
بسم اللَّه الرحمن
الرحيم
الحمد للَّه رب العالمين ، والصلاة
والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ، لا سيما الإمام
المبين وغياث المضطر المستكين عجل الله تعالى فرجه الرشيف ، واللعن المؤبد على
أعدائهم أجمعين.
مسألة
: (١) لو قبض ما ابتاعه
______________________________________________________
المقبوض بالعقد
الفاسد
(١) هذه
المسألة ـ بما لها من الفروع ـ من مهمات مسائل المعاملات ، وقد تعرّض لها المصنف قدسسره بعد الفراغ من المقدمة الباحثة عمّا يعتبر في صيغة
البيع مادّة وهيئة ، كالظهور الوضعي وتقديم الإيجاب على القبول والموالاة بينهما
والتنجيز وغيرها ممّا تقدم البحث فيه تفصيلا. إذ يتّجه حينئذ البحث عن حكم المقبوض
بالعقد المختلّ بعض شرائطه ، بحيث لم يؤثّر في النقل والتمليك.
ولا يخفى أنّ
فساد العقد كما ينشأ من فقد شرط الصيغة ، كذلك ينشأ من خلل في ما اعتبره الشارع في
المتعاقدين أو العوضين ، على ما استظهره المصنف في ثامن تنبيهات المعاطاة بقوله : «لأنّ
مرادهم بالعقد الفاسد إمّا خصوص ما كان فساده من جهة مجرّد اختلال شروط الصيغة ..
وإمّا ما يشمل هذا وغيره ، كما هو الظاهر» .
وكيف كان
فالمقبوض بالبيع الفاسد موضوع لأحكام سيأتي بيانها بالترتيب إن شاء الله تعالى.
الأوّل : عدم
دخوله في ملك القابض.
الثاني : كون
القابض ضامنا له.
__________________
بالعقد (١) الفاسد لم يملكه ، وكان مضمونا عليه (٢).
أمّا عدم الملك
فلأنّه مقتضى فرض الفساد (٣).
______________________________________________________
الثالث : وجوب
ردّه فورا إلى المالك مع بقائه. ووجوب ردّ بدله ـ من المثل أو القيمة على تقدير
تلفه ـ إليه. ويتفرّع على هذا ـ بالنسبة إلى المثلي ـ حكم تعذر المثل ، أو وجوده
لكن بأكثر من قيمته المتعارفة. وبالنسبة إلى القيميات يقع البحث عن تعيّن قيمة يوم
التلف أو يوم الأداء أو غير ذلك على تقدير اختلاف قيم المقبوض بالبيع الفاسد.
الرابع : ضمان
منافعه المستوفاة ، بل الفائتة أيضا. وغير ذلك ممّا سيأتي بالتفصيل إن شاء الله
تعالى.
والمقصود
بالبحث فعلا هو الأوّلان أعني بهما عدم الملك وضمان المقبوض بالبيع الفاسد.
(١) الباء
للسببية ، يعني : أنّ القبض نشأ من البناء على سببية العقد للملكية وتأثيره فيها ،
فيكون القبض بعنوان الوفاء بالعقد ، لا بعنوان إنشاء النقل ، إذ لو علما بفساد
العقد وتقابضا بقصد إنشاء البيع كان معاطاة ، على ما سبق التصريح به في ثامن
تنبيهات المعاطاة بقوله : «نعم إذا حصل إنشاء آخر بالقبض المتحقق بعده ، تحقق
المعاطاة» .
(٢) كذا عنون
المسألة في الشرائع . وقريب منه ما في قواعد العلّامة ، حيث قال : «ولو قبض
المشتري بالعقد الفاسد لم يملك ، وضمن» .
(٣) لأنّ فساد
الناقل عبارة عن عدم ترتب الأثر المقصود من العقد عليه ، كالملكية المقصودة من
البيع ، فمقتضى عدم تحققه هو بقاء كلّ من المالين على ملك مالكه.
__________________
وأمّا الضمان ـ
بمعنى (١) كون تلفه عليه (٢) ، وهو أحد الأمور المتفرّعة على القبض بالعقد الفاسد
ـ فهو المعروف (٣).
______________________________________________________
ولا حاجة إلى التمسك بأصالة عدم الانتقال ، وذلك لعدم الشك حتى يجري فيه
الأصل ، فإنّه بعد العلم بفساد العقد واقعا يعلم بعدم انتقال المالين عن مالكيهما
، ومعه لا شك حتى يعالج بالأصل.
وادّعى صاحب
الجواهر قدسسره عدم الخلاف في هذا الحكم ، واستدلّ عليه «بالإجماع
بقسميه وبالأصل ، بعد فرض بطلان السبب الذي أريد التسبّب به إلى الانتقال ، وفرض
عدم إرادة غيره من أسباب الملك حتى المعاطاة» ، فراجع.
(١) هذا المعنى
للضمان سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى قريبا في ما يتعلق بشرح مفردات قاعدة «ما
يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».
(٢) لا بمعنى
كون إتلافه عليه ، لأنّه مما لا إشكال ولا خلاف فيه ، حيث إنّه مقتضى قاعدة
الإتلاف ، فالضمان الذي اشتهر بين الأصحاب هو بمعنى كون تلف المقبوض ـ بالعقد
الفاسد ـ عليه.
أدلة ضمان المقبوض
بالعقد الفاسد
أ : الإجماع
(٣) وفي
الجواهر أيضا : «بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لعموم على اليد» . ولا يخفى أن ما في المتن من «أن الضمان هو المعروف» لا
ينافي الإجماع ـ المنقول عن شيخ الطائفة ـ على الضمان ، وذلك للفرق بين التعبير
بالمعروف والمشهور ، فالمشهور مشعر بوجود قول آخر في المسألة ، بل هو ظاهر فيه.
بخلاف المعروف ، فإنّه مساوق لتعبير الجواهر من عدم الظفر بالخلاف ، ومن المعلوم
أنّ عدم وجدان الخلاف يلتئم مع الإجماع المدّعى في المبسوط.
__________________
وادّعى الشيخ
في باب الرّهن ، وفي موضع من البيع الإجماع عليه (١) صريحا. وتبعه (٢) في ذلك فقيه
عصره في شرح القواعد.
وفي السرائر : «أنّ
(٣) البيع الفاسد يجري عند المحصّلين مجرى الغصب في
______________________________________________________
(١) أي : على
الضمان ، وهذا الإجماع هو الدليل الأوّل في المسألة ، وقد ادّعاه الشيخ قدسسره في مسألة ما إذا شرط أحدهما في الرّهن شرطا فاسدا ،
ككون العين المرهونة مبيعا لو لم يؤدّ المديون الدّين إلى المرتهن ، قال في
المبسوط : «إذا رهن رجل عند غيره شيئا بدين إلى شهر ـ على أنّه إن لم يقبض إلى
محلّه كان بيعا منه بالدّين الذي عليه ـ لم يصح الرّهن ولا البيع إجماعا ، لأنّ
الرّهن موقّت ، والبيع متعلق بزمان مستقبل. فإن هلك هذا الشيء في يده في الشّهر
لم يكن مضمونا عليه ، لأنّ صحيح الرّهن غير مضمون عليه فكيف بفاسده؟ وبعد الأجل
فهو مضمون عليه ، لأنّه في يده بيع فاسد ، والبيع الصحيح والفاسد مضمون عليه
إجماعا» ولا يخفى صراحة الجملة الأخيرة في كون المقبوض بالبيع
الفاسد مضمونا على القابض.
وقال أيضا في
كتاب البيع ـ في حكم المقبوض بالعقد الفاسد ـ ما لفظه : «فإذا ثبت أنّ البيع فاسد
، نظر ، فإن كان المبيع قائما أخذه مالكه .. وإن كان تالفا كان له أن يطالب بقيمته
كل واحد منهما ، لأنّ الأوّل لم يبرء بتسليمه إلى الثاني ، لأنّه سلّمه بغير إذن
صاحبه ، والمشتري الثاني قبضه مضمون بالإجماع» .
(٢) يعني : تبع
الفقيه كاشف الغطاء ـ في شرح القواعد ـ شيخ الطائفة قدسسرهما في دعوى الإجماع صريحا على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد.
(٣) دلالة كلام
ابن إدريس قدسسره على الإجماع من جهة أنه نسب إلى محصّلي الأحكام الشرعية
ـ وهم الفقهاء ـ اتحاد المقبوض بالعقد الفاسد والمغصوب في الحكم بالضمان.
__________________
الضمان» . وفي موضع آخر نسبه (١) إلى «أصحابنا» .
ويدلّ عليه (٢)
النبويّ المشهور «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» .
______________________________________________________
(١) نسبة
الضمان إلى «أصحابنا» ظاهرة في الإجماع وإن لم تكن صريحة فيه ، قال في السرائر : «ومن
ابتاع بيعا فاسدا ، فهلك المبيع في يده ، أو حدث فيه فساد كان ضامنا لقيمته أكثر
ما كانت إلى يوم التلف والهلاك ، ولأرش ما نقص من قيمته بفساده ، لأنّه باق على
ملك صاحبه ، ما انتقل عنه ، فهو عند أصحابنا بمنزلة الشيء المغصوب ، إلّا في
ارتفاع الإثم بإمساكه».
ب : الحديث النبوي «على
اليد ..»
(٢) يعني :
ويدلّ على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد ـ مضافا إلى تظافر نقل الإجماع عليه حديث «على
اليد» وهذا هو الدليل الثاني. والاستدلال به يقع في مقامين أحدهما السند ، والآخر
الدلالة. أمّا الأوّل فقد نبّه عليه المصنف قدسسره بتوصيف هذا النبوي ب «المشهور» ومقصوده : أنّ سنده وإن
كان في غاية الضعف ـ بل من أردء الإسناد ، لكون راويه عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم هو سمرة بن جندب لعنه الله ، وعناده للنبي وأهل بيته عليهالسلام ووقوفه بوجهه في حديث نفي الضرر معلوم ، وكذلك افتراؤه
واختلاق الأكاذيب عليه وحثّ الناس على قتال السبط الشهيد عليهالسلام غير خفي على من راجع ترجمته ـ إلّا أن شهرة الحديث بين
عامة الفقهاء وعملهم بمضمونه جابرة لضعف سنده ، بناء على ما هو الحق من عموم دليل
حجيّة الخبر الواحد للوثوق الخبري ، وعدم اختصاصه بالوثوق المخبري.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وعليه فالغرض
من «المشهور» هنا ليس مجرّد شهرة الرواية بين الأصحاب ، بل الشهرة العملية فإنّها
الجابرة لضعف السند ، كما أنّ إعراضهم عن الرواية الصحيحة كاسر لصحتها. وقد نبّه
المصنف على هذه الجهة في قاعدة ما يضمن بقوله : «وأمّا خبر اليد .. وسنده منجبرا»
ومن المعلوم أنّ الجابر هو اشتهار الفتوى بمضمون الخبر. فلا وجه لطرحه بضعف رواته
ـ بناء على كونه مسندا كما في كتب العامة وفي الخلاف ـ ولا بالإرسال.
وما في المتن
من انجبار الضعف بالعمل ـ موافق لما عليه عدة من أساطين الفقه ، قال العلّامة
الشيخ البلاغي قدسسره : «.. لكنّه قد شاعت روايته بين الفريقين ، وكثرت
روايته والاعتماد عليه بين الأصحاب ، بل لم يخل من الاعتماد عليه في الاستدلال
فيما رأيناه كتاب يتعرّض لمدارك الأحكام ، ووصفه في جامع الشتات بالمشهور المقبول
، بل ذكر في المضاربة وصفه بالرواية المجمع عليها. وكاشف الغطاء في شرح القواعد
بالمستفيض المجمع على مضمونه. وفي الرياض بالمشهور المقبول. وفي غصب مفتاح الكرامة
بالمشهور المعمول به في أبواب الفقه. وفي وديعة المقابيس بالقويّة المعروفة المجمع
عليها. وفي العناوين بالمنجبر بالشّهرة المتلقّى بالقبول عند العامة والخاصة ،
والملحق بالقطعيات في الصدور .. وفي الجواهر أنّه مجبور بالعمل» .
هذا بعض الكلام
في سند الحديث ، وله تتمة تذكر في التعليقة إن شاء الله تعالى.
وأمّا المقام
الثاني ـ وهو دلالة النبوي صلىاللهعليهوآلهوسلم على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد ـ فتوضيحه : أن هذه
الجملة وإن كانت بظاهرها إخبارا عن كون الشيء المأخوذ فوق يد الآخذ ، إلّا أنّ
المناسب لشأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم إنشاء الحكم الشرعي ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إمّا التكليفي كما نسب إلى جمع ، وإمّا الوضعي كما استظهره آخرون. ويتمّ
ذلك ببيان أمرين :
الأوّل : أنّ
المراد باليد ليس هو الجارحة الخاصة ، بل المراد صاحبها ، تسمية للكل باسم الجزء ،
كما شاع تسمية الجاسوس عينا ، والترجمان لسانا ، والمستمع أذنا. وعليه فالمقصود
باليد هو المستولي على الشيء.
الثاني : أنّ
المراد بالموصل هو الشيء المأخوذ بما أنّه مال عرفا. ولمّا كان المال عينا خارجية
كما هو الغالب ، أو ما بحكمها ـ كالمنفعة وبعض الحقوق ـ توقّف إسناد الحكم إليها
على تقدير فعل مناسب يتعلّق بالمال ، كتقدير الأكل في حلية الطعام ، والشرب في
حرمة الدم والخمر ، ونحوهما ممّا ورد في الكتاب والسّنة.
وفي هذا النبوي
يدور الأمر بين إرادة التكليف والوضع. فعلى الأوّل إمّا أن يقدّر وجوب الرد
والأداء بأن يكون المدلول : «يجب على ذي اليد أداء ما أخذه إلى مالكه» وإمّا أن
يقدّر وجوب الحفظ ، بأن يكون المفاد : «يجب على ذي اليد حفظ ما أخذه إلى أن يؤدّيه
إلى مالكه».
وعلى الثاني
يكون معنى الجملة : «اليد الآخذة لمال الغير ضامنة له». ورجّح المصنف قدسسره هذا الاحتمال ، بدعوى ظهورها عرفا في الضمان ، من جهة
إسناد الظرف إلى المال ، لا إلى سائر الأعيان والأفعال ، للفرق بين أن يقال : «لزيد
عليّ دين» حيث لا يستفاد منه إلّا الإقرار بالدين واشتغال العهدة به ، وبين أن
يقال : «كتب عليكم الحج أو الصوم» أو «حرّم عليكم الدّم» فإنّ الظرف ـ في المثال
الأوّل ـ أسند إلى الفعل وهو الحج والصوم ، ولا يراد به إلّا الوجوب التكليفي ،
وفي المثال الثاني أسند التحريم إلى عين خارجية ، وهو ظاهر في النهي عن الشرب
والأكل.
والحاصل : أنّ
ظهور الجملة في الحكم الوضعي ـ وهو الضمان ـ ممّا لا ينكر. وبه يتم الاستدلال
بالنبوي على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد.
والخدشة (١) في
دلالته «بأنّ كلمة ـ على ـ ظاهرة في الحكم التكليفي ،
______________________________________________________
(١) ذكر هذه
الخدشة في دلالة الحديث على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد شيخ الطائفة والعلامة
والفاضل النراقي قدسسره حيث إنّهم استفادوا منه الحكم التكليفي لا الوضعي ،
فالأوّلان ذهبا إلى أنّ مفاده وجوب ردّ المأخوذ ، والفاضل ذهب إلى أنّ مدلوله وجوب
الحفظ عن التلف.
أمّا شيخ
الطائفة قدسسره فيظهر منه ذلك في استدلاله بالنبوي على تحريم الغصب
ووجوب ردّ المغصوب إلى مالكه. قال في غصب المبسوط بعد ذكر جملة من الآيات
والروايات : «وروي عن الحسن عن سمرة أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» . وقال بعده : «فإذا غصب غاصب من هذا شيئا فإن كان قائما
ردّه ، وإن كان تالفا فعليه مثله ، لقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ».
والظاهر أنه قدسسره استفاد من الحديث حكم بقاء العين المغصوبة ، فاستدلّ
بالنبوي على وجود ردّها ، واستفاد وجوب ردّ المثل من الآية الشريفة.
وقال أيضا في
الوديعة : «وإذا ثبت ذلك فالوديعة جائزة من الطرفين ، من جهة المودع متى شاء أن
يستردّها فعل. ومن جهة المودع متى شاء أن يردّها فعل ، بدلالة ما تقدّم من الأخبار
والآي. وروى سمرة أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» . ومراده بالآيات والأخبار هو ما دلّ على وجوب ردّ
الأمانات والودائع إلى أهلها ، فراجع.
وأمّا العلّامة
قدسسره فقال في وجوب ردّ العين المغصوبة : «كلّ من غصب شيئا
وجب عليه ردّه على المالك ، سواء طالب المالك بردّه أولا ، ما دامت العين باقية ،
__________________
فلا يدلّ على الضّمان (١)» ضعيفة (٢) جدّا ،
______________________________________________________
بلا خلاف ، لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه» .
وقال في لقطة
المختلف : «وقوله عليهالسلام : على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه أوجب دفع العين» .
وأمّا الفاضل
النراقي قدسسره فقال ـ بعد المناقشة في استظهار كلّ من وجوب الأداء
والضمان ـ ما لفظه : «فالأظهر تقدير الحفظ من الضياع والتلف ، أو نحوه .. فيكون
معنى الحديث : يجب على ذي اليد حفظ ما أخذت إلى زمان أدائه ..» .
وكيف كان فتقريب
دلالة الحديث على مجرّد الحكم التكليفي ، واختصاص مدلوله بحال بقاء العين الواقعة
تحت اليد هو : أنّ جعل شيء على شخص ظاهر في التكليف ، كأن يقال : إذا بلغ الصغير
فعليه الصوم والصلاة. فإنّ المراد بهذه العبارة هو الوجوب التكليفي. وعليه فلا
يستفاد من الحديث النبوي حكم وضعي وهو استقرار المال المأخوذ في عهدة الآخذ حتى
يجب عليه دفع المثل أو القيمة إذا تلف المال بيده.
(١) يعني : في
مطلق موارد وضع اليد على مال الغير ، سواء في المقام وهو المقبوض بالبيع الفاسد ،
أم غيره.
(٢) خبر قوله :
«والخدشة» وتضعيف لها ، ومحصّله : أنّ ظهور «على» في التكليف مسلّم فيما إذا أسند
حرف الاستعلاء إلى فعل كالصلاة والصوم والحج ونحوها ، دون ما إذا أسند إلى مال من
الأموال ، كقوله تعالى (وَعَلَى الْمَوْلُودِ
لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فإنّه ظاهر حينئذ في استقرار النفقة على عهدة الوالد.
وكذا الحال في الحديث النبوي ، إذ المراد بالموصول في «على اليد ما أخذت»
__________________
فإنّ (١) هذا الظهور إنّما هو إذا أسند الظرف إلى فعل (٢) من أفعال
المكلّفين ، لا إلى مال من الأموال (٣) ، كما يقال (٤) : «عليه دين» فإنّ لفظة «على»
حينئذ لمجرّد الاستقرار في العهدة (٥) ، عينا (٦) كان أو دينا (٧).
ومن هنا (٨)
كان المتّجه صحة الاستدلال به على ضمان الصغير بل المجنون
______________________________________________________
هو المال ، فتكون عهدة المأخوذ على الآخذ ، فلو تلف ثبت بدله في ذمّته ،
وهذا هو الضمان المبحوث عنه.
(١) هذا تقريب
ضعف الخدشة ، وقد عرفته آنفا.
(٢) كالصلاة
والصوم والزكاة والحجّ ونحوها من أفعال المكلّفين ، فإنّ إسناد «على» إلى الفعل
ظاهر في التكليف.
(٣) كما في
الحديث النبوي.
(٤) غرضه
الاستشهاد بظهور إسناد حرف الاستعلاء إلى المال في استفادة الحكم الوضعي لا
التكليف.
(٥) فيصح
الاستدلال به على الضمان ، بناء على استقلال الأحكام الوضعية في الجعل ، وعدم
انتزاعها من التكليف.
(٦) كما إذا
كانت العين المأخوذة بالعقد الفاسد باقية لم يطرأ عليها التلف.
(٧) كما إذا
تلفت العين ، أو كان المستقر في العهدة ـ من أوّل الأمر ـ دينا ، كالمبيع سلفا.
(٨) أي : ومن
ظهور إسناد «على» إلى المال في الضمان ، يتجه الاستدلال بالنبوي المزبور على ضمان
الصبي والمجنون كالبالغ والعاقل إذا كان لهما تميّز وشعور ، حيث إنّ الأخذ ظاهر في
الإرادة والاختيار. فإن لم يكن لهما شعور لم يصدق «الأخذ» على فعلهما حتّى يصحّ
الاستدلال به على الضمان. ولو كان مفاد الحديث الحكم التكليفي امتنع شموله للطفل
والمجنون ، لحديث رفع القلم عنهما.
إذا لم تكن يدهما ضعيفة ، لعدم (١) التمييز [التميّز] والشعور.
______________________________________________________
(١) تعليل
لتقييد ضمان الصبي والمجنون بعدم الضعف ، إذ لو كانت يدهما ضعيفة لم يصدق «الأخذ»
على الاستيلاء على مال الغير ، وكان الحديث النبوي قاصرا عن إثبات ضمانهما حينئذ (*).
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
صلىاللهعليهوآلهوسلمصلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
ويدلّ على
الحكم المذكور (١)
______________________________________________________
الدليل الثالث :
أخبار ضمان منفعة الأمة المسروقة
(١) وهو ضمان
المقبوض بالبيع الفاسد ، وهذا دليل ثالث على المدّعى ، ومحصّله استظهار الحكم
بضمان الأصل بالأولوية من ضمان المنافع غير المستوفاة ، توضيحه : أنّه ورد في عدّة
روايات السؤال عن حكم شراء جارية من السوق ، وأنّه استخدمها أو
استولدها المشتري ، ثم تبيّن كونها مسروقة ، وقد ظفر بها مالكها. فأجاب عليهالسلام بأنّ المشتري يأخذ ولده ، ويردّ الجارية وقيمة الولد
إلى مالكها.
وتقريب
الاستدلال بها على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد هو : أنّ جواب الامام عليهالسلام متضمن لحكمين ، أحدهما : وجوب ردّ الجارية ، وهو مقتضى
فرض فساد البيع ، وثانيهما : ـ وهو محل الشاهد ـ كون المشتري ضامنا لقيمة الولد.
والاستدلال
بهذا الحكم على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد يتوقف على مقدمتين :
الأولى : إثبات
كون موجب الضمان هو اليد ، لا غيرها من موجباته كالإتلاف والاستيفاء والتسبيب.
الثانية :
إثبات أولويّة ضمان الجارية من ضمان نمائها.
أمّا الأولى
فبيانها : أنّ الضمان مستند إلى التلف الحكمي لا إلى الإتلاف والتسبيب والاستيفاء
، وذلك لوضوح أنّ الجارية ومنافعها مملوكة لسيّدها ، ومن منافعها قابليتها
للاستيلاد ، فمن استوفى شيئا من منافعها من كنس وطبخ وخياطة ووطي كان ضامنا لبدلها
للمالك ، كضمان من يلقي البذر في أرض الغير ويزرعه فيها ، فإذا استولدها المشتري
كان الولد منفعة لها ، لكنّه لم يستوف هذه المنفعة ، لأنّ الولد ينعقد حرّا بحكم
الشارع تبعا لأبيه ، ولا ينعقد رقّا حتى يقابل بالمال. وعليه فحكمه عليهالسلام بضمان نمائها ـ وهو الولد ـ إنّما هو لتلفه على مالك
الجارية بسبب حرّيّته
__________________
أيضا (١) قوله عليهالسلام في الأمة المبتاعة ـ إذا وجدت مسروقة ، بعد أن أولدها
المشتري ـ «أنّه يأخذ الجارية صاحبها ، ويأخذ الرجل ولده بالقيمة» (٢)
______________________________________________________
التي هي بحكم التلف السماوي.
فإن قلت : إنّ
المشتري بمباشرته للجارية ألقى نطفة الحرّ في رحمها وأتلف على مالكها قابليّتها
لأن تصير حاملة بالرّق ، فيكون ضمان قيمة الولد مستندا إلى إتلاف نماء الأمة لا
إلى التلف ، لأنّه نظير منع المستأجر أو المالك عن السكنى في الدار ، فإنّ المانع
ضامن لاجرة المثل.
قلت : الإتلاف
هو إعدام الموجود عن صفحة الوجود ، وهذا غير صادق في المقام ، إذ المشتري بمباشرته
معها أحدث نماء لها غير قابل للتملّك ، وعدم تملكه لا يستند إليه ، بل إلى حكم
الشارع بحرّيّة الولد تبعا لأبيه في الحرّية ، فلم يبق إلّا أن يكون ضمان قيمة
الولد لأجل تلف النماء حكما ، وهو كالتلف الحقيقي السماوي في اقتضائه للضمان.
ويشهد له أن
المضمون هو قيمة الولد ، لا قيمة منفعة الجارية وهي قابليّتها للاستيلاد. هذا
تقريب كون الضمان للتلف لا الإتلاف.
وأمّا الثانية
ـ وهي أولوية ضمان العين من ضمان النماء ـ فواضحة ، لأنّ اليد على المنفعة تابعة
لليد على العين ، فإذا حكم الشارع بضمان اليد التابعة فاليد المتبوعة المتأصلة
أولى بالضمان قطعا.
هذا بيان
الاستدلال بهذه الطائفة على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد.
(١) يعني : كما
دلّ الإجماع وحديث «على اليد» على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد.
(٢) هذا مفاد
مرسلة جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليهالسلام : «في رجل اشترى جارية فأولدها ، فوجدت مسروقة ، قال :
يأخذ الجارية صاحبها ، ويأخذ الرجل
فإنّ (١) ضمان الولد بالقيمة ـ مع كونه (٢) نماء لم يستوفه المشتري ـ يستلزم
ضمان
______________________________________________________
ولده بقيمته» .
وبهذا المضمون
روايات أخرى ، منها معتبرة جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليهالسلام : «في الرّجل يشتري الجارية من السوق ، فيولدها ، ثم
يجيء مستحقّ الجارية ، قال : يأخذ الجارية المستحقّ ، ويدفع إليه المبتاع قيمة
الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه» . وكان الأولى الاستدلال بهذه المعتبرة لا بالمرسلة ،
ولعلّ نظر المصنف إلى وحدة المضمون المتضافر نقله ، لا إلى خصوصيّة الخبر المتكفّل
للحكم ، فتأمّل.
(١) هذا تقريب
الاستدلال ، وقد تقدم آنفا ، ومحصّله : أنّ ضمان المنفعة ـ غير المستوفاة ـ للمقبوض
بالبيع الفاسد يستلزم بالأولويّة ضمان الجارية لو تلفت بيد المشتري.
(٢) أمّا كون
الولد نماء ومنفعة للجارية فواضح ، لأنّه قد تكوّن في رحمها. وأمّا أنّ المشتري لم
يستوف هذه المنفعة الخاصة كما استوفى سائر خدماتها من كنس وطبخ وخياطة وشبهها
فلأنّ الولد تابع لوالده في الحرّيّة ، فهو من حين انعقاد نطفته يتكوّن حرّا ، ومن
المعلوم أنّ الحرّ لا يقوّم بالمال.
وعليه فغرض
المصنف من قوله : «لم يستوفه» هو دفع ما توهّمه بعضهم من أنّ ضمان المشتري لقيمة
الولد يكون لأجل استيفاء منفعة رحم الأمة بإشغاله بنطفته التي هي نطفة حرّ ، كما
يضمن قيمة سائر منافعها المستوفاة ، فتكون الرواية أجنبيّة عن ضمان المقبوض بالبيع
الفاسد إذا تلف بيد القابض ، لدلالتها على الضمان باستيفاء المنفعة ، وهو ممّا لا
ريب فيه.
__________________
الأصل بطريق أولى (١).
وليس (٢)
استيلادها من قبيل إتلاف النماء (٣) بل من قبيل إحداث
______________________________________________________
وأجاب عنه
المصنف بمنع صدق الاستيفاء هنا ، لعدم انتفاع المشتري منها بالولد ، ضرورة عدم
مقابلة الحرّ بالمال. وبهذا يظهر الفرق بين الاستيلاد وبين منافعها الأخرى ، لصدق
الاستيفاء عليها ، فتكون مضمونة بأجرة المثل ، بخلاف الاستيلاد.
(١) لما عرفت
من أنّ اليد على المنافع تكون بتبع اليد على العين ، فإذا كانت اليد التابعة
مضمّنة فالأصلية أولى بالتضمين.
(٢) غرضه قدسسره دفع إشكال ، محصّله : عدم ارتباط ضمان النماء بما نحن
فيه ـ وهو ضمان التلف باليد ـ حتى يصحّ الاستدلال به على ضمان المقبوض بالعقد
الفاسد ، وذلك لأنّ مورد الرواية ضمان الإتلاف لا التلف ، وبيانه : أنّ استيلاد
الجارية أتلف منفعتها على مالكها ، لأنّ رحمها كان مستعدّا لانماء نطفة الرّق ،
وقد سلب المشتري عنه ذلك بإشغاله بنطفته. وبهذا يصدق الإتلاف ، ولا يتوقف صدقه على
فعليّة النماء ، بشهادة أنّ من سقى أشجار الغير ـ المستعدة للإثمار ـ بماء مالح
يمنعه عن الاثمار يصدق عليه عرفا أنّه أتلف ثمرها. وكذا في المقام ، فإنّ
الاستيلاد بمنزلة إتلاف النماء ، لانعقاده حرّا ، هذا.
وقد دفعه
المصنف قدسسره بمنع صدق الإتلاف ـ الذي هو إعدام الموجود ـ هنا ، إذ
ليس للجارية نماء موجود حتّى يتلفه المشتري. بل أحدث فيها نماء غير قابل لأن
يتملّكه مالك الجارية ، حيث إن حرّية المشتري منعت ـ شرعا ـ عن انعقاد ولده رقّا. وليس
مستند عدم دخوله في ملك مالكها فعل المشتري حتى يضاف التلف إليه ، ويصير هو المتلف
له. ولمّا كان الولد بمنزلة التلف على المالك كان ضمان قيمته مقتضيا لضمان التالف
الحقيقي بالأولويّة.
(٣) حتى يكون
أجنبيّا عن المدّعى وهو ضمان اليد.
المشتري نماءها غير (١) قابل للملك ، فهو كالتالف (٢) لا كالمتلف (٣) ،
فافهم (٤) (*).
______________________________________________________
(١) حال ل «إحداث»
يعني : أحدث المشتري باستيلادها نماء غير قابل للدخول في ملك مالك الجارية ، وعدم
دخول هذا النماء الخاصّ في ملكه يستند إلى حكم الشارع بحرّية الولد ، لا إلى وطي
المشتري لها.
(٢) أي :
التالف بالتلف السماوي ، وهو مورد ضمان اليد.
(٣) حتى يكون
موردا لإتلاف مال الغير ، فقاعدة الإتلاف أجنبية عنه.
(٤) لعلّه
إشارة إلى : دعوى إمكان صدق الإتلاف على مورد الرواية ، فلا يصحّ الاستدلال بها
على المقام.
أو إلى : أنّ
الاستيلاد إشغال لها بالولد ، فهو استيفاء لنمائها ، فيكون الولد مضمونا بقاعدة
الاستيفاء ، لا باليد التي هي مورد البحث ، هذا.
إلّا أن يقال :
إنّ الولد من منافع الجارية ، وليس إشغالها بالمحلّ منفعة لها عرفا ، ولذا تضمّنت
الرواية قيمة الولد لا قيمة الأشغال.
أو يقال : إنّ
الضمان في مورد الرواية إنّما هو لأجل تسليط الغاصب ، بخلاف المقبوض بالعقد الفاسد
، فإنّ التسليط فيه من نفس المالك وإذنه ولو بعنوان الوفاء بالعقد ، فالضمان في
مورد الرواية لا يقتضي الضمان في المقام.
إلّا أن يدّعى
القطع بكون مناط الضمان فساد العقد ، وهو جار في المقام ومورد الرواية.
لكن هذه الدعوى
لا تخلو عن مجازفة.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فلعلّ الأولى
أن يكون الأمر بالفهم إشارة إلى : أنّ الوطي إذا كان مانعا عن صدق الإتلاف على
حدوث الولد غير قابل للملك ، فلا محالة يكون مانعا أيضا عن صدق الضمان باليد ،
ضرورة أنّ التلف تحت اليد إنّما يوجب الضمان باليد إذا كان التالف ملكا للمضمون
له. ومن المعلوم أنّ الولد ليس كذلك ، لعدم كونه ملكا لصاحب الجارية ، فلا تكون
الرواية شاهدة لما نحن فيه من ضمان المأخوذ باليد ، بل تدلّ على ضمان الولد بسبب
تعبّديّ غير الأسباب المعروفة. بل عدم تعرّض الرواية لضمان منافع الأمة من حين
الشراء إلى زمان الرّدّ يومي إلى عدم ضمان الرّدّ بالنسبة إلى المنافع.
فالمتحصل : أنّ
الروايات الدالة على ضمان قيمة الولد لا تدلّ على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ضمان
اليد.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
ثمّ إنّ هذه
المسألة (١) من جزئيات القاعدة المعروفة (٢) «كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده (٣).
وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».
وهذه القاعدة
أصلا وعكسا (٤) وإن لم أجدها بهذه العبارة في كلام
______________________________________________________
الدليل الرابع :
قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»
(١) الظاهر أنّ
غرضه قدسسره من التعرّض لقاعدة «ما يضمن» هنا هو إقامة دليل رابع
على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد ، لكونه من صغريات قاعدة «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده» المقتضية لاتحاد حكم العقد الصحيح والفاسد في الضمان ، وحيث إنّ البيع
الصحيح يقتضي ضمان المشتري بالثمن ، والبائع بالمثمن ، فكذا فاسده.
والأمر كما أفاده
قدسسره لو تمّت هذه القاعدة في نفسها بأن كانت مجمعا عليها أو
دلّ عليها قاعدة الإقدام كما سيأتي نقله عن المسالك. وأمّا إذا كان الدليل عليها
قاعدة اليد كما يظهر من المسالك أيضا لم تكن قاعدة «ما يضمن» دليلا مستقلا على
ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ، إذ المدار حينئذ على ما يستفاد من نفس حديث «على
اليد» وبناء على هذا يكون تعرّض المصنّف قدسسره لهذه القاعدة هنا مماشاة للأصحاب ، حيث يظهر من بعضهم
إرسال القاعدة إرسال المسلّمات.
(٢) قال الفقيه
المامقاني قدسسره : «وصف القاعدة في الرياض بالشهرة ، وفي كتاب الإجارة
منها بكونها متّفقا عليها. وفي شرح القواعد بالشهرة وبكونها مجمعا عليها ، وكونها
موافقة للقواعد الشرعية» .
(٣) لا يخفى
أنّ مورد الاستدلال هنا هو هذه الجملة لا عكسها ، إذ المقصود مضمنيّة قبض المبيع
بالعقد الفاسد كالمقبوض بصحيحه.
(٤) التعبير
بالعكس مسامحة ، وأطلق المحقق الثاني قدسسره العكس على أصل القاعدة ، فقال في عدم ضمان المستأجر
للعين ـ سواء أكانت الإجارة صحيحة أم فاسدة ـ : «أمّا الصحيحة فظاهر ، للقطع بأنّ
ذلك من مقتضياتها. وأمّا الفاسدة
__________________
من تقدّم على العلّامة (١) ،
______________________________________________________
فلأنّ كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، وبالعكس» فيكون مراده بالعكس هو أصل قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده».
وكيف كان
فإطلاق العكس على «ما لا يضمن» مسامحة ، لعدم انطباق شيء من العكس المستوي وعكس
النقيض عليه. أما الأوّل فلأنّه تبديل طرفي القضية مع بقاء الكيف على حاله.
وكلاهما مفقود في المقام ، لعدم تبدل الموضوع والمحمول ، ولعدم تغيير الكيف من
الإيجاب إلى السلب ، لقولهم : «لا يضمن بفاسده».
وأمّا الثاني
فلأنّ عكس النقيض هو تبديل نقيضي الطرفين مع الاختلاف في الكيف. ووجه عدم صدقه على
قاعدة «ما لا يضمن» هو : أنّ الكيف وإن كان مختلفا ، إلّا أن التبديل مفقود ،
فالصواب التعبير بالنقيض دون العكس. أو التعبير بما في الجواهر من المفهوم تارة كما في بيعه ، والسالبة أخرى كما في
إجارته.
(١) قال في رهن
التذكرة : «إذا فسد الرّهن وقبضه المرتهن لم يكن عليه ضمان ، لأنّه قبضه بحكم أنّه
رهن. وكلّ عقد كان صحيحه غير مضمون ففاسده أيضا كذلك. وكلّ عقد كان صحيحه مضمونا
ففاسده مثله. أمّا الأوّل فلأنّ الصحيح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولى باقتضائه.
وأمّا الثاني فلأنّ من أثبت اليد عليه أثبته عن إذن المالك ، ولم يلتزم بالعقد
ضمانا ، ولا يكاد يوجد التسليم والتسلّم إلّا من معتقدي الصحة» .
ولا يخفى وقوع
السهو في العبارة ـ ولعلّه من الناسخ ـ فإنّ المناسب تبديل «أمّا الأوّل» ب «أمّا
الثاني» لأن الأوّل في استدلاله هو قوله : «وكلّ عقد كان صحيحه غير مضمون ففاسده
أيضا كذلك». وكذا ينبغي تبديل قوله «وأمّا الثاني» ب «وأمّا الأوّل». والأمر سهل.
__________________
إلّا (١) أنّها تظهر من كلمات الشيخ رحمهالله في المبسوط ، فإنّه علّل الضمان في غير واحد من العقود
الفاسدة «بأنّه دخل على أن يكون المال مضمونا عليه» (٢).
______________________________________________________
وقد تعرّض قدسسره أيضا لذكر القاعدتين في إجارة التذكرة.
هذا كلّه في
ورود القاعدة في كلام العلّامة.
وأمّا ورودها
في كلمات من تأخّر عنه كالشهيد والمحقق الثانيين والمحقق الأردبيلي وغيرهم قدسسرهم فكثير ، وسيأتي نقل بعض عبائرهم في المتن.
(١) غرضه من
هذا الاستدراك أنّ قاعدة «ما يضمن» أصلا وعكسا وإن لم ترد بهذه الألفاظ في كلام من
تقدّم على العلّامة ، لكنّها تظهر من كلمات شيخ الطائفة قدسسره ، وعلى هذا تكون القاعدة جارية على ألسنة القدماء أيضا
، وليست متداولة بين المتأخرين خاصّة. أمّا أصل القاعدة فتستفاد من مواضع من غصب
المبسوط. وأمّا عكسها فيستفاد من كتاب الرّهن.
(٢) كقوله في
ضمان المقبوض بالبيع الفاسد : «فإن كان المبيع قائما ردّه ، وإن كان تالفا ردّ
بدله ، إن كان له مثل ، وإلّا قيمته. لأنّ البائع دخل على أن يسلم له الثمن
المسمّى في مقابلة ملكه ، فإذا لم يسلم له المسمّى اقتضى الرجوع إلى عين ماله.
فإذا هلكت كان له بدلها. وكذلك العقد الفاسد في النكاح يضمن المهر مع الدخول ،
وكذلك الإجارة الفاسدة. الباب واحد» .
وقال في موضع
آخر : «وهكذا كلّ ما كان قبضا مضمونا ، مثل أن يأخذه على سبيل السّوم ، أو على
أنّه بيع صحيح ، أو كان ثوبا فأخذه على أنّه عارية مضمونة ، فكلّ هذا يستقرّ عليه
، لأنّه دخل على أنه مضمون عليه ، فلم يكن مغرورا فيه» .
وقال أيضا : «لأنّه
ـ أي المشتري ـ دخل على أنّ العين عليه مضمونة بالبدل» .
__________________
وحاصله (١) (*) : أنّ قبض المال مقدما على ضمانه بعوض واقعي أو جعلي موجب
للضمان. وهذا المعنى (٢) يشمل المقبوض بالعقود الفاسدة التي تضمن بصحيحها (٣).
______________________________________________________
(١) يعني :
وحاصل تعليل الضمان في جملة من العقود الفاسدة ـ بالدخول على الضمان ـ هو : أنّ
وضع اليد على مال الغير موجب للضمان إذا كان مقترنا بالبناء على التعهّد ببدله
الواقعي ، كما في المقبوض بالسّوم ، أو ببدله الجعلي المسمّى كما في العقود
المعاوضية الصحيحة. وهذا الاقدام يمكن أن يكون دليلا على ما ذكره العلّامة
والمتأخرون عنه من قولهم : «كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» الظاهر في جعل
الملازمة في مضمّنية العقد المعاوضي بين صحيحه وفاسده. وعلى هذا فقاعدة «ما يضمن»
وإن لم يصرّح بها في كلام من تقدّم على العلّامة قدسسره ، إلّا أنها مذكورة في المبسوط تلويحا.
(٢) أي :
الدخول على الضمان والاقدام عليه ، ومقصود المصنّف قدسسره استظهار جريان قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» في
جميع العقود التي توجب صحيحها ضمانا. والوجه في التعميم ـ مع كون كلام الشيخ قدسسره مختصا ببعضها كالبيع والإجارة ـ هو جريان الاقدام على
الضمان في كل عقد مبني على تعهّد الآخذ حتى في العارية المشروط فيها الضمان أو
عارية الذهب والفضة ، فإنّها وإن لم تكن معاوضة ، إلّا أنّ الاستيلاء على العين
مبنيّ على الضمان ، هذا.
(٣) كالصلح
المتضمن للمعاوضة ، وكالهبة المشروط فيها العوض ، بناء على عدم اختصاص اقتضاء
الضمان بنفس العقد ، وشموله للاقتضاء العرضي ، على ما سيأتي في المتن.
__________________
وذكر (١) أيضا
في مسألة عدم الضمان في الرّهن الفاسد «أنّ صحيحه لا يوجب الضمان ، فكيف بفاسده؟»
______________________________________________________
(١) غرضه
استظهار قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» من كلام شيخ الطائفة في رهن
المبسوط ، فيما إذا فسد الرهن لاشتماله على شرط فاسد ، قال قدسسره : «إذا رهن رجل عند غيره شيئا بدين إلى شهر ، على أنّه
إن لم يقبض إلى محلّه كان بيعا منه بالدين الذي عليه ، لم يصحّ الرّهن ، ولا البيع
إجماعا ، لأنّ الرّهن موقّت والبيع متعلّق بزمان مستقبل. فإن هلك هذا الشيء في
يده في الشهر لم يكن مضمونا عليه ، لأنّ صحيح الرّهن غير مضمون فكيف فاسده؟ وبعد
الأجل فهو مضمون عليه ، لأنّه في يده بيع فاسد ، والبيع الصحيح والفاسد مضمون عليه
إجماعا» .
والشاهد في
قوله : «لأنّ صحيح الرّهن غير مضمون فكيف فاسدة» إذ يستفاد منه الملازمة في عدم
الضمان بين الرهن الصحيح والفاسد. وحيث إنّه لا خصوصية في عقد الرّهن أمكن استظهار
القاعدة الكليّة ، يعني : أنّ كل عقد صحيح لا يقتضي الضمان ففاسده مثله.
وقد تحصّل إلى
هنا استظهار أصل القاعدة وعكسها من كلام شيخ الطائفة ، وإن كان تعبيره مغايرا
لتعبير العلّامة ومن تأخّر عنه.
__________________
__________________
وهذا (١) يدلّ على العكس المذكور.
ولم أجد (٢) من
تأمّل فيها عدا الشهيد (٣) في المسالك فيما لو فسد عقد السبق ، فهل يستحق السابق
أجرة المثل ، أم لا (٤)؟
______________________________________________________
(١) يعني : قول
الشيخ : «انّ صحيحه لا يوجب الضمان فكيف فاسده» يدلّ على العكس المذكور.
(٢) مقصوده من
هذه الجملة : أنّ ظاهرهم الاتفاق على الأصل والعكس المذكورين ، إلّا أنّ المخالف
هو الشهيد الثاني قدسسره حيث تأمّل في أصل القاعدة أي : «ما يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده» في كتاب السبق والرماية ، وهذا التأمّل قادح في دعوى الإجماع على الأصل
المذكور.
(٣) وكذا
المحقق الأردبيلي في ضمان المقبوض بالسوم وبالعقد الفاسد ، حيث ناقش في دليل
الضمان ـ من حديث على اليد وقاعدة ما يضمن ـ بقوله : «وصحتهما غير ظاهر ، والأصل
يقتضي العدم» .
(٤) توضيحه :
أن المحقق قدسسره فصّل ـ في ما لو تبيّن بعد المسابقة فساد العقد ـ بين
كون منشأ الفساد اختلال شرط ممّا يتوقف عليه صحة العقد كتعيين مبدأ المسافة
ومنتهاها ، وتعيين ما يسابق عليه ، وتساوي ما به السباق ، وغير ذلك ، وبين كونه
مغصوبية العوض وعدم مملوكيته لمن عليه بذله ، فإنّ العقد يقع صحيحا ويتوقف على
إجازة المالك ، ولو لم يجز وجب على الباذل مثله أو قيمته.
وأمّا إن كان
الفساد من الجهة الأولى فقد نقل الشهيد الثاني قولين في المسألة :
أحدهما : أنّه
لا شيء للسابق ، وهو اختيار الشيخ والمحقق «ووجهه : أنّه لم يعمل له شيئا ، ولا
فوّت عليه عمله ، ولا عاد نفع ما فعله إليه ، وإنّما فائدة عمله راجعة إليه. بخلاف
ما إذا عمل في الإجارة والجعالة الفاسدتين ، فإنّه يرجع إلى أجرة مثل عمله ، لأنّ
فائدة العمل للمستأجر والجاعل».
__________________
وكيف كان (١)
فالمهمّ بيان معنى القاعدة أصلا وعكسا ، ثم بيان المدرك فيها ، فنقول ومن الله
الاستعانة :
______________________________________________________
والقول الآخر
للعلّامة وجماعة من المتأخرين ، وهو وجوب أجرة المثل ، قال قدسسره : «لأنه عقد استحق المسمّى في صحيحه ، فإذا وجد المفقود
عليه في الفاسد وجب عوض المثل. ولا نسلّم أنّ وجه وجوب اجرة المثل في العقدين
ونظائرهما رجوع عمل العامل إلى من يجب عليه العوض ، لأنّ العمل في القراض قد لا
ينتفع به المالك ، ومع ذلك يكون مضمونا».
ثمّ ناقش
الشهيد الثاني في استدلال العلّامة مفصّلا إلى أن قال : «وقاعدة : أنّ كل ما كان
صحيحه موجبا للمسمّى ففاسده موجب لأجرة المثل لا دليل عليها كلّيّة ، بل النزاع
واقع في بعض مواردها ، فكلّ ما لا إجماع ولا دليل صالح يدلّ على ثبوت شيء فالأصل
يخالف مدّعي القاعدة» .
والشاهد في
قوله : «لا دليل عليها كلّية» وهذا مقصود المصنّف من نسبة التأمّل في قاعدة «ما
يضمن» إلى الشهيد الثاني.
ولا يخفى
اختلاف كلماته ، فيظهر من مواضع من المسالك وبيع الرّوضة تسليم القاعدة وكلّيّتها
، كقوله في عدم ضمان المحرم المستعير للصيد : «أما مع صحته فالأصل في العارية أن
تكون عندنا غير مضمونة .. وأمّا مع فسادها فلأنّ حكم العقد الفاسد حكم الصحيح في
الضمان وعدمه ، كما أسلفناه في مواضع قاعدة كلّيّة» .
(١) أي : سواء
وجدت هذه العبارة في كلام من تقدّم على العلّامة أم لا؟ وسواء تمّ تأمّل الشهيد
الثاني في عمومها أم لا؟ فالمهمّ .. إلخ. وهذا شروع في تحقيق أصل القاعدة الذي عدّ
دليلا على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ، والكلام يقع في مقامين ، أحدهما في ما
يتعلق بالأصل ، والثاني في ما يتعلق بالعكس.
__________________
إنّ المراد
بالعقد (١) أعمّ من الجائز واللازم ، بل ممّا كان فيه شائبة الإيقاع أو كان أقرب
اليه.
______________________________________________________
والكلام في
المقام الأوّل يقع في جهات :
الجهة الأولى :
في معاني ألفاظ القاعدة ، وهي متضمنة لأبحاث :
الأوّل : في
شمول العقد للعقد الجائز وعدم اختصاصه بالعقد اللازم.
الثاني : في
معنى الضمان.
الثالث : في
أنّ عموم «كل عقد» يكون بلحاظ الأنواع أو الأصناف أو الأفراد.
الرابع : في
أنّ اقتضاء العقد الصحيح للضمان هل يختص بذات العقد أم يعم الاقتضاء العرضي الناشئ
من الشرط في ضمن العقد؟
الخامس : في
أنّ الباء في قولهم : «بصحيحه» سببية أو ظرفية.
الجهة الثانية
: في مدرك القاعدة ومستندها.
الجهة الثالثة
: في أنّ ضمان المقبوض بالعقد الفاسد هل يختص بحال جهل الدافع بالفساد أم يعمّ
صورة علمه به أيضا؟ وسيأتي الكلام في هذه المباحث بترتيب المتن إن شاء الله تعالى.
المبحث الأول :
المراد بالعقد ما يشتمل على المعاوضة
(١) هذا شروع
في البحث الأوّل من الجهة الأولى ، ومحصل ما أفاده : أنّ المراد بالعقد في قولهم :
«كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» كلّ ما يشتمل على المعاوضة ، سواء أكان عقدا
لازما كالبيع والصلح ، أم جائزا كالجعالة بناء على كونها عقدا لا إيقاعا ، وكالهبة
المشروطة بالعوض. والوجه في الشمول وجود ملاك الضمان في كلّ من العقد اللازم
والجائز.
بل يندرج في
القاعدة بعض العناوين الاعتباريّة مما يحتمل كونه إيقاعا أو كان أقرب إلى الإيقاع
، وذلك كالجعالة والطلاق الخلعي ، فإنّه وإن ذهب جمع الى كونهما
.................................................................................................
______________________________________________________
من العقود ، إلّا أنّ القائل بكونهما من الإيقاعات موجود أيضا.
أمّا الجعالة
فهي عند جمع كابن إدريس والعلّامة والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم قدسسرهم عقد جائز. قال العلّامة : «الجعالة عقد جائز من الطرفين
إجماعا ، لكلّ منهما فسخها قبل التلبّس بالعمل ، وبعده قبل تمامه ، لأنّ الجعالة
تشبه الوصيّة من حيث إنّها تعليق بشرط ، والرجوع عن الوصية جائز ، وكذا ما يشبهها.
وأمّا بعد تمام العمل فلا معنى للفسخ ، ولا أجر ، لأنّ الجعل قد لزم بالعمل» هذا.
ولكن استظهر
صاحب الجواهر ـ تبعا للشهيد الثاني ـ من عبارة الشرائع كونها إيقاعا ، قال المحقق
: «أمّا الإيجاب فهو أن يقول : من ردّ عبدي أو ضالّتي أو فعل كذا فله كذا ، ولا
يفتقر إلى قبول .. ويصح على كل عمل مقصود محلّل ، ويجوز أن يكون العمل مجهولا ،
لأنّه عقد جائز كالمضاربة» .
قال الشهيد
الثاني قدسسره في شرحه : «قد اختلف كلام الأصحاب وغيرهم في الجعالة هل
هي من قسم العقود أو الإيقاعات؟ والمصنف جعلها من الإيقاع وضعا وحكما ، حيث صرّح
بعدم افتقارها إلى القبول ، وهو المطابق لتعريفهم لها ، حيث جعلوها التزام عوض على
عمل. ويؤيّده عدم اشتراط تعيين العامل ، وإذا لم يكن معيّنا لا يتصور للعقد قبول ،
وعلى تقدير قبول بعض لا ينحصر فيه إجماعا. ومنهم من جعلها من العقود ، وجعل القبول
الفعلي كافيا فيها كالوكالة ، والمنفي هو القبول اللفظي. وهو ظاهر كلام المصنف
فيما سيأتي حيث جعله عقدا جائزا. والظاهر أنّه تجوّز في ذلك ، إذ لو كان عقدا عنده
حقيقة لذكره في قسم العقود لا في قسم الإيقاعات .. إلخ» .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
واختار صاحب
الجواهر كونها إيقاعا بقوله : «ولعلّه الأصح ، لما تسمعه من صحة عمل المميّز بدون
إذن وليّه بعد وضعها ـ بل قيل في غير المميّز والمجنون وجهان ـ ومن المعلوم عدم
صحة ذلك مع فرض اعتبار القبول فيها ولو فعلا ، لسلب قابلية الصبي والمجنون قولا
وفعلا عن ذلك ، ولذا لا يجوز معه عقد من العقود الجائزة .. إلخ» .
وكأنّ هذه
الوجوه أوجبت تردّد المصنّف في كون الجعالة عقدا جائزا ، واحتمل كونها إيقاعا ،
ولذا قال : «ممّا كانت فيه شائبة الإيقاع».
وتظهر الثمرة
بين كونها عقدا وإيقاعا في ما إذا صدر العمل من العامل خاليا عن قصد العوض
والتبرّع مطلقا ، سواء اطّلع على الإيجاب أم لا ، فإنّه يستحق مال الجعالة على
الإيقاعية دون العقدية ، هذا.
وأمّا الطلاق
الخلعي ففيه أيضا احتمالان بل قولان ، أحدهما كونه عقدا ، والآخر كونه إيقاعا.
والأوّل هو
المشهور كما يستفاد من كلام الشهيد الثاني في شرح قول المحقق : «وهل يصح ـ أي بذل
الفداء ـ من المتبرّع؟ فيه تردّد ، والأشبه المنع». والثاني هو الذي رجّحه الشهيد
الثاني مدّعيا مخالفته لمذهب جميع الأصحاب ، ووافقه الفاضل الأصفهاني قدسسره.
ولا بأس بنقل
جملة من عبارة المسالك ، فقال : «وأمّا بذله من المتبرّع عنها ، بأن يقول للزوج :
طلّق امرأتك بمائه من مالي ، بحيث يكون عوضا للخلع ، ففي صحته قولان ، أظهرهما بين
الأصحاب ـ وهو الذي اختاره المصنّف والشهيد وغيرهما من الأصحاب ـ العدم ، فلا يملك
الزوج البذل ، ولا يقع الطلاق إن لم يتبع به ، لأنّ الخلع من عقود المعاوضات ، فلا
يجوز لزوم العوض لغير صاحب المعوّض ، كالبيع ، لو قال :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بعتك كذا بمائة في ذمة فلان» إلى أن قال : «وقول بالصحة لا يعلم قائله من
الأصحاب ، لكنّه مذهب جميع من خالفنا من الفقهاء إلّا من شذّ منهم.
ومبنى القولين
على أنّ الخلع فداء أو معاوضة ، أو على أنّه طلاق أو فسخ. فعلى الأوّلين يصح من
الأجنبي ، لجواز الافتداء منه ، وبذل مال له ليطلّقها ، كما يصحّ التزام المال
ليعتق عبده. وقد يتعلّق به غرض بأن كان ظالما بالإمساك ، وتعذّر إزالة يده بالحجة
، أو كان يسيء العشرة ويمنع الحقوق ، فأراد المختلع تخليصها.
وعلى تقدير
كونه طلاقا فالطلاق يستقل به الزوج ، فجاز أن يسأله الأجنبي على مال ، كما إذا قال
: ألق متاعك في البحر وعليّ كذا» إلى أن قال : «ويرجّح جانب الفداء : الآية الدالة
عليه ، إلّا أنّ مفهوم خطابها اختصاصها بها ، لكن مفهوم الخطاب ليس بحجة» .
وهذه الجملة
الأخيرة تشهد بنفي كون الطلاق الخلعي عقدا ، وأنّه إيقاع ، ويتفرع عليه جواز تبرّع
الأجنبي ببذل الفداء ، فراجع تمام كلامه.
واقتصر قدسسره في شرح اللمعة على بيان وجهي المنع والصحة ، وإن أمكن
استفادة ترجيح كون الخلع إيقاعا «لأنه افتداء ، وهو جائز من الأجنبي».
ونحوه كلام
الفاضل الأصفهاني قدسسره .
والحاصل : أنّ
بذل الفداء في الخلع لا يوجب صيرورته عقدا مؤلّفا من بذل الزوجة وطلاق الزوج ، بل
الغرض من البذل إحداث الداعي في نفس الزوج على الطلاق. نظير ما لو التزم رجل لرجل
آخر مالا ليعتق عبده أو يطلق زوجته طلاقا رجعيا أو بائنا ، بأن يقول له : «أعتق
عبدك أو طلّق زوجتك وعليّ ألف دينار» فإنّ الألف ليس عوضا ، وإنّما يقصد به حصول
الرغبة لمن بيده الأمر فيما يراد منه من العتق والطلاق.
__________________
والمراد (١)
بالضمان في الجملتين هو كون درك المضمون
______________________________________________________
المبحث الثاني :
المراد بالضمان في العقد الصحيح والفاسد
(١) هذا هو
المبحث الثاني من مباحث الجهة الاولى ، وهو بيان معنى الضمان بحيث يكون جامعا
للعقد الصحيح والفاسد ، بأن يراد من الضمان في جملتي «ما يضمن بصحيحه» و «يضمن
بفاسده» معنى واحد. وقد فسّره المصنّف قدسسره بوجهين :
أحدهما : ما
اختاره من أن الضمان كون درك المضمون عليه.
والثاني : ما
نقله عن بعض من أنّه «كون تلفه عليه بحيث يتلف مملوكا له».
وتوضيح المعنى
الأوّل هو : أنّ الضمان في الجملتين عبارة عن كون درك المضمون وخسارة تلفه على
الضامن ، بأن يجب عليه تداركه بأداء بدله من ماله ، فتلف المال المضمون يوجب نقصان
مال الضامن ، للزوم تداركه منه.
والضمان بهذا
المعنى جامع للضمان في موارد ثلاثة :
أحدها : الضمان
المعاوضي في العقود الصحيحة.
ثانيها : ضمان
التالف في العقود الفاسدة.
ثالثها : ضمان
العين الموهوبة ـ بشرط التعويض ـ إذا تلفت بيد المتهب.
والوجه في
جامعية الضمان بهذا المعنى هو : أنّ خسارة تلف المال تكون على عهدة الضامن ، سواء أكانت
الخسارة بدفع البدل المسمّى كما في العقد الصحيح ، أم بدفع البدل الواقعي كما في
غيره.
مثلا إذا باع
زيد كتابه من عمرو بدينار ، فالكتاب هو المال الأصلي المملوك لزيد قبل العقد ،
والدينار ماله الفعلي الذي حصّله ببيع كتابه. وبالعكس بالنسبة إلى المشتري ،
فالدينار ماله الأصلي والكتاب ماله الفعلي. فإن كان العقد صحيحا اقتضى ضمان كلّ من
الطرفين لمال صاحبه بالضمان المعاوضي ، يعني أنّ البائع يتعهّد بالكتاب قبل تسليمه
للمشتري بحيث لو تلف بيده التزم بخسارته ودركه من ماله ، لا من مال المشتري. وكذا
يتعهّد المشتري بالدينار بحيث لو تلف بيده كانت خسارته عليه لا على البائع.
عليه (١) ، بمعنى (٢) كون خسارته ودركه (٣) في ماله الأصلي (٤) ، فإذا (٥)
تلف (٦)
______________________________________________________
وإن كان العقد
المعاوضي فاسدا وترتّب عليه القبض ـ فصار الكتاب بيد المشتري ، والدينار بيد
البائع ـ كان المشتري ضامنا للكتاب بحيث لو تلف بيده كانت خسارته عليه لا على
البائع ، ولو تلف الدينار كان على عهدة البائع لا المشتري.
والدليل على
ضمان كلّ منهما لمال الآخر هو الملازمة المستفادة من قاعدة «ما يضمن» بين صحيح
العقد المعاوضي وفاسده. هذا توضيح نظر المصنف في أصل معنى الضمان. وأمّا كونه
جامعا بين موارد الضمان فسيأتي.
(١) خبر «كون»
والضمير راجع إلى «الضامن» المستفاد من كلمة «الضمان».
ثمّ إن تفسير
الضمان بهذا الوجه لعلّه لمراعاة قرينة السياق المقتضية لوحدة الضمان في العقد
الصحيح والفاسد ، لصدق «تدارك المضمون على الضامن» سواء أكان التدارك بعوض المسمّى
كما في الصحيح ، أم بالبدل الواقعي كما في الفاسد. ولا يلزم استعمال لفظ «الضمان»
في أكثر من معنى ، وسيأتي تقريبه.
(٢) هذا تفسير
لقوله : «كون درك المضمون عليه» وقد عرفته.
(٣) هذا الضمير
وضمير «خسارته» راجعان إلى المال المضمون.
(٤) قد عرفت
المراد بما هو مال أصلي للضامن ، في قبال ماله الفعلي الذي حلّ محلّ المال الأصلي
بالمعاوضة.
(٥) لا يخفى
أنّ الضمان المعاوضي يحصل بنفس العقد ، ولا يتقيّد هذا الضمان بتلف أحد العوضين أو
كليهما ، فذكر «التلف» إنّما هو لبيان موضوع الخسارة الواردة في المال الأصلي ، إذ
لو لا التلف لم ترد خسارة على المتبايعين ، لوضوح أنّ بائع الكتاب يتدارك خروج
كتابه عن ملكه بالدينار ، وكذا المشتري يتدارك نقصان ماله بدخول الكتاب في ملكه ،
فورود الخسارة على كل منهما يتوقف على تلف مال الآخر بيده.
(٦) يعني :
فإذا تلف المضمون وقع نقصان في ماله الأصلي ، لوجوب تدارك المضمون من ماله الأصلي.
وقع نقصان فيه ، لوجوب تداركه منه.
وأمّا مجرّد
كون تلفه في ملكه (١)
______________________________________________________
(١) أي : في
ملك الضامن ، وهذا إشارة إلى معنى آخر للضمان نسبه الفقيه المامقاني قدسسره إلى العالم الجليل الشيخ علي في حواشي الروضة ، قال
فيما حكاه عنه : «معنى قولهم في القاعدة : كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده : كل
عقد يضمن المال أو الشيء فيه بسبب كونه صحيحا يضمن بسبب كونه فاسدا ، بمعنى : أنّ
صحة العقد إن كانت سببا للضمان كان الفساد كذلك. فالبيع الصحيح مثلا سبب في كون
المبيع إذا تلف كان من مال المشتري فكذا البيع الفاسد. وما لا يضمن بصحيحه كالعارية
ومال المضاربة والوديعة ونحو ذلك ، فإن صحيح مثله لا يوجب الضمان ، فكذا فاسده» .
وقد ينسب هذا
التفسير إلى صاحب الرياض قدسسره في مسألة تقدير الثمن ، لكن في النسبة تأمّل ، فراجع الرياض. ونسبه المحقق
النائيني إلى العلّامة فيما احتمله في الأواني المكسورة وإلى صاحب المقابس . لكنه لا يخلو من تأمل أيضا ، فإنّه نقل عن المحقق
التستري دخول المضمون ـ في مطلق موارد الضمان ـ في ملك الضامن آنا ما قبل التلف
حتى يقع التلف في ملكه ، وهذا أجنبي عمّا يكون المصنف بصدده من تحديد معنى «الضمان»
الوارد في قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».
وكيف كان
فتوضيح تعريف الضمان بأنّه «يتلف مملوكا له» هو : أنّ الضمان بمعنى الخسارة
الواردة على مال الضامن ، ووقوع التلف في ملكه. مثلا إذا باع زيد كتابا من عمرو
بدينار ، فإن كان العقد صحيحا وسلّم البائع الكتاب إلى عمرو ، وتسلّم الثمن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
منه ، ثمّ تلف الكتاب بيد المشتري ، كان هو الضامن لماله ، لورود الخسارة
عليه بتلف الكتاب.
وإن كان العقد
فاسدا وتلف المبيع بيد المشتري فهذا البيع الفاسد يقتضي وقوع التلف في ملك المشتري
، بأن يقدّر دخوله في ملكه قبل التلف آنا مّا ، ويكون دفع البدل خسارة واردة عليه
بسبب التلف عنده.
والوجه في
العدول عن تفسير الضمان بما أفاده المصنّف ـ من «تدارك المضمون ببدله» ـ إلى تقييد
المضمون بكونه مملوكا للضامن هو : أنّ الضمان ـ بمعنى تدارك المضمون ـ مخصوص
بالعقد الفاسد ، إذ المقبوض به لو تلف بيد المشتري كانت خسارته عليه ، ووجب عليه
دفع بدله إلى البائع. وأمّا في العقد الصحيح فلا يتصور معنى للضمان ـ بمعنى تدارك
مال الغير ـ وذلك لأنّ المبيع إذا تلف عند المشتري لم يلزمه شيء أصلا ، لأنّ
المال تلف من ملكه ، لا من ملك البائع حتّى يجب على المشتري تداركه ، وحينئذ لم
يتضح المراد من كلمة «الضمان» الواردة في قولهم : «ما يضمن بصحيحه».
ولذا عدل هذا
القائل إلى تعريف الضمان بنحو ينطبق على مورد العقد الصحيح أيضا ، وقال : «إنّه
الخسارة الواردة على الشخص حال كونها مملوكة له» فإنّ هذا المعنى ينطبق على
المأخوذ بالعقد الصحيح ، كما تقدم آنفا في مثال الكتاب المقبوض بالبيع الصحيح إذا
تلف بيد المشتري ، إذ يصدق عليه أنّ المشتري ضامن بهذا العقد ، ووجه ضمانه هو وقوع
التلف في ملكه.
واعترض المصنّف
قدسسره على هذا التفسير بأنّه أجنبيّ عن معنى الضمان لغة وعرفا
، إذ لا يصدق على «تلف المال المملوك لشخص» أنّه ضامن لماله التالف ، بل المناط في
صدقه تدارك الخسارة الواردة على المالك إذا تلف ماله عند غيره بلا إذن المالك ، أو
أتلفه ذلك الغير.
بحيث يتلف مملوكا له (١) ـ كما يتوهّم ـ فليس (٢) هذا معنى للضمان أصلا فلا
يقال (٣) : إنّ الإنسان ضامن لأمواله.
ثمّ (٤) تداركه
من ماله
______________________________________________________
وأمّا ما زعمه
هذا القائل من أنّ تصور معنى صحيح لجملة «ما يضمن بصحيحه» يتوقف على تفسير الضمان
بأنّه «بحيث يتلف مملوكا له» فممنوع ، إذ المقصود بالضمان في العقود الصحيحة هو
الضمان المعاوضي ، بمعنى أنّه بمجرّد العقد يصير المبيع ملكا للمشتري فيضمنه
البائع لو تلف عنده ، ويصير الثمن ملكا للبائع ، ويضمنه المشتري بحيث لو تلف وجب
عليه بدله. وأمّا إذا تسلّم المشتري المبيع ، وتسلّم البائع الثمن ، ثم تلف فلا
ضمان ، لوقوع التلف في ملكه. ولم يعهد صحة إطلاق أنّ كل شخص ضامن لأموال نفسه حتّى
يتجه تعريف الضمان بالخسارة الواردة في ملك نفسه ، هذا.
(١) أي :
مملوكا للضامن ، يعني : أنّ الجامع بين ضمان المال في العقد الصحيح والفاسد هو
وقوع التلف في ملك الضامن.
(٢) هذا جواب
قوله : «وأمّا» وردّ تفسير الضمان المنقول عن بعضهم.
(٣) هذا متفرع
على قوله : «فليس» والوجه في فساد تعريف الضمان بأنّه «يتلف مملوكا له» هو : أنّه
لو كان هذا المعنى صحيحا لزم صدق ضمان الشخص لأموال نفسه التي قد تتلف منه ، مع
أنّه لا يصحّ الصدق المذكور ، ويستكشف من عدم صدقه بطلان التعريف المذكور.
(٤) بعد أن
اختار المصنّف قدسسره تعريف الضمان بأنّه «كون درك المال المضمون على عهدة
الضامن» أراد إثبات جامعية هذا التعريف ، وعدم كون الضمان مشتركا لفظيا ، وعدم
لزوم التفكيك في معنى الضمان بين جملة «ما يضمن بصحيحه» و «ما يضمن بفاسده».
وتوضيحه : أنّه
قد يتوهم اختلاف معنى الضمان في الجملتين ، لأنّه في العقد
تارة يكون بأداء عوضه الجعلي الذي تراضى (١) هو والمالك على كونه عوضا ،
وأمضاه الشارع ، كما في المضمون بسبب العقد الصحيح. وأخرى بأداء عوضه
______________________________________________________
الصحيح يكون بالبدل الجعلي المسمّى في العقد كبدلية الدينار عن الكتاب.
ولكن الضمان في العقد الفاسد يكون بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة. فإذا قبض
المشتري الكتاب وتلف عنده وتبيّن فساد العقد كان اللازم تداركه بعوضه الواقعي لا
الجعلي. وبهذا يتفاوت معنى الضمان الذي أفاده المصنّف ، لاختلاف نحوي تدارك مال
الغير ، هذا.
وقد دفعه قدسسره بأنّ للضمان في جميع موارده مفهوما وحدانيا ، وهو التدارك
بمال الضامن ، إلّا أنّ الاختلاف يكون فيما يتدارك به ، إذ هو تارة بدل واقعي ،
وأخرى بدل جعليّ ، وثالثة أقلّ الأمرين من البدل الواقعي والجعلي كما سيأتي بيانه
في الهبة المعوّضة التالفة قبل دفع العوض ، فللمتّهب الاقتصار في تدارك العين
الموهوبة على أقلّ البدلين قيمة ، فإن كان العوض المشترط أقل اكتفى به ، وإن كانت
القيمة الواقعية أقلّهما اكتفى به.
والحاصل : أنّ
الضمان في جميع موارده بمعنى «تدارك المال المضمون وتحمّل خسارته» ويراد به عند
الإطلاق أداء العوض الواقعي ، وفي خصوص العقد الصحيح يراد به أداء البدل الجعلي ،
وذلك من باب تعدّد الدال والمدلول وقيام القرينة على إرادة التدارك بالعوض المسمّى
، وهي تعيين البدل في العقد المعاوضي الذي أمضاه الشارع ، كجعل الدينار ـ بالبيع ـ
بدلا عن الكتاب.
(١) كتراضي
مالك الكتاب ومالك الدينار على كون كلّ منهما عوضا عن الآخر. وكتراضي مالك الدار
والمستأجر على كون عشرة دنانير عوضا عن منفعتها مدة شهر مثلا. وهذا التراضي إنّما
يترتب عليه الأثر بعد إمضاء الشارع لهذين العقدين وحكمه بصحتهما.
الواقعي ـ وهو المثل أو القيمة ـ وإن لم يتراضيا عليه (١). وثالثة بأداء
أقلّ الأمرين من العوض الواقعي والجعلي ، كما ذكره بعضهم (٢) في بعض المقامات ،
مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض.
______________________________________________________
(١) كما في
صورة فساد العقد وتلف المال ، فإنّ الضمان يكون حينئذ بالبدل الواقعي من المثل أو
القيمة.
(٢) كالشهيد
الثاني ، حيث قال : «وحاصل الأمر : أنّ العين الموهوبة المشروط فيها الثواب لو
تلفت في يد المتهب أو عابت قبل دفع العوض المشروط وقبل الرجوع ، سواء أكان ذلك
بفعله كلبس الثوب ، أم لا ، فهل يضمن المتهب الأرش أو الأصل أم لا؟ قولان : أحدهما
عدم الضمان ، وهو الذي اختاره المصنف ، ثم تردّد فيه. وجزم به العلّامة في التذكرة
وولده في الشرح .. والثاني : الضمان ، جزم به ابن الجنيد من المتقدمين وبعض
المتأخرين ، لعموم على اليد ما أخذت حتّى تؤدّى ، ولأنّه لم يقبضها مجّانا بل
ليؤدّي عوضها فلم يفعل ، ولأنّ الواجب أحد الأمرين ، ردّها أو دفع العوض ، فإذا
تعذّر الأول وجب الثاني. وهذا هو الوجه.
إذا تقرّر ذلك
وقلنا بالضمان مع التلف ، فهل الواجب مثل الموهوب أو قيمته أو أقلّ الأمرين من ذلك
ومن العوض؟ وجهان أجودهما الثاني ، لما عرفت من أنّ المتهب مخيّر بين الأمرين ،
والمحقّق لزومه هو الأقل ، لأنّه إن كان العوض الأقلّ فقد رضي به الواهب في مقابلة
العين. وإن كان الموهوب هو الأقل فالمتهب لا يتعين عليه العوض ، بل يتخيّر بينه
وبين بذل العين ، فلا يجب مع تلفها أكثر من قيمتها. وهذا هو الأقوى. ووجه اعتبار
القيمة مطلقا أنّ العين مضمونة حينئذ على القابض ، فوجب ضمانها بالقيمة.
وفيه : أنّه
مسلّط على إتلافها بالعوض ، فلا يلزمه أزيد منه لو كان أنقص» .
__________________
فإذا ثبت هذا (١)
فالمراد بالضمان بقول مطلق (٢) هو لزوم تداركه بعوضه الواقعي ، لأنّ هذا (٣) هو
التدارك حقيقة ، ولذا (٤) لو اشترط ضمان العارية
______________________________________________________
(١) يعني :
فإذا ثبت أنّ معنى الضمان هو كون تدارك المضمون على عهدة الضامن وأنّ التدارك إمّا
بالعوض المسمّى وإمّا بالواقعي وإمّا بأقل الأمرين ، فالمراد .. إلخ. وغرضه قدسسره أنّ الضمان وإن كان هو التدارك بأحد الأنحاء الثلاثة ،
إلّا أنه عند الإطلاق وعدم تقييده بالعوض الواقعي أو الجعلي أو أقلّ الأمرين يحمل
على التدارك الحقيقي الذي هو جبر الخسارة بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة.
وأمّا أداء
البدل المسمّى أو أقلّ الأمرين فيحتاج إلى دليل على جوازه ، مثل ما دلّ على صحة
عقد البيع والإجارة ، المقتضي لضمان كلّ منهما بالضمان المعاوضي ، لا الواقعي ،
فلو ثبت الضمان في مورد ولم يقترن معه ما يقيّده بالبدل الجعلي تعيّن تداركه
بالعوض الواقعيّ. لما عرفت من أنّ جبران خسارة مال الغير لا يكون إلّا بأداء عوضه
الحقيقي ، ولأجله يحمل «الضمان» الوارد في أدلّة ضمان المغصوب مثل «الغاصب ضامن»
وغير المغصوب مثل «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» على التعهّد بالبدل الواقعي ،
لا غير.
ولا يخفى أن
قوله قدسسره : «فالمراد بالضمان .. إلخ» تمهيد لردّ ما احتمله بعضهم
من حمل الضمان في العقود الفاسدة على العوض الجعلي لا الواقعي ، وسيأتي بيانه.
(٢) يعني : لم
يقيّد الضمان بالمسمّى ، ولا بالواقعي ولا بأقلّ الأمرين ، بل ورد قوله «فهو ضامن»
فإنّه ينصرف إلى الواقعيّ خاصة.
(٣) أي : لأنّ
التدارك بالعوض الواقعيّ هو التدارك الحقيقي ، وغيره منوط بقرينة تدلّ عليه.
(٤) يعني :
ولأجل كون الضمان بقول مطلق هو لزوم التدارك بعوضه الواقعي لزم غرامة مثلها أو
قيمتها.
لزم غرامة مثلها أو قيمتها (١). ولم يرد (٢) في أخبار ضمان المضمونات ـ من
المغصوبات (٣) وغيرها (٤) ـ عدا لفظ الضمان بقول مطلق (٥).
______________________________________________________
(١) فإن كانت
العين المعارة مثلية كان ضمانها بمثلها ، وإن كانت قيمية فبقيمتها.
(٢) غرضه قدسسره أنّه لم يفسّر لفظ الضمان ـ في أخبار المضمونات ـ بشيء
من الواقعي والجعلي وغيرهما ، بل الوارد فيها لفظ «الضمان» فينصرف إلى المعهود منه
، وهو الواقعي من المثل أو القيمة.
(٣) مثل ما في
مرسل حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح عليهالسلام : «لأنّ الغصب كلّه مردود» .
(٤) مثل ما ورد
في ضمان المستودع مع التفريط في الحفظ من قوله عليهالسلام : «هو ضامن لها إن شاء ..» .
وما ورد في عدم
ضمان المستعير من قوله عليهالسلام : «ليس على مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة
مؤتمن» .
وما روي في
ضمان عارية النقدين ، والعارية المشروط فيها الضمان من قوله عليهالسلام : «لا تضمن العارية إلّا أن يكون قد اشترط فيها ضمان» الحديث. وقوله عليهالسلام في ضمان المستعير : «إذا استعيرت عارية بغير إذن صاحبها
فهلكت فالمستعير ضامن» .
وغيرها من
الأخبار الواردة في ضمان الصّنّاع ، والمستأجر المفرّط في العين المستأجرة ، فإنّ
الضمان فيها ينصرف إلى التدارك بالبدل الواقعي ، لا غير.
(٥) يعني : غير
مقيّد بالبدل الواقعي ولا المسمّى.
__________________
وأمّا (١) تداركه بغيره فلا بدّ من ثبوته من طريق آخر ، مثل تواطئهما عليه
بعقد صحيح يمضيه الشارع. فاحتمال (٢) «أن يكون المراد بالضمان في قولهم : ـ يضمن
بفاسده ـ هو وجوب أداء العوض المسمّى ، نظير الضمان في العقد الصحيح»
______________________________________________________
(١) أي : وأمّا
تدارك المضمون بغير البدل الحقيقي من المثل أو القيمة فلا يستفاد من نفس دليل
الضمان ، بل لا بدّ من دليل آخر عليه ، وهو مؤلّف من أمرين :
أحدهما : توافق
المتعاقدين على أن يضمن كلّ منهما مال الآخر بالعوض المعيّن في المعاملة.
ثانيهما :
إمضاء الشارع هذا التراضي حتى يترتب عليه الأثر ، كإمضاء البيع بآية حلّ البيع ،
وإمضاء الإجارة والصلح المعاوضي بأدلّة صحّتهما ، وهكذا سائر الموارد.
فإن كان العقد
صحيحا كانت صحّته قرينة على إرادة الضمان بالبدل الجعلي ، وإن كان فاسدا تعيّن حمل
الضمان في قولهم : «يضمن بفاسده» على التدارك بالبدل الواقعي.
(٢) يعني : بعد
كون الضمان حقيقة في الضمان الواقعي أو منصرفا إليه يظهر ضعف احتمال إرادة العوض
المسمّى من «الضمان» في جملة «يضمن بفاسده».
والمحتمل ـ كما
أفاده الفقيه المامقاني قدسسره ـ هو الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدسسره في شرح القواعد ، حيث قال بعد ذكر قاعدة «ما يضمن» ما
لفظه : «وهي صريحة في أصل الضمان ، إلّا أنّها يحتمل فيها وجهان : أحدهما : الضمان
بمقدار ما أقدم عليه من المقابل. وثانيهما : قيمته بلغت ما بلغت ، وهو الظاهر ،
لأنّ التقييد غير مفهوم منها» .
وهو قدسسره وإن احتمل الضمان بالمسمّى ، إلّا أنّه رجّح الضمان
بالبدل الواقعي. وعلى هذا فلا بدّ أن يكون غرض المصنف من الاشكال عليه هو : أنّ
أصل إبداء احتمال الضمان بالبدل المسمّى في العقد المعاوضي الفاسد ممّا لا ينبغي
صدوره من فقيه خصوصا مثل كاشف الغطاء قدسسره.
__________________
ضعيف (١) في الغاية ، لا لأنّ (٢) ضمانه بالمسمّى يخرجه عن فرض الفساد ، إذ
(٣)
______________________________________________________
(١) خبر قوله :
«فاحتمال» ودفع له ، وقد ذكر في دفع الاحتمال وجهان :
أحدهما : ما
تكرّر في كلام المصنف من أنّ الضمان بقول مطلق يحمل على التدارك بالبدل الحقيقي.
وثانيهما : ما
أفاده بعضهم وهو لزوم الخلف ، توضيحه : أنّ الضمان في العقد الفاسد بمقدار ما أقدم
عليه ـ أي المسمّى ـ يوجب خروج العقد الفاسد عن فرض الفساد ويجعله صحيحا ، إذ
الضمان بالمسمّى يتوقّف على توافق المتعاوضين وإمضاء الشارع له ، وحيث إنّ المفروض
فساد العقد لم يكن توافقهما ممضى شرعا ولا موضوعا للأثر ، فلا وجه لرفع اليد عن
الضمان الواقعي الذي هو مقتضى إطلاق «الضمان» والالتزام بالضمان الجعلي.
(٢) فكأنّ هذا
القائل فهم استلزام صحة العقد لتعيّن المسمّى ، فإذا فسد كان تعيّن المسمّى بلا
معيّن.
(٣) تعليل
لقوله : «لا» وهذه مناقشة المصنف في جواب الاحتمال ، وحاصلها : منع توقف الضمان
بالعوض المسمّى على صحّة البيع من حين العقد ، بل يمكن تعيّنه بعد تلف أحد
العوضين.
توضيحه : أنّه
إذا كان العقد فاسدا لم ينتقل المبيع إلى المشتري ، ولا الثمن إلى البائع ، ويحرم
التصرف في كل منهما. ولو كان لأحدهما نماء كان لمالكه الأصلي ، هذا مع بقاء
العينين. وأمّا إذا تلف أحدهما ـ كما إذا تلف المبيع بيد المشتري ـ فنقول بأنّ
الثمن المسمّى في ذلك العقد الفاسد هو الذي يضمنه المشتري ، ويجب عليه تسليمه إلى
البائع ، ولا يتعيّن البدل الواقعي من المثل أو القيمة للعوضيّة.
ولا استيحاش من
هذا ، لوجود نظيره في الفقه وهو المعاطاة بناء على الإباحة ، لما تقدّم في التنبيه
السادس المعقود لبيان الملزمات من : أنّ تلف أحد العوضين ملزم للمعاطاة ، ويتعيّن
العوض الجعليّ للعوضية ويتملّكه مالك التالف ،
يكفي في تحقق فرض الفساد بقاء كلّ من العوضين على ملك مالكه (١) وإن كان
عند تلف أحدهما يتعيّن الآخر للعوضيّة ، نظير المعاطاة على القول بالإباحة (٢). بل
(٣) لأجل ما عرفت من معنى الضمان ، وأنّ التدارك بالمسمّى في الصحيح
______________________________________________________
مع أنّه لم يدخل في ملكه من حين التعاطي المفيد للإباحة.
وعلى هذا فلا
ملازمة بين الصحة وتعيّن المسمّى ، حتى يكون ضمان المسمّى في العقد الفاسد مخالفا
لفرض الفساد. بل يمكن القول بضمان المسمّى في العقد الفاسد أيضا بعد تلف أحد
العوضين.
فالنتيجة : أنّ
الاحتمال الذي أبداه كاشف الغطاء قدسسره لا يندفع بما أفيد من اختصاص ضمان المسمّى بالعقد
الصحيح ، هذا.
(١) بأن كان
المالان باقيين على ملك مالكيهما إلى أن يتلف أحدهما ، فحينئذ ينتقل التالف منهما
عند التلف ـ آنا ما ـ إلى ملك من تلف عنده ، وبالعكس.
(٢) فإنّ
العوضين باقيان على ملك مالكيهما ـ وهما المتعاطيان ـ ولا يتعيّن أحدهما للعوضيّة
إلّا بعد تلف الآخر.
ولا يخفى أنّ
تنظير المقام بالمعاطاة ـ بناء على الإباحة التي لا يقول بها المصنف ـ إنّما هو
لمجرّد دفع الاستبعاد عن تغيير الضمان في العقد الفاسد من الواقعي إلى الجعلي حين
تلف أحد المالين ، إذ القائل بالإباحة يلتزم بانتقال التالف قبل التلف آنا ما إلى
من تلف عنده ، ويتعيّن العوض الآخر للعوضيّة.
وإلّا فيرد على
المصنف قدسسره أنّ قياس المقام بالمعاطاة في غير محلّه ، لكون العقد
الفاسد فاسدا إلى الأبد ، بخلاف المعاطاة ، فإنّها صحيحة ، ولأجل صحتها ـ بالإجماع
المدّعى على الإباحة ـ يتعيّن المالان للعوضية عند التلف ، هذا.
(٣) معطوف على
قوله : «لا لأن» وغرضه بيان وجه ضعف الاحتمال الذي أفاده الفقيه كاشف الغطاء قدسسره. وقد عرفته ، ومحصّله : أنّ الضمان بقول مطلق يراد به
التدارك بالعوض الواقعي ، وأنّ التدارك بالمسمّى يتوقف على أمرين ، أحدهما توافق
لإمضاء الشارع ما تواطئا على عوضيّته ، لا لأنّ (١) معنى الضمان في الصحيح
مغاير لمعناه في الفاسد حتى يوجب ذلك تفكيكا في العبارة (٢) ، فافهم (٣).
______________________________________________________
المتعاملين ، والآخر إمضاء الشارع لما تواطئا عليه ، وهذا الأمر الثاني
مفقود في العقد الفاسد ، فلا وجه للضمان بالمسمّى فيه.
(١) هذا قد
استفيد من قوله قبل أسطر : «ولم يرد في أخبار ضمان المضمونات .. إلخ» وكأنّه قدسسره يريد دفع توهّم ، حاصله : أنّ الضمان في العقد الصحيح
إن كان بالمسمّى وفي الفاسد بالواقعي لزم التفكيك في مدلول كلمة «ما يضمن بصحيحه»
بحمله على ما يضمن بمسمّاه ، وكلمة «ما يضمن بفاسده» بحمله على ضمانه الواقعي ،
وهذا التفكيك مخالف لظهور الكلام في إرادة معنى واحد من كلمة «الضمان» في
الجملتين.
ومحصّل دفعه :
عدم لزوم التفكيك في معنى الضمان ، لأنّه بمعنى تدارك مال الغير بحيث لو تلف كانت
خسارته في ماله الأصلي. وهذا جار في كلّ من العقد الصحيح والفاسد ، إلّا أنّ مصداق
المال الأصلي مختلف ، فقد يكون ما عيّن في العقد ، وقد يكون هو المثل أو القيمة ،
ومن المعلوم أنّ اختلاف مصاديق التدارك لا يوجب تعدّد المفهوم حتى يتوهم التفكيك
بين الضمان في صحيح العقد وفاسده.
(٢) أي :
التفكيك في الضمان بين جملة «ما يضمن بصحيحه» وجملة «يضمن بفاسده».
(٣) لعلّه
إشارة إلى أنّ التفكيك في مفهوم الضمان ممّا لا بدّ منه ، سواء أكان من باب
استعمال لفظ الضمان في الواقعي تارة ، وفي المسمّى أخرى ، أم من باب استفادة
التدارك الواقعي من إطلاق اللفظ وعدم تقييده بشيء ، والتدارك الجعلي من قرينة
تواطؤ المتعاقدين وإمضاء الشارع. هذا تمام الكلام في ثاني أبحاث الجهة الاولى ،
وهو معنى الضمان الوارد في القاعدة.
ثمّ (١) العموم
في العقود
______________________________________________________
المبحث الثالث : عموم
«كل عقد» هل يكون بلحاظ الصنف أو غيره؟
(١) هذا شروع
في المبحث الثالث من مباحث الجهة الأولى ، وهو بيان المراد من العموم المدلول عليه
بكلمة «كلّ» في قولهم : «كل عقد يضمن ..» أو بكلمة «ما» الموصولة في قولهم : «ما
يضمن».
والوجه في عقد
هذا المبحث هو : أنّ في العموم احتمالات ثلاثة ، بل أقوالا كذلك ، وتتفاوت الآثار
المترتبة على كلّ منها ، فلا بدّ من تحقيق المسألة ، وينبغي الإشارة إلى أمرين
مقدمة لتوضيح كلام المصنف قدسسره ، فنقول وبه نستعين :
الأوّل : أنّ
هذا البحث لا يختص بأصل القاعدة ـ أعني به «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» ـ بل
يجري في العكس أيضا ، إذ الموضوع فيه «كل عقد لا يضمن بصحيحه» أو «ما لا يضمن»
فيجري فيه احتمال نوع العقد أو صنفه أو أشخاص العقود التي ينشئها المتعاقدان.
الثاني : في
بيان المراد بالنوع والصنف والفرد ، فنقول : إنّ «العقود» عنوان مشير إلى
المعاملات القائمة بطرفين ، سواء تضمّنت معاوضة أم لا ، كالبيع والصلح والإجارة
والهبة والجعالة والسبق والرماية والمضاربة والعارية والوديعة والوكالة والرّهن
ونحوها ممّا هو معهود في الكتب الفقهية. ويعدّ كلّ منها نوعا ، فالبيع ـ بما له من
الأقسام ـ نوع واحد ، لصدق تعريفه من «مبادلة مال بمال ، أو تمليك عين بعوض» على
جميعها. وكذا الإجارة نوع واحد ، والصلح نوع ، وهكذا سائر العقود.
ثمّ إنّ لكلّ
من هذه الأنواع أقساما هي أصناف ذلك النوع ، كبيع الصّرف والسّلم والحيوان والثمار
والنسيئة والمعاطاة ، وبيع الدين وغيرها من الأقسام. وللإجارة أيضا صنفان ، هما
إجارة الأعيان والأعمال. وكذلك للصلح أصناف ، فإنّه إمّا يفيد فائدة البيع أو الإجارة
أو العارية أو الهبة أو الإبراء. وهكذا العارية ، فإنّها إمّا عارية النقدين وإمّا
غيرهما ، والثاني إمّا مشروط بالضمان وإمّا غير مشروط به.
.................................................................................................
______________________________________________________
والمراد
بالأفراد هو أشخاص العقود التي تقع خارجا بإنشاء المتعاقدين.
إذا اتضح هذان
الأمران ، فنقول : إن أريد بلفظ «كل عقد» العموم بلحاظ الأنواع كان معناه : أنّ
جميع أفراد نوع ـ كالبيع ـ إن كان في صحيحها ضمان ، ففي فاسدها الضمان أيضا. وأنّ
جميع أفراد نوع كالوديعة إن لم يكن في صحيحها ضمان فلا ضمان في فاسدها أيضا.
وعلى هذا ينحصر
مصداق أصل قاعدة «ما يضمن» في البيع والإجارة اللذين يضمن بصحيحهما ، ولا يندرج في
هذه القاعدة عقد آخر ، لعدم مضمّنية جميع أفراد العقود ـ بنحو الإطلاق ـ غير البيع
والإجارة ، فكأنّ القاعدة أسّست لبيان حكم الضمان في خصوص هذين العقدين.
وإن أريد
العموم بلحاظ أصناف كل واحد من العقود كان معنى القاعدة : أنّ كل صنف من أصناف
العقود إن كان في صحيحه ضمان فكذا في فاسد ذلك الصنف ، سواء أكان في سائر أصنافه
ضمان أم لا. ومعنى عكس القاعدة : أنّ كل صنف ليس في صحيحه ضمان فكذا في فاسده ،
سواء أكان في سائر أصناف ذلك العقد ضمان أم لم يكن.
وعلى هذا
الاحتمال تتكثّر العقود المندرجة في الأصل ، ولا تنحصر في البيع والإجارة
المقتضيين للضمان ، فيقال : إنّ العارية بنوعها مثلا لا ضمان في صحيحها فكذا في
فاسدها. ولكن أقسام العارية مختلفة ، ففي بعضها الضمان كعارية النقدين ، فيمكن أن
تندرج في أصل القاعدة ، فإذا كانت عارية النقدين فاسدة ـ لاختلال بعض شروطها ـ ثبت
فيها الضمان ، لأنّ «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» مع أنّ نوع عقد العارية غير
مضمّن.
وكذا تندرج
الهبة المشروطة بالعوض في أصل القاعدة ـ بناء على تعميم اقتضاء العقد للضمان لما
إذا كان بالذات أو بالعرض ـ مع عدم الضمان في نوع الهبة.
ليس (١) باعتبار خصوص الأنواع ، لتكون أفراده مثل البيع (٢) والصلح
والإجارة ونحوها ، لجواز (٣) كون نوع لا يقتضي بنوعه الضمان ، وإنّما المقتضي له
بعض أصنافه ، فالفرد الفاسد من ذلك الصنف يضمن به ، دون الفاسد من غير ذلك
______________________________________________________
والحاصل : أنّه
بناء على كون العموم بلحاظ الأصناف يلزم دخول بعض أقسام عقد في أصل القاعدة ،
وبعضها في العكس ، ولا مانع منه.
وإن كان العموم
بلحاظ الأفراد ـ لا الأنواع ولا الأصناف ـ كانت مصاديق أصل القاعدة وعكسها في غاية
الكثرة ، لأنّ كل عقد يقع في الخارج فهو بنفسه ـ لا بما أنّه فرد للنوع أو الصنف ـ
إن كان مقتضيا للضمان على تقدير صحته كان مقتضيا له على تقدير فساده. وإن لم يكن
مقتضيا له على فرض صحته فكذا على فرض فساده.
هذا كلّه في
مقام الثبوت والاحتمالات المتطرقة في المراد بالعموم. وأمّا في مقام الإثبات فقد
استظهر المصنف الاحتمال الثاني وهو العموم بلحاظ الأصناف ، وسيأتي بيانه.
(١) غرضه
استظهار كون العموم بلحاظ الأصناف ، لا الأنواع ولا الأفراد. والمذكور فعلا نفي
العموم النوعي ، وأمّا العموم الأفرادي فسيأتي ـ بعد فصل ـ الخدشة فيه.
(٢) هذه
الأنواع مثال للعموم في كلّ من أصل القاعدة وعكسها ، وذلك بقرينة ذكر «الصلح»
فإنّه بنوعه مما لا يضمن بصحيحه فكذا بفاسده. نعم البيع والإجارة مثالان للنوع في
أصل القاعدة لاطّراد الضمان في جميع أصنافهما وأفرادهما.
(٣) تعليل لعدم
كون العموم في القاعدة بلحاظ خصوص الأنواع. ومحصّله : أنّه لو كان العموم بلحاظها
لزم عدم اطّراد عكس القضية ، مثلا لا يكون الصلح الجامع بين المعاوضي والمحاباتي
مقتضيا للضمان ، كما إذا كان مفيدا للهبة أو الإبراء ، فيندرج في عكس القضية ، في
أنّ صحيحه لا يقتضي الضمان فكذا فاسده. وكذا الهبة الجامعة بين المشروطة بالعوض
وغيرها ، مع أنّ الصلح قد يقتضي الضمان كما إذا كان معاوضيا.
فالمتعيّن كون
العموم بلحاظ الأصناف لا الأنواع ، فصنف من الصلح ـ وهو
الصنف. مثلا الصلح بنفسه لا يوجب الضمان ، لأنّه (١) قد لا يفيد إلّا فائدة
الهبة غير المعوّضة ، أو الإبراء. فالموجب للضمان هو المشتمل على المعاوضة. فالفرد
الفاسد من هذا القسم موجب للضمان أيضا (٢). ولا يلتفت إلى أنّ نوع الصلح الصحيح من
حيث هو لا يوجب ضمانا (٣) ، فلا يضمن (٤) بفاسده. وكذا (٥) الكلام
______________________________________________________
المعاوضي ـ يقتضي صحيحه الضمان ، وكذا فاسده. وصنف منه وهو المحاباتي لا
يقتضي صحيحه الضمان وكذا فاسده.
وهكذا العارية
، فصنف منها يندرج في الأصل وهو «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» وصنف آخر من ذلك
النوع يندرج في العكس وهو «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».
(١) هذا تعليل
لعدم اقتضاء الصلح ـ بما هو نوع من أنواع العقود ـ للضمان ، إذ قد يكون أثره تمليك
عين مجّانا وهو الهبة غير المعوّضة ، أو إبراء المديون عمّا في ذمته ، وهو إيقاع ،
وربّما يخلو من العوض.
وعلى هذا فلو
كان العموم في القاعدة بلحاظ النوع لزم اندراج الصلح ـ بجميع أقسامه ـ في العكس.
مع أنّ الصحيح هو التفصيل بين أصنافه ، فبعضها المشتمل على المعاوضة مندرج في
الأصل ، وبعضها في العكس. فلا بدّ من كون العموم بلحاظ الأصناف ، وأنّ كل صنف
عنوان مستقل ، فإن اقتضى الضمان كان من أفراد الأصل ، وإلّا فمن العكس.
(٢) يعني :
كإيجاب الفرد الصحيح من الصلح ـ المشتمل على المعاوضة ـ للضمان.
(٣) يعني :
مطلقا ، سواء أفاد فائدة البيع أم الإجارة مما يشتمل على معاوضة بين المصالح
والمتصالح ، أم لم يشتمل عليها كالمفيد فائدة الهبة غير المعوّضة ، والإبراء.
(٤) هذا متفرّع
على كون العموم بلحاظ أنواع العقود ، ولازمه خروج عنوان الصلح عن قاعدة «ما يضمن
بصحيحه يضمن بفاسده».
(٥) هذا مثال
ثان لظهور الثمرة بين كون العموم نوعيا وصنفيا ، فبناء على إرادة الأنواع لا ضمان
في الهبة المشروطة بالعوض ، لأنّ جميع أفراد الهبة ـ بما هي مصاديق
في الهبة المعوّضة. وكذا (١) عارية الذهب والفضة.
نعم (٢)
______________________________________________________
لعنوان الهبة ـ غير مضمونة ، فلا تندرج في الأصل. وبناء على إرادة الصنف
يتعيّن التفصيل بين الهبة المعوّضة باندراجها في الأصل ، وبين الهبة غير المعوّضة
باندراجها في العكس.
(١) هذا مثال
ثالث للثمرة بين إرادة النوع والصنف ، فبناء على النوع تندرج العارية بجميع
أقسامها في العكس. وبناء على الصنف يفصّل بين عارية الذهب والفضة ـ وعارية الحيوان
بناء على ما حكي عن ابن الجنيد ـ فتكون مضمونة سواء في صحيحها وفاسدها. وبين عارية
سائر الأشياء فلا ضمان فيها.
(٢) هذا
استدراك على إرادة الصنف ، وحاصله : أنّ مقتضى تمسكهم بقاعدة «ما لا يضمن» في
استعارة المحرم صيدا هو إرادة النوع ، يعني : حيث إنّه لا ضمان في نوع العارية
فلازمه عدم ضمان المستعير ، لفرض فساد العارية ، وبه يشكل إرادة الصنف.
وتوضيحه : أنّ
جمعا ذكروا : أنّ المحرم إذا استعار الصيد من المحلّ وجب عليه إرسال الصيد ،
وعاريته فاسدة ، ولا يضمن للمعير الصيد الذي أتلفه بإرساله. والدليل على الضمان هو
تبعية العارية الفاسدة لصحيحها في عدم الضمان. قال في المسالك : «وأمّا مع فسادها
ـ أي العارية ـ فلأنّ حكم العقد الفاسد حكم الصحيح في الضمان وعدمه كما أسلفناه في
مواضع ـ قاعدة كليّة» . ومن المعلوم ظهور هذا التعليل في أنّ المدار في الضمان
وعدمه هو نوع العقد ، فيشكل مختار المصنف قدسسره من إرادة الصنف.
ولكنّه قدسسره وجّهه بأنّ مقصودهم بالاستدلال بقاعدة «ما لا يضمن» هو
الصنف ، بقرينة تصريحهم في كتاب العارية بضمان عارية الذهب والفضة ، والعارية
__________________
ذكروا (١) في وجه عدم ضمان الصيد الذي استعاره المحرم : أنّ صحيح العارية
لا يوجب الضمان ، فينبغي أن لا يضمن بفاسدها. ولعلّ (٢) المراد عارية غير الذهب
والفضّة وغير (٣) المشروط ضمانها.
______________________________________________________
المشروطة بالضمان ، إذ لو كان المدار نوع العارية لزم التنافي بين إدراجها
في «ما لا يضمن» وبين حكمهم بالضمان في القسمين المذكورين ، ورفع التهافت منوط
بالالتزام بالصنف ، فيكون صنف من العارية مشمولا للأصل وهو «ما يضمن» وصنف منها
للعكس ، وهو «ما لا يضمن» هذا.
(١) الأولى أن
يقال : «ذكر بعضهم» إذ المسألة خلافية ، ففي الشرائع : «ولا يجوز للمحرم أن يستعير
من محلّ صيدا ، لأنّه ليس له إمساكه. ولو أمسكه ضمنه ، وإن لم يشترط عليه» . نعم رجّح الشهيد الثاني عدم الضمان ، لقاعدة «ما لا
يضمن» فراجع ، والتفصيل في محله.
(٢) هذا توجيه
استدلال مثل الشهيد الثاني بقاعدة «ما لا يضمن» وقد عرفته آنفا.
(٣) الأولى
إسقاط «غير المشروط ضمانها» بناء على ما سيأتي منه قريبا في تفسير القاعدة من كون
المقتضي للضمان نفس العقد الصحيح ، ومن المعلوم عدم كون الضمان في العارية
المشروطة به من مقتضيات نفس العقد ، بل هو اقتضاء عرضي ناش من الشرط.
إلّا أن يكون
غرض المصنف قدسسره الاستشهاد بكلام القوم لإثبات العموم الأصنافي لا
الأنواعي ، فلا بأس حينئذ بذكر العارية المشروطة بالضمان بعد تصريحهم بضمانها
صحيحة وفاسدة.
__________________
ثمّ المتبادر (١)
من اقتضاء الصحيح للضمان اقتضاؤه له
______________________________________________________
المبحث الرابع :
اعتبار كون الضمان مقتضى العقد لا الشرط
(١) هذا شروع
في المبحث الرابع من مباحث الجهة الأولى ، وهو تحقيق أنّه هل يعتبر كون الضمان
مقتضى نفس العقد أم يكفي كونه مقتضى الشرط؟ ولا يخفى أنّ المناسب تأخير هذا البحث
عن المقام ، لعدم تماميّة البحث الثالث بعد ، فإنّ المصنف وإن رجّح العموم بلحاظ
الصنف على النوع ، إلّا أنّ احتمال كونه بلحاظ أشخاص كلّ صنف باق بحاله ، وسيأتي
بعد أسطر إبطاله. كما أنّ البحث الخامس وهو أن الباء سببية أو ظرفية مقدّم رتبة
على البحث عن اختصاص اقتضاء الضمان بنفس العقد ، أو تعميمه إلى اقتضاء الشرط أيضا.
وكيف كان فتوضيح
ما أفاده : أنّ اقتضاء العقد الصحيح للضمان تارة يكون بذاته كالبيع ، وأخرى يكون
بالشرط النافذ بأدلة الشروط ، كقوله عليهالسلام : «المؤمنون عند شروطهم» كما إذا شرط في عقد الإجارة أن
يكون المستأجر ضامنا للعين ـ مع عدم اقتضاء ذات الإجارة ضمانها ، وأنّ يده على
العين أمانيّة لا تضمنها لو تلفت بآفة سماوية لا بتعدّ وتفريط ـ فلو تلفت كان
المستأجر ضامنا لها ، لوجوب الوفاء بالشرط الجائز في نفسه ، كوجوب الوفاء بنفس
العقد.
وكذا الكلام في
ضمان العين المعارة لو شرط المعير ضمانها على المستعير.
ولا إشكال في
هذا. إنّما الكلام في ما إذا شرط الضمان في مثل عقد الإجارة والعارية ، ثم تبين
بطلان العقد لاختلال بعض شرائط صحته ، فهل تقتضي قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده» تبعية الفاسد للصحيح في هذا الضمان العرضي الناشئ من الشرط ، أم لا تقتضيه؟
في المسألة قولان :
أوّلهما :
الاقتضاء ، وهو ظاهر صاحب الرياض قدسسره في العارية المضمونة تبعا للمسالك.
وثانيهما : عدم
الاقتضاء ، وهو مختار المصنّف قدسسره. واستدلّ عليه بأنّ المتبادر من قولهم : «كل عقد يقتضي
صحيحه الضمان ففي فاسده كذلك» هو اقتضاء العقد
بنفسه (١) (*) ، فلو (٢) اقتضاه الشرط المتحقق في ضمن العقد الصحيح ، ففي
الضمان
______________________________________________________
بطبعه للضمان ، لا بالشرط الذي هو أجنبي عن العقد وخارج عنه ، وإنّما يرتبط
به بعناية الاشتراط. وعلى هذا فلا ضمان في الإجارة والعارية الفاسدتين المشروط
فيهما ضمان العين.
(١) أي : بذاته
، لا بالعرض كالشرط في ضمن العقد.
(٢) هذا متفرع
على اختصاص اقتضاء العقد الصحيح للضمان بنفسه ، لا مطلقا ولو بالشرط.
__________________
__________________
بالفاسد من هذا الفرد المشروط فيه الضمان ـ تمسّكا بهذه القاعدة (١) ـ إشكال
(٢). كما لو استأجر إجارة فاسدة ، واشترط فيها ضمان العين (٣) ، وقلنا (٤) بصحة
هذا الشرط ، فهل يضمن بهذا الفاسد ، لأنّ (٥) صحيحة يضمن به ولو لأجل الشرط أم لا؟
وكذا الكلام في الفرد الفاسد من العارية المضمونة.
ويظهر من
الرّياض اختيار الضمان بفاسدها (٦) مطلقا (٧)
______________________________________________________
(١) أي : ما
يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.
(٢) فلا وجه
لمضمّنية العقد الفاسد المتضمن لشرط صحيح في نفسه ، لعدم كون الضمان مقتضى ذات
العقد.
(٣) تقدّم آنفا
توضيح هذا الفرع بقولنا : «فلا ضمان في الإجارة والعارية الفاسدتين .. إلخ».
(٤) غرضه من
هذه الجملة الحاليّة : أن التنظير بالإجارة الفاسدة ـ المتضمّنة لشرط ضمان العين ـ
للاقتضاء العرضي يتوقف على الفراغ من صحة هذا الشرط في نفسه ، فلو تأمّلنا في أصل
جوازه كان مثال الإجارة أجنبيّا عن اقتضاء الشرط للضمان ، لوضوح أنّ اقتضاءه له
منوط بمشروعية الشرط في نفسه حتى يجب الوفاء به لاشتراطه في ضمن العقد.
(٥) هذا تعليل
للضمان بالفاسد فيما إذا كان المقتضي للضمان هو الشرط لا ذات العقد.
(٦) أي : بفاسد
العارية المضمونة.
(٧) يعني : حتى
إذا كان الضمان باقتضاء الشرط ، الذي هو مورد البحث من حيث الاندراج في قاعدة «ما
يضمن» فيظهر من ذلك ذهاب صاحب الرياض قدسسره إلى تعميم الضمان إلى الاقتضاء الشرطي أيضا ، إذ لا
مدرك للضمان في فاسد العارية المضمونة إلّا هذه القاعدة.
.................................................................................................
______________________________________________________
قال في الرياض
ـ في ما لو استعار من الغاصب ، وتلفت العين بيد المستعير ، فرجع المالك على الغاصب
ـ ما لفظه : «لم يرجع ـ يعني الغاصب ـ على المستعير ، إلّا مع علمه أو كون العين
مضمونة ، فيرجع عليه فيهما ، لاستقرار الضمان عليه في الأوّل ، وإقدامه في الثاني
على الضمان ، مع صحة العارية. فكذا عليه الضمان مع الفساد ، للقاعدة الكلية : أنّ
كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» .
وتوضيح المراد
من عبارة الرياض بحيث تكون شاهدة لما استظهره المصنف منها ـ من أنّ الضمان في
العقد الصحيح إن كان للشرط الضمني كان كذلك في العقد الفاسد ـ هو : أنّ السيد قدسسره حكم بأنّ الغاصب لو أعار العين المغصوبة حتى ينتفع
المستعير بها وتلفت عنده رجع المالك على الغاصب ، وأخذ بدل ماله منه ، ولا يجوز
للغاصب الرجوع على المستعير ، إلّا في صورتين :
إحداهما : علمه
بأنّ العين المعارة مغصوبة ، وليست ملكا للمعير ، مع عدم إذن المالك في التصرف
فيها ، فيستقرّ الضمان على المستعير ، لأنّه من تعاقب الأيدي.
ثانيتهما :
جهله بالغصب ، لكن كانت العين مضمونة ، إمّا لكونها من الذهب والفضة ، وإمّا لأنّ
الغاصب شرط على المستعير ضمان العين.
ففي كلتا
الصورتين يضمن المستعير من جهة إقدامه على الضمان. وبهذا تندرج المسألة في قاعدة «ما
يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» لأنّ العارية الصحيحة التي أقدم المستعير فيها على
الضمان تكون مضمونة ، فكذا يثبت الضمان في فاسدتها ، كما في عارية الغاصب. ووجه
فسادها انتفاء شرط الصحة وهو ملك العين والانتفاع ، أو الاذن.
__________________
تبعا لظاهر المسالك (١).
ويمكن (٢) جعل
الهبة المعوّضة من هذا القبيل ، بناء على
______________________________________________________
(١) قال الشهيد
الثاني قدسسره ـ في شرح قول المحقق : «ولو استعاره من الغاصب وهو لا
يعلم كان الضمان على الغاصب .. وكذا لو تلفت العين في يد المستعير» وأنّ في
المسألتين قولين ـ ما لفظه : «والحاصل : أنّ المالك مخيّر في الرجوع على كلّ منهما
، فإن رجع على المستعير رجع على الغاصب إن لم تكن العارية مضمونة ، وإلّا رجع عليه
بغير ما قدم على ضمانه. وربّما احتمل هنا ضعيفا رجوعه ـ أي رجوع المستعير على
الغاصب ـ مطلقا ـ يعني سواء كانت العارية مضمونة أم لا ـ لأنّ استحقاق العين أوجب
فساد العارية ، فلا تكون مضمونة ، وهو مغرور مع الغصب ، فيرجع على من غرّه.
ويضعّف بأنّ
غروره في الغصب لا مدخل له هنا في الضمان ، لأنّا لم نضمّنه من حيث الغصب ، بل من
حيث كونها عارية مضمونة ، ودخوله على ذلك ، فإذا تبيّن فسادها لحق حكم الفاسد
بالصحيح كما سلف من القاعدة. وإن رجع المالك على الغاصب لم يرجع على المستعير ، إن
لم تكن مضمونة ، وإلّا رجع عليه بما كان يضمنه لو كانت صحيحة» .
ودلالتها على
تبعية الفاسد للصحيح في الحكم بالضمان ـ حتّى إذا كان للشرط ـ أظهر من عبارة
الرياض ، لتصريحه بأنّ ضمان المستعير لا يستند إلى الغصب ، بل إلى كون العارية
مضمونة ، لأنّه أقدم على ضمانها ، ومن المعلوم أنّ التعليل بالاقدام ـ مع جهله
بالغصب ـ إمّا أن يكون لشرط الضمان في هذه العارية الفاسدة ، وإمّا لكون العين
المعارة ذهبا أو فضّة ، هذا.
(٢) غرضه قدسسره بيان فرد ثالث لما إذا كان ضمان العوض مستندا إلى الشرط
لا باقتضاء ذات العقد ، وذلك كالهبة المشروط فيها العوض ، كما إذا وهب زيد كتابه
لعمرو على أن يهبه عمرو دينارا. ففي هذه الهبة المشروطة احتمالان :
__________________
أنّها هبة مشروطة ، لا معاوضة (١).
وربّما يحتمل (٢)
في العبارة أن يكون معناه : أنّ كلّ شخص من العقود
______________________________________________________
الأوّل : أنّ
عقد الهبة يفيد تمليك عين مجّانا ، ولا يقتضي بنفسه ضمان العوض ، فأخذ العوض من
المتهب يستند إلى الشرط. فتكون الهبة المشروط فيها العوض نظير العارية المشروط
فيها الضمان ، في أنّ منشأ الضمان هو الشرط لا ذات العقد. وهذا الاحتمال قوّاه
المصنّف قدسسره في أوائل البيع عند تعرّضه للنقوض الواردة على تعريف
البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» فراجع .
الاحتمال
الثاني : أنّ الهبة المعوّضة معدودة من المعاوضات كالبيع والإجارة والصلح
المعاوضيّ ونحوها. وعلى هذا يستند ضمان العوض إلى ذات العقد لا إلى الشرط.
(١) إذ لو كانت
معاوضة كان اقتضاؤها للضمان ذاتيّا لا شرطيّا ، ضرورة أنّ المقتضي للضمان حينئذ
نفس العقد ، لا الشرط المجعول فيه. هذا تمام الكلام في البحث الرابع ، وهو أنّ
اقتضاء الضمان مختصّ بذات العقد ، أو يعمّ الشرط.
(٢) هذا رجوع
إلى البحث الثالث ، وهو تحقيق أنّ العموم هل هو نوعيّ أم صنفيّ أم فرديّ ، وقد
تقدّمت الخدشة في إرادة العموم بلحاظ الأنواع ، وبقي التعرض لاحتمال العموم
الأفرادي.
وكيف كان
فاحتماله مذكور في الجواهر ـ وإن لم يظهر أنّ المحتمل هو أو غيره ـ بقوله : «بل قد
يقال : بشمول هذه القاعدة للفرض ـ أي : فساد الإجارة ـ بناء على إرادة أشخاص
العقود منها ، لا أصنافها ، ولا ريب في عدم الضمان في المقام لو فرض صحة العقد
المزبور ، فكذا لا يضمن به على الفساد ، للقاعدة المزبورة .. إلخ» .
__________________
يضمن به لو كان صحيحا ، يضمن به مع الفساد.
______________________________________________________
وتوضيحه :
أنّهم حكموا في الإجارة الفاسدة بوجوب أجرة المثل ، مع فرض استيفاء المنفعة كلّا
أو بعضا ، سواء زادت على المسمّى أم نقصت عنه. واستثنى الشهيدان قدسسرهما صورة واحدة ، فحكما بعدم ضمان اجرة المثل فيها ، وهي ما
إذا كان منشأ الفساد اشتراط عدم الأجرة ، أو عدم ذكرها في العقد بنحو يستفاد منه
إرادة عدم بذل الأجرة. والوجه في عدم وجوب اجرة المثل على من استوفى المنفعة هو : إقدام
العامل على العمل مجّانا وبلا عوض.
هذا ما أفاده
الشهيدان قدسسرهما. ووجّه صاحب الجواهر قدسسره هذه الفتوى بجعلها من مصاديق قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه
لا يضمن بفاسده» بتقريب : أنّ «كلّ عقد يضمن .. إلخ» عنوان مشير إلى أشخاص العقود
المنشئة في الخارج ، ويفرض لكلّ عقد حالتان إحداهما الصحة ، والأخرى البطلان.
فالمراد بالعقد في أصل القاعدة ـ أعني به «ما يضمن بصحيحه» ـ هو : أنّ كل شخص من
العقود مقتض للضمان لو كان صحيحا ، فهو مقتض له لو كان فاسدا. مثلا : بيع الكتاب
بالدينار موجب لضمان كلا المتبايعين ، لكونه عقدا معاوضيّا ، فهذا الفرد من البيع
إن كان فاسدا ـ لاختلال بعض شرائطه ـ كان مضمّنا أيضا.
والمراد بالعكس
أعني «ما لا يضمن» هو : أنّ كل ما صدر مجّانا ـ كالهبة الخالية عن العوض والصلح
المفيد للإبراء ـ ممّا لا يفيد الضمان إذا كان صحيحا ، فكذا لا يفيده إذا وقع
فاسدا. وعلى هذا فالإجارة الفاقدة للأجرة باطلة شرعا ، لأنّ حقيقة الإجارة «تمليك
منفعة بعوض معلوم» أو «التسليط على العين لاستيفاء منفعتها بعوض» فخلوها عن الأجرة
مناف لحقيقتها. إلّا أنّ هذه الإجارة مندرجة في «ما لا يضمن» لأنّها لو وقعت صحيحة
شرعا لما كانت مضمّنة لمن يستوفي المنفعة ، فكذا لا تكون مضمّنة له على تقدير
فسادها.
والحاصل : أنّ
المدار في كون عموم القاعدة بلحاظ أشخاص العقود وأفرادها هو فرض حالتين لكل عقد
خارجي ، فنفس هذا الفرد إن اقتضى الضمان على تقدير
ورتّب (١) عليه عدم الضمان في ما لو استأجر بشرط أن لا أجرة ، كما اختاره
الشهيدان (٢) ، أو باع بلا ثمن (٣)
______________________________________________________
الصحة اقتضاه على تقدير الفساد. وإن لم يقتض الضمان على فرض صحته لم يقتضه
على فرض فساده.
وبهذا يندرج
مثال الإجارة الفاسدة ـ من جهة خلوّها عن الأجرة ـ في قاعدة «ما لا يضمن». هذا
توضيح ما نسبه المصنف إلى بعضهم من إرادة العموم الأفرادي ، وما يترتب عليه من
الثمرة.
(١) يعني :
ورتّب هذا المحتمل ـ وهو صاحب الجواهر ـ على أنّ معنى العموم هو كل شخص .. إلخ عدم
الضمان في ما لو استأجر بشرط عدم الأجرة ، فلا يلاحظ أنّ نوع الإجارة أو كلّ صنف
منها مضمّن أو غير مضمّن ، بل المدار على شخص الإجارة الواقعة بين الطرفين ، فإن
كان صحيحها مؤثّرا في الضمان فكذا فاسدها ، وإن لم يكن صحيحها مؤثّرا في الضمان
فكذا فاسدها.
(٢) قال الشهيد
الثاني قدسسره ـ في ضمان أجرة المثل لو استوفى المنفعة وكانت الإجارة
باطلة ـ ما لفظه : «واستثنى الشهيد رحمهالله من ذلك ما لو كان الفساد باشتراط عدم الأجرة في العقد ،
أو متضمّنا له كما لو لم يذكر أجرة ، فإنّه حينئذ يقوى عدم وجوب الأجرة ، لدخول
العامل على ذلك. وهو حسن» .
ولكن المحقق
الثاني اعترض على إطلاق كلام الشهيد ، وفصّل بين العمل وبين سكنى الدار ، فراجع .
(٣) هذا المثال
غير مذكور في كلام الشهيدين قدسسرهما ، وإنّما أضافه المحقق الثاني في ما فصّله في كلاميهما
، فراجع.
__________________
كما هو أحد وجهي العلّامة في القواعد (١).
ويضعّف (٢)
بأنّ الموضوع هو العقد الذي وجد له
______________________________________________________
وأما العلّامة قدسسره فاقتصر على احتمال الضمان وعدمه ، فقال : «وكذا لو قال
: بعتك بلا ثمن ، أو : على أن لا ثمن عليك ، فقال : قبلت. ففي انعقاده هبة نظر ،
ينشأ من الالتفات إلى المعنى ، واختلال اللفظ. وهل يكون مضمونا على القابض؟ فيه
إشكال ، ينشأ من كون البيع الفاسد مضمونا. ودلالة اللفظ على إسقاطه» .
وكيف كان
فتقريب انتفاء الضمان في البيع بلا ثمن هو : أنّ شخص هذا البيع لو كان صحيحا لم
يكن المشتري ضامنا للثمن ، لأنّ البائع أسقطه ، وحيث كان بيعا فاسدا لحقه حكم
الصحيح في عدم الضمان.
(١) والوجه
الآخر في كلام العلّامة هو الضمان ، لأنّ نوع البيع الصحيح يفيده ، فكذا فاسده ،
فيندرج في أصل القاعدة ، لا في عكسها.
(٢) يعني :
يضعّف احتمال إرادة الاستغراق بلحاظ الأشخاص والأفراد ، على ما تقدّم في كلام
الجواهر. وحاصل التضعيف : أنّ الموضوع في قاعدة «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»
هو العقد ، وأنّ له قسمين أحدهما صحيح والآخر فاسد ، ويكون الفاسد تابعا للصحيح في
الضمان ، ومن المعلوم ظهور التقسيم في فعلية أقسامه ، فلا بدّ من أن يكون للعقد
فردان ، أحدهما صحيح فعلا وهو الموجود خارجا جامعا للشرائط ، والآخر فاسد فعلا ،
لاختلال شرائطه الشرعيّة وإن كان عقدا عرفيّا.
والتحفّظ على
ظهور الموضوع الجامع للقسمين في فعليّتهما يتوقف على كون الاستغراق بحسب النوع أو
الصنف ، ولا وجه لإرادة الشخص ، ضرورة عدم تحمّل الفرد الشخصي ـ الموجود خارجا ـ للاتصاف
فعلا بوصفين متقابلين وهما الصحة والفساد ، بل يوجد إمّا صحيحا وإمّا فاسدا.
ويتوقف الاتّصاف على التقدير والفرض
__________________
بالفعل (١) صحيح وفاسد ، لا ما (٢) يفرض تارة صحيحا وأخرى فاسدا. فالمتعيّن
(٣) بمقتضى هذه القاعدة (٤) الضمان في مسألة البيع (٥) ، لأنّ البيع الصحيح
______________________________________________________
بأن يقال : لو اقتضى هذا الفرد الخارجي ـ كالإجارة بلا أجرة والبيع بلا ثمن
ـ الضمان على فرض صحته ، لاقتضى الضمان على فرض فساده. ومن المعلوم أنّ الفرد
الواحد من كل عقد له حكم فعلي واحد ، ولا يتعدّد حكمه الشرعي بمجرّد الفرض.
والحاصل : أنّ
ظهور القاعدة في فعلية القسمين يمنع عن الحمل على الأشخاص ، وقد سبق أيضا امتناع
حمل العموم على الأنواع ، فتعيّن مختار المصنف وهو الحمل على الصنف ، لصحة أن يقال
: إنّ الإجارة إن كانت صحيحة ـ لاجتماع الشرائط فيها من ذكر الأجرة وغيرها ـ ففيها
وفي فاسدها الضمان ، فالإجارة بلا أجرة فاسدة ، وهي تابعة للإجارة الصحيحة في
الضمان. وكذا البيع بلا ثمن ، فإنّه بيع فاسد مضمّن ، لكون نوع البيع وصنفه مقتضيا
لضمان المتبايعين.
هذا بناء على
صدق عنواني البيع والإجارة عرفا على المثالين. وأمّا إذا قيل بالتجوز في الصيغة ـ وأنّ
البيع بلا ثمن إنشاء للهبة ، وأنّ الإجارة بلا أجرة إنشاء للعارية ـ كانا أجنبيّين
عن المقام ، لصحتهما هبة وعارية ، ولا ضمان فيهما ، فلاحظ.
(١) يعني : أنّ
العقد الصحيح فرد ، والعقد الفاسد فرد آخر ، وكلّ منهما يمكن وجوده خارجا.
(٢) يعني : ليس
موضوع القاعدة فردا واحدا من العقد يفرض تارة صحيحا على تقدير اجتماع شرائطه ،
وأخرى فاسدا على تقدير اختلالها.
(٣) هذا نتيجة
بطلان كون العموم والاستغراق بحسب أشخاص العقود ، كما احتمله صاحب الجواهر قدسسره.
(٤) أي : قاعدة
«ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».
(٥) أي : البيع
بلا ثمن. وقد عرفت وجه الضمان فيها آنفا ، وأنّها مورد لأصل القاعدة لا عكسها.
يضمن به (١).
