة على ما افتتحت عليه ، خرج ما خرج
بالنص والإجماع ، وبقي الباقي.
(
و ) منه يظهر أنه ( لو ) سها ف
( تلبّس بنافلة ثمَّ ذكر ) أن عليه ( فريضة )
فائتة أو حاضرة ( أبطلها ) أي النافلة ( واستأنف الفريضة ) ولم يجز له العدول.
وأما وجوب الإبطال فمبني على القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة ، كما هو
الأشهر الأقوى ، وقد مضى في بحث المواقيت مفصّلا ، ويأتي على القول الآخر عدم
الوجوب ، لكن في جواز الإبطال حينئذ وعدمه وجهان مبنيان على جواز إبطال النافلة
اختيارا أم لا ، وقد تقدّم الكلام في هذا أيضا مستوفى.
(
و ) يجب أن ( يقضي ما فات سفرا
قصرا ) مطلقا ( ولو كان ) حال القضاء ( حاضرا ، و ) يقضي
( ما فات حضرا تماما ولو كان مسافرا ) فإن العبرة هنا بحال الفوات لا الأداء ؛ إجماعا ، وللمعتبرة
المستفيضة ، ففي الصحيح : « يقضي ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السفر أدّاها في
الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته » .
ولو اختلف الفرض
في أول الوقت وآخره ، بأن كان حاضرا ثمَّ سافر ، أو مسافرا فحضر وفاتته الصلاة ،
ففي اعتبار حال الوجوب أو الفوات قولان ، أظهر هما ـ وعليه الأكثر ـ الثاني ،
وسيأتي البحث فيه في صلاة المسافر إن شاء الله تعالى.
وكما أن الاعتبار
في القصر والإتمام بحال الفوات كذلك الاعتبار بحاله
__________________
في كل من الجهر
والإخفات ، فيقضي الجهرية جاهرا فيها ولو نهارا ، والإخفاتية مخفتا فيها ولو ليلا
؛ كلّ ذلك لعموم التشبيه المتقدم والإجماع المحكي في الخلاف .
والاعتبار في
الكيفية بحال الفعل لا حال الفوت ، فيقضي ما فاته وهو قادر على القيام فيه بأيّ
نحو قدر ولو قاعدا أو مضطجعا أو مستلقيا ، وبالعكس ، والوجه فيهما واضح كما بيّنته
في الشرح.
(
ويقضي المرتد ) مطلقا إذا أسلم كلّ ما فاتته
( زمان ردّته ) إجماعا ؛ لعموم وجوب قضاء الفوائت ، مع سلامته عن المعارض ، عدا حديث جبّ
الإسلام . وهو لإطلاقه وعدم عمومه لغة غير معلوم الشمول لنحو المقام
؛ لعدم تبادره منه إلى الأذهان.
(
ومن فاتته فريضة ) حضرا ( من يوم
ولم يعلمها ) بعينها ( صلّى
اثنتين وثلاثا ) معيّنتين للصبح والمغرب
( وأربعا ) مطلقة بين
الرباعيات الثلاث ، ناويا بها عمّا في ذمته ، على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة
متأخري أصحابنا ، وفي الخلاف والسرائر الإجماع عليه.
للخبرين المروي أحدهما في المحاسن عن مولانا الصادق 7 ، وفيه : عن رجل نسي صلاة من الصلوات لا يدري أيّتها هي ،
قال : « يصلّي ثلاثا وأربعا وركعتين ، فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد
صلّى
__________________
أربعا ، وإن كانت
المغرب والغداة فقد صلّى » وإرسالهما مجبور بالفتاوي.
خلافا للحلبي وابن
حمزة ، فأوجبا قضاء الخمس ؛ تحصيلا لنية التعيين الواجبة إجماعا مع الإمكان كما
هنا ، وللجهر والإخفات أن أوجبناهما ، كما هو الأقوى. وهو متين لو لا ما قدّمناه
من الخبرين المنجبرين بما قدّمنا.
وعلى المختار
يتخير بين الجهر والإخفات ؛ لاستحالة التكليف بهما ؛ وعدم إمكان الجمع بينهما ،
وحيث لا ترجيح ثبت التخيير بينهما.
وكذا بين تقديم
أيتها شاء مطلقا.
ولو كان في وقت العشاء ردّد بين الأداء والقضاء إن أوجبنا نيتهما أو احتيط بها ،
وإلاّ فلا احتياج إليها وكفى قصد القربة مطلقا.
ويستفاد من فحوى
الرواية انسحاب الحكم فيما لو فاتته سفرا ، وعليه جماعة ، فيصلّي مغربا
وثنائية مطلقة بين الثنائيات الأربع كما سبق.
خلافا للحلي فأوجب
هنا قضاء الخمس . وهو أحوط ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص
المنجبر بالعمل. وظهور الرواية في العموم مسلّم لكن لم يظهر لها في محل البحث جابر
؛ لاختصاص الشهرة الجابرة بغيره ، اللهم إلاّ أن تجبر بالاعتبار وفتوى هؤلاء
الجماعة ، ولا يخلو عن قوة.
(
ولو فاته ) من الفرائض ( ما لم يحصه ) عددا
( قضى حتى يغلب ) على ظنه ( الوفاء
) على المشهور ، بل
المقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك ، مشعرا بالإجماع. فإن تمَّ وإلاّ كان الرجوع إلى الأصول
لازما ،
__________________
ومقتضاها القضاء
حتى يحصل العلم بالوفاء ، تحصيلا للبراءة اليقينية عمّا تيقن ثبوته في الذمة مجملا
، وبه أفتى شيخنا في روض الجنان في بعض الصور ، وفاقا للذكرى .
خلافا لسبطه في
المدارك ، فاستوجه الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته خاصة مطلقا ، وفاقا لمحتمل
التذكرة ، قال : لأصالة البراءة من التكليف بالقضاء مع عدم تيقن
الفوات .
ويؤيده الحسن : «
متى ما استيقنت أو شككت في وقت صلاة أنك لم تصلّها صلّيتها ، وإن شككت بعد ما خرج
وقت الفوات فقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شيء حتى تستيقن ، وإن استيقنت فعليك
أن تصليها في أي حال » .
وفيه نظر ؛ لابتناء الأول على عدم حجية الاستصحاب ، وهو خلاف الصواب.
والمتبادر من
الثاني هو الشك في ثبوت أصل القضاء في الذمة وعدمه ، ونحن نقول بحكمه الذي فيه ،
ولكنه غير ما نحن فيه ، وهو الشك في مقدار القضاء بعد القطع بثبوت أصله في الذمة
واشتغالها به مجملا ، والفرق بينهما واضح لا يخفى.
(
ويستحب قضاء النوافل الموقتة ) استحبابا مؤكدا ؛ بإجماعنا المصرّح به في الخلاف وروض الجنان والمنتهى وغيرها ؛ وللصحاح وغيرها
، منها : « إنّ
__________________
العبد يقوم فيقضي
النافلة فيعجب الرب ملائكته منه ويقول : يا ملائكتي ، عبدي يقضي ما لم افترض عليه
» .
ومنها : عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها ، كيف يصنع؟ قال : «
فليصلّ حتى لا يدري كم صلّى من كثرتها فيكون قد قضى بقدر ما علم من ذلك » ، ثمَّ
قال : قلت له : فإنه لا يقدر على القضاء ، فقال : « إن كان شغله في طلب معيشة لا
بدّ منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه ، وإن كان شغله لجمع الدنيا والتشاغل بها
عن الصلاة فعليه القضاء ، وإلاّ لقي الله تعالى وهو مستخفّ متهاون مضيّع لحرمة
رسول الله 6 » ، قال : قلت : فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزي أن يتصدّق ، فسكت مليا
ثمَّ قال : « فليتصدق بصدقة » ، قلت : فما يتصدّق؟ قال : « بقدر طوله ، وأدنى ذلك
مدّ لكلّ مسكين مكان كل صلاة » ، قلت : وكم الصلاة التي يجب فيها مدّ لكل مسكين؟
قال : « لكلّ ركعتين من صلاة الليل ولكل ركعتين من صلاة النهار مدّ » ، قلت : لا
يقدر ، فقال : « مدّ إذا لكلّ أربع ركعات من صلاة النهار » قلت : لا يقال ،
قال : « فمدّ إذا لصلاة الليل ومدّ لصلاة النهار ، والصلاة أفضل ، والصلاة أفضل ،
والصلاة أفضل » .
(
ولو فات بمرض لم يتأكد القضاء ) للصحيح : « ليس عليك قضاء ، إنّ المريض ليس كالصحيح ، كلّ
ما غلب الله تعالى فهو أولى بالعذر فيه » .
__________________
ويستفاد من التعليل عموم الحكم لكل معذور من غير اختصاص بالمريض ، ولا بأس به وإن لم
أجد من الأصحاب مصرّحا به.
(
وتستحب الصدقة ) مع العجز عن القضاء
( عن كل ركعتين بمدّ ، فإن لم يتمكن فعن كل يوم بمدّ ) للصحيح المتقدم ، إلاّ أنه غير منطبق على ما في العبارة
ونحوها ، والعمل عليه أحوط وأولى.
( الثالث : في
) بيان أحكام صلاة ( الجماعة )
(
والنظر ) فيه ( في أطراف :
).
(
الأوّل : الجماعة مستحبة في الفرائض ) كلّها حتى المنذورة وصلاة الاحتياط وركعتي الطواف ، أداء
وقضاء ، على ما يقتضيه عموم العبارة ونحوها ، والصحيح : « الصلاة فريضة ، وليس
الاجتماع بمفروض في الصلاة كلّها ، ولكنّها سنّة ، من تركها رغبة عنها وعن جماعة
المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له » .
وبالتعميم إلى المنذورة والأداء والقضاء صرّح الشهيدان في روض الجنان والذكرى ، بل فيها ما
يفهم كونه إجماعا بيننا. فإن تمَّ وإلاّ كان التعميم بالإضافة إلى ما عدا الأداء
والقضاء محلّ نظر ، سيّما صلاتي الاحتياط والطواف ؛ لما بيّنته في الشرح مستوفى ،
ولا ريب أن الأحوط تركها فيهما.
وهي ( متأكدة في الخمس ) اليومية بالضرورة من الدين وبالكتاب والسّنّة
المتواترة العامة والخاصة ، العامية والخاصية ، ففي الصحيح : « الصلاة في جماعة
تفضل على صلاة الفذّ ـ أي الفرد ـ بأربع وعشرين درجة ، تكون
__________________
خمسة وعشرين صلاة
» .
وبمعناه أخبار
مستفيضة ، بل في بعضها : تفضل بخمس وعشرين ، وفي آخر : بسبع وعشرين ، وفي غيرهما :
بتسع وعشرين .
وفيه : قال 6 : « لا صلاة لمن
لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلاّ من علّة ، وقال رسول الله 6 : لا غيبة إلاّ
لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين
غيبته وسقطت بينهم عدالته ووجب هجرانه ، وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذّره
، فإن حضر جماعة المسلمين وإلاّ أحرق عليه بيته » .
وتقييد المنع عن
تركها بالرغبة عنها ظاهر في عدمه مع عدمها ، كما يدل عليه أيضا إطلاق أخبار
الأفضلية المتقدمة. وعليها يحمل الأخبار الكثيرة الظاهرة في المنع عن الترك من غير
تقييد بالرغبة ، جمعا بين الأدلة ( و ) التفاتا إلى مخالفتها لإجماع الطائفة على أنها ( لا تجب إلاّ في ) صلاة
( الجمعة والعيدين مع الشرائط ) المتقدمة لوجوبها في بحثها ، على الظاهر ، المصرّح به في
كلام جماعة .
__________________
وهذا الجمع أولى
من حمل الموجبة على هذه الصلوات التي تجب فيها الجماعة ؛ لأن من جملتها ما أوجبها
في الفجر والعشاء ، ومع ذلك فهو بعيد جدا ، وهنا محامل أخر ذكرناها في الشرح.
ويدلّ على عدم
الوجوب صريحا الصحيحة المتقدمة المصرّحة بأنها سنّة. ولا يمكن أن يراد بالسنّة
فيها ما يقابل الفرض الإلهي فيشمل الواجب النبوي فتنتفي الدلالة باحتمال كونه
المراد بها ؛ لضعفه بورود الأمر الإلهي بها في قوله تعالى(
وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ ) فانحصر كون المراد بها المعنى المعروف بين أصحابنا وهي
السنّة في مقابل مطلق الواجب ، فتأمل جدّا.
(
ولا ) يجوز أن ( تجمع في نافلة ) بإجماعنا الظاهر المنقول في ظاهر المنتهى والتذكرة وكنز
العرفان ، وللنصوص المستفيضة به من طرقنا :
منها : المروي في الخصال عن مولانا الصادق 7 : « ولا يصلّى التطوع في جماعة ؛ لأن ذلك بدعة ، وكلّ بدعة
ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار » .
ونحوه المروي في
العيون عن مولانا الرضا 7 .
ومنها : « لا
جماعة في نافلة » .
ومنها : المرتضوي
المروي في الكافي أنه 7 قال في خطبته : « وأمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان
إلاّ في فريضة ، وأعلمتهم أنّ
__________________
اجتماعهم في
النوافل بدعة » الخبر .
وقصور الأسانيد
مجبور بعمل الأصحاب ، وباستفاضة النصوص ـ وفيها الصحيح وغيره ـ بالمنع عن الاجتماع
في النافلة بالليل في شهر رمضان وانه بدعة .
ولا قائل بالفرق
بين الطائفة ، فإن من منع عنه منع مطلقا.
(
عدا ما استثني ) من الاستسقاء إجماعا ، وصلاة العيدين مع عدم اجتماع شرائط الوجوب على المشهور
، والغدير على قول للحلبي والشهيد في اللمعة والمحقّق الثاني فيما حكي .
ومن حكي عنه الجواز حكي عنه مطلقا ، فتخصيص المنع بنوافل شهر رمضان إحداث قول لا
يجوز قطعا.
هذا ، مع مخالفة
الجماعة للأصول والقواعد المقررة ، من حيث تضمنها نحو سقوط القراءة ووجوب المتابعة
ممّا الأصل عدمه بلا شبهة ، خرج عنها الصلاة المفروضة بما مرّ من الأدلة المقطوعة
، وبقي النافلة تحتها مندرجة.
وإطلاق بعض
الروايات باستحباب الجماعة في الصلاة من دون تقييد بالفريضة غير معلوم الشمول للنافلة بعد
اختصاصه بحكم التبادر والغلبة بالفريضة ، مع أنه منساق لإثبات أصل استحبابها في
الجملة من دون نظر إلى تشخيص كونها في فريضة أو نافلة ، فيكون بالنسبة إليهما
كالقضية المهملة يكفي في صدقها هنا الثبوت في الفريضة.
__________________
نعم ربما يتوهم من
الصحاح الجواز ، منها : « صلّ بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة » .
ومنها : عن المرأة
تؤم النساء؟ فقال : « تؤمّهنّ في النافلة ، فأما في المكتوبة فلا » ونحوه آخر .
لكنها غير ظاهرة الدلالة ولا واضحة ؛ لعدم تصريح في الأول منها بالجماعة ، لاحتمال
كون المراد بالصلاة بالأهل الصلاة في الأهل بمعنى في البيت ، يعني لا في الخارج.
ولا في الأخيرين
بالمراد بالنافلة ، فتحتمل ـ لإطلاقها ـ النافلة المشروع فيها الجماعة لا مطلق
النافلة.
ولو سلّم فهي
محمولة على التقية ، فميل جماعة من متأخري المتأخرين إلى الجواز ـ لهذه الصحاح ،
مع القدح فيما مرّ من الأخبار بضعف ، سند ما دلّ منها على العموم ، وأخصّية صحيحها
من المدّعى ـ ضعيف ، سيّما مع ورود الأخصية التي اعترضوا بها على الصحيح على
صحاحهم كما لا يخفى ، والذبّ عنها بالإجماع المركب وإن أمكن إلاّ أنه مشترك.
والترجيح لذلك
الطرف ؛ للشهرة العظيمة ، بل الإجماع كما عرفته ، واعتضاد الصحيحة المانعة عن
الاجتماع في شهر رمضان بتلك المستفيضة الموافقة لها في الدلالة.
__________________
ولا كذلك الصحيحة
الاولى من هذه الصحاح ، فإنّها بالنسبة إليها مرجوحة ؛ لأنها بطرف الضد من
المرجحات المزبورة ، سيّما مع موافقتها للعامة كما تشهد بها الروايات المسطورة ،
وحكى في المنتهى القول بالجواز مطلقا عن جماعة من العامة ، ولأجله حملنا
الصحاح بجملتها على التقية.
وأما حكاية استثناء الحلبي ومشاركيه ـ ومنهم المفيد كما حكي ـ صلاة الغدير
فإنما هي لرواية على ما حكي التصريح به عن التذكرة ، وعلّله في
الروضة بثبوت الشرعية في صلاة العيد وأنه عيد ، ولا دخل له بجوازها في أصل النافلة.
وحيث إن تعليل
الروضة عليل ، والرواية لم نقف عليها كان عدم استثنائها أقوى ، وفاقا لأكثر
أصحابنا.
ولا يمكن الحكم به
من باب التسامح ؛ لأنه حيث لا يحتمل التحريم ، وهو قائم هنا.
(
ويدرك المأموم الركعة بإدراك الركوع ) اتفاقا فتوى ونصا ( وبإدراكه ) أي إدراك الإمام المدلول عليه بالمقام في حال كونه ( راكعا ) أي في الركوع ( على ) الأشهر الأقوى كما مضى بيانه وبيان وجه ( تردّد ) الماتن في بحث الجمعة مفصّلا.
(
وأقلّ ما تنعقد ) به الجماعة ( بالإمام
ومؤتم ) واحد ولو كان صبيا
أو امرأة كما في المعتبرة .
__________________
ولا خلاف في أصل
الحكم أجده ، وبه صرّح جماعة ، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة ، وفيها الصحيح وغيره ، بل
يستفاد من بعضها أنّ المؤمن وحده جماعة ، لكنه ـ مع ضعف سنده ـ محمول على أن المراد به إدراك
فضيلة الجماعة لطالبها ولم يجدها ، تفضّلا من الله تعالى ومعاملة له على قدر نيته
، فإنها خير من عمله.
وأما ما في الفقيه من أن الواحد جماعة ، لأنه إذا دخل المسجد وأذّن وأقام صلّى
خلفه صفّان من الملائكة ، ومتى أقام ولم يؤذّن صلّى خلفه صفّ واحد .
فلعلّه محمول على
شدة استحباب الأذان والإقامة لا أنه جماعة حقيقة.
(
ولا تصح ) الجماعة ( و ) الحال أن
( بين الإمام والمأموم ما يمنع المشاهدة ، وكذا ) لو كان
( بين الصفوف ) فتفسد صلاة من وراء الحائل ، بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر
مستفيضا .
للصحيح : « إن
صلّى قوم بينهم وبين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام ، وأيّ صفّ
كان أهله يصلّون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطّى فليس
ذلك لهم بصلاة ، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلاّ من كان حيال
الباب ، قال : وهذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس وإنما أحدثها الجبّارون ،
وليس لمن صلّى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة » .
__________________
واحترز بقوله :
يمنع المشاهدة ، عمّا لا يمنع عنها ولو حال القيام خاصة ، كالحائل القصير
والشبابيك المانعة عن الاستطراق دون المشاهدة ، فإنه تصح صلاة من خلفها مقتديا بمن
فيها كما هو المشهور.
خلافا للخلاف في
الشبابيك ، مستدلا عليه بالإجماع والصحيح المتقدم ، قال : وهو صريح بالمنع .
وهو غريب ؛ لعدم
وضوح وجه الدلالة فيه بعد ، ولذا اختلف فيه : فبين من جعله النهي فيه عن الصلاة
خلف المقاصير ، بناء على أن الغالب فيها كونها مشبكة.
وأجاب عنه في
المختلف بجواز كون المقاصير المشار إليها فيه غير مخرّمة .
ويعضده ذكر حكم
المقاصير التي أحدثها الجبّارون بعد اشتراط عدم حيلولة سترة أو جدار بنحو يفهم منه
دفع إيراد يحتمل الورود على الاشتراط ، ولو كانت المقاصير المشار إليها مخرّمة لما
كان سترة ولا جدارا حتى يحتاج إلى دفع إيراد يرد على الاشتراط ، فتأمل.
وبين من جعله ما
تضمن صدره من قوله 7 : « وإن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطّى فليس
ذلك الإمام لهم بإمام » فإنّ مالا يتخطى يتناول الحائط والشباك مطلقا وغيرهما .
وهذا بعيد جدّا ؛
لأن المراد بما لا يتخطى عدم التخطي بواسطة البعد لا باعتبار الحائل ، كما هو
المتبادر المدلول عليه بذيل الصحيح بعد التدبر
__________________
الصحيح ، هذا.
ولا ريب أن ما
ذكره الشيخ أحوط ، سيّما مع دعواه الإجماع عليه.
واعلم : أنّ
مشاهدة المأموم لمثله المشاهد للإمام أو لمن يشاهده وإن تعدّد كاف في صحة الجماعة
، وإلاّ لم تحصل للصفوف المتعددة ، مع أنه خلاف الإجماع ، بل الضرورة فتوى ورواية.
وهل يكفي المشاهدة مطلقا ، فيصح ما في المنتهى وغيره من أنه لو وقف
المأموم خارج المسجد بحذاء الباب وهو مفتوح بحيث يشاهد الإمام أو بعض المأمومين
صحّت صلاته وصلاة من على يمينه وعلى يساره وورائه؟
أم يشترط فقد
الحائل بينه وبين الإمام أو الصف السابق ، وإلاّ صحّ صلاة من فقده ومن بعده من
الصفوف إذا شاهدوه دون غيره؟
وجهان ، أحوطهما
الثاني ، سيّما مع قوة احتمال ظهوره من الصحيح الماضي ، إلاّ أن الأول أشهر ، بل
لا يكاد خلاف فيه يعرف إلاّ من بعض من تأخّر ، حيث إنّه بعد نقل ما في المنتهى عن
الشيخ ومن تبعه استشكله.
فقال : وهو متّجه
إن ثبت الإجماع على أن مشاهدة بعض المأمومين تكفي مطلقا ، وإلاّ كان في الحكم
المذكور إشكال ، نظرا إلى قوله 7 : « إلاّ من كان بحيال الباب » فإنّ ظاهره قصر الصحة على
صلاة من كان بحيال الباب ، وجعل بعضهم هذا الحصر إضافيا بالنسبة إلى الصف الذي
يتقدمه عن يمين الباب ويساره ، وفيه عدول عن الظاهر يحتاج إلى دليل .
انتهى. وهو حسن.
(
ويجوز ) الحيلولة بما يمنع
المشاهدة ( في
المرأة ) أي بينها وبين
__________________
إمامها إذا كان
رجلا ، وعرفت انتقال الإمام من القيام إلى السجود ومنه إليه مثلا ، بلا خلاف يظهر
إلاّ من الحلّي ، فجعلها كالرجل ؛ لعموم الدليل .
وهو مخصّص بصريح
الموثق : عن الرجل يصلّي بالقوم وخلفه دار فيها نساء ، هل يجوز لهنّ أن يصلّين
خلفه؟ قال : « نعم ، إن كان الإمام أسفل منهن » قلت : فإن بينهن وبينه حائطا أو
طريقا ، قال : « لا بأس » .
وقصور السند مجبور بالعمل ، بل بالإجماع كما في التذكرة .
نعم ، ما ذكره
أحوط.
(
ولا ) يجوز أن ( يأتم ) المصلّي
( بمن هو أعلى منه ) موقفا ( بما
يعتدّ به كالأبنية على رواية عمّار ) الموثقة : عن الرجل يصلّي بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه
الذي يصلّي فيه ، فقال : « إن كان الإمام على شبه الدكّان أو على موضع أرفع من
موضعهم لم يجز صلاتهم » .
وهي كما ترى صريحة
في الحرمة كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل لا خلاف فيها أجده ، إلاّ من
الخلاف فصرّح بالكراهة ، مدّعيا عليها أخبار وإجماع الطائفة .
لكنه شاذ ،
وإجماعه موهون إن أراد بالكراهة المعنى المعروف. وإن أراد بها الحرمة ـ كما صرّح
به الفاضل في المختلف ، وربما يشهد له سياق عبارة
__________________
الخلاف ـ فلا خلاف
له في المسألة وإن حكاه عنه جماعة مائلين إليه ؛ للأصل ؛ وعموم أدلة صحة القدوة من غير إشارة في شيء
منها إلى هذا الشرط بالمرّة ؛ وضعف الرواية سندا ومتنا.
وهو كما ترى ؛
لوجوب الخروج عن الأولين ـ على تقدير جريانهما في المقام ـ بالرواية ، لأنها من
الموثق وهو حجة ، وعلى تقدير الضعف فهو منجبر بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع
، بل الإجماع في الحقيقة كما عرفته.
وأما المتن فلا
ضعف فيه إلاّ من حيث التهافت واختلاف النسخة ، وهما لا تعلّق لهما بالحكم الذي
يتعلق بأصل المسألة ، وإنما هما في بيان البعد الممنوع عنه والمرخّص فيه ، وهو غير
أصل المسألة ، وضرر هما إنما هو فيه لا فيها ؛ ولذا لم يستند الأكثر في بيان البعد
إلى الرواية وإنما عوّلوا فيه على العرف والعادة.
وقدّره في الدروس
بما لا يتخطى كالفاضل في التذكرة . وقيل : بشبر ، بزعم استفادته من الرواية ، وادّعى الفاضل
الإجماع على اغتفاره في التذكرة .
ويعضد الرواية في
أصل المسألة نصوص أخر جملة منها صريحة ، وهي وإن كان الظاهر أنها عامية إلاّ أنها منجبرة بما
عرفته.
(
ويجوز ) الائتمام بالأعلى ( لو كانا على أرض
منحدرة ) بلا خلاف فيه
__________________
( ولا ) في أنه
( لو كان المأموم أعلى منه ) أي من الإمام مطلقا
( صحّ ) الائتمام ؛ لما في
ذيل الموثقة المتقدمة من قوله 7 : « وإن كان أرضا مبسوطة وكان في موضع منها ارتفاع فقام
الإمام في الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلاّ أنهم في موضع
منحدر فلا بأس » قال : وسئل : فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلّي خلفه ، قال :
« لا بأس » وقال : « وإن كان رجل فوق بيت أو غير ذلك دكانا كان أو غيره وكان
الإمام يصلّي على الأرض أسفل منه جاز أن يصلّي خلفه ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع
منه بشيء كثير ».
وقد عرفت الجواب عمّا يرد عليها ، مع كون الحكم فيها هنا إجماعيا كما صرّح به في
الأخير في المنتهى ، ويظهر من غيره أيضا ؛ معتضدا بالأصل والعمومات أيضا ؛ ولذا لم ينسبه الماتن
هنا إلى رواية عمّار مع كونه مذكورا فيها ، وإنما نسب الحكم سابقا إليها إشعارا
بالتردد فيه المعلوم وجهه وجوابه ممّا قدّمنا ، ويحتمل كون المنسوب إليها في كلامه
كون البعد الممنوع منه بما يعتدّ به كالدكان وشبهه لا المنع عن أصله ، ولكنه بعيد
جدّا ، هذا.
وأما الخبر
المنافي للحكم في الثاني فمع ضعف سنده بالجهالة شاذّ محمول على الفضيلة.
(
ولا ) يجوز أن ( يتباعد المأموم ) عن الإمام أو الصف الذي يليه ( بما يخرج ) به
( عن العادة ؛ إلاّ مع اتصال الصفوف ).
أما عدم جواز
التباعد في غير صورة الاستثناء فهو مجمع عليه بيننا على
__________________
الظاهر ، المصرّح
به في عبائر جماعة من أصحابنا .
واما تحديده بما
في العبارة فهو الأظهر الأشهر بين الطائفة.
استنادا في عدم
جواز البعد العرفي الخارج عن العادة بحيث يسمى كثيرا إلى الأصل ، مع عدم مصحّح
للعبادة معه ، عدا إطلاق النصوص بتبعّد المأموم عن الإمام مثلا وقيامه خلفه ، وهو
غير معلوم الانصراف إلى البعد بهذه الكيفية.
مع أنه لا قائل
بالصحة معه منّا إلا ما ينقل من ظاهر المبسوط من حكمه بجواز التباعد ثلاثمائة ذراع
. وعبارته المحكية غير صريحة في اختياره ذلك ، بل ولا ظاهرة ، بل أفتى أوّلا
بما في العبارة ثمَّ حكى القول المحكي عنه عن قوم ، والظاهر أن المراد بهم من
العامة ، كما صرّح به في المختلف ، قال : إذ لا قول لعلمائنا في ذلك . وعبارته هذه
ظاهرة في دعوى الإجماع على فساد هذا القول ، كما صرّح به الشيخ نفسه في الخلاف .
وإذا انتفى هذا
القول بالإجماع ظهر انعقاده على عدم جواز البعد الكثير مطلقا ؛ إذ لا قائل بجوازه
دون الثلاثمائة ، إلاّ ما ربما يتوهم من الخلاف ، من حيث تحديده البعد الممنوع عنه
بما يمنع عن مشاهدة الإمام والاقتداء بأفعاله ، الظاهر بحسب عموم المفهوم في جواز البعد بما لا يمنع عن
المشاهدة مطلقا وإن كان كثيرا عادة.
وهو غير صريح ، بل
ولا ظاهر في المخالفة ظهورا يعتدّ به ، سيّما وأن
__________________
غالب صور مفهوم
العبارة هو البعد الذي لم يخرج به عن العادة ، فيحمل عليه ، ولعلّه لذا لم ينقل
عنه في المختلف الخلاف في المسألة ، وإنما نقل في مقابلة المشهور القول بما لا
يتخطى والثلاثمائة خاصة ، مشعرا بأنهما المخالفان في المسألة.
وفي الصحة مع عدم
البعد الكثير العرفي وإن كان بما لا يتخطى إلى الإطلاق الذي مضى ، المعتضد بالأصل
والشهرة العظيمة بين أصحابنا بحيث كاد أن يكون إجماعا ، بل على جواز البعد بنحو من
الطريق والنهر الإجماع في الخلاف صريحا ، والغالب في البعد بهما كونه بما لا يتخطى.
ومنه يظهر جواز
الاستناد إلى الموثق الذي مضى في جواز ائتمام المرأة خلف الرجل وإن كان المسافة
بينهما حائطا أو طريقا.
خلافا للحلبي وابن زهرة ، فمنعا عن البعد
بما لا يتخطى ؛ للصحيح الذي مضى المصرّح بأنه لا صلاة لمن بينه وبين الإمام أو
الصف المتقدم عليه هذا .
وهو محمول على
الفضيلة جمعا والتفاتا إلى ما في ذيله من قوله : « وينبغي أن يكون الصفوف تامة
متواصلة بعضها إلى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى » وهو ظاهر في الاستحباب ،
أظهر من ظهور : « لا صلاة » في الفساد ، سيّما مع درج تواصل الصفوف وتماميتها معه
في حيّز : « ينبغي » فإنه بالنسبة إليه للاستحباب قطعا ، فكذا بالنسبة إلى مصحوبه
المفسّر له ظاهرا.
__________________
وقريب منه رواية
أخرى مروية عن دعائم الإسلام ، إذ فيها : « وينبغي للصفوف أن تكون متواصلة ، ويكون
بين كل صفين قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد » .
والظاهر أن جملة :
« ويكون » معطوفة على جملة « تكون » الأولى ، للقرب ؛ وشهادة الصحيحة. ويمكن جعلها
قرينة على كون العطف في هذه الرواية تفسيريا.
هذا مع أنّ فيها
إجمالا من حيث عدم تعيينهما مبدأ ما يتخطى ، أهو من المسجد أم الموقف ، فكما يحتمل
الثاني يحتمل الأول أيضا ، وعليه فلا مخالفة للمختار فيهما ، فتأمل جدّا.
هذا مضافا إلى ما يرد على هذا القول ممّا ذكرناه في الشرح مستقصى.
وبالجملة :
فالمشهور أقوى وإن كان ما ذكراه أحوط وأولى.
وهل اشتراط هذا
الشرط مطلق كما عليه الشهيدان ؟ أم مختص بابتداء الصلاة خاصة حتى لو فقد بخروج الصفوف
المتخللة عن الاقتداء بنية الانفراد أو بلوغ الصلاة إلى الانتهاء لم تنفسخ القدوة
كما عليه جماعة؟ .
وجهان ، والأصل ـ مع
اختصاص ما دلّ على الاشتراط بحكم التبادر بالابتداء ـ مع الثاني.
وعلى الأول فهل
تنفسخ القدوة مطلقا فينوي الانفراد للضرورة ، أم إذا لم يمكن تجديدها بالتقرب إلى
محل الصحة مع عدم حصول المنافي؟
وجهان ، والأحوط
تجديدها ثمَّ الصلاة مرة أخرى.
__________________
واعلم : أن اغتفار
البعد في صورة الاستثناء مجمع عليه ، بل ضروري جدّا.
وهل يجب أن لا
يحرم البعيد من الصفوف بالصلاة حتى يحرم بها قبله من المتقدم من يزول معه التباعد
كما يتوهم من بعض العبارات ؟ أم لا بل يكون مستحبا حيث لا يستلزم فوات القدوة وإلاّ
فالعدم أولى؟
وجهان ، ولعلّ
الثاني أقوى.
(
وتكره القراءة ) من المأموم الغير المسبوق
( خلف الإمام ) المرضي عنده ( في ) الصلوات
( الإخفاتية على ) الأظهر ( الأشهر
) بين الطائفة على
ما حكاه الماتن هنا ، وجماعة كالشهيدين في الدروس وروض الجنان ؛ للنهي عنها في
الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة .
وإنما حملت على الكراهة جمعا بينها وبين ما دلّ على الجواز من صريح المعتبرة ،
كالصحيح : عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام ، يقرأ فيهما بالحمد وهو إمام
يقتدى به؟ قال : « إن قرأت فلا بأس وإن سكتّ فلا بأس » .
والخبر المنجبر
ضعف سنده بعمل الأكثر : « إذا كنت خلف إمام تولاّه وتثق به فإنه يجزيك قراءته ،
وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه ، فإذا جهر فأنصت » .
وفي الصحيح : يقرأ
الرجل في الاولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ فقال : « لا ينبغي له أن
يقرأ ، يكله إلى الإمام » .
__________________
وهو ظاهر في
الكراهة ، أظهر من دلالة النهي على الحرمة ، سيّما مع شيوع استعماله في الكراهة ،
مع قوة احتمال وروده هنا لدفع توهم وجوب القراءة كما زعمته جماعة من العامة ، فلا يفيد سوى
إباحة الترك ، لا الحرمة ، بل ولا الكراهة ، وهي في الجملة من خصائص الإمامية ،
وادّعى إجماعهم عليها جماعة كالفاضلين في المعتبر والمنتهى والتذكرة .
ولعلّه لهذا قيل
بعدم الكراهة هنا . ولكنه ضعيف ؛ لما عرفت من ظهور الصحيحة الأخيرة فيها ؛
مضافا إلى التسامح فيها والاكتفاء في ثبوتها بفتوى فقيه واحد فضلا عن الشهرة ،
وباحتمال الحرمة ، كما عليها هنا من القدماء جماعة لظاهر النواهي ،
لكن قد عرفت جوابه.
ولصريح الصحيح : «
من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة » .
ويمكن حمله على
الكراهة ـ وإن بعد غايته ـ جمعا بينه وبين ما مرّ ممّا هو أصرح دلالة على الجواز
منه على الحرمة. أو على ما عدا الإخفاتية. أو على ما إذا قرأ بقصد الوجوب كما عليه
جماعة من العامة ، فيكون المقصود به ردّهم لا إثبات إطلاق الحرمة.
وأما القول
باستحباب القراءة لكن للحمد خاصة ـ كما عن الشيخ في
__________________
المبسوط والنهاية
وجماعة ـ فلم أقف له على دلالة ، فهو أضعف الأقوال في المسألة.
(
و ) كذا تكره ( في ) الصلوات
( الجهرية لو سمع ) القراءة ( ولو
همهمة ) وهي الصوت الخفي
من غير تفصيل الحروف ، بلا خلاف في أصل المرجوحية ، على الظاهر ، المصرّح به في
كلام جماعة ، كالفاضل المقداد في التنقيح والشهيد الثاني في روض الجنان والروضة ، ويشمله دعوى
الفاضلين الإجماع على السقوط في كتبهما المتقدمة ، كنفي الحلّي الخلاف في السرائر
عن ضمان الإمام للقراءة .
وهل هي على الحرمة
كما عليه من القدماء والمتأخرين جماعة ؟ أم الكراهة كما عليه آخرون ، وادّعى عليها الشهيدان
الشهرة في الدروس والروضة ، بل في التنقيح نسب وجوب الإنصات المنافي للقراءة إلى ابن
حمزة خاصة ، ثمَّ قال : والباقون سنّوه . ولعلّه ظاهر في دعوى الاتفاق؟ إشكال :
من الأمر بالإنصات في الآية الكريمة ، وجملة من الصحاح ، منها : « وإن كنت خلف الإمام فلا
تقرأنّ شيئا في الأوليين وأنصت لقراءته ، ولا تقرأ شيئا في الأخيرتين ، فإنّ الله
عزّ وجلّ يقول للمؤمنين( وَإِذا قُرِئَ
الْقُرْآنُ ) يعني في
__________________
الفريضة (
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) والأخيرتان تبع
للأوليين » ومنها : « إنّ الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة فإنما أمر بالجهر
لينصت من خلفه ، فإن سمعت فأنصت ، وإن لم تسمع فاقرأ » .
ومنها : « إذا كنت
خلف إمام تأتم به فأنصت وسبّح » ونحوها غيرها .
مضافا إلى النهي
عنها في الصحاح المستفيضة عموما وخصوصا في المسألة ، والأمر والنهي
حقيقتان في الوجوب والحرمة.
ومن احتمال كونهما
هنا للاستحباب والكراهة كما يفهم من بعض المعتبرة ، كالموثق : عن الرجل يؤم الناس
فيستمعون صوته ولا يفهمون ما يقول ، فقال : « إذا سمع صوته فهو يجزيه ، وإذا لم
يسمع صوته قرأ لنفسه » .
فإنّ في التعبير
بالإجزاء إشعارا بل ظهورا في عدم المنع عن القراءة أصلا ، أو عدم كونه للحرمة.
هذا مضافا إلى
الإجماع على ما حكاه بعض الأصحاب على عدم وجوب الإنصات للقراءة على الإطلاق ، كما هو ظاهر
الآية ، بل هو كذلك للاستحباب ، فتعليل الأمر بالإنصات في النصوص بالأمر به فيها
قرينة عليه ،
__________________
كما صرّح به
الماتن .
وفيه نظر ؛ لتصريح
الصحيحة باختصاص الآية بالفريضة ، ولا إجماع على عدم الوجوب فيها ؛ والإجماع على
الاستحباب في غيرها لا ينافي الوجوب فيها ، فهذا الاستدلال ضعيف.
وأضعف منه
الاستدلال بنحو الصحيح : عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها
بالقراءة فلا يسمع القراءة ، قال : « لا بأس إن صمت وإن قرأ » .
فإنه أخصّ من
المدّعى ؛ لدلالته على جواز القراءة في صورة خاصة ، وهي صورة عدم سماع القراءة ،
وقد أطبق الأكثر بل الكل ـ عدا الحلّي ـ على الجواز هنا وإن اختلفت عبائرهم في كونه على الوجوب
كما هو ظاهر الماتن هنا ؛ لقوله
( ولو لم يسمع قرأ ) لظهور الأمر فيه.
أو الاستحباب كما
هو صريح جمع .
أو الإباحة كما هو
ظاهر القاضي وغيره ، ويحتمله المتن وغيره ، حتى النصوص الآمرة به كالصحيح : «
فإن سمعت فأنصت ، وإن لم تسمع فاقرأ » لوروده في مقام توهم المنع ، فلا يفيد سوى الإباحة ، ويدفع
الرجحان بالأصل والصحيحة المتقدمة المجيزة الظاهرة في تساوي الطرفين في الرجحان
والمرجوحية.
__________________
هذا إن لم نقل
بالمسامحة في أدلة السنن وإلاّ فلا بأس بالاستحباب كما هو الأشهر الأقوى.
وأما القول
بالوجوب فضعيف غايته ، وأضعف منه القول بالحرمة.
ثمَّ إن ظاهر
إطلاق النصوص جواز القراءة في هذه الصورة مطلقا ولو مع سماع الهمهمة ؛ لصدق عدم
سماع القراءة معه ، ونحوها إطلاق كثير من عبائر القدماء .
خلافا لصريح
العبارة وجماعة ، فقيّدوه بصورة عدم سماع الهمهمة ؛ للصحيح : « وإن كنت
تسمع الهمهمة فلا تقرأ » .
وهذا أقرب ؛ لوجوب
حمل المطلق على المقيّد ، سيّما وأنّ محل المقيد أظهر أفراد المطلق ، فتأمل.
واعلم : أنّ
الأحوط للعبادة ترك القراءة فيما عدا هذه الصورة مطلقا ، سيّما في الصلاة الجهرية
، للإجماع على السقوط فتوى ودليلا كما مضى ، مع سلامة الأدلة المانعة في الجهرية
عمّا يصلح للمعارضة ، سوى الموثقة المتقدمة. وفي الاكتفاء بها للخروج عن ظواهر
الكتاب والسنّة جرأة عظيمة ، سيّما مع قصور دلالتها عن الظهور المعتد به ، فضلا عن
الصراحة التي هي المناط في الخروج عن ظواهر الأدلة.
__________________
وهل السقوط يختص
بالركعتين الأوليين مطلقا ، كما عليه الصدوق والحلبي وابن زهرة ، وجعله المرتضى
أولى ؟ أم يعمّهما والأخيرتين كذلك ، كما عليه الحلّي حتما وابن حمزة جوازا مع رجحان القراءة
ثمَّ التسبيح ، أو الأول في الإخفاتية دون الجهرية كما عليه الفاضل في المختلف ، أو بالعكس كما
في الذخيرة ؟
أقوال ، أجودها أوّلها ؛ للأصل ، وعموم ما دلّ على وجوب وظيفتهما ؛ مع اختصاص ما
دلّ على سقوط القراءة بحكم التبادر ـ الموجب عن تتبع النصوص والفتاوي ـ بالمتعينة
منها لا مطلقا ، وليست إلاّ في الأوليين دون الأخيرتين ؛ فإنّ وظيفتهما القراءة
المخيرة بينها وبين التسبيح مع أفضليته كما في بحثها قد مضى ، وليس المراد
بالقراءة المحكوم بسقوطها ما يعمّ نحو التسبيح قطعا كما يستفاد من تتبع النصوص
والفتاوي أيضا ؛ ولذا لا يسقط القنوت والأذكار ونحو هما.
مضافا إلى الصحيح
: « إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا
على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأوليين » وقال : « يجزيك التسبيح في الأخيرتين »
قلت : أيّ شيء تقول أنت؟ قال : « أقرأ فاتحة الكتاب » .
__________________
وهو صريح في ردّ
الحلّي وظاهر في المختار.
وقريب منه الخبر :
« إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوليين ، وعلى الذين خلفك أن
يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر وهم قيام ، فإذا كان
في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب وعلى الإمام
التسبيح مثل ما يسبّح القوم في الأخيرتين » فتأمل .
لكنهما ـ مع ضعف
سند ثانيهما ، ومخالفة ظاهره للإجماع ، وظهورهما في رجحان القراءة على التسبيح ولو
في الجملة ، مع أنه خلاف ما قدّمنا تحقيقه في بحث القراءة ـ معارضان ببعض الصحاح
المتقدمة الناهي عن القراءة في أخيرتي الجهرية ، معلّلا بأنهما تبع للأوليين
اللتين يجب الإنصات فيهما.
وتعليله النهي عن
القراءة بالإنصات المأمور به في الآية ظاهر في عمومها للتسبيح والقراءة.
وحكمه بالتبعية
على الإطلاق ظاهر في عدم اختصاص النهي عن القراءة المزبورة بالجهرية وإن كانت
مورده ، لأنه لا يخصّص عموم الجواب كما مرّ غير مرّة ، إلاّ أن يقال : إنه لا عموم
له ، وإنما غايته الإطلاق المحتمل للانصراف إلى المعهود.
وعليه فيتقوى
القول بالسقوط مطلقا ، أو في الجملة ، لكن الخروج به عن مقتضى الأصل والعمومات
مشكل ، سيّما مع اعتضادهما بالخبرين المتقدمين ، وصحيحين آخرين :
__________________
في أحدهما : عن
القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين ، فقال : « الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب
ومن خلفه يسبّح » .
وفي الثاني : «
إني أكره للمؤمن أن يصلّي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه
حمار » قال : قلت : يصنع ما ذا؟ قال : « يسبّح » .