نعم (٢) ما
ذكره بعضهم من التعليل لهذه القاعدة «بأنّه أقدم على العين مضمونة عليه» (٣) لا
يجري في هذا الفرع (٤). لكن الكلام في معنى القاعدة ، لا في مدركها.
______________________________________________________
(١) فكذا فاسد
البيع ، لانطباق عنوان «البيع» عليه.
(٢) هذا استدراك
على قوله : «فالمتعين .. الضمان في مسألة البيع» وحاصله : أنّ الشهيد الثاني قدسسره استدلّ ـ في كلامه الآتي في المتن ـ بالاقدام على
الضمان على قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» ومن المعلوم أنّ هذا التعليل لا
يجري في «البيع بلا ثمن» ضرورة تحقق الإقدام المجّاني فيه ، المضادّ للإقدام
الضماني في البيع مع الثمن. وهكذا سائر العقود المعاوضية.
وعليه فلا
ينطبق دليل القاعدة على البيع بلا ثمن ، والإجارة بلا اجرة. فيندرج البيع المزبور
في الهبة المجانية التي هي من صغريات العكس ، وهو «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»
وكذا تندرج الإجارة المزبورة في العارية. وبهذا يشكل حكم المصنف بضمان المشتري
للثمن الواقعي في مثال البيع بلا ثمن.
لكنّه قدسسره تخلّص عن هذا الإشكال بأنّ الكلام فعلا في معنى القاعدة
وتفسير مفرداتها ، لا في مدركها ، حتى يقال : بأنّ الإقدام على الضمان مخصوص
بالعقد المتضمن للعوض ، ولا يجري في العقد العاري عنه ، ومن المعلوم أنّ معنى
القاعدة شامل للبيع بلا ثمن ، والإجارة بلا أجرة ، هذا.
لكن ينبغي
الاهتمام في البحث عن مدرك القاعدة ومقدار دلالته ، ثم حملها على ما يساعد عليه
دليلها.
(٣) سيأتي
قريبا استفادة هذا التعليل من كلام شيخ الطائفة ، وكذا ورد التصريح به في كلام
الشهيد الثاني وغيره.
(٤) وهو البيع
بلا ثمن ، والمناسب ذكر مسألة الإجارة بلا أجرة أيضا ، لارتضاعهما من ثدي واحد.
هذا تمام الكلام في البحث الثالث ، المتكفل لإثبات كون العموم بحسب الأصناف ، لا
الأنواع ولا الأفراد.
ثمّ (١) إنّ لفظة «الباء» في «بصحيحه وبفاسده» إمّا بمعنى «في» بأن يراد : كلّما
تحقّق الضمان في صحيحه تحقّق في فاسده (٢).
______________________________________________________
المبحث الخامس : حرف «الباء»
ظرفيّة أو سببيّة
(١) هذا شروع
في البحث الخامس من مباحث الجهة الاولى ، وهو أنّ «الباء» في «بصحيحه وبفاسده»
ظرفية أو سببيّة ، وغرضه قدسسره عدم التفكيك في الضمان بين العقد الصحيح والفاسد ، وأنّ
كون الباء للظرفية أو السببيّة لا يوجب التفكيك المزبور.
توضيحه : أنّ
الباء يستعمل في الظرفية كقوله تعالى (نَجَّيْناهُمْ
بِسَحَرٍ) ويستعمل في السببيّة كقوله عزّ من قائل (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ
بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) وقوله (فَكُلًّا أَخَذْنا
بِذَنْبِهِ). فعلى الظرفية لا يلزم تفكيك في معنى «الباء» ، فإنّ
المعنى حينئذ : أنّ الضمان يكون في كلّ من العقد الصحيح والفاسد.
وعلى السببيّة
المطلقة الشاملة لكلّ من العلّة التامّة والناقصة لا يختلف الضمان فيهما أيضا ،
لكون العقد في كليهما سببا ناقصا للضمان.
أمّا في الصحيح
فلأنّه لو لم يتحقق فيه القبض لم يتحقق الضمان ، لقولهم : «وبالقبض ينتقل الضمان».
وأمّا في الفاسد فلكون العقد سببا للقبض الذي هو منشأ للضمان. فللعقد دخل في
الضمان في الصحيح والفاسد ، فالسببيّة ملحوظة في كليهما ومصحّحة لاستعمال الباء
فيهما في السببيّة.
وبالجملة :
فالعقد سبب ناقص للضمان والقبض متمّم له. ولذا لو تلف المبيع قبل القبض كان من مال
بائعه ، بل وكذا الثمن. هذا في العقد الصحيح. وفي الفاسد يكون العقد مع الاقدام
على القبض مصداقا لليد ، وسيأتي توضيحه.
(٢) وبناء على
الظرفية لا يستفاد من القاعدة كون الضمان مقتضى العقد أو هو
وإمّا لمطلق السببيّة الشامل للناقصة (١) ، لا العلّة التامّة ، فإنّ (٢)
العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان إلّا بعد القبض كما في السّلم والصّرف (*) ، بل
مطلق البيع ، حيث إنّ المبيع قبل القبض مضمون على البائع
______________________________________________________
مع القبض ، وهذا بخلاف كون «الباء» سببيّة ، إذ يجري البحث عن السببية
التامّة والناقصة ، كما عرفت.
(١) يعني : لا
خصوص السببيّة التامّة حتّى لا يكون القبض مؤثّرا في الضمان.
(٢) هذا تقريب
عدم كون العقد الصحيح علّة تامّة للضمان.
__________________
بمعنى أنّ دركه عليه (١) ، ويتداركه (٢) بردّ الثمن ، فتأمّل (٣).
وكذا (٤)
الإجارة والنكاح والخلع ، فإنّ المال في ذلك كلّه مضمون على من انتقل عنه إلى أن
يتسلّمه من انتقل إليه.
وأمّا (٥)
العقد الفاسد فلا يكون علّة تامّة
______________________________________________________
(١) خبر «أنّ»
والضمير راجع إلى البائع. وضمير «دركه» راجع إلى المبيع.
(٢) أي :
يتدارك البائع المبيع بردّ الثمن إلى المشتري.
(٣) لعلّه
إشارة إلى : أنّ الضمان ـ بمعنى تدارك مال الغير ـ أجنبي عن تلف المبيع قبل القبض
، لأنّ البيع ينفسخ حينئذ ، فيتلف المبيع في ملك مالكه وهو البائع ، وهذا ليس من
الضمان في شيء ، لأنّ التالف ملكه ، لا أنّ عليه تداركه من ماله.
وعلى هذا فما
أفاده بقوله : «بل مطلق البيع» ـ من جعل عقد البيع في جميع موارده جزء السبب
المضمّن وجزءه الآخر هو القبض ـ غير ظاهر ، وذلك لأنّ كون العقد سببا تامّا لضمان
المشتري ـ في غير بيع الصرف والسّلم ـ لا ينافي كون المبيع في ضمان البائع قبل
قبضه ، لفرض انفساخ هذا السبب التام بتلفه بيد البائع ، ومعه لا يبقى العقد الموجب
لضمان المشتري. وهذا بخلاف القبض في بيع الصرف والسّلم ، لدخله في سببيّة العقد
للضمان المعاوضي.
(٤) في كون
الضمان على من انتقل عنه ما لم يتسلّمه المنتقل إليه. فإذا تلفت الأجرة بيد المؤجر
ـ في إجارة الأعمال ـ تلفت منه لا من مال الأجير. وكذا الحال في تلف المهر بيد
الزوج ، وتلف عوض الخلع بيد الزوجة ، فالقبض في هذه الثلاثة جزء السبب المضمّن للطرف
الآخر.
(٥) هذا في
قبال قوله : «فإنّ العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان» وغرضه توجيه سببيّة العقد
الفاسد للضمان ، بناء على كون «الباء» سببيّة ، فإنّ العقد الفاسد يكون بحكم العدم
فكيف يوجب الضمان؟ ولذا تصدّى لتوجيه سببيّته بأحد وجهين :
أبدا (*) بل يفتقر في ثبوت الضمان إلى القبض ، فقبله لا ضمان. فجعل الفاسد
سببا إمّا (١) لأنّه المنشأ للقبض على (٢) وجه الضمان
______________________________________________________
الأوّل : أنّ
الضمان في العقد الفاسد وإن كان منوطا بالقبض ، إلّا أنّ الموجب للإقدام على القبض
هو العقد الفاسد ، فهو سبب السبب ، ومن المعلوم صحة إسناد الضمان إلى سبب السبب
كصحة إسناده إلى نفس السبب أي القبض.
الثاني : أنّ
العقد الفاسد بنفسه سبب ناقص للضمان ، وتتوقف عليّته التامّة على تحقق الشرط ، وهو
القبض على وجه الضمان لا مجانا. وعليه فالسبب مؤلّف من العقد الفاسد والقبض. وهذا
نظير بيع الصرف والسّلم ، إذ يتوقف الضمان ـ في العقد الصحيح ـ على قبض الثمن في
السّلم ، والتقابض في الصّرف.
والحاصل : أنّ
مطلق السببيّة الجاري في بعض العقود الصحيحة يجري في العقد الفاسد أيضا ، فلا مانع
من جعل «الباء» سببيّة ، هذا.
(١) هذا هو
الوجه الأوّل لتوجيه جعل «الباء» سببيّة في العقد الفاسد كالصحيح.
(٢) قيد للقبض
، يعني : القبض المبني على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ، في قبال القبض المبني على
المجّانية ، كما في الهبة والعارية الفاسدتين ، لعدم إقدام المتهب والمستعير على
ضمان ما قبضاه بالعقد الفاسد.
__________________
الذي هو سبب للضمان (*) ، وإمّا (١) لأنّه سبب (٢) الحكم بالضمان بشرط
القبض (**). ولذا (٣) علّل الضمان الشيخ وغيره «بدخوله على أن تكون العين مضمونة
عليه» . ولا ريب (٤) أنّ دخوله على الضمان إنّما هو بإنشاء العقد الفاسد ، فهو (٥)
سبب لضمان ما يقبضه.
______________________________________________________
(١) هذا هو
الوجه الثاني ، يعني : وإمّا لأنّ العقد الفاسد مقتض للحكم بالضمان بشرط كون القبض
على وجه الضمان لا على وجه المجانية ، وبهذا يكون العقد من أفراد مطلق السببيّة.
(٢) فالعقد هو
المقتضي للضمان ، لا أنّه سبب السبب كما كان في الوجه الأوّل.
(٣) أي : ولأجل
اشتراط الضمان بالقبض علّل شيخ الطائفة وغيره .. إلخ. وغرضه الاستشهاد بكلامهم على
صحة الوجه الثاني ، وأنّ العقد الفاسد من أفراد مطلق السببيّة ، إذ بالعقد الفاسد
يتحقق إقدام المتعاقدين على الضمان.
(٤) غرضه تطبيق
التعليل ـ الوارد في كلام الشيخ ـ على الوجه الثاني ، وهو أنّ الاقدام على الضمان
يكون بإنشاء العقد الفاسد.
(٥) يعني :
فإنشاء العقد الفاسد سبب لضمان ما يقبضه ، إذ لولاه لما وقع القبض على وجه الضمان
المقرّر عند المتعاقدين.
__________________
__________________
والغرض من ذلك
كلّه (١) دفع توهّم أنّ سبب الضمان في الفاسد هو القبض لا العقد الفاسد ، فكيف
يقاس الفاسد على الصحيح في سببيّة الضمان ، ويقال :
______________________________________________________
(١) أي : من
توجيه سببيّة العقد الفاسد للضمان بالوجهين المتقدمين ، وهما : كون العقد سبب
السبب ، أو سببا ناقصا. وغرضه من هذا البيان دفع توهّمين :
الأوّل : أنّ
جعل «الباء» للسببيّة في العقد الصحيح أمر معقول. بخلاف العقد الفاسد ، لعدم
تأثيره في ضمان المتعاقدين ، إذ تمام المؤثّر في الضمان هو القبض. وعليه فلا معنى
لأن يقال : «إنّ العقد الذي يضمن بسببه إن كان صحيحا يضمن بسببه إن كان فاسدا» لما
عرفت من عدم دخل العقد الفاسد في الضمان ، وعليه يتعيّن جعل الباء للظرفيّة ، هذا.
وقد دفعه
المصنف بصحة إطلاق «السبب» على العقد الفاسد ، إمّا لأنّه سبب السبب ، ومن المعلوم
أنّ سبب السبب سبب بمقتضى قياس المساواة. وإمّا لأنّه سبب ناقص ، ويكون مشروطا
بالقبض ، لا أنّ تمام السبب هو القبض كما زعمه المتوهّم.
الثاني : أنّ
مقتضى سببيّة «الباء» هو كون العقد علّة تامة للضمان ، من دون أن يكون للقبض دخل
فيها أصلا ، سواء أكان العقد صحيحا أم فاسدا. ومن المعلوم أنّ هذا الظهور ينافي ما
تقرّر عندهم من عدم تأثير العقد الفاسد في الضمان إلّا بالقبض. ولا يرتفع هذا
التنافي إلّا بتخصيص قاعدة «ما يضمن» بأن يقال : «كل عقد يضمن بسبب صحيحه يضمن
بسبب فاسدة ، إلّا العقد الفاسد قبل القبض» ويبقى للقاعدة موارد ثلاثة وهي العقد
الصحيح مطلقا مع القبض وبدونه ، والعقد الفاسد بعد القبض.
وقد دفعه
المصنّف قدسسره بأنّه لا موجب للتخصيص المزبور أصلا ، إذ لا يراد من
سببيّة العقد للضمان عليّته التامة حتى يقع التنافي المذكور ، بل المراد مطلق
السببيّة ولو الناقصة ، ولا يستند الضمان في العقد الفاسد إلى خصوص القبض حتى يبقى
مجال للتوهم. وعليه فالضمان مستند إلى العقد ، إمّا لأنّه علة العلة ، وإمّا لأنّه
مقتض وسبب ناقص له.
كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده؟ (١).
وقد ظهر من ذلك
(٢) أيضا فساد توهم أنّ ظاهر القاعدة عدم توقف الضمان في الفاسد على القبض ، فلا
بدّ من تخصيص القاعدة بإجماع ونحوه (٣) (*).
______________________________________________________
(١) يعني : مع
أنّه لا يضمن بنفس العقد الفاسد ، بل بالقبض المترتب عليه.
(٢) أي : من
تفسير سببيّة الضمان بقوله : «إمّا .. وإمّا» فإنّ السببية بأحد الوجهين المتقدمين
تدفع توهم عدم توقف الضمان في الفاسد على القبض ، كما عرفته آنفا.
(٣) كحديث «على
اليد» الظاهر في إناطة الضمان بالقبض. هذا تمام الكلام في الجهة الاولى ، وهي شرح
مفردات القاعدة.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
ثمّ إنّ المدرك
(١) لهذه الكلية على ما ذكره في المسالك ـ في مسألة الرهن المشروط بكون المرهون
مبيعا بعد انقضاء الأجل ـ هو إقدام الآخذ على الضمان.
______________________________________________________
مستند قاعدة «ما يضمن»
الأوّل : إقدام
المتعاملين
(١) هذا شروع
في تحقيق ما يمكن أن يستدل به على القاعدة ، وهو أمور ، قاعدة الاقدام ، وحديث «على
اليد» وقاعدة الاحترام ، وقاعدة نفي الضرر. وسيأتي بيانها مرتّبا إن شاء الله
تعالى.
الأوّل : قاعدة
الإقدام على الضمان التي ذكرها في رهن المسالك وتوضيحه : أنّه إذا رهن المديون
مالا عند المرتهن واشترط فيه كون العين المرهونة مبيعا بالدين إذا حلّ الأجل ولم
يؤدّ المديون دينه ، فهل يصحّ ذلك أم لا؟
ذهب الشهيد
الثاني قدسسره إلى أنّ الرهن والبيع فاسدان. أمّا الرّهن فلأنّه لا
يتوقّت إلّا بوفاء الدين ، لا بالأجل كشهر أو سنة مثلا. وأمّا البيع فلأنّه معلّق
على عدم وفاء الدين ، والتعليق مبطل ، ثم قال : «فلو قبضه المرتهن على هذا الوجه
ضمنه بعد الأجل ، لا قبله ، لأنّه في مدّة الأجل رهن فاسد ، وبعده مبيع فاسد.
وفاسد كل عقد يتبع صحيحه في الضمان وعدمه ، فحيث كان صحيح الرهن غير مضمون كان
فاسده كذلك. وحيث كان صحيح البيع مضمونا على المشتري ، ففاسده كذلك. والسّرّ في
ذلك ـ يعني في الضمان ـ أنّهما تراضيا على لوازم العقد ، فحيث كان مضمونا فقد دخل
القابض على الضمان. ودفع المالك عليه. مضافا إلى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (*).
__________________
__________________
ثم أضاف إلى ذلك (١) قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي».
والظاهر أنّه (٢)
تبع في استدلاله بالاقدام الشيخ في المبسوط ، حيث علّل الضمان في موارد كثيرة من
البيع والإجارة الفاسدين «بدخوله على أن يكون المال مضمونا عليه بالمسمّى ، فإذا
لم يسلم له المسمّى رجع إلى المثل أو القيمة» .
______________________________________________________
وغرض المصنّف قدسسره من الاستشهاد بكلام الشهيد الثاني أنّه قدسسره استدلّ على ضمان الرهن بعد الأجل بقاعدة «ما يضمن» ثم
استدل عليها بقاعدة الإقدام على الضمان. وعليه فمدرك قاعدة «ما يضمن» هو الإقدام.
(١) يعني : أنّ
الشهيد الثاني لم يقتصر ـ في مستند القاعدة ـ على الاقدام فحسب ، بل جعل الحديث
النبوي دليلا عليها أيضا.
(٢) يعني : أنّ
استدلال الشهيد الثاني بقاعدة الإقدام مسبوق باستدلال شيخ الطائفة بها ـ في موارد
عديدة ـ على الضمان.
__________________
__________________
وهذا الوجه لا
يخلو عن تأمّل (١) ، لأنّهما إنّما أقدما وتراضيا وتواطئا بالعقد الفاسد على ضمان
خاص (٢) ، لا الضمان بالمثل أو القيمة ، والمفروض عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان
الخاصّ (٣). ومطلق (٤) الضمان لا يبقى بعد انتفاء الخصوصية حتى يتقوّم بخصوصية
أخرى. فالضمان بالمثل أو القيمة إن ثبت فحكم شرعي تابع لدليله ، وليس ممّا أقدم
عليه المتعاقدان.
______________________________________________________
(١) ناقش
المصنّف قدسسره في الاستدلال بقاعدة الإقدام على قاعدة «ما يضمن» بوجوه
ثلاثة ، أحدها : منع صغروية العقد الفاسد لقاعدة الإقدام. ثانيها : منع الملازمة
بين الاقدام والضمان. ثالثها : منع قاعدة الإقدام كبرويّا ، بمعنى عدم كونها من
موجبات الضمان.
توضيح الوجه
الأوّل : أنّ الضمان في العقد المعاوضي ـ الممضى شرعا ـ يكون بحسب العوض المسمّى.
وفي العقد الفاسد بحسب البدل الواقعي. وعلى هذا نقول : بعدم صلاحية قاعدة الإقدام
للاستدلال بها ، وذلك لأنّ الضمان الخاصّ وهو ضمان المسمّى ـ الذي أقدما عليه
وتراضيا به ـ لم يسلم ، لفساد سببه أعني به العقد. والضمان الآخر ـ وهو ضمان البدل
مثلا أو قيمة ـ ممّا لم يقدما عليه ، فلو ثبت ضمان مع التلف لم يكن ذلك بقاعدة
الإقدام ، بل بدليل آخر.
فتوجيه الضمان
في العقد الفاسد بقاعدة الإقدام في غير محلّه ، إذ المقدم عليه ـ وهو الضمان
المعاوضي ـ غير واقع ، والواقع ـ أعني به الضمان بالمثل أو القيمة ـ غير المقدم
عليه ، كما هو ظاهر.
(٢) أي :
الضمان الجعلي ، كما إذا باع الكتاب بدينار ، وكان قيمته السوقية أزيد أو أقلّ من
الدينار.
(٣) ومن
المعلوم عدم العبرة بالإقدام على الضمان الجعلي ، لعدم إمضاء الشارع له ، فهذا
الاقدام يكون بحكم العدم.
(٤) إشارة إلى
توهّم ودفعه. أمّا التوهّم فهو : أنّ الاقدام على الضمان الخاص
هذا كلّه مع
أنّ (١) مورد هذا التعليل أعمّ من وجه من المطلب ، إذ قد يكون الاقدام موجودا ولا
ضمان كما قبل القبض (*) ، وقد لا يكون إقدام في العقد الفاسد مع تحقّق الضمان ،
كما إذا شرط في عقد البيع ضمان المبيع على البائع
______________________________________________________
وإن كان منتفيا من جهة فساد العقد. إلّا أنّ انتفاء الضمان الجعلي لا يوجب
انتفاء إقدامهما وتراضيهما على مطلق الضمان ، ضرورة عدم تواطئهما على المجّانيّة ،
ومن المعلوم أنّ مطلق الضمان ينصرف إلى البدل الواقعي. وعليه فلا بأس بجعل قاعدة
الإقدام على الضمان والدخول عليه مدركا لقاعدة «ما يضمن».
وأمّا الدفع
فهو : أنّ ما أقدم عليه المتعاقدان ضمان خاصّ ، وهو المعاوضيّ ، والمفروض انتفاؤه
بفساد العقد ، وينتفي مطلق الضمان أيضا ، والضمان بالبدل الواقعي يتوقّف على
الاقدام والرّضا به ، وهو غير حاصل حسب الفرض.
وعليه فثبوت
الضمان بالبدل الواقعيّ في العقد الفاسد منوط بدليل يدلّ عليه ، ولا ربط له بإقدام
المتعاقدين عليه.
(١) هذا هو
الوجه الثاني من المناقشة في استدلال الشيخ والشهيد الثاني قدسسرهما بقاعدة الاقدام ، وبيانه : أنّ النسبة بين المدّعى ـ وهو
قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ـ وبين الإقدام الذي استدلّا به عليه عموم من
وجه ، مع أنّه يعتبر كون الدليل مساويا للمدّعى أو أعمّ منه مطلقا. وهذا الضابط
مفقود في المقام ، ضرورة اجتماع الضمان والاقدام تارة وافتراقهما اخرى. فقد يكون
الاقدام متحققا ولا ضمان كما في تلف المبيع قبل القبض ، فإنّه يتلف من مال بائعه ،
مع أنّ المشتري أقدم على ضمانه بالثمن المسمّى في العقد الصحيح ، وليس بضامن له.
وقد لا يكون إقدام على الضمان ـ في العقد الفاسد ـ ومع ذلك يتحقق الضمان ، كما في
الأمثلة المذكورة في المتن :
__________________
إذا تلف في يد المشتري. وكما إذا قال : «بعتك بلا ثمن» أو : «آجرتك بلا
اجرة».
نعم (١) قوّى
الشهيدان في الأخير عدم الضمان ، واستشكل العلّامة في مثال البيع في باب السّلم (٢).
______________________________________________________
أحدها : البيع
بلا ثمن ، فإنّ المشتري لم يقدم على ضمان المبيع ، لفرض توافقهما على انتقال
المبيع إليه مجرّدا عن الثمن. مع أنّ جمعا حكموا بضمان المشتري ، وكون المبيع على
عهدته ، فلو تلف وجب عليه دفع بدله إلى البائع.
ثانيها :
الإجارة بلا اجرة ، كما إذا آجر المالك داره لزيد شهرا بلا أجرة ، فإنّ المستأجر
ضامن لاجرة المثل ، مع عدم إقدامه على الضمان.
ثالثها : شرط
ضمان المبيع على البائع إذا تلف عند المشتري : بأن يقول البائع : «بعتك هذا الكتاب
بدينار ، بشرط أن يكون تلفه عندك عليّ» فقبل المشتري.
فلو تلف عنده
لم يكن الضمان على البائع ، بل على المشتري ، مع أنّه لم يقدم عليه.
هذا كلّه في
موارد افتراق الضمان والاقدام. وأمّا مورد الاجتماع فكثير ، كما إذا باع الكتاب
بدينار بعقد صحيح ، وتلف بيد المشتري ، فإنّ الاقدام والضمان متحققان.
فالنتيجة : أنّ
النسبة بين المدّعى ودليله ـ وهو الاقدام ـ عموم من وجه ، وفي مثله لا يصح
الاستدلال.
(١) هذا
استدراك على جعل المثالين الأخيرين ـ وهما البيع بلا ثمن والإجارة بلا أجرة ـ من
موارد وجود الضمان بدون الاقدام عليه. ومحصّله : أنّ ضمان المشتري والمستأجر في
هذين المثالين ليس متّفقا عليه ، لذهاب الشهيدين قدسسرهما إلى عدم الضمان ، فالمسألة خلافية.
وعليه فمثال
وجود الضمان بدون الاقدام هو ضمان المشتري للمبيع التالف بيده ، مع شرط ضمانه على
البائع.
(٢) تقدم في (ص
٩٣ و ٩٤) توضيح المسألة ، ونقل كلام الشهيدين في الإجارة بلا أجرة ، وكلام
العلّامة في البيع بلا ثمن ، فراجع.
وبالجملة (١) :
فدليل الاقدام ـ مع أنّه (٢) مطلب يحتاج إلى دليل لم نحصّله ـ منقوض (٣) طردا
وعكسا (*).
______________________________________________________
(١) ظاهر
العبارة أنّها تلخيص ما تقدّم من الاشكال على الاستدلال بقاعدة الإقدام ، لكنّها
تتضمّن إشكالا ثالثا على القاعدة لم يسبق له ذكر ، وكان الأنسب تقديمه على
الإشكالين السابقين ، ومحصّله : أنّا نطالب الشيخ والشهيد الثاني قدسسرهما بالدليل على كون الاقدام من أسباب الضمان ، نظير سببية
إتلاف مال الغير واستيفاء منفعته والتسبيب ونحوها له. فلو أغمضنا عن الإشكالين
السابقين لم يتّجه أيضا جعل الاقدام مدركا لقاعدة «ما يضمن» لعدم إحراز اقتضائه
للضمان ، هذا.
(٢) هذا هو
الاشكال الثالث الذي أشرنا إليه من عدم الدليل على كون الاقدام من موجبات الضمان
وأسبابه.
(٣) النقض
بالطرد والعكس هو ما تقدّم في الاشكال الثاني ، والمراد بالطّرد منع الأغيار ، وهو
يقتضي انتفاء الضمان بانتفاء الاقدام ، مع أنّ الضمان موجود بدون الاقدام كما في
البيع بلا ثمن ونحوه. والمراد بالعكس جمع الأفراد ، بمعنى ثبوت الضمان في كلّ مورد
تحقّق فيه الاقدام ، مع أنّه قد يتحقق الاقدام ، ولا ضمان ، كما في البيع الصحيح
إذا تلف المبيع بيد البائع.
والحاصل : أنّ
قوله : «طردا وعكسا» إشارة إلى أنّ النسبة بين الدعوى والدليل عموم من وجه. ولعلّ
التعبير بالعكس والطرد في مثله لا يخلو من مسامحة.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
اللهم إلّا أن
يستدلّ على الضمان فيها (١) بما دلّ على احترام مال المسلم ،
______________________________________________________
الدليل الثاني :
قاعدة الاحترام
(١) أي : في
المنافع والأعمال المضمونة في الإجارة الفاسدة ، وهذا إشارة إلى دليل ثالث على
قاعدة «ما يضمن». وظاهر العبارة وان اقتضى الاستدلال على ضمان المنافع خاصة ، إلّا
أنّ الدليل ـ وهو احترام مال المسلم ـ عامّ ، لصدق الموضوع ـ أي المال ـ على
الأعيان والمنافع معا ، وإن كان صدقه على الأعيان أوضح.
وعلى هذا
فقاعدة الاحترام دليل على قاعدة «ما يضمن» مطلقا سواء أكان العقد على تمليك
الأعيان أم المنافع.
وكيف كان ،
فقاعدة الاحترام مصطادة من طوائف ثلاث من الأخبار :
الأولى : ما
دلّ على عدم حلّيّة مال المسلم لغيره إلّا عن طيب نفسه ، كمعتبرة سماعة وزيد
الشّحّام عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث : «انّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها
، فإنّه لا يحلّ دم امرء مسلم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولا ماله إلّا بطيبة نفس منه [نفسه]» .
وكرواية تحف
العقول عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنّه قال في خطبة حجّة الوداع : أيّها الناس (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، ولا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلّا عن طيب نفس منه» . ونحوهما ممّا ذكرناه في أدلّة لزوم المعاطاة ، فراجع .
وتقريب دلالتها
على الضمان : أنّ الحرمة المسندة إلى مال المسلم أو المؤمن يراد بها حرمة التصرف ،
ومن المعلوم أنّ التصرف في المال أعمّ من الخارجي كما في الأعيان المتموّلة التي
ينتفع بها بوجه من وجوه الانتفاع كالأكل والشرب واللبس ونحوها. ومن الاعتباري
كالبيع والصلح والهبة والوقف ونحوها. ولا ريب في أنّ الحرمة تكليفية في التصرّف
الخارجي ، ووضعية في الاعتباري. وحرمة المال تقتضي ضمان المتصرّف فيه ، هذا.
الثانية : ما
دلّ على أنّ حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، كمعتبرة أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : سباب المؤمن فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه معصية ،
وحرمة ماله كحرمة دمه» .
وتقريب دلالتها
على الضمان : أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم نزّل حرمة مال المؤمن منزلة حرمة دمه ، وعموم التنزيل
يقتضي ثبوت كل حكم ثبت للدم ـ من التكليف والوضع ـ للمنزّل وهو المال ، ومن
المعلوم أنّ الدم لا يذهب هدرا ، وهذا هو المناسب لمقام المسلم وعظم شأنه ، لا
مجرّد حرمة إراقة دمه تكليفا. فمقتضى عموم التنزيل
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ بعد عدم قرينة على خصوص الحكم التكليفي ـ احترام ماله بكلّ احترام لدمه ،
ومن الواضح أنّ احترام دمه بعدم إراقته وبدفع الدية ـ لو أهرق ـ حتى لا يذهب هدرا
، فكذا المال ، فينبغي ضمانه لو تلف بيد المتصرّف ، هذا.
الثالثة : ما
ورد فيها من التعليل بعدم صلاحية ذهاب حق أحد ، كمعتبرة الحلبي ومحمّد بن مسلم عن
أبي عبد الله عليهالسلام : «قال : سألته هل تجوز شهادة أهل ملّة من غير أهل
ملّتهم؟ قال : نعم ، إذا لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم ، إنّه لا يصلح
ذهاب حقّ أحد» .
وتقريب دلالة
التعليل هو : أنّ المراد بالحقّ أعمّ من الحقّ المالي وغيره ، لإطلاقه تارة على
المال كالخمس والزكاة ونحوهما ، كقوله تعالى (الَّذِينَ فِي
أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ، وكقوله عليهالسلام : «هلك الناس في بطونهم وفروجهم ، لأنّهم لم يؤدّوا
إلينا حقّنا». وأخرى على الحق المصطلح المقابل للحكم والملك ، كحقّ الوصيّة ، كما
ورد في موثقة سماعة ، قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن شهادة أهل الذمة؟ فقال لا تجوز إلّا على أهل ملّتهم
، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية ، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد» إذ المراد بالحق ـ في التعليل ـ هو حقّ الوصية الثابت
للمسلم.
وعلى هذا فيدلّ
التعليل على أنّه إذا ثبت حقّ شخص على غيره لم يصحّ ذهابه وفواته بغير عوض ، وهذا
معنى الضمان.
وقد تحصّل من
هذه الطوائف الثلاث حرمة مال المسلم وضمانه. ولمّا كان صدق «المال» على المنافع
والأعمال المحترمة حقيقيا كصدقه على الأعيان ، دلّت قاعدة الاحترام على قاعدة «ما
يضمن» مطلقا سواء أكان متعلق العقد عينا أم منفعة ، هذا.
__________________
وأنّه (١) لا يحلّ إلّا عن طيب نفسه ، وأنّ حرمة ماله كحرمة دمه ، وأنّه لا
يصلح ذهاب حقّ أحد.
مضافا إلى
أدلّة نفي الضّرر (٢) (*).
______________________________________________________
(١) هذا وقوله
: «وأنّ حرمة ماله» و «وأنّه لا يصلح» معطوفة على قوله : «احترام» عطف تفسير ،
فالمراد بالكلّ قاعدة واحدة وهي قاعدة الاحترام المستفادة من النصوص المتفرقة.
ويشهد لهذا قوله بعد أسطر ، «لقاعدتي الاحترام ونفي الضرر» فليس مقصود المصنف جعل
كلّ طائفة من الطوائف الثلاث دليلا مستقلّا على ضمان المنافع والأعمال.
الدليل الثالث :
قاعدة نفي الضرر
(٢) هذا إشارة
إلى دليل آخر على القاعدة ، وهو الأخبار المتضمّنة لنفي الضرر والضرار في الإسلام
، حيث إنّ تلف مال شخص ـ بلا عوض ـ عند غيره بدون إذن مالكه يوجب نقص ماله وتضرّره
، وكذا الحال في استيفاء منفعة الغير بدون أجرة.
ولا يخفى أنّ الاستدلال
بقاعدة نفي الضرر على المقام مبنيّ على كون مفاد عموم نفي الضرر نفيه مطلقا وإن
كان ناشئا عن عدم جعل الحكم كالمقام ، حيث إنّ المالك يتضرر من عدم حكم الشارع
بضمان المنفعة ، ومقتضى حكومة القاعدة على أدلّة الأحكام الأوّليّة نفيها ، سواء أكانت
وجوديّة كوجوب الوضوء الضرري ، أم عدميّة كعدم ضمان المستوفي لمنفعة مملوكة للغير
، فيحكم بالضمان لئلّا يتضرر المالك أو العامل.
__________________
.................................................................................................
__________________
وأمّا (١) خبر
اليد فدلالته وإن كانت ظاهرة (٢) ، وسنده منجبرا ، إلّا أنّ مورده مختصّ بالأعيان (٣)
(*) ،
______________________________________________________
الدليل الرابع : حديث
«على اليد ..»
(١) هذا إشارة
إلى الدليل الرابع على قاعدة «ما يضمن» وقد ورد ذلك في كلام الشهيد الثاني قدسسره ومحصّله : أنّ النبوي «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» لا
بأس به سندا ، لانجبار ضعفه بعمل المشهور ، إلا أنّه أخصّ من القاعدة ، لاختصاص
المأخوذ باليد بالأعيان ، لأنّها هي القابلة للأخذ. فتختصّ القاعدة بالعقود
المعاوضية الواقعة على الأعيان كالبيع والصلح المعاوضيّ والهبة المشروطة بالعوض ـ بناء
على تعميم الاقتضاء للشرط ـ ولا تشمل العقود الواقعة على المنافع كالإجارة الفاسدة
، لأنّها تمليك المنفعة ، وهي لا تؤخذ باليد ، وكذا الجعالة الفاسدة ، مع أنّ
قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» تشمل تمليك المنافع أيضا.
وعليه يكون
النبويّ أخصّ من المدّعى ، فلا وجه لاستدلال الشهيد الثاني قدسسره به على المقام.
(٢) يعني : أنّ
دلالة الحديث على الضمان ظاهرة ، لما تقدم من أنّ إسناد الظرف إلى مال ظاهر في
الضمان والتعهّد ، لا الحكم التكليفي.
(٣) لم يرد
لهذا الحديث مورد ، لعدم قرينة فيه على اختصاصه بالأعيان من سبق سؤال ونحوه.
والظاهر أنّ غرض المصنف قدسسره اختصاص الموصول بالأعيان بقرينة الأخذ باليد. والمنفعة
حيثيّة قائمة بالعين كمسكونيّة الدار ، ولا يمكن وضع اليد عليها حتى تصير مضمونة
على الآخذ.
__________________
فلا يشمل المنافع والأعمال (١) المضمونة في الإجارة الفاسدة. فكلّ (٢) عمل
وقع من عامل لأحد ـ بحيث يقع بأمره وتحصيلا لغرضه (٣) ـ فلا بدّ من أداء عوضه
لقاعدتي الاحترام ونفي الضرر.
______________________________________________________
(١) لا يخفى
صدق المنافع والأعمال على مثل خدمة العبد والأمة ، فإنّها منفعة وعمل ، إلّا أنّ
المراد هنا بالمنافع ما يقابل الأعمال ، فالمنافع نظير سكنى الدار وركوب الدابة ،
والأعمال المضمونة نظير الخياطة والنجارة والطبابة التي هي أفعال الآدمي. وعليه
فإذا استأجر دارا بإجارة فاسدة ، أو استأجر خيّاطا لخياطة ثوبه كذلك كان على
المستأجر أجرة المثل ، مع أنّ المنفعة غير قابلة للقبض باليد والاستيلاء عليها.
(٢) هذه نتيجة
دلالة قاعدتي الاحترام ونفي الضرر على ضمان منافع الأعيان وأعمال الأشخاص. لكن
الضمان مشروط بأن يكون العمل ـ كالخياطة والطبابة والكنس ونحوها ـ صادرا من العامل
مستندا إلى أمر المستأجر وتحصيلا لغرضه ، بأن يقول مالك القماش للخيّاط : «خطه
ثوبا أو قباء» فخاطه ولم يقصد التبرّع ، فإنّ له أجرة مثل عمله.
(٣) فلو كان
العمل مقابلا بالأجرة عرفا ، لكنّ العامل تبرّع بالعمل ـ ولم يأمره شخص آخر ـ لم
يكن عمله مضمونا بالأجرة. وكذا لا ضمان لو استند العمل إلى أمر الآمر ، لكنّه لم
يحصّل غرضه من الأمر ، كما لو أمره بصنع سرير فجعله منضدة مثلا.
هذا كلّه في
الوجوه المستدلّ بها على قاعدة «ما يضمن». وقد تحصّل وفاء ثلاثة منها بإثبات
الضمان ، وهي اليد ـ بالنسبة إلى العقود على الأعيان ـ والاحترام ونفي الضرر.
__________________
__________________
ثم (١) إنّه لا
يبعد أن يكون مراد الشيخ ومن تبعه (٢) ـ من الاستدلال على الضمان بالاقدام والدخول
عليه ـ بيان (٣) أنّ العين (٤)
______________________________________________________
وسيأتي استدارك
بعض الأعمال المضمونة عند عدم استيفاء الآمر منفعة العامل كالسبق في المسابقة
الفاسدة.
(١) غرضه توجيه
استدلال شيخ الطائفة والشهيد الثاني قدسسرهما بقاعدة الإقدام بنحو يسلم من مناقشة المصنّف قدسسره. وتوضيحه : أنّ المقتضي للضمان والموجب له عند تلف مال
الغير ـ من العين والمنفعة ـ هو قاعدة الاحترام ، وقاعدة اليد ـ بالنسبة إلى
الأعيان ، لكنهما ليستا تمام السبب للضمان ، ضرورة توقف وجود المقتضى على علّته
التامّة من المقتضي والشرط وعدم المانع ، والمانع هو تسليط المالك غيره على العين
مجّانا أو دفعها إليه أمانة ، أو تبرّع العامل بعمله ، فالتسليط بهذا النحو مانع
عن تأثير الاحترام واليد في الضمان.
وأمّا إذا دفع
المالك ماله إلى غيره بقصد أخذ عوضه ، وأقدم الآخذ على ضمانه بالعوض فقد تمّ سبب
الضمان وهو اليد والاحترام ، بضميمة انتفاء المانع.
وعليه فغرض شيخ
الطائفة من الاستناد إلى قاعدة الإقدام ليس إثبات سببيّتها التامّة للضمان ، بل
المقصود بيان عدم المانع عن تأثير مقتضي الضمان ، وهو وضع اليد على مال الغير
وقاعدة الاحترام. ولمّا لم تكن القاعدة دليلا مستقلّا لم يرد عليها ما تقدّم من المناقشة
فيها صغرى وكبرى.
(٢) كابن إدريس
، حيث قال في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد : «لأنّ البائع دخل على أن يسلم له الثمن
المسمّى في مقابلة ملكه ، فإذا لم يسلم له المسمّى اقتضى الرجوع إلى عين ماله ..
إلخ» . وكذا المحقق الثاني .
(٣) خبر «يكون».
(٤) كتسلّم
المشتري للمبيع ، فإنّه مبنيّ على دفع الثمن إلى البائع.
__________________
والمنفعة (١) اللذين تسلّمهما الشخص لم يتسلّمهما مجّانا وتبرّعا حتّى (٢)
لا يقضي (٣) احترامهما بتداركهما بالعوض ، كما في العمل المتبرّع به ، والعين
المدفوعة مجّانا (٤) أو أمانة (٥). فليس (٦) دليل الاقدام دليلا مستقلّا ، بل هو
بيان لعدم المانع (٧) عن مقتضي اليد في الأموال (٨) واحترام الأعمال.
______________________________________________________
(١) كتسلّم
منفعة الدار وهي السكنى فيها ، فإنّ المستأجر أقدم على تسلّمها في قبال الأجرة.
هذا في إجارة الأعيان ، وكذا الحال في إجارة الأعمال المحترمة.
(٢) هذا مترتب
على المنفيّ وهو التسلّم مجّانا وتبرّعا ، إذ لو كان تسليمهما من قبل مالك العين
والمنفعة تبرّعيّا لم يكن لهما احترام حتّى يلزم تداركهما بالعوض.
(٣) أي : لا
يحكم احترامهما بتداركهما بالعوض ، وكلمة «العين» مجرور عطفا على «العمل».
(٤) كما في
الهبة ، فإنّ تسليم العين مبنيّ على المجّانيّة ، فلا يضمن المتسلّم ـ وهو المتّهب
ـ العوض.
(٥) كما في
الوديعة والعارية.
(٦) هذه نتيجة
توجيه ما أفاده شيخ الطائفة قدسسره من جعل الاقدام دليلا على الضمان.
(٧) وهو
الاقدام على المجّانيّة ، حيث إنّه يمنع عن تأثير اليد ـ المستولية على الأعيان ـ في
الضمان.
(٨) المراد
بالأموال هنا هو خصوص الأعيان المتموّلة ، لتصريحه قدسسره باختصاص القاعدة بالأعيان. مضافا إلى قوله : «واحترام
الأعمال» لظهوره في مغايرة المعطوف للمعطوف عليه. وهذا لا ينافي إطلاق المال على
المنافع والأعمال في سائر الموارد.
نعم (١) ذكر في
المسالك كلّا من الاقدام واليد دليلا مستقلّا ، فيبقى عليه (٢) ما ذكر سابقا من
النقض (٣) والاعتراض (٤).
ويبقى الكلام (٥)
حينئذ في بعض الأعمال المضمونة التي لا يرجع نفعها إلى
______________________________________________________
(١) هذا
استدراك على قوله : «فليس دليل الاقدام دليلا مستقلا» وهو يتضمن أمرين :
أحدهما : أنّ
توجيهنا لكلام شيخ الطائفة قدسسره من جعل الاقدام بيانا لعدم المانع ـ لا دليلا مستقلا
على الضمان ـ لا يجري في كلام الشهيد الثاني قدسسره ، لظهور استدلاله على قاعدة «ما يضمن» بدليلين ـ وهما
الاقدام واليد ـ في كون كلّ منهما دليلا مستقلا على الضمان ، وهذا آب عن الحمل على
عدم المانع.
وعليه فالإشكال
على قاعدة الإقدام وارد على الشهيد ، ومندفع عن الشيخ.
ثانيهما : أنّ
إسقاط قاعدة الإقدام عن كونها دليلا مستقلا على الضمان قد يوجب الإشكال في ضمان
بعض الأعمال عند جمع ، مع أنّه لا يتّجه إثبات ضمانه بقاعدة الاحترام ، وسيأتي
بيانه.
(٢) يعني :
فيبقى على الشهيد الثاني قدسسره ما أورده المصنّف قدسسره عليه.
(٣) المراد به
النقض من حيث الطرد والعكس ، الناشئ من كون النسبة بين الاقدام والضمان عموما من
وجه.
(٤) المراد
بالاعتراض هو الإشكال الأوّل والثالث ، أي : منع صغرويّة الضمان في العقد الفاسد
لكبرى الاقدام ، ومنع كبرويّة سببيّة الإقدام للضمان.
(٥) يعني :
ويبقى الكلام في دليل الضمان ـ حين عدم كون الاقدام دليلا مستقلّا على الضمان ـ في
بعض الأعمال المضمونة. وتوضيحه : أنّ إثبات ضمان الأعمال المحترمة بقاعدة الاحترام
منوط بأمرين :
الأوّل : أن
يعود نفع عمل الغير إلى الضامن ، كتسليم القماش الى الخيّاط ليخيط ثوبا ، فيضمن
أجرته ، لانتفاعه بعمله.
الضامن ، ولم يقع بأمره ، كالسبق في المسابقة ، حيث حكم الشيخ (١)
______________________________________________________
الثاني : أن
يستند العمل ـ كالخياطة ـ إلى أمر من يضمنه ، بأن يقول للخيّاط : «خط هذا القماش
ثوبا» أو للنجار : «اصنع هذا الخشب سريرا» فالآمر ضامن للأجرة المسماة ، أو لأجرة
المثل. فلو أوجد العامل عملا تبرّعا منه لا بأمر من شخص ولم يعد نفعه إليه لم يكن
ضامنا.
وعلى هذا فإذا
تسابق شخصان على الخيل وعيّنا السبق كمائة دينار للسابق منهما ، وتبيّن بعد
المسابقة فساد العقد ، ففي المسألة قولان :
أحدهما : عدم
استحقاق السابق أجرة مثل عمله ، لعدم ما يوجب ضمان المسبوق ، إذ لم يعد نفع العمل
إلى المسبوق ، وإنّما المنتفع هو السابق ، لتدرّبه على فنون الحرب ، ولم يقع العمل
بأمر من المسبوق. وعلى هذا فلا مورد للنقض والاشكال ، إذ لا ضمان حتى يتفحّص عن
دليله.
ثانيهما :
استحقاق السابق اجرة المثل ، لقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» وحيث إنّ عقد
السبق والرماية ممّا يضمن بصحيحه فكذا بفاسده. وبناء على هذا القول يشكل إثبات
الضمان ، لعدم جريان قاعدة احترام الأعمال ، لانتفاء الأمر بالعمل ، ولعدم عود
النفع إلى غير السابق. وأمّا قاعدة الإقدام فالمفروض عدم كونها من موجبات الضمان
كما عرفت في توجيه كلام الشيخ قدسسره. فما الدليل حينئذ على وجوب بذل اجرة المثل إلى السابق
في المسابقة الفاسدة؟
(١) حيث قال ـ بعد
حكمه بعدم استحقاق المسمّى إذا فسد عقد المناضلة ـ ما لفظه : «وقال قوم : يستحق
اجرة المثل كالبيع والصلح والإجارة. وقال آخرون : لا يستحقّ شيئا ، لأنّه إنّما
يجب اجرة المثل في الموضع الذي يفوّت على العامل عمله ، وعاد به نفعه إلى الناضل.
كالقراض الفاسد يجب عليه مثل اجرة العامل ، لأنّه فوّت عليه عمله فيما عاد نفعه
إليه» . والمستفاد من سكوته وعدم الاعتراض على القول
__________________
والمحقق (١) وغيرهما (٢) بعدم استحقاق السابق اجرة المثل (٣). خلافا لآخرين
(٤).
______________________________________________________
بعدم استحقاق اجرة المثل ارتضاؤه له.
(١) قال قدسسره : «إذا فسد عقد السبق لم يجب بالعمل اجرة المثل ، ويسقط
المسمّى لا إلى بدل. ولو كان السبق مستحقا وجب على الباذل مثله أو قيمته» .
وفي كلامه
تفصيل بين كون منشأ الفساد اختلال الشرط ، وبين كونه عدم مملوكية العوض لمن يجب
عليه بذله.
(٢) كالشهيد
الثاني والمحقق الأردبيلي قدسسره .
(٣) وأمّا عدم
استحقاق «السبق» المسمّى فواضح ، إذ المفروض فساد العقد.
(٤) كالعلّامة ونجله فخر المحققين والمحقق الكركي قدسسرهم. قال في جامع المقاصد : «إذا فسدت المعاملة بعد
المسابقة من جهة العوض فللفساد طريقان ، أحدهما : أن يظهر كون العوض المعقود عليه
مما لا يملك في شرع الإسلام ، كما لو ظهر خمرا ، ففي استحقاق السابق على الباذل
شيئا قولان : أحدهما : لا يستحق شيئا ، اختاره نجم الدين بن سعيد .. الى أن قال :
وأصحّهما واختاره المصنّف هنا ـ أي في القواعد ـ وفي التذكرة وجوب اجرة المثل ،
لأنّ كل عقد استحق المسمّى في صحيحه ، فإذا وجد المعقود عليه في الفاسد وجب عوض
المثل. والعمل في القراض قد لا ينتفع به المالك ، ومع ذلك يكون مضمونا ، فيرجع إلى
أجرة المثل ، الى أن قال : الثاني : أن يكون سبب الفساد استحقاق العوض. ومقتضى
عبارة المصنف أنّ القول بسقوط المسمّى لا إلى بدل غير آت هنا. وهو ظاهر عبارة
الشرائع. ويلوح من عبارة التذكرة عدم الفرق.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وهو الصواب ، فإنّ الدليل في الموضعين واحد ، وكذا الفتوى.
إذا عرفت ذلك
فاعلم : أنّه مع ظهور العوض مستحقّا هل يجب مثله إن كان مثليّا ، وإلّا فقيمته ..
أم تجب اجرة المثل ، لأنّ العوض المسمّى إذا فات وجب قيمة العوض الآخر ، وهي أجرة
مثله كما في سائر المعاوضات؟ وجهان أصحّهما الثاني» .
والغرض من نقل
كلامه ـ المتضمّن لكلام العلّامة أيضا ـ هو وجوب اجرة المثل في المسابقة الفاسدة
سواء أكان فسادها لاختلال شرط الصحة كعدم كون العوض قابلا للتملّك شرعا ، فيبطل به
أصل العقد. أم كان فسادها لمغصوبيّة العوض ، لصحة العقد الفضولي وتوقفه على إجازة
المالك ، ولو لم يجز انتقل الى مثله أو إلى أجرة المثل على الخلاف (*).
__________________
__________________
ووجهه (١) أنّ عمل العامل لم يعد نفعه الى الآخر (٢) ولم يقع بأمره (٣)
أيضا ، فاحترام (٤) الأموال ـ التي منها الأعمال ـ لا يقضي بضمان الشخص له ، ووجوب
______________________________________________________
(١) يعني :
ووجه حكم الشيخ والمحقق بعدم استحقاق أجرة المثل في المسابقة الفاسدة هو عدم
انطباق قاعدة الاستيفاء عليها.
(٢) وهو من يجب
عليه بذل السّبق.
(٣) إذ لو وقع
عمل العامل بأمر من غيره اقتضى احترامه الضمان حتى إذا لم ينتفع الضامن بذلك العمل
، كما إذا أمره بكنس مسجد ، فإنّ الآمر وإن لم تعد منفعة العمل إليه ، لكنه يغترم
بمجرّد صدور العمل عن أمره.
(٤) غرضه أنّ
قاعدة الاحترام لا تجري في المسابقة الفاسدة ، كما لا يجري فيها قاعدة اليد
والاستيفاء ، فلو قيل بوجوب اجرة المثل فيها كان دليله قاعدة الاقدام لا غير ، مع
أنّ المصنّف أسقطها عن الدليلية وأرجعها إلى عدم المانع.
__________________
عوضه (١) عليه ، لأنّه (٢) ليس كالمستوفي له ، ولذا (٣) كانت شرعيّته على
خلاف القاعدة ، حيث إنّه بذل مال في مقابل عمل لا ينفع الباذل. وتمام الكلام في
بابه (٤).
ثمّ إنّه (٥)
لا فرق فيما ذكرنا من الضمان في الفاسد بين جهل الدافع بالفساد ، وبين علمه مع جهل
القابض (٦).
______________________________________________________
(١) أي : عوض
العمل على الآخر الذي لم يأمر بالعمل ولم ينتفع به.
(٢) أي : لأنّ
الآخر لم ينتفع ولم يستوف عمل الغير حتى يكون ضامنا بمقتضى قاعدة الاحترام.
(٣) أي : ولأجل
عدم المقتضي للضمان في مثل المسابقة الفاسدة كانت مشروعيّتها على خلاف القاعدة ،
لعدم بذل مال في مقابل عمل ينتفع به الباذل.
(٤) وهو كتاب
المسابقة إذا تبيّن فسادها بعد العمل.
هذا تمام
الكلام في الجهة الثانية المعقودة لبيان مدرك قاعدة «ما يضمن».
عدم اختصاص الضمان
بالجهل بفساد المعاملة
(٥) هذا إشارة
إلى الجهة الثالثة ، ممّا تعرّض له في شرح قاعدة «ما يضمن» وهي اختصاص الضمان بجهل
الدافع بفساد المعاملة ، وتعميمه لكلتا حالتي العلم والجهل به.
ولا يخفى أنّ
هذا البحث وإن كان له تعلّق بالقاعدة ، ولكنّه لا يختص بها ، بل يجري في ضمان
المقبوض بالعقد الفاسد سواء أكان الدليل على الضمان حديث «على اليد» أم حديث ضمان
قيمة ولد الأمة المسروقة ، أم قاعدة «ما يضمن» أم الإجماع المدّعى في بعض الكلمات.
وكيف كان
فينبغي الإشارة إلى أمر قبل توضيح المتن ، وهو : أنّ للمسألة صورا أربع ، وهي :
علمهما بالفساد ، وجهلهما به ، وعلم الدافع وجهل القابض ، وبالعكس. إلّا أنّ
المذكور في المتن هي الصور الثلاث الأول ، ولم يتعرّض لحكم صورة جهل الدافع
بالفساد مع علم القابض به ، ولعلّه اتّكالا على وضوحه.
(٦) الدليل على
عموم الضمان ما سيأتي في كلامه من إطلاق النص والفتوى ،
وتوهّم (١) «أنّ
(٢) الدافع في هذه الصورة هو الذي سلّطه عليه ، والمفروض
______________________________________________________
وعدم مقيّد له في البين.
(١) هذا تفصيل
في الضمان بين علم الدافع بالفساد وجهل القابض به ، وبين غيره. وهذا التفصيل
احتمله الشهيد الثاني قدسسره أوّلا ، لكنّه عدل عنه وقال : «والأقوى ثبوته ـ أي
الضمان ـ في جميع الصور» .
واختاره المحقق
الأردبيلي قدسسره بناء على مرجعيّة أصالة البراءة عن الضمان في المقبوض
بالعقد الفاسد ، لعدم حجيّة حديث «على اليد» ولا قاعدة «ما يضمن» فقال قدسسره : «وهو ـ أي عدم الضمان ـ مع الجهل بالفساد قويّ ، ومع
علم الآخر أقوى.
ومع علمه
بالفساد ـ وبعدم جواز تصرفه ووجوب حفظه ووجوب ردّه إلى مالكه معجّلا ـ كالمغصوب ،
وذلك قد يكون بعلمه بطلب من المالك على تقدير الفساد ، وعدم رضاه بكونه عنده ..
وأمّا مع الجهل بالفساد ـ سيّما في أمر غير ظاهر الفساد ، وكذا بعد العلم به ،
ولكن مع عدم العلم بوجوب الرّد ـ فالضمان غير ظاهر .. الى أن قال : نعم إذا علم
عدم الرضا إلّا بوجه البيع أو اشتبه ذلك ، يتوجّه جواز التصرّف ، والضمان على
تقدير فهم عدم الرّضا بالمكث عنده ، وكونه أمانة على تقدير غيره» .
وحاصله : أنّه قدسسره فصّل بين صورتي العلم بالفساد والجهل به ، فإن كانا
جاهلين فعدم الضمان قويّ. وإن كان الآخر ـ أي : الدافع ـ عالما والقابض جاهلا فعدم
الضمان أقوى. وإن كان القابض عالما بالفساد وبحرمة التصرّف في المقبوض بالعقد
الفاسد ، وبوجوب ردّه إلى مالكه معجّلا فهو ضامن كالغاصب.
(٢) هذا الوجه
مذكور في المسالك وإن لم يعتمد عليه. وحاصله : أنّ الدافع ـ مع علمه بالفساد وجهل
القابض به ـ سلّط القابض على المقبوض ، وأذن له في
__________________
أنّ القابض جاهل» (١) مدفوع (٢) بإطلاق النص والفتوى. وليس (٣) الجاهل
مغرورا ، لأنّه (٤) أقدم على الضمان قاصدا.
______________________________________________________
إتلافه والتصرف فيه مع علمه ببقائه على ملكه ، ولا موجب لضمان القابض
حينئذ.
(١) إذ لو كان
عالما بالفساد كان ضامنا بلا إشكال.
(٢) هذا خبر «توهّم»
ودفع للتوهّم المزبور وملخّص الدفع : أنّ إطلاق النص وهو «على اليد» وكذا إطلاق
الفتوى يثبت الضمان ويدفع الشك فيه.
(٣) إشارة إلى
وجه آخر لنفي الضمان ، وهو قاعدة الغرور ، بتقريب : أنّ الدافع مع علمه بالفساد
وجهل القابض به قد غرّه ، إذ لم يكن موظّفا بدفع المال إلى القابض ، ومع ذلك دفعه
إليه.
وببيان آخر :
قد تقرّر عندهم في باب الضمان «أنّ المغرور يرجع على من غرّه» كما إذا قدّم شخص
طعاما لضيفه بعنوان أنّه ملكه أو مأذون في تقديمه للضيف ، فتبيّن عدم كون المضيف
مالكا ومأذونا في التصرّف فيه ، فإنّ الآكل ضامن له. ولكنّه يرجع بقيمته على
الغارّ وهو المضيف. والوجه في الرجوع إلى الغارّ هو قاعدة الغرور.
والمدّعى
انطباق هذه القاعدة على المقام ، لأنّ الدافع العالم بفساد العقد أقبض ماله للطرف
الآخر ـ الجاهل بالفساد ـ بعنوان أنّ المال انتقل إلى القابض ، وأخذ عوضه من
القابض. وهذا الإقباض خدعة من البائع العالم بالفساد ، لأنّ المشتري يتخيّل صحة
المعاملة ووجوب الوفاء بها. ومن المعلوم أنّ إبقاء جهله وإعطاءه ما ليس بنظر
البائع مالا للمشتري نحو غرور وخدعة ، ولا وجه حينئذ لضمان المشتري لما تسلّمه من
البائع العالم بالفساد ، بل يرجع عليه بماله ، هذا.
(٤) أي : لأنّ
الجاهل. وهذا إشارة إلى دفع الوجه المزبور ـ وهو قاعدة الغرور ـ ومحصّله : عدم كون
المقام من صغريات هذه القاعدة ، وذلك لأنّ القابض الجاهل ـ كالمشتري ـ قد قبض
المال مع ضمانه بالمسمّى الذي يدفعه إلى البائع ، والعالم بالفساد
وتسليط (١) الدافع العالم لا يجعلها أمانة مالكيّة (٢) ، لأنّه (٣) دفعه
على أنّه (٤) ملك المدفوع إليه ، لا أنّه (٥) أمانة عنده أو عارية ، ولذا (٦) لا
يجوز له التصرّف فيه
______________________________________________________
إنّما سلّط القابض على المال بعنوان أنّه ملكه ، ولم يقصد عنوانا آخر من
الأمانة أو العارية ، فلا غرور في البين.
(١) هذا من
إضافة المصدر إلى الفاعل ، وغرض المفصّل الاستناد إلى : أنّ العالم بفساد العقد
إذا سلّط الآخر على ماله فقد أسقط حرمة ماله ، فلا وجه لضمان القابض.
وأجاب عنه
المصنّف قدسسره بما عرفت من أنّ مجرّد التسليط لا يساوق المجّانيّة
والاذن في التصرّف ، بل هو أعمّ فإن كان مقرونا بقصد الأمانة أو المجّانيّة لم
يضمن الآخذ ، وإن كان مبنيا على كون المال ملكا للآخذ ـ ولو تشريعا ـ كما هو
المفروض في البيع الفاسد كان ضامنا ، هذا.
(٢) حتى لا
يثبت الضمان ، إذ الأمانة المالكيّة كالشرعيّة رافعة للضمان.
(٣) تعليل لعدم
الأمانة المالكيّة ، وحاصله : أنّ المالك لم يدفع المال بعنوان الأمانة ، بل دفعه
إليه بعنوان كونه ملكا له.
(٤) هذا الضمير
وضميرا «دفعه ، أنّه» راجعة إلى «المقبوض» المستفاد من السياق.
(٥) معطوف على «على»
أي : لم يكن دفع المال إلى المدفوع إليه مبنيّا على الأمانة والعارية حتّى يسقط
الضمان.
(٦) أي : ولأجل
كون دفع المال مبنيّا على كونه ملكا للمدفوع اليه ـ لا بعنوان الأمانة ـ لا يجوز
للمدفوع إليه التصرف في المال ، ولا الانتفاع به. ولو كان عارية لجاز الانتفاع به
كما هو واضح.
هذا تمام
الكلام في المقام الأول وهو البحث عن دليلية قاعدة «ما يضمن» على ضمان المقبوض
بالبيع الفاسد.
والانتفاع به (*) وسيأتي تتمّة ذلك في مسألة بيع الغاصب مع علم المشتري (١).
______________________________________________________
(١) سيأتي في
الأمر الثالث ممّا ذكره في العقد المجاز ، حيث قال : «ثم إنّ هنا إشكالا في شمول
الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري بالغصب .. إلخ».
__________________
.................................................................................................
__________________
وأمّا عكسها (١)
وهو «أنّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» فمعناه (٢) : أنّ كلّ عقد لا يفيد
صحيحه ضمان مورده (٣) (*) ففاسده لا يفيد ضمانا ،
______________________________________________________
قاعدة : ما لا يضمن
بصحيحه لا يضمن بفاسده
(١) أي : عكس
قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» وقد تقدم (في ص ٥٧) المسامحة في التعبير
بالعكس كما لا يخفى ، فراجع.
وكيف كان فهذا
شروع في المقام الثاني ، وهو البحث عن الجهات المتعلقة بقاعدة «ما لا يضمن» واقتصر
المصنّف قدسسره هنا على جهات ثلاث ، الأولى : مدلول القاعدة ، الثانية
: موارد النقض عليها. الثالثة : مدرك القاعدة ومستندها.
وأمّا المباحث
المتقدمة في قاعدة «ما يضمن» ـ من معنى الضمان ، وكون عموم العقود أفراديا أو
أنواعيا أو أصنافيا ، واقتضاء ذات العقد للضمان أو كفاية اقتضاء الشرط له ـ فلا
حاجة إلى إعادتها ، لاشتراكها بين الأصل والعكس.
(٢) هذا شروع
في الجهة الأولى.
(٣) مورد العقد
ظاهر في نفس ما تعلّق به العقد ، وما هو مصبّه ، كالعين في عقد البيع ، والانتفاع
في العارية ، والمنفعة في الإجارة. لكن المراد به هنا بقرينة ما يأتي في
__________________
__________________
كما في عقد الرهن والوكالة والمضاربة والعارية غير المضمونة ، بل المضمونة
ـ بناء على أنّ المراد بإفادة الصحيح للضمان إفادته بنفسه (١) لا بأمر خارج عنه
كالشرط الواقع في متنه ـ وغير (٢) ذلك من العقود اللازمة والجائزة.
______________________________________________________
كلامه : «ثم إنّ مقتضى ذلك عدم ضمان العين ..» أعم منه وممّا يكون متعلّق
متعلّق العقد ، إذ لو لا هذا التعميم لا يستقيم عدم ضمان العين المستأجرة ، حيث
إنّ اليد تقتضي ضمانها ، فعدم ضمانها مبنيّ على تعميم متعلق العقد لمتعلق متعلقة.
فمورد نفس متعلق الإجارة هو المنفعة ، والعين تكون متعلق متعلق الإجارة. ففي
الإجارة الصحيحة ليست العين مضمونة ، وكذا في فاسدها.
(١) هذا متعلّق
بقوله : «بل المضمونة» وهو إشارة إلى ما مرّ من اقتضاء العقد بنفسه للضمان ، لا من
جهة الشرط الذي هو خارج عن ماهيّة العقد ، ويكون الضمان لأمر خارج عن حقيقته وهو
الشرط. فبناء على التعميم تندرج العارية المشروطة بالضمان في أصل القاعدة ، وبناء
على الاختصاص تندرج في العكس.
(٢) معطوف على «عقد
الرهن ..» والمراد بالغير هو العقود التي لا تتضمّن معاوضة كالهبة والوديعة.
__________________
ثمّ إنّ مقتضى
ذلك (١) عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا ، لأنّ صحيح
______________________________________________________
(١) المشار
إليه هو قوله في تفسير القاعدة : «أنّ كلّ عقد لا يفيد صحيحه ضمان مورد ففاسده لا
يفيد ضمانا» فمقتضى هذه القاعدة عدم ضمان العين المستأجرة في الإجارة الفاسدة ،
لأنّ الإجارة الصحيحة لا تفيد ضمان العين فكذا الفاسدة.
وغرضه قدسسره بيان أحد النقوض الواردة على قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه
لا يضمن بفاسده» ولكنّه خصّ هذه المسألة بالذّكر هنا ولم يجعلها في عداد النقوض
الآتية بقوله : «ثم إنّه يشكل اطراد القاعدة في موارد» ولعلّه لخصوصيّة في هذه ،
وهي ابتناؤها على الخلاف في أنّ المراد بالعقد في أصل القاعدة وعكسها هل هو خصوص
مصبّ العقد كالعين في باب البيع ، والمنفعة في باب الإجارة ، أم ما يعمّ متعلق
المتعلق؟
فإن قلنا
بالاختصاص لزم التفكيك بين العين والمنفعة في عقدي البيع والإجارة ، لكون العين في
البيع موضوعا لقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» والمنفعة موضوعا لقاعدة «ما لا
يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».
وينعكس الأمر
في باب الإجارة ، إذ المعوّض فيها هو المنفعة ، فتندرج في أصل القاعدة ، وتندرج
العين في العكس ، يعني «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».
وإن قلنا
بالتعميم أي : دخول العين في مصبّ الإجارة ، فلا ضمان في صحيحها وفاسدها. أمّا في
الصحيح فلأنّ مالك العين يلزمه تسليم العين للمستأجر ليستوفي منفعتها ، فهو مأذون
من قبل المالك ، ويده يد استحقاق. وأمّا في الفاسد فلإقدام المالك على تسليم العين
بدون ضمان.
وكيف كان فإذا
استأجر زيد من عمرو دارا عاما بمائة دينار ، فإن كانت صحيحة كان المستأجر ضامنا
للأجرة المسماة ، ولا يضمن نفس الدار ، فلو تلفت بيده ـ من دون تعدّ وتفريط في
الحفظ ـ لم يضمنها ، لكونها أمانة. وإن كانت الإجارة فاسدة ففي ضمانه قيمة الدار
قولان :
الإجارة غير مفيد لضمانها ، كما صرّح به (١) في القواعد والتحرير ، وحكي عن
التذكرة (٢) وإطلاق (٣) الباقي.
______________________________________________________
أحدهما :
الضمان ، وهو المصرّح به في كلام العلّامة السيّد الطباطبائيّ قدسسره .
والآخر : عدمه
، ولعلّه المشهور ، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.
(١) أي : بعدم
ضمان العين. قال العلّامة في القواعد : «العين أمانة في يد المستأجر لا يضمنها
إلّا بتعدّ أو تفريط ، في المدّة وبعدها إذا لم يمنعها مع الطلب ، سواء كانت
الإجارة صحيحة أو فاسدة» . والجملة الأخيرة صريحة في عدم ضمان العين المستأجرة
بالإجارة الباطلة شرعا. ونحوه عبارة التحرير .
(٢) الحاكي هو
السيد الفقيه العاملي قدسسره ، حكاه بتصرف في اللفظ ، قال في التذكرة : «إذا كانت
الإجارة فاسدة لم يضمن المستأجر العين أيضا إذا تلفت بغير تفريط ولا على عدوان ،
لأنّه عقد لا يقتضي صحيحه الضمان فلا يقتضيه فاسدة ، كالوكالة والمضاربة. وحكم كل
عقد فاسد حكم صحيحه في وجوب الضمان وعدمه ، فما وجب الضمان في صحيحه وجب في فاسده
، وما لم يجب في صحيحه لم يجب في فاسده. ولأنّ الأصل براءة الذمّة من الضمان ،
لأنّه قبض العين بإذن مالكها ، فلم يجب عليه ضمانها ، لعدم موجب له مع هذا القبض» .
(٣) الأولى أن
يقال : «وأطلق الباقي» ليكون مقابلا لقوله : «كما صرّح به في القواعد». وجعله
معطوفا على نائب فاعل «حكي» ـ ليكون مفاده حكي التصريح عن التذكرة كما حكي إطلاق
الباقي ـ لا بأس به وإن كان خلاف الظاهر. وقد حكى
__________________
إلّا أنّ صريح
الرياض (١) الحكم بالضمان ، وحكى (٢) فيها عن بعض «نسبته إلى المفهوم من كلمات
الأصحاب» والظاهر أنّ المحكي عنه هو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة (٣).
______________________________________________________
السيّد العاملي إطلاق الباقين ، فراجع .
وكيف كان
فالمقصود أنّ عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا يستفاد من تصريح العلامة ومن ظاهر غيره
ممّن أطلق عدم الضمان ، ولم يقيّده بالعقد الصحيح ، كالمحقق ، حيث قال : «والعين
المستأجرة أمانة لا يضمنها المستأجر إلّا بتعدّ أو تفريط» .
(١) قال في ذيل
ما ذكره في شرح قول المحقق قدسسره : «ويثبت أجرة المثل في كل موضع تبطل فيه الإجارة» ما لفظه : «والعين مضمونة في يد المستأجر مطلقا كما نسب
إلى المفهوم من كلمات الأصحاب. ولعلّه لعموم الخبر بضمان ما أخذته اليد» .
(٢) يعني :
وحكى السيّد الطباطبائي في الرياض نسبة الضمان إلى ما فهمه بعض من كلمات الأصحاب ،
والناسب هو المحقق الأردبيلي قدسسره.
(٣) قال المحقق
المذكور ما نصّه : «ثمّ إنّ الظاهر أنّ العالم كالغاصب لا يجوز له التصرف ، ولا
يستحق شيئا ، لما مرّ من أن الاذن إنّما علم بالعقد ، لاعتقاد أنّه صحيح ، ويلزم
الطرف الآخر ما يلزمه ، وقد بطل وهو عالم بالفرض ، فيبقى أصل المنع على حاله كما
قيل في البيع الباطل ، بل يفهم من كلامهم الضمان مع الجهل أيضا» .
وهذه الجملة
الأخيرة محلّ الاستشهاد بكلام المحقق الأردبيلي قدسسره ، حيث فهم من كلام الأصحاب ضمان العين المستأجرة.
__________________
وما أبعد (١)
ما بينه وبين ما عن جامع المقاصد ، حيث قال في باب
______________________________________________________
(١) يعني : وما
أبعد ما بين ما أفاده المحقق الأردبيلي قدسسره ـ من أنّ المفهوم من كلمات الأصحاب ضمان العين في
الإجارة الفاسدة ـ وبين ما أفاده المحقق الكركي قدسسره من أنّه يلوح من كلامهم عدم الضمان. وغرض المصنّف قدسسره التعجّب من استظهار هذين العلمين ، حيث ادّعى المحقق
الأردبيلي أنّ الضمان يفهم من كلامهم ، وادّعى المحقق الكركي ظهور كلامهم في عدم
الضمان.
وكيف كان
فيحتمل أن يكون اختلافهما في النسبة إلى الأصحاب ناشئا من الاختلاف في فهم معنى
قولهم : «كلّ ما يضمن بصحيحه .. إلخ» بأن يقال : إنّ المحقق الأردبيلي قدسسره فهم من هذه العبارة : أنّ مورد إثبات الضمان ونفيه عند
الأصحاب خصوص متعلّق العقد كالمنفعة في الإجارة ، فلا يعمّ العين المستأجرة ، فلا
بدّ حينئذ من الحكم بضمان العين لقاعدة اليد ، لعدم كون العين موردا للعقد.
والمحقّق
الثاني قدسسره فهم منها أنّ مورد النفي والإثبات عندهم ما يشمل مورد
العقد ومتعلّق المتعلّق ، فيعمّ العين المستأجرة ، فيتعارض اليد والقاعدة ، فيرجع
إلى البراءة.
والحاصل : أنّ
هنا قاعدتين إحداهما ـ وهي اليد ـ توجب الضمان ، والأخرى وهي قاعدة «ما لا يضمن
بصحيحه» تنفي الضمان. والاختلاف إنّما يكون في مفاد الثانية.
فإن كان مفادها
عند الأصحاب نفي الضمان عن خصوص مورد العقد ، فلا تشمل العين المستأجرة فاسدا كما
زعمه المحقق الأردبيلي. وعليه فمقتضى قاعدة اليد ضمانها.
وإن كان مفادها
عندهم نفي الضمان عن الأعمّ من مورد العقد كما استظهره المحقق الثاني من كلام
الأصحاب فلازمه نفي الضمان عن العين المستأجرة فاسدا ، إذا المفروض عدم اختصاص
قاعدة «ما لا يضمن» بنفس مورد العقد ، وشمولها لمتعلق متعلقة أيضا كالعين
المستأجرة ، فإنّ مورد العقد هو المنفعة دون العين.
الغصب : «إنّ الّذي (١) يلوح من كلامهم هو (٢) عدم ضمان العين المستأجرة
فاسدا باستيفاء (٣) المنفعة. والّذي ينساق إليه النظر (٤) هو الضمان ، لأنّ (٥)
التصرّف
______________________________________________________
لكنّه بناء على
تعميم مورد العقد لمتعلّق متعلقة تندرج الإجارة الفاسدة في قاعدة «ما لا يضمن»
فإنّ صحيح الإجارة لا يوجب ضمان العين ، وكذا فاسدها.
(١) العبارة
منقولة بتصرّف غير قادح في المقصود ، قال قدسسره : «وهل العين مضمونة بالاستيفاء؟ يلوح من كلامهم العدم.
والذي ينساق إليه النظر كونها مضمونة ، لأنّ التصرف في العين غير جائز ، فهو بغير
حق ، فيكون في حال التصرف استيلاؤه عليها بغير حق ، وذلك معنى الغصب ، إلّا أنّ
كون الإجارة الفاسدة ..»
إلى آخر ما في
المتن. وكلامه مشتمل على أنظار ثلاثة سيأتي بيانها.
(٢) هذا هو
النظر الأوّل المذكور في جامع المقاصد ، وهو نسبة عدم ضمان العين ـ في الإجارة
الفاسدة ـ إلى الأصحاب. وكان مبنى هذه النسبة تصريح العلّامة في القواعد والتحرير
والتذكرة بعدم الضمان.
(٣) متعلق ب «عدم
ضمان» يعني : أنّ استيفاء المنفعة وإن أوجبت ضمانها بأجرة المثل ، لكنّها لا تقتضي
ضمان العين.
(٤) أي : نظر
المحقق الثاني ، خلافا لما استظهره من كلام الأصحاب من عدم الضمان. وهذا ثاني
الأنظار في المسألة ، وهو إثبات ضمان العين المستأجرة بالإجارة الفاسدة ، لكونه من
موارد الغصب ، وهو محرّم شرعا ، ويترتّب عليه الضمان.
والوجه في حرمة
التصرّف هو فساد العقد حسب الفرض ، ولا إذن من المالك غير الإذن العقديّ ، فكما
يضمن المستأجر منفعتها المستوفاة فكذا يضمن العين لو تلفت بيده.
(٥) تعليل
للضمان ، وقد عرفته آنفا ، كما عرفت أن هذه الجملة ليست نصّ عبارة جامع المقاصد.
__________________
فيه (١) حرام ، لأنّه غصب فيضمنه» ثمّ قال : «إلّا أنّ (٢) كون الإجارة
الفاسدة لا يضمن بها كما لا يضمن بصحيحها مناف لذلك (٣) ، فيقال : (٤) إنّه (٥)
دخل على عدم الضمان بهذا الاستيلاء وإن لم يكن (٦) مستحقا ، والأصل براءة الذمة من
______________________________________________________
(١) كان
المناسب تأنيث هذا الضمير وضمير «فيضمنه» لرجوعهما إلى العين في الإجارة الفاسدة ،
وكذا تأنيث ضمير «لأنه» لو لم يرجع إلى التصرّف.
(٢) هذا شروع
في بيان النظر الثالث ، وهو الخدشة في الضمان ، وبيانها : أنّ قاعدة اليد وإن
اقتضت ضمان العين ، إلّا أنّها معارضة بقاعدة أخرى تقتضي عدم الضمان ، فيتم نظر
المشهور الّذين يلوح من كلامهم ذلك ، وتلك القاعدة هي «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن
بفاسده» بتقريب : أنّ الموجر أقدم على عدم الضمان ، حيث إنّه سلّط المستأجر على
العين بلا عوض عنها ، وإن لم يكن المستأجر مستحقا لها من جهة فساد العقد. فإن كان
الترجيح مع قاعدة «ما لا يضمن» فلا ضمان.
وإن كانتا
متكافئتين تساقطتا ، والمرجع أصالة براءة ذمة المستأجر عن بدل العين التي استوفى
منفعتها ، هذا.
(٣) أي :
للضمان الذي تقتضيه قاعدة اليد.
(٤) هذا تقريب
تطبيق قاعدة «ما لا يضمن» على الإجارة الفاسدة بالنسبة إلى العين ، ومحصّله :
الاقدام على تسليط المستأجر عليها بلا عوض عنها.
ويستفاد من هذا
الكلام أنّ الاقدام على التسليط بعوض يكون من موجبات الضمان ، فيكون المحقّق
الثاني موافقا لشيخ الطائفة وابن إدريس قدسسرهم في عدّ الاقدام من أسباب الضمان.
(٥) أي : أنّ
مالك العين أقدم على عدم ضمانها.
(٦) أي : وإن
لم يكن المستولي ـ وهو المستأجر ـ مستحقّا للعين مقدّمة للانتفاع بها ، ووجه عدم
استحقاقه لها فساد عقد الإجارة.
الضمان (١) ، فلا يكون العين بذلك مضمونة. ولو لا ذلك (٢) لكان المرتهن ضامنا
مع فساد الرهن ، لأنّ استيلاءه بغير حق ، وهو (٣) باطل» انتهى.
______________________________________________________
(١) إن كان
الأصل العملي في رتبة الدليل الاجتهادي أعني به قاعدة «ما لا يضمن» فيكون معاضدا
لها في تقدمها على قاعدة اليد. وإن كان متأخّرا عنها رتبة ـ كما هو الحق ـ فتكون
مؤيّدا ، أو مرجعا على تقدير تساقط القاعدتين بالتعارض.
(٢) أي : ولو
لا انطباق قاعدة «ما لا يضمن» على الإجارة الفاسدة بالنسبة إلى العين لكان المرتهن
.. إلخ.
وغرض المحقق
الكركي قدسسره من الاستشهاد بمسألة عدم ضمان العين المرهونة ـ في
الرهن الفاسد ـ هو تأييد مقالته من عدم ضمان العين في الإجارة الفاسدة ، لكونه من
موارد قاعدة «ما لا يضمن» وبيانه : أنّ مجرّد وضع اليد على مال الغير لا يقتضي
ضمانه ، بل يتوقّف على عدم إذن مالكيّ ولا شرعيّ ولا استيمان ولا معاوضة ، فلو كان
التسليط المالكيّ مبنيّا على عدم ضمان الآخذ لم تقتض يده ضمانا ، وهذا أمر مطّرد
في موارد :
منها : الرهن
الفاسد ، فإنّ استيلاء المرتهن على العين المرهونة يكون بغير حقّ حسب الفرض ، إلّا
أنّها لو تلفت بيده لم يكن عليه بدلها ، لأنّ الراهن سلّط المرتهن على ماله مبنيّا
على كونه وثيقة عنده ، لا بعنوان المعاوضة. وبهذا يندرج الرّهن في قاعدة «ما لا
يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» وتجري أصالة البراءة عن الضمان. ولو لا هذا لزم الحكم
بضمان الرّهن عملا بقاعدة اليد ، مع أنّهم حكموا بعدم الضمان ، أخذا بالقاعدة
وبالأصل.
(٣) يعني :
والحال أنّ ضمان المرتهن للعين المرهونة ـ في الرّهن الفاسد ـ باطل ، فكذا لا وجه
لضمان العين المستأجرة بالإجارة الفاسدة ، هذا تمام كلام المحقق الكركي قدسسره.
__________________
ولعلّ الحكم
بالضمان في المسألة (١) إمّا لخروجها (٢) عن قاعدة «ما لا يضمن» لأنّ المراد
بالمضمون مورد العقد ، ومورد العقد في الإجارة
______________________________________________________
(١) يعني :
ولعلّ حكم الأصحاب بالضمان في مسألة الإجارة الفاسدة ـ على ما نسبه المحقق
الأردبيلي إليهم ، وعدم عملهم فيها بقاعدة «ما لا يضمن» المقتضية لعدم الضمان ـ مستند
إلى أحد وجهين .. إلخ. وغرضه قدسسره من هذه الجملة إلى قوله : «وإمّا لأنّ قاعدة ما لا يضمن
معارضة بقاعدة اليد» توجيه الحكم بضمان العين بوجهين ذكرهما صاحب الجواهر قدسسره وإن تنظّر فيهما في آخر كلامه ، وسيأتي نقل بعض ما
أفاده.
وعلى كلّ منهما
يشكل ما تقدّم عن المحقق الكركي من ترجيح القول بعدم ضمان العين عملا بقاعدة «ما
لا يضمن» وبأصالة البراءة عن الضمان.
(٢) هذا هو
الوجه الأوّل للقول بضمان العين ، وهو مؤخّر ـ ذكرا ـ في الجواهر ، قال قدسسره : «على أنّه قد يقال : بعدم اندراج العين في قاعدة ما
لا يضمن ، فلا تعارض قاعدة اليد حينئذ ، وذلك لأنّ المراد من الإيجاب والسّلب فيها
ما كان مضمونا بسبب العقد ، وما لم يكن مضمونا كذلك. على معنى أنّ الضمان وعدمه
مورد العقد كالمنفعة في الإجارة ، والعين في الهبة. ولا ريب أنّ عدم الضمان في
العين المستأجرة لا مدخليّة للعقد فيه ، وإنّما هو لكونها أمانة ، فيدور الضمان في
الفاسد عليها ، لا من القاعدة المزبورة. وكذلك العين في العارية. فمع فرض عدم
الأمانة ـ لما سمعته من تقييد الإذن بالصحة ، والمفروض انتفاؤها ـ يتّجه ما نسباه
ـ يعني المحقق الأردبيلي وصاحب الرياض ـ إلى الأصحاب من الضمان .. إلخ» .
ومحصّل هذا
الوجه : عدم شمول قاعدة «ما لا يضمن» للعين تخصّصا ، بتقريب : أنّ المراد ب «ما
يضمن وما لا يضمن» ما وقع عليه العقد ، لا ما هو خارج عنه ويعدّ من حواشيه ،
كمتعلّق متعلّقه. فاستفادة حكمه منوطة بملاحظة سائر القواعد والأدلّة ، فإن اقتضت
الضمان قيل به ، وإن لم تقتضه قيل بعدم الضمان. هذا بحسب الكبرى.
__________________
المنفعة ، فالعين يرجع في حكمها إلى القواعد (١). وحيث كانت (٢) في صحيح
الإجارة أمانة مأذونا فيها شرعا ، ومن طرف المالك (٣) لم يكن فيه ضمان. وأمّا في
فاسدها فدفع الموجر للعين إنّما هو للبناء على استحقاق المستأجر لها ، لحقّ
الانتفاع فيها ، والمفروض عدم الاستحقاق (٤) ، فيده عليه (٥) يد عدوان موجبة
للضمان.
وإمّا (٦) لأنّ
قاعدة
______________________________________________________
وأمّا تطبيقها
على المقام فهو : أنّ مورد الإجارة ومتعلّقها هو المنفعة لا العين. فإن كانت
الإجارة صحيحة لم يضمنها المستأجر ، لكونها أمانة شرعيّة ومالكيّة ، أمّا الاذن
الشرعيّ فلوجوب تسليم العين للمستأجر من باب وجوب الوفاء بالعقد ليستوفي منفعتها.
وأمّا الاذن المالكيّ فلأنّ الموجر يأذن للمستأجر في الانتفاع بها ، وهو منوط
بتسليمها إليه. ومن المعلوم فقدان هذا الاذن في الإجارة الفاسدة. فيتحقق حينئذ
موضوع قاعدة اليد المقتضية للضمان ، وبهذا يتجه حكم صاحب الرياض قدسسره بالضمان ، هذا.
(١) من قاعدة
اليد واحترام مال المسلم ونفي الضرر وغيرها ، المقتضية للضمان ، أو قاعدة
الاستيمان المقتضية لعدمه.
(٢) أي العين.
وجواب الشرط قوله : «لم يكن فيه ضمان».
(٣) أمّا الاذن
الشرعيّ فلصحّة الإجارة شرعا المقتضية لكون العين أمانة لاستيفاء منافعها مدّة
الإجارة. وأمّا الاذن المالكيّ فلتسليمه إيّاها بطيب نفسه للانتفاع بها إذا توقّف
الانتفاع بها على التسليم.
(٤) لفساد
العقد.
(٥) الضمير
راجع إلى العين ، فالأولى تأنيثه.
(٦) معطوف على
قوله : «إمّا لخروجها» وهذا إشارة إلى ثاني الوجهين للحكم بضمان العين المستأجرة.
قال في الجواهر : «وإن كان قد يوجّه ـ يعني الضمان ـ على تقدير صحّة النسبة إلى
الأصحاب بما سمعت من عموم ـ على اليد ـ المعارض للقاعدة المزبورة من وجه ، ويرجّح
عليها بالنسبة المزبورة. ودعوى العكس باعتضادها
.................................................................................................
______________________________________________________
بقاعدة الأمانة يدفعها ما سمعته من الرياض أخيرا من أنّه إذا كان الدفع
بعنوان الصحّة ، لكون الاذن كالمقيّدة بذلك ـ أي بالصحّة ـ فمع الفساد ينكشف أن لا
إذن ، فلا تكون أمانة» .
ولا يخفى
ابتناء هذا الوجه على شمول قاعدة «ما لا يضمن» للعين المستأجرة وعدم اختصاصها
بمورد العقد ومصبّه ، إذ لو اختصّت القاعدة بمورد العقد ومتعلقة لم تكن العين
المستأجرة مندرجة فيها ، لعدم كونها أحد العوضين ، فهي خارجة موضوعا عن القاعدة.
وبناء على هذا
فتوضيح كون النسبة بين قاعدتي «اليد وما لا يضمن» عموما من وجه هو : أنّ قاعدة «اليد»
تجري في المغصوب والمقبوض بالبيع الفاسد ونحوهما ممّا يكون المضمون عينا ، وتقتضي
الضمان. وقاعدة «ما لا يضمن» تجري في العارية ونحوها من موارد الاستيمان ، فتقتضي
نفي الضمان. وتجتمع القاعدتان في العين المستأجرة بالإجارة الفاسدة ، فتنطبق قاعدة
اليد عليها ، لعدم كونها أمانة بيد المستأجر ، فتكون مضمونة. وكذلك تنطبق قاعدة «ما
لا يضمن» عليها ، وتحكم بعدم ضمانها ، لتبعية الإجارة الفاسدة لصحيحها ، فكما لا
تضمن العين في صحيحها فكذا في فاسدها.
وحيث كانت
النسبة عموما من وجه ، فإن كان لأحد العامّين مرجّح قدّم على الآخر ، وإن كانا
متكافئين تساقطا ويرجع إلى دليل ثالث. هذا بحسب الكبرى.
والمدّعى في
كلام صاحب الجواهر قدسسره تقديم قاعدة «اليد» في المجمع ـ المقتضية للضمان ـ على
قاعدة «ما لا يضمن» النافية له. والوجه في التقديم معاضدتها بفتوى الأصحاب بالضمان
، على ما نسبه المحقق الأردبيلي وصاحب الرياض قدسسرهما إليهم. ولا معاضد لقاعدة «ما لا يضمن» لأنّ قاعدة
الاستيمان النافية للضمان مخصوصة
__________________
«ما لا يضمن» معارضة بقاعدة اليد (١).
والأقوى (٢)
عدم الضمان ، فالقاعدة المذكورة غير مخصّصة (٣) بالعين
______________________________________________________
بما إذا كان دفع العين إلى المستأجر مبنيّا على صحة الإجارة لا مطلقا. هذا
توضيح كلام الجواهر.
ويحتمل أن يكون
غرض المصنّف قدسسره من هذا الوجه الثاني تقديم قاعدة اليد لكونها أخصّ
مطلقا من قاعدة «ما لا يضمن» ومن المعلوم أنّ التعارض بين العامّ والخاصّ المطلقين
بدويّ ، ويتعيّن التخصيص. فيقال : إنّ قاعدة «ما لا يضمن» تنفي الضمان عن العين في
الإجارة الصحيحة والفاسدة ، وقاعدة اليد تقتضي الضمان في الفاسدة ، فتكون «اليد»
مخصّصة لقاعدة «ما لا يضمن» وتبقى العين في الإجارة الصحيحة موضوعا لها ،
كموضوعيّة سائر العقود الأمانيّة لها.
(١) لا يخفى
قصور العبارة عن تأدية المراد ، فإنّ المقصود توجيه ضمان العين في الإجارة الفاسدة
، ومن المعلوم أنّ مجرّد تعارض القاعدتين ليس من أسباب الضمان ، إذ لو كانتا
متكافئتين تساقطتا ، والمرجع حينئذ هو أصالة البراءة عن الضمان كما تقدّم في كلام
المحقق الكركي قدسسره.
وعليه كان
الأولى أن يقال : «معارضة بقاعدة اليد ، لكنّها لأخصّيّتها تخصّص قاعدة ما لا يضمن»
كما يستفاد هذا التخصيص من قوله : «غير مخصّصة».
(٢) بعد أن
بيّن المصنف كلا دليلي الضمان وعدمه قوّى عدم الضمان ، للخدشة في الوجهين
المتقدمين عن الجواهر. ومقصوده قدسسره إثبات عدم الضمان بدليل اجتهادي وهو قاعدة «ما لا يضمن»
لا بالأصل العملي الذي ركن إليه المحقّق الكركي قدسسره.
(٣) هذا دفع
الوجه الثاني للضمان ، وهو تخصيص قاعدة «ما لا يضمن» بقاعدة اليد.
ومحصّل الدفع :
إباء قاعدة «ما لا يضمن» عن التخصيص بقاعدة اليد ، لما تقرّر في بحث تعارض
الدليلين من اشتراط التخصيص ببقاء العام على حيثيّة كونه قانونا ، وعدم لزوم
الاستهجان العرفي من كثرة التخصيص ، بحيث تبقى تحت العامّ أفراد
المستأجرة ،
______________________________________________________
نادرة ، فيمتنع التخصيص لو ترتّب محذور الاستهجان عليه. ولا فرق في هذا
الامتناع بين كون نسبة المتعارضين عموما مطلقا ومن وجه ، لاتّحاد الملاك في
كليهما.
وهذه الكبرى
منطبقة على المقام. أمّا بناء على كون النسبة عموما من وجه كما صرّح به صاحب
الجواهر قدسسره فلأنّ غالب العقود المندرجة تحت عموم «ما لا يضمن»
مشمولة لقاعدة اليد أيضا ، كالمضاربة والرهن والهبة ونحوها ممّا تقع على الأعيان ،
فلو بنينا على تقديم قاعدة اليد لزم اختصاص «ما لا يضمن» بالعارية غير المضمونة ،
وهذا في الحقيقة إلغاء لتشريعها بنحو ضرب القانون. وأمّا لو قدّمنا هذه القاعدة
على اليد لم يلزم هذا المحذور ، لبقاء موارد عديدة مندرجة تحت اليد المقتضية
للضمان كالمغصوب والمقبوض بالسوم وبالبيع الفاسد وغيرها.
وعلى هذا نقول
: إنّ العين المستأجرة بالإجارة الفاسدة باقية تحت قاعدة «ما لا يضمن» بعد البناء
على شمول القاعدة لمصبّ العقد ولمتعلّق متعلّقه.
وأمّا بناء على
كون النسبة عموما مطلقا فكذا يتعيّن تقديم القاعدة على اليد ، فإنّ الظاهر
أخصّيّتها من اليد ، دون العكس ، وذلك لورود هذه القاعدة مورد اليد ، نظير ورود
قاعدة التجاوز في مورد استصحاب العدم ، إذ البناء على فعل المشكوك فيه ـ كالرّكوع
والسجود ـ مخالف لاستصحاب عدم الإتيان به المقتضي لتداركه ، مع أنّهم بنوا على
تقديم القاعدة على الاستصحاب سواء كانا أمارتين أم أصلين محرزين ، أم مختلفين.
والوجه في تخصيص دليل الاستصحاب هو ورود القاعدة مورده بحيث يلزم لغويّة تشريعها
لو لا التخصيص.
وهكذا الحال في
المقام ، لأنّ غالب العقود التي تجري فيها قاعدة «ما لا يضمن» تجري فيها قاعدة
اليد ، ولا عكس. فتقديم قاعدة اليد المقتضية للضمان إلغاء لتشريع قاعدة «ما لا
يضمن».
هذا كلّه توضيح
عدم تخصيص قاعدة «ما لا يضمن» بقاعدة اليد. وعليه فالعين في الإجارة الفاسدة غير
مضمونة ، عملا بقاعدة «ما لا يضمن».
ولا متخصّصة (١).
______________________________________________________
(١) هذا إشارة
إلى ردّ أوّل الوجهين المتقدمين عن صاحب الجواهر قدسسره الذي كان حاصله خروج العين المستأجرة موضوعا عن قاعدة «ما
لا يضمن» فتشملها القواعد الأخر كقاعدة اليد الموجبة للضمان.
ومحصّل مناقشة
المصنّف قدسسره فيه هو : اندراج العين المستأجرة في قاعدة «ما لا يضمن»
وعدم خروجها عنها تخصّصا كعدم خروجها عنها تخصيصا.
والوجه في
بطلان التخصّص المزبور : أنّ المعوّض في إجارة الأعيان ـ كالدار ـ وإن كان هو
المنفعة ، إلّا أنّ الوفاء بالعقد يقتضي تسليم العين للمستأجر كي ينتفع بها ،
فالعقد يتضمّن شرطا ارتكازيّا متعارفا ، وهو جعل العين أمانة بيد المستأجر. وحيث
كان التسليط مالكيّا ومبتنيا على الأمانة كان خارجا عن قاعدة اليد ومندرجا في «ما
لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» لما تقرّر عندهم من انتفاء الضمان في موارد
الاستيمان.
فإن قلت : يختص
كون العين أمانة مالكيّة وشرعيّة ـ بيد المستأجر ـ بصحّة عقد الإجارة ، وأمّا مع
فسادها فلا ، إذ لا يستحقّها المستأجر حتى تكون أمانة عنده.
قلت : لا فرق
في قصد الاستيمان بين صحة الإجارة وفسادها ، فإنّ المالك يرى نفسه ملزما بالوفاء
بالشرط الضمني الارتكازي ، فيجعل العين أمانة بيد المستأجر ، ويكون اعتقاد صحة
العقد داعيا له إلى تسليم العين. فلو كانت الإجارة فاسدة لم تقدح في قصد المالك ،
وإنّما يلزم تخلّف داعيه إلى التسليم. وقد تقرر عندهم عدم العبرة بتخلّف الدواعي ،
كما إذا قدّم المضيف طعاما لضيفه معتقدا بأنّه عالم ، فتبيّن كونه جاهلا ، فلا ريب
في جواز الأكل ، لأنّه من قبيل تخلّف الداعي.
وقد تحصّل :
أنّ العين المستأجرة ـ فاسدة ـ غير مضمونة على المستأجر لو تلفت بيده ، لشمول
قاعدة «ما لا يضمن» لها ، ولا مخصّص لها في البين ، كما عرفت. فالأقوى وفاقا
للمحقق الكركي عدم الضمان ، لكن للقاعدة ، لا للأصل العملي.
هذا كله في
التخلّص عن النقض الأوّل من النقوض الواردة على القاعدة.
ثمّ إنّه يشكل
اطّراد القاعدة في موارد :
منها (١) :
الصيد الذي استعاره المحرم من المحلّ
______________________________________________________
الجهة الثانية :
موارد النقض على قاعدة «ما لا يضمن»
أ : النقض بعارية
الصيد
(١) هذا ثاني
النقوض التي أوردوها على قاعدة «ما لا يضمن» والنقض الأوّل ما تقدّم من الإجارة
الفاسدة على التفصيل المزبور.
ومحصّل هذا
النقض الثاني : أنّ العارية الصحيحة لا توجب الضمان ، مع أنّ فاسدها في الصيد الذي
استعاره المحرم من المحلّ يوجب الضمان. وفرض هذا النقض هو ما إذا لم يكن في الحرم
، لأنّ الصيد في الحرم غير جائز لغير المحرم أيضا. فالمسألة مفروضة فيما إذا كان
هناك شخصان ، أحدهما محرم خارج الحرم ، والآخر محلّ ، فصاد الثاني حيوانا واستعاره
المحرم منه ، فإنّه لا إشكال في وجوب إرساله عليه ، فإن أرسله فلا خلاف في ضمانه
لمالكه. وهذا خارج عن مورد البحث ، لكونه إتلافا ولو بإذن الشارع ، فلا ينتقض به
القاعدة ، لأنّ عدم الضمان في قاعدة «ما لا يضمن» مختص بالتلف ، فالاتلاف خارج
موضوعا عن حيّزها.
وإن أمسكه فإن
مات بآفة سماويّة أو كان طائرا فطار ـ وهذا هو مورد نقض قاعدة «ما لا يضمن» على
القول بفساد عارية الصيد للمحرم ـ ففيه خلاف بينهم ، فمنهم من ذهب إلى الضمان ، مع
أنّ صحيح العارية لا ضمان فيه ، ومنهم من قال بعدمه. بل يظهر من الجواهر عدم وجود مصرّح بالضمان في مفروض البحث أعني التلف
السماويّ ، وأنّ حكمهم بالضمان إنّما هو في صورة الإتلاف المترتب على الموت بعد
الإرسال.
قال في الشرائع
: «ولا يجوز للمحرم أن يستعير من محلّ صيدا ، لأنّه ليس له
__________________
بناء (١) على فساد العارية ، فإنّهم (٢) حكموا بضمان المحرم له بالقيمة ،
مع أنّ صحيح العارية لا يضمن به. ولذا (٣) ناقش الشهيد الثاني في الضمان على
تقديري الصحّة والفساد.
______________________________________________________
إمساكه ، فلو أمسكه ثمّ أرسله ضمنه ، وإن لم يشترط عليه ذلك في العارية» . فإنّ ظاهره ترتّب الضمان على الإرسال الذي هو إتلاف الصيد
، فلا يشمل ما نحن فيه وهو التلف.
(١) هذا ظاهر
في أنّ فساد استعارة المحرم مسألة خلافيّة كما ستأتي في عبارة المسالك. وعلى كلّ
فمنشأ الفساد هو النصوص الناهية عن إمساك الصيد والآمرة بتخلية سبيله. ومن المعلوم
اشتراط صحة العارية بحلّيّة الانتفاع بالعين المعارة.
(٢) هذا وجه
ورود النقض على قاعدة «ما لا يضمن» وقد عرفته آنفا.
(٣) يعني :
ولكون صحيح العارية لا يضمن به ناقش الشهيد في ضمان المحرم قيمة الصيد للمالك على
كلّ من تقديري صحة عقد عارية الصيد للمحرم وفساده ، لأنّها إن كانت صحيحة فلا ضمان
، وكذا إذا كانت فاسدة ، لقاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».
قال في المسالك
: «ومقتضى عبارة المصنّف رحمهالله وجماعة أنّه يضمنه مع التلف للمالك أيضا بالقيمة ،
لأنّهم جعلوها من العواري المضمونة ، وإن لم يشترط فيها الضمان. ودليله غير واضح ،
إذ مجرّد تحريم استعارته لا يدلّ على الضمان ، سواء قلنا بفساد العقد أم بصحّته.
أمّا مع صحّته
فالأصل في العارية عندنا أن تكون غير مضمونة ، إلّا أن يدلّ دليل عليه ، ولم
يذكروا هنا دليلا يعتمد عليه. وأمّا مع فسادها فلأنّ حكم العقد الفاسد حكم الصحيح
في الضمان وعدمه كما أسلفناه في مواضع قاعدة كليّة.
ويمكن
الاستدلال على ضمانه هنا بإطلاق النصوص بأنّ المحرم لو أتلف صيدا مملوكا فعليه
فداؤه لمالكه ، فيدخل فيه صورة النزاع. وفيه نظر ، لمعارضته بالنص
__________________
إلّا أن يقال (١)
: إنّ وجه ضمانه
______________________________________________________
الصحيح الدالّ على أنّ العارية غير مضمونة ، فكما يمكن تخصيص الأوّل بالصيد
المأخوذ بغير إذن المالك ، يمكن تخصيص الثاني بغير الصيد ، فالترجيح غير واضح» (*).
توضيح وجه نظره
: أنّه كما يمكن أن يقال بالضمان ، للنصوص الدالّة على «أنّ من أتلف صيدا مملوكا
فعليه فداؤه» الشاملة لمورد النزاع ، كذلك يمكن أن يقال بعدم الضمان ، لما دلّ على
أنّ العارية غير مضمونة. وكما يمكن تخصيص نصوص الفداء بالصيد المأخوذ بغير إذن
المالك ، فتخرج العارية عنها ، فلا ضمان في الصيد المعار ؛ فكذلك يمكن تخصيص ما
دلّ على عدم الضمان في العارية بغير الصيد ، ففي عارية الصيد ضمان ، ولم يظهر
ترجيح لأحدهما.
(١) هذا توجيه
لضمان قيمة الصيد المعار ، مع اقتضاء قاعدة «ما لا يضمن» عدمه. وحاصل التوجيه :
خروج عارية الصيد موضوعا عن حيّز قاعدة «ما لا يضمن» المختصة بالتلف. ووجه الخروج
كون الضمان للإرسال الذي هو بمنزلة الإتلاف ، فلا نقض على القاعدة.
ولتوضيح
التوجيه ينبغي تقديم أمرين :
الأوّل :
الالتزام بوجوب إرسال الصيد المعار ، كما هو المشهور ، بل في
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
جامع المقاصد : «لم أظفر إلى الآن بمخالف» وإن تأمّل هو فيه. قال العلّامة قدسسره : «لا يحل للمحرم استعارة الصيد من المحرم ولا من
المحلّ ، لأنّه يحرم عليه إمساكه ، فلو استعاره وجب عليه إرساله ، وضمن للمالك
قيمته. ولو تلف في يده ضمنه أيضا بالقيمة لصاحبه المحلّ ، وبالجزاء لله تعالى ، بل
يضمنه بمجرّد الإمساك» .
فلو قلنا بعدم
وجوب تخلية سبيله وجواز ردّه إلى المالك المعير لم يتّجه ضمان القيمة حتى يكون
مبنى النقض على قاعدة «ما لا يضمن». ويلوح من الشهيد الثاني قدسسره عدم تعيّن وجوب الإرسال ، قال قدسسره بعد التأمل في فساد عارية الصيد ما لفظه : «فعلى تقدير
قبضه له ـ أي قبض المستعير للصيد ـ إن ردّه على المالك لزمه الفداء لله تعالى ،
وبريء من حق المالك. وإن تلف في يده فلا شبهة في ضمانه لله تعالى ، لأنّه ثابت
عليه بمجرّد الإمساك ، كما في الصيد الذي ليس بمملوك» . فإنّ قوله : «وبريء من حقّ المالك» ظاهر بل صريح في
عدم ضمان القيمة بمجرّد الاستعارة ، فلا ضمان على تقدير ردّ الصيد إلى مالكه ،
وإنما يجب عليه الفداء والكفّارة.
والحاصل : أنّ
مبنى التوجيه المذكور في المتن هو استقرار القيمة على عهدة المحرم المستعير بمجرّد
قبض الصيد من المحلّ.
الثاني : أنّ
كون المستعير ضامنا لقيمة الصيد لمالكه مع فرض بقاء عينه ـ وعدم إرساله بعد ـ لا
بدّ أن يكون للجمع بين دليلين ، أحدهما : حرمة مال المسلم المقتضية لضمان ماله
بماله من الخصوصيّات الشخصيّة والصنفيّة والنوعيّة. وثانيهما : وجوب إرسال الصيد
وتخلية سبيله وحرمة تسليمه إلى المعير ، فإنّه أمر بإعدام خصوصيّته وشخصيّته.
فمقتضى الجمع
بينهما القول بإلغاء احترام الصيد ـ بعينه ـ رعاية لحقّ
__________________
ـ بعد البناء (١) على أنّه يجب على المحرم إرساله وأداء قيمته ـ أنّ
المستقر عليه (٢) قهرا (٣) بعد العارية هي القيمة ، لا العين (*). فوجوب دفع
القيمة ثابت
______________________________________________________
الخالق جلّت آلاؤه ، وبقاء ماليّته على عهدة المستعير رعاية لحق المخلوق.
إذا اتّضح ما
مهّدناه قلنا في تقريب توجيه المصنّف قدسسره : انّ ضمان الصيد ثابت بمجرّد استيلاء المحرم على العين
، حيث إنّه مأمور بالإرسال الذي هو إتلاف ـ ولو تنزيلا ـ ومورد قاعدة «ما لا يضمن»
هو التلف لا الإتلاف. فلا ينتقض القاعدة بضمان الصيد المستعار ، لخروجه عن القاعدة
موضوعا ، لما عرفت من أنّ موردها التلف ، لا الإتلاف الذي هو المفروض في عارية
الصيد.
(١) كما هو
المشهور. وأمّا بناء على تخيير المستعير بين الرّد إلى المالك ، وبين الإرسال
وضمان قيمة الصيد لم يتم هذا التوجيه. وهذا إشارة الى الأمر الأوّل الذي مهّدناه
لتوضيح المتن.
(٢) أي : على
المحرم.
(٣) يعني :
بحكم الشارع ، وهذا كأنّه خرق لقانون ضمان مال الغير ، إذ لم يعهد اشتغال الذمّة
بالبدل من المثل أو القيمة مع بقاء العين ، والتمكّن من إيصالها إلى المالك. ولا
بدّ أن يوجّه بأنّ الشارع أبقى ماليّة العين وألغى حرمة خصوصيّتها ، بالأمر
بإرساله ، كما أوضحناه في الأمر الثاني.
__________________
__________________
قبل التلف (١) بسبب وجوب الإتلاف الذي (٢) هو سبب لضمان ملك الغير في كلّ
عقد (٣) ،
______________________________________________________
(١) يعني : فلا
تنقض قاعدة «ما لا يضمن» بعارية الصيد ، لأنّ ضمان قيمته ثابت قبل التلف ومستند
إلى الأمر بإرساله ، الذي هو بمنزلة إتلافه ، ومن المعلوم أنّ الضمان المنفيّ في
قاعدة «ما لا يضمن» إنّما هو بعد التلف ، ولا منافاة بين ثبوت الضمان بالإتلاف وما
هو بحكمه ، وبين نفيه بالتلف.
(٢) صفة
للإتلاف ، لا للوجوب ، لأنّ المضمّن هو الإتلاف لا الأمر به ، لقولهم : «من أتلف
مال الغير فهو له ضامن».
(٣) المراد
بالعقد هو الذي يكون موضوعا لقاعدة «ما لا يضمن» فإنّ الإتلاف مضمّن فيه. وأمّا
العقد الموضوع لقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فالضمان بالقيمة الواقعيّة
ثابت بمجرّد التلف. ولمّا كانت العارية مندرجة في «ما لا يضمن» توقّف الضمان فيها
على الإتلاف. هذا توضيح ما أفاده المصنّف قدسسره.
ولا يخفى أنّ
توجيه الضمان بالإتلاف قد أفاده صاحب الجواهر قدسسره وإن خصّ الضمان بما إذا خلّى سبيل الصيد ، قال قدسسره : «ووجوب ذلك ـ أي إرسال الصيد ـ عليه لا ينافي ضمانه
لمالكه وإن أقدم ـ أي المالك ـ على إعارته لمن يكون تكليفه إتلافه بالإرسال ، فإنّ
ذلك لا يقتضي ذهاب حرمة ماله ، كما لا يقتضي إبطال
__________________
__________________
لا بسبب التلف (*).
______________________________________________________
سببيّته ـ أي الإتلاف ـ للضمان ، الحاصلة من عموم قوله : من أتلف مال غيره
فهو له ضامن ..» .
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
() () () ()
__________________
.................................................................................................
__________________
()
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
ويشكل (١)
اطّراد القاعدة أيضا في البيع فاسدا بالنسبة إلى المنافع التي لم يستوفها (٢) ،
فإنّ هذه المنافع (٣) غير مضمونة في العقد الصحيح ، مع أنّها
______________________________________________________
ب : النقض على
القاعدة بمنفعة المبيع فاسدا
(١) معطوف على «يشكل»
وهذا نقض ثالث على قاعدة «ما لا يضمن» ومحصّله : منع الملازمة بين البيع الصحيح
والفاسد في ضمان المنافع الفائتة ، مع أنّ مقتضى القاعدة تبعية العقد الفاسد
للصحيح في عدم الضمان.
وتوضيحه : أنّ
المشتري للمبيع ـ بالعقد الفاسد ـ إمّا أن يستوفي منافعه وينتفع به ، كما إذا اشترى
دارا فسكن فيها أو سيّارة فركبها ، ولا ريب في ضمانها ، لما سيأتي إن شاء الله
تعالى في الأمر الثالث مما يترتّب على المقبوض بالبيع الفاسد. وإمّا أن لا يستوفي
منافعها ، بل فاتت كما إذا لم يسكن في الدار مع قابليتها للسكنى. وهذه المنافع
الفائتة غير مضمونة في العقد الصحيح ، ومضمونة في الفاسد ، فإذا فسخ العقد الصحيح
بإقالة أو غيرها لم تكن منفعتها الفائتة مضمونة على المشتري ، وإنّما عليه تسليم
الدار للبائع وله استرداد تمام الثمن منه.
وأمّا إذا كان
البيع فاسدا فقد حكموا بأنّ المشتري كما يضمن العين ـ لو تلفت بيده ـ كذلك يضمن
بدل منفعتها الفائتة في المدّة التي كانت الدار تحت يده وسلطنته. وهذا الحكم
بالضمان مناف لقاعدة «ما لا يضمن» لأنّ عدم ضمان منافع المبيع بالبيع الصحيح يقتضي
عدمه في البيع الفاسد أيضا. مع أنّهم فرّقوا بين البيع الصحيح والفاسد ، وحكموا
بضمان المنفعة الفائتة في المقبوض بالبيع الباطل. وهذه التفرقة تكشف عن عدم كون «ما
لا يضمن» قاعدة كلّية حتى يرجع إليها في كلّ عقد لم يضمن بصحيحه ، هذا.
(٢) قد تقدّم
آنفا وجه تقييد المنافع بعدم استيفائها ، لوضوح أنّ المنافع المستوفاة مضمونة
بقاعدة الاستيفاء لا باليد ، فلا مورد للنقض بها على قاعدة «ما لا يضمن».
(٣) أي :
المنافع الفائتة.
مضمونة في العقد الفاسد.
إلّا أن يقال (١)
: إنّ ضمان العين يستتبع ضمان المنافع في العقد الصحيح والفاسد (٢). وفيه نظر (٣)
، لأنّ نفس المنفعة غير مضمونة بشيء في العقد
______________________________________________________
(١) هذا جواب
النقض ، ومحصّله : أنّه لا موضوع للنقض بالمنافع الفائتة ، وذلك لأنّها مضمونة في
عقد البيع سواء أكان صحيحا أم باطلا ، فهي داخلة في أصل القاعدة أعني به «ما يضمن
بصحيحه يضمن بفاسده». والوجه في ضمان المنافع مطلقا سواء استوفيت أم فاتت هو : أنّ
البيع وإن كان «تمليك عين بعوض» وظاهره خروج منافع العين عن مورد المعاملة ، إلّا
أنّ الصحيح ضمان منافعها أيضا. وذلك لكونها ملحوظة في مقام المعاوضة ومؤثّرة في
رغبة المشتري عند شراء العين ، بل لزيادة المنفعة وقلّتها دخل في قيمة العين ، كما
هو المشاهد من طريقة العقلاء في شراء الأعيان ذوات المنافع. وعلى هذا فنماءات
المبيع مضمونة على المشتري ، ويجب عليه ردّ عوضها إلى البائع إذا تبيّن فساد
البيع.
وهذا الجواب
وإن لم أظفر به بهذا النحو ـ من استتباع ضمان العين لضمان المنفعة ـ في الجواهر
وغيره ، لكن في بيان المحقق الكركي قدسسره ما يستفاد منه ضمان منافع المغصوب والمقبوض بالبيع
الفاسد ، حيث قال قدسسره في جواب إشكال عدم ضمان المنفعة ما لفظه : «لمّا كان
المجموع في مقابلة المجموع ، وفاتت المقابلة بفساد العقد كان كل منهما مضمونا
بجميع أجزائه ، نظرا إلى مقتضى المقابلة» . وظاهره تقسيط الثمن على العين والمنفعة ، وهذا مغاير
لما في المتن من الاستتباع الظاهر في كون الثمن بإزاء نفس المبيع وهو العين ،
وإنّما تضمن المنافع بالاستلزام والاستتباع ، فلاحظ.
(٢) يعني : فلا
يرد النقض ، إذ المفروض ضمان المنافع في العقد الصحيح والفاسد معا ، فهي من مصاديق
أصل القاعدة لا عكسها.
(٣) هذا ردّ
على استتباع ضمان العين لضمان المنافع في العقد الصحيح والفاسد.
__________________
الصحيح (١) ، لأنّ (٢) الثمن إنّما هو بإزاء العين ، دون المنافع.
______________________________________________________
وحاصل وجه النظر : أنّ الثمن يبذل بإزاء العين في العقد الصحيح من دون أن
يقع شيء منه بإزاء المنافع حتّى تكون مضمونة في العقد الصحيح. وعلى هذا فالمنافع
خارجة عن مورد العقد ، فالقاعدة غير متعرّضة لها ، بل يرجع في ضمانها إلى اليد أو
قاعدة الاحترام أو غيرهما ، فالنقض غير متوجّه ، لخروج المنافع عن مورد العقد ،
والقاعدة ناظرة إلى مورد العقد.
وبعبارة أخرى :
انّ منفعة المبيع وإن كانت ملحوظة للمشتري ومتعلقة لغرضه ، إلّا أنّها داعية له
على شراء العين ، ومن المعلوم الفرق بين الحيثية التقييدية كما إذا شرط في بيع الكتاب
خياطة ثوبه ، وبين الحيثية التعليلية الخارجة عن مصبّ العقد ، كداعويّة برودة
الهواء لاشتراء الألبسة الخشنة الحارّة لدفع برودة الشتاء.
والمناط في
الضمان هو الحيثيّة التقييدية دون التعليلية ، ولذا قالوا بأنّ تخلّف الداعي عن
المعاملة لا يوجب الخيار فيها ولا يبطلها. وعلى هذا فالمضمون في البيع الصحيح هو
نفس العين ، كما أنّ المضمون في الإجارة هو نفس المنفعة. فالجواب المذكور غير واف
بدفع النقض.
والصحيح في
التخلّص عنه أن يقال : إنّ المدار على الضمان وعدمه هو مصبّ العقد ، لا ما يتعلّق
به. ولمّا كان الثمن مقابلا بالمبيع لا بمنافعه لم تندرج المنافع في أصل قاعدة «ما
يضمن» كما زعمه المجيب عن النقض ، ولا في عكسها كما زعمه الناقض. فإن قلنا بضمانها
فبدليل آخر كقاعدة الاحترام. وإن قلنا بعدمه فللاقدام على تسليط المشتري على
المبيع لينتفع به ، هذا.
(١) يعني : لا
يقتضي نفس البيع الصحيح ضمان منفعة المبيع حتى يقتضيه فاسده ، فلو ضمنها المشتري
في البيع الفاسد كان لدليل آخر.
(٢) تعليل
لقوله «غير مضمونة» والمستفاد منه أمران ، أحدهما : المناقشة في جواب النقض ،
والآخر : ردّ أصل النقض. وقد تقدم توضيحهما آنفا بقولنا : «وحاصل وجه النظر : أنّ
الثمن يبذل بإزاء العين» وقولنا : «والصحيح في التخلّف عنه أن يقال ..».
ويمكن نقض (١)
القاعدة أيضا (٢) بحمل المبيع فاسدا (٣) ، على ما صرّح به (٤)
______________________________________________________
ج ـ النقض على
القاعدة بحمل المبيع فاسدا
(١) هذا نقض
رابع على قاعدة «ما لا يضمن» وتوضيحه : أنّه إذا تبايع زيد وعمرو حيوانا حاملا ـ كشاة
مثلا ـ بعشرة دنانير ، فإمّا أن يكون المبيع مؤلّفا من الحمل والحامل بأن يقسّط
الثمن على كليهما ، وإمّا أن يكون المبيع خصوص الأمّ ، ويبقى الحمل أمانة عند
المشتري إلى أن يولد ، فيسلّمه إلى البائع.
فإن كان البيع
صحيحا فلا كلام على كلا التقديرين. وإن كان فاسدا توجّه التفصيل بين الفرضين ،
فبناء على الأوّل ـ وهو كون المبيع كليهما ـ يكون المشتري ضامنا لكلّ من الحمل
والأمّ لو تلفا أو تلف أحدهما.
وبناء على
الثاني ـ أي كون المبيع خصوص الأمّ ـ فمقتضى القاعدة عدم ضمان الحمل لو تلف عند
المشتري ، لأنّه ممّا لم يضمن في البيع الصحيح ، فيلزم أن لا يضمن في البيع الفاسد
أيضا ، مع أنّ جماعة حكموا بضمان هذا الحمل التالف. وهذا نقض على قاعدة «ما لا
يضمن».
نعم بناء على
عدم ضمان الحمل ـ كما ذهب إليه جمع ـ لم يرد نقض على القاعدة ، هذا.
(٢) يعني : كما
أمكن نقض القاعدة بما تقدّم من الموارد الثلاثة.
(٣) متعلّق
بالمبيع ، يعني : المبيع بالبيع الباطل.
(٤) اي : بضمان
الحمل. قال شيخ الطائفة قدسسره : «من غصب جارية حاملا ضمنها وحملها معا. وولد المشتراة
شراء فاسدا مثل ذلك» . والشاهد في قوله : «وولد المشتراة» حيث إنّه قدسسره حكم على الجارية المشتراة بالشراء الفاسد بالضمان ،
سواء بالنسبة إليها وإلى حملها. وبهذا يتّجه النقض على قاعدة «ما لا يضمن».
__________________
في المبسوط والشرائع (١) والتذكرة (٢) والتحرير «من كونه مضمونا على
المشتري» خلافا للشهيدين (٣)
______________________________________________________
(١) قال المحقق
قدسسره : «وغصب الأمة الحامل غصب لولدها ، لثبوت يده عليها
وكذا يضمن حمل الأمة المبتاعة بالبيع الفاسد» .
(٢) قال
العلّامة قدسسره فيها : «إذا اشترى شراء فاسدا وجب عليه ردّه على مالكه
، لعدم خروجه عنه بالبيع. وعليه مئونة الرّدّ كالمغصوب .. ولو زادت العين في يد
المشتري زيادة منفصلة كالولد والثمرة ، أو متصلة كالسمن وتعلّم الصنعة وجب عليه
ردّ الزيادة أيضا ، لأنّها نماء ملك البائع ، فيتّبع» .
والشاهد في جعل
الولد نماء مضمونا للمبيع بالبيع الفاسد. وكذلك جزم العلّامة بضمان الأمّ والحمل
في التحرير والإرشاد .
(٣) قال الشهيد
قدسسره : «وغصب الحامل غصب الحمل. أمّا حمل المبيع فاسدا أو
المستام فلا ضمان فيه. وقال الفاضل : يضمن الحمل في البيع الفاسد. ولعلّه أراد مع
اشتراط دخوله» .
أقول : وبهذا
الاشتراط صرّح العلّامة في الإرشاد ، حيث قال : «ولو باع الحامل فالولد له ، إلّا
أن يشترطه المشتري» . فلعلّ الشهيد أراد إطلاق حكم العلّامة في التذكرة
والتحرير بضمان الحمل في المبيع بالبيع الفاسد ، لا إطلاق كلامه في سائر كتبه.
وكذا المحقق في الشرائع .
__________________
والمحقق الثاني (١) وبعض آخر (٢)
______________________________________________________
وقال الشهيد
الثاني قدسسره في المسالك ـ بعد حكمه بضمان حمل الأمة المغصوبة ـ ما
لفظه : «وأمّا ضمان حمل الأمة المبتاعة بالبيع الفاسد فإنّما يتم مع دخوله معها في
البيع ، إمّا تبعا كما يقوله الشيخ ، أو مع الشرط. أمّا لو لم يكن داخلا لم يتّجه
ضمانه ، لأنّه مقبوض بإذن المالك ، وليس مبيعا فاسدا حتى يضمن بفاسده كما يضمن
بصحيحه .. وقد اختلف كلام العلّامة في المسألة. ففي التحرير جزم بضمان الأمة
والحمل معا كما ذكره المصنّف ـ يعني المحقّق ـ وفي القواعد جزم بعدم ضمان الحمل.
وهو الأصحّ. ولا إشكال مع دخوله في البيع» .
وقال في الروضة
: «وغصب الحامل غصب للحمل ، لأنّه مغصوب كالحامل ، فالاستقلال باليد عليه حاصل
بالتبعيّة لامّه. وكذلك حمل المبيع فاسدا حيث لا يدخل في المبيع ، لأنّه ليس مبيعا
، فيكون أمانة في يد المشتري ، لأصالة عدم الضمان ، ولأنّ تسلّمه بإذن البائع. مع
احتماله ، لعموم على اليد» .
واحتماله
الضمان غير مذكور في عبارة المسالك المتقدمة.
(١) قال قدسسره في شرح قول العلّامة في القواعد : «ويضمن حمل الغصب لا
حمل المبيع فاسدا» ما لفظه : «أمّا حمل الغصب فإنّه مغصوب كالأصل. وأمّا حمل
المبيع فإنّه ليس مبيعا ، إذ لا يندرج الحمل في بيع الامّ ، فيكون أمانة في يد
المشتري ، لأصالة عدم الضمان ، ولأنّ تسلّمه بإذن المالك الذي هو البائع» .
(٢) كالمحقق
الأردبيلي قدسسره . وقال السيد الفقيه العاملي قدسسره بعد سرد أسماء المذكورين في المتن : «ولعلّه ـ أي عدم
الضمان ـ قضية كلام الباقين إلّا
__________________
تبعا للعلّامة قدسسره في القواعد (١). مع أنّ (٢) الحمل غير مضمون في البيع
الصحيح بناء على أنّه للبائع (٣). وعن الدروس (٤) توجيه كلام العلّامة بما إذا
اشترط الدخول في البيع. وحينئذ لا نقض على القاعدة (٥).
______________________________________________________
من ستعرفه» .