وهي وإن كانت
ظاهرة في الأوليين من الإخفاتية إلاّ أن قوله : « فيقوم كأنه حمار » ظاهر في كراهة
السكوت مطلقا ، وإنما لم يكره في أوليي الجهرية كما يفهم منها لقيام الإنصات مقام
القراءة فيها ، فكأنه غير ساكت أصلا.
والكراهة فيها
يمكن أن يراد بها المعنى الأعم من الحرمة ومن المصطلح كما هو الأصل ، مع عدم ثبوت
كونها حقيقة في الثاني في الشرع ، وعليه فيمكن إرادة المعنيين منها بدليل من خارج
، بالنسبة إلى الركعتين الأوليين فالمصطلح كما صرّح به جمع ، وإلى الأخيرتين
فالمنع عن السكوت كما يقتضيه العمومات والأصل. هذا مع أنه أحوط ؛ لندرة القول
بتحتم السقوط هنا ، وإطباق من عدا القائل به على جواز التسبيح والقراءة مخيرا
بينهما ، وإن اختلف في جواز السكوت أيضا أم لا ، وأفضلية التسبيح أو القراءة أو
تساويهما.
ويمكن الاستدلال
على عدم تحتم السقوط هنا بفحوى الصحاح المستفيضة وغيرها المتقدمة الدالة على جواز
القراءة بل استحبابها في أوليي الجهرية مع عدم سماع الهمهمة ، فلأن تجوز في
أخيرتيها بطريق أولى ؛ ولعلّه لهذا لم يمنع في الذخيرة عن القراءة فيهما . وحيث ثبت جواز
القراءة فيهما
__________________
أو استحبابها ثبت
جواز التسبيح أيضا ؛ لعدم القائل بالفرق من هذه الجهة بينهما.
وبالجملة : الأحوط
، بل لعلّه المتعيّن عدم السقوط هنا مطلقا ، أما الجهرية فلما عرفته ، وكذا
الإخفاتية ، مضافا إلى جواز القراءة في أولييها كما مضى فكذا في الأخيرتين منها ،
بل بطريق أولى.
ولا ينافيه
الصحيحة المتقدمة الدالة على أن الأخيرتين تبع للأوليين أصلا ، إمّا لاحتمال
اختصاصها بالجهرية كما مضى ، أو من حيث حكمها بالتبعية ، ومقتضاها الجواز في
أخيرتي الإخفاتية ، بناء على ثبوته في أولييها كما عرفته لكن مع الكراهة.
وينبغي القطع
بعدمها فيهما ؛ لندرة القول بالمنع ، وقوة أدلة الوجوب ، فيكون مراعاة احتماله أولى
من مراعاة الكراهة ، وعليه فيقيّد إطلاق التبعية في أصل جواز القراءة وعدمه من غير
ملاحظة نحو وصف الكراهة ، فتأمل.
وإنما قيّدنا الإمام بالمرضي والمأموم بغير المسبوق ؛ لوجوب القراءة على المسبوق
فيما سبق به ، أو استحبابها ، على الاختلاف كما يأتي ؛ وعلى من هو خلف من لا يقتدى
به وجوبا بلا خلاف يعرف كما في السرائر والمنتهى ؛ لانتفاء القدوة
، وللمعتبرة ، منها : الصحيح : « إذا صلّيت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه ،
سمعت قراءته أو لم تسمع » .
ولا ينافيها
المعتبرة الآمرة بالإنصات والاستماع لقراءته في الجهرية ؛ لاحتمالها
الحمل على حال التقية ، فحينئذ ينصت ويقرأ فيما بينه وبين نفسه
__________________
سرّا.
ولا يجب الجهر
بالقراءة ، كما في الصحيح : عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر
بالقراءة ، قال : « اقرأ لنفسك ، وإن لم تسمع نفسك فلا بأس » .
والمرسل : « يجزيك
إذا كنت معهم في القراءة مثل حديث النفس » .
ويجزي الفاتحة
وحدها مع تعذر السورة ؛ للضرورة ، والمعتبرة.
وفي الذخيرة :
الظاهر أنه لا خلاف فيه ، ونقل بعضهم الإجماع .
ولو ركع الإمام
قبل فراغ المأموم من الفاتحة سقطت أيضا ، كما قطع به الشيخ في التهذيب ؛ للمعتبرة ،
منها : الصحيح : قلت : من لا يقتدى به في الصلاة؟ قال : « افرغ قبل أن يفرغ فإنك
في حصار ، فإن فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع معه » .
وهي حجة على من أوجب إتمامها في الركوع ، مع أني لا أعرف مستنده.
(
ويجب متابعة الإمام ) المرضي في الأفعال وتكبيرة الإحرام إجماعا ، كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة ؛ للنبوي المشهور
: « وإنما جعل الإمام
__________________
إماما ليؤتم به ،
فإذا كبّر فكبّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا » .
ونحوه النصوص
المتضمنة للإمامة والقدوة ؛ لعدم صدقهما إلاّ بالمتابعة فتجب ولو من باب المقدمة ،
فتأمل .
وفي وجوبها في
الأقوال عدا التكبيرة قولان ، أحوطهما ذلك حيث لا توجب فوات القدوة ، بل قيل
بوجوبها مطلقا . خلافا للأكثر فلم يوجبوها فيها مطلقا.
وفسّرت في المشهور
بأن لا يتقدمه ، فيجوز المقارنة لكن مع انتفاء فضيلة الجماعة ، كما عليه الصدوق
وشيخنا في الروضة ، واختار في روض الجنان نقصانها لا انتفاءها بالكلية ، وظاهر الباقين
ثبوتها تامة.
وهذا التفسير وإن كان خلاف ظواهر الأدلة ، سيّما الرواية النبوية المتضمنة للفاء
المفيدة للتعقيب المنافي للمقارنة ، لكن عليه شواهد من المعتبرة ، كالقويّة
الواردة في مصلّيين قال كل منهما : كنت إماما أو مأموما ، المصحّحة لصلاتهما في
الصورة الأولى ، فلو لا جواز المقارنة لما تصورت فرض المسألة ، فتأمل .
__________________
وكالصحيح المروي
عن قرب الإسناد : عن الرجل يصلّي ، إله أن يكبّر قبل الإمام؟ قال : « لا يكبّر
إلاّ مع الإمام ، فإن كبّر قبله أعاد التكبيرة » .
وظاهر المعية
المقارنة ، سيّما مع تفريع التكبير قبله خاصة. وإذا جازت في التكبيرة جازت في
غيرها ؛ لعدم قائل بالفرق بينهما جوازا فيها ومنعا في غيرها وإن وجد قائل به عكسا
، كصاحبي المدارك والذخيرة وغيرهما .
ونحوه في الدلالة
على جواز المعية لكن في غير التكبيرة بعض الصحاح الآتية في المسألة ، هذا.
والأحوط تركها ،
سيّما في التكبيرة ، فإن القائل بجوازها فيها لم أعرفه وإن حكاه في الذكرى ، وأشعر به عبائر
جماعة ، لكن لم أعرف قائله منّا ، نعم حكاه في المنتهى عن أبي حنيفة ولأجله يمكن حمل
الرواية السابقة على التقية ، سيّما مع كون المروي عنه فيها مولانا موسى بن جعفر 8 وحالها في زمانه
معروفة.
ولئن تنزّلنا عن حملها عليها فهي لا تقاوم الرواية النبوية المنجبرة ، بل المعتضدة
بفتوى أصحابنا ـ وإن احتملت الحمل على التقية أيضا ؛ لكونها مذهب أكثر العامة كما
يفهم من المنتهى ـ مع أنها أحوط للعبادة التي لا ينبغي ترك الاحتياط فيها.
واعلم : أنّ مقتضى
وجوب المتابعة فساد الصلاة مع المخالفة مطلقا ، إذ
__________________
معها لا يعلم
كونها العبادة المطلوبة وإن احتمل كون الوجوب تعبديا لا شرطيا ، لكنه غير كاف في
نحو العبادة التوقيفية اللازم فيها تحصيل البراءة اليقينية ، وليست بحاصلة مع
المخالفة ، سيّما وأن يكون قد ترك القراءة أو أتى بها وقلنا إن المندوب لا يجزي عن
الفرض أصلا ، ولعلّه لذا قال الشيخ ; في المبسوط : من
فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته . ونحوه الصدوق .
خلافا للمشهور ( و ) قالوا
( لو رفع ) المأموم رأسه من
الركوع والسجود أو أهوى إليهما
( قبله ) أي قبل الإمام ( ناسيا عاد ) إليهما وإلى القيام ( ولو كان عامدا ) أثم و
( استمر ) وبقي على حاله إلى
أن يلحقه الإمام.
وهو في العمد مشكل
مطلقا ؛ لما قدّمنا ، مع سلامته عما يصلح للمعارضة له أصلا عدا الموثق : عن الرجل
يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام ، أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه [ معه ]؟
قال : « لا » .
وهو ـ مع كونه أخص
مع المدّعى ، مع عدم وضوح ما يدل على التعميم أصلا ، ومع معارضته بما هو أصح منه
سندا وأكثر عددا ـ لا إشعار فيه بصورة العمد أصلا لو لم نقل بظهوره في غيرها.
وتخصيصه بها ـ جمعا
بينه وبين المعتبرة الآتية بحملها على صورة السهو خاصة ، وحمله على صورة العمد
كذلك ـ لا أعرف له وجها لا من فتوى ولا من رواية ولا غيرهما ، إلاّ ما قيل من
استلزام العود في العمد زيادة ركن من غير عذر ، ولا كذلك النسيان ، فإنه عذر . وهو كما ترى ؛
فإن زيادة الركن عندهم
__________________
مبطلة مطلقا.
وبالجملة : فما
ذكروه هنا مستنده غير واضح ، إلاّ أن يكون إجماعا من المتأخرين كما يفهم من الذكرى
، أو مطلقا كما من غيرها .
وكيف كان الاحتياط
بإتمام الصلاة ـ كما ذكروه ـ ثمَّ الإعادة ممّا لا ينبغي تركه جدّا.
وأما القول بوجوب
العود هنا ـ كما في النسيان ـ لإطلاق المعتبرة الآتية ، وضعف الموثقة عن المقاومة.
فضعيف في الغاية ؛
لاختصاصه ـ كإطلاق المقنعة ـ بحكم التبادر بصورة النسيان خاصة.
وكذا في الهوي إلى
الركوعين نسيانا ؛ لعدم دليل عليه فيه أصلا ، لاختصاص المعتبرة الحاكمة بما ذكروه
بصورة الرفع منهما ؛ مع عدم وضوح ما يدلّ على التعميم حتى الإجماع ؛ لفتوى الفاضل
في المنتهى بالاستمرار هنا وإن قوّى الرجوع أخيرا ، لإشعاره بعدم
إجماع على ما قوّاه ، وإلاّ لما أفتى بخلافه أوّلا.
ووافقه في التقوية
في الذخيرة ؛ للموثق : في رجل كان خلف إمام يأتم به ، فيركع قبل أن
يركع الإمام وهو يظن أن الإمام قد ركع ، فلمّا رآه لم يركع فرفع رأسه ثمَّ أعاد
الركوع مع الإمام ، أيفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك
__________________
الركعة؟ فكتب : «
يتم صلاته ولا يفسد لما صنع صلاته » .
وهو ـ مع أخصيته
من المدّعى مع عدم وضوح معمّم أصلا ـ وارد في صورة المظنة ، وهو غير مفروض المسألة.
ودعوى تنقيح
المناط بحيث يوجب التعدية هنا وفي باقي الفروض المتقدمة مشكلة ، كدعوى الإجماع
عليها كما عرفته. ولا ينبغي ترك الاحتياط هنا كما في المسألة السابقة.
وأمّا ما ذكروه في
صورة الرفع من الركوعين نسيانا فممّا لا ريب فيه في الجملة ؛ للمعتبرة ، ففي
الصحيح : عن الرجل يركع مع إمام يقتدي به ثمَّ يرفع رأسه قبل الإمام ، فقال : «
يعيد ركوعه معه » .
ونحوه غيره ، وفيه
: عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به ، فرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من
السجود ، قال : « فليسجد » .
وظاهرها وجوب
الرجوع كما هو المشهور.
خلافا للفاضل في
النهاية والتذكرة ، فاستحبه ، جمعا بينه وبين الموثقة السابقة الناهية عنه.
وهو ضعيف في
الغاية ؛ لفقد المكافأة. ومع ذلك فالنهي ظاهر في الحرمة ، ومع التنزل فالكراهة ،
وأين هما من الاستحباب كما ذكره ، إلاّ أن يحمل النهي فيه على الإباحة دفعا لتوهم
وجوب الرجوع ، لكنه خلاف ما فهمه الجماعة.
__________________
وعلى الوجوب فلو
ترك العود فالوجه فساد الصلاة ؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه. وفيه قول
بالصحة ضعيف. وأولى بالفساد ما لو عاد العامد ، لزيادة الركن عمدا المبطلة قطعا ،
هذا إن أوجنبا عليه الاستمرار ، وإلاّ فالفساد ثابت بأول فعله.
(
ولا ) يجوز أن ( يقف ) المأموم
( قدّامه ) أي قدّام الإمام
المرضي مطلقا ، بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في المنتهى والذكرى والمدارك وغيرها .
أما التساوي في الموقف فجائز مطلقا عند الأكثر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من الحلّي ،
فأوجب التقدم بقليل ، وهو شاذ ، بل على خلافه الإجماع عن التذكرة ؛ وهو الحجّة.
مضافا إلى الأصل ،
وإطلاق أدلة شرعية الجماعة ، والقوية المتقدمة في المسألة السابقة .
وظواهر خصوص المعتبرة الآتية
الآمرة بوقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام والمتعدّد خلفه . وظاهر الأول
المحاذاة والمساواة ، والثاني وإن كان صريحا في الأمر بالتأخر يوجب صرف الظاهر
إليه ، إلاّ أن هذا الأمر ـ كالأول من حيث تعلّقهما باليمين والخلف ـ للاستحباب
قطعا حتى عند الحلّي ،
__________________
حيث صرّح بأنهما
من سنن الموقف ، وأنه لو وقف المأموم الواحد عن الخلف والشمال والمتعدد عنه وعن
اليمين جاز وادّعى الفاضل في المنتهى عليه الإجماع . ولعلّه كذلك ؛
إذ لا خلاف فيه إلاّ من الإسكافي كما يأتي ، وهو شاذّ وإن كان أحوط كخيرة الحلّي.
واعلم : أنّ
الظاهر أن المعتبر في التقدم والتساوي العرف والعادة ؛ لأنه المحكّم فيما لم يرد
فيه نصّ في الشريعة.
خلافا لجماعة فبالأعقاب خاصة ،
فلا يضر تقدم الأصابع أو الصدر أو الرأس مع تساويها ، كما لا ينفع التأخر بأحد
الأمور المزبورة مع عدم التساوي فيها وتأخر عقب الإمام عن أعقاب المأمومين.
وللفاضل في
النهاية فبها وبالأصابع خاصة ، وصرّح بأنه لا يقدح في التساوي تقدّم ما عداهما في
بعض الأحوال .
ولا دليل على شيء منهما عدا الثاني فيساعده العرف في الجملة ، بل مطلقا ، لو لا
التصريح الذي مضى ، بل معه أيضا. ولكن الأحوط عدم التقدم بشيء من الأعضاء في شيء
من الأحوال أصلا ، بل الأحوط عدم التساوي مطلقا.
(
ولا بدّ من نية الائتمام ) بإمام معيّن بالاسم أو الصفة أو الحاضر معه بعد العلم باستجماعه لشرائط
الإمامة ، بلا خلاف في شيء من ذلك أجده ، بل
__________________
في المنتهى ونهاية
الإحكام والذكرى الإجماع على وجوب أصل نية الاقتداء ، فلو لم ينوه ، أو نوى
الاقتداء بغير معيّن فسدت الصلاة فضلا عن الجماعة.
وكذا لو نوى
باثنين ولو توافقا فعلا ؛ لعدم دليل على الصحة في نحو هذه الصورة من فتوى أو رواية
، لاختصاص مورد هما بغيرها.
ومنه يظهر وجه ما
ذكره الشهيدان في الذكرى وروض الجنان والروضة من فسادها لو نوى الاقتداء بزيد فبان
عمروا وإن كان أهلا للإمامة. أما لو نوى الاقتداء بالحاضر على أنه زيد فبان عمروا
ففي صحة الاقتداء ترجيحا للإشارة ، وعدمها ترجيحا للاسم وجهان ، أحوطهما العدم .
وظاهر العبارة ـ كغيرها ـ عدم وجوب نية الإمامة ، ولا خلاف فيه أجده ، بل عليه
الإجماع عن التذكرة .
ولا ريب فيه في
الجماعة المندوبة بالإضافة إلى صحة الصلاة خاصة.
أمّا في الواجبة
فواجبة ، وفاقا للشهيدين وغيرهما ، وكذا في المندوبة بالإضافة إلى فضيلة الجماعة ، إلاّ مع
عدم العلم بالاقتداء ، فلا يبعد ثبوتها له أيضا ، نظرا إلى عموم كرمه سبحانه تعالى
، سيّما بالنظر إلى ما ورد في فضيلتها من تزايد ثوابها بتزايد المأمومين ولو مع
عدم اطلاع الإمام ولا أحدهم به أصلا.
(
ولو صلّى اثنان وقال كل منهما : ) بعد الفراغ ( كنت مأموما ) لك
( أعادا ، ولو قال : كنت إماما لم يعيدا ) للقوي المنجبر قصور سنده بعمل
__________________
الأصحاب كافة على
الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة ، مشعرين بدعوى الإجماع عليه ، كما صرّح به في المنتهى في
الثاني.
ولا شبهة فيه ولا
في الأول أيضا إذا لم يظنّ كلّ منهما قيام الآخر بوظائف الصلاة التي منها القراءة
والسبق بالتحريمة ولم يأت أيضا بالقراءة أو أتى بها ولم يجتزئ بها عن القراءة
الواجبة. ويشكل في غير ذلك ، لكنه مندفع بإطلاق النص المعتضد أو المنجبر بالعمل ،
بل الإجماع كما في نهاية الإحكام ، مع إمكان دفعه بما ذكرناه في الشرح ، هذا.
ويظهر من المنتهى رواية أخرى بذلك لعمّار ، قال : رواها الشيخ .
ولكني لم أرها ولا
من أشار إليها غيره أصلا.
(
ولا يشترط ) في الجماعة ( تساوي الفرضين ) أي فرض الإمام والمأموم في العدد ولا في النوع ولا في الصنف
بعد توافق نظمهما ، فيجوز أن يقتدي كل من الحاضر والمسافر بصاحبه في فريضة ( ويقتدي المفترض
بمثله وبالمتنفل ) نافلة يجوز فيها الجماعة كالمعادة في جماعة ( والمتنفل بمثله وبالمفترض ) ومصلّي إحدى الخمس اليومية بمصلّيها وغيرها.
بلا خلاف أجده
إلاّ من والد الصدوق فمنع عن ائتمام المتمم بالمقصّر وبالعكس .
ومنه فمنع عن
ائتمام مصلّي العصر بمصلّي الظهر خاصة إلاّ أن يتوهمها العصر ثمَّ يعلم أنها كانت
الظهر فتجزي عنه .
__________________
وهما نادران ، بل
على خلافهما الإجماع كما صرّح به الفاضل في المنتهى في الثاني ، وحكي عنه وعن
الماتن في الأول .
ومع ذلك مستند هما
غير واضح ، عدا الموثق وغيره للأول ، والصحيح وأمر اعتباري في الثاني.
والأوّلان مع قصور
سندهما ، بل ودلالتهما أيضا ـ لتصريحهما بالصحة مع المخالفة ، فيكون قرينة على كون
النهي في صدرهما للكراهة ، لعدم اجتماع الصحة مع الحرمة ، بناء على مذهب الإمامية ، ولعلّه لذا
صرّح بأنهما صريحان في الكراهة بعض الأجلة ـ محمولان على الكراهة ، جمعا بينهما وبين الصحاح الصراح
المستفيضة الآتية المعتضدة ـ زيادة على الشهرة العظيمة ، بل الإجماع كما عرفت نقله
ـ بالأصل والعمومات كتابا وسنّة.
والأخيران مع ضعفهما دلالة ، بل دلالة أوّلهما على خلاف ما ذكره الصدوق في صورة
الاستثناء كما لا يخفى على من راجعهما ، معارضان بالصحاح الصراح أيضا.
وأما اقتداء
المتنفل بالمفترض فلا خلاف فيه بين العلماء ، كما لا خلاف في العكس عندنا ، وقد
صرّح بالإجماعين في المنتهى ، وفي الخلاف
__________________
بإجماعنا خاصة
فيهما . وسيأتي من النصوص ما يدل عليهما قريبا إن شاء الله تعالى ، مضافا إلى الأصل
والعمومات السليمة هنا عن المعارض أصلا.
كلّ هذا مع
توافقهما نظما ، وأما مع العدم فلا يجوز الاقتداء في أحدهما بالآخر إجماعا ، فلا
يقتدى في الخمس مثلا بصلاة الجنازة والكسوفين والعيدين ولا العكس ؛ لعدم إمكان
المتابعة المشترطة نصّا وفتوى.
(
ويستحب أن يقف ) المأموم ( الواحد
) إذا كان رجلا ( عن يمين الإمام ،
والجماعة ) ولو كانوا اثنين
مطلقا ( خلفه ) بإجماعنا المقطوع المصرّح به في الخلاف والمنتهى وغير هما ، والمعتبرة
مستفيضة بذلك جدّاً :
ففي الصحيح : «
الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه ، وإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه » .
وظاهره كغيره وإن كان الوجوب كما عن الإسكافي ، إلاّ أنه نادر محكي في ظاهر الخلاف وصريح المنتهى
الإجماع على خلافه فيه.
مضافا إلى الأصل
والإطلاقات ، فيصرف الأمر وما في معناه عن ظاهره ، سيّما مع تأيده ببعض النصوص
الدالة على الصحة مع المخالفة ، وفيه : عن رجل صلّى إلى جنب رجل ، فقام عن يساره
وهو لا يعلم كيف يصنع ثمَّ علم وهو في الصلاة ، قال : « يحوّله عن يمينه » ونحوه غيره .
__________________
وهو كالصريح في
عدم الشرطية ولو في الجملة.
وإذا ثبت الصحة
بدونه سهل الأمر في احتمال الوجوب التعبدي ؛ لإمكان الاكتفاء في دفعه بالأصل
القطعي المعتضد بالشهرة زيادة على الإجماع المحكي ، ولا كذلك الوجوب الشرطي ، لعسر
الاكتفاء في دفعه بمثله إن لم يكن إجماع محكي.
(
و ) أن ( لا يتقدم ) الإمام
( العاري ) أي فاقد الساتر ( أمام العراة ، بل )
يجلسون و ( يجلس وسطهم بارزا
ركبتيه ) كما في الصحيح .
وظاهر إطلاقه ـ كالمتن
وكثير ـ تعيّن الجلوس عليهم مطلقا.
خلافا للمحكي عن
الماتن ، فخصّه بصورة عدم الأمن من المطّلع ، وأوجب القيام في غيرها . وهو ضعيف.
والأصح وجوب الإيماء على الجميع ، وفاقا للأكثر ، بل عن الحلّي الإجماع عليه ، وقد مرّ الكلام
فيه في بحث الساتر مستوفى.
(
و ) كذا ( لو أمّت المرأة
النساء وقفن معها ) أي إلى جانبيها
( استحبابا ) إلاّ أنه ينبغي هنا أن يكنّ ( صفا ) أي في صف واحد أو أزيد من غير أن تبرز بينهن مطلقا ، بلا
خلاف بين القائلين بجواز إمامتها ، بل عليه اتفاقهم كما عن المعتبر والمنتهى ؛ وهو الحجّة ،
مضافا إلى المعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح والموثق وغيرها ، وسيأتي إلى
جملة منها الإشارة
__________________
إن شاء الله
تعالى.
(
ولو أمّهنّ الرجل وقفن خلفه ) وجوبا على القول بحرمة المحاذاة ، واستحبابا على القول بكراهتها ، كما هو
الأقوى ، وإن كان الأول أحوط وأولى مطلقا ، خصوصا هنا ، للأمر به في النصوص من غير
معارض لها فيها ، مع قوة دلالة بعض الصحاح فيما لو حاذت على فساد صلاتها ، ففيه :
عن إمام كان في الظهر ، فقامت امرأته بحياله تصلّي معه وهي تحسب أنها العصر ، هل
يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلّت الظهر؟
قال : « لا يفسد
ذلك على القوم ، وتعيد المرأة صلاتها » .
والتقريب : أنّ
وجه الإعادة إما المحاذاة أو اختلاف الفرض ، لا سبيل إلى الثاني ، لما مرّ ،
فتعيّن الأول.
وحمله على الاستحباب لإيقاع الفرض على الوجه الأكمل ـ كما في غير محل ـ يتوقف على
وجود معارض ، وليس إلاّ أن يكون ما دلّ على جواز المحاذاة في غير الجماعة ، لعدم
قول بالفرق أجده بينه وبينها أصلا. ومع ذلك فترك المحاذاة أولى.
(
و ) كذا ( لو كانت واحدة ) إلاّ أنه ينبغي لها مع التأخر أن تقف عن يمين الإمام ، كما
في الصحيح : « الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه » ونحوه غيره .
وإن كان مع المأموم
الرجل الواحد امرأة وقف هو عن يمينه وهي خلفه ، كما في الخبر .
__________________
(
ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد ) من يصلّي
( جماعة ، إماما ) كان فيها ذلك المنفرد
( أو مأموما ) إجماعا منّا على الظاهر المحكي مستفيضا ، والصحاح به مستفيضة جدّا .
وقصور جملة منها
دلالة على الاستحباب ـ لاحتمال ورود الأمر فيها للرخصة ؛ لوقوعه جوابا عن السؤال
عنها فلا يفيد سوى الإباحة ـ مجبور بأن جملة أخرى منها فيها الأمر من غير تلك
القرينة ، وأقله الاستحباب ، لانتفاء الوجوب بالإجماع ، مع تصريح الموثق بالأفضلية
.
وأما الصحيح المخيّر بين الإعادة وعدمها فهو وإن أوهم الإباحة المحضة إلاّ أن تصريحه أخيرا بجعل
المعادة سبحة أوضح قرينة على استحباب الإعادة. هذا مع أن الرخصة في الإعادة تستلزم
كون المعادة سنّة ؛ لأنها عبادة ، وهي لا تكون إلاّ بفضيلة.
ويستفاد من الصحيح
ونحوه الرضوي كون الوجه المنوي فيها الندب لا الفرض. وهو خيرة الأكثر ؛ لخروجه بالأولى
عن العهدة ، فلا معنى لقصد الوجوب بالثانية.
خلافا للشهيدين
فجوّزاه بنيته أيضا ؛ للصحيحين الآمرين بجعلها
__________________
الفريضة . والدلالة ليست
واضحة ؛ لاحتمال الفريضة فيهما الفائتة دون التي تراد فيها الإعادة ، أو كون
المراد إدراك الجماعة في أثناء الأولى فيجعلها نافلة والثانية المعادة الفريضة ،
كما ذكرهما شيخ الطائفة ، مستدلا عليهما ببعض المعتبرة.
ويحتمل فيهما غير
ذلك ممّا ذكره جماعة ، فلا يمكن أخذ هما لما ذكراه حجة ، سيّما مع مخالفتهما
الأصول الشرعية.
وظاهر العبارة ـ ككثير
وصريح جماعة ـ اختصاص استحباب الإعادة بالمنفرد دون الجامع.
خلافا للشهيدين فعمّماه لهما ؛ للعموم. وفيه منع ، إلاّ أن يدّعى استفادته من بعض
الصحاح المتضمنة لترك الاستفصال ، وهو غير بعيد ، ولكنه لا يخلو عن نظر ، ولا ريب
أن الأول أحوط.
ونحوه الكلام في
استحبابها لمصلّين فرادى ، إلاّ أنّ الاحتياط فيه آكد وأولى.
(
وأن يخصّ بالصفّ الأول الفضلاء ) وأهل المزية الكاملة من علم أو
__________________
عمل أو عقل ،
وبالصف الثاني من دونهم ، وهكذا ، كما في النصوص ، مضافا إلى
الإجماع.
وإطلاقها ـ كالعبارة
ونحوها ـ يقتضي عدم الفرق في ذلك بين صلاة الجنازة وغيرها.
خلافا لجماعة في
الأولى ، فجعلوا أفضل الصفوف فيها أواخرها ، وربما عزي إلى الأصحاب جملة ، ولا بأس به ؛
للمعتبرة المستفيضة .
ولا بين جماعة
الذكور أو النساء ، خلافا لبعض النصوص العامية في الثانية ، فجعل خير الصفوف فيها
أواخرها ، وشرّها أولها ، عكس الاولى .
وليكن يمين الصف
لأفاضلهم ؛ لأنه أفضل كما في النصوص ، منها : « فضل ميامن الصفّ على مياسرها فضل
الجماعة على صلاة الفرد » .
وفي الذكرى :
وليكن يمين الصف لأفاضل الصف الأول ؛ لما روي أن الرحمة تنتقل من الإمام إليهم ،
ثمَّ إلي يسار الصف ، ثمَّ إلى الباقي ، والأفضل
__________________
للأفضل .
(
وأن يسبّح المأموم حتى يركع الإمام إن سبقه بالقراءة ) للموثقين ، وفي ثالث : « أمسك آية ومجّد الله وأثن عليه ، فإذا فرغ
فاقرأ الآية واركع » ونحوه الرضوي في الصلاة خلف المخالف .
وإطلاق ما عداه
يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الصلاة خلفه أو خلف المرضي المستحب خلفه القراءة فيما
إذا كانت جهرية ولم يسمع الهمهمة.
قيل : ويحتمل
الاختصاص بالأول ؛ لأنه المتبادر من النص .
(
وأن يكون القيام إلى الصلاة إذا قيل : قد قامت الصلاة ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي الخلاف في
أواسط كتاب الصلاة الإجماع عليه ؛ الخبرين .
خلافا للمحكي عن المبسوط والخلاف هنا فعند فراغ المؤذّن . وهو غير واضح
المستند ، كالقول الآخر المحكي في المختلف عن بعض
__________________
الأصحاب من أنه
عند قول المقيم حيّ على الصلاة .
وبعض الأمور
الاعتبارية ـ مع معارضته بالمثل ـ اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المنجبر بالعمل ،
هذا مع أن القول الأخير محكي عن أبي حنيفة ، وعن الشافعي ما قبله .
ويظهر عن الخلاف
أن النزاع بينهما وبينه إنما هو في الجواز والمشروعية لا الاستحباب والفضيلة ، وهو
خلاف مفروض المسألة في كلام الجماعة ، ولذا أنه في الموضع الآخر من الخلاف ادعى
الإجماع على المختار.
(
ويكره أن يقف المأموم وحده ) خارج الصف ( إلاّ مع
العذر ) كامتلاء الصفوف
على المشهور ؛ للنهي عنه في النصوص المستفيضة . وإنما حمل على الكراهة مع ظهوره في الحرمة كما عليه
الإسكافي ؛ لضعفها سندا ومقاومة لما دلّ على الجواز ولو مطلقا ،
كالصحيح وغيره : عن الرجل يقوم في الصفّ وحده ، فقال : « لا بأس إنما
يبدو واحد بعد واحد ».
مضافا إلى الأصل ، والإطلاقات ، وخصوص الإجماع المحكي في صريح المنتهى وظاهر
المدارك على الجواز.
__________________
(
وأن يصلّي نافلة بعد ) الأخذ في ( الإقامة
) كما في الصحيح .
ولا يحرم على
الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ؛ للأصل ، مع إشعار الصحيح به ، لتضمنه لفظة
: « لا ينبغي ».
خلافا للنهاية وابن حمزة فالحرمة. والحجّة عليها غير واضحة ، مع مخالفتها لما عرفته
، مضافا إلى الاعتبار ، لأن الجماعة مندوبة فلا تحرم لأجلها النافلة ، إذ لا يحرم
تركها ، وهو أقلّ من التشاغل بالنفل رتبة ، فيكون بالجواز أولى.
(
الطرف الثاني : يعتبر في الإمام العقل ) حالة الإمامة وإن عرض له الجنون في غيرها. فيجوز لذي
الأدوار لكن على كراهة على الأشهر ، وبها قطع الفاضل في موضع من التذكرة ، وفي آخر منها
بالحرمة ، لحجة غير ناهضة. ولكنها أحوط ؛ خروجا عن الشبهة ، واحتياطا
للعبادة.
(
والإيمان ) أي الاعتقاد
بالأصول الخمسة بحيث يعدّ من الإمامية.
(
والعدالة ) وهي ملكة نفسانية
باعثة على ملازمة التقوى التي هي القيام بالواجبات ، وترك المنهيات الكبيرة مطلقا
، والصغيرة مع الإصرار عليها ، وملازمة المروّة التي هي اتّباع محاسن العادات
واجتناب مساويها وما ينفر عنه من المباحات ويؤذن بخسّة النفس ودناءة الهمّة ، في
المشهور بين أصحابنا.
ويأتي الكلام فيها
وفيما يتعلق بها في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى.
(
وطهارة المولد ) عن الزنا ، ولا بأس بمن تناله الألسن وولد الشبهة.
__________________
ولا خلاف بيننا في
اشتراط هذه الأمور الأربعة ـ كالبلوغ في الجملة ـ بل عليه دعوى الإجماع في عبائر
جماعة حدّ الاستفاضة ، وهي في العدالة كادت تبلغ التواتر ، كالنصوص فيها ، وأما
فيما عداها فهي في جملة منه مستفيضة ، وهي ما عدا الإيمان ، وفيها الصحاح وغيرها
من المعتبرة.
ففي الصحيح : « لا
يصلّينّ أحدكم خلف المجنون وولد الزنا » .
وفي آخر : « خمسة
لا يؤمّون الناس على حال » وعدّا منهم .
وأما هو فيدل على
اعتباره ـ بعد فحوى ما دلّ على اعتبار العدالة ، بل صريحه إن قلنا بأن المخالف
فاسق ـ الصحيح : في الصلاة خلف الواقفية ، فقال : لا .
وقريب منه النصوص الواردة في الصلاة خلف المخالف وأمر المؤتم به بالقراءة خلفه .
(
و ) يشترط ( البلوغ ) مطلقا
( على الأظهر ) الأشهر ، وعن المنتهى في كتاب الصوم نفي الخلاف عنه ، مؤذنا بدعوى
الإجماع عليه ؛ للخبر
__________________
المنجبر ضعفه بعمل
الأكثر ؛ والأصل الدالّ على عدم سقوط القراءة بفعل الغير إلاّ مع العلم بالمسقط ،
وعلى اعتبار العدالة والإيمان المتفرعين على التكليف المفقود فيه بالنص والإجماع ؛
مضافا إلى سائر ما ذكرته في الشرح.
خلافا للمبسوط
والخلاف ، فجوّز إمامة المراهق المميّز العاقل ، مدّعيا عليه
الإجماع.
وهو موهون بمصير
الأكثر ـ على ما صرّح به جمع بقول مطلق ـ إلى الخلاف ، ومنهم هو في التهذيبين والنهاية
والاقتصاد والقاضي من القدماء ، مع عدم ظهور موافق له عدا المرتضى فيما يحكى
عنه في التنقيح .
ومع ذلك فهو معارض
بالمثل المترجح عليه بما مرّ ، فالاستدلال به للجواز ضعيف. كالاستدلال له بالنصوص
المجوّزة لإمامته مطلقا ، كما في الموثق وغيره ، أو إذا كان له عشر سنين كما فيه ؛ لقصورها عن
المقاومة لما مضى من وجوه شتّى ، ومنها قصور دلالتها ، لأعميتها من المدّعى ، لعدم
تقييد فيها بشيء من القيود التي ذكرها ، والتقييد بالعشر في بعضها لا يستلزمها.
ولا فرق في إطلاق
الأدلة منعا وجوازا بين كونه سلطانا مستخلفا أو غيره ؛
__________________
خلافا للإسكافي
ففرّق ، فقال في الثاني بالأول ، وفي الأول بالثاني .
ولا بين إمامته
بالبالغين في الفرائض أو في النوافل أو بغيرهم مطلقا ؛ خلافا للدروس ففرّق بين
الأول فالأول ، وغيره فالثاني .
ولا أعرف لهما حجة
يعتد بها ، سيّما في مقابلة الأدلة المتقدمة مطلقا.
(
ولا ) يجوز أن ( يؤم القاعد القائم
) إجماعا على الظاهر
، المصرّح به في الخلاف والسرائر والتذكرة وغيرها ، ويظهر أيضا من
المنتهى .
وللنبوية المشهورة
المروية من طرق الخاصة والعامة : « لا يؤمّن أحد بعدي جالسا » .
وإطلاقه وإن اقتضى المنع عن إمامة القاعد بمثله أيضا ، إلاّ أنه مقيد بما إذا أمّ
قائما ، كما ذكر الأصحاب ، من غير خلاف يعرف بينهم ، وفي روض الجنان الإجماع عليه ؛ وهو الحجة عليه
، مضافا إلى الأصل والإطلاقات وخصوص ما ورد في جماعة العراة من صحيح الروايات المعمول به بين
الأصحاب.
قالوا : وكذا
الكلام في جميع المراتب : لا يؤم الناقص الكامل ، فلا يجوز اقتداء الجالس بالمضطجع
، ويؤيده ـ بعد الأصل في العبادة ـ القوية : « لا يؤمّنّ
__________________
المقيّد المطلقين
، ولا صاحب الفالج الأصحّاء » .
(
ولا الأمي ) وهو هنا على ما
ذكروه من غير خلاف يعرف بينهم : من لا يحسن قراءة الحمد والسورة أو أبعاضهما ولو
حرفا أو تشديدا أو صفة
( القارئ ) الذي يحسن ذلك
كلّه ، إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في الذكرى .
واحتجّ عليه جماعة
بالنبوي المشهور وغيره : « يؤمكم أقرؤكم » ولا يخلو عن نظر.
واحترز بالقارئ عن مثله ، فإنه يجوز بلا خلاف مع تساويهما في شخص المجهول أو نقصان
المأموم ، وعجزهما عن التعلّم لضيق الوقت ، وعن الايتمام بقارئ أو أتم منهما.
وذكر جماعة أنه لو اختلفا فيه لم يجز وإن نقص قدر مجهول الإمام ، إلاّ
أن يقتدي جاهل الأول بجاهل الآخر ثمَّ ينفرد عنه بعد تمام معلومه ، كاقتداء محسن
السورة خاصة بجاهلها ، ولا يتعاكسان.
(
ولا المؤوف اللسان ) كالألثغ بالمثلثة ، وهو الذي يبدّل حرفا بغيره مطلقا ، كما عن المبسوط وفي
الروضة وغير هما ؛ أو الراء بالغين أو اللام والسين بالثاء ، كما عن الصحاح
وفي المجمع ؛ أو الراء باللام خاصة ، كما
__________________
عن الفراء ، وقيل فيه غير
ذلك .
والأليغ بالمثناة
من تحت ، وهو الذي لا يبين الكلام.
والتمتام والفأفاء
، وهو الذي لا يحسن تأدية الحرفين على أحد التفسيرين.
(
السليم ) لسانه عن ذلك كلّه
، بلا خلاف فيه كالسابق ؛ لإخلاله بالقراءة ، فتكون صلاته عنها خالية ، ولا صلاة
إلاّ بفاتحة ، فكيف يضمن قراءة المأموم كما دلّت عليه المعتبرة؟! نعم قالوا : يجوز
إمامته بمثله بالنهج الذي ذكر في سابقة.
والأكثر على إلحاق
اللاحن في قراءته به مطلقا ؛ لما ذكرنا ، بناء على استلزام اللحن تغيير القرآن
عمّا أنزل به.
خلافا للشيخ والحلّي فجوّزا إمامته للمتقن مطلقا ، كما عليه الأول ، وإذا لم
يغيّر اللحن المعنى ، كما عليه الثاني. ولم أعرف مستندهما لا من نصّ ولا من غيره.
(
ولا المرأة ذكرا ولا خنثى ) مشكلا لم يعرف ذكوريته عن أنوثيته.
ولا الخنثى مثله ؛
لجواز اختلافهما في الوصفين ، وكون الإمام هو الأنثى.
خلافا لابن حمزة
فقال بالجواز هنا ، وهو نادر.
وهو في حق الأنثى
كالرجل في حقها.
والأصل في أصل
الحكم ـ المترتب عليه حكم الخنثى ـ بعد الإجماع
__________________
الظاهر المصرّح به
في جملة من العبائر كالخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة وروض الجنان والذكرى
وغيرها ، النبوي المشهور : « لا تؤمّ المرأة رجلا » .
ونحوه المرتضوي
المروي عن الدعائم بزيادة : « ولا تؤمّ الخنثى الرجال ، ولا الأخرس المتكلّمين ،
ولا المسافر المقيمين » .
ويستفاد من فحوى العبارة جواز إمامة المرأة بمثلها ، وهو إجماع في النافلة التي يجوز
الاجتماع فيها كالاستسقاء ونحوها ، على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر .
وأما في الفريضة
فقولان ، أصحّهما نعم ، وفاقا للأكثر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي صريح الخلاف
والتذكرة وظاهر المعتبر والمنتهى الإجماع عليه ؛ للمعتبرة المستفيضة ، وهي ما بين صريحة في ذلك وظاهرة.
فمن الأوّلة ،
النبوي : إنه 6 أمر أمّ ورقة أن تؤمّ أهل دارها وجعل لها مؤذّنا .
والخاصي المروي في
الفقيه : كيف تصلّي النساء على الجنائز إذا لم يكن معهنّ رجل؟ قال : « يقمن جميعا
في صف واحد ولا تتقدمهن امرأة » قيل : ففي صلاة المكتوبة تؤمّ بعضهن بعضا؟ قال : «
نعم » .
__________________
ومن الأخيرة ،
الموثق والمرسل القريب منه : عن المرأة تؤمّ النساء ،؟
قال : « نعم تقوم
وسطا بينهن ولا تتقدمهن ».
وفي الصحيح : عن
المرأة تؤمّ النساء ، ما حدّ رفع صوتها بالقراءة؟ قال : « قدر ما تسمع » .
ونحوه غيره لرواية
مروي في قرب الإسناد عن كتابه بزيادة قوله : وسألته عن النساء هل عليهن الجهر
بالقراءة في الفريضة والنافلة؟ قال : « لا ، إلاّ أن تكون امرأة تؤمّ النساء » .
وفي هذه الزيادة
تلويح ، بل دلالة على العموم للفريضة زيادة على ما في هذين الخبرين كسابقيهما ، من
ترك الاستفصال المفيد للعموم في المقال ، سيّما مع كون الفريضة أظهر الأفراد فتدخل
فيها حتما ولو كان دلالتها من باب الإطلاق ، فتأمل.
وقصور الأسانيد أو
ضعفها ـ حيث كان ـ مجبور بعمل الأصحاب ، مضافا إلى الأصل والإطلاقات.
خلافا للمرتضى
والجعفي والإسكافي فلا ؛ للصحاح : « تؤمّهنّ في النافلة ، وأما في المكتوبة
فلا » .
__________________
وأجيب عنها
بالندرة في المعتبر والمنتهى ، بل صرّح في الأخير بعدم قائل بها منّا ، مؤذنا بإجماعنا
عليه كما قدّمنا. ولو سلّم عدم ندورها فهي غير مكافئة لما قدّمنا ؛ لاعتضاده
بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع والإجماعات المنقولة دونها.
مع ظهورها في جواز
الجماعة في النافلة مطلقا ، وهو غير مرضي عند أصحابنا كما قدّمنا ، إلاّ أن تقيّد
بنافلة تجوز فيها ، لكن فيه صرف للمطلق إلى أندر أفراده ، فهي نادرة من هذا الوجه
أيضا ، ولأجله يمكن حملها على التقية ، سيّما وأن ما فيها من التفصيل مذهب جماعة
من العامة كما حكاه في المنتهى ، مع أن المنع مطلقا كما ربما ينسب إلى الجعفي والمرتضى
مذهب أكثرهم وإن اختلفوا فيه كراهة وتحريما.
وعلى هذا فأخبارنا
أبعد ممّا عليه أكثر هؤلاء ـ خذلهم الله ـ وأشهر بين أصحابنا ، فتكون بالترجيح
أولى ، ولا بدّ من طرح ما خالفها وإن كان صحاحا ، أو حملها على التقية ، أو عدم
تأكد الاستحباب كما في الذكرى ، لا على الكراهة ، لثبوت الاستحباب عندنا ، كما صرّح به
في المنتهى ، مؤذنا بإجماعنا عليه ، كما صرّح به في الخلاف أيضا.
أو كون المراد من
النافلة والمكتوبة الجماعة ، لا الصلاة كما فهمه الجماعة ، كما قيل ، ولا بأس به وإن
بعد غايته ، جمعا بين الأدلة.