(١) تقدّمت
عبارة القواعد آنفا. وبالجملة فبناء على القول بعدم ضمان الحمل في بيع الحامل ببيع
فاسد لا يتّجه النقض على قاعدة «ما لا يضمن».
(٢) هذا هو
النقض على القاعدة بناء على قول شيخ الطائفة والمحقّق وغيرهما من ضمان حمل المبيع
فاسدا كضمانه بالغصب ، مع عدم ضمانه في البيع الصحيح ، لكون تمام الثمن بإزاء
الحامل ، وعدم تقسيطه عليها وعلى الحمل.
(٣) إذ لو كان
الحمل للمشتري ـ في البيع الصحيح ـ كان مضمونا عليه ببعض الثمن ، لكونه جزءا
للمبيع.
(٤) غرضه قدسسره من نقل توجيه الشهيد قدسسره هو سلامة قاعدة «ما لا يضمن» عن النقض بحمل المبيع
فاسدا ، ومحصّل التوجيه : أنّ مورد حكم العلّامة ـ في ما عدا القواعد من كتبه ـ بضمان
الحمل في بيع الحامل فاسدا هو ما إذا اشترط المشتري على مالك الامّ بجزئيّة الحمل
لها ، كما إذا قال : «أشتري هذه الشاة الحامل على أن تكون سخلتها لي» وقبل البائع
، فإنّ المشتري يضمن كلّا منهما بالضمان المعاوضي ، بمعنى وقوع بعض الثمن بإزاء
الأم وبعضه بإزاء الحمل. وإذا تبيّن فساد العقد كان الضمان لأجل تخلف الشرط ، لا
لاقتضاء ذات العقد.
(٥) لأنّ الحكم
بالضمان مع الشرط إنّما يكون لأجل الشرط ، لا لاقتضاء ذات العقد. ومن المعلوم أنّ
مورد القاعدة هو اقتضاء نفس العقد للضمان وعدمه ، لا لأمر خارج عن حقيقته كالشرط ،
فيخرج عن موضوع القاعدة أصلا وعكسا. فلا نقض.
__________________
ويمكن النقض
أيضا بالشركة الفاسدة (١) (*) ،
______________________________________________________
د ـ النقض على
القاعدة بالشركة الفاسدة
(١) هذا نقض
خامس على قاعدة «ما لا يضمن» وهو الفرق بين الشركة الصحيحة والفاسدة. وتقريبه :
أنّ الشركة الفاسدة توجب الضمان وحرمة التصرف في المال المشترك ، مع أنّ الشركة
الصحيحة لا توجب الضمان ، فينتقض قاعدة «كلّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»
بالشركة الفاسدة.
لكن هذا النقض
إنّما يتوجّه بناء على عدم جواز التصرّف بسبب الشركة الفاسدة في المال المشترك ،
لانتفاء الاذن في التصرّف مع فساد الشركة. كما أنّ الوجه في جواز التصرف بقاء
الاذن فيه.
ومنشأ الوجهين
أنّ تقييد الإذن بالشركة هل هو بنحو وحدة المطلوب أم تعدده؟ فعلى الأوّل لا يجوز ،
وعلى الثاني يجوز ، فلا نقض ، لوجود الاذن الرافع للضمان ، كعدم الضمان في الشركة
الصحيحة.
__________________
بناء (١) على أنّه لا يجوز التصرّف بها ، فأخذ المال المشترك حينئذ (٢)
عدوانا (*) موجب للضمان (٣).
______________________________________________________
(١) إذ بناء
على إذن كلّ واحد من الشركاء لغيره في التصرّف في المال المشترك مطلقا ـ حتّى مع
العلم بفساد الشركة ـ لم يرد نقض على القاعدة ، فالنقض مبني على وحدة المطلوب
وتقيّد الاذن في التصرّف بخصوص الشركة الصحيحة شرعا.
(٢) أي : حين
فساد الشركة وانتفاء الاذن.
(٣) فتنقض
قاعدة «ما لا يضمن» إذ لا ضمان في الشركة الصحيحة ، مع أنّ في فاسدها الضمان.
هذا تمام
الكلام في الجهة الثانية ممّا يتعلق بقاعدة «ما لا يضمن» وسيأتي الكلام في الجهة
الأخيرة ، وهي دليل الاعتبار.
__________________
ثم إنّ مبنى
هذه القضية السالبة (١) ـ على ما تقدّم من كلام الشيخ في المبسوط ـ هي الأولويّة (٢).
______________________________________________________
الجهة الثالثة :
مستند قاعدة «ما لا يضمن»
أ : الأولويّة
(١) أي : قاعدة
«ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» وقد أحسن المصنّف قدسسره في التعبير بالقضيّة السالبة الموافق للصناعة ، دون
العكس لما مر من كون التعبير بالعكس مبنيّا على المسامحة. وكيف كان فهذا شروع في
الجهة الثالثة ـ والأخيرة ـ مما يتعلّق بالقاعدة ، وهي مدركها والدليل عليها.
والمذكور في المتن أمران : أحدهما الأولويّة التي استظهرها من عبارة المبسوط ،
وثانيهما الأخبار المتفرّقة الواردة في عدم ضمان الأمين ، وسيأتي الكلام فيهما إن
شاء الله تعالى.
(٢) هذا هو
الدليل الأوّل ، وقد نقل المصنّف كلام شيخ الطائفة قدسسرهما إجمالا في صدر المسألة وحكيناه هناك بألفاظه ، فراجع (ص
٦٠) والمقصود منه هو استدلاله على عدم ضمان العين المرهونة في الرّهن المتضمن لشرط
فاسد ـ مثل كونها مبيعة من المرتهن لو لم يؤدّ الراهن دينه ، قال في المبسوط : «لأنّ
صحيح الرهن غير مضمون عليه ـ أي على المرتهن ـ فكيف فاسده» .
وهذه العبارة
الموجزة يحتمل أن يراد بها التعجّب من الضمان في العقد الفاسد الذي لا يؤثّر صحيحه
في الضمان. ويحتمل أن يراد بها أولويّة عدم الضمان في العقد الفاسد من عدمه في
العقد الصحيح منه ، كالرهن الصحيح والفاسد. واستظهر المصنّف قدسسره هذا الاحتمال.
كما أنّه يحتمل
أن يريد شيخ الطائفة ـ بناء على الأولويّة ـ أولويّة عدم ضمان العقد الفاسد ممّا
لا يضمن بصحيحه كالرهن ـ من عدم ضمان نفس هذا العقد الذي لا يضمن بصحيحه. ولعلّ
هذا ظاهر العبارة. ويحتمل أن يريد قدسسره ما استظهره
__________________
وحاصلها : أنّ الرّهن لا يضمن بصحيحه فكيف بفاسده؟ وتوضيحه (١):
______________________________________________________
المصنّف من أولويّة العقد الفاسد مما لا يضمن بصحيحه من فاسد العقد الذي
يضمن بصحيحه كالبيع.
والانصاف عدم
خلوّ المتن من اندماج ، فلا بدّ أوّلا من بيان ما أفاده الماتن في توضيح عبارة
المبسوط ، وثانيا من التعرّض لما أفاده في تقريب الأولويّة.
(١) أي : توضيح
انتفاء الضمان في الرهن الفاسد ونحوه من العقود التي لا تضمن بصحيحها ، وأمّا كون
عدم الضمان في الفاسد للمساواة مع الصحيح أو للأولويّة فسيأتي في المتن بقوله : «وجه
الأولويّة».
ومحصّل ما
أفاده بقوله : «وتوضيحه» هو : أنّ سبب الضمان الجعليّ في العقود الصحيحة المضمّنة
كالبيع والصلح المعاوضيّ والإجارة إمّا أن يكون إقدام المتعاقدين على صيرورة مال
كلّ منهما مضمونا بمال الآخر. وإمّا أن يكون السبب إمضاء الشارع لما أقدما عليه ،
وحكمه بوجوب الوفاء بما التزما به.
وكلا السببين
منتف في مثل الرّهن. أمّا انتفاء الاقدام على الضمان بالمسمّى فواضح ، لأنّ تسليم
العين إلى المرتهن ليس بقصد تمليكها له بعوض ، بل بقصد كونها وثيقة عنده ، فتكون
أمانة كالعين في الوديعة والعارية والوكالة. وأمّا انتفاء الضمان الناشئ من حكم
الشارع بصحّة العقد فلأنّ المراد بالصحة في باب المعاملات إمضاء ما التزم به
المتعاقدان ووجوب الوفاء به ، فالإمضاء يكون على طبق الممضى ومماثلا له. ولمّا كان
الممضى هو البناء على تسليم العين إلى المرتهن وتسلّمها بلا عوض كان معنى صحة
الرّهن شرعا إمضاء ما أقدما عليه من عدم ضمان العين لو تلفت بيد المرتهن.
هذا إذا كان
عقد الرّهن صحيحا. وكذا الحال لو كان فاسدا ، فلا ضمان فيه ، لا من جهة الإقدام
على الضمان ولا من جهة حكم الشارع وإمضائه. أمّا انتفاء الاقدام فلأنّ الرهن
الفاسد فرد من طبيعيّ الرّهن المبنيّ على كون العين المرهونة وثيقة
أنّ الصحيح من العقد (١) إذا لم يقتض (٢) الضمان ـ مع إمضاء الشارع له ـ فالفاسد
الذي هو بمنزلة العدم لا يؤثّر (٣) في الضمان. لأنّ أثر الضمان (٤) إمّا من
الاقدام على الضمان (٥) ،
______________________________________________________
وأمانة بيد المرتهن. وأمّا انتفاء الضمان من ناحية الإمضاء فلأنّ المفروض
فساد العقد وكونه بمنزلة العدم ، فكيف يؤثّر في الضمان؟ بل عدم الضمان في الرّهن
الفاسد يكون من السالبة بانتفاء الموضوع.
والمتحصّل :
أنّ علّة عدم الضمان مشتركة بين الرّهن الصحيح والفاسد ، فلا بدّ أن يكون المعلول
ـ وهو عدم الضمان ـ كذلك. هذا تقريب عدم اقتضاء العقد الفاسد ممّا لا يضمن بصحيحه
للضمان. وأمّا أنّه للمساواة أو لأولويّة الفاسد بعدم الضمان فسيأتي إن شاء الله
تعالى.
(١) أي : عقد
الرّهن ونحوه مما لا يضمن بصحيحه.
(٢) قد تقدّم
آنفا وجه عدم اقتضاء الصحة والإمضاء الشرعي للضمان ، ومحصّله : أنّ الإمضاء لا بدّ
أن يكون على طبق الممضى ، ولمّا كان الممضى هو الاقدام على الاستيمان لا المعاوضة
، كان حكم الشارع بالصحة تثبيتا لهذا الاقدام ، فيمتنع استناد الضمان إلى الإمضاء.
(٣) هذه
العبارة تدلّ على أنّ العقد الفاسد من الرّهن لا يكون مضمّنا ، وأمّا أنّه
لمساواته للعقد الصحيح أو لأولويّته منه في عدم الضمان فلا يستفاد منها.
(٤) الإضافة
بيانيّة ، وغرضه أنّ الضمان ـ الذي هو أثر الصحة أو الإقدام ـ منتف في العقد
الفاسد. وقد عرفت توضيحه آنفا. ولو قال : «لأنّ الضمان ..» كان أسهل تناولا.
(٥) مقصوده قدسسره انتفاء المقتضي للضمان. ولا يخفى أنّ استناد عدم الضمان
إلى عدم الاقدام على المعاوضة لم يذكر في كلام شيخ الطائفة هنا ، إذ المذكور فيه
هو انتفاء الصحّة شرعا ، ولكنّ المصنّف قدسسره أضاف إليه انتفاء الاقدام هنا ، لأنّه استفاده من
والمفروض عدمه ، وإلّا يضمن (١) بصحيحه. وإمّا (٢) من حكم الشارع بالضمان
بواسطة هذه المعاملة الفاسدة ، والمفروض أنّها لا تؤثّر شيئا (*).
ووجه الأولويّة
(٣) : أنّ الصحيح
______________________________________________________
تعليل الضمان في «ما يضمن بصحيحه» في موارد متعددة من المبسوط ـ بالاقدام
والدخول على أن تكون العين مضمونة ، فإذا كان الضمان للإقدام في مثل عقد البيع كان
عدم الضمان في الرّهن لأجل عدم الاقدام على المعاوضة والمبادلة. ولا بأس بما صنعه
المصنّف قدسسره استقصاء لجهات البحث.
(١) أي : لو
كان الراهن والمرتهن أقدما على الضمان لكان الرّهن الصحيح مؤثّرا في الضمان ، مع
أنّ المفروض عدم مضمّنيّته.
(٢) يعني : أنّ
الموجب الثاني للضمان هو حكم الشارع بالضمان في هذا الرهن الفاسد ، ولكن لا يجتمع
الفساد الشرعيّ مع الضمان ، لأنّ معنى الفساد لغويّة العقد وكونه كالعدم ، والضمان
الشرعيّ يدور مدار الجعل ولو إمضاء ، والمفروض عدمه.
(٣) ظاهر
العبارة أولويّة الرهن الفاسد ـ بعدم الضمان ـ من البيع الفاسد الذي يضمن بصحيحه ،
لا أولويّة الرهن الفاسد بعدم الضمان من الصحيح منه. وتوضيحه :
أنّه قد سبق في
(ص ٥٨ و ١١٥) استدلال شيخ الطائفة على الضمان في الفاسد ـ ممّا يضمن بصحيحه ـ بقاعدة
الاقدام والدخول على المعاوضة. وناقش المصنّف فيه بأنّه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لا سبيل لإثبات الضمان في مثل البيع الفاسد بقاعدة الإقدام ، لأنّهما أقدما
في العقد الصحيح على ضمان خاصّ وهو الضمان الجعلي المسمّى في العقد ، ولم يقدما
على طبيعيّ الضمان ، حتّى يثبت الضمان بالبدل الواقعي في العقد الفاسد ، فثبوت
المثل أو القيمة في عهدة المتبايعين منوط بالدليل عليه.
فمقتضى قاعدة
الإقدام انتفاء الضمان بالمسمّى في البيع الفاسد ، لفرض أنّ الشارع لم يصحّح العقد
ولم يمض ما أقدما عليه. مع وضوح أنّ البيع الفاسد يقتضي الضمان من جهة كونه مصداقا
لطبيعيّ البيع المتقوّم بالمبادلة والمعاوضة بين المالين.
وعليه نقول :
إنّ انتفاء الضمان بالعوض المسمّى في البيع الفاسد ـ لعدم الاقدام على طبيعيّ
العوض وعدم إمضاء الضمان الخاص ـ يدلّ بالأولويّة القطعيّة على انتفاء الضمان في
مثل الرّهن الفاسد الذي لا يضمن بصحيحه.
ووجه الأولويّة
: أنّ الرهن الفاسد لا يتوقّع ترتب الضمان عليه ، وذلك لانتفاء كلّ من الاقدام على
الضمان والإمضاء ، بخلاف البيع الفاسد ، فإنّه من جهة كونه مصداقا لمفهوم البيع
المتقوّم بالمبادلة والمعاوضة يترقّب منه الضمان ، ومع ذلك لم يترتب عليه.
وهذا البيان
كما ترى ظاهر في أولويّة فاسد العقد ـ الذي لا يضمن بصحيحه ـ بعدم الضمان من فاسد
العقد الذي يضمن بصحيحه كالبيع. وهو لا يلتئم مع كلام المبسوط ـ بناء على إرادة
الأولويّة دون التعجّب والمساواة ـ لدلالته على أولويّة فاسد العقد ـ الذي لا يضمن
بصحيحه ـ من صحيحه كالرهن الصحيح والفاسد.
ولذا تكلّف
المحقّق الأصفهاني قدسسره في توجيه الأولويّة التي ادّعاها المصنّف قدسسره ، بأن يقال : إنّ الملحوظ طبيعيّ العقد الصحيح ،
فالصّحّة في كلّ عقد تقتضي الضمان ، سواء أكان بيعا أم رهنا ، فإذا لم يثبت الضمان
فيه فعلا ـ مع اقتضاء الصحة ثبوته ـ فالفاسد الذي ليس فيه اقتضاء الضمان ـ إمّا
لعدم إقدام مضمّن كما في الرهن ، وإمّا لعدم إمضاء مضمّن كالبيع الفاسد ـ أولى بأن
لا يوجب الضمان.
وعلى هذا
فالرّهن الفاسد أولى بعدم الضمان من الرّهن الصحيح ، لأنّ الصحة بنفسها
إذا كان مفيدا للضمان (١) أمكن أن يقال : إنّ الضمان من مقتضيات الصحيح (٢)
، فلا يجري في الفاسد ، لكونه لغوا غير مؤثّر ، على ما سبق تقريبه (٣) من أنّه
أقدم على ضمان خاصّ (٤) ، والشارع لم يمضه ، فيرتفع أصل الضمان (٥) (*).
______________________________________________________
مقتضية للضمان ، وإن لم يبلغ مرتبة الفعلية ، وهذا الاقتضاء الناقص مفقود
في الفاسد .
(١) هذه الجملة
قرينة على أن المصنّف قدسسره قاس الأولوية بين نوعين من العقود ، يعني العقد الصحيح
المفيد للضمان الذي لا يؤثّر فاسده في الضمان ، وبين العقد الصحيح الذي لا يفيد
ضمانا كالرّهن ، فجعل العقد الفاسد ممّا لا يضمن بصحيحه أولى بعدم الضمان من العقد
الفاسد الذي يضمن بصحيحه.
(٢) يعني : أنّ
الصحة الشرعيّة تقتضي الضمان ، سواء أكان مضمّنا بالفعل أم لا ، فإذا انتفت الصحّة
لم يبق المقتضي له.
(٣) حيث قال في
الاعتراض على استدلال شيخ الطائفة بالاقدام ما لفظه :
«وهذا الوجه لا
يخلو من تأمّل ، لأنّهما إنّما أقدما وتراضيا بالعقد الفاسد على ضمان خاصّ ، لا
الضمان بالمثل أو القيمة ، والمفروض عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان الخاصّ ، ومطلق
الضمان لا يبقى بعد انتفاء الخصوصيّة».
(٤) وهو الضمان
بالبدل المسمّى في العقد المعاوضيّ ، كضمان الكتاب بدينار في بيعه به.
(٥) يعني :
فيرتفع أصل الضمان في العقد الفاسد الذي يضمن بصحيحه ، فكيف حال العقد الفاسد الذي
لا يضمن بصحيحه ، فإنّه أحرى بعدم الضمان؟
هذا كله في
تقرير الأولوية ، وسيأتي مناقشة المصنّف قدسسره فيها.
__________________
__________________
لكن يخدشها (١):
______________________________________________________
(١) أي : يخدش
الأولويّة ، ومحصّل الخدشة : أنّ مبنى الأولويّة ـ وهو إمكان كون علّة الضمان صحة
العقد وإمضاء الشارع لما أقدم عليه المتعاقدان ـ معارض بإمكان دعوى كون الصحة في
العقد الصحيح غير المفيد للضمان كالرهن والإجارة ـ بالنسبة إلى العين المستأجرة ـ وإمضاء
الشارع لما أقدما عليه من التسليط المجّانيّ هو السبب الرافع للضمان ، والمانع عن
تأثير القبض فيه. ولا يجري في العقد الفاسد ، لعدم إمضاء الشارع للتسليط المجّانيّ
على ما هو معنى الفساد ، فلا أولويّة.
والحاصل : أنّ
لكلّ من الصحيح والفاسد مزيّة ترفع أولويّة الفاسد من الصحيح في عدم الضمان. أمّا
مزيّة الفاسد فقد عرفتها من عدم إقدام مضمّن وإمضاء مضمّن. وأمّا مزيّة الصحيح فهي
أنّ إمضاءه المقتضي للسلطنة الشرعيّة الرافعة للضمان عند وجود سببه مختصّ به ،
فبلحاظ الإمضاء ـ الذي هو أمر وجوديّ رافع للضمان ـ يمتاز الصحيح عن الفاسد ، فلا
أولويّة.
واعلم أنّ
المذكور في المتن من المناقشة في استدلال شيخ الطائفة قدسسره أمران :
أحدهما : ما
أفاده المصنّف بقوله : «لكن يخدشها» وغرضه منع أولويّة العقد
__________________
__________________
أنّه (١) يجوز أن يكون صحّة الرّهن والإجارة (٢) المستلزمة لتسلّط المرتهن
والمستأجر على العين شرعا (٣) مؤثّرة في رفع الضمان ، بخلاف الفاسد الذي لا يوجب
تسلّطا لهما على العين ، فلا أولويّة (٤).
فإن قلت (٥) :
إنّ الفاسد وإن لم يكن له دخل
______________________________________________________
الفاسد من العقد الصحيح بعدم الضمان ، وقد عرفته.
ثانيهما : ما
أفاده بقوله : «فان قلت» وأجاب عنه ، ومحصّله منع مساواة العقد الفاسد للصحيح في
عدم الضمان ، لوجود المقتضي للضمان في الفاسد ، وعدمه في الصحيح ، فكيف يكون
الفاسد أولى بعدم الضمان؟
(١) هذا مرفوع
محلّا على أنّه فاعل «يخدشها» والضمير للشأن.
(٢) عطف
الإجارة على الرّهن ـ في كون العين غير مضمونة بيد المرتهن والمستأجر للتسليط
المالكي ـ مبنيّ على دخول العين المستأجرة في قاعدة «ما لا يضمن» كما استظهره قدسسره بقوله : «فالقاعدة المذكورة غير مخصّصة بالعين
المستأجرة ولا متخصّصة» وإلّا فبناء على ما ذهب إليه صاحب الرياض وغيره من ضمانها
لا تكون الإجارة كالرّهن.
(٣) قيد لقوله
: «تسلّط» يعني : فتكون العين أمانة شرعيّة ومالكيّة ، فلا وجه للضمان في العقد
الصحيح.
(٤) أي : فلا
أولويّة للفاسد من الصحيح في عدم الضمان.
(٥) هذا
الاشكال ناظر إلى أصل استدلال شيخ الطائفة قدسسره مع الغضّ عن الخدشة التي ذكرها بقوله : «لكن يخدشها»
وهو مبنيّ على أمرين :
الأوّل : أنّ
حديث «على اليد» يقتضي ضمان المستولي على مال الغير مطلقا ، سواء أكانت يده
عدوانيّة أم أمانيّه ، وسواء أكان بعقد صحيح أم لا ، لصدق «على اليد ما أخذت حتى
تؤدّي» على جميع موارد الوضع.
في الضمان (١) ، إلّا أنّ مقتضى عموم «على اليد» هو الضمان (٢) ، خرج منه
المقبوض بصحاح العقود التي يكون مواردها غير مضمونة على القابض ، وبقي الباقي (٣).
______________________________________________________
الثاني : أنّ
هذا العموم خصّص في جملة من العقود الصحيحة ، حيث لا ضمان فيها كالوديعة والعارية
والرهن والوكالة ونحوها ممّا يكون التسليط بإذن الشارع والمالك. وأمّا إذا كانت
هذه العقود باطلة غير ممضاة شرعا كان وضع اليد فيها مندرجا في عموم «على اليد»
كاليد العدوانيّة في موارد الغصب المقتضية للضمان.
وبناء على هذين
الأمرين يتّضح منع مساواة العقد الفاسد ـ ممّا لا يضمن بصحيحه ـ للصحيح في عدم الضمان
، فضلا عن أولويّة الفاسد من الصحيح فيه.
والوجه في
المنع : أنّ سبب الضمان غير منحصر في ما أفاده شيخ الطائفة قدسسره من إقدام المالك على الضمان وإمضاء الشارع له ، حتى
يقال بتساوي الصحيح والفاسد في علّة عدم الضمان وهي عدم الاقدام المضمّن وعدم
الإمضاء المضمّن. بل للضمان سبب آخر ، وهو قاعدة اليد الشاملة لكلّ من العقد
الصحيح والفاسد. إلّا أنّها خصّصت في العقود الصحيحة التي لا ضمان فيها ، كالرهن
والوديعة والمضاربة ، ولم تخصّص في فاسد هذه العقود. ومقتضى عموم قاعدة اليد ـ التي
هي أمر خارج عن مرحلة العقد ـ هو الضمان في العقد الفاسد. ومعه كيف حكم شيخ
الطائفة قدسسره بعدم الضمان في الرّهن الفاسد ، استنادا إلى مساواته
للصحيح في السببيّة لعدم التضمين؟
(١) لما عرفت
من انتفاء علّة الضمان ، وهي الإقدام على الضمان ، وإمضاء هذا الاقدام ، وهذه
مشتركة بين الرهن الصحيح والفاسد.
(٢) فالعقد
الفاسد من جهة وجود هذا العموم فيه أولى بالضمان من الصحيح.
(٣) والعقد
الفاسد ممّا بقي تحته ، لعدم صلاحيّته لتخصيص عموم قاعدة اليد.
قلت (١) : ما
خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به (٢) المقبوض
______________________________________________________
ب : عموم دليل الهبة
والأمانات
(١) هذا جواب
الاشكال على المساواة بين العقد الصحيح والفاسد في عدم الضمان ، وغرض المصنّف قدسسره إثبات الملازمة في عدم الضمان بين العقد الصحيح غير
المضمّن وبين فاسده.
وهذا الجواب
دليل ثان على قاعدة «ما لا يضمن». ومحصّله : أنّ الدليل المخرج للمقبوض بصحاح تلك
العقود عن عموم على اليد ـ على ما اعترف به المستشكل ـ هو المخرج بعينه لفاسد تلك
العقود عن العموم المزبور. وذلك الدليل عموم ما دلّ على عدم ضمان من تسلّم مال
الغير من دون أن يضمّنه المالك ، من غير فرق في عدم الضمان بين التمليك المجّانيّ
كالهبة ، وبين التسليط على الانتفاع بعين مجّانا كالعارية ، أو بعوض كالإجارة ،
إلى غير ذلك من موارد الاستيمان المالكيّ ، بعد تساوي صحيح هذه العقود وفاسدها في
الجهات الداخليّة والخارجيّة. أمّا الداخليّة فهي عدم الاقدام المضمّن ، وعدم
الإمضاء المضمّن. وأمّا الجهات الخارجيّة فهي اليد الموجبة بذاتها للضمان والاذن
المالكيّ الرافع له.
والمراد
بالاستئمان المالكي هو التسليط عن الرضا وعدم كونه بلا إذن منه حتى تكون يده عادية
، والتسليطات المجانيّة كلّها كذلك. وليس المراد بالاستئمان المالكي الاستنابة في
الحفظ ، ضرورة أنّه لا شيء من العقود كذلك إلّا الوديعة.
وبعد فرض تساوي
العقود الصحيحة والفاسدة في الجهات الداخليّة والخارجيّة تكونان متساويتين أيضا في
الحكم بالضمان وعدمه. فإذا دلّ دليل على عدم الضمان في الصحيحة دلّ على عدمه في
الفاسدة أيضا.
(٢) هذا الضمير
وضمير «به» المتقدم راجعان إلى «ما» الموصول المراد به عموم ما دلّ على عدم الضمان
في موارد الاستيمان.
بفاسدها (١) ، وهي عموم (٢) ما دلّ على : أنّ من لم يضمّنه (٣) المالك سواء
ملّكه إيّاه بغير عوض (٤) ، أو سلّطه على الانتفاع به (٥) ، أو استأمنه عليه لحفظه
(٦) أو دفعه إليه لاستيفاء حقّه (٧) ، أو العمل فيه بلا اجرة (٨) أو معها ، أو غير
ذلك (٩) ، فهو (١٠) غير ضامن.
أمّا (١١) في
غير التمليك بلا عوض ـ أعني الهبة ـ فالدليل المخصّص لقاعدة
______________________________________________________
(١) لمساواة
فاسد تلك العقود مع صحاحها في الجهة المخرجة لها عن إطلاق «على اليد».
(٢) هذا العموم
يستفاد من النصوص المتفرّقة كما سيأتي ذكر جملة منها إن شاء الله تعالى.
(٣) بصيغة
التفعيل ، أي : لم يقصد المالك ضمان القابض لماله.
(٤) كما في
الهبة بغير عوض ، لكونها تمليكا للعين مجّانا.
(٥) كما في
العارية ، فإنّ المالك المعير يسلّط المستعير على العين للانتفاع بها.
(٦) كما في
الوديعة ، فإنّها استيمان لحفظ المال عن الضّياع.
(٧) كما في
إجارة الأعيان ، فالمؤجر يسلّط المستأجر على العين ليستوفي حقّه منها ، كالسكنى في
الدار.
(٨) كما إذا
دفع القماش إلى الخيّاط ليخيطه ثوبا تبرّعا منه بالخياطة ، أو دفع القماش إليه
ليخيطه ثوبا بأجرة معيّنة. وهذه إجارة على الأعمال المحترمة. فسواء أكان العمل مع
أجرة أم بدونها تكون يده على الثوب أمانية لا يضمن تألفها.
(٩) كما في دفع
مال المضاربة إلى العامل للتجارة به. وكدفع المال الموكّل في بيعه إلى الوكيل ،
فهما غير ضامنين لما بيدهما.
(١٠) جزاء
الشرط في قوله : «من لم يضمّنه».
(١١) غرضه قدسسره إبداء الفرق بين الهبة غير المعوّضة ، وبين العقود
الأمانيّة التي لا تضمن بصحيحها وفاسدها ، والفارق هو عدم صدق الأمانة في باب
الهبة ،
الضمان (١) عموم ما دلّ على أنّ من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن ، بل «ليس
لك أن تتّهمه» (٢).
______________________________________________________
لكونها رافعة للملك ولا تكون العين أمانة بيد المتّهب ، بل هي ملكه ، بخلاف
العارية والوكالة والمضاربة والوديعة والرهن ونحوها ، فإنّها مصاديق لعموم ما دلّ
على «عدم ضمان الأمين». ولا بدّ حينئذ من دليل آخر لإثبات عدم الضمان في الهبة
الفاسدة ، وذلك الدليل هو الأولويّة القطعيّة ، وسيأتي بيانها.
(١) يعني :
قاعدة اليد المقتضية للضمان في كلّ استيلاء على مال الغير ، سواء أكان بالعقد أم
بغيره ، وسواء أكان العقد صحيحا أم فاسدا.
(٢) كما في
رواية مسعدة بن زياد عن أبي عبد الله عليهالسلام : «ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته ، ولا تأتمن الخائن
وقد جرّبته» . ورواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «ليس لك أن تأتمن من خانك ، ولا تتّهم من
ائتمنت» .
وهناك نصوص
أخرى دالة على عدم ضمان الأمين في موارد الوديعة والعارية والإجارة على الأعمال ،
فمنها : مرسلة أبان
بن عثمان عن
أبي جعفر عليهالسلام في حديث ، قال : «وسألته عن الذي يستبضع المال ، فيهلك
أو يسرق ، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال :
ليس عليه غرم
بعد أن يكون الرجل أمينا» رواها الكافي والتهذيب بسند كالصحيح عنه عليهالسلام.
ومنها : صحيح
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام : «صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان ، وقال : ليس على
مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن» .
ومنها : معتبرة
غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام : «انّ أمير المؤمنين عليهالسلام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أتي بصاحب حمّام وضعت عنده الثياب ، فضاعت ، فلم يضمّنه ، وقال : إنّما هو
أمين» . والتعليل ظاهر في كبرى عدم ضمان الأمين ، وأنّ عدم تضمين الحمّامي إنّما
هو لأمانته.
ومنها : معتبرة
أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام : «قال : لا يضمن الصّائغ ولا القصّار ولا الحائك ،
إلّا أن يكونوا متهمين ، فيخوف (فيجيئون) بالبيّنة ، ويستحلف لعلّه يستخرج منه شيئا.
وفي رجل استأجر جمّالا فيكسر الذي يحمل أو يهريقه. فقال : على نحو من العامل ، إن
كان مأمونا فليس عليه شيء ، وإن كان غير مأمون فهو ضامن» . وظهورها في إناطة الضمان بالتهمة ، وعدمه بالأمانة مما
لا ينكر.
ومنها : قول
الفقيه عليهالسلام في مكاتبة الصفّار في ضمان القصّار : «هو ضامن له إلّا
أن يكون ثقة مأمونا إن شاء الله» .
إلى غير ذلك من
النصوص المتفرقة الواردة في المستعير والمرتهن والودعيّ والمستبضع ، والأجير على
العمل كالقصّار والحمّال والجمّال ، والمستأجر للعين ، وغير ذلك المتضمّنة لعدم
ضمانهم ، بدعوى : أنّ اشتمال بعضها على تعليل عدم الضمان «بكون الرجل أمينا» يدلّ
على قاعدة كلّية ، وهي عدم ضمان المؤتمن وعدم الغرم على كلّ أمين. ومقتضي ترك
الاستفصال عدم الفرق بين كون الاستيمان في العقد الصحيح أو الفاسد.
وبدعوى : أنّ
التسليم في باب الإجارة والمضاربة والشركة ونحوها يكون من قبيل جعل العين أمانة.
__________________
أمّا في الهبة
الفاسدة فيمكن الاستدلال على خروجها من عموم اليد بفحوى (١) ما دلّ على خروج مورد
الاستيمان ، فإنّ (٢) استيمان المالك لغيره على ملكه إذا اقتضى عدم ضمانه له (٣)
اقتضى (٤) التسليط المطلق (٥) عليه مجّانا عدم
______________________________________________________
والحاصل : أنّ المدّعى عدم ضمان كلّ من استأمنه الرجل على ماله.
وهذا بمنزلة الكبرى ، فكأنّه قيل : «كلّ أمين ليس بضامن». وكون العقود الفاسدة من
صغرياته ، لصدق الأمين على المستعير في العارية الفاسدة ، وعلى المستأجر في
الإجارة الفاسدة ، إلى غير ذلك. وصغرويّة العقود الفاسدة تثبت بترك الاستفصال.
هذا كلّه في العقود
الفاسدة الأمانيّة التي لا تضمن بصحيحها. وأمّا الهبة فسيأتي وجه عدم الضمان
بفاسدها.
(١) متعلّق ب «خروج»
وهذا وجه عدم الضمان في الهبة الفاسدة حتى تكون قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن
بفاسده» شاملة لها كشمولها للعقود الأمانية ، فهي خارجة عن عموم «على اليد»
المقتضي للضمان.
وتقريب
الأولويّة : أنّ عدم الضمان في صورة قطع العلقة عن المال بالمرّة أولى من عدم
ضمانه في موارد الاستيمان التي تبقى إضافة الملكيّة على حالها.
(٢) تقريب
للفحوى ، وقد عرفته آنفا.
(٣) أي :
للمالك.
(٤) جزاء الشرط
، وجملة الشرط والجزاء خبر قوله : «فإنّ استيمان».
(٥) المراد
بالتسليط المطلق هو سلطنة المتّهب على التصرفات الخارجيّة والاعتباريّة المشروعة
في العين الموهوبة ، وهذا في قبال تسليط المالك في باب العارية ، لكون متعلّقه
الانتفاع بالعين بنفسه. وكذا في باب الإجارة ، فإنّ المستأجر مسلّط على العين في
جهة الانتفاع بها واستيفاء حقّه منها ، لا مطلقا ، ولذا لا يجوز له التصرّف
الأجنبيّ عن حيثيّة الانتفاع. وكذا في باب البيع ، فإنّ تسليط المالك.
ضمانه بطريق أولى (١). والتقييد (٢) بالمجّانيّة لخروج التسليط المطلق
بالعوض كما في المعاوضات ، فإنّه عين التضمين.
فحاصل (٣)
أدلّة عدم ضمان المستأمن (٤) أنّ من دفع المالك إليه ملكه على وجه لا يضمنه بعوض
واقعيّ ـ أعني المثل والقيمة ـ ولا جعلي فليس
______________________________________________________
وإن كان مطلقا غير مقيّد بتصرّف دون آخر ، إلّا أنّه مقابل بالعوض ، وليس
مجّانيّا.
(١) تقدم تقريب
الأولويّة آنفا.
(٢) غرضه من
هذه الجملة أنّ الموجب لتقييد التسليط المطلق في قوله : «اقتضى التسليط المطلق
عليه مجّانا» بالمجّانيّة هو : أنّ للتسليط المطلق على المال فردين ، أحدهما : بلا
عوض وهو الهبة ، والآخر معه وهو البيع والصلح المفيد فائدة البيع. وما ذكر ـ من
أولويّة التسليط المطلق بعدم الضمان من موارد الاستيمان المالكيّ ـ فمورده الهبة
التي لا يضمن المتّهب عوض ما أخذه من الواهب. وأمّا التسليط المطلق في باب البيع
ونحوه فحقيقته التضمين ، فلا معنى لتوهّم كونه كالهبة ممّا لا ضمان فيه.
(٣) هذا الحاصل
راجع إلى ما أفاده بقوله : «قلت» الذي محصّله خروج العقود الأمانيّة صحيحها
وفاسدها عن الحديث النبويّ «على اليد» المقتضي للضمان في مطلق موارد الاستيمان.
وعليه فإذا دفع المالك ماله إلى آخر من دون الاقدام على تضمين الآخذ ببدله الواقعي
ولا ببدل جعليّ مسمّى لم يكن ماله مضمونا ، فلو تلف لم يلزم تداركه ببدل على
الآخذ. وبذلك تمّ الدليل على أنّ «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».
(٤) بصيغة
المفعول أي : من جعله المالك أمينا على ماله لا يكون ضامنا. هذا تمام الكلام في
ضمان نفس المقبوض بالبيع الفاسد ، وسيأتي الكلام في وجوب ردّه وسائر آثاره إن شاء
الله تعالى.
عليه ضمان (*).
__________________
رحمهالله
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
الثاني من
الأمور المتفرّعة على عدم تملّك المقبوض بالبيع الفاسد : وجوب ردّه فورا إلى
المالك (١). والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه على تقدير عدم جواز التصرّف فيه ، كما
يلوح (٢) من مجمع الفائدة.
______________________________________________________
وجوب ردّ المبيع
فاسدا إلى مالكه فورا
(١) قد تقدّم
في أوّل مسألة المقبوض بالعقد الفاسد (ص ٦) أنّه موضوع لأحكام تكليفيّة ووضعيّة ،
وقد كان الكلام إلى هنا في عدم التملّك ، وضمان العين لو تلفت بيد الآخذ. وكان
المناسب اتباعه ببحث ضمان المنافع المستوفاة والفائتة ، لكنّ المصنّف قدسسره قدّم البحث عن حكم تكليفيّ متعلّق بنفس المقبوض بالبيع
الفاسد ، وهو وجوب ردّه فورا إلى المالك.
واستدلّ عليه
بوجوه ثلاثة ، وهي الإجماع المنقول في مجمع الفائدة ، والتوقيع الشريف ، والنبويّ
، وسيأتي بيانها.
ولا يخفى أنّ
محلّ الكلام وموضوع البحث عن وجوب ردّ المقبوض بالعقد الفاسد إلى مالكه فورا هو
القول بعدم جواز التصرّف فيه ، وكون القبض وفاء بالعقد الفاسد. فلو قيل بحصول إذن
جديد ـ بعد العلم بالفساد على ما سبق تفصيله في أوّل المسألة وفي ثامن تنبيهات
المعاطاة ـ أو قلنا ببقاء الاذن المقارن للعقد وعدم ارتفاعه بفساد العقد لم يبق
موضوع لوجوب ردّ المقبوض بالمعاملة الباطلة إلى مالكه فورا كما لا يخفى.
(٢) يعني :
يلوح من مجمع الفائدة عدم الخلاف في حرمة التصرّف في المقبوض بالبيع الفاسد ووجوب
ردّه فورا إلى مالكه ، قال المحقّق الأردبيلي قدسسره : «ومع علمه بالفساد ـ وبعدم جواز تصرّفه وحفظه ووجوب
ردّه إلى مالكه معجّلا ـ كالمغصوب ، وذلك قد يكون بعلمه بطلب من المالك على تقدير
الفساد ، وعدم رضاه
بل (١) صرّح في التذكرة ـ كما عن جامع المقاصد (٢) ـ «أنّ مئونة الرّدّ على
المشتري». وإطلاقه (٣) يشمل ما لو كان في ردّه مئونة كثيرة ،
______________________________________________________
بكونه عنده ، وفتوى العلماء له بذلك ..» .
والمراد بعدم
الخلاف في المسألة قوله : «وفتوى العلماء». ولكن مورد كلامه قدسسره علم المشتري بفساد العقد وبحرمة التصرّف بل بحرمة
إمساكه ، وأنّ المالك لو اطّلع على فساد العقد لطالب المشتري بالمبيع ولم يرض
بكونه عنده. وهذا أخصّ من محلّ البحث وهو عدم اختصاص حرمة التصرّف ـ وما يترتّب
عليها من وجوب الرّدّ فورا ـ بصورة علم المشتري بالفساد ، كما أنّ ضمان المقبوض
بالبيع الفاسد لا يختصّ بصورة الجهل بالبطلان على ما سبق تصريح المصنّف به في
الأمر الأوّل.
(١) غرضه
الترقّي والإضراب عن بناء وجوب الرّدّ فورا على حرمة التصرّف إلى أنّ وجوب الرّدّ
كأنّه من المسلّمات ، بشهادة جزم العلّامة به ، وبنى عليه وجوب مئونته لو توقّف
الرّدّ عليها. قال قدسسره : «إذا اشترى شراء فاسدا وجب عليه ردّه على مالكه ،
لعدم خروجه عنه بالبيع ، وعليه مئونة الرّدّ كالمغصوب» .
(٢) الأولى
إضافة «أيضا» إليه ، لأنّ غرضه قدسسره أنّ المصرّح بكون مئونة الرّدّ على المشتري ليس هو
العلّامة خاصّة ، بل المحقّق الكركي صرّح به أيضا. والأمر سهل. قال المحقق الثاني قدسسره : «فرع : على المشتري مئونة ردّ المبيع فاسدا إن كان له
مئونة كالمغصوب ، ولا يرجع بالنفقة إلّا إذا كان جاهلا بالفساد ، إذ لا يعدّ
متبرّعا بنفقته ، إذ لم ينفق إلّا بناء على أنّه ماله ، فإذا فات ذلك رجع كلّ إلى
حقّه ، وجعل في التذكرة البائع غارّا» .
(٣) يعني :
وإطلاق وجوب الرّدّ ـ المنقول عن التذكرة ـ يقتضي إيجاب مقدّماته التي منها بذل
المال سواء أكان قليلا أم كثيرا ، إلّا أن تكون كثرة مئونة الرّدّ ضررا
__________________
إلّا أن يقيّد (١) بغيرها (٢) بأدلّة نفي الضرر (*).
______________________________________________________
على المشتري ، فينفى وجوب بذل المال الكثير عنه. بل مقتضى حكومة قاعدة
الضرر نفي وجوب بذل المال وإن كان يسيرا ، إلّا إذا كان بمثابة لا يصدق عليه
الضرر.
(١) التعبير
بالتقييد دون الحكومة ـ مع أنّ مبناه حكومة دليل نفي الضرر على أدلّة الأحكام
الأوليّة ـ مسامحة ، ولعلّه لأجل أنّ الحكومة قد تخصّص العامّ وتقيّد المطلق ، وقد
تعمّم ، فالتعبير بالتقييد مبنيّ على ملاحظة نتيجة الجمع بين الدليلين.
(٢) أي : بغير
المئونة الكثيرة ، وهذا الغير هو المئونة المتعارفة أو ما دونها.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
ويدلّ عليه (١)
: أنّ الإمساك آنا ما تصرّف في مال الغير بغير إذنه ، فلا يجوز ، لقوله عجّل الله
تعالى فرجه : «لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره
______________________________________________________
(١) أي : على
وجوب الرّدّ فورا ، وهذا إشارة إلى دليل ثان على المدّعى. وحاصل الاستدلال بهذا
التوقيع المبارك على فوريّة وجوب الرّدّ ـ بناء على كون الإمساك تصرّفا ـ أنّ
الإمساك آنا ما مصداق للتصرّف المحرّم ، لقوله عليهالسلام : «لا يجوز لأحد ..» فيجب التخلّص عن هذا الحرام بردّه
فورا إلى مالكه.
__________________
إلّا بإذنه» .
ولو نوقش (١)
في كون الإمساك تصرّفا كفى عموم (٢) قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يحلّ مال امرء مسلم لأخيه إلّا عن طيب نفسه» حيث يدلّ على تحريم جميع الأفعال المتعلّقة به ، التي
منها كونه في يده.
______________________________________________________
(١) بأن يقال :
إنّ «التصرّف» مأخوذ من الصّرف ، فيراد به التقليب والتقلّب ، وهما مفقودان في
الإمساك ، فلا يصدق التصرّف على مجرّد الإمساك حتى يكون منهيّا عنه ، ويجب التخلص
عنه بالرّد إلى المالك.
(٢) هذا إشارة
إلى دليل ثالث على وجوب الرّدّ فورا إلى المالك ، وهو النبويّ الذي رواه زيد
الشحّام عن أبي عبد الله عليهالسلام في حكاية خطبته صلىاللهعليهوآلهوسلم في حجة الوداع ، وفيه : «قال : اللهم اشهد ، ألا من كان
عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها ، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله
إلّا بطيبة نفسه ..» الحديث.
ورواه صاحب
الوسائل في مكان المصلّي بما يقرب منه ، ولكنّه ليس فيه لفظ «دم».
وكيف كان
فتقريب دلالة الحديث على وجوب الرّدّ فورا : أنّ الحرمة المستفادة من «لا يحلّ»
منسوبة إلى الذات ـ وهو المال ـ ولا بدّ من تقدير الفعل المناسب ، كما في إسناد
الحرمة إلى سائر الأعيان من الخمر والدم والميتة ونحوها. وحيث إنّه لا قرينة تقتضي
تقدير فعل خاصّ لزم تحريم جميع الأفعال والشؤون المتعلّقة بالمال ، التي منها
إمساكه وجعله في يده ، فإنّ حذف المتعلق يدلّ على العموم.
وعليه فلا وجه
لدعوى : «أن حرمة المال تكليفا تقتضي تقدير فعل مناسب
__________________
وأمّا توهّم
أنّ هذا (١) بإذنه ، حيث إنّه دفعه باختياره (٢) فمندفع (٣) بأنّه إنّما ملّكه
إيّاه عوضا (*)
______________________________________________________
له وهو التصرّف أو الانتفاع ، وأمّا مجرّد الإمساك فيشكّ في صدق التصرّف
عليه ، فيكون التمسّك بهذا النبويّ من التشبّث بالدليل في الشبهة الموضوعيّة». إذ
في هذه الدعوى : أنّ حذف المتعلّق يقتضي حرمة كلّ ما يتعلّق بالمال ، ولا وجه
لاختصاص المتعلّق بالانتفاع والتصرّف حتى يشك في صدقهما على الإمساك.
خصوصا بملاحظة
ورود هذه الجملة تعليلا لوجوب ردّ الأمانات ، فإنّ التعليل يصير نصّا في المورد ،
فكيف يدّعى تقدير التصرّف أو الانتفاع؟ إذ لازمه أجنبيّة هذه الكبرى الكليّة عن
المورد وهو ردّ الأمانة ، ومن المعلوم أنّ التخلّف عن ردّها إمّا بالتصرّف فيها
وإمّا بمجرّد الإمساك ، وكلاهما منهيّ عنه. ومجرّد كون غالب فائدة الأموال التصرّف
فيها والانتفاع بها لا يوجب اختصاص العموم ـ المدلول عليه بحذف المتعلّق ـ بهما.
وعليه فقرينيّة
حذف المتعلّق على العموم باقية بحالها.
(١) أي :
الإمساك ، حاصله : أنّه قد يتوهّم عدم حرمة الإمساك وإن كان تصرّفا ، حيث إنّ
المالك قد أذن له بالإمساك حين دفع المبيع إليه ، فيكون الإمساك مأذونا فيه
وجائزا.
لكن هذا
التوهّم مندفع بأنّ المالك قد دفع المبيع إلى المشتري باعتقاد أنّه ملّكه بإزاء
الثمن الذي دفعه المشتري إليه ، والمفروض عدم سلامة العوض له شرعا ، لفساد
المعاوضة وبقاء العوضين على ملك مالكيهما.
(٢) الضمائر
البارزة في «إذنه ، إنّه باختياره ، بأنه» والمستتر في «دفعه ، ملّكه» راجعة إلى
المالك المفهوم من السياق ومن قوله : «امرء مسلم» والضميران البارزان فيهما راجعان
إلى المال.
(٣) جواب «وأمّا
توهّم» ودفع له ، وقد تقدّم توضيحه آنفا.
__________________
فإذا انتفت (١) صفة العوضيّة باعتبار (٢) عدم سلامة العوض له شرعا ،
والمفروض (٣) أنّ كونه على وجه الملكيّة المجّانيّة ممّا لم ينشئها المالك (٤).
______________________________________________________
(١) لم يظهر
جواب لهذا الشرط في العبارة ، والتقدير «انتفى الاذن» ونحوه.
(٢) متعلّق ب «انتفت»
وهذا وجه انتفاء صفة العوضيّة ، إذ بفساد العقد لا يسلم العوض للبائع ، فينتفي
إذنه للمشتري بالتصرّف في المبيع.
(٣) غرضه قدسسره نفي الأسباب التي يجوز لقابض المال ـ كالمشتري ـ التصرّف
فيه. فما أنشأه البائع ـ وهو التمليك بالعوض ـ لم يقع ، لفرض فساد البيع.
والملكيّة المجّانية بعنوان الهبة لم ينشئها ، فلا معنى لأن يتصرّف هذا المشتري في
المبيع بزعم كونه هبة بلا عوض. وكذلك لم ينشئ البائع عنوان الوديعة حتى يكون المال
بيد المشتري أمانة مالكية.
ولو فرض إنشاء
أحد هذين بعد العلم بفساد البيع كان خارجا عن محلّ البحث أعني به ترتّب قبض المبيع
وإقباض الثمن على ذلك العقد الفاسد وفاء به ، واندرج في مورد التراضي الجديد.
(٤) حتى يكون
الاذن في الإمساك باقيا مع فساد البيع.
__________________
وكونه (١) مالا للمالك وأمانة في يده (٢) أيضا ممّا لم يؤذن فيه ، ولو أذن
له فهو استيداع جديد (٣). كما أنّه لو ملّكه مجّانا كانت هبة جديدة. ولكنّ (٤)
الذي يظهر من المبسوط عدم الإثم في إمساكه (٥) ، وكذا السرائر ناسبا له إلى
الأصحاب (٦).
______________________________________________________
(١) معطوف على «كونه»
وغرضه سدّ باب احتمال أن يكون المبيع أمانة مالكيّة بيد المشتري.
(٢) حتى يندرج
هذا البيع الفاسد في الأمانات المالكية ، ويجوز الإمساك من هذه الجهة ، كما يجوز
إمساك ملك الغير في باب الوديعة والعارية ونحوهما.
والوجه في عدم
اندراجه في الأمانات واضح ، لأنّ البائع أقدم على تمليك ماله بعوض ، لا على جعله
أمانة عند غيره.
(٣) في قبال
البيع الفاسد القديم ، والمفروض أنّ هذا الاستيداع المالكيّ لم يتحقّق ، واحتماله
لا يكفي في صيرورته أمانة ، بل إذا شكّ فيه اقتضى الأصل عدمه.
(٤) هذا تصريح
بما فهم من التقييد في أوّل هذا الأمر الثاني بقوله : «على تقدير عدم جواز التصرّف
فيه» لظهوره في وجود قائل بجواز الإمساك أو بجواز التصرّف لو كان الإمساك تصرّفا.
(٥) قال شيخ
الطائفة قدسسره في المقبوض بالبيع الفاسد : «ويجب عليه ردّه وردّ ما كان من نمائه المنفصل
منه ، لأنّ ملك الأوّل لم يزل عنه ، فالتصرّف فيه لا يصحّ ، ويلزمه ردّه على
البائع لأنّه ملكه. ولا إثم عليه ، لأنّه قبضه بإذن مالكه» وهذه الجملة الأخيرة
ظاهرة في عدم فورية وجوب الرّدّ ، فيجوز للمشتري إمساك المبيع.
(٦) قال ابن
إدريس قدسسره في المقبوض بالبيع الفاسد : «فهو عند أصحابنا بمنزلة
الشيء المغصوب ، إلّا في ارتفاع الإثم بإمساكه» بناء على أن يكون عدم الإثم في
__________________
وهو (١) ضعيف.
والنسبة (٢) غير ثابتة. ولا يبعد إرادة صورة الجهل (٣) ، لأنّه لا يعاقب (٤) (*).
______________________________________________________
الإمساك معقدا لإجماع الأصحاب كإجماعهم على لحوق حكم المغصوب بالمبيع
بالبيع الفاسد.
(١) أي : وهذا
القول الثاني ـ وهو عدم الإثم الكاشف عن عدم الحرمة ـ ضعيف ، لما تقدّم من دلالة
النبويّ على حرمة كلّ فعل يتعلّق بمال الغير بدون إذنه ، ولو لم يصدق التصرّف
عليه.
(٢) يعني : ما
نسبه ابن إدريس إلى الأصحاب من عدم الإثم في الإمساك غير ثابت ، لاحتمال رجوع
الاتّفاق المدلول عليه بقوله : «عند أصحابنا» إلى المستثنى منه خاصّة ، بأن يراد :
أنّ كون البيع الفاسد بمنزلة الغصب مجمع عليه من جميع الجهات إلّا جهة الإثم في
إمساكه ، فإنّها مختلف فيها. وعليه لا يكون جواز الإمساك مجمعا عليه ، فلا مانع من
القول بالحرمة عند مساعدة الدليل.
(٣) أي : صورة
جهل القابض بفساد المعاملة.
(٤) ومن
المعلوم أنّ عدم العقاب يكشف عن عدم الإثم ، وذلك يلائم حال جهل القابض بفساد
المعاملة. ويمكن أن يكون عدم الإثم لتوهّم الإذن المالكيّ كما عليه جماعة. ولعلّ
هذا الاحتمال أقرب من الحمل على صورة الجهل ، إذ غايته عدم تنجّز التكليف عليه لا
عدم حرمته واقعا ، والمدّعى هو حرمة الإمساك واقعا سواء تنجّز على المشتري بإحراز
الفساد أم لم يتنجّز عليه.
هذا تمام
الكلام في الأمر الثاني. وسيأتي الكلام في ضمان منافع المقبوض بالبيع الفاسد.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
الثالث (١) :
لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الرّدّ (٢) كان
______________________________________________________
ضمان منافع المقبوض
بالبيع الفاسد
أ : المنفعة
المستوفاة
(١) البحث في
هذا الأمر عن حكم آخر من أحكام المقبوض بالعقد الفاسد لو كان له منفعة ، وهو
ضمانها ، والكلام في مقامين أحدهما في المنافع المستوفاة ، والآخر في المنافع
الفائتة. فإذا اشترى دارا صالحة للسكنى فيها ببيع فاسد ، وتسلّمها من البائع فهل
يضمن اجرة مثل السكنى فيها كما يضمن قيمة الدار أم لا؟ وهكذا الكلام في سائر
الأعيان ذوات النماء والمنفعة لو بيعت بعقد باطل شرعا.
وقدّم قدسسره الكلام في المنافع المستوفاة ، وحكم بضمانها وفاقا
للمشهور وخلافا لابن حمزة الطوسي كما سيأتي.
(٢) هذا من
القيود المحقّقة لموضوع ضمان المنافع نظير قولهم : «ان رزقت ولدا فاختنه» في سوقه
لبيان موضوع الحكم ، ولذا يكون مفهومه سالبة بانتفاء الموضوع. وكذا في المقام
لوضوح أنّ منافع المبيع بعد ردّه إلى المالك غير مضمونة على المشتري
عليه عوضها (١) على المشهور (٢). بل ظاهر ما تقدّم من السرائر (٣) ـ من
كونه بمنزلة المغصوب ـ الاتّفاق على الحكم (٤).
ويدلّ عليه (٥)
عموم قوله : «لا يحلّ مال امرء مسلم لأخيه إلّا عن طيب
______________________________________________________
إلّا بالاستيلاء على العين مرة ثانية عدوانا ، فيصير أجنبيا عن حكم المقبوض
بالعقد الفاسد ومندرجا في الغصب.
(١) كما إذا
اشترى شاة فانتفع بلبنها وصوفها وسائر نماءاتها ، فيجب عليه ردّ عوضها. ولا يخفى
أنّ التعبير بالعوض ـ كما في المتن ـ أولى من التعبير بالأجرة الظاهرة في بدل عمل
محترم أو منفعة عين كركوب الدابة. وأمّا المنافع الأخرى التي هي أعيان أيضا كثمرة
الشجرة المبيعة بالبيع الفاسد ولبن الشاة كذلك ونحوهما فالأولى التعبير عن بدلها
بالعوض دون الأجرة.
(٢) كما في
مفتاح الكرامة .
(٣) تقدّم كلام
السرائر في الأمر الثاني ، فراجع (ص ٢٠٩) وغرض المصنّف الإضراب والعدول عن مجرّد شهرة ضمان عوض
المنفعة المستوفاة إلى كون الحكم إجماعيّا ، لاتّحاد المقبوض بالبيع الفاسد مع
الغصب في الأحكام ما عدا الإثم في الإمساك.
(٤) وسيجيء في
عبارة التذكرة تصريحه باتفاق علمائنا على ضمان المنافع المستوفاة وغيرها .
(٥) أي : يدلّ
على ضمان المنافع المستوفاة عموم قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يحلّ»
__________________
نفسه» بناء (١) على صدق «المال» على المنفعة ،
______________________________________________________
وتقريب الاستدلال يتمّ ببيان أمرين :
الأوّل : أنّ
المنافع أموال حقيقة ، سواء أكانت أعيانا تابعة لأعيان اخرى كالثمرة للشجرة ، أم
أعراضا وحيثيّات قائمة بالأعيان كالسكنى في الدار والأعمال المحترمة كالخياطة ،
لما تقدّم في أوّل كتاب البيع من أنّ مناط ماليّة الأشياء هي رغبة العقلاء فيها
وتنافسهم عليها ، ولا ريب في عدم اختصاص رغبتهم بالأعيان المتموّلة ، بل تعمّ المنافع
أيضا. ويشهد لماليّة المنافع حكمهم في مسألتين :
إحداهما : جواز
جعلها ثمنا في باب البيع ، مع أنّ حقيقته المبادلة بين مالين ، ولو لم تكن المنفعة
مالا لما صحّ جعلها عوضا عن المبيع ، بل يتعيّن كون كلا العوضين من الأعيان على ما
ذهب إليه الوحيد البهبهاني قدسسره وبعض آخر.
ثانيتهما :
جواز جعلها صداقا في باب النكاح ، مع وضوح اعتبار ماليّته.
الثاني : أن
الحلّ المضاف إلى المال ظاهر في التكليف كما في نظائره. وهذا أجنبيّ عن المدّعى ،
وهو ضمان المنافع المستوفاة في المبيع بالعقد الفاسد ، ولذا ينبغي تقريب الاستدلال
بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يحل مال ..» بأن يقال : إنّ حلّ المال المتلف
عبارة عن عدم تعلّقه بذمّة المتلف وعدم كونه مطالبا بالأداء ، ومقتضى عدم حلّه
استقراره على عهدة المتلف له. وهذا هو ضمان ما استوفاه المشتري من المنافع ، فإنّ
وزان الاستيفاء في المنافع وزان الإتلاف في الأعيان في كونه مضمّنا.
وبهذا التقريب
جاز التمسّك بالنبويّ المذكور لضمان توابع المغصوب من ولد الشاة واللبن والصوف
ونحوها من التوابع التي هي من الأعيان التي يصدق عليها المال إذا تلفت ، فإنّ مناط
الضمان في الجميع صدق التصرّف في مال الغير بدون إذنه ، والمفروض ماليّة المنافع
بأقسامها ، هذا.
(١) مبنى هذا
البناء هو ظاهر كلام الفيروزآبادي في القاموس من تعريف المال
ولذا (١) يجعل ثمنا في البيع وصداقا في النكاح (*).
______________________________________________________
بما يختص بالأعيان ، وكذا العلّامة الطريحي في المجمع . لكنّه مزيّف ولم يعتمد عليه المصنّف في أوّل البيع ،
حيث قال : «وأمّا العوض فلا إشكال في جواز كونها منفعة». وقال أيضا : «إنّ الصلح
قد يتعلق بالمال عينا أو منفعة ..» . وكذلك رجّح ماليّة المنفعة بالاستشهاد بجواز وقوعه
ثمنا في البيع وصداقا في النكاح ، ولو لم تكن مالا تعيّن كون الثمن والصداق من
الأعيان.
(١) أي : ولأجل
كون المنفعة مالا يجعل ثمنا وصداقا.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
عليهالسلام
__________________
.................................................................................................
__________________
عليهالسلام
عليهالسلامصلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
.................................................................................................
__________________
عليهالسلام
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
خلافا للوسيلة (١)
، فنفى الضمان ، محتجّا بأنّ «الخراج بالضمان» كما في النبويّ المرسل (٢). وتفسيره
(٣) : أنّ من ضمن شيئا وتقبّله لنفسه فخراجه له. فالباء
______________________________________________________
(١) قال ابن
حمزة قدسسره : «فإذا باع أحد بيعا فاسدا وانتفع به المبتاع ، ولم
يعلما بفساده ، ثم عرفا ، واستردّ البائع المبيع ، لم يكن له استرداد ثمن ما انتفع
به ، أو استرداد الولد إن حملت الأمّ عنده وولدت ، لأنّه لو تلف لكان من ماله ،
والخراج بالضمان» .
وصريح كلامه قدسسره اختصاص عدم ضمان المنافع المستوفاة في المبيع بالعقد
الفاسد بصورة جهلهما بالفساد ، مع أنّ عنوان البحث في المتن شامل لصورة علمهما أو
علم أحدهما بالفساد.
وكيف كان فيكفي
للتعرّض لكلام ابن حمزة قوله بعدم الضمان موجبة جزئيّة وهي صورة الجهل بالبطلان.
ومحصّل استظهاره من الحديث النبويّ هو : أنّ من أقدم على ضمان شيء وتقبّله لنفسه
بتضمين المالك فالخراج ـ أي : ما يخرج من ذلك الشيء من الفوائد والمنافع ـ له
مطلقا ، سواء أمضى الشارع هذا الضمان أم لا. ومن المعلوم أنّ المشتري في المقام
أقدم على ضمان المبيع بتضمين البائع إيّاه على أن يكون خراجه له مجّانا ، فضمان
المبيع عليه ومنافعه له ، حتى على تقدير فساد المعاملة.
(٢) قال ابن
أبي جمهور الأحسائيّ «وروي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنّه قضى بأنّ الخراج بالضمان» ثم قال : «ومعناه :
أنّ العبد مثلا يشتريه المشتري ، فيغتله حينا ، ثم يظهر على عيب به ، فيردّ بالعيب
أنّه لا يردّ ما صار إليه من غلّة وهو الخراج ، لأنّه كان ضامنا له ولو مات» .
(٣) هذا
التفسير إلى قوله : «والفائدة بإزاء الغرامة» استظهار المصنّف من كلام ابن حمزة قدسسرهما ، وتوجيه استدلاله بالحديث.
__________________
للسببيّة (١) أو المقابلة (٢) (*). فالمشتري (٣) لمّا أقدم على ضمان المبيع
وتقبّله (٤) على نفسه بتقبيل البائع وتضمينه إيّاه على (٥) أن يكون الخراج له
مجّانا كان (٦) اللازم
______________________________________________________
(١) لأنّ ضمان
المبيع سبب لملكيّة المنافع. وجه تسمية «الباء» بالسببيّة أنّها تدخل على الأسباب
، كقوله تعالى (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ
بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
(٢) «باء»
المقابلة هي التي تدخل على الأعواض ، مثل «اشتريته بألف ، وكافيت إحسانه بضعف» ففي
المقام إذا ثبت الخراج كان ضمان العين عوضا عنه ، فتدبّر.
(٣) قد عرفت في
توضيح ما استدلّ به شيخ الطائفة على قاعدة «ما لا يضمن» من قاعدة الإقدام : أنّ كل
واحد من البائع والمشتري أقدم على الضمان المعاوضيّ ، فالبائع يضمّن المشتري
المبيع ، ويجعله على عهدته ويتقبّله المشتري ، ويضمّن البائع الثمن ويتقبّله هو.
وبعد هذا الاقدام لو كان نماء للمبيع كان ملكا للمشتري في قبال ضمانه للمبيع.
(٤) أي : تقبّل
المشتري المبيع على نفسه وضمنه ـ بعد تمليك البائع وتضمينه ـ مبنيّا على أن تكون
منفعته للمشتري مجّانا ، فلو استوفاها لم يلزمه عوضها.
(٥) يعني : أنّ
الشرط الارتكازيّ المبنيّ عليه البيع هو كون النماء للمشتري سواء صحّ البيع أم
فسد.
(٦) جواب الشرط
في قوله : «لمّا أقدم».
__________________
من ذلك (١) أنّ خراجه له على تقدير الفساد (٢). كما أنّ الضمان عليه (٣)
على هذا التقدير أيضا.
والحاصل (٤) :
أنّ ضمان العين لا يجتمع (٥) مع ضمان الخراج. ومرجعه (٦) إلى أنّ الغنيمة والفائدة
بإزاء الغرامة.
وهذا المعنى (٧)
مستنبط من أخبار كثيرة متفرّقة ، مثل قوله ـ في مقام الاستشهاد على كون منفعة
المبيع في زمان الخيار للمشتري ـ : «ألا ترى أنّها
______________________________________________________
(١) أي : من
الاقدام على ضمان المبيع على أن يكون خراج المبيع له مجّانا.
(٢) كما أنّ
الخراج للمشتري مجّانا على تقدير الصحة ، لوحدة الدليل وهو الاقدام على تضمين
العين بشرط مجّانيّة المنفعة.
(٣) أي : كما
أنّ ضمان العين يكون على المشتري على تقدير فساد العقد ـ ولو ببدله الواقعيّ لا
الجعليّ ـ إذ ليس مدار ضمان العين على صحّة البيع شرعا ، بل على جعل المتعاملين
وإقدامهما ، وهو موجود في كلتا صورتي إمضاء الشارع وعدمه.
(٤) يعني :
حاصل تفسير ابن حمزة للحديث النبويّ هو عدم اجتماع ضمان العين والمنفعة في باب
البيع.
(٥) إذ المفروض
كون ضمان العين سببا لملكيّة المنافع للضامن ، فلا يجتمع الضمانان ـ أي : ضمان
العين والمنافع ـ على ضامن العين ، كالمشتري ، فلا بدّ أن يكون ضامنا للعين فقط ،
لأنّ ضمان العين عوض المنافع.
(٦) أي : ومرجع
عدم اجتماع ضمان العين مع ضمان الخراج هو : أنّ الغنيمة تكون بإزاء غرامة العين
وبدلا لها.
(٧) أي : كون
ضمان العين سببا لملك الخراج ، بحيث يكون ضامن العين مالكا لمنافعها ـ المعبّر
عنها بالخراج ـ ليترتّب عليه عدم ضمان المنافع التي استوفاها من المقبوض بالعقد
الفاسد.
.................................................................................................
______________________________________________________
وغرض المصنّف قدسسره من هذا بعد نقل تفسير الحديث على رأي ابن حمزة قدسسره هو تأييد هذه المقالة بما ورد في غير واحد من الأخبار ،
مثل ما دلّ على أنّ منفعة الدار المبيعة ببيع خياريّ تكون ملكا للمشتري في الزمان
المتخلّل بين البيع والأخذ بالخيار.
ففي موثّقة
إسحاق بن عمار ، قال : «حدّثني من سمع أبا عبد الله عليهالسلام وسأله رجل وأنا عنده ، فقال : رجل مسلم احتاج الى بيع
داره ، فجاء إلى أخيه ، فقال له :
أبيعك داري هذه
، وتكون لك أحبّ إليّ من أن تكون لغيرك ، على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى
سنة أن تردّ عليّ؟ فقال : لا بأس بهذا ، إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه ، قلت :
فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة ، لمن تكون الغلة؟ فقال : الغلّة للمشتري
، ألا ترى أنّها لو احترقت لكانت من ماله» .
وفي رواية
معاوية بن ميسرة : «قال : سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل باع دارا له من رجل ، وكان بينه وبين الرجل الذي
اشترى منه الدار حاصر ، فشرط أنّك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك ،
فأتاه بماله ، قال :
له شرطه. قال
له أبو الجارود : فإنّ ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين ، قال : هو
ماله. وقال أبو عبد الله عليهالسلام : أرأيت لو أنّ الدار احترقت من مال من كانت؟ تكون
الدار دار المشتري» .
وتقريب
دلالتهما على مدّعى ابن حمزة قدسسره هو : أنّ الامام عليهالسلام حكم بدخول منافع الدار ـ في مدّة الخيار ـ في ملك
المشتري المستوفي لها ، ولا يكون ضامنا لعوضها للبائع بعد فسخ العقد. والوجه في
عدم ضمانها هو ضمانه لنفس المبيع وبذل الثمن بإزائه ، وهذا المطلب هو مفاد حديث «الخراج
بالضمان».
__________________
لو أحرقت كانت من مال المشتري» (*).
ونحوه في الرهن
(١) وغيره (٢).
______________________________________________________
(١) كموثق
إسحاق بن عمّار ، قال : «قلت لأبي إبراهيم عليهالسلام : الرّجل يرهن الغلام والدار فتصيبه الآفة ، على من
يكون؟ قال عليهالسلام : على مولاه ، ثم قال : أرأيت لو قتل قتيلا على من يكون؟
قلت : هو في عنق العبد. قال عليهالسلام : ألا ترى فلم يذهب مال هذا ، ثم قال : أرأيت لو كان
ثمنه مائة دينار فزاد وبلغ مأتي دينار لمن كان يكون؟ قلت : لمولاه ، قال عليهالسلام : كذلك يكون عليه ما يكون له» .
(٢) لعلّ مراده
قدسسره ما ورد في باب الإجارة من أنّه يجوز لمن استأجر أرضا أن
يؤجرها بأكثر ممّا استأجرها بشرط أن تكون الأجرة الثانية مغايرة للأجرة الاولى في
الجنس ، أو أن يحدث في الأرض ما يقابل التفاوت بأن يحفر فيها نهرا ونحو ذلك. فيقال
في تقريب دلالتها على مدّعى ابن حمزة : إنّ المستأجر الأوّل لمّا ضمن الأجرة
للمالك أو للسلطان أو لمن بيده أمر الأرض كانت الفائدة الحاصلة بالإجارة الثانية
عائدة له ، لا لمالك الأرض.
__________________
__________________
وفيه (١) : أنّ
هذا الضمان ليس هو ما أقدم عليه المتبايعان حتى يكون
______________________________________________________
ففي معتبرة
إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرّجل استأجر من السلطان من أرض
الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى ، ثم آجرها ، وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه
النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، وله في الأرض بعد ذلك فضل ، أيصلح له ذلك؟ قال :
نعم إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك» الحديث .
هذا ما يتعلّق
بالجهة الثانية وهي تأييد مقالة ابن حمزة الطوسي أعلى الله مقامه.
(١) هذا شروع
في الجهة الثالثة مما يتعلّق بكلام ابن حمزة ، وهو المناقشة فيه ، والمذكور في
المتن وجوه ثلاثة من الإيراد ، أفاد أوّلها المصنف ، ثم تعرّض للوجهين الآخرين
وردّهما.
أمّا مناقشة
المصنف في كلام ابن حمزة فتوضيحها : أنّه قد تقدم (في ص ١١٦) الإيراد على استدلال
شيخ الطائفة بالإقدام على الضمان في البيع الفاسد بما محصّله : أنّ ما أقدما عليه
من العوض المسمّى لم يسلم لهما ، ولم يقدما على البدل الواقعي حتى يضمناه. وكذلك
يقال في المقام ، حيث إنّ ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ضمان قهريّ شرعيّ ، وليس
ضمانا اختياريّا للمتبايعين حتى يستلزم ملكيّة المنافع لضامن العين. والمفروض أنّ
الضمان الموجب لملكيّة المنافع هو الضمان المعاوضيّ الذي أقدم عليه المتعاقدان
وأمضاه الشارع.
وبالجملة :
الضمان المستلزم لملكيّة الخراج هو الضمان المقيّد بقيد الاقدام والإمضاء ، دون
الضمان القهريّ الذي يكون من باب الغرامة المعبّر عنها بالضمان الواقعيّ ،
والمفروض أنّ الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد ليس من الضمان المعاوضيّ الاختياريّ
الذي أقدم عليه المتعاقدان وأمضاه الشارع ، بل من الضمان القهريّ الذي لا يوجب
ملكيّة المنافع.
__________________
الخراج بإزائه (١) ، وإنّما هو أمر قهريّ حكم به الشارع كما حكم (٢) بضمان
المقبوض بالسّوم والمغصوب. فالمراد بالضمان (٣) الذي بإزائه الخراج التزام (٤)
الشيء على نفسه وتقبّله له مع إمضاء الشارع له (*).
وربّما ينتقض
ما ذكرنا (٥) في معنى الرواية بالعارية المضمونة ،
______________________________________________________
(١) بمقتضى «الخراج
بالضمان» وجه عدم الاقدام على ضمان المبيع فاسدا هو : أنّه مضمون بالبدل الواقعيّ
مع أنّ المقدم عليه ضمان جعليّ.
(٢) بإطلاق «على
اليد ما أخذت حتى تؤدّي».
(٣) يعني : في
حديث : «الخراج بالضمان» وغرضه قدسسره ـ بعد أن نفى كون ضمان المقبوض بالعقد الفاسد من الضمان
المعاوضيّ الاختياريّ الممضى شرعا ـ أنّ المراد بالضمان الموجب لملكية المنافع هو
معناه المصدريّ أي التزام الشيء على نفسه وتقبّله له ، مع إمضاء الشارع له.
والضمان بهذا المعنى مفقود في المقبوض بالعقد الفاسد ، فلا يكون ضمان العين فيه
موجبا لملكيّة المنافع حتى لا يضمنها.
(٤) خبر قوله :
«فالمراد».
(٥) من كون
الضمان في الحديث هو الضمان الاختياريّ الممضى شرعا الذي نبّه عليه بقوله : «فالمراد
بالضمان الذي بإزائه الخراج ..» دون الضمان القهري الجاري في المقبوض بالبيع الفاسد.
وتوضيح النقض
الوارد على إرادة الضمان الاقداميّ الاختياريّ هو : أنّ المستعير إذا أقدم على
ضمان العارية ـ بأن شرطه المعير عليه ـ وأمضاه الشارع لم يوجب هذا الإقدام مالكيّة
المستعير لمنافعها ، لما تقرّر عندهم من أنّه لا يملك منافع العارية ، وإنّما يملك
الانتفاع الذي عيّنه المالك له. وبهذا يشكل جعل مدلول الحديث
__________________
حيث إنّه (١) أقدم على ضمانها ، مع أنّ خراجها ليس له (*) لعدم تملّكه
للمنفعة ، وإنّما تملّك الانتفاع الذي عيّنه المالك (٢) ، فتأمّل (٣).
______________________________________________________
مخصوصا بالضمان الاقداميّ الممضى شرعا ، فإنّ الشارع الممضى للعارية
المضمونة لم يحكم بمالكيّة المستعير لخراجها.
(١) أي : أنّ
المستعير أقدم على ضمان العين ولم يتملّك الخراج.
(٢) كما في
الشرائع ، حيث قال : «ويقع بكل لفظ يشتمل على الاذن في الانتفاع» وقال أيضا : «ولا
يجوز إعارة العين المستعارة إلّا بإذن المالك ، ولا إجارتها ، لأنّ المنافع ليست
مملوكة للمستعير وإن كان استيفاؤها» .
(٣) لعلّه
إشارة إلى كفاية جواز استيفاء الخراج ـ بلا ضمان له مع ضمان العين ـ في صدق «الخراج
بالضمان» إذ حاصل المعنى حينئذ : أنّ ضمان العين رافع لضمان المنافع ، سواء صارت
ملكا لضامن العين أم لا.
أو إلى : فقدان
تملّك الانتفاع في العارية أيضا ، بل تباح المنافع له بإذن مالك العين ، فكأنّ
معناه : أنّ ضمان العين يمنع عن ضمان المنافع وإن لم تصر مملوكة لضمان العين ، فلا
ينتقض ـ إرادة الضمان الاختياريّ ـ بالعارية.
أو إلى : أنّ
معنى «الخراج بالضمان» هو كون الخراج في مقابل ضمان العين بعنوان كونها ملكه في
حال الانتفاع بالعين ، ومن المعلوم أنّ العارية المضمونة ليست كذلك ، لأنّها لم
تضمن بعنوان كون العين ملكا للمستعير ، فلا نقض.
__________________
__________________
والحاصل (١) :
أنّ دلالة الرواية لا تقصر عن سندها في الوهن ، فلا يترك
______________________________________________________
(١) هذا ملخّص
ما أورد به المصنف على ابن حمزة قدسسرهما النافي لضمان المنافع المستوفاة مستدلّا بالحديث
النبويّ. ومحصّل الكلام : أنّ الحديث موهون سندا ودلالة. أمّا سندا فلأنّه مرويّ
بطرقنا مرسلا ، ولا عبرة بالمراسيل ما لم تنجبر بعمل المشهور ، وقد عرفت إعراض
المشهور عن المدلول الذي استظهره ابن حمزة ، بل ادّعى الإجماع على ضمان المنافع
المستوفاة. وهذا الحديث وإن روي مسندا بطرق العامّة لكنّه مرميّ بضعف بعض رجاله
كما سيأتي في التعليقة.
وأمّا دلالة
فلأنّ محتملات الحديث كثيرة ، ولا معيّن لما استظهره ابن حمزة منه ، ويكفي في ردّه
ما أفاده المصنف من اختصاصه بموارد الاقدام المضمّن الممضى شرعا.
وعليه فلا
معارض لما يدلّ من القواعد الجارية في ضمان مطلق الأموال
__________________
__________________
لأجلها قاعدة ضمان مال المسلم واحترامه وعدم حلّه (١) إلّا عن طيب النفس.
وربّما يردّ
هذا القول (٢)
______________________________________________________
ـ سواء أكانت أعيانا أم منافع ـ كقاعدة الاحترام.
(١) هذا عطف
تفسير للاحترام ، وليس دليلا آخر على ضمان مال المسلم.
(٢) أي : قول
ابن حمزة قدسسره بعدم ضمان المنافع المستوفاة ، ويستفاد هذا الرّدّ من
العلّامة وغيره حيث استدلّوا على ضمان منافع المبيع فاسدا بالروايات المتقدّمة في
الأمر الأوّل ـ وهو ضمان المقبوض بالبيع الفاسد ـ المتضمنة لحكم الامام عليهالسلام بضمان منافع الأمة المسروقة. قال السيد العاملي قدسسره في بيع الفضولي : «إذا لم يجز المالك رجع في عين ماله
ونمائه متصلا أو منفصلا ، وعوض منافعه المستوفاة وغيرها .. وفي رواياتهم ما يدل
عليه ..» . وقال في موضع آخر : «ويرجع به ـ بالمبيع فاسدا ـ وبزوائده
متّصلة كالسمن ومنفصلة كالولد ، وبمنافعه المستوفاة وغيرها كما في المبسوط وغيره ،
والمخالف ابن حمزة» .
وحاصل الرّدّ :
أنّ الجارية المسروقة كما تكون بنفسها مضمونة على المشتري الجاهل بالحال. كذلك
تكون منافعها من الولد والخدمة واللبن مضمونة عليه. ولو كان ضمان العين ـ في البيع
الفاسد ـ موجبا لحلّيّة المنافع للمشتري لم يكن وجه لحكم الشارع بضمان نماءاتها.
وعليه فضمان
المنافع مناف لما استظهره ابن حمزة من حديث «الخراج بالضمان» فلا بدّ من حمله ـ بعد
فرض اعتباره سندا ـ على البيع الصحيح كما صنعه العلّامة قدسسره ، هذا تقريب الرّدّ على ابن حمزة ، وستأتي خدشة المصنف
فيه.
__________________
بما ورد (١) في شراء الجارية المسروقة : من ضمان قيمة الولد (٢) وعوض اللبن
، بل عوض كلّ ما انتفع.
وفيه (٣) : أنّ
الكلام في البيع الفاسد الحاصل بين مالكي العوضين (٤) من
______________________________________________________
(١) كخبر زرارة
، قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل اشترى جارية من سوق المسلمين ، فخرج بها إلى أرضه
، فولدت منه أولادا ، ثم أتاها من يزعم أنّها له ، وأقام على ذلك البيّنة. قال :
يقبض ولده ، ويدفع إليه الجارية ، ويعوّضه في قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها» .
(٢) لا يخفى
أنّ ضمان قيمة الولد واللبن وسائر المنافع لم يرد في رواية واحدة ، بل تضمّنتها
نصوص متفرقة ، ففي صحيحة جميل «ويدفع إليه المبتاع ـ وهو المشتري ـ قيمة الولد»
وفي رواية زرارة المتقدّمة ضمان عوض اللبن والخدمة ، وفي خبر آخر ضمان كل ما انتفع
، فمقصود الرّادّ على ابن حمزة ورود ضمان هذه في الأخبار المتفرّقة.
(٣) هذه مناقشة
المصنّف قدسسره في التمسك بهذه الروايات لردّ ابن حمزة. وحاصل المناقشة
: أنّ مورد الأخبار المتقدّمة أجنبيّ عن مسألة ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ، وعدمه
، لأنّ الكلام بين ابن حمزة وبين المشهور إنّما هو في المقبوض بالعقد الفاسد ، من
غير جهة الغصب ، كما يدلّ عليه قوله في ذيل عبارته في الوسيلة : «فإن غصب إنسان أو
سرق مال غيره .. الى قوله : وإن لم يكن عارفا كان له الرجوع عليه بالثمن وبما غرم
للمالك» حيث إنّه يدلّ على غرامته للمالك غير الثمن من عوض المنافع ، ولا وجه له
إلّا ضمانها للمالك.
(٤) وهذا
أجنبيّ عن أخبار ضمان منافع الجارية المسروقة ، إذ ليس بائعها مالكها ، بل هو غاصب
، ولا ملازمة في الضمان بين منافع المغصوب المبيع ، وبين منافع
__________________
جهة (١) أنّ مالك العين جعل خراجها له (٢) بإزاء ضمانها بالثمن ، لا (٣) ما
كان فساده من جهة التصرّف في مال الغير (*).
______________________________________________________
المبيع فاسدا لاختلال شرط صحّته.
(١) متعلّق ب «الكلام»
يعني : أنّ وجه البحث في مسألة ضمان منافع المقبوض بالبيع الفاسد هو : أنّ البائع
أقدم على جعل منافع المبيع ملكا للمشتري في قبال الثمن ، فإمضاء هذا الاقدام وعدم
إمضائه غير مرتبط بضمان نماء الجارية المسروقة التي يكون ضمانها من جهة الغصب.
(٢) أي :
للمشتري ، في قبال الثمن الذي يدفعه إلى البائع.
(٣) معطوف على «جهة»
يعني : ليس كلامنا في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد شاملا لمطلق موارد الفساد حتى من
ناحية مغصوبيّة العوضين أو أحدهما ، حتى نستدلّ على ضمان المنافع بنصوص الجارية
المسروقة ، بل محلّ الكلام فساد العقد من غير ناحية الغصب ، بأن كان العوضان
مملوكين.
__________________
وأضعف من ذلك (١)
ردّه بصحيحة أبي ولّاد المتضمنة لضمان منفعة
______________________________________________________
(١) المشار
إليه هو ردّ قول ابن حمزة بنصوص ضمان منافع الجارية المسروقة. وهذا إشارة إلى وجه
آخر لردّ مقالة ابن حمزة قدسسره. وتوضيحه : أنّه ورد في صحيحة أبي ولّاد الحناط السؤال
عن اكتراء بغل من الكوفة إلى مسافة معيّنة ـ وهي قصر بني هبيرة ـ لاستيفاء دين من
غريم ، فلمّا خرج من الكوفة ووصل إلى قنطرتها أخبر بخروج الغريم إلى مكان آخر ،
وهو النيل ، فتابعه أبو ولّاد إلى أن ظفر به ببغداد ، وفرغ ممّا بينه وبينه ، ورجع
إلى الكوفة ، وقد طال سفره من مبدئه إلى منتهاه خمسة عشر يوما ، وهي أزيد بكثير من
المدّة المتعارفة للسير من الكوفة إلى قصر بني هبيرة والرجوع منه إلى الكوفة.
فأراد أبو ولّاد التحلّل من المكاري ببذل اجرة أخرى زائدة على الأجرة المعيّنة
أوّلا ، فلم يرض بها صاحب البغل ، فتراضيا بالترافع إلى قاضي الجور ، فحكم ببراءة
ذمّة أبي ولّاد من الأجرة الزائدة ، مستدلّا بحديث الخراج بالضمان ، فاسترجع صاحب
البغل من هذا القضاء الجائر.
إلى أن تشرّف
أبو ولّاد للحجّ وزار الامام الهمام أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق صلوات الله
وسلامه عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين ، وقصّ عليه قصّته ، فقال عليهالسلام : «في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع
الأرض بركاتها» وحكم على أبي ولّاد بضمانه لاجرة البغل في جميع المدّة التي خرج به
من الكوفة حتى عوده إليها ، لأنّه استوفى منفعته بإجارة فاسدة ، لإخلاله بالشرط ،
فصار البغل مغصوبا ، فيضمنه كما يضمن ما استوفى من منافعه.
وعليه تكون هذه
الصحيحة ردّا على ابن حمزة القائل بأنّ ضمان العين لا يجتمع مع ضمان منافعها ،
هذا.
وناقش المصنّف قدسسره في هذا الرّدّ مقتصرا على قوله : «وأضعف منه ذلك» وجه
الأضعفيّة : أنّه ليس في الغصب ـ الذي هو مورد صحيحة أبي ولّاد ـ عقد فاسد ، بخلاف
ما قبلها ، فإنّ فيه عقدا بين المشتري وغير المالك ، ومن المعلوم أنّ الغصب
المغصوب المستوفاة (١) ، ردّا على أبي حنيفة القائل بأنّه إذا تحقّق ضمان
العين ـ ولو بالغصب ـ سقط كراها ، كما يظهر (٢) من تلك الصحيحة.
نعم (٣) لو كان
القول المذكور موافقا لقول أبي حنيفة في إطلاق (٤) القول بأنّ الخراج بالضمان
انتهضت الصحيحة وما قبلها (٥) ردّا عليه.
هذا كله في
المنفعة المستوفاة.
______________________________________________________
أجنبيّ عن العقد الفاسد الذي هو مورد كلام ابن حمزة ، إذ الغصب خال عن
العقد.
(١) صفة
للمنفعة ، والمراد بالمنفعة المستوفاة في هذه الصحيحة هو الركوب على الدابّة
والسّير بها.
(٢) يعني : كما
يظهر قول أبي حنيفة ـ بسقوط ضمان الأجرة بسبب ضمان العين ـ من تلك الصحيحة ،
وسيأتي متن صحيحة أبي ولّاد إن شاء الله تعالى في (ص ٤٨٢ إلى ٤٨٨).
(٣) استدراك
على عدم كون الصحيحة ردّا على ابن حمزة ، وحاصله : أنّ الصحيحة تنهض للردّ على ابن
حمزة إذا كان قائلا بإطلاق «الخراج بالضمان» بحيث يشمل الغصب كما يقول به أبو
حنيفة. وأمّا إذا لم يقل بذلك ، وكان قائلا باختصاص «الخراج بالضمان» بالعقود
المعاوضيّة وعدم شموله للغصب لم تنهض الصحيحة للرّدّ عليه.
(٤) المقصود من
إطلاق «الخراج بالضمان» أنّ كلّ مورد تحقّق فيه ضمان العين كان منفعته مجّانا وبلا
عوض ، سواء أكان بالعقد الصحيح كما يقول به أصحابنا ـ عدا ابن حمزة ـ أم أعمّ منه
ومن العقد الفاسد كما هو رأي ابن حمزة ، أم أعمّ منهما ومن الأعيان المغصوبة كما
يقول به أبو حنيفة ، لعدم تضمينه أبا ولّاد عوض انتفاعه بالبغل الذي صار مغصوبا
بيده من قنطرة الكوفة إلى النيل ، ثمّ إلى بغداد ، ثمّ إلى الكوفة.
(٥) وهو نصوص
الجارية المسروقة ، فإنّها أيضا صالحة لردّ مقالة أبي حنيفة ، لما تقدم من صراحتها
في ضمان اللبن والخدمة وسائر منافعها. فكما تكون نفس الجارية مضمونة فكذا نماؤها ،
وهذا معارض بالتباين لما استفاده أبو حنيفة من
.................................................................................................
______________________________________________________
حديث «الخراج بالضمان» (*).
هذا ما يتعلّق
بتوضيح المتن في ردّ استدلال ابن حمزة بالحديث النبويّ ، وبقيت مباحث أخرى تأتي في
التعليقة إن شاء الله تعالى.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسرهصلىاللهعليهوآلهوسلم
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
وأمّا المنفعة
الفائتة (*) بغير استيفاء (١)
______________________________________________________
ب : ضمان المنفعة
الفائتة
(١) هذا شروع
في المقام الثاني ممّا تعرّض له في الأمر الثالث المنعقد لبيان حكم منافع المقبوض
بالبيع الفاسد ، وقد تمّ الكلام في المقام الأوّل وهو ضمان المنافع المستوفاة
خلافا لابن حمزة منّا. والمراد بالمنفعة الفائتة هي المقابلة للمستوفاة ، سواء أكانت
عينا ـ كنفس المبيع ـ كثمرة الشجرة المبيعة فاسدا ، ولبن الشاة كذلك وصوفها ، أم
كانت حيثيّة متصرّمة الوجود قائمة بالعين ، وهي المعبّر عنها بالمنافع
__________________
__________________
فالمشهور فيها (١) أيضا (٢) الضمان. وقد عرفت (٣) عبارة السرائر المتقدّمة.
______________________________________________________
الحكميّة كسكنى الدار والأعمال المحترمة المملوكة كخدمة العبد.
وكيف كان فقد
أفاد المصنّف قدسسره أنّ الأقوال في حكم المنافع الفائتة خمسة :
أوّلها :
الضمان ، وهو المشهور ، بل المدّعى عليه الإجماع.
ثانيها : العدم
وهو الظاهر من فخر المحققين قدسسره.
ثالثها :
التفصيل بين علم البائع بالفساد وجهله به ، بالضمان في الثاني وبالعدم في الأوّل.
رابعها :
التوقّف في صورة علم البائع بالفساد ، والضمان في صورة الجهل.
خامسها :
التوقّف عن الحكم بالضمان ، وبعدمه مطلقا سواء علم البائع بالبطلان أم لم يعلم.
واضطربت كلمات
المصنّف في المسألة ، فاختار القول الأوّل في بدء كلامه ، واستدلّ له بوجهين ، ثم
ناقش فيهما ، ثم رجّح القول الثاني لوجوه ثلاثة تقتضي عدم الضمان ، ثم جعل التوقّف
هو الإنصاف في المسألة ، ثم رجّح في آخر كلامه القول الأوّل وهو الضمان مطلقا.
وستأتي الوجوه بالترتيب إن شاء الله تعالى.
(١) أي : في
المنفعة الفائتة ، وهذا شروع في القول الأوّل في المسألة.
(٢) يعني :
كالمنافع المستوفاة التي تقدّم أنّ المشهور فيها هو الضمان.
(٣) يعني : في
أوّل بحث المقبوض بالبيع الفاسد ، حيث قال : «وفي السرائر : أنّ البيع الفاسد يجري
عند المحصّلين مجرى الغصب» وغرض المصنّف من الإشارة إلى كلام ابن إدريس قدسسره هو استفادة الإجماع المنقول على ضمان المنافع الفائتة
في المقبوض بالبيع الفاسد. وذلك لمساواته للمغصوب في ما عدا حرمة الإمساك ، ولمّا
كانت المنافع الفائتة مضمونة في باب الغصب فهي كذلك في المقام.
وعلى هذا
فالمدّعى وإن كان شهرة القول بالضمان في المنفعة غير المستوفاة ، إلّا أنّ من
يعتمد على الإجماع المنقول بخبر الواحد يلزمه الأخذ به ، ولا سبيل له إلى القول
بعدم الضمان أو التوقّف فيه.
ولعلّه (١)
لكون المنافع أموالا في يد من بيده العين ، فهي مقبوضة في يده ،
______________________________________________________
(١) أي : ولعلّ
الضمان ، وهذا استدلال للقول المشهور ، والمذكور منه في المتن وجهان :
الوجه الأوّل :
قاعدة اليد ، فإنّها كما تجري في الأعيان وتثبت ضمانها ، كذلك تجري في المنافع ،
وذلك لأمرين مسلّمين :
أحدهما : أنّ
المنافع أموال حقيقة ، لما تقدّم في أوّل بحث البيع من جواز كون الثمن منفعة ، مع
أنّه تعتبر ماليّة العوضين ، لوضوح كون البيع مبادلة مال بمال.
ثانيهما : أنّ
المناط في ضمان العين ـ وهو قبضها والاستيلاء عليها ـ متحقق في المنافع أيضا ، حيث
إنّها مقبوضة بقبض العين. والدليل على صدق «القبض» على المنفعة ما ذكروه في
مسألتين :
الأولى : أنّ
الإجارة هي «تمليك منفعة بعوض» فيجب على الموجر تسليم المنفعة إلى المستأجر وفاء
بالعقد ، ومن المعلوم أنّ قبضها يكون بقبض العين ، فإذا أقبض الموجر داره للمستأجر
فقد أقبضه سكناها. ولو لم تكن المنافع قابلة لوقوعها تحت اليد لم يكن مجرّد تسلّم
المستأجر للدار استيلاء على سكناها. مع أنّه لا ريب في دخول المنفعة في ضمان
المستأجر ، وثبوت الأجرة عليه بنفس تسلّطه على العين. وهذا كاشف عن قابلية المنافع
للقبض كالأعيان.
الثانية :
أنّهم اعتبروا في بيع السّلم قبض الثمن في مجلس العقد ، وجوّزوا وقوع المنافع
المملوكة ثمنا ـ كسكنى الدار وخدمة العبد والجارية ـ كما إذا باع طنّا من الحنطة
سلفا وجعل المشتري خدمة الجارية سنة عوضا عنه ، فحكموا بصحته ، وأنّ تسليم الجارية
ـ لينتفع البائع بخدمتها ـ تسلّم للثمن حقيقة. وهذا كاشف عن قابليّة المنافع للقبض
والوقوع تحت اليد ، ولو لا بالاستقلال بل بتبع الأعيان. ولو اختصّ القبض
والاستيلاء بالأعيان الخارجيّة لزم بطلان عقد السّلم في الفرض المزبور ، مع أنّ
ظاهرهم صحته بلا ريب.
ولذا (١) يجري على المنفعة حكم المقبوض إذا قبض العين ، فتدخل المنفعة في
ضمان المستأجر (٢). ويتحقّق (٣) قبض الثمن في السّلم بقبض الجارية المجعول خدمتها
ثمنا ، وكذا (٤) الدار المجعول سكناها ثمنا.
مضافا (٥) إلى
أنّه مقتضى احترام مال المسلم ، إذ كونه في يد غير مالكه
______________________________________________________
وبهذا يتّجه
الاستدلال بحديث «على اليد» على ضمان المنافع مطلقا سواء استوفيت أم فاتت. هذا
تقريب الدليل الأوّل ، وسيأتي تقريب الدليل الثاني وهو قاعدة الاحترام.
(١) يعني :
ولأجل كون المنافع أموالا في يد من بيده العين يجري على المنفعة حكم المقبوض إذا
قبض العين. وغرضه قدسسره الاستشهاد بما ذكره الفقهاء في المسألتين المتقدّمتين
آنفا.
(٢) هذا إشارة
إلى المسألة الأولى ، فإنّ المنفعة في باب الإجارة تكون كالمبيع ، فكما يكون
المبيع في ضمان البائع قبل إقباضه للمشتري ، فكذا المنفعة تكون في ضمان الموجر قبل
تسليم العين إلى المستأجر. وأمّا بعد التسليم فتدخل في ضمانه ، ولو تلفت ولم
يستوفها فقد تلفت من ماله لا من مال الموجر. والغرض من هذا الفرع صدق قبض المنفعة
بقبض العين.
(٣) هذا إشارة
إلى المسألة الثانية ، وهي جعل المنفعة المملوكة ثمنا في بيع السّلم ، سواء أكانت
سكنى دار أم كتابة عبد أم خدمة جارية ، فيتحقّق قبض الثمن فيها بقبض الجارية أو
العبد أو الدار. ولو كانت «اليد» مختصّة بالأعيان أشكل جواز وقوع هذه المنافع ثمنا
في بيع السّلم.
(٤) معطوف على «الجارية»
يعني : يتحقق قبض الثمن بقبض الدار المجعول سكناها ثمنا في السّلم. والجامع بين
منفعة الدار وخدمة الجارية هو كونهما حيثيتين قائمتين بالعين وهي الدار والجارية.
(٥) هذا إشارة
إلى الدليل الثاني على ضمان المنافع الفائتة في المقبوض بالبيع
مدّة طويلة (١) من غير اجرة مناف (٢) للاحترام.
لكن يشكل الحكم
(٣) ـ بعد تسليم كون المنافع أموالا
______________________________________________________
الفاسد ، وهو قاعدة احترام مال المسلم. وتقريبها ـ بعد صدق المال على
المنفعة ـ أنّ احترام المسلم وشرفه يقتضيان حرمة التصرّف في ماله بدون إذنه ،
وحرمة حبسه عن مالكه مدّة طويلة من غير اجرة في قبال منافعه ، سواء استوفى ذلك
الغير منفعته أم لا. وعليه فاحترام ماله يقتضي ضمان بدل ما تلف منه أو فات بيد
الغير ، فلا احترام لماله بدون الضمان.
(١) الظاهر
أنّه لا خصوصيّة لطول المدة ، إذ المناط في الضمان فوت المنفعة التي يبذل بإزائها
المال ، ولعلّ ذكرها من جهة الترديد في صدق «فوت المال» على فوات المنفعة في مدّة
قصيرة ، كإشغال دار الغير ساعة أو أقلّ.
(٢) خبر قوله :
«كونه».
(٣) يعني :
يشكل الضمان الذي ذهب إليه المشهور. وغرض المصنّف المناقشة في الدليلين
المتقدّمين. وحاصل الاشكال على الأوّل أمران :
أحدهما : أنّ
الموصول في «ما أخذت» هو المال ، ولم يحرز صدق «المال» على المنافع حتى تندرج في
الضمان اليديّ. فيحتمل اختصاصه بالأعيان المتموّلة ، ويكفي في شبهة شمول المال
للمنافع كلام ابن الأثير المنقول في اللسان : «المال في الأصل ما يملك من الذهب
والفضّة ، ثم أطلق على كلّ ما يقتني ويملك من الأعيان ، وأكثر ما يطلق المال عند
العرب على الإبل ، لأنّها كانت أكثر أموالهم» لظهور قوله : «من الأعيان» في عدم ماليّة المنافع
والحقوق.
وعليه فالمنافع
خارجة عن حديث «على اليد» موضوعا ، ولا بدّ من التماس دليل آخر على ضمانها.
ثانيهما : أنّ
مجرّد صدق «المال» على المنفعة لا يكفي في الضمان ما لم تندرج تحت
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عموم قاعدة «على اليد» والمفروض عدم اندارجها تحته ، لأنّ صلة الموصول في
قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما أخذت» لا تشمل المنافع ، لظهوره في كون المأخوذ
باليد قابلا ـ بنفسه ـ للرّدّ والأداء ، ولا يكون ذلك إلّا عينا ، فإنّها تؤخذ
وتردّ. بخلاف المنفعة ، لكونها حيثيّة قائمة بالعين ، وليست بنفسها قابلة للأخذ
والرّدّ ، هذا.
فإن قلت : قد
تقدّم في مسألتي الإجارة وبيع السّلم تحقق قبض المنفعة بقبض العين ، ومعه لا وجه
لمنع شمول الصلة ـ وهي «أخذت» ـ للمنفعة ، ودعوى اختصاصها بالأعيان. فإمّا أن يقال
: بصدق الأخذ على المنفعة بتبع وضع اليد على العين ، ومقتضاه دلالة الحديث على
ضمان المنافع حتى الفائتة منها. وإمّا أن يقال : بأنّ ما يقبل الأخذ والقبض هو
خصوص العين ، ومقتضاه الإشكال في المسألتين المتقدّمتين ، لأنّ الكلّ من باب واحد
، هذا.
قلت : إنّ
المنفعة تحصل في اليد وتقبض بقبض العين ، ولذا يصحّ وقوعها ثمنا في بيع السّلم ،
ويتحقّق قبضها بتسليم العين ذات المنفعة ، ولكن لا يصدق «أخذ المنفعة» عند وضع
اليد على العين ، فالأخذ أضيق مفهوما من القبض ، لأعمّيّته ، لصدقه على كلّ من
المقبوض استقلالا ، والمقبوض تبعا. بخلاف الأخذ الظاهر في المأخوذ بالأصالة. وبهذا
ظهر الفرق بين المسألتين وبين المنافع الفائتة ، لعدم صدق «الأخذ» عليها حتى تندرج
في حديث «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».
فإن قيل : لا
وجه لاختصاص صلة الموصول ـ وهي : أخذت ـ بالأعيان التي تتناولها الجارحة الخاصّة ،
وإلّا يلزم عدم شمول الحديث لوضع اليد على الأموال غير المنقولة كالبساتين والدور
والدكاكين ، مع أنّه لا ريب في تحقق وضع اليد بمجرّد الاستيلاء عليها. وهذا يكشف
عن عدم إرادة معنى «الأخذ» حقيقة ، وإنّما هو كناية عن مطلق الاستيلاء. وبناء على
هذا المعنى الكنائي نقول بصدق الاستيلاء على كلّ من العين والمنفعة ، ويتعيّن
حينئذ الحكم بضمان المنافع الفائتة كالمستوفاة ، هذا.
حقيقة (١) ـ بأنّ (٢) مجرّد ذلك (٣) لا يكفي في تحقّق الضمان ، إلّا (٤) أن
يندرج في عموم
______________________________________________________
قلنا : لا ريب
في صدق «الأخذ» على الاستيلاء على الأعيان غير المنقولة كالدار والبستان ، لكنّه
لا يوجب شموله للمنفعة أيضا ، وذلك فإنّ الأخذ وإن كان كناية عن الاستيلاء ، إلّا
أنّ الاستيلاء الحقيقيّ على شيء يقتضي أن يكون المستولي عليه موجودا حقيقيّا
قارّا ، سواء أكان الاستيلاء عليه باليد كالمفتاح والكتاب ونحوهما ممّا يتناول
بالجارحة الخاصة ، أم بالتصرّف فيه بالجلوس والمشي وسائر أنحاء التقلّب.
وأمّا المنفعة
التي لا وجود لها بالفعل حين الاستيلاء على العين ـ بل إمّا توجد تدريجا على تقدير
الاستيفاء ، وإمّا لا توجد أصلا على تقدير الفوات ـ فلا وجه للتكلّف في صدق «الاستيلاء»
عليها بمجرّد الاستيلاء على العين ، لما عرفت من أنّها معدومة فعلا ، فكيف يستولي
عليها؟.
والحاصل : أنّ
حديث «على اليد» لا يشمل المنافع الفائتة ، لمنع صدق الموصول عليها ، فالاستدلال
به على ضمانها مشكل. وستأتي المناقشة في الاستدلال بقاعدة الاحترام.
(١) هذا إشارة
إلى أوّل الإشكالين على الاستدلال بقاعدة اليد. ومقصوده بقوله : «حقيقة» أنّ
المناط في شمول القاعدة للمنافع هو صدق «المال» بمعناه الحقيقيّ عليها ، وإلّا فلا
عبرة بعدّها من الأموال بالمسامحة والعناية كما هو واضح.
(٢) هذا هو
الإشكال الثاني على الاستدلال بقاعدة اليد ، وقد عرفته آنفا.
(٣) أي : مجرّد
كون المنافع أموالا حقيقة لا يكفي في ضمان المنافع الفائتة.
(٤) متعلّق
بقوله : «لا يكفي» وهذا تمهيد لبيان عدم شمول الصّلة للمنافع ، لعدم قابليّتها
للأخذ.
«على اليد ما أخذت». ولا إشكال (١) في عدم شمول صلة الموصول للمنافع. وحصولها
(٢) في اليد بقبض العين لا يوجب صدق الأخذ (*).
______________________________________________________
(١) يعني :
والحال أنّه لا إشكال في عدم شمول «أخذت» للمنافع ، لما عرفت آنفا.
(٢) مبتدأ خبره
«لا يوجب» وغرض المصنّف من هذا بيان الفارق بين المنافع الفائتة وبين مسألتي الإجارة
وثمن بيع السّلم ، بصدق قبض المنفعة فيهما بقبض العين ، دون المقام ، حيث إنّ دليل
الضمان هو حديث اليد المشتمل على مادّة «الأخذ» وهي غير صادقة على المنفعة. وقد
تقدم توضيح المطلب بقولنا : «فان قلت .. قلت» فلاحظ.
__________________
__________________
ودعوى (١) «أنّه كناية عن مطلق (٢) الاستيلاء الحاصل في المنافع بقبض
الأعيان» مشكلة.
وأمّا احترام
مال المسلم فإنّما (٣) يقتضي عدم حلّ التصرّف فيه وإتلافه بلا عوض ، وإنّما يتحقّق
ذلك (٤) في الاستيفاء.
______________________________________________________
(١) غرض
المدّعي إثبات شمول الحديث للمنفعة مع الغضّ عن صدق قبضها بقبض العين ، بل لأنّ «الأخذ»
هنا بمعنى الاستيلاء كناية ، ومن المعلوم صدق الاستيلاء عرفا على كلّ من العين
والمنفعة.
وقد منع
المصنّف قدسسره هذه الدعوى بقوله : «مشكلة» وتقدم توضيحهما بقولنا : «فان
قيل .. قلنا».
(٢) هذه الكلمة
قرينة على أنّ «الأخذ» وإن كان بمعنى الاستيلاء في الجملة حتى يتحقّق ذلك بالنسبة
إلى ما لا ينقل من الأموال ، إلّا أنّه لا موجب للتوسعة في معناه بجعل الأخذ كناية
عن مطلق الاستيلاء كي تندرج المنافع في الحديث ، لكون هذا المفهوم العامّ خلاف
الظاهر ، فلا يصار إليه بلا قرينة.
(٣) هذا إشكال
المصنّف على الاستدلال بقاعدة الاحترام لضمان المنافع الفائتة ، وحاصل الاشكال :
أنّ ظاهر القاعدة ضمان المنافع المستوفاة ، لأنّ الإتلاف عبارة عن إعدام الموجود ،
وهو لا يتحقّق إلّا في استيفاء المنافع وإتلاف الأعيان ، فيقال : إنّ حرمة مال
المسلم تقتضي ضمان من أتلفه لئلّا يذهب هدرا ، كما أنّ دمه لا يذهب هدرا ، ومن
المعلوم أجنبيّة هذا المعنى عن ضمان المنافع الفائتة ، فإنّها تالفة لا متلفة حتى
يلزم تداركها ببدلها.
وقد تحصّل :
أنّه لا مقتضي للقول المشهور من ضمان المنفعة الفائتة في المبيع بالبيع الفاسد ،
لما عرفت من الخدشة في الدليلين ، وهما قاعدتا اليد والاحترام.
(٤) أي : إنّما
يتحقّق التصرّف فيه وإتلافه فيما إذا استوفى المنفعة ، وهذا خارج عن محلّ البحث وهو
المنفعة الفائتة.
فالحكم (١)
بعدم الضمان مطلقا (٢) كما عن الإيضاح ، أو مع علم البائع بالفساد ، كما عن بعض
آخر (٣) موافق (٤) للأصل (٥) السليم.
مضافا إلى :
أنّه قد يدّعى (٦) شمول قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن
______________________________________________________
(١) غرضه قدسسره ـ بعد إبطال المقتضي للضمان ـ إبداء المقتضي لعدم
الضمان وفاقا لفخر المحققين ، وهذا المقتضي لنفي الضمان أمور ثلاثة :
أوّلها : الأصل
السليم عن الحاكم والمعارض.
وثانيها :
قاعدة «ما لا يضمن».
وثالثها :
أخبار بيع الجارية المسروقة التي ضمّنت المشتري خصوص المنافع المستوفاة ، وسيأتي
بيانها.
(٢) أي : مع
علم البائع بالفساد وجهله به ، فالإطلاق في قبال تفصيل بعض بين صورتي العلم
والجهل.
(٣) لعلّ مراده
من البعض هو العلّامة في القواعد ، حيث استشكل في ضمان المنافع الفائتة. فقال : «ولا
يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد ، ويضمنه وما يتجدّد من منافعه ، الأعيان أو
غيرها ، مع جهل البائع أو علمه مع الاستيفاء ، وبدونه إشكال» بناء على ما فهمه المحقّق الكركيّ من العبارة من جعل
مورد الاشكال علم البائع بالفساد وعدم استيفاء المشتري للمنفعة ، فراجع.
(٤) خبر قوله :
«فالحكم».
(٥) وهو أصالة
البراءة عن الضمان عند فوت المنفعة بيد المشتري ، ولا معارض لهذا الأصل من دليل
اجتهاديّ أو أصل عمليّ.
(٦) هذا وجه
آخر استدل به بعضهم على عدم ضمان المنفعة الفائتة في المقبوض بالبيع الفاسد ، وهو
مبنيّ على اختصاص قاعدتي «ما يضمن وما لا يضمن» بمصبّ العقد ومورده ، على ما سبق
من المصنّف قدسسره التنبيه عليه ، وفرّع عليه عدم ضمان العين
__________________
بفاسده» ومن المعلوم (١) أنّ صحيح البيع لا يوجب ضمانا للمشتري للمنفعة ،
لأنّها (٢) له مجّانا. ولا يتقسّط (٣) الثمن عليها. وضمانها (٤) مع الاستيفاء لأجل
الإتلاف ، فلا ينافي القاعدة المذكورة ، لأنّها (٥) بالنسبة إلى التلف لا الإتلاف.
______________________________________________________
المستأجرة بالإجارة الفاسدة ، بدعوى : أنّ متعلّق المعاوضة فيها هو المنفعة
، فتندرج العين في قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».
وكذا يقال في
المقام : بأنّ صحيح البيع لا يوجب ضمان المشتري للمنفعة ، حيث إنّ الضمان
المعاوضيّ يقع بين المبيع والثمن ، ومنافع المبيع ليست طرفا للمعاوضة ولا تقابل
بشيء من الثمن ، فلا تضمن لو تلفت وفاتت. كما أنّ العين المستأجرة لا تضمن لو
تلفت بيد المستأجر.
نعم إتلاف
العين واستيفاء المنفعة يوجب الضمان ، لقاعدة الإتلاف ، وهذا لا ينافي قاعدة «ما
لا يضمن» المختصّة بمورد التلف ، لا الإتلاف كما لا يخفى.
(١) هذا تقريب
شمول قاعدة «ما لا يضمن» للمنفعة الفائتة ، وقد عرفته آنفا.
(٢) يعني :
لأنّ المنفعة تكون للمشتري مجّانا ، لكون تمام الثمن بإزاء نفس العين.
(٣) بأن يكون
مقدار من الثمن بإزاء العين ، ومقداره بإزاء المنفعة حتى تندرج المنافع ـ كنفس
العين ـ في قاعدة «ما يضمن» ليكون نتيجة تقسيط الثمن ضمان منافع المبيع بالبيع
الفاسد سواء استوفيت أم فاتت.
(٤) مبتدأ خبره
«لأجل» وغرضه دفع توهّم المنافاة بين نفي الضمان للمنافع بقاعدة «ما لا يضمن» وبين
الالتزام بالضمان في استيفائها ، وقد عرفت تقريبه بقولنا : «نعم إتلاف العين ..».
(٥) يعني :
لأنّ قاعدة «ما لا يمضن» نافية للضمان في مورد التلف ، ولا تتعرّض لحال الإتلاف
أصلا حتى يتحقق التنافي بينها وبين ما يوجب الضمان كالإتلاف والاستيفاء.
مضافا إلى
الأخبار (١) الواردة في ضمان المنافع المستوفاة من الجارية
______________________________________________________
(١) هذا ثالث
الوجوه المستدلّ بها على عدم ضمان المنافع الفائتة ، ومحصّله : استفادة عدم الضمان
من السكوت في مقام بيان مورد الضمان في الجارية المسروقة ، ثم إثباته في المقبوض
بالبيع الفاسد بالأولويّة القطعيّة ، فهنا أمران ينبغي توضيحهما.
الأوّل : أصل
دلالة الأخبار على عدم ضمان المنفعة الفائتة في مورد بيع الجارية المسروقة.
الثاني :
أولويّة المقام بعدم الضمان.
أمّا الأوّل
فبيانه : أنّه قد ورد في جملة من الأخبار سؤال الراوي عن حكم جارية مسروقة بيعت ،
فاستولدها المشتري وانتفع بلبنها وخدمتها ، فحكم عليهالسلام بضمان قيمة الولد واللبن واجرة مثل خدمتها من طبخ وكنس
وطحن ونحوها من المنافع التي استوفاها المشتري في المدّة التي مكثت عنده ، كقوله عليهالسلام ـ كما في خبر زرارة ـ : «ويعوّضه في قيمة ما أصاب من
لبنها وخدمتها» وسكت عليهالسلام عن ضمان منافعها الفائتة ، مع كون السائل بصدد استعلام
وظيفته الفعليّة وما تشتغل عهدته به ، ومن المعلوم أنّ السكوت في مقام البيان بيان
العدم.
فإن قلت : إنّ
كون هذه الأخبار ناظرة إلى المنفعة الفائتة حتى يستفاد عدم ضمانها من السكوت محلّ
تأمّل ، لأنّه عليهالسلام اقتصر على بيان ضمان قيمة الولد والمنافع المستوفاة ،
ولم يفرض فوت بعض منافع الجارية حتى يتحقق موضوع للكبرى المقرّرة ، وهي : أنّ
السكوت في مقام البيان بيان العدم.
قلت : ليس كذلك
، لأنّ مورد السؤال منزّل على المتعارف ، ولا ريب في أنّ للجارية منافع يستوفى
بعضها ويفوت بعضها الآخر ، وليست تستخدم بمثابة لا يفوت شيء من منافعها. ولو شكّ
كفى استفادة الإطلاق من ترك الاستفصال ،
__________________
المسروقة المبيعة الساكتة (١) عن ضمان غيرها (٢) في مقام البيان (*).
______________________________________________________
إذ لم يسأل عليهالسلام عن أنّ المشتري هل استخدمها في تمام منافعها أم في
مقدار منها؟ وعليه ففوت المنفعة مفروض في الرّواية ، ويتّجه الاستدلال بسكوته عليهالسلام عن ضمان المنافع الفائتة ، واقتصاره على ضمان
المستوفاة.
وأمّا الأمر
الثاني ـ وهو الأولويّة ـ فتقريبه : أنّ الأخبار الواردة في بيع الجارية المسروقة
لم تضمّن المشتري عوض المنفعة الفائتة ، مع كون موردها شراءها من الغاصب الأجنبيّ
عن المالك ، وكون مقتضى أخذ الغاصب بأشقّ الأحوال هو ضمان المشتري للمنفعة الفائتة
أيضا ليرجع على الغاصب من جهة غروره. فإذا كان البائع مالكا للجارية كان عدم ضمان
المشتري أولى قطعا ، لأنّ المالك أقدم على البيع وتسليمها إلى المشتري.
هذا تمام
الكلام في تقريب دلالة هذه الطائفة على انتفاء الضمان في المنفعة الفائتة. وكذا
الكلام في رواية أخرى وهي صحيحة محمّد بن قيس الآتية.
(١) صفة ل «الأخبار»
وهذا إشارة إلى الكبرى المقرّرة في الأصول من : أنّ السكوت في جواب السؤال عن
الوظيفة الفعليّة دليل على عدم الحكم ، ففي المقام لو كان المشتري ضامنا لبيّنه
الإمام عليهالسلام ، لئلّا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، مع عدم حكمة
ظاهرة في تأخيره.
(٢) أي : غير
المنافع المستوفاة ، وهذا الغير هو المنافع الفائتة.
__________________
وكذا (١) صحيحة
محمّد بن قيس الواردة في من باع وليدة أبيه بغير إذنه ،
______________________________________________________
(١) معطوف على «الأخبار»
ومقصوده أنّ الأمرين المتقدمين في تلك الأخبار ـ من السكوت والأولويّة ـ جاريان في
صحيحة محمّد بن قيس أيضا ، فالتقريب مشترك بينهما.
أمّا الصحيحة
فقد رواها شيخ الطائفة بإسناده عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن سندي بن محمّد وعبد
الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : «قضى في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب ،
فاشتراها رجل ، فولدت منه غلاما ، ثم قدم سيّدها الأوّل ، فخاصم سيّدها الأخير ،
فقال هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني. فقال : خذ وليدتك وابنها. فناشده المشتري ،
فقال : خذ ابنه ـ يعني الذي باع الوليدة ـ حتى ينفذ لك ما باعك. فلمّا أخذ البيّع
الابن قال أبوه : أرسل ابني. فقال : لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني ، فلمّا رأى سيّد
الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه» .
وسيأتي الكلام
في مفاد الصحيحة في بيع الفضول إن شاء الله تعالى. إلّا أنّ
__________________
__________________
فقال عليهالسلام : «الحكم أن يأخذ الوليدة وابنها» وسكت عن المنافع
الفائتة. فإنّ (١) عدم الضمان في هذه الموارد (٢) ـ مع كون العين لغير البائع (٣)
ـ يوجب عدم الضمان هنا (٤) بطريق أولى.
والانصاف أنّ
للتوقّف في المسألة ـ كما في المسالك تبعا للدروس والتنقيح (٥) ـ مجالا.
______________________________________________________
المقصود من نقلها فعلا دلالتها على عدم ضمان ما فات من الجارية المبيعة
بغير إذن مالكها. فإنّه عليهالسلام قضى أوّلا للمالك بأخذ الجارية من المشتري ، وكذا ولدها
الذي هو منفعتها ، ولم يضمّن المشتري ما فات من منفعتها في المدّة التي كانت عنده.
وحيث إنّ الصحيحة في مقام بيان الوظيفة الفعليّة كان اقتصاره على ضمان قيمة الولد
دليلا على عدم استقرار عوض المنفعة الفائتة على عهدة المشتري. هذا تقريب أصل الدلالة.
وأمّا أولويّة المقام ـ وهو البيع الفاسد مع إقدام المالك على البيع ـ فقد تقدّمت
آنفا.
(١) هذا تقريب
الأولويّة ، وأمّا الدلالة على عدم ضمان المنفعة الفائتة فمنشؤها السكوت.
(٢) يعني :
مورد الصحيحة وموارد بيع الجارية المسروقة ، لظهورها في تعدّد الواقعة ، لأنّ
المسؤول في بعض الأخبار أبو جعفر عليهالسلام ، وفي بعضها أبو عبد الله عليهالسلام.
(٣) يعني : ليس
المبيع ملكا للبائع ، إذ البائع فضول ، إمّا غاصب كما في الجارية المسروقة ، وإمّا
غير غاصب كما في صحيحة محمّد بن قيس.
(٤) أي : في
المقبوض بالبيع الفاسد ، إذ قد ينشأ الفساد من اختلال بعض شروط الصيغة خاصّة ، مع
اجتماع شروط العوضين والمتعاقدين ، بأن يكونا مالكين أو مأذونين في التصرّف. هذا
تمام الكلام في وجه عدم الضمان وسيأتي التوقّف في المسألة.
(٥) قال الفاضل
المقداد قدسسره : «وأمّا مع الفوات فوجهان ، من أصالة البراءة ، ومن
أنّها منافع عين مضمونة فتضمن» .
__________________
وربّما (١)
يظهر من القواعد في باب الغصب عند التعرّض لأحكام البيع الفاسد اختصاص الاشكال
والتوقّف بصورة علم البائع ، على ما استظهره السيد العميد والمحقّق الثاني من
عبارة الكتاب (٢) ،
______________________________________________________
وقال الشهيد قدسسره في حكم البيع الفاسد : «ويرجع صاحب العين بمنافعها
المستوفاة ، فلو فاتت بغير استيفاء فوجهان» .
وقال الشهيد
الثاني قدسسره : «ولو فاتت بغير استيفاء فوجهان» .
ولكنّه في موضع
آخر من البيع رجّح الضمان فقال : «وكما تضمن العين تضمن منافعها ؛ سواء استوفاها
أم لا ، على الأقوى» .
وكيف كان فقد
جعل المصنّف قدسسره هنا ـ وفي عبارته الآتية قريبا ـ التوقّف مقتضى الإنصاف
في المسألة ، ولعلّه لأجل تمانع وجهي الضمان وعدمه لو تمّ المقتضي في كلّ منهما ،
بعد عدم ترجيح أحدهما على الآخر. لكنّه قدسسره عدل عن هذا الإنصاف إلى القول المشهور وهو الضمان
اعتمادا على الإجماع المصرّح به في التذكرة ، وسيأتي.
(١) غرضه قدسسره من هذه العبارة ـ إلى عدّ الأقوال في المسألة ـ هو :
أنّ الأقوال في ضمان المنافع الفائتة أربعة ، إلّا أنّ اختلاف شرّاح القواعد في
الاستظهار من العبارة جعلها خمسة ، ففخر المحقّقين قدسسره جعل مصبّ إشكال العلّامة في ضمانها أعمّ من علم البائع
بالفساد وجهله به ، ولكنّ المحقّق الثاني والسيد العميد استظهرا من عبارة القواعد
اختصاص التوقّف في ضمان المنافع الفائتة بما إذا علم البائع بالفساد ، فلو كان
جاهلا به كان ضامنا لها.
(٢) يعني :
عبارة كتاب القواعد ، وهي قول العلّامة المتقدم في (ص ٢٦٠) وفيه : «وبدونه إشكال»
فإن كان مرجع ضمير «بدونه» الاستيفاء ، اتجه ما استظهره
__________________
وعن الفخر (١) حمل الإشكال في العبارة على مطلق صورة عدم الاستيفاء.
فيتحصّل (٢) من
ذلك كلّه أنّ الأقوال في ضمان المنافع غير المستوفاة خمسة.
______________________________________________________
فخر المحقّقين من التوقّف في ضمان المنافع الفائتة مطلقا سواء علم البائع
بالبطلان أم جهل به.
وإن كان مرجع
الضمير الاستيفاء مع قيد «علمه» اتّجه ما استظهره المحقّق الثاني ، إذ المعنى
حينئذ : «انّه مع علم البائع بالفساد إذا فاتت المنفعة ففي الضمان إشكال وتوقّف»
فيتألّف موضوع توقّف العلّامة من أمرين : أحدهما علم البائع بالبطلان ، والآخر عدم
استيفاء المشتري للمنفعة.
قال المحقّق
الثاني في ضمان المنافع : «فلا تفاوت في كون المتجدّد في البيع عينا كالولد أو
منفعة كسكنى الدار ، ولا في كون البائع عالما بالفساد وجاهلا ، ولا بين أن يستوفي
المشتري فاسد المنفعة وعدمه ، على إشكال في بعض الصور ، وهو ما إذا علم البائع
بفساد البيع ولم يستوف المشتري المنفعة» .
(١) الحاكي
لكلام فخر المحققين هو السيّد الفقيه العاملي قدسسرهما ، قال في الإيضاح ـ في شرح عبارة القواعد المتقدمة : «وبدونه
إشكال» ـ ما لفظه : «ينشأ من تبعيّة الأصل ، ولأنّ الأصل في قبض مال الغير الضّمان
إلّا بسبب عدمه ، ولم يثبت. ومن أنّها لم تقبض بالبيع الفاسد ولا بالغصب. والحقّ
الثاني ، لأنّ مال الغير يجدّد في يده بغير فعلهما ، فكان كالثوب تطيره الريح» .
وما ذكره قدسسره من وجه عدم الضمان بقوله : «ومن أنّها لم تقبض بالبيع
الفاسد ولا بالغصب» جار في صورتي علم البائع بالفساد وجهله به ، ومقتضاه أنّه فهم
من عبارة والده توقّفه في ضمان المنافع الفائتة مطلقا بلا فرق بين العلم والجهل.
(٢) يعني : بعد
أن اختلف شرّاح القواعد في مراد العلّامة قدسسره من قوله : «وبدونه إشكال» فقد تحصّل أقوال خمسة في حكم
المنافع الفائتة.
__________________
الأوّل :
الضمان ، وكأنّه للأكثر (١).
الثاني : عدم
الضمان ، كما عن الإيضاح (٢).
الثالث :
الضمان ، إلّا مع علم البائع (٣) ، كما عن بعض من كتب على الشرائع.
الرابع :
التوقّف (٤) في هذه الصورة ، كما استظهره جامع المقاصد والسيد العميد من عبارة القواعد.
______________________________________________________
إلّا أن يقال :
بأن الأقوال ثلاثة ، والتوقّف ليس قولا ، بل هو تردّد في الحكم ، فتأمّل.
(١) تقدم
الاستدلال له بقاعدتي اليد والاحترام ، وناقش فيهما المصنف ، وبقي وجه آخر وهو
الإجماع المنقول ، فلا منافاة بين إنكار الضمان ، للخدشة في القاعدتين ، وبين
إثباته للإجماع.
(٢) واستدلّ
عليه في عبارته المتقدّمة بقوله : «لأنّ مال الغير يجدّد في يده بغير فعلهما ..»
ويمكن المناقشة فيه بأنّ المشتري قبض المبيع باختياره ، ويكفي في قبض المنافع قبض
العين ، فقياس المقام بإطارة الريح في غير محلّه.
(٣) لعلّ وجهه
ـ كما عن بعض ـ أنّ البائع مع علمه بفساد البيع هو المقدم على تسليط المشتري على
المنافع مجّانا ، فلا وجه حينئذ لضمان المشتري للمنافع.
لكن فيه أوّلا
: أنّ قضية هذا الوجه عدم ضمان المنافع مطلقا حتى المستوفاة منها ، وهو كما ترى.
وثانيا : أنّ
مجرّد التسليط ليس رافعا للضمان ، لا مكان بناء البائع تشريعا على صحّة المعاملة ،
وكون التسليم إلى المشتري بعنوان الوفاء بالمعاملة ، فالتسليط معاوضيّ ، والرافع
للضمان هو التسليط المجّانيّ وبلا عوض.
(٤) وسيأتي إن
شاء الله تعالى ، في التعليقة وجهه وضعفه.
__________________
الخامس :
التوقّف مطلقا (١) كما عن الدروس والتنقيح والمسالك ومحتمل القواعد ، كما يظهر من
فخر الدين.
وقد عرفت (٢)
أنّ التوقّف أقرب إلى الانصاف.
إلّا (٣) أنّ
المحكيّ عن التذكرة : «أنّ منافع الأموال من العبد والثياب والعقار وغيرها مضمونة
بالتفويت والفوات تحت اليد العادية ، فلو غصب عبدا أو جارية أو عقارا أو حيوانا
مملوكا ضمن منافعه سواء أتلفها بأن استعملها ، أو فاتت تحت يده ، بأن بقيت مدّة في
يده لا يستعملها ، عند (٤) علمائنا أجمع (٥)».
______________________________________________________
(١) يعني : مع
علم البائع بالفساد وجهله به.
(٢) حيث قال
قبل أسطر : «والانصاف أنّ للتوقّف في المسألة كما في المسالك .. إلخ».
(٣) يعني : أنّ
المانع عن التوقّف هو الإجماع الذي ادّعاه في التذكرة على ضمان الغاصب للمنافع
مطلقا ـ من المستوفاة وغيرها ـ بعد البناء على كون يد المشتري فيما نحن فيه من
اليد العادية خصوصا مع علمه بفساد العقد.
وكذا يظهر
الإجماع من عبارة السرائر من قوله : «المنافع تضمن عندنا بالغصب» .
وتقدّم منه
أيضا : «أن البيع الفاسد يجري عند المحصلين منزلة المغصوب إلّا في ارتفاع الإثم
بإمساكه».
(٤) هذا متعلّق
بقوله : «مضمونة بالتفويت والفوات» يعني : أنّ ضمان مطلق المنافع اتّفاقيّ.
(٥) ثم قال
العلّامة قدسسره : «وبه قال الشافعيّ وأحمد بن حنبل ، لأنّ المنافع مضمونة
بالعقد الفاسد ، فتضمن بالغصب كالأعيان .. إلخ» .
__________________
ولا يبعد (١)
أن يراد باليد العادية مقابل اليد الحقّة ، فيشمل (٢) يد المشتري فيما نحن فيه ،
خصوصا (٣) مع علمه ،
______________________________________________________
(١) غرضه قدسسره من هذا الاستظهار : أنّ عبارة التذكرة تحتمل وجهين :
أحدهما :
اختصاص معقد الإجماع بباب الغصب ، لأنّ المتيقّن من قوله : «تحت اليد العادية» هو
الغصب الذي يكون استيلاء الغاصب اعتداء على مال الغير. وبناء على هذا الاحتمال
يمتنع الاستدلال بإجماع التذكرة على ضمان المنفعة الفائتة في المبيع بالبيع الفاسد
، وذلك لتعدّد الموضوع ، إذ ليست يد المشتري عادية حتّى تندرج في موضوع حكمهم
بالضمان في منافع المغصوب.
ثانيهما : شمول
«اليد العادية المضمّنة» للمقام ، لوضوح أنّ اليد على مال الغير إمّا حقّة ،
لاستنادها إلى إذن مالكي أو شرعي ، وإمّا عادية ، ولا ثالث لهذين القسمين. ولا ريب
في أنّ يد المشتري ـ على المبيع بالبيع الفاسد ـ ليست حقّة واقعا ، لفرض فساد
السبب المملّك. نعم قد يزعم استحقاقه للتصرّف فيه في صورة الجهل بالفساد ، لكن لا
عبرة بهذا الاعتقاد ، لأنّ المناط في جواز التصرّف تملّكه للمبيع واقعا. وحيث لم
يدخل في ملكه كانت يده عادية وإن لم يعلم به المشتري.
وعلى هذا
الاحتمال لا يختصّ الاعتداء على مال الغير بباب الغصب ، بل تندرج منافع المبيع
بالبيع الفاسد فيه ، فتتّجه دعوى الإجماع على ضمان المنفعة الفائتة.
واستظهر
المصنّف قدسسره هذا الاحتمال الثاني ، لما ذكرناه آنفا من صدق «اليد
العادية» على كلا المقامين ، ولا قرينة على الاختصاص بباب الغصب. بل في ما نقلناه
من التذكرة قرينة على أنّ ضمان منافع المبيع فاسدا أوضح وجها من باب الغصب ، فلاحظ
قوله : «لأنّ المنافع مضمونة بالعقد الفاسد ، فتضمن بالغصب».
(٢) لعدم كون
يد المشتري حقّة بعد فساد العقد واقعا.
(٣) وجه
الخصوصيّة : أنّه لو نوقش في صدق «اليد العادية» على يد المشتري الجاهل بفساد
العقد ـ بأنّه يزعم استحقاق التصرّف في المبيع ـ فلا ريب في صدقها
سيّما (١) مع جهل البائع به.
وأظهر منه (٢)
ما في السرائر في آخر باب الإجارة من «الاتّفاق أيضا على ضمان منافع المغصوب
الفائتة» مع قوله في باب البيع : «انّ البيع الفاسد عند أصحابنا
بمنزلة الشيء المغصوب إلّا في ارتفاع الإثم عن إمساكه» انتهى.
وعلى هذا (٣)
فالقول بالضمان لا يخلو عن قوّة ، وإن كان المتراءى من ظاهر
______________________________________________________
على يده عند علمه بالفساد ، لاعتقاده حينئذ بأنّ استيلاءه على المبيع
اعتداء على البائع.
(١) وجه
الخصوصيّة : أنّ البائع العالم بفساد البيع ربما يرضى بتسلّط المشتري على المبيع ،
فيشكل صدق «اليد العادية» على يد المشتري. وأمّا مع جهل البائع بالفساد وعلم
المشتري به فلا ريب في صدق الاعتداء كما تقدّم آنفا.
(٢) يعني :
وأظهر من كلام التذكرة ـ في دعوى الإجماع على ضمان المنافع مطلقا استوفيت أم فاتت
ـ كلام ابن إدريس قدسسره بعد ضمّ كلامه في باب البيع الفاسد إلى ما أفاده في
الغصب من تصريحه بضمان المنفعة الفائتة. فيتحصّل منه الإجماع على ضمانها في البيع
كالغصب.
ووجه أظهريّة
عبارة السرائر في الإجماع على ضمان المنافع الفائتة هو أنّ تعبير العلّامة باليد
العادية يحتمل وجهين كما ذكرناه ، لكن تعبير ابن إدريس بضمان منافع المغصوب وكون
البيع الفاسد بمنزلة المغصوب لا يقبل الحمل على معنى آخر.
(٣) أي : وبناء
على الإجماع الذي حكاه ابن إدريس والعلّامة فالقول بالضمان قويّ.
__________________
صحيحة أبي ولّاد اختصاص الضمان (١) في المغصوب بالمنافع المستوفاة من
البغل المتجاوز به إلى غير محلّ الرخصة.
______________________________________________________
(١) غرضه قدسسره دفع توهّم يورد به على الحكم بضمان المنافع الفائتة في
البيع الفاسد. ومحصّل التوهّم : أنّ صحيحة أبي ولّاد الواردة في البغل المغصوب
خصّت الضمان بالمنافع المستوفاة ، فحكم الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام على أبي ولّاد بضمان اجرة مثل كراء البغل بالنسبة إلى
خصوص المنفعة المستوفاة ، لقوله عليهالسلام : «أرى له عليك مثل كراء البغل ذاهبا من الكوفة إلى
النيل ، ومثل كرى البغل من النيل إلى بغداد ، ومثل كرى البغل من بغداد إلى الكوفة
، توفيه إيّاه» وسكت عليهالسلام عن ضمان ما فات من منفعة البغل في المدّة ، فإنّ قطع
هذه المسافة يتحقق بأقلّ من خمسة عشر يوما ، فيتراءى من ذلك أنّ ذمّته لم تشتغل
إلّا بأجرة المنافع التي استوفاها من البغل ، دون ما لم يستوفها من المنافع ، فإنّ
طيّ المسافة المزبورة إذا تحقق في مدّة عشرة أيّام كانت منافع البغل الفائتة في
مدّة الخمسة غير مضمونة على مستأجر البغل.
والحاصل : أنّ
المنافع التي فاتت في مدّه الخمسة التي لم يستعمل البغلة فيها غير مضمونة ،
فالصحيحة تدلّ على عدم ضمان المنافع غير المستوفاة.
ومحصّل دفع التوهّم
هو : أنّ ضمان المنفعة الفائتة من المغصوب من مسلّمات الفقه ، فلو فرض ظهور سكوت
الامام عليهالسلام في عدم ضمانها قلنا بأنّ هذا الظهور معرض عنه ، ومن
المعلوم أنّ إعراض جميع الأصحاب عنه يوهن أصالة الجدّ فيها ، فلا يمكن التمسّك به
لإثبات عدم الضمان في باب الغصب ، فكيف يعارض به الإجماع على ضمان المنفعة الفائتة
للمبيع بالبيع الفاسد.
ثمّ إنّ تعبير
المصنّف قدسسره بقوله : «وإن كان المتراءى .. إلخ» ظاهر في عدم جزمه
بالاستظهار المزبور. ولعلّ وجهه أنّ سيره لم يكن من الطريق المتعارف في هذه
__________________
إلّا أنّا لم
نجد (١) بذلك عاملا في المغصوب الذي هو موردها (٢) (*).
______________________________________________________
الأعصار من الكوفة إلى بغداد ، فإنّ السير في هذا الزمان من الطريق
المتعارف من الكوفة إلى بغداد وبالعكس بالبغال والحمير يتحقّق في مدّة ثمانية
أيّام تقريبا ، لكن السّير في مورد الصحيحة كان على غير المتعارف ، لأنّه ركب من
الكوفة إلى النيل الواقع في الواسط ـ ويسمى فعلا بالحيّ ـ ومن النيل إلى بغداد ،
وقيل : إنّ السير على هذا النحو يحتاج إلى زمان أوسع.
وعلى هذا فلا
يبقى للصحيحة ظهور في عدم ضمان المنافع غير المستوفاة حتى يقال : إنّه موهون
بالاعراض عن العمل بها في موردها وهو الغصب ، فكيف يمكن التعدّي عن موردها إلى
المقام ، وهو منافع المقبوض بالعقد الفاسد؟
(١) هذا دفع
التوهّم ، وقد أوضحناه آنفا.
(٢) أي : مورد
صحيحة أبي ولّاد.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
فروع ترتبط بضمان
المنافع
أ : ضمان عمل الحرّ
الكسوب المحبوس
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
الرابع (١) :
إذا تلف المبيع ،
______________________________________________________
٤ ـ ضمان المثليّ
بالمثل
(١) بعد أن ثبت
في المبحث الأوّل ضمان المشتري لما أخذه بالبيع الفاسد ، فتلف ـ وأنّه يجب عليه
ردّ بدله إلى البائع ـ يقع الكلام في خصوصيّة هذا البدل المضمون ، وأنّه هل يكفي
ردّ ما يشاركه في النوع وهو ماليّته المتحقّقة في ضمن مطلق الأموال من النقود
والسّلع المختلفة؟ أم لا بدّ من رعاية خصوصيّته الصنفيّة بدفع ما يكون أقرب إلى
التالف مما يشترك معه في الصفات الدخيلة في الرّغبات ، ويلزم حينئذ البحث عن ضمان
التالف المثليّ بالمثل ، والقيميّ بالقيمة. وهو بحث مبسوط لما فيه من الفروع التي
تعرّض المصنّف قدسسره لجملة منها ، فعقد هذا الأمر الرابع المتضمّن لمقامات
ثلاثة :
أوّلها : تعريف
المثليّ.
ثانيها : دليل
اعتبار ضمان المثليّ بمثله ، وهي وجوه ثلاثة ، الإجماع المتضافر نقله ، والإطلاق
المقاميّ ، وآية الاعتداء بالمثل. وإن كان مفاد هذه الوجوه مختلفا كما سيظهر إن
شاء الله تعالى.
ثالثها : حكم
الشك في كون التالف مثليّا أو قيميّا ، وأنّه يتخيّر الضامن بين دفع المثل أو
القيمة ، أو أنّه يتخيّر المالك بين مطالبة ما شاء منهما ، وغير ذلك ممّا سيأتي
بالتفصيل.
ثمّ إنّ الداعي
لمعرفة مفهوم المثليّ هو وقوع هذا العنوان في دليلين :
فإن كان مثليّا وجب مثله (١) بلا خلاف (٢) ، إلّا ما يحكى عن ظاهر
الإسكافي.
______________________________________________________
أحدهما :
الإجماع على ضمان المثليّ بمثله ، وعدم إجزاء أداء قيمته مع إمكان المثل.
وثانيهما :
الآية الشريفة المجوّزة للاعتداء بالمثل. فيلزم حينئذ تمييز موضوع الحكم ليترتب
عليه آثاره ، ولأجله قدّم المصنّف قدسسره البحث الموضوعيّ ، هذا.
(١) هذا هو
الدليل الأوّل على أنّ المثليّ يضمن بالمثل. ونقل الإجماع تمهيد للبحث المبسوط عن
تعريف المثليّ.
(٢) هذا
العنوان مقابل لما سيأتي في الأمر السابع في حكم ضمان القيميّ : «لو كان التالف
المبيع فاسدا قيميّا فقد حكي الاتفاق على كونه مضمونا بالقيمة» .. ثم قال : «فقد
حكي الخلاف في ذلك عن الإسكافي».
والعبارة
المنقولة عن ابن الجنيد هي : «إن تلف المضمون ضمن قيمته أو مثله إن رضي صاحبه» . فإن كان مراده بالمضمون ما هو أعمّ من المثليّ
والقيميّ كان معناه مخالفة ابن الجنيد في ضمان المثليّ بالمثل والقيميّ بالقيمة ،
لحكمه بضمان القيمة مطلقا إلّا مع رضا المالك بالمثل. فيتّجه حينئذ ما نسبه
المصنّف إليه هنا وفي الأمر السابع من أنّ المخالف لضمان المثليّ بالمثل والقيميّ
بالقيمة هو أبو علي الإسكافي.
وإن كان مراده
بالمضمون خصوص القيميّ ـ كما احتمله جماعة منهم الشهيد قدسسره بقوله : «ولعلّه يريد القيميّ» ـ فما نسبه إليه هنا من
قوله : «عدا ما يحكى عن ظاهر الإسكافي» لا يخلو من غموض ، لكون مصبّ كلام الإسكافي
خصوص المضمون القيميّ ، ولا تعرّض فيه للمثليّ أصلا ، حتى يكون مخالفا لإجماع
أصحابنا على ضمان المثليّ بالمثل (*).
__________________
__________________
وقد اختلف (١)
كلمات أصحابنا في تعريف المثليّ. فالشيخ (٢) وابن زهرة وابن إدريس والمحقّق وتلميذه والعلّامة وغيرهم (٣) «قدّس الله أسرارهم»
______________________________________________________
(١) هذا شروع
في تحقيق معنى المثليّ ، وقد اقتصر في أوّل كلامه على تعريف المشهور وحام حوله ،
ونقل بعد الفراغ منه تعاريف أخر.
(٢) نقلنا
عبارة المبسوط في (ص ٢٦) فراجع ، ومن جملتها قوله : «فماله مثل ما تساوت أجزاؤه.
ومعناه : تساوت قيمة أجزائه .. إلخ».
(٣) قال السيد
الفقيه العامليّ بعد عدّ كتب الجماعة المصرّح بأسمائها في المتن :
«والمهذّب
البارع والمقتصر والتنقيح ، وفيه وفي المسالك والكفاية : أنّه المشهور» .
__________________
__________________
ـ بل المشهور على ما حكي (١) ـ «أنّه ما يتساوى أجزاؤه من حيث القيمة».
والمراد (٢)
بأجزائه ما يصدق عليه
______________________________________________________
(١) قال الشهيد
الثاني قدسسره : «والمشهور بين الأصحاب ما ذكره المصنّف من أنّ
المثليّ ما يتساوى قيمة أجزائه ، أي : أجزاء النوع الواحد منه ..» . والحاكي عنه هو السيّد الفقيه العاملي قدسسره كما عرفت آنفا.
(٢) غرضه قدسسره توجيه تعريف المشهور للمثليّ ـ بحيث يسلم عن بعض ما يرد
عليه ـ ببيان المراد من الأجزاء ، وتوضيحه : أنّ الجزء يقابل الكلّ ، كما أنّ
الجزئيّ يقابل الكلّيّ ، فالجزء يطلق على أبعاض المركّبات كالرأس والرقبة واليد
بالنسبة إلى كل فرد من أفراد الإنسان ، ومن المعلوم عدم صدق الكلّ ـ كزيد ـ على
أجزائه ، فلا يقال : إنّ يده إنسان. وهذا بخلاف الجزئيّ ، لصحّة حمل الكلّيّ على
أفراده ، فيقال : زيد إنسان.
وعلى هذا ، يرد
على تعريف المشهور للمثليّ ما حكاه الشهيد الثاني قدسسره بقوله : «واعترض بأنّه إن أريد بالأجزاء كلّ ما تركّب
عنه الشيء ، فيلزم أن لا تكون الحبوب مثليّة ، لأنّها تتركّب من القشور والألباب.
والقشر مع اللّب مختلفان في القيمة. وكذا التمر والزبيب ، لما فيهما من النّوى
والعجم. وإن أريد بالأجزاء التي يقع عليها اسم الجملة فيلزم أن لا تكون الدراهم
والدنانير مثليّة ، لما يقع في الصّحاح من الاختلاف في الوزن ، وفي الاستدارة والاعوجاج
، وفي وضوح السّكّة وخفائها ، وذلك ممّا يؤثّر في القيمة» .
وحاصل الشقّ
الأوّل من الاعتراض هو : أنّ المشهور حكموا بكون الحنطة والشعير مثليّين ، مع أنّ
التعريف غير صادق عليهما ، إذ الصبرة من الحنطة تحتوي على حبّات مشتملة على ألباب
وقشور ، ومن الواضح عدم مساواتهما في القيمة ، فألحقّه من اللباب إذا قوّمت بدينار
مثلا كانت الحقّة من القشور درهما لا خمسة دراهم ، مع مساواتهما في المقدار من وزن
أو كيل.
__________________
اسم الحقيقة (١).
والمراد (٢)
بتساويهما من حيث القيمة تساويهما بالنسبة ، بمعنى (٣) كون قيمة كلّ بعض بالنسبة
إلى قيمة البعض الآخر كنسبة نفس البعضين من حيث
______________________________________________________
ولأجل دفع هذا
الاعتراض وجّه المصنّف قدسسره تعريف المثليّ بأنّ المراد ب «الأجزاء» هنا هو الأفراد
والجزئيّات التي تصدق عليها طبيعة واحدة ، كالحنطة الصادقة على كلّ حبّة من
حبّاتها.
فملخّص هذا
التعريف : أنّ المثليّ هو «ما يكون أفراده متساوية قدرا وقيمة» فالحنطة من
المثليّات ، لأنّ فردين منها متساويان في المقدار والقيمة كالمنّين منها مثلا ،
فإنّ كلّ واحد من المنّين يسوى خمسة دراهم مثلا. فالمثلي على هذا هو الكلّيّ الذي
تكون أفراده المساوية في المقدار مساوية في الماليّة أيضا.
وأمّا بناء على
إرادة ظاهر لفظ «الأجزاء» فموضوع المثليّة هو الفرد ، ومثليّته بلحاظ تساوي أجزائه
معه. وموضوع المثليّة بناء على خلاف ظاهر الأجزاء هو الكليّ الذي تتساوى أفراده
ومصاديقه في القيمة ، ولا يرد إشكال حينئذ.
(١) كمنّ من
الحنطة ـ مثلا ـ بالنسبة إلى منّ آخر منها ، فيصدق حقيقة الحنطة على كلا المنّين ،
مع تساويهما قيمة.
(٢) هذا مترتّب
على توجيه التعريف بإرادة الجزئيّات من «الأجزاء» فالمثليّ هو ما تتساوى قيم
أفراده ، فإذا كان المنّ من الحنطة عشرة دراهم كان نصف المنّ منها خمسة دراهم ،
وربعه درهمين ونصف ، وهكذا. ولا يكون العبرة بقيمة اللباب والقشور حتى يقال بكون
قيمة اللّب أضعاف قيمة القشر. مع وضوح عدم صدق عنوان «الحنطة» على القشر الذي هو
بعض المركّب ، بل لا بدّ من إضافته إليها فيقال : قشر الحنطة. وهذا بخلاف إرادة
الأفراد ، فإنّ كلّ مقدار منها كالمنّ والحقّة والأوقيّة مصداق حقيقيّ لطبيعيّ
الحنطة كما لا يخفى.
(٣) هذا معنى
التساوي في القيمة ، وقد عرفته آنفا.
المقدار ، ولذا (١) قيل في توضيحه : إنّ المقدار منه إذا كان يستوي قيمة
فنصفه يستوي نصف تلك القيمة. ومن هنا (٢) رجّح الشهيد الثاني كون المصوغ من
النقدين قيميّا ، قال : «إذ لو انفصلت نقصت قيمتها» (*).
______________________________________________________
(١) يعني :
ولأجل تساوي الأفراد قيمة ومقدارا قيل في توضيح التساوي .. إلخ ، والقائل هو
السيّدان الطباطبائي والعاملي قدسسرهما : «والمراد بتساوي قيمة أجزائه تساوي قيمة أجزاء النوع
كالحبوب والأدهان ، فإنّ المقدار من النوع الواحد يساوي مثله في القيمة ، ونصفه
يساوي بنصف قيمة» .
(٢) أي : وممّا
قيل في توضيح التساوي ـ المأخوذ في تعريف المثليّ ـ رجّح ثاني الشهيدين قدسسرهما كون المصوغ من النقدين قيميّا ، لأنّه لو انفصل نقصت
قيمته ، فبعد الانفصال لا يساوي قيمة نصفه الفعلي نصف قيمة المجموع قبل الانفصال ،
فقيمة نصفه بعد الانفصال خمسة دنانير مثلا ، مع أنّ قيمته قبل الانفصال كانت سبعة
دنانير مثلا.
قال في الاشكال
على ما أفاده المحقّق قدسسره من قوله : «ولو كان في المغصوب صنعة لها قيمة غالبا كان
على الغاصب مثل الأصل وقيمة الصنعة» ما لفظه : «وهذا ـ أي لزوم الرّبا من دفع قيمة
الصنعة ـ أقوى ، فضمانها بالقيمة أظهر. مع أنّا نمنع من بقائه ـ أي المصنوع من
النقدين ـ مثليّا بعد الصنعة ، لأنّ أجزاءه ليست متّفقة القيمة ، إذ لو انفصلت
نقصت قيمتها عنها متّصلة كما لا يخفى» .
__________________
__________________
قلت : وهذا (١)
يوجب أن لا يكون الدرهم الواحد مثليّا ، إذ (٢) لو انكسر نصفين نقص قيمة نصفه عن
نصف قيمة المجموع.
إلّا أن يقال (٣)
(*) : إنّ الدرهم مثلي بالنسبة إلى نوعه ، وهو الصحيح
______________________________________________________
(١) المشار
إليه هو قوله : «إنّ المقدار منه إذا كان يساوي قيمة فنصفه يساوي قيمة نصفه» وغرض
المصنّف قدسسره الإيراد على تعريف المشهور حتّى بعد توجيه السيّد
العاملي قدسسره له ، وحاصله : أنّه بناء على كون المناط في المثليّ
مساواة قيمة نصفه لنصف قيمة كلّه يلزم خروج مسكوك النقدين ـ وهما الدرهم والدينار
ـ عن ضابط المثليّ واندراجهما في القيميّ ، فإذا كان الدينار الصحيح يساوي عشرة
دراهم لم يكن قيمة نصف الدينار خمسة دراهم ، بل أقلّ ، لأنّ السّكّة المنقوشة على
الذهب دخيلة في قيمته ، وليست المادّة بخصوصها مدار ماليّته ، فكيف جعل المشهور
الدرهم والدينار مثليّين مع عدم انطباق التعريف عليهما؟
وبهذا ظهر أنّ
الذهب والفضّة لا يكونان مثليّين. أمّا المصوغ من أحدهما فلما أفاده الشهيد الثاني
قدسسره من عدم مساواة قيمة نصفه لنصف قيمة تمامه ، مثلا إذا
كانت قيمة سوار عشرة دنانير ووزنها مثقالين لم تكن قيمة مثقال من المكسور منه خمسة
دنانير ، بل هي أقلّ منها. وأمّا المسكوك منهما فلما أفاده المصنّف قدسسره ، لنفس التقريب. ولعلّه اقتبس المطلب من تعليل الشهيد
الثاني قدسسره «إذ لو انفصلت نقصت قيمته».
(٢) هذا تعليل
ورود الاشكال على المشهور الّذين جعلوا الدرهم مثليّا ، مع أنّهم اعتبروا مساواة
قيمة النصف ـ مثلا ـ لنصف قيمة المجموع.
(٣) غرضه قدسسره توجيه عدّ المشهور الدرهم من المثليّات ، وتوضيحه : أنّ
__________________
ولذا (١) لا يعدّ الجريش مثلا للحنطة ، ولا الدقاقة مثلا للأرز.
ومن هنا (٢)
يظهر أنّ كلّ نوع من أنواع الجنس الواحد ، بل كلّ صنف من
______________________________________________________
«الدرهم» جنس يشتمل على نوعين :
أحدهما :
الصحيح ، وهو الذي تكون سكّته وهيئته محفوظة.
وثانيهما :
المكسور والمعيوب ، كما إذا انكسر نصفين أو أكثر ، أو عاب بأن انمحى نقشه المضروب
عليه.
فإن كان موضوع
مثليّة الدرهم هو الجنس الصادق على السليم والمعيب انتقض تعريف المثليّ ، لأنّ
النصف المكسور من الدرهم لا يسوى قيمة نصف الدرهم الصحيح ، لزوال ماليّة هيئته
بالكسر ، وصيرورة العبرة في ماليّته بنفس المادّة وهي الفضّة.
وإن كان موضوع
المثليّة خصوص النوع الصحيح لم ينتقض تعريف المثليّ ، إذ لا ريب في أنّ الدراهم
الصّحاح متساوية في الماليّة ، وليست الدراهم المكسورة مندرجة في النوع الصحيح حتى
يقال بعدم مساواة أبعاضها. والظاهر أن مناط المثليّة عندهم هو النوع لا الجنس ،
ولذا لا يعدّون الجريش والطحين مثلا للحنطة ، مع انطباق الجنس عليهما.
(١) يعني :
ولكون المثليّة ملحوظة بالنسبة إلى النوع ـ كما وجّهه بقوله : إلّا أن يقال ـ لا
يعدّ الجريش مثلا للحنطة. والجريش هو الحنطة المطحونة بطحن غير ناعم ، بحيث تبقى
قطعا صغارا. فالحنطة جنس لها أنواع ، منها الحبّات غير المطحونة ، ومنها : الجريش
، ومنها الطحين. فإذا اشتغلت الذمّة بحقّة حنطة لم تفرغ بدفع حقّة من نوع آخر
كالجريش.
(٢) يعني : ومن
لحاظ المثليّة بالنسبة إلى النوع ـ لا الجنس ـ يظهر أنّ المثليّة ملحوظة في النوع
بالنسبة إلى أفراد ذلك النوع فقط ، لا سائر أنواع الجنس.
أصناف نوع واحد مثليّ بالنسبة إلى أفراد ذلك النوع أو الصنف (١).
فلا يرد (٢) ما
قيل من : «أنه إن أريد التساوي بالكلّية ، فالظاهر عدم صدقه على شيء من المعرّف ،
إذ ما من مثليّ إلّا وأجزاؤه مختلفة في القيمة كالحنطة ، فإنّ قفيزا من حنطة تساوي
عشرة ، ومن اخرى تساوي عشرين.
وإن أريد
التساوي في الجملة فهو في القيميّ موجود كالثوب والأرض» (٣) انتهى.
______________________________________________________
(١) فالرّز في
عصرنا له أنواع وأصناف عديدة ربّما يكون سعر النوع الجيّد ضعف سعر المتوسّط أو
الرديء. وهكذا الحنطة ، ونحوهما سائر السّلع.
(٢) هذا متفرّع
على كون مناط المثليّة هو النوع والصنف ، دون مجرّد ما يصدق عليه الحقيقة. وغرضه قدسسره دفع ما أورده المحقّق الأردبيليّ قدسسره على تعريف المشهور ، ومحصّله : أنّ تفسير المثليّ ب «ما تساوت أجزاؤه» إمّا
غير منطبق على شيء ممّا عدّ مثليّا ، وإمّا غير مانع الصدق على الغير وهو
القيميّ.
وبيانه : أنه
إن أريد بالتساوي التساوي الكلّيّ ومن جميع الجهات ، فالظاهر عدم صدقه على شيء
ممّا عدّ مثليّا ، لاختلاف أجزاء كلّ مثليّ في القيمة ، فإنّ قفيزا من حنطة يساوي
عشرة ، ومن حنطة أخرى يساوي عشرين ، مع أنّ الحنطة من أظهر أفراد المثليّ.
وإن أريد
بالتساوي التساوي في الجملة أي التقارب في القيمة ـ في قبال الأشياء المختلفة
قيمها بكثير ، كالتفاوت بين سعر الحنطة والشعير والأرز مثلا ـ لزم دخول جملة من
القيميّات في التعريف ، لتقارب قيم كثير من الحبوبات والأقمشة والثياب ونحوها ، مع
أنّهم جعلوها من القيميّ. وعليه فجعل ضابط المثليّ التساوي الكلّيّ غير سديد. هذا
تقريب إشكال المحقّق الأردبيلي قدسسره .
(٣) هذه العبارة
تختلف يسيرا مع ما في مجمع الفائدة ، وكلامه قدسسره متضمّن لشقّ ثالث للمنفصلة لم تذكر في المتن ، وهي قوله
: «وإن أريد مقدارا خاصّا فهو حوالة على المجهول».
__________________
وقد لوّح هذا
المورد (١) في آخر كلامه إلى دفع إيراده بما (٢) ذكرنا من : أنّ كون الحنطة مثليّة
معناه أنّ كلّ صنف منها متماثل الأجزاء (٣) ومتساو في القيمة ، لا بمعنى أنّ (٤)
جميع أبعاض هذا النوع متساوية في القيمة. فإذا كان المضمون
______________________________________________________
(١) وهو
المحقّق الأردبيلي قدسسره ، فإنّه جعل مناط المثليّة النوع أو الصنف ، ودفع به
الإيراد المتقدّم في كلامه.
ولا يخفى أنّ
تماثل الأفراد في النوع والصنف غير مصرّح به في مجمع الفائدة ، لكن يستفاد منه
ذلك. قال قدسسره : «والذي يقتضيه القواعد أنّه ـ أي المثليّ ـ لفظ بني
عليه أحكام بالإجماع ، وكأنّه بالكتاب أيضا ، مثل ما تقدّم ، والسّنّة أيضا ، وليس
له تفسير في الشرع ، بل ما ذكر اصطلاح الفقهاء ، ولهذا وقع فيه الخلاف ، فيمكن أن
يحال إلى العرف ، إذ الظاهر أنه ليس بعينه مرادا ، فإنّ المثل هو المتشابه
والمساواة في الجملة. وهو موجود بين كلّ شيء .. فكلّ شيء يكون له مثل في العرف ،
ويقال له : إنّ هذا له مثل عرفا ، فيؤخذ ذلك .. ويؤيّده أنّه على تقدير ثبوت كون
المتلف مثليّا مثل الحنطة لا يؤخذ بها كلّ حنطة ، بل مثل ما تلف عرفا .. إلخ» .
ومثّل أيضا
بسنّ الجمل والثوب والفرس العتيق ، حيث إنّ المضمون هو المماثل للتالف عرفا. وهذا
هو النوع أو الصنف في تعبير المصنّف.
(٢) متعلق ب «دفع»
والمراد بالموصول قوله : «إلّا أن يقال : إنّ الدرهم مثليّ بالنسبة إلى نوعه».
(٣) أي :
متساوية الأفراد ومتساوية في القيمة.
(٤) يعني : أنّ
تماثل الأجزاء وتساويها قيمة ملحوظ بالنسبة إلى أبعاض الصنف الذي هو أخص من النوع
، فالحنطة الحمراء والصفراء نوعان ، ولكلّ منهما أصناف كالحبّات والجريش والطحين ،
فإذا كان المضمون حقّة من الجريش الأحمر كان الواجب دفع هذا المقدار من هذا الجريش
، لا دفع نفس الحنطة الحمراء
__________________
بعضا من صنف فالواجب دفع مساويه من هذا الصنف ، لا القيمة (١) ولا بعض من
صنف آخر (٢).
لكن الانصاف (٣)
______________________________________________________
ولا دقيقها ، ولا حنطة صفراء.
(١) لاختصاص
وجوب دفع القيمة بما إذا كان التالف قيميّا ، والمفروض كونه مثليّا كالحنطة.
(٢) لفرض أنّ
مناط المثليّة هو الصنف لا الجنس ولا النوع ، فلو كان المضمون دقيقا من الحنطة
الحمراء لم تفرغ الذمّة بدفع دقيق حنطة أخرى ، لعدم تماثل الحنطتين كما عرفت.
فتحصّل من كلام
المصنّف قدسسره أنّه ـ وفاقا للمحقّق الأردبيلي وغيره ـ وجّه تعريف
المشهور للمثليّ بإرادة تساوي جزئيّات الأصناف ، هذا. وسيأتي عدم تماميّة التعريف
حتّى بالنظر إلى هذا التوجيه.
(٣) أورد
المصنّف قدسسره على تعريف المشهور بوجهين ، الأوّل : أنّ جعل مدار
المثليّة هو الصنف مخالف لظاهر كلمات المشهور ، لأنّهم يطلقون المثليّ على الجنس ،
لا الصنف. فقد عرفت تعريف المثليّ في عبارة المبسوط وتنظيره له بالتمور والأدهان
والحنطة والشعير ، وظاهره أنّ كلّ ما يصدق عليه التمر فهو مثليّ ، مع كونه على
عشرات الأصناف. وهكذا لكلّ من الحنطة والشعير والأدهان أقسام كثيرة. ويترتّب على
مثليّة جنس واحد ـ بماله من الأصناف ـ كفاية دفع صنف في مقام تفريغ الذمّة
المشغولة بصنف آخر. مع أنّه لا ينطبق تعريف المثليّ على الأصناف ، لعدم تساوي صنف
لجزئيّات صنف آخر قيمة.
ودعوى «توجيه
إطلاق المثليّ على جنس الحنطة بلحاظ تساوي أجزاء صنف واحد قيمة ، لا بلحاظ تساوي
قيمة أفراد كلّ ما يصدق عليه الحنطة ، فيتمّ تعريف المشهور حينئذ» ممنوعة ،
لتوقّفه على الإضمار في التعريف ، بأن يقال : «المثليّ
أنّ هذا (١) خلاف ظاهر كلماتهم ، فإنّهم يطلقون المثليّ على جنس الحنطة
والشعير ونحوهما ، مع عدم صدق التعريف عليه (٢). وإطلاق (٣) المثليّ على الجنس
باعتبار مثليّة أنواعه أو أصنافه وإن لم يكن بعيدا ، إلّا (٤) أنّ انطباق التعريف
على الجنس بهذا الاعتبار (٥) بعيد جدّا.
إلّا (٦) أن
يهملوا خصوصيّات الأصناف الموجبة لزيادة القيمة ونقصانها ،
______________________________________________________
هو ما تساوت أجزاء كلّ صنف من أصنافه ، وما تساوت أجزاء كل نوع من أنواعه»
ولا ريب في أنّ الإضمار والتقدير خلاف الأصل ، ولا يصار إليه بلا قرينة.
(١) أي : جعل
مدار المثليّة على الصنف خلاف ظاهر كلماتهم ، لأنّهم يطلقون المثليّ على الجنس لا
الصنف.
(٢) أي : على
الجنس ، إذ المفروض صدق التعريف أي تماثل الأجزاء ـ أي الأفراد ـ على أفراد الصنف
، لا أفراد الجنس. فجعل جنس الحنطة من المثليّات لا وجه له.
(٣) مبتدأ خبره
جملة «وإن لم يكن بعيدا» وقد أوضحناه بقولنا : «ودعوى توجيه .. إلخ».
(٤) هذا
استدراك على قوله : «وإن لم يكن بعيدا» وهو جواب الدعوى ، وقد عرفته أيضا.
(٥) أي :
باعتبار مثليّة الأنواع أو الأصناف. وجه البعد : لزوم المسامحة في التعريف ،
للاحتياج إلى الإضمار ، بأن يقال : «ما يتساوى أجزاء أنواعه أو أصنافه» مع عدم
البناء على المسامحة في التعاريف.
(٦) ظاهر
العبارة أنّ غرضه قدسسره توجيه انطباق التعريف المذكور على الجنس باعتبار مثليّة
أنواعه أو أصنافه على نحو يسلم عن هذا البعد. لكنّه ليس كذلك ، لأنّ هذا الإهمال
يوجب كون الإطلاق بلحاظ نفس الجنس لا بلحاظ الأنواع والأصناف.
كما التزمه بعضهم ، غاية الأمر (١) وجوب رعاية الخصوصيّات عند أداء المثل
عوضا عن التالف (٢) أو القرض ، وهذا أبعد (٣) ، هذا.
______________________________________________________
ولكن الصحيح
أنّ قوله : «إلّا أن يهملوا» معادل لقوله قدسسره : «باعتبار مثليّة أنواعه أو أصنافه».
فالأولى في
تأدية المطلب أن يقال : إنّ إطلاقهم المثليّ على الجنس إن كان باعتبار مثليّة
أنواعه أو أصنافه من باب توصيف الشيء بحال متعلّقه ، فهو وإن لم يكن بعيدا ، إلّا
أنّ انطباق التعريف المذكور عليه بهذا الاعتبار بعيد جدّا.
وإن كان
باعتبار إهمال الخصوصيّات النوعيّة والصنفيّة الموجبة لزيادة القيمة ونقصانها
ولحاظ جنس الشيء من حيث هو ، فهو وإن كان يقرب معه انطباق التعريف على الجنس بلا
مسامحة ولا احتياج إلى الإضمار ، بأن يكون المعنى :
ما يتساوى
أجزاؤه في القيمة من حيث هو مع قطع النظر عن الأوصاف النوعيّة والصنفيّة ، وإن
كانت تتفاوت فيها مع ملاحظتها.
لكن هذا
الإهمال بنفسه أبعد ، لأنّ مقتضى التعريف للمثليّ حينئذ أنّه لا يجب على الضامن
إلّا ما صدق عليه التعريف ، فلا معنى لوجوب رعاية الخصوصيّات عند الأداء ، وإلّا
فلا فائدة في التعريف.
وبالجملة :
الغرض من التعريف تشخيص ما يتحقّق بدفعه فراغ الذمّة عمّا اشتغلت به من مال الغير
، ومن المعلوم دخل القيمة الناشئة من الخصوصيّات الصنفيّة في الضمان ، فلا معنى
لإهمال الخصوصيات.
(١) يعني :
أنّهم أهملوا خصوصيّة مساواة أفراد صنف لأفراد صنف آخر قيمة ، ولكن لا بدّ من
رعاية خصوصيّة المضمون في مقام تفريغ الذمّة. ففرق بين مقام تعريف المثليّ وبين
مقام الأداء.
(٢) يعني : في
المقبوض بالعقد الفاسد ، في قبال ضمان البدل بالقرض.
(٣) يعني : أنّ
إهمال الخصوصيّات في التعريف أبعد من الإضمار ، لأنّ الغرض من تعريف المثليّ تشخيص
ما اشتغلت به ذمّة الضامن ، فلا وجه لوجوب رعاية
مضافا إلى (١)
: أنّه يشكل اطّراد التعريف
______________________________________________________
الخصوصيّات عند الأداء ، إذ مقتضى مثليّة كلّيّ هو جواز إعطاء أيّ فرد منه
أداء لما في الذمّة ، من غير ملاحظة الخصوصيّات.
(١) هذا هو
الإشكال الثاني على تعريف المثليّ بما في كلام المشهور من «أنّه ما تساوت قيمة
أجزائه» بناء على إرادة تساوي أفراد الصنف. وحاصل الاشكال : أنّ التعريف إمّا غير
جامع للأفراد على تقدير ، وإمّا غير مانع للأغيار.
توضيحه : أنّ «تساوي
أفراد الصنف الواحد قيمة» إن أريد به تساويها فيها بالدّقة ـ بحيث لا يكون بينها
تفاوت في القيمة أصلا ـ لزم خروج أكثر المثليّات عن التعريف ، وذلك لأنّ أفراد
الصّنف الواحد من الأجناس المثليّة وإن كانت متشابهة في جهات ، لكنّها تتفاوت في
بعض الخصوصيّات الدخيلة في ماليّة السّلعة.
مثلا إذا كان
طنّ من الحنطة الحمراء مائة دينار ـ أي ما يساوي ألف درهم ـ لم تكن قيمة أوقيّة
منها درهما ، بل قيمتها أزيد منه ، لتفاوت المبيع جملة لقيمته مفردا ، فلا يصدق
تعريف المثليّ ب «ما تساوت قيمة أجزاء صنف واحد» على الحنطة ، مع كونها من أظهر
أفراد المثليّ. وهكذا الحال في سائر السّلع والأمتعة.
وإن أريد
بتساوي الأفراد قيمة تقارب قيم الجزئيات ـ لا تساويها ـ لم يكن التعريف مانعا
للأغيار ، لصدق هذا المعنى على كثير من القيميّات ، فإنّ أفراد القيميّ وإن لم
تتساو في الصفات والخصوصيّات ، إلّا أنّ أسعارها متقاربة ، بل ربّما تتساوى. مثلا
: الكتابة والفطانة ونحوهما من صفات الكمال دخيلة في قيمة الجارية التي لها أنواع
كالروميّة والزنجيّة والتركيّة وغيرها ، فيمكن أن تكون الجارية المضمونة روميّة
كاتبة ، ولكن للضامن دفع جارية تركيّة خدومة وفطنة تساوي تلك في القيمة ، فيلزم
صدق تعريف المثليّ على الإماء ، مع أنّها من أظهر أفراد القيميّ.
وعلى هذا
فتعريف المثليّ إمّا غير جامع للأفراد ، وإمّا غير مانع للأغيار ، فلا جدوى فيه ،
ولا بدّ من التماس تفسير آخر له.
ـ بناء على هذا (١) ـ بأنّه إن أريد تساوي الأجزاء من صنف واحد من حيث
القيمة تساويا حقيقيّا ، فقلّما يتّفق ذلك في الصّنف الواحد من النوع ، لأنّ أشخاص
ذلك الصّنف لا تكاد تتساوى في القيمة ، لتفاوتها بالخصوصيّات (٢) الموجبة لزيادة
الرغبة ونقصانها ، كما لا يخفى.
وإن أريد (٣)
تقارب أجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة ـ وإن لم يتساو حقيقة ـ تحقّق ذلك في أكثر
القيميّات ، فإنّ لنوع الجارية أصنافا متقاربة في الصفات الموجبة لتساوي القيمة ،
وبهذا الاعتبار (٤) يصحّ السّلم فيها ، ولذا (٥) اختار العلّامة في باب القرض من
التذكرة [على ما حكي عنه] أنّ ما يصح فيه
______________________________________________________
(١) أي : بناء
على اعتبار تساوي أفراد كلّ صنف من أصناف المثليّ ، لا تساوي أفراد الطبيعة.
(٢) وأقلّ تلك
الخصوصيّات بيعها جملة وبمقدار كثير ، وبيعها بمقدار قليل كالحقّة والأوقيّة.
(٣) معطوف على
قوله : «وإن أريد تساوي الأجزاء من صنف واحد» وهذا إشارة إلى إشكال عدم مانعيّة
التعريف عن الأغيار ، وقد تقدّم بقولنا : «وإن أريد بتساوي الأفراد قيمة تقارب قيم
الجزئيات .. إلخ».
(٤) أي :
باعتبار تحقّق تقارب صفات أصناف الجارية ، الموجبة لتساوي القيمة بمعنى التساوي
العرفي المسامحيّ لا الحقيقيّ. ولأجل الاكتفاء بذلك المقدار في رفع الجهالة
القادحة في صحّة البيع يصح السّلم فيها. فلو كانت متباعدة الصفات المانعة عن صدق
التساوي العرفي ـ بحيث لم يكتف بذلك في رفع الغرر ـ لم يصحّ السّلم فيها من جهة
الغرر.
(٥) أي : ولأجل
تحقّق التقارب ـ الموجب للتساوي العرفيّ في القيميّات ـ اختار العلّامة أنّ
القيميّات التي يصحّ فيها السّلم مضمونة في القرض بمثلها. فلو لم يتحقق التقارب
فيها كيف يحكم بضمان بعضها بالمثل ، والمراد منه الفرد الآخر
السّلم من القيميّات مضمون في القرض بمثله».
وقد عدّ (١)
الشيخ في المبسوط الرّطب والفواكه من القيميّات ، مع أنّ كلّ نوع منها مشتمل على
أصناف متقاربة في القيمة ، بل متساوية عرفا.
______________________________________________________
المماثل للعين المقترضة المتقارب لها في الصفات ، بل لا بدّ من الحكم بضمان
القيمة فيها مطلقا ، لعدم وجود المثل حينئذ.
ففي التذكرة : «مال
القرض إن كان مثليّا وجب ردّ مثله إجماعا .. وإن لم يكن مثليّا ، فإن كان ممّا
ينضبط بالوصف ـ وهو ما يصحّ السّلف فيه كالحيوان والثياب ـ فالأقرب أنّه يضمنه
بمثله من حيث الصورة .. وأمّا ما لا يضبط بالوصف كالجواهر والقسيّ وما لا يجوز
السّلف فيه تثبت فيه قيمته» .
وهذه العبارة
تتكفّل الكبرى ، وهي الملازمة بين القرض وبيع السّلم ، بإناطة كليهما بكون المال
ممّا ينضبط بالوصف. وطبّق هذه الكبرى في عبارة أخرى على الجارية ، فقال : «الأموال
إمّا من ذوات الأمثال أو من ذوات القيم ، فالأوّل يجوز إقراضه إجماعا. وأمّا
الثاني فإن كان ممّا يجوز السّلم فيه جاز إقراضه أيضا .. وهل يجوز إقراض الجواري؟
أمّا عندنا فنعم ، وهو أحد قولي الشافعي ، للأصل ، ولأنّه يجوز إقراض العبيد ،
فكذا الجواري ، ولأنّه يجوز السّلف فيها فجاز قرضها كالعبيد» .
وغرض المصنّف قدسسره الاستشهاد به على تحقق تقارب أفراد القيميّ في القيمة ،
كتقارب أفراد المثليّ ، فينتقض تعريف المثليّ بكثير من القيميّات.
(١) غرضه قدسسره الاستشهاد ثانيا على تقارب قيمة القيميّات ، فينتقض
تعريف المثليّ بها ، لاشتراكهما في تقارب أسعار أفرادها. قال شيخ الطائفة قدسسره : «وإن غصب شجرا فأثمرت كالنخل ونحوها ، فالثمار لصاحب
الشجر .. وإن تلف رطبا فعليه قيمته ، لأنّ كلّ رطب من الثمار كالرّطب والتّفاح
والعنب ونحوها إنّما تضمن بالقيمة.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وإن كان رطبا فشمّسه فعليه ردّه إن كان قائما ، ومثله إن كان تالفا ، لأنّ
الثمر له مثل» .
ولا يخفى أنّه قدسسره جعل الثّمار كالتمور مثليّا على ما نقلناه عنه (في ص ٢٦)
ويمكن حمله على ما فصّله هنا بين الثمرة الرّطبة والمجفّفة ، فالرّطبة قيميّ ،
والمجفّفة مثلي. وتحقيق ما هو الحقّ من كلاميه موكول إلى محلّه.
وقد تحصّل :
أنّ المصنّف قدسسره اعترض بوجهين على تعريف المثليّ بما في كلام المشهور ،
واستشهد بعبارتي التذكرة والمبسوط لإثبات الشقّ الثاني من الإيراد الثاني ، وهو
انتقاض التعريف بكثير ممّا عدّوه قيميّا ، لأنّ تقارب قيم أفراد الصنف جهة مشتركة
بين المثليّ والقيميّ ، كما عرفت.
فإن قلت : لا
ينتقض تعريف المثليّ بما ذكر من أفراد القيميّ ، وذلك لأنّ الأفراد المتقاربة أو
المتساوية قيمة من كلّ صنف من أصناف المثليّ كثيرة ، كالحنطة والشعير ، وأمّا
تساوي سعر أفراد صنف من أصناف القيميّ فنادر. فلو سلّمنا دخول بعض القيميّات في
تعريف المثليّ لم يقدح ذلك في انطباق التعريف على المثليات ، وعدم انطباقه على
غالب القيميّات.
قلت : الغرض من
التعريف تحديد ما تشتغل ذمّة الضامن به ، إمّا المثل أو القيمة ، فيلزم تعريف كلّ
منهما بما يجمع الأفراد ويمنع الأغيار ، ومن المعلوم أنّ دخول بعض أفراد القيميّ
في تعريف المثليّ قادح في التحديد ، ومجرّد قلّة مورد النقض وندرته لا يوجب سلامة
التعريف. لأنّ التعريف مبنيّ على شرح الحقيقة ، لا على ما هو الغالب خارجا.
نعم يوجب عزّة
الوجود الفرق بين المثليّ والقيميّ في حكمة الحكم بضمان المثل في الأوّل ، وضمان
القيمة في الثاني ، لا في تشخيص مصاديق أحدهما عن مصاديق الآخر الذي هو المطلوب
هنا.
__________________
ثمّ (١) لو فرض
أنّ الصّنف المتساوي من حيث القيمة في الأنواع القيميّة عزيز الوجود ـ بخلاف
الأنواع المثليّة ـ لم يوجب (٢) ذلك إصلاح طرد التعريف.
نعم يوجب ذلك (٣)
الفرق بين النوعين في حكمة الحكم بضمان المثليّ بالمثل ، والقيميّ بالقيمة.
ثمّ إنّه عرّف
المثليّ بتعاريف أخر أعمّ من التعريف المتقدّم ، أو أخصّ.
فعن التحرير : «أنّه
ما تماثلت أجزاؤه ، وتقاربت صفاته (٤)» .
______________________________________________________
(١) هذا إشارة
إلى دخل يرد على قوله : «تحقّق ذلك في أكثر القيميّات» وأوضحناه بقولنا : «فان قلت»
وهو ـ كما أفاده سيّدنا الأستاذ قدسسره ـ من صاحب الجواهر قدسسره حيث قال : «ولا يرد النقض بالثوب أو الأرض ، الذي يمكن
رفعه بعدم غلبة ذلك ـ أي التساوي أو التقارب قيمة ـ فيهما. وفرض بعض الأفراد كذلك
لا يناسب اطراد قواعد الشرع» .
(٢) هذا جواب
الشرط في «لو فرض» وهو دفع الدخل المتقدّم ، وقد عرفته أيضا.
(٣) أي : يوجب
عزّة الوجود في تساوي أفراد كلّ صنف من أصناف القيميّ ـ وكثرة تساوي أفراد كلّ صنف
من المثليّ ـ الفرق بين النوعين في الحكمة الداعية للحكم بضمان المثليّ بمثله ،
والقيميّ بقيمته. ومن المعلوم خروج الجهات التعليليّة عن موضوعات الأحكام ،
فالعبرة بما أخذ في لسان الدليل. وقد ثبت انطباق تعريف المثليّ على بعض القيميّات
، وهذا المقدار كاف في بطلان تعريف المشهور. هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بتفسير
المثليّ بما تساوت أجزاؤه في القيمة. وقد ظهر الاشكال فيه.
(٤) هذا
التعريف مساو لتعريف المشهور بناء على توجيهه بتساوي أفراد الصنف لا الجنس ، وأخصّ
منه بناء على ظاهره من تساويها في الحقيقة النوعيّة.
__________________
وعن الدروس
والرّوضة البهيّة : «أنّه المتساوي الأجزاء والمنفعة (١) المتقارب الصفات» .
وعن المسالك
والكفاية : «أنّه أقرب التعريفات إلى السّلامة» .
وعن غاية
المراد : «ما تساوى أجزاؤه في الحقيقة النوعية» (٢).
وعن بعض
العامّة «أنّه ما قدّر بالكيل أو الوزن» (٣).
______________________________________________________
(١) قال
المحقّق القميّ قدسسره ـ في ما حكي عنه ـ : «ولعلّ المنفعة في كلامه عطف على
القيمة المقدّرة ، يعني المتساوي الأجزاء في القيمة والمنفعة. ويمكن أن يكون نظره
في زيادة المنفعة إلى إخراج مثل الحنطة والحمّص معا إذا تساويا في القيمة ، وقيل
النوع الواحد في تعريف المشهور يكفي عن ذلك ، وفي زيادة تقارب الصفات إلى ملاحظة
الأصناف كما ذكرنا».
وكيف كان
فتعريف الدروس أخصّ من سابقه ولا حقه كما لا يخفى.
(٢) هذا أعمّ ،
وهو قريب من تعريف المشهور بناء على إرادة التساوي في الحقيقة ، لا في النوع
والصنف. وأمّا بناء على توجيهه بالتساوي في قيمة أفراد الصنف كان تعريف الشهيد قدسسره أعمّ ، كأعمّيّته من تعريف الدروس والرّوضة.
(٣) هذا أيضا
أعم من تعريف مشهور الخاصّة ، لأنّ كثيرا من القيميّات لا تباع جزافا ، بل لا بدّ
من تقديرها بكيل أو وزن كالفواكه الرّطبة ، والحبوب ، والمعاجين.
ولا يخفى أنّ
التعاريف الثلاثة المنقولة عن العامّة مشتركة في ضبط المثليّ بالمكيل والموزون ،
ويكون اختلافها بالإطلاق والتقييد ، فهذا التعريف مطلق ، ويشتمل التعريف الثاني
والثالث على قيد زائد.
__________________
وعن آخر منهم : «زيادة جواز بيعه سلما» (١).
وعن ثالث منهم
: «زيادة جواز بيع بعضه ببعض» (٢). إلى غير ذلك ممّا حكاه في التذكرة (٣) عن
العامّة (*).
______________________________________________________
(١) فيصير أخصّ
من تعريف المثليّ ب «مطلق ما يقدّر كمّه بالكيل أو الوزن» لتوقّف بيع السّلم على
إمكان ضبط المبيع بالوصف. فما يعتبر فيه المشاهدة كالجلود لا تباع سلما.
(٢) كجواز بيع
الحنطة بمثلها كيلا أو وزنا ، والتمر بمثله ، وهكذا. فيندرج فيه كلّ مكيل أو موزون
جاز بيعه ببعض آخر من جنسه ، وهو صادق على جملة من القيميّات.
(٣) قال فيها ـ
بعد حكاية تعريف شيخ الطائفة والتعاريف الثلاثة عن العامّة ـ : «وقال بعضهم :
المثليّات هي التي تقسم بين الشريكين من غير حاجة إلى تقويم .. وقال آخرون :
المثليّ ما لا يختلف أجزاء النوع الواحد منه في القيمة .. ويقرب منه قول من قال :
المثليّات هي التي تتشاكل في الخلقة وفي معظم المنافع ، أو ما يتساوى أجزاؤه في
المنفعة والقيمة. وزاد بعضهم : من حيث الذات لا من حيث الصفة .. إلخ» مما لا جدوى في نقله ، فراجع.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
ثمّ (١) لا
يخفى أنّه ليس للفظ المثليّ حقيقة شرعيّة ولا متشرّعيّة. وليس
______________________________________________________
(١) هذا تتمّة
البحث عن معنى المثليّ ، وتمهيد لبيان حكم الشك في كون المضمون مثليّا أو قيميّا.
وتوضيحه : أنّ تعرّض الفقهاء لتفسير المثلي والقيميّ منوط بوقوع لفظهما موضوعا
لحكم شرعيّ في لسان الدليل ، كموضوعيّة «الصعيد» لجواز التيمّم به ، وموضوعيّة «المفازة
والوطن والغناء» لأحكام اخرى ، فلو لم يتعلّق به حكم لم يكن شأن الفقيه تحقيق معنى
اللفظ. هذا بحسب الكبرى.
وأمّا بحسب
الصغرى فلم يرد لفظ «المثليّ» في نصوص الضمان حتى يبحث عن مفهومه. فالداعي لبيان
معناه هو الإجماع على ضمان المثليّ بالمثل ، فيلزم حينئذ تعريفه لتمييز المضمون ،
وأنّه مثليّ أو قيميّ.
وعلى هذا نقول
: إمّا أن يكون «المثليّ» بمعناه اللغوي وهو المماثل و «الشبيه» وإمّا أن يكون منقولا عن اللغة إلى معنى آخر شرعيّا أو
متشرعيّا ، كنقل ألفاظ الصلاة والزكاة والحجّ ونحوها عن معانيها اللغويّة إلى ما
ينسبق إلى أذهان المتشرّعة. وإمّا أن يكون بمعناه العرفيّ ، وهو أعمّ من اللغويّ.
هذا بحسب الثبوت.
__________________
__________________
المراد معناه اللغوي ، إذ (١) المراد بالمثل لغة المماثل (*). فإن أريد من
جميع الجهات فغير منعكس (٢) ، وإن أريد من بعضها فغير مطّرد (٣). وليس (٤) في
النصوص
______________________________________________________
وأمّا بحسب
مقام الإثبات فلا يراد منه المعنى اللغويّ وهو المماثل ، لما تقدّم من الإشكال
الثاني على تعريف المشهور ، حيث إنّه غير جامع لأفراد المثليّ لو أريد التماثل من
جميع الجهات ، وغير مانع عن دخول بعض القيميّات فيه لو أريد التماثل من بعض
الجهات.
وأمّا المعنى
الثاني ـ وهو نقله إلى اصطلاح شرعيّ أو متشرّعيّ ـ ففيه : أنّه لا حقيقة شرعيّة
ولا متشرّعيّة في مثله.
فيتعيّن إرادة
معناه العرفي بأن يقال : إنّ الفقهاء بصدد بيان مفهومه عرفا.
نعم اختلف
المجمعون في مثليّة جملة من الأشياء ، والقاعدة تقتضي الحكم بضمان المثليّ بمثله
إذا كانت مثليّته متفقا عليها ، والرجوع في الأمور المختلف فيها إلى وجه آخر سيأتي
بيانه.
(١) تعليل لعدم
إرادة معنى «المثل» لغة في مبحث الضّمان.
(٢) يعني :
فغير منطبق على أفراد المعرّف ، بمعنى عدم كونه جامعا لأفراده.
(٣) أي : غير
مانع عن دخول أفراد القيميّ في التعريف.
(٤) هذا إشارة
إلى الكبرى المتقدّمة بقولنا : «وتوضيحه : أنّ تعرّض الفقهاء .. إلخ»
__________________
حكم يتعلّق بهذا العنوان حتى يبحث عنه.
نعم (١) وقع
هذا العنوان في معقد إجماعهم على «أنّ المثليّ يضمن بالمثل وغيره بالقيمة» ومن
المعلوم أنّه لا يجوز الاتّكال في تعيين معقد الإجماع على قول بعض المجمعين مع
مخالفة الباقين (٢). وحينئذ (٣) فينبغي أن يقال : كلّما كان مثليّا باتفاق
المجمعين فلا إشكال في ضمانه بالمثل ، للإجماع (*). ويبقى ما كان مختلفا فيه بينهم
كالذهب والفضة غير المسكوكين. فإنّ صريح الشيخ في المبسوط كونهما من القيميّات (٤)
،
______________________________________________________
وكان المناسب تقديم الوجه الداعي لهذا البحث المفصّل عن معنى المثليّ.
(١) استدراك
على ما يفهم من قوله : «وليس في النصوص ..» يعني : أنه وإن لم يرد لفظ المثليّ في
الأخبار ، لكنّه ورد في دليل تعبّديّ آخر وهو الإجماع.
(٢) سيأتي في
المتن ذكر بعض موارد اختلاف الفقهاء في المثليّة والقيميّة ، مع اتّفاقهم على أصل
الحكم وهو ضمان المثليّ بالمثل.
(٣) أي : وحين
عدم جواز الاتكال ـ في تشخيص صغريات المثليّ ـ على قول بعض المجمعين فينبغي أن
يقال .. إلخ. وقد ذكر المصنّف من موارد المختلف في مثليّتها وقيميّتها أمورا أربعة
ستأتي في المتن.
(٤) قال قدسسره فيه : «وأمّا إذا كان ـ أي التالف ـ من جنس الأثمان لم
يخل من أحد أمرين ، إمّا أن يكون ممّا فيه صنعة ، أو لا صنعة فيه ، فإن كان ممّا
لا صنعة فيه ـ وهو
__________________
وظاهر غيره (١) كونهما مثليّين. وكذا الحديد والنحاس والرصاص ، فإنّ ظواهر
عبارة المبسوط (٢) والغنية والسرائر كونها قيميّة. وعبارة التحرير صريحة في كون أصولها مثلية ، وإن كان المصوغ منها
قيميّا.
______________________________________________________
النقرة ـ فعليه قيمة ما أتلف من غالب نقد البلد .. فأمّا إذا كان فيها صنعة
، لم يخل من أحد أمرين ، إمّا أن يكون استعمالها مباحا أو محظورا. فإن كان
استعمالها مباحا كحليّ النساء وحليّ الرّجال مثل الخواتيم والمنطقة .. فإن كان
غالب نقد البلد من غير جنسها قوّمت به .. إلخ» . والمستفاد منه تقويم الذهب والفضّة بنقد البلد ، سواء
كانا سبيكتين ، أم مصوغتين.
(١) كابن إدريس
والمحقّق والعلّامة وفخر الدين والشهيد والمحقّق الثاني ، على ما حكاه عنهم السيد
الفقيه العاملي قدسسرهم ، ذكر ذلك شارحا لقول العلامة : «والذهب والفضة يضمنان
بالمثل ، لا بنقد البلد» .
(٢) قال فيه : «فإن
كان ـ أي التالف ـ من غير جنسها ـ أي جنس الأثمان ـ كالثياب والخشب والحديد
والرصاص والنحاس والعقار ونحو ذلك من الأواني كالصّحاف وغيرها فكلّ هذا وما في
معناه مضمون بالقيمة» .
وفي التذكرة
أيضا ، حيث قال بعد ذكر عديد من الأشياء : «والأظهر عندهم أنّها بأجمعها مثليّة» . وكلامه قدسسره ناظر إلى أصولها ـ كما نسبه المصنّف إليه في التحرير ـ لا
المصنوع منها.
__________________
وقد صرّح الشيخ
(١) في المبسوط بكون الرّطب والعنب قيميّا ، والتمر والزبيب مثليّا.
وقال في محكيّ
المختلف : «إنّ (٢) في الفرق إشكالا» بل (٣) صرّح بعض من قارب عصرنا «بكون الرّطب والعنب مثليّين».
وقد حكي (٤) عن
موضع من جامع المقاصد : «أنّ الثوب مثليّ» والمشهور خلافه.
وأيضا (٥) فقد
مثّلوا للمثليّ بالحنطة والشعير. ولم يعلم أنّ المراد نوعهما
______________________________________________________
(١) تقدّم نقل
كلامه آنفا ، فراجع. وهذا ثالث موارد الاختلاف.
(٢) قال بعد
نقل كلام الشيخ قدسسره : «وفي الفرق إشكال» .
(٣) الوجه في
الإضراب هو : أنّ العلّامة لم يجزم بمثلية الرّطب والعنب ، وإنّما استشكل في الفرق
بين العنب والزبيب بجعل العنب قيميّا والزبيب مثليّا. وأمّا المحقّق القميّ قدسسره فلم يتردّد في مثليّة الرّطب والعنب ، فيكون مخالفا لشيخ الطائفة قدسسره.
(٤) هذا مورد
رابع ممّا اختلفوا في كونه مثليّا أو قيميّا ، قال المحقّق الثاني قدسسره بعد نقل تعريف المبسوط : «ونقض بالثوب ونحوه ، فإنّ
قيمة أجزائه متساوية ، وليس بمثليّ» . ولم يظهر أنّ النقض بالثوب منه أو من غيره من الفقهاء.
(٥) لم يختلفوا
في كون الحنطة والشعير مثليّين ، فغرض المصنف قدسسره أنّهما وإن كانا متيقّنين من المثليّات ، إلّا أنّه لم
يظهر منهم أنّ المثليّة هل هي ملحوظة بالنسبة إلى أفراد طبيعة نوعيّة كالحنطة مثلا
، فأنواعها وأصنافها أفراد الكلّيّ المثليّ؟ أم أنّها
__________________
أو كلّ صنف (١) ، وما المعيار في الصنف؟ وكذا التمر.
والحاصل : أنّ
موارد عدم تحقّق الإجماع على المثليّة فيها كثيرة (٢) ، فلا بدّ (٣)
______________________________________________________
ملحوظة بالنسبة إلى الأصناف ، فكلّ صنف مثليّ بالنسبة إلى خصوص جزئيّاته ،
لا بالنسبة إلى سائر الأصناف. وهل المراد بتساوي الأجزاء في القيمة تساويها من
جميع الجهات أو من بعضها؟
(١) حيث إنّ
للتمر عشرات الأصناف ، فهل مناط مثليّته صدق الحقيقة ، أم النوع.
(٢) كالأراضي ،
فقد اختلفوا في ضمانها بالمثل أو بالقيمة.
حكم الشك في كون
التالف مثليّا أو قيميّا
(٣) هذا شروع
في المقام الثالث ممّا تعرّض له في الأمر الرابع ، وهو حكم الشك في كون التالف
مثليّا أو قيميّا. وكان المناسب بيان الأدلة على أصل اعتبار المثل ، ثم التعرض
لحكم الشك. وقد اقتصر قدسسره على نقل إجماعهم على الحكم ، وأخّر الوجهين الآخرين.
وكيف كان ففي
تردّد المضمون بين المثليّ والقيميّ وجوه أربعة :
أوّلها :
الضمان بالمثل معيّنا.
ثانيها :
الضمان بالقيمة كذلك.
ثالثها : تخيير
الضامن بين المثل والقيمة.
رابعها : تخيير
المالك بينهما.
واضطربت كلمات
المصنّف قدسسره في حكم المسألة ، فرجّح أوّلا تخيير الضامن بين دفع
المثل والقيمة ، ثم تخيير المالك لو كان تخيير الضامن مخالفا للإجماع. ثم قوّى
تخيير المالك من أوّل الأمر. ثم عاد إلى تقوية تخيير الضامن ، وفي آخر البحث ذهب
إلى اقتضاء أدلة الضمان ثبوت المثل في العهدة ، لكونه أقرب إلى التالف ، وسيأتي
بيانها بالترتيب إن شاء الله تعالى.
من ملاحظة أنّ الأصل (١) الذي يرجع إليه عند الشك هو الضمان بالمثل أو
بالقيمة أو تخيير المالك أو الضامن بين المثل والقيمة؟
ولا يبعد أن
يقال (٢) : إنّ الأصل هو تخيير الضامن ، لأصالة (٣) براءة ذمّته
______________________________________________________
(١) ظاهره هو
الأصل العمليّ من البراءة أو الاشتغال ، لكن المراد به أعمّ منه ومن الأصل اللفظيّ
، لما سيأتي من الاستدلال بحديث «على اليد» على تخيير المالك.
(٢) أشرنا آنفا
إلى أنّ المصنّف قدسسره رجّح بدوا تخيير الضامن في مقام تفريغ ذمّته بين أداء
المثل والقيمة. وهو مبنيّ على أمرين :
أحدهما : جريان
أصالة البراءة عن ضمانه بأمر زائد على ما يختاره.
ثانيهما :
الإجماع ـ بل الضرورة ـ على عدم وجوب الجمع بين المثل والقيمة.
أمّا الأوّل
فتوضيحه : أنّ الضامن يعلم باشتغال ذمته بما تلف عنده من مال الغير ، ولكنّه ـ عند
الشكّ في كون التالف مثليّا وقيميّا ـ إذا أدّى أحدهما إلى المالك يشكّ في اشتغال
عهدته بأمر زائد على ما أدّاه ، ومن المعلوم جريان أصالة البراءة النافية لضمانه
بشيء آخر. فإن دفع المثل نفى ضمانه بالقيمة بالأصل. وإن دفع القيمة نفى به ضمانه
بالمثل.
هذا بناء على
ما حقّق في الأصول من جريان الأصل في الأحكام الوضعيّة كجريانه في التكليفيّة. وإن
قلنا باختصاص الجعل بالتكليف جرى الأصل في منشأ الانتزاع وهو وجوب الغرامة.
وأمّا الثاني
فلأنّه لولا الإجماع على عدم وجوب الجمع بين الخصوصيّتين اقتضت أصالة الاشتغال دفع
المثل والقيمة معا تحصيلا للقطع بالفراغ.
وبتماميّة
الأمرين يتّضح وجه تخيير الضامن.
(٣) بناء على
كون الفرق بين المثل والقيمة هو الفرق بين الأقلّ والأكثر ، فيكون الشك في وجوب
المثل شكّا في وجوب الأكثر. وأمّا بناء على كونهما من قبيل المتباينين ـ لكون
المراد من القيمة في المقام النقد الواقع ثمنا كالدينار والدرهم ـ
عمّا زاد على ما يختاره. فإن فرض (١) إجماع على خلافه
______________________________________________________
فيرجع عند الشك في أحدهما بعينه إلى أصالة الاحتياط.
(١) شرع
المصنّف من هذه العبارة في ترجيح تخيير المالك بين مطالبة المثل أو القيمة ، وسلك
لإثباته طريقين ، أحدهما : بالنظر إلى الإجماع على عدم تخيير الضامن في مقام تفريغ
ذمّته ، والآخر : مع قطع النظر عن هذا الإجماع.
أمّا الأوّل ـ وهو
تخيير المالك مع الالتفات إلى الإجماع ـ فيدلّ عليه وجهان :
أوّلهما :
أصالة عدم براءة ذمّة الضامن بدفع ما لا يرضى به المالك ، كما إذا زعم الضامن كونه
مخيّرا ، فأدّى القيمة إلى المالك ، ولم يرض بها ، إذ يشك حينئذ في فراغ ذمّة
الضامن عمّا اشتغلت به قطعا ، ومقتضى استصحاب بقاء ما في العهدة عدم حصول البراءة
بدفع ما يختاره الضامن ولم يرض به المالك. وقد تقرّر حكومة الاستصحاب على الأصل
غير المحرز كالبراءة ، فلا سبيل لإثبات تخيير الضامن بالتمسّك بأصالة البراءة.
ثانيهما : حديث
«على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» حديث إنّ الضمير المحذوف الراجع إلى «ما» الموصول
ظاهر في تحقق الأداء ـ المسقط للضمان ـ بردّ نفس العين ، إلّا إذا رضي المالك بردّ
غيرها ، فلا يرتفع الضمان بردّ غير العين إلّا برضا المالك ، ومرجع هذا إلى تخيير
المالك. فلو أدّى الضامن القيمة المغايرة للعين المضمونة ـ ولم يرض المالك بها ـ دلّ
الحديث على بقاء مال الغير في عهدة الآخذ ، وعدم حصول الغاية ـ وهي : حتّى تؤدّي ـ
المفرّغة لما في الذمّة.
وأمّا الثاني :
ـ أعني به ثبوت تخيير المالك مع الغضّ عن الإجماع على عدم تخيير الضامن ـ فيقتضيه
أصالة الاشتغال ، للشكّ في فراغ ذمّة الضامن بدفع ما لا يرضى به المالك. ولا ريب
في أنّ الاشتغال اليقينيّ يقتضي البراءة اليقينيّة المنوطة بدفع المثل والقيمة
معا. نعم الإجماع قائم على عدم وجوب الجمع بينهما.
ولكنّه لا يثبت
تخيير الضامن ، وإنّما يثبت تخيير المضمون له ، لأنّه مالك لذمّة
فالأصل (١) تخيير المالك ، لأصالة عدم (٢) براءة ذمّته بدفع ما لا يرضى به
المالك.
______________________________________________________
الضامن ، فله مطالبة ما شاء.
فإن قلت : إنّ
أصالة البراءة معارضة لقاعدة الاشتغال ، فتتساقطان ، لكونهما في رتبة واحدة ، فلا
يبقى مرجّح لتخيير المالك من أوّل الأمر ، وينتهي الأمر إلى الطريق الأوّل المنوط
بالاعتماد على الإجماع على عدم تخيير الضامن.
قلت : لا معارض
لأصالة الاشتغال هنا ، لعدم جريان أصالة البراءة في أمثال المقام ممّا يكون
المتعلّق دائرا بين المتباينين ، وهما المثل والقيمة ، إذ لو كانت القيمة هي مجرّد
ماليّة المضمون الموجودة في جميع الأعيان المتمولّة كانت هي الأقلّ ، وكان المثل
الواجد للجهات الصنفيّة المشتركة مع التالف هو الأكثر ، فيكون المقتضي لجريان
أصالة البراءة عن وجوب دفع الأكثر موجودا ، وهي معارضة لقاعدة الاشتغال المقتضية
لتخيير المالك.
ولكن المراد
بالقيمة في باب الضمان هو النقد الواقع ثمنا كالدرهم والدينار والأنواط التي يعامل
بها. ومن المعلوم أنّ المثل والنقد متباينان ، لعدم كون القيمة بعضا من المثل حتى
تجري أصالة البراءة عن الأكثر ، كما تجري في الزائد على المتيقّن عند دوران الدّين
بين تسعين ومائة درهم مثلا.
وعليه فقاعدة
الاحتياط تجري بلا معارض ، وبعد الإجماع على عدم وجوب أداء الخصوصيّتين يتّجه
تخيير المالك في قبول المثل أو القيمة. هذا تقريب القول بتخيير المالك.
(١) هذا الأصل
أعمّ من العمليّ واللفظيّ ، لأنّه استدلّ بحديث «على اليد» وهو دليل اجتهاديّ.
(٢) أي :
استصحاب بقاء المضمون على عهدة الضامن ، وقد عرفته بقولنا : «أوّلهما : أصالة عدم
براءة ذمّة الضامن بدفع ما لا يرضى به المالك .. إلخ».
مضافا إلى عموم
(١) «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» فإنّ مقتضاه (٢) عدم ارتفاع الضمان بغير أداء
العين ، خرج ما إذا رضي المالك بشيء آخر (٣).
والأقوى (٤)
تخيير المالك من أوّل الأمر (٥) ، لأصالة الاشتغال.
والتمسّك (٦) «بأصالة
البراءة» لا يخلو من منع (٧).
نعم يمكن أن
يقال (٨):
______________________________________________________
(١) هذا أصل
لفظيّ يقتضي تخيير المالك. وقد أوضحناه بقولنا : «ثانيهما : حديث ـ على اليد ـ حيث
إن الضمير .. إلخ».
(٢) أي : مقتضى
عموم «على اليد» عدم ارتفاع الضمان .. إلخ.
(٣) وبقي ـ ما
لم يرض المالك به ـ في عموم «على اليد» المقتضي للضمان بقاء ، كاقتضائه له حدوثا
بمجرّد وضع اليد.
(٤) هذا هو
الطريق الثاني لإثبات تخيير المالك ، وقد عرفته بقولنا : «وأمّا الثاني .. فيقتضيه
أصالة الاشتغال .. إلخ».
(٥) يعني : مع
قطع النظر عن الإجماع على عدم تخيير الضامن.
(٦) مبتدأ خبره
«لا يخلو من منع» وهو دفع دخل ، وقد تقدّم توضيحهما بقولنا : «فإن قلت : إن أصالة
البراءة معارضة لقاعدة الاشتغال .. قلت : لا معارض لأصالة الاشتغال .. إلخ».
(٧) إمّا لما
ذكرناه من كون العلم الإجماليّ بالمثل والقيمة من قبيل العلم الإجماليّ
بالمتباينين ، وإمّا لما قيل من كونه من التعيين والتخيير الذي هو مجرى أصالة
التعيينيّة ، فتأمّل.
(٨) هذا نظره
الثالث في المسألة ، وهو إثبات التخيير بين المثل والقيمة عقلا بمناط دوران الأمر
بين المحذورين ، لا التخيير الشرعيّ كما تقدّم في النظرين السابقين ، وهما تخيير
الضامن وتخيير المالك.
وهذا الوجه
يعتمد على مقدّمتين :
.................................................................................................
______________________________________________________
الأولى : عدم
تماميّة شيء من الأقوال الأربعة ، وهي تعيين المثل ، وتعيين القيمة ، وتخيير
الضامن ، وتخيير المالك ، إذ لو نهض دليل على ترجيح أحدها تعيّن المصير إليه ،
سواء أكان الدليل الشرعي أصلا لفظيّا كحديث «على اليد» أم عمليّا كالاستصحاب
والاشتغال والبراءة. فإذا نوقش فيها ـ إمّا لقصور المقتضي وإمّا لوجود المانع وهو
المعارضة ـ تصل النوبة إلى تعيين الوظيفة بحكم العقل.
الثانية : قيام
الإجماع على عدم تخيير المالك بين مطالبة المثل والقيمة ، إذ لو تمّ هذا الإجماع
كان الدليل الاجتهاديّ على تخييره شرعا موجودا ، ومعه لا مجال للتمسك بالأصل
العمليّ العقليّ المتأخّر رتبة عن الأصول الشرعيّة.
وبناء على
هاتين المقدّمتين نقول : إنّ المستقرّ في عهدة الضامن إمّا المثل أو القيمة ، فإن
رضي المالك بما يؤدّيه الضامن فلا كلام. وإن لم يرض به فإن كانت الذمّة مشغولة
بالمثل واقعا ودفع القيمة إلى المالك لم تفرغ ذمّته عمّا اشتغلت به. وإن كانت
مشغولة بالقيمة كذلك وأدّى المثل لم تفرغ ذمّته. كما أنّه لو كان على الضامن هو
المثل لم يكن للمالك الامتناع عن قبوله ، وليس له مطالبة القيمة ، وكذا لو كان
عليه القيمة لم يكن للمالك الإباء عن قبولها.
فيدور أمر كلّ
من الضامن والمالك بين المحذورين. أمّا الضامن فلأنّ ما عليه واقعا إحدى
الخصوصيّتين مع فرض عدم وجوب الجمع بينهما.
وأمّا المالك
فلاستحقاقه واقعا أحد الأمرين لا كليهما ، ولا تخيير شرعا بينهما حسب الفرض. فيقال
بالتخيير عقلا من باب الاضطرار. كما يقال في تخيير المجتهد في مقام الفتوى في ما
لو اختلفت الأمّة على قولين ، ولم يقم على أحدهما دليل بالخصوص ، ولم يجز إبداع
رأي ثالث في المسألة ، فيتخيّر عقلا في الفتوى على
ـ بعد عدم الدليل لترجيح أحد الأقوال (١) ، والإجماع (٢) على عدم تخيير
المالك ـ بالتخيير (٣) في الأداء ، من جهة دوران الأمر بين المحذورين (*) أعني (٤)
: تعيّن المثل بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة ، ولا للضامن الامتناع (٥) ،
______________________________________________________
طبق أحد القولين ، هذا.
(١) هذا إشارة
إلى المقدّمة الأولى. وعدم ترجيح بعض الأقوال مبنيّ على الغضّ عمّا جعله أقوى من
تخيير المالك.
(٢) بالجرّ
معطوف على «عدم» يعني : وبعد الإجماع على عدم تخيير المالك. وهذا إشارة إلى
المقدّمة الثانية.
(٣) متعلق ب «يقال»
يعني : يقال بالتخيير العقليّ.
(٤) هذا بيان
المحذورين. فإن كان المضمون خصوص المثل وجب على الضامن بذله ، ولم يجز للمالك
الامتناع عن قبوله. وإن كان المضمون خصوص القيمة وجب على الضامن أداؤها ولم يجز
للمالك مطالبة المثل. وحيث إنّ الواقع مجهول لم يمكن تحصيل العلم ببراءة الذمّة ،
فيحكم العقل بالتخيير بين أداء المثل والقيمة.
(٥) أي :
الامتناع عن بذل المثل.
__________________
وتعيّن (١) القيمة كذلك (٢) ، فلا متيقّن (٣) في البين. ولا يمكن (٤)
البراءة اليقينيّة عند التّشاحّ (٥) ، فهو (٦) من باب تخيير المجتهد في الفتوى.
______________________________________________________
(١) معطوف على «تعيّن
المثل» يعني : أنّ منشأ كون المقام من موارد الدوران بين المحذورين هو تعيّن أحد
الأمرين واقعا ، والمفروض عدم طريق إلى إحرازه.
(٢) يعني :
بحيث لا يكون للمالك مطالبة المثل ، ولا للضامن الامتناع عن بذل القيمة.
(٣) إذ ليس
المثليّ والقيميّ من قبيل الأقلّ والأكثر حتى يكون الأقل هو المتيقن ، بل هما
متباينان ، فلا تجري البراءة في المثليّة.
(٤) لكونهما
متباينين. وعدم الاحتياط في الماليّات ، فالمضمون له لا يستحقّ واقعا إلّا أحدهما.
(٥) بأن لا
يأذن الضامن إلّا بقبض ما عليه واقعا ، ولا يرضى المالك أيضا إلّا بما له واقعا ،
والمفروض جهلهما بالواقع ، فلا يمكن تحصيل اليقين بالبراءة.
(٦) حيث إنّ
الضامن يدور أمر أدائه بين المحذورين ، إجزاء المثل بخصوصه ، والقيمة كذلك ، لعدم
القدر المتيقّن الذي تحصل به البراءة ، فيتخيّر الضامن حينئذ. نظير تخيير المجتهد
في الفتوى بما يختاره من المحذورين اللذين دار أمره بينهما ، كما إذا قام عنده
خبران متعارضان أحدهما يأمر بفعل والآخر ينهى عنه ، فإن كان الخبر الآمر صادرا
واقعا وجبت الفتوى بمضمونه ولم تجز الفتوى بالحرمة. وإن كان الخبر الناهي صادرا
وجبت الفتوى بالحرمة وحرمت الفتوى بالوجوب.
وحيث إنّ
المفروض تردّد الصادر واقعا بين الخبرين فقد تردّد الأمر عنده بين الوجوب والحرمة
، فلا محالة يفتي بمضمون أحدهما ، هذا.
فتأمّل (١) (*) هذا.
______________________________________________________
(١) لعلّه
إشارة إلى : أنّ تخيير المجتهد إنّما هو في تعارض الخبرين دون مثل المقام.
أو إلى : أنّ
التخيير منوط بعدم ترجيح لأحد الأقوال ، والمفروض وجود المرجّح لتخيير المالك من
أوّل الأمر ، فلا وجه لتنظيره بتخيير المجتهد.
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
ولكن يمكن أن
يقال (١) : إنّ القاعدة المستفادة
______________________________________________________
(١) هذا إشارة
إلى دليل آخر على أصل الحكم بضمان المثليّ بالمثل ـ كما سيأتي تصريحه به في المتن
بقوله : نعم الانصاف عدم وفاء الآية كالدليل السابق عليه بالقول المشهور ـ والظاهر
أنّ غرضه قدسسره من التعرّض له هنا ـ بعد الفراغ عمّا يقتضيه الأصل
العمليّ في الشك في كون التالف مثليّا وقيميّا ـ هو : استفادة حكم المسألة من
الدليل الاجتهاديّ أعني به إطلاق أخبار الضمان مقاميّا ، في قبال ما تقدّم من
استفادته من الأصل العمليّ المقتضي لتخيير الضامن شرعا ، أو تخيير المالك كذلك ،
أو التخيير عقلا.
__________________
من إطلاقات الضمان (١)
______________________________________________________
وتوضيح ما
أفاده : أنّ مادّة «الضمان والغرامة» وما بمعناهما قد وردت في كثير من النصوص
المتكفلة لحكم المغصوب ، والأمانات التي فرّط أصحابها فيها كالعين المستأجرة
واللّقطة والعارية والوديعة ، وكان السائل يستفهم عن وظيفته الفعليّة المبتلى بها
، ولم يستفصل منه الامام عليهالسلام عن أنّ المضمون مثليّ أو قيميّ ، وإنّما حكم عليهالسلام بالضمان أو بما يؤدّيه ، كما يستفاد أيضا من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» ممّا ظاهره استقرار
المأخوذ على عهدة الآخذ إلى أن يردّه إلى المأخوذ منه.
ومن المعلوم
أنّ إهمال خصوصيّة المضمون ـ مع تفاوت الأموال في مالها مثل وما ليس لها مثل ـ لا
بدّ أن يكون لأجل إيكال الأمر إلى ما هو المتعارف بين العقلاء في ما يضمنون به ،
وعدم إبداع طريقة أخرى في مقام تفريغ الذمّة.
هذا من جهة.
ومن جهة أخرى نرى استقرار سيرتهم على أنّ من وضع يده على شيء مملوك للغير لزمه
ردّه إليه ، وإن تلف لزمه ردّ أقرب شيء إليه ، ومع تعذّره يؤدّي قيمة التالف.
ولا ريب في أنّ
الأقرب إلى التالف هو مماثلة في جميع الجهات المعتبرة في الماليّة والأوصاف
الدخيلة في رغبة العقلاء فيه ، سواء أكان متّحدا مع المثليّ الذي اصطلح عليه
الفقهاء قدسسرهم ، أم لم يكن كذلك. فالحيوان مطلقا ليس مثليّا بنظر
الفقهاء ، ولكن لا يبعد ضمانه عرفا بما يماثل التالف من جميع الجهات ، ولو تعذّر
فبقيمته.
وعليه فهذا
الدليل يقتضي الضمان أوّلا بمثل التالف ، ثم بقيمته ، ومعه لا مجال للتخيير أصلا.
(١) حاصله :
أنّ المستفاد من بناء العرف الممضى شرعا ـ بمقتضى الإطلاقات المقاميّة الثابتة
لأدلّة الضمان المتفرّقة في أبواب الفقه ـ هو : أن الضمان في جميع موارده يكون
بالمثل ، ثمّ بالقيمة ، ومعرفة المثل موكولة إلى العرف ، ولا تتوقّف على الإجماع
على كون الشيء مثليّا أو قيميّا.
في المغصوبات (١) والأمانات المفرّط فيها (٢)
______________________________________________________
نعم لو شكّ
العرف فالمرجع الأصل المتقدّم.
ثمّ إنّ مقتضى
الإطلاقات هو الترتيب ، بمعنى أنّ اللازم أوّلا هو المثل ، وبعد إعوازه قيمة
التالف. بخلاف مقتضى الأصل ، فإنّه التخيير ، لا الترتيب. ويدلّ على هذا الترتيب
ما سيأتي من قوله : «وقد استدلّ في المبسوط .. إلخ» على التقريب الآتي.
(١) كالنبوي : «على
اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» بناء على اختصاص الأخذ بالقهر كما قيل ، فيختصّ الحديث
بباب الغصب. وكمرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح عليهالسلام : «لأنّ الغصب كلّه مردود» بناء على عدم اختصاصه بحال بقاء العين المغصوبة ،
وشموله لردّها ببدلها.
(٢) فمنها : ما
ورد في ضمان الأجير ، كمعتبرة زرارة وأبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام : في رجل كان له غلام ، فاستأجره منه صانع أو غيره.
قال : إن كان
ضيّع شيئا أو أبق منه فمواليه ضامنون» حيث دلّ على ضمان مولى الأجير الذي ضيّع مال المستأجر ،
مع أنّ الأجير أمين. ولم يفصّل عليهالسلام في أنّ المضمون مثليّ أو قيميّ ، وإطلاق الضمان منزّل
على المتعارف.
ومنها : ما ورد
في ضمان الدابّة ، كمعتبرة عليّ بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليهالسلام ، قال : «سألته عن رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره ،
فنفقت ، ما عليه؟ قال : إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها ، وإن لم يسمّ
فليس عليه شيء» حيث إنّ الدابّة أمانة بيد المستأجر فرّط فيها بمخالفته
للشرط ، فضمنها ، ولم يذكر عليهالسلام أنّ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ضمانها بالمثل أو بالقيمة.
ومنها : ما ورد
في ضمان الصنّاع ، كمعتبرة الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «سئل عن القصّار يفسد ، فقال : كلّ أجير يعطى
الأجرة على أن يصلح فيفسد فهو ضامن» . ولم يبيّن عليهالسلام المضمون به ، مع أنّ ما يعطى الأجير لإصلاحه قد يكون
مثليّا وقد يكون قيميّا.
ومنها : ما ورد
في ضمان الوصيّ المفرّط في المال الموصى به ، كمعتبرة محمّد بن مسلم ، قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام رجل بعث بزكاة ماله لتقسم ، فضاعت ، هل عليه ضمانها حتى
تقسم؟ فقال : إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن .. إلى أن قال : وكذلك
الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه ،
فإن لم يجد فليس عليه ضمان» .
ولا تبعد دعوى
قوّة الإطلاق في هذه الرواية ، لأعمّيّة المال الزكويّ والموصى به ممّا هو مثليّ
في مصطلح الفقهاء ، وقيميّ عندهم ، فيحمل الضمان على المتعارف عند العقلاء.
ومنها : ما ورد
في ضمان الملتقط ، كخبر الحسين بن يزيد عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام ، قال : «كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول في الضالّة يجدها الرّجل فينوي أن يأخذ لها جعلا ،
فتنفق ، قال : هو ضامن. فإن لم ينو أن يأخذ لها جعلا ونفقت فلا ضمان عليه» .
ومنها : ما ورد
في ضمان الودعيّ مع التفريط ، كخبر محمّد بن الحسن ، قال :
__________________
وغير ذلك (١) هو (٢) الضمان بالمثل ، لأنّه (٣) أقرب إلى التالف من حيث
الماليّة والصفات ، ثمّ بعده (٤) قيمة التالف من النقدين وشبههما (٥) ، لأنّهما
أقرب من
______________________________________________________
«كتبت إلى أبي محمّد عليهالسلام : رجل دفع إلى رجل وديعة ، وأمره أن يضعها في منزله [أو
لم يأمره] فوضعها في منزل جاره ، فضاعت هل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها عن ملكه؟
فوقّع عليهالسلام : هو ضامن لها إن شاء الله» .
ومنها : غير
ذلك من النصوص المتفرقة في أبواب الرهن وغيرها التي ورد فيها كلمة «الضمان» ولم
يعيّن المضمون به. ولو كان ضمان المثليّ بالمثل والقيميّ بالقيمة كان إهمال هذه
الجهة ـ مع كون السائل في مقام استعلام وظيفته الفعليّة ـ تأخيرا للبيان عن وقت
الحاجة بلا مصلحة واضحة فيه.
(١) أي : غير
المغصوب وغير الأمانة المفرّط فيها ، ومثال هذا الغير هو عارية الذهب والفضة أو
العارية المشروط فيها الضمان ، فإنّ المستعير ضامن إن لم يكن مفرّطا ، كما ورد في
صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : لا تضمن العارية إلّا أن يكون قد اشترط فيها ضمان ،
إلّا الدنانير ، فإنّها مضمونة وإن لم يشرط فيها ضمانا» . والتقريب كما تقدّم آنفا.
(٢) خبر قوله :
«ان القاعدة المستفادة».
(٣) يعني :
لأنّ المثل العرفيّ أقرب إلى التالف من قيمته. ووجه الأقربيّة واضح.
(٤) أي : بعد
الضمان بالمثل ، والمراد بالبعديّة هو الرّتبيّة ، أي : تأخّر جواز دفع القيمة عن
تعذّر المماثل العرفيّ.
(٥) مما يجعل
ثمنا في المعاملات بمنزلة النقدين كالفلوس الرائجة المصوغة من غير النقدين ـ كالنحاس
والرصاص والقرطاس وغيرها ـ ممّا يعامل معها في الأسواق معاملة النقدين.
__________________
حيث المالية (١) ، لأنّ ما عداهما يلاحظ مساواته للتالف بعد إرجاعه إليهما.
ولأجل الاتّكال
على هذا الظهور (٢) لا تكاد تظفر على مورد واحد من هذه الموارد (٣) ـ على كثرتها ـ
قد نصّ الشارع فيه على ذكر المضمون به ، بل كلّها ـ إلّا ما شذّ وندر (٤) ـ
______________________________________________________
(١) لأنّهما
متمحّضان في الماليّة ، ولذا يقدّر بهما ماليّة الأموال.
(٢) أي :
الضمان بالمثل ثم بالقيمة.
(٣) يعني :
الموارد التي حكم الشارع فيها بالضمان كالغصب والأمانات المفرّط فيها.
(٤) يعني : أنّ
الشارع قد نصّ في موارد نادرة على المضمون به ، وأنّه قيمة التالف ، كما ورد في
عدّة نصوص : منها : صحيحة أبي ولّاد الحنّاط التي تقدّم مفادها (في ص ٢٣٤) وسيأتي
متنها في كلام المصنّف (في ص ٤٨٢) ، والمقصود منها قول أبي عبد الله جعفر بن محمد
الصادق «صلوات الله وسلامه عليها» : «قيمة بغل يوم خالفته» فالمضمون به هو خصوص الماليّة ، وليس الضمان مطلقا حتى
يحمل على المفهوم منه عرفا ، وهو المماثل في الصفات زيادة على المماثلة في
الماليّة.
ومنها ، ما
تقدّم في أخبار بيع الجارية المسروقة من ضمان قيمة الولد واللّبن
والخدمة ، فراجع (ص ٤٩ و ٥٠).
ولا يخفى أنّ
اعتبار القيمة في هذا المورد ليس تخصيصا في الحكم بالضمان بالمثل إن وجد وإلّا
فبالقيمة. وذلك لأنّ مورد الحكم بضمان المثل هو ما له مثل عرفا ، فلو لم يكن له
مثل كذلك كان ضمانه بالقيمة موافقا لبناء العقلاء. فإنّ الولد ممّا لا يوجد له
مماثل حتى يضمن به ، مع انعقاده حرّا. وكذلك لا يبعد أن يكون ضمان البغل بقيمته
لأجل عدم المماثل له في جميع الصفات الدخيلة في ماليّته.
__________________
قد أطلق (١) فيها الضمان.
فلو لا
الاعتماد (٢) على ما هو المتعارف لم يحسن من الشارع إهماله في موارد البيان.
______________________________________________________
ومنها : ما ورد
في خبر السكونيّ عن أبي عبد الله عليهالسلام : «ان أمير المؤمنين سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة
كثير لحمها وخبزها وجبنّها وبيضها ، وفيها سكّين ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : يقوّم ما فيها ، ثم يؤكل ، لأنّه يفسد ، وليس له بقاء
، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن» . وظاهر الجملة الأخيرة ـ بل صريحها ـ ضمان السّفرة
بقيمتها ، ولعلّه لأجل ندرة المماثل في غالب الصفات.
ومنها : ما ورد
في ضمان المرتهن إذا فرّط في العين المرهونة من قوله عليهالسلام : «إنّه إن استهلكه ترادّ الفضل بينهما» بناء على أنّ الدّين غالبا يكون في النقدين ، والرّهن
من الأعيان ، فحكم عليهالسلام بترادّ الفضل ، فإن كان الدّين أزيد قيمة من الرّهن وجب
على الراهن ردّ الزائد إلى المرتهن. وإن كان الدين أقلّ ماليّة من الرهن وجب على
المرتهن ردّ الفضل إلى الراهن.
ومنها : غير
ذلك ممّا يظفر به المتتبّع في أخبار أهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين ، وسيأتي نقل جملة منها في الأمر السابع ، فلاحظ (ص ٤٥٦ و ٤٥٧).
(١) خبر «كلها».
(٢) هذا تقريب
الإطلاق المقاميّ الدالّ على إمضاء البناء العرفيّ على ضمان التالف بما هو أقرب
إليه أعني به المماثل عرفا ، وبتعذّره فالقيمة.
هذا تمام الكلام
في الوجوه المتصوّرة في ضمان التالف المشكوك كونه مثليّا وقيميّا ، ومقتضى الإطلاق
المقاميّ هو الضمان بما يشابه التالف ويماثله عرفا ، ثم بقيمته.
__________________
وقد استدلّ (١)
في المبسوط والخلاف على ضمان المثليّ بالمثل والقيميّ بالقيمة بقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا
عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) بتقريب : أنّ مماثل ما اعتدى هو المثل في المثليّ
والقيمة في غيره (٢).
______________________________________________________
(١) هذا وجه
ثالث استدلّ به للقول المشهور ، وهو ضمان التالف المثليّ بالمثل ، وكان الوجه
الأوّل الإجماع المحكيّ ، والثاني الإطلاق المقاميّ ، وقد عرفت أنّ مفاد هذه
الوجوه مختلف من حيث إفادة الترتيب بين المثل والقيمة وعدمه.
(٢) ما نسبه
المصنف إلى شيخ الطائفة قدسسرهما من استدلاله بالآية الشريفة على ضمان المثليّ بالمثل
والقيميّ بالقيمة ـ قد صرّح به في موضعين من غصب الخلاف ، ولم أظفر به في غصب
المبسوط بعد ملاحظته بتمامه ، وإنّما استدلّ فيه بالآية الشريفة على ضمان المثليّ
بمثله ، لا على ضمان القيميّ بالقيمة.
قال في الخلاف
: «المنافع تضمن بالغصب كالأعيان ، مثل منافع الدار والدابّة والعبيد والثياب ،
وبه قال الشافعيّ. وقال أبو حنيفة : لا تضمن المنافع بالغصب بحال .. دليلنا ، قوله
تعالى (فَمَنِ اعْتَدى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ). والمثل مثلان ، مثل من حيث الصورة ، ومثل من حيث
القيمة. فلمّا لم يكن للمنافع مثل من حيث الصورة وجب أن يلزمه من حيث القيمة. وعلى
المسألة إجماع الفرقة. وأخبارهم تدلّ عليها» .
وهذه العبارة
صريحة في أنّه قدسسره استظهر من الآية الشريفة ضمان المثليّ بالمثل والقيميّ
بالقيمة ، لكون القيمة مثلا للتالف من حيث ماليّته. وهذا المقدار من المماثلة كاف
في استفادة ضمان القيميّ بقيمته من الآية المباركة. ونحوه كلامه في ضمان العقار
بقيمته ، فلاحظ (مسألة ١٨) من الغصب.
وقال في غصب
المبسوط ـ بعد تقسيم الأموال إلى حيوان وغير حيوان ،
__________________
واختصاص (١)
الحكم بالتلف عدوانا لا يقدح بعد عدم القول بالفصل.
وربما يناقش في
الآية : بأنّ مدلولها اعتبار المماثلة في مقدار الاعتداء (٢)
______________________________________________________
وغير الحيوان إلى ما له مثل ، وما لا مثل له ـ ما لفظه : «فإذا غصب غاصب من
هذا شيئا ، فإن كان قائما ردّه. وإن كان تالفا فعليه مثله ، لقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا
عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) .. إلخ». ونقلناه في (ص ٢٦) فراجع. وهذه العبارة ظاهرة
في دلالة الآية الشريفة على ضمان المثليّ بالمثل ، وليس في كلامه قدسسره دلالتها على حكم القيميّ أصلا ، فلاحظ.
وبما نقلناه عن
شيخ الطائفة قدسسره ظهر أنّ ما أفاده الفقيهان الشيخ المامقاني وسيدنا
الأستاذ قدسسرهما ـ من اقتصار عبارة المبسوط على دلالة الآية الشريفة على
حكم المثليّ دون القيميّ ـ وإن كان متينا ، إلّا أنّ المصنّف قدسسره عزاه إلى الخلاف أيضا. وقد عرفت صراحة كلامه فيه في
استفادة حكم القيميّ أيضا من الآية الشريفة.
كما ظهرت
المسامحة في تعبير الماتن ـ من نسبة الاستدلال بالآية على كلّ من المثليّ والقيميّ
ـ إلى المبسوط والخلاف معا.
(١) نوقش في
الاستدلال بالآية الشريفة ـ على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد بمثله ـ بوجهين ،
الأوّل : أن الآية الشريفة أجنبيّة عن المدّعي ـ الذي هو ضمان المثليّ بالمثل
والقيميّ بالقيمة في البيع الفاسد ـ لاختصاص الآية بالتلف العدواني ، ومن المعلوم
أنّ محلّ الكلام هو تلف المقبوض بالعقد الفاسد ، لا إتلافه ، وليس فيه اعتداء
خصوصا مع الجهل بالفساد.
وأجاب عنه
المصنّف قدسسره ، بأنّ الآية وإن اختصّت بمورد الاعتداء ، إلّا أنّه
يلحق به المقبوض بالبيع الفاسد بعدم القول بالفصل بين باب الغصب وما نحن فيه. وعليه
فلا بأس بدلالة الآية على ضمان المثليّ بمثله.
(٢) هذا هو
الوجه الثاني من المناقشة ، والمناقش هو السيّد العلّامة الطباطبائي قدسسره حيث قال في إنكار تعلّق الحكم بعنوان المثلي ما لفظه : «وفيه
نظر ، لاحتمال كون
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المراد بالمثل فيه مثل أصل الاعتداء ، لا مثل المعتدى فيه الذي هو ما نحن
فيه ، فتأمّل» .
وتوضيحه : أنّ
المماثلة بين الاعتدائين ليست بحسب الذات ، لأنّها من ضروريّات كونهما اعتداء.
فالمماثلة إنّما تكون بينهما بحسب المعتدى به ، وهو مدخول الباء في قولنا : «اعتدى
عليه» بضربة أو بإتلاف ماله أو قطع يده أو غير ذلك.
وجهة المماثلة
بالمعتدى به تارة تكون بلحاظ ذاتيهما ، كما إذا اعتدى عليه بالضرب ، فيعتدي عليه
بالضرب.
واخرى تكون
بلحاظ الكمّ ، كأن يضربه مرّة ، فيشتمه مرّة.
وثالثة بلحاظ
الأثر الخاصّ المترتّب عليه ، كأن يضربه ضربا مؤديا إلى بكائه ، فيجازيه بالشتم
مثلا المؤدّي إلى بكائه.
ورابعة بلحاظ
الماليّة ، كأن يتلف من أمتعة زيد ما يساوي درهما ، فيأخذ زيد درهما من أمواله.
ثم إنّ كلمة «ما»
في الآية الشريفة إمّا مصدريّة ، فيكون المعنى «(فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ
بِمِثْلِ) اعتدائه». وإمّا موصولة ، فيكون المعنى «(فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ) الذي (اعْتَدى) به (عَلَيْكُمْ)» والمتحصّل من المعنيين واحد ، إذ الجهات الملحوظة في
المماثلة بين الاعتدائين ترجع إلى الجهات الملحوظة بين الأمرين المعتدى بهما.
ومرجع مناقشة
الرّياض إلى أنّ الظاهر المماثلة في مقدار الاعتداء ، يعني : في جنسه ، فإن كان
الاعتداء بالضرب كان جزاؤه به ، فكأنّه قال : «من (اعْتَدى عَلَيْكُمْ
فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) اعتداء (بِمِثْلِ) اعتدائه (عَلَيْكُمْ)» فإن ضربكم فاضربوه ، وإن شتمكم فاشتموه ، هذا بناء على
المصدريّة. أو : «(فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) بشيء هو مثل الظلم الذي وقع (عَلَيْكُمْ) ، فان شتمكم فاشتموه» وهذا بناء على كون «ما» موصولة.
والمعنى على التقديرين واحد ، وهو المماثلة في نوع الظلم كالشتم والضرب.
__________________
لا المعتدى به (١). وفيه نظر (٢).
______________________________________________________
(١) يعني : لا
مقدار المعتدى به ، كما إذا ضربه مرّتين ، فلا تدلّ الآية على ضربه مرّتين.
(٢) وجهه ـ على
ما حكي عنه في الحاشية ـ أنّ ظاهر الآية اعتبار المماثلة في الاعتداء والمعتدى به (*).
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
نعم (١)
الانصاف عدم وفاء الآية ـ كالدليل السابق عليه (٢) ـ بالقول (٣) المشهور ، لأنّ (٤)
مقتضاهما وجوب المماثلة العرفيّة في الحقيقة والمالية.
______________________________________________________
(١) استدراك
على ما أفاده من اقتضاء الآية الشريفة وبناء العقلاء الضمان بالمثل. وغرضه قدسسره المناقشة في الدليلين المتقدّمين بعدم وفائهما بالقول
المشهور ، لكون النسبة بين الدليل والدعوى عموما من وجه ، وهو غير مفيد.
ومحصّل
المناقشة : أنّ المراد بالمثل ـ في الآية والإطلاق المقاميّ ـ هو ما يعدّ عرفا
مثلا للتالف في أمرين ، أحدهما في الحقيقة النوعيّة ، وثانيهما في الماليّة. ومن
المعلوم أنّ الآية والعرف يقتضيان الضمان بالمثل ـ بهذا المعنى ـ حتى في القيميّات
، لإمكان مساواة أفراد بعض القيميّات في الماليّة فضلا عن المساواة في الحقيقة. مع
أنّ المشهور حكموا بضمان القيميّ بقيمته سواء وجد مثله أم لم يوجد ، وسواء أكانت
قيمة المثل ـ على فرض وجوده ـ مساوية لقيمة المتلف أم أزيد أم أقلّ ، هذا.
واستشهد المصنف
قدسسره بكلماتهم في مسألتين لإثبات عدم مطابقة الدليل مع
المدّعى.
الأولى : ما
إذا أتلف شخص ذراعا من كرباس ، وأمكنه تحصيل مماثله عرفا ، فإنّ الآية والعرف
يقتضيان وجوب أداء ذراع من الكرباس إلى المالك ، مع أنّ المشهور على كون الأقمشة
والثياب قيميّات ، وأنّ الواجب دفع قيمة ذلك الذراع المتلف لا مماثلة في الصفات
والماليّة.
الثانية :
الجناية على عبد مملوك للغير ، وسيأتي بيانه.
(٢) وهو
الإطلاق المقاميّ المقتضي للضمان بالمماثل العرفيّ ، لا المثل في مصطلح الفقهاء.
(٣) متعلّق ب «وفاء»
وقد عرفت وجه عدم الوفاء بالقول المشهور ، المبنيّ على ضمان المثليّ بالمثل الذي
عرّفوه بما تساوت أفراده قيمة.
(٤) تعليل لعدم
الوفاء ، حيث إنّ المدّعى أمر ، ومدلول الدليلين أمر آخر.
وهذا (١) يقتضي اعتبار المثل حتّى في القيميّات ، سواء وجد المثل فيها أم
لا (٢). أمّا مع وجود المثل كما لو أتلف ذراعا من كرباس طوله عشرون ذراعا متساوية
من جميع الجهات ، فإنّ مقتضى العرف والآية إلزام الضامن بتحصيل ذراع آخر (٣) من
ذلك ولو بأضعاف قيمته ، ودفعه إلى مالك الذراع المتلف ، مع أنّ القائل بقيميّة
الثوب لا يقول به (٤).
وكذا (٥) لو
أتلف عليه عبدا ، وله في ذمة المالك ـ بسبب القرض أو السّلم ـ عبد موصوف بصفات
التالف ، فإنّهم لا يحكمون بالتهاتر القهريّ ،
______________________________________________________
(١) أي : وجوب
المماثلة يقتضي .. إلخ.
(٢) المقصود من
ضمان التالف بمماثله عرفا ـ حتى مع فقد المثل ـ هو انتقال ضمان المثل إلى ضمان
قيمته لا قيمة التالف ، لإمكان اختلاف القيمتين ، بأن تزيد قيمة المثل المتعذر عن
قيمة التالف ، وسيأتي في المتن توجيهه.
(٣) لأنّ هذا
الذراع الآخر مماثل للذراع التالف ، والمفروض دلالة الآية الشريفة والإطلاق
المقاميّ على أنّ المضمون به هو المثل لا القيمة ، فعلى الضامن تحصيل ذراع آخر ولو
كانت قيمته أضعاف قيمة الذراع المتلف. مع أنّ المشهور القائلين بقيميّة الأقمشة
والثياب يقولون بكفاية أداء قيمة ما أتلفه ، وعدم اشتغال العهدة بمثل المتلف.
(٤) يعني : فلا
ينطبق مفاد الآية الشريفة على ما يدّعيه المشهور من ضمان المثليّ بالمثل والقيميّ
بالقيمة ، بل تدلّ على ضمان التالف بما يكون مماثلا له عرفا ، وإن كان عند المشهور
من القيميّات.
(٥) يعني :
وكذا نظير الكرباس كون التالف عبدا ، فإنّهم حكموا فيه بضمان قيمته وإن كان له
مماثل ، ولذا لم يحكموا بالتهاتر القهريّ فيما إذا أتلف عبدا موصوفا بصفات العبد
الذي يكون للضامن على المالك. فلو كان العبد مثليّا عند المشهور كان عليهم الحكم
بالتهاتر ، لكونهما من المثليّ.
كما يشهد به (١) ملاحظة كلماتهم في بيع عبد من عبدين.
______________________________________________________
كما إذا كان
لزيد عبد روميّ أبيض اللون كاتب ، فاقترضه عمرو منه ، وحصل لعمرو عبد بهذه الأوصاف
، فأتلفه زيد. فإن كان العبد مثليّا لزم القول بالتهاتر القهريّ. لكنّهم قالوا
باشتغال ذمّة عمرو بقيمة ما اقترضه من زيد ، وباشتغال ذمّة زيد بقيمة ما أتلفه من
عمرو. ومن المعلوم أنّ اشتغال الذمّتين بالقيمة دليل على أنّ العبد عندهم معدود من
القيميّات حتى مع وجود المماثل العرفيّ.
وكذا الكلام
إذا باع زيد من عمرو ـ سلما ـ عبدا موصوفا بصفات معيّنة ، ثمّ أتلف عمرو عبدا
موصوفا بتلك الصفات من زيد ، فبناء على الأخذ بظاهر الآية الشريفة وببناء العقلاء
لا بدّ من القول بالتهاتر القهريّ ، وفراغ كلتا الذمّتين عمّا اشتغلتا به ، لكنّهم
حكموا بوجوب أداء العبد المبيع سلما إلى المشتري عند الأجل ، ووجوب أداء قيمة
العبد المتلف إلى المالك. ومن المعلوم أنّ هذه الفتوى تكشف عن عدم الأخذ بالآية
والإطلاق المقاميّ ، فكيف يستدلّ بهما على القول المشهور من ضمان المثليّ بالمثل
والقيميّ بالقيمة؟
(١) أي : كما
يشهد بعدم حكمهم بالتهاتر ملاحظة كلماتهم .. إلخ. قال المحقّق قدسسره : «إذا اشترى عبدا في الذمّة ، ودفع البائع إليه عبدين
، وقال : اختر أحدهما ، فأبق واحد. قيل : يكون التالف بينهما ، ويرجع بنصف الثمن ،
فإن وجده اختاره ، وإلّا كان الموجود لهما ، وهو بناء على انحصار حقّه فيهما. ولو
قيل : التالف مضمون بقيمته ، وله المطالبة بالعبد الثابت في الذمّة كان حسنا.
وأمّا لو اشترى عبدا من عبدين لم يصحّ العقد ، وفيه قول موهوم» .
توضيحه : أنّ
مسألة بيع عبد من عبدين يبحث عنها تارة في فروع شرطيّة العلم بالمبيع ، فيقال :
كما يصحّ ابتياع الجزء المشاع من الكلّيّ كنصف الدار ، كذلك يصحّ ابتياع الكلّيّ
في المعيّن بشرط تساوي الأجزاء كقفيز من كرّ. فلو لم تتساو الأفراد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الكلّيّ لم يصحّ البيع. ومثّل له المحقّق قدسسره بذراع من الثوب ، وجريب من الأرض ، وعبد من عبدين ،
وشاة من قطيع .
والوجه في
البطلان تفاوت الأجزاء ـ أي الأفراد ـ في الصفات الدخيلة في ماليّتها ، فلا يرتفع
الغرر. خلافا للشيخ وابن البرّاج والشهيد ، حيث ذهبوا إلى صحّة بيع عبد من عبدين
عملا برواية محمّد بن مسلم المخالفة للأصول الشرعيّة كما في المسالك .
واخرى : في بيع
الكلّيّ في الذمّة ـ لا الجزء المشاع ولا الكلّيّ في المعيّن ـ بأن اشترى زيد من
عمرو عبدا موصوفا بصفات معيّنة تخرجه عن الجهالة ، فدفع البائع عبدين إلى المشتري
، وقال له : اختر أحدهما. فتسلّمهما المشتري وأبق أحدهما قبل أن يختار. هذا صورة
المسألة. ولا ريب في صحّة البيع لاجتماع شرائطها فيه.
إنّما الكلام
في أنّ العبد الآبق هل يتلف على كلا المتبايعين ويرجع المشتري على البائع بنصف
الثمن. ولو لم يظفر بالآبق كان العبد الموجود ملكا لهما ، لانحصار حقّ المشتري في
العبدين؟ أم يكون الآبق مضمونا على المشتري خاصّة بقيمته ـ سواء زادت على قيمة
العبد الموجود أم نقصت منها أم ساوتها ـ وله مطالبة عبد من البائع ، لأنّ المبيع
عبد كلّيّ ثابت في ذمته إلى أن يتسلّمه المشتري. فيه قولان.
وعلى كليهما
يتّجه ما نسبه المصنّف قدسسره إلى الأصحاب من عدم الحكم بالتهاتر. أمّا بناء على
الأوّل فلأنّ العبد الآبق تلف من كليهما ، فيضمن كلّ منهما نصف قيمته. ويرجع
المشتري بنصف الثمن الذي بذله للمبيع الكلّيّ. ولو كان العبدان مثليّين وتساوت
قيمتهما لم يكن وجه لرجوع المشتري على البائع بنصف الثمن ، ولم يجب عليه أداء نصف
قيمة الآبق إلى البائع ، بل حصل التهاتر القهريّ ، وسقط ما في ذمّة
__________________
نعم (١)
______________________________________________________
البائع ـ من نصف الثمن ـ بما في ذمّة المشتري من نصف قيمة الآبق.
وأمّا على
القول الثاني الذي استحسنه المحقّق قدسسره فعدم التهاتر أوضح ، فإنّ الآبق مضمون بقيمته على
المشتري ، لكونه مقبوضا بالسّوم ، فيجب دفع تمام قيمته إلى البائع. كما أنّ
للمشتري مطالبة عبد منه وفاء لبيع عبد كلّىّ بثمن معيّن. ومن المعلوم أنّ العبدين
لو كانا مثليّين وممّا تساوت قيمتهما لحصل التهاتر القهريّ ، فلم يكن للمشتري
مطالبة عبد من البائع ، ولم تكن على عهدته قيمة الآبق. لكن لأجل عدم المماثلة لا
يقال بالتهاتر ، بل كلّ منهما بحسب قيمته.
وقد ظهر أنّ
قول المصنّف قدسسره : «كما يشهد به ملاحظة كلامهم» إشارة إلى ما نقلناه عن
المحقّق في بيع عبد كلّيّ في الذمّة ، فإنّه شاهد على عدم التزامهم بالتهاتر في
القيميّات.
وأمّا بيع عبد
من عبدين موجودين خارجا فهو شاهد على عدم المماثلة بين العبدين ونحوهما. ولكنّه
أجنبيّ عن التهاتر ، كما أوضحناه. فما في كلام بعض الأجلّة من الاستشهاد بعبارتين من الخلاف وعبارة من الشرائع لا
يخلو من بعد ، فلاحظ.
(١) هذا
استدراك على ما ذكره من عدم التزام المشهور بضمان المثل في القيميّات ـ الذي هو
مقتضى الآية والعرف ـ ومحصّله : أنّه يستفاد من ذهاب جماعة إلى جواز ردّ العين
المقترضة في القيميّات ضمان القيميّ بالمثل ، لأنّ العين المقترضة تكون مماثلة
عرفا للقيمة المستقرة على عهدة المقترض ، فجواز ردّ نفس العين ـ دون القيمة ـ مستند
إلى آية الاعتداء الظاهرة في اعتبار المماثلة بين البدل والمبدل. ولو لم تكن الآية
دالّة عليه لم يجز الاقتصار في أداء القرض على دفع العين ، بل كان المتيقّن دفع
القيمة من النقدين.
__________________
ذهب جماعة (١) منهم الشهيدان (٢) في الدروس والمسالك إلى جواز ردّ العين
المقترضة إذا كانت قيميّة.
لكن لعلّه (٣)
من جهة صدق أداء القرض (*) بأداء العين ، لا من جهة
______________________________________________________
(١) ومنهم شيخ
الطائفة والمحقّق الأردبيليّ ، على ما حكاه عنهما السيّد الفقيه العامليّ قدسسرهم .
(٢) قال الشهيد
قدسسره : «ويردّ البدل مثلا أو قيمة. ولو ردّ العين في المثل
وجب القبول. وكذا في القيميّ على الأصحّ. ونقل فيه الشيخ الإجماع. ويحتمل وجوب
قبولها إن تساوت القيمة أو زادت وقت الرّدّ ، وإن نقصت فلا» .
وقال الشهيد
الثاني قدسسره : «وأولى بالجواز لو ردّ العين ، لأنّ الانتقال إلى
القيمة إنّما وضع بدلا عن العين ، فإذا أمكنت ببذل المقترض كانت أقرب إلى الحق ..»
.
(٣) أي : لعلّ
ذهابهم إلى جواز ردّ العين المقترضة. وغرضه المناقشة في الاستدراك بأنّ مجرّد جواز
ردّ العين القيميّة المقترضة لا يكشف عن التزامهم بضمان القيميّ بالمثل ، واشتغال
ذمّة الضامن بالكلّيّ الجامع بين العين وبين فرد آخر مماثل لها
__________________
__________________
ضمان القيميّ بالمثل (١). ولذا (٢) اتّفقوا على عدم وجوب قبول غيرها وإن
كان مماثلا لها (٣) من جميع الجهات.
______________________________________________________
من جميع الجهات الماليّة. بل لا بدّ من إحراز استناد جواز ذلك إلى كون
العين المقترضة عندهم كأمثالها فردا من الكلّيّ الّذي استقر على عهدة المقترض ،
وذلك غير معلوم ، إذ لعلّه من جهة صدق أداء القرض بأداء العين ، لا من جهة كون
العين فردا من كلّيّ المثل ـ بالمعنى الذي عرفته ـ حتى يدلّ على ذهابهم إلى ضمان
القيميّ بالمثل كما يستفاد من الآية.
وعليه فالإشكال
الذي أورده المصنّف على المشهور من التزامهم بضمان القيميّ بالقيمة ـ مع دلالة
دليلهم على وجوب المماثل عرفا ـ باق بحاله.
(١) حتى تكون
فتوى هؤلاء الجماعة عملا بآية الاعتداء والعرف من اشتغال الذمّة بالمثل حتى في
القيميّات.
(٢) أي : ولأجل
كون جواز ردّ العين المقترضة من جهة صدق أداء القرض على ردّها ـ لا من جهة ضمان
القيميّ بالمثل حتى يكون جواز ردّ العين من باب جواز ردّ المثل الكلّيّ وأدائه
ببعض أفراده ـ اتّفقوا على أنّه لا يجب على المقرض قبول فرد آخر مماثل للعين من
جميع الجهات. فلو كان ضمان المديون بفرد من أفراد الكلّيّ الذي تكون العين من
مصاديقه وجب على الدائن قبول نفس العين أو فرد آخر مثلها. فعدم وجوب قبول غير
العين ـ على المقرض ـ يكشف عن عدم اشتغال ذمّة المقترض بالمثل في اقتراض القيميّ.
مع أنّك قد عرفت دلالة آية الاعتداء على استقرار المماثل العرفيّ على عهدة الضامن
، ولا تصل النوبة إلى الضمان بالقيمة إلّا بتعذّر المثل ، وهذا ممّا لا يقول به
المشهور.
(٣) هذا الضمير
وضمير «غيرها» راجعان إلى العين المقترضة المفروض كونها قيميّة.
وأمّا (١) مع
عدم وجود المثل للقيميّ التالف فمقتضى الدليلين (٢) عدم سقوط المثل من الذّمّة
بالتعذّر ، كما لو تعذّر المثل (٣) في المثليّ ، فيضمن (٤) بقيمته يوم الدفع ولا
يقولون (٥) به.