__________________
ومن أراد تحقيق
المسألة زيادة على ما هنا فعليه بمراجعة الشرح ، فقد أشبعنا الكلام فيها ثمة.
(
و ) كلّ من ( صاحب المسجد ) وهو الإمام الراتب فيه ( و ) صاحب
( المنزل ، و) صاحب ( الإمارة
) من قبل العادل في
إمارته مع اجتماع الشرائط المعتبرة في الإمامة ( أولى ) بها
( من غيره ) مطلقا ولو كان
أفضل منهم ، عدا إمام الأصل مع حضوره ، فإنه أولى منهم ومن غيرهم مطلقا ، بلا خلاف
في شيء من ذلك أجده ، وبه صرّح الفاضل في المنتهى وغيره في الجميع ، وكذا
غيره مستفيضا ، إلاّ أنهم لم يتعرضوا لنقله في أولوية الإمام على غيره
مطلقا ، ولكنهم قطعوا بها ، مشعرين بعدم الخلاف فيها أيضا ، بل كونه ضروريا.
والأصل في جميع ذلك بعده النصوص المستفيضة ، وهي فيما يتعلق بما عدا الأول مشهورة من
طرق الخاصة والعامة ، وفيما يتعلق به الرضوي في موضعين منه : « وصاحب المسجد
أحقّ بمسجده » ، ونحوه الصادقي المروي في الدعائم .
وأظهر منهما
النبوي المروي فيه : « وكلّ أهل مسجد أحقّ بالصلاة في مسجدهم إلاّ أن يكون أمير
حضر فإنه أحقّ بالإمامة » .
__________________
وفي إطلاقه تأييد
لما ذكره الشهيدان من رجحان صاحب الإمارة على صاحبيه حيث اجتمعوا ، إلاّ أن
يحمل الأمير فيه على الأصلي كما هو الظاهر بحكم التبادر. وعليه فترجيحهما عليه
لعلّه أولى كما صرّح به بعض أصحابنا ؛ لإطلاق النص والفتوى بأنهما في محلّهما أولى ؛ مع عدم
معلومية شمول أولوية ذي الإمارة لنحو مفروضنا ، فتأمل جدا.
وذكر جماعة أن
أولوية هذه الثلاثة سياسة أدبية ، لا فضيلة ذاتية ، فلو أذنوا لغيرهم انتفت
الكراهة ، ونفى عنه الخلاف في المنتهى .
قالوا : ولا يتوقف
أولوية الراتب على حضوره ، بل ينتظر لو تأخر ويراجع إلى أن يضيق وقت الفضيلة فيسقط
اعتباره.
مع أن المستفاد من
جملة من النصوص خلافه ، منها : « إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة ، ينبغي لمن في
المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدّموا بعضهم ولا ينتظروا الإمام » قلت : فإن كان
الإمام هو المؤذّن ، قال : « وإن كان فلا ينتظرونه ويقدّموا » وقريب منه آخر ، والنبوي .
إلاّ أن تقيّد
بصورة خوف فوت وقت الفضيلة ؛ جمعا بينها وبين إطلاق ما دلّ على الأولوية من الفتوى
والرواية ، لكنه فرع الشاهد عليه وليس ، مع
__________________
اختصاص الإطلاق
بصورة حضور الإمام الراتب دون الغيبة بحكم التبادر.
وحكم في المنتهى
بعدم الانتظار مطلقا ؛ معلّلا ـ بعد النصوص المشار إليها ـ بأن فيه تأخيرا للعبادة
في أول وقتها ، وذلك شيء رغب عنه ، هذا.
ولعلّ ما ذكروه
أحوط وأولى ؛ إذ ليس في النصوص مع قصور أسانيدها ما يدل على كون الإمام راتبا ،
فتأمل جدّا.
ولا فرق في صاحب المنزل بين المالك للعين والمنفعة وغيره كالمستعير ، ولو اجتمعا قيل
: فالمالك أولى ، وقيل : المستعير ، ولعلّه الأقوى.
ولو اجتمع مالك
الأصل والمنفعة فالثاني أولى.
(
وكذا الهاشمي ) يقدّم مع استجماعه الشرائط على غيره من عدا الثلاثة لا مطلقا ، على الظاهر ،
المصرّح به في كلام جماعة .
وأولويته كذلك
مشهورة بين الأصحاب على ما في المختلف ، أو متأخريهم خاصة كما في روض الجنان ، قال : وأكثر
المتقدمين لم يذكروه .
قال في الذكرى :
ولم نره مذكورا في الأخبار إلاّ ما روي مرسلا أو مسندا بطريق غير معلوم من قول
النبي 6 : « قدّموا قريشا ولا تقدّموهم » وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدّعى ، نعم هو مشهور
__________________
في التقديم في
صلاة الجنازة من غير رواية تدل عليه ، نعم فيه إكرام للنبي 6 ؛ إذ تقديمه
لأجله نوع إكرام ، وإكرام رسول الله 6 وتبجيله ممّا لا خفاء بأولويته .
أقول : ومن بعض ما قدّمنا في بحث صلاة الجنازة يتضح وجه مناقشة في بعض ما ذكره.
(
وإذا تشاحّ الأئمة ) فأراد كلّ تقديم الآخر أو تقدّم نفسه على وجه لا ينافي العدالة ( قدّم من يختاره
المأموم ) مطلقا على ما ذكره
جماعة ، قالوا : لما فيه من اجتماع القلوب وحصول الإقبال المطلوب .
خلافا لكثير فلم
يذكروه ، ولعلّه لإطلاق النص الآتي بالرجوع إلى المرجحات الآتية من غير ذكر لهذا
فيه ولا إشارة ، مع قصور التعليل عن إفادة التقييد له ، سيّما وأنه لا يخلو عن
إشكال ، كما نبّه عليه في الذخيرة .
ومنه يظهر وجه
النظر في ترجيح مختار أكثر المأمومين مع اختلافهم ثمَّ التراجيح الآتية ، كما عن
التذكرة ، سيّما
( و ) قد أطلق أكثر
الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في كلام جمع حدّ الاستفاضة ومنهم الذكرى ، بل ظاهره أنه
مذهب الأصحاب عدا التذكرة : أنه
( لو اختلفوا ) أي المأمومون
( قدّم الأقرأ ) منهم أي الأجود قراءة كما ذكره جماعة ، أو الأكثر كما قيل ، ونسبه
__________________
في البيان إلى
رواية ، ولعلّها ما ورد في الأعمى أنه لا بأس بإمامته إذا رضوا به وكان أكثرهم
قرآنا . وقيل فيه غير ذلك .
فإن اتفقوا في
القراءة جودة وكثرة
( فالأفقه ) في أحكام الصلاة ،
فإن تساووا فيها فالأفقه في غيرها ، وفاقا لجماعة ، لإطلاق
الرواية.
خلافا للذكرى فلم
يعتبر الزيادة ؛ لخروجها عن كمال الصلاة .
ويضعّف : بعدم
انحصار المرجح فيها ، بل كثير منها كمال في نفسه ، وهذا منها ، مع شمول الرواية
لها.
فإن تساووا في
الفقه والقراءة ( فالأقدم
هجرة ) من دار الحرب إلى
دار الإسلام ، كما هو الظاهر من الرواية ، وصرّح به جماعة منهم الفاضل في التذكرة ، ولكن زاد : أو
الأسبق إسلاما ، أو يكون من أولاد من تقدّمت هجرته .
وفي الروضة بعد
ذكر التفسير الأول : هذا هو الأصل ، وفي زماننا قيل : هو السبق إلى طلب العلم ،
وقيل : إلى سكنى الأمصار ، مجازا عن الهجرة الحقيقة ، لأنها مظنة الاتصاف بالأخلاق
الفاضلة والكمالات النفسية ، بخلاف القرى والبادية .
__________________
فإن تساووا في ذلك ( فالأسنّ ) مطلقا ، كما هو المتبادر من الرواية ، أو في الإسلام خاصة
كما في الدروس والذكرى .
فإن تساووا فيه ( فالأصبح وجها ).
كلّ ذلك للرضوي
المصرّح بهذا الترتيب من أوله إلى آخره . ونحوه النبوي فيما عدا الأخير فلم يذكر فيه ، وعليه جماعة .
وفيه أخبار أخر
مختلفة وأقوال متشتتة ، وكلّها متفقة على تقديم الأقرأ على الأفقه ، ونسبه في
المنتهى إلى علمائنا ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، كما هو الظاهر ؛ لاتفاق كلمة
الأصحاب والنصوص على ذلك ، إلاّ ما يحكى في التذكرة عن نادر منّا من
المصير إلى عكس ذلك ، واختاره في المختلف ، وتبعه جمع من متأخري المتأخرين ؛ لأدلة قوية
متينة من الاعتبار والكتاب والسنّة بسطناها في الشرح ، من أرادها فليطلبها ثمة ،
إلاّ أنها لا تبلغ قوة المعارضة لما قدّمنا من اتفاق الفتوى والرواية بحيث يقطع
بكونه إجماعا كما عرفت من المنتهى حكايته ، فتخصّص به تلك الأدلة.
__________________
واعلم : أن هذا
كلّه تقديم استحباب لا تقديم اشتراط وإيجاب ، فلو قدّم المفضول جاز بلا خلاف كما
في التذكرة والمنتهى . والقول بالإيجاب كما عن ظاهر المبسوط والعماني وصريح
الديلمي شاذ محجوج بالأصل والإطلاقات ، مع قصور سند ما دلّ على
وجوب الترتيب من الروايات.
(
ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين ) للصحيحين ، بل مطلق القراءة والأذكار التي يجوز الإجهار فيها ما لم
يبلغ العلو المفرط ، كما في الصحيح : « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول
، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا ممّا يقول » .
ويستفاد منه كراهة إسماع من خلفه له شيئا ، كما في أحد الصحيحين المتقدمين أيضا.
وفي الخبر : « لا
تسمعنّ الإمام دعاءك خلفه » .
(
ولو أحدث ) الإمام ، أو عرض
له ضرورة من نحو دخوله في الصلاة من غير طهارة نسيانا ، أو حصول رعاف مخرج له عنها
، أو انتهاء صلاته بأن كان مسافرا ( قدّم من ينوبه ) في الصلاة بهم.
(
ولو ) لم يقدّم أو ( مات أو أغمي عليه
قدّموا من يتمّ بهم ) الصلاة ،
__________________
بلا خلاف في شيء
من ذلك بيننا أجده ، بل بالإجماع في جملة الأعذار المسطورة في العبارة عدا الإغماء
صرّح جماعة حدّ الاستفاضة ، بل في الذكرى وغيرها الإجماع في مطلق
العذر ، فيدخل ما ذكرناه أيضا ونحو الإغماء. وحكي الإجماع فيه وفي الموت عن
التذكرة ، والصحاح وغيرها فيما عداه مستفيضة.
ففي الصحيح : عن
الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدّم رجلا قد سبق بركعة ، كيف يصنع؟ قال : « لا يقدّم
رجلا قد سبق بركعة ، ولكن يأخذ بيد غيره فيقدّمه » .
وفيه : رجل أمّ
قوما على غير وضوء ، فانصرف وقدّم رجلا ولم يدر المقدّم ما صلّى الإمام قبله ، قال
: « يذكره من خلفه » .
وفيه : عن رجل أمّ
قوما فصلّى بهم ركعة ثمَّ مات ، قال : « يقدّمون رجلا آخر ويعتدّون بالركعة »
الحديث .
وفي الموثق الناهي
عن إمامة المسافر بالحضري : « فإن ابتلى بشيء من ذلك فأمّ قوما حضريين ، فإذا
أتمّ الركعتين سلّم ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم » الحديث .
__________________
وفي الخبر : عن
رجل أمّ قوما فأصابه رعاف بعد ما صلّى ركعة أو ركعتين ، فقدّم رجلا ممّن قد فاته
ركعة أو ركعتان ، قال : « يتم بهم الصلاة ثمَّ يقدّم رجلا فيسلّم بهم ويقوم هو
فيتم صلاته » .
وليست الاستنابة
للوجوب ، بل للاستحباب في ظاهر الأصحاب ، وعن التذكرة عليه الإجماع ؛ لفحوى ما سيأتي
من جواز انفراد المأموم عن الإمام مع وجوده فمع عدمه أولى.
وفي الصحيح : عن
رجل صلّى بقوم ركعتين ، ثمَّ أخبرهم أنه ليس على وضوء ، قال : « يتم القوم صلواتهم
، لأنه ليس على الإمام ضمان » وقد استدل به على عدم الوجوب ، وفي الدلالة نظر.
وأما الصحيح الآخر
: عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدّم أحدا ما حال القوم؟ قال : « لا صلاة لهم إلاّ
بإمام ، فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها وقد تمّت صلاتهم » .
فمحمول على نفي
الكمال ؛ جمعا بينه وبين ما مرّ ، وعليه فيجوز لهم الانفراد أجمع ، والتبعيض بأن
ينوي بعضهم الائتمام ببعض وغيره بغيره ، ونفى عن جميع ذلك الخلاف في الذخيرة .
__________________
وإطلاق الفتوى
والرواية يقتضي جواز استنابة المؤتم وغيره ، وبه صرّح في المنتهى وكذا في الذخيرة ؛ لما مرّ ،
مضافا إلى صريح الخبر في الثاني .
ويكفي في الأول
الإطلاق ، سيّما مع كونه هو المتبادر ، ولذا جعله في المدارك أحوط .
وإطلاقهما أيضا يقتضي وجوب الإتمام من موضع القطع مطلقا ولو حصل العارض في أثناء
القراءة ، وقيل : يجب الابتداء من أول السورة التي حصل القطع في أثنائها ، وجعله في
المدارك أحوط أيضا .
(
ويكره أن يأتمّ الحاضر بالمسافر ) وبالعكس ؛ للموثق : « لا يؤمّ الحضري المسافر ولا المسافر
الحضري » .
ونحوه الرضوي
مبدلا لفظة « لا » بلا يجوز .
وظاهر هما وسيّما
الثاني وإن كان هو التحريم كما مرّ نقله عن والد الصدوق ، وحكي عنه أيضا في المقنع
لكن في الثاني خاصة ، إلاّ أنهما محمولان على الكراهة ، كما عليه من عداهما
كافة ، جمعا بينهما وبين الصحاح المستفيضة المصرّحة بالجواز والصحة.
منها : عن المسافر
يصلّي خلف المقيم ، قال : « يصلّي ركعتين ويمضي
__________________
حيث شاء » . ونحوه البواقي .
وهي صريحة في ردّ
الصدوق وكذا والده في الثاني ، بل الأول أيضا ، لعدم القائل بالفرق ، هذا مع تصريح
الخبرين بعد ذلك بأنه : « فإن ابتلى بشيء من ذلك فأمّ قوما حضريين فإذا أتم
الركعتين سلّم ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم ، وإذا صلّى المسافر خلف قوم حضور
فليتم صلاته ركعتين ويسلّم ».
وزاد في الأول : «
وإن صلّى مع قوم الظهر فليجعل الأوليين الظهر والأخيرتين العصر ».
وهذه التتمة كما
ترى صريحة في الصحة مع المخالفة ، وهو لا يلائم كون النهي للحرمة ، لاقتضائها
الفساد في العبادة عند الإمامية ، ولعلّه لذا قال جماعة بأنهما صريحان في الكراهة .
وفيه مناقشة ؛
لاحتمال اختصاص الصحة بصورة الضرورة والتقية ، كما هو مورد الخبرين وسيّما الثاني
، إذ فيه زيادة على « وإن ابتلى » : « ولم يجد بدّا من أن يصلّي معهم » وهو كما
ترى نصّ في اختصاص الحكم بالجواز والصحة بحال الضرورة ، وهو لا يستلزم ثبوته كلية
، كما هو ظاهر الجماعة.
ولا ريب أن الترك
أحوط ؛ لاعتبار سند الخبرين ، وصلاحيتهما بذلك لتقييد إطلاق الصحاح بحال الضرورة ،
إذ غايتها إفادة الصحة في الجملة ، ولا إشكال فيها كذلك ، وإنما هو في كلّيتها
وعمومها لحال الاختيار ، وليس فيها تصريح بها فيها ، بل ولا إشارة ، بل غايتها
الإطلاق المحتمل للتقييد بالضرورة جمعا بين الأدلة.
__________________
مع أنه منساق
لبيان حكم آخر غير الجواز ، وهو كيفية اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس لو اتّفق ،
ردّا على جماعة من العامة القائلين بأنه إذا اقتدى المسافر بالمقيم لزمه التمام ،
وهم الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ، كما حكاه عنهم السيّد في الناصرية
والفاضل في المنتهى والتذكرة مدّعيين على خلافهم إجماع الإمامية ، وعليه فلا عبرة به
فيما نحن فيه كما برهن عليه في محلّه.
ولو لا إطباق
المتأخرين المعتضد بالإجماع المحكي كما عرفته لكان القول بما عليه الصدوقان في
غاية القوة.
وظاهر العبارة
وجماعة اختصاص الكراهة بالصورة الاولى ؛ ولم أعرف وجهه ، عدا ما
في المختلف من الأصل ، وضعف الرواية .
ولا وجه له بعد
كونها موثقة ، وهي حجة ، سيّما مع اعتضادها بالرضوية التي هي كالقوية ، فيخصّص
بهما الأصل ، سيّما في إثبات الكراهة التي يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها من
الأحكام الشرعية على الأظهر الأشهر بين الطائفة ؛ ولذا اختار الأكثر الكراهة مطلقا
حتى في الثانية.
وظاهر إطلاق
العبارة والرواية عدم الفرق في الحكم بين الفريضة المقصورة وغيرها ، وبه صرّح في
الروضة .
خلافا لجماعة
فقيّدوه بالمقصورة ، ولعلّه لكونها المتبادر من الإطلاق ،
__________________
إلاّ أن الأول
أنسب بقاعدة المسامحة في أدلة السنن والكراهة.
(
و ) أن يأتم ( المتطهر ) بالماء
( بالمتيمم ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي المنتهى الإجماع عليه ؛ للنهي عنه في
المعتبرين المحمول على الكراهة ، جمعا بينهما وبين المعتبرة
المستفيضة المصرّحة بالجواز من غير كراهة ، وفيها الصحيح والموثقان وغير هما .
ولرجحانها عليهما
سندا ودلالة احتمل بعض متأخري المتأخرين الجواز من غير كراهة . وهو ضعيف ؛ لما
عرفته في المسألة السابقة.
وأضعف منه القول بالمنع المحكي في المختلف والذكرى عن ظاهر المرتضى
، سيّما مع ندرته وعدم اشتهار نقل خلافه.
(
وأن يستناب المسبوق ) بركعة فصاعدا حيث يحتاج إليها ؛ للصحيح وغيره . والنهي في الأول وإن كان ظاهرا في المنع إلاّ أن التعبير
عنه في غيره
__________________
بـ « لا ينبغي »
ظاهر في الكراهة ، سيّما مع تضمنه الحكم بالصحة مع المخالفة ، هذا مضافا إلى
الصحاح الظاهرة بل الصريحة فيها ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة في المسألة
التاسعة من المسائل الآتية.
(
وأن يؤمّ الأجذم والأبرص ) بلا خلاف في المرجوحية ، بل عليها الإجماع في الانتصار والخلاف ؛ للنهي في
الصحاح وغيرها ، منها : « خمسة لا يؤمّون الناس على كل حال : المجذوم ، والأبرص ،
والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابي » ونحوه آخر بزيادة قوله : « حتى يهاجر ، والمحدود » .
ومنها : « لا
يصلّين أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا ، والأعرابي لا يؤمّ المهاجرين
» .
وظاهرها المنع مطلقا ، كما عليه جماعة من القدماء كالشيخ في الخلاف والمرتضى ، قيل :
وأتباعهما .
خلافا للفاضلين
والشهيدين وأتباعهم ، بل عامة المتأخرين ـ إلاّ النادر
__________________
منهم ـ فاختاروا
الجواز ، جمعا بينها وبين ما دلّ على الجواز ، كالخبر : عن المجذوم والأبرص يؤمّان
المسلمين؟ فقال : « نعم » ونحوه آخر مروي عن المحاسن .
وهو حسن لو لا ضعف
سندهما ، إلاّ أن يجبر بالشهرة المتأخرة الظاهرة والمحكية في كلام جماعة .
مع أن في الانتصار
ادّعى الإجماع على الكراهة . لكنها في كلامه محتملة للحرمة ، فقد أفتى بها في ولد
الزنا ، مدّعيا الإجماع عليها ، ثمَّ قال : والظاهر من مذهب الإمامية أن الصلاة
خلفه غير مجزية ، والحجّة في ذلك الإجماع وطريقة براءة الذمة.
فما ينسب إليه من
القول بالكراهة لا وجه له ؛ لإجمال العبارة ، ومع ذلك معارض بإجماع الخلاف حيث
ادّعاه على المنع.
بقي الكلام في
الشهرة ، والظاهر أنها ليست بتلك الشهرة التي تصلح أن تكون للروايات الضعيفة جابرة
، سيّما وأن يعترض بها نحو الصحاح المتقدمة الظاهرة الدلالة ، بل الصريحة ، من حيث
تضمنها النهي عن جملة من لا يجوز إمامته بإجماع الإمامية. وحمله بالنسبة إلى من
عداهم على الكراهة يوجب استعماله في معنييه الحقيقي والمجازي في استعمال واحد ،
وهو مرغوب عنه عند المحقّقين ، وحمله على المجاز العام بعيد.
__________________
وكيف كان :
فالمسألة محل إشكال إلاّ أنّ المصير إلى المنع أحوط للعبادة.
وهنا قولان آخران
مفصّلان بين إمامتهما بمثلهما فالجواز ، وبغيره فالمنع ، كما في أحدهما ؛ وإمامتهما في
الجمعة فالثاني وغيرها فالأول ، كما في ثانيهما .
ولم أعرف مستندهما
، مع إطباق النصوص مطلقا وأكثر الفتاوي على خلافهما ؛ لإطلاقهما.
إلاّ أن يدّعى اختصاصه بحكم التبادر وغيره بإمامتهما بغير هما ، فيرجع في إمامتهما
بمثلهما إلى مقتضى الأصل وإطلاقات الأمر بالصلاة وشرعية الجماعة ، إلاّ أن يمنع
التمسك بمثلها في تصحيح العبادة ، ولا يخلو عن مناقشة ، فهذا التفضيل لا يخلو عن
قوّة ، سيّما وقد ادّعى عليه ابن زهرة إجماع الإمامية .
(
و ) كذا الكلام في
إمامة ( المحدود
بعد توبته ) فالمشهور بين
المتأخرين الجواز على كراهة ، وعند جماعة من القدماء الحرمة ، إمّا مطلقا كما عليه
جملة ، أو إلاّ بمثله كما عليه آخرون ، ومنهم ابن زهرة مدّعيا عليه إجماع الإمامية ، وعليه ينزل
إطلاق النهي في بعض الصحاح المتقدمة كما عرفته.
__________________
ولا معارض له ولا
للإجماع المنقول عدا فحوى ما دلّ على جواز إمامة الكافر بعد إسلامه واستجماعه
شرائط الإمامة ، ولا يخلو عن مناقشة ، سيّما بعد ورود النهي في الصحيحة.
والجمع بينهما وإن
أمكن بحمله على الكراهة ، إلاّ أن إبقاءه على ظاهره من الحرمة وصرف الأولوية عن
ظاهرها والخروج عنها ـ إن سلّمناها ـ أوفق بالقواعد الأصولية ، سيّما بعد الاتفاق
على صرفها بالإضافة إلى الكراهة ، واعتضاد المنع بإجماع ابن زهرة وأخبار أخر سيأتي
إليها الإشارة.
مضافا إلى ما عرفته من أن حمل النهي فيها على الكراهة يوجب استعمال اللفظ الواحد في
معنييه الحقيقي والمجازي في استعمال واحد ، وهو مرغوب عنه.
وبه يعرف الجواب
عن مفهوم الخمسة في جملة من الصحاح المتقدمة الدالة على الجواز فيمن عداهم حتى
المحدود الذي لم يعدّ منهم لو تمسك به للكراهة ؛ لأن دلالته بالعموم ، والصحيحة
ومعاضدها بالخصوص ، وهو مقدّم ؛ لما عرفته.
(
و ) أن يؤمّ ( الأغلف ) غير المقصّر في الختان ؛ للنهي عنه في النصوص المروية في
الخصال وغيره ، منها : « ستة لا ينبغي أن يؤمّوا الناس : ولد الزنا ، والمرتد ،
والأعرابي بعد الهجرة ، وشارب الخمر ، والمحدود ، والأغلف » .
ومنها : « لا يؤمّ
الناس المحدود ، وولد الزنا ، والأغلف ، والأعرابي ،
__________________
والمجنون ،
والأبرص ، والعبد » .
وبظاهرهما من
المنع أخذ المرتضى والتقي ، لكنه استثنى إمامته بمثله ، ولعلّه لما قدّمنا.
والأصح الكراهة
مطلقا ، وفاقا لعامة متأخري أصحابنا ؛ للأصل ، والإطلاقات ، وعموم مفهوم جملة من
الصحاح المتقدمة ، مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة ، لضعف سند الروايتين ، مع قصور
دلالة الأولى ، فإنّ « لا ينبغي » لو لم نقل بظهوره في الكراهة فهو أعم منها ومن
الحرمة قطعا.
مع إشعار بعض النصوص المانعة المتضمنة للتعليل بقوله 7 : « لأنه ضيّع من السنّة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا
يصلّى عليه ، إلاّ أن يكون صنع ذلك خوفا على نفسه » بالجواز ، بل
ظهوره فيه إن قلنا برجوع الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة إليها كلّها ، لكنه
خلاف التحقيق كما حقّق في محلّه مستقصى.
وأما الاستدلال به
على المنع فيتوجه عليه زيادة على ما قدّمناه اختصاصه بصورة التفريط المنافي
للعدالة المشترطة إجماعا.
(
و ) أن يؤمّ ( من يكرهه المأموم )
على المشهور ؛
للنصوص المستفيضة المروية في الفقيه والخصال والأمالي وغيرها من الكتب
__________________
المعتبرة.
خلافا للفاضل في
المنتهى فلا يكره مطلقا ، قال : إذ الإثم إنما يتعلق بمن يكرهه لا به . وهو اجتهاد في
مقابله النص.
وله في التذكرة
ففصّل بين كراهة المأمومين له لدينه فالثاني ، وإلاّ فالأول . ولا بأس به ؛
للأصل ، مع اختصاص النصوص بحكم التبادر وغيره بالثاني ، وهو كراهتهم له لكونه
إماما بأن يريدوا الائتمام بغيره لا لدينه.
(
و ) ان يؤمّ ( الأعرابي ) وهو المنسوب إلى الأعراب وهم سكّان البادية ( بالمهاجرين ) وسكّان الأمصار المتمكنين من تحصيل شرائط الإمامة ومعرفة
الأحكام ؛ للنهي عنه في الصحاح المتقدمة وإن اختلفت في الإطلاق كما في جملة منها ،
والتقييد بالمهاجرين كما في غيرها ، وعليه عامة أصحابنا إلاّ نادرا ، وهو الجعفي
على ما حكاه عنه في الذكرى .
وبظاهر النهي أخذ أكثر القدماء ، حتى ادّعى عليه في الخلاف الإجماع ، بل لا خلاف
أجده بينهم صريحا إلاّ من الحلّي فأفتى بالكراهة ، وتبعه الماتن
والمتأخرون قاطبة.
ولعلّه لقوة
احتمال اختصاص الأعرابي الوارد في الصحاح وكلمة المانع من قدماء الأصحاب بمن لا
يعرف محاسن الإسلام ولا وصفها ، ومن يلزمه المهاجرة وجوبا ، لأنه الغالب المتبادر
منه عند إطلاقه يومئذ ، بل مطلقا. ولا ريب في المنع عن إمامته حينئذ ؛ لعدم
العدالة المشترطة في الصحة إجماعا ،
__________________
وعليه فلا يتوجه
المنع مطلقا ، هذا.
ويمكن أن يكون
المراد بالأعرابي : الأعرابي بعد الهجرة ، كما يفهم من بعض الروايات المتقدمة في
الأغلف ، ويشعر به بعض الصحاح المتقدمة.
والتعرّب بعد
الهجرة من الكبائر اتفاقا فتوى ورواية ، وعليه فيتوجه المنع كما في سابقة ، لما
عرفته ، والمنع فيه لا يستلزم المنع في الأعرابي بالمعنى الذي فسّرنا به العبارة.
لكن إرادة هذا خلاف ما يظهر من
الجماعة ، بل صرّح بما ذكرناه في تفسيره أوّلا جملة ويومئ إليه
المرتضوي المروي عن بعض الكتب المعتبرة ، قال : « وكره أن يؤمّ الأعرابي لجفائه عن
الوضوء والصلاة » .
وتقييد بعض الصحاح
ـ كسائر الأصحاب ـ المنع عن إمامته بما إذا كانت بالمهاجرين مشعر بل ظاهر
باختصاصه به وجوازها بمثله ، وهو لا يلائم ما قدّمناه من الاحتمال الأول أيضا ،
لعدم فرق عليه في المنع التحريمي بين اقتدائه بمثله وبغيره ؛ مع أن تخصيصه بالذكر
في مقابلة الفاسق كالصريح في أن المنع من غير جهته ، وإلاّ فالفسق فيه على تقديره
أحد أقسامه ، ولا فائدة ظاهرة في تخصيصه بالذكر وإفراده به.
وعليه فالمنع
مطلقا قوي ، عملا بظاهر النهي المعتضد بالشهرة
__________________
القديمة والإجماع
المحكي.
ولا ينافيه
الرواية السابقة المتضمنة للفظة الكراهة ؛ لعدم وضوح سندها ؛ بل ولا دلالتها ،
لأعمية الكراهة فيها من المعنى المعروف الآن والمنع التحريمي ؛ مع ضعفها عن
المقاومة لما مضى من وجوه شتّى.
(
الطرف الثالث : في الأحكام )
(
ومسائله تسع ) :
(
الاولى : لو علم ) المأموم ( فسق
الإمام ، أو كفره ، أو حدثه ) أو كونه على غير القبلة ، أو إخلاله بالنية ، أو نحو ذلك ( بعد الصلاة لم يعد
) ها مطلقا ، على
الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة أصحابنا ، عدا الإسكافي ، فقد حكي عنه القول
بالإعادة في الأمور المذكورة في العبارة مطلقا لها في أوّليها ، ومقيّدا لها
بالوقت في أخيرها .
ووافقه المرتضى في
الجميع ، غير أنه لم يقيد الأخير بالوقت خاصة .
وهما شاذّان على
الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة ، مشعرين بدعوى الإجماع على خلافهما ، كما صرّح به الشيخ ; في الخلاف في الأمر الثاني.
ونحوهما في الشذوذ إيجاب الإعادة عليه في الوقت في الرابع أيضا ، كما عليه الحلّي حاكيا له عن
الشيخ ، مع احتمال اختصاص خلافهم هنا بما إذا
__________________
تبع المأموم
الإمام في الصلاة إلى غير القبلة ، فيكون خارجا عن مفروض المسألة.
وبإجماع الخلاف
يستدل على عدم الإعادة في البواقي بطريق الفحوى ، مع أن الصحاح مستفيضة كغيرها من
المعتبرة بعدم الإعادة في جميع ما ذكرنا عدا الفسق ، لكنه ملحق بالكفر إجماعا
وبطريق أولى كما مضى.
ففي المرسل
كالصحيح : قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمّهم رجل ، فلمّا صاروا إلى
الكوفة علموا أنه يهودي ، قال : « لا يعيدون » ونحوه غيره .
وفي الصحيح : عن
قوم صلّى بهم إمامهم وهو على غير طهر ، أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال : « لا
إعادة عليهم تمّت صلاتهم وعليه هو الإعادة ، وليس عليه أن يعلمهم ، هذا عنه موضوع
» والصحاح كغيرها بمعناه مستفيضة.
وفيه : رجل يصلّي
بالقوم ثمَّ يعلم أنه قد صلّى بهم إلى غير القبلة ، قال : « ليس عليهم إعادة شيء
» ونحوه آخر معلّلا بأنهم
قد تحرّوا .
وفي آخرين : رجل
دخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة وأحدث إمامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدّمه
فصلّى بهم ، أتجزيهم صلاتهم بصلاته وهو
__________________
لا ينويها صلاة؟
فقال : « لا ينبغي » إلى أن قال : « وقد تجزي عن القوم صلاتهم وإن لم ينوها » .
وهذه النصوص ـ مع
ما هي عليه من الصحة والاعتبار والاستفاضة القريبة من التواتر ، والشهرة العظيمة
القريبة من الإجماع ، بل الإجماع حقيقة كما عرفت حكايته ـ موافقة للقاعدة ؛
لامتثال المأمور به ، وهو الصلاة خلف من يظن استجماعه لشرائط الإمامة ، إذ تكليفه
بتحصيل العلم بالاستجماع واقعا تكليف بما لا يطاق ، وامتثال الأمر يقتضي الإجزاء.
ومع ذلك فهي سليمة
عمّا يصلح للمعارضة ، عدا أمر اعتباري ، وهو ـ مع ضعفه في نفسه ومعارضته بأقوى منه
ـ اجتهاد في مقابله النصوص التي قدّمناها.
ومعارضتها بنصوص
أخر مانعة ضعيفة غايته ، بعد ضعف أسانيدها جملة ، وموافقتها لجماعة
من العامة ، ومنهم أصحاب الرأي وهم أصحاب أبي حنيفة ، ومع ذلك فقد
تضمّن بعضها ما لا يوافق مذهب الإمامية في الإمامة من التلازم بينها وبين العصمة ،
مع أن الرواية في خلافها صريحة ، وما عداها مروية في كتب غير مشهورة ، فلا تكافئ
ما قدّمناه من وجوه عديدة.
وللصدوق في المقنع
هنا قول ثالث حكاه عن جملة ممّن عاصره من المشايخ ، وهو الفرق بين الجهرية فالأول
، والسرّية فالثاني . ولا يعرف له وجه
__________________
بالكلية.
هذا إذا تبيّن
الخلل بعد الصلاة.
أما في أثنائها ،
ففي جواز الانفراد ، ولزوم الاستيناف ، قولان مبنيّان على الخلاف المتقدم ، فيأتي
الأول على المختار ، وغيره على غيره.
ويدل على خصوص
المختار هنا جملة من النصوص ، منها : ما مرّ في بحث ما لو عرض للإمام حدث من نحو
الصحيح : عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمَّ أخبر هم أنه ليس على وضوء ، قال : « يتم
القوم صلاتهم ، فإنه ليس على الإمام ضمان » فتأمل.
(
ولو كان ) المأموم قبل
الصلاة ( عالما )
بالخلل فائتمّ به ( أعاد ) ها قطعا ؛ لعدم الامتثال ، إلاّ إذا اقتدى بمخالف تقية أو
مطلقا ، فظاهر جملة من النصوص والفتاوي عدم الإعادة مطلقا ، إلاّ أن الإعادة مع عدم التقية أحوط
وأولى حيث يكون لشيء من الواجبات تاركا.
وقد استوفينا الكلام في هذه المسألة في الشرح في بحث استحباب الصلاة مع المخالفين ، من
أرادها فليطلبها من هناك.
وإنما لم يذكر
الأصحاب هذا الاستثناء هنا بناء على أن الاقتداء بالمخالف ليس اقتداء حقيقة وإنما
هو شبه اقتداء ، ولما أن كان يوجب سقوط بعض الواجبات وأقلّه الجهر بالقراءة أحيانا
ذكره العبد هنا.
(
الثانية : ) قد سبق أنّ الأشهر
الأقوى إدراك المأموم الركعة بإدراك الإمام
__________________
راكعا ، وعليه ف ( إذا ) دخل موضعا يقام موضعا يقام فيه الجماعة وقد ركع الإمام و ( خاف ) بالتحاقه به ( فوت الركوع عند دخوله ) في الصلاة برفع الإمام رأسه ( ف ) نوى وكبّر في موضعه و ( ركع ) محافظة على إدراك الركعة ( جاز ) إذا لم يكن هناك مانع شرعي من بعده عن الإمام بما لا يجوز
له التباعد عنه به على ما نصّ به جماعة ، كالفاضل المقداد وغيره وله ( أن يمشي راكعا
ليلتحق ) بالصف ، بلا خلاف
يعرف ، وبه صرّح بعض ، وظاهر المنتهى الإجماع عليه ، وبه صرّح في
الخلاف .
للصحيح : عن الرجل
يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة ، فقال : « يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو
راكع حتى يبلغهم ، ويجوز له السجود في مكانه ثمَّ الالتحاق » .
ولآخر : « إذا
دخلت المسجد والإمام راكع ، فظننت أنك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه ، فكبّر
واركع ، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك ، فإذا قام فالحق بالصف ، وإن جلس فاجلس مكانك
فإذا قام فالحق بالصف » .
وفي ثالث : رأيت أبا عبد الله 7 يوما وقد دخل المسجد لصلاة العصر ، فلمّا كان دون الصفوف
ركعوا فركع وحده وسجد سجدتين ، ثمَّ قام
__________________
فمضى حتى لحق
بالصف .
وعليه الإجماع
أيضا أيضا في ظاهر المنتهى .
وإطلاق النص
والعبارة يقتضي جواز المشي ولو حالة الذكر. خلافا لجماعة فقيّدوه بغيرها ؛ محافظة على
الطمأنينة الواجبة فيها اتفاقا ، ولا ريب أنه أحوط وإن كان في تعيّنه نظر ، لأن
تقييد الفتوى والنص هنا بأدلة الطمأنينة ليس بأولى من تقييدها بهما ، إلاّ أن يرجح
الأول بأن في الثاني تركا للواجب لإدراك أمر مستحب ، وهو غير معقول ، لكنه بترك
القراءة ونحوها لأجل إدراكه منقوض.
ونحوه الكلام فيما مرّ
ممّا ذكره الجماعة من المانع الشرعي ، كيف ولو كان البعد بما لا يجوز له التباعد
اختيارا مانعا شرعيا هنا لما كان الحكم هنا اتفاقيا ، بل كان اللازم اختصاصه
بالمشهور ، دون من لا يجوّز التباعد بما لا يتخطى ، مع أنه لم ينقل الخلاف عنه هنا
، فتأمل جدا.
ولا ريب أن ما
ذكروه أحوط واولى ، كاعتبار عدم وقوع فعل كثير في مشيه وأن يجر رجليه حينئذ ولا
يتخطى ، كما قاله الصدوق ورواه .
(
الثالثة : إذا كان الإمام في محراب داخل ) في الحائط أو المسجد على وجه يكون إذا كان وقف فيه لا يراه
من على جانبيه ( لم تصح
صلاة من إلى جانبيه في الصف الأول ) أي الصف الذي هو جملتهم ؛ لعدم المشاهدة
__________________
المشترطة في صحة
الجماعة.
واحترز بالصف
الأول عمن إلى جانبيه في الصف المتأخر عنه ، فإن صلاتهم صحيحة على ما صرّح به
الشيخ فيما حكاه عنه في الذكرى ، مصرّحا هو به أيضا ، وفاقا له ولصريح الفاضل في التذكرة
ونهاية الإحكام والمنتهى ، وتبعهم في المدارك من غير نقل خلاف فيه أصلا حتى من الماتن هنا وفي الشرائع
والفاضل في التحرير ، بانيا على أن المراد من العبارة التي اتفقت عليه الكتب
الثلاثة ـ ولو بتغيير ما لا يخلّ بمقصودنا ـ ما فهمناه ، لا ما ربما يفهم منها من
أن المراد بالصف الأول هو الصف المتأخر عن الإمام ، فتدل على فساد صلاة من على
يمين مقابل الإمام ويساره منه.
ووجه البناء هو أن
المتبادر ممن إلى الجانب إنما هو الذي يحاذي يمين الإمام ويساره بحيث يحاذي منكبيه
حقيقة ، لا من يكون إلى جانبيه في الصف المتأخر عنه ، ولا وجه لفهم هذا منه إلاّ
التقييد بقوله : في الصف الأول.
وليس فيه منافاة
لما ذكرناه بعد ظهور إطلاقه حقيقة على الصف الذي فيه الإمام قطعا ، وإنما أتى به
تأكيدا ودفعا لتوهم فهم من إلى جانبيه في الصف المتأخر منه ، لغلبة إطلاق من إلى
جانبيه عليه أيضا ولو مجازا.
ويشهد لما فهمنا ـ
تبعا للمدارك ـ زيادة على ما ذكرنا : ملاحظة ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني والمحقّق الثاني
في شرحهما لعبارة الشرائع ، فإنّ عبارتهما صريحة في ذلك ، وفي فتواهما به مع عدم
نقل مخالف مشعرين بعدم
__________________
الخلاف.
ويعضده أيضا أنّ
أحدا من الأصحاب المتأخرين من الفاضلين لم ينقل الخلاف عنهما مع تصريح جملة منهم
بالحكم كما ذكرنا ، كالفاضل نفسه في التذكرة والمنتهى والنهاية من غير نقل خلاف
أصلا. وصاحب الذخيرة مع استشكاله فيه بما قدمناه في بحث الشروط لم ينسب الخلاف
إلى أحد أصلا ، بل نسب الحكم المزبور إلى الشيخ ومن تبعه جملة ، مشعرا بكونه بينهم
إجماعيا ، وقد صرّح بعدم الخلاف فيه في الكفاية .
وبالجملة : لم أر
مخالفا فيه بالكلية ، والظاهر عدمه كما يفهم من عبائر المتعرضين للحكم في المسألة.
نعم ، ربما يفهم
من عبارة القواعد المخالفة ، فإنه قال : لو صلّى الإمام في محراب داخل صحّت صلاة
من يشاهده من الصفّ الأول خاصة ، وتصح صلاة الصفوف الباقية أجمع لأنهم يشاهدون من
يشاهده . انتهى.
وذلك فإن فرض المشاهدة
في الصف الأول يقتضي كون المراد به الصف المتأخر عن الإمام ، بناء على أن المحراب
لا يسع غير الإمام ولا يكون مخروما غالبا ، فلا يمكن فرض مشاهد له في صفه.
لكن يمكن الذب عنه
بحمله على غيره ، والتعرض لحكم الفرض النادر في كلام الفقيه غير عزيز ، ألا ترى
إلى الذكرى قد تعرّض له ، فقال : ولو ولجها ـ أي المقصورة ـ الإمام وشاهده
الجناحان أو انتهت مشاهدتهما إلى من يشاهده صحّ الائتمام ، وإلاّ فلا ، وأما الذين
يقابلون الإمام فصلاتهم صحيحة ، لانتهاء
__________________
مشاهدتهم إليه .
وذلك فإن عبارته
كالصريحة ، بل صريحة في أن المراد بالجناحين من في صف الإمام عن يمينه ويساره ،
ومع ذلك فرض مشاهدتهما له ، ولا تكون إلاّ بولوجهما معه في المقصورة ، أو فرض
كونها مخرومة.
ووجه صراحة هذه
العبارة في حكم أصل المسألة ـ كما قدّمنا إليه الإشارة ـ هو تصريحها بالاكتفاء في
الصحة بانتهاء مشاهدة الجناحين إلى من يشاهد الإمام ، فإن خصصناهما بمن في صف
الإمام كما هو ظاهر العبارة بل صريحها كما عرفته فالدلالة واضحة ، وكذا إن
عمّمناهما لمن في الصف المتأخر عنه ، فإن انتهاء مشاهدتهما فيه إلى من يشاهد
الإمام إنما هو عن يمينهما ويسارهما لا قدّامهما ، هذا.
وتعليله ـ كالفاضلين
وغيرهما ـ صحة صلاة الصفوف المتأخرة عن الإمام بأنهم يشاهدون من يشاهد الإمام
قرينة على حكمهم بالصحة في مفروض المسألة ، حيث لم يقيّدوا المشاهدة بوقوعها ممّن
في الخلف لقدّامه ، بل تشمل ما لو وقعت عن الجانبين ، فتعمّ الصحة لمن هو مفروض
المسألة ولو فرض اختصاص مورد التعليل بغيره ، فإن العبرة بعمومه لا بخصوص مورده.
وما يقال من أنه
لا دليل على ما ذكروه من اعتبار المشاهدة وأخذها قاعدة كلية مطلقا حتى لو حصلت
بواسطة أو وسائط لكانت كافية ، فممّا لا ينبغي الإصغاء إليه ولا العروج في مقام
التحقيق عليه ، لظهور إطباقهم عليها ، بل قال في المنتهى : إنه لا نعرف فيها خلافا
، مؤذنا بكونها بين الخاصة والعامة مجمعا عليها.
__________________
وبالجملة : لا أرى
شبهة في حكم المسألة من حيث الفتوى. وأما من جهة النص فمشكل ؛ إذ لم أقف على ما
يدل عليه منه عدا الصحيحة المتقدمة في بحث الشروط ، ودلالتها عليه
غير واضحة ، إلاّ أن يتمم بفهم الطائفة ، مع احتمال تتميمها من غير هذه الجهة ،
هذا.
وفي الصحيح : « لا
أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا » .
وفي آخر : قلت
لأبي عبد الله 7 : إني أصلي في الطاق يعني المحراب ، فقال : « لا بأس إذا
كنت تتوسع به » .
وفي هذا إشعار ، بل ظهور تام بصحة صلاة المأمومين من جانبي من يقابل الإمام خلفه في
المحراب ، إذ معها تحصل التوسعة الكاملة المتبادرة من الرواية ، وإلاّ فلا تحصل من
ولوجه في المحراب إلاّ التوسعة بنفس واحدة ، وهي خلاف المتبادر منها كما عرفته ،
فتأمل.
(
الرابعة : إذا شرع ) المأموم ( في
نافلة فأحرم الإمام قطعها ) أي قطع المأموم النافلة
( إن خشي الفوات ) تحصيلا للجماعة التي هي أهمّ من النافلة ، على ما صرّح به الجماعة ، ويستفاد
من المعتبرة الآتية الآمرة بالعدول من الفريضة إلى النافلة ، إذ هو في معنى إبطال
الفريضة ، فإذا جاز لدرك فضيلة الجماعة فجواز إبطال النافلة لدركها أولى.
وللرضوي : « وإن
كنت في صلاة نافلة وأقيمت الصلاة فاقطعها وصلّ الفريضة مع الإمام » .
__________________
وإطلاقه يقتضي عدم
الفرق بين خوف الفوات وعدمه ، كما هو ظاهر إطلاق الحلّي والمحكي في المختلف عن
الشيخ والقاضي .
خلافا للأكثر
فقيّدوه بالأول ، قالوا : ليحوز الفضيلتين. وهو أحوط ، سيّما على القول بمنع قطع
النافلة اختيارا.
وعليه فهل المعتبر خوف فوات الركعة ، أو الصلاة جملة؟
وجهان ، الظاهر
الأول ، لأوفقيته بظاهر الرضوي والنصوص الآتية على ما سيأتي.
(
ولو كان ) المأموم ( في فريضة ) وأحرم الإمام أو أذّن وأقام كما يستفاد من نصوص المقام ( نقل نيته ) من الفرض
( إلى النفل وأتم ركعتين ) بلا خلاف صريح ، بل عليه في ظاهر التذكرة وغيرها الإجماع ؛
للمعتبرة ، منها الصحيح : عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة ، فبينما هو قائم يصلّي
إذا أذّن المؤذن وأقام الصلاة ، قال : « فليصلّ ركعتين ثمَّ ليستأنف الصلاة مع الإمام
ولتكن الركعتان تطوعا » .
وبمعناه الموثق والرضوي ، بزيادة فيه ،
وهي : النهي عن قطع الفريضة وتعيين العدول إلى النافلة ، وفيهما ، وهي : تخصيصه
بالإمام المرضي دون من لا يقتدى به.
__________________
وبالزيادة الأولى
مضافا إلى عموم ما دلّ على حرمة إبطال الفريضة يضعّف ما في المختلف عن الشيخ والقاضي
من جواز القطع هنا مطلقا ، وقوّاه الشهيد في الذكرى أيضا ، لكن مع خوف
الفوات لا مطلقا ، حاكيا له عن الشيخ في المبسوط أيضا.
ثمَّ إنّ هذا مع
إمكان النقل ، وأما مع عدمه كأن دخل في الثالثة ففي جواز النقل هنا أيضا بأن
يهدمها ، أو قطع الفريضة من أصلها ، أو لا ذاك ولا هذا ، بل يبقى مستمرا أوجه ،
استقرب الفاضل في جملة من كتبه أخيرها ، وهو أقوى ، اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على تحريم
قطع الفريضة اختيارا على مورد النص والفتوى ، وليس منه هذا.
إلاّ أن يستدل على
الثاني بفحوى ما دلّ على جواز القطع لإدراك فضيلة الأذان والإقامة ، فجوازه لإدراك
فضيلة الجماعة أولى.
وهو على تقدير
تسليمه أخص من المدّعى ؛ لاختصاص الجواز في الأذان بصورة خاصة ، دونه هنا ، فإنه
يعمّها وغيرها ، إلاّ إن يتمّم بعدم القائل بالفرق ، ولا يخلو عن نظر.
واعلم : أنّ قوله ( استحبابا ) الظاهر رجوعه إلى المسألتين ، وإلاّ فلم يقل أحد بوجوب
القطع المستفاد من ظاهر العبارة في أولاهما ، إلاّ أن يحمل الأمر فيها على الرخصة
، لوروده مورد توهّم الحرمة ، فلا يفيد سوى الإباحة ، وهو لا يستلزم الندب
والفضيلة.
لكنه خلاف الظاهر
، بل لعلّ الاستحباب متفق عليه بين الجماعة وإن
__________________
عبّر جملة منهم
بالجواز المطلق ، لكون الظاهر إرادتهم منه الاستحباب لا الإباحة. وكيف كان فلا ريب
في ثبوته ؛ لورود الأمر به في الرضوي ؛ مضافا إلى التسامح في أدلة السنن حيثما لا
يحتمل التحريم كما نحن فيه.
(
ولو كان ) المأموم قد دخل
الفريضة وأحرم ( إمام
الأصل قطعها ) استحبابا ( واستأنف
) الصلاة ( معه ) فيما ذكره الشيخ والحلّي وجماعة .
وحجتهم عليه غير واضحة ، عدا أمر اعتباري لا أظنه يصلح لمعارضة إطلاق النصوص
المتقدمة المؤيدة بأدلة تحريم إبطال الفريضة ، ومع ذلك فالمسألة قليلة الجدوى
والثمرة. وتردّد فيها الفاضلان ، بل قطع في المختلف والمنتهى بالحرمة .
(
ولو كان ) الإمام ( ممن لا يقتدى به
استمر ) المأموم ( على حاله ) في المسألتين ، فلا يقطع النافلة ولا يعدل إليها من الفريضة
؛ للأصل ، مضافا إلى الزيادة المتقدم إليها الإشارة في الرضوي والموثقة المتقدمة.
(
الخامسة : ما يدركه المأموم ) المسبوق بركعة فصاعدا مع الإمام من الركعات ( يكون أول صلاته ، فإذا سلّم الإمام أتمّ هو
ما بقي ) عليه ، بإجماعنا
الظاهر ، المنقول في ظاهر جملة من العبائر مستفيضا كالمعتبر والتذكرة والمنتهى (
ونهاية الأحكام ) وروض الجنان وغيرها ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة جدا كغيرها ، وفي أكثرها
الأمر بقراءة الحمد والسورة ، أو الحمد
__________________
خاصة مع الضرورة
أو مطلقا ، في الأوليين اللتين هما أخيرتا الإمام.
ففي الصحيح : «
إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه ، جعل أول ما
أدرك أول صلاته ، وإن أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء ركعتين وفاتته الركعتان
قرأ في كل ركعة مما أدرك في نفسه بأمّ الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك السورة تامة
أجزأته أمّ الكتاب ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما » إلى أن
قال : « وإن أدرك ركعة قرأ فيها فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بأمّ الكتاب وسورة ثمَّ
قعد فتشهد ثمَّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة » .
وفيه : عن الرجل
يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام وهي له الأولى ، كيف يصنع إذا جلس الإمام؟
قال : « يتجافى ولا يتمكن من القعود ، فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية
فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد ثمَّ يلحق الإمام » وعن الرجل يدرك
الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال : « اقرأ فيهما فإنهما لك
الأوليان ، ولا تجعل أول صلاتك آخرها » .
وهل هذه القراءة على الوجوب أو الندب؟ قولان :
من ظاهر الأوامر
فيها ، مضافا إلى عموم ما دلّ على وجوبها.
ومن عموم ما دلّ
على سقوطها خلف الإمام المرضي المخصّص به العموم المتقدم ، وتحمل الأوامر على
الندب جمعا ، ولا سيّما مع انضمامها في
__________________
بعض النصوص بما هو
للندب أو الكراهة قطعا ، مع أن في بعضها الأمر بالقراءة في النفس ، وهو غير
القراءة الحقيقية ، فيكون هذا قرينة أخرى على الندب أيضا.
والأول أقوى ،
وفاقا لأعيان القدماء كالشيخ في التهذيبين والنهاية والحلبي والمرتضى بل الكليني
والصدوق أيضا ؛ لقوة أدلته ، وضعف معارضها :
فالأول : بمنع
العموم ، بل غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر إلى محل النزاع. ولو سلّم
فهو مخصّص بالأوامر هنا ، وهو أولى من حملها على الندب ، لأولوية التخصيص من
المجاز حيثما تعارضا على الأشهر الأقوى.
والقرينة الأولى
على الندبية على تقدير تسليمها معارضة بمثلها ، وهو تضمن بعضها ما هو للوجوب قطعا
، وبعد تعارضهما يبقى الأمر الظاهر في الوجوب عن الصارف سليما.
وأما القرينة
الثانية فممنوعة ؛ إذ القراءة في النفس كناية عن الإخفاء بها ، كما شاع التعبير
بها عنه في الأخبار ، ومنها ما ورد في الصلاة خلف المخالف مع الاتفاق على
وجوب القراءة الحقيقية فيها ، ولو سلّم فكيف يجعل القراءة في النفس التي ليست
قراءة حقيقة ملفوظا بها قرينة على استحبابها ، بل إبقاؤها على حقيقتها خلاف
الإجماع قطعا ، وهو من أعظم الشواهد على أن المراد بها ما ذكرنا.
__________________
وبالجملة : فالقول
الثاني ـ كما عليه الحلّي والفاضل في جملة من كتبه كالتذكرة والمختلف والمنتهى
وغيرهما ـ ضعيف جدا.
وهل الإخفات هنا
ولو في الجهرية على الوجوب ، كما هو ظاهر الصحيحة الاولى وغيرها ، وصريح المرتضى ؟
أو الندب كما
يقتضيه الأصل ، وخلو باقي النصوص عنه ، وقوة ورود الأمر به لمراعاة ما يستحب
اتفاقا من عدم إسماع المأموم الإمام شيئا؟
وجهان ، أحوطهما
الأول ، إلاّ مع عدم المتابعة بأن خرج الإمام عن الصلاة وقام المأموم إلى الركعة
التي يجب عليه الجهر فيها بالقراءة ، فالأحوط الجهر وإن احتمل العدم ضعيفا بتخيل
اختصاص ما دلّ على وجوب الجهر بحكم التبادر بغير مفروضنا هذا ، لكن لا وجه لرجحان
الإخفات هنا.
ثمَّ إنه على المختار من وجوب قراءة السورتين يختص بحالة التمكن منهما ، وإلاّ فالحمد
خاصة مع إمكانها بلا إشكال ؛ لتصريح الصحيحة به وغيرها كالرضوي وغيره .
ويشكل مع عدم
التمكن منها أيضا ، فهل يأتي بها وإن فاته الركوع فيقرؤها ويلحق الإمام في السجود
، أم يتابعه في الركوع ويتركها؟
وجهان ، أجودهما
الثاني كما بيّنته في الشرح مستوفى. ولكن مراعاة
__________________
الأول أحوط وأولى
بأن لا يدخل مع الإمام إلا عند تكبيره للركوع إذا عرف عدم التمكن منها ، وإن دخل
قبل ذلك فليقرأ منها الممكن ثمَّ ليتابعه في الركوع ويعيد الصلاة احتياطا.
وإذا جلس الإمام
للتشهد وليس له محل للتشهد تجافى ولم يتمكن من القعود كما في الصحيح المتقدم وغيره
.
وهل هو على الوجوب
كما هو الظاهر منهما ، وعليه الصدوق ؟
أم الندب ، كما هو
ظاهر الأكثر ؛ للأصل ، وخلو كثير من النصوص عنه ؛ مع الأمر بالقعود في الموثق : عن
رجل يدرك الإمام وهو قاعد يتشهد ، وليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه قال : « لا
يتقدم الإمام ولا يتأخر الرجل ، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلّم
الإمام قام الرجل فأتم صلاته » ؟
وجهان ، أحوطهما الأول إن لم نقل بكونه المتعين ؛ لقوة مستنده بالإضافة إلى مقابلة
بالأخصّية والصحة والتعدّد فيخص به الأصل والنص ، ويحمل القعود على ما يقابل
القيام في الموثق.
مع أنه لا بدّ فيه
من ارتكاب خلاف ظاهر ؛ إذ لا قائل بوجوب القعود الحقيقي ولا استحبابه ، فحمله عليه
موجب لشذوذ الموثق وندرته ، أو صرف الأمر فيه إلى خلاف ظاهره من الإباحة والرخصة ،
وهو ليس بأولى من حمل
__________________
القعود فيه على ما
ذكرنا إن لم نقل بكونه أولى. وعليه فلا يمكن صرف الأمر في الصحيح وغيره عن ظاهره
بمجرده ، مع اعتضاد هما بغيرهما كالصحيح : « من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم
فيه تجافى وأقعى إقعاء ولم يجلس متمكنا » .
وكيف كان لا ريب
أن التجافي أولى.
ويأتي بالتشهد
استحبابا ؛ لأنه بركة ، كما في المعتبرين .
خلافا لجماعة فمنعوه
عنه ، وأثبت بعضهم بدله التسبيح ، ولعلّه أحوط وإن كان لا بأس بالأول حيث لم يقصد به الأمر
الموظّف ، بل قصد به الذكر المطلق.
وإذا جاء محل تشهد
المأموم فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر التشهد المجزي ثمَّ يلحقه ، كما مرّ في
الصحيح.
وينبغي أن يتابع الإمام في قنوته كما في الموثق ، ويأتي بقنوت نفسه ؛ للعموم.
(
السادسة ) : المأموم ( إذا أدركه ) أي الإمام
( بعد انقضاء الركوع ) الأخير بأن لم يجتمع معه بعد التحريمة في حدّه ( كبّر وسجد معه ) بغير ركوع
__________________
( فإذا سلّم الإمام استقبل ) المأموم الصلاة واستأنفها من أوّلها بلا خلاف ، إلاّ من
الفاضل في المختلف ، فتوقف في استحباب الدخول ؛ لورود النهي عنه في الصحيح .
وفيه ـ بعد تسليم
العمل به مع أنه خلاف الأظهر الأشهر كما مرّ في بحثه ـ أنّ المراد به الدخول على
سبيل الاعتداد بالركعة ، لا على سبيل إدراك فضيلة الجماعة ، كما يفصح عنه تبديل
النهي عن الدخول ب « لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام » في الصحيح
الآخر لراوي الأول ، مع تصريح ثالث له أيضا بإدراك فضيلة الجماعة بإدراك
الإمام وهو في السجدة الأخيرة ، وهو شامل للمسألة بالأولوية.
وما ذكرناه من
الأجوبة أولى ممّا في المدارك من حمل النهي على الكراهة ؛ إذ ليس فيها
منافاة لما ذكره العلاّمة من القدح في استحباب الدخول ، كما عليه الجماعة حاكمين
بأنه يدرك به فضيلة الجماعة ، بل هو ضعيف.
وأضعف منه ميله
إلى موافقة العلاّمة ، معلّلا بعدم ثبوت التعبد بما عليه الجماعة ؛ لما عرفت من
ثبوته بالصحيحة الثالثة بالأولوية في المسألة ، وفي موردها بالصراحة ، وقد اعترف
هو بها في تلك المسألة. ونحوها ما سيأتي من المعتبرة.
__________________
هذا مضافا إلى
صريح الخبر في المسألة المنجبر ضعف سنده وقصر دلالته بالشهرة العظيمة القريبة من
الإجماع ، بل الإجماع في الحقيقة : « إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه
فاسجد معه ولا تعتدّ بها » .
ومن ظاهر الشيخ
والحلّي ؛ فلم يوجبا الاستيناف ؛ قيل : لاغتفار الزيادة في
المتابعة .
وهو حسن مع وجود
الدليل عليه ، وليس لا من إجماع كما هو ظاهر ، ولا من نصّ ، إذ لم نقف عليه عدا ما
مرّ ، وليس فيه عدا بيان إدراك فضيلة الجماعة ، وهو لا يلازم اغتفار الزيادة.
إلاّ أن يجعل
السكوت عن الأمر بالاستيناف دليلا على عدم لزومه ؛ لورود النصّ مورد الحاجة.
لكن في الخروج
بمثله عن عموم ما دلّ على فساد العبادة بالزيادة من الاعتبار والرواية ـ كما عرفته
غير مرّة ـ مناقشة ، سيّما مع احتمال عدم السكوت بعد الإتيان بقوله : « ولا تعتدّ
بها » في الرواية الأخيرة ، لاحتمال رجوع الضمير فيها إلى الصلاة ، فتوافق المختار
من عدم الاغتفار ، بل استدل بها عليه كما ذكره جماعة من الأصحاب .
لكنه ضعيف ؛
لاحتمال رجوعه إلى الركعة أيضا ، فلا ينافي ما عليه الشيخ ومن تبعه ؛ مع أن هذا
الاحتمال أولى ، لكون المرجع عليه مذكورا قبل الضمير صريحا ، بخلاف الأول ، لعدم
سبق ذكر له قبله إلاّ ضمنا.
__________________
(
وكذا ) الكلام فيما ( لو أدركه بعد
السجود ) فيستحب له
المتابعة له فيه ويستأنف الصلاة صلاة من أوّلها.
وإطلاق العبارة
يقتضي عدم الفرق في الحكمين بين الإدراك بعد رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة أو
قبله.
ولا إشكال في الحكم الأول على التقديرين ، ولا خلاف فيه أيضا إلاّ ممّن سبق ، ويضعّفه ـ
زيادة على ما مر في الجملة من الصحيح المصرّح بدرك فضيلة الجماعة والإمام في
السجدة الأخيرة ـ القويّ المروي في الفقيه كما يأتي.
والموثق : في
الرجل يدرك الإمام وهو قاعد يتشهد وليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه ، قال : « لا
يتقدم الإمام ولا يتأخر الرجل ، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلّم
الإمام قام الرجل فأتم صلاته » .
والنبوي المروي في
الوسائل عن مجالس الشيخ : « إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعتدّوها
شيئا » .
والمقطوع : « إذا
أتيت الإمام وهو جالس قد صلّى ركعتين فكبّر ثمَّ اجلس فإذا قمت فكبّر » .
والأمر بالمتابعة
ليس إلاّ لإدراك فضيلة الجماعة كما صرّحت به الصحيحة السابقة وجماعة ، وقصور السند أو
ضعفه مجبور بالشهرة العظيمة.
وأما النصوص
المخالفة للأخبار المزبورة كالموثق : عن رجل أدرك الإمام
__________________
وهو جالس بعد
الركعتين ، قال : « يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتى يقوم » .
والخبر : « إذا
وجدت الإمام ساجدا فاثبت مكانك حتى يرفع رأسه ، وإن كان قاعدا قعدت وإن كان قائما
قمت » .
فغير مكافئة
لمقابلتها من وجوه عديدة ، أعظمها اعتضاد تلك مع صحة بعضها بالشهرة العظيمة ، بل
الإجماع في الحقيقة ؛ لعدم عامل بهذه أجده إلاّ شيخنا الشهيد الثاني فعمل بها
جامعا بينها وبين الأخبار السابقة بالتخيير ، مفضّلا للعمل بها على هذه .
وهو حسن بعد
المكافئة ، وهي مفقودة ، لرجحان تلك بما عرفته ؛ مع أن ظاهر هذه حرمة المتابعة وهو
لا يقول بها ، وتنزيلها على ما ذكره فرع حجة هي في المقام مفقودة.
وقريب منه في
الضعف ما عن التذكرة وفي غيرها من عدم إدراك فضيلة الجماعة إلاّ بإدراك السجدة الأخيرة ؛
لضعفه بما عرفته من المعتبرة الآمرة بالمتابعة بإدراك الإمام بعدها ، وقد مرّ أنه
ليس إلاّ لإدراك الفضيلة.
مضافا إلى صريح
القوية المروية في الفقيه في حديث قال : « ومن أدرك الإمام وهو ساجد سجد معه ولم
يعتدّ بها ، ومن أدرك الإمام في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة ، ومن أدرك
وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة » .
__________________
واحتمال كون هذه
العبارة من الفقيه بعيد على ما يفهم من جماعة .
وبصريحها مضافا
إلى ظواهر الروايات السابقة يعدل عمّا ربما يفهم من الصحيحة المتقدمة من انحصار
إدراك فضيلة الجماعة في إدراك الإمام في السجدة الأخيرة.
ولا في الحكم
الثاني أيضا على التقدير الثاني على المختار في
المسألة السابقة من عدم اغتفار الزيادة ؛ إذ لا فرق بين المسألتين إلاّ من حيث كون
الزائد ثمّة ركنا وهنا غيره ، وهو غير صالح للفرق بعد اشتراكهما في تعمد الزيادة ؛
فإنه مبطل مطلقا على ما تقتضيه القاعدة العقلية والنقلية كما عرفته غير مرّة ، فما
في الروضة من الاغتفار هنا لا ثمة لا أعرف وجهه ، ويأتي على قول
الشيخ الاغتفار هنا أيضا ، بل بطريق أولى.
ويشكل على التقدير
الأول ؛ لعدم زيادة فيه مبطلة إلاّ التشهد ، وهو بركة كما مرّ في المعتبرة. هذا إن
حصل فيه المتابعة ، وإلاّ فليس إلاّ القعود خاصة ، وهو غير مبطل بلا شبهة ، كما
يفصح عنه الأمر به في المسبوق حيث لم يكن له محل للتشهد.
نعم ، في المقطوعة
السابقة الأمر بإعادة التكبيرة. وقطعها يمنع عن العمل بها في المسألة ، مع أني لا
أجد قائلا بها ولا أعرف ، مع أنها معارضة بالموثقة الأولى المتقدمة ، لظهورها ، بل
صراحتها في عدم لزوم الإتيان بالتكبيرة ،
__________________
لقوله : « فإذا
سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته ».
وبالجملة : فعدم الاستيناف هنا أقوى.
ويمكن أن يقيّد
العبارة بصورة الإدراك في السجود لا بعده ، أو يقيّد التشبيه بالحكم الأول وهو
استحباب الدخول ، لا الثاني وإن أو همته العبارة ، وعلى هذا التنزيل فلا مخالفة.
(
السابعة : يجوز ) للمأموم ( أن
يسلّم قبل الإمام مع العذر ) كنسيان أو عروض حاجة يخاف فوتها ( أو نية الانفراد ) بلا خلاف أجده ، بل في المدارك والذخيرة : أنه مقطوع به بين
الأصحاب ، مؤذنين بالإجماع عليه ، كما صرّح به المرتضى في الناصرية
في التسليم قبله نسيانا ، والفاضل في المنتهى في مطلق العذر مع نية الانفراد مطلقا
؛ وهو الحجة.
مضافا إلى فحاوي
الإجماعات الآتية والصحاح الصراح ، منها : في الرجل يصلّي خلف إمام فيسلّم قبل
الإمام ، قال : « ليس عليه بذلك بأس » .
ومنها : في الرجل
يكون خلف إمام فيطيل في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شيء أن يفوت أو يعرض له
وجع ، كيف يصنع؟ قال : « يسلّم من خلفه ويمضي في حاجته إن أحب » .
ومنها : عن الرجل
يكون خلف إمام فيطيل في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شيء أن يفوت أو يعرض له
وجع ، كيف يصنع؟ قال : « يسلّم وينصرف ويدع الإمام » .
__________________
وإطلاق جملة منها
يقتضي جواز المفارقة في ضرورة وغيرها ، بنيّتها وعدمها ، كما هو ظاهر الماتن في
الشرائع وغيره ، بل في روض الجنان والذخيرة نسب إلى ظاهر
الأصحاب والجماعة مشعرين بدعوى الإجماع ، وهو الأقوى.
خلافا لظاهر المتن
والذكرى فاعتبرا نيتها. ولم أعرف له وجها ، عدا الاتفاق على عدم
جواز مفارقة المأموم الإمام في غير المقام من سائر أحوال الصلاة اختيارا من غير
نيتها ، فكذا هنا ، وهو كما ترى ؛ ووجوب المتابعة في الأقوال كما عليه في الذكرى ، لكنه خلاف
الأشهر ، بل الأقوى ، فإني لم أقف على ما يدل عليه صريحا ، بل ولا ظاهرا ، مع
إطلاق النصّ والفتوى هنا بجواز المفارقة مطلقا ، فإنّ فيه تأييدا للعدم ، كما نبّه
عليه شيخنا في روض الجنان .
وفي جواز المفارقة فيما عدا المقام بنيتّها من غير ضرورة قولان ، أظهرهما نعم ،
وفاقا للأكثر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من المبسوط حيث أفسد الصلاة بالمفارقة
لغير عذر ، وهو غير صريح في المخالفة ، بل ولا ظاهر ظهورا يعتدّ به
، لاحتمال اختصاصه بما إذا لم ينوها.
وكذا كلام السيّد
في الناصرية : إن تعمّد سبقه إلى التسليم بطلت
__________________
صلاته ، يحتمل التقييد
بذلك أيضا.
وعن الخلاف الإجماع
على الجواز ، كالفاضل في ظاهر المنتهى وصريح التذكرة والنهاية .
ولا حاجة لنا ـ بعد
هذه الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع كما عرفته ـ إلى
الاستدلال بما ذكره جماعة من أمور لا تخلو عن مناقشة ، كأدلة القول بالمنع ، فإنها
قاصرة ، عدا قاعدة وجوب تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة ، ويجاب عنها
بحصولها بما عرفته.
وأما الاستدلال
للمنع بجملة من النصوص المتقدمة في بحث ما لو أحدث الإمام قدّم من ينوبه ، من حيث الأمر
فيها بالاستنابة ، مع تصريح الصحيح منها بأنه : « لا صلاة لهم إلاّ بإمام » .
فغريب بعد ما عرفت
ثمة من أن ذلك على جهة الفضيلة لا الوجوب في ظاهر الأصحاب ، مع دعوى التذكرة عليه
الإجماع ، مع احتمال عدّ ذلك من قسم الضرورة المبيحة للمفارقة.
وحيث جازت
المفارقة فإن كانت قبل القراءة أتى بها ، ولو كان في أثنائها ففي البناء على قراءة
الإمام ، أو إعادة السورة التي فارق فيها ، أو استيناف
__________________
القراءة من أوّلها
، أوجه ، أوجهها الأول ، وفاقا لروض الجنان ؛ لأن قراءة الإمام كافية عنهما. وأولى بالإجزاء ما لو
فارقه بعدها.
خلافا للذكرى
فأوجب في الموضعين استينافها ، وهو أحوط وأولى.
وأحوط منه ترك الانفراد فيهما إن كان مختارا وإلاّ فما ذكرنا ، وأحوط من جميع ذلك
عدم مفارقة الإمام اختيارا مطلقا ، واضطرارا من غير نيّتها.
(
الثامنة : النساء يقفن من وراء الرجال ) أو الإمام الذي يؤمّهنّ ( فلو جاء رجال ) آخرون
( تأخرن ) عنهم ( وجوبا إن لم يكن
لهم موقف أمامهنّ ) بلا خلاف في أصل الرجحان ، بل صريح الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في جملة من
كتبه كالمنتهى والتحرير الوجوب ، بمعنى توقف ( صحة ) صلاة لرجل على
تأخرهن ، لا الوجوب بالمعنى المعروف ؛ لبعده على إطلاقه.
للأمر به في
الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح ، والمرسل
كالموثق : عن الرجل يؤمّ المرأة في بيته؟ قال : « نعم تقوم وراءه ».
وفيه : « المرأة
تصلّي خلف زوجها الفريضة والتطوع وتأتمّ به » .
وفيه : أصلّي
المكتوبة بأمّ علي؟ قال : « نعم ، تكون على يمينك يكون
__________________
سجودها بحذاء
قدميك » .
وفي الخبر : عن
الرجل يصلّي مع الرجل الواحد ومعهما النساء؟ قال : « يقوم الرجل إلى جنب الرجل
ويتخلّفن النساء خلفهما » .
وفي الصحيح وغيره : « إذا كان
معهنّ غلمان فأقيموهم بين أيديهن وإن كانوا عبيدا ».
خلافا لجماعة بل
الأكثر ، فلم يوجبوه ، بناء على ما اختاروه في مسألة محاذاة المرأة للرجل في
الصلاة من الكراهة ، مؤذنين بكونها هنا قول كلّ من قال بها ثمة.
فإن تمَّ إجماعا
مركبا فلا محيص عمّا ذكروه ، إلاّ أنه محل نظر ، فإنّ الفاضلين في كتبهما المسطورة
مع اختيارهم الكراهة ثمة صرّحا بالوجوب في المسألة ، ولذا اعترض
الجماعة خالي العلاّمة ـ أدام الله سبحانه أيامه ـ فقال على بناء هذه المسألة على
تلك : كون البناء على ذلك محل تأمل ، لأن هيئة الجماعة وظيفة شرعية ، والظاهر من
الأخبار تعيّن تأخير النساء فيها ، فتأمل .
أقول : لعلّ وجه
التأمل هو قوة احتمال تحقّق الإجماع المركب. ولا ينافيه فتوى الفاضلين هنا بالوجوب
مع تصريحهما ثمة بالكراهة ، لاحتمال تغير رأيهما
__________________
هنا ، كما هو
الظاهر من المنتهى ، حيث صرّح في مسألة المحاذاة بكراهتها هنا أيضا ، فإنه ـ بعد
أن نقل بعض الصحاح الدالة على فساد صلاة المرأة بمحاذتها في صلاة العصر لإمامها ـ قال
ما لفظه : ووجه هذه الرواية أن المرأة منهية عن هذا الموقف فيختص الفساد بها ، لكن
لما بيّنّا أن ذلك مكروهة حملنا الرواية على الاستحباب .
ومع ذلك فقد استدل للوجوب في المسألة بالنبوية العامية : « أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ
الله تعالى » مع أنه أجاب عنها ثمة بأنها ليست من طرقنا فلا تعويل
عليها.
وكلماته هذه كما
ترى صريحة في تغير رأيه ، لا القول بالفصل ، فيحتمل قويا أن يكون بناؤه في غير
الكتاب كذلك.
وكذا الماتن هنا
وفي الشرائع ، مع أنه فيه كغيره صرّح في تحرير تلك المسألة بما يعمّ صورتي
الانفراد والجماعة ، وقال بعد نقل القولين : أن الأشبه الكراهة.
وحيث تمَّ الإجماع
المركب كان التأخر على الاستحباب ؛ لثبوته على المختار ثمة ، ويحمل الأخبار هنا
على الكراهة ، كما حمل عليها نظيرها ثمة ، أو على التقية ؛ لموافقتها سيّما
الصحيحة الأخيرة لمذهب أبي حنيفة على ما حكاه عنه في المنتهى ، ومع ذلك الاحتياط
لا ينبغي تركه ، سيّما في المسألة.
(
التاسعة : إذا استنيب المسبوق فانتهت صلاة المأمومين ) جلس حتى إذا فرغوا من التشهد ( أومأ ) بيده
( إليهم ) يمينا وشمالا ( ليسلّموا ثمَّ يتم
) هو ( ما بقي ) عليه ، كما في الصحيحين .
__________________
فإن لم يدر ما
صلّى الإمام قبله ذكره من خلفه ، كما في الصحيح .
وفي رواية : إنه
يقدّم رجلا منهم ليسلّم بهم . وحملها في المنتهى على الاستحباب . وجعلها الشيخ
أحوط . وفيه إشكال ؛ لضعف السند ، وعدم المقاومة لما مرّ.
وقريب منه القول
بالتخيير كما قيل ، وتجويز المنتهى انتظارهم إلى فراغ الإمام ليسلّم بهم ؛
لعدم وضوح مستندهما ، عدا الجمع بين النصوص للأول ، وفيه ما مرّ ، والقياس بصلاة
الخوف للثاني ، ولا حجة فيه.
__________________
( خاتمة ) :
في بيان جملة من أحكام المساجد
وذيّلت بها صلاة
الجماعة لغلبة وقوعها فيها ، فناسب ذكرها هنا وإن كان مبحث مكان المصلي ـ كما فعله
جماعة ـ أولى.
وفضل اتخاذها والاختلاف إليها مجمع عليه بين المسلمين ، بل من ضروريات الدين منصوص
به في الكتاب الكريم( إِنَّما يَعْمُرُ
مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) .
وفي الصحيح : « من
بنى مسجدا بنى الله تعالى بيتا له في الجنة » .
وفي ذيله وغيره الاكتفاء فيه
بنحو مفحص قطاة أو تسوية أحجار.
و ( يستحب أن تكون
المساجد ) المتخذة ( مكشوفة ) غير مظلّلة على المشهور ، كما في الصحيح : عن المساجد
المظلّلة يكره المقام فيها؟
قال : « نعم ، ولكن
لا يضركم الصلاة فيها اليوم ، ولو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » .
__________________
وخصّ بعض
المتأخرين الكراهة بنحو السقوف دون العريش ؛ للصحيح الآخر المتضمن لفعل النبي 6 له . ولا بأس به إن
لم يفهم منه اختصاص فعله بصورة الضرورة كما ربما يفهم من سياقه.
نعم في المرسل : «
أول ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد ، فيكسرها ويأمر بها فتجعل عريشا كعريش موسى »
.
لكنه مع قصور سند يحتمل تقييد إطلاق الأمر بالعريش فيه على ما فهم من سابقة ،
اللهم إلاّ أن يمنع عموم الصحيح السابق لنحو العريش ، بدعوى اختصاصه بحكم التبادر
والعهد الخارجي بغيره ، سيّما إذا لو حظ ذيله وضمّ المرسل به ، فالتخصيص غير بعيد
إن لم يتسامح في المستحب ودليله ، وإلاّ فالعموم أولى لاشتهاره.
وربما يفهم من
الحلّي التأمل في هذا الحكم من أصله ، حيث نسبه إلى رواية ولم يفت به .
(
و ) أن تكون ( الميضاة ) وهي المطهرة للحدث والخبث ( على أبوابها ) بلا خلاف ؛ للنبوي الخاصي : « واجعلوا مطاهركم على أبواب
__________________
مساجدكم » .
وفي المنتهى وروض
الجنان وغير هما : ولئلاّ يتأذى الناس برائحتها.
وفي السرائر : ولا
يجوز أن تكون داخلها . وهو حسن إن سبقت مسجدية محلّها ، لا مطلقا ، كما ذكره
جماعة .
ويكره فيه الوضوء
من البول والغائط ؛ للصحيح . وربما حمل الوضوء فيه على المعنى اللغوي ، ولا وجه له بعد
القول بثبوت الحقيقية الشرعية في أمثاله ، مع فتوى الأكثر به.
(
و ) أن تكون ( المنارة مع حائطها
) على المشهور ، وفي
النهاية : لا يجوز في وسطها . وهو حسن إن تقدمت المسجدية على بنائها.
وفي الخبر : « لا ترفع المنارة إلاّ مع سطح المسجد » .
واستدل به في
المنتهى على المطلب ، واستحباب عدم تعليتها على الحائط ؛ كما أفتى به
الأكثر.
__________________
وفي الدلالة على الأول نظر ؛ ولذا لم يستدل به عليه أحد ، بل علّل بأن فيه
التوسعة ورفع الحجاب بين المصلّين ، وهو أيضا لا يخلو عن نظر.
(
وأن يقدّم الداخل يمينه ويخرج بيساره ) عكس المكان الخسيس كما قالوه ؛ للنص : « الفضل في دخول
المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت وباليسرى إذا خرجت » .
(
و ) أن ( يتعاهد نعله ) ويستعلم حاله عند دخوله ؛ استظهارا للطهارة ، وللمرتضوي : «
تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم » .
(
و ) أن ( يدعو داخلا وخارجا
) بالمأثور في
الموثق وغيره .
(
وكنسها ) وخصوصا يوم الخميس
وليلة الجمعة ؛ للرواية : « من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فأخرج من
التراب ما يذرّ في العين غفر الله تعالى له » .
(
والإسراج فيها ) ليلا ؛ للخبر : « من أسرج في مسجد من مساجد الله تعالى إسراجا لم يزل الملائكة
وحملة العرش يستغفرون له ما دام في المسجد ضوء من ذلك السراج » .
__________________
ولا يشترط تردّد
المصلّين ؛ لإطلاق الفتوى والنص.
قيل : ولا يتوقف على إذن الناظر إذا كان من مال المسرّج ، وإذا كان من مال المسجد
اعتبر ذلك ، ولو لم يكن ناظر استأذن الحاكم ، فإن تعذّر جاز ذلك لآحاد المسلمين .
(
وإعادة ما استهدم ) بكسر الدال ، وهو المشرف على الانهدام ، فإنها في معنى عمارتها.
(
ويجوز نقض المستهدم ) منها ( خاصة ) ، بل قد يجب إذا خيف من ضرر الانهدام.
ولا يشترط في
جوازه العزم على الإعادة ؛ لأن المقصود دفع الضرر ، وإعادته مستحب آخر.
ويجوز النقض
للتوسعة مع الحاجة إليها كما في المدارك وغيره ، لعموم( ما عَلَى
الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) وللصحيح المتضمن لأمر النبي 6 به .
وتردّد فيه
الشهيدان ، وربما يفهم ميلهما إلى الجواز ، قالا : وعليه فلا ينقض
إلاّ مع الظن الغالب بوجود العمارة.
(
و ) كذا يجوز ( استعمال آلته ) من نحو الأحجار والأخشاب ( في غيره )
__________________
( من المساجد ) خاصة ، إمّا مطلقا كما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها ، أو
إذا استهدم ولم يتمكن من إعادته كما في السرائر والمنتهى ، لكن لم يذكر
فيه الأخير قيدا.
وذكر شيخنا في
الروض والمسالك جوازه مع استغنائه عنها ، أو تعذر استعمالها فيه ، أو كون
الثاني أحوج ، لكثرة المصلّين ، حاكيا له عن الذكرى ، قال : للمصلحة ، ولأن المالك
هو الله تعالى ، وأولى بالجواز صرف غلّة وقفه على غيره بالشرط ، ولا يجوز لغير
ذلك.
وزاد في المسالك :
وليس كذلك المشهد ، فلا يجوز صرف ماله إلى مشهد آخر ، ولا صرف مال مسجد إليه
مطلقا.
والتعليل الثاني
مذكور في المنتهى ، وهو كما ترى.
وفي المدارك بعد
نقله : إن للنظر في هذا الحكم من أصله مجالا ، والمتجه عدم جواز صرف مال المسجد
إلى غيره مطلقا كالمشهد ؛ لتعلق النذر أو الوقف بذلك المحل المعين ، فيجب الاقتصار
عليه ، نعم لو تعذر صرفه إليه أو علم استغناؤه عنه في الحال والمآل أمكن القول
بجواز صرفه في غيره من المساجد والمشاهد ، بل لا يبعد جواز صرفه في مطلق القربة ،
لأن ذلك أولى من بقائه إلى أن يعرض له التلف ، فيكون صرفه في هذا الوجه إحسانا
محضا ، وما على المحسنين من سبيل . انتهى. ووافقه في الذخيرة .
وهو حسن ، إلاّ أن
ما احتملاه من جواز صرفه في سائر القرب حيثما
__________________
يتعذر استعماله في
المسجد أو المشهد المعيّن محل نظر ، بل الاقتصار على المتيقن يقتضي صرفه في مثله ،
مع أنه أقرب إلى مقصود الواقف ونظره.
(
ويحرم زخرفتها ) أي نقشها بالذهب
( ونقشها بالصور ) مطلقا ، على ما ذكره الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في الإرشاد
والمنتهى والشهيد في الذكرى وعلّلوه بأن ذلك لم يعهد في عهده 6 وعهد الصحابة
فيكون بدعة ، وبالخبر : عن الصلاة في المساجد المصوّرة ، فقال : « أكره ذلك ولكن
لا يضرّكم اليوم ، ولو قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » .
وهما كما ترى ، لضعف الأول بما لا يخفى. والثاني سندا ، بل ودلالة ، لأعمية
الكراهة من التحريم لو لم نقل بظهورها في ضده ؛ مع أن المنهي عنه فيه على تقدير
تسليمه إنما هو الصلاة فيه ، لا نفس التصوير ، فتأمل. ومع ذلك فهو نصّ في نفي
المنع الآن.
وبالجملة :
فالخروج عن الأصل بمثل هذين الأمرين كما ترى ، نعم لا بأس بالكراهة مسامحة في
أدلتها ، وهو خيرة جماعة ، إلاّ أن نقول بحرمة التصوير في غير المساجد ففيها أولى.
(
وأن يؤخذ منها إلى غيرها من طريق أو ملك ) لأن الوقف للتأبيد وقد اتخذ للعبادة فلا ينصرف إلى غيرها ( و ) عليه ف
( يعاد لو أخذ ) وكذا لو أخذ ملكا أو جعل طريقا. ولا خلاف في المقامين يعرف ، ويفهم من روض
__________________
الجنان .
(
وإدخال النجاسة فيها ، وغسلها فيها ) لو تلوثت بها ، إجماعا على الظاهر ، المحكي في ظاهر الذكرى
، وفيها بعد الحكم : قاله الأصحاب ؛ لقول النبي 6 : « جنّبوا مساجدكم النجاسة » ولأن كراهية
الوضوء من البول والغائط يشعر به ، ولم أقف على إسناد هذا الحديث النبوي ، والظاهر
أن المسألة إجماعية ؛ ولأمر النبي 6 بتطهير مكان البول ؛ ولظاهر قوله تعالى( فَلا يَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) وللأمر بتعاهد النعل. نعم الأقرب عدم تحريم إدخال نجاسة
غير ملوثة للمسجد وفرشه ؛ للإجماع على جواز دخول الصبيان والحيّض من النساء جوازا
مع عدم انفكاكهم من نجاسة غالبا ، وقد ذكر الأصحاب جواز دخول المجروح والسلس
والمستحاضة مع أمن التلويث .
وعلى منهجه سلك شيخنا الشهيد الثاني في الروض ، غير أنه لم يدّع الإجماع على أصل
الحكم ، وجعل ما استقربه من عدم التحريم مع عدم التلويث مذهب الأكثر .
ولعلّه كذلك بين
المتأخرين ، بل لم أقف فيهم على مخالف ، فلعلّه عليه عامتهم ، كما صرّح به بعضهم ، مؤذنا بدعوى
إجماعهم عليه ، فلا بأس به.
__________________
وإن كان المنع
مطلقا أحوط ؛ لدعوى الحلّي الإجماع عليه كما حكي ، وقوة احتمال
استنباطه من إطلاق الآية الكريمة وإن اختصت بالمشركين خاصة ، لظهورها في أن علّة
المنع هي النجاسة ، وهي جارية في مفروض المسألة ، ونحوها الرواية النبوية وإن كانت
مرسلة ، لأنها بموافقتها لها منجبرة ، وهما كما ترى مطلقتان شاملتان لصورتي
التلويث وعدمه.
وليس ما ذكره
الشهيدان من أدلة الجواز في الصورة الثانية بعامة لجميع أفرادها حتى التي لم يتحقق
فيها الإجماع وكانت محل النزاع ؛ لأن غاية تلك الأدلة إخراج مواردها خاصة من إطلاق
الآية والرواية. وتتميمها بالإجماع المركب غير متوجه في محل الخلاف والبحث ، اللهم
إلاّ أن يدّعى حصول الظن من تتبع الجواز في تلك الموارد بالجواز في غيرها ، وهو في
غاية القوة.
مع إمكان المناقشة
في دلالة الآية والرواية :
أما الأولى فلعدم
معلومية المراد ممّا فيها من لفظ النجس هل هو المعنى اللغوي أو المعنى المصطلح ، ولا
يتم دلالتها إلاّ بالثاني ، وهو غير معلوم ، بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في
أمثاله ، وتعيينه بتفريع « فلا يقربوا » عليه غير متضح بعد عموم المعنى اللغوي
للخبث الباطني الموجود في المشركين ، فلا ينافيه ، فتأمل.
وأما الثانية
فلاحتمال المساجد في مواضع الجبهة ، مع أنها ضعيفة السند ، والآية بعد المناقشة في
دلالتها أيضا لا تصلح للجبر.
وحيث ضعف الاستناد
إليهما في أصل الحكم انحصر الدليل في إثباته في الإجماع ، وليس في مفروضنا لا
محقّقا ولا محكيا ، عدا إجماع الحلّي.
وفي الخروج بمجرده
عن الأصل القطعي المعتضد بعمل الأكثر ، بل عامة من
__________________
تأخر كما مرّ نظر
، مع أنه معارض بنقل الشهرة في روض الجنان على خلافه بقول مطلق ، وهي وإن لم تصلح
للحجية إلاّ أنها موهنة للإجماع المحكي إذا كانت محققة فكذا إذا كانت منقولة ،
وسيّما إذا اعتضدت بالشهرة المتأخرة عن الحكاية شهرة محقّقة ، وبظن الاستقراء
المتقدم إليه الإشارة ، فمختار المتأخرين في غاية القوة.