______________________________________________________
(١) معطوف على
قوله : «أمّا مع وجود المثل فيها» وغرضه بيان شقّ آخر من المنفصلة حتى يظهر عدم
وفاء الآية والإطلاق المقاميّ بقول المشهور ، لكون النسبة بين الدليل والدعوى
عموما من وجه. فإن كان المثل العرفيّ موجودا كما في الكرباس والعبد افترق الدليل
عن قول المشهور بأنّ مقتضى الدليلين الضمان بالمثل ، والمفروض عدم التزامهم به ،
لأنّهم يضمّنون المتلف بقيمة المتلف.
وإن لم يكن
المثل موجودا افترقا في مورد آخر ، توضيحه : أنّ المشهور يقولون بضمان القيميّ
التالف بقيمة يوم التلف ، مع اقتضاء الدليلين بقاء ما يماثل ذلك القيميّ في الذمّة
، وعدم سقوط ضمانه بالتعذّر ، فلو أراد الضامن التخلّص ممّا في عهدته لزمه أداء
قيمة يوم الدفع إلى المالك ، كما هو الحال في المثليّ الذي يتعذّر مثله ، فإنّه لا
يسقط عن ذمّته إلّا بأداء قيمته يوم الأداء. مع أنّ المشهور حكموا في القيميّ بأنّ
ما عليه هو قيمة يوم تلف المضمون ، ولا يضمن زيادة قيمته من يوم التلف إلى يوم
الأداء ، وهذا الحكم مما يأباه الآية والعرف.
(٢) وهما الآية
والعرف ، إذ لا وجه لسقوط القيميّ بمجرّد تعذّره عن الذمّة ـ حتى يتعيّن عليه قيمة
يوم التلف ـ مع اقتضاء هذين الدليلين اشتغال الذمّة بمثل التالف حتى في القيميّ ،
فيلزم اتّحاد حكم المثليّ والقيميّ المتعذّرين.
(٣) فإنّه لا
يسقط عن ذمّة الضامن بمجرّد تعذّره ، ولا ينتقل إلى قيمته يوم تعذّره.
(٤) هذه نتيجة
بقاء المثل في الذمة ، سواء في المثليّ والقيميّ.
(٥) يعني :
والحال أنّ المشهور لا يقولون بضمان قيمة يوم الأداء ـ في القيميّ ـ
وأيضا (١) فلو
فرض نقصان المثل عن التالف من حيث القيمة نقصانا فاحشا ، فمقتضى ذلك (٢) عدم وجوب (٣)
إلزام المالك بالمثل ، لاقتضائهما اعتبار المماثلة في الحقيقة والماليّة ، مع أنّ
المشهور كما يظهر من بعض (٤)
______________________________________________________
بل يقولون بضمان قيمة يوم تلف العين القيميّة ، وهذه الفتوى مخالفة لمفاد
الدليلين كما عرفت ، وهذه المخالفة أيضا من موهنات الاستدلال بالآية والعرف على
مذهب المشهور.
(١) هذا إشكال
آخر على الاستدلال بالآية والعرف لمذهب المشهور ، وحاصله : أنّ مقتضى الآية والعرف
عدم جواز إلزام المالك بأخذ المثل الذي نقصت قيمته نقصانا فاحشا ، إذ مقتضاهما
اعتبار المماثلة في الحقيقة والماليّة ، والمفروض زوال المماثلة في الماليّة
بنقصان القيمة. مع أنّ المشهور لم يلتزموا به ، بل التزموا بجواز إلزام المالك
بأخذ المثل حتى في هذه الصورة.
(٢) أي :
فمقتضى الآية والعرف. وإفراد اسم الإشارة باعتبار «ما تقدّم» وإلّا كان الأولى أن
يقال : «ذينك».
(٣) كذا في نسخ
متعددة ، والصواب تبديل «وجوب الإلزام» بجوازه ، أو إرادة الجواز من الوجوب وإن
كان بعيدا.
والوجه في عدم
جواز الإلزام بالمثل هو : أنّ المماثلة المعتبرة عرفا في الصورة والماليّة مفقودة.
كما إذا أتلف فاكهة في أوّل أوانها ، وهي ـ لعزّتها ـ تباع أضعاف قيمة وقت وفورها
، فأراد الضامن دفع ذلك المقدار من الفاكهة أوان كثرتها ، فإنّ المماثلة تكون
حينئذ في صدق الحقيقة ، فقط دون الماليّة ، مع أنّ الآية والإطلاق المقاميّ
يقتضيان الانتقال إلى قيمة وقت التلف حتى تراعى المماثلة في المالية.
(٤) قال السيد
العاملي قدسسره : «فلو بقي له ـ أي للمثل ـ قيمة وإن قلّت ، فالمثل
إلزامه (١) به ، وإن قوّى خلافه بعض (٢). بل وربّما (٣) احتمل جواز دفع
المثل
______________________________________________________
بحاله ، كما هو صريح جامع المقاصد ، وقضيّة ما لعلّه يفهم من كلام التذكرة»
.
وقال المحقّق
الثاني : «هذا الحكم ـ أي وجوب أداء القيمة ـ إنّما يستقيم مع خروج المثل عن
التقويم أصلا ، فلو بقي له قيمة وإن قلّت فالمثل بحاله» . ويلوح منه اتّفاق الأصحاب عليه ، بقرينة اتّفاقهم على
الانتقال إلى القيمة لو سقط المثل عن الماليّة رأسا ، هذا.
(١) قد سقط هنا
كلمة «جواز» أي : جواز إلزام الضامن بالمثل ، يعني : مع أنّ المشهور ذهبوا إلى
جواز إلزام المالك بأخذ المثل وإن نقصت قيمته نقصانا فاحشا ، وهذا التجويز مناف
لمقتضى الآية والعرف.
(٢) يعني : أنّ
هذا البعض قوّى انتقال ضمان المثل إلى القيمة كي لا يتضرر المضمون له بنقصان
ماليّة المثل .
(٣) هذا متعلق
بقوله : «مع أنّ المشهور .. إلزامه به» وغرضه : أنّ المشهور اقتصروا على جواز أداء
المثل المنحطّ قيمته جدّا ، كما نقلناه آنفا عن مفتاح الكرامة ، ولكن العلّامة قدسسره احتمل جواز دفع المثل الساقط عن الماليّة ، كما إذا
أتلف الماء في المفازة وأدّاه على الشاطئ. والإتيان بكلمة «بل» لأجل أنّه لو قيل
بفراغ الذمّة بدفع المثل الساقط عن الماليّة رأسا ، كان فراغها بدفع المثل المنحطّ
قيمته أولى ، لبقاء شيء من ماليّته بعد.
__________________
ولو سقط من القيمة بالكلّيّة ، وإن كان الحقّ خلافه (١) (*).
______________________________________________________
(١) لأنّه خلاف
التغريم المعتبر في الضمان. ففرق بين سقوط العين عن الماليّة وسقوط المثل عنها ،
حيث إنّ العين تردّ بلحاظ ملكيّتها لا بلحاظ ماليّتها ، لكن التضمين والتغريم
بلحاظ ماليّتها ، فيجب حفظ الماليّة في الثاني دون الأوّل ، فالمثل إذا سقط عن
الماليّة لا يصدق على ردّه التغريم المقوّم للضمان ، فلا يخرج الضامن عن عهدة
الضمان بردّ المثل الساقط عن الماليّة ، بخلاف ردّ العين ، فإنّه يصدق عليه أداء
ملك الغير ، وردّه إلى مالكه.
__________________
.................................................................................................
__________________
فتبيّن (١) أنّ
النسبة بين مذهب المشهور ومقتضى العرف والآية عموم
______________________________________________________
(١) هذه نتيجة
الإشكالين المتقدّمين ، ومحصّلها : أنّ الدليل الثاني والثالث على ضمان المثليّ
بالمثل ـ وهما الآية والعرف ـ قاصران عن إثبات مدّعى المشهور ،
__________________
من وجه ، فقد يضمن بالمثل بمقتضى الدليلين (١) ولا يضمن به عند المشهور كما
في المثالين المتقدّمين (٢). وقد ينعكس الحكم (٣) كما في المثال الثالث (٤). وقد
يجتمعان (٥) في المضمون به كما في أكثر الأمثلة.
ثمّ (٦) إنّ
الإجماع على ضمان القيميّ بالقيمة ـ على تقدير تحقّقه ـ لا يجدي
______________________________________________________
لكون النسبة بين الدليل والمدّعى عموما من وجه.
فمورد الافتراق
من ناحية الدليل هو مثل إتلاف ذراع من كرباس وعبد من عبدين ، فالدليل يقتضي الضمان
بالمثل ، لوجود المماثل العرفيّ في الصورة والماليّة ، مع أنّ المشهور قالوا بضمان
القيمة.
ومورد الافتراق
من ناحية قول المشهور هو تنزّل قيمة المثل تنزّلا فاحشا ، فإنّهم حكموا بضمان
المثل ، مع أنّ الدليل يقتضي الضمان بالقيمة ، إذ الملحوظ في التغريم ماليّة
التالف والاتّحاد في الصورة ، والمفروض تفاوت الماليّة بمقدار كثير لا يتسامح فيه.
ومورد الاجتماع
كلّ مضمون مثليّ باصطلاح الفقهاء مع عدم اختلاف قيمة المضمون والمثل.
وحيث كانت
النسبة عموما من وجه لم يمكن إثبات هذا المدّعى بهذا الدليل.
(١) وهما آية
الاعتداء وبناء العرف.
(٢) وهما العبد
والثوب ، فإنّهما مضمونان بالمثل بمقتضى الآية والعرف ، وبالقيمة عند المشهور.
(٣) يعني : أنّ
الآية والعرف يقتضيان الضمان بالقيمة ، مع أنّ المشهور على الضمان بالمثل ، كما في
نقصان الماليّة فاحشا.
(٤) وهو تنزّل
قيمة المثل.
(٥) تثنية
الضمير في «يجتمعان» باعتبار عدّ الدليلين شيئا واحدا ، وجعل مذهب المشهور طرفا
آخر. ومراده بأكثر الأمثلة : الأمثلة الواقعيّة للضمان ، وليس غرضه الإشارة إلى شيء
ذكره سابقا.
(٦) هذا تمهيد
لبيان حكم الشكّ في القيميّة والمثليّة ، وحاصله : أنّه ـ بعد البناء
بالنسبة إلى ما لم يجمعوا على كونه قيميّا (١) ، ففي موارد الشكّ يجب
الرجوع إلى المثل بمقتضى الدليل السابق (٢) وعموم الآية بناء على ما هو الحق
المحقّق من أنّ
______________________________________________________
على تخصيص الآية بالإجماع على ضمان القيميّ بالقيمة دون المثل ـ لا يجدي
هذا الإجماع في موارد الشك في القيميّة والمثليّة ، لعدم الإجماع فيها ، فلا بدّ
من الرجوع فيها إلى عموم الآية القاضي بلزوم دفع المماثل العرفيّ ، لأنّه المرجع
في المخصص المجمل المفهوميّ المردّد بين الأقل والأكثر.
كما إذا ورد «أكرم
الشعراء» وخصّصه بمخصّص منفصل مجمل مفهوما مردّد بين الأقل والأكثر مثل «لا تكرم
فسّاق الشعراء» بناء على تردد الفسق بين مخالفة مطلق التكليف الإلزاميّ وبين
ارتكاب الكبائر خاصّة ، فقد تقرّر في الأصول تخصيص العام بالمتيقّن من مفهوم
الخاصّ ، والرجوع في الأكثر ـ كمقترف الصغيرة ـ إلى عموم إكرام الشعراء.
وكذا الحال في
المقام ، فإنّ عموم الآية يقتضي الضمان بالمثل حتى في القيميّ ، لكنّه خصّص
بالإجماع على ضمان القيميّ بالقيمة. ومع إجمال مفهوم القيميّ يقتصر في التخصيص على
المتيقّن منه ، ويرجع في مورد الشك إلى عموم الآية.
وعلى هذا فلا
تصل النوبة إلى الأصل العملي بعد وجود الأصل اللفظيّ وهو أصالة العموم.
(١) كما أنّ
الإجماع على ضمان المثليّ بالمثل لا يجدي بالنسبة الى ما لم يجمعوا على كونه
مثليّا ، كما عرفته مفصّلا. فالضمان بالمثل منوط بإجماعين : أحدهما على أصل الحكم
، والآخر على الموضوع ، وهو كون التالف مثليّا بنظر المجمعين.
وكذا الحال في
الضمان بالقيمة في القيميّات ، فلو لم يكن التالف قيميّا عند الكلّ كان ضمانه
بالمماثل العرفيّ عملا بمقتضى الآية والعرف.
(٢) وهو بناء
العرف المنزّل عليه إطلاق الضمان في أخبار كثيرة.
العامّ المخصّص بالمجمل مفهوما المتردّد بين الأقلّ (١) والأكثر (٢) لا
يخرج عن الحجّيّة بالنسبة إلى موارد الشك.
فحاصل الكلام (٣)
: أنّ ما اجمع على كونه مثليّا يضمن بالمثل مع مراعاة
______________________________________________________
(١) المراد
بالأقلّ هو الأشياء التي أجمع الفقهاء على كونها قيميّة كالعقار.
(٢) المراد
بالأكثر هو ما يشكّ في مثليّته وقيميّته. وقد أشار المصنف إلى جملة منها (في ص ٣١٧
و ٣١٨).
(٣) أي : حاصل
ما يترتّب على الدليلين المذكورين من الآية وبناء العرف. وهذا الحاصل يتكفّل النظر
النهائي في ضمان التالف سواء أحرز كونه مثليّا أو قيميّا أم شكّ فيه.
أمّا المثليّ
الذي أجمع الأصحاب على مثليته فيضمن بمماثله مع مراعاة الصفات الدخيلة في الماليّة
، سواء ساوى قيمته ـ يوم الأداء ومكانه ـ قيمة التالف ، أم نقص عنه. أمّا مع
المساواة فلا ريب في سقوط المضمون عن العهدة. وامّا مع النقص غير المسقط عن
الماليّة بالكلّيّة فلوجهين :
أحدهما :
الإجماع المحكيّ على إهمال نقصان قيمة المثل عن قيمة التالف ، كما إذا كان قيمة
التالف عشرة دنانير ، وقيمة مثله يوم الأداء ـ وبلد الأداء ـ خمسة دنانير ولولا
هذا الإجماع كان مقتضى الآية والعرف رعاية المماثلة في المالية كما حقّقه المصنّف قدسسره.
ثانيهما :
الأخبار الواردة في ضمان دراهم أسقطها السلطان عن المعاملة بها ، وضرب دراهم أخرى
وروّجها ، فتقلّ مالية الدراهم المنسوخة. وقد حكم الامام عليهالسلام بأنّ ذمة المديون مشغولة بتلك الدراهم الأولى لا
الدراهم الجديدة. فإنّ هذه الأخبار تدلّ على أنّ التالف المثليّ مضمون بمثله حتى
مع حطّ قيمته ، هذا.
وأمّا القيميّ
الذي أجمعوا على كونه قيميّا فيضمن بالقيمة سواء وجد مماثلة في الصفات أم لم يوجد.
الصفات التي يختلف بها الرّغبات ، وإن فرض نقصان قيمته ـ في زمان (١) الدفع
أو مكانه ـ عن قيمة التالف ، بناء على (٢) تحقّق الإجماع على إهمال هذه التفاوت.
مضافا إلى
الخبر (٣) الوارد في «أنّ اللازم على من عليه دراهم وأسقطها السلطان وروّج غيرها
هي الدراهم الأولى».
______________________________________________________
وأمّا التالف
المشكوك مثليّته وقيميّته ـ لاختلاف الأصحاب في ذلك ـ فإن تساوت قيمة المضمون
وقيمة المدفوع بدلا عنه الحق بالمثليّ ، ولا يجزي أداء القيمة. وإن اختلفت
القيمتان الحق بالقيميّ ، ولا يكفي دفع المماثل الذي نقصت قيمته عن قيمة المضمون ،
هذا.
(١) يعني : أنّ
منشأ نقصان قيمة المثل عن قيمة التالف أحد أمور ثلاثة ، إمّا هو الزمان بأن كان
التالف عزيز الوجود ، كالفاكهة في أوّل أوانها ، فأدّاه الضامن في موسم وفورها.
وإمّا هو المكان كما إذا ضمن في بلد يعزّ وجود التالف فيه ، لكونه منقولا إليه من
بلد آخر ، فأدّاه الضامن في بلد ثالث يكون المثل فيه أنقص قيمة من بلد الضمان.
وإمّا هو
الزمان والمكان معا. والأمثلة واضحة. والمقصود أنّ تنزّل قيمة المثل لا يقدح في
فراغ الذمّة ، للإجماع والنصّ.
(٢) قيد لقوله
: «يضمن بالمثل وإن فرض نقصان» وهذا إشارة إلى أوّل الوجهين على عدم قدح نقصان
قيمة المثل عن قيمة المضمون.
(٣) هذا وجه
ثان لكفاية ردّ مثل المضمون وإن نقص قيمته عنه ، والمراد بالخبر هو الجنس لا الشخص
، لورود هذا الحكم في خبرين. كمكاتبة يونس إلى أبي الحسن الرضا عليهالسلام : «أنّه كان لي على رجل عشرة دراهم ، وأنّ السلطان أسقط
تلك الدراهم ، وجاءت دراهم [بدراهم] أعلى من تلك الدّراهم الاولى ، ولها اليوم
وضيعة ، فأيّ شيء لي عليه؟ الاولى التي أسقطها السلطان ، أو الدراهم التي أجازها
وما أجمع على
كونه قيميّا يضمن بالقيمة ، بناء (١) على ما سيجيء من الاتّفاق على ذلك (٢) ، وإن
وجد مثله (٣) أو كان (٤) مثله
______________________________________________________
السلطان ، فكتب : لك الدّراهم الاولى» .
بتقريب أنّ
الدراهم الأولى الساقطة عن الرّواج لم تخرج عن الماليّة رأسا ، لأنّ مادّتها فضّة
، وهي لا تسقط عن القيمة بمجرّد إسقاط الهيئة والسّكّة ، وإنّما تنقص قيمتها عن
الدراهم الرائجة. مثلا إذا كانت عشرة من الدراهم الاولى تساوي دينارا ، فبعد
إسقاطها يكون الدينار بعشرين منها أو بثلاثين ، وهذا هو تنزّل المالية ، لا السقوط
عن التقويم رأسا.
(١) متعلّق ب «يضمن
بالقيمة» يعني : أنّ ضمان ما أجمعوا على قيميّته بالقيمة مبنيّ على تسلّم الكبرى ،
وهي ضمان القيميّ بقيمته لا بمماثله عرفا ، فلولا هذا الإجماع اقتضت الآية الشريفة
ضمانه بالمماثل ، ثم بالقيمة.
(٢) أي : على
ضمان القيميّ بالقيمة ، قال في الأمر السابع : «فالمرجع في وجوب القيمة في القيميّ
وإن فرض تيسّر المثل له ، كما في من أتلف عبدا من شخص باعه عبدا موصوفا بصفات ذلك
العبد بعينه .. هو الإجماع كما يستظهر».
(٣) كما لو
أتلف ذراعا من كرباس طوله عشرون ذراعا ، فإنّ مثل التالف ليس بعزيز الوجود ، ومع
ذلك فالمضمون به هو القيمة ، للإجماع على قيميّة الأقمشة والثياب.
(٤) كما لو
أتلف عبدا ، وله على سيّده بسبب القرض أو السلم عبد بصفات التالف ، فإنّهم لا
يحكمون بالتهاتر ، بل على المتلف قيمة العبد المتلف. وعلى المقترض أو البائع سلما
أداء ما في ذمّته من العبد إلى مالكه.
__________________
في ذمّة المالك (١).
وما (٢) شكّ في
كونه قيميّا أو مثليّا يلحق بالمثليّ ، مع عدم اختلاف قيمتي المدفوع والتالف ، ومع
الاختلاف الحق بالقيميّ (٣) ، فتأمّل (٤).
______________________________________________________
(١) ولولا
الإجماع على ضمان المثليّ بالمثل والقيميّ بالقيمة كان اللازم التهاتر في مثال
إتلاف العبد.
(٢) هذا حكم
الشكّ في مثليّة التالف وقيميّته ، وقد أوضحناه آنفا.
(٣) لعلّ وجه
إلحاقه بالقيميّ هو عدم إمكان المثل المماثل للتالف في الماليّة ، فيصير من قبيل
تعذّر المثل الموجب لجواز دفع القيمة.
(٤) لعلّه
إشارة إلى : أنّ مقتضى الدليلين السابقين اعتبار المماثلة في المالية ، والمفروض
فقدانها ، فالدليلان قاصران عن الدلالة على الاجتزاء به. ولعدم الدليل على
الاكتفاء بالقيمة يدور الأمر بين المثل والقيمة ، والمرجع فيه أصالة الاشتغال كما
تقدّم.
أو إشارة إلى :
أنّه مع فرض تحقّق الإجماع على إهمال التفاوت بين قيمتي التالف والمدفوع لا وجه
لإلحاق المثليّ بالقيميّ مع اقتضاء الآية الضمان بالمثل.
الخامس (١) :
ذكر في القواعد : «أنّه لو لم يوجد المثل إلّا بأكثر من ثمن المثل ففي وجوب الشراء
تردّد» انتهى (٢).
______________________________________________________
٥ ـ ارتفاع ثمن
المثليّ
(١) هذا البحث
متفرّع على ما تحقّق في الأمر الرابع من ضمان المثليّ بالمثل ، للوجوه الثلاثة
المتقدّمة من آية الاعتداء وإطلاق نصوص الضمان مقاميّا والإجماع ، فيحرز اشتغال
الذمّة بالمثل. هذا مع عدم تفاوت قيمتي المثل من زمان ضمانه إلى زمان أدائه. وأمّا
إذا ارتفعت قيمته بأن صارت قيمته أضعاف قيمته وقت ضمانه فهل يجب على الضامن تحصيل
المثل أم يكفي ردّ ثمنه الذي كان حين ضمانه؟
وكذا يتّجه هذا
البحث بناء على قصور الأدلّة عن إثبات ضمان المثليّ بمثله ، وقلنا بتخيير المالك
بين مطالبة المثل والقيمة.
وأمّا بناء على
القول بتخيير الضامن بينهما لم يبق موضوع لهذا البحث ، لجواز اقتصار الضامن على
القيمة ، هذا.
(٢) العبارة
الموجودة في القواعد وفي متن جامع المقاصد ومفتاح الكرامة هي : «ولو تعذّر المثل
إلّا بأكثر من ثمن مثله ، ففي وجوب الشراء نظر» .
__________________
أقول (١) :
كثرة الثمن إن كانت لزيادة القيمة السوقيّة للمثل (٢) ، بأن صار
______________________________________________________
ووجه النظر ما
أفاده في التذكرة بقوله : «إذا أتلف المثليّ وجب عليه تحصيل المثل ، فإن وجده بثمن
المثل وجب عليه شراؤه بلا خلاف. وإن لم يجده إلّا بأزيد من ثمن المثل ففي إلزامه
بتحصيله إشكال. ينشأ من أنّ الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم كالرّقبة في
الكفارة والهدي. ومن أنّ المثل كالعين ، وردّ العين واجب وإن لزم في مئونته أضعاف
قيمته. وللشافعيّة وجهان. أظهرهما الأخير. وربّما يمكن الفرق بين المثل والعين
بأنّه تعدّى في العين دون المثل ، فلا يأخذ المثل حكم العين» .
والأوّل وجه
لعدم وجوب الشراء ، والثاني وجه لوجوبه كما لا يخفى.
وجعل المحقّق
الثاني قدسسره منشأ نظر العلامة قدسسره : «لزوم الضرر المنفيّ عن الضامن ، فلا يجب عليه الشراء
بأكثر من ثمن المثل. وأنّ القدرة على المثل موجودة ، فيجب شراؤه» ثمّ رجّح الوجوب
كما صنعه العلّامة في التحرير .
(١) ناقش
المصنّف قدسسره في تردّد العلّامة وحكم بوجوب شراء المثل سواء أكانت
زيادة قيمته لأجل ارتفاع قيمته السوقيّة ، لارتفاع أسعار السّلع بحيث قل ما تتساوى
قيمة الأمتعة في مبدأ الشهر ومنتهاه ، أم كانت لأجل عزّة وجود المثل ككونه عند من
يضنّ به ، ولا يبيعه إلّا بأكثر من قيمته المتعارفة.
ولو كان كثير
الوجود لم يرتفع قيمته السوقيّة. لكنّه قدسسره في بادئ الأمر فصّل بين الصورتين ، كما سيتّضح.
(٢) هذا هو أحد
منشئي كثرة ثمن المثل. ومحصّله : أنّ تردّد العلّامة إن كان في صورة ارتفاع القيمة
السوقيّة ، لم يكن له وجه ، لأنّ وجوب الشراء إجماعيّ ، كما إذا
__________________
قيمته أضعاف قيمة التالف يوم تلفه ، فالظاهر أنّه لا إشكال في وجوب الشراء
ولا خلاف ، كما صرّح به في الخلاف ، حيث قال : «إذا غصب ماله مثل كالحبوب والأدهان
فعليه مثل ما تلف في يده ، يشتريه بأيّ ثمن كان بلا خلاف» .
وفي المبسوط : «يشتريه
بأيّ ثمن كان إجماعا» انتهى.
ووجهه عموم
النصّ والفتوى (١) بوجوب المثل في المثليّ.
ويؤيّده فحوى (٢)
حكمه بأنّ تنزّل قيمة المثل حين الدفع عن يوم التلف
______________________________________________________
أتلف زيد حنطة من عمرو ، فأراد ردّ مماثلها بعد عام ، وقد بلغت قيمة الحنطة
ضعف ما كانت عليه ، فإنّه لا ريب في وجوب الشراء مقدّمة لأداء المثل إلى المضمون
له.
ويدلّ عليه
وجوه ثلاثة ، أوّلها : الإجماع الذي ادّعاه شيخ الطائفة في المبسوط والخلاف.
ثانيها : إطلاق
آية الاعتداء ، القاضي بوجوب ردّ المثل سواء توقّف على الشراء أم لا ، وسواء أكان
شراؤه بثمن المثل أم بأزيد منه.
ثالثها : إطلاق
فتوى الأصحاب بوجوب ردّ المثل مهما كلّف من مئونة.
(١) الظاهر أن
المراد بعموم النص عموم آية الاعتداء ، والمراد بالعموم هو الإطلاق الأحوالي كما
أوضحناه.
(٢) تقريب
الفحوى : أنّ دفع المثل مع نقصان قيمته عن قيمة التالف إنّما هو لصدق المماثلة ،
فإذا صدق عليه أنّه مماثل مع عدم مماثلته للتالف في الماليّة بحدّها ، فصدق
المماثل عليه مع بلوغه قيمة التالف وزيادة يكون بالأولويّة ، لأنّه مماثل له في
الحقيقة والماليّة حقيقة لا عناية لمجرّد المماثلة في الصورة.
__________________
لا يوجب الانتقال إلى القيمة. بل ربّما احتمل بعضهم ذلك (١) مع سقوط
المثليّ في زمان الدفع عن الماليّة (٢) كالماء على الشاطئ (٣) والثلج في الشتاء.
وأمّا (٤) إن
كان لأجل تعذّر المثل وعدم وجدانه إلّا عند من يعطيه بأزيد
______________________________________________________
ويمكن تقريب
الفحوى بنحو آخر ، وهو : أنّ حكمهم بعدم الانتقال إلى القيمة في صورة التنزّل
يقتضي عدم مراعاة قاعدة «نفي الضرر» بالنسبة إلى تضرّر المالك به ، فعدم مراعاة
قاعدة الضرر بالنسبة إلى الضرر الوارد على الضامن ـ بازدياد ثمن المثل ـ أولى ،
لأنّ الضامن أقدم على ضرر نفسه.
(١) أي : عدم
الانتقال إلى القيمة مع سقوط المثل عن التقويم ، والمحتمل هو العلّامة في القواعد
، من دون ترجيح له ولا لخلافه ، وقد تقدم كلامه في الأمر الرابع. ومال إليه في
الجواهر .
(٢) متعلّق
بقوله : «سقوط».
(٣) يعني :
أتلف الضامن الماء في مفازة حيث يبذل المال الكثير لتحصيله ، فأراد دفع ذلك
المقدار من الماء على شاطئ النهر بحيث لا يبذل فلس بإزائه.
وكذا الحال في
إتلاف الجمد والثلج في حرّ الصيف ، فأراد دفع مماثلهما في الشتاء.
(٤) هذا عدل
قوله : «إن كانت لزيادة القيمة السوقيّة» وكان الأولى أن يقال : «وإن كانت لأجل
تعذّر المثل ..» وكيف كان فلم نظفر في العبارة بجواب «وأمّا» فلاحظ وتأمّل.
واحتمال «كون ـ
والظاهر ـ غلطا ، وأنّ الصواب اقترانه بالفاء ليكون جواب الشرط» ضعيف ، إذ بعد فرض
كون النسخة الصحيحة كذلك لا يصلح لأن يكون جوابا ، لعدم الارتباط بين الشرط
والجزاء ، إذ لا يكون قوله : «والظاهر» مرتبطا بما قبله ، فإنّ الجواب لا بدّ أن
يكون مترتّبا على الشرط ، وهو مفقود هنا كما لا يخفى.
__________________
ممّا يرغب فيه الناس مع (١) وصف الإعواز ، بحيث يعدّ بذل ما يريد مالكه
بإزائه ضررا عرفا. والظاهر أنّ هذا هو المراد بعبارة القواعد ، لأنّ الثمن في
الصورة الأولى ليس بأزيد من ثمن المثل ، بل هو ثمن المثل. وإنّما زاد على ثمن
التالف يوم التلف. وحينئذ (٢) فيمكن التردّد في الصورة الثانية
______________________________________________________
مع أنّ مقصوده
حمل ترديد العلّامة قدسسره على هذه الصورة الثانية ، وهذا الحمل أجنبيّ عن بيان
الحكم الذي يناسب الجزاء.
(١) متعلق
بقوله : «يرغب» يعني : أنّ رغبة الناس فيه مع إعوازه لا تقتضي زيادة قيمته بمقدار
يريده مالكه ، فزيادة الثمن حينئذ ليست لارتفاع القيمة السوقيّة عند الإعواز ، بل
لأجل طمع المالك وإجحافه ، بحيث يعدّ بذل ما يطلبه بائع المثل ضررا عرفا.
وحاصل الفرق
بين الصورة الاولى ـ وهي ما أفاده بقوله. «كثرة الثمن إن كانت لزيادة القيمة إلخ»
ـ والصورة الثانية وهي قوله : «وأمّا إن كان لأجل تعذّر المثل إلخ» هو : أنّه في
الصورة الاولى لا يصدق «الأكثر من ثمن المثل» إذ المفروض ارتفاع قيمة المماثل
للتالف ، فالثمن الفعليّ للمثل هو نفس ثمن المثل ، لا أكثر منه. نعم هو أكثر من
ثمن التالف يوم تلفه.
بخلاف الصورة
الثانية ، فإنّه يصدق عليها ذلك ، إذ المفروض كون الثمن الذي يريده المالك أكثر من
قيمته السوقيّة التي يرغب فيها الناس بوصف الإعواز ، كما إذا كانت قيمته السوقيّة
بهذا الوصف عشرة دراهم والمالك يريد خمسة عشر درهم ، فإنّ صدق «أكثر من ثمن المثل»
عليه حينئذ من الواضحات ، ويصدق عليه أنّ المالك مجحف في هذه المعاملة ، فيتّجه
البحث عن وجوب شراء المثل وعدمه.
(٢) يعني : حين
إرادة بائع المثل أكثر من الثمن السوقيّ لمثل التالف بوصف إعوازه. والظاهر زيادة
هذه الكلمة ، للزوم التكرار ، لوضوح أنّ مفروض الصورة الثانية إرادة بائع المثل
زيادة على ثمنه الواقعي ، فلا حاجة إلى كلمة «حينئذ»
ـ كما قيل (١) ـ من أنّ الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم كالرقبة في
الكفّارة والهدي ، وأنّه (٢) يمكن معاندة البائع وطلب أضعاف القيمة ، وهو ضرر (٣).
ولكن الأقوى مع
ذلك (٤) وجوب الشراء وفاقا للتحرير كما عن الإيضاح والدروس وجامع المقاصد ، بل إطلاق السرائر (٥) ، ونفي
الخلاف
______________________________________________________
وعلى تقدير إسقاطها أمكن جعل «فيمكن» جوابا لقوله : «وأمّا» الشرطيّة.
والأولى أن
يقال : «في هذه الصورة» بإسقاط كلمة «الثانية». أو إبقاؤها ، وإن كان إسقاطها أولى
، للاستغناء عنها باسم الإشارة ، وهي «هذه».
(١) القائل هو
العلّامة قدسسره في التذكرة ، وقد تقدّمت عبارته آنفا.
(٢) معطوف على «أنّ
الموجود» يعني : أنّه يمكن معاندة بائع المثل بأن يطلب أضعاف قيمته الواقعيّة ،
وهذا الوجه أفاده السيد العميد قدسسره .
(٣) هذا وجه
تنزيل الموجود بأكثر من ثمن المثل منزلة المعدوم كالرقبة في الكفّارة ، ومن
المعلوم أنّ الضرر منفيّ في الشريعة.
(٤) أي : مع
كون الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم ـ وطلب أضعاف قيمته ضررا على الضامن ـ يكون
الأقوى وجوب الشراء ، قال المحقّق الثاني : «والأصحّ الوجوب ، فإنّ الضرر لا يزال
بالضرر ، والغاصب مؤاخذ بأشقّ الأحوال ، فلا يناسبه التخفيف ، وهو الأصحّ» .
(٥) الإتيان
بكلمة «بل» لأجل أنّ ابن إدريس لم يكن من المصرّحين بوجوب شراء المثل إذا زاد ثمنه
على ثمن التالف ، فنسبة هذا الحكم إليه إنّما هي لاقتضاء إطلاق
__________________
المتقدّم عن الخلاف ، لعين ما ذكر في الصورة الاولى (١).
ثمّ إنّه لا
فرق (٢)
______________________________________________________
كلامه بوجوب ردّ المثل ، سواء تغيّرت الأسعار أم لم تتغيّر. ولو كان نظره قدسسره إلى صورة مساواة ثمن المثل لثمن التالف لنبّه عليه ،
ومن المعلوم أنّ عدم تقييد وجوب أداء المثل بصورة المساواة كاشف عن إطلاق الحكم.
قال قدسسره : «فمن غصب شيئا له مثل وجب عليه ردّه بعينه ، فإن تلف
فعليه مثله» . والجملة الأخيرة هي محطّ نظر المصنّف قدسسره من نسبة الإطلاق إليه ، وهو كذلك.
نعم قال في
موضع آخر : «فأمّا ماله مثل فعليه مثله يوم المطالبة ، تغيّرت الأسعار أم لم
تتغيّر ..» . وهذا تصريح بالإطلاق ، بناء على أنّ المراد بالتغيّر
الارتفاع ، ولعلّ المصنّف قدسسره لم يظفر بهذه العبارة ونسب الإطلاق إلى ابن إدريس قدسسره.
(١) وهي كون
زيادة الثمن لأجل رواج السوق ، فإنّ ما ذكر فيها ـ من عموم النصّ والفتوى ـ آت هنا
، ولا مجال لقاعدة الضرر ، لأنّها مخصّصة بأدلّة الضمان. فالمتعيّن الرجوع إلى
إطلاق تلك الأدلّة المخصّصة.
نعم تجري قاعدة
نفي الحرج إذا لزم الإجحاف بحال الضامن ، فإنّ هذه القاعدة تنفي وجوب الشراء.
إلّا أن يقال :
إنّ قاعدة نفي الحرج أيضا مخصّصة بتلك الأدلّة المخصّصة ، خصوصا بملاحظة «مؤاخذة
الغاصب بأشق الأحوال».
(٢) لإطلاق
أدلّة الضمان ، يعني : كما أنّ إطلاقها يقتضي وجوب شراء المثل بأكثر من ثمن المثل
، لارتفاع الأسعار مرّ الزمان ، كذلك يقتضي وجوب شرائه في بلد آخر ـ غير بلد تلف
العين ـ إذا طالبه المالك بالمثل. سواء أكانت قيمتا البلدين متساويتين أم كانت
قيمة بلد المطالبة أزيد.
__________________
في جواز مطالبة (١) المالك بالمثل بين كونه في مكان التلف أو غيره. ولا بين
كون قيمته في مكان المطالبة أزيد من قيمته في مكان التلف أم لا ، وفاقا (٢) لظاهر
المحكيّ عن التحرير والتذكرة والإيضاح والدروس وجامع المقاصد.
وفي السرائر : «أنّه
الذي يقتضيه عدل الإسلام والأدلّة وأصول المذهب» (٣).
______________________________________________________
والوجه فيه
اشتغال ذمة الضامن بالمثل ، فللمضمون له مطالبة حقّه. إلّا إذا تعذّر تحصيله ،
فينتقل إلى قيمته حينئذ كما سيأتي تفصيله في الأمر السادس إن شاء الله تعالى.
(١) المصدر
مضاف إلى الفاعل ، وضمير «كونه» راجع إلى المثل.
(٢) وخلافا لما
في المبسوط من «لزوم قيمته في بلد الغصب ، أو يصبر حتى يصل إليه ليستوفي ذلك ،
للضرر المنفي» . لكن قد عرفت الإشكال في العمل بقاعدة الضرر من عدم
شمولها للحكم الثابت بعنوان الضرر كالضمانات.
(٣) كلام ابن
إدريس قدسسره لا يختصّ بردّ المثل في غير بلد التلف ، لتصريحه بأنّه
حكم بدل التالف سواء أكان مثليّا أم قيميّا ، فلاحظ قوله : «إذا غصب منه مالا
مثليّا بمصر ، فلقيه بمكّة ، فطالبه به. فإن كان المال له مثل ، فله مطالبته ،
سواء اختلفت القيمة في البلدين ، أم اتّفقت. وإن كان لا مثل له ، فله مطالبته
بقيمته يوم الغصب ، دون يوم المطالبة ، إذا أهلكه وأتلفه في يوم غصبه .. ولأنّ
المغصوب منه لا يجب عليه الصبر إلى حين العود إلى مصر ، بل يجب على الغاصب ردّ مثل
الغصب إن كان له مثل ، أو قيمته إن لم يكن له مثل ، فإنّ هذا الذي يقتضيه عدل
الإسلام والأدلّة ، ولا يعرج إلى
__________________
وهو (١) كذلك ،
لعموم «الناس مسلّطون على أموالهم (٢)» . هذا (٣) مع وجود المثل في بلد المطالبة.
وأمّا مع
تعذّره فسيأتي حكمه في المسألة السادسة (*).
______________________________________________________
خلافه بالآراء والاستحسان» .
ومنه ظهر أنّ
كلمة : «وأصول المذهب» غير موجودة في ما بأيدينا من نسخة السرائر وإن نقله عنه
السيد العاملي أيضا.
(١) يعني : أنّ
ما حكي عن جمع ـ من جواز المطالبة بالمثل في غير بلد التلف ـ هو المتعيّن ، لعموم
سلطنة الناس على أموالهم.
(٢) فإنّ
إطلاقه يقتضي سلطنة المالك على المطالبة في كلّ مكان وزمان وبأيّ سعر كان ، وليس
للضامن حبسه عنه.
ومع هذا
الإطلاق لا حاجة إلى التمسّك بمثل «على اليد» أو «كلّ مغصوب مردود» حتى يورد عليه
بقصوره ، بدعوى «انصرافه إلى خصوص مكان ذلك المال».
لكن يمكن أن
يقال : إن كانت سلطنة المالك على المطالبة في بعض الصور حرجيّة فتنفى بقاعدة الحرج
، فلا بدّ من ملاحظة موارد المطالبة زمانا ومكانا ، وعزّة وكثرة للمثل ، وتنزّلا
وترقّيا من حيث القيمة. ففي كل مورد تكون مطالبة المالك حرجيّة يرتفع جوازها بنفي
الحرج ، فتأمّل.
(٣) أي : جواز
المطالبة في غير بلد التلف.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
السادس (١) :
لو تعذّر المثل في المثليّ ،
______________________________________________________
(١) هذا الأمر
من فروع الأمر الرابع الذي تحقّق فيه أنّ المقبوض بالبيع الفاسد إذا تلف عند
القابض يضمن بمثله إن كان مثليّا ، وبقيمته إن كان قيميّا. خلافا لما نسب إلى ابن
الجنيد. فبناء على اشتغال ذمّة الضامن بمثل التالف ـ في المثليّ ـ يتّجه البحث عن
حكم تعذّر المثل ، وانقلاب المضمون إلى القيمة. ويقع الكلام في تعيين قيمة المثل
المتعذّر هل هو ثمنه يوم الأداء إلى المضمون له ، أم يوم تعذّر المثل ، أم غير ذلك
من الاحتمالات التي سيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى؟
ولا بأس ـ قبل
توضيح المتن ـ بالإشارة إلى أمرين :
الأوّل : أنّ
تعذّر المثل قد يكون ابتدائيّا أي من حين تلف العين ، بأن يعزّ وجود المتاع
المثليّ في مدّة من الزمن ، فتلفت العين فيها. وقد يكون طارئا ، بأن يوجد المثل
حين تلف العين ولم يحصّله الضامن تساهلا حتى تعذّر المثل.
وانقلاب الضمان
بالمثل إلى الضمان بالقيمة وإن كان في كلتا الصورتين. إلّا أنّ المقصود بالبحث
فعلا كما صرّح المصنّف قدسسره به بقوله : «إذ لا فرق في تعذّر المثل بين تحقّقه
ابتداء كما في القيميّات ، وبين طروّه بعد التمكّن كما فيما نحن فيه» هو التعذّر
الطاري. وأمّا إذا فقد المثل وقت التلف فسيأتي حكمه.
الثاني : أنّ
وجوب أداء ما في الذمّة لا يتوقّف على مطالبة من له الحق كما في المغصوب ، فإنّ
الغاصب مأمور بردّه ـ بنفسه أو ببدله ـ إلى المغصوب منه ، سواء طالبه به أم لم
يطالبه ، لإطلاق «أنّ المغصوب مردود». والمبيع بالبيع الفاسد يكون كالمغصوب في عدم
توقّف وجوب ردّه إلى مالكه على المطالبة. نعم إن لم نقل بحرمة إمساكه كما تقدّم من
شيخ الطائفة والحلّي قدسسرهما لم يجب ردّه فورا بدون المطالبة.
فمقتضى القاعدة (١) وجوب دفع القيمة
______________________________________________________
والصحيح من
الوجهين هو الأوّل كما حقّقه المصنّف قدسسره في الأمر الثاني ، وأنّه يجب ردّه فورا إلى مالكه.
وهذا جار في
صور ثلاث : إحداها : بقاء المبيع بالبيع الفاسد. ثانيتها : تلفه مع كونه مثليّا
ممكن الحصول. ثالثتها : تلفه مع كونه قيميّا.
فيجب ردّ
المبيع ـ في الصورة الاولى ـ وبدله في الصورتين الأخريين إلى مالكه فورا.
وبقي حكم صورة
واحدة ، أعني بها كون المبيع مثليّا ، وقد تلف وتعذّر تحصيله ، وقد عقد المصنف هذا
الأمر لتحقيقه ، وتعرّض لجهات من البحث.
الاولى :
اشتراط انقلاب الضمان من المثل إلى القيمة بمطالبة المالك.
الثانية :
تعيين القيمة التي تجب بمطالبة المالك ، هل هي قيمة المثل يوم الإعواز أم يوم
الدفع أم غيرهما؟ وفي هذه الجهة تفصيل الاحتمالات المذكورة في قواعد العلّامة قدسسره.
الثالثة : في
أنّ محلّ النزاع هل يختصّ بالتعذر الطاري أم يعمّ الابتدائيّ؟
الرابعة : في
أنّ مناط إعواز المثل فقده في بلد التلف.
الخامسة : في
كيفيّة تقويم المثل مع فرض تعذّره وفقده.
السادسة : في
جواز مطالبة الضامن بالمثل لو وجد في بلد آخر غير بلد التلف.
السابعة : في
حكم خروج المثل الموجود عن الماليّة والتقويم ، وأنّه ملحق بتعذّر المثل أم لا؟
وسيأتي الكلام
في كلّ منها إن شاء الله تعالى.
(١) هذه هي
الجهة الاولى. وتوضيحها : أنّ المصنّف قدسسره بنى انقلاب الضمان من المثل إلى القيمة على مطالبة
المالك ، إذ لو لم يطالب لم يكن دليل على إلزامه بقبول القيمة ، لفرض أنّ ذمّة
الضامن مشغولة بالمثل ، ومجرّد التعذّر والإعواز لا يسقط المثل عن العهدة ، للفرق
بين الأحكام التكليفيّة التي تتغيّر بطروء العناوين الثانويّة ، وبين الأحكام
الوضعية كالضمان ، فلو صبر المالك إلى أن يتيسّر للضامن أداء المثل لم يتّجه
إلزامه بقبول القيمة ، هذا.
مع مطالبة (١) المالك ، لأنّ منع المالك ظلم (٢) ، وإلزام الضامن بالمثل
منفيّ بالتعذّر ، فوجب القيمة جمعا بين الحقّين (٣).
مضافا إلى قوله
تعالى :
______________________________________________________
وأمّا إذا
طالبه المالك بقيمة المثل المتعذر ، فقد استدلّ المصنف قدسسره بوجهين على وجوب بذل القيمة على الضامن.
أحدهما : الجمع
بين حقّي المالك والضامن. والآخر : آية الاعتداء ، وسيأتي بيانهما.
(١) وجه تقييد
وجوب دفع القيمة بمطالبة المالك هو استقرار المثل في ذمّة الضامن ، وعدم كون
القيمة في رتبة المثل ، بل هي في طوله ومتأخّرة عنه رتبة. وهذا التقييد لا ينافي
كون المقبوض بالبيع الفاسد كالمغصوب ممّا يجب ردّه بنفسه أو ببدله إلى المالك فورا
، وذلك لعدم كون القيمة واجدة لخصوصيّة المثل المستقرّ في العهدة حتى يكون أداؤها
مسقطة له ، وسيأتي مزيد توضيح له.
(٢) هذا أوّل
الوجهين على وجوب أداء القيمة على الضامن ، استدلّ به المحقّق الأردبيلي قدسسره وغيره . وهو مقتضى الجمع بين حقّي المالك والضامن.
أمّا حقّ
المالك فهو استحقاقه للقيمة بعد إسقاط الأوصاف النوعيّة التي هي من حقوقه ، فله
المطالبة بالقيمة ، فلو أبى الضامن عن دفع القيمة إلى المالك كان ظلما عليه ، وهو
قبيح عقلا وممنوع شرعا.
وأمّا حقّ
الضامن فهو : أنّ مطالبة المثل منه غير جائزة ، لسقوط التكليف بسبب تعذّره ، فلو
ألزمناه بدفع المثل كان ظلما عليه ، وهو منفيّ عقلا وشرعا.
والجمع بين
الأمرين ـ بحيث لا يستلزم ظلما على أحدهما ـ إنّما هو بإلزام الضامن بأداء القيمة
لو طالبه المالك بها.
(٣) وهو حقّ
المالك والضامن.
__________________
(فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ
بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١) فإنّ الضامن إذا ألزم بالقيمة مع تعذر المثل لم يعتد عليه (٢) أزيد مما
اعتدى (٣).
______________________________________________________
وبالجملة : ـ بعد
البناء على كون ذمّة الضامن مشغولة بالمثل حتى يعدّ تعذّره وعدم سقوط الأوصاف
النوعيّة بدون إسقاط المالك لها ـ لا وجه لإلزام الضامن إيّاه بقبول القيمة ، بل
له الانتظار إلى أن يوجد ، إذ المفروض عدم كون تعذّر المثل مسقطا له عن ذمّة
الضامن ، وموجبا للانتقال إلى القيمة ، فلا موجب لإلزام المالك بقبول القيمة.
ولا يقاس إعواز
المثل بتلف العين ، حتى يقال : إنّ الإعواز يوجب الانتقال إلى القيمة ، كما أنّ
تلف العين يوجب الانتقال إلى المثل إن كان مثليّا والقيمة إن كان قيميّا.
وذلك لأنّه لا
معنى لبقاء العين التالفة في الذمّة ، لامتناع أدائها بعد تلفها. فالانتقال إلى
المثل أو القيمة بالتلف قهريّ ، بخلاف إعواز المثل ، إذ لا مانع من ثبوت كلّيّ المثل
في الذمّة إلى زمان الأداء ، ولذا لا يجوز للضامن إلزام المالك بالقيمة. كما لا
يجب على الضامن إلّا دفع قيمة يوم الأداء ، لما مرّ من عدم كون الإعواز موجبا
للانتقال إلى القيمة ، بل المثل باق في ذمّته إلى يوم الأداء ، فتعتبر القيمة يوم
الدفع ، لأنّه زمان الانتقال إلى القيمة.
(١) هذا ثاني
الوجهين على وجوب أداء القيمة. وهو مبني على ما تقدم من شيخ الطائفة قدسسره من : أنّ المماثلة أعم من كونها في الصورة ـ وهي
المشاركة في الحقيقة ـ ومن كونها في المالية خاصة. وحيث إنّ القيمة مماثلة للتالف
في المالية دلّت الآية الشريفة على أنّه يجوز للمالك الاعتداء على الضامن بأخذ
قيمة ماله منه ، فمطالبة القيمة اعتداء بالمثل ، لا بأزيد منه حتى تحرم.
(٢) هذا الضمير
والضمير المستتر في «اعتدى» راجعان إلى الضامن.
(٣) لأنّ
القيمة مثل التالف في الماليّة ، والمفروض دلالة الآية على جواز الاعتداء
بالمماثل.
وأمّا (١) مع
عدم مطالبة المالك فلا دليل على إلزامه بقبول القيمة ، لأنّ المتيقن (٢) أنّ دفع
القيمة علاج لمطالبة المالك ، وجمع (٣) بين حقّ المالك بتسليطه
______________________________________________________
(١) معطوف على
قوله : «مع مطالبة المالك» وقد تقدّم وجه تقييد وجوب دفع القيمة بمطالبة المالك
بقولنا : «وبالجملة بعد البناء على كون ذمّة الضامن مشغولة بالمثل .. إلخ».
(٢) هذا
التعليل ظاهر في أنّ الوجه الأوّل ـ وهو الجمع بين الحقّين ـ لا يجري في ما إذا
صبر المالك حتى يتيسّر المثل ، ولم يطالب الضامن بالقيمة ، لأنّه مالك للمثل في
ذمّة الضامن. فهو مسلّط شرعا على المطالبة ببدل المثل المتعذر ، كما أنّ له
الانتظار وعدم أخذ القيمة.
وأمّا الوجه
الثاني ـ أعني به آية الاعتداء ـ فيستفاد من التعليل المزبور أيضا عدم وجوب دفع
القيمة في صورة عدم مطالبة المالك بها. وذلك لأنّ المخاطب بجواز الاعتداء على
المعتدي ـ كالضامن في ما نحن فيه ـ هو المالك ، لقوله تعالى (فَاعْتَدُوا) المنسلخ عن الوجوب. فللمعتدى عليه تغريم المعتدي
بالمماثل ، الشامل للمماثلة في مجرّد الماليّة خاصّة ، وله الانتظار إلى زمان
تيسّر المثل المصطلح الذي هو أقرب إلى التالف ، لمساواته له في الحقيقة والماليّة
معا. وعلى كلّ فليس أمر تفريغ الذمّة عن المثل أو القيمة موكولا إلى الضامن حتى
يجوز له تفريغ ذمّته عمّا اشتغلت به فورا كي ينقلب ضمانه من المثل إلى القيمة ،
هذا.
(٣) هذا وقوله
: «وحقّ الضامن» قرينة على أنّ غرضه من قوله : «لأنّ المتيقّن» هو عدم المجال
للاستدلال بالجمع بين الحقّين على جواز أداء القيمة حتى مع عدم مطالبة المالك بها.
لكن يستفاد منه
أيضا وجه عدم دلالة الآية الشريفة ، لقوله قدسسره : «أمّا عدم المطالبة فلا دليل على سقوط حقّه عن المثل»
لظهوره في توقف انقلاب ما في الذمّة من المثل إلى القيمة على المطالبة التي هي من
شؤون سلطنته على ماله التالف أو المتلف.
على المطالبة ، وحقّ الضامن بعدم تكليفه (١) بالمعذور (٢) أو المعسور (٣).
أمّا مع عدم المطالبة فلا دليل على سقوط حقّه عن المثل.
وما ذكرنا (٤)
يظهر من المحكي عن التذكرة والإيضاح ، حيث ذكرا في ردّ بعض الاحتمالات
الآتية في حكم تعذّر المثل ما لفظه : «أنّ المثل لا يسقط
بالإعواز ، ألا ترى أنّ المغصوب منه لو صبر إلى زمان وجدان المثل ملك المطالبة به.
وإنّما المصير إلى القيمة وقت تغريمها» انتهى.
______________________________________________________
(١) أي : تكليف
الضامن.
(٢) فيما إذا
لم يوجد المثل أصلا ، فلو كلّف الشارع الضامن بدفع المثل كان معذورا عن امتثاله.
(٣) فيما إذا
وجد المثل في بلد بعيد بحيث لا يخلو تحصيله ونقله من مشقّة شديدة منفيّة شرعا.
(٤) أي : عدم
سقوط المثل عن ذمّة الضامن بالتعذّر والإعواز ـ مجرّدا عن مطالبة المالك والانتقال
إلى القيمة ـ إنّما هو لمطالبة المالك ، بمقتضى سلطنته على مطالبة ماله ، والكلام
المحكيّ عن التذكرة والإيضاح كالصريح في ذلك ، فإنّ كلمة «تغريمها» تدل على إناطة
أداء القيمة بمطالبة المالك غرامة ماله.
ولا يخفى أنّ
العلّامة قدسسره وجّه بالعبارة المنقولة في المتن الاحتمال الرابع من
الاحتمالات العشرة المحكيّة عن الشافعيّة. والاحتمال الرابع هو ضمان أقصى القيم من
يوم الغصب إلى وقت التغريم. وليس في كلامه ردّ بعض الاحتمالات ، إلّا من جهة
استلزام تقوية بعضها تضعيف ما عداها ، فراجع التذكرة.
__________________
لكن أطلق (١)
كثير منهم الحكم بالقيمة عند تعذّر المثل.
ولعلّهم (٢)
يريدون صورة المطالبة ، وإلّا (٣) فلا دليل على الإطلاق (٤).
______________________________________________________
(١) يعني : أنّ
إطلاق كثير منهم الحكم بالقيمة وقت تغريم الضامن ـ وعدم تقييده بالمطالبة ـ يقتضي
الانتقال إلى القيمة عند تعذّر المثل مطلقا وإن لم يطالب المالك.
قال السيّد
الفقيه العاملي قدسسره : «أمّا أنّه ينتقل إلى القيمة عند التعذّر فهو مما
طفحت به عباراتهم كما ستسمع ، بل هو إجماعيّ .. وأمّا أنّها تلزم يوم الإقباض لا
الإعواز ـ وإن حكم بها الحاكم يوم الإعواز ـ فممّا صرّح به في الخلاف والمبسوط
والغنية والسرائر والشرائع والتحرير والتذكرة والدروس وجامع المقاصد والمسالك
ومجمع البرهان ، وهو قضيّة من اقتصر على لزوم القيمة يوم الإقباض كالإرشاد وغيره» .
وأنت ترى خلوّ
كلامهم من قيد مطالبة المالك. وبه يشكل ما ذهب إليه المصنّف قدسسره وغيره من اشتراط وجوب دفع القيمة بمطالبة المالك.
(٢) غرضه توجيه
الإطلاق المزبور ، وحاصله : أنّه يمكن أن يريدوا خصوص صورة المطالبة ، لا مطلقا
حتى يكون مرادهم انتقال المثل بالإعواز إلى القيمة.
(٣) يعني : وإن
لم نحمل إطلاق حكمهم بالقيمة ـ عند تعذّر المثل ـ على خصوص صورة مطالبة المالك
أشكل الأخذ بظاهر كلامهم ، لعدم دليل على إطلاق انقلاب المثل إلى القيمة.
(٤) كما هو
مذهب القائلين بثبوت العين في الذمّة ، ولا ينتقل إلى البدل من المثل أو القيمة ،
خلافا لغيرهم كالمصنّف وجماعة ، حيث ذهبوا إلى الانتقال إلى البدل بمجرّد تلف
العين والإعواز.
__________________
ويؤيّد ما (١)
ذكرنا : أنّ المحكيّ عن الأكثر في باب القرض «أنّ المعتبر في المثل المتعذر قيمته
يوم المطالبة» (٢).
نعم (٣) عبّر
بعضهم بيوم الدفع ،
______________________________________________________
(١) من عدم
سقوط المثل عن ذمّة الضامن بمجرّد الإعواز والتعذّر لو لم يطالبه المالك بالقيمة.
وجه التأييد أنّ تعبير الأكثر «باعتبار قيمة العين المقترضة ـ المتعذّر مثلها ـ يوم
مطالبة المالك» يدلّ على كون موضوع كلامهم خصوص صورة المطالبة ، فبدونها لا موجب
لانقلاب ما في الذمّة ـ من المثل ـ إلى القيمة.
والتعبير
بالتأييد ـ دون الدلالة ـ لوجهين ، أحدهما : أنّه استشهاد بكلام الأكثر ، لا بدليل
معتمد من نصّ أو إجماع ، ومن المعلوم أنّ فتوى الأكثر أو المشهور لا تصلح دليلا
على حكم شرعيّ.
وثانيهما :
أنّه يحتمل أن يريدوا أنّ الانقلاب إلى القيمة كان في يوم تعذّر المثل لا في يوم
المطالبة. كما يحتمل أن يختصّ الحكم بباب القرض ، لا في جميع موارد الضمان حتى
المقبوض بالبيع الفاسد.
(٢) الحاكي هو
السيّد الفقيه العاملي ، قال قدسسره في شرح قول العلّامة : «ولو تعذّر المثل في المثليّ
وجبت القيمة يوم المطالبة» ما لفظه : «كما في السرائر والتذكرة وجامع المقاصد ـ لما
ستسمعه عنه في الدراهم ـ ومجمع البرهان والمسالك والكفاية والمفاتيح ، لأنّ الثابت
هو المثل إلى أن يطالبه» .
(٣) استدراك
على التأييد ، وغرضه قدسسره أنّ العلّامة قدسسره لم يعبّر بقيمة يوم المطالبة ، وإنّما قال في المختلف :
«والأجود يوم الدفع» . فبناء على وجوب رعاية قيمة يوم دفعها إلى المالك لا
يتوقف انقلاب المثل المتعذّر إلى القيمة على مطالبة المالك ، بل نفس التعذّر موجب
للانتقال. ومن المعلوم منافاة هذا لمذهب الأكثر ، ولا يصحّ التأييد المزبور.
__________________
فليتأمّل (١).
وكيف كان (٢)
فلنرجع إلى حكم المسألة ، فنقول :
______________________________________________________
(١) لعلّه
إشارة إلى : أنّه لا بدّ أن يراد بيوم المطالبة يوم الدفع أيضا ، ضرورة أنّ
المطالبة بنفسها لا تصلح سببا لانتقال الحقّ من المثل إلى القيمة ، وإلّا لزم
الانتقال إلى قيمة يوم المطالبة فيما إذا طالب ولم يقدر عليه الضامن ، أو عصى ولم
يؤدّ القيمة إلى أن زادت أو نقصت ، ومن المعلوم أنّه ليس كذلك. فالتعبير بيوم
المطالبة إنّما هو بالنظر إلى الغالب ، وهو اتّحاده مع يوم الدفع.
لكن يشكل هذا
الحمل بأنّ العلّامة قدسسره نقل أوّلا فتوى ابن إدريس باعتبار يوم المطالبة ، ثم
أورد عليه بأنّ الأجود قيمة يوم الدفع ، فكيف يمكن إرادة يوم واحد وهو يوم
المطالبة والدفع المترتّب عليها حتى يكون اختلاف التعبير لفظيّا؟
فالأولى جعل
الأمر بالتأمّل إشارة إلى كفاية نظر الأكثر في مقام التأييد لو صحّ في نفسه.
(٢) أي : سواء
تمّ التأييد المزبور ـ بتوجيه يوم الدفع بيوم المطالبة ـ أم لم يتم ، فلنرجع إلى
حكم المسألة ، وهذا شروع في الجهة الثانية ، وهو تعيين القيمة التي يجب على الضامن
دفعها إلى المالك. فنقل المصنّف قدسسره قولين في بادئ الأمر ، ثم نقل احتمالات اخرى عن قواعد
العلّامة.
أمّا القولان
فأوّلهما للمشهور ، وهو اعتبار قيمة يوم الأداء ، وثانيهما للحلّيّ والعلّامة في
بعض المواضع ، وهو اعتبار قيمة وقت تعذّر المثل.
واختار الماتن
مذهب المشهور ، واستدلّ عليه بأنّ المثل لمّا لم يسقط عن ذمّة الضامن بمجرّد
إعوازه فهو باق على عهدته إلى زمان أداء قيمته ، فإن دفعها سقط المثل ، وإلّا فلا
، فزمان الانتقال إلى القيمة هو زمان دفعها ، فيتعيّن رعايتها ، ولا عبرة بقيمة
يوم التعذّر ، ولا أقصى القيم من زمان التلف أو الإعواز إلى الأداء.
إنّ المشهور (١) أنّ العبرة في قيمة المثل المتعذّر بقيمته يوم الدفع ،
لأنّ المثل ثابت في الذمّة إلى ذلك الزمان ، ولا دليل على سقوطه بتعذّره ، كما لا
يسقط الدّين بتعذّر أدائه. وقد صرّح بما ذكرنا المحقّق الثاني (٢). وقد عرفت (٣)
من التذكرة والإيضاح ما يدلّ عليه (٤).
ويحتمل (٥)
اعتبار وقت تعذّر المثل. وهو للحلّيّ في البيع الفاسد ،
______________________________________________________
(١) كما في
مفتاح الكرامة ، حيث قال بعد عبارته المنقولة (في ص ٣٨١) : «والحاصل : انّي لم أجد
مخالفا منّا في ذلك ، بل ولا متأمّلا في هذا الباب إلّا قوله في الإيضاح : إنّ
الاحتمال الرابع أصحّ ، وإلّا قوله في المفاتيح : وقيل وقت الإعواز» .
(٢) حيث قال ـ في
ردّ القول بضمان أعلى القيم من وقت تلف المغصوب إلى الإعواز ـ ما لفظه : «ويضعّف
بأنّ المثل لا يسقط من الذمّة بتعذّره ، وأداء الدين لا يسقط بتعذّر أدائه ، ولهذا
لو تمكّن من المثل بعد ذلك وجب المثل دون القيمة ، فما دام لم يأخذ المالك القيمة
فالمثل باق في الذمّة بحاله» .
(٣) قبل أسطر ،
حيث قال : «وما ذكرنا يظهر من المحكيّ عن التذكرة والإيضاح .. إلخ» .
(٤) أي : ما
يدلّ على اعتبار قيمة يوم الدفع ، وكلام التذكرة والإيضاح وإن كان تعليلا لاشتراط
دفع القيمة بمطالبة المالك ، لكنّه يدلّ أيضا على أنّ الملحوظ قيمة يوم الدفع ،
لترتبه على المطالبة ، إذ لا عبرة بدفع القيمة التي لم يطالبها المالك من الضامن.
(٥) هذا
الاحتمال هو القول الثاني في المسألة ، لا محض احتمال ، فإنّ ابن إدريس قدسسره اختاره في بعض موارد البيع الباطل ، حيث قال : «وإن
أعوز المثل فعليه ثمن المثل
__________________
وللتحرير في باب القرض (١) ، وعن محكيّ المسالك (٢)
______________________________________________________
يوم الإعواز» . خلافا لما اختاره في كتاب الغصب بقوله : «فإن أعوز
المثل فله قيمته يوم إقباضها» .
(١) قال السيّد
العامليّ في إعواز المثل إذا كانت العين المقترضة مثليّة : «وقيل وقت التعذّر ،
وهو خيرة التحرير ، ونسب إلى الشيخ في النهاية والقاضي وابن إدريس في موضع من
كتابه فيما إذا تعذّرت الدراهم ، وهو خيرة الكتاب ـ يعني القواعد ـ في ذلك كما
يأتي ، ويظهر من الإيضاح أيضا ، لأنّه وقت الانتقال إلى البدل الذي هو القيمة» .
(٢) يعني : في
بعض مواضع المسالك ، وهو ما أفاده في شروط العوضين ـ في عدم انعقاد البيع بحكم
أحدهما ـ بقوله : «ولا يخفى أنّ هذا كلّه في القيميّ. أمّا المثليّ فيضمن بمثله ،
فإن تعذّر فبقيمته يوم الإعواز على الأقوى» .
لكن الشهيد
الثاني قدسسره قوّى في باب القرض ضمان قيمة يوم المطالبة وفي باب الغصب قال : إنّ الأظهر عند الأصحاب قيمة يوم
الإقباض ، فراجع.
وعليه كان
المناسب التنبيه على أنّ قيمة يوم الإعواز ليست نظره بقول مطلق ، بل هي مختاره في
خصوص كتاب البيع ، والعهدة على الحاكي الذي لم أظفر به ، ولم أجده في مفتاح
الكرامة ، بل عدّ السيد الشهيد الثاني في المسالك من القائلين باعتبار قيمة يوم
المطالبة ، كما تقدّمت عبارته (في ص ٣٨١).
__________________
لأنّه (١) وقت الانتقال إلى القيمة.
ويضعّفه (٢)
أنّه إن أريد بالانتقال (٣) انقلاب ما في الذمّة إلى القيمة في ذلك الوقت (٤) فلا
دليل عليه (٥). وإن أريد عدم وجوب إسقاط ما في الذّمّة إلّا
______________________________________________________
(١) أي : لأنّ
وقت تعذّر المثل هو وقت الانتقال إلى البدل. وهذا التعليل متكرّر في كلمات أرباب
هذا القول ، وقد نقله عنهم السيّد العامليّ قدسسره في عبارته المتقدّمة.
(٢) ضعّف
المصنف قدسسره احتمال اعتبار ثمن المثل يوم الإعواز بما حاصله : أنّه
إن أريد بالانتقال انقلاب ما في الذمة من المثل إلى القيمة في ذلك الوقت ـ أي وقت
الإعواز ـ حتى لو لم يطالب المالك بها ، ففيه : أنّه لا دليل على سقوط المثل
بمجرّد الإعواز وانتقاله إلى القيمة.
وإن أريد
بالانتقال وجوب إسقاط ما في الذمة من المثل بالقيمة في صورة مطالبة المالك ، فهو
وإن كان صحيحا. لكنّه لا يوجب سقوط المثل وثبوت القيمة في الذمّة. ولذا لو أخّر
الاسقاط عذرا أو عصيانا بقي المثل في ذمّة الضامن إلى أن يتحقّق الاسقاط. وإسقاطه
في كلّ زمان إنّما يتحقّق بأداء قيمته في ذلك الزمان ، وليس مكلّفا بإسقاطه بقيمة
زمان آخر.
مثلا إذا كان
ثمن المثل وقت تعذّره وإعوازه عشرة دنانير ، وبعد مضيّ شهر خمسة عشر دينارا ، فإن
طالب المالك الضامن يوم التعذّر كان مكلّفا بأداء العشرة لإسقاط ما في ذمّته بها.
وإن طالبه بعد شهر كان الضامن مكلّفا بأداء خمسة عشر دينارا ، ولا يكفي أداء عشرة
دنانير حينئذ ، لأنّ تفريغ الذمّة في كلّ زمان منوط بدفع قيمة المثل في زمان
الاسقاط ، لا قيمة الأزمنة السابقة. وعليه فلا عبرة بما اختاره جماعة من كون
المدار ثمن المثل يوم إعوازه.
(٣) أي : في
قولهم : «لأنّ يوم التعذّر وقت الانتقال إلى البدل الذي هو القيمة».
(٤) أي : وقت
تعذّر المثل.
(٥) بل الدليل
على خلافه موجود ، وهو عدم إناطة الحكم الوضعيّ ـ كالضمان ـ
بالقيمة ، فوجوب (١) الاسقاط بها (٢) وإن حدث يوم التعذّر مع المطالبة ،
إلّا (٣) أنّه لو أخّر الاسقاط بقي المثل في الذمّة إلى تحقّق الاسقاط. وإسقاطه في
كلّ زمان بأداء قيمته في ذلك الزمان (٤). وليس في الزمان الثاني (٥) مكلّفا بما (٦)
صدق عليه الإسقاط في الزمان الأوّل (٧) ، هذا.
______________________________________________________
بالتمكّن ، فالعهدة مشغولة بالمثل حتى في وقت إعوازه.
(١) يعني :
ففيه : أنّ وجوب الإسقاط بالقيمة وإن حدث يوم التعذّر مع المطالبة ، إلّا .. إلخ.
(٢) يعني : أنّ
حدوث وجوب دفع القيمة يوم التعذّر مشروط بمطالبة المالك قيمة المثل في يوم التعذّر
، فلو لم يطالب لم يحدث يوم الإعواز وجوب دفع القيمة.
(٣) يعني : أنّ
حدوث وجوب أداء القيمة يوم الإعواز لا يكفي في سقوط المثل عن الذمّة ، وانتقال
الضمان إلى ثمن المثل. والشاهد على عدم تبدّل المثل بالقيمة بمجرّد التعذّر هو :
أنّ المالك لو طالبه بها يوم الإعواز ـ حتى يسقط ما في ذمّة الضامن من المثل ـ ولكنّه
لم يؤدّ القيمة في ذلك اليوم وأراد أداءها بعد شهر وجب عليه مراعاة القيمة
الفعليّة ، لا قيمة يوم التعذّر. وهذا دليل على أنّ وقت الانتقال من المثل إلى
القيمة هو يوم الأداء ، لا يوم الإعواز.
(٤) فإن أدّى
قيمة يوم الإعواز ـ مع مطالبة المالك ـ كان هو المسقط لما في ذمّته ، وكان زمان
انقلاب الضمان من المثل إلى القيمة متحدا مع زمان الاسقاط. وإن أدّى القيمة بعد
الإعواز بشهر لم تكف قيمة يوم التعذّر إذا كانت أقلّ من قيمة يوم الدفع.
(٥) وهو زمان
إسقاط ما في الذمّة من المثل.
(٦) المراد
بالموصول هو ثمن المثل المتعذّر يوم تعذّره.
(٧) وهو زمان
تعذّر المثل مع مطالبة المالك بالقيمة ، فإنّه زمان حدوث وجوب القيمة ، ولكنّه ليس
زمان إسقاط المثل ، ولا زمان انقلابه إلى القيمة.
هذا ما أفاده
في تضعيف احتمال اعتبار قيمة يوم الإعواز ، وتثبيت مختار المشهور.
ولكن (١) لو
استندنا في لزوم القيمة في المسألة إلى ما تقدّم سابقا ـ من (٢) الآية ومن أنّ
المتبادر من إطلاقات الضمان هو وجوب الرجوع إلى أقرب الأموال إلى التالف بعد تعذّر
المثل ـ توجّه (٣) القول بصيرورة التالف قيميّا بمجرّد تعذّر المثل (٤) ، إذ لا
فرق في تعذّر المثل بين تحقّقه ابتداء كما في القيميّات (٥) وبين طروّه بعد
التمكّن كما فيما نحن فيه.
______________________________________________________
(١) استدراك
على ما اختاره المشهور ـ من كون العبرة بقيمة يوم الدفع ـ وتأييد للقول باعتبار
قيمة يوم الإعواز. وحاصل الاستدراك : أنّ مقتضيات الأدلّة مختلفة ، فإن استندنا
إلى الجمع بين الحقّين ـ وأنّ تعذر المثل لا يسقطه عن الذمّة ـ اتّجه القول بضمان
قيمة يوم الدفع. وإن استندنا في لزوم القيمة في المثل المتعذّر إلى آية الاعتداء
وإطلاقات الضمان القاضية بلزوم الرجوع إلى أقرب الأموال إلى التالف اتّجه القول
بانقلاب المثل بمجرّد تعذّره إلى القيمة ، إذ لا فرق في تعذّر المثل بين كونه
بالأصالة كما في القيميّات ، وبين كونه بالعرض بعد التمكّن منه كما نحن فيه ،
فيكون العبرة في انقلاب المثليّ إلى القيميّ يوم تعذّره وإعوازه ، لا يوم أدائه.
(٢) هذا وقوله
: «ومن أنّ المتبادر» بيان للموصول في قوله : «ما تقدّم سابقا» أي : في الأمر
الرابع. والمراد بالآية آية الاعتداء بالمثل التي استدلّ بها شيخ الطائفة قدسسره على ضمان المثليّ بالمثل ، والقيميّ بالقيمة.
(٣) جواب الشرط
في قوله : «لو استندنا».
(٤) سواء طالبه
المالك بقيمة المثل المتعذّر أم لم يطالبه بها ، وسواء أسقط الضامن ما في ذمّته
يوم الإعواز أم أخّره إلى زمان آخر. والوجه فيه كون ثمن المثل أقرب إلى العين
التالفة أو المتلفة عند تعذّر المثل ، فيكون يوم الإعواز وقت الانقلاب إلى القيمة.
(٥) فإنّ المثل
متعذّر فيها بحسب الخلقة ، فالتعذّر في القيميّات ابتدائيّ ، بخلاف تعذّر المثل في
المثليّ بعد التمكن من دفعه ، فإنّه عارضيّ.
ودعوى (١)
اختصاص الآية وإطلاقات الضمان بالحكم بالقيمة بتعذّر المثل ابتداء لا يخلو عن
تحكّم (٢) (*).
______________________________________________________
(١) غرض
المدّعي الذبّ عن مقالة المشهور من ضمان قيمة يوم الدفع ، ببيان : أنّ الآية
والإطلاق وإن اقتضيا اعتبار قيمة يوم الإعواز ، لكنّهما مختصّان بالتعذّر
الابتدائيّ ، بأن لم يوجد مماثل التالف من أوّل الأمر ، فيقال بضمان القيمة يوم
الإعواز. وهذا أجنبيّ عمّا نحن فيه من التعذّر الطاري ، فالذمّة مشغولة بالمثل ،
لوجوده حال تلف العين ، وإعوازه لا يوجب الانقلاب إلى القيمة ، بل الموجب له هو
الاسقاط بتسليم الثمن إلى المالك.
(٢) إذ المناط
في كليهما تعذّر وجود المثل ، وهو جار في القيميّ والمثليّ الذي تعذّر وجوده ،
سواء أكان طارئا أم ابتدائيّا. ولا مقيّد في البين حتى تختصّ الآية بالتعذّر
البدويّ.
لكن يمكن إبداء
الفرق بينهما بأنّ اعتبار المثل في القيميّ لغو ، إذ المفروض عدم كونه مرجوّ
الحصول ، بخلاف المثل المتعذّر في المثليّ ، فإنّه مرجوّ الحصول. وهذا الفرق يوجب
الفرق بين القيميّ والمثليّ المتعذّر المثل عند العرف المحكّم في باب الضمانات ،
فإنّ تضمين الضامن بالمثل في القيميّات لا أثر له ، فيلزم اللغويّة بل الامتناع ،
لكونه من التكليف بغير المقدور ، إذ لا يرجى وجوده في زمان حتى يصحّ إشغال ذمّته
بالمثل ، فمن أوّل الأمر يجعل في ذمّته القيمة. فلا تحكّم في الفرق بين القيميّ
المتعذّر مثله إلى الأبد وبين المثليّ المتعذر مثله المرجوّ وجوده بعد حين ،
بانقلاب القيميّ بمجرّد إعوازه إلى القيمة ، وانقلاب المثل المتعذر إلى القيمة يوم
الدفع.
وقد تحصّل من
كلمات المصنّف قدسسره : أنّ المشهور بين الأصحاب اعتبار قيمة يوم الدفع ،
وغير المشهور هو اعتبار قيمة يوم إعواز المثل. وسيأتي الكلام في وجوه اخرى ذكرها
العلّامة في التذكرة والقواعد.
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
()
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
ثمّ إنّ في هذه
المسألة (١) احتمالات أخر (٢) ، ذكر أكثرها في القواعد (٣) ، وقوّى بعضها في
الإيضاح ، وبعضها بعض الشافعيّة.
______________________________________________________
الوجوه المحتملة في
قيمة المثل المتعذّر ، ومبانيها
(١) أي : مسألة
تعذّر المثل.
(٢) أي : غير
اعتبار القيمة يوم تعذّر المثل الذي نسبه إلى الحلّيّ في البيع ، وإلى التحرير في
باب القرض.
(٣) قال
العلّامة قدسسره فيه : «ولو تلف المثليّ في يد الغاصب والمثل موجود فلم
يغرمه حتى فقد ، ففي القيمة المعتبرة احتمالات : الأوّل : أقصى قيمته من يوم الغصب
إلى التلف ، ولا اعتبار بزيادة قيمة الأمثال. الثاني : أقصى قيمته من وقت تلف
المغصوب إلى الإعواز. الثالث : أقصى القيم من وقت الغصب إلى الإعواز. الرابع : أقصى
القيم من وقت الغصب إلى وقت دفع القيمة. الخامس : القيمة يوم الإقباض» .
وأضاف إلى هذه
احتمالات أخرى في غصب التذكرة ، فراجع.
ولا يخفى أنّ
الاحتمال الخامس هو مذهب المشهور الذي اختاره المصنّف ، وقد تقدّم وجهه ومبناه ،
وهو عدم سقوط المثل عن الذّمّة بمجرّد الإعواز ، بل يتوقف سقوطه على أداء ثمن
المثل ، ولذا تكون العبرة بقيمة يوم الدفع والإقباض. ويبتني عليه الاحتمال الرابع
أيضا كما سيأتي.
وأمّا سائر
الاحتمالات فمبنيّة على استقرار القيمة في عهدة الضامن بأحد أنحاء ثلاثة :
الأوّل : انقلاب
العين المثليّة التالفة إلى القيمة بسبب إعواز المثل.
الثاني :
انقلاب نفس المثل إلى القيمة.
الثالث :
انقلاب الجامع المشترك بين العين التالفة والمثل المتعذّر إلى القيمة.
وهذا المبنى
الثالث لم يشر إليه المصنّف قدسسره هنا ، ولكنّه أشار إليه في تفصيل مباني
__________________
وحاصل جميع
الاحتمالات (١) في المسألة مع مبانيها : أنّه إمّا أن نقول باستقرار المثل في
الذّمّة إلى أوان الفراغ منه بدفع القيمة ، وهو الذي اخترناه (٢) تبعا للأكثر من
اعتبار القيمة عند الإقباض ، وذكره في القواعد خامس الاحتمالات.
وإمّا (٣) أن
نقول بصيرورته (٤) قيميّا عند الإعواز.
______________________________________________________
الاحتمالات بقوله : «وإن قلنا : إنّ المشترك بين العين والمثل صار قيميّا»
وكان المناسب التنبيه على إجماله هنا كما نبّه على إجمال سائر المباني.
وكيف كان فكلام
المصنّف قدسسره حول مباني الاحتمالات المذكورة في قواعد العلّامة قدسسره يقع في مقامين :
أحدهما : مقام
الثبوت ، وبيان ما يمكن أن يكون وجها لكلّ واحد من الاحتمالات.
ثانيهما : مقام
الاثباب ، وهو الاستظهار من أدلّة الضمانات.
(١) أي : جميع
الاحتمالات المتصورة في هذه المسألة ممّا تقدّم وغيره ممّا سيأتي.
(٢) يستفاد
اختياره له من بيانه وعدم المناقشة فيه ، حيث قال : «ان المشهور أنّ العبرة في
قيمة المثل المتعذّر بقيمته يوم الدفع .. إلخ».
(٣) معطوف على
قوله : «إمّا أن نقول» وقد أشرنا آنفا إلى أنّ : منشأ ما عدا الاحتمال الخامس ـ من
الاحتمالات المذكورة في القواعد ـ هو هذا الشّقّ من القضيّة المنفصلة أعني استقرار
القيمة في ذمّة الضامن عند الإعواز.
(٤) مقتضى
السياق رجوع الضمير إلى «المثل» الذي تقدّم في قوله : «إمّا أن نقول باستقرار
المثل في الذّمّة إلى أوان الفراغ منه» فالمراد بقوله : «وإمّا أن نقول» هو : أن
نقول بصيرورة المثل المتعذّر قيميّا ، أي انقلاب المثل إلى القيمة.
ولكن يشكل هذا
الإرجاع من جهة أنّ المصنف رتّب عليه احتمالين :
أحدهما :
انقلاب المثل إلى القيمة ، وهذا يلتئم مع إرجاع الضمير إلى المثل.
فإذا صار كذلك (١)
، فإمّا أن نقول : إنّ المثل المستقرّ في الذّمّة (٢) قيميّ فيكون القيميّة صفة
للمثل بمعنى : أنّه لو تلف وجب قيمته. وإمّا أن نقول : إنّ المغصوب انقلب قيميّا
بعد أن كان مثليّا.
فإن قلنا
بالأوّل (٣) ، فإن جعلنا الاعتبار في القيميّ
______________________________________________________
ثانيهما :
انقلاب نفس العين المثليّة التالفة إلى القيمة ، لما سيأتي من قوله : «وإمّا أن
نقول : إنّ المغصوب انقلب قيميّا بعد أن كان مثليّا» ومن المعلوم أنّ انقلاب نفس
العين التالفة إلى القيمة أجنبيّ عن صيرورة المثل قيميّا ، لأنّ المدار على قيمة
العين لا قيمة المثل المتعذّر ، وإن كان تعذّره واسطة ثبوتيّة لتبدّل ضمان العين
بالثمن.
وكيف كان فمراد
المصنّف من قوله : «وإمّا أن نقول بصيرورته قيميّا» هو تبدّل ضمان المثل بضمان
القيمة ، إمّا قيمة المثل ، وإمّا قيمة العين التالفة أو المتلفة.
إلّا أن يوجّه
إرجاع الضمير إلى «المثل» بأنّ المثليّ يصير قيميّا ، سواء أكانت القيمة قيمة
المثل أم قيمة العين المضمونة ، فيصحّ جعله مقسما لقسمين ، فتدبّر.
(١) يعني :
فإذا صار قيميّا عند إعواز المثل ، لا عند دفع القيمة الذي نسبه المصنّف إلى
المشهور واختاره كما عرفت.
(٢) كما فهمه
المحقّق الثاني من قول العلامة قدسسرهما. وعليه فتكون القيمة بدلا عن المثل الذي هو بدل عن
العين ، فتصير القيمة بدل البدل ، في قبال الاحتمال الآخر وهو كون القيمة بدلا عن
العين ، نظير بدليّة المثل عنها ، فيكون للعين بدلان : المثل والقيمة ، لكنّهما
ليسا بدلين عرضيّين بل طوليين ، وبدلية القيمة مشروطة بتعذّر المثل. أمّا بدليّة
المثل فمطلقة.
(٣) المراد
بالأوّل هو أوّل الاحتمالين المبنيين على انقلاب المثل قيميّا عند الإعواز ، وقد
أفاده بقوله : «فإمّا أن نقول : إنّ المثل المستقرّ في الذّمّة قيميّ ..» وليس
المراد بالأوّل بقاء المثل في الذّمّة إلى أوان أداء القيمة ، لما عرفت من أنّه لو
قلنا
__________________
بيوم التلف (١) ـ كما هو أحد الأقوال (٢) ـ كان (٣) المتعيّن قيمة المثل
يوم الإعواز ، كما صرّح به (٤) في السرائر في البيع الفاسد ، والتحرير في باب
القرض ، لأنّه (٥) يوم تلف القيميّ.
وإن جعلنا
الاعتبار فيه (٦) بزمان الضمان ـ كما هو القول
______________________________________________________
ببقاء المثل في عهدة الضامن إلى يوم الإقباض تعيّنت قيمته في ذلك اليوم ،
ولا مجال لسائر الاحتمالات.
(١) وهو
الموافق للمرتكز العرفيّ في الضمان بالقيم من تدارك الخسارة الماليّة ـ الواردة
على المالك بتلف العين ـ بما يساوي تلك الخسارة حين التلف.
(٢) بل في
الدروس والروضة نسبته إلى الأكثر ، كما نقله المصنف في الأمر السابع. والوجه فيه :
أنّ الانتقال إلى البدل إنّما هو يوم التلف ، إذ الواجب قبله إنّما هو ردّ العين.
(٣) جواب الشرط
في «فإن جعلنا» وجملة الشرط والجزاء جواب لقوله : «فإن قلنا ..».
(٤) أي : كما
صرّح ابن إدريس والعلّامة قدسسرهما ـ في بعض المواضع ـ بتعيّن قيمة المثل يوم إعوازه. وقد
تقدّم كلامهما وكلام الشهيد الثاني في بيع المسالك ، فراجع (ص ٣٨٤ و ٣٨٥).
(٥) يعني :
لأنّ يوم إعواز المثل هو يوم تلف القيميّ ، فلا بدّ من رعاية قيمة المثل يوم
تعذّره.
ولا يخفى أنّ
تعيّن قيمة المثل يوم الإعواز ليس من الاحتمالات المذكورة في القواعد ، وإنّما
ذكره العلّامة قدسسره في التذكرة سابع الاحتمالات ، ونبّه المصنّف قدسسره عليه ، لترتّبه على القول بالانقلاب وبضمان القيميّ يوم
تلفه.
(٦) أي : وإن
جعلنا الاعتبار في القيميّ بزمان الضمان ـ لا يوم التلف ـ اتّجه القول بضمان قيمة
زمان تلف العين ، لأنّ زمان تلف العين هو أوّل أزمنة ثبوت المثل في
الآخر في القيميّ (١) ـ كان (٢) المتّجه اعتبار زمان تلف العين (٣) ، لأنّه
(٤) أوّل أزمنة وجوب المثل في الذّمّة المستلزم (٥)
______________________________________________________
الذّمّة ، لأنّ الذّمّة لا تشتغل بالمثل ما دامت العين موجودة ، فإذا تلفت
انتقل الضمان إلى البدل وهو المثل ، وحيث إنّ المفروض إعواز المثل ضمنه بقيمته يوم
تلف العين.
وبعبارة أخرى :
إنّ اشتغال الذّمّة بقيمة المثل زمان تلف العين منوط بأمرين :
أحدهما : القول
بأنّ القيميّ المغصوب يضمن بقيمة يوم غصبه ، ضرورة أنّ وضع اليد على مال الغير
مقتض لاشتغال العهدة به. ولا عبرة بقيمته في سائر الأزمنة كيوم تلفه أو يوم مطالبة
الملك ببدل التالف.
ثانيهما : أنّ
المثليّ انقلب يوم إعوازه بالقيميّ.
وبناء عليهما
يتّضح وجه ضمان قيمة المثل يوم تلف العين ، وذلك لأنّ تلفها يوجب استقرار المثل في
الذّمّة ، فالمضمون في يوم التلف هو المثل ، وحيث تعذّر الوصول إلى المثل ـ كما هو
المفروض ـ وانقلب قيميّا ، فلا بدّ من رعاية قيمته يوم استقراره في العهدة وهو يوم
تلف العين.
(١) هو لشيخ
الطائفة في موضع من المبسوط ، ولغيره أيضا كما سيأتي في الأمر السابع.
(٢) جواب الشرط
في قوله : «وإن جعلنا ..».
(٣) يعني :
اعتبار ثمن المثل في يوم تلف العين المضمونة بالغصب أو بالقبض بالبيع الفاسد كما
في المقام.
(٤) يعني :
لأنّ زمان تلف العين أوّل أزمنة ثبوت المثل في الذّمّة ، فانقلب ضمان العين بضمان
المثل ، وحيث إنّ المثل متعذّر ، ضمن ثمنه يوم تعذّره ، كما إذا تلفت العين في
أوّل الشهر ، وتعذّر المثل في آخر الشهر ، فيضمن ثمن المثل في أوّل الشهر الذي
تلفت العين فيه ، لا ثمنه في يوم إعواز المثل كما كان في الاحتمال السابق على هذا
الاحتمال.
(٥) صفة ل «وجوب
المثل» والمراد بالوجوب هو الثبوت.
لضمانه بقيمته عند (١) تلفه (٢). وهذا (٣) مبنيّ على القول بالاعتبار في
القيميّ بوقت الغصب كما عن الأكثر.
وإن جعلنا (٤)
الاعتبار فيه بأعلى القيم من زمان الضمان إلى زمان التلف ـ كما حكي عن جماعة من
القدماء (٥) في الغصب ـ كان المتّجه الاعتبار بأعلى
______________________________________________________
(١) متعلّق ب «ضمانه»
لا «بقيمته» وظرف القيمة ـ وهو زمان تلف العين واشتغال الذّمّة بالمثل ـ محذوف.
(٢) هذا الضمير
راجع إلى العين ، وضميرا «لضمانه ، بقيمته» راجعان إلى المثل ، فكأنّه قيل : وجوب
المثل في الذّمّة مستلزم لضمان خصوص قيمة المثل الثابتة عند تلف العين ، لا سائر
قيمة.
(٣) أي : ضمان
قيمة يوم التلف مبنيّ على القول بكون العبرة في القيميّ بزمان الغصب ، لأنّه وقت
الضمان كما عن الأكثر ، والمفروض أنّ زمان اشتغال الذّمّة بالمثل هو زمان تلف
العين.
(٤) معطوف على «وإن
جعلنا» ومقصوده قدسسره بيان مبنى الاحتمال الثاني المتقدّم عن القواعد ، وهو
ضمان أعلى القيم من يوم تلف العين إلى زمان إعواز المثل ، فأفاد : أنّه لو قلنا في
القيميّ المغصوب بمقالة جماعة من قدماء الأصحاب ـ من ضمان أعلى القيم من زمان
الغصب إلى زمان التلف ـ اتّجه الاحتمال الثاني وهو ضمان المثليّ المتعذّر وجوده
بأعلى القيم من تلف العين إلى الإعواز ، وذلك لأنّ زمان الضمان بالمثل هو زمان تلف
العين ، كما إذا تلفت أوّل الشهر وتعذّر المثل في آخره ، فإنّ المثل المنقلب إلى
القيميّ صار مضمونا في تمام الشهر ، فلو ارتفعت قيمته وسط الشهر وانخفضت في يوم
إعواز المثل ضمن تلك القيمة العليا.
(٥) قال السيّد
العامليّ قدسسره : «هو خيرة الخلاف والمبسوط والنهاية في موضع منهما ،
والوسيلة والغنية والسرائر والإيضاح واللمعة والمقتصر والتبصرة ـ على إشكال ـ وكذا
شرح الإرشاد للفخر ، وفي بيع المختلف نسبته إلى علمائنا ، وفي
القيم من يوم تلف (١) العين إلى زمان الإعواز.
وذكر هذا (٢)
الوجه في القواعد ثاني الاحتمالات.
وإن قلنا (٣) :
إنّ التالف
______________________________________________________
غصبه : انّه أشهر. واستحسنه في الشرائع ، وكأنّه قال به أو مال إليه. وفي
الكفاية والمسالك : أنّ في خبر أبي ولّاد ما يدلّ على وجوب أعلى القيم بين الوقتين
، وكأنّه قال به وقوّاه في الروضة أيضا .. إلخ» .
(١) لما عرفت
من أنّ يوم تلف العين أوّل زمان ضمان المثل بقيمته عند تلفها ، وآخر زمانه زمان
تلف المثل أعني به زمان إعوازه.
(٢) أي :
اعتبار أعلى القيم من يوم تلف العين إلى زمان إعواز المثل.
هذا تمام
الكلام في الاحتمالات الثلاثة المبتنية على انقلاب المثل إلى القيمة بالإعواز.
أوّلها :
اعتبار قيمة المثل يوم الإعواز ، وهو مبنيّ على القول بضمان القيميّ بقيمة يوم
تلفه.
ثانيها :
اعتبار قيمة المثل يوم تلف العين ، وهو مبنيّ على القول بضمان القيميّ بقيمة يوم
ضمانه ودخوله في العهدة. وحيث إنّ ضمان المثل تحقّق في يوم تلف العين اعتبر ثمنه
فيه ، لا في يوم إعوازه وتعذّره.
ثالثها :
اعتبار أعلى قيم المثل من زمان تلف العين إلى زمان إعواز المثل ، وهذا مبنيّ على
ضمان القيميّ المغصوب بأعلى القيم من زمان الضمان إلى زمان التلف.
وسيأتي الكلام
فيما يبتني من الوجوه على القول الآخر في المثليّ المتعذّر ، وهو ضمان قيمة نفس
العين لا قيمة المثل.
(٣) معطوف على
قوله : «فان قلنا بالأوّل» يعني : وإن قلنا بالثاني ـ وهو انقلاب التالف المثليّ
قيميّا ، لا انقلاب المثل المعوز إلى القيمة ـ ففيه احتمالان :
__________________
انقلب (١) قيميّا احتمل (٢) الاعتبار بيوم الغصب
______________________________________________________
أحدهما : كون
العبرة بقيمة يوم الغصب.
والآخر : كون العبرة
بأعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف. وسيأتي توضيحهما.
(١) ليس المراد
بالانقلاب اتّحاد المثليّ المتعذّر مع القيميّ حقيقة ، لما تقدّم في الأمر الرّابع
من التقابل بينهما وتباينهما ، فالمثلي ما تساوت أجزاؤه ، والقيميّ ما لا تتساوى
أجزاؤه. بل المراد إجراء حكم القيميّ في المثليّ المتعذّر. فكما أنّ الضامن للتالف
القيميّ مخاطب بتفريغ ذمّته بأداء القيمة ، فكذا في المضمون المثليّ الذي كان
موجودا حين تلف العين ثم طرأ عليه التعذّر ، فإنّه مخاطب بأداء قيمة التالف بعد أن
كان مخاطبا بأداء المثل.
(٢) وجه هذين
الاحتمالين واضح ، وهو اتّحاد حكم المثليّ المتعذّر المنقلب إلى القيميّ مع حكم
القيميّ بالأصالة. فإن قلنا بضمان الأعيان القيميّة بقيمة يوم غصبها تعيّن ضمان
العين المثليّة ـ التي طرأ التعذّر على أمثالها ـ بقيمة يوم ضمانها ودخولها في
العهدة. فكأنّ هذه العين المثليّة قيميّة من أوّل الأمر ، فتضمن بما تضمن به
الأعيان القيميّة.
وإن قلنا بضمان
القيميّ بأعلى القيم من الغصب ـ أو الضمان ـ إلى يوم التلف اتّجه القول بضمان
المثليّ المتعذّر بأعلى قيمته من حين غصبه إلى تلفه.
ولا يخفى أنّ
المصنّف قدسسره اقتصر ـ بناء على الانقلاب ـ على احتمالين ، وأهمل
الاحتمال الأوّل الذي رتّبه على ضمان القيميّ بقيمة يوم تلفه.
والوجه في
إهمال ذكره ـ كما في حاشية الشيخ المامقاني قدسسره ـ وجود المانع عن جريانه بناء على مفروض البحث وهو
انقلاب المثليّ قيميّا ، وذلك لأنّ الكلام في المثليّ الذي تعذّر مثله ، ومن
المعلوم أنّ الضامن كان مخاطبا يوم تلف العين بأداء المثل دون قيمة العين ، ولهذا
لم يمكن إلزام المالك بقبول القيمة لو دفعها الغاصب يومئذ.
كما في القيميّ (١) المغصوب ، والاعتبار بالأعلى منه (٢) إلى يوم التلف.
وذكر هذا أوّل الاحتمالات في القواعد.
وإن (٣) قلنا :
إنّ المشترك بين العين والمثل صار قيميّا
______________________________________________________
وعليه فلا يصحّ أن يكون المناط قيمة العين عند تلفها .
(١) أي :
القيميّ بالأصالة ، وهو ما لا تتساوى أجزاؤه. والمراد بيوم الغصب يوم القبض.
(٢) أي : من
يوم غصب العين إلى يوم تلفها بوصف كونها قيميّة ، وهو يوم إعواز المثل.
(٣) معطوف على «فإن
قلنا بالأوّل» وهذا مبنى الاحتمال الثالث المذكور في القواعد ، وهو ضمان القيمة
العليا من حين الغصب إلى التلف.
وحاصل هذا
المبنى : أنّ المدار في ضمان المثليّ الذي تعذّر مثله ليس هو العين بخصوصها حتى
تضمن بقيمة يوم غصبها أو يوم تلفها ، ولا هو المثل بخصوصه حتى يضمن بقيمة يوم تلف
العين الذي هو زمان اشتغال الذّمّة بالمثل ، ولا بيوم إعوازه الذي هو كتلفه. بل
المدار على قيمة الجامع بين العين والمثل ، بمعنى : أنّ المنقلب قيميّا هو القدر
المشترك بينهما أي الصفات الكلّيّة والجهات النوعيّة والصنفية الموجبة لماليّة
الشيء ، إذ هي الأمر المشترك الموجود في العين التالفة ومثلها اللذين هما من
مصاديق الكلّيّ المثليّ. وتعذّر هذا الأمر المشترك منوط بتلف العين وتعذّر المثل ،
ضرورة توقّف تعذّر الكلّيّ وتلفه على تلف جميع أفراده.
مثلا إذا وضع
يده على صاع من الحنطة المملوكة لزيد وتلفت عنده ، اشتغلت ذمّته بما يماثلها في
الصفات الدخيلة في ماليّتها ، فلو أهمل حتى تعذّر المثل تبدّل الضمان بصنف الحنطة
الكلّيّة الجامعة للعين والمثل.
والمناسب لهذا
المبنى احتمالان مما احتمله العلّامة قدسسره.
__________________
جاء (١) احتمال
الاعتبار بالأعلى من يوم الضمان (٢) إلى يوم تعذّر المثل ، لاستمرار (٣) الضمان
فيما قبله (٤) من (٥) الزمان إمّا للعين ، وإمّا للمثل. فهو (٦) مناسب لضمان
الأعلى من حين الغصب إلى التلف.
______________________________________________________
أحدهما :
الاحتمال الثالث ، وهو ضمان أعلى القيم من يوم الضمان والقبض إلى يوم إعواز المثل
، فإذا كانت قيمة الحنطة زمان الغصب دينارا ، ثم صارت يوم تلفها نصف دينار ، ويوم
تعذّر المثل دينارا ونصف دينار ، كان المضمون به هو الأخير ، لأنّ المستقرّ في
العهدة ليس خصوص العين ولا خصوص المثل ، بل كلّيّ الحنطة إلى زمان إعوازها. ولا
ريب في أنّ ارتفاع القيمة من حالات العين المضمونة ، فيكون مضمونا.
ثانيهما :
الاحتمال الرابع ، وهو ضمان أعلى القيم من يوم الضمان إلى يوم أداء القيمة ، لأنّه
يوم تفريغ الذّمّة من الكلّيّ المثليّ المستقرّ في العهدة من يوم الضمان ، ويتوقّف
الفراغ عنه على أداء قيمته.
(١) وجه مجيء
هذا الاحتمال ما ذكرناه من استقرار الكلّيّ في ذمّة الضامن ، لا خصوص العين
التالفة ، ولا خصوص المثل المتعذّر.
(٢) المراد
بيوم الضمان هو يوم الغصب ، ويوم قبض المبيع بالبيع الفاسد.
(٣) تعليل
لتوجّه احتمال الضمان بأعلى القيم من زمان الضمان إلى زمان إعواز المثل الذي هو
يوم سقوط خصوصيّة المثل عن الذّمّة ، وتبدّله بضمان الجامع بين العين والمثل.
(٤) أي : قبل
يوم تعذّر المثل.
(٥) بيان ل «ما»
الموصولة ، يعني : أنّ الضمان مستمرّ من يوم الضمان إلى يوم الإعواز.
(٦) الظاهر
رجوع الضمير إلى استمرار الضمان قبل تلف المغصوب إلى زمان تعذّر المثل ، وعليه فلا
بدّ من حمل «التلف» على إعواز المثل لا تلف العين ، إذ لو أريد تلف العين لم يتّجه
ضمان ارتفاع قيمة الأمثال من هذا اليوم ـ الذي هو مبدأ استقرار المثل في الذّمّة ـ
إلى زمان الإعواز ، وذلك لفرض كون المضمون خصوص العين من يوم غصبها إلى يوم تلفها
، لا الماليّة المشتركة بين المثل والعين.
وهذا (١) ذكره في القواعد ثالث الاحتمالات.
واحتمل (٢)
الاعتبار بالأعلى من يوم الغصب إلى دفع المثل (٣).
ووجهه (٤) في
محكيّ التذكرة والإيضاح : بأنّ المثل لا يسقط بالإعواز ، قالا : «ألا ترى أنّه لو
صبر المالك إلى وجدان المثل استحقّه (٥) ، فالمصير إلى القيمة عند تغريمها»
والقيمة الواجبة على الغاصب أعلى القيم.
______________________________________________________
(١) المشار
إليه قوله : «احتمال الاعتبار بالأعلى من يوم الضمان إلى يوم تعذّر المثل» وهو ثالث
الاحتمالات المتقدمة في عبارة القواعد.
(٢) معطوف على
قوله : «جاء احتمال» وغرضه قدسسره أنّه لو قلنا بضمان الماليّة الجامعة بين العين التالفة
والمثل المتعذّر احتمل القول بضمان القيمة العليا من حين الضمان إلى زمان أداء
الغرامة ، وهي قيمة المثل.
والوجه في هذا
الاحتمال : أنّ ذمّة الضامن مشغولة بالجامع بين العين والمثل ، والمسقط هو أداء
القيمة إلى المالك ، فلو ارتفعت قيمة المثل بعد زمان تعذّره كان هذا الارتفاع
مضمونا أيضا.
(٣) الصواب أن
يقال : «إلى دفع القيمة» كما هو صريح عبارة القواعد والتذكرة.
إلّا أن يلتزم
بتقدير مضاف ، بأن يقال : «دفع قيمة المثل المفروض تعذّره» فيكون دفع القيمة أداء
للمثل المتعذّر من جهة ماليّته ، لا من جهة مثليّته ، هذا.
(٤) أي : وجّه
العلّامة وفخر المحقّقين ضمان أعلى القيم ـ من يوم الغصب إلى أداء القيمة ـ بأنّ
المثل لا يسقط .. إلخ.
(٥) هذه
العبارة منقولة بالمعنى ، وإلّا فعبارة التذكرة والإيضاح هي : «ملك المطالبة به»
ثم زاد في التذكرة قوله : «وإنّما المصير إلى القيمة عند تغريمها».
وهذا الاحتمال
الرابع مختار فخر المحققين ، لقوله بعد ذكر مآخذ الاحتمالات الخمسة : «والأصحّ
الرابع» .
__________________
وحاصله (١) :
أنّ وجوب دفع قيمة المثل يعتبر (٢) من زمن وجوبه (٣) إلى وجوب مبدله أعني العين ،
فيجب أعلى القيم منها (٤) ، فافهم (٥).
______________________________________________________
وكيف كان
فالحاكي لعبارتي التذكرة والإيضاح هو السيّد العامليّ ، وعبارة المتن نصّ كلامه .
(١) هذا الحاصل
مذكور في مفتاح الكرامة أيضا ، فراجع. يعني : حاصل توجيه العلّامة وفخر الدين
للاحتمال الرابع هو : أنّ وجوب دفع قيمة المثليّ الذي بقي مثله في الذّمّة إلى يوم
غرامة القيمة ـ وسقط بدفع القيمة إلى المالك ـ إنّما يعتبر بنحو القهقرى من أوّل
زمان وجوب قيمة المثليّ ، وهو زمان دفعها ، وينتهي إلى زمان ثبوت مبدل القيمة أعني
نفس المال المثليّ المغصوب ، وهو زمان غصب العين.
وعليه فيكون
هنا وجوبات عديدة بعدد القيمة إن اختلفت في أجزاء هذا الزمان المتخلّل بين المبدء
والمنتهى ، فيجب دفع الأعلى من هذه القيم ، إذ المفروض أنّ القيمة الواجبة على
الغاصب هي أعلى القيم.
والأولى : أن
يعبّر هكذا : «وحاصله : أنّ إسقاط وجوب دفع قيمة المثل يلاحظ من زمن ثبوت القيمة
.. إلخ».
(٢) أي : يلاحظ
من زمن وجوب القيمة ـ أي ثبوتها ـ إلى ثبوت مبدل القيمة وهو نفس المال المثليّ
المغصوب.
(٣) الوجوب
بمعنى الثبوت في الذّمّة ، وضميره وكذا ضمير «مبدله» راجعان إلى القيمة ، فالمناسب
تأنيث الضميرين ، وإن صحّ تذكيرهما أيضا باعتبار الرجوع إلى البدل المستفاد من
قوله : «إلى وجوب مبدله». والأمر سهل.
(٤) الأولى إسقاط
كلمة «منها» بأن يقول ـ كما في مفتاح الكرامة ـ : «فيجب الأقصى» أو «أقصى القيم».
(٥) لعلّه
إشارة إلى ضعف القول بصيرورة القدر المشترك قيميّا ، الذي هو أحد
__________________
إذا عرفت هذا (١)
فاعلم : أنّ المناسب لإطلاق كلامهم لضمان المثل في المثليّ هو أنّه مع تعذّر المثل
لا يسقط المثل عن الذّمّة ، غاية الأمر يجب إسقاطه مع
______________________________________________________
جزأي هذا الاحتمال الرابع. وأمّا الجزء الآخر ـ وهو ثبوت المثل إلى زمان
دفع القيمة ـ فقد قوّاه سابقا.
هذا تمام
الكلام في المقام الأوّل وهو بيان مآخذ الاحتمالات الخمسة.
وقد تحصّل مما
أفاده المصنّف قدسسره من أوّل الأمر السادس إلى هنا وجوه في ضمان قيمة العين
المثليّة التالفة مع إعواز المثل.
الأوّل :
اعتبار ضمان قيمة يوم الدفع والمطالبة ، وهو المنسوب إلى المشهور ، وهو خامس
الاحتمالات المذكورة في القواعد ، وقد عبّر عنه بقيمة يوم الإقباض.
الثاني :
اعتبار قيمة يوم تعذّر المثل. واختاره ابن إدريس والعلّامة والشهيد الثاني ، في
بعض المواضع.
الثالث :
اعتبار قيمة يوم تلف العين ، الذي هو زمان استقرار المثل في العهدة.
الرابع :
اعتبار أعلى القيم من يوم تلف العين إلى زمان إعواز المثل.
الخامس :
اعتبار قيمة يوم ضمان العين.
السادس :
اعتبار أعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم تلف العين.
السابع :
اعتبار أعلى القيم من يوم ضمان العين إلى زمان أداء قيمة المثل. وقد عرفت مبنى كلّ
واحد منها.
استظهار بعض الوجوه
المتقدّمة من أدلّة الضمان
(١) هذا شروع
في المقام الثاني ، وهو بيان ما يستفاد من الأدلّة وكلمات الأصحاب. ومحصّله : أنّ
الدليل على ضمان المثليّ بالمثل إمّا هو الإجماع أو المتبادر من إطلاقات الضمان
الدالة على التغريم بما هو أقرب إلى التالف. فإن اعتمدنا على الإجماع قلنا
باقتضائه لضمان قيمة يوم أدائها ، وذلك لاستقرار المثل على عهدة الضامن بمجرّد تلف
العين ، ولم يقيّد اشتغال الذّمّة بالمثل بعدم تعذّره وإعوازه ، فلا يوجب تعذّره
مطالبة المالك. فالعبرة بما هو إسقاط حين الفعل (١) ، فلا عبرة بالقيمة
إلّا يوم الاسقاط وتفريغ الذّمّة.
وأمّا بناء (٢)
على ما ذكرنا (٣) من أنّ المتبادر من أدلّة الضمان التغريم بالأقرب إلى التالف
فالأقرب كان (٤) المثل مقدّما مع تيسّره. ومع تعذّره ابتداء
______________________________________________________
انتقال الضمان إلى القيمة حتى يكفي أداء ثمنه يوم إعوازه ، بل يبقى المثل
في الذّمّة إلى إسقاطه بمطالبة المالك ، فتكون العبرة بقيمته يوم أدائها. وقد
تقدّم وجهه عند بيان رأي المشهور ، وهكذا في مبنى الاحتمال الخامس.
وإن اعتمدنا
على المتبادر من أدلّة الضمان انقلب الضمان إلى القيمة ، وسيأتي.
(١) أي : حين
الإسقاط ، إذ المفروض بقاء المثل على عهدة الضامن ، ولا يسقط إلّا بدفع القيمة.
فالعبرة بقيمة يوم الاسقاط ، لا يوم إعواز المثل.
(٢) هذا في
مقابل ما ذكره بقوله : «فاعلم أنّ المناسب لإطلاق كلامهم لضمان المثل في المثليّ
.. إلخ» وإطلاق كلامهم إنّما هو لعدم تقييدهم ذلك بصورة التمكّن من المثل ،
فأطلقوا ضمان المثل في المثليّ ، ولم يقيّدوه بصورة التمكّن من دفع المثل ، وهذا
الإطلاق يقتضي بقاء المثل في الذّمّة ولو مع إعوازه.
وأمّا بناء على
ما ذكرنا ـ من أنّ المتبادر من أدلّة الضمان التغريم بالأقرب إلى التالف ، فالأقرب
ـ كان المثل مقدّما مع التمكّن من دفعه إلى المالك ، ومع عدم التمكّن منه كان المتعيّن
دفع القيمة. فالاعواز يوجب انقلاب المثليّ إلى القيميّ ، فالقيمة قيمة للمثل حال
الإعواز ، فيكون عدم التمكّن العارضيّ من دفع المثل كعدم التمكّن بالأصالة كما في
القيميّات. فالمثل الثابت في الذّمّة ينقلب إلى القيمة من زمان الإعواز.
(٣) أي : في
كلّ من الأمر الرابع والسادس ، فقال في السادس : «ولكن لو استندنا في لزوم القيمة
في المسألة إلى ما تقدّم سابقا من الآية ومن أنّ المتبادر من إطلاقات الضمان ..
إلخ» فراجع (ص ٣٨٨).
(٤) جواب «وأمّا
بناء». و «فالأقرب» بالجرّ معطوف على «بالأقرب».
كما في القيميّ أو بعد التمكّن كما فيما نحن فيه كان (١) المتعيّن هو
القيمة ، فالقيمة (٢) قيمة للمغصوب من حين صار قيميّا وهو حال الإعواز ، فحال
الإعواز معتبر من حيث إنّه أوّل أزمنة صيرورة التالف قيميّا ، لا من حيث ملاحظة
القيمة قيمة للمثل دون العين.
فعلى القول
باعتبار يوم التلف في القيميّ توجّه ما اختاره الحلي رحمهالله (٣).
ولو قلنا (٤)
بضمان القيميّ بأعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف (٥) ـ كما عليه جماعة من
القدماء ـ توجّه (٦) ضمانه فيما نحن فيه بأعلى القيم من حين
الغصب إلى زمان الإعواز (٧) ،
______________________________________________________
(١) جواب «ومع
تعذّره» المتضمن للشرط.
(٢) يعني :
أنّه بناء على المتبادر من إطلاقات الضمان يتعيّن القول في المثليّ ـ المتعذّر
مثله ـ بضمان قيمته يوم الإعواز ، لأنّه يوم صيرورة العين المثليّة قيميّة.
(٣) من
الاعتبار بقيمة يوم تعذّر المثل وإعوازه ، لأنّه يوم تلف العين بوصف القيمية ، إذ
قبل هذا الزمان كان التالف مثليّا ، وإنّما صار قيميّا بسبب الإعواز
(٤) هذا مقابل
قوله : «فعلى القول باعتبار يوم التلف» والأولى لرعاية المشاكلة أن يقال : «وعلى
القول بضمان القيميّ بأعلى القيم .. إلخ».
وكيف كان
فتوضيح كلامه قدسسره : أنّه بناء على القول بضمان القيميّ بأعلى القيم من
حين الغصب إلى حين التلف توجّه ضمان المثليّ فيما نحن فيه ـ أعني به إعواز المثل ـ
بأعلى القيم من حين الغصب في المغصوب ، ومن زمان القبض في المقبوض بالعقد الفاسد ،
وكان هذا هو الاحتمال الثاني في عبارة القواعد.
(٥) وهو الوجه
لما حرّرناه في التعليقة بقولنا : «تتمة اعلم أنّ من الأقوال اعتبار أعلى القيم ..
إلخ.
(٦) جواب الشرط
السابق.
(٧) الذي هو
بمنزلة تلف العين القيميّة ، لكن قد ذكرنا في التتمّة المشار إليها خلافه.
__________________
إذ (١) كما أنّ ارتفاع القيمة مع بقاء العين مضمون بشرط تعذّر أدائه
المتدارك (٢) لارتفاع (٣) القيم ، كذلك بشرط تعذّر المثل في المثليّ ، إذ مع ردّ
المثل يرتفع ضمان القيمة السوقيّة (٤).
وحيث كانت
العين فيما نحن فيه مثليّا كان أداء مثلها عند تلفها كردّ عينها في إلغاء ارتفاع
القيم ، فاستقرار (٥) ارتفاع القيم إنّما يحصل بتلف العين والمثل.
فإن قلنا (٦) :
إنّ تعذّر المثل يسقط المثل ـ كما أنّ تلف العين يسقط العين ـ
______________________________________________________
(١) تعليل
لاعتبار تعذّر المثل في ضمان ارتفاع القيمة ، المستفاد من تقييد «الأعلى» بغاية
الإعواز. يعني : أنّ ارتفاع القيمة إنّما لا يضمن إذا أمكن دفع العين ، ولم ينته
الأمر إلى دفع القيمة ، بل كان ارتفاع الضمان بسبب دفع العين أو مثلها. وأمّا إذا
انتهت النوبة إلى دفع القيمة لتلف العين وتعذّر المثل فارتفاع القيمة يكون حينئذ
مضمونا ، وهذا الارتفاع المضمون يكون من زمان الضمان إلى زمان تعيّن القيمة
وثبوتها في الذّمّة ، أو إلى زمان أدائها بناء على ثبوت المثل في الذّمّة إلى زمان
الأداء.
(٢) باسم
الفاعل صفة ل «أدائه» يعني : أنّ أداء العين كان جابرا لارتفاع القيمة ، لكن حيث
تعذّر أداؤها ـ لفرض تلفها ـ صار الغاصب ضامنا لارتفاع القيمة.
(٣) اللام
للتعدية ، مثل «خرجت لزيد من الدار» بمعنى : أخرجته من الدار.
(٤) لتفرّع
ضمان القيمة السوقيّة ـ في الأعيان المثليّة ـ على إعواز المثل.
(٥) هذا متفرّع
على كون ردّ المثل ـ في الأعيان المثليّة التالفة ـ بمنزلة ردّ نفس التالف ، في
عدم اشتغال الذّمّة بأعلى القيم. فإذا لم يتحقّق ردّ العين لتلفها ولا ردّ المثل
لاعوازه ضمن أعلى قيمتيهما. وهل المضمون ارتفاع القيمة من زمان الغصب إلى زمان
الإعواز ، أم هو من حين الغصب إلى حين أداء القيمة؟ فيه خلاف سيأتي مأخذ كلّ منهما
في المتن.
(٦) هذا تفصيل
لقوله : «فاستقرار ارتفاع القيم ..».
توجّه القول بضمان القيمة من زمان الغصب إلى زمان الإعواز (١) ، وهو أصحّ
الاحتمالات في المسألة عند الشافعيّة على ما قيل (٢).
وإن قلنا (٣) :
إنّ تعذّر المثل لا يسقط المثل وليس كتلف العين (٤) كان (٥) ارتفاع القيمة فيما
بعد تعذّر المثل أيضا مضمونا (٦) ، فيتوجّه ضمان القيمة من حين الغصب إلى حين دفع
القيمة ، وهو المحكيّ عن الإيضاح. وهو أوجه الاحتمالات على القول بضمان ارتفاع
القيمة مراعى بعدم ردّ العين أو المثل (٧).
______________________________________________________
(١) أي : إعواز
المثل الذي هو كتلف العين في كونه سببا لسقوط المثل.
(٢) القائل هو
العلّامة في التذكرة ، قال قدسسره : «وللشافعيّة في القيمة المعتبرة عشرة أوجه .. ثالثها
: وهو الأصح عندهم ، القيمة المعتبرة أقصى القيم من يوم الغصب إلى يوم الإعواز ،
لأنّ وجود المثل كبقاء عين المغصوب من حيث إنّه كان مأمورا بتسليم المثل ، كما كان
مأمورا بردّ العين ، فإذا لم يفعل غرم أقصى قيمته في المدّتين. كما أنّ المتقوّمات
تضمن بأقصى قيمتها لهذا المعنى ، ولا نظر إلى ما بعد انقطاع المثل ، كما لا نظر
إلى ما بعد تلف المغصوب من المتقوّم» .
(٣) هذا عدل
قوله : «فإن قلنا : إنّ تعذّر المثل يسقط المثل».
(٤) حتى يسقط
المثل بالإعواز كسقوط العين بتلفها.
(٥) جواب الشرط
المتقدّم أعني به «وإن قلنا : انّ تعذر .. إلخ».
(٦) إذ المفروض
بقاء المثل في العهدة وعدم سقوطه بتعذّره ، فارتفاع قيمته بعد تعذّره مضمون كضمانه
قبل تعذّره ، فيتوجه حينئذ ضمان القيمة من حين الغصب إلى زمان دفع القيمة كما حكي
عن الإيضاح.
(٧) يعني : بأن
يكون ضمان ارتفاع القيمة مشروطا بعدم إمكان ردّ العين أو المثل ، فمع إمكانهما
وردّهما لا يضمن ارتفاع القيمة.
__________________
ثمّ اعلم : أنّ
العلّامة ذكر في عنوان هذه الاحتمالات «أنّه لو تلف المثليّ والمثل موجود ، ثم
أعوز» (١) وظاهره اختصاص هذه الاحتمالات بما إذا طرء تعذّر المثل بعد تيسّره في
بعض أزمنة التلف (٢) ، لا ما تعذّر فيه المثل ابتداء.
وعن جامع
المقاصد : «أنّه يتعيّن حينئذ (٣) قيمة يوم التلف» (٤)
______________________________________________________
هذا تمام الكلام
في الجهة الثانية المتكفلة لتعيين قيمة العين المثليّة المضمونة عند إعواز المثل.
وسيأتي التنبيه على أنّ مورد البحث وموضوعه هو التعذّر الطارئ لا البدويّ. وقد
جعلناه في صدر الأمر السادس جهة ثالثة ممّا يتعلّق بتعذّر المثل.
وإن أمكن جعله
تتمة للجهة الثانية ، والأمر سهل.
اختصاص انقلاب الضمان
إلى القيمة بالتعذّر الطارئ
(١) هذا منقول
بالمعنى ، وإلّا فعبارة القواعد هكذا : «ولو تلف المثليّ في يد الغاصب والمثل
موجود ، فلم يغرمه حتى فقد ففي ..» وقريب منها عبارة التذكرة .
وكيف كان
فالمقصود أنّ موضوع كلامهم بانتقال الضمان من المثل المتعذّر إلى القيمة هو
التعذّر الطاري على المثل ، لا ما كان متعذّرا حين تلف العين أو قبله ، فإنّه
مضمون بالقيمة حين التلف ، كما يظهر من المحقّق الثاني قدسسره وسيأتي كلامه.
(٢) أي : أزمنة
تلف العين ، والظرف متعلّق ب «تيسّره».
(٣) أي : حين
تعذّر المثل ابتداء ، أي : حين تلف العين.
(٤) الحاكي
لكلامه السيّد العاملي قدسسره . واعتبار قيمة يوم التلف يستفاد من ضمّ كلاميه في
موضعين :
أحدهما : قوله
في ضمان القيميّ المغصوب ـ في تضعيف رأي المبسوط ـ : «وإنّما
__________________
ولعلّه (١)
لعدم تنجّز التكليف بالمثل عليه في وقت من الأوقات.
ويمكن أن يخدش
فيه (٢) بأنّ التمكّن من المثل ليس بشرط لحدوثه في
______________________________________________________
ينتقل إلى القيمة عند التلف» .
ثانيهما : قوله
في ضمان المثليّ المتعذّر مثله : «لو لم يكن المثل موجودا وقت التلف فالظاهر أنّ
الواجب قيمة التالف. أمّا مع وجوده وعدم التغريم إلّا بعد فقده فإنّه قد استقرّ في
الذّمّة ، فيرجع إلى القيمة» .
فيحمل قوله : «فالظاهر
أن الواجب قيمة التالف» على قوله : «وإنّما ينتقل إلى القيمة عند التلف» ويصحّ ما
نسبه المصنف إليه.
(١) يعني :
ولعلّ تعيّن قيمة يوم التلف لأجل عدم تنجّز التكليف بالمثل على الضامن في وقت من
الأوقات ، لفقدانه من أوّل الأمر.
(٢) أي : في
هذا الوجه. وحاصل الخدشة : إنّ اشتغال الذّمّة بالمثل ليس مشروطا بالتمكّن من أداء
المثل ، لا حدوثا ولا بقاء.
ولا يخفى أنّه
نوقش في كلام جامع المقاصد بوجهين مذكورين في الجواهر أيضا ، أحدهما حلّي ، والآخر
نقضيّ. وارتضى المصنّف الحليّ وتأمّل في النقضيّ.
قال في الجواهر
ـ بعد نقل ما استظهره جامع المقاصد من ضمان قيمة يوم التلف في التعذّر البدويّ ـ ما
لفظه : «وقد يناقش بعدم المنافاة بين ثبوته في الذّمّة وبين تعذّر أدائه في ذلك
الوقت. ودعوى صيرورته قيميّا واضحة المنع ، إذ المثليّ لا يتعيّن كونه كذلك بتعذر
المثل. وإلّا لزم عدم وجوب دفعه لو تمكّن منه بعد ذلك قبل الأداء ، لثبوت القيمة
حينئذ في الذّمّة ، ولا أظنّ القائل المزبور يلتزمه ، لوضوح ضعفه. فالمتجه ثبوت
المثل في ذمّته على كلّ حال. وتعذّر أدائه حال التلف لا يقتضي عدم ثبوته في
الذّمّة ، فإن عدم التمكّن من وفاء الدين لا يقتضي عدم ثبوته في الذّمّة ، وحينئذ
لم يكن
__________________
الذّمّة ابتداء ، كما لا يشترط في استقراره استدامة ، على ما اعترف (١) به
مع طروء التعذّر بعد التلف (٢). ولذا (٣) لم يذكر أحد هذا التفصيل في باب القرض.
وبالجملة (٤) :
فاشتغال الذّمّة بالمثل إن قيّد بالتمكّن لزم الحكم بارتفاعه
______________________________________________________
للتقييد المزبور فائدة» .
والإيراد
النقضيّ على كلام جامع المقاصد هو قوله : «وإلّا لزم .. لوضوح ضعفه» وما قبله وما
بعده هو الإيراد الحلّي الذي ارتضاه المصنّف وأثبته في المتن.
(١) أي : اعترف
المحقّق الثاني بعدم اشتراط التمكّن من المثل في استقرار المثل في الذّمّة استدامة
، لأنّه اختار أنّ المعتبر قيمة يوم الإقباض. ولو كان التمكّن من المثل شرطا في
صحّة تعلّقه بالغاصب كان اللازم سقوط المثل بمجرّد تعذّره ، وتحقّق الانتقال إلى
القيمة ، وقد قال في جامع المقاصد في شرح قول العلامة قدسسره : «الخامس القيمة يوم الإقباض» ما نصّه : «هذا هو
الأصحّ ، لأنّ الواجب هو المثل ، فإذا دفع بدله اعتبرت البدليّة حين الدفع ،
فحينئذ يعتبر القيمة».