(
وإخراج الحصى منها ويعاد ) إليها أو إلى غيرها من المساجد ( لو أخرج ) كما في الخبر : « إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردّها
مكانها أو في مسجد آخر ، فإنها تسبّح » .
وظاهره وإن أفاد وجوب الردّ المستلزم للمنع عن الإخراج فحوى ، مع عدم القائل بالفرق
، وعليه الفاضلان هنا وفي الشرائع والإرشاد والشهيدان في اللمعة وروض الجنان ، إلاّ أنه ضعيف
السند ، فلا يمكن الخروج به عن الأصل. نعم ، لا بأس بالكراهة ، كما عليه جماعة
منهم أكثر هؤلاء في المعتبر والتحرير والمنتهى والدروس والذكرى ، حاكيا لها عن
الشيخ أيضا ، مسامحة في أدلّتها.
وإطلاق النص
والفتوى يقتضي عدم الفرق في الحصى بين ما لو كان جزءا من المسجد أو آلاته أو
قمامة.
خلافا لجماعة
فقيّدوه بالأول ؛ ولعلّه للجمع بين النصوص هنا وما مرّ
__________________
في استحباب الكنس.
وفي تعيينه نظر ؛ لاحتمال العكس بتقييد الثاني بغير الحصى ، فتأمل جدّا.
(
وتكره تعليتها ) اتباعا لسنّة النبي 6 ، فإنّ مسجده كان قامة ، كما في الصحيح ( وأن تشرّف ) أي يعمل لها شرف بضم الشين وفتح الراء ، جمع شرفة بسكون
الراء ، والمراد بها ما يجعل في أعلى الجدران ؛ للخبر : « إن المساجد لا تشرّف بل
تبنى جمّا » .
(
أو تجعل محاريبها داخلة ) في الحائط كثيرا كما ذكره جماعة ، أو في المساجد كما يستفاد من الرواية المرتضوية : « كان 7 يكسر المحاريب
إذا رآها في المسجد ويقول : كأنها مذابح اليهود » .
وينبغي تقييدها بسبقها على المسجدية ، وإلاّ حرمت ، كما صرّح به في روض الجنان .
(
أو تجعل طرقا ) على وجه لا يلزم منه تغيير صورة المسجد وإلاّ فيحرم ، وفي حديث المناهي المروي
في الفقيه : « لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلّوا فيها ركعتين » .
__________________
(
ويكره فيها ) أيضا ( البيع
والشراء ، وتمكين المجانين ) والصبيان ( وإنفاذ
الأحكام وتعريف الضوالّ وإقامة الحدود ) ورفع الصوت ؛ للنهي عنها في المرسل وغيره ، وفيه بعد
النهي عن رفع الصوت : إلاّ بذكر الله تعالى ، قيل : لحسن رفع الصوت بالأذان والتكبير والخطب والمواعظ
وإن كان الأحوط عدم رفع الصوت فيما لم يتوقف الانتفاع به عليه ، ومعه يقتصر على ما
تتأدى به الضرورة ، فإن المشهور كراهة الرفع مطلقا وإن كان في القرآن ، للأخبار
المطلقة .
وربما يقيّد الصبي بمن لا يوثق به ، أما من علم منه ما يقتضي الوثوق بمحافظته على
التنزه عن النجاسات وأداء الصلوات فإنه لا يكره تمكينه بل يستحب تمرينه ، وذكر هذا
التقييد شيخنا في روض الجنان عن بعض الأصحاب ساكتا عليه ، ولا بأس به.
واستدل فيه على
كراهة إنفاذ الأحكام ـ زيادة على النص ـ بما فيه من الجدال والتخاصم والدعاوي
الباطلة المستلزمة للمعصية في المسجد المتضاعف بسببه العصيان .
لكن ظاهره عدم
الكراهة ، كما صرّح به جماعة ، ومنهم الشيخ في الخلاف والحلّي والفاضل في المختلف ، قالوا : لأن
أمير المؤمنين 7 حكم في مسجد الكوفة وقضى بين الناس بلا خلاف ، ودكّة
القضاء إلى
__________________
يومنا هذا معروفة
، ولأن الحكم طاعة فجاز إيقاعها فيها ، لأن وضعها للطاعة ، وحملوا الرواية على
وجوه غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلة.
(
وإنشاد الشعر ) وقراءته ؛ للنبوي الخاصي الناهي عنه الآمر بأن يقال للمنشد : فضّ الله فاه .
وروي نفي البأس
عنه في الصحيح ، ويحمل على الرخصة جمعا.
قال في الذكرى :
ليس ببعيد حمله على ما يقلّ منه ويكثر منفعته ، كبيت حكمة ، أو شاهد على لغة في
كتاب الله تعالى وسنّة نبيه 6 وشبههما ؛ لأنه من المعلوم أن النبي 6 كان ينشد بين
يديه البيت والأبيات من الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك .
وألحق بعض الأصحاب
به ما كان منه موعظة أو مدحا للنبي 6 والأئمة : أو مرثية للحسين 7 أو نحو ذلك ؛ لأنه عبادة ولا ينافي الغرض المقصود من
المساجد .
ولا بأس بذلك كلّه وفاقا لجماعة من المتأخرين ؛ لذلك ، مع احتمال اختصاص النهي بما هو الغالب من الإشعار
يومئذ الخارجة عن هذه الأساليب ، وللصحيح : عن إنشاد الشعر في الطواف ، فقال : «
ما كان من الشعر لا بأس به
__________________
فلا بأس به » .
(
وعمل الصنائع ) للصحيح الناهي عن سلّ السيف وبري النبل فيه ، معلّلا بأنه بني لغير ذلك ، ونحوه في
التعليل غيره ؛ وهو دليل العموم وإن اختص المورد ببعض أفراده ، مع أنه
نسبه في الذكرى إلى الأصحاب ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.
وذكر جماعة اختصاص الكراهة بما إذا لم يناف العبادة وإلاّ فالحرمة ، وهو كذلك.
(
والنوم ) فيها من غير ضرورة
، قال في الذكرى : قاله الجماعة .
مشعرا بدعوى
الإجماع ، وتردّد فيه لولاه ، ولعلّه لعدم دليل عليه ، إلاّ ما قيل من رواية ضعيفة
السند والدلالة ، معارضة بأقوى منها سندا ناف للبأس عنه فيما عدا المسجدين
ولذا قيل بالكراهة فيهما خاصة ، مع أن في جملة من
__________________
النصوص نفيه فيهما
أيضا ، فغير هما أولى ، لكنها محتملة للاختصاص بحال الضرورة كما يشهد به سياقها.
ومع ذلك فالكراهة
مطلقا أولى ، بناء على التسامح في أدلتها ، والاكتفاء فيها بفتوى الفقهاء ، مع
احتمال كونها إجماعا كما يفهم من الذكرى ، وتحمل الروايات النافية للبأس على نفي
الحرمة أو تأكد الكراهة ، أو الضرورة كما عرفته.
هذه في المطلق منها ،
ويحمل المفصّل منها بين المسجدين وغير هما على تفاوت مراتب الكراهة شدّة وضعفا ،
كلّ ذلك جمعا.
(
ودخولها وفي الفم رائحة ) مؤذية من نحو رائحة
( البصل أو الثوم ) أو الكراث ؛ للنصوص المستفيضة .
ويتأكد في الثوم حتى ورد : « أعد كلّ صلاة صلّيتها ما دمت تأكله » وحمله الشيخ على
الكراهة المغلّظة ، قال : بدلالة الأخبار الأوّلة والإجماع الواقع على أن أكل هذه
الأشياء لا يوجب الإعادة .
(
وكشف العورة ) مع أمن المطّلع ، قالوا : لمنافاته التعظيم.
ويكره أيضا كشف
السرّة والفخذ والركبة ، وفاقا لجماعة ، بل عن ظاهر النهاية القول بالحرمة ؛ للنبوية
القائلة إن كشفها فيه من العورة .
__________________
ويمكن درج
المذكورات في العبارة ، بأن يراد من العورة فيها ما يتأكد استحباب ستره في الصلاة
، لأنه أحد معانيها.
وقتل القمل ، بل
ينبغي دفنه في التراب ، كما في الصحيح وغيره ، وهما وإن لم ينصّا على الكراهة بل على دفنه في التراب
خاصة ، إلاّ أنهما مشعران بها ، مع أنها نسبت في الذكرى إلى أصحابنا .
(
والبصاق ) وفي معناه التنخم ( فإن فعله ستره
بالتراب ) للخبر .
وفي آخر : « من
وقّر بنخامته المسجد لقي الله تعالى يوم القيامة ضاحكا وأعطاه كتابه بيمينه » .
وفي ثالث : « من تنخع في المسجد ثمَّ ردّها في جوفه لم يمرّ بداء في جوفه إلاّ أبرأته » .
وبمعناهما أخبار
كثيرة .
( الرابع : في
صلاة الخوف ) وأحكامها
والأصل في شرعيتها
مطلقا ـ بعد إجماعنا وأكثر العامة ـ الكتاب والسنّة
__________________
المستفيضة ، بل
المتواترة ، قال الله سبحانه( وَإِذا كُنْتَ
فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ) الآية (
وهي مقصورة سفرا ) إذا كانت رباعية إجماعا
( و ) كذا ( حضرا ) مطلقا
( جماعة وفرادى ) على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة متأخري أصحابنا ؛ لإطلاق الآية المتقدمة في
الجملة ؛ وقوله سبحانه ؛ ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ
فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ
) الآية.
لبناء التقصير فيه على وصفين : السفر والخوف ، فإمّا أن يكون كلّ منهما سببا مستقلا
، أو لا ، وعليه إمّا أن يكون المجموع هو السبب ، أو أحد هما بشرط الآخر ، لا سبيل
إلى ما عدا الأول ، لمخالفته بجميع شقوقه الإجماع ، إلاّ اشتراط التقصير في الخوف
بالسفر ، وهو وإن لم يخالف الإجماع إلاّ أن تعيينه ترجيح من غير سبب ، فتعيّن
الأول ، وعليه فيتم المطلب ، كذا قيل ، ولا يخلو عن نظر.
وللصحيح : صلاة
الخوف وصلاة السفر تقصران جميعا؟ قال : « نعم ، وصلاة الخوف أحقّ أن تقصر من صلة
السفر الذي لا خوف فيه » .
وأظهر منه
بالإضافة إلى الشمول لحال الانفراد آخر : « إذا جالت الخيل وتضطرب بالسيوف أجزأت
التكبيرة » لبعد الجماعة في هذه الحال.
__________________
خلافا لنادر غير
معروف ـ وإن حكاه الحلّي والشيخ عن بعض الأصحاب في السرائر والخلاف والمبسوط ـ فلا تقصير إلاّ
في السفر.
وللمبسوط والسرائر
، فتقصر في الحضر جماعة لا فرادى.
ولا دليل على
القولين عدا الأصل المخصّص بما مرّ ، مع ندور هما ، ولا سيّما الأول ، وربما أشعر
بالإجماع على خلافه عبارة الخلاف والسرائر ، فلا شبهة في ضعفه كالثاني.
وإطلاق النص
والفتوى يقتضي جواز التقصير وإن تمكن من الصلاة بتمامها ، وقيّده في الدروس بعدم
التمكن ، ولعلّه لبعد انصراف الإطلاق بحكم التبادر وغيره إلى غيره
، فيشكل الخروج بمجرّده عن الأصل المقطوع به ، ولا بأس به.
والمشهور أن القصر
هنا كما في السفر من ردّ الرباعيتن إلى الركعتين.
خلافا للمحكي عن
الإسكافي فالركعتين ينقص منهما واحدة ، كما في الصحيح وغيره .
وهو نادر ،
ومستنده ـ مع عدم صراحته واحتماله الحمل على ما يؤول إلى الأول ، أو التقية كما
صرّح به جماعة ـ عن المقاومة لما سيأتي من النصوص
__________________
المستفيضة قاصر.
(
وإذا صلّيت ) هذه الصلاة ( جماعة
والعدو في خلاف ) جهة ( القبلة
ولا يؤمن هجومه ) أي العدو ( وأمكن
أن يقاومه بعض ويصلّي مع الإمام الباقون جاز أن يصلّوا صلاة ذات الرقاع ) بلا خلاف.
(
وفي كيفيتها روايتان ) مختلفتان ( أشهرهما
رواية الحلبي ) الصحيحة ( عن ) مولانا
( أبي عبد الله 7 ) أنه
( قال ) ما حاصله :
(
يصلّي الإمام ) في الثنائية ( بالأولى
ركعة ويقوم في الثانية ) ويقومون معه فيمتثل قائما
( حتى يتموا ) الركعة الثانية ثمَّ يسلّم بعضهم على بعض ثمَّ ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم ( ثمَّ تأتي ) الطائفة
( الأخرى ) فيقومون خلفه ( فيصلي بهم ركعة ) يعني الثانية ( ثمَّ يجلس ويطيل ) التشهد
( حتى يتم من خلفه ) ركعتهم الثانية
( ثمَّ يسلّم بهم ) وينصرفون بتسليمة.
(
وفي المغرب يصلّي بالأولى ركعة ) ثمَّ يقوم ويقومون ( ويقف في الثانية حتى يتموا ) الركعتين الباقيتين ويتشهدون ويسلّم بعضهم على بعض وينصرفون
ويقفون موقف أصحابهم
( ثمَّ يأتي الآخرون ) ويقفون موقف أصحابهم
( فيصلّي بهم ركعتين ) يقرأ فيهما ( ويجلس
عقيب الثالثة ) ويتشهد ( حتى يتم
من خلفه ثمَّ يسلّم ) .
ولا خلاف فيما تضمنته في الثنائية فتوى ورواية إلاّ ما سبق إليه الإشارة ، وقد
عرفت شذوذه ، بل على خلافه الإجماع في عبائر جماعة كالخلاف والناصرية
__________________
وظاهر المنتهى
وغيره من كتب الجماعة ، وهو الرواية الثانية في الثنائية من الروايتين المشار
إليهما في العبارة إن عمّمناهما فيها إليها ، كما هو ظاهرها ، وصرّح به في التنقيح
أيضا ، لكنها مطلقة غير معلومة الشمول لمفروض المسألة وهو الصلاة في جماعة ، وعلى
تقديره فينبغي تقييدها بالنصوص في المسألة ، فيبعد التعميم في العبارة ، ويكون
المراد بالروايتين في المغرب خاصة كما في التنقيح عن بعض الشارحين .
والرواية الثانية
فيها صحيحه أيضا متضمنة لعكس ما في الاولى من صلاة الإمام ركعتين بالطائفة الاولى
وركعة بالأخرى .
ولاختلافهما اختلف
الأصحاب ، فبين مقتصر على الاولى غير ذاكر للثانية أصلا وهم الأكثر على الظاهر ،
المصرّح به في الذكرى ، وبين مخيّر بينهما كأكثر المتأخرين ، وفاقا لجماعة
من القدماء .
واختلف هؤلاء في
الأفضل منهما ، فالأكثر ومنهم القدماء على أنّه الاولى ، خلافا للتذكرة فالثانية ، وفاقا لبعض
العامة العمياء .
__________________
والذي يقتضيه
النظر تعيّن الاولى ؛ لكثرتها حتى ادعى العماني تواترها ، وصحة جملة منها
، واعتضادها بفتوى أكثر القدماء ، مع كون جواز العمل بها مقطوعا به بين الفقهاء ؛
ولذا جعله الشيخ ; في الاقتصاد أحوط ، مع أنّ فى
بعضها لراوي الثانية أيضا.
إلاّ أن ظاهر
المنتهى الإجماع على التخيير ، فلا يبعد المصير إليه جمعا ، مع قيامه عليه شاهدا ، إلاّ
أن الاحتياط في العمل بالأولى ، لحصول البراءة بها يقينا.
واحترز بقوله :
والعدوّ في غير جهة القبلة ، عمّا لو كان إلى جهتها.
وبقوله : لا يؤمن
هجومه ، عمّا لو أمن.
وبقوله : وأمكن أن
يقاومه بعض إلى آخره ، عمّا لو احتيج إلى تفريق الطوائف أكثر من فرقتين.
فإنه لا يجوز هذه
الصلاة في هذه الصور الثلاث على المشهور بين الأصحاب ، بل المقطوع به في كلامهم ،
على ما ذكره في المدارك في الأولى ، مشعرا بدعوى الإجماع ، كما هو ظاهر المنتهى ، مع أنه حكى عن
التذكرة الخلاف ، لكنّه شاذ.
ولا ريب في
الثانية ؛ لانتفاء الخوف الذي هو مناط هذه الصلاة فيها.
وكذا في الثالثة
في الثنائية ؛ لتعذر التوزيع فيها ، أما الثلاثية فقد قطع
__________________
الشهيدان بجواز
هذه الصلاة بتفريق الطوائف ثلاث فرق وتخصيص كل فرقة بركعة .
وهو إنما يتم إذا
جوّزنا الانفراد اختيارا ، وإلاّ فالمتجه المنع ؛ لأن المروي أنه يصلي في الثلاثية
ركعة بقوم وركعتين بالباقين ، وبهذا التحقيق صرّح جماعة كصاحبي المدارك والذخيرة .
(
وهل يجب ) على المصلّين ( أخذ السلاح ) وآلة الدفع من نحو السيف والخنجر والسكّين ، وما يكنّ من
نحو الدرع والجوشن والمغفر؟
(
فيه تردّد ) واختلاف بين
الأصحاب ، فبين من قال بالاستحباب كالإسكافي ، ونفى عنه البعد بعض المتأخرين ؛ للأصل ؛ وقوة
ورود الأمر به في الكتاب للإرشاد ، وبين من جعل ( أشبهه الوجوب ما لم يمنع أحد واجبات الفرض )
من ركوع أو سجود ،
وهم أكثر الأصحاب ، بل عامتهم ، عدا من مرّ ؛ عملا بظاهر الأمر ؛ ومنع كونه
للإرشاد بعدم عدم دليل عليه ، ومجرد احتماله غير ضارّ.
وبفحواه يستدل على وجوب الأخذ على الفرق المقاتلة ، مضافا إلى توقف الحراسة الواجبة
عليه ، وهو خيرة الحلّي وغيره .
__________________
واحترز بقوله : ما لم يمنع ، عمّا لو منع فإنه لا يجب ، بل لا يجوز إلاّ مع الضرورة
فيجب.
(
وهنا مسائل ) ثلاث :
(
الأولى : إذا انتهى الحال ) في الخوف والقتال
( إلى المسايفة أو المعانقة ) أو نحوهما مما لا يتمكن معه من الصلاة على الوجوه المقررة في أنواع صلاة الخوف ( فـ ) لا تسقط
( الصلاة ) بل تجب ( بحسب الإمكان واقفا
أو ماشيا أو راكبا ) ويركع ( ويسجد )
مع الإمكان ولو ( على قربوس سرجه ،
وإلاّ ) يتمكن من شيء
منهما أو أحد هما أتى بالممكن
( موميا ).
(
ويستقبل ) في جميع صلاته ( القبلة ما أمكن ) وإلاّ فبحسب الإمكان في بعض الصلاة ( وإلاّ ) ف
( بتكبيرة الإحرام ) إن أمكن وإلاّ سقط الاستقبال.
(
ولو لم يتمكن من الإيماء ) للركوع والسجود
( اقتصر ) بعد نية الصلاة ( على تكبيرتين عن ) الصلاة
( الثنائية و) على ( ثلاث ) تكبيرات
( عن ) الصلاة ( الثلاثية ).
وبالجملة : اقتصر
عن كل ركعة بما فيها من الأفعال والأذكار بتكبيرة.
(
و ) صورتها أن ( يقول في كل واحدة :
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر فإنه يجزى عن ) القراءة و
( الركوع والسجود ) بلا خلاف في شيء من ذلك أجده ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة
، والصحاح بها مستفيضة ، مؤيدة بغيرها من المعتبرة ، لكنها قاصرة عن إفادة
التفضيل المذكور في عبائر الجماعة من وجوب الإتيان بالواجبات والشروط بحسب الإمكان
، وإلاّ فما دون ، وإلاّ فالسقوط. إلاّ أنه جاء بعد الإجماع ممّا
__________________
دلّ عيل أن : «
الميسور لا يسقط بالمعسور » .
مع أن في الصحيح :
« يصلّي ويجعل السجود أخفض من الركوع ، ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته
غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة » .
وهو صريح في وجوب
الاستقبال في التكبيرة مع الإمكان ، فكذا في غيرها ، لعدم قائل بالفرق بينهما. ولا
ينافيه تصريحه بعدم الوجوب في غيرها ؛ لاحتمال وروده مورد الغالب من عدم الإمكان
فيه.
وبنحوه يجاب عن
إطلاق باقي النصوص الغير المعتبرة للاستقبال ونحوه من الواجبات ، بحملها على
الغالب أيضا ، كما يحمل الأمر بالاستقبال في التكبيرة فيه على صورة الإمكان
بالاعتبار والإجماع.
ثمَّ إن مقتضى
إطلاق النصوص وأكثر الفتاوي إجزاء التكبيرة مع تعذر الإيماء عن الركعة بما فيها من
الأفعال والأذكار حتى تكبيرة الإحرام والتشهد والتسليم ، خلافا لجماعة فاستثنوا
الثلاثة ، وهو أحوط وإن لم يظهر له وجه ، كما صرّح به جمع ممّن
تأخر .
واعلم : أن ما
ذكروه في كيفية التكبير غير مستفاد من النصوص التي عثرت عليها في المسألة ، بل
المستفاد من بعضها إجزاء مجردها ، ومن آخر التخيير في ترتيب التسبيحات كيف شاء ، وبذلك اعترف
جماعة ومنهم
__________________
الشهيد في الذكرى ، لكن استجود
تعيّن ما ذكروه ، للإجماع على إجزائه ، وعدم تيقن الخروج من العهدة بدونه.
ولا ريب أنه أحوط ، بل متعيّن إن لم نكتف في إثبات صحة العبادة بالإطلاقات ، وإلاّ
فيقين البراءة لعلّه يحصل بها ، إلاّ أن يشكك فيها بتظافر الفتاوي على تقييدها ،
مع أنها منساقة لبيان كفاية التكبيرة لا بيان فيها بتظاهر الفتاوي على تقييدها ،
مع أنها منساقة لبيان كفاية التكبيرة لا بيان كيفيتها ، فلا عبرة بها فيها ، سيّما
مع ورود نظائر هذه النصوص في التسبيحات في الأخيرتين مختلفة الكيفية مع الإجماع
على وجوب الكيفية المخصوصة هنا ثمة ، فتأمل جدّا.
(
الثانية : كل أسباب الخوف يجوز معها القصر ) في العدد بردّ الرباعيات إلى ركعتين ( و ) في الكيفية ب ( الانتقال ) من الركوع والسجود ( إلى الإيماء ) لهما
( مع الضيق ) وعدم التمكن من الإتيان بهما
( والاقتصار على التسبيح ) بالنهج السابق
( إن خشي ) الضرر ( مع الإيماء ولو كان
الخوف من لصّ أو سبع ) أو نحو هما على المشهور ، بل في المعتبر : إن عليه فتوى علمائنا مؤذنا بدعوى
الإجماع عليه ؛ وهو الحجة.
مضافا في الأول
إلى إطلاق الصحيح ، بل عمومه : قلت له : صلاة الخوف وصلاة السفر تقصيران جميعا؟
قال : « نعم ، وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه » وفي الأحقية التي
نبّه عليها عليه
__________________
السلام مع ترك
الاستفصال عن أسباب الخوف دلالة واضحة على ما ذكرنا.
وقريب منه الصحيح
: « الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته » وصلاة المواقفة
قصر في الكمية والكيفية ، فكذا صلاة الخائف منهما ، بل ومن غيرهما أيضا ؛ لعدم
القائل بالفرق بينهما ، وقوله : « إيماء على دابته » لا يقتضي حصر الشركة فيه ،
فتدبر.
وقريب منهما آخر ،
أو موثق قريب منه سندا ؛ عن قوله الله عز وجل : (
فَإِنْ
خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً
) كيف يصلّي ، وما يقول؟ إن خاف من سبع أو لصّ كيف يصلّي؟ قال : « يكبّر ويومئ
برأسه إيماء » لظهور سياقه في اتحاد الصلاتين حالا ، فتأمل جدا.
وفي الثاني إلى
فحوى هذه الصحاح أو ظاهرها ، بل صريح أخيرها ، والصحاح المستفيضة وغيرها من
المعتبرة.
وفي الثالث إلى
الصحيح في الفقيه ، قال : « وقد رخّص في صلاة الخوف من السبع إذا خشية الرجل على
نفسه أن يكبّر ولا يومئ » رواه محمد بن مسلم عن أحد هما 8 . وأخصّيته
كسابقيه من المدّعى تجبر بما مضى.
خلافا للمنتهى
فتردّد في الأول بعد أن حكى المنع عنه عن بعض أصحابنا ، ولعلّه الحلّي
في السرائر فقد صرّح بذلك فيه ، ومال إليه
__________________
جماعة من متأخري
المتأخرين ؛ اقتصار فيما خالف الأصل الدال على لزوم الإتمام على
المتقين نصّا وفتوى ، وليس إلاّ قصر العدد في صلاة السفر أو الخوف من العدو دون
نحو السبع.
ويضعّف : بما ذكرنا من الإجماع المنقول ، المعتضد بالصحاح والشهرة العظيمة بين الأصحاب
، وإن كان الإنصاف أن دلالة الصحاح لا تخلو عن شيء لا تطمئن معه النفس في الاستدلال
بها لو لا الإجماع المعتضد بالشهرة العظيمة ، بل عدم الخلاف إلاّ من نحو الحلّي ،
وهو شاذ ؛ مضافا إلى إشعار تعليق الحكم بالوصف في الآية والرواية بالعلّية ؛ مع
قوة ظهور الصحيحة الاولى بل الثانية أيضا.
(
الثالثة : الموتحل والغريق يصليان بحسب الإمكان ) فيصلّيان إيماء عن الركوع والسجود مع عم التمكن منهما ( ولا يقصر أحد هما
عدد صلاته إلاّ في سفر أو خوف ) بلا خلاف في شيء من ذلك.
استنادا في الأول
إلى الاستقراء الكاشف عن لزومه حيثما يتعذر مبدله.
وفي الثاني إلى
الأصل الدال على لزوم التمام إلاّ ما خرج بالدليل ، وليس إلاّ صورة الخوف والسفر
المنفيين في محل الفرض.
نعم ، لو خاف من
إتمام الصلاة استيلاء الغرق ورجا عند قصر العدد السلامة وضاق الوقت اتّجه القصر ،
كما استظهره في الذكرى ، واستحسنه في
__________________
روض الجنان ، قال
: نظرا إلى أنه يجوز له الترك فقصر العدد أولى ، لكن في سقوط القضاء بذلك نظر ،
لعدم النص على جواز القصر هنا ، ووجه السقوط حصول الخوف في الجملة كما مرّ ، قال :
والحاصل أن علّية مطلق الخوف توجب تطرّق القصر إلى كل خائف ، قال : ووجهه غير واضح
، إذ لا دليل عليه ، والوقوف على المصوص عليه بالقصر أوضح . انتهى.
واعترضه جملة من
الفضلاء : بأن الحكم بوجوب القصر ينافي الحكم بوجوب القضاء ؛ لأن الإتيان بالمأمور
به يقتضي الإجزاء ، والحكم بوجوب القضاء إنما يكون عند عدم الأداء ، وأيضا : الحكم
بوجوب القصر محل تأمل ، وما علّل به ضعيف ؛ إذ لا يلزم من جواز الترك للعجز جواز
فعلها مقصورة .
انتهى.
وهو حسن ، إلاّ
ظاهر هم الإذعان له فيما ذكره من عدم دليل على القصر في مطلق الخوف ، مع أن
الصحيحة الأولى في المسألة السابقة دليل عليه ولو عموما كما مضى ، وكذلك عبائر
الفقهاء ومنها عبارة الماتن التي ادعى الإجماع فيها ، فقوله : والوقوف على المنصوص
عليه بالقصر أوضح ، ممنوع إن أراد به المنع عن القصر فيما لم ينص عليه بالخصوص ،
ومسلّم إنّ أراد بالمنصوص عليه ما يعمّ المنصوص ولو بالعموم ؛ لما عرفت من أنه
موجود.
واعلم : أن ظاهر
الشهيد اعتبار ضيق الوقت هنا في جواز القصر .
وهو حسن إن اعتبره
في مطلق صلاة الخوف ، وبه صرّح الرضوي في صلاة الخائف من اللصّ والسبع ، وهو الأوفق
بالأصول ، وعليه المرتضى في
__________________
مطلق صلاة ذوي
الأعذار .
ولكن المشهور عدمه
مطلقا ؛ للإطلاقات ، فتوى ونصا ، كتابا وسنّة هنا ، سيّما الصحيحة المتقدمة
الدالّة على اتحاد صلاتي السفر والخوف فحوى ، مع الإجماع على عدم اشتراط الضيق في
الاولى ، ويشكل إن خصّه بالمقام ، لعدم دليل عليه.
__________________
( الخامس ) من
التوابع :
(
في ) بيان أحكام ( صلاة المسافر ) التي يجب قصرها كمية.
(
والنظر ) فيه تارة ( في الشروط ، و) اخرى في أحكام ( القصر ).
(
أما الشروط ف ) هي ( خمسة ).
(
الأول : المسافة ) بإجماع العلماء كافة ، كما حكاه جماعة ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، بل متواترة.
(
وهي أربعة وعشرون ميلا ) بإجماعنا والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة وإن اختلفت في التأدية ، فبين
مؤدّ بما في العبارة كالصحيحين والحسنين .
وببريدين أو بياض يوم كالصحيح ، ومثله في ذكر الثاني أحد الصحيحين ، وفي ذكر الأول أحد
الحسنين.
وبمسيرة يوم
كالصحيح ، والموثق ، وفيه : « إن ذلك بريدان ثمانية
__________________
فراسخ » .
وبثمانية فراسخ كما فيه وفي أحد الصحيحين ، و [ في ] غير هما القريب
منهما سندا : « إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر ؛ لأن
ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم » .
ويستفاد منها
كغيرها أن الجميع واحد.
وأما ما يخالفها
ممّا دلّ على أنّه مسيرة يوم وليلة كما في الصحيح ، أو ثلاثة برد
كما في آخر ، أو مسيرة يومين كما في الخبر ، فمع قصوره عن
المقاومة لما مرّ من وجوه شتى محمولة على التقية ، فإن بكل منها قائلا من العامة
كما حكاه بعض الأجلة .
(
والميل أربعة آلاف ذراع تعويلا على المشهور بين الناس ) والمتعارف بينهم ، وعزاه الحلّي إلى بعض اللغويين ، وفي القاموس
دلالة عليه أيضا
__________________
وعزاه إلى
المحدّثين ، كالأزهري فيما حكي ، مؤذنين بدعوى إجماعهم عليه ، وفي المدارك أنه مقطوع به
بين الأصحاب ، وفي غيره لا خلاف فيه بينهم يعرف .
(
أو قدر مدّ البصر من الأرض تعويلا على الوضع ) اللغوي المستفاد من الصحاح وغيره .
وربما يفهم من
العبارة ونحوها التردد في التفسير الأول حيث نسبه إلى الشهرة ، والثاني إلى أهل
اللغة.
ويضعّف : بأن
المراد بالشهرة هنا الشهرة العرفية والعادية ، لا الفتوائية ، حتى يفهم منها
التردد في المسألة ، وحينئذ فتقديمه على اللغة ذكرا يقتضي ترجيحه عليها ، كما صرّح
به في التنقيح ، فقال : والمصنف ذكر التقديرين معا ، وقدّم العرفي على اللغوي ،
لتقدمه عليه عند التعارض ، كما تقرّر في الأصول .
وقال بعض مشايخنا
: وإنما نسبه إلى الشهرة تنبيها على مأخذ الحكم ، بناء على أن الرجوع إليها في
موضوعات الأحكام وألفاظها من المسلّمات.
أقول : وحيث انتفى
الخلاف في هذا التقدير وجب الرجوع إليه وإن ورد في النصوص ما يخالفه : من التقدير
بألف وخمسمائة ذراع ، أو ثلاثة آلاف
__________________
وخمسمائة ذراع ، مع ضعف سندهما
ومهجوريتهما ولا سيّما الأول.
وقدّر في المشهور
الذراع بأربع وعشرين إصبعا ، والإصبع بسبع شعيرات متلاصقات بالسطح الأكبر ، وقيل :
ستّ ، ولعل الاختلاف بسبب اختلافها.
وعرض كل شعيرة
بسبع شعرات من أوسط شعر البرذون.
وضبط مدّ البصر في
الأرض بأنه ما يتميز به الفارس من الراجل للمبصر المتوسط في الأرض المستوية.
ولو وافق أحد هذين التقديرين المسير في بياض اليوم المعتدل قدرا وزمانا ومكانا على
الأقوى فذاك ، وإلاّ ففي ترجيحهما عليه كما عليه الشهيد الأول في الذكرى ، أو العكس كما
عليه الثاني في روض الجنان وغيره ، أو الاكتفاء في لزوم القصر بأيّهما حصل أوّلا كما عليه
سبطه ، أوجه وأقوال ، والاحتياط واضح.
وذكر جماعة أن مبدأ التقدير
من آخر خطّة البلد في المعتدل ، وآخر محلّته في المتسع.
ولا ريب في الأول
؛ لكونه المتبادر من إطلاق الفتوى والنص.
ولعلّ الوجه في
الثاني عدم تبادره من الإطلاق ، فيرجع إلى المتبادر منه ، كما يرجع في إطلاق الوجه
مثلا غير مستوي الخلقة إلى مستويها ، لكونه
__________________
المتبادر دونه.
لكن إطلاق التحديد بآخر المحلّة مشكل ، بل ينبغي تقييده بما إذا وافق آخر البلد
المعتدل تقديرا ، فتأمل جدّا.
وربما قيل بأن
المبدأ هو مبدأ السير بقصد السفر .
ولا فرق مع ثبوت
المسافة بالأذرع بين قطعها في يوم أو أقلّ أو أكثر ، إلاّ إذا تراخى الزمان كثيرا
بحيث يخرج عن اسم المسافر عرفا ، كما لو قطع المسافة في شهرين أو ثلاثة فقد جزم في
الذكرى بعدم الترخص . ولا بأس به ؛ عملا بالأصل ، واقتصارا فيما خالفه على
المتبادر من إطلاق الفتوى والنص ، وليس إلاّ ما صدق معه السفر في العرف.
والبحر كالبرّ في جواز القصر مع بلوغ المسافة بالأذرع وإن قطعت في ساعة ، كما صرّح
به جماعة ومنهم المنتهى قائلا إنه لا يعرف في ذلك خلافا .
وإنما يجب القصر
مع العلم ببلوغ المسافة بالاعتبار أو الشياع أو شهادة البيّنة ، ومع الشك يتم بلا
خلاف أعرف ، وبه صرّح في الذخيرة ؛ عملا بالأصل ، وفي وجوب الاعتبار معه وجهان.
ولو صلّى قصرا
حينئذ أعاد مطلقا ولو ظهر أنه مسافة ؛ لأن فرضه التمام ولم يأت به ، وما أتى به لم
يؤمر به.
ولو سافر مع الجهل
ببلوغ المسافة ثمَّ ظهر أن المقصد مسافة قصر حينئذ وإن قصر الباقي عن مسافة. ولا
يجب إعادة ما صلّى تماما قبل ذلك ؛ لأنه صلّى صلاة مأمورا بها فتكون مجزية.
ولو كان لبلد
طريقان أحدهما مسافة دون الآخر فسلكه أتم ، وإن عكس
__________________
لعلّة غير الترخيص
قصر إجماعا ، كما في التذكرة والذخيرة ، وكذا لعلّته على الأظهر الأشهر ، بل عن ظاهر الأول
الإجماع عليه.
خلافا للقاضي فيتم
؛ لأنه كاللاهي بصيده .
ولا ريب في ضعفه ؛
لأن السفر بقصد الترخيص غير محرّم قطعا كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى ، والقياس
فاسد عندنا سيّما إذا كان مع الفارق كما هنا.
(
ولو كانت ) المسافة ( أربعة فراسخ ) فصاعدا دون الثمانية ( وأراد الرجوع ليومه ) أو لليلته أو الملفّق منهما ، مع اتصال السير عرفا ، دون
الذهاب في أول أحد هما والعود في آخر الآخر ، على ما صرّح به. جمع ممن تأخر من غير خلاف
بينهم ولا من غيرهم يظهر
( قصّر ) وجوبا على الأشهر
الأقوى ، وعن ظاهر الأمالي أنه من ديننا ، مشعرا بكونه إجماعا.
وبه نصّ الرضوي : « فإن كان سفرك بريدا واحدا وأردت أن ترجع من يومك قصرت ، لأن ذهابك ومجيئك
بريدان » إلى أن قال : « فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ ولم ترد الرجوع من
يومك فأنت بالخيار ، فإن شئت أتممت وإن شئت قصّرت » .
وقريب منه النصوص
المستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها ، منها : عن
__________________
التقصير ، فقال :
« بريد ذاهبا وبريد جائيا ، وكان رسول الله 6 إذا أتى ذبابا قصر ، لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ » .
وهو كالنص في وجوب
التقصير ؛ لتعليله فيه بحصول الثمانية التي هي أصل المسافة التي يجب فيها التقصير
إجماعا.
ونحوه الموثق
المعلّل له بأنه إذا ذهب بريدا وآب بريدا فقد شغل يومه .
وبهذه الأدلة يجمع
بين النصوص المتقدمة بكون المسافة ثمانية والصحاح المستفيضة الآمرة بالقصر في
أربعة ، بتعميم الأوّلة للثمانية الملفّقة من الأربعة الذهابية والإيابية ، وتقييد
الأربعة بها لا مطلقا وإن كان متبادرا منها ، كما أن الثمانية الذهابية خاصة متبادرة من
الأوّلة ، لكن التبادر لا حكم له بعد وجود الصارف عنه من نحو ما قدمناه من
الأدلّة.
خلافا للشهيدين
وغيرهما من المتأخرين ، فلم يوجبوا القصر وخيروا بينه وبين التمام ، وفاقا
للتهذيب ؛ جمعا بين أخبار الثمانية والأربعة المطلقة والملفقة ،
بحمل الأوّلة على ظواهرها مطلقا ، وتقييد الأربعة المطلقة بالملفقة ، لأخبارها ، أو من غير
تقييدها ، ثمَّ حمل الأمر بالقصر فيها أجمع على الرخصة ترجيحا لأخبار الثمانية.
ولا شاهد له عليه
مع إمكان الجمع بما مرّ ، مع كونه أظهر ؛ لوضوح
__________________
الشواهد عليه ،
مضافا إلى شهرته ، وندرة القول بخلافه في القديم ، إذ ليس إلاّ الشيخ في التهذيب ،
وهو على تقدير تسليم مخالفته قد رجع عنه ووافق المشهور في جملة من كتبه .
لكن بعض أخبار
الأربعة لا يقبل التقييد بالتلفيق مطلقا ، كالصحيح : إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ
ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام ، فأتمّ الصلاة
أو أقصّر؟ قال : « قصّر في الطريق وأتمّ في الضيعة » .
لكنه لا يعارض أخبار الثمانية أجمع فليطرح ، أو يحمل على التخيير ـ وسيأتي الكلام فيه
ـ أو على التقية ، بمعنى حمل الأمر فيه بالإتمام في الضيعة عليها ، لعدم كونها
بنفسها من القواطع عندنا ، وإنما هو مذهب جماعة من العامة ، كما سيأتي إليه
الإشارة إن شاء الله تعالى ، فيرتفع المانع عن الحمل على التلفيق ، فتدبّر.
(
ولا بدّ ) في القصر ( من كون المسافة ) المشترطة
( مقصودة ) ولو تبعا كالزوجة
والعبد والأسير مع عدم قصدهم الرجوع متى تمكّنوا منه ، أو عدم احتمالهم له لعدم
ظهور أماراته.
(
فلو قصد ما دونها ثمَّ قصد مثل ذلك أو لم يكن له قصد ) أصلا
( فلا قصر ) مطلقا ( ولو تمادى في السفر
) وقطع مسافات عديدة
؛ بالنص
__________________
والإجماع. نعم
يقصّر في الرجوع إذا بلغ مسافة إجماعا ؛ لحصول الشرط ، وخصوص الموثق : عن الرجل
يخرج في حاجة له وهو لا يريد السفر ، فيمضي في ذلك فيتمادى به المضيّ حتى يمضي به
ثمانية فراسخ ، كيف يصنع في صلاته؟ قال : « يقصّر ولا يتم الصلاة حتى يرجع إلى
منزله » .
والمراد يقصّر في
رجوعه قطعا ، كما أن المراد بالموثق الآخر : عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة
فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها ، ثمَّ يخرج منها [ فيسير ] خمسة فراسخ أخرى أو ستّة
فراسخ لا يجوز ذلك ، ثمَّ ينزل في ذلك الموضع ، قال : « لا يكون مسافرا حتى يسير
من منزله أو قريته ثمانية فراسخ ، فليتم الصلاة » الإتمام في
الذهاب خاصة ؛ لما مضى.
وهل يضمّ إلى
الرجوع ما بقي من الذهاب ممّا هو أقل من المسافة؟
أوجه ، ثالثها :
نعم إن بلغ الرجوع وحده المسافة ، وإلاّ فلا ، وفاقا لجماعة ؛ لصدق قصدها ،
والتلفيق لا مانع منه هنا ، إذ الظاهر أن الممنوع منه على تقديره إنما هو ما حصل
به نفس المسافة لا مطلقا ، وهي في المقام من دونه حاصلة لكن ظاهر الأكثر المحكي
عليه الإجماع العدم مطلقا.
ويعتبر في هذا
الشرط استمراره إلى نهاية المسافة ، بلا خلاف فيه أجده ، بل قيل : إنه إجماع ، ويفهم من جملة
؛ للمعتبرة ، منها : الصحيح في الذي بدا له في الليل بعد أن سافر نهارا : « إن كنت
سرت في يومك بريدا لكان عليك
__________________
حين رجعت أن تصلي
بالقصر ؛ لأنك كنت مسافرا إلى أن تصير إلى منزلك ، وإن كنت لم تسر بريدا فإنّ عليك
أن تقضي كل صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير » .
والخبر في منتظري
الرفقة الذين لا يستقيم لهم من دونهم المسافرة : « إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة
فراسخ فليقيموا على تقصيرهم ، أقاموا أم انصرفوا ، وإن كانوا ساروا أقلّ من أربعة
فراسخ فليتموا الصلاة ، أقاموا أم انصرفوا » .
وفي آخر : « إذا
خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا ، وذلك أربعة فراسخ ، ثمَّ بلغ فرسخين
ونيّته الرجوع أو فرسخين آخرين قصّر ، وإن رجع عمّا نوى عند ما بلغ فرسخين وأراد
المقام فعليه التمام ، وإن كان قصّر ثمَّ رجع عن نيته أعاد الصلاة » .
وضعف السند غير
مانع ، كتضمن الصحيح والأخير ما لا يقول به أحد من قضاء الصلاة بعد البداء كما في
الأول ، وتحديد المسافة بستة أميال وأنها فرسخان وتصريح صدره بأن التقصير في أربعة
فراسخ ؛ لانجبار الأول بالشهرة ، والثاني غير قادح في حجية ما بقي.
وبنحوه يجاب عن
تضمن الجميع الأمر بالقصر في نصف المسافة ، والأخير الأمر بإعادة الصلاة المقصورة
بعد تغيّر النية مع أنه لا يقول بهما الأكثر ، مع أن الأول محمول على التخيير كما
يأتي ، والثاني على الاستحباب ، للصحيح : « تمّت صلاته ولا يعيد » .
__________________
وحمله على خروج
الوقت ـ كما في الاستبصار ـ ليس بأولى ممّا ذكرنا.
بل هو أولى ؛ لاعتضاده بالأصل ، واقتضاء امتثال الأمر الإجزاء ، مضافا إلى الشهرة ،
وضعف سند المعارض ، وخلوّ ما ذكره من الحمل عن الشاهد ، مع مضادّته لظاهر الصحيح
السابق ، ومع ذلك فقد ( رجع عنه ) في النهاية .
(
و ) على هذا الشرط ف ( لو قصد مسافة
فتجاوز سماع الأذان ) ومحل الرخصة ( ثمَّ
توقّع رفقة ) لم يجزم بالمسافرة من دونهم أتمّ. وإن جزم أو بلغ المسافة ( قصّر ما بينه وبين
) مضيّ ( شهر ما لم ينو
المقام ) عشرة أيام ، فيتم
بعد النية ، كما يتمّ بعد مضيّ الشهر ، بلا خلاف ظاهر إلاّ من الذكرى في الثاني ،
فتنظّر فيه ، وتبعه بعض المعاصرين ؛ معلّلا بأن مورد النص التردّد في المصر . وفيه نظر ؛ لأنه
كثير ، وبعضها وإن اختص به ، إلاّ أن بعضا آخر منها ورد في التردد في الأرض بقول
مطلق ، كما سيظهر.
(
ولو كان ) توقّع الرفقة ( دون ذلك ) أي محل الرخصة ( أتم ) مطلقا ؛ لكون التجاوز عنه من الشرائط أيضا ، كما سيأتي إن
شاء الله تعالى.
واعلم : أن الظاهر
أن المعتبر قصد المسافة النوعية ، لا الشخصية ، فلو قصد مسافة معيّنة فسلك بعضها
ثمَّ رجع إلى موضع آخر بحيث يكون نهايته مع ما مضى مسافة فإنه يبقى على التقصير ؛
للأصل ، وصدق السفر إلى المسافة ،
__________________
مع اختصاص ما دلّ
من النص والفتوى على التمام إذا لم يقصد المسافة أو رجع عنها ـ بحكم التبادر وغيره
ـ بغير محل البحث ، وهو ما لم يقصد فيه المسافة أصلا ، أو قصد الرجوع في أثنائها
إلى منزله.
وبما ذكرنا صرّح
في روض الجنان ، إلاّ أنه احتمل في المثال عدم الترخيص ، قال : لبطلان المسافة
الأولى بالرجوع عنها ، وعدم بلوغ القصد الثاني مسافة .
وهو ضعيف ؛ إذ لا
دليل على بطلانها بمجرد الرجوع عن شخصها مع بقاء نوعها ، لما عرفت من اختصاص النص
والفتوى الدالّين عليه بصورة الرجوع عنها أصلا ، وعليه فيرجع إلى حكم الأصل ، وهو
استصحاب بقاء وجوب القصر.
ولعلّه لذا أفتى
في النهاية بوجوب القصر هنا في الأربعة الإيابية مطلقا ، مع أن مذهبه
فيها إذا قصد في مبدإ السفر تلفيقها ثمانية مع عدم الرجوع ليومه عدم وجوبه ، بل
جوازه.
ووجه الفرق بينهما
عدم ثبوت ما يوجب تحتم القصر في الثاني من ثبوته واستصحاب وجوبه ، بخلاف الأول ،
لثبوته فيه. ومحصّله : حصول موجب القصر الاتفاقي ، وهو قصد الثمانية الذهابية في
مبدأ السفر في الأول ، دون الثاني ، إذ المسافة المقصودة فيه أوّلا إنما هو
الثمانية الملفّقة المختلف في إيجابها القصر أو ترخيصه.
والحاصل : أن الشيخ
لم يكتف بالتلفيق في إيجابه القصر إذا حصل في أول السفر وقبل ثبوت القصر ، واكتفى
به فيه بعد ثبوته بحصول موجبه من قصد
__________________
الثمانية الممتدة
، وحينئذ فلا يبعد موافقة الشيخ هنا وإن خالفناه ثمّة ، لاختلاف موضوع المسألتين ،
سيّما مع اتفاق النصوص المتقدمة قريبا على ما ذكره ، مع سلامتها عن المعارض أصلا ، فتدبّر وتأمل.
(
الثاني : أن لا يقطع سفره بعزم الإقامة ) الشرعية في أثنائها ، المتحققة بالوصول إلى الوطن مطلقا ،
أو نية الإقامة عشرا ، بلا خلاف بيننا ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ
الاستفاضة في الثاني ، وفي الأول دونه ، والصحاح بهما ـ كغيرها ـ مستفيضة قريبة من التواتر ، بل
متواترة ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة.
وهي وإن قصرت عن
إفادة تمام المدّعى من حصول القطع بهما بحيث يجب التمام في محل الإقامة وقبله
وبعده إلى أن يستأنف مسافة أخرى جديدة ، من غير كفاية ضمّ ما بقي بعد القاطع من
المسافة إليها قبله ، إلاّ أنها صريحة في وجوب التمام بهما ، فيستصحب إلى تيقن
القصر ، وليس إلاّ باستئناف مسافة أخرى ؛ إذ ليس في إطلاق ما دلّ على وجوب القصر
في المسافة عموم يشمل نحو هذه المسافة المنقطعة بالتمام في أثنائها ، لاختصاصه
بحكم التبادر بغيرها.
هذا مضافا إلى الإجماعات المحكية ، وتنزيل المقيم عشرا ، أو المتردد ثلاثين يوما أو
شهرا منزلة من هو في أهله في الصحيحين : « من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه
التمام وهو بمنزلة أهل مكة » كما في أحدهما.
وفي الثاني : عن
أهل مكة إذا زاروا ، عليهم إتمام الصلاة؟ قال : « نعم ،
__________________
والمقيم إلى شهر
بمنزلتهم » وعموم المنزلة يقتضي الشركة في جميع الأحكام ، ولا يخصّصه
خصوص المورد لو كان كما مرّ في غير مقام.
وكيف كان ( فلو عزم مسافة وله
في أثنائها منزل ) مملوك له ( قد
استوطنه ستّة أشهر ) فصاعدا ولو متفرقة على ما نصّ عليه الجماعة ، ويعضده إطلاق الرواية ( أو عزم في أثنائها
إقامة عشرة أيام أتم ) وسيأتي الكلام فيما يتعلق بالثاني.
وأمّا الأول
فالحكم فيه مطلق وإن جزم على السفر قبل تخلّل العشرة.
وظاهر العبارة
الاكتفاء بستة أشهر واحدة ماضية ، وهو المشهور ، بل عليه الإجماع في روض الجنان
والتذكرة . فإن تمَّ ، وإلاّ فالحجة عليه غير واضحة.
مع أن ظاهر الصحاح
المستفيضة اعتبار فعليّة الاستيطان وبقائه على الدوام ، كما هو ظاهر الشيخ وجملة
ممّن تبعه ، بل ظاهر جماعة اعتبارها في كلّ سنة .
ففي جملة منها : « كل منزل لا تستوطنه فليس ذلك بمنزل ، فليس لك أن تتم » .
__________________
ومنها : ما
الاستيطان؟ فقال : « أن يكون له فيها منزل يقيم ستّة أشهر ، فإن كان كذلك أتمّ متى
دخلها » .
وبه يقيّد إطلاق
سابقة ، مع أن المتبادر منه ما يوافقه ؛ لعدم صدق الوطن على ما قصر عن استيطان
الستّة عادة ، فتأمل.
وكيف كان ، فوجه
ما ذكروه غير واضح ، إلاّ أن يكون الصحيح : عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة
فيمرّ بها ، قال : « إن كان ممّا سكنه أتم فيه الصلاة ، وإن كان ممّا لم يسكنه
فليقصّر » .
وقريب منه آخر :
في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل في الطريق يتمّ الصلاة أم يقصّر؟ قال : « يقصّر ،
إنما هو المنزل الذي توطّنه » .
وفيه : أنّ راوي
الأول روى بعض الصحاح المتقدمة التي هي أظهر دلالة على اعتبار دوام الستّة منهما
على الاكتفاء بها في الزمن الماضي ولو مرة.
و« توطّنه » في
الثاني يحتمل كونه بصيغة المضارع المفيدة للتجدد الاستمراري من باب التفعل محذوفة
فيها إحدى التاءين.
فالمسألة قوية
الإشكال وإن كان اعتبار فعليّة الاستيطان ودوامه لا يخلو عن رجحان.
ثمَّ إن ظاهر
الصحاح المتقدمة والعبارة ونحوها من عبائر الجماعة ـ ومنهم
__________________
الصدوق والشيخ
وجملة ممّن تبعه والشهيد في اللمعة ـ إناطة الحكم بالاستيطان في المنزل خاصة دون الملك ، وإن
تضمّنت اللام لمجيئها للاختصاص ، بل ظهورها فيه ، كما قيل .
خلافا للفاضلين في جملة من كتبهما ومن تأخر عنهما ، فأناطوه بالملك بشرط الاستيطان في بلده ولو في غيره ،
حتى صرّحوا بالاكتفاء في ذلك بالنخلة الواحدة ؛ للموثق .
وفيه : انه كسائر
الصحاح وغيرها المتضمنة للأمر بالإتمام بمجرّد الوصول إلى الملك من القرى والضيعة
لم يقل بإطلاقها أحد من الطائفة ، والنصوص بخلافها مع ذلك مستفيضة متضمنة للصحيح
وغيره دالّة على الأمر بالتقصير ما لم ينو المقام عشرة ، ففي الصحيح : عن الرجل
يقصر في ضيعته ، قال : « لا بأس ما لم ينو المقام عشرة أيام ، إلاّ أن يكون له
فيها منزل يستوطنه » قلت : ما الاستيطان؟ .. الحديث كما مرّ .
وهو كالصريح ، بل
صريح فيما ذكرنا من أن العبرة بالاستيطان في المنزل دون الملك ، وإلاّ لعطفه على
إقامة العشرة ولم يخصّه بالمنزل.
ومع ذلك فهي
موافقة لمذهب جماعة من العامة كما صرّح به جماعة ،
__________________
حاملين لها لذلك
على التقية.
ومع ذلك فغايتها
إفادة الإتمام في الملك مطلقا ، كما هو ظاهر إطلاقها ، أو بشرط الاستيطان ستة أشهر
، كما هو قضية الجمع بينها وبين غيرها ، وهو لا يستلزم اشتراط الملك ، حتى لو
انتفى وحصل الاستيطان في المنزل غير الملك وجب القصر كما ذكروه ، بل وجوب الإتمام
فيه لا ينافيه ويجامعه.
وبالجملة : فما
ذكروه لا وجه له ، كما صرّح به من متأخري المتأخرين جماعة .
لكن يمكن الاعتذار
لهم بأن اعتبارهم الملكية انما هو بناء على اكتفائهم في الوطن القاطع بما حصل فيه
الاستيطان ستة أشهر ولو مرّة ، من دون اشتراط الفعليّة ، حتى لو هجره بحيث لم يصدق
عليه الوطنية عرفا لزمه التمام بمجرّد الوصول إليه ، ولذا اشترطوا دوام الملك أيضا
، إبقاء لعلاقة الوطنية ليشبه الوطن الأصلي الذي لا خلاف فتوى ونصا في انقطاع
السفر به مطلقا ولو لم يكن له فيه ملك ولا منزل مخصوص أصلا.
وعلى هذا فلا ريب
في اعتباره ؛ لعدم دليل على كفاية مجرد الاستيطان ستة أشهر مع عدم فعليته ودوامه
أصلا ، إذ النصوص الدالّة عليه ظاهرها اعتبار فعليّته ، فلم يبق إلاّ الإجماع
المحكي والفتاوي ، وهما مختصان بصورة وجود الملك ودوامه ، فعلى تقدير العمل بهما
ينبغي تخصيص الحكم بها.
ويرشد إلى ما
ذكرنا أنهم ألحقوا بالملك اتّخاذ البلد أو البلدين دار إقامة على الدوام ، معربين
عن عدم اشتراط الملك فيه ، وإن اختلفوا في اعتبار
__________________
الاستيطان ستة
أشهر فيه كالملحق به ، كما عليه الشهيد في الذكرى وجملة ممن تأخر عنه ، أو العدم كما
عليه الفاضل ، والوطن المستوطن فيه المدة المزبورة على الدوام أحد
أفراده ، فلا يعتبر فيه عندهم الملكية كما عرفته.
ويتحصّل ممّا ذكرنا أنه لا أشكال ولا خلاف في عدم اعتبار الملك في الوطن المستوطن فيه
المدّة المزبورة كلّ سنة ، ولا في اعتباره في المستوطن فيه تلك المدة مرة. وإنما
الخلاف والإشكال في كون مثل الوطن الأخير ولو مع الملك قاطعا ، ولكن الأقوى فيه
العدم كما تقدّم ، ومرجعه إلى إنكار الوطن الشرعي وانحصاره في العرفي ، وهو قسمان
: أصلي نشأ فيه أو اتّخذه ، وطارئ يعتبر في قطعه السفر فعليّة الاستيطان فيه ستة
أشهر بمقتضى الصحيحة المتقدمة.
(
ولو قصد مسافة فصاعدا وله على رأسها منزل قد استوطنه القدر المذكور ) أي الستة أشهر المطلقة ، أو الدائمة الفعلية ، على الاختلاف
المتقدم إليه الإشارة
( قصّر في طريقه ) لحصول الشرط فيه
( وأتم في منزله ) لأنه غير مسافر فيه ، لحصول القطع به.
والفرق بين هذه
المسألة وما سبق توسّط المنزل المزبور فيه في أثناء أصل المسافة المشترطة ، فلا
قصر فيه بالكلية ، ما لم يقصد مسافة أخرى جديدة ، ووقوعه هنا في رأسها مثلا ،
فيثبت القصر قبله ، وبالجملة : المنزل قاطع للسفر دون المسافة هنا ، ولهما معا ثمة
، والحكم فيها يناسب الشرطية المقصودة في ظاهر العبارة فلذ فرّعه عليها ، دونه هنا
، فإنه مذكور تبعا للأول للمناسبة بينهما.
وكذلك إقامة
العشرة تارة تكون قاطعة لأصل المسافة ، وهي التي تناسب
__________________
الشرطية وفرّع
حكمه عليها ، وأخرى تكون قاطعة للسفر دونها ، وسيذكر حكمها إن شاء الله تعالى ،
فلا تكرار أصلا.
(
وإذا ) عزم مسافة ولم
يعزم الإقامة في أثنائها فـ
( قصّر ثمَّ نوى الإقامة ) في أثنائها عشرا
( لم يعد ) ما كان صلاّه قصرا
؛ لما مرّ في الشرط الأول.
(
ولو كان ) دخل ( في الصلاة ) بنية القصر ثمَّ عنّ له الإقامة في أثنائها ( أتمّ ) بلا خلاف فيه بيننا أجده ، بل عليه إجماعنا في ظاهر التذكرة
، وقريب منها الخلاف والمنتهى ، حيث لم ينقلا الخلاف فيه إلاّ من بعض العامة ؛ للعموم
كما في الخلاف ، وخصوص الصحيح وغيره : عن الرجل يخرج في السفر ثمَّ يبدو له وهو في الصلاة ،
قال : « يتم إذا بدت له الإقامة ».
ولو نوى إقامة بعد ما صلّى ركعة ثمَّ خرج وقت تلك الصلاة فإنه يحوّل فرضه إلى
الأربع. أما لو خرج قبل أن يصلّي ركعة ثمَّ نوى الإقامة فإنه لا يحوّل فرضه إلى
الأربع في حين تلك الصلاة ، لأنها فاتته قصرا ، وبه صرّح في المنتهى أيضا .
(
الثالث : أن يكون السفر مباحا ) غير محرّم
( فلا يترخص العاصي ) بسفره (
كالمتّبع للجائر ) في جوره ( واللاهي
بصيده ) بإجماعنا الظاهر ،
المصرّح به في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة ، والمعتبرة به مع ذلك
__________________
مستفيضة.
ففي الصحيح : « من
سافر قصّر وأفطر ، إلاّ أن يكون رجلا سفره إلى صيد ، أو في معصية ، أو رسولا لمن
يعصي الله تعالى ، أو في طلب عدوّ ، أو شحناء ، أو سعاية ، أو ضرر على قوم مسلمين
» .
وفي الموثق : عن الرجل يخرج إلى الصيد ، أيقصّر أو يتم؟ قال : « يتم ، لأنه ليس بمسير حق »
.
وإطلاقهما ـ كغيرهما
وأكثر الفتاوي وصريح جملة منها ـ يقتضي عدم الفرق في السفر المحرّم بين ما كان غايته
معصية ، كالسفر لقطع الطريق ، أو قتل مسلم ، أو إضرار بقوم مسلمين ؛ أو كان بنفسه
معصية ، كالفرار من الزحف ، والهرب من الغريم مع القدرة على الوفاء.
خلافا لشيخنا
الشهيد الثاني فخصّه بالأول ، مدّعيا اختصاص النصوص به . ولا وجه له ،
كما صرّح به جماعة .
ثمَّ إطلاق
الخبرين ـ كغيرهما ـ بعدم ترخّص الصائد محمول على الغالب في العادة فيما هو مورد
لها ، وهو : ما يقصد به اللهو دون الحاجة
__________________
والتجارة ، وبه
يشعر أيضا الموثقة.
وأظهر منها اخرى :
عمّن يخرج من أهله بالصقور والبزاة والكلاب يتنزّه الليلة والليلتين والثلاثة ، هل
يقصّر من صلاته أو لا يقصّر؟ قال : « إنما خرج في لهو لا يقصّر » .
ونحو هما الخبر : في المتصيد أيقصّر الصلاة؟ قال : « لا ، فإنّ الصيد مسير باطل لا
تقصر الصلاة فيه » .
وآخر : « سبعة لا
يقصّرون الصلاة » إلى أن قال : « والرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا ، والمحارب
الذي يقطع السبيل » .
وأظهر من الجميع
المرسل : قلت له : الرجل يخرج إلى صيد مسيرة يوم أو يومين ، أيقصّر أو يتم؟ فقال :
« إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصّر ، وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة » .
والرضوي : « وإذا
كان ممّا يعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم » .
(
و ) هما نصّ في أنه ( يقصّر لو كان الصيد
للحاجة ) كما أفتى به
__________________
الأصحاب كافة ، من
غير خلاف بينهم فيه أجده ، وبه صرّح جماعة ، بل عليه الإجماع في المنتهى والتذكرة .
(
و ) اختلفوا فيما ( لو كان للتجارة ) فـ
( قيل : يقصّر صومه ويتم صلاته ) والقائل به أكثر القدماء ، ومنهم الحلّي
مدّعيا كونه إجماعيا وورود رواية بذلك أيضا ، كما يفهم من المبسوط ، حيث قال : روى أصحابنا .
ولم أر هذه الرواية ، ولا نقلها أحد من أصحابنا ، نعم في الرضوي : « وإذا كان
صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والقصر في الصوم » .
والمشهور بين
المتأخرين ، بل عليه عامّتهم التقصير في الصلاة أيضا ؛ للعمومات ، وخصوص ما دلّ من
الصحاح وغيرها على أنه إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت ، والإجماع واقع
على ثبوت القصر في الصوم على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر ، فيثبت في
الصلاة أيضا عملا بمقتضاها.
وهو حسن لو لا
الإجماع المحكي ، والرواية المرسلة والفقه الرضوي ، المنجبر قصور سندهما بالشهرة
القديمة المحقّقة القريبة من الإجماع ، بل لم
__________________
ينقل لها مخالف من
القدماء عدا المرتضى ، حيث نفى الخلاف بين الأمة في تلازم القصرين ، لكن من غير
تنصيص به في المسألة ، وهو غير صريح في المخالفة ، كالعمومات المتقدمة ، لقبولها
التخصيص بما مرّ من الرواية وإن لم تكن الآن مشهورة ، لظهور عبارتي المبسوط
السرائر في كونها يومئذ مشهورة ، بل ومجمعا عليها كما عرفته ، والشهرة المتأخرة لم
تتحقق إلاّ من زمن العلاّمة.
لكنه في التذكرة ـ كغيره ـ ادّعى الشهرة المطلقة على ما اختاره ، فيمكن أن يوهن
بهذه الدعوى دعوى الإجماع المتقدمة.
ويجاب عن المرسلة
: بضعف السند ، وعدم وضوح الجابر إلاّ الشهرة القديمة ، وهي معارضة بالشهرة
المتأخرة القطعية ، بل مطلقا كما عرفت حكايته في كلام جماعة ، فلا يمكن أن يخصّص
بها العمومات المتقدمة ، كما لا يمكن تخصيصها بالرضوي وإن اعتبر سنده في الجملة ،
لقصوره عن المقاومة لها والمكافأة.
لكن المسألة بعد
لا تخلو عن شبهة ، والاحتياط فيها مطلوب بلا شبهة.
وكما يعتبر هذا
الشرط ابتداء يعتبر استدامة ، فلو عرض قصد المعصية في الأثناء انقطع الترخص حينئذ
، وبالعكس ، ويشترط حينئذ كون الباقي مسافة ولو بالعود قطعا. كما يشترط في الأول
أيضا لو رجع إلى القصد الأول على قول قوي ؛ للأصل ، ولا على آخر ؛ لإطلاق الخبر :
« إنّ صاحب الصيد يقصّر ما دام على الجادة ، فإذا عدل عن الجادة أتم ، فإذا رجع
إليها قصر » .
__________________
وفيه ضعف سندا ،
بل ودلالة ، فيشكل الخروج به عن مقتضى الأصل جدّا ، لكن الاحتياط بالجمع بين
القولين أولى.
ثمَّ إن إطلاق النص والفتوى يقتضي وجوب التمام على اللاهي بصيده مطلقا.
خلافا للمحكي عن
الإسكافي فإلى ثلاثة أيام ؛ للمرسل .
وهو مع ضعفه نادر
، وفي المختلف : إنه لم يعتبره علماؤنا .
(
الرابع : أن لا يكون سفره أكثر من حضره ، كالبدوي ، والمكاري ) بضم الميم وتخفيف الياء ، وهو : من يكري دابته بغيره ويذهب
معها فلا يقيم ببلدة غالبا لإعداد نفسه لذلك ( والملاّح ) وهو : صاحب السفينة ( والتاجر ) الذي يدور في تجارته ( والأمير ) الذي يدور في إمارته ( والراعي ) الذي يدور بماشيته ( والبريد ) المعدّ نفسه للرسالة ، وأمين البيدر.
فإن هؤلاء يتمون
في أسفارهم بلا خلاف إلاّ من العماني ، فأطلق وجوب القصر على كل مسافر . وهو نادر ، بل
على خلافه انعقد الإجماع على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر ، كالانتصار والخلاف والسرائر
؛ وهو الحجّة ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح :
المكاري والجمّال الذي يختلف وليس له مقام يتم
__________________
الصلاة ويصوم شهر
رمضان » .
وفيه : « أربعة قد
يجب عليهم التمام في سفر كانوا أم حضر : المكاري ، والكريّ ، والراعي ،
والأشتقان ، لأنه عملهم » .
ونحوه المرفوع
القريب منه ، لكن بزيادة الملاّح ، وتفسير الأشتقان بالبريد ، مع إسقاط لفظة « قد
» .
وفيه : « ليس على
الملاّحين في سفينتهم تقصير ، ولا على المكارين ، ولا على الجمّالين » .
ونحوه الموثق وغيره في الملاّحين والأعراب ، معلّلين بأن بيوتهم معهم.
ويستفاد منها أجمع
ـ بعد ضمّ بعضها مع بعض ـ : أنّ وجوب التمام على هؤلاء إنما هو من حيث كون السفر
عملهم ، لا لخصوصيّة فيهم ، فلو فرض كثرة
__________________
السفر بحيث يصدق
كونه عملا لزم التمام وإن لم يصدق وصف أحد هؤلاء ، كما أنه لو صدق وصف أحدهم ولم
يتحقق الكثرة المزبورة لزم القصر.
خلافا للحلّي في الثاني
، فحكم بالتمام فيه ولو بمجرد السفرة الأولى ؛ لإطلاق الأدلة بوجوب التمام على
هؤلاء .
وهو مع ضعفه بما
مضى مقدوح بلزوم حمل المطلقات على الغالب الشائع منها ، وهو من تكرّر منه السفر
مرارا ، لا من يحصل منه في المرة الاولى.
ومنه يظهر ضعف ما
في المختلف من حكمه بالإتمام في السفرة الثانية مطلقا .
ولجماعة فجعلوا
المدار في الإتمام على صدق وصف أحدهم أو صدق كون السفر عمله ، ومنهم الشهيد في
الذكرى ، إلاّ أنه قال : إنّ ذلك إنما يحصل غالبا بالسفرة الثالثة
التي لم يتخللها إقامة عشرة ، كما صرّح به الحلّي في متّخذ السفر عملا له.
وفيه ما عرفته من
أن المستفاد من النصوص أن وجوب التمام على أحد هؤلاء إنما هو من حيث كون السفر
عمله ، فلا وجه لجعله مقابلا له.
ثمَّ دعوى حصول
صدق أحد العنوانين بمجرّد السفرة الثالثة ممنوع ، كيف لا وقد يحصل السفر زائدا
عليها ولا يصدق أحدهما؟! وذلك حيث يتفق كثرة السفر مع عدم قصد إلى اتّخاذه عملا ،
ومثله يقصّر جدّا ، كما صرّح به بعض متأخري أصحابنا ، فقال بعد نقل ما قدّمناه من
الأقوال : وإذ قد عرفت أن الحكم في الأخبار ليس معلّقا على الكثرة ، بل على مثل
المكاري والجمّال
__________________
ومن اتّخذ السفر
عمله ، وجب أن يراعى صدق هذا الاسم عرفا ، فلو فرض عدم صدق الاسم بالعشر لم يتعلق
حكم الإتمام . انتهى.
نعم ، يعتبر السفرات الثلاث مع صدق العنوان ، فلا إتمام فيما دونها ولو صدق ؛ لما
مرّ من لزوم حمل المطلقات على المتبادر منها ، وليس إلاّ من تكرّر منه السفر ثلاثا
فصاعدا ، ويمكن أن يكون مراد الشهيد في اعتباره التعدّد ثلاثا هذا.
وبالجملة :
المعتبر عدم اتّخاذ السفر عملا مع تكرره مرة بعد اخرى ، ومعه كذلك يجب التمام كما
يستفاد من النصوص على ما قدّمنا.
(
و ) ظاهر إطلاق أكثرها
وإن اقتضى وجوبه معه مطلقا إلاّ أن ظاهر جملة أخرى منها أن ( ضابطه أن لا يقيم
في بلد عشرة ) أيام ، ومنها الصحيحة الأولى المقيدة للمكاري ونحوه بالذي يختلف وليس له مقام.
ونحوها رواية أخرى
.
والمراد بالمقام
فيهما الإقامة عشرا إجماعا ؛ إذ لا قائل بوجوب التمام مطلقا ـ كما فيهما ـ بإقامة
دونها ، مع أنها المتبادر منه حيثما يطلق في النص والفتوى بشهادة التتبع
والاستقراء ، مع أن الإقامة دونها حاصلة لكل من كثيري السفر ، لصدقها على إقامة
نحو يوم بل وساعة وساعتين مثلا ، ولا يخلو منها أحد منهم جدّا ، وموجب التقييد على
هذا عدم وجود كثير سفر يلزمه التمام إلاّ نادرا ، بل مطلقا ، وهو كما ترى.
هذا مضافا إلى
المرسل : « عن حدّ المكاري الذي يصوم ويتم ، قال : أيّما مكار أقام في منزله أو في
البلد الذي يدخله أقلّ من عشرة أيام وجب عليه
__________________
التمام والصيام
أبدا ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه
التقصير والإفطار » .
وهو صريح في
المدّعى ، وضعف سنده مجبور بالشهرة العظيمة بين أصحابنا حتى نحو الحلّي الذي لا يعمل
إلاّ بالقطعيات ، بل صرّح جملة من المتأخرين بأن الحكم به معروف بين الأصحاب ، مقطوع به بينهم ، مؤذنين
بنفي الخلاف فيه بينهم ، كالماتن في المعتبر ، حيث نفى الخلاف في وجوب القصر على من كان سفره أكثر من
حضره مع الإقامة عشرا.
واشتراط إقامة
الأقلّ من العشرة في التمام ظاهر في انتفائه مع الإقامة عشرا. ولا ينافيه مفهوم
الشرطية الأخرى ؛ لورودها على الغالب ، لندرة الإقامة عشرا بحيث لا يزيد عليها ،
فلا عبرة بمفهومها ، فلا يمكن القدح في الرواية بهذا.
وقريب منها رواية
أخرى سيأتي الإشارة إليها ، إلاّ أنها تضمّنت ما لا يقول به أحد أو الأكثر ، واختصّت
بإقامة العشرة في غير البلد أو عمّتها وإقامتها فيه.
وكلاهما غير
قادحين في الاستدلال بها هنا بعد انجبارها واعتضادها بفتوى أصحابنا.
__________________
أما الأول :
فلأنها بالإضافة إليه كالعامّ المخصّص حجة في الباقي.
وأما الثاني :
فلعدم منافاته الاستدلال باحتماليه ؛ لإمكانه بالأولوية على الاحتمال الأول ،
والعموم أو الإطلاق على الثاني ، ونحن نقول به ، وفاقا للمشهور بين المتأخرين
وغيرهم ، ومنهم الماتن لقوله
( ولو أقام في بلده أو غير بلده ذلك ) أي مقدار عشرة أيام ( قصّر ) لصريح المرسلة المتقدمة المنجبرة هنا أيضا بالشهرة.
وإطلاقها ـ كالعبارة
والرواية الآتية ـ وإن اقتضى الاكتفاء في غير البلد بإقامة العشرة ولو من غير نية
، إلاّ أن ظاهرهم تقييدها فيه بالنية ، بل ادّعى عليه الإجماع جماعة ، ومنهم شيخنا
في روض الجنان ، وخالي العلاّمة المجلسي ; فيما نقله عنه
خالي المعاصر ـ أدام الله ظلّه ـ وأيّده قائلا : إنه ربما يظهر ذلك ويظنّ به من
اتّفاق فتاويهم .
ثمَّ أيّد الحكم المزبور وإلحاق العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين يوما ـ كما فعله
جماعة منهم الشهيدان ـ بقوله : مع أنه ظهر ممّا مرّ أن العشرة إذا صارت منويّة
تصير بمنزلة الحضور ، وإن لم تكن منويّة لا تصير كذلك إلاّ بعد مضيّ ثلاثين يوما ،
وربما ظهر ممّا ذكرنا أن اعتبار هذه الإقامة للإخراج عن كثير السفر ، والعشرة
الغير المنويّة سفر أيضا.
إلى أن قال ـ بعد
نقل إلحاق العشرة بعد التردد ثلاثين يوما عن الشهيد ـ : ولعلّه لعموم المنزلة التي
ظهرت لك ؛ إذ بعد التردد ثلاثين يوما يصير بمنزلة الوطن ، وإذا أقام في الوطن عشرة
أيام صارت إقامته موجبة للقصر فكذا هنا ، ومقتضى عموم المنزلة عدم اعتبار قصد
الإقامة في هذه العشرة ، ولذا أفتى به
__________________
كذلك.
ثمَّ قال : وألحق
بعض الأصحاب بإقامة العشرة إقامة ثلاثين يوما متردّدا ، ولعلّه لكونه حينئذ حضريا
وبمنزلته ؛ لعموم المنزلة التي عرفته. وفيه : أن هذا لا يوجب انقطاع كثرة السفر ؛
إذ أقصى ما يقتضي أن يكون بمنزلة من هو في وطنه كما عرفت ، وبمجرد الكون في الوطن
لا ينقطع الكثرة حتى يتمّ عشرة ، كما هو مقتضى الروايات ، بل ستعرف أن الخمسة لا
تكفي للقصر في خصوص النهار فضلا أن تكون ملحقة بالعشرة ، فما ظنّك بما نقص عن
الخمسة .
انتهى كلامه الذي
يتعلق بالمقام ، وإنما نقلناه بطوله لكثرة فوائده وجودة محصوله.
وأشار بعموم
المنزلة إلى ما قدّمناه في صدر مسألة القواطع الذي تضمنته جملة من المعتبرة .
وبالجملة : لا ريب
في المسألة بحمد الله تعالى ، سيّما بعد ما عرفت من دعوى جماعة كونها مقطوعا بها
بين الطائفة ، ( و ) إن
( قيل : ) إنّ ( هذا ) الحكم
( يختصّ بالمكاري ) والمراد به المعنى اللغوي
( فيدخل فيه الملاّح والأجير ) لندرة القائل به وشذوذه ، حتى اعترف جماعة بمجهوليته ، وربما احتمل
كونه الماتن بنفسه .
ومع ذلك فلا وجه
له غير اختصاص النصّ الوارد بالحكم به.
ولا ضير فيه بعد
ما عرفت من ظهور النصوص في كون المناط في التمام
__________________
هو نفس اتّخاذ
السفر عملا وكثرته من غير خصوصية للمكاري ونحوه ، وإذا انقطع كثرة السفر التي هي
المناط بإقامة العشرة في المكاري بمقتضى روايات المسألة انقطعت في غيره ، ولعلّه
لذا اتّفقت الفتاوي بعدم الفرق بينهما ، مع تأيّده بالاعتبار ، فتأمل جدّا.
ثمَّ على المختار
من وجوب القصر بعد إقامة العشرة فهل يمتدّ إلى السفرة الثالثة فلا يتم في الثانية
، أم إليها فيتم فيها ويختص وجوب القصر بالأولى؟
قولان.
والثاني أقوى
وفاقا للحلّي وجماعة ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على وجوب التمام على
هؤلاء على المتيقن من النص والفتوى بلزوم القصر إذا أقام عشرا ، وليس إلاّ السفرة
الأولى ، دون الثانية فما فوقها ؛ مضافا إلى استصحاب بقاء وجوب التمام الثابت له
في منزله أو ما في حكمه الذي هو منتهى سفرته الاولى إلى أن يثبت المزيل ، وليس
ثابتا.
خلافا للشهيد فالأول ؛ لزوال الاسم بالإقامة فيكون كالمبتدئ . وفيه نظر.
ثمَّ إن هذا إذا
أقام عشرة ( ولو
أقام خمسة قيل ) والقائل الشيخ في المبسوط والنهاية والقاضي وابن حمزة ( يقصّر صلاته نهارا
ويتمّ ليلا ، ويصوم شهر رمضان ) تعويلا
( على رواية ) عبد الله بن سنان المروية في الصحيح وغيره ، عن أبي عبد الله 7 قال : « المكاري
إذا لم يستقر في منزله إلاّ
__________________
خمسة أيام أو أقل
قصّر في سفره بالنهار وأتم بالليل وعليه صوم شهر رمضان ، وإن كان له مقام في البلد
الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيام أو
أكثر قصّر في سفره وأفطر » .
هكذا في الصحيح ،
وكذا في غيره ، لكن بدون قوله : « وينصرف » إلى قوله : « أكثر » .
خلافا للحلّي وعامة المتأخرين
فيتم مطلقا ، وصرّح في السرائر بكونه إجماعا.
تمسكا بإطلاق
النصوص المتضمنة لأن كثير السفر يجب عليه التمام .
مضافا إلى عموم ما
دلّ على تلازم القصر والإفطار ثبوتا وعدما .
والرواية متروكة
الظاهر ؛ لتضمنها ثبوت الحكم في الأقل من الخمسة أيضا الصادق على نحو الثلاثة
والأربعة ، ولم يقل به هؤلاء الجماعة ، كما لا يقولون بما تضمّنته أيضا في الطريق
الصحيح من اعتبار إقامة العشرة في المنزل والمكان الذي يذهب إليه معا ، الظاهر في
عدم الاكتفاء بها في أحد هما.
وشيء منهما وإن
لم يكن قادحا في حجية الرواية من أصلها بعد صحة بعض طرقها ؛ لما مضى من كونها
حينئذ كالعام المخصّص يكون في الباقي حجة ، سيّما مع إمكان الذب عنهما بنحو من
التوجيه القريب كما ذكره الخال
__________________
العلاّمة أدام
الله تعالى أيامه ، إلاّ أنهما قادحان في مقام المعارضة لنحو الأدلة
المتقدمة الكثيرة المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخرة المتحققة ، بل مطلقا كما في التذكرة ، سيّما الصريح
منها ، وهو الإجماع المنقول.
وبالجملة : فهذا
القول في غاية القوة وإن كان الأولى مراعاة الاحتياط في نحو المسألة ،
خروجا عن شبهة قول هؤلاء الجماعة وإن كان الظاهر ممّا ذكرنا ضعفه.
وأولى منه ضعفا ما
يحكى عن الإسكافي من جعل الخمسة كالعشرة قاطعة لكثرة السفر مطلقا ؛ لعدم دليل عليه
مع ذلك أصلا.
وما في الصحيحين من أن المكاري
والجمّال إذا جدّ بهما السير فليقصّرا ؛ لإجمالهما ، وعدم وضوح المراد من جدّ السير فيهما.
ولذا اختلف الأصحاب في
تنزيلهما وحملهما على من يجعل المنزلين منزلا مع تخصيص التقصير بالطريق ، كما عليه
الكليني والشيخ في التهذيب ، استنادا إلى رواية مع ضعف سندها لا دلالة لها على ما
اعتبراه.
أو على ما إذا
أنشئا سفرا غير صنعتهما ، كما عليه الشهيد في الذكرى ،
__________________
قال : ويكون
المراد بجدّ السير أن يكون مسيرهما متصلا كالحج والأسفار التي لا يصدق صنعته عليها
.
أو على أنهما إذا
أقاما عشرة أيام قصّرا ، كما عليه الفاضل في المختلف .
أو على ما إذا
قصدا المسافة قبل تحقق الكثرة ، كما عليه في روض الجنان شيخنا .
أو على ما يصدق
عليه جدّ السير عرفا ، وهو السير العنيف الذي يستعقب مشقة شديدة ، كما عليه جماعة
من متأخري متأخرينا .
ولعلّه الأقوى ،
إلاّ أني لم أجد بهما على هذا التأويل قائلا صريحا وإن احتمله بل قواه هؤلاء ،
وبعضهم قوّى ما مرّ عن الذكرى أيضا . ولا وجه له ، بل هو كسائر التأويلات في البعد ـ عدا
الأخير ـ إلاّ أن يريد به تقوية أصل الحكم بوجوب القصر إذا أنشئا سفرا غير صنعتهما
كما صرّح به جماعة .
وهو أيضا مشكل ؛
لعدم دليل صالح عليه ، إلاّ بعض التلويحات والإشعارات المستخرجة من جملة من
المعتبرة المعلّلة لوجوب التمام على كثير السفر بأنه عمله أو أنّ بيته معه ، وبعض
الصحاح الذي لم أفهم دلالته. وفي الاعتماد عليها بمجردها إشكال يصعب معه الخروج عن
مقتضى الأدلة العامة ،
__________________
والاحتياط ممّا لا
ينبغي تركه في المسألة.
(
الخامس : أن تتوارى ) عنه ( جدران
البلد الذي يخرج منه ، أو يخفى ) عنه
( أذانه ) بلا خلاف فيه في
الجملة ، إلاّ من والد الصدوق ، فلم يعتبر هذا الشرط بالكلية ، بل اكتفى بنفس الخروج من
البلد ؛ للمرسل : « إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه » ونحوه بعينه
الرضوي .
وفي معناهما
الموثق : « أفطر إذا خرج من منزله » .
وهو نادر ، بل على
خلافه الإجماع في الخلاف ، ومع ذلك فمستنده ـ مع قصور سنده جملة ، بل ضعف بعضها ـ غير
صريحة الدلالة على المخالفة ، ككلامه ، لاحتماله التقييد بهذا الشرط ، ألا ترى إلى
الرضوي مع أنه أطلق القصر فيما إذا خرج ـ كما مرّ ـ قيّده به في موضع آخر فقال : «
وإن كان أكثر من بريد فالتقصير واجب إذا غاب عنك أذان مصرك » .
وعلى هذا فلا خلاف في المسألة من هذه الجهة وإن حصل من جهة أخرى ، وهي التعبير عن
هذا الشرط بخفاء أحد الأمرين مخيّرا بينهما ، كما هو المشهور بين القدماء ، أو
خفائهما معا كما هو المشهور بين المتأخرين كما قيل ، أو الأول خاصة
كما عن المقنع ، أو الثاني كذلك ، إمّا مطلقا كما عن
__________________
الديلمي ، أو المتوسط منه
خاصة كما عن الحلّي .
ومنشؤه اختلاف
النصوص الواردة في المسألة ، فبعض بخفاء الأول خاصة كالصحيح ، وبعض بالثاني
كذلك ، وهو مستفيض ، منها زيادة على الرضوي المتقدم الصحيحان المروي أحد هما في
المحاسن ، وفيه : « إذا سمع الأذان أتمّ المسافر » .
والموثق : « أليس
قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم؟ » .
فبناء القولين
الأخيرين على ترجيح أحد المتعارضين وطرح الآخر في البين. ولا وجه له بعد اشتراكهما
في استجماع شرائط الحجية ، مع إمكان الجمع بينهما بالتخيير كما هو خيرة الأوّلين ،
أو تخصيص كل واحد منهما بالآخر كما هو المشهور بين المتأخرين. وهو الأقوى ، أما
لرجحانه على نحو الجمع الأول حيثما تعارضا ، أو لأوفقيته لمقتضى الأصل واستصحاب
بقاء وجوب التمام إلى ثبوت الترخيص ، وليس بثابت بأحدهما بعد تساوي الجمعين
وتكافئهما.
وأما ترجيح الجمع
الأول على الثاني فهو ضعيف جدا.
هذا مع وجود
الأمارتين وظهور التفاوت بينهما ، وإلاّ فالظاهر الاكتفاء
__________________
بإحداهما ، ولعلّ
هذه الصورة هو الغالب المتبادر ممّا دلّ على إحداهما.
هذا ، والموجود
فيما دلّ على الاولى تواري المسافر عن البيوت ـ لا تواريها عنه ـ كما فهمه منه
جماعة من الفضلاء ، قالوا : فتتقارب الأمارتان إحداهما بالأخرى ، لكنه خلاف
ما عقله منه سائر أصحابنا.
وكيف كان ( فـ ) بخفائهما معا ( يقصّر في صلاته وصومه ) قطعا ، وكذا بخفاء أحد هما حيث لا يكون الآخر ، ويحتاط فيما
لو كان ولم يخف بتأخير القصر أو الجمع بينه وبين التمام إلى أن يخفى أيضا.
والمعتبر من كلّ
من الجدران والأذان والحاسّتين الوسط منها ولو تقديرا ، كالبلد المنخفض والمرتفع ،
ومختلف الأرض ، وعادم الجدار والأذان والسمع والبصر ، لكونه المتبادر من الإطلاق.
ولعلّه الوجه فيما قالوه من أن المعتبر آخر البلد المتوسط فما دون ، ومحلّته في
المتّسع.
قالوا : ولا عبرة
بأعلام البلد كالمنائر والقباب المرتفعة ، ولا بالبساتين والمزارع ، فيجوز القصر
قبل مفارقتها مع خفاء الجدران ، والأذان ؛ ولعلّه لإناطة القصر في النصّ والفتوى
بتواري البيوت ، والمذكورات غيرها.
وذكر شيخنا الشهيد
الثاني وغيره أن المعتبر خفاء صورة الجدران والأذان ، لا الشبح والكلام.
ولا يخلو عن إشكال ؛ فإن المتبادر من النصّ والفتوى خفاؤهما أصلا ، لا صورتهما
خاصة.
والظاهر أن المراد
بالأذان والجدران المعتبر خفاؤهما ما كان في آخر البلد
__________________
الذي يخرج منه
المسافر ، كما يفهم من الذكرى وغيرها ، لا مطلقا كما توهمه العبارة ونحوها في الأذان ، وذلك فإن
الأذان الواقع في الوسط قد يخفى عند الخروج من البلد ولو كان وسطا ، فلو حدّ
الترخص به لزم حصوله عنده حينئذ ، وهو فاسد قطعا.
واعلم : أنّ هذا
الشرط إنما يعتبر فيمن خرج عن نحو بلده مسافرا ، دون نحو الهائم والعاصي بسفره ،
فإنهما يقصّران في أثناء سفرهما متى زال مانعهما ؛ للعمومات ، مع اختصاص ما دلّ
على هذا الشرط بمن ذكرناه ؛ مضافا إلى خصوص جملة من المعتبرة الواردة فيهما بأنهما
يقصّران متى زال مانعهما.
(
و ) كما يعتبر هذا
الشرط في بدء السفر
( كذا ) يعتبر في الآخر ،
فيقصّر ( في
العود من السفر ) إلى أن ينتهي إلى ظهور أحد الأمرين فيتمّ ولو لم يدخل البلد فضلا عن المنزل ( على الأشهر ) الأظهر ، بل عليه عامة من تأخر إلاّ من ندر ، بل في الذكرى
كاد أن يكون إجماعا .
للصحيح : « إذا كنت في الموضع الذي تسمع الأذان فأتمّ ، وإذا كنت في الموضع الذي لا
تسمع الأذان فقصّر ، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك » .
مضافا إلى إطلاق
ما دلّ على وجوب التمام على من كان في الوطن ، واشتراط القصر بالسفر ، ولا يصدق
عرفا على من بلغ هذا الحدّ ، وهذا هو السرّ في اشتراط أصل هذا الشرط ، وقد استدل
عليه به جمع .
__________________
خلافا لوالد
الصدوق فلا يعتبر كما مرّ ، وضعفه قد ظهر.
وعن المرتضى
والإسكافي الموافقة له هنا.
للمعتبرة
المستفيضة ، ففي الصحيح : « لا يزال المسافر مقصّرا حتى يدخل بيته » .
وفي آخر : « إن
أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتموا ، وإن لم يدخلوا منازلهم قصّروا » .
ونحوه آخر .
وفي الموثق : عن
الرجل يكون مسافرا ثمَّ يقدم فيدخل بيوت الكوفة ، أيتمّ الصلاة أم يكون مقصّرا
حتّى يدخل أهله؟ قال : « لا بل يكون مقصّرا حتى يدخل أهله » .