وقد نقل المصنف
تصريح جامع المقاصد ـ بما ذهب إليه المشهور ـ في أوائل هذا الأمر من كون العبرة
بقيمة يوم الدفع بقوله : «وقد صرّح بما ذكرنا المحقّق الثاني ..» ، فراجع ص (٣٨٤).
(٢) أي : تعذّر
المثل بعد تلف العين.
(٣) أي : ولعدم
دخل التمكّن من المثل في اشتغال الذّمّة به ابتداء لم يذكر أحد التفصيل ـ في باب
القرض بين وجود المثل وعدمه ، بأن يقال : مع التمكّن من المثل في المثليّ يثبت في
ذمّة المقترض مثله ، ومع عدم التمكّن منه يثبت قيمة العين المقترضة ، بل أطلقوا
القول في ذلك ، وقالوا : إنّ العين المقترضة إن كانت مثلية ثبت مثلها في ذمّة
المقترض ، وإن كانت قيميّة ثبت قيمتها.
(٤) هذه خلاصة
الخدشة ، ومحصّل الكلام : أنّ حصر موضع البحث بالتعذّر
__________________
بطروء التعذّر ، وإلّا لزم الحكم بحدوثه مع التعذّر من أوّل الأمر.
إلّا أن يقال (١)
: إنّ أدلّة وجوب المثل ظاهرة في صورة التمكّن وإن لم يكن مشروطا به عقلا (٢) ،
فلا تعمّ صورة العجز (*). نعم (٣) إذ طرء العجز فلا دليل على سقوط المثل وانقلابه
قيميّا (٤).
______________________________________________________
الطارئ غير سديد ، إذ لو كان اشتغال الذّمّة بالمثل مقيّدا بتمكّن الضامن
منه لزم الحكم بالانقلاب إلى القيمة بمجرّد التعذّر ، سواء طالب المالك به أم لم
يطالب ، مع أنّهم اشترطوا أداء القيمة بالمطالبة. وهذا يكشف عن عدم إناطة استقرار
المثل في العهدة بتيسّره. ولو لم يكن مقيّدا بتمكّن الضامن تعيّن القول بضمان
المثل في الأعيان المثليّة حتى مع تعذّره البدوي.
(١) غرضه توجيه
ما أفاده العلّامة والمحقّق الثاني قدسسرهما ـ من اختصاص موضوع البحث بالتعذّر الطارئ ـ بما حاصله :
أنّ اشتغال الذّمّة بالمثل وإن لم يكن منوطا عقلا ولا عرفا بالتمكّن من أداء ما
اشتغلت به الذّمّة ، لكن الدليل لا يدلّ إلّا على اشتغال الذّمّة في صورة التمكّن
من أدائه ، فلا تعمّ صورة العجز الابتدائيّ ، فلو وجد المثل ـ حين تلف العين ـ اشتغلت
العهدة به ، سواء أدّاه إلى المالك أم لم يؤده إليه حتى أعوز ، فيبقى المثل في
الذّمّة إلى إسقاطه بمطالبة المالك.
(٢) مرجعه إلى
قصور مقام الإثبات عن شمول صورة التعذّر الابتدائي ، وقد عرفته.
(٣) هذا تتمّة
للتوجيه المتقدّم بقوله : «إلّا أن يقال» وغرضه التفصيل في مفاد الدليل بين
التعذّر الطاري والابتدائيّ.
(٤) يعني : ومع
عدم الدليل على الانقلاب يرجع إلى الاستصحاب.
__________________
وقد يقال (١)
على المحقّق المذكور : إنّ اللازم ممّا ذكره أنّه لو ظفر المالك بالمثل قبل أخذ
القيمة لم يكن له المطالبة. ولا أظنّ أحدا يلتزمه (٢). وفيه تأمّل (٣).
______________________________________________________
(١) هذا هو
الإيراد النقضيّ الذي أورده صاحب الجواهر على المحقّق الكركي قدسسرهما القائل بضمان قيمة يوم التلف في تعذّر المثل ابتداء.
وحاصل النقض :
أنّه لو كان الوجه في الانتقال إلى قيمة وقت التلف عدم تنجّز التكليف بالمثل على
الضامن في وقت من الأوقات انتقض كلامه بما إذا كان المثل متعذّرا من أوّل الأمر ،
ولكن لم يأخذ المضمون له القيمة ، ثم وجد المثل.
والوجه في ورود
النقض هو : أنّ المحقّق الكركي يدّعي اشتغال ذمّة الضامن في هذا التعذّر البدويّ
بثمن المثل من حين تلف العين المضمونة ، ولم يستقرّ في عهدته المثل أصلا ،
فالتمكّن من المثل بعد التلف لا يوجب تبدّل القيمة به. مع أنّه لا سبيل للالتزام
بكفاية دفع القيمة مع وجود المثل.
وهذا كاشف عن
غموض ما أفاده المحقّق الثاني من عدم اشتغال الذمّة بالمثل في موارد التعذّر
البدويّ. فالصحيح اتّحاد التعذّر البدويّ والطارئ حكما ، هذا.
(٢) أي : يلتزم
بعدم جواز مطالبة المثل من الضامن إذا تيسّر المثل بعد إعوازه وقبل أخذ القيمة.
والوجه في عدم الالتزام بعدم جواز المطالبة هو اشتغال الذّمّة بالمثل.
(٣) تأمّل
المصنّف قدسسره في ورود هذا النقض على المحقّق الثاني ، وذلك لإمكان
الالتزام بجواز المطالبة بالمثل في مورد النقض ، وهو لا ينافي اشتغال الذّمّة
بالقيمة في التعذّر الابتدائيّ. والوجه في عدم التنافي بين الحكمين هو : أنّ
اشتغال الذّمّة بالمثل مشروط بالتمكّن منه ، ولمّا كان متعذّرا حين التلف ـ كما هو
المفروض ـ قلنا : إنّه لا يتنجّز التكليف بالمثل على الضامن ، فإن دفع القيمة سقط
المثل عن ذمّته.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وإن لم يدفعها حتى تيسّر المثل لم تفرغ ذمّته بأداء القيمة ، بل يجب عليه
دفع المثل ، وذلك لصيرورة كلّ تكليف مشروط فعليّا بفعليّة شرطه ، وبهذا يسلم كلام
المحقّق الكركي عن نقض صاحب الجواهر قدسسره.
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
ثمّ إنّ
المحكيّ عن التذكرة «أنّ المراد بإعواز المثل : أن لا يوجد في البلد وما حوله» (١).
وزاد في المسالك قوله : «ممّا ينقل عادة منه إليه كما ذكروا في انقطاع المسلم فيه»
(٢).
______________________________________________________
هل مناط تعذّر المثل
فقده في البلد وما حوله؟
(١) هذه جهة
رابعة ممّا يتعلّق بإعواز المثل ، وهي بحث عن تحديد الموضوع أيضا ، وأنّ مناط
الإعواز هل هو فقد المثل في جميع الأمكنة ، أم فقده في خصوص بلد التلف وحواليه أم
الرجوع فيه إلى العرف؟
قال في التذكرة
: «إذا غصب عينا من ذوات الأمثال وتلفت في يده أو أتلفها والمثل موجود فلم يسلّمه
حتى فقد أخذت منه القيمة ، لتعذّر المثل ، فأشبه غير المثليّ. والمراد من الفقد أن
لا يوجد في ذلك البلد وما حواليه» .
(٢) هذا منقول
بالمعنى ، وإلّا فعبارة المسالك هكذا : «والمراد من الفقدان أن لا يوجد في ذلك
البلد وما حوله ممّا ينقل منه إليه عادة ، كما بيّن في انقطاع المسلم فيه» .
وحاصل ما أفاده
في انقطاع المسلم فيه في بلد البائع ـ وإمكان تحصيله من بلد آخر ـ أنّه إن نقله
البائع باختيار فهو. وإن لم ينقله إليها ، فإن لم يكن في نقله إليها مشقّة أجبر
على النقل. وإن كان فيه مشقّة لم يجبر على نقله إلى البلد» .
فإن كان مراده قدسسره من عدم المشقّة هو اعتياد النقل من خارج البلد إلى بلد
المعاملة كان كلامه في بيع السّلم موافقا لما أفاده هنا من تعارف النقل من مكان
آخر إلى البلد ، وإلّا لم يتّحد مفاد الكلامين ، فلاحظ.
__________________
وعن جامع
المقاصد : «الرجوع فيه (١) إلى العرف».
ويمكن أن يقال (٢)
: إنّ مقتضى عموم وجوب أداء مال الناس (٣) وتسليطهم (٤) على أموالهم ـ أعيانا (٥)
كانت أم في الذّمّة ـ
______________________________________________________
(١) قال قدسسره : «واعلم أنّ المراد من تعذّر المثل أن لا يوجد في ذلك
البلد وما حواليه. كذا ذكر في التذكرة. ولم يحدّ ما حواليه. والظاهر أنّ المرجع
فيها إلى العرف» .
وعلى هذا
التحديد لا يعتبر التعذّر والتعسّر في تحصيل المثل.
ثمّ إنّ ظاهر
عبارة القواعد المتقدمة هو كون المرجع في تحديد حوالي البلد العرف ، لا في تحديد
الإعواز ـ كما هو ظاهر المتن ـ فالصواب تأنيث ضمير «فيه».
(٢) غرضه قدسسره تضييق دائرة الإعواز ، وأنّ مقتضى عموم وجوب ردّ
الأموال إلى مالكيها هو وجوب ردّها مع وجودها ولو في بلاد نائية ، وكان في تحصيلها
مئونة كثيرة ، فدائرة الإعواز حينئذ تكون أضيق ممّا ذكره المحقّق الكركي قدسسره.
(٣) كقوله عليهالسلام : «المغصوب مردود» بناء على شموله لردّ المثل أو القيمة ، وعدم اختصاصه
بردّ نفس المغصوب.
(٤) كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الناس مسلّطون على أموالهم» .
(٥) خبر مقدّم
ل «كانت» والجملة مبيّنة ل «أموالهم» يعني : لا فرق في سلطنة الملّاك على أموالهم
بين كونها أعيانا خارجيّة كالدينار ، والكتاب والدار ونحوها ، أم أعيانا كلّيّة في
ذمّة الآخرين ، فإنّها أموال أيضا ، بشهادة جواز بيعها وشرائها كما تقدّم في أوّل
بحث البيع. ولو لا هذا التعميم لم يمكن التمسّك بحديث السلطنة
__________________
وجوب (١) تحصيل المثل كما كان يجب ردّ العين أين ما كانت ، ولو كانت في
تحصيله مئونة كثيرة (٢) ، ولذا (٣) كان يجب تحصيل المثل بأيّ ثمن كان. وليس (٤)
هنا تحديد التكليف بما عن التذكرة.
نعم لو انعقد
الإجماع على ثبوت القيمة عند الإعواز تعيّن ما (٥) عن جامع المقاصد.
______________________________________________________
لإثبات جواز مطالبة المالك من الضامن بدل ماله التالف أو المتلف ، لوضوح
عدم كون ما في الذّمّة عينا خارجيّة حتى يتسلّط المالك عليها.
(١) خبر قوله :
«إنّ مقتضى» يعني : أنّ مقتضى عموم الأدلّة وجوب تحصيل المثل على الضامن ، كما يجب
عليه ردّ العين أينما كانت.
(٢) كما تقدّم
تفصيله في الأمر الخامس.
(٣) أي : ولأجل
اقتضاء الأدلّة العامّة وجوب تحصيل المثل كان تحصيله واجبا بأيّ ثمن كان.
(٤) غرضه
الإيراد على ما أفاده العلّامة قدسسره في التذكرة من إناطة وجوب أداء المثل على الضامن
بتيسّره في البلد وحواليه. ومحصّل الإيراد : أنّ مقتضى عموم الأدلّة وجوب أداء
المثل حتى لو توقف على نقله من بلد بعيد عن بلد الضمان أو المطالبة ، وبهذا يتضيّق
دائرة الإعواز والانقلاب إلى القيمة ، هذا.
ويحتمل أن يكون
ما في التذكرة تحديدا لجواز مطالبة المالك للضامن بالقيمة ، لا لانقلاب المثل بها
، وإن كان يجب على الضامن تحصيل المثل.
(٥) من الرجوع
في معنى الإعواز إلى العرف ، لأنّ الإعواز الواقع في معقد الإجماع كغيره ـ من
الألفاظ الواقعة في الكتاب والسنّة ومعاقد الإجماعات ـ في الرجوع في مفاهيمها إلى
العرف ، فيكون الإجماع مخصّصا لعموم دليل السلطنة ، وتختص سلطنة المطالبة بالمثل
بما إذا كان موجودا في البلد ونواحيه.
وعليه فقوله : «نعم
لو انعقد» تقييد لعموم ما دلّ على وجوب أداء مال الناس وسلطنتهم على أموالهم ،
سواء توقّف الرّدّ على تحمّل مشقّة أم لا.
كما أنّ (١) المجمعين إذا كانوا بين معبّر بالإعواز ومعبّر بالتعذّر كان (٢)
المتيقّن الرجوع إلى الأخصّ ـ وهو المتعذّر ـ لأنّه المجمع عليه.
______________________________________________________
(١) غرضه :
أنّه لو تمّ الإجماع على ثبوت القيمة عند إعواز المثل ترتّب عليه أمران :
أحدهما : تقييد
إطلاق الأدلّة العامّة المقتضي للفحص عن المثل في سائر البلاد ، ونقله إلى بلد
المطالبة مقدّمة لأدائه إلى المالك.
ثانيهما :
الاقتصار في تقييد الإطلاق على القدر المتيقّن ، والرجوع فيما عداه إلى الإطلاق.
توضيحه : أنّ
الأصحاب ـ الّذين أجمعوا على انتقال الضمان من المثل المتعذّر إلى القيمة ـ عبّروا
تارة ب «فإن تعذّر المثل ضمن قيمته يوم الإعواز» واخرى ب «ولو أعوز المثل».
والظاهر أنّ «التعذّر»
أخصّ من «الإعواز» لظهور التعذّر في فقدان جميع أفراد الكلّيّ حقيقة ، بخلاف
الإعواز الذي يراد منه معناه الإضافيّ ، وهو فقدان الأمثال في البلد ونواحيه ، وإن
كانت موجودة في سائر البلدان. ولمّا كان التعذّر أضيق دائرة من الإعواز توقّف
تقييد الأدلّة العامّة على صدق «التعذّر» ويرجع في ما عداه إلى الإطلاق المقتضي
لجواز المطالبة بالمثل ، لعدم اتفاقهم على انتقال الضمان إلى القيمة بمجرّد
الإعواز.
هذا بناء على
عدم ترادف اللفظين في عبارات المجمعين ، وإلّا فبناء على إرادة معنى واحد منهما
ومن «الفقد» المذكور في عبارتي التذكرة والقواعد ـ بأن يراد التعذّر الحقيقيّ في
الجميع ، أو العرفيّ الإضافيّ كذلك ـ لم يختلف الحال في تقييد الأدلّة العامّة ،
لعدم كون التعذّر أخصّ من الإعواز حينئذ. وكذا الحال إذا كان كلّ من الأعمّ
والأخصّ مذكورا في بعض معاقد الإجماعات ، إذ لا ينافي الإجماع على الأخصّ الإجماع
على الأعمّ.
(٢) جواب «إذا
كانوا» يعني : كان المتيقّن في رفع اليد عن عموم مثل دليل السلطنة الرجوع إلى
الأخصّ.
نعم (١) ورد في
بعض (٢) أخبار السّلم : «أنّه إذا لم يقدر المسلم إليه (٣) على
______________________________________________________
(١) استدراك
على ما تقدّم من تعيّن الاقتصار على عنوان «التعذّر» لكونه أخصّ من «الإعواز»
وحاصله : أنّ المراد بالتعذّر ليس هو فقد جميع أفراد الكلّيّ حقيقة ، بل المراد به
التعذّر العرفيّ المساوق للإعواز ، وذلك بشهادة ما ورد في أخبار السّلم من : أنّ
عدم القدرة على إيفاء المسلم فيه يوجب الخيار للمشتري. ومن المعلوم أنّ المراد به
التعذّر العرفيّ المتحقق بفقد المسلم فيه في البلد وحواليه.
وعليه فتعبير
عدّة من المجمعين ب «لو تعذّر المثليّ» محمول على عدم حصول المثل عادة لا عقلا.
فما تقدّم من قوله : «كان المتيقّن الرجوع إلى الأخصّ» ممنوع ، إذ لا أخصّيّة ولا
أعمّيّة بين عنواني التعذّر والإعواز ، بل هما متساويان في الصّدق.
(٢) كمعتبرة
الحلبي ، قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن رجل أسلم دراهمه في خمسة مخاتيم من حنطة أو شعير إلى
أجل مسمّى ، وكان الذي عليه الحنطة والشعير لا يقدر على أن يقتضيه جميع الّذي له
إذا حلّ ، فسأل صاحب الحقّ أن يأخذ نصف الطعام أو ثلثه أو أقلّ من ذلك ، أو أكثر ،
ويأخذ رأس مال ما بقي من الطعام دراهم؟ قال : لا بأس. والزّعفران يسلم فيه الرجل
دراهم في عشرين مثقالا أو أقلّ من ذلك أو أكثر. قال : لا بأس إن لم يقدر الذي عليه
الزعفران أن يعطيه جميع ماله أن يأخذ نصف حقّه أو ثلثه أو ثلثيه ، ويأخذ رأس مال
ما بقي من حقّه درهم [دراهم]» .
والغرض أنّ
كلمة «لا يقدر» التي وردت تارة في سؤال السائل وقرّره الامام عليهالسلام ، وأخرى في ذيل الرواية في كلامه عليهالسلام لا يراد بها التعذّر العقليّ ، بل المراد هو العرفيّ.
وقد عبّر عنه في نصوص أخر بالعجز وعدم الوجدان ونحوهما ، والمقصود ـ كما تقدّم
حكايته عن المسالك ـ هو الانقطاع في البلد ونواحيه.
(٣) وهو
البائع.
__________________
إيفاء المسلم فيه تخيّر (١) المشتري» ومن المعلوم أنّ المراد بعدم القدرة
ليس التعذّر العقليّ المتوقّف على استحالة النقل من بلد آخر ، بل الظاهر منه عرفا (*)
ما عن التذكرة (٢). وهذا (٣) يستأنس به للحكم فيما نحن فيه.
______________________________________________________
(١) تخيير
المشتري ـ بين الفسخ والانتظار إلى أن يتمكّن البائع من تسليم المبيع سلما ـ يستفاد
من معتبرة عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليهالسلام ـ عند عجز البائع عن إيفاء المسلم فيه ـ : «فليأخذ رأس
ماله أو لينظره» .
(٢) وهو قوله :
«والمراد من الفقدان أن لا يوجد في ذلك البلد وما حواليه» .
(٣) يعني : أنّ
الحكم في باب السّلم إذا علّق على عدم القدرة ـ المنزّلة على الموضوع العرفيّ دون
العقليّ ـ استؤنس به للحكم في ما نحن فيه وهو تعذّر المثل ، وقد تقدم في عبارة
المسالك جعل التعذّر في المقامين من باب واحد.
والحاصل : أنّ
المناسب أن يكون المناط في المقامين واحدا ، بأن يقال : إنّ المراد بالتعذّر فيهما
هو العرفيّ. هذا تمام الكلام في الجهة الرابعة من جهات البحث في إعواز المثل.
__________________
__________________
ثمّ إنّ (١) في
معرفة قيمة المثل مع فرض عدمه إشكالا ، من (٢) حيث إنّ العبرة بفرض وجوده ولو في
غاية العزّة كالفاكهة في أوّل زمانها أو آخره (٣) ، أو وجود (٤) المتوسّط؟
______________________________________________________
المعيار في قيمة
المثل المتعذّر
(١) هذه هي
الجهة الخامسة ، وحاصلها : أنّ قولهم : «إذا تعذّر المثل وجبت قيمته» يواجه إشكالا
، وهو : أنّ المثل إن كان موجودا أمكن معرفة قيمته ، سواء أكانت أعلى من قيمته
السوقيّة أم لا. وإن لم يكن موجودا ـ كما هو المفروض ـ لم يكن سبيل إلى معرفة
قيمته حتى يؤدّيها الضامن إلى المالك ، إلّا بفرض وجود المثل.
ولمّا كان
المثليّ ذا أسعار متفاوتة بتفاوت الأزمنة ، فهل يلزم تقويم المثليّ بأعلى القيم
كما هو الحال في الفاكهة أوّل أوانها ، وكذا في آخرها ، أم أنّ المناط قيمته في
أوساط زمان وجوده ، بحيث يكون أقل قيمة في هذه الفترة؟ فيه احتمالان. اختار
المصنّف قدسسره اعتبار قيمته في أوّل زمان وجوده وآخره ، بشرط أن يرغب
العرف في شرائه ، فلو ارتفع سعر المتاع بحدّ لا يرغب في معاملته إلّا القليل منهم
لم يكن عبرة به أصلا. فالمدار حينئذ على قيمته العالية في أوّل وجوده وآخره بشرط
إقبال النوع على بيعه وشرائه ، هذا.
(٢) هذا بيان
الاشكال ، وقد عرفته آنفا.
(٣) أي : آخر
زمان الفاكهة ، يعني : أنّ العبرة بعزّة وجود الفاكهة سواء في أوّل أوانها أم
آخرها.
(٤) عطف على «في
غاية العزّة» يعني : أنّ العبرة بقيمة متوسّطة بين زماني عزّة الفاكهة ، وهو أوان
وفورها ، فيقال : إنّ هذه الفاكهة لو كانت موفورة كان قيمتها كذا درهما مثلا ،
وهذا هو قيمتها المضمونة في ظرف الإعواز والتعذّر ، لا قيمتها في زمان عزّتها
وغلائها.
الظاهر هو
الأوّل (١) (*) لكن مع فرض وجوده بحيث (٢) يرغب في بيعه وشرائه ، فلا عبرة بفرض
وجوده (٣) عند من يستغني عن بيعه ، بحيث (٤) لا يبيعه إلّا إذا بذل له عوض لا يبذل
الراغبون في هذا الجنس بمقتضى رغبتهم.
______________________________________________________
(١) وهو كون
العبرة بفرض المضمون في زمان عزّته وارتفاع قيمته ، لا في زمان وفوره وتنزّل
قيمته.
(٢) هذا قيد
للقيمة المضمونة ، وحاصله ـ كما تقدّم بيانه ـ أنّ المثل المتعذّر تارة يفرض وجوده
في بعض الأزمنة بنحو يرغب في اقتنائه كثير من الناس ، كالفاكهة في أوّل وقتها ،
ضرورة كونها أغلى قيمة من زمان وفورها وهو الزمان المتوسّط بين أوّل أوانها وآخرها.
لكن يبذل العقلاء هذه القيمة الغالية لتحصيلها.
واخرى يفرض
وجوده بنحو لا يرغب النوع في تحصيله ، لارتفاع قيمته جدّا. وكون ثمنه مجحفا بحيث
لا يبذله إلّا القليل من أغنياء الناس. نعم قد يضطرّ عامّة الناس إلى شرائه لعلاج
مثلا مهما كان ثمنه ، لكن المناط في المقام هو الرغبة في تحصيله في الحالات
العاديّة ، لا حالة الاضطرار والإلجاء.
والمناط في
تقويم المثل المتعذّر هو الفرض الأوّل ، أي : بذل ثمن المثل في زمان عزّته ، لكن
لا مطلقا ، بل خصوص الثمن الذي يبذله غالب الناس ، هذا.
(٣) الضمائر
البارزة من «وجوده» إلى «يبيعه» راجعة إلى المثل المتعذّر.
(٤) هذا بيان
للاستغناء عن بيع المثل ، يعني : فوجود هذا المثل لا يقدح في صدق التعذّر.
__________________
نعم (١) لو
ألجئ إلى شرائه لغرض آخر بذل ذلك (٢) ، كما لو فرض الجمد في الصيف عند ملك العراق
، بحيث لا يعطيه (٣) إلّا أن يبذله (٤) بإزاء عتاق الخيل وشبهها (٥). فإنّ (٦)
الراغب في الجمد في العراق من حيث إنّه راغب (٧) لا يبذل هذا العوض بإزائه ،
وإنّما يبذله من يحتاج إليه لغرض آخر (٨) كالإهداء إلى سلطان قادم إلى العراق مثلا
، أو معالجة (٩) مشرف على الهلاك به ، ونحو ذلك من الأغراض ، ولذا (١٠) لو وجد هذا
الفرد من المثل لم يقدح في صدق التعذّر
______________________________________________________
(١) هذا
استدراك على قوله : «لا يبذل الراغبون» يعني : أنّ عامّة الناس الّذين لا يبذلون
الثمن الكثير ـ لشراء سلعة في حال الاختيار ـ قد يبذلونه عند عروض عنوان ثانويّ
كالعلاج ، كشراء بعض الفواكه الشتويّة في فصل الصيف بأضعاف قيمتها في الشتاء ـ حتى
في أوّل أوانها ـ لكن هذا ليس معيارا لتقويم المثل المتعذّر.
(٢) أي : ذلك
العوض الكثير.
(٣) أي : أنّ
الملك لا يعطي الجمد والثلج مجّانا ، كما لا يعطيه بإزاء عوض متعارف ، بل يعطيه في
قبال الخيل الجياد ذات القيمة الغالية جدّا.
(٤) أي : يبذل
الملك الجمد بإزاء جياد الخيل.
(٥) كالجواهر
والأحجار الكريمة التي تباع بأغلى الثمن.
(٦) تعليل
لقوله : «فلا عبرة بفرض وجوده» وقد عرفته آنفا.
(٧) يعني : من
حيث إنّه راغب في تحصيل الجمد على الوجه المتعارف ، لا من حيث إنّ رغبته في الجمد
يكون لغرض آخر يقتضي بذل ثمن كثير بإزائه.
(٨) فإنّ هذا
المثال أجنبي عن المقام ، لأنّ العبرة في القيمة بالقيمة السوقيّة ، لا ما يطلبه
المالك اقتراحا.
(٩) معطوف على «الاهداء»
وضمير «به» راجع إلى الجمد ، ومتعلّق ب «معالجة».
(١٠) أي :
ولأجل إناطة فرض وجود المثل بغرض غير نادر الوقوع ، فلو وجد هذا الفرد من المثل لم
يقدح في صدق التعذّر ، ولا يوجب جريان حكم وجود المثل عليه.
كما ذكرنا في المسألة الخامسة (١). فكلّ (٢) موجود لا يقدح وجوده في صدق
التعذّر ، فلا عبرة بفرض وجوده (٣) في التقويم عند عدمه.
ثمّ إنّك (٤)
______________________________________________________
(١) حيث قال
فيها : «وأمّا إن كان لأجل تعذّر المثل وعدم وجدانه إلّا عند من يعطيه بأزيد مما
يرغب فيه الناس .. إلخ» فراجع (ص ٣٦٦).
(٢) هذه نتيجة
كون المعيار في قيمة المثل المتعذّر بفرض وجوده بنحو يرغب في شرائه الناس ولو بثمن
غال ، لكونه في أوان عزّة وجوده. وعلى هذا فلا عبرة بوجوده عند مثل السلطان ، فهذا
الوجود ملحق بالتعذّر ، ولا يكون مناطا للقيمة التي يجب على الضامن أداؤها إلى
المالك.
(٣) هذا الضمير
وضمير «عدمه» راجعان إلى المثل ، يعني : أنّ وجوده عند الملك مثلا ليس معيارا
للتقويم عند فقد المثل في الظروف المتعارفة. وبهذا ينتهي الكلام في الجهة الخامسة.
هل العبرة بقيمة بلد
التلف أو المطالبة أو أعلى القيمتين؟
(٤) هذه سادسة
الجهات المبحوث عنها في مسألة إعواز المثل في ضمان العين المثليّة التالفة أو
المتلفة. وحاصلها : أنّ المالك يجوز له المطالبة بالمثل ـ عند وجوده ـ مطلقا سواء أكان
بقيمته المتعارفة أم بأزيد منها ، وسواء أكان في بلد المطالبة أم في مكان آخر.
والوجه فيه : ما تقدّم من اشتغال عهدة الضامن بالمثل ، فيتعيّن عليه أداؤه ، خصوصا
مع مطالبة ذي الحق.
وأمّا إذا
تعذّر المثل في بلدي التلف والمطالبة ، واختلفت قيمته فيهما ، بأن كان ثمنه في بلد
التلف عشرة دنانير مثلا ، وفي بلد آخر اثني عشر دينارا ، فهل يستحقّ المالك
المطالبة بالقيمة العليا أم لا؟ فيه وجوه ثلاثة.
أوّلها : تعيّن
قيمة المثل في بلد تلف العين.
قد عرفت (١) أنّ للمالك مطالبة الضامن بالمثل عند تمكّنه ولو كان في غير
بلد الضمان ، وكان قيمة المثل هناك أزيد (٢).
وأمّا مع
تعذّره وكون قيمة المثل في بلد التلف مخالفا لها في بلد المطالبة ، فهل له (٣)
المطالبة بأعلى القيمتين ، أم يتعيّن قيمة بلد المطالبة ، أم بلد التلف؟ وجوه (٤) (*)
______________________________________________________
ثانيها : تعيّن
قيمته في بلد المطالبة.
ثالثها : أعلى
القيمتين. وسيأتي وجه كلّ منها إن شاء الله تعالى.
(١) يعني : في
أواخر المسألة الخامسة ، حيث قال : «ثمّ إنّه لا فرق في جواز مطالبة المالك بالمثل
بين كونه في مكان التلف أو غيره .. إلخ» فراجع (ص ٣٦٩).
(٢) وذلك لأنّ
المضمون هو المثل ، فلا بدّ من أدائه إلى المالك من دون لحاظ قيمته.
(٣) أي :
للمالك.
(٤) أمّا
الاعتبار ببلد التلف فلعلّه مبنيّ على انقلاب ما في الذّمّة من المثل إلى القيمة ،
وكون القيمة قيمة العين ، لأنّ دخالة خصوصية بلد التلف في ماليّة العين تقتضي لزوم
جبران تلك الماليّة في بلد المطالبة إن كان غير بلد التلف ، فإنّ تلك المرتبة من
الماليّة الناشئة من خصوصيّة بلد تلف العين لا بدّ من تداركها ، لفرض كونها ماليّة
تحقيقيّة ، لا تقديريّة حتى لا تضمن.
وأمّا الاعتبار
ببلد المطالبة فلعلّه مبنيّ على بقاء العين أو المثل في الذّمّة إلى زمان المطالبة
، إذ القيمة الّتي يدفعها الضامن تكون قيمة لما في الذّمّة ، فإذا استحقّ
__________________
وفصّل الشيخ (١)
في المبسوط في باب الغصب
______________________________________________________
المالك المطالبة به في بلد معيّن استحقّ تطبيق ما في الذّمّة على الفرد
الخارجيّ في ذلك البلد ، فتكون خصوصيّة البلد من قيود ما يستحقه المالك ، فلا بدّ
من دخلها في التقويم.
وأمّا اعتبار
أعلى القيمتين فهو مبنيّ على ضمان ارتفاع القيم ، وكون المضمون الجامع بين العين
والمثل ، وبقاء المثل في الذّمّة إلى زمان المطالبة. ولكن قد تقدّم عدم ضمان القدر
المشترك بين التالف والموجود.
(١) لا بأس
بنقل جملة من كلامه وقوفا على حقيقة الأمر ، قال قدسسره : «إذا غصب منه مالا مثلا بمصر فلقيه بمكّة ، فطالبه به
، لم يخل من أحد أمرين ، إمّا أن يكون لنقله مئونة ، أو لا مئونة لنقله. فإن لم
يكن لنقله مئونة كالأثمان ، فله مطالبته به ، سواء كان الصّرف في البلدين متّفقا
أو مختلفا ، لأنّه لا مئونة في نقله في العادة. والذّهب لا يقوّم بغيره ، والفضّة
لا يقوّم بغيرها إذا كانا مضروبين. وإن كان لنقله مئونة لم يخل من أحد أمرين ،
إمّا أن يكون له مثل أو لا مثل له. فإن كان له مثل كالحبوب والأدهان نظرت. فإن
كانت القيمتان في البلدين سواء كان له مطالبته بالمثل ، لأنّه لا ضرر عليه في ذلك.
وإن كانت القيمتان مختلفتين فالحكم فيما له مثل وفيما لا مثل له سواء ، فللمغصوب
منه إمّا أن يأخذ من الغاصب بمكّة قيمته بمصر ، وإمّا أن يدع حتّى يستوفي ذلك منه
بمصر ، لأنّ في النقل مئونة ، والقيمة مختلفة ، فليس له أن يطالبه بالفضل .. إلخ» .
وهذه العبارة
وإن كانت بظاهرها أجنبيّة عن محلّ البحث ـ من تعذّر المثل في بلد التلف والمطالبة
ـ لاختصاصها بصورة وجود المثل في بلد المطالبة ، ولذا يتفرّع عليه أنّ القيمة
المدفوعة إلى المالك هي بدل الحيلولة. لكنّ المناسبة ـ الداعية لتعرّض كلام الشيخ
هنا ـ هي اتّحاد حكم المثليّ مع القيميّ فيما لو اختلفت قيمة المثل في بلدي
__________________
«بأنّه إن لم يكن في نقله (١) مئونة كالنقدين فله المطالبة بالمثل ، سواء
كانت القيمتان مختلفتين أم لا. وإن كان في نقله مئونة فإن كانت (٢) القيمتان
متساويتين كان له المطالبة أيضا (٣) ، لأنّه (٤) لا ضرر عليه في ذلك ، وإلّا (٥)
فالحكم أن يأخذ قيمة بلد التلف ، أو يصبر
______________________________________________________
التلف والمطالبة ، وتوقّف نقل المثل على مئونة ، كما هو صريح قوله : «وإن
كانت القيمتان مختلفتين فالحكم فيما له مثل وفيما لا مثل له سواء» وأنّ المالك
مخيّر بين مطالبة قيمة بلد التلف وبين الانتظار حتى العود إلى بلد التلف لاستيفاء
المثل.
(١) أي : في
نقل المغصوب. وهذا هو الشقّ الأوّل في عبارة المبسوط ، ومحصّله : جواز مطالبة
المالك بالمثل في غير بلد الغصب والضمان ، سواء اتّحدت قيمة المثل في البلدين أم
لا.
(٢) هذا هو
الشقّ الثاني ، وهو تساوي قيمة بلد الغصب والمطالبة مع توقّف النقل على مئونة.
وحكمه جواز المطالبة في غير بلد الضمان.
(٣) يعني :
كالشقّ الأوّل الذي لم يتوقّف نقل المثل ـ من بلد الغصب إلى بلد المطالبة ـ على
نفقة.
(٤) الضمير
للشأن ، وهذا تعليل لجواز المطالبة بالمثل في غير بلد الغصب ، ومحصّله : أنّ
الضامن لا يتضرّر بأداء المثل إلى المالك ، لفرض تساوي قيمته في البلدين.
(٥) هذا هو
الشقّ الثالث ، يعني : وإن لم تكن القيمتان متساويتين ـ مع توقّف النقل على مئونة
ـ صار المثليّ كالقيميّ في أنّ المالك يتخيّر بين أخذ قيمة المثل في بلد التلف ،
وبين الصبر حتى الرجوع الى بلد التلف ، وأداء المثل فيه إلى المالك.
حتى يوفيه بذلك البلد» (*) ثمّ قال : «إنّ الكلام في القرض كالكلام في
الغصب» (١).
وحكي نحو هذا (٢)
عن القاضي أيضا ، فتدبّر (٣).
______________________________________________________
(١) بخلاف
السّلم ، فليس للمشتري مطالبة المسلم فيه ـ ولا بدله ـ في غير بلد العقد ، سواء أكان
لنقله مئونة أم لا. كذا أفاده شيخ الطائفة قدسسره تلو عبارته المتقدّمة.
(٢) أي : حكي
نحو هذا التفصيل عن القاضي كما حكي عن شيخ الطائفة قدسسرهما.
(٣) لعلّه
إشارة إلى : أنّ هذا التفصيل بشقوقه أجنبيّ عن موضوع البحث ، لأنّ مورد كلامه هو
صورة وجود المثل في بلدي التلف والمطالبة ، ومورد البحث هو تعذّر المثل ، فكان
الأنسب نقل كلام المبسوط في ذيل الفرع المتقدّم في الأمر الخامس في قبال قول
الحلّيّ والعلّامة والفخر والشهيد قدسسرهم القائلين بجواز مطالبة المثل عند التمكّن منه مطلقا كما
صنعه في الجواهر.
مع أنّ الشقّ
الأوّل من تفصيله راجع إلى جواز المطالبة في غير بلد التلف من دون تعرض فيه لتعيين
القيمة. والشق الثاني راجع إلى جواز المطالبة في صورة تساوي
__________________
__________________
ويمكن أن يقال (١)
: إنّ الحكم باعتبار بلد القرض ، أو السّلم (٢) ـ على القول به
______________________________________________________
القيمتين ، وهو غير محلّ الكلام. والشقّ الثالث راجع إلى عدم جواز المطالبة
بالمثل في غير بلد التلف ، وموضوعه وجود المثل ، وهو غير محلّ البحث.
(١) الظاهر أنّ
غرضه قدسسره من هذه العبارة المناقشة في تفصيل المبسوط ، وبيانه : أنّ
قوله في الشّقّ الثالث : «وإلّا فالحكم أن يأخذ قيمة بلد التلف أو يصبر حتى يوفيه
بذلك البلد» مشكل ، لاقتضاء أدلّة الضمان ـ كآية الاعتداء بالمثل ـ اشتغال عهدة
الضامن ببدل المغصوب ، وللمالك مطالبته منه ، سواء أكانا في بلد الضمان أم في بلد
آخر ، وسواء تساوت القيم في البلدين أم اختلفت. ولا مقيّد في البين حتى يختصّ جواز
المطالبة بما إذا كانا في بلد الضمان ، أو تساوت القيمتان في البلدين. بل مقتضى
إطلاق الدليل استحقاق المطالبة في بلد آخر حتى إذا كانت القيمة فيه أزيد من بلد
الضمان. مع أنّ شيخ الطائفة قدسسره منع المالك من مطالبة الزيادة ، وخيّره بين مطالبة قيمة
المثل في بلد الضمان وبين الانتظار حتى يؤدّي الضامن البدل في بلد الضمان.
نعم نقول
باستحقاق المطالبة بالبدل في خصوص بلد القرض والسّلم ، وذلك لانصراف إطلاق العقد
إليه وعدم تقييده بأداء المضمون في مكان آخر كانصراف إطلاق عقد البيع إلى نقد بلد
المعاملة لا نقد بلد آخر. وأمّا الغصب وما بحكمه ـ كالمقبوض بالبيع الفاسد ـ فلا
عقد حتى يختصّ استحقاق مطالبة البدل ببلد الضمان ، بل مقتضى إطلاق دليل الضمان
جواز المطالبة به في بلد آخر حتى مع تفاوت القيمتين.
(٢) قد عرفت
فيما نقلناه عن المبسوط أنّ شيخ الطائفة قدسسره ألحق القرض بالغصب ، ومقتضاه جريان الشقوق الثلاثة فيه
، ولم يحكم بتعيّن بلد القرض ، وإنّما صرّح بتعيّن بلد العقد في بيع السّلم خاصّة.
وكيف كان
فالفرق بين القرض والسّلم ـ بنظر شيخ الطائفة ـ لا يدفع إشكال المصنف عليه ، لأنّ
غرضه إبداء الفارق بين الغصب وما بحكمه ، وبين القرض والسّلم.
مع الإطلاق ـ لانصراف (١) العقد إليه ، وليس (*) في باب الضمان ما يوجب هذا
الانصراف (٢).
بقي الكلام في
أنّه هل يعدّ (٣) من تعذّر المثل خروجه عن القيمة كالماء على الشاطئ إذا أتلفه في
مفازة ، والجمد في الشتاء إذا أتلفه في الصيف ، أم لا؟ الأقوى ـ بل المتعيّن ـ هو
الأوّل (٤) ،
______________________________________________________
(١) خبر «إنّ»
وضمير «اليه» راجع إلى بلد القرض أو السّلم.
(٢) فالفارق
بين الغصب والقرض والسّلم فقدان الانصراف في الأوّل ، لانتفاء موضوعه أعني به
العقد. بخلاف القرض والسّلم ، فإنّ عقدهما منصرف إلى بلد العقد.
هذا ما يتعلق
بالجهة السادسة.
لحوق حكم سقوط المثل
عن الماليّة بتعذّره
(٣) هذه سابعة
جهات البحث في الأمر السادس ، وتفترق عن الجهات الستّ المتقدّمة في أنّ الكلام في
هذه الجهة ليس في إعواز المثل وعدم وجوده خارجا ، بل في إلحاق سقوطه عن الماليّة
بتعذّره حتى ينقلب الضمان إلى القيمة مع تيسّر الكلّي المثليّ ، وذلك كالماء إذا
أتلفه في مفازة ، فأراد أداء مقدار مساو له على شاطئ النهر ، والمفروض عدم مالية
الماء عليه ، فهل يكفي ردّ المثل ، أم يجب ردّ قيمة التالف في زمان الضمان ومكانه
، أم قيمة المثل آنا قبل سقوطه عن الماليّة؟ وجوه ، ستأتي.
(٤) وهو كون
سقوط المثل عن القيمة كتعذّر المثل ، لأنّ المماثلة المعتبرة في ضمان
__________________
بل حكي عن بعض (١) نسبته إلى الأصحاب وغيرهم ، والمصرّح (٢) به في محكيّ
التذكرة والإيضاح والدروس قيمة المثل في تلك المفازة (٣).
______________________________________________________
المثل يراد بها المماثلة في الحقيقة النوعيّة والماليّة ، إذ المماثلة في
الحقيقة النوعيّة فقط ـ بأن تشملهما حقيقة واحدة كصدق طبيعة الماء والجمد على
الماء على الشاطئ والثلج في الشتاء مثلا ، من دون الماليّة ـ لا توجب المماثلة
المقصودة في باب الضمان ، وهي المماثلة في الحقيقة والماليّة معا.
(١) الحاكي هو
السيّد العاملي قدسسره : «وفي جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب وغيرهم» . وعبارة المحقّق الكركي قدسسره هذه : «فالمختار هو وجوب القيمة ، ولا محيد عن مختار
الأصحاب وغيرهم في ذلك» .
وظاهر نسبته
إلى الأصحاب إجماعهم على الانتقال إلى القيمة.
(٢) الظاهر أنّ
غرضه الخدشة في الإجماع المستفاد من كلام المحقّق الكركي قدسسره وذلك لأنّهم اختلفوا في القيمة المستقرّة في عهدة
الضامن ، هل هي قيمة المغصوب كالثلج التالف في الصيف ، أم قيمة المثل؟ ذهب
العلّامة في التذكرة والقواعد ، وفخر المحققين والشهيد إلى اعتبار قيمة المثل في مثل تلك المفازة ـ في مثال
إتلاف الماء في الصيف ـ أو قيمة مثل ذلك الجمد. وذهب المحقّق الكركي إلى ضمان قيمة
المغصوب ، لا المثل ، ومعه كيف يدّعى الإجماع على ضمان قيمة
المغصوب؟
(٣) يعني : أنّ
العبرة في تقويم المثل ـ الذي سقط عن القيمة ـ بقيمته في تلك المفازة ، أي : قيمته
في المكان الذي أتلفه فيه.
بناءً على عدم
ضمان إرتفاع القيمة السوقيّة وإنحطاطها. فحينئذٍ يكون
__________________
ويحتمل آخر
مكان أو زمان سقط المثل به عن الماليّة (١) (*).
______________________________________________________
المضمون آخر زمان أو مكان ماليّته ، لأنّه بعد فرض ضمان ماليّة المال
المضمون كنوعيّته ـ وعدم ضمان ارتفاع القيمة السوقيّة ـ يكون المدار في الضمان آخر
أزمنة وأمكنة ماليّته ، بمعنى سقوطه عن الماليّة بعد ذلك الزمان والمكان.
مثلا إذا كان
قيمة إناء الماء في المفازة درهمين ، فتوجّها نحو الشاطئ ، وتنزّلت قيمته إلى نصف
درهم ، لقرب المسافة إلى النهر ، ولم تقلّ عن هذا الثمن بعدها ، بل سقطت عن
الماليّة بالكليّة ، كان المدار على آخر مكان الماليّة ، وهو نصف الدرهم في
المثال.
وكذا الحال في
إتلاف الجمد في الصيف وهو زمان ارتفاع قيمته ، وتتنزّل ماليّته في فصل الخريف شيئا
فشيئا كلّما قرب الشتاء ، فالمدار على قيمته النازلة التي تسقط عنها بعد ذلك
الزمان كآخر أيّام الخريف. وهكذا سائر الأشياء المثليّة.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
فرع (١) : لو
دفع القيمة في المثل المتعذّر مثله ، ثمّ تمكّن من المثل
______________________________________________________
القدرة على المثل بعد
دفع القيمة
(١) هذا فرع
آخر ممّا تعرّض له المصنّف من المباحث المتعلّقة بإعواز المثل ، وهو : حكم تمكّن
الضامن من أداء المثل بعد تعذّره ودفع قيمته إلى المالك ، فهل يجب عليه أداء المثل
أم لا؟ ذكر المصنف مباني ثلاثة ، يقتضي اثنان منها عدم الوجوب ، ويحتمل الوجوب
بناء على الثالث.
وتوضيحه : أنّه
إمّا أن نقول بعدم سقوط المثل عن الذّمّة بسبب التعذّر ، وإمّا أن نقول بسقوط
المثل بسبب تعذّره واستقرار القيمة. وبناء على الانقلاب نقول تارة :
إنّ المغصوب
بمجرّد تعذّر مثله يصير قيميّا ، واخرى : إنّ نفس المثل بتعذّره ـ الذي هو كالتلف
ـ يصير قيميّا. فهذه مبان ثلاثة.
فعلى الأوّل ـ وهو
عدم سقوط المثل بالإعواز ـ لا يجب دفع المثل إلى المالك ، لأنّ ما في الذّمّة كان
هو المثل إلى زمان دفع القيمة ، ولمّا كان إعطاء القيمة بالتراضي فقد سقط المثل ،
لكونه من قبيل الوفاء بغير الجنس مع التراضي ـ كما في القرض ـ ومن المعلوم سقوط ما
في الذّمّة به ، فلا وجه لوجوب دفع المثل بعد التمكّن منه.
وعلى الثاني ـ وهو
سقوط المثل بالتعذر وصيرورة المغصوب المثليّ قيميّا ـ لا يجب أداء المثل أيضا ،
لكون سقوطه بدفع القيمة أولى من الفرض الأوّل ، لأنّ نفس القيمة المدفوعة مصداق
لكلّيّ القيميّ الثابت في ذمّة الضامن ، ومن المعلوم أنّ دفع مصداق الطبيعيّ رافع
لما في العهدة حقيقة.
وبعبارة اخرى :
إنّ نفس القيمة حقّ المضمون له واقعا ـ بناء على انقلاب المضمون المثليّ إلى قيمته
ـ فأداؤها إلى المالك أداء حقّه الواقعيّ ، فيتعيّن سقوط الضمان حينئذ.
وعلى الثالث ـ وهو
سقوط المثل وانقلابه بقيمته لا بقيمة العين ـ يكون السقوط لأجل كون القيمة بدل
الحيلولة عن المثل. فمع التمكّن من أدائه يحتمل وجوب المثل.
فالظاهر (١) عدم عود المثل في ذمّته ، وفاقا للعلّامة رحمهالله (٢) ومن تأخّر عنه (٣) ممّن تعرّض للمسألة ، لأنّ المثل كان دينا في
الذّمّة سقط بأداء عوضه مع التراضي ، فلا يعود ، كما لو تراضيا (٤) بعوضه مع
وجوده. هذا (٥) على المختار من عدم سقوط المثل عن الذّمّة بالإعواز.
وأمّا على
القول بسقوطه (٦) وانقلابه قيميّا ، فإن قلنا بأنّ المغصوب انقلب
______________________________________________________
هذا حكم الشقوق
الثلاثة. ومذهب الماتن هو الأوّل.
(١) هذا مختار
المصنّف قدسسره وفاقا لجمع ، وهو مبنيّ على مذهب المشهور من عدم سقوط
المثل بالتعذّر ، كما تقدّم في أوائل هذا التنبيه السادس بقوله : «إنّ المشهور أنّ
العبرة في قيمة المثل المتعذّر بقيمته يوم الدفع ، لأنّ المثليّ ثابت في الذّمّة
إلى ذلك الزمان ، ولا دليل على سقوطه بتعذّره».
(٢) قال في
القواعد : «ولو غرم القيمة ثمّ قدر على المثل فلا تردّ القيمة ، بخلاف القدرة على
العين» .
(٣) كالشهيدين
والمحقّق الكركيّ وغيرهم قدسسرهم كما نسبه إليهم السيد العاملي قدسسره .
(٤) يعني : أنّ
عدم عود المثل المتعذّر إلى الذّمّة ـ بعد القدرة عليه ـ يكون نظير تراضي المالك
والضامن على القيمة في صورة التمكّن من المثل ، فلو أخذها المالك لم يكن له مطالبة
المثل.
(٥) أي : عدم
عود المثل إلى عهدة الضامن مبنيّ على المختار .. إلخ.
(٦) مقتضى
السياق رجوع الضميرين إلى «المثل المتعذّر» لكنّه في «انقلابه» لا يخلو من تكلّف.
وقد تقدم نظيره في (ص ٤٠٤) فراجع.
__________________
قيميّا عند تعذّر مثله (١) فأولى (٢) بالسقوط ، لأنّ المدفوع نفس ما في
الذّمّة.
وإن قلنا : إنّ
المثل بتعذره ـ النّازل (٣) منزلة التلف ـ صار قيميّا (٤) احتمل (٥) (*) وجوب
المثل عند وجوده ، لأنّ (٦) القيمة حينئذ بدل الحيلولة عن المثل ، وسيأتي (٧) أنّ
حكمه عود المبدل عند انتفاء الحيلولة.
______________________________________________________
(١) هذا هو
مبنى الشقّ الثاني ، المتقدّم بقولنا : «وبناء على الانقلاب فتارة نقول إنّ
المغصوب بمجرّد تعذّر مثله يصير قيميّا».
(٢) هذا حكم
الشقّ الثاني ، وهو أولوية سقوط المثل عن الذّمّة من الشقّ الأوّل ، لما عرفت من
انتقال حقّ المضمون له من المثل إلى القيمة ، فكأنّ العين المضمونة قيميّة من أوّل
ضمانها ، لا مثليّة ، فكيف يجب دفع المثل بعد أداء قيمة المضمون؟
(٣) صفة لتعذّر
المثل ، يعني : أنّ تعذّر المثل يكون بمنزلة تلف جميع أفراده ، الموجب لتبدّله
بالقيمة.
(٤) هذا مبنى
الشقّ الثالث ، وقد عرفته بقولنا : «واخرى نقول : إنّ نفس المثل بتعذّره يصير
قيميّا».
(٥) هذا حكم
الشق الثالث ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «وعلى الثالث ..
يكون السقوط
لأجل ..».
(٦) تعليل
لاحتمال وجوب المثل ، يعني : أنّ القيمة بدل ماداميّ ، فإذا وجد المبدل سقط البدل
عن الاعتبار ، ويرجع الحكم إلى المبدل.
(٧) يعني : في
الأمر السابع بقوله : «ثم إنّه لا إشكال في أنّه إذا ارتفع تعذّر ردّ العين وصار
ممكنا وجب ردّها إلى المالك».
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
السابع (١) :
لو كان التالف المبيع فاسدا قيميّا (٢) فقد حكي (٣) الاتّفاق على
______________________________________________________
ضمان القيميّ بالقيمة
(١) الغرض من
عقد هذا الأمر بيان جهة أخرى مما يتعلّق بالمبيع بالبيع الفاسد إذا تلف بيد
المشتري ، وهي كيفيّة ضمان القيميّات ، وأنّها مضمونة بالقيمة أو بما يماثلها. فإن
كانت مضمونة بالقيمة لم يكن للمالك إلزام الضامن بالمثل ، ولا للضامن كذلك. وكذا
الحال لو كان القيميّ ـ كالمثليّ ـ مضمونا بالمثل. فيقع البحث في مقامين :
أحدهما : في
الدليل على ضمان القيميّ بالقيمة ، لا المثل.
ثانيهما : في
تعيين القيمة بحسب تفاوتها في الأزمنة من يوم القبض والتلف ، وأعلى القيم بينهما ،
وغير ذلك ممّا سيظهر.
(٢) قد أشرنا
إلى تعريف القيميّ في الأمر الرابع ، وأنّه ما يكون مدار ماليّته على الجهات
الشخصيّة ، وهذا ممّا يحكم به العرف في باب الضمان.
(٣) هذا شروع
في المقام الأوّل ، وقد استدلّ بوجوه على ضمان القيميّ بالقيمة.
الأوّل :
الإجماع المنقول الذي ادّعاه الفقيه المتتبّع السيد العاملي قدسسره ـ بعد حكاية الشهرة عن الشهيد ـ بقوله : «لا أجد فيه في
الباب خلافا ، إلّا ما يحكى عن أبي علي ، وما يظهر من قرض الخلاف ، وما لعلّه يظهر
من المحقّق في باب القرض .. وكيف كان فقد اتّفقوا هنا ـ يعني في باب الغصب ـ من
غير تأمّل ولا خلاف» .
__________________
كونه مضمونا بالقيمة (١). ويدلّ عليه الأخبار المتفرّقة (٢) في كثير من
القيميّات ،
______________________________________________________
(١) خلافا
للإسكافي والشيخ والمحقّق في باب القرض.
لكن صحّة نسبة
الخلاف إلى الإسكافي لا تخلو عن إشكال ، لعدم ظهور عبارته المحكيّة فيما نسب إليه
، وتقدّم التعرّض له عند كلام المصنّف في أوّل التنبيه السادس ، وسيأتي أيضا.
وأمّا مخالفة شيخ الطائفة والمحقّق قدسسرهما فهي مبنية على ثبوت التلازم بين القرض والمقام أعني به
المقبوض بالعقد الفاسد ، المحكوم بحكم الغصب ، وهو غير ثابت.
(٢) أي : ويدلّ
على ضمان القيميّ بالقيمة الأخبار المتفرّقة الواردة في كثير من القيميّات
المضمونة بالإتلاف والالتقاط ونحوهما من موجبات الضمان ، وهذه الأخبار دليل ثان
على المدّعى ، وقد تقدّم بعضها في (ص ٣٣٨) كرواية بيع الجارية المسروقة ، وكرواية
السفرة وغيرهما ، ونذكر بعضها الآخر هنا ، فنقول وبه نستعين :
منها : رواية
علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : «سألته عن رجل أصاب شاة في الصحراء ، هل تحلّ
له؟ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، فخذها وعرّفها حيث أصبتها
، فإن عرفت فردّها إلى صاحبها ، وإن لم تعرف فكلها وأنت ضامن لها ؛ ان جاء صاحبها
يطلب ثمنها أن تردّها عليه» .
وتقريب الدلالة
: أنّ الشاة المضمونة بالالتقاط قيميّة ، فتضمن بقيمتها ، لقوله عليهالسلام : «يطلب ثمنها أن تردّها عليه».
ومنها : رواية
علي بن جعفر عن أخيه عليهالسلام ، قال : «وسألته عن الرجل يصيب اللقطة ، فيعرفها سنة ،
ثم يتصدّق بها ، فيأتي صاحبها ، ما حال الذي تصدّق بها؟ ولمن الأجر؟ هل عليه أن
يردّ على صاحبها أو قيمتها؟ قال : هو ضامن لها ، والأجر له ، إلّا أن يرضى صاحبها
، فيدعها والأجر له» .
__________________
فلا حاجة (١) إلى التمسّك بصحيحة أبي ولّاد الآتية في ضمان البغل (*)
______________________________________________________
والشاهد في كون
الملتقط ضامنا لقيمة اللقطة ، لأنّه عليهالسلام قرّر السائل في اشتغال عهدته بالقيمة ، وقال : «هو ضامن
لها».
ومنها : ما
رواه زيد بن علي عن آبائه عليهمالسلام ، قال : «أتاه رجل تكارى دابة فهلكت ، وأقرّ أنّه جاز بها
الوقت ، فضمّنه الثمن ولم يجعل عليه كراء» . بتقريب : أنّ الدّابة الهالكة قيميّة ، والمستأجر
المفرّط ضامن لقيمتها.
ومنها : مرسلة
الصدوق عن أبي عبد الله عليهالسلام ، في حديث : «وإن وجدت طعاما في مفازة فقوّمه على نفسك
لصاحبه ثم كله ، فإن جاء صاحبه فردّ عليه القيمة» . والتقريب كما تقدّم.
ومنها : رواية
السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام : «أنّه قضى في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم ،
فاحترقت ، واحترق متاعهم؟ قال : يغرم قيمة الدار وما فيها ثم يقتل» .
والدلالة ظاهرة
أيضا ، فإنّ بعض الأمتعة المحترقة قيمي عادة ، وقد حكم عليهالسلام بضمان قيمة الدار والأثاث.
ومنها : روايات
أخر وردت في تلف العين المرهونة سيأتي ذكرها عند تعرّض الماتن لها.
(١) هذا تعريض
بما في الجواهر من الاستدلال ـ على ضمان القيميّ بالقيمة ـ
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بصحيحة أبي ولّاد الآتية ، وبنصوص ضمان العبد المشترك المعتق بعضه ، قال
صاحب الجواهر قدسسره : «نعم للمصنّف ـ وهو المحقّق ـ في كتاب القرض ضمان
القيميّ بمثله ، وقد سمعت الكلام فيه هناك. كما أنّك سمعت الكلام في المحكيّ عن
ابن الجنيد المحتمل لإرادة ما لا ينافي المشهور منه. وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه
، لظهور صحيح أبي ولّاد وغيره ممّا دلّ على ضمان الحيوان عبدا كان أو غيره في كون
الكلام القيمة ، ومنه نصوص العتق لشريك ، المقتضي للسراية المأمور بها بالتقويم ،
فليس للمتلف دفع المثل العرفي إلّا مع رضا المالك. كما أنّه ليس للمالك اقتراحه» .
والمستفاد منه
: الاستدلال على اعتبار القيمة في ضمان القيميّات بطائفتين من الأخبار.
الأولى : صحيحة
أبي ولّاد ، الظاهرة في ضمان البغل بالقيمة ، لقوله عليهالسلام : «نعم قيمة بغل يوم خالفته» ولمّا كانت البغال والحمير
والدّوابّ معدودة من القيميّات ، فلو تلفت اشتغلت الذّمّة بأثمانها لا بأمثالها.
وعليه فالصحيحة دليل على تعيّن القيمة في بدليّتها عن العين القيميّة المضمونة.
الثانية : ما
ورد من أنّه لو كان عبد مشتركا بين جماعة ، فأعتق أحدهم نصيبه ،
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تعيّن عليه دفع قيمة سائر حصصه إلى شركائه ، حتّى يتحرّر العبد كاملا
بالسراية. ومن المعلوم أنّ العبيد والإماء قيميّات وليست مثليّة ، فضمان قيمة
العبد دليل على أنّ القيميّ لا يضمن إلّا بالقيمة.
وهذه النصوص
جمعها الشيخ الحرّ قدسسره في باب عنوانه «أنّ من أعتق مملوكا له فيه شريك ، كلّف
أن يشتري باقيه ويعتقه إن كان موسرا مضارّا ، وإلّا استسعى العبد في باقي قيمته ،
وينعتق ، فإن لم يسع خدم بالحصص» .
ففي معتبرة
محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : «قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في عبد كان بين رجلين ، فحرّر أحدهما نصفه ، وهو صغير ،
وأمسك الآخر نصفه حتى كبر الذي حرّر نصفه. قال : يقوّم قيمة يوم حرّر الأوّل ،
وأمر الأوّل أن يسعى في نصفه الذي لم يحرّر حتى يقضيه» .
ونحوه سائر
أخبار الباب.
وتقريب الدلالة
: أنّ تحرير العبد إتلاف لمال الشريك. وحيث إنّ المضمون قيميّ ـ وهو العبد ـ كان
ضمانه بالقيمة ، لقوله عليهالسلام : «يقوّم قيمة». هذا توضيح نظر الجواهر.
وناقش المصنّف
فيه بمنع دلالة صحيحة أبي ولّاد ونصوص تحرير العبد المشترك على ضمان القيميّ
بالقيمة. أمّا الصحيحة فلظهورها في ضمان القيميّ بالمثل لا بالقيمة ، فإنّ كلمة «بغل»
في قوله عليهالسلام : «قيمة بغل يوم خالفته» نكرة ، وهي ظاهرة في كون ذي
القيمة بغلا غير معيّن ، ويتّجه مذهب القائل بأنّ الثابت في الذّمّة بغل غير معيّن
، وأنّ القيمة بدل عنه ، لا أنّ المضمون قيمة البغل التالف.
وأمّا نصوص
العتق فلأنّ الأمر بتقويم العبد ـ المعتق بعضه ـ غير ظاهر في
__________________
ولا بقوله عليهالسلام : «من أعتق شقصا من عبد قوّم عليه» (١). بل الأخبار
كثيرة (٢).
______________________________________________________
ما نحن فيه من ضمان القيميّ بالقيمة ، لاحتمال كون التقويم معاوضة شرعيّة
قهريّة ، رعاية لحرّيّة العبد المبعّض.
والمتحصل : أنّ
صحيحة أبي ولّاد وأخبار تحرير بعض العبد غير وافية بإثبات المدّعى ، وهو تعيّن
القيمة في ضمان القيميّات.
(١) لم أظفر
بهذا المتن في جوامع الأخبار من الوسائل وغيره ، فلعلّ المصنّف نقله بالمعنى ، أو
اعتمد على ما رواه شيخ الطائفة مرسلا عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم .
(٢) يعني : أنّ
الأخبار الكثيرة ظاهرة في ضمان القيميّ بالقيمة ، وهي سليمة عن المناقشة ، ومعها
لا حاجة إلى الصحيحة ونصوص العتق اللّتين استند إليهما صاحب الجواهر قدسسره ، مع ما فيهما من الخدشة كما عرفت آنفا.
ثم إنّه لا بأس
بالإشارة إلى نكتة ، وهي : أنّ المصنّف قدسسره ادّعى هنا كثرة الأخبار الدالّة على اعتبار القيمة في
القيميّات ، لقوله : «الأخبار المتفرّقة في كثير من القيميّات» وقوله : «بل
الأخبار كثيرة». وهذا ربّما ينافي ما نبّه عليه في الأمر الرابع من جعل الأخبار
المتكفّلة للضمان بالقيمة نادرة جدّا ، حيث قال هناك : «إلّا ما شذّ وندر». فإن
كانت هذه الأخبار شاذّة لم يتّجه قوله هنا من : «أنّها كثيرة» وإن كانت كثيرة لم
يتجه رميها بالندرة والشذوذ في التنبيه الرابع.
قلت : الظاهر
عدم التنافي بين التعبيرين ، فإنّ ندرتها تكون بالقياس إلى النصوص المشتملة على
مادّة الضمان والتغريم بصيغ عديدة في مطلق المضمونات. سواء أكانت مثليّة أم قيميّة
، وهي أزيد من مائة رواية قطعا كما لا يخفى على المتتبّع ، وقد ادّعى المصنف هناك
انصراف إطلاقها إلى الأقرب إلى المضمون ، وهو المثل ثم القيمة.
__________________
بل قد عرفت (١)
أنّ مقتضى إطلاق أدلة الضمان في القيميّات هو ذلك (٢) بحسب المتعارف (*).
إلّا (٣) أنّ
المتيقّن (**) من هذا المتعارف ما كان المثل فيه متعذّرا.
______________________________________________________
وأمّا دعوى
كثرة أخبار ضمان القيميّ فصحيحة أيضا ، لتحقّق الكثرة بعشر روايات أو ما يقارب
العشرة. ولا ريب في أنّ ما ورد فيه لفظ «الثمن أو القيمة» لا يقلّ عن هذا العدد ،
كما ذكرناها بمصادرها ، فلاحظ.
(١) يعني : في
الأمر الرابع ، حيث قال : «إنّ القاعدة المستفادة من إطلاقات الضمان في المغصوبات
والأمانات المفرّط فيها وغير ذلك هو الضمان بالمثل .. ثم بعده قيمة التالف ..».
وهذا إشارة إلى
دليل ثالث على اعتبار القيمة في المضمونات القيميّة ، وتقريبه : أنّ الأخبار
المتفرّقة المشتملة على مادّتي «الضمان والغرامة» لم يتعرّض فيها لكيفيّته مع كونها
واردة في مقام البيان ، فعدم تعرّض المتكلّم لبيان الكيفيّة دليل على إحالتها على
العرف ، ومن المعلوم أنّهم يحكمون بأداء ما هو أقرب إلى التالف ، فإن كان مثليّا
تعيّن أداء المثل ، وإن كان قيميّا تعيّن دفع القيمة.
وعليه فمناط
هذا الوجه استفادة الحكم من الأدلّة العامّة في الضمانات ، سواء أكان المضمون
مثليّا أم قيميّا.
(٢) خبر قوله :
«ان مقتضى» والمشار إليه هو الضمان بالقيمة.
(٣) استدراك
على قوله : «بل قد عرفت أنّ مقتضى إطلاق» وغرضه المناقشة في دلالة الطائفتين من
الأخبار على ضمان القيميّ بالقيمة. أمّا الطائفة الأولى فسيأتي منع إطلاق دلالتها.
__________________
______________________________________________________
وأمّا الطائفة
الثانية ـ وهي إطلاقات الضمان ـ فيشكل الاستدلال بها على ضمان القيميّ بالقيمة
مطلقا حتى مع تيسّر المثل العرفي للعين التالفة القيمية. وجه الاشكال : أنّ مناط
الأخذ بالإطلاق المقامي هو عدم بيان كيفيّة خاصة ، وإحالة الأمر إلى العرف في مقام
البيان. ومن المعلوم توقف الإطلاق على عدم تعارف سيرتهم على أمر آخر. مع أنّه لا
ريب عندهم في كون المثل أقرب إلى التالف حتى في القيميّات.
وعليه تختص
الروايات المطلقة بما إذا تعذّر المثل ، مع أنّ المدّعى عام وهو ضمان القيميّ
بالقيمة سواء تيسّر المثل أم تعذّر.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
بل (١) يمكن
دعوى انصراف الإطلاقات الواردة في خصوص بعض
______________________________________________________
(١) غرضه
المناقشة في دلالة عدّة من الأخبار الواردة في ضمان القيميّات ، كما ناقش في
إطلاقات الضمان. وحاصلها : أنّ المدّعى عامّ ، وهو : ضمان كلّ قيميّ بالقيمة كضمان
المثليّ بمثله ، مع أنّه يمكن منع إطلاق بعض الأخبار لحالة وجود مماثل عرفيّ
للقيميّ المضمون ، ففي صحيحة أبي ولّاد : «قيمة بغل يوم خالفته». إذ من المحتمل
كون الثابت في ذمّة الضامن بغلا غير معيّن ، وإنّما تعطى القيمة بدلا عنه ، لا
بدلا عن نفس البغل التالف أو المتلف. ولا سبيل لاستفادة ضمان قيمة البغل التالف
حتى مع وجود بغل مماثل له في الصفات والماليّة.
وكذا يمكن أن
يكون تقويم العبد ـ وأداء قيمة ما بقي منه غير محرّر ـ لأجل
__________________
القيميّات كالبغل والعبد ونحوهما لصورة (١) تعذّر المثل كما هو الغالب (٢).
فالمرجع (٣) في وجوب القيمة في القيميّ وإن فرض تيسّر المثل له ـ كما (٤) في من
أتلف عبدا من شخص باعه عبدا موصوفا بصفات ذلك العبد بعينه.
______________________________________________________
تعذّر المثل ، بحيث لو تيسّر عبد مماثل للمعتق مالية وصفة يحلّ محلّه كان
مقدّما على دفع القيمة ، فتأمّل.
والحاصل : أنّ
الإطلاقات المختصّة بالقيميّات تنقسم إلى طائفتين ، فما كان منها متكفّلا لضمان
قيمة العبد والبغل أمكن انصرافها إلى صورة تعذّر المثل كما هو الغالب في العبد
والبغل. فلا يكفي أداء القيمة مع تيسّر المثل. وما كان منها متكفّلا لضمان قيمة
سائر الأمتعة يمكن إطلاقها لحالتي تيسّر المماثل وتعذّره.
(١) متعلق ب «لانصراف».
(٢) يعني : أنّ
الغالب في بعض القيميّات تعذّر المثل العرفيّ.
(٣) غرضه أنّه
ـ بعد انصراف إطلاقات أدلّة ضمان القيميّ بالقيمة إلى صورة تعذّر المثل ، وعدم
شمولها لصورة تيسّر المثل ـ لا بدّ من القول ، بضمان القيميّ بالمثل مع وجوده ، مع
أنّهم لم يلتزموا به ، بل التزموا بالقيمة حتى مع تيسّر المثل ، فدليلهم على
الضمان بالقيمة في القيميّ مطلقا ولو مع وجود المثل هو الإجماع.
(٤) ذكر
المصنّف قدسسره مثالين لتيسّر المثل ، أحدهما : أن يبيع شخص عبدا
كلّيّا موصوفا بصفات تميّزه عمّن سواه بثمن معيّن ، وأتلف المشتري على البائع عبدا
مملوكا له بصفات العبد المبيع ـ قبل أن يسلّمه البائع منه ـ فإنّهم لم يحكموا
بالتهاتر وتساقط ما في ذمّتي البائع والمشتري ، بل قالوا باستقرار المبيع في ذمّة
البائع ، وبضمان المشتري قيمة العبد الذي أتلفه على البائع. وهذا الحكم شاهد على
ضمان القيميّ بالقيمة ، سواء تيسّر المثل أم تعذّر.
ثانيهما : مثال
الكرباس ، فإنّ الأذرع منه متماثلة ، ولكن يجب دفع قيمة الذراع المتلف ، لا مثله.
وكما لو أتلف عليه ذراعا من مائة ذراع كرباس منسوج على طريقة واحدة لا
تفاوت في أجزائه أصلا ـ هو الإجماع (١) كما يستظهر.
وعلى تقديره (٢)
ففي شموله لصيرورة تيسّر المثل من جميع الجهات تأمّل. خصوصا (٣) مع الاستدلال عليه
(٤) كما في الخلاف وغيره بقوله تعالى (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ
بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) بناء (٥) على أنّ القيمة مماثل للتالف في الماليّة فإنّ
(٦) ظاهر ذلك جعلها (٧) من باب الأقرب إلى التالف بعد تعذّر المثل.
______________________________________________________
(١) خبر قوله :
«فالمرجع».
(٢) يعني :
وعلى تقدير تحقّق الإجماع ، وغرضه المناقشة في شمول الإجماع ـ على فرض ثبوته ـ للمثل
الموجود المماثل للتالف القيميّ من جميع الجهات ، فالإجماع على ثبوت القيمة في هذه
الصورة غير ثابت ، لأنّه دليل لبّيّ ، والمتيقّن منه غير هذه الصورة.
(٣) وجه
الخصوصيّة ظهور الآية الشريفة في تعيّن المماثل للتالف من جميع الجهات وإن كان
التالف قيميّا ، إلّا إذا تعذّر المثل ، فإنّ القيمة حينئذ مما يعدّ مماثلا
للتالف.
(٤) أي : على
وجوب القيمة في القيميّ ، وقد تقدّم في (ص ٣٣٩) نقل استدلال شيخ الطائفة قدسسره بالآية الشريفة على كلّ من وجوب المثل في المثليّ ،
والقيمة في القيميّ ، فراجع.
(٥) هذا البناء
هو استدلال شيخ الطائفة ، وليس أمرا آخر ، إذ لو لم تكن القيمة مماثلة للتالف كانت
الآية الشريفة أجنبيّة عن المدّعى. وعليه فالاستدلال بها منوط بالتوسعة في
المماثلة كما تقدّم مشروحا في (ص ٣٣٩).
(٦) تعليل
لقوله : «خصوصا» وقوله : «ذلك» إشارة إلى «الاستدلال».
(٧) أي : جعل
القيمة من باب الأقرب إلى التالف بعد تعذّر المثل ، فتكون المماثلة في الماليّة.
وكيف كان (١)
فقد حكي الخلاف في ذلك عن الإسكافي (٢) ، وعن الشيخ والمحقّق في الخلاف والشرائع
في باب القرض (٣).
فإن أرادوا ذلك
(٤) مطلقا
______________________________________________________
(١) أي : سواء أكان
مقتضى إطلاقات ضمان القيميّات ضمانها بالقيمة مطلقا سواء تيسّر المثل أم تعذّر ،
أم كان مقيّدا بتعذر المثل ، فقد حكي .. إلخ.
وغرضه من هذا
الكلام الخدشة في الإجماع بمخالفة ابن الجنيد في مطلق المضمون ، ومخالفة شيخ
الطائفة والمحقّق في خصوص باب القرض. وهل تقدح هذه المخالفة في تحقّق الإجماع على
ضمان القيميّ بالقيمة أم لا؟ سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
(٢) أمّا أبو
علي فقد تقدّم كلامه في أوّل الأمر السادس ، فراجع (ص ٢٩٥) وأمّا الشيخ والمحقّق
فيظهر منهما في باب القرض ثبوت نفس مثل العين المقترضة في ذمّة المديون ، قال في
الخلاف : «إذا لم يجد مال القرض بعينه وجب عليه مثله ، وعليه أكثر أصحاب الشافعيّ
.. دليلنا : أنّه إذا قضى مثله برئت ذمّته ، وإذا ردّ قيمته لم يدلّ دليل على
براءتها. وأيضا : فالذي أخذه عين مخصوصة ، فمن نقل إلى قيمتها فعليه الدلالة» .
وقال في
الشرائع : «وما ليس كذلك ـ أي مثليّا ـ يثبت في الذّمّة قيمته وقت التسليم. ولو
قيل يثبت مثله أيضا كان حسنا» .
(٣) وأمّا في
باب الغصب فوافقا المشهور من التفصيل بين المثليّ والقيميّ.
(٤) أي فإن
أرادوا وجوب المثل في القيميّات. ناقش المصنّف قدسسره في القول بضمان القيميّ بالمثل بعدم خلوّه من شقّين
ممنوعين.
توضيحه : أنّ
القائلين بوجوب المثل في القيميّ إن أرادوا ذلك مطلقا سواء تيسّر المثل أم تعذّر ،
ففيه : أنّه مردود بإطلاقات روايات ضمان القيميّات بالقيم في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
موارد كثيرة ، كصحيحة أبي ولّاد الآتية ، وروايات تقويم العبد المشترك الذي
أعتق بعض مواليه شقصه ، وروايات سقوط الدين بتلف الرّهن ، المتقدّمة في (ص ٣٣٨)
وروايات متفرّقة اخرى وردت في ضمان القيميّات. ولم يقيّد وجوب أداء القيمة فيها
بتعذّر المثل حتى يستكشف منها أنّ العين التالفة تضمن بالمثل سواء أكانت مثليّة أم
قيميّة كي يكون أداء القيمة ـ في القيميّات ـ بدلا عمّا اشتغلت به الذّمّة وهو
المثل.
وعليه فمقتضى
أصالة الإطلاق ضمان القيميّ بالقيمة ، وأنّها بدل عن العين المضمونة ، وليست بدلا
عن المثل.
وإن أرادوا من
ضمان القيميّ بالمثل ضمانه عند تيسّر المثل ـ لا مطلقا ـ لم يكن ذلك بعيدا ،
لوجهين :
أحدهما : ظهور
آية الاعتداء في اعتبار المماثلة بين التالف وبدله ، ومن المعلوم أنّ المماثل
للتالف القيميّ هو المثل العرفيّ لا القيمة ، فمع تيسّره يتعيّن في البدليّة عن
المضمون.
ثانيهما :
قاعدة نفي الضرر الجارية في حقّ المالك ، وذلك لأنّ الجهات النوعيّة دخيلة في
الضمان ، لتحقّق المماثلة فيها ، دون الجهات الماليّة المعرّاة عن الصفات النوعيّة
، لعدم تحقّق المماثلة حينئذ بين التالف وبدله. فمع تيسّر المثل يتضرّر المالك
بقبول القيمة ، لفقدان الصفات النوعيّة ، فإنّ الحنطة ـ في الغرامات ـ بدل الحنطة
التالفة المضمونة ، دون القيمة ، فخصوصيّة الحنطية مثلا يتضرّر المالك بفقدها.
وعليه فيلزم ردّ المثل في القيميّات مع الإمكان.
هذا ما يقتضيه
الوجهان. لكن المانع من القول بوجوب المثل المتيسّر ـ في ضمان القيميّات ـ هو عدم
القول بالفصل ، لأنّهم بين قائل بضمان القيميّ بالقيمة مطلقا ـ كما هو المشهور ـ سواء
وجد المماثل العرفي أم لا ، وبين قائل بضمانه بالمثل مطلقا ، كما يظهر من شيخ
الطائفة وغيره في باب القرض ، بلا فرق ـ أيضا ـ بين تيسّر المثل
حتّى (١) مع تعذّر المثل ، فتكون (٢) القيمة عندهم بدلا عن المثل حتى
يترتّب عليه وجوب قيمة (٣) يوم دفعها ـ كما ذكروا ذلك (٤) احتمالا في مسألة تعيّن
القيمة (٥) متفرّعا على هذا القول (٦) ـ فيردّه (٧) إطلاقات الروايات الكثيرة في
موارد كثيرة.
______________________________________________________
وتعذّره ، ولم يقولوا ببدليّة القيمة عن المثل في صورة التعذّر حتى يستكشف
منه الطولية ، ويكون القيمة بدلا عمّا هو بدل التالف.
والحاصل : أنّ
ما ذهب إليه شيخ الطائفة والمحقّق في باب القرض ـ من ترجيح ضمان القيميّ بالمثل ـ لا
سبيل للأخذ به في القرض ، فضلا عن القول به في المغصوب والمقبوض بالبيع الفاسد.
(١) بيان
للإطلاق.
(٢) هذا متفرع
على اشتغال الذّمّة أوّلا بالمثل ، فيكون هو بدل التالف ، ولو تعذّر كانت القيمة
بدل المثل لا بدل التالف.
(٣) يعني : إذا
كان وجوب دفع القيمة مترتّبا على تعذّر المثل ترتّب عليه وجوب دفع قيمة يوم الأداء
، لا يوم التلف ، ولا يوم تعذّر المثل ، ولا أعلى القيم ، ولا غير ذلك.
ووجه احتمال
قيمة يوم الدفع هو : أنّ المثل ثابت في الذّمّة إلى وقت الأداء ، فقيمة يوم الدفع
هي ثمن المثل المنتقل إلى القيمة.
(٤) أي : وجوب
قيمة يوم الدفع.
(٥) يعني :
المسألة التي وقع فيها البحث عن أنّ الواجب هل هو قيمة يوم القبض أو يوم التلف أو
أعلى القيم أو غير ذلك؟ مما سيأتي التعرّض له قريبا.
(٦) أي : أنّ
القول باعتبار قيمة يوم الدفع متفرّع على القول بضمان القيميّ بالمثل مطلقا ولو مع
تعذّره ، فإنّ مقتضاه حينئذ قيمة يوم الدفع ، كما عرفت آنفا.
(٧) جواب الشرط
في قوله : «فإن أرادوا ذلك» وهذا إشارة إلى أوّل الشّقّين ، وقد تقدم توضيحه
بقولنا : «ففيه أنه مردود بإطلاقات روايات ضمان القيميّات ..».
منها : صحيحة
أبي ولّاد الآتية (١).
ومنها : رواية
تقويم العبد.
ومنها : ما دلّ
على «أنّه إذا تلف الرّهن بتفريط المرتهن سقط من دينه بحساب ذلك» فلولا (٢) ضمان التالف
بالقيمة لم يكن وجه لسقوط الدّين بمجرّد ضمان التالف.
ومنها : غير
ذلك من الأخبار الكثيرة (٣) (*).
______________________________________________________
(١) لقوله عليهالسلام : «قيمة بغل يوم خالفته» الظاهر في اعتبار قيمة البغل
سواء وجد بغل مماثل للبغل الذي اكتراه أبو ولّاد ، أم لم يوجد. وهكذا حال الإطلاق
في روايات عتق العبد.
(٢) هذا تقريب
دلالة أخبار تلف العين المرهونة على ضمان القيميّ بالقيمة ، لا بالمثل. ومحصّله :
أنّ العين المرهونة لو كانت مضمونة بالمثل لم يكن وجه للحكم بسقوط ما يساويه من
الدّين ، بل كان المرتهن ضامنا للمثل ، وكان الدين ـ بتمامه ـ باقيا على عهدة
الراهن ، ولا تهاتر في البين. مع أنّ الامام عليهالسلام حكم بسقوط المقدار المساوي للدين عن ذمّة المديون ، ولم
يفصّل بين تيسّر مثل الرهن وتعذّره. وهذا كاشف عن ضمان القيميّ بالقيمة مطلقا سواء
تيسّر المماثل العرفي أم تعذّر.
(٣) يعني : من
الأخبار المتفرّقة في أبواب العارية والوديعة والإجارة واللقطة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وغيرها ، ولا بأس بالتيمّن بذكر بعضها.
فمنها : معتبرة
محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في رجل أعار جارية ، فهلكت من عنده ولم يبغها غائلة ،
فقضى أن لا يغرمها المعار. ولا يغرم الرجل إذا استأجر الدابّة ما لم يكرهها أو
يبغها غائلة» .
بتقريب : أنّ
الجارية والدابّة قيميّتان ، وهما مضمونتان بالتعدّي عليهما ، ولم يقيّد عليهالسلام الضمان بالقيمة بتعذّر المثل. فاللازم الحكم بضمانها
مطلقا.
ومنها : ما
رواه عليّ بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليهالسلام ، قال : «سألته عن رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره ،
فنفقت ، ما عليه؟ قال : إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها. وإن لم يسمّ
فليس عليه شيء» . وقد أطلق عليهالسلام الضمان ، مع أنّ المضمون قيميّ ، ولم يقيّد اشتغال
الذّمّة بالقيمة بتعذّر المثل.
ومنها : ما ورد
في ضمان الغسّال والصّبّاغ والقصّار والصّائغ والبيطار والدلّال ونحوهم ، مع أنّ
ما بأيديهم من الأعيان المضمونة قيميّات غالبا ، كمعتبرة الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «سئل عن القصّار يفسد؟ فقال : كلّ أجير يعطى
الأجرة على أن يصلح فيفسد فهو ضامن» .
ومنها : ما ورد
في ضمان الجمّال والحمّال والمكاري والملّاح ونحوهم إذا فرّطوا أو كانوا متّهمين
ولم يحلفوا ، أو شرط عليهم الضمان ، مثل ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام : «في الجمّال يكسر الذي يحمل أو يهريقه؟ قال : إن كان
مأمونا فليس
__________________
وإن أرادوا (١)
أنّه مع تيسّر المثل يجب المثل لم يكن (٢) بعيدا ، نظرا إلى ظاهر آية الاعتداء
ونفي الضرر ، لأنّ (٣) خصوصيّات الحقائق قد تقصد.
اللهمّ (٤)
إلّا أن يتحقّق إجماع على خلافه
______________________________________________________
عليه شيء. وإن كان غير مأمون فهو ضامن» .
ومنها : ما ورد
في ضمان اللقطة ، كرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام : «سألته عن الرّجل يصيب اللقطة ، دراهم أو ثوبا أو
دابّة ، كيف يصنع؟
قال : يعرّفها
سنة ، فإن لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتى يجيء طالبها فيعطيها إيّاه ، وإن
مات أوصى بها. فإن أصابها شيء فهو ضامن» .
فقد أطلق الحكم
بالضمان ، مع أنّ اللقطة قد تكون قيميّة كالدابّة والثوب ، ولم يقيّد ضمان القيمة
بإعواز المماثل للتالف.
ومنها : غير
ذلك مما لا يخفى على المتتبّع.
(١) معطوف على
قوله : «فإن أرادوا ذلك مطلقا» وهذا هو الشّقّ الثاني من المنفصلة ، وقد تقدّم
توضيحه بقولنا : «وإن أرادوا من ضمان القيميّ بالمثل ضمانه عند تيسّر المثل ..»
راجع (ص ٤٧٠).
(٢) جواب الشرط
في قوله : «وإن أرادوا» وظاهره وإن كان تسليم كلام شيخ الطائفة والإسكافي والمحقّق
، لكنّه سيأتي منعه بقوله : «اللهم إلّا أن يتحقق إجماع على خلافه».
(٣) تعليل
للضرر ، وقد أوضحناه بقولنا : «وذلك لأن الجهات النوعية دخيلة في الضمان .. إلخ»
راجع (ص ٤٧٠).
(٤) هذا منع
قوله : «لم يكن بعيدا» وغرضه دفع دخل خصوصيّات الحقائق في الغرامة ، وحاصل الدفع :
أنّه إذا قام إجماع على عدم دخل تلك الخصوصيّات في
__________________
ولو (١) من جهة أنّ ظاهر كلمات هؤلاء (٢) إطلاق القول بضمان المثل ، فيكون
الفصل بين التيسّر وعدمه (٣) قولا ثالثا في المسألة.
ثمّ إنّهم (٤)
اختلفوا في تعيين القيمة في المقبوض بالبيع الفاسد ، فالمحكيّ في
______________________________________________________
الضمان لم يجب حينئذ مراعاتها.
(١) يعني : ولو
كان طريق استكشاف الإجماع ـ على عدم دخل خصوصيّات الحقائق في الضمان ـ إطلاق كلمات
الإسكافي والشيخ والمحقّق قدسسرهم. والمراد من إطلاق قولهم بضمان المثل هو الإطلاق الشامل
لصورة تعذّر المثل وتيسّره.
(٢) وهم
الإسكافي والشيخ والمحقّق.
(٣) يعني :
فيكون الفصل ـ بضمان المثل في الأوّل والقيمة في الثاني ـ قولا ثالثا خارقا
للإجماع على ضمان القيميّ بالقيمة ، من غير فرق بين تيسّر المثل وتعذّره.
هذا تمام
الكلام في المقام الأوّل ، وهو إثبات ضمان القيميّ بالقيمة لا بالمثل. وسيأتي
الكلام في المقام الثاني.
الأقوال في القيمة
المعتبرة في ضمان القيميّ
أ : اعتبار قيمة يوم
التلف
(٤) هذا شروع
في المقام الثاني ، وهو تعيين حدّ القيمة المستقرّة على عهدة الضامن ، إذا اختلفت
بحسب الأزمنة ، فهل يضمن قيمة يوم الغصب والقبض ، أم قيمة يوم التلف ، أم قيمة يوم
الأداء أم أعلى القيم؟ أقوال.
والمحكيّ عن
جماعة هو اعتبار قيمة يوم تلف العين ، لأنّ الواجب ردّ العين ، وإنّما تحقّق
الانتقال إلى القيمة بالتلف ، فيوم التلف يوم اشتغال الذّمّة بالقيمة (*).
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
غاية المراد (١) عن الشيخين وأتباعهما تعيّن قيمة يوم التلف. وعن الدروس
والرّوضة نسبته إلى الأكثر.
والوجه فيه على
ما نبّه عليه جماعة منهم العلّامة في التحرير : «أنّ الانتقال إلى البدل إنّما هو
يوم التلف ، إذ الواجب قبله هو ردّ العين» .
وربّما يورد
عليه (٢) : أنّ يوم التلف يوم الانتقال إلى القيمة ، أمّا كون المنتقل إليها قيمة
يوم التلف فلا.
______________________________________________________
(١) قال الشهيد
قدسسره فيه : «وأمّا الضّمان بالقيمة يوم التلف فلأنّ الواجب
العين ، وإنّما تحقّق الانتقال إلى القيمة بالتلف. وهو مذهب الشيخين وأتباعهما.
وخالف ابن إدريس في ذلك ، وأوجب ضمانه بأعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف» .
ونسبه في
الدروس إلى الأكثر. ونقله عنه الشهيد الثاني في الرّوضة ، وهو
مذهب ابن البرّاج والعلّامة في المختلف كما في المسالك .
ولكن في كونه
اختيار الأكثر تأمّلا ، لمعارضته بما أفاده المحقّق من جعل قول الأكثر ضمان قيمة
يوم الغصب ، فراجع .
كما أنّ ما نسب
إلى شيخ الطائفة قدسسره لا يخلو من شيء ، إذ في موضع من المبسوط والخلاف ضمان أعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف ،
واستحسنه المحقّق.
(٢) حاصل
الإيراد على كلام العلّامة قدسسره هو : أنّ يوم التلف وإن كان يوم انتقال ضمان العين إلى
ضمان قيمتها ، ولكنّ مجرّد هذا الانتقال غير كاف في تعيين قيمة
__________________
ويدفع (١) بأنّ
معنى ضمان العين عند قبضه كونه في عهدته ، ومعنى ذلك (٢) وجوب تداركه (٣) ببدله
عند التلف حتّى يكون عند التلف كأنّه
______________________________________________________
وقت التلف ، إذ ربّما يجب أداء أعلى القيم من يوم الغصب إلى التلف. وعليه
فلا بدّ من التماس دليل آخر على تعيين قيمة وقت التلف.
ولا يخفى عليك
أنّه لم أظفر بمن أورد ـ بهذا الإيراد ـ على القول بضمان قيمة يوم التلف. نعم أورد
به المحقّق والشهيد الثانيان وغيرهما على القول بضمان قيمة يوم الغصب «من أنّه
أوّل وقت دخول العين في ضمان الغاصب» فأوردوا عليه : «بأنّ معنى ضمان العين حينئذ
هو أنّها لو تلفت وجب بدلها وهو القيمة ، لا بمعنى وجوب قيمتها والعين باقية ..» .
وهذا الاشكال
يمكن تقريره بالنسبة إلى القول بضمان قيمة يوم التلف ، فيقال : إنّ يوم التلف يوم
الانتقال إلى القيمة ، وأمّا ضمان خصوص قيمة هذا اليوم فغير لازم.
(١) حاصل هذا
الدفع : أنّ استدلال العلّامة قدسسره سليم عن الإيراد المتقدّم ، وذلك لأنّ وضع اليد على مال
الغير يوجب ضمانه أي دخوله في عهدته ، ويجب عليه ردّه إلى مالكه ما دام موجودا ،
ويجب تداركه ببدله بردّ قيمته ـ لكونه قيميّا حسب الفرض ـ إذا تلف ، بحيث تسدّ
القيمة مسدّ نفس العين التالفة ، فكأنّها لم تتلف ولم ترد خسارة على المالك أصلا.
ومن المعلوم أنّ جبران خسارة المالك يكون بأداء قيمة يوم التلف ، لكون هذه القيمة
مساوية في الماليّة للعين التالفة ، ومعه لا وجه لرعاية قيمة العين في المدة
المتخللة بين الضمان والتلف ، إذ لم تكن تلك القيم مضمونة حال وجود العين.
وعليه فلا يرد
على كلام العلّامة قدسسره ما أفيد ، هذا.
(٢) أي : ومعنى
كون العين في عهدة الضامن وجوب تداركه .. إلخ.
(٣) الضمائر في
«تداركه ، ببدله ، كأنّه ، له ، مقامه» والمستتر في «يكون ، يتلف» راجعة إلى «العين»
فالأولى تأنيثها.
__________________
لم يتلف (١). وتداركه (٢) على هذا النحو بالتزام مال معادل له قائم مقامه.
وممّا ذكرنا (٣)
ظهر أنّ الأصل في ضمان التالف ضمانه بقيمته يوم التلف ، فإن خرج المغصوب من ذلك (٤)
مثلا فبدليل خارج.
نعم (٥) لو تمّ
ما تقدّم عن الحلّيّ في هذا المقام من «دعوى الاتّفاق على كون
______________________________________________________
(١) في جبرانه
من حيث الماليّة ، والجابر هو المال حين تلف العين.
(٢) هذا
كالصغرى لكبرى الضمان ، فكأنّه قال : الضمان كلّية هو الجبران ، فكأنّه لم يتلف شيء
على المالك. والجبران يتحقّق بأداء مال معادل في الماليّة للعين التالفة قائم
مقامها. والنتيجة تعيّن قيمة وقت التلف.
(٣) يعني : من
وجوب تدارك التالف عند التلف ـ وكون هذا معنى الضمان ـ ظهر .. ، وغرضه تأسيس قاعدة
كلّيّة في ضمان القيميّ في كافّة الموارد ، سواء أكان موجب الضمان غصبا أم قبضا
بعقد فاسد أم قبضا بالسّوم ، أم عارية مشروطة بالضمان ، أم وديعة كذلك ، أم غير
ذلك من أسباب الضمان. ففي جميعها ينبغي تدارك العين القيميّة بقيمتها وقت التلف ،
لأنّه وقت انتقال الضمان من العين إلى القيمة.
ولو نهض دليل
على ضمان المغصوب بقيمته يوم الغصب كان تخصيصا في أصالة الضمان بقيمة يوم التلف ،
ولا مانع من هذا التخصيص ، ولكنه لا يلحقه سائر موارد الضمان ، إلّا إذا تمّ إجماع
ابن إدريس قدسسره على اتّحاد المبيع بالبيع الفاسد مع الغصب في الأحكام
عدا الإثم في الإمساك ، فإنّه يقتضي ضمان المقبوض بالبيع الفاسد بقيمة يوم الغصب
لو ثبت ضمان المغصوب به.
(٤) أي : من
الأصل المقتضي لضمان التالف ـ كلّيّة ـ بقيمة يوم التلف.
(٥) استدراك
على الأصل الذي قرّره بقوله : «وممّا ذكرنا ظهر أنّ الأصل» وغرضه إخراج المبيع
بالبيع الفاسد عن الأصل المزبور ، وإلحاقه بالمغصوب في كونه مضمونا بقيمة يوم
القبض ، لا يوم التلف.
المبيع فاسدا بمنزلة المغصوب إلّا في ارتفاع الإثم» ألحقناه (١) بالمغصوب
إن ثبت فيه حكم مخالف لهذا الأصل (٢).
بل (٣) يمكن أن
يقال : إذا ثبت في المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب كما هو ظاهر صحيحة أبي ولّاد
الآتية كشف ذلك عن عدم اقتضاء إطلاقات الضمان لاعتبار قيمة يوم التلف ، إذ (٤)
يلزم حينئذ أن يكون المغصوب ـ عند كون قيمته يوم التلف أضعاف ما كانت يوم الغصب ـ غير
واجب التدارك عند التلف ، لما (٥) ذكرنا من أنّ معنى التدارك التزام بقيمته يوم
وجوب التدارك.
______________________________________________________
(١) أي :
ألحقنا المبيع فاسدا بالمغصوب ، وضمير «فيه» راجع إلى المغصوب.
(٢) المقتضي
للضمان بقيمة يوم التلف.
(٣) غرضه إلحاق
المقبوض بالعقد الفاسد بالمغصوب مع الغضّ عن الإجماع الذي ادّعاه الحلّيّ على كون
المقبوض بالعقد الفاسد كالمغصوب ، فيكون استدراكا عن قوله : «نعم لو تمّ ما تقدّم
.. إلخ» وحاصله : أنّ مفاد الإجماع إلحاق خصوص المبيع فاسدا ـ من موارد الضمانات ـ
بالمغصوب في كون المدار على قيمة يوم القبض ، فيبقى غيره من الموارد تحت الأصل
المزبور المقتضي لضمان قيمة يوم التلف.
ومفاد قوله : «بل
يمكن أن يقال» إلحاق جميع موارد الضمان بالمغصوب ، إذ لو فرض كون قيمة يوم التلف
أضعاف قيمته يوم القبض لزم أن يكون الغاصب أحسن حالا من غيره في هذا الفرض ، وهو
زيادة قيمته يوم التلف على قيمته يوم الغصب ، وهو باطل بالضرورة ، فينقلب الأصل المزبور
إلى أصالة الضمان بقيمة يوم التلف في جميع موارد الضمان ، فصحيحة أبي ولّاد تكشف
عن عدم إطلاق في أدلّة الضمان يقتضي اعتبار قيمة يوم التلف.
(٤) تعليل
للكشف المزبور ، وحاصله : لزوم التالي الفاسد ، وهو كون الغاصب أحسن حالا من غيره.
(٥) علّة لقوله
: «يلزم» وبيان لوجه اللزوم ، يعني : يترتّب اللازم الباطل المزبور
نعم (١) لو فرض
دلالة الصحيحة على وجوب أعلى القيم أمكن جعل التزام الغاصب بالزائد (٢) على مقتضى
التدارك مؤاخذة له بأشقّ الأحوال.
فالمهمّ حينئذ (٣)
صرف الكلام إلى معنى الصحيحة بعد ذكرها ليلحق به البيع الفاسد ، إمّا لما ادّعاه
الحلّيّ (٤) ، وإمّا لكشف الصحيحة عن معنى التدارك والغرامة في المضمونات (٥) ،
وكون العمدة في جميعها بيوم الضمان كما هو أحد الأقوال فيما نحن فيه من البيع
الفاسد.
______________________________________________________
على كون ما ذكر من معنى التدارك.
(١) استدراك
على وجوب التدارك بقيمة يوم التلف. وحاصله : أنّه لو فرضنا دلالة الصحيحة على وجوب
أعلى القيم ـ كما استفاده الشهيد الثاني قدسسره ـ اختصّ ذلك بالغصب ، لكون الغاصب مأخوذا بأشقّ
الأحوال.
(٢) المراد
بالزائد على مقتضى التدارك هو التفاوت بين أعلى القيم وقيمة يوم التلف أو يوم
الغصب ، وهذا التفاوت عقوبة مختصّة بالغاصب ، لكونه مأخوذا بأشقّ الأحوال ، ولا
يجري في سائر الضّمناء.
(٣) أي : حين
تفاوت مقتضى الأصل في باب الضمان بتفاوت الاستظهار من الصحيحة.
(٤) من إجماع
المحصّلين على كون المقبوض بالعقد الفاسد كالمغصوب إلّا في ارتفاع الإثم على
إمساكه.
ب : ضمان القيميّ
بقيمة يوم الضمان
(٥) سواء أكان
موجب الضمان هو الغصب أم القبض بالبيع الفاسد أم العارية المشروطة أم اللقطة أم
غيرها.
وحيث (١) إنّ
الصحيحة مشتملة على أحكام كثيرة وفوائد خطيرة (٢) فلا بأس بذكرها جميعا (٣) ، وإن
كان الغرض متعلّقا ببعضها.
فروى الشيخ في
الصحيح (٤) عن أبي ولّاد ، قال : «اكتريت بغلا الى قصر بني هبيرة (٥) ذاهبا وجائيا
بكذا وكذا ، وخرجت في طلب غريم لي ، فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت أنّ صاحبي
توجّه إلى النيل (٦) ، فتوجّهت نحو النّيل ،
______________________________________________________
الاستدلال بصحيحة أبي
ولّاد على اعتبار قيمة يوم الضمان
(١) غرضه من
هذه الجملة توجيه نقل جميع الصحيحة ، مع أنّ محلّ الاستدلال بها على ضمان يوم
التلف أو يوم الغصب جملتان منها.
ومحصّل التوجيه
: اشتمال الصحيحة على أحكام كثيرة ، والوقوف على جهل أئمّة الضلال بأحكام الشريعة
الغرّاء ، وتلاعبهم بدين الله ، وما يستتبعه ذلك من حبس قطر السماء وبركات الأرض ،
فالحمد لله الذي هدانا لولاية أوليائه عليهمالسلام وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
(٢) سيأتي ذكر
جملة من هذه الأحكام في التعليقة بعد الفراغ من توضيح كلمات المصنّف فيما يتعلّق
بمورد الاستدلال بها.
(٣) لكنّه قدسسره لم يف بما وعده من ذكر تمام الصحيحة ، وسنذكر تتمّتها.
(٤) وكذا رواها
ثقة الإسلام قدسسره بسند صحيح ، فالسند صحيح بطريقيه ، ولا تختصّ الصحّة
بطريق شيخ الطائفة قدسسره ، لكن لا مفهوم لتعبير المصنّف ، وإنّما غرضه وجود طريق
صحيح لهذا الخبر الشريف.
(٥) هذا الموضع
يسمّى في عصرنا الحاضر بالهاشميّة ، وهو من أقضية محافظة بابل [الحلّة] يبتعد عن
الحلّة قرابة عشرين كيلومترا. وأمّا القصر فلم يبق منه سوى أطلال. وأمّا ابن هبيرة
فهو من عمّال بني أمية ـ لعنهم الله ـ في أواخر عهدهم وسلطنتهم. كذا قيل.
(٦) وهو قرية
بين كوفة وبغداد ، ففي اللّسان : «ونيل : نهر بالكوفة ، وحكى الأزهري ، قال : رأيت
في سواد الكوفة قرية يقال لها : النيل ، يخرقها خليج كبير يتخلّج
فلمّا أتيت النيل خبّرت أنّه توجّه إلى بغداد ، فاتّبعته وظفرت به وفرغت
ممّا بيني وبينه (١) ، ورجعت إلى الكوفة ، وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوما. فأخبرت
(٢) صاحب البغل بعذري ، وأردت أن أتحلّل منه فيما [ممّا] صنعت وأرضيه ، فبذلت له
خمسة عشر درهما ، فأبى أن يقبل (٣) ، فتراضينا بأبي حنيفة وأخبرته بالقصّة ،
وأخبره الرّجل.
فقال لي : ما
صنعت بالبغلة؟
قلت : رجّعته
سليما. فقال (٤) : نعم بعد خمسة عشر يوما.
قال : فما تريد
من الرجل؟
قال (٥) : أريد
كراء بغلي ، فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوما.
______________________________________________________
من الفرات الكبير» .
(١) هذا الضمير
وضمائر «أنّه ، توجّه ، فاتّبعته ، به» راجعة إلى «الغريم» المراد به المديون.
(٢) الوجه في
إخبار صاحب البغل هو مخالفة أبي ولّاد لعقد الإجارة ، لأنّ السير من الكوفة إلى
قصر بني هبيرة ـ ذاهبا وجائيا ـ يقلّ عن عشرة أيّام ، فكان تصرّفه وركوبه على
البغل مخالفا لمقتضى الإجارة ، فأراد أبو ولّاد استرضاء صاحب البغل والاستحلال
منه.
(٣) يعني : أنّ
صاحب البغل لم يقنع بخمسة عشر درهما ، وزعم استحقاقه اجرة أزيد منها.
(٤) يعني :
فقال صاحب البغل : إنّ أبا ولّاد وإن أرجع البغل سليما ، لكنّه أرجعه بعد خمسة عشر
يوما ، وهو أكثر من مدّة الإجارة المتعارفة للذهاب من الكوفة إلى قصر ابن هبيرة
والرجوع منها إلى الكوفة.
(٥) يعني : قال
صاحب البغل : أريد كراء البغل في مدّة خمسة عشر يوما ، وهو أكثر من خمسة عشر درهما
التي اقترحها أبو ولّاد.
__________________
فقال (١) :
إنّي ما أرى لك حقّا ، لأنّه اكتراه إلى قصر بني هبيرة ، فخالف (٢) ، فركبه إلى
النيل وإلى بغداد ، فضمن قيمة البغل وسقط الكراء ، فلمّا ردّ البغل سليما وقبضته
لم يلزمه الكراء.
قال (٣) :
فخرجنا من عنده وأخذ صاحب البغل يسترجع فرحمته ممّا أفتى (٤) به أبو حنيفة ،
وأعطيته (٥) شيئا وتحلّلت منه. وحججت تلك السنة ، فأخبرت أبا عبد الله عليهالسلام بما أفتى به أبو حنيفة.
فقال (٦) : في
مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها ، وتحبس الأرض بركاتها.
______________________________________________________
(١) يعني :
فقال أبو حنيفة للمكاري : لا أرى لك حقّا على أبي ولّاد أصلا ، لا خمسة عشر درهما
، ولا أزيد منها ، بل تستحقّ الدراهم التي تراضيتما عليها ـ أوّلا ـ حين اكتراء
البغل من الكوفة إلى قصر بني هبيرة.
(٢) يعني :
فخالف أبو ولّاد مقتضى الإجارة ، وعدل بطريقه من قرب قنطرة الكوفة إلى النيل ، ولم
يذهب إلى قصر بني هبيرة.
(٣) يعني : قال
أبو ولّاد : فخرجنا من عند القاضي وأخذ صاحب البغل يقول :
إنّا لله وإنّا
إليه راجعون. لكون قضائه جائرا مخالفا للعدل والانصاف الذي تدعو دين الفطرة إليه ،
ولم يخف بطلانه على عقل أبسط الناس ـ وهو المكاري ـ وإن خفي على عقل فقيه العراق
بحسب زعمه.
(٤) التعبير
بالفتوى ـ مع أنّهما ترافعا إلى القاضي ـ لأجل أنّ النزاع في الحكم الكلّيّ ، فكان
فصل الخصومة بالفتوى ، لا ببيان حكم قضيّة شخصية.
(٥) ضمير
الفاعل من هنا إلى «فأخبرت» راجع إلى أبي ولّاد ، وضمير المفعول والمجرور في «منه»
راجع إلى صاحب البغل.
(٦) أي : فقال
أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام : في مثل هذا القضاء ـ المخالف لما أنزله الله تعالى ـ تحبس
السماء ماءها .. إلخ.
فقلت (١) :
لأبي عبد الله عليهالسلام : فما ترى أنت جعلت فداك؟
قال عليهالسلام (٢) : أرى له عليك مثل كراء (٣) بغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل ، ومثل كراء
بغل راكبا من النيل إلى بغداد ، ومثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة ، توفيه (٤)
إيّاه.
قال (٥) : فقلت
: جعلت فداك ، قد علّفته بدراهم ، فلي عليه علفه؟
فقال (٦) : لا
، لأنّك غاصب.
______________________________________________________
(١) أي : قال
أبو ولّاد لأبي عبد الله عليهالسلام : ما هو حكم الله في هذه المسألة؟
(٢) أي : قال
الإمام أبو عبد الله عليهالسلام : أرى لصاحب البغل عليك .. إلخ.
(٣) يعني :
عليك مثل أجرة بغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل ، ومثل كراء بغل راكبا من النيل الى
بغداد ، ومثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة.
(٤) أي : تعطي
صاحب البغل هذا الكراء ، والظاهر أنّ المراد قنطرة الكوفة لا نفس المدينة ، لأنّ
أبا ولّاد لم يخالف مقتضى الإجارة قبل بلوغه قنطرة الكوفة ، وإنّما خالفه من
القنطرة إلى النيل ، ثمّ منه إلى بغداد ، ومنه عائدا إلى الكوفة.
والوجه في هذه
المحاسبة كون المسافة ومدّة الركوب على البغل أزيد من السير المتعارف من كوفة إلى
بغداد ، ثم منه إلى كوفة ، لكون القصر والنيل خارجين عن الجادّة المعمولة بين كوفة
وبغداد ، فلأجل ذلك تزداد اجرة المثل ـ في الطريق التي سلكها أبو ولّاد ـ على اجرة
السير المتعارف ، فيكون ضامنا لمنفعة البغل المستوفاة.
(٥) يعني : قال
أبو ولّاد : قد علّفت البغل بدراهم في مدّة ركوبي عليه. وغرض أبي ولّاد من هذا
الكلام : التخلّص من بعض الأجور ـ التي حكم الامام عليهالسلام بضمانها ـ بأنّ استيفاء ركوب البغل في المسافة المذكورة
وإن لم يكن بعقد إجارة ، إلّا أنّه صرف دراهم في تعليف البغل ، فينبغي حطّ بعض
اجرة المثل بإزاء التعليف ، هذا.
(٦) يعني : قال
الامام الصادق عليهالسلام : لا تستحقّ على المكاري مئونة التعليف لأنّك غاصب ،
وليس تصرّفك في البغل مستندا إلى إذن مالكيّ أو شرعيّ حتى يكون
قال (١) : فقلت
: أرأيت ، لو عطب (٢) البغل ونفق أليس كان يلزمني (٣)؟
قال (٤) : نعم
، قيمة بغل يوم خالفته.
قلت (٥) : فإن
أصاب البغل
______________________________________________________
مئونته على المالك.
(١) يعني : قال
أبو ولّاد : فقلت للإمام عليهالسلام : أرأيت .. إلخ. والظاهر أنّ أبا ولّاد استغرب من حكمه عليهالسلام بضمان اجرة المثل وبوجوب الإنفاق على البغل ، وذلك لما
سمعه من قاضي الكوفة من أنّه لمّا صار ضامنا لرقبة البغل بالغصب كانت منفعته ـ كالركوب
ـ مملوكة له ، فلذا استفهم أبو ولّاد منه عليهالسلام ، وقال : لو هلك البغل في المدّة التي كانت عنده غصبا ،
فهل يكون مضمونا؟ وهل يجب دفع قيمته إلى المكاري أم لا؟
فأجاب عليهالسلام : نعم ، لو هلك البغل عندك كنت ضامنا لقيمته ، لأنّك
غاصب وكذلك تكون ضامنا لاجرة المثل ، ووجب عليك تعليفه. ولا وجه لحكم القاضي
الجائر اعتمادا على حديث : «الخراج بالضمان» لعدم كون مورده الغصب أصلا ، كما
تقدّم تفصيله في الأمر الثاني.
(٢) من باب «تعب»
بمعنى : هلك. كذا في المصباح . وفيه أيضا : «ونفقت الدابّة نفوقا من باب قعد : ماتت» . والظاهر أنّ المراد من «العطب» هنا هو الموت عن الكسر
، والنفوق هو الموت حتف الأنف.
(٣) بالتخفيف ،
أي : هل تكون القيمة لازمة عليّ ومضمونة لو هلك البغل؟
(٤) يعني : قال
الامام عليهالسلام : لو هلك البغل لزمك قيمته يوم خالفت عقد الإجارة.
(٥) هذا قول
أبي ولّاد. وهو سؤال أيضا عن ضمان البغل ، لكن الفارق بينه وبين سابقه أنّ السؤال
الأوّل كان عن ضمان الرقبة لو مات البغل. وهذا سؤال عن
__________________
كسر أو دبر (١) أو عقر [غمز].
فقال : عليك
قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه.
فقلت (٢) : من
يعرف ذلك؟
______________________________________________________
ضمان الطرف والأعضاء من كسر أو قرحة أو عرج. فأجاب عليهالسلام : بضمانها أيضا كالرقبة.
وطريق معرفته
تقويم البغل صحيحا من كلّ عيب ، وتقويمه مع ذلك الكسر أو العرج أو القرحة ،
فالتفاوت بين القيمتين هو المضمون. كما إذا قوّم سليما بعشرة دنانير ، ومعيبا
بثمانية ، فالأرش ديناران يجب دفعهما إلى المكاري.
(١) قرحة
الدابّة ، و «العقر» بمعنى الجرح. وفي بعض النسخ «غمز» وهو ميل الدابّة من رجلها
والعرج الضعيف. وأمّا «الغمر» بالراء فلم يظهر له معنى يناسب المقام.
(٢) هذا قول
أبي ولّاد ، وهو استفهام عن طريق معرفة الأرش ـ الذي يضمنه لو اعتلّ البغل عنده ـ بعد
معرفة أصل ضمان العيب. وأجابه عليهالسلام بأنّ لمعرفة أرش العيب طرقا.
فإن توافق
المكاري وأبو ولّاد على قيمة البغل صحيحا ومعيبا ، فيدفع الأرش إليه.
وإن اختلفا في
القيمة ، بأن ادّعى صاحب البغل زيادة قيمته ، وأنكرها أبو ولّاد ، حتّى يكون أرش
ما بين الصحّة والعيب أقلّ ، كما إذا ادّعى المكاري أنّ قيمة الصحيح عشرة دنانير ،
وقيمة المعيب ثمانية ، فيطالب بدينارين. وادّعى أبو ولّاد أنّ قيمة البغل السليم
عشرة وقيمة المعيب تسعة ، فيكون ضامنا لدينار. فيحلف المكاري على ما يدّعيه. أو
يأتي بشهود على أنّ قيمة البغل يوم الاكتراء عشرة دنانير مثلا.
فإن لم يأت
المكاري بشهود ولم يحلف على دعواه بأن وجّه اليمين إلى منكر زيادة القيمة حلف أبو
ولّاد على الثمن القليل وثبت دعواه.
قال عليهالسلام : أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو (١) على القيمة فيلزمك فإن
ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة (٢) لزمك ذلك. أو (٣) يأتي صاحب البغل بشهود
يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكتري كذا وكذا ، فيلزمك.
فقلت (٤) :
إنّي كنت أعطيته دراهم ورضي بها وحلّلني.
فقال : إنّما
رضي بها وحلّلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم. ولكن ارجع إليه ، فأخبره
بما أفتيتك به ، فإن جعلك في حلّ بعد معرفته فلا شيء عليك بعد ذلك» الخبر (٥).
______________________________________________________
(١) يعني :
صاحب البغل ، فيحلف على القيمة العليا ، فتثبت في ذمّة أبي ولّاد.
(٢) يعني : على
القيمة الدّنيا ، فتلزمك وتستقرّ على عهدتك.
(٣) هذا عدل
لقوله : «إمّا أن يحلف» يعني : أنّ للمكاري إثبات دعواه بإحدى طريقين : الحلف
والبيّنة.
(٤) هذا قول
أبي ولّاد ، وغرضه من هذا السؤال حطّ مقدار من اجرة المثل التي حكم الامام عليهالسلام باستقرارها في ذمّته ، فقال : إنّي أشفقت على المكاري
بعد حكم قاضي الكوفة ، وأعطيته دراهم وتحلّلت منه ، فهل يجوز احتسابها من اجرة
المثل ، أم أنّها لا تحسب منها ويجب أداء أجرة المثل كاملة؟
فأجاب عليهالسلام : بأنّ رضى المكاري بتلك الدراهم وتحلّلك منه كان ناشئا
من جهله بما يستحقّه عليك واقعا ، فرضي بما أعطيته إيّاه. ولكن أخبره بالحكم
الواقعيّ وما يستحقه عليك من اجرة المثل ، فإن حلّلك من اجرة المثل ورضي بما
أعطيته سابقا فهو ، وإلّا فادفع إليه ما يستحقه من اجرة المثل كاملة.
(٥) ذيل
الصحيحة : «فلمّا انصرفت من وجهي [حجّتي] ذلك لقيت المكاري ، فأخبرته بما أفتاني
به أبو عبد الله عليهالسلام ، وقلت له : قل : ما شئت حتى أعطيكه. فقال : قد حبّبت
إليّ جعفر بن محمّد عليهماالسلام ووقع له في قلبي التفضيل ، وأنت في حلّ ،
ومحلّ
الاستشهاد فيه فقرتان :
الأولى : قوله
: «نعم قيمة بغل يوم خالفته» إلى ما بعد ، فإنّ الظاهر (١)
______________________________________________________
وإن أحببت أن أردّ عليك الذي أخذته منك فعلت» .
والمراد
بالموصول في «بما أفتاني به» هو اشتغال ذمّة أبي ولّاد بأجرة مثل البغل من الكوفة
إلى النيل ، ومنه إلى بغداد ، ومنه عائدا إلى الكوفة ، وقد حكم أبو حنيفة بعدم
استحقاق المكاري لهذه الأجرة. فلمّا سمع المكاري فتوى الامام الصادق عليهالسلام باستحقاقها فرح بها وطابت نفسه من أبي ولّاد ، وأسقط
ماله في ذمّته ، بل لم يكتف المكاري بهذا الاسقاط ، فقال : لو شئت يا أبا ولّاد
أرجعت إليك الدراهم التي أعطيتنيها بعد قضاء أبي حنيفة.
واعلم أنّ هذه
الصحيحة قد يستدلّ بها تارة على اعتبار قيمة يوم الغصب. كما عليه جماعة ومنهم
المصنّف في بادئ الأمر. واخرى على ضمان يوم التلف كما عليه آخرون ، وثالثة على
ضمان أعلى القيم من الغصب إلى التلف كما عليه الشهيد الثاني ، وسيأتي التعرّض
لجميع ذلك إن شاء الله تعالى.
(١) استدلّ
المصنّف قدسسره بجملتين من هذه الصحيحة المباركة على مدّعاه من ضمان
المغصوب بقيمة يوم الغصب ، كما أفاده ـ قبل ذكر الصحيحة بأسطر ـ بقوله : «بل يمكن
أن يقال : إذا ثبت في المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب كما هو ظاهر صحيحة أبي
ولّاد الآتية».
الجملة الأولى
: قوله عليهالسلام في جواب أبي ولّاد : «نعم قيمة بغل يوم خالفته».
وحاصل تقريب
الاستدلال بها : أنّ «اليوم» قيد للقيمة بأحد وجهين : إمّا بإضافة «القيمة»
المضافة إلى «البغل» إليه ، بأن يضاف القيمة أوّلا إلى البغل ، وثانيا
__________________
أنّ «اليوم» قيد للقيمة ، إمّا بإضافة القيمة المضافة إلى البغل (*)
______________________________________________________
إلى اليوم ، فيكون المتحصّل من هذه الإضافة : أنّ المضمون قيمة يوم
المخالفة ، يعني : قيمة البغل الثابتة له يوم الغصب ، وهو زمان الميل عن قنطرة
الكوفة إلى النيل.
وإمّا بجعل «اليوم»
قيدا للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل ،
__________________
إليه (١) ثانيا ، يعني : قيمة يوم المخالفة للبغل ، فيكون إسقاط حرف
التعريف (٢) من البغل للإضافة (*)
______________________________________________________
حيث إنّ الإضافة إمّا تفيد التعريف إن أضيف إلى المعرفة ، أو الاختصاص إن
أضيف إلى النكرة. فالقيمة بعد أن أضيفت إلى البغل أفادت الاختصاص ، أي : اختصاص
القيمة بالبغل لا غيره.
وحاصل هذا
التقريب : أنّ القيمة المختصّة بالبغل هي قيمته يوم الغصب ، في مقابل قيمته يوم
التلف. أو أعلى القيم أو غيرهما من القيم التي تنسب إلى البغل.
وقد أشار إلى
هذا التقريب بقوله : «وإمّا بجعل اليوم قيدا .. إلخ».
(١) أي : إلى
اليوم ، بأن أضيفت القيمة مرّة إلى البغل ، وثانية إلى اليوم كما ذكرناه آنفا.
ولكن صريح كلامه في السطر الآتي إضافة «البغل» إلى «يوم المخالفة» ولذا سقط اللام
من «البغل» ومعنى هذا الكلام : إضافة «القيمة» إلى «بغل» وإضافة «بغل» إلى «يوم
المخالفة» إذ لو كانت «القيمة» مضافة مرّتين إحداهما إلى «البغل» والأخرى إلى «يوم
المخالفة» لم يكن وجه لسقوط حرف التعريف من «بغل» لعدم كونه مضافا إلى «يوم» كي
يحذف منه اللام.
(٢) وهو الألف
واللام من «البغل» لأجل إضافة «البغل» إلى «يوم خالفته» وغرضه من هذا الكلام دفع
ما يتوهّم من : أنّ تنكير «البغل» إنّما هو للإشارة إلى أنّ ذا القيمة ليس خصوص
البغل الذي هو مورد البحث ، بل المضمون قيمة بغل مماثل لهذا البغل ، فتكون الرواية
دليلا لمذهب من جعل القيميّ مضمونا بالمثل.
ومحصّل دفع هذا
التوهّم : أنّ البغل ليس نكرة ، بل هو معرّف باللام ، غاية الأمر أنّ اللام سقط
لأجل الإضافة ، فالمراد بالبغل هو خصوص البغل الذي اكتراه أبو ولّاد.
__________________
لا (١) لأنّ ذا القيمة بغل غير معيّن ، حتى توهم الرواية مذهب من جعل
القيميّ مضمونا بالمثل (٢) ، والقيمة إنّما هي قيمة المثل (٣).
وإمّا (٤) بجعل
«اليوم» قيدا للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل (*).
______________________________________________________
(١) أي : ليس
منشأ إسقاط حرف التعريف هو كون البغل الذي يجب دفع قيمته كلّيّا غير معيّن حتى
يكون المضمون هو البغل المماثل للتالف ـ الذي اكتراه أبو ولّاد ـ وتكون القيمة بدل
البدل.
(٢) كالاسكافيّ
ومن وافقه من كون المضمون مضمونا بمثله ، ولا تستقرّ القيمة في ذمّة الضامن إلّا
بتعذر المثل.
(٣) لا قيمة
نفس التالف ، فإنّها غير مضمونة بناء على ضمان القيميّ بالمماثل عرفا.
(٤) هذا هو
الشقّ الثاني من شقّي الاستدلال بالجملة الاولى من الصحيحة على ضمان يوم الغصب ،
وقد أوضحناه بقولنا : «وإمّا بجعل اليوم قيدا للاختصاص ..» راجع (ص ٤٩٠).
وقد تحصّل من
كلام المصنف قدسسره إلى هنا : وفاء الجملة الاولى من الصحيحة ـ بطريقين ـ لإثبات
ضمان المغصوب القيميّ بقيمة يوم غصبه ، لا بقيمة يوم التلف.
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
وأمّا ما
احتمله جماعة (١) من «تعلّق الظرف بقوله : نعم ، القائم مقام قوله عليهالسلام : يلزمك يعني : يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل»
______________________________________________________
(١) هذا
الاحتمال مذكور في مفتاح الكرامة والمستند والجواهر ، عارضوا به دلالة الفقرة على ضمان المغصوب بقيمة يوم
غصبه. والفاضل النراقي قدسسره وإن رجّح الضمان بقيمة يوم الغصب ، إلّا أنّه استفاده
من الفقرة الثانية الآتية ، وهي قوله عليهالسلام : «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين
اكترى كذا وكذا ..».
قال في الجواهر
في ردّ استظهار ضمان قيمة يوم الغصب ـ ما لفظه : «وفيه : احتمال تعلّق الظرف
بالفعل المدلول عليه بقوله : نعم ، فيكون المراد : يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل
لو عطب ، بمعنى أنّها تتعلّق بك ذلك اليوم. وحينئذ فحدّ القيمة غير مبيّن فيه ،
فلا ينافي ما دلّ على القيمة يوم التلف الذي ستعرف أنّه الأصحّ. ودعوى أنّ الأوّل
ـ وهو ضمان قيمة يوم الغصب ـ أظهر ممنوعة».
__________________
__________________
فبعيد (١) جدّا (*) ،
______________________________________________________
والوجه في
تعلّق الظرف ـ وهو : يوم ـ بفعل «يلزم» هو اعتبار تعلّق الظرف بفعل أو شبه فعل ،
ولا يصلح تعلّقه ب «نعم» وإنّما يتعلّق بفعل «يلزمك» الذي دلّ عليه كلمة «نعم».
وعليه فبناء
على احتمال تعلّق الظرف ب «يلزمك» لا تدلّ هذه الجملة على ضمان يوم الغصب ، وإنّما
تدلّ على استقرار قيمة المضمون بمجرّد الغصب ، وأمّا حدّ قيمة المضمون فغير مدلول
عليه ، فلا يعلم أنّها قيمة يوم الغصب أو يوم التلف أو غيرهما. هذا. وسيأتي إيراد
المصنّف قدسسره على هذا الاحتمال.
(١) جواب «وأما
ما احتمله».