وفي آخر : عن
الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة له بها دار ومنزل ، فيمرّ بالكوفة وإنما هو
مجتاز لا يريد المقام إلاّ بقدر ما يتجهز يوما أو يومين ، قال : « يقيم في جانب
المصر ويقصّر » قلت : فإن دخل؟ قال : « عليه التمام » .
__________________
ونحوه المروي عن
قرب الإسناد صحيحا .
ولو لا الشهرة
العظيمة المرجحة للأدلة الأوّلة لكان المصير إلى هذا القول في غاية القوة ؛
لاستفاضة نصوصه ، وصحة أكثرها ، وظهور دلالتها جملة ، بل صراحة كثير منها ، بل ما
عدا الصحيحة الأولى ، لبعد ما يقال في توجيهها جدّا وهو : أن المراد من البيت فيها
والمنزل ما بحكمهما ، وهو ما دون الترخص ؛ لأن سياقها يأبى هذا ظاهرا وإن أمكن
بعيدا ، سيّما في الموثق الأول المتضمن لدخول البلد والحكم فيه مع ذلك بالقصر ،
إلى دخول الأهل.
وحمله على أن
الحكم به معه إنما هو لسعة الكوفة يومئذ ، فلعلّ البيوت التي دخلها لم يبلغ حدّ
الترخص المعتبر في مثلها ، وهو آخر محلّته كما مضى.
يدفعه عموم الجواب
الناشئ عن ترك الاستفصال ، مضافا إلى قوله بعد الحكم بالتقصير : « حتى يدخل أهله ».
وتأويل جميع ذلك
وإن أمكن إلاّ أنه بعيد جدا ، مع أنّ مثله جار في أدلة المشهور ، بتقييد العمومات
بهذه ؛ لكونها بالنسبة إليها أظهر دلالة ، بل صريحة كما عرفته.
وأما الصحيحة فبأن
المقصود من تشبيه الإياب بالذهاب فيها تشبيهه به في وجوب القصر عند خفاء الأذان
خاصة ، لا عدمه عند ظهوره ، سيّما وأن بعض النسخ ليس فيه ذكر هذا في الذهاب ، فلا
يشمله التشبيه صريحا ، بل ولا ظهورا إلاّ ظهورا لا يمكن الاعتداد به جدّا.
وبالجملة : لو لا
الشهرة لكان المصير إلى هذا القول متعيّنا بلا شبهة ، بل معها أيضا لا تخلو
المسألة عن شبهة ، سيّما على النسخة المزبورة ؛ فإنّ الدلالة
__________________
على تقديرها ضعيفة
كما عرفته ، والإطلاقات غير معلومة الشمول لنحو المسألة ، والاحتياط يقتضي تأخير
الصلاة إلى بلوغ الأهل ، أو الجمع بين الإتمام والقصر.
وإن كان الاكتفاء
بالتمام لعلّه أظهر كما مرّ ؛ لانجبار ما مرّ من قصور الدلالة بالشهرة العظيمة ،
سيّما وأن النسخة التي قدّمناها مشهورة ، فتترجح على هذه المستفيضة.
مع إمكان القدح في
دلالة ما عدا الموثّق منها بورودها جملة مورد الغالب ، من أن المسافر إذا بلغ إلى
حدّ الترخص يسارع إلى أهله من غير مكث للصلاة ، كما هو المشاهد غالبا من العادة ،
فلا يطمئن بشمول إطلاق الحكم بالقصر إلى دخول الأهل لمحلّ البحث ، فتدبّر.
وأما الموثّق فهو
وإن لم يجر فيه ذلك ، لكن الجواب عنه بعد الذبّ عمّا عداه سهل ؛ لقصور السند ،
وعدم المقاومة لأدلة الأكثر بوجوه لا يخفى على من تدبّر.
هذا مع احتماله
كغيره الحمل على التقية ، كما صرّح به في الوسائل ، قال : لموافقتها لمذهب العامة .
وعلى المختار
يعتبر خفاء الجدران هنا كالأذان أيضا بلا خلاف ، إلاّ من بعض المتأخرين ، فاقتصر هنا على
الأذان خاصة ؛ لاختصاص الصحيح به.
وهو ضعيف ؛ لعدم
انحصار الدليل فيه ، ووجود غيره الشامل له وللجدران ؛ ومع ذلك فالظاهر عدم القائل
بالفرق كما قيل ، وإن كان ربما
__________________
يتوهم من الفاضلين
في الشرائع والتحرير ؛ ولكنه ضعيف.
(
وأما القصر ) والمراد به حذف أخيرتي الرباعية ، والإفطار في الصوم ( فهو عزيمة ) أي واجب لا رخصة ، بالضرورة من مذهب الإمامية ، وعليه أكثر
العامة ، والنصوص به من طرقهم مستفيضة ، بل متواترة .
(
إلاّ في أحد المواطن الأربعة ) المشهورة ، وهي
( مكة ، والمدينة ، وجامع الكوفة ، والحائر ) على مشرّفه أفضل صلاة وسلام وتحية ( فإنه مخيّر ) فيها
( في ) الصلاة بين ( القصر والإتمام ) وهو
( أفضل ).
بلا خلاف يظهر
إلاّ من صريح الصدوق ; فلا يتمّ إلاّ بعد
نية إقامة العشرة .
ومقتضاه لزوم القصر كما في الصحاح المستفيضة وغيرها ، منها : عن التقصير في الحرمين
والتمام ، قال : « لا تتمّ حتى تجمع على مقام عشرة أيام » فقلت : إن أصحابنا رووا
عنك أنك أمرتهم بالتمام ، فقال : « إن أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلّون ويأخذون
نعالهم فيخرجون والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة فأمرتهم بالتمام » .
ونحوه آخر لراويه
مروي في العلل ، لكن فيه : روى عنك أصحابنا أنك قلت لهم : « أتمّوا بالمدينة لخمس
» فقال : « إنّ أصحابكم .. » إلى آخر
__________________
التعليل .
ومنها : عن الصلاة
بمكة والمدينة بتقصير أو إتمام؟ قال : « تقصّر ما لم تعزم على مقام عشرة » .
ومن ظاهر المرتضى
والإسكافي فلزوم التمام ؛ للأمر به أو ما في معناه في المعتبرة
المستفيضة فيها الصحاح وغيرها.
ففي الصحيح : عن
التمام بمكة والمدينة ، قال : « أتمّ وإن لم تصلّ فيهما إلاّ صلاة واحدة » .
ونحوه الموثق ، وغيره ، ومنه
الحسن : « إذا دخلت مكة فأتمّ يوم تدخل » .
والخبر : أقدم
مكّة أتمّ أم أقصّر؟ قال : « أتمّ » قلت : أمرّ على المدينة فأتمّ أو أقصّر؟ قال :
« أتمّ » .
ونحوه آخر مروي عن
كامل الزيارة لابن قولويه : عن الصلاة في
__________________
الحرمين ، قال : «
أتمّ ولو مررت به مارّا » .
وهما نادران ، ولا
سيّما الثاني ، مع عدم صراحة كلام قائله في لزومه ، واحتمال إرادته الاستحباب كما
في السرائر عن المرتضى ، بل قد حكى على خلافهما الإجماع في صريح الخلاف والسرائر ، وظاهر روض
الجنان ، حيث جعل التخيير من متفردات الأصحاب من غير نقل خلاف ، وكذا الذكرى ،
لكنه نقل الخلاف عن الصدوق خاصة .
وفي الوسائل : إنه
ـ مع أفضلية التمام ـ مذهب جميع الإمامية ، قال : وخلافه ـ أي الصدوق ـ شاذّ نادر .
وظاهره أيضا
الإجماع ، وهو الحجّة.
مضافا إلى الصحاح
المستفيضة وغيرها من المعتبرة القريبة هي مع السابقة من التواتر ، بل لعلّها
متواترة ، فلا يضرّ قصور أسانيد جملة منها أو ضعفها ، سيّما مع الانجبار بالشهرة
العظيمة ، بل الإجماع كما عرفته من عبائر النقلة له.
وهي ما بين صريحة
في ذلك وظاهرة ، ففي الصحيح : في الصلاة بمكة ، قال : « من شاء أتمّ ومن شاء قصّر
» .
وفي الخبر : أقصّر
في المسجد الحرام أو أتم؟ قال : « إن قصّرت فلك
__________________
وإن أتممت فهو خير
، وزيادة الخير خير » ونحوه آخر .
وفي الصحيح : «
أحبّ لك إذا دخلتهما ـ أي الحرمين ـ أن لا تقصّر وتكثر فيهما الصلاة » فقلت له بعد
ذلك بسنتين مشافهة : إني كتبت بكذا فأجبتني بكذا ، فقال : « نعم » فقلت : فأيّ شيء
تعني بالحرمين؟ فقال : « مكة والمدينة » .
ونحوه الخبر ، بل
أظهر : عن التقصير بمكة ، فقال : « أتمّ وليس بواجب ، إلاّ أني أحبّ لك ما أحبّ
لنفسي » . ونحوه آخر في المواطن الأربعة .
وفي الصحيح : «
إنّ من مخزون علم الله تعالى الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله تعالى ، وحرم
رسوله ، وحرم أمير المؤمنين ، وحرم الحسين : » .
ونحوه المرسل لكن
معبّرا عن المواطن بمكة والمدينة والحائر ومسجد
__________________
الكوفة . ونحو هما الحسن وغيره ، لكن في الحرمين
خاصة.
وهذه النصوص بعد
ضمّ بعضها مع بعض صريحة في المذهب المشهور ، وبها يجمع بين كل من النصوص المتقدمة
الآمرة بالقصر أو الإتمام ؛ بحمل الأمر الأول على الرخصة ، ويكون المراد من النهي
عن التمام فيها إلاّ بنية الإقامة النهي عنه بقصد الوجوب ، يعني لا يكون واجبا
إلاّ بها ؛ والأمر الثاني على الفضيلة.
وأما حمله على
صورة قصد الإقامة ، وكذا ما قدّمناه من النصوص على التخيير مع أفضلية التمام ـ كما
عليه الصدوق ـ فبعيد في الغاية ، سيّما فيما دلّ منها على الأمر بالتمام بمجرد
المرور أو الدخول ولو صلاة واحدة ، فإنها ناصّة في صورة غير قصد الإقامة.
وكذا حمله على
التقية وإن أشعر به الصحيحان المتقدمان سندا للصدوق ؛ لأن إيجاب التمام ـ على ما
هو مقتضى الأمر ـ ليس مذهبا لأحد من
__________________
العامة ، لأنهم ما
بين موجب للقصر مطلقا ، وهم أكثرهم ، ومنهم أبو حنيفة ؛ ومخيّر بينه
وبين القصر كذلك ، وهو الشافعي وغيره .
ومنه يظهر أن حمل
أوامر التقصير على التقية أولى ، كما صرّح به جماعة من أصحابنا ؛ لاتّفاقهم على
جواز القصر ، مع اشتهار مذهب أبي حنيفة قديما وحديثا ، فتأمل.
وأما الصحيحان
فالظاهر منهما بعد ضمّ أحد هما إلى الآخر أن الأمر بالإتمام إنما هو بعد مضيّ خمسة
أيام لا مطلقا ، ولا ريب أنه للتقية ؛ فإن الاكتفاء بها في أيام الإقامة هو مذهب
الشافعي ، وهو لا يجري في الأخبار الآمرة بالتمام ولو في يوم
الورود من غير الإقامة.
ومع ذلك فهما
معارضان بما دلّ على أن الأمر بالتمام ليس للتقية ، وأنه مخالف للعامة ، وهو
الصحيح : قلت لأبي الحسن 7 : إن هشاما
__________________
روى عنك أنك أمرته
بالتمام في الحرمين ، وذلك من أجل الناس ، قال : « لا ، كنت أنا وآبائي إذا وردنا
مكة أتممنا الصلاة واستترنا من الناس » .
هذا ، ولكن يستفاد
من جملة من النصوص اشتهار التقصير ما لم ينو المقام بين قدماء الأصحاب ، ففي
الصحيح : كتبت إلى أبي جعفر الثاني 7 : أن الرواية قد اختلفت عن آبائك : في الإتمام
والتقصير في الحرمين ، فمنها : أن تتمّ الصلاة ولو صلاة واحدة ، ومنها : أن يقصر
ما لم ينو مقام عشرة أيام ، ولم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا في حجّنا في
عامنا هذا ، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليّ بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة
أيام ، فصرت إلى التقصير وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك ، فكتب 7 إليّ بخطّه : «
قد علمت ـ يرحمك الله تعالى ـ فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما ، فأنا أحبّ لك
إذا دخلتهما أن لا تقصّر » إلى آخر ما مضى .
وفي الخبر المروي
عن كامل الزيارة ، عن سعد بن عبد الله قال : سألت عن أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة
في هذه المشاهد : مكة والمدينة وقبر الحسين 7 والكوفة ، والذي روي فيها ، فقال : أنا أقصّر ، وكان صفوان
يقصّر ، وابن أبي عمير وجميع أصحابنا يقصّرون .
فالأحوط التزام
القصر وإن كان في تعيّنه نظر ؛ لإمكان الذبّ عن الخبرين ـ مع قصور سند الثاني ـ بأن
المقصود منهما الإشارة إلى جواز التقصير ، وعدم تعيّن التمام كما يفهم من أوامره ،
لا تعيّنه.
__________________
مع تضمن الأول
تحبيب التمام منه 7 ، والعبرة به لا بغيره ؛ مع ظهور صدره في رجحان التمام عند
رواية.
ونحوه في هذا :
الخبر : سألت الرضا 7 فقلت : إن أصحابنا اختلفوا في الحرمين ، فبعضهم يقصّر ،
وبعضهم يتمّ ، وأنا ممّن يتمّ على رواية قد رواها أصحابنا في التمام ، وذكرت عبد
الله بن جندب وأنه كان يتمّ ، قال : « رحم الله تعالى ابن جندب » ثمَّ قال لي : «
لا يكون الإتمام إلاّ أن تجمع على إقامة عشرة أيام ، وصلّ النوافل ما شئت » قال
الراوي : وكان محبّتي أن يأمرني بالتمام .
وهو صريح في
اشتهار رواية التمام بين قدماء الأصحاب ، وأن عليها عمل جملة منهم ، وإنما أمره 7 بالقصر ولم يأمره
بالتمام لمصلحة من تقية أو غيرها.
ولو سلّم اشتهار
تعيّن القصر بينهم فلا ريب في أنه لم يبلغ حدّ الإجماع ، فيعارض باشتهار خلافه بين
أصحابنا الآن بحيث كاد أن يكون إجماعا ظاهرا ، كما عرفت نقله من جماعة من أصحابنا
؛ لعدم وجود مخالف مطلقا ، ظاهرا ولا محكيا ، عدا الصدوق ، وهو نادر جدّا ، بل لم
يتعرض لنقل خلافه جماعة كالحلّي وغيره.
ولا ريب أن مثل
هذه الشهرة أقوى من تلك بمراتب عديدة ، فالقول بالتخيير في غاية القوة وإن كان
الأحوط القصر ، تحصيلا للبراءة اليقينية.
وقد اختلف الأصحاب
في التعبير عن المواطن الأربعة ـ لاختلاف النصوص فيه ـ على أقوال ، إلاّ أن ما في
العبارة مطلقا أشهرها وأظهرها
__________________
وأحوطها ، إلاّ
بالنسبة إلى المواطنين الأوّلين ، فالأحوط فيهما الاقتصار على المسجدين ، بل لا
ينبغي أن يتعدّاهما ، أخذا فيما خالف الأصل على المتيقن من النصّ والفتوى.
ثمَّ إن مقتضى
الأصول واختصاص النصوص المخالفة لها بإثبات التمام به في الصلاة في المواطن
المزبورة : عدم التعدية به إلى الصوم ، كما هو في الظاهر إجماع.
ولا إلى الصلاة في
غير هذه المواطن ولو كان من المشاهد الشريفة.
وخلاف المرتضى
والإسكافي فيها نادر ، فلا يفيدهما التمسك ببعض التعليلات والظواهر.
نعم في الرضوي : « إذا بلغت موضع قصدك من الحجّ والزيارة والمشاهد وغير ذلك ممّا قد بيّنته لك
فقد سقط عنك السفر ووجب عليك التمام » .
لكن في الخروج به
عن مقتضى الأصل والعمومات المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع بل الإجماع
مشكل ، سيّما مع تضمّنه الحكم بوجوب التمام ، لما مرّ من شذوذه ، ومخالفته الإجماع
والأخبار المستفيضة بل المتواترة ، إلاّ أن يحمل الوجوب على مطلق الثبوت.
واعلم : أن وجوب
القصر في غير محلّ الاستثناء وثبوته فيه إنما هو بعد اجتماع شروطه ، وإلاّ فالواجب
التمام ، إلاّ مع انتفاء الأول منها بقسميه ، فاختلف فيه الأصحاب.
__________________
والمشهور بين
المتأخرين وجوبه أيضا مطلقا ، وفاقا للمرتضى والقاضي والحلّي ؛ للأصل ، وظواهر
ما مرّ من النصوص باعتبار الثمانية فراسخ ، وحملا للصحاح المستفيضة بالأربعة على
ما إذا أريد الرجوع ليومه ، عملا بالمعتبرة الأخر الدالة على اعتبار الرجوع.
وهي وإن قصرت عن
الدلالة على اعتبار كونه ليومه ، إلاّ أن بعضها مشعر به كالموثق : عن التقصير ،
قال : « في بريد » قال ، قلت : بريد؟! قال : « إنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد
شغل يومه » .
وفيه نظر ؛ لضعف
الإشعار ، مع ظهور جملة من المعتبرة المستفيضة بوجوب التقصير في الأربعة مع عدم
إرادة الرجوع ليومه :
منها الصحيح : إنّ
أهل مكة يتمّون الصلاة بعرفات ، فقال : « ويحهم أو ويلهم وأيّ سفر أشدّ منه؟! لا
تتمّ » .
وقريب منه الموثق : « ألا ترى إن أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير؟ » .
والخبر : في كم
التقصير؟ فقال : « في بريد ، ويحهم كأنهم لم يحجّوا مع رسول الله 6 فقصّروا » .
__________________
وحملها على إرادة
الرجوع ليومه كما ذكروه مستبعد جدّا ؛ لظهور سياقها في خروج أهل مكة حجّاجا ، كما
وقع التصريح به في الخبر الأخير ، والصحيح : « إن أهل مكة إذا خرجوا حجّاجا قصّروا
، وإذا زاروا ورجعوا إلى منازلهم أتمّوا » .
وبالجملة : لا ريب
في أن ظاهر هذه النصوص بل صريحها ، مع صحة جملة منها واستفاضتها : وجوب التقصير في
الأربعة مطلقا ولو لم يرد الرجوع ليومه ، كما عليه العماني ، ومال إليه جملة
من فضلاء متأخري المتأخرين ، وهو قوي متين.
وبه يجمع الأخبار
المختلفة بالثمانية الظاهرة في الذهابية ، وبالأربعة المطلقة الظاهرة فيها كذلك ،
وبالثمانية الملفقة من الأربعة ، بحمل القسمين الأولين منها على الثمانية المطلقة
ولو كانت ملفّقة من الأربعة الذهابية والإيابية ، كما دلّت عليه المعتبرة الأخيرة.
لكن ربما يخدشه
ندرة القول به وشذوذه بين القدماء والمتأخرين ؛ لإطباقهم ـ عدا العماني ـ على عدم
وجوب التقصير ، وإن اختلفوا في جوازه وعدمه ، والمشهور بين المتأخرين كما مرّ هو
الثاني ، وبين القدماء هو الأول مخيّرين بينه وبين التمام ، وإلى قولهم أشار بقوله
:
(
وقيل : من قصد أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه تخيّر في القصر والإتمام ) والقائل الصدوقان والشيخان والديلمي ، وغيرهم ، بل عن
الأمالي
__________________
دعوى الإجماع عليه
.
وعلى هذا فيشكل
المصير إلى هذا القول ، سيّما مع ظهور دعوى الإجماع من السرائر والمختلف على خلافه ؛
لتصريح الأول بالإجماع على جواز التمام ، وحصول البراءة به بلا خلاف ، واستدلال
الثاني على لزوم التمام بأنه أحوط. ولا يتمّ الاحتياط إلاّ بالإجماع على جواز
التمام ؛ لأنه الأخذ بالأوثق ، ولا يكون إلاّ حيث لا يكون خلاف.
وأظهر منهما عبارة
شيخنا الشهيد الثاني في بعض رسائله ، فإنه قال في جملة كلام له : ولو كان عدم
العود على الطريق الأول موجبا لاتّحاد حكم الطريق لزم منه كون قاصد نصف مسافة مع
نية العود على غير الطريق الأول يخرج مقصّرا مع عدم العود ليومه ، وهو باطل إجماعا
.
وحينئذ فيدور
الأمر بين مذهب المتأخرين والقدماء. لا سبيل إلى الأول ؛ لأن فيه إطراحا للمعتبرة
المستفيضة الظاهرة بل الناصّة في ثبوت القصر في الأربعة مع عدم الرجوع ليومه ، وهو من غير
معارض صريح بل ولا ظاهر كما مرّ مشكل ، فتعيّن الثاني.
لكن ربما ينافيه
ظهور جملة من تلك المعتبرة في وجوب القصر ـ كظهورها فيما مرّ ـ لتضمنها النهي عن
التمام ، والإنكار على فاعله بالويل والويح الظاهر بل الصريح ـ كالأول ـ في حرمته
، كما عليه العماني.
__________________
إلاّ أن يذبّ عنه
بصرف النهي والإنكار على فاعل التمام بقصد وجوبه ، كما عليه الناس يومئذ ، ولا بأس
به ، لإمكانه ، فيتعيّن ارتكابه.
وحينئذ فيقوّى
القول بالتخيير ، بل ويتعيّن ؛ لاجتماع النصوص عليه أيضا ، مع وضوح الشاهد عليه من
الإجماع المتقدم عن الأمالي ؛ مضافا إلى ما مرّ من صريح الرضوي المتضمن لقوله : «
فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ ولم ترد الرجوع ليومك فأنت بالخيار ، فإن
شئت أتممت وإن شئت قصّرت » .
وممّا ذكرنا ظهر
ما في قول الماتن
( ولم يثبت ) إذ أيّ دليل أجود من الرضوي وإجماع الأمالي ، المعتضدين بالشهرة القديمة ،
وخصوص ما ورد من أخبار عرفة ، بناء على ما عرفت من الإجماع ممّن عدا العماني على
عدم إبقائها على ظاهرها من وجوب القصر ، وعدم إمكان تخصيصها بإرادة الرجوع ليومه ،
لصراحة جملة منها في الرجوع لغيره.
فليس بعد ذلك إلاّ
حملها على أن المقصود بها إثبات جواز القصر لا وجوبه ، ويصرف الإنكار فيها عن
التمام بالنهي وما في معناه إلى فاعله بقصد وجوبه ، كما قدّمناه ، وسيأتي مزيد
تحقيق لهذا البحث .
ولذا اختار جماعة
من المتأخرين ـ كشيخنا الشهيد الثاني وولده وسبطه ـ القول بالتخيير
مع عدم وقوفهم على الرضوي وإجماع الأمالي.
وعليه فهل الأحوط
اختيار التمام أو القصر؟ إشكال : من إجماع السرائر والمختلف والأمالي وشيخنا
الشهيد الثاني على حصول البراءة بالأول ، مع
__________________
اعتضاده بالشهرة
القديمة والمتأخرة القريبة من الإجماع ، بل الإجماع حقيقة ، لندرة العماني وشذوذه
، ولذا لم ينقله الماتن وكثير وإنما نقلوا القول بوجوب التمام والتخيير.
ومن ظاهر أخبار
عرفة بوجوب التقصير.
ولعل الأول أجود ،
بل لعلّه المتعين.
وحيث جاز القصر
فهل يعمّ الصلاة والصوم ، أم يختص بالأول؟ ظاهر الأكثر ، بل من عدا النهاية الأول
؛ لعموم الأدلة ، وخصوص ما دلّ من تلازم القصرين من المعتبرة.
خلافا للنهاية
فالثاني .
واعلم : أن ظاهر
إطلاق عبارة القدماء ـ عدا الديلمي ـ بالتخيير في الأربعة ما لم يرد الرجوع ليومه يشمل ما لو
لم يرد رجوعا أو أراده في غير يومه ، انقطع سفره بأحد القواطع أم لا.
ولعلّ وجهه إطلاق
الأدلة عدا أخبار عرفة ، مع ظهور بعض الصحاح في ثبوت القصر في الأربعة مع التصريح
فيه بالتمام بالوصول بعدها إلى الضيعة .
ولكن يمكن دعوى
انصراف الإطلاق نصّا وفتوى إلى مريد الرجوع قبل القاطع ، لأنه الغالب ؛ ولذا أنه 7 في الموثقة
المتقدمة بعد الحكم بأن المسافة بريد بقول مطلق وتعجّب الراوي عنه علّل بأنه إذا
رجع شغل يومه ، وهو ظاهر في أن الأربعة حيث يطلق يراد بها ما يتعقبه
الرجوع ، فلا
__________________
يمكن إثبات القصر
فيها على الإطلاق.
وأما بعض الصحاح
فيمكن الجواب عنه بما قدّمناه في ذيل البحث في الشرط الأول من حمله على التلفيق
ولو نافاه الأمر فيه بالتمام في الضيعة ؛ لإمكان حمله على التقية ، كما عرفته ثمة .
نعم ربما يقال :
إنه كباقي الإطلاقات ليس فيه اشتراط الرجوع قبل أحد القواطع فتعمّه وغيره ، ودعوى
اختصاصها بحكم الغلبة بالأول لا تخلو عن ريبة ، وعليه فيؤول الأمر إلى كفاية
الأربعة بقول مطلق.
وفيه نظر ؛ لظهور
الموثقة المزبورة في اشتراط الرجوع قبل القاطع ؛ لمكان التعجب وتقريره بالتعليل
مشيرا به إلى حصول المسافة المعتبرة في التقصير ، ولا ريب أنها تنقطع بما مرّ من
القواطع.
ونحوها الأخبار الأخر
الدالة على اعتبار الإياب.
إلاّ أن يقال :
المراد منها بيان المسافة المعتبرة في الوجوب دون الرخصة ، كما يفهم من تعليل
الموثقة وغيرها ، فلا تكون هذه من أخبار المسألة.
لكن مثله يتوجّه
في أخبار الأربعة أيضا ؛ لما عرفت من انصراف إطلاقها إلى ما يتعقبه الإياب بحكم
الغلبة والموثقة ، مع دلالتها على أن بالإياب تحصل مسافة الثمانية المشترطة في أصل
التقصير ووجوبه ، وظاهرها وإن كان كفاية مطلق الإياب فيها مع عدم القاطع في وجوبه
كما عليه العماني ، إلاّ أنك عرفت انعقاد الإجماع ممّن عداه على خلافه ، فكان هو
السبب الأهمّ لتقييد الإياب في النصوص المتضمنة له ب « من يومه » .
__________________
وعلى هذا فينحصر
الدليل على ثبوت التخيير في الأربعة إذا أراد الرجوع لغير يومه في الرضوي وإجماع
الأمالي ، ولعلّهما كافيان في إثباته فيها ، سيّما مع اعتضادهما بفتوى أعيان
القدماء.
وحيث قد عرفت قوة
احتمال انصراف إطلاقهما كغيرهما إلى الأربعة مع الإياب ظهر لك عدم نهوضهما بإثبات
التخيير فيها من غير إياب ، فيتحتم فيها التمام ، سيّما وفي بعض عبارة الرضوي ممّا
لم ننقله ما يدلّ عليه ، وهو قوله 7 بعد الحكم بوجوب التقصير في الأربعة مع إرادة الرجوع ليومه
: « وإن عزمت على المقام وكان سفرك بريدا واحدا ثمَّ تجدّد لك فيه الرجوع من يومك
فلا تقصّر » إلى أن قال : « وإن سافرت إلى موضع بمقدار أربعة فراسخ » إلى آخر ما
مرّ .
وهو صريح في
اعتبار الإياب في ثبوت أصل التقصير في الأربعة وجوبا إن وقع ليومه ، وجوازا إن وقع
في غيره ، وأن مع عدمه أو تخلّل القاطع لا يجوز التقصير.
وهو يقوّي ما
قدّمناه من تخصيص عبائر القدماء بصورة إرادة الرجوع ، لإبقائها على إطلاقها ؛ لأن
الظاهر أنه المستند لهم في التخيير ، وإن استند الشيخ له بالجمع بين النصوص ،
ويبعد عملهم به فيما عدا هذا الحكم الذي تضمنه.
وكيف كان ،
فيتحصّل ممّا ذكرنا : عدم جواز القصر في الأربعة من غير إياب ، وجوازه معه لغير
يومه ، ووجوبه معه ليومه ، كما تضمّن جميع ذلك الرضوي ، وعلى جملة منه إجماع
الأمالي.
(
ولو أتم المقصّر ) المتحتم عليه التقصير عالما بوجوبه ( عامدا أعاد )
__________________
وجوبا ، وقتا
وخارجا ، إجماعا ؛ لعدم صدق الامتثال ، وللصحيحين وغيرهما المروي
في الخصال ، وفيه : « ومن لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته ، لأنه قد زاد في فرض
الله تعالى » .
(
ولو كان جاهلا لم يعد ) مطلقا على الأشهر الأقوى ، بل عليه الإجماع في الجملة في ظاهر بعض العبارات ؛
للصحيح : في رجل صلّى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ قال : « إن كان قرئت عليه آية
التقصير وفسّرت له فصلّى أربعا أعاد ، وإن لم تكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة
عليه » .
خلافا للمحكي عن
الإسكافي والحلبي ، فيعيد في الوقت دون خارجه . وعن العماني فيعيد مطلقا .
وهما نادران ولا سيّما الثاني ، مع عدم وضوح مستندهما عدا الأصول ، وإطلاق ما مرّ من
رواية الخصال للثاني ، وإطلاق ما سيأتي من النصوص في الناسي للأول.
وتخصيصها أجمع بما
هنا لازم ؛ لأخصّيته بالإضافة إلى الأصول وتاليها مطلقا ، وبالإضافة إلى ما سيأتي
من وجه ، وهو التصريح فيه بالجاهل وإن شمل الإعادة فيه لغة للوقت والخارج ، فيقبل
التقييد بالثاني ؛ لوقوع التصريح بالإعادة في الأول فيما سيأتي ، وإن عمّ الجاهل
والناسي.
__________________
أما لزومه بالإضافة إلى
الأول فواضح ؛ لوجوب بناء العام على الخاص مطلقا حيثما تعارضا وحصل التكافؤ بينهما
، كما هنا.
وأما لزومه
بالإضافة إلى الثاني مع كون التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه ـ كما مرّ
ـ يقبل كلّ منهما التخصيص بالآخر : فلرجحان ما هنا على مقابله بالأصل والشهرة العظيمة
بين الأصحاب.
هذا إن قلنا بعموم لفظة الإعادة وشمولها لنحو القضاء ، وأما على تقدير اختصاصه بما
حصل في الوقت ـ كما هو المصطلح عليه بين الأصوليين ـ فهو بالإضافة إلى مقابله أخصّ
مطلقا كسابقه ، ولعلّه لذا جعل الأصحاب التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص
مطلقا.
هذا مضافا إلى
اعتضاده أيضا بصريح الرضوي : « وإن كنت صلّيت في السفر صلاة تامة فذكرتها وأنت في
وقتها فعليك الإعادة ، وإن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شيء عليك ، وإن أتممتها
بجهالة فليس عليك فيما مضى شيء ولا إعادة عليك إلاّ أن تكون قد سمعت الحديث » .
(
و ) يستفاد منه أيضا
حكم ( الناسي
) من أنه ( يعيد في الوقت لا
مع خروجه ) كما هو الأظهر
الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي صريح الانتصار والخلاف والسرائر وظاهر
التذكرة دعوى الإجماع عليه ، وزاد في السرائر دعوى تواتر الأخبار به.
ولم نقف على شيء
منها يدل على الحكم صريحا ، نعم في الصحيح : عن رجل صلّى وهو مسافر فأتمّ الصلاة ،
قال : « إن كان في وقت فليعد ، وإن
__________________
كان الوقت قد مضى
فلا » .
وهو كما ترى غير
صريح في الناسي ، لكن بعمومه يشمله ، وهو كاف ، سيّما مع قيام الدليل على خروج
العامد والجاهل.
خلافا للمحكي عن
والد الصدوق والمبسوط فيعيد مطلقا ؛ لإطلاق الصحيح أو عمومه : صلّيت الظهر أربع ركعات وأنا
في السفر ، قال : « أعد » .
وحمله الأصحاب على
العامد. والأولى حمله على الناسي مع تقييده بالوقت ؛ لما مرّ من حمل العام على
الخاص ، أو المطلق على المقيّد.
وللمقنع ، فيعيد إن ذكر في يومه ، فإن مضى اليوم فلا إعادة ؛ للصحيح أو
الخبر . وهو ككلامه مجمل ؛ لشيوع إطلاق اليوم على النهار فقط ، فيحتمل الحمل عليه ،
بل ويتعيّن ، للجمع ، لأن ما مرّ أصرح ، فيكون من أدلة المختار ، ويجبر قصوره عن
إفادة تمام المدّعى بعدم قائل بالفرق بين الظهر والعشاء مثلا ، فتأمل جدّا.
(
ولو دخل ) عليه ( وقت الصلاة ) حاضرا بحيث مضى منه قدر الصلاة بشرائطها المفقودة قبل
مجاوزة الحدّين ( فسافر
والوقت باق ) بحيث أدرك منه ركعة فصاعدا
( قصّر على ) الأظهر ( الأشهر
) كما هنا ، وفي
المعتبر وفي السرائر عليه الإجماع ؛ وهو الحجّة بعد العمومات القطعية كتابا وسنّة ،
__________________
وخصوص المعتبرة.
منها الصحيح : قلت
له 7 : يدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في السفر ، فلا أصلّي حتى أدخل أهلي ، قال : «
صلّ وأتمّ الصلاة » قلت : فدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر ، فلا
أصلّي حتى أخرج ، فقال : « صلّ وقصّر ، فإن لم تفعل فقد والله خالفت رسول الله 6 » وقريب منه آخر .
ومنها : الرضوي :
« فإن خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلاة ولم تصلّ حتى خرجت فعليك التقصير ،
فإن دخل عليك وقت الصلاة وأنت في السفر ولم تصلّ حتى تدخل أهلك فعليك التمام » .
خلافا لجماعة فيتمّ ؛ للأصل
المخصّص بما مرّ ، وللصحيح وغيره المحتملين ـ ولا سيّما الأول ـ للحمل على ما يؤولان به إلى
الأول كما يأتي ، مع ضعف سند الثاني واحتماله الحمل على التقية ، كسابقه.
وللصدوق والنهاية ، فالتفصيل بين
ضيق الوقت عن التمام فالأول ،
__________________
وسعته فالثاني ؛
جمعا ، وللموثق وغيره : في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة ، فقال : « إن كان
لا يخاف الفوت فليتمّ ، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر ».
وفيهما نظر ؛
لإمكان الجمع أيضا بما مرّ ، بل هو أظهر. والخبران ـ مع ضعف سند ثانيهما وقصور
الأول ، وعدم ارتباطهما بمحل البحث ، لكون موردهما صورة العكس ـ لا يقاومان ما مرّ
من وجوه لا تخفى على من تدبّر.
مع احتمال كون
المراد منهما ما في الصحيح : في الرجل يقدم من غيبته فيدخل عليه وقت الصلاة ، فقال
: « إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتمّ ، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل
أن يدخل فليصلّ وليقصّر » .
فلا دلالة فيهما
على المطلوب إن لم يكن لهما دلالة على خلافه.
وللخلاف فخيّر مع
استحباب التمام ، واحتمله في كتابي الحديث ؛ جمعا ، وللصحيح : « إذا كان
في سفر فدخل وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصّر وإن شاء
أتمّ ، وإن أتمّ أحبّ إليّ » .
ويتوجه إليهما
النظر بعين ما مرّ ، غير القدح في السند ، ويبدّل باحتماله الحمل على التقية ـ كما
قيل ـ لأنه مذهب بعض العامة.
__________________
ويزاد بعدم قبول
بعض نصوص القولين الأولين لهذا الجمع ؛ لتضمن الصحيح في الأول الحلف بالله إن لم
يفعله فقد خالف ، والخبر في الثاني للفظ الوجوب الذي هو كالصريح في اللزوم الحتمي
، وهما ينافيان التخيير.
ولبعض أفاضل
متأخري المتأخرين فتوقّف بين القولين الأولين ، قال : لتعارض الصحيحين فيهما ،
واحتمال كل منهما الحمل على الآخر .
وفيه نظر ؛ لأن
حمل الأخير على الأول أظهر ، لكثرة العدد ، والموافقة للعمومات والإجماع المنقول ،
مع قبول لفظه للحمل من غير بعد كثير.
بخلاف الأوّل ؛ إذ
الحمل المحتمل فيه هو صرف الأمر فيه بالتقصير إلى صورة الخروج من البلد بعد دخول الوقت
من غير مضيّ مقدار الصلاة بالشرائط. وهو في غاية البعد عن السياق ؛ إذ الخروج إلى
محل الترخص بعد دخول الوقت وهو في المنزل ـ كما هو نصّ المورد ـ يستلزم مضيّ وقت
الصلاتين غالبا ، بل وأكثر ، ولا أقلّ من إحداهما قطعا ، مع أنه 7 أمر بالقصر من
غير استفصال من مضيّ مقدارهما أو إحداهما.
مع أن قوله : «
فلا أصلّي حتى أخرج » كالصريح في تمكنه من الصلاة قبل الخروج.
مع أن تأكيد الحكم
بالقسم على تقدير الحمل يلغو عن الفائدة الظاهرة منه ، وهي دفع ما يتوهم من وجوب
التمام أو جوازه ، إذ هو ليس محلّ توهم لأحد في صورة الحمل ، بل في صورة الظاهر.
ومع ذلك فقد اعترف
هذا الفاضل بما ذكرنا ، فقال : إن الصحيح الثاني أقبل للتأويل ، بأن يكون المراد
من قوله : « يدخل من سفره » قرب الدخول والمشارفة عليه ، وكأنّ في الإيراد بصيغة
المضارع إعانة على هذا المعنى ،
__________________
وكذا المراد من
قوله : « خرج من سفره » قرب الخروج ، وأراد به المقاربة من فعله ، لا الخروج
حقيقة.
(
وكذا لو دخل من سفره أتمّ مع بقاء الوقت ) ولو بمقدار ركعة ، على المشهور بين المتأخرين كما في روض الجنان
وغيره ، حتى أن جملة منهم ممّن قال في المسألة الأولى بالقول الثاني وافق هنا
كالشهيدين والفاضل في كتبه ، ولم يتوقف المتوقف السابق.
لعين ما مرّ حتى الإجماع المحكي ؛ مضافا إلى الصحيح : عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة
في السفر ، ثمَّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها ، قال : « يصلّيها أربعا » وقال : « لا
يزال يقصّر حتى يدخل بيته » .
خلافا للمحكي عن
الشيخ في أحد قوليه فما مرّ من التفصيل .
وفي الآخر ـ المحكي
أيضا عن الإسكافي ـ فالتخيير .
وعن قائل غير
معروف فإطلاق لزوم التقصير .
ومرّ مستند الجميع
مع ما فيه.
(
ولو فاتت اعتبر ) في القضاء ب ( حال
الفوات لا حال الوجوب ) فيقضي على المختار قصرا في المسألة الاولى ، وتماما في الثانية ؛ لعموم قوله 7 : « فليقض ما
فاته كما فاته » .
__________________
والصحيح : قلت له
: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر ، قال : « يقضي ما فاته كما فاته
، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر
صلاة الحضر كما فاتته » .
وعلى هذا الماتن
هنا وفي المعتبر ، والفاضل فيما وقفت عليه من كتبه ، لكن أوجب في
المسألة الأولى التمام بناء على أصله.
خلافا للمرتضى
والشيخ والإسكافي ، فحال الوجوب ، واختاره الحلّي ، حاكيا له عن والد الصدوق
في رسالته ، وادّعى لذلك عليه الإجماع واحتجّ عليه بعده بأمر اعتباري ضعيف .
لكن في الخبر : عن
رجل دخل عليه وقت الصلاة وهو في السفر ، فأخّر الصلاة حتى قدم ، فهو يريد أن
يصلّيها إذا قدم إلى أهله ، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتى ذهب وقتها ، قال
: « يصلّيها ركعتين ، لأن الوقت دخل وهو مسافر كان ينبغي أن يصلّي عند ذلك » .
وهو صريح فيما
ذكروه ، إلاّ أن في السند ضعفا بموسى بن بكر ، فلا يعارض ما مرّ ، إلاّ أن يجبر
بفتوى من مرّ ، سيّما مع نقل الإجماع ووجود قرائن تدل على حسن حال الراوي ، ولا
يخلو عن نظر ، لكنه يوجب التردد في
__________________
المسألة ، وبه صرّح
في الذخيرة ، فلا ينبغي ترك الاحتياط فيها بالجمع بين القصر والإتمام
على حال.
(
وإذا نوى المسافر في غير بلده عشرة أيام ) ولو ملفّقة من الحادي عشر بقدر ما فات من أوّلها على الأقوى ( أتمّ ) بإجماعنا ، بل الضرورة من مذهبنا والمتواتر من أخبارنا .
(
ولو نوى دون ذلك قصّر ) ولو كان خمسة أيام فصاعدا ، على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة أصحابنا كما في
المنتهى ، مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما في ظاهر عبائر كثير .
لمفهوم الصحاح المستفيضة وغيرها ، بل صريح جملة منها مستفيضة ، ففي الصحيح في صيام
المسافر ، قال : « لا ، حتى يجمع على مقام عشرة أيام » .
وفي الخبر : « إذا
قدمت أرضا وأنت تريد أن تقيم بها عشرة أيام فصم وأتمّ ، وإن كنت تريد أن تقيم أقلّ
من عشرة أيام فأفطر ما بينك وبين شهر ، فإذا أتمّ الشهر فأتموا الصلاة والصيام وإن
قلت : أرتحل غدوة » .
خلافا للإسكافي
فيتمّ في خمسة ؛ للصحيح ، وهو مع قصوره
__________________
دلالة شاذّ محمول
على التقية ، كما ذكره جماعة ، أو على من كان بمكة والمدينة ، كما ذكره شيخ الطائفة ، للصحيح الآخر
لراويه ، وفيه نظر ، مع أن المستفاد من بعض الصحاح المتقدمة في
بحث التخيير في الأماكن الأربعة أن الأمر بالتمام فيهما للتقية .
ولا فرق في موضع
الإقامة بين كونه بلدا أو قرية أو بادية ، ولا بين العازم على السفر بعد المقام
وغيره ، على ما يقتضيه إطلاق النصّ والفتوى ، وبه صرّح جماعة ، من غير خلاف
بينهم فيه أجده.
والمراد بنية الإقامة تحقق
المقام في نفسه ، كما يقتضيه نحو الصحيح : « إذا دخلت أرضا فأيقنت أنّ لك بها مقام
عشرة أيام فأتمّ الصلاة ، وإن لم تدر ما مقامك بها تقول : غدا أخرج أو بعد غد ،
فقصّر ما بينك وبين أن يمضي شهر ، فإذا تمَّ لك شهر فأتمّ الصلاة وإن أردت أن تخرج
من ساعتك » .
وعليه فيدخل من
نوى الإقامة اقتراحا ، ومن أوقفها على قضاء حاجة يتوقف انقضاؤها عليها. ومثله ما
لو علّق النية على شرط ، كلقاء رجل فلاقاه.
وهل يشترط التوالي
في العشرة بمعنى أن لا يخرج من محل الإقامة إلى محل الرخصة مطلقا ، كما عليه
الشهيدان ، أو بشرط عدم صدق الإقامة عرفا
__________________
وإلاّ فلا يشترط ،
كما لو خرج إلى بعض البساتين أو المزارع المتصلة بالبلد مع صدق الإقامة فيها عرفا
، أو لا يشترط مطلقا حتى لو خرج إلى ما دون المسافة مع رجوعه ليومه أو ليلته لم
يؤثر في نية إقامته ، كما عن فخر المحققين ، وربما يحكى أيضا عن والده ؟ أوجه وأقوال.
خيرها أوسطها ،
وفاقا لجماعة من محققي متأخري المتأخرين ؛ لعدم ورود نصّ شرعي في تحقيق معنى الإقامة ، فيرجع فيه
إلى ما يعدّ إقامة عرفا وعادة.
واعتبار حدّ
الرخصة في كل من الخروج والدخول من السفر لا يستلزم اعتباره حال قصد الإقامة ، مع
أنه أمر شرعي لا مدخل له في أمر عرفي نيط به اللفظ المترتب عليه الحكم الشرعي.
وتقديم الشرع عليه إنما هو حيث يفيدنا حقيقة شرعية لذلك اللفظ ، لا شرطا شرعيا
للحكم في بعض الموارد ، كما نحن فيه ؛ فإنّ غاية ما يستفاد من الشرع إنما هو ما
ذكرنا ، لا صيرورة الإقامة حقيقة شرعية فيما لم يحصل معه الخروج إلى حدّ الرخصة للفظها.
وبما ذكرنا ظهر
ضعف الوجه الأول ، وكذا الثالث ؛ لانتفاء الإقامة العرفية التي هي المناط في
التمام معه. نعم ، ربما يعضده بعض النصوص : استأمرت أبا جعفر 7 في الإتمام
والتقصير ، قال : « إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتمّ الصلاة » فقلت له : إني
أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو
__________________
ثلاثة ، قال : «
انو مقام عشرة أيام وأتمّ الصلاة » .
ولا ريب أن القادم
بيومين قبل التروية من نيّته الخروج إلى عرفة قبل العشرة ، ولا يتمّ معه الحكم
بالتمام إلاّ على هذا القول من أن المعتبر عدم الخروج إلى مسافة خاصة ، وإلاّ فعلى
القولين الأولين لا يصدق الإقامة من حين النية قطعا في الأول ، وعرفا في الثاني ،
فكيف يتمّ مع ذلك الحكم بالتمام بنية الإقامة المزبورة؟! وقريب منه إطلاق الصحيح
المتضمن لأن من توجّه إلى عرفات فعليه التقصير ، وإذا رجع وزار البيت ورجع إلى منى
فعليه الإتمام .
وفي الآخر : « من
قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة ، وهو بمنزلة أهل مكة ، فإذا
خرج إلى منى وجب عليه التقصير ، وإذا زار البيت أتمّ الصلاة ، وعليه إتمام الصلاة
إذا رجع إلى منى حتى ينفر » .
قال في الوافي :
إنما يجب الإتمام لأنه لا بدّ له من إقامة عشرة حتى يحجّ ، وإنما وجب القصر إذا
خرج إلى منى لأنه يذهب إلى عرفات ويبلغ سفره بريدين ، وإنما يتمّ إذا زار البيت
لأن الإتمام بمكة أحبّ من التقصير ، وإنما لزمه الإتمام إذا رجع إلى منى لأنه كان
من عزمه الإقامة بمكة بعد الفراغ من الحج كما يكون في الأكثر ، ومنى من مكة أقلّ
من بريد.
ثمَّ قال : وفيه
نظر ؛ لأن سفره من عرفات هدم إقامته الاولى ، وإقامته الثانية لم تحصل بعد ، إلاّ
أن يقال : إرادة ما دون المسافة لا تنافي عزم الإقامة ،
__________________
وعليه الاعتماد ،
ويأتي ما يؤيده في باب إتمام الصلاة في الحرم الأربعة .
وذكر فيه الصحيحة
المتقدمة.
وهو ـ كما ترى ـ ظاهر
في موافقته لهذا القول ، وأن قصد نحو عرفات مع الرجوع قبل العشرة قاطع للإقامة
قطعا ، ولعلّه لما ستعرفه من الاتفاق عليه.
ولعل هذا هو السرّ
في تقييده التمام إذا رجع إلى منى بما إذا قصد إقامة ثانية. فما يقال عليه من أن
في تقييده تأملا ، إذ ليس منه عين ولا أثر ولا عادة ، لا يخلو عن مناقشة ، سيّما
مع دعواه الأكثرية التي مرجعها إلى العادة. لكنها لعلّها لا تخلو عن مناقشة ، لكن
الظاهر أن ذكره هذه الدعوى إنما هو لبيان حكمة ترك التقييد وإن كان السبب فيه
حقيقة هو ما ذكره من كون قصد نحو عرفات قاطعا للإقامة.
وعلى هذا فغاية ما
يستفاد من هاتين الروايتين عدم انقطاع الإقامة بالخروج إلى نحو منى ، ولعلّه لصدق
الإقامة معه عرفا ، وهو لا يستلزم عدم الانقطاع بالخروج إلى ما دون المسافة مطلقا.
إلاّ أن يقال في توجيه
الاستدلال بهما لهذا القول على المختار بأن سفر عرفات ليس بمسافة القصر على الحتم
كما مرّ ، ومثله لا يهدم قصد إقامة العشرة ، كما يظهر منهما من عدم نية إقامة
مستأنفة ، وكون الإتمام بعد الرجوع مترتبا على الإتمام السابق من جهة أنه صار
بمنزلة أهل مكة. وفيهما شهادة على أن سفر عرفات سفر رخصة في القصر ؛ لعدم كونه
سفرا تاما بسبب عدم الرجوع ليومه الذي هو شرط كما مرّ.
ولا يخلو عن نظر ؛
لإطلاق الأصحاب الحكم بانقطاع الإقامة بالخروج إلى مسافة ، من دون تقييد كما سيظهر
، حتى أن الشيخ ـ الذي هو
__________________
أحد القائلين
بجواز التقصير في الأربعة مع عدم الرجوع ليومه ـ جعل في كتاب الحديث مقتضى الرواية
الاولى ـ من حصول نية الإقامة عشرا مع العلم بالسفر أربعة فراسخ في أثنائها ـ من
خصائص الحرمين اللذين هما موردهما .
وعلى هذا فتشذّ
الروايات من هذا الوجه أيضا ، زيادة على ما مرّ من شذوذ جملة منها من حيث الدلالة
على لزوم التقصير في الأربعة فراسخ مع عدم الرجوع ليومه.
هذا ، مع أن
التوالي المبحوث عنه إنما يعتبر في ابتداء نيّة الإقامة إلى أن يصلّي تماما ، لا
مطلقا ؛ لما سيأتي من الاتفاق فتوى ونصّا على أنه متى نوى الإقامة عشرة أيام وصلّى
صلاة واحدة بتمام فإنه لا يقصّر حتى يقصد مسافة جديدة ، ولذا أن الشهيدين اللذين هما
العمدة في اعتبار التوالي بالمعنى الأول في الإقامة صرّحا ـ كغيرهما ـ بأنه يتمّ إذا
خرج بعدها إلى ما دون المسافة.
ولا ينافيه
تصريحهم بلزوم التقصير في العود مع عدم العزم على إقامة مستأنفة ، وإلاّ فيتمّ
مطلقا ؛ لأن ذلك منهم محمول على ما إذا حصل في العود قصد المسافة ليجامع ما مرّ من
اتفاقهم على اعتبار مسافة جديدة في التقصير إذا سافر بعد الإقامة وإتمام صلاة
واحدة ، مع تصريحهم أيضا بكونها من قواطع السفر ومنزّلة للمقيم منزلة المتوطّن.
وعلى هذا فتخرج
الصحيحة الأخيرة ـ على تقدير سلامتها عمّا مرّ إليه الإشارة ـ عن مفروض المسألة ،
وهو اعتبار التوالي بالمعنى الأول أو العرفي عند
__________________
نية الإقامة ؛ لأن
موردها الخروج إلى ما دون المسافة بعد حصول الإقامة عشرة.
والصحيحة الأولى
تقبل التقييد بهذا دون مفروضنا.
وأما الرواية
فيكفي في الجواب عنها زيادة على ما مرّ قصور السند.
وبالجملة فما
اخترناه هو المعوّل عليه والمعتمد.
(
ولو تردّد ) في الإقامة عشرا ( قصّر ما بينه وبين
ثلاثين يوما ، ثمَّ أتمّ ولو صلاة ) واحدة ، بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة ، والصحاح به مع
ذلك مستفيضة وإن اختلفت كالفتاوي في التأدية عن العدد بالشهر كما في
أكثرها ، أو بالثلاثين كما في العبارة وغيرها . ولعلّه الأقوى ؛ حملا للمطلق على المقيّد ، أو المجمل على
المبيّن ؛ مع كونه الأغلب من أفراد المطلق فتعيّن ولو لم يكن هنا مقيّد ، اقتصارا
فيما خالف الأصل ـ الدالّ على استصحاب بقاء القصر ـ على الفرد المتيقّن. فلا يرد
أن المقيّد لا عبرة بمفهومه ، لوروده أيضا مورد الأغلب ؛ إذ غاية ذلك سقوطه فيرجع
في الفرد النادر إلى حكم الأصل.
وتظهر الثمرة ما لو حصل التردّد في أول الشهر فيكفي في الانتقال إلى التمام مضيّه
ولو نقص ، على الأول ، ولا على الثاني بل لا بدّ من تمام العدد.
(
ولو نوى الإقامة ) عشرا ( ثمَّ
بدا له ) فيها ( قصّر ما لم يصلّ
على التمام ولو صلاة ) واحدة ، بلا خلاف فيه أيضا أجده ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة ؛ للصحيح إني كنت
نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام
__________________
فأتمّ الصلاة ،
ثمَّ بدا لي بعد أن لا أقيم بها ، فما ترى لي ، أتم أم أقصّر؟ فقال : « إن كنت
دخلت المدينة وصلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام ، فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها
؛ وإن كنت حين دخلتها على نيتك المقام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى
بدا لك أن لا تقيم ، فأنت في تلك الحال بالخيار ، إن شئت فانو المقام عشرة أيام
وأتمّ ، وإن لم تنو المقام فقصّر ما بينك وبين الشهر ، فإذا مضى لك شهر فأتمّ
الصلاة » . وبمعناه الرضوي .
وأما الخبر الدال
على الأمر بالتقصير بالبداء عن الإقامة مع إتمام الصلاة ، فمع قصور سنده
ـ بل ضعفه وشذوذه ـ غير صريح في المخالفة ؛ لقوة احتمال كون الأمر به كناية عن
الأمر بالسفر ، دفعا لما توهّمه السائل من عدم جواز إبطال نية الإقامة.
وظاهر الصحيح وجوب
القصر بعد البداء وقبل فعل الصلاة تماما ، سواء قصد مسافة أو تردّد في الإقامة
وعدمها ، وهو الأشهر الأقوى.
خلافا لجماعة
فاحتملوا اختصاصه بالأول .
والحكم بالإتمام
وقع فيه معلّقا على من صلّى فرضا مقصورا تماما بعد نية الإقامة ، فلا تكفي النافلة
، ولا الفريضة الغير المقصورة ، ولا المقصورة إذا تمّمت بغير نية الإقامة سهوا ،
أو لشرف البقاع الأربع ، أو استقرت في الذمة تامة بخروج وقتها ، ولا الصوم مطلقا.
__________________
كلّ ذلك على
الأقوى ، وفاقا لجماعة . خلافا لآخرين ، فاكتفوا بها جملة أو ببعضها على اختلاف لهم ؛ لوجوه
اعتبارية لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.
ثمَّ إنّ المتبادر
من الخروج المعلّق عليه القصر بعد التمام في الخبر إنما هو الخروج إلى المسافة لا
دونها ، بشهادة السياق ؛ مضافا إلى ما مرّ من الاتفاق على جعل الإقامة عشرا من القواطع
، وكون البلد بها بمنزلة الوطن.
ومقتضى ذلك أنه لو سافر لدون المسافة أتمّ مطلقا ، سواء قصد العود إلى محل الإقامة
وعزم على إقامة عشرة مستأنفة كما هو إجماع ، أو لم يقصد العود إليه أصلا ، أو قصده
ولم يعزم على المقام عشرا ثانيا ، سواء عزم على إقامة ما أم لا.
ولكن ظاهر الأصحاب
ـ كما قيل ـ في الصورة الأولى الاتفاق على القصر ذهابا وإيابا وإن
اختلفوا في ثبوته بمجرّد الخروج أو بعد الوصول إلى حدّ الترخّص ـ كما هو الأقوى
على تقدير ثبوت القصر بالإجماع المحكي ـ أو تقييده بما يأتي ؛ لعموم المنزلة
المتقدمة.
وأما الصورة
الثانية فظاهر المشهور فيها أيضا وجوب القصر وإن اختلفوا في إطلاقه بمجرد الخروج
أو بعد بلوغ حدّ الترخّص ، أو تقييده بحال الإياب خاصة. وعلى الأول الشيخ والحلّي
والعلاّمة ، وعلى الثاني الشهيدان
__________________
وجماعة .
وحجّتهم على أصل
التقصير هنا وفي الصورة السابقة غير واضحة بعد فرض الخروج إلى دون المسافة ، مع
اتفاقهم ـ كما عرفت ـ على كون الإقامة من القواطع ، وأنه لا بدّ في القصر بعدها من
مسافة جديدة ، إلاّ أن تقيّد عباراتهم بصورة قصدها وإن اختصّت بالخروج لدونها ،
وإلاّ فلا يمكن الجمع بين حكميهما في المسألتين ، كما نبّه عليه جماعة ، أوّلهم
شيخنا الشهيد الثاني في رسالته التي أفردها لبيان أحكام صور المسألة .
وعليه فالمتجه ما عليه الشهيدان من اختصاص القصر بحال العود خاصة ؛ لما مرّ من نقل
الإجماع على عدم ضمّ الذهاب إلى الإياب مطلقا.
ولكن في الاعتماد
عليه هنا إشكال ؛ لوهنه بمصير الشيخ ومن تبعه ولو في المسألة على
خلافه.
(
ويستحب أن يقول عقيب الصلاة ) المقصورة ( سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ثلاثين مرة ، جبرا ) لما قصّر منها.
وظاهر النص المتضمن له
الوجوب ، إلاّ أنه لا قائل به مع ضعف سنده ، فليحمل على مطلق الثبوت ، أو تأكّد
الاستحباب ، وقد روي استحباب فعلها عقيب كل فريضة ، فاستحبابها هنا
يكون آكد.
وهل يتداخل الجبر
والتعقيب أم يستحب تكرارها؟ وجهان.
__________________
(
ولو صلّى المسافر خلف المقيم لم يتمّ واقتصر على فرضه وسلّم منفردا ) مطلقا ، سواء أدرك الصلاة جميعا أو ركعة أو أقل منها ،
بإجماعنا وأخبارنا ؛ وقد مضى الكلام فيه في بحث الجماعة مستوفى.
(
و ) يجوز أن ( يجمع المسافر بين )
صلاتي ( الظهر والعصر و) كذا
( بين ) صلاتي ( المغرب والعشاء ) كما هنا وفي الخلاف والسرائر والمنتهى والتذكرة والذكرى
وغيرها ، وفي صريح الأول وظاهر ما عدا الثاني كونه مجمعا عليه
بيننا.
ولا ريب فيه ؛
لاستفاضة النصوص ، بل تواترها به جدّا عموما ، مثل ما دلّ على اشتراك الوقتين ،
وخصوصا كالصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المتقدمة هي ـ كالسابقة ـ في مباحث
أوقات الفرائض الخمس.
وإنما الإشكال في استحبابه أو جوازه بقول مطلق ، كما هو ظاهر من مرّ ، عدا الشهيد
في الذكرى فظاهره الأول ، وبه صرّح هو في الدروس والمحقّق الثاني كما حكي ، قال : للنبوي :
« كان 7 إذا كان في سفر أو عجلت به حاجة يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء
الآخرة » .
وفي دلالته على
الاستحباب نظر.
ومقتضى عموم ما
دلّ على أفضليّة أول الوقت أفضليته ولو هنا ، فيشكل الحكم باستحباب الجمع ، وسيّما في
المغرب والعشاء ، فإنّ استحباب الجمع
__________________
بينهما يوجب الحكم
باستحباب ترك نافلة المغرب ، وهو باطل إجماعا ، لثبوت استحبابها سفرا وحضرا ،
فالتعبير بالجواز المطلق كما في عبائر هؤلاء أولى.
لكن يتوجه على هذا
أنه لا فائدة لتخصيص الحكم به بالسفر مع ثبوته في الحضر أيضا ، بإجماعنا الظاهر
المصرّح به في الخلاف والذكرى وغيرهما ، وتدل عليه أدلة اشتراك الوقتين أيضا.
ويمكن أن يقال : وجهه تأكّد استحباب التفريق في الحاضر إجماعا ، كما في الذكرى ، دون المسافر
؛ أو التنبيه على أن الجمع هنا جائز ولو بتأخير الأولى عن وقتها الأول إلى الثاني
اتّفاقا ، حتى من القائل بكونه للاضطرار لا الإجزاء ؛ لكون السفر من الأعذار
المسوّغة للتأخير كما صرّح به الشيخ ; ، ولعلّ هذا أولى.
ويتخير في الجمع
بين تقديم الثانية إلى الاولى وبين العكس ، إلاّ أن الأول أولى ؛ لما مضى.
وفي التذكرة :
الأولى فعل ما هو أوفق به ، فإن كان وقت الزوال في المنزل ويريد أن يرتحل قدّم
العصر إلى الظهر حتى لا يحتاج إلى أن ينزل في الطريق ، وإن كان وقت الزوال في
الطريق ويريد أن ينزل آخر النهار أخّر الظهر ؛ لحديث ابن عباس ، فإن لم يكن في
أحد الأمرين غرض فالأولى التقديم .
(
ولو سافر بعد الزوال ولم يصلّ النوافل قضاها سفرا وحضرا ) للموثق : « إذ زالت الشمس وهو في منزله ثمَّ يخرج في سفر
يبدأ بالزوال فيصلّيها ، ثمَّ
__________________
يصلي الاولى
بتقصير ركعتين ، لأنه خرج من منزله قبل أن يحضر الاولى ، وإن خرج بعد ما حضرت
الاولى صلّى الأولى أربع ركعات ثمَّ يصلّي بعد النوافل ثمان ركعات » الخبر .
وفي جملة من
المعتبرة وفيها الصحيح والموثق وغيرهما : « يقتضي في السفر نوافل النهار بالليل » .
وحملها الشيخ على
من فاتته في الحضر ، بأن يكون قد دخل عليه وقتها قبل أن يخرج ولم يصلّها فكان
عليه قضاؤها فيما بعد ، واستشهد عليه بما مرّ من الموثق ، ولا بأس به.
تمَّ المجلد الأول
والثاني من رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل ، على يد مؤلّفه المفتقر إلى
الله الغني علي بن محمد علي الطباطبائي ، في أواخر العشر الثاني من الشهر الثاني
من السنة الرابعة من العشر الآخر من المائة الثانية من الألف الثاني من الهجرة
النبوية ، على صاحبها ألف سلام وثناء وتحية.
__________________
فهرس
الجزء الرابع
صلاة الآيات
موجبات صلاة الآيات......................................................... ٥
هل تجب لأخاويف السماء؟.................................................... ٦
وقت صلاة الكسوفين......................................................... ٨
وقت صلاة الزلزلة............................................................ ٩
وقت صلاة سائر الآيات..................................................... ١٠
سقوط قضاء صلاة الكسوف
مع عدم العلم واحتراق بعض القرص................ ١١
وجوب القضاء مع العلم أو
احتراق تمام القرص................................. ١٤
حكم قضاء صلاة الآيات
في غير الكسوفين..................................... ١٦
كيفية صلاة الآيات.......................................................... ١٦
سنن صلاة الآيات :
الجماعة.................................................................... ٢٠
الإطالة بقدر زمان الكسوف.................................................. ٢١
إعادة الصلاة إن فرغ
قبل الانجلاء............................................. ٢٢
كون الركوع بقدر
القراءة................................................... ٢٣
قراءة السور الطوال.......................................................... ٢٤
التكبير بعد كل ركوع....................................................... ٢٥
القنوت قبل كل ركوع
مزدوج............................................... ٢٥
أحكام صلاة الآيات :
لو اتفقت صلاة الآيات
مع صلاة حاضرة....................................... ٢٦
أولوية صلاة الآيات
على النافلة............................................... ٢٩
حكم صلاة الآيات على
الراحلة وماشياً........................................ ٣٠
صلاة الجنازة
من يصلّى عليه.............................................................. ٣١
وجوب الصلاة على كلّ
مسلم................................................ ٣١
حكم الصلاة على
المخالفين................................................... ٣٢
إلحاق من هو بحكم
المسلم به................................................. ٣٣
وجوب الصلاة على من
بلغ ست سنين........................................ ٣٤
خلاف الإسكافي............................................................ ٣٦
استحباب الصلاة على من
لم يبلغ ست سنين................................... ٣٧
وجوب صلاة الميت
كفايةً.................................................... ٣٧
أحق الناس بالصلاة على
الميت أولاهم بميراثه................................... ٣٨
من يقدّم في أهل كل
طبقة.................................................... ٤٠
أولوية الزوج من سائر
الأقارب............................................... ٤١
لزوم اجتماع شرائط
الإمامة فيمن يؤمّها....................................... ٤٢
جواز الاستنابة للولي......................................................... ٤٢
استحباب تقديم الهاشمي....................................................... ٤٣
أولوية تقديم إمام
الأصل مع حضوره........................................... ٤٣
جواز إمامة المرأة
للنساء...................................................... ٤٤
جواز إمامة العاري
للعراة..................................................... ٤٤
عدم جواز إمامة من لم
يأذن له الولي........................................... ٤٥
كيفية صلاة الجنازة.......................................................... ٤٦
حكم الدعاء خلال
التكبيرات................................................. ٤٧
بيان أفضل صيغة للدعاء...................................................... ٤٨
عدم اشتراط الطهارة من
الحدث والخبث....................................... ٥١
عدم جواز تباعد
المصلّي عن الجنازة............................................ ٥٢
وجوب الصلاة بعد
التغسيل والتكفين في غير الشهيد............................ ٥٢
كيفية الصلاة على فاقد
الكفن................................................ ٥٣
سنن صلاة الجنازة :
وقوف الإمام عند وسط
الرجل وصدر المرأة.................................... ٥٤
لو اجتمع الرجل
والمرأة....................................................... ٥٥
لو اجتمع الرجل
والمرأة والطفل............................................... ٥٦
وقوف المأموم الواحد
وراء الإمام.............................................. ٥٨
كون المصلّي متطهراً
حافياً.................................................... ٥٨
رفع اليدين بالتكبيرات....................................................... ٥٩
الدعاء للميت في
الرابعة إن كان مؤمناً وعليه إن كان منافقاً...................... ٦١
الدعاء بدعاء
المستضعفين ان كان الميت مستضعفاً............................... ٦٣
كيفية الدعاء لمجهول
الحال.................................................... ٦٥
كيفية الدعاء للطفل.......................................................... ٦٦
إيقاع الصلاة في
المواضع المعتادة............................................... ٦٦
كراهة الصلاة على
الجنازة الواحدة مرّتين...................................... ٦٧
أحكام صلاة الجنازة :
حكم من أدرك بعض
التكبيرات مع الإمام...................................... ٧٠
لو دفن الميت بغير
صلاة...................................................... ٧٢
جواز صلاة الجنازة في الأوقات
المكروهة....................................... ٧٥
لو اجتمع صلاة الجنازة
والحاضرة.............................................. ٧٦
لو حضرت جنازة في
أثناء الصلاة على الاُخرى................................. ٧٧
صلاة الاستسقاء
كيفية صلاة الاستقساء....................................................... ٧٩
وقت صلاة الاستسقاء....................................................... ٨٠
سنن صلاة الاستسقاء :
صوم ثلاثة أيام
والخروج في اليوم الثالث........................................ ٨٠
الخروج يوم الاثنين أو
الجمعة................................................. ٨١
الإصحار بها................................................................ ٨٢
الخروج حافياً على
سكينة ووقار.............................................. ٨٣
استصحاب الشيوخ
والأطفال والعجائز........................................ ٨٣
منع حضور الكفار........................................................... ٨٣
التفريق بين الأطفال
واُمهاتهم.................................................. ٨٤
الجماعة.................................................................... ٨٤
تحويل الإمام رداءه........................................................... ٨٥
تكبير الإمام وتسبيحه
وتهليلة وتحميده.......................................... ٨٥
متابعة الناس الإمام
في الأذكار................................................. ٨٦
الخطبة بعد الصلاة .......................................................... ٨٦
المبالغة في الدعاء
وإعادة الخروج إن تأخّرت الإجابة ............................ ٨٦
استحباب ألف ركعة في
رمضان.............................................. ٨٧
كيفية توزيعها على
الشهر.................................................... ٩٠
صلاة ليلة الفطر............................................................. ٩٢
صلاة يوم الغدير ............................................................ ٩٢
صلاة ليلة النصف من
شعبان.................................................. ٩٣
صلاة ليلة المبعث
ويومها...................................................... ٩٤
الخلل الواقع في الصلاة
الخلل العمدي
بطلان الصلاة بالإخلال عمداً بالواجب ....................................... ٩٥
بطلان الصلاة بفعل ما يجب تركه ............................................ ٩٥
بطلان الصلاة في الثوب
والمكان المغصوبين ..................................... ٩٥
بطلان الصلاة بالسجود
على الموضع النجس.................................... ٩٦
الخلل السهوي
حكم السهو في الأركان ..................................................... ٩٦
حكم السهو في الركن في
الأخيرتين من الرباعية................................. ٩٨
بطلان الصلاة بزيادة
ركوع أو سجدتين..................................... ١٠١
بطلان الصلاة بزيادة
ركعة................................................. ١٠٢
حكم نقصان الركعة
والتذكر بعد التسليم.................................... ١٠٣
بطلان الصلاة باستدبار
القبلة أوفعل المنافي.................................... ١٠٤
أحكام السهو في غير
الأركان............................................... ١٠٦
نسيان القراءة ............................................................. ١٠٦
نسيان الجهر أو
الإخفات .................................................. ١٠٦
نسيان أحد واجبات
الركوع................................................ ١٠٧
نسيان أحد واجبات السجود ............................................... ١٠٧
نسيان قراءة الحمد
والتذكر في أثناء السورة................................... ١٠٨
نسيان الركوع والتذكر قبل السجود ........................................ ١٠٨
نسيان السجود أو التشهد
والتذكر قبل الركوع............................... ١٠٩
نسيان التشهد والتذكر
بعد التسليم.......................................... ١١١
نسيان السجدة الواحدة
والتذكر بعد التسليم.................................. ١١٢
نسيان الصلاة على
النبي وآله والتذكر بعد التسليم............................. ١١٣
نسيان الصلاة على
النبي وآله والتذكر قبل التسليم............................. ١١٤
نسيان التشهد أو
السجدة الواحدة والتذكر بعد الركوع....................... ١١٥
أحكام الشك
الشكوك المبطلة للصلاة..................................................... ١١٩
لو شك في فعل ولم يتجاوز عن موضعه....................................... ١٢١
لو تذكر بعد الإتيان
بالمشكوك فيه أنه كان فعله............................... ١٢٢
حكم الشك في فعل بعد
الدخول في غيره..................................... ١٢٥
المراد من الغير............................................................. ١٢٦
شمول الغير لجميع
الأفعال والأجزاء........................................... ١٢٨
أحكام الشك في
الأخيرتين من الرباعية....................................... ١٢٩
هل يجوز العمل بالظن؟..................................................... ١٣٠
حكم الشك بين الاثنين
والثلاث............................................ ١٣٦
حكم الشك بين الثلاث
والأربع............................................. ١٤١
حكم الشك بين الاثنين
والأربع............................................. ١٤٢
حكم الشك بين الاثنين
والثلاث والأربع..................................... ١٤٣
محلّ صلاة الاحتياط
بعد التسليم............................................. ١٤٥
اعتبار جميع واجبات
الصلاة في صلاة الاحتياط ............................... ١٤٥
وجوب قراءة الفاتحة في
صلاة الاحتياط ...................................... ١٤٥
لزوم عدم تخلّل
المنافي بين الصلاة وصلاة الاحتياط............................. ١٤٦
لزوم عدم تخلّل
المنافي بين الصلاة والأجزاء المنسية ............................. ١٤٦
لو تذكّر الاحتياج إلى
صلاة الاحتياط بعدها وفي أثنائها........................ ١٤٧
لا سهو على كثير السهو ................................................... ١٤٧
هل المراد بالسهو خصوص
الشك أو ما يعمّه والسهو؟......................... ١٤٨
المراد بنفي الشك
البناء على وقوع المشكوك فيه............................... ١٥٠
هل يعدّ كثير الشك في فعل مخصوص كثير الشك مطلقا؟ ...................... ١٥٠
المرجع في تحقق الكثرة...................................................... ١٥١
لا سهو في السهو.......................................................... ١٥٢
لا إعادة على الإعادة....................................................... ١٥٤
حكم شك الإمام
والمأموم................................................... ١٥٥
صور شك الإمام
والمأموم................................................... ١٥٧
حكم السهو في النافلة...................................................... ١٦١
مواضع وجوب سجدتي
السهو............................................... ١٦٢
حكم الشك بين الأربع
والخمس............................................. ١٦٥
هل تجب سجدتا السهو
لكل زيادة ونقصان؟................................. ١٦٦
هل تجب سجدتا السهو
للقيام موضع القعود وبالعكس؟........................ ١٦٩
محل سجدتي السهو بعد
التسليم.............................................. ١٧٠
وجوب التشهد والتسليم
في سجدتي السهو................................... ١٧١
صورة الذكر في سجدتي
السهو.............................................. ١٧٣
سائر واجبات سجدتي
السهو................................................ ١٧٤
المراد بالتشهد الخفيف
وهل هو عزيمة؟ ...................................... ١٧٤
صيغة التسليم المخرج
عن سجدتي السهو..................................... ١٧٥
قضاء الصلوات
موارد وجوب القضاء...................................................... ١٧٦
عدم الفرق في النوم
الموجب للقضاء بين وقوعه بفعله أم لا...................... ١٧٧
المراد من السكر
الموجب للقضاء............................................. ١٧٨
سقوط القضاء عن الكافر الأصلي ........................................... ١٧٨
سقوط القضاء مع
الإغماء المستوعب للوقت ................................. ١٧٨
لو أدرك المغمى عليه
بعض الوقت ........................................... ١٧٨
عدم الفرق بين كون
الاغماء بفعل المكلف أم لا............................... ١٨١
حكم قضاء الفائتة لعدم
ما يتطهر به ......................................... ١٨١
وجوب الترتيب في قضاء
الفوائت........................................... ١٨٤
هل يجب الترتيب مع
الجهل به؟............................................. ١٨٥
كيفية تحقّق الترتيب
مع الجهل به............................................ ١٨٦
وجوب ترتيب الفائتة
الواحدة على الحاضرة................................... ١٨٧
هل يجب ترتيب الفوائت
المتعددة على الحاضرة؟............................... ١٨٨
كلام صاحب المدارك في
المقام............................................... ١٨٩
المناقشة في كلام صاحب
المدارك............................................. ١٩١
هل تصحّ الحاضرة لو
قدّمت على الفائتة؟..................................... ١٩٣
اعتبار حال الفوات في
القصر والإتمام......................................... ١٩٥
اعتبار حال الفوات في
الجهر والإخفات ...................................... ١٩٥
وجوب قضاء المرتدّ ما
فاتته زمان ردّته....................................... ١٩٦
لو فاتته فريضة ولم
يعلمها بعينها ............................................ ١٩٦
لو فاتته من الفرائض
ما لم يحصها عدداً....................................... ١٩٧
استحباب قضاء النوافل..................................................... ١٩٨
عدم تأكدّ استحباب
قضاء النوافل لو فاتت بمرض............................. ١٩٩
استحباب الصدقة للعاجز
عن قضاء النوافل................................... ٢٠٠
صلاة الجماعة
استحباب الجماعة في
الفرائض وتأكده في الفرائض الخمس..................... ٢٠١
عدم جواز الجماعة في
النافلة................................................ ٢٠٣
جواز الجماعة في صلاة
الاستسقاء والعيدين................................... ٢٠٤
بعض الروايات اللائحة
منها جواز الجماعة في النافلة........................... ٢٠٥
إدراك الركعة بإدراك
الركوع............................................... ٢٠٦
أقل ما تنعقد به
الجماعة.................................................... ٢٠٧
اشتراط عدم الحائل بين
الإمام والمأموم وبين الصفوف ......................... ٢٠٧
جواز وجود الحائل إذا
كان المأموم مرأة...................................... ٢٠٩
اشتراط عدم كون الإمام
أعلى من الماموم مكاناً................................ ٢١٠
جواز كون المأموم أعلى
من الإمام مكاناً...................................... ٢١٢
عدم جواز تباعد المأموم بما يخرج عن العادة .................................. ٢١٢
هل يختصّ اشتراط عدم
التباعد بابتداء الصلاة؟................................ ٢١٥
كراهة القراءة للمأموم
في الصلوات الإخفاتية.................................. ٢١٦
كراهة القراءة للمأموم
في الصلوات الجهرية لو سمع القراءة...................... ٢١٨
هل يختصّ سقوط القراءة
بالركعتين الاُوليين؟................................. ٢٢٢
وجوب القراءة خلف من
لا يقتدى به........................................ ٢٢٥
وجوب متابعة الإمام في
الأفعال وتكبيرة الإحرام............................... ٢٢٦
هل تجوز المقارنة؟.......................................................... ٢٢٧
هل تفسد الصلاة مع ترك
المتابعة؟........................................... ٢٢٨
لو رفع المأموم رأسه
قبل الإمام ناسياً أو عامداً................................. ٢٢٩
عدم جواز وقوف المأموم
متقدماً على الإمام................................... ٢٣٢
حكم التساوي في الموقف
.................................................. ٢٣٢
الرجوع إلى العرف في
معرفة التقدم والتساوي................................ ٢٣٣
وجوب نية الائتمام
بإمام معين .............................................. ٢٣٣
لو صلّى اثنان وقال كل
منهما كنت إماماً.................................... ٢٣٤
عدم اشتراط تساوي فرض
الإمام والمأموم..................................... ٢٣٥
حكم اقتداء المتنفل
بالمفترض وبالعكس....................................... ٢٣٦
استحباب وقوف المأموم
الواحد عن يمين الإمام................................ ٢٣٧
استحباب وقوف الأكثر عن الواحد خلف الإمام .............................. ٢٣٧
كيفية صلاة العراة
جماعة................................................... ٢٣٨
كيفية وقوف المرأة إذا
كانت إماماً .......................................... ٢٣٨
كيفية وقوف المرأة إذا
أمّها الرجل........................................... ٢٣٩
استحباب إعادة المنفرد
صلاته إذا وجد جماعة................................. ٢٤٠
ما ينوى في الصلاة
المُعادة جماعةً ............................................ ٢٤٠
استحباب اختصاص
الفضلاء بالصف الأول................................... ٢٤١
استحباب تسبيح المأموم
إن سبق الإمام بالقراءة................................ ٢٤٣
استحباب القيام إلى الصلاة عند قول «قد قامت الصلاة» ...................... ٢٤٣
كراهة وقوف المأموم
وحده خارج الصف من دون عذر........................ ٢٤٤
كراهة التنفل بعد
الشروع في الإقامة......................................... ٢٤٥
شرائط إمام الجماعة :
اعتبار العقل والإيمان
والعدالة وطهارة المولد .................................. ٢٤٥
اعتبار البلوغ.............................................................. ٢٤٦
عدم جواز إمامة القاعد
القائم............................................... ٢٤٨
عدم جواز إمامة
الاُمّي القارئ............................................... ٢٤٩
عدم جواز إمامة المؤوف
اللسان السليم....................................... ٢٥٠
عدم جواز إمامة المرأة الذكر والخنثى ........................................ ٢٥٠
عدم جواز إمامة الخنثى مثله ................................................ ٢٥٠
جواز إمامة المرأة
مثلها...................................................... ٢٥١
أولوية إمامة صاحب
المسجد والمنزل والإمارة.................................. ٢٥٤
أولوية إمامة الهاشمي........................................................ ٢٥٦
حكم تشاحّ الأئمة......................................................... ٢٥٧
استحباب إسماع الإمام
من خلفه الشهادتين................................... ٢٦٠
لو أحدث الإمام أو عرض
له ضرورة ........................................ ٢٦٠
لو مات الإمام أو
اُغمي عليه ............................................... ٢٦٠
كراهة ائتمام الحاضر
بالمسافر وبالعكس...................................... ٢٦٣
كراهة ائتمام المتطهر
بالمتيمم................................................ ٢٦٦
كراهة استنابة المسبوق ..................................................... ٢٦٦
كراهة إمامة الأجذم
والأبرص............................................... ٢٦٧
كراهة إمامة المحدود
بعد توبته............................................... ٢٦٩
كراهة إمامة الأغلف....................................................... ٢٧٠
كراهة إمامة من يكرهه
المأموم.............................................. ٢٧١
كراهة إمامة الأعرابي....................................................... ٢٧٢
أحكام صلاة الجماعة :
لو علم المأموم بعد
الصلاة عدم واجدية الإمام للشرائط......................... ٢٧٤
لو علم المأموم في
أثناء الصلاة عدم واجدية الإمام للشرائط...................... ٢٧٧
هل تجب الإعادة بعد الاقتداء بمخالف؟ ...................................... ٢٧٧
جواز المشي في الركوع
للالتحاق بالصف عند خوف فوت الجماعة............. ٢٧٨
حكم صلاة الصف الأول
إذا كان الإمام في محراب داخل....................... ٢٧٩
جواز قطع النافلة إذا
خشي فوت الجماعة..................................... ٢٨٣
جواز العدول من
الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة........................... ٢٨٤
حكم قطع الفريضة
لإدراك الائتمام بإمام الأصل............................... ٢٨٦
لو كان الإمام ممّن لا يقتدى به والمأموم في النافلة أوالفريضة .................... ٢٨٦
ما يدركه المأموم
المسبوق يكون أول صلاته .................................. ٢٨٦
حكم القراءة لمن أدرك
الإمام في الأخيرتين.................................... ٢٨٧
وجوب الإخفات في
القراءة على من أدرك الإمام في الأخيرتين.................. ٢٨٩
وجوب التجافي على
المأموم المسبوق عند تشهد الإمام.......................... ٢٩٠
هل يجوز التشهد
للمأموم المسبوق في غير موضع تشهده؟....................... ٢٩١
لو أدرك الإمام بعد الركوع الأخير .......................................... ٢٩١
لو أدرك الإمام بعد
السجود الأخير.......................................... ٢٩٤
حكم تسليم المأموم قبل
الإمام............................................... ٢٩٧
حكم الانفراد في أثناء
الجماعة............................................... ٢٩٨
وجوب تأخر موقف النساء
عن الرجال....................................... ٣٠٠
لو استنيب المسبوق
فانتهت صلاة المأمومين................................... ٣٠٢
أحكام المساجد
فضل اتّخاذ المساجد
والاختلاف إليها........................................ ٣٠٤
استحباب كونها مكشوفة غير مظلّلة ......................................... ٣٠٤
استحباب كون الميضاة
على أبوابها........................................... ٣٠٥
استحباب كون المنارة
مع حائطها............................................ ٣٠٦
آداب الدخول في المسجد................................................... ٣٠٧
استحباب كنس المسجد والإسراج فيه ....................................... ٣٠٧
استحباب إعادة المساجد
المستهدمة........................................... ٣٠٨
جواز نقض المساجد المستهدمة .............................................. ٣٠٨
جواز نقض المساجد
للتوسعة ............................................... ٣٠٨
هل يجوز استعمال آلات
المسجد في غيره من المساجد؟ ........................ ٣٠٨
حرمة زخرفتها ونقشها
بالصور.............................................. ٣١٠
حرمة أخذ الطريق أو الملك من المساجد ...................................... ٣١٠
حرمة إدخال النجاسة
وغسلها فيها مع التلّوث................................ ٣١١
حرمة اخراج الحصى منها................................................... ٣١٣
كراهة تعلية المساجد
وجعل الشرفة لها........................................ ٣١٤
كراهة جعل المحاريب داخلة في الحائط ....................................... ٣١٤
كراهة جعل المساجد طرقاً
................................................. ٣١٤
كراهة البيع والشراء
وتمكين المجانين والصبيان فيها............................. ٣١٥
كراهة إنفاذ الأحكام وتعريف الضوالّ وإقامة الحدود فيها ..................... ٣١٥
كراهة إنشاد الشعر
فيها.................................................... ٣١٦
كراهة عمل الصنائع
والنوم فيها............................................. ٣١٧
كراهة دخولها وفي الفم
رائحة مؤذية......................................... ٣١٨
كراهة كشف العورة فيها مع أمن المطّلع ..................................... ٣١٨
كراهة البصاق والتنخّم
فيها................................................. ٣١٩
صلاة الخوف
جواز التقصير في صلاة
الخوف مطلقاً......................................... ٣٢٠
كيفية صلاة الخوف........................................................ ٣٢٢
هل يجب على المصلّين
أخذ السلاح؟......................................... ٣٢٥
عدم سقوط الصلاة لو
انتهى الحال إلى المسايفة أو المعانقة....................... ٣٢٦
صورة صلاة المسايفة والمعانقة ............................................... ٣٢٦
جواز القصر مع جميع
أسباب الخوف......................................... ٣٢٨
كيفية صلاة الموتحل
والغريق................................................. ٣٣٠
صلاة المسافر
شروط التقصير :
الأول : المسافة............................................................ ٣٣٣
مقدار الميل................................................................ ٣٣٤
مبدأ تقدير المسافة.......................................................... ٣٣٦
مساواة البرّ والبحر
في جواز القصر........................................... ٣٣٧
اعتبار العلم ببلوغ المسافة .................................................. ٣٣٧
لو كان لبلد طريقان
أحدهما مسافة دون الآخر ............................... ٣٣٧
لو كانت المسافة أربعة
فراسخ وأراد الرجوع ليومه............................ ٣٣٨
اشتراط قصد المسافة....................................................... ٣٤٠
كفاية قصد المسافة
النوعية.................................................. ٣٤٣
الثاني : عدم قطع
السفر بالوصول إلى الوطن أو نية الإقامة عشراً................ ٣٤٥
معنى الاستيطان وما
يعتبر فيه................................................ ٣٤٦
هل يعتبر الملك في
الوطن؟................................................... ٣٤٨
وجوب التقصير في
الطريق والإتمام في الوطن.................................. ٣٥٠
لو قصّر ثم نوى
الإقامة..................................................... ٣٥١
لو نوى الإقامة في أثناء الصلاة المقصورة ..................................... ٣٥١
الثالث : إباحة السفر ...................................................... ٣٥١
عدم الفرق في السفر
المحرم بين ما كان غايته معصية أو كان بنفسه معصية....... ٣٥٢
وجوب التقصير لو كان
الصيد للحاجة....................................... ٣٥٣
حكم التقصير لو كان
الصيد للتجارة........................................ ٣٥٤
اعتبار استدامة إباحة
السفر................................................. ٣٥٥
الرابع : عدم كثرة
السفر................................................... ٣٥٦
ضابط كثرة السفر......................................................... ٣٥٧
اعتبار عدم إقامة عشرة
أيام في بلد........................................... ٣٥٩
اعتبار نية الإقامة........................................................... ٣٦١
هل يمتدّ وجوب القصر
بعد إقامة العشرة إلى السفرة الثالثة؟.................... ٣٦٣
لو أقام كثير السفر خمسة أيام .............................................. ٣٦٣
المراد من حدّ السير
بالمكاري والجمال........................................ ٣٦٥
الخامس : تواري جدران
البلد أو خفاء أذانه.................................. ٣٦٧
هل الشرط خفاء أحد الأمرين أو خفاؤهما معاً؟ ............................... ٣٦٧
اعتبار الوسط في كلّ
من الجدران والأذان..................................... ٣٦٩
عدم اعتبار أعلام البلد والبساتين ............................................ ٣٦٩
اعتبار خفاء الجدران
والأذان من آخر البلد ................................... ٣٦٩
عدم اعتبار هذا الشرط
في نحو الهائم والعاصي بسفرة إذا زل مانعهما............. ٣٧٠
اعتبار هذا الشرط في العود من السفر ....................................... ٣٧٠
كون القصر عزيمة......................................................... ٣٧٤
التخيير بين القصر
والإتمام في المواطن الأربعة ................................. ٣٧٤
اختصاص التخيير
بالصلاة وبالمواطن الأربعة................................... ٣٨٢
حكم القصر إذا قصد
أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه...................... ٣٨٣
لو أتمّ المقصّر
جاهلاً........................................................ ٣٩٠
لو أتمّ المقصّر
ناسياً......................................................... ٣٩١
لو دخل وقت الصلاة
فسافر................................................ ٣٩٢
لو دخل من سفره مع
بقاء الوقت............................................ ٣٩٦
اعتبار حال الفوات في
القضاء لا حال الوجوب ............................... ٣٩٦
إذا نوى المسافر في
غير بلده عشرة أيام....................................... ٣٩٨
المراد بنية الإقامة........................................................... ٣٩٩
هل يشترط التوالي في العشرة؟ .............................................. ٣٩٩
حكم المتردّد في
الإقامة عشراً................................................ ٤٠٤
لو نوى الإقامة عشراً
ثم بدا له فيها .......................................... ٤٠٤
حكم من عزم على
الإقامة في غيره بلده ثم خرج إلى ما دون المسافة.............. ٤٠٦
استحباب التسبيحات
الأربعة عقيب الصلوات المقصورة........................ ٤٠٧
جواز الجميع بين
الظهرين والعشاءين في السفر................................ ٤٠٨
جواز قضاء النوافل لو
سافر بعد الزوال....................................... ٤٠٩
|