__________________
بل غير ممكن ، لأنّ (١) السائل إنّما سأل عمّا يلزمه بعد التلف بسبب
المخالفة ، بعد العلم بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان ، كما يدلّ عليه (٢) : «أرأيت
لو عطب البغل أو نفق ، أليس كان يلزمني؟» فقوله : «نعم» يعني : يلزمك بعد
______________________________________________________
(١) تعليل لعدم
الإمكان ، توضيحه : أنّ ملاحظة السؤال تقتضي علم السائل بأنّ لزوم القيمة وضمانها
يكون بعد تلف البغل ، لأنّ أبا ولّاد علّق لزوم القيمة على العطب والنفوق ، فلو
كان ظرف اللزوم هو التلف امتنع أن يكون «يوم خالفته» قيدا له ، إذ يلزم حينئذ أن
يكون ظرف اللزوم يوم المخالفة أيضا. وهذا ينافي تعليق اللزوم على العطب والنفوق ،
فلا بدّ أن يكون «يوم المخالفة» قيدا لغير اللزوم.
هذا مضافا إلى
: أنّ ظاهر السؤال هو السؤال عن المقدار اللازم بالتلف بعد العلم بثبوت الضمان
بالتلف ، فلا بدّ من حمل الجواب على إرادة بيان المقدار ، وذلك يقتضي تعليق الظرف
بغير اللزوم ، وإلّا لم يكن جوابا عن السؤال ، لفرض علم أبي ولّاد بأصل لزوم القيمة.
(٢) هذه
الدلالة مبنيّة على كون الاستفهام تقريريّا لا حقيقيّا ، فبناء على الاستفهام
التقريريّ تدلّ كلمة «يلزمني» على علم أبي ولّاد بأنّ ضمان القيمة يكون بعد تلف
البغل.
__________________
التلف بسبب المخالفة قيمة بغل يوم خالفته (١).
وقد أطنب بعض (٢)
من جعل الفقرة ظاهرة في تعلّق الظرف بلزوم القيمة عليه ، ولم يأت بشيء يساعده
التركيب اللغويّ ، ولا المتفاهم العرفيّ.
الثانية (٣) :
قوله : «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل
______________________________________________________
(١) فيكون
المضمون قيمة يوم المخالفة لا يوم التلف.
(٢) لعلّه
إشارة إلى ما حكاه في الجواهر عن بعض بقوله : «نعم ربّما قيل : إنّه ظاهر فيه ـ يعني
في تعلّق الظرف بالفعل المدلول عليه بقوله عليهالسلام : نعم ـ باعتبار أنّ سؤال الراوي عن الضمان بسبب التلف
، لا بسبب المخالفة. فمطابقة الجواب للسؤال تقتضي أن يكون المراد منه : نعم يلزمك
يوم خالفته هذا الحكم ، يعني : يصير حكمك في هذا اليوم لزوم قيمة البغل إن هلك.
والمتبادر منه بعد معلوميّة أنّه ليس المراد قيمته ميّتا هو أقرب زمان حياته إلى
الموت ، وهو قبيل التلف. وهذا معنى قيمته يوم التلف. بل لعلّ تنكير ـ بغل ـ يومي
إلى ذلك أيضا ، إذ هو إشارة إلى أنّه يفرض الميّت حيّا ، وإلّا فلا ريب أنّه لا
يكفي قيمة أيّ بغل يكون. وهو مناسب لكون الظرف لغوا متعلّقا بقوله : يلزمك. وإلّا
فلا يناسب التنكير ، إذ البغل يوم المخالفة حيّ بالفرض والاستصحاب ، فالأولى
تعريفه» .
(٣) يعني :
الفقرة الثانية ـ من صحيحة أبي ولّاد ـ الظاهرة في ضمان المغصوب بقيمة يوم الغصب ،
لا يوم التلف ولا أعلى القيم ، وهي قوله عليهالسلام : «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون .. إلخ».
بتقريب : أنّ
البغل لو أصابه كسر أو دبر كان على أبي ولّاد دفع أرش ما بين الصحيح والمعيب إلى
المكاري. والمناط في تقويم البغل صحيحا هو يوم الاكتراء. والظاهر أنّ مراد الامام عليهالسلام من يوم الاكتراء هو يوم مخالفة أبي ولّاد لمقتضى عقد
الإجارة ، وذلك لكون البغل في يوم الاكتراء أمانة بيد أبي ولّاد لاستيفاء المنفعة
منه.
__________________
يوم اكتري كذا وكذا» فإنّ إثبات (١) قيمة يوم الاكتراء من (٢) حيث هو يوم
الاكتراء لا جدوى فيه (٣) ،
______________________________________________________
فلا يكون مضمونا ، إذ الموجب للضمان هو اليد العدوانيّة المتحقّقة بالغصب ،
والمفروض في هذه الصحيحة تحقّق المخالفة عند وصول أبي ولّاد إلى قنطرة الكوفة.
وبما أنّ المسافة بين كوفة وقنطرتها قريبة ، فإمّا أن يكون وصوله إلى القنطرة عصر
يوم الاكتراء لو خرج من الكوفة صباحا ، وإمّا أن يكون وصوله إليها بعد يوم. ومن
المستبعد جدّا تغيّر قيمة البغل بعد ساعات أو بعد يوم واحد.
وعلى هذا يكون
المناط في تقويم البغل المضمون هو يوم الغصب المعبّر عنه بيوم الاكتراء. والشاهد
عليه أنّه لم يقل أحد باعتبار قيمة يوم الاكتراء حتى لو اختلفت مع قيمة يوم
المخالفة والغصب. ولذا قال في الجواهر : «ثمّ إنّ الظاهر بناء قوله عليهالسلام : حين اكتري على غلبة عدم التفاوت في هذه المدّة
القليلة. وعلى الاستصحاب. وإلّا فلم يقل أحد باعتبار القيمة حين اكترى» .
(١) هذا تقريب
دلالة الفقرة الثانية على ضمان قيمة وقت الغصب ، وقد عرفته آنفا. ويستفاد هذا
التقريب من الفاضل النراقي قدسسره حيث قال : «فإنّ معناه : فيلزمك قيمة البغل حين اكتري.
ولا يرد أنّه ليس حين المخالفة ، فيلزم القيمة قبل المخالفة ، وهو مخالف للإجماع.
لأنّه لا فاصلة يعتدّ بها بين وقتي المخالفة والإكراء في المورد كما يدلّ عليه صدر
الحديث» .
(٢) يعني : لا
من حيث إنّ قيمة يوم الاكتراء متحدة مع قيمة يوم المخالفة ، فإن الجدوى في القيمة
بلحاظ الاتحاد موجودة.
(٣) أي : في
إثبات قيمة يوم الاكتراء.
__________________
لعدم (١) الاعتبار به ، فلا بدّ (٢) أن يكون الغرض منه (٣) إثبات قيمة يوم
المخالفة ، بناء (٤) على أنّه يوم الاكتراء ، لأنّ الظاهر من صدر الرواية (٥) أنّه
خالف المالك بمجرّد خروجه من الكوفة. ومن المعلوم (٦) أنّ اكتراء البغل لمثل تلك
المسافة
______________________________________________________
(١) تعليل لعدم
الجدوى في إثبات قيمة يوم الاكتراء بالبيّنة. وجه عدم الاعتبار ما عرفته من أنّ
يوم الاكتراء زمان حدوث اليد الأمانيّة غير الموجبة للضمان أصلا ، والموجب له
إنّما هو اليد العدوانيّة المتحقّقة بالمخالفة في نفس يوم الاكتراء ، أو في اليوم
اللاحق له ، ومن المعلوم عدم اختلاف قيمة البغل في هذه المدّة القليلة. فلو لم يكن
المدار في الضمان على قيمة يوم الغصب لم يكن وجه لتعرّض قيمة يوم الاكتراء الذي هو
زمان حدوث اليد الأمانيّة.
(٢) هذا متفرّع
على عدم العبرة بقيمة يوم الاكتراء لو لم تكن متّحدة مع قيمة يوم المخالفة.
(٣) هذا الضمير
وضمير «به» راجعان إلى : إثبات قيمة يوم الاكتراء.
(٤) هذا البناء
هو ظاهر الصحيحة ، لقرب المسافة بين كوفة وقنطرتها.
(٥) وهو قول
أبي ولّاد : «فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى النيل ،
فتوجّهت نحو النيل» فقوله : «توجّهت نحو النيل» ظاهر في أنّ مخالفة أبي ولّاد ـ بعدوله
عن طريق قصر أبي هبيرة إلى طريق النيل ـ كانت من يوم الاكتراء ، أو بعده بيوم واحد
، لا أكثر.
(٦) غرض المصنف
: أنّ استظهار ضمان يوم الغصب ـ من تعبير الامام عليهالسلام بيوم الاكتراء ـ مبنيّ على أمرين مسلّمين :
أحدهما : أنّ
المسافة بين كوفة وقصر أبي هبيرة قريبة ، فلو أراد أبو ولّاد اكتراء بغل لهذه
المسافة لم يستأجر بغلا قبل خروجه بأسبوع مثلا ممّا يمكن اختلاف قيمة البغل فيه ،
بل كان يستأجر البغل قبل ساعات أو قبل يوم.
ثانيهما : أنّ
قيمة البغل لا تتفاوت عادة في ساعات قلائل.
وبناء على هذين
الأمرين يتّجه دلالة الفقرة الثانية على ضمان يوم الغصب.
القليلة إنّما يكون يوم الخروج أو في عصر اليوم السابق. ومعلوم أيضا عدم
اختلاف القيمة في هذه المدة القليلة.
وأمّا قوله عليهالسلام (١) في جواب السؤال عن إصابة العيب : «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب يوم
تردّه» فالظرف (٢) متعلّق به «عليك»
______________________________________________________
(١) بعد أن
استظهر المصنّف قدسسره من الفقرة الثانية ضمان المغصوب بقيمة يوم الغصب تعرّض
لما ينافي هذا الاستظهار. والمنافي فقرة أخرى في الصحيحة ، وهي قوله عليهالسلام : «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب يوم تردّه».
وتوضيحه : أنّ
أبا ولّاد سأل عن حكم تعيّب البغل وإصابة كسر أو عرج به ، فأجاب عليهالسلام بقوله : «عليك قيمة ..» وظاهره وجوب أداء أرش العيب الحادث
بقيمة يوم ردّ البغل الى مالكه ، بأن يقوّم البغل يوم ردّه صحيحا تارة ومعيبا اخرى
، فالتفاوت بين القيمتين مستقر في ذمّة أبي ولّاد. ومن المعلوم أنّ هذا الظهور
مناف لما أفاده المصنّف قدسسره من استقرار قيمة يوم المخالفة على عهدة أبي ولّاد ، إذ
لا فرق في ضمان قيمة يوم الغصب بين كون المضمون قيمة نفس البغل لو تلف بيد
المستأجر ، وبين كونه أرش العيب ، فلو كانت العبرة بقيمة وقت الغصب لزم تقويم
الأرش بذاك اليوم. ولو كانت العبرة بقيمة يوم ردّ العين المغصوبة لزم تقويم العين
ـ لو تلفت ـ بقيمة يوم الأداء ، هذا.
(٢) جواب قوله
: «وأمّا» ودفع المنافي المتقدّم ، وحاصل الدفع : أنّ التنافي المزبور مبنيّ على
رجوع «يوم» إلى «قيمة ما بين الصّحّة والعيب» بأن يكون المعنى : «عليك قيمة يوم
الردّ» وأنّ العبرة في الأرش بتقويم البغل يوم ردّه إلى المكاري.
ولكن هذا
الاستظهار ممنوع ، لرجوع الظرف إلى «عليك» وتعلّقه به. يعني : «عليك يوم تردّ
البغل قيمة ما بين الصّحّة والعيب» وعليه لا يكون الأرش مقيّدا بتقويم البغل صحيحا
ومعيبا يوم ردّه ، حتى يستفاد منه ضمان قيمة وقت الأداء. بل مفاده وجوب ردّ الأرش
، بلاد دلالة على تعيين القيمة يوم الردّ أو يوم الغصب أو غيرهما.
لا قيد للقيمة (١) ، إذ (٢) لا عبرة في أرش العيب بيوم الرّد إجماعا ، لأنّ
(٣) النقص الحادث تابع في تعيين يوم قيمته لأصل العين. فالمعنى : عليك أداء الأرش
يوم ردّ البغلة (*).
______________________________________________________
هذا كله بناء
على النسخة التي عوّل عليها المصنف قدسسره. وأمّا بناء على سقوط كلمة «يوم» من الرواية ـ كما
ادّعاه صاحب الجواهر قدسسره من أنّ نسخة التهذيب المصحّحة المحشّاة التي تحضره قد
سقط منها لفظ اليوم ، وأنّ المذكور فيها : قيمة ما بين الصّحّة والعيب تردّه عليه
ـ فالأمر أوضح ، ولا موضوع لتوهّم التنافي ، إذ لا توقيت في القيمة حتى يحتمل
تعلّق «اليوم» بالقيمة ، بل المدلول وجوب أصل الأرش من دون تعيين مقداره بحسب
الأزمنة ، هذا.
(١) حتى تتقيّد
القيمة بخصوص يوم ردّ البغلة.
(٢) تعليل لعدم
كون الظرف قيدا للقيمة. والمراد ب «يوم تردّه» يوم ردّ العين المغصوبة ، لا ردّ
الأرش.
(٣) حاصل هذا
التعليل : أنّ المناط في تعيين مقدار أرش العيب ـ الحادث في العين المغصوبة ـ ليس
هو يوم ردّ العين ، حتى يكون قرينة على جعل «يوم تردّه» متعلّقا بالقيمة ، بل
الأرش تابع الأصل العين ، فإن قلنا بضمان قيمة يوم الغصب تعيّن تقويم الأرش بقيمة
ذاك اليوم. وإن قلنا بضمان أعلى القيم كان الأرش تابعا له في التقويم ، وهكذا وعلى
هذا فلا خصوصيّة في أرش العيب توجب تقويمه بقيمة يوم ردّ العين حتى يكون الظرف
قيدا للقيمة.
__________________
ويحتمل (١) أن
يكون قيدا للعيب ، والمراد (٢) العيب الموجود في يوم الرّدّ ، لاحتمال (٣) ازدياد
العيب إلى يوم الردّ ، فهو المضمون ، دون العيب القليل الحادث أوّلا.
______________________________________________________
(١) هذا
الاحتمال في قبال ما استظهره بقوله : «فالظرف متعلّق بعليك» وسيأتي تضعيف
الاحتمال. والغرض من إبداء هذا الاحتمال تقوية ضمان الأرش بقيمة يوم الرّدّ ، لا
تبعية الأرش لأصل العين في القيمة المضمونة.
وتوضيح
الاحتمال : أنّ كلمة «يوم» قيد ل «العيب» فيكون المعنى على هذا : «عليك قيمة ما
بين الصّحّة والعيب الموجود في يوم ردّ العين ، لا قيمة العيب السابق على الرّدّ».
فلو كان أرش العيب وقت حدوثه دينارا ، فاتّسع الجرح وازداد العيب إلى يوم ردّ
العين ، فبلغ التفاوت بين البغل الصحيح والمعيب دينارين وجب على أبي ولّاد دفع
دينارين حين ردّ البغل إلى المكاري.
ونتيجة هذا
الاحتمال مخالفة قيمة الأرش لقيمة نفس البغل ، فالعبرة في البغل بقيمة يوم
المخالفة والغصب ، والعبرة في مقدار الأرش بقيمة العيب يوم ردّ العين.
وبناء على هذا
الاحتمال يشكل ما أفاده المصنف قدسسره من جعل «يوم» متعلّقا ب «عليك» وجه الإشكال : دلالة هذه
الجملة على اعتبار قيمة معيّنة ، وهي قيمة يوم ردّ البغل المعيب.
(٢) يعني : إذا
كان «يوم» متعلّقا ب «العيب» كان المراد من القيمة قيمة العيب في يوم ردّ العين ،
لا قيمة العيب في زمان حدوثه.
(٣) تعليل
لإرادة العيب الموجود حين الرّدّ.
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
لكن (١) يحتمل
أن يكون العيب قد تناقص إلى يوم الرّد ، والعبرة حينئذ (٢) بالعيب الموجود حال
حدوثه ، لأنّ المعيب لو ردّ إلى الصّحّة أو نقص (٣) لم يسقط ضمان ما (٤) حدث منه
وارتفع على (٥) مقتضى الفتوى.
فهذا الاحتمال (٦)
من هذه الجهة (٧) ضعيف أيضا (٨) ،
______________________________________________________
(١) غرضه قدسسره تضعيف احتمال كون «اليوم» قيدا للعيب ، بتضعيف منشئه ،
وهو احتمال ازدياد العيب إلى يوم ردّ العين.
ومحصّل
التضعيف : أنّ احتمال
ازدياد العيب ـ بعد حدوثه ـ معارض باحتمال نقصانه إلى يوم الرّدّ ، كما إذا تصدّى
الغاصب معالجة البغل ومداواته ، فزال العيب أو نقص ، فلو كانت العبرة في الأرش
بالعيب الموجود حال ردّ البغل لزم عدم ضمان الغاصب شيئا بإزاء العيب ، أو ضمانه
قيمة أقلّ من قيمة العيب يوم حدوثه. مع أنّ المناط قيمة الأرش يوم حدوثه ، على ما
يظهر من فتاواهم من ضمان العيب ، حتى إذا نقص أو زال بيد الضامن. ولأجل هذه الفتوى
يشكل المصير إلى احتمال تعلّق «يوم» بالعيب ، بل المتعيّن تعلّقه ب «عليك» هذا.
(٢) أي : حين
تناقص العيب وزواله تدريجا.
(٣) المراد
بنقصان المعيب نقص عيبه.
(٤) المراد
بالموصول هو العيب ، أي : العيب الذي حدث في المغصوب ، ثم ارتفع.
(٥) متعلّق ب «لم
يسقط» يعني : أنّ الدليل على استقرار أرش العيب حال حدوثه على عهدة ضامن العين هو
فتوى الأصحاب.
(٦) أي :
احتمال كون «يوم» قيدا للعيب ، وهو الذي تقدّم بقوله : «ويحتمل أن يكون قيدا للعيب
.. إلخ».
(٧) أي : من
جهة فتوى الأصحاب بضمان العيب الحادث مطلقا حتى إذا زال أو نقص.
(٨) أي : كضعف
ما تقدّم بقوله : «وأمّا قوله عليهالسلام في جواب السؤال عن إصابة العيب».
فتعيّن (١) تعلّقه بقوله : «عليك» (٢). والمراد : بقيمة ما بين الصّحّة
والعيب : قيمة التفاوت بين الصّحّة والعيب ، ولا تعرّض في الرواية ليوم هذه القيمة
، فيحتمل يوم الغصب (٣) ، ويحتمل يوم حدوث العيب (٤) الذي هو يوم تلف وصف الصّحّة
، الذي هو بمنزلة جزء العين في باب الضمانات والمعاوضات.
وحيث (٥) عرفت
ظهور الفقرة السابقة عليه (٦) واللاحقة له في (٧) اعتبار
______________________________________________________
(١) هذه نتيجة
بطلان كلّ من تعلّق «اليوم» ب «قيمة» وتعلّقه احتمالا ب «العيب».
(٢) فمعناه
حينئذ «عليك يوم ردّ العين قيمة ما بين الصّحّة والعيب» من دون تعرّض لزمان هذه
القيمة ، فيحتمل أن يكون زمان التقويم يوم الغصب ، ويحتمل أن يكون يوم حدوث العيب
، الذي هو يوم تلف وصف الصّحّة ، ومن المعلوم أنّ وصف الصّحّة جزء معنوي مقابل
بجزء من الثمن ، كالأجزاء الخارجيّة.
(٣) لتبعية
ضمان الأجزاء ـ التي منها وصف الصّحّة ـ لضمان يوم الغصب.
(٤) يعني : إذا
قلنا بضمان العين المضمونة التالفة بقيمة يوم التلف ترتّب عليه ضمان العيب بقيمة
يوم حدوثه ، لأنّه زمان تلف وصف الصّحّة الذي هو كالجزء الخارجيّ في الضمان
(٥) يعني : أنّ
جملة «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب يوم تردّه» لمّا كانت مجملة ، لدوران قيمة
العيب بين قيمة يوم غصب العين وبين قيمة يوم حدوث العيب ، ولم تكن منافية لاستظهار
قيمة يوم الغصب ، تعيّن رفع إجمالها بالرجوع إلى ما ورد في صدر الصحيحة وذيلها
ممّا يدلّ على ضمان قيمة يوم الغصب.
(٦) أي : على
قوله عليهالسلام : «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب يوم تردّه» والمراد من الجملة السابقة
قوله عليه الصلاة والسلام : «قيمة بغل يوم خالفته». والمراد بالجملة اللاحقة قوله عليهالسلام : «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل يوم
اكتري كذا وكذا» فإنّ ظاهر هاتين الجملتين اعتبار قيمة يوم الغصب.
(٧) متعلّق ب «ظهور
الفقرة.».
يوم الغصب تعيّن حمل هذا (١) أيضا (٢) على ذلك (٣).
نعم (٤) يمكن
أن يوهن ما استظهرناه من الصحيحة
______________________________________________________
(١) أي : جملة «عليك
قيمة ما بين الصّحّة والعيب يوم تردّه» والوجه في التعيّن هو لزوم حمل المجمل على
المبيّن.
(٢) أي : كما
حملنا جملة «يوم الاكتراء» على يوم الغصب ، لعدم العبرة في باب ضمان العين
المستأجرة بيوم الاكتراء.
(٣) أي : على
يوم الغصب. وبهذا يظهر عدم وجود معارض للصحيحة لإرادة يوم الغصب من الصّدر والذيل.
هذا تمام
الكلام في ما استظهره المصنف قدسسره من ضمان يوم الغصب. وسيأتي تعرّضه لاستظهار ضمان يوم
التلف.
تضعيف دلالة الصحيحة
على اعتبار قيمة وقت الضمان
(٤) استدراك
على ما استظهره المصنّف قدسسره ـ من فقرتي الصحيحة ـ من ضمان المغصوب بقيمة يوم الغصب.
وغرضه تضعيف هذا الظهور ، واستفادة ضمان قيمة يوم التلف وفاقا لجماعة.
وحاصل
الاستدراك : أنّ الموهن لما استظهرناه من الصحيحة من اعتبار قيمة يوم الغصب هو :
أنّ الحكم بضمان يوم المخالفة مبنيّ على ما هو الغالب في مورد الرواية من عدم
اختلاف قيمة البغل في مدّة خمسة عشر يوما ، لا لأجل خصوصيّة فيه ، فلا يبقى
للرواية ظهور في دخل خصوصيّة ليوم المخالفة كما هو المدّعى.
لا يقال : على
هذا فما الوجه في العدول عن التعبير ب «يوم التلف» إلى التعبير ب «يوم المخالفة»
مع إخلاله بالمقصود ، لاحتمال كون المدار عليه.
فإنّه يقال :
وجهه دفع توهّم أمثال صاحب البغل من العوام ، وهو كون العبرة بالقيمة التي اشترى
بها البغل.
بأنّه (١) لا يبعد أن يكون مبنى الحكم (٢) في الرّواية ـ على ما هو الغالب
في مثل مورد الرّواية ـ من (٣) عدم اختلاف قيمة البغل في مدّة خمسة عشر يوما. ويكون
السّر (٤) في التعبير بيوم المخالفة دفع ما ربما يتوهّمه أمثال صاحب البغل من
العوام أنّ (٥) العبرة بقيمة ما اشترى به البغل وإن نقص بعد ذلك ، لأنّه (٦) خسّره
المبلغ الذي اشترى به البغلة.
______________________________________________________
(١) متعلّق ب «يوهن»
وبيان لوجه توهين ما تقدم من استفادة ضمان يوم الغصب من الصحيحة.
(٢) وهو ضمان
قيمة يوم الغصب ، المستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام : «قيمة بغل يوم خالفته»
ومن قوله عليه الصلاة والسلام : «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل
يوم اكتري كذا وكذا» لدلالة الجملتين على كون العبرة بقيمة يوم الغصب ، كما تقدّم
مفصّلا.
(٣) بيان ل «ما
هو الغالب».
(٤) هذا دفع
دخل مقدّر ، تقدّم بيانهما بقولنا : «لا يقال .. فإنه يقال ..» فغرض المصنّف إسقاط
خصوصيّة «يوم المخالفة» عن دخله في تقويم المضمون.
(٥) الجملة في
محلّ نصب على أنّها بيان للضمير المنصوب في قوله : «يتوهمه» أو أنّها مجرورة ب «من»
البيانية المبيّنة للموصول في «ما ربما».
يعني : أنّ صاحب
البغل وعوام الناس يتخيّلون ويتوهّمون ضمان التالف بثمنه الذي اشتروه حتى إذا نقص
عنه بعده ، لصيرورة البغل فارضا قد ضعف عن السّير عليه مسافة مديدة ، فإنّهم لا
يعتنون بهذا النقص ويطالبون بثمن الاشتراء. فأراد عليه الصلاة والسلام تنبيه
المكاري على أنّه لا يستحقّ ثمن الاشتراء ، وإنّما يستحقّ قيمته الفعليّة في يوم
المخالفة وإن كان أقلّ بكثير من قيمة الشراء.
(٦) تعليل
لتوهّم المكاري استحقاق قيمة الاشتراء ، يعني : لأنّ أبا ولّاد ـ الذي اكترى البغل
ـ أورد خسارة على المكاري ، قدرها الثمن الذي بذله المكاري لشراء البغل.
هذا أصل توهين
استظهار قيمة يوم الغصب ، ثمّ أيّده المصنّف بأمرين ، كما يأتي
ويؤيّده
التعبير (١) عن يوم المخالفة في ذيل الرّواية ب «يوم الاكتراء» (٢) فإنّ فيه
إشعارا بعدم عناية المتكلّم بيوم المخالفة من حيث إنّه يوم المخالفة (٣).
إلّا أن يقال (٤)
: إنّ الوجه في التعبير ب «يوم الاكتراء» مع كون المناط يوم المخالفة (٥) هو
التنبيه على سهولة إقامة الشهود على قيمته في زمان الاكتراء ، لكون
______________________________________________________
وإن ناقش في أوّلهما.
(١) هذا هو
المؤيّد الأوّل لإسقاط يوم المخالفة عن الموضوعيّة ، يعني : ويؤيّد كون الحكم ـ في
الصحيحة ـ مبنيّا على الغالب التعبير عن يوم المخالفة ب «يوم الاكتراء» كما تقدّم
في الفقرة الثانية. ولو كان الحكم مترتّبا على خصوص يوم المخالفة والغصب لم يكن
وجه للتعبير ب «يوم الاكتراء» حتى لو فرض اتّحاده مع يوم المخالفة. فالتعبير «بيوم
الاكتراء» مشعر بعدم اعتناء الامام عليه الصلاة والسلام بقيمة البغل في يوم
المخالفة ، وأنّ تعبيره عليهالسلام «بيوم المخالفة» في الجملة السابقة يكون لأجل وحدة قيمة البغل في يومي
المخالفة والاكتراء. وعليه فلا سبيل لاستظهار ضمان قيمة البغل في يوم الغصب من
الصحيحة.
(٢) أي : فإنّ
في التعبير ب «يوم الاكتراء» إشعارا بعدم موضوعيّة قيمة البغل يوم الغصب.
(٣) بل من حيث
كون القيمة في يوم المخالفة مساوية لها في يوم الاكتراء إلى يوم الرّد ، ومن هنا
يصحّ التعبير عن قيمته بقيمة يوم الاكتراء والردّ والمخالفة.
(٤) غرضه
الخدشة في التأييد والتحفّظ على كون «يوم المخالفة» ملحوظا على نحو الموضوعيّة ،
وحاصله : أنّه مع كون العبرة بقيمة يوم المخالفة يكون النكتة في التعبير عنه ب «يوم
الاكتراء» هي التنبيه على سهولة إقامة الشهود على قيمته في زمان الاكتراء ، لكون
البغل في يوم الاكتراء بمحضر المكارين ، فيسهل الاطّلاع على قيمته.
بخلاف وقت
المخالفة ، لعدم حضورهم عند قنطرة الكوفة حتى يتيسّر تقويم البغل بالمراجعة إليهم.
وعليه فالعبرة بقيمة المضمون في زمان الغصب ، هذا.
(٥) كما
استظهره المصنّف من قوله عليه الصّلاة والسّلام : «قيمة بغل يوم خالفته».
البغل فيه غالبا (١) بمشهد من الناس وجماعة من المكارين (٢). بخلاف زمان
المخالفة من حيث (٣) إنّه زمان المخالفة.
فتغيير التعبير
ليس لعدم العبرة بزمان المخالفة ، بل للتنبيه على سهولة معرفة القيمة بالبيّنة.
كاليمين (٤) ـ في مقابل قول السائل (٥) : «ومن يعرف ذلك؟» فتأمّل (٦).
______________________________________________________
(١) أي : في
يوم الاكتراء.
(٢) الّذين هم
خبراء بثمن البغال والدّوابّ.
(٣) لمّا كان
يوم الاكتراء والمخالفة واحدا في مورد الصحيحة ، وكانت العبرة بقيمة يوم المخالفة
، لزم تقييد «اليوم» عند ترتب حكم على حيثيّة المخالفة. فغرضه قدسسره من قوله : «من حيث إنّه زمان المخالفة» أنّ مناط معرفة
قيمة البغل يوم الاكتراء لا زمان المخالفة ، فالعبرة في الضمان بيوم الغصب ، وطريق
معرفة القيمة إخبار المكارين الّذين يسهل حضورهم في زمان الاكتراء ، ويصعب في زمان
المخالفة.
(٤) يعني :
كمعرفة القيمة باليمين في السهولة.
(٥) يعني : في
جواب سؤال أبي ولّاد ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : «أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو
على القيمة فيلزمك ، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ، أو يأتي صاحب
البغل بشهود ..».
(٦) لعلّه
إشارة إلى : أنّ الخدشة في المؤيّد ـ المتقدمة بقوله : «إلّا أن يقال» ـ لا يوجب
ارتفاع التوهين في أصل المطلب.
أو إلى : أنّ
الخدشة في المؤيّد ممنوعة. وأنّ التعبير ب «يوم الاكتراء» موهن لاستظهار ضمان قيمة
يوم المخالفة. وما ذكر من «سهولة معرفة القيمة بالبيّنة وصعوبتها في يوم المخالفة»
غير وجيه ، لأنّه ـ بعد اقتران المخالفة زمانا بالاكتراء ـ يسهل معرفة قيمة البغل
في كلّ من زمان الاكتراء والمخالفة ، فلو كانت العبرة بيوم المخالفة تعيّن التعبير
به.
ويؤيّده (١)
______________________________________________________
وعليه فالتعبير
ب «يوم الاكتراء» كاشف عن عدم موضوعيّة يوم المخالفة ، هذا.
(١) هذا مؤيّد
ثان لكون الحكم في الرّواية ـ من ضمان قيمة يوم المخالفة ـ مبنيّا على الغالب ، لا
لموضوعيته له. وحاصل وجه التأييد : أنّ قوله عليهالسلام : «أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك .. إلخ»
يدلّ على عدم خصوصيّة في تقويم البغل بيوم المخالفة ، إذ لو كانت العبرة بخصوص يوم
المخالفة لم يكن وجه لكون قول المالك مقدّما على قول المستأجر ، مع كون قوله
مخالفا للأصل ، لأنّه يدّعي زيادة القيمة بعد الاكتراء ، وهذه الدعوى مخالفة
لأصالة براءة ذمّة الضامن ، أو مخالفة لاستصحاب عدم الزيادة.
ولم يكن أيضا
وجه لقبول بيّنته ، لأنّ من يقبل قوله فليس عليه البيّنة ، بل البيّنة على صاحبه.
وبالجملة :
فهذا كلّه مخالف لموازين القضاء ، وموهن لظهور الصحيحة في كون العبرة بقيمة يوم
الغصب.
وبتعبير آخر :
أنّ الامام عليه الصّلاة والسّلام جعل طريق إثبات القيمة الزائدة التي يدّعيها
المكاري ـ حتى تستقرّ على عهدة أبي ولّاد ـ أمرين ، أحدهما : الحلف ، والآخر :
إقامة البيّنة. وجعل عليهالسلام طريق إثبات القيمة التي يدّعيها أبو ولّاد خصوص اليمين
المردودة.
وعليه نقول :
لو كانت العبرة بقيمة البغل يوم الغصب ، أشكل تطبيق جواب الامام عليه الصّلاة
والسّلام على موازين باب القضاء. أمّا أوّلا : فلأنّ مالك البغل مدّع لزيادة قيمته
يوم الغصب على قيمته يوم الإكتراء بيمينه ، ومن المعلوم أنّ قوله مخالف لأصالة عدم
الزيادة. ولا وجه لتقديم قوله بمجرّد يمينه ، لأنّ المتّبع في باب القضاء توجيه
الحلف أوّلا إلى المنكر ، فإن حلف ثبت قوله ، وإن ردّها إلى المالك فحلف ثبت قوله.
أيضا (١) قوله عليهالسلام فيما بعد (٢) في جواب قول السائل : «ومن يعرف ذلك؟» قال
: أنت وهو ، امّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك. فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على
القيمة لزمه. أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون على أنّ قيمة البغل يوم اكتري كذا
وكذا ، فيلزمك» الخبر ، فإنّ (٣) العبرة لو كانت بخصوص يوم
______________________________________________________
مع أنّه عليه
الصّلاة والسّلام قدّم قول المالك بحلفه على القيمة ، فقال : «إمّا أن يحلف هو على
القيمة ..».
وأمّا ثانيا :
فلأنّ المقرّر في باب القضاء «البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر» فالوظيفة
الأوّليّة لكلّ منهما تغاير وظيفة الآخر ، فعلى المدّعي إقامة البيّنة لإثبات
مقصوده ، وعلى المنكر اليمين للتخلّص من دعوى المدّعي. ومن المعلوم عدم صدق عنواني
«المدّعي والمنكر» على شخص واحد حتى تثبت دعواه بكلّ من اليمين والبيّنة. مع أنّه
عليه الصّلاة والسّلام جمع بين اليمين والبيّنة في حقّ المالك هذا.
ولا مخلص من
هذين الإشكالين إلّا بجعل العبرة بقيمة يوم التلف ، إذ يمكن توجيه كلّ من تقديم
قول المالك ، وتوجيه اليمين والبينة معا إلى المالك كما سيأتي بيانه قريبا إن شاء
الله تعالى.
(١) يعني : كما
تأيّد الحكم ـ بضمان قيمة يوم التلف ـ بالمؤيّد الأوّل.
(٢) يعني : بعد
الفقرة الأولى ، وهي قوله عليه الصّلاة والسّلام : «نعم قيمة بغل يوم خالفته».
(٣) هذا تعليل
لقوله : «ويؤيّده أيضا» وبيان لوجه التأييد ، وحاصله ـ كما عرفت تفصيله ـ أنّه لو
كانت العبرة بضمان قيمة يوم الغصب لزم مخالفة موازين باب القضاء من جهتين. إحداهما
: قبول قول المالك المدّعي لزيادة قيمة البغل ، والمفروض مخالفة دعواه لأصالة عدم
الزيادة.
ثانيتهما :
الجمع بين قبول يمينه وقبول بيّنته ، مع امتناع كون شخص واحد مدّعيا ومنكرا.
المخالفة لم يكن وجه لكون القول قول المالك مع كونه مخالفا للأصل (١). ثم
لا وجه لقبول بيّنته (٢) ، لأنّ من كان القول قوله ، فالبيّنة بيّنة صاحبه.
وحمل (٣) الحلف
هنا على الحلف المتعارف الذي يرضى به المحلوف له
______________________________________________________
(١) أي :
استصحاب عدم زيادة القيمة على قيمة ما قبل يوم المخالفة.
(٢) أي : بيّنة
المالك ، ومن المعلوم أنّ قبول بيّنته مخالف لما تقرّر من أنّ من يقبل قوله لا
تقبل بيّنته ، وإنّما تقبل من صاحبه.
(٣) مبتدأ خبره
«خلاف الظاهر» والحامل هو صاحب الجواهر قدسسره وقد بسط الكلام لتثبيته ، ولئلّا يلزم طرح الصحيحة من
جهة مخالفتها لموازين القضاء ، قال قدسسره : «قلت : لكن قد يقال : يمكن حمله على إرادة بيان أنّ
ذلك طريق لمعرفة القيمة مع التراضي بينهما في ذلك ، لا أنّ المراد بيان تقديم قوله
مع عدم التراضي. وإلّا لم يكن معنى لقوله عليهالسلام : أو يأتي بشهود ، ضرورة عدم الحاجة إليهم في إثبات
قوله ، بناء على أنّ القول قوله .. إلى أن قال : فلا دلالة في الصحيح المزبور على
فرض المسألة بما عند الأصحاب من كون المراد شغل ذمّة الغاصب بالزائد وعدمه. بل إن
لم يحمل على ما ذكرنا من التراضي بينهما على اليمين لم يكن معنى لقوله عليهالسلام : تعرفها أنت وهو ، ضرورة كون المعرفة للمالك حينئذ ،
بناء على أنّ القول قوله. وليس المراد من قوله عليهالسلام ـ فإن ردّ اليمين عليك ـ اليمين المردودة المصطلحة ، إذ
تلك إنّما هي على نفي ما يدّعيه المنكر ، لا على إثبات ما يدّعيه الغاصب. فلا محيص
حينئذ عن حمل الصحيح المزبور على ما ذكرناه ، وإلّا نافى قواعد القضاء ، فتأمّل
جيّدا ، والله العالم» .
وغرضه قدسسره من هذا الحمل توجيه العمل بهذه الصحيحة بنحو لا ينافي
ما تقرّر في باب القضاء من «أن البينة على المدّعي واليمين على من أنكر» وادّعى
صاحب الجواهر عدم دلالة الصحيحة على كون مورد تقديم قول المالك وقبول بيّنته ـ معا
ـ هو إنكار الغاصب زيادة قيمة المغصوب ، بل مورده التداعي. وأقام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قرائن داخليّة على مدّعاه ، وكان المناسب توضيحها تسهيلا للأمر على إخواننا
المشتغلين أيّدهم الله تعالى. لكن لخوف الإطالة والخروج عن حدود التوضيح نقتصر على
شرح ما لخّصه المصنّف في المتن ، فنقول وبه نستعين :
إنّ المراد
بالحلف في قوله عليه الصّلاة والسّلام : «إمّا أن يحلف هو ..» ليس الحلف الذي يكون
ميزانا لفصل الخصومة حتى يلزم مخالفة قاعدة «اليمين على المنكر والبيّنة على
المدّعي» بل المقصود بالحلف هنا هو اليمين المتعارفة عند عامّة الناس بداعي تصديق
الطرف الآخر وإذعانه بالمحلوف عليه ، كما يشاهد في مقام المعاملة ، فيحلف البائع
مثلا على أنّ المبيع كلّفه كذا دينارا ، أو أنّه صرف عليه كذا مبلغا ، فيصدّقه
المشتري ، ويرضى بالثمن ، ولولا اليمين بالأسماء المقدّسة لم تقنع نفس المشتري بما
يدّعيه البائع.
وكذا الحال في
حلف الموجر على الأجرة التي يجعلها على داره أو دكّانه.
ومن هذا القبيل
اختلاف أبي ولّاد والمكاري في قيمة البغل ، فلو ادّعى المكاري قيمة عليا وحلف
عليها رضي أبو ولّاد بها ، واحتمل عدم تصديقه إيّاه بدون الحلف.
وعلى هذا فلا
ربط للحلف المذكور في الصحيحة بباب القضاء حتى تنخرم قاعدة «اليمين على من أنكر»
إذ لا أثر في الصحيحة من الترافع إلى القاضي في خصوص معرفة قيمة البغل ، هذا.
فإن قلت : لو
كان المراد من الحلف هو المتداول في مقام المماكسة عند المعاملة لم يكن وجه لتعبير
الامام عليه الصّلاة والسّلام : «فان ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه» لأنّ
ظاهر «الرّدّ» هو كون الحلف حقّا للمالك ابتداء ، وأنّ الحاكم الشرعيّ يأمر المالك
بالحلف ، فإن أبى منه وجّهه الحاكم إلى الغاصب ، ومن المعلوم أنّ «ردّ اليمين» من
شؤون القضاء وفصل الخصومة عند الحاكم والترافع إليه ، فلا وجه لحمل «الحلف» على ما
يتداول بين عامّة الناس في مقام المعاملة ، هذا.
ويصدّقه (١) فيه من دون (٢) محاكمة. والتعبير (٣) بردّ [بردّه] اليمين على
الغاصب من جهة أنّ المالك أعرف بقيمة بغله ، فكان الحلف حقّا له ابتداء خلاف (٤)
الظاهر.
______________________________________________________
قلت : التعبير
ب «ردّ اليمين» لا ينافي إرادة الأيمان المتعارفة بين الناس ، وذلك لخصوصيّة في
هذه القصّة ، وهي أنّ تقديم قول المكاري ـ بضميمة حلفه على القيمة ـ ناش من كونه
أعرف بقيمة بغلة من غيره ، فلذا حكم الامام عليه الصّلاة والسّلام بتوجّه اليمين
إليه أوّلا ، فإن حلف ثبتت القيمة العليا في ذمّة أبي ولّاد ، وإن ردّ اليمين عليه
، فحلف على القيمة النازلة لزم على المكاري قبولها.
والحاصل أنّه :
لا مانع من حمل الحلف في الصحيحة على الحلف المتعارف بين الناس ، ولا يراد به
الحلف المعتبر في فصل الخصومة حتى يشكل استظهار قيمة يوم الغصب من الصحيحة.
(١) الضمير
المستتر راجع إلى المحلوف له وهو أبو ولّاد ، والضمير البارز راجع إلى الحالف وهو
المكاري. وضمير «فيه» راجع إلى «المحلوف عليه» المستفاد من العبارة ، والمراد به
قول المكاري.
(٢) متعلّق ب «يرضى»
يعني : أنّ الطرف الآخر يرضى بما يحلفه الحالف ، ولا حاجة إلى مراجعة المحكمة
للحلف فيها.
(٣) مبتدأ خبره
قوله : «من جهة» وتقدّم توضيح الدخل وجوابه بقولنا : «إن قلت .. قلت».
(٤) خبر قوله :
«وحمل» وردّ له. وحاصل الرّدّ : أنّ شأن الإمام عليه الصّلاة والسّلام بيان الحكم
الشرعيّ الكلّيّ ، والقانون العامّ لحلّ المنازعة بين المكاري وأبي ولّاد ، وليس عليهالسلام بصدد إرجاعهما إلى ما تعارف بين الناس لحلّ المرافعة ،
إذ لا عبرة بها لو لم تنطبق على الموازين الشرعيّة. هذا ما أفاده المصنف قدسسره وقد بيّن في التعليقة ما يتعلّق به ، فراجع.
فتحصّل : أنّ
المؤيّد الثاني لضمان قيمة يوم التلف ـ دون قيمة يوم المخالفة ـ سليم عن الخدشة
المتقدّمة.
وهذا (١) بخلاف
ما لو اعتبرنا يوم التلف ،
______________________________________________________
(١) هذا مرتبط
بقوله : «فإنّ العبرة لو كانت بخصوص يوم المخالفة» وتتمّة للمؤيّد الثاني ، وحاصله
: أنّ مدلول الصحيحة إن كان ضمان قيمة يوم التلف لم يلزم خرق قواعد باب القضاء
أصلا ، لإمكان حمل حكمه عليه الصّلاة والسّلام «بتقدّم قول المكاري بيمينه» على
صورة من صور نزاعهما في قيمة البغل ، وحمل حكمه صلوات الله وسلامه عليه بقبول
بيّنته على صورة أخرى.
توضيحه : أنّ
اختلاف المكاري وأبي ولّاد في قيمة البغل يفرض تارة فيما إذا اتّفقا على قيمته يوم
المخالفة بأن كانت خمسين درهما مثلا ، وادّعى أبو ولّاد نقصان ثمنه يوم التلف بأن
صارت أربعين درهما ، وأنكر المكاري هذا النقص ، فيحمل قوله عليه الصّلاة والسّلام
: «إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك» على هذه الصّورة ، وهو مطابق لقاعدة «البيّنة
على المدّعي واليمين على من أنكر» وحيث إنّه لا بيّنة لأبي ولّاد على دعوى نقصان
القيمة يتجه قبول قول المكاري بيمينه ، لموافقته لاستصحاب بقاء قيمة البغل على
حالها.
وأخرى فيما إذا
اتّفقا على عدم تغيير قيمته السوقيّة من زمان الغصب إلى زمان التلف ، وإنّما
اختلفا في قيمته السابقة ، فالمكاري يدّعي أنّها خمسون درهما ، والغاصب ينكره
ويقول إنّها أربعون درهما. ويحمل قوله عليه الصّلاة والسّلام : «أو يأتي صاحب
البغل بشهود ..» على هذه الصّورة ، لكون الغاصب منكرا للزيادة ، ويطابق قوله للأصل
، والمكاري مدّعيا للزيادة ، وعليه إقامة البيّنة على أنّ قيمة البغل خمسون درهما
، وليس في هذا مخالفة لقانون القضاء «البيّنة على المدّعي» بل هو مصداق للقاعدة
المسلّمة.
وثالثة فيما
إذا اتّفقا على قيمة البغل يوم الغصب وأنّها خمسون درهما مثلا ، وادّعى المالك
ارتفاعها إلى ستّين درهما يوم التلف ، وأنكر الغاصب هذا الارتفاع ، وأنّ القيمة لم
تزدد على الخمسين. وهذه الصّورة وإن لم تذكر في الصحيحة ، لكن يعلم
فإنّه (١) يمكن أن يحمل توجّه اليمين على المالك على (٢) ما إذا اختلفا في
تنزّل القيمة يوم التلف ، مع اتّفاقهما أو الاطّلاع (٣) من الخارج على قيمته
سابقا. ولا شكّ حينئذ (٤) أنّ القول قول المالك.
ويكون سماع
البيّنة (٥) في صورة اختلافهما في قيمة البغل سابقا مع
______________________________________________________
حكمها من حكم الصّورة الأولى ، فيحلف الغاصب على نفي زيادة القيمة ، وإن
نكل وردّ اليمين على المكاري وحلف على ارتفاع القيمة ، استقرّ على عهدة الغاصب
حينئذ.
فالنتيجة : أنّ
الصحيحة إن دلّت على اعتبار قيمة يوم الغصب لزم إمّا مخالفة قواعد القضاء كما
عرفته مفصّلا ، وإمّا حمله على فرد نادر من موارد النزاع كما سيأتي توضيحه قريبا.
وإمّا على التعبّد كما سيأتي أيضا. وإن دلّت على ضمان قيمة يوم التلف كان قبول قول
المكاري بيمينه وقبول بيّنته مطابقا لموازين القضاء ، بعد حمل مورد الحلف على صورة
، ومورد البيّنة على صورة أخرى ، هذا.
(١) هذا تقريب
مطابقة الصحيحة لموازين باب القضاء بناء على أمرين :
أحدهما : كون
العبرة بقيمة يوم التلف.
ثانيهما :
التفكيك بين موردي تقدّم قول المالك بيمينه ، وبين قبول يمينه ، كما عرفت.
(٢) متعلّق ب «أن
يحمل».
(٣) يعني : أنّ
اتّفاقهما على القيمة السابقة إمّا لعلمهما بها ، وإمّا لاستعلام القيمة من
الخبراء والمقوّمين.
(٤) أي : حين
اتّفاقهما على قيمته سابقا. والوجه في تقديم قول المالك حينئذ هو إنكاره لما
يدّعيه الغاصب من نقصان قيمة المعيب.
(٥) هذه صورة
ثانية من صور نزاعهما في قيمة البغل. وفي هذا الفرض تكون وظيفة المالك إقامة
البيّنة ، ولا مورد ليمينه ولا ليمين الغاصب ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «واخرى
فيما إذا اتفقا على عدم تغيير قيمته السّوقيّة .. إلخ».
اتّفاقهما على بقائه عليها إلى يوم التلف ، فيكون (١) الرّواية قد تكفّلت
بحكم صورتين من صور تنازعهما. ويبقى بعض الصور ، مثل : (٢) دعوى المالك زيادة قيمة
يوم التلف عن يوم المخالفة (٣). ولعلّ حكمها ـ أعني حلف الغاصب ـ يعلم من حكم
عكسها (٤) المذكور في الرّواية.
وأمّا على
تقدير كون العبرة في القيمة بيوم المخالفة فلا بدّ (٥) من حمل
______________________________________________________
(١) هذا متفرّع
على ما تقدّم من حمل مورد قبول حلف المالك على الصّورة الاولى ، وحمل مورد قبول
بيّنته على الصّورة الثّانية.
(٢) هذه هي
الصّورة الثّالثة من صور النزاع ، وقد تقدّم توضيحها أيضا.
(٣) يعني : عن
قيمة يوم المخالفة ، المتّفق عليها بينهما.
(٤) أي :
الصّورة الاولى ، وهي اختلافهما في تنزّل القيمة ـ يوم التلف ـ عن قيمتها السّابقة
المتّفق عليها.
هذا كلّه في
توجيه الصّحيحة بناء على كون العبرة بقيمة يوم التلف.
(٥) غرضه من
هذا الكلام إلى الشروع في استفادة ضمان أعلى القيم هو توجيه الصّحيحة بناء على
دلالتها على ضمان قيمة يوم المخالفة ، بذكر وجهين ، والمناقشة فيهما.
توضيح الوجه
الأوّل : أنّه يمكن تطبيق الصحيحة على قاعدة «الحلف وظيفة المدّعى عليه ، والبيّنة
وظيفة المدّعي» بحمل قوله عليه الصّلاة والسّلام : «إما أن يحلف هو فيلزمك» على
صورة من صور النزاع ، وهي ما إذا اتّفقا على قيمة البغل في اليوم السابق على يوم
المخالفة ، بأن كانت خمسين درهما ، ثم اختلفا في قيمته يوم المخالفة ، بأن ادّعى
الغاصب نقصانها يوم المخالفة إلى أربعين درهما ، وادّعى المالك بقاءها على الخمسين
درهما ، إذ يكون المالك حينئذ منكرا ، لموافقة قوله لأصالة عدم النقصان ، فيتّجه
قبول قوله مع يمينه.
وكذا الحال لو
اتّفقا على قيمة البغل في اليوم اللاحق ليوم المخالفة ، وهي خمسون درهما ، ولكن
الغاصب يدّعي كونها في يوم المخالفة أربعين ، فيتّجه قبول يمينه ، لموافقة قوله
للاستصحاب القهقرائيّ الدالّ على كون قيمته يوم المخالفة خمسين درهما.
الرّواية على ما إذا اتّفقا على قيمة اليوم السّابق على يوم المخالفة ، أو
اللاحق له (١) ، وادّعى الغاصب نقصانه عن تلك (٢) يوم المخالفة. ولا يخفى بعده (٣).
وأبعد منه (٤)
حمل النّصّ على التّعبّد ، وجعل حكم خصوص الدابّة
______________________________________________________
والحاصل : أنّه
بناء على حمل الصحيحة على هذه الصورة من صورة النزاع لا يلزم مخالفة قاعدة القضاء.
لكن ردّه المصنّف قدسسره بالبعد ، وسيأتي توضيحه كما سيأتي توضيح الوجه الثاني
إن شاء الله تعالى.
(١) أي : ليوم
المخالفة.
(٢) أي : عن
تلك القيمة المتّفق عليها ، والظرف منصوب ل «نقصانه» أي : وقع النقصان في يوم
المخالفة.
(٣) لعلّ وجهه
عدم ابتلاء الغاصب بالبغل قبل المخالفة ليتمشّى منه موافقة المكاري على قيمته قبل
الاكتراء ، فيلزم حينئذ حمل الصحيحة على فرد نادر ، لأنّهما لو اتّفقا على قيمة
البغل قبل المخالفة بيوم ـ أو بعدها كذلك ـ كانت دعوى الغاصب نقصان القيمة في يوم
المخالفة بعيدة جدّا ، إذ ليست البغال كسائر أموال التّجارة التي تتغيّر أسعارها
وأثمانها تغييرا فاحشا في يوم أو يومين.
وحيث كان هذا
الحمل بعيدا كان الأولى حملها ، على الصّورتين المتقدّمتين المبتنيتين على ضمان
يوم التلف.
(٤) أي : من
حمل الرّواية على ما إذا اتّفقا .. وهذا التّوجيه الثاني يستفاد من فتوى شيخ الطائفة
قدسسره في موضعين من النهاية ، ولا بأس بنقل كلامه فيهما
تسهيلا للأمر على إخواننا أعزّهم الله تعالى.
فنقول : قال ـ في
باب بيع الغرر والمجازفة وما يجوز بيعه وما لا يجوز ـ ما لفظه : «ومن غصب غيره
متاعا ، وباعه من غيره ، ثمّ وجده صاحب المتاع عند المشتري كان له انتزاعه من يده.
فإن لم يجده حتى هلك في يد المبتاع رجع على الغاصب بقيمته يوم غصبه إيّاه .. فإن
اختلف في قيمة المتاع كان القول قول صاحبه مع يمينه بالله تعالى» .
__________________
أو مطلقا مخالفا للقاعدة المتّفق عليها نصّا وفتوى من «كون البيّنة على
المدّعي
______________________________________________________
ووجّهه المحقّق
بقوله : «إنّما كان القول قول المالك ، لأنّ الثابت في الذّمّة هو الشيء المغصوب
، فإذا ادّعى الغاصب أنّ القدر المدفوع هو قيمته ، وأنكر المالك ، كان القول قوله
، لأنّ الغاصب يدّعي خلاص ذمّته ممّا هو ثابت فيها بالقدر المدفوع ، وأنّ القدر هو
قيمة ما في الذّمّة. وعلى هذا التخريج لا تكون هذه الصورة خارجة عن الأصل» .
هذا كلّه فيما
اختاره شيخ الطائفة في بيع المغصوب في كتاب المتاجر.
وقال في باب
الإجارة ـ في من اكترى دابّة على أن يركبها إلى موضع مخصوص ، فتجاوزه ـ ما لفظه : «ومتى
هلكت الدابّة ـ والحال ما وصفناه ـ كان ضامنا لها ، ولزمه قيمتها يوم تعدّى فيها.
فان اختلفا في الثمن كان على صاحبها البيّنة ، فإن لم تكن له بيّنة كان القول قوله
مع يمينه. فإن لم يحلف وردّ اليمين على المستأجر منه لزمه اليمين ، أو يصطلحان على
شيء. والحكم فيما سوى الدّابّة فيما يقع الخلف فيه بين المستأجر والمستأجر منه ،
كانت البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه» .
وهذا الكلام
صريح في اختصاص الدّابّة المغصوبة بحكم ، وهو الجمع بين مطالبة البيّنة من المالك
، ثم قبول قوله مع اليمين. والوجه فيه ـ كما صرّح به المحقّق في نكت النهاية ـ العمل بصحيحة أبي ولّاد. فتكون مخصّصة لقاعدة «البيّنة
على المدّعي واليمين على المدّعى عليه» وأمّا غير الدّابّة مما يقع الخلاف في ثمنه
فمشمول لعموم القاعدة.
وقد ظهر بما
نقلناه من كلمات الشيخ والمحقّق قدسسرهما اختلاف كلامي الشيخ في بابي البيع والإجارة ، ففي بيع
المغصوب حكم بتقديم قول المالك مطلقا ، سواء أكان المغصوب دابّة أم غيرها. وفي باب
الإجارة خصّ الحكم بالدّابّة المغصوبة
__________________
واليمين على من أنكر» كما حكي عن الشيخ في بابي الإجارة والغصب (١).
______________________________________________________
عملا بصحيحة أبي ولّاد. ولأجل هذا الاختلاف عبّر المصنّف ب «أو» فقال : «خصوص
الدّابّة أو مطلقا».
إذا اتّضح ما
ذكرناه ـ من صحّة نسبة هذا الحمل إلى شيخ الطائفة قدسسره ـ قلنا في توضيحه : إنّ الأصل المقرّر في باب القضاء من «أنّ البيّنة على
المدّعي واليمين على المدّعى عليه» حكم شرعيّ كلّيّ كسائر القواعد الشرعيّة
العامّة القابلة للتخصيص كقاعدة التجاوز والفراغ ولا ضرر ولا تعاد ونحوها. وليست
أحكاما كلّيّة آبية عن التخصيص.
وحيث كانت
صحيحة أبي ولّاد جامعة لشرائط الحجّيّة تعيّن تخصيص القاعدة المقرّرة في باب
القضاء بها ، ويقال : إنّ النزاع في ثمن الدّابّة المغصوبة مختصّ بحكم تعبّديّ ،
وهو تقديم بيّنة المالك وقبول يمينه ، ولا يندرج في عموم «البيّنة على المدّعي
واليمين على المدّعى عليه» هذا.
وقد ناقش
المصنف قدسسره في هذا الحمل بأنّه أبعد من الحمل السابق. ولعلّ وجه
الأبعديّة عدم ذهاب أحد إلى التعبّد وتخصيص قاعدة «البيّنة على المدّعي ..» مع كون
تخصيص العامّ جمعا عرفيّا واضحا. ويكفي لإثبات عدم عرفيّة هذا التخصيص إعراض جماعة
ممّن نقل فتوى الشيخ عنه ، واعتراضهم عليه كابن إدريس والمحقّق والعلّامة وغيرهم قدّس الله أسرارهم.
(١) المراد من
الغصب هو بيع المغصوب ، لا باب الغصب.
هذا تمام
الكلام في ترجيح استظهار ضمان المغصوب بقيمة يوم التلف من صحيحة أبي ولّاد ، وعدم
وفائها بإثبات ضمان يوم الغصب. وسيأتي الكلام في استظهار ضمان أعلى القيم من
الصحيحة.
__________________
وأضعف من ذلك (١)
الاستشهاد بالرواية على اعتبار أعلى القيم من حين
______________________________________________________
ج : القول الثالث :
ضمان أعلى القيم
(١) المشار
إليه هو الاستشهاد بالصحيحة على كون العبرة بقيمة يوم الغصب. وقد نبّه على ضعفه
بقوله : «نعم يمكن أن يوهن ما استظهرناه من الصحيحة بأنّه لا يبعد .. إلخ».
واستدلّ على
ضمان أعلى القيم من يوم الغصب إلى التلف بوجوه :
أوّلها : صحيحة
أبي ولّاد ، على ما صرّح به الشهيد الثاني قدسسره وإن لم يذكر تقريب دلالة الصحيحة على ذلك. قال في
المسالك في عدّ الأقوال المذكورة في ضمان القيميّ : «وثانيها : ضمان القيمة يوم
التلف .. وهذا القول قويّ. إلّا أنّ في صحيحة أبي ولّاد ـ فيمن اكترى البغل وتجاوز
به محلّ الشرط ـ ما يدلّ على وجوب أعلى القيم بين الوقتين. ولولاها لما كان عن هذا
القول عدول» .
وقوّى هذا
القول في شرح اللمعة «لمكان هذا الخبر الصحيح».
ولكنّه قدسسره استدلّ بالصحيحة ـ قبل سطر ـ على ضمان قيمة يوم الغصب ،
حيث قال : «وفي صحيح أبي ولّاد عن أبي عبد الله عليهالسلام في اكتراء البغل ومخالفة الشرط ما يدلّ على هذا القول» .
وكيف كان فيمكن
أن يكون نظره ـ في دلالة الصحيحة على قيمة زمان الغصب ـ إلى الظهور البدويّ في
جملة «نعم قيمة بغل يوم خالفته» كما في مفتاح الكرامة .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقد تقدّم بيان
المصنّف قدسسره في كيفيّة الدّلالة.
وأمّا دلالة
الصحيحة على ضمان أعلى القيم من زمان الغصب إلى التلف فلم يبيّنها الشهيد الثاني قدسسره ويمكن توجيهما بوجهين.
أحدهما :
استفادة الحكم من جملة «نعم قيمة بغل يوم خالفته» بإلغاء المعنى الحدثي ، وإرادة
المعنى الاسمي على ما سيأتي توضيحه في التعليقة. ولعلّ هذا الوجه ظاهر الجواهر ،
حيث قال قدسسره : «اللهم إلّا أن يقال : إنّه بناء على تعلّق الظرف
بالفعل المستفاد من قوله : نعم ، يكون المراد أنّ ابتداء الضمان من ذلك اليوم إلى
يوم التلف ، فيضمن الأعلى منه حينئذ. بل إن جعل متعلقا بالقيمة يكون المراد منه
ذلك أيضا ، لعدم معقولية ضمان القيمة مع وجود العين ، فيكون الحاصل : أنه تلزمه
القيمة مع العطب من يوم المخالفة» .
ثانيهما :
استفادة الحكم من مجموع الجملتين ، وهما : قوله عليهالسلام : «قيمة بغل يوم خالفته» وقوله عليهالسلام : «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب يوم تردّه». بتقريب
: أنّ القيمة المضمونة ليست خصوص قيمة يوم الغصب ، بل المستقرّ على ذمّة أبي ولّاد
ـ عند تعيّب البغل ـ هو إحدى القيم من زمان الغصب إلى زمان التلف ، أو إلى ردّه
معيبا إلى المكاري. ومن المعلوم اقتضاء إطلاق القيمة بين هذين الوقتين ضمان الجامع
بين القيم ، وأداء هذا الجامع منوط بدفع الأعلى.
فلو كان ثمن
البغل يوم المخالفة خمسين درهما مثلا ، ثم ارتفع إلى ستّين ، وتنزّل إلى أربعين ،
وكان في يوم تلفه أو يوم ردّه معيبا خمسا وأربعين كان على عهدة الضامن ستّون درهما
، لإطلاق قوله عليهالسلام «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب» لاستقرار القيمة العليا بمجرّد ارتفاع
القيمة في الفترة بين الغصب والرّد ، أو بين الغصب والتلف. ولا تفرغ الذّمّة بأداء
القيمة النازلة ، لعدم كونها جامعة بين القيم المختلفة في المدة التي كانت العين
تحت يد الغاصب.
__________________
الغصب إلى التلف كما حكي عن الشهيد الثاني ، إذ (١) لم يعلم لذلك وجه صحيح
، ولم أظفر بمن وجّه دلالتها على هذا المطلب (٢).
نعم استدلّوا
على هذا القول (٣) بأنّ العين مضمونة في جميع تلك الأزمنة التي منها زمان ارتفاع
قيمته.
وفيه (٤) أنّ
ضمانها
______________________________________________________
(١) تعليل
لقوله : «وأضعف» والتعبير به إنّما هو لعدم الظفر بوجه دلالة الصحيحة على ضمان
أعلى القيم ، وهذا بخلاف دلالتها على ضمان يوم الغصب ، فإنّها ليست ببعيدة ، ولذا
استظهره جماعة كالفاضل النراقي وغيره ، وكذا المصنّف في بادئ الأمر ، وإن عدل عنه
إلى ترجيح اعتبار قيمة يوم التلف.
(٢) قد وجّهه
صاحب الجواهر قدسسره كما أشرنا إليه آنفا ، لكنه ضعّفه لكونه ضمانا تقديريا
لا تحقيقيّا ، فراجع.
(٣) كذا في
مفتاح الكرامة والجواهر أيضا ، والمستدلّ بهذا الوجه جماعة ، منهم الفاضل
المقداد وابن فهد الحلّي قدسسرهم. وكذا الشهيد الثاني ، إلّا أنّه ناقش فيه واعتمد على صحيحة أبي ولّاد ،
فراجع المسالك.
وكيف كان فحاصل
هذا الوجه الثاني القول بضمان أعلى القيم بين الغصب والتلف هو : أنّ العين مضمونة
في جميع أزمنة الغصب والمخالفة ، ومن تلك الأزمنة زمان ارتفاع قيمتها ، ولا تفرغ
الذّمّة بدفع قيمة يوم الغصب أو يوم التلف لو كانت أقلّ القيم في هذه المدّة ،
لفرض اشتغال الذّمّة بالقيمة العليا.
(٤) هذا ردّ
الوجه المزبور لإثبات ضمان أعلى القيم بين الغصب والتلف ، وهو مذكور ـ مختصرا ـ في
كلام الشهيد الثاني والسيّد العامليّ وصاحب الجواهر قدسسرهم ،
__________________
في تلك الحال (١) إن أريد به وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلف فيه فمسلّم ، إذ
تداركه لا يكون إلّا بذلك ، لكن المفروض أنّها (٢) لم تتلف فيه.
وإن أريد به
استقرار قيمة ذلك الزمان (٣) عليه فعلا (٤) وإن تنزّلت بعد ذلك ، فهو (٥) مخالف
لما تسالموا عليه من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع ردّ العين.
______________________________________________________
وحاصله : أنّه إن أريد بضمان العين في أزمنة الغصب وجوب قيمة ذلك الزمان
على تقدير تلفها فيه ، فهو مسلّم ، إذ تداركها حينئذ منحصر بذلك. لكنّه خلاف
المفروض ، لأنّها لم تتلف ، وهذا الضمان التقديريّ لم يصر فعليّا.
وإن أريد به
أنّ قيمة ذلك الزمان قد استقرّت عليه وثبتت على عهدته فعلا ـ وإن لم تتلف العين
وتنزّلت قيمته بعد ذلك ـ فهو مخالف لما تسالموا عليه من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع
ردّ العين.
وإن أريد به
استقرار القيمة على الغاصب بمجرّد الارتفاع مراعى بالتلف ، ـ يعني : إن تلفت العين
كان ارتفاع القيمة مضمونا ، وإن لم تتلف وردّها على صاحبها لم يضمن تلك القيمة
العليا ـ قلنا : إنّ هذا الاحتمال وإن لم يخالف اتّفاقهم على عدم ضمان ارتفاع
القيمة لو ردّ العين ، إلّا أنّ الموهن للالتزام به هو مخالفته لأصالة براءة
الذّمّة عن القيمة المرتفعة ، والمفروض عدم وجود حجّة على اشتغال الذّمّة بتلك
القيمة العليا.
وبهذا ظهرت
الخدشة في استدلال الجماعة على ضمان أعلى القيم.
(١) أي : في
حال ارتفاع القيمة.
(٢) أي : أنّ
العين لم تتلف في زمان ارتفاع قيمتها حتى تضمن بتلك القيمة المرتفعة ، وعليه فضمان
هذه القيمة تقديريّ ، يعني : لو تلفت العين في ذلك الزمان لكانت مضمونة بتلك
القيمة العليا.
(٣) أي :
الزمان الذي ارتفعت فيها قيمة العين المضمونة.
(٤) هذا و «عليه»
متعلّقان ب «استقرار» أي : استقرار القيمة العليا على الضامن لمجرّد ارتفاع القيمة
في بعض الأزمنة وإن تنزّلت بعده.
(٥) جواب قوله
: «وإن أريد به».
وإن أريد
استقرارها (١) عليه بمجرّد الارتفاع مراعى بالتلف ، فهو (٢) وإن لم يخالف الاتّفاق
، إلّا أنّه (٣) مخالف لأصالة البراءة من غير دليل شاغل (٤) عدا ما حكاه في الرياض
عن خاله العلّامة قدّس الله تعالى روحهما من قاعدة نفي الضرر الحاصل (٥)
على المالك.
وفيه (٦) نظر ،
كما اعترف به بعض من تأخّر.
______________________________________________________
(١) أي :
استقرار القيمة المرتفعة على الضامن لمجرّد الارتفاع ، لكنّها منوطة بالشرط
المتأخّر ، وهو التلف في زمان تنزّل القيمة.
(٢) أي :
فاستقرار القيمة العليا وإن لم يخالف الاتّفاق ـ إذ معقد الاتّفاق على عدم ضمان
ارتفاع القيمة إنّما هو مع ردّ العين ، وأمّا مع التلف فلا اتفاق على عدم ضمانه ـ إلّا
أنّ وجوب أعلى القيم مخالف لأصالة البراءة.
إلّا أن يقال ـ
كما عن الوحيد البهبهاني قدسسره ـ بجريان قاعدة نفي الضرر عن المالك ، الحاكمة على أصل
البراءة.
(٣) أي : أنّ
استقرار ارتفاع القيمة مخالف لأصالة البراءة المقتضية لعدم اشتغال الذّمّة بالقيمة
العليا.
(٤) أي : شاغل
لذمّة الضّامن.
(٥) صفة للضرر
، ووجه تضرّر المالك هو عدم تمكّنه من العين في زمان ارتفاع قيمتها ، ومن المعلوم
أنّ الضرر منفيّ في الشريعة.
(٦) أي : وفي
كون نفي الضرر شاغلا للذّمّة بأعلى القيم نظر ، كما اعترف صاحب الجواهر بهذا النظر
، حيث قال ـ في ذيل بيان وجه تردّد المحقّق قدسسره في اعتبار زيادة القيمة ونقصانها بعد التلف ـ ما لفظه :
«ولعلّه لذا قيل : إنّ وجه القول قاعدة الضرر ، وذلك لأنّ عدم تمكينه منها حين
ارتفاع القيمة ضرر عليه ، وتفويت لتلك المنفعة العليا ، ومن هنا كان خيرة العلّامة
الأكبر الآغا محمد باقر البهبهاني قدسسره فيما
__________________
نعم (١) يمكن
توجيه الاستدلال المتقدم من كون العين مضمونة في جميع
______________________________________________________
حكي عنه. إلّا أنّك قد عرفت فيما تقدّم اقتضاء القاعدة المزبورة ضمان
الأعلى مع فواته وإن ردّ العين نفسها ، وهو مخالف للإجماع بقسميه ، بل قد عرفت عدم
الضّمان فيما لو منعه من بيع ماله بقيمة عالية» .
وحاصله : أنّ
الضامن مكلّف بأداء العين ما دامت موجودة مهما كانت قيمتها ، ولم تشتغل ذمّته
بالبدل حتى تقتضي قاعدة نفي الضرر الاشتغال بأعلى القيم.
هذا تمام
الكلام في الوجه الثاني مما استدلّ به على ضمان أعلى القيم من زمان الغصب إلى زمان
التلف ، وسيأتي تقريبه بوجه آخر يمكن جعله وجها ثالثا للحكم.
(١) هذا
استدراك على مناقشته في الوجه الثاني بقوله : «وفيه أنّ ضمانها في تلك الحال ..»
وغرضه تقريب الوجه المزبور ببيان آخر يسلم عن المناقشة ، وحاصله : وحدة مناط
الضّمان في الحيلولة والتلف ، توضيحه : أنّ العين المضمونة لو تلفت حين ارتفاع
قيمتها تضمن قيمتها العليا ، لكون زمان التلف وقت اشتغال الذّمّة بالبدل بعد ما
كانت مشغولة بالعين.
والوجه في
الضّمان حرمان المالك عن العين وعدم تمكّنه من الانتفاع بماله. وهذا المناط موجود
في صورة بقاء العين في يد الضامن حين ارتفاع قيمتها ، فإنّها وإن لم تتلف ، لكنّ
حيلولة الضامن بين المالك وملكه ، ومنعه عن التّصرّف فيه موجبة لضمان القيمة
المرتفعة وإن كان تلفها في زمان تنزّل قيمتها.
نعم لا يقتضي
هذا الوجه ضمان أعلى القيم لو ردّ الضامن العين إلى المالك في زمان تنزّل القيمة ،
وذلك لأنّ ردّ العين يوجب تدارك تلك القيمة العليا ، ولو لا هذا التدارك لزم ردّ
التفاوت ـ بين القيمة الفعليّة وأعلى القيم ـ عند ردّ العين. هذا محصّل التوجيه ،
وسيأتي في المتن مزيد توضيح له.
__________________
الأزمنة ـ بأنّ (١) العين إذا ارتفعت قيمتها في زمان وصار ماليّتها مقوّمة
بتلك القيمة (٢) ، فكما أنّه إذا تلفت حينئذ (٣) يجب تداركها بتلك القيمة ، فكذا
إذا حيل بينها (٤) وبين المالك حتى تلفت ، إذ (٥) لا فرق ـ مع عدم التمكّن منها ـ بين
أن تتلف أو تبقى.
نعم (٦) لو
ردّت تدارك تلك الماليّة بنفس العين. وارتفاع (٧) القيمة السوقيّة أمر اعتباريّ لا
يضمن بنفسه ، لعدم كونه مالا ، وإنّما هو مقوّم لماليّة المال ، وبه تمايز الأموال
كثرة وقلّة.
______________________________________________________
(١) متعلّق ب «توجيه»
وبيان له.
(٢) أي :
القيمة المرتفعة.
(٣) أي : حين
صيرورة ماليّة العين مقوّمة بتلك القيمة العليا.
(٤) أي : بين
العين وبين المالك.
(٥) تعليل
لوجوب تدارك العين بالقيمة العليا.
(٦) استدراك
على ضمان القيمة العليا ، يعني : أنّ مناط ضمان أعلى القيم وإن كان موجودا في صورة
بقاء العين عند الغاصب ، إلّا أنّ ردّ العين ـ في زمان تنزّل القيمة ـ جابر لتلك
القيمة العليا.
(٧) هذا دفع
دخل ، حاصله : أنّ القيمة المرتفعة لو كانت مضمونة لم يختلف الحال بين بقاء العين
ـ وردّها بعد ذلك ـ وبين تلفها ، فكيف حكم الماتن بتدارك القيمة العليا بردّ العين
وعدم ضمانها؟
وحاصل الدّفع :
أنّ ارتفاع القيمة السوقيّة أمر اعتباريّ غير مضمون ، وإنّما المضمون هو العين
المتموّلة التي استولى عليها الضامن. وهذا الأمر الاعتباريّ ليس بمال حقيقة ، بل
يكون مقوّما لماليّة العين ، ولهذا حكموا بفراغ ذمّة الضامن بردّ نفس العين ما لم
تسقط عن الماليّة ، كما تقدّم في التنبيه السادس في مثال الماء على الشاطئ
والحاصل (١) :
أنّ للعين في كلّ زمان من أزمنة تفاوت قيمته مرتبة من الماليّة أزيلت يد المالك
منها ، وانقطعت سلطنته عنها ، فإن ردّت العين فلا مال سواها يضمن (٢). وإن تلفت
استقرّت عليها تلك المراتب ، لدخول الأدنى تحت الأعلى (٣). نظير ما لو فرض للعين
منافع متفاوتة متضادّة ، حيث إنّه يضمن الأعلى منها (٤).
______________________________________________________
والثلج في الشتاء.
ففي المقام
يفصّل بين تلف العين وبقائها ، فإن تلفت في زمان ارتفاع قيمتها ضمن قيمتها حين
التلف. وإن بقيت ونقص قيمتها وردّها إلى المالك لم يضمن ارتفاع قيمتها ، وإن كان
مناط الضمان ـ وهو حرمان المالك عن ماله في زمان أعلى القيم ـ موجودا في حالتي
البقاء والتلف.
(١) يعني :
وحاصل توجيه الاستدلال على ضمان أعلى القيم هو : أنّ للعين .. إلخ.
(٢) لما تقدّم
من أنّ ارتفاع القيمة ورغبة العقلاء وإن كان مقوّما لماليّة المال ، إلّا أنّ
المضمون هو المال ، لا الماليّة ، فلا يضمن أعلى القيم لو ردّ العين إلى مالكها.
(٣) فلا يلزم
الجمع بين القيمة العليا والمتوسطة والنازلة ، بل يكفي دفع القيمة الجامعة بين
تمام القيم ، وهي أعلى القيم خاصّة.
(٤) ولا يضمن
جميع تلك المنافع الفائتة ، قال في الجواهر : «إنّما الكلام فيما لو تعدّدت منافعه
كالعبد الخيّاط الحائك ، ففي القواعد في موضع منها : والمنافع المباحة مضمونة
بالفوات تحت اليد والتفويت. ولو تعدّدت المنافع كالعبد الخيّاط الحائك لزمه أجرة
أعلاها ، ولا تجب اجرة الكلّ ..» والمسألة لا تخلو من بحث ، فراجع الجواهر. وإلى هنا تمّ
توجيه المصنّف قدسسره للاستدلال ، وسيأتي الاستشهاد عليه بكلام العلّامة قدسسره.
__________________
ولأجل ذلك (١)
استدلّ العلّامة في التحرير للقول باعتبار يوم الغصب بقوله : «لأنّه زمان إزالة يد
المالك» (٢).
ونقول في
توضيحه : إنّ كلّ زمان من أزمنة الغصب قد أزيلت فيه يد المالك من العين على حسب
ماليّته (٣) ، ففي زمان أزيلت من مقدار درهم ، وفي آخر عن درهمين ، وفي ثالث عن
ثلاثة ، فإذا استمرّت الإزالة إلى زمان التلف وجبت غرامة أكثرها ، فتأمّل (٤).
______________________________________________________
(١) أي : لأجل كون
الحيلولة سببا للضمان استدلّ .. إلخ ، لأنّ إزالة يد المالك حيلولة حقيقة بين
المال ومالكه ، ومانعة عن سلطنة المالك على ماله.
والظاهر أنّ
نظر المصنّف في قوله : «ولأجل ذلك» إلى جعل إزالة يد المالك وقطع سلطنته عن ماله
موجبة للضمان ، ولذا جعل العلّامة انقطاع السلطنة سببا له ، لأنّ يوم الغصب زمان
انقطاع السلطنة. فنظر المصنّف قدسسره منحصر في أصل الضمان من ناحية إزالة يد المالك عن ماله
، لا في كيفيّته ، وإلّا كان عليه الالتزام بأعلى القيم كما قرّبه في المتن.
وبعبارة أخرى :
تعليل العلّامة ناظر إلى ضمان يوم الغصب ، مع أنّ المصنّف في مقام الاستدلال على
ضمان أعلى القيم ، فالاستشهاد بعبارة التحرير لإثبات ضمان أعلى القيم منوط بتقريب
آخر ، وهو ما أفاده المصنّف بقوله : «إن كل زمان من أزمنة الغصب ..».
(٢) قال في
التحرير : «فالأكثر على ضمان القيمة يوم الغصب ، لأنّه الوقت الذي أزال يده عنه» .
(٣) أي :
ماليّة العين في كل زمان من أزمنة الغصب ، فالأولى تأنيث الضمير.
(٤) الظاهر
أنّه إشارة إلى ما ذكرناه من عدم ابتناء قول العلّامة ـ بضمان قيمة يوم الغصب ـ على
ما أفاده المصنّف ، بل على خصوص كون سلب سلطنة المالك موجبا للضمان.
أو إشارة إلى :
عدم كون الحيلولة عن القيمة كالحيلولة عن العين ، بكون حيلولة
__________________
واستدلّ في
السرائر وغيرها على هذا القول (١) بأصالة الاشتغال ، لاشتغال ذمّته بحقّ المالك ،
ولا يحصل البراءة إلّا بالأعلى.
وقد يجاب (٢)
بأنّ الأصل في المقام البراءة ، حيث إنّ الشكّ في التكليف بالزائد.
______________________________________________________
العين موجبة لضمان القيمة العليا ، بخلاف الحيلولة عن القيمة مع بقاء العين
، فإنّها لا توجب ضمان ارتفاع القيمة.
(١) أي : على
القول بضمان أعلى القيم من حين الغصب إلى التلف ، وهذا إشارة إلى وجه ثالث يظهر من
كلام ابن إدريس ، قال قدسسره : «فإن لم يردها ـ أي العين المغصوبة ـ حتى هلكت العين
لزمه ضمان قيمتها بأكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف ، لأنّه إذا أدّى ذلك
برئت ذمّته بيقين ، وليس كذلك إذا لم يؤدّه» .
وعلّله في باب
البيع «ببقاء المال على ملك صاحبه ، ما انتقل عنه» . وظاهره وجود الدليل على ضمان أكثر القيم ، فراجع.
وكيف كان
فتقريب اقتضاء قاعدة الاشتغال الضمان بالقيمة العليا هو : أنّ ذمّة الضامن اشتغلت
بماليّة المغصوب في جميع المدّة من القبض إلى التلف ، ومنها زمان ارتفاع القيمة ،
ويشكّ في فراغ الذّمّة بدفع القيمة النازلة أو المتوسّطة ، وقد تقرّر اقتضاء
الاشتغال اليقينيّ للفراغ كذلك.
(٢) الظاهر أنّ
المجيب هو صاحب الجواهر قال قدسسره : «ودعوى أنّه ـ أي الوجه ـ قاعدة الاشتغال .. يدفعها
ما تحقّق في الأصول من أنّ مثله يجري فيه أصل البراءة ، ضرورة رجوعه إلى الشّكّ في
التكليف بين الأقلّ والأكثر» .
ومحصّله : أنّ
الشكّ في ضمان القيمة السفلى أو العليا يكون من موارد الشكّ في الأقلّ والأكثر
الاستقلاليّين ، وهو مجرى أصالة البراءة لا الاشتغال.
__________________
نعم (١) لا بأس
بالتّمسّك باستصحاب الضّمان المستفاد من حديث اليد (*).
______________________________________________________
(١) استدراك
على عدم صغرويّة المقام لقاعدة الاشتغال ، وغرضه قدسسره إثبات وجوب أعلى القيم بوجه رابع وهو الاستصحاب ،
بتقريب : أنّ حديث «على اليد» يدلّ على الضمان بمجرّد الاستيلاء على مال الغير إلى
زمان أدائه أو أداء بدله ، فالحالات الطارئة على العين مضمونة ، ومنها ارتفاع
قيمتها ، فلو تلفت العين حين نقص قيمتها ، ودفع تلك القيمة النازلة إلى المالك
يشكّ في فراغ ذمّته عمّا اشتغلت به قطعا ، ومن المعلوم أنّ مقتضى الاستصحاب وجوب
دفع أعلى القيم. هذا.
ولا يخفى أنّه
لو جرى الاستصحاب كان حاكما على كلّ من أصالة الاشتغال المثبتة لأعلى القيم ،
وأصالة البراءة النافية له. وظاهر سكوت المصنّف قدسسره ارتضاؤه له ، إلّا أن يستفاد مبناه ممّا تقدّم من
تسالمهم على عدم ضمان ارتفاع القيمة لو كان التلف حين نقصها.
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسرهما
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
عليهالسلام
عليهالسلام
.................................................................................................
__________________
عليهالسلام
عليهالسلام
.................................................................................................
__________________
عليهالسلام
عليهالسلام
.................................................................................................
__________________
عليهالسلام
ثمّ إنّه (١)
حكي عن المفيد والقاضي والحلبي : الاعتبار بيوم البيع في
______________________________________________________
د : ضمان المقبوض
بالبيع الفاسد بقيمة يوم البيع
(١) هذا إشارة
إلى قول رابع في ضمان المقبوض بالبيع الفاسد ، ذهب إليه الشيخ المفيد والقاضي ابن
البرّاج وأبو الصلاح الحلبي قدسسرهم على ما نقله عنهم العلّامة في المختلف في بيع الغرر
والمجازفة .
وهذا القول يختصّ
به حكم المبيع فاسدا ، ولا يشمله حكم المغصوب ، فلا يضمن المبيع بيوم قبضه ولا
بيوم تلفه ولا بأعلى القيم بينهما ، بل يضمن بقيمة يوم البيع سواء قبضه المشتري
فيه أم لا. كما أنّ ظاهر هذا القول التفصيل في فساد البيع بين أن يستند إلى جهالة
الثمن وعدم تعيينه في العقد ، فيضمن المبيع بقيمة يوم البيع ، وبين غيرها من
اختلال شرط الصّحّة ، فيضمن بقيمة القبض والأخذ.
وكيف كان فهذه
الفتوى تظهر من النهاية أيضا ، حيث قال : «ومن اشترى شيئا بحكم نفسه ، ولم يذكر
الثمن بعينه كان البيع باطلا ، فإن هلك الشيء في يد المبتاع كان عليه قيمته يوم
ابتاعه .. إلخ» . والشاهد في هذه الجملة الأخيرة ، حيث أوجب على المشتري
قيمة يوم البيع ، لا قيمة يوم القبض.
ولعلّ نظرهم في
هذا الحكم إلى صحيحة رفاعة الخنّاس ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ساومت رجلا بجارية فباعنيها بحكمي ، فقبضتها منه على
ذلك ، ثمّ بعثت إليه بألف درهم ، فقلت : هذه ألف درهم حكمي عليك أن تقبلها ، فأبى
أن يقبلها منّي. وقد كنت مسستها قبل أن أبعث إليه بالثمن ، فقال : أرى أن تقوّم
الجارية قيمة عادلة ، فإن كان قيمتها أكثر ممّا بعثت إليه كان عليك أن تردّ عليه [إليه]
ما نقص من القيمة. وإن كان ثمنها أقلّ ممّا بعثت إليه فهو له. قلت : جعلت فداك :
إن وجدت بها عيبا بعد ما مسستها؟ قال : ليس لك أن تردّها ، ولك أن تأخذ قيمة ما
بين الصّحّة
__________________
ما كان فساده من جهة التفويض (١) إلى حكم المشتري.
ولم يعلم له (٢)
وجه. ولعلّهم (٣) يريدون به يوم القبض ، لغلبة اتّحاد زمان
______________________________________________________
والعيب منه» .
والشّاهد في
قوله عليهالسلام : «أرى أن تقوّم الجارية قيمة عادلة» وذلك بناء على
تماميّة أمور ثلاثة :
الأوّل : فساد
البيع الذي فوّض فيه تعيين الثمن إلى المشتري ـ كما هو مورد الرواية ـ على ما هو
المشهور ، بل قيل بعدم خلاف فيه إلّا من صاحب الحدائق. فلو قيل بصحّته خرجت
المسألة عن المقبوض بالبيع الفاسد.
الثاني :
صيرورة الجارية بعد المسّ أم ولد ، حتى تصير بمنزلة التالف ، ويتّجه حينئذ ضمان
قيمتها ، لامتناع ردّها إلى بائعها شرعا.
الثالث : أن
يكون المراد من قوله عليهالسلام : «قيمة عادلة» قيمة يوم البيع.
فإن تمّت هذه
الأمور الثلاثة كانت الصحيحة دليلا تعبّديّا على لزوم قيمة يوم البيع فيما كان
منشأ فساده تفويض الثمن إلى تعيين المشتري بعد العقد ، ويختصّ بمورده. وإن لم تتم
ـ كما هو الظاهر ـ كان المقبوض بالبيع الفاسد محكوما بحكم الغصب.
(١) يعني :
إيكال تعيين الثمن إلى المشتري ، بأن يقول البائع له : «بعتك هذا بما حكمت به من
الثمن» أو : «بعتك هذا بأيّ ثمن شئت». وهو باطل عندهم ، لفقد الشرط وهو معلوميّة
العوضين.
(٢) أي : ولم
يعلم لاعتبار قيمة يوم البيع وجه. بل المناط في ضمان المبيع فاسدا بيوم القبض ،
وصحيحة رفاعة غير ظاهرة في اعتبار قيمة يوم البيع من حيث إنّه يوم البيع ، لظهورها
في تحقّق القبض في يوم العقد ، فلو اعتبر تقويم الجارية بقيمة يوم البيع احتمل أن
يكون لاتّحاده مع يوم القبض ، فيتحد مفادها مع قول المشهور من ضمان يوم القبض.
(٣) غرضه توجيه
كلامهم حتى لا يخرج عن حيّز الأقوال المذكورة في ضمان
__________________
البيع والقبض ، فافهم (١).
ثمّ إنّه (٢)
لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف
______________________________________________________
المغصوب ، إذ بناء على ظاهر كلمات هؤلاء ينفرد المقبوض بالبيع الفاسد ـ بضمان
قيمة يوم البيع ـ عن المغصوب ، فالمصنّف احتمل إرادة يوم القبض من «يوم البيع» حتى
لا ينفرد المقبوض بالبيع الفاسد بحكم يخصّه.
(١) لعلّه
إشارة إلى بعد هذا التوجيه ، لأنّه خلاف الظاهر من دون قرينة.
وقد تحصّل من
الأبحاث المتقدّمة في الأمر السابع : أنّ القيميّ يضمن بقيمته يوم تلفه ، لا بقيمة
يوم القبض والغصب ، ولا بأعلى القيم بين الغصب والتلف ، من دون فرق بين المغصوب
والمقبوض بالبيع الفاسد. ولا بين كون منشأ الفساد تفويض الثمن إلى حكم المشتري ،
أو اختلال شرط آخر.
وسيأتي لبحث
ضمان القيمي تتمّة تتضمّن أمورا ثلاثة :
أحدها : حكم
زيادة قيمة القيميّ بعد تلفه.
ثانيها :
اختلاف قيمة القيميّ بحسب الأمكنة في ما كان بلد الغصب مغايرا لبلد التلف.
ثالثها : ضمان
ارتفاع القيمة لو كان لزيادة في العين.
حكم زيادة ثمن
القيميّ بعد التلف
(٢) هذا شروع
في الأمر الأوّل ، وتوضيحه : أنّ محطّ الأقوال المتقدّمة ـ من ضمان قيمة يوم الغصب
أو التلف أو الأعلى بينهما ـ إنّما هو زيادة قيمة العين المضمونة في المدّة التي
كانت عند الضامن ، فلو لم ترتفع قيمتها عنده حتى تلفت ، وزادت قيمة أمثالها بعده
لم تكن هذه الزيادة مضمونة ، لما عرفت من أنّ موضوع الأقوال المتقدّمة بقاء العين
حتى يدّعى ضمان أعلى قيمها ، لوقوع العين في حالة زيادة القيمة تحت يد الضامن ،
ومن المعلوم فقد هذا المناط لو كان ارتفاع القيمة بعد التلف.
على جميع الأقوال (*) إلّا أنّه تردّد فيه (١) في الشرائع.
______________________________________________________
وهذا وإن كان
واضحا ، إلّا أن المحقق قدسسره تردّد فيه ، وقال : «ولا عبرة بزيادة القيمة ولا
بنقصانها بعد ذلك ـ أي التلف ـ على تردّد» .
ووجّهه الشهيد
الثاني بقوله : «نعم لو قلنا بأنّ الواجب في القيميّ مثله ـ كما ذهب إليه ابن
الجنيد مخيّرا بين دفع المثل والقيمة ، ومال إليه المصنّف في باب القرض ـ اتّجه
وجوب ما زاد من القيمة إلى حين دفعها ، كما في المثليّ. والمصنّف رحمهالله تردّد في ذلك ، لما ذكرناه من الشك في كون الواجب في
القيميّ المثل أو القيمة» .
ونحوه كلامه في
الرّوضة فراجع. ومحصّله : أنّ الشك في المبنى يستلزم الشكّ في الفروع المبتنية
عليه.
(١) أي : في
عدم العبرة بزيادة القيمة بعد التلف.
__________________
__________________
ولعلّه (١) ـ كما
قيل (٢) ـ من جهة احتمال كون القيميّ مضمونا بمثله ، ودفع القيمة إنّما هو لإسقاط
المثل (٣).
وقد تقدّم (٤)
أنّه مخالف لإطلاق النصوص والفتاوى.
______________________________________________________
(١) أي : ولعلّ
تردّد المحقّق قدسسره. وقوله : «من جهة» خبر قوله : «ولعلّه».
(٢) القائل ـ كما
عرفت ـ هو الشهيد الثاني وغيره.
(٣) فيكون
المثل مستقرّا في الذّمة إلى زمان دفعه أو دفع قيمته ، فلم ينتقل الضمان من المثل
إلى القيمة بمجرّد تلف العين المضمونة حتى لا يضمن ارتفاع القيمة بعد التلف.
(٤) هذا ردّ
مبنى تردّد المحقّق قدسسره وقد نبّه عليه المصنّف قدسسره في أوائل هذا التنبيه بقوله : «فإن أرادوا ذلك مطلقا
حتى مع تعذّر المثل فتردّه إطلاقات الروايات الكثيرة في موارد كثيرة .. إلخ».
وحاصله :
مخالفة كلام ابن الجنيد لإطلاق نصوص ضمان القيميّات ، وفتاوى الأصحاب بضمان
القيميّ بالقيمة سواء وجد المثل أم لم يوجد.
واقتصر في
الجواهر في ردّه على قوله : «وهو كما ترى».
__________________
__________________
ثمّ إنّ ما
ذكرنا (١) من الخلاف إنّما هو في ارتفاع القيمة بحسب الأزمنة.
وأمّا إذا كان
بسبب الأمكنة كما إذا كان في محلّ الضمان بعشرة ، وفي مكان التلف بعشرين ، وفي
مكان المطالبة بثلاثين ، فالظاهر اعتبار محلّ التلف (٢) ، لأنّ (٣) ماليّة الشيء
تختلف بحسب الأماكن ، وتداركه بحسب (٤) ماليّته.
______________________________________________________
ارتفاع القيمة بسبب
الأمكنة
(١) هذا هو
الأمر الثاني المذكور في تتمّة مباحث ضمان القيميّ ، وحاصله : أنّ ما تقدّم من
الخلاف ـ في كون القيميّ مضمونا بقيمة يوم الغصب أو يوم التلف أو الأعلى بينهما ـ ناظر
إلى اختلاف قيمة المضمون بحسب الأزمنة. وقد تحقّق عدم ضمان ارتفاع القيمة ما دامت
العين باقية. وأمّا إذا نقل الغاصب العين إلى بلد آخر فتلفت فيه ، وطالبه المالك
بها في بلد ثالث ، وتعدّدت الأسعار في البلاد الثلاثة ، فهل يقال بضمان أعلاها أم
تتعيّن قيمة بلد الغصب أم بلد التلف؟
اختار المصنف قدسسره اعتبار قيمة مكان التلف ، لأنّ اشتغال الذّمّة بالبدل
حصل فيه. ولا مجال للقول بضمان أعلى القيم ، ولا مكان الغصب ، وإن قيل بكلّ منها
فيما اختلفت القيم بحسب الأزمنة ، هذا.
(٢) هذا بناء
على اعتبار قيمة يوم التلف. وأمّا بناء على اعتبار يوم الغصب فلا كما ذكرناه في
التعليقة ، فراجع.
(٣) توضيحه :
أنّ وجود المال في مكان يكون من الصفات الدخيلة في الرغبات والماليّة التي تكون
مضمونة على الضامن ، ومن المعلوم أنّ تدارك الشيء يكون بماليّته المختلفة بصفاته
، فالمتعيّن ماليّة محلّ التلف.
(٤) خبر «وتداركه».
ثمّ (١) إنّ
جميع ما ذكرنا من الخلاف إنّما هو في ارتفاع القيمة الناشئة من تفاوت رغبة الناس.
وأمّا إذا كان حاصلا من زيادة العين (٢)
______________________________________________________
ضمان ارتفاع القيمة
بسبب الزيادة العينيّة
(١) هذا هو
الأمر الثالث ، وهو ناظر إلى تحديد موضوع البحث ـ في ضمان القيميّ ـ من جهة أخرى.
وحاصله : أنّ ما ذكرناه من عدم ضمان ارتفاع القيمة ـ خلافا للقائل باعتبار أعلى
القيم ـ ناظر إلى ارتفاع القيمة السوقية مع بقاء العين على حالها ، وعدم حدوث
تغيير فيها.
فلو ارتفعت
القيمة عند الغاصب لأجل زيادة عينيّة كسمن الشاة ، أو تعلّم صنعة ككتابة العبد
المغصوب وخياطته ـ ثم عادت العين إلى ما كانت عليه حين الغصب حتّى تلفت عند الغاصب
ـ كانت هذه الزيادة أو الصفة مضمونة ، كضمان العين المغصوبة ، لوضوح دخل تلك الصفة
في رغبات الناس التي هي مدار ماليّة الأشياء.
ومثّل له
الشهيد الثاني قدسسره بقوله : «حتى لو غصب جارية قيمتها مائة ، فسمنت وبلغت
القيمة ألفا ، وتعلّمت صنعة فبلغت ألفين ، ثم هزلت ونسيت الصنعة ، فعادت قيمتها
إلى مائة ، ردّها وغرم ألفا وتسعمائة. ولو علّم العبد المغصوب سورة من القرآن أو
حرفة فنسيها ، ثم علّمه حرفة أو سورة أخرى فنسيها أيضا ضمنهما» .
(٢) يعني :
حصلت زيادة في العين المغصوبة عند ما كانت بيد الغاصب ، ثم زالت ـ كما تقدّم آنفا
في كلام المسالك ـ كانت الزيادة مضمونة ، فإن ردّ العين إلى المغصوب منه لزمه ردّ
قيمة الزيادة الفائتة معها. وإن تلفت العين لزمه ردّ القيمة العليا ، وهي قيمة
العين حال تلك الزيادة. ولا يكفي ردّ قيمة يوم التلف. قال المحقق قدسسره : ـ فيما زادت القيمة لزيادة صفة ثم زالت ـ : «أمّا لو
تجدّدت صفة غيرها ، مثل أن سمنت فزادت قيمتها ، ثم هزلت فنقصت قيمتها ، ثم تعلّمت
صنعة فزادت قيمتها ، ردّها
__________________
فالظاهر كما قيل (١) عدم الخلاف في ضمان أعلى القيم. وفي الحقيقة (٢) ليست
قيم التالف مختلفة ، وإنّما زيادتها في بعض أوقات الضمان لأجل الزيادة العينية
الحاصلة فيه (٣) ، النازلة (٤) منزلة الجزء التالف.
نعم (٥) يجري
الخلاف المتقدم في قيمة هذه الزيادة الفائتة ، فإنّ العبرة بيوم فواتها أو يوم
ضمانها أو أعلى القيم؟
______________________________________________________
وما ضمن بفوات الأولى» .
(١) القائل
صاحب الجواهر قدسسره ، قاله بعد عبارة المحقّق المتقدّمة : «بلا خلاف أجده
فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ..» .
(٢) غرضه أنّ
ضمان أعلى القيم للصفة الزائلة مغاير للقول بضمان نفس المغصوب بأعلى القيم بين
الغصب والتلف. والفارق بينهما : أنّ القيمة السوقيّة للعين المغصوبة لم تختلف من
حين غصبها إلى حين تلفها لو بقيت بحالها ، بشهادة عدم زيادة قيمة أمثالها. فارتفاع
قيمتها في حال سمنها أو تعلّم الصنعة يكون في مقابل هذه الزيادة أو الصفة ، وحيث
إنّهما بمنزلة جزء المغصوب كان زوالهما بمنزلة نقص جزء من العين المغصوبة ، فتكون
مضمونة. كما إذا غصب دابة فعرجت عنده ، فإنّه يضمن الأرش على ما تقدّم مفصّلا في
صحيحة أبي ولّاد.
(٣) أي : في
التالف ، وهو العين المغصوبة.
(٤) صفة
للزيادة العينيّة.
(٥) استدراك
على قوله : «ففي الحقيقة ليست قيم التالف مختلفة» الذي ملخصه : أنّ العبرة بضمان
قيمة يوم التلف مع تلك الزيادة التالفة.
ومحصّل
الاستدراك : أنّه إذا غصب عبدا قيمته ألف درهم ، وبقي عنده سنة وتعلّم الخياطة
عنده ، فإن لم تتغير قيمة هذه الصنعة بأن كانت ألف درهم كان ضامنا
__________________
ثمّ (١) إنّ في
حكم العين في جميع ما ذكر من ضمان المثل أو القيمة
______________________________________________________
للألفين ، فإن ردّ العبد ردّ معه ألفا لو نسي الخياطة.
وإن تغيّرت
قيمة الخياطة بأن كانت تسعمائة في شهر ، وألفا في شهر آخر ، وثمانمائة في شهر ثالث
، ثم نسي الخياطة فيه ، جرت هنا الأقوال الثلاثة في ضمان نفس العين.
فإن قلنا : إنّ
العبرة بيوم التلف ضمن القيمة النازلة ، وهي ثمان مائة درهم ، لكون نسيان الصنعة
بمنزلة تلف العين.
وإن قلنا بضمان
العين بأعلى القيم ، ضمن ألف درهم.
وإن قلنا بضمان
يوم الغصب ضمن تسعمائة درهم ، لأجل الخياطة المنسيّة ، فيردّ هذا الأرش مع العبد
إن كان موجودا ، أو مع قيمته إن كان تالفا.
مباحث بدل الحيلولة
(١) هذا أوّل مباحث
بدل الحيلولة ، وموضوعه وجود العين ، لكن مع تعذّر الوصول إليها لإباق أو ضياع أو
غيرهما.
وتوضيحه : أنّ
ضمان مال الغير لا يخلو من إحدى حالات ثلاث ، لأنّه إمّا أن تكون العين موجودة ،
وإمّا أن تكون تالفة ، وعلى الأوّل إمّا أن يتمكّن من ردّها إلى المالك ، لكونها
بمتناول يده ، وإمّا أن يتعذّر ، لضياعها أو سرقتها.
فإن كانت
موجودة عنده وأمكن ردّها إلى المالك فقد تقدّم في الأمر الثاني وجوب ردّها فورا
إليه ، والضمان في هذه الصورة تقديريّ ، بمعنى أنّه لو هلكت وجب دفع بدلها.
وإن كانت تالفة
وجب ردّ بدلها من المثل أو القيمة ، وقد تقدّمت مباحثه مفصّلة في الأمر الرابع إلى
السابع.
وإن كانت العين
موجودة لم تنعدم بعد ، إلّا أنّ الضامن عاجز عن ردّها فعلا
حكم (١) تعذّر الوصول
______________________________________________________
إلى المالك كما إذا سرقت منه ، فهل يلحق هذا بالتلف حتى يضمن بدلها من
المثل أو القيمة ، أم لا يلحق بالتلف؟ لرجاء القدرة على ردّها. وهذا هو البحث
المعروف ببدل الحيلولة. وقد تعرّض له المصنّف قدسسره تبعا للأصحاب. قال المحقق قدسسره : «إذا تعذّر تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل ، ويملكه
المغصوب منه ، ولا يملك الغاصب العين المغصوبة ، ولو عادت كان لكلّ منهما الرجوع» . ويبحث فيه عن جهات :
منها : الدليل
على وجوب بدل الحيلولة.
ومنها : تحديد
الموضوع ، وانّه يعتبر العلم بعدم الظفر بالعين ، أو يكفي الظنّ به ، أو غير ذلك.
ومنها : أنّ
المالك يملك بدل الحيلولة أو يباح له التّصرّف؟
ومنها : أنّه
يضمن ارتفاع قيمة العين بعد دفع بدل الحيلولة أو لا؟
ومنها : وجوب
ردّ العين فورا لو تمكّن منه بعد أداء البدل ، وعدمه.
ومنها : أنّ
العين تدخل في ملك الغاصب أو لا؟
ومنها : حكم
تصرف المالك في البدل بما يخرجه عن الملك.
ومنها : حكم
تمكن المالك من أخذ العين ، وعجز الغاصب عن أدائها إليه.
ومنها : غير
ذلك مما سيظهر إن شاء الله تعالى.
وممّا ذكرنا
ظهر أنّ البحث عن بدل الحيلولة ليس من فروع خصوص التنبيه السابع الباحث عن حكم
ضمان القيميّ ، بل يتفرّع على الأمر الرابع أيضا ، إذ لو كان المضمون مثليّا
وتعذّر ردّه إلى مالكه وجب على الضامن ردّ بدل الحيلولة ، وهو المثل ، لاتّحاد
التلف والحيلولة حكما ، هذا.
(١) يعني :
أنّه كما يجب في صورة تلف العين دفع البدل ، كذلك في صورة تعذّر الوصول إلى العين
لغرق أو ضياع أو سرقة أو نحوها ، إذ لا ينعدم المال حقيقة في هذه
__________________
إليه (١) وإن لم يهلك ، كما لو سرق أو غرق أوضاع أو أبق ، لما دلّ (٢) على
الضمان بهذه الأمور في باب الأمانات المضمونة.
وهل يقيّد ذلك (٣)
بما إذا حصل اليأس من الوصول
______________________________________________________
الموارد ، وإنّما يتعذّر الوصول إليه.
(١) الضمير
راجع إلى العين فالأولى تأنيثه. كما أن الأولى أن يقال : «تهلك» مؤنّثا لا مذكّرا.
(٢) هذا إشارة
إلى الدليل الأوّل على وجوب دفع بدل الحيلولة ، وهو النصوص الواردة في ضمان
الودعيّ والمستبضع والمستعير والمستأجر ، الدالّة بمفهومها أو منطوقها على ضمان
العين ، إذا لم يتمكّن من ردّها إلى المالك ، سواء أكان بسبب التلف الحقيقيّ ، أم
بعدم الظفر بها كما إذا أبق العبد ، أو سرق المتاع ، أو ضاعت الوديعة ونحوها.
وقد تقدّم نقل
جملة من هذه النصوص في (ص ١٨٩ و ٣٣٤ ـ ٣٣٦) فراجع ونقتصر هنا بذكر واحدة منها
تبرّكا ، وهي معتبرة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام «قال : سألته عن العارية يستعيرها الإنسان ، فتهلك أو تسرق؟ فقال : إن كان
أمينا فلا غرم عليه» . فإنّ مفهومه الضمان بدون الأمانة ، بلا فرق بين التلف
الحقيقيّ المعبّر عنه بالهلاك ، وبين الحكميّ ، لتعذّر الوصول إليها لسرقة وضياع ،
كما هو مورد البحث في بدل الحيلولة.
أ ـ مورد بدل
الحيلولة
(٣) أي :
الضمان ، وغرضه قدسسره بيان مورد بدل الحيلولة ، والمذكور في العبارة صور أربع
تشترك في أمرين ، أحدهما : بقاء العين وعدم ذهاب صورتها النوعيّة ، والثاني : عدم
كونها بمتناول اليد حتى تردّ إلى المالك. وحينئذ فيحتمل وجوه :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأوّل : تقييد
وجوب بدل الحيلولة باليأس من الوصول إلى العين ، أي الاطمئنان بعدم الظفر بها. فلو
لم يطمئنّ بعدم الظفر بها لم يجب البدل ، سواء حصل له الظن بعدم الوصول أم لم يحصل
بأن شكّ فيه.
الثاني : تقييد
وجوب البدل بعدم الظنّ بوجدان العين ، ولا يعتبر اليأس الذي هو العلم أو الاطمئنان
بعدم الوصول ، بل يكفي عدم رجاء الوجدان في وجوب بدل الحيلولة.
فالفارق بين
الوجهين أمران :
أحدهما :
اعتبار حصول اليأس من الوصول إلى العين في الوجه الأوّل ، وعدم اعتباره في الثاني.
ثانيهما : أنّ
المناط في الأوّل هو اليأس عن الوصول ، وظاهره الوصول بنفسه. وفي الثاني هو
الوجدان ، وظاهره إعمال مقدمات تنتهي إلى الظفر بالعين.
ويمكن انطباق
كلّ واحد من الوجهين على موارد بدل الحيلولة من الضياع والسرقة والإباق والغرق ،
وان قيل بأنّ المال المسروق والغريق ممّا ييأس وصوله ، بخلاف الضائع الذي لا يأس
عن الظفر به وإن لم يظنّ وجدانه.
ولعلّ الوجه
الأوّل يختصّ بما إذا تعذّر إعادة العين وإن كان عودها بنفسها مرجوّا ، كطائر فرّ
من عشّه ، ولكنّه يرجى عوده بنفسه إليه ، لأنسه به.
الثالث : القول
بالتفصيل في ضمان البدل بين المدّة القصيرة والطويلة ، وبين التضرّر وعدمه ، فيقال
بعدم الضمان فيما لو علم بوجدان العين في مدة قصيرة ، سواء تضرّر فيه المالك أم
لا. وكذا لو علم به في مدّة طويلة مع عدم تضرّر المالك بالانتظار. ويقال بالضمان
في ما لو علم بوجدانها في أمد بعيد مع تضرّر المالك بالصبر إلى التمكّن من العين.
الرابع : القول
بضمان البدل مطلقا بمجرّد تعذّر العين ، سواء أكانت مدّة الوصول إليها طويلة أم
قصيرة.
إليه (١) ، أو بعدم رجاء وجدانه (٢) ، أو يشمل (٣) ما لو علم وجدانه في
مدّة طويلة يتضرّر المالك من انتظارها ، أو (٤) ولو كانت قصيرة؟ وجوه (٥). ظاهر
أدلّة ما ذكر من الأمور الاختصاص بأحد الأوّلين (٦).
لكن ظاهر إطلاق
الفتاوى الأخير (٧) كما يظهر (٨) من إطلاقهم أنّ اللوح
______________________________________________________
هذا ما يحتمل
ثبوتا في تحديد موضوع الحكم.
وأفاد المصنّف قدسسره في مقام الإثبات أنّ مفاد أدلّة وجوب أداء بدل الحيلولة
يختلف عن ظاهر الفتاوى ، إذ مقتضى الأدلّة اختصاص الوجوب بأحد الوجهين الأوّلين ،
وهما اليأس من الوصول وعدم رجاء الوجدان ، لكونهما قدرا متيقّنا من «تعذّر الوصول»
الذي هو بحكم التلف الحقيقيّ. ولكن مقتضى إطلاق الفتاوى وجوب بدل الحيلولة حتى لو
تمكّن الضامن من الظفر بالعين في مدّة قصيرة كي يردّها إلى المالك ، وسيأتي نقل
فتواهم إن شاء الله تعالى.
(١) هذا هو
الاحتمال الأوّل.
(٢) هذا هو
الاحتمال الثاني ، وقد عرفت الفرق بينه وبين الاحتمال الأوّل.
(٣) هذا هو
الاحتمال الثالث ، وهو معطوف على قوله : «يقيّد» ومقابل له ، وغرضه التعميم وبيان
احتمال عدم اختصاص التعذّر بصورة اليأس عن الوصول أو اليأس عن الوجدان ، بل «تعذّر
الوصول» أعمّ منهما وممّا علم وجدانه في مدّة طويلة.
(٤) معطوف على «مدّة
طويلة» يعني : يصدق «التعذّر» حتّى في صورة العلم بوجدان العين في مدّة قصيرة ،
وهذا هو الاحتمال الرابع.
(٥) مبتدء
مؤخّر لمحذوف ، وهو «فيه».
(٦) أي : حصول
اليأس من الوصول إليه ، أو عدم رجاء الوجدان.
(٧) وهو قوله :
«أو ولو كانت قصيرة».
(٨) قال في
الجواهر : «وإن كانت ـ أي السفينة التي أدرج فيها لوح مغصوب ـ في اللّجة ، وخيف من
النزع غرق حيوان محترم ـ آدميّ أو غيره ـ أو مال كذلك لغير الغاصب الجاهل بالغصب ،
ففي القواعد والتذكرة وجامع المقاصد والمسالك
المغصوب في السفينة إذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب (١) انتقل إلى
قيمته إلى أن يبلغ الساحل.
ويؤيّده (٢)
أنّ فيه جمعا بين الحقّين ، بعد فرض رجوع القيمة إلى ملك الضامن (٣) عند التمكّن
من العين ، فإنّ (٤) «تسلّط النّاس على مالهم» الذي فرض
______________________________________________________
والروضة وظاهر غيرها عدم وجوب النزع ، بل في مجمع البرهان : لا خلاف فيه ،
جمعا بين الحقّين ، ولاحترام روح الحيوان ، سواء كان الغاصب أو للغاصب أو غيره ..»
.
وقوله : «جمعا
بين الحقّين» شاهد على أنّهم أطلقوا الحكم بالانتقال إلى القيمة ، أعني بها قيمة
اللوح المتعذّر أخذه فعلا لخوف غرق مال غير الغاصب مع كون اللوح معلوم الوصول
والوجدان ، ولم يفرّقوا بين كون مدة الوصول إلى الساحل طويلة أو قصيرة.
(١) إذ لو كان
المال الموجود في السفينة ملكا للغاصب أو لمن يعلم بغصبيّته وجب نزع اللوح المغصوب
فورا ، لعدم احترام مثل هذا المال ، ولم تصل النوبة إلى انتقال الضمان من العين
إلى بدل الحيلولة.
(٢) يعني :
يؤيّد هذا الإطلاق أنّ الانتقال إلى القيمة إلى زمان وصول العين جمع بين حقّي
المالك والغاصب ، لأنّ مقتضى سلطنة المالك على ماله جواز مطالبته عينا أو بدلا ،
ومقتضى عدم تضرّر الغاصب هو أن يدفع المالك إليه بدل الحيلولة الذي أخذه منه ، بعد
وصول العين المغصوبة إلى مالكها.
والتعبير
بالتأييد لعدم إحراز ثبوت حقّ للمالك مع فرض بقاء العين ووصولها إليه في مدّة
قصيرة.
(٣) لقولهم
بترادّ العين وبدل الحيلولة ، كما نقلناه عن المحقق في (ص ٥٥٦).
(٤) تعليل
لثبوت حقّ للمالك يقتضي جواز مطالبة بدل الحيلولة من الضامن.
__________________
كونه في عهدته يقتضي (١) جواز مطالبة الخروج عن عهدته (٢) عند تعذّر نفسه. نظير
ما تقدّم (٣) في تسلّطه على مطالبة القيمة للمثل المتعذّر في المثليّ.
نعم (٤) لو كان
زمان التعذّر قصيرا جدّا ـ بحيث لا يحصل صدق عنوان الغرامة والتدارك على أداء
القيمة ـ أشكل الحكم (٥).
ثم الظاهر (٦)
عدم اعتبار التعذّر المسقط للتكليف ،
______________________________________________________
(١) خبر قوله :
«انّ تسلّط» وضمير «عهدته» راجع إلى الضامن.
(٢) مرجع هذا
الضمير وضميري «كونه. نفسه» هو «مال الناس».
(٣) حيث قال في
الأمر السادس : «انّ دفع القيمة علاج لمطالبة المالك ، وجمع بين حقّ المالك
بتسليطه على المطالبة ، وحقّ الضامن بعدم تكليفه بالمتعذّر أو المعسور».
(٤) استدراك
على إطلاق حكمهم بضمان بدل الحيلولة حتّى في ما إذا كان زمان تعذّر الوصول إلى
العين المضمونة قصيرا. والوجه في الاستدراك : أنّ بدل الحيلولة غرامة على الضامن
لأجل تدارك حرمان المالك عن ماله مدّة التعذّر ، ومن المعلوم أنّ صدق عنوان «الغرامة»
يتوقّف على حصول النقص والفوت على من له الغرم ، ومع قصر المدّة لا يصدق فوت مال
المالك ولا نقصه عليه ، فلا موجب للغرامة.
(٥) منشأ
الاشكال أمران ، يقتضي أحدهما الضمان ، والآخر عدمه ، فقاعدة السلطنة تقتضي جواز
المطالبة حين التعذّر الموجب للانتقال إلى القيمة حتّى في المدّة القصيرة. وصدق
التمكّن عرفا من ردّ العين ـ لقصر الزمان ـ يقتضي عدم الانتقال إلى القيمة.
ب : المراد بالتعذّر
هو العرفيّ لا العقليّ
(٦) غرضه تحديد
التعذّر الموجب للبدل ، وحاصله : أنّ الانتقال إلى بدل الحيلولة لا يناط بسقوط
التكليف بوجوب ردّ العين ، فلو لم يصل التعذّر إلى هذا الحدّ
بل لو كان ممكنا (١) بحيث يجب عليه السعي في مقدماته لم يسقط القيمة (٢)
زمان السعي.
لكن (٣) ظاهر
كلمات بعضهم التعبير بالتعذّر.
______________________________________________________
وجب دفع بدل الحيلولة أيضا ، كما تقتضيه فتاواهم بالانتقال إلى القيمة في
اللوح المغصوب ، مع إمكان الوصول إليه ولو بالسعي مقدّمات الإيصال إلى الساحل.
وبعبارة أخرى :
المراد بالتعذّر ليس هو الامتناع الذي يعدّونه من مسقطات التكليف ، نظير الامتثال
وانتفاء الموضوع ، كسقوط أحد المتزاحمين ـ المتساويين ملاكا ـ عن الوجوب الفعليّ
التعيينيّ ، والتخيير في الامتثال. فلو كان التعذّر في المقام بهذا المعنى لم يبق
موضوع لبدل الحيلولة ، لفرض بقاء صورتها النوعيّة على ما كانت عليه ، كالعبد الآبق
واللوح المدرج في السفينة. فالمراد بالتعذّر هنا ما يجتمع مع التكليف بأداء العين
، حتى لو توقّف الوصول إليها على تمهيد مقدّمات والسعي إليها.
وقد ظهر أنّ
تعبير المصنف قدسسره بالتعذّر ليس مساوقا للوجه الأوّل ـ وهو اليأس عن
الوصول ـ حتى يكون ذلك تكرارا ، إذ التعذّر العقليّ المسقط للتكليف أخص من اليأس ،
فإنّ عدم القدرة فعلا على تحصيل العين لا ينافي القطع بحصوله فيما بعد ، فضلا عن
رجاء حصوله. كما أنّ اعتبار التعذّر العرفيّ في سقوط التكليف بردّ العين لا يساوق
الصورة الأخيرة ، وهي الحكم ببدل الحيلولة بمجرّد التعذّر الفعليّ ، بل التعذّر
العرفي أعمّ من التعذّر الفعلي والتعذّر في مدّة قصيرة.
(١) يعني :
لمّا كان الوصول إلى العين ممكنا في نفسه ـ ولو بتمهيد مقدّمات ـ وجب السعي إليها
ليظفر بها.
(٢) يعني : بدل
الحيلولة.
(٣) هذا
استدراك على إرادة التعذّر العرفيّ في المقام ، وحاصله : أنّ ظاهر كلمات بعضهم
اعتبار التعذّر المسقط للتكليف ، كقول المحقّق قدسسره : «وإذا تعذّر تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل» وقريب
منه عبارة القواعد والدروس.
وهو (١) الأوفق
بأصالة عدم تسلّط المالك على أزيد من إلزامه بردّ العين ، فتأمّل (٢).
ولعلّ المراد
به (٣) التعذّر في الحال
______________________________________________________
(١) غرضه قدسسره الاستدلال لما هو ظاهر تعبير جماعة بالتعذّر الذي يلوح
منه سقوط التكليف بأداء العين. وتقريبه : أنّ الدليل على استحقاق البدل هو سلطنة
المالك على ماله ، ولا ريب في اقتضائها جواز مطالبة البدل في مورد تعذّر الوصول
إلى العين. أمّا لو لم يتعذّر الوصول إليها فقاعدة السلطنة تقتضي مطالبة العين ،
لا بدل الحيلولة. ولو شكّ في ثبوت سلطنته على مطالبة كلّ من المبدل والبدل كان
مقتضى أصالة عدم تسلّط المالك على أزيد من إلزامه بردّ العين عدم سلطنته على
مطالبة البدل ، هذا.
(٢) الظاهر
أنّه إشارة إلى الخدشة في الأصل المذكور ، إمّا لأنّه قد يفضي إلى تضرّر المالك
بحرمانه عن ماليّة ماله ، فلو ثبتت له سلطنة المطالبة بالبدل لم يتضرّر بذلك ، وإن
لم تصل إليه خصوصيّات ماله. وإمّا لأنّ السلطنة على مطالبة بدل الحيلولة لا تنافي
سلطنته على العين ، لاختصاص زمان وجوب البدل بتعذر الوصول إلى العين ، وهو وقت
السعي في مقدّمات تحصيل العين ، واختصاص وجوب ردّ العين بزمان حصولها عنده ، فلا
تكليف بردّها قبل حصولها حتى يقال بنفي الزائد ـ وهو وجوب البدل ـ بأصالة عدم
السلطنة.
(٣) غرضه توجيه
أخذ «التعذّر» في الحكم ببدل الحيلولة ، وبيانه : أنّ ظاهر التعذّر وإن كان هو
التعذّر المطلق ، يعني التعذّر في الحال والاستقبال ، بأن يحصل اليأس من الظفر
بالعين ، لكن يحتمل إرادة التعذّر الفعليّ أي حين السعي في مقدّمات تحصيل العين ،
فيكفي هذا التعذّر في جواز مطالبة بدل الحيلولة من الضامن ، لأنّ نفس تأخير تسليم
المال إلى مالكه ضرر عليه ينبغي تداركه بالبدل ، هذا.
وإن كان (١) لتوقّفه على مقدّمات زمانيّة يتأخّر لأجلها ذو المقدّمة.
ثم (٢) إنّ
ثبوت القيمة مع تعذّر العين ليس كثبوتها مع تلفها في كون دفعها حقّا للضامن ، فلا
يجوز (٣) للمالك الامتناع ، بل (٤) له أن يمتنع من أخذها ، ويصبر إلى زوال العذر ،
كما صرّح به الشيخ في المبسوط (٥).
______________________________________________________
(١) يعني : وإن
كان هذا التعذّر الفعليّ مستندا إلى استلزام مقدّمات تحصيل العين لزمان طويل.
ج : جواز امتناع
المالك من أخذ بدل الحيلولة
(٢) هذا فرع
آخر ممّا يتعلّق ببدل الحيلولة ، وغرضه إبداء الفرق بين ثبوت القيمة مع بقاء العين
، وتعذّر ردّها إلى المالك ، وبين ثبوتها مع تلفها.
وحاصل الفرق
أنّه في صورة التلف يجب على المالك أخذ القيمة ، لأنّ للضامن إبراء ذمّته بدفع
القيمة ، لامتناع تكليفه بردّ العين ؛ فليس للمالك الامتناع من الأخذ. وفي صورة
التعذّر يجوز للمالك الامتناع من الأخذ ، والصبر إلى زوال العذر وإمكان ردّ العين.
(٣) هذا متفرّع
على المنفيّ ، وهو كون دفع القيمة ـ عند التلف ـ حقّا للضامن يجب على المالك
قبولها.
(٤) معطوف على «ليس»
يعني : أنّ للمالك الامتناع من أخذ بدل الحيلولة ، بأن يصبر إلى زوال العذر من ردّ
العين. وهذا هو الفارق بين تلف العين حقيقة بذهاب صورتها النوعيّة ، وبين تلفها
حكما بالتعذّر.
(٥) حيث قال قدسسره : «إذا غصب ملكا لغيره ، فخرج عن يده ، مثل أن غصب عبدا
فأبق ، أو فرسا فشرد ، أو بعيرا فندّ ، أو ثوبا فسرق ، كان للمالك مطالبته بقيمته
، لأنّه حال بينهما بالغصب ..» . وغرض المصنّف من نسبة التصريح إلى الشيخ قوله «كان
للمالك» لدلالته على كون المطالبة بالقيمة حقّا له ، وليس للغاصب الإلزام
__________________
ويدلّ عليه (١)
قاعدة تسلّط الناس على أموالهم.
وكما أنّ (٢)
تعذّر ردّ العين
______________________________________________________
بأخذها ، فيجوز الصبر إلى الظفر بالعين المضمونة.
(١) يعني :
ويدلّ على جواز امتناع المالك من أخذ القيمة ـ أي بدل الحيلولة ـ قاعدة السلطنة ،
لاقتضائها جواز كلّ من مطالبة البدل الموقّت ، ومن الامتناع عنه ، بأن يصبر حتى
الظفر بالعين ، أو إحراز تلفها ، فيأخذ بدلها الدائميّ المستقرّ على عهدة الضامن.
وهذا بخلاف ما إذا تلفت العين ، لانقطاع سلطنته عليها من أوّل الأمر ، واستقرار
بدلها في ذمّة الضامن ، فله تفريغها بأداء المثل أو القيمة ، ولا يجوز للمالك
الامتناع من أخذ البدل.
د : خروج العين عن
الماليّة
(٢) ظاهره بيان
مورد آخر مما يجب فيه بدل الحيلولة ، وهو خروج المال عن التقويم ، توضيحه : أنّ
المناط في ضمان بدل الحيلولة ـ كما تقدّم ـ أمران ، أحدهما : بقاء العين وعدم ذهاب
صورتها النوعيّة ، وثانيهما : تعذّر إيصالها إلى المالك.
وبناء على
اعتبار هذين يتّجه البحث عمّا إذا أمكن إيصال العين إلى مالكها ، لكنّها سقطت عن
الماليّة ، فيحتمل لحوق هذا الفرض ببدل الحيلولة ، كما اختاره المصنّف قدسسره ويحتمل كونه من موارد التلف الحقيقيّ ـ لأنّ التموّل
صفة مقوّمة لضمان العين ـ فالواجب حينئذ دفع البدل الدائميّ إلى المالك ، ولا ربط
له ببدل الحيلولة الذي هو بدل محدود ومغيّا بالوصول إلى العين.
فإن قلت :
مختار المصنف هنا ربما ينافي ما تقدّم في التنبيه السادس من حكمه بأنّ سقوط المثل
عن الماليّة يوجب الانتقال إلى القيمة كالماء على الشاطئ والجمد في الشتاء. فتشتغل
ذمّة الضامن بالقيمة ـ التي تكون بدلا دائميّا لا محدودا ـ ويسقط المثل عن العهدة.
في حكم التلف (١) ، فكذا خروجه (٢) عن التقويم.
ثمّ إنّ (٣)
المال المبذول يملكه المالك بلا خلاف ،
______________________________________________________
وجه المنافاة :
أنّ خروج المثل عن الماليّة لو اقتضى انقلاب ضمانه بالقيمة فليكن خروج العين عن
التموّل مثله ، فكيف حكم المصنّف : بأنّه كتعذّر العين في أنّ البدل محدود من باب
الحيلولة بين المال ومالكه؟
قلت : يمكن دفع
التنافي بأنّ خروج المال عن التقويم على نحوين ، فتارة لا يرجى عود الماليّة إليه
، كاللحم المتعفّن والفاكهة الفاسدة ، فالواجب فيهما المثل أو القيمة من باب التلف
الحقيقيّ ، لكون تلف الماليّة كتلف العين. واخرى يرجى عود الماليّة ، كما إذا ضمن
ماء في المفازة ولم يتلف حتى وصل الشاطئ ، وأراد اجتيازه إلى مفازة أخرى ، فيقال :
بأنّ للمالك مطالبة بدل الحيلولة عند الشاطئ ، ولو بقي الماء بحاله إلى الوصول إلى
المفازة الأخرى وجب على الضّامن دفعه إلى المالك.
ولعلّ هذا
الفرض الثّاني محطّ نظر الماتن هنا ، حيث عدّ سقوط المال عن التقويم من موارد بدل
الحيلولة. مضافا إلى فرق آخر بين المقام والمثليّ ، بأنّ العين واجدة لخصوصيّتها
الشخصيّة المضمونة ، ولا ينتقل إلى البدل إلّا بالتلف الحقيقيّ ، والمفروض عدمه.
بخلاف المثليّ ، المشارك للعين في الصنف ، هذا.
(١) في وجوب
البدل المحدود ، وهو بدل الحيلولة.
(٢) أي : خروج
العين عن الماليّة ، فالأولى تأنيث الضمير.
ه : هل البدل ملك
المضمون له أم مباح له؟
(٣) هذا فرع
آخر ممّا يتعلّق ببدل الحيلولة ، والغرض منه بيان حكمه من حيث صيرورته ملكا لمن له
الغرم أو أنّه يباح له التصرّف فيه. وأثبت المصنّف قدسسره كونه ملكا له بنفي الخلاف بين المسلمين ، واستوجهه بأنّ
التدارك لا يحصل إلّا بصيرورة بدل الحيلولة ملكا للمغصوب منه ، حيث إنّ فوات المال
عنه لا ينجبر إلّا بذلك.
كما في المبسوط (١) والسرائر والخلاف والغنية. وظاهرهم (٢) إرادة نفي
الخلاف بين المسلمين.
______________________________________________________
ولولا هذان
الوجهان ـ وهما الإجماع واقتضاء الغرامة والتدارك الملكيّة ـ أمكن القول ببقاء بدل
الحيلولة على ملك الغارم ، غاية الأمر أنّه يباح لمالك العين الانتفاع به والتصرّف
فيه حتى بما يتوقّف على الملك ، ويشترط دخوله في ملكه بتلف العين.
وعليه فيكون
بدل الحيلولة كالمعاطاة ـ بناء على نظر من تقدّم على المحقّق الثاني قدسسره من كونها مفيدة للإباحة ـ بلا فرق بين ما لا يتوقّف على
الملك ، وما يتوقّف عليه كالعتق والبيع والهديّة ، وقد جزم بهذا الاحتمال المحقّق
القمّيّ قدسسره على ما حكي عنه.
(١) حيث قال ـ بعد
ما نقلناه عنه في (ص ٥٦٤) ما لفظه : «فإذا أخذ القيمة ملكها بلا خلاف ، لأنّه
أخذها لأجل الحيلولة» . والغرض أنّ دعوى «عدم الخلاف» مصرّح بها في كلام السيد
أبي المكارم ، وابن إدريس أيضا.
(٢) وفي مفتاح
الكرامة أيضا : «وظاهرهما ـ يعني كلام الخلاف والغنية ـ نفيه بين المسلمين» . يعني : أنّ الحكم ليس مجمعا عليه بين الإماميّة خاصّة
، بل هو متّفق عليه بين المسلمين. ومنشأ استظهار نفي الخلاف بين المسلمين هو قول
شيخ الطائفة ـ بعد العبارة المتقدّمة ـ : «فإذا ملك القيمة فهل يملك المقوّم أم لا؟
فعندنا أنّه ما يملكها ، وأنّها باقية على ملك المغصوب منه» لظهور قوله : «فعندنا»
في إجماع الإماميّة على بقاء العين في ملك المغصوب منه ، وإذا ظفر بالعين وجب ردّ
بدل الحيلولة إلى الغاصب ، لخروجه عن ملك المغصوب منه حينئذ.
وربّما تكون
نسبة الحكم إلى أصحابنا في هذه المسألة قرينة على أن مراده بنفي
__________________
ولعلّ الوجه
فيه (١) أنّ التدارك لا يتحقّق إلّا بذلك (٢).
ولو لا ظهور
الإجماع (٣) وأدلّة الغرامة في الملكيّة لاحتملنا أن يكون مباحا له (٤) إباحة
مطلقة وإن لم يدخل في ملكه. نظير الإباحة المطلقة في المعاطاة على القول بها فيها (٥)
، ويكون دخوله في ملكه مشروطا بتلف العين (٦).
______________________________________________________
الخلاف في المسألة السابقة نفي الخلاف بين المسلمين ، ولولاه لم يكن وجه
للتعبير تارة بنفي الخلاف ، وأخرى ب «عندنا».
(١) اي : ولعلّ
الوجه في تملّك المغصوب منه لبدل الحيلولة هو : أنّ تدارك حرمان المالك عن العين
المتعذّرة إنّما هو بدخول البدل في ملكه حتى يتسلّط على التصرّف فيه ، كما كان
يتصرّف في المبدل لو كان حاضرا عنده.
وهذا الوجه
يستفاد من كلام الجواهر أيضا ، كقوله : «بل أدلّة الضمان التي منها ـ على اليد ـ شاملة
لذلك قطعا فهي حينئذ مقتضية لملك المالك القيمة .. فالقيمة حينئذ مملوكة ، والعين
باقية على الملك للأصل» .
(٢) أي : بكون
المال المبذول ـ المسمّى ببدل الحيلولة ـ ملكا للمغصوب منه.
(٣) أي : على
القول بالإباحة في المعاطاة ، غرضه : أنّه بالإباحة يتحقّق التدارك. ولا يتوقف ذلك
على القول بالملكية ، فالموجب له هو ظهور الإجماع وأدلّة الغرامة.
(٤) أي : لمالك
العين ، والمراد بالإباحة المطلقة ما يشمل التصرّف المشروط بالملك كالبيع.
(٥) أي : على
القول بالإباحة المطلقة في المعاطاة ، لتحقّق التدارك بهذه الإباحة ، ولا موجب
لدخول بدل الحيلولة في ملك مالك العين : فدليل القول بالملكيّة هو الإجماع وأدلّة
الغرامة.
(٦) كما أنّ
تملّك المأخوذ بالمعاطاة مشروط بتلف العوض.
__________________
وحكي الجزم
بهذا الاحتمال (١) عن المحقّق القمي رحمهالله في أجوبة مسائله (٢).
وعلى أيّ حال (٣)
فلا ينتقل العين إلى الضامن ،
______________________________________________________
(١) أي :
احتمال الإباحة المطلقة.
(٢) الموجود في
جامع الشتات كون بدل الحيلولة نوعا من الملك ، ولم يرد في كلامه التصريح بالإباحة
، ولكن الظاهر إرادة الإباحة ، لأنّه قدسسره أراد التفصّي عن إشكال الشهيد الثاني ـ الآتي قريبا ـ من
أنّه يلزم الجمع بين العوض والمعوّض لو قلنا بصيرورة بدل الحيلولة ملكا لمالك
العين ، والالتزام بالملك المتزلزل. فتخلّص المحقّق القمّيّ عنه بقوله : «فلا مانع
من أن يكون ذلك نوعا من التملّك ، وحاصله : أنّ للمالك التصرّف [في البدل] للبدل
حتى بالإتلاف والبيع وغير ذلك. وذلك مراعى إلى حين ظهور العين المغصوبة ، فإن ظهر
العين والبدل باق فللغاصب استرداد ماله إذا كان باقيا ، بخلاف ما لو أتلفه» .
و : دفع بدل الحيلولة
لا يقتضي انتقال العين الى الغارم
(٣) يعني :
سواء قلنا بدخول بدل الحيلولة في ملك المضمون له أم بالإباحة المطلقة ، فلا ينتقل
العين .. إلخ. وهذا فرع آخر ، وهو أنّ الغرامة التي يدفعها الضامن إلى المالك ـ بسبب
الحيلولة ـ لا توجب دخول العين المضمونة في ملك الضامن ، للفرق بين العوض في
العقود المعاوضيّة ، وبين بدل الحيلولة الذي هو غرامة ، وليس أداء للعين من حيث
ماليّته حتى يستلزم دخول العين في ملكه من جهة امتناع اجتماع العوض والمعوّض عند
واحد.
والحاصل : أنّ
بدل الحيلولة غرامة يبذلها الضامن ، ولا تقتضي دخول العين في ملكه معاوضة ، كما
أنّ البدل الدائميّ الذي يبذله الضامن لا يوجب صيرورة العين التالفة ملكا له ،
هذا.
__________________
فهي غرامة (١) لا تلازم فيها بين خروج المبذول عن ملكه ، ودخول العين في
ملكه ، وليست معاوضة ليلزم الجمع بين العوض والمعوّض ، فالمبذول هنا (٢) كالمبذول
مع تلف العين في عدم البدل له.
وقد استشكل في
ذلك (٣) المحقّق والشهيد الثانيان.
قال الأوّل في
محكيّ جامعه : «إنّ هنا إشكالا ، فإنّه كيف يجب القيمة ويملكها الآخذ ، ويبقى
العين على ملكه؟ وجعلها (٤) في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتّضح معناه» انتهى.
وقال الثاني : «إنّ
هذا لا يخلو من إشكال من حيث اجتماع العوض
______________________________________________________
وقد تقدّم في
عبارة المبسوط التصريح بعدم دخول العين في ملك الغارم ، ولكن استشكل فيه المحقّق
والشهيد الثانيان ، وسيأتي.
(١) لا أداء
للعين من حيث الماليّة حتى يلزم دخول العين في ملك الغاصب ببذل البدل.
(٢) هذه نتيجة
كون بدل الحيلولة غرامة لا أداء للعين من حيث الماليّة ، يعني :
أنّ المبذول
بعنوان بدل الحيلولة كالمبذول مع تلف العين.
(٣) يعني : في
صيرورة بدل الحيلولة ملكا لمالك العين.
(٤) مبتدء خبره
«لا يكاد» وغرض المحقّق الثاني قدسسره دفع دخل ، حاصله : أنّ بدل الحيلولة ليس في قبال نفس
العين المضمونة حتى يلزم إشكال الجمع بين العوض والمعوّض في ملك المضمون له ، بل
يكون البدل عوضا عن حيلولة الغاصب ـ بين العين ومالكها ـ المفوّتة لسلطنته عليها ،
فلا إشكال حينئذ .
ودفعه المحقّق
الثاني بأنّ بدليّة المثل أو القيمة عن الحيلولة ـ لا عن نفس العين ـ غير متّضحة ،
إذ لو تلفت لزم عوضها وسقط التكليف بردّ العين ، وإن بقيت ـ كما هو الفرض ـ فما
الدليل على استحقاق بدل محدود لأجل الحيلولة؟.
__________________
والمعوّض على ملك المالك من دون دليل واضح (١) (*).
ولو قيل (٢)
بحصول الملك لكلّ منهما متزلزلا (٣) ، وتوقّف تملّك المغصوب منه للبدل على اليأس (٤)
من العين ـ وإن جاز له التصرّف ـ كان وجها (٥) في المسألة» .
واستحسنه في
محكي الكفاية (٦).
______________________________________________________
(١) يعني : لو
دلّ دليل على جواز اجتماع العوض والمعوّض في ملك واحد أمكن الالتزام بمالكيّة
المضمون له ـ هنا ـ لكلّ من العين وبدل الحيلولة ، ولكن حيث لا دليل عليه إثباتا
يشكل المصير إليه.
(٢) غرض الشهيد
الثاني التخلّص من محذور اجتماع العوض والمعوّض ـ بالقول بالملك المتزلزل لا
المستقرّ ، فالمضمون له يملك بدل الحيلولة ، كمالكيّة ذي الخيار للمبيع متزلزلا ،
واستقرار الملك مراعى باليأس من العين ، وقبل اليأس يجوز للمالك التصرّف في البدل
بأنحاء التصرّف.
ولا يخفى عليك
أنّ هذا الملك المتزلزل قول ثالث في المسألة في قبال كلّ من الملك المستقرّ ،
والإباحة المطلقة.
(٣) أي :
التزلزل مستمر إلى اليأس ، وبه يستقرّ الملك.
(٤) بل على
التلف ، ويمكن أن يكون اليأس طريقا إليه.
(٥) إذ به
يندفع إشكال الجمع بين العوض والمعوّض.
(٦) يعني :
استحسن الفاضل السبزواري قدسسره القول بالملك المتزلزل لحلّ إشكال الجمع بين العوض
والمعوّض.
__________________
__________________
أقول : الذي
ينبغي أن يقال (١) هنا : إنّ معنى ضمان العين ذهابها من مال الضامن ، ولازم ذلك (٢)
إقامة مقابله من ماله مقامه (٣) ، ليصدق ذهابها من كيسه.
ثم (٤) إنّ
الذّهاب إن كان على وجه التلف الحقيقيّ أو العرفيّ المخرج للعين
______________________________________________________
(١) ناقش
المصنّف في كلام المحقّق والشهيد الثانيين والفاضل السبزواري قدسسرهم من جعل محذور اجتماع العوض والمعوّض مانعا من دخول
البدل في ملك المضمون له ، ثم تخلّص الشهيد الثاني عنه بالملك المتزلزل.
وحاصل المناقشة
: اقتضاء الدليل دخول البدل في ملك المضمون له ، وذلك لأنّ معنى ضمان العين ـ وكون
عهدتها على الضامن ـ هو كون ذهابها من كيس الضامن ، بحيث يرد نقصان في ماله ،
ولازم ذلك جعل مقابله من ماله مقام التالف في الملكيّة ، بمعنى : إقامة إضافة
الملكيّة بما يبذله للمالك ، فما يدفعه إلى المالك يقوم مقام ماله التالف في
الملكيّة. هذا في التلف الحقيقيّ.
وأمّا في تعذّر
الوصول إلى العين كالمقام ـ وفوات الانتفاع بها ـ فمعنى الضمان تدارك السلطنة
الفائتة ، وهذا المقدار وإن كان يتحقّق بإباحة البدل للمالك ، لتمكّنه من التصرّف
فيه مطلقا ، إلّا أنّ الموجب للقول بمالكيّة المضمون له هو عدم جواز بعض التصرّفات
للمباح له ، كالعتق والبيع والوقف ونحوها ، فيلزم قصر سلطنة المالك حينئذ ، ولا
سبيل لتدارك تلك السلطنة المطلقة على ماله إلّا بدخول البدل في ملكه ، هذا.
وعليه فما
أفادوه ـ من عدم دليل واضح على اجتماع العوض والمعوّض عند المالك ـ قد عرفت منعه ،
لاقتضاء أدلّة الضمان جبر السلطنة الفائتة وتداركها ، ولا يكون إلا بالملك.
(٢) أي : ولازم
ذهاب العين من مال الضامن هو إقامة مقابلها من ماله مقامها.
(٣) أي : مقام
العين ، فالأولى تأنيث الضمير.
(٤) هذا تفصيل
لقوله : «إنّ معنى ضمان العين ذهابها من مال الضامن»
عن قابليّة الملكيّة (١) [الملك] عرفا وجب قيام مقابله من ماله مقامه (٢)
في الملكيّة. وإن كان (٣) الذهاب بمعنى انقطاع سلطنته عنه وفوات الانتفاع به في
الوجوه التي بها قوام الملكيّة وجب قيام مقابله مقامه (٤) في السلطنة ، لا في
الملكيّة (٥) ليكون (٦) مقابلا وتداركا للسلطنة الفائتة. فالتدارك لا يقتضي ملكيّة
المتدارك (٧) في هذه الصورة (٨).
______________________________________________________
وحاصله : أنّ لذهاب العين صورتين ، إحداهما : التلف الحقيقيّ أو العرفيّ ،
والأخرى انقطاع السلطنة ، وهو التلف الحكمي ، وتقدّم بيانهما آنفا ، وسيأتي أيضا.
(١) الظاهر أنّ
الصواب «الماليّة» لقيام المنافع بالشيء من حيث كونه مالا ، لا ملكا. ويمكن توجيه
«الملكيّة» بأنّها ـ في المقام ـ غالبا لا تنفكّ عن الماليّة ، فتتحد قابليّة
الملكيّة والماليّة ، والأمر سهل.
(٢) أي : مقام
العين في إضافة الملكيّة ، فيكون البدل الدائميّ ملكا لمالك العين التالفة.
والأولى تأنيث الضمير ، كما مرّ.
(٣) معطوف على «إن
كان» وهو بيان مورد بدل الحيلولة ، وأنّ حكمه الإباحة المطلقة ، وحاصله : أنّ
المراد بالذهاب انقطاع سلطنة المالك عن ماله ، فاللازم جعل مال في مقابل السلطنة
الفائتة عن ماله ، لا في مقابل الملكيّة ، فالتدارك لا يقتضي ملكية البدل المبذول
لتدارك السلطنة ، إذ لا يتوقّف تداركها على ملكيّة البدل ، بل يحصل بالإباحة
والسلطنة المطلقة عليه.
(٤) هذا الضمير
وضمائر «عنه ، به ، مقابله» راجعة إلى «العين» فالأولى تأنيثها.
(٥) يعني : أنّ
الفارق بين التلف الحقيقيّ وفوات السلطنة هو لزوم كون تدارك الأوّل بدخول البدل في
ملك المضمون له ، بخلاف الثاني ، لكفاية إباحته له.
(٦) أي : ليكون
هذا المقابل مقابلا للسلطنة الفائتة وتداركا لها.
(٧) بالكسر ،
أى : البدل الموجب للتدارك.
(٨) أي : صورة
انقطاع سلطنة المالك وفوات الانتفاعات.
نعم (١) لمّا
كانت السلطنة المطلقة المتداركة للسلطنة الفائتة متوقّفة على الملك ، لتوقّف بعض
التّصرّفات عليها ، وجب ملكيّته للمبذول ، تحقيقا لمعنى التدارك والخروج عن
العهدة.
وعلى أيّ تقدير
(٢) فلا ينبغي الإشكال في بقاء العين المضمونة على ملك مالكها (٣).
إنّما الكلام
في البدل المبذول ، ولا كلام أيضا في وجوب الحكم بالإباحة (٤) وبالسلطنة المطلقة
عليها.
______________________________________________________
(١) استدراك
على أنّ التدارك لا يقتضي ملكيّة المتدارك ـ بالكسر ـ لكن لمّا كانت السلطنة
المطلقة الجابرة للسلطنة الفائتة منوطة بالملك ، لتوقّف بعض التّصرّفات عليه ، وجب
الحكم بكون البدل ملكا للمالك ، وذلك لأنّ التدارك يقتضي ذلك حيث إنّ السلطنة
المطلقة الفائتة لا تتدارك إلّا بسلطنة مثلها ، فنفس انقطاع سلطنة المالك وإن لم
يقتض ملكيّة بدل الحيلولة ، إلّا أنّ كيفية السلطنة الفائتة تقتضي كون السلطنة
الجابرة لها مثلها.
(٢) يعني :
سواء قلنا بملكيّة بدل الحيلولة للمالك ، أم قلنا بإباحتها المطلقة.
(٣) لعدم موجب
لخروجها عن ملك مالكها ، ومع الشكّ يجري الاستصحاب ، وقد تقدّم أيضا بقوله : «وعلى
أيّ حال فلا ينتقل العين إلى الضامن».
(٤) كما اختاره
المحقّق القمّي قدسسره لكفاية هذه الإباحة المطلقة في جبر فوات سلطنة المالك
على ماله ، ولا يتوقّف التدارك على دخول بدل الحيلولة في ملك المضمون له. نعم هذه
الإباحة تستلزم الملك من أوّل الأمر ، أو تنتهي إليه عند التّصرّف ، حتى تصحّ
التّصرّفات المشروطة بالملك فيه. وقد تقدّم تفصيل الكلام في رابع تنبيهات
المعاطاة. لكن الذي تحصّل من كلامه هناك الإشكال في الإباحة المطلقة فراجع .
__________________
وبعد ذلك فيرجع
محصّل الكلام حينئذ (١) إلى أنّ إباحة جميع التّصرّفات ـ حتى المتوقّفة على الملك
ـ هل يستلزم الملك من حين الإباحة أو يكفي فيه حصوله من حين التّصرّف؟ وقد تقدّم
في المعاطاة بيان ذلك.
ثم (٢) إنّه قد
تحصّل ممّا ذكرنا (٣) أنّ تحقيق ملكيّة البدل (٤) أو السلطنة (٥)
______________________________________________________
(١) أي : حين
وجوب الحكم بإباحة البدل والسلطنة المطلقة عليه.
ز : اشتراط وجوب
البدل بفوات معظم منافع العين
(٢) هذا البحث
يتعلّق بكون بدل الحيلولة ملكا أو مباحا لمالك العين ، والغرض منه تحديد موضوع
البحث وحصر مورده بما إذا كان الفائت على المالك معظم الانتفاعات حتّى يتصف البدل
بكونه غرامة. فلو كان الفائت منفعة غير مقوّمة لماليّة العين فمقتضى ما تقدّم عدم
كون بدل الحيلولة ملكا ولا مباحا للمالك.
إلّا إذا حكم
الشارع بغرامة العين ، فإنّها تكشف عن انتقال العين إلى الغارم ، كما في البهيمة
الموطوءة ، فإنّ الشارع ضمّن الواطي قيمة الحيوان وأوجب نفيه عن البلد ، ولكن لا
يسقط به عن الماليّة والتقويم ، وإنّما هو حيوان معيب ، فإيجاب دفع البدل يدلّ على
تحقّق مبادلة شرعيّة بينه وبين الحيوان.
وهذا بخلاف
سقوط العين عن الماليّة ، فلا يكون وجوب دفع البدل مقتضيا لخروج المبدل عن الملك ،
لكون البدل غرامة للسلطنة الفائتة وللخروج عن الماليّة.
وسيأتي مزيد
بيان للمطلب.
(٣) يعني : من
بقاء العين على ملك مالكها ، وكون دفع البدل غرامة عمّا فات من سلطنة المالك.
(٤) بناء على
دخوله في ملك المضمون له.
(٥) بناء على
إباحته له.
المطلقة عليه مع بقاء العين على ملك مالكها إنّما (١) هو مع فوات معظم
الانتفاعات به ، بحيث يعدّ بذل البدل غرامة وتداركا (٢). أمّا لو لم يفت إلّا بعض
ما ليس به قوام الملكيّة (٣) ، فالتدارك لا يقتضي ملكه (٤) ولا السلطنة على البدل.
ولو فرض (٥)
حكم الشارع بوجوب غرامة
______________________________________________________
(١) خبر قوله :
«أن تحقيق».
(٢) لأنّ
التدارك عبارة عن «قيام شيء مقام آخر فيما زال عنه من الأوصاف» ومقتضاه تعنون
الشيء الثاني بالعنوان الزائل عن الأوّل ـ من الملكيّة ـ في مورد الانتفاع بجميع
وجوه المنافع.
(٣) الأولى
تبديل الملكيّة بالماليّة ، لأنّ الانتفاع يدور مدار الماليّة لا الملكيّة كما هو
ظاهر.
(٤) أي : ملك
البدل ، ولو قال : «لا يقتضي ملك البدل ولا السلطنة المطلقة عليه» كان أقرب إلى
السلاسة.
(٥) هذا حكم
صورة بقاء معظم الانتفاعات مع وجوب البدل شرعا كالحيوان الموطوء ، وتوضيحه : أنّ
الحيوان المقصود ظهره ـ كالخيل والبغال والحمير ـ إذا وطأه غير المالك لا يفوت
معظم الانتفاعات به بمجرّد وطئه ، لأنّه يحرم بيعه في خصوص بلد الوطي ، لا مطلقا ،
فلا يصدق التدارك هنا ، لأنّ المناط في صدقه بقاء الانتفاعات التي بها قوام
الماليّة ، وهي باقية بعد الوطء أيضا ، لأنّ وجوب نفيه في بلد الوطي وبيعه في آخر
لا يرفع مناط الماليّة ، فلا يصدق التدارك حتى يحكم بوجوبه على الواطئ. فحكم
الشارع بغرامة القيمة ودخولها في ملك مالك الحيوان كاشف عن مبادلة شرعيّة بين
الحيوان وقيمته ، فينتقل الحيوان إلى ملك الغارم تعبّدا ، وهذا تخصيص في ما تقدّم
من قيام الإجماع على عدم خروج العين من ملك المضمون له في موارد بدل الحيلولة ، هذا.
ثمّ إنّ الشارع
حكم حقيقة ـ لا فرضا ـ بوجوب التدارك في فوات بعض
قيمته حينئذ (١) لم يبعد كشف ذلك عن انتقال العين إلى الغارم. ولذا (٢)
استظهر غير واحد (٣) أنّ الغارم لقيمة الحيوان الذي وطأه يملكه ، لأنّه (٤) وإن
وجب بالوطي نفيه عن البلد وبيعه في بلد آخر ، لكن هذا لا يعدّ فواتا لما به قوام
الماليّة.
هذا (٥) كلّه
مع انقطاع السلطنة عن العين مع بقائها على ملكيّتها السابقة.
______________________________________________________
الانتفاعات مع عدم تقوّم الماليّة بها ، كالبهيمة الموطوءة المقصود ظهرها ،
لقول الباقر عليهالسلام في حسنة سدير : «وإن كانت مما يركب ظهره غرم قيمتها ،
وجلد دون الحدّ ، وأخرجها من المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد أخرى حيث لا تعرف
، فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها» . فالقيمة يملكها المالك ، كما أنّ الحيوان الموطوء يصير
مملوكا للغاصب ، مع أنّه لم يفت ما به قوام ماليّته.
(١) أي : حين
عدم فوات معظم المنافع التي تدور الماليّة مدارها.
(٢) أي : ولأجل
كشف الغرم ـ مع بقاء معظم الانتفاعات ـ عن المبادلة التعبّديّة استظهر غير واحد
مالكيّة الغارم للحيوان الموطوء.
(٣) كالشهيدين
والسيّد الطباطبائي ، قال في الرياض : «وإن كان غيره ـ أي وإن كان الفاعل غير
المالك ـ فالظاهر أن تغريمه القيمة يوجب ملكه للبهيمة .. وبذلك صرّح الشهيدان في
النكت والروضة» .
(٤) تعليل
لدخول الحيوان الموطوء في ملك الفاعل ، وأنّ مجرّد نفيه عن البلد وبيعه في بلد آخر
لا يسقطه عن الماليّة.
(٥) المشار
إليه قوله : «ثم إنّ تحقيق ملكيّة البدل أو السلطنة المطلقة عليه» وحاصله : أنّ
محطّ البحث عن مالكيّة المضمون له للبدل أو إباحته له إنّما هو في صورة بقاء العين
على ماليّتها ، وكون الغرامة عوضا عن السلطنة الفائتة ، ففي مثله يقال بملكية
البدل أو بالسلطنة المطلقة عليه.
__________________
أمّا لو خرج (١)
عن التقويم مع بقائها على صفة الملكيّة (٢) فمقتضى قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة
مع بقاء العين على ملك المالك ، لأنّ (٣) القيمة عوض الأوصاف والأجزاء التي خرجت
العين لفواتها عن (٤) التقويم ، لا عوض (٥) العين نفسها ، كما (٦) في الرطوبة
الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب ، فإنّ بقاءها على ملك مالكها لا ينافي معنى
الغرامة ،
______________________________________________________
وأمّا لو خرجت
العين عن التقويم ـ مع كونها باقية على ملك مالكها ـ فمقتضى قاعدة الضمان وجوب
تمام القيمة ، لأنّ الغارم فوّت ماليّتها على مالكها. وقد تقدّم عدم التنافي بين
كون كلّ من العين وغرامتها ملكا للمضمون له. فلو كسر إناء الغير وجب عليه دفع
قيمته مع عدم خروج رضاضه عن ملكه ، وعدم انتقالها إلى ملك الغارم.
(١) الأولى أن
يقال : «خرجت».
(٢) كالظروف
المكسورة ، والدّهن الذي تنجّس بإلقاء القذر فيه ، بناء على عدم جواز الانتفاع به
، فيجب على الكاسر والملقي دفع تمام القيمة ، مع بقاء الظرف والدهن المتنجّس على
ملك المالك.
(٣) تعليل
لوجوب تمام القيمة مع عدم انتقال العين إلى ملك الغارم.
(٤) متعلّق ب «خرجت»
و «لفواتها» علّة للخروج عن التقويم.
(٥) معطوف على «عوض
الأوصاف» وبيانه : أنّه لو كانت القيمة عوض نفس العين لزم دخولها في ملك الغارم
لئلّا يجتمع العوض والمعوّض عند واحد ، ولكن حيث كانت القيمة عوض الأوصاف أو
الأجزاء لم يلزم الاجتماع.
(٦) هذا مثال
لخروج العين عن التقويم لفوات أجزائها.
ويمكن أن يكون
مثالا لفوات الأوصاف أيضا ، لأنّ وصف الاجتماع لأجزاء الماء دخيل في ماليّته ،
والمفروض فوات ذلك الوصف الموجب لخروجه عن التقويم.
لفوات (١) معظم الانتفاعات ، فيقوى عدم جواز المسح بها إلّا بإذن المالك (٢)
ولو (٣) بذل القيمة. قال في شرح القواعد فيما لو (٤) خاط ثوبه بخيوط مغصوبة : «ولو
طلب المالك نزعها وإن أفضى إلى التلف وجب ، ثم يضمن الغاصب النقص ، ولو لم يبق لها
قيمة غرم جميع القيمة» انتهى (٥).
وعطف (٦) على
ذلك في محكيّ جامع المقاصد قوله : «ولا يوجب ذلك
______________________________________________________
وكيف كان
فالمراد برطوبة الماء المغصوب ـ مع اعتبار إباحة الماء ـ هو الالتفات إلى غصبيّة
الماء بعد الغسلتين وقبل المسحتين ، إذ لو أحرز غصبيّته قبل الوضوء لم يصحّ وضوؤه
من أوّل الأمر.
(١) تعليل لصدق
معنى الغرامة ، وحاصله : صدق الغرامة هنا ، لفوات معظم الانتفاعات المقوّم لصدق
الغرامة.
(٢) إذ المفروض
بقاء الرطوبة على ملك مالكها ، والمسح بها تصرّف فيها ، فجوازه منوط بإذنه ، لأنّ
حرمة التصرّف من آثار الملك ، لا المال ، فلا يضرّ عدم صدق المال على الرطوبة.
(٣) وصليّة ،
يعني : يقوى بطلان المسح بدون إذن المالك حتى إذا بذل القيمة.
(٤) هذه
العبارة نصّ كلام القواعد ، وفيه أيضا : «وجب نزعها مع الإمكان ، ولو خيف تلفها
لضعفها فالقيمة» .
(٥) هذا نصّ
كلام المحقّق الثاني في شرح العبارة . ومراده بالتلف بقرينة قوله بعده : «النقص» أنّ الخيوط
تارة تتلف بالنزع ، لكونها ضعيفة تتقطّع وتخرج عن حيّز الانتفاع بها ثانية ، فلا
تقابل بالمال. واخرى تنقص قيمتها. فعلى الأوّل يجب دفع تمام قيمة الخيوط إلى
مالكها ، وعلى الثاني يجب دفع نقص ماليّتها.
(٦) هذا ظاهر
في كون العبارة السابقة لغير جامع المقاصد ، مع أنّها عين كلامه
__________________
خروجها عن ملك المالك كما سبق من أنّ جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين ، ولو
استوعب القيمة أخذها (١) ولم تدفع العين» انتهى.
وعن المسالك في
هذه المسألة : «أنّه إن (٢) لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة ، ولا يخرج بذلك عن
ملك مالكه كما سبق ، فيجمع بين العين والقيمة» (٣)
______________________________________________________
كما عرفت ، فالأولى أن يقال : «وعطف على ذلك قوله».
(١) يعني : لو
كانت الجناية مستوعبة للقيمة أخذ المالك تمام القيمة ، مع بقاء العين على ملكه ،
فيجتمع لديه العين والقيمة ، ولا يدفع العين إلى الضامن.
كما إذا غصب
عبدا فجنى عليه بقطع يده ، فالدية المقدّرة نصف قيمة العبد ، لكن يفصّل في المسألة
بين ما لو تنزّلت قيمة العبد ـ بهذه الجناية ـ عن نصف قيمته ، فيجب دفع أكثر من
نصف قيمته ، وبين ما لو تنزّلت قيمته أقلّ من النصف تعيّن المقدّر الشرعيّ. مثلا
إذا قوّم العبد المغصوب سليما بألف دينار ، كانت دية قطع يده خمسمائة دينار ، ولكن
يلاحظ قيمة العبد مقطوع اليد ، فإن كانت خمسمائة كفى دفع الدية المقدّرة. وإن كانت
قيمته أربعمائة دينار وجب دفع ستمائة ، ولا يجزي دفع خمسمائة دينار ، وهي الدية
المقدّرة. هذا.
ولو جنى عليه
جناية أخرى بحيث صار دية المجموع ألف دينار وجب دفع الألف ـ مع العبد المجنيّ عليه
ـ إلى مالكه. والشاهد في جواز اجتماع العبد وقيمته في ملك مالكه.
(٢) عبارة
المسالك : «وإن لم يبق ..».
(٣) يعني : فلا
يدخل العين في ملك الضامن بدفع البدل ، بل كلّ من المبدل والبدل ملك للمالك.
__________________
لكن عن مجمع
البرهان في هذه (١) المسألة اختيار عدم وجوب النزع ، بل قال : «يمكن أن لا يجوز ،
ويتعيّن القيمة ، لكونه بمنزلة التلف (٢). وحينئذ (٣) يمكن جواز الصلاة في هذا
الثوب المخيط ، إذ لا غصب فيه يجب ردّه. كما قيل بجواز المسح (٤) بالرطوبة الباقية
من الماء المغصوب الذي حصل العلم به بعد (٥) إكمال الغسل وقبل المسح» انتهى.
واستجوده بعض
المعاصرين (٦) ترجيحا (٧) لاقتضاء ملك المالك للقيمة خروج المضمون عن ملكه ،
لصيرورته (٨) عوضا شرعا.
______________________________________________________
(١) يعني :
مسألة الخيوط المغصوبة.
(٢) يعني : فلا
مال له حتى يكون سلطانا على مطالبته ، فلو طالبه كان نزع الخيوط ضررا على صاحب
المخيط ، فلا يجوز له مطالبة الخيوط ، بل له مطالبة القيمة.
(٣) أي : حين
كونه بمنزلة التلف ودخول الخيوط في ملك الغاصب يمكن جواز الصلاة في هذا الثوب.
(٤) جواز
الصلاة في الثوب المخيط بالخيوط المغصوبة ـ وجواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء
المغصوب ـ لأجل كون الخيوط والرطوبة المذكورتين بمنزلة الشيء التالف.
(٥) التقييد
ببعديّة إكمال الغسلتين للاحتراز عن العلم بغصبيّة الماء قبل إكمالهما ، لبطلان
الوضوء حينئذ.
(٦) وهو صاحب
الجواهر ، ووافقه السيّد في الحاشية .
(٧) يعني :
ترجيحا لاقتضاء ملك المالك .. إلخ على استصحاب ملك المالك للمضمون.
(٨) علّة
للاقتضاء ، وضميره راجع إلى المضمون ، والمراد بالمعوّض هو القيمة.
__________________
وفيه : أنّه لا
منشأ لهذا الاقتضاء (١). وأدلّة الضمان قد عرفت أنّ محصّلها يرجع إلى وجوب تدارك
ما ذهب من المالك ، سواء كان الذاهب نفس العين كما في التلف الحقيقيّ ، أو كان
الذاهب السلطنة عليها التي بها قوام ماليّتها ، كغرق المال ، أو كان الذاهب
الأجزاء أو الأوصاف التي يخرج بذهابها العين عن التقويم مع بقاء ملكيّته (٢).
______________________________________________________
(١) أي :
اقتضاء ملك المالك للقيمة خروج العين المضمونة عن ملكه ، ودخولها في ملك الضامن ،
لصيرورتها عوضا شرعا عن القيمة التي دفعها الضامن إلى المالك.
وحاصله : أنّه
لا منشأ للاقتضاء المزبور أصلا ، لأنّ ما يتوهّم أن يكون منشأ له هو أدلّة الضمان
، وهي غير صالحة لذلك ، لأنّ المستفاد من تلك الأدلة هو وجوب تدارك ما فات عن
المالك ، سواء أكان الفائت نفس العين كما في التلف الحقيقيّ ، أم كان الفائت
السلطنة عليها مع بقاء عين المال كغرقها ، فيما لم يكن الماء معدما لها ، كالأحجار
الكريمة التي تبقى في الماء ، أم كان الفائت الأجزاء أو الأوصاف التي تخرج العين
بذهابها عن القيمة مع بقاء الملكيّة.
ومن المعلوم
أنّ العين على التقدير الأوّل تخرج عن الملكيّة عرفا ، فلا تقبل إضافة الملكيّة
حتى يقال : إنّ طرف الإضافة هو المالك أو الضامن.
وعلى التقدير
الثاني تكون السلطنة المطلقة على البدل بدلا عن السلطنة المنقطعة عن العين. وهذا
معنى بدل الحيلولة ، لا بدلا عن نفس العين ، حتى يدّعى صيرورتها ملكا للضامن ببذل
البدل.
وعلى التقدير
الثالث يكون البدل المبذول بدلا عن ماليّة المال ، إذ المفروض خروجه عن الماليّة
مع بقاء عينه ، فليس البدل المبذول بدلا عن نفس العين حتى يكون ملك المالك للقيمة
مقتضيا لخروج العين المضمونة عن ملكه ، ودخولها في ملك الضامن ، لصيرورتها شرعا
عوضا عن البدل المبذول للمالك.
(٢) الأولى «ملكيّتها»
لرجوع الضمير إلى العين.
ولا يخفى أنّ
العين على التقدير الأوّل (١) خارج (٢) عن الملكيّة عرفا.
وعلى الثاني (٣)
السلطنة المطلقة على البدل بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين. وهذا معنى بدل
الحيلولة.
وعلى الثالث (٤)
فالمبذول عوض عمّا خرج المال بذهابه عن التقويم ، لا عن نفس العين ، فالمضمون في
الحقيقة هي تلك الأوصاف التي تقابل بجميع القيمة ، لا نفس العين الباقية ، كيف؟ (٥)
ولم تتلف هي ، وليس لها على تقدير التلف أيضا عهدة ماليّة ، بل الأمر بردّها مجرّد
تكليف لا يقابل بالمال (٦). بل لو استلزم ردّه ضررا ماليّا على الغاصب أمكن سقوطه (٧)
، فتأمّل (٨).
______________________________________________________
(١) وهو تقدير
تلف العين حقيقة ، فإنّ العين التالفة لا تعدّ ملكا ولا مالا.
(٢) الأولى «خارجة».
(٣) وهو تقدير
فوت السلطنة ، مع بقاء العين في مكان لا تنالها اليد فعلا.
(٤) وهو كون
الذاهب الأجزاء والأوصاف المقوّمة لماليّة العين.
(٥) يعني : كيف
يكون المبذول بدلا عن نفس العين؟ مع أنّها باقية غير تالفة.
(٦) حتى يقال :
إنّ بدل الحيلولة بدل عن العين ، فملك المالك للبدل يقتضي خروج المبدل عن ملكه ،
ودخوله في ملك الضامن. بل الحكم بوجوب ردّ العين حينئذ تكليف محض لا يستتبع الوضع.
وبالجملة :
فعلى جميع التقادير لا يكون البدل بإزاء نفس العين حتى يدّعى اقتضاؤه لملكيّة
المبدل للضامن.
(٧) أي : سقوط
التكليف. والوجه في سقوطه حكومة قاعدة نفي الضرر عليه ، وليست معارضة بضرر المالك
مالا ، لفرض خروج العين عن الماليّة ، التي استوفاها بالغرامة.
(٨) لعلّه
إشارة إلى : منع جريان قاعدة الضرر هنا ، لأنّها في مقام الامتنان ، فلا تجري في
حقّ الغاصب ، فيبقى إطلاق ما دلّ على وجود الرّد بحاله.
ولعلّ (١) ما
عن المسالك من «أنّ ظاهرهم عدم وجوب إخراج الخيط المغصوب عن الثوب ، بعد خروجه عن
القيمة بالإخراج ، فتعيّن القيمة فقط»
______________________________________________________
(١) غرضه توجيه
ما في المسالك من : «أن ظاهر الفقهاء عدم وجوب إخراج الخيط المغصوب عن الثوب ،
والخشبة عن البناء».
وحاصل التوجيه
: أنّ عدم وجوب الرّدّ في هذين الموردين إنّما هو لأجل استلزام الرّد الضرر على
مالك الثوب والبناء.
ثم لا يخفى أنّ
ما نسبه المصنف قدسسره إلى المسالك وإن كان في محلّه ، إلّا أنّ العبارة
المنقولة ليست نصّ كلامه ، بل هي تلفيق بين كلماته في مسألتين كما نبّه عليه
الفقيه المامقاني قدسسره.
ولتوضيح الأمر
ننقل أوّلا عنوان المسألة في الشرائع ، ثمّ ما في المسالك.
قال المحقّق قدسسره : «يجب ردّ المغصوب ما دام باقيا ولو تعسّر ، كالخشبة
تستدخل في البناء ، أو اللوح في السفينة ، ولا يلزم المالك أخذ القيمة .. ولو خاط
ثوبه بخيوط مغصوبة ، فإن أمكن نزعها الزم ذلك ، وضمن ما يحدث من نقص ، ولو خشي
تلفها بانتزاعها لضعفها ضمن القيمة» .
وظاهره وجوب
الرّدّ مطلقا ، سواء فسدت الخشبة بالنزع من البناء أم لم تفسد ، وعلى تقدير عدم
الفساد لا فرق بين تضرّر المالك وعدم تضرّره. وسيأتي من المصنّف إمكان حمل هذا
الإطلاق على صورة عدم تضرّر مالك البناء بنزع الخشبة ، فلو تضرّر لم يجب النزع ،
بل وجب دفع قيمتها.
وقال الشهيد
الثاني قدسسره في حكم الخشبة المغصوبة : «إذا غصب خشبة وأدرجها في
بنائه أو بنى عليها لم يملكها الغاصب ، بل عليه إخراجه من البناء وردّه إلى المالك
.. إلى أن قال : ثمّ إذا أخرجها وردّها لزمه أرش النقص إن دخلها نقص.
__________________
محمول على صورة تضرّر المالك (١) بفساد الثوب المخيط ، أو البناء المستدخل
فيه الخشبة ، كما لا يأبى عنه (٢) عنوان المسألة (٣) ، فلاحظ.
وحينئذ (٤) فلا
تنافي ما تقدّم عنه سابقا من بقاء الخيط على ملك مالكه ،
______________________________________________________
ولو بلغت حدّ الفساد على تقدير الإخراج بحيث لا يبقى لها قيمة فالواجب تمام
قيمتها. وهل يجبر على إخراجها حينئذ؟ نظر من فوات الماليّة ، وبقاء حقّ المالك في
العين. وظاهرهم عدم الوجوب ، وأنّها تنزّل منزلة المعدومة. ولو قيل بوجوب إعطائها
المالك لو طلبها كان حسنا ، وإن جمع بين القيمة والعين» .
وقال في مسألة
خياطة الثوب بخيط مغصوب : «الخيط المغصوب إن خيط به ثوب ونحوه فالحكم كما في
البناء على الخشبة ، فللمالك طلب نزعه ، وإن أفضى إلى التلف. ويضمن الغاصب النقص
إن اتّفق. وإن لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة ، ولا يخرج بذلك عن ملك المالك كما
سبق ، فيجمع بين العين والقيمة» .
وقد اتّضح من
هذا أن قول الماتن قدسسره : «ما عن المسالك من أن ظاهرهم عدم وجوب إخراج الخيط
المغصوب عن الثوب» غير مذكور في مسألة الخيط ، بل ذكره في حكم الخشبة ، ولكن حيث
قال الشهيد الثاني قدسسره : «كما سبق ، فيجمع بين العين والقيمة» صحّت النسبة
المزبورة ، لاتّحاد حكم الخيط والخشبة المغصوبين.
(١) أي : مالك
الثوب.
(٢) أي : كما
لا يأبى كلام المحقّق ـ في عنوان المسألة ـ عن الحمل على صورة تضرّر المالك ..
إلخ.
(٣) يعني :
مسألة البناء المستدخل فيه خشبة مغصوبة.
(٤) أي : وحين
حمل فتواهم بتعيّن القيمة ـ في مسألتي الخيط والخشبة المغصوبين ـ على صورة تضرّر
المالك فلا تنافي ما تقدّم .. إلخ.
__________________
وإن وجب بذل قيمته.
ثمّ إنّ هنا
قسما رابعا (١) وهو ما لو خرج المضمون عن الملكيّة مع بقاء حقّ الأولويّة فيه ،
كما لو صار الخلّ المغصوب خمرا. فاستشكل في القواعد وجوب
______________________________________________________
وجه المنافاة :
أنّ بقاءه على ملك مالكه يقتضي وجوب ردّه ، فيجب إخراجه مقدّمة لردّه. وهذا الحكم
ينافي حكمهم بعدم وجوب الإخراج ، لكشفه عن عدم وجوب الرّدّ.
وأمّا وجه عدم
المنافاة فهو : أنّ وجوب الرّدّ مقيّد بعدم استلزامه الضرر على الرادّ.
والحاصل : أنّ
المنافاة ناشئة من الملازمة بين الملكيّة ووجوب الرّدّ ، فالملازمة منحصرة بعدم
تضرّر الرادّ بالرّد ، لا مطلقا حتى في صورة التضرّر به ، فيمكن ان يكون مالكا ،
ولا يحب على الغاصب ردّه لتضرّره به ، هذا.
لكن كلام
المسالك آب عن هذا الحمل ، لأنّه قال ـ فيما لو خيف من نزع الخشبة هلاك مال غير
الحيوان أو هلاك نفس السفينة ، والمال له أو لمن يعلم أن فيها لوحا مغصوبا ـ بأنّ
فيه وجهين : «أحدهما ، وهو الذي يقتضيه إطلاق المصنّف ، وصرّح به الأكثر : أنّه
ينزع أيضا ، كما يهدم البناء لردّ الخشبة ، ولا يبالي بما صنع ، لأنّ دفع المغصوب
إلى المالك واجب على الفور ، ولا يتمّ إلّا بهذا. وعدوان الغاصب لا يناسبه التخفيف
، وهو الذي أدخل الضرر على نفسه ..» .
(١) غرضه أنّ
الأقسام والتقادير الثلاثة المتقدّمة كانت بالنسبة إلى العين المملوكة ، الّتي
خرجت عن الملكيّة أو الماليّة رأسا. ويبقى حكم قسم آخر ، وهو خروج العين عن
الملكيّة ، وتعلّق حق الأولويّة بها ، كما إذا غصب خلّا فانقلب عنده خمرا ، فإنّه
يجب دفع قيمة الخلّ إلى المالك ، وهل يجب ردّ الخمر إليه ـ أيضا ـ أم لا؟ استشكل العلّامة
فيه.
فالوجه في وجوب
ردّها هو استصحاب الحكم قبل انقلابها خمرا ، للشكّ في
__________________
ردّها مع القيمة (١).
ولعلّه (٢) من
استصحاب وجوب ردّها. ومن (٣) أنّ الموضوع في المستصحب ملك المالك ، إذ لم يجب إلّا
ردّه ، ولم (٤) يكن المالك إلّا أولى به.
______________________________________________________
انتفاء وجوب الرّدّ بمجرّد الانقلاب.
والوجه في عدم
وجوب الرّدّ منع جريان الاستصحاب هنا ، لأنّ متعلّق الحكم هو «مال الغير وملكه»
وحيث إنّ المفروض زوال إضافة الملكيّة عن هذا المائع لم يبق مجال لاستصحاب الوجوب
المتعلّق بمال الغير.
ثم تأمّل
المصنّف في هذا الوجه ، بأنّ المستصحب وجوب ردّ المائع الذي طرأ عليه حالتا الخلية
والخمرية ، وليستا مقوّمتين للموضوع حتى يقطع أو يشكّ في ترتّب الحكم عليه. ولهذا
ذهب جمع إلى وجوب ردّها ، لأنّ المرجع في تعيين معروض المستصحب ـ أي الموضوع ـ هو
العرف. ويتأيّد المطلب بما تقرّر من أنّه لو عادت الخمر خلّا وجب ردّه إلى المغصوب
منه قطعا ، ولو كان الموضوع متعدّدا لم يكن وجه لوجوب الرّدّ.
(١) قال في
القواعد : «ولو غصب عصيرا فصار خمرا ضمن المثل ، وفي وجوب الدفع إشكال .. فإن صار
خلّا في يد الغاصب ردّه مع أرش النقصان إن قصرت قيمة الخلّ» .
(٢) أي : ولعلّ
الاستشكال ينشأ من الاستصحاب ، والمحقّق الثاني جعل منشأ وجوب الرّدّ بقاء
الأولويّة ، ثمّ قال : «وفي وجوب الدفع قوّة» .
(٣) هذا وجه
عدم وجوب الرّدّ ، لتعدّد الموضوع المانع عن الاستصحاب.
(٤) يعني :
والحال أنّه ليس للمالك إلّا حقّ الأولويّة لا الملك ، وموضوع وجوب الرّد هو
الملك.
__________________
إلّا أن يقال :
(١) إنّ الموضوع في الاستصحاب عرفيّ. ولذا (٢) كان الوجوب مذهب جماعة ، منهم
الشهيدان والمحقّق الثاني (٣).
ويؤيّده أنّه
لو عاد خلّا ردّت إلى المالك بلا خلاف ظاهر (٤).
______________________________________________________
(١) غرضه ترجيح
وجوب الرّدّ ، وقد عرفت تقريبه.
(٢) أي : ولأجل
جريان الاستصحاب ـ لوحدة الموضوع عرفا ـ كان الوجوب مختار جماعة.
(٣) نعم ، لكن
لا للاستصحاب الذي وجّه المصنّف الحكم به ، بل لوحدة موضوع دليل الضمان ، فراجع
كلام المحقّق والشهيد الثانيين.
(٤) كما نقله
صاحب الجواهر قدسسره حيث قال شارحا للمتن : «ولو غصب عصيرا فصار خمرا ثم صار
خلّا في يد الغاصب قبل أن يدفع بدله ، بل وبعده إذا كان على وجه كدفع الحيلولة كان
للمالك ، على ما صرّح به غير واحد ، بل عن رهن غاية المرام والمسالك نفي الخلاف
فيه ، لأنّه عين ماله» .
والظاهر عدم
الإشكال في وجوب ردّه إلى المالك قبل دفع البدل. وأما بعد دفعه فقد استشكل فيه غير
واحد على ما يظهر من عباراتهم ، لكنّه لا ينافي نفي ظهور عدم الخلاف.
ثمّ إنّ الوجه
في جعله مؤيّدا لا دليلا هو عدم الملازمة بين ملك المالك له لو صار خلّا وبين ثبوت
الحقّ ، لجواز أن يكون دخوله في ملكه لأجل كون أصله ملكا له حين كان خلّا ، فهو
نظير الملك بالتبعيّة.
__________________
ثمّ إنّ (١)
مقتضى صدق الغرامة على المدفوع خروج الغارم عن عهدة العين وضمانها ، فلا يضمن
ارتفاع قيمة العين بعد الدفع (٢) ، سواء كان (٣) للسوق أو للزيادة المتصلة (٤) ،
بل (٥) المنفصلة كالثمرة ، ولا يضمن منافعه (٦) ، فلا يطالب الغارم بالمنفعة بعد
ذلك (٧).
______________________________________________________
ح : عدم ضمان ارتفاع
القيمة والزيادة بعد دفع البدل
(١) هذا فرع
آخر ممّا يتعلّق ببدل الحيلولة ، وهو عدم ضمان الغاصب ارتفاع قيمة العين بعد دفع
البدل ، وقد سبق في الأمر السابع عدم ضمان ارتفاع قيمة العين التالفة على جميع
الأقوال ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين أن يكون ارتفاعها قبل دفع القيمة وبعدها.
وفصّل هناك بين كون ارتفاع القيمة للسوق فلا يضمن ، وبين الزيادة العينيّة فتضمن.
هذا في التلف الحقيقيّ.
وأمّا زيادة
القيمة في بدل الحيلولة فلا تضمن مطلقا.
وملخّص تقريب
عدم الضمان : أنّ الغارم يخرج عن عهدة ضمان العين بدفع البدل ، ولازمه عدم ضمانه
لزيادة قيمة العين مطلقا وإن كانت للزيادة في العين. وكذا لا يضمن منافعه ، لخروج
العين عن عهدته وضمانها بدفع البدل ، فلا ارتباط للعين بالضامن.
(٢) أي : دفع
بدل الحيلولة.
(٣) أي : كان
ارتفاع القيمة.
(٤) كالسمن في
الحيوان ، وتعلّم الصنعة في العبيد والإماء.
(٥) الإتيان
بكلمة الإضراب لأجل أنّ ضمان الزيادة المنفصلة كالثمرة لا يخلو من وجه ، لكونها
عينا اخرى يحتمل ضمانها ، لكن حيثيّة كونها نماء للعين المضمونة التي دفع بدلها
إلى مالكها توجب عدم ضمانها.
(٦) في ضمان
المنافع بعد دفع بدل الحيلولة قولان : أحدهما ذلك ، والآخر العدم كما سيأتي في
المتن.
(٧) يعني : بعد
دفع البدل. ووجه عدم ضمان المنافع حينئذ واضح ، إذ المفروض
وعن التذكرة
وبعض آخر (١) ضمان المنافع ، وقوّاه (٢) في المبسوط بعد أن
______________________________________________________
خروج العين ـ بدفع البدل ـ عن ضمان الغاصب ، فلا مجال لقاعدة تبعيّة
المنافع للعين في الملكيّة.
(١) الحاكي
لكلام العلّامة وغيره هو السيّد العاملي وغيره ، قال قدسسره : «وقد قرّب في التذكرة اللزوم والوجوب ، وقال : إنّه
أصحّ وجهي الشافعيّة ، لأنّ حكم الغصب باق ، وإنّما وجبت القيمة للحيلولة ، فيضمن
الأجرة .. ومال إليه في المسالك ، وكأنّه قال به في مجمع البرهان وهو الأصحّ» . وجعله في الجواهر ـ بعد ما نسبه إلى جماعة ـ موافقا
للتحقيق «لبقاء العين المغصوبة على ملك المالك ، وعلى وجوب ردّها على الغاصب مع
التمكّن ، وعلى ضمانها وضمان نمائها ، وأنّ القيمة للحيلولة غرامة شرعيّة ثبتت
بالأدلّة ، وهي لا تقتضي براءة ، ولا تغييرا للحال الاولى» .
وفيه : أنّ
القيمة المدفوعة اقتضاها الضمان على نحو اقتضائه لها في التلف على أن تكون تداركا
لما فات ، فكأنّه لم يفت ، من غير فرق بين أن تكون بدلا عن العين أو عن الحيلولة ،
فكأنّ العين في يده ، فكيف تكون حينئذ مضمونة؟
(٢) أي : قوّى
ضمان المنافع ، قال شيخ الطائفة قدسسره : «وأجرتها ـ أي العين ـ من حين دفع القيمة إلى حين
الرّدّ على وجهين ، أحدهما : لا اجرة عليه .. وهو الأقوى. والثاني : عليه أجرتها
.. وهذا قويّ أيضا» . فما نسبه المصنّف قدسسره إليه لا يخلو من مسامحة ، إذ الأقوى بنظر الشيخ هو عدم
ضمان المنافع ، والقويّ ضمانها ، والأمر سهل.
__________________
جعل الأقوى خلافه. وفي موضع من جامع المقاصد «أنّه موضع توقّف» (١) وفي
موضع آخر : رجّح الوجوب (٢).
ثم (٣) إنّ
ظاهر عطف التعذّر على التلف في كلام بعضهم ـ عند التعرّض لضمان المغصوب بالمثل أو القيمة ـ يقتضي
عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقيّة
______________________________________________________
(١) قال بعد
بيان وجهي الإشكال ـ في ضمان منافع العبد الآبق السابقة على الغرم ـ ما لفظه : «والمسألة
موضع توقّف» .
(٢) حيث قال
بعد بيان وجهي الإشكال في ضمان النماء المتّصل والمنفصل ـ إذا تجدّد بعد دفع البدل
ـ ما لفظه : «والأصحّ استحقاق الرجوع به أيضا على الغاصب ، استصحابا لما كان إلى
أن يعلم المزيل» .
ط : ضمان ارتفاع قيمة
العين والنماء قبل دفع البدل إلى المالك
(٣) ما تقدّم
بقوله : «ثمّ إن مقتضى الغرامة» إلى هنا كان حكم ارتفاع قيمة العين بعد أداء بدل
الحيلولة ، وكذا منافعها المتجدّدة. وغرضه الآن بيان حكم ارتفاع القيمة قبل أداء
البدل إلى المالك ، فأفاد قدسسره : أنّ مقتضى تنزيل التعذّر منزلة التلف في كلام مثل
المحقّق قدسسره هو ترتيب آثار التلف على التعذر ، التي منها عدم ضمان
ارتفاع القيمة السوقيّة المتحقّق بعد التعذّر وقبل الدفع ، كالارتفاع الحاصل بعد
التلف.
لكن مقتضى
القاعدة ضمانه له ، وذلك لأنّ التلف يوجب تعيّن القيمة ، ولذا يجب على المالك
قبولها ، وليس له الامتناع عن أخذها. بخلاف تعذّر العين ، إذ لا يتعيّن به القيمة
، بل للمالك الصبر إلى زمان التمكّن من العين ، وتبقى العين في عهدة الضامن في
مدّة التعذّر. ولو تلفت كان للمالك قيمتها من حين التلف أو أعلى القيم أو يوم
الغصب ، على الخلاف السابق.
__________________
الحاصل بعد التعذّر وقبل الدفع ، كالحاصل بعد التلف (١).
لكن مقتضى
القاعدة (٢) ضمانه له (٣) ، لأنّ (٤) مع التلف يتعيّن القيمة (٥) ، ولذا ليس له
الامتناع من أخذها. بخلاف تعذّر العين ، فإنّ القيمة غير متعيّنة ، فلو صبر المالك
حتى يتمكّن من العين كان له ذلك ، ويبقى العين في عهدة الضامن في هذه المدّة ، فلو
تلفت كان له قيمتها من حين التلف ، أو أعلى القيم إليه ، أو يوم الغصب على الخلاف.
والحاصل : أنّ
قبل دفع القيمة يكون العين الموجودة في عهدة الضامن ، فلا عبرة بيوم التعذّر.
والحكم (٦)
بكون يوم التعذّر بمنزلة يوم التلف مع الحكم بضمان الأجرة
______________________________________________________
والحاصل : أنّ
العين الموجودة قبل دفع بدلها تكون في عهدة الضامن. وعليه فلا عبرة بيوم التعذّر ،
والحكم بكون يوم التعذّر بمنزلة يوم التلف.
(١) على ما
صرّح به في الأمر السابع بقوله : «ثم إنّه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف على
جميع الأقوال» ومراده بالقيمة هي السوقيّة ، لا لزيادة عينيّة ، كما صرّح به هناك
أيضا ، فراجع (ص ٥٤٩).
(٢) يعني :
قاعدة كون بدل الحيلولة غرامة ، لا بدلا عن العين المتعذّرة.
(٣) أي : ضمان
الغاصب لارتفاع القيمة.
(٤) هذا بيان
الفارق بين التلف والتعذّر في عدم ضمان الارتفاع في الأوّل ، وضمانه في الثاني.
(٥) يعني : لا
يملك مالك العين التالفة ـ في عهدة الضامن ـ إلّا القيمة.
(٦) غرضه تضعيف
كون يوم التعذّر بمنزلة يوم التلف ، وحاصله : أنّ الالتزام بذلك يوجب التناقض.
توضيحه : أنّ لازم كون يوم التعذّر كيوم التلف عدم ضمان الأجرة والنماء بالتعذر
وقبل أداء البدل ، فالحكم بضمان الأجرة والنماء بعد التعذّر وقبل أداء البدل مناف
لذلك ، فمقتضى القاعدة ضمان ارتفاع القيمة إلى يوم دفع البدل.
وأمّا بعده
فلا.
والنماء إلى دفع البدل وإن تراخى (١) عن التعذّر مما لا يجتمعان ظاهرا ،
فمقتضى القاعدة ضمان الارتفاع إلى يوم دفع البدل ، نظير دفع القيمة (٢) عن المثل
المتعذّر في المثليّ.
ثم (٣) إنّه لا
إشكال في أنّه إذا ارتفع تعذّر ردّ العين وصار ممكنا وجب ردّها (٤) إلى مالكها ـ كما
صرّح به في جامع المقاصد ـ فورا (٥) وإن كان في إحضارها
______________________________________________________
(١) أي : تراخى
دفع البدل. وغرضه أنّه لا فرق في التنافي بين الحكمين ـ وهما كون يوم التعذّر
بمنزلة يوم التلف ، ووجوب دفع بدل المنفعة قبل دفع بدل الحيلولة ـ بين أن يدفع بدل
الحيلولة عقيب تعذّر ردّ العين فورا ، أم بعده تراخيا.
والوجه في عدم
الفرق كون التعذّر بمنزلة التلف ، فكما لا موضوع لضمان ارتفاع قيمة التالف ، فكذا
لا مجال لضمان ارتفاع قيمة العين المتعذّر إيصالها إلى المالك. فالقول بضمان
الارتفاع منوط برفع اليد عن المبنى ، وهو وحدة حكم التلف والتعذّر.
(٢) يعني :
نظيره في ضمان ارتفاع القيمة إلى يوم دفعها في المثليّ المتعذّر مثله.
ي : وجوب ردّ العين
فورا بارتفاع العذر
(٣) هذا فرع
آخر من فروع بدل الحيلولة ، وهو وجوب ردّ العين إلى مالكها بمجرّد ارتفاع التعذّر
والتمكّن منه ، ولو توقّف إحضار العين على مئونة وجب على الضامن بذلها ، كما وجب
بذلها قبل التعذّر ، يعني : لو وضع يده على مال الغير وأمكن إيصاله إليه وجب ردّه
فورا ، سواء توقّف على بذل مئونة أم لم يتوقّف عليه. لكون البذل مقدّمة للرّد
الواجب ، على ما سبق تفصيله في الأمر الثاني ، فلاحظ (ص ٢٠١).
(٤) لأنّه عين
ماله ، ومع إمكان دفعها لا تصل النوبة إلى بدلها ، والغرامة المدفوعة إلى المالك
إنّما تكون بدلا دائميّا في صورة تلف العين ، لا في صورة وجودها ، إذ البدليّة
حينئذ ماداميّة.
(٥) قال قدسسره في الظفر بالعبد الآبق المغصوب : «بل يجب على الغاصب
ردّ العبد
مئونة كما كان قبل التعذّر ، لعموم (١) «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (٢). ودفع
(٣) البدل لأجل الحيلولة إنّما أفاد خروج الغاصب عن الضمان ، بمعنى انّه لو تلف لم
يكن عليه قيمته بعد ذلك (٤) ، واستلزم ذلك (٥) [ولازم ذلك]
______________________________________________________
مطلقا على الفور» . وتقدم كلام آخر منه (في ص ٢٠٢) دالّ على كون مئونة
الرّدّ على المشتري ، فراجع.
(١) تعليل
لوجوب ردّ العين.
(٢) لأنّ
الغاية لا تصدق حقيقة إلّا بردّ نفس العين لا بدلها.
هذا بناء على
دلالة الحديث على خصوص الحكم التكليفيّ أو الأعمّ منه ومن الوضعيّ. وأمّا بناء على
ظهوره في الوضع ـ كما تقدّم في أوّل مسألة المقبوض بالبيع الفاسد ـ فقد يشكل
استظهار وجوب الرّد من الحديث ، فتأمّل.
(٣) مبتدء ،
خبره «إنما أفاد» تعرّض المصنّف قدسسره لدفع توهّمين قد يردا على وجوب ردّ العين المضمونة بعد
زوال التعذّر.
الأوّل : أنّه
لا يجب ردّ العين إلى مالكها ، إذ الضامن دفع الغرامة إلى المالك ، وهي ماليّة
العين ، ومقتضى التدارك عدم وجوب ردّ العين بعد ارتفاع العذر.
ودفعه المصنف قدسسره بأنّ بدل الحيلولة لا يرفع التكليف بردّ العين ، وإنّما
يفيد أمرين ، أحدهما : خروج الضامن عن عهدة قيمة العين لو تلفت بعد أداء البدل ،
فيصير البدل المحدود دائميّا ، ولا يجب شيء آخر.
ثانيهما : عدم
ضمان المنافع الحاصلة في العين بعد دفع الغرامة.
ومن المعلوم
أنّ هذين الحكمين المترتّبين على أداء بدل الحيلولة لا يمنعان عن فعليّة وجوب ردّ
العين عند التمكّن منه.
(٤) أي : بعد
التلف.
(٥) أي : خروج
الغاصب عن الضمان ، وهو إمّا فاعل «يستلزم» وإمّا مضاف
__________________
على ما اخترناه (١) عدم ضمان المنافع والنماء المنفصل والمتّصل بعد دفع الغرامة.
وسقوط (٢) وجوب
الرّدّ حين التعذّر للعذر العقليّ ، فلا يجوز استصحابه ، بل مقتضى الاستصحاب (٣)
والعموم هو الضمان المدلول عليه بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».
______________________________________________________
إليه لقوله : «ولازم» بناء على ما في بعض النسخ ، وقوله : «عدم ضمان» إمّا
مفعول ل «يستلزم» وإمّا خبر ل «لازم».
وعلى كلّ فعدم
ضمان المنافع ـ بعد أداء بدل الحيلولة ـ حكم آخر ، وهو يترتّب على الحكم الأوّل
أعني به خروج الغاصب عن عهدة العين
(١) من قوله : «ثمّ
إنّ مقتضى صدق الغرامة على المدفوع خروج الغارم ..».
(٢) مبتدء ،
خبره قوله : «للعذر العقليّ». وهذا إشارة إلى التوهّم الثاني ، وحاصله : أنّه لا
يجب ردّ العين بعد التمكّن منه ، وذلك لاستصحاب عدم وجوب ردّها حال التعذّر ، ومع
هذا الأصل المحرز لا مجال لتكليف الضامن بردّ العين عند القدرة عليه.
وقد دفعه
المصنف قدسسره بمنع جريان الاستصحاب هنا ، لانتفاء قيد المستصحب ،
توضيحه : أنّ سقوط وجوب دفع العين كان مقيّدا عقلا بالتعذّر المسقط للتكليف ، وحيث
إنّ المفروض زوال العذر ، فلو أريد تسوية الحكم إلى ما بعد التعذّر كان إثبات حكم
موضوع لموضوع آخر ، ولا معنى للاستصحاب حينئذ.
(٣) بأن يقال :
إنّ المتيقن في السابق هو الضمان مطلقا في حالتي التعذّر والتمكّن ، ودفع الغرامة
في حال التعذّر يوجب الشك في أنّ المرتفع به أصل الضمان أو خصوص الضمان في حال
التعذّر وما دام متعذّرا ، فلا يحصل القطع بارتفاع الضمان بالمرّة ، بل هو مشكوك
فيه ، لاحتمال ارتفاع الضمان الخاصّ لا أصله ، فلا مانع من استصحاب أصل الضمان في
حال التمكّن. ويترتّب عليه وجوب الرّدّ ، لوجود المقتضي وهو الضمان ، وعدم المانع
عنه وهو التعذّر.
وهل الغرامة (١)
المدفوعة تعود ملكه إلى الغارم بمجرد طروء التمكّن ،
______________________________________________________
ثم إنّ الجمع
بين الاستصحاب والعموم خلاف ما قرّره قدسسره في الأصول من حكومة الثاني على الأوّل.
ك : هل ينتقل البدل
إلى الغارم بتمكّن دفع العين؟
(١) هذا فرع
آخر من فروع بدل الحيلولة ، وهو أنّه : إذا تمكّن الغاصب من ردّ العين إلى المالك
بعد دفع بدل الحيلولة ، ولكنّه لم يوصل العين إلى المالك ، ففي خروج بدل الحيلولة
من ملك المضمون له ، وعدمه وجهان :
الأوّل : أنّ
التمكّن من العين يوجب خروج البدل عن ملك المضمون له ، ودخوله في ملك الضامن ،
وحيث إنّه لم يوصل العين إلى مالكها يصير ضامنا لها بضمان جديد. ويترتب عليه أنّه
لو تلفت عنده اعتبرت قيمتها الفعليّة ، لا قيمتها السابقة في حال التعذّر. فبناء
على ضمان القيميّ بقيمة يوم الضمان تتعيّن قيمتها يوم التمكّن منها ، أي حين
ارتفاع العذر.
وبناء على
ضمانه بقيمة يوم التلف تعتبر قيمتها فيه.
وبناء على ضمان
أعلى القيم بين وقت الضمان والتلف يتعيّن أعلاها.
الثاني : أنّ
مجرّد التمكّن من العين لا يقتضي انتقال بدل الحيلولة إلى ملك الغارم ، فلو لم
يوصلها إليه وتلفت عنده لم يضمنها بضمان جديد ، بل يصير بدل الحيلولة بدلا دائميّا
مستقرّا ، بعد أن كان بدلا محدودا مغيّا بوصول العين أو تلفها. وحينئذ ينتفي
احتمال ضمان يوم القبض أو وقت التلف أو الأعلى بينهما.
واستظهر
المصنّف قدسسره هذا الاحتمال ، واستدلّ عليه بالاستصحاب ، بتقريب : أنّ
بدل الحيلولة كان ملكا لمالك العين حين التعذّر ، ولو شك في زواله بمجرّد تمكّن
الضامن من ردّ العين جرى استصحاب ملكه له.
فيضمن (١) العين من يوم التمكّن ضمانا جديدا (٢) بمثله أو قيمته يوم (٣)
حدوث الضمان ، أو (٤) يوم التلف ، أو أعلى القيم. أو أنّها باقية على ملك مالك
العين ، وكون (٥) العين مضمونة بها لا بشيء آخر في ذمّة الغاصب ، فلو تلفت (٦)
استقرّ ملك المالك على الغرامة ، فلم (٧) يحدث في العين إلّا حكم تكليفيّ بوجوب
ردّه ، وأمّا الضمان وعهدة جديدة فلا؟ وجهان (٨) ، أظهرهما الثاني (٩) لاستصحاب
كون العين مضمونة بالغرامة ، وعدم طروء ما يزيل ملكيّته عن الغرامة ، أو يحدث (١٠)
ضمانا جديدا.
______________________________________________________
(١) هذا متفرّع
على عود بدل الحيلولة ـ الذي هو بدل محدود بالتعذّر ـ إلى ملك الغارم ، واشتغال
ذمّته بقيمة أخرى كما عرفت.
(٢) في قبال
بدل الحيلولة الذي كان ضمانا قديما في حال تعذّر ردّ العين.
(٣) متعلّق ب «قيمته»
أي : قيمته يوم حدوث الضمان ، أو قيمته يوم التلف أو أعلى القيم ، على الخلاف
المتقدّم في الأمر السادس والسابع.
(٤) هذا عدل
قوله : «تعود» يعني : هل الغرامة تعود ملكا إلى الغارم أم هي باقية على ملك مالك
العين؟ وقد أوضحناه آنفا بقولنا : «الثاني : أن مجرّد التمكّن من العين ..».
(٥) بالجرّ
معطوف على «ملك» المجرور ب «على». والواو بمعنى «مع» أي : مع كون العين مضمونة بتلك
الغرامة لا بغيرها. وضمير «بها» راجع إلى الغرامة.
(٦) أي : فلو
تلفت العين ـ بيد الغاصب بعد التمكّن من ردّها إلى المالك ـ صار بدل الحيلولة ملكا
مستقرّا لمالك العين ، ولم يحدث ضمان جديد.
(٧) هذا متفرّع
على بقاء ملك الغرامة لمالك العين ، وعدم انتقالها إلى الغارم بمجرّد تمكّنه من
ردّ العين إلى مالكها.
(٨) خبر قوله :
«وهل الغرامة المدفوعة».
(٩) وهو بقاء
الغرامة على ملك المغصوب منه.
(١٠) معطوف على
«يزيل» و «يحدث» بصيغة الفاعل من باب الافعال ، يعني :
ومجرّد (١) عود
التمكّن لا يوجب عود سلطنة المالك حتى يلزم من بقاء مالكيّته على الغرامة الجمع
بين العوض والمعوّض.
غاية ما في
الباب (٢) قدرة الغاصب على إعادة السلطنة الفائتة المبدلة عنها بالغرامة ، ووجوبها
عليه.
وحينئذ (٣) فإن
دفع العين فلا إشكال في زوال ملكيّة [مالكية] المالك للغرامة.
وتوهّم (٤) أنّ
المدفوع كان بدلا عن القدر الفائت من السلطنة في زمان
______________________________________________________
وعدم طروء ما يزيل ملكيّته من الغرامة ، أو ما يحدث ضمانا جديدا ، فمجرّد
تمكّن الغاصب من ردّ العين إلى المالك لا يجدي في رفع الضمان ، بل الضمان باق على
حاله.
(١) غرضه قدسسره بيان عدم طروء ما يزيل ملكيّة مالك العين لبدل الحيلولة
، إذ قد يتوهّم : اختصاص البدل بحال التعذّر ، فلو فرض تمكّن الغاصب من إيصال
العين إلى مالكها لزم خروج بدل الحيلولة إلى ملك الغارم حتى لا يجتمع العوض
والمعوّض عند واحد.
وأجاب عنه
المصنف بعدم عروض ما يزيل ملكيّة المضمون له للبدل ، وبقاء ملاك تغريم الضامن ،
وذلك لأنّ فوات سلطنة المالك على ماله اقتضى دفع البدل ، ولا فرق فيه بين تمكّن
الغاصب من ردّ العين وبين تعذّره عليه. فخروج البدل عن ملك مالك العين منوط
بوصولها إليه. وعليه فلا موضوع للجمع بين العوض والمعوّض عند واحد.
(٢) يعني :
غاية ما يلزم من عود تمكّن الغاصب من ردّ المغصوب إلى المغصوب منه هو قدرته على
إعادة ما فات عن المالك من السلطنة الّتي أبدلت بالغرامة.
(٣) يعني :
وحين قدرة الغاصب على إعادة السلطنة ، فإن دفع العين فلا إشكال في زوال مالكيّة
المالك للغرامة.
(٤) غرض
المتوهّم منع عود بدل الحيلولة إلى الغاصب بعد دفع العين إلى
التعذّر فلا يعود ، لعدم عود مبدله ، ضعيف في الغاية. بل كان (١) بدلا عن
أصل السلطنة يرتفع (٢) بعودها ، فيجب دفعه أو دفع بدله مع تلفه ، أو خروجه (٣) عن
ملكه بناقل لازم بل جائز.
ولا يجب (٤)
ردّ نمائه المنفصل.
______________________________________________________
المالك. وتقريبه : أنّ بدل الحيلولة لمّا كان عوضا عن السلطنة الفائتة في
زمان تعذّر ردّ العين إلى مالكها لم يكن موجب لإعادته إلى الغاصب ، ضرورة أنّ
محذور اجتماع العوض والمعوّض غير لازم في المقام ، لأنّ بدل الحيلولة كان بدلا عن
السلطنة الفائتة التي يستحيل عودها إلى المالك. والسلطنة الحادثة بعد ردّ العين لم
تكن في قبال بدل الحيلولة. وعليه فلا وجه لأن يقال : «فلا إشكال في زوال ملكيّته
للغرامة ، بل يبقى البدل على ملكيّة المضمون له».
ودفعه قدسسره بقوله : «ضعيف في الغاية» وبيانه : أنّ الغرامة التي
دفعها الضامن كانت بدلا عن أصل السلطنة ، بحيث تكون البدليّة ملحوظة بين البدل
والسلطنة حدوثا وبقاء. ففي زمان التعذّر يكون البدل بدلا عن السلطنة في ذلك الزمان
، وفي زمان التمكّن لو بقي البدل ملكا للمالك كان ملكا له بلا مبدل منه ، لعدم
فوات السلطنة في ذلك الزمان حتى يكون مبدلا منه.
(١) أي : بل
كان المدفوع بدلا عن أصل السلطنة.
(٢) يعني :
يرتفع البدل عن البدليّة بعود السلطنة ، فيجب حينئذ دفع البدل إلى الضامن ، أو دفع
بدله مع تلفه ، أو خروجه عن ملك المغصوب منه بناقل لازم بل جائز ، لكون النقل
كالتلف.
(٣) معطوف على «تلفه»
يعني : أنّ وجوب دفع البدل ثابت في التلف وفي الخروج عن الملك بناقل.
(٤) لأنّه نماء
ملكه بما أنّه ملكه ، لا بما أنّه بدل عن السلطنة حتى يجري عليه حكم العين من
الرجوع إلى ملك الغارم. وأمّا النماء المتّصل فهو تابع للعين عرفا ،
ولو لم يدفعها (١)
لم يكن له مطالبة الغرامة أوّلا ، إذ ما لم يتحقق السلطنة لم يعد الملك إلى الغارم
، فإنّ الغرامة عوض السلطنة ، لا عوض قدرة الغاصب على تحصيلها للمالك ، فتأمّل (٢).
نعم (٣) للمالك
مطالبة عين ماله ،
______________________________________________________
فينتقل إلى الغارم ، كما أنّ العين تنتقل إليه.
(١) معطوف على
قوله : «فإن دفع العين» يعني : ولو لم يدفع الغارم العين المغصوبة إلى المالك لم
يكن له مطالبة الغرامة من المالك ، لأنّ الغرامة عوض السلطنة الفائتة ، لا عوض
قدرة المالك على تحصيل السلطنة. نعم يجوز للمالك المطالبة بالعين كما سيأتي.
(٢) الظاهر
أنّه إشارة إلى تثبيت ما ذكره ، ودفع توهم كون المقام نظير البيع ، وأنّ لكلّ من
البائع والمشتري امتناع تسليم ماله حتى يتسلّم مال الآخر.
ووجه الاندفاع
هو الفرق بين باب الغرامة وباب المعاوضة ، إذ لا ريب في عوضيّة كلّ من الثمن
والمثمن عن الآخر. بخلاف المقام ، فإنّ الغرامة عوض ، والسلطنة معوّض ، فما لم
يرتفع المعوّض ـ بمعنى تحقّق السلطنة للمالك وعودها إليه ـ لم يرجع الغرامة إلى
الغارم.
(٣) غرضه بيان
الفارق بين الضامن والمضمون له في مطالبة كلّ منهما ما له ، فالضامن ليس له مطالبة
الغرامة قبل تسليم العين إلى المالك كما عرفت آنفا. وأمّا المالك فيجوز له مطالبة
عين ماله من الضامن ، وذلك لإطلاق قاعدة السلطنة ، فإن طالبه وردّ الضامن العين
اتّجه ردّ بدل الحيلولة إليه ، وإلّا فلا.
فإن قلت : كما
يجوز للغارم مطالبة البدل ، فكذا ليس للمالك مطالبة العين ، فهما سواء من هذه
الجهة. والوجه في عدم استحقاق المالك المطالبة بالعين هو : أنّ الغرامة التي دفعها
الضامن تكون بدلا عن سلطنته التامة على ماله ، فالسلطنة المطلقة للملّاك على
أموالهم غير ثابتة في المقام ، لفرض تدارك سلطنته على العين ببدل الحيلولة الذي
لعموم (١) «الناس مسلطون على أنفسهم» وليس (٢) ما عنده من المال عوضا من
مطلق السلطنة (٣) حتى سلطنة المطالبة ، بل (٤) سلطنة الانتفاع بها على الوجه
المقصود من الأملاك. ولذا (٥) لا يباح لغيره بمجرّد بذل الغرامة.
______________________________________________________
دفعه الضامن إليه ، وبتحديد سلطنته وتضييقها لا سبيل لإثبات استحقاق مطالبة
العين. وعليه فإن اختار الضامن ردّ العين إلى مالكها استردّ بدل الحيلولة منه ،
وإلّا فليس لأحد منهما المطالبة.
قلت : إنّ
قاعدة السلطنة تقتضي جواز مطالبة العين من الغارم. ولا يتضيّق هذا الحقّ إلّا بكون
بدل الحيلولة بدلا عن سلطنة المالك المطلقة على ماله ، أو بدلا عن سلطنته على
مطالبة ماله ، إذ على كلّ منهما يسقط حقّ المطالبة ولا بدّ من انتظار إقدام الضامن
حينئذ بأن يردّ العين إلى المالك ويستردّ البدل. ولكنّ الصحيح احتمال ثالث ، وهو
كون بدل الحيلولة بدلا عن خصوص سلطنة انتفاع المالك بالمال ، المفروض فواتها في
زمان تعذّر الوصول إلى العين ، وأمّا سلطنته المطلقة على جميع أنحاء التقلّب في
المال فلم تقابل ببدل الحيلولة حتى يسلب عن المالك حقّ مطالبة العين.
(١) المراد
بالعموم هو الإطلاق كما مرّ غير مرّة.
(٢) هذا إشارة
إلى وهم ، وجوابه قوله : «بل سلطنة الانتفاع» وقد أوضحناهما بقولنا : «فان قلت.
قلت».
(٣) إذ لو كان
بدل الحيلولة بدلا عن مطلق السلطنة ـ بأن كانت العين المسلوبة السلطنة عليها ملكا
للمضمون له ـ لم يستحقّ المالك مطالبة العين.
(٤) يعني :
يكون بدل الحيلولة عوضا عن بعض أنحاء السلطنة ، وهو سلطنة الانتفاع بالملك. وأمّا
السلطنة على الجهات الأخرى فباقية للمالك ، ولم تعوّض بشيء أصلا ، وبناء على هذا
فله المطالبة.
(٥) غرضه إقامة
الشاهد على كون بدل الحيلولة عوضا عن حيثيّة خاصّة من حيثيّات السلطنة ، أي :
ولأجل عدم كون الغرامة عوضا عن مطلق السلطنة لا يباح العين لغير
وممّا ذكرنا (١)
يظهر أنّه ليس للغاصب حبس العين إلى أن يدفع المالك ، القيمة ، كما اختاره (٢) في
التذكرة والإيضاح وجامع المقاصد .
وعن التحرير الجزم بأنّ له ذلك (٣). ولعلّه (٤) لأنّ القيمة عوض ،
إمّا عن العين ، وإمّا عن السلطنة عليه. وعلى أي تقدير فيتحقّق التّراد.
وحينئذ فلكلّ
من صاحبي العوضين حبس ما بيده حتى يتسلّم ما بيد الآخر (٥).
______________________________________________________
المالك ، يعني : أنّ مالك العين لو بذل الغرامة للغاصب ـ بأن قال : «ما
أريد منك الغرامة» أو ردّها إليه على وجه البذل والعطيّة بعد أخذها منه ـ لم يكن
مجرّد بذلها موجبا لإباحة العين للغاصب.
ولو كانت
الغرامة عوضا عن مطلق سلطنة المالك حتى سلطنة المطالبة وقد بذل العوض بعد قبضه أو
قبله كان ذلك بمنزلة بذل المعوّض عنه ، وكان من اللازم سقوط سلطنة المطالبة ، بل
إباحة العين للغاصب.
(١) يعني : من
عدم عود الغرامة إلى ملك الغارم إلّا بعد إرجاع السلطنة على العين إلى مالكها يظهر
أنّه ليس للغاصب حبس العين إلى أن يردّ مالك العين القيمة المدفوعة غرامة ، إذ ليس
للغاصب حينئذ مال عند المالك حتّى يجوز له ذلك ، كما في المعاوضة.
(٢) أي : عدم
جواز الحبس.
(٣) أي :
الحبس.
(٤) يعني :
ولعلّ وجه جزم التحرير بأنّ للغاصب حبس العين إلى دفع المالك إليه القيمة هو تحقّق
المعاوضة بين العين والبدل بأحد نحوين ، فإمّا أن يكون المعوّض نفس العين ، وإمّا
السلطنة المطلقة عليها.
وعلى كلّ منهما
يجوز للغاصب حبس العين حتى يردّ المالك البدل إلى الغارم ، ولا يجب عليه المبادرة
إلى تسليم العين إليه ، كما يجوز للمالك الحبس حتى تصل إليه العين.
(٥) كما هو الشأن
في المعاوضات.
__________________
وفيه (١) : أنّ
العين بنفسها ليست عوضا ولا معوّضا (٢) ، ولذا تحقّق للمالك الجمع بينها وبين
الغرامة ، فالمالك مسلّط عليها (٣). والمعوّض للغرامة السلطنة التي هي في معرض
العود بالتّراد.
اللهم إلّا أن
يقال : له حبس العين من حيث تضمّنه لحبس (٤) مبدل الغرامة ، وهي السلطنة الفائتة.
والأقوى الأوّل
(٥).
ثمّ لو قلنا (٦)
بجواز الحبس لو حبسه فتلفت العين محبوسا ؛ فالظاهر أنّه
______________________________________________________
(١) حاصل
المناقشة في جواز حبس العين هو عدم تحقّق المعاوضة بين العين والبدل. أمّا عدم كون
العين عوضا فمعلوم. وأمّا عدم كونها معوّضا فلأنّ بدل الحيلولة غرامة عن سلطنة
الانتفاع الثابتة لكلّ مالك على ماله. وممّا يشهد بعدم تحقّق المعاوضة اجتماع
العين والبدل في ملك المضمون له ، مع أنّ قوام المعاوضة بدخول أحد العوضين في كيس
من خرج منه العوض الآخر. وهذا كاشف عن كون البدل عوضا عن السلطنة الفائتة.
(٢) حتى يجوز
للغارم حبس العين عن المالك إلى أن يأخذ الغرامة منه ، وكذا حبس المالك الغرامة
حتى يتسلّم العين من الغارم.
(٣) أي : على
الغرامة.
(٤) أي :
للغاصب حبس العين ، وحاصله : أنّ حبس العين علّة لحبس السلطنة التي هي مبدل
الغرامة ، فيكون من هذه الحيثيّة نظير المعاوضة.
(٥) وهو عدم
جواز حبس العين للغاصب.
ل ـ لو حبس العين
فتلفت ، فالعبرة بأيّ القيم؟
(٦) هذا من
فروع المسألة ، وتعبيره ب «لو قلنا» ظاهر في عدم التزامه به ، لما تقدّم منه من
عدم خروج الغرامة عن ملك مالك العين بمجرّد تمكن الغاصب من ردّها إليه ، إذ بناء
عليه لا مجال لجواز حبس العين.
وعليه فكلامه
هنا مبنيّ على مقالة العلّامة قدسسره في التحرير ، فأفاد المصنف قدسسره :
لا يجري عليه حكم المغصوب ، لأنّه حبسه بحقّ (١).
نعم (٢) يضمنه
، لأنّه قبضه لمصلحة نفسه.
والظّاهر أنّه (٣)
بقيمته يوم التلف (*) على ما هو الأصل في كلّ مضمون (**).
______________________________________________________
أنّ الغاصب لو حبس العين لم يجر عليها حكم المغصوب بقول مطلق ، بل ينفكّ
التكليف عن الوضع ، فلا تكليف بوجوب ردّها إلى المالك ، لكون حبسها حقّا له. ولكنّه
يضمنها لو تلفت في الحبس. ويتفرّع على اشتغال عهدته بها أنّ العبرة هل تكون بقيمته
يوم الحبس أو يوم التلف أو أعلى القيم؟ فبناء على ضمان القيميّ بقيمته يوم التلف
يضمنها الغاصب هنا.
(١) إذ كان له
ذلك حتى يتسلّم الغرامة من المالك ، فكان الحبس بحكم الشارع ، فلا إثم عليه.
(٢) غرضه أنّ
نفي حكم الغصب إنّما هو بالنسبة إلى الحرمة التكليفية فقط. وأمّا الحكم الوضعيّ ـ وهو
الضمان ـ فهو باق ، لأنّه قبضه لمصلحة نفسه ، كما في المستام. والخارج عن عموم «على
اليد» المقتضي للضمان هو خصوص اليد الثابتة على مال الغير لمصلحة المالك ، فلو لم
تكن اليد لمصلحة المالك كانت مضمّنة.
(٣) أي : أنّ
المغصوب مضمون بقيمته يوم التلف ، لأنّه زمان الانتقال إلى القيمة.
__________________
ومن قال بضمان المقبوض بأعلى القيم (١) يقول به هنا من زمان الحبس (٢) إلى
زمان التلف.
وذكر العلّامة
في القواعد «أنّه لو حبس ، فتلف محبوسا فالأقرب ضمان قيمته الآن ، واسترجاع القيمة
الأولى» .
والظاهر أنّ (٣)
مراده بقيمة الآن مقابل القيمة السابقة بناء على زوال حكم الغصب عن العين ، لكونه (٤)
محبوسا بغير عدوان ، لا خصوص (٥) حين
______________________________________________________
(١) كما هو
مذهب جماعة من القدماء ، على ما سبق في الأمر السادس والسابع.
(٢) يعني : لا
من زمان الغصب ، إذ المفروض أنّ الغرامة كانت بدلا عن العين. وأمّا بعد التمكّن من
ردّها وجواز حبسها لاسترداد بدل الحيلولة فالمدار في ضمانها لو تلفت على أعلى
القيم من زمان الحبس إلى زمان التلف ، لتجدّد الضمان بالحبس.
(٣) لمّا كان
ظاهر «الآن» اعتبار قيمة وقت تلف العبد ، فتصدّى المصنّف لتوجيهه بأنّ المراد ليس
خصوص القيمة الفعليّة ، بل ما يقابل القيمة السابقة ، وهي زمان غصب العبد. ولعلّ
الداعي إلى هذا الحمل اختيار العلّامة ضمان أعلى القيم ، لا قيمة يوم التلف ،
فيراد من «قيمته الآن» تمام زمان الحبس ، لا خصوص يوم التلف ، فلو كانت قيمته أوّل
أيّام الحبس أكثر من قيمته يوم التلف لم يبعد ضمان الأكثر.
ولو أبقينا «الآن»
على ظاهره ـ وهو يوم التلف ـ كان منافيا لمختار العلّامة في القواعد من ضمان أعلى
القيم.
(٤) تعليل
لزوال حكم الغصب ، لفرض تمكّن الغاصب من ردّ العين إلى مالكها وامتناعه عن تسلّمها
، وردّ بدل الحيلولة ، فحبس العين يكون حقّا للغاصب وإن كان ضامنا بضمان جديد ،
فلو اختلفت قيمتها من يوم حبسها إلى يوم تلفها لم تتعيّن قيمة يوم التلف ، بل يرجع
إلى ما أسّسه كلّ في ضمان القيمي ، من أنّ العبرة بقيمة يوم الضمان ، أو التلف ،
أو الأعلى بينهما.
(٥) لمخالفته
لمبنى العلّامة قدسسره من ضمان أعلى القيم.
__________________
التلف وكلمات كثير منهم لا تخلو عن اضطراب (١).
ثم إنّ أكثر ما
ذكرناه مذكور في كلماتهم في باب الغصب ، لكن (٢) الظاهر أنّ أكثرها ـ بل جميعها ـ حكم
المغصوب من حيث كونه مضمونا ، إذ ليس في الغصب خصوصيّة زائدة.
نعم ربّما
يفرّق من جهة نصّ في المغصوب مخالف (٣) لقاعدة الضمان ، كما احتمل في الحكم بوجوب
قيمة يوم الضمان من جهة صحيحة أبي ولّاد ، أو أعلى القيم ، على ما تقدّم من الشهيد
الثاني دعوى دلالة الصحيحة عليه (٤).
وأمّا (٥) ما
اشتهر من «أنّ الغاصب مأخوذ بأشقّ الأحوال» فلم نعرف له
______________________________________________________
(١) كما يظهر
بمراجعة كلام السيد العميد والمحقق الثاني وما علّقه صاحب الجواهر عليه.
هذا تمام
الكلام في بدل الحيلولة ، وبه تمّ الكلام في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد.
(٢) يعني : لا
في المقبوض بالبيع الفاسد. وغرضه بيان وجه ما فصّله في ضمان القيميّ والمثليّ وبدل
الحيلولة مع كونها مذكورة في باب الغصب ، ووجه التّعدّي منه إلى غيره من موارد
الضمان ـ كالمقبوض بالعقد الفاسد ـ هو : أنّ الغصب لمّا كان أجلى أفراد موجبات
الضمان فقد ذكروا أحكام الضمان فيه ، وعليه فتكون الأحكام أحكام كلّ مضمون ، لا
خصوص المضمون بالغصب.
(٣) مخالفة
الغصب للقاعدة المقتضية لضمان قيمة يوم التلف مبنيّة على دلالة صحيحة أبي ولّاد
على اعتبار قيمة يوم الغصب ، وذلك غير ظاهر كما سبق بيانه عند التكلّم في مفاد
الصحيحة.
(٤) وقد تقدّم
هناك تفصيل البحث.
(٥) غرضه أنّه
قد يتوهّم دلالة ما اشتهر من «أنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال» على ضمان المغصوب
بأعلى قيمته ، لأنّ المناسب بحاله هو جبران خسارة المضمون له بدفع الأشقّ وهو أعلى
القيم. ولا بأس به دلالة ، لكن حيث إنّ هذه
__________________
مأخذا واضحا (١).
ولنختم بذلك
أحكام المبيع بالبيع الفاسد ، وإن بقي منه آخر أكثر مما ذكر (٢) ،
______________________________________________________
القاعدة لم تكن مفاد رواية معتبرة ، ولا متصيّدة من نصوص متفرّقة لم يكن
وجه للاعتماد عليها. فالعبرة حينئذ في المغصوب بقيمته يوم الغصب أو يوم التلف ،
على ما تقدّم تفصيله في البحث عن صحيحة أبي ولّاد.
(١) قال الفقيه
المامقاني قدسسره ما لفظه : «وجدت فيما حرّره بعض الفضلاء ممّا أفاده
الشيخ الفقيه المحقّق موسى بن جعفر الغروي قدسسره في مجلس البحث تقييد هذه القاعدة المشهورة بما إذا كانت
المشقّة في الغرامة والمؤنة ، احترازا عمّا إذا كانت المشقّة في الكيفية ، كما لو
كان الرّدّ مشتملا على العسر. قال في مسألة وجوب ردّ المغصوب إلى صاحبه : ولو أدّى
ردّه إلى عسر ، العسر الذي لا نضايق عنه في الإلزام بردّ العين هو ما لم يصل إلى
حدّ المشقّة غير المتحمّلة عادة ، فلو وصل إلى ذلك الحدّ فهو في حكم التعذّر. بل
الظاهر أنّهم كلّما يعبّرون بالتعذّر مع الإطلاق يريدون به ما يعمّ هذا النوع من
التعسّر الذي كاد يكون من التعذّر الحقيقيّ العاديّ.
إن قلت : لم لا
يجوز الإلزام بردّ العين وإن أدّى إلى عسر غير متحمّل ، ومن أين إلحاق هذا النوع من
العسر بالتعذّر. بل الدليل على الحاقه بالعسر غير المضايق عن لزومه موجود ، وهو ما
اشتهر عندهم من أنّ الغاصب يؤخذ بالأشقّ.
قلنا : المراد
بقولهم المذكور إنّما هو أخذه بالأشق في الغرامة ، لا في غيرها ، والمشقّة الحاصلة
في الرّد ليس ممّا ذكروا فيها الأخذ بالأشقّ ، فلو كانت للنقل مثلا مئونة فهي على
الغاصب ، لما ذكر ، وهكذا ، فلا تذهل» .
(٢) غرضه قدسسره أنّا وإن فصّلنا الكلام في أحكام المبيع بالبيع الفاسد
، إلّا أنّ ما لم نتعرّض له أزيد بكثير ممّا ذكرناه ، إذ بعد اتّحاده حكما مع
المغصوب يجري فيه كثير من مسائل الغصب. وما تقدّم من مباحث المثليّ والقيميّ وبدل
الحيلولة قليل من كثير ، ولا تنحصر أحكام الغصب في الأبحاث السابقة. مثلا لو مزج
المبيع بالعقد
__________________
ولعلّ بعضها يجيء في بيع الفضولي (*).
______________________________________________________
الفاسد بغيره ، بحيث يشقّ تمييزه كالحنطة بالشعير ، أو الدخن بالذرّة ، فهل
يقال بالشركة القهريّة أو يكلّف تمييزه؟
ولو اشترى أرضا
فزرعها أو آجرها من غيره ، فزرعها كان عليه ردّ الأرض وأجرة الغرس والزرع وأرش
الأرض إن نقصت بالزرع ، وعليه طمّ الحفر.
ولو اشترى حبّا
فزرعه ، أو بيضا فاستفرخه ، فهل الزرع والفرخ للمشتري أم للبائع؟ وغير ذلك مما هو
كثير.
وبهذا ينتهي
الكلام في شرح ما أفاده شيخنا الأعظم من مباحث المقبوض بالبيع الفاسد ، وسيأتي
الكلام في الجزء الرابع في شرائط المتعاقدين إن شاء الله تعالى.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
رحمهالله
عليهالسلامعليهالسلامعليهالسلامعليهالسلامرحمهالله
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
«الفهرست»
أحكام
المقبوض بالبيع الفاسد.................................................... ٥
الأول : عدم التملك............................................................ ٦
الثاني : الضمان................................................................ ٧
أدلة
الضمان............................................................ ٢٠٠
ـ ٨
الدليل الأوّل :
الاجماع........................................................... ٨
الدليل الثاني : حديث «على
اليد»........................................... ٤٧
ـ ٩
الخدشة في دلالة
الحديث بظهوره في التكليف ، والمناقشة فيها....................... ١٢
دلالة الحديث على ضمان
الصغير والمجنون المميزين................................. ١٤
تفصيل الكلام في حديث «على
اليد»...................................... ٤٧
ـ ١٧
أ : تحقيق سند الحديث................................................... ٢٠
ـ ١٨
المناقشة في عمل
المشهور بالحديث......................................... ٢٥
ـ ٢٠
تحقيق إحراز عمل
المشهور ونقل كلمات الأصحاب.......................... ٢٩
ـ ٢٦
ب : البحث الدلالي :
محتملات الحديث................................... ٣٢
ـ ٢٦
١ ـ التكليف بردَّ
العين........................................................ ٢٦
٢ ـ الحكم الوضعي وهو
الضمان................................................ ٢٧
٣ ـ الجمع بين التكليف
والوضع................................................ ٢٨
المختار في مدلول
الحديث...................................................... ٣٠
اُمور تستفاد من
الحديث.................................................. ٤٧
ـ ٣٢
١ ـ عدم اختصاص الأخذ
بالقهر والغلبة......................................... ٣٢
٢ ـ اعتبار الإرادة
والاختيار في الأخذ المضمن..................................... ٣٣
٣ ـ اطلاق الضمان
للعلم بوجوب الاداء والجهل به................................ ٣٤
٤ ـ اطلاق الضمان لليد
الأصلية والتابعة......................................... ٣٤
٥ ـ اطلاق الضمان لليد
المستقلة والمشتركة....................................... ٣٥
٦ ـ أقسام المأخوذ
باليد................................................... ٤٣
ـ ٣٦
الفسم الأوّل :
الأعيان الشخصيّة والكلية........................................ ٣٦
القسم الثاني :
المنافع.......................................................... ٣٨
القسم الثالث : الحقوق....................................................... ٤١
القسم الرابع : ما ليس
بملك ولا حق............................................ ٤٢
٧ ـ المراد من الأداء
المجعول غاية للضمان.................................... ٤٧
ـ ٤٤
الدليل
الثالث : أخبار ضمان الجارية المسروقة............................. ٥٥
ـ ٤٨
هل يستند الضمان إلى
الاستيفاء أو الاتلاف أو غيرهما؟...................... ٥٥
ـ ٥٢
الدليل
الرابع : قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» وفيه جهات... ١٤٢ ـ ٥٦
ورود هذه القاعدة في
كلام شيخ الطائفة وغيره............................... ٦١
ـ ٥٧
الجهة الاولى : معنى
القاعدة ، وفيه مباحث....................................... ٦٣
الأول : المراد
بالضمان في العقد الصحيح والفاسد................................. ٦٧
الثاني : المراد
بالضمان في العقد الصحيح والفاسد................................. ٦٧
تفسير الضمان بكون
التلف في ملك الضامن ، والمناقشة فيه....................... ٦٩
الضمان بمعنى كون درك
المضمون على الضامن شامل للعوض المسمى والواقعي........ ٧١
المراد بالضمان بقول
مطلق هو التدارك بالبدل الواقعي.............................. ٧٤
ما احتمله كاشف الغطاء
قدس سره في الضمان في العقد الفاسد ، والخدشة فيه....... ٧٦
الثالث : العموم في «كل
عقد» بلحاظ الصنف لا النوع والفرد................ ٨٥
ـ ٨٠
الرابع : اعتبار كون
الضمان مقتضى العقد لا الشرط............................... ٨٦
إشتراط ضمان العين في
كل من الإجارة والعارية الفاسدتين.......................... ٨٨
احتمال كون العموم
بلحاظ أشخاص العقود ، كما في الجواهر...................... ٩١
تضعيف الاحتمال
المزبور...................................................... ٩٤
الخامس : حرف «الباء»
ظرفية أو سببية................................... ١٠٣
ـ ٩٧
عدم كون العقد الفاسد
علة تامة للضمان........................................ ٩٩
تحقيق مفاد قاعدة «ما
يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».................. ١١٣
ـ ١٠٣
الجهة الثانية : مستند
قاعدة «ما يضمن»................................ ١٣٧
ـ ١١٤
أ : إقدام المتعاملين........................................................... ١١٤
المناقشة في الاستدلال
بقاعدة الاقدام طردا وعكسا....................... ١١٩
ـ ١١٦
تحقيق قاعدة الاقدام.................................................. ١٢٣
ـ ١١٩
ب : قاعدة الاحترام.................................................. ١٢٦
ـ ١٢٣
الأخبار الدالة على
إحترام مال المسلم.......................................... ١٢٣
ج : قاعدة نفي الضرر....................................................... ١٢٦
د : حديث «على اليد ما
أخذت حتى تؤدي».................................. ١٢٨
اختصاص القاعدة
بالأعيان وعدم شمولها للأعمال................................ ١٢٩
توجيه استدلال شيخ
الطائفة وغيره بقاعدة الاقدام................................ ١٣٠
حكم ضمان السبق في
المسابقة الفاسدة................................. ١٣٧
ـ ١٣٣
الجهة الثالثة : عدم
اختصاص ضمان المقبوض بالعقد الفاسد بالجهل بفساد العقد ١٤١ ـ ١٣٧
تحقيق التفصيل في
الضمان بين العلم بالفساد والجهل به.................... ١٤٣
ـ ١٤١
قاعدة
: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، والكلام في جهات.... ١٩٩ ـ ١٤٣
الأولى : اقتضاء
القاعدة عدم ضمان العين في الإجارة الفاسدة...................... ١٤٥
توجيه حكم جماعة بضمان
العين............................................... ١٥٢
ترجيح المصنف عدم
الضمان.................................................. ١٥٥
الجهة الثانية : موارد
النقض على القاعدة................................. ١٧٧
ـ ١٥٨
أ : النقص بعارية
الصيد............................................... ١٦٨
ـ ١٥٨
ب : النقض بمنفعة
المبيع فاسدا......................................... ١٧٢
ـ ١٦٩
ج : النقض بحمل المبيع
بالبيع الفاسد................................... ١٧٥
ـ ١٧٢
د : النقض بالشركة
الفاسدة.................................................. ١٧٦
الجهة الثالثة : مستند
قاعدة «ما لا يضمن»..................................... ١٧٨
أ : الأولوية................................................................. ١٧٨
تقرييب أولوية العقد
الفاسد ـ مما لا يضمن بصحيحة ـ بعدم الضمان........ ١٨٤
ـ ١٧٨
خدشة المصنف في
الأولوية................................................... ١٨٤
المناقشة في الأولوية
بوجه آخر................................................. ١٨٥
ب : عموم دليل الهبة
والأمانات ، المقتضي لعدم الضمان في عقودها الفاسدة....... ١٨٧
أولوية الهبة الفاسدة
بعدم الضمان من العقود الأمانية............................. ١٩١
تحقيق مستند قاعدة ما
لا يضمن............................................... ١٩٣
كلام بعض الاعلام في
مفاد عدم ضمان الأمين ، الوارد في نصوص الأمانات.. ١٩٨
ـ ١٩٥
هل شرط عدم الضمان في
العقد المضمن مخالف لمقتضى العقد أم لا؟ وكذا الحال في شرط الضمان في العقود
الأمانية ٢٠٠ ـ ١٩٨
الثاني
من أحكام المقبوض بالعقد الفاسد : وجوب رده فورا إلى مالكه.... ٢١٢ ـ ٢٠٠
مؤونة الرد على
المشتري....................................................... ٢٠٢
الدليل على وجوب الرّد....................................................... ٢٠٥
أ : التوقيع الناهي عن
التصرّف في مال الغير.................................... ٢٠٥
ب : النبوي الدال على
حرمة مال المسلم بدون إذنه.............................. ٢٠٦
كلام الشيخ وابن إدريس
في جواز الامساك ، والمناقشة فيه......................... ٢٠٩
الثالث
من أحكام المقبوض بالعقد الفاسد : ضمان المنافع.............. ٢٨٤
ـ ٢١٣
أ : المنافع المستوفاة........................................................... ٢١٣
أدلة الضمان................................................................ ٢١٤
الأوّل : عدم حلية مال
الغير بدون إذنه........................................ ٢١٤
الثاني : قاعدة
الاتلاف...................................................... ٢١٧
الثالث : قاعدة
الاحترام..................................................... ٢١٨
الرابع : عدم حلية مال
المسلم إلّا بطيب نفسه.................................. ٢١٩
الخامس : ما دلّ من
عدم صلاحية ذهاب حق أحد............................. ٢١٩
السادس : قاعدة نفي
الضرر................................................. ٢٢٠
السابع : قاعدة
الاستيفاء.................................................... ٢٢١
قول ابن حمزة بعدم
ضمان منفعة المبيع بالبيع الفاسد ، لأن الخراج بالضمان.......... ٢٢٢
استفادة هذا القول من
نصوص متفرقة.......................................... ٢٢٤
المناقشة في مختار ابن
حمزة بوجود ثلاثة.......................................... ٢٢٧
أوّلها : ما أفاده
المصنف...................................................... ٢٢٧
ثانيها : المناقشة فيه
بما ورد من ضمان منافع الأمة المسروقة المبيعة.................. ٢٣١
ثالثها : المناقشة فيه
بما ورد من ضمان منافع المغصوب كما في صحيحة أبي ولاد..... ٢٣٤
تحقيق حديث «الخراج
بالضمان»....................................... ٢٥٠
ـ ٢٣٦
البحث السندي..................................................... ٢٤٠
ـ ٢٣٦
العاملون به من فقهاء
الإمامية قدس سرهم...................................... ٢٣٨
البحث الدلالي...................................................... ٢٥٠
ـ ٢٤١
معنى الخراج................................................................. ٢٤١
معنى الضمان............................................................... ٢٤٢
محتملات الحديث.................................................... ٢٤٧
ـ ٢٤٣
ما استظهره المحقق
النائيني قدس سره..................................... ٢٥٠
ـ ٢٤٧
ب : ضمان المنفعة
الفائتة بغير استيفاء................................... ٢٨٥
ـ ٢٥١
ما استدل به على
الضمان............................................. ٢٦٠
ـ ٢٥٣
الأوّل : حديث «على
اليد»................................................. ٢٥٣
الثاني : قاعدة احترام
مال المسلم.............................................. ٢٥٤
مناقشة المصنف في شمول
«اليد» للمنافع....................................... ٢٥٥
المناقشة في دلالة
قاعدة الاحترام للمنافع الفائتة.................................. ٢٥٩
الاستدلال بوجوه على
عدم ضمان المنافع الفائتة................................. ٢٦٠
الأوّل : قاعدة «ما لا
يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسد»....................... ٢٦٠
الثاني : سكوت أخبار
ضمان منافع الجارية المسروقة عن المنفعة الفائتة.............. ٢٦٢
الثالث : استظهار عدم
الضمان من صحيحة محمد بن قيس...................... ٢٦٤
توقف المصنف في
المسألة..................................................... ٢٦٥
اختصاص التوقف ـ عند
بعض ـ بصورة علم البائع بالفساد........................ ٢٦٦
الأقوال المستفادة من
مجموع الكلمات خمسة..................................... ٢٦٨
ظهور عبارة التذكرة في
الضمان مطلقا.......................................... ٢٦٩
تحقيق ضمان منافع
المبيع الفائتة......................................... ٢٨٥
ـ ٢٧٣
فروع ترتبط بضمان
المنافع.............................................. ٢٩٣
ـ ٢٨٥
أ : ضمان عمل الحرّ
الكسوب بالحبس......................................... ٢٨٥
ب : جواز مطالبة
المستأجر بتخلية العين المستأجرة........................ ٢٩٠
ـ ٢٨٦
الصورة الأُولى : عدم
إشتراط المستأجر على المؤخر البقاء في المكان................. ٢٨٦
الصورة الثانية :
الاشتراط عليه ضمن عقد لازم.................................. ٢٩٠
ج : حق الطبع والنشر................................................ ٢٩٣
ـ ٢٩١
الأمر
الرابع : ضمان المثلي بالمثل.................................... ٣٦٢
ـ ٢٩٤
تعريف المثلي بما
تساوت أجزاؤه................................................. ٢٩٦
تحقيق التعريف المزبور................................................... ٣١٤
ـ ٢٩٧
كلام المحقق الأردبيلي
حول تعريف المشهور للمثلي................................ ٣٠٢
لحاظ المثلية بالنسبة
إلى أفراد الصنف لا أفراد النوع ولا أبعاض الفرد................. ٣٠٣
المناقشة في تعريف
المثلي بناء على إرادة تساوي أفراد الصنف....................... ٣٠٧
تعريف المثلي بأمور
أُخر................................................ ٣١٤
ـ ٣١١
وقوع عنوان المثلي في
معقد الاجماع.............................................. ٣١٧
الأصل المرجع في الشك
في كون المضمون مثليا وقيميا............................. ٣٢٠
أ : أصالة تخيير
الضامن...................................................... ٣٢١
ب : أصالة تخيير
المالك...................................................... ٣٢٢
إثبات تخيير المالك
بالأصل اللفظي وهو قاعدة اليد.............................. ٣٢٤
ج : أصالة تخيير
الضامن عقلاً بين دفع المثل أو القيمة.................... ٣٢٨
ـ ٣٢٤
تحقيق حكم الشك في كون
التالف مثليا أو قيميا.......................... ٣٣٢
ـ ٣٢٨
استفادة حكم المسألة
من إطلاق أدلة الضمان مقاميا...................... ٣٣٧
ـ ٣٣٢
استدلال شيخ الطائفة
بآية الاعتداء على ضمان المثلي بالمثل والقيمي بالقيمة......... ٣٣٩
مناقشة صاحب الرياض
وغيره في الاستدلال..................................... ٣٤٠
عدم وفاء الاطلاق
المقامي وآية الاعتداء بما يدعيه المشهور......................... ٣٤٤
تجويز جماعة رد العين
المقترضة القيمية........................................... ٣٤٨
النسبة بين العرف وآية
الاعتداء وبين مقالة المشهور عموم من وجه.................. ٣٥٦
حكم الشك في كون
المضمون مثليا وقيميا....................................... ٣٥٧
كفاية دفع العين التي
نقصت قيمتها............................................ ٣٦٠
إلحاق المشكوك كونه
مثليا وقيميا بالمثلي......................................... ٣٦٢
الأمر
الخامس : ارتفاع ثمن المثلي.................................... ٣٧٤
ـ ٣٦٣
وجوب شراء المثل إن
كان ارتفاع قيمته للسوق.................................... ٣٦٤
وجوب شراء المثل إن
كان ارتفاع قيمته لعزة وجوده................................ ٣٦٦
لا فرق في وجوب شراء
المثل بين مطالبة المالك في بلد التلف أو بلد آخر............. ٣٦٩
تحقيق المسألة......................................................... ٣٧٤
ـ ٣٧١
الأمر
السادس : تعذر المثل.......................................... ٤٥٤
ـ ٣٧٥
إشتراط انقلاب المثل
إلى القيمة بمطالبة المالك............................. ٣٨٢
ـ ٣٧٦
المشهور على أن العبرة
في قيمة المثل المتعذّر بقيمة يوم الأداء........................ ٣٨٤
احتمال اعتبار وقت
تعذر المثل................................................. ٣٨٤
تحقيق مفاد أدلة
الضمان من حيث القيمة المضمونة........................ ٤٠٢
ـ ٣٩٠
الوجوه المحتملة في
قيمة المثل المتعذر ، ومبانيها.............................. ٤٢٠
ـ ٤٠٣
أ : بناء على انقلاب
المثل قيميا بالاعواز وكون العبرة بيوم التلف تعين قيمة يوم الاعواز ٤٠٥
ب : بناء على ضمان
القيمي بزمان الضمان اتجه القول بضمان وقت تلف العين.... ٤٠٦
ج : بناء على ضمان
القيمي بأعلى القيم اتجه ضمان المثلي المتعذر بأعلى القيم من التلف إلى الاعواز ٤٠٨
د : بناء على انقلاب
العين المثلية التالفة قيمية احتمل اعتبار يوم الغصب........... ٤٠٩
ه : بناء على أن
المشترك بين العين والمثل صار قيميا احتمل اعتبار الأعلى من وقت الضمان إلى وقت
تعذر المثل ٤١١
و : احتمال اعتبار
الأعلى من يوم الضمان إلى يوم دفع القيمة..................... ٤١٣
استظهار بعض
الاحتمالات المتقدمة من أدلة الضمان...................... ٤٢٠
ـ ٤١٥
اختصاص انقلاب الضمان
من المثل إلى القيمة بالتعذر الطارئ..................... ٤٢٠
التنبيه على بعض
الأمور المرتبطة بالمقام................................... ٤٢٧
ـ ٤٢٥
هل مناط تعذر المثل
فقده في البلد وما حوله أم لا؟............................... ٤٢٨
صدق التعذر بفقد المثل
في البلد ، كما في السلم................................. ٤٣٢
المعيار في قيمة المثل
المتعذر.............................................. ٤٣٧
ـ ٤٣٤
هل العبرة في المثل
المتعذر بقيمة بلد التلف أو بلد المطالبة أو أعلى القيمتين؟......... ٤٣٧
التعرض لكلام شيخ
الطائفة وتحقيقه..................................... ٤٤٣
ـ ٤٣٩
حكم سقوط المثل عن
المالية حكم تعذره في الانتقال إلى القيمة..................... ٤٤٣
حكم سقوط العين عن
التقويم................................................. ٤٤٥
الأمر
السابع : ضمان القيمي بالقيمة................................... ٥٥٤
ـ ٤٥٥
دلالة أخبار ضمان
القيميات المضمونة على اشتغال الذمة بالقيمة.................. ٤٥٦
الاشكال على صاحب
الجواهر في استدلاله بصحيحة أبي ولاد وعتق العبد المشترك ٤٦٠ ـ ٤٥٧
المتيقن من أخبار ضمان
القيميات بالقيمة تعذر المماثل العرفي...................... ٤٦١
ذكر جملة من الروايات
الدالة على ضمان القيمي بالقيمة.......................... ٤٧٢
الأقوال في القيمة
المعتبرة في ضمان القيمي................................ ٥٤٣
ـ ٤٧٥
أ : إعتبار فيمة يوم
التلف............................................. ٤٨١
ـ ٤٧٥
اقتضاء الأصل ضمان
قيمة وقت التلف........................................ ٤٧٩
ب : ضمان القيمي بقيمة
يوم الضمان.................................. ٥٤٦
ـ ٤٧٩
صحيحة أبي ولاد ،
والاستدلال بها على اعتبار قيمة يوم الضمان........... ٥٤٦
ـ ٤٨٢
ظهوره الفقرة الأولى
منها على اعتبار قيمة يوم الضمان............................ ٤٨٩
دلالة الفقرة الأولى
على المدعى بوجوه ، والنظر فيها....................... ٤٩٧
ـ ٤٩٢
ما احتمله جماعة من
عدم ظهور الجملة في اعتبار قيمة يوم الضمان ، وتبعيده. ٥٠٠ ـ ٤٩٧
ظهور الفقرة الثانية
في اعتبار قيمة يوم الضمان........................... ٥١٤
ـ ٥٠٠
تحقيق مفاد الفقرة
الثانية............................................... ٥١١
ـ ٥٠٥
عدول المصنف ببيان
الموهن لاستظهار قيمة يوم الضمان......................... ٥١٤
تأييد الموهن بأمرين................................................... ٥٢٥
ـ ٥١٦
حمل صاحب الجواهر
الحلف على المتعارف عند المعاملة لا في مقام الترافع ، والنظر فيه ٥٢٠
ما أفاده شيخ الطائفة
من حمل الصحيحة على التعبد في ضمان الدابة....... ٥٢٨
ـ ٥٢٦
ج : القول بضمان أعلى
القيم......................................... ٥٤٦
ـ ٥٢٩
الاستدلال بالصحيحة
على ضمان أعلى القيم.................................. ٥٢٩
الاستدلال عليه بوجه
ثان.................................................... ٥٣١
توجيه المصنف
للاستدلال على ضمان أعلى القيم........................ ٥٣٧
ـ ٥٣٤
الاستناد في ضمان أعلى
القيم إلى قاعدة الاشتغال ، والخدشة فيه................. ٥٣٨
إمكان إثبات ضمان أعلى
القيم بالاستصحاب................................. ٥٣٩
تحقيق ادلة هذا القول................................................. ٥٤٣
ـ ٥٣٩
الفوائد المستفادة من
صحيحة أبي ولاد.................................. ٥٤٦
ـ ٥٤٣
د : ضمان المقبوض
بالبيع الفاسد بقيمة يوم البيع......................... ٥٤٨
ـ ٥٤٧
حكم زيادة ثمن القيمي
بعد التلف............................................. ٥٤٩
حكم ارتفاع القيمة
بسبب الأمكنة............................................ ٥٥٢
ضمان ارتفاع القيمة
بسبب الزيادة العينية....................................... ٥٥٣
مباحث
بدل الحيلولة................................................. ٦٣٠
ـ ٥٥٥
مورد بدل الحيلولة............................................................ ٥٥٧
المراد بالتعذر هو
العرفي لا العقلي............................................... ٥٦١
جواز امتناع المالك من
أخذ بدل الحيلولة......................................... ٥٦٤
خروج العين عن المالية........................................................ ٥٦٥
البدل ملك المضمون له
أم مباح له؟............................................ ٥٦٦
دفع بدل الحيلولة لا
يوجب انتقال العين إلى الغارم................................ ٥٦٩
إشتراط وجوب البدل
بفوات معظم منافع العين................................... ٥٧٥
عدم ضمان ارتفاع
القيمة والزيادة بعد دفع البدل................................. ٥٨٨
ضمان ارتفاع قيمة
العين والنماء قبل دفع البدل إلى المالك......................... ٥٩٢
وجوب رد العين فورا
إلى المالك بمجرد التمكن منه................................. ٥٩٣
هل ينتقل البدل إلى
الغارم بتمكن دفع العين؟.................................... ٥٩٦
لا يجوز للضامن حبس العين................................................... ٦٠٢
لو حبس العين فتلفت
فهل العبرة بقيمتها السابقة أو الفعلية؟...................... ٦٠٤
تحقيق
مباحث بدل الحيلوبة.......................................... ٦٣٠
ـ ٦٠٨
أدلة بدل الحيلولة...................................................... ٦١٤
ـ ٦٠٨
أ : أخبار ضمان
المغصوب والأمانات المفرّط فيها................................ ٦٠٨
ب : قاعدة نفى الضرر...................................................... ٦٠٨
ج : قاعدة السلطنة.......................................................... ٦٠٩
د : الجميع بين
الحقّين........................................................ ٦١٠
ه : حيلولة الغاصب بين
المالك والمال.......................................... ٦١٠
و : تقويت سلطنة
المالك على ماله............................................ ٦١٠
ز : قاعدة اليد.............................................................. ٦١١
ح : الاجماع المتصيد
من حكمهم بالضمان في موارد متفرقة........................ ٦١٣
تنبيهات :................................................................... ٦١٥
الاوّل : مورد بدل
الحيلولة هو التعذّر ، لا التلف وما بحكمه....................... ٦١٥
الثاني : المناط في
التعذّر هو العرفي لا العقلي المسقط للتكليف..................... ٦١٥
الثالث : هل للضامن
إجبار المالك على أخذ بدل الحيلولة أم لا؟.................. ٦١٦
الرابع : بدل الحيلولة
ملك أم مباح؟............................................ ٦١٧
الخامس : هل تنتقل
العين إلى الغارم بدفع البدل أم لا؟........................... ٦١٩
الفروع المترتبة على
خروج المبدل عن ملك مالكه.................................. ٦٢٠
السادس : ثبوت التراد
بالتمكن من دفع العين إلى المالك.......................... ٦٢١
السابع : هل ترجع
الغرامة إلى ملك الغارم بمجرد تمكنه من رد العين أم لا؟.......... ٦٢٣
الثامن : خروج العين
عن صورتها النوعية وعودها إليها............................ ٦٢٤
التاسع : هل يكفي تمكن
المالك في انتقال البدل الى الغارم أم لا؟.................. ٦٢٦
العاشر : هل المنافع وارتفاع
قيمة العين مضمونة أم لا؟........................... ٦٢٦
الحادي عشر : لو تمكن
المالك من الانتفاع بالعين مع ورود نقص عليها............. ٦٢٧
الثاني عشر : موارد
الضمان................................................... ٦٢٧
الفهرست............................................................ ٦٤٠
ـ ٦٣١
